بسم الله الرّحمن الرّحيم

بين يدي الكتاب

تقديم ودراسة

الحمد لله الكريم المنّان ، الرحيم الرحمن ، أنزل القرآن ، وخلق الإنسان ، وعلمه البيان.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزه عن الشبيه وجلّ عن التشبيه ، تفرد بالإنعام والرعاية ، فوجب شكره صريحا لا كناية.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أفصح الخلق لسانا ، وأحسنهم بيانا ، حباه ربه بالمثاني ، معجزة الألفاظ والمعاني ، فعليه من الله بديع صلواته ، مطابقة لجمال ذاته وتكميلا لشرف صفاته.

وبعد / فلما استهللت التصنيف بدراسة عن الإمام الطّيبي وجهوده البلاغية وثنيت بتحقيق كتبه في علوم البلاغة وشروح الحديث وهي جليلة مرضية (١) ، وكان الطيبي من جملة من خرجوا من عباءة السكاكي ، التفت إلى نفسي ، ورجعت عليها باللوم والتأنيب ، لتوانيها عن الالتفات إلى مفتاح السكاكي ، والإيغال والإغراق في بحاره ، فحالها حال تجاهل العارف ، أو حال الوجل الخائف ، فتعللت بقصر الباع ، وقلة الاطلاع ، فرأيت ذلك من حسن التعليل ، فصدني ذلك عن هذا السبيل.

إلى أن ظهرت بوارق بعض ما كتبت من المصنفات ، وتباشير جملة من التحقيقات ، اطلع عليها أهل هذا الشان ، فتلقوها باغتباط وإحسان ، فرأيت منهم حثّا على الترقي والاستطراد ، فلم يزل لي معهم مراجعة ، ولهم مواردة ، فعجزت عن حسن التخلص مما طلبوه ، فصرت في هذا الأمر بين ترديد وتغليب ، إلى أن ظهر لي حسن التوجيه للدخول في هذا الأمر ، وهو أن أدخل فيه بنية التعلم والمذاكرة والإفادة لنفسي أولا ،

__________________

(*) ظهر للمحقق من تلك المؤلفات دراسة عن الإمام الطيبي وجهوده البلاغية (ماجستير ـ دار علوم ـ ط المكتبة التجارية مكة المكرمة) والتبيان في المعاني والبيان ، ومعه الجزء الثاني في علم البديع وفن الفصاحة ، وكتاب لطائف التبيان ، وشرح مشكاة المصابيح في ثلاثة عشر مجلدا كلها للإمام الطّيبي بتحقيقي ، ولله الحمد والمنة.


فما أفادني إياه الكريم المنان سيعود بلا شك على الطلاب والإخوان وأكون قد أحييت علما ـ لا أقول : قد اندثر ، ولكن أفاد منه سائر البشر (١).

وبعد فإن مفتاح العلوم للسكاكي كتاب سارت به الركبان في مشارق الأرض ومغاربها ، ولا يزال إلى يومنا هذا عمدة الدارسين في البلاغة العربية ، يعدونه نهاية المطاف ، وغاية السالك.

وعلى الرغم مما وجه إلى الكتاب من نقد لاذع وشديد في كثير من الأحيان فإنه على الرغم من ذلك قد أثنى عليه الجميع بما في ذلك ناقدوه أنفسهم ، الذين حموا أنفسهم من تهمة الجور والإجحاف ، بالاعتراف بقيمة هذا الكتاب التي تجلّت في لمّ شعث فنون الأدب لا سيما علوم البلاغة ، التي كان للسكاكي أعظم الدور في لم شعثها ، وجمع ما تفرق من أبحاثها (٢).

فمهما قيل وسيقال عن هذا الكتاب فسوف يظل مرجعا مهمّا لا يستهان به في تراثنا البلاغي ؛ لأنه وحده يمثل حلقة من حلقات هذا التراث وشمسا من شموسه ، دارت حوله كوكبة من مؤلفات عصره والعصور التي تليه.

ونحن حينما نقوم بإعادة طبعه وتحقيقه والعناية به ، فليس ذلك معبرا عن استحسان منهج السكاكي أو محاولة فرضه على العصر الحديث ، بقدر ما هي محاولة لإنصاف هذا الكتاب الذي تعجبت كثيرا لعدم الاعتناء به من جهة التحقيق ، وإبرازه في الثوب اللائق به ـ إلى يومنا هذا ـ مع كونه مرجعا لكل دارس للبلاغة ، إن لم يكن مرجعا لكل دارس للغة العربية.

هذا ولم آل جهدا في ضبط نصّه وتحقيق ألفاظه ، ومراجعة نسخه المطبوعة والمخطوطة ، وتخريج شواهده ، وبيان غريبه ، وشرح مشكله ما أمكن ذلك.

ولا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم بالشكر لإخوة كرام شاركوا في مقابلة متن الكتاب وتصحيح تجاربه ، أخص منهم الأخ الحبيب / حسين محمد حسين ، سائلا المولى أن يجزل المثوبة للجميع.

__________________

(١) هذه مقدمة حاولت أن أتابع فيها أسلوب العصر الذي كتب به الكتاب ، جريا على سنة المصنفين في ذلك العصر من إظهار البراعة في استهلال كل علم بما يناسبه من ألفاظه ومصطلحاته ، ثم تركت هذه الطريقة في باقي المقدمة والدراسة ، إيثارا للسهولة والإيجاز.

(٢) سوف نورد قريبا ضمن الدراسة التالية عن السكاكي وكتابه بعض أقوال هؤلاء الأفاضل الذين أطلقوا ألسنتهم بنقد كتابه والثناء عليه في آن واحد.


وبعد / فإن كتابا كهذا قد حوى علوم الأدب من صرف ونحو ومعان وبيان وبديع ومنطق وعروض لا جرم أن يعتري الخلل من تصدّى له ، وحاول تذليله وتعبيده مع بعد غايته ، ووعورة مسلكه ، وصعوبة مرامه. لذا ، أسأل الله أن يعفو عمّا وقع لنا فيه من ضعف وجهل ، كما أسأله أن يبصر القارئ زلاته وعثراته ، وأن يلهمه عذري ، فغاية ما أرجو من الثناء والشكر أن يلتمس لي القارئ العذر ، مع ما أرجو لدى ذي الجلال من الذخر ، فاللهم ارزقني فيه نية صالحة وتقبله مني برحمتك ، وانفع به عبادك يا أرحم الراحمين.

وكتب

عبد الحميد هنداوي

الجيزة / بولاق الدكرور سنة ١٤١٨ ه


منهج التحقيق

١ ـ مقابلة الأصل المطبوع بسائر النسخ المطبوعة والمخطوطة التي تيسرت لنا وسيأتي بيانها.

٢ ـ تخريج الشواهد القرآنية.

٣ ـ تخريج الشواهد الحديثية.

٤ ـ تخريج الشواهد الشعرية والنثرية الأخرى.

٥ ـ شرح الغريب.

٦ ـ الترجمة لأهم الأعلام.

٧ ـ عزو أهم النقول إلى أربابها.

٨ ـ التعليقات العلمية على أهم مسائل الكتاب.

٩ ـ توضيح ما تيسر لنا حلّه من المشكلات.

١٠ ـ الفهارس العلمية الشاملة للآيات والأحاديث والشواهد الشعرية والنثرية ، والمسائل العلمية وموضوعات الكتاب.

١١ ـ الترجمة للسكاكي صاحب الكتاب.

١٢ ـ دراسة موجزة بين يدي الكتاب.

نسخ الكتاب المخطوطة

التي رجعنا إليها

١ ـ مخطوطات دار الكتب المصرية المسجلة تحت هذه الأرقام :

(أ) ٦٤ بلاغة ، ميكروفيلم ١٣٢٧٢.

(ب) ٦٥ بلاغة ، ميكروفيلم ١٥٨٠٣.

(ج) ٦٦ بلاغة ، ميكروفيلم ١٥٨٠٤.

(د) ٢٧٦ بلاغة ، ميكروفيلم ١٧٥٤٩٠.


نسخ الكتاب المطبوعة التي رجعنا إليها

ذكر د / أحمد مطلوب لكتاب مفتاح العلوم طبعات مختلفة حاولت إحصاءها والزيادة عليها ، وهي :

١ ـ طبعة الأستانة ، وهي طبعة حجرية ، كأنها أصل للتالية ، ولذا فقد استغنيت بالتالية عنها لجودتها.

٢ ـ طبعة المطبعة الأدبية بمصر سنة ١٣١٧ ه‍ ، بهامشها كتاب" إتمام الدراية" للسيوطي ، وقد اعتمدتها أصلا لجودتها ورمزت لها بالرمز (د).

٣ ـ طبعة المطبعة الميمنية بمصر سنة ١٤١٨ ه‍ ، وبهامشها" إتمام الدراية" رمزت لها بالرمز (م) وأحيانا أضمها إلى غيرها قائلا (وفي بعض النسخ كذا).

٤ ـ طبعة مطبعة التقدم العلمية بمصر سنة ١٣٤٨ ه‍ بهامشها كتاب" إتمام الدراية لقراء النقاية" ولا تفترق كثيرا عن التالية.

٥ ـ طبعة البابي الحلبي بمصر سنة (١٣٥٦ ه‍) (١٩٢٧ م) ورمزت لها بالرمز (ح).

٦ ـ طبعة دار الكتب العلمية بتحقيق أ/ نعيم زرزور ، وقد رمزت لها بالرمز (ط) أو المطبوع باعتبارها أحدث الطبعات.

٧ ـ طبعة كتب عليها : (ساعدت جامعة بغداد على نشر هذا الكتاب)

ومكتوب عليها أيضا (طبع بمطبعة دار الرسالة) الطبعة الأولى تحقيق / أكرم عثمان يوسف ، وهي أسوأ تلك الطبعات جميعا من حيث رداءة صفها ، وكثرة أخطائها ، وتحريفها ، مع جهد مشكور لمحققها في دراسة له على الكتاب ، وتخريج كثير من الشواهد وغير ذلك. وقد رمزت لها بالرمز (غ).






التعريف بالسكاكي وكتابه مفتاح العلوم (١)

هو سراج الدين أبو يعقوب يوسف بن محمد بن على السكاكي الخوارزمي الحنفي.

ولد في قرية من قرى خوارزم عام (٥٥٥ ه‍ / ١١٦٠ م) وعاش في ظل الدولة الخوارزمية وسلطانها الرابع (أيل أرسلان بن اتز).

لقبه : تتفق المصادر التي ترجمت له على لقبه السكاكي ، وإن اختلفت في سرّ هذه النسبة ، ويظهر أن أسرته كانت تحترف صنع المعادن ، وخاصة السكة : وهي المحاريث التي تفلح بها الأرض ؛ ومن ثم شاع لها لقب السكاكي ، وربما كانت تعنى بصنع السكة ، وهي حديدة منقوشة تضرب بها الدراهم ، وقيل : لقب بذلك ؛ لأنه ولد بقرية تسمّى سكاكة.

ويرجح نسبته إلى سك الحديد ومهنة الحدادة أمور منها :

١ ـ أن بعض من تحدثوا عنه سماه ابن السكاك.

٢ ـ يقول صاحب روضات الجنات : إنه كان في أصول أحد أبويه سكاك ، فنسب إليه.

٣ ـ ذكر مترجموه أنه ظل إلى نهاية العقد الثالث من حياته يعنى بصنع المعادن ، حتى وقر في نفسه أن يخلص للعلم ويتفرغ له.

وهذا كله يرجح أنه كان سكاكا أو نشأ في بيت سكاكين ، ومن ثم كان ذلك سبب نسبته إلى ذلك.

__________________

(*) انظر في التعريف بالسكاكي : معجم الأدباء ٢٠ / ٥٨ ـ ٥٩ ، وشذرات الذهب ٥ / ١٢٢ ، وبغية الوعاة ٢ / ٣٦٤ ، والسبكي في طبقات الشافعية بترجمة ابن القفال ٣ / ١٩٩ ، والجواهر المضية ، في طبقات الحنفية ٢ / ٢٢٥ ، وروضات الجنّات ٨ / ٢٢٠ ، والفوائد البهية في تراجم الحنفية ٢٣٣ ، وتاج التراجم لابن قطلوبغا ص ٨١ ، ولب الألباب في تحرير الأنساب ١ / ١٣٧ ، وكشف الظنون ١٧٦٢ ، والأعلام ١٠ / ٢٩٤ ، ومعجم المؤلفين ١٣ / ٢٨٣ ، ومعجم المطبوعات العربية ١٠٣٣ ، وانظر تاريخ العلوم البلاغية للمراغي ص ١١٠ ط الحلبي ، والبلاغة عند السكاكي د / أحمد مطلوب ص ٤٦ ، وانظر بلاغة السكاكي منهجا وتطبيقا د / أحمد محمد علي رسالة دكتوراة الأزهر ص ١٠٣ ، وانظر المفتاح طبعة الرسالة بتحقيق أكرم عثمان يوسف ص ١٦ ، وانظر د / شوقي ضيف البلاغة تطور وتاريخ ص ٢٨٦


حياته وطلبه للعلوم

بيئته : عاش السكاكي حياته كلها ـ على الراجح ـ في إقليم خوارزم لم يتحول عنه إلى غيره ، حيث اكتفى بتحصيل علومه في مساجد خوارزم ، متأثرا بتلك البيئة التي كانت مركزا من المراكز العلمية آنذاك. وكان المذهب الشائع في خوارزم هو الاعتزال ، فأثر ذلك في أغلب علمائها الذين اتخذوا من الاعتزال منهجا في الدفاع عن العقيدة في وجه الملاحدة والزنادقة ، وإن جرهم ذلك إلى الوقوع في كثير من التأويلات العقلية البعيدة التي أدت إلى انتقادهم وإهدار كثير من جهودهم.

وقد تخرج في تلك البيئة جملة من الأعلام ، منهم عبد القاهر الجرجاني (٤٧١ ه‍) صاحب (دلائل الإعجاز) و (أسرار البلاغة) و (الجمل) ، ورشيد الدين الوطواط (٥٧٣ ه‍) صاحب (دقائق السحر) وجار الله الزمخشري (٥٣٨ ه‍) صاحب (الكشاف) و (أساس البلاغة) و (المفصل في النحو) ، و (الأنموذج في النحو) وغيرها من التصانيف النافعة. وفخر الدين الرازي (٦٠٦ ه‍) صاحب (التفسير الكبير) ، و (نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز) ، وغيرهم كثير ممن لا يحصون كثرة.

نشأ السكاكي في تلك البيئة التي تخرج بها هؤلاء الأعلام ، وتأثر بالحياة الفكرية الثقافية في تلك المدينة ، ولم ينج من التأثر بمذهب الاعتزال كأكثر علماء بلده ، فهو يعترف في علم البيان بعقيدته الاعتزالية في بعض أمثلته حيث يقول : " قولك عند المخالف : الله إلهنا ، ومحمد نبينا والإسلام ديننا ، والتوحيد والعدل مذهبنا ، والخلفاء الراشدون أئمتنا ، والناصر لدين الله خليفتنا ، والدعاء له والثناء عليه وظيفتنا ...". فهو يعترف في هذا النص أن مذهبه هو التوحيد والعدل ، أي مذهب المعتزلة ، كما يكشف هذا النص عن فائدة أخرى ، وهي بيانه أنه عاش فترة خلافة الناصر لدين الله الخليفة العباسي الذي تولى الخلافة سنة ٥٧٥ ه‍ ، وتوفي سنة ٦٢٢ ه‍ (١) ، وأنه في هذه الفترة كان قد صنف كتابه المفتاح ؛ مما يرجح أنه قد ألفه بعد سنة ٦٠٠ ه‍ ، وذلك لأن السكاكي قد أخذ العلم بعد أن مضى من عمره ثلاثون عاما على ما تذكر المصادر في ترجمته.

طلبه للعلوم : بدأ السكاكي حياته في صناعة المعادن ، على ما تذكر المصادر ثم تحول بعد الثلاثين إلى طلب العلوم طلبا للحظوة عند الملوك ، ولم يزل يتقدم في أمر

__________________

(١) انظر الكامل في التاريخ ١١ / ٤٥٩ ، ١٢ / ٤٣٧.


العلم ويلتمس تلك الحظوة لديهم حتى كان ذلك سبب سجنه وحتفه ، فوقع عكس ما كان يؤمله ، وما لم يخطر له ببال ، وهذا ما تكشف عنه الحكايات المذكورة في مصارد ترجمته ، إذا صحت تلك الحكايات. فقد ذكر صاحب روضات الجنات أنه كان في مبدأ أمره حدادا ، فعمل بيده محبرة صغيرة من الحديد ، وجعل لها قفلا عجيبا ، ولم يزد وزن تلك المحبرة وقفلها قيراطا واحدا ، فأهداها إلى ملك زمانه ، ولما رآه الملك وندماء مجلسه الرفيع لم يزيدوا على ترحيب الرجل على صنعته ، فاتفق أنه كان واقفا في الحضور إذ دخل رجل آخر ، فقام الملك احتراما لذلك الرجل ، وأجلسه مقامه ، فسأل عنه السكاكي ، فقيل له : إنه من جملة العلماء ، فتفكر السكاكي في نفسه : أنه لو كان من هذه الطائفة لكان بلغ ما كان يطلبه من الفضل والشرف والقبول ، وخرج من ساعته إلى المدرسة لتحصيل العلوم ، وكان إذ ذاك قد ذهب من عمره ثلاثون سنة (١) ...".

فاتجه للدرس وتحصيل العلم ، وتذكر المصادر في هذا المجال أنه لقى في بدء تعليمه مشقة كبيرة وعنتا عظيما في الفهم والأخذ عن أساتذته حتى إنه ترك المدرسة وأساتيذة ، إلا أنه عاود الدرس مرة ثانية فأفلح بعد أن أجهد نفسه ، فكان أن أحسن العلوم وألف فيها وذاع صيته ، وأصبح علما من أعلام عصره ورجال فنه وعلمه ، وتفنن في علوم شتى وعانى مواد مختلفة ، فمن جملة ما عانى النجوم وعلومها ، ولإتقانه العلوم وشهرته بها قامت له صلات مع حكام زمانه ، وكان من جملة علماء السلطان خوارزمشاه ، وقد التقى به ، وقامت معرفة العلم مقام الصلة بينهما (٢). كما أن السكاكي بسبب تفننه في هذه العلوم وقع في كيد الوزير" حبش عميد" وزير" جغتاي خان ابن جنكيز خان" وذلك لقراءة طالع ، وعمل قام به السكاكي ، فحقد عليه هذا الوزير ، الأمر الذي سبب حبس السكاكي (٣)

ويذكر صاحب الفوائد البهية أن (حبش عميد) وزير (جغتاي خان بن جنكيز خان) لم يزل يسعى لدى جغتاي في حبس السكاكي وإغراء السلطان به حتى حبسه ومات في حبسه ، قال صاحب الفوائد : فوجد" حبش عميد" موقع السعاية وقال لجغتاي : لما كان قادرا على إيجاد مثل هذه الأمور فلا عجب منه لو انتزع

__________________

(١) المصدر السابق ٨ : ٢٢١.

(٢) مقدمة مفتاح العلوم / تحقيق أكرم عثمان يوسف ، ص ١٧.

(٣) الفوائد البهية : ٢٣٢.


سلطتك ، فتخيل هذا في خيال جغتاي ، وحبس السكاكي ، ولم يزل في الحبس ثلاث سنين إلى أن مات (١) ، فلو صح ذلك لكان فيه أعظم العبرة.

شيوخه : ذكرنا من قبل أن السكاكي لم ينتقل من بيئته خوارزم ، وأنه طلب العلم في سن متأخرة ، ومع ذلك فقد كنا نرجو أن تذكر له التراجم عددا وفيرا من المشايخ بخوارزم ، إلا أن المصادر لم تسعفنا بذلك ، حيث لا نجد فيها ذكرا لأحد من مشايخه إلا ثلاثة هم :

١ ـ سديد الدين بن محمد الخياطي ، ويرجح د / أحمد مطلوب أنه هو الحاتمي الذي ذكره السكاكي في كتابه مقرونا بالتعظيم والتبجيل والترحم عليه.

٢ ـ محمود بن صالحة بن محمود الحارثي.

٣ ـ برهان الأئمة محمد بن عبد الكريم التركستاني (٢).

تلاميذه : أما تلاميذه ، فقد كانت المصادر أقل اعتناء بذكرهم فلم يذكروا إلا تلميذا واحدا أخذ عنه علم الكلام هو : " مختار بن محمود بن محمد الزاهدي" ، أبو الرجاء الغزيني ، الملقب نجم الدين ، وله شرح القدوري وغيره (٣).

(آثاره ومصنفاته)

١ ـ (مفتاح العلوم) وهو أول مصنفات السكاكي التي ذاع بها صيته وانتشر ، وهو هذا الكتاب الجليل الذي ضم علوم الأدب واللغة العربية من صرف ونحو ومعان وبيان وبديع وحد واستدلال وعروض وقافية ، وإعجاز قرآن. وقد سبق أن رجحنا أنه ألفه بعد سنة ٦٠٠ ه‍ تقريبا ، في خلافة الناصر لدين الله الخليفة العباسي المتوفى سنة ٦٢٢ ه‍ ، وقد طبع الكتاب طبعات كثيرة غير محققة ، ولا معتنى بطباعتها على أهمية الكتاب ، وكثرة تداوله ، ورجوع الباحثين في اللغة العربية وآدابها إليه ، مما دفعنا إلى تحقيقه والاعتناء به ، وقد سبق أن عرضنا لأهم نسخه المخطوطة والمطبوعة فيما سبق.

٢ ـ (شرح الجمل) : وهو شرح لكتاب عبد القاهر الجرجاني" الجمل" وقد ذكره السكاكي في كتابه مفتاح العلوم.

__________________

(١) الفوائد البهية ص ١٢٢.

(٢) انظر الجواهر المضيئة ٢ / ٢٢٦ ، والبلاغة عند السكاكي ص ٤٧.

(٣) السابق ، وانظر شذرات الذهب ٥ / ١٢٢ ، والبلاغة عند السكاكي ص ٥٥.


٣ ـ (التبيان) : ذكره ابن خلدون في مقدمته في معرض حديثه عن مفتاح العلوم ، وعبارة ابن خلدون مضطربة وغير مفهومة (١).

٤ ـ كتاب في الطلسم باللغة الفارسية (٢).

٥ ـ رسالة في علم المناظرة ، يقول عنها جرجي زيدان : إنها في منش ، وذكر ذلك الزركلي في الأعلام (٣).

__________________

(١) مقدمة ابن خلدون ص ٥٥٢.

(٢) انظر روضات الجنات ٤ / ٢٣٩ ، كشف الظنون ٢ / ١١٥ ، هدية العارفين ٢ / ٥٥٣.

(٣) تاريخ آداب اللغة العربية ٣ / ٤٩ ، والأعلام ٩ / ٢٩٤.


كتاب مفتاح العلوم

ومنهج السكاكي فيه

كتاب المفتاح هو غرّة مصنّفات الإمام السكاكي ، وقد قسمه إلى ثلاثة أقسام أساسية ، تحدث في القسم الأول منها عن علم الصرف وما يتصل به من الاشتقاق الصغير والكبير والأكبر ، وجعل القسم الثاني لعلم النحو ، أما القسم الثالث فخصّ به علم المعاني وعلم البيان ، وألحق بهما نظرة في الفصاحة والبلاغة ودراسة للمحسنات البديعية اللفظية والمعنوية. ووجد أن علم المعاني يحتاج من ينظر فيه إلى الوقوف على الحد والاستدلال أو بعبارة أخرى إلى الوقوف على علم المنطق ، ففتح له مبحثا أحاط فيه بمسائله. ووجد أيضا أن من يتدرب على علمي المعاني والبيان يحتاج إلى الوقوف على علمي العروض والقوافي ، فأفرد لهما المبحث الأخير في الكتاب ، وبذلك اشتمل المفتاح على علوم الصرف والنحو والمعاني والبيان والمنطق والعروض والقوافي ، ونراه يصوّر في تقديمه له طريقته في تصنيفه ، يقول : " وما ضمّنت جميع ذلك في كتابي هذا إلا بعد ما ميّزت البعض عن البعض التمييز المناسب ولخصت الكلام على حسب مقتضى المقام هنالك ، ومهدت لكل من ذلك أصولا لائقة ، وأوردت حججا مناسبة ، وقرّرت ما صادفت من آراء السلف ـ قدّس الله أرواحهم ـ بقدر ما احتملت من التقرير ، مع الإرشاد إلى ضروب مباحث قلّت عناية السلف بها ، وإيراد لطائف مقنّنة ما فتقّ أحد بها رتق أذن. وشهرته إنما دوّت بالقسم الثالث من الكتاب الخاصّ بعلمي المعاني والبيان ولواحقهما من الفصاحة والبلاغة والمحسنات البديعية اللفظية والمعنوية ، فقد أعطى لهذا كله الصيغة النهائية التي عكف عليها العلماء من بعده ، يتدارسونها ويشرحونها مرارا ، إذ استطاع أن ينفذ من خلال الكتابات البلاغية قبله إلى عمل ملخص دقيق لما نثره أصحابها من آراء وما استطاع أن يضيفه إليها من أفكار. وصاغ ذلك كله صياغة مضبوطة محكمة استعان فيها بقدرته المنطقية في التعليل والتسبيب وفي التجريد والتحديد والتعريف والتقسيم والتفريع والتشعيب. وكان عمدته في النهوض بذلك تلخيص الفخر الرازي وكتابي عبد القاهر : " دلائل الإعجاز" و " أسرار البلاغة" ثم" الكشاف" للزمخشري ، فإنه استوعبه استيعابا دقيقا. ومن الحق أن تلخيصه أدق من تلخيص الفخر الرازي ، وكأنما كان عقله أكثر دقة وضبطا للمسائل ، بل لقد كان أكثر تنظيما وأسدّ تقسيما ، مع ترتيب المقدمات وإحكام المقاييس وصحة البراهين ، بذلك استقام تلخيصه ، بحيث قلما نجد فيه عوجا أو أمتا أو انحرافا ، وإنما نجد فيه الدقة


والقدرة البارعة على التبويب والإحاطة الكاملة بالأقسام والفروع. غير أن ذلك عنده لم يشفع بتحليلات عبد القاهر والزمخشري التي كانت تملأ نفوسنا إعجابا ، فقد تحولت البلاغة في تلخيصه إلى علم ، بأدق المعاني لكلمة علم ، فهي قوانين وقواعد تخلو من كل ما يمتع النفس ، إذ سلط عليها المنطق بأصوله ومناهجه الحادة ، حتى في لفظها وأسلوبها الذي لا يحوي أيّ جمال ، وما للجمال والسكاكي إنه بصدد وضع قواعد وقوانين كقوانين النحو وقواعده ، وهي قواعد وقوانين تسبك في قوالب منطقية جافّة أشد ما يكون الجفاف" (١).

يتبين لنا من النصّ السابق أن القيمة العظمى لمفتاح السكاكي إنما ترجع إلى القسم الثالث منه ، وهو الخاص بعلوم البلاغة ، وقد أخذ عليه فيه تقسيمه البلاغة إلى علومها الثلاثة التي استقرت عليها عنده وهي : المعاني والبيان والبديع.

__________________

(١) انظر د / شوقي ضيف / البلاغة تطور وتاريخ / ط دار المعارف ص ٢٨٧ ـ ٢٨٨.


السكاكي وتقسيمه الثلاثي لعلوم البلاغة

خصص السكاكي القسم الثالث من كتابه مفتاح العلوم لعلمي المعاني والبيان ، وبعد أن فرغ من مباحثهما قال :

" وإذ قد تقرر أن البلاغة بمرجعيها وأن الفصاحة بنوعيها مما يكسو الكلام حلّة التزيين ، ويرقيه أعلى درجات التحسين ، فهاهنا وجوه مخصوصة كثيرا ما يصار إليها لقصد تحسين الكلام ، فلا علينا أن نشير إلى الأعرف منها وهي قسمان :

قسم يرجع إلى المعنى.

وقسم يرجع إلى اللفظ" (١)

فقد أفرد السكاكي مبحث البديع عن علمي المعاني والبيان ، مسميا إياه بوجوه مخصوصة كثيرا ما يصار إليها لقصد تحسين الكلام.

وهذا التقسيم لا نعلم أحدا سبق السكاكي إليه ، يقول الشيخ المراغي في كتابه

تاريخ علوم البلاغة : " لا نعلم أحدا سبق السكاكي إلى قسمة علوم الفصاحة الأقسام الثلاثة المعروفة ، ولا نرى لهذا التقسيم وجها صحيحا ولا مستندا من رواية ولا دراية ؛ فليس هناك جهة للتمايز تفصل كل علم عن قسيميه ، ولا في أغراض كل علم ولا في موضوعه ما يجعله وحدة مستقلة عن العلمين الآخرين في بحوثه ومسائله ، حتى يمكن الناظر أن يقتنع بوجاهة هذا التقسيم ويبرهن على صحته ، بل على العكس نرى بينها اتصالا وثيقا في الأغراض والمقاصد ، واتحادا في جهة البحث ، فلا يمكن فصل بعضها من بعض ، وإن أمكن فعلى نحو آخر غير ما ذكره السكاكي ومن اقتفوا أثره ، وساروا على سننه دون أن يدلوا بحجة ناصعة.

" وقد فنّد الشيخ تقسيم السكاكي ودلّل على خطئه ، مبينا أنه ليس له مستند لا رواية ولا دراية : أما إن الرواية لا تساعده فلوجوه منها :

(١) أن المتقدمين الذين كتبوا قبله كأبي هلال في الصناعتين ، وابن سنان الخفاجي في سر الفصاحة ، وعبد القاهر في كتابيه" أسرار البلاغة" ، " ودلائل الإعجاز" ، لم ينحوا هذا النحو الذي نحاه.

(٢) أن الزمخشري : وهو من هو في علو كعبه ، في البلاغة كثيرا ما يسمى هذه العلوم بالبيان ، وأحيانا يسميها بالبديع.

__________________

(١) المفتاح ص ٢٢٥ ط المطبعة الأدبية.


(٣) أن عبد الله بن المعتز ، وقدامة بن جعفر ، وصاحب الصناعتين وابن رشيق في العمدة أدخلوا في البديع مباحث البيان ، فجعلوا من البديع : الاستعارة والمجاز والكناية والتعريض ، وكذا عبد القاهر في أسرار البلاغة ؛ إذ يقول في الصفحة الثالثة عشرة : وأما الطباق ، والاستعارة ، وسائر أقسام البديع فكونها معنوية أجلى وأظهر إلى آخر ما قال.

(٤) أن في قول الخطيب القزويني في التلخيص : وكثير من الناس يسمى الجميع علم البيان ، وفي قول شراحه لما في كل من معناه اللغوي وهو الظهور ، وقوله : ومنهم من يسمي الأخيرين علم البيان ـ أي كما وقع للزمخشري في الكشاف ـ وقوله : والثلاثة علم البديع : ، ـ أي كما يستعمله صاحب الكشاف كثيرا في تفسيره ـ دليلا على أن التقسيم إلى معان وبيان وبديع لم يقل به أحد قبل السكاكي إذ لم يصرح بعزوه لأحد. وأما أن الدراية لا تؤيده فلوجوه أيضا :

(١) أن الثمرة المستفادة من علم المعاني : وهي معرفة أحوال اللفظ التي بها يطابق مقتضى الحال ، تستفاد أيضا من علم البيان والبديع ؛ لأنا لا نعبر باستعارة ولا كناية إلا إذا اقتضاها المقام ، فنوازن بين عدة تعبيرات ، ونرى أنسبها للحال ، بمراعاة حال السامع أو السامعين فنعبر به.

(٢) أنه كما يصدق هذا على المعاني والبيان يصدق أيضا على البديع ؛ فالجمال الذي يوجد في التورية من حيث دقة التعبير ولطفه لا يقل عن الجمال الذي يوجد في الكناية ، والإبداع الذي يوجد في الطباق والتقسيم ليس بأقل مما يوجد في الاستعارة. ودليلنا على ذلك أن عبد الله بن المعتز لما وضع علم البديع جعل من أنواعه الاستعارة والتمثيل والكناية ، وسوّى بينها وبين بقية أنواع البديع التي ذكرها ، وسار على نهجه قدامة وأبو هلال وابن رشيق فلم يقولوا بأن بعضا منها يزيد على بعض في الفصاحة والبلاغة. فمن أين أتى السكاكي بهذا التفاوت ، وجعل بعضا منها فيما سماه البيان ، وبعضا فيما سماه البديع وبعضا منها تحسينه ذاتي ، وبعضا تحسينه عرضي ؛ إنا لنعلم أن من كان قبله ليس بأقل منه رسوخا في نقد الكلام وبيان غثه من سمينه ، وجيده من رديئه ، فكيف قد خفى هذا على جلة العلماء مدى القرون الطوال ؛ فجاء السكاكي وكشفه ، اللهم إنا لا نجد وجها لصحة هذا الكشف الجديد ، ولو كنا وجدناه لما شككنا في صحته ، إذ لسنا من القائلين بتلك النظرية : ما ترك الأول للآخر شيئا ؛ إذ لو صحت ما اخترع جديد ، ولا تقدم علم ولا تحسنت صناعة.


(٣) إن مما يدل على أن مباحث هذه العلوم ليست متمايزة ، أن بعض المؤلفين أدخل المجاز العقلي في علم البيان ، بينا غيرهم أدخله في المعاني ، كذلك نجد جماعة أدخلوا التذييل والاحتراس والاعتراض والحشو في البديع ، وأدمجه غيرهم في المعاني وجعلوه أقساما للإطناب ـ فلو كان هناك حدود واضحة تميز قسما من قسم لما جاء مثل هذا الاختلاط والارتباك في تفريع هذه المسائل ووضعها في المواضع المناسبة لها (١).

(٤) إن الذي ينبغي أن يعول عليه في التقسيم شيء آخر هو ما أفصح عنه عبد القاهر في" الدلائل" ؛ إذ قال في الصفحة التاسعة والعشرين بعد الثلثمائة : اعلم أن الكلام الفصيح ينقسم إلى قسمين : قسم تعزى المزية والحسن فيه إلى اللفظ ، وقسم يعزى ذلك فيه الى النظم ؛ فالقسم الأول الكناية والاستعارة والتمثيل الكائن على حد الاستعارة ، وكل ما كان فيه على الجملة مجاز واتساع وعدول باللفظ عن الظاهر ، فما من ضرب من هذه الضروب إلا وهو إذا وقع على الصواب ، وعلى ما ينبغي ، أوجب الفضل والمزية ، فإذا قلت : هو كثير رماد القدر ، كان له موقع وحظ من القبول لا يكون إذا قلت : هو كثير القرى والضيافة ، وكذلك إذا قلت : رأيت أسدا كان له مزية لا تكون إذ قلت رأيت رجلا يشبه الأسد ويساويه في الشجاعة ، وكذلك إذا قلت : أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى كان له موقع لا يكون إذا قلت : أراك تتردد في الذي دعوتك إليه ، كمن يقول : أخرج أو لا أخرج ، فيقدم رجلا ويؤخر أخرى.

وقال في الصفحة السادسة والأربعين بعد الثلثمائة مثل ذلك ، وقال في الصفحة الثانية بعد المائتين : الكلام على ضربين : ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده ، وذلك إذا قصدت أن تخبر عن زيد مثلا بالخروج على الحقيقة فقلت : خرج زيد ، وضرب آخر لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده ، ولكن يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة ، ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض ، ومدار هذا الأمر على الكناية والاستعارة والتمثيل ، وقد مضت الأمثلة فيها مشروحة مستقصاة. وقال في الصفحة الثامنة والسبعين : وجملة الأمر أن هاهنا كلاما حسنه للفظ دون النظم ، وآخر حسنه للنظم دون اللفظ ، وثالثا قرى

__________________

(١) من أوضح الشواهد الدالة على ذلك ما صنعه البلاغيون في دراسة الالتفات ، حيث درسه بعضهم في المعاني وبعضهم في البديع ، بل ودرسه بعضهم أيضا في علم البيان.

وانظر مبحث الالتفات عند الطيبي في رسالتي للماجستير : الإمام الطيبي : تجديداته وجهوده البلاغيه. ط المكتبة التجارية. مكة المكرمة ص ٢٢١.


الحسن من الجهتين ، ووجبت له المزية بكلا الأمرين ، والإشكال في هذا الثالث ، وهو الذي لا تزال ترى الغلط قد عارضك فيه ، وتراك قد خفت فيه على النظم فتركته ، وطمحت ببصرك على اللفظ ، وقدرت في حسن كان به ، باللفظ أنه للفظ خاصة.

ومما تقدم ترى أن هاهنا أساسا لبحث علمين متمايزين ، فنسمي العلم الذي يبحث عن فصاحة النظم علم معاني النحو ، أو علم المعاني على سبيل الاختصار في التسمية ، والعلم الذي يبحث عن فصاحة اللفظ ، أو عن معنى المعنى بعلم البيان ، وتكون التسمية مجرد اصطلاح ، وإلا فالكل بحث بياني.

(٥) إن الذي لفت نظر السكاكي إلى تسمية العلم الأول (علم المعاني) أن عبد القاهر أخذ يبدي ويعيد ويقول : ليست أسرار النظم إلا معاني النحو ، فاختزل هذا الاسم وسماه (علم المعاني).

(٦) إن من العجب حقا أن تكون فوائد معرفة علم المعاني معرفة أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال ، فنعرف المواضع التي يكون فيها الإيجاز ، والتي يكون فيها الإطناب ، والمواضع التي يؤكد فيها الكلام ، والمواضع التي لا يؤكد فيها ، ولم يكن من فائدته أن ننشىء كلاما مشتملا على الخصوصيات التي تعلمناها من هذا العلم ، بينا نقول : إن من فائدة معرفة علم البيان أننا نستطيع أن نعبر عن المعنى الواحد بأساليب مختلفة ؛ ففائدة معرفة هذا العلم إيجابية ، وهي : القدرة على إنشاء الكلام العربي الفصيح ، ولكن فائدة معرفة علم المعاني هي مجرد المعرفة فقط ، ويكون ذلك كافيا ، وإن شئنا أنشأنا كلاما فصيحا مطابقا لمقتضى الحال.

وقد كان من الخير أن نجعل الفائدة من معرفة العلم الأول كالفائدة من معرفة العلم الثاني ، والعكس بالعكس ؛ فإما أن نقول : إنه علم يعرف به إيراد الأساليب العربية المختلفة المطابقة لمقتضى الحال ، بعد النظر في المقامات واختيار الألفاظ التي تناسب كل مقام منها ، حتى تكون الألفاظ وفق هذه الأحوال والمقامات ، أو نقول : إن علم البيان علم نعرف به الفروق بين الأساليب المختلفة الدالة على المعنى الواحد ؛ لنحاكيها عند التعبير عن مثل هذه المعاني ، فنجري على السنن العربي ، ونسلك الطريق التي سلكوها ، وبذا يكون توافق بين أغراض العلمين ، لا تخالف بينهما ، كما هو واضح من النظر في كلامهم.


ونحن نوافق الشيخ المراغي في ذلك تمام الموافقة ؛ إذ لا ضرورة لذلك التقسيم الذي استحدثه السكاكي ، وتكلف لتطبيقه أيّما تكلف ، مخالفا بذلك أئمة البلاغة والفصاحة والبيان ، الذين لم يفرقوا في كلامهم بين تلك الألفاظ.

وهذا ما يقرره عبد القاهر ـ غير مفرق بين تلك المصطلحات (البلاغة ، والفصاحة ، والبيان) ـ حينما يقول : " فصل تحقيق القول على البلاغة والفصاحة والبيان والبراعة ، وكل ما شاكل ذلك ، مما يعبر به عن فضل القائلين على بعض من حيث نطقوا وتكلموا وأخبروا السامعين عن الأغراض والمقاصد ، ومن المعلوم ألا معنى لهذه العبارات وسائر ما يجري مجراها مما يفرد فيه اللفظ بالنعت والصفة وينسب فيه الفضل والمزية إليه دون المعنى .... ، غير أن يؤتى المعنى من الجهة التي هي أصح لتأديته ، ويختار له اللفظ الذي هو أخص به وأكشف عنه ... وإذا كان هذا كذلك فينبغي أن ينظر إلى الكلمة قبل دخولها في التأليف ... هل يتصور أن يكون بين اللفظتين تفاضل في الدلالة ، حتى تكون هذه أدل على معناها الذي وضعت له من صاحبتها ، على ما هي موسومة به ، حتى يقال : إن (رجلا) أدل على معناه من (فرس) على ما سمى به؟ وحتى يتصور في الاسمين الموضوعين لشيء واحد أن يكون هذا أحسن نبأ عنه وأبين عن صورته من الآخر ... وهل يقع في وهم ـ وإن جهد ـ أن تتفاضل الكلمتان المفردتان من غير أن ينظر إلى مكان تقعان فيه من التأليف والنظم بأكثر من أن تكون هذه مألوفة مستعملة وتلك غريبة وحشية؟ أو أن تكون حروف هذه أخف ، وامتزاجها أحسن؟ ومما يكد اللسان أبعد .... وهل قالوا : لفظة متمكنة ومقبولة ، وفي خلافه : قلقة ونابية ومستكرهة ، إلا وغرضهم أن يعبروا بالتمكن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من جهة معناها ، وبالقلق والنبو عن سوء التلاؤم ، وأن الأولى لم تلق بالثانية في معناها ، وأن السابقة لم تصلح أن تكون لفقا للتالية في مؤداها؟ " ويعرض عبد القاهر أمثلة يدلل بها على ذلك (١).

أما ما أورده الشيخ المراغي عن عبد القاهر تحت قوله : " إن الذي ينبغي أن يعوّل عليه في التقسيم شيء آخر ... إلخ.

فنحن نرى أن عبد القاهر لم يرد من ذلك تقسيم علوم البلاغة أو الفصاحة إلى ما يرجع حسنه للفظه ، وما يرجع حسنه لنظمه ؛ بل إن مراده من ذلك هو مجرد إبداء تلك

__________________

(١) عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ـ تصحيح الشيخ محمد عبده ، والشيخ محمد محمود الشنقيطي ، مكتبة ومطبعة محمد على صبيح وأولاده ، ص ٤٤ ـ ٤٥.


النظرية النقدية التي لا يريد أن تطبق بتلك الطريقة التقسيمية المنطقية الصارمة التي قام بها السكاكي ، بقدر ما يريد اعتبارها ووضعها في الحسبان عند نقد النصوص ، بحيث يعرف الناقد مواقع الحسن التي ترجع إلى اللفظ ، كالاستعارة والكناية ونحوهما ، ومواضعه التي ترجع إلى النظم من تقديم وتأخير وحذف وذكر وغير ذلك مما يتوخى فيه معاني النحو.

فعبد القاهر لم يرد البتة بهذه النظرية أن تكون أساسا لتقسيم علوم البلاغة تلك القسمة المنطقية الصارمة ، وإلا ـ لو أراد ذلك ـ لفعله هو بنفسه ، ومثل عبد القاهر لا تنقصه الإمكانات التي تمكنه من إنفاذ ذلك التقسيم ـ لو أراده ـ على نحو أفضل من تقسيم السكاكي.

وهنا قد يتساءل القارئ ، فيطرح سؤالا له وجاهته ، وهو إذا كان تقسيم السكاكي وعرضه لعلوم البلاغة منتقدا على هذا النحو ، فما هو العرض البديل الذي ينبغي تناول البلاغة من خلاله ، والذي يعين على لم شعثها ، وجمع شتاتها؟.

ولما لم أر أحدا من المتأخرين بعد السكاكي قد أتى في ذلك بشيء يعوّل عليه ؛ لذا فقد تجشمت ذلك الأمر لأهميته ؛ ولكونه قد صار في حق أمثالي ـ ممن انتصب لتدريس تلك المادّة ـ فرض عين ، وإلا فكيف نكرر على أسماع طلابنا نقد ذلك التقسيم ، وذلك العرض الذي عرضه السكاكي لعلوم البلاغة ، ثم لا نحاول محاولة جادّة تقديم بديل صالح للاستغناء عنه ، فإن هذا يعد دليلا ضمنيا بصحة ذلك التقسيم والعرض السكاكي لعلوم البلاغة ، ولما كان ذلك العرض السكاكي كالمجمع على رفضه والاعتراض عليه بين الباحثين ، وكان تقديمهم له واستعماله من باب الضرورة لحين ظهور البديل له ، فها نحن نقدم أطروحتنا لعرض بديل ، وخطة جديدة ، لا أزعم أنها هي الخطة المثلى للدرس البلاغي ، بقدر ما أزعم أنها مجرد محاولة للإصلاح ، أرجو من ورائها تخليص الدرس البلاغي من عثراته ، وإعانته على أداء رسالته الكبرى.


خطتنا في عرض الدرس البلاغي

تمتاز هذه الخطة بمحاولة الحفاظ ـ ما أمكن ـ على ذلك الموروث البلاغي العظيم ، الذي يمثل جهود عباقرة أفذاذ توالوا على مرّ العصور ، يصعب تكرر نظير لهم في هذه العصور التي ضعفت همم أهلها ، وقصرت فيها علومهم عن استيعاب ذلك الموروث ، بله الزيادة عليه.

هذه الخطة إنما هي وليدة التأمل في ذلك التقسيم السكاكي السابق ، متحاشية جوانب القصور فيه ، مثل :

١ ـ عدم الاهتمام الكافي بدراسة الكلمة المفردة ، دراسة تركز على دلالتها الصوتية والمعجمية والصرفية والمقامية ، وما لتلك الدلالة من أثر كبير في تحقيق المطابقة المنشودة.

٢ ـ الدراسات التي دارت حول الكلمة المفردة ، وأغلبها في المصنفات التي دارت في فلك المفتاح ، كالتلخيص وشروحه ، قد عزلت الكلمة المفردة عن سياقها ضمن ما سمّوه بدرس الفصاحة ، ومن ثم سلبوها كل قيمة في تحقيق المطابقة وبلاغة الكلام ،

مما يستدعي إعادة النظر في هذا المبحث برمته ، لا سيما فصاحة اللفظة المفردة.

٣ ـ قصر المطابقة على رعاية حال المخاطب دون رعاية حال المتكلم.

٤ ـ تكرار المباحث ، وتشتيت بحث الظاهرة الواحدة في أكثر من موضع ، فمثلا :

الحذف يأتي في حذف المسند إليه ، وفي حذف المسند ، ويأتي في الإيجاز وغير ذلك ، وكذلك الذكر يأتي في المسند إليه ، والمسند ، والإطناب ..... إلخ.

٥ ـ وقد نتج عن ذلك :

كثرة التقسيمات والتفريعات ، حيث إن كثيرا من هذه المباحث كان يمكن ضم بعضها إلى بعض ، لو لا ما قام به السكاكي ومن تابعه من تشتيت الظاهرة الواحدة في أكثر من موضع.

٦ ـ عدم منطقية التقسيم ، فعلى الرغم من الصبغة المنطقية التي حاول السكاكي ومن تابعه صبغ البلاغة بها ، فإن هذا التقسيم يبدو آخر الأمر خاليا من المنطقية تماما ، وذلك لأن تقسيم مباحث البلاغة إلى هذه العلوم الثلاثة ؛ لا بد أن يكون أساسه تعدد أغراض تلك العلوم وغاياتها ، ومع ذلك ؛ فإن الغرض الذي يحدد لأحد هذه العلوم يصلح أن يكون غرضا للعلمين الآخرين ، فإذا كان غرض المعاني هي المطابقة لمقتضى الحال ؛ فإن هذا الأمر لا نستطيع أن نجرد منه العلمين الآخرين في الحقيقة ، وإن كان هذا


التقسيم الصارم قد أدى إلى ذلك فعلا ، وقد ظهر ذلك جليا في علم البديع الذي جردوه من قيمته في تحقيق المطابقة ، وقصروه على مجرد التحسين أو الزينة اللفظية ، التي لم يروا لها مدخلا في تحقيق تلك المطابقة.

٧ ـ صياغة التعريفات صياغة منطقية صارمة ، مع صعوبة اللغة ووعورتها في كثير من الأحيان ، مما أدى إلى كثرة الشروح من بعده ، مما أثقل كاهل الدارسين للبلاغة.

٨ ـ الإيجاز والاقتضاب الشديد في كثير من الأحيان ، مما زاد من صعوبة العرض.

٩ ـ جفاف التقعيد والتجريد مع قلة الشواهد والتطبيقات ، بالإضافة إلى ندرة التحليل أو جفافه وابتعاده عن الأسلوب الأدبي ، الذي عهدناه لدى عبد القاهر وابن الأثير وأمثالهما.

١٠ ـ الوقوف في تحقيق المطابقة عند النظر إلى الجملة الواحدة ، أو الجملتين من حيث الفصل والوصل ، مع انعدام النظر تماما إلى الوحدة العضوية للعمل الفني ، باعتباره كلّا متكامل الأجزاء.

هذه هي أهم المآخذ التي أخذتها على ذلك العرض السكاكي للبلاغة ، والتي حاولت تحاشيها في هذه الأطروحة لعرض بديل.


العرض البديل

أولا : مقدمة في تعريف البلاغة ، وأنها (مطابقة الكلام لمقتضى الحال (١) مع فصاحته) مع بيان أن تلك المطابقة تتحقق بأمرين :

١ ـ الكلمة المفردة بمالها من دلالة صوتية ومعجمية وصرفية ومقامية.

٢ ـ التراكيب ، وهي تتنوع بحسب تنوع أساليب الكلام ، ومن ثم تنقسم البلاغة إلى مبحثين اثنين :

١ ـ مبحث الكلمة المفردة.

٢ ـ مبحث التراكيب.

وفي المبحث الأول يتم بيان كيف تطابق الكلمة المفردة مقتضى الحال عن طريق :

١ ـ الاختيار الصوتي : حيث ينظر إلى حروف الكلمة من حيث الرقة أو الجزالة والفخامة ، والشدّة والرخاوة ، والجهر والهمس والإطباق ، وغير ذلك من صفات الحروف ، وما يعرض لها من مد وقصر ، ونبر وتنغيم ، وغير ذلك ، مما تحدث به مطابقة الكلام ، وغفل كثير من البلاغيين عن التنبيه عليه.

٢ ـ الاختيار المعجمي : حيث يتم الاختيار بين البدائل المعجمية المطروحة ، التي تبدو مترادفة ، في محاولة اختيار أوفق تلك الكلمات لسياقها ، سواء بالنظر لحال المخاطب أو حال المتكلم ، أو غير ذلك.

٣ ـ الاختيار الصرفي : يتم الاختيار كذلك بين البدائل الصرفية المطروحة ، من صيغ متنوعة ، تتقارب في أداء المعنى الواحد ، ويمكن الوقوف في هذا المبحث عند كل صيغة من الصيغ بالمعنى الواسع للصيغة ، الذي يشمل جميع البنى مع النظر فيما يتصل بها من اللواصق واللواحق ، وما يعتريها من إعلال وإبدال وغير ذلك ، باستعراض تلك الصيغ في عدد من السياقات المختلفة ، التي تكشف عن دلالاتها الفنية المتنوعة بتنوع تلك السياقات. هذا مع وعينا التام بأن البلاغيين المتأخرين قد تعرضوا لدراسة الكلمة المفردة في مبحث خاص بها هو بحث الفصاحة.

ومع ذلك نقرر أن تلك المعالجة كانت معالجة مقتضبة بعيدة كل البعد عن روح البلاغة وجوهرها ؛ ذلك لأنها قد نظرت إلى الكلمة المفردة معزولة عن سياقها ، ومن ثم فإن أغلب ما انتهي إليه درس هؤلاء البلاغيين في هذا الصدد لا يمكن أن يعوّل عليه ، لأنهم

__________________

(*) يبين في تلك المقدمة أن الحال تشمل حال المتكلم وحال المخاطب ، وليس حال المخاطب وحده.


انتهوا إلى قواعد تجريدية افتراضية يحكم فيها على الكلمة بالحسن أو القبح معزولة عن السياق ، وهذا ما فنده عدد من الباحثين المعاصرين ، وتعرضنا لمناقشته تفصيلا في بحث سابق لنا (١)

__________________

(*) انظر بحثا مطولا في ذلك عن موقف البلاغيين المتأخرين من الكلمة المفردة ودراستهم إياها في مبحث الفصاحة ، وذلك في الفصل الخاص بنظرة الطيبي إلى الفصاحة واهتمامه بها في رسالتي للماجستير الإمام الطيبي تجديداته وجهوده البلاغية ص ١٢٩ ط المكتبة التجارية / مكة المكرمة


ثانيا دراسة التراكيب

أرى ضرورة أن تتسع دارسة التراكيب لتشمل الأساليب البلاغية المختلفة من :

أـ الخبر

ب ـ الإنشاء

ج ـ التوكيد

د ـ الحذف

ه ـ الذكر

وـ التقديم

ز ـ التأخير

ح ـ التخصيص

ط ـ التكرار

ي ـ الفصل والوصل ... إلخ.

وذلك بلا تفرقة ـ في ذلك كله ـ بين المسند والمسند إليه ، حتى نتلافى تكرار المباحث وتشتيت بحث الظاهرة الواحدة في أكثر من موضع.

كما أننا لا نرى غضاضة أن يتسع هذا المبحث ليشمل. كلا من :

أـ التشبيه

ب ـ الاستعارة

ج ـ الكناية

د ـ المجاز

ه ـ الالتفات

وـ المطابقة

ز ـ السجع

ح ـ الجناس ... إلخ.

ففي رأيي أن هذه كلها أساليب فنية متنوعة لا ضرورة لتخصيصها بعلم مستقل عن علم دراسة التراكيب أو الأساليب.

وبهذا نتحاشى عدم المنطقية في ذلك التقسيم السكاكي الثلاثي لعلوم البلاغة.





بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال الأستاذ (١) الإمام البارع العلامة سراج الملة والدين أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر محمد بن علي السكاكي (تغمده الله برحمته ورضوانه) (٢).

أحق كلام أن تلهج (٣) به الألسنة ، وأن لا يطوى منشوره على توالي الأزمنة ، كلام لا يفرغ إلا في قالب الصدق ، ولا ينسج خبره إلا على منوال الحق ، فبالحري تلقيه بالقبول إذا ورد يقرع الأسماع ، وتأبّيه أن يعلق بذيل مؤداه (٤) ريبة إذا حسر عن وجهه القناع ، وهو مدح الله تعالى وحمده بما هو له من الممادح أزلا وأبدا ، وبما انخرط في سلكها من المحامد متجددا ، ثم الصلاة والسّلام على حبيبه محمد البشير النذير بالكتاب العربي المنير ، الشاهد لصدق دعواه بكمال بلاغته ، المعجز لدهماء المصاقع (٥) عن إيراد معارضته ، إعجازا أخرس شقشقة (٦) كل منطيق ، وأظلم طرق المعارضة فما وضح إليها وجه طريق ، حتى أعرضوا عن المعارضة بالحروف ، إلى المقارعة بالسيوف ، وعن المقاولة

__________________

(١) في (غ) قال مولانا الإمام الأعظم علامة الدنيا شيخ العرب والعجم محيي أنواع الأدب منشىء علمي المعاني والبيان ، إمام أهل العدل والتوحيد وأنوار الحق ، قاهر أعداء الدين ، سلطان علماء التفسير ، حجة في الخلق ، سراج الملة والدين والفضائل والسعادات وفي (د) موافق ل (ط).

(٢) في (غ) (رضي‌الله‌عنه).

(٣) في (غ): (تلهم) وما أثبتناه أولى بالصواب ، وأقرب إلى السياق.

(٤) كذا بالأصل ، وفي (ط) وفي (غ) مؤاده ، ولعلها (مراده).

(٥) دهماء المصاقع : جماعة الناس في كل ناحية. وفي اللسان : الدهماء : الجماعة من الناس ، والعدد الكثير ، وفلان من أهل هذا الصقع : أي من أهل هذه الناحية.

(٦) الشّقشقة : لهاة البعير ، ولا تكون إلا للعربي من الإبل والجمع الشقاشق ، ومنه سمي الخطباء شقاشق ، وشقشق الفحل شقشقة : هدر ، والعصفور يشقشق في صوته. وفلان شقشقة قومه أي شريفهم وفصيحهم. لسان العرب ، (شقق).


باللسان ، إلى المقاتلة بالسنان. بغيا منهم وحسدا ، وعنادا ولددا ؛ ثم على آله وأصحابه الأئمة الأعلام ، وأزمّة الإسلام.

وبعد ، فإن نوع الأدب نوع يتفاوت كثرة شعب وقلة ، وصعوبة فنون وسهولة ، وتباعد طرفين وتدانيا ، بحسب حظ متوليه من سائر العلوم كمالا ونقصانا ، وكفاء منزلته هنالك ارتفاعا وانحطاطا ، وقدر مجاله فيها سعة وضيقا. ولذلك ترى المعتنين بشأنه على مراتب مختلفة ، فمن صاحب أدب تراه يرجع منه إلى نوع أو نوعين ، لا يستطيع أن يتخطى ذلك ، ومن آخر تراه يرجع إلى ما شئت من أنواع مربوطة في مضمار اختلاف ، فمن نوع لين الشكيمة سلس المقاد ، يكفي في اقتياده بعض قوة وأدنى تمييز. ومن آخر بعيد المأخذ ، نائي المطلب ، رهين الارتياد بمزيد ذكاء وفضل قوة طبع. ومن آخر هو كالملزوز (١) في قرن. ومن رابع لا يملك إلا بعدد متكاثرة ، وأوهاق (٢) متظافرة مع فضل إلهي في ضمن ممارسات كثيرة ، ومراجعات طويلة ، لاشتماله على فنون متنافية الأصول ، متباينة الفروع ، متغايرة الجنى ، ترى مبنى البعض على لطائف المناسبات المستخرجة بقوة القرائح والأذهان ، وترى مبنى البعض على

__________________

(١) في (غ) (المروز) وهو خطأ بلا شك ، وقد تكلف محققه فقال : المروز : القطعة ، الحباس الذي يحبس الماء ، فارسى معرب ، والجمع : مروز. قلت : ولا معنى له هنا ، ولا دخل له في هذا السياق ، و (الملزوز في قرن) لفظ معروف مشهور : في اللسان : لزّ الشيء بالشيء يلزّه لزّا وألزّه : ألزمه إياه ...

ويقال للبعيرين ـ إذا قرنا في قرن (أي حبل) واحد ـ قد لزّا ... قال جرير :

وابن اللبون إذا ما لزّ في قرن ...

لم يستطع صولة البزل القناعيس

(انظر اللسان ، مادة (لزز).

(٢) الأوهاق : مفردها (وهق) وهو الحبل المغار يرمى فيه أنشوطة فتؤخذ فيه الدابة والإنسان ، والجمع :

أوهاق. والمواهقة في السير المواظبة ومد الأعناق. ومواهقة الإبل مد أعناقها في السير. وقد تواهقت الركاب أي تسايرت. وتواهق الساقيان تباريا. وتوهّق الحصى إذا حمي من الشمس. لسان العرب ، مادة (وهق).


التحقيق البحت ، وتحكيم العقل الصرف (١) ، والتحرز عن شوائب الاحتمال. ومن آخر ريض (٢) لا يرتاض إلا بمشيئة خالق الخلق.

وقد ضمنت كتابي هذا من أنواع الأدب (٣) ، دون نوع اللغة ، ما رأيته لا بد منه ، وهي عدة أنواع متآخذة. فأودعته علم الصرف بتمامه ، وأنه لا يتم إلا بعلم الاشتقاق المتنوع إلى أنواعه الثلاثة ، وقد كشفت عنها القناع. وأوردت (٤) علم النحو بتمامه ، وتمامه بعلمي المعاني والبيان (٥). ولقد قضيت بتوفيق الله منهما الوطر ، ولما كان تمام علم المعاني بعلمي الحد والاستدلال ، لم أر بدا من التسمح بهما (٦) وحين كان التدرب في علمي المعاني والبيان موقوفا على ممارسة باب النظم وباب النثر ، ورأيت صاحب النظم يفتقر إلى علمي العروض والقوافي ، ثنيت عنان القلم إلى إيرادهما.

وما ضمنت جميع ذلك كتابي هذا إلا بعد ما ميزت البعض عن البعض ، التمييز المناسب ، ولخصت الكلام على حسب مقتضى المقام هنالك ، ومهدت لكل من ذلك

__________________

(١) كذا في (د) في (ط) (والصرف)

(٢) ريّض : الرّيض من الدوابّ والإبل ضدّ الذلول. كذا باللسان. مادة (روض).

(٣) علوم الأدب على ما ذكرها القدماء هى (اللغة ، والنحو ، والتصريف ، والعروض والقوافى وصنعة الشعر ، وأخبار العرب ، وأنسابهم.) (انظر الأشباه والنظائر في النحو للسيوطي : ٦).

(٤) في (د): (وواردت) وهو خطأ مخالف لباقى النسخ.

(٥) انظر كيف جعل علمي المعاني والبيان من تمام علم النحو ليكشف بذلك عن الغاية العظمى للإعراب وهي الوقوف على أسرار المعاني.

(٦) في الحقيقة أنه ما أفسد علم المعاني إلا إقحام علم الحد والاستدلال في منهج دراسته ، وصبغه بتلك الصبغة المنطقية الصارمة التي لولاها لكان للسكاكي على هذا العلم منة عظيمة ، وهو وإن كان له على المعانى يد لا تنكر إلا أنه قد انتقص من قدرها ذلك الجفاء المنطقي الصارم في منهج السكاكي في دراسة علوم البلاغة.


أصولا لائقة ، وأوردت حججا مناسبة ، وقررت ما صادفت من آراء السلف ، قدس الله أرواحهم ، بقدر ما احتملت من التقرير ، مع الإرشاد إلى ضروب مباحث قلّت عناية السلف بها ، وإيراد لطائف مفتنة ما فتق أحد بها رتق إذن.

وها أنا ممل حواشي جارية مجرى الشرح للمواضع المشكلة ، مستكشفة عن لطائف المباحث المهملة ، مطلعة على مزيد تفاصيل في أماكن تمس الحاجة إليها ، فاعلا ذلك كله عسى إذا قيض في اللحد المضجع ، أن يدعى لي بدعوة تسمع.

هذا واعلم أن علم الأدب متى كان الحامل على الخوض فيه مجرد الوقوف على بعض الأوضاع ، وشيء من الاصطلاحات ، فهو لديك على طرف الثمام (١). أما إذا خضت فيه لهمة تبعثك على الاحتراز عن الخطأ في العربية ، وسلوك جادة الصواب فيها ، اعترض دونك منه أنواع تلقى لأدناها عرق القربة (٢) ، لا سيما إذا انضم إلى همتك الشغف بالتلقي لمراد الله تعالى من كلامه (٣) ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه

__________________

(١) في (ط) (التمام) وما أثبتناه من (د). والثّمام : نبت معروف في البادية ولا تجهده النعم إلا في الجدوبة ... والعرب تقول للشىء الذى لا يعسر تناوله : (هو على طرف الثّمام) ، وذلك أن الثّمام لا يطول فيشقّ تناوله. لسان العرب. مادة (ثمم).

(٢) عرق القربة : في اللسان : وقيل : لقيت منه عرق القربة ، أى شدّة ومشقة ومعناه : أن القربة إذا أعرقت وهي مدهونة خبث ريحها. وفى حديث عمر : ألا لا تغالوا صدق النساء ، فإن الرجال تغالى بصدقها حتى تقول جشمت إليك عرق القربة ، قال الكسائى : عرق القربة أن يقول لك وتكلفت وتعبت حتى عرقت كعرق القربة ، وعرقها سيلان مائها ، وقال أبو عبيدة : تكلفت إليك ما لا يبلغه أحد حتى تجشمت ما لا يكون ، لأن القربة لا تعرق ، وهذا مثل قولهم : حتى يشيب الغراب ، ويبّيض القار ...

إلخ لسان العرب. مادة (عرق).

(٣) من هنا نعلم الغاية من وراء الأدب وعلومه عند القدماء : ألا وهي الاحتراز عن الخطأ في العربية ، وتلك هى الهمّة الدنيا ، أما الهمّة العليا ، والغاية العظمى ، والمقصد الأسمى لديهم فهو التلقى لمراد الله تعالى من كلامه ، وحسبك بها غاية ومقصدا نبيلا ، فأين ذلك من دعاة العبث اليوم ، الذين يرفعون ـ ـ


ولا من خلفه ، فهناك يستقبلك منها ما لا يبعد أن يرجعك القهقرى ، وكأني بك وليس معك من هذا العلم إلا ذكر النحو واللغة ، قد ذهب بك الوهم إلى أن ما قرع سمعك هو شيء قد افترعته (١) عصبية الصناعة ، لا تحقيق له. وإلا فمن لصاحب علم الأدب بأنواع تعظم تلك العظمة ، لكنك إذا اطلعت على ما نحن مستودعوه كتابنا هذا ، مشيرين فيه إلى ما تجب الإشارة إليه ، ولن يتم لك ذلك إلا بعد أن تركب له من التأمل كل صعب وذلول ، علمت إذ ذاك أن صوغ الحديث ليس إلا من عين التحقيق ، وجوهر السداد.

ولما كان حال نوعنا هذا ما سمعت ، ورأيت أذكياء أهل زماني الفاضلين ، الكاملي الفضل ، قد طال إلحاحهم علي في أن أصنف لهم مختصرا يحظيهم بأوفر حظ منه ، وأن يكون أسلوبه أقرب أسلوب من فهم كل ذكي ، صنفت هذا ، وضمنت لمن أتقنه أن ينفتح عليه جميع المطالب العلمية ، وسميته : (مفتاح العلوم) ، وجعلت هذا الكتاب ثلاثة أقسام :

القسم الأول : في علم الصرف.

القسم الثاني : في علم النحو.

القسم الثالث : في علمي المعاني والبيان.

والذي اقتضى عندي هذا ، هو أن الغرض الأقدم من علم الأدب ، لما كان هو الاحتراز عن الخطأ في كلام العرب ، وأردت أن أحصل هذا الغرض ، وأنت تعلم أن

__________________

راية الفن للفن ، فلا غاية لهم من وراء الأدب إلا شقشقة فارغة ، ومتعة زائلة ، وخبط على غير هدى ، يتعثرون في مناهج ذوي الضلالة ، ويتنقلون معهم من عبث إلى عبث ، مصورين تمام التصوير حالة الانهزامية التي تعيشها الأمة اليوم حينما ألقت رايتها ، وتناست هويتها ، فنسيت الهدف ، وضلت عن الغاية فهل من بعث جديد نتمسك فيه بهويتنا ، ونعرف فيه إلى أين نحن ذاهبون؟.

(١) في (ط) وفي (غ) (افترعنه) ، والتصويب من (د).


تحصيل الممكن لك لا يتأتى بدون معرفة جهات التحصيل واستعمالها ، لا جرم أنا حاولنا أن نتلو عليك في أربعة الأنواع مذيلة بأنواع أخر مما لا بد من معرفته في غرضك ، لتقف عليه. ثم الاستعمال بيدك ، وإنما أغنت هذه لأن مثارات الخطأ إذا تصفحتها ثلاثة : المفرد ، والتأليف ، وكون المركب مطابقا لما يجب أن يتكلم له.

وهذه الأنواع بعد علم اللغة هي المرجوع إليها في كفاية ذلك ما لم يتخط إلى النظم ، فعلما الصرف والنحو يرجع إليهما في المفرد والتأليف ، ويرجع إلى علمي المعاني والبيان في الأخير ، ولما كان علم الصرف هو المرجوع إليه في المفرد أو فيما هو في حكم المفرد ، والنحو بالعكس من ذلك ، كما ستقف عليه ، وأنت تعلم أن المفرد متقدم على أن يؤلف ، وطباق المؤلف للمعنى متأخر عن نفس التأليف ، لا جرم أنا قدمنا البعض على هذا الوجه وضعا لنؤثر ترتبا استحقته طبعا ، وهذا حين أن نشرع في الكتاب فنقول وبالله التوفيق :

أما القسم الأول من الكتاب فمشتمل على ثلاثة فصول.


(القسم الأول)

(علم الصرف)

الأول : في بيان حقيقة علم الصرف والتنبيه على ما يحتاج إليه في تحقيقها.

الثاني : في كيفية الوصول إليه.

الثالث : في بيان كونه كافيا لما علق به من الغرض.

وقبل أن نندفع إلى سوق هذه الفصول ، فلنذكر شيئا لا بد منه في ضبط الحديث فيما نحن بصدده ، وهو الكشف عن معنى الكلمة وأنواعها.

الأقرب (١) أن يقال : الكلمة هي اللفظة الموضوعة للمعنى (٢) مفردة ، والمراد بالإفراد أنها بمجموعها وضعت لذلك المعنى دفعة واحدة. ثم إذا كان معناها مستقلا بنفسه ، وغير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة مثل : علم وجهل سميت اسما ، وإذا اقترنت مثل : علم وجهل سميت فعلا ، وإذا كان معناها لا يستقل بنفسه مثل : من وعن سميت حرفا.

ويفسر المستقل بنفسه على سبيل التقريب والتأنيس بأنه الذي يتم الجواب به ، كقول القائل : (زيد) في جوابك إذا قلت : (من جاء) و (قرأ). إذا قلت (ماذا فعل) بخلافه ، إذا قال (في أو على) ، إذا قلت (أين قرأ).

وإذ قد ذكرنا هذا فلنشرع في الفصل الأول ولنشرحه.

__________________

(١) في (غ): (والأقرب) وما أثبتناه أولى بالصواب ، وهو الموافق ل (د) و (ك).

(٢) في (غ): (لمعني).


الفصل الأول

علم الصرف (١)

اعلم أن علم الصرف هو تتبع اعتبارات الواضع في وضعه من جهة المناسبات والأقيسة. ونعني بالاعتبارات ، وافرضها إلى أن تتحقق ، أنه أولا جنس المعاني؟ ، ثم قصد لجنس جنس منها ، معينا بإزاء كل من ذلك طائفة طائفة من الحروف. ثم قصد لتنويع الأجناس شيئا فشيئا متصرفا في تلك الطوائف بالتقديم والتأخير والزيادة فيها بعد ، أو النقصان منها مما هو كاللازم للتنويع وتكثير الأمثلة ، ومن التبديل لبعض تلك الحروف لغيره لعارض ، وهكذا عند تركيب تلك الحروف من قصد هيئة ابتداء ، ثم من تغيرها شيئا فشيئا. ولعلك تستبعد هذه الاعتبارات ، إذ ليس طريق معرفتها عندك. لكن لا يخفى عليك أن وضع اللغة ليس إلا تحصيل أشياء منتشرة تحت الضبط ، فإذا أمعنت (٢) فيه النظر وجدت شأن الواضع (٣) أقرب شيء من شأن المستوفي الحاذق ، وإنك لتعلم ما يصنع في باب الضبط ، فيزل عنك الاستبعاد (٤) ، ثم إنك ستقف على جلية الأمر فيه مما يتلى عليك عن قريب.

__________________

(١) علم الصرف ويسمى بعلم التصريف أيضا (كما في كشاف اصطلاحات الفنون ص ٨٣٧) يعرفه ابن الحاجب بأنه علم بأصول تعرف بها أحوال أبنية الكلم التى ليست بإعراب شرح الشافية ١ / ١ ، ويشرح الاستراباذي هذا بقوله : اعلم أن التصريف على ما حكى سيبويه عنهم هو أن تبني من الكلمة بناء لم تبنه العرب على وزن ما بنته ثم تعمل في البناء الذى بنيته ما يقتضيه قياس كلامهم ، ... ، والمتأخرون على أن التصريف علم بأبنية الكلمة ، وبما يكون لحروفها من أصالة وزيادة وحذف وصحة وإعلال وإدغام وإمالة ، وبما يعرض لآخرها مما ليس بإعراب ولا بناء من الوقف وغير ذلك شرح الشافية ج ١ / ص ٢ ويعرف ابن هشام التصريف بقوله : هو تغير في بنية الكلمه لغرض معنوى أو لفظي فالأول : كتغير قول المفرد إلى التثنية والجمع وتغير المصدر إلى الفعل والوصف. والثاني : كتغير () قول وغزو إلى قال وغزا. ولهذين التغيرين أحكام الصحة والإعلال ، وتسمى تلك الأحكام : علم التصريف أوضح المسالك ص ٢٩٠ ط مكتبة الآداب.

(٢) كذا في (د) ، في (غ) ، وفي (ط) الواقع

(٣) في (د) : أنعمت ، وفي باقي النسخ أمعنت. (٣) في (ط) : الاستعباد : (والصواب ما أثبتناه من (د) ، (ع)

(٤) كذا في (ذ) في (غ) وفي (ط) الواقع


الفصل الثاني

في كيفية الوصول إلى النوعين

وهما : معرفة الاعتبارات الراجعة إلى الحروف ، ومعرفة الاعتبارات الراجعة إلى الهيئات ، وفيه بابان :

الأول : في معرفة الطريق إلى النوع الأول وكيفية سلوكه.

الثاني : في معرفة الطريق إلى النوع الثاني وكيفية سلوكه أيضا.

ومساق الحديث فيهما لا يتم إلا بعد التنبيه على أنواع الحروف التسعة والعشرين ومخارجها.

اعلم أنها عند المتقدمين تتنوع إلى : مجهورة ومهموسة (١) ، وهي عندي كذلك ، لكن على ما أذكره ، وهو أن الجهر انحصار النفس في مخرج الحرف ، والهمس جري ذلك فيه.

__________________

(١) انظر الكتاب لسيبويه هذا باب الإدغام ٢ / ٤٠٤ ط المتنبي

والأصوات الصامتة المجهورة في اللغة العربية ، كما ننطقها اليوم هي الباء والجيم والدال والذال والراء ، والزاى والصاد والظاء ، والعين والغين ، واللام والنون ، والواو ، في نحو : (ولد ، وحوض) والياء ، في نحو : (يترك بيت) فهذه خمسة عشر حرفا ، وقد أضاف علماء العربية (الطاء ، والقاف) إلى الأصوات المجهورة ، أخرجوها من الأصوات المهموسة ، وهذا الذي قالوا ، لا يوافق نطقنا الحالي لهذين الصوتين وقد عد بعضهم (الهمزة) صوتا مهموسا حين قرر علماء العربية القدامى إنها صوت مجهور ، وذهب بعض الباحثين المتأخرين إلى كونها صوتا لا بالمجهور ولا بالمهموس. وانظر علم اللغة العام والأصوات د / كمال بشر ط دار المعارف ص ٨٨ ، والمنح الفكرية شرح المقدمة الجزرية لملا علي القاري ط مصطفى الحلبي. (ص : ١٦). والصوت المهموس ، هو الصوت الذي لا تتذبذب الأوتار الصوتية حال النطق به ، وحروف الهمس مجموعة في قولهم : (فحثه شخص سكت) ويضاف إليه الطاء والقاف في نطقنا الحالي لهذين الحرفين. وانظر السابق.


والمجهورة عندي : الهمزة ، والألف ، والقاف ، والكاف ، والجيم ، والياء ، والراء ، والنون ، والطاء ، والدال ، والتاء ، والباء ، والميم ، والواو يجمعها قولك" قدك أترجم ونطايب".

والمهموسة : ما عداها ، ثم إذا لم يتم الانحصار ولا الجري كما في حروف قولك : " لم يروعنا" سميت معتدلة ، وما بين الشديدة والرخوة. وإذا تم الانحصار كما في حروف قولك : " أجدك قطبت" سميت شديدة. وإذا تم الجري كما في الباقية من ذلك سميت رخوة [ثم](١) إذا تبع الاعتدال ضعف تحمل الحركة أو الامتناع عنه ، كما في الواو والياء والألف سميت معتلة. وإذا تبع تمام الانحصار حفز وضغط كما في حروف قولك : " قد طبج (٢) سميت (٣) " ، حروف القلقلة. وتتنوع أيضا إلى مستعلية وهي : الصاد والضاد والطاء والظاء والغين والخاء والقاف. وإلى منخفضة : وهي ما عداها.

والاستعلاء أن تتصعد لسانك في الحنك الأعلى ، والانخفاض بخلاف ذلك. فإن جعلت لسانك مطبقا للحنك الأعلى كما في : الصاد والضاد والطاء والظاء ، سميت مطبقة. وإلا كما في سواها سميت منفتحة.

ومخارجها عند الأكثر ستة عشر على هذا النهج.

أقصى الحلق : للهمزة والألف والهاء. ووسطه : للعين والحاء. وأدناه : إلى اللسان للغين والخاء.

وأقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى مخرج القاف ، ومن أسفل من موضع القاف من اللسان قليلا ومما يليه من الحنك الأعلى مخرج الكاف ، ومن وسط اللسان

__________________

(١) في (د) وفي (غ).

(٢) شاع في علم التجويد التعبير عنها بقولك (قطب جد).

(٣) وقع في (ط) قد طبخ ميت وهو تصحيف فاحش ، وزاد من تلبيسه وضعه ذلك كله بين علامتى تنصيص. وما أثبتناه من (د) و (غ).


بينه وبين وسط الحنك الأعلى مخرج الجيم والشين والياء.

ومن بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد ، ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان من بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى مما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية مخرج اللام ، ومن طرف اللسان ، بينه وبين ما فويق الثنايا العليا مخرج النون ، ومن مخرج النون ، غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلا لانحرافه إلى اللام ، مخرج الراء.

ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا العليا مخرج الطاء والدال والتاء ، ومما بين الثنايا وطرف اللسان مخرج الصاد والزاي والسين ، ومما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا مخرج الظاء والذال والثاء ، ومن باطن الشفة السفلى ، وأطراف الثنايا العليا مخرج الفاء.

ومما بين الشفتين مخرج الباء والميم والواو. ومن الخياشيم مخرج النون الخفيفة (١) (ويتصور ما ذكرناه من الشكل المصور) (٢).

__________________

(١) انظر في مخارج الحروف عند سيبويه : الكتاب ٢ / ٤٠٤ (هذا باب عدد الحروف العربية ومخارجها ومهموساتها ومجهوراتها ..... إلخ) ط المتنبي.

(٢) انظر الصفحة التالية



مخارج الحروف

وعندي أن الحكم في أنواعها ومخارجها على ما يجده كل أحد مستقيم الطبع ، سليم الذوق ، إذا راجع نفسه واعتبرها كما ينبغي وإن كان بخلاف الغير لامكان التفاوت في الآلات. وإذ قد تنبهت لما ذكرنا فلنرجع إلى الباب الأول.

الباب الأول

في معرفة الطريق إلى النوع الأول وكيفية سلوكه

والكلام فيه يستدعي تمهيد أصل ، وهو أن اعتبار الأوضاع في الجملة مضبوطة أدخل في المناسبة من اعتبارها منتشرة ، وأعني بالانتشار ورودها مستأنفة في جميع ما يحتاج إليه في جانب اللفظ من الحروف والنظم والهيئة ، وكذا في جانب المعنى من عدة اعتبارات تلزمه. وبالضبط خلاف ذلك ، وتقريره أن إيقاع القريب الحصول أسهل من البعيد (١) ، وفي اعتبارها مضبوطة تكون أقرب حصولا ؛ لاحتياجها إذ ذاك إلى أقل مما تحتاج إليه على خلاف ذلك ، ويظهر من هذا أن اعتبار الأوضاع الجزئية ، أعني بها المتناولة للمعاني الجزئية ، يلزم عند إمكان ضبطها أن تكون مسبوقة بأوضاع كلية لها ، وقد خرج بقولي : " عند إمكان ضبطها" ما كان في الظاهر جنسه نوعه ، كالحروف والأسماء المشاكلة لها من نحو : إذا وأنى ومتى ، عن أن يكون لوضعه الجزئي وضع كلي. هذا على المذهب الظاهر من جمهور أصحابنا (٢) ، وإلا فخروج ذلك عندي ليس بحتم (٣).

__________________

(١) في (د) ، وفي (غ) : البعيدة.

(٢) أي البصريين.

(٣) تصحفت في (ط) إلي ختم بالخاء المعجمة


الاشتقاق (١) :

وإذا تمهد هذا فنقول : الطريق إلى ذلك هو أن تبتدئ فيما يحتمل التنويع من حيث انتهى الواضع في تنويعه ، وهي الأوضاع الجزئية ، فترجع منها القهقرى في التجنيس وهو التعميم إلى حيث ابتدأ منه ؛ وهو وضعه الكلي لتلك الجزئية ، كنحو أن تبتدئ من مثل لفظ المتباين ، وهو موضع التباين ، فترده إلى معنى أعم في لفظ التباين وهو المباينة من الجانبين ، ثم ترد التباين إلى أعم : وهو المباينة من جانب في لفظ باين ، ثم ترده إلى أعم : وهو حصول البينونة في لفظ بان ، ثم ترده إلى أعم وهو مجرد البين ، وهذا هو الذي يعنيه أصحابنا في هذا النوع بالاشتقاق.

ثم إذا اقتصرت في التجنيس على ما تحتمله حروف كل طائفة بنظم مخصوص ، كمطلق معنى البينونة فيما ضربنا من المثال للباء ثم الياء ثم النون ، وهو المتعارف ، سمي الاشتقاق الصغير (٢). وإن تجاوزت إلى ما احتملته من معنى أعم من ذلك كيفما انتظمت ، مثل الصور الست للحروف الثلاثة المختلفة من حيث النظم ، والأربع

__________________

(١) الاشتقاق : هو نزع لفظ من آخر بشرط تناسبهما معنى وتركيبا ومغايرتهما في الصيغة ، نحو : اشتقاق كلمة دارس من درس (على رأي البصريين) واشتقاق كلمة فارس عن فرس. واختلف الكوفيون والبصريون في أصل الاشتقاق. فقال الكوفيون الفعل أصل الاشتقاق ، وقال البصريون :

المصدر أصل الاشتقاق. وهو أنواع. يأتي بيانها. انظر المعجم المفصل في علوم اللغة للدكتور / محمد التونجي والأستاذ / راجي الأسمر (١ / ٦٢ ـ ٦٣.) وقد ذكر ابن جني الاشتقاق في الخصائص ٢ / ١٣٣ تحت عنوان (باب في الاشتقاق الأكبر) : فليرجع إليه.

(٢) الاشتقاق الصغير ، أو الأصغر أو العام هو نزع لفظ من آخر آصل منه ، بشرط اشتراكهما في المعنى والأحرف الأصول وترتيبها ، كاشتقاق اسم الفاعل (قاتل) واسم المفعول (مقتول) والفعل (نقاتل) وغيرها من المصدر (القتل) على رأي البصريين ، أو من الفعل (قتل) علي رأي الكوفيين. وهذا النوع أكثر أنواع الاشتقاق ورودا في العربية وأعظمها أهمية ، وعليه تجري كلمة (اشتقاق) إذا أطلقت دون تقييد.


والعشرين للأربعة ، والمائة والعشرين للخمسة ، سمي الاشتقاق الكبير (١).

وههنا نوع ثالث من الاشتقاق كان يسميه شيخنا الحاتمي (٢) رحمه‌الله الاشتقاق الأكبر (٣) : وهو أن يتجاوز إلى ما احتملته أخوات تلك الطائفة من الحروف نوعا أو مخرجا ، وقد عرفت الأنواع والمخارج على ما نبهناك ، وأنه نوع لم أر أحدا من سحرة (٤) هذا الفن ، وقليل ما هم ، حام حوله على وجهه إلا هو ، وما كان ذلك منه

__________________

(١) الاشتقاق الكبير ، هو القلب اللغوي ، وهو أن يشتق من كلمة كلمة أخرى أو أكثر ، وذلك بتقديم بعض الحروف على بعض ، بدون زيادة أو نقصان ، بشرط أن يكون بين الكلمتين تناسب في المعنى نحو (جذب) و (جبذ) ، ويسمى أيضا : الاشتقاق الأكبر ، والاشتقاق الكبار ، والكبير ، والقلب الاشتقاقي ، والقلب المكاني ، والقلب المكاني اللغوي. (السابق ص ٣٣٦).

(٢) لم يستطع الباحثون التوصل إلى ترجمة الحاتمي هذا ، وذهب د / أحمد مطلوب إلي احتمال أن يكون المراد به سديد الدين بن محمد الخياطي الحاتمي ، وكان رأسا في الفقه والكلام ، وذكرت المصادر أنه تفقه عليه السكاكي (انظر البلاغة عند السكاكي د / أحمد مطلوب ص ٥٣).

(٣) الاشتقاق الأكبر : هو أن تأخذ أصلا من الأصول الثلاثية ، فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحدا ، تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه ، وإن تباعد شئ من ذلك عنه رد بلطف الصنعة والتأويل إليه ، كما يفعل الاشتقاقيون ذلك في التركيب الواحد ، وقد سبق السكاكي والحازمي في الكلام عليه أبو علي الفارسى رحمه‌الله فيما نقله عنه ابن جني في الخصائص (٢ / ١٣٣ / ١٣٤) قال ابن جني : هذا موضع لم يسمه أحد من أصحابنا غير أن أبا علي رحمه‌الله كان يستعين به لكنه مع هذا لم يسمه وإنما هذا التلقيب لنا نحن اه مختصرا. وانظر (المعجم المفصل في علم الصرف) لراجي الأسمر (ص ٣٣٦ ، ٣٣٧).

(٤) الساحر : العالم انظر تهذيب اللسان : (سحر) ومنه قوله تعالى : (وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ ...) الزخرف : ٤٩ وانظر تفسير القرطبي (٩ / ٥٩١٧) ط الريان فأراد ـ رحمه‌الله ـ أرباب هذا الفن والعارفين به ، وأولي السبق فيه ، وقد جاء في اللسان أيضا أن السحر : كل ما لطف مأخذه ودق.


تغمده الله برضوانه وكساه حلل غفرانه إلا لكونه الأول والآخر في علماء الفنون الأدبية ، إلى علوم أخر ، ولا ينبئك مثل خبير (١).

وسلوك هذا الطريق على وجهين : أصل فيما يطلب منه ، وملحق به.

أما الأصل ، فهو إذا ظفرت بأمثلة ترجع معانيها الجزئية إلى معنى كلي لها ، أن تطلب فيها من الحروف قدرا تشترك هي فيه ، وهو يصلح للوضع الكلي ، على أن لا تمتنع عن تقدير زيادة أو حذف أو تبديل ، أن توقف مطلوبك على ذلك ، وعن تقدير القلب أيضا في الاشتقاق الصغير ، معينا كلا من ذلك بوجه يشهد له سوى وجه الضبط ، فهو بمجرده لا يصلح لذلك ، وتلك الحروف تسمى أصولا. والمثال الذي لا يتضمن إلا إياها مجردا ، وما سوى تلك الحروف زوائد ، والمتضمن لشيء منها مزيدا ، وإذا أريد أن يعبر عن الأصول عبر عن أولها في ابتداء الوضع بالفاء ، وعن ثانيها بالعين ، وعن ثالثها باللام. ثم إذا كان هناك رابع وخامس كرر لهما اللام فقيل : اللام الثاني ، واللام الثالث. وإذا أريد أن يعبر عن الزوائد عبر عنها بأنفسها ، إلا في المكرر والمبدل من تاء الافتعال ، وستعرفه ، هذا عند الجمهور ، وهو المتعارف. وإذا أريد تأدية هيئة الكلمة ، أديت بهذه الحروف ، ويسمى المنتظم منها إذ ذاك : وزن الكلمة ، والكلام في تقرير هذا الأصل يستدعي تحرير (٢) خمسة قوانين :

أحدها : في أن القدر الصالح للوضع الكلي ما ذا؟ والباقية في أن الشاهد لتعيين كل من الأربعة : الزيادة والحذف والبدل والقلب ما ذا؟

قوانين الاشتقاق :

أما القانون الأول : فالذي عليه أصحابنا هو الثلاثة فصاعدا إلى خمسة ، خلافا

__________________

(١) هذا اقتباس من قوله تعالى : (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) ....(وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) الآية فاطر ١٤ ، وانظر في الاقتباس : التبيان في المعاني والبيان بتحقيقي ط المكتبة التجارية بمكة.

(٢) في (غ) تقرير.


للكوفيين (١). أما الثلاثة ، فلكون البناء عليها أعدل الأبنية ، لا خفيفا خفيفا ، ولا ثقيلا ثقيلا ، ولانقسامه على المراتب الثلاث ، وهي : المبدأ ، والمنتهى ، والوسط بالسوية ، لكل واحد واحد ، لا تفاوت مع كونه صالحا لتكثير الصور المحتاج إليه في باب التنويع صلاحا فوق الاثنين ، دع الواحد ، ويظهر من هذا أن مطلوبية العدد فيما جنسه نوعه دون مطلوبيته فيما سوى ذلك. وأما التجاوز عنها إلى الأكثر ، فلكونه أصلح منها لتكثير الصور المحتاج إليه. وأما الاقتصار على الخمسة ، فليكون على قدر احتمال نقصانها زيادتها ، وقد ظهر من كلامنا هذا أن الكلمات الداخلة تحت الاشتقاق عند أصحابنا البصريين ، إما أن تكون ثلاثية ، أو رباعية ، أو خماسية في أصل الوضع.

__________________

(١) ذهب الكوفيون إلى أن نهاية أصول الكلمة ثلاثة ، وما زاد على الثلاثة حكموا بزيادته (انظر شرح شافية ابن الحاجب ١ / ص ٤٧).


وأما القانون الثاني : وهو أن الحرف إذا دار بين أن يكون مزيدا على مثال هو فيه ، وبين أن يكون محذوفا عن مثال ليس فيه ، فالشاهد للزيادة ما ذا؟ فوجوه ، وقبل أن نذكرها لا بد من شيء يجب التنبيه عليه ، وهو أن لا يكون توجه الحكم بالزيادة على الحرف بعد استجماع ما لا بد منه في ذلك نادرا مثله [بمعنى أن](١) الخارج عن مجموع قولك : " اليوم تنساه" إذا لم يكن مكررا على ما افترعه الاستقراء الصحيح. وهذه الحروف يسميها أصحابنا في هذا النوع حروف الزيادة ، بمعنى أن حكم الزيادة يتفق لها كثيرا ، ولذلك جعل شرطا في زيادة الحرف كونه مكررا ، أو من هذه الأحرف ، وأن لا يتغير حكم الحرف في نظيره. كنحو رجيل ، ومسيلم. وإذ قد تنبهت لهذا فنقول :

الوجه الأول : هو أن يفضل عن القدر الصالح للوضع الكلي ، كنحو ألف قبعثري (٢)

الثاني : أن يكون ثبوته في اللفظ بقدر الضرورة ، كهمزة الوصل في : اسم واعرف وأمثالهما ، وستعرف مواقعها.

الثالث : أن يمتنع عليه الحذف كحروف المضارعة لأدائها إذا قدرت محذوفة عن الماضي إلى خلاف قياس ، وهو أن لا يكون في الأفعال الوزن الذي هو في باب الاعتبار الأصل المقدم وهو الثلاثي البتة ، مع محذور آخر وهو التجاوز عن القدر الصالح للوضع الكلي.

الرابع : وهو أمّ الوجوه أن يكون ثبوته في أقل صور (٣) من لا ثبوته ، ولا مقتضى للحذف من مقتضياته التي تقف عليها في قانونه ، كالحروف التي تقع فيما يصغر ويثنى ويجمع من نحو : مسيلم ومسلمان أو مسلمين ومسلمون. أو مسلمين [أو مسلمات](٤) ،

__________________

(١) من (غ).

(٢) القبعثري : العظيم الشديد ، والجمل الضخم.

(٣) وقع في (غ) وفي (د) : صورا والمثبت من (ط).

(٤) من (ط) ، و (د).


وفي الأسماء المتصلة بالأفعال كالمصادر ، وأسماء الفاعلين والمفعولين ، والصفات المشبهة من نحو : مرحمة وراحم ومرحوم ورحيم ، وفي أبنية التفضيل ، وأسماء الأزمنة والأمكنة ، وأسماء الآلات ، من نحو : أطلع ومطلع ومصداق. وفي غير ذلك مما يطلع عليه المتأمل (١). وهذه أشياء لها تفاصيل يتضمنها مواضعها من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

أما ما يقرع سمعك ، أن من جملة الشواهد لزيادة الحرف أن يكون له معنى على حدة ، ممثلا بالتنوين ، وتاء التأنيث ، وسين الكسكسة (٢) ، وهاء الوقف ، ولام خ خ ذلك وخ خ هنالك وخ خ أولالك ، وأشباه لها. فلو لا أنه يلزم من سوق هذا الحديث إدخال الشين المعجمة الكشكشية (٣) ، وكاف نحو : ذلك وهنالك وكزيد ، وباء نحو : خ خ بزيد في جملة حروف الزيادة ، وأنه يلزم إدخال الأسماء الجارية مجرى الحروف في الاشتقاق ، لكان خليقا بالقبول.

وأما القانون الثالث : وهو أن الحرف إذا اتفق له أن يدور بين الحذف والزيادة ، فالشاهد لكونه محذوفا ما ذا؟ (٤) فنقول : هو أن يلزم من الإخلال (٥) بالحذف ترك أصل تراعيه ، مثل : أن يلزم كون المثال على أقل من ثلاثة أحرف ، إما بدون تأمل كنحو : غد

__________________

(١) في (د) : التأمل.

(٢) الكسكسة في (بكر ومضر ، وربيعة ، وهوازن ....) ، وهي إلحاقهم بكاف المؤنث سينا فتقول في (أبوك) (أبوكس) وقد تبدل تلك الكاف سينا فتقول (أبوس) وقد تبدل تلك الكاف تاء ثم تزاد السين كما في (أمتس) بدلا من (أمك) انظر المعجم المفصل في علوم اللغة ١ / ٤٨٣. (انظر المفصل : ١٥٦).

(٣) الكشكشة : خاصة لهجية لبعض القبائل العربية (مضر ، ربيعة ، بكر ...) وتتمثل في إبدال كاف المخاطبة شينا علي طريقة الكسكسة ، نحو : أمّش أي : أمّك ، وفي زيادة شين بعد كاف المخاطبة ، تحو أمّكش أي : أمّك ، وإبدال كاف المخاطبة تاء ، ثم زيادة الشين نحو : أمّتش أي : أمّك. (انظر المعجم المفصل في علوم اللغة) ، للدكتور / محمد التونجي ، والأستاذ / راجي الأسمر (١ / ٤٨٣).

(٤) من (د) ، (غ).

(٥) بالخاء المعجمة ، وفي (ط) (الإحلال) بالمهملة.


ومن بل بتخفيف الهمزة : وقل وقه ولم يك ، أو بأدنى تأمل كنحو : رمتا ، ورموا ، وقمن ، وقمت ، وقمتما ، وقمتم ، وقمت ، وقمتن ، وقمت ، وقمنا ، ونحو رمت ، وعدة ، وحريّ (١) ، فإن ضمائر الفاعلين ، وتاءي التأنيث ، وياء النسب كلمات على حدة. أو باستعمال قانون الزيادة في نحو : يعد ، ويسل ، (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ)(٢) ، ولم يخش ، ويقلن ، وتدعين واغز ، وأقم ، وغاز ، وغازون ، وأعلون ، وإقامة ، واستقامة ، وجوار ، وجوير (٣) ، وعلى ذا فقس. أو مثل أن يلزم أن لا يكون في الأسماء التي هي لمدار التنويع القطب الأعظم خماسي أصلا ، نظرا إلى التحقير والتكسير ، مع كونهما مستكرهين في نحو : فريزد ، وفرزاد (٤) ، وسفيرج (٥) وسفارج ، وجميع ما شاكل ذلك. واعلم أن الحذف ليس يخص حرفا دون حروف ، إلا أنه في خ خ حرف (٦) اللين إذا تأملت مفرط.

وأما القانون الرابع : وهو أن الشاهد لكون الحرف بدلا عن غيره في محل التردد ماذا؟ فالقول فيه : هو أن تجده أقل وجودا منه في أمثلة اشتقاقه ، كهمزة أجوه (٧) ، وتاء تراث ، ونظائرهما ، لا مساويا له مساواة مثل الدال في : نهد ينهد نهودا ، للضاد في : نهض ينهض نهوضا. بعد أن يكون في مظان الاستشهاد للكثرة بمعزل عن تلك الأمثلة.

أما استعمال هذا القانون في نظيره ، لكن من جنس قليلها في غير موضع ، يلحقه بذلك الكثير وجوبا ، فيبرزه في معرض التهمة عزل أصحابنا أمثلة : الآتي ، وأتى وأتيت

__________________

(١) في (ط) جرى بالجيم.

(٢) الفجر : ٤.

(٣) في (غ) (جوير وجوار).

(٤) فريزد : تصغير فرزدق ، والفرزدق : واحده فرزدقة : وهو الرغيف يسقط في التنور.

(٥) السفيرج : تصغير سفرجل ، وهو ثمر يؤكل نيئا أو مطبوخا بالسكر فيصنع (مربيّ).

(٦) في (د) ، وفي (ط) : حروف.

(٧) أي (وجوه).


عند إثبات مساواة ، مثل الواو في نحو : أتوته آتوه آتوا للياء في أتيته آتيه أتيا ، مراعيا في هذا القانون عين ما راعيته في قانون الزيادة ، وهو أن لا يكون توجه حكم البدل على ذلك الحرف عزيزا مثله في الخارج عن مجموع قولك : " أنجدته يوم صال زط" على ما شهد له اعتبار أصحابنا ، وأن لا تغير الحكم في النظير. هذا إذا لم تتخط موضوع الباب وهو معرفة البدل في الحروف الأصول. أما إذا تخطيته إلى معرفته في الزوائد ، فالشاهد هناك لكون الحرف بدلا عن غيره بعد كونه من حروف البدل. أما ما ذكروا (١) فرعية متضمنة على متضمن (من) (٢) ذلك الغير ، فنحو الواو في : ضويرب وضوارب بدلا (٣) عن الألف في ضارب ، أو لزوم إثبات بناء مجهول لكونه غير بدل لزومه من نحو : هراق واصطبر وادارك إذا لم تجعل الهاء بدلا عن الهمزة ، ولا الطاء أو الدال عن التاء وأخوات لها.

وقد ظهر من فحوى كلامنا هذا أن العامل هذا القانون مفتقر إلى الاستكثار من استعماله في مواضع شتى مختلفة المواد ، متأملا حق التأمل لنتائجه هنالك ، مضطر إلى التفطن لتفاوتها وجوبا وجوازا ، مستمرا وغير مستمر ، ضابطا كل ذلك واحدا فواحدا ، ليجذب بضبعه (٤) في مداحض الاعتبارات إذا دفع إليها ، لا سيما اعتبارات كيفية وقوع البدل في النوعين ، فليست غير الأخذ بالأقيس فالأقيس.

وأنا أورد عليك حاصل تأمل أصحابنا في هذا القانون ، إلا ما استصوب ظاهر الصناعة إلغاءه ، من نحو إبدال الميم من لام التعريف ، أو الهاء من تاء التأنيث في الوقف ، أو الألف من نون إذن ، والتنوين ونون التأكيد المفتوح ما قبلها فيه ، وغير ذلك مما هو

__________________

(١) كذا في (ط) ، وفي (غ) ، ذكر ، أو.

(٢) زيادة من ط وغ ، وليست في د.

(٣) في (د) وفي (غ) : بدل.

(٤) يقال جذب بضبعه إذا أعانه وقوّاه ، والضبع : وسط العضد.


منخرط في هذا السلك ، إيرادا مرتبا في ثلاثة فصول :

أحدها : فيما يجب من ذلك.

وثانيها : فيما يجوز مستمرا.

وثالثها : فيما لا يستمر ، لأكفيك مؤنة تحصيلها من عند نفسك.


الفصل الأول

[في](١) النتائج الواجبة

وأعني بالواجب ما لا يوجد نقيضه ، أو يقل جدا.

الواو في غير صيغة أفعل خارج الإعلام ؛ إذا سكنت قبلها ياء غير بدل عن آخر ، ولا للتصغير أوله إلا أن الواو طرف تبدل ياء : كسيد وأيام ودلية (٢) وضيون (٣) ، عندي كأسامة وهي غير بدل عن آخر ، إذا سكنت قبل ياء في كلمة أو فيما هو في حكم كلمة تدغم في ياء كطي ومرمي ومسلمي في إضافة خ خ مسلمون إلى ياء المتكلم ، وربما أبدلت الياء واوا في الندرة : كنهو ومرضو ، وهي لاما في خ خ الفعلى مؤنث خ خ الأفعل ، تبدل ياء كالدنيا إلا في القليل النزر كالقصوى ، وطرفا من اسم في موضع يضم ما قبل آخره تبدل ياء مكسورا ما قبله : خ خ كالأدلي (٤) وخ خ القلنسي (٥) والتداني ؛ إلا كلمة هو. ولاما في خ خ فعول جمع تبدل ياء مع المدة مشددة مكسورا ما قبلها : كعصي ، إلا فيما لا اعتداد به : كالنحو والنجو (٦) ، وصدرا للكلمة إذا كانت معها أخرى ، فتحرك ، تبدل همزة ، كأويصل وأواصل. وهي أيضا طرفا مفتوحا ما قبلها تبدل ألفا ، وكذا الياء ، كالعصا والرحا ، ومكسورا ما قبلها تبدل ياء : كالداعي ودعي ، وغير طرف عينا بين كسرة قبلها وألف زائدة بعدها في مصدر فعل عينه ألف ، أو في جمع مفرد ساكن

__________________

(١) من (د) وفي (غ).

(٢) دلية : تصغير دلو.

(٣) الضّيون : السنور الذكر. اللسان : (ض ون).

(٤) الأدلى : جمع دلو.

(٥) القلنسى : جمع قلنسوة ، وهى لباس للرأس.

(٦) النجو : السر بين اثنين. الجمع نجاء. كما يطلق علي الغائط.


العين ، صورة صحيح اللام تبدل ياء أيضا : كإياس وحياض وديار ، وهي أو الياء أيتهما كانت ، تبدل همزة ، إذا وقعت طرفا بعد ألف زائدة ، كالدعاء والبناء ، وهي بعد الكسر ، والياء بعد الضم ، ساكنتين غير مشددتين تبدلان ياء وواوا : كميعاد وموقن وقيل : واو قط.

الياء لاما في فعلى ، اسما مفتوحة الفاء ساكنة العين تبدل واوا : خ خ كالشروى (١) ، وطرفا في فعل مضموما ما قبلها كذلك [مثل قولك](٢) : رموت اليد ، وهي مدة ثانية إذا كانت زائدة تبدل أيضا واوا في التحقير ، والجمع الذي ليس على زنته واحد ، كضويرب وضواريب في ضيراب ، إن سمي به ، وكذلك الألف ثانية إذا كانت زائدة كضويرب وضوارب ، فإن لم تكن ، ردها خ خ التحقير (٣) إلى الأصل : كبويب ونييبة.

والألف تتبع ما قبلها ، ضما كان أو كسرا ، [إذ](٤) لم تطلب لها حركة : كضورب وضيراب ومفيتيح ومفاتيح ، وهي بعد ياء التحقير تبدل ياء ككثيب ، وإذا كانت عينا في فعل أبدلت همزة إذا وقعت في وزن فاعل ، كقائل وبائع ، وهي زائدة واقعة بعد ألف جمع تتوسط بين أربعة ، وكذا الواو الزائدة المدة أو الياء بهذا الوصف بعدها ، وكذا آخر المعتلين بالإطلاق أو الواوين ، خصوصا ، على خلاف فيه ، مما يكتنفانها كل منهما يبدل همزة ، وفي غير ذلك تبدل ياء مع إبدال الآخر ألفا : كرسائل وعجائز وصحائف وبيائع وسيائق وأوائل ، وكذا قوائل عندي وخطايا وشوايا. وهي أينما وقعت عينا أو لاما تكون بدلا : كباب وناب والعصا والرحا ، وقال وباع ودعا ورمى.

__________________

(١) الشروى : المثل ، ويكون بلفظ واحد في الجميع ، فيقال : هو وهى وهما وهن شرواك أى مثلك.

ويقال : إنه لا يملك شروى نقير. وهو مثل يضرب في القلة.

(٢) في (غ): (مثل :).

(٣) التحقير : التصغير ، وفي الكتاب لسيبويه باب عنه (٣ / ٤١٥) قال : واعلم أن تحقير ذلك كتحقير ... (٣ / ٤١٩).

(٤) في (ط) : إذا وفي باقي النسخ : إذ.


وفي الطرف فوق الثلاثة ، زائدة كانت أو غير زائدة ، تقلب في مظان القلب ياء : كحبليان وملهيان ومرميان وكيدعيان أيضا وكيرضين فليتأمل.

وإما ثالثة فترد فيها إلى الأصل : كعصوان ورحيان ، وأعني بمظان القلب : التثنية ، وجمعي السلامة ، واتصال الضمائر المرفوعة البارزة ونوني التأكيد.

الهمزة طرفا بعد إخرى مكسورة تبدل ياء كالجائي ، وغير طرف ساكنة بعد متحركة تبدل مدة مناسبة لحركة المتحركة : كآدم وقولك : يسر أو سر. وحكم الطرف في جميع ما قرع سمعك لا يتغير بتاء التأنيث إلا إذا لزمت ، وذلك قليل كما في نحو : نهاية وعلاوة وخ خ خنذوة (١) وخ خ قمحدوة (٢).

وقد نظم حرف التثنية في سلك هذه التاآت من قال : ثنايان ومذروان.

النون ساكنة قبل الباء تقلب ميما : كعنبر ، تاء الافتعال تبدل طاء إذا كانت الفاء مطبقا : كاصطبر واطبخ واضطجع وخ خ اصطلم (٣) ، وإذا كانت بدل المطبق زايا أو دالا أو ذالا أبدلت دالا ، كازدجر وادان واذدكر ، وإذا كانت تاء قلبت كل واحدة منهما إلى صاحبتها : كاتار (٤) بالتاء ، والثاء التثنية والجمع بالألف ، والتاء والنسبة يقلبن همزة ألف التأنيث الممدودة واوا : كصحراوان وصحراوات وصحراوي ، والنسبة تقلب كل ألف في الطرف ، أو ياء مكسور ما قبلها فيه ، إذا لم تحذفا واوا ألبتة : كرحوي ومرموي وحبلوي وعصوي وملهوي وعموي وقاضوي ، وكذا نونا التأكيد تقلبان الألف في الطرف ياء.

__________________

(١) الخنذوة بالخاء ، والذال المعجمتين بينهما نون ، الشعبة من الجبل. ووقع في (ط) في (د) بالحاء والدال المهملتين.

(٢) القمحدوة : العظم الناتئ فوق القفا ، وهي بين الذؤابة والقفا.

(٣) اصطلم الشئ : استأصله.

(٤) في بعض النسخ (كاثار) بالثاء المثلثة.


الفصل الثاني

النتائج الجائزة

في النتائج الجائزة على استمرار : الواو غير طرف بعد ياء التحقير تبدل ياء : كجديل وأسيد ، وكذا طرفا في نحو مدعي ، وهي غير مشددة إذا انضمت ضما لازما تبدل همزة : كأجوه (١) [وأقتت](٢) ، وعند المازني (٣) رحمه‌الله أنها مكسورة أولا في إبدالها همزة. كتلك مثل : خ خ أشاح وخ خ إعاء أخيه.

الواو والياء غير البدل عن الهمزة فاء في باب الافتعال ثابتة تاؤه تبدل تاء : كاتعد واتّسر ويتعد ويتسر ومتّعد ومتسر ، وأنه كالواجب عند الحجازيين.

الياء بعد ألف غير زائدة قبل ياء النسبة تبدل همزة كثائي في النسبة إلى خ خ ثاية (٤) ، ونحو الياء في رضي وبادية تبدل ألفا في لغة طيء فيقال : رضا وباداة.

الألف [آخرا](٥) لغير التثنية قبل ياء الإضافة تبدل ياء في لغة هذيل قريبا من الواجب كعصي ورحي.

__________________

(١) أجوه : جمع وجه.

(٢) أقتت : في (ط) : وقتت.

(٣) المازني ، هو أبو عثمان بكر بن محمد بن بقية المازنى ، نحوى ، بصرى ، مؤلف رسالة التصريف ، ت ٢٤٧ ه‍ (أخبار النحويين البصريين ٥٧ ـ ٦٥). ورأى المازني في المفصل (١٧٢ ، ١٧٣) قال : (ومن الواو غير المضمومة في نحو إشاح ، وإفادة ، وإسادة ، و (إعاء أخيه) يوسف ٧٦ في قراءة سعيد بن جبير ، وإناه واحد ، في الحديث ، والمازنى يرى الإبدال من المكسورة قياسا.

(٤) الثاية : مأوى الإبل.

(٥) في (د) آخر.


الهمزة ساكنة لا بعد أخرى تبدل مدة مناسبة لحركة ما قبلها : كراس وذيب وسول ، ومفتوحة بعد ساكن تبدل ألفا عند الكوفيين : كالمرأة ، وبعد مضموم تبدل واوا : كجول ، وبعد مكسور ياء : كميرة ، ومكسورة بعد ياء التحقير ياء أيضا : [كأفيس](١) ، وكذا مضمومة بعد مكسور تبدل ياء أيضا عند الأخفش (٢) رحمه‌الله ، كيستهزيون ، وكيف كانت بعد مدة زائدة غير ألف تبدل مناسبة لها : كخطية ومقروة.

وههنا إبدالات تختص بباب الإدغام كاسمع ، واطير ، وازين ، واثاقل ، وادارؤا في : استمع وتطير وتزين وتثاقل وتدارؤا ، فتأملها أنت ، واعلم أن إبدال حروف اللين والهمزة بعضها من بعض نسميه إعلالا.

__________________

(١) أفيس : تصغير فأس ، وجمع فأس : أفؤس وفؤوس.

(٢) الأخفش : هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعى بالولاء ، النحوي ، المعروف بالأخفش الأوسط ت ٢١٥ ه‍ ، أحد نحاة البصرة ، وهو المقصود. والأخفش الأكبر : أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد ت ١٧٧ ه‍ ، والأخفش الأصغر : على بن سليمان ت ٣١٥ ه‍ ، (معجم الأدباء ٣ / ٢٤٦ ٢٥٧) (وفيات الأعيان ٢ / ٣٨٠ ، ٣٨١) (المعجم المفصل في اللغة ١ / ٢٢). ورأى الأخفش في الخصائص (٣ / ١٤٢) فيبدلها ياء البتة وهو رأى أبي الحسن.


الفصل الثالث

النتائج غير المستمرة

في النتائج غير المستمرة ، ووجه ضبطها على أن الاختصار أن نطلعك على ما وقع بدلا منه كل حرف من حروف البدل دون غيره ، اللهم إلا عند التعمق.

الألف وقعت بدلا في غير تلك المواضع عن الياء والواو والهمزة في نحو : طائي ، وياجل ، ولا هناك المرتع ، والمرأة عندنا ، وأما (آل) فالحق المعول فيه ، ما ذكره ابن جني (١) أن الألف فيه بدل عن همزة بدل عن الهاء.

والياء عن أختيها والهمزة والعين والنون والسين والثاء والباء في نحو : حبلى وصيم والواجي (٢) والضفادي (٣) وأناسي والسادي (٤) والثالي (٥) والثعالي (٦) ، وعن أحد حرفي التضعيف في نحو : دهديت وتلعيت ومكاكي (٧) ودياجي وتقضي البازي وأمليت ، ونحو تسريت ولم يتسن ، والتصدية باعتبار ، وقصيت الأظفار ، وديباج ، وديماس ، وديوان.

__________________

(١) ابن جني ، هو أبو الفتح عثمان بن جنى الموصلى النحوي ، من مصنفاته الخصائص ، وسر صناعة الإعراب ، وشرح التصريف للمازني ت ٣٩٢ بالموصل (وفيات الأعيان ٢ / ٢٤٦ ـ ٢٤٨). ورأى ابن جنى في الخصائص (٣ / ١٤٦) : فجفا عليه التقاء الهمزتين هكذا ، ليس بينهما إلا الألف ، فأبدل الثانية ياء كما أنه لما كره أصل تكسير ذؤابة ، وهو ذآئب أبدل الأولي واوا

(٢) الواجى : من وجأ أى ضرب.

(٣) الضفادى : الضفادع.

(٤) السادى : السادس.

(٥) الثالى : الثالث.

(٦) الثعالى : الثعالب.

(٧) جمع مكاء ، وهو طائر يألف الريف.


ونحو قوله : ايتصلت وما شاكل ذلك.

والواو عن أختيها في نحو : جبلو (١) ، وممضو (٢) عليه.

والهمزة عن حروف اللين والهاء والعين في نحو : بأز وشئمة ومؤقد وماء وأباب (٣) ، والهاء عن الألف والهمزة في نحو : يا هناه باعتبار وهرقت.

والجيم عن الياء في نحو قوله : أمسجت (٤) وأمسجا (٥).

واللام عن الضاد والنون في نحو : الطجع (٦) وأصيلال (٧).

والنون عن الواو في صنعاني.

والدال عن التاء في اجدمعوا (٨).

والصاد عن السين في نحو : اصبغ وصلح وصبقت وصاطع.

والزاي عنها أيضا في نحو : يزدل ثوبه (٩).

والتاء من الواو والصاد والسين والباء في نحو : أتلج (١٠) ولصت (١١) وطست

__________________

(١) في (ط) ، و (د) بالحاء المهملة ، والجبلو : الجبلي.

(٢) ممضو : ممضي.

(٣) أباب : عباب.

(٤) أمسجت : أمسيت.

(٥) أمسجا : أمسيا.

(٦) الطجع : اضطجع.

(٧) أصيلال : أصيلان.

(٨) اجدمعوا : اجتمعوا.

(٩) يزدل : يسدل أى يرخي.

(١٠) أتلج : أولج.

(١١) لصت : لص.


والذعالت (١).

والميم عن الواو والنون والباء في نحو : فم وبنام (٢) وكثم (٣). ولو لا أن الكلام في هذا الفصل ، وفيما قبله ، متطفل على الكلام في الفصل الأول إذا تأملت ، لما خففت فيهما كما ترى.

وأما القانون الخامس :

وهو أن شاهد القلب الدائر بين أن يكون مقلوبا عن غيره ، وأن لا يكون ما ذا؟ والذي حام حوله أصحابنا ، هو أن يكون أقل تصرفا ، كنحو قولهم : ناء يناء فحسب ، ونأى ينأى نايا ونحو : الجاه ، والحادي ، والآدر بمعنى الأدور (٤) ، والآرام (٥) بمعنى الأرآم ، والهاعي (٦) ، واللاعي (٧) والقسي (٨) والشواعي (٩) ، ونحو : الجائي إذا لم تحمله على تخفيف الهمزة ، أو أن يكون الإخلال بالقلب يهدم عندك أصلا يلزمك رعايته : كأشياء في غير باب المنصرف ، إذا لم تأخذها مقلوبة عن شيآء ، وقد كنت أبيت أن يكون أصلها أشياء هذا تمام الأصل.

وأما الملحق به : فهو إذا لم يكن معك من الأمثلة ما يصلح لتمام ما ذكرنا أن

__________________

(١) الذعالت : الذعالب ، وهو مع ذعلب ، وهى الناقة السريعة.

(٢) البنام : البنان ، وهو طرف الأصبع.

(٣) الكثم : الكثب ، وهو القرب.

(٤) الأدور : جمع دار.

(٥) الآرام : جمع رئم ، وهو الظبي الأبيض.

(٦) الهاعي : الهائع ، وهو الجزوع الجبان.

(٧) اللاعي : اللائع ، وهو الجزوع الجبان.

(٨) القسىّ : جمع قوس ، والأصل : قووس.

(٩) الشواعى : الشوائع ، جاءت الخيل شواعي ، وشوائع أي متفرقة.


تستخرج لأصالة الحروف وللزيادة أصولا ، وكذا لوقوع البدل عن معين ، فتستعملها.

وأما الحذف والقلب فيما نحن بصدده فكغير الواقع ندرة ، فلا تستخرج لهما أصولا ، وإن ألجئت إلى شيء من ذلك يوما من الدهر ، أمكنك أن تتقصى منه بأدنى نظر ، إذا أنت أتقنت ما سيقرع سمعك مما نحن له ، على أن تكون في استعمالك لتلك الأصول مجتهدا في أن لا تطرق لشيء [لك](١) منها إلى المعربة من نحو : مرزنجوش (٢) ، وباذنجانة ، وأسيفيدباج ، وإستبرق (٣) ، طريقا. وإلا وقعت في تخبط. ووجه الاستخراج هو أن تسلك الطريق على ما عرفت سلوكا في غير موضع ، صادق التأمل لحروف الزيادة.

وقد عرفتها أين تمتنع زيادتها أو تقل ، فتتخذ ذلك الموضع أصلا لأصالة الحروف ، وأين تجب لها أو تكثر ، فتتخذه أصلا للزيادة. وهكذا الحروف البدل ، وقد أحاطت بها معرفتك ، أيما موضع يختص بحرف معين أو يكثر ذلك فيه ، فتتخذه أصلا لكون ما سوى ذلك الحرف هناك بدلا منه ، وأنا أذكر لك ما أورده أصحابنا من ذلك في ثلاثة فصول :

أحدها : في بيان مواضع الأصالة.

وثانيها : في بيان مواضع الزيادة.

وثالثها : في بيان مواضع البدل عن معين.

لأخلصك عن ورطة الاستخراج.

__________________

(١) ليست في (د).

(٢) المرزنجوش : الزعفران ، طيب تجعله المرأة في مشطها يضرب إلى الحمرة.

(٣) الإستبرق : غليظ الديباج.


الفصل الأول

مواضع الأصالة

في بيان مواضع الأصالة وهي : الأول من كل كلمة لا تصلح لزيادة الواو ، فواو خ خ ورنتل (١) أصل ، وهو والحشو منها للام. فلام نحو خ خ لهذم (٢) وخ خ قلفع (٣) أصل ، والآخر أيضا له إلا في : عبدل ، وزيدل ، وخ خ فحجل (٤) ، وفي خ خ هيقل (٥) ، وخ خ طيسل (٦) ، وخ خ فيشلة (٧) احتمال. وأما نحو : ذلك ، وهنالك وأولالك ، فليس عندي بمنظور فيه.

والأول من كل اسم غير متصل بالفعل وقد نبهت عليه فيما تقدم ، إذا كان من بعده أربعة أصول لا يصلح للزيادة ، فنحو : الهمزة والميم في اصطخر وخ خ مردقوش (٨) أصل ، وهو والثاني من كل اسم غير متصل بالفعل أيضا ، إذا عرف في أحدهما زيادة ، فصاحبه لا يصلح للزيادة إلا نادرا خ خ كانقحر (٩) ، وخ خ انقحل (١٠) ، وخ خ انزهو (١١). فميم

__________________

(١) الورنتل : الشر والأمر العظيم.

(٢) اللهذم : السيف الحاد.

(٣) القلفع : الطين الذي إذا نضب عنه الماء يبس وتشقق.

(٤) الفحجل : الأفحج.

(٥) الهيقل : ذكر النعام.

(٦) الطيسل : الكثير.

(٧) الفيشلة : طرف الذكر.

(٨) المردقوش : الزعفران.

(٩) الأنقحر : المسن الهرم.

(١٠) الأنقحل : الشيخ الذي يبس جلده على عظمه.

(١١) الأنزهو : الرجل المتكبر.


منجنيق أصل ، إذ عرف ثانيه زائدا بقولهم مجانيق ، وغير أول الكلمة لا يصلح لزيادة الهمزة والميم في الأغلب فهما في نحو : ضئبيل (١) ، وزئبر (٢) ، وجؤذر (٣) ، وبرأل (٤) ، وتكرفأ (٥) ، وحرمل (٦) ، وعظلم (٧) ، أصل ، إلا إذا كانت الهمزة طرفا بعد ألف قبلها ثلاثة أحرف فصاعدا ، خارجة عن احتمال الزيادة ، فهي زائدة : كطرفاء (٨) ، وعاشوراء ، وبراكاء (٩) وبروكاء (١٠) ، وجخادباء (١١) ، إلا فيما احتمل أن يكون النصف الثاني منه ، إذا ألفيت [الألف](١٢) عين النصف الأول ، كالضوضاء ، ويسمى هذا مضاعف الرباعي ، والآخر من الفعل لا يصلح لزيادة النون ، فنون تدهقن وتشيطن أصل عند أصحابنا ، والأقرب عندي إلى تجاوب الأصول ، أن هذا الأصل أكثري ، والنون فيما ذكرنا زائدة ، وكل واحد من المواضع الأربعة من مضاعف الرباعي لا يصلح للزيادة ،

__________________

(١) الضئبيل : من أسماء الداهية.

(٢) الزئبر : ما يعلو الثوب.

(٣) الجؤذر : ولد البقرة الوحشية.

(٤) برأل : أن ينفش الطائر الريش حول عنقه.

(٥) تكرفأ : كثر والتف.

(٦) الحرمل : نبات معروف.

(٧) العظلم : عصارة بعض الشجر ، والعظلم المظلم.

(٨) الطرفاء : نوع من النبات الذى يستخدم حطبا.

(٩) البراكاء : السرعة في العدو.

(١٠) بروكاء : السرعة في العدو.

(١١) الجخادباء : الضخم الغليظ ضرب من الجخادب ، والجراد الخنفساء.

(١٢) في (ط) الفاء.


فليس في نحو : وعوع (١) وصيصية (٢) زيادة ، وكذا في نحو : قوقيت ، والسين لا تكون زائدة في الأسماء غير المتصلة بالأفعال ، كالميم في الأفعال ونحو : تمندل (٣) ، وتمدرع (٤) ، وتمسكن ، لا اعتداد به ، فميم تمعدد (٥) وتمغفر (٦) ، واسمهر (٧) ، واحرنجم (٨) ، وأمثالها أصل البتة.

وأما الهاء (٩) فقد كان أبو العباس المبرد (١٠) رحمه‌الله ، يخرجها عن الحروف الزوائد ، ولو لا أني في قيد الاختصار لنصرت قوله بالجواب عما أورد عليه الإمام ابن جني ، رحمه‌الله ، في ذلك (١١). ولكن كيفما دارت القصة ، فالأصل فيها الأصالة. فهاء نحو :

__________________

(١) وعوع : عوى ، والوعوعة من أصوات الكلاب.

(٢) الصيصية : شوكة الحائك الذى يسوي بها السداة واللحمة ، وصيصة الديك : الشوكة التى في رجله.

(٣) تمندل : تمسح بالمنديل من أثر الوضوء أو الطهور.

(٤) تمدرع : لبس المدرعة ، وهو ثوب كالدراعة.

(٥) تمعدد : صار في معد أو انتسب إليهم.

(٦) تمغفر : خرج يجني المغافير ، وهو صمغ يشرب نقيعه.

(٧) اسمهر الشوك : يبس وصلب ، اسمهر الظلام : تنكر.

(٨) احرنجم : أراد الأمر ثم رجع عنه.

(٩) ينظر شرح المبرد في المقتضب (١ / ٦٦) ، وينظر شرح الشافية (٢ / ٣٨٢) ، وهمع الهوامع (٢ / ٢١٥).

(١٠) المبرد : هو أبو العباس محمد بن يزيد ، نحوي بصري له : الكامل والمقتضب ، ينظر أخبار النحويين البصريين (٧٢ ـ ٨١) ، (١٠٨ ـ ١٢٠).

(١١) تنظر زيادة الهاء في التصريف الملوكي لابن جني ص (٢٤).


هجرع (١) ، ودرهم ، أصل. وأما هاء الوقف في نحو ثمه ، وكتابيه ، فبمعزل عندي عن الاعتبار أصلا.

__________________

(١) الهجرع : الأحمق. وقال الأصمعي : هو الطويل.


الفصل الثاني

مواضع الزيادة

في بيان مواضع الزيادة : أول كل كلمة فيها ثلاثة أصول ، لا يصلح لأصالة الهمزة والياء وكذا الميم. لكن في الأغلب ، فأوائل : أصبع ، ويعفر (١) ، ومذحج (٢) ، زوائد. وأعني بقولي : أصول ، أن خروجها عن حروف الزيادة يشهد لذلك. أو مواضعها ، وكل موضع من كلمة تشتمل على ثلاثة أصول ، وليست مضاعف الرباعي ، لا يصلح لأصالة حروف اللين إلا الأول للواو. فحروف اللين في نحو : كاهل ، وغزال ، والعلقي (٣) ، وضيغم ، وعثير (٤) ، وعوسج ، وخروع ، زوائد. وكذا إذا كانت أكثر من ثلاثة ، لكن سوى الأول لا يصلح لأصالتها أيضا. فهي في نحو : عذافر (٥) ، وسرداح (٦) ، والحبركي (٧) ، وسميدع (٨) ، وغرنيق (٩) ، وفدوكس (١٠) ، وفردوس ، والقبعثري ،

__________________

(١) يعفر : اسم.

(٢) مذحج : اسم أكمه ، واسم قبيلة.

(٣) العلقي : شجر تدوم خضرته.

(٤) العثير : الفجاج ، التراب ، الغبار ، الأثر الخفي.

(٥) العذافر : الأسد ، والعظيم الشديد من الإبل.

(٦) السرداح : الناقة الطويلة.

(٧) الحبركي : القوم الهلكى ، القراد والطويل.

(٨) السميدع : السيد الكريم والسخي الشريف ، والذئب ، والرجل الخفيف في حوائجه.

(٩) الغرنيق : طائر مائي أبيض.

(١٠) الفدوكس : الأسد ، والشديد.


وخزعبيل (١) ، وعضرفوط (٢) ؛ زوائد. وآخر كل اسم قبله ألف قبلها ثلاثة أحرف فصاعدا أصول ، لا يصلح لأصالة النون في الأغلب ، فنون سعدان ، وسرحان وعثمان وغمدان و [ملكعان](٣) وزعفران وجندمان (٤) وعقربان زائدة ، وكل موضع من الكلمة للنون أو التاء يخرجها بأصالتها عن أبنية الأصول المجردة ، وسنذكرها في الباب الثاني من هذا الكتاب ، لا يصلح لأصالتها ، فيحكم بزيادة النون والتاء في نحو : نرجس ، وكنهبل (٥) وترتب (٦) و [تتفل](٧) مفتوحي الأول وما لا يخرجها ، فالأمر بالعكس في الأغلب فهما في نحو : نهشل وحنزقر (٨) وصعتر (٩) وكذا في عنتر أصلان ، إلا النون إذا كانت ثالثة ساكنة ، مثلها في عقنقل (١٠) وحجنفل (١١) وشرنبث (١٢) فهي في نظائرها

__________________

(١) الخزعبيل : الباطل من الكلام.

(٢) العضرفوط : دويبة بيضاء ناعمة.

(٣) في (ط) : ملعكان ، والملكعان : اللئيم الدنىء.

(٤) الجندمان : اسم قبيلة.

(٥) الكنهبل : شجر عظام.

(٦) الترتب : الشىء القيم الثابت.

(٧) في (ط) تنفل ، بتاء بعدها نون ، والتتفل بتاءين : الثعلب أو جروه.

(٨) الحنزقر : القصير الدميم من الناس.

(٩) الصعتر : لون من النبات واحدته صعترة.

(١٠) العقنقل : الكثيب من الرمل.

(١١) الحجنفل : الغليظ الشفة.

(١٢) الشرنبث : القبيح الشديد.


زائدة ، وكذا كل موضع أو موضعين للتكرير من الكلمة : كقردد (١) ورمدد (٢) وعندد (٣) وشربب (٤) و [خدبّ](٥) وفلزوجين وقطع واقشعر ومرمريس (٦) وعصبصب (٧) إذا كانت توجد فيها ثلاثة أصول لا تصلح للأصالة.

واعلم أن أصول هذين الفصلين كثيرا ما يجامع بعضها البعض ، وهي في ذلك إما أن لا تورث ترددا في إمضاء الحكم مثلها في نحو : اصطبل ، حيث تقضي للام بالأصالة ، ثم للهمزة ، ونحو : يستعور (٨) ، حيث تقضي للسين والتاء بالأصالة ثم للياء ، ونحو : إعصار وإخريط (٩) وأدرون (١٠) حيث تقضي لحروف اللين بالزيادة ثم للهمزة ، ونحو : عقنقل حيث تقضي للنون بالزيادة ثم للمكرر ، ونحو : خفيدد (١١) حيث تقضي للياء والمكرر بالزيادة ، ونحو : ضميران حيث تقضي للياء والألف والنون بالزيادة ، فتمضي في الحكم كما ترى.

__________________

(١) القردد : ما ارتفع من الأرض ، جبل.

(٢) الرمدد : الكثير ، الدقيق ، الهالك.

(٣) العندد : يقال ما لي عنه عندد ولا معلندد : أى ما لي عنه بدّ.

(٤) الشرنبث : اسم واد أو موضع.

(٥) في (ط) : خدبب. والخدبّ : الشيخ ، العظيم من النعام وغيره.

(٦) المرمريس : شديد أو داهية.

(٧) العصبصب : الشديد.

(٨) اليستعور : الباطل ، وشجر.

(٩) الإخريط : نبات ينبت في الجدد.

(١٠) الأدرون : المعلف.

(١١) الخفيدد : ضرب من الشجر من ريحان البر.


وإما أن تورث من حيث هي هي ترددا ، إما لاجتماعها على سبيل التعاند مثل أصلي التاء في ترتب وتتفل بالفتح والضم ، أو على سبيل الدور مثل الأصلين في نحو : محبب وموظب ومكوزة (١) ومريم وأيدع وأوتكي وحومان ، وما جرى مجراها ، فيقع عنان الحكم في يد الترجيح ، اللهم إلا عند الإعواز ، فيحام حول الخيرة إذ ذاك. والقانون عندي في باب الترجيح ههنا هو اعتبار شبهة الاشتقاق ابتداء ، ثم من بعد اعتبار الكلي من هذه الأصول ، ثم إن وجد تعارض في النوعين ، اعتبار اللواحق ، وأعني بقولي ههنا أن المنظور فيه ليس يرجع إلى اشتقاقين رجوع أرطى (٢) حيث يقال : بعير آرط وراط ، وأديم مأروط ومرطي ، وشيطان حيث يعتزى إلى أصلين يلتقيان به وهما ش ، ط ، ن. وش ، ي ، ط. فإن الترجيح في مثل هذا عند أصحابنا ، رحمهم‌الله ، بالتفاوت في وضوح الاشتقاق وخفائه ليس إلا ، ونحن نستودع هذا الفصل من الأمثلة على اختصار ما يورثك ، بإذن الله تعالى ، كيفية التعاطي لهذا الفن ، جاذبا بضبعك (٣) فيما أنت من تمام تصوره بمنزلة ، ثم نحيل باقتناص غايات المرام إذا رأيناها قد أعرضت لك ، مما فعلنا بك على صدق همتك في السعي لما يعقب ذلك.

أما الترجيح بشبهة الاشتقاق ، فكالقضاء في نحو : موظب ومكوزة ومحبب للواو ، والمكرر بالأصالة دون الميم على ارتكاب الشذوذ عما عليه قياس أخواتها من الكسر والإعلال والإدغام لما يوجد من وظ ب ، وك وز ، وح ب ب في الجملة دون م ظ ب ، وم ك ز ، وم ح ب ، وأنا إذا قضيت لمريم وياجج بمفعل ويفعل ، ولترتب وتتفل في اللغتين بزيادة التاء ، ولإمرة بفعلة ولعزويت (٤) بفعليت ، دون فعليل أو فعويل قضيت لهذا. وأما الترجيح بالكلي فكالقضاء بزيادة تاء ترتب وتتفل بدون اعتبار شبهة

__________________

(١) المكوزة : الرأس الطويل ، ومكوزة اسم.

(٢) الأرطي : شجر ينبت في الرمل.

(٣) جذب بضبعه : أعانه وقواه.

(٤) عزويت : حي من الجن ، موضع.


الاشتقاق. وأما الترجيح باللواحق فكالقضاء لمدين بزيادة الميم دون الياء ، لعوز فعيل بفتح الفاء في الأوزان ؛ وزيادة ميم مريم تؤكد بهذا ؛ وكالقضاء لمورق منه ومهدد (١) وماجج (٢) بزيادة الواو ، والمكرر دون الميم للزوم الشذوذ زيادتها وهو فتح الراء إذ ذاك ، وفك الإدغام مع عدم ما أوجب ارتكابه في مريم ، وكالقضاء لحومان بزيادة النون دون الواو لما تجد فعلان في الأوزان أكثر من فوعال ، ولحسان مضموم الحاء بفعلان لما تجده أكثر من فعال بالإطلاق ، ولرمان بعكس هذا لما تجد فعالا في باب النبات أكثر من فعلان. ولحسان وحما (٣) رقبان بفعال ، إذا نقلا إليك مصروفين ، وبفعلان إذا نقلا إليك غير مصروفين. ولأيدع وأولق وأوتكي بزيادة الهمزة دون الياء والواو ، لما تجد أفعل أكثر من فيعل وفوعل. ولأمعة بزيادة المكرر لما تجد فعلة أكثر من أفعلة : فاؤها وعينها من جنس واحد. وهذا يؤكد ما قدمنا في إمرة ولكلتا بزيادة الألف وإبدال التاء من الواو ، لعوز فعتل والحولايا (٤) بفوعالا دون فعلايا لعوزها ، ولما تجد فعليتا دون فعويل تتأكد فعليتيه عزويت دون فعويليته. ولنقتصر على هذا القدر في التنبيه به على ما حاولنا فإنه ، بل الأقل ، كاف في حق من أوتي حظا من الجلادة ، فأما البليد ، فوحقك لا يجدين عليه التطويل ، وإن تليت عليه التوراة والإنجيل.

__________________

(١) مهدد : اسم امرأة.

(٢) ماجج : اسم مكان.

(٣) حما رقبان : دويبة.

(٤) الحولايا : اسم مكان ، وفي معجم البلدان : قرية كانت بنواحي النهروان.


الفصل الثالث

مواضع البدل

في بيان مواضع يقع البدل فيها عن حرف معين : الألف طرفا زائدة على الثلاثة أو ثالثة لكن قبلها ياء لا تكون إلا مبدلة عن ياء ، وكذا إذا لم تكن قبلها ياء لكنها تمال أو صدر كلمتها واو ، اللهم ، إلا نادرا.

الباب الثاني

في معرفة الطريق إلى النوع الثاني وكيفية سلوكه أيضا

في الطريق إلى معرفة الاعتبارات الراجعة إلى الهيئات : والكلام فيه مبني على الأصل الممهد في الباب الأول من مراعاة الضبط ، وتجنب الانتشار.

اعلم أن الطريق إلى هذه الاعتبارات ، على نحو الطريق إلى الاعتبارات الأول ، من انتزاع كلي عن جزئيات ، وسلوكه هو أن تعمد لاستقراء الهيئات فيما يتناوله الاشتقاق متطلبا بين متناسبتها ، رد البعض إلى البعض عن تأمل تتفتح له أكمام المناسبات المستوجبة للرعاية هناك ، مصروف الاجتهاد في شأن الرد إلى اعتبار أبلغ ما يمكن من التدريج فيه ، فاعلا ذلك عن كمال التنبه لمجاريه وشواهده ، وما يضاد ذلك ، ضابطا إياها كل الضبط ، في أصول تستنبطها وقوانين ؛ وكأني بك وقد ألفت فيما سبق ، أن أكون النائب عنك في مظان الاستقراء ، ومداحض التأمل ، تنزع ههنا إلى مألوفك ، فاستمع لما يتلى عليك وبالله التوفيق.

اصطلاحات :

ولنقدم أمام الخوض فيما نحن له عدة اصطلاحات لأصحابنا ، رحمهم‌الله ، عسى أن يستعان بها على شيء من الاختصار في أثناء مساق الحديث ، وهي : أن الاسم والفعل ،


إذا لم يكن في حروفه الأصول معتل ، سمي صحيحا وسالما ، وإذا كان بخلافه سمي معتلا ، ثم إذا كان معتل الفاء سمي مثالا ، وإذا كان معتل العين سمي [أجوف](١) ، وذا الثلاثة ، وإذا كان معتل اللام سمي منقوصا ، وذا الأربعة. وإذا كان معتل الفاء والعين ، أو العين واللام ، سمي لفيفا مقرونا ، وإذا كان معتل الفاء واللام سمي لفيفا مفروقا.

ثم إن صحيح الثلاثي أو معتله ، إذا تجانس العين منه واللام ، سمي مضاعفا ، وكذا الرباعي ؛ إذا تجانس الفاء واللام الأولى منه ، والعين واللام الثانية منه ، سمي مضاعفا. وقد تقدم هذا. والأول حقه الإدغام ؛ وهذا لا مجال فيه لذلك.

وإذ قد وقفت على ذلك ، فلنعد إلى الموعود منبهين على أن الكلمة المستقرأة نوعان : نوع يشهد التأمل لتقدمه في باب الاعتبار ، ونوع بخلافه ، والثاني هي الأفعال. ومن الأسماء ما يتصل بها ، وقد تنبهت لها في صدر الكتاب. والأول هي ما عدا ذلك وتسمى الأسماء الجوامد. ووجه التقدم والتأخر بين النوعين على ما يليق بهذا الموضع ، هو أن الفعل : لتركب معناه ظاهر التأخر عن الجوامد. وما يتصل به من الأسماء لا شك في فرعيتها عليه ، إلا المصدر فقط عند أصحابنا البصريين ، رحمهم‌الله ، ودليل إعلال المصدر وتصحيحه باعتبار ذلك في الفعل ؛ وستقف عليه في أثناء النوع الثاني ، يرجح عندي مذهب (٢) الكوفيين ، فليتأمل المنصف ، وفرع المتأخر عن الشيء لا بد من أن يكون متأخرا عن ذلك الشيء ، ونحن على أن نراعي في إيراد النوعين حق الترتيب ، والله المستعان وعليه التكلان.

النوع الأول : وهو مشتمل على فصلين : أحدهما في هيئات المجرد من ذلك ، والثاني في هيئات المزيد.

__________________

(١) في (ط) : أجوفا وهو خطأ ، والصواب ما أثبتناه من (د) و (غ) فإنه ممنوع من الصرف.

(٢) خلاف الكوفيين والبصريين في المصدر ، الإنصاف (: ٢٣٥).


الفصل الأول

الثلاثي المجرد من الأسماء

اعلم أن الثلاثي المجرد من الأسماء بعد التزام تحريك الفاء ، إما لامتناع سكونه عند بعض أصحابنا ، أو لأدائه إلى الكلفة عند آخرين ، وهو المختار ، وإما امتناع الابتداء بالألف والواو والياء المدتين ، فلذواتها عندي ، لا لما بني عليه مذهبه الإمام ابن جني ، رحمه‌الله ، ودعوى امتناع الابتداء بالساكن ، فيما سواها حتما غير مدغم ومدغما ممنوعة ، اللهم إلا إذا حكيت عن لسانك. لكن ذلك غير مجد عليك. وبعد ترك اللام للأعراب كان يحتمل اثنتي عشرة هيئة من جهة ضرب أحوال عينه الأربع وهي : السكون والحركات الثلاث في أحوال فائه الثلاث ، وهي الحركات دون السكون ؛ لكن الجمع بين الكسر والضم [لازما](١) حيث كان ينبو الطبع عنه فأهمل ، وحمل في الدئل (٢) والوعل والرئم ، مضمومات فاء ، مكسورات عينا ، على كونه فرعا فيها. مثله في ضرب ، لو سمي به مأخوذة هي من جملة زيد وأسامة ، وفي الحبك (٣) ، بالعكس من الأول الثلاث على ما رواه الإمام ابن جني ، رحمه‌الله ، على تداخل لغتي : حبك بكسرتين ، وحبك بضمتين ، فيه عادت الهيئات عشرا وهي : كشح (٤) وكفل (٥) وكتف وعضد ورجل وضلع وأطل (٦) وبرد وصرد (٧) وطنب (٨). وكل واحدة منها فيما

__________________

(١) في (غ) : لازم.

(٢) الدئل : ابن آوى.

(٣) الحبك : الشدّ ، وحبك الرمل : حروفه وأسناده.

(٤) الكشح : ما بين السرة ووسط الظهر.

(٥) الكفل : العجز ، الردف.

(٦) الأطل : الخاصرة ، والجمع : آطال.

(٧) الصرد : طائر ضخم الرأس.

(٨) الطنب : الحبل الطويل الذي يشد به سرادق البيت أو الوتد.


ذكرنا ، أصلية. وفحوى الكلام بذلك تدلك ، بإذن الله تعالى عن قريب ، لكنها في غير ذلك ، قد يرد بعضها إلى البعض ، إما في موضع تجتمع فيه كنحو : رد فخذ وفخذ وفخذ مثلا ، بفتح الفاء وكسرها مع سكون العين ، وبكسرهما معا إلى فخذ بفتح الفاء وكسر العين دون أن يكن أصولا لمكان الضبط ، مع عدم ما يمنع عنه ، وهو عدم مساواة بعضها البعض فيما تثبت له الأصالة والفرعية ، أو يحكم بالعكس من ذلك لمكان المناسبة ، وهي كون الأكثر وقوعا في الاستعمال ، أولى بالأصالة لا محالة ، وتقرير هذا ظاهر.

ووجه آخر ، وإن كان دونه في القوة ، وهو كون العذر في ترك ما يترك بعد تقدير تحققه إلى ما سواه ، أيسر منه إذا قلبت القضية مثله في ترك فخذ بفتح الفاء وكسر العين. وكذا كل فعل ثانيه حرف حلق إلى فعل بإبطال حركة العين للتخفيف ، أو فعل بنقلها إلى الفاء ، لذلك أيضا أو فعل باتباع الفاء العين ، لتحصيل المشاكلة. وكنحو : رد كتب جمع كتاب ، بضم الفاء وسكون العين ، إلى كتب بضمتين للضبط أيضا والمناسبة من الوجهين. والعلة في ترك الأصل الاستخفاف. وكنحو : رد قطب بضمتين ، إلى قطب بسكون العين للضبط ، ولأول وجهي المناسبة. وإن ذهب بك الوهم إلى شيء من إيراد الوجه الآخر معارضا ، فتذكر ضعفه.

والعلة في ترك الأصل طلب المشاكلة ، وإما في غير موضع ، كنحو رد فعل في [الجموع](١) بكسر الفاء وسكون العين في الأجوف اليائي : كبيض إلى فعل فيها بضم الفاء في غير ذلك ، كسود وزرق مثلا ؛ دون أن يؤخذ أصلين للضبط أو يعكس الحكم فيهما للمناسبة من وجهيها.

أحدهما : كون فعل بالضم في [الجموع](٢) أكثر ، لوقوعها في الصحيح والأجوف الواوي.

__________________

(١) في (ط) : المجموع.

(١) في (ط) : المجموع.


والثاني : أن ترك الضم إلى الكسر مع الياء ، أقرب من ترك الكسر إلى الضم مع الراء ، مثلا : ورد فعل فيها ، بضم الفاء وسكون العين في المضاعف ، كذب : جمع ذباب ؛ والأجوف الواوي ، كعون إلى فعل فيها بضمتين فيما سوى ذلك ، ككتب وقذل للضبط والمناسبة ، فاعتبرها.

وأما الرباعي المجرد منها ، فهيئاته المتفق عليها خمس ، لعدم احتمالهن ما يحتمل سواهن من القدح في انخراطها في سلكهن ، أو بعدهن عن ذلك الاحتمال بعدا مكشوفا ، وهي : جعفر وزبرج (١) وجرشع (٢) وقلفع (٣) وحبجر (٤). وأبو الحسن الأخفش ، أثبت سادسة وهي جخدب (٥) بضم الجيم وسكون الخاء وفتح الدال ، وهي عندي من القبول بمحل ، لمساواته جخدبا بضم الدال في الاعتبار ، فليتأمل. وناهيك بوجوب قبولها إن لم ينكرها عليه من خلف في هذا المضمار الأولين والآخرين ، وهو شيخنا الحاتمي تغمده الله برضوانه. وأما نحو : جندل (٦) وعلبط (٧) فبعدهما البعيد عن الاعتدال ، وهو توالي أربع حركات ، هو أول ما اقتضى الهرب عن أصالة هيئتهما ، وحملهما على جنادل وعلابط. وأما الخماسي المجرد فهيئاته المتفق عليها أربع وهي : فرزدق (٨) وجحمرش (٩) وقرطعب (١٠) وقذعمل (١١).

__________________

(١) الزبرج : الزينة من وشى وجوهر الذهب.

(٢) الجرشع : العظيم الصدر.

(٣) القلفع : الطين الذي إذا نضب عنه الماء يبس وتشقق.

(٤) الحبجر : الوتر الغليظ.

(٥) الجخدب : الجراد الطويل الأخضر.

(٦) الجندل : المكان الغليظ الذي فيه حجارة.

(٧) العلبط : القطيع من الغنم.

(٨) الفرزدق والفرزدقة : الرغيف يسقط من التنور ، وفتات الخبز ، وهو لقب همام بن غالب بن صعصعة ، الشاعر الأموى.

(٩) الجحمرش : العجوز الكبير ، والمرأة السمجة ، والأرنب المرضع ، ومن الأفاعي : الحثناء ، جمعه جحامر.

(١٠) القرطعب : يقال ما عنده قرطعبة ، أي لا قليل ولا كثير أو شىء.

(١١) القذعمل : الشيخ الكبير.


الفصل الثاني

في هيئات المزيد

وأما هيئات المزيد من الأبواب الثلاثة ، ففيها كثرة يورث حصرها سآمة ، فلنخص بالذكر منها عدة أمثلة لها مدخل في التفريع. والقانون في ذلك هو أن لا يكون المثال إلحاقيا ؛ وتفسير الإلحاق ، هو : أن يزاد في الكلمة زيادة ، لتصير على هيئة أصلية لكلمة فوقها في عدد الحروف الأصول ، وتتصرف تصرفها. والاستقراء المنضم إلى اعتبار المناسبات افتر عن امتناع كون الألف للإلحاق حشوا. والسر في ذلك هو : أن الزيادة الإلحاقية جارية مجرى الحرف الأصلي. والألف متى وقعت موقع الحرف الأصلي ، كباب وناب ، وقال ومال ، كانت في تقدير الحركة البتة ، بدليل امتناع وقوعها حيث لا حركة : كدعون ورمين ويدعون ويدعين ويرمين ونظائرها. فلو جوز كونها للإلحاق حشوا ، لاقتضى الرجوع إلى المهروب عنه في جندل وعلبط.

وأمر آخر ، وهو أن القيد الذي اعتبرنا ، وهو قولنا تتصرف تصرفها ، يمنع عن ذلك ، إذ يستحيل أن تصرف نحو ، كاهل وغلام ، تصرف الرباعي في التحقير والتكسير والألف ألف ، والوجه هو الأول ، وجميع القيود المذكورة في تفسير الإلحاق متضمنة لفوائد جمة ، فلا تحرمها فكرك ، وإذ قد عرفت هذا ، فتقول من الأمثلة التي لها مدخل في التفريع : أفعل بفتح الهمزة وسكون الفاء وضم العين جمعا نحو : الأعصر يفرع عليه أفعل فيها بنقل ضم العين إلى الفاء في المضاعف ، كالأشد ؛ وأفعل فيها أيضا بإبدال ضم العين كسرة في المنقوص كالأظبي (١) والأدلى (٢) للضبط والمناسبة.

أما المضاعف فلأن الداعي معه إلى تسكين أحد المتجانسين ، وهو العين إذا قدرت

__________________

(١) الأظبي : جمع ظبي.

(٢) الأدلى : جمع دلو.


متحركة في الأصل ، ليتوصل به إلى الإدغام المزيل عن اللفظ كلفة التكرار المستبشع ، أقرب حصولا منه مع غير المضاعف ، إلى تحريك العين إذا قدرت ساكنة في الأصل.

وأما المنقوص فلأن الداعي معه إلى كسر العين إذا قدرت مضمومة ليتوصل به إلى قلب الواو في الأدلى ياء ، ويتخلص عن قلب الياء ، لو لم تكسر واوا في الأظبو ، مثلا.

ولن يخفى عليك فضل الياء على الواو في الخفة ، وهي في الجموع أولى بالطلب ، أقرب حصولا منه مع غير المنقوص إلى ضم العين إذا قدرت مكسورة في الأصل. وفعول بضم الفاء والعين كالعقود والقعود جمعا وغير جمع يفرع عليه فعيل وفعيل ، بكسر العين مع ضم الفاء أو كسرها في المنقوص : كحلي وعصي وعتي وعتي للضبط والمناسبة. بقريب مما تقدم ، فانظر. والجمع الذي بعد ألفه حرفان ، بكسر ما بعد الألف وفتح الصدر : كدراهم ، يفرع عليه الذي ما بعد ألفه ساكن في المضاعف : كدواب ؛ والذي ما بعد ألفه مفتوح مضموما صدره أو مفتوحا فيما آخره [أيضا](١) : كغياري وحيارى. لذلك ألفا فتدبر وحم عند [الضمة](٢) حول الندرة في أمثلة الجمع مع عدم لزومها مكانها ، لاستعمال الفتح بدلها هناك. ولنقتصر ، وإلا فإن الشأو بطين ، وليس الري عن التشاف. وستسمع من هذه الأبنية ما تقضي عنها الوطر.

النوع الثاني : وهو مشتمل على صنفين : أحدهما في الأفعال ، والثاني في الأسماء المتصلة بها. أما الصنف الأول ، ففيه فصلان : أحدهما في هيئات المجرد من ذلك ، والثاني في هيئات المزيد.

__________________

(١) في (ط) ألفا.

(٢) في (ط) : الضم.


الفصل الأول

في هيئات المجرد من الأفعال

اعلم أن [للثلاثي] المجرد من الأفعال الماضية ، وهو ما يكون مقترنا بزمان قبل زمانك ، هيئات منها هذه الثلاث : فتح الفاء واللام ، مع فتح العين ، نحو : طلب ؛ أو كسرها ، نحو : علم ؛ أو ضمها ، نحو : شرف ، وتقبلها قوانين هذا الفن أصولا ، ولا مانع. وهي لبناء الفعل للفاعل. فإذا أريد بناؤها للمفعول ، كانت الهيئة حينئذ بضم الفاء وكسر العين ، نحو : سعد. فهذه الهيئة وما سواها مما تسكن العين فيه مع فتح الفاء ، كنحو : شد وقال ، أو ضمها الخالص ، كنحو : حب وقول وعصر في قوله :

" لو عصر منها البان والمسك انعصر"

أو المشم كسرة ، كنحو : قيل. أو كسرها ، كنحو : نعم وقيل. أو تكسر العين فيه ، مع كسر الفاء ، كنحو : شهد. أو تسكن لامه مع فتح الفاء ، كنحو : دعا. أو ضمها كنحو : بني في قوله : " [بنت](١) على الكرم".

لما فرعها الضبط والمناسبة على الأول الثلاث تارة بمرتبة واحدة ، فيما كان من ذلك مبنيا للفاعل ، وأخرى بمرتبتين ، فيما كان مبنيا للمفعول لا جرم ، عددنا الأصول تلك الأول ، لا غير. [والمناسبة](٢) هي : أن المبني للمفعول ، معلول المبني للفاعل معنى ،

__________________

(١) من (د) و (غ) وفي (ط) : بنيت بزيادة ياء مثناة تحتية بين الباء والتاء وهو عجز بيت من المنسرح لبعض بني بولان من طىء قال :

نستوقد التبل بالحضيض و

نصطاد نفوسا بنت على الكرم

(شرح الحماسة ١ : ١٦٥) (الصرف للميداني وفيه على كرم).

(٢) من (د) وفي (ط) وفي (غ) المناسبة من غير واو.


والمعلول متأخر عن علته ، فناسب رعاية هذا القدر في اللفظ. [وأن تعليل](١) ترك الحركة حيث تترك ، أقرب من تعليل ترك السكون حيث يترك ، ألا تراك كيف ترى مواضع الترك في المثلين في شدد ، والمعتل في قول وبيع ودعو وبني ، واجتماع الضم والكسر في عصر ، الحركة فيها كلها من الثقل على ما [يحس](٢) به طبعك المستقيم ، فتجد التعليل لتركها إلى سبب الإدغام والإعلال والتخفيف ، وهو السكون تفاديا عن تضاعف الثقل اللازم لمراعاة الأصل فيها ، وهو التحريك على نحو ما سواها أقرب ، والعمل بالأقرب ، كما لا يخفى عليك ، أقرب ، ونحن في باب الإعلال على ما عليه الإمام ابن جني ، من تسكين المعتل المستثقل حركته ، غير عارضة المتضاعف ثقله بتحريك ما قبله في هيئة كثيرة الدور حركة ، لا في حكم الساكن خاليا عن المانع ؛ ثم من إعلاله بعد [لقوة](٣) الداعي إلى الأول ولين عريكة الثاني ، لارتياضه بالأول ، ولا بد لك من أن تعلم أن الإعلال نوعان :

أحدهما أصل : وهو ما استجمع فيه القدر المذكور ، كنحو : قول في أصل قال ، ودعو في أصل دعا ، دون قولك قول في المصدر بسكون المعتل. وأما نحو : طائي ، وستعرف في الفصل الثالث من الكتاب أن الأصل [طيئىّ](٤) ونحو ياجل فلا اعتداد به ؛ أو قولك : دعوا القوم لعروض حركته ، أو قولك : عوض بكسر الفاء وفتح العين ؛ أو نوم بضم الفاء وفتح العين لقلة دور الهيئة ؛ أو قولك : عور بمعنى أعور ، واجتوروا بمعنى تجاوروا ؛ لكون حركة ما قبل الواو في حكم السكون. وسيوضح لك هذا خواص الأبنية ، أو قولك : دعوا ورحياك وجواد وطويل وغيور لمانع فيه ، وهو أداء الإعلال إلى الاشتباه في مواضع لا تضبط كثرة ألا تراك لو أعللت لزم الحذف في دعوا ورحياك

__________________

(١) في (ط) : وأى تعديل لترك.

(٢) في (ط) : يحسن بالنون في آخره.

(٣) في (ط) وفي (غ): (القوة).

(٤) من (د). وفي (ط) طيئ. وفي (غ) جاءت محرفة إلى (طلى).


لامتناع قلب ألف الاثنين همزة ، ولرجعا إلى دعا ورحاك ولزم تحريك المد في الباقية ، همزة مكسورة ، على نحو : رسائل وصحائف وعجائز ، لبعد حذف الأول مع أدائه إلى الالتباس بغير هيئاتها أيضا ، ولرجعت إلى جائد وطائل وغائر ، وكذا دون نحو : لتخشين. وستعرف السر في آخر الفصل الثالث من الكتاب. وكذا دون قوي وطوي لمانع هنا أيضا ، وهو عندي أداؤه في المضارع إلى العمل بما ترك ألبتة ، وهو رفع المعتل كيقاي (١) ويطاي (٢) مثل الامتناع السكون ، وهي العلة بعينها في الاحتراز عن أن يقال : قويا لإدغام ههنا وارعو في باب افعل ، وكذا في استضعاف حي مع الاستغناء [بيحيىّ] عن [يحيىّ]. وعند أصحابنا ، رحمهم‌الله ، ما يذكر في نحو النوى والهوى من الجمع بين إعلالين ، ولا تنافي بين هذا وبين الأول ، وكذا دون العور والحول لمانع هنا أيضا ، وهو الإخلال بما يجب من ترك الإعلال اتباعا للمصدر. (الفعل) (٣).

والقول فيه على مذهب الكوفيين واضح (٤) ، وكذا دون الحيوان والجولان [لمانع](٥) ، وهو نقض الغرض فيما أريد بتوالي حركاته من التنبيه على الحركة ، والاضطراب في مسماه ، والاستقراء يحققه ، والموتان من حمل النقيض على النقيض. وإنه باب واسع ، وله مناسبة وهي : أن النقيضين غالبا يتلازمان في الخطور بالبال ، والشاهد له تلازم الوجدان ، وسيوقفك على سبب تلازمهما في ذلك علم المعاني ، فيشتركان فيه والخطور المعين ، إن لم يسلم كونه علة في الوضع المعين ، فلا بد من أن يسلم توقف تأثير علة ذلك الوضع عليه ، بدليل امتناع وقوع الوضع بدون خطور البال ، فيكون الخطور

__________________

(١) يقاي : من قوى ـ لو قيل فيه : قاى ـ بإعلال العين.

(٢) يطاي : من طوى ـ لو قيل فيه : طاى ـ بإعلال العين.

(٣) وقع في (غ): (هذا تكملة ، وليس منقطعا. الفعل والقول).

(٤) يرى الكوفيون أن المصدر مشتق من الفعل وفرع عليه ، ويرى البصريون أن الفعل مشتق من المصدر وفرع عليه. (الإنصاف في مسائل الخلاف) ، (١ / ٢٣٥).

(٥) في (ط) : المانع.


المعين علة لعلية تلك العلة ، بدليل دورانها معه وجودا وعدما ، فيلزم من وجود ذلك الخطور وجود معلوله لامتناع انفكاك العلة التامة عن معلولها ، ومعلوله عليه تلك العلة ، وعليه الشيء وصف له ، وتحقق وصف الشيء المعين يستحيل بدون تحقق ذلك الشيء ، فيلزم من وجود ذلك الخطور المعين ، وجود تلك العلة المعينة ، فيلزم من مشاركة النقيض النقيض في الخطور ، مشاركته إياه : إما في علة الوضع ، أو [علة](١) علة الوضع ، وعلى الاحتمالين يلزم مشاركته إياه في الوضع. هذا ما يليق بهذا الأصل من التقرير.

ولنرجع إلى المقصود ، ونظير الحيوان والجولان الصوري وأخواتها ، وكذا دن نحو القود والحركة لمانع أيضا ، وهو آخر الوجوه ، وإنه قريب مما تقدم وهو نقض الغرض فيما أريد به من التنبيه على الأصل ، وفي مساق الحديث في هذا الفصل ما يدل على قول أصحابنا من أن الفعل أصل في الإعلال ، فتنبه.

والنوع الثاني من الإعلال فرع على ما تقدم ، وهو أن يعل ، وإن فات شيء من المذكور ، كفوات تحرك ما قبل المعتل ، وهو الغالب على هذا النوع ، أو فوات ما بعد المعتل غير مدة ، لتفرعه على ما هو أصل في الإعلال ، وهو الثلاثي من الأفعال المجرد صورة ومعنى ، نحو : قال وباع دون أقال ؛ ونحو عور ، وذلك نحو : يخاف وأقام واستقام ومقام بالفتح ومقام بالضم ، أعلت مع فوات حركة ما قبل المعتل ؛ إذ الأصل فيها يخوف وأقوم واستقوم ومقوم ومقوم بسكون ما قبل المعتل ؛ كما يظهر لك ، بإذن الله ، دون أعين وأدور وأخونة وأعينة ، وكذا [دون](٢) نحو : أبيض وأسود وما انخرط في سلكها ، لتفرع الأول على الأسماء ، والثانية على باب أفعال.

وتمام الحديث ينبهك على شأنه ، وهذا ، أعني التفرع على الفعل الثابت القدم في الإعلال ، هو الأصل عندي في دفع ماله مدخل في المنع عنه ، كسكون ما قبل المعتل من

__________________

(١) من (د) و (غ). وسقطت من (ط).

(٢) في (د): (دن).


يخاف وأخواته ؛ اللهم إلا إذا كان المانع اكتناف الساكنين المعتل ، كما في نحو أعوار وأعور أيضا ، وفي : تقوال وتسيار وتبيان وتقويم وتعيين ومعوان ومشياط و [مخيط](١) أيضا ، فبابه منقوص عن مفعال ، وهو مذهب الخليل (٢) ونحن عليه. وقوال أيضا وبياع ، فإنه يحتاج في دفعه إلى زيادة قوة في [الدافع](٣) ، ككون الإعلال في أصول المكتنف ، نظير الإقامة والاستقامة ؛ فستعرف أن الأصل أقوامه واستقوامه ؛ والمقول والمبيع من قيل وبيع متوارثا ؛ أو كون التصحيح مستثقلا بينّ الاستثقال ، كما لو قيل : مقوول ومبيوع.

أو كان المانع امتناع ما قبل المعتل عن التحريك ، كالألف في قاول وبايع وتقاولوا وتبايعوا ، فإنه يحتاج في دفعه أيضا إلى تقوية الدافع ، كنحو ما وجدت في باب : قاول وبايع اسمي فاعلين من قال وباع حتى أعلا ، فلزم اجتماع ألفين ، فعدل إلى الهمزة ، وهي تحصيل الفرق بينهما وبين عاور وصايد مثلا اسمي فاعلين من عور وصيد ؛ وهذا المعنى قد يلتبس بمعنى التفرع ، فيعدان شيئا واحدا. فليتأمل.

أو كان المانع تحصن ما قبل المعتل بالإدغام عن التحريك ، كنحو ما في جوز وأيد ، وتجوز وتأيد ، [وقوال](٤) وبياع أيضا ، فلا مدفع له.

وكذا إذا كان المانع المحافظة على الصورة الإلحاقية كجدول وخروع وعليب أيضا ، على قول أبي الحسن في جخدب بفتح الدال ، أو التنبيه على الأصل ، كما في بابي ما أقوله ، وهو أقول منه ، ونحو : [أغيلت المرأة](٥) واستحوذ ، وهذا فصل كلام أصحابنا

__________________

(١) في (ط) و (غ) (مخبط) بالباء الموحدة.

(٢) الكلام عن (أعور) في الكتاب (٤ / ٣٤٧ ، ٣٥٦) (... وقد يعتوران الشىء الواحد نحو مفتح ومفتاح ومنسح ومنساح ومقول ومقوال ، فإنما أتممت فيما زعم الخليل أنها مقصورة من مفعال أبدا).

(٣) في (ط): (الدفع) ، وهو تصحيف.

(٤) في (ط): (وقول) ، وهو تصحيف.

(٥) وقعت في (ط) مصحفة إلي (أغليت) وتكرر لفظ المرأة مرتين.


فيه مبسوط ، وسيحمد الماهر في هذا الفن ما أوردت ، وبالله الحول ، وللمتقدم الفضل.

ولمضارعه ، ويدعى غابرا ومستقبلا ، وهو ما يعتقب في أوله الزوائد الأربع وهي :

الهمزة والنون والتاء والياء مقترنا بزمان الحال أو الاستقبال ، عدة هيئات ؛ والأصول منها بشهادة ما يستشهد في هذا الفن ، وقد نبهت عليه غير مرة ، ثلاث : يفعل ويفعل ويفعل بفتح الزوائد وسكون الفاء ؛ والعين إما مكسورة نحو يعرف ، أو مضمومة نحو يشرف ، أو مفتوحة نحو يفخر ، وأما اللام منه فهو متروك للإعراب نظير لام الاسم ، وهي للبناء للفاعل. وأما ما يضم زائده مسكن الفاء مفتوح العين بناء للمفعول كيطلب ، وغير ذلك مما يقع في المضاعف والمعتل كنحو : يشد ويقول ويفر ويبيع ويعض وينام ويمد ويراد ؛ فلا يخفى عليك فرعيتها.

وأما الرباعي المجرد ، فلماضيه في البناء للفاعل هيئة واحدة ليس إلا ، وهي فعلل نحو دحرج. العين ساكنة وما عداها مفتوح ، ومضارعه يفعلل بضم الزائد وفتح الفاء وسكون العين وكسر اللام الأولى.

وأما في البناء للمفعول فيضم الفاء ويكسر اللام الأولى في الماضي ، ويفتح المكسور في المضارع ، ولا خماسي للأفعال.


الفصل الثاني

في هيئات المزيد من الأفعال

أما المزيد في البابين ، فنحن نذكر من هيئاته الأصلية ليستعان بها في ذكر بعض الأسماء المتصلة بها دون الفرعية ، إذ قلت الفائدة في ذكرها ، حيث عرفت ما كان المقصود من ذلك ما خلا المبنى للمفعول ، فهو مفتقر إليه ، وهي ، وأعني الهيئات الأصلية المستوجبة للتعداد بجملتها ، إذا تعرضت للزيادة ومواقعها ، فهن على ما استقر عليه آراء الجمهور من [مهرة](١) هذا الفن ، إحدى وعشرون ؛ ست إلحاقيات ، وهي : فعلل ، مثل : جلبب (٢) ، وفيعل مثل : بيطر (٣) ، وفعيل مثل : شريف ، وفوعل مثل : جورب ، وفعول مثل : دهور ، وفعلى مثل : سلقى (٤) ؛ وأما نحو تجلبب وأخواته [واسحكنك](٥) واسلنقى (٦) ، فإن اعتبرته ازداد العدد.

ومصداق الإلحاق في الأفعال ، اتحاد مصدري الملحق والملحق به ، بعد الاتحاد في سائر التصرفات ؛ وهو السر في أن لم يذكر المضارع والمبني للمفعول ههنا ، لذكرنا [ذلك](٧) مع الملحق به ، والباقية عن الإلحاق بمعزل إحداها : أفعل يفعل بسكون الفاء وفتح البواقي في الماضي ، وضم الزائد وسكون الفاء وكسر العين في المضارع ، في البناء

__________________

(١) في (ط) وفي (غ): (مهارة).

(٢) جلبب : لبس الجلباب.

(٣) بيطر الدابة : عالجها وسمر نعالها.

(٤) سلقى الرجل : طعنه.

(٥) في (ط): (اسحكنك) ، ويقال : اسحنكك الليل ، إذا أظلم.

(٦) اسلنقي : نام على ظهره.

(٧) سقطت من (ط).


للفاعل. وفي البناء للمفعول ، أفعل يفعل بكسر العين في الماضي ، وفتحها في المضارع ، مضموما الصدر منهما ، ساكنا الفاء ، ولتبعية الاستقراء حروف الماضي في المضارع غير همزة الوصل ، ونعني بها : أن تكون الهمزة ساكنة الثاني ، تثبت في الابتداء وتسقط في الدرج حتما ، إلا فيما لا اعتداد به. وكل همزة تراها في أول الأبنية الواردة عليك ، غير مفتوحة كذلك ، وغير الواو ، التي هي أخت الضمة إذا توسطت بين ياء أخت الكسرة ، وبين كسرة نحو : يعد ، لوجوب حذف الأولى ، وهي همزة الوصل ، لما عرفت.

وللزوم تضاعف الثقل ثبوت الثانية وهي الواو بين ياء وكسرة ، وهو اجتماع الضم والكسر يمينا وشمالا ضربة لازب (١) ويضع وأخواته قدر فيها الكسر لثبوت حذف الواو بالنقل ، واستدعاء حذفها الكسر بالمناسبة. قلنا : قياس مضارع أفعل يؤفعل ، بإثبات الهمزة ، وقد ورد به الاستعمال في بعض المواضع صريحا.

قال : فإنه أهل لأن يؤكرما (٢).

وقريبا من الصريح في قولهم : يوعد ، بإثبات الواو. وعللنا الحذف ، بلزوم الثقل ثوبتها في الحكاية.

الثانية : فعل بفتح الفاء والعين مشددة ، ويفعل : بضم حرف المضارعة وفتح الفاء وكسر العين المشددة في البناء للفاعل. وأما للمفعول ، ففعل : بضم الفاء وكسر العين المشددة ، ويفعل : بفتح ما كان مكسورا.

الثالثة : فاعل بفتح العين ويفاعل ، بضم حرف المضارعة وكسر العين في البناء للفاعل. وللمفعول فوعل : بضم الفاء وانقلاب الألف واوا مدة ، وكسر العين. ويفاعل :

بضم حرف المضارعة وفتح العين.

__________________

(١) ضربة لازب : قولهم من هذا بضربة لازب : أى من هذا بلازم واجب أى ما هذا بضربة سيف لازب.

(٢) من الرجز ، وينسب لأبي حيان الفقعسي (الخصائص ١ : ١٤٤) ، (المنصف ١ : ٣٧) ، (شرح شواهد الشافية للبغدادي ٨٥) اللسان (كرم) (والإنصاف ١ : ١١ ، ٢٣٩).


الرابعة : تفعل يتفعل بفتح الحروف والعين مشددة في البناء للفاعل ، وللمفعول تفعل : بضم التاء والفاء وكسر العين ، يتفعل : بضم حرف المضارعة وفتح البواقي.

الخامسة : تفاعل يتفاعل بفتح الحروف في البناء للفاعل ، وللمفعول تفوعل : بضم التاء والفاء وانقلاب الألف واوا مدة ، وكسر العين. يتفاعل : بضم حرف المضارعة ، وفتح البواقي.

السادسة : انفعل بسكون النون بعد همزة مكسورة وفتح البواقي. ينفعل : بسكون النون وفتح ما يكتنفانه وكسر العين في البناء للفاعل ، وللمفعول انفعل : بضم الهمزة والفاء وسكون النون وكسر العين ينفعل : بضم حرف المضارعة وسكون النون وفتح ما بقي.

السابعة : افتعل يفتعل ، وافتعل يفتعل : على نحو الهيئة السابقة حركة وسكونا وفي البناءين.

الثامنة : استفعل بسكون الفاء والسين بعد همزة مكسورة ، وفتح ما عدا ذلك ، يستفعل : بسكون السين والفاء وكسر العين وفتح ما سوى ذلك في البناء للفاعل ، وللمفعول استفعل : بضم ما يكتنفان السين وكسر العين. يستفعل : بضم حرف المضارعة وفتح ما كان مكسورا.

التاسعة : افعوعل يفعوعل ، وافعوعل يفعوعل : على نحو الهيئة الثامنة سواء بسواء في البناءين.

العاشرة : افعول يفعول ، وافعول يفعول كذلك.

الحادية عشرة : إفعال بسكون الفاء بعد همزة مكسورة ، وتثقيل اللام بعد ألف يفعال ، بوضع حرف المضارعة مفتوحا موضع الهمزة وتبقية الباقي بحاله في البناء للفاعل وللمفعول. أفعول : بضم الهمزة وقلب الألف واوا مدة ، يفعال : بضم ما كان مفتوحا منه.

الثانية عشرة : افعل يفعل وفعل يفعل بحذف المدة فحسب.

هذه هيئات مزيد الثلاثي ، وما بقي فهيئات مزيد الرباعي وهي ثلاث :


الأولى : تفعلل يتفعلل ، نحو تدحرج يتدحرج. بسكون العين وفتح الباقي في البناء للفاعل ، وللمفعول ، تفعلل : بضم التاء والفاء وسكون العين وكسر اللام الأولى يتفعلل : بضم ما كان مفتوحا منه ، وهو حرف المضارعة ، ويجوز حذف التاء من هذا الباب ، ومن بابي تفاعل وتفعل في المبنى للفاعل ، عند دخول تاء المضارعة.

الثانية افعنلل ، نحو : احرنجم (١) ، يفعنلل وافعنلل يفعنلل ، على نحو هيئة استفعل يستفعل ، واستفعل يستفعل في البناءين.

الثالثة افعلل ، نحو : اقشعر : بسكون الفاء بعد همزة مكسورة ، وفتح البواقي مع تثقيل الآخر ، يفعلل ، نحو يقشعر : بوضع حرف المضارعة مفتوحا موضع الهمزة ، وجعل ما قبل الآخر [مكسورا في البناء للفاعل. وللمفعول ، افعلل : بضم ما يكتنفان الفاء ، وكسر ما قبل الآخر](٢). يفعلل : بجعل حرف المضارعة مضموما وفتح ما كان مكسورا ، ويسمى المبني للمفعول مجهولا.

واعلم أن القياس في افعال نحو : احمار وفي افعلل نحو اقشعر ، قاض بأن الأصل افعالل : بفك الإدغام نحو احمارر وافعلل نحو : اقشعرر ، لوجوه أقربها ههنا وجود النظائر ؛ وهي افعول وافعوعل وافعنلل ؛ وفي [افعلّ](٣) أيضا ، بأن أصله افعلل وفي كونه منقوص افعال. وقولهم :

ارعوى رائحة من ذلك فلتشم

ولحكم هذا القياس فائدة تظهر في آخر الكتاب بإذن الله تعالى.

وههنا أشياء استقرائية ، يستدعيها هذا الموضع ، فلنضمنها إياه ، وهي أن الماضي

__________________

(١) احرنجم : أراد الأمر ثم رجع عنه. احرنجم القوم أو الإبل : اجتمع بعضها على بعض وازدحموا.

(٢) سقط هذا السطر من (غ).

(٣) في (د): (فعل).


المضموم العين نحو : شرف ، بابه لا يكون إلا لازما ما لم يأت فيه متعد ؛ إلا قولهم : رحبتك الدار. وأنه في التقدير رحبت بك. وهو أحد أبنية التعجب. واللازم هو ما اقتصر على الفاعل ، والمتعدي ما يتجاوزه. وهذا الباب يسميه أصحابنا بأفعال الطبائع ، ولا يكون مضارعه إلا مضموم العين والماضي المكسور العين يكثر فيه الإعراض من العلل والإحزان وأضدادها ، ولا يضم العين من مضارعه البتة. لكن في الأغلب تفتح في الصحيح وتكسر في المثال. والماضي المفتوح العين إذا لم يكن عينه أو لامه حرفا حلقيا (١) ، ولا يعتبر الألف ههنا لكونها منقلبة لا محالة من إحدى أختيها ، لا يكون مضارعه مفتوح العين ، ولتوقف انفتاح ما نحن فيه على ما نبهت عليه من الشرط ، حمل أصحابنا فعل يفعل ـ بالفتح فيهما ـ على الفرعية ، وجعلوا الأصل الكسر لمناسبات تآخذت ، كحذف الواو في نحو : يضع ، وأمثال ذلك فتأملها. وما قد يأتيك بخلاف ما قرع سمعك كنحو : فضل : بكسر العين ويفضل بضمها ، وكنحو : ركن يركن بالفتح فيهما وغير ذلك ، فإلى التداخل. ولا يبعد عندي حمل أبى يأبى بالفتح فيهما لعدم نظائره على التداخل بواسطة طريق الاستغناء ، وهو ترك شيء لوجود آخر مكانه ، مثل [ماضى](٢) يذر لمكان ترك. وأن أفعل الغالب عليه التعدية ، وهي أعني التعدية ، بالهمزة ، قياس في باب التعجب ، يؤخذ الفعل فينقل إلى باب أفعال الطبائع تحصيلا للمبالغة. وينبه على هذا النقل إيجابهم فيما يشتق منه أن يكون على ثلاثة أحرف وأن لا يكون فيه لون ولا عيب لانجذاب ذلك إلى المزيد ، وهو باب افعال ، وأنه لا يكون مبنيا للمفعول لامتناع فعل الغير طبيعة لك. ثم بعد ذلك يعدى بالهمزة ، ويقال : ما أكرم زيدا على معنى شيء جعله كريما ، وأكرم بزيد ، على معنى اجعله كريما ، أي اعتقد كرمه ، والباء زائدة جارية هذه الصورة مجرى المثل ، ممتنعة لذلك عن أن يقال : أكرما أكرموا وأكرمي أكرمن. وسيطلعك علم البيان على وجه امتناع الأمثال عن التغير ،

__________________

(١) الحروف الحلقية ستة هي : الهمزة والهاء والحاء والخاء والعين والغين.

(٢) في (ط): (ما مضى).


ويكون للتعريض للأمر نحو : أباع الجارية ، أي عرضها للبيع. وقريب من ذلك أقبره ، وللسلب نحو أشكاه أي أزال شكايته ، ولوجود الشيء على صفة نحو : أجبنه أي وجده جبانا ، ولصيرورة الشيء ذا كذا نحو : أجرب أي صار ذا جرب ، وقريب منه أحصد الزرع ، وللزيادة في المعنى نحو : بكر وأبكر ، وشغلته وأشغلته ، وسقيته وأسقيته ، وإن فعل الغالب عليه التكثير نحو : قطع الثياب ، وغلق الأبواب ، وجول ، وطوف ، ونحو : ميز ، وزيل أيضا. ويكون للتعدية نحو : فرحه ، ومن ذلك فسقه ، والسلب نحو : جلد البعير. وأن فاعل يكون من الجانبين ضمنا نحو : شارك زيد عمرا وهو الغالب عليه. ثم يكون بمعنى فعل نحو : سافرت وطارقت النعل ، وأن تفعل يكون لمطاوعة فعل نحو : كسره فتكسر ، و [للتكليف](١) نحو : تشجع ، وللعمل بعد العمل في [مهلة](٢) نحو : تفهم ، وللاتخاذ نحو : توسد ، وللاحتراز نحو : تأثم ، وللطلب نحو : تكبر أي استكبر. وأن تفاعل يكون من الجانبين صريحا نحو : تشاركا ، ولإظهارك من نفسك ما ليس لك نحو : تجاهلت ، وبمعنى فعل نحو : تباعد ، أي بعد ، وأن انفعل بابه لازم ، ولا يقع إلا حيث يكون علاج وتأثير ، وهو الذي حملهم على أن قالوا : انعدم خطأ ، وأن افتعل للمطاوعة نحو : غمه فاغتم ، وللاتخاذ نحو : استوى ، وبمعنى التفاعل نحو : اجتوروا ، وبمعنى فعل نحو : اكتسب ، وأن استفعل يكون للسؤال إما صريحا نحو : استكتب زيدا ، أو تقديرا نحو استقر زيد ، كأنه سأل ذلك نفسه ، وكذلك استحجر الطين ، كأنه سأل ذلك نفسه ، وكذلك استسمنت الشاة كأني سألت ذلك بصري. إلا أنه التزم حذف المفعول مثله في نحو : عدل في القضية ، والأصل عدل الحكم فيها : أي سواه ، وأمثال له.

هذا ما عندي فيه ، ويظهر من هذا أن النقل إلى الاستفعال نظير النقل إلى الأفعال ، والتفعيل في الكون من أسباب التعدية ، وأن افعوعل للمبالغة ، ولا يكون إلا لازما ، وأن افعول الغالب عليه اللزوم ، وأن أفعال وأفعل للألوان والعيوب ، ولا يكونان إلا لازمين ،

__________________

(١) في (غ): (وللتكلف).

(٢) في (ط): (مهملة) وهو تصحيف.


ويدلان على المبالغة ، وكذا كل فعل مزيد عليه ، إن جاءك بمعنى فعل وإن تفعلل يكون مطاوع [فعلل](١) نحو : تدحرج ، وقد يكون لغير ذلك ، وافعنلل [وافعلل](٢) لا [يكونان](٣) إلا لازمين.

__________________

(١) في (ط): (فعل).

(٢) في (ط): (وافعل).

(٣) في (ط): (يكونا) ، ولها وجه في الصواب ، فحذف النون من الأفعال الخمسة من غير ناصب ولا جازم جائز على التخفيف ، وشواهده كثيرة. وانظر الرسالة للشافعي بتحقيق أحمد شاكر ح ١٦٨٦ ، ١٨٠٨.


الصنف الثاني

هيئات الأسماء المتصلة بالأفعال

وهو مشتمل على ثمانية فصول

الفصل الأول

في هيئات المصادر

اعلم أن هيئات المصادر في المجرد من الثلاثية كثيرة غير مضبوطة ، ولكن الغالب على مصدر المفتوح العين إذا كان لازما : فعول ، نحو : الركوع والسجود ، وعلى المكسور العين إذا كان كذلك فعل بفتح الفاء والعين ، وعلى مصدرهما إذا كانا متعديين فعل بفتح الفاء وسكون العين. والغالب على مصدر المضموم العين فعالة نحو : الأصالة ، ومصدر مجرد الرباعي يجيء على فعللة نحو : الدحرجة ، وفعلال بكسر الفاء نحو : الدحراج. في غير المضاعف. وفي المضاعف به ، وبالفتح نحو القلقال والقلقال ، ومصدر أفعل إفعال : بسكون الفاء بعد همزة مكسورة ، وثبوت العين من بعدها ألف. هذا إذا لم يكن [أجوف](١) ، فإذا كان فعلى إفالة تعلّ العين لما عرفت ، فتلاقي الألف ، فيجتمع ساكنان فتحذف ومصدر فعل تفعيل وتفعلة ، وقد جاء على فعال بكسر الفاء وتثقيل العين. ومصدر فاعل مفاعلة وفعال وقد جاء فيعال ، بإشباع كسرة الفاء ، ومصدر تفعل تفعل ، وقد جاء تفعال بكسر التاء والفاء ، وتثقيل العين ، ومصدر تفاعل تفاعل ، ومصدر انفعل وافتعل انفعال وافتعال ، ومصدر استفعل استفعال في غير

__________________

(١) في (ط): (أجوفا) وهو خطأ.


الأجوف ، وفيه [استفالة](١) فتنبه. ومصدر افعوعل وافعول : افعيعال وافعوال ، ومصدر افعال وافعل : افعيلال وافعلال ، ومصدر تفعلل : تفعلل ، ومصدر افعنلل وافعلل : افعنلال وافعلال.

وكل همزة تراها في أوائل هذه المصادر ، إلا مصدر افعل ، للوصل ، ولا مدخل لها من الأسماء إلا في هذه ، وفي عشرة سواها وهي : اسم واست وابن وابنم [واثنان](٢) واثنتان وامرؤ وامرأة وأيم الله وأيمن الله. وإذا أريدت المرة بالمصدر ، صيغ على فعلة ، بفتح الفاء وسكون العين ، كما يصاغ على فعلة بكسر الفاء إذا أريدت الحالة قياسا متلئبا (٣) في مجرد الثلاثي ، وفيما سوى المجرد يؤنث المصدر بالتاء إن لم يكن مؤنثا نحو : إكرامه ودحراجة ، وإلا وصف نحو : إقامة واحدة ، ودحرجة واحدة ، وما يوجد في المصادر على زنة التفعال : كالتجوال ، والفعيلي : كالقتيتي (٤) ، فللمبالغة. وتكثير الفعل واستعمال اسم المفعول في غير الثلاثي المجرد استعمال المصدر كثير مستفيض.

__________________

(١) في (ط): (استفعالة).

(٢) سقطت من (غ).

(٣) المتلئب : المستقيم المستوى.

(٤) القتيتى : النميمة ، وقيل : هو الذى يستمع أحاديث الناس حيث لا يعلمون ، نمها أو لم ينمها.


الفصل الثاني

في اسم الفاعل

اسم الفاعل في الثلاثي المجرد يأتي على فاعل : كضارب. وكثير ما ينقل إلى فعال :

كضراب ، وفعول : كضروب ، ومفعال : كمضراب ، للدلالة على المبالغة وتكثير الفعل.

وفيما سواه يوضع الميم مضموما موضع حرف المضارعة من الغابر المبني للفاعل ، ولا يغير من البناء شيء إلا في ثلاثة أبواب : يتفعل ويتفاعل ويتفعلل ، فإن ما قبل الآخر يكسر فيها.

الفصل الثالث

في اسم المفعول

واسم المفعول في الثلاثي المجرد يأتي على مفعول : كمضروب ، إلا في الأجوف ، فإنه يعل لما عرفت ، فيلتقي ساكنان فيحذف الزائد منهما سيبويه (١) ، رحمه‌الله. ولا يصنع غير ذلك في الواوي ، فمقول عنده مفعل بالضم ، وفي اليائي يبدل من الضمة كسرة ليسلم الياء ، فمبيع عنده مفعل بالكسر. وأبو الحسن (٢) يحذف الأصل ، ويبدل من الضمة كسرة ، ليقلب واو مفعول ياء تنبيها على أنه يأتي. ولكل واحد مناسبات لا تخفى على من يتقن كتابنا هذا ، والرجحان للسببية ، وفي غير الثلاثي المجرد ، يجعل صدر الغابر المجهول ميما فقط ، وهما أعني : اسمي الفاعل والمفعول الجاريين على الغابر ، يدلان على الحدوث.

__________________

(١) رأى سيبويه في الكتاب (٤ / ٣٤٨).

(٢) هو الأخفش ، وانظر في المنصف (١ / ٣٨٧).


الفصل الرابع

في الصفة المشبهة

والصفة المشبهة تخص الثلاثيات المجردة ، وهي : كل صفة اشتقت منها غير اسمي الفاعل والمفعول على أية هيئة كانت ، بعد أن تجري عليها التثنية والجمع والتأنيث :

ككريم وحسن وسمح ونظائرها ، وهي تدل على الثبوت.

الفصل الخامس

أفعل التفضيل

وأفعل التفضيل يخص الثلاثيات المجردة الخالية عن الألوان والعيوب ، المبنية للفاعل نظير فعلي التعجب ، وله معنيان : أحدهما إثبات زيادة الفضل للموصوف على غيره والثاني : إثبات كل الفضل له.

الفصل السادس

اسم الزمان

واسم الزمان [في](١) الثلاثي المجرد على مفعل بسكون الفاء وفتح الباقي في المنقوص ألبتة ، وبكسر العين منه في المثال ، وفي غيره أيضا ، إن كان من باب يضرب ، وإلا فتحت ، وفي غير الثلاثي المجرد على لفظ اسم المفعول منه لا فرق.

__________________

(١) زيادة من (د).


الفصل السابع

اسم المكان

واسم المكان كاسم الزمان وقد جاء على مفعلة قالوا : مسبعة ومأسدة ومذأبة ومحياة ومفعاة للأرض المستكثرة هذه الأجناس.

الفصل الثامن

اسم الآلة

واسم الآلة يخص الثلاثي ، كالصفة المشبهة ، ويأتي على مفعال ومفعلة ومفعل بكسر الميم وسكون الفاء كالمفتاح ، والمكسحة ، والمسعر. وعندي أن مفعالا هو الأصل ، وما سواه منقوص منه بعوض وبغير عوض ، كما أشير إليه فيما مضى.

ولنختم الكلام في استقراء الهيئات على هذا القدر ، مقتصرين على ما كشف التأمل عنه الغطاء من أن مجاري التغيير الظاهرة هي هذه الستة : أحدها : حيث تكثر الحركات متوالي ، الثاني : حيث يجتمع الكسر والضم ، الثالث : حيث يتوالى الضمات والكسرات ، الرابع : حيث يجتمع حرفان مثلان ، الخامس : حيث يوجد اعتلال ، السادس : حيث يتفق كثرة استعمال فوق المعتاد ، هذه إذا انضم منها بعض إلى بعض ، أو اكتسى لزوما ، كان المرجع في أصالة الهيئة هو ما عرا عن ذلك من بابه. ولنبدأ بالفصل الثالث من الكتاب حامدين الله تعالى ، ومصلين على النبي محمد وآله.


الفصل الثالث

[من الكتاب](١)

أنواع الاحتراز عن الخطأ

وهو في بيان كون هذا العلم كافيا لما علق به من الغرض ، وهو الاحتراز عن الخطأ في التصرفات التي لها مدخل في القياس ، جارية على الكلم ، إما مفردة كإمالتها وتفخيمها وتخفيف همزاتها ، واعتبار ترخيمها وبعض تكسيراتها ، وتحقيرها ، وكتثنيتها أيضا ، وجمعي تصحيحها ونسبتها ، أو في حكم المفردة كإضافتها إلى النفس في نحو علمي ، واشتقاق ما يشتق من الأفعال ، وتصريف الأفعال مع الضمائر ونوني التأكيد أيضا ، وإجراء الوقف على ما يراد به ذلك. ونحن على أن نتكلم في هذا الفصل في ثلاثة عشر نوعا :

النوع الأول : الإمالة

وهي أن تكسى الفتحة كسرة ، فتخرج بين بين ، قولك صغر بإمالة الغين ، فإذا كانت بعدها ألف مالت إلى الياء ، كقولك عماد بألف ممالة ، ولها أسباب وهي أربعة :

أن يكون حرف الفتحة ياء نحو : سيال ، أو جارا للياء على نحو : شيبان ، أو للكسر على نحو : عماد وشملال وعالم. وأما على نحو شملال مثلا أو شملال بفتح الميم أو تشديدها ، فلا ولا ينقض ما ذكرنا بقولهم : نريد أن ينزعها وله درهمان ممالين لشذوذهما مع عدم الاعتداد بالهاء لخفائها.

أو لألف هي منقلبة إما عن ياء نحو : ناب ورمى ، وإما عن مكسور نحو : خاف. أو هي تقلب ياء نحو : دعا وملهى لقولك دعي وملهيان في المجهول ، والتثنية.

__________________

(١) زيادة من (د) ، و (غ).


أو هي ممالة كنحو أن تقول : عمادا بإمالة فتحة الدال.

وقد تكون الإمالة للمشاكلة نحو : (ضحاها) (١) من أجل مشاكلة (تلاها) (٢) وأخواتها ، والألف المنفصلة كنحو : التي في مثل عمادا في هذا الباب نظيرة المتصلة ، والكسرة العارضة ، كنحو التي في من سماحك ، والمقدرة كنحو التي في مثل ، جاد وجواد ، ومثل : ماش في [الوقف](٣) على الماشي ، نظيرة الأصلية والصريحة ، والفتحة تمنع عن الإمالة متى كان حرفها مستعليا نحو قالع ، أو جارا للمستعلي على نحو : عاقل أو [عالق](٤) أو معاليق. وأما على نحو ضعاف وأضعاف بأن يكون المستعلي مكسورا قبل الفتحة ، أو ساكنا ، فلا ، عند الأكثر ، والراء غير المكسورة في باب المنع على الإمالة كالمستعلى ، وأما المكسورة فلا منع عندها. وللإمالة شرط وهو : أن لا تكون الكلمة اسما غير مستقل كإذا أو حرفا إلا ثلاثة يا في النداء وبلا ولا في إمالا.

النوع الثاني : التفخيم

وهو أن تكسو الفتحة ضمة فتخرج بين بين إذا كانت بعدها ألف منقلبة عن الواو ، لتميل تلك الألف إلى الأصل كقولك الصلاة الزكاة.

النوع الثالث : تخفيف الهمزة

وله ثلاثة أوجه : الإبدال : وقد تقدم ، والحذف : وهو أن تكون متحركة ، وما قبلها بعد سكونه حرفا صحيحا ، أو ياء ، أو واوا أصليتين أو مزيدتين لمعنى ، فتلقي حركتها عليه ، وتحذف ، كنحو : يسل والخطب ، وكذا من : بوك ، ومن : بلك ، ونحوه : حيل

__________________

(١) ضحاها : من قوله تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) الشمس : ١.

(٢) تلاها : من قوله تعالى : (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) الشمس : ٢.

(٣) في (ط): (الواقف).

(٤) سقطت من (ط).


وحوبة ونحو : أبويوب وذورش ، وأطيعي مرة ، [وقاضو بيك](١) ، وقد التزم ذلك في باب يرى وأرى يرى ، وأن تجعل بين بين ، وذلك إذا حركت متحركا ما قبلها في غير مواقع الإبدال المستمر كنحو : سأل وسئم ولؤم وأئمة وأ أنت. وكثيرا ما توسط ألف بين الهمزتين في نحو هذه الصورة ثم تخفف الهمزة بين بين أو تحقق.

النوع الرابع : [اعتبار](٢) الترخيم

وهو النظر في كمية المحذوف في هذا الباب ، وكيفية إجراء المحذوف عنه بعد الحذف. والأصل فيه : هو أنه إحداث حذف في آخر الاسم على الوجه المناسب من غير ارتكاب فيه لخلاف أصل ، فيقتضي هذا أن لا تزيد في الحذف على الواحد في نحو : عامر وطلحة ، لئلا يقع في الوسط. وأن لا تقتصر على الواحد في نحو : صحراء وسكران وطائفي ومسلمان ومسلمون مما يوجد في آخره زيادتان تزادان معا ، فتجريان مجرى الآخر له ، إذا أفضت النوبة إلى الحذف فتحذف إحداهما ، وتترك الأخرى ، فيقول لك صنيعك تقدم رجلا وتؤخر أخرى ، ولا في نحو : عمار ومسكين ومنصور ، فتغلب الأقوى وهو الصحيح الأصلي المتحرك ، وتعجز عن الأضعف فيقول لك الحال : صلت على الأسد وبلت عن النقد ، فيقع الحذف لا على الوجه المناسب ، وأن لا تجترئ على نحو : قرار ومكين فيما قبل المدة فيه حرفان فقط ، فتفعل به ما فعلت بعمار ومسكين فتخرج به إلى خلاف أصل ، وهو صوغه على أقل من ثلاثة. وأن لا تجبن عن حذف التاء من نحو : [ثبة](٣) على مذهب سيبويه ، رحمه‌الله ، في هذا الباب ؛ لأن من قرنه بتاء التأنيث هو الذي خرج به عن الأصل ، لأن تاء التأنيث مع الكلمة بمنزلة كلمة مع كلمة ، فلست تصنع بحذف التاء شيئا مما تخطر ببالك ، وأن تقول في نحو : ثمود وهراوة وحياة ومطواء وقاض وأعلون إذا لم تقدر المحذوف ثابتا. ثمي وهراوة وحي

__________________

(١) أي : قاضى أبيك ، في (غ): (وقاكالوبيك)!.

(٢) من (د).

(٣) في (ط): (ثبت).


ومطا وقاض وأعلى ، وأن لا تتوقف في حذف آخر جزء المركب بكماله وأنت تحذف نظيره ، وهو تاء التأنيث.

النوع الخامس : التكسير

هو نقل الاسم عن دلالته على واحد بتغيير ، ظاهرا أو تقديرا غير تغيير مسلمون ومسلمين ومسلمات إلى الدلالة على أكثر من اثنين ، فمتى قلنا في اسم إنه مكسر فقد ادعينا هناك ثلاثة أشياء : الجمعية لفظا ومعنى ، والنقل والتغيير ، وإثبات الأول بامتناع وصفه بالمفرد المذكر ، وبهذا يفارق اسم الجمع. وإثبات النقل في نحو : الأهالي وأراهط وأعاريض ، من جموع لا تستعمل مفرداتها ، وتقدير التغيير في نحو : فلك وفلك ، وهجان وهجان ، فيما يلتبس فيه الجمع بالمفرد ، إلى تلفيق مناسبات نبهت على أمثالها غير مرة.

واعلم أن التكسير صنفان : صنف لا يختلف قبيله فيه وهو المقصود ههنا ، وصنف يختلف وذكره استطرادا.

والصنف الأول : ينقسم إلى مستكره وغير مستكره ، ولهما مثال واحد وهو مثال فعالل ، ومتى قلت مثال كذا فلا أعني بالفاء والعين واللام هناك غير العدد ، وتفسير المستكره فيما نحن فيه ، وذكر مواقعه ، وكيفية اقتضائه فيها ، عين تفسيره ومواقعه ، وكيفية اقتضائه في التحقير ، فنذكرها هناك ، بإذن الله تعالى ، وغير المستكره تكسير الرباعي اسما كان أو صفة ، مجردا من تاء التأنيث أو غير مجرد ، والثلاثي الذي فيه زيادة للإلحاق بالرباعي ، أو لغير الإلحاق ، وليست بمدة اسما غير صفة تقول : ثعالب وسلاهب (١) ودساكر (٢) وشهابر (٣) وجداول وأجادل (٤) ، وكذا تكسير المنسوب

__________________

(١) السلاهب : مفرد سلهب ، وهو : الطويل من الرجال ، ومن الخيل : ما عظم وطال عظامه.

(٢) الدساكر : مفردها دسكرة ، وهي : القرية العظيمة ، أو الصومعة ، أو الطريق المستطيلة.

(٣) الشهابر : جمع الشهبر ، وهي : العجوز الكبيرة.

(٤) الأجادل : مفردها الأجدل ، وهو الصقر.


والأعجمي من ذلك على ما يكسران عليه. وهو مثال فعاللة : كالأشاعثة والجواربة هذا هو القياس. وأما بدون التاء فيشذ ، وكذا تكسير فاعلة أو فاعلاء اسمين على ما تكسران عليه ، وهو فواعل : ككواثب وقواصع.

والصنف الثاني : ينقسم إلى سبعة أقسام ، إما أن يختلف إلى مثالين أو إلى ثلاثة أو أربعة أو ستة أو تسعة أو عشرة في الغالب أو أحد عشر.

[أما](١) القسم الأول :

فستة أضرب :

أولها : فعل فعال بكسر الفاء وفتح العين غير مشبع ومشبعا لما لحقه التاء من الثلاثي المجرد ، وهو وصف : كعلج (٢) وكماش (٣) في علجة وكمشة.

وثانيها : فعل فعائل لما كان اسما ثلاثيا مؤنثا بالتاء فيه زيادة ثالثة مدة نحو : صحف ورسائل في صحيفة ورسالة.

وثالثها : فعل فواعل لمؤنث فاعل ، وهو صفة نحو : نوم وحيض وضوارب وحوائض ، في نائمة وضاربة وحائض.

ورابعها فعال فعالي للاسم مما في آخره ألف تأنيث رابعة مقصورة أو ممدودة ، نحو : إناث وصحاري في أنثى وصحراء ، ولفعلان صفة نحو غضاب وسكارى ، وقد حولت [فعالى](٤) بفتح الفاء إلى فعالى بضمها في خمسة : كسالى وعجالى وسكارى وغيارى وأسارى. أيضا عندي ، على أنه متروك المفرد ، كأباطيل وأخواته.

__________________

(١) من (د).

(٢) العلج : الرجل الضخم القوى من العجم ، وبعضهم يطلقه على الكافر عموما ، وهو الحمار أيضا.

(٣) الكماش : الكمش إن وصف به ذكر من الدواب فهو القصير الصغير الذكر ، وإن وصفت به الأنثى فهى الصغيرة الضرع.

(٤) سقطت من (غ).


وخامسها : فعال ومثال فعاليل للثلاثي فيه زيادة للإلحاق بالرباعي ، أو لغير الإلحاق وليست بمدة إذا لحق ذلك حرف لين رابع ، وكذا للرباعي إذا لحقه هذا ، وكذا للمجرد من الثلاثي فيه ياء النسب : كسراح (١) وقراويح (٢) وسراحين (٣) وسراديح (٤) وكراسي ، في : سرحان [وقرواح](٥) وسرداح وكرسي. وسادسها : فعلى فعلاء ، ولكن فعلاء قليلة لفعيل بمعنى مفعول كقتلى وإسراء.

والقسم الثاني أربعة أضرب :

أولها : فعل أفاعل فعلان لأفعل صفة نحو : حمر وحمران ، والأكابر في : أحمر والأكبر.

وثانيها : فعال أفعال أفعلاء لفعيل نحو : جياد وأموات وأبيناء في : جيد وميت وبين.

وثالثها : فعال فعائل فعلاء لمؤنث صفة ثلاثية فيها زيادة ثالثة مدة نحو : صباح وعجائز وخلفاء في : صبيحة وعجوز وخليفة.

ورابعها : فواعل فعلان لفاعل اسما نحو : كواهل وجنان وحجران في : كاهل وجان وحاجر لمستنقع الماء.

والقسم الثالث ضرب واحد :

فعل فعل فعال فعالى للصفة مما في آخره ألف تأنيث مقصورة أو ممدودة نحو : حمر والصغر وبطاح وحرامي في : حمراء والصغرى وبطحاء وحرمى.

__________________

(١) السراح : جمع سرحان ، وهو الذئب.

(٢) القراويح : جمع قرواح ، وهو الناقة الطويلة القوائم ، ونخلة قرواح : ملساء جرداء طويلة.

(٣) السراحين : جمع سرحان.

(٤) السراديح : جمع سرداح ، جماعة الطلع ، وأرض سرداح : مستوية بعيدة والسرادحة : الناقة الطويلة ، وقيل : الشديدة التامة.

(٥) من (د) و (غ) ، وفي (ط): (قراوح).


والقسم الرابع ضرب واحد :

فعل فعل فعل أفعل فعال فعول لما لحقه التاء من الثلاثي المجرد وهو اسم نحو : بدن وبدر وبرم وأنعم وقصاع وحجوز في : بدنة وبدرة وبرمة ونعمة وقصعة وحجزة.

والقسم الخامس : ضربان :

أحدهما : فعل فعل [فعال](١) فعول فعلة [فعلة](٢) فعال فعلان فعلاء لفاعل صفة مذكر نحو : بزل وشهد وتجار وقعود وفسقة وقضاة وتختص بالمنقوص ، وكفار وصحبان وشعراء في : بازل وشاهد وتاجر وقاعد وفاسق وقاض وكافر وصاحب وشاعر. وقد جاء عاشر ، فواعل ، لكن شاذا متأولا وهو : فوارس ؛ والآخر : فعل فعال فعول أفعال أفعلة فعلان فعلان فعلاء أفعلاء ، للثلاثي فيه زيادة ثالثة مدة ، وهو وصف نحو : نذر وكرام وظروف وأشراف وأشحة [وشجان](٣) وشجعان وجبناء وأنبياء في : نذير وكريم وظريف وشريف وشحيح وشجاع وجبان ونبي.

والقسم السادس ضرب واحد :

فعل فعل أفعل فعال فعول فعلة فعلة أفعال فعلان فعلان للثلاثي المجرد اسما أو صفة نحو : سقف وورد ، ونمر ونصف ، وأفلس وأجلف ، وقداح وحسان ، وأسود وكهول ، وجيرة وشيخة ، وقردة ورطلة ، وأفراح وأشياخ ، ورئلان وضيفان ، وحملان وذكران. وقد وجد له اسما حادي عشر ، فعلى قالوا : حجلى في حجل ، وله صفة حادي عشر ، وثاني عشر ، فعالى وفعلاء قالوا : [وجاعي](٤) في وجع ، وسمحاء في سمح.

__________________

(١) سقطت من (ط).

(٢) صحفت في (ط) إلى (فعاة).

(٣) من (غ) وسقطت من (ط). وفي (د): (وشجعان وشجعان).

(٤) في (ط) (أوجاعى).


والقسم السابع ضرب واحد أيضا :

فعل أفعل فعال فعول فعلة أفعال أفعلة فعائل فعلان فعلان أفعلاء ، للثلاثي فيه زيادة ثالثة مدة وهو اسم نحو : كثب وأذرع وتختص بالمؤنث ، وأمكن شاذ ، وفصال وعنوق وغلمة وأيمان وأرغفة وأفائل وغزلان وقضبان وأنصباء في : كثيب وذراع وفصيل وعناق وغلام ويمين ورغيف وأفيل وغزال وقضيب ونصيب. هذا ما سمعت ، فإذا نقل إليك تكسير على خلاف ضبطنا هذا ، فإلى أنه متروك المفرد ، أو أنه محمول على غيره بجهة : كمرضى وهلكى وموتى وجربى وحمقى وكأيامي ويتامى. واعلم أن أفعل وأفعالا وأفعلة وفعلة من أوزان التكسير للقلة كالعشرة فما دونها.

النوع السادس : التحقير

وهو فيما سوى الجمع لوصفه بالحقارة ، وفي الجمع لوصفه بالقلة ، هذا هو الأصل [و](١) له في جميع المواضع إلا فيما نطلعك عليه ، بإذن الله ثلاثة أمثلة ، وقد عرفت مرادي بقولي مثال كذا في نوع التكسير.

أحدها : مثال فعيل بضم الصدر وفتح الثاني ، ولتحرك الثاني في التحقير لإثبات همزة الوصل فيه ، وياء ثالثة ساكنة تسمى ياء التحقير فيما هو على ثلاثة أحرف كيف كانت أصولا نحو : بيت أو غير أصول أعني أن فيها زائدا نحو : ميت. ولا مدخل في حروف ما يحقر لتاء التأنيث ، وكذا الزيادات للتثنية ، وجمعي التصحيح ، والنسبة. كما لا مدخل لحروف الآخر من المتركبين في ذلك ، مثل : بعيلبك وحضير موت وخميسة عشر. تقول : بييت ومييت ، أو على أقل فيكمل ثلاثة بردّ ما يقدر محذوفا فيقال : حريح ودمي ، وكذا منيذ وسؤيل ، وأخيذ ، وكذا بني ووعيدة في : حر ودم ، وفي مذ وسل وخذ أسماء ، وفي ابن وعدة.

وثانيها : مثال فعيلل بكسر ما بعد ياء التحقير فيما هو على أربعة أحرف كيف

__________________

(١) سقطت من (ط).


كانت ، نحو : جعفر ومصحف وسلم وخدب ، تقول : جعيفر ومصيحف وسليلم وخديب ، بالجمع بين الساكنين ياء التحقير والمدغم ، ولا يجمع بينهما في الوصل إلا في نحو ما ذكرنا ، وكذا إذا كان بدل ياء التحقير مدة : كدابة. ويسمى هذا حد اجتماع الساكنين أو على أكثر بحرف أو حرفين فصاعدا ، فيرد إلى الأربعة بالحذف لما نيف عليها ، وتحقير مثل هذا مستكره ، أي لا يقع في الاستعمال إلا نادرا ، ولا يحذف أصل مع وجود زائد ، ولا زائد مفيد مع وجود غير مفيد ، ولا غير مفيد له نظير مع وجود عديم النظير ، ولا غير آخر من الأصول مع وجود آخر ، اللهم إلا بجهة مناسبة بين ذاك وبين ما يليق به الحذف. تقول : دحيرج في مدحرج أو متدحرج بحذف الزائد دون أصل ، ومطيلق ومخيرج في منطلق ومستخرج بحذف ما سوى الميم لكون الميم علامة في اسم الفاعل ، وتقيريض في استقراض بحذف السين لوجود تفيعيل كتجيفيف دون سفيعيل ، وفريزد بحذف الآخر. ولك أن تحذف الدال لمناسبتها التاء.

وثالثا : مثال فعيليل بإشباع كسرة ما بعد ياء التحقير فيما كان على خمسة أحرف رابعها مدة ، كقريطيس وقنيديل وعصيفير ، وفيما يستكره تحقيره أيضا عوضا مما يحذف ، فكثيرا ما يقال : فريزيد ومطيليق فقس. والألف في المحقر ثانية لضرورة التحريك ترد إلى أصل إن وجد لها ، وذلك إذا كانت غير زائدة ، وإلا قلبت واوا [لضمة](١) الصدر ، وثالثة طرفا وغير طرف لامتناع بقائها ألفا لوقوع ياء التحقير ، الساكنة قبلها لا تظهر إلا ياء ، وههنا اعتبارات لطيفة فتأملها ، فقد عرفناك الأصول ، ورابعة : طرفا لغير التأنيث تقلب ياء ، والمقتضى لزوم كسر ما بعد ياء التحقير ، وللتأنيث مقصورة كانت أو ممدودة تعامل معاملة تاء التأنيث ، فيزول المقتضى فتبقى ألفا فيقال : حبيلي وحميراء ، وغير طرف تقلب ياء للمقتضى إلا في بابي سكران وإجمال تفريعا للأول على حمراء ، والوجه ظاهر ، وللثاني عليها ، وعلى سكران معا. وخامسة : تحذف ليس إلا إذا كانت مقصورة ، أما الممدودة للتأنيث فلا تقول في نحو : حبركي وححجبي : حبيرك وححيجب ، وفي نحو : خنفساء خنيفسا ، ويعامل الألف والنون في

__________________

(١) في (ط): (الضمة).


نحو : زعفران وعقربان معاملة ألف التأنيث الممدودة ، فيقال : زعيفران وعقيربان. وأما ما سوى الألف ، كيف كان غير بدل : كسوط وخيط ورأس وغير ذلك ، وبدلا لكن بشرط اللزوم كنحو : عيد وتراث وتخمة [وقائل](١) وادد ، فلا تتغير إلا الواو بعد ياء التحقير ، طرفا أو غير طرف ، فحكمها ما سبق ، وأكثر هذه الأحكام مذكورة فتذكر ، تقول : سويط وخييط ورؤيس وعييد وتريث وتخيمة وقوئيل وأديد. وأما البدل غير اللازم فيرد ، يقال : مويزين ومييقن ومويعد في : ميزان وموقن ومتعد. ومتى اجتمع عندك مع ياء التحقير ياءآن فاحذف الأخيرة فقل : عطي وهرية في عطاء وهراوة ، وأحي في أحوى (٢) ، على قول : من يقول أسيد. ويشترط في تحقير الجمع أن يطلب له اسم جمع : كقويم ، أو جمع قلة : كأجيمال ، أو يجمع بعد التحقير بالواو والنون في العقلاء الذكور : كرجيلون وشويعرون ، وبالألف والتاء فيما سواهم : كدريهمات وضويربات. ويحترز عن جمع [الكثرة](٣) لئلا يكون تحقيره كالجمع بين المتنافيين ، ويلزم التحقير ظهور تاء التأنيث في المؤنث السماعي إذا كان على ثلاثة أحرف : كأريضة ونعيلة إلا ما شذ من نحو : عريس وعريب ، دون ما تجاوز الثلاثة كعنيق وعقيرب ، إلا ما شذ من نحو : قديديمة ووريئة.

واعلم أن التحقير لا يتناول الحروف ولا الأفعال إلا في باب ما أفعله على قول أصحابنا ، يقال : ما أميلح زيدا ، ولا ما يشبه الحروف من الأسماء : كالضمائر وأين ومتى ومن وما وحيث وأمس وكحسب وغير وعند ومع [وغد ، وأول](٤) من أمس والبارحة وأيام الأسبوع ولا المصدر واسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة حال

__________________

(١) في (ط): (وقاتل).

(٢) الأحوى : الأسود ، والنبات الضارب إلى السواد لشدة خضرته.

(٣) من (د) ، و (غ) ، وفي (ط): (الكسرة) والمراد (الكثرة) لأن فيه معنى التكثير ، الذى لا يناسبه التحقير ، الذى فيه معنى التقليل.

(٤) في (ط) سقطت (وغد) وتصحفت (وأول) إلى (أل).


العمل ، وقد يحقر ذا وتا وأو ، لا بالقصر والمد ، والذي والتي والذين واللاتي هكذا : ذيا وتيا وأوليا وأولياء واللذيا واللتيا واللذيون واللتيات. وههنا نوع يسميه أصحابنا تحقير الترخيم ، وهو أن تجرد المزيد في التحقير عن الزوائد لا للضرورة ، كتحقيرك أزرق ومحدودبا وقرطاسا مثلا على : زريق وحديب وقريطس.

النوع السابع : التثنية

وطريقها إلحاق آخر الاسم على ما هو عليه : ألفا أو ياء مفتوحا ما قبلها ، ونونا مكسورة ، اللهم إلا إذا كان آخره ألفا مقصورة : فإنها ترد ثالثة إلى الأصل. واوا كان : كعصوان ، أو ياء : كرحيان ، وتقلب فوق الثالثة ياء لا غير.

وأما الممدودة ، فإذا كانت للتأنيث قلبت همزتها واوا وإلا لم تقلب ، سواء كانت أصلية : كقراء ، أو منقلبة عن حرف أصلي : ككساء ، أو عن جار مجرى [الأصل](١) ، وهو أن يكون للإلحاق : كعلباء (٢) ، وقد رخص في القلب ، وأما سائر ما قد يقع من نحو : حذف تاء التأنيث في خصيان واليان على قول من لا يأخذهما متروكي المفرد ، ورد المحذوف : كيديان ودميان ، فيسمع ولا يقاس. وكما تجري التثنية في المفردات تجرى في أسماء الجموع ، وفي المكسرات أيضا ، وأما نحو تأبط شرا مما يحكى فلا يثنى.

__________________

(١) في (ط): (الأصلى).

(٢) العلباء : عصب العنق.


النوع الثامن : جمعا التصحيح

والمراد بهما نحو : مسلمون ومسلمين ، مما يلحق آخره واو مضموم ما قبلها ، أو ياء مكسور ما قبلها ، ونون مفتوحة علامة للجمع ، ونحو : مسلمات ، مما يلحق آخره ألف وتاء للجمع أيضا. والأول قياس في صفات العقلاء الذكور كنحو : مسلمون وضاربون ، وفي أسمائهم الأعلام مما لا تاء فيه كنحو : زيدون ومحمدون ، وفيما سوى ذلك كثبون (١) وأوزون (٢) سماع.

والثاني للمؤنث كتمرات وهندات ومسلمات وطلحات ، وللمذكر الذي لا تكسير له كنحو : سجلات ، وقلما يجامع فيه المكسر كنحو : بوانات وبون (٣). وحق كل واحد منهما أن يصح معه نظم المفرد فلا يتغير عن هيئته إلا في عدة مواضع ، ذلك التغيير قياس فيها منها نحو : أعلون وأعلين ، فإن الألف تحذف لملاقاتها الساكن في غير الحد خارج الوقف ، ونحو : قاضون وقاضين ، فإن الياء تحذف لمثل ذلك ، لأن الأصل قاضيون وقاضيين ، فلتضاعف الثقل ، وهو تحرك المعتل مع اجتماع الكسر والضم في الأول ، وهو مع توالي الكسرات حكما في الثاني ، وهي كسرة الضاد وكسرة الياء ، ونفس الياء ، لأنها أخت الكسرة ، يسكن المعتل بالنقل ، فيلاقي الساكن على الوجه المذكور ، فتحذف. ومنها نحو : مسلمات في مسلمة ، فإن التاء تحذف احترازا عن الجمع بين علامتي التأنيث ، ومنها الهمزة من ألف التأنيث الممدودة فإنها تبدل واوا لذلك ، ومنها الألف المقصورة ، كيف كانت ، فإنها تبدل ياء [للضرورة](٤) ، ومنها العين من فعلة وفعلة وفعلة ، فإنها تفتح أو تحرك بحركة الفاء إذا كانت اسما والعين صحيحة ؛

__________________

(١) الثبون : جمع ثبة ، وهى العصبة من الفرسان ، وتجمع على ثبات وثبون.

(٢) الأوزون : جمع أوز ، وهو البط.

(٣) البون : جمع بوان ، وهو عمود من أعمدة الخباء.

(٤) من (غ) ، وفي (ط) ، و (د) ، (للصورة) وهو خطأ.


كتمرات ، وسدرات وسدرات ، وغرفات وغرفات ، ويجوز التسكين في غير المفتوحة الفاء وأما نحو :

أخو بيضات رائح متأوب (١)

فإنما يقع في لغة هذيل.

النوع التاسع : النسبة

وهي بيان ملابسة الشيء الشيء بطريق مخصوص ، إما بصوغ بناء كفعال لذي صنعة يزاولها ويديمها : كعواج وثواب وبتات ، وكفاعل ، وهو لمن يلابس الشيء في الجملة : كلابن وتامر ودارع.

وإما بإلحاق آخر الاسم ياء مشددة مكسورا ما قبلها : كيمني وشامي ، وقد يزاد عوضا عن التشديد قبل الياء ألف : كيمان وشآم.

ولهذه الياء تغييرات بعضها مضبوط ، وبعضها عن الضبط بمعزل ، فمن الأول حذف التاء كبصري ، وعلامتي التثنية والجمع إذا اتفقتا في المنسوب ، وهما على حالهما : كزيدي ، في زيدان وزيدون اسمين ، أما إذا خرجتا عن حالهما بأن يجعل النون معتقب

__________________

(١) البيت من الطويل ، وعجزه :

 .....................

رقيق بمسح المنكبين سبوح

(المنصف ١ / ٣٤٣) (المفصل ٧٧) وفيه (أبو بيضات).

والرائح : السائر ليلا ، والمتأوب : السائر نهارا.

رقيق بمسح المنكبين : عالم بتحريكهما في السير.

السبوح : الحسن الجرى.

والبيت وصف للظليم : وهو ذكر النعامة ، شبه به ناقته ، فهى مسرعة وسيرها سير ظليم له بيضات ، يسير ليلا ونهارا ؛ ليصل إلى بيضاته.


الإعراب فلا ، والقياس إذ ذاك ، زيداني وزيديني ، والياء في زيديني من لوازم الاعتقاب لا النسبة ، ومن ذلك فتح ما قبل الآخر من ذي ثلاثة أحرف إذا كان مكسورا على الوجوب : كنمري ودؤلي ، ومن ذي أكثر على الجواز. كيثربي وتغلبي ، ومن ذلك أن يقال : فعلى ألبتة في كل فعيلة وفعولة كحنفى وشنئى ، وأن يقال : فعلى في كل فعيلة كجهني إلا في المضاعف ، والأجوف من ذلك ، فإنه يقتصر على حذف التاء ، وأن يقال : فعلي في فعيل وفعيلة من المنقوص ، وفعلى في فعيل وفعيلة منه : كغنوى [وضروى](١) وقصوي وأموي ، وقيل : أميي وقالوا في تحية : تحوي ، وأن يقال : فعولي في فعول وفعولة منه كعدوي عند أبي العباس المبرد ، رحمه‌الله ، وأما سيبويه ، فيقول : في فعولة فعلى (٢) ، فيفرق.

ومن ذلك أن تحذف الياء المتحركة من كل مثال قبل آخره ياء مشددة : كسيدي في سيد وما شاكل ذلك ، ولهذا قلنا : الألف في طائي بدل عن ياء ساكنة ، وكمهيمي في مهيم اسم فاعل من هيمة ، وأما في مهيم تصغير مهوم ، فيقال مهيمي على التعويض. ومن ذلك أن يقلب الألف في الآخر ثالثة أو رابعة أصلية واوا لا غير ، وأما رابعة غير أصلية يتقدمها سكون ، فلك أن تقلب وتحذف : كدنيوي [ودنيي](٣) ونحو : دنياوي وحبلاوي وجه ثالث ، وإما رابعة لا يتقدمها سكون كجمزى ، وخامسة فصاعدا فليس إلا الحذف ، هذا إذا كانت مقصورة ، والممدودة تقلب همزتها واوا إذا كانت للتأنيث ، وإلا فالقياس ترك القلب فيه ، ولما التزم فتح ما قبل الياء في نحو : العمى والقاضي والمشتري ولزم من ذلك انقلاب الياء ألفا كان حكمها حكم الألف المقصورة في جميع ما تقدم ، إلا في تفاصيل كونها رابعة ، فلا يقع ههنا من تلك إلا الخيرة بين القلب والحذف ، وإن كان الحذف هو الأحسن. وقالوا في نحو المحيي محوي تارة ومحيي أخرى ،

__________________

(١) في (ط) و (غ): (ضرورى).

(٢) ينظر باب الإضافة إلى (فعيل وفعيل) من بنات الياء والواو ، في كتاب سيبويه (٣ / ٣٤٤ ، وما بعدها)

(٣) في (ط) (ودينى) وفي (غ): (ودنى) ، والمثبت من (د).


وكذا لما التزم أيضا فتح العين في نحو طي ولية وحية قيل : طووي ولووي وحيوي ، وفي نحو : ظبية وقنية ودمية ، وكذا في بنات الواو لما التزمه يونس (١) ، رحمه‌الله ، قال : ظبوي وقنوي ودموي ، وكأن الواو في غزوي عنده بدلا من الألف ، ولما لم يلتزم الخليل وسيبويه ، رحمهما‌الله ، فيها قالا : ظبيي وغزوي في ظبية وغزوة ، كما في ظبي وغزو ، ويقول في نحو : دو وكوة ، دوي وكوي.

ومن ذلك أن تحذف ياء النسب إن كانت في الاسم ، فتقول في النسبة إلى نحو شافعي شافعي وكذا في كراسي أيضا اسم رجل كراسي وكأن من قال مرمي في مرمي شبه الياء بياء النسبة ، ومن قال مرموي ترك التشبيه.

ومن ذلك أن تهمز في نحو : حماية دون علاوة ، فتقول : حمائي وعلاوي ، وتخير في نحو : راية وثاية وآية بين الهمز والياء والواو.

ومما هو عن الضبط بمعزل حال الثنائي ، فقد رد في البعض : كأخوي وأبوي وضعوي وستهي (٢) ، ولم يرد في بعض نحو : عدي وزني ، وكذا الباب إلا ما اعتل لامه ، نحو : شية ، فإنك تقول فيه وشوي ، وجاء الأمر أن في البعض نحو : غدي وغدوي ، ودمي ودموي ، ويدي ويدوي ، وحرى وحرحي ، وابني وبنوي ، وقالوا : اسمي وسموي ، وكعدي وعدوي ، فقلبوا. وأبو الحسن الأخفش ، رحمه‌الله ، يعتبر الأصل فيما يرد فيقول : وشي وحرحي بالسكون ، وعلى هذا في أخواتهما ، والخليل وسيبويه ، رحمهما‌الله ، يقولان : بنوي وأخوي في بنت وأخت (٣) ، ويونس ، رحمه‌الله ، يقول : بنتي وأختي ، فلا ينظم تاءهما في سلك تاء التأنيث ، ومما هو أبعد [عن](٤) الضبط قولهم : بدوي

__________________

(١) هو يونس بن حبيب النحوى ولد سنة ٩٠ ه‍ ، ومات سنة ١٨٢ ه‍ (بغية الوعاة ٢ / ٣٦٥) ، وفي الكتاب (٣ / ٣٤٧) : وأما يونس ، فكان يقول في ظبية : ظبوى ، وفي دمية : دموى ، وفي فتية : فتوى.

(٢) الكتاب (٣ / ٣٥٩ ، وما بعدها).

(٣) السابق (٣ / ٣٦٣ ، ٣٦٤).

(٤) في (ط): (من).


[وبصرى](١) وعلوي وطائي وسهلي ودهري وأموي وثقفي وقرشي وهذلي وخراشي وخرسي وخرفي وكذا : عبدري وعبقسي وعبشمي ، فهذه وأمثالها إلى اللغة.

ويشترط في المنسوب أن يكون مفردا غير جمع ولا مركب ولا مضاف ، فيقال في النسبة إلى [نحو](٢) صحائف وكتب : صحفي وكتابي ، وأما الأنصاري والأنباري والأعرابي ، فإنما ساغ ذلك لجريها مجرى القبائل ، كأنماري وضبابي وكلابي وكمعافري ومدايني ، وفي النسبة إلى نحو : معدي كرب وخمسة عشر ونحو اثني عشر أيضا ، فتنبه معدي وخمسي واثني أو ثنوي ، وفي النسبة إلى نحو : ابن الزبير وامرئ القيس : زبيري وامرئي ينظر إذا كان المضاف إليه اسما يتناول مسمى على حياله كالزبير نسب إليه ، وإلا كانت النسبة إلى المضاف.

النوع العاشر : إضافة الشيء إلى نفسه

طريقها بعد استجماع شرائط الإضافة ، وستعرفها في النحو ، إلحاق آخر الكلمة ياء مخففة مفتوحة في الأصل ، وتسكينها للتخفيف مكسورا ما قبلها ، إلا فيما كان آخره ألفا : كعصاي ، أو مستحق الإدغام فيها كمسلمي ، وأعلى ، بفتح ما قبل الياء مشددة في : مسلمين وأعلين وفي أعلون أيضا ، وكمسلمي بكسرة ما قبل الياء المشددة في مسلمين ومسلمون أيضا ، ويقال لدي وإلي وعلي فاعلم.

النوع الحادي عشر : في اشتقاق ما يشتق من الأفعال

جميع ما يشتق من الأفعال قد سبق الكلام فيها على ما يليق بها ، وهو قريب العهد ، فلا نعيده إلا مثال الأمر ، فإنه بعد غير مذكور ، فنتكلم فيه.

اعلم أن طريق اشتقاقه هو أن تحذف من الغابر ، الزائد في أوله ، وتبتدئ على الثاني

__________________

(١) في (ط): (وبشرى).

(٢) ليست في (ط).


إن كان متحركا ، وإلا فلامتناع الابتداء بالساكن إن كنت في باب أفعل ، رددت الهمزة الساقطة ، وإلا جلبت همزة وصل مضمومة في باب يفعل المضموم العين مكسورة في جميع ما عداه ، ثم تحذف الآخر إن كان معتلا ، أو تسكنه إن لم يكنه ولا مشددا ، وتحركه في المشدد بأي حركة شئت ، إذا كان ما قبله مضموما ، وإلا فغير الضم ، و [لسكون](١) الآخر تحذف المدة قبله متى اتقفت نحو : قل وبع وخف ، وستحقق هذا.

وههنا فائدة لا بد من ذكرها. وهي أن الغابر المشدد الآخر ، حال اشتقاق الأمر منه ، لا يلزم تشديده ، بل لك أن تفك تشديده ، على هيئة ما يقتضيه الباب ، ثم تشتق. ولا يؤمر بهذا المثال إلا الفاعل المخاطب.

النوع الثاني عشر : تصريف الأفعال مع الضمائر ونوني التأكيد

الكلام في هذا النوع يستدعي إشارة إلى الضمائر فلنفعل.

اعلم أن الضمير عبارة عن الاسم المتضمن للإشارة إلى المتكلم أو إلى المخاطب أو إلى غيرهما بعد سبق ذكره ، هذا أصله ، وهو ، أعني الضمير ، ينقسم إلى قسمين من حيث الوضع ، قسم لا يسوغ الابتداء به ويسمى : متصلا ، وقسم يسوغ فيه ذلك ويسمى : منفصلا. وكل واحد منهما ، بحسب اعتبار المراتب العرفية ، وراء تعرض الرفع والنصب والجر ، كأن يحتمل ثمانية عشر صورة (٢) ، ستا في غير المواجهة ، لاعتباره مذكرا ومؤنثا ، واعتبار الوحدة والتثنية والجمع في [كلي](٣) الجانبين ، وستا أخر في المواجهة بمثل ذلك ، وستا أخر في الحكاية. لكن لما ألغي اعتبار التذكير والتأنيث في الحكاية ، لقلة الفائدة فيه ، ولم تصح التثنية والجمع فيها حقيقة ، فاقتصر لهما على صورة

__________________

(١) في (ط): (ولكون).

(٢) كذا في المطبوع (ثمانية عشر صورة) والجادة (ثمان) ؛ لأن المعدود مؤنث.

(٣) في (غ): (كلا).


تشملهما معنى ، ولم يفرق بين اثنين واثنتين فيما سوى ذلك حكاية ، عادت اثنتي عشرة لا مزيد كما ترى ، ثم لما تعذر اعتبار الجر في المنفصل لمنافاته الانفصال ، ولم يغاير بين النصب والجر في المتصل لتآخيهما إلا في الحكاية عن نفسك ، تكررت الاثنتا عشرة أربع مرات ، لم يفت إلا صورتا الغائب والغائبة بقيتا مستكنتين. ولنذكرها بأسرها في أربع جمل لتحقق صورها.

الجملة الأولى : في المنفصلة المرفوعة وهي : أنا نحن وأنت أنتما أنتم أنت أنتن وهو هما هم هي هن.

الجملة الثانية : في المنفصلة المنصوبة وهي : إياي إيانا وإياك وإياكما إياكم إياك إياكن وإياه إياهما إياهم إياها إياهن.

الجملة الثالثة : في المتصلة المرفوعة وهي : عرفت عرفنا ، وعرفت عرفتما عرفتم ، عرفت عرفتن ، وعرف عرفا عرفوا ، عرفت عرفتا عرفن.

الجملة الرابعة : في المتصلة المنصوبة وهي : عرفني عرفنا ، وعرفك عرفكما عرفكم ، عرفك عرفكن ، وعرفه عرفهما عرفهم ، عرفها عرفهن.

وهذه الجمل الأربع لا تتفاوت بفوات المواضع سوى المتصلة المرفوعة ، فإنها في الغابر تتفاوت فاسمعها ، وهي : أعرف نعرف ، وتعرف تعرفان تعرفون ، تعرفين تعرفان تعرفن ، ويعرف يعرفان يعرفون ، تعرف [تعرفان](١) تعرفن.

واعلم أن الأفعال كلها في اتصالها بالمنصوبة لا تتفاوت هيئة ، وأما في اتصالها بالمرفوعة فالعارية منها عن الإدغام وحروف العلة لا يزيد تفاوتها على ما ترى ، وأما ما لا يعرى عن ذلك فما إدغامه في غير آخره : كجرب ويجرب ، أو [معتله](٢) يبعد عن آخره كوضوء وأبيض ويوضؤ ويبيض حكمه في ذلك حكم العاري ، وما إدغامه في

__________________

(١) في (ط) (يعرفان) بالياء المثناة التحتية ، والصواب بالتاء المثناة.

(٢) في (ط) (معتلة) آخره تاء ، والصواب آخره هاء.


آخره : كشد ويشد ، أو معتله في آخره أو فيما قبله : كدعا وقال ويدعو ويقول ، زائد التفاوت تارة بفك الإدغام ، وأخرى بإبدال المعتل أو حذفه ، والضابط هناك أصلان :

أحدهما : في فك الإدغام وإبدال الألف ، ولا إبدال لغير الألف في اللفظ ، وهو أن الإدغام من شرطه كون المدغم فيه متحركا ، وأن الإعلال بالألف المعتد به ، فنذكر من شروطه : تحرك المعتل ، وهذا الشرط يفوت في الماضي مع ثمانية من الضمائر وهي الضميران في الحكاية ، والخمسة في المواجهة ، وضمير جماعة النساء في غير المواجهة ؛ ولنسمها مسكنات الماضي ، فيزول الإدغام ، فيعود المدغم إلى حركته ، كقولك في باب فعل المفتوح العين : كررت كررنا ، كررت كررتما كررتم ، كررت كررتن كررن ، وفي باب فعل المكسور العين ظللت ظللنا. وكذا في باب أفعل : أعددت ، وفي فاعل : حاججت ، وعلى هذا حتى إنك تقول : احماروت واحمررت واقشعررت. وقد يحذف عند فك الإدغام أحد المتكررين كقولهم : ظلت أو [ظلت](١) بفتح الظاء أو كسرها وكقوله :

 ...........................

أحسن به فهن [إليه](٢) شموس (٣)

ويزول الإعلال بالألف ، فيعود الأصل في الثلاثي المجرد : كدعوت دعونا ، دعوت دعوتما دعوتم ، دعوت دعوتن دعون ؛ ورميت رمينا ، رميت رميتما ، رميتم ، رميت رميتن رمين ، وفي غير الثلاثي المجرد يلزم الياء كأرضيت ورجيت ، وأما في الغابر ، فيفوت مع ضمير جماعة النساء في المواجهة ، وغير المواجهة فحسب ، ولنسمه مسكن

__________________

(١) في (ط): (ظللت).

(٢) في (ط) : الياء.

(٣) عجز بيت من الوافر ، قائله أبو زبيدة الطائى ، شعره ٩٦ ، وصدره :

خلا إن العتاق من المطايا

 ...............

وفي (غ) : شوس.


الغابر ، فيزول الإدغام أيضا ، فيعود المدغم إلى حركته كقولك : تعضضن ويعضضن ، و [تقررن ويقررن](١) ، وتشددن ويشددن ، وكذا في سائر الأبواب. ويزول الإعلال بالألف ويلزم الياء ، هذا هو القياس : كترضين ويرضين ، وتدعين ويدعين.

وثانيهما في الحذف ، وهو أن من شرط ثبوت المدة ، ألفا كانت أو ياء أو واوا ، أن لا يقع بعدها ساكن غير مدغم ، وهذا الشرط يفوت مع مسكنات الماضي في ماض قبل آخره مدة ، فتسقط المدة كقولك في قال : قلت ، قلنا ، قلت قلتما قلتم ، قلت قلتن قلن.

وفي اختار : اخترت اخترنا ، وعلى هذا.

وههنا أصل لا بد من المحافظة عليه وهو أن ما قبل الألف عند سقوطها يفتح في غير الثلاثي المجرد البتة ، كاخترت وأنقذت ، وفي الثلاثي المجرد يكسر في باب فعل المكسور العين : كخفت ، ويضم في باب المضموم العين : كطلت ؛ وأما في باب فعل المفتوح العين ، فيكسر إذا كانت الألف من الياء كملت ، ويضم إذا كانت من الواو كقلت. وما قبل غير الألف عند السقوط لا يتغير كقولك في قيل : بالكسر الخالص ، أو بالإشمام : قلت يا قول وقلت بهما ، وفي قول قلت بالضم ، ويفوت أيضا مع مسكن الغابر فيما قبل آخره مدة ، فتسقط ويبقى ما قبلها على حاله : كتخفن ويخفن ، وتبعن ، ويبعن ، وتقلن ويقلن ، وكما كان يفوت مع تلك الثمانية شرط ثبوت الألف فيما قبل آخر الماضي ، فكانت تسقط كذلك ، يفوت شرط ثبوتها في آخره مع ثلاثة ، فتسقط ، وهي : تاء التأنيث الساكنة ظاهرا ، كما في قولك : دعت ورمت ، وتقديرا كما في قولك : دعتا ورمتا. ومن العرب من لا يعتبر التقدير فيقول : دعاتا ورماتا ؛ والشائع الكثير هو الأول.

وواو الضمير : كدعوا ورموا ؛ وأما ألف الاثنين ، فلما لم يجز معها بقاء الألف ألفا لامتناع الإعلال معها لما نبهت عليه في باب الإعلال ، لا جرم تغير الحكم ، وكما كان يفوت شرط ثبوت المدة فيما قبل آخر الغابر مع ما عرفت ، فكانت تسقط كذلك ،

__________________

(١) في (غ): (وتفررن ويفررن) بالفاء.


يفوت شرط ثبوتها فيه إذا كانت في الآخر مع اثنين ، فتسقط ، أحدهما. ضمير الجمع في المواجهة وغير المواجهة كتخشون وترمون وتدعون ، وتخشون ويرمون ويدعون ، والثاني : ضمير المخاطبة : كتخشين وترمين وتدعين. وبيان فوات الشرط إنما يظهر ببيان كون أواخر الأفعال في هذين الموضعين مدات ، وبيان كونها مدات باستعمال طريقين : أحدهما : طريق الإعلال ، والثاني : طريق التسكين بالنقل.

أما طريق الإعلال ، فحيث يكون ما قبل آخر الفعل مفتوحا ، كقولك : تخشين وتدعين ، تعل الياء فيصير : تخشاين وتدعاين ، ثم تحذفها لفوات الشرط.

وأما طريق التسكين بالنقل ، فحيث يكون ما قبل آخره مكسورا أو مضموما ، كقولك : ترميون وتدعوون ، وكذا ترميين وتدعوين ، تهرب عن تضاعف الثقل ، وذلك تحرك المعتل مع اجتماع الكسر والضم في نحو قولك : ترميون وتدعوين ، فتسكن ذلك المعتل بنقل حركته إلى ما قبله ، فيصير مدة ، ثم تحذفها لفوات الشرط ، أو تحركه مع توالي الضمات في نحو : تدعوون ، وهي ضمة ما قبل الواو ، وضمة الواو ، ونفس الواو ، فهي أخت الضمة ، أو مع توالي الكسرات في نحو : ترميين ، وهي كسرة ما قبل الياء ، وكسرة الياء ، ونفس الياء ، فهي أخت الكسرة ، فتسكنه أيضا بنقل حركته إلى ما قبله ، وإن كان لا يظهر أثر النقل في اللفظ ، فيصير مدة ثم تحذفها لفوات الشرط ، وحال اتصال الضمائر بمثال الأمر على نحو حال اتصالها بالغابر لا فرق ، إلا في شيء واحد وهو أنك بعد ألف الضمير وواوه ويائه تترك النون كقولك : اضربا اضربوا اضربي.

ونونا التأكيد مدخلهما الغابر ومثال الأمر ، والثقيلة منها تفتح ما قبل نفسها إذا اتصلت بما لا ضمير في آخره : كأضرب ونضرب في الحكاية ، وتضرب للمخاطب ، ويضرب وتضرب للغائب والغائبة ، وتستصحب مع نفسها ألفا في اتصالها بما في آخره نون جماعة النساء ، وتحذف النون بعد ألف الضمير وواوه ويائه ؛ نعم والواو أيضا ، والياء إذا لم يكن ما قبلهما مفتوحا ، وإذا كان كذلك حركت الواو بالضم ، والياء بالكسر ، تحريكا عارضا مثل رمتا كقولك : اخشون واخشين ، وتكون مكسورة بعد ألف الضمير والألف المستصحبة كقولك : اضربان واضربنان ، ومفتوحة في سائر المواضع. ومن شأنها أن ترد المدة المحذوفة من الآخر ، وإذا كانت ألفا أن تقلبها ياء لا


محالة كقولك : ارمين وادعون واخشين ، وليرضين. والخفيفة لا تخالف الثقيلة في جميع ذلك إلا في وقوعها بعد الألفين ، فلا ثبات لها هنالك عندنا خلافا للكوفيين ، فهم جوزوا إثباتها ساكنة عند بعضهم ، مكسورة عند آخرين في الوصل (١).

النوع الثالث عشر : في إجراء الوقف على الكلم

في الوقف ثلاث لغات أو أربع. التضعيف ، كقولك : عمر ، وهو مختص بالذي آخره صحيح غير همزه وما قبله متحرك ؛ والرفع وهو أن تروم في إسكانك الآخر قدرا من التحريك ، والإسكان الصريح وهو على نوعين : إسكان بإشمام ، وهو ضم الشفتين بعد الإسكان ، وأنه مختص بالمرفوع ؛ وبغير إشمام ، والأصل في سكون الوقف أن لا يعتد به لكونه عارضا ، فلا يحتفل باجتماع الساكنين في نحو بكر وعمرو وغلام وكتاب ، ثم [من](٢) العرب من يحتفل به فيحول حركة الآخر ضمة كانت أو كسرة دون الفتحة التي هي لخفتها كلا حركة ، ولعدم استمرار المحتفل به معها كقولهم : بكرا وعمرا ، هذا إذا لم يكن [الآخر](٣) همزة إلى ما قبله إذا كان صحيحا ساكنا كنحو : مررت ببكر ، وجاءني بكر ، وكذا ضربته ولم أضربه ؛ وأما إذا كان همزة حولها ، أية كانت ، بعلة التخفيف أو تمهيد له كنحو : الخبو والردو والبطو ، والخبي والردي والبطي ، والخبا والردا والبطا ، على هذا الوجه ، إلا قوما من تميم ، فهم يتفادون من أن يقولوا : هذا الردو ومن البطي فيفرون إلى الاتباع قائلين : هذا الرديء ومن البطؤ. ومن العرب من يعامل ما يتحرك ما قبل همزته كالكلا ، بمجرد علة التخفيف معاملة ما يسكن ما قبل همزته ، فيقول : الكلو والكلي والكلا. والحجازيون في قولهم الكلا بالألف في الأحوال

__________________

(١) ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز إدخال نون التوكيد الخفيفة على فعل الاثنين ، وجماعة النسوة نحو (افعلان ، وافعلنان) بالنون الخفيفة ، وإليه ذهب يونس بن حبيب البصري ، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز إدخالها في هذين الموضعين.

(٢) في (ط): (إن).

(٣) في (ط) و (غ): (الآخرة).


الثلاث [وأكموا](١) بالواو فيها ، وكذا في قولهم أهني بالياء ، عاملون بسكون الوقف معاملة سكون همزة رأس ولؤم وبئر ، فاعلم.

وللوقف وراء هذا ما يتلى عليك فاستمع ؛ وذلك قلب تاء التأنيث هاء كنحو : ضاربه (٢) ، إلا عند بعض يقولون : ضاربت وهم قليل ؛ واستدعاء هاء فيما هو على حرف واحد كنحو : قه وره ونحو مجيء : مه ومثل مه في مجيء : م جئت ، ومثل : م أنت على الوجوب. وأما في نحو : علام وفيم ، قوي الاتصال بما قبله وفيما حذف آخره المعتل من الغابر ، ومثال الأمر فعلى الجواز لك أن تسكن وأن تلحق الهاء ، وحذف التنوين إذا لم يكن ما قبله مفتوحا نحو : جاءني زيد ومررت بزيد ، وكذا قاض عند سيبويه وهو الأكثر ، أو قاضي عند الأخفش ، وقلبه ألفا إذا كان مفتوحا نحو : رأيت زيدا وقاضيا. وحكم النون الخفيفة ونون إذن حكم التنوين ، فقل في الوقف على هل تضربن وإذا تضربون ، وإذا وجواز حذف الياء في نحو القاضي ، ويا قاضي عند بعض مع امتناع حذفها في نحو يا مري ويايعي اسما مما لا يبقي بعد الحذف إلا على حرف واحد أصلي عند الجميع ، وإبدال الألف على خلاف الأعرف ياء أو واوا أو همزة كحبلي بالياء في لغة قوم من بني فزارة وقيس ، وحبلو بالواو في لغة قوم من طي ، وحبلأ بالهمزة في لغة قوم ، وكذا رأيت رجلا ويضربها وقالوا : خ خ أنا مرة ، وأنه أخرى في الوقف على أنّ ، وهو بالإسكان تارة ، خ خ وهوه أخرى وههنا ، خ خ وها هناه ، [وهؤلا](٣) ، وهؤلاء ، عند القصر ؛ وأكرمتك وأكرمتكه ، وغلام وضربن فيمن يسكن الياء وصلا ، وغلامي وضربني ، وغلاميه وضربنيه ، فيمن يحرك ؛ وضربكم وضربهم ، وعليهم ، وبهم ، ومنه ، وضربه بالإسكان فيمن ألحق وصلا ، أو حرك ؛ وهذه فيمن قال هذهي ، والوقف

__________________

(١) في (ط): (وأكمموا).

(٢) في بعض النسخ (ضاربة) بالتاء وهو خطأ ، والصواب بالهاء.

(٣) في (ط) و (د) (هؤلاء) والصحيح (هؤلا) بحذف الهمزة ، ليجانس ما قبله ، وليوقف عليه بالصورة الأخرى (هؤلاه) بهاء السكت ، وقوله بعده : (عند القصر) يوضح ذلك.


على من الاستفهام أن يشبع في نونه حركة المستفهم عنه كنحو : منو ، مني ، منا فقط ، أو أن تثنى وتجمع وتؤنث أيضا على نحو المستفهم عنه كنحو : منان ، منين ، منون ، منين ، منة ، منتان ، منتين ، منات ، وكل واو أو ياء لا تحذف في الوقف ، تحذف فيه بشفاعة الفاصلة كنحو : (الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ)(١) ، (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ)(٢) أو القافية كقوله :

وبعض القوم يخلق ثمّ لا يفر (٣)

هذا ، ثم إن الوصل قد يجري مجرى الوقف مثل قوله :

ببازل وجناء أو عيهل (٤)

وقوله تعالى : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي)(٥).

كمل القسم الأول من الكتاب. والله المشكور على كماله والمسؤول أن يمنح التوفيق في الباقي. بحق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآله (٦).

__________________

(١) الرعد : ٩.

(٢) الفجر : ٤.

(٣) عجز بيت لزهير بن أبي سلمى ، وهو في ديوانه ٩٤.

والخالق الذى يقدر ويهيئ القطع ، يقول : أنت إذا تهيأت لأمر مضيت له.

(٤) رجز لمنظور بن مرثد الفقعسى الأسدى ، وهو من شواهد سيبويه (الكتاب ٤ : ١٧٠) ، والخصائص لابن جنى (٢ / ٣٥٩) والإنصاف (٢ / ٨٧٠) ولسان العرب (عيهل) ونسبه إليه ، وخزانة الأدب (٤ / ٣٧٨).

(٥) الكهف : ٣٨.

(٦) هذا من الدعاء البدعى ، الذى لا يشرع.


بسم الله الرّحمن الرّحيم

القسم الثاني

علم النحو

تمهيد

الفصل الأول : (علم النحو : ما هو)؟

الفصل الثاني : (ضبط ما يفتقر إليه علم النحو)

الباب الأول : القابل.

الباب الثاني : الفاعل.

الباب الثالث : الأثر وهو الإعراب.

الخاتمة


القسم الثاني

(من الكتاب في علم النحو. وفيه فصلان (١))

أحدهما في أن علم النحو ما هو؟

والثاني في ضبط ما يفتقر إليه في ذلك.

الفصل الأول

علم النحو : ما هو؟

اعلم أن علم النحو هو أن تنحو معرفة كيفية التركيب فيما بين الكلم لتأدية أصل المعنى مطلقا بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب ، وقوانين مبنية عليها ، ليحترز بها عن الخطأ في التركيب من حيث تلك الكيفية ، وأعني بكيفية التركيب تقديم بعض الكلم على بعض ، ورعاية ما يكون من الهيئات إذ ذاك ، وبالكلم نوعيها المفردة وما هي في حكمها ، وقد نبهت عليها في القسم الأول من الكتاب ، وسيزداد ما ذكرنا وضوحا في القسم الثالث إذا شرعنا في علم المعاني بإذن الله تعالى.

الفصل الثاني

ضبط ما يفتقر إليه علم النحو

في ضبط ما يفتقر إليه في ذلك ، والكلام فيه يستدعي تقديم مقدمة.

__________________

(١) في بعض النسخ : بسم الله الرحمن الرحيم القسم الثاني في علم النحو وفيه فصلان.


مقدّمة

وهي أن تلك الهيئات التي يلزم رعايتها ، على تفاوتها بحسب المواضع وجهة التقديم والتأخير ، منحصرة بشهادة الاستقراء في أنها اختلاف كلم دون كلم ، اختلافا لا على نهج واحد ، لاختلاف أشياء معهودة ، فيظهر من هذا أن الغرض في هذا الفصل إنما يحصل بضبط ثلاثة : القابل والفاعل والأثر. فلنضمنه ثلاثة أبواب : أحدها في القابل ، وهو المسمى عند أصحابنا معربا. وثانيها في الفاعل وهو المسمى عاملا ، وثالثها في الأثر وهو المسمى إعرابا .. ولا يذهب عليك أن المراد بالقابل ههنا هو ما كان له جهة اقتضاء للأثر فيه من حيث المناسبة ، وبالفاعل هو ما دعا الواضع إلى ذلك الأثر أو كان معه داعية له إلى ذلك ، وإلا فالفاعل حقيقة هنا هو المتكلم.


الباب الأول

القابل أو المعرب

في القابل وهو المعرب :

اعلم أن ليس كل كلمة معربة ، بل في الكلم ما يعرب ، وفيها ما لا يعرب ، ويسمى مبنيا. فلا بد من تمييز البعض عن البعض ، ويتعين أحدهما بتعيين الآخر ، والمبني أقرب إلى الضبط فلنعينه يتعين المعرب.

اعلم أن المبني قسمان : قسم لا يحتاج إلى عده واحدا فواحدا ، وقسم يحتاج إلى ذلك.

القسم الأول

جعلناه أربعة عشر نوعا :

أولها : الحروف.

وثانيها : الأصوات المحكية على قول من لا يجعلها حروفا كنحو : حس (١) وبس (٢) ووي (٣) ووا (٤) وأخ (٥) وبخ (٦) ومض (٧) وغيط (٨) ونح (٩)

__________________

(١) حس : أن يتمنطق بشفتيه عند رد المحتاج.

(٢) بس : أن يتمنطق بشفتيه ، دعاء للغنم.

(٣) وى : كلمة تعجب ، نحو : وى لزيد أى أعجب به ، وتأتى للزجر.

(٤) وا : تأتى حرف نداء مختصا بالندبة ، وقد يستعمل في النداء الحقيقى.

(٥) أخ : يستعمل عند التكره.

(٦) بخ : اسم فعل معناه عظم الأمر وفخم ويستعمل عند الإعجاب ، ويكرر للمبالغة (بخ ، بخ).

(٧) مض : أن يتمنطق بشفتيه عند رد المحتاج.

(٨) غيط : صوت الفتيان إذا تصايحوا في اللعب.

(٩) نح : تردد الصوت في الصدر.


ونخ (١) وهيخ (٢) وأيخ (٣) ، ونحو : ظيخ (٤) وشيب (٥) وماء (٦) وغاق (٧) وخاز باز (٨) وطاق (٩) وطق (١٠) وقب (١١) ، ونحو : هلا (١٢) وعدس (١٣) وهيد (١٤) [وهيد](١٥) وهاد (١٦)

__________________

(١) نخ : صوت عند إناخة البعير. (مشددة ومخففة).

(٢) هيخ : صوت عند إناخة البعير.

(٣) أيخ : صوت عند إناخة البعير.

(٤) ظيخ : حكاية صوت الضاحك.

(٥) شيب : صوت مشافر الإبل عند الشرب.

(٦) ماء : حكاية بغام الظبية.

(٧) غاق : حكاية صوت الغراب (يقال غاق غاق ، وعاء عاء).

(٨) خازباز : ضرب من العشب ، وعند بعض العرب ذباب يكون في الروض.

(٩) وفيه لغات (الكتاب ٣ / ٣٠١) ، وفي المفصل ٧١ ، وشرح المفصل ٤ / ١٢٠ ، طاق : حكاية صوت الضرب.

(١٠) طق : حكاية صوت وقع الحجارة بعضها ببعض.

(١١) قب : حكاية صوت وقع السيف.

(١٢) هلا : زجر الخيل.

(١٣) عدس : اسم صوت يزجر به البغل ، اسم للبغل.

(١٤) هيد : بفتح الهاء ، زجر للإبل.

(١٥) هيد : بكسر الهاء ، زجر للإبل.

(١٦) هاد : زجر للإبل.


وحه (١) وده (٢) وحوب (٣) وحاي (٤) وعاي (٥) وحب (٦) وحل (٧) وهدع (٨) وهس (٩) وهيخ (١٠) وفاع (١١) وحج (١٢) وعه (١٣) وعيز (١٤) وهج (١٥) وهجا (١٦) وجاه (١٧) ، ونحو : جوت (١٨) وجي ودوه (١٩) وبس (٢٠) وثيء (٢١) وساء (٢٢) [وسوء](٢٣) وقوس (٢٤) ،

__________________

(١) جه : زجر للإبل.

(٢) ده : زجر للإبل.

(٣) حوب : حث للإبل.

(٤) حاى : حث للإبل.

(٥) عاى : حث للإبل.

(٦) حب : زجر للإبل. يقال للجمل : حب لا مشيت.

(٧) حل : زجر للناقة.

(٨) هدع : تسكين لصغار الإبل.

(٩) هس : زجر للغنم.

(١٠) هيخ : صوت عند إناخة البعير.

(١١) فاع : زجر للغنم.

(١٢) حج : زجر الضأن إلى الشرب.

(١٣) عه : زجر الضأن إلى الشرب.

(١٤) عيز : زجر الضأن إلى الشرب.

(١٥) هج : زجر للغنم.

(١٦) هجا : زجر للكلب.

(١٧) جاه : زجر للسبع.

(١٨) جوت : دعاء للإبل إلى الشرب.

(١٩) دوه : دعاء للربع.

(٢٠) بس : دعاء للغنم.

(٢١) ثىء : دعاء للتيس عند السفاد.

(٢٢) ساء : دعاء للحمار إلى الشرب.

(٢٣) في (غ) (تشؤ) وهي دعاء للحمار إلى الشرب.

(٢٤) قوس : دعاء للكلب (ينظر شرح المفصل لابن يعيش لمعرفة هذه الأسماء (٤ / ٧٥).


ونظائرهن.

وثالثها : أمثلة الماضي ، والأمر أيضا عندنا.

ورابعها : أسماء الأفعال كنحو : رويد (١) زيدا ويقال : رويدك [وتبل](٢) وهلم (٣) وهات (٤) ، والأصح فيه عندي أنه ليس باسم فعل ، وستعرفه ، وهاء (٥) فيه لغات وله استعمالات ، ودونك زيدا ، وعندك عمرا ، وحذرك بكرا ، وحذارك وحيهل (٦) وفيه لغات ، وبله (٧) ، وعليك الأمر ، وبه ونحو : صه (٨) ومه وهيت (٩) وهلم (١٠) وهل (١١) وهيك (١٢) وهيل (١٣) وهيا (١٤) وقدك وقطلك (١٥) وإليك وأمين وآمين (١٦) ، ونحو :

__________________

(١) رويد : بمعنى أمهله.

(٢) التبل : العداوة ، والجمع تبول والتبل : الحقد.

سقطت من (ط).

(٣) هلم : أي قربه وأحضره.

(٤) هات الشيء : أعطنيه.

(٥) هاء : خذ.

(٦) حيهل الثريد : أي ائتيه.

(٧) بله زيدا : أي دعه.

(٨) صه : اسكت ، ومه : اكفف.

(٩) هيت : أسرع.

(١٠) هلم : أي قربه وأحضره.

(١١) هل : أسرع.

(١٢) هيك وهنيك وهيا : أسرع.

(١٣) الهيل : ما لم ترفع به يدك ، وهال الرمل : دفعه فانهال.

(١٤) هيا : أسرع.

(١٥) قطلك وإليك : اكتف.

(١٦) آمين : استجب.


هيهات. وفيه لغات ، وشتان (١) وسرعان (٢) ووشكان (٣) وأف (٤) وأوه (٥) وفيه لغات ، وأمثال ذلك دون حسبك فيه وكفيك على الظاهر.

وخامسها : المضمرات.

وسادسها : المبهمات : وهي كل ما كان متضمنا للإشارة إلى غير المتكلم والمخاطب من دون شرط أن يكون سابقا في الذكر لا محالة ، ثم إذا كان مدركا بالبصر أو منزلا منزلته بحيث يستغنى عن قصة كنحو : ذا وتا وتي وته وذه وأولا بالقصر والمد ، وغير ذلك سميت أسماء الإشارة ؛ وإن لم يكن مدركا بالبصر ولا منزلا منزلته بحيث لا يستغني عن قصة كنحو : الذي والتي وما ومن وذو الطائية وذا في ما ذا والألف واللام في نحو الضارب زيدا أمس والألى ، وما انخرط في هذا السلك ، سميت موصولات ، وتلك القصة صلة إلا المثنى منها في أكثر اللغات ، واللائين والذين أيضا في لغة بني عقيل وبني كنانة ، قال قائلهم :

نحن الذون صبحوا الصباحا ..

يوم النخيل غارة ملحاحا (٦)

وإلا أيهم (٧) كاملة الصلة عند سيبويه ومن تابعه ، أو على أية حال كانت عند الخليل ، ووجه ترك القصة في نحو : اللتيا واللتي يأتيك في علم المعاني ، إن شاء الله تعالى.

وسابعها : صدور المركبات من نحو : بعلبك وحضر موت وخمسة عشر والحادي

__________________

(١) شتان : بعد.

(٢) سرعان : أسرع.

(٣) وشكان : وشك.

(٤) أف : أتضجر. ينظر شرح المفصل لابن يعيش (٤ / ٧٥) لمعرفة هذه الأصوات.

(٥) أوه : أتوجع.

(٦) البيت من الرجز ، وهو لرؤبة (ديوانه ١٧٢) والمغنى (٨ / ٥).

(٧) الكتاب (٢ / ٢٩٨) ، وفيه البحث عن أى.


عشر والحادية عشرة ، ونحو : ضاربة وهاشمي عندي إذا تأملت وأمثالها إلا اثني عشر على الأقرب ، ونحو : زيد بن عمرو ، وهند ابنة عاصم ، مما يكون العلم موصوفا بابن مضاف إلى العلم ، أو ابنة هي كذلك ، إلا أن هذا الصدر من بين صدور المركبات التزم فيه اتباعه حركة العجز ، وهو المضاف. هذا ما يذكر ولي فيه نظر.

وثامنها : الغايات وهي كل ما كان أصل الكلام فيه أن ينطق به مضافا ، ثم يختزل عنه ما يضاف إليه لفظا لا نية ، كنحو : أتيتك من قبل مثلا.

وتاسعها : ما يتضمن معنى حرف الاستفهام أو الجزاء ما عدا أيا ، أو معنى غير ذلك ، لكن من إعجاز المركبات كنحو : أحد عشر وأخواته ، وكذا حيص بيص (١) ، وكفة كفة ، وصحرة بحرة (٢) ، فيمن لا يضم إليهما نحرة ، وبين بين ، ويوم يوم ، وصباح مساء ، وشغر بغر (٣) ، وشذر مذر (٤) ، وخذع (٥) مذع ، وحيث (٦) بيث ، وحاث (٧) باث ، لتضمن الأعجاز فيها كلها معنى حرف العطف ، وكذا جاري بيت بيت ، لتضمن العجز إما معنى اللام أو معنى إلى عند أصحابنا ، والأولى عندي أن يضمن معنى حرف غير عامل فيه ، كفاء العطف لسر تطلع عليه في خاتمة الكتاب بإذن الله تعالى.

وعاشرها : ما كان على فعال ، إما أمرا كنحو : حذار وتراك ، وأنه قياس عند

__________________

(١) حيص بيص : الاختلاط أو الشدة أو الضيق.

(٢) صحرة بحرة : يقال : لقيته صحرة بحرة إذا لم يكن بينك وبينه شئ. اللسان (صحر).

(٣) شغر بغر : يقال : تفرقوا شغر بغر أى في كل وجه (شرح المفصل ٤ / ١١٩).

(٤) شذر مذر : يقال : تفرقوا شذر مذر أى ذهبوا في كل وجه (شرح المفصل ٤ / ١١٩).

(٥) خذع مذع : يقال ذهبوا خذع مذع أى متفرقين.

(٦) حيث بيث : من الاتباع وهو أن تتبع الكلمة الكلمة على وزنها أو رويها إشباعا وتأكيدا (الصاحبى ٢٧٠)

(٧) حاث باث : من الاتباع. في شرح المفصل (٤ / ١٩٩) : قالوا تركوا البلاد حيث بيث وحاث باث وحوث بوث إذا تفرقوا. وربما نونوا تشبيها لها بالأصوات المذكورة ، وقالوا : حيثا بيثا.


سيبويه (١) في جميع الثلاثيات المجردة ، وإما بمعنى المصدر المعرفة كنحو : فجار للفجرة ، ويسار للميسرة ، وجماد للجمود ، وحماد للمحمدة ، ولا مساس ، ودعني كفاف ، ولا عباب ، ولا أباب وبوار ، وبلاء ، وغير ذلك (٢). وإما معدولة (٣) عن الصفة مختصة بالنداء كنحو : يا رطاب ، ويا خباث ، ويا دفار (٤) ، ويا فجار ، يا لكاع (٥) ، وقوله :

أطوف ما أطوف ثم آوي ...

إلى بيت قعيدته لكاع (٦)

شاذ ، ويا فساق ، ويا خضاف (٧) ، ويا خزاق (٨) ، ويا حباق (٩) ؛ أو غير مختصة به كنحو : براح (١٠) وكلاح (١١) وجداع (١٢) وإذام (١٣) وطمار (١٤) وطبار (١٥) ولزام ؛ وإما

__________________

(١) الكتاب (٣ / ٢٧١).

(٢) المفصل ٦١ ، ٦٣.

(٣) المفصل ٦١ ، ٦٣.

(٤) دفار : من الدنيا ، وأصلها الدفر ، أى النتن.

(٥) لكاع : لئيمة. (الكتاب ٣ / ٢٧٢).

(٦) الشعر للحطيئة يهجو فيه امرأته. والحطيئة هو أبو مليكة ، ابن أوس العيسب ، ولد دعيا لا يعرف نسبه ، واضطر إلى الشعر لكسب القوت ، سىء الخلق ، دنىء النفس ، فاسد الدين ، .... إلى آخر الصفات الكريهة التي أسبغها عليه الأصمعي .... وكان شاعرا متين الشعر ، غزير البحر ، رائق الأسلوب ...

مات سنة ٥٩ ه‍ والبيت من الوافر له. (الديوان ٢٨٠).

(٧) خضاف : من خضف البعير إذا ضرط. يقال للأمة : يا خضاف ، وللمسبوب : يابن خضاف.

(٨) خزاق : خزق الطائر ، والرجل ، يخزق خزقا : ألقى ما في بطنه ، ويقال للأمة : يا خزاق يكنى به عن الذرق ، والذرق : الخراء.

(٩) حباق : من حبق أى ضرب ، وحبق العنز : ضرط ، وأكثر استعماله في الإبل والغنم ، ويقال للأمة : يا حباق.

(١٠) براح : اسم علم للشمس.

(١١) كلاع : السنة المجدبة.

(١٢) جداع : السنة الشديدة ، التى تؤخر النبات فلا ينمو ، وتذل الناس.

(١٣) إدام : من أدم وهو خلط الخبز بالإدام.

(١٤) طمار : اسم للمكان المرتفع. يقال : انصب عليهم فلان من طمار (مثل).

(١٥) طبار : يقال : وقعوا في طبار : أى في داهية.


معدولة (١) عن فاعلة في الأعلام كنحو : حذام وقطام (٢) وبهان (٣) وسجاح وكساب (٤) وسكاب (٥) وظفار (٦) وعرار (٧) ، في لغة أهل الحجاز (٨) دون لغة بني تميم في غير ما كان آخره من ذلك راء ، إذ في الرائى لا خلاف في البناء.

وحادي عشرها : ما أضيف إلى ياء المتكلم أو إلى الجمل من أسماء الزمان كيوم فعل أو إلى إذ منها : كيومئذ وما شاكل ذلك فيمن يبني فيهما.

وثاني عشرها : ما نودي مفردا معرفة كنحو : يا زيد.

وثالث عشرها : ما نفي نفي جنس ، كنحو : لا رجل.

ورابع عشرها : نحو يضربن من الأفعال المضارعة ، وليضربن أو ليضربن مما هو يقترن بنون جماعة النساء ، أو نون التوكيد ، وههنا نوع خامس عشر وهي الجمل.

__________________

(١) المفصل : ٦٣ ، ٦٤.

(٢) قطام : المكان العالى.

(٣) بهان : اسم علم.

(٤) كساب : اسم كلبة.

(٥) سكاب : اسم فرس.

(٦) ظفار : موضع ، وقيل : هى قرية من قرى حمير. وهى في الجنوب العربى الآن.

(٧) عرار : مثل فطام : اسم بقرة.

(٨) المفصل ٦٣ ، ٦٤.


والقسم الثاني من المبني

إذا وإذ والآن وأمس (١) عند غير الخليل (٢) ، وقط ، وفيه لغات ، وعوض (٣) بالفتح والضم ، وحيث بالحركات الثلاث ، وحوث بمعناه بالضم والفتح ، ولدن وأخواته جمع إلا في لغة قيس ، ومن وما الموصوفتان ، وما غير موصولة ولا موصوفة ، وكم الخبرية ، وكأبن وكأي على مذهب يونس بن حبيب (٤) ومحمد بن [يزيد](٥) ، وكيت وزيت ولهى أبوك وأخواته ووله لا أفعل ولات أوان في قوله :

طلبوا صلحنا ولات أوان ...

فأجبنا أن ليس حين بقاء (٦)

فيمن ليس مجرورا عنده ، ولما ومذ ومنذ وعلى وعن والكاف أسماء.

__________________

(١) الكتاب (٣ / ٢٨٣) وفيه سؤال سيبويه الخليل عن أمس.

(٢) الخليل : هو الخليل بن أحمد الفراهيدى الأزدى وهو أستاذ سيبويه توفى عام ١٧٤ ه‍ (أخبار النحويين البصريين ٣٠ ، ٣١).

(٣) عوض : ظرف لاستغراق المستقبل. مثل : لا أفارقك عوض ، أى : أبدا أو لاستغراق المضى نحو : ما رأيت مثله عوض أى قط.

(٤) يونس بن حبيب نحوى بصرى وهو من كتاب أبى عمرو بن العلاء ، وروى عنه سيبويه ، وله قياس في النحو ، وسمع منه الكسائى والفراء من الكوفيين ، توفى عام ١٨٩ ه‍ (أخبار النحويين البصريين ٢٧ ـ ٣٠).

(٥) تصحفت في (ط) إلى (زيد) ، ومحمد بن يزيد ، هو المبرد.

(٦) البيت من الخفيف ، وهو للطائى أبى زبيد (ديوانه ٣١) و (الخصائص ٢ / ٣٧٧). وتأول أبو العباس قول الشاعر أى إبقاء ، على أنه حذف المضاف إليه ، أوان ، فعوض التنوين عنه.


أنواع المعرب :

هذا هو الحاصل من مبنيات الكلم ، وما خرج منه فهو معرب. وأنه نوعان : نوع من الأسماء وهو يختص بالرفع والنصب والجر ، ونوع من الأفعال وهو [ما](١) يختص بالرفع والنصب والجزم.

ثم إن النوع الاسمي صنفان : صنف يقبل الحركات مع التنوين ويسمى منصرفا ، وصنف لا يقبلها مع التنوين ويسمى غير منصرف. فلا بد من تمييز أحدهما عن الآخر ، والوجه في ذلك هو أن ههنا أمورا تسعة وتسمى أسباب منع الصرف.

أحدها : التأنيث معنى أو لفظا بالتاء أو بما يقوم مقامه ، كالآخر من المؤنث الزائد على ثلاثة أحرف مثل : عناق وعقرب ، ومثل مساجد ومصابيح عندي من بين المكسرات للزوم الجمع التكسيرى الذي هو كذلك ، التأنيث بخلاف ما سوى ذلك ، إذا اقترن بالعلمية نحو : سعاد وطلحة وعناق وعقرب ومساجد ومصابيح أسماء أعلاما ، أو بالألف مقصورة كانت : كحبلى ، أو ممدودة : كصحراء ؛ وسيرد في ألف التأنيث كلام في باب العامل.

وثانيها : العجمة وهي كون الكلمة من غير أوضاع العربية كنحو : إبراهيم وإسماعيل ونوح ولوط ، إذا اقترنت بالعلمية (٢).

وثالثها : العدل وهو تغيير الصيغة بدون تغيير معناها كتغيير نحو : عامر وحاذمة في الأعلام ، وواحد وأحد إلى عشرة عشرة في غيرها ، إلى عمر وحذام ، وإلى موحد أو آحاد إلى معشر أو عشار.

__________________

(١) في (ط).

(٢) حرك السكاكى (نوح ولوط) ويوحى ذلك بجواز الأمرين عنده ، والعلم الأعجمى إذا كان ثلاثيا ساكن الوسط وجب صرفه ، مثل : نوح ، ولوط ، وهود ، وشيث ، والسكاكى أخذ عدم صرفها عن الزمخشري في (المفصل ١٠) والجمل (٩).


ورابعها : الجمع اللازم كنحو : مساجد ومصابيح ، وفيه تفصيل ، وهو أن نحو : مساجد مما بعد ألف جمعه حرفان ، إذا كان ثانيهما ياء حذف في الرفع والجر ، ونون إلا فيما لا يعتد به.

وخامسها : وزن الفعل المختص بالأفعال كنحو : ضرب ، أو المنزل بمنزلته ، وهو الغالب ، كنحو : أفعل.

وسادسها : الألف والنون الزائدتان في باب فعلان فعلى ، كنحو سكران ، أو في الأعلام كنحو : مروان وعثمان.

وسابعها وثامنها : الوصف والتركيب الظاهر كنحو : ضارب وبعلبك ، وقولي التركيب الظاهر احتراز عن نحو ضاربة وهاشمي على ما قدمت.

وتاسعها : العلمية وهي كون الاسم موضوعا لشيء بعينه لا يتعداه. وقد عد بعض النحويين عاشرا : وهو ألف الإلحاق المقصورة إذا اقترنت بالعلمية ، وعند من لم يعد ألحقها بألف حبلى.

هذه التسعة متى كان في الاسم المعرب منها الجمعية اللازمة ، أو ألف التأنيث مقصورة أو ممدودة ، أو مما سوى ذلك اثنان فصاعدا كان غير منصرف ، وإلا كان منصرفا البتة عندنا خلافا للكوفيين ، فهم جوزوا منعه عن الصرف للعلمية وحدها.

وههنا تفصيل لا بد منه : وهو أن الاسم إذا كان ثلاثيا ساكن الحشو ، فمع الاثنين صرفه أولى ، وأن نحو أحمر مما يمتنع من الصرف اسم جنس عند تنكيره عن العلمية ، إذا كنت نقلته إليها لا يصرفه سيبويه ويصرفه الأخفش ، وأن مصغر نحو : أعشى يعامل معاملة باب جوار.

وجها الإعراب :

ثم إن المعرب في قبوله الإعراب على وجهين : أحدهما : أن يكون بحيث لا يقبله إلا بعد أن يكون غيره قد قبله ، والثاني : أن لا يكون كذلك.

والوجه الأول من النوع الاسمي خمسة أضرب تسمى التوابع وهي : صفة وعطف بيان ومعطوف بحرف وتأكيد وبدل.


فالصفة : هي ما يذكر بعد الشيء من الدال على بعض أحواله تخصيصا له في المنكرات ، وتوضيحا في المعارف ، وربما جاءت لمجرد الثناء والتعظيم كالصفات الجارية على القديم سبحانه وتعالى ، أو لما يضاد ذلك من الذم والتحقير ، أو للتأكيد كنحو : أمس الدابر ، ومن شأنها إذا كانت فعلية وهي ما يكون مفهومها ثابتا للمتبوع أن تتبعه في الإفراد والتثنية والجمع ، والتعريف والتنكير ، والتأنيث والتذكير ، كما تتبعه في الإعراب. وإذا كانت سببية وهي ما يكون مفهومها ثابتا لما بعدها ، وذلك متعلق لمتبوعها ، أن لا تتبع إلا في الإعراب ، والتعريف والتنكير. أو كانت يستوي فيها المذكر والمؤنث ، والواحد والاثنان والجمع ، نحو : فعيل بمعنى مفعول جاريا على الموصوف ، ونحو : فعول ونحو : علامة وهلباجة وربعة ويفعة مما يجري مؤنثا على المذكر ، ومن شأن متبوعها أن يكون ملفوظا به ، اللهم إلا عند وضوحه ، فيقتصر إذ ذاك على التقدير غير واجب مرة ، وواجبا أخرى ، كما في قولهم : الفارس والراكب والصاحب والأورق والأطلس والأبطح والأجرع ونظائرها.

وعطف البيان : هو ما يذكر بعد الشيء من الدال عليه ، لا على بعض أحواله ، لكونه أعرف.

والمعطوف بالحرف : هو ما يذكر بعد غيره بوساطة أحد هذه الحروف : الواو والفاء وثم وحتى وأو وأم وإما ، على خلاف فيه ، ولا وبل ولكن على خلاف فيه أيضا ، وأي عندي. ومن شأن المعطوف إذا كان ضميرا متصلا مرفوعا أن يؤكد بالمنفصل ، وإلا لم يجز إلا لضرورة الشعر مع قبح ، إلا عند الفصل ، كنحو : ضربت اليوم وزيد ، وإذا كان ضميرا مجرورا أن [يعاد](١) الجار في المعطوف ألبتة.

والتأكيد : وهو في عرف أصحابنا ينصرف إلى المؤكد ، فهو ما يعاد في الذكر بدون وساطة حرف عطف ؛ لئلا يذهب بالكلام عن ظاهره إعادة ، إما بلفظه كنحو : رأيت زيدا زيدا ، وإما بأحد هذه الألفاظ وهي : النفس والعين ، وتثنيتهما وجمعهما ، وكلا

__________________

(١) تصحفت في (ط) إلى (يعادل).


ومؤنثه ، وكل وأجمعون ، وما كان من لفظه كأجمع وجمعاء وجمع.

ومن شأن المؤكد إذا كان ضميرا متصلا مرفوعا ، والتأكيد أحد لفظي النفس والعين أن يوسط بينهما ضمير منفصل مرفوع ، وهذا الحكم في تثنيتهما وجمعهما لا يتغير ، وإذا كان متصلا منصوبا أو مجرورا أن لا يؤكد من الضمائر إلا بالمنفصل المرفوع ، كقولك : رأيتني أنا ، ومررت بك أنت ، وإذا كان منكرا أن لا يؤكد بكل وأجمعين إلا المحدود منه عند الكوفيين كنحو قوله : قد صرت البكرة يوما أجمعا.

والبدل : هو ما يذكر بعد الشيء من غير وساطة حرف عطف ، على نية استئناف التعليق به ، لما علق بالأول مدلولا على ذلك تارة بإعادة العامل ، وأخرى بقرائن الأحوال ، وهو على أربعة أقسام : بدل الكل من الكل كقوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)(١) وبدل البعض من الكل كقولك : رأيت القوم أكثرهم ، وبدل الاشتمال : كقولك : سلب زيد ثوبه ، وبدل الغلط كقولك : مررت برجل حمار في كلام لا يصدر [عنك](٢) عن روية وفطانة.

ووجه الحصر عندي هو أنا نقول : البدل إما أن يكون عين المبدل منه ، أو لا يكون ، فإن كان فهو بدل الكل من الكل ، وإن لم يكن ، فإما أن يكون أجنبيا عنه أو لا يكون ، فإن كان فهو بدل الغلط ، وإن لم يكن ، فإما أن يكون بعضه ، فهو بدل البعض من الكل ، أو غير بعضه ، فهو المراد ببدل الاشتمال. وقد سقط بهذا زعم من زعم أن هاهنا قسما خامسا أهمله النحويون ، وهو بدل الكل من البعض كنحو : نظرت إلى القمر فلكه.

ومن شأن البدل أن يراعى فيه رتبة الحكاية ، والخطاب ، والغيبة ، ومن ثم امتنع بي

__________________

(١) سورة الفاتحة ، الآية : ٧.

(٢) زيادة من (غ)


الشريف الاجتهاد ، وعليك الظريف الاعتماد ، ولم يمتنع مررت به [زيدا](١) أو بزيد به ، ورأيتك إياك. وأن لا يلزم رعاية رتبة التعريف والتنكير ، خلا أنه لا يحسن إبدال النكرة من المعرفة إلا موصوفة.

ومن النوع الفعلي ثلاثة أضرب : المعطوف بالحرف ، والتأكيد بإعادة اللفظ أو بغيره مما هو بمعناه بدل لفظي النفس والعين والبدل فتأمل.

الوجه الثاني من وجهي المعرب من النوع الاسمي تسعة عشر ضربا (٢) ؛ ستة في الرفع ، واحد منها أصل في ذلك ، وهو أن يكون فاعلا ، والباقية ملحقة به : وهي أن يكون : مبتدأ أو خبرا له ، أو خبرا لأن وأخواتها ، أو خبر لا التي لنفي الجنس ، أو اسم ما ولا المشبهتين بليس.

وأحد عشر في النصب : واحد منها أصل في ذلك : وهو أن يكون مفعولا ، وأنه عندي أربعة أنواع (٣) : مفعول مطلق ، ومفعول له ، ومفعول فيه ، ومفعول به ، والباقية ملحقة به وهي : أن يكون [متعدي](٤) إليه بوساطة حرف جر ، أو أن يكون منصوبا بحرف النداء ، أو بالواو بمعنى مع ، أو بالاستثناء ، أو حالا ، أو تمييزا ، أو خبرا في باب كان ، أو اسما في باب إن ، أو منصوبا بلا لنفي الجنس ، أو خبرا لما ولا المشبهتين بليس.

واثنان في الجر : أحدهما أصل فيه وهو أن يكون مضافا إليه ، وثانيهما كالفرع وهو أن يكون مجرورا بحرف جر.

ومن النوع الفعلي ثلاثة أضرب : ما ارتفع وانتصب وانجزم ، لغير العطف والتأكيد والبدل. وتفصيل القول في هذه الضروب يستلزم تفصيل القول في الفاعل فلنضمنه بابه.

__________________

(١) في (ط) : زيد.

(٢) المفصل في النحو (١١ ، ١٦ ـ ٣٦).

(٣) المفصل (١١ ـ ١٦ ـ ٣٦).

(٤) كذا في كل الأصول ، والجادة (أن يكون متعديا) خبر كان.


الباب الثاني

في الفاعل

اعلم أن العامل إما أن يكون لفظا أو معنى. واللفظ إما أن يكون اسما أو فعلا أو حرفا ، فينحصر العامل في أربعة أنواع كما ترى ، ومن حكم كثير من أصحابنا أن الفعل في الألفاظ أصل في العمل دون الاسم والحرف ، بناء منهم ذلك على أن المؤثر يلزم أن يكون أقوى من المتأثر ، والفعل أقوى الأنواع من حيث المناسبة لكونه أكثر فائدة ، لدلالته على المصدر وعلى الزمان. وعندهم في تقريرهم هذا أن الاسم والحرف لا يعملان إلا بتقويهما به ، فيقدمون الفعل في باب العمل. ولنا في تقرير حكمهم هذا طريق غير ما حكينا عنهم فليطلب من كتابنا" شرح الجمل (١) " وعسى أن نشير إليه في خاتمة الكتاب. وإذ قد ساعدناهم في تقرير حكمهم هذا ، فلنساعدهم في البداءة به ، فليكن النوع الأول.

اعلم أن الفعل عمله الرفع والنصب فقط ، أما الرفع فلفاعله. وهو ما يسند إليه مقدما عليه ، والإسناد هو تركيب الكلمتين أو ما جرى مجراهما على وجه يفيد السامع كنحو : عرف زيد ، ويسمى هذا جملة فعلية ، أو زيد عارف أو زيد أبوه عارف ، ويسمى هذا جملة اسمية ، وإن تكرمني أكرمك ، وإن كان متى زرتك فهو السبب لرؤيتك ، فمتى لم أزرك لم أرك ، ويسمى هذا جملة شرطية ، أو في الدار أو أمامك بمعنى حصل فيها ، ويسمى هذا جملة ظرفية دون : نحو عارف زيد ، إذا أضفت ، أو زيد العارف ، إذا وصفت ، فإنك لا تفيد. والعلم بجميع ذلك بديهي ، وهو الذي منع أن نحد الفائدة فيما نحن بصدده ، والأصل فيه أن يلي الفعل. فإذا قدم عليه غيره كان في نية المؤخر ، ومن ثمة جاز : ضرب غلامه زيد ، وامتنع عند الجمهور سوى الإمام ابن جني :

__________________

(١) كتاب الجمل لعبد القاهر الجرجاني ، صاحب أسرار البلاغة ، ودلائل الإعجاز ، توفى عام ١٤٧١ ه‍ ، وشرح السكاكى غير موجود (البلاغة عند السكاكى ٦٠ ، وعبد القاهر الجرجاني ٤٣) ويرى الجرجاني : أن الأفعال أصل في العمل ، فلذا قدم القول فيها في (الجمل ١٣).


ضرب غلامه زيدا ، أو أن لا يخلو الفعل عنه ، ولهذا يقدر في نحو : زيد ضرب ضمير ، وإذا احتيج إلى إبرازه ، إما لجري الفعل على غير ما هو له في موضع يلتبس ، أبرز منفصلا على نحو : زيد عمرو يضربه هو ، والزيدان العمران يضربهما هما ، وإما لكونه ضمير غير واحد أو واحدة أبرز متصلا على نحو : الزيدان قاما ، والهندان قامتا ، والزيدون قاموا ، والهندات قمن ، إلا في باب : نعم وبئس ، كما ستعرف ، ولهذا أيضا ، أعني لامتناع خلوه عن الفاعل إذا بني للمفعول ، أقيم المفعول به المنصوب مقام الفاعل إذا ظفر به في الكلام ، وإلا فالمجرور أو المفعول فيه أو المطلق على الخيرة ، لكن يلزم وصف المطلق والمفعول فيه إذا كان مبهما استحسانا ، هذا بعد الاحتراز عن المفعول الثاني في باب علمت أبدا وستحققه ، والثالث في باب أعلمت ، فإنه ليس غير ذلك. وكما يرفع الفاعل الفعل ظاهرا كما رأيت ، يرفعه مقدرا كما في قولك : زيد لمن يقول لك : من جاء ، وتقدره قائلا ذلك ، وعليه قراءة من قرأ : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ)(١) أى ربك و (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ)(٢) بفتح الحاء والباء وكما في قوله :

إن ذو لوثة لانا (٣).

__________________

(١) الشورى : ٣ ووقع في (ط) و (د) (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ) ربك وهو تصحيف ، والمثبت هو الصواب ، وهو كذلك في (غ).

(٢) سورة النور ، الآيات : ٣٦ ، ٣٧.

(٣) البيت :

إذن لقام بنصرى معشر خشن ...

عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا.

وهو من البسيط وينسب لقريطة بن أنيف ولأبي الغول الطهوى ، وفي شرح الحماسة للمرزوقى قال بعض شعراء بلعنبر ، والتبريزى قريط بن أنيف. (شرح الحماسة للمرزوقى (١ / ٢٥) ، وللزمخشرى كلام عليه في المفصل).


فصل

والفاعل متى كان [ضمير](١) مؤنث حقيقيا أو غير حقيقي ، لزم التاء في فعله كنحو : هند ضربت ، والشمس طلعت. ومتى كان مظهرا مؤنثا ؛ لم تلزم إلا عند الحقيقي المتصل بالفعل كنحو : عرفت المرأة.

والمؤنث غير الحقيقي : هو ما يرجع إلى الاصطلاح ، فمنه ما في لفظه شيء يدل على تأنيثه ، وهو أن يكون جمعا مكسرا ، أو أن يكون في آخره تاء تنقلب هاء في الوقف ، أو ألف زائدة ، إما مقصورة ، والوزن فعلى ، بضم الفاء وسكون العين ، أو فعلى بضم الفاء وفتح العين ، أو فعلى بفتح الفاء والعين ، وإما ممدودة ، والوزن غير فعلاء وفعلاء بسكون العين والفاء غير مفتوح. ومنه ما ليس كذلك ، ويرجع فيه إلى أن يسمع في تصغيره التاء ، أو في صفته كنحو : أريضة ، وأرض مبقلة ، وأبقلت الأرض.

فصل

واعلم أنه لا يلتزم في الفاعل شيء لكونه مضمرا مفسرا أو غير مفسر ، أو مظهرا معرفا باللام أو بالإضافة ، أو غير معرف بذلك في نوع من الأفعال ، إلا في أفعال المدح والذم وهي : نعم وبئس وساء وحبذا.

فالتزم في نعم ، وهو للمدح العام ، أن يكون الفاعل إما مضمرا ، مفسرا بنكرة منصوبة ، موضحا باسم معرفة مرفوعة ، يسمى مخصوصا بالمدح ، وإما مظهرا ، معرفا بلام الجنس ، أو مضافا إلى معرف بذلك ، موضحا بالمخصوص ، وقد كان شيخنا الإمام الحاتمي ، رحمه‌الله (٢) ، يجوز في هذه اللام كونها للعهد ، وتحقيق القول فيه وظيفة بيانية نذكره في علم المعاني ، وذلك نحو : نعم رجلا زيد ، ونعم الصاحب أو صاحب القوم

__________________

(١) وقع في (ط): (ضميره).

(٢) في (غ): (تغمده الله برضوانه).


زيد ، في المفرد المذكر ، وفي المؤنث : نعمت امرأة هند ، ونعمت أو نعم الصاحبة أو صاحبة القوم هند ، وفي التثنية والجمع : نعم رجلين أو الرجلان أخواك ، ونعم رجالا أو الرجال إخوتك ، وكذا في المؤنث ، ويجوز الجمع بين المفسر والمظهر كنحو : نعم الرجل رجلا أو رجلا الرجل زيد ، وتقديم المخصوص كقولك : زيد نعم الرجل ، وحذفه إذا كان معلوما ، كقوله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)(١). وحبذا لا يخالف نعم في جميع ذلك ، إلا في جواز أن يقال : حبذا زيد.

وبئس وساء في الذم جاريان في الاستعمال مجرى نعم.

وأما النصب ، فلما يتصل به بعد الفاعل من غير التوابع له ، أعني للفاعل ، وهو ثمانية أنواع :

أحدها : المفعول المطلق ، وهو ما يدل على مفهوم الفعل مجردا عن الزمان ، كنحو : ضربت ضربا ، ويسمى هذا مبهما ، وضربة وضربتين ، ويسمى هذا مؤقتا ، وضرب زيد ، والضرب الذي تعرف والذي ينوب منابه معنى ينتصب انتصابه كنحو : أنبته نباتا ، وقعدت جلوسا ، وضربت ثلاث ضربات ، وأنواعا من الضرب ، وسوطا. ونحو : عبد الله أظنه منطلق بمعنى أظن الظن ، وكما ينصبه الفعل وهو مظهر ، ينصبه وهو مضمر ، جرى فيه الإظهار : كخير مقدم ، ومواعيد عرقوب (٢) ، وغضب الخيل على اللجم ، وأخوات لها. أو لم يجر : كسقيا ورعيا وخيبة وجدعا وعقرا وبؤسا وبعدا وسحقا وحمدا وشكرا لا كفرا ، وغفرانك لا كفرانك ، وحنانيك ولبيك وسعديك ودواليك وحذاريك وهذاذيك وسبحان الله ، ومعاذ الله ، وعمرك الله ، وقعدك الله ، ودفرا (٣) وبهرا ، (٤) وافة وتفة وويحك وويسك (٥)

__________________

(١) سورة ص ، الآية : ٤٤.

(٢) عرقوب : رجل يضرب به المثل في إخلاف الوعد.

(٣) دفرا : أى نتنا.

(٤) بهرا : البهر : الغلبة ، وبهره بهرا : قهره وعلاه وغلبه.

(٥) ويسك : بمعنى ويح وبحكمها.


[وويلك](١) وويبك (٢) وأمثال لها.

وثانيها : هو المفعول له ، وهو [علة](٣) الإقدام على الشيء مما يجتمع فيه أن يكون مصدرا وفعلا للمقدم ، ومقارنا للمقدم عليه ، كنحو : أتيتك إكراما لك ، وتركت الشر مخافة كذا.

والأصل فيه اللام. فإذا لم يجتمع فيه ما [ذكر](٤) التزم الأصل إلا في نحو : زرتك أن تكرمني ، وأنك تحسن إلي.

وثالثها : المفعول فيه ، وهو الزمان الذي يوجد فيه الفعل مبهما ، أو مؤقتا نكرة ، أو معرفة ، كيف كان ، كنحو : سرت يوما أوحينا أو الحين الطيب أو اليوم الذي تعرف ، أو المكان لكن مبهما فقط ، كنحو : جلست مكانا أو خلفك أو يمينك ، وأصل الباب (في) ، فمتى وقع الضمير موقعه التزم الأصل لرد الضمير الشيء إلى أصله ، اللهم إذا جرى مجرى المفعول به كقوله (٥) :

ويوم شهدناه سليما وعامرا

وكذا متى لم يكن المكان مبهما التزم الأصل ، وكما ينتصب غير لازم ينتصب لازما ، كنحو : سرنا ذات مرة وبكرا وسحرا [وسحيرا](٦) وضحى وعشاء وعشية

__________________

(١) ليست في (د) ، وويك بمعنى ويلك. وهى للتعجب.

(٢) ويب : كلمة مثل ويل زنة ومعنى.

(٣) في (ط): (صلة).

(٤) في (غ): (ذكرنا).

(٥) من الطويل ، وهو لرجل من بنى عامر (الكتاب ١ / ١٧٨) ، والكامل للمبرد (١ / ٢١) ، والمغنى (١ / ٥٥٧) ، والبيت :

ويوم شهدناه سليما وعامرا ...

قليلا سوى الطعن النهال

(٦) في (ط): (وسحر).


وعتمة ومساء (١) ، إذا أردت : سحرا بعينه ، وضحى يومك وعشاءه وعشيته ، وعتمة ليلتك ، ومساءها ونحو : [عند](٢) وسوى وسواء ووسط الدار. ولا كلام في جواز إضمار العامل في هذا الباب ، وفيما تقدمه عند دلالة الحال.

ورابعها : المفعول به (٣) ، وهو ما يتعدى الفعل فاعله إليه ويكون واحدا ، كنحو : عرفت زيدا ، واثنين إما متغايرين كنحو : أعطيت زيدا درهما ، وإما غير متغايرين ، وذلك في سبعة أفعال تسمى أفعال القلوب ، وهي : حسبت ، وخلت ، وظننت ، بمعناهما ، وعلمت ، ورأيت ، ووجدت ، وزعمت ، إذا كن بمعنى علمت ، ورفع المفعولين ههنا إذا توسطهما الفعل أو تأخر عنهما جائز ، ويسمى [الغاء](٤) ، وواجب إذا دخل عليهما لام الابتداء أو الاستفهام أو حرف النفي ، ويسمى تعليقا. وذلك نحو : زيد علمت منطلق ، أو زيد منطلق علمت ، وعلمت لزيد منطلق ، أو أزيد أخوك أو : ما زيد بقائم ، ويلزم ههنا ، بخلاف باب أعطيت ، ذكر المفعولين معا ، إلا في نحو : علمت أن زيدا منطلق ، وستقف عليه ، أو تركهما معا ، وجواز (٥) الجمع بين ضميري الفاعل والمفعول لواحد من رتبة واحدة ، كنحو : علمتني قاعدا ، ووجدتك قائما ، [وزيد](٦) رآه ماشيا ، وقد ورد هذا في : عدمت وفقدت ، قالوا عدمتني وفقدتني. قال جران العود (٧) :

__________________

(١) ينظر : المفصل ٢٥.

(٢) في (غ): (عندى).

(٣) ينظر المفصل ١٨.

(٤) تصحفت في (ط) إلى (الفاء) بالفاء.

(٥) نفسه ، ١١٠.

(٦) في (ط) و (غ) (وزيدا).

(٧) جران العود النمري ، هو عامر بن الحارث النمري ، ولقب بجران العود ؛ لأنه قد اتخذ عنق جمل مسن جلدا جعله كسوط يضرب به امرأتيه ، ويقول : ـ ـ


لقد كان لي عن ضرتين عدمتني ..

وعما ألاقي منهما متزحزح

وأريت مجهولا ، وكذا أرى وترى ، وما ينخرط في هذا السلك يدخلن (١) في باب ظننت (٢) ، فيقال : أريت زيدا منطلقا ، وأين ترى بشرا مقيما.

وبنو سليم يجعلون باب قلت في الاستفهام مثل ظننت ، وثلاثة. وذلك في نحو : أعلمت وأريت كنحو : أعلم الله زيدا عمرا فاضلا ، وأريته إياه خير الناس [معدتين](٣) بالهمزة. والأخفش يسلك بأخواتهما هذا المسلك ، وفي خمسة أفعال أجريت مجراهما ، وهي : أنبأت ، ونبأت ، وأخبرت ، وخبرت ، وحدثت. وكما ينتصب المفعول به عن العامل مظهرا ، ينتصب عنه مضمرا ، سواء لم يلزم إصماره كقولهم لرائي الرؤيا : خيرا لنا وشرا لعدونا ، أو خيرا [وما سر](٤) ، ولمن قطع حديثه حديثك بإضمار رأيت وهات ، وقولهم : كاليوم رجلا ، بإضمار لم أر ، وأخوات لها. أو لزم كنحو قولهم : أهلا وسهلا ، وكليهما وتمرا وكل شيء ولا شتيمة حر ، وهذا ولا زعماتك ، وأمر أو نفسه ،

__________________

خذا حذرا يا حنشي فإنني ...

رأيت جران العود قد كان يصلح

كان تبعا لعروة بن عتبة" عروة الرحال" ، ويرجح أنه توفي نحو سنة ٨ ه‍ أي ٦٣٠ م.

له ديوان نشره المستشرق كرنكو لأول مرة ...

انظر في ترجمته : موسوعة الشعر العربي ٣ / ٣٦٥ وما بعده ، وعن مصادر دراسته ٣ / ٦١٥ وانظر المفصل (١١٨) ، (وأمالى الشجرى (١ / ٣٩) وشرح المفصل (٧ / ٨٨). وقد تصحف اسمه في (د) إلى (القواد) بالقاف.

(١) في (غ): (يدخل).

(٢) المفصل : ١١٧.

(٣) في (غ): (معتدين).

(٤) كذا في النسخ ولعله ، (وما شر) بالشين.


وأهلك والليل ، وشأنك والجمع ، ورأسك والحائط ، و [عذيرك](١) أو عاذرك. وفي باب التحذير (٢) : إياك وعمر والأسد الأسد ، وما شاكل ذلك ، وفي باب الاختصاص : إنا معشر العرب نفعل كذا ، ونحو : آل فلان كرماء ، وبك الله [نرجو](٣) الفضل ، قال (٤)

ويأوي إلى نسوة عطل ...

وشعثا مراضيع مثل السعالي

وكنحو قولهم فيما يضمر ، شريطة أن يفسر إما بلفظه ومعناه نحو : زيدا ضربته ، أي ضربت زيدا ، أو بمعناه. نحو : زيدا مررت به ، أي جزته ، أو بلازم معناه ، نحو : زيدا لقيت أخاه ، أي لابسته أو ضربت غلامه أي أهنته ، أو أكرمت أخاه أي سررته. وعلى ذا فقس ، فيمن يترك المختار في هذه الأمثلة ، وهو الرفع بالابتداء لعدم الحاجة معه إلى الإضمار المحوج إلى التفسير ، أو نحو : جزت القوم حتى زيدا جزته ، أو مررت به ، أو جزت غلامه ، أو نحو : زيدا ضربته ، أو ما [عمرا لقيته](٥) أو رجلا كلمته ، أو إذا زيدا تلقاه فأكرمه ، أو حيث زيدا تجده فعظمه ، أو نحو : زيدا اضربه أو لا تضربه ، وإن شئت : إما زيدا فاضربه ، أو فلا تضربه ، أو زيدا أمر الله عليه العيش ، وإما زيدا فجدعا له ، وإما عمرا فسقيا له ، أو نحو : اللهم زيدا فارحمه ، فيمن يعمل بالمختار في هذه الأنواع.

أما في الأول ، فلرعاية أن تناسب الجملة المعطوفة المعطوف عليها لعدم انقطاعها عنها ، بخلاف ما لو قيل : لقيت زيدا ، وأما عمرو ، فقد مررت به ، وإذا عمرو يكرمه

__________________

(١) في (ط): (عديرك) بالعين والدال المهملتين ، في (غ) (غذيرك) بالمعجمتين.

(٢) المفصل : ١١٧.

(٣) في (ط): (نرجوا).

(٤) البيت لأمية بن أبى عائذ الهذلى ، وهو من المتقارب في ديوان الهذليين (٣ / ٥٠٧) وفيه :

[له نسوة عاطلات الصدو ...

ر عوج مراضيع مثل السعالى]

والكتاب (١ / ٣٩٩) وفيه ، وشعث ، (٢ / ٦٦) شعثا ، والمفصل (٢٢ ـ ٢٣).

(٥) في (ط): (عمر ألقيته).


فلان ، فإما وإذا المفاجأة يقتطعان الكلام ، وعلى الوجه كلام من حيث علم المعاني لتفاوت الجملتين الفعلية والاسمية تجددا ، أو عدم تجدد ، فليتنبه.

وأما في الثاني ، فلرعاية حق الاستفهام ، والنفي ، وكلمتي إذا وحيث ، لكون دخولها في الفعل أوقع.

وأما في الثالث فللاحتراز عما لا تصح الجملة بعده ، وهو الرفع بالابتداء ، غير محتملة للصدق والكذب ، اللهم إلا بتأويل.

وأما في الرابع فكمثل ذلك ، مع رعاية حق العاطف أو نحو إن زيدا تره تضربه ، أو هلا ، أو ألا ، أو لو لا ، أو لو ما زيدا ضربته ، فيمن يعمل بالواجب لامتناع هذه الحروف عن غير الأفعال.

وخامسها : الحال ، وهي : بيان كيفية وقوع الفعل ، كنحو : جاء زيد راكبا ، وضربت اللص مكتوفا ، وجاء زيد والجيش قادم ، إذ معناه مقارنا لقدوم الجيش ، وزيد أبوك عطوفا ، وهو الحق بينا ، إذ أحق التقديرات يجيء عطوفا ، ويبدو بينا.

ويظهر من هذا ، أن الأولى في نحو ضربت شديدا ، حمل المنصوب على الحال دون الوصف للمصدر ، والحال لا تكون إلا نكرة ، فأما ذو الحال ، فلا يجوز تنكيره متقدما على الحال ، إلا إذا كان موصوفا ، ويجوز متأخرا.

ومن شأن الحال إذا كانت جملة اسمية أن تكون مع الواو عند الأكثر ، وإذا كانت فعلية والفعل مثبت ماضيا أو مضارعا أن يكون بدون الواو.

وأما في المنفي ، فقد جاء الأمران ، ويلزم الماضي قد ، ظاهرة أو مقدرة ، وفي هذا الباب كلام يأتيك في علم المعاني ، وأمرها في جواز إضمار عاملها لازم وغير لازم على نحو أمر المفعول به.

وسادسها : التمييز : وهو رفع الإبهام في الإسناد ، [أو](١) في أحد طرفيه ، بالنص

__________________

(١) سقطت من (غ).


على ما يراد هناك من بين ما يحتمل ، كنحو : طاب زيد نفسا ، وامتلأ الإناء ماء ، (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً)(١). والغالب عليه الإفراد ، لكن جمعه غير مستهجن ، ومن شأنه عندنا لزوم التنكير ، ومن علاماته صحة اقتران من به.

[فصل](٢)

واعلم أن ليس لهذه المنصوبات عند اجتماعها ترتيب على [حد ملتزم](٣) إلا المفعولين في بابي : أعطيت وعلمت ، فهما متى كانا ضميرين ، فلكونهما ضميرين في اتصالهما إذا تفاوتا ، حكاية وخطابا [وغيبة](٤) ، وهو الكثير ، يجب تقديم المتكلم على غيره ، كما يجب تأخير الغائب عن غيره ، وفي انفصال أحدهما ، وهو المختار في باب علمت ، يجب تأخير المنفصل كيف كان ، وضمير الشأن في باب علمت وما فيه استفهام كنحو : علمته زيد منطلق ، وعلمت أيهم أخوك ، لا يجوز تأخيره ؛ وتقديم هذه الأنواع الستة على الفاعل جائز إذا كان مظهرا ، أو مضمرا (٥) منفصلا ، ولا ينفصل إلا في نحو : ما ضرب إلا هو ، ونحو : زيد عمرو يضربه هو ، وإلا فلا ، وكذا على الفعل إلا التمييز عند سيبويه (٦) ؛ لكونه عنده فاعلا في المعنى ، وإلا المفعول به في باب التعجب (٧)

__________________

(١) القمر : ١٢.

(٢) زيادة من (د).

(٣) في (غ) : حده ليلتزم.

(٤) تصحفت في (غ) إلى (غبية) وفي (د) إلى (عيبة) بالمهملة.

(٥) في (غ) : أو ضميرا.

(٦) ينظر الكتاب (١ / ٢٠٤ ، ٢ / ١١٧).

(٧) المفصل (١٢٥ ـ ١٢٦) : .... ولا يتصرف في الجملة التعجبية ولا تأخير ولا فصل ، فلا يقال : عبد الله ما أحسن ، وما التعجبية عند سيبويه غير موصولة ولا موصوفة وهى مبتدأ ما بعده خبره ، وعند الأخفش موصولة ما. ما بعدها مبتدأ محذوف الخبر ، وعند بعضهم فيها معنى الاستفهام.


عند الجمهور.

وسابعها : المنصوب (١) في باب كان ، كنحو : كان زيد منطلقا ، وأنه نوع غير نوع الحال عندنا ، خلافا للكوفيين : من أن الحال شيء يأتي لزيادة فائدة في الكلام ، والمنصوب ههنا لنفس الفائدة ، وأما الفرق بينهما في أن تلك يلزمها التنكير ، وهذا يأتي معرفة ونكرة ، فلا يصلح لإلزام الكوفي لإنكاره لزوم تنكير الحال ، وبابه : كان وصار وأصبح وأمسى وأضحى وظل وبات وما زال وما برح وما فتىء وما انفك وما دام وليس ، وكذا : آض (٢) وعاد وغدا وراح ، وكذا : جاء وقعد. وتسمى هذه الأفعال ناقصة ، بمعنى أنها لا تفيد مع المرفوع بدون المنصوب ، ومن هذا يظهر أن مرفوعها ، وما كان من جنسه ، يجب أن يعد من الملحقات بالفاعل ، فتأمل. ويسمى مرفوعها اسما لها ، ومنصوبها خبرا لها.

وهذه الأفعال تتفاوت معانيها ، فكان للدلالة على المضي ، فإذا قلت كان زيد منطلقا ، كنت بمنزلة أن تقول : فيما مضى زيد منطلق ، وأما ما تكون بمعنى حدث أو تكون زائدة كما في قوله :

جياد بني أبي بكر تسامى ...

على كان المسومة العراب (٣)

وفي قولك : ما كان أحسن زيدا ، فعن نصب الخبر بمعزل ، وأما التي فيها ضمير الشأن كنحو : كان زيد منطلق ، فهي عندي عين الناقصة ، اسمها الضمير ، وخبرها الجملة.

وصار للدلالة على الانتقال إلى حالة ، واستعمالها على وجهين : أحدهما : صار زيد غنيا ، والثاني : صار زيد إلى الغنى.

__________________

(١) المفصل : ١١٩.

(٢) آض : يئيض : صار.

(٣) البيت من الوافر وهو في المفصل (١١٩) بلا عزو ، وشرح الألفية لابن عقيل.


وأصبح وأمسى وأضحى وظل وبات : للدلالة على اقتران فائدة الاسم والخبر بالأوقات الخاصة التي هي : الصباح والمساء والضحى واليوم والليلة ، أو على معنى صار.

وأما أصبح وأمسى وأضحى في إفادتها معنى الدخول في أوقاتها ، فبمعزل عن الباب.

وما زال وما برح وما فتىء وما انفك : لاستمرار الفعل بفاعله في زمانه ؛ وما دام توقيت للفعل ، وإنما كان توقيتا [لكون](١) ما فيها مصدرية ، وحاصل معناها في قولك :

اجلس ما دام زيد جالسا ، اجلس دوام جلوس زيد ، هي مدة دوام جلوسه دون أخواتها ، فهي هناك نافية ، وما لورودها على معنى النفي ، ثم ردها إلى الثبوت ، فلذلك امتنع : ما زال زيد إلا منطلقا امتناع دام ، أو استمر زيد إلا منطلقا.

وليس : لنفي فائدة الاسم والخبر في الحال وفي الاستقبال ـ أيضا ـ برواية الإمام أبي الحسن محمد بن عبد الله بن الوراق (٢) ، رحمه‌الله ، ومعنى : ما بقي معنى صار.

وتقديم الخبر في هذا الباب على الاسم مطلقا [جائز](٣) إلا في نحو : كنته أو كنت إياه ، وهو المختار ، وعلى الأفعال التي ليست في أوائلها ما دون ليس ، ففيه خلاف : جائز أيضا وواجب أيضا ، إذا كان فيه معنى استفهام كنحو : متى كان القتال.

وههنا أفعال تتصل بهذه النواقص وتسمى : أفعال المقاربة (٤) وهي : عسى وكاد وكرب وأوشك وجعل وأخذ وطفق ، واتصالها بها ، أنها مع المرفوع بدون الخبر لا

__________________

(١) في (د): (الكون) وهو تصحيف.

(٢) أبو الحسن محمد بن عبد الله بن العباس النحوى المعروف بالوراق ، توفى عام (٣٨٠) ه (بغية الوعاة) ، (١ / ١٢٩ ـ ١٣٠).

(٣) في (د) وفي (ط): (جائزا).

(٤) المفصل (١٢١ ـ ١٢٢). وهو لم يستوف بقية أفعال هذا الباب ولم يبحث أفعال الشروح.


تفيد ، وبينهما تفاوت ، فخبر عسى يأتي فعلا مضارعا مع أن ، وخبر كاد بدونها ، وتصريف عسى تارة يكون على نحو رمي ، فيقال : عسيت عسينا إلى عسين. وأخرى على نحو : لعل فيقال : عساني عسانا إلى عساهن.

وكثيرا ما يجعل إن مع الفعل المضارع فاعلها فتستغني إذ ذاك عن التصريف ، وتتم به كلاما وهما ، أعني عسى وكاد ، قد تتقارضان ثبوت أن ولا ثبوتها.

وأوشك : تجري مجرى عسى في استعمالها تارة ، ومجرى كاد أخرى. والباقية تجري مجرى كاد.

ولما كان عسى لمقاربة الأمر على سبيل الرجاء ، وكاد لمقاربته على سبيل الحصول ، لا جرم جعلنا ثبوت أن أصلا مع عسى ، ولا ثبوتها مع كاد.

وثامنها : المجرور بحرف الجر ، نحو : مررت بزيد ، وانتصابه لا يظهر إلا في تابعه كما قال :

يذهبن في نجد وغورا غائرا (١)

وجواز تقديم هذا على الفاعل وعلى الفعل مطلق إلا في باب التعجب ، هذا آخر الكلام في النوع الفعلي.

أنواع الحروف :

وأما النوع الحرفي ، فيعمل [الرفع والنصب](٢) والجر والجزم ، ولا يترتب الكلام ههنا إلا بتقسيمات ، وهي : أن الحروف ضربان : عاملة وغير عاملة.

الحروف العاملة :

والعاملة ضربان أيضا : عاملة عملا واحدا ، وعاملة عملين. والعاملة عملا واحدا

__________________

(١) البيت من الرجز للعجاج ، (الكتاب ١ / ٩٤).

(٢) في (غ) النصب والرفع.


ضربان : عاملة في الأسماء ، وعاملة في الأفعال. والعاملة في الأسماء ضربان : جارة وناصبة. والعاملة في الأفعال ضربان : جازمة وناصبة ، والعاملة عملين ضربان عاملة نصبا ثم رفعا ، وعاملة رفعا ثم نصبا ، فالحاصل من أقسام العاملة ستة أحدها : الجارة ، وثانيها : الناصبة للأسماء ،

وثالثها : الجازمة ، ورابعها : الناصبة للأفعال ، وخامسها : الناصبة ثم الرافعة ، وسادسها :

الرافعة ثم الناصبة.

حروف الجر :

فالقسم الأول : وهي الجارة ، تسعة عشر. وأنها لازمة للأسماء ، وهي نوعان : بسائط ، ومركبة.

فالبسائط ستة : [ك ، ل ، ب ، ت ، م.](١) في أحد الاستعمالين عند بعضهم. فالكاف للتشبيه : كقولك : الذي كزيد أخوك ، وتكون غير زائدة وزائدة ، إما مع الرفع ، كما في قولك : [لي عليه](٢) كذا درهما ، أو النصب كما في قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٣) ، أو الجر كما في قوله : فصيروا مثل : (كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)(٤). وقد تكون اسما كما في قوله :

يضحكن عن كالبرد المنهم (٥)

ولا تدخل على الضمائر عند النحويين سوى المبرد (٦) ، فإنه يجيز ذلك مستشهدا بقوله :

__________________

(١) في (غ) ، (ك ل ت ب م).

(٢) في (غ) ، (لى عليك).

(٣) سورة الشورى ، الآية : ١١.

(٤) سورة الفيل ، الآية : ٥.

(٥) من الرجز وهو في المفصل (١٣٤) ، والهمع (٢ / ٣١) بلا عزو.


وأم أوعال كها أو أقربا (١)

ويتصل بها ما الكافة. واللام للملك أو للاختصاص كقولك : المال لزيد والجل للفرس ، وقد جاءت للقسم مع التعجب في مواضع كثيرة داخلة على اسم الله تعالى ، وتكون غير زائدة وزائدة مع النصب كما في قوله تعالى : (رَدِفَ لَكُمْ)(٢). وقولك : يا لزيد ، فيمن لا يحمله على تخفيف : يا أل زيد ، ومع الجر كما في قوله : يا بؤس للحرب (٣) ، وقولهم : لا أبا لك. وقد أضمرت في قولهم : لاه أبوك وإضمار الجار قليل. والتاء للقسم مع التعجب في [الأعراف](٤) ، ولا تدخل إلا على اسم الله تعالى ، وقد روى الأخفش (٥) : ترب الكعبة.

والباء : للإلصاق كقولك : به عيب ، ثم يستعمل للقسم وللاستعطاف وللاستعانة ،

__________________

ينظر رأيه في شرح المفصل ، (٨ / ٤٤).

(١) الرجز في المفصل (١٣٤) ، وشرحه (٨ / ٤٤) ، وشرح الألفية (٢ / ١٣).

وينسب للعجاج ولم أجده في ديوانه ، والبيت وصف لحمار الوحش وأتنه.

خلى الذنابات شمالا كثبا ...

وأم كها أو أقربا

الذنابات : آخر الوادي. كثبا : قريبا.

أم أوعال : هضبة في ديار بنى تميم.

(٢) سورة النمل ، الآية : ٧٢.

(٣) في الكتاب : (٢ / ٢٧٨) :

قالت بنو عامر خالوا بني أسد ...

يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام

قال سيبويه : حملوه على أن اللام لو لم تجئ لقلت : يا بؤس الجهل.

(٤) في (ط): (الأعراف).

(٥) رأى الأخفش في المفصل (١٣٣).


وبمعنى (عن) كقولك : سألت به أي عنه ، وبمعنى (في) أو (مع) كنحو : فلان بالبلد ، ودخلت عليه بثياب السفر ؛ لرجوعها كلها إلى معنى الإلصاق.

وتكون غير زائدة وزائدة مع الرفع كنحو : بحسبك زيد ، ومع النصب ، كنحو : ليس زيد بقائم ، ومع الجر عند بعضهم ، كنحو قوله :

فأصبحن لا يسألنه عن بما به. (١)

وقد أضمرت في قولهم : الله لأفعلن ، والميم للقسم كقولك : م الله لأفعلن بالكسر ، ولا يستعمل إلا مع اسم الله تعالى ، وقد حملت على أنها منقوصة يمين ، كما حملت البتة مضمومة في قولهم : م الله ، على أنها منقوصة من أيمن لعدم وقوع الضم في الحروف البسائط.

والواو للقسم ، ولا يدخل على الضمائر.

والمركبة ثلاثة أنواع : ثنائية ، وثلاثية ، ورباعية. فالثنائية خمسة : (عن) ، (كي) ، عند بعضهم ، (في) ، (من) ، (مذ).

فعن : للتعدية والمجاورة كقولك : رميت السهم عن القوس ، ثم يستعمل بمعنى اللام كقولك : لقيته كفة عن كفة ، أي لكفة ، وبمعنى على ، وبعد ، كما في قوله :

ورج الفتى للخير ما إن رأيته ...

عن السن خيرا لا يزال يزيد (٢)

أي على السن وقوله :

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو للأسود بن يعفر وتمامه :

 .......................

أصعد في علو الهوى أم تصوبا.

(سر صناعة الإعراب ١ / ١٥٣).

(٢) البيت من الطويل (الكتاب ٤ / ٢٢٢ وفيه : على السن) ، وعيون الأخبار (٣ / ٨٩) ، والمغنى (١ / ٢٢ و ٢ / ٧٥٦) ونسبته للمعلوط القريعى.


ومنهل وردته عن منهل (١).

أي : بعد منهل. هذا على المذهب الظاهر ، وقد تكون اسما كما في قوله :

من عن يمين الحبيب نظرة قبل (٢)

وكي : للغرض في قولهم : كيمه ، ولا تدخل إلا على (ما). وفي : للظرفية كنحو : المال في الكيس ، ثم تستعمل بمعنى على ، كنحو قوله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)(٣) لرجوعها إلى معنى الظرف. ومن : لابتداء الغاية ، ثم تستعمل للتبعيض وللتبيين ، كنحو : أخذت من الدراهم ، وعندي عشرون [منها](٤) ، لرجوعها إلى معنى الابتداء ، وقد جاءت للقسم ، تارة بكسر الميم وأخرى بضمها ، قالوا : من ربي لأفعلن ، ومن ، وعند بعضهم أنهما منقوصتا يمين وأيمن ، وتكون غير زائدة وزائدة مع المنفي المرفوع والمنصوب ، كنحو : ما جاءني من أحد ، وما رأيت من أحد ، ومع المستفهم المرفوع ، كنحو : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ)(٥)؟ ومع المثبت عن الأخفش كما في قوله

__________________

(١) من الرجز للعجاج ، وهو في ديوانه (١٥٧) ، وقبله :

من حومة الليل يهاوى جملى

وفي أدب الكاتب (٤٠٥) بلا عزو ، (والمعنى ١ / ١٥٩) ونسبته لبكير بن عبد الربعى ، وبعده :

قفر به الأعطان لم تسهل

(٢) البيت من البسيط للقطامي (ديوانه ١٨) و (أدب الكاتب ٣٩٢) وصدره :

فقلت للركب لما أن علا بهم.

(٣) سورة طه ، الآية : ٧١.

(٤) في (د) ، (منهما).

(٥) سورة فاطر ، الآية : ٣.


تعالى : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)(١).

ومذ : لابتداء الغاية في الزمان ، ولا تدخل على الضمائر ، وقد تكسر ميمها.

والثلاثية ستة : إلى ، على ، عدا ، خلا ، رب ، عند الأكثر ، منذ.

فإلى لانتهاء الغاية ، ثم يستعمل بمعنى مع ، كما في قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ)(٢).

وعلى للاستعلاء ويكون اسما كما في قوله :

غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها (٣)

وفعلا ، وألفها حرفا واسما ، وكذلك ألف (إلى) تقلبان مع الضمير ياء ، إلا في لغة قليلة.

يقول أهلها : الاه وعلاه.

وعدا وخلا للاستثناء ، ولا تدخلان على الضمائر ويكونان فعلين ناصبين ، فإذا دخلت صدرهما ما لزمتا النصب إلا في رواية ابن البناء (٤) عن الأخفش (٥) ، [رحمة الله عليه](٦) احترازا عن زيادة ما مع أمر كان أخذه مصدريا لأصل سيمهد ، إن شاء الله تعالى.

إن الغرض من وضع الحروف الاختصار والزيادة تنافيه ، ولهذا متى حكمنا على حرف

__________________

(١) سورة نوح ، الآية : ٤.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٢.

(٣) البيت من الطويل ، وهو لمزاحم بن الحارث العقيلي. (الكتاب ٤ / ٢٣١) (المفصل ١٣٣) وفيه :

غدت من عليه بعد ما تم خمسها ...

تصل وعن قيض ببيداء مجهل

(٤) هو الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء ، له شرح إيضاح الفارسى ، توفي سنة ٤٧١ ه‍ (بغية الوعاة ١ / ٤٩٥).

(٥) الأخفش : المغنى (١ / ١٤٢) خلا على وجهين.

(٦) في (غ).


بزيادة ، لم [نرد](١) سوى أن أصل المعنى بدونه لا يختل ، وإلا فلا بد من أن تثبت له فائدة.

ورب للتقليل ، والأظهر فيه عندي ما ذهب إليه الأخفش (٢) من كونه اسما ، لعدم لازم حرف الجر عنده ، وهو التعدية ، ولكونه في مقابلة (كم) ، فليتأمل ، ويختص بالنكرات ، ولهذا قالوا في نحو : ربه رجلا ، إن الضمير مجهول ، ونبهوا على ذلك باستلزامه التمييز ، ولا يتأخر عن فعله ، ويستلزم فيه المضي [عندنا](٣) وقوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ)(٤).

[مؤول](٥) يطلعك على ذلك علم المعاني ، ويتصل بآخره ما كافة. وملغاة مفتوحة ، وفيه تسع لغات أخر : رب : الراء مضمومة والباء مخففة مفتوحة ، أو مضمومة أو مسكنة ، ورب : الراء مفتوحة والباء كذلك مشددة أو مخففة ، وربت بالتاء ، مفتوحة والباء كذلك مشددة ، أو مخففة ، ويضمر بعد الواو كثيرا ، وقد جاء إضماره بعد الفاء في قوله :

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع (٦)

__________________

(١) تصحفت في (د) إلى (يزد).

(٢) الأخفش ، المغنى (١ / ٤٣) ، رب : حرف جر ، خلافا للكوفيين في دعوى اسميته. الإنصاف (٢ / ٨٣٢).

ذهب الكوفيون إلى أن رب اسم ، وذهب البصريون إلى أنه حرف. أما الكوفيون احتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه اسم على كم كم للعدد والتكثير.

(٣) تصحفت في (ط) إلى (عند).

(٤) سورة الحجر ، الآية : ٢.

(٥) تصحفت في (ط) إلى (مؤول).

(٦) البيت لامرئ القيس ، وهو من الطويل (ديوانه ١٢) ، وتمامه :

فألهيتها عن ذى تمائم محول


وبعد (بل) في قوله :

بل بلد ذي صعد و [أصباب](١)

ومنذ كمذ ، إلا أن المبرد (٢) يدخلها على الضمير ، وقد يكونان اسمين مبتدأين ، مرفوعا ما بعدهما على الخبرية ، معرفا في معناهما ، ابتداء للغاية لتقدير وقوعه في جواب متى ، منكرا دالا على العدد في معناهما ، مجموع المدة لتقدير وقوعه في جواب (كم).

والرباعية اثنان : حاشا ، حتى. فحاشا للاستثناء بمعنى التنزيه ، ويكون فعلا ناصبا.

وحتى (٣) : بمعنى (إلى) إلا أنه يجب أن يكون ما بعدها آخر جزء من الشيء ، أو ما يلاقيه ، وأن يكون داخلا في حكم ما قبلها ، وأن يكون فعلها مما ينقضي شيئا فشيئا ، فلا يجوز دخولها على الضمائر إلا المبرد (٤) [رحمة الله عليه](٥).

__________________

(١) تصحفت في (ط) إلى : (وأصاب) ، والبيت من الرجز (شرح الحماسة للمرزوقى ١ / ٣١٩) بلا عزو وفيه بل بلد ذى عقد وأحباب والمغنى (١ / ١٤٥) ، وفيه : بل بلد ذى صعد وآكام والصعد : جمع صعود وهو الطريق فصاعدا.

(٢) بحثها المبرد في المقتضب (٣ / ٣٠ ـ ٣١ ، ٤ / ١٤٣).

(٣) المفصل : ١٣٤.

(٤) رأى المبرد في (حتى) في المغنى (١ / ١٣١) ، ولم يذكره في المقتضب في بحث حتى إن لمخفوضيها شرطين أحدهما عام ، وهو أن يكون ظاهرا لا مضمرا خلافا للكوفيين والمبرد.

(٥) من (غ).


فصل

وحذف هذه الحروف ونصب الفعل إذ ذاك لمعمولها كثير ، وهو من بين المواضع مع إن وأن قياس ، وأما تقديم معمولها عليها فممتنع ، من شأنها أن لا تنفك عن الأفعال ، ظاهرة أو مقدرة ، وأن يحذف معها الألف عن ما الاستفهامية على الأعرف ، نحو : لمه فيمه كيمه (١).

حروف النصب :

والقسم الثاني : وهي الناصبة للأسماء ثمانية أحرف (٢) ، وهي ضربان : ضرب ينصب أينما وقع وهو ستة أحرف ، وهي : يا وأيا ، وهيا ، لنداء البعيد حقيقة ، كنحو : يا عبد الله ، إذا كان بعيدا عنك ، أو [تقديرا ؛ لتبعيدك](٣) نفسك عنه هضما كنحو : يا إله الخلق ، أو لما هو بمنزلة البعيد من نائم أو ساه تحقيقا ، أو بالنسبة إلى جد الأمر الذي ينادى له كنداء الله سبحانه لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بيا وأي ، والهمزة ، لنداء القريب. وقد ينظم في جملته : يا ، ووا ، [للندبة](٤) خاصة ، ولا يندب غير المعروف ، وكثيرا ما يلحق آخر المندوب ألف وهاء بعدها للوقف كنحو : وازيداه ، واغلام عمراه ، وامن حفر بئر زمزماه ، أو آخر صفته ، عند يونس دون الخليل [رحمة الله عليهما](٥) ، كنحو : وازيد الظريفاه (٦) ؛ هذه الستة تنصب المنادى لفظا إذا كان نكرة نحو : يا رجلا ، أو مضافا

__________________

(١) المفصل ١٣٤ ، والمغنى ١ / ١٩٩ (كى في قولهم كيمه من حروف الجر بمعنى لمه).

(٢) المفصل : ١٤٤.

(٣) في (ط) (تقدير لتبعيدك) ، وفي (غ): (تقديرا لتبيدك).

(٤) تصحفت في (د) (للندية) بالياء المثناة التحتية.

(٥) من (غ).

(٦) في الكتاب (٢ / ٢٢٦) ، وأما يونس فيلحق الصفة فيقول : وازيد الظريفا واجمجمتى الشاميتيناه ، وزعم الخليل أن هذا خطأ ..


لفظا نحو : يا غلام زيد ، أو تقديرا فيمن يقول : يا غلام غلام زيد ، إذا كرر المنادي في حال الإضافة ، ولم ينو الافراد ، أو مضارعا للمضاف : وهو كل اسم غير مضاف تعلق به شيء هو من تمام معناه ، كنحو : يا ضاربا زيدا ، أو يا مضروبا غلامه ، ويا خيرا من زيد ، أو يا ثلاثة وثلاثين ؛ أو تقديرا ، نحو : يا لزيد في الاستغاثة ، على قول من يقول في اللام : إنها حرف جر ، لكن فتحت مع المنادى الواقع موقع الضمير ، فتحها مع نفس الضمير ، وكذا في يا للماء! إذا تعجبت ، ونحو : يا زيدا في الندبة ، ونحو : يا غلام ، مما هو مفرد مقصود ، أو يا غلام غلام زيد ، فيمن ينوي الإفراد فإنه يضم ، وكذا إذا كان من الأعلام المفردة نحو : يا زيد ويا هند ، إذا لم يكن موصوفا بابن مضاف إلى علم ، أو ابنة ، هي كذلك ، فإنه عند الوصف بذلك يفتح ، وأما نحو : يا الغلام ، مما يجمع فيه بين الضم وحرف التعريف ، فلا يجوز إلّا عند الكوفيين ، (١) والألف واللام في قولهم : يا الله ، ليستا حرف تعريف ، استدلالا بانتفاء اللازم ، وهو قطع الهمزة على انتفاء الملزوم ، وقد كان من حق الهمزة في اللهم ـ على قولنا ـ القطع ، لكن لقصور العوض عن بلوغ درجة المعوض عنه لم يقطع ، والضمة في هذا النوع لما استمرت بحيث لم تترك حال الاضطرار إلى التنوين ، كقوله :

سلام الله يا مطر عليها (٢).

بخلاف فتحة غير المنصرف أشبهت الحركة الإعرابية التي من شأنها الاستمرار في أنواعها ، فحملت التوابع مفردة سوى البدل ، ونحو : زيد وعمرو من المعطوفات تارة على اللفظ ، وأخرى على المحل في غير المبهم ، وفي المبهم أيضا. وهو (أي) واسم

__________________

(١) الإنصاف : (١ / ٣٣٥). ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز نداء ما فيه الألف واللام نحو : يا الرجل ويا الغلام ....

(٢) البيت من الوافر هو للأحوص ، ديوانه ١٨٣ ، والإنصاف ٣١١. وتمامه :

وليس عليك يا مطر السّلام

والمطر المعروف ، ومطر الثانية اسم رجل.


الإشارة : لكن ما عدا الصفة فإنها عند غير المازني لا تكون إلا بالضم أو مضافة فعلى المحل ألبتة ، ووصف (أي) لا يجوز إلا بما فيه الألف واللام ، أو باسم الإشارة نحو : يا أيها الرجل ، (ويا أي هذا) ، ووصف اسم الإشارة لا يكون إلا بما فيه الألف واللام نحو : يا هذا الرجل ، ويا هؤلاء الرجال.

ومن شأن المنادى ، إذا أضيف إلى المتكلم ، أن يقال في الأغلب : يا غلامي ، وفي غيره : يا غلامي يا غلاما ، وقالوا : يا أبت ، ويا أمت معوضين تاء التأنيث بدليل انقلابها هاء في الوقف عن ضمير المتكلم ، وعاملوا : ابن أمي وابن عمي في النداء ، تارة معاملة غلامي ، وأخرى معاملة ابن غلامي.

فصل : ترخيم المنادى

واعلم أن الترخيم (١) عندنا من خصائص المنادى ، لا يجوز في غيره إلا لضرورة الشعر ، وأن حذف حرف النداء إنما يجوز في غير أسماء الإشارة ، وغير ما لا يمتنع عن لام التعريف ، إذا لم يكن مستغاثا ولا مندوبا ، ونحو : أطرق كرى.

وجاري لا تستنكري عذيري (٢).

من الشواذ. وأن حذف المنادى كنحو : يا بؤس لزيد ، وألا يا اسلمى (٣)

جائز.

وضرب لا ينصب أينما وقع ، بل ينصب في موضع ولا ينصب في آخر ، ويجوز فيه

__________________

(١) الترخيم في الكتاب (٢ / ٢٣٩) وعبارة سيبويه : والترخيم حذف أواخر الأسماء المفردة تخفيفا ، كما حذفوا غير ذلك من كلامهم تخفيفا وينظر الجمل (٢٢).

(٢) البيت من الرجز ، وهو للعجاج ، وقد ذكره سيبويه في الكتاب (٢ / ٢٣١ ـ ٢٤١). وقوله : وجارى ، يعنى يا جارية.

(٣) البيت من الطويل ، وهو لذى الرمة في الديوان (ص ٥٥٩) ، والإنصاف (١ / ١٠٠) ، والخصائص (٢ / ٢٧٨) وغيرهم ، وانظر المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية (٣ / ٢٧٠).


الأمران في ثالث ، وهو حرفان : الواو بمعنى مع ، وإلا في الاستثناء (١). فإن الواو إذا تقدمها فعل أو معناه ولم يحسن حملها على العطف نصبت ، كنحو ما صنعت وأباك ، وما شأنك وعمرا ، واذا لم يتقدم ذلك لم تنصب نحو : كيف أنت وزيد ، فيمن لا يؤوله على : كيف تكون أنت ، وهم الأكثرون ، وعلى مذهب القليل جاء : ما أنا والسير في متلف ، وإذا تقدم مع حسن العطف جاز الأمران ، وإن افتر العطف عن الرجحان.

هذا كله عند من لا يقصر النصب بالواو على السماع ، ويسمى هذا المنصوب مفعولا معه. وإلا إذا تقدمها كلام عار عن النفي والنهي والاستفهام ، ويسمى موجبا ، وفيه المستثنى منه : ويسمى تامّا ، والموجب في الاستثناء لا يكون إلا كذلك ، ونصبت كنحو : جاءني القوم إلا زيدا ، وغير الموجب في هذا الباب إذا تنزل منزلة الموجب أخذ حكمه ، ولذلك تراهم في تثنية المستثنى قائلين : ما أتاني إلا عمرو ، إلّا زيدا ، أو إلا زيدا إلا عمرو بالنصب لغير المسند إليه ألبتة ، لتنزيل ما أتاني مع مرفوعه منزلة ، تركني القوم لا غير ، ولا يثنون الاستثناء إلّا على ما ترى من التقدير ، فإذا لم يتم لم تنصب ، بل كان حكم ما بعدها في الإعراب كحكمه قبل دخول إلّا ، كنحو : ما جاءني إلا زيد ، وما رأيت إلا زيدا ، وما مررت إلّا بزيد. وكذا ما جاء زيد إلّا راكبا ، فإذا تم في غير الموجب ، ولم يكن ما بعدها جملة مثلها في : ما مررت بأحد إلا زيد خير منه ، ونشدتك بالله ، أو أقسمت عليك ، أو عزمت عليك إلا فعلت كذا ، إذ مرادهم بما قبل إلّا ههنا النفي ، وهو ما أطلب منك ، جاز أن تنصب ، وأن تشرك المستثنى في إعراب المستثنى منه ، ويسمى هذا بدلا ، ويكون هو المختار كنحو : ما جاءني أحد إلا زيدا ، وإلّا زيد ، اللهم إلّا عند الانقطاع في اللغة الحجازية ، أو تقديم المستثنى على صفة المستثنى منه عند بعض ، أو تقديمه على نفس المستثنى منه عند الجمهور.

فالبدل يمتنع كنحو : ما جاءني أحد إلا حمارا ، وما جاءني أحد إلا زيدا ظريف ،

__________________

(١) الكتاب (٢ / ٣٠٩ ـ ٣٥٠) ، والمفصل (٣١).


واختيار سيبويه (١) هنا هو البدل ، وما جاءني إلا زيدا أحد.

ويراعى في البدل أن لا يكون الفاعل في المبدل منه يمتنع عمله في المبدل ، ولهذا كان البدل في نحو : ما جاءني من أحد إلا زيد ، ولا أحد عندك إلا عمرو ، بالرفع ، وفي : ما رأيت من أحد إلا زيد وليس زيد بشيء إلا شيئا حقيرا ، بالنصب ، وفي : ما زيد بشيء إلّا شيء حقير ، بالرفع.

__________________

(١) الكتاب : (٢ / ٣١١).


فصل

واعلم أن (إلا) (١) قد تستعمل بمعنى (غير) ، فتستحق إذ ذاك إعراب المتبوع مع امتناعها عنه ، فيعطى ما بعدها ، وعليه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " الناس كلهم موتى إلا العالمون (٢) ". كما يستعمل غير بمعنى إلّا ، فيستحق ما بعده إعراب مع بعد إلّا مع امتناعه عنه ، لانجراره بكونه مضافا إليه ، فيعطى غيرا ، فيكون حكمه في الإعراب حكم ما بعد إلّا سواء بسواء ، ولا يكون إلّا بمعنى غير إلّا ، والمتبوع مذكور حطّا لدرجتها.

__________________

(١) الجمل ٢١ ، والمفصل ١٢. واعلم أن إلا وغير ، يتقارضان ما لكل واحد منهما .....

(٢) وهذا حديث مفترى ملحون ، والصواب في الإعراب : العالمين والعاملين والمخلصين. اه. وأقول فيه ـ والكلام للعجلوني ـ : إن السيوطى نقل في النكت عن أبى حيان ، أن الإبدال في الاستثناء الموجب لغة لبعض العرب ، وخرج عليها قوله تعالى : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً) البقرة : ٢٤٩. اه. وعليه فالعالمون وما بعده بدل مما قبله. اه من كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلونى ت ١١٦٢ ه‍ (١ / ٣١٢) ط.

زاهد القدسى.


فصل

وههنا كلمات استثنائية (١) وهي : ليس ، ولا يكون ، وبله (٢) أيضا عند الأخفش [رحمة الله عليه](٣) ، وتنصب ما بعدها ألبتة وسوى وسواء ، ويجر ما بعدهما ألبتة ، ولا سيما ، ويرفع ما بعده تارة بوساطة أخذ ما موصولة ، ويجر أخرى بأخذ ما مزيدة ، وقد ينصب بوجه بعيد.

الحروف الجازمة :

والقسم الثالث : وهي الجازمة خمسة أحرف. وهي ضربان (٤) : ضرب يلزم المضارع ، وهي أربعة : (لم) (٥) وهي لنفي فعل ، تدخل على المضارع فتنفيه ، وتقلب معناه إلى المضي ؛ وأصله عند الفراء ، رحمه‌الله ، لا ، جعلت الألف ميما ؛ ويجوز [زيدا](٦) ألم أضرب ، ولما (٧) : وهي لنفي قد فعل ، تدخل على المضارع فتصنع صنيع (لم) مع إفادة الامتداد ، وأصله عند النحويين : لم ما. ويسكت عليه عند الدلالة دون لم فيقال : خ خ خرجت ولما

__________________

(١) الجمل ٢١ ، والمفصل ٣١ ـ ٣٢ : " وليس زيدا ، وهذه أفعال.

(٢) بله : في المغني (١ / ١٢٢ ـ ١٢٣) : بله على ثلاثة أوجه : اسم ل" دع" ، ومصدر بمعنى الترك ، واسم مرادف لكيف ، وما بعده منصوب على الأول ، ومخفوض على الثاني ، ومرفوع على الثالث.

واستعملت معربة مجرورة" بمن" خارجة عن المعاني الثلاثة ، وفسرها بعضهم بغير ، وهو ظاهر ، وبهذا يتقوى من يعدها من ألفاظ الاستثناء.

(٣) من (غ).

(٤) الجمل ٢٤ ، والمفصل ١١٢.

(٥) المغنى (١ / ٢٧٧).

(٦) في (ط): (زيد ألم).

(٧) المغني (١ / ٢٧٨).


ولا : للنهي ، ولام الأمر.

وضرب يجري مجرى اللازم للمضارع ، وهو إن للشرط والجزاء.

تقول : إن تضرب أضرب ، وإن ضربت ضربت ، وإن ضربت أضرب بالجزم تارة وأضرب بالرفع أخرى توصلا إليه ببعده عن الجازم ، مع فوات عمل ذلك في القريب منه ظاهرا ، وإن كان للضرورة ، و (إن) في الاستعمال تظهر مرة كما ذكرت ، وتضمر (١) أخرى ، وذلك في خمسة مواضع لدلالتها عليه : وهي ؛ ما بعد الأمر ، والنهي ، والاستفهام ، والتمني ، والعرض ؛ فيجزم الفعل فيها إذا لم يلزم شرط الإضمار ؛ وهو أن يكون المضمر من جنس المظهر ، تناف في الكلام ، وأما إذا لزم كنحو : لا تدن من الأسد يأكلك ، فلا ، وليس لأحد أن يظن بالنفي دلالة على الشرط في موضع الانعقاد [للتنافي](٢) بينهما بالجزم دائما ، من حيث لزوم عدم الشك النفي وثبوته الشرط ، ولذلك استقبحوا : إن احمرّ البسر (٣) كان كذا ، وإن طلعت الشمس آتك إلّا في يوم المغيم ؛ وبنوا صحة قولهم : إن مات فلان كان كذا ، على استلزامه الشك في أي وقت عين له هذا ، إذا ذكر الفعل فيها لمعنى الجزاء ، أما إذا ذكر على سبيل التعديد من حيث الظاهر ، ويسمى قطعا واستئنافا ، أو لإثبات معناه لمنكر فيها ، ويسمى صفة ، أو لمعرف ؛ ويسمى حالا ، فليس إلا الرفع. والمعطوف على المجزوم أو على ما هو في موضعه بالفاء أو بالواو أو بثم من نحو : إن تكرمني أكرمك فأخلع عليك ، وإن تشتمني فلأترك لك وأضربك ، أو ثم أضربك ، إن حمل على الابتداء على معنى : فأنا أخلع عليك وأنا أضربك ثم أنا أضربك ، رفع.

__________________

(١) المفصل : ١١٢.

(٢) في (ط): (للتنافي).

(٣) البسر : واحده بسرة ، التمر إذا لون ولم ينضج.


فصل

ومن شأنه استلزام الفاء في الجزاء ، إذا كان أمرا أو نهيا أو ماضيا ، لا في معنى الاستقبال ، أو جملة اسمية أو محمولة على الابتداء كما سبق آنفا ، أو بدل الفاء خ خ إذا اللهم إلّا في ضرورة الشعر مع ندرة ، كنحو :

من يفعل الحسنات الله يشكرها (١)

ومن شأنه أن يليه الفعل لا محالة ظاهرا أو تقديرا ، وأن لا يتقدم عليه شيء مما في حيزه ، ولهذا قالوا في : آتيك إن [تأتنى](٢) ، أن الجزاء محذوف ، وآتيك قبله كلام وارد على سبيل الإخبار ، وامتناعهم انجزامه منبه على ذلك قوي.

نواصب الفعل :

والقسم الرابع : [وهي الناصبة](٣) للفعل : أربعة عند سيبويه (٤) ومن تابعه [رحمهم‌الله](٥).

أحدها : (أن) وهو يفيد معنى المصدر ، ويخصص المضارع بالاستقبال ، وأنه في الاستعمال يظهر تارة ويضمر أخرى.

__________________

(١) الكتاب (٣ / ٦٥) ، نسبته إلى حسان بن ثابت ، والمغنى ، (١ / ٥٨ ، ١٠٢) ، نسبه لعبد الرحمن بن حسان ، وتمام البيت :

والشر بالشر عند الله سيان

ويروى : مثلان ، وليس في ديوان حسان.

(٢) في (ط): (أن تأتينى).

(٣) في (غ): (وهو الأمر في الناصبة للفعل).

(٤) الكتاب (٣ / ٥) والجمل (٣) والمفصل (١٠٩).

(٥) من (غ)


إما واجبا ، وذلك بعد خمسة أشياء : لام تأكيد النفي ، كما في قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ)(١) وفاء جواب الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض ، كنحو : ائتني فأكرمك ، ولا تشتمني فأشتمك ، وما تأتينا فتحدثنا ، بمعنى ما تأتينا فكيف تحدثنا ، أي لا إتيان ولا حديث ، كنحو :

ولا ترى الضب بها ينجحر (٢)

أي لا ضب ولا انجحار ، أو ما تأتينا للحديث ، أي منك إتيان ولكن لا حديث ، وأين بيتك فأزورك ، وليت لي مالا فأنفق ، ألا تنزل فتصيب خيرا.

وواو الجمع كنحو : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، وتسمى واو الصرف. أي تصرف إعراب الثاني عن الأول ، و (أو) بمعنى (إلا) أو إلى كنحو : لألزمنك أو تعطيني حقي ، وحتى كنحو : سرت حتى أدخلها.

وإما جائزا قياسيّا وذلك بعد لام الغرض كنحو : أتيتك لتكرمني ، مما إذا لم يكن هناك لا ، فإن كان وجب الإظهار ، كنحو : لئلا تكرمنى ، أو غير قياسي ، وذلك فيما عداه.

وإما حذفه ، كنحو قولهم :

تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (٣) ،

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية : ٣٣.

(٢) البيت من الرجز ، وصدره : لا تفزع الأرنب أحوالها شرح الحماسة (١ / ٢٢) بلا عزو ، والخصائص (٣ / ١٦٥): (لا تفزا الذئب) و ٣٢١ (لا تفزع الضب) وفي الخزانة (٤ / ٢٧٣) نسبه لابن أحمر.

(٣) قال ابن منظور في لسان العرب ، فأما قولهم في المثل : تسمع بالمعيدى لا أن تراه ، فمخفف عن القياس اللازم في هذا الضرب ، ولهذا النادر في حد التحقير ذكرت الإضافة إليه مكبرا ، وإلا فمعدىّ على غير القياس ، وقيل فيه ، أن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه ، وقيل فيه : تسمع بالمعيدى خير من أن تراه ؛ وقيل : المختار الأول. قال : وإن شئت قلت : لأن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه ؛ وكان ـ ـ


فغير ممتنع ، وقد جاء ترك إعمالها في قوله :

أن تقرآن على أسماء ويحكما (١).

وفي قراءة مجاهد (٢) : (أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ)(٣).

فصل

ولاقتضاء (أن) مع المضارع الاستقبال إذا أريد الحال في موضع مما ذكر امتنع تقديره هناك ، ثم إذا ساغ الاستئناف والاشتراك ، أعني العطف على مرفوع ، كان الرفع والعطف أينما ساغ استلزم حكمه ، وهو الاشتراك في الإعراب كيف كان. فتأمل جميع ذلك.

والثاني والثالث ، من الأربعة : كي : للغرض ويقال : لكي ، وكيما ، ولكيما ، ويأتي في الشعر إظهار أن بعد ذلك. قال حميد (٤) :

__________________

الكسائى يرى التشديد في الدال فيقول : بالمعيدى ، ويقول : إنما هو تصغير رجل منسوب إلى معد ؛ يضرب مثلا لمن خير من مرآته ، وكان غير الكسائى يخفف الدال ويشدد ياء النسبة ، وقال ابن السّكيت : هو تصغير معدى إلا أنه إذا اجتمعت تشديدة الحرف وتشديدة ياء النسبة خففت ياء النسبة. اه (اللسان : معد).

(١) البيت من البسيط وهو في المفصل ١٤٧ ، والمغنى ٢٨ / والخزانة (٣ / ١٩٩) وعجزه :

منى السّلام وأن لا تشعرا أحدا

(٢) مجاهد بن جبر ، وقيل جبير ، القارئ ، مولى عبد الله بن السائب ، من كبار التابعين ، يكنى أبا الحجاج ، مات سنة ١٠٤ ه‍ عرض القرآن ثلاثين عرضة على ابن عباس. انظر في ترجمته : معجم الأدباء ١٧ / ٧٧ ـ ٨٠ طبقات القراء ، وغيرهما.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٣ ، وفي المفصل (١٤٧) : وعن مجاهد : أن يتمّ الرضاعة بالرفع.

(٤) حميد بن ثور الهلالي ، شاعر مخضرم أدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان من فصحاء شعراء الإسلام ، كما ذكر الأصمعي. انظر : معجم الأدباء ١١ / ٨ ـ ١٣. الوافي بالوفيات ... وغيرهما.


فقالت :

أكلّ الناس أصبحت مانحا ....

لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا

وقال الآخر (١) :

أردت لكيما أن تطير بقربتي ....

فتتركها شنّا ببيداء بلقع

ولا ينصب عند الخليل (٢) (كي) إلا بإضمار أن.

و (لن) : وهو لنفي سيفعل ، وأنه لتأكيد النفي في الاستقبال ، وقد أشير إلى أنه لنفي الأبد. وأصله عند الخليل (٣) : لا أن فخفف ، وعند الفراء (٤) : لا ، فجعل الألف نونا ، ويجوز فيه : زيدا لن أضرب.

والرابع : إذن : وهو جواب وجزاء ، وله ثلاثة أوجه : وجه ينصب فيه البتة ، وهو إذا كان جوابا مستأنفا داخلا على مستقبل غير معتمد على مبتدأ قبله ولا شرط ولا قسم ، كنحو : إذن أكرمك في جواب : أنا آتيك.

ووجه لا ينصب فيه البتة ، وهو أن يكون الفعل للحال ، أو معتمدا على شيء مما ذكر ، كنحو : أنا إذن أراعيك ، وإن تكرمني إذن أرض عنك ، وو الله إذن لا أرمي.

ووجه يجوز فيه الأمران : وهو أن يقع بعد واو العطف وفائه وبين الفعل ، وعند بعضهم : أن أصله إذ أن ، وفي الكوفيين (٥) من يقول : إنه اسم منوّن (٦).

__________________

(١) البيت من الطويل وهو في المغنى (١٩٩) بلا عزو ، والخزانة (٣ / ٥٨٥).

(٢) رأى الخليل وبحث كى في الكتاب (٣ / ٥) ، والإنصاف ، (٢ / ٥٧٠). فالكوفيون يرون أنها ناصبة فقط ، وذهب البصريون إلى أن الناصب للفعل أن مقدرة بعدها.

(٣) الكتاب (٣ / ٥).

(٤) الكتاب (٣ / ٥) ، وفي المغنى (٣٤١) ، لا يوافق على رأى الخليل في كونها لا أن ولا على رأى الفراء في كونها لا فأبدلت الألف نونا في لن ، وميما في لم.

(٥) المغنى (١ / ١٥) ، (في نوعها ، قال الجمهور هي حرف ، وقيل اسم ....)

(٦) بحث إذن في الكتاب ، (٣ / ١٢) ، وما بعدها.


ما ينصب ثم يرفع من الحروف :

والقسم الخامس : وهو ما ينصب ثم يرفع ، سبعة أحرف : ستة تسمى مشبهة بالأفعال ؛ لانعقاد الشبهة بينها وبين الماضية منها ، خصوصا بلزم الأسماء وانفتاح الأواخر ، وكونها على أكثر من حرفين يمد ذلك وهي : (إنّ) بالكسر ؛ لتحقيق مضمون الجملة (١)

و (أنّ) بالفتح ، وقيس وتميم يقولون (عن) للتحقيق مع قلب مضمون الجملة إلى معنى ما هو في حكم المفرد ، وهو الحاصل من إضافة مصدر منتزع من معنى خبر تلك الجملة إلى اسمها ، كنحو قولك في : بلغني أنّ زيدا منطلق ، بلغني انطلاق زيد.

ولتفاوت المكسور والمفتوح جملة ومفردا تفاوت [مواقعهما](٢) ، فاختص المكسور (٣) بالابتداء وبما بعد قال وما كان منه ، والمفتوح بمكان الفاعل والمفعول خارج باب قال ، والمجرور وبما بعد لو ولو لا وفتح في باب عملت بدون اللام ، وكسر فيه معها ، كنحو : [علمت](٤) أن زيدا فاضل ، وأن زيدا لفاضل.

وفيما سوى ذلك فتح وكسر بحسب اعتبار الجملة والمفرد ، ومن شأن المفتوح أن لا يصدر به البتة ، فلا يقال : إن زيدا منطلق حق ، بل يقدم الخبر خيفة أن يدخل على المفتوح المكسور فيتوالى حرفان لمعنى واحد مختلفان بظاهرهما ، محتملان اختلاف المعنى بخلاف إن زيدا منطلق ، مكسورتين ، فيورث وهم اختلافهما ظاهرا من حيث اعتقادك بالحروف.

__________________

(١) ينظر الكتاب (٣ / ١١٩) ، وما بعدها ، والجمل (١٨ ـ ١٩) ، والمفصل ، (١٣٤ ـ ١٣٥ ـ ١٣٦) ، والمغني ، (١ / ٣٦ ـ ٣٨ ـ ٣٩ ـ ٤٨).

(٢) في (ط): (مواقعها).

(٣) المفصل ، (١٣٩) ، (وتخفف ، فتهمل) ، وهو لم يستوف مواضع فتح وكسر همزة أن.

(٤) في (د): (عملت).


إن الغرض من وضعها الاختصار ، نظرا إلى كل واحد منها ، حيث ينوب عما لا يؤدي معناه إلا بطول ، وجمعهما على اختلافهما لمعنى واحد في الكلام بخلاف ذلك الغرض ، ولا ضرورة في ارتكابه ، وهذا ملخص كلام محصلي أصحابنا ههنا ، رحمهم‌الله تعالى.

فصل (١)

وقد يأتي المفتوح بمعنى لعل ، وأما المكسور بمعنى نعم ، فليس من الباب.

والثالث : من الستة (لكن) وهو للاستدراك (٢) ، يتوسط بين كلامين يتغايران نفيا وإيجابا ، إما لفظا ، نحو : جاءني زيد لكن عمرا لم يجىء ، أو بالعكس. وإما معنى ، كنحو : حضر زيد لكن عمرا غائب. وعند الفراء أنه مركب (٣).

والرابع : (كأن) (٤) وهو للتشبيه ، وعندهم أن الأصل في كأن زيدا الأسد ، أن زيدا كالأسد فقدم حرف التشبيه وفتح له المكسور.

فصل

وتخفف هذه الأربعة (٥) ، فيبطل عملها في الاستعمال الشائع ، لازما المكسور اللام ، إذ ذاك على وجه ، سيتضح لك ، ولا تمتنع عن الدخول على الفعل ، لكن يراعى في المكسور عندنا أن يكون الفعل من باب : كان أو علمت. وفي المفتوح أن يكون مع فعله قد أو سوف أو أختها السين أو حرف نفي.

__________________

(١) من (د).

(٢) الكتاب ، (١ / ٤٣٤ ، ٢ / ٨) ، والمفصل ، (١٣٥ ـ ١٣٦ ـ ١٣٧) ، والمغنى ، (١ / ٢٩٠).

(٣) رأى الفراء في المغنى ، (١ / ٢٩١) ، قال : أصلها لكن أن ، فطرحت الهمزة للتخفيف ونون لكن للساكنين.

(٤) الكتاب : (٣ / ١٥١) ، والمفصل ١٣٩.

(٥) المفصل : ١٣٩.


والخامس : (ليت) وهو للتمني (١).

والسادس : (لعل) (٢) وهو لتوقع مرجو أو مخوف ، وقد يشم معنى التمني. وهما يدخلان على أن يقال : ليت أن زيدا حاضر ، وكذا عند الأخفش (٣) : لعل أن زيدا قائم ، فأشبه لعل ليت ، وفيه لغات (٤) أخر : علّ وعن ولعن ، ولغن. وعند المبرد (٥) أن أصله علّ ، واللام لام الابتداء.

فصل

وتلحق أواخر هذه الستة (٦) (ما) كافة وملغاة ، إلا أن الإلغاء مع (كأن) و (ليت) و (لعل) أكثر ؛ لقوة قربها من معنى الفعل ، وهو السبب في أنها تعمل في الحال ، وفي اتصالها بضمير الحكاية تارة ، يقال : إنني إننا إلى الآخر ، وتارة يقال : إني إلى الآخر ، ولكن يقل : ليتي وأنا ، إلى الآخر ، دون (ليت ولعل) : فإنه لا يقال : ليتا ، ولعلا.

فصل

ويمتنع تقديم الخبر في هذا الباب على العامل البتة ، وعلى الاسم إذا لم يكن ظرفا ، أعني اسما معه حرف جر ظاهرا أو تقديرا ، فالظرف ، خبرا كان أو متعلقا بالخبر ، لا يمتنع كنحو : إن في يوم الجمعة القتال ، أو يوم الجمعة ؛ ونحو : إن في يوم الجمعة القتال حاصل ، أو يوم الجمعة ؛ هذا على المذهب الظاهر ، وأما حذفه فأوجب في قولهم : ليت شعري ، وجوز عند الدلالة فيما عداه.

__________________

(١) الكتاب (٢ / ١٤٨) ، والمفصل ، (١٣٩ ـ ١٤٠).

(٢) الكتاب (٢ / ١٤٨) ، والمفصل ، (١٤٠).

(٣) المفصل (١٤٠) ، وقد أجاز الأخفش أن زيدا قائم قاسها على ليت.

(٤) المفصل (١٤٠) ، وفيها لغات وعند أبي العباس أن أصلها علّ زيدت عليها لام الابتداء.

(٥) المقتضب (٣ / ٧٣) ، وفيه : وأصله عل واللام زائدة.

(٦) الكتاب (٣ / ١٢٩) ، والمفصل ، (١٣٥).


فصل

واعلم أن في المعطوف على اسم (إن) و (لكن) بعد مضي الجملة جواز الرفع ، وفي الصفة أيضا عند الزجاج (١).

وأما السابع فهو : (لا) (٢) لنفي الجنس ، وهو ملحق (بأن) إلحاق النقيض بالنقيض مع اشتراكهما في الاختصاص بالاسم ، وحق منصوبه ، إلا فيما ستعرف ، التنكر البتة ، والبناء أيضا ، إذا لم يكن مضافا ولا مضارعا له ، ولذلك اختلف في نحو قوله :

ألا رجلا جزاه الله خيرا (٣)

فحمل التنوين على ضرورة الشعر يونس (٤) ، وأخرجه الخليل (٥) عن الباب ، بحمله إياه على : ألا ترونني رجلا ، وأما قولهم : لا أبا لك ، فمضاف من وجه نظرا إلى المعنى ، وغير مضاف من وجه نظرا إلى اللفظ : فللأول أثبت الألف وللثاني جعل اسم لا ونظيره : لا غلامي لك ، ولا ناصري لك ، فإذا بطل الوجه الأول بتبديل اللام بحرف لا يلائم الإضافة ، أو بزيادة فصل كيف كان عند سيبويه ، وعند يونس (٦) غير ظرف ، لم يبق إلا الاستعمال الآخر : وهو لا أب ، ولا غلامين ، ولا ناصرين.

__________________

(١) هو إبراهيم بن السرى بن سهل النحوى ، توفى سنة ٣١١ ه‍ (بغية الوعاة ١ / ٤١١)

(٢) بحث لا في الكتاب (٢ / ٢٧٤).

(٣) البيت من الوافر وهو في الكتاب (١ / ٣٠٨) بلا عزو ، والمغنى (١ / ٧٣) ، وفي خزانة الأدب (٣ / ٤٥) ، نسبته لعمرو بن قعاس المرادى ، الشاعر الأموى ، الخزانة (٣ / ٤٩) ، وتمامه :

يدل على محصلة تبيت

(٤) الكتاب (٢ / ٣٠٨) : وأما يونس فزعم أنه نون مضطرا ... ألا للتمنى

(٥) الكتاب (٢ / ٣٠٨) : وسألت الخليل عن قوله : ألا رجلا جزاه الله خيرا ، فزعم أنه ليس التمنى.

(٦) ينظر الكتاب ، (٢ / ٢٩٠).


فصل

وإذا وصف المبني (١) على نحو : لا رجل ظريف ، جاز فتح الوصف ، كما ترى ، ونصبه ورفعه ، أما إذا فصلت على نحو : لا رجل عندي ظريفا أو ظريف ، بطل البناء وحكم الوصف الزائد والمعطوف حكم المفصول ، وكذا حكم المكرر كنحو : لا ماء ماء بارد ، وقد جوز فيه ترك التنوين ، ومن شأن المنفي في هذا الباب ، إذ فصل بينه وبين لا ، أو عرف ، وجوب الرفع والتكرار مع حرف النفي عند سيبويه ، وإذا كرر مع حرف النفي لا لذلك جواز الرفع.

فصل

وقد حذف منفيه في قولهم (٢) : لا عليك. أي : لا بأس عليك ، وأما مرفوع الباب ، أعني الخبر ، فتميم على تركه البتة ، وأهل الحجاز على تركه إن شئت.

ما يرفع ثم ينصب من الحروف :

والقسم السادس : وهو ما يرفع ثم ينصب حرفان (٣) : (ما ولا) للنفي في لغة أهل الحجاز ، شبهوهما : بليس في النفي والدخول على الاسم والخبر ، فرفعوا بهما الاسم ونصبوا الخبر ، حيث لم يقدموا الخبر على الاسم ، ولا نقضوا النفي (بإلا أو بلكن) ؛ ولزيادة شبه (ما بليس) لكونه لنفي الحال أعملوه في المنكر ، والمعرف ، ولم يعملوا إلّا في المنكر.

وأدخلوا الباء في الخبر إذ نصبوا توكيدا للنفي ، فقالوا : ما زيد بقائم دون ما بقائم زيد ، وكذا دون ما زيد إلا بقائم ، هو الأعرف. وإلا فليس إدخال الباء على المرفوع

__________________

(١) الكتاب (٢ / ٣٠٩) ، والمفصل (٣٥ ـ ٣٦).

(٢) المفصل (٣٦).

(٣) الجمل (١٩) : المفصل (٣٦).


بممتنع برواية الإمام عبد القاهر (١) عن سيبويه.

فصل

وكثيرا ما يتبع (لا) هذا بالتاء الموقوف عليها عند طائفة بالتاء ، إجراء لها مجرى (ليست) ، وعند أخرى بالهاء ، إجراء لها مجرى : (ثمة وربة) ويقصر دخوله على حين فيقال : لات حين كذا (٢) ، بالنصب على حذف الاسم ، وعند الأخفش أنه (لا) النافي للجنس ، وفيه من يقول : إنه فعل ، وهو تعسف ، كقول من زعم التاء من حين كالحاء منه لغة فيه.

الحروف غير العاملة :

وغير العاملة ، وذكرها استطراد ، وإلا فهو وظيفة لغوية ، ضربان : مفردة ومركبة.

والمفردة ضربان : بسائط وغير بسائط ، وغير البسائط ؛ إما ثنائية أو ثلاثية أو رباعية ، والمركبة ضربان : ضرب يلزمه التركيب في معناه ، وضرب لا يلزمه ذلك ، فالحاصل منها إذن ستة أضرب : أربعة من المفردة وهي : بسائط ثنائية ثلاثية رباعية ، واثنان من المركبة : لازم التركيب ، غير لازم التركيب.

فالضرب الأول ثلاثة عشر حرفا : [ء ، ا ، ه ، ك ، ي ، ش ، ل ، ن ، ت ، س ، ف ، م ، و](٣).

فالهمزة للاستفهام (٤) ، ويتفرع منه معان بحسب المواقع ، وقرائن الأحوال ، كالأمر

__________________

(١) عبد القاهر الجرجانى : هو أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني ، صاحب (دلائل الإعجاز) ، و (أسرار البلاغة) و (الجمل). عالم في اللغة والبلاغة توفى عام ٤٧١ ه‍ (فوات الوفيات ١ / ٦١٢ ، ٦١٣).

(٢) ينظر بحثها في (الكتاب ١ / ٥٧ ، ٥٨).

(٣) في (غ): (ا ه ش ى س ف م ذ).

(٤) الهمزة للاستفهام (المغنى ٥ ـ ١٣ و ١٠ ـ ١٣) (التسوية ، الإنكار الإبطالى ، والإنكار التوبيخى ، والتقرير والتهكم والأمر والتعجب ، والاستبطاء ...).


في نحو : (أَأَسْلَمْتُمْ)(١).

والاستبطاء في نحو : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا)(٢).

والتنبيه في نحو : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً)(٣).

[والتحضيض](٤) في نحو : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً)(٥).

والتوبيخ في نحو : (أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي)(٦).

والوعيد في : (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ. ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ)(٧).

والتقرير في نحو : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً)(٨).

والتسوية في نحو : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(٩).

والتعجب في نحو : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ)(١٠) ، وما شاكل ذلك ، وسيطلعك على أمثال هذه المعاني علم المعاني ، بإذن الله تعالى ، وتستعمل ظاهرة

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ٢٠.

(٢) سورة الحديد ، الآية : ١٦.

(٣) سورة الضحى ، الآية : ٧.

(٤) في (ط): (والتخصيص) بالصاد المهملة ، وهو تصحيف.

(٥) سورة التوبة ، الآية : ١٣.

(٦) سورة النمل ، الآية : ٨٤ ، وتسميته في المغنى إنكار توبيخى.

(٧) سورة المرسلات ، الآية : ١٦.

(٨) سورة العنكبوت ، الآية : ٦٧.

(٩) سورة البقرة ، الآية : ٦ ؛ وسورة يس ، الآية : ١٠.

(١٠) سورة الفرقان ، الآية : ٤٥.


مرة ، كما ترى ، ومقدرة أخرى كنحو قوله (١) :

بسبع رمين الجمر أم بثمان

وتدخل على الواو والفاء وثم نحو : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا)(٢) ، (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ)(٣) ، (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ)(٤) وتدخل على الاسم والفعل ، إلا أنها بالفعل أولى من حيث إن الاستفهام لما كان طلب فهم الشيء استدعى في المطلوب ، وهو فهم الشيء لا حصوله ، وهو الجهل به ؛ لامتناع طلب الحاصل ، فما كان سبب الجهل به ، وهو كعدم الاستمرار أمكن فيه ، كان باستفهام أو لا والفعل لتضمنه للزمان الذي هو أبدا في التجدد كذلك. ومن شأن الاستفهام لكونه أهم أن يصدر به الكلام ، وأن لا يتقدم عليه شيء مما في حيز ، وللخطاب في (ها) (٥) بمعنى : خذ ، إذا قيل : هأ ، هاؤما ، هاؤم.

والالف للعوض عن التنوين ونون التأكيد ونون إذن في الوقف ، وعندي أن قولهم :

بينا زيد قائم إذا كان كذا أو إذا أصله بين أوقات زيد قائم ، ثم بينا زيد قائم بالتنوين عوضا عن المضاف إليه ، ثم بينا بالالف باجراء الوصل مجرى الوقف لازما ، وفيه دليل على صحة مذهب الأصمعي (٦) في أن الصواب هو بينا زيد قائم كان كذا يطرح إذ

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لعمر بن أبى ربيعة (ديوانه ٢٦٦) وصدره :

فو الله ، ما أدرى ، وإن كنت داريا

(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٠٠.

(٣) سورة هود ، الآية : ١٧.

(٤) سورة يونس ، الآية : ٥١.

(٥) ها : بمعنى (خذ) اسم فعل ، ويجوز مد ألفها ، ويستعملان بكاف الخطاب وبدونها ، ويجوز في الممدود أن يستغنى عن الكاف بتعريف همزتها ، تصاريف الكاف ، فيقال : هاء للمذكر ، و (هاء) للمؤنث بالكسر ، و (هاؤما) و (هاؤن) و (هاوم) ومنه (هاؤم اقرأوا كتابيه). المغنى ١ / ٣٨٥).

(٦) الأصمعي : سنة ١٢٣ ـ ٢١٦ ه‍. أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي ، نشأ بالبصرة ، وأخذ العربية والحديث عن أئمتها ، أكثر الخروج إلى البادية لمشافهة الأعراب ، فاجتمع له بذلك من النوادر ـ ـ


وإذا ، ولبيان التفجع في الندبة كما سبق ذلك كله وهي وكذا الياء والواو للإطلاق ، كنحو

أقلّي اللوم عاذل والعتابا

وإذا دارت رحى الحرب الزبون

وسقيت الغيث أيتها الخيام

وللإنكار كنحو قولك : زيد قدماه أو يقدموه. ومررت بحذاميه أو بحذاميه لمن قال : زيد قدم أو يقدم ، ومررت بحذام منكرا لذلك عليه ، أو لخلاف أن يكون كذلك للتذكير نحو : زيد قالا أو يقولوا إذا تذكرت المقول ، ومن العامي إلا أن الألف والواو يحرك لهما ساكن بخلاف الياء كنحو : وكأن قدي ، وآلت حلفة لم تحللي ، في الاطلاق وكذا نحو قدي وإلي إذا تذكرت قد قام والغلام مثلا ، ونحو : أزيدنيه في زيد بالتنوين ، أو أزيدانيه بزيادة إن إذا تذكرت أو أنكرت وجميع ذلك أشياء وقفية فاعلم.

والهاء للدلالة على الغيبة في إياه عند الأخفش كالكاف والياء فيه للخطاب والحكاية عنده ، وللوقف كالشين المعجمة بعد كاف المؤنث في تميم ، وغير المعجمة بعده في بكر ، ومدار الكلام في حرفيتها أعني الهاء.

والكاف والياء على بيان تعدد كونها مجرورة أو منصوبة.

واللام يأتي في جواب لو ولو لا الزيادة الربط غير واجب ، وفي جواب القسم نحو :

والله لزيد قائم ، أو ليقومن ، أو لقد قام واجبا على الأعرف ، وفي الشرط يتقدمه توطئة له نحو : والله [لئن](١) أكرمتني لأكرمنك ، غير واجب وتسمى الموطئة (٢) للقسم ، وتأتي

__________________

والغريب ما لم يجتمع لسواه. كان معاصرا لأبي عبيدة ومنافسا له في اللغة والرواية ، وفي ذلك أخبار ، واشتهر إلى جانب اللغة والرواية بنقد الشعر ... ترك ما يزيد عن أربعين كتابا في مواضيع شتى وكان أكثرها في اللغة.

(١) في (د) ، و (ط): (لأن).

(٢) اللام الموطئة ، وبحث اللامات في المفصل (١٥٢ ـ ١٥٤). ـ ـ


لتأكيد مضمون الجملة الاسمية نحو : لزيد منطلق ، وتسمى لام الابتداء (١) ، وهي تجامع أن على أربعة أوجه : إن تدخل على اسم أن مفصولا بينه وبينها كنحو : إن في الدار لزيدا ، أو على ما يجري مجراه من الضمير المتوسط بينه وبين الخبر فصلا كان ، كنحو : إن زيدا لهو المنطلق ، أو أفضل منك أو خير منك ، أو ينطلق ، أو غير فصل كنحو : إن زيدا لهو منطلق ، أو على الخبر. كنحو : إن زيدا لآكل أو ليأكل. وتخصص المضارع بالحال ، أو على متعلق الخبر إذا كان متقدما ، كنحو : إن زيدا لطعامك آكل ؛ ومن شأنها إذا خففت (إن) ولم تعمل أن تلزم ، فرقا بينها وبين (إن) النافية ، وتسمى إذ ذاك الفارقة (٢) ، نحو : إن زيد لمنطق ، وكذا إن كان زيد منطلقا ، وإن ظننت لزيد منطلق ، وكذا عند الكوفيين ، نحو : إن تزينك لنفسك وإن تشينك لهيه.

وعندنا أن هذا الكلام مما لا يقاس عليه وقد جامعها على وجه خامس حيث قالوا : لهنك كذا و [لكذا](٣) على قول من لا يجعل الأصل ، والله ، إنك ، وعلى مذهب سيبويه (٤) [رحمة الله عليه](٥) تأتي للتعريف نحو : الغلام ، والهمزة عنده للوصل ، ولذلك لا تثبت فيه بخلاف الخليل ، فإن سقوطها عنده لمجرد التخفيف ؛ لكثرة دورها والتعريف بها ، إما أن يكون للجنس : وهو أن نقصد بها نفس الحقيقة معينا لها ، كنحو : الدينار خير من الدرهم ، أو للعهد (٦) : وهو أن تقصد بها الحقيقة مع قيد الوحدة ، أو ما

__________________

(لام التعريف ، ولام جواب القسم ، واللام الموطئة للقسم ولام جواب لو ولو لا ولام الأمر ولام الابتداء واللام الفارقة ....)

(١) لام الابتداء ، المفصل ١٥٤ وهي اللام المفتوحة ، ولا تدخل إلا على الاسم والفعل المضارع.

(٢) المفصل : ١٥٤.

(٣) في (غ): (وكذا).

(٤) ينظر رأيه في الكتاب (٤ / ١٤٧) ، المفصل (١٥٣ ـ ١٥٤).

(٥) من (غ).

(٦) المفصل : ١٥٣ (لام العهد).


ينافيها ، معينا لذلك ، كنحو : جاءني الرجل أو الرجلان أو الرجال.

وقد ظهر من هذا أن لا وجه لاعتبار الاستغراق في تعريف الجنس ، إلا ما سيأتيك في علم المعاني.

والنون (١) تأتي للصرف ، كنحو : زيد ، وللتنكير ، كنحو : (صه) ، وعوضا عن المضاف إليه نحو" حينئذ ومررت بكلّ ، وجئتك من قبل عندي ، وكذا كل غاية إذا نونت فليتأمل. ونائبا مناب حرف الاطلاق في إنشاد بني تميم كنحو (٢) :

أقلي اللوم عاذل والعتابن ...

وقولي ......

وغالبا ، كنحو (٣) :

وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ....

مشتبه الأعلام ...........

ويسمى في جميع ذلك تنوينا ، ويلزمه السكون إلا عند ملاقاة ساكن ، فإنه يكسر أو يضم ، حينئذ ، على تفصيل فيه ، كنحو : (وَعَذابٍ. ارْكُضْ)(٤) ، وربما حذف ، كنحو قراءة من قرأ : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ)(٥) وتأتي للتأكيد ، كما سبق ، ولا يؤكد به إلا : الأمر ، والنهي ، والاستفهام ، والتمني ، والعرض ، والقسم ، والشرط المؤكد

__________________

(١) المفصل : ١٥٣.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لجرير ، ديوانه ٤١٦ ، وتمامه ،

وقولى إن أصبت لقد أصابن

(٣) البيت من الرجز لرؤبة ، ديوانه ١٠٤ ، وتمامه :

..... مشتبه الأعماق لماع الخفقن

(٤) ص : الايات ٤٣ ، ٤٤.

(٥) سورة الإخلاص ، الايات : ١ ، ٢.


حرفه (بما) ، كنحو : (فَإِمَّا تَرَيِنَ)(١) ، ونحو إن تفعلن ، بدون ما لا يقع إلا في ضرورة الشعر وقالوا : بجهد ما تبلغن ، وبعين ما أرينكّ ، وربما تقولن ذاك ، وقلما تقولن ذاك ، وكثر ما تقولن ، وطرح هذا النون سائغ إلا في القسم ، كنحو : والله ليقوم ، فإنه ضعيف ، ومن شأنه أن يحذف إذا لقي ساكنا بعده.

والتاء للخطاب في أنت وأنت على مذهب الأخفش (٢) ، وللإيذان بأن الفاعل مؤنث في نحو : جاءت هند ، وللفرق بين المذكر والمؤنث في الاسم : كإنسان ورجل وغلامة وحمارة وبرذونة وأسدة ، وهو قليل (٣) ، وللفرق بينهما في صفة المؤنث : كضاربة ومضروبة ، وحائضة وطامثة وطالقة ونظائرها ، حال إرادة الحدوث.

وأما قولهم : حائض وطامث وطالق حال إرادة الثبوت ، فعند الكوفيين (٤) أنها غير مشترك فيها بين المذكر والمؤنث ، وعند الخليل (٥) أنها ليست صفات ، بل هي أسماء فيها معنى النسب : كتامر ، ولابن ، ودارع.

وعند سيبويه (٦) أن موصوفها غير مؤنث ، وهو إنسان أو شخص ، وللدلالة

__________________

(١) سورة مريم ، الآية ٢٦.

(٢) ينظر مبحث التاء للخطاب في الكتاب (٤ / ٢١٨).

(٣) المفصل ٨٢ ، والعبارة : كامرأة وشيخة وإنسانة وغلامة ورجلة وأسدة وبرذونة وهو قليل.

(٤) الإنصاف (٢ / ٧٥٨) ، (ذهب الكوفيون إلى أن علامة التأنيث إنما حذفت من نحو : طالق وطامث وحائض وحامل ، لاختصاص المؤنث).

(٥) الكتاب (٣ / ٢٣٦) والمفصل ٨٣ (فعند الخليل أنه على مضي النسب كلابن وعند سيبويه أنه تأول بإنسان أو شىء ، حائض).

(٦) الكتاب (٣ / ٢٣٦) ، والعبارة : واعلم أنك إذا سميت المذكر بصفة المؤنث صرفته وذلك أن تسمى رجلا بحائض أو طامث أو مئتم ، فزعم لا يكون إلا لمذكر وذلك نحو قولهم : رجلا نكحة ، ورجلا ربعة فجأة فكأن هذا المؤنث وصف ، كسلعة أو لعين أو لنفس وما أشبه. هذا ، كأن الذكر وصف لشئ ، فكأنك قلت هذا شئ حائض ثم وصفت به المؤنث كما تقول هذا بكر ضامر ثم تقول ناقة


على الوحدة : كتمرة وجوزة وضربة ومنعة ، وعلى الكثرة كقولهم : البصرية والكوفية والمروانية (١) ، بتأويل الأمة أو الجماعة ، وقولهم : علامة (٢) ونسابة [وراوية](٣) وفروقة ، وما شاكل ذلك وارد عندي على ذا ، وهو السبب عندي في إفادة المبالغة ، إذا قيل : فلان علامة ، والجهة في امتناع أن يقال في نحو : (عَلَّامُ الْغُيُوبِ)(٤) : علامتها.

ولتأكيد التأنيث في المفرد : كنعجة وناقة ، وفي الجماعة : كحجارة (٥) وصقورة وصياقلة.

وللدلالة على النسب في الجماعة : [كالمهالبة](٦) والأشاعثة.

وعلى التعريف فيها : كالجواربة والموازجة (٧) ، وللنفي نص فيها [كالفرازنة](٨) والجحاجحة (٩).

والسين (١٠) للاستقبال في نحو : سيضرب ، والوقف كما سبق.

والفاء للتعقيب (١١) في العطف ، ونحو قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها

__________________

ـ ـ ضامر وزعم الخليل أن فعولا ومفعالا إنما امتنعا عن الهاء لأنهما وقعا في الكلام على التذكير كما كان الحائض في الأصل صفة لشىء.

(١) المفصل ، ٨٣ ، مع زيادة ..... والزبيرية.

(٢) المفصل ٨٢.

(٣) في (ط): (رواية).

(٤) المائدة : ١٠٩ ، ١١٦ ، التوبة : ٧٨ ، سبأ : ٤٨.

(٥) المفصل ٨٢ ـ ٨٣. ولتأكيد معنى الجمع كحجارة.

(٦) في (ط): (المهابلة).

(٧) المفصل ٨٣ (وللدلالة على التعريف كموازجة وجواربة)

(٨) في (غ) (كالفرازية) بالياء المثناة تحت.

(٩) المفصل ٨٣ (وللتعريف كفرازنة وجحاجحة).

(١٠) المفصل ١٤٨


بَأْسُنا)(١) ، وقوله (٢) :

يمشي فيقعس أو يكب فيعثر

محمول على حذف المعطوف بتقدير ، فحكم بمجيء البأس ، [وبالعثور فيحكم](٣) أو على كونه من باب : عرضت الناقة على الحوض (٤). والتعقيب في الجزاء لازما على ما تقدم ، وفي خبر المبتدأ ، إذا كان المبتدأ متضمنا لمعنى الشرط ، بكونه موصولا أو موصوفا ، والصلة أو الصفة جملة فعلية أو ظرفية غير لازم ، والأخفش (٥) ، رحمه‌الله ، دون سيبويه ، رحمه‌الله ، لا يغير هذا الحكم بدخول إن عليه لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)(٦) ، وأمثال له.

والميم للتعريف في لغة أهل اليمن وعليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " ليس من امبر امصيام في امسفر" (٧)

__________________

(١) سورة الأعراف الآية : ٤.

(٢) البيت من الكامل وهو لمساور بن هند العبسى ، كما في الحماسة للمرزوقى (١ / ٤٦٠) والبيت :

ورأين شيخا قد حنى صلبه ...

يمشى فيقعس أو يكب فيعثر.

منحنى الصلب : محدودب الظهر ، يمشى مشية القعسان إذا استمر في المشى أو يتعثر لوجهه ، العثار قبل السقوط للوجه. ومساور بن هند بن قيس بن زهير بن حذيمة العبسى ، شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ، وكنيته أبو الصمعاء وهو المساور بعمان. الشعر والشعراء (١ / ٣٤٨ ـ ٣٤٩).

(٣) في (غ) (فيحكم بالعثور).

(٤) هذا من القلب (الصاحبى ٢٠٢ ، والإيضاح ٧٧ ، وقد ذكر المثال نفسه).

(٥) المغنى (١ / ١٧٩).

(٦) سورة الأحقاف ، الآية : ١٣.

(٧) الحديث : " ليس من البر الصيام في السفر" لأن أهل اليمن يعرفون بالميم بدل اللام.


والواو للجمع المطلق في العطف ، وللحال ، ولصرف الثاني عن إعراب الأول ، كما مضيا.

والضرب الثاني : سبعة عشر (١) حرفا : أي ، اي ، أن ، إن ، أم ، أو ، [ها](٢) ، هل ، قد ، الياء المشددة ، لا ، لو ، النون الثقيلة ، سف ، سو ، بل ، ما.

(فأي) : للتفسير في العطف عندي كنحو : جاءني أخوك : أي زيد ، رأيت أخاك : أي زيدا ، ومررت بأخيك أي زيد.

(وإي) للإيجاب ، يقول المستخبر : هل كان كذا؟ فيقال : إي والله ، وإي لعمري ، ولا تستعمل إلا مع القسم ، كما ترى ، وقد تضمر واو القسم ويقال إذ ذاك : إي الله ، بفتح الياء تارة ، وأخرى : إي الله بتسكينها ، وثالثة : الله بحذفها. وقد يقال : إي ها الله ذا ، بتعويض ها عن الواو.

و (أن) : تأتي مفسرة بعد فعل في معنى القول كنحو : ناديته أن قم ، وأمرته أن اسع ، وكتبت إليه : أن احضر ؛ وصلة كنحو : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ)(٣) ، و: أما [والله](٤) أن لو جئتني لأكرمتك ، ومخففة من الثقيلة كما مضى.

(وإن) تأتي نافية بمنزلة [ما](٥) ، كنحو : إن يقوم زيد ، وإن زيد قائم ، وقد جوز المبرد ، رحمه‌الله ، إعمالها عمل ليس ، وصلة كنحو : ما إن رأيت عندنا ، ونحو : انتظرني ما إن جلس القاضي ، ومخففة من الثقيلة على ما عرفت.

__________________

(١) المفصل ١٤٠.

(٢) في (ط): (أها).

(٣) سورة يوسف ، الآية ٩٦.

(٤) سقطت من (غ).

(٥) في (ط): (مالا).


(وأم) للاستفهام وطلب الجواب عن أحد ما يذكر على التعيين في العطف ، كنحو : أزيد عندك أم [عمر](١) ، ولذا لا يصح في جوابها إلا [زيد ، أو](٢) عمرو ، أيهما كان ، وتأتي ولها مدخل في معنى : (أي) تارة ، وتسمى متصلة ، وعلامتها إفراد ما بعدها ، وأخرى في معنى : (بل) وتسمى منقطعة ، وعلامتها كون ما بعدها جملة ، أو ورودها في الخبر كنحو : إنها لإبل أم شاء (٣).

(وأو) في الخبر للشك ، وفي الأمر للتخيير ، وهو الامتناع عن الجمع أو الإباحة. وهي تجويز الجمع. وفي الاستفهام لأحد ما يذكر لا على التعيين ، وجوابها : نعم أو لا ، وجميع ذلك في العطف.

(وها) للتنبيه ، وأكثر ما يدخل على أسماء الإشارة للضمائر.

(وهل) للاستفهام ، كالهمزة ، إلا فيما [كان](٤) يتفرع من الاستفهام ، ثم ، وفي الدخول على الواو والفاء وثم ، وعند سيبويه (٥) ، رحمه‌الله ، أنها بمعنى : (قد) وإفادتها معنى الاستفهام لتقدير الهمزة على نحو ما قال :

أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم (٦).

__________________

(١) في (د): (عمرو).

(٢) في (ط): (زيدا وعمرو).

(٣) المفصل ١٤١ ، (أنها لابل أم شاء) وفي الكتاب (٣ / ١٧٢) أم منقطعة ، وذلك قولك : أعمرو عندك أم زيد ، فهو ليس بمنزلة أيهما عندك ، هذا الآخر منقطع من الأول قول الرجل : إنها لإبل أم شاء يا قوم ، فكما جاءت أم ههنا بعد الخبر منقطعة كذلك تجىء بعد الاستفهام.

(٤) ليست في (ط).

(٥) الكتاب (٣ / ١٨٩) ، قال سيبويه : وكذلك هل إنما تكون بمنزلة (قد) ولكنهم تركوا الألف إذ كانت هل لا تقع إلا في الاستفهام.

(٦) البيت من الطويل ، وهو لزيد الخليل (ديوانه ١٠٠) ، والمقتضب (١ / ٤٤ ، ٣ / ٢٩١) ـ ـ


ويؤنس لقول سيبويه قلة تصرفها في الكلام.

(وقد) (١) مع الماضي لتقريبه من الحال ، ومع المضارع لتقلله ، وفي كونها للتكثير حينا لا تكون إلا نظيرة (ربما) في قوله (٢) :

فإن تمس مهجور الفناء فربما ...

أقام به بعد الوفود وفود

ويجوز (٣) حذف فعله قال (٤) :

لما تزل برحالنا وكأن قد

والفصل بينهما بالقسم نحو : قد والله ، أحسنت.

والياء المشددة كنحو : هاشمي في النسبة ، ومن شأنها تصيير غير الصفة صفة ، والمعرفة نكرة ، إذا لم تكن لفظية ، مثلها في كرسي وبردي.

(ولا) (٥) تأتي نافية في العطف ، لما وجب للأول ، كنحو : جاءني زيد لا عمرو ، وتدخل على المضارع فتنفيه استقباليا ، وتحذف منه على السعة في جواب القسم ،

__________________

والخصائص (٢ / ٤٦٣). وصدره : سائل فوارس يربوع بشدتنا ..... المفصل (١٤٨).

(١) كأنه قال : ربما.

(٢) البيت من الطويل ، ولم أعثر على قائله. وفي الكتاب (٤ / ٢٢٤) : وتكون قد بمنزلة ربما قال الشاعر الهذلي :

قد أترك القرن مصفرا أنامله ...

كأن أثوابه مجت بفرصاد

(٣) المفصل ١٤٨

(٤) البيت من الكامل للنابغة الذبيانى ، في ديوانه (٣٠) ، وصدره :

أزف الترحل غير أن ركابنا ......

(٥) بحث لا في الكتاب (٣ / ٧٦) ، وما بعدها ، والمفصل (١٤٢).


كنحو : (تَاللهِ تَفْتَؤُا)(١). ونحو (٢) :

فقلت : يمين الله أبرح قاعدا

وفي غير جواب القسم ، إذا كان من أخوات كان ، كنحو (٣) :

تزال حبال مبرمات أعدها

ونحو (٤) :

تنفك تسمع ما حييت بهالك حتى تكونه

وقد نفى بها الماضي مكررا ، كنحو : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى)(٥) ،

أو في معنى المكرر ، كنحو قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ)(٦) ، لتفسير الاقتحام بفك الرقبة والإطعام ، والتكرار مع الماضي ملتزم عند قوم ، غير ملتزم عند آخرين ، وأما قول الجميع : لا رعاك الله ، في الدعاء ، وخ خ والله ، لا فعلت في جواب القسم ، فلتنزل الماضي فيهما منزلة المستقبل ، وتأتي نقيضة لنعم ، وذلك إذا قلتها في جواب من قال : خ خ جاء زيد أو هل جاء ، مثل : لا والله ، ولبلى ، وذلك إذا قلتها في جواب من أدخل النفي في الكلامين ، وبمعنى (غير) كنحو : أخذته بلا ذنب ، وغضبت من لا شيء ، وذهبت بلا عناد ، وجئت بلا شيء ، وصلة ، نحو : ما جاءني زيد ولا عمرو ، (وَلا

__________________

(١) يوسف : ٨٥.

(٢) البيت من الطويل لامرىء القيس وعجزه :

...... ولو قطعوا رأسى لديك وأوصالى

(٣) البيت من الطويل ، وهو لليلى امرأة سالم بن قحفان ، وتمامه :

...... لها ما مشى يوما على خفه جمل.

شرح المفصل (٧ / ١٠٩).

(٤) البيت من مجزوء الكامل ، وهو لخليفة بن براز شرح المفصل (٧ / ١٠٩).

(٥) سورة القيامة ، الآية : ٣١.

(٦) سورة البلد الآية : ١١.


تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ)(١) ، ونحو : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ)(٢) و (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ)(٣) ، على الأقرب.

(ولو) (٤) لنحو الشرط في الماضي على امتناع الثاني لامتناع الأول ، كقولك : لو جاء زيد ، أو يجيء لأكرمته ، وحذف جوابها عند الدلالة سائغ ، وقد يجيء في معنى التمني ، كنحو : لو تأتيني فتحدثني ، وزعم الفراء ، رحمه‌الله ، أنها تستعمل في الاستقبال (كإن) ، ولمعنى الشرط فيها حكمها في استدعاء الفعل ، وامتناع تقديم جوابها عليها حكم (إن).

والنون الثقيلة (٥) في التأكيد كالخفيفة فيه ، إلا في الحذف للساكن.

وسف وسو ، لغتان في سوف غير مشهورتين (٦).

(وبل) (٧) للإضراب في العطف عن الأول موجبا أو منفيّا ، كنحو : جاءني زيد ، بل عمرو ، بإفادة مجيء عمرو ، وما جاءني بكر بل خالد ، بإفادة مجيء خالد تارة ، ولا مجيئه أخرى.

__________________

(١) سورة فصلت الآية : ٣٤.

(٢) سورة الواقعة ، الآية : ٧٥.

(٣) سورة الحديد ، الآية : ٢٩.

(٤) المعجم المفصل في النحو (٢ / ٨٩١ ـ ٨٩٦).

(٥) انظر المعجم المفصل في النحو (٢ / ١١٣٥). وتفترق النون الخفيفة عن النون المشددة بأنها تعامل معاملة نون التنوين في الوقف ، كقول تعالى : (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً) يوسف ٣٢ ، والأصل : ليكونن.

(٦) في (سو) يقول الشاعر :

فإن أهلك (فسو) تجدون وحدى وإن أسلم يطب لكم المعاش

حيث وردت بمعنى (سوف) وقد : حذفت للضرورة الشعرية. المعجم المفصل في النحو (١ / ٥٥٨)

(٧) المعجم المفصل (١ / ٣٠٩ ، ٣١٠).


(وما) (١) لمعنى المصدر كنحو : أعجبني ما صنعت ، أو ما تصنع ، أي صنعك ، ولنفي الحال مع المضارع ، ومع الماضي لنفيه مقربا من الحال ، ولا يقدم عليها شيء مما في حيزها ، ونحو قوله (٢) :

إذا هي قامت حاسرا مشمعلّة ...

تجبّ الفؤاد رأسها ما تقنّع

مع شذوذه ، يحتمل عندي أن يكون من باب النصب على شريطة التفسير ، وتأتي صلة ، إما كافة ، كنحو : ربما قام ، و (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ)(٣) ، وما شاكل ذلك ، أو مؤكدة كنحو : إما تفعل أفعل ، أو زائدة في الإبهام ، كنحو : متى ما تزرني أزرك ، أو مسلّطة (٤) ، كنحو : إذا ما تخرج أخرج ، وحيثما تكن أكن ، وفيها شمة من العمل ، وعوضا عن المضاف إليه في بينما على نحو : بينا ، كما سبق ، وعن غير المضاف إليه ، كما سيأتيك في الضرب الخامس.

والضرب الثالث (٥) سبعة أحرف : أجل ، إن ، جير ، نعم ، سوف ، ثم ، بلى.

(فأجل) للتصديق في الخبر خاصة ، يقال : أتاك فلان؟ فتقول : أجل.

(وإن) كذلك ، قال (٦) :

__________________

(١) المعجم المفصل في النحو (٢ / ٩٠٢ ـ ٩١٤).

(٢) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في تاج العروس (ما) ، وانظر المعجم المفصل (٤ / ٣٤٧) وفيه (نخيب الفؤاد).

(٣) النساء : ١٧١.

(٤) وهى التى تسلط على عامل لا يعمل ، فتؤهله للعمل ، مثل ما الداخلة على حيث فتوجبها أن تعمل الجزم في الفعلين بعدها ، مثل : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة : ١٥٠ ، المعجم المفصل (٢ / ٩١٢)

(٥) المعجم المفصل في النحو (١ / ٥٣ ، ٥٤ ، ٢٥٨ ، ٢٥٩ ، ٣١١ ، ٣٩٨ ، ٣٩٩ ، ٤٣٤ ، ٥٥٨).

(٦) البيت من مجزوء الكامل ، وهو لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص ٦٦ ، وخزانة الأدب


ويقلن شيب قد علاك ...

وقد كبرت فقلت إنّه

ولا يمتنع عندي أن تكون (إنّ) في البيت هي المشبهة (١) ، والهاء اسمها ، لا للوقف ، بمعنى إنه كذلك.

و (جير) ، بكسر الراء ، وقد تفتح ، نظير : أجل.

ويقال : جير لأفعلن بمعنى حقا.

و (نعم) ، للتصديق في الخبر ، ولتحقيق في الاستفهام مثبتين كانا أو منفيين ، وكنانة (٢) تكسر العين منها.

و (سوف) ، للاستقبال كالسين ، وعند أصحابنا أن فيها زيادة تنفيس ، بناء على أن زيادة الحرف لزيادة المعنى ، والمراد زيادة الحرف في إحدى كلمتين ترجعان إلى معنى واحد وأصل كذلك ، ويدخل عليهما عندنا لام الابتداء (٣).

__________________

ـ ـ ١١ / ٢١٣ ، ٢١٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٧٥ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٢٦ ، ولسان العرب (أنن) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص ٣٥٤ ، وجمهرة اللغة ص ٦١ ، والجنى الدانى ص ٣٩٩ ، وجواهر الأدب ص ٣٤٨ ، ورصف المبانى ص ١١٩ ، ١٢٤ ، ٤٤٤ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٩٢ ، ٥١٦ ، والكتاب ٣ / ١٥١ ، ٤ / ١٦٢ ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٨ ، ٢ / ٦٤٩ ، وقبله : بكر العواذل في الصبوح يلمننى وألومهنه

(١) سميت هذه الأدوات (إن وأخواتها) حروفا مشبهة بالفعل ؛ لأنها تعمل عمل الفعل. ويقول الكوفيون :

الأصل في هذه الحروف ألا تنصب الاسم ، وإنما نصبته ؛ لأنها شبهت بالفعل ، فهي فرع عليه. المعجم المفصل في النحو (١ / ٢٥٨).

(٢) قال ابن منظور في لسان العرب : وفي حديث قتادة عن رجل من خثعم قال : دفعت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بمنى فقلت : أنت الذى تزعم أنك نبى؟ فقال : نعم وكسر العين ، وهى لغة في (نعم) بالفتح التى للجواب ، وقد قرئ بهما. وانظر تتمة الكلام عليه في اللسان (نعم).

(٣) كقوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) الضحى : ٥ ، وقد يفصل بينها وبين المضارع فعل ملغى ، مثل :

وما أدرى وسوف إخال أدرى أقوم آل حصن أم نساء. ـ


و (ثم) ، في العطف للترتيب مع التراخي زمانا أو مرتبة ، وقد يقال : ثمت.

و (بلى) للإيجاب لما بعد النفي مستفهما ، أو غير مستفهم.

والضرب الرابع ستة أحرف (١) : أمّا ، وإما ، وحتى ، وكلا ، ولما ، ولكن.

(فأمّا) : فيها معنى الشرط ، فقولك : أمّا زيد فمنطلق ، بمنزلة مهما يكن من شيء فزيد منطلق ، ولها عند سيبويه ، رحمه‌الله ، خاصية في تصحيح التقديم لما يمتنع تقديمه ، فيجوز ، أمّا هندا فإن عمرا ضارب ، تجويز الخليل ومن تابعه ، أما يوم الجمعة فإنك منطلق بالكسر ، والخليل ومن تابعه ، رحمهم‌الله ، لا يرون ذلك ، فلا يصح عندهم من هذا الجنس إلا ما يصح نصبه بمعنى الفعل كالظرف فاعلم.

و (إما) ، عند سيبويه ، رحمه‌الله من العواطف ، ومعناها معنى (أو) لا فرق ، إلا أن أول كلامك مع (أو) على اليقين ومع (إما) على الشك.

والأظهر أنها ليست من العواطف ، كما ذهب إليه أبو علي الفارسي (٢).

(وحتى) : تأتي عاطفة ومبتدأ ما بعدها كقوله (٣) :

__________________

وانظر المعجم المفصل في النحو (١ / ٥٥٨)

(١) انظر في هذه الحروف المعجم المفصل في النحو (١ / ٢٥٣ ـ ٢٤٠ ، ٤٤٨) ، (٢ / ٨٣٢ ، ٨٨٨).

(٢) قال في المغنى : (وزعم يونس والفارسى وابن كيسان أنها غير عاطفة).

(٣) البيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ٩٣ ولسان العرب (مطا) والدرر ٦ / ١٤١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٢٠ وشرح الأشموني ٢ / ٤٢٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٢٨ ، ٢٥٥ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٧٤ ، وشرح المفصل ٥ / ٧٩ ، والكتاب ٣ / ٢٧ ، ٦٢٦ ومغنى اللبيب ١ / ١٢٧ ، ١٣٠ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٦٧ ، وجواهر الأدب ص ٤٠٤ ورصف المبانى ٥ / ١٨١ ، وشرح المفصل ٨ / ١٩ ولسان العرب ١٥ / ١٢٤ (غزا) ، والمقتضب ٢ / ٧٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٦ ، وانظر المعجم المفصل في الشواهد العربية (٨٦٧).

وصدر هذا البيت : سريت بهم حتى تكلّ مطيّهم.


وحتّى الجياد ما يقدن بارسان

ومعناها وحكمها ههنا عين ما سبق فيها جارة.

و (كلا) ، للردع والتنبيه.

و (لما) ، بمعنى إلا في نحو : أقسمت عليك لما فعلت ، و: (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ)(١).

(ولكن) ، للاستدراك بعد النفي في عطف المفرد ، كنحو : ما جاءني زيد ، لكن عمرو ، وفي عطف الجملة بعد النفي وبعد الإثبات ، كنحو : ما جاءني زيد لكن عمرو قد جاء ، وجاءني زيد لكن عمرو لم يجيء ، وقد أخرجها عن العواطف بعضهم ؛ لصحة دخول العاطف عليها (٢).

والضرب الخامس عدة أحرف : (ألا) (٣) للتنبيه ، ك (ها) و (أما) كذلك ، وفيها استعمالات (أم) ، و (هما) ، و (هم) ، و (عما) ، و (عم) (٤) ، و (هلا) ، و (ألا) بقلب الهاء

__________________

(١) سورة الطارق ، الآية : ٤.

(٢) وحينئذ تكون حرف ابتداء واستدراك ، ويقع بعدها جملة ، إما اسمية ، كقول الشاعر :

وليس أخى من ودنى رأى عينه

ولكن أخى من ودنى وهو غائب

وإما فعلية ، كقول الشاعر :

إذا ما قضيت الدين بالدين لم يكن قضاء ...

ولكن كان غرما على غرم

وانظر المعجم المفصل في النحو (٢ / ٨٦٢).

(٣) المعجم المفصل في النحو (١ / ٢٢١ / ٢٢٢).

(٤) وأما في هذه اللغات الست تكون استفتاحية وتشبيهية ، وغالبا ما يأتى بعدها القسم ، مثل : أما والله لقد سافر القائد. المعجم المفصل (١ / ٢٣٥).


همزة (١) ، و (لو لا) ، و (لوما) ، (للتحضيض) (٢) ، وهي تختص بالفعل ، وسيأتيك تحقيق الكلام فيها في علم المعاني. فإذا رفع اسم بعدها أو نصب ، كان بإضمار فعل.

و (لو لا ولوما) يكونان لامتناع الثاني لوجود الأول فيما مضى ، ويلتزم بعدهما الاسم مرفوعا ، إما على الابتداء ، عند أكثر أصحابنا ، والخبر محذوف (٣) ، وإما على الفاعلية والفعل مضمر ، عند الكوفيين ، وابن الانباري منا ، وهو المختار عندي ، والضمير بعد لو لا ، إما أن يكون منفصلا مرفوعا ، كنحو : لو لا أنا ولو لا أنت ، وهو القياس ، وإما أن يكون متصلا غير مرفوع ، كنحو : لولاي ولولاك.

وأما ، (إما) في قولهم : إما أنت منطلقا انطلقت ، فقريب من هذا النوع إذ أصله عند بعضهم : لأن كنت منطلقا انطلقت ، فحذف كان وعوض عنها (ما) ، وانفصل الضمير المتصل ، وعند آخرين : إن كنت بالكسر ، ففعل بكنت ما تقدم ، ثم فتحت الهمزة لأجل الاسم ، وهو الضمير ؛ محافظة على الصورة ، وقد جاء على الأصل في قولهم : افعل هذا إما لا.

وأما الضرب السادس ، فمضمونه قد تقدم في أثناء ما تلي عليك من الحروف وليكن هذا آخر الكلام في باب الحرف.

الأسماء الفاعلة :

وأما النوع الاسمي ، فهو أيضا يعمل : الرفع ، والنصب ، والجر ، والجزم.

أما الرفع والنصب فلما يرتفع عن الفعل وينتصب عنه ليس إلا ، وإنهما لا يكونان إلا للمصدر ، واسمي الفاعل والمفعول ، والصفة المشبهة ، وأفعل التفضيل ، واسم الفعل ،

__________________

(١) ومنهم من قال : إن أصل (ألا) (هلا) حيث تبدل الهاء من الهمزة ، وهو الأصح ، وقال غيرهم العكس.

المعجم المفصل (١ / ٢٢٢).

(٢) في (ط): (للتخصيص) وهو تصحيف.

(٣) والرفع على الابتداء نحو قول الشاعر :

لو لا الحياء لعادنى استعبار

 .. ولزرت قبرك ، والحبيب يزار.


سوى نصب التمييز ، فهو غير مقصور على ما ذكر ، وهذه جملة لا بد من تفصيلها فنقول :

المصدر (١) يعمل عمل فعله ، تقول : أعجبني ضرب [زيد عمرا ، وعمرو زيدا](٢) ، ولك أن تضيف في الصورتين لغير ضرورة ، وأن تعرّف باللام للضرورة (٣) ، ولا يصح تقديم شيء مما في حيزه عليه ، كما لا يصح تقديم منصوبه على المرفوع تقديرا في الضمائر من نحو : ضربتك ، أو إياك ، وهو المختار.

واسم الفاعل (٤) : كيف كان ، مفردا أو مثنى أو مجموعا جمع تكسير أو تصحيح ، نكرة في جميع ذلك ، أو معرفة ظاهرا أو مقدرا ، [مقدما](٥) أو مؤخرا ، يعمل عمل فعله المبني للفاعل ، إذا كان على أحد زماني ما يجري هو عليه ، وهو المضارع دون المضي أو الاستمرار عندنا ، وكان مع ذلك على الأعرف معتمدا على موصوف ، أو مبتدأ ، أو

__________________

(١) المعجم المفصل (٢ / ٩٩١ ـ ١٠٠).

(٢) في (غ): [نريدا مزيدا] وهو تصحيف.

(٣) إذا كان المصدر مقرونا ب (أل) فعمله قليل ؛ لأنه بعيد عن مشابهة الفعل ؛ لاقترانه ب (أل) كقول الشاعر :

ضعيف النكاية أعداءه ...

يخال الفرار يراخى الأجل

وكقول الشاعر :

لقد علمت أولى المغيرة أنني

لحقت فلم أنكل عن الضرب مسمعا

(فمسمعا) مفعول به للمصدر المقرون ب (أل). الضرب ، منصوب بالفتحة. المعجم المفصل (٢ / ٩٩٣)

(٤) المعجم المفصل في النحو (١ / ١١٥ ـ ١١٨).

(٥) ليست في (ط).


ذي حال ، أو حرف نفي ، أو حرف استفهام ، ونحو قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ)(١).

وارد على سبيل حكاية الحال ، وقولهم : الضارب عمرا أمس ، حكمه حكم الذي ضرب ، وينبه على هذا امتناعهم من نحو : [عمرا](٢) الضارب ، من تقديم المنصوب امتناعهم عن ذاك في الذي ضرب.

واسم المفعول في جميع ذلك كاسم الفاعل ، إلا أنه يعمل عمل فعله المبني للمفعول (٣)

والصفة المشبهة (٤) معتمدة تعمل عمل فعلها كنحو : زيد كريم أبواه.

وأما أفعل التفضيل (٥) ، فلا ينصب مفعولا به البتة ، والسبب في ذلك عندي ، ما

__________________

(١) سورة الكهف ، الآية : ١٨.

(٢) في (ط): (عمر).

(٣) فيرفع نائب فاعل ، مثل قوله تعالى : (جَنَّاتِ عَدْنٍ) يدخلونها(مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) ص : ٥٠ ، و (الأبواب) نائب فاعل لاسم المفعول (مفتحة). المعجم المفصل (١ / ١٣٠ ـ ١٣١).

(٤) الصفة المشبهة : هى وصف يؤخذ من الفعل اللازم ؛ ليدل على معنى ثالث في الموصوف ، ولا تصاغ إلا من الماضى الثلاثى اللازم المتصرف مثل قول الشاعر :

أولاد جفنة حول قبر أبيهم ...

قبر ابن مارية الكريم المفضل

بيض الوجوه كريمة أحسابهم ...

شم الأنوف من الطراز الأول

وأوزان هذا الماضى ثلاثة : (فعل) مثل (فرح) ، (فعل) مثل (شرف) ، (فعل) مثل (مات).

وانظر تفصيل الكلام عليها في (المعجم المفصل ١ / ٥٧٤ ـ ٥٧٩).

(٥) المعجم المفصل في النحو (١ / ١٠٤ ـ ١٠٥).


نبهت عليه في القسم الأول ، من أن بناءه من باب أفعال الطبائع ، وقد عرفت أنه لا يتعدى ، وفي رفعه للمظهر دون المضمر للأكثر منع ، وقد روي على الممنوع قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

" ما من أيام أحب إلى الله الصوم فيها من عشر ذي الحجة (١) بفتح أحب ، وقولهم ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ، بنصب أحسن.

وشأن اسم الفعل (٢) في باب الرفع والنصب شأن مسماه ، وتقديم المرفوع على الرافع في جميع ذلك ممتنع ، وكذا حذفه ، اللهم إلا عند المصدر كقوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيماً)(٣).

ولا يقال : لعله مضمر ، إذ لو كان يضمر للزم أن يصح ، نحو : أعجبني من هذا الأمر ظهور كله ، على نحو : إن ظهر كله ، وليس يصح ؛ ومن شأنه إذا كان ضميرا مستكنا ، ولا يستكن في المصدر ، أن يبرز البتة ، إذا جرى متضمنه على [غير](٤) ما هو له ، سواء كان الموضع موضع التباس ، كنحو : زيد عمرو ضاربه هو ، أو لم يكن ، كنحو : زيد هند ضاربها هو ، أو زيد الفرس راكبه هو.

التمييز :

أما ما ينصب التمييز من غير ذلك ، فهو كل اسم يكون محلا للإبهام ، وهو ضمير ، كنحو : ويحه رجلا ، ولله دره فارسا ، وحسبك به ناصرا ، وربه كريما ، وغير ذلك.

وصحة اقتران (من) بما ذكرنا تنفي وهم كونها أحوالا أو مضافا ، كنحو : ما في السماء موضع كف سحابا ، ولي ملء الإناء ماء ، ومثل : التمرة زبدا ، أو فيه نون جمع

__________________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب العيدين ، باب فضل العمل في أيام التشريق (فتح البارى ٢ / ٥٣٠ حديث ٩٦٩). ط الريان ، وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجه.

(٢) المعجم المفصل (١ / ١١٨ ـ ١٢٢).

(٣) سورة البلد ، الآيات : ١٤ ، ١٥.

(٤) في (ط): (غيرها).


أو تثنية : كعشرون درهما ، ومنوان سمنا ، أو تنون ظاهرا كنحو عندي راقود خلا ، ورطل زيتا ، وكأي رجلا ، أو تقديرا : كأحد عشر درهما ، وكم رجلا؟ في الاستفهام. وكم في الدار رجلا ، في الخبر ، إذا فصلت ، وكذا كذا دينارا ، وتقديم المنصوب هنا على الناصب ممتنع.

واعلم أن الأسماء الناصبة للمميز تتفاوت في اقتضاء زيادة حكم له على النصب ، وعدم الاقتضاء ، فالأعداد مفردة كعشرون ، وثلاثون إلى تسعون ، تقتضي في المنصوب الإفراد حتما ، ومركبة تقتضي فيه ذلك مع التذكير ، إذا كانت على نحو : أحد عشر ، إلى : تسعة عشر ، ومع التأنيث إذا كانت على : نحو إحدى عشرة بسكون الشين ، أو كسرها ، اثنتا عشرة أو ثنتا ، ثلاث عشرة إلى تسع عشرة ، ونحو : قوله تعالى : (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً)(١). محمول على البدل ، ولا يجوز إضافتها إلى المميز ، وكذا حكم : (كم) الاستفهامية ، و (كأي) (٢) بدون (من) ، فإنها تصحبه في الأغلب ، وكذا حكم : عشرون ، والضمير ، والمضاف ، و (كم) الخبرية عند الفصل بغير الظرف ، نظائر : عشرون إلا في لزوم الإفراد للمميز.

والظاهر من حكم جميع ما عدا ذلك ، الخيرة بين الإفراد وتركه ، وجواز الإضافة أيضا ، إذا لم يكن الناصب اسم فعل ، ولا من باب التفضيل ، من نحو : هو أصلب من فلان نبعا ، وخير منه طبعا.

الجر بالإضافة :

وأما الجر (٣) ، فلما يضاف هو إليه ، كنحو : غلام زيد ، وخاتم فضة ، وضارب

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٦٠.

(٢) انظر في (كأى ، وكم) المعجم المفصل (٢ / ٨٢٣ ، ٨٣٥).

(٣) الجر بالإضافة : حالة الاسم الذى يكون مجرورا ؛ لأنه مضاف إليه كقوله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) الأعراف ٤٣ ، (فأصحاب) فاعل مرفوع وهو مضاف (الجنة). وانظر في الإضافة المعجم المفصل في النحو (١ / ١٧٢ ـ ١٩٢).


عمرو ، وحسن الوجه.

والإضافة على ضربين : لفظية وهي : إضافة الصفة إلى فاعلها أو مفعولها.

والمراد بالصفة : أسماء الفاعل والمفعول والصفة المشبهة ، ويندرج فيها المنسوب كهاشمي ، وأفعل التفضيل في معنى الزيادة ، وهي لا تفيد زيادة فائدة على فصلها معنى ، لكن المطلوب [منها](١) التخفيف في اللفظ : وهو حذف ما يحذف لها من التنوين ، ونوني التثنية والجمع ، ولذلك لم يجز عندنا نحو : الضارب زيد ، وأما نحو : الضاربك ، والضارباتك ، فجوّز لكونه بمنزلة غير المضاف ؛ لقيام الضمير في هذا الباب مقام التنوين في نحو ضاربك ، والنون في ضارباك وضاربوك والضارباك والضاربوك ، لامتناعهم عن الجمع بينه وبين ذلك ، وكون قوله (٢) :

وهم الآمرون الخير والفاعلونه

شاذا لا يعمل عليه البتة عند غير أبي العباس ، وأما نحو : الضارب الرجل ، فإنما جوز تشبيها بالحسن الوجه ، الذي هو بمنزلة غير المضاف أيضا ، وهو الحسن وجهه.

وفي استعمال الحسن مع الوجه وما انخرط في سلك ذلك خمسة عشر وجها : ثمانية مع تعرية الحسن عن اللام وهي وجهه بالرفع على الفاعلية ، وبالجر على الإضافة ، وبالنصب على التشبيه بالمفعول ؛ والوجه بالرفع على البدل عن الضمير ، وهو قول علي

__________________

(١) في (ط) وفي (د) (ههنا).

(٢) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أمالى ابن الحاجب ١ / ٣٩١ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٦٦ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، والدرر ٦ / ٢٣٥ ، وشرح المفصل ٢ / ١٢٥ ، والكتاب ١ / ١٨٨ ، ولسان العرب (طلع) ، (حين) ، وفيه (مفظعا) مكان (معظما) ومجالس ثعلب ١ / ١٥٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٧ ، وعجزه :

إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما

وانظر المعجم المفصل (٧ / ٨٣).


ابن عيسى (١) ، وبالجر والنصب ، ووجه بالجر وبالنصب على التمييز.

وسبعة مع تعريفه باللام هي باسرها سوى وجهه بالجر. [وأما الحسن وجهه بالجر](٢) فهو ، وإن كان لا يجوز عندنا من أجل وروده على خلاف مبني الإضافة ، فقد جوزه الفراء ، ذاهبا فيه إلى أنه في معنى المعرفة ، إذ لا يلتبس أن المراد به وجه الموصوف.

ومعنوية : وهي ما عداها. ومن حكم أصحابنا [رحمهم‌الله](٣) أنها في الأمر العام تارة تكون بمعنى (من) ، كنحو : خاتم فضة ، وعلامتها صحة إطلاق اسم المضاف إليه على المضاف الذي لا يجانسه في اللفظ بالموضع الواحد.

وقولي : لا يجانسه ، احتراز عن نحو : غلام غلام زيد ، وقولي : بالموضع الواحد احتراز عن نحو : غلام زيد ، إذا اتفق أن يكون اسم الغلام زيدا ، وأخرى بمعنى اللام ، كنحو : ثوب رجل ، ويده ورجله ، وعلامتها بعد أن ، لا تكون بمعنى (في) كنحو : قتلى الطف (٤) ، وثابت الغدر ، انتفاء تلك الصحة ، وعندي أنها لا تخرج عن النوعين ، ونحو : قتلى الطف من باب اللامية بطريق ، قوله (٥) :

إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة

__________________

(١) هو على بن عيسى الرمانى المتوفى سنة ٣٨٤ ه‍ (بغية الوعاة ٢ / ١٨٠).

(٢) ليست في (غ).

(٣) من (غ).

(٤) الطف : اسم موضع بناحية الكوفة ، وفي حديث مقتل الحسين ـ رضى الله عنه ـ أنه يقتل بالطف.

(٥) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر (٣ / ١٩٣) ، وخزانة الأدب ٣ / ١١٢ ، ٩ / ١٢٨ ، وشرح المفصل ٣ / ٨ ، ولسان العرب (غرب) ، والمحتسب ٢ / ٢٢٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٥٩ ، والمقرب ١ / ٢١٣ ، وانظر المعجم المفصل في الشواهد العربية (١ / ٣٤٦)

وعجزه :

سهيل أذاعت غزلها في القرائب


وقوله (١) :

لتغنى عنّي ذا إنائك أجمعا

مما تجري فيه الإضافة بأدنى الملابسة ، ونحو : ثابت الغدر ، من باب اللفظية. وهذه ، أعني المعنوية ، إذا كان المضاف إليه نكرة ، أفادت تخصيصا ، وإلّا فتعريفا لا محالة ، ولذلك قلنا في نحو : ثلاث الأثواب ، تعريف الثلاثة باللام مستغنى عنه إلا في نحو : غير وشبه ، اللهم إلا إذا شهر المضاف بمغايرة المضاف إليه ، كقوله عزوجل : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)(٢). أو مماثلته ، لاستلزام الإضافة بالإطلاق إفادة التخصيص أو التعريف البتة (٣) ، اللهم إلّا في الأعلام ، فإنها في نحو : عبد الله اسما علما بمعزل عن ذلك ، وامتناع أن يتعرف الشيء بنفسه ، أو يتخصص ، لم يصح نحو : ليث أسد ، وحبس منع. وصح نحو : قيس قفة ، وزيد بطة ، على الظاهر.

ووجه امتناع إضافة الموصوف إلى صفته ، أو الصفة إلى موصوفها راجع إلى ذلك فليتأمل.

وقولي : إلى صفته ، وإلى موصوفها ، احتراز عن نحو : دار الآخرة ، وصلاة الأولى ، ومسجد الجامع ، وجانب الغربي ، وبقلة الحمقاء ، ونحو : سحق عمامة ، وجرد قطيفة ، وأخلاق ثياب ، وجائبة خبر ، ومغربة خبر.

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لحريث بن عناب ، وصدره :

إذا قيل : قدنى ، قال بالله حلفة

خزانة الأدب ١١ / ٤٣٤ ، ٤٣٥ ، ٤٣٩ ، ٤٤١ ، ٤٤٣ ، والدرر ٤ / ٢١٧ ومجالس ثعلب ص ٦٠٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٥٤ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٠٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٥٩ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٥٥٩ ، ٨٣٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٨ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢١٠ ، والمقرب ٢ / ٧٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ٤١ ، وانظر المعجم المفصل (٤ / ٢٣٣).

(٢) سورة الفاتحة ، الآية : ٧.

(٣) المعجم المفصل في النحو (١ / ١٧٣).


فصل

وكما تكون الإضافة إلى الاسم تكون إلى الجملة الفعلية ، وذلك في أسماء الزمان ، كنحو : جئتك يوم جاء زيد ، وآتيك إذا احمر البسر ، وما رأيتك مذ دخل الشتاء ، ومنذ قدم فلان ، وفي (آية) قال (١) :

بآية يقدمون الخيل شعثا.

وذي ، يقال : اذهب بذي تسلم ، واذهبا بذي تسلمان ، واذهبوا بذي تسلمون ، وفي (حيث) ، كنحو : اجلس حيث جلس زيد.

وفى الاسمية ، كنحو : رأيتك زمن فلان أمير ، و [إذا](٢) الخليفة فلان. واجلس حيث زيد جالس.

فصل

ولا يجوز إضافة المضاف ثانية ، ولا تقديم المضاف إليه على المضاف ، ولا الفصل بينهما بغير الظرف ، ونحو قوله (٣) :

بين ذراعي ، وجبهة الأسد

محمول على حذف المضاف إليه من الأول ، ونحو : قراءة من قرأ (قَتْلَ أَوْلادِهِمْ

__________________

(١) في (غ): (وإلى).

(٢) في (غ): (وإذ).

(٣) البيت من المنسرح ، وهو للفرزدق في ديوانه ص ٢١٥ ط الصاوى ، وخزانة الأدب ٢ / ٣١٩ ، ٤ / ٤٠٤ ، ٥ / ٢٨٩ وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٩٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٢١ ، والكتاب ١ / ١٨٠ والمقاصد النحوية ٣ / ٤٥١ ، والمقتضب ٤ / ٢٢٩ ، وانظر المعجم المفصل في شواهد العربية (٢ / ٣٩٦) ، وصدره :

يا من رأى عارضا أسرّ به


شُرَكاؤُهُمْ)(١) ، و (مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ)(٢) ؛ لاستنادها إلى الثقاة ، وكثرة نظائرها من الأشعار.

ومن أرادها فعليه بخصائص الإمام ابن جني ، محمولة عندي على حذف المضاف إليه من الأول على نحو ما سبق ، وإضمار المضاف مع الثاني على نحو قراءة من قرأ : (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)(٣) بالجر بإضمار المضاف على تقدير : عرض الآخرة ، ونحو قول أبي داود (٤)

أكلّ امرئ تحسبين امرأ ...

ونار توقّد بالليل نارا

بإضماره أيضا على تقدير : وكل نار ، وقول العرب : ما كل سوداء [تمرة ولا بيضاء](٥) شحمة ، عند سيبويه دون الأخفش [رحمة الله عليهما](٦) في أحد الروايتين تفاديا بذلك عن العطف بالحرف الواحد على عاملين ، وما ذكرت ، وإن كان فيه نوع من البعد ، فتخطئة الثقاة والفصحاء أبعد.

فصل

ويجوز حذف المضاف ، وهو تركه ، وإجراء حقه في الإعراب على المضاف

__________________

(١) سورة الأنعام : الآية : ١٣٧.

(٢) سورة إبراهيم : الآية : ٤٧.

(٣) سورة الأنفال : الآية ٦٧.

(٤) البيت من المتقارب ، وهو لأبى داود جارية بن الحجاج بن حذافة الإيادى في ديوانه ص ٣٥٣ ، والأصمعيات ص ١٩١ ، وأمالى ابن الحاجب ١ / ١٣٤ ، ٢٩٧ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٩٢ ، ١٠ / ٤٨١ ، والدرر ٥ / ٣٩ ، وشرح التصريف ٢ / ٥٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٩٩ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٠٠ ، وانظر في باقى مراجعه (المعجم المفصل ٣ / ٨٦).

(٥) ليست في (غ).

(٦) من (غ).


إليه ، كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) وقد جاء إجراء حقه في غير الإعراب عليه أيضا ، قال (١) :

يسقون من ورد البريص عليهم ...

بردى يصفّق بالرحيق السلسل

فذكر الضمير في (يصفق) حيث أراد ماء بردى. وقال الله تعالى (٢) : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ). وحذف المضاف إليه كما سبق وحذفهما معا كنحو (٣) :

وقد جعلتني من خزيمة إصبعا

و [نحو](٤) :

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٢٢ ، وجمهرة اللغة ص ٣١٢ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٨١ ، ٣٨٢ ، ٣٨٤ ، ١١ / ١٨٨ ، والدرر ٥ / ٣٨ ، وشرح المفصل ٣ / ٢٥ ، ولسان العرب (برد) ، (برص) ، (صفق) ومعجم ما استعجم ص ٢٤٠ ، وبلا نسبة في أمالى ابن الحاجب ١ / ٤٥١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٤ ، وشرح المفصل ٦ / ١٣٣ ، ولسان العرب (سلسل) ، همع الهوامع ٢ / ٥١. (المعجم المفصل ٦ / ٥٠٤ ـ ٥٠٥).

(٢) سورة الأعراف : الآية : ٤.

(٣) البيت من الطويل وصدره :

فأدرك إبقاء القراوة ظلعها

وهو للكلحبة اليربوعى في خزانة الأدب ٤ / ٤٠١ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٤٦ ، ولسان العرب (حرم) (نقى) ؛ وتاج العروس (حرم) ، (بقى) ، وللأسود بن يعفر في ملحق ديوانه ص ٦٨ ، وشرح المفصل ١ / ٣١ ، وللأسود أو للكلحبة في المقاصد النحوية ٣ / ٤٤٢ ، (وانظر باقى مراجعه في المعجم المفصل ٤ / ١٩٧).

(٤) من (غ) وفي (ط) و (د): [واسأل] والبيت من الطويل ، وهو لأبى داود الإيادى في ديوانه ص ٣٢٧ ، وشرح المفصل ٣ / ٣١ ، وصدره :

أيا من رأى لى رأى برق شريق

وانظر المعجم المفصل (٥ / ٢٤٨).


وأسال البحار فانتحى للعقيق

على ما قدر أبو علي الفارسي من ذا مسافة أصبع ، وسقيا سحابة.

فصل : الأعداد

واعلم أن الأسماء في الإضافة ، بعد استوائها في [اقتضاء](١) الجر للمضاف إليه ، تتفاوت في اقتضاء زيادة حالة له : [كالإفراد](٢) والتثنية ، والجمع والتعريف والتنكير ، والتأنيث والتذكير ، وغير ذلك. وعدم اقتضائها ، فلنذكر شيئا من ذلك :

اعلم أن الأعداد من المائة والألف وما يتضاعف منهما تقتضي الإفراد في المضاف إليه ، ومن الثلاثة إلى العشرة ، ثمانيتها الجمع ، ونحو : ثلاثمائة إلى تسعمائة ليس بقياس ، إنما القياس قول من قال (٣) :

ثلاث مئين [للملوك](٤) وفى بها

لكنه متروك في الاستعمال ، ثم هي مع التاء تقتضي التذكير في المضاف

__________________

(١) في (غ): (اقضاء).

(٢) في (غ): (كافراد).

(٣) البيت من الطويل وهو للفرزدق في ديوانه ٢ / ٣١٠ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣٧٠ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٧٢ ، ولسان العرب ١٤ / ٣١٧ (ردى) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٨٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٢٥٣ ، وشرح الأشموني ٢ / ٦٢٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥١٨ ، وشرح المفصل ٦ / ٢١ ، ٢٣ ، والمقتضب ٢ / ١٧٠ ، وانظر المعجم المفصل (٧ / ٣١٨).

وعجزه :

ردائى ، وجلت عن وجوه الأهاتم

(٤) في (ط) و (غ) (للمملوك).


إليه ، وبدونها التأنيث ، والمراد تذكير الإفراد وتأنيثها ، وقد ينصب مجرور هذه الأعداد كنحو : ثلاثة أثوابا ، ومائتان عاما. قال (١) :

إذا عاش الفتى مائتين عاما ...

فقد ذهب اللّذاذة والفتاء

وقوله تعالى : (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ)(٢) ، غير مضاف ، ومضافا ، على القراءتين ، مفتقر إلى التخريج (٣).

(وأي) : يأبى الإفراد في المضاف إليه معرفة ، ويقبله فيه نكرة ، وقولهم : أيي وأيك كان شرّا فأخزاه الله ، بمنزلة أخزى الله الكاذب مني ومنك ، وهو بيني وبينك ، والمعنى :

__________________

(١) البيت من الوافر وهو للربيع بن ضبع في أمالي المرتضى ١ / ٢٥٤ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣٧٩ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ ، ٣٨٥ ، والدرر ٤ / ٤١ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٧٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٢٥ ، والكتاب ١ / ٢٠٨ ، وأدب الكاتب ص ٢٩٩ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٥٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٣٢ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦٢٣ ، وشرح المفصل ٦ / ٢١ ؛ ومجالس ثعلب ص ٣٣٣ ، والمقتضب ٢ / ١٦٩ ، والمنقوص والممدود ص ١٧. المعجم المفصل (١ / ٢٥).

(٢) سورة الكهف ، الآية : ٢٥.

(٣) قراءة الجمهور (ثلثمائة سنين) بتنوين (مائة) ونصب (سنين) على التقديم والتأخير ، أى سنين ثلثمائة ، فقدم الصفة على الموصوف ، فتكون (سنين) ، على هذا ، بدلا أو عطف بيان. وقيل : على التفسير والتميز ، و (سنين) في موضع سنة. وقرأ حمزة والكسائي بإضافة (مائة) إلى (سنين) وترك التنوين ، كأنهم جعلوا سنين بمنزلة سنة ، إذ المعنى بهما واحد. قال أبو علي : هذه الأعداد التي تضاف في المشهور إلى الآحاد نحو : ثلثمائة رجل وثوب ، قد تضاف إلى الجموع. وفي مصحف عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ (ثلثمائة سنة) وقرأ الضحاك (ثلثمائة سنون) بالواو. وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة : التقدير : ولبثوا في كهفهم سنين ثلثمائة. تفسير القرطبي (٦ / ٤٠٠٤) ط الريان.


أينا ومنا وبيننا ، وأنه لا ينفك عن الإضافة (١).

وإذا سمعتهم يقولون : أيّا رأيت ، عنوا : أيهم ، ولذا يفتقر إلى الذكر البتة افتقار (أيهم). وقالوا في حرف التنبيه معه في : يأيها : إنه عوض عن المضاف إليه صورة ، و (كم) الخبرية (٢) : تأبي فيه التثنية ، إباء ما هي كناية عنه ، من باب الثلاثة تارة ، وباب المائة أخرى ، والغالب عليها استعمالها مع (من) كقوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ)(٣).

(وكل) (٤) : يقتضي فيه الكثرة ظاهرا أو تقديرا ، إذا كان معرفة ، كنحو : كل الأجزاء ، وكل المجموع ، والأصح فيه الإفراد والتثنية والجمع ، و (أجمع) (٥) نظير كل ، ولا يضاف إلى غير المعرفة و (كلا وكلتا) (٦) تقتضيان فيه التثنية والتعريف بعد التذكير والتأنيث ، وقوله (٧) :

إنّ للخير والشرّ مدى ...

وكلا ذلك وجه وقبل

نظير قوله تعالى عز قائلا : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ)(٨).

__________________

(١) انظر في (أى) المعجم المفصل في النحو (١ / ٢٨٢ ، ٢٨٣).

(٢) هي التى تفيد الدلالة على معدود كثير مجهول الجنس والكمية مثل : وكم ذنب مولده دلال وكم بعد مولده اقتراب وانظر في الكلام عليها المعجم المفصل (٢ / ٨٣٦ ، ٨٣٧).

(٣) سورة الأعراف ، الآية : ٤.

(٤) المعجم المفصل (٢ / ٨٢٨ ـ ٨٣٢) (١ / ٥٤ ، ٥٥).

(٥) المعجم المفصل (٢ / ٨٢٨ ـ ٨٣٢) (١ / ٥٤ ، ٥٥).

(١) انظر في (أى) المعجم المفصل في النحو (١ / ٢٨٢ ، ٢٨٣).

(٦) البيت من الرمل ، وهو لعبد الله بن الزبعرى في ديوانه ص ٤١ ، والأغانى ١٥ / ١٣٦ ، والدرر ٥ / ٢٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٤٣ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٥٤٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٣٢ والمقاصد النحوية ٣ / ٤١٨ وغيرها ، وانظر المعجم المفصل (٦ / ٧).

(٧) سورة البقرة الآية : ٦٨.


وأفعل التفضيل ؛ في معنى الزيادة ، إذا شرط التقابل اقتضى فيه التنكير ، وحكم موصوفه فيه من الإفراد والتثنية والجمع ، كقولك : هو أفضل رجل وهما أفضل رجلين ، وهم أفضل رجال. وإلا أبى التنكير فيه والإفراد.

ومن شأن أفعل التفضيل ، إذا كان مضافا بمعنى الزيادة لا بشرط التقابل ، أن يكون موصوفه في جملة المضاف إليه ، ولذلك نهى في إضافته لهذه من نحو أن يقال : يوسف أحسن إخوته ، بإضافة الإخوة إلى ضمير يوسف ؛ لمنافاتها حكم أفعل ، لاقتضائها أن لا يكون يوسف في الإخوة (١).

و (ذو) وما يتصل به من المؤنث وغيره يقتضي فيه الجنسية ، كنحو : ذو مال ، وذات جمال ، ونحو قوله (٢) :

صبحنا الخزرجية مرهفات ...

أباد ذوي أرومتها ذووها

معدود في الشواذ (٣).

__________________

(١) انظر في أفعل التفضيل المعجم المفصل في النحو (١ / ١٠٤ ، ١٠٥).

(٢) البيت من الوافر ، وهو لكعب بن زهير في ديوانه ص ١٠٤ ، وأمالى ابن الحاجب ص ٣٤٤ ، وشرح المفصل ١ / ٥٣ ، ٣ / ٣٦ ، ٣٨ ، ولسان العرب (ذو) ، وبلا نسبة في الدرر ٥ / ٢٨ والمقرب ١ / ٢١١ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٠ ، وانظر المعجم المفصل في شواهد العربية ٨ / ٢٨٤ ، وفيه (أبان ذوى) بدل (أباد) ، وفي اللسان (أبار) بالراء.

(٣) قال ابن منظور : قال ابن برى : إذا خرجت (ذو) عن أن تكون وصلة إلى الوصف بأسماء الأجناس ، لم يمتنع أن تدخل على الأعلام والمضمرات كقولهم : ذو الخلصة ، والخلصة : اسم علم لصنم ، وذو كناية عن بيته ، ومثله قولهم : ذو رعين ، وذو جدن ، وذو يزن ، وهذه كلها أعلام ، وكذلك دخلت على المضمر أيضا ، قال كعب بن زهير :

صبحنا الخزرجية مرهفات ...

أبار ذوى أرومتها ذووها

وقال الأحوص :

ولكن رجونا منك مثل الذي به ...

صرفنا قديما من ذويك الأوائل.

وقال آخر :

إنما يصطنع المعروف في الناس ذووه

لسان العرب (ذو).


فصل

وكما اتفق في قبيل عوامل الأفعال ما قد تفرد بأحكام راجعة إليه ، كذلك اتفق ههنا من ذلك أفعل التفضيل ، فإنه متفرد بأن يكون استعماله : إما [معرفة](١) باللام ، وإما مضافا ، وإما مصحوبا (بمن).

ويلزمه في الأول التثنية والجمع والتأنيث ، وفي الثالث ترك ذلك ، ولا يكون إلا منكرا فيه ، وفي الثاني الخيرة ، لم يخرج من هذا الحكم إلا (آخر) ، فإنه التزم فيه حذف (من) ، ولم يستوفه ما استوى في أخواته حيث قالوا : مررت بآخرين ، وآخرين وأخرى وأخريين وأخر وأخريات ، وإلا دنيا في مؤنثه ، فإنها استعملت بغير حرف التعريف ، قال العجاج (٢) :

في سعي دنيا طالما قدمت رجلي

أيضا. ومن ذلك (هلم) (٣) في لغة بني تميم ، فإنهم يقولون : هلما هلموا هلمي هلممن ، والظاهر من حكم أسماء الأفعال امتناع ذلك ، وعليه أهل الحجاز فيه. ولذلك حيث قالوا : هاتيا ، هاتوا ، هاتي ، هاتين ، اخترنا منع اسمية هات على ارتكاب نوع من الخفاء في اشتقاقه ؛ ومن ذلك ها : فإنه تلحق آخره همزة للخطاب ، ويصرف مع المخاطب في أحواله تصريف كاف الخطاب ، والظاهر من هذا الاستعمال فيما عداه العدم.

وأما الجزم ، فللفعل إذا أفاد فيه معنى الشرط والجزاء ، والأسماء التي تفيد ذلك هي :

__________________

(١) في (د): (معرفا).

(٢) لم أعثر عليه في ديوانه.

(٣) في لغة التميميين تدخل عليها النون بنوعيها ـ الخفيفة والثقيلة ، فقالوا : هلمّن يا رجل وهلمن يا امرأة ، وقالوا في تثنيتها للمؤنث والمذكر : هلمان وفي جمع المذكر (هلمّنّ) بضم الميم وتشديد النون ، و (هلممنانّ) لجمع النسوة. المعجم المفصل (٢ / ١١٤٧).


(من) (١) ، نحو : من يكرمني أكرمه ؛ و (أي) (٢) ، نحو : أيهم يأتني أكرمه ؛ و (أنّي) (٣) نحو :

فأصبحت أنّى تأتها تلتبس بها

و (إذ ما) (٤) نحو : إذما تخرج أخرج ، و (حيثما) (٥) ، نحو : حيثما تجلس أجلس ، و (أين) (٦) ، نحو : أين تكن أكن ؛ (ومتى) ، نحو : متى تركب أركب (٧) ؛ وتدخل عليهما

__________________

(١) المعجم المفصل (٢ / ١٠٦٠).

(٢) وتجب إضافة (أى) لفظا ومعنى ، ويجوز إضافتها إلى النكرة مطلقا ، مثل :

أى حين تلم بى تلق ما شئت ...

من الخير ، فاتخذني خليلا

كما يجوز إضافتها إلى المعرفة ، بشرط أن تدل المعرفة على متعدد حقيقى ، أو تقديرى. المعجم المفصل (١ / ٢٨٢).

(٣) البيت من الطويل ، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢٢٠ ، وعجزه :

كلا مركبيها تحت رجليك شاجر

وخزانة الأدب ٧ ، ٠ / ٩١ ، ٩٣ ، ١٠ / ٤٥ ، ٤٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٣ وشرح المفصل ٤ / ١١٠ ، والكتاب ٣ / ٥٨ ، ولسان العرب (فجر) ، وانظر باقي مراجعه في المعجم المفصل ٣ / ٢٣٠.

(٤) (إذ ما) حرف شرط مركب من (إذ) مع ما وبدخول (ما) عليه يقطع عن الإضافة ؛ لأن (إذ) من الكلمات الملازمة للإضافة إلى الجمل الفعلية منها والاسمية. المعجم المفصل (١ / ٧٧).

(٥) إذا اتصلت (ما) ب (حيث) الظرفية ، كفتها عن الإضافة ، وتحولت إلى أداة شرط تجزم فعلين ، كقول الشاعر :

حيثما تستقم يقّدر لك الله ...

نجاحا في عابر الأزمان

المفصل (١ / ٥٠٠)

(٦) المعجم المفصل (١ / ٢٨٦)

(٧) وكقول الشاعر :

أنا ابن جلا ، وطلاع الثنايا ...

متى أضع العمامة تعرفونى

المعجم المفصل (٢ / ٩٣٨)


(ما) لزيادة الإبهام ، فيقال : أينما و (متى ما) ، و (ما) (١) ، نحو : ما تصنع أصنع ، وتدخل عليها عند قوم (ما) الإبهامية ، فتصير : (ما ما) فتستبشع فيجعل (مهما).

وعند آخرين تدخل على (مذ) و (إذا) (٢) في الشعر ؛ و (إذما) (٣).

وبسط الكلام في معاني هذه الأسماء موضعه علم المعاني. ولمعنى الشرط في (إذا) دون (إذ) حمل الرفع في نحو : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ)(٤) ، على نحو ما حمل في (٥) :

إن ذو لوثة لانا

ونظائره. ولنقتصر من النوع الاسمي على هذا القدر ، وإلا فإن خيط الكلام فيه مما لا يكاد ينقطع.

الفاعل المعنوي

الظروف

وأما النوع المعنوي ، وهو الرابع ، فإنه صنفان :

أحدهما التزامي ، وذلك أن تأخذ معنى فعل من غير الفعل ؛ لدلالة له عليه ، وأنه

__________________

(١) المفصل (٢ / ٩١٠).

(٢) السابق (١ / ٧٤ ، ٧٧).

(٤) البيت من البسيط صدره :

إذن لقام بنصرى معشر خشن ...

عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا

وهو لقريط بن أنيف في خزانة الأدب ٧ / ٤٤١ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٦٨ ، وللحماسي في مغنى اللبيب ١ / ٢١ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٨ / ٤٤٥ ، ٤٤٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٤٣ ، وشرح المفصل ١ / ٨٢ ، ٩ / ١٣ ، ٩٦ ، ولسان العرب (خشن) ؛ وتاج العروس (خشن) ، ومجالس ثعلب ٢ / ٤٧٣. (المعجم المفصل ٨ / ٢٩).


يرفع إذا كان المأخوذ منه جملة ظرفية ، ومعتمدة على أحد الأشياء الخمسة ، كنحو : هل في الدار أحد ، وما عندنا شيء ، و (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ)(١) ، ولقيته عليه جبة وشي ، وزيد له فرس. هو الأعرف ، وإن لم تكن معتمدة ، أو لم يكن المأخوذ منه جملة ظرفية ، لم يصلح إلّا لنصب المفعول المطلق ، أو ما يقوم مقامه ، كنحو : عليّ لفلان ألف درهم عرفا ، والله أكبر دعوة الحق.

وإني لأمنحك الصدود وإنني ...

قسما إليك مع الصدود لأميل (٢)

ونحو : هذا عبد الله حقّا ، والحق لا الباطل ، وهذا زيد غير ما تقول.

أو المفعول فيه ، كنحو : في الدار زيد أبدا ، ولك غلامي يوم الجمعة ، أو الحال ، كنحو : ما لك قائما ، وما شأنك واقفا ، (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً)(٣) ، ولا ينصب إلا وهو متقدم على المعمول في الأقوى.

وثانيهما : ليس بالتزامي ، وأنه عند سيبويه (٤) يرفع لا غير ، وعند الأخفش (٥) من أصحابنا في مذهبه في الصفة يتخطى الرفع ، وكذا عند خلف الأحمر (٦) من الكوفيين في مذهبه في الفاعل والمفعول.

ووضع كتابنا هذا حيث أفاد الغرض الأصلي من الكلام في الصفة والفاعل والمفعول ، وهو معرفة إعرابها ، أغنى عن التعرض لغير مذهب سيبويه ، فنسوق الكلام ،

__________________

(١) سورة البقرة الآية : ١٩.

(٢) المعجم المفصل ٦ / ٣٥٠.

(٣) هود : ٧٢ ، وانظر (المفعول فيه) المعجم المفصل (٢ / ١٠٣٨).

(٤) الكتاب ١ / ٣٣ وما بعدها.

(٥) في (غ) : رحمة الله عليه.

(٦) هو خلف بن حيان ، أبو محرز ، المعروف بالأحمر (ت نحو ١٨٠ ه‍) راوية شاعر عالم بالأدب ، من أهل البصرة ، كان يضع الشعر وينسبه إلى العرب وله ديوان (المعجم المفصل ١ / ٤١٣).


بإذن الله تعالى ، على مذهبه.

المبتدأ والخبر

اعلم أن المعنى العامل ، فيما عرفته ، عند سيبويه ومن تابعه من الأئمة شيئان : أحدهما الابتداء ، وأنه يرفع المبتدأ والخبر. ويعنون بالابتداء تجريد الاسم عن العوامل اللفظية ، لأجل الإسناد كنحو : زيد منطلق ، وحسبك عمرو ، وهل أحد قائم ، ويسمى المسند إليه مبتدأ والمسند خبرا.

والمراد عندهم بالعوامل اللفظية ما عملت كان وإن [وأخواتهن](١). ومن شأن المبتدأ ، إذا كان [ضمير](٢) الشأن ، أن يجب تقديمه ، كنحو : هو زيد منطلق ، [ووجوب](٣) تقديم الخبر إذا كان فيه معنى استفهام ، كنحو : أين زيد ، أو كان ظرفا والمبتدأ نكرة [غير](٤) مقدر : في الدار رجل ، وأن يرتفع الوجوب في الجانبين فيما سوى ذلك.

ولا كلام في جواز الحذف لأيهما شئت عند الدلالة ، ولذا يحمل قوله تعالى : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)(٥) على حذف المبتدأ تارة وحذف الخبر أخرى.

وقد جاء حذف الخبر ملتزما في مواضع منها قولهم : ضربي زيدا قائما (٦) ، وأكثر

__________________

(١) في (غ) : وإخوانهما.

(٢) في (غ) ضمين ، بالنون ، وهو تصحيف.

(٣) في (ط) و (د) (وجوب) ، وفي (غ): (وجواب).

(٤) سقطت من (غ).

(٥) سورة يوسف ، الآية : ١٨ ، ٨٣.

(٦) إذا كان المبتدأ مصدرا ـ كما هنا ـ وجب حذف الخبر ، وقوله : (ضربى) مبتدأ ، وياء المتكلم مضاف إليه وهو فاعل في المعنى ، و (زيدا) مفعول به للمصدر ، (قائما) حال منصوب سد مسد الخبر. وانظر حذف الخبر وجوبا (المعجم المفصل ١ / ٥٠٦ ، ٥٠٧).


شربي السويق ملتوتا (١) ، وأخطب ما يكون الأمير قائما (٢) ، وكل رجل وضيعته (٣) ، وقولهم : أقائم الزيدان ، باعتبار ، وقولهم : لو لا زيد (٤) ، على أحد المذهبين.

وقوع الفعل المضارع موقع الاسم :

وثانيهما : صحة وقوع الفعل المضارع موقع الاسم ، فإنها ترفعه ، كنحو : زيد يضرب ، وكذا : يضرب الزيدان ؛ ولا بد من تفسير الصحة بعدم الاستحالة ، أو القول عند خلوص الداعي بعدم الوجوب ، حتى يتمشى كلامهم إذا تأملته.

واعلم أنه لا يجتمع عاملان لفظي ومعنوي إلا ويظهر عمل اللفظي ، ويقدر عمل المعنوي ، كنحو : بحسبك [عمر](٥) ، وهل من أحد قائم؟ ولا لفظيان إلا ويظهر عمل الأقرب لا محالة عندنا ، كنحو : ليس زيد بقائم ، وما جاءني من رجل ، وأكرمني وأكرمت زيدا.

وأما الكوفيون فإنهم يظهرون ، في نحو : أكرمني وأكرمت عمل الأول ، ويقولون :

__________________

(١) السويق : ما يتخذ من الحنطة والشعير ، ولته : بلّه.

(٢) من مواضع حذف الخبر وجوبا : إذا كان المبتدأ أفعل التفضيل مضافا إلى المصدر ، والخبر الذي بعده حال تدل عليه ، وتسد مسده من غير أن تصلح في المعنى أن تكون خبرا مثل أكثر شربي ، وأخطب ما يكون. المعجم المفصل (١ / ٥٠٧).

(٣) إذا وقع الخبر بعد الواو التى تدل على العطف والمعية معا ، وعلامة هذه الواو أن يصح حذفها مثل : كل رجل وضيعته والخبر المحذوف : متلازمان.

(٤) ويجب حذف الخبر ، إذا دل على كون عام ، والمبتدأ بعد لو لا ، كقول الشاعر :

لو لا اصطبار لأودى كل ذي مقة ...

لما استقلت مطاياهن للظعن

فاصطبار نكرة أي تدل على كون عام ، والتقدير : لو لا اصطبار حاصل.

أما إن كان المبتدأ دالا على كون خاص ، جاز ذكر الخبر. (المعجم المفصل ١ / ٥٠٦ ، ٥٠٧).

(٥) في (غ) : عمرو.


أكرمني وأكرمت ، أو أكرمته زيد ، وكذا إذا قدمت وأخرت ، يقولون : أكرمت وأكرمني زيدا ، وعلى هذا فقس.

ولنكتف من هذا النوع بما ذكر ، منتقلين إلى الباب الثالث فقد حان أن نفعل.

الباب الثالث

في الأثر وهو الإعراب

اعلم أنه يتفاوت بحسب تفاوت القابل ، فإذا كان آخر المعرب ألفا لم يقبل الرفع والنصب والجر إلا مقدرة ، وإذا كان ياء مكسورا ما قبله لم يقبل الرفع والجر إلا مقدرين ؛ هذا هو القياس.

وقد جاء في الشعر ظاهرين على سبيل الشذوذ ، كما جاء النصب فيه مقدرا كذلك ، إلا أنه دون الأول كغير القبيح ، وإذا كان ، أعني المعرب ، أحد هذه الأسماء ، وهي : فم أب أخ حم ذو هن أيضا سادسا عند أكثر الأئمة (١) ، كان الرفع والنصب والجر حال الإضافة بالواو والألف والياء على الأعرف ، كنحو : فوه ، فاه ، فيه ، ذو مال ، ذا مال ، ذي مال ، وإذا كان مثنى كان رفعه بالألف ، كنحو : مسلمان ، ونصبه وجره بالياء ، كنحو : مسلمين. وإذا كان أحد لفظي : كلا وكلتا ، كان في حال الإضافة إلى الضمير كالمثنى.

وفي العرب من يلزم الألف فيهما وفي المثنى في جميع الأحوال (٢).

__________________

(١) في (غ) رحمة الله عليهم.

(٢) كقول الشاعر :

إن أباها وأبا أباها ...

قد بلغا في المجد غايتاها

(فأباها) اسم إن منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر ، و (أبا) معطوف عليها ، يعرب إعرابها ، (أباها) مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر ، (غايتاها) مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر (المعجم المفصل ٢ / ٩٥٢).


وإذا كان جمعا على حد التثنية ، كان رفعه بالواو ، كنحو : مسلمون ، وأخواه (١) بالياء : كنحو : مسلمين ، وإذا كان جمعا بالألف والتاء كنحو : مسلمات ، لم يقبل النصب إلّا على صورة الجر (٢) ، وإذا كان غير منصرف ، ولم يكن مضافا ولا معرفا باللام لم يقبل الجر إلّا على صورة النصب (٣) ، إلّا في ضرورة الشعر (٤) ، وليس كذلك يقبح.

وإذا كان المعرب مضارعا لم يقبل الرفع حال اعتلال الآخر إلا مقدرا (٥) ، وكان جزمه بسقوط المعتل (٦) ، ونصبه فيما دون الألف ، بالتحريك ، إلا ما شذ في الشعر من الثبوت هناك ، ومن التسكين ههنا.

هذا إذا لم يكن ، أعني المضارع ، متصلا بألف الاثنين أو الاثنتين ، أو واو الذكور ، أو ياء المؤنث المخاطب ، فإذا كان متصلا كان رفعه بالنون بعد الضمير ، وجزمه ونصبه بعدمه (٧) ؛ وإذا كان المعرب غير جميع ذلك ، كان رفعه ونصبه وجره وجزمه على ما

__________________

(١) يعني النصب والجر ، ويسمى جمع المذكر السالم.

(٢) وهو جمع المؤنث السالم.

(٣) كقوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ.) البقرة ١٣٦

(٤) كقول امرئ القيس : ويوم دخلت الخدر عنيزة فقالت : لك الويلات إنك مرجلى حيث نون عنيزة للضرورة الشعرية ، مع أنه علم المؤنث.

(٥) كقوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) فاطر ٢٨ ، (يخشى) مرفوع بضمة مقدرة على الألف للتعذر.

(٦) وقد يجزم دون أن يحذف حرف العلة للضرورة الشعرية ، كقول الشاعر :

ألم يأتيك والأنباء تنمى ..

بما لاقت لبون بنى زياد.

(٧) وتسمى بالأفعال الخمسة : وهي كل مضارع اتصل بألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة.


هو المعتاد.

فصل : [في](١) خاتمة الكتاب

وإذ قد وفينا الكلام في باب الضبط لما افتقر إليه حقه ، مجتهدين في التجنب عن غايتي : اختصار يخلّ ، وتلخيص يملّ ، فلا علينا أن نختمه ، لمن أراد ، بما يأنس به أولو الفطن ، من إملاء بعض مناسبات لما هو إلى التعرض له أسبق ، كنحو التعرض لعلة وقوع الإعراب في الكلم ، وعلة كونه في الآخر لا محالة عندنا ، وعلة كونه بالحركات أصلا ، وعلة عدم استكنانه أصلا ، وعلة كونه في الأسماء دون الأفعال أصلا ، وعلة كون الصرف في الأسماء أصلا ، وعلة كون البناء لغير الأسماء أصلا ، وعلة كون السكون للبناء أصلا ، وعلة كون الفعل في باب العمل أصلا ، ونحو التعرض لكون الفاعل والمفعول والمضاف إليه مقدمة في الاعتبار ، وعلة توزيع الرفع والنصب والجر عليها على ما وزعت ، ونحو التعرض لعلة ما ورد على غير هذا الإضمار على ما ورد ، والكلام في ذلك كله مبني على تقرير مقدمتين وتحرير [عشرة](٢) فصول.

أما المقدمة الأولى ، فهي أن اعتبار أواخر الكلم ساكنة ، ما لم يعرف عن السكون مانع أقرب ، لخفة السكون بشهادة الحس ، وكون الخفة مطلوبة بشهادة العرف ، ولكون السكون أيضا أقرب حصولا ؛ لتوقفه على اعتبار واحد ؛ وهو جنسه ، دون الحركة : لتوقفها على اعتبارين : جنسها ونوعها ، فتأمل. [فهو في](٣) اللفظ اختصار ، فإذا منع عنه مانع ترك إلى الحركة ، وأنه نوعان : حسي ، وهو مجامعته لسكون آخر ، ألا [تراك](٤) كيف تحس في نحو : اضرب اضرب ، إذا رمت الجمع بين الباء والضاد ساكنين بشيء من الكلفة ، وربما تعذر أصلا على بعض.

__________________

(١) من (د).

(٢) من (غ). وفي (ط ، د) : عشر.

(٣) في (غ) : ففى.

(٤) في (غ) تراع.


وأما السكون الوقفي نحو : بكر غلام ، فقد هون الخطب فيه كونه طارئا لا يلزم.

وعقلي : وهو [وروده](١) ، وأنه شيء لا نوع له ، كما تعلم. حيث [ورود](٢) شيء ذي أنواع مطلوب ، مثل أن تكون الكلمة دالة على مسمى من حيث ذلك المسمى فقط ، ثم تقع في التركيب ، وتقيد مسماها بقيد مطلوب المعلومية ، فيحتاج إلى دلالة عليه.

وأنت تعلم أن التركيب الساذج ، وهو ورود كلمة بعد أخرى لكونه مشترك لدلالة لمجيئه تارة لمعنى ، وأخرى لمجرد التعديد ، لا يصلح دليلا على ذلك ، فيلزم حينئذ ، بعد الهرب عن وضع شيء مفارق للكلمة يدل على قيد غير مفارق لمعناها ، لخروجه عن حد التناسب ، مع [إمكان](٣) رعايته التصرف فيها ، إما بزيادة أو نقصان أو تبديل ، لامتناع اعتبار رابع هنا بشهادة التأمل بعد الهرب عن الجمع بين اثنين منها أو أكثر ، تقليلا للتصرف ، لكن لزوم الثقل للأول ، وعدم المناسبة للثاني ، وهو نقصان الكلمة لا زدياد المعنى ، مانع عن ذاك ، وعلى امتناعه فيما إذا كان على حرف واحد مع الظفر بما هو عارض جميع ذلك وهو تبديل حالة بحالة من الأحوال الأربع الحركات والسكون لما في غير هذا التبديل ، وهو إذ ذاك بعد رعاية أن يقع التصرف في الكلمة لما ذكرنا.

وإنما يقع فيها إذا لم تبطل بالكلية ليس إلا ، بتبديل حرف منه بحرف ، أو مكان [لذلك بمكان](٤) ، أعني القلب لا غير ، بشهادة الاستقراء الصحيح ، بعد الهرب عن الجمع بين اثنين من الخروج عن المناسبة ، وهو ترك الأقرب إلى الأبعد ، لا لموجب معلوم ، إذ الحركات أبعاض حروف المد ، بدليل أن حروف المد قابلة للزيادة والنقصان في باب الامتداد بشهادة الحس ؛ وكل ما كان كذلك فله طرفان بشهادة العقل ، ولا

__________________

(١) من (غ). وفي (ط ، د) : ردوده

(٢) من (غ). وفي (ط ، د) : تردد

(٣) من (غ). وفي (ط ، د) : أمر كان.

(٤) ليست في (غ).


طرف في النقصان إلا هذه الحركات بشهادة الوجدان ، وكم بين الشيء كلا وبعضا في باب القرب ، مع امتناعه حيث كان يمتنع النقصان ، ومختار الآخر لهذا التبديل لكونه أقبل للتغيير ، لاحتماله الأحوال الأربع من غير كلفة دون الصدر ، ولا مدخل للوسط في الاعتبار ؛ إذ هو شيء لا يوجد كثيرا ، كما في نحو : غد ويد ، ولا يتعين كما في نحو : مكرم ، ومستخرج ؛ ولكون التناسب بين الدليل على هذا الوجه ، وبين مدلوله ، وهو قيد مسمى الكلمة المتأخر في الاعتبار مرعيا في كونهما متأخرين.

المقدمة الثانية

وأما الثانية ، فهي أن الغرض الأصلي من وضع الكلم هو التركيب لامتناع وضعها إلا لفائدة ، وامتناع الفائدة فيها غير مركبة ، لامتناع استعمالها من أجل إفادتها المسميات [لاستلزامها](١) الدور ؛ لتوقف إفادتها لها على العلم بكونها مختصة بها ، غير مستوية النسبة إليها وإلى غيرها ، لاستحالة ترجح أحد المتساويين على الآخر. وتوقف العلم باختصاصها بها على العلم بها أنفسها ابتداء ، مع امتناع عد ما سبق إلى الفهم عند التلفظ بها مجرد القصد إلى مسمياتها فائدة بشهادة الوجدان.

والأصل في التركيب هو نوع الخبر ؛ لكثرته وقلة ما سواه بالنسبة إليه بشهادة الاستقراء ، وتنزيل الأكثر منزلة الكل بحكم العرف ، لعدم انفكاك حقيقته عن الخبر ، يجعل أصلا في باب الخبر ، فيظهر من هذا تمام انصباب الغرض من الوضع إلى اعتبار الفعل.

وإذا تقرر [هاتان](٢) المقدمتان على هذا الوجه بنينا على الأولى منهما الكلام في علة وقوع الإعراب في الكلم ، وعلة كونه في الآخر ، وعلة كونه بالحركات ، وعلة عدم استكنانه لخروجه إذ ذاك عن الدلالة ، وعلة كونه في الأسماء دون الأفعال ، لظهور كون الأسماء مقتضية لذلك من جهة المناسبة لحصول كونها ، ومتقيدة بما يحتاج عنده في

__________________

(١) في (ط ، د) : لاستلزام.

(٢) من (غ) وفي (ط) : هذا ، أن ، وفي (د) : هذان.


الدلالة عليه ، وهو معنى الفاعلية والمفعولية ، وكونها مضافا إليها ، وعلة كون الصرف في الأسماء أصلا ؛ لتقيدها بما يقتضي الجر ، كفاه تقيدها بما يقتضي أخويه ، واستدعاء دخول الجر فيها عدم منع التنوين منها ، كما ستقف عليه ، وعلة كون البناء لغير الأسماء ، وكونه على السكون أصلا ؛ لانتفاء موجب التحريك جريا [على](١) الظاهر ، وعلة كون الفعل في باب العمل [العمل أصلا](٢) ، لظهور كونه داعيا ، أو كون الداعي معه إلى الإعراب لتقيد الاسم معه في نحو : عرف زيد عمرا ، بالفاعلية والمفعولية. والاسم ، وإن كان يتقيد معه في نحو : غلام زيد ، بالكون مضافا إليه ، لا يلزم مع الفعل في قرن ؛ لقلة التقيد معه بالنسبة إلى الفعل.

وعلى الثانية : الكلام في : تقدم الفاعل [والمفعول](٣) والمضاف إليه في الاعتبار ، وتوزيع الرفع والنصب والجر عليها على ما وزعت ، لما أن الفعل المتقدم في الاعتبار حيث لم يقم [وحده](٤) في باب الخبر بالفائدة ، واستتبع فاعله ومفعوله ، إذ هما أقرب شيئين إليه ، تقدم الفاعل والمفعول والمضاف إليه في الاعتبار ، وحيث كان الفاعل في الاعتبار أقوى لامتناع الفائدة بدونه ، والمفعول أضعف لكونه [بخلافه](٥) ، والمضاف إليه بين بين ، لشموله إياهما ، وشهد [الحس](٦) للضم بكونه أقوى الحركات ، وللفتح بكونه أضعفها ، وللكسر بكونه بين بين ، جعل الرفع للفاعل والنصب للمفعول ، والجر للمضاف إليه اعتبارا للتناسب.

__________________

(١) في (غ) : عن.

(٢) في (غ) (في باب أصلا) وفي (ط ، د) في باب العمل أصل.

(٣) في (غ) : والمفصول.

(٤) في (غ) : حده.

(٥) في (غ) : بخلاف.

(٦) في (غ) : الحسم.


وأما الفصول ، فأحدها : في علة بناء ما بني من الأسماء ، وما يتصل بالبناء من اختلافه سكونا وحركة ، فتحة وضمة وكسرة.

وثانيها : في علة امتناع ما يمتنع من الصرف وما يتصل بذلك.

وثالثها : في علة إعراب الأسماء الستة بالحروف مضافة.

ورابعها : في علة إعراب المثنى والمجموع على ما هو عليه.

وخامسها : في علة إعراب كلا وكلتا مضافين إلى الضمير على ما هو عليه.

وسادسها : في علة إعراب نحو : مسلمات على ما هو عليه.

وسابعها : في علة إعراب ما أعرب من الأفعال ووقوع الجزم في إعرابه موقع الجر في الأسماء وكيفية تفاوته ظهورا واستكنانا وزيادة ونقصانا.

وثامنها : في علة عمل الحروف العاملة وكيفية اختلافها في ذلك.

وتاسعها : في علة عمل الأسماء غير الجر وكيفية اختلافها في ذلك.

وعاشرها : في علة عمل المعنى الرفع للمبتدأ والخبر والفعل المضارع ، وبه نختم الكلام في هذا القسم بإذن الله تعالى.

وقبل أن نشرع في هذه الفصول يجب أن يكون مقررا عندك أن كلام الفرقتين في هذه المناسبات وارد على مساق قياس الشبه في الغالب.

الفصل الأول

في علة بناء ما بني من الأسماء

وما يتصل بالبناء من اختلافه سكونا وحركة ، فتحة وضمة وكسرة.

اعلم أن البناء في الأسماء : تارة يكون لفوات موجب الإعراب الذي قررنا ، وأخرى لوجود مانع ، وثالثة لكلا الاعتبارين.

فمن القسم الأول : أسماء الأفعال : ويندرج فيها فعال بمعنى الأمر. والمنفصلة من الضمائر ، والمتصلة المرفوعة ، وأما ما سوى المرفوعة بعد التزام أن يكون المجرور


والمنصوب على صورة واحدة لتآخيهما في كونهما فضلتين في الكلام مع جهات أخر [اتحادية](١).

فمن القسم الثاني : وكذا صدور المركبات ، ولك أن تدخلها في القسم الأول لعدم تقيدها بعد التركيب بما أوجب الإعراب فيها ، ويندرج فيها المضاف إلى ياء المتكلم ؛ لقوة الاتصال بينهما من الجانبين ، وكذا نوعا (يضربن) بنون جماعة النساء ، (وليضربن) بالنون الثقيلة أو الخفيفة.

ومن الثاني : الأصوات لوضعها على سبيل الحكاية المراد بها تأدية الهيئة من غير تصرف فيها ، والمتضمنة لمعاني الحروف غير العاملة فيها ، لتوخي التنبيه ببنائها على المتضمن الذي لا عمل له فينبه بذلك عليه ، وقد اندرج فيها : (أمس) ، لتضمنه معنى لام التعريف ، وبيان ذلك بشيئين : أحدهما أنه معرفة ، ويدل على ذلك تعريفهم وصفه في قولهم : أمس الدابر ، وأمس الأحدث.

وثانيهما : بأن تعرفه باللام ، ويدل عليه تقسيم المعارف إلى خمسة أنواع للإجماع وهي : المضمرات والمبهمات ، والمضافات ، والأعلام ، والداخلة فيها اللام وسبرها بأن ليس من المضمرات والمبهمات والمضافات ، كما لا يخفى ، ولا من الأعلام أيضا ، لدخول معنى الجنس فيه ، وهو كل يوم سبق يومك بليلة ، وامتناع ذلك في الأعلام ، (وفعال) أيضا بمعنى المصدر المعرفة والمنفي [نفي الجنس لتضمنه معنى](٢) (ما) الإبهامية عندي ، والغايات أيضا إذا تمت فإنها متضمنة معنى الإضافة [وإنها](٣) من معاني الحروف.

ولا يقال : يشكل بنفس لفظ الإضافة ، فإن المراد بمعنى الإضافة ههنا لازم معناها

__________________

(١) من (غ) ، وفي (ط ، د): (تجارية).

(٢) سقطت في (غ).

(٣) ليست في (غ).


كلاميتها أو ميمتها ، ولا تنس قولي : غير العاملة فيها و (ههنا) و (هنا) ، و (ثم) لتضمنها لمعنى الإشارة ، وأسماء الإشارة لشبهها بالحروف ، في أنها لا تقوم بأنفسها في الدلالة على المعاني في الظاهر.

وأما ما يذكر [ابن جنى](١) من أنها [تلزم](٢) المسميات ، والأصل في الأسماء لزومها إياها ، فحيث خالفتها في الأصل خالفتها في الحكم.

فلو كانت عند تلخيص مسمياتها [غير لازمة](٣) لها ، كما يقال ، لكان شيئا ، ويندرج فيها الآن في قول أبي العباس المبرد ، [رحمه‌الله تعالى](٤) ، لوضعها من أول أحوالها مع لام التعريف ، بخلاف ما عليه الأسماء والموصولات ؛ لشبهها بالحروف أيضا ، بافتقارها في تفهم المعنى المراد منها إلى الصلات.

ولك أن تدخلها في حكم صدور المركبات لذلك ، والمنادى المضموم لنزوله [منزلة](٥) الضمير ؛ لاتحادهما خطابا وتعريفا وإفرادا.

(وفعال) في الباقي مما ذكر من أنواعه لمعنى الاتحاد ، و (لما) ، و (مذ) ، و (منذ) ، و (على) ، و (عن) ، و (الكاف) ، أسماء ؛ لاتحادها بصور غلبت عليها الحرفية ، و (من) ، و (ما) الموصوفتان ، و (ما) غير الموصولة والموصوفة ، و (كم) الخبرية لاتحادها بصور غلب

__________________

(١) من (غ).

(٢) من (غ) وفي (ط ، د) ، (لا تلزمه).

(٤) من (د)

(٣) من (ط ، د) ، وفي (غ) رحمة الله عليه.

(٤) من (د)


عليها البناء ، ويقرب من الاندراج في باب الاتحاد المضاف إلى المبني ، إذا لزمت إضافته إليه ، (كإذ) ، و (إذا) ، و (حيث) في إضافتها إلى الجمل ضربة لازب ، وأما نحو قوله (١) :

أما ترى حيث سهيل طالعا

وقوله (٢) :

حيث ليّ العمائم

فشاذ لا يقاس عليه ، أو نزلت منزلة اللازم ؛ لكثرتها كأسماء الزمان في إضافتها إلى الجمل ، أو إلى (إذ) المبني المحرك بالكسر لملاقاته الساكن ، وهو التنوين الذي هو عوض عن المضاف إليه ، وحم حول البقية على نحو ما ترى ، وليكن من قانونك في شيء يبقى على الأصل خارجا مما مهدته ، إذا قل ، أنه بقي تنبيها على الأصل.

__________________

(١) الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب ٧ / ٣ ، والدرر ٣ / ١٢٤ وشرح شذور الذهب ص ١٦٨ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٩٠ ، وشرح المفصل ٤ / ٩٠ وشرح ابن عقيل ص ٣٨٥ ومغنى اللبيب ١ / ١٣٣ والمقاصد النحوية ٣ / ٣٨٤ ، وهمع الهوامع ١ / ٢١٢ وتاج العروس ٥ / ٢٣٠ (حيث) وتهذيب اللغة ٥ / ٢١١ وعجزه :

نجما يضىء كالشهاب لامعا

وانظر المعجم المفصل (١١ / ٣٩).

(٢) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق قوله :

ونطعنهم تحت الحبى بعد ضربهم

ببيض المواضى حيث ليّ العمائم

شرح شواهد المغنى ١ / ٣٨٩ والمقاصد النحوية ٣ / ٣٨٧ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٢٥ وخزانة الأدب ٦ / ٥٥٣ ، ٥٥٧ ، ٥٥٨ ، ٧ / ٤ والدرر ٣ / ١٢٣ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٤ وشرح التصريح ٢ / ٣٩ ، وشرح المفصل ٤ / ٩٢ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٣٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٢١٢ ، والمعجم المفصل (٧ / ٢٧٢).


وأما اختلاف البناء سكونا وحركة ؛ فلأن السكون هو الأصل ، وقد عرف ، ثم يمنع عنه مانع فيترك إلى الحركة ؛ والمانع إما لزوم الجمع بين ساكنين ، كنحو : حيث وأمس وأين ، ونحو : اضربن واضربن ، لو أجريت على السكون أو الابتداء بالساكن ، إما لفظا أو حكما : كزيدك ، وغلامك ، لو أسكن الكافان ، أو عروض البناء لما هو أصل في الإعراب كنحو : يا عمر ، وقولي : لما هو أصل في الإعراب احتراز عن نحو : يضربن في جماعة النساء ، أو مشابهة المعرب ، كالأفعال الماضية ، فإنها عند أصحابنا حركة لمشابهتها المضارع في الدخول في الشرط والجزاء ، ودخول (قد) عليها ، والوقوع صفة للمنكر بعد اتحادهما في الفعلية والمصير إلى أصل واحد.

وأما اختلاف الحركة فتحة وضمة وكسرة ، فالاعتبارات مختلفة ههنا ، والكلية منها دون الجزئية ، هي أن الفتحة خفيفة قريبة بخفتها من السكون ، فيقع في الاختيار للمواضع الكثيرة الدوران المرددة ثقلا بغيرها ، وأن الضمة قوية فتقع في الاختيار للمواضع المعتنى بشأنها ، أو الممتنعة عن أختيها : كالمنادى.

وأن الكسرة أصل تحريك الساكن ، فتقع في الاختيار لمواضع تعرى عما ذكر ، وإن كانت أصل تحريك الساكن ؛ لكونها أكثر فائدة من أختيها في أصل الاعتبار ، وذلك أن اجتماع الساكنين حيث كان محوجا إلى التحريك ، وقد شهد لوقوعه الاستقراء بالكثرة ، وأن للأفعال منها المعلى ، وناهيك نوعا الأوامر من الأفعال المشددة الأواخر ، وما ينجزم منها بأنواع الجوازم ، وطالما تلي عليك للأكثر حكم الكل تقدمت في الاعتبار ، وإفادة الكسرة ، والحال هذه ، بعد إتقانك أن لا مدخل للجر في الأفعال ، الخلاص من اجتماع الساكنين وكونها طارئة ، كما قرعت سمعك.

الفصل الثاني

في علة امتناع ما يمتنع من الصرف وما يتصل بذلك

ونحن نسوق الكلام فيه على أن المقصود من منع الصرف إنما هو منع التنوين ، لا لمعارضة حرف التعريف والإضافة ، وأن منع الجر إنما هو لمنع التنوين على الوجه


المذكور لارتضاعهما ضرعا واحدا ، وهو الاختصاص بالاسم ، والتناوب في نحو : راقود (١) خلا ، بالتنوين لا مع جر الخل ، وراقود خلّ ، لا بالتنوين مع جر الخل ، وأن تحريكه حال منع الجر للهرب عما هو أصل البناء ، وبالفتح لخفته المطلوبة على الخصوص هنا ، لا لاعتبار التآخي بينه وبين الجر.

وإذ قد وقفت على هذا فنقول : العلة في منع الاسم عن الصرف ، هو تحقيق الشبه بينه وبين الفعل على وجه يستلزم الخفة ، وذاك أن كل فعل مما لا يتمحل في فعليته من نحو : ضرب ، ومنع لتضمن مفهومه ، لا محالة ، شيئين : الزمان ، والمصدر ، متقيدا أحدهما بالآخر ، كما لا يخفى ، فهو متصف بكونه ثانيا للغير ، وهو الاسم باعتبارين ، وكل واحد من أسباب منع الصرف ثان لغير.

فالتأنيث ثان للتذكير ، يدلك على ذلك أنك متى ظفرت بمؤنث في كلامهم ، وجدته في الأمر العام مع زيادة ؛ واستقراؤك الأسماء لا سيما قبيل الصفات منها ينبئك عليه بخلافه في المذكر هذا في اللغة الشائعة ، فأما على لغة من يقول : إنسانة ورجلة وغلامة وحمارة وأسدة ، فيفضل الاستقراء.

ومعلوم عندك أن الزيادة إذا وجدت في شيء يطرأ عليه أمران ، دلالة على أحدهما ، كان وجودها عند المتصف بتأخر ، أدخل في القياس منه عند غير المتصف بذلك ، من حيث إن الزيادة معلوم علما قطعيا اتصافها بالتأخر عن المزيد عليه.

فمتى كانت مجلوبة لما له حظ في الاتصاف بالتأخر كان أقيس ، فوجودك الزيادة مع التأنيث دون التذكير في لغتهم المبنية على رعاية هذه المناسبات ، كما لا يخفى ، شاهد على تأخره عنه ، وهذا معنى قول أصحابنا ، رحمهم‌الله تعالى : لا يجوز أن ينقل الاسم بالزيادة من التأنيث إلى التذكير.

وفي كلامنا هذا ما يدلك على حكمهم أن سكران وسكرى صيغتان ليست إحداهما من الأخرى ، ونحو : ثلاثة رجال وثلاث نسوة عن النقص ، إذا تأملت ، بمعزل ؛

__________________

(١) الراقود : إناء خزف مستطيل مقيّر.


وذلك أن رجالا قدمت في الاعتبار على النسوة ، نظرا إلى الإفراد ، وقد كان أنثها التكسير فأنث العدد ، ثم لما انتهى الأمر إلى اعتبار النسوة ، واستهجن إلغاء الفرق ، ومنع عن زيادة التاء الأخرى امتناع اجتماع علامتي التأنيث ، لزم حذف التاء.

وأمر آخر : وهو لفظ الشيء يقع على كل مذكر ومؤنث ، ثم إنه لا يستعمل إلا مذكرا ، فلو لا أن التذكير أصل ؛ لوقع التغليب للفرع ، ولخرج عن القياس.

والعجمة ثانية للغتهم العربية لطروئها عليها ، والطارئ على الشيء بعد المطروء عليه في بابه.

والعدل ثان للمعدول عنه ، وأمره ظاهر ، والجمع ثان للجنس من حيث إن الجمعية قيد للجنس ، ووجود الشيء من حيث هو مطلقا ، قبل وجوده من حيث هو مقيدا في باب الاعتبار.

والفعل الذي هو ثان للاسم لا بد من أن يكون وزنه المختص به ثانيا لوزن الاسم.

وأما الألف والنون الزائدتان ، وألف الإلحاق ، فالأمر فيهما أبين ، والوصف والتركيب والعلمية أمرها على نحو أمر الجمع.

فمتى اجتمع في الاسم منها ما لا [يقصر](١) به عن أن يصير ثانيا باعتبارين ، وذلك بحصول اثنين منها ، أو الجمع ، أو ألف التأنيث ، وستعرف السر ، أشبه الفعل ، فيمنع منه التنوين لما ذكرنا ، ولهذا ينتظر في منعه الخفيف من الأسماء خاصة ، كالثلاثي الساكن الحشو تقوى الشبه بازدياده مما يكسوه ذلك في اللغة الفصحى.

وإذا علمت أن العلة في منع الصرف هي ما ذكرنا ، تنبهت للمعنى في جواز صرفه للشاعر المضطر ، وتنبهت أيضا للمعنى الذي لأجله شرطت منها اللائي عددنا بما شرطت ، وهو اكتسابها به قوة حال ، أو زيادة ظهور ، أو تحققا ، ألا يرى أن المؤنث بالتاء ، إذا لم يكن علما ، كان للتاء من احتمال الانفصال ما لا يكون لها بعد العلمية ،

__________________

(١) في (ط): (يقتصر).


وكم بين الشيء ، لازما وغير لازم.

ومن هذا تتبين أن ألف التأنيث أقوى حالا من التاء ؛ لأنها لا تنفصل عن الكلمة بحال ، وهو السبب عند أصحابنا ، رحمهم‌الله ، في أن أقيمت مقام اثنين ، وأما نحو آخر عناق وعقرب ، فإنما سلك به مسلك التاء ؛ تفاديا مما في غير ذلك من ارتكاب خلاف قياس ، وهو جعل الفرع أقوى من الأصل ؛ لأنه فرع على التاء ، وإذا كانوا لا يسوغون التسوية بينه وبين التاء في نحو : بصرى وعناق ، كانوا أن لا يسوغوا تفضيله عليها في الجملة أجدر.

وأما المؤنث بالمعنى نحو : سعاد ؛ فلأنه إذا تعرى عن العلمية جرى مجرى مسماه ، وقد عرفت الحال ثمّ ، وأن الاسم الأعجمي إذا اقترنت به العلمية منقولا ومنقولا عنه ، كانت عجمته أدخل في التحصن منها إذا لم تكن كذلك ، فتكون أقوى وأظهر : ألا تراهم كيف يتصرفون في نحو : ابريسم وديباج وفرند (١) وسخت (٢) ، تصرفهم في كلمهم ، تارة بإدخال اللام عليها أو التنوين إدخالهم إياهما في نحو : رجل وفرس ، وأخرى باشتقاقهم منها على نحو اشتقاقهم من كلمهم قال رؤبة : (٣)

هل ينفعني حلف سختيت ...

أو فضة أو ذهب كبريت

__________________

(١) الفرند : جوهر السيف ووشيه.

(٢) السخت : الصلب الدقيق.

(٣) البيت من الرجز ، وهو في ديوانه ٢٦ ، والخصائص ١ / ٣٥٨ ، وفي الديوان

فقلت :

أنجو النفس إذ نجيت

هل ينفعنى حلف سختيت

أو فضة أو ذهب كبريت

والعجاج هو : أبو الشعثاء عبد الله الطويل بن رؤبة ، والشعثاء ابنته ولد بالبصرة في خلافة عثمان وفيها لقي أبا هريرة وسمع منه الحديث ، ولد له ولدان : رؤبة والقطامى ، وفلج ومات نحو سنة ٩٧ ه‍ انظر المعجم المفصل في الأدب (٢ / ٦١٨).


فاشتق سختيتا من السخت اشتقاق نحرير من النحر ، وكم له من نظير. وأن الجمع إذا كان على الوصف المذكور كان أقوى حالا ؛ لأنه إذ ذاك يتعين للجمعية فلا يرد على زنة واحد في أسماء الأجناس ، ولا يعامل معاملة المفرد فيصغر ويجمع ، ويكون جمع جمع كأكالب وأناعم ، ولا تستبعد لمجموع ذلك قيامه مقام اثنين ، وأما نحو قولهم : حضاجر ، فعلم لها ، وهو جمع حضجر في الأجناس قال (١) :

حضجر كأمّ التوأمين توكأت ...

على مرفقيها مستهلة عاشر

وأما سراويل فعند سيبويه (٢) وكثير من النحويين أنه أعجمي وقع في كلام العرب ، فوافق بناؤه بناء ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة ، فأجرى مجرى ذلك ؛ وعند ناس منهم أنه جمع على سروالة قال (٣) :

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لسماعة النعامى في شرح أبيات سيبويه ١ / ٥٩٢ ، وبلا نسبة في الكتاب ٢ / ٧١ ، ولسان العرب ٤ / ٢٠٢ (حضجر. وقبله :

متى تر عينى مالك وجرانه

وجنبيه تعلم أنه غير ثائر.

والمعجم المفصل ٣ / ٤٩١ والحضجر : العظيم البطن الواسعه.

(٢) قال سيبويه : واعلم أنك إذا سميت رجلا مساجد ، ثم حقرته صرفته ؛ لأنك قد حولت هذا البناء ، وإن سميته حضاجر ثم صغرته صرفته لأنها إن سميت بجمع الحضجر ، سمعنا العرب يقولون : أوطب حضاجر ، وإنما جعل هذا اسما للضبع لسعة بطنها ، وأما سراويل ، فشىء واحد ، وهو أعجمى أعرب كما أعرب الآجر ، إلا أن السراويل أشبه من كلامهم ما لا ينصرف في نكرة ولا معرفة الكتاب.

(٣) البيت من المتقارب ، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب ١ / ٢٣٣ ، والدرر ١ / ٨٨ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٥٢٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٢١٢ وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ٢٧٠ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٠٠ ، وشرح المفصل ١ / ٦٤ ، ولسان العرب ١١ / ٣٣٤ (سرل) والمقتضب ٣ / ٣٤٦ وهمع الهوامع ١ / ٢٥ وتاج العروس (سرول) ، والمعجم المفصل (٥ / ٩٢) وعجزه :

فليس يرقّ لمستعطف


عليه من اللؤم سروالة

وأما نحو : جوار ، فالأقرب عندي أن يقال بعد حمل نحو ثمان ورباع وشناح (١) على غير الإفراد وشذوذ قول من قال (٢) :

يحدو ثماني مولعا بلقاحها

على جميع الأقاويل ، مع ورودها على زنة جوار ورودا خاصّا ، ولمثل هذا من التأثير ما لا يخفى اقتضى صرفه ، لكن قربه من باب مساجد منع أن يحرم امتناع الصرف البتة ، فوفق بين الاعتبارين ، وجعلت الصورة الواحدة لغير الصرف أن لا يلزم من عكسه تغليب الفرع على الأصل في الجملة ، وجعلت النصب دون أحد أخويه أن لا يفقد حصول الخفة في صورة من الصورتين ، بحذف الياء على طريق معبد ، وحمل باب أعيش عليه في القول [الأعرف](٣) لاتحادهما في عدة أمور.

أحدها : عدد الحروف والحركات والسكنات.

وثانيها : كون الثالث حرفا معتلا مزيد المعنى ، مفتوحا ما قبله ، مجامعا الساكن ، كدواب وأصيم.

وثالثها : كون الآخر ياء مكسورا ما قبله كسرا لا لأجل الياء.

__________________

(١) الشناح : الجسم الطويل من الإبل.

(٢) البيت من الكامل ، وهو لابن ميادة في ديوانه ص ٩١ ، وخزانة الأدب ١ / ١٥٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٩٧ ولسان العرب ١٣ / ٨٠ ، ٨١ (ثمن) وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب ص ١٦٤ ، وشرح الأشموني ص ٥٢٢ ، والكتاب ٣ / ٢٣١ ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٤٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٥٢ وقال : أقول : قائله أعرابي ، قاله أبو الخطاب ولم ينسبه ، ونسبه السيرافي لابن ميادة. وعجزه :

حتى هممن بزيغة الإرتاج.

وانظر المعجم المفصل (٢ / ٢٩).

(٣) في (غ): (الاعراب).


ورابعها : خروجهما إلى معنى التأخر بذلك خروجا ظاهرا ، وأن الوزن لا يظهر حاله في معناه حتى يختص بالفعل أو يجري مجرى المختص به ، وأن الألف والنون الزائدتين ، على ما ذكر ، تكونان ممتنعتين عن دخول تاء التأنيث عليهما ، فتكتسبان شبها بألفي التأنيث في نحو : حمراء ، فيزداد حالهما في معناهما قوة ، وكذا ألف الإلحاق عند اقتران العلمية بها. [والله الموفق للصواب](١).

الفصل الثالث

في علة إعراب الأسماء الستة بالحروف مضافة

وهي إظهار الاجتناب [بألطف](٢) وجه وأقربه عن أن يقوى خلاف قياس فيها.

بيان ذلك ، أن : (فوه ، وذو مال) ، لو أعربا بترك إشباع الحركات لكانا قد بقيا على حرف واحد ، وكان حذف العين واللام منهما واقعا في غاية خلاف القياس ، (وأبوه وأخوه وحموها) لو تركت على حرفين بإعرابها بالحركات ؛ لكان خلاف القياس في حذف الثالث منها أقوى منه في نحو : غد ويد ؛ لكون التكميل في أسماء العقلاء أدخل في الطلب منه في غيرها.

وقد مهد هذه القاعدة الإمام عبد القاهر [رحمة الله عليه](٣) في مقتصده (٤) ، فليطلب هناك.

وأما (هن) فلكونه كناية عن أسماء الأجناس اندرج بحكم التغليب بعد تنزيل الكناية منزلة المكنى عنه ، بحكم العرف في أسماء العقلاء.

__________________

(١) ليست في (غ).

(٢) تصحفت في (غ) إلى (ألف).

(٣) من (غ) وعبد القاهر الجرجاني : هو أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني ، صاحب دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة والجمل ت ٤٧١ ه‍ فوات الوفيات ١ / ٦١٢ ، ٦١٣.

(٤) يريد كتاب المقتصد لعبد القاهر الجرجاني.


والسبب في ترك ذلك في الإفراد هو امتناع إظهاره في الأغلب بشهادة اعتبار نحو : أبون أبان أبين ، في المنون ، ونحو : الأبو الكريم ، الأبا الكريم ، الأبي الكريم في غير المنون.


الفصل الرابع

في علة إعراب المثنى والمجموع

على ما هو عليه

الكلام في ذلك على الوجه المستقصى ، مذكور في كتابنا" شرح الجمل" للإمام عبد القاهر ، رحمة الله عليه ، ولكنا نورد من ذلك ههنا ما هو شرط الموضع.

اعلم أن التثنية والجمع إذا أريد وضع طريقة لهما ، لزم اعتبار تغيير ، وأن يكون ذلك في الاسم ، وأن يكون في آخره ، وأن يكون بالزيادة ولأخذ الإعراب التبديل ، وأن تكون واحدة بناء لجميع ذلك على المقدمة الأولى ، وأن تكون من حروف المد ؛ لكونها خفيفة لذواتها قريبة الوقوع لكثرة دورها ، إما بأنفسها أو بأبعاضها ، وقد مرنت لذلك بها الألسن ، واستأنست المسامع ، وألفتها الطباع ، ومالت إليها النفوس ، وأن يكون فيها دليل الإعراب محافظة عليه ، وحسن نظر له ، لامتناع المدات عن التحريك ، وجمعا بين الغرضين.

لكن استلزام المحافظة عليه في أحواله الثلاث : حالتي التثنية والجمع بالمدات الثلاث ، الاشتراك في كل واحدة منهن المخالف للقياس أوجب إلغاءها في بعض الأحوال ؛ تقليلا للاشتراك في الحروف ، وحين آل الأمر إلى جعل بعض الحروف مشتركا دون بعض ، تعينت الياء التي من شأنها استواء النسبة إلى الخفة والثقل وإلى مخرجي أختيها ؛ للاشتراك الذي من شأنه استواء النسبة إلى المعنيين ، وانقسمت أختاها على التثنية والجمع لجهتي التقدم والتأخر.

ثم لما قدم الرفع في الاعتبار كونه حصة الفاعل المتقدم فيه ، كما سبق ، تعينت له ، ثم تعينت الياء لأخويه فيهما ، وأصلا للجر منهما ، لما بينها وبينه من النسب ما ليس بينها وبين النصب ، فحصل إعراب المثنى والمجموع على ما ترى.

وأما النون ، فالأقرب فيه أنه لما اعتبر الإغراب الذي هو للاسم بحكم الأصالة في التثنية والجمع على حدها للجهة المذكورة ، واستهجن إلغاؤه فيهما لمناسبات تآخذت في ذلك ، امتنع بحكم رعاية ذلك بناء المثنى والمجموع جمع السلامة ، ولذلك اختلف في


نحو : ذان ، واللذان ، واللذون ، والذين بين أن يحكم فيها بالتثنية والجمع ، وبين أن لا يحكم ، فتنظم في سلك أبانان ، وعمايتان ، وعشرون ، وثلاثون ، وما شاكل ذلك ، ولم يكن الاسم يدخل بالتثنية والجمع على حدهما في باب ما لا ينصرف ، لم يصادفوا في ترك التنوين عذرا يعتبر ، فأتى به وحرك محافظة على الساكن قبله ، إذ كان دأبهم تحريكه لنوع من العذر ، كنحو : غلام اكتهل ، وكسر بعد الألف على أصل تحريك الساكن ، وفتح بعد أختيها تفاديا من الجمع بينهما وبين الكسر لأصول مقررة.

وحيث استمرت الحركة عليه ، صار بمنزلة غير التنوين ، فلم يحذف في الوقف ، ولا مع نفي الجنس ، ولا مع الألف واللام ، ولا مع النداء على الضم ، وإنما بنيت الكلام على الحذف ؛ لامتناع تأخير التثنية والجمع في ذلك كله لاستلزامه تحصيل الممتنع.

أما في الوقف فلاستلزامه الوصل في الوقف ، وأما في نفي الجنس فلاستلزامه طلب الزيادة ، حيث لا مزيد ، وأما في المعرف : وهو الداخل عليه اللام ، أو المضموم في النداء ، فلاستلزامه تحصيل التثنية والجمع لا مع الصحة.

ألا ترى أن التثنية والجمع طريقان ليتناول الاسم بهما أكثر مما هو متناوله ، فيستلزم تحصيلهما بحكم الضرورة صحة تناول المزيد المنافية للاختصاص بما سوى المزيد الممتنع انتفاؤه مع اللام والضم ، فمتى أريدت التثنية والجمع ، والحال هذه ، لزم ما ذكرنا ، ومدار حكم أصحابنا ، رحمهم‌الله ، في تنكر العلم إذا ثني أو جمع على ما ذكرت ، فاستوضح.


الفصل الخامس

في علة إعراب (كلا وكلتا) مضافين إلى الضمير على ما هو عليه

اختلفت الفرقتان في ذلك وتشعبت آراء أصحابنا ، رحمهم‌الله ، وأنا أذكر ، بإذن الله تعالى ، ما هو بالقبول أجدر ، بعد التنبيه على ما لا بد في ذلك منه ، وهو أن كل واحد من (كلا وكلتا) عندنا مثنى معنى ، مفرد لفظا ، فالألف فيهما غير ألف التثنية ، خلافا للكوفيين ، رحمهم‌الله ، بدليل عود الضمير إليهما تارة مثنى حملا على المعنى كقوله (١) :

كلاهما حين جدّ الجري بينهما ...

قد أقلعا ......

وكما حكي عن بعض العرب من قوله : كلاهما قائمان ، وكلتاهما لقيتهما ، وأخرى كثيرا مفردا حملا على اللفظ كقوله (٢) :

كلا أخوينا ذو رجال كأنهم

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو للفرزدق ، في أسرار العربية ص ٢٨٧ ، وتخليص الشواهد ص ٦٦ ، والخصائص ٣ / ٣١٤ ، والدرر ١ / ١٢٢ وشرح التصريح ٢ / ٤٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٥٥٢ ، ونوادر أبي زيد ص ١٦٢ ، وبلا نسبة في الإنصاف ص ٤٤٧ ، والخزانة ١ / ١٣١ ٤ / ٢٩٩ والخصائص ٢ / ٤٢١ وشرح الأشموني ١ / ٣٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٧١ ، وشرح المفصل ١ / ٥٤ ، ومغنى اللبيب ص ٢٠٤ ، وهمع الهوامع ١ / ٤١ ، والمعجم المفصل ١ / ٣٦١ ، ٣٦٢. وتتمة عجزه :

كلا أنفيهما رابي

(٢) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٨٦ ، والإنصاف ٢ / ٤٤٢ ، والمعجم المفصل ٧ / ٣٩١.

وعجزه :

أسود الشرى من كل أغلب ضيغم


وقول الآخر (١) :

أكاشره وأعلم أن كلانا ...

على ما ساء صاحبه حريص

وقول الآخر (٢) :

كلا ثقلينا واثق بغنيمة

وقول الآخر (٣) :

كلانا يزيد يحبّ ليلى

وكقوله عز من قائل : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها)(٤) ، وأمثال لها.

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لعدى بن زيد ، في الكتاب ٣ / ٧٤ ، وليس في ديوانه ، ولعمرو بن جابر الحنفى في حماسة البحترى ص ١٨ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٢٠١ ، وشرح المفصل ١ / ٥٤ ، والمقتضب ٣ / ٢٤١ والمعجم المفصل (٤ / ١٢٣).

(٢) البيت من الطويل ، وهو لإياس بن مالك في لسان العرب ٥ / ٧٨ (قدر) وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٤٤٣ والمعجم المفصل (٣ / ٢٤١).

وعجزه :

وقد قدر الرحمن ما هو قادر.

(٣) البيت من الوافر ، وهو لمزاحم بن الحرث العقيلي ، وكان يهوى ليلى المعروفة بمجنونها قيس بن معاذ ، ويروى البيت :

كلانا يا يزيد يحب ليلى ..

يفىّ وفيك من ليلى التراب

والبيت في ديوانه ص ٢٥ ، والأغاني ٢ / ١٠ ، وبلا نسبة في الإنصاف ص ٤٤٣.

(٤) سورة الكهف ، الآية : ٣٣.


وإذا ثبت لنا هذا ، قلنا : العلة في انقلاب الألف فيهما إلى الياء في الجر والنصب عند الإضافة إلى الضمير حصول أمرين يدعوان إلى ذلك :

أحدهما : شبهها معنى ألف التثنية المنقلبة ياء في الجر والنصب.

وثانيهما : شبهها بلزوم الاتصال بالاسم ، وانجرار ذلك بعدها لألف (على وإلى) المنقلبة ياء عند الضمير ، ولعل من يقول : مررت بكلاهما ، ورأيت كلاهما ممن يقول قائلهم (١) :

طاروا علاهنّ فطر علاها

أو ممن [على](٢) لغتهم ، على الأصح قوله تعالى (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ)(٣)

__________________

(١) الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٦٨ وله أو لأبي النجم أو لبعض أهل اليمن في المقاصد النحوية ١ / ١٣٣ ولبعض أهل اليمن في خزانة الأدب ٧ / ١٣٣ ، ١١٥ وشرح شواهد المغنى ١ / ١٢٨ ، وبلا نسبة في لسان العرب ٤ / ٥١٠ (طير) ١٥ / ٨٩ (علا) ، ٣٠٦ (نجا) خزانة الأدب ٤ / ١٠٥ ، والخصائص ٢ / ٢٦٩ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣٥٥ ، وشرح المفصل ٣ / ٣٤ ، ١٢٩ وتاج العروس ١٨ / ١٢٠ (قلص) (المعجم المفصل ١٢ / ٣٢٢).

وصدره :

نادية وناديا أباها

وقد جاء في نوادر أبي زيد :

أي قلوص راكب نراها.

والشاهد في البيت : قلب الياء الساكنة إذا انفتح ما قبلها ألفا في قوله : علاها : أي عليها ، وهي لغة لبني الحارث.

(٢) ليست في (غ).


الفصل السادس

في علة إعراب نحو (مسلمات) على ما هو عليه

وهي أن جمع المذكر لما سوى فيه بين الجر والنصب لما تقدم ، اتبعه في ذلك جمع المؤنث ؛ طلبا للتناسب ، من حيث إنهما جمعا تصحيح ، وأن المؤنث فرع على المذكر ، كما سبق.

ومعلوم عندك أن إتباع الفرع الأصل في حكم مما له عرف في التناسب ، وأن المؤنث نقيض المذكر ، وقد عرفت الوجه في حمل النقيض على النقيض في القسم الأول من الكتاب.

الفصل السابع

في علة إعراب ما أعرب من الأفعال ، ووقوع الجزم في إعرابه موقع الجر في الأسماء ، وكيفية تفاوته ظهورا واستكنانا ، وزيادة ونقصانا.

اعلم أن علة إعراب المضارع عند أصحابنا ، رحمهم‌الله ، خلافا للكوفيين ، رحمهم‌الله ، هي مضارعته الاسم بعدد الحروف والحركات والسكنات ، كنحو : يضرب وضارب ، وبدخول لام الابتداء عليه.

وبتبادر الفهم منه إلى الحال في نحو : مررت برجل يكتب ، تبادره إليها من الاسم إذا قلت : مررت برجل كاتب ، وباحتمال أمرين ، وقبول أن يختص ، والأمران هنا الحال والاستقبال ، وهناك التعريف والتنكير.

وأما وقوع الجزم موقع الجر ؛ فلأن إعرابه ، لما كان فرعا على إعراب الاسم ، واقتضى العرف حطه ، ولم يكن للجر من التعلق بالفعل ما كان لأخويه ، حيث انتظما في عمله دونه ، تعين للحط سادا الجزم مسده.

__________________

سورة طه ، الآية : ٦٣.


وأما ظهور إعرابه ؛ فلأنه الأصل في الإعراب ، كما سبق ، وأما استكنانه فالعلة فيه إما الضرورة ، وذلك في رفعه ونصبه عند الألف كنحو : يخشاك ، لامتناع الألف عن التحريك ، وإما الاجتناب عن تضاعف الثقل ، وذلك في رفعه عند الواو والياء ، كنحو : يغزو ويرمي ، على ما عرف في علم الصرف.

وقد اندرج في هذا استكنان الرفع والجر في الأسماء في نحو : القاضي.

وأما الزيادة ، وذلك في رفعه بعد ألف الضمير وواوه ويائه ، فلما قدمنا أن الفعل المضارع ، لمضارعته استحق الإعراب ، ومعلوم أن مضارعته بلحوق هذه الضمائر إياه لا تزول ، وحيث كانت ، أعني هذه الضمائر ، حروفا ميتة لا تتحرك ، ومدات [ماسا](١) جارية لذلك مجرى النفس الساذج ، غير عارض لها ذلك ، فقصرت عن بلوغ حد النون في : يضربن ، ولم تنته إلى درجة ياء الإضافة في الأسماء لا أقل ، فلم يثبت لها حكم جانب ، لم تدخل في باب المنع ، فبقيت له اليد الطولى في اكتساء الإعراب ، لكن إعرابه بغير الحرف حيث كان ، يغصب في الرفع والنصب حق المدات في القرار على هيآتها ؛ لوجوب اتباع المدة حركة ما قبلها. وفي الجزم حقها في الثبوت لامتناع سكون ما قبل المدة جعل بالحرف ؛ تحاشيا عن ذلك ، ثم لما امتنع الحرف أن يكون مدة على أصل القياس في باب الزيادة ، لامتناع اجتماع المدتين ، جعل النون لقربه منها باحتمال المدة واللين ، والخفاء ، واعتباره غنة يشهد لذلك ، ولاتحاد المدات بالفعل اقتضى القياس تأخيره ، ولحصول الصورة إذ ذاك على شكل المثنى والمجموع ، اختير الكسر للنون بعد الألف ، مع العمل بأصل تحريك الساكن والفتح له بعد أختيها ، مع الاجتناب عن الجمع بين الكسر وبينهما ، وحيث كان يجب اعتبار الرفع ابتداء على ما سبق عين له.

وأما الجزم ، فلما لم يكن في إعراب أصله الذي هو متطفل عليه بحكم المضارعة ، جعل كأن ليس بإعراب ، فلم يتكلف له عند فواته حرف يقوم مقامه هذا ، على أن حقه هو الترك فوفيه بذلك ، ثم لما كان الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء ، وكانت

__________________

(١) في (غ): (ملسا)


لهذه الأمثلة صورة التثنية والجمع ، اتبعه النصب هنا اتباعه الجر هناك ؛ طلبا للتشاكل بين الأصل والفرع.

وأما النقصان ، وذلك في جزمه عند اعتلال الآخر ، فمن حيث إن الجزم ، لما تقدم النصب في الاعتبار كما سبق آنفا ، لم يكن وروده إلا على المرفوع ، وقد عرفت أن الفعل حال اعتلال الآخر في الرفع لا يكون متحركا ، وإذا [ورده](١) ، ومن شأنه حذف الحركة ، ثم لا يجد حركة يحذفها حذف المعتل لما بينه وبينها من الاتحاد.

الفصل الثامن

في علة عمل الحروف العاملة وكيفية اختلافها في ذلك

ونحن على أن نختصر الكلام فنقول : أما الجارة فإنما عملت في الأسماء للزومها إياها ، فكل ما لزم شيئا وهو خارج عن حقيقته ، أثر فيه وغيره غالبا بشهادة الاستقراء ، وكان عملها الجر اللازم للأسماء ، ليدخل وصف العمل في وصف العامل بحكم المناسبة ، وهو بعينه الكلام في التي تجزم المضارع.

وأما العذر عن حرف التعريف وحرفي الاستقبال ، فالأقرب هو أن الاسم لشدة احتياجه إلى التعريف ؛ لامتناع خروجه في الاستعمال عن التعريف والتنكير ، جرى حرف التعريف منه مجرى بعض أجزائه ، وعلى هذا حرفا الاستقبال.

ومدار كلام أبي سعيد السيرافي (٢) ، رحمه‌الله ، في هذا على ما ذكرت.

وأما الناصبة للأسماء ، فعملت لمعنى اللزوم والنصب ؛ لتقويها على إفادة معنى المفعولية قريبة من أنادي وأصحاب وأستثني ، ولذلك ترى الواو لا يعمل حيث يبطل لزومه بكونه عاطفا ؛ لأنه في العطف لا يلزم الاسم ، وكذا إلا حيث يبطل لزومه بكونه

__________________

(١) في (غ): (ورد ورد).

(٢) أبو سعيد السيرافي هو الحسن بن عبد الله المرزبان إمام من أئمة النحو ، ومن علماء القرن الثالث الهجري ت ٣٦٨ ه‍ (بغية الوعاة : ١ / ٥٠٧).


في الكلام الناقص لصحة : ما طلع البدر إلا وقد ذكرت هندا ، وما جرى مجراه ، أو بكونه في التام غير الموجب على وجه البدل ؛ لتنزيل البدل والمبدل منه منزلة المنحى غير المذكور ، ورجوع الكلام إلى النقصان إذ ذاك حكما.

ومما ينبهك على أن حكم البدل ما ذكرنا ، امتناعهم عنه في الموجب امتناعهم عن النقصان فيه ، وإنها لمظان تأمل منك فلا تفرط.

وأما الناصبة للأفعال ، فالأصل فيها (أن) عند الخليل ، قدس الله روحه ، وقول الخليل يغني عن الدليل (١) :

إذا قالت حذام فصدّقوها ...

فإنّ القول ما قالت حذام

وإنما نصبت خ خ إن لمشابهتها خ خ أن معنى ؛ لاشتراكهما في رد الكلام إلى معنى المصدر وصوره أيضا إذا خففت وأعملت.

وأما الحروف المشبهة ؛ فعملها لمشابهتها الأفعال. وعندنا أنها لما كانت في العمل فرعا على الفعل ، وكانت في الشبه بالأفعال دون شبه (ما ولا) (بليس) ، اختير لها حطّا لدرجتها أدنى مرتبتي الفعل ، وهي ضرب عمرا زيد.

ومن هذا يظهر سبب امتناع تقديم الخبر على الاسم البتة ، وهو الترقي إلى أعلى مرتبتي الفعل في أدنى درجتها ، وأما قولهم : إن في الدار زيدا ، فالوجه ما اختار جار (٢) الله العلامة ، وارتضاه شيخنا الحاتمي ـ تغمدهما الله برضوانه ـ أنه ليس من تقديم الخبر ،

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو للجيم بن صعب في شرح التصريح ٢ / ٢٢٥ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٥٩٦ والعقد الفريد ٣ / ٣٦٣ ، ولسان العرب ٦ / ٣٠٦ (رقش) والمقاصد النحوية (٤ / ٣٧٠) والمعجم المفصل (٧ / ٢٨٢).

(٢) هو الزمخشري أبو القاسم محمود بن عمر الخوارزمى صاحب الكشاف وغيره ، وكتاب المفصل الذي عول عليه السكاكي في هذا القسم من الكتاب ، ت ٥٣٨ ه‍.


إذ الخبر مدلول في الدار [لانفس الدار](١) ، وتقدم ذاك غير مسلم ، هذا ولكنه يشكل بقولهم حيث لا يصح وقوع العامل لا يصح وقوع المعمول فيه ، فليتأمل. وأما علة انتظام (لا) النافية للجنس في سلكها ، وعلة عمل (ما ولا) المشبهتين بليس ، فمذكورتان.

الفصل التاسع

في علة عمل الأسماء غير الجر وكيفية اختلافها

أما علة رفعها ونصبها نازلة منزلة الفعل ككون الاسم مصدرا ، أو اسم فاعل ؛ وهو للحال أو الاستقبال ومعتمد ، فإنه في الاعتماد يزداد قربا من الفعل بتنحّيه عن موضع الاسم المخبر عنه ، وهو افتتاح الكلام ، وعن الإخبار عنه أيضا ، أو اسم مفعول على نحو اسم الفاعل ، أو صفة مشبّهة معتمدة ، ولذلك حيث ضعف اسم التفضيل عن ذلك رأيت حاله في العمل كيف فترت ، أو اسم فعل.

وكذا علة جزمها نازلة منزلة حرف الشرط بإفادتها معناه ، فالكلام فيها جلي.

وأما علة نصبها في غير ذلك ، فالوجه فيها أنها أشبهت الفعل في حال كونه ناصبا باستدعائها التمييز فضلة في الكلام لا محالة ، مع امتناع أن تجره.

وقول أصحابنا ، رحمهم‌الله : التمييز إما أن يكون عن الجملة ، أو عن المفرد ، معناه أن محل إبهامه ، إما أن يكون الإسناد أو أحد طرفيه ، لا أنه يكون فضلة في الكلام.

الفصل العاشر

في علة عمل المعنى الرفع للمبتدأ والخبر والفعل المضارع

وهي أنه أشبه الفعل في حال كونه رافعا ، أما في حق الخبر والمبتدأ فباستدعائه هذا مسندا إليه ، وهذا جزءا ثانيا في الجملة ، وأما في حق الفعل المضارع ، فبخروج المضارع

__________________

(١) من (غ). وفي (ط) و (د) : لا نفس في الدار.


معه عن المناسبة بأن لا يعتبر تقديم تحريكه بالرفع ، بيان ذلك أنه متى وقع موقع الاسم في الكلام ناسب أن يجري عليه ما للاسم من الرفع أو النصب أو الجر ، لكن امتناع إجراء الجر عليه يستتبع امتناع إجراء النصب بحكم التآخي ، فيبقى الرفع مع وجوب تقديمه في الاعتبار على ما عرفت.

واعلم أنك إذا تلقيت ما أمليت عليك بحسن التفهم ، واستوضحت لطائفه بعين التأمل ، وجذبت بضبعك في مداحضه الاختصارية استقامة طبع ، وأطلعك على رموزه للتفصي عن المضايق لطافة تمييز ، ثم استعرضت معاجم الأوائل في هذا الفن بعد التتبع لمآخذها ، والعثور على مجاريها ، مستطلعا طلع المقاصد في المبادي والغايات ، عسى أن تتسمح للعلي بدعاء يستجاب ، وللملي بثناء يستطاب ؛ وإذ قد أتممنا ما أردنا ، فلنف بما كنا وعدنا من ختم الكلام في القسم النحوي ، حامدين الله تعالى ، ومصلين على النبي عليه‌السلام.


القسم الثالث

في علمي المعاني والبيان


بسم الله الرّحمن الرّحيم

القسم الثالث

في علمي المعاني والبيان

وفيه مقدمة لبيان حدي العلمين والغرض فيهما ، وفصلان لضبط معاقدهما والكلام فيهما.

مقدّمة

علم المعاني (١) :

اعلم أن علم المعاني هو تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة ، وما يتصل بها من الاستحسان وغيره ، ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره ؛ وأعني بتراكيب الكلام : التراكيب الصادرة عمن له فضل تمييز ومعرفة ، وهي تراكيب البلغاء ، لا الصادرة عمن سواهم ، لنزولها في صناعة البلاغة منزلة أصوات

__________________

(١) علم المعاني عرفه الإمام الطيبى فقال : هو تتبع خواص التراكيب في الإفادة ؛ تفاديا عن الخطأ في التطبيق. التبيان (١ / ١٤١) بتحقيقى طبعة المكتبة التجارية بمكة.

وعرفه الخطيب القزويني بأنه : علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال الإيضاح ص ٨٤ (ط) دار الكتاب اللبناني بيروت.

وعرفه بدر الدين بن مالك في المصباح فقال : هو تتبع خواص تراكيب الكلام وقيود دلالته ، ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما تقضى الحال ذكره. المصباح ص ٧ في (ط) مكتبة الآداب.

وانظر في تعريف علم المعاني أيضا الطراز ١ / ١٠ ، نهاية الإيجاز للرازي ص ١٦٤ ـ ١٦٥.


حيوانات تصدر عن محالها بحسب ما يتفق.

وأعني بخاصية التركيب : ما يسبق منه إلى الفهم عند سماع ذلك التركيب ، جاريا مجرى اللازم له ؛ لكونه صادرا عن البليغ ، لا لنفس ذلك التركيب من حيث هو هو ، أو لازما له لما هو هو حينا.

وأعني بالفهم ؛ فهم ذي الفطرة السليمة ، مثل ما يسبق إلى فهمك من تركيب : إن زيدا منطلق ، إذا سمعته عن العارف بصياغة الكلام ، من أن يكون مقصودا به نفي الشك ، أو رد الإنكار ، أو من تركيب : زيد منطلق ، من أنه يلزم مجرد القصد إلى الإخبار ، أو من نحو : منطلق ، بترك المسند إليه ، من أنه يلزم أن يكون المطلوب به وجه الاختصار مع إفادة لطيفة مما يلوح بها مقامها.

وكذا إذا لفظ بالمسند إليه ، وهكذا إذا عرف أو نكر ، أو قيد أو أطلق ، أو قدم أو أخر ، على ما يطلعك على جميع ذلك شيئا فشيئا مساق الكلام في العلمين ، بإذن الله تعالى.


علم البيان (١) :

وأما علم البيان : فهو معرفة إيراد المعنى الواحد في طرق مختلفة ، بالزيادة في وضوح الدلالة عليه ، وبالنقصان ليحترز بالوقوف على ذلك عن الخطأ في مطابقة الكلام لتمام المراد منه ، وفيما ذكرنا ما ينبه على أن الواقف على تمام مراد الحكيم ، تعالى وتقدس ، من كلامه مفتقر إلى هذين العلمين كل الافتقار ، فالويل كل الويل لمن تعاطى التفسير وهو فيهما راجل.

ولما كان علم البيان شعبة من علم المعاني لا تنفصل عنه إلا بزيادة اعتبار ، جرى منه مجرى المركب من المفرد ، لا جرم آثرنا تأخيره.

__________________

(١) علم البيان : عرفه الإمام الطيبى فقال : هو معرفة إيراد المعنى الواحد في الطرق المختلفة الدلالة بالخفاء على مفهومها ؛ تفاديا عن الخطأ في التطبيق لتمام المراد التبيان ١ / ٢٥٨.

وعرفه الخطيب القزويني فقال : وهو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه الإيضاح ص ٣٢٦ (ط) دار الكتاب اللبناني بيروت.

وهو عند الجرجاني صاحب الإشارات : علم يعرف منه كيف يدلّ على معنى خارجي يتوسط الوضع والعقل معا الإشارات والتنبيهات ص ١٦٧ طبع دار نهضة مصر سنة ١٩٨٢ م.


الفصل الأول

في ضبط معاقد علم المعاني والكلام فيه

تمهيد :

اعلم أن مساق الحديث يستدعي تمهيدا (١) ، وهو : أن مقتضى الحال عند المتكلم يتفاوت ، كما ستقف عليه ، إذا أفضت النوبة إلى التعرض له من هذا الكتاب ، بإذن الله تعالى ، فتارة تقتضي ما لا يفتقر في تأديته إلى أزيد من دلالات وضعية ، وألفاظ كيف كانت ، ونظم لها لمجرد التأليف بينها يخرجها عن حكم [النعيق](٢) ، وهو الذي سميناه في علم النحو أصل المعنى ، ونزلناه ههنا منزلة أصوات الحيوانات. وأخرى تقتضى ما تفتقر في تأديته إلى أزيد.

وظاهر أن الخطأ الذي نحن بصدده لا يجامع في الأول أدنى التمييز ، فضلا أن يقع فيه من العاقل المتفطن ، وإنما مثار الخطأ هو الثاني ، وإن اختلج في وهمك أن الاحتراز عن الخطأ في الثاني ، إن لم يتوقف على علم المعاني ، استغنى عنه ، وإن توقف عليه ، ولا شبهة في أن الكلام فيه كلام من القبيل الثاني ، فيتوقف تعريفه على تعريف له سابق ، ويتسلسل أو يدور ، فاستوضح ما أجبنا به عن تعلم خ خ علم الاستدلال ، وخ خ علم العروض ، إذ قيل : إن كان العقل أو الطبع يكفي في البابين ، فليستغن عن تعليمهما ، وإلا كان تعليمهما موقوفا على تعليم سابق ، والمآل إما الدور (٣) أو التسلسل (٤).

وسننظم لك هذين العلمين في سلك التعرض لهما ، إذا حان وقته بإذن الله تعالى.

__________________

(١) في (غ) تمهيد أصل.

(٢) في (غ) العنيق.

(٣) الدور : هو توقف الشىء على ما يتوقف عليه ، ويسمى الدور المصرح كما يتوقف (أ) على (ب) وبالعكس (التعريفات للجرجاني حرف الدال ص ١٠٥).

(٤) التسلسل : ترتيب أمور غير متناهية ، وأقسامه أربعة (السابق حرف التاء ص ٥٧).


وإذ قد عرفت هذا فنقول : إن التعرض لخواص تراكيب الكلام موقوف على التعرض لتراكيبه ضرورة ، لكن لا يخفى عليك حال التعرض لها منتشرة ، فيجب المصير إلى إيرادها تحت الضبط بتعيين ما هو أصل لها وسابق في الاعتبار ، ثم حمل ما عدا ذلك عليه شيئا فشيئا على موجب المساق.

والسابق في الاعتبار في كلام العرب شيئان : الخبر (١) والطلب المنحصر بحكم الاستقراء في الأبواب الخمسة التي يأتيك ذكرها. وما سوى ذلك نتائج امتناع إجراء الكلام على الأصل ، وعساك فيما ترى أن تقتحمه عيناك ، لكنك إذا اجتليته ، أو إن كشف القناع عنه ، وجدت من نفسك الشأن بخلافه ، فلنعينهما ، أعني : الخبر والطلب (٢) ، لافتتاح الكلام لما نحن له ، والله المستعان.

آراء العلماء في الخبر والطلب

اعلم أن المعتنين بشأنهما فرقتان : فرقة تحوجهما إلى التعريف ، وفرقة تغنيهما عن ذلك. واختيارنا قول هؤلاء.

أما في الخبر ؛ فلأن كل أحد من العقلاء ممن لم يمارس الحدود والرسوم ، بل الصغار الذين لهم أدنى تمييز ، يعرفون الصادق والكاذب ، بدليل أنهم يصدقون أبدا في مقام

__________________

(١) الخبر : تحدث سيبويه عن الخبر في الكتاب وذكره مقابل الاستفهام وقلده الفراء في مثل ذلك في كتابه معاني القرآن. وعرفه المبرد بقوله : الخبر ما جاز على قائله التصديق والتكذيب وكذلك صنفه ثعلب في كتابه قواعد الشعر إلى أربعة أقسام : أمر ، ونهي ، وخبر واستخبار.

كما ذكره ابن فارس في كتابه الصاحبي فقال : أما أهل اللغة فلا يقولون في الخبر أكثر من أنه إعلام ...

وعده الرازي في كتابه نهاية الإيجاز القول المقتضى بتصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفي أو الإثبات ... المعجم المفصل ٦ / ٥٥٣ ـ ٥٥٤ وله أنواع متعددة ، منها الخبر الابتدائى ، والإنكارى ، والطلبي والخبر للاسترحام ، والخبر لإظهار التحسر ... إلخ.

(٢) في (غ) (والطب) وهو تصحيف.


التصديق ، ويكذبون أبدا في مقام التكذيب.

فلو لا أنهم عارفون للصادق والكاذب ، لما تأتى منهم ذلك. لكن العلم بالصادق والكاذب ، كما يشهد له عقلك ، موقوف على العلم بالخبر الصدق ، والخبر الكذب.

هذا والحدود التي تذكر كقولهم : الخبر هو الكلام المحتمل للصدق والكذب ، أو التصديق والتكذيب ، وكقولهم : هو الكلام المفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور نفيا أو إثباتا ، بعد تعريفهم الكلام بأنه : المنتظم من الحروف المسموعة المتميزة ، وكقول من قال : هو القول المقتضى بصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفي أو بالإثبات ، ليتها صلحت (١) للتعويل.

أما ترى الحد الأول حين عرف صاحبه الصدق بأنه الخبر عن الشيء على ما هو به ، والكذب بأنه الخبر عن الشيء لا على ما هو به ، كيف دار ، فخرج عن كونه معرفا. ومن ترك الصدق والكذب إلى التصديق والتكذيب ما زاد على أن وسع الدائرة.

والحد الثاني : أوجب أن يكون قولنا في باب الوصف : خ خ الغلام الذي لزيد أو خ خ ليس لزيد ، خبرا لكونه كلاما على قول صاحبه ، ومفيدا بصريحه إضافة أمر ، وهو الغلام ، إلى أمر ، وهو زيد ، بالإثبات في أحدهما ، والنفي في الآخر مع انتفاء كونه خبرا ، بدليل انتفاء لازم الخبر ، وهو صحة احتمال الصدق والكذب ، فلا نزاع في كون ذلك لازم الخبر ، إنما النزاع في أن يكون حدا ، والحال ما تقدم ، وكذا قولنا : خ خ أن زيدا غلام ، أو خ خ ليس غلاما ، (بفتح أن) كيف خرج عن أن يكون مطردا.

والحد الثالث : حين أوجب أن لا يكون قولنا : خ خ ما لا يعلم بوجه من الوجوه ، لا يثبت ولا ينفي خبر الامتناع أن يقال : ما لا يعلم بوجه من الوجوه ، معلوم ، مع أن الكلام خبر ، كيف خرج عن أن يكون منعكسا مع انتقاضه بالنقضين المذكورين ، وهما : الغلام الذي لزيد ، أو ليس لزيد ، وأن زيدا غلام ، أو ليس غلاما ، (بفتح أن) ،

__________________

(١) في (غ) (طحت) وهو تصحيف.


فتدبر.

ولسؤال المعلومية وجه دفع يذكر في الحواشي.

وأما في الطلب ؛ فلأن كل أحد يتمنى ، ويستفهم ، ويأمر ، وينهى ، وينادي ، يوجد كلا من ذلك في موضع نفسه عن علم ، وكل واحد من ذلك طلب مخصوص ، والعلم بالطلب المخصوص مسبوق بالعلم بنفس الطلب ، ثم إن الخبر والطلب بعد افتراقهما بحقيقتهما يفترقان باللازم المشهور ، وهو احتمال الصدق والكذب.

والكلام في الطلب ، وما نسبنا إليه ، لا يقصر على ما قرعنا به سمعك هنا ، لكنا سنفرغ في صماخيك بإذن الله تعالى ، أوان التصدي لتحقيقه ، ما ينقش صورته في ذهنك النقش الجلي ، ولنكتف بهذا القدر من التنبيه على استغناء الخبر والطلب عن التعريف الحديث ، ولنعين لمساق الحديث في كل واحد منهما قانونا.


القانون الأول

فيما يتعلق بالخبر

اعلم أن مرجع الخبرية ، واحتمال الصدق والكذب إلى حكم المخبر الذي بحكمه في خبره بمفهوم لمفهوم ، كما تجده فاعلا ذلك إذا قال : هو لزيد ، هو ليس لزيد ، لا إلى حكم مفعول يشير إليه إشارته إذا قال : خ خ الذي هو لزيد ، أو خ خ ليس لزيد ، فأوقعه صلة للموصول الذي من حقه أن يكون صلته قبل اقترانها به معلومة للمخاطب ، أو إذا قال : خ خ أنه زيد ، (بفتح أن) فنقل الحكم بثبوت الزيدية للضمير إلى جعله تصورا مشارا إليه يحكم له أو به ، إذا قال : خ خ حق إنه زيد ، أو قال : خ خ الذي أدعيه إنه زيد.

فأما السبب في كون الخبر محتملا للصدق والكذب ، فهو إمكان تحقق ذلك الحكم مع كل واحد منهما ، من حيث إنه حكم مخبر ، ومرجع كون الخبر مفيدا للمخاطب إلى استفادة المخاطب منه ذلك الحكم ، ويسمى هذا : فائدة الخبر ، كقولك : خ خ زيد عالم ، لمن ليس واقفا على ذلك ، أو استفادته منه أنك تعلم ذلك ، كقولك لمن حفظ التوراة : خ خ قد حفظت التوراة. ويسمى هذا لازم فائدة الخبر ، والأولى بدون هذه تمتنع ، وهذه بدون الأولى لا تمتنع ، كما هو حكم اللازم المجهول المساواة ، ومرجع كونه صدقا أو كذبا عند الجمهور إلى مطابقة ذلك الحكم للواقع ، أو غير مطابقته له ، وهو المتعارف بين الجمهور ، وعليه التعويل ، [وعند بعض إلى طباق الحكم لاعتقاد المخبر أو ظنه ، [وإلى [لا طباقه](١) لذلك ، سواء كان ذلك](٢) الاعتقاد أو الظن خطأ أو صوابا ، بناء على دعوى تبرئ المخبر عن الكذب ، متى ظهر خبره بخلاف الواقع ، واحتجاجه لها بأن لم يتكلم بخلاف الاعتقاد أو الظن ، لكن تكذيبنا لليهودي مثلا إذا قال : خ خ الإسلام باطل ، وتصديقنا له إذا قال : خ خ الإسلام حق ، ينحيان بالقلع على هذا ، ويستوجبان طلب تأويل لقوله تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا : نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ

__________________

(١) كذا في (ط) و (د) والمقصد أنه إما أن يرجع إلى طباقه أو إلى عدم طباقه.

(٢) ما بين المعكوفتين سقط من (غ).


يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)(١) ، وهو حمل قول المنافقين على كونه مقرونا بأنه قول عن صميم القلب. كما يترجم عنه (إنّ واللام) ، وكون الجملة اسمية في قولهم لأرباب البلاغة ، وسيأتيك تعرض لهذه الآية.

وإذ قد عرفت أن الخبر يرجع إلى الحكم بمفهوم لمفهوم ، وهو الذي نسميه الإسناد الخبري كقولنا : شيء ثابت ، شيء ليس ثابتا ، فأنت في الأول تحكم بالثبوت للشيء ، وفي الثاني باللاثبوت للشيء ، عرفت أن فنون الاعتبارات الراجعة إلى الخبر لا تزيد على ثلاثة : فن يرجع إلى حكم ، وفن يرجع إلى المحكوم له ، وهو المسند إليه ، وفن يرجع إلى المحكوم به ، وهو المسند.

أما الاعتبار الراجع إلى الحكم في التركيب من حيث هو حكم ، من غير التعرض لكونه لغويا أو عقليا ، فإن ذلك وظيفة بيانية ، فككون التركيب : تارة غير مكرر ، ومجردا عن لام الابتداء ، وأن المشبهة والقسم ، ولامه ، ونوني التأكيد ، كنحو : زيد عارف. وأخرى مكررا ، أو غير مجرد ، كنحو : عرفت عرفت ، ولزيد عارف ، وإن زيدا عارف ، وإن زيدا لعارف ، وو الله لقد عرفت ، أو لأعرفن ، في الإثبات ، وفي النفي كون التركيب غير مكررا ، ومقصورا على كلمة النفي مرة كنحو : ليس زيد منطلقا ، وما زيد منطلقا ، ولا رجل عندي ، ومرة مكررا كنحو : ليس زيد منطلقا ، ليس زيد منطلقا ، وغير مقصور على كلمة النفي كنحو : ليس زيد بمنطلق ، وما أن يقوم زيد ، وو الله ما زيد قائما ، فهذه ترجع إلى نفس الإسناد الخبري.

وأما الاعتبار الراجع إلى المسند إليه في التركيب من حيث ومسند إليه ، من غير التعرض لكونه حقيقة أو مجازا ، فككونه محذوفا كقولك : عارف ، وأنت تريد : زيد عارف ، أو ثابتا معرفا من أحد المعارف وستعرفها ، مصحوبا بشيء من التوابع ، أو غير مصحوب ، مقرونا بفصل أو غير مقرون ، أو منكرا مخصوصا أو غير مخصوص ، مقدما على المسند أو مؤخرا عنه.

__________________

(١) المنافقون : ١.


وأما الاعتبار الراجع إلى المسند من حيث هو مسند أيضا ، فككونه : متروكا أو غير متروك ، وكونه مفردا أو جملة ، وفي إفراده من كونه : فعلا أو اسما ، منكرا أو معرفا ، مقيدا [كل](١) من ذلك بنوع قيد أو غير مقيد ، وفي كونه جملة من كونها : اسمية ، أو فعلية ، أو شرطية ، أو ظرفية ، وكونه : مقدما أو مؤخرا. هذا إذا كانت الجملة الخبرية مفردة.

أما إذا انتظمت مع أخرى ، فيقع إذ ذاك اعتبارات سوى ما ذكر فن رابع ، ولا يتضح الكلام في جميع ذلك اتضاحه إلا بالتعرض لمقتضى الحال ، فبالحري أن لا نتخذه ظهريّا. فنقول ، والله الموفق للصواب.

لكل مقام مقال :

لا يخفى عليك أن مقامات الكلام متفاوتة ، فمقام التشكر يباين مقام الشكاية ، ومقام التهنئة يباين مقام التعزية ، ومقام المدح يباين مقام الذم ، ومقام الترغيب يباين مقام الترهيب ، ومقام الجد في جميع ذلك يباين مقام الهزل ، وكذا مقام الكلام ابتداء يغاير مقام الكلام ، بناء على الاستخبار أو الإنكار ، ومقام البناء على السؤال يغاير مقام البناء على الإنكار ؛ جميع ذلك معلوم لكل لبيب ، وكذا مقام الكلام مع الذكي يغاير مقام الكلام مع الغبي ، ولكل من ذلك مقتضى غير مقتضى الآخر.

ثم إذا شرعت في الكلام ، فلكل كلمة مع صاحبتها مقام ، ولكل حد ينتهي إليه الكلام مقام ، وارتفاع شأن الكلام في باب الحسن والقبول وانحطاطه في ذلك بحسب مصادفة الكلام لما يليق به ، وهو الذي نسميه مقتضى الحال ، فإن كان مقتضى الحال إطلاق الحكم ، فحسن الكلام تجريده عن مؤكدات الحكم ، وإن كان مقتضى الحال بخلاف ذلك ، فحسن الكلام تحلّيه بشيء من ذلك بحسب المقتضى ضعفا وقوة.

وإن كان مقتضى الحال طيّ ذكر المسند إليه ، فحسن الكلام تركه ، وإن كان المقتضى إثباته على وجه من الوجوه المذكورة ، فحسن الكلام وروده على الاعتبار

__________________

(١) كذا في (ط) و (د) و (غ). (كل) غير منصوبة.


المناسب ، وكذا إن كان المقتضى ترك المسند ، فحسن الكلام وروده عاريا عن ذكره ، وإن كان المقتضى إثباته مخصصا بشيء من التخصيصات ، فحسن الكلام نظمه على الوجوه المناسبة من الاعتبارات المقدم ذكرها ، وكذا إن كان المقتضى عند انتظام الجملة مع أخرى فصلها أو وصلها ، والإيجاز معها أو الإطناب ، أعني طي جمل عن البين ولا طيها ، فحسن الكلام تأليفه مطابقا لذلك. وما ذكرناه حديث إجمالي ، لا بد من تفصيله ، فاستمع لما يتلى عليك بإذن الله.

فنون الخبر :

وقد ترتب الكلام ههنا ، كما ترى ، على فنون أربعة :

الفن الأول : في تفصيل اعتبارات الإسناد الخبري.

الفن الثاني : في تفصيل اعتبارات المسند إليه.

الفن الثالث : في تفصيل اعتبارات المسند.

الفن الرابع : في تفصيل اعتبارات الفصل والوصل والإيجاز والإطناب.

وقبل أن نمنح هذه الفنون حقها في الذكر ننبهك على أصل ؛ لتكون على ذكر منه ، وهو أن ليس من الواجب في صناعة ، وإن كان المرجع في أصولها وتفاريعها إلى مجرد العقل ، أن يكون الدخيل فيها كالناشئ عليها ، في استفادة الذوق منها ، فكيف إذا كانت الصناعة مستندة إلى تحكمات وضعية ، واعتبارات إلفية ، فلا على الدخيل في صناعة علم المعاني أن يقلد صاحبها في بعض فتاواه ، إن فاته الذوق هناك إلى أن يتكامل له ، على مهل ، موجبات ذلك الذوق ، وكان شيخنا الحاتمي ، ذلك الإمام الذي لن تسمح بمثله الأدوار ، ما دار الفلك الدوار ، تغمده الله برضوانه ، يحيلنا بحسن كثير من مستحسنات الكلام ، إذا راجعناه فيها ، على الذوق. ونحن حينئذ ممن نبغ في عدة شعب من علم الأدب ، وصبغ بها يده ، وعانى فيها وكده وكده (١) ، وها هو الإمام عبد القاهر ، قدس الله روحه في خ خ دلائل الإعجاز كم يعيد هذا.

__________________

(١) في اللسان : وكد يكد وكدا أي أصاب ، ووكد وكده : قصد قصده وفعل مثل فعله. وما زال ذلك وكدى أى مرادى وهمّى. اللسان مادة (وكد).


الفن الأول

في تفصيل اعتبارات الإسناد الخبري

الخبر الابتدائي :

من المعلوم أن حكم العقل حال إطلاق اللسان ، هو أن يفرغ المتكلم في قالب الإفادة ما ينطق به تحاشيا عن وصمة اللاغبة ، فإذا اندفع في الكلام مخبرا ، لزم أن يكون قصده في حكمه بالمسند للمسند إليه في خبره ذاك ، إفادته للمخاطب ، متعاطيا مناطها بقدر الافتقار. فإذا ألقى الجملة الخبرية إلى من هو خالي الذهن عما يلقى إليه ، ليحضر طرفاها عنده ، وينتقش في ذهنه استناد أحدهما إلى الآخر ثبوتا أو انتفاء ، كفى في ذلك الانتقاش حكمه ، ويتمكن لمصادفته إياه خاليا :

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ...

فصادف قلبي خاليا فتمكّنا (١)

الخبر الطلبي :

فتستغنى الجملة عن مؤكدات الحكم ، وسمي هذا النوع من الخبر : ابتدائيا.

وإذا ألقاها إلى طالب لها ، متحير طرفاها عنده دون الاستناد ، فهو منه بين بين ، لينقذه عن ورطة الحيرة ، استحسن تقوية المنقذ بإدخال اللام في الجملة ، أو إن ، كنحو : لزيد عارف ، أو إن زيدا عارف.

وسمي هذا النوع من الخبر : طلبيا.

الخبر الإنكاري :

وإذا ألقاها إلى حاكم فيها بخلافه ، ليرده إلى حكم نفسه ، استوجب حكمه ليترجح تأكيدا بحسب ما أشرب المخالف الانكار في اعتقاده ، كنحو : خ خ إني صادق ، لمن ينكر

__________________

(١) البيت من الطويل وهو لمجنون بنى عامر ، أورده الجاحظ في البيان والتبيين (١ / ٤١) وفيه : (قلبا خاليا) وأورده الطيبى في التبيان (١ / ١٤٣) بتحقيقى.


صدقك إنكارا ، خ خ وإني لصادق ، لمن يبالغ في إنكار صدقك ، خ خ وو الله إني لصادق على هذا ، وإن شئت فتأمل كلام رب العزة علت كلمته : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ)(١).

حيث قال أولا : (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ). وقال ثانيا : (إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ.) كيف يقرر ما ألقى إليك ، ويسمى هذا النوع من الخبر : إنكاريا.

وإخراج الكلام في هذه الأحوال على الوجوه المذكورة يسمى إخراج مقتضى الظاهر ، وأنه في علم البيان يسمى بالتصريح ، كما ستقف عليه.

والذي أريناك ، إذا أعملت فيه البصيرة ، استوثقت من جواب أبي العباس للكندي حين سأله قائلا : إني أجد في كلام العرب حشوا ، يقولون : خ خ عبد الله قائم ، ثم يقولون : خ خ إن عبد الله قائم ، ثم يقولون : خ خ إن عبد الله لقائم ، والمعنى واحد ، قال : بل المعاني مختلفة وذلك أن قولهم (٢) : خ خ عبد الله قائم ، إخبار عن قيامه ، وقولهم : خ خ إن عبد الله قائم ، جواب عن سؤال سائل ، وقولهم : خ خ إن عبد الله لقائم ، جواب عن إنكار منكر قيامه.

هذا ثم إنك ترى المفلقين (٣) السحرة في هذا الفن ينفثون الكلام لا على مقتضى الظاهر كثيرا ، وذلك إذا أحلوا المحيط بفائدة الجملة الخبرية ، وبلازم فائدتها علما محل الخالي الذهن عن ذلك لاعتبارات خطابية ، مرجعها تجهيله بوجوه مختلفة ، وإن شئت فعليك بكلام رب العزة : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ

__________________

(١) سورة يس ، الآيات ١٤ ـ ١٦.

(٢) في النسخ كلها [وذلك إن قال : بل المعانى مختلفة فقولهم].

(٣) المفلقين : يقال : أفلق فلان اليوم وهو يفلق ، إذا جاء بعجب. وشاعر مفلق : مجيد ، يجىء بالعجائب في شعره. وأفلق في الأمر إذا كان حاذقا به. اللسان مادة (فلق).


ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(١) ، كيف تجد صدره يصف أهل الكتاب بالعلم على سبيل التوكيد القسمي ، وآخره ينفيه عنهم ، حيث لم يعملوا بعلمهم ، ونظيره في النفي والإثبات : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ)(٢) ، وقوله : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ)(٣) فيسوقون الكلام إلى هذا مساقه إلى ذلك ، وهكذا قد يقيمون من لا يكون سائلا مقام من يسأل ، فلا يميزون في صياغة التركيب للكلام بينهما ، وإنما يصبون لهما في قالب واحد ، إذا كانوا قدموا إليه ما يلوح مثله للنفس اليقظى بحكم ذلك الخبر ، فيتركها مستشرفة له استشراف الطالب المتحير ، يتميل بين إقدام للتلويح ، وإحجام لعدم التصريح ، فيخرجون الجملة إليه مصدرة بأن ، ويرون سلوك هذا الأسلوب في أمثال هذه المقامات من كمال البلاغة ، وإصابة المحزّ ، أو ما ترى بشارا كيف سلكه في رائيته (٤) :

بكّرا صاحبيّ قبل الهجير ...

إنّ ذاك النّجاح في التّبكير

حين استهواه التشبه بأئمة صناعة البلاغة المهتدين بفطرتهم إلى تطبيق مفاصلها ،

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٠٢.

(٢) سورة الأنفال ، الآية : ١٧.

(٣) سورة التوبة الآية : ١٢.

(٤) بشار بن برد بن يرجوخ ، العقيلي بالولاء ، ولد بالبصرة ، ونشأ في بني عقيل ، اختلف إلى البوادى لاكتساب اللغة ، وكان أعمى ، هجا الخليفة فأمر صاحب شرطته ، فضربه بالسوط حتى مات سنة ١٦٧ ه‍. وقد أوفى على السبعين من العمر. انظر : الأغاني : ٣ / ١٢٩ ٢٤٥ ، وفيات الأعيان : ١ / ١٢٥ ، تجريد الأغاني : ٣٧٢ ، الشعر والشعراء ٧٦١.

والبيت من الخفيف وهو في ديوانه (٣ / ٢٠٣) ، ودلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني (٢٧٢ ، ٣١٦ ، ٣٢٣) ، والإشارات للجرجاني ص ٣١ والهجير : من الزوال إلى العصر أو شدة الحر.

والشاهد أن في الشطر الأول يلوح بالثاني ، ولهذا أتى به مؤكدا.


وهم الأعراب الخلص من كل خارش يربوع وضبّ ، تلقاه في بلاغته يضع الهناء مواضع النقب (١) ، دون المولدين الذين قصارى أمرهم في مضمار البلاغة أوان الاستباق ، إذا استفرغوا مجهودهم ، الاقتداء بأولئك.

ومن الشواهد لما نحن فيه ، شهادة غير مردودة ، رواية الأصمعي تقبيل خلف الأحمر بين عيني بشار بمحضر أبي عمرو بن العلاء حين استنشداه قصيدته هذه ، على ما روي من أن خلفا قال لبشار بعد ما أنشد القصيدة : لو قلت يا أبا معاذ ، مكان خ خ إن ذاك النجاح خ خ بكّرا ، فالنجاح في التبكير كان أحسن ، فقال بشار : إنما قلتها ، يعني قصيدته أعرابية وحشية ، فقلت : إن ذاك النجاح في التبكير ، كما يقول الأعراب البدويون ، ولو قلت : خ خ بكرا فالنجاح في التبكير ، كان هذا من كلام المولدين ، ولا يشبه ذلك الكلام ، ولا يدخل في معنى القصيدة التي قلتها. فقام خلف فقبل [بين عينيه](٢).

فهل فحوى ما جرى بين بشار وصاحبيه ، وهم من فحولة هذا النوع ، ومن المهرة المتقنين ، والسحرة المؤخذين (٣) ، إلا راشحة بتحقيق ما أنت منه على ريبة ، وقل لي مثل بشار ، وقد تعمد أن يهدر بشقشقة سكان مهافّي الريح ؛ من كل ماضغ قيصوم (٤) وشيح ، إذا خاطب ، خ خ ببكرا : محرضا صاحبيه على التشمير عن ساق الجد في شأن

__________________

(١) النّقب والنّقب : القطع المتفرقة من الجرب ، الواحدة نقبة ، وقيل : هى أول ما يبدو من الجرب قال دريد ابن الصّمّة :

مبتذلا تبدو محاسنه ..

يضع الهناء مواضع النّقب

وقيل : النّقب : الجرب عامة.

والهناء : ضرب من القطران. [لسان العرب : ٦ / ٤٥١٣] مادة نقب.

(٢) سقطت من النسخ وأثبتناها من دلائل الإعجاز (٢٧٣) (ط) المدني تعليق محمود شاكر.

(٣) المؤخذين : من الأخذة وهى رقية تأخذ العين ونحوها كالسحر. اللسان مادة (أخذ).

(٤) القيصوم : ما طال من العشب وهو كالقيعون (عن كراع) والقيصوم : من نبات السّهل ، قال أبو حنيفة : القيصوم من الذكور ومن الأمرار ، وهو طيب الرائحة من رياحين البر ، وورقه هدب ، وله نورة صفراء وهى تنهض على ساق وتقوم.

وقال جرير :

[نبتت بمنبته فطاب لشمها

ونأت عن الجثجاث والقيصوم]. اللسان (قصم)


السفار ، أفتراه لا يتصورهما حائمين حول : هل التبكير يثمر النجاح ، فيتجانف عن التوكيد ، ولا يتلقاهما (بإن) ، هيهات ، ونظيره (١) :

فغنّها وهي لك الفداء ...

إنّ غناء الإبل الحداء

وفي التنزيل : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ)(٢) وكذا : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)(٣) ، وكذا : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)(٤) وكذا : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)(٥) وأمثال ذلك كثيرة.

وإذا صادف ما أريناك بصيرة منك ، ووقفت على ما سيأتيك في الفن الرابع ، أعثرك في باب النقد لتركيبات الجمل الخبرية في نحو : اعبد ربك ، إن العبادة حق له ، واعبد ربك فالعبادة حق له ، واعبد ربك العبادة حق له ، على تفاوتها هناك ، واجدا من نفسك فضل الأولى على الثانية بحسب المقام ، ورداءة الأخيرة تارة ، والحكم بالعكس أخرى ، وكنت الحاكم الفيصل بإذن الله تعالى.

وكذلك قد ينزلون منزلة المنكر من لا يكون إياه ، إذا رأوا عليه شيئا من ملابس

__________________

(١) البيت من الرجز بلا نسبة في دلائل الإعجاز لعبد القاهر ٢٧٣ ، ٣١٦ وجمهرة اللغة ص ٩٦٤ ، ١٠٤٧ والإيضاح (١ / ٩٤) (ط) دار الكتاب اللبناني والإشارات للجرجاني ص ٣١ والضمير في قوله :

فغنها للإبل ، أي : فغن لها. والحداء بضم الحاء وكسرها مصدر حدا الإبل إذا ساقها وغنى لها ، والشاهد في أنه حين يقول : غنها ؛ ليشتدّ سيرها ، يفهم السامع أن غناءها هو الحداء الذي تساق به فتستشرف له نفسه.

(٢) المؤمنون الآية : ٢٧.

(٣) سورة يوسف الآية : ٥٣.

(٤) سورة التوبة ، الآية : ١٠٣.

(٥) سورة الحج ، الآية : ١.


الإنكار ، فيحوكون حبير الكلام لهما على منوال واحد ، كقولك لمن تصدى لمقاومة مكاوح (١) أمامه ، غير متدبر ، مغترا بما كذبته النفس من سهولة تأتيها له ، إن أمامك مكاوحا لك.

ومن هذا الأسلوب قوله (٢) :

جاء شقيق عارضا رمحه ...

إنّ بني عمّك فيهم رماح

ويقلبون هذه القضية مع المنكر إذا كان معه ما إذا تأمله ارتدع عن الإنكار ، فيقولون لمنكر الإسلام : الإسلام حق ، وقوله جل وعلا في حق القرآن : (لا رَيْبَ فِيهِ)(٣) وكم من شقي مرتاب فيه ، وارد على ذا.

وهذا النوع ، أعني نفث الكلام لا على مقتضى الظاهر ، متى وقع عند النظار موقعه استهش الأنفس ، وأنق الأسماع ، وهز القرائح ، ونشّط الأذهان ، ولأمر ما تجد أرباب البلاغة ، وفرسان الطراد في ميدانها الرامية في حدق البيان ، يستكثرون من هذا الفن في محاوراتهم ، وأنه في علم البيان يسمى : بالكناية ، وله أنواع تقف عليها وعلى وجه حسنها بالتفصيل هناك ، بإذن الله تعالى.

وأن هذا الفن ، فن لا تلين عريكته ، ولا تنقاد قرونته بمجرد استقراء صور منه ، وتتبع مظان أخوات لها ، وإتعاب النفس بتكرارها ، واستيداع الخاطر حفظها وتحصيلها ، بل لا بد من ممارسات لها كثيرة ، ومراجعات فيها طويلة ، مع فضل إلهي من سلامة فطرة ، واستقامة طبيعة ، وشدة ذكاء ، وصفاء قريحة ، وعقل وافر.

__________________

(١) مكاوح : مقاتل.

(٢) البيت لحجل بن نضلة الباهلي وهو شاعر جاهلى ، دلائل الإعجاز للجرجاني ص ٣٠٤ ، ٣١٢ والمصباح (٦) والإيضاح للقزويني (١ / ٢٠).

وبعده : هل أحدث الدهر لنا ذلة أم هل رنت أم شقيق سلاح.

(٣) سورة البقرة ، الآية ٢.


ومن أتقن الكلام في اعتبارات الاعتبارات ، وقف على اعتبارات النفي. واعلم أنك إذا حذقت في هذا الفن ؛ لصدق همتك ، واستفراغ جهدك فيه ، وبالحري ، أمكنك التسلق به إلى العثور على السبب في إنزال رب العزة قرآنه المجيد على هذه المناهج ، إن شاء الله تعالى.


الفن الثاني

في تفصيل اعتبارات المسند إليه (١)

لما تقرر أن مدار حسن الكلام وقبحه على انطباق تركيبه على مقتضى الحال ، وعلى لا انطباقه ، وجب عليك أيها الحريص على ازدياد فضلك ، المنتصب لاقتداح زناد عقلك ، المتفحص عن تفاصيل المزايا التي بها يقع التفاضل ، وينعقد بين البلغاء في شأنها التسابق والتناضل ـ أن ترجع إلى فكرك الصائب ، وذهنك الثاقب ، وخاطرك اليقظان ، وانتباهك العجيب الشان ، ناظرا بنور عقلك ، وعين بصيرتك ، في التصفح لمقتضيات الأحوال في إيراد المسند إليه على كيفيات مختلفة ، وصور متنافية ، حتى يتأتى بروزه عندك لكل منزلة في معرضها ، فهو الرهان الذي يجرب به الجياد ، والنضال الذي يعرف به الأيدي الشداد ، فتعرف أيما حال يقتضي طي ذكره ، وأيما حال يقتضي خلاف ذلك ، وأيما حال يقتضي تعرفه : مضمرا ، أو علما ، أو موصولا ، أو اسم إشارة ، أو معرفا باللام ، أو بالإضافة ؛ وأيما حال يقتضي تعقيبه بشيء من التوابع الخمسة ، والفصل ، وأيما حال يقتضي تنكره ، وأيما حال يقتضي تقديمه على المسند ، وأيما حال يقتضي تأخيره عنه ، وأيما حال يقتضي تخصيصه أو إطلاقه حال التنكير ، وأيما حال يقتضي قصره على الخبر.

طيّ ذكر المسند إليه :

أما الحالة التي تقتضي طي ذكر المسند إليه فهي : إذا كان السامع مستحضرا له ، عارفا منك القصد إليه عند ذكر المسند ، والترك راجع إما لضيق المقام ، وإما للاحتراز عن العبث بناء على الظاهر ، وإما لتخييل أن في تركه تعويلا على شهادة العقل ، وفي ذكره تعويلا على شهادة اللفظ من حيث الظاهر ، وكم بين الشهادتين ، وإما لإيهام أن

__________________

(١) المسند اصطلاحا : المتحدث به ، أو المحمول أو الخبر.

والمسند إليه : هو موضوع الكلام أو المتحدث عنه. ويسمى أيضا : المحكوم عليه.


في تركه تطهيرا للسان عنه ، أو تطهيرا له عن لسانك ، وإما للقصد إلى عدم التصريح ؛ ليكون لك سبيل إلى الإنكار إن مست إليه حاجة ، وإما لأن الخبر لا يصلح إلا له حقيقة ، كقولك : خالق لما يشاء ، فاعل لما يريد ، أو ادعاء ، وإما لأن الاستعمال وارد على تركه ، أو ترك نظائره ، كقولهم : خ خ نعم الرجل زيد ، على قول من يرى أصل الكلام : خ خ نعم الرجل هو زيد ، وإما لأغراض سوى ما ذكر ، مناسبة في باب الاعتبار بحسب المقامات لا يهتدي إلى أمثالها إلا العقل السليم ، والطبع المستقيم ، وقلما ملك الحكم هناك شيء غيرهما ، فراجعهما في مثل (١) :

قال لي كيف أنت قلت عليل ...

سهر دائم وحزن طويل

كيف تجد الحكم إذ لم يقل : أنا عليل ، وفي مثل قوله ، حين شكا ابن عمه فلطمه ، فأنشأ يقول (٢) :

سريع إلى ابن العمّ يلطم وجهه ...

وليس إلى داعي النّدا بسريع

حريص على الدنيا مضيع لدينه ...

وليس لما في بيته بمضيع

حيث لم يقل : هو سريع ، وفي مثل قوله (٣) :

سأشكر عمرا إن تراخت منيّتي ...

أيادي لم تمنن وإن هي جلّت

__________________

(١) البيت من الخفيف ، ولم أعثر على قائله ، وهو في دلائل الإعجاز غير منسوب ١٨٤ ، والمعاهد (١ / ١٠٠) والإيضاح (١ / ٣٢ ، ٥٦).

(٢) البيتان من الطويل وهما للمغيرة بن عبد الله الملقب بالأقيشر الأسدي ؛ لحمرة وجهه ، شاعر ماجن وصّاف للخمر ، مدمن لها ، توفى سنة ٨٠ ه‍ وهما في المعاهد (٣ / ٢٤٢) والإيضاح (١ / ٣٣) بلا عزو ، ودلائل الإعجاز ٩٩.

(٣) البيتان من الطويل وهما لعبد الله بن الزبير الأسدي يمدح عمرو بن عثمان بن عفان في شعره (١٤٢) ، ونسبهما في الحماسة البصرية (١ / ١٣٥) إلى عمرو بن كميل ، وهما في ديوان إبراهيم بن العباس الصولي في الطرائف الأدبية (١٣٠) وفي التبيان للإمام الطيبي (١ / ١٤٧).


فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ...

ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلّت

إذ لم يقل : هو فتى ، وفي مثل قوله (١) :

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ...

دجى الليل حتّى نظم الجزع ثاقبه

نجوم سماء كلّما انقضّ كوكب ...

بدا كوكب تأوي إليه كواكبه

حين لم يقل : هم نجوم سماء ، وقوله عز قائلا : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها)(٢) إذ لم يقل : هذه سورة أنزلناها ، وقوله : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ)(٣). إذ لم يقل : هي نار حامية ، وقوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)(٤). وقوله : (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ)(٥). على أحد الاعتبارين فيهما. وهو : فأمري صبر جميل ، وأمركم ، أو الذي يطلب منكم ، أو طاعتكم طاعة معروفة ، بحسب تفسير (المعروفة).

إثبات المسند إليه :

وأما الحالة التي تقتضي إثباته فهي : أن يكون الخبر عام النسبة إلى كل مسند إليه ، والمراد تخصيصه بمعين كقولك : خ خ زيد جاء ، وعمرو ذهب ، وخالد في الدار ، وقوله (٦) :

__________________

(١) البيتان من الطويل وينسبان لأكثر من شاعر ، فينسبان لحنظلة بن الشرفى المعروف بأبي الطميحان القينى ، وقيل : هما للقيط بن زرارة بن عدس من تميم ، وصحح ابن قتيبة نسبتهما إليه.

انظر قواعد الشعر ٤٥ ، وديوان المعاني ٢٣ ، والحيوان ٣ / ٩٣ ، ومعاهد التنصيص ١ / ١٠٠ ،

(٢) سورة النور ، الآية : ١.

(٣) سورة القارعة ، الآيتان : ١٠ ـ ١١.

(٤) سورة يوسف ، الآية : ١٨.

(٥) سورة النور ، الآية : ٥٣.

(٦) البيت من الكامل ، وهو لامرئ القيس بن جندح بن حجر في ديوانه ص ٢٣٨ وأساس البلاغة (حقب) وتاج العروس ٢ / ٣٠٠ (حقب) المعجم المفصل (٦ / ٤٨٠).


الله أنجح ما طلبت به ...

والبرّ خير حقيبة الرّحل

وقوله (١) :

النفس راغبة إذا رغّبتها ...

وإذا تردّ إلى قليل تقنع

أو يذكر احتياطا في إحضاره في ذهن السامع لقلة الاعتماد بالقرائن ، أو للتنبيه على غباوة السامع ، أو لزيادة الإيضاح والتقرير ، أو لأن في ذكره تعظيما للمذكور ، أو إهانة له ، كما يكون في بعض الأسامي ، والمقام مقام ذلك ، أو يذكر تبركا به واستلذاذا له ، كما يقول الموحد : خ خ الله خالق كل شيء ، ورازق كل حي ، أو لأن إصغاء السامع مطلوب فيبسط الكلام افتراضا بسط موسى إذ قيل له : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ)(٢) وكان يتم الجواب بمجرد أن يقول : عصا ، ثم ذكر المسند إليه وزاد : فقال (هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى)(٣) ، ونظيره في البسط : (نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ)(٤) قد بسطوا الكلام ابتهاجا منهم بعبادة الأصنام ، وافتخارا بمواظبتها ، منحرفين عن الجواب المطابق المختصر ، وهو أصناما. أو لأن الأصل في المسند إليه هو كونه مذكورا أو ما جرى هذا المجرى.

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو لخويلد بن خالد المعروف بأبى ذؤيب الهذلي في الدرر (٣ / ١٠٢) ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٦٩٣ ، وشرح أشعار الهذليين (١ / ٧) وبلا نسبة في همع الهوامع (١ / ٢٠٦).

(٢) سورة طه ، الآية : ١٧.

(٣) سورة طه ، الآية ١٨. وفي ذكر المسند إليه هنا نكتة أخرى ، وهى أنه لما كان السؤال عن العصا وهى شىء معلوم لا يرتاب فيه ولا يحتاج إلى السؤال عنه ، فكأن ذلك أوقع في نفس موسى تشكيك السائل ، سبحانه ، له في حقيقة المسئول عنه ، فلجأ موسى إلى التأكيد بذكر المسند إليه. وهنا أمر آخر ينبغي الالتفات إليه ، وهو مراعاة حال المتكلم ، حيث يدل ذلك الإطناب من موسى ، عليه‌السلام ، ما كان عليه من أريحية وائتناس بمخاطبة الذات العلية ورغبته في إطالة المقام. والله تعالى أعلم.

(٤) سورة الشعراء ، الآية : ٧١.


المسند إليه معرفة :

وأما الحالة التي تقتضي تعرفه : فهي إذا كان المقصود من الكلام إفادة السامع فائدة يعتد بمثلها ، والسبب في ذلك هو أن فائدة الخبر لما كانت هي الحكم ، أو لازمه كما عرفت في أول قانون الخبر ، ولازم الحكم وهو أنك تعلم الحكم (١) أيضا ، ولا شبهة أن احتمال تحقق الحكم متى كان أبعد ، كانت الفائدة في تعريفه أقوى ، ومتى كان أقرب ، كانت أضعف ، وبعد تحقق الحكم بحسب تخصيص المسند إليه ، والمسند كلما ازداد تخصصا ازداد الحكم بعدا ، وكلما ازداد عموما ازداد الحكم قربا ، وإن شئت فاعتبر حال الحكم في قولك : شيء ما موجود ، وفي قولك : فلان ابن فلان حافظ للتوراة والإنجيل ، يتضح لك ما ذكرت ، ثم إن تخصص المسند إليه ، إما أن يكون لكونه أحد أقسام المعرفات فحسب ، وهي : المضمرات ، الأعلام ، المبهمات ، أعني : الموصولات ، وأسماء الإشارة المعرفات باللام ، المضافات إلى المعارف إضافة حقيقية ، مع القيد المذكور في علم النحو ، أو لما زاد على ذلك : من كونه مصحوبا بشيء من التوابع الخمسة ، والضمير المسمى فصلا ، وإما أن يكون لا لما ذكرنا ، كما ستقف عليه ، ولكل من ذلك حالة تقتضيه.

المسند إليه ضميرا :

وأما الحالة التي تقتضي كونه مضمرا ، فهى : إذا كان المقام مقام حكاية كقوله (٢) :

أنا الذي يجدوني في صدورهم ...

لا أرتقي صدرا منها ولا أرد

وقوله (٣) :

أنا المرعث لا أخفى على أحد ...

ذرت بي الشمس للقاصى وللداني

__________________

(١) في (ط) و (د): (حكم).

(٢) البيت من البسيط ولم أعثر على قائله.

(٣) البيت من البسيط ، وهو في الإيضاح (١ / ١١٣) لبشار بن برد الملقب بالمرعّث ، وفي ديوانه ص ٢٤٠.


وقوله (١) :

ونحن التاركون لما سخطنا ....

ونحن الآخذون لما رضينا

وقوله (٢) :

ونحن بنو عمّ على ذاك بيننا ....

زرابيّ فيها بغضة وتنافس

ونحن كصدع العسّ إن يعط شاعبا ...

يدعه وفيه عيبه متناحس

أو مقام خطاب كقوله (٣) :

يا بن الأكارم من عدنان قد علموا ...

وتالد المجد بين العمّ والخال

أنت الذي تنزل الأيّام منزلها ...

وتمسك الأرض من خسف وزلزال

وقوله (٤) :

قد كان قبلك أقوام فجعت بهم ...

خلى لنا هلكهم سمعا وأبصارا

أنت الذي لم تدع سمعا ولا بصرا ...

إلا شفا ، فأمرّ العيش إمرارا

__________________

(١) البيت من الوافر ، لعمرو بن كلثوم شاعر جاهلي معروف ، والبيت من معلقته. شرح المعلقات للزوزني (٢٥٣ ، ٢٥٨) ، وديوان المعاني ١١٠ ، والتبيان (١ / ١٤٩) بتحقيقى ولا يخفى ما يدل عليه ذكر المسند إليه مضمرا في هذا الشاهد وسابقه من الدلالة على الفخر.

(٢) البيتان من الطويل لأرطأه بن سهية المري ، الحماسة (١ / ٣٩٧ ، ٣٩٨) وزرابي : واحدها زربية وهى البسط. والعس : القدح الكبير. وشاعبا : هو من يصلح القداح. ومتناحس : متباعد فاسد.

والبيت الثاني في لسان العرب (٤ / ٢٢١١) (شخس) منسوب لأرطأة راويه عن ابن الأعرابي.

(٣) البيتان من البسيط ، وهما لعلى بن جبلة الملقب بالعكوّك ، وهما في ديوانه (٣٣).

(٤) البيتان من البسيط ولم أعثر على قائلهما ، والشفا : القليل ، يقال : ما بقى من الشمس والقمر إلا شفى أي قليل. اللسان مادة : (شفى).


وقوله (١) :

وأنت الذي كلّفتني دلج السرى ...

وجون القطا بالجهلتين جثوم

وقولها (٢) :

وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني ...

وأشمتّ بي من كان فيك يلوم

وحق الخطاب أن يكون مع مخاطب معين ، ثم يترك إلى غير معين ، كما تقول : خ خ فلان لئيم ، إن أكرمته أهانك ، وإن أحسنت إليه ، أساء إليك.

فلا تريد مخاطبا بعينه ، كأنك قلت : خ خ إن أكرم أو أحسن إليه ، قصدا إلى أن سوء معاملته لا يختص واحدا دون واحد ، وأنه في القرآن كثير يحمل قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ)(٣) على العموم ؛ قصدا إلى تفظيع حال المجرمين ، وأن قد بلغت من الظهور إلى حيث يمتنع خفاؤها ألبتة ، فلا تختص رؤية راء دون راء دون راء ، بل كل من يتأتى منه الرؤية فله مدخل في هذا الخطاب ، وكذا أمثال له. أو كان المسند إليه في ذهن السامع لكونه مذكورا ، أو في حكم المذكور ، لقرائن الأحوال ، ويراد الإشارة إليه ؛ كنحو قوله (٤) :

من البيض الوجوه بني سنان ...

لو انّك تستضىء بهم أضاءوا

__________________

(١) البيت من الطويل ، لابن الدمينة عبد الله بن عمر الخثعمي في ديوانه (٤٢).

الدّلجة : سير السحر. والسّرى : سير الليل.

(٢) البيت من الطويل وهو لمعشوقة ابن الدمينة في ديوانه ص ٢٤ تجيبه به ، ولأميمة امرأته في الأغاني ١٧ / ٥٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٣٨١ ، وبلا نسبة في البيان والتبيين ٣ / ٣٧٠ وفي الحيوان (٣ / ٥٥).

(٣) سورة السجدة : الآية : ١٢.

(٤) البيتان من الوافر ، وهما لأبي البرج القاسم بن جبل الذبياني ؛ شاعر إسلامي. شرح الحماسة ١٦٥٨ ، الإيضاح ١ / ١١٤ بلا عزو ، وقبلهما : أرى الخلان بعد أبي حبيب بحجر في جنابهم خفاء.


هم حلّوا من الشّرف المعلّى ...

ومن حسب العشيرة حيث شاءوا

وقوله (١) :

بيمن أبي إسحاق طالت يد العلى ...

وقامت قناة الدين واشتدّ كاهله

هو البحر من أيّ النّواحي أتيته ...

فلجّته المعروف والبرّ ساحله (٢)

وقوله (٣) :

أرى الصبر محمودا وعنه مذاهب ...

فكيف إذا لم يكن عنه مذهب

هو المهرب المنجي لمن أحدقت به ...

مكاره دهر ليس عنهنّ مهرب

المسند إليه علما :

وأما الحالة التي تقتضي كونه علما ، فهي إذا كان المقام مقام إحضار له بعينه في ذهن السامع ابتداء بطريق يخصه. كنحو : زيد صديق لك ، وعمرو عدو لك ، وفي قوله (٤) :

أبو مالك قاصر فقره ...

على نفسه ومشيع غناه

وقوله (٥) :

__________________

(١) البيتان من الطويل وهما لأبي تمام في ديوانه (٢ / ٢٠٣) والتبيان (١ / ١٤٩).

(٢) في (غ): (ساحه).

(٣) البيتان من الطويل وهما لابن الرومى في ديوانه ص ٣١٥.

(٤) البيت من المتقارب وهو لمالك بن عويمر المعروف بالمتنخل الهذلي من قصيدة له في رثاء أبيه وكان يكنى أبا مالك. الحماسة ص ٥٥٢ ، ١٠٧٩ وديوان الهذليين (٣ / ٢٧٧).

(٥) البيت من الكامل وهو للحارث بن هشام في الاعتذار عن فراره عن أخيه أبي جهل يوم بدر ، شرح الحماسة (١ / ١٨٨).


الله يعلم ما تركت قتالهم

حتّى علوا فرسي بأشقر مزبد

قال تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ)(١) أو مقام تعظيم ، والاسم صالح لذلك ، كما في الكنى والألقاب المحمودة ؛ أو إهانة والاسم صالح كالأسامي المذمومة ، أو كناية مثل قوله : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ،) أي يدا جهنمي. أو مقام إيهام أنك تستلذ اسمه العلم ، أو تتبرك به ، أو ما شاكل ذلك (٢) مما له مدخل في الاعتبار.

المسند إليه اسما موصولا :

وأما الحالة التي تقتضي كونه موصولا : فهي متى صح إحضاره في ذهن السامع بوساطة ذكر جملة معلومة الانتساب إلى مشار إليه ، واتصل بإحضاره بهذا الوجه غرض مثل : أن لا يكون لك منه أمر معلوم سواه ، أو لمخاطبك ، فتقول : خ خ الذي كان معك أمس لا أعرفه ، خ خ والذي كان معنا أمس رجل عالم فأعرفه ، أو خ خ الذين في بلاد الشرق لا أعرفهم ، أو لا تعرفهم ، أو لا نعرفهم.

أو أن تستهجن التصريح بالاسم ، أو أن يقصد زيادة التقرير كما في قوله عز وعلا : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ)(٣). والعدول عن التصريح باب من البلاغة يصار إليه كثيرا ، وإن [أورث](٤) تطويلا.

__________________

(١) سورة المسد ، الآية ١.

(٢) في (ط) (أو ما شاكل كل ذاك).

(٣) سورة يوسف ، الآية : ٢٣ ، قال الألوسي : والعدول عن التصريح باسمها للمحافظة على الستر ما أمكن. أو للاستهجان بذكره وإيراد الوصول دون امرأة العزيز مع أنه أخصر وأظهر لتقرير المراودة فإن كونه في بيتها مما يدعو إلى ذلك ولإظهار كمال نزاهته عليه‌السلام فإن عدم ميله إليها مع دوام مشاهدته لمحاسنها واستعصائه عليها مع كونه تحت يدها ينادي بكونه عليه‌السلام في أعلى مدارج العفة. روح المعاني (١٢ / ٢١١).

(٤) في (ط) و (غ): (أردت) ، وهو خطأ بلا شك ، ومخالف لما في (د) و (ك).


يحكى عن شريح : أن رجلا أقر عنده بشيء ، ثم رجع ينكر ، فقال له شريح : خ خ شهد عليك ابن أخت خالتك ، آثر شريح التطويل ليعدل عن التصريح بنسبة الحماقة إلى المنكر ، لكون الإنكار بعد الإقرار إدخالا للعنق في ربقة الكذب لا محالة ، أو للتهمة.

وكذا ما يحكى عنه : أن عدي بن أرطاة أتاه ومعه امرأة له من أهل الكوفة يخاصمها ، فلما جلس بين يدي شريح قال عدي : أين أنت؟ قال : بينك وبين الحائط. قال : إني امرؤ من أهل الشام. قال : بعيد سحيق. قال : وإني قدمت العراق. قال : خير مقدم. قال : وتزوجت هذه. قال : بالرفاء والبنين. قال : وإنها ولدت غلاما. قال : ليهنك الفارس. قال : وأردت أن أنقلها إلى داري. قال : المرء أحق بأهله. قال : قد كنت شرطت لها وكرها. قال : الشرط أملك. قال : اقض بيننا. قال : فعلت. قال : فعلى من قضيت؟ قال : على ابن أمك.

عدل شريح عن لفظ عليك لئلا يواجهه بالتصريح على ما يشق على المخاصم من القضاء عليه.

أو أن تومىء بذلك إلى وجه بناء الخبر الذي تبنيه عليه ، فتقول : خ خ الذين آمنوا لهم درجات النعيم ، والذين كفروا لهم دركات الجحيم ، ثم يتفرع على هذا اعتبارات لطيفة ربما جعل ذريعة إلى التعريض بالتعظيم ، كقولك : خ خ الذي يرافقك يستحق الإجلال والرفع ، والذي يفارقك يستحق الإذلال والصفع ، ومنه قولهم : خ خ جاء بعد اللتيا والتي (١).

وسيأتيك في فصل الإيجاز معناه ، أو بالإهانة ، كما إذا قلبت الخبر في الصورتين ، وربما جعل ذريعة إلى تعظيم شأن الخبر ، كقوله (٢) :

__________________

(١) اللتيا : تصغير التي ، وهي الداهية الصغيرة والتي الداهية الكبيرة.

(٢) البيت من الكامل. وهو للفرزدق همام بن غالب ، يفتخر ببيته في تميم على جرير ، المعاهد (١ / ١٠٣ ـ ١٠٤) والتبيان (١ / ١٥٦).


إنّ الذي سمك السّماء بني لنا

بيتا دعائمه أعزّ وأطول

وربما جعل ذريعة إلى تحقيق الخبر ، كقوله (١) :

إنّ التي ضربت بيتا مهاجرة

بكوفة الجند غالت ودّها غول

وربما جعل ذريعة إلى التنبيه للمخاطب على خطأ ، كقوله :

إنّ الذين ترونهم إخوانكم

يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا (٢)

أو على معنى آخر ، كقوله (٣) :

إنّ الذي الوحشة في داره

يؤنسه الرحمة في لحده

وربما قصد بذلك أن يتوجه ذهن السامع إلى ما سيخبر به عنه منتظرا لوروده عليه ، حتى يأخذ منه مكانه إذا ورد ، كقوله (٤) :

والذي حارت البرية فيه

حيوان مستحدث من جماد

وفي هذه الاعتبارات كثرة ، فحم لها حول ذكائك.

المسند إليه اسم إشارة :

وأما الحالة التي تقتضي كونه اسم إشارة : فهي متى. صح إحضاره في ذهن السامع بوساطة الإشارة إليه حسّا ، واتصل بذلك داع ، مثل أن لا يكون لك أو لسامعك طريق

__________________

(١) البيت من البسيط وقائله عبدة بن الطيب واسم أبيه يزيد بن عمرو ، شعره (٥٩) ، التبيان للطيبى (١ / ١٥٥) بتحقيقى وتاج العروس (٢٤ / ٣٤١)

(٢) البيت من الكامل وهو لعبدة بن الطيب وهو شاعر مخضرم. (شعره / ٤٨) ، التبيان (١ / ١٥٦) المفضليات (١٤٧) شرح عقود الجمان ص ٦٧) معاهد التنصيص (١ / ١٠٠).

(٣) البيت من السريع وقائله أبو العلاء المعرى ، سقط الزند (٢٨) والتبيان للطيبى (١ / ١٥٦).

(٤) البيت من الخفيف وصاحبه أبو العلاء المعرى سقط الزند (٢ / ١٠٠٤) والإيضاح ص ١٣٥ ، ومعاهد التنصيص (١ / ١٣٥) وعقود الجمان (١ / ٦٨).


إليه سواها ، أو أن تقصد بذلك أكمل تمييز له وتعيين ، كقوله (١) :

هذا أبو الصّقر فردا في محاسنه

من نسل شيبان بين الضّال والسّلم

وقوله (٢) :

وإذا تأمّل شخص ضيف مقبل

متسربل سربال ليل أغبر

أومى إلى الكوماء : هذا طارق

نحرتني الأعداء إن لم تنحري

وقوله (٣) :

ولا يقيم على ضيم يراد به

إلّا الأذلّان : عير الحيّ والوتد

هذا على الخسف مربوط برمّته

وذا يشجّ ، فلا يرثى له أحد

وقوله (٤) :

أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا

وإن عاهدوا أوفوا ، وإن عقدوا شدّوا

أو أن يقصد بيان حاله في القرب والبعد والتوسط ، كقولك : هذا وذلك وذاك ، ثم تتفرع على ما ذكر وجوه من الاعتبار ، مثل : أن تقصد بذلك كمال العناية بتمييزه

__________________

(١) البيت من البسيط ينسب إلى ابن الرومي أبي الحسن علي بن العباس بن جريج الشاعر الهجاء ت (٢٨٣ ه‍) يمدح به أبا الصقر الشيباني وزير الخليفة العباسى المعتمد. المعاهد (١ / ١٠٧) والإيضاح (١ / ١١٨) بلا عزو.

(٢) البيتان من الكامل وردا في أمالي أبي علي القالي (١ / ٤٣) بلا عزو وفي ديوان حسان ص ٣٨٧ ، وينسبان لابن المولى محمد بن عبد الله بن مسلم ، الإيضاح (١ / ١١٨ ـ ١١٩) بلا عزو.

(٣) البيتان من البسيط. وهما للمتلمس ديوانه ص ٢٠٨ ، وبلا نسبة في تاج العروس (٩ / ٢٤٩) (وتد) ، وجمهرة الأمثال (١ / ٩٠) والدرة الفاخرة (١ / ٢٠٣) ، والتبيان للطيبي (٢ / ٤٤٣).

(٤) البيت من الطويل وهو للحطيئة في ديوانه ص ١٤١ ، ولسان العرب (٣ / ٢٩٧) (عقد) (١٤ / ٨٩ ، ٩٤) وتاج العروس (بنى).


وتعيينه ، كقوله عز من قائل : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(١) ، أو أن تقصد بذلك أن السامع غبي لا يتميز الشيء عنده إلا بالحس ، كقول الفرزدق في خطابه جريرا (٢) :

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

أو أن تقصد بقربه تحقيره واسترذاله ، كما قالت عائشة : يا عجبا لابن عمرو هذا!! محقرة له ، وهو عبد الله بن عمرو بن العاص ، وكما يحكيه عز وعلا عن الكفار : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً)(٣). وفي موضع آخر : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(٤) وفي موضع آخر : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ)(٥). ومنه : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ)(٦). وكما يحكيه القائل عن امرأته (٧) :

تقول ودقّت نحرها بيمينها

أبعلي هذا بالرّحا المتقاعس؟

وببعده تعظيمه ، كما تقول في مقام التعظيم : ذلك الفاضل ، وأولئك الفحول.

__________________

(١) سورة البقرة الآية : ٥.

(٢) البيت من الطويل وهو للفرزدق في ديوانه (١١ / ٤١٨) ، وأساس البلاغة (جمع) ، والإشارات والتنبيهات ١٨٤ ، والإيضاح (١ / ٩ / ١) ، (والتبيان ١ / ١٥٧).

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٦ وسورة المدثر الآية : ٣١.

(٤) سورة الفرقان ، الآية : ٤١.

(٥) سورة الأنبياء ، الآية : ٣٦.

(٦) سورة العنكبوت ، الآية : ٦٤.

(٧) البيت من الطويل وهو لهذلول بن كعب العنبري في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٦٩٦ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٨ / ٤٣٠ ، والخصائص (١ / ٢٤٥) والدرر (١ / ٢٩٣) وورد في بعض الروايات : وصكت بدل (ودقت).


وكقوله عز وعلا : (الم ذلِكَ الْكِتابُ)(١) ، ذهابا إلى بعده درجة ، وقولها فيما يحكيه جل وعلا : (قالَتْ فَذلِكُنَ)(٢).

ولم تقل : فهذا ، ويوسف حاضر ؛ رفعا لمنزلته في الحسن ، واستحقاق أن يحب ويفتتن به ، واستبعادا لمحله.

ومن التبعيد لقصد التعظيم قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها)(٣) أو خلاف تعظيمه ، كما تقول : خ خ ذلك اللعين ، أو ما سوى ذلك مما له انخراط في هذا السلك ، ولطائف هذا الفصل لا تكاد تنضبط.

تعريف المسند إليه باللام :

وأما الحالة التي تقتضي التعريف باللام : فهي متى أريد بالمسند إليه نفس الحقيقة كقولك : خ خ الماء مبدأ كل حي. قال عز من قائل (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ)(٤) أي جعلنا مبدأ كل شيء حي ، هذا الجنس الذي هو جنس الماء ، يأتي في الروايات أنه جل وعلا خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء ، والجن من نار ، خلقها منه ، وآدم من تراب خلقه منه ، وكقولك : خ خ الرجل أفضل من المرأة ، وخ خ الدينار خير من الدرهم ، وخ خ الكل أعظم من الجزء ، وخ خ نعم الرجل ، وخ خ بئس الرجل ، ومن تعريف الجنس ، قوله (٥) :

والخلّ كالماء يبدي لي ضمائره ...

مع الصّفاء ويخفيها مع الكدر

__________________

(١) سورة البقرة ، الآيات : ١ ـ ٢.

(٢) سورة يوسف الآية : ٣٢.

(٣) سورة الزخرف ، الآية : ٧٢.

(٤) سورة الأنبياء ، الآية : ٣٠.

(٥) البيت من الطويل وهو لأبي العلاء المعرى. سقط الزند (٥٨) وسر الفصاحة (٢٣٨) والتبيان للطيبى (١ / ١٦٠ ـ ٢٦٩).


وقوله (١) :

الناس أرض بكلّ أرض ...

وأنت من فوقهم سماء

وقوله عز قائلا : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ)(٢). ولقرب المسافة إذا تأملت بين أن يعرف الاسم هذا التعريف ، وبين أن يترك غير معرف به يعامل معرفة كثيرا ، معاملة غير المعرف قال (٣) :

ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني ...

فمضيت ثمّت قلت : لا يعنيني

فعرف اللئيم ، والمعنى : ولقد أمر على لئيم من اللئام ، ولذلك تقدر يسبني وصفا ، لا حالا (٤) ، وله في القرآن غير نظير ، أو العموم والاستغراق كقوله عز وعلا : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)(٥). وقوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٦) وقوله : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى)(٧).

__________________

(١) البيت من مخلع البسيط. انظر ديوان المعاني (٢٦).

(٢) سورة الأنعام ، الآية : ٨٩.

(٣) البيت من الكامل وهو لرجل من سلول في الدرر (١ / ٧٨) ، وشرح التصريح (٢ / ١١) وشرح شواهد المغني (١ / ٣١٠) ، ولشمّر بن عمرو الحنفي في الأصمعيات ص ١٢٦ ، ولعميرة بن جابر الحنفي في حماسة البحتري ص ١٧١ ، وبلا نسبة في الأزهية ص ٢٦٣) والأشباه والنظائر (٣ / ٩٠) ، وجواهر الأدب ص ٣٠٧. والبيت في لسان العرب مادة (ثمم) قال : والعرب تزيد في ثم ثاء تقول : فعلت كذا وكذا ثمّت فعلت كذا ، ثم استشهد بالبيت.

(٤) تأمل هذا الموضع فإنه من لطائف الإعراب التي تستفاد بعلم المعاني ولا يتوصل إليها بمجرد التمهر في علم النحو وحده.

(٥) سورة العصر الآيات : ٢ ـ ٣.

(٦) سورة المائدة ، الآية : ٣٨.

(٧) سورة طه ، الآية : ٦٩.


أو كان المسند إليه حصة معهودة من الحقيقة ، كما إذا قال لك قائل : خ خ جاءني رجل من قبيلة كذا ، أو رجلان أو رجال ، فتقول له : خ خ الرجل الذي جاءك أعرف ، أو الرجلان اللذان جاآك ، أو الرجال الذين جاءوك. وفي التنزيل : (وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ)(١) ، وفي موضع آخر : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)(٢).

وتقرير ما ذكرنا من إفادة اللام الاستغراق أو العهد ، يذكر في الفن الثالث ، إن شاء الله تعالى.

تعريف المسند إليه بالإضافة :

وأما الحالة التي تقتضي التعريف بالإضافة ، فهي متى لم يكن للمتكلم إلى إحضاره في ذهن السامع طريق سواها أصلا ، كقولك : خ خ غلام زيد.

إن لم يكن عندك منه شيء سواه ، أو عند سامعك ، أو طريق سواها أخصر ، والمقام مقام اختصار ، كقوله (٣) :

هواي مع الركب اليمانين مصعد ...

جنيب وجثماني بمكّة موثق

أو لأن في إضافته حصول مطلوب آخر ، مثل أن تغني عن التفصيل المتعذر ، أو الأولى تركه بجهة من الجهات ، كقوله (٤) :

بنو مطر يوم اللقاء كأنّهم ...

أسود لها في غيل خفّان أشبل

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآيات ٣٦ ـ ٣٨.

(٢) سورة المزمل ، الآيات ١٥ ـ ١٦.

(٣) البيت من الطويل وهو لجعفر بن علبة في معاهد التنصيص (١ / ١٢٠) وبلا نسبة في تاج العروس (١٢ / ١٨٢) (شعر)

(٤) البيت من الطويل وهو لمروان بن أبي حفصة يمدح معن بن زائدة الشيباني ، وبنو مطر قومه بطن من شيبان ، انظر ديوانه (٢٥٧) والإيضاح (١ / ١٢٥) والتبيان (١ / ١٤٨). وبعده :

هم المانعون الجار حتى كأنما ...

لجارهم فوق السماكين منزل

هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا ...

أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا


وقوله (١) :

أولاد جفنة حول قبر أبيهم ...

قبر ابن مارية الكريم المفضل

وقوله (٢) :

قومي هم قتلوا أميم أخي ...

فإذا رميت يصيبني سهمي

وقوله (٣) :

قبائلنا سبع ، وأنتم ثلاثة ...

وللسّبع خير من ثلاث وأكثر

أو مثل أن تتضمن اعتبارا لطيفا مجازيّا ، كقوله (٤) :

إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة ...

سهيل أذاعت غزلها في القرائب

__________________

(١) البيت من الكامل وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٢٢ ولسان العرب (جفن) ، (مرا) ، وتاج العروس (فضل) (جفن) (مرى) وبلا نسبة في كتاب العين (٦ / ١٤٦). وروى الأعز الأجلل بدل الكريم المفضل.

(٢) البيت من الكامل وهو للحارث بن وعلة في الدرر ٥ / ١٢٣ وسمط اللآلى ص ٣٠٥ ، ٥٨٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٠٤ وشرح شواهد المغنى ١ / ٦٣ والبيت الذي يليه

فلئن عفوت لأعفون جللا

ولئن سطوت لأوهنن عظمى.

(٣) البيت من الطويل وهو للقتال الكلابي في ديوانه ص ٥٠ ، والإنصاف (٢ / ٧٧٢) وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٣٧٠) والكتاب (٣ / ٥٦٥)

(٤) البيت من الطويل وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر (٣ / ١٩٣) وخزانة الأدب (٣ / ١١٢ ، ٩ / ١٢٨) ، وشرح المفصل (٣ / ٨) ، ولسان العرب (غرب). ويروى الغرائب بدل القرائب.

والقرائب : الجمع من النساء اللسان : (قرب).


وقوله (١) :

إذا قال : قدني ، قال بالله حلفة ...

لتغني عنّي ذا إنائك أجمعا

أو مثل أن تتضمن نوع تعظيم باعتبار ، كما تقول : خ خ عبدي حضر ، فتعظم شأنك أن لك عبدا ، أو كما تقول : خ خ عبد الخليفة حضر ، فتعظم شأن العبد ، أو كما تقول : خ خ عبد الخليفة عند فلان ، فتعظم شأن فلان ، أو نوع تحقير ، كما تقول : خ خ ولد الحجّام عنده ، أو غرضا من الأغراض ممكن التعلق بالإضافة.

المسند إليه معرفة موصوفة :

وأما الحالة التي تقتضي وصف المعرّف : فهي إذا كان الوصف مبينا له كاشفا عنه ، كما إذا قلت : خ خ الجسم الطويل العريض العميق محتاج إلى فراغ يشغله ، أو قلت : خ خ المتقي الذي يؤمن ويصلي ويزكي على هدى من ربه ، فبيّنت بالوصف على ألطف وجه أن المتقي هو الذي يفعل الواجبات بأسرها ، ويجتنب الفواحش والمنكرات عن آخرها ، وكشفته كشفا كأنك حدّدته.

ووجه اللطافة هو أنك ذكرت أساس الحسنات ومنصبها ، وهو : الإيمان ، وعقبته بأمي العبادات البدنية والمالية المستتبعتين لسائر العبادات وهما : الصلاة والزكاة ؛ فأفدت بذلك فعل الواجبات بأسرها ، وذكرت الناهي عن الفحشاء والمنكر ، وهو الصلاة ، فأفدت ذلك اجتناب الفواحش عن آخرها ، ونظيره في تنزيل الوصف منزلة الكاشف للمجرى عليه قول أوس (٢) :

__________________

(١) البيت من الطويل وهو لحريث بن عناب في خزانة الأدب (١١ / ٤٣٤ ، ٤٣٥ ، ٤٣٩ ، ٤٤١ ، ٤٤٣) ، والدرر (٤ / ٢١٧) ومجالس ثعلب ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٠٧ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٥٩. ويروى إذا قيل بدل إذا قال. القدن : الكافية والحسب (اللسان : قدن).

(٢) البيت من المنسرح وهو لأوس بن حجر في ديوانه ص ٥٣ ولسان العرب (حظرب) و (لمع) وديوان الأدب (١ / ٢٧٣) ومعاهد التنصيص (١ / ١٢٨) ولأوس أو لبشر بن أبي خازم في تاج العروس (لمع) ، وبلا نسبة في مقاييس اللغة (٥ / ٢١٢).


الألمعيّ الذي يظنّ بك الظن ...

كأن قد رأى وقد سمعا

حكي عن الأصمعي أنه سئل عن الألمعي ، فأنشده ولم يزد ، ومما تواخى هذا قوله جل وعلا : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً)(١) عن أحمد بن يحيى قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر : ما الهلع؟ فقلت : قد فسره الله تعالى.

أو مدحا له كقولك : الله الخالق البارئ المصور ، أو كما إذا قلت : المتقي الذي يؤمن ويصلي ويزكي على هدى ، ولم ترد إلا مدحه ، أو ذمّا له ، كقولك : إبليس اللعين ضال مضل ، أو مخصصا له زيادة تخصيص ، مفيدا غير فائدة الكشف أو المدح كقولك : زيد التاجر عندنا ، أو كما إذا قلت : المتقي الذي يؤمن ويصلي على هدى ، وأنت تريد بالمتقي المجتنب عن المعاصي ، أو تأكيدا له مجردا كقولك : أمس الدابر لا يعود ، وكان ما تعلق بالوصف مطلوبا ، ولما ترى من طلب التمييز بالوصف وامتناع أن تميز شيئا عن شيء بما لا تعرفه له يمكنك أن تتوصل به إلى أن حق الوصف كونه عند السامع معلوم التحقق للموصوف ، ولعلمك بأن تحقق الشيء للشيء فرع تحققه في نفسه ، لا يشتبه عليك أن حق كل وصف هو أن يكون في نفسه ثابتا متحققا ، وأن حق كل ما تقصد ثبوته للغير أن يكون في نفسه ثابتا ، وعندك ، فما لا يكون ثابتا كذلك أو متحققا يمتنع منك جعله وصفا ، وكذا خبرا أيضا ، بحكم عكس النقيض.

وعسى إذا استوضحت ما أريناكه أن تجذب بضبعك ، في تزييف رأي من لا يرى الصفة معلومة ، وأن تتحقق أن محاولة إثبات الثابت في نفسه لشيء آخر يستدعي ثبوت ذلك الشيء الآخر في نفسه لا محالة ، ثم لعلمك أن الطلب سعي في التحصيل ، وأن تحصيل الحاصل ممتنع ، كما سيأتيك كل ذلك في قانون الطلب ، تعلم أن مطلوبك مثله في نحو : هل رأيت كذا؟ وفي نحو : اضرب ، يمتنع أن يكون ثابتا عندك ومتحققا ، فيمتنع

__________________

(١) سورة المعارج ، الآيات : ١٩ ـ ٢١.


أن تجعل مثله وصفا له أو خبرا ، ولذلك تسمعنا في مثل قوله (١) :

جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قطّ

نقول : تقديره جاءوا بمذق مقول عنده هذا القول ، أي يحمل المذق رائيه أن يقول لمشاهده : هل رأيت الذئب قط ، لإيراده في خيال الرائي لون الذئب بورقته (٢) لكونه سمارا ، وفي مثل : زيد اضربه ، أو لا تضربه ، أنه محمول على يقال ، أي يقال في حقه : اضربه أو لا تضربه ، ونفسر قراءة ابن عباس ، رضي‌الله‌عنه : (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ)(٣) على لفظ (من) الاستفهاميّ ورفع فرعون ، بأنه لما وصف الله تعالى العذاب بكونه مهينا ، بيانا لشدته وفظاعة أمره ، وأراد أن يصور كنهه ، قال : من فرعون؟ هل تعرفونه من هو في فرط عتوه وشدة شكيمته في تفرعنه؟ ما ظنكم بعذاب يكون المعذب به مثله؟ ثم عرف حاله في ذلك قائلا : (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ)(٤) وسيطلع من كتابنا هذا من خدمه حق خدمته على ثمرات محتجبة في أكمام.

تأكيد المسند إليه :

وأما الحالة التي تقتضي تأكيده : فهي إذا كان المراد أن لا يظن بك السامع في

__________________

(١) الرجز للعجاج في ملحق ديوانه (٢ / ٣٠٤) وخزانة الأدب (٢ / ١٠٩) والدرر (٦ / ١١٠). قال :

حتى إذا جنّ الظلام واختلط ...

جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قطّ

المذق : المزج والخلط ، المذقة : الشربة من اللبن الممذوق اللسان (مذق).

(٢) الورقة بضم الواو : سواد في غبرة. والأورق : اللبن الذي ثلثاه ماء وثلثه لبن. اللسان مادة (ورق).

وقال في اللسان مادة (مذق) : وأبو مذقة : الذئب ؛ لأن لونه يشبه لون المذقة ؛ ولذلك قال : جاءوا بضيح هل رأيت الذئب قط؟ شبه لون الضيح ، وهو اللبن المخلوط ، بلون الذئب.

(٣) سورة الدخان ، الآيات : ٣٠ ـ ٣١.

(٤) سورة الدخان الآية : ٣١.


حملك ذلك تجوزا أو سهوا أو نسيانا ، كقولك : عرفت أنا ، وعرفت أنت ، وعرف زيد زيد ، أو نفسه ، أو عينه ، وربما كان القصد مجرد التقرير ، كما يطلعك عليه فصل اعتبار التقديم والتأخير مع الفعل ، أو خلاف الشمول والإحاطة ، كقولك : عرفني الرجلان كلاهما ، والرجال كلهم ، ومنه كل رجل عارف ، وكل إنسان حيوان.

بيان وتفسير المسند إليه :

وأما الحالة التي تقتضي بيانه وتفسيره ، فهي إذا كان المراد زيادة إيضاحه بما يخصه من الاسم ، كقولك : صديقك خالد قدم ، وقوله علت كلمته : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ)(١) من هذا القبيل ، شفع إلهين باثنين ، و (إله) بواحد ؛ لأن لفظ إلهين يحتمل معنى الجنسية ومعنى التثنية ، وكذا لفظ : (إله) يحتمل الجنسية والوحدة ، والذي له الكلام مسوق هو العدد في الأول والوحدة في الثاني ، ففسر إلهين باثنين ، و (إله) بواحد ؛ بيانا لما هو الأصل في الغرض.

ومن هذا الباب من وجه قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ)(٢) ذكر (فِي الْأَرْضِ) مع دابة ، (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) مع طائر ، لبيان أن القصد من لفظ (دابة) ولفظ (طائر) إنما هو إلى الجنسين وإلى تقريرهما.

البدل عن المسند إليه :

وأما الحالة التي تقتضي البدل عنه فهي : إذا كان المراد نية تكرير الحكم ، وذكر المسند إليه بعد توطئة ذكره ؛ لزيادة التقرير والإيضاح ، كقولك : سلب زيد ثوبه ، وجاء القوم أكثرهم ، وحق عليك الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم ، في الأنواع الثلاثة من البدل دون الرابع ، فليتأمل.

__________________

(١) سورة النحل ، الآية : ٥١.

(٢) سورة الأنعام ، الآية : ٣٨.


عطف المسند إليه :

وأما الحالة التي تقتضي العطف فهي : إذا كان المراد تفصيل المسند إليه مع اختصار ، كقولك : جاء زيد وعمرو وخالد ، أو تفصيل المسند مع اختصار ، كقولك : جاء زيد فعمرو فخالد ، أو ثم عمرو ثم خالد ، أو جاء القوم حتى خالد ، ولا بد في (حتى) من التدريج ، كما ينبئ عنه قول من قال (١) :

وكنت فتى من جند إبليس فارتقى ...

بي الحال حتّى صار إبليس من جندي

أو كان المراد رد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب ، كقولك : جاءني زيد لا عمرو ، لمن في اعتقاده أن عمرا جاءك دون زيد ، أو أنهما جاآك معا ، وكقولك : ما جاءني زيد لكن عمرو ، لمن في اعتقاده أن زيدا جاءك دون عمرو ، أو كان المراد صرف حكمك عن محكوم له إلى آخر ، كقولك : جاءني زيد بل عمرو ، وما جاءني زيد بل عمرو ، أو كان المراد الشك فيه أو التشكيك ، كقوله : جاءني زيد أو عمرو ، أو إما زيد وإما عمرو ، أو كان المراد التفسير ، كقولك : جاءني أخوك أي زيد ، على قولي ، وفي العطف لا سيما العطف بالواو كلام يأتيك في الفن الرابع ، إن شاء الله تعالى.

فصل المسند إليه :

وأما الحالة التي تقتضي الفصل فهي : إذا كان المراد تخصيصه للمسند بالمسند إليه ، كقولك : زيد هو المنطلق ، زيد هو أفضل من عمرو ، أو خير منه ، زيد هو يذهب.

تنكير المسند إليه :

وأما الحالة التي تقتضي تنكيره فهي : إذا كان المقام للإفراد شخصا أو نوعا ، كقولك : جاءني رجل : أي فرد من أشخاص الرجال ، وقوله تعالى (وَاللهُ خَلَقَ كُلَ

__________________

(١) البيت من الطويل. وهو لأبي نواس الحسن بن هانئ. الإيضاح (١ / ١٣٤) ويروى فارتمى بدل فارتقى.


دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ)(١) أي : من نوع من الماء مختص بتلك الدابة ، أو من ماء مخصوص ، وهي : النطفة ، أو كان المقام غير صالح للتعريف ، إما لأنك لا تعرف منه حقيقة إلا ذلك القدر ، وهو أنه رجل ، أو تتجاهل وترى أنك لا تعرف منه إلّا جنسه ، كما إذا سمعت شيئا في اعتقادك فاسدا عمن هو مفتر كذاب ، وأردت أن تظهر لأصحاب لك سوء اعتقادك به ، قلت : هل لكم في حيوان على صورة إنسان يقول : كيت وكيت؟ متفاديا أن تقول في فلان فتسميه ، كأنك لست تعرف منه ، ولا أصحابك ، إلا تلك الصورة ، ولعله عندكم أشهر من الشمس ، وعليه ما يحكيه ، جل وعلا ، عن الكفار في حق النبي عليه‌السلام : (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)(٢) كأن لم يكونوا يعرفون منه إلا أنه رجل ما.

وباب التجاهل في البلاغة ، وإلى سحرها ، وإن شئت فانظر لفظ (كأن) في قول الخارجية (٣) :

أيا شجر الخابور مالك مورقا ...

كأنك لم تجزع على ابن طريف

ماذا ترى؟ أو الاستخبار في قول علام الغيوب (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ)(٤).

متضمنا للتوبيخ لهم على تمريضهم (٥) ، ورخاوة عقدهم في الإيمان ، ناعيا عليهم أن يتوقع من أمثالهم ، إن تولوا أمور الناس وتأمروا عليهم ، أن يفسدوا في الأرض ويقطعوا

__________________

(١) سورة النور ، الآية : ٤٥.

(٢) سورة سبأ ، الآية : ٧.

(٣) البيت من الطويل وهو لليلى بنت طريف في الأغاني (١٢ / ٨٥) ، ٨٦) ، والحماسة الشجرية (١ / ٣٢٨) والدرر (٢ / ١٦٣) ولليلى أو لمحمد بن بجرة في سمط اللآلى ص ٩١٣ وللخارجية في الأشباه والنظائر (٥ / ٣١٠) ، وديوان الخوارج (٢٣٩) وبلا نسبة في لسان العرب (خبر).

(٤) سورة محمد الآية : ٢٢.

(٥) تمريض الأمور ، توهينها وأن لا تحكمها ، ورأى مريض ، فيه انحراف عن الصواب. اللسان (مرض).


أرحامهم ؛ تناحرا في الملك ، وتهالكا على الدنيا ؛ ليهجم بهم التأمل في المتوقع على ما يثمر من : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ)(١) لئلا يلبسوا ، لمن إذا عرض لهم بذلك ، على سبيل النصيحة ، جلد النمر ، وأن لا تنقلب له حماليقهم (٢) ، وإما لأنه لا طريق لك إلى تعريف الزائد على هذا القدر لسامعك ، وإما لأن في تعيينه مانعا يمنعك ، وإما لأنه في شأنه ارتفاعا أو انحطاطا واصل إلى حد يوهم أنه لا يمكن أن يعرف ، فتقول في جميع ذلك : عندي رجل ، أو حضر رجل. وقولهم : شرّ أهرّ ذا ناب (٣) من الاعتبار الأخير ، وستسمع في مثل هذا التركيب ، أعني نحو : رجل جاء ، وامرأة حضرت ، فوائد. وكذا قولك ، في حق من يحقر مقداره في نوع من الأنواع : عنده شمة ، قال تعالى : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ)(٤) ومنه : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)(٥)

__________________

(١) سورة محمد الآية ٢٣.

(٢) حماليقهم : جمع : حملاق : ماغطت الجفون من بياض المقلة ، وبياض العين.

(٣) قال ابن منظور : قال سيبويه : وحسن الابتداء بالنكرة لأنه في معنى : ما أهرّ ذا ناب إلا شرّ أعنى أن الكلام عائد إلى معنى النفي ، وإنما كان المعنى هذا ؛ لأن الخبرية عليه أقوى ، قال : وإنما احتيج في هذا الموضع إلى التوكيد من حيث كان أمرا مهما ، وذلك أن قائل هذا القول سمع هرير كلب فأضاف منه وأشفق لاستماعه أن يكون لطارق شر ، فقال : شر أهر ذا ناب ، أي : ما أهر ذا ناب إلا شر ، تعظيما للحال عند نفسه ، وعند مستمعه ، وليس هذا في نفسه ، كأن يطرقه ضيف أو مسترشد ، فلما عناه وأهمه أكد الإخبار عنه ، وأخرجه مخرج الإغلاظ به. اه. اللسان (هرر).

(٤) سورة الأنبياء ، الآية ٤٦.

(٥) سورة الجاثية ، الآية : ٣٢.


وقول ابن أبي السمط (١) :

له حاجب في كلّ أمر يشينه ...

وليس له عن طالب العرف حاجب

منه أيضا ، انظر إليه ، كيف تجد الفهم والذوق يقتضيانك كمال ارتفاع شأن حاجب الأول ، وكمال انحطاط حاجب الثاني ، وقال تعالى : (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ)(٢) فنكر لتهويل أمرها ، وقال : (لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ)(٣) على معنى ، ولكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة ، لمنعه عما كانوا عليه من قتل الجماعة بواحد متى اقتدروا ، أو نوع من الحياة ، وهي الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل ، لمكان العلم بالاقتصاص ، أو ما ترى إذا همّ بالقتل فتذكر الاقتصاص ، فأورثه أن يرتدع ، كيف يسلم صاحبه من القتل ، وهو من القود ، فيتسبب لحياة نفسين.

ولمعنى طلب التعظيم والتهويل بالتنكير قال تعالى : (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ)(٤) دون أن يقول : بحرب الله ورسوله ، ولخلاف ذلك قال : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ)(٥) دون أن يقول : رضوان الله ، قصدا إلى إفادة : وقدر يسير من رضوانه خير من ذلك كله ؛ لأن رضاه سبب كل سعادة وفلاح ، وأما

__________________

(١) البيت من الطويل وهو لأبي الطمحان القينى في ديوان المعاني (١ / ١٢٧) ولابن أبي السمط في معاهد التنصيص (١ / ١٢٧) والمصباح (٢٥) وزهر الآداب (١ / ٥٥١) ولمروان بن أبي حفصة في شرح شواهد المغنى ص ٩٠٩ وبلا نسبة في أمالي القالى (١ / ٢٣٨) والتبيان (١ / ١٧١) (العرق ـ عرق كل شئ : أصله ، والجمع أعراق وعروق ورجل معرق في الحسب والكرم ، ويستعمل في اللؤم أيضا. اللسان (عرق).

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٧.

(٣) سورة البقرة الآية : ١٧٩.

(٤) سورة البقرة الآية : ٢٧٩.

(٥) سورة التوبة : الآية : ٧٢.


قوله : (أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ)(١) بالتنكير ، دون عذاب الرحمن بالإضافة ، فإما للتهويل (٢) ، وإما بخلافه ، بمعنى : أخاف أن يصيبك نفيان (٣) من عذاب الرحمن ، وقال : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ)(٤) المعنى رسل أي رسل ، ذوو عدد كثير ، وأولو آيات ونذر ، وأهل أعمار طوال ، وأصحاب صبر وعزم ، وما أشبه ذلك.

__________________

(١) سورة مريم ، الآية ٤٥.

(٢) قال الألوسى : وفي الكشف أن الحمل على التفخيم في عذاب كما جوزه صاحب المفتاح مما يأباه المقام ، أي لأنه مقام إظهار مزيد الشفقة ومراعاة الأدب وحسن المعاملة. قال : ويلقى في مراعاة الأدب والمجاملة عدم الجزم باللحوق. اه. روح المعاني (١٦ / ٩٨).

(٣) نفىّ القدر : ما جفأت به عند الغلى ، ونفى الريح : ما نفى من التراب من أصول الحيطان ونحوه ، وكذلك نفى المطر ، ونفى القدر ، والنفيان مثله. اللسان (نفى).

(٤) سورة فاطر الآية ٤.


تقديم المسند إليه على المسند :

وأما الحالة التي تقتضي تقديمه على المسند فهي : متى كان ذكره أهم ، ثم إن كونه أهم ، يقع باعتبارات مختلفة : إما لأن أصله التقديم ، ولا مقتضى للعدول عنه ، وستسمع كلاما في هذا المعنى في آخر الفن الثالث ، إن شاء الله تعالى ، وإما لأنه متضمن للاستفهام ، كقولك : أيهم منطلق ، وسيقرر في القانون الثاني.

وإما لأنه ضمير الشأن والقصة ، كقولك : هو زيد منطلق ، وعن قريب تعرف السر في التزام تقدمه ، وإما لأن في تقديمه تشويقا للسامع إلى الخبر ؛ ليتمكن في ذهنه إذا أورده ، كما إذا قلت : صديقك فلان الفاعل الصانع رجل صدوق ؛ وهو إحدى خواص تراكيب الأخبار في باب الذي ، كما إذا قلت بدل قولك : زيد منطلق ، الذي زيد هو منطلق ، أو بدل قولك : خبر مقدمك سرني ، الذي هو سرني خبر مقدمك. أو الذي خبره سرني مقدمك ، وهو السبب في التزام تأخير الخبر في هذا الباب ، وامتناع الإخبار عن ضمير الشأن ، والمراد بالإخبار في عرف النحويين في هذا الباب ، هو أن تعمد إلى أي اسم شئت فتزحلقه إلى العجز ، وتصير ما عداه صلة للذي ، إن كانت الجملة اسمية.

وأما إن كانت فعلية ، فله أو للألف واللام بمعناه ، واضعا مكان المزحلق ضميرا عائدا إلى الموصول ، مراعيا في ذلك ما أفادك علم النحو ، مثل : إن ضمير الشأن ملتزم التقديم ، وإن الضمير لا ينصب مفعولا ، وإن الحال لا يكون معرفا ، وإن ربط المعنى بالمعنى إذا كان بسبب عود الضمير ، فلا بد منه.

وأنا أضرب لك أمثلة لتتحقق جميع ذلك. قل في الإخبار عن ضميرك في : أظن الذباب يطير في الجو فيغضب أبا زيد ، الذي يظن الذباب يطير في الجو ، فيغضب أبا زيد ، أنا ، أو الظان الذباب ، وعن الذباب الذي أظنه يطير في الجو فيغضب أبا زيد الذباب ، وعن الجو الذي أظن الذباب يطير فيه فيغضب أبا زيد الجو ، وعن أبي زيد الذي أظن الذباب يطير في الجو فيغضبه أبو زيد ، وعن زيد الذي أظن الذباب يطير في الجو فيغضب أباه زيد ، ولا تخبر في قولك : هو إكرامي زيدا قادما ، واجب عن ضمير الشأن ؛ لئلا يلزم تأخيره الممتنع ، ولا عن الإكرام لئلا يلزم إعمال الضمير الذي يقع موقعه في زيدا ، ولا عن : قادما ؛ لئلا يلزم وقوع الضمير الذي هو معرفة ، موقع الممتنع


عن التعريف ، وهو الحال ، ولا عن الضمير في : واجب ، لئلا يلزم من عود الضمير القائم مقامه إذا عاد إلى الموصول ، كما يجب ترك ربط الخبر بالمبتدأ.

وإما لأن يتقوى استناد الخبر إليه على الظاهر ، كما ستعرفه في الفن الثالث ، وإما لأن اسم المسند إليه يصلح للتفاؤل ، فتقدمه إلى السامع لتسره أو تسوءه ، مثل أن تقول : سعيد بن سعيد في دار فلان ، وسفاك بن الجراح في دار صديقك.

وإما لأن كونه متصفا بالخبر يكون هو المطلوب ، كما إذا قيل لك : كيف الزاهد؟

فتقول : الزاهد يشرب ويطرب ، وإما لتوهم أنه لا يزول عن الخاطر ، أو أنه يستلذ ، فهو إلى الذكر أقرب ، وإما لأن تقديمه ينبىء عن التعظيم ، والمقام يقتضي ذلك ، وإما لأنه يفيد زيادة تخصيص ، كقوله (١) :

متى تهزز بني قطن تجدهم ...

سيوفا في عواتقهم سيوف

جلوس في مجالسهم رزان ...

وإن ضيف ألمّ فهم خفوف

والمراد هم خفوف ، وقوله (٢) :

بحسبك في القوم أن يعلموا ...

بأنك فيهم غنىّ مضر

مسيخ مليخ كلحم الحوار ...

لا أنت حلو ، ولا أنت مرّ

__________________

(١) البيتان من الوافر ولا يعلم قائلهما ، وينسبان إلى النابغة الذبياني في ديوان المعاني (٣٤). وبلا عزو في الإيضاح (١ / ١٣٦) والمصباح (٢٧).

(٢) البيتان من المتقارب ، وهما للأشعر الرقبان في تذكرة النحاة (٤٤٣ ـ ٤٤٤) ولسان العرب (مسخ) ، (ضرر) والمعاني الكبير (٤٩٦) ونوادر أبي زيد (٧٣) وبلا نسبة في الإنصاف (١ / ١٧٠) ، وديوان المعاني (١ / ٣٥) وشرح ديوان الحماسة ص ١٤٦٩ ، وشرح المفصل (٢ / ١١٥) ، (٨ / ٢٣ ـ ١٣٩).

والحوار والحوار : ولد الناقة من حين يوضع إلى أن يفطم ويفصل.

المسيخ : من اللحم الذي لا طعم له. والمليخ : الضعيف ، والذي لا طعم له.


وأشباه ذلك.

تأخير المسند إليه عن المسند

وأما الحالة التي تقتضي تأخيره عن المسند فهي : إذا اشتمل المسند على وجه من وجوه التقديم ، كما سترد عليك في الفن الثالث ، إن شاء الله تعالى.

إطلاق المسند إليه ، أو تخصيصه ، حال التنكير :

وأما الحالتان المقتضيتان لإطلاق المسند إليه أو تخصيصه حال التنكير ، فأنت إذا مهرت فيما تقدم استغنيت عن التعريف فيهما.

قصر المسند إليه على المسند :

وأما الحالة المقتضية لقصر المسند إليه على المسند ، فهي : أن يكون عند السامع حكم مشوب بصواب وخطأ ، وأنت تريد تقرير صوابه ونفي خطئه ، مثل أن يكون عند السامع : أن زيدا متمول وجواد ، فتقول له : زيد متمول لا جواد ، ليعرف أن زيدا مقصور على التمول ، لا يتعداه إلى الجود ، أو تقول له : ما زيد إلا متمول ، أو إنما زيد متمول ، وعليه ما يحكي عزوجل في حق يوسف عن النسوة : (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)(١) أي أنه مقصور على الملكية ، لا يتخطاها إلى البشرية ، وما يحكى عن اليهود في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ)(٢) أي : يقولون : نحن مقصورون على الصلاح لا يتأتى منا أمر سواه.

واعلم أن القصر كما يكون للمسند إليه على المسند يكون أيضا للمسند على المسند إليه ، ثم هو ليس مختصّا بهذا البين ، بل له شيوع وله تفريعات ، فالأولى أن نفرد للكلام في ذلك فصلا ، ونؤخره إلى تمام التعرض لما سواه في قانوننا هذا ؛ ليكون إلى الوقوف عليه أقرب.

__________________

(١) سورة يوسف الآية : ٣١.

(٢) سورة البقرة الآية ١١.


واعلم أن جميع ذلك هو مقتضى الظاهر ، ثم قد يخرج المسند إليه ، لا على مقتضى الظاهر ، فيوضع اسم الإشارة موضع الضمير ، وذلك إذا كملت العناية بتمييزه ، إما لأنه اختص بحكم بديع عجيب الشأن ، كقوله (١) :

كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ...

وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة ...

وصيّر العالم النّحرير زنديقا

وإما لأنه قصد التهكم بالسامع والسخرية منه ، كما إذا كان فاقد البصر ، أو لم يكن ، ثم مشار إليه أصلا ، أو النداء على كمال بلادته بأنه لا يميز بين المحسوس بالبصر وغيره ، أو على كمال فطانته ، وبعد غور إدراكه بأن غير المحسوس بالبصر عنده كالمحسوس عند غيره ، أو قصد ادعاء أنه ظهر ظهور المحسوس بالبصر كقوله (٢) :

تعاللت كي أشجى ، وما بك علة ...

تريدين قتلي ، قد ظفرت بذلك

وما شاكل ذلك ، ويوضع المضمر موضع المظهر ، كقولهم ابتداء من غير جري ، ذكر لفظا أو قرينة حال : رب رجلا ، ونعم رجلا زيد ، وبئس رجلا عمرو ، مكان رب رجل ، ونعم الرجل ، وبئس الرجل ، على قول من لا يرى الأصل : زيد نعم رجلا ، وعمرو بئس رجلا ، وقولهم : هو زيد عالم ، وهي هند مليحة ، مكان الشأن : زيد عالم ، والقصة هند مليحة ، ليتمكن في ذهن السامع ما يعقبه ، وذلك أن السامع متى لم يفهم

__________________

(١) البيتان من البسيط وهما لأحمد بن يحيى المعروف بابن الراوندى المتوفى سنة ٢٥٠ ه‍ الإيضاح (١ / ١٥٥) معاهد التنصيص (١ / ١٤٧) ، شرح عقود الجمان (١ / ١٠٤).

والبيتان ذكرهما الطيبى في التبيان ثم قال بعدهما : أذهب الله عمى قلبه فهلا قال :

كم من أديب فهم قلبه ...

مستكمل العقل مقلّ عديم

ومن جهول مكثر ماله ...

ذلك تقدير العزيز العليم

البيتان (١ / ١٥٨) بتحقيقى.

(٢) البيت من الطويل : وهو لابن الدمينة ، شعره (ص ١٦) الإيضاح (١ / ١٥٥) نهاية الإيجاز ص ١١٠ معاهد التنصيص (١ / ١٥٩).


من الضمير معنى ، بقي منتظرا لعقبى الكلام كيف تكون ، فيتمكن المسموع بعده فضل تمكن في ذهنه ، وهو السر في التزام تقديمه ، قال الله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(١) وقال : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ)(٢) كما يوضع المظهر موضع المضمر إذا أريد تمكين نفسه زيادة تمكين ، كقوله (٣) :

إن تسألوا الحقّ نعط الحقّ سائله

وقوله عز قائلا : (اللهُ الصَّمَدُ) بعد قوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ونظيره ، خارج باب المسند إليه : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)(٤) وكذا : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٥) وتترك الحكاية إلى المظهر ، إذا تعلق به غرض فعل الخلفاء حيث يقولون : أمير المؤمنين يرسم لك ، مكان : أنا أرسم ، وهو إدخال الروعة في ضمير السامع ، وتربية المهابة أو تقوية داعي المأمور ، وعليه قوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)(٦) ، أو فعل المستعطف حيث يقول : أسيرك يتضرع إليك ، مكان : أنا أتضرع إليك ، ليكون أدخل في الاستعطاف ، وعليه قوله (٧) :

إلهي عبدك العاصي أتاكا

__________________

(١) سورة الإخلاص ، الآية ١ ، ٢.

(٢) سورة الحج الآية ٤٦.

(٣) البيت من البسيط وهو لعبد الله بن عنمة الضبى الشاعر المخضرم. الإيضاح (١ / ١٥٦) وشرح ديوان الحماسة (٥٨٥) والمفضليات (ص ٣٨٢) وتمامه : والدرع محقبة والسيف مقروب.

(٤) سورة الإسراء ، الآية : ١٠٥.

(٥) سورة البقرة ، الآية : ٥٩.

(٦) سورة آل عمران الآية : ١٥٩.

(٧) البيت من الوافر وهو لإبراهيم بن أدهم ؛ الإيضاح (١ / ١٥٦) ، الإشارات ص ٥٥ معاهد التنصيص (١ / ١٧٠) ، شرح عقود الجمان (١ / ١٠٥).

وتتمة البيت :

مقرا بالذنوب وقد دعاكا.

وبعده :

فإن تغفر فأنت لذاك أهل ...

وإن تطرد فمن يرحم سواكا


وما جرى مجرى هذا الاعتبار.

[الالتفات](١)

واعلم أن هذا النوع ، أعني نقل الكلام عن الحكاية إلى الغيبة ، لا يختص المسند إليه ، ولا هذا القدر ، بل الحكاية والخطاب والغيبة ثلاثتها ينقل كل واحد منها إلى الآخر ، ويسمى هذا النقل التفاتا عند علماء علم المعاني ، والعرب يستكثرون منه ، ويرون الكلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل في القبول عند السامع ، وأحسن تطرية لنشاطه ، وأملأ باستدرار إصغائه ، وهم أحرياء بذلك. أليس قرى الأضياف سجيتهم ، ونحر العشار للضيف دأبهم وهجّيراهم (٢) ، لا مزقت أيدي الأدوار لهم أديما ، ولا أباحت لهم حريما ، أفتراهم يحسنون قرى الأشباح ، فيخالفون فيه بين لون ولون ، وطعم وطعم ، ولا يحسنون قرى الأرواح ، فلا يخالفون فيه بين أسلوب وأسلوب ، وإيراد وإيراد ، فإن الكلام المفيد عند الإنسان ، لكن بالمعنى لا بالضرورة ، أشهى غذاء لروحه وأطيب قرى لها ، قال ربيعة بن مقروم : (٣)

__________________

(١) هذا العنوان من وضعنا. والالتفات عرفه الطّيبى تعريفا دقيقا في كتابه التبيان فقال : هو الانتقال من إحدى الصيغ الثلاث ، أعنى الحكاية والخطاب ، والغيبة إلى الأخرى لمفهوم واحد رعاية لنكتة التبيان ٢ / ٣٤٧ بتحقيقى ط المكتبة التجارية بمكة المكرمة ، وقد أفاد الطيبى من تنبيه ابن الأثير في المثل السائر ٢ / ١٦٩ على أن الالتفات لا يكون إلا لفائدة اقتضته ، فالتفت الطيبى إلى ذلك ، ونص في تعريفه للالتفات على أنه إنما يكون رعاية لنكتة ، ويتفرد الطيبى بنصه على ذلك دون عامة البلاغيين المعاصرين له أو السابقين. وانظر في تعريف الالتفات : الزمخشري : الكشاف ١ / ١٠ والقزويني ؛ الإيضاح ص ١٥٧ بتحقيق د / خفاجى ، وابن مالك : المصباح ص ٣٠ ، الرازي : نهاية الإيجاز ص ٢٨٧ ، والعلوى : الطراز ٢ / ١٣٢.

(٢) هجّيراهم : دأبهم وديدانهم وعادتهم.

(٣) ربيعة بن مقروم الضبي : من ضبة ، جاهلي إسلامي ، شهد القادسية وجلولاء ، أسرته عبد القيس ثم منت عليه بعد دهر. والأبيات من البسيط.

الإيضاح (١ / ١٥٧) المفضليات (٣٧٥) الأغاني (١٩ / ٩٣).


بانت سعاد فأمسى القلب معمودا ...

وأخلفتك ابنة الحرّ المواعيدا

فالتفت كما ترى حيث لم يقل : وأخلفتني ، ثم قال :

ما لم ألاق امرءا جزلا مواهبه ...

سهل الفناء رحيب الباع محمودا

وقد سمعت بقوم يحمدون فلم ...

أسمع بمثلك لا حلما ولا جودا

فالتفت كما ترى حيث لم يقل : بمثله ، وقال (١) :

تذكرت ، والذكرى تهيجك زينبا ...

وأصبح باقي وصلها قد تقضّبا

وحلّ بفلج والأباتر أهلنا ...

وشطت فحلّت غمرة فمثقّبا

فالتفت في البيتين. وقال عوف بن الأحوص (٢) :

لهدّمت الحياض فكم (٣) يغادر ...

بحوض من نصائبه إزاء

لخولة إذ هم مغني وأهلي ...

وأهلك ساكنون وهم رياء

فالتفت في الثاني ، وقال عبد الله بن عنمة (٤) :

ما إن ترى السيد زيدا في نفوسهم ...

كما تراه بنو كوز ومرهوب

إن تسألوا الحقّ نعطي (٥) الحق سائله ...

والدرع محقبة والسيف مقروب

__________________

(١) البيتان من الطويل له ، وهما في الإيضاح (١ / ١٥٧) ، المفضليات (٣٧٥).

(٢) البيتان من الوافر وهما للشاعر عوف بن الأحوص بن جعفر ولم أعثر عليهما.

(٣) في (غ) : فلم.

(٤) البيتان من البسيط وعبد الله بن عنمة الضبي ، شاعر مخضرم. وسبق تخريجهما ، والسيد ، وبنو كوز ، ومرهوب : أحياء من ضبة.

(٥) كذا في (ط) و (غ) بإثبات الياء ، وفي (د) (نعط) وكلاهما صحيح جائز فإن إثبات حرف العلة في مثله جائز ، وقد ذكر ابن مالك شواهد لهذا كثيرة في شرح شواهد التوضيح (ص ١٣) وما بعدها ، وانظر تعليق العلامة أحمد شاكر على الرسالة للإمام الشافعي مكتبة حامد حورى الأحاديث (٧١٢ ، ٧٥٥ ، ٨٥٨ ، ٨٧٣ ، ٨٧٦) وغيرها.


فالتفت في (تسألوا).

وقال الحارث بن حلزة (١) :

طرق الخيال ، ولا كليلة مدلج ...

سدكا بأرحلنا ولم يتعرج

أنى اهتديت لنا ، وكنت رجيلة ...

والقوم قد قطعوا متان السجسج

فالتفت في الثاني.

وقال علقمة بن عبدة (٢) :

طحا بك قلب في الحسان طروب ...

بعيد الشباب عصر حان مشيب

تكلّفني ليلى وقد شطّ وليها ...

وعادت عواد بيننا وخطوب

فالتفت في البيتين.

وقال امرؤ القيس (٣)

تطاول ليلك بالإثمد ...

ونام الخلّي ولم ترقد

__________________

(١) الحارث بن حلزة أبو ظليم ، اشتهر بمعلقته ، عمر طويلا حتى زعم الأصمعي أنه كان له من العمر خمس وثلاثون ومائة سنة عند إنشاد المعلقة ، والبيتان من الكامل. وهما في ديوانه ص ٤٢ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١١٣٧ ، وشعراء النصرانية ص ٤١٩ والتنبيه والإيضاح ١ / ٢٠٩ وسمط اللآلى ص ٤٩٠ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٦٤٦ ولسان العرب (سجج) ويروى (طاف) بدل (طرق) ، (بأرجلنا) بدل (بأرحلنا) وأني أهتديت وكنت غير رجيلة.

(٢) علقمة بن عبدة : من تميم ، شاعر جاهلي ، من معاصري امرىء القيس ، واتصل بملوك الغساسنة والمناذرة والبيتان من الطويل.

في ديوانه ص ٣٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٩٢ ، ١١ / ٢٨٩ والإيضاح (١ / ١٥٨) والمصباح ص ٣٢ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٩٩.

(٣) امرؤ القيس : جندح بن حجر الكندي ، أبوه سليل ملوك كندة ، توفي حوالي سنة ٥٦٠ م. والأبيات من المتقارب وهي في ديوانه ص ١٨٥ ، والمستقصى (٢ / ٥٠) والإيضاح (١ / ١٥٩) وسمط اللآلى ص ٥٣١ ، ومعاهد التنصيص (١ / ١٧١) ، وخزانة الأدب (١ / ٢٨٠) والتبيان (٢ / ٣٤٩) وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٧٧٥ ، ومعجم البلدان (إثمد) وتاج العروس (ثمد).


وبات وباتت له ليلة ...

كليلة ذي العاثر الأرمد

وذلك عن نبأ جاءني ...

وخبرته عن أبي الأسود

فالتفت في الأبيات الثلاثة.

وأمثال ما ذكر أكثر من أن يضبطها القلم ، وهذا النوع قد يختص مواقعه بلطائف معان قلما تتضح إلا لأفراد بلغائهم ، أو للحذاق المهرة في هذا الفن ، والعلماء النحارير ، ومتى اختص موقعه بشيء من ذلك ، كساه فضل بهاء ورونق ، وأورث السامع زيادة هزة ونشاط. ووجد عنده من القبول أرفع منزلة ومحل ، إن كان ممن يسمع ويعقل (وَقَلِيلٌ ما هُمْ)(١) : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ)(٢).

ولأمر ما وقع التباين الخارج عن الحد بين مفسر لكلام رب العزة ومفسر ، وبين غواص في بحر فرائده وغواص ، وكل التفات وارد في القرآن ، متى صرت من سامعيه ، عرفك ما موقعه.

وإذا أحببت أن تصير من سامعيه فأصخ (٣) ، ثم ليتل عليك قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(٤) فلعلك [ممن](٥) يشهد له الوجدان بحيث يغنيه عن شهادة ما سواه ، [أليس](٦) أن المرء إذا أخذ في استحضار جنايات جان متنقلا فيها عن الإجمال إلى التفصيل ، وجد من نفسه تفاوتا في الحال بيّنا ، لا يكاد يشبه آخر حاله هناك أولها ، أو ما تراك إذا كنت في حديث مع إنسان ، وقد حضر مجلسكما من له جنايات في حقك ،

__________________

(١) اقتباس من سورة ص ، الآية ٢٤.

(٢) اقتباس من سورة الفرقان ، الآية : ٤٤.

(٣) أصخ : أي استمع وأنصت.

(٤) سورة الفاتحة ، الآية ٤.

(٥) في (ط) وفي (د): (أليس مما).

(٦) من (غ).


كيف تصنع؟ تحول عن الجاني وجهك ، [وتأخذ في الشكاية عنه إلى صاحبك](١) ، تبثه الشكوى معددا جناياته واحدة فواحدة ، وأنت فيما بين ذلك واجد مزاجك يحمى على تزايد ، يحرك حالة لك غضبية تدعوك إلى أن تواثب ذلك الجاني وتشافهه بكل سوء ، وأنت لا تجيب ، إلى أن تغلب ، فتقطع الحديث مع الصاحب ، ومباثتك إياه ، وترجع إلى الجاني مشافها له : بالله ، قل لي : هل عامل أحد مثل هذه المعاملة؟ [هل يتصور معاملة أسوأ مما فعلت؟](٢) أما كان لك حياء يمنعك؟ أما كانت لك مروءة تردعك [عن](٣) هذا؟ وإذا كان الحاضر لمجلسكما ذا نعم عليك كثيرة ، فإذا أخذت في تعديد نعمه عند صاحبك ، مستحضرا لتفاصيلها ، أحسست من نفسك بحالة كأنها تطالبك بالإقبال على منعمك ، وتزين لك ذلك ، ولا تزال تتزايد ما دمت في تعداد نعمه ، حتى تحملك من حيث لا تدري على أن تجدك ، وأنت معه في الكلام ، تثني عليه ، وتدعو له وتقول : بأي لسان أشكر صنائعك الروائع؟ وبأية عبارة أحصر عوارفك الذوارف؟ وما جرى ذلك المجرى.

وإذا وعيت ما قصصته عليك ، وتأملت الالتفات في : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ،) بعد تلاوتك لما قبله من قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) على الوجه الذي يجب وهو : التأمل القلبي ، علمت ما موقعه ، وكيف أصاب المحز ، وطبق مفصل البلاغة ؛ لكونه منبها على أن العبد المنعم عليه بتلك النعم العظام الفائتة للحصر ، إذا قدر أنه ماثل بين يدي مولاه ، من حقه إذا أخذ في القراءة أن تكون قراءته على وجه يجد معها من نفسه شبه محرك إلى الإقبال على من يحمد ، صائر في أثناء القراءة إلى حالة شبيهة بإيجاب ذلك عند ختم الصفات ، مستدعية انطباقها على المنزل على ما هو عليه ، وإلّا لم تكن قارئا.

__________________

(١) من (ط) و (د).

(٢) ليست في (غ).

(٣) في (ط) و (د): (على).


والوجه هو إذا افتتح التحميد أن يكون افتتاحه عن قلب حاضر ، ونفس ذاكرة يعقل فيم هو ، [وعند من هو](١) ، فإذا انتقل من التحميد إلى الصفات أن يكون انتقاله محذوّا به حذو الافتتاح ، فإنه متى افتتح على الوجه الذي عرفت مجريا على لسانه : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أفلا يجد محركا للإقبال على من يحمد من معبود عظيم الشأن؟ حقيق بالثناء والشكر؟ مستحق للعبادة؟

ثم إذا انتقل على نحو الافتتاح إلى قوله : (رَبِّ الْعالَمِينَ) واصفا له بكونه ربّا مالكا للخلق ، لا يخرج شيء من ملكوته وربوبيته ، أفترى ذلك المحرك لا يقوى ، ثم إذا قال : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ،) فوصفه بما ينبىء عن كونه منعما على الخلق بأنواع النعم : جلائلها ودقائقها ، مصيبا إياهم بكل معروف ، أفلا تتضاعف قوة ذلك المحرك عند هذا؟ ثم إذا آل الأمر إلى خاتمة هذه الصفات ، وهي : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) المنادية على كونه مالكا للأمر كله في العاقبة يوم الحشر للثواب والعقاب ، فما ظنك بذلك المحرك؟ أيسع ذهنك أن لا يصير إلى حد يوجب عليك الإقبال على مولى شأن نفسك معه منذ افتتحت التحميد ما تصورت ، فتستطيع أن لا تقول : إياك ، يا من هذه صفاته نعبد ونستعين ، لا غيرك ؛ فلا ينطبق على المنزل على ما هو عليه ، وليس ابن الحجر الكندي يبعد ، وهو المشهود له في شأن البلاغة ، والحائز لقصبات السبق في درك اللطائف ، والمفتلذ (٢) للأناسي من عيون النكت في افتنانه في الكلام ، إذا التفت تلك الالتفاتات ، وكان يمكنه أن لا يلتفت البتة ، وذلك أن يسوق الكلام على الحكاية في الأبيات الثلاثة فيقول :

تطاول ليلي بالأثمد ...

ونام الخليّ ولم أرقد

وبتّ وبات لنا ليلة

__________________

(١) ليست في (غ).

(٢) المفتلذ للأناسي : المستخرج لهم.


كقول لبيد (١) :

فوقفت أسألها وكيف سؤالنا

أو أن يلتفت نوعا واحدا فيقول :

وبتّ وبات لكم ...

وذلك من نبأ جاءكم ...

وخبرتم عن أبي الأسود

أن يكون حين قصد تهويل الخطب واستفظاعه في النبأ الموجع ، والخبر المفجع للواقع ، الفاتّ في العضد ، المحرق للقلب والكبد ، فعل ذلك منبها في التفاته الأول على أن نفسه وقت ورود ذلك النبأ عليها ولهت وله الثكلى.

فأقامها مقام المصاب الذي لا يتسلى بعض التسلي إلّا بتفجع الملوك له ، وتحزنهم عليه ، وأخذ يخاطبه ب : خ خ تطاول ليلك تسلية ، أو نبه على أن نفسه ، لفظاعة شأن النبأ ، واستشعارها معه كمدا وارتماضا (٢) ، أبدت قلقا لا يقلقه كمد ، وضجرا لا يضجره مرتمض ، وكان من حقها أن تتثبت وتتصبر ، فعل الملوك ، وجريا على سننها المسلوك ، عند طوارق النوائب ، وبوارق المصائب ، فحين لم تفعل ، شككته في أنها نفسه ، فأقامها مقام مكروب ذي حرق ، قائلا له : (تطاول ليلك) مسليا.

__________________

(١) لبيد : أبو عقيل ، لبيد بن ربيعة العامري ، نشأ ربيب الندى والبأس ، من الشعراء المخضرمين ، قيل إنه هجر الشعر في الإسلام ولم يرو عنه إلا بيت واحد :

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ...

حتى لبست من الإسلام سربالا

مات في خلافة معاوية سنة إحدى وأربعين من الهجرة.

والبيت من الكامل ، وهو في ديوانه من معلقته المشهورة وعجز البيت :

صمّا خوالد ما يبين كلامها.

(٢) ارتماضا : حزنا ، ارتمضت لفلان : حزنت عليه.


وفي التفاته الثاني على أن المتحزن تحزّن تحزّن صدق ، ولذلك لا يتفاوت الحال ، خاطبتك أم لم أخاطبك.

وفي التفاته الثالث على أن جميع ذلك إنما كان لما خصه ولم يتعداه إلى من سواه ، أو نبه في التفاته الأول على أن ذلك النبأ أطار قلبه ، وأبار لبه ، وتركه حائرا ، فما فطن معه لمقتضى الحال من الحكاية ، فجرى على لسانه ما كان ألفه من الخطاب الدائر في مجاري أمور الكبار أمرا ونهيا

والإنسان إذا دهمه ما تحار له العقول ، وتطير له الألباب ، وتدهش معه الفطن ، لا يكاد يسلم كلامه عن أمثال ذلك.

وفي التفاته الثاني على أنه بعد الصدمة الأولى حين أفاق شيئا مدركا بعض الإدراك ، ما وجد النفس معه ، فبنى الكلام على الغيبة قائلا : (وبات وباتت له ...)

وفي التفاته الثالث على ما سبق ، أو نبه في التفاته الأول ، على أن نفسه حين لم تتثبت ولم تتصبر ، غاظه ذلك ، فأقامها مقام المستحق للعتاب ، قائلا له ، على سبيل التوبيخ والتعيير : (تطاول ليلك ....).

وفي الثاني على أن الحامل على الخطاب والعتاب ، لما كان هو الغيظ والغضب ، فحين سكت عنه الغضب بالعتاب الأول ، فإن سورة الغضب بالعتاب تنكسر ، ولّى عنها الوجه وهو يدمدم قائلا : (وبات وباتت له ...).

وفي التفاته الثالث ، على ما تقدم ؛ وإنما ذكرت لك ما ذكرت ، لتقف على أن الفحول البزّل لا يعترفون بالبلاغة لامرئ ، ولا يقيمون لكلامه وزنا ، ما لم يعثروا من مطاوي افتناناته على لطائف اعتبارات ، والتفاضل بين الكلامين قلما يقع إلا بأشباهها.

واعلم أن لطائف الاعتبارات المرفوعة لك في هذا الفن من تلك المطامح النازحة من مقامك ، لا تثبتها حق إثباتها ما لم تمتر بصيرتك في الاستشراف لما هنالك إطباء (١)

__________________

(١) إطباء المجهود : بذله.


المجهود ، ولم [تختلف](١) في السعي للتنقير عنها وراءك كل حد معهود ، [ماذا](٢) بضبعك صدق همة تبطش في متوخاك بباع بسيط ، أن لا تزل عن مرمى غرضك ولو مقدار [بسيط](٣) ، مستظهرا في طماعيتك أن تستشعرها بنفس لك يقظى ، وطبع لطيف ، مع فهم متسارع ، وخاطر معوان ، وعقل دراك.

وعلماء هذه الطبقة الناظرة بأنوار البصائر ، المخصوصون بالعناية الإلهية ، المدلولون بما [أوتوا](٤) من الحكمة وفصل الخطاب ، على أن كلام رب العزة ، وهو قرآنه الكريم ، وفرقانه العظيم ، لم يكتس تلك الطلاوة ، ولا استودع تلك الحلاوة ، وما أغدقت أسافله ، ولا أثمرت أعاليه ، وما كان بحيث يعلو ولا يعلى إلّا لانصبابه في تلك القواليب ، ولوروده على تلك الأساليب.

__________________

(١) في (د) : تخلف.

(٢) في (غ): (سادا).

(٣) في (د) (فسيط) بالفاء.

(٤) في (ط): (أتوا).


الفن الثالث

في تفصيل اعتبارات المسند

للوجه الذي علمت ، أيها المخصوص بتلاطم أواذي (١) فكره دون أبناء جنسه ، المستودع في استكشافه عن أسرار البلاغة كمال أنسه النقاب المحدث ، فلا يحتجب عنه شيء من بدائع النكت في مكامنها ، المستخرج للطائف السحر البياني عن معادنها ، المستطلع طلع الإعجاز التنزيلي باستغراق طوقه ، المالك لزمام الحكم ، كفاء المتّحدين ، بعجيب فهمه ، وغريب ذوقه ، فهو الطلبة ، وما عداه ذرائع إليه ، وهو المراد وما سواه أسباب للتسلق عليه ، أن لا بد من التصفح لمقتضيات الأحوال في إيراد المسند إليه ، على تلك الصور والكيفيات ، تعلم له أيضا أن لا بد من التصفح عن الأحوال المقتضية لأنواع التفاوت في المسند ، من كونه : متروكا تارة وغير متروك أخرى ، ومن كونه مفردا أو جملة ؛ وفي إفراده من كونه : فعلا ، نحو : قام زيد ويقوم وسيقوم ، أو اسما ، منكرا أو معرفا من جملة المعرفات ، مقيدا كل من ذلك بنوع قيد ، نحو : ضربت يوم الجمعة ، وزيد رجل عالم ، وعمرو أخوك الطويل ، أو غير مقيد.

وفي كونه : جملة ، من كونها : اسمية أو فعلية ، أو شرطية أو ظرفية ، ومن كونه : مؤخرا أو مقدما ، حتى يتهيأ لك أن يتسم لكل مقام بسمته ، وأن يجري إلى حد مقتضاه على أقوم سمته ، فهو المطارح الذي تران فيه قوى القرائح ، والمطارد الذي يمتاز فيه الجدع عن القارح (٢).

ترك المسند :

أما الحالة المقتضية لترك المسند فهي : متى كان ذكر المسند إليه بحال يعرف منه

__________________

(١) الآذى : موج البحر ، والجمع أواذى.

(٢) الجذع بالذال المعجمة الصغير السن ، وقد وقعت في النسخ بالمهملة ، والقارح من ذى الحافر بمنزلة البازل من الإبل.


المسند ، وتعلق بتركه غرض ، إما اتباع الاستعمال ، كقولهم : ضربي زيدا قائما ، وأكثر شربي السويق ملتوتا ، وأخطب ما يكون الأمير قائما ، وقولهم : كل رجل وضيعته ، وقولهم : لو لا زيد لكان كذا ، ونحو ذلك ، وإما قصد الاختصار والاحتراز عن العبث ، كما إذا قلت : خرجت فإذا زيد ، أو قلت : زيد منطلق وعمرو ، وقوله عز من قائل : (أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ)(١) ، إذا حملته على تقدير : النار شر من ذلكم.

وإما ضيق المقام مع قصد الاختصار ، والاحتراز عن العبث ، كنحو قوله (٢) :

قالت ، وقد رأت اصفراري : من به؟ ...

وتنهدت فأجبتها : المتنهد

إذا حمل على تقدير : المتنهد هو المطالب ، دون : هو المتنهد ، وستعرف في الحالة المقتضية لكونه اسما معرفا أي التقديرين أولى ، وقوله (٣) :

نحن بما عندنا ، وأنت بما ...

عندك راض ، والرأي مختلف

أي نحن بما عندنا راضون.

وإما تخييل أن العقل عند الترك هو معرفة ، وأن اللفظ عند الذكر هو معرفة من حيث الظاهر ، وبين المعرفين بون ، ولك أن تأخذ من هذا القبيل قوله عز وعلا : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)(٤).

__________________

(١) سورة الحج الآية : ٧٢

(٢) أورده القزوينى في الإيضاح ص (١٦٩) وعزاه للمتنبي ، الطيبى في التبيان (١ / ١٧٤) بتحقيقى.

(٣) أورده القزوينى في الإيضاح ص (١٦٩) بلا عزو والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ٧٢) بتحقيقي. وليس فيه : والرأى مختلف. وهو لقيس بن المظفر أبي يزيد ، المغنى (٢ / ٦٢٢) ، والكتاب (١ / ٣٧).

(٤) سورة التوبة الآية : ٦٢.


وإما أن [لا](١) يخرج ذكره إلى ما ليس بمراد ، كما إذا قلت في : أزيد عندك أم عمرو ، أم عندك عمرو ، فإنه يخرج (أم) عن كونها متصلة إلى أنها منقطعة.

وإما لاختبار السامع ، هل يتنبه عند قرائن الأحوال أو ما مقدار تنبه عندها.

وإما طلب تكثير الفائدة بالمذكور ، من حمله عليه تارة ، وحمله عليه أخرى ، كقوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)(٢) وقوله : (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ)(٣) ، لحملها تارة على : فصبر جميل أجمل ، وطاعة معروفة أمثل ، وحملهما أخرى على : فأمري صبر جميل ، وطاعتكم طاعة معروفة ، أي معروفة بالقول دون الفعل.

ذكر المسند :

وأما الحالة المقتضية لذكره فهي : أن لا يكون ذكر المسند إليه يفيد المسند بوجه ما من الوجوه ، كما إذا قلت ابتداء : زيد عالم ، أو أن يكون في ذكر المسند غرض ، وهو : إما زيادة التقرير ، أو التعريض بغباوة سامعك ، أو استلذاذه ، أو قصد التعجيب من المسند إليه بذكره ، كما إذا قلت : زيد يقاوم الأسد ، مع دلالة قرائن الأحوال ، أو تعظيمه أو إهانته ، أو غير ذلك ، مما يصلح للقصد إليه ، في حق المسند إليه ، إن كان صالحا لذلك ، أو بسط الكلام بذكره ، والمقام مقام بسط.

أو لأن الأصل في الخبر هو أن يذكر ، كما سبق أمثال ذلك في إثبات المسند إليه ، أو ليتعين بالذكر كونه اسما ، كنحو : زيد عالم ، فيستفاد الثبوت صريحا ، فأصل الاسم صفة أو غير صفة الدلالة على الثبوت ، أو كونه فعلا ، كنحو : زيد علم ، فيستفاد التجدد أو ظرفا ، كنحو : زيد في الدار ، فيورث احتمال الثبوت والتجدد بحسب

__________________

(١) من (غ).

(٢) سورة يوسف ، الآية ١٨.

(٣) سورة النور ، الآية ٥٣.


التقديرين ، وهما حاصل أو حصل ، [ويأتيك](١) فيه كلام ، ويصلح لشمول هذه الاعتبارات قولك عند المخالف الله إلهنا ، ومحمد نبينا ، والاسلام ديننا ، والتوحيد والعدل مذهبنا ، والخلفاء الراشدون أئمتنا ، والناصر لدين الله خليفتنا ، والدعاء له والثناء عليه وظيفتنا.

إفراد المسند :

وأما الحالة المقتضية لإفراد المسند : فهي إذا كان فعليا ، ولم يكن المقصود من نفس التركيب تقوي الحكم ، وأعني بالمسند الفعلي ما يكون مفهومه محكوما به بالثبوت للمسند إليه ، أو بالانتفاء عنه ، كقولك : أبو زيد منطلق ، والكرّ (٢) من البرّ بستين ، وضرب أخو عمرو ، ويشكرك بكر إن تعطه ، وفي الدار خالد ، إذ تقديره استقر ، أو حصل في الدار ، على أقوى الاحتمالين ؛ لتمام الصلة [بالظرف](٣) ، كقولك : الذي في الدار أخوك ، كما يقرره أئمة النحو ، وتفسير تقوى الحكم يذكر في حال تقديم المسند على المسند إليه.

متى يكون المسند فعلا؟

وأما الحالة المقتضية لكونه فعلا فهي : إذا كان المراد تخصيص المسند بأحد الأزمنة على [أخصر](٤) ما يمكن ، مع إفادة التجدد ، كقوله عز وعلا : (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)(٥) أي : ويل لهم مما أسلفت أيديهم من كتبة ما لم يكن

__________________

(١) من (غ) وفي (ط) و (د): (سيأتيك).

(٢) الكرّ : مكيال لأهل العراق.

(٣) من (غ) و (د) وفي (ط): (في الظرف).

(٤) في (غ) (أحضر) بالحاء المهملة.

(٥) سورة البقرة ، الآية : ٧٩.


يحل [لهم](١) ، وويل [لهم] مما يكسبون بذلك بعد أن أخذ الرشا ، وقوله : (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ)(٢) أي : فريقا كذبتموه على التمام وفرغتم عن تكذيبه ما بقي منه غير مكذب ، وفريقا تقتلون ما تيسر لكم قتله على التمام ، وإنما تبذلون جهدكم أن تتموا قتله ، فتحومون حول قتل محمد ، فأنتم بعد على القتل. وقوله : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ)(٣) وقوله : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ)(٤) وقوله : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ)(٥). والمراد بالزمان الماضي : ما وجد قبل زمانك الذي أنت فيه ، وبالمستقبل : ما يترقب وجوده ، وبزمان الحال أجزاء من الظرفين ، يعقب بعضها بعضا من غير فرط مهلة وتراخ ، والحاكم في ذلك هو العرف لا غير.

تقييد المسند

وأما الحالة المقتضية لتقييده فهي : إذا كان المراد تربية الفائدة ، كما إذا قيدته بشيء مما يتصل به من نحو المصدر ، كنحو : ضربت ضربا شديدا ، أو ظرف الزمان ، كنحو : ضربت يوم الجمعة ، أو ظرف المكان ؛ كنحو : ضربت أمامك ، أو السبب الحامل ، كنحو : ضربت تأديبا ، وفررت جبنا ، أو المفعول به بدون حرف ، كنحو : ضربت زيدا ، أو بحرف ، كنحو : ضربت بالسوط ، أو ما ضربت إلّا زيدا ، أو المفعول معه ، كنحو : جلست والسارية ، أو الحال ، كنحو : جاء زيد راكبا ، أو التمييز ، كنحو : طاب زيد نفسا ، أو الشرط ، كنحو : يضرب زيد إن ضرب عمرو ، أو : إن ضرب عمرو يضرب زيد ، أخرت أو قدمت ، فهذه كلها تقييدات للمسند ، وتفاصيل يزداد الحكم بها بعدا.

__________________

(١) ليست في (غ).

(٢) سورة البقرة الآية : ٨٧.

(٣) سورة البقرة الآية : ١٣٧.

(٤) سورة البقرة الآية ١٤٢.

(٥) سورة الأعراف ، الآية : ١٨٢ ، وسورة القلم الآية : ٤٤.


ولم أذكر الخبر في نحو : كان زيد منطلقا ؛ لأن الخبر هناك هو نفس المسند ، لا [تقييد](١) للمسند ، إنما تقييده هو كان فتأمل.

وقد ظهر لك من هذا أن الجملة الشرطية جملة خبرية مقيدة بقيد مخصوص ، محتملة في نفسها للصدق والكذب ، واعلم أن للفعل ، ولما يتصل به من المسند إليه وغير المسند إليه ، اعتبارات في الترك والإثبات ، والإظهار والإضمار ، والتقديم والتأخير ، وله أعني ، الفعل ، بتقييده بالقيد الشرطي على الخصوص ، اعتبارات أيضا ، يذكر جميع ذلك في آخر هذا الفن ، في فصل لها على حدة.

ترك تقييد المسند :

وأما الحالة المقتضية لترك تقييده فهي : إذا منع عن تربية الفائدة مانع قريب أو بعيد.

متى يكون المسند اسما؟

وأما الحالة المقتضية لكونه اسما فهى : إذا لم يكن المراد إفادة التجدد والاختصاص بأحد الأزمنة الثلاثة إفادة الفعل لأغراض تتعلق بذلك.

متى يكون المسند منكرا؟

وأما الحالة المقتضية لكونه منكرا فهي : إذا كان الخبر واردا على حكاية المنكر ، كما إذا أخبر عن رجل في قولك : عندي رجل تصديقا لك ، فقيل : الذي عندك رجل ، أو كان المسند إليه ، كقولك : رجل من قبيلة كذا حاضر ، فإن كون المسند إليه نكرة والمسند معرفة سواء قلنا : يمتنع عقلا ، أو يصح عقلا ليس في كلام العرب ، وتحقيق

__________________

(١) كذا في النسخ ، وهو جائز ، فكتابة المنصوب بدون الألف لغة ربيعة ، بالوقف عليه كالوقف على المرفوع ، وقد ثبتت في أصول صحيحة عتيقة من كتب الحديث وغيرها.

وانظر الرسالة بتحقيق العلامة أحمد شاكر ، وقد ذكر لها شواهد كثيرة ج ١٩٨ ، ٢٤٣ ، ٦٩١ ، ١٢١٨ وغيرها.


الكلام فيه ليس مما يهمنا الآن ، وأما ما جاء من نحو قوله (١) :

ولا يك موقف منك الوداعا

وقوله (٢) :

يكون مزاجها عسل وماء

وبيت الكتاب (٣) :

أظبي كان أمّك أم حمار

فمحول على منوال : عرضت الناقة على الحوض (٤) ، وأصل الاستعمال (ولا يك موقفا منك الوداع) ، (ويكون مزاجها عسلا وماء) ، (وظبيا كان أمك أم حمارا).

ولا تظنن بيت الكتاب خارجا عما نحن فيه ، ذهابا إلى أن اسم كان إنما هو الضمير ، والضمير معرفة : فليس المراد : كان أمك ، إنما المراد ظبي ، بناء على أن ارتفاعه بالفعل المفسر لا بالابتداء ، ولذلك قدرنا الأصل على ما ترى ، وفي البيت اعتبارات ،

__________________

(١) القزويني في الإيضاح ص (١٦٦) بلا عزو وصدر البيت

قفى قبل التفرق يا ضباعا

وضباع : اسم امرأة.

(٢) أورده القزويني في الإيضاح ص (١٦٦) وعزاه لحسان وصدر البيت كأن سبيئة من بيت رأس ، وذكره الطيبى في التبيان (١ / ١٨٠) بتحقيقى. والسبيئة : الخمر تشترى وتعد للضيفان ، وبيت رأس : بلد بالشام.

(٣) البيت لخداش بن زهير كما في تلخيص الشواهد ص (٢٧٢) وشرح شواهد المغنى (٢ / ٢١٨) والكتاب (١ / ٤٨) وصدر البيت [فإنك لا تبالى بعد حول]. والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ٧٤) بتحقيقى.

(٤) هذا من القلب ، إذ الأصل عرضت الحوض على الناقة.


سؤالا وجوابا ، فلا عليك أن تتأملها ، وإياك والتبخيت (١) في تخطئة أحد ههنا ، فيخطئ (ابن أخت خالتك) (٢) ، وإن هذا النمط مسمى فيما بيننا بالقلب ، وهي شعبة من الإخراج ، لا على مقتضى الظاهر ، ولها شيوع في التراكيب ، وهي مما يورث الكلام ملاحة ، ولا يشجع عليها إلا كمال البلاغة ، تأتي في الكلام وفي الأشعار وفي التنزيل ، يقولون : عرضت الناقة على الحوض ، يريدون عرضت الحوض على الناقة ، وقال القطامي (٣) :

كما طينت بالفدن السياعا

أراد : كما طينت الفدن بالسياع.

وقال الشماخ (٤) :

كما عصب العلباء بالعود

__________________

(١) البخت : الجد ، فارسى ، وقد تكلمت به العرب.

(٢) يعني : فتخطئ أنت.

(٣) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٤١) وعزاه للقطامي ، والقزويني في الإيضاح ص (١٦٦) وذكر صدر البيت

فلما أن جرى سمن عليها.

وطينت : طليت بالطين. الفدن : القصر المشيد. السياع : الطين بالتبن.

(٤) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٤١) وعزاه للشماخ. والعلباء : عصب العنق ، يقال : تشنج علباء الرجل : إذا أسنّ.


وقال خداش (١) :

وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر

أراد : وتشقى الضياطرة الحمر بالرماح ، ولك أن لا تحمله على القلب بوساطة استعارة الشقاء لكسرها بالطعان ، وقال رؤبة (٢) :

ومهمه مغبرة أرجاؤه ...

كأن لون أرضه سماؤه

أراد : كأن لون سمائه من غبرتها لون أرضه.

وقال الآخر :

يمشي فيقعس أو يكبّ فيعثر

أراد : يعثر فيكب ، وفي التنزيل : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا)(٣) أي :

جاءها بأسنا فأهلكناها ، على أحد الوجهين ، وفيه : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ)(٤) على ما يحمل من : ألقه إليهم ، فانظر ما ذا يرجعون. ثم تول عنهم ، وفيه (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى)(٥) يحمل على تدلى فدنا.

__________________

(١) أورده القزويني في الإيضاح ص (١٦٧) وعزاه له ولخداش وصدر البيت :

وتركب خيلا لا هوادة بينها.

الضيطر والضيطري : الضخم الجبين العظيم الاست والجمع ضياطر وضياطرة.

(٢) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٤٢) وعزاه للعجاج ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص (٥٩) ، والقزويني في الإيضاح ص (١٦٥) وعزاه لرؤبه بن العجاج راجز كأبيه.

مهمه : المفازة البعيدة أو الأرض المقفرة.

(٣) سورة الأعراف الآية : ٤.

(٤) سورة النمل الآية : ٢٨.

(٥) سورة النجم الآية : ٨.


أو كان المسند إليه معرفة ، لكن المراد بالمسند وصف غير معهود ، ولا مقصود الانحصار بالمسند إليه ، كما تقول : زيد كاتب وعمرو شاعر. وإذا تكلمنا في تعريف المسند باللام ، اتضح عندك ما ذكرنا ، أو كان ينبئ تنكيره عما تقدم في تنكير المسند إليه من ارتفاع الشأن أو انحطاطه ، كما قال تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(١) مريدا بتنكيره : أنه هدى لا يكتنه كنهه ، وكما قال : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)(٢)

تخصيص المسند :

وأما الحالة المقتضية للتخصيص : إما بالإضافة ، كقولك : زيد ضارب غلام ، أو بالوصف ، كقولك : زيد رجل عالم ، فهي إذا كان المراد كون الفائدة أتم لما عرفت في فصل تعريف المسند إليه.

ترك تخصيص المسند :

وأما الحالة المقتضية لترك التخصيص ، فظاهرة لك ، إن كان ما سبق على ذكر منك.

متى يكون المسند اسما معرفا؟

وأما الحالة المقتضية لكونه اسما معرفا فهي : إذا كان عند السامع متشخصا بإحدى طرق التعريف معلوما له ، وكأني بك أسمعك تقول : فالمسند إذا كان متشخصا عند السامع معلوما له ، استلزم ، لا محالة ، كون المسند إليه معلوما له أيضا ؛ لما قدمتم أنتم ، وإذا كانا معلومين عنده ، فماذا يستفيد؟ فإنا نقول : يستفيد ، إما لازم الحكم ، كما ترى في قولك لمن أثنى عليك بالغيب : الذي أثنى علي بالغيب أنت ، معرفا لأنك عالم بذلك ، أو الحكم كما ترى في قولك لمن تعرف أن له أخا ، ويعرف إنسانا يسمى زيدا ، أو يعرفه يحفظ التوراة ، أو تراه بين يديه ، لكن لا يعرف أن ذلك الإنسان هو أخوه ، إذا

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢.

(٢) سورة الحج ، الآية ١.


قلت له : أخوك زيد ، أو أخوك الذي يحفظ التوراة ، أو أخوك هذا ، فقدمت الأخ ، أو إذا قلت : زيد أخوك أو الذي يحفظ التوراة أخوك ، أو هذا أخوك ، فأخرت الأخ معرفا له في جميع ذلك أن أحدهما الآخر ، ولا تقدم فيما نحن فيه ما تقدم بسلامة الأمير ، ولكن إذا أثنى عليك بالغيب إنسان ، وعلم أن الثناء نقل إليك وأنت تتصوره ، كالمستخبر عن حالك ، هل تعلم أن ذلك المثني عليك هو ، وهل تحكم على ذلك المثني به ، فتقول : الذي أثني علي بالغيب أنت ، فتأتي بالحكم على الوجه المتصور ، أو كان أثنى عليك هو وغيره ، وعلم أن ثناءهما نقل إليك ، وأنت تتصوره كالطالب إن تبين له ، كيف حكمك عليه وعلى ذلك الآخر؟ فتقول له : الذي أثنى علي بالغيب أنت ، فتأتي بالحكم ما تتصوره ، وتفيده أنك إنما اعتبرت ثناءه دون ثناء غيره ، وإذا قلت : أنت الذي أثنى علي بالغيب ، قلته : إذا كان أثنى عليك ونقل إليك الثناء بمحضره ومحضر غيره ، فتصورته كالطالب أن يتبين له كيف حكمك عليه ، فأتيت بالحكم على الوجه المطلوب ، وإذا قلت : أخوك زيد ، قلته لمن يعتقد أخا لنفسه ، لكن لا يعرفه على التعيين ، فيتصوره طالبا منك الحكم على أخيه بالتعيين.

وإذا قلت : زيد أخوك ، قلته لمن يعلم زيدا ، وهو كالطالب أن يعرف حكما له ، وأنه معتقد أن له أخا ، لكن لا يعلمه على التعيين ، وكذلك إذا قلت : أخوك الذي يحفظ التوراة ، أو الذي يحفظ التوراة أخوك ، أو أخوك هذا ، أو هذا أخوك ، وإذا قلت : زيد المنطلق ، قلته لمن يطلب أن يعرف حكما لزيد ، إما باعتبار تعريف العهد إن كان المنطلق عنده معهودا ، وإما باعتبار تعريف الحقيقة واستغراقها ، وإذا قلت : المنطلق زيد ، قلته للمتشخص في ذهنه المنطلق بأحد الاعتبارين : وهو طالب لتعيينه في الخارج.

وإذا تأملت ما تلوته عليك أعثرك على معنى قول النحويين ، رحمهم‌الله : لا يجوز تقديم الخبر على المبتدأ إذا كانا معرفتين معا ، بل أيهما قدمت فهو المبتدأ ، وما قد يسبق إلى بعض الخواطر ، من أن المنطلق دال على معنى نسبي ، فهو في نفسه متعين للخبرية ، وأن زيدا دال على الذات ، فهو متعين للمبتدئية ، تقدم أم تأخر ، فلا معرج عليه ، فإن المنطلق لا يجعل مبتدأ إلا بمعنى الشخص الذي له الانطلاق ، وأنه بهذا المعنى لا يجب كونه خبرا ، وأن زيدا لا يوقع خبرا إلا بمعنى صاحب اسم زيد ، ويكون المراد من قولنا : المنطلق زيد ، الشخص الذي له الانطلاق صاحب اسم زيد.


وأما ما قد يقع من نحو قوله (١) :

نم وإن لم أنم كرّى كراكا

ونحو قوله (٢) :

لعاب الأفاعي القاتلات لعابه

مما لا يستقيم معناه ، إلا بالتقديم والتأخير ، فحقه الحمل على القلب المقدم ذكره فاعرفه.

واعلم أن القول بتعريف الحقيقة باللام واستغراقها مشكل ، إذا قلنا : المراد بتعريف الحقيقة القصد إليها وتمييزها من حيث هي هي ، لزم أن يكون أسماء الأجناس معارف ، فإنها موضوعة لذلك ، وإنه قول لم يقل به أحد ، ولئن التزمه ملتزم ليكذبن في امتناع ، نحو : رجع رجعي ، السريعة والبطيئة ، وذكر ذكري ، الحسنة ، أو القبيحة ، وإنما لم أقل رجوعا ، السريع ، وذكرا الحسن ، قصرا للمسافة في التجنب عن حديث التنوين ما هي.

ولئن ذهبت إلى أن في نحو : رجل ، وفرس ، وثور اعتبار الفردية ، فليس فيها القصد إلى الحقيقة من حيث هي هي ، ليلزمنك المصادر ، من نحو : ضرب وقتل وقيام وقعود ورجعى وذكرى فليس فيها ذلك بالإجماع ، ولزم أن يكون اللام في : الرجل ، أو نحو : الضرب لتأكيد تعريف الحقيقة ، إذا لم يقصد العهد ، وأنه قول ما قال به أحد ، وإذا قلنا : المراد بتعريف الحقيقة القصد إليها حال حضورها ، أو تقدير حضورها ، لم يمتر عن تعريف العهد الوارد بالتحقيق أو بالتقدير ؛ لأن تعريف العهد ليس شيئا غير القصد إلى الحاضر في الذهن حقيقة أو مجازا ، كقولك : جاءني رجل ، فقال الرجل كذا ، وقولك :

__________________

(١) الكرى : النوم. وقيل النعاس. والجمع أكراء وكرى الرجل ، بالكسر يكرى كرى إذا نام فهو كر وكرىّ وكريان.

(٢) البيت أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص (٥٩) وعزاه لأبي تمام. والقزويني في الإيضاح ص (١٦٥) وذكر تمام البيت

وأرى الجنى اشتارته أيد عواسل


انطلق رجل إلى موضع كذا ، والمنطلق ذو جد ، قال تعالى : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى)(١) أي ليس الذكر الذي طلبت ، كالأنثى التي وهبت لها.

وإذا قلنا : المراد بتعريف الحقيقة هو الاستغراق ، لزم في اللام كونها موضوعة لغير التعريف ، إذا تأملت ، ولزم مع ذلك أن يكون الجمع بينها وبين لفظ المفرد جمعا بين المتنافيين ، وإن صير في الجمع بينهما إلى نحو الجمع بين المفرد وبين الواو والنون في نحو : المسلمون ، امتنع لوجوه كثيرة لا تخفى على متقني أنواع الأدب ، أدناها وجوب نحو : الرجل الطوال ، والفرس الدهم ، أو صحته لا أقل على الاطراد ، وكل ذلك على ما ترى فاسد ، والأقرب بناء على قول بعض أئمة أصول الفقه ، بأن اللام موضوعة لتعريف العهد لا غير ، هو أن يقال : المراد بتعريف الحقيقة أحد قسمي التعريف ، وهو تنزيلها منزلة المعهود بوجه من الوجوه الخطابية ، إما لأن ذلك الشيء محتاج إليه على طريق التحقيق ، فهو لذلك حاضر في الذهن ، فكأنه معهود ، أو على طريق التهكم ، وستعرف معنى هذا في علم البيان ، وإما لأنه عظيم الخطر ، معقود به الهمم على أحد الطريقين ، فيبني على ذلك أنه قلما ينسى ، فهو لذلك بمنزلة المعهود الحاضر.

وإما لأنه لا يغيب عن الحس على أحد الطريقين ، فيبنى على ذلك حضوره ، وينزل منزلة المعهود.

وإما لأنه جار على الألسن كثير الدور في الكلام على أحد الطريقين ، فيقام لذلك مقام المعهود.

وإما لأن أسبابا في شأنه متآخذة ، أو غير ذلك ، مما يجري مجرى هذه الاعتبارات ، فيقام الحقيقة لذلك مقام المعهود ، ويقصد إليها بلام التعريف.

ثم إن الحقيقة لكونها من حيث هي هي ، لا متعددة لتحققها مع التوحد ، ولا لا متعددة لتحققها مع التكثر ، وإن كانت لا تنفك في الوجود عن أحدهما ، صالحة للتوحد والتكثر ؛ فيكون الحكم استغراقا أو غير استغراق إلى مقتضى المقام ، فإذا كان

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٣٦.


خطابيا مثل : خ خ المؤمن غر كريم ، والمنافق خبّ لئيم (١) ، حمل المعرف باللام ، مفردا كان أو جمعا ، على الاستغراق ، بعلة إيهام أن القصد إلى فرد دون آخر ، مع تحقق الحقيقة فيهما ، يعود إلى ترجيح أحد المتساويين ؛ وإذا كان استدلاليا ، حمل على أقل ما يحتمل ؛ وهو الواحد في المفرد ، والعدد الزائد على الاثنين بواحد في الجمع ، فلا يوجب في مثل : حصل الدرهم إلا واحد (٢) ، وفي مثل : حصل الدراهم إلا ثلاثة.

وستقف على هذا في نوع الاستدلال ، إذا انتهينا إليه ، بإذن الله تعالى : ومبنى كلامي هذا على أن الاثنين ليسا بجمع ، فإن عد العالم الواقف على هاتيك الصناعة بسوابقها ولواحقها للاثنين جمعا غير مرتضى منه ؛ وههنا دقيقة ، وهي أن الاستغراق نوعان : عرفي وغير عرفي فلا بد من رعاية ذلك ، فالعرفي نحو قولنا : جمع الأمير الصاغة ، أي جمع صاغة بلده أو أطراف مملكته فحسب ، لا صاغة الدنيا.

وغير العرفي ، في نحو قولنا : الله غفار الذنوب ، أي كلها. واستغراق المفرد يكون أشمل من استغراق الجمع ، ويتبين ذلك بأن ليس يصدق : لا رجل في الدار في نفي الجنس ، إذا كان فيها رجل أو رجلان ، ويصدق : لا رجال في الدار.

ومن هذا يعرف لطف ما يحكيه ، تعالى ، عن زكريا عليه‌السلام : (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي)(٣) دون : وهن العظام ، حيث توصل باختصار اللفظ إلى الإطناب في معناه ، وإذا عرفت هذا ، فنقول : متى قلنا : زيد المنطلق ، أو المنطلق زيد في المقام الخطابي ؛ لزم أن يكون غير زيد منطلقا ، ولذلك ينهى أن يقال : زيد المنطلق وعمرو ، بالواو ، ولا ينهى أن يقال : زيد المنطلق لا عمرو ، بحرف لا ، ثم إذا كان الأمر في نفسه كذلك ، كما إذا قلت : الله العالم الذات ، حمل على الانحصار حقيقة ، وإلّا كما في

__________________

(١) روى مرفوعا إلى النبي وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (٦٦٥٣) والصحيحة (٩٣٥).

(٢) كذا في المطبوع (ط) و (د) و (غ) على صورة المرفوع ، وهو استثناء تام موجب ، واجب النصب ، وكتابة المنصوب بدون الألف لغة ربيعة ، وقد سبق التنبيه على مثل هذا.

(٣) سورة مريم ، الآية ٤.


قولك : حاتم الجواد ، وخالد الشجاع ، وقوله عز وعلا : (الم* ذلِكَ الْكِتابُ)(١) حمل على الانحصار مبالغة وتنزيلا لجود غير حاتم ، وشجاعة غير خالد ، وكون غير القرآن كتابا ، منزلة العدم لجهات اعتبارية.

متى يكون المسند جملة؟

وأما الحالة المقتضية لكونه جملة فهي : إذا أريد تقوّي الحكم بنفس التركيب ، كقولك : أنا عرفت ، وأنت عرفت ، وهو عرف ، أو زيد عرف. كما سيأتيك تقرير هذا المعنى ، وقولك : بكر يشكرك أن تعطه ، أو بكر إن تعطه يشكرك ، لما عرفت أن الجملة الشرطية ليست إلا جملة خبرية مقيدة بقيد مخصوص ، وكقولك : خالد في الدار ، أو إذا كان المسند سببيّا ، وهو أن يكون مفهومه مع الحكم عليه بالثبوت لما هو مبني عليه ، أو بالانتفاء عنه ، مطلوب التعليق بغير ما هو مبني عليه تعليق إثبات له بنوع ما ، أو نفي عنه بنوع ما ، كقولك : زيد أبوه انطلق أو منطلق ، والبر الكرّ منه بستين ، أو يكون المسند فعلا يستدعي الاستناد إلى ما بعده بالإثبات أو بالنفي ، فيطلب تعليقه على ما قبله بنوع إثبات أو بنفي لكون ما بعده بسبب مما قبله ، نحو : عمرو ضرب أخوه ، لا شيئا متصلا بالفعل ، نحو : زيد ضارب أخوه ، أو مضروب ، أو كريم ، لسر نطلعك عليه ، وما ذكرت لك ، إذا تحققت مضمونه أعثرك على وجه حكم النحويين ، لا بد في الجملة الواقعة خبرا من ذكر يرجع إلى المسند إليه لفظا أو تقديرا ، وأعثرك على أن الجملة بعد ضمير الشأن ، في : نعم هو زيد ، هو منطلق ، أو أنه : زيد منطلق مستثناة عن هذا الحكم لكونها نفس المخبر عنه ، وأعثرك على وجه نيابة تعريف الجنس عن الضمير ، في : نعم الرجل زيد ، على قول من يرى المخصوص مبتدأ ، ونعم الرجل خبره ، ونيابة العموم عنه في مثل : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً)(٢)

__________________

(١) سورة البقرة الآيات ١ ـ ٢.

(٢) سورة الكهف الآية ٣٠.


وأما الحالة المقتضية لكون الجملة فعلية ، فهي إذا كان المراد التجدد كقولك : زيد انطلق ، أو ينطلق ، فالفعل موضوع لإفادة التجدد ، ودخول الزمان الذي من شأنه التغير في مفهومه مؤذن بذلك.

وأما الحالة المقتضية لكونها اسمية ، فهي إذا كان المراد خلاف التجدد والتغير ، كقولك : زيد أبوه منطلق ، فالاسم إن دل على التجدد ، لم يدل عليه إلا بالعرض ، وما تسمع من تفاوت الجملتين الفعلية والاسمية ، تجددا وثبوتا ، هو يطلعك على أنه حين ادعى المنافقون الإيمان بقولهم : (آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ)(١) جائين به جملة فعلية على معنى : أحدثنا الدخول في الإيمان وأعرضنا عن الكفر ، ليروج ذلك عنهم ، كيف طبق المفصل في رد دعواهم الكاذبة قوله تعالى : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)(٢) حيث جيء به جملة اسمية ومع الباء ، وعلى تفاوت كلام المنافقين مع المؤمنين ومع شياطينهم ، فيما يحكيه ، جل وعلا ، عنهم وهو : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ)(٣) تفاوتا إلى جملة فعلية وهي : آمنا ، وإلى اسمية ومع إن ، وهي : (إِنَّا مَعَكُمْ :) كيف أصاب شاكلة الرمي ، وعلى أن إبراهيم حين أجاب الملائكة عن قولهم له : (سَلاماً)(٤) ، بالنصب ، بقوله لهم : (سَلامٌ)(٥) ، بالرفع ، كيف كان عاملا بالذي يتلى عليك في القرآن المجيد من قوله : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها)(٦).

وأما الحالة المقتضية لكونها شرطية فستقف عليها في موضعها.

وأما الحالة المقتضية لكونها ظرفية ، فهي إذا كان المراد اختصار الفعلية ، كقولك : زيد في الدار ، بدل استقر فيها أو حصل فيها على أقوى الاحتمالين ، على ما تقدم ، ويظهر لك من هذا أن مرجع الجمل الأربع إلى اثنتين : اسمية وفعلية.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٨.

(١) سورة البقرة الآية ٨.

(٢) سورة البقرة الآية ١٤.

(٣) الذاريات الآية : ٢٥.

(٣) الذاريات الآية : ٢٥.

(٤) سورة النساء : ٨٦.


تأخير المسند :

وأما الحالة المقتضية لتأخير المسند فهي : إذا كان ذكر المسند إليه أهم ، كما مضى في فن المسند إليه ، وإياك أن تظن بكون الحكم على المسند إليه مطلوبا استيجاب صدر الكلام له ، فليس هو هناك ، فلا تغفل.

تقديم المسند :

وأما الحالة المقتضية لتقديمه : فهي أن يكون متضمنا للاستفهام ، كنحو : كيف زيد؟ وأين عمرو؟ ومتى الجواب؟ والقانون الثاني موضع تقريره ؛ أو أن يكون المراد تخصيصه بالمسند إليه كقوله عز وعلا : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)(١) وقولك لمن يقول : زيد إمّا قائم وإما قاعد ، فيردده بين القيام والقعود من غير أن يخصصه بأحدهما ، قائم هو. وقولهم : تميمي أنا ، وارد على هذا ، وسيأتيك في هذا المعنى في فصل القصر كلام. أو أن يكون المراد التنبيه على أنه خبر لا نعت ، كقولها :

تحت رأسي سرج ، وعلى أبيه درع.

__________________

(١) سورة الكافرون الآية ٦.


وقوله (١) :

له همم لا منتهى لكبارها ...

وهمته الصغرى أجلّ من الدهر

وقوله (٢) :

لها خلق ضيق لو أن وضينه ...

فؤادك لم يخطر بقلبك هاجس

وقوله (٣) :

لكل جديد لذة غير أنني ...

وجدت جديد الموت غير لذيذ

وقوله (٤) :

عند الملوك مضرة ومنافع ...

وأرى البرامك لا تضرّ وتنفع

وقولها (٥) :

أغر أبلج يأتمّ الهداة به ...

كأنه علم في رأسه نار

وقوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ)(٦) وما شاكل ذلك ، فإن

__________________

(١) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٣٩) ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص (٧٨) والخطيب القزويني في الإيضاح ص (١٩٣) والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ٧٧) بتحقيقى وهو لحسان بن ثابت في مدح الرسول ، أو لبكر بن النطاح في أبي دلف الجمحى ، أو لبعض الأعراب في أمير من الأمراء.

(٢) لم أعثر عليه. الوضين : بطان عريض منسوج من سيور أو شعر.

(٣) لم أعثر عليه

(٤) أورده الطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ٧٧) بتحقيقى وفيه ولا تنفع.

(٥) البيت من البسيط وهو للخنساء في ديوانها (٣٨٦) بلفظ [وإن صخرا لتأتم الهداة به] وجمهرة اللغة (٩٤٨) وتاج العروس (١٠ / ٢٩٣). ـ


النعت لا يقدم على المنعوت ، ولذلك يقال : جاءني راكبا رجل ، وإنما يصار إلى هذا التنبيه ؛ لأن الظرف بتأخره عن المنكر يكون بالحمل على الوصف أولى منه بالحمل على الخبر ؛ لأمرين يتعاضدان في ذلك :

استدعاء المنكر في مقام الابتداء أن يوصف ؛ ليتقوى بذلك فائدة الحكم ، كما سبق في الفن الثاني.

وصلاحية الظرف أن يكون من صفاته ؛ ولذلك لا يجب تقديم الظرف على المنكر إذا كان موصوفا ، قال الله تعالى : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ)(١) وأن هذا التقديم ملتزم مع مبتدأ غير مصدر.

أما مع المصدر ، كنحو : سلام عليك ، وويل لك ، فلا فرق بين ظرف له حق في التأخير عن مبتدئه ذلك قبل صيرورته مبتدأ ، وذلك قولك : سلاما عليك ، بالنصب منزلا منزلة : أسلم عليك ، مفيدا التجدد لذلك ، وبين ظرف ليس له ذلك ، أو أن يكون قلب السامع معقودا به ، كقولك : قد هلك خصمك ، لمن يتوقع ذلك ، أو لأنه صالح للتفاؤل ، أو لأنه أهم عند القائل ، كما إذا قلت :

عليه من الرحمن ما يستحقّه (٢)

__________________

سورة البقرة الآية ٣٦.

(١) سورة الأنعام ، الآية ٢.

(٢) صدر بيت من الطويل.


أو كقوله (١) :

سلام الله يا مطر عليها ...

وليس عليك يا مطر السّلام

وقوله (٢) :

وليس بمغن في المودة شافع ...

إذا لم يكن بين الضلوع شفيع

أو أن يكون المراد بتقديمه نوع تشويق إلى ذكر المسند ، كقوله (٣) :

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ...

شمس الضحى ، وأبو إسحق ، والقمر

وقوله (٤) :

وكالنار الحياة ، فمن رماد ...

أواخرها ، وأولها دخان

وحق هذا الاعتبار تطويل الكلام في المسند ، وإلّا لم يحسن ذلك الحسن ، أو يكون المراد بالجملة إفادة التجدد دون الثبوت ، فيجعل المسند فعلا ، ويقدم البتة على ما يسند إليه في الدرجة الأولى ، وقولي : (في الدرجة الأولى) احتراز عن نحو : أنا عرفت ، وأنت عرفت ، وزيد عرف ، فإن الفعل فيه يستند إلى ما بعده من الضمير ابتداء ، ثم بوساطة

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو للأحوص في ديوانه ص (١٣٩) والأغاني (١٥ / ٢٣٤) وخزانة الأدب (٢ / ١٥٠) ، (٦ / ٥٠٧) ، والدرر (٣ / ٢١) والأحوص : هو عبد الله بن محمد من الأوس ، شاعر إسلامي ، اشتهر بالنسيب ، والبيت قاله في أخت زوجه كان يعشقها ويكتم فنكحت مطرا ، فقال ذلك في قصيدة له.

(٢) البيت من الطويل ، وهو في ديوان المعاني بلا عزو (١ / ١٦٠) ، أورده الطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ٧٧) بتحقيقى.

(٣) البيت من البسيط ، وهو لمحمد بن وهيب الحميري يمدح المعتصم العباسي ، أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص (٧٩) والقزويني في الإيضاح ص (١٩٣).

(٤) البيت من الوافر لأبي العلاء المعرى ، أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص (٧٨) والقزويني في الإيضاح ص (١٩٤).


عود ذلك الضمير إلى ما قبله يستند إليه في الدرجة الثانية.

وإذا سلكت هذه الطريقة ، سلكت باعتبارين مختلفين : أحدهما أن يجري الكلام على الظاهر : وهو أن" أنا" مبتدأ ، " وعرفت" خبره ، وكذلك : خ خ أنت عرفت ، خ خ وهو عرف" ؛ ولا يقدّر تقديم وتأخير ، كما إذا قلنا : زيد عارف ، أو زيد عرف ، اللهم إلا في التلفظ.

وثانيهما : أن يقدر أصل النظم : عرفت أنا ، وعرفت أنت ، وعرف هو. ثم يقال : قدم أنا وأنت وهو.

فنظم الكلام بالاعتبار الأول لا يفيد إلا تقوي الحكم ، وسبب تقويه هو : أن المبتدأ لكونه مبتدأ ، يستدعي أن يسند إليه شيء ، فإذا جاء بعده ما يصلح أن يستند إليه صرفه المبتدأ إلى نفسه ، فينعقد بينهما حكم ، سواء كان خاليا عن ضمير المبتدأ ، نحو : زيد غلامك ، أو كان متضمنا له ، نحو : أنا عرفت ، وأنت عرفت ، وهو عرف ، أو زيد عرف ، ثم إذا كان متضمنا لضميره ، صرفه ذلك الضمير إلى المبتدأ ثانيا ، فيكتسي الحكم قوة ، فإذا قلت : هو يعطي الجزيل ، كان المرد تحقيق إعطائه الجزيل عند السامع ، دون تخصيص إعطاء الجزيل به ، وعليه قوله عز وعلا : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ)(١) ليس المراد أن شيئا سواهم لا يخلق ، إنما المراد تحقيق أنهم يخلقون ؛ وقوله : (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)(٢) وقوله : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)(٣) ، وقوله : (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ)(٤) وكذلك إذا قلت : أنت لا تكذب ، كان أقوى للحكم بنفي الكذب عن المخاطب من قولك : لا

__________________

(١) سورة الفرقان الآية ٣.

(٢) سورة الأعراف الآية ١٩٦.

(٣) سورة النمل الآية ١٧.

(٤) سورة المائدة ، الآية ٦١.


تكذب ، من غير شبهة ، ومن قولك : لا تكذب أنت ، فإن أنت هنا لتأكيد المحكوم عليه بنفي الكذب عنه بأنه هو لا غيره ، لا لتأكيد الحكم ، فتدبر ، وعليه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ)(١) وقوله : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٢) وقوله : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ)(٣) وقوله : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٤) ويقرب من قبيل : أنا عرفت ، وأنت عرفت ، وهو عرف ، في اعتبار تقوي الحكم : زيد عارف ؛ وإنما قلت : (يقرب) ، دون أن أقول : (نظيره) ؛ لأنه لما لم يتفاوت في الحكاية والخطاب والغيبة في : أنا عارف ، وأنت عارف ، وهو عارف ، أشبه الخالي عن الضمير ، ولذلك لم يحكم على (عارف) بأنه جملة ، ولا عومل معاملتها في البناء حيث أعرب في نحو : رجل عارف ، رجلا عارفا ، رجل عارف ، كما عرف في علم النحو ، واتبعه في حكم الإفراد ، نحو : زيد عارف أبوه.

وبالاعتبار الثاني : يفيد التخصيص قال تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)(٥) المراد : لا يعلمهم إلا الله ولا يطلع على أسرارهم غيره ، لإبطانهم الكفر في سويداوات قلوبهم ، وسيأتيك بيانه في فصل التقديم والتأخير ، ونظير قولنا : أنا عرفت ، في اعتبار الابتداء ، لكن على سبيل القطع ، قولك : زيد عرفت ، أو عرفته ، وفي اعتبار التقديم : زيدا عرفت ، الرفع يفيد تحقيق أنك عرفت زيدا ، والنصب يفيد أنك خصصت زيدا بالعرفان.

وأما : زيدا عرفته ، فأنت بالخيار ، إن شئت قدرت المفسر قبل المنصوب ، على نحو

__________________

(١) سورة المؤمنون الآية ٥٩.

(٢) سورة يس ، الآية : ٧.

(٣) سورة القصص ، الآية ٦٦.

(٤) سورة الأنفال ، الآية ٥٥.

(٥) سورة التوبة الآية ١٠١.


عرفت زيدا عرفته ، وحملته على باب التأكيد ، وإن شئت قدرته بعده على نحو : زيدا عرفت عرفته ، وحملته على باب التخصيص.

وأما نحو قوله : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ)(١) فيمن قرأ بالنصب ، فليس إلا التخصيص لامتناع : (أما فهدينا ثمود) ، وأما نحو : زيد عرف ، ورجل عرف ، فليسا من قبيل : هو عرف في احتمال الاعتبارين على السواء ، بل حق المعرّف حمله على وجه تقوي الحكم ، وحق المنكر حمله على وجه التخصيص.

وإنما افترق الحكم بين الصور الثلاث ؛ لأنه إذا قلنا : عرف هو ، لم يكن هو فاعلا ، لما عرف في علم النحو أن ضمير الفاعل لا ينفصل إلا إذا جرى الفعل على غير ما هو له في موضع الإلباس ، وإذا تقدم عليها" إلا" صورة ، كنحو : ما ضرب إلا هو ، أو معنى ، كنحو : إنما يدافع عنك أنا ، إذ المعنى : لا يدافع عنك إلا أنا ، وإذا لم يكن هو فاعلا ، احتمل التقديم على الفعل ، فإذا قلنا : هو عرف ؛ كان له ذلك الاحتمال ، مع احتمال الابتداء ؛ لكونه في موضعه ، وكونه مع ذلك على شرطه في قوة الفائدة بالإخبار عنه وهو [تعرفة](٢) ؛ وإذا قلنا : عرف زيد ، كان (زيد) مرفوعا بعرف لقلة نظائر : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٣) وحينئذ لا يكون له احتمال التقدم على الفعل ، كما سبق في علم النحو ، فلا يكون لقولنا : زيد عرف ، غير احتمال الابتداء ، اللهم إلا بذلك الوجه البعيد ، فلا يرتكب عند المعرف ؛ لكونه على شرط المبتدأ. وإنما يرتكب عند المنكر لفوات الشرط ، إذ لم يمنع عن التخصيص مانع ، كما إذا قلت : رجل جاء ، لصحة أن يراد الجائي رجل لا امرأة ، أيها السامع ، دون قولهم : شر أهرّ ذا ناب ، لامتناع أن يراد : المهرّ لذي ناب شر لا خير ، اللهم إلا إذا حملت التخصيص على وجه آخر ، وهو الإفراد على تقدير : رجل جاء لا رجلان ، فإنه محمل يصار إليه كثيرا عند

__________________

(١) سورة فصلت الآية ١٧.

(٢) كذا في (ط) و (ع) ، (د).

(٣) سورة الأنبياء ، الآية ٣.


علماء هذا النوع ، وشر أهر ذا ناب لا شّران ، لكن بهذا الوجه يكون نابيا عن مظان استعماله ، وإذا صرح الأئمة ، رحمهم‌الله ، بتخصيصه ، حيث تأولوه ب : ما أهر ذا ناب إلا شر ، فالوجه تفظيع شأن الشر بتنكيره ، كما سبق ، فهو محزه ، ولما عرفت من أن بناء الفعل على المبتدأ أقوى للحكم ، تراهم إذا استعملوا لفظ : المثل ، ولفظ : الغير ، بطريق الكناية نحو : مثلك لا يبخل ، أي أنت لا تبخل وغيرك لا يجود ، بمعنى : أنت تجود من غير إرادة التعريض بلفظي : المثل والغير على إنسانين يقصد إليهما لا يكادون يتركون تقديمهما ؛ لكونه أعون للمعنى المراد بهما إذ ذاك ، ويتحقق هذا في علم البيان ، إن شاء الله تعالى.


فصل : اعتبارات الفعل وما يتعلق به

واعلم أن للفعل ، ولما يتعلق به ، اعتبارات مجموعها راجع إلى : الترك والإثبات ، والإظهار والإضمار ، والتقديم والتأخير ، فلا بد من التكلم هناك ، ومن التكلم على الخصوص في تقييده ، أعني الفعل ، بالقيود الشرطية ، فنقول : أما الترك ، فلا يتوجه إلى فاعله ، كما عرف في علم النحو ، وإنما يتوجه إلى نفس الفعل ، أو إلى غير الفاعل ، لكنه لا يتضح اتضاحا ظاهرا ، إلّا في المفعول به كما ستقف عليه.

ترك الفعل :

أما الحالة المقتضية لترك الفعل ، فهي أن تغني قرائن الأحوال عن ذكره ، ويكون المطلوب هو : الاختصار ، أو اتباع الاستعمال الوارد على تركه ، كما إذا أردت ضرب المثل بقولهم : لا حظية فلا ألية (١) ، أو بقولهم : لو ذات سوار لطمتني (٢) ، أو غير ذلك مما هو مصبوب في هذا القالب ، أو على ترك نظائره ، كما إذا قلت : إن زيد جاء ، ولو عمرو ذهب ، وتلك القرائن كثيرة ، وأنا أضبط لك منها ههنا ما تستعين به على درك ما عسى يشذ عن الضبط ، فأقول ، والله الموفق للصواب :

منها : أن يكون مفسرا ، كنحو :

__________________

(١) المثل من لسان العرب مادة (ألو) قال : ألا يألوا ألوا وأليّا وإليا وألّى يؤلّى تألية. وأتلى : قصّر وأبطأ ...

والاسم : الأليّة ، ومنه المثل : إلا حظية فلا أليّة ؛ أى إن لم أحظ فلا أزال أطلب ذلك وأتعمل وأجهد نفسى فيه ، وأصله في المرأة تصلف عند زوجها ، تقول : إن أخطأتك الحظوة فيما تطلب فلا تأل أن تتودد إلى الناس لعلك تدرك بعض ما تريد. لسان العرب. (ألو) ولطائف التبيان للطيبى ، بتحقيقى ص (٦٨).

(٢) ذكره الطيبى في التبيان وفي اللطائف بتحقيقى ص ٦٨ كذلك. والمثل في المستقصى (٢ / ٢٩٧) ولسان العرب (لطم). أى لو لطمتنى حرة ذات حلى لاحتملت ، ولكنى لطمتنى أمة عاطل ، قالته امرأة لطمتها من ليست بكفء لها ، يضرب لكريم يظلمه دنىء فلا يقدر على احتمال ظلمه ؛ وهو في الفاضل للمبرد (٤١ ـ ٤٢).


إن ذو لوثة لانا (١)

ولو ذات سوار لطمتني ، وهلا أبوك حضر ، و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ)(٢) ونحو : أزيد ذهب أو ذهب به ، أو ذهب أخوه ، ونحو : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)(٣) كما سبق التعرض له في علم النحو.

ومنها : أن يكون هناك حرف إضافة : فإن حروف الإضافة ، لوضعها على أن يفضي بمعاني الأفعال إلى الأسماء ، لا تنفك عن الأفعال ، إلا أن دلالته لا تتخطى الفعل المطلق ، فإذا أريد تقييده احتيج إلى دلالة أخرى ، ثم هي تتفاوت ، فتارة يكون الشروع ، كما إذا قلت ، عند الشروع في القراءة : (بِسْمِ اللهِ) فإنه يفيد أن المراد باسم الله أقرأ ، أو عند الشروع في القيام أو القعود أو أي فعل كان ، فإنه يفيد ذلك ، وتارة يكون الاقتران ، كقولك لمن أعرس : بالرفاء والبنين (٤) ، أو لمن فوض إليك أن تختار : إليك الاختيار ، فإنه يفيد بالرفاء أعرست ، وإليك يفوض.

وتارة يكون عموم الاستعمال ، كنحو : في الدار ، أو في البلد ، أو في كذا ، فإنه لا يراد إلّا معنى الحصول ، وتارة يكون غير ذلك من مقيدات الأحوال فقس.

ومنها : أن يكون الكلام جوابا لسؤال واقع ، نحو أن يسمع منك : يكتب القرآن لي ، فتسأل : من يكتبه؟ فتقول : زيد. فيكون الحال مغنية عن ذكر : (يكتب) ، وعليه قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(٥) وقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ)(٦).

__________________

(١) البيت سبق تخريجه في باب النحو ، وأورده الطيبى في التبيان (١ / ١٩٠) بتحقيقى.

(٢) سورة الانشقاق ، الآية ١.

(٣) سورة البقرة ، الآية ٤٠.

(٤) أى بالالتئام والاتفاق وحسن الاجتماع. اللسان (رفأ).

(٥) سورة لقمان الآية ٢٥.

(٦) سورة العنكبوت ، الآية ٦٣.


أو جوابا لسؤال مقدر ، مثل أن يقول : يكتب القرآن لي زيد ، وعليه بيت الكتاب : (١)

ليبك (٢) يزيد ضارع ...

وقراءة من قرأ : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ)(٣) وكذلك : (يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)(٤) ، ببناء الفعل للمفعول في البيت وفي الآيتين ، ومن البناء على السؤال المقدر ارتفاع المخصوص في باب : نعم وبئس على أحد القولين ، وعسى أن نتعرض في فصل الإيجاز والإطناب لهذا الباب ، وأن هذا التركيب متى وقع موقعه ، رفع شأن الكلام في باب البلاغة إلى حيث يناطح السماك (٥) ، وموقعه أن يصل من بليغ عالم بجهات البلاغة ، بصير بمقتضيات الأحوال ، ساحر في اقتضاب الكلام ، ماهر في أفانين السحر ، إلى بليغ مثله ، مطلع من كل تركيب على [حاق](٦) معناه وفصوص مستتبعاته ، فإن جوهر الكلام البليغ مثله مثل الدرة الثمينة لا ترى درجتها تعلو ، ولا قيمتها تغلو ، ولا تشترى بثمنها ، ولا تجري في مساومتها على سننها ما لم يكن المستخرج لها بصيرا بشأنها ، والراغب فيها خبيرا بمكانها.

__________________

(١) البيت من الطويل ، وينسب إلى الحارث بن نهيك ولبيد وضرار بن نهشل ، ونهشل بن حرى في رثاء ولده. وأورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٤٦) وعزاه للكتاب وتمام البيت :

ومختبط مما تطيح الطوائح

وهو في الكتاب لسيبويه (١ / ١٤٥) ، ومعاهد التنصيص (١ / ٢٠٢) والمفصل ، وشواهد الهمع ، وخزانة الأدب للبغدادي وغيرها.

(٢) في (غ) (ليبقى) وهو خطأ.

(٣) سورة النور ، الآيات : ٣٦ ـ ٣٧.

(٤) الأحزاب : ٢ وفي (ط) و (د): (وكذلك يوحى إليك ربك) وهو خطأ.

(٥) السماك : نجم معروف.

(٦) في (ط): (خاف).


وثمن الكلام : أن يوفى من أبلغ الإصغاء ، وأحسن الاستماع حقه ، وأن يتلقى من القبول له ، والاهتزاز بأكمل ما استحقه ، ولا يقع ذلك ما لم يكن السامع عالما بجهات حسن الكلام ، ومعتقدا بأن المتكلم تعمدها في تركيبه للكلام عن علم منه ؛ فإن السامع إذا جهلها لم يميز بينه وبين ما دونه ، وربما أنكره ، وكذلك إذا أساء بالمتكلم اعتقاده ، ربما نسبه في تركيبه ذاك إلى الخطأ ، وأنزل كلامه منزلة ما يليق به من الدرجة النازلة ، ومما يشهد لك بهذا ما يروى عن علي ، رضي‌الله‌عنه ، أنه كان يشيع جنازة فقال له قائل : من المتوفّي؟ بلفظ اسم الفاعل ، سائلا عن المتوفّى فلم يقل : فلان ، بل قال : الله ؛ ردا لكلامه عليه ، مخطئا إياه ، منبها له بذلك على أنه كان يجب أن يقول : من المتوفّى؟ بلفظ اسم المفعول ، ويقال : إن هذا الواقع كان أحد الأسباب التي دعته إلى استخراج علم النحو ، فأمر أبا الأسود الدؤلي بذلك ، فهو أول أئمة علم النحو ، رضوان الله عليهم أجمعين ، وما فعل ذلك ، كرم الله وجهه ، إلّا لأنه عرف من السائل أنه ما أورد لفظ المتوفّى على الوجه الذي يكسوه جزالة في المعنى ، وفخامة في الإيراد ، وهو وجه القراءة المنسوبة إليه : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً)(١) بلفظ بناء الفعل للفاعل ، من إرادته معنى والذين يستوفون مدد أعمارهم ، وإذا عرفت هذا ، فنقول في التركيب الذي نحن فيه من مثل : يكتب القرآن لي زيد ، برفع زيد مع بناء الفعل للمفعول جهات للحسن ، ومزايا نتلوها عليك ، ليكون لك ذريعة إلى درك ما سواها ، إذا شحذنا بها بصيرتك.

ومنها : أن الكلام متى نسج على هذا المنوال ، ناب مناب الجمل الثلاث؟ إحداها : يكتب القرآن لي ، والثانية : الجملة المدلول عليها بزيد ، وهي من يكتبه ، والثالثة : زيد مع الرافع المقدر ، وهي يكتبه زيد ، بخلافه إذا قيل : يكتب القرآن لي زيد ، بلفظ المبني للفاعل ، ولا شبهة أن الكلام متى كان أجمع للفوائد كان أبلغ.

ومنها : أن الكلام متى سيق هذا المساق ؛ كان كل واحد من لفظي : القرآن وزيد

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٣٤.


مقصودا إليه في الذكر ، غير مستغنى عنه ، بخلافه في التركيب الآخر ؛ فإن لفظ القرآن فيه يعد فضلة ، والتقريب ظاهر.

ومنها : أن الكلام ، متى سلك به هذا المسلك ، لم يكن أوله مطمعا في ذكر الكاتب ، فإذا أورد السامع فائدة ذكره ، كانت حاله كمن تيسر له غنيمة من حيث لا يحتسب ، بخلافه في النظم ؛ [الآخر](١).

ومنها : أن الكلام على ذلك النظم يكون كالمتناقض من حيث الظاهر ، لأن كون القرآن مفعولا فضلة فيه ، يكون مؤذنا بأن مساس الحاجة إليه دون مساس الحاجة إلى الفاعل ، وكونه مقدما [على الفاعل](٢) يكون مؤذنا بالاعتناء بشأنه ، وأن مساس الحاجة إليه فوق مساس الحاجة إلى ما أخر ، بخلافه في هذا النظم ، فإنه يكون سليما عن ذلك ، وفي هذا الوجه نظر يذكر في الحواشي.

ومنها أن الكلام في التركيب الذي نحن فيه يفيد استناد الكتبة إلى الفاعل إجمالا أولا ، وتفصيلا ثانيا ، وفي غيره يفيد استنادها إليه من وجه واحد ، فيكون هذا التركيب أبلغ ؛ ومن قبيل ما نحن بصدده : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ)(٣) ف (لِلَّهِ شُرَكاءَ) هما : مفعولا" جعلوا" وانتصاب الجن بفعل مضمر دل عليه السؤال المقدر ، وهو : من جعلوا شركاء؟

إثبات الفعل :

وأما الحالة المقتضية لإثبات الفعل ، فاشتمال المقام على جهة من جهات الاستدعاء له ، والتلفظ به ، مما نبهت على أمثالها غير مرة.

__________________

(١) من (غ).

(٢) في (غ) (فيه).

(٣) سورة الأنعام الآية ١٠٠.


ترك مفعوله :

وأما الحالة المقتضية لترك مفعوله فهو : القصد إلى التعميم والامتناع على أن يقصره السامع على ما يذكر معه دون غيره مع الاختصار ، وأنه أحد أنواع سحر الكلام ، حيث يتوصل بتقليل اللفظ إلى تكثير المعنى ، كقولهم في باب المبالغة : فلان يعطي ويمنع ، ويصل ويقطع ، ويبني ويهدم ، ويغني ويعدم ، وقوله عز قائلا : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ)(١) أو القصد إلى نفس الفعل بتنزيل المتعدي منزلة اللازم ، ذهابا في نحو : فلان يعطي ، إلى معنى ، يفعل الإعطاء ، ويوجد هذه الحقيقة إيهاما للمبالغة بالطريق المذكور في إفادة اللام للاستغراق ، وعليه قوله عزوجل : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٢) المعني وأنتم من أهل العلم والمعرفة. أو القصد إلى مجرد الاختصار ، لنيابة قرائن الأحوال عن ذكره ، كقوله عز وعلا : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(٣) إذ لا يلبس أن المراد : أهذا الذي بعثه الله لاستدعاء الموصول ، الراجع إليه من الصلة ، وقوله : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)(٤) لاتضاح أن المراد أرني ذاتك ، وقوله : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ)(٥) لانصباب الكلام إلى إرادة يسقون مواشيهم ، وتذودان غنمهما ، ولا نسقي غنمنا حتى يصدر الرعاء مواشيهم ، وقوله : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ)(٦) لظهور أن المراد لو شاء هدايتكم لهداكم ، ولك أن تنظم قوله :

__________________

(١) سورة يونس ، الآية ٢٥.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٢.

(٣) سورة الفرقان الآية ٤١.

(٤) سورة الأعراف ، الآية ١٤٣.

(٥) سورة القصص الآية ٢٣.

(٦) سورة الأنعام ، الآية ١٤٩.


(فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(١) في هذا السلك ، على تقدير : وأنتم تعلمون أنه لا يماثل ، أو وأنتم تعلمون ما بينه وبينها من التفاوت ، أو وأنتم تعلمون أنها لا تفعل مثل أفعاله ، كقوله : (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ)(٢). وأكثر فواصل القرآن من نحو : يعلمون ، يعقلون ، يفقهون ، واردة على ما سمعت من الاحتمالين ، وقول الشاعر (٣) :

إذا شاء ظالع مسجورة ...

ترى حولها النبع والسأسما

وقوله (٤) :

فإن شئت لم ترقل وإن شئت أرقلت ...

مخافة ملويّ من القدّ محصد

وقوله :

لو شئت عدت بلاد نجد عودة ...

فحللت بين عقيقه وزروده

أو الرعاية على الفاصلة ، كنحو : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)(٥) أو استهجان ذكره ، كقول عائشة ، رضي‌الله‌عنها : ما رأيت منه ولا رأى مني (٦) ، يعني العورة. أو القصد إلى اعتبار غير ذلك من الاعتبارات المناسبة للترك.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٢.

(٢) سورة الروم ، الآية : ٤٠.

(٣) البيت من المتقارب للنمر بن تولب ديوانه (٣٨٠) ، ولسان العرب (سسم) ، وجمهرة اللغة (٤٥٧).

وظالع : شاء عرجاء. مسجورة : ساكنة ممتلئة. السأسم : نوع من الشجر.

(٤) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات (٨٢) وعزاه لطرفة. وأرقلت الدابة إرقالا : أسرعت وأرقل القوم إلى الحرب إرقالا : أسرعوا.

(٥) سورة الضحى الآية ١ ـ ٣.

(٦) هذا الحديث روى عنها بلفظ ما رأيت عورة رسول الله قط قال الشيخ الألباني : أخرجه الطبراني في الصغير ومن طريقه أبو نعيم والخطيب ، وفي سنده بركة بن محمد الحلبي ، ولا بركة فيه ؛ فإنه كذاب وضاع ، وقد ذكر له الحافظ بن حجر في اللسان هذا الحديث من ـ ـ


إثبات الفعل :

وأما الحالة المقتضية لإثباته ، فعراء المقام عما ذكر ، أو القصد إلى زيادة تقرير وبسط الكلام بذكره ، أو الرعاية على الفاصلة ، كقوله تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها* وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها)(١) وما شاكل ذلك من الجهات المعتبرة في باب الإثبات.

إضمار فاعل الفعل :

وأما الحالة المقتضية لإضمار فاعله : فهو كون المقام حكاية أو خطابا ، كقولك : عرفت وعرفت ، أو كون الفاعل مسبوقا بالذكر ، كقولك : جاءني رجل فطلب مني كذا ، أو في حكم المسبوق به ، كنحو قوله في مطلع القصيدة (٢) :

زارت عليها للظلام رواق ...

ومن النجوم قلائد ونطاق

وقوله في الافتتاح (٣) :

قالت ولم تقصد لقيل الخنا ...

مهلا فقد أبلغت أسماعي

__________________

أباطيله ، وله طريق أخرى عند ابن ماجه وابن سعد ، وفيه مولاة لعائشة ، وهي مجهولة ، ولذلك ضعف سنده البوصيرى في الزوائد. ويعارضه ما ثبت في الصحيحين وأبي عوانة عن عائشة قالت : كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء بيني وبينه واحد ، تختلف أيدينا فيه ، فيبادرني حتى أقول : دع لي ، دع لي ، قالت : وهما جنبان.

(١) سورة الشمس ، الآيات : ١ ـ ٢.

(٢) ذكره الطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ٨١) بتحقيقى والبيت لأبي العلاء في سقط الزند ص (٢١٠) ، والطيبى في التبيان (١ / ١٩٤) بتحقيقى وعزاه لأبي العلاء والرواق : ستر يمد دون السقف.

(٣) البيت من السريع لأبي قيس بن الأسلت السلمى في ديوانه ص (٧٨) ، ولسان العرب (بلغ) ، وتاج العروس (٢١ / ٢٢٤) (سمع) ، والأغاني (١٧ / ١٢٢).


إظهار فاعل الفعل :

وأما الحالة المقتضية لكونه مظهرا ، فهي كون المقام غير ما ذكر ، أو كونه مستدعيا زيادة التعيين والتمييز ، كقولك : جاءني رجل ، فقال الرجل كذا ، أو مستدعيا للالتفات ، كقول الخلفاء : يرسم أمير المؤمنين كذا ، مكان ارسم كذا.

التقديم والتأخير مع الفعل :

وأما اعتبار التقديم والتأخير مع الفعل فعلى ثلاثة أنواع :

أحدها : أن يقع بين الفعل وبين ما هو فاعل له معنى ، كنحو :

أنا عرفت ، وأنت عرفت ، وهو عرف ، دون زيد عرف.

وثانيها : أن يقع بينه وبين غير ذلك ، كنحو : زيدا عرفت ، ودرهما أعطيت ، وعمرا منطلقا علمت.

وثالثها : أن يقع بين ما يتصل به كنحو : عرف زيد عمرا ، وعرف عمرا زيد ، وعلمت زيدا منطلقا ، وعلمت منطلقا زيدا ، وكسوت عمرا جبة ، وجبة عمرا ، ولكل منها حالة تقتضيه.

النوع الأول :

فالحالة المقتضية للنوع الأول ، هي أن يكون هناك وجود فعل وعالم به ، لكنه مخطئ في فاعله أو في تفصيله ، وأنت تقصد أن ترده إلى الصواب ، كما تقول : أنا سعيت في حاجتك ، أنا كفيت مهمك ، تريد دعوى الانفراد بذلك وتقريرا للاستبداد ، وترد بذلك على من زعم أن ذلك كان من غيرك ، أو أن غيرك فعل فيه ما فعلت ، ولذلك إذا أردت التأكيد قلت للزاعم في الوجه الأول : أنا كفيت مهمك لا عمرو ، أو لا غيري ، وفي الوجه الثاني : أنا كفيت مهمك وحدي ، وقولهم في المثل : أتعلمني بضبّ أنا


حرشته (١)؟ شاهد صدق على ما ذكر عند من له ذوق ، وليس إذا قلت : سعيت في حاجتك ، أو سعيت أنا في حاجتك ، يجب أن يكون أن عند السامع وجود سعي في حاجته ، قد وقع خطأ منه في موجده أو تفصيله ، فتقصد إزالة الخطأ ، بل إذا قلته ابتداء مفيدا أن وجود السعي في حاجته منك غير مشوب بتجوز أو سهو أو نسيان ، صح ، ومنه ما يحكيه ، علت كلمته ، عن قوم شعيب : (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ)(٢) أي العزيز علينا يا شعيب رهطك لا أنت ، لكونهم من أهل ديننا ، ولذلكم قال ، عليه‌السلام في جوابهم : (أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ)(٣) أي من نبي الله ، ولو أنهم كانوا قالوا : وما عززت علينا ، لم يصح هذا الجواب ولا طابق ، ولذلك ينهى أن يقال في النفي عند التقديم : ما أنا سعيت في حاجتك ولا أحد سواي ، لاستلزام أن يكون سعى في حاجته غيرك لا أنت ، وأن لا يكون سعى في حاجته غيرك لا أنت ، ولا ينهى أن يقال : ما سعيت في حاجتك ، ولا أحد غيري ، وكذلك إذا أكدت فقلت : ما سعيت أنا في حاجتك ولا أحد غيري.

ولذلك أيضا يستهجن أن يقال في النفي عند التقديم : ما أنا رأيت أحدا من الناس ، لاستلزام أن يكون قد اعتقد فيك معتقد أنك رأيت أحدا من الناس ، أو ما رأيت أنا أحدا من الناس ، ويحترز عن أن يقال عند التقديم : ما أنا ضربت إلا زيدا ؛ لأن نقض النفي بإلّا يقتضي أن تكون ضربت زيدا ، وتقديمك ضميرك وإيلاؤه حرف النفي يقتضي أن تكون ضربته ، ولا يحترز أن يقال : ما ضربت إلّا زيدا ، وما ضربت أنا إلّا زيدا.

__________________

(١) المثل في لسان العرب (حرش) ، وحرش الضب واحترشه : أتى قفا جحره فقعقع بعصاه عليه وأتلج طرفها في جحره فإذا سمع الصوت حسبه دابة تريد أن تدخل عليه فجاء يزحل على رجليه وعجزه مقاتلا ويضرب بذنبه فناهزه الرجل ، فلم يقدر أن يفلت منه.

(٢) سورة هود ، الآية ٩١.

(٢) سورة هود ، الآية ٩١.


النوع الثاني :

وأما الحالة المقتضية للنوع الثاني : أن يكون هناك من اعتقد أنك عرفت إنسانا وأصاب لكن أخطأ ، فاعتقد ذلك الإنسان غير زيد ، وأنت تقصد رده إلى الصواب ، فتقول : زيدا عرفت. وإذا قصدت التأكيد والتقرير ، قلت : زيدا عرفت لا غيره ، ولذلك نهوا أن يقال : ما زيدا ضربت ولا أحدا من الناس نهيهم أن يقال : ما أنا ضربت زيدا ، ولا أحد غيري ، والنهي الواقع مقصور على الحالة المذكورة.

أما إذا ظن بك القائل ظنّا فاسدا أنك تعتقده قد ضرب عمرا ، أو أنك تعتقد كون زيد مضروبا لغيره ، ثم قال لك ، مدعيا في الصورة الأولى : زيدا ضربت ، وفي الثانية : أنا ضربت زيدا ، فيصح منك أن تقول : ما زيدا ضربت ولا أحدا من الناس ، أو ما أنت ضربت زيدا ولا أحد غيرك ؛ فتأمل! فالفرق واضح.

وكذلك امتنعوا أن يقال : ما زيدا ضربت ، ولكن أكرمته ، فتعقب الفعل المنفي بإثبات فعل هو ضده ؛ لأن مبنى الكلام ليس على أن الخطأ وقع في الضرب ، فيرد إلى الصواب في الإكرام ، وإنما مبناه على أن الخطأ وقع في المضروب ، حين اعتقد زيدا ، [فرده](١) إلى الصواب أن تقول : ولكن عمرا ، وكذلك إذا قلت : بزيد مررت ، أفاد أن سامعك كان يعتقد مرورك بغير زيد ، فأزلت عنه الخطأ مخصصا مروركم بزيد دون غيره ؛ والتخصيص لازم للتقديم ، ولذلك تسمع أئمة علم المعاني في معنى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(٢) يقولون : نخصك بالعبادة ، لا نعبد غيرك ، ونخصك بالاستعانة منك لا نستعين أحدا سواك ؛ وفي معنى : (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)(٣) يقولون : إن كنتم تخصونه بالعبادة. وفي معني قوله : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)(٤) نذهب إلى أنه تعريض

__________________

(١) من (غ). وفي (ط) و (د) (فترده).

(٢) سورة الفاتحة الآية ٤.

(٣) سورة النحل الآية ١١٤.

(٤) سورة البقرة الآية ٤.


بأن الآخرة التي عليها أهل الكتاب فيما يقولون : إنها لا يدخل الجنة فيها إلّا من كان هودا أو نصارى ، وإنها لا تمسهم النار فيها إلّا أياما معدودات ، وإن أهل الجنة فيها لا يتلذذون في الجنة إلّا بالنسيم ، والأرواح العبقة ، والسماع اللذيذ ، ليست بالآخرة ... وإيقانهم بمثلها ليس من الإيقان بالتي هي الآخرة عند الله في شيء ، وستعرف التعريض ، إن شاء الله تعالى ، في علم البيان. وفي قوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)(١) يقولون : أخرت صلة الشهادة أولا ، وقدمت ثانيا ، لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم ، وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم ، وفي قوله تعالى (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ)(٢) يقولون : إليه لا إلى غيره ، وتراهم في قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً)(٣) يحملون تعريف الناس على الاستغراق ، ويقولون : المعنى لجميع الناس رسولا وهم العرب والعجم ، لا للعرب وحدهم ، دون أن يحملوه على تعريف العهد أو تعريف الجنس ؛ لئلا يلزم من الأول اختصاصه ببعض الإنس ، لوقوعه في مقابلة كلهم ، ومن الثاني اختصاصه بالإنس دون الجن.

ولإفادة التقديم عندهم التخصيص تراهم يفرعون على التقديم ما يفرعون على نفس التخصيص ، فكما إذا قيل : ما ضربت أكبر أخويك ، فيذهبون إلى أنه ينبغي أن يكون ضاربا للأصغر ، بدليل الخطاب ، يذهبون أيضا إذا قيل : ما زيدا ضربت ، إلى أنه ينبغي أن يكون ضاربا لإنسان سواه ، ولذلك يمتنعون أن يقال : ما زيدا ضربت ، ولا أحدا من الناس ، ولا يمتنعون أن يقال : ما ضربت زيدا ولا [أحدا](٤) من الناس ،

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٤٣.

(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٥٩.

(٣) سورة النساء الآية ٧٩.

(٤) في (غ): (أحد).


وتسمعهم في قوله تعالى (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ)(١) يقولون : قدم الظرف تعريضا بخمور الدنيا ، وأن المعنى : هي على الخصوص لا تغتال العقول اغتيال خمور الدنيا ، ويقولون في قوله تعالى : (الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ)(٢) يمتنع تقديم الظرف على [اسم لا](٣) ؛ لأنه إذا قدم أفاد تخصيص نفي الريب بالقرآن ، ويرجع دليل خطاب على أن ريبا في سائر كتب الله ، وعلى هذا متى قلت : إذا خلوت قرأت القرآن ، أفاد تقديم الظرف اختصاص قراءتك به ورجع إلى معنى لا أقرأ إلّا إذا خلوت ، فافهم.

وإنما لزم التقديم ، استدعاء الحكم ثبوتا ونفيا ، حتى قامت الجملة في نحو : أنا ضربت زيدا ، مقام : ضربت زيدا ، ولم يضربه غيري ، وفي نحو : ما زيدا ضربت ، مقام : ما ضربت زيدا وضربت غيره ، وفي نحو : إذا خلوت قرأت القرآن ، مقام : اقرأ القرآن إذا خلوت ، ولا أقرأ إذا لم أخل ؛ لما عرفت أن حالة التقديم هو أن ترى سامعك يعتقد وقوع فعل وهو مصيب في ذلك ، لكنه مخطئ في الفاعل أو المفعول أو غير ذلك من مقيدات الفعل ، وأنت تقصد رده إلى الصواب ، فإذا نفيت من كان اعتقده من الفاعل أو المفعول ، استدعى المقام غير ذلك ، فيجتمع لذلك نفيك للمنفي مع الإثبات لمن سواه ، وإذا أثبت غير من كان اعتقده ، استدعى المقام نفي من اعتقده لكونه خطأ ، فيجتمع إثباتك للمثبت مع النفي للمنفي ، ويفيد التقديم في جميع ذلك وراء ما سمعت ، نوع اهتمام بشأن المقدم ، فعلى المؤمن في نحو : (بسم الله) ، إذا أراد تقدير الفعل معه ، أن يؤخر الفعل على نحو : بسم الله أقرأ ، أو أكتب ، وكأني بك تقول : فما بال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)(٤) مقدم الفعل على المفعول ، وأن كلام الله أحق برعاية ما يجب رعايته ،

__________________

(١) سورة الصافات ، الآية ٤٧.

(٢) سورة البقرة الآيات ١ ـ ٢.

(٣) من (د) و (غ). وفي (ط): (الاسم).

(٤) سورة العلق الآية ١.


فالوجه فيه عندي أن يحمل : " اقرأ" على معنى افعل القراءة وأوجدها ، على نحو ما تقدم في قولهم : فلان يعطي ويمنع ، في أحد الوجهين ، غير معدى إلى مقروء به ، وأن يكون (" بِاسْمِ رَبِّكَ") مفعول اقرأ الذي بعده.

النوع الثالث :

والحالة المقتضية للنوع الثالث : هي كون العناية بما يقدم أتم ، وإيراده في الذكر أهم.

والعناية التامة بتقديم ما يقدم ، والاهتمام بشأنه نوعان :

أحدهما : أن يكون أصل الكلام في ذلك هو التقديم ، ولا يكون في مقتضى الحال ما يدعو إلى العدول عنه ، كالمبتدأ المعرف ، فإن أصله التقديم على الخبر ، نحو : زيد عارف ، وكذي الحال المعرف ، فأصله التقديم على الحال ، نحو : جاء زيدا راكبا ، وكالعامل ، فأصله التقدم على معموله ، نحو : عرف زيد عمرا ، وكان زيد عارفا ، وإن زيدا عارف ، ومن زيد ، وغلام عمرو ؛ وكالفاعل فأصله التقدم على المفعولات ، وما يشبهها من : الحال والتمييز ، نحو : ضرب زيد الجاني بالسوط يوم الجمعة أمام بكر ضربا شديدا ؛ تأديبا له ممتلئا من الغضب ، وامتلأ الإناء ماء.

وكالذي يكون في حكم المبتدأ من مفعولي باب : علمت ، نحو : علمت زيدا منطلقا ، أو في حكم فاعل من مفعولي باب : أعطيت وكسوت ، نحو : أعطيت زيدا درهما ، وكسوت عمرا جبة ، فزيد عاط ، وعمرو مكتس ، فحقهما التقدم على غيرهما : وكالمفعول المتعدي إليه بغير وساطة ، فأصله التقدم على المتعدى إليه بوساطة ، نحو : ضربت الجاني بالسوط ، وكالتوابع فأصلها أن تذكر مع المتبوع ، فلا يقدم عليها غيرها ، نحو : جاء زيد الطويل راكبا ، وعرفت أنا زيدا ، وكذا : عرفت أنا وفلان زيدا ، وغير ذلك مما عرف له في علم النحو موضع من الكلام يوصف الأصالة بالإطلاق.

وثانيهما : أن تكون العناية بتقديمه ، والاهتمام بشأنه ، لكونه في نفسه نصب عينك ، وأن التفات الخاطر إليه في التزايد ، كما تجدك إذا وارى قناع الهجر وجه من روحك في خدمته ، وقيل لك : ما الذي تتمنى؟ تقول : وجه الحبيب أتمنى ، فتقدم ؛ أو كما تجدك إذا


قال أحد : عرفت شركاء الله ، يقف [شعرك](١) فزعا ، وتقول : لله شركاء؟ وعليه قوله تعالى (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ)(٢) أو لعارض يورثه ذلك ، كما إذا أخذت في الحديث ، وتوهمت لقرائن الأحوال من أنت معه في الحديث ملتفت الخاطر إلى معنى ينتظر من مساقك الحديث إلمامك به ، فيبرز ذلك المعنى عندك في معرض أمر يتجدد في شأنه التقاضي ساعة فساعة ، فكما تجد له مجالا في الذكر صالحا تتوقف أن تذكره ، مثل ما تقول لصاحبك : أعجبني المسألة الفلانية من كتابك ، وتأخذ في كيت [وذيت](٣) .. وله كتاب آخر فيه مسائل ، فتحدث أن كتابه الآخر واقع الآن في ذهنه ، وهو كالمنتظر : هل تورده في الذكر ، فتقول : وأعجبني من كتابك الآخر المسألة الفلانية ، فتقدم المجرور على المرفوع ، أو كما إذا وعدت ما أنت تستبعد وقوعه ، فإنك حال التفات خاطرك إلى وقوعه من جهة تبعده ، ومن جهة أخرى أدخل في تبعيده ، تجد تفاوتا في إنكارك إياه ضعفا وقوة بالنسبة ، ولامتناع إنكاره بدون القصد إليه تستتبع تفاوته ذاك تفاوتا في القصد إليه والاعتناء بذكره.

فأنت في الأول إذا أنكرت ، أوجبت البلاغة أن تقول : شيء حاله في البعد من الوقوع هذه أنّى يكون ، لقد وعدت أنا وأبي وجدي هذا ، إن هو إلا من اختراعات المموهين ، وأصحاب التلبيس ، فتذكر المنكر بعد المرفوع في موضعه من الكلام ، وأن تقول في الثاني : شيء حاله في البعد من الوقوع إلى هذه الغاية على من يروج ، لقد وعدت هذا أنا وأبي وجدى ، فتقدم المنكر على المرفوع.

أو كما إذا عرفت في التأخير مانعا مثل الذي في قولك : رأيت الجماعة من محبيك التي نأت ثم دنت ، إذا قدمت من محبيك أفاد أن الجماعة المرئية جماعة من محبيك من

__________________

(١) في (غ): (رأسك).

(٢) سورة الأنعام الآية ١٠٠.

(٣) في (غ) (وكيت). وفي اللسان : كان من الأمر كيت وكيت ، بغير تنوين ، وذيت وذيت ، كذلك بالتخفيف.


غير شبهة ، وهو مرادك ، وإذا أخرت أورث الاشتباه ، لاحتمال أن يكون من محبيك صلة دنت ، أو مثل الذي في قولك : الحمد لله الذي بعث بالحق عيسى ، وأيّد بهرون موسى ، إذا أخرت المجرور بطل السجع ، ولهذا العارض هنا شيء يتفاوت جلاء وخفاء ، لطيفا وألطف ، والخواطر في مضمارها يتباين عن ضليع لا يشق غباره ، ومن ظالع لا يؤمن عثاره ، وليس السبق هناك بمجرد الكد ، بل الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، ولله در أمر التنزيل ، وإحاطته على لطائف الاعتبارات في إيراد المعنى على أنحاء مختلفة ، بحسب مقتضيات الأحوال ، ولا ترى شيئا منها يراعى في كلام البلغاء من وجه لطيف ، إلّا عثرت عليه مراعى فيه من ألطف وجوه ، وأنا ألقي إليك من القرآن عدة أمثلة مما نحن فيه لتستضيء بها ، فيما عسى يظلم عليك من نظائرها ، إذا أحببت أن تتخذها مسارح نظرك ، ومطارح فكرك ، منها أن قال ، عز من قائل ، في سورة القصص في قصة موسى : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ)(١) فذكر المجرور بعد الفاعل وهو موضعه ، وقال في يس في قصة رسل عيسى عليه‌السلام : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ)(٢) فقدم لما كان أهم ، يبين ذلك أنه حين أخذ في قصة الرسل ، اشتمل الكلام على سوء معاملة أصحاب القرية الرسل ، وأنهم أصروا على تكذيبهم ، وانهمكوا في غوايتهم مستشرين على باطلهم ، فكان مظنة أن يعلن السامع ، على مجرى العادة ، تلك القرية قائلا : ما أنكدها تربة ، وما أسوأها منبتا ، ويبقى مجيلا في فكره : أكانت تلك المدرة بحافاتها كذلك ، أم كان هناك قطر دان أو قاص منبت خير ، منتظرا لمساق الحديث ، هل يلم بذكره؟ فكان ، لهذا ، العارض مهمّا فكما جاء موضع له صالح ذكر ، بخلاف قصة موسى ، ومنها أن قال في سورة المؤمنين : (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا)(٣) فذكر بعد المرفوع وما تبعه المنصوب وهو موضعه ، وقال في سورة النمل : (لَقَدْ وُعِدْنا هذا

__________________

(١) سورة القصص الآية ٢٠.

(٢) سورة يس الآية ٢٠.

(٣) سورة المؤمنون الآية ٨٣.


نَحْنُ وَآباؤُنا)(١) فقدم ؛ لكونه منها أهم ، يدلك على ذلك أن الذي قبل هذه الآية : (أإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ)(٢) والذي قبل الأولى (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً)(٣) فالجهة المنظور فيها هناك هي كون أنفسهم ترابا وعظاما ، والجهة المنظور فيها ههنا هي كون أنفسهم وكون آبائهم ترابا ، لاجزاء هناك من بناهم على صورة نفسه (٤) ، ولا شبهة أنها أدخل عندهم في تبعيد البعث ، فاستلزم زيادة الاعتناء بالقصد إلى ذكره ، فصيره هذا العارض أهم ؛ ومنها أن قال في موضع من سورة المؤمنين (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ)(٥) فذكر المجرور بعد صفة" الملأ" وهو موضعه كما تعرف ، وفي موضع آخر منها : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٦) فقدم المجرور لعارض صيره بالتقديم أولى ، وهو أنه لو أخر عن الوصف ، وأنت تعلم أن تمام الوصف بتمام ما يدخل في صلة الموصول وتمامه : (وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) لاحتمل أن يكون من صلة الدنيا ، واشتبه الأمر في القائلين : أهم من قومه أم لا؟ ومنها أن قال في سورة طه : (آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى)(٧) وفي الشعراء (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ)(٨)

__________________

(١) سورة النمل الآية ٦٨.

(٢) سورة النمل الآية ٦٧.

(٣) سورة الصافات الآية ١٦.

(٤) يعنى قوله : (إذا ضرب أحدكم ، فليجتنب الوجه ، فإن الله خلق آدم على صورته رواه أحمد وغيره ، وحسنه الشيخ الألباني في الصحيحة (١ / ٨٦٢) ، والضمير في صورته عائد على المضروب قطعا ، كما فسره أهل العلم ، فأراد النبي (أن ضارب الوجه ، كالمهين لوجه أبيه آدم ، الذي خلق المضروب على صورته والله أعلم ، أما ما ذكره السكاكي ، ههنا ، فباطل ، ولا يجوز حمل الحديث عليه.

(٥) سورة المؤمنون الآية ٢٤.

(٦) سورة المؤمنون ، الآية ٣٣.

(٧) سورة طه الآية ٧٠.

(٨) سورة الشعراء الآية ٤٨.


للمحافظة على الفاصلة.

ولنقتصر من الأمثلة على ما ذكر ، فما كان الغرض إلا مجرد التنبيه دون التتبع لنظائرها في القرآن ، وتفصيل القول فيها ، خاتمين الكلام بأن جميع ما وعت أذناك من التفاصيل في هذه الأنواع الثلاثة من فصل : التقديم والتأخير ، هو مقتضى الظاهر فيها ، وقد عرفت ، فيما سبق ، أن إخراج الكلام ، لا على مقتضى الظاهر ، طريق البلغاء ، يسلك [كثيرا بتنزيل](١) نوع مكان نوع ، باعتبار من الاعتبارات ، فليكن على ذكر منك.

تقييد الفعل :

وأما الحالات المقتضية لتقييد الفعل بالشروط المختلفة : (كان) و (إن) (ما) و (إذا) و (إذا ما) و (إذما) و (متى) و (متى ما) و (أين) و (أينما) و (حيثما) و (من) و (ما) و (مهما) و (أي) و (أنّى) و (لو) ، فالذي يكشف عنها القناع وقوفك على ما بين هذه الكلم من التفاصيل.

أما (إن) فهي للشرط في الاستقبال ، والأصل فيها الخلو عن الجزم بوقوع الشرط ، كما يقول القائل : إن تكرمني أكرمك ، وهو لا يعلم أتكرمه أم لا ، فإذا استعملت في مقام الجزم ، لم تخل عن نكتة : وهي إما التجاهل لاستدعاء المقام إياه ، وإما أن المخاطب ليس بجازم ، كما تقول لمن يكذبك فيما أنت تخبره : إن صدقت فقل لي ما ذا تعمل وإما تنزيل المخاطب منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم ، كما يقول الأب لابن لا يراعي حقه : افعل ما شئت إني إن لم أكن لك أبا كيف تراعى حقي؟ ولامتناع الجزم بتحقق المعلق بما في تحققه شبهة ، قلما يترك المضارع في بليغ الكلام إلى الماضي المؤذن بالتحقق نظرا إلى لفظه لغير نكتة ، مثل ما ترى في قوله ، علت كلمته : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)(٢)

__________________

(١) من (غ) وفي (ط) ، (د): (كثير تنزيل).

(٢) سورة الممتحنة الآية ٢.


ترك يودوا إلى لفظ الماضي ، إذ لم تكن تحتمل ودادتهم لكفرهم من الشبهة ، ما كان يحتملها كونهم : إن يثقفوهم أعداء لهم وباسطي الأيدي والألسنة إليهم للقتل والشتم.

و (إذا) للشرط في الاستقبال ، قال الله تعالى (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ)(١) على نحو : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ)(٢) بإدخال (إذا) في الجزاء ، والأصل فيها القطع بوقوع الشرط ، كما إذا قلت : إذا طلعت الشمس فإني أفعل كذا ، قطعا ، إما تحقيقا كما في المثال المضروب ، أو باعتبار ما خطابي ، وهو النكتة في تغليب لفظ الماضي معه على المستقبل في الاستعمال ، لكون الماضي أقرب إلى القطع من المستقبل في الجملة ، نظرا إلى اللفظ ، قال تعالى : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ)(٣) بلفظ : (إذا) في جانب الحسنة ، حيث أريدت الحسنة المطلقة لا نوع منها ، كما في قوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ)(٤) وفي قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَ)(٥) ، لكون حصول الحسنة المطلقة مقطوعا به ، كثرة وقوع واتساعا ، ولذلك عرفت ؛ ذهابا إلى كونها معهودة ، أو تعريف جنس ، والأول أقضى لحق البلاغة ، وبلفظ (إن) في جانب السيئة ، مع تنكير السيئة ، إذ لا تقع إلا في الندرة بالنسبة إلى الحسنة المطلقة ، ولا يقع إلا شيء منها ، ولذلك قيل : قد عددت أيام البلاء ، فهل عددت أيام الرخاء؟ ومنها : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ)(٦) بلفظ. (إذا) ، في جانب الرحمة ، وكأن تنكيرها وقصد النوع ، للنظر إلى لفظ الإذاقة فهو المطابق للبلاغة ، وأما قوله :

__________________

(١) سورة الروم الآية : ٣٣ ، ٣٦.

(٢) سورة الأعراف الآية ١٣١.

(٢) سورة الأعراف الآية ١٣١.

(٣) سورة النساء الآية ٧٨.

(٤) سورة النساء الآية ٧٣.

(٥) سورة الروم ، الآية ٣٦.


(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا)(١) و (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ)(٢) ، بلفظ : " إن" مع المرتابين ، فإما لقصد التوبيخ على الريبة ، لاشتمال المقام على ما يقلعها عن أصلها ، وتصوير أن المقام لا يصلح إلا لمجرد الفرض للارتياب ، كما قد تفرض المحالات ، متى تعلقت بفرضها أغراض ، كقوله تعالى : (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ)(٣) ، والضمير في" سمعوا" للأصنام ويتأبى أن يقال : وإذا ارتبتم ، ومثله : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ)(٤) فيمن قرأ" إن" لقصد التوبيخ والتجهيل في ارتكاب الإسراف ، وتصوير أن الإسراف من العاقل في مثل هذا المقام واجب الانتفاء ، حقيق أن لا يكون ثبوته إلا على مجرد الفرض ، ومنه ما قد يقول العامل عند التقاضي بالعمالة ، إذا امتد التسويف ، وأخذ يترجم عن الحرمان : إن كنت لم أعمل ، فقولوا اقطع الطمع ، [ينزلهم](٥) لتوهم أن يحرموه ، منزلة من لا يعتقد أنه عمل ، فيقول مجهّلا : إن اعتقدتم أني لم أعمل فقولوا : ويلكم ، وإما لتغليب غير المرتابين ممن خوطبوا على مرتابيهم.

وباب التغليب باب واسع يجري في كل فن ، قال تعالى ، حكاية عن قوم شعيب : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا)(٦) أدخل" شعيب" في" لتعودن في ملتنا" بحكم التغليب ، وإلّا فما كان شعيب في ملتهم كافرا مثلهم ، فإن الأنبياء معصومون أن يقع منهم صغيرة فيها نوع نفرة ، فما بال الكفر؟

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٣.

(٢) سورة الحج : ٥.

(٣) سورة فاطر الآية ١٤.

(٤) سورة الزخرف ، الآية ٥.

(٥) من (غ) ، وفي (ط) ، (د) (فنزلهم).

(٦) سورة الأعراف الآية ٨٨.


وكذا قوله : (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ)(١) وقال تعالى : (إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ)(٢) وفي موضع آخر (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ)(٣) عدت الأنثى من الذكور ، بحكم التغليب ، وقال تعالى (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ)(٤) عدّ إبليس من الملائكة بحكم التغليب عد الأنثى من الذكور.

ومن هذا الباب قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)(٥) بتاء الخطاب ، غلب جانب (أنتم) على جانب (قوم) ، وكذا : (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٦) فيمن قرأ بتاء الخطاب أي : أنت يا محمد ، وجميع المكلفين وغيرهم. وكذا : " يذرؤكم" في قوله تعالى (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ)(٧) خطابا شاملا للعقلاء والأنعام ، مغلبا فيه المخاطبون على الغيّب ، والعقلاء على ما لا يعقل ، ومنه قولهم : أبوان للأب والأم ، وقمران ، للقمر والشمس ، وخافقان ، للمغرب والمشرق.

وأما قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ)(٨) بلفظ : " إذا" مع" الضر" فللنظر إلى لفظ المس ، وإلى تنكير الضر ، المفيد في المقام التوبيخي ، القصد إلى اليسير من الضر ، وإلى الناس المستحقين أن يلحقهم كل ضرر ، وللتنبيه على أن مساس قدر يسير من

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ٨٩.

(٢) سورة الأعراف الآية ٨٣.

(٣) سورة التحريم الآية ١٢.

(٤) سورة البقرة الآية ٣٤.

(٥) سورة النمل الآية ٥٥.

(٦) سورة النمل ، الآية ٩٣ ، وسورة هود ، الآية ١٢٣.

(٧) سورة الشورى ، الآية ١١.

(٨) سورة الزمر ، الآية ٨.


الضر لأمثال هؤلاء ، حقه أن يكون في حكم المقطوع به ، وأما قوله : (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ)(١) بعد قوله : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) أي أعرض عن شكر الله ، وذهب بنفسه وتكبر وتعظم ، فالذي تقتضيه البلاغة أن يكون الضمير في" مسه" للمعرض المتكبر ، ويكون لفظ" إذا" للتنبيه على أن مثله يحق أن يكون ابتلاؤه بالشر مقطوعا به.

وعند النحويين أن (إذ) في (إذما) مسلوب الدلالة على معناه الأصلي ، وهو المضي منقول بإدخال" ما" إلى الدلالة على الاستقبال ، ولا فرق بين : (إذا) و (إذا ما) في باب الشرط من حيث المعنى إلّا في الإبهام في الاستقبال ،

و (متى) لتعميم الأوقات في الاستقبال و (متى ما) أعم منه.

و (أين) لتعميم الأمكنة والأحياز ، و (أينما) أعم. قال الله تعالى (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ)(٢).

و (حيثما) نظير (أينما) قال الله تعالى : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(٣).

و (من) لتعميم أولي العلم ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً)(٤).

و (ما) لتعميم الأشياء ، قال الله تعالى (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ)(٥).

__________________

(١) سورة فصلت ، الآية ٥١.

(٢) سورة النساء الآية ٧٨.

(٣) سورة البقرة الآية : ١٤٤.

(٤) سورة النساء ، الآية : ١٠٠.

(٥) سورة البقرة ، الآية : ٢١٥.


و (مهما) أعم ، قال الله تعالى : (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)(١).

ووجهه إذا قدر الأصل ما ما ظاهر.

و (أي) لتعميم ما يضاف إليه من ذوي العلم وغيرهم.

و (أنّى) لتعميم الأحوال الراجعة إلى الشرط ، كما تقول : أنّى تقرأ أقرأ ، أي على أي حال توجد القراءة من جهرها أو همسها أو غير ذلك ، أوجدها أنا ، والمطلوب بهذه المعممات ترك تفصيل إلى إجمال مع الاحتراز عن تطويل ، إما غير واف بالحصر ، أو ممل ، ألا تراك في قولك : من يأتني أكرمه ، كيف تستغني عن التفصيل والتطويل في قولك : إن يأتني زيد أكرمه ، وإن يأتني عمرو أكرمه ، وإن يأتني خالد أكرمه ، إلى عدد تعذر استيعابه مع قيام الإملال؟ قال الله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ)(٢) أي : أيما مكلف أطاع الله في فرائضه ، ورسوله في سننه ، وخشي الله على ما مضى من ذنوبه ، واتقاه فيما يستقبل ، فقد فاز الفوز بحذافيرها.

واعلم أن الجزاء والشرط في غير (لو) ، لما كان تعليق حصول أمر بحصول ما ليس بحاصل ، استلزم ذلك في جملتيهما امتناع الثبوت ، فامتنع أن تكونا اسميتين أو إحداهما ، وكذا امتناع المضي ، فامتنع أن يكون الفعلان ماضيين أو أحدهما ، ويظهر من هذا أن نحو : إن أكرمتني أكرمتك ، وإن أكرمتني أكرمك ، وإن تكرمني أكرمتك ، ونحو : إن تكرمني فأنت مكرم ، ونحو : إن أكرمتني الآن ، فقد أكرمتك أمس ، مما لا موجب لكونه مضارعا معه ، كنون التأكيد ، في نحو : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً)(٣) ، (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ

__________________

(١) سورة الأعراف الآية : ١٣٢.

(٢) سورة النور الآية : ٥٢.

(٣) سورة البقرة الآية ٣٨.


فِي الْحَرْبِ)(١) لا يصار إليه في بليغ الكلام إلا لنكتة ما ، مثل : توخي إبراز غير الحاصل في معرض الحاصل ، إما لقوة الأسباب المتآخذة في وقوعه ، كقولك : إن اشترينا كذا ، حال انعقاد الأسباب في ذلك ، وإما لأن ما هو للوقوع كالواقع ، نحو قولك : إن مت ، وعليه (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ)(٢) ، (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ)(٣) ، وكذا : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ)(٤) لنزولها قبل فتح مكة ، وفي أقوال المفسرين ههنا كثرة.

وإما للتعريض ، كما في نحو قوله : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ)(٥) ، (لَئِنْ أَشْرَكْتَ)(٦) ، (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ)(٧) ونظيره في كونه تعريضا قوله : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٨) المراد : وما لكم لا تعبدون الذي فطركم ، والمنبه عليه قوله : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ،) ولو لا التعريض لكان المناسب : وإليه أرجع ، وكذا : (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ* إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٩) المراد : أتتخذون من دونه آلهة إن يردكم الرحمن بضر لا تغن عنكم شفاعتهم شيئا ولا ينقذوكم إنكم إذا لفي ضلال مبين ، ولذلك قيل (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) دون : بربي ، وأتبعه : (فَاسْمَعُونِ

__________________

(١) سورة الأنفال الآية ٥٧.

(٢) سورة الأعراف ، الآية ٤٤.

(٣) سورة الأعراف الآية ٤٨.

(٤) سورة الفتح الآية ١.

(٥) سورة البقرة الآيات ١٢٠ و ١٤٥ ، وسورة الرعد الآية : ٣٧.

(٦) سورة الزمر ، الآية ٦٥.

(٧) سورة البقرة الآية ٢٠٩.

(٨) سورة يس ، الآية ٢٢.

(٩) سورة يس الآيات ٢٣ ـ ٢٥.


ولا تعرف حسن موقع هذا التعريض ، إلّا إذا نظرت إلى مقامه ، وهو تطلب إسماع الحق على وجه لا يورث طالبي دم المسمع مزيد غضب ، وهو ترك المواجهة بالتضليل والتصريح لهم بالنسبة إلى ارتكاب الباطل ، ومن هذا الأسلوب قوله تعالى : (قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(١) وإلا فحق النسق من حيث الظاهر : قل : لا تسئلون عما عملنا ، ولا تسأل عما تجرمون ، وكذا ما قبله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٢).

وهذا النوع من الكلام يسمى المنصف ، و [إما](٣) للتفاؤل وإما لإظهار الرغبة في وقوعه ، كما تقول : إن ظفرت بحسن العاقبة ، فذاك ، وعليه قوله تعالى (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)(٤) وما شاكل ذلك من لطائف الاعتبارات ، وقولهم : رحمه‌الله ، في الدعاء من هذا القبيل ، ومن ههنا تتنبه لنكتة يتضمنها تفاوت الشرطين في (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ)(٥) ماضيا في" جاءتهم الحسنة" ومستقبلا في" تصبهم سيئة". أو إبراز المقدر في معرض الملفوظ به لانصباب الكلام إلى معناه ، كما في قولك : إن أكرمتني الآن ، فقد أكرمتك أمس ، مرادا به إن تعتد بإكرامك إياي الآن ، فاعتد بإكرامي إياك أمس.

__________________

(١) سورة سبأ الآية ٢٥.

(٢) سورة سبأ الآية : ٢٤.

(٣) في (غ) ، (وما).

(٤) سورة النور الآية ٣٣.

(٥) سورة الأعراف الآية ١٣١.


وأما كلمة (لو) فحين كانت لتعليق ما امتنع بامتناع غيره على سبيل القطع ، كما تقول : لو جئتني لأكرمتك ، معلقا لامتناع إكرامك بما امتنع من مجيء مخاطبك ، امتنعت جملتاها عن الثبوت ، ولزم أن يكونا فعليتين ، والفعل ماض ، واستلزم في مثل قوله ، عز اسمه : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ)(١) ، (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(٢) ، (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(٣) تنزيل المستقبل نظما له في سلك المقطوع به ، لصدوره عمن لا خلاف في إخباره ، منزلة الماضي المعلوم ، في قولك : لو رأيت على نحو تنزيل" يود" منزلة" ود" في قوله تعالى (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٤) في أحد قولي أصحابنا البصريين ، رحمهم‌الله ، واستلزم في مثل قولك : لو تحسن إلي لشكرت ، القصد ب (تحسن إلى) تصوير أن إحسانه مستمر الامتناع فيما مضى وقتا فوقتا ، على نحو قصد الاستمرار حالا فحالا ، (يستهزئ) في قوله عز اسمه : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(٥) بعد قوله : (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ)(٦) وب (يكسبون) في قوله : (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)(٧) وقوله (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)(٨) وارد على هذا : أي يمنع ، عليه‌السلام ، عنتكم باستمرار امتناعه عن طاعتكم ، ولك أن ترد الغرض من لفظ (ترى) ، و (يود) ،

__________________

(١) سورة الأنعام الآية ٢٧.

(٢) سورة السجدة الآية ١٢.

(٣) سورة سبأ الآية ٣١.

(٤) سورة الحجر ، الآية ٢.

(٥) سورة البقرة الآية ١٥.

(٦) سورة البقرة الآية ١٤.

(٧) سورة البقرة الآية ٧٩.

(٨) سورة الحجرات الآية ٧.


و (تحسن) ، إلى استحضار صورة المجرمين ناكسي الرءوس ، قائلين لما يقولون ، وصورة الظالمين موقوفين عند ربهم متقاولين بتلك المقالات ، واستحضار صورة ودادة الكافرين لو أسلموا ، واستحضار صورة منع الإحسان ، كما في قوله : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)(١) إذ قال : (فتثير) استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الربانية ، من إثارة السحاب مسخرا بين السماء والأرض ، متكونا في المرأى تارة عن قزع ، وكأنها قطع قطن مندوف (٢) ، ثم تتضام متقلبة بين أطوار حتى يعدن ركاما ، وإنه طريق للبلغاء لا يعدلون عنه ، إذا اقتضى المقام سلوكه ، أو ما ترى تأبط شرّا في قوله (٣) :

بأني قد لقيت الغول تهوى ...

بسهب كالصحيفة صحصحان

فأضربها ، بلا دهش فخرّت ...

صريعا لليدين وللجران

كيف سلك في : (فأضربها بلا دهش) ، قصدا إلى أن يصور لقومه الحالة التي تشجع فيها بضرب الغول ، كأنه يبصرهم إياها ، ويطلعهم على كنهها ، ويتطلب منهم

__________________

(١) سورة فاطر الآية ٩.

(٢) مندوف : ندف القطن يندفه ندفا : ضربه بالمندف.

(٣) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح (٥٧) وعزاه ل تأبط شرّا ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص (٧١) وعزاه لتأبط شرّا وذكر تمام الأبيات : ـ

ألامن مبلغ فتيان فهم

بما لاقيت عند رحا بطان

بأنى قد لقيت الغول تهوى

بسهب كالصّحيفة صحصحان

فقلت لها كلانا نضو أرض

أخو سفر فخلّى لى مكان

فشدّت شدة نحوى فأهوت

لها كفىّ بمصقول يمان

فأضربها بلا دهش فخرت

صريعا لليدين وللجران

السّهب : الفلاة ، صحصحان : ليس بها شىء ولا شجر ولا قرار للماء.


مشاهدتها ؛ تعجيبا من جرأته على كل هول ، وثباته عند كل شدة ، وقوله سبحانه : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(١) دون : (كن فكان) من هذا القبيل ، واستلزم في مثل : (لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ)(٢) حمله على تقدير : لو تملكون تملكون لفائدة التأكيد ، ثم حذف الفعل الأول اختصارا ؛ لدلالة ضميره عليه المبدل ، بعد ذهاب الفعل ، منفصلا ، وأمثال هذه اللطائف لا تتغلغل فيها إلّا أذهان الراضة (٣) من علماء المعاني ؛ ولمبنى علم المعاني على التتبع لتراكيب الكلام واحدا فواحدا ، كما ترى ، وتطلب العثور على ما لكل منها من لطائف النكت مفصلة ، لا تتم الإحاطة به إلا لعلام الغيوب ، ولا يدخل كنه بلاغة القرآن إلّا تحت علمه الشامل.

واعلم أن مستودعات فصول هذا الفن لا تتضح إلّا باستبراء زناد خاطر وقاد ، ولا تنكشف أسرار جواهرها إلّا لبصيرة ذي طبع نقاد ، ولا تضع أزمتها إلّا في يد راكض في حلبتها إلى أنأى مدى ، باستفراغ طوق متفوق أفاويق استثباتها بقوة فهم ، ومعونة ذوق مولع من لطائف البلاغة بما يؤثرها القلوب بصفايا حباتها ، وتنثر عليها أفئدة مصاقع (٤) الخطباء خبايا محباتها ، متوسل بذلك أن يتألق في وجه الإعجاز في التنزيل ، متنقلا مما أجمله عجز المتحدين به عندك إلى التفصيل ، طامع من رب العزة والكبرياء في المثوبة الحسنى ، والفوز عنده يوم النشور بالذخر الأسنى.

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ٥٩.

(٢) سورة الإسراء الآية : ١٠٠.

(٣) أذهان الراضة : يعني العلماء الذين راضوا المعاني ، وعلموها وتبحروا فيها ، من راض المهر يروض رياضا ورياضة فهو مروض.

(٤) مصاقع الخطباء : بلغاؤهم ، واحده مصقع.


الفن الرابع

الفصل والوصل ، والإيجاز ، والإطناب

مركوز في ذهنك لا تجد لرده مقالا ، ولا لارتكاب جحده مجالا أن ليس يمتنع بين مفهومي جملتين اتحاد بحكم التآخي ، وارتباط لأحدهما بالآخر مستحكم الأواخي ، ولا أن يباين أحدهما الآخر مباينة الأجانب ؛ لانقطاع الوشائج بينهما من كل جانب ، ولا أن يكونا بين بين لآصرة رحم ما هنالك ، فيتوسط حالهما بين الأولى والثانية لذلك ، ومدار الفصل والوصل.

الفصل :

وهو : ترك العاطف وذكره على هذه الجهات ، وكذا طي الجمل عن البين ولا طيها ، وإنها لمحك البلاغة ، ومنتقد البصيرة ، ومضمار النظار ، ومتفاضل الأنظار ، ومعيار قدر الفهم ، ومسبار غور الخاطر ، ومنجم صوابه وخطائه ، ومعجم جلائه وصدائه ، وهي التي إذا طبقت فيها المفصل شهدوا لك من البلاغة بالقدح المعلى ، وأن لك في إبداع وشيها اليد الطولى ، وهذا فصل له فضل احتياج إلى تقرير واف ، وتحرير شاف.

العطف :

اعلم أن تمييز موضع العطف عن غير موضعه في الجمل كنحو أن تذكر معطوفا بعضها على بعض تارة ، ومتروكا العطف بينها تارة أخرى ، هو الأصل في هذا الفن ، وأنه نوعان : نوع يقرب تعاطيه ، ونوع يبعد ذلك فيه ، فالقريب : هو أن تقصد العطف بينها بغير الواو ، أو بالواو بينها ، لكن بشرط أن يكون للمعطوف عليها محل من الإعراب.

والبعيد : هو أن تقصد العطف بينها بالواو ، وليس للمعطوف عليها محل إعرابي.

والسبب في أن قرب القريب ، وبعد البعيد ، هو : أن العطف في باب البلاغة يعتمد معرفة أصول ثلاثة : أحدها : الموضع الصالح له من حيث الوضع ، وثانيها : فائدته ، وثالثها : وجه كونه مقبولا لا مردودا.


وأنت إذا أتقنت معاني (الفاء) و (ثم) و (حتى) و (لا) و (بل) و (لكن) و (أو) و (أم) و (أما) و (أي) على قولي ، حصلت لك الثلاثة ، لدلالة كل منها على معنى محصل ، مستدع من الجمل ، بينا مخصوصا مشتملا على فائدته ، وكونه مقبولا هناك.

وكذلك إذا أتقنت أن الإعراب صنفان لا غير : صنف ليس بتبع ، وصنف تبع ، وأتقنت أن الصنف الثاني منحصر في تلك الأنواع الخمسة : البدل والوصف والبيان والتأكيد واتباع الثاني الأول في الإعراب بتوسط حرف ؛ وعلمت كون المتبوع في نوع البدل في حكم المنحى والمضرب عنه ، بما تسمع أئمة النحو ، رضي‌الله‌عنهم ، يقولون : البدل في حكم تنحية المبدل منه [ويوصون](١) بتصريح بل في قسمه الغلطي ، وعلمت في الوصف والبيان والتأكيد أن التابع فيها هو المتبوع ، فالعالم في : زيد العالم عندك ، ليس غير زيد ، وعمرو في : أخوك عمرو عندي ، ليس غير أخوك ، ونفسه في : جاء خالد نفسه ، ليس غير خالد ، ثم رجعت فتحققت أن الواو يستدعي معناه أن لا يكون معطوفه هو المعطوف عليه ، لامتناع أن يقال : جاء زيد وزيد ، وأن يكون زيد الثاني هو زيد الأول ، حصل لك أن الصنف الأول ليس موضعا للعطف بأي حرف كان من حروف العطف ، لفوات شرط العطف فيه ، وهو تقدم المتبوع.

ولم يذهب عليك أن نحو : جاء وزيد ، عرفت فعمرا ، وأتاني خالد وراكبا ، وما جرى هذا المجرى غير صحيح ، وأن نحو قوله :

عليك ورحمة الله السّلام (٢)

يلزم أن يكون عديم النظير ، وأن لا يسوغه إلا نية التقديم والتأخير ، وأما نحو قوله عز سلطانه : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)(٣) ، فإنما ساغ لكون المعطوف عليه في حكم الملفوظ

__________________

(١) من (د). وفي (ط ، غ): (ويصون).

(٢) أورده الطيبى في شرحه على مشكاه المصابيح (١ / ٨٥) بتحقيقى وهو للأحوص شعره (١٩٠) وصدر البيت :

ألا يا نخلة في ذات عرق.

الطيبى في التبيان (١ / ٢١٥) بتحقيقى.

(٣) سورة البقرة الآية ٤٠.


به ، لكونه مفسرا ، إذ تقديره وإياي ارهبوا ، فارهبوني ، على ما سبق التعرض لهذا القبيل في علم النحو.

وأما نحو قوله : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا)(١) فساغ لتقدم حرف الاستفهام ، المستدعي فعلا مدلولا على معناه بقرائن مساق الكلام وهو : أكفروا بآيات الله وكلما عاهدوا ، وحصل لك أيضا أن الأنواع الأربعة من الصنف الثاني ليس واحد منها موضعا للعطف بالواو ، إما لفوات شرط العطف حكما ، كما في البدل ، لنزول قولك : سلب زيد ثوبه ، إذا عطفت فيه منزلة سلب وثوبه حكما ، وإما لفوات شرط معناه ، كما في الوصف والبيان والتأكيد ، إنما موضعه النوع الخامس.

وأما نحو قوله عز اسمه : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ)(٢) فالوجه عندي هو أن (" وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ"). حال لقرية ، لكونها في حكم الموصوفة ، نازلة منزلة : وما أهلكنا قرية من القرى ، لا وصف ، وحمله على الوصف سهو لا خطأ ، ولا عيب في السهو للإنسان ، والسهو ما يتنبه صاحبه بأدنى تنبيه ، والخطأ ما لا يتنبه صاحبه أو يتنبه لكن بعد إتعاب ، وسيزداد ما ذكرت وضوحا في آخر هذا الفصل في الكلام في الحال. ثم إذا أتقنت أيضا أن كل واحد من وجوه الإعراب دال على معنى ، كما تشهد لذلك قوانين علم النحو ، حصل لك فائدة الواو ، وهي مشاركة المعطوف والمعطوف عليه في ذلك المعنى ، فيكون عندك من الأصول الثلاثة أصلان : معرفة موضعه ، ومعرفة فائدته.

وإذا عرفت أن شرط كون العطف بالواو مقبولا ، هو أن يكون بين المعطوف والمعطوف عليه جهة جامعة ، مثل ما ترى في نحو : الشمس والقمر ، والسماء والأرض ، والجن والإنس ، كل ذلك محدث ، وسنفصل الكلام في هذه الجملة بخلافه في نحو : الشمس ومرارة الأرنب ، وسورة الإخلاص والرّجل اليسرى من الضفدع ، ودين

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٠٠.

(٢) سورة الحجر الآية : ٤.


المجوس وألف باذنجانة كلها محدثة ، حصلت لك الأصول الثلاثة ، وأن الأمر من القرب فيها كما ترى.

وأما توسيط الواو بين جمل لا محل للمعطوف عليها من الإعراب ، فإنما بعد تعاطيه لكون الأصول الثلاثة في شأنه غير ممهدة لك ، وهو السر في أن دق مسلكه ، وبلغ من الغموض إلى حيث قصر بعض أئمة علم المعاني البلاغة على معرفة الفصل والوصل ، وما قصرها عليه لا لأن الأمر كذلك ، وإنما حاول بذلك التنبيه على مزيد غموض هذا الفن ، وأن أحدا لا يتجاوز هذه العقبة من البلاغة ، إلا إذا كان خلف سائر عقباتها خلفة.

واعلم أنك إذا تأملت ما لخصت لك في القريب التعاطي ، قرب عندك هذا الثاني ، بحيث لا يخفى ، عليك بإذن الله تعالى ، بأدنى تنبيه ، وهو : أن الجملة متى نزلت في كلام المتكلم منزلة الجملة العارية عن المعطوف عليها ، كما إذا أريد بها القطع عما قبلها ، أو أريد بها البدل عن سابقة عليها ، لم تكن موضعا لدخول الواو ، وكذا : متى نزلت من الأولى منزلة نفسها لكمال اتصالها بها ، مثل ما إذا كانت موضحة لها ومبينة ، أو مؤكدة لها ومقررة ، لم تكن موضعا لدخول الواو ، وكذا متى لم يكن بينها وبين الأولى جهة جامعة ، لكمال انقطاعها عنها ، لم يكن أيضا موضعا لدخول الواو ، وإنما يكون موضعا لدخوله ، إذا توسطت بين كمال الاتصال ، وبين كمال الانقطاع ، ولكل من هذه الأنواع حالة تقتضيه ، فإذا طابق ورودها تلك الأحوال ، وطبق المفصل هناك ، رقى الكلام من البلاغة عند أربابها إلى درجة يناطح فيها السماك ، فلا بد من تفصيل الكلام في تلك الحالات ، فنقول :

القطع :

أما الحالة المقتضية للقطع فهي نوعان : أحدهما أن يكون للكلام السابق حكم ، وأنت لا تريد أن تشركه الثاني في ذلك فيقطع ، ثم إن هذا القطع يأتي إما على وجه الاحتياط ، وذلك إذا كان يوجد قبل الكلام السابق كلام غير مشتمل على مانع من العطف عليه ، لكن المقام مقام احتياط فيقطع لذلك ، وإما على وجه الوجوب ، وذلك إذا كان لا يوجد.


موقعه ، أو لإغنائه أن يسأل ، أو لئلا يسمع منه شيء ، أو لئلا ينقطع كلامك بكلامه ، أو للقصد إلى تكثير المعنى بتقليل اللفظ ، وهو تقدير السؤال ، وترك العاطف أو غير ذلك مما ينخرط في هذا السلك ، ويسمى : النوع الأول قطعا. والثاني استئنافا.

الإبدال :

وأما الحالة المقتضية للإبدال : فهي أن يكون الكلام السابق غير واف بتمام المراد وإيراده ، أو كغير الوافي ، والمقام مقام اعتناء بشأنه ، إما لكونه مطلوبا في نفسه ، أو لكونه غريبا ، أو فظيعا أو عجيبا ، أو لطيفا أو غير ذلك مما له جهة استدعاء للاعتناء بشأنه ، فيعيده المتكلم بنظم أوفى منه على نية استئناف القصد إلى المراد ، ليظهر بمجموع القصدين إليه في الأول والثاني ، أعني المبدل منه أو البدل مزيد الاعتناء بالشأن.

الإيضاح والتبيين :

وأما الحالة المقتضية للإيضاح والتبيين : فهي أن يكون بالكلام السابق نوع خفاء ، والمقام مقام إزالة له.

وأما الحالة المقتضية للتأكيد والتقرير فظاهرة.

كمال الانقطاع :

وأما الحالة المقتضية لكمال انقطاع ما بين الجملتين : فهي أن تختلفا خبرا وطلبا ، مع تفصيل يعرف في الحالة المقتضية للتوسط ، أو أن اتفقتا خبرا ، فأن لا يكون بينهما ما يجمعهما عند [الفكرة](١) جمعا من جهة العقل أو الوهم أو الخيال.

__________________

(١) من (غ) وفي (ط ، د): (المفكرة).


والجامع العقلي : هو أن يكون بينهما اتحاد في تصور ، مثل الاتحاد في المخبر عنه ، أو في الخبر ، أو في قيد من قيودهما ، أو تماثل هناك ، فإن العقل بتجريده المثلين عن التشخص في الخارج ، يرفع التعدد عن البين. أو تضايف كالذي بين العلة والمعلول ، والسبب والمسبب ، أو السفل والعلو ، والأقل والأكثر ، فالعقل يأبى أن لا يجتمعا في الذهن ،

وأن العقل سلطان مطاع.

والوهمي : هو أن يكون بين تصوراتهما شبه تماثل ، نحو : أن يكون المخبر عنه في أحدهما لون بياض ، وفي الثانية لون صفرة ، فإن الوهم يحتال في أن يبرزهما في معرض المثلين.

وكم للوهم من حيل تروج

وإلا فعليك بقوله (١) :

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ...

شمس الضحى ، وأبو إسحق ، والقمر

وقل : ما الذي سواه حسن الجمع بين الشمس وأبي إسحاق والقمر ، هذا التحسين. أو بقوله (٢) :

إذا لم يكن للمرء في الخلق مطمع ...

فذو التاج ، والسقاء ، والذرّ واحد

وقد عرفت حال المثلين في شأن الجمع. أو تضاد كالسواد والبياض ، والهمس والجهارة ، والطيب والنتن ، والحلاوة والحموضة ، والملاسة والخشونة ، وكالتحرك والسكون ، والقيام والقعود ، والذهاب والمجيء ، والإقرار والإنكار ، والإيمان والكفر ، وكالمتصفات بذلك من نحو : الأسود والأبيض ، والمؤمن والكافر ، أو شبه تضاد كالذي

__________________

(١) سبق تخريجه.

(٢) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٦٦) بلا عزو.

والذّرّ : صغار النمل.


بين نحو : السماء والأرض ، والسهل والجبل ، والأول والثاني ، فإن الوهم ينزل المتضادين والشبيهين بهما منزلة المتضايفين ، فيجتهد في الجمع بينهما في الذهن ، ولذلك تجد الضد أقرب خطورا بالبال مع الضد.

والخيالي : هو أن يكون بين [تصوراتهما](١) تقارن في الخيال سابق لأسباب مؤدية إلى ذلك ، فإن جميع ما يثبت في الخيال ، مما يصل إليه من الخارج ، يثبت فيه على نحو ما يتأدى إليه ، ويتكرر لديه ، ولذلك لما لم تكن الأسباب على وتيرة واحدة ، فيما بين معشر البشر ، اختلفت الحال في ثبوت الصور في الخيالات ترتبا ووضوحا ، فكم من صور تتعانق في الخيال ، وهي في آخر ليست تتراءى ، وكم صور لا تكاد تلوح في الخيال ، وهي في غيره نار على علم.

وإن أحببت أن تستوضح ما يلوح به إليك ، فحدق إليه من جانب اختبارك ، تلق كاتبا بتعديد : قرطاس ، ومحبرة ، وقلم ، ونجارا بتعديد : منشار وقدوم ، وعتلة ، وآخر بما يلابسون ، وأيّا كان من أصحاب العرف والرسم ، فتلقه يذكر : مسجد ومحراب وقنديل ، أو حمام وإزار وسطل (٢) ، أو غير ذلك مما يجمعه العرف والرسم ، فإنهم جميعا ، لمصادفتهم معدوداتك على وفق الثابت في خيالهم ، لا [يستبدعون](٣) العدّ ، ولا يقفون له موقف نكير ، وإذا غيرته إلى نحو : محبرة ومنشار ، وقلم وقدوم ، ونحو : مسجد وسطل ، وقنديل وحمام ، جاء الاستبداع والاستنكار ، وهل تشبيهات أولئك الرفقاء الأربعة ، البدر الطالع عليهم ، فيما يحكى ، تتلو عليك سورة غير ما تلونا ، أو تجلو لديك صورة غير ما جلونا ، يحكى أن صاحب سلاح ملك ، [وصواغا](٤) ، وصاحب بقر ،

__________________

(١) في (غ): (تصور أيّهما).

(٢) السّطل : الطّسيسة الصغيرة يقال : إنه على صفة تور له عروة كعروة المرجل.

(٣) من (د) وفي (ط ، غ): (يستبعدون).

(٤) في (غ): (وصوافا).


ومعلم صبية ، اتفق أن انتظمهم سلك طريق ، وقد كان حمل [كل](١) منهم مركب الجد ، فما أورثهم انتقاب المحجة بالإظلام ، سوى الإغراء أن يلطموا بأيدي الرواقص خدودها ، وما استطاع الظلام أن لا يطئوا المسافة ، وقد نشر جناحه ، وأن يلقوا عصاهم وقد مد لهم رواقه ، فقابلهم بعبوس افتر عن مزيد تخبطهم ، وخوف ضلالهم ، فبينا هم في وحشة الظلماء ، وقد بلغ السيل الزبى (٢) ، ومقاساة محنتي التخبط وخوف الضلال ، وقد جاوز الحزام الطّبيين (٣) ، آنسهم البدر الطالع بوجهه الكريم ، وأضاءت لهم أنواره كل مظلم بهيم ، فلم يتمالكوا أن أقبل عليه كل منهم ينظم ثناءه ، ويمدح سناه وثناءه ، ويخدمه بأكرم نتائج خاطره ، وإذا شبهه شبهه بأفضل ما في خزانة صوره ، فما يشبهه السلاحي : إلّا بالترس المذهب يرفع عند الملك ، ولا يشبهه الصائغ إلا بالسبيكة من الإبريز تفترّ عن وجهها البوتقة ، ولا يشبهه البقار إلا بالجبن الأبيض يخرج من قالبه طريّا ، ولا يشبهه المعلم إلا برغيف أحمر يصل إليه من بيت ذي مروءة. أو التفاوت في الإيراد لوصف الكلام ، فيما يحكيه الأصحاب عن الأذكياء من ذوي الحرف المختلفة ، كوصف الجوهري للكلام :

وصف الكلام :

أحسن الكلام ما ثقبته الفكرة ، ونظمته الفطنة ، وفصل جوهر معانيه في سمط ألفاظه ، فحملته نحور الرواة.

ووصف الصيرفي : خير الكلام ما نقدته يد البصيرة ، وجلته عين الروية ، ووزنته معيار الفصاحة ، فلا ينطق فيه بزائف ، ولا يسمع فيه ببهرج (٤).

__________________

(١) من (غ) وفي (ط ، د): (كلا).

(٢) الزّبى : جمع زبية وهى الرابية التي لا يعلوها الماء. والمثل في اللسان (زبى).

(٣) الطّبيين : مثنى طبى والطّبى : حلمات الضرع التى فيها اللبن من الخف والظلف والحافر والسباع. وفي حديث عثمان : بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين. اللسان (طبى).

(٤) بهرج : البهرج الباطل والردىء من الشىء.


ووصف الصائغ : خير الكلام ما أحميته بكير الفكر ، وسبكته بمشاعل النظر ، وخلصته من خبث الإطناب ، فبرز بروز الإبريز ، مركبا في معنى وجيز.

ووصف الحداد : أحسن الكلام ما نصبت عليه منفاخ الروية ، وأشعلت فيه نار البصيرة ، ثم أخرجته من فحم الإفحام ، ورققته بفطيس الأفهام.

ووصف الخمار : أحسن الكلام ما طبخته مراجل العلم ، وضمته دنان الحكمة ، وصفّاه راووق الفهم ، فتمشت في المفاصل عذوبته ، وفي الأفكار رقته ، وسرت في تجاويف العقل سورته ، وحدته.

ووصف البزاز : أحسن الكلام ما صدق رقم ألفاظه ، وحسن رسم معانيه ، فلم يستعجم عند نشر ، ولم يستبهم عند طي.

ووصف الكحال : أصح الكلام ما سحقته في منجار الذكاء ، ونخلته بحرير التمييز ، وكما أن الرمد قذى العين ، كذا الشبهة قذى البصائر ، فأكحل عين اللكنة بميل البلاغة ، وأجل رمض الغفلة ببرود اليقظة.

وصف الطريق :

أو سلوك الطريق في وصف البليغ حين سلكه الجمال قائلا : البليغ من أخذ بخطام كلامه ، وأناخه في مبرك المعنى ، ثم جعل الاختصار له عقالا ، والإيجاز له مجالا ، فلم يندّ عن الأذهان ، ولم يشذ عن الآذان.

حال وراق :

أو إخبار الوراق عن حاله على ما أخبر : عيشي أضيق من محبرة ، وجسمي أدق من مسطرة ، وجاهي أرق من الزجاج ، وحظي أخفى من شق القلم ، وبدني أضعف من قصبة ، وطعامي أمر من العفص (١) ، وشرابي أشد سوادا من الحبر ، وسوء الحال بي ألزم من الصمغ.

__________________

(١) العفص : طعام عفص أي بشع.


ولصاحب علم المعاني فضل احتياج في هذا الفن إلى التنبه لأنواع هذا الجامع والتيقظ لها ، لا سيما النوع الخيالي ، فإن جمعه على مجرى الألف والعادة بحسب ما تنعقد الأسباب في استيداع الصور خزانة الخيال ، وأن الأسباب ، لكما ترى ، إلى أي حد تتباين في شأن الجمع بين صور وصور ، فمن أسباب تجمع بين : صومعة وقنديل وقرآن ، ومن أسباب تجمع بين دسكرة (١) وإبريق وأقران ، فقل لي : إذا لم يوفّه حقه من التيقظ ، وأنه من أهل المدر ، أنّى يستحلي كلام رب العزة مع أهل الوبر ، حيث يبصرهم الدلائل ناسقا ذلك النسق : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ* وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)(٢) لبعد البعير عن خياله في مقام النظر ، ثم لبعده في خياله عن السماء ، وبعد خلقه عن رفعها ، وكذا البواقي ، لكن إذا وفاه حقه بتيقظه لما عليه تقلبهم في حاجاتهم جاء الاستحلاء ، وذلك إذا نظر أن أهل الوبر إذا كان مطعمهم ومشربهم وملبسهم من المواشي ، كانت عنايتهم مصروفة ، لا محالة ، إلى أكثرها نفعا ، وهي : الإبل.

ثم إذا كان انتفاعهم بها لا يتحصل إلّا بأن ترعى وتشرب ، كان جل مرمى غرضهم نزول المطر ، وأهم مسارح النظر عندهم السماء ، ثم إذا كانوا مضطرين إلى مأوى يأويهم ، وإلى حصن يتحصنون فيه ، ولا مأوى ولا حصن إلا الجبال :

لنا جبل يحتله من نجيره ...

منيع يردّ الطرف وهو كليل (٣)

فما ظنك بالتفات خاطرهم إليها ، ثم إذا تعذر طول مكثهم في منزل ، ومن لأصحاب مواش بذاك ، كان عقد الهمة عندهم ، بالتنقل من أرض إلى سواها ، من عزم الأمور. فعند نظره هذا أيرى البدوي إذا أخذ يفتش عما في خزانة الصور له ، لا يجد صورة الإبل حاضرة هناك ، أو لا يجد صورة السماء لها مقارنة ، أو تعوزه صورة الجبال

__________________

(١) دسكرة : الدّسكرة : بناء كالقصر حول بيوت الأعاجم يكون فيها الشراب والملاهى. والدّسكرة : الصومعة.

(٢) سورة الغاشية الآية ١٧ ـ ٢٠.

(٣) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٦٧) وهو للسموأل بن عادياء.


بعدهما ، أو لا تنص إليه صورة الأرض [تليها](١) بعدهن ، لا ، وإنما الحضري حيث لم تتآخذ عنده تلك الأمور ، وما جمع خياله تلك الصور على ذلك الوجه ، إذا تلا الآية قبل أن يقف على ما ذكرت ، ظن النسق بجهله معيبا ، للعيب فيه.

التوسط :

وأما الحالة المقتضية للتوسط بين كمال الاتصال وكمال الانقطاع فهي : إن اختلفا خبرا وطلبا أن يكون المقام مشتملا على ما يزيل الاختلاف ، من تضمين الخبر معنى الطلب ، أو الطلب معنى الخبر ، ومشركا بينهما في جهات جامعة مما تليت عليك على نحو قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا)(٢) إذ لا يخفى أن قوله : " لا تعبدون" مضمن معنى لا تعبدوا. وقوله : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ* هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ* لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ* سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ* وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ)(٣) فإن المقام مشتمل على تضمين (" إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ") معنى الطلب ، بيان ذلك أن الذي قبله من قوله : (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً)(٤) كلام وقت الحشر من غير شبهة لوروده معطوفا بالفاء على قوله : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ)(٥). وعام لجميع الخلق لعموم قوله : (لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) وأن الخطاب الوارد بعده على سبيل الالتفات في

__________________

(١) في (د) (تليلها).

(٢) سورة البقرة ، الآية ٨٣.

(٣) سورة يس ، الآية ٥٥ ـ ٥٩.

(٤) سورة يس الآية ٥٤.

(٥) سورة يس ، الآية ٥٣.


قوله : (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(١) خطاب عام لأهل المحشر ، وأن قوله : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) إلى قوله : (أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) متقيد بهذا الخطاب ، لكونه تفصيلا لما أجمله : (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وأن التقدير : إن أصحاب الجنة منكم يأهل المحشر ، ثم جاء في التفسير أن قوله هذا : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) يقال لهم ، حين يسار بهم إلى الجنة ، بتنزيل ما هو للكون منزلة الكائن ، فانظر بعد تحرير معنى الآية : وهو أن أصحاب الجنة منكم يأهل المحشر ، تؤول حالهم إلى أسعد حال ، كيف اشتمل المقام على معنى فليمتازوا عنكم إلى الجنة.

وأما كونه مشركا بين المعطوف والمعطوف عليه في الذي نحن بصدده ، في جهات تجمعهما ، فغير خاف ، ونحو قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وَأَلْقِ عَصاكَ)(٢).

فإن الكلام مشتمل على تضمين الطلب معنى الخبر ، وذلك أن قوله : (وَأَلْقِ عَصاكَ) معطوف على قوله : (أَنْ بُورِكَ) والمعنى فلما جاءها ، قيل : بورك ، وقيل : ألق عصاك ، لما عرفت في علم النحو أن" أن" هذه لا تأتي إلّا بعد فعل في معنى القول ، وإذا قيل : كتبت إليه أن أرجع وناداني أن قم كان بمنزلة : قلت له : ارجع ، وقال لي : قم ، وأما قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)(٣) بعد قوله : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ)(٤) فيعد معطوفا على : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) وعندي أنه معطوف على قل مرادا قبل : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ

__________________

(١) سورة يس ، الآية ٥٤.

(٢) سورة النمل الآيات ٨ ـ ١٠.

(٣) سورة البقرة الآية : ٢٥.

(٤) سورة البقرة الآية ٢٤.


وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(١) لكون إرادة القول بواسطة انصباب الكلام إلى معناه غير عزيزة في القرآن ، من ذلك : (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا)(٢) أي وقلنا ، أو قائلين : كلوا ، ومن ذلك : (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا)(٣) أي وقلنا أو قائلا : أنت يا موسى ، كلوا واشربوا ، ومن ذلك : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا)(٤) أي : وقلنا أو قائلين : خذوا ، ومن ذلك : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا)(٥) أي : وقلنا : اتخذوا ، ومن ذلك : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا)(٦) أي : يقولان : ربنا ، وعليه قراءة عبد الله ، ومن ذلك : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَ)(٧) على قول أصحابنا البصريين ، ومن ذلك : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا)(٨) أي ويقولون : ذوقوا ، ومن ذلك : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا)(٩) أي : فقولوا لهم : سيحوا ، وأمثال ذلك أكثر من أن أحصيها ههنا ، وكذلك عطف قوله : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ)(١٠) على قل مرادا قبل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)(١١)

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢١.

(٢) سورة البقرة الآية : ٥٧.

(٣) سورة البقرة الآية ٦٠.

(٤) سورة البقرة الآية ٦٣.

(٥) سورة البقرة الآية ١٢٥.

(٦) سورة البقرة الآية ١٢٧.

(٧) سورة البقرة الآية ١٣٢.

(٨) سورة الأنفال ، الآية : ٥٠.

(٩) سورة التوبة الآيتان : ١ ـ ٢.

(١٠) سورة البقرة الآيتان : ١٥٥ ـ ١٥٦.

(١١) سورة البقرة الآية ١٥٣.


وكذا عطف : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(١) في سورة الصف عندي على قل مرادا قبل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ)(٢) وذهب صاحب الكشاف إلى أنه معطوف على (تُؤْمِنُونَ)(٣) قبله ؛ لكونه في معنى آمنوا ، فتأمل جميع ذلك ، وكن الحاكم دوني.

أو أن تتفق الجملتان خبرا ، والمقام على حال إشراك بينهما في جوامع ، ثم كلما كانت الشركة في أكثر وأظهر ، كان الوصل بالقبول أجدر.

خاتمة :

ولنختم الكلام في تفصيل الحالات المقتضية للقطع والاستئناف ، والإبدال والإيضاح ، والتقريب والانقطاع ، والتوسط بين بين ، بهذا القدر ، ولنذكر لك أمثلة لتجذب بضبعك ، إن عسى اعترضتك مداحض ، إذا أخذت تسلك تلك الطرقات ؛ من أمثلة القطع للاحتياط.

قوله (٤) :

وتظنّ سلمى أنني أبغي بها ...

بدلا ، أراها في الضلال تهيم

لم يعطف (أراها) كي لا يحسب السامع العطف على (أبغي) دون (تظن) ، ويعد (أراها في الضلال تهيم) من مظنونات سلمى في حق الشاعر ، وليس هو بمراد ، إنما المراد أنه حكم الشاعر عليها بذاك ، وليس بمستبعد ؛ لانصباب قوله : (وتظن سلمى أنني أبغي بها بدلا) ، إلى إيراد : فما قولك في ظنها ذلك؟ أن يكون قد قطع (أراها) ليقع جوابا

__________________

(١) سورة الصف ، الآية ١٣.

(٢) سورة الصف الآية ١٠.

(٣) سورة الصف الآية ١١.

(٤) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح (١ / ٢١٨) بلا عزو ، والقزويني في الإيضاح ص (٢٥٥) ، والطيبى في التبيان (١ / ٢١٨) بتحقيقى.


لهذا السؤال على سبيل الاستئناف ، وإياك أن ترى الفصل لأجل الوزن ، فما هو هناك ، وقوله (١) :

زعمتم أنّ إخوتكم قريش ...

لهم إلف وليس لكم [إلاف](٢)

لم يعطف : لهم إلف ، خيفة أن يظن العطف على : (أن إخوتكم قريش) ، فيفسد معنى البيت ، ولك أن تقول جاء على طريق الاستئناف قوله : لهم إلف وليس لكم إلاف

وذلك أنه حين أبدى إنكار زعمهم عليهم بفحوى الحال ، فكان مما يحرك السامعين أن يسألوا : لم تنكر فصل قوله : (لهم إلف) عما قبله؟ ليقع جوابا للسؤال الذي هو مقتضى الحال.

ومن أمثلة القطع للوجوب ، قوله عز من قائل : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(٣) لم يعطف : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) للمانع عن العطف ، بيان ذلك أنه لو عطف ، لكان المعطوف عليه : إما جملة (قالوا) وإما جملة (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) لكن لو عطف على : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) لشاركه في حكمه ، وهو كونه من قولهم ، وليس هو بمراد. ولو عطف على" قالوا" لشاركه في اختصاصه بالظرف المقدم ، وهو : (إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) لما عرفت في فصل التقديم والتأخير. وليس هو بمراد ، فإن استهزاء الله بهم ، وهو أن خذلهم فخلاهم ، وما سولت لهم أنفسهم مستدرجا إياهم من حيث لا يشعرون ، متصل في شأنهم لا ينقطع بكل حال ، خلوا إلى شياطينهم ، أم لم يخلوا إليهم ، وكذا قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ*

__________________

(١) أورده القزويني في الإيضاح (ص ٢٥٩) وعزاه للحماسيّ وإلالف : الذي تألفه. إيلاف : العهد والذمام.

(٢) من (غ). وفي (ط ، د): (الالف).

(٣) سورة البقرة الآيتان ١٤ ـ ١٥.


أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ)(١) قطع" ألا إنهم" لئلا يستلزم عطفه على (" إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ") كونه مشاركا له في أنه من قولهم ، أو عطفه على" قالوا" كونه مختصا بالظرف اختصاص (قالوا) به لتقدمه عليه ، وهو (إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا) فإنهم مفسدون في جميع الأحيان ، سواء قيل لهم : لا تفسدوا ، أو لم يقل ؛ وكذلك قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ)(٢) قطع" ألا إنهم" لمثل ما تقدم في الآية السابقة ، ولك أن تحمل ترك العطف في (" اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ") على الاستئناف من حيث إن حكاية حال المنافقين في الذي قبله ، لما كانت تحرك السامعين أن يسألوا : ما مصير أمرهم وعقبى حالهم؟ وكيف معاملة الله إياهم؟ لم يكن من البلاغة أن يعرى الكلام عن الجواب ، فلزم المصير إلى الاستئناف ، وأن تقول في : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) ترك العطف فيه للاستئناف أيضا ؛ ليطابق مقتضى الحال ، وذلك أن ادعاءهم الصلاح لأنفسهم على ما ادعوه مع توغلهم في الإفساد مما يشوق السامع أن يعرف ما حكم الله عليهم ، فكان وروده بدون الواو ، وهو المطابق كما ترى ، وكذا في : (" أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ") ومن أمثلة الاستئناف قوله (٣) :

زعم العواذل أنّني في غمرة ...

صدقوا ، ولكن غمرتي لا تنجلي.

لم يعطف" صدقوا" على" زعم العواذل" للاستئناف ، وقد أصاب المحز ؛ وذلك أنه حين أبدى الشكاية عن جماعات العذل بقوله : " زعم العواذل أنني في غمرة" فكان مما يحرك السامع عادة ، ليسأل : هل صدقوا في ذلك أم كذبوا؟ صار هذا السؤال مقتضى الحال ، فبنى عليه تاركا للعطف على ما عليه إيراد الجواب عقيب السؤال ، وكذلك

__________________

(١) سورة البقرة الآيتان ١١ ـ ١٢.

(٢) سورة البقرة الآية ١٣.

(٣) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٥٩) ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص (١٢٥) ، والعلوى في الطراز (٢ / ٤٧). والغمرة : الحيرة.


قوله (١) :

زعم العواذل أن ناقة جندب ...

بجنوب خبت ، عرّيت واجّمت

كذب العواذل لو رأين مناخنا ...

بالقادسية قلن لج وذلّت.

فصل" كذب العواذل" فلم يعطفه ، ليقع جوابا لسؤال اقتضاه الحال عند شكواه عن النساء العاذلات بقوله : (زعم العواذل) أنه كان كيت وكيت وهو : هل كذب العواذل في ذلك أم صدقن ، وكذلك قوله :

ابكي على قتلى العدان فإنهم ...

طالت إقامتهم ببطن برام

كانوا على الأعداء ، نار محرّق ...

ولقومهم حرما من الأحرام

قطع : " كانوا" للاستئناف ؛ لأنه حين أمرها بالبكاء كأنه توهمها قالت : ولم أبكيهم؟ أو كيف أبكيهم؟ صفهم لي كيف كانوا؟ فقال مجيبا : كانوا على الأعداء.

وكذلك قوله (٢) :

عرفت المنزل الخالي ...

عفا من بعد أحوال

عفاه كلّ حنان ...

عسوف الوبل هطّال

فصل : " عفاه كل حنان" للاستئناف ؛ لأنه حين قال : (عفا من بعد أحوال) كان مظنة أن يقال : ماذا عفاه؟ وكذلك قوله (٣) :

وما عفت الرياح له محلّا ...

عفاه من حدا بهم وساقا

__________________

(١) أورده القزويني في الإيضاح (٢٥٩) وهو لجندب اجّمت : تركت فلم تركب فعفت من تعبها وذهب إعياؤها.

(٢) أوردهما القزوينى في الإيضاح (٢٥٨) وعزاهما للوليد.

(٣) أورده القزوينى في الإيضاح (٢٥٨) وعزاه لأبي الطيب.


حين قال في محل معفو : (ما عفته الرياح) كان موضع سؤال ، وهو فما إذن عفاه إذن؟ وكذلك قوله (١) :

وقد غرضت من الدنيا فهل زمني ...

معط حياتي لغرّ بعد ما غرضا.

جرّبت دهري وأهليه فما تركت ...

لي التجارب في ودّ امرىء غرضا

لم يصل" جربت" بالعطف على" غرضت" بناء على سؤال ينساق إليه معنى البيت الأول ، وهو : لم تقول هذا ويحك؟ وما الذي اقتضاك أن تطوي عن الحياة ، إلى هذه الغاية ، كشحك؟ وكذلك قوله عز قائلا : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ)(٢) جاء مفصولا عما قبله بطريق الاستئناف ، كأنه قيل : ما للمتقين الجامعين بين الإيمان بالغيب ، في ضمن إقامة الصلاة ، والإنفاق مما رزقهم الله تعالى ، وبين الإيمان بالكتب المنزلة ، في ضمن الإيقان بالآخرة ، اختصوا بهدى لا يكتنه كنهه ، ولا يقادر قدره ، مقولا في حقهم (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ ،) والذين بتنكير (هدى) ، فأجيب : بأن أولئك الموصوفين غير مستبعد ولا مستبدع أن يفوزوا دون من عداهم بالهدى عاجلا ، وبالفلاح آجلا.

ولك أن تقدر تمام الكلام هو : المتقين ، وتقدر السؤال ، ويستأنف الذين يؤمنون بالغيب إلى ساقة الكلام ، وأنه أدخل في البلاغة لكون الاستئناف على هذا الوجه منطويا على بيان الموجب ، لاختصاصهم بما اختصوا به ، على نحو ما تقول : أحسنت إلى زيد ، صديقك القديم ، أهل منك لما فعلت ، ولك أن تخرج الآية عما نحن بصدده ، بأن يجعل الموصول الأول من توابع" المتقين" إما مجرورا بالوصف ، أو منصوبا

__________________

(١) أوردهما الطيبى في التبيان (١ / ٢١٨) بتحقيقى وعزاهما لأبي العلاء ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح بتحقيقى (١ / ٨٦) وهما لأبي العلاء المعرى في سقط الزند (٢٠٨) ، ومحمد بن على الجرجانى في الإشارات (١٢٥).

وغرضت : ضجرت.

(٢) سورة البقرة الآية ٥.


بالاختصاص ، وتجعل الموصول الثاني مبتدأ ، و" اولئك" خبره مرادا به التعريض لمن لم يؤمنوا من أهل الكتاب ، وستعرف التعريض ، جاعلا الجملة برأسها من مستتبعات" هدى للمتّقين" والفضل من هذه الوجوه لاستئناف : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ،) لجهات فتأملها.

وكذلك قوله عز من قائل : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ)(١) فصل (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ) ليقع جوابا للسؤال الذي يقطر من قوله : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) وهو إي : والله ، نبئنا على أي مخلوق تتنزل؟

ومن الآيات الواردة على الاستئناف قوله تعالى : (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ* قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ* قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ* قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ* قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ* قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ* قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ* قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ* قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(٢) فإن الفصل في جميع ذلك بناء على أن السؤال الذي يستصحبه تصور مقام المقاولة من نحو ، فماذا قال موسى؟ فماذا قال فرعون؟ وكذلك قوله : (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ* قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ* قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ)(٣) الفصل بناء على ما ذا قال وما ذا قالوا؟ وكذلك قوله : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ* إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ* فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ* فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ

__________________

(١) سورة الشعراء الآيتان ٢٢١ ـ ٢٢٢.

(٢) سورة الشعراء الآيات : ٢٣ ـ ٣١.

(٣) سورة الأنبياء الآيات : ٥٣ ـ ٥٥.


أَلا تَأْكُلُونَ* فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ)(١) قدر مع قوله : (" فَقالُوا سَلاماً") ماذا قال إبراهيم وقت السّلام ؛ ومع قوله (" فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ") ما ذا قال وقت التقريب؟ ومع قوله (" فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً") ما ذا قالوا حين رأوا منه ذلك؟ وسلوك هذا الأسلوب في القرآن كثير.

البدل :

ومن أمثلة البدل قوله (٢) :

أقول له : ارحل لا تقيمنّ عندنا ...

وإلا فكن في السّر والجهر مسلما

فصل" لا تقيمن" عن" ارحل" لقصد البدل ؛ لأن المقصود من كلامه هذا كمال إظهار الكراهة لإقامته ، بسبب خلاف سره العلن ؛ وقوله : " لا تقيمن عندنا" أوفى بتأدية هذا المقصود من قوله : " ارحل" ؛ لدلالة ذاك عليه بالتضمن مع التجرد عن التأكيد ، ودلالة هذا عليه بالمطابقة مع التأكيد ، وكذلك قوله تعالى (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ* قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)(٣) فصل : (قالُوا أَإِذا مِتْنا) عن (" قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ") لقصد البدل.

ولك أن تحمله على الاستئناف لما في قوله : (" مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ") من الإجمال المحرك للسامع أن يسأل ، ماذا قالوه؟ وكذلك قوله : (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ* وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)(٤) الفصل فيه للبدل ، ويحتمل الاستئناف ، وكذلك قوله :

__________________

(١) سورة الذاريات الآيات : ٢٤ ـ ٢٨.

(٢) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٦١) ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات (١٢٣) ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح بتحقيقى (١ / ٨٧).

(٣) سورة المؤمنون الآيتان : ٨١ ـ ٨٢.

(٤) سورة الشعراء الآيات : ١٣٢ ـ ١٣٤.


(اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ* اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ)(١) لم يعطف (" اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ") للبدل.

الإيضاح والتبيين :

ومن أمثلة الإيضاح والتبيين قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ* يُخادِعُونَ)(٢) لم يعطف : يخادعون على ما قبله ؛ لكونه موضحا له ، ومبينا من حيث إنهم حين كانوا يوهمون بألسنتهم أنهم آمنوا ، وما كانوا مؤمنين بقلوبهم ، قد كانوا في حكم المخادعين ، وقوله تعالى : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى)(٣) لم يعطف : (قال) ، على : (وسوس) ، لكونه تفسيرا له وتبيينا.

التقرير والتأكيد :

ومن أمثلة التقرير والتأكيد قوله تعالى : (الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(٤) لم يعطف : (لا ريب فيه) ، على : (ذلك الكتاب) ، حين كان وزانه في الآية وزان نفسه ، في قولك : جاءني الخليفة نفسه ، أو وزان بينا في قولك : هو الحق بينا.

يدلك على ذلك أنه حين بولغ في وصف الكتاب ، ببلوغه الدرجة القصيا من الكمال ، والوفور في شأنه ، تلك المبالغة ، حيث جعل المبتدأ لفظة : (ذلك) ، وأدخل على الخبر حرف التعريف بشهادة الأصول ، كما سبقت ، كان عند السامع قبل أن يتأمل مظنة أن ينظمه في سلك ما قد يرمي به على سبيل الجزاف من غير تحقق وإيقان ، فأتبعه : (لا ريب فيه) ، نفيا لذلك ، وقد أصيب به المحز اتباع نفسه الخليفة ، إزالة لما

__________________

(١) سورة يس الآيتان : ٢٠ ـ ٢١.

(٢) سورة البقرة الآيتان : ٨ ـ ٩.

(٣) سورة طه الآية : ١٢٠.

(٤) سورة البقرة الآيتان : ١ ـ ٢.


عسى يتوهم السامع أنك في قولك : جاءني الخليفة ، متجوزا ، أو ساه ، وتقرير كونه حالا مؤكدة ظاهر.

وكذلك فصل : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ،) لمعنى التقرير فيه للذي قبله ؛ لأن قوله : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ ،) مسوق لوصف التنزيل بكمال كونه هاديا ، وقوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) تقديره : كما لا يخفى : هو هدى ، وأن معناه نفسه هداية محضة بالغة درجة لا يكتنه كنهها ، وأنه في التأكيد والتقرير لمعنى أنه كامل في الهداية كما ترى.

وأما بيان أن ما قبله مسوق لما ذكر ، فما ترى من النظم الشاهد له لإحرازه قصب السبق في شأنه ، وهو : (" ذلِكَ الْكِتابُ") ثم من تعقيبه بما ينادي على صدق الشاهد ذلك النداء البليغ ، وهو : (" لا رَيْبَ فِيهِ"). وإنك لتعلم أن شأن الكتب السماوية الهداية لا غير ، وبحسبها يتفاوت شأنهن في درجات الكمال ، وكذلك قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ)(١) فصل قوله : (لا يؤمنون) ؛ لما كان مقررا لما أفاد قوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ،) من ترك إجابتهم إلى الإيمان ، وكذلك فصل قوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ،) لما كان بمثابة : لا يؤمنون ، من جهة أخرى : وهي أن عدم التفاوت بين الإنذار وعدم الإنذار ، لما لم يصح إلا في حق من ليس له قلب يخلص إليه حق ، وسمع يدرك به حجة ، وبصر يثبت به عبرة ، وقع قوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) مقررا كما ترى ، وكذلك قوله : (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ)(٢) لما كان المراد : ب (إِنَّا مَعَكُمْ ،) هو : إنا معكم قلوبا ، وكان معناه : إنّا نوهم أصحاب محمد الإيمان ، وقع قوله : (" إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ") مقررا ، ولك أن تحمله على الاستئناف لانصباب : (إِنَّا مَعَكُمْ ،) وهو قول المنافقين لشياطينهم ، إلى أن يقول لهم شياطينهم : فما بالكم؟ إن صح أنكم معنا توافقون

__________________

(١) سورة البقرة الآيتان ٦ ـ ٧.

(٢) سورة البقرة الآية ١٤.


أصحاب محمد؟ وكذلك قوله : (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)(١) فصل : (إِنْ هذا) لكونه مؤكدا للأول في نفي البشرية ، ولك أن تقول الذي عليه العرف ، متى قيل في حق إنسان ما هذا بشرا ، ما هو بآدمي ، في حال التعظيم له ، والتعجب مما يشاهد منه من حسن الخلق والخلق ، هو أن يفهم منه أنه ملك ، فوقع قوله : (" إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ") تأكيدا للملكية ، ففصل. وكذلك قوله : (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً)(٢) الثاني مقرر للأول.

الانقطاع :

ومن أمثلة الانقطاع للاختلاف خبرا وطلبا قوله (٣) :

وقال رائدهم : أرسوا نزاولها ...

فكلّ حتف امرىء يجري بمقدار

وقوله (٤) :

ملكته حبلي ولكنّه ...

ألقاه من زهد على غاربي

وقال : إنّي في الهوى كاذب ......

انتقم الله من الكاذب

لأنه أراد الدعاء بقوله : (انتقم) ، وكذلك قولهم : مات فلان ، رحمه‌الله ، وكذلك قولهم : لا تدن من الأسد يأكلك ، وهل تصلح لي كذا أدفع إليك الأجرة ، بالرفع فيهما ،

__________________

(١) سورة يوسف الآية ٣١.

(٢) سورة لقمان الآية ٧.

(٣) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح (٦٤) بلفظ قائلهم ، وكذا القزويني في الإيضاح ص (٢٤٩) ، والطيبى في التبيان بتحقيقى (١ / ٢٢٤) نزاولها : نعالجها.

(٤) أورده القزوينى في الإيضاح (٢٥٠) وعزاه لليزيدى ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح بتحقيقى (١ / ٨٧).

الغارب : الكاهل ، أو ما بين الظهر والعنق.


وغير ذلك مما هو في هذا السلك منخرط.

ومن أمثلته لغير الاختلاف ، ما أذكره ، تكون في حديث ويقع في خاطرك بغتة حديث آخر لا جامع بينه وبين ما أنت فيه بوجه ، أو بينهما جامع غير ملتفت ؛ إليه لبعد مقامك عنه ، ويدعوك إلى ذكره داع ، فتورده في الذكر مفصولا ، مثال الأول : كنت في حديث مثل : كان معي فلان فقرأ ، ثم خطر ببالك أن صاحب حديثك جوهري ، ولك جوهرة لا تعرف قيمتها ، فتعقب كلامك أنك تقول : لي جوهرة لا أعرف قيمتها هل [أرينكها](١) ، فتفصل.

ومثال الثاني : وجدت أهل مجلسك في ذكر خواتم لهم ، يقول واحد منهم : خاتمي كذا ، يصفه بحسن صياغة ، وملاحة نقش ، ونفاسة فص ، وجودة تركيب ، وارتفاع قيمة : ويقول آخر : وإن خاتمي هذا سيىء الصياغة ، كريه النقش ، فاسد التركيب ، رديء في غاية الرداءة ، ويقول آخر : وإن خاتمي بديع الشكل ، خفيف الوزن ، لطيف النقش ، ثمين الفص ، إلا أنه وساع لا يمسكه أصبعي ، وأنت كما قلت : إن خاتمي ضيق ، تذكرت ضيق خفك ، وعناءك منه ، فلا تقول : وخفي ضيق ، لنبوّ مقامك عن الجمع بين ذكر الخاتم وذكر الخف ، فتختار القطع قائلا : خفي ضيق ، قولوا : ماذا أعمل؟ أو تكون في حديث قد تم ، ومعك حديث آخر بعيد التعلق به ، تريد أن تذكره ، فتورده في الذكر مفصولا ، مثلما تقول : كتاب سيبويه ، رحمه‌الله ، والله ، كتاب لا نظير له في فنه ، ولا غنى لامرىء في أنواع العلوم عنه ، لا سيما في الإسلامية ، فإنه فيها أساس ، وأي أساس. إن الذين رضوا بالجهل لا يدرون ما العلوم ، وما أساس العلوم. فتفصل : إن الذين رضوا بالجهل ... عما قبله ؛ لكون ما قبله حديثا عن كتاب سيبويه ، وأنه حقيق بأن يخدم ، وكون ما عقبته به حديثا عن الجهال ، وسوء ما أثمر لهم جهلهم ، وقوله عز اسمه : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(٢) من هذا القبيل ، قطع : (إِنَ

__________________

(١) كذا في النسخ.

(٢) سورة البقرة الآية ٦.


الَّذِينَ كَفَرُوا ،) عما قبله ؛ لكون ما قبله حديثا عن القرآن ، وأن من شأنه كيت وكيت ، وكون : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ،) حديثا عن الكفار ، وعن تصميمهم في كفرهم. والفصل لازم للانقطاع ؛ لأن الواو ، كما عرفت ، معناه الجمع.

فالعطف بالواو في مثله يبرز في معرض التوخي للجمع بين الضب والنون (١).

ولذلك متى قال قائل : زيد منطلق ، ودرجات الحمل ثلاثون ، وكمّ الخليفة في غاية الطول ، وما أحوجني إلى الاستفراغ ، وأهل الروم نصارى ، وفي عين الذباب جحوظ ، وكان جالينوس ماهرا في الطب ، وختم القرآن في التراويح سنة ، وإن القرد لشبيه بالآدمي ، فعطف : أخرج من زمرة العقلاء ، وسجل عليه بكمال السخافة ، أو عدّ مسخرة من المساخر ، واستطرف نسقه هذا إلى غاية ربما استودع دفاتر المضاحك ، وسفين نوادر الهذيان ، بخلافه إذا ترك العطف ، ورمى بالجمل رمي الحصا والجوز ، من غير طلب ائتلاف بينها ، فالخطب إذا يهون هونا ما ، ومن هنا عابوا أبا تمام في قوله (٢) :

لا والذي هو عالم أنّ النوى ...

صبر ، وأنّ أبا الحسين كريم

حيث تعاطى الجمع بين : مرارة النوى وكرم أبي الحسين ، ومن أمثلة التوسط ما نتلو من قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها)(٣) وقوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)(٤) وغير ذلك.

__________________

(١) النون : الحوت.

(٢) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ١٢٢ وعزاه إليه ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ٨٧) ، وشرح الصولى للديوان (٢ / ٤١٩) من قصيدة يمدح فيها محمد بن الهيثم أبا الحسين.

(٣) سورة سبأ ، الآية ٢.

(٤) سورة الانفطار الآيتان ١٣ ـ ١٤.


الوصل :

واعلم أن الوصل من محسناته أن تكون الجملتان متناسبتين ، ككونهما : اسميتين أو فعليتين ، وما شاكل ذلك. فإذا كان المراد من الإخبار مجرد نسبة الخبر إلى المخبر عنه ، من غير التعرض لقيد زائد ؛ كالتجدد والثبوت وغير ذلك ؛ لزم أن تراعي ذلك. فتقول : قام زيد ، وقعد عمرو أو : زيد قائم ، وعمرو قاعد ، وكذا : زيد قام ، وعمرو قعد ؛ وأن لا تقول : قام زيد ، وعمرو قاعد ، وكذا : قام زيد وعمرو قعد ، وزيدا لقيته وعمرو مررت به ، وزيدا أكرمت أباه ، وعمرو ضربت غلامه ، كما سبق في علم النحو أمثال ذلك.

أما إذا أريد التجدد في إحداهما ، والثبوت في الأخرى ، كما إذا كان زيد وعمرو قاعدين ، ثم قام زيد دون عمرو ، وجب أن تقول : قام زيد ، وعمرو قاعد بعد ، وعليه قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ)(١) المعنى : سواء عليكم أحدثتم الدعوة لهم أم استمر عليكم صمتكم عن دعائهم ؛ لأنهم كانوا إذا حزبهم أمر دعوا الله دون أصنامهم ، كقوله : (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ)(٢) الآية. فكانت حالهم المستمرة أن يكونوا عن دعوتهم صامتين ، وكذلك قوله تعالى : (أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ)(٣) المعنى أجددت وأحدثت عندنا تعاطي الحق فيما نسمعه منك؟ أم اللعب ؛ أي أحوال الصبا بعد على استمرارها عليك ، استبعادا منهم أن تكون عبادة الأصنام من الضلال ، وما أعظم كيد الشيطان للمقلدين ، حيث استدرجهم إلى أن قلدوا الآباء في عبادة تماثيل ، وتعفير جباههم لها ؛ اعتقادا منهم في ذلك أنهم على شيء ، اللهم إنا نعوذ بك من كيد الشيطان.

__________________

(١) سورة الأعراف الآية ١٩٣.

(٢) سورة الروم الآية ٣٣.

(٣) سورة الأنبياء الآية ٥٥.


الحال :

وإذا لخصنا الكلام في الفصل والوصل إلى هذا الحد ، فبالحري أن نلحق به الكلام في الحال التي تكون جملة ؛ لمجيئها تارة مع الواو ، وأخرى لا معها ، فنقول ، وبالله التوفيق.

تمهيد :

الكلام في ذلك مستدع تمهيد قاعدة وهي : أن الحال نوعان : حال بالإطلاق ، وحال تسمى : مؤكدة. ولكل واحد من النوعين أصل في الكلام ، ولهما معا نهج في الاستعمال واحد.

فأصل النوع الثاني ، أن يكون وصفا ثابتا ، نحو : هو الحق بينا ، وزيد أبوك شفيقا ، وذاك حاتم سخيا جوادا ، وهذا خالد بطلا شجاعا ، وفي التنزيل : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا)(١).

وأصل النوع الأول : هو أن يكون وصفا غير ثابت من الصفات الجارية : كاسم الفاعل ، واسم المفعول ، نحو : جاء زيد راكبا ، وسلم على قاعدا ، وضربت اللص مكتوفا ، وقتلته مقيدا ، ويمتنع أن يقال : جاء زيد طويلا ، أو قصيرا أو أسود أو أبيض ، اللهم إلا بتأويل ، كما تسمع أئمة النحو يتلون عليك جميع ما ذكرت.

ونهجهما في الاستعمال : أن يأتيا عاريين عن حرف النفي ، كما يقال : هو الحق بينا دون لا خفيّا ، وجاء زيد راكبا دون لا ماشيا ، أو ماشيا دون لا راكبا.

وحق النوعين أن لا يدخلهما الواو ، نظرا إلى إعرابهما الذي ليس بتبع ؛ لأن هذه الواو ، وإن كنا نسميها واو الحال ، أصلها العطف ؛ ونظرا إلى أن حكم الحال مع ذي الحال أبدا ، نظير حكم المخبر مع المخبر عنه ، ألا تراك إذا ألغيت : " هو" في قولك : هو الحق بينا ، بقي : (الحق بين) و (جاء) في قولك : (جاء) زيد راكبا ، بقي (زيد راكب) ،

__________________

(١) سورة يوسف الآية ٢.


و (ضربت) ، في قولك : (ضربت) اللص مكتوفا ، بقي : (اللص مكتوف) وكذا الباب فتجد الحال وذا الحال خبرا ومخبرا عنه ، والخبر ليس موضعا لدخول الواو ، على ما سبق تقرير هذا الباب ، والتحقيق فيه ، هو أن الإعراب لا ينتظم الكلمات ، كقولك : ضرب زيد اللص مكتوفا ، إلا بعد أن يكون هناك تعلق ينتظم معانيها.

فإذا وجدت الإعراب في موضع قد تناول شيئا بدون الواو ؛ كان ذلك دليلا على تعلق هناك معنوي ، فذلك التعلق يكون مغنيا عن تكلف تعلق آخر.

وإذا عرفت هذا ، ظهر لك أن الأصل في الجملة ، إذا وقعت موقع الحال ، أن لا يدخلها الواو ، لكن النظر إليها من حيث كونها جملة مفيدة مستقلة بفائدة غير متحدة بالأولى اتحادها إذا كانت مؤكدة ، مثلها في قولك : هو الحق لا شبهة فيه ، وفي قوله عز قائلا : (الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ)(١) وغير منقطعة عنها ، كجهات جامعة بينهما ، كما ترى في نحو : جاء زيد تقاد الجنائب بين يديه ، ولقيت عمرا سيفه على كتفه ، يبسط العذر في أن يدخلها واو للجمع بينها وبين الأولى ، مثله في نحو : قام زيد وقعد عمرو.

أصل الحال :

وإذا تمهد هذا فنقول : الضابط فيما نحن بصدده هو : أن الجملة متى كانت واردة على أصل الحال ، وذلك أن تكون فعلية لا اسمية ؛ لأن الاسمية ، كما تعلم ، دالة على الثبوت ، وعلى نهجها أيضا بأن تكون مثبتة ، فالوجه ترك الواو ؛ جريا على موجب الحال ، نحو : جاءني زيد يسرع ، أو يتكلم ، أو يعدو فرسه ، ولذلك لا تكاد تسمع نحو : جاءني زيد ويسرع.

ومتى لم تكن واردة على أصل الحال ، وذلك أن تكون اسمية في الحال غير المؤكدة ، فالوجه الواو نحو : جاءني زيد وعمرو أمامه. ورأيت زيدا وهو قاعد ؛ ما جاء بخلاف هذا إلا صور معدودة ألحقت بالنوادر ، وهي : كلمته فوه إلى في ، ورجع عودة على

__________________

(١) سورة البقرة ، الآيتان : ١ ـ ٢.


بدئه ، وبيت الإصلاح (١) :

نصف النهار الماء غامره ...

ورفيقه بالغين لا يدري (٢)

أو ما أنشده الشيخ أبو علي ، في الأغفال (٣) :

ولو لا جنان الليل ما آب عامر ...

إلى جعفر ، سرباله لم يمزق

ومتى كانت واردة على أصل الحال لكن ، لا على نهجها ، فالوجه جواز الأمرين معا ، نحو قولك : جعلت أمشي ، ما أدري أين أضع رجلي ، وجعلت أمشي ، وما أدري أين أضع رجلي.

وقوله (٤) :

مضوا لا يريدون الرواح وغالهم ...

من الدهر أسباب جرين على قدر

وقوله (٥) :

ولو أنّ قوما لارتفاع قبيلة ...

دخلوا السماء دخلتها لا أحجب

__________________

(١) الا يقصد به إصلاح المنطق لابن السكيت ت ٢٤٤ ه‍. وهو في خزانة الأدب (٣ / ٢١٠) ، (٣ / ٢١٤) للأعشى.

والغين : السّحاب ، وقيل : الشجر الملتف.

(٢) ليست في (غ).

(٣) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٧٢) ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص (١٣٥) ، والقزوينى في الإيضاح ص (٢٧٥).

(٤) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٧١) ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات (١٣٨) وعزاه لعكرمة العبسى ، والقزوينى في الإيضاح ص ٢٧٠.

(٥) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص (١٣٨) وعزاه لخالد بن يزيد بن معاوية ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص (٧١) ، والقزوينى في الإيضاح ص (٢٧١).


وقوله (١) :

أكسبته الورق البيض أبا ...

ولقد كان ، ولا يدعى لأب

وقوله (٢) :

أقادوا من دمي وتوعّدوني ...

وكنت وما ينهنهني الوعيد

لا أن ترك الواو أرجح ، والفعل الماضي منفيا ومثبتا ، لوروده لا على نهج الحال لا محالة ، إما منفيّا فلحرف النفي ، وإما مثبتا فلحرف" قد" ظاهرا أو مقدرا ؛ ليقربه من زمانك حتى يصلح للحال ، منتظم في سلك المضارع المنفي ؛ لك أن تقول : أخذت أجتهد ما كان يعينني أحد ، وأن تقول : أخذت أجتهد وما كان يعينني أحد ، وكذا : أتأني قد جهده السير بدون الواو ، أو : وقد جهده السير ، بالواو ، إلا أن ترك الواو في النفي وفي الإثبات أرجح.

الظرف :

وأما الظرف ، فحيث احتمل أن يكون جملة فعلية ، وأن لا يكون بحسب التقديرين ، وتردد لذلك بين أن يكون واردا على أصل الحال وغير وارد ، جاء الأمران فيه ، يقال :

__________________

(١) أورده القزوينى في الإيضاح ص (٢٧٠) وعزاه لمسكين الدارمي ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص (٧٠) ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص (١٣٩).

الورق : الدراهم المضروبة.

(٢) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ١٣٩ وعزاه لمالك بن رفيع. والقزوينى في الإيضاح (٢٧٠). وكان قد جنى جناية فطلبه مصعب بن الزبير. وقبله :

بغانى مصعب وبنو أبيه ...

فأين أحيد عنهم لا أحيد.


رأيته على كتفه سيف ، بدون الواو تارة ، ورأيته وعلى كتفه سيف ، بالواو أخرى ، هذا ؛ ثم من عرف السبب في تقديم الحال ، إذا أريد إيقاعها عن النكرة ، تنبه بجواز إيقاعها عن النكرة مع الواو ، في مثل : جاءني رجل وعلى كتفه سيف ، ولمزيد جوازه في قوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ)(١) على ما قدمت ، وتنبه لوجوب الواو في نحو : جاءني رجل وعلى كتفه سيف ، عند إرادة الحال ، ولوجوب تركه فيه عند إرادة الوصف ، لامتناع عطف الصفة على موصوفها البتة ، فتأمل.

وأما (ليس) فلما قام مع خبره مقام الفعل المنفي جاء كثيرا : أتاني وليس معه غيره ، وأتاني ليس معه غيره ، قال (٢) :

إذا جرى في كفّه الرشاء ...

خلى القليب ليس فيه ماء

إلا أن ذكر الواو أرجح ، ووقوعه في الكلام أدور.

الإيجاز والإطناب :

وأما الحالات المقتضية لطي الجمل عن الكلام إيجازا ، ولا طيها إطنابا ، فمن أحاط علما بما قد سبق ، استغنى بذلك عن بسط الكلام ههنا ، فلنقتصر على بيان معنى الإيجاز والإطناب ، وعلى إيراد عدة أمثلة في الجانبين.

أما الإيجاز والإطناب فلكونهما نسبيين ، لا يتيسر الكلام فيهما إلا بترك التحقيق والبناء على شيء عرفي ، مثل جعل كلام الأوساط على مجرى متعارفهم في التأدية للمعاني فيما بينهم ، ولا بد من الاعتراف بذلك مقيسا عليه ، ولنسمه : متعارف الأوساط ، وأنه في باب البلاغة لا يحمد منهم ولا يذم.

__________________

(١) سورة الحجر ، الآية : ٤.

(٢) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٧٢) ولا يعرف قائله وهو في : شرح عقود الجمان (١ / ٢٢٣) ، وارتشاف الضرب (٢ / ٣٦٧) وعمدة الحافظ (٣٤٥).


تعريف :

فالإيجاز : هو أداء المقصود من الكلام بأقل من عبارات متعارف الأوساط.

والإطناب : هو أداؤه بأكثر من عباراتهم ، سواء كانت القلة أو الكثرة راجعة إلى الجمل ، أو إلى غير الجمل. هذا وقد تليت عليك ، فيما سبق ، طرق الاختصار والتطويل ، فلئن فهمتها لتعرفن الوجازة متفاوتة بين : وجيز وأوجز ، بمراتب لا تكاد تنحصر ، والإطناب كذلك. وعرفت من ذلك معنى قول القائل في وصف البلغاء (١) :

يرمون بالخطب الطّوال ، وتارة ...

وحي الملاحظ ، خيفة الرقباء

وذكرت أيضا للاختصار والتطويل مقامات قد أرشدت بها إلى مناسباتها ، فما صادف من ذلك موقعه حمد والإ ذم ، وسمي الإيجاز إذ ذاك : عيّا وتقصيرا ، والإطناب :

إكثارا وتطويلا.

الإيجاز :

والعلم في الإيجاز قوله ، علت كلمته : (فِي الْقِصاصِ حَياةٌ)(٢) وإصابته المحز ، بفضله على ما كان عندهم ، وأوجز كلام في هذا المعنى ، وذلك قولهم : القتل أنفى للقتل ، ومن الإيجاز قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(٣) ذهابا إلى أن المعنى : هدى للضالين الصائرين إلى التقوى بعد الضلال ، لما أن الهدى : أي الهداية إنما تكون للضال لا للمهتدي.

ووجه حسنه قصد المجاز المستفيض نوعه ، وهو وصف الشيء بما يؤول إليه ،

__________________

(١) أورده الطيبى في التبيان (١ / ٢٢٨) وعزاه للجاحظ.

(٢) سورة البقرة الآية ١٧٩.

(٣) سورة البقرة الآية ٢.


والتوصل به إلى تصدير أولى الزهراوين (١) بذكر أولياء الله ، وقوله : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ)(٢) أظهر من أن يخفى حاله في الوجازة ؛ نظرا إلى ما ناب عنه ، وكذا قوله : (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)(٣) وانظر إلى الفاء التي تسمى فاء فصيحة في قوله تعالى (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ)(٤) كيف أفادت فامتثلتم ، فتاب عليكم ، وفي قوله : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ)(٥) مفيدة : فضرب فانفجرت ، وتأمل قوله : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى)(٦) أليس يفيد : فضربوه ، فحيي فقلنا : (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) ، وقدر صاحب الكشاف ، رحمه‌الله قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ)(٧) نظرا إلى الواو في (وقالا) (ولقد آتينا داود وسليمان علما) فعملا به ، وعلماه ، وعرفا حق النعمة فيه ، والفضيلة ، (وقالا الحمد لله) ، ويحتمل عندي أنه أخبر ، تعالى ، عما صنع بهما ، وأخبر عما قالا ، كأنه قال : نحن فعلنا إيتاء العلم ، وهما فعلا الحمد ، تفويضا ، استفادت ترتب الحمد على إيتاء العلم إلى فهم السامع ، مثله في : قم يدعوك ، بدل : قم ، فإنه يدعوك ، وأنه فن من البلاغة لطيف المسلك.

الاختصار :

ومن أمثلة الاختصار قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً)(٨) بطيّ : أبحت لكم الغنائم ؛ لدلالة فاء التسبيب في" فكلوا" وقوله : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ

__________________

(١) الزهراوان : البقرة وآل عمران.

(٢) سورة طه الآية ٧٨.

(٣) سورة فاطر ، الآية : ١٤.

(٤) سورة البقرة الآية ٥٤.

(٥) سورة البقرة الآية ٦٠.

(٦) سورة البقرة الآية ٧٣.

(٧) سورة النمل الآية ١٥.

(٨) سورة الأنفال ، الآية : ٦٩.


قَتَلَهُمْ)(١) بطي : إن افتخرتم بقتلهم ، فلم تقتلوهم أنتم ، فعدوا عن الافتخار ، لدلالة الفاء في (فلم) ، وكذا قوله : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ)(٢) إذ المعنى : إذا كان ذلك ، فما هي إلا زجرة واحدة ، وكذا قوله : (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ)(٣) تقديره ، إن أرادوا وليا ، بحق ، فالله هو الولى بالحق ، ولا ولى سواه. وكذا قوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)(٤) أصله : فإن لم يتأت أن تخلصوا العبادة لي في أرض ، فإياي في غيرها اعبدوا ، (فاعبدون) أى ، فأخلصوها لى في غيرها ، فحذف الشرط ، وعوض عنه تقديم المفعول ، مع إرادة الاختصاص بالتقديم ، وقوله : (كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا)(٥) أي ارتدع عن خوف قتلهم ، (فاذهبا) أي فاذهب أنت وأخوك ، لدلالة (كلا) على المطوي ، وقوله : (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ)(٦) أصله إذ يلقون أقلامهم ينظرون ليعلموا أيهم يكفل مريم ؛ لدلالة (أيهم) على ذلك بوساطة علم النحو ، وقوله : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ)(٧) المراد ليحق الحق ويبطل الباطل ، فعل ما فعل ، وكذا قوله : (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ)(٨) أصل الكلام : ولنجعله آية للناس ، فعلنا ما فعلنا ، وكذا قوله : (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ)(٩) أي لأجل الإدخال في الرحمة ، كان الكف ومنع التعذيب ، وقوله : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً)(١٠) إذا لم

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ١٧.

(٢) سورة الصافات الآية ١٩.

(٣) سورة الشورى الآية ٩.

(٤) سورة العنكبوت الآية ٥٦.

(٥) سورة الشعراء الآية ١٥.

(٦) سورة آل عمران الآية ٤٤.

(٧) سورة الأنفال الآية ٨.

(٨) سورة مريم ، الآية ٢١.

(٩) سورة الفتح الآية ٢٥.

(١٠) سورة الأحزاب الآية ٧٢.


يفسر الحمل بمنع الأمانة والغدر ، وأريد التفسير الثاني ، وهو تحمل التكليف ؛ كان أصل الكلام : وحملها الإنسان ، ثم خاس (١) به ، منبها عليه بقوله : (إنه كان ظلوما جهولا) ، الذي هو توبيخ للإنسان على ما هو عليه من الظلم والجهل في الغالب ، وقوله : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً)(٢) تتمته : ذهبت نفسك عليهم حسرة ، فحذفت لدلالة : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ)(٣) أو تتمته : كمن هداه الله ، فحذفت لدلالة : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ)(٤) وقول العرب : جاء بعد اللتيا والتي ، بترك صلة الموصول ؛ إيثار للإيجاز ؛ تنبيها على أن المشار إليها : باللتيا والتي ، وهي : المحنة والشدائد ، بلغت من شدتها وفظاعة شأنها مبلغا يبهت الواصف معها ، حتى لا يحير ببنت شفة.

ومن الإيجاز قوله عز قائلا : (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ)(٥) أي : بما لا ثبوت له ، ولا علم الله متعلق به ، نفيا للملزوم ، وهو المنبأ به بنفي لازمه ، وهو وجوب كونه معلوما للعالم الذات ، لو كان له ثبوت بأي اعتبار كان ، وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ)(٦) أصله : لن يتوبوا ، فلن يكون قبول توبة ، فأوثر الإيجاز ؛ ذهابا إلى انتفاء الملزوم بانتفاء اللازم ، وهو قبول التوبة الواجب في حكمته ، تعالى وتقدس ، وقوله : (بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً)(٧) أي : شركاء لا ثبوت لها أصلا ، ولا أنزل الله بإشراكها حجة ، أي تلك ، وإنزال الحجة كلاهما منتف في أسلوب قوله (٨) :

__________________

(١) خاس به : نقضه.

(٢) سورة فاطر ، الآية ٨.

(٤) سورة آل عمران الآية ٩٠.

(٤) سورة آل عمران الآية ٩٠.

(٣) سورة يونس الآية ١٨.

(٤) سورة آل عمران الآية ٩٠.

(٥) سورة آل عمران ، الآية ١٥١.

(٦) أورده القزوينى في الإيضاح ص (٢٨٩) وعزاه لامرئ القيس وذكر بقيه البيت [إذا ساقه العود النباطى جرجرا] ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص (٧٥) واللّاحب : الطريق الواضح.


على لاحب لا يهتدي بمناره

أي لا منار ولا اهتداء به ، وقوله (١) :

ولا ترى الضبّ بها ينجحر

أي لا ضب ولا انجحار ، نفيا للأصل والفرع ، ومنه : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(٢) إذ المراد : لا ذاك ولا علمك به ، أي كلاهما غير ثابت ، وكذا : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ)(٣) أي لا شفاعة ولا طاعة.

ومن الإيجاز قوله : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً)(٤) أصل الكلام : خلطوا عملا صالحا بسيء ، وآخر سيئا بصالح ؛ لأن الخلط يستدعي مخلوطا ومخلوطا به ، أي تارة أطاعوا وأحبطوا الطاعة بكبيرة ، وأخرى عصوا وتداركوا المعصية بالتوبة ، وقوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ)(٥) أصله قل لهم : قولي لك : إن ينتهوا يغفر لهم ، وكذا قوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) سيغلبون (٦) فيمن قرأ بياء الغيبة.

ومن أمثلة الإطناب قوله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ

__________________

(١) أورده القزوينى في الإيضاح (٢٨٩) وهو لأوس بن حجر ، وصدر البيت :

[لا يفزع الأرنب أهوالها]

.

(٢) سورة لقمان الآية ١٥.

(٣) سورة غافر الآية ١٨.

(٤) سورة التوبة الآية ١٠٢.

(٥) سورة الأنفال الآية ٣٨.

(٦) سورة آل عمران الآية ١٢.


الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(١) ترك إيجازه ، وهو أن في ترجح وقوع أي ممكن كان على لا وقوعه ، لآيات للعقلاء ؛ لكونه كلاما لا مع الإنس فحسب ، بل مع الثقلين ، ولا مع قرن دون قرن ، بل مع القرون كلهم قرنا فقرنا ، إلى انقراض الدنيا ، وإن فيهم لمن يعرف ويقدر من مرتكبي التقصير في باب النظر والعلم بالصانع من طوائف الغواة ، فقل لي : أي مقام للكلام أدعى لترك إيجازه إلى الإطناب من هذا. وقوله : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ)(٢) وأوثر الإطناب فيه على ايجازه وهو : آمنا بالله ، وبجميع كتبه ، لما كان بمسمع من أهل الكتاب فيهم من لا يؤمن بالتوراة وبالقرآن ، وهم : النصارى القائلون (لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ)(٣) ، وفيهم من لا يؤمن بالإنجيل والقرآن ، وهم : اليهود ، وكل منهم مدع للإيمان بجميع ما أنزل الله ؛ تقريعا لأهل الكتاب ، وليبتهج المؤمنون بما نالوا من كرامة الاهتداء.

ووقع الإيجاز عن طباق المقام بمراحل ، وقوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ)(٤) لم يؤثر إيجازه وهو : (وَاتَّقُوا يَوْماً) لا خلاص عن العقاب فيه ، لكل من جاء مذنبا ، إذ كان كلاما مع الأمة ؛ لنقش صورة ذلك اليوم في ضمائرهم ، وفي الأمة الجاهل والعالم والمعترف والجاحد والمسترشد والمعاند والفهم والبليد ؛ لئلا يختص المطلوب منهم بفهم أحد دون أحد ، وأن لا يكون بحيث يناسب قوة سامع دون سامع ، أو يخلص إلى ضمير بعض دون بعض ، وقوله : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٦٤.

(٢) سورة البقرة الآية ١٣٦.

(٣) سورة البقرة الآية ١١٣.

(٤) سورة البقرة الآية ١٢٣.


وَيُؤْمِنُونَ بِهِ)(١) لو أريد اختصاره لما انخرط في الذكر" يؤمنون به" إذ ليس أحد من مصدقى حملة العرش يرتاب في إيمانهم.

ووجه حسن ذكره إظهار شرف الإيمان وفضله والترغيب فيه ، وقوله : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)(٢) ولو أوثر اختصاره فقوله : (" وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ") فضل في البين ، من حيث إن مساق الآية لتكذيب المنافقين في دعوى الإخلاص في الشهادة لترك ، ولكن إيهام رد التكذيب إلى نفس الشهادة ، لو لم يكن بهذا الفضل أبى الاختصار ؛ وما يحكيه عن موسى عليه‌السلام : (هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) جوابا على قوله : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ)(٣) وكذا ما يحكيه (نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) في الجواب عن قول إبراهيم (ما تَعْبُدُونَ)(٤) من باب الإطناب ، إذ لو أريد الإيجاز لكفى : (عصاي) ، و (أصناما) ، وقد سبق وجه الإطناب فيهما.

ومما يعد من الإطناب ، وهو في موقعه ، قول الخضر لموسى ، عليه‌السلام ، في الكرة الثانية : (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ)(٥) بزيادة (لك) لاقتضاء المقام مزيد تقرير لما قد كان قدم له من (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً)(٦) وكذا قول موسى عليه‌السلام : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)(٧) بزيادة (لي) لاكتساء الكلام معها من تأكيد الطلب لانشراح الصدر ما لا يكون بدونه ، ألا تراك إذا قلت : اشرح لي ، أفاد أن شيئا ما عندك تطلب شرحه ،

__________________

(١) سورة غافر الآية ٧.

(٢) سورة المنافقون ، الآية ١.

(٣) سورة طه : ١٧.

(٤) سورة الشعراء الآية ٧٠.

(٥) سورة الكهف ، الآية ٧٥.

(٦) سورة الكهف الآيات ٦٧ و ٧٢ و ٧٥.

(٧) سورة طه ، الآية ٢٥.


فكنت مجملا ، فإذا قلت : صدري عدت مفصلا ، وإن كان الطلب وقت الإرسال ، الذي هو مقام مزيد احتياج إلى انشراح الصدر ، لما تؤذن به الرسالة من تلقي المكاره وضروب الشدائد ، وقوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(١) وارد على هذا التوخي ومزيد التقرير ، وقول البلغاء في الجواب مثل : لا ، وأصلحك الله ، بزيادة الواو ، خلافا لما عليه كلام الأوساط ، من الإطناب في موقع.

ولك أن تعد باب (نعم وبئس) موضوعا على الإطناب ، إذ لو أريد الاختصار لكفى : نعم زيد ، وبئس عمرو ، وأن تجعل الحكمة في ذلك توخي تقرير المدح والذم ، لاقتضائهما مزيد التقرير ؛ لكونهما للمدح العام والذم العام الشائعين في كل خصلة محمودة ومذمومة المستبعد تحققهما ، وهو أن يشيع كون المحمود محمودا في خصال الحمد ، وكون المذموم مذموما في خلافها ؛ وتجعل وجه التقرير الجمع بين طرفي الإجمال والتفصيل ، ألّا تراك إذا قلت : نعم الرجل ، مريدا باللام الجنس دون العهد ، كيف توجه المدح إلى زيد أولا ، على سبيل الإجمال ؛ لكونه من أفراد ذلك الجنس ، وإذا قلت : نعم رجلا ، فأضمرته من غير ذكر له سابق ، وفسرته باسم جنسه ، ثم إذا قلت : زيد ، كيف توجهه إليه ثانيا على سبيل التفصيل.

وإن هذا الباب متضمن للطائف فيه من الإطناب الواقع في موقعه ما ترى ، وفيه تقدير السؤال ، وبناء المخصوص عليه يقدر بعد : نعم الرجل ، أو : نعم رجلا : من هو؟

ويبني عليه زيد أي هو زيد.

وقد عرفت ، فيما سبق ، لطف هذا النوع ، وفيه اختصار من جهة ، وهو ترك المبتدأ في الجواب ، ولا يخفى حسن موقعه ، ولو لم يكن فيه شيء سوى أنه يبرز الكلام في معرض الاعتدال ، نظرا إلى إطنابه من وجه ، وإلى اختصاره من وجه آخر ، أو إيهامه الجمع بين المتنافيين ، مثله في جمعه بين الإجمال والتفصيل ، فمبنى السحر الكلامي الذي يقرع سمعك على أمثال ذلك لكفى.

__________________

(١) سورة الشرح الآية ١.


وقد أطلعناك على كيفية التعرض بجهات الحسن ، ففتش عنها ، تر الباب مشحونا بجهات ، وكنت المرجوع إليه في اختيار المختار من أقوال النحويين في الباب ، كقول من يرى المخصوص مبتدأ ، والفعل مع الذي يليه خبرا مقدما ، وقول من يرى المخصوص خبرا لمبتدأ محذوف على ما رأيت ، وقول من لا يرى اللام في الفاعل إلا للجنس ، وقول من لا يأبى كونها لتعريف العهد.

التمييز :

واعلم أن باب التمييز كله ، سواء كان عن مفرد أو عن جملة ، باب مزال عن أصله لتوخي الإجمال والتفصيل : ألا تراك تجد الأمثلة الواردة من نحو : عندي منوان سمنا ، وعشرون درهما ، وملء الإناء عسلا ، وطاب زيد نفسا ، وطار عمرو فرحا ، وامتلأ الإناء ماء ، منادية على أن الأصل : عندي سمن منوان ، ودراهم عشرون ، وعسل ملء الإناء ، وطاب نفس زيد ، وطير الفرح عمرا ، وملأ الماء الإناء ولمصادفة الإجمال والتفصيل الموقع فيما يحكيه ، جل وعلا ، عن زكريا ، عليه الصلاة والسّلام ، من قوله (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(١) في مقام المباثة ، وحين التلقي لتوابع انقراض الشباب ، ترى ما ترى من مزيد الحسن ، وفي هذه الجملة وفيما قبلها من : (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) لطائف ، وأية كلمة في القرآن ، فضلا عن جملة ، فضلا عما تجاوز ، لا يحتوي على لطائف؟ ولأمر ما تلي على من كانوا النهاية في فصاحة البشر ، وبلاغة أهل الوبر ، منهم والمدر : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)(٢) فما أحاروا بنت شفه ، ولا صدروا هنالك عن موصوف ولا صفة ، على أنهم كانوا الحراص على التسابق في رهان المفاخر ، والمتهالكين على ركوب الشطط في امتهان المفاخر ، تأبى لهم العصبية أن لا يرد عضب (٣) مفاخرهم كهاما (٤) ، وأن لا يعد صيب

__________________

(١) سورة مريم الآية ٤.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٣.

(٣) العضب : السيف القاطع.

(٤) كهاما : سيف كهيم وكهام : لا يقطع كليل عن الضربة.


ممطراته جهاما (١).

مراتب الكلام البليغ :

والكلام في تلك اللطائف مفتقر إلى أخذ أصل معنى الكلام ومرتبته الأولى ، ثم النظر في التفاوت بين ذلك ، وبين ما عليه نظم القرآن ، وفي كم درجة يتصل أحد الطرفين بالآخر ، فنقول : لا شبهة أن أصل معنى الكلام ومرتبته الأولى : يا ربي قد شخت ، فإن الشيخوخة مشتملة على : ضعف البدن وشيب الرأس ، المتعرض لهما ؛ ثم تركت هذه المرتبة لتوخي مزيد التقرير إلى تفصيلها في : ضعف بدني وشاب رأسي ، ثم تركت هذه المرتبة الثانية لاشتمالها على التصريح إلى ثالثة أبلغ وهي : الكناية ، في : وهنت عظام بدني ، لما ستعرف أن الكناية أبلغ من التصريح ، ثم لقصد مرتبة رابعة ، أبلغ في التقريب بنيت الكناية على المبتدأ ، فحصل : أنا وهنت عظام بدني ، ثم لقصد خامسة أبلغ ، أدخلت إن على المبتدأ فحصل : إني وهنت عظام بدني ، ثم لطلب تقرير أن الواهن هي عظام بدنه ، قصدت مرتبة سادسة ، وهي سلوك طريقي الإجمال والتفصيل ، فحصل : إني وهنت العظام من بدني ؛ والذي سبق في تقرير معنى الإجمال والتفصيل في : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)(٢) ينبه عليه ههنا ، ثم لطلب مزيد اختصاص العظام به ، قصدت مرتبة سابعة وهي : ترك توسيط البدن ، فحصل : إني وهنت العظام مني ، ثم لطلب شمول الوهن العظام فردا فردا ، قصدت مرتبة ثامنة ، وهي : ترك جمع العظم إلى الإفراد ؛ لصحة حصول وهن المجموع بالبعض دون كل فرد فرد ، فحصل ما ترى ، وهو الذي في الآية : (إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي).

في الاستعارة :

وهكذا تركت الحقيقة في : شاب رأسي إلى أبلغ ، وهي الاستعارة ؛ فسيأتيك أن الاستعارة أبلغ من الحقيقة ، فحصل : اشتعل شيب رأسي ، ثم تركت إلى أبلغ ، وهي :

__________________

(١) جهاما : الجهام : السحاب الذي لا ماء فيه.

(٢) سورة طه الآية ٢٥.


اشتعل رأسي شيبا ، وكونها أبلغ من جهات :

إحداها : إسناد الاشتعال إلى الرأس لإفادة شمول الاشتعال الرأس ، إذ وزان : اشتعل شيب رأسي ، واشتعل رأسي شيبا ، وزان : اشتعل النار في بيتي واشتعل بيتي نارا ، والفرق نير.

وثانيتها : الإجمال والتفصيل في طريق التمييز.

وثالثتها : تنكير" شيبا" لإفادة المبالغة ، ثم ترك : (اشتعل رأسي شيبا) ، لتوخي مزيد التقرير إلى : اشتعل الرأس مني شيبا ، على نحو : (وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) ثم ترك لفظ : (مني) لقرينة عطف ، واشتعل الرأس على وهن العظم مني ، لمزية مزيد التقرير ، وهي إيهام حوالة تأدية مفهومه على العقل دون اللفظ.

الاختصار :

واعلم أن الذي فتق أكمام هذه الجهات عن أزاهير القبول في القلوب ، هو أن مقدمة هاتين الجملتين وهي : رب ، اختصرت ذلك الاختصار بأن حذفت كلمة النداء وهي : " يا" وحذفت كلمة المضاف إليه وهي : " ياء المتكلم" واقتصر من مجموع الكلمات على كلمة واحدة فحسب ، وهي المنادى ، والمقدمة للكلام ، كما لا يخفى على من له قدم صدق في نهج البلاغة ، نازلة منزلة الأساس للبناء ، فكما أن البناء الحاذق لا [يرمي](١) الأساس إلا بقدر ما يقدر من البناء عليه ، كذلك البليغ يصنع بمبدأ كلامه ، فمتى رأيته اختصر المبدأ ، فقد آذنك باختصار ما يورد ، ثم إن الاختصار لكونه من الأمور النسبية يرجع في بيان دعواه إلى ما سبق تارة ، وإلى كون المقام خليقا بأبسط مما ذكر أخرى.

والذي نحن بصدده من القبيل الثاني ، إذ هو كلام في معنى انقراض الشباب وإلمام المشيب ، وهل معنى أحق أن يمتري القائل فيه أفاويق المجهود ، ويستغرق في الإنباء عنه

__________________

(١) في (د): (يرى).


كل حد معهود ، من انقراض أيام ما أصدق من يقول فيها (١) :

وقد تعوّضت عن كلّ بمشبهه ...

فما وجدت لأيام الصّبا عوضا

ومن إلمام المشيب المعيب المر الطلوع الأمر المغيب (٢) :

تعيب الغانيات علىّ شيبي ...

ومن لي أن أمتع بالمعيب؟

اللهم زدنا اطلاعا على لطائف قرآنك الكريم ، وغوصا على لآلىء فرقانك العظيم ، ووفقنا لابتغاء مرضاتك في طلوع المشيب المر ، واختم بالخير في مغيبه الأمرّ ، فإنه لا يكون إلا ما تشاء ، بيدك الأمر كله ، وليكن هذا آخر الكلام في الفن الرابع ، ولنعد إلى الفصل الموعود ، وهو الكلام في معنى القصر.

__________________

(١) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٧٩) وهو لأبي العلاء المعرى في شروح سقط الزند (٢ / ٦٥٥).

(٢) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٧٩) وهو في ديوان البحترى (١ / ٢٩٩) ، والدلائل (٥٠٤).


تمهيد

فصل : في بيان القصر

اعلم أن القصر ، كما يجري بين المبتدأ والخبر ، فيقصر المبتدأ تارة على الخبر ، والخبر على المبتدأ أخرى ، يجري بين الفعل والفاعل ، وبين الفاعل والمفعول ، وبين المفعولين ، وبين الحال وذي الحال ، وبين كل طرفين ، وأنت إذا أتقنته في موضع ، ملكت الحكم في الباقي ، ويكفيك مجرد التنبيه هناك.

معنى القصر :

وحاصل معنى القصر راجع إلى تخصيص الموصوف عند السامع بوصف دون ثان ، كقولك : زيد شاعر لا منجم ، لمن يعتقده شاعرا ومنجما. أو قولك : زيد قائم لا قاعد ، لمن يتوهم زيدا على أحد الوصفين ، من غير ترجيح ، ويسمى هذا قصر إفراد ، بمعنى أنه : يزيل شركة الثاني ، أو بوصف مكان آخر ، كقولك لمن يعتقد زيدا منجما لا شاعرا : ما زيد منجم بل شاعر ، أو زيد شاعر لا منجم ، ويسمى هذا قصر قلب ، بمعنى أن المتكلم يقلب فيه حكم السامع ؛ أو إلى تخصيص الوصف بموصوف قصر إفراد ، كقولك : ما شاعر إلا زيد ، لمن يعتقد زيدا شاعرا ، لكن يدعى شاعرا آخر ، أو قولك : ما قائم إلّا زيد ، لمن يعتقد قائمين ، أو أكثر في جهة من الجهات معينة ، أو قصر قلب ، كقولك : ما شاعر إلا زيد ، لمن يعتقد أن شاعرا في قبيلة معينة ؛ أو طرف معين ، لكنه يقول : ما زيد هناك بشاعر.

طرق القصر :

وللقصر طرق أربعة :

أحدها : طريق العطف ، كما تقول في قصر الموصوف على الصفة ، إفرادا أو قلبا بحسب مقام السامع : زيد شاعر لا منجم ، وما زيد منجم بل شاعر ، وفي قصر الصفة على الموصوف بالاعتبارين : ما عمرو شاعر بل زيد ، أو زيد شاعر لا عمرو ، أو لا غير ، بتقدير لا غير زيد إلا أنك تترك الإضافة لدلالة الحال ، وتبني غيرا بالضم ، على نحو بناء الغايات ، أو ليس غيرا ، وليس إلّا بتقدير : ليس شاعر غير المذكور ، أو إلّا المذكور ؛


فتجعل النفي عامّا ؛ ليتناول كل شاعر يعتقد ممن عدا زيدا ، والفرق بين قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف واضح ، فإن الموصوف في الأول لا يمتنع أن يشاركه غيره في الوصف ، ويمتنع في الثاني ، وأن الوصف في الثاني يمتنع أن يكون لغير الموصوف ، ولا يمتنع في الأول.

وثانيها النفي والاستثناء ، كما تقول في قصر الموصوف على الصفة ، إفرادا أو قلبا : ليس زيد إلا شاعرا ، أو ما زيد إلا شاعر ، أو إن زيد إلا شاعرا ، وما زيد إلا قائم ، أو ما زيد إلا يقوم ؛ ومن الوارد في التنزيل على قصر الإفراد قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)(١) فمعناه : محمد مقصور على الرسالة ، لا يتجاوزها إلى البعد عن الهلاك ، نزل المخاطبون لاستعظامهم أن لا يبقى لهم منزلة المبعدين لهلاكه ، وهو من إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر ؛ وقوله تعالى : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي)(٢) فمعناه : حسابهم مقصور على الاتصاف ب (" عَلى رَبِّي") لا يتجاوزه إلى أن يتصف بعلى ، وقوله (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ* إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ)(٣) فمعناه : أنا مقصور على النذارة ، لا أتخطاها إلى طرد المؤمنين ، وقوله تعالى : (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ)(٤) فالمراد : لستم في دعواكم للرسالة عندنا بين الصدق وبين الكذب ، كما يكون ظاهر حال المدعي إذا ادعى ، بل أنتم عندنا مقصورون على الكذب ، لا تتجاوزونه إلى حق كما تدعونه ، وما معكم من الرحمن منزل في شأن رسالتكم.

ومن الوارد على قصر القلب قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه‌السلام : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ)(٥) لأنه قاله في مقام اشتمل على معنى إنك يا

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ١٤٤.

(٢) سورة الشعراء الآية ١١٣.

(٣) سورة الشعراء الآيتان ١١٤ ـ ١١٥.

(٤) سورة يس الآية ١٥.

(٥) سورة المائدة الآية ١١٧.


عيسى لم تقل للناس ما أمرتك ، لأني أمرتك أن تدعو الناس إلى أن يعبدوني ، ثم إنك دعوتهم إلى أن يعبدوا من هو دوني ، ألا ترى إلى ما قبله : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ)(١).

وفي قصر الصفة على الموصوف إفرادا : ما شاعر إلّا زيد ، أو ما جاء إلّا زيد ، لمن يرى الشعر لزيد ولعمرو ، أو المجيء لهما. وقلبا : ما شاعر إلا زيد ، ما جاء إلّا زيد ، لمن يرى أن زيدا ليس بشاعر ، وأن زيدا ليس" بجاء".

وتحقيق وجه القصر في الأول هو : أنك بعد علمك أن أنفس الذوات يمتنع نفيها ، وإنما تنفى صفاتها ؛ وتحقيق ذلك يطلب من علوم أخر ، متى قلت : ما زيد ، توجه النفي إلى الوصف ، وحين لانزاع في طوله ولا قصره ، ولا سواده ولا بياضه ، وما شاكل ذلك ، وإنما النزاع في كونه شاعرا أو منجما ، تناولهما النفي فإذا قلت : إلا شاعر ، جاء القصر ؛ وتحقيق وجه القصر في الثاني هو : أنك متى أدخلت النفي على الوصف المسلم ثبوته ، وهو وصف الشعر ، وقلت : ما شاعر ، أو : من شاعر ، أو : لا شاعر ، توجه بحكم العقل إلى ثبوته للمدعى له ، إن عامّا ، كقولك : في الدنيا شعراء ، وفي قبيلة كذا شعراء ، وإن خاصّا كقولك : زيد وعمرو شاعران ، فتناول النفي ثبوته لذلك ، فمتى قلت : إلا زيد أفاد القصر.

وثالثها : استعمال إنما ، كما تقول في قصر الموصوف على الصفة قصر إفراد : إنما زيد جاء ، إنما زيد يجيء ، لمن يردده بين المجيء والذهاب من غير ترجيح لأحدهما : أو قصر قلب لمن يقول : زيد ذاهب لا جاء ؛ وفي تخصيص الصفة بالموصوف إفرادا ، إنما يجيء زيد ، لمن يردد المجيء بين زيد وعمرو ، أو يراه منهما ؛ وقلبا لمن يقول : لا يجيء زيد ، ويضيف إليه الذهاب.

والسبب في إفادة (إنما) معنى القصر ، هو تضمينه معنى : (ما وإلا) ، ولذلك تسمع

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ١١٦.


المفسرين لقوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ)(١) بالنصب ، يقولون : معناه ما حرم عليكم إلا الميتة والدم ، وهو المطابق قراءات الرفع المقتضية لانحصار التحريم على الميتة والدم بسبب" إنّ ما" في قراءة الرفع ، يكون موصولا صلته : (حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ،) واقعا اسما لإن ، ويكون المعنى : إن المحرم عليكم الميتة ، وقد سبق قولنا : إن المنطق زيد ، وزيد المنطلق ، كلاهما يقتضي انحصار الانطلاق على زيد ، وترى أئمة النحو يقولون : إنما تأتي إثباتا لما يذكر بعدها ونفيا لما سواه ، ويذكرون لذلك وجها لطيفا يسند إلى علي بن عيسى الربعي وأنه كان من أكابر أئمة النحو ببغداد ، وهو : أن كلمة (أن) ، لما كانت لتأكيد إثبات المسند للمسند إليه ، ثم اتصلت بها (ما) المؤكدة لا النافية ، على ما يظنه من لا وقوف له بعلم النحو ، ضاعف تأكيدها ، فناسب أن يضمن معنى القصر ؛ لأن قصر الصفة على الموصوف ، وبالعكس ، ليس إلا تأكيدا للحكم على تأكيد ، ألا تراك متى قلت لمخاطب يردد المجيء الواقع بين زيد وعمرو : زيد جاء لا عمرو ، وكيف يكون قولك : زيد جاء ، إثباتا للمجيء لزيد صريحا ، وقولك : لا عمرو ، إثباتا ثانيا للمجيء لزيد ضمنا ؛ ومما ينبه على أنه متضمن معنى (ما وإلا) صحة انفصال الضمير معه ، كقولك : إنما يضرب أنا ، مثله في : ما يضرب إلا أنا ، قال الفرزدق : (٢)

أنا الذّائد الحامي الذّمار وإنّما ...

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

كما قال غيره (٣) :

قد علمت سلمي وجاراتها ...

ما قطّر الفارس إلا أنا

ورابعها : التقدير ، كما تقول في قصر الموصوف على الصفة : تميمي أنا ، قصر إفراد

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٧٣.

(٢) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات (٩١) وعزاه إليه ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص (٩٦) ، والقزويني في الإيضاح ص (٢١٦).

(٣) أورده القزوينى في الإيضاح ص ٢١٧ وعزاه لعمرو بن معد يكرب. وقطّره بالتضعيف : ألقاه على جنبه. وقطره من باب القتل : صرعه.


لمن يرددك بين : قيس وتميم ، أو قصر قلب ، لمن ينفيك عن تميم ويلحقك بقيس ، وكذا : قائم هو ، أو قاعد هو : بالاعتبارين بحسب المقام ، وفي قصر الصفة على الموصوف إفرادا : أنا كفيتك مهمك ، بمعنى : وحدي ، لمن يعتقد أنك وزيدا كفيتما مهمه.

وقلبا : أنا كفيت مهمك ، بمعنى : لا غيري ، لمن يعتقد كافي مهمه غيرك ، وكذا زيدا ضربت ، أو ما زيدا ضربت ، بالاعتبارين على ما تضمن ذلك فصل التقديم ، وهذه الطرق تتفق من وجه وهو : أن المخاطب معها يلزم أن يكون حاكما حكما مشوبا بصواب وخطأ ، وأنت تطلب بها تحقيق صوابه ونفي خطئه ، تحقق في قصر القلب كون الموصوف على أحد الوصفين ، أو كون الوصف لأحد الموصوفين ، وهو صوابه ، وتنفي تعيين حكمه ، وهو خطؤه ، وتحقق في قصر الإفراد حكمه في بعض ، وهو صوابه ، وتنفيه عن البعض ، وهو خطؤه.

ويختلف من وجوه : فالطرق الأول الثلاث دلالتها على التخصيص بوساطة الوضع ، وجزم العقل ، ودلالة التقديم عليه بوساطة الفحوى ، وحكم الذوق.

والطريق الأول : الأصل فيه التعرض للمثبت وللمنفي بالنص ، كما ترى في قولك :

زيد شاعر لا منجم ، في قصر الموصوف على الصفة ، وزيد شاعر لا عمرو ، في قصر الصفة على الموصوف ، لا تترك النص البتة ، إلا حيث يورث تطويلا ، ويكون المقام اختصاريّا ، كما إذا قال المخاطب : زيد يعلم الاشتقاق والصرف والنحو والعروض وعلم القافية وعلم المعاني وعلم البيان ، فتقول : زيد يعلم الاشتقاق لا غير ، أو ليس غير ، أو ليس إلا ، أو كما إذا قال : زيد يعلم النحو وعمرو وبكر وخالد وفلان وفلان ، فتقول : زيد يعلم النحو لا غير.

والطرق الأخيرة : الأصل فيها النص مما يثبت دون ما ينفى ، كما ترى في قولك : ما أنا إلّا تميمي ، وإنما أنا تميمي ، وتميمي أنا ، في قصر الموصوف على الصفة ؛ وفي قصر الصفة على الموصوف : ما يجيء إلا زيد ، وإنما يجيء زيد ، وهو يجيء.

حكم لا العاطفة :

والطريق الأول لا يجامع الثاني ، فلا يصح : ما زيد إلا قائم لا قاعد ، ولا : ما يقوم إلّا زيد لا عمرو ، والسبب في ذلك هو أن (لا) العاطفة ، من شرط منفيها أن لا يكون


منفيا قبلها بغيرها من كلمات النفي ، نحو : جاءني زيد لا عمرو ، ونحو : زيد قائم لا قاعد ، أو متحرك لا ساكن ، أو موجود لا معدوم ، ويمتنع تحقق شرطها هذا في منفيها ، إذا قلت : ما يقوم إلا زيد لا عمرو ، وما زيد إلا قائم لا قاعد.

والذي سبق في تحقيق وجه القصر في النفي والاستثناء يكشف لك الغطاء ، ويجامع الطريقين الأخيرين ، فيقال : إنما أنا تميمي لا قيسي ، وتميمي أنا لا قيسي وإنما يأتيني زيد لا عمرو ، وهو يأتيني لا عمرو ، وجه صحة مجامعة (لا) العاطفة ، إنما مع امتناع مجامعتها ما وإلا عين وجه صحة أن يقال : امتنع عن المجيء زيد لا عمرو ، مع امتناع أن يقال : ما جاء زيد لا عمرو ، وهو كون معنى النفي في : إنما ، وفي قولك : امتنع عن المجيء ، ضمنا لا صريحا ، لكن إذا جامعت لا العاطفة ، إنما جامعتها بشرط ، وهو : أن لا يكون الوصف بعد إنما مما له في نفسه اختصاص بالموصوف المذكور ، كقوله عز اسمه : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ)(١) فإن كل عاقل ، يعلم أنه لا يكون استجابة ، إلا ممن يسمع ويعقل ، وقوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها)(٢) فلا يخفى على أحد ممن به مسكة ، أن الإنذار إنما يكون إنذارا ، ويكون له تأثير ، إذا كان مع من يؤمن بالله وبالبعث ، والقيامة وأهوالها ، ويخشى عقابها ، وقولهم : إنما يعجل من يخشى الفوت ، فمركوز في العقول ، أن من لم يخش الفوت لم يعجل ، وإذا كان له اختصاص ، لم يصح فيه استعمال (لا) العاطفة ، فلا تقل : إنما يعجل من يخشى الفوت لا من يأمنه.

وطريق النفي والاستثناء يسلك مع مخاطب تعتقد فيه أنه مخطىء ، وتراه يصر ، كما إذا رفع لكما شبح من بعيد ، لم تقل : ما ذاك إلا زيد ، لصاحبك ، إلا وهو يتوهمه غير زيد ، ويصر على إنكار أن يكون إياه ، وما قال الكفار للرسل : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا)(٣) إلا والرسل عندهم في معرض المنتفى عن البشرية ، والمنسلخ عنه حكمها ،

__________________

(١) سورة الأنعام الآية ٣٦.

(٢) سورة النازعات الآية ٤٥.

(٣) سورة إبراهيم الآية ١٠.


بناء على جهلهم أن الرسول يمتنع أن يكون بشرا ، أو ما تسمع في موضع آخر كيف تجد ما يحكى عنهم هناك ، يرشح بما يتلوث به صماخك من تقرير جهلهم هذا ، وهو : (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ)(١) وما أعجب شأن المشركين؟ ما رضوا للنبي أن يكون بشرا ، ورضوا للإله أن يكون حجرا ، وأما قول الرسل لهم : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)(٢) فمن باب المجاراة ، وإرخاء العنان مع الخصم ليعثر حيث يراد تبكيته ، كما قد يقول من يخالفك فيما ادعيت : إنك من شأنك كيت وكيت ، فأنت تقول : نعم ، إن من شأني كيت وكيت ، الحق في يدك هناك ، ولكن كيف يقدح في دعواي هاتيك؟ وعلى هذا ، ما من موضع يأتي فيه النفي والاستثناء إلا والمخاطب عند المتكلم مرتكب للخطأ مع إصرار ، إما تحقيقا ، إذا أخرج الكلام على مقتضى الظاهر ، وإما تقديرا ، إذا أخرج لا على مقتضى الظاهر ، كقوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ* إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ)(٣) لما كان النبي ، عليه الصلاة والسّلام ، شديد الحرص على هداية الخلق ، وما كان متمناه شيئا سوى أن يرجعوا عن الكفر ، فيملكوا زمام السعادة ، عاجلا وآجلا ، ومتى رآهم لم يؤمنوا تداخله ، عليه الصلاة والسّلام ، من الوجد والكآبة ما كاد يبخع (٤) له ، حتى قيل له : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا)(٥) ، ويتساقط ، عليه الصلاة والسّلام ، حسرات على توليهم وإعراضهم عن الحق ، وما كانت شفقته عليهم تدعه يلقي حبلهم على غاربهم ليهيموا في أودية الضلال ، بل كانت تدعوه ، عليه الصلاة والسّلام ، أن يرجع إلى تزيين الإيمان لهم ، عوده على بدئه ، عسى أن يسمعوا

__________________

(١) سورة يس الآية ١٥.

(٢) سورة إبراهيم الآية ١١.

(٣) سورة فاطر الآيتان ٢٢ ـ ٢٣.

(٤) بخع نفسه يبخعها بخعا وبخوعا : قتلها غما أو غيظا.

(٥) سورة الكهف الآية : ٦.


ويعوا ، راكبا في ذلك كل صعب وذلول ، أبرز لذلك ، في معرض من ظن أنه يملك غرس الإيمان في قلوبهم ، مع إصرارهم على الكفر ، فقيل له : خ خ لست هناك (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ)(١) وقوله عز وعلا : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٢) مصبوب في هذا القالب.

وطريق (إنما) يسلك مع مخاطب في مقام لا يصر على خطئه ، أو يجب عليه أن لا يصر على خطئه ، لا تقول : إنما زيد يجيء ، أو إنما يجيء زيد ، إلا والسامع متلق كلامك بالقبول ، وكذا لا تقول : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ)(٣) ، إلا ويجب على السامع أن يتلقاه بالقبول ، والأصل في (إنما) أن تستعمل في حكم لا يعوزك تحقيقه ؛ إما لأنه في نفس الأمر جلي ، أو لأنك تدعيه جليّا.

فمن الأول قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها)(٤) وقوله : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ)(٥) وقوله : إنما يعجل من يخشى الفوت ، وقولك للرجل الذي ترققه على أخيه ، وتنبهه للذي يجب عليه من صلة الرحم ، ومن حسن التحفي : إنما هو أخوك ، ولصاحب الشرك : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ)(٦).

ومن الثاني قول الشاعر (٧) :

إنما مصعب شهاب من الله ...

تجلّت عن وجهه الظّلماء

__________________

(١) سورة فاطر الآية ٢٣.

(٢) سورة الأعراف الآية ١٨٨.

(٣) سورة النساء الآية : ١٧١.

(٤) سورة النازعات الآية ٤٥.

(٥) سورة الأنعام ، الآية : ٣٦.

(٦) سورة النساء الآية : ١٧١.

(٧) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٩٨) وهو لابن قيس الرقيات يمدح مصعب بن الزبير العوام ، وفخر الدين الرازى في نهاية الإيجاز (٣٦١) ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات (٩٥).


ادعى أن كون مصعب كما ذكر جلي ، وأنه عادة الشعراء يدعون الجلاء في كل ما يمدحون به ممدوحيهم ، ألا يرى إلى قوله (١) :

وتعذلني أفناء سعد عليهم ...

وما قلت إلّا بالتي علمت سعد؟

وإلى قوله (٢) :

لا أدّعي لأبي العلاء فضيلة ...

حتى يسلّمها إليه عداه

وإلى قوله (٣) :

فيا من لديه ، أنّ كلّ امرئ له ...

نظير ، وإن حاز الفضائل ، هل له؟

وما يحكى عن اليهود ، في قوله عز وعلا : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ)(٤) ادعوا على مجرى عادتهم في الكذب ، وأن كونهم مصلحين ، أمر ظاهر مكشوف لا سترة به ، ولذلك أكد الأمر جل وعلا ، في تكذيبهم ، حيث قال : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ)(٥) فجاء بالجملة اسمية ، ومعرفة الخبر باللام ، وموسطة الفصل ، ومؤكدة بأن ومصدرة بحرف التنبيه.

وإذ قد ذكرنا القصر فيما بين المسند والمسند إليه بالطرق التي سمعت ، فقد حان أن نذكره فيما بين غيرهما : كالفاعل والمفعول ، وكالمفعولين ، وكذي الحال والحال ، ونحن نذكره في ذلك بطريق : النفي والاستثناء ، وطريق (إنما) دون ما سواهما ، فلهما هناك عدة اعتبارات تراعى ، فلا بد من تلاوتها عليك.

__________________

(١) أورده القزوينى في الإيضاح ص (٢٢١) والبيت للحطيئة.

(٢) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٩٩) بلا عزو.

(٣) لم أعثر عليه.

(٤) سورة البقرة الآية ١١.

(٥) سورة البقرة الآية ١٢.


القصر بين الفاعل والمفعول :

اعلم أنك إذا أردت قصر الفاعل على المفعول ، قلت : ما ضرب زيد إلا عمرا ، على معنى : لم يضرب غير عمرو ، وإذا أردت قصر المفعول على الفاعل قلت : ما ضرب عمرا إلا زيد ، على معنى : لم يضربه غير زيد.

والفرق بين المعنيين واضح ، وهو أن عمرا في الأول لا يمتنع أن يكون مضروب غير زيد ، ويمتنع في الثاني ، وأن زيدا في الثاني لا يمتنع أن يكون ضاربا غير عمرو ، ويمتنع في الأول ؛ ولك أن تقول في الأول : ما ضرب إلّا عمرا زيد ، وفي الثاني : ما ضرب إلّا زيد عمرا ، فتقدم وتؤخر ، إلا أن هذا التقديم والتأخير ، لما استلزم قصر الصفة قبل تمامها على الموصوف ، قل دوره في الاستعمال ؛ لأن الصفة المقصورة على عمرو في قولنا : ما ضرب زيد إلّا عمرا ، هي ضرب زيد ، لا الضرب مطلقا ، والصفة المقصورة على زيد في قولنا : ما ضرب عمرا إلّا زيد ، وهي الضرب لعمرو.

القصر بين المفعولين :

وإذا أردت قصر أحد المفعولين على الآخر ، في نحو : كسوت زيدا جبة ، قلت في قصر زيد على الجبة ، ما كسوت زيدا إلا جبة ، أو ما كسوت إلا جبة زيدا ؛ وفي قصر الجبة على زيد : ما كسوت جبة إلا زيدا ، أو ما كسوت إلا زيدا جبة.

وفي نحو : ظننت زيدا منطلقا ، تقول في قصر زيد على الانطلاق : ما ظننت زيدا إلا منطلقا ، وما ظننت إلا منطلقا زيدا ، وفي قصر الانطلاق على زيد : ما ظننت منطلقا إلا زيدا ، وما ظننت إلا زيدا منطلقا.

القصر بين ذي الحال والحال :

وإذا أردت قصر ذي الحال على الحال ، قلت : ما جاء زيد إلا راكبا ، أو : ما جاء إلا راكبا زيد ، وفي قصر الحال على ذي الحال : ما جاء راكبا إلا زيد ، أو : ما جاء إلّا زيد راكبا.

مستلزمات إلا :

والأصل في جميع ذلك ، هو أن (إلا) في الكلام الناقص تستلزم ثلاثة أشياء : أحدها


المستثنى منه ، لكون (إلا) للإخراج ، واستدعاء الإخراج مخرجا منه.

وثانيها : العموم في المستثنى منه ؛ لعدم المخصص ، وامتناع ترجيح أحد المتساويين ، لذلك ترانا في علم النحو نقول : تأنيث الضمير في كانت ، في قراءة أبي جعفر المدني : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً)(١) بالرفع وفي (ترى) المبني للمفعول في قراءة الحسن : فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم (٢) برفع مساكنهم وفي (بقيت) ، في بيت ذي الرمة (٣) :

وما بقيت إلا الضّلوع الجراشع

للنظر إلى ظاهر اللفظ ، والأصل التذكير لاقتضاء المقام معنى شيء من الأشياء.

وثالثها : مناسبة المستثنى منه للمستثنى في جنسه ووصفه ، وأعني بصفته كونه : فاعلا أو مفعولا ، أو ذا حال أو حالا ، أو ما يرى كيف يقدر المستثنى منه في نحو : ما جاءني إلا زيد ، مناسبا له في الجنس والوصف الذي ذكرت ، نحو : ما جاءني أحد إلا زيد ، وفي : ما رأيت إلا زيدا ، نحو : ما رأيت أحدا إلا زيدا ، وفي ما جاء زيد إلّا راكبا ، نحو ما جاء زيد كائنا على حال من الأحوال إلا راكبا. وهذه المستلزمات توجب جميع تلك الأحكام.

بيان ذلك أنك إذا قلت : ما ضرب زيد إلا عمرا ، لزم أن يقدر قبل : (إلا) ، مستثنى منه ليصح الإخراج منه ، ولزم أن يقدر عاما ، لعدم المخصص ، ولزم أن يقدر مناسبا للمستثنى الذي هو عمرو في جنسه ووصفه ، وحينئذ يمتنع أن يكون صورة الكلام إلا

__________________

(١) سورة يس الآية ٢٩ ، ٥٣.

(٢) سورة الأحقاف الآية ٢٥. وقرأ عاصم وحمزة (يرى) بياء مضمومة و (مساكنهم) بالرفع ، وقرأ الباقون (ترى) بتاء مفتوحة و (مساكنهم) بالنصب. وانظر اختلاف الإعراب في القراءات السبع د / موسى مصطفى العبيدان ص ٨٦ ، ٨٧.

(٣) أورده القزوينى في الإيضاح ص (٢٢٤) وعزاه لذى الرمة. وصدره طوى النخز والأجراز ما في غروضها.


هكذا ، ما ضرب زيد أحدا إلا عمرا ، واستلزام هذا الكلام قصر الفاعل على عمرو المفعول ضروري ، وكذا إذا قلت : ما ضرب إلا عمرا زيد ، وإذا قلت : ما ضرب عمرا إلا زيد ، لزم تقدير مستثنى منه من جنس المستثنى ، وبوصف العموم وبوصف المستثنى ، وحينئذ يكون صورة الكلام هكذا : ما ضرب عمرا أحد إلا زيد ، ويلزم ضرورة قصر المفعول على زيد الفاعل.

وإذا قلت : ما كسوت زيدا إلا جبة ، كان التقدير : ما كسوت زيدا ملبسا إلا جبة ، فيكون زيد مقصورا على الجبة ، لا يتعداها إلى ملبس آخر ، وإذا قلت : ما كسوت جبة إلا زيدا ، كان التقدير : ما كسوت جبة أحدا إلا زيدا ، فتكون الجبة مقصورة على زيد لا تتعداه إلى من عداه ، وإذا قلت : ما جاء راكبا إلا زيد ، كان التقدير : ما جاء راكبا أحد ، إلا زيد ، وإذا قلت : ما جاء زيد إلا راكبا ، كان التقدير : ما جاء زيد كائنا على حال من الأحوال إلا راكبا ، وإذا قلت : ما اخترت رفيقا إلا منكم : كان التقدير : ما اخترت رفيقا من جماعة من الجماعات إلا منكم ، وإذا قلت : ما اخترت منكم إلا رفيقا ، كان التقدير : ما اخترت منكم أحدا متصفا بأي وصف كان إلا رفيقا ، وكذا إذا قلت : ما اخترت إلا رفيقا منكم ، بدل أن تقول : ما اخترت إلا منكم رفيقا ، لم يعر عن فرق. وهذا يطلعك على الفرق بين ما قال الشاعر (١) :

لو خيّر المنبر فرسانه ...

ما اختار إلّا منكم فارسا

وبين ما إذا قلت : ما اختار إلّا فارسا منكم.

حكم إنما :

وإذا عرفت هذا في النفي والاستثناء فاعرفه بعينه في (إنما) لا تصنع شيئا غير ما أذكره لك ، وامض في الحكم غير مدافع ، نزل القيد الأخير من الكلام الواقع بعد (إنما) منزلة المستثنى ، فقدر نحو : إنما يضرب زيد ، تقدير : ما يضرب إلا زيد ، ونحو : إنما يضرب زيد عمرا يوم الجمعة ، تقدير : ما يضرب زيد عمرا إلا يوم الجمعة ، ونحو : إنما

__________________

(١) أورده الجرجاني في الإشارات ص (٩٧) وعزاه للحميرىّ ، والقزوينى في الإيضاح ص (٢٢٥).


يضرب زيد عمرا يوم الجمعة في السوق ، تقدير ما يضرب زيد عمرا يوم الجمعة إلا في السوق. وكذلك إذا قلت : إنما زيد يضرب ، فقدره تقدير : ما زيد إلا يضرب ، ولا تجوز معه من التقديم والتأخير ما جوزته مع ما وإلا ، ولا تقسه في ذلك عليه ، فذاك أصل في باب القصر ، وهذا كالفرع عليه.

والتقديم والتأخير هناك غير ملبس ، وههنا مؤد إلى الإلباس ، وكذلك قدر : إنما هذا لك ، تقدير : ما هذا إلا لك ، وإنما لك هذا ، تقدير : مالك إلا هذا ، حتى إذا أردت الجمع بين : (إنما) وطريق العطف ؛ فقل : إنما هذا لك لا لغيرك ، و: إنما لك هذا لا ذاك ، وإنما يأخذ زيد لا عمرو ، و: إنما زيد يأخذ لا يعطي ، ومن هذا يعثر على الفرق بين : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(١) وبين : إنما يخشى العلماء من عباده الله ، بتقديم المرفوع على المنصوب ، فالأول يقتضي انحصار خشية الله على العلماء ، والثاني يقتضي انحصار خشية العلماء على الله.

حكم غير :

واعلم أن حكم : (غير) ، حكم (إلا) في إفادة القصرين ، وامتناع مجامعة لا العاطفة ، تقول : ما جاءني غير زيد ، إما إفرادا ، لمن يقول : جاء زيد مع جاء آخر ، وإما قلبا لمن يقول : ما جاء زيد ، وإنما جاء مكانه إنسان آخر ، ولا تقول : ما جاءني غير زيد لا عمرو.

__________________

(١) سورة فاطر الآية ٢٨.


خاتمة

واعلم أني مهدت لك في هذا العلم قواعد ، متى بنيت عليها ، أعجب كل شاهد بناؤها ، واعترف لك بكمال الحذق في صناعة البلاغة أبناؤها ، ونهجت لك مناهج ، متى سلكتها ، أخذت بك عن المجهل المتعسف إلى سواء السبيل ، وصرفتك عن الآجن المطروق إلى النمير الذي هو شفاء الغليل ، ونصبت لك أعلاما ، متى انتحيتها أعثرتك على ضوال منشودة ، وحشدت منها ما ليست عند أحد بمحشودة ، ومثلت لك أمثلة متى حذوت عليها ، أمنت العثار في مظان الزلل ، وأبت أن تتصرف فيما تثني إليه عنانك يد الخطل ، ثم إذا كنت ممن ملك الذوق إلى الطبع ، وتصفحت كلام رب العزة ، أطلعتك على ما يوردك هناك موارد الهزة ، وكشفت لنور بصيرتك عن وجه إعجازه القناع ، وفصلت لك ما أجمله إيثار أولئك المصاقع على معارضته القراع ، فإن ملاك الأمر في علم المعاني هو الذوق السليم ، والطبع المستقيم ، فمن لم يرزقهما ، فعليه بعلوم أخر ، وإلا لم يحظ بطائل مما تقدم وما تأخر.

إذا لم تكن للمرء عين صحيحة ...

فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر (١)

هذا وإن الخبر ، كثيرا ما يخرج لا على مقتضى الظاهر ، ويكون المراد به الطلب ، فسيذكر ذلك في آخر القانون الثاني بإذن الله تعالى.

__________________

(١) البيت من الطويل ولم أعثر عليه


القانون الثاني

من علم المعاني وهو قانون الطلب

مقدمة :

قد سبق أن حقيقة الطلب حقيقة معلومة مستغنية عن التحديد ، فلا نتكلم هناك ، وإنما نتكلم في مقدمة يسند عليها المقام ، من بيان ما لا بد للطلب ، ومن تنوعه ، والتنبيه على أبوابه في الكلام ، وكيفية توليدها لما سوى أصلها.

وهي : أن لا ارتياب في أن الطلب من غير تصور إجمالا أو تفصيلا لا يصح ، وأنه يستدعي مطلوبا لا محالة ، ويستدعي ، فيما هو مطلوبه أن لا يكون حاصلا وقت الطلب ، وليكن هذا المعنى عندك ، فسنفرع عليه.

والطلب إذا تأملت نوعان : نوع لا يستدعي في مطلوبه إمكان الحصول ، وقولنا : لا يستدعي أن يمكن أعم من قولنا : يستدعي أن لا يمكن.

ونوع يستدعي فيه إمكان الحصول.

والمطلوب بالنظر إلى أن لا واسطة بين الثبوت والانتفاء ، يستلزم انحصاره في قسمين : حصول ثبوت متصور ، وحصول انتفاء متصور ، وبالنظر إلى كون الحصول ذهنيا وخارجيا ، يستلزم انقساما إلى أربعة أقسام : حصولين في الذهن ، وحصولين في الخارج ، ثم إذ لم يزد الحصول في الذهن على التصور والتصديق ، لم يتجاوز أقسام المطلوب ستة : حصول تصور أو تصديق في الذهن ، وحصول انتفاء تصور أو تصديق فيه ، وحصول ثبوت تصور أو انتفائه في الخارج ، وطلب حصول التصور في الذهن ، لا يرجع إلا إلى تفصيل مجمل ، أو تفصيل مفصل بالنسبة.

ووجه ذلك : أن الإنسان إذا صح منه الطلب بأن أدرك بالإجمال لشيء ما ، أو بالتفصيل بالنسبة إلى شيء ما ، ثم طلب حصولا لذلك في الذهن ، وامتنع تطلب الحاصل ، توجه إلى غير حاصل ، وهو تفصيل المجمل أو تفصيل المفصل بالنسبة.


النوع الأول :

أما النوع الأول من الطلب : فهو التمني ، أو ما ترى كيف تقول ، ليت زيدا جاءني ، فتطلب كون غير الواقع فيما مضى واقعا فيه ، مع حكم العقل بامتناعه ، أو كيف تقول : ليت الشباب يعود ، فتطلب عود الشباب ، مع جزمك بأنه لا يعود ، أو كيف تقول : ليت زيدا يأتيني ، أو ليتك تحدثني ، فتطلب إتيان زيد وحديث صاحبك في حال لا تتوقعهما ولا لك طماعية في وقوعهما ، إذ لو توقعت أو طمعت لاستعملت : لعل أو عسى.

النوع الثاني :

وأما الاستفهام والأمر والنهي والنداء فمن النوع الثاني.

والاستفهام لطلب حصول في الذهن ، والمطلوب حصوله في الذهن ، إما أن يكون حكما بشيء على شيء أو لا يكون.

والأول هو التصديق ، ويمتنع انفكاكه من تصور الطرفين ، والثاني هو التصور ، ولا يمتنع انفكاكه من التصديق ، ثم المحكوم به ، إما أن يكون نفس الثبوت أو الانتفاء ، كما تقول : الانطلاق ثابت أو متحقق ، أو موجود كيف شئت أو : ما الانطلاق ثابتا ، فتحكم على الانطلاق بالثبوت أو الانتفاء بالإطلاق ، أو ثبوت كذا أو انتفاء كذا بالتقييد ، كما تقول : الانطلاق قريب ، أو ليس بقريب ، فتحكم على الانطلاق أو بثبوت القرب له أو بانتفائه عنه ، لا مزيد للتصديق على هذين النوعين ، والنوع الأول لا يحتمل الطلب إلا في التصديق ، والمسند إليه لكون المسند فيه نفس الثبوت والانتفاء ، مستغنيا عن الطلب. والثاني يحتمله في التصديق وطرفيه.

وأما الأمر ، لا النهي والنداء ، فلطلب الحصول في الخارج ، إما حصول انتفاء متصور ، كقولك في النهي للمتحرك : لا تتحرك ، فإنك تطلب بهذا الكلام انتفاء الحركة في الخارج ، وإما حصول ثبوته ، كقولك في الأمر : قم ، وفي النداء : يا زيد ، فإنك تطلب بهذين الكلامين حصول قيام صاحبك وإقباله عليك في الخارج ، والفرق بين الطلب في الاستفهام وبين الطلب في الأمر والنهي والنداء واضح ، فإنك في الاستفهام تطلب ما هو في الخارج ؛ ليحصل في ذهنك نقش له مطابق ، وفيما سواه


تنقش في ذهنك ثم تطلب أن يحصل له في الخارج مطابق ، فنقش الذهن في الأول تابع ، وفي الثاني متبوع.

وتوفية هذه المعاني حقها تستدعي مجالا غير مجالنا هذا ، فلنكتف بالإشارة إليها ، ومجرد التنبيه عليها ، وإذ قد عثرت على ما رفع لك ، فبالحري أن نبين كيف يتفرع عن هذه الأبواب الخمسة : التمني والاستفهام والأمر والنهي والنداء ما يتفرع على سبيل الجملة ، إذ لا بد منه. ثم الفصول الآتية في علم البيان ، لتلاوتها عليك ، ما تترقب من التفصيل ، هنالك ضمناه.

فنقول : متى امتنع إجراء هذه الأبواب على الأصل ، تولد منها ما ناسب المقام ، كما إذا قلت لمن همك همه : ليتك تحدثني ، امتنع إجراء التمني ، والحال ما ذكر على أصله ، فتطلب الحديث من صاحبك غير مطموع في حصوله ، وولد بمعونة قرينة الحال معنى السؤال ، أو كما إذا قلت : هل لي من شفيع ، في مقام لا يسع إمكان التصديق بوجود الشفيع ، امتنع إجراء الاستفهام على أصله ، وولد بمعونة قرائن الأحوال معنى التمني ، وكذا إذا قلت : لو يأتيني زيد فيحدثني ، بالنصب ، طالبا لحصول الوقوع فيما يفيد" لو" من تقدير غير الواقع واقعا ، ولد التمني وسبب توليد لعل معنى التمني في قولهم : لعلي سأحج فأزورك ، بالنصب هو بعد المرجو عن الحصول ، أو كما إذا قلت لمن تراه لا ينزل : ألا تنزل فتصيب خيرا ، امتنع أن يكون المطلوب بالاستفهام التصديق بحال نزول صاحبك لكونه حاصلا ، ويوجه بمعونة قرينة الحال إلى نحو : ألا تحب النزول مع محبتنا إياه ، وولد معنى العرض ، كما إذا قلت لمن تراه يؤذي الأب : أتفعل هذا؟ امتنع توجه الاستفهام إلى فعل الأذى ، لعلمك بحاله ، وتوجه إلى ما لا تعلم ، مما يلابسه ، من نحو : أتستحسن؟. وولد الإنكار والزجر ، أو كما إذا قلت لمن يهجو أباه ، مع حكمك بأن هجو الأب ليس شيئا غير هجو النفس : هل تهجو إلا نفسك؟ أو غير نفسك؟ امتنع منك إجراء الاستفهام على ظاهره ، لاستدعائه أن يكون الهجو احتمل عندك توجها إلى غيره ، وتولد منه بمعونة القرينة ، الإنكار والتوبيخ ، أو كما إذا قلت لمن يسيء الأدب : ألم أؤدب فلانا؟ امتنع أن تطلب العلم بتأديبك فلانا ، وهو حاصل ، وتولد منه الوعيد والزجر ، أو كما إذا قلت لمن بعثت إلى مهم وأنت تراه عندك : أما ذهبت بعد؟ امتنع الذهاب عن توجه الاستفهام إليه ، لكونه معلوم الحال ، واستدعى شيئا مجهول


الحال مما يلابس الذهاب ، مثل : أما يتيسر لك الذهاب؟ وتولد منه الاستبطاء والتحضيض ، أو كما إذا قلت لمن يتصلف وأنت تعرفه : ألا أعرفك؟ امتنعت معرفتك به عن الاستفهام ، وتوجه إلى مثل : أتظنني لا أعرفك؟ وتولد الإنكار والتعجيب ، أو كما إذا قلت لمن جاءك : أجئتني؟ امتنع المجيء عن الاستفهام ، وولد بمعونة القرينة التقرير ، أو كما إذا قلت ، لمن يدعي أمرا ليس في وسعه : افعله ، امتنع أن يكون المطلوب بالأمر ، حصول ذلك الأمر في الخارج بحكمك عليه بامتناعه ، وتوجه إلى مطلوب ممكن الحصول ، مثل : بيان عجزه ، وتولد التعجيز والتحدي ، أو كما إذا قلت لعبد شتم مولاه ، وأنك أدبته حق التأديب ، أو أوعدته على ذلك أبلغ إيعاد : اشتم مولاك ، امتنع أن يكون المراد الأمر بالشتم ، والحال ما ذكر ، وتوجه بمعونة قرينة الحال إلى نحو : اعرف لازم الشتم ، وتولد منه التهديد ، أو كما إذا قلت لعبد لا يمتثل أمرك : لا تمثيل أمري ، امتنع طلب ترك الامتثال : لكونه حاصلا ، وتوجه إلى غير حاصل ، مثل : لا تكترث لأمري ، ولا تبال به ، وتولد منه التهديد ، أو كما إذا قلت ، لمن أقبل عليك يتظلم : يا مظلوم ، امتنع توجيه النداء إلى طلب الإقبال لحصوله ، وتوجه إلى غير حاصل ، مثل : زيادة الشكوى بمعونة قرينة الحال ، وتولد منه الإغراء ، ولنقتصر فمن لم يستضىء بمصابح لم يستضيء بإصباح ، ناقلين الكلام إلى التصفح لأبواب الطلب.


الباب الأول

في التمني

اعلم أن الكلمة الموضوعة للتمني هي : ليت ، وحدها. وأما (لو) و (هل) في إفادتهما معنى التمني فالوجه ما سبق.

وكأن [الحروف](١) المسماة بحروف التنديم والتحضيض ، وهي : (هلا) ، و (ألا) ، و (لو لا) ، و (لوما) ، مأخوذة منهما مركبة مع (لا) و (ما) المزيدتين ، مطلوبا بالتزام التركيب التنبيه على إلزام : هل ، ولو ، معنى التمني. فإذا قيل : هلا أكرمت زيدا ، أو ألا بقلب الهاء همزة ، أو لو لا ، أو لو ما ، فكأن المعنى : ليتك أكرمت زيدا ، متولدا منه معنى التنديم ، وإذا قيل : هلا تكرم زيدا ، أو لو لا ، فكأن المعنى : ليتك تكرمه ، متولدا منه معنى السؤال.

الباب الثاني

في الاستفهام

للاستفهام كلمات موضوعة وهي : الهمزة ، وأم ، وهل ، وما ، ومن ، وأي ، وكم ، وكيف ، وأين ، وأنى ، ومتى ، وأيان ، بفتح الهمزة وبكسرها ، وهذه اللغة ، أعني كسر همزتها ، تقوي أيان ، أن يكون أصلها (أي) أو (أن).

وهذه الكلمات ثلاثة أنواع : أحدها : يختص طلب حصول التصور ؛ وثانيها : يختص طلب حصول التصديق ، وثالثها لا يختص.

وقد نبهت فيما سبق أن طلب التصور مرجعه إلى تفصيل المجمل أو إلى تفصيل المفصل بالنسبة ، وإذا تأملت التصديق وجدته راجعا إلى تفصيل المجمل أيضا ، وهو طلب تعين الثبوت أو الانتفاء في مقام التردد ، والهمزة من النوع الأخير ، تقول في طلب

__________________

(١) في (غ): (المعروف).


التصديق بها : أحصل الانطلاق؟ : وأزيد منطلق؟ وفي طلب التصور بها في طرف المسند إليه : أدبس (١) في الإناء أم عسل؟ وفي طرف المسند : أفي الخابية (٢) دبسك ، أم في الزق (٣)؟ فأنت في الأول تطلب تفصيل المسند إليه ، وهو المظروف ، وفي الثاني تطلب تفصيل المسند ، وهو الظرف.

و (هل) : من النوع الثاني لا تطلب به إلا التصديق ، كقولك : هل حصل الانطلاق؟ و: هل زيد منطلق؟ ولاختصاصه بالتصديق امتنع أن يقال : هل عندك عمرو أم بشر؟ باتصال : أم ، دون : أم عندك بشر؟ بانقطاعها ، وقبح : هل رجل عرف؟ وهل زيد عرفت؟ دون هل زيدا عرفته؟ ولم يقبح : أرجل عرف؟ وأزيدا عرفت؟ لما سبق أن التقديم يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل ، فبينه وبين (هل) تدافع ؛ وإذا استحضرت ما سبق من التفاصيل في صور التقديم ، عساك أن تهتدي لما طويت ذكره أنا.

ولا بد (لهل) من أن يخصص الفعل المضارع بالاستقبال ، فلا يصح أن يقال : هل تضرب زيدا وهو أخوك؟ على نحو : أتضرب زيدا وهو أخوك؟ في أن يكون الضرب واقعا في الحال ، ولكون (هل) لطلب الحكم بالثبوت أو الانتفاء ، وقد نبهت ، فيما قبل ، على أن الإثبات والنفي لا يتوجهان إلى الذوات ، وإنما يتوجهان إلى الصفات ، ولاستدعائه التخصيص بالاستقبال لما يحتمل ذلك ، وأنت تعلم أن احتمال الاستقبال إنما يكون لصفات الذوات لا لأنفس الذوات ؛ لأن الذوات من حيث هي هي ذوات ، فيما مضى ، وفي الحال وفي الاستقبال ، استلزم ذلك مزيد اختصاص لها دون الهمزة ، بما يكون كونه زمانيّا ، أظهر ، كالأفعال.

__________________

(١) الدّبس : عسل التمر وعصارته.

(٢) الخابية : الحبّ ، وهى الجرة العظيمة.

(٣) الزق : السقاء.


ولذلك كان قوله عزوجل : (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ)(١) أدخل في الإنباء عن طلب الشكر من قولنا : فهل تشكرون ، أو : فهل أنتم تشكرون ، أو : أفأنتم شاكرون ، لما أن : هل تشكرون ، مفيد للتجدد ، و: هل أنتم تشكرون ، كذلك ، و: (أفأنتم شاكرون) ، وإن كان ينبىء عن عدم التجدد ، لكنه دون : (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) لما ثبت أن (هل) أدعى للفعل من الهمزة ، فترك الفعل معه يكون أدخل في الإنباء عن استدعاء المقام عدم التجدد ، ولكون (هل) أدعى للفعل من الهمزة ، لا يحسن : هل زيد منطلق؟ إلا من البليغ ، كما لا يحسن نظير قوله (٢) :

ليبك يزيد ضارع لخصومة

من كل أحد ، على ما سبق في موضعه.

والخطب مع الهمزة في نحو : أزيد منطلق؟ أهون ، وأما (ما) و (من) و (أي) و (كم) و (أين) و (كيف) و (أنّى) و (متى) و (أيان) ، فمن النوع الأول من طلب حصول التصور على تفصيل بينهن ، لا بد من إيقافك عليه ، ليصح منك تطبيقها في الكلام على ما يستوجب ، فنقول :

أما (ما) : فللسؤال عن الجنس ، تقول : ما عندك؟ بمعنى : أي أجناس الأشياء عندك؟ وجوابه : إنسان أو فرس أو كتاب أو طعام ؛ وكذلك تقول : ما الكلمة ، وما الاسم ، وما الفعل ، وما الحرف ، وما الكلام وفي التنزيل : (فَما خَطْبُكُمْ)(٣) بمعنى أي أجناس الخطوب خطبكم ؛ وفيه : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي)(٤) أي : أي من في الوجود تؤثرونه في العبادة؟ أو عن الوصف ، تقول : ما زيد وما عمرو؟ وجوابه الكريم أو الفاضل ، وما

__________________

(١) سورة الأنبياء الآية ٨٠.

(٢) البيت للحارث بن نهيك ، وسبق تخريجه وتمامه : ومختبط مما تطيح الطوائح

(٣) سورة الحجر ، الآية : ٥٧ وسورة الذاريات ، الآية : ٣١.

(٤) سورة البقرة ، الآية ١٣٣.


شاكل ذلك ، ولكون (ما) ، للسؤال عن الجنس ، وللسؤال عن الوصف ، وقع بين فرعون وبين موسى ما وقع ؛ لأن فرعون حين كان جاهلا بالله ، معتقدا أن لا موجود مستقلا بنفسه سوى أجناس الأجسام ، اعتقاد كل جاهل لا نظر له ، ثم سمع موسى قال : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١) سأل بما عن الجنس سؤال مثله فقال : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ)(٢) كأنه قال : أي أجناس [الأجسام](٣) هو؟ وحين كان موسى عالما بالله ، أجاب عن الوصف ؛ تنبيها على النظر المؤدي إلى العلم بحقيقته الممتازة عن حقائق الممكنات ، فلما لم يتطابق السؤال والجواب عند فرعون الجاهل ، عجب من حوله من جماعة الجهلة ، فقال لهم (أَلا تَسْتَمِعُونَ)(٤) ثم استهزأ بموسى وجنّنه ف : (قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ)(٥) وحين لم يرهم موسى يفطنون لما نبههم عليه في الكرتين من فساد مسألتهم الحمقاء ، واستماع جوابه الحكيم غلظ في الثالثة ف : (قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)(٦) ويحتمل أن يكون فرعون قد سأل (بما) عن الوصف لكون رب العالمين عنده مشتركا بين نفسه وبين من دعاه إليه موسى في قوله : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) لجهله ، وفرط عتوه ، وتسويل نفسه الشيطانية له ذلك الضلال الشنيع من ادعاء الربوبية وارتكاب أن يقول : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى)(٧) ونفخ الشيطان في خيشومه بتسليم أولئك البهائم له إياها ، وإذعانهم له بذلك ، وتلقيبهم إياه برب العالمين ، وشهرته فيما بينهم بذلك ، إلى درجات دعت السحرة إذ عرفوا الحق ، وخروا سجدا لله و: (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ)(٨) إلى أن يعقبوه ، بقولهم : (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ)(٩) نفيا لاتهامهم أن يعنوا فرعون ، وأن يكون

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآية ١٦.

(٢) سورة الشعراء الآية ٢٣.

(٣) في (غ): (الإسلام) وهو تصحيف.

(٤) سورة الشعراء الآية : ٢٥.

(٥) سورة الشعراء الآية : ٢٧ ، ٢٨.

(٢) سورة الشعراء الآية ٢٣.

(٦) سورة النازعات الآية ٢٤.

(٧) سورة الشعراء الآية ٤٧ ، ٤٨.

(٤) سورة الشعراء الآية : ٢٥.


ذلك السؤال من فرعون على طماعية أن يجري موسى في جوابه على نهج حاضريه ، لو كانوا المسؤولين في وجهه بدله ، فيجعله المخلص لجهله بحال موسى ، وعدم اطلاعه على علو شأنه ، إذ كان ذلك المقام أول اجتماعه بموسى ، بدليل ما جرى فيه من قوله : (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ* قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(١) فحين سمع المخلص لم [يكنه](٢) ، تعجب وعجب ، واستهزأ وجنّن ، وتفيهق بما تفيهق من : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ)(٣)

وأما (من) فللسؤال عن الجنس من ذوي العلم ، تقول : من جبريل؟ بمعنى أبشر هو أم ملك أم جني ، وكذا : من إبليس؟ ومن فلان؟ ومنه قوله تعالى ، حكاية عن فرعون : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى)(٤) أراد : من مالككما ومدبر أمركما؟ أملك هو أم جني أم بشر؟ منكرا لأن يكون لهما رب سواه لادعائه الربوبية لنفسه ، ذاهبا في سؤاله هذا إلى معنى ألكما رب سواي ، فأجاب موسى بقوله : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)(٥) كأنه قال : نعم ، لنا رب سواك ، وهو الصانع الذي إذا سلكت الطريق الذي بين ، بإيجاده لما أوجد ، وتقديره إياه على ما قدر ، واتبعت فيه الخريت (٦) الماهر ، وهو العقل الهادي عن الضلال ، لزمك الاعتراف بكونه ربّا ، وأن لا رب سواه ، وأن العبادة له مني ومنك ، ومن الخلق أجمع ، حق لا مدفع له.

وأما (أي) فللسؤال عما يميز أحد المتشاركين في أمر يعمهما ، يقول القائل : عندي ثياب ، فتقول : أي الثياب هي؟ فتطلب منه وصفا يميزها عندك عما يشاركها في الثوبية ، قال ، تعالى ، حكاية عن سليمان : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها)(٧) أي : الإنسي أم

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآيتان : ٣٠ ـ ٣١.

(٢) في (غ): (يمكنه).

(٣) سورة الشعراء الآية ٢٩.

(٣) سورة الشعراء الآية ٢٩.

(٤) سورة طه ، الآية : ٤٩ ، ٥٠.

(٥) الخريت : الدليل الحاذق بالدلالة.

(٦) سورة النمل ، الآية ٣٨.


الجني؟ وقال حكاية عن الكفار : (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً)(١) أي أنحن أم أصحاب محمد؟

وأما (كم) فللسؤال عن العدد ، إذا قلت : كم درهما لك؟ وكم رجلا رأيت؟ فكأنك قلت : أعشرون أم ثلاثون أم كذا أم كذا ، وتقول : كم درهمك؟ وكم مالك؟ أي : كم دانقا؟ وكم دينارا؟ وكم ثوبك؟ أي كم شبرا؟ وكم ذراعا؟ وكم زيد ماكث؟ أي : كم يوما أو كم شهرا؟ وكم رأيتك؟ أي : كم مرة؟ وكم سرت؟ أي : كم فرسخا؟ وكم يوما؟ قال عزوجل : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ)(٢) أي : كم يوما أو كم ساعة؟. و: (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ)(٣) وقال تعالى : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ)(٤) ومنه قول الفرزدق (٥) :

كم عمة ، لك يا جرير ، وخالة ...

فدعاء قد حلبت على عشارى

فيمن روى بنصب المميز.

وأما (كيف) فللسؤال عن الحال ، إذا قيل : كيف زيد؟ فجوابه : صحيح أو سقيم أو مشغول أو فارغ أو شيخ أو جذلان ، ينتظم الأحوال كلها.

وأما (أين) فللسؤال عن المكان ، إذا قيل : أين زيد؟ فجوابه : في الدار ، أو في المسجد ، أو في السوق ، ينتظم الأماكن كلها.

__________________

(١) سورة مريم الآية ٧٣.

(٢) سورة الكهف ، الآية ١٩.

(٣) سورة المؤمنون ، الآية ١١٢.

(٤) سورة البقرة ، الآية ٢١١.

(٥) البيت من الكامل وهو للفرزدق في ديوانه (١ / ٣٦١) ، والإيضاح (١ / ٢٣٣) وخزانة الأدب (٦ / ٤٥٨ ، ٤٨٩ ، ٤٩٢ ، ٤٩٣ ، ٤٩٥ ، ٤٩٨) والدرر (٤ / ٤٥)

فدعاء : عوج وميل في المفاصل. والأفدع ، الذي يمشي على ظهر قدمه. اللسان (فدع).


وأما (أنّي) فتستعمل تارة بمعنى : كيف ، قال تعالى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(١) أي : كيف شئتم. وأخرى بمعنى (من أين) قال تعالى : (أَنَّى لَكِ هذا)(٢) أي من أين؟

وأما (متى) و (أيّان) فهما للسؤال عن الزمان ، إذا قيل : متى جئت؟ وأيّان جئت؟ قيل : يوم الجمعة ، أو يوم الخميس ، أو شهر كذا ، أو سنة كذا ، وعن علي بن عيسى الربعي (٣) ، رحمة الله عليه ، إمام أئمة بغداد في علم النحو : أن (أيّان) تستعمل في مواضع التفخيم كقوله عز قائلا : (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ)(٤)(يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ)(٥).

واعلم أن هذه الكلمات كثيرا ما يتولد منها أمثال ما سبق من المعاني بمعونة قرائن الأحوال فيقال : ما هذا؟ ومن هذا؟ لمجرد الاستخفاف والتحقير ، وما لي؟ للتعجب قال تعالى ، حكاية عن سليمان : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ)(٦) وأي رجل؟ هو للتعجب وأيما رجل؟ وكم دعوتك؟ للاستبطاء ، وكم تدعوني؟ للإنكار ، وكم أحلم؟ للتهديد ، وكيف تؤذي أباك؟ للإنكار ، والتعجب والتوبيخ ، وعليه قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ)(٧) بمعنى التعجب ، ووجه تحقيق ذلك هو : أن الكفار في

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٣.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ٣٧.

(٣) علي بن عيسى الربعي النحوي ، صاحب أبي علي الفارسي ، درس الأدب على أبي سعيد السيرافي ، ودرس النحو على أبي علي الفارسي مدة عشرين سنة ، فقال عنه : ما بقي له شيء يحتاج أن يسأل عنه ، ولد سنة ٣٢٨ ه‍ ، ومات سنة ٤٢٠ ه‍. (تاريخ بغداد ١٢ / ١٧ ـ ١٨).

(٤) سورة القيامة الآية ٦.

(٥) سورة الذاريات ، الآية ١٢.

(٦) سورة النمل ، الآية : ٢٠.

(٧) سورة البقرة الآية : ٢٨ ، ٢٩.


حين صدور الكفر منهم ، لا بد من أن يكونوا على إحدى الحالين : إما عالمين بالله ، وإما جاهلين به ، فلا ثالثة ، فإذا قيل لهم : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) وقد علمت أن (كيف) للسؤال عن الحال ، وللكفر مزيد اختصاص بالعلم بالصانع وبالجهل به ، انساق إلى ذلك فأفاد : أفي حال العلم بالله تكفرون؟ أم في حال الجهل به؟ ثم إذا قيد : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) بقوله : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) وصار المعنى : كيف تكفرون بالله ، والحال حال علم بهذه القصة ، وهي أن كنتم أمواتا فصرتم أحياء ، وسيكون كذا وكذا ، صير الكفر أبعد شيء عن العاقل ، فصار وجوده منه مظنة التعجب. ووجه بعده ، هو أن هذه الحالة تأبى أن لا يكون للعاقل علم بأن له صانعا قادرا ، عالما حيّا ، سميعا بصيرا ، موجودا غنيّا في جميع ذلك عن سواه ، قديما غير جسم ولا عرض ، حكيما خالقا ، منعما مكلفا ، مرسلا للرسل ، باعثا مثيبا معاقبا ، وعلمه بأن له هذا الصانع يأبى أن يكفر ، وصدور الفعل عن القادر ، مع الصارف القوي ، مظنة تعجب وتعجيب ، وإنكار وتوبيخ ، فصح أن يكون قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) إلى آخر الآية ، تعجبا وتعجيبا ، وإنكارا وتوبيخا ، وكذلك يقال : أين مغيثك؟ للتوبيخ والتقريع والإنكار ، حال تذليل المخاطب ، قال تعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)(١) توبيخا للمخاطبين وتقريعا لهم ؛ لكونه سؤالا في وقت الحاجة إلى الإغاثة عمن كان يدعى له أنه يغيث ، وقال : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ)(٢) للتنبيه على الضلال ، ويقال : أنّى تعتمد على خائن ، للتعجب والتعجيب والإنكار ، قال الله تعالى : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)(٣) إنكارا وتوبيخا وقال : (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ)(٤) استبعادا لذكراه ، ويقال : متى قلت هذا؟ للجحد والإنكار ، ومتى تصلح شأني؟ للاستبطاء.

__________________

(١) سورة القصص ، الآيات : ٦٢ و ٧٤.

(٢) سورة التكوير ، الآية ٢٦.

(٣) سورة الأنعام ، الآية : ٩٥.

(٤) سورة الدخان ، الآية ١٣.


وقد عرفت الطريق فراجع نفسك ، وإذا سلكتها فاسلكها عن كمال التيقظ لما لقنت ، فلا تجوز بعد ما عرفت أن التقديم يستدعي العلم بحال نفس الفعل ، وقوعا أو غير وقوع ؛ أزيدا ضربت؟ سائلا عن حال وقوع الضرب ، ولا : أأنت ضربت زيدا؟ بنية التقديم ، ولا ترضى : أزيدا ضربت أم لا؟ ولا : أأنت ضربت زيدا أم لا؟ بنية التقديم ولكن إن شئت (أم) فقل : أزيدا ضربت (أم) غيره؟ و: أأنت ضربت زيدا (أم) غيرك؟ وإن أردت بالاستفهام التقرير ، فأخذه على مثال الإثبات ، فقل حال تقرير الفعل : أضربت زيدا؟ أو : أتضرب زيدا؟ وقل حال تقرير أنه الضارب دون عمرو : أأنت ضربت زيدا؟ كما قال تعالى : (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ)(١) أو أن زيدا مضروبه : أزيدا ضربت؟ وإن أردت به الإنكار ، فانسجه على منوال النفي ، فقل في إنكار نفس الضرب : أضربت زيدا؟ أو قل : أزيدا ضربت أم عمرا؟ فإنك إذا أنكرت من يردد الضرب بينهما ، تولد منه إنكار الضرب على وجه برهاني ، ومنه قوله تعالى : (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ)(٢) وفي إنكار أنه الضارب : أأنت ضربت زيدا؟ وفي إنكار أن زيدا مضروبه : أزيدا ضربت؟ كما قال تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا)(٣) وقال : (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ)(٤) ومنه أيضا قوله تعالى : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ)(٥) فتذكر ، ولا تغفل عن التفاوت بين الإنكار للتوبيخ على معنى : لم كان ، أو : لم يكون ، كقولك : أعصيت ربك؟ أو أتعصى ربك؟ وبين الإنكار للتكذيب على معنى : لم يكن ، أو : لا يكون كقوله تعالى : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ)(٦) وقوله : (أَصْطَفَى الْبَناتِ

__________________

(١) سورة الأنبياء ، الآية ٦٢.

(٢) سورة الأنعام ، الآية ١٤٣.

(٣) سورة الأنعام ، الآية ١٤.

(٤) سورة الأنعام ، الآية ٤٠.

(٥) سورة القمر ، الآية ٢٤.

(٦) سورة الإسراء الآية : ٤٠.


عَلَى الْبَنِينَ)(١) وقوله : (أَنُلْزِمُكُمُوها)(٢) وإياك أن يزل عن خاطرك التفصيل الذي سبق ، في نحو : أنا ضربت ، وأنت ضربت ، وهو ضرب ، من احتمال الابتداء ، واحتمال التقديم ، وتفاوت المعنى في الوجهين ، فلا تحمل نحو قوله تعالى : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ)(٣) على التقديم ، فليس المراد أن الإذن ينكر من الله دون غيره ، ولكن احمله على الابتداء مرادا منه تقوية حكم الإنكار ، وانظم في هذا السلك قوله تعالى : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ)(٤) وقوله تعالى : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ)(٥) وقوله : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ)(٦) وما جرى مجراه.

وإذ قد عرفت أن هذه الكلمات للاستفهام ، وعرفت أن الاستفهام طلب ، وليس يخفى أن الطلب إنما يكون لما يهمك ويعنيك شأنه ، لا لما وجوده وعدمه عندك بمنزلة ، وقد سبق أن كون الشيء مهما جهة مستدعية لتقديمه في الكلام ، فلا يعجبك لزوم كلمات الاستفهام صدر الكلام ووجوب التقديم ، في نحو : كيف زيد؟ وأين عمرو؟ ومتى الجواب؟ وما شاكل ذلك.

__________________

(١) سورة الصافات الآية ١٥٣.

(٢) سورة هود ، الآية : ٢٨.

(٣) سورة يونس الآية : ٥٩.

(٤) سورة يونس : الآية : ٩٩.

(٥) سورة الزخرف ، الآية : ٤٠.

(٦) سورة الزخرف ، الآية : ٣٢.


الباب الثالث

في الأمر

للأمر حرف واحد وهو اللام الجازم في قولك : ليفعل ، وصيغ مخصوصة سبق الكلام في ضبطها في علم الصرف ، وعدة أسماء ذكرت في علم النحو.

والأمر في لغة العرب عبارة عن استعمالها أعني استعمال نحو : لينزل ، وانزل ، ونزال وصه على سبيل الاستعلاء. وأما أن هذه الصور ، والتي هي من قبيلها ، هل هي موضوعة لتستعمل على سبيل الاستعلاء أم لا؟ فالأظهر أنها موضوعة لذلك ، وهي حقيقة فيه ، لتبادر الفهم عند استماع نحو : قم وليقم زيد ، إلى جانب الأمر ، وتوقف ما سواه من الدعاء ، والالتماس والندب ، والإباحة والتهديد ، على اعتبار القرائن. وإطباق أئمة اللغة على إضافتهم نحو : قم ، وليقم ، إلى الأمر بقولهم : صيغة الأمر ، ومثال الأمر ، ولام الأمر ، دون أن يقولوا : صيغة الإباحة ، ولام الإباحة ، مثلا يمد ذلك لك. وتحقيق معنى الحقيقة والمجاز موضعه في علم البيان ، فنذكره هناك إن شاء الله تعالى.

ولا شبهة في أن طلب المتصور ، على سبيل الاستعلاء ، يورث إيجاب الإتيان على المطلوب منه ، ثم إذا كان الاستعلاء ممن هو أعلى رتبة من المأمور استتبع إيجابه وجوب الفعل بحسب جهات مختلفة ، وإلّا لم يستتبعه ، فإذا صادفت هذه أصل الاستعمال بالشرط المذكور ، أفادت الوجوب ، وإلّا لم تفد غير الطلب ، ثم إنها حينئذ تولد بحسب قرائن الأحوال ما ناسب المقام ، إن استعملت على سبيل التضرع كقولنا : اللهم اغفر وارحم ، ولدت الدعاء ؛ وإن استعملت على سبيل التلطف ، كقول كل أحد لمن يساويه في المرتبة : افعل ، بدون الاستعلاء ، ولدت السؤال والالتماس كيف عبرت عنه ، وإن استعملت في مقام الإذن ، كقولك : جالس الحسن ، أو ابن سيرين ، لمن يستأذن في ذلك بلسانه أو بلسان حاله ، ولدت الإباحة ؛ وإن استعملت في مقام تسخط المأمور به ، ولدت التهديد ، على ما تقدم الكلام في أمثال ذلك.


الباب الرابع

في النهي

للنهي حرف واحد وهو (لا) الجازم في قولك : لا تفعل ؛ والنهي محذو به حذو الأمر في أن أصل استعمال : لا تفعل ، أن يكون على سبيل الاستعلاء بالشرط المذكور ، فإن صادف ذلك ، أفاد الوجوب ، وإلا أفاد طلب الترك فحسب ، ثم إن استعمل على سبيل التضرع ، كقول المبتهل إلى الله : لا تكلني إلى نفسي ، سمي دعاء ، وإن استعمل في حق المساوي الرتبة لا على سبيل الاستعلاء ، سمي : التماسا ، وإن استعمل في حق المستأذن ، سمي : إباحة ، وإن استعمل في مقام تسخط الترك ، سمي : تهديدا.

والأمر والنهي حقهما الفور ، والتراخي يوقف على قرائن الأحوال ؛ لكونهما للطلب ، ولكون الطلب في استدعاء تعجيل المطلوب أظهر منه في عدم الاستدعاء له عند الإنصاف ، والنظر إلى حال المطلوب بأخويهما وهما : الاستفهام والنداء منبه على ذلك صالح ، ومما ينبه على ذلك تبادر الفهم ، إذا أمر المولى عبده بالقيام ، ثم أمره قبل أن يقوم ، بأن يضطجع وينام حتى المساء إلى أن المولى غير الأمر ، دون تقدير الجمع بينهما في الأمر ، وإرادة التراخي للقيام ، وكذا استحسان العقلاء عند أمر المولى عبده بالقيام أو القعود ، أو عند نهيه إياه ، إذا لم يتبادر إلى ذلك ذمه.

وأما الكلام في أن الأمر أصل في المرة أم في الاستمرار ، وأن النهي أصل في الاستمرار أم في المرة ، كما هو مذهب البعض ، فالوجه هو أن ينظر ، إن كان الطلب بهما راجعا إلى قطع الواقع ، كقولك في الأمر للساكن : تحرك ، وفي النهي للمتحرك : لا تتحرك ، فالأشبه المرة ، وإن كان الطلب بهما راجعا إلى اتصال الواقع ، كقولك في الأمر للمتحرك : تحرك ، ولا تظنن هذا طلبا للحاصل ، فإن الطلب حال وقوعه يتوجه إلى الاستقبال ، كما نبهت عليه في صدر القانون ، ولا وجود في الاستقبال قبل صيرورته حالا ، وقولك في النهي للمتحرك : لا تسكن ، فالأشبه الاستمرار.

واعلم أن هذه الأبواب الأربعة : التمني والاستفهام والأمر والنهي تشترك في الإعانة على تقدير الشرط بعدها ، كقولك في التمني : ليت لي مالا أنفقه ، على معنى : إن أرزقه أنفقه ، وقولك في الاستفهام : أين بيتك أزرك؟ على معنى أن تعرفنيه ، أو إن أعرفه


أزرك ، وأما العرض ، كقولك : ألا تنزل تصب خيرا؟ على معنى : إن تنزل تصب خيرا ، فليس بابا على حدة ، وإنما هو من مولدات الاستفهام كما عرفت ، وقولك في الأمر : أكرمني أكرمك. قال تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي)(١) بالجزم ، وأما قراءة الرفع فالأولى حملها على الاستئناف دون الوصف ، لئلا يلزم منه أنه لم يوهب من وصف ؛ لهلاك يحيى قبل زكريا ، وقال تعالى : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ)(٢) ومنهم من يضمر لام الأمر مع : يقيموا ، إلا أن إضمار الجازم نظير إضمار الجار ، فانظر ، وقولك في النهي : لا تشتم يكن خيرا لك ، على معنى : إن لا تشتم يكن خيرا لك. وتقدير الشرط لقرائن الأحوال غير ممتنع ، قال تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ)(٣) على تقدير : إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم ، وقال تعالى : (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ)(٤) على تقدير : إن أرادوا وليّا بحقّ ، فالله هو الولي بالحق لا ولي سواه ، وأمثال ذلك في القرآن كثيرة ، وكذا تقدير الجزاء لها كذلك ، قال تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ)(٥) وترك الجزاء وهو : ألستم ظالمين لذكر الظلم عقيبه في قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

__________________

(١) سورة مريم الآيات ٥ ـ ٦. قرأ أبو عمرو والكسائي (يرثنى ويرث) بالجزم ، وقرأهما الباقون بالرفع.

اختلاف الإعراب في القراءات السبع ص ٢٩٢.

(٢) سورة إبراهيم الآية ٣١.

(٣) سورة الأنفال ، الآية ١٧.

(٤) سورة الشورى الآية : ٩.

(٥) سورة الأحقاف الآية : ١٠.


الباب الخامس

في النداء

ما يتعلق بالنداء من حروفه وتفصيل الكلام في معانيها سبق التعرض لذلك في علم النحو ، فلا نتكلم فيه ، ولكن ههنا نوع من الكلام ، صورته صورة النداء ، وليس بنداء ، فننبه عليه.

تلك الصورة هي قولهم : أما أنا فأفعل كذا أيها الرجل ، ونحن نفعل كذا أيها القوم ، واللهم اغفر لنا أيتها العصابة ، يراد بهذا النوع من الكلام الاختصاص على معنى : أنا أفعل كذا متخصصا بذلك من بين الرجال ، ونحن نفعل كذا متخصصين من بين الأقوام ، واللهم اغفر لنا مخصوصين من بين العصائب.

واعلم أن الطلب كثيرا ما يخرج لا على مقتضى الظاهر ، وكذلك الخبر ، فيذكر أحدهما في موضع الآخر ، ولا يصار إلى ذلك إلا لتوخي نكت قلما يتفطن لها من لا يرجع إلى دربة في نوعنا هذا ، ولا يعض فيه بضرس قاطع ، والكلام بذلك متى صادف متممات البلاغة افتر لك عن السحر الحلال بما شئت.

ومن المتممات ما قد سبق لي : أن نظم الكلام إذا استحسن من بليغ لا يمتنع أن لا يستحسن مثله من غير البليغ ، وإن اتحد المقام ، إذ لا شبهة في صحة اختلاف النظم ، مقبولا وغير مقبول عند اختلاف المقام ، فلا بد لحسن الكلام من انطباق له على ما لأجله يساق ، ومن صاحب له عرّاف بجهات الحسن لا يتخطاها ، وإلّا لم يمتنع حمل الكلام منه على غيرها ، ويتعرى عن الحسن لذهاب كسوته ، ولا بدّ مع ذلك من إذن لافتنانات البلاغة مصوغة ، فما الآفة العظمى ، والبلية الكبرى ، لتلك الافتنانات إلّا من أصمخة هي لغيرها مخلوقة ، إذا اتصل بذويها كلام لا ترى به الدر الثمين ، مسخه لهم جهلهم مسخا يفوقه قيمة المشخلب (١).

__________________

(١) المشخلب : كلمة عراقية ليس على بنائها شىء من العربية ، وتتخذ من الليف والخرز أمثال الحلى.


ولأمر ما تجد القرآن متفاوت القدر ارتفاعا وانحطاطا بين العلماء في نوعنا هذا وبين الجهلة. والجهات المحسنة لاستعمال الخبر في موضع الطلب تكثر ، تارة تكون قصد التفاؤل بالوقوع ، كما إذا قيل لك في مقام الدعاء : أعاذك الله من الشبهة ، وعصمك من الحيرة ، ووفقك للتقوى ، ليتفاءل بلفظ المضي على عدها من الأمور الحاصلة ، التي حقها الإخبار عنها بأفعال ماضية ، وأنه نوع مستحسن الاعتبار ، وقل لي إذا حسن اعتبار ما هو أبعد ، كإباء الكتاب في حق المخدّرات لفظ (حر استها) (١) ، وما هو أبعد وأبعد ، كإباء أهل الظرف إهداء السفرجل ، فما ظنك بالقريب؟ وهل خلع هارون على كاتبه إذ سأله عن شيء فقال : لا وأيد الله أمير المؤمنين ، إلا لأنه لم يسمع ما عليه الأغبياء فيما بينهم من : لا أيدك الله ، بترك الواو ، أو غير هارون حين خرج إلى ناحية لمطالعة عماراتها ، وقد تراءت له في طريقه أشجر من بعيد ، فسأل عنها كاتبا يصحبه ، فقال الكاتب : شجرة الوفاق ، تفاديا عن لفظ الخلاف ، فكساه.

أفترى ذلك لغير ما نحن فيه ، أو هل حين غضب الداعي على شاعره أبي مقاتل الضرير حين افتتح :

موعد أحبابك للفرقة غد

أغضبه شيء غير معنى التفاؤل ، حتى قال له : موعد أحبابك يا أعمى ، ولك المثل السوء ؛ وأمر بإخراجه. وهل تسمية العرب الفلاة : مفازة ، والعطشان : ناهلا ، واللديغ : سليما ، وما شاكل ذلك ، إلّا من باب التفاؤل؟ فالمفازة هي المنجاة ، والناهل هو الريان ، والسليم هو ذو السلامة.

وتارة لإظهار الحرص في وقوعه ، فالطالب ، متى تبالغ حرصه فيما يطلب ، ربما انتقشت في الخيال صورته لكثرة ما يناجي به نفسه ، فيخيل إليه غير الحاصل حاصلا ،

__________________

(١) الحر : بتخفيف الراء ، الفرج ، وأصله حرح ـ بكسر الحاء وسكون الراء ، ومنهم من يشدد الراء ، وليس بجيد ، وفي صحيح البخاري ك الأشربة ، واللباس : ليكونن من أمتى أقوام يستحلون الحر ... الحديث.

والاست : العجز ، وقد يراد بها حلقة الدبر.


حتى إذا حكم الحس بخلافه ، غلّطه تارة ، واستخرج له محملا أخرى. وعليه قول شيخ المعرة (١) :

ما سرت إلّا وطيف منك يصحبني ...

سرّى أمامي وتأويبا على أثري

يقول : لكثرة ما ناجيت نفسي بك انتقشت في خيالي ، فأعدك بين يدي مغلطا للبصر بعلة الظلام ، إذا لم يدركك ليلا أمامي ، وأعدك خلفي إذا لم يتيسر لي تغليطه حين لا يدركك بين يدي نهارا ، وتارة لقصد الكناية ، كقول العبد للمولى ، إذا حول عنه الوجه : ينظر المولى إلى ساعة.

ووجه حسنه : إما نفس الكناية ، إن شئت ، وإما الاحتراز عن صورة الأمر ، وإما هما. وتارة لحمل المخاطب على المذكور أبلغ حمل بألطف وجه ، كما إذا سمعت من لا تحب أن ينسب إلى الكذب يقول لك ، تأتيني غدا ، أولا تأتيني ؛ وتارة مناسبات أخر فتأملها ، ففيها كثرة.

وما من آية من آي القرآن واردة على هذا الأسلوب إلا مدارها على شيء من هذه النكت ، قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ)(٢) في موضع : لا تعبدوا. (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ)(٣) في موضع : لا تسفكوا.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ

__________________

(١) شيخ المعرة : أبو العلاء المعري : أحمد بن عبد الله بن سليمان .... التنوخي المعري. كنيته أبو العلاء ، ولد بالمعرة سنة ٣٦٣ ه‍ ، قرأ اللغة والنحو على أبيه بالمعرة ، وكان عالما باللغة والنحو والأدب ، وكانت وفاته سنة ٤٤٩ ه‍.

والبيت من البسيط له الإيضاح (١ / ١٨٣) ، والمصباح (٩٣) ، ديوان سقط الزند (١ / ١١٨) وشرح عقود الجمان ص ٨٢٩.

السرى : السير ليلا ، والتأويب : ضد السرى ، وهو قطع النهار سيرا.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٨٣ ، ٨٤.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٨٣ ، ٨٤.


بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ)(١) موضع : آمنوا وجاهدوا ، فانظر.

ومن هذا القبيل قول كل من يقول من البلغاء في الدعاء : رحمه‌الله ، أو يرحمه.

ومن الجهات المحسنة لإيراد الطلب في مقام الخبر ، إظهار معنى الرضا بوقوع الداخل تحت لفظ الطلب إظهارا إلى درجة كأن المرضي مطلوب ، قال كثير (٢) :

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة

فذكر لفظ الأمر بالإساءة ثم عطف عليه بلفظ : (أو) الأمر بضد الإساءة ؛ تنبيها بذلك على أن ليس المراد بالأمر الإيجاب المانع عن الترك ، لكن المراد هو الإباحة التي تنافي تخير المخاطب بين أن يفعل ، وأن لا يفعل ، فاعلا كل ذلك لتوخي إظهار مزيد الرضى بأي ما اختارت في حقه من الإساءة أو الإحسان ، أو توخي إظهار نفي أن يتفاوت جوابه بتفاوته وقوعا وعدم وقوع ، كما يقول : صم أولا تصم ، (فإني لا أترك الصيام) ، توهم من تخاطب أنك تطلب منه أن يصوم وينظر في حالك ، أو لا يصوم وينظر ليتبين ثباتك على الصيام ، صام هو أو لم يصم ، وعليه قوله تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ)(٣) وكذا قوله :

__________________

(١) سورة الصف ، الآيتان : ١٠ ـ ١١.

(٢) هو كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة ، من خزاعة ، كان رافضيا. وعزة محبوبته كني ، بها ، وهو مدح بني أمية ، جعله ابن سلام في الطبقة الأولى من الإسلاميين. توفي سنة ١٠٥ ه‍. معجم الشعراء ، طبقات الشعراء ، الشعر والشعراء ، الأغاني ، المؤتلف والمختلف ، اللآلىء ، وفيات الأعيان ، معاهد التنصيص ، خزانة الأدب ، وغيرها.

والبيت من الطويل وهو وفي ديوانه ص ١٠١ والتنبيه والإيضاح (١ / ٢١) والإيضاح (١ / ٢٤٢) والأغاني (٩ / ٣٨) وأمالى القالى (٢ / ١٠٩) وتاج العروس (١ / ٢٧٤) والتبيان (١ / ٢٥٦) ويروى (ملولة) بدل (ملومة) وتمام البيت :

لدينا ولا مقلية إن تقلّت.

(٣) سورة التوبة ، الآية ٨٠.


(أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ)(١) ، وما شاكل ذلك من لطائف الاعتبارات ، والأمر في باب التعجب من نحو : أكرم بزيد ، على قول من يقول : إنه بمعنى الخبر ؛ آخذا همزته من قبيل : ذي كذا ، جاعلا الباء زائدة ، مثلها في : (كَفى بِاللهِ)(٢) [منخرط](٣) في هذا السلك.

ولهذا النوع ، أعني إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر ، أساليب متفننة ، إذ ما من مقتضى كلام ظاهري إلّا ولهذا النوع مدخل فيه بجهة من جهات البلاغة ، على ما ننبه على ذلك منذ اعتنينا بشأن هذه الصناعة ، وترشد إليه تارة بالتصريح ، وتارات بالفحوى ، ولكل من تلك الأساليب عرق في البلاغة يتسرب من أفانين سحرها ، ولا كالأسلوب الحكيم فيها ، وهو : تلقي المخاطب بغير ما يترقب ، كما قال (٤) :

أتت تشتكي عندي مزاولة القرى ...

وقد رأت الضيفان ينحون منزلي

فقلت كأنّي ما سمعت كلامها ...

هم الضيف جدّي في قراهم وعجّلي

أو السائل بغير ما يتطلب ، كما قال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ)(٥) قالوا في السؤال : ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ، ثم يتزايد قليلا قليلا حتى يمتلىء ويستوي ، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدا؟ فأجيبوا بما ترى. وكما قال : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(٦) سألوا عن بيان ما ينفقون ، فأجيبوا ببيان

__________________

(١) سورة التوبة الآية ٥٣.

(٢) سورة النساء ، الآية ٦ ، وكثير من الآيات غيرها.

(٣) في (غ): (منخرما).

(٤) البيتان من الطويل ينسبان لحاتم الطائى ، وهما في الإيضاح (١ / ١٨٣) بلا عزو.

(٥) سورة البقرة الآية ١٨٩.

(٦) سورة البقرة ، الآية ٢١٥.


المصرف ، ينزل سؤال السائل منزلة سؤال غير سؤاله ؛ لتوخي التنبيه له بألطف وجه ، على تعديه عن موضع سؤال هو أليق بحاله أن يسأل عنه ، أو أهم له إذا تأمل.

وإن هذا الأسلوب الحكيم لربما صادف المقام فحرك من نشاط السامع ما سلبه حكم الوقور ، وأبرزه في معرض المسحور ، وهل ألان شكيمة الحجاج لذلك الخارجي ، وسل سخيمته ، حتى آثر أن يحسن على أن يسيء ، غير أن سحره بهذا الأسلوب ، إذ توعده الحجاج بالقيد في قوله : لأحملنك على الأدهم ، فقال متغابيا : مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب ، مبرزا وعيده في معرض الوعد ، متوصلا أن يريه بألطف وجه أن امرأ مثله في مسند الإمرة المطاعة خليق بأن يصفد (١) لا أن يصفد (٢) وأن يعد ، لا أن يوعد.

وليكن هذا آخر كلامنا الآن في علم المعاني ، منتقلين عنه إلى علم البيان ، بتوفيق الله تعالى وعونه ، حتى إذا قضينا الوطر من إيرادنا منه لما نحن له استأنفنا الأخذ في التعرض للعلمين ، لتتميم المراد منهما بحسب المقامات ، إن شاء الله تعالى (٣).

__________________

(١) صفد : أعطى الصفد وهو العطاء ، وصفده يصفده : أوثقه وشده في الحديد وغيره.

(١) صفد : أعطى الصفد وهو العطاء ، وصفده يصفده : أوثقه وشده في الحديد وغيره.

(٢) في بعض النسخ (رب أعن على إتمام المطلوب ، والحمد لله أولا وآخرا ، وظاهرا وباطنا ، والصلاة على نبيه محمد وآله الطاهرين. في أواخر جمادى الثاني سنة ٧٣٨ في مدينة السّلام ببغداد).


علم البيان

الفصل الثاني

علم البيان

تمهيد :

والخوض فيه يستدعي تمهيد قاعدة وهي : أن محاولة إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة ، بالزيادة في وضوح الدلالة عليه ، والنقصان بالدلالات الوضعية ، غير ممكن. فإنك إذا أردت تشبيه الخد بالورد في الحمرة مثلا ، وقلت : خد يشبه الورد ، امتنع أن يكون كلام مؤد لهذا المعنى بالدلالات الوضعية أكمل منه في الوضوح أو أنقص ، فإنك إذا أقمت مقام كل كلمة منها ما يرادفها ، فالسامع ، إن كان عالما بكونها موضوعة لتلك المفهومات ، كان فهمه منها كفهمه من تلك ، من غير تفاوت في الوضوح ، وإلا لم يفهم شيئا أصلا ، وإنما يمكن ذلك في الدلالات العقلية ، مثل أن يكون لشيء تعلق بآخر ولثان ولثلاث ، فإذا أريد التوصل بواحد منها إلى المتعلق به ، فمتى تفاوتت تلك الثلاثة في وضوح التعلق وخفائه ، صح في طريق إفادته الوضوح والخفاء.

وإذا عرفت هذا ، عرفت أن صاحب علم البيان له فضل احتياج إلى التعرض لأنواع دلالات الكلم ، فنقول : لا شبهة في أن اللفظة متى كانت موضوعة لمفهوم ، أمكن أن تدل عليه من غير زيادة ولا نقصان بحكم الوضع ، وتسمى هذه دلالة المطابقة ودلالة وضعية. ومتى كان لمفهومها ذلك ، ولنسمه أصليّا ، تعلق بمفهوم آخر ، أمكن أن تدل عليه بوساطة ذلك التعلق بحكم العقل ، سواء كان ذلك المفهوم الآخر داخلا في مفهومها الأصلي ، كالسقف مثلا في مفهوم البيت ، ويسمى هذا دلالة التضمن ، ودلالة عقلية أيضا ، أو خارجا عنه ، كالحائط عن مفهوم السقف ، وتسمى هذه دلالة الالتزام ، ودلالة عقلية أيضا ، ولا يجب في ذلك التعلق أن يكون مما يثبته العقل ، بل إن كان مما يثبته اعتقاد المخاطب ، إما لعرف أو لغير عرف ، أمكن المتكلم أن يطمع من مخاطبه ذلك في صحة أن ينتقل ذهنه من المفهوم الأصلي إلى الآخر ، بواسطة ذلك التعلق بينهما في اعتقاده.


وإذا عرفت أن إيراد المعنى الواحد على صور مختلفة لا يتأتى إلا في الدلالات العقلية ، وهي : الانتقال من معنى إلى معنى بسبب علاقة بينهما ، كلزوم أحدهما الآخر بوجه من الوجوه ، ظهر لك أن علم البيان مرجعه اعتبار الملازمات بين المعانى.

ثم إذا عرفت أن اللزوم إذا تصور بين الشيئين ، فإما أن يكون من الجانبين ، كالذي بين الأمام والخلف بحكم العقل ، أو بين طول القامة وبين طول النجاد بحكم الاعتقاد ، أو من جانب واحد ، كالذي بين العلم والحياة بحكم العقل ، أو بين الأسد والجراءة بحكم الاعتقاد ، ظهر لك أن مرجع علم البيان اعتبار هاتين الجهتين : جهة الانتقال من ملزوم إلى لازم ، وجهة الانتقال من لازم إلى ملزوم.

ولا يربك بظاهره الانتقال من أحد لازمي الشيء إلى الآخر ، مثل ما إذا انتقل من بياض الثلج إلى البرودة ، فمرجعه ما ذكر ، ينتقل من البياض إلى الثلج ، ثم من الثلج إلى البرودة ، فتأمل.

وإذا ظهر لك أن مرجع علم البيان هاتان الجهتان ، علمت انصباب علم البيان إلى التعرض للمجاز والكناية. فإن المجاز ينتقل فيه من الملزوم إلى اللازم ، كما تقول : رعينا غيثا ، والمراد لازمه ، وهو النبت ، وقد سبق أن اللزوم لا يجب أن يكون عقليّا ، بل إن كان اعتقاديّا ، إمّا لعرف أو لغير عرف ؛ صح البناء عليه ، وإما نحو قولك : أمطرت السماء نباتا ، أي : غيثا ، من المجازات المنتقل فيها عن اللازم إلى الملزوم ، فمنخرط في سلك : رعينا الغيث.

وفصل ترجيح المجاز على الحقيقة ، والكناية على التصريح ، إذا انتهينا إليه ، يطلعك على كيفية انخراطه في سلكه ، بإذن الله تعالى. والمطلوب بهذا التكلف هو الضبط ، فاعلم.

وإن الكناية ينتقل فيها من اللازم إلى الملزوم ، كما تقول : فلان طويل النجاد ، والمراد طول القامة الذي هو ملزوم طول النجاد ، فلا يصار إلى جعل النجاد طويلا أو قصيرا ، إلا لكون القامة طويلة أو قصيرة ، فلا علينا أن نتخذهما أصلين.

وإذ لا يخفى ، أن طريق الانتقال من الملزوم إلى اللازم طريق واضح بنفسه ، ووضوح طريق الانتقال من اللازم إلى الملزوم إنما هو بالغير ، وهو العلم بكون اللازم


مساويا للملزوم أو أخص منه ؛ فلا عتب في تأخير الكناية لكونها ، بالنظر إلى هذه الجهة ، نازلة من المجاز منزلة المركب من المفرد ، ثم إن المجاز ، أعني الاستعارة ، من حيث إنها من فروع التشبيه ، كما ستقف عليه ، لا تتحقق بمجرد حصول الانتقال من الملزوم إلى اللازم ، بل لا بد فيها من تقدمة تشبيه شيء بذلك الملزوم في لازم له ، تستدعي تقديم التعرض للتشبيه ، فلا بد من أن نأخذه أصلا ثالثا ، ونقدمه ، فهو الذي إذا مهرت فيه ، ملكت زمام التدرب في فنون السحر البياني.

الأصل الأول

من علم البيان في الكلام في التشبيه

لا يخفى عليك أن التشبيه مستدع طريقين ، مشبها ومشبها به.

واشتراكا بينهما من وجه ، وافتراقا من آخر ، مثل أن يشتركا في الحقيقة ، ويختلفا في الصفة ، أو بالعكس ، فالأول : كالإنسانين : إذا اختلفا صفة : طولا وقصرا.

والثاني : كالطويلين ، إذا اختلفا حقيقة : إنسانا وفرسا ، وإلا فأنت خبير بأن ارتفاع الاختلاف من جميع الوجوه ، حتى التعين يأبى التعدد ، فيبطل التشبيه ؛ لأن تشبيه الشيء لا يكون إلا وصفا له بمشاركته المشبه به في أمر ، والشيء لا يتصف بنفسه ، كما أن عدم الاشتراك بين الشيئين في وجه من الوجوه يمنعك محاولة التشبيه بينهما ، لرجوعه إلى طلب الوصف حيث لا وصف ، وأن التشبيه لا يصار إليه إلّا لغرض ، وأن حاله تتفاوت بين القرب والبعد ، وبين القبول والرد ؛ هذا القدر المجمل لا يحوج إلى دقيق نظر ، إنما المحوج هو تفصيل الكلام في مضمونه ، وهو طرفا التشبيه ، ووجه التشبيه ، والغرض في التشبيه وأحوال التشبيه ، ككونه : قريبا أو غريبا ، مقبولا أو مردودا ، فظهر من هذا أن لا بد من النظر في هذه المطالب الأربعة ، فلننوعه أربعة أنواع :

طرفا التشبيه :

النوع الأول : النظر في طرفي التشبيه : المشبه والمشبه به ، إما أن يكونا مستندين إلى الحس : كالخد عند التشبيه بالورود ، في المبصرات ، وكالأطيط عند التشبيه بصوت الفراريج في المسموعات ، وكالنكهة عند التشبيه بالعنبر في المشمومات ، وكالريق عند


التشبيه بالخمر في المذوقات ، وكالجلد الناعم عند التشبيه بالحرير في الملموسات. وإما ما يستند إلى الخيال : كالشقيق عند التشبيه بأعلام ياقوت منشرة على رماح من الزبرجد ، فهو في قرن الحسيات ملزوز (١) ، تقليلا للاعتبار ، وتسهيلا على المتعاطي.

وإما أن يكونا مستندين إلى العقل : كالعلم إذا شبه بالحياة ، وإما أن يكون المشبه معقولا ، والمشبه به محسوسا : كالعدل إذا شبه بالقسطاس ، وكالمنية إذا شبهت بالسبع :

وكحال من الأحوال إذا شبهت بناطق أو بالعكس من ذلك : كالعطر إذا شبه بخلق كريم.

وأما الوهميات المحضة كما إذا قدرنا صورة وهمية محضة مع المنية مثلا ، ثم شبهناها بالمخلب أو بالناب المحققين ، فقلنا : افترست المنية فلانا ، بشيء هو لها شبيه بالمخلب أو بشيء هو لها شبيه بالناب ، أو مع الحال ، ثم شبهناها باللسان ، فقلنا : نطقت الحال بشيء هو لها شبيه باللسان ، فملحقة بالعقليات ، وكذا الوجدانيات ، كاللذة والألم ، والشبع والجوع ؛ فاعرفه.

وجه التشبيه :

النوع الثاني : النظر في وجه التشبيه. لما انحصر التشبيه بين أن يكون الاشتراك بالحقيقة ، والافتراق بالصفة تارة ، مثل جسمين : أبيض وأسود ، وكذا مثل أنف ومرسن (٢) ، فهما مشتركان في الحقيقة ، وهو العضو المعلوم ، وإنما يفترقان : باتصاف أحدهما بالاختصاص بالإنسان ، واتصاف الآخر بالاختصاص بالمرسونات ، وما جرى مجراهما ، من نحو شفة وجحفلة ، ورجل وحافر ، وبين أن يكون الاشتراك بالصفة تارة ، والافتراق بالحقيقة أخرى ، مثل : طويلين جسم وخط ، والوصف حين انحصر بين أن يكون مستندا إلى الحس : كالكيفيات الجسمانية ، مثل : الاتصاف بما يدرك بالبصر من الألوان والأشكال ، والمقادير والحركات ، وما يتصل بها من الحسن والقبح ، وغير ذلك ،

__________________

(١) ملزوز : مقرون ، من لز الشىء بالشىء : ألزمه إياه.

(٢) المرسن : الأنف : وجمعه مراسن.


أو بما يدرك بالسمع من الأصوات الضعيفة أو القوية ، أو التي بين بين ، أو بما يدرك بالذوق من أنواع الطعوم ، أو بما يدرك بالشم من أنواع الروائح ، أو بما يدرك باللمس من الحرارة والبرودة ، والرطوبة واليبوسة ، والخشونة والملاسة ، واللين والصلابة ، ومن الخفة والثقل ، وما ينضاف إليها ؛ وبين أن يكون مستندا إلى العقل.

والعقلي أيضا لما انحصر بين حقيقي : كالكيفيات النفسانية ، مثل الاتصاف بالذكاء والتيقظ والمعرفة ، والعلم ، والقدرة ، والكرم ، والسخاء ، والحلم ، والغضب ، وما جرى مجراها من الغرائز والأخلاق ، وبين اعتباري ونسبي : كاتصاف الشيء بكونه مطلوب الوجود أو العدم عند النفس ، أو بكونه مطموعا فيه ، أو بعيدا عن الطمع ، أو بشيء تصوري وهمي محض.

ومن المعلوم عندك أن الحقائق منقسمة إلى : بسائط وذوات أجزاء مختلفة ، وأن في الصفات ما مرجعها أمر واحد ، وما مرجعها أكثر ، ظهر لك ، مما ذكر ، أن وجه التشبيه يحتمل أن يتفاوت فنقول ، وبالله التوفيق :

وجه التشبيه واحدا :

وجه التشبيه :

إما أن يكون أمرا واحدا أو غير واحد ، وغير الواحد ، إما أن يكون في حكم الواحد لكونه : إما حقيقة ملتئمة ، وإما أوصافا مقصودا من مجموعها إلى هيئة واحدة ، أو لا يكون في حكم الواحد ، فهذه أقسام ثلاثة :

أما الأول : فإما أن يكون : حسيا أو عقليا. ولا بد للحسي من أن يكون طرفاه حسيين لامتناع إدراك الحس من غير المحسوس ، جهة دون العقلي ، فإنه يعم أنواع الطرفين الأربعة المذكورة لصحة إدراك العقل من المحسوس جهة. ولذلك تسمع علماء هذا الفن ، رضوان الله عليهم أجمعين ، يقولون : التشبيه بالوجه العقلى أعم من التشبيه بالوجه الحسي ، فالحسي : كالخد إذا شبه بالورد في الحمرة ، وكالصوت الضعيف إذا شبه بالهمس في الخفاء ، وكالنكهة إذا شبهت بالعنبر في طيب الرائحة ، وكالريق إذا شبه بالخمر في لذة الطعم ، على زعم القوم ، وكالجلد الناعم إذا شبه بالحرير في لين المس.


وها هنا نكتة لا بد من التنبيه لها ، وهي أن التحقيق في وجه الشبه يأبى أن يكون غير عقلي ، وذلك أنه متى كان حسيّا ، وقد عرفت أنه يجب أن يكون موجودا في الطرفين ، وكل موجود فله تعين ، فوجه الشبه مع المشبه متعين ، فيمتنع أن يكون هو بعينه موجودا مع المشبه به ، لامتناع حصول المحسوس المعين ههنا ، مع كونه بعينه هناك ، بحكم ضرورة العقل ، وبحكم التنبيه على امتناعه ، إن شئت ، وهو استلزامه إذا عدمت حمرة الخد دون حمرة الورد أو بالعكس ، كون الحمرة معدومة ، موجودة معا ، وهكذا في أخواتها ، بل يكون مثله مع المشبه به ، لكن المثلين لا يكونان شيئا واحدا ، ووجه الشبه بين الطرفين ، كما عرفت ، واحد ، فيلزم أن يكون أمرا كليّا مأخوذا من المثلين ، بتجريدهما عن التعين.

لكن ما هذا شأنه فهو عقلي ، ويمتنع أن يقال : فالمراد بوجه الشبه حصول المثلين في الطرفين ، فإن المثلين متشابهان ، فمعهما وجه تشبيه.

فإن كان عقليّا ، كان المرجع في وجه الشبه العقل في المآل ، وإن كان حسيّا ، استلزم أن يكون مع المثلين مثلان آخران ، وكان الكلام فيهما ، كالكلام فيما سواهما ويلزم التسلسل ؛ وتمام التحقيق موضعه علوم أخر.

والعقلي ، كوجود الشيء العديم النفع إذا شبه بعدمه في العراء عن الفائدة ، أو كالعلم إذا شبه بالحياة في كونهما جهتي إدراك فيما طرفاه معقولان ، وكالرجل إذا شبه بالأسد في الجراءة ، وكأصحاب النبي ، عليه الصلاة والسّلام ، ورضي‌الله‌عنهم ، إذا شبهوا بالنجوم (١) ، في مطلق الاهتداء بذلك فيما طرفاه محسوسان ، وكالعلم إذا شبه بالنور في الهداية ، أو كالعدل إذا شبه بالقسطاس في تحصيل ما بين الزيادة والنقصان فيما المشبه معقول والمشبه به محسوس ، وكالعطر إذا شبه بخلق كريم في استطابة النفس

__________________

(١) يعني حديث : إنما أصحابي مثل النجوم ، فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم وهو حديث موضوع ، والمتهم به حمزة بن أبي حمزة قال الدارقطني : متروك. وقال ابن عدي : عامة مروياته موضوعة. وانظر السلسلة الضعيفة للشيخ الألباني : (١ / ١٤٩ / ح ٦١).


إياهما ، أو كالنجوم إذا شبهت بالسنن في عدم الخفاء ، فيما المشبه محسوس ، والمشبه به معقول ، وفي أكثر هذه الأمثلة في معنى وحدتها تسامح ، فاعرف.

وجه التشبيه غير واحد :

وأما القسم الثاني وهو أن يكون : وجه التشبيه غير واحد ، لكنه في حكم الواحد ، فهو على نوعين : إما أن يكون مستندا إلى الحس : كسقط النار إذا شبه بعين الديك في الهيئة الحاصلة من الحمرة ، والشكل الكري ، والمقدار المخصوص ، وكالثريا إذا شبهت بعنقود الكرم المنور في الهيئة الحاصلة من تقارن الصور البيض المستديرة الصغار المقادير في المرأى على كيفية مخصوصة إلى مقدار مخصوص ، وكالشاة الجبلي إذا شبه بحمار أبتر مشقوق الشفة والحوافر ، نابت على رأسه شجرتا غضا (١) ، وكالشمس ، إذا شبهتها بالمرآة في كف الأشل ، في الهيئة الحاصلة التي تؤديها من الاستدارة مع الإشراق ، والحركة السريعة المتصلة ، وشبه تموج الإشراق ، أو إذا شبهتها بالبوتقة فيها ذهب ذائب ، كما قال (٢) :

والشمس من مشرقها قد بدت ...

مشرقة ليس لها حاجب

كأنها بوتقة أحميت ...

يجول فيها ذهب ذائب

في الهيئة الحاصلة ، من الاستدارة مع صفاء اللون ، واتصال الحركة ، وشبه مراوحة المتحرك بين انبساط وانقباض ، وذلك لأن البوتقة إذا أحميت وذاب فيها الذهب وأخذ يتحرك فيها بجملته من غير غليان ، متشكلا بشكل البوتقة في الاستدارة ، تلك الحركة العجيبة ، كأنه يهم بأن ينبسط ، حتى يفيض من جوانب البوتقة لما في طبعه من النعومة ، ثم يبدو له فيرجع إلى الانقباض ؛ لما بين أجزائه من كمال التلاحم وقوة الاتصال ،

__________________

(١) الغضا : شجر. وقيل : نبات الرّمل له هدب كهدب الأرطى.

(٢) أورده عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة ص (١٤٦) وعزاه للمهلبى الوزير ، والرازي في نهاية الإيجاز ص (٢٢٥) ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص (١٨١) ، والقزوينى في الإيضاح ص ٣٤٧ ، والعلوى في الطراز (١ / ٣٥٥).


والبوتقة في ضمن ذلك متحركة تبعا ، مؤدية مع الذهب الذائب فيها الهيئة المذكورة ، فإن الشمس إذا أحد الإنسان النظر إليها ليتبين جرمها ، وجدها مؤدية للهيئتين ، وكوجه الشبه في قوله (١) :

كأن مثار النّقع فوق رءوسنا ...

وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه.

فليس المراد من التشبيه تشبيه النقع بالليل ، ثم تشبيه السيوف بالكواكب ، إنما المراد تشبيه الهيئة الحاصلة من النقع الأسود ، والسيوف البيض ، متفرقات فيه ، بالهيئة الحاصلة من الليل المظلم والكواكب المشرقة في جوانب منه. وفي قوله (٢) :

وكأنّ أجرام النجوم لوامعا ...

درر نثرن على بساط أزرق

فليس المراد تشبيه النجوم بالدرر ، ثم تشبيه السماء بالبساط الأزرق ، إنما المراد تشبيه الهيئة الحاصلة من النجوم البيض المتلألئة في جوانب من أديم السماء ، الملقية قناعها عن الزرقة الصافية ، بالهيئة الحاصلة المستطرفة من درر منثورة على بساط أزرق ، دون شيء آخر مناسب للدرر في الحسن والقيمة.

وفي قوله (٣) :

__________________

(١) ذكره الطيبى في التبيان (١ / ٢٧٨) بتحقيقى وعزاه لبشار ، وأورده أيضا في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١٠٦) بتحقيقى ، وعبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز ص ٩٦ ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٠٦ ، والقزويني في الإيضاح ص ٣٤٦ ، والعلوى في الطراز (١ / ٢٩١).

(٢) أورده القزوينى في الإيضاح ص ٣٤٦ وعزاه لأبي طالب الرقى ، وعبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغه ص ١٣٩ ، والطيبى في التبيان ص ٢٨١ وفيه [نشرن] بدلا من [نثرن] ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١٠٧) ، والعلوى في الطراز (١ / ٢٨١).

(٣) أورده عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة ص ١٥٩ ، والرازي في نهاية الإيجاز ص ٢٠٥ للقاضي التنوخي ، والقزوينى في الإيضاح ص ٣٦٨ ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١٠٦) بتحقيقى.


كأنما المرّيخ والمشترى ...

قدّامه في شامخ الرّفعه

منصرف بالليل عن دعوة ...

قد أسرجت قدّامه شمعه

فالمراد تشبيه الهيئة الحاصلة من المريخ والمشترى قدامه بالهيئة الحاصلة من المنصرف عن الدعوة مسرج الشمع من دونه.

وتسمى أمثال ما ذكر من الأبيات تشبيه المركب بالمركب. والمذكور قبلها تشبيه المفرد بالمفرد ، وهذا فن له فضل احتياج إلى سلامة الطبع وصفاء القريحة ، فليس الحاكم في تمييز البابين ، إذا التبس أحدهما بالآخر ، سوى ذلك. ومن تشبيه المفرد بالمفرد قوله (١) :

كأن قلوب الطّير رطبا ويابسا ...

لدى وكرها العنّاب والحشف البالي

وإما أن يكون مستندا إلى العقل ، كما إذا شبهت أعمال الكفرة بالسراب في المنظر المطمع مع المخبر المؤيس (٢) ، وكما إذا شبهت الحسناء من منبت السوء بخضراء الدمن (٣) ، في حسن المنظر المنضم إلى سوء المخبر ، والتعري عن أثمار خير ، أو الجماعة المتناسبة في الخصال ، الممتنعة لذلك عن تعيين فاضل بينهم ومفضول ، بالحلقة المفرغة

__________________

(١) أورده فخر الدين الرازي في نهاية الإيجاز ص ٢٠٨ وعزاه لامرئ القيس ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٠٨ ، والقزويني في الإيضاح ص ٣٦٧ ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١٠٧) ، والعلوى في الطراز (١ / ٢٩١)

والعناب : شجر حبه كحب الزيتون ، أحمر حلو واحدته عنابة. والحشف : من التمر : ما لم ينو.

(٢) كما في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) النور : ٣٩.

(٣) كما في حديث : إياكم وخضراء الدمن قالوا : وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء ، وهو حديث ضعيف جدا ، رواه القضاعى في مسند الشهاب ، والدارقطني في الأفراد وقال : تفرد به الواقدى وهو ضعيف. قال الشيخ الألباني : بل هو متروك ، فقد كذبه الإمام أحمد والنسائي وابن المديني وغيرهم. وانظر السلسلة الضعيفة للشيخ الألباني (١ / ٦٩ / ح ١٤).


الممتنعة عن تعيين بعضه طرفا وبعضه وسطا.

وجه التشبيه ليس واحدا وليس في حكم الواحد :

وأما القسم الثالث وهو : أن لا يكون وجه التشبيه أمرا واحدا ولا منزلا منزلة الواحد ، فهو على أقسام ثلاثة : أن يكون تلك الأمور : حسية أو عقلية ، أو البعض حسيا والبعض عقليا.

فالأول : كما إذا شبهت فاكهة بأخرى : في لون وطعم ورائحة.

والثاني : إذا شبهت بعض الطيور بالغراب ، في حدة النظر ، وكمال الحذر ، وإخفاء السفاد.

والثالث : كما إذا شبهت إنسانا بالشمس ، في حسن الطلعة ، ونباهة الشأن ، وعلو الرتبة.

أحكام التصريح بوجه التشبيه أو عدمه :

واعلم أنه ليس بملتزم فيما بين أصحاب علم البيان أن يتكلفوا التصريح بوجه التشبيه على ما هو به ، بل قد يذكرون على سبيل التسامح ما إذا أمعنت فيه النظر ، لم تجده إلّا شيئا مستتبعا لما يكون وجه التشبيه في المآل ، فلا بد من التنبيه عليه.

من ذلك قولهم في الألفاظ ، إذا وجدوها لا تثقل على اللسان ، ولا تكده بتنافر حروفها أو تكرارها ، ولا تكون غريبة وحشية تستكره ؛ لكونها غير مألوفة ، ولا مما تشتبه معانيها وتستغلق ، فتصعب الوقوف عليها ، وتشمئز عنها النفس ، هي كالعسل في الحلاوة ، وكالماء في السلاسة ، وكالنسيم في الرقة. وقولهم في الحجة المطلوب بها قلع الشبهة ، متى صادفوها ، معلومة الأجزاء ، يقينية التأليف ، قطعية الاستلزام : هي كالشمس في الظهور. فيذكرون الحلاوة ، والسلاسة والرقة ، والظهور ، لوجه الشبه ، على أن وجه الشبه في المآل هناك شيء غيرها.

وذلك لازم الحلاوة ، وهو ميل الطبع إليها ، ومحبة النفس ورودها عليها.

ولازم السلاسة والرقة وهو إفادة النفس نشاطا ، والإهداء إلى الصدر انشراحا ، وإلى


القلب روحا ، فشأن النفس مع الألفاظ الموصوفة بتلك الصفات ، كشأنها مع العسل الشهي الذي يلذ طعمه ، فتهش النفس له ، ويميل الطبع إليه ، ويحب وروده عليه ، أو كشأنها مع الماء الذي ينساغ في الحلق ، وينحدر فيه أجلب انحدار للراحة ، ومع النسيم الذي يسري في البدن ، فيتخلل المسالك اللطيفة منه ، فيفيدان النفس نشاطا ، ويهديان إلى الصدر انشراحا ، وإلى القلب روحا.

ولازم الظهور وهو إزالة الحجاب ، فشأن البصيرة مع الشبهة كشأن البصر مع الظلمة ، في كونهما معهما كالمحجوبين ، وانقلاب حالهما إلى خلاف ذلك ، مع الحجة إذا بهرت ، والشمس إذا ظهرت ، وتسامحهم هذا لا يقع إلا حيث يكون التشبيه في وصف اعتباري كالذي نحن فيه ، وأقول : يشبه أن يكون تركهم التحقيق في وجه التشبيه ، على ما سبق التنبيه عليه من تسامحهم هذا ، وقد جاريناهم نحن في ذلك كما ترى.

حق وجه التشبيه شمول الطرفين :

واعلم أن حق وجه التشبيه شموله الطرفين ، فإذا صادفه صح وإلا فسد ، كما إذا جعلت وجه التشبيه في قولهم : النحو في الكلام كالملح في الطعام ، الصلاح باستعمالهما والفساد بإهمالهما ؛ صح لشمول هذا المعنى المشبه والمشبه به ، فالملح إن استعمل في الطعام صلح الطعام وإلا فسد والنحو كذلك : إذا استعمل في الكلام ، نحو : عرف زيد عمرا ، برفع الفاعل ونصب المفعول صلح الكلام ، وصار منتفعا به في تفهم المراد منه ، وإذا لم يستعمل فيه : فلم يرفع الفاعل ولم ينصب المفعول فسد ، لخروجه عن الانتفاع به.

وإذا جعلت وجه التشبيه ، ما قد يذهب إليه ذوو التعنت من أن : الكثير من الملح يفسد الطعام والقليل يصلحه ، فالنحو كذلك ، فسد لخروجه إذ ذاك عن شمول الطرفين إلى الاختصاص بالمشبه به ، فإن التقليل أو التكثير إنما يتصور في الملح بأن يجعل القدر المصلح منه للطعام مضاعفا مثلا ، أما في النحو فلا ؛ لامتناع جعل رفع الفاعل أو نصب المفعول مضاعفا. هذا ، وربما أمكن تصحيح قول المتعنتين ، ولكنه ليس مما يهمنا الآن.


النوع الثالث : النظر في الغرض من التشبيه :

الغرض من التشبيه في الأغلب يكون عائدا إلى المشبه ، ثم قد يعود إلى المشبه به.

أـ الغرض العائد إلى المشبه :

فإذا كان عائدا إلى المشبه ، فإما أن يكون :

١ ـ لبيان حاله ، كما إذا قيل لك : ما لون عمامتك؟ قلت : كلون هذه. وأشرت إلى عمامة لديك.

٢ ـ وإما أن يكون : لبيان مقدار حاله ، كما إذا قلت : هو في سواده كحلك الغراب.

٣ ـ وإما أن يكون لبيان إمكان وجوده ، كما إذا رمت تفضيل واحد على الجنس إلى حد يوهم إخراجه عن البشرية إلى نوع أشرف ، وأنه في الظاهر كما ترى أمر كالممتنع ، فتتبعه التشبيه لبيان إمكانه ، قائلا : حاله كحال المسك ، الذي هو بعض دم الغزال (١) ، وليس يعد في الدماء ، لما اكتسب من الفضيلة الموجبة إخراجه إلى نوع أشرف من الدم.

٤ ـ وإما أن يكون لتقوية شأنه في نفس السامع ، وزيادة تقرير له عنده ، كما إذا كنت مع صاحبك في تقرير أنه لا يحصل من سعيه على طائل ، ثم أخذت ترقم على الماء ، وقلت : هل أفاد رقمي على الماء نقشا ما : إنك في سعيك هذا كرقمي على الماء ، فإنك تجد لتمثيلك هذا من التقرير ما لا يخفى.

٥ ـ وإما أن يكون لإبرازه إلى السامع في معرض التزيين ، أو التشويه ، أو الاستطراف وما شاكل ذلك ، كما إذا شبهت وجها أسود بمقلة الظبي ، إفراغا له في قالب الحسن ، وابتغاء تزيينه ، أو كما إذا شبهت وجها مجدورا بسلحة (٢) جامدة وقد

__________________

(١) قال المتنبي :

فإن تفق الأنام وأنت منهم ...

فإن المسك بعض دم الغزال

(٢) السّلحة : اسم لذى البطن ، وقيل : لما رقّ منه من كل ذي بطن ، وجمعه سلوح وسلحان.


نقرتها الديكة ؛ إظهارا له في صورة أشوه ؛ إرادة ازدياد القبح والتنفير ، أو كما إذا شبهت الفحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب ، نقلا له عن صحة الوقوع إلى امتناعه عادة ليستطرف.

وللاستطراف وجه آخر ، وهو أن يكون المشبه به نادر الحضور في الذهن ، إما في نفس الأمر كالذي نحن فيه ، فإذا أحضر استطرف استطراف النوادر عند مشاهدتها ، واستلذ استلذاذها لجدتها ، فلكل جديد لذة. وإما مع حضور المشبه في أوان الحديث فيه ، مثل حضور النار والكبريت مع حديث البنفسج والرياض ، كما في قوله (١) :

ولا زورديّة تزهو بزرقتها ...

بين الرياض على حمر اليواقيت

كأنها فوق قامات ضعفن [بها](٢) ...

أوائل النّار في أطراف كبريت

فإن [صورة](٣) اتصال النار بأطراف الكبريت ليست مما يمكن أن يقال : إنها نادرة الحضور في الذهن ، ندرة صورة بحر من المسك موجه الذهب ، وإنما النادر حضورها مع حديث البنفسج ، فإذا أحضر إحضارا مع الشبه استطرف لمشاهدة عناق بين صورتين لا تتراءى ناراهما ، وهل الحكاية المعروفة في حديث حسد جرير (٤) لعدي [بن](٥) الرقاع إلا لعين ما نحن فيه؟

__________________

(١) أورده الطيبى في التبيان (١ / ٢٧٣) بتحقيقى وعزاه لابن المعتز ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ١٨٨ ، والقزوينى في الإيضاح ص ٣٥٩ ، والعلوى في الطراز (١ / ٢٦٧).

اللازوردية : البنفسجية. نسبة إلى اللازورد ، وهو حجر نفيس.

(٢) ليست في (غ).

(٣) ليست في (غ).

(٤) جرير بن عطية الخطفي ، من بني كلب بن يربوع أحد فحول الشعراء في العصر الأموي. في : الأغاني ، الشعر والشعراء ، شرح شواهد المغني ، الموشح ، خزانة الأدب ، وغيرها.

(٥) ليست في (د).


يحكى أن جريرا قال : أنشدني عدي (١) :

عرف الدّيار توهّما فاعتادها

فلما بلغ إلى قوله :

تزجى أغنّ كأن إبرة روقه

رحمته ، وقلت : قد وقع ، ما عساه يقول ، وهو أعرابي جلف جاف ، فلما قال :

قلم أصاب من الدّواة مدادها

استحالت الرحمة حسدا.

ب الغرض العائد إلى المشبه به :

وأما الغرض العائد إلى المشبه به ، فمرجعه إلى إيهام كونه أتم من المشبه في وجه التشبيه ، كقوله (٢) :

__________________

(١) عدي بن الرقاع ، من عاملة ، وهي حي من قضاعة ، نزل الشام. كان له بنت تقول الشعر. كان شاعرا محسنا ، جعله ابن سلام في عداد شعراء الطبقة السابعة من الإسلاميين. ترجمته في : الشعر والشعراء : ٦٢٢ (برقم ١١٤) ، طبقات الشعراء : (١٩٢ ـ ١٩٥) المؤتلف والمختلف ١٦ ، معجم الشعراء : ٢٠٣ ، الأغاني ، واللآلىء.

والبيت أورده الطيبى في التبيان (١ / ٢٧٣) بتحقيقى وعزاه إليه ، والقزويني في الإيضاح ص ٣٦٠.

تزجى : تسوق. أغن : ظبى. أغن : يخرج صوته من خيشومه.

الروق : القرن. إبرته : طرفه.

(٢) أورده عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة ص ١٨١ وعزاه لمحمد بن وهيب ، وفخر الدين الرازي في نهاية الإيجاز ص ٢٢٠ ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ١٩١ ، والقزويني في الإيضاح ص ٣٦١ ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١٠٨) بتحقيقى.

الغرة : البياض في الجبهة.


وبدا الصباح كأن غرّته ...

وجه الخليفة حين يمتدح

فإنه تعمد إيهام أن وجه الخليفة في الوضوح أتم من الصباح ، وكقوله (١) :

وكأن النجوم بين دجاها ...

سنن لاح بينهنّ ابتداع

فإن حين رأى ذوي الصياغة للمعاني شبهوا الهدى والشريعة والسنن وكل ما هو علم بالنور ؛ لجعل صاحبها في حكم من يمشي في نور الشمس ، فيهتدي إلى الطريق المعبد ، فلا يتعسف فيعثر تارة على عدو قتال ، ويتردى أخرى في مهواة مهلكة ؛ وشبهوا الضلالة والبدعة وكل ما هو جهل بالظلمة ، لجعل صاحبها في حكم من يخبط في الظلماء ، فلا يهتدي إلى الطريق ، فلا يزال بين عثور وبين ترد ، قصد في تشبيهه هذا تفضيل السنن في الوضوح على النجوم ، وتنزيل البدع في الإظلام فوق الدياجي ، وكقوله (٢) :

ولقد ذكرتك والظلام كأنه ...

يوم النّوى ، وفؤاد من لم يعشق

فإنه أيضا حين رأى الأوقات التي تحدث فيها المكاره وصفت بالسواد ، كقولهم : اسود النهار في عيني ، وأظلمت الدنيا علي ، جعل يوم النوى (٣) كأنه أعرف وأشهر بالسواد من الظلام فشبهه به ، ثم عطف عليه (فؤاد من لم يعشق) تطرفا ، فإن الغزل يدعي القسوة على من لا يعرف العشق ، والقلب القاسي يوصف بشدة السواد ، فنظمه في سلكه. وكقوله (٤) :

__________________

(١) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١١٠ وعزاه للتنوخى ، وعبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة ص ١٨٣ ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١١٠ ، والقزويني في الإيضاح ص ٣٣٦.

(٣) أورده الرازي في نهاية الإيجاز ص ١٩١ وهو للعلوى الأصفهاني ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١١١ ، والقزويني في الإيضاح ص ٣٤٠ ، والعلوى في الطراز (١ / ٢٨٣) وفيه [انصياع بدلا من انتضاء].

انتضاء البدر : انكشافه وخروجه من الغيم.

(٢) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص (١٧٦) وعزاه لأبي طالب الرقى ، وعبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة ص (١٨٥). النوى : البعد ، والتحول من مكان إلى مكان آخر.

(٣) أورده الرازي في نهاية الإيجاز ص ١٩١ وهو للعلوى الأصفهاني ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١١١ ، والقزويني في الإيضاح ص ٣٤٠ ، والعلوى في الطراز (١ / ٢٨٣) وفيه [انصياع بدلا من انتضاء].

انتضاء البدر : انكشافه وخروجه من الغيم.


كأنّ انتضاء البدر من تحت غيمه ...

نجاء من البأساء بعد وقوع

فإنه لما رأى العادة جارية أن يشبه المتخلص من البأساء بالبدر الذي ينحسر عنه الغمام ، قلب التشبيه ليرى أن صورة النجاء من البأساء ، لكونها مطلوبة فوق كل مطلوب ، أعرف عند الإنسان من صورة انتضاء البدر من تحت غيمه ، فشبه هذه بتلك ، وكقوله (١)

وأرض كأخلاق الكرام قطعتها ...

وقد كحل اللّيل السّماك فأبصرا

فإنه لما رأى استمرار وصف الأخلاق بالضيق وبالسعة ، تعمد تشبيه الأرض الواسعة بخلق الكريم ، ادعاء أنه في تأدية معنى السعة أكمل من الأرض المتباعدة الأطراف.

ومن الأمثلة ما يحكيه جل وعلا عن مستحلّ الربا من قولهم : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا)(٢) في مقام : إنما الربا مثل البيع ؛ لأن الكلام في الربا لا في البيع ؛ ذهابا منهم إلى جعل الربا في باب الحل أقوى حالا وأعرف من البيع ، ومن الأمثلة ما قال تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ)(٣) لمزيد التوبيخ فيه دون أن يقول : أفمن لا يخلق كمن يخلق ، مع اقتضاء المقام بظاهره إياه ؛ لكونه إلزاما للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة ، تشبيها بالله تعالى ، فقد جعلوا غير الخالق مثل الخالق.

وعندي أن الذي تقتضيه البلاغة القرآنية هو أن يكون المراد (بمن لا يخلق) : الحي العالم القادر من الخلق لا الأصنام ، وأن يكون الإنكار موجها إلى توهم تشبيه الحي

__________________

(١) أورده عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة ص ١٨٧ وعزاه لابن بابك.

السّماك : نجم معروف ، وهما سماكان : رامح وأعزل. والرامح : لانوء له وهو إلى جهة الشمال ، والأعزل : من كواكب الأنواء وهو إلى جهة الجنوب.

(٢) سورة البقرة ٢٧٥.

(٣) سورة النحل الآية : ١٧.


العالم القادر من الخلق به تعالى ، وتقدس عن ذلك علوّا كبيرا ، تعريضا به عن أبلغ الإنكار لتشبيه ما ليس بحي عالم قادر به تعالى ، ويكون قوله : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ*) تنبيه توبيخ على مكان التعريض ، وقوله عزوجل : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ)(١) بدل أرأيت من اتخذ هواه [إلهه](٢) مصبوب في هذا القالب ، فأحسن التأمل تر التقديم قد أصاب شاكلة الرمي.

وإنما جعلنا الغرض العائد إلى المشبه به هو ما ذكرنا ، لأن المشبه به حقه أن يكون أعرف بجهة التشبيه من المشبه ، وأخص بها ، وأقوى حالا معها ، وإلّا لم يصح أن يذكر لبيان مقدار المشبه ، ولا لبيان إمكان وجوده ، ولا لزيادة تقريره على الوجه الذي تقدم ، ولا لإبرازه في معرض التزيين كالوجه الأسود ، إذا شبهته بمقلة [الظبي](٣) ، محاولا لنقل استحسان سوادها إلى سواد الوجه ؛ أو معرض التشويه : كالوجه المجدور إذا شبهته بسلحة جامدة قد نقرتها الديكة ، أراد نقل مزيد استقباحها ونفرتها إلى جدري الوجه ، لامتناع تعريف المجهول بالمجهول ، وتقرير الشيء بما يساويه التقرير الأبلغ ؛ أو معرض الاستطراف : كالفحم فيه جمر موقد ، إذا شبهته ببحر من المسك موجه الذهب ، نقلا لامتناع وقوعه إلى الواقع ليستطرف ، أو للوجه الآخر على ما تقدم لمثل ما ذكر.

وربما كان الغرض العائد إلى المشبه به بيان كونه أهم عند المشبه ، كما إذا أشير لك إلى وجه كالقمر في الإشراق والاستدارة ، وقيل : هذا الوجه يشبه ما ذا؟ فقلت : خ خ الرغيف إظهارا لاهتمامك بشأن الرغيف لا غير ، وهذا الغرض يسمى إظهار المطلوب ، ولا يحسن المصير إليه إلّا في مقام الطمع في تسني المطلوب ، كما يحكى عن الصاحب ، رحمه‌الله ، أن قاضي سجستان دخل عليه فوجده الصاحب متفننا ، فأخذ

__________________

(١) سورة الفرقان الآية : ٤٣.

(٢) ليست في (غ).

(٣) في (د) (الصبى).


يمدحه حتى قال (١) :

وعالم يعرف بالسّجزي

وأشار للندماء أن ينظموا على أسلوبه ، ففعلوا واحدا بعد واحد ، إلى أن انتهت النوبة إلى شريف في البين ، فقال (٢) :

أشهى إلى النّفس من الخبز

فأمر الصاحب أن يقدم له مائدة.

تساوي طرفي التشبيه : المشبه والمشبه به :

وأما إذا تساوى الطرفان : المشبه والمشبه به في جهة التشبيه ، فالأحسن ترك التشبيه إلى التشابه ، ليكون كل واحد من الطرفين مشبها ومشبها به ، تفاديا من ترجيح أحد المتساويين ، ويظهر من هذا أن التشبيه إذا وقع في باب التشابه ، صح فيه العكس ، بخلافه فيما عداه ، وكان حكم المشبه به إذ ذاك غير ما تلي عليك ، فصح أن يقال : لون هذه العمامة كلون تلك ، وأن يقال : لون تلك كلون هذه ، وأن يقال : بدا الصبح كغرة الفرس ، وبدت غرة الفرس كالصبح ، متى كان المراد بالشبه وقوع منير في مظلم ، وحصول بياض في سواد ، مع كون البياض قليلا ، بالإضافة إلى السواد. وأن يقال : الشمس كالمرآة المجلوة ، أو كالدينار الخارج من السكة ، كما قال (٣) :

وكأنّ الشمس المنيرة دينار ...

جلته حدائد الضّرب

وأن يقال : المرآة المجلوة أو الدينار الخارج من السكة كالشمس ، متى كان القصد من التشبيه إلى مجرد مستدير يتلألأ ، متضمن في اللون ؛ لكون وجه التشبيه في جميع ذلك

__________________

(١) أورده الطيبى في التبيان (١ / ٢٧٥) بتحقيقى وعزاه للصاحب ، والقزوينى في الإيضاح ص ٣٦٣.

(٢) أورده الطيبى في التبيان (١ / ٢٧٥) بتحقيقى وعزاه للشريف ، والقزوينى في الإيضاح ص ٣٦٣.

(٣) أورده القزويني في الإيضاح ٣٦٤ ، ورواية الإيضاح الضّراب.


غير مختص بأحد الطرفين زيادة اختصاص.

التشبيه التمثيلي :

واعلم أن التشبيه متى كان وجهه وصفا غير حقيقي ، وكان منتزعا من عدة أمور ، خص باسم التمثيل ، كالذي في قوله (١) :

اصبر على مضض الحسود ...

فإن صبرك قاتله

فالنار تأكل نفسها ...

إن لم تجد ما تأكله

فإن تشبيه الحسود المتروك مقاولته بالنار التي لا تمد بالحطب ، فيسرع فيها الفناء ليس إلّا في أمر متوهم له ، وهو ما تتوهم إذا لم تأخذ معه في المقاولة ، مع علمك بتطلبه إياها ، عسى أن يتوصل بها إلى نفثة مصدور ، من قيامه إذ ذاك مقام أن تمنعه ما يمد حياته ليسرع فيه الهلاك ، وأنه كما ترى منتزع من عدة أمور ؛ وكالذي في قوله (٢) :

وإنّ من أدّبته في الصّبا ...

كالعود يسقى الماء في غرسه

حتّى تراه مورقا ناضرا ...

بعد الذي أبصرت من يبسه

فإن تشبيه المؤدب في صباه بالعود المسقى أوان الغرس المونق بأوراقه ونضرته ، ليس إلا فيما يلازم كونه : مهذب الأخلاق ، مرضي السيرة ، حميد الفعال ، لتأدية المطلوب بسبب التأديب المصادف وقته من تمام الميل إليه ، وكمال استحسان حاله ، وإنه كما ترى أمر تصوري لا صفة حقيقية ، وهو مع ذلك منتزع من عدة أمور. وكالذي من قوله عز من قائل : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ

__________________

(١) أورده الطيبى في التبيان ١ / ٢٦٧ بتحقيقى وعزاه لابن المعتز ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١١١ ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ١٩٣. المض : الألم والوجع.

(٢) أوردهما القزوينى في الإيضاح ص ٣٧٢ وعزاهما لصالح بن عبد القدوس ، والطيبى في التبيان (١ / ٢٦٨) وفيه [مونقا بدلا من مورقا] ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١١٢.


بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ)(١) فإن وجه تشبيه المنافقين بالذين شبهوا بهم في الآية ، هو رفع الطمع إلى تسني مطلوب بسبب مباشرة أسبابه القريبة مع تعقب الحرمان والخيبة ، لانقلاب الأسباب ، وأنه أمر توهمى كما ترى منتزع من أمور جمة ؛ وكالذي في قوله تعالى أيضا : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ)(٢) وأصل النظم : أو كمثل ذوي صيب ، فحذف خ خ ذوي لدلالة : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) عليه ، وحذف : خ خ مثل لما دل عليه عطفه على قوله : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) إذ لا يخفى أن التشبيه ليس بين مثل المستوقدين ، وهو صفتهم العجيبة الشأن وبين ذوات ذوي الصيب ، إنما التشبيه بين صفة أولئك ، وبين صفة هؤلاء ، ونظيره قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ)(٣) فأوقع التشبيه بين : كون الحواريين أنصار [الله](٤) وبين : قول عيسى للحواريين (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ ،) وإنما المراد : كونوا أنصار الله مثل كون الحواريين أنصاره ، وقت قول عيسى : من أنصاري؟ على أن (ما) مصدريّ مستعمل (ما قال) استعمال مقدم [الحاج](٥) ، ثم نظير المذكور في حذف المضاف والمضاف إليه قول القائل (٦) :

أسأل البحّار فأنتحى للعقيق

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٧.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٩.

(٣) سورة الصف ، الآية ١٤.

(٤) في (ط): (الإله) ، وفي (د): (لله).

(٥) كذا في (ط) و (د) وفي (غ) (لحاج).

(٦) البيت من الطويل لأبي دؤاد في صفة البرق.


وقول الآخر (١) :

وقد جعلتني من [خزيمة](٢) إصبعا

على ما قدر الشيخ أبو علي الفارسي (٣) ، رحمه‌الله ، من أسأل سقيا سحابه ، ومن : ذا مسافة إصبع ، وحذف المضافات من الكلام عند الدلالة سائغ ، من ذلك قوله تعالى : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى)(٤) تقديره : فكان مقدار مسافة قرب جبريل ، عليه‌السلام ، مثل قاب قوسين ، وأن قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ)(٥) إلى الآخر ، تمثيل لما أنّ وجه التشبيه بينهم وبين المنافقين هو أنهم في المقام المطمع في حصول المطالب ، ونجح المآرب ، لا يحظون إلا بضد المطموع فيه من مجرد مقاساة الأهوال ، وأنه كما ترى مما نحن بصدده ، وكذا الذي في قوله عزوجل : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً)(٦) فإن وجه التشبيه بين أحبار اليهود الذين كلفوا العمل بما في التوراة ، ثم لم يعملوا بذلك ، وبين الحمار الحامل للإسفار ، هو

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لكلحبة العرني ، وهو في المفضليات ٣٠ ، والنوادر ١٣٥ ، وصدر البيت : فأدرك إبقاء القراوة ظلعها ..

الإصبع : الأثر الحسن.

(٢) في (د) بالحاء المهملة والمثبت من (غ).

(٣) أبو علي الفارسي : حسن بن أحمد بن فارس ، أخذ عنه السيرافي والرماني ، كان واحد زمانه في علم العربية. من أساتذته الزجاج وابن السراج أقام بحلب عند سيف الدولة ، وله مع المتنبي مجالس ، قيل إنه كان أعلم من المبرد ، توفي في بغداد سنة ٣٧٧ ه‍ من كتبه : أسرار البلاغة ودلائل الاعجاز ، والإيضاح في النحو ، المقصور والممدود ... اتهم بالاعتزال. ترجمته في : تاريخ بغداد : ٧ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦ ، معجم الأدباء : ٧ / ٢٣٢ ـ ٢٦١ ، وبغية الوعاة وإنباه الرواة ، ووفيات الأعيان.

(٤) سورة النجم الآية ٩.

(٥) سورة البقرة الآية ١٩.

(٦) سورة الجمعة ، الآية : ٥.


حرمان الانتفاع بما هو أبلغ شيء بالانتفاع به ، [مع](١) الكد والتعب في استصحابه ، وليس بمشتبه كونه عائدا إلى التوهم ، ومركبا من عدة معان ، والذي نحن بصدده من الوصف غير الحقيقي أحوج منظور فيه إلى التأمل الصادق من ذي بصيرة نافذة ، وروية ثاقبة ، لالتباسه في كثير من المواضع بالعقلي الحقيقى ، لا سيما المعاني التي ينتزع منها ، فربما انتزع من ثلاثة ، فأورث الخطأ لوجوب انتزاعه من أكثر ، نحو قوله (٢) :

كما أبرقت قوما عطاشا غمامة ...

فلما رأوها أقشعت وتجلّت

إذا أخذت تنتزع وجه التمثيل من قوله : خ خ كما أبرقت قوما عطاشا غمامة ، فحسب ، نزلت عن غرض الشاعر من تشبيهه بمراحل ؛ فإن مغزاه أن يصل ابتداء مطمعا بانتهاء مؤيس ، وذلك يوجب انتزاع وجه التشبيه من مجموع البيت.

ثم إن التشبيه التمثيلي متى فشا استعماله على سبيل الاستعارة لا غير ، سمي مثلا ، ولورود الأمثال على سبيل الاستعارة لا تغير ، وسيأتيك الكلام في الاستعارة بإذن الله تعالى.

__________________

(١) في (غ) (من).

(٢) أورده القزويني في الإيضاح ص ٣٥٤ ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١٠٧) بتحقيقى.


أحوال التشبيه

تقديم

النوع الرابع : النظر في أحوال التشبيه من كونه قريبا أو غريبا ، مقبولا أو مردودا.

والكلام في ذلك يستدعي تقديم أصول ؛ وأنا أذكر لك ما يرشدك إلى كيفية سلوك الطريق هناك ، بتوفيق الله تعالى ، معددا عدة منها لتكون لك عدة في درك ما عسى تأخذ في طلبه.

منها : أن إدراك الشيء مجملا أسهل من إدراكه مفصلا.

ومنها : أن حضور صورة شيء تتكرر على الحس أقرب من حضور صورة شيء يقل وروده على الحس ، وحال هذين الأصلين واضح.

ومنها : أن الشيء مع ما يناسبه أقرب حضورا منه مع ما لا يناسبه ، فالحمام مع السطل أقرب حضورا منه مع السخل ، وقد سبق تقريره في باب الفصل والوصل.

ومنها : أن استحضار الأمر الواحد أيسر من استحضار غير الواحد ، وحاله أيضا مكشوف.

ومنها : أن ميل النفس إلى الحسيات أتم منه إلى العقليات ، وأعني بالحسيات ما تجرده منها بناء على امتناع النفس من إدراك الجزئيات ، على ما نبهت عليه ، وزيادة ميلها إليها دون غيرها من العقليات ، لزيادة تعلقها بها بسبب تجريدها إياها بقوة العقل ، ونظمها لها في سلك ما عداها ، ولزيادة إلفها بها أيضا لكثرة تأديها إليها من أجل كثرة طرقه وهي الحواس المختلفة المؤدية لها ، وأمّا ما يقال من أن إلف النفس مع الحسيات أتم منه مع العقليات ، لتقدم إدراك الحس على إدراك العقل ، فبعد تقرير أن إدراك النفس إنما يكون للمجردات ، وأن مدرك النفس غير مدرك الحس ، شيء كما ترى عن إفادة المطلوب بمعزل ، وعن تحقيق المقصود بألف منزل.


ومنها : أن النفس لما تعرف أقبل منها لما لا تعرف ، لمحبتها العلم طبعا؟.

ومنها : أنّ تجدد صورة عندها ، أحب إليها وألذّ عندها من مشاهدة معاد ، وأنه من القبول ، بحيث يغني أن يستعان فيه بتلاوة أكره من معاد ، ولكل جديد لذة. ولعمري إن التوفيق ، بين حكم الإلف وبين حكم التكرير ، أحوج شيء إلى التأمل ، فليفعل ، لأن الإلف مع الشيء لا يتحصل إلا بتكرره على النفس ، ولو كان التكرار يورث الكراهة لكان المألوف أكره شيء عند النفس ، وامتنع إذ ذاك [نزعها](١) إلى مألوف ، والوجدان يكذب ذلك.

من أسباب قرب التشبيه :

وإذ قد تقدم إليك ما ذكرناه فنقول : من أسباب قرب التشبيه ، وكونه نازل الدرجة

١ ـ أن يكون وجهه أمرا واحدا ، كالسواد في قولك : خ خ هندي كالفحم ، أو البياض في قولك : خ خ شهد كالثلج.

٢ ـ أو أن يكون المشبه به مناسبا للمشبه ، كما إذا شبهت الجرة الصغيرة بالكوز ، أو الجزرة الضخمة المستطيلة بالفجل ، أو العنبة الكبيرة السوداء بالإجاصة.

٣ ـ أو أن يكون المشبه به غالب الحضور في خزانة الصور بجهة من الجهات ، كما إذا شبهت الشعر الأسود بالليل ، أو الوجه الجميل بالبدر ، أو المحبوب بالروح.

ومن أسباب بعده وغرابته :

١ ـ أن يكون وجه التشبيه أمورا كثيرة ، كما في تشبيه سقط النار بعين الديك ، أو تشبيه

__________________

(١) في (غ) و (د) (نزاعها).


الثريا بعنقود الكرم المنور ، أو تشبيه نحو قوله (١) :

كأن مثار النّقع فوق رءوسنا ...

وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

٢ ـ أو أن يكون المشبه به بعيد التشبيه عن المشبه ، كالخنفساء عن الإنسان ، قبل تشبيه أحدهما بالآخر في اللجاج ، أو البنفسج عن النار والكبريت ، قبل تصور التشبيه بين الطرفين.

٣ ـ أو أن يكون المشبه به نادر الحضور في الذهن لكونه شيئا وهميا كما في قوله (٢)

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

٤ ـ أو مركبا خياليا كما في قوله (٣) :

وكأن محمرّ الشّقيق ...

[إذ](٤) تصوّب أو تصعّد

أعلام ياقوت نشرن ...

على رماح من زبرجد

٥ ـ أو مركبا عقليّا كما في قوله عز قائلا : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ)(٥) وكلما كان التركيب خياليا كان أو

__________________

(١) أورده عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز ص ٩٦ وعزاه لبشار ، والرازي في نهاية الإيجاز ص ١٥٥ ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ١٨٠ ، والطيبى شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١٠٦) بتحقيقى ، والعلوى في الطراز ١ / ٢٩١.

(٢) أورده القزوينى في الإيضاح ص ٢٧٥ وعزاه لامرئ القيس وذكر صدر البيت :

أيقتلنى والمشرفى مضاجعى ...

والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح ١ / ١١٠ بتحقيقي.

(٣) أورده عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة ص ١٣٩ ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١١٦ وهو للصنوبرى ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١١٠) بتحقيقى ، والعلوى في الطراز (١ / ٢٧٥)

(٤) في (غ) (إذا) والمثبت من (د).

(٥) سورة يونس ، الآية ٢٤.


عقليا ، من أمور أكثر ، كان حاله في البعد والغرابة أقوى.

قبول التشبيه :

وأما كون التشبيه مقبولا فالأصل فيه هو أن يكون الشبه صحيحا ، وقد تقدم معنى الصحة ، وأن يكون كاملا في تحصيل ما علق به من الغرض ، وأن يكون سليما عن الابتذال.

١ ـ مثل أن يكون المشبه به محسوسا أعرف شيء بأمر لون مخصوص ، أو شكل أو مقدار أو غير ذلك ، إذا كان الغرض من التشبيه بيان حال المشبه من جهة ذلك الأمر ، أو بيان مقداره على ما هو عليه ، فالنفس إلى الأعرف عندها أميل ، وله متى صادفته أقبل ، لا سيما فيما إلفها به أكمل ، لكن يجب في الثاني كون المشبه به ، مع ما ذكر ، على حد مقدار المشبه في وجه التشبيه ، لا أزيد ولا أنقص ، وكلما كان أدخل في السلامة عن الزيادة أو النقصان ، كان أدخل في القبول.

٢ ـ أو مثل أن يكون المشبه به أتم محسوس في أمر حسي ، هو وجه الشبه ، إذا قصد تنزيل المشبه الناقص منزلة الكامل ، أو قصد زيادة تقرير المشبه عند السامع لمثل ما تقدم ، أو مثل أن يكون المشبه به مسلم الحكم معروفه ، فيما يقصد من وجه التشبيه ، إذا كان الغرض من التشبيه : بيان إمكان الوجود ، أو محاولة التزيين ، أو التشويه. فقبول النفس لما تعرف ، فوق قبولها لما لا تعرف.

٣ ـ أو مثل أن يكون المشبه به في التشبيه الاستطرافي نادر الحضور في الذهن لبعده عن التصور ، أو نادر الحضور فيه مع المشبه لبعد نسبته إليه ، فالنفس تتسارع إلى قبول نادر يطلع عليها ، لما تتصور لديه من لذة التجدد ، وتتمثل من تعريه عن كراهة معاد.

رد التشبيه :

هذا وإنك متى تفطنت لأسباب قرب التشبيه وتقارب مسلكه ، وكذا لأسباب انخراطه من القبول في سلكه ، تفطنت لأسباب بعده وغرابته ، ولأسباب رده لرداءته ، ولن يذهب عليك أن مقرب التشبيه ، متى كان أقوى ، كان التشبيه أقرب ، وكذا


مبعده ، متى كان أقوى ، كان أغرب ، وجرى لذلك في شأن قبوله ورده ، على نحو مجراه في شأن قربه وبعده.

التشبيه : أحكام متفرقة :

واعلم أن ليس من الواجب في التشبيه ذكر كلمة التشبيه ، بل إذا قلت : خ خ زيد أسد ، واكتفيت بذكر الطرفين عدّ تشبيها ، مثله إذا قلت : خ خ كأن زيدا الأسد ، اللهم إلّا في كونه أبلغ ، ولا ذكر المشبه لفظا ، بل إذا كان محذوفا ، مثله إذا قلت : أسد وأي أسد ، جاعلا المشبه به خبرا مفتقرا إلى المبتدأ كفى لقصر المسافة بين الملفوظ به في الكلام والمحذوف منه ، بشرائطه في قوة الإفادة.

وإنما الواجب في التشبيه إذا ترك المشبه أن لا يكون مضروبا عنه صفحا ، مثله إذا قلت : خ خ عندي أسد ، أو خ خ رأيت أسدا ، خ خ ونظرت إلى أسد ، فإنه لا يعد تشبيها ، وسيأتيك بيان حاله ، وإنما عد ، نحو : خ خ زيد أسد ، وقرينه المحذوف المبتدأ ، تشبيها لأنك حين أوقعت أسدا ، وهو مفرد غير جملة ، خبرا لزيد استدعى أن يكون هو إياه ، مثله في : خ خ زيد منطلق ، في أن الذي هو زيد بعينه منطلق ، وإلّا كان : خ خ زيد أسد مجرد تعديد ، نحو : خ خ خيل فرس ، لا إسنادا ، لكن العقل يأبى أن يكون الذي هو إنسان هو بعينه أسدا ، فيلزم لامتناع جعل اسم الجنس وصفا للإنسان ، حتى يصح إسناده إلى المبتدأ المصير إلى التشبيه بحذف كلمته قصدا إلى المبالغة ، وإذا عرفت أن وجود طرفي التشبيه يمنع عن حمل الكلام على غير التشبيه ، عرفت أن فقد كلمة التشبيه لا تؤثر إلّا في الظاهر ، وعرفت أن نحو : خ خ رأيت بفلان أسدا ، وخ خ لقيني منه أسد ، وهو خ خ أسد في صورة إنسان ، وخ خ إذا نظرت إليه لم تر إلّا أسدا ، وخ خ إن رأيته عرفت جبهة الأسد ، وخ خ لئن لقيته ليلقينك منه الأسد ، وخ خ إن أردت أسدا فعليك بفلان ، وخ خ إنما هو أسد ، وخ خ ليس هو آدميا بل هو أسد. كل ذلك تشبيهات لا فرق إلا في شأن المبالغة. فالخيط الأبيض والخيط الأسود في قوله عزوجل قائلا : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ


الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ)(١) يعدان من باب التشبيه ، حيث بينا بقوله : (مِنَ الْفَجْرِ)(٢) ولو لا ذلك لكانا من باب الاستعارة.

مراتب التشبيه :

والحاصل من مراتب التشبيه ثمان :

إحداها : ذكر أركانه الأربعة ، وهي : المشبه ، والمشبه به ، وكلمة التشبيه ، ووجه التشبيه ، كقولك : خ خ زيد كالأسد في الشجاعة ، ولا قوة لهذه المرتبة.

وثانيتها : ترك المشبه ، كقولك : خ خ كالأسد في الشجاعة ، وهي كالأولى في عدم القوة.

وثالثتها : ترك كلمة التشبيه كقولك : خ خ زيد أسد في الشجاعة ، وفيها نوع قوة.

ورابعتها : ترك المشبه وكلمة التشبيه ، كقولك : خ خ أسد في الشجاعة ، في موضع الخبر عن زيد ، وهي كالثالثة في القوة.

وخامستها : ترك وجه التشبيه ، كقولك : خ خ زيد كالأسد ، وهي أيضا قوية لعموم وجه التشبيه.

وسادستها : ترك المشبه ووجه التشبيه ، كقولك : خ خ كالأسد ، في موضع الخبر عن زيد ، وحكمها كحكم الخامسة.

وسابعتها : ترك كلمة التشبيه ووجه الشبه ، كقولك : خ خ زيد أسد وهي أقوى الكل.

وثامنتها : إفراد المشبه به في الذكر ، كقولك : خ خ أسد ، في الخبر عن زيد ، وهي كالسابعة.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨٧.

(١) سورة البقرة الآية ١٨٧.


خاتمة

واعلم أن الشبه قد ينتزع من نفس التضاد ، نظرا إلى اشتراك الضدين فيه ، من حيث اتصاف كل واحد منهما بمضادة صاحبه ، ثم ينزل منزلة شبه التناسب ، بواسطة تمليح أو تهكم ، فيقال للجبان : خ خ ما أشبهه بالأسد ، وللبخيل : خ خ إنه حاتم ثان. والله المستعان.


الأصل الثاني

من علم البيان في المجاز

ويتضمن التعرض للحقيقة ، والكلام في ذلك مفتقر إلى تقديم التعرض لوجه دلالات الكلم على مفهوماتها ولمعنى الوضع والواضع.

تقديم :

من المعلوم أن دلالة اللفظ على مسمى دون مسمى ، مع استواء نسبته إليهما ، يمتنع ، فيلزم الاختصاص بأحدهما ضرورة ، والاختصاص ، لكونه أمرا ممكنا ، يستدعي في تحققه مؤثرا مخصصا ، وذلك المخصص ، بحكم التقسيم ، إما الذات أو غيرها ، وغيرها إما الله ، تعالى وتقدس ، أو غيره ثم إن في السلف من يحكى عنه اختيار الأول ، وفيهم من اختار الثاني وفيهم من اختار الثالث. وأطبق المتأخرون على فساد الرأي الأول ، ولعمري ، إنه فاسد ، فإن دلالة اللفظ على مسمى ، لو كانت لذاته ، كدلالته على اللافظ ، وإنك لتعلم أن ما بالذات لا يزول بالغير لكان يمتنع نقله إلى المجاز ، وكذا إلى جعله علما ، ولو كانت دلالته ذاتية ، لكان يجب امتناع أن لا تدلنا على معاني الهندية كلماتها ، وجوب امتناع أن لا تدل على اللافظ لامتناع انفكاك الدليل عن المدلول ، ولكان يمتنع اشتراك اللفظ بين متنافيين ، كالناهل : للعطشان وللريان ، على ما تسمعه من الأصحاب ، لا منى ، لما تقدم لي أن تذكرت ، وكالجون : للأسود والأبيض ، وكالقرء : للحيض والطهر ، وأمثالها ، لاستلزامه ثبوت المعني مع انتفائه ، متى قلت : خ خ هو ناهل أو جون ، ووجوه فساده أظهر من أن تخفى ، وأكثر من أن تحصى ، مادام محمولا على الظاهر.

خواص الحروف :

ولكن الذي يدور في خلدي أنه رمز ، وكأنه تنبيه على ما عليه أئمة علمي : الاشتقاق والتصريف ، أن للحروف في أنفسها خواص بها تختلف كالجهر والهمس ، والشدة والرخاوة ، والتوسط بينهما ، وغير ذلك ، مستدعية في حق المحيط بها علما أن لا يسوى بينها ، وإذا أخذ في تعيين شيء منها لمعنى ، أن لا يهمل التناسب بينهما قضاء


لحق الحكمة ، مثل ما ترى في الفصم بالفاء ، الذي هو حرف رخو ، لكسر الشيء من غير أن يبين ، و: القصم بالقاف ، الذي هو حرف شديد ، لكسر الشيء حتى يبين ، وفي : الثلم ، بالميم الذي هو حرف خفيف ، ما يبنى للخل في الجدار ،

و: الثلب ، بالباء الذي هو حرف شديد ، للخلل في العرض. وفي الزفير ، بالفاء لصوت الحمار ، و: الزئير ، بالهمز الذي هو شديد ، لصوت الأسد. وما شاكل ذلك.

خواص التراكيب :

وإن للتركيب : كالفعلان والفعلى ، بتحريك العين منهما مثل : النّزوان والحيدى ، وفعل مثل : شرف ، وغير ذلك ، خواص أيضا ، فيلزم فيها ما يلزم في الحروف ، وفي ذلك نوع تأثير لأنفس الكلم في اختصاصها بالمعاني.

هذا ، والحق بعد ، أما التوقيف ، والإلهام ، قولا بأن المخصص هو تعالى ؛ وأما الوضع والاصطلاح ، قولا بإسناد التخصيص إلى العقلاء والمرجع بالآخرة فيهما أمر واحد ، وهو الوضع.

لكن الواضع : إما الله ، عزوجل ، وإما غيره. والوضع عبارة عن تعيين اللفظة بإزاء معنى بنفسها ، وقولى : خ خ بنفسها احتراز عن المجاز إذا عينته بإزاء ما أردته بقرينة ، فإن ذلك التعيين لا يسمى وضعا ، وإذا عرفت أن دلالة الكلمة على المعنى موقوفة على الوضع ، وأن الوضع تعيين الكلمة بإزاء معنى بنفسها ، وعندك علم أن دلالة معنى على معنى غير ممتنعة ، عرفت صحة أن تستعمل الكلمة مطلوبا بها نفسها : تارة معناها الذي هي موضوعة له ، ومطلوبا بها أخرى : معنى معناها بمعونة قرينة. ومبنى كون الكلمة حقيقة ومجازا على هذا.

ما هي الحقيقة؟ :

فالحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له من غير تأويل في الوضع ، كاستعمال الأسد في الهيكل المخصوص ، فلفظ خ خ الأسد موضوع له بالتحقيق ولا تأويل فيه ، وإنما ذكرت هذا القيد ليحترز به عن الاستعارة ، ففي الاستعارة تعد الكلمة مشتملة فيما هي موضوعة له على أصح القولين ، ولا نسميها حقيقة ، بل نسميها مجازا


لغويا لبناء دعوى المستعار موضوعا للمستعار له على ضرب من التأويل ، كما ستحيط بجميع ذلك علما في موضعه ، إن شاء الله تعالى.

ولك أن تقول الحقيقة : هي الكلمة المستعملة فيما تدل عليه بنفسها دلالة ظاهرة ، كاستعمال خ خ الأسد في الهيكل المخصوص ، أو خ خ القرء في أن لا يتجاوز الطهر والحيض غير مجموع بينهما ، فهذا ما يدل عليه بنفسه ما دام منتسبا إلى الوضعين ، أما إذا خصصته بواحد ، إما صريحا مثل أن تقول : خ خ القرء بمعنى الطهر ، وإما استلزاما مثل أن تقول : خ خ القرء لا بمعنى الحيض ، فإنه حينئذ ينتصب دليلا دالا بنفسه على الطهر بالتعيين ، كما كان الواضع عينه بإزائه بنفسه ، وأنه لمظنة فضل تأمل منك ، فاحتط ؛ وقولي : خ خ دلالة ظاهرة ، احتراز عن الاستعارة ، وستعرف وجه الاحتراز في باب الاستعارة.

ولك أن تقول : الحقيقة هي الكلمة المستعملة في معناها بالتحقيق ، والحقيقة تنقسم عند العلماء إلى : لغوية وشرعية وعرفية. والسبب في انقسامها هذا ، هو ما عرفت ، أن اللفظة تمتنع أن تدل على مسمى من غير وضع ، فمتى رأيتها دالة لم تشك في أن لها وضعا ، وأن لوضعها صاحبا. فالحقيقة لدلالتها على المعنى تستدعي صاحب وضع قطعا ، فمتى تعين عندك ، نسبت الحقيقة إليه ، فقلت : لغوية ، إن كان صاحب وضعها واضع اللغة. وقلت : شرعية إن كان صاحب وضعها الشارع ، ومتى لم يتعين ، قلت : عرفية. وهذا المأخذ يعرفك أن انقسام الحقيقة إلى أكثر مما هي منقسمة إليه غير ممتنع في نفس الأمر.

ما هو المجاز :

وأما المجاز فهو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق ، استعمالا في الغير ، بالنسبة إلى نوع حقيقتها ، مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النوع ، وقولي : بالتحقيق احتراز أن لا تخرج الاستعارة ، التي هي من باب المجاز ، نظرا إلى دعوى استعمالها فيما هي موضوعة له ، وقولي : استعمالا في الغير بالنسبة إلى نوع حقيقتها ، احتراز عما إذا اتفق ، كونها مستعملة فيما تكون موضوعة له ، لا بالنسبة إلى نوع حقيقتها ، كما إذا استعمل صاحب اللغة لفظ : خ خ الغائط ، مجازا فيما يفضل عن


الإنسان من منهضم متناولاته ، أو كما إذا استعار صاحب الحقيقة الشرعية خ خ الصلاة : للدعاء ، أو صاحب العرف خ خ الدابة : للحمار ، والمراد بنوع حقيقتها اللغوية ، إن كانت إياها ، أو الشرعية أو العرفية ، أية كانت. وقولي : خ خ مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النوع ، احتراز عن الكناية ، فإن الكناية ، كما ستعرف ، تستعمل فيراد بها المكنى عنه ، فتقع مستعملة في غير ما هي موضوعة له ، مع أنا لا نسميها مجازا ، لعرائها عن هذا القيد.

ولك أن تقول : المجاز هو الكلمة المستعملة ، في غير ما تدل عليه بنفسها دلالة ظاهرة ، استعمالا في الغير ، بالنسبة إلى نوع حقيقتها ، مع قرينة مانعة عن إرادة ما تدل عليه بنفسها ، في ذلك النوع.

ولك أن تقول : المجاز هو الكلمة المستعملة في معنى معناها بالتحقيق استعمالا في ذلك بالنسبة إلى نوع حقيقتها مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النوع.

واعلم أنا لا نقول : في عرفنا ، استعملت الكلمة فيما تدل عليه ، أو في غير ما تدل عليه ، حتى يكون الغرض الأصلي طلب دلالتها على المستعمل فيه ، ومن حق الكلمة ، في الحقيقة ، التي ليست بكناية ، أن تستغني في الدلالة على المراد منها بنفسها عن الغير ، لتعينها له بجهة الوضع ، وأما ما يظن بالمشترك من الاحتياج إلى القرينة في دلالته على ما هو معناه ، فقد عرفت أن منشأ هذا الظن عدم تحصيل معنى المشترك الدائر بين وضعين ، وحق الكلمة في المجاز أن لا تستغني عن الغير في الدلالة على ما يراد منها ، ليعينها له ذلك الغير.

وسميت الحقيقة حقيقة لمكان التناسب ، وهو : أن الحقيقة إما خ خ فعيل ، بمعنى : مفعول من حققت الشيء أحقه ، إذا أثبته ، فمعناها المثبت ؛ والكلمة متى استعملت فيما كانت موضوعة له ، دالة عليه بنفسها ، كانت مثبتة في موضعها الأصلي ، وإما خ خ فعيل ، بمعنى : خ خ فاعل ، من حق الشيء يحق إذا وجب ، فمعناها الواجب وهو الثابت.

والكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له ثابتة في موضعها الأصلي ، واجب لها ذلك ، وأما التاء فهو عندي للتأنيث في الوجهين لتقدير لفظ الحقيقة قبل التسمية صفة مؤنث غير مجراة على الموصوف ، وهو الكلمة.


وكذا المجاز سمي : مجازا لجهة التناسب ؛ لأن المجاز خ خ مفعل من جاز المكان يجوزه إذا تعداه ، والكلمة إذا استعملت في غير ما هي موضع له ، وهو ما تدل عليه بنفسها ، فقد تعدت موضعها الأصلي ، واعتبار التناسب في التسمية مزلة أقدام ، ربما شاهدت فيها من الزلل ما تعجبت ، فإياك والتسوية بين تسمية إنسان له حمرة بأحمر ، وبين وصفه بأحمر ، أن تزل. فإن اعتبار المعنى في التسمية لترجيح الاسم على غيره حال تخصيصه بالمسمى ، واعتبار المعنى في الوصف لصحة إطلاقه عليه ، فأين أحدهما عن الآخر ، وأن كثيرا سووا ، ثم سمعونا نقول : الله عز اسمه ، سمي : الله ، لكونه محار عقول ، اشتقاقا من كذا ، أو لكونه معبودا ، اشتقاقا من كذا ، فظنونا أسأنا ، فأخذوا يرمون ، والمرمى حيث بانوا وظلوا ، إله الخلق غفرا.

تحديد الحقيقة والمجاز :

وتحد الحقيقة والمجاز عند أصحابنا في هذا النوع بغير ما ذكرت.

يحدون الحقيقة هكذا : كل كلمة أريد بها ما وقعت له في وضع واضع وقوعا لا تستند فيه إلى غيره ، وإنما يقولون : خ خ واضع ، بالتنكير دون التعريف ليعم واضع اللغة ، وغيره من أصحاب الأوضاع المتأخرة عن وضع اللغة ، والضمير في : خ خ فيه ، يعود إلى الوقوع ، وفي : خ خ غيره ، يعود إلى الوضع ، وإنما يذكرون هذا القيد تقريرا للمعنى الأول ، مثل أن يقولوا : كل كلمة أريد بها ما وقعت له في وضع واضع ، لا ما وقعت له في غير وضع واضع ، والذي تقع له الكلمة في غير الوضع ، هو ما تتناوله عقلا بواسطة الوضع ، كما إذا وقعت للعشرة مثلا في الوضع ، فإنها تكون واقعة لخمسة وخمسة ، إلا أنها في وقوعها لخمسة وخمسة تستند إلى غير الوضع ، وهو العقل.

ويحدون المجاز هكذا : كل كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضع لملاحظة بين الثاني والأول ؛ فتأمل قولي وقولهم.

واعلم أن الكلمة حال وضعها اللغوي ، لما عرفت من أن الحقيقة ترجع إلى إثبات الكلمة في موضعها ، وأن المجاز يرجع إلى إخراج الكلمة عن موضعها ، حقها أن لا تسمى حقيقة ولا مجازا ، كالجسم حال الحدوث لا يسمى ساكنا ولا متحركا.

وأما حال الوضعين الأخيرين ، فحقها كذلك ، لكن في الأول بإطلاق ، وفي


الأخيرين بتقييد الحقيقة بنوعها ، مثل أن يقال : لا تكون حقيقة شرعية ولا مجازها ، ولا تكون حقيقة عرفية ولا مجازها ، وإن كان الإطلاق قد يحتمل.

وإذ قد تقدم إليك ما أحاطت به معرفتك ، فبالحري أن نشمر الذيل لتلخيص ما عند السلف ، وتخليصه مما يقع من الحشو في البين ، وأن نسوقه إليك مرتبا ترتيبا يقيد أوابد فوائدهم ، مقررا تقريرا يميط اللثام عن وجوه فرائدهم ، فاعلين ذلك لنطلعك على كنه ما أجروا إليه ، ونعثرك على شأو ما قد أناخوا لديه ، منبهين في أثناء المساق على ما يرونه وما نحن نراه ، فإذا استناخا من كمال تأملك في بحبوحة ذراه ، آثرت عن استطلاع طلعتهما (١) أيا شئت.

أقسام المجاز :

اعلم أن المجاز عند السلف من علماء هذا الفن قسمان : لغوي ، وهو ما تقدم ويسمى مجازا في المفرد ؛ وعقلي ، وسيأتيك تعريفه ويسمى مجازا في الجملة.

واللغوي قسمان : قسم يرجع إلى معنى الكلمة ، وقسم يرجع إلى حكم لها في الكلام ، والراجع إلى معنى الكلمة قسمان : خال عن الفائدة ، ومتضمن لها ، والمتضمن للفائدة قسمان : خال عن المبالغة في التشبيه ، ومتضمن لها ، وأنه يسمى الاستعارة ، ولها انقسامات ، فهذه فصول خمسة : مجاز لغوي راجع إلى المعنى خال عن الفائدة ، مجاز لغوي معنوي مفيد خال عن المبالغة في التشبيه : استعارة ، مجاز لغوي راجع إلى حكم الكلمة ، مجاز عقلي ، ويتلوه الكلام في : الحقيقة العقلية. وأنا أسوق إليك هذه الفصول بعون الله تعالى وهو المستعان.

__________________

(١) كذا في (ط) و (د) ، وفي (غ) طلعتها.


الفصل الأول

المجاز اللغوي الراجع إلى معنى الكلمة غير المفيد

هو أن تكون الكلمة موضوعة لحقيقة من الحقائق مع قيد ، فتستعملها لتلك الحقيقة لا مع ذلك القيد بمعونة القرينة ، مثل أن تستعمل المرسن ، وأنه موضوع لمعنى الأنف ، مع قيد أن يكون أنف مرسون ، استعمال الأنف من غير زيادة قيد بمعونة القرائن ، كقول العجاج (١) :

وفاحما ومرسنا مسرجا

يعني : أنفا يبرق كالسراج ، أو مثل : المشفر ، وهو موضوع للشفة ، مع قيد أن تكون شفة بعير ، استعمال الشفة ، فتقول : فلان غليظ المشفر ، في ضمن قرينة دالة على أن المراد هو الشفة لا غير ، أو مثل أن تستعمل الحافر ، وأنه موضوع للرجل مع قيد أن تكون رجل فرس أو حمار ، استعمال الرجل بالإطلاق ، اعتمادا على دلالة القرائن ، على ذلك سمي هذا القبيل : مجازا لتعديه ، عن مكانه الأصلي ، ومعنويا : لتعلقه بالمعنى لا بالحكم الذي سيأتيك ، ولغويا : لاختصاصه بمكانه الأصلي بحكم الوضع ، وغير مفيد : لقيامه مقام أحد المترادفين من نحو : ليث وأسد ، وحبس ومنع ، عند المصير إلى المراد منه.

__________________

(١) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٢٣ وعزاه للعجاج ، والقزويني في الإيضاح ص ٤٠٥.

والفاحم : الأسود البين الفحومة. المرسن : موضع الرسن من أنف الفرس ، الرّسن : ما كان من الأزمة على الأنف. والمسرج : من السرج وهو رحل الدابة.


الفصل الثاني

المجاز اللغوي الراجع إلى المعنى المفيد الخالي عن المبالغة في التشبيه

هو أن تعدي الكلمة عن مفهومها الأصلي بمعونة القرينة إلى غيره لملاحظة بينهما. ونوع تعلق ، نحو : أن تراد النعمة باليد ، وهي موضوعة للجارحة المخصوصة لتعلق النعمة بها ، من حيث إنها تصدر عن اليد ، ومنها تصل إلى المقصود بها ، وكذا إذا أردت القوة أو القدرة بها ، لأن القدرة أكثر ما يظهر سلطانها في اليد ، وبها يكون البطش ، والضرب والقطع ، والأخذ والدفع ، والوضع والرفع ، وغير ذلك من الأفاعيل التي تخبر فضل أخبار عن وجود القدرة ، وتنبىء عن مكانها أتم إنباء ، ولذلك تجدهم لا يريدون باليد شيئا لا ملابسة بينه وبين هذه الجارحة ، ونحو أن تراد المزادة بالرواية ، وهي في الأصل اسم للبعير الذي يحملها ، للعلاقة الحاصلة بينها وبينه بسبب حمله إياها ، أو أن يراد البعير بالحفض ، وهو متاع البيت ، بنحو من الجهة المذكورة ، ونحو أن يراد الرّجل بالعين إذا كان ربيئة من حيث أن العين لما كانت المقصودة في كون الرجل ربيئة ، صارت كأنها الشخص كله ؛ ونحو أن يراد النبت بالغيث ، كما يقولون : رعينا غيثا ، لكون الغيث سببا ؛ ونحو أن يراد الغيث بالسماء ، لكونه من جهتها ، يقولون : أصابتنا السماء ، أي الغيث ؛ ونحو أن يراد الغيث بالنبات ، كقولك : أمطرت السماء نباتا ، لكون الغيث سببا فيه أو بالسنام كقول من قال (١) :

أسنمة الآبال في سحابه

ومن هذا تعرف وجه تفسير من فسر إنزال أزواج الأنعام في قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ)(٢) بإنزال الماء ، لا سيما إذا نظر إلى ما ورد ، من أن كل ماء في الأرض فهو من السماء ، ينزله جل وعلا منها إلى الصخرة ، ثم يقسمه ؛ وقيل :

__________________

(١) أورده القزوينى في الإيضاح (٤٠١) بلا عزو وذكر صدر البيت :

أقبل في المسنّن من ربابة

، والطيبى في التبيان (١ / ٢٩٣) بتحقيقى.

(٢) سورة الزمر الآية ٦.


هذا معنى قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ)(١) ومما نحن فيه قوله : (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً)(٢) أي مطرا هو سبب الرزق ، وقوله : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ)(٣) ومما ينخرط في هذا السلك : هداه الله ، أي : ألطف به ، خ خ وأضله الله أي خذله بمنع ألطافه لكونها في حقه عبثا ، وقوله عز سلطانه (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي)(٤) أي العناد المستلزم للنار ، وقوله : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً)(٥) لاستلزام أموال اليتامى إياها ، وقول القائل :

يأكلن كلّ ليلة أكافا (٦) ،

أي علفا بثمن أكاف ، للتعلق بين ذلك العلف وبين الأكاف ، وقولهم : أكل فلان الدم ، أي : الدية ، للتعلق بينهما.

ومن أمثلة المجاز قوله تعالى (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ)(٧) استعملت : قرأت ، مكان : أردت القراءة ، لكون القراءة مسببة عن إرادتها ، استعمالا مجازيا بقرينة الفاء في : فاستعذ ، والسنّة المستفيضة بتقديم الاستعاذة ، ولا تلتفت إلى من يؤخر

__________________

(١) سورة الزمر الآية ٢١.

(٢) سورة غافر الآية ١٣.

(٣) سورة الذاريات ، الآية ٢٢.

(٤) سورة البقرة الآية ٢٤.

(٥) سورة النساء الآية ١٠.

(٦) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٢٥ وصدر البيت :

إن لنا أحمرة عجافا

والقزوينى في الإيضاح (٣٩٩) بلا عزو. والأكاف : من المراكب شبه الرّحال والأقتاب والجمع أكف.

(٧) سورة النحل الآية ٩٨.


الاستعاذة ، فذلك لضيق العطن ، وقوله (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ)(١) في موضع : أراد نداء ربه ، بقرينة : (فَقالَ رَبِ) وقوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها)(٢) في موضع : أردنا هلاكها ، بقرينة : (فَجاءَها بَأْسُنا) والبأس : الإهلاك ، وقوله : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها)(٣) في موضع أردنا هلاكها بقرينة : (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أي عن معاصيهم للخذلان ، ومنه : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ)(٤) أي : أردنا إهلاكها ، إذ معنى الآية : كل قرية أردنا إهلاكها لم يؤمن أحد منهم ، أفهؤلاء يؤمنون؟ وما أدل نظم الكلام على الوعيد بالإهلاك! أما ترى الإنكار في : (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) لا يقع في المحز إلّا بتقدير : ونحن على أن نهلكهم.

وإنما حملت الامتناع عما ذكرت ، على ضيق العطن ، لأنه متى جرى فيما هو أبعد جريا مستفيضا ، يكاد يريك من إذا تكلم بخلافه كمن صلى لغير قبلة ، أليس كل أحد يقول للحفار : خ خ ضيق فم الركية ، وعليه فقس ، والتضييق ، كما يشهد له عقلك الراجح ، هو التغيير من السعة إلى الضيق ، ولا سعة هناك ، إنما الذي هناك هو مجرد تجويز أن يريد الحفار التوسعة ، فينزل مجوز مراده منزلة الواقع ، ثم يأمره بتغييره إلى الضيق ، أما يجب أن يكون في الأقرب أجرى وأجرى؟.

وأمثال ذلك مما تعدى الكلمة بمعونة القرينة عن معناها الأصلي إلى غيره لتعلق بينهما بوجه ، قويا كان أو ضعيفا ، واضحا أو خفيا ، وللتعلق بين الصارف عن فعل الشيء وبين الداعي إلى تركه ، يحتمل عندي أن يكون : " منعك" في قوله : علت كلمته : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)(٥) مرادا به : ما دعاك إلى أن لا تسجد؟ وأن يكون" لا" غير

__________________

(١) سورة هود الآية ٤٥.

(٢) سورة الأعراف الآية ٤.

(٣) سورة الأنبياء الآية ٩٥.

(٤) سورة الأنبياء الآية ٦.

(٥) سورة الأعراف الآية ١٢.


[صلة](١) قرينة للمجاز ، ونظيره : (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلَّا تَتَّبِعَنِ)(٢)

ومن أمثلة المجاز : المستثنى منه في باب الاستثناء ، وتحقيق الكلام في ذلك مفتقر إلى التعرض للتناقض ، وسينشعب من علم المعاني شعبة تثمر المصير إلى ما له وعليه ، فالرأي أن نؤخر الكلام في الاستثناء إلى الفراغ عن تلك الشعبة ، وهي شعبة علم الاستدلال ، وتسميته مجازا لغويا ومعنويا لما تقدم ، ومفيدا : لتضمنه شبه شاهد لتحقق ما أنت تريد به ، وسيأتيك تقرير هذا المعنى في الأصل الثالث ، بإذن الله تعالى ، وأما معنى كونه : خاليا عن المبالغة في التشبيه ، فموضحه الفصل الذي يليه.

__________________

(١) من (د).

(٢) سورة طه الآيتان ٩٢ ـ ٩٣.


الفصل الثالث

الاستعارة

في الاستعارة هي : أن تذكر أحد طرفي التشبيه وتريد به الطرف الآخر ، مدعيا دخول المشبه في جنس المشبه به ، دالا على ذلك بإثباتك للمشبه ما يخص المشبه به ، كما تقول : خ خ في الحمام أسد وأنت تريد به الشجاع ، مدّعيا أنه من جنس الأسود ، فتثبت للشجاع ما يخص المشبه به ، وهم اسم جنسه ، مع سد طريق التشبيه بإفراده في الذكر ، أو كما تقول : خ خ إن المنية أنشبت أظفارها (١) ، وأنت تريد بالمنية : السبع ، بادعاء السبعية لها ، وإنكار أن تكون شيئا غير سبع ، فتثبت لها ما يخص المشبه به ، وهو : الأظفار. وسمي هذا النوع من المجاز استعارة ، لمكان التناسب بينه وبين معنى الاستعارة.

وذلك أنا متى ادعينا في المشبه كونه داخلا في حقيقة المشبه به ، فردا من أفرادها ، برز فيما صادف من جانب المشبه به ، سواء كان اسم جنسه وحقيقته ، أو لازما من لوازمها ، في معرض نفس المشبه به ، نظرا إلى ظاهر الحال من الدعوى ، فالشجاع ، حال دعوى كونه فردا من أفراد حقيقة الأسد ، يكتسي اسم الأسد اكتساء الهيكل المخصوص إياه ، نظرا إلى الدعوى ، والمنية ، حال دعوى كونها داخلة في حقيقة السبع ، إذا أثبت لها مخلب أو ناب ، ظهرت مع ذلك ظهور نفس السبع معه في أنه كذلك ينبغي ، وكذلك الصورة المتوهمة على شكل المخلب أو الناب ، مع المنية المدعى أنها سبع ، تبرز في [تسميتها](٢) باسم المخلب بروز الصورة المتحققة المسماة باسم المخلب من غير فرق ، نظرا إلى الدعوى.

وهذا شأن العارية ، فإن المستعير يبرز معها في معرض المستعار منه ، لا يتفاوتان إلا في أن أحدهما إذا فتش عنها مالك والآخر ليس كذلك. وهاهنا سؤال وجواب

__________________

(١) قال أبو ذؤيب الهذلي :

وإذا المنية أنشبت أظفارها ...

ألفيت كل تميمة لا تنفع.

والبيت ذكره الطيبى في التبيان (١ / ٣٠٣) بتحقيقى.

(٢) في (د) (تسميها)


تسمعهما في فصل الاستعارة بالكناية.

ويسمى المشبه به ، سواء كان هو المذكور أو المتروك ، مستعارا منه ، واسمه مستعارا. والمشبه به ، مستعارا له. والذي قرع سمعك ، من أن الاستعارة تعتمد إدخال المستعار له في جنس المستعار منه ، هو السر في امتناع دخول الاستعارة في الأعلام ، اللهم إلا إذا تضمنت نوع وصفية لسبب خارج ، تضمن اسم خ خ حاتم الجود ، وخ خ مادر البخل (١) ، وما جرى مجراهما.

وأما عد هذا النوع لغويّا ، فعلى أحد القولين ، وهو المنصور ، كما ستقف عليه ، وكان شيخنا الحاتمي ، تغمده الله برضوانه ، أحد ناصريه ، فإن لهم فيه قولين :

أحدهما : أنه لغوي ، نظرا إلى استعمال الأسد في غير ما هو له عند التحقيق ، فإنا ، وإن ادعينا للشجاع الأسدية ، فلا نتجاوز حديث الشجاعة حتى ندعي للرجل صورة الأسد ، وهيئته وعبالة (٢) عنقه ، ومخالبه وأنيابه ، وما له من سائر ذلك من الصفات البادية لحواس الأبصار. ولئن كانت الشجاعة من أخص أوصاف الأسد وأمكنها ، لكن اللغة لم تضع الاسم لها وحدها ، بل لها في مثل تلك الجثة ، وتلك الصورة والهيئة ، وهاتيك الأنياب والمخالب ، إلى غير ذلك من الصور الخاصة في جوارحه ، جمع.

ولو كانت وضعته لتلك الشجاعة التي تعرفها لكان صفة لا اسما ، ولكان استعماله ، فيمن كان على غاية قوة البطش ونهاية جراءة المقدم ، من جهة التحقيق لا من جهة التشبيه ، ولما ضرب بعرق في الاستعارة إذ ذاك البتة ، ولانقلب المطلوب بنصب القرائن ، وهو منع الكلمة عن حملها على ما هي موضوعة له ، إلى إيجاب حملها على ما هي موضوعة له.

__________________

(١) في المثل : ألأم من مادر ، وهو جد بنى هلال بن عامر ، وفي الصحاح : هو رجل من هلال بن عامر بن صعصعة ؛ لأنه سقى إبله فبقى في أسفل الحوض ماء قليل ، فسلح فيه ، ومدر به حوضه بخلا أن يشرب من فضله : لسان العرب (مدر).

(٢) العبل : الضخم من كل شىء.


وثانيهما : أنه ليس بلغويّ بل عقليّ نظرا إلى الدعوى ، فإن كونه لغويّا يستدعي كون الكلمة مستعملة في غير ما هي موضوعة له ، ويمتنع مع ادعاء الأسدية للرجل ، وأنه داخل في جنس الأسود ، فرد من أفراد حقيقة الأسد ، وكذا مع ادعاء كون الصبيح الكامل الصباحة أنه شمس ، وأنه قمر وليس البتة شيئا غيرهما أن يكون إطلاق اسم الأسد على ذلك ، عن اعتراف بأنه رجل ، أو إطلاق اسم الشمس أو القمر على هذا عن اعتراف بأنه آدمي ، لقدح ذلك في الدعوى. وقل لي : مع الاعتراف بأنه آدمي ، غير شمس وغير قمر في الحقيقة ، أن يكون موضع تعجب ،

قوله (١) :

قامت تظلّلني من الشمس ...

نفس أعزّ عليّ من نفسي

قامت تظللني ، ومن عجب ...

شمس تظللني من الشمس

أو موضع نهي عن التعجب ، قوله (٢) :

لا تعجبوا من بلى غلالته ...

قد زرّ أزراره على القمر

وقوله (٣) :

__________________

(١) أوردهما محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢١٠ وعزاهما لابن العميد ، وعبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة ص ٢٤٤ ، والرازي في نهاية الإيجاز ص ٢٥٢ ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤١٥ ، والطيبى في التبيان (١ / ٢٩٨) بتحقيقى.

(٢) أورده عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغه ص ٢٤٦ ، والرازي في نهاية الإيجاز ص ٢٥٣ وهو لابن طباطبا العلوى ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٢٩ ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢١٠ ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤١٥.

(٣) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٣٠ وهو لأبي المطاع ناصر الدولة بن حمدان ، والجرجاني في الإشارات ص ٢١٠ ، والقزويني في الإيضاح ص ٤١٥ والعلوى في الطراز (١ / ٢٣١).

والمعاجر : مفرد المعجر. والعجار : ثوب تلفه المرأة على استدارة رأسها ثم تجلبب فوقه بجلبابها.


ترى الثياب من الكتّان يلمحها ...

نور من البدر أحيانا فيبليها

فكيف تنكر أن تبلى معاجرها ...

والبدر في كل وقت طالع فيها؟

ومع الإصرار على دعوى أنه أسد ، وأنه شمس ، وأنه قمر ، يمتنع أن يقال : لما تستعمل الكلمة فيما هي موضوعة له ، ومدار ترديد الإمام عبد القاهر ، قدس الله روحه ، لهذا النوع بين اللغوي تارة ، وبين العقلي أخرى على هذين الوجهين ، جزاه الله أفضل الجزاء ، فهو الذي لا يزال ينور القلوب في مستودعات لطائف نظره ، لا يألو تعليما ، وإرشادا ، لكنك إذا وقفت على وجه التوفيق بين إصرار المستعير على ادعائه الأسدية للرجل ، وبين نصبه في ضمن الكلام قرينة دالة على أنه ليس الهيكل المخصوص ، مصدقة عنده ، كشف لك الغطاء.

اعلم أن وجه التوفيق هو أن تبنى دعوى الأسدية للرجل على ادعاء أن أفراد جنس الأسد قسمان بطريق التأويل : متعارف ، وهو الذي له غاية جرأة المقدم ، ونهاية قوة البطش مع الصورة المخصوصة ؛ وغير متعارف : وهو الذي له تلك الجراءة وتلك القوة ، لا مع تلك الصورة ، بل مع صورة أخرى ، على نحو ما ارتكب المتنبي هذا الادعاء ، في عد نفسه وجماعته من جنس الجن ، وعد جماله من جنس الطير ، حين قال :

نحن قوم [ملجن](١) في زي ناس ...

فوق طير لها شخوص الجمال (٢)

مستشهدا لدعواك هاتيك بالمحيلات العرفية ، والتأويلات المناسبة ، من نحو حكمهم إذا رأوا أسدا هرب عن ذئب خ خ أنه ليس بأسد ، وإذا رأوا إنسانا لا يقاومه أحد خ خ أنه ليس بإنسان ، وإنما هو أسد ، أو هو أسد في صورة إنسان ، وأن تخصص تصديق القرينة بنفيها المتعارف الذي يسبق إلى الفهم ، ليتعين ما أنت تستعمل الأسد فيه ، ومن البناء

__________________

(١) يعنى : من الجن.

(٢) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢١١ وعزاه للمتنبى ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤١٦ وفيه [نحن قوم م الجن] والبيت من قصيدة له مطلعها :

صلة الهجر لى وهجر الوصال ..

نكسانى في السقم نكس الهلال


على هذا التنويع قوله (١) :

تحيّة بينهم ضرب وجيع

وقولهم : خ خ عتابك السيف وقوله عز وعلا : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(٢). على ما ستسمع هذه الآية في فصل المستثنى منه ، إن شاء الله ، ومنه قوله (٣) :

وبلدة ليس بها أنيس ...

إلّا اليعافير وإلّا العيس

والاستعارة ، لبناء الدعوى فيها على التأويل ، تفارق الدعوى الباطلة ، فإن صاحبها يتبرأ عن التأويل ، وتفارق الكذب بنصب القرينة المانعة عن إجراء الكلام على ظاهره ، فإن الكذاب لا ينصب دليلا على خلاف زعمه ، وأنى ينصب وهو لترويج ما يقول راكب كل صعب وذلول.

أقسام الاستعارة :

[وإذ قد عرفت](٤) ما كان يتعلق ببيان وصف الاستعارة ، ووجه تسميتها استعارة ، وتقرير استنادها إلى اللغة ، ومفارقتها للدعوى الباطلة والكذب ، فاعلم أن الاستعارة

__________________

(١) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٢٦ وذكر صدر البيت :

وخيل قد دلفت لها بخيل

وهو لعمرو بن معد يكرب. النوادر في اللغه (٤٢٨) ، والخزانة (٩ / ٢٦) ، وشرح شواهد الكشاف (٤٢٦) ، وأورده الطيبى في التبيان (١ / ٢٩٩) بتحقيقى.

(٢) سورة الشعراء الآيتان : ٨٨ ـ ٨٩.

(٣) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٢٧ وعزاه للراجز. وانظر الإنصاف ص ١٦٠ ، البيان في غرائب القران (١ / ٤٢١) ، وشواهد الكشاف ص ٩٧] ، والخطيب القزوينى في الإيضاح ص ٤١٧.

واليعافير : جمع يعفور وهو الغزال. والعيس : الإبل يخالط بياضها صفرة ، والواحد أعيس وهي عيساء.

(٤) في (ط) (وإذا عرفت) والمثبت من (غ) و (د).


تنقسم إلى : مصرح بها ومكنى عنها ، والمراد بالأول : هو أن يكون الطرف المذكور من طرفي التشبيه هو المشبه به ، والمراد بالثاني أن يكون الطرف المذكور هو المشبه.

والمصرح بها تنقسم إلى : [تحقيقية](١) وتخييلية. والمراد بالتحقيقية : أن يكون المشبه المتروك شيئا متحققا ، إما حسيا وإما عقليا. والمراد بالتخييلية : أن يكون المشبه المتروك شيئا وهميا محضا ، لا تحقق له إلا في مجرد الوهم. ثم تقسم كل واحدة منهما إلى قطعية ، وهي : أن يكون المشبه المتروك متعين الحمل على ماله تحقق حسي أو عقلي ، أو على ما لا تحقق له البتة إلا في الوهم.

وإلى احتمالية ، وهي : أن يكون المشبه المتروك صالح الحمل تارة على ما له تحقق ، وأخرى على ما لا تحقق له. فهذه أقسام أربعة : الاستعارة المصرح بها التحقيقية مع القطع ، الاستعارة المصرح بها التخييلية مع القطع ، الاستعارة المصرح بها مع الاحتمال للتحقيق والتخييل ؛ الاستعارة بالكناية.

ثم إن الاستعارة ربما قسمت إلى : أصلية وتبعية ، والمراد بالأصلية : أن يكون معنى التشبيه داخلا في المستعار دخولا أوليا. والمراد بالتبعية : أن لا يكون داخلا دخولا أوليا ، وربما لحقها التجريد ، فسميت : خ خ مجردة ، أو الترشيح ، فسميت : خ خ مرشحة. فيجب أن نتكلم في هذه الانقسامات ، وهي ثمانية.

القسم الأول

في الاستعارة المصرح بها التحقيقية مع القطع

هي إذا وجدت وصفا مشتركا بين ملزومين مختلفين في الحقيقة ، هو في أحدهما أقوى منه في الآخر ، وأنت تريد إلحاق الأضعف بالأقوى على وجه التسوية بينهما ، أن تدّعى ملزوم الأضعف من جنس ملزوم الأقوى بإطلاق اسمه عليه ، وسدّ طريق التشبيه بإفراده في الذكر ، توصلا بذلك إلى المطلوب لوجوب تساوي اللوازم عند تساوي

__________________

(١) في (غ) و (د) (حقيقية).


ملزوماتها ، فاعلا ذلك في ضمن قرينة مانعة عن حمل المفرد بالذكر على ما يسبق منه إلى الفهم ، كيلا يحمل عليه فيبطل الغرض التشبيهي ، بانيا دعواك على التأويل المذكور ، ليمكن التوفيق بين دلالة الإفراد بالذكر ، وبين دلالة القرينة المتمانعتين ، ولتمتاز دعواك عن الدعوى الباطلة ، مثال ذلك : أن يكون عندك شجاع ، وأنت تريد أن تلحق [جرأته وقوته بجرأة](١) الأسد وقوته ، فتدعي الأسدية له بإطلاق اسمه عليه ، مفردا له في الذكر ، فتقول : خ خ رأيت أسدا ، كيلا يعد جرأته وقوته ، دون جرأة الأسد وقوته ، مع نصب قرينة مانعة عن إرادة الهيكل المخصوص به : ك خ خ يرمي أو خ خ يتكلم ، أو خ خ في الحمام ، أو : أن يكون عندك وجه جميل ، وأنت تريد أن تلحق وضوحه ، وإشراقه ، وملاحة استدارته بما للبدر ، فتدعيه بدرا ، بإطلاق اسمه عليه مع إفراده في الذكر ، قائلا : خ خ نظرت إلى بدر [يبتسم](٢) أو : أن يكون عندك عالم ، وأنت تريد إلحاق كثرة فوائده ، بعد ما جرت العادة على تشبيه فوائد العلماء بالفرائد ، بكثرة فرائد البحر ، فتدعيه بحرا سالكا في ذلك المسلك المعهود ؛ أو أن تريد إلحاق عدل عادل في إباء التفاوت ، بالميزان أو بالقسطاس في ذلك ، فتدخله في جنس الميزان أو القسطاس ، قائلا : خ خ ميزان [أميرنا](٣) أو قسطاسه لا يقبل التفاوت.

الاستعارة التهكمية :

ومن الأمثلة : استعارة اسم أحد الضدين أو النقيضين للآخر ، بواسطة انتزاع شبه التضاد ، وإلحاقه بشبه التناسب ، بطريق التهكم أو التلميح ، على ما سبق في باب التشبيه ، ثم ادعاء أحدهما من جنس الآخر ، والإفراد بالذكر ، ونصب القرينة ، كقولك : خ خ إن فلانا تواترت عليه البشارات بقتله ، ونهب أمواله ، وسبي أولاده. ويخص هذا النوع باسم : خ خ الاستعارة التهكمية أو خ خ التلميحية.

__________________

(١) في (غ) و (د) (جراءته ... بجراءة).

(٢) في (غ) و (د) (يتبسم)

(٣) في المطبوع (أو ميزانا) والتصويب من (غ) و (د).


قرينة الاستعارة :

واعلم أن قرينة الاستعارة ربما كانت معنى واحدا ، كالذي رأيت في الأمثلة المذكورة ، وربما كانت معان مربوطا بعضها ببعض كما

في قوله (١) :

وصاعقة من نصله تنكفي بها ...

على أرؤس الأقران خمس سحائب

انظر حين أراد استعارة السحائب لأنامل يمين الممدوح ، تفريعا على ما جرت به العادة من تشبيه الجواد بالبحر الفياض تارة ، وبالسحاب الهطال أخرى ؛ ماذا صنع؟ ذكر أن هناك صاعقة ، ثم قال : خ خ من نصله ، فبين أن تلك الصاعقة من نصل سيفه ، ثم قال : خ خ على أرؤس الأقران ، ثم قال : خ خ خمس ، فذكر العدد الذي هو عدد جميع أنامل اليد ، فجعل ذلك كله قرينة لما أراد من استعارة السحائب للأنامل ؛ ومن الأمثلة استعارة وصف إحدى صورتين [منتزعين](٢) من أمور لوصف الأخرى ، مثل أن تجد إنسانا استفتى في مسألة ، فيهم تارة بإطلاق اللسان ليجيب ، ولا يهم أخرى ، فتأخذ صورة تردده هذا ، فتشبهها بصورة تردد إنسان قام ليذهب في أمر ، فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا ، وتارة لا يريد فيؤخر أخرى ، ثم تدخل صورة المشبه في جنس صورة المشبه به روما للمبالغة في التشبيه ، فتكسوها وصف المشبه به من غير تغيير فيه بوجه من الوجوه ، على سبيل الاستعارة ، قائلا : خ خ أراك أيها المفتي تقدم رجلا وتؤخر أخرى ؛ وهذا نسميه : التمثيل على سبيل الاستعارة ؛ ولكون الأمثال كلها تمثيلات على سبيل الاستعارة ، لا يجد التغيير إليها سبيلا ، فاعلم.

__________________

(١) أورده الطيبى في التبيان (١ / ٣٠٠) بتحقيقى وعزاه للبحتري وفي شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١١٧) بتحقيقى أيضا ، والعلوى في الطراز (١ / ٢٣١) ، وديوان البحتري (٢ / ٣٥٦).

(٢) في (غ) و (د) (منتزعتين).


القسم الثاني

في الاستعارة المصرح بها التخييلية مع القطع

هي أن تسمى باسم صورة متحققة صورة عندك وهمية محضة ، تقدرها مشابهة لها ، مفردا في الذكر ، في ضمن قرينة مانعة عن حمل الاسم على ما يسبق منه إلى الفهم من كون مسماه شيئا متحققا ، وذلك مثل أن تشبه المنية بالسبع في اغتيال النفوس ، وانتزاع أرواحها بالقهر والغلبة ، من غير تفرقة بين نفاع وضرار ، ولا رقة لمرحوم ومساس بقيا على ذي فضيلة ، تشبيها بليغا حتى كأنها سبع من السباع ، فيأخذ الوهم في تصويرها في صورة السبع ، واختراع ما يلازم صورته ، ويتم بها شكله من ضروب هيئات ، وفنون جوارح وأعضاء ، وعلى الخصوص ما يكون قوام اغتيال السبع للنفوس بها ، وتمام افتراسه للفرائس بها من الأنياب والمخالب ، ثم تطلق على مخترعات الوهم عندك أسامي المتحققة على سبيل الإفراد بالذكر ، وأن تضيفها إلى المنية ، قائلا : خ خ مخالب المنية ، أو خ خ أنياب المنية الشبيهة بالسبع ، ليكون إضافتها إليها قرينة مانعة من إجرائها على ما يسبق إلى الفهم منها من تحقق مسمياتها ، أو مثل أن تشبه الحال ، إذا وجدتها دالة على أمر من الأمور ، بالإنسان الذي يتكلم ، فيعمل الوهم في الاختراع للحال ما قوام كلام المتكلم به ، وهو تصوير صورة اللسان ، ثم تطلق عليه اسم اللسان المتحقق ، وتضيفه إلى الحال قائلا : لسان الحال الشبيه بالمتكلم ناطق بكذا ؛ أو مثل أن تشبه حكما من الأحكام ، إذا صادفته واقعا بمشيئة امرئ وتابعا لرأيه كيف شاء ، بالناقة المنقادة التابعة لمستتبعها كيف أراد ، فتثبت له في الوهم ما قوام ظهور انقياد الناقة به واتباعها المستتبع وهو صورة الزمام ، فتطلق عليها اسم الزمام المتحقق قائلا : زمام الحكم الشبيه بالناقة في اتباع المستتبع في يد فلان.


القسم الثالث

في الاستعارة المصرح بها المحتملة للتحقيق والتخييل

هي كما ذكرنا أن يكون المشبه المتروك صالح الحمل على ما له تحقق من وجه ، وعلى ما لا تحقق له من وجه آخر ، ونظيره قول زهير (١) :

صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ...

وعرّي أفراس الصّبا ورواحله

أراد أن يبين أنه أمسك عما كان يرتكب ، أو أن الصبا ، وقمع النفس عن التلبس بذاك ، معرضا الإعراض الكلي عن المعاودة لسلوك سبيل الغي ، وركوب مراكب الجهل ، فقال :

وعرّي أفراس الصّبا ورواحله

أي ما بقيت آلة من آلاتها المحتاج إليها في الركوب والارتكاب قائمة ، كأيما نوع فرضت من الأنواع ، حرفة أو غيرها ، متى وطنت النفس على اجتنابه ، ورفع القلب رأسا عن دق بابه ، وقطع العزم عن معاودة ارتكابه ، فيقل العناية بحفظ ما قوام ذلك النوع به من الآلات والأدوات ، فترى يد التعطيل تستولي عليها فتهلك وتضيع شيئا فشيئا ، حتى لا تكاد تجد في أدنى مدة أثرا منها ولا عثيرا ، فبقيت لذلك معراة لا آلة ولا أداة ، فحق قوله : خ خ أفراس الصبا ورواحله ، أن يعد استعارة تخييلية ، لما يسبق إلى الفهم ، ويتبادر إلى الخاطر ، من تنزيل : (أفراس الصبا ورواحله) ، منزلة أنياب المنية ومخالبها ، وإن كان يحتمل احتمالا بالتكلف أن تجعل الأفراس والرواحل عبارة عن دواعي النفوس وشهواتها ، والقوى الحاصلة لها في استيفاء اللذات ، أو عن الأسباب التي قلما تتآخذ في اتباع الغي ، وجر أذيال البطالة ، إلّا أوان الصبا ، وكذلك قوله ، علت كلمته : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ)(٢) الظاهر من اللباس ، عند أصحابنا ، الحمل على

__________________

(١) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٣٢ وعزاه إليه ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤٤٦ ، والطيبى في التبيان (١ / ٣٠٢) وشرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١١٨) والعلوى في الطراز (١ / ٢٣٣).

(٢) سورة النحل الآية ١١٢.


التخييل ، وإن كان يحتمل عندي أن يحمل على التحقيق ، وهو أن يستعار لما يلبسه الإنسان عند جوعه من انتقاع اللون ورثاثة الهيئة.

القسم الرابع

في الاستعارة بالكناية

هي ، كما عرفت ، أن تذكر المشبه ، وتريد به المشبه به دالا على ذلك بنصب قرينة تنصبها ، وهي أن تنسب إليه وتضيف شيئا من لوازم المشبه به المساوية ، مثل أن تشبه المنية بالسبع ، ثم تفردها بالذكر مضيفا إليها ، على سبيل الاستعارة التخييلية ، من لوازم المشبه به ما لا يكون إلّا له ، ليكون قرينة دالة على المراد ، فتقول : خ خ مخالب المنية نشبت بفلان ، طاويا لذكر المشبه به ، وهو قولك : خ خ الشبيهة بالسبع ، أو مثل أن تقول : خ خ لسان الحال ناطق بكذا ، تاركا لذكر المشبه به ، وهو قولك : خ خ الشبيه بالمتكلم ، أو تقول : خ خ زمام الحكم في يد فلان ، بترك ذكر المشبه به.

وقد ظهر أن الاستعارة بالكناية لا تنفك عن الاستعارة التخييلية ، هذا ما عليه مساق كلام الأصحاب ، وستقف ، إذا انتهينا إلى آخر هذا الفصل ، على تفصيل ههنا. وكأني بك لما قدمت أن الاستعارة تستدعي ادعاء أن المستعار له من جنس المستعار منه دعوى إصرار ، وادعاء أنه كذلك مع الإصرار ، يأبى الاعتراف بحقيقته. والاستعارة بالكناية مبناها على ذكر المشبه باسم جنسه ، والاعتراف بحقيقة الشيء أكمل من التنويه باسم جنسه. يهجس في ضميرك أن الجمع بين الإنكار البليغ ، وبين الاعتراف الكامل ، أنى يتسنى ، فالوجه في ذلك هو أنّا نفعل هاهنا ، باسم المشبه ، ما نفعل في الاستعارة بالتصريح بمسمى المشبه ، كما أنّا ندّعي هناك الشجاع مسمّى للفظ الأسد ، بارتكاب تأويل على ما سبق ، حتى يتهيأ التفصي عن التناقض في الجمع بين ادعاء الأسدية ، وبين نصب القرينة المانعة عن إرادة الهيكل المخصوص ، ندّعي ههنا اسم المنية اسما للسبع ، مرادفا له بارتكاب تأويل ، وهو : أن المنية تدخل في جنس السباع لأجل


المبالغة في التشبيه بالطريق المعهود ، ثم [نذهب](١) على سبيل التخييل إلى أن الواضع كيف يصح منه أن يضع اسمين لحقيقة واحدة وأن لا يكونا مترادفين؟ فيتهيأ لنا بهذا الطريق دعوى السبعية للمنية مع التصريح بلفظ المنية.

__________________

(١) في (ط) و (د) (تذهب).


القسم الخامس

في الاستعارة الأصلية

هي أن يكون المستعار اسم جنس ، كرجل وأسد ، وكقيام وقعود ، ووجه كونها أصلية هو ما عرفت أن الاستعارة مبناها على تشبيه المستعار له بالمستعار منه ؛ وقد تقدم في باب التشبيه : أن التشبيه ليس إلّا وصفا للمشبه بكونه مشاركا للمشبه به في وجه ، والأصل في الموصوفية هي الحقائق ، مثل ما تقول : خ خ جسم أبيض أو خ خ بياض صاف ، وخ خ جسم طويل أو خ خ طول مفرط ، وإنما قلت : خ خ الأصل في الموصوفية هي الحقائق ، ولم أقل : خ خ لا يعقل الوصف إلا للحقيقة ، قصرا للمسافة حيث يقولون في نحو : خ خ شجاع باسل ، وخ خ جواد فياض ، وخ خ عالم نحرير ، إنّ : خ خ باسلا وصف لشجاع ، وخ خ فياضا وصف لجواد ، وخ خ نحريرا وصف لعالم.

القسم السادس

في الاستعارة التبعية

هي ما تقع في غير أسماء الأجناس : كالأفعال ، والصفات المشتقة منها ، وكالحروف ؛ بناء على دعوى أن الاستعارة تعتمد التشبيه ، والتشبيه يعتمد كون المشبه موصوفا. والأفعال ، والصفات المشتقة منها ، والحروف عن أن توصف بمعزل ، فهذه كلها عن احتمال الاستعارة في أنفسها بمعزل ، وإنما المحتمل لها ، في الأفعال والصفات المشتقة منها ، مصادرها ؛ وفي الحروف ، متعلقات معانيها. فتقع الاستعارة هناك ثم تسري فيها ، وأعني : بمتعلقات معاني الحروف ما يعبر عنها عند تفسيرها ، مثل قولنا : من : معناها ابتداء الغاية ، وإلى : معناها انتهاء الغاية ، وكي : معناها الغرض. فابتداء الغاية وانتهاء الغاية والغرض ليست معانيها ، إذ لو كانت هي معانيها ، والابتداء والانتهاء والغرض : أسماء ؛ لكانت هي أيضا أسماء ؛ لأن الكلمة إذا سميت اسما سميت لمعنى الاسمية لها ، وإنما هي متعلقات معانيها ، أي إذا أفادت هذه الحروف معان ، رجعت إلى هذه بنوع استلزام ، فلا تستعير الفعل إلّا بعد استعارة مصدره ، فلا تقول : نطقت الحال ، بدل خ خ دلت ، إلّا بعد تقرير استعارة نطق الناطق لدلالة الحال ، على الوجه الذي عرفت ، من إدخال دلالة الحال في جنس نطق الناطق لقصد المبالغة في التشبيه ، وإلحاق إيضاح دلالة


الحال للمعنى بإيضاح نطق الناطق له ، وكذا إذا قلت : خ خ الحال ناطقة بكذا ، بدل : خ خ دالة على كذا ، وكذا قوله عز سلطانه : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(١) في الاستعارة التهكمية ، بدل : فأنذرهم ، وقول قوم شعيب : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)(٢) بدل : السفيه الغوي ، لقرائن أحوالهم.

ومما نحن فيه قولهم للشمس : خ خ جونة لشدة ضوئها ، والجون الأسود ، وللغراب : أعور لحدة بصره ، وعلى هذا لا تستعير الحرف إلّا بعد تقدير الاستعارة في متعلق معناه.

الاستعارة ب" لعل" :

فإذا أردت استعارة خ خ لعل ، لغير معناها ، قدرت الاستعارة في معنى الترجي ، ثم استعملت هناك : لعل ؛ مثل أن تبني على أصول العدل ، ذاهبا إلى [أن](٣) الصانع حكيم ، تعالى وتقدس أن يكون في أفعاله عبث ، بل كل ذلك حكمة وصواب مفعول لغرض صحيح ، ما خلق الإنسان إلّا لغرض الإحسان ، وحين ركب فيه الشهوة الحاملة على فعل ما يجب تركه ، والنفرة الحاملة على ترك ما يجب فعله ، وأودع عقله المضادة لحكميهما ، حتى تنازعته أيدي الدواعي والصوارف ، فوقفت به حيث الحيرة ، لا متقدم له عنه ولا متأخر تحمله الحيرة على ما لا يورثه إلّا العناء ، إذا اتبع العقل وقع من النفس المشتهية النافرة في عناء ، وإذا اتبع النفس وقع من العقل الناهي الآمر في عناء ، لا مخلص هناك مما أوقعه في ورطة تلك الحيرة سفها ولا عبثا ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وإنما فعل ذلك لغرض الإحسان ، وهو التكليف ، ليتمكن من اكتساب ما لا يحسن فعله في حقه ، ابتداء من التعظيم العظيم ، مع الدوام في ضمن التمتيع من أنواع المشتهيات بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على بال أحد ، مخلصة أن يشوبها منغص ما ،

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٢١.

(٢) سورة هود الآية ٨٧.

(٣) ساقطة من (ط).


فيكتسبه إن شاء لا بالقسر ، ولذلك وضع زمام الاختيار في يده ممكّنا إياه من فعل الطاعة والمعصية ، مريدا منه أن يختار ما يثمر له تلك السعادة الأبدية ، مزيحا في ذلك جميع علله ، فتشبه حال المكلف الممكّن من فعل الطاعة والمعصية ، مع الإرادة منه أن يطيع باختياره ، بحال المرتجي المخير بين أن يفعل وأن لا يفعل ، ثم تستعير لجانب المشبه : لعل ، جاعلا قرينة الاستعارة علم العالم [بالذات](١) الذي لا يخفى عليه خافية ، يعلم ما كان وما [هو](٢) كائن وما سيكون ، قائلا : خلق الله الخلق لعلهم يعبدون ، أو لعلهم يتقون ، وعليه قول رب العزة علام الغيوب : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(٣) ، ونظائره.

الاستعارة ب" اللام" :

وإذا أردت استعارة خ خ لام الغرض ، قدرت الاستعارة في معنى الغرض ، ثم استعملت لام الغرض هناك ، مثل أن يكون عندك ترتب وجود أمر على أمر ، من غير أن يكون الثاني مطلوبا بالأول ، ويكون الأول غرضا فيه فتشبّههه بترتّب وجود بين أمرين ، مطلوب بالأول منهما الثاني ، ثم تستعير للترتب المشبه كلمة الترتيب المشبه به في ضمن قرينة مانعة عن حملها على ما هي موضوعة له ، فتقول إذا رأيت عاقلا : قد أحسن إلى إنسان ثم آذاه ، ذلك أنه قد أحسن إليه ليؤذيه ، ومن ذلك قوله علت كلمته : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً)(٤)

الاستعارة ب" ربما" :

وقد ظهر مما نحن فيه أن (ربما) في قوله : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(٥) ، حقها أن تعد من باب الاستعارة التهكمية ، وأن تعد تبعية على قول

__________________

(١) في (د) : الذات.

(٢) غير موجودة في (د).

(٣) سورة البقرة الآية ٢١.

(٤) سورة القصص الآية ٨.

(٥) سورة الحجر الآية ٢.


سيبويه في (رب) ، وأصلية على قول الأخفش ، رحمهما‌الله ؛ وقد سبق ذكر هذا الاختلاف في علم النحو.

قرينة الاستعارة التبعية :

واعلم أن مدار قرينة الاستعارة التبعية في الأفعال ، وما يتصل بها ، على نسبتها إلى الفاعل ، كقولك : نطقت الحال ، أو إلى المفعول الأول ، كقول ابن المعتز (١) :

قتل البخل وأحيا السّماحا

أو إلى الثاني المنصوب ، كقول الآخر (٢) :

صبحنا الخزرجية مرهفات

وكقول الآخر (٣) :

نقريهم لهذميات

أو إلى المجرور ، كقوله علت كلمته : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ، *) أو إلى الجميع ، كقوله (٤) :

تقري الرياح رياض الحزن مزهرة ...

إذا سرى النوم في الأجفان إيقاظا

__________________

(١) أورده الرازي في نهاية الإيجاز ص ٢٤٣ وعزاه إليه وذكر صدر البيت :

جمع الحق لنا في إمام

وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٣٥ ، والقزويني في الإيضاح (٤٣١) ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١١٩) بتحقيقى.

(٢) أورده القزوينى في الإيضاح ص ٤٣١ وعزاه لكعب بن زهير وذكر تمام البيت :

أباد ذوى أرومتها ذووها

(٣) الشطر للقطامي الشاعر ، وتمام البيت :

نقريهم لهذميات نقدّ بها ...

ما كان خاط عليهم كلّ زراد.

(٤) أورده الرازي في نهاية الإيجاز ص ٢٤٤ ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٣٦ ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١١٩) بتحقيقى ، والعلوى في الطراز (١ / ٢٣٨) وفيه : أيقاظا بفتح الهمزة .. والأجفان : أكمام الزهر.


هذا ما أمكن من تلخيص كلام الأصحاب في هذا الفصل ، ولو أنهم جعلوا قسم الاستعارة التبعية من قسم الاستعارة بالكناية ، بأن قلبوا ، فجعلوا في قولهم : نطقت الحال بكذا ، الحال التي ذكرها عندهم قرينة الاستعارة بالتصريح ، استعارة بالكناية عن المتكلم بوساطة المبالغة في التشبيه على مقتضى المقام ، وجعلوا نسبة النطق إليه قرينة الاستعارة ، كما تراهم في قوله (١) :

وإذا المنيّة أنشبت أظفارها

يجعلون المنية استعارة بالكناية عن السبع ، ويجعلون إثبات الأظفار لها قرينة الاستعارة ، وهكذا ، لو جعلوا البخل استعارة بالكناية عن حي أبطلت حياته بسيف أو غير سيف فالتحق بالعدم ، وجعلوا نسبة القتل إليه قرينة ، ولو جعلوا أيضا خ خ اللهذميات استعارة بالكناية عن المطعومات اللطيفة الشهية على سبيل التهكم ، وجعلوا نسبة لفظ القرى إليها قرينة الاستعارة لكان أقرب إلى الضبط ، فتدبره.

تعريف الاستعارة :

وإذ قد عرفت ما ذكرت فلا بأس أن أحكي لك ما عند السلف في تعريف الاستعارة : حدها عند بعضهم : تعليق العبارة على غير ما وضعت له في أصل اللغة على جهة النقل للإنابة ، وعند الأكثر جعل الشيء الشيء لأجل المبالغة في التشبيه ، كقولك : رأيت أسدا في الحمام ؛ وجعل الشيء للشيء لأجل المبالغة في التشبيه ، كقولك : لسان الحال ، وزمام الحكم. ولا أزيد على الحكاية.

__________________

(١) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٢٨ وعزاه لأبي ذؤيب الهذلي ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤٤٥ ، والطيبى في التبيان (١ / ٣٠٣) بتحقيقى ، والعلوى في الطراز (١ / ٢٣٢). وتمامه : ألفيت كل تميمة لا تنفع. وقد تقدم.


القسم السابع والقسم الثامن

في تجريد الاستعارة وترشيحها

اعلم أن الاستعارة في نحو : خ خ عندي أسد ، إذا لم تعقب بصفات أو تفريع كلام ، لا تكون مجردة ولا مرشحة ، وإنما يلحقها التجريد أو الترشيح إذا عقبت بذلك ، ثم إن الضابط هناك أصل واحد ، وهو أنك قد عرفت أن الاستعارة لا بد لها من مستعار له ومستعار منه ، فمتى عقبت بصفات ملائمة للمستعار له ، أو تفريع كلام ملائم له ، سميت : مجردة ، ومتى عقبت بصفات أو تفريع كلام ملائم للمستعار منه ، سميت : مرشحة.

مثالها في التجريد أن تقول : خ خ ساورت أسدا شاكي السلاح ، طويل القناة ، صقيل العضب ، وخ خ حاورت بحرا ما أكثر علومه ، وما أجمعه للحقائق ، وما أوقفه على الدقائق.

ومثالها في الترشيح أن تقول : خ خ ساورت أسدا هصورا عظيم اللبدتين ، وافي البراثن ، منكر الزئير ؛ وخ خ جاورت بحرا زاخرا لا يزال يتلاطم أمواجه ، ولا يغيض فيضه ، ولا يدرك قعره. ولا أعني بالصفات الصفات النحوية ، بل الوصف المعنوي كيف كان. ومبنى الترشيح على تناسي التشبيه ، وصرف النفس عن توهمه ، حتى لا تبالي أن تبني على علو القدر وسمو المنزلة ، بناءك على العلو المكاني والسمو ، كما فعل أبو تمام إذ قال (١) :

ويصعد حتّى يظنّ الجهول ...

بأنّ له حاجة في السّماء

__________________

(١) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٣٨ وعزاه لأبي تمام ، والرازي في نهاية الإيجاز ص ٢٥٢ ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٢٥ ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤٣٤.


وابن الرومي إذ قال (١) :

أعلم الناس بالنجوم بنو نو ...

بخت علما لم يأتهم بالحساب

بل بأن يشاهدوا السماء سموّا ...

بترقّ في المكرمات الصعاب

مبلغ لم يكن ليبلغه الطا ...

لب إلا [بتلكم](٢) الأسباب

وكما قال أيضا (٣) :

يا آل نوبخت لا عدمتكم ...

ولا تبدلت بعدكم بدلا

إن صحّ علم النجوم كان لكم ...

حقا ، إذا ما سواكم انتحلا

كم عالم فيكم وليس بأن قا ...

س ولكن بأن رقى فعلا

أعلاكم في السماء مجدكم ...

فلستم تجهلون ما جهلا

شافهتم البدر بالسؤال عن ال ...

أمر إلى أن بلغتم زحلا

وتلزم المستعار له ما يلزم المستعار منه من [العجب](٤) أو غير التعجب مما لا يليق إلا بالمستعار منه ، كما فعل من قال :

قامت تظللّني ، ومن عجب ...

شمس تظللني من الشمس (٥)

ومن قال :

__________________

(١) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٣٩ وعزاه لابن الرومى ، وآل نوبخت : أسرة اشتغلت بعلم الفلك والنجوم في العصر العباسي.

(٢) في (غ) بتكلم.

(٣) أورده القزويني في الإيضاح ص ٤٣٤ وعزاه لابن الرومي ، وعبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة ص ٢٤٤ ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٢٥.

(٤) في (غ) التعجب.

(٥) سبق تخريجه.


لا تعجبوا من بلى غلالته ...

قد زرّ أزراره على القمر (١)

ومن قال (٢) :

أتتنى الشمس زائرة ...

ولم تك تبرح الفلكا

ومن قال (٣) :

ولم أر قبلي من مشى البدر نحوه

أو ما ترى هؤلاء فيما فعلوا كيف نبذوا أمر التشبيه وراء ظهورهم ، وكيف نسوا حديث الاستعارة كأن لم تخطر منهم على بال ، ولا رأوها ولا طيف خيال ، وإذا كانوا مع التشبيه والاعتراف بالأصل يسوغون أن لا يبنوا إلا على الفرع ، ويقولون (٤) :

هي الشمس مسكنها في السّما ...

ء فعز الفؤاد عزاء جميلا

فلن تستطيع إليها الصعو ...

د ولن تستطيع إليك النّزولا

أو يقولوا (٥) :

وعد البدر بالزيارة ليلا ...

فإذا ما وفّى قضيت نذوري

__________________

(١) سبق تخريجه.

(٢) أورده محمد بن علي بن محمد الجرجاني في الإشارات ص ٢٢٤ وعزاه لبشار ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤٣٥.

(٣) أورده عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة ص ٢٤٥ وذكر تمام البيت :

ولا رجلا قامت تعانقه الأسد

والقزوينى في الإيضاح ص ٤٣٥ وهو للمتنبي.

(٤) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٢٤ وعزاه للعباس بن الأحنف ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٣٩ ، والقزوينى في الإيضاح (٤٣٦).

(٥) أورده عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة ص ٢٥٣ وعزاه لسعيد بن حميد.


قلت :

يا سيدي ولم تؤثر اللي ...

ل على طلعة الصباح المنير

قال لي :

لا أحب تغيير رسمي ...

هكذا الرسم في طلوع البدور

أو يقولوا (٢) :

قلت : زوري فأرسلت : أنا آتيك سحره

قلت : فالليل كان أخفى وأدنى مسرّه

فأجابت بحجة زادت القلب حسره

أنا شمس وإنما تطلع الشمس بكره

فهم إلى تسويغ ذلك مع جحد الأصل في الاستعارة أقرب.

شروط الاستعارة :

وإذ قد عرفت أقسام الاستعارة فاعلم أن الاستعارة لها شروط في الحسن إن صادفتها حسنت ، وإلا عريت عن الحسن ، وربما اكتسبت قبحا ، وتلك الشروط : رعاية جهات حسن التشبيه التي سبق ذكرها في الأصل الأول بين المستعار له والمستعار منه في الاستعارة بالتصريح التحقيقية ، والاستعارة بالكناية ، وأن لا تشمها في كلامك من جانب اللفظ رائحة من التشبيه ، ولذلك نوصي في الاستعارة بالتصريح أن يكون الشبه بين المستعار له والمستعار منه جليّا بنفسه ، أو معروفا سائرا بين الأقوام ، وإلا خرجت الاستعارة عن كونها استعارة ، ودخلت في باب التعمية والألغاز ، كما إذا قلت : رأيت عودا مسقيا أوان الغرس ، وأردت إنسانا مؤدبا في صباه ، أو قلت : رأيت خ خ إبلا مائة لا تجد فيها راحلة وأردت : الناس ؛ وأما حسن الاستعارة التخييلية فبحسب حسن الاستعارة بالكناية متى كانت تابعة لها ، كما في قولك : فلان بين أنياب المنية ومخالبها ،


ثم إذا انضم إليها المشاكلة ، كما في قوله عز اسمه : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)(١) ، كانت أحسن وأحسن ، وقلما تحسن الحسن البليغ غير تابعة لها ، ولذلك استهجنت في قول الطائي (٢) :

لا تسقني ماء الملام فإنّني ...

صبّ قد استعذبت ماء بكائي

أنواع الاستعارة :

ولما أن الاستعارة مبناها على التشبيه ، تتنوع إلى خمسة أنواع ، تنوع التشبيه إليها : استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسي أو بوجه عقلي ، واستعارة معقول لمعقول ، واستعارة محسوس لمعقول ، واستعارة معقول لمحسوس.

فمن النوع الأول قوله عز اسمه : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(٣) ؛ فالمستعار منه هو : النار ، والمستعار له هو : الشيب ، والجامع بينهما هو : الانبساط ، ولكنه في النار أقوى ، فالطرفان حسيان ووجه الشبه حسيّ.

ومن الثاني قوله عز اسمه : (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ)(٤) ، فالمستعار له : الريح والمستعار منه : المرء ، والجامع : المنع من ظهور النتيجة والأثر ، فالطرفان : حسيان ووجه الشبه : عقلي. وكذلك قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ)(٥)

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية : ١٠. وما ذهب إليها الشيخ من المشاكلة في الآية غير مسلّم على مذهب أهل الحق ، فصفة اليد ثابته على الحقيقة له سبحانه ، والقول بإثبات الصفة لا يمنع إثبات لوازمها من الإعانة والرعاية والإنعام والتأييد وغير ذلك ، فهذا كله فرع إثبات الصفة ، فلا ينبغى أن يكون ذريعة لنفيها ، وقد أبعد الشيخ النجعة هنا حيث جعلها من قبيل المشكلة.

(٢) أورده فخر الدين الرازي في نهاية الإيجاز ص ٢٥٤ وعزاه لأبي تمام ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٤٢.

(٣) سورة مريم ، الآية : ٤.

(٤) سورة الذاريات الآية ٤١.

(٥) سورة يس ، الآية : ٣٧.


فالمستعار له ظهور النهار من ظلمة الليل ، والمستعار منه ظهور المسلوخ من جلدته ، فالطرفان حسيان ، والجامع هو ما يعقل من ترتب أحدهما على الآخر. وكذلك قوله : (فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ)(١) فالمستعار له الأرض المزخرفة المتزينة ، والمستعار منه النبات ، وهما حسيان ، والجامع الهلاك ، وهو أمر معقول ، وكذلك قوله : (حَصِيداً خامِدِينَ)(٢) فأصل الخمود للنار.

ومن الثالث قوله عز اسمه : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا)(٣) ، فالرقاد مستعار للموت ، وهما أمران معقولان ، والجامع عدم ظهور الأفعال ، وقوله : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا)(٤) فالقدوم : هو مجيء المسافر بعد مدة ، مستعار للأخذ في الجزاء بعد الإمهال ، وهما أمران معقولان ، والجامع وقوع المدة في البين ، وقوله : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) أيها (الثَّقَلانِ)(٥) ، فالفراع وهو الخلاص عن المهام ، والله ـ عز سلطانه ـ لا يشغله شأن عن شأن ، وقع مستعارا للأخذ في الجزاء وحده ، وذلك أمر عقلي ، والطرفان عقليان ؛ وقوله : (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ)(٦) وكذا قوله : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً)(٧) ؛ فالغيظ والتغيظ مستعاران من الحالة الوجدانية التي تدعو إلى الانتقام للحالة المتوهمة من نار الله ، أعاذنا الله منها برحمته وفضله ، وقوله : (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ)(٨) فالمستعار منه هو إمساك اللسان عن الكلام ، وإنه أمر معقول ، والمستعار له تفاوت

__________________

(١) سورة يونس ، الآية : ٢٤.

(٢) سورة الأنبياء ، الآية : ١٥.

(٣) سورة يس ، الآية : ٥٢.

(٤) سورة الفرقان ، الآية : ٢٣.

(٥) سورة الرحمن ، الآية : ٣١.

(٦) سورة الملك ، الآية : ٨.

(٧) سورة الفرقان ، الآية : ١٢.

(٨) سورة الأعراف ، الآية : ١٥٤.


الغضب عن اشتداده إلى السكون ، وإنه أيضا أمر وجداني عقلي ، والجامع هو أن الإنسان مع الغضب ، إذا اشتد ، وجد حالة للغضب كأنها تغريه ، وإذا سكن وجده كأنه قد أمسك عن الإغراء.

ومن الرابع قوله عز اسمه : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ)(١) ، فأصل استعمال القذف والدمغ في الأجسام ، ثم استعير القذف لإيراد الحق على الباطل ، والدمغ لإذهاب الباطل ، فالمستعار منه حسي ، والمستعار له عقلي ، وقوله : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ)(٢) ، فأصل المساس في الأجسام ، ثم وقع مستعارا لمقاساة الشدة ، وقوله : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ)(٣) فالمستعار منه ضرب الخيمة أو ما شاكلها ، وإنه أمر حسي ، والمستعار له التثبيت ، وإنه أمر عقلي. وكذا قوله : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ)(٤) فأصل الزلزال التحريك العنيف ، ثم وقع مستعارا لشدة ما نالهم. وقوله : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ)(٥) ، فالصدع وهو كسر الزجاجة ببذل الإمكان ، وإنه أمر حسي ، مستعار لتبليغ الرسالة ببذل الإمكان ، وإنه أمر عقلي. وقوله : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا)(٦) فأصل الخوض في الماء ثم وقع مستعارا لذكر الآيات ، وكل خوض ذمه الله في القرآن فهو من هذا القبيل ، وقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ)(٧) ، فالوادي مستعار للأمر ، والهيمان : الاشتغال به على سبيل التحير ، فالمستعار منه في هذه الأمثلة حسي ، والمستعار له عقلي.

__________________

(١) سورة الأنبياء ، الآية : ١٨.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢١٤.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٦١.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢١٤.

(٥) سورة الحجر ، الآية : ٩٤.

(٦) سورة الأنعام ، الآية : ٦٨.

(٧) سورة الشعراء ، الآية : ٢٢٥.


ومن الخامس قوله عز اسمه : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ)(١) ؛ فالمستعار منه التكبر ، وهو عقلي ، والمستعار له كثرة الماء ، وهو حسي ، والجامع : الاستعلاء المفرط. وقوله : (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ)(٢) فالعتو ههنا ، مستعار استعارة الطغيان في المثال الأول ، وقوله : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ)(٣) ، فالنبذ وراء الظهر ـ وهو : أن تلقي الشيء خلفك ـ أمر حسي ، ثم وقع مستعارا للتعرض للغفلة وإنه أمر عقلي ، والجامع الزوال عن المشاهدة. وقوله : (وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً)(٤) ، فالإحياء أمر عقلي ، ثم وقع مستعارا لإظهار النبات والأشجار والثمار ، وإنه أمر حسي ، وكذلك قوله : (فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً)(٥) ؛ أي أحيينا.

واعلم أن الكلام في جميع ما ذكر من الأمثلة ، في الأنواع الخمسة ، قول الأصحاب ، ولعل لي في البعض نظرا.

__________________

(١) سورة الحاقة ، الآية : ١١.

(٢) سورة الحاقة ، الآية ٦.

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٨٧.

(٤) سورة ق ، الآية : ١١ وفي النسخ (فأحيينا) وهو تصحيف.

(٥) سورة الزخرف ، الآية : ١١.


الفصل الرابع

المجاز اللغوي الراجع إلى حكم الكلمة في الكلام

من فصول المجاز في المجاز اللغوي الراجع إلى حكم الكلمة في الكلام هو عند السلف ، رحمهم‌الله ، أن تكون الكلمة منقولة عن حكم لها أصلي ، إلى غيره ، كما في قوله علت كلمته : (وَجاءَ رَبُّكَ)(١) ؛ فالأصل وجاء أمر ربك ، فالحكم الأصلي في الكلام لقوله : خ خ ربك هو الجر ، وأما الرفع فمجاز ، وفي قوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٢) والأصل : خ خ واسأل أهل القرية ، فالحكم الأصلي للقرية في الكلام هو الجر ، والنصب مجاز ، وفي قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٣) ، فالأصل : ليس مثله شيء ، بنصب خ خ مثله والجر مجاز. ومدار هذا النوع على حرف واحد ، وهو أن تكتسي الكلمة حركة لأجل حذف كلمة لا بد من معناها ، أو لأجل إثبات كلمة مستغنى عنها استغناء واضحا ، كالكاف في قول عز اسمه : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ،) أو الباء : في نحو : خ خ بحسبك أن تفعل كذا ، ونحو : خ خ كفى بالله ، دون الباء في نحو : ليس زيد بمنطلق ، أو ما زيد بقائم.

ورأيي في هذا النوع أن يعد ملحقا بالمجاز ، ومشبها به ، لما بينهما من الشبه ، وهو اشتراكهما في التعدي عن الأصل إلى غير أصل ، لا أن يعد مجازا وبسبب هذا لم أذكر الحد شاملا له ، ولكن العهدة في ذلك على السلف.

__________________

(١) سورة الفجر ، الآية : ٢٢. ولا مانع هنا من حمل المجىء على الحقيقة إذ لا يصار إلى المجاز إلا بقرينة مع استحالة الحمل على الحقيقة.

(٢) سورة يوسف ، الآية : ٨٢.

(٣) سورة الشورى ، الآية : ١١.


الفصل الخامس

في المجاز العقلي

المجاز العقلي هو الكلام المفاد به خلاف ما عند المتكلم من الحكم فيه ، لضرب من التأويل ، إفادة للخلاف لا بوساطة وضع ، كقولك : خ خ أنبت الربيع البقل ، وخ خ شفى الطبيب المريض ، وخ خ كسا الخليفة الكعبة ، وخ خ هزم الأمير الجند ، وخ خ بنى الوزير القصر. وإنما قلت : خ خ خلاف ما عند المتكلم من الحكم فيه ، دون أن أقول : خ خ خلاف ما عند العقل ، لئلا يمتنع طرده بما إذا قال الدهري عن اعتقاد جهل ، أو جاهل غيره : خ خ أنبت الربيع البقل ، رائيا إنبات البقل من الربيع ، فإنه لا يسمى كلامه ذلك مجازا ، وإن كان بخلاف العقل في نفس الأمر ، ولذلك لا تراهم يحملون نحو (١) :

أشاب الصغير وأفنى الكبير ...

كرّ الغداة ومرّ العشي

على المجاز ، ما لم يعلموا ، أو يغلب في ظنهم ، أن قائله ما قاله عن اعتقاد.

__________________

(١) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (١٤٤) ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ١٥ وهو لقثم بن خبيه بن عبد القيس المعروف بالصلتان العبدي من شعراء الدوله الأموية ، والطيبى في التبيان (١ / ٣٢٠) بتحقيقى ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١٢٣) بتحقيقى أيضا.


أو ما تراهم كيف استدلوا لقول النجم (١) :

قد أصبحت أمّ الخيار تدعي ...

عليّ ذنبا كلّه لم أصنع

من إن رأت رأسي كرأس الأصلع ...

ميّز عنه قنزعا عن قنزع

جذب الليالي أبطئي أو أسرعي

حين نسب انحسار الشعر عن الرأس إلى الزمان قائلا :

ميز عنه قنزعا عن قنزع

جذب الليالي ، لكونه مجازا بما أتبعه من قوله :

أفناه قيل الله للشمس اطلعي

حتى إذا واراك أفق فارجعي

الشاهد لنزاهته أن يريد حمل كلامه السابق على الظاهر ، ولئلا يمتنع عكسه ، بمثل : كسا الخليفة الكعبة ، وخ خ هزم الأمير الجند ، فليس في العقل امتناع أن يكسو الخليفة نفسه الكعبة ، ولا امتناع أن يهزم الأمير وحده الجند ، ولا يقدح ذلك في كونهما من المجاز العقلي ، وإنما قلت : خ خ لضرب من التأويل ، ليحترز به عن الكذب ، فإنه لا يسمى مجازا كونه كلاما مفيدا خلاف ما عند المتكلم ، وإنما قلت : خ خ إفادة للخلاف لا [بواسطة](٢) وضع ، ليحترز به عن المجاز اللغوي في صورة ، وهي إذا ادعى أن : أنبت ، موضوع لاستعماله في القادر المختار ، أو وضع لذلك ، فإن المجاز حينئذ يسمى لغويا وضعيا لا عقليا ، وإنما قلت : خ خ بوساطة وضع ، على التنكير ، دون أن أقول :

__________________

(١) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٥ وعزاه لأبي النجم ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٤٤ ، والطيبى في التبيان (١ / ٣٢١) بتحقيقى.

والقنزع : الشعر حوالى الرأس.

(٢) في (غ) : بوساطة.


الوضع ، ليشمل وضع اللغة أن أدعي ، ووضع غيرها أن أرتكب ؛ ولأجل هذه الصورة ، لا ترى علماء هذا الفن يحكمون على نحو : خ خ أنبت الربيع البقل ، بكونه مجازا عقليا ، إلا بعد بيان أن صيغ الأفعال في معنى نسبتها إلى الفاعل ، ليست تدل على معنى سوى صدورها عن شيء ما ، فأما أنّ ذلك الشيء قادر أم غير قادر ، فليس بداخل في مفهوماتها وضعا.


وجوه استعمال المجاز العقليّ

ويبينون ذلك بوجوه منها : أن وضعها لاستعمالها في القادر ، قيد ما نقل عن أحد من رواة اللغة ، وترك ذكر القيد دليل في العرف على الإطلاق ، وحكم العقل بأن لا بد لها من مؤثر قادر ، إن لم يجعل دليلا في ترك تقييدها بذلك في الوضع ، لعدم الحاجة من أجل شهادة العقل ـ فلا أقل من أن [لا](١) يجعل دليلا في التقييد ، لا سيما والعقل يجوز في : خ خ أحيا ، وخ خ أشاب ، وخ خ أنبت ، وأمثالها .. صدورها عن القادر بوساطة مؤثر لا يكون موصوفا بالقدرة ، ومنها أن خ خ فعل في قولهم : خ خ فعل الربيع النور ، لو كان موضوعا لاستعماله في القادر ، ومن المعلوم أن التفاوت بين الفعل ومصدره لا يكون إلا بمجرد الاقتران بالزمان ـ لكان يلزم أن يكون قولنا : خ خ فعل النار في كذا وكذا ، وخ خ فعل الماء في كذا وكذا ، وخ خ فعل الدواء الفلاني كذا مجازا معلوما لكل أحد. لكن ادعاء ذلك عن الإنصاف بمعزل. ومنها أن نحو : خ خ خلق ، وخ خ أحيا ، وخ خ أشاب ، وخ خ أنبت. لو كانت موضوعة لاستعمالها في القادر ، بناء على حكم العقل بأنها لا توجد إلا باختيار مختار ، لكان نحو : خ خ شغل الحيز ، وخ خ قبل العرض ، وخ خ نافى الضد موضوعة لاستعمالها في غير القادر ، بناء على حكم العقل بأن شغل الحيز ، وقبول العرض ومنافاة الضد ليست بالاختيار ، ودعوى كونها موضوعة لذلك دعوى غير مسموعة من السلف.

ويسمى هذا النوع مجازا لتعدي الحكم فيه عن مكانه الأصلي ، فالحكم في : خ خ أنبت الربيع البقل ، [بكون](٢) الإنبات فعلا للربيع ، مكانه الأصلي عند العقل كونه فعلا لله عزوجل. وفي : خ خ هزم الأمير الجند ، بكون هزم الجند فعلا للأمير ، مكانه الأصلي عند العقلاء كونه فعلا لعسكر الأمير.

ويسمى : عقليا لا لغويا ، لعدم رجوعه إلى الوضع ، وكثيرا ما يسمى حكميّا لتعلقه بالحكم ، كما ترى ، ومجازا في الإثبات أيضا لتعلقه بالإثبات ، وليس من واجبات ، هذا

__________________

(١) ساقطة من (ط).

(٢) في (د) : يكون.


المجاز أن يكون مكان الحكم الأصلي فيه معلوما بنفس العقل ، كما في : خ خ أنبت الربيع البقل ، بل إن استعان في علمه بذلك بأمر غير الوضع ، كما في خ خ هزم الأمير الجند ، وخ خ كسا الخليفة الكعبة ، جاز ، ولم يخرجه عن كونه عقليا ؛ لكن الأليق إطلاق اسم العقلي على الأول ، واسم الحكمي والإثباتي على الثاني.

صور المجاز العقلي :

واعلم أن هذا المجاز ، لرجوعه إلى الحكم ، واستدعاء الحكم محكوما به ومحكوما له ، واحتمال كل واحد منهما الحقيقة الوضعية والمجاز الوضعي ـ لا يزال يتردد بين أربع صور لا مزيد عليهن :

١ ـ إما أن يكون المحكوم به والمحكوم له حقيقتين وضعيتين.

٢ ـ وإما أن يكونا مجازين وضعيين.

٣ ـ وإما أن يكون المحكوم به حقيقة وضعية ، والمحكوم له مجازا وضعيّا.

٤ ـ وإما بالعكس.

من هذا مثال الأولى قولك : خ خ أنبت الربيع البقل ، وخ خ شفى الطبيب المريض ، وخ خ كسا الخليفة الكعبة ، وخ خ هزم الأمير الجند ، فالمحكوم له ، وهو : الربيع ، والطبيب ، والخليفة ، والأمير ، كل منها حقيقة وضعية مستعملة في مكانها الوضعي ، والمحكوم به ، وهو : إنبات البقل ، وشفاء المريض ، وكسوة الكعبة ، وهزم الجند ، كل من ذلك حقيقة ، أيضا ، وضعية مستعملة في مكانها الوضعي ، لا مجازا ، لا في مجرد الحكم ، كما ترى.

ومثال الثانية قولك : خ خ أحيا الأرض شباب الزمان ، وخ خ سر الكعبة البحر الفياض ؛ المحكوم له وهو شباب الزمان والبحر الفياض مجازان وضعيان والمحكوم به وهو : إحياء الأرض ، ومسرة الكعبة ، مجازان أيضا وضعيان ، ونفس الحكم في المثالين مجاز عقلي.

ومثال الثالثة : خ خ أنبت البقل شباب الزمان ، وخ خ كسا الكعبة البحر الفياض ، ومثال الرابعة : خ خ أحيا الربيع الأرض ، وخ خ سر الخليفة الكعبة.

واعلم أن هذا المجاز الحكمي كثير الوقوع في كلام رب العزة ، قال عز من قائل :


(فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ)(١) وقال : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً)(٢) ، وقال : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً)(٣) ، وقال : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ)(٤) ، وقال : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها)(٥) وقال : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها)(٦) ؛ بإسناد الأفعال في هذه كلها إلى غير ما هي لها عند العقل ، كما ترى ، زائلا الحكم العقلي فيها عن مكانه الأصلي ، إذ مكانه الأصلي إسناد الربح إلى أصحاب التجارة ، وإسناد زيادة الإيمان إلى العلم بالآيات ، وإسناد إيتاء أكل الشجرة إلى خالقها ، وإسناد وضع أوزار الحرب إلى أصحاب الحرب ، وإسناد إخراج أثقال الأرض إلى خالق الأرض.

ولا يختلجن في ذهنك بعد أن اتضح لك كون المجاز فرع أصل تحقق ، مجاز ، أيّا كان بدون حقيقة يكون متعديا عنها ، لامتناع تحقق فرع من غير أصل ، فلا تجوز في نحو : خ خ سرتني رؤيتك ، ونحو : خ خ أقدمني بلدك ، حق لي على فلان. ونحوه (٧) :

وصيرني هواك ، وبي ...

لحيني يضرب المثل

ونحو (٨) :

يزيدك وجهه حسنا ...

إذا ما زدته نظرا

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٦.

(٢) سورة الأنفال ، الآية : ٢.

(٣) سورة التوبة الآية ١٢٤.

(٤) سورة إبراهيم ، الآية ٢٥.

(٥) سورة محمد ، الآية ٤.

(٦) سورة الزلزلة الآية ٢.

(٧) أورده فخر الدين الرازي في نهاية الإيجاز ص ١٧٧ وعزاه المحقق د / بكرى شيخ أمين ل محمد اليزيدى ، والقزويني في الإيضاح ص ١٠٧ ، والأغاني (٢٠ / ٢٠٥). الحين : الهلاك.

(٨) أورده الرازي في نهاية الإيجاز ص ١٧٧ وعزاه المحقق د / بكرى شيخ أمين لأبي نواس ديوانه ص ٧٥٢ ، والقزوينى في الإيضاح ص ١٠٧ وعزاه لأبي نواس ، والطيبى في التبيان (١ / ٣٢٢) بتحقيقى.


أن لا يكون لكل من هذه الأفعال فاعل في التقدير ، إذا أنت أسندت الفعل إليه وجدت الحكم واقعا في مكانه الأصلي عند العقل ، ولكن حكم العقل فيها ، فأيما شيء ارتضى بصحة استنادها ، فهو ذاك ، فإذا ارتضى في : خ خ سرتني رؤيتك ، صحة استناد السرور إلى من رزقك رؤيته وأتاحها لك ، وهو : الله عزوجل ، فقل أصل الكلام : سرني الله وقت رؤيتك ، كما تقول في : خ خ أنبت الربيع البقل ، أصل الحكم : أنبت الله البقل وقت الربيع ، وفي خ خ شفى الطبيب المريض ، أصل الحكم : خ خ شفى الله المريض عند علاج الطبيب ، وإذا ارتضى في : خ خ أقدمني بلدك ، حقّ لي على فلان ، صحة استناد : أقدمني إلى نفسك ، على معنى خ خ أقدمني نفسي ، لأجل حق لي على فلان ، أي خ خ قدمت لذلك ، كما تصرح بذلك فتقول : خ خ حملتني نفسي على الطاعة ، أي خ خ أطعت ، وحاصله يرجع إلى معنى خ خ أقدمني قدرتي على القدوم ، والداعي إليه الخالص ، فالفعل في وجوده لا يحتاج إلّا إلى قادر ذي داع له إليه خالص ، ونظيره : خ خ محبتك جاءت بي إليك ، الأصل : خ خ جاءت بي نفسي إليك لمحبتك ، أي خ خ جئت لمحبتك ووجد المجيء إليك من نفسي لمحبتك. وإياك والظن : ب خ خ أقدمني بلدك حق لي على فلان ؛ وبمحبتك جاءت بي إليك ـ كونهما حقيقتين! فالفعلان فيهما مسندان كما ترى إلى مجرد الداعي ، والعقل لا يقبل الداعي فاعلا ، وإنما يقبله محركا للفاعل ، أعني للمتصف بالقدرة. وتمام تحقيق هذا المعنى يستدعي نوعا من العلوم غير نوع علم البيان ، فليقتنع بهذا القدر.

وإذا ارتضى في :

وصيّرني هواك وبي ...

لحيني يضرب المثل

صحة استناد" صيّر" إلى الله تعالى على معنى : خ خ أهلكني الله ابتلاء بسبب اتباعي هواك. وإذا ارتضى في :

يزيدك وجهه حسنا ...

إذا ما زدته نظرا

صحة استناد" يزيد" إلى الله عزوجل ، على معنى : يزيدك الله حسنا في وجهه ، لما أودعه من دقائق الحسن والجمال بكمال قدرته ، متى تأملت ، وتأنقت ؛ فقل : فاعل أقدمني ذلك ، وفاعل صيرني ويزيد هذا.


الحقيقة العقلية :

وأما الحقيقة العقلية ، وتسمى حكمية أيضا ، وإثباتية ، فهي الكلام المفاد به ما عند المتكلم من الحكم فيه ، كقولك : خ خ أنبت الله البقل ، وخ خ شفى الله المريض ، وخ خ كسا خدم الخليفة الكعبة ، وخ خ هزم عسكر الأمير الجند ، وخ خ بنى عملة الوزير القصر. وإنما قلت : خ خ ما عند المتكلم من الحكم فيه ، دون أن أقول : خ خ ما في العقل من الحكم فيه ، ليتناول : كلام الدهري إذا قال : خ خ أنبت الربيع البقل ، رائيا إنبات البقل من الربيع ، وكلام الجاهل إذا قال : خ خ شفى الطبيب المريض ، رائيا شفاء المريض من الطبيب ، حيث عدّا منهما حقيقتين مع كونهما غير مفيدين لما في العقل من الحكم فيهما.

ومن أراد تصحيحه ذاهبا فيه إلى أن يعني عقل المتكلم ، استتبع هنات ، ومن حق هذا المجاز الحكمي أن يكون فيه للمسند إليه المذكور نوع تعلق وشبه بالمسند إليه المتروك ، فإنه لا يرتكب إلّا لذلك ، مثل ما يرى للربيع في خ خ أنبت الربيع البقل ، من نوع شبه بالفاعل المختار من : دوران الإنبات معه وجودا وعدما ، نظرا إلى عدم الإنبات بدونه وقت الشتاء ، ووجوده مع مجيئه : دوران الفعل مع اختيار القادر وجودا وعدما.

ومثل ما ترى أيضا للدواء في : خ خ شفى الدواء المريض من : دوران الشفاء مع تناوله وجودا وعدما ، وما ترى للخليفة في : خ خ كسا الخليفة البيت ، من : دوران كسوة البيت مع أمره وجودا وعدما. فإن لم يكن هذا الشبه بين المذكور والمتروك ، كما لو قلت : خ خ أنبت [الربيع](١) البقل ، وخ خ شفى [الدواء](٢) المريض ، نسبت إلى ما تكره. ولما تسمع من علماء هذا الفن كثيرا في المجاز العقلي أنه : يكون مجازا في الإثبات ، ربما أوهم اختصاصه بالخبر فلا تخصصه به ، وقل في مثل ما إذا قلنا : إني بعد ما اقتنعت باليسير من الدنيا ، وطبت نفسا عن زخارفها ، ومحوت وساوس الفضول عن دفتر الخاطر ، وليس يهمني الآن غير التلافي لما فرط ، فليفعل الدهر ما شاء ، وليختلف الأصول اختلافها ، فلينبت الربيع ما أحب ، وليثمر الأشجار أيّا اشتهت ، ولينضج الخريف ما أدرك ـ

__________________

(١) في (د) : الرضيع.

(٢) في (د) : الدواة.


فلست أبالي أن هذه الأوامر بأسرها من باب المجاز الحكمي.

وإذا تأملت المجاز العقلي ، وجدت الحاصل منه يرجع إلى إيقاع نسبة في غير موضعها عند الموقع ، لا من حيث اللغة لضرب من التأول ، مثل النسبة بين : إنبات البقل والربيع في الخبر ، والأمر ، والنهي ، والاستفهام ؛ وبين الوزير وبناء القصر في ذلك.

أقسام المجاز في رأي السكاكي :

هذا كله تقرير للكلام في هذا الفصل بحسب رأي الأصحاب ، من تقسيم المجاز إلى : لغوي وعقلي ، وإلّا فالذي عندي هو نظم هذا النوع في سلك الاستعارة بالكناية ، بجعل الربيع استعارة بالكناية عن الفاعل الحقيقي بوساطة المبالغة في التشبيه ، على ما عليه مبنى الاستعارة كما عرفت ، وجعل نسبة الإنبات إليه قرينة للاستعارة ، وبجعل الأمير المدبر لأسباب هزيمة العدو استعارة بالكناية عن الجند الهازم ، وجعل نسبة الهزم إليه قرينة للاستعارة.

وإنني ، بناء على قولي هذا ههنا ، وقولي ذلك في فصل الاستعارة التبعية ، وقولي في المجاز الراجع عند الأصحاب إلى حكم للكلمة على ما سبق ـ أجعل المجاز كله لغويا ، وينقسم عندي هكذا إلى : مفيد وغير مفيد ؛ والمفيد إلى : استعارة وغير استعارة ، والاستعارة إلى : مصرح بها ومكنى عنها ، والمصرح بها إلى : تحقيقية وتخييلية ، والمكنى عنها إلى : ما قرينتها أمر مقدر وهمي ، كالأنياب في قولك : خ خ أنياب المنية ، وخ خ كنطقت ، في قولك : خ خ نطقت الحال بكذا ، أو أمر محقق ، كالإنبات ، في قولك : خ خ أنبت الربيع البقل ، وكالهزم ، في قولك : خ خ هزم الأمير الجند ، والتحقيقية والتخييلية كلتاهما إلى : قطعية واحتمالية للتحقيق والتخييل بتحصيل أقسام ثلاثة من ذلك : تحقيقية بالقطع ، تخييلية بالقطع ، تحقيقية أو تخييلية بالاحتمال.

واعلم أن حدّ الحقيقة الحكمية والمجاز الحكمي ، عند أصحابنا رحمهم‌الله ، غير ما ذكرت. حد الحقيقة الحكمية عندهم : كل جملة وضعتها على أن الحكم المفاد بها على ما هو عليه في العقل ، وواقع موقعه. وحد المجاز الحكمي : كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضوعه في العقل ، لضرب من التأول. وإذ قد عرفت ما ذكرت وما ذكروا ، فاختر أيهما شئت!


الأصل الثالث

من علم البيان في الكناية

تقديم :

الكناية هي ترك التصريح بذكر الشيء إلى ذكر ما يلزمه ، لينتقل من المذكور إلى المتروك ، كما تقول : فلان طويل النجاد ، لينتقل منه إلى ما هو ملزومه ، وهو طول القامة ، وكما تقول : فلانة نؤوم الضحى ، لينتقل منه إلى ما هو ملزومه ، وهو كونها مخدومة ، غير محتاجة إلى السعي بنفسها في إصلاح المهمات ، وذلك أن وقت الضحى وقت سعي نساء العرب في أمر المعاش وكفاية أسبابه ، وتحصيل ما تحتاج إليه في تهيئة المتناولات ، وتدبير إصلاحها ، فلا تنام فيه من نسائهم إلّا من تكون لها خدم ينوبون عنها في السعي لذلك.

وسمي هذا النوع كناية ، لما فيه من إخفاء وجه التصريح ، ودلالة : خ خ كنى على ذلك ، لأن : (ك ، ن ، ي) ، كيفما تركبت ، دارت مع تأدية معنى الخفاء ، من ذلك : كنى عن الشيء يكني ، إذا لم يصرح به ، ومنه : الكنى ، وهو : أبو فلان ، وابن فلان ، وأم فلان ، وبنت فلان ، سميت : كنى ، لما فيها من إخفاء وجه التصريح بأسمائهم الأعلام ، ومن ذلك : نكى في العدو ، ينكى ، إذا أوصل إليه مضار من حيث لا يشعر بها ، ومنه : نكايات الزمان لجوائحها الملمة على بنيه من حيث لا يشعرون ؛ ومن ذلك : الكين : للّحمة [المستبطنة](١) في فلهم (٢) المرأة لخفائها ، ومن ذلك : مقلوب الكين (٣) ؛ قلب الكل لإخفاء الناس إياه واحترازهم أن يصرحوا بلفظه ، فضلا أن يرتكبوا معناه جهارا.

__________________

(١) في (غ) و (ط) : المستنبطة.

(٢) فلهم : فرج المرأة الضخم الطويل الإسكتين القبيح ، والفلهم من جهاز النساء ما كان منفرجا ، وبئر فله : واسعة الجوف.

(٣) الكين : لحمة داخل فرج المرأة ، والكين : البظر.


ثم إن الكناية تتفاوت إلى تعريض ، وتلويح ، ورمز ، وإيماء ، وإشارة ؛ ومساق الحديث يحسر لك اللثام عن ذلك.

والفرق بين المجاز والكناية يظهر من وجهين :

أحدهما : أن الكناية لا تنافي إرادة الحقيقة بلفظها ، فلا يمتنع في قولك : خ خ فلان طويل النجاد ، أن تريد طول نجاده ، من غير ارتكاب تأول مع إرادة طول قامته ، وفي قولك : خ خ فلانة [نؤوم](١) الضحى ، أن تريد : أنها تنام ضحى ، لا عن تأويل يرتكب في ذلك ، مع إرادة كونها مخدومة مرفهة.

والمجاز ينافي ذلك ، فلا يصح في نحو : خ خ رعينا الغيث ، أن تريد معنى الغيث ، وفي نحو قولك : في خ خ الحمام أسد ، أن تريد معنى الأسد ، من غير تأويل ، وأنى؟ والمجاز ملزوم قرينة معاندة لإرادة الحقيقة كما عرفت ، وملزوم معاند الشيء معاند لذلك الشيء.

والثاني : أن مبنى الكناية على الانتقال من اللازم إلى الملزوم ، ومبنى المجاز على الانتقال من الملزوم إلى اللازم ، كما سنعود إلى هذا المعنى عند ترجيح الكناية على التصريح.

أقسام الكناية :

وإذ قد سمعت : أن الكناية ينتقل فيها من اللازم إلى الملزوم ، فاسمع أن المطلوب بالكناية لا يخرج عن أقسام ثلاثة :

أحدها : طلب نفس الموصوف.

وثانيها : طلب نفس الصفة.

وثالثها : تخصيص الصفة بالموصوف.

والمراد بالوصف هاهنا : كالجود في الجواد ، والكرم في الكريم ، والشجاعة في الشجاع ، وما جرى مجراها.

__________________

(١) في (د) ، و (غ) نومة.


القسم الأول

في الكناية المطلوب بها نفس الموصوف

الكناية في هذا القسم تقرب تارة وتبعد أخرى ، فالقريبة هي أن يتفق في صفة من الصفات اختصاص بموصوف معين عارض ، فتذكرها متوصلا بها إلى ذلك الموصوف ، مثل أن تقول : خ خ جاء المضياف ، وتريد زيدا ، لعارض اختصاص للمضياف بزيد.

والبعيدة ، هي : أن تتكلف اختصاصها ، بأن تضم إلى لازم آخر وآخر ، فتلفق مجموعا وصفيا مانعا عن دخول كل ما عدا مقصودك فيه ، مثل أن تقول في الكناية عن الإنسان : خ خ حي ، مستوي القامة ، عريض الأظفار.

القسم الثاني

في الكناية المطلوب بها نفس الصفة

إن الكناية في هذا القسم أيضا تقرب تارة ، وتبعد أخرى ، فالقريبة هي أن تنتقل إلى مطلوبك من أقرب لوازمه إليه ، مثل أن تقول : خ خ فلان طويل نجاده ، أو خ خ طويل النجاد ، متوصلا به إلى طول قامته ؛ أو مثل أن تقول : خ خ فلان كثير أضيافه ، أو خ خ كثير الأضياف ، متوصلا به إلى أنه مضياف.

واعلم أن بين قولنا : خ خ طويل نجاده ، وقولنا : خ خ طويل النجاد ، فرقا ، وهو : أن الأول كناية ساذجة ، والثاني كناية مشتملة على تصريح. فتأمل ، واستعن في درك ما قلت ، بالبحث عن تذكير الوصف في نحو : خ خ فلانة حسن وجهها ، وعن تأنيث : خ خ فلانة حسنة الوجه ، وباستحضار ما تقدم لي في : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)(١) في باب التشبيه ؛ وإن هذا النوع القريب ، تارة يكون واضحا ، كما في المثالين المذكورين ، وتارة خفيا ، كما في قولهم : خ خ عريض القفا ، كناية عن الأبله ، وفي قولهم : خ خ عريض الوسادة ، كناية عن هذه الكناية.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨٧.


وأما البعيدة : فهي أن تنتقل إلى مطلوبك من لازم بعيد بوساطة لوازم متسلسة ، مثل أن تقول : خ خ كثير الرماد ، فتنتقل من كثرة الرماد إلى كثرة الجمر ، ومن كثرة الجمر إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدور ، ومن كثرة إحراق الحطب إلى كثرة الطبائخ ، ومن كثرة الطبائخ إلى كثرة الأكلة ، ومن كثرة الأكلة إلى كثرة الضيفان ، ثم من كثرة الضيفان إلى أنه مضياف. فانظر بين الكناية وبين المطلوب بها ، كم ترى من لوازم ، أو مثل أن تقول : خ خ جبان الكلب ، أو خ خ مهزول الفصيل ، متوصلا بذلك إلى كونه مضيافا ، كما قال (١)

وما يك فيّ من عيب فإني ...

جبان الكلب مهزول الفصيل

فإن جبن الكلب عن الهرير في وجه من يدنو من دار من هو بمرصد ، لأن يعشى دونها ، مع كون الهرير له والنباح في وجه من لا يعرف أمرا طبيعيا له ، مركوزا في جبلته ، مشعر باستمرار تأديب له ، لامتناع تغير الطبيعة وتفاوت الجبلة بموجب لا يقوى ، واستمرار تأديبه أن لا ينبح [مشعر باستمرار موجب نباحه ، وهو اتصال مشاهدته وجوها إثر وجوه ، واتصال مشاهدته لتلك](٢) مشعر بكون ساحته مقصد أدان وأقاص ، وكونه كذلك مشعر بكمال شهرة صاحب الساحة بحسن قرى الأضياف ، فانظر لزوم جبن الكلب للمضيافية كيف تجده بوساطة عدة لوازم ، وكذلك هزال الفصيل يلزم فقد الأم ، وفقدها مع كمال عناية العرب بالنوق ـ لا سيما بالمثليات منها ، لقوام أكثر مجاري أمورهم بالإبل ـ يلزم كمال قوة الداعي إلى نحرها ، وإذ لا داعي إلى نحر المثليات أقوى من صرفها إلى الطبائخ ، ومن صرف الطبائخ إلى قرى الأضياف ، فهزال الفصيل ، كما ترى ، يلزم المضيافية بعدة وسائط. ومن هذا النوع

__________________

(١) أورده عبد القاهر الجرجاني في دلائل الاعجاز ص ٣٠٧ بلا عزو ، والرازي في نهاية الإيجاز ص (٢٧١) ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٥٠ ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤٥٩. الفصيل : ولد الناقة إذا فصل عن أمه.

(٢) سقط من (غ).


أيضا قول نصيب (١) :

لعبد العزيز علي قومه ...

وغيرهم منن ظاهره

فبابك أسهل أبوابهم ...

ودارك مأهولة عامره

وكلبك آنس بالزائرين ...

[من](٢) الأمّ بالابنة [الزائره](٣)

فإنه حين أراد أن يكنى عن وفور إحسان عبد العزيز إلى الخاص والعام ، واتصال أياديه لدى القريب والبعيد ، جعل كلبه آنسا بالزائرين ذلك الأنس ، فدل بمعنى أنسه ذلك بالزائرين على أنهم عنده معارف ، فالكلب لا يأنس إلّا بمن يعرف ، ودل بمعنى كونهم معارف عنده على اتصال مشاهدته إياهم ليلا ونهارا ، ودل بمعنى ذلك على لزومهم سدة عبد العزيز ، ودل بمعنى لزومهم سدته على تسني مباغيهم هنالك تسنيا بالاتصال لا ينقطع ، ثم دل بمعنى ذلك على ما أراد. فانظر كيف لوح ، مع بعد المسافة بين أنس الكلب بالزائرين وبين إحسان عبد العزيز الوافر. ونظير قول نصيب مع زيادة لطف قول الآخر (٤) :

تراه إذا ما أبصر الضيف مقبلا ...

يكلّمه ، من حبّه وهو أعجم

__________________

(١) نصيب : كان عبدا أسود لرجل من أهل وادى القرى. أتى عبد العزيز بن مروان ، بعد ذلك أصبح النصيب مولى بني مروان. كانت أمه أمة سوداء ، فوقع بها سيدها فولدت نصيبا ، فوثب عليه عمه بعد موت أبيه واستعبده. ترجمته في : الشعر والشعراء : ٤١٧ ـ ٤١٩ ، طبقات الشعراء ، الأغاني ، اللآلى ، معجم الأدباء ، ... والشعر المذكور يمدح به سيده عبد العزيز بن مروان.

والأبيات أوردها محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٤٢ وعزاها لنصيب ، وعبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز ص ٣٠٩ ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤٦٠.

(٢) سقط من (غ).

(٣) في (بعض النسخ) : الدائرة.

(٤) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٥١ ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٤٢ وفيه : (يكاد) بدلا من (تراه) ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤٦٠ [وعزاه محقق الإيضاح لابن هرمة أو النابغة الجعدى].


ومنه قول ابن هرمة (١) :

لا أمتع العوذ بالفصال ولا ...

أبتاع إلّا قريبة الأجل

دل بقوله : لا أمتع العوذ بالفصال ، على أنه لا يبقى لها فصالها ، فينتفع بها من جهة استئناسها ، وحصول الفرح الطبيعي لها في مشاهدتها إياها ، وما تستملح من حركاتها لديها ، ويحتمل أن يريد : لا أبقي العوذ بسبب فصالها ، نظرا لها ، فتسلم عن النحر ، فتنتفع بالفصال من هذه الجهة. ودل بمعنى : أنه لا يبقيها على أنه ينحرها. ودل بمعنى : نحرها ، على أنه يصرفها إلى قرى الضيفان. وكذا دل بقوله : قريبة الأجل ، على أنها : لا تلبث عنده حية ، ودل بذلك على أنه ينحرها ، ثم دل بنحرها على معنى أضيف.

القسم الثالث

في الكناية المطلوب بها تخصيص الصفة بالموصوف

هي أيضا تتفاوت في اللطف ، فتارة تكون لطيفة وأخرى ألطف ، وأنا أورد عدة أمثلة ، منها قول زياد الأعجم (٢) وهو لطيف :

إنّ السماحة والمروءة والندى ...

في قبّة ضربت على ابن الحشرج

فإنه حين أراد أن لا يصرح بتخصيص السماحة والمروءة والندى بابن الحشرج ، فيقول : خ خ السماحة لابن الحشرج ، والمروءة له ، والندى له ، فإن الطريق إلى تخصيص الصفة بالموصوف بالتصريح : إما الإضافة أو معناها ، وإما الإسناد أو معناه ، فالإضافة ، كقولك : خ خ سماحة ابن الحشرج ، أو خ خ سماحته ، مظهرا كان المضاف إليه أو مضمرا

__________________

(١) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٥١ وعزاه لابن هرمة ، والجرجاني في الإشارات ص ٢٤٢ ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤٦٠ ، والطيبى في التبيان (١ / ٣٢٩) بتحقيقى.

العوذ : النوق الحديثة النتاج ، واحدتها : عائذ. الفصال : جمع فصيل.

(٢) أورده القزويني في الإيضاح ص ٤٦٢ وعزاه لأبي زياد الأعجم ، والرازي في نهاية الإيجاز ص ٢٧١ وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٥٢ ابن الحشرج : من ولاة بنى أمية ، اسمه عبد الله.


ومعناها كقولك : خ خ السماحة لابن الحشرج ، أو خ خ السماحة له ، والإسناد ، كقولك : سمح ابن الحشرج ، أو خ خ حصل السماحة ، ومعناه ، كقولك : خ خ ابن الحشرج سمح ، بتقدير ضمير ابن الحشرج في سمح العائد إليه كما هو ، أعني تخصيص الصفة بالموصوف مصرح به في جميع ما تقدم من الأمثلة.

أو ما ترى الوصف المكنى عنه ، وهو طول القامة ، بقولك : خ خ طويل النجاد ، كيف تجده مضافا إلى ضمير موصوفه في قولك : خ خ زيد طويل نجاده ، وهو الهاء في خ خ نجاده العائد إلى خ خ زيد المطلوب تخصيص طول القامة به ، أو مسندا إلى ضمير موصوفه في قولك : خ خ طويل النجاد ، وهو الضمير في خ خ طويل العائد إلى الموصوف ، أو الوصف المكنى عنه ، وهو : وفور الإحسان بأنس الكلب بالزوار ، كيف تجده مضافا إلى ضمير موصوفه ، وهو عبد العزيز المخاطب ، المطلوب تخصيص وفور الإحسان به ، أو الوصف المكنى عنه ، وهو المضيافية بلا إمتاع العوذ بالفصال وابتياع قريبة الأجل ، كيف تجده مسندا إلى ضمير موصوفه وهو ضمير الحكاية الراجع إلى ابن هرمة ، المطلوب تخصيص المضيافية به ، ماذا صنع؟ جمع السماحة والمروءة والندى في قبة ، تنبيها بذلك أن محلها محل ذو قبة ، محاولا بذلك اختصاصها بابن الحشرج ، ثم لما رأى غرضه ما كان يتم بذلك لوجود ذوي قباب في الدنيا كثيرين ، جعل القبة مضروبة على ابن الحشرج حتى تم غرضه ، ومنها قولهم : خ خ المجد بين ثوبيه ، وخ خ الكرم بين برديه ، وقد يظن هذا من قسم : خ خ زيد طويل نجاده ، وليس بذلك ، خ خ فطويل نجاده بإسناد الطويل إلى النجاد تصريح بإثبات الطول للنجاد ، وطول النجاد ، كما تعرف ، قائم مقام طول القامة ، فإذا صرح ، من بعد ، بإثبات النجاد لزيد بالإضافة ، كان ذلك تصريحا بإثبات الطول لزيد ، فتأمل.

ومنها قوله (١) وهو ألطف :

والمجد يدعو أن يدوم لجيده ...

عقد مساعي ابن العميد نظامه

__________________

(١) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٥٢ ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤٦٢ ، والطيبى في التبيان (١ / ٣٣٠) بتحقيقى ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١٢٦) بتحقيقى أيضا.

جيده : عنقه. مساعى : أفضال ومكارم ، واحدتها : مسعاة.


انظر حين أراد أن يثبت المجد لابن العميد ، لا على سبيل التصريح ، ماذا صنع؟ أثبت لابن العميد مساعي ، وجعلها نظام عقد ، وبيّن أن مناط ذلك العقد هو جيد المجد ، فنبّه بذلك على اعتناء ابن العميد بتزيين المجد ، ونبه بتزيينه إياه على اعتنائه بشأنه ، أعني : بشأن المجد ، وعلى محبته له ، ونبه بذلك على أنه ماجد ، ولم يقنعه ذلك حتى جعل المجد المعرف تعريف الجنس داعيا أن يدوم ذلك العقد لجيده ، فنبه بذلك على طلب حقيقة المجد ودوام بقاء ابن العميد ، ونبه بذلك على أن تزيينه والاعتناء بشأنه مقصوران على ابن العميد ، حتى أحكم بتخصيص المجد بابن العميد وأكده أبلغ تأكيد ، وحاصله أن الشاعر جعل المجد متزينا في المآل بابن العميد ، وجعل تزينه به تخصيصا له به على نحو ما يقال : خ خ تزينت الوزارة بفلان ، إذا حصلت له ، ومنها قول الشنفري الأزدي (١) في وصف امرأة بالعفة :

يبيت بمنجاة عن اللّوم بيتها ...

إذا ما بيوت بالملامة حلّت

فإنه حين أراد أن يبين عفافها ، وبراءة ساحتها عن التهمة ، وكمال نجاتها عن أن تلام بنوع من الفجور على سبيل الكناية ، قصد إلى نفس النجوة عن اللوم ، ثم لما رآها غير مختصة بتلك العفيفة ، لوجود عفائف في الدنيا كثيرة ، نسبها إلى بيت يحيط بها ، تخصيصا للنجاة عن اللوم بها ، فقال :

يبيت بمنجاة عن اللوم بيتها

__________________

(١) الشنفري : هو ثابت بن أوس الأزدي ، لم يعرف تاريخ ولادته ، وفي نشأته آراء ، ولكن ثمة إجماع على القول : إنه عاش ونشأ بين بني سلامان من بني فهم. من زملائه : تأبط شرا ، عمرو بن براقة. كان أشهر عدائي الشعراء الصعاليك. اشتهر بقصيدتها : " لامية العرب" وقد كتب حولها شروح كثيرة.

ترجمته في : موسوعة الشعر العربي العصر الجاهلي ١ / ٥٩ وما بعد ، وثمة ثبت بأهم المصادر عنه (١ / ٦٦٩ الموسوعة).

أورده القزويني في الإيضاح ص ٤٦٥ وعزاه للشنفري ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٤٦ ، والطيبى في التبيان (١ / ٣٣٢) بتحقيقى ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١٢٦) بتحقيقى أيضا.

المنجاة : مكان النجاة.


ولم يقل : يظل قصدا إلى زمان له مزيد اختصاص بالفواحش ، وهو الليل. وقول ابن هانئ (١) :

فما جازه جود ، ولا حلّ دونه ...

ولكن يصير الجود حيث يصير

فإنه أراد أن يجمع الجود ، لا على سبيل التصريح ، ويثبته للممدوح ، لا على سبيل التصريح أيضا ، فعمد إلى نفس الجود ، فنفى أن يكون متوزعا يقوم منه جزء بهذا وجزء بذلك ، فنكّر الجود قصدا إلى فرد من أفراد الحقيقة ، ونفى أن يجوز ممدوحه ، فقال : فما جازه جود بالتنكير كما ترى ، تنبيها بذلك على أن لو جازه لكان قائما بمحل هناك ، لامتناع قيامه بنفسه ، ثم لمثل هذا قال : خ خ ولا حلّ دونه ، كناية بذلك عن عدم توزعه وتقسمه ، ثم خصصه من بعد بجهة تلك الجهة [الممدوحة](٢) ، بعد أن عرّفه باللام الاستغراقية ، فقال : ولكن يصير الجود حيث يصير

كناية عن ثبوته له ، ومنه قولهم : خ خ مجلس فلان مظنة الجود والكرم.

وقد يظن أن ههنا قسما رابعا وهو : أن يكون المطلوب بالكناية الوصف والتخصيص معا مثل ما يقال : خ خ يكثر الرماد في ساحة عمرو ، في الكناية عن : أنّ عمرا مضياف ، فليس بذاك ، إذ ليس ما ذكر بكناية واحدة ، بل هما كنايتان ، وانتقال من لازمين إلى ملزومين ، أحد اللازمين : كثرة الرماد ، والثاني : تقييدها ، وهو قولك : في ساحة عمرو.

واعلم أن الكناية في القسم الثاني والثالث ، تارة تكون مسوقة لأجل الموصوف المذكور ، كما تقول : خ خ فلان يصلي ويزكي ، وتتوصل بذلك إلى أنه مؤمن ، وخ خ فلان يلبس الغيار ، وتريد : أنه يهودي ، وكالأمثلة المذكورة. وتارة تكون مسوقة لأجل

__________________

(١) ابن هانئ : هو الحسن بن هانئ ، أبو نواس ، شاعر الخمرة والزهد المعروف ...

أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٥٣ وعزاه لابن هانئ ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٤٦ ، والقزويني في الإيضاح ص ٤٦٣ ، والطيبى في التبيان ١ / ٣٣١ وعزوه جميعا لأبي نواس.

(٢) في (د) ، (غ) (لممدوحه).


موصوف غير مذكور ، كما تقول في عرض من يؤذي المؤمنين : خ خ المؤمن هو الذي يصلي ويزكي ولا يؤذي أخاه المسلم ، وتتوصل بذلك إلى نفي الإيمان عن المؤذي ، وكقوله علت كلمته في عرض المنافقين : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(١) إذا فسر الغيب : بالغيبة بمعنى : يؤمنون مع الغيبة عن حضرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو عن جماعة المسلمين ، على معنى : هدى للذين يؤمنون عن إخلاص لا للذين يؤمنون عن نفاق.

أنواع الكناية :

وإذ قد وعيت ما أملي عليك فنقول : متى كانت الكناية عرضية ، على ما عرفت ، كان إطلاق اسم التعريض عليها مناسبا ، وإذا لم تكن كذلك نظر ؛ فإن كانت ذات مسافة بينها وبين المكنى عنه متباعدة ، لتوسط لوازم ، كما في : خ خ كثير الرماد ، وأشباهه ، كان إطلاق اسم التلويح عليها مناسبا ؛ لأن التلويح هو : أن تشير إلى غيرك عن بعد ، وإن كانت ذات مسافة قريبة ، مع نوع من الخفاء ، كنحو : خ خ عريض القفا ، وخ خ عريض الوسادة ، كان إطلاق اسم الرمز عليها مناسبا ، لأن الرمز هو : أن تشير إلى قريب منك على سبيل الخفية.

قال (٢) :

رمزت إلىّ مخافة من بعلها ...

من غير أن تبدي هناك كلامها

وإن كانت لا مع نوع الخفاء ، كقول أبي تمام (٣) :

أبين فما يزرن سوى كريم ...

وحسبك أن يزرن أبا سعيد

فإنه في إفادة : أن أبا سعيد كريم ، غير خاف ، كان إطلاق اسم الإيماء والإشارة

__________________

(١) سورة البقرة الآيتان ٢ ـ ٣.

(٢) البيت لابن هانئ أورده الخطيب القزوينى في الإيضاح ص ٤٦٦.

(٣) أورده عبد القاهر الجرجاني في دلائل الاعجاز ص ٣١٣ وعزاه لأبي تمام ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٥٥ ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤٦٧ ، والعلوى في الطراز (١ / ٤٢٤).


عليها مناسبا ، وكقول البحتري (١) :

أو ما رأيت المجد ألقى رحله ...

في آل طلحة ، ثمّ لم يتحوّل

فإنه في إفادة : أن آل طلحة أماجد ، ظاهر ، وكقول الآخر (٢) :

إذا الله لم يسق إلّا الكرام ...

فسقى وجوه بني حنبل

وسقى ديارهم [باكرا](٣) ...

من الغيث في الزمن الممحل

فإنه في إفادة كرم بني حنبل ، كما ترى ، وكقول الآخر (٤) :

متى تخلو تميم من كريم ...

ومسلمة بن عمرو من تميم؟

فإنه في إفادة كرم مسلمة أظهر من الجميع ، وأما قوله (٥) :

سألت النّدى والجود مالي ...

أراكما تبدّلتما ذلّا بعزّ مؤبّد

وما بال ركن المجد أمسى مهدّما ...

فقالا : أصبنا بابن يحيى ، محمد

فقلت : فهلا متّما عند موته ...

فقد كنتما عبديه في كل مشهد

فقالا : أقمنا كي نعزي بفقده ...

مسافة يوم ثم نتلوه في غد

__________________

(١) أورده عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز ص ٣١١ وعزاه للبحتري ، والقزويني في الإيضاح ص ٤٦٧ ، والطيبى في التبيان (١ / ٣٣١) بتحقيقى ، والعلوى في الطراز (١ / ٤٢٤).

(٢) أوردهما عبد القاهر الجرجاني في دلائل الاعجاز ص ٣١٣ ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٥٥ ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٤٨ ، والقزويني في الإيضاح ص ٤٦٧.

الممحل : الجديب. والمحل : نقيض الخصب.

(٣) في (غ) بإكرام.

(٤) أورده عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز ص ٣١٣ ، والطيبى في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١٢٧) بتحقيقى ، والقزويني في الإيضاح ص ٤٦٧ ، والعلوى في الطراز (١ / ٤٢٤).

(٥) أوردها عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز ص ٣١٤ وعزاه لقول بعض البرامكة ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٥٦


في إفادة جود ابن يحيى ومجده فعلى ما ترى من الظهور.

واعلم أن التعريض تارة يكون على سبيل الكناية ، وأخرى على سبيل المجاز ، فإذا قلت : خ خ آذيتنى ، فستعرف ، وأردت المخاطب ، ومع المخاطب إنسانا آخر معتمدا على قرائن الأحوال ، كان من القبيل الأول ؛ وإن لم ترد إلّا غير المخاطب كان من القبيل الثاني. فتأمل. وعلى هذا فقس وفرع إن شئت ، فقد نبهتك.

بين الحقيقة والمجاز :

واعلم أن أرباب البلاغة ، وأصحاب الصياغة للمعاني ، مطبقون على أن المجاز أبلغ من الحقيقة ، وأن الاستعارة أقوى من التصريح بالتشبيه ، وأن الكناية أوقع من الإفصاح بالذكر.

والسبب في أن المجاز أبلغ من الحقيقة هو ما عرفت أن مبنى المجاز على الانتقال من الملزوم إلى اللازم ، فأنت في قولك : خ خ رعينا الغيث ، ذاكرا الملزوم : النبت ، مريدا به لازمه ، بمنزلة مدعي الشيء ببينة ، فإن وجود الملزوم شاهد لوجود اللازم ، لامتناع انفكاك الملزوم عن اللازم ، لأداء انفكاكه عنه ، إلى كون الشيء ملزوما ، غير ملزوم باعتبار واحد ؛ وفي قولك : خ خ رعينا النبت ، مدع للشيء لا ببينة ، وكم بين ادعاء الشيء ببينة ، وبين ادعائه لا بها.

والسبب في أن الاستعارة أقوى من التصريح بالتشبيه أمران :

أحدهما : أن في التصريح بالتشبيه اعترافا بكون المشبه به أكمل من المشبه في وجه التشبيه ، على ما قررت في باب التشبيه.

والثاني : أن في ترك التصريح بالتشبيه إلى الاستعارة ، التي هي مجاز مخصوص الفائدة التي سمعت في المجاز آنفا من دعوى الشيء ببينة.

والسبب في أن الكناية عن الشيء أوقع من الإفصاح بذكره ، نظير ما تقدم في المجاز ، بل عينه ، يبين ذلك أن مبنى الكناية ، كما عرفت ، على الانتقال من اللازم إلى ملزوم معين ، ومعلوم عندك أن الانتقال من اللازم إلى ملزوم معين يعتمد مساواته إياه ، لكنهما عند التساوي يكونان متلازمين فيصير الانتقال من اللازم إلى الملزوم ، إذ ذاك ،


بمنزلة الانتقال من الملزوم إلى اللازم. فيصير حال الكناية كحال المجاز في كون الشيء معها مدعى ببينة ، ومع الإفصاح بالذكر مدعى لا ببينة ؛ وبهذا الطريق ينخرط نحو : أمطرت السماء نباتا ، في سلك ، نحو : خ خ رعينا الغيث. فافهم.

هذا ما أمكن من تقرير كلام السلف ، رحمهم‌الله ، في هذين الأصلين ، ومن ترتيب الأنواع فيهما ، وتذييلها بما كان يليق بها ، وتطبيق البعض منها بالبعض ، وتوفية كل من ذلك حقه على موجب مقتضى الصناعة ، وسيحمد ما أوردت ذوو [سيحمدا](١) ما أوردت ذوو البصائر ، وإني أوصيهم ، إن أورثهم كلامي نوع استمالة ، وفاتهم ذلك في كلام السلف إذا تصفحوه ، أن لا يتخذوا ذلك مغمزا للسلف أو فضلا لي عليهم ، فغير مستبدع في أيما نوع ، فرض أن يزل عن أصحابه ما هو أشبه بذلك النوع في بعض الأصول أو الفروع ، أو التطبيق للبعض بالبعض متى كانوا المخترعين له ، وإنما يستبدع ذلك ممن زجى عمره راتعا في مائدتهم تلك ، ثم لم يقو أن يتنبه.

وعلماء هذا الفن ، وقليل ما هم ، كانوا في اختراعه ، واستخراج أصوله ، وتمهيد قواعدها ، وإحكام أبوابها وفصولها ، والنظر في تفاريعها ، واستقراء أمثلتها اللائقة بها ، وتلقطها من حيث يجب تلقطها ، وإتعاب الخاطر في التفتيش والتنقير عن ملاقطها ، وكدّ النفس والروح في ركوب المسالك المتوعرة إلى الظفر بها ، مع تشعب هذا النوع إلى شعب. بعضها أدق من البعض ، وتفننها أفانين بعضها أغمض من بعض ، كما عسى أن يقرع سمعك طرف من ذاك ، فعلوا ما وفت به القوة البشرية إذ ذاك ، ثم وقع عند فتورها منهم ما هو لازم الفتور.

الخلاصة :

وأما بعد فإن خلاصة الأصلين هي : أن الكلمة لا تفيد البتة إلا بالوضع ، أو الاستلزام بوساطة الوضع ، وإذا استعملت فإما أن يراد : معناها وحده ، أو غير معناها وحده ، أو معناها وغير معناها معا ؛ فالأول هو : الحقيقة في المفرد ، وهي تستغني في

__________________

(١) في (ط) سيحمدها ، والتصويب من (غ) و (ك) و (د).


الإفادة بالنفس عن الغير ؛ والثاني : هو المجاز في المفرد ، وأنه مفتقر إلى نصب دلالة مانعة عن إرادة معنى الكلمة. والثالث : هو الكناية ، ولا بد من دلالة حال.

والحقيقة في المفرد والكناية تشتركان في كونهما حقيقتين ، ويفترقان في التصريح [وعدم التصريح](١) ، وغير معناها في المجاز : إما أن يقدر قائما مقام معناها بوساطة المبالغة في التشبيه ، أو لا يقدر ؛ والأول : هو الاستعارة ، والثاني : هو المجاز المرسل ؛ والمذكور في الاستعارة ، إما أن يكون : هو المشبه به ، أو المشبه ، والأول هو الاستعارة بالتصريح ، والثاني ؛ هو الاستعارة بالكناية. وقرينتها أن يثبت للمشبه أو ينسب إليه ما هو مختص بالمشبه به ؛ والمشبه به المذكور في الاستعارة بالتصريح ، إما أن يكون : مشبهه المتروك شيئا له تحقق ، أو شيئا لا تحقق له ، والأول : الاستعارة التحقيقية ، والثاني : التخييلية.

والكلمة إذا أسندت فإسنادها بحسب رأي الأصحاب دون رأينا ، إما أن يكون على وفق عقلك وعلمك ، أو لا يكون ؛ والأول هو الحقيقة في الجملة ، والثاني هو المجاز فيها. ثم إن الحقيقة في الجملة : إما أن تكون مقرونة بإفادة مستلزم ، أو لا تكون.

والأولى : داخلة في الكناية ، والثانية : داخلة في التصريح.

البلاغة :

وإذ قد عرفنا الحقيقة في المفرد وفي الجملة ؛ وعرفنا فيهما التصريح والكناية ، وعرفنا المجاز في المفرد وفي الجملة ؛ وعرفنا تنوع الكناية إلى : تعريض ، وتلويح ، ورمز ، وإيماء ، وإشارة ، وعرفنا تنوع المجاز إلى مرسل مفيد ، وغير مفيد ، وإلى استعارة مصرح بها ، ومكنى عنها ؛ وعرفنا ما يتصل بذلك من التحقيقية ، والتخييلية ، والقطعية ، والاحتمالية ، ومن الأصلية ، والتبعية ، على رأي الأصحاب ، دون رأينا ، على ما تقدم ، والمجردة ، والمرشحة ؛ وحصل لنا العلم بتفاوت التشبيه في باب المبالغة إلى الضعف والقوة ، وإلى كونه تشبيها مرسلا ، وكونه تمثيلا ساذجا ، وكونه تمثيلا بالاستعارة ، وكونه مثلا ،

__________________

(١) زيادة من (غ ، د).


وقضينا الوطر عن كمال الاطلاع على هذه المقاصد ، فنقول :

تعريف البلاغة :

البلاغة هي بلوغ المتكلم في تأدية المعاني حدّا له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها ، وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها ، ولها ، أعني البلاغة ، طرفان : أعلى وأسفل ، متباينان تباينا لا يتراءى له ناراهما ، وبينهما مراتب ، تكاد تفوت الحصر ، متفاوتة ؛ فمن الأسفل تبتدىء البلاغة ، وهو القدر الذي إذا نقص منه شيء التحق ذلك الكلام بما شبهناه به في صدر الكتاب من أصوات الحيوانات ، ثم تأخذ في التزايد متصاعدة إلى أن تبلغ حد الإعجاز وهو الطرف الأعلى وما يقرب منه. واعلم أن شان الإعجاز عجيب يدرك ولا يمكن وصفه ، كاستقامة الوزن : تدرك ولا يمكن وصفها ، وكالملاحة.

ومدرك الإعجاز عندي هو : الذوق ليس إلا ، وطريق اكتساب الذوق : طول خدمة هذين العلمين.

نعم ، للبلاغة وجوه [متلثمة](١) ، ربما تيسرت إماطة اللثام عنها ، لتجلى عليك ، أما نفس وجه الإعجاز فلا.

الفصاحة :

وأما الفصاحة فهي قسمان : راجع إلى المعنى ، وهو خلوص الكلام عن التعقيد ، وراجع إلى اللفظ ، وهو أن تكون الكلمة عربية أصلية ، وعلامة ذلك أن تكون على ألسنة الفصحاء من العرب ، الموثوق بعربيتهم ، أدور ، واستعمالهم لها أكثر ، لا مما أحدثها المولدون ، ولا مما أخطأت فيه العامة ؛ وأن تكون أجرى على قوانين اللغة ، وأن تكون سليمة عن التنافر.

والمراد بتعقيد الكلام هو : أن يعثر صاحبه فكرك في متصرفه ، ويشيك طريقك إلى

__________________

(١) في (ط) (ملتئمة) والمثبت من (د) ، (ك).


المعنى ، ويوعر مذهبك نحوه ، حتى يقسم فكرك ، ويشعب ظنك إلى أن لا تدري من أين تتوصل ، وبأي طريق معناه يتحصل ، كقول الفرزدق (١) :

وما مثله في الناس إلا مملّكا ...

أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه

أو كقول أبي تمام (٢) :

ثانيه في كبد السّماء ولم يكن ...

كاثنين ثان إذ هما في الغار

وغير المعقد هو : أن يفتح صاحبه لفكرتك الطريق المستوي ويمهده ، وإن كان في معاطف نصب عليه المنار ، وأوقد الأنوار ، حتى تسلكه سلوك المتبين لوجهته ، وتقطعه قطع الواثق بالنجح (٣) في طيته.

أنموذج قرآني :

وإذ قد وقفت على البلاغة ، وعثرت على الفصاحة المعنوية واللفظية ، فأنا أذكر على سبيل الأنموذج آية أكشف لك فيها عن وجوه البلاغة والفصاحتين ، ما عسى يسترها عنك ، ثم إن ساعدك الذوق أدركت منها ما قد أدرك من تحدوا بها ، وهي قوله ، علت كلمته : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(٤).

والنظر في هذه الآية من أربع جهات : من جهة علم البيان ، ومن جهة علم المعاني ، وهما مرجعا البلاغة. ومن جهة الفصاحة المعنوية ومن جهة الفصاحة اللفظية.

__________________

(١) أورده عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز ص ٨٤ وعزاه للفرزدق ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٦٠.

(٢) أورده عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز ص ٨٤ وعزاه لأبي تمام ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٦٠.

(٣) لعل المثبت هو الصواب ، وفي (ط) (البجح) بالباء الموحدة ، والجيم وفي (د) بالموحدة والحاء المهملة.

(٤) سورة هود ، الآية ٤٤.


النظر في الآية من جانب البلاغة :

أما النظر فيها من جهة علم البيان وهو : النظر فيما فيها من المجاز والاستعارة ، والكناية وما يتصل بها فنقول : إنه عزّ سلطانه ، لما أراد أن يبين معنى : أردنا أن نرد ما انفجر من الأرض إلى بطنها فارتد ، وأن نقطع طوفان السماء فانقطع ، وأن نغيض الماء النازل من السماء فغاض ، وأن نقضي أمر نوح ، وهو إنجازه ما كنا وعدناه ، من إغراق قومه فقضي ، وأن نسوي السفينة على الجودي فاستوت ، وأبقينا الظّلمة غرقى ، بني الكلام على تشبيه المراد بالمأمور الذي لا يتأتى منه ـ لكمال هيبته ـ العصيان وتشبيه تكوين المراد بالأمر الجزم النافذ في تكون المقصود ، تصويرا لاقتداره العظيم ، وأن السماوات والأرض ، وهذه الأجرام العظام تابعة لإرادته إيجادا وإعداما ، ولمشيئته فيها تغييرا وتبديلا ، كأنهما عقلاء مميزون ، قد عرفوه حق معرفته ، وأحاطوا علما بوجوب الانقياد لأمره ، والإذعان لحكمه ، وتحتم بذلك المجهود عليهم في تحصيل مراده ، وتصوروا مزيد اقتداره ، فعظمت مهابته في نفوسهم ، وضربت سرادقها في أفنية ضمائرهم ، فكما يلوح لهم إشارته كان المشار إليه مقدما ، وكما يرد عليهم أمره كان المأمور به متمما ، لا تلقي لإشارته بغير الإمضاء والانقياد ، ولا لأمره بغير الإذعان والامتثال.

ثم بني على تشبيهه هذا نظم الكلام ، فقال جل وعلا : (قِيلَ ،) على سبيل المجاز عن الإرادة الواقع بسببها قول القائل ، وجعل قرينة المجاز الخطاب للجماد وهو : (يا أَرْضُ) ويا سماء ، ثم قال كما ترى : خ خ يا أرض وخ خ يا سماء ، مخاطبا لهما على سبيل الاستعارة للشبه المذكور ، ثم استعار لغور الماء في الأرض البلع الذي هو إعمال الجاذبة في المطعوم للشبه بينهما ، وهو الذهاب إلى مقر خفي ، ثم استعار الماء للغذاء استعارة بالكناية تشبيها له بالغذاء ، لتقوي الأرض بالماء في الإنبات للزروع والأشجار تقوي الآكل بالطعام ، وجعل قرينة الاستعارة لفظة : (ابْلَعِي ،) لكونها موضوعة للاستعمال في الغذاء دون الماء ، ثم أمر على سبيل الاستعارة للشبه المقدم ذكره ، وخاطب في الأمر


ترشيحا (١) لاستعارة النداء ، ثم قال : (ماءَكِ ،) بإضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز ، تشبيها لاتصال الماء بالأرض باتصال الملك بالمالك ، واختار ضمير الخطاب لأجل الترشيح ، ثم اختار لاحتباس المطر : خ خ الإقلاع ، الذي هو ترك الفاعل الفعل للشبه بينهما في عدم ما كان ، ثم أمر على سبيل الاستعارة وخاطب في الأمر قائلا : (أَقْلِعِي ؛) لمثل ما تقدم في : (ابْلَعِي ،) ثم قال : (وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً :) فلم يصرح بمن غاض الماء ، ولا بمن قضى الأمر ، وسوى السفينة ، وقال : (بُعْداً ،) كما لم يصرح بقائل : خ خ يا أرض خ خ ويا سماء ، في صدر الآية ، سلوكا في كل واحد من ذلك لسبيل الكناية أن تلك الأمور العظام لا تتأتى إلّا من ذي قدرة ، لا يكتنه قهار لا يغالب ، فلا مجال لذهاب الوهم إلى أن يكون غيره ، جلت عظمته ، قائل : خ خ يا أرض وخ خ يا سماء ، ولا غائض مثل ما غاض ، ولا قاضي مثل ذلك الأمر الهائل ، أو أن تكون تسوية السفينة وإقرارها بتسوية غيره وإقراره ؛ ثم ختم الكلام بالتعريض ـ تنبيها لسالكي مسلكهم في تكذيب الرسل ظلما لأنفسهم لا غير ـ ختم إظهار لمكان السخط ، ولجهة استحقاقهم إياه ؛ وأن قيمة الطوفان ، وتلك الصورة الهائلة ، ما كانت إلّا لظلمهم.

وأما النظر فيها من حيث علم المعاني ، وهو : النظر في فائدة كل كلمة منها ، وجهة كل تقديم وتأخير فيما بين جملها ، فذلك أنه اختير : [خ خ يا](٢) ، دون سائر أخواتها لكونها أكثر في الاستعمال ، وأنها دالة على بعد المنادى الذي يستدعيه مقام إظهار العظمة ، وإبداء شأن العزة والجبروت ، وهو تبعيد المنادي المؤذن بالتهاون به. ولم يقل : خ خ يا أرض بالكسر لإمداد التهاون ، ولم يقل : خ خ يا أيتها الأرض لقصد الاختصار ، مع الاحتراز عما في : خ خ أيتها ، من تكلف التنبيه غير المناسب بالمقام ، واختير لفظ : خ خ الأرض دون سائر أسمائها لكونه أخف وأدور ، واختير لفظ : خ خ السماء لمثل ما تقدم في الأرض مع قصد المطابقة ، وستعرفها ، واختير لفظ : خ خ ابلعي ، على : خ خ ابتلعي ، لكونه أخصر ،

__________________

(١) في بعض النسخ (ترشحا).

(٢) سقطت من (د).


ولمجيء خط التجانس بينه وبين : خ خ أقلعي ، أوفر ، وقيل : خ خ ماءك ، بالإفراد دون الجمع ، لما كان في الجمع من صورة الاستكثار المتأبي عنها مقام إظهار الكبرياء والجبروت ، وهو الوجه في إفراد الأرض والسماء ، وإنما لم يقل : خ خ ابلعي ، بدون المفعول ، أن لا يستلزم تركه ما ليس بمراد من تعميم الابتلاع للجبال والتلال ، والبحار وساكنات الماء بأسرهن ، نظرا إلى مقام ورود الأمر ، الذي هو مقام عظمة وكبرياء ، ثم إذا بين المراد اختصر الكلام مع : خ خ أقلعي ، احترازا عن الحشو المستغنى عنه ، وهو الوجه في أن لم يقل : خ خ قيل يا أرض ابلعي ماءك فبلعت ، وخ خ يا سماء أقلعي فأقلعت. واختير خ خ غيض ، على : غيّض ، المشدد ، لكونه أخصر ، وقيل : خ خ الماء ، دون أن يقال : خ خ ماء طوفان السماء ، وكذا : خ خ الأمر ، دون أن يقال : خ خ أمر نوح ، وهو إنجاز ما كان الله وعد نوحا من إهلاك قومه ، لقصد الاختصار ، والاستغناء بحرف التعريف عن ذلك ، ولم يقل : خ خ سويت على الجودي ، بمعنى : خ خ أقرت ، على نحو : خ خ قيل وخ خ غيض وخ خ قضي في البناء للمفعول ، اعتبارا لبناء الفعل للفاعل ، مع السفينة في قوله : (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ ،) مع قصد الاختصار في اللفظ ، ثم قيل : (بُعْداً لِلْقَوْمِ ،) دون أن يقال : خ خ ليبعد القوم ؛ طلبا للتأكيد مع الاختصار ، وهو نزول : خ خ بعدا ، منزلة : خ خ ليبعدوا بعدا ، مع فائدة أخرى ، وهو استعمال اللام مع : خ خ بعدا ، الدال على معنى أن البعد حق لهم ، ثم أطلق الظلم ليتناول كل نوع حتى يدخل فيه ظلمهم أنفسهم ، لزيادة التنبيه على فظاعة سوء اختيارهم في تكذيب الرسل. هذا من حيث النظر إلى تركيب الكلم.

وأما من حيث النظر إلى ترتيب الجمل فذاك أنه قد قدم النداء على الأمر. فقيل : (يا أَرْضُ ابْلَعِي) و (يا سَماءُ أَقْلِعِي ،) دون أن يقال : خ خ ابلعي يا أرض ، وخ خ أقلعي يا سماء ، جريا على مقتضى اللازم فيمن كان مأمورا حقيقة ، من تقديم التنبيه ، ليتمكن الأمر الوارد عقيبه في نفس المنادى ، قصدا بذلك لمعنى الترشيح ، ثم قدم أمر الأرض على أمر السماء ، وابتدئ به لابتداء الطوفان منها ، ونزولها لذلك في القصة منزلة الأصل ، والأصل بالتقديم أولى ، ثم أتبعهما قوله : (وَغِيضَ الْماءُ ؛) لاتصاله بقصة الماء وأخذه بحجزتها ، ألا ترى أصل الكلام : (قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) فبلعت ماءها ، (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) عن إرسال الماء فأقلعت عن إرساله ، (وَغِيضَ الْماءُ) النازل من السماء فغاض ، ثم أتبعه ما هو المقصود من القصة وهو قوله : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ ،) أي


أنجز الموعود من إهلاك الكفرة وإنجاء نوح ومن معه في السفينة ، ثم أتبعه حديث السفينة وهو قوله : (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ،) ثم ختمت القصة بما ختمت. هذا كله نظر في الآية من [جانب](١) البلاغة.

النظر في الآية من جانب الفصاحة :

وأما النظر فيها من جانب الفصاحة المعنوية فهي كما ترى : نظم للمعاني لطيف ، وتأدية لها ملخصة مبينة ، لا تعقيد يعثر الفكر في طلب المراد ، ولا التواء يشيك الطريق إلى المرتاد ، بل إذا جربت نفسك ، عند استماعها ، وجدت ألفاظها تسابق معانيها ، ومعانيها تسابق ألفاظها ، فما من لفظة في تركيب الآية ونظمها تسبق إلى أذنك ، إلّا ومعناها أسبق إلى قلبك.

وأما النظر فيها من جانب الفصاحة اللفظية : فألفاظها على ما ترى عربية مستعملة ، جارية على قوانين اللغة ، سليمة عن التنافر ، بعيدة عن البشاعة ، عذبة على العذبات ، سليسة على الإسلات ، كل منها كالماء في السلاسة ، وكالعسل في الحلاوة ، وكالنسيم في الرقة.

ولله در شأن التنزيل ، لا يتأمل العالم آية من آياته إلا أدرك لطائف لا تسع الحصر ، ولا تظنّنّ الآية مقصورة على ما ذكرت ، فلعل ما تركت أكثر مما ذكرت ؛ لأن المقصود لم يكن إلّا مجرد الإرشاد لكيفية اجتناء ثمرات علمي المعاني والبيان ، وأن لا علم في باب التفسير بعد علم الأصول ، أقرأ منهما على المرء لمراد الله تعالى من كلامه ، ولا أعون على تعاطي تأويل مشتبهاته ، ولا أنفع في درك لطائف نكته وأسراره ، ولا أكشف للقناع عن وجه إعجازه ، هو الذي يوفي كلام رب العزة من البلاغة حقه ، ويصون له في مظان التأويل ماءه ورونقه ، ولكم آية من آيات القرآن تراها قد ضيمت حقها ، واستلبت [ماءها](٢) ورونقها ، إن وقعت إلى من ليسوا من أهل هذا العلم ، فأخذوا بها

__________________

(١) في (د ، غ) جانبي.

(٢) كذا في الأصول.


في مآخذ مردودة ، وحملوها على محامل غير مقصودة ، وهم لا يدرون ، ولا يدرون أنهم لا يدرون ، فتلك الآى من مآخذهم في عويل ، ومن محاملهم على ويل طويل ، (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(١) ، ثم مع ما لهذا العلم من الشرف الظاهر ، والفضل الباهر ، لا ترى علما لقي من الضيم ما لقي ، ولا مني من سوم الخسف بما مني ، أين الذي مهد له قواعد ، ورتّب له شواهد ، وبيّن له حدودا يرجع إليها ، وعيّن له رسوما يعرج عليها ، ووضع له أصولا وقوانين ، وجمع له حججا وبراهين ، وشمر لضبط متفرقاته ذيله ، واستنهض في استخلاصها من الأيدي رجله وخيله ، علم تراه : أيادي سبأ ، فجزء حوته الدبور ، وجزء حوته الصبا.

انظر باب التحديد فإنه جزء منه في أيدي من هو؟ انظر باب الاستدلال فإنه جزء منه في أيدي من هو؟ بل تصفح معظم أبواب أصول الفقه ، من أي علم هي؟ ومن يتولاها؟.

وتأمل في مودعات من مباني الإيمان ، ما ترى من تمناها سوى الذي تمناها وعد وعد ، ولكن الله جلت حكمته ، إذ وفق لتحريك القلم فيه ، عسى أن يعطي القوس باريها بحول منه ، عز سلطانه ، وقوة ، فما الحول والقوة إلا به.

علم البديع

وإذ قد تقرر ، أن البلاغة بمرجعيها وأن الفصاحة بنوعيها ، مما يكسو الكلام حلة التزيين ، ويرقيه أعلى درجات التحسين ، فههنا وجوه مخصوصة ، كثيرا ما يصار إليها ، لقصد تحسين الكلام ، فلا علينا أن نشير إلى الأعرف منها ، وهي قسمان : قسم يرجع إلى المعنى ، وقسم يرجع إلى اللفظ.

__________________

(١) اقتباس من سورة الكهف : ١٠٤.


البديع المعنوي :

فمن القسم الأول :

(المطابقة) : وهي أن تجمع بين متضادين ، كقوله (١) :

أما والذي أبكى وأضحك والذي ...

أمات وأحيا والذي أمره الأمر

وقوله علت كلمته : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ)(٢) ، وقوله : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً)(٣) ، وقوله : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ)(٤) (ومنه المقابلة) : وهي أن تجمع بين شيئين متوافقين أو أكثر ، وبين ضديهما. ثم إذا شرطت هنا شرطا شرطت هناك ضده ، كقوله عز وعلا : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى)(٥) لما جعل التيسير مشتركا بين الإعطاء والاتقاء والتصديق ، جعل ضده وهو التعسير مشتركا بين أضداد تلك وهي : المنع والاستغناء والتكذيب.

(ومنه المشاكلة) : وهي أن تذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته ، كقوله (٦)

قالوا : اقترح شيئا نجد لك طبخه ...

قلت : اطبخوا لي جبّة وقميصا

__________________

(١) أورده القزوينى في الإيضاح ص ٤٧٨ وعزاه لأبي صخر الهذلي ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٩١

(٢) سورة آل عمران ، الآية ٢٦.

(٣) سورة التوبة ، الآية ٨٢.

(٤) سورة الكهف ، الآية ١٨.

(٥) سورة الليل ، الآيات : ٥ ـ ١٠.

(٦) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٩٦ وعزاه المحقق د / حسنى عبد الجليل لابن الرقعمق الأنطاكى ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤٩٤ والجبة ثوب واسع يلبس فوق القميص.

الجبة : ثوب واسع يلبس فوق الثياب.


وقوله : (صِبْغَةَ اللهِ)(١) وقوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)(٢) ، وقوله (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ)(٣) ، وقوله : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ)(٤) ، وقوله : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ [غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا])(٥) بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ (٦) ، وقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(٧).

(ومنه مراعاة النظير) : وهي عبارة عن الجمع بين المتشابهات ، كقوله (٨) :

وحرف كنون تحت راء ولم يكن ...

بدال ، يؤمّ الرسم غيره النقط

(ومنه المزاوجة) : وهي أن تزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء ، كقوله (٩) :

إذا ما نهى النّاهي ، فلجّ بي الهوى ...

أصاخ إلى الواشي ، فلجّ به الهجر

(ومنه اللف والنشر) : و [هما](١٠) : أن تلف بين شيئين في الذكر ، ثم تتبعهما كلاما مشتملا على متعلق بواحد وبآخر من غير تعيين ، ثقة بأن السامع يرد كلا منهما إلى ما هو له ، كقوله عز وعلا : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ)(١١).

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٣٨.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٤.

(٣) سورة آل عمران الآية : ٥٤.

(٤) سورة المائدة ، الآية ١١٦.

(٥) ساقط من (غ ، د).

(٦) سورة المائدة الآية ٦٤.

(٧) سورة الشورى ، الآية ٤٠.

(٨) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ٢٦٢ وعزاه لصاحب المفتاح.

(٩) أورده عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز ص ٩٣ وعزاه للبحتري ، وفيه (أصاخت) (فلجّ بها) بلفظ المؤنث ، وأورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٦٤.

(١٠) في (غ ، د) (وهي)

(١١) سورة القصص ، الآية ٧٣.


(ومنه الجمع) : و [هو](١) أن تدخل شيئين فصاعدا في نوع واحد ، كقوله (٢) :

إن الفراغ والشباب والجده ...

مفسدة للمرء أيّ مفسده

وقوله عز وعلا : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا)(٣).

(ومنه التفريق) : وهو أن تقصد إلى شيئين من نوع ، فتوقع بينهما تباينا ، كقوله (٤) :

ما نوال الغمام وقت ربيع ...

كنوال الأمير وقت سخاء

فنوال الأمير بدرة عين ...

ونوال الغمام قطرة ماء

(ومنه التقسيم) : وهو أن تذكر شيئا ذا جزأين أو أكثر ، ثم تضيف إلى كل واحد من أجزائه ما هو له عندك ، كقوله (٥) :

أديبان في بلخ لا يأكلان ...

إذا صحبا المرء غير الكبد

فهذا طويل كظلّ القناة ...

وهذا قصير كظلّ الوتد

(ومنه الجمع مع التفريق) : وهو أن تدخل شيئين في معنى واحد ، وتفرق جهتي الإدخال ، كقوله (٦) :

قد اسودّ كالمسك صدغا ...

وقد طاب كالمسك خلقا

__________________

(١) في (د) وهى.

(٢) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ٢٤٧ ، والقزوينى في الإيضاح ص ٥٠٢ وعزاه المحقق د / خفاجي لأبي العتاهية ، والعلوى في الطراز ٣ / ١٤٢.

(٣) سورة الكهف الآية ٤٦.

(٤) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ٢٤٧ ، والعلوى في الطراز ٣ / ١٤١.

(٥) أورده فخر الدين الرازي في نهاية الإيجاز ص ٢٩٥ ونسب الوطواط البيتين ل (أديب ترك).

(٦) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ٢٤٨ بلا عزو ، والعلوى في الطراز ٣ / ١٤٣ ولم يصدر البيت ب قد.


فإنه شبه الصدغ والخلق بالمسك ، ثم فرق بين وجهي المشابهة كما ترى.

(ومنه الجمع مع التقسيم) : وهو أن تجمع أمورا كثيرة تحت حكم ثم تقسم ، أو تقسم ثم تجمع ، مثال الأول قول المتنبي (١) :

الدهر معتذر ، والسيف منتظر ...

وأرضهم لك مصطاف ومرتبع

للسّبي ما نكحوا ، والقتل ما ولدوا ...

والنّهب ما جمعوا ، والنار ما زرعوا

فإنه جمع في البيت الأول أرض العدو وما فيها في كونها خالصة للمدوح ، وقسم في الثاني. ومثال الثاني قول حسان ، رضي‌الله‌عنه (٢) :

قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم ...

أو حاولوا النّفع في أشياعهم نفعوا

سجيّة تلك منهم غير محدثة ...

إنّ الخلائق ، فاعلم ، شرّها البدع

فإنه قسم في البيت الأول حيث ذكر ضرهم للأعداء ونفعهم للأولياء ، ثم جمع في الثاني ، فقال : خ خ سجية تلك.

(ومنه الجمع مع التفريق والتقسيم) : كما إذا قلت (٣) :

فكالنار ضوءا وكالنار حرّا ...

محيّا حبيبي وحرقة بالي

فذلك من ضوئه في اختيال ...

وهذا لحرقته في اختلال

ولك أن تلحق بهذا القبيل قوله عز سلطانه : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ

__________________

(١) ديوان المتنبى ، شرح التبيان ، وذكر البيت الأول في ١ / ٤٢٥ والثاني ١ / ٤١٩ ، أورده العلوي في الطراز ٣ / ١٤٣ وعزاه للمتنبي.

(٢) حسان بن ثابت بن المنذر ... من الخزرج كان شاعر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين دون منازع. عاش مائة وعشرين سنة ، وهو من الشعراء المخضرمين ، توفي سنة خمسين للهجرة بعد أن كف بصره بأخرة.

أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ٢٤٩ وعزاه لحسان ، والعلوى في الطراز ٣ / ١٤٤.

(٣) لم أعثر عليه.


فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ* فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ)(١) الآية (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ)(٢).

(ومنه الإيهام) : وهو أن يكون للفظ استعمالان : قريب وبعيد ، فيذكر لإيهام القريب في الحال إلى أن يظهر أن المراد به البعيد ، كقوله (٣) :

حملناهم طرّا على الدّهم بعد ما ...

خلعنا عليهم بالطعان ملابسا

أراد بالحمل على الدهم تقييد العدا ، فأوهم إركابهم الخيل الدهم كما ترى ، وقوله سبحانه : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٤) وقوله : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(٥) ، وأكثر المتشابهات من هذا القبيل.

(ومنه تأكيد المدح بما يشبه الذم) ، كقوله (٦) :

هو البدر إلا أنّه البحر زاخرا ...

سوى أنّه الضّرغام ، لكنه الوبل

(ومنه التوجيه) : وهو إيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين كقول من قال للأعور : خ خ ليت عينيه سواء ، وللمتشابهات من القرآن مدخل في هذا النوع باعتبار.

(ومنه سوق المعلوم مساق غيره) ولا أحب تسميته بالتجاهل ، كقوله (٧) :

أذاك أم نمش بالوشي أكرعه ...

أذاك أم خاضب بالسبي مرتعه

__________________

(١) سورة هود ، الآيتان ١٠٥ ـ ١٠٦.

(٢) سورة هود ، الآية ١٠٨.

(٣) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٧٢ بلا عزو.

والدهم : قيود الحديد.

(٤) سورة طه ، الآية ٥.

(٥) سورة الزمر الآية ٦٧. ومذهب أهل الحق أن صفات الله جل وعلا تحمل على الحقيقة ولا إيهام فيها.

(٦) أورده القزوينى في الإيضاح ص ٥٢٥ وعزاه لبديع الزمان الهمذاني ، والعلوى في الطراز ٣ / ١٣٨ وفيه [خلا بدلا من سوى].

(٧) البيت من البسيط وهو لذي الرمة في ديوانه ص ٧٤ ، وتهذيب اللغة ١١ / ٣٨٢ ، وتاج العروس (٢٠ / ١٤٠) وفيه الشطر الثاني بلفظ : مسفّع الخدّ عاد ناشط شبب ، واللسان (نمش) وفيه [سيب] بدلا من [شبب].


وقولها (١) :

أيا شجر الخابور ما لك مورقا ...

كأنك لم تجزع على ابن طريف

وقوله سبحانه وتعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٢).

(ومنه الاعتراض) : ويسمى الحشو ، وهو أن تدرج في الكلام ما يتم المعنى بدونه ، كقول طرفة (٣) :

فسقى ديارك غير مفسدها ...

صوب الرّبيع وديمة تهمي

فأدرج خ خ غير مفسدها ، وكما قال النابغة (٤) :

لعمري ، وما عمري علىّ بهيّن ...

لقد نطقت بطلا علىّ الأقارع

فأدرج : خ خ وما عمري علىّ بهين ، وكما قال ابن المعتز :

إن يحيى ، لا زال يحيى ، صديقي ...

وخليلي من دون [هذه](٥) الأنام

فأدرج : خ خ لا زال يحيى ، وكما قال عز قائلا : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ)(٦) فقوله : خ خ ولن تفعلوا اعتراض ، وكما قال : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ)(٧) ، فقوله : (لَوْ تَعْلَمُونَ) اعتراض في اعتراض.

__________________

(١) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ٢٥ وعزاه للخارجية ، وهي ليلى بنت طريف قالته ترثى أخاها حين قتل ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٨٦ ، والطيبى في التبيان ٢ / ٢٥٦ بتحقيقى وعزاه للخارجية أيضا.

(٢) سورة سبأ ، الآية ٢٤.

(٣) البيتان من الكامل لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٨٨ ، وتخليص الشواهد ص ٢٣١ ، والدر ٤ / ٩.

الديمة : المطر. تهمي : تسيل.

(٤) البيتان من الطويل للنابغة الذبياني في ديوانه ص (٣٤ ، ٣٥) ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٤٦ ، والكتاب ٢ / ٧٠. الأقارع : الشدّاد.

(٥) في (د) هذا.

(٦) سورة البقرة ، الآية ٢٤.

(٧) الواقعة : الآية : ٧٥ ، ٧٦.


(ومنه الاستتباع) : وهو المدح بشيء على وجه يستتبع مدحا آخر ، كقوله (١) :

نهبت من الأعمار ما لو حويته ...

لهنّئت الدنيا بأنّك خالد

ألا تراه كيف مدحه بالشجاعة على وجه ، استتبع مدحه بكمال السخاء وجلال القدر من وجه آخر؟ ويوضح لك ما ذكرت إذا قسته على قولك : خ خ نهبت من الأعمال ما لو اجتمع لك لبقيت مخلدا.

(ومنه الالتفات) : وقد سبق ذكره في علم المعاني.

(ومنه تقليل اللفظ ولا تقليله) : مثل : خ خ يا وهيا ، وخ خ غاض ، وخ خ غيض ، إذا صادفا الموقع. ويتفرع عليهما الإيجاز في الكلام ، والإطناب فيه ، وقد سبقا في الذكر.

البديع اللفظي :

(ومن القسم الثاني التجنيس) : وهو تشابه الكلمتين في اللفظ ، والمعتبر منه في باب الاستحسان عدة أنواع :

أحدها : التجنيس التام : وهو أن لا يتفاوت المتجانسان في اللفظ ، كقولك : رحبة رحبة.

وثانيها : التجنيس الناقص : وهو أن يختلفا في الهيئة دون الصورة ، كقولك : خ خ البرد يمنع البرد ، وكقولك : خ خ البدعة شرك الشرك ، وكقولك : خ خ الجهول إما مفرط أو مفرط. والمشدد في هذا الباب يقام مقام المخفف نظرا إلى الصورة ، فاعلم.

وثالثها : التجنيس المذيل : وهو أن يختلفا بزيادة حرف ، كقولك : خ خ مالي كمالي ، وخ خ جدي جهدي ، وخ خ كاس كاسب.

ورابعها : التجنيس المضارع أو المطرف : وهو أن يختلفا بحرف أو حرفين مع تقارب المخرج ، كقولك في الحرف الواحد : خ خ دامس وخ خ طامس ، وخ خ حصب وخ خ حسب ،

__________________

(١) أورده القزوينى في الإيضاح ص ٥٢٦ وعزاه لأبي الطيب.


وخ خ كثب وخ خ كثم ، وفي الحرفين كقولهم : خ خ ما خصصتني وإنما خسستني.

وخامسها : التجنيس اللاحق : وهو أن يختلفا لا مع التقارب ، كقولك : خ خ سعيد بعيد ، وخ خ كاتب كاذب ، وخ خ عابد [عابث](١).

والمختلفان في اللاحق إذا اتفقا كتبة كقولك : خ خ عائب عابث. سمي تجنيس تصحيف.

والمتجانسان إذا وردا على نحو قولهم : خ خ من طلب وجدّ وجد ، أو قولهم : خ خ من قرع بابا ولجّ ولج. وعلى نحو : خ خ المؤمنون هينون لينون ، (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ)(٢) ، أو على نحو ، قولهم : خ خ النبيذ بغير النّغم غم وبغير الدّسم سم سمي : ذلك مزدوجا ومكررا ومرددا.

وها هنا نوع آخر يسمى : تجنيسا مشوشا ، وهو مثل قولك : خ خ بلاغة وبراعة.

وإذا وقع أحد المتجانسين في التام مركبا ولم يكن مخالفا في الخط ، كقوله (٣) :

إذا ملك لم يكن ذاهبه ...

فدعه فدولته ذاهبه

سمي : متشابها.

وإن كان مخالفا في الخط كقوله (٤) :

كلّكم قد أخذ الجام ولا جام لنا ...

ما الذي ضرّ مدير الجام لو جاملنا

سمي مفروقا.

__________________

(١) في (د) (عائب) وفي (ط) (عاثب).

(٢) سورة النمل آية ٢٢.

(٣) أورده القزوينى في الإيضاح ص ٥٣٧ وعزاه لأبي الفتح البستى ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٨٥.

(٤) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٩١ وعزاه لأبي الفتح ، والقزوينى في الإيضاح ص ٥٣٨. الجام : الكأس.


ومما يلحق بالتجنيس نظير قوله عزوجل : (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ)(١)(وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ)(٢) وكثيرا ما يلحق بالتجنيس الكلمتان الراجعتان إلى أصل واحد في الاشتقاق ، مثل ما في قوله عز اسمه : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ)(٣) وقوله : (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ)(٤).

ومن جهات الحسن رد العجز إلى الصدر ، وهو أن يكون إحدى الكلمتين المتكررتين ، أو المتجانستين ، أو الملحقتين بالتجانس ، في آخر البيت ، والأخرى قبلها في أحد المواضع الخمسة من البيت وهي : صدر المصراع الأول ، وحشوه ، وآخره ، وصدر المصراع الثاني ، وحشوه ، كما إذا قلت :

مشتهر في علمه وحلمه ...

وزهده وعهده مشتهر

في علمه مشتهر وحلمه ...

وزهده وعهده مشتهر

في علمه وحلمه وزهده ...

مشتهر وعهده مشتهر

في علمه وحلمه وزهده ...

وعهده مشتهر مشتهر

والأحسن في هذا النوع أن لا يرجع الصدر والعجز إلى التكرار. ومن جهات الحسن القلب كقولك : خ خ حسامه فتح لأوليائه حتف لأعدائه. وأنه يسمى : مقلوب الكل ، أو كقوله : خ خ اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا ، وأنه يسمى : مقلوب البعض ، وإذا وقع أحد المقلوبين قلب الكل في أول البيت والثاني في آخره سمي : مقلوبا مجنحا ، وإذا وقع قلب الكل في كلمتين أو أكثر شعرا أو غير شعر كقولك : خ خ كيل مليك ،

__________________

(١) سورة الشعراء الآية ١٦٨.

(٢) سورة الرحمن الآية ٥٤.

(٣) سورة الروم الآية ٤٣.

(٤) سورة الواقعة ، الآية ٨٩.


وخ خ خان إذا ناخ ، وقوله (١) :

آس أرملا إذا عرا ...

وارع إذا المرء أسا

مقلوبا مستويا.

ومن جهات الحسن [الأسجاع](٢) : وهي في النثر ، كما في القوافي في الشعر ، ومن جهاته الفواصل القرآنية ، والكلام في ذلك ظاهر.

ومن جهات الحسن الترصيع وهو أن تكون الألفاظ مستوية الأوزان متفقة الأعجاز أو متقاربتها ، كقوله عز اسمه : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ)(٣) وقوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)(٤) وكقوله : (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ* وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(٥) وأصل الحسن في جميع ذلك أن تكون الألفاظ توابع للمعاني لا أن تكون المعاني لها توابع ، أعني : أن لا تكون متكلفة ، ويورد الأصحاب هاهنا أنواعا ، مثل : كون الحروف منقوطة أو غير منقوطة ، أو البعض منقوطا والبعض غير منقوط بالسوية ، فلك أن تستخرج من هذا القبيل ما شئت ، وتلقب كلا من ذلك بما أحببت.

خاتمة :

وإذ قد تحققت أن علم المعاني والبيان هو : معرفة خواص تراكيب الكلام ، ومعرفة صياغات المعاني ، ليتوصل بها إلى توفية مقامات الكلام حقها ، بحسب ما يفي به قوة

__________________

(١) أورده فخر الدين الرازي في نهاية الإيجاز ص ١٤١ وعزاه للحريرى ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ٢٠٢. وعزاه للحريرى أيضا.

(٢) في (غ) والأسجاع.

(٣) سورة الغاشية ، الآيتان : ٢٥ ـ ٢٦.

(٤) سورة الانفطار ، الآيتان : ١٣ ـ ١٤.

(٥) سورة الصافات الآيتان : ١١٧ ـ ١١٨.


ذكائك ، وعندك علم أن مقام الاستدلال بالنسبة إلى سائر مقامات الكلام جزء واحد من جملتها ، وشعبة فردة من دوحتها ، علمت أن تتبع تراكيب الكلام الاستدلالي ، ومعرفة خواصها ، مما يلزم صاحب علم المعاني والبيان ، وحين انتصبنا لإفادته لزمنا أن لا نضن بشيء هو من جملته ، وأن نستمد الله التوفيق في تكملته.

[ولله الحمد أولا وآخرا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم](١).

__________________

(١) زيادة من (غ).


علم الاستدلال

أو

علم خواص تراكيب الكلام

علم الاستدلال

توطئة :

الكلام إلى تكملة علم المعاني وهي تتبع خواص تراكيب الكلام في الاستدلال ولو لا إكمال الحاجة إلى هذا الجزء من علم المعاني ، وعظم الانتفاع به لما اقتضانا الرأي أن نرخي عنان القلم فيه ، علما منّا بأن من أتقن أصلا واحدا من علم البيان ، كأصل التشبيه أو الكناية أو الاستعارة ، ووقف على كيفية مساقه لتحصيل المطلوب به ، أطلعه ذلك على كيفية نظم الدليل ، وكأني بكلامي هذا ، [وأين أنت عن تحققه](١) ، أعالج من تصديقك به ، ويقينك لديه ، بابا مقفلا لا يهجس في ضميرك سوى هاجس دبيبه ، فعل النفس اليقظى إذا أحست بنبأ من وراء حجاب ؛ لكنا إذا أطلعناك على مقصود الأصحاب من هذا الجزء على التدريج ، مقررين لما عندنا من الآراء في مظان الاختلاف بين المتقدمين منهم والمتأخرين ، رجعنا [في](٢) هذه المقالة بإذن الله تعالى محققين ، ورفعنا إذ ذاك الحجاب الذي يواري عنك اليقين.

اعلم أن الكلام في الاستدلال يستدعي تقديم الكلام في الحد لافتقار الاستدلال ، كما ستقف عليه ، إلى معرفة أجزائه ومعرفة ما بينها من الملازمات والمعاندات ، والذي يرشد إلى ذلك هو الحد ، فلا غنى لصاحب الاستدلال عن أن يكون صاحب الحد ، ونحن على أن نورد ذلك في [قسمين](٣) : أحدهما في ذكر الحد وما يتصل به ، وثانيهما : في ذكر الاستدلال وما يتصل به.

__________________

(١) من (غ) و (د) وفي (ط): (إن أنت تحققه).

(٢) في (غ ، د) إلى.

(٣) في (غ ، د) فصلين.


[القسم](١) الأول

من تكملة علم المعاني في الحد وما يتصل به.

الحد : عندنا دون جماعة من ذوي التحصيل ، عبارة عن تعريف الشيء بأجزائه ، أو بلوازمه ، أو بما يتركب منهما ، تعريفا جامعا مانعا. ونعني بالجامع ، كونه : متناولا لجميع أفراده إن كانت له أفراد ، وبالمانع ، كونه آبيا دخول غيره فيه. فإن كان ذلك الشيء حقيقة من الحقائق ، مثل : حقيقة الحيوان والإنسان والفرس ، وقع تعريفا للحقيقة ، وإن لم يكن مثل : العنقاء أو مثل : المرسن ، وقع تفصيلا للفظ الدال عليه بالإجمال. وكثيرا ما نغير العبارة فنقول : الحد هو وصف الشيء وصفا مساويا ، ونعني : بالمساواة ، أن ليس فيه زيادة تخرج فردا من أفراد الموصوف ، ولا نقصان يدخل فيه غيره. فشأن الوصف هذا يكثر الموصوف بقلته ، ويقلله بكثرته ، ولذلك يلزمه الطرد والعكس. فامتناع الطرد علامة النقصان ، وامتناع العكس علامة الزيادة ، وصحتهما معا علامة المساواة ، والعبرة بزيادة الوصف ونقصانه ، الزيادة في المعنى والنقصان فيه ، لا تكثير الألفاظ وتقليلها في التعبير عن مفهوم واحد.

وهاهنا عدة اصطلاحات لذوي التحصيل ، لا بأس بالوقوف عليها ، وهي : أن الحقيقة إذا عرفت بجميع أجزائها ، سمي حدا تاما ، وهو أتم التعريفات ، وإذا عرفت ببعض أجزائها سمي : حدا ناقصا. وإذا عرفت بلوازمها سمي : رسما ناقصا. وإذا عرفت بما يتركب من أجزاء ولوازم سمي : رسما تاما.

ويظهر من هذا ، أن الشيء متى كان بسيطا امتنع تعريفه بالحد ، ولم يمتنع تعريفه بالرسم ، ولذلك يعد الرسم أعم ، كما يعد الحد أتم.

ولما كان المقصود من الحد هو التعريف ، لزم فيما يقدح في ذلك أن يحترز عنه ، فيحترز عن تعريف الشيء بنفسه ، مثل قول من يقول في تعريف الزمان : خ خ هو مدة الحركة ، والمدة هي الزمان.

__________________

(١) في (غ ، د) الفصل.


وعن تعريفه بما لا يعرف إلا به ، مثل قول من يقول في تعريف الخبر : خ خ هو الكلام المحتمل للصدق والكذب ، ثم يعرف الصدق خ خ بأنه الخبر المطابق.

وعن تعريفه بما هو أخفى ، مثل قول من يقول في تعريف الصوت : خ خ هو كيفية تحدث من تموج الهواء المنضغط بين قارع ومقروع انضغاطا بعنف.

وعن تعريفه بما يساويه ، مثل قول من يقول في تعريف السواد : خ خ هو ما يضاد البياض.

وهاهنا عقدة وهي ؛ أنّا نعلم علما قطعيا أن تعريف المجهول بالمجهول ممتنع ، وأن لا بد من كون المعرف معلوما قبل المعرّف ، وذلك يستلزم امتناع طلب التعريف واكتساب شيء به ، يبين ذلك أن المذكور في الحد ، إما أن يكون نفس المحدود أو شيئا غيره ؛ إما داخلا في نفس المحدود أو خارجا عنه ، أو متركبا من داخل وخارج ؛ فإن كان نفس المحدود ، لزم تعريف المجهول بالمجهول ، ولزم كون الشيء معلوما قبل أن يكون معلوما ؛ وفي ذلك كونه معلوما مجهولا معا من حيث هو هو ؛ وإن كان شيئا غيره ، فذلك بأي اعتبار فرض من الاعتبارات الثلاثة : إما أن يكون له اختصاص بنفس المحدود ، أو لا يكون ؛ فإن لم يكن ، لزم من طلب التعريف به لذلك المحدود دون ما سواه طلب [ترجيح](١) أحد المتساويين ، وإنه محال ؛ وإن كان ، فذلك الاختصاص إن لم يكن معلوما للمخاطب لزم ما لزم في غير المختص ، وإن فرض معلوما للمخاطب ، ولا شبهة في أن الاختصاص نسبة لأحد طرفيه إلى ثانيه متأخرة عنهما من حيث هما هما ، نازلة منزلة التركيب بين أجزاء ، استدعى كونه معلوما كون طرفيه معلومين من قبل ؛ ولزم الدور إذ لا يكون علم بالمحدود ما لم يسبق علم بالحد المختص به ، ولا يكون علم بالمختص به ما لم يكن علم باختصاص له به ، ولا يكون علم باختصاص له به ما لم يسبق علم بطرفي الاختصاص ، لكن أحد طرفيه هو نفس المحدود.

وحل هذه العقدة هو : أن المراد بالتعريف أحد أمرين : إما تفصيل أجزاء المحدود ،

__________________

(١) في (د) : ترجح.


وإما الإشارة إليه بذكر معنى يلزمه من غير دعوى ، فيكون مثل : الحاد في مقام التفصيل لجميع أجزاء المحدود ، مثل من يعمد إلى جواهر في خزانة الصور للمخاطب ، فينظمها قلادة بمرأى منه ولا يزيد.

وفي مقام الإشارة باللازم ، داخلا كان ذلك اللازم أو خارجا ، أو متركبا منهما ، مثل من يعمد إلى صورة هناك ، فيضع أصبعه عليها فحسب ، وهو السبب في أنا نقول : الحد لا يمنع ، إذ منعه ، إذا تأملت ما ذكرت ، جار مجرى أن تقول لمن بني عندك بناء : خ خ لا أسلم ، أما النقض فلازم ، لأن الحاد متى رجع إلى حد آخر يقدح في سلامة الحد المذكور ، قام ذلك منه مقام الهدم والنقض لما قد كان بني ، فاعرفه.

وفي الحد والرسم تفاصيل طوينا ذكرها حيث علمناها تمجها أذناك.


[القسم](١) الثاني

علم الاستدلال

من تكملة علم المعاني في الاستدلال ؛ وهو اكتساب إثبات الخبر للمبتدأ ، أو نفيه عنه ، بوساطة تركيب جمل ، وقولي : بوساطة تركيب جمل ، تنبيه على ما عليه أصحاب هذا النوع من إباء أن يسموا الجملة الواحدة حجة واستدلالا ، مع اكتساب إثبات ونفي بوساطتها ، مما يلزم من اندراج حكم البعض في حكم الكل ، كاستلزام : كل إنسان حيوان بعض الأناسي حيوان لا محالة. ومن الانعكاس على بعض الخبر في الثبوت كاستلزام كل إنسان حيوان أن بعض الحيوان إنسان ، وعلى كله في النفي العنادي كاستلزام لا إنسان بحجر ، أن لا حجر بإنسان ، وغير العنادية أيضا عندنا وسنقرره مثل : لا إنسان بضحاك بالفعل ، ومن نفي النقيض : كاستلزام كل إنسان حيوان أن ما ليس بحيوان ليس بإنسان : وستسمع لهذه المعاني تفاصيل بإذن الله. وإذ قد نبهناك على ذلك فنقول :

اعلم أن الخبر متى لم يكن معلوم الثبوت للمبتدأ بالبديهة ، كما في نحو : الإنسان حيوان ، أو معلوم الانتفاء عنه بالبديهة ، كما في نحو : خ خ الإنسان ليس بفرس ، بل كان بين بين ، نحو قولنا : خ خ العالم حادث ، فإن الحدوث ليس بديهي الثبوت للعالم ، ولا بديهي الانتفاء عنه.

وإذا أردنا العلم أو الظن ، لزم المصير إلى ثالث يشهد لذلك ، لكن من المعلوم أن ذلك الثالث ، ما لم يكن ذا خبر عن الطرفين ، أعني ذا نسبة إليهما ، لم يصح أن يشهد في البين نفيا أو إثباتا ، وإذا شهد لم يفد العلم أو الظن ما لم تكن شهادته واجبة القبول أو راجحته ، فيظهر من هذا أن : لا بد في الاستدلال للمطلوب من جملتين لا أنقص ، إحداهما : لنسبة الثالث إلى المبتدأ ، مثل قولنا : خ خ العالم قرين حادث. والثانية : لنسبته إلى الخبر ، مثل قولنا : وخ خ كل قرين حادث حادث.

__________________

(١) في (د) الفصل.


وأما الزيادة عليهما ، فمتى كان الثالث بين الانتساب إلى الطرفين فلا ، أي فلا يجب الزيادة ، أما إذا لم يكن بينه ، انقلب انتسابه ذلك مطلوبا ، وعادت الحالة الأولى جذعة في الافتقار إلى ثالث ، ولزم جملتان ، هناك ، متصفتان بنوع من البعد عن المطلوب الأصلي وهذا معنى قول أصحابنا في هذا النوع : أن الاستدلال مفتقر إلى جملتين قريبتين لا أزيد ولا أنقص.

ويظهر أيضا أن لا بد للجملتين من تركيب له خاصية في إيجاب قبول الشهادة أو ترجيحه ، وهو أن يكون ردها ، أو التوقف عندها ، بالنظر إلى وجه التركيب ، موقوفا على الجمع بين النقيضين.

وإذا عرفت هذا ، فاعلم أن جملتي الاستدلال : تارة تكونان خبريتين معا ، وتارة تكونان شرطيتين معا ، وتارة تختلفان خبرا وشرطا. وأنا أذكر جميع ذلك بتوفيق الله تعالى في ثلاثة أبواب :


الباب الأول

في الاستدلال الذي جملتاه خبريتان

وإنما قدمت الخبرية على الشرطية ، لما سبق في علم المعاني ، أن الجملة الشرطية جملة خبرية مخصوصة ، والمخصوص متأخر عن المطلق.

اعلم أن تركيب الجملتين في الاستدلال ، لرجوع أجزائها إلى ثلاثة من بينها يتكرر واحد ، وهي : مبتدأ المطلوب ، وخبر المطلوب ، والثالث المتكرر ؛ لا يزيد على أربع صور في الوضع :

إحداها : أن يتكرر الثالث خبر المبتدأ المطلوب ، ومبتدأ لخبره.

وثانيتها : أن يتكرر خبرا لجزئي المطلوب.

وثالثتها : أن يتكرر مبتدأ لهما.

ورابعتها : أن يتكرر مبتدأ المبتدأ المطلوب ، وخبرا لخبره. وتسمى الجملة التي فيها مبتدأ المطلوب : السابقة ، تسمية لها بحكم المبتدأ ، أو بحكم ورودها سابقة على صاحبتها في وضع الدليل في الغالب ، كما سترى والتي فيها خبر المطلوب : اللاحقة ، تسمية لها بحكم الخبر ، وبحكم ورودها لاحقة للأولى في وضع الدليل.

والجمل المستعملة في الاستدلال لا تخرج عن أقسام أربعة : إما أن تكون مثبتة ، أو لا تكون ، وهي : المنفية ؛ وكل واحدة منهما : إما أن تكون كلية ، كقولنا في الإثبات : خ خ كل اسم كلمة ، وفي النفي : خ خ لا فعل بحرف ، أو خ خ لا تكون ، وهي البعضية ، كقولنا في الإثبات : خ خ بعض الكلم اسم ، وفي النفي : خ خ لا كل كلمة اسم ، أو خ خ بعض الكلم ليس باسم ، وتسمى هذه الجمل مستعملات ، لاستعمالها في الاستدلال ، وبناء الدلائل عليها.

وأما البعضية المتناولة للمعين كقولنا : خ خ هذا الإنسان شجاع ، أو خ خ زيد شجاع ، أو خ خ غلام عمرو شجاع ، ولنسمها : خ خ معينة ، فقلما يصار إليها في الدلائل ، فلا ندخلها في المستعملات. ولكنا لا نحظر عليك المصير إليها إن انتفعت بها.


وأما الجملة التي لا تكون مبينة الحال في الكل وخلافه ، مثل قولنا : خ خ المؤمن غرّ كريم (١) ، سميت : خ خ مهملة ، ولاحتمالها الكل وخلافه إن استعملت لم تستعمل إلا في المتيقن ، وهو البعض. ولطلب اليقين في الاستدلال لا تترك الحقيقة فيه إلى المجاز ، ولا التصريح إلى الكناية ، فاعرف.

وتأليف الجملتين الواقع في كل صورة من الأربع لا يزيد على ستة عشر ضربا ، لوقوع السابقة إحدى الجمل الأربع ، ووقوع اللاحقة مع السابقة كيف كانت ، إحدى أربعها أيضا. ولهذه الصور الأربع ترتب ، فالصورة التي يجعل الثالث فيها خبر المبتدأ المطلوب ، ثم مبتدأ لخبره ، تقدم لكونها أقرب من الطبع ، كما ستقف على ذلك إذا استطلعت طلعها كلها ؛ والصورة التي وضعها جعل الثالث فيها خبر المبتدأ المطلوب ثم خبرا لخبره ، تجعل ثانية لها ، لموافقتها إياها في الوضع الأول من وضعي جملتها ؛ والصورة التي وضعها جعل الثالث فيها مبتدأ لمبتدأ المطلوب ، ثم مبتدأ لخبره ، تؤخر عن الثانية ، وتجعل ثالثة لموافقتها الأولى في الوضع الأخير من وضعي جملتها ؛ والصورة التي يجعل الثالث فيها مبتدأ لمبتدأ المطلوب ، ثم خبرا لخبره ، تؤخر عن الثانية والثالثة لمخالفتها الأولى في وضعي جملتها. وهذه الصور الأربع تشترك في أنه لا يتركب ، في أية كانت ، دليل من سابقة ولاحقة بعضيتين ولا منفيتين في درجة واحدة ، ولا سابقة منفية ولاحقة بعضية ، كما سنطلعك عليه إذا اكتسبت قدرا من الإلف.

الصورة الأولى :

وإذ قد عرفت ذلك ، فنقول : أما الصورة الأولى ، فإنها تستشهد في المطالب الأربعة ، وهي : الإثبات الكلي ، والإثبات البعضي ، والنفي الكلي ، والنفي البعضي ؛ وتشهد لذلك شهادة بينة لما أنه يجعل الثالث لازما لكل مبتدأ المطلوب أو لبعضه ، ثم يجعل خبر المطلوب لازما لكل الثالث ، فيحصل منه ثبوت خبر المطلوب لمبتدأه حصولا جليا ، لما أن لازم لازم الشيء لازم لذلك الشيء ، والألزم القدح في أحد اللزومين. إما

__________________

(١) بعض حديث صحيح تقدم تخريجه.


لزوم خبر المطلوب للثالث ، وإما لزوم الثالث لمبتدأ المطلوب. ويلزم الجمع بين النقيضين ، أو يجعل خبر المطلوب معاندا لكل الثالث ، فيحصل منه نفي خبر المطلوب عن مبتداه ، لما أن معاند لازم الشيء معاند لذلك الشيء والألزم القدح ، إما في إلزام الملازم ، وإما في عناد المعاند. ويلزم الجمع بين النقيضين.

أضرب الصورة الأولى :

وتركيب الدليل في هذه لا يزيد على أربعة أضرب :

أحدها : سابقة مثبتة كلية ولاحقة مثلها. والحاصل ثبوت كلي. كقولنا : خ خ كل جسم مؤلف ، وكل مؤلف ممكن ، يلزم منه : خ خ كل جسم ممكن.

وثانيها : سابقة مثبتة بعضية ولاحقة مثبتة كلية. والحاصل ثبوت بعضي ، كقولنا :

خ خ بعض الموجودات إنسان ، وكل إنسان حيوان ، يلزم منه : خ خ بعض الموجودات حيوان.

وثالثها : سابقة مثبتة كلية ولاحقة منفية كلية. والحاصل نفي كلي ، كقولنا : خ خ كل جسم مؤلف ولا مؤلف بقديم ، يلزم منه : خ خ لا جسم بقديم.

ورابعها : سابقة مثبتة بعضية ولاحقة منفية كلية. والحاصل : نفي بعضي ، كقولنا : خ خ بعض الحيوانات فرس ، ولا فرس بإنسان ، يلزم منه : خ خ بعض الحيوانات ليس بإنسان.

وإنما لزم في هذه الصورة كون السابقة مثبتة ، لأنها متى كانت منفية لم يلزم من ثبوت خبر المطلوب للثالث ثبوته لمبتدأ المطلوب ، لانتفاء الثالث عن المبتدأ ، واحتمال ما ثبت للثالث أن لا يتجاوزه ، كقولنا : خ خ لا إنسان بفرس ، وكل فرس صهال ، ولم يلزم نفيه أيضا لاحتمال أن يكون ما ثبت للثالث أعم ، كقولنا : خ خ لا إنسان بفرس ، وكل فرس حيوان.

وإنما لزم كون اللاحقة كلية ؛ لأنها متى كانت بعضية لم يلزم من ثبوت خبر المطلوب لبعض الثالث ثبوته لمبتدأ المطلوب ، لاحتمال أن يكون البعض اللازم لمبتدأ المطلوب غير البعض الملزوم لخبره ، مثل قولنا : خ خ كل إنسان حيوان ، وبعض الحيوان فرس ، لا يلزم منه ثبوت الفرسية للإنسان ، أو غير المعاند لخبره ، مثل قولنا : خ خ كل جسم محدث ، وبعض المحدثات ليس بفرس ، لا يلزم منه نفي الفرسية عن الأجسام.


وما عرفت من وجوب كون السابقة مثبتة ، وكون اللاحقة كلية ، هو الذي قصر ضروب [بالغات](١) ، هذه الصورة على أربعة ، أسقط ثبوت السابقة ثمانية ، وكلية اللاحقة أربعة.

الصورة الثانية :

وأما الصورة الثانية : وهي أن يجعل الثالث خبرا لكل واحد من جزأي المطلوب ، فلا تستشهد لثبوت مبتدأ لاحقتها لمبتدأ سابقتها البتة ، لصحة انتفاء أحد الشيئين عن الآخر مع اشتراكهما في لازم واحد ، كانتفاء الفرسية عن الإنسان مع الاشتراك في الحيوانية ، وإنما تستشهد لنفي مبتدأ لاحقتها وهو : خبر المطلوب ، عن مبتدأ سابقتها وهو : مبتدأ المطلوب ، وذلك بأن يجعل الثالث لازما ، لأحد المبتدأين ، ومعاندا للآخر كليا ، المبتدأ في اللاحقة البتة ، فإنه سواء لازم هذا وعاند ذاك ، أو عاند هذا ولازم ذاك ، فرق بينهما محالة متى كان كليا ، ويلزم الانتفاء. والألزم القدح : إما في اللزام أو في العناد ، ويلزم الجمع بين النقيضين ، ثم النفي في كونه كليا أو بعضيا يكون بحسب مبتدأ السابقة.

أضرب الصورة الثانية :

وتركيب الدليل في هذا الصورة لا يزيد على أربعة أضرب :

أحدها : سابقة مثبتة كلية.

[وثانيهما : سابقة منفية كلية ، ولاحقة مثبتة كلية](٢)

والحاصل فيهما نفي كلي ، مثال الأول : خ خ كل جسم متحيز ، وخ خ لا عرض بمتحيز ، يلزم : خ خ لا جسم بعرض ، ومثال الثاني : خ خ لا عرض بمتحيز ، وكل جسم متحيز ، يلزم : لا عرض بجسم.

__________________

(١) في (د) بالنعات. وفي (غ) : تأليفات.

(٢) من (غ) ، وهو سقط في (د) ، و (ط).


وثالثها : سابقة مثبتة بعضية ، ولاحقة منفية كلية.

ورابعها : سابقة منفية بعضية ، ولاحقة مثبتة كلية. والحاصل فيهما نفي بعضي ، مثال : الأول : خ خ بعض الموجودات حيوان ، وليس شيء من الحجر بحيوان ، يلزم : خ خ بعض الموجودات ليس بحجر. ومثال الثاني : خ خ كل لا موجود حيوان ، وكل فرس حيوان ، يلزم : خ خ لا كل موجود فرس.

وإنما لزم في هذه الصورة كون اللاحقة كلية ، لأنها متى كانت بعضية احتملت في البعض [الآخر](١) اللزام ، ولم يلزم من رد شهادتها محذور ، ووجوب اختلاف السابقة واللاحقة نفيا وإثباتا.

ووجوب كون اللاحقة كلية ، هما اللذان صيرا ضروب [بالغات](٢) هذه الصورة :

أربعة ، عطل الأول ثمانية وعطل الثاني أربعة.

وهاهنا دقيقة لا بد من أن ننبهك عليها ، وهي : أن اختلاف السابقة واللاحقة ، نفيا وإثباتا ، ربما كان في نفس النفي والإثبات ، فيمتنع حينئذ اتفاقهما في أن يكون منفيتين أو مثبتتين معا ، وربما كان في خصوص النفي ؛ أو خصوص الإثبات ، مثل أن يكون النفي في إحداهما ضروريا وفي الأخرى غير ضروري ، أو أن يكون الإثبات كذلك ، فلا يمتنع اتفاقهما في نفس النفي أو نفس الإثبات.

الصورة الثالثة :

وأما الصورة الثالثة ، [وهو](٣) أن يجعل الثالث مبتدأ لكل واحد من جزأي المطلوب ، فلصحة عناد الشيء الواحد للمتوافقين ، كالحجرية : للناطقية ، والإنسانية ، وللمتباينين : كالحجرية : للإنسانية ، والفرسية ، لا تصلح أن تستشهد بجعل الثالث معاندا

__________________

(١) من (غ) وهو سقط في (د ، ط).

(٢) في (غ) تأليفات.

(٣) في (غ) : وهي.


لهما ، لا للإثبات ولا للنفي ، لكن يجعل إما ملزوما لكل واحد منهما ، فتشهد لاجتماعهما ، وإلا لزم القدح في كونه ملزوما ، ويلزم الجمع بين النقيضين ، وإما ملزوما لأحدهما معاندا للآخر ، فتشهد لافتراقهما ، والألزم القدح في كونه ملزوما معاندا ، ويلزم الجمع بين النقيضين.

لكن لاحتمال أن يكون اللازم أعم من الملزوم لا تثبت ولا تنفى إلا بقدر ما ينعكس الملزوم على اللازم ، وهو بعض أفراد اللازم ، ويلتزم جعله ، أعني جعل الثالث ، ملزوما في السابقة ألبتة ، وكليا إما في الجملتين وإما في إحداهما ؛ لأن السابقة بتقدير كونها منفية مباينا مبتدؤها للخبر ، كما في قولنا : خ خ لا إنسان من الأناسي بفرس ، إذا أثبتنا بعدها للإنسان لازما ، احتمل أن يكون أعم ، مثل قولنا : وخ خ كل إنسان حيوان ، فلم يلزم أن ينفى عن جميع الأفراس ، ولا عن بعضها الحيوانية : بخلافه إذا أثبتنا أولا ، ونفينا ثانيا فقلنا : خ خ كل إنسان حيوان ، ولا إنسان من الأناسي بفرس ، فإنه يلزم أن ينفي عن بعض الحيوان الفرسية ، وهذا [كاف](١) في التنبيه ، وإنما لزم فيها أن لا تعرى عن كلية ؛ لأن السابقة واللاحقة ، متى كانتا بعضيتين ، احتمل البعضان التغاير ، ولم يلزم اتحاد المبتدأين ، فلا يتحقق لخبريهما اجتماع.

أضرب الصورة الثالثة :

وتركيب الدليل في هذه الصورة لا يزيد على ستة أضرب :

أحدها : سابقة مثبتة كلية ولاحقة مثلها ، وثانيها : سابقة مثبتة بعضية ولاحقة مثبتة كلية ، وثالثها : سابقة مثبتة كلية ، ولاحقة مثبتة بعضية ، والحاصل في هذه الثلاثة ثبوت بعضي.

مثال الأول : كان إنسان حيوان ، وكل إنسان ناطق ، يلزم بعض الحيوان ناطق.

ومثال الثاني : بعض الناس قصير ، وكل إنسان ضحاك ، يلزم بعض القصار ضحاك.

__________________

(١) في (د) و (غ) : كان.


ومثال الثالث : كل إنسان حيوان ، وبعض الناس كاتب ، يلزم : بعض الحيوان كاتب.

ورابعها : سابقة مثبتة كلية ، ولاحقة منفية كلية.

وخامسها : سابقة مثبتة بعضية ، ولاحقة منفية كلية.

وسادسها : سابقة مثبتة كلية ، ولاحقة منفية بعضية ، والحاصل في هذه الثلاثة نفي بعضي.

مثال الرابع : كل إنسان حيوان ، ولا إنسان بفرس ، يلزم بعض الحيوان ليس بفرس.

ومثال الخامس : بعض الحيوان أبيض ، ولا حيوان بحجر ، يلزم بعض البيض ليس بحجر.

ومثال السادس : كل إنسان ناطق ، وبعض الناس ليس بكاتب ، يلزم بعض الناطقين ليس بكاتب.

والسبب في أن كانت ضروب تأليفات هذه الصورة ستة ، هو : أن وجوب كون السابقة مثبتة أهمل ثمانية ، والتزام أن لا تعرى عن كلية أهمل اثنين.

الصورة الرابعة وأضربها :

وأما الصورة الرابعة ، فيجعل الثالث فيهما لازما في اللاحقة ، كلية أو بعضية كيف كانت ، لمبتداها الذي هو خبر المطلوب ، فيصير بعضه مستلزما لخبر المطلوب استلزاما بحكم الانعكاس ، ويجعل كله في السابقة ليشمل البعض المستلزم لخبر المطلوب ملزوما لخبرها الذي هو مبتدأ المطلوب ، فيصير مستلزما لبعض مبتدأ المطلوب ، وهو القدر الذي يصح انعكاسه عليه ، ويجمع بين جزأى المطلوب في الضربين جمعا بعضيّا ، والألزم القدح في أحد الاستلزامين ، ويلزم الجمع بين النقيضين.

مثال الأول : كل إنسان حيوان ، وكل ناطق إنسان ، يلزم منه : بعض الحيوان ناطق. ومثال الضرب الثاني : كل إنسان ناطق ، وبعض السود إنسان ، يلزم منه : بعض الناطق أسود.


أو يجعل الثالث في اللاحقة معاندا لكل مبتداها ، فينعقد العناد بينهما كليّا من الجانبين ، ويجعل كله أو بعضه كيف كان ملزوما لخبر السابقة ، فيصير مستلزما لبعض الخبر الذي هو مبتدأ المطلوب ، ومعاندا لكل خبر المطلوب ، ويفرق بين الخبرين تفريقا بعضيا ، والألزم القدح في كونه مستلزما معاندا ، ويلزم الجمع بين النقيضين.

مثال الضرب الأول منهما : كل إنسان حيوان ، ولا شيء من الأفراس بإنسان ، يلزم منه : لا كل حيوان فرس. ومثال الضرب الثاني منهما : بعض الحيوانات أبيض ، ولا شيء من الحجر بحيوان ، يلزم منه لا كل أبيض حجر.

أو يجعل الثالث لازما في اللاحقة كلية ، مستلزما بعضه لكل مبتداها ، و [يجعله](١) مباينا في السابقة كليا ، فيصير مباينا لكل مبتدأ المطلوب ، مستلزما لكل خبره ، ويفرق بينهما تفريقا كليا والألزم القدح في كونه مباينا مستلزما ، ويلزم الجمع بين النقيضين ، والذي صير ضروب هذه الصورة الستة عشر إلى خمسة التفصيل المذكور وهو : كلية السابقة مثبتة في الإثبات ، وكليتها منفية في النفي مع كلية اللاحقة ، وكلية اللاحقة منفية ، والسابقة كيف كانت.

واعلم أن خلاصة هذه الصور الأربع وضروب تأليفاتها التسعة عشر راجعة إلى حرف واحد وهو : أن المبتدأ متى لم يكن معلوما من نفسه مجامعته للخبر فيثبت ، أو مفارقته له فينفي [بطلب](٢) ثالث بينهما يجمعهما أو يفرقهما ، ثم الحاكم في جمع الثالث أو تفريقه أحكام أصلين : أحدهما : أن لزوم الشيء لكل آخر أو بعضه ينعكس بعضيا ، وأن عناد الشيء لكل آخر ينعكس كليا ، فملزوم اللازم مستلزم لبعض أفراد اللازم بالقطع استلزاما من الجانبين : استواء وانعكاسا ، وثانيهما : أن المستلزم لا ينفك عن المستلزم ، فإن كان المستلزم ثبوت شيئين اجتمعا ، وإن كان ثبوت واحد وانتفاء آخر تفرقا ، فأنت متى وجدت الثالث متحدا ، إما لكونه كلا في السابقة واللاحقة ،

__________________

(١) في (د) و (غ) يجعل.

(٢) في (د) و (غ) يطلب.


بنيت على الكل الجمع والتفريق. وإما لكونه بعضا مندرجا في الكل متحدا به ، بنيت على البعض الجمع والتفريق.

وأنا أوضح لك هذا في الصور الأربع.

أما في الصورة الأولى فيجعل الثالث لازما لمبتدأ المطلوب كله أو بعضه ، ويصير بعضه ، أعني بعض الثالث ، مستلزما لذلك الكل أو البعض ، بطريق الانعكاس ، ثم يجعل كله ، أعني كل الثالث ، ليتحد البعض المستلزم لكل المبتدأ أو لبعضه ، مستلزما لخبر المطلوب بطريق الاستواء ، فيصير البعض ، المتّحد به مع استلزامه للمبتدأ ، مستلزما للخبر ، ويجمع بينهما كليا في أحد الضربين ، أو بعضيّا في الآخر ، أو معاندا لخبر المطلوب ، فيفرق كليّا في ضرب وبعضيّا في ضرب.

وأما في الصورة الثانية : فالثالث يجعل إما لازما للمبتدأ كله أو بعضه ، ويصير بعض أفراده مستلزما للمبتدأ الكلي أو البعضي بطريق الانعكاس ، ثم يجعل كل الثالث لطلب الاتحاد ، معاندا للخبر ، فتفرق في أحد الضربين كليا ، وفي الآخر بعضيا ، وإما معاندا للمبتدأ كله أو بعضه ، ثم يجعل كله ، لأجل الاتحاد ، مستلزما للخبر كله ، فيفرق أيضا كليا في أحد الضربين ، وبعضيا في الآخر.

وأما في الصورة الثالثة ، فيجعل الثالث كله أو بعضه ملزوما لمبتدأ المطلوب ويصير مستلزما لبعض أفراده بطريق الاستواء ، ثم يجعل كله أو بعضه مع الكلي ، وكله البتة مع البعضي لطلب الاتحاد : إما ملزوما لخبر المطلوب فيجمع في الأضرب الثلاثة بعضيا ، وإما معاندا فيفرق في الأضرب الثلاثة بعضيّا.

وأما في الصورة الرابعة ، فيجعل الثالث كله ملزوما لمبتدأ المطلوب ، ويصير مستلزما لبعض أفراده بطريق الاستواء ، ثم يجعل لازما لكل خبر المطلوب أو لبعضه ، ويصير بعض أفراده المتحد لكل المستلزم لبعض أفراد المبتدأ مستلزما لذلك الخبر ، فيجمع بينهما في الضربين بعضيا ، أو يجعل الثالث كله ، أو بعضه ملزوما لمبتدأ المطلوب ، ويصير ذلك الكل ، أو ذلك البعض ، مستلزما لبعض أفراد المبتدأ ، ثم يجعل معاندا لكل خبر المطلوب ، طلبا للاتحاد ، فيفرق في الضربين بعضيّا ، أو يجعل الثالث معاندا لكل مبتدأ المطلوب ، ثم يجعل لازما لكل خبر المطلوب ، ويصير بعض أفراده مستلزما كل الخبر ،


ويتحد البعض المستلزم بالكل المعاند ، فيفرق كليّا.

ويظهر من هذا : أن الدليل يمتنع تركيبه من سابقة ولاحقة بعضيتين لاحتمال عدم الاتحاد ، ومن متفقتين في درجة النفي ، على ما سبق التنبيه عليه ، لعدم استلزامهما الجمع والتفريق ، لاحتمال انتفاء الشيء الواحد عن متوافقين وعن متباينين. ومن سابقة منفية ولاحقة بعضية ، لعدم استلزام الجمع والتفريق. ولما ترى من مبنى معرفة صحة الدليل على العلم بالحكمين النقيضين ، ومن افتقاره إلى معرفة انعكاس الجمل ، لزمنا أن نورد في حل عقدهما الموربة ، وفك قيودهما المكربة ، فصلين : أحدهما : لتتبع قيود التناقض ، وثانيهما : لتتبع الانعكاس.


الفصل الأول

في الكلام في الحكمين النقيضين

الحكمان النقيضيان هما اللذان لا يصح اجتماعهما معا ، ولا ارتفاعهما معا ، بخلاف المتضادين. فالمتضادان : لا يصح اجتماعهما ولكن يصح ارتفاعها ، ولذلك ترى الأصحاب يحدون التناقض بين الجملتين بأنه اختلافهما ، بالنفي والإثبات ، اختلافا يلزم منه لذاته كون : إحداهما صادقة ، والأخرى كاذبة مثل : خ خ هذا حيوان ، خ خ هذا ليس بحيوان ؛ وقولهم : خ خ لذاته ، احتراز عن مثل : خ خ هذا إنسان ، خ خ هذا ليس بناطق ، لكونه غير مسمى فيما بينهم بالتناقض لعذر لهم ، وعسى أن يعثر عليه.

شروط التناقض :

ونذكر للتناقض شروطا ، وهي عندي أكثر مما تذكر ، وإلا فأقل. ومساق كلامي هذا يطلعك على معنى ذلك.

أحدها : أن لا تختلف الجملتان في المبتدأ حقيقة اختلافهما في نحو : خ خ العين تبصر أي الجارحة المخصوصة. العين لا تبصر ، أي عين الماء.

وثانيها : أن لا تختلفا فيه [جزءا](١) أو جملة ، اختلافهما في نحو : خ خ عين زيد سوداء ، أي حدقتها ، خ خ عين زيد ليست بسوداء ، أي جملتها.

وثالثها : أن لا تختلفا فيه شرطا ، اختلافهما في نحو : خ خ الأسود جامع للبصر ، أي ما دام أسود ، الأسود ليس بجامع للبصر ، أي زال كونه أسود ، لأن قولنا : خ خ الأسود جامع للبصر ، معناه الشيء الذي له السواد.

ورابعها : أن لا تختلفا فيه إضافة ، اختلافهما في نحو : خ خ الأب حاضر ، أي أبو زيد ، خ خ الأب ليس بحاضر ، أي أبو عمرو.

__________________

(١) في (د) جزاء.


وخامسها : أن لا تختلفا فيه هوية ، اختلافهما في نحو : خ خ بعض الناس كاتب ، أي : هذا بعض الناس ليس بكاتب ، أي ذاك.

وينوب عندي عن هذه الخمسة حرف واحد وهو : اتحاد المبتدأ ، وأنه أحوط إذا تأملت.

وسادسها : أن لا تختلفا في الخبر معنى ، اختلافهما في نحو : خ خ زيد مختار ، إذا أردت اسم الفاعل ، خ خ زيد ليس بمختار إذا أردت اسم المفعول.

وسابعها : أن لا تختلفا فيه قوة وفعلا ، اختلافهما في نحو : خ خ الخمر في الدن مسكر ، أي بالقوة ، خ خ الخمر فيه ليس بمسكر ، أي بالفعل.

وثامنها : أن لا تختلفا فيه إضافة ، اختلافهما في نحو : خ خ العشرة نصف ، أي نصف العشرين ، خ خ العشرة ليست بنصف ، أي نصف الثلاثين.

وتاسعها : أن لا تختلفا فيه نسبة إلى المكان ، اختلافهما في نحو : خ خ زيد كاتب ، أي في المسجد ؛ خ خ زيد ليس بكاتب ، أي في السوق.

وعاشرها : أن لا تختلفا فيه نسبة إلى الزمان ، اختلافهما في نحو : خ خ زيد كتب ، أي أمس ، خ خ زيد ما كتب ، أي [أول من أمس](١).

[وينوب عن هذه الخمسة أيضا ما هو أقل مما يذكر.

ولما ترى من توقف التناقض ؛ من اتحاد المبتدأ واتحاد الخبر ، يطلع على معنى قولي : أجمع للغرض ، وهو اتحاد الخبر](٢).

__________________

(١) في (د) : أول فقط ، وفي (غ) (غدا).

(٢) في (غ) و (د): (ومن اتحاد المبتدأ اتحاد الخبر يطلع على معنى قولى : أقل مما يذكر ، ولما ترى من توقف التناقض من أمس وينوب عن هذه الخمسة أيضا ، ما هو أجمع للغرض ، وهو اتحاد الخبر) والمثبت من (ط).


أصناف الجمل :

وما ذكرت على اتحاد المحكوم له ؛ وهو المثبت له أو المنفي عنه ، وعلى اتحاد المحكوم به : وهو المثبت أو المنفي ، ليتحد مورد الحكم في الإثبات والنفي ، حتى يتعين فيه أحدهما ، لعدم الواسطة بين الثبوت والانتفاء ، لا يخفي عليك حال أصناف الجمل التي سبق ذكرها ، وهي : صنف المهملات ، وصنف المعينات ، وصنف الكليات ، وصنف البعضيات في باب التناقض ، من أن البعضيات لا سبيل إلى تناقضها لتعذر إزالة اختلافهما بالهوية ، مع كونها بعضيات ، أعني : غير معينات.

وأما المعينات والكليات فلها سبيل إلى التناقض ، للطريق الميسر إلى تحصيل اتحاد المحكوم له فيها ، وتحصيل اتحاد المحكوم به.

أما اتحاد المحكوم له في المعينات ، فلا خفاء ، وأما اتحاده في الكليات ، فالطريق إلى تحصيله وضع اللاكل في مقابلة الكل ، كقولنا : خ خ كل إنسان كاتب ، خ خ لا كل إنسان كاتب ؛ وإن شئت : خ خ بعض الناس ليس بكاتب ، أو : خ خ إنسان ما ليس بكاتب ، لا يتفاوت ثلاثتها في معنى اللاكل ، إذا تأملت. ووجه حصول الاتحاد بذلك هو أن قولنا : كل إنسان كاتب ، معناه : كل واحد ، وأحد من الأناسي لا الكل المجتمع ، وقولنا : خ خ إنسان كاتب ، معناه : كل واحد ما ، من غير اشتراط الانفراد ، فهو داخل في كل واحد وأحد ، وأنه : أحد من آحاد الأناسي.

وأما تحصيل الاتحاد في المحكوم به ، فالطريق إليه فيما سوى الزمان النص عليه ، كقولنا : خ خ زيد كاتب ، للتورية ، خ خ بالقلم الفلاني ، بالقرطاس الفلاني للغرض الفلاني ، وما شاكل ذلك من القيود القادحة في التناقض ، بسبب التفاوت فيها.

ومن هذا ، يطلع على معنى قولي : خ خ شروط التناقض أكثر مما يذكر.

وأما في الزمان ، فبتقدير تعذر الطريق إلى تعيين جزء من أجزائه ، يصنع نظير ما سبق بوضع الدوام في أحد الجانبين ، مرادا به كل واحد وأحد من أجزاء الزمان بالاعتبار المذكور ، وللادوام في الجانب الآخر ، مرادا به بعض الأجزاء ، بالاعتبار المذكور ، من إلغاء اشتراط الانفراد وهذا تلخيص كلام الأصحاب.


ولا بأس أن تضع هاهنا لوحا ينقش فيه ما تمس الحاجة إليه وما ذكرت وإن كان كافيا في معرفة نقائض الجمل لكن لقلة عهدك بما يتلى عليك لا استبداع أن يكون لتعيين كل منها أثر لديك لكن لامتناع تعيين النقيض بدون الطرف الآخر يظهر منه أن ذكر أنواع الجمل لازم.

أحوال الجملة :

فنقول ـ وبالله التوفيق ـ : الجملة ، إما أن تكون مثبتة أو منفية ، وكيف كان ؛ إما أن تكون مطلقة أو مقيدة ، ومرجع التقييد في الجمل الاستدلالية إلى الدوام واللادوام ، والضرورة واللاضرورة ، فلا بد من النظر فيها أولا ، ثم من النظر في تقييد الجمل بها ثانية ، لكن الدوام واللادوام أمرهما جلي وإنما الشأن في الضرورة.

اعلم أن الجملة لا بد من أن تكون : إما مثبتة أو منفية ، وكيف كانت ، فلا بد أن تكون : إما واجبة وإما غير واجبة ، وتحصل من هذا أصناف ثلاثة ، ثبوت واجب ، انتفاء واجب ، ثبوت وانتفاء غير واجب :

والأول : هو الوجوب ، والثاني : هو الامتناع ، والثالث : هو الإمكان الخاص المتناول نوعا واحدا ، وهذا الإيراد يسمى طبقة.

ولك أن تورد التقسيم على غير هذا الوجه. فتقول : الثبوت ، إما أن يكون واجبا أو لا يكون ، وتسمي لا وجوب الثبوت إمكانا ، ثم تنوعه نوعين : وجوب عدم وهو الامتناع ، ولا وجوبه وهو الجواز. وهذا الإيراد طبقة أخرى. أو تقول : العدم : إما أن يكون واجبا أو لا يكون ، وتسمى لا وجوب العدم إمكانا ، ثم تنوعه إلى وجوب الوجود ، وإلى جواز الوجود ، فيكون الإمكان عاما شاملا لنوعين ، وهذا الإيراد طبقة ثالثة. وهذه الطبقات ومقبلاتها ، فيما بينهما من التلازم والتآخذ ما لا يخفى.

والمناهج هناك لسالكيها معرضة ، ولكن لقلة اعتيادك أن تسلكها ، ووهي الأسباب بينك وبين أن تملكها ، نرى الرأي أن لا نقتصر على اتضاح أمرها ، وأن نختصر الكلام في الإفصاح بذكرها ، وها هو ذا يقرع في صماخيك.


طبقات الجمل :

هذه الطبقات في باب اللزوم قسمان : قسم لزومه من الجانبين ، فهو متلازم متعاكس ، وقسم لزومه من أحد الجانبين.

والقسم الأول : أنواع ثلاثة :

أحدها : واجب أن يوجد ، ممتنع أن لا يوجد ، ليس بالممكن العام أن لا يوجد ، وكذلك مقابلات هذه : وهي ليس بواجب أن يوجد ، ليس بممتنع أن لا يوجد ، ممكن عاما أن لا يوجد.

وثانيها : واجب أن يوجد ، ممتنع أن يوجد ، ليس بالممكن العام أن يوجد ، وكذا مقابلاتها وهي : ليس بواجب أن لا يوجد ، ليس بممتنع أن يوجد ، ممكن عاما أن يوجد.

وثالثها : من الممكن الخاص ، وينعكس مبينه على مشوشه ، وذلك : يمكن أن يكون : يمكن أن لا يكون ؛ ومقابلاهما.

والقسم الثاني : أنواع ثلاثة :

أحدها : واجب أن يوجد ، يلزمه قولنا : خ خ ليس بواجب أن لا يوجد. وليس بممتنع أن يوجد ، ويمكن عاما أن يوجد ، ويلزمه أيضا ، نفي الإمكان الخاص مبينا ومشوشا ، وتفسير المبين والمشوش ، يأتيك عن قريب ، وذلك قولنا : ليس بممكن خاص أن يوجد ، ليس بممكن خاص أن لا يوجد.

وثالثها : من الممكن الخاص ، قولنا : خ خ ممكن أن يكون وأن لا يكون ، يلزمه : ليس بواجب أن يكون ، ليس بواجب أن لا يكون ، ليس بممتنع أن يكون ، ليس أن لا يكون ، ممكن عاما أن يكون ، ممكن عاما أن لا يكون ، وأيما عاقل فهم ما تلونا لم [يجب](١) أن نصف الواجب لذاته ممكنا ، وإنما أقول هذا القول لبعض الدخلاء في هذه

__________________

(١) في (د) و (غ): (يجبن).


الصناعة ، حيث يجيبون ويبنون أسولة على ما يبنون ، ونحن على أن نسوق الكلام على قسيمة الوجوب أو الإمكان العام ، فنتكلم في الوجوب ، ونسميه : الضرورة ، ثم نتكلم في الإمكان العام ، ونسميه : اللاضرورة.

الضرورة (أو الوجوب):

الكلام في الضرورة : لها اعتباران :

أحدهما أن تكون سابقة : وهو الوجوب بالذات.

أو بالعلة المتقدم على الوجوب المترتب عليه عقلا ، وما بينهما أن تكون لاحقة ، وهو امتناع العدم في أن تحقق الوجود ، وهذه الثانية يقال لها : ضرورة بشرط وجود الخبر ، ويقال في مثاله : خ خ الإنسان بالضرورة كاتب ، ما دام كاتبا ، وقلما يصار إليها في الدلائل.

والأولى تجعل قسمين : ضرورة مطلقة ، وضرورة متعلقة بشرط.

ويراد بالضرورة المطلقة أن تكون حقيقة المبتدأ ممتنعة الانفكاك عن ذلك الخبر مطلقا ، كقولنا : خ خ واجب الوجود لذاته موجود ، فكون واجب الوجود لذاته موجودا ضروري له مطلقا ، أو باعتبار وجوده كقولنا : خ خ الجسم قابل للعرض ، فقبول العرض ضرورة للجسم ، باعتبار وجوده لا بالإطلاق ، اللهم إلا إذا جعلت الوجود غير زائد على الماهية ، كما هو الراجح عندنا ، فحينئذ تكون الضرورة المطلقة راجعة إلى الضرورة بالذات ، وما سواها راجعة إلى الضرورة بالعرض.

ويراد بالمتعلقة بالشرط : أن تكون حقيقة المبتدأ ، لأجل اتصافها بصفة ، غير منفكة عن ذلك الخبر ، كقولنا : خ خ المتحرك بالضرورة متغير ، فإن حقيقة المبتدأ هي موصوف المتحرك ، وهو الشيء الذي له التحرك ، وضرورة تغير ذلك الموصوف ، إنما هو بشرط اتصافه أي ما دام متحركا ، وهذه الضرورة العرضية ضرورة بحسب الوصف ، أو لأجل حصولها في وقت من أوقات وجودها مضبوط ، كوقت الكسوف للشمس ، أو لغيرها


مما ينكسف من الكواكب أو غير مضبوط : كوقت [النفس](١) للإنسان ، أو لغيره مما له رئة ، أو : كوقت السعال لمن به ذات الجنب ، وهذه الضرورة العرضية ضرورة بحسب الوقت.

أقسام الضرورة :

فيحصل من أقسام الضرورة أربعة : ثلاثة سابقية ، وواحد لاحقي.

والثلاثة السابقية : واحد منها ذاتي ، واثنان عرضيان : أحدهما : وصفي ، والآخر : وقتي ، وهي عند الأصحاب هكذا : ضرورة مطلقة ، ضرورة بحسب الوصف ، ضرورة بحسب الوقت ، ضرورة بشرط وجود الخبر.

اللاضرورة (الإمكان العام):

الكلام في الإمكان المسمى : باللاضرورة ، ونحن نذكر حاصل ما فيه عند الأصحاب على اختلاف آرائهم ، فنقول : الإمكان ينقسم إلى أربعة أقسام : عام ، وخاص ، وأخص ، وأخص الأخص.

فالعام : هو ما ينفي ضرورة واحدة فحسب ، إما ضرورة العدم ، وإما ضرورة الوجود ، فينفي المتصف به صالحا لضرورة الوجود لما هو ، أو لضرورة العدم لما هو.

والخاص : هو ما ينفي الضرورتين ، فينفي المتصف به صالحا لضرورة من الضرورات ، لكن من قبيل السابقة دون قبيل اللاحقة.

والأخص : هو ما ينفي ضرورات القبيلتين جمع ، فلا ينفي المتصف به صالحا لا لضرورة سابقة ، ولا لضرورة لاحقة.

لكن في أخص الأخص كلام : فبعضهم يحققه في الحال وفي الاستقبال ، وبعضهم يأباه في الحال دون الاستقبال ، وبعضهم يأبى تحققه أصلا ، وهو الأشبه لاستتباعه في الحال : ضرورة الوجود أو العدم اللاحقة ، وفي الاستقبال : ضرورة العدم اللاحقة ،

__________________

(١) في (د) و (غ): (التنفس).


فتأمله ، فإني أرى عالما من الناس يتعجبون من هذا القول ، وأنا أتعجب من تعجبهم ، ويوردون في إبطال هذا القول حججا يكفى في إبطالها مجرد تلخيص محل النزاع ، وأما إثباته في الاستقبال ، فلا وجه له عندي سوى تخصيص الضرورة اللاحقة بالوجود دون العدم بوساطة العناية لا غير ، تشبثا فيها بأن الضرورة اللاحقة متى ذكرت ، ذكرت مع الوجود.

إطلاق الجمل وتقييدها :

وإذ قد قرع سمعك ما تلونا عليك ، لزم أن نتكلم في إطلاق الجمل وفي تقييدها ، بما سبق ذكره ، ثم نتكلم في النقائض. وقبل أن نشرع في ذلك ننبهك على أصل كلي ، وهو مزلة أقدام في هذا الفن لا بد من التنبه له ، وهو : أن اعتبار كلمة النفي جزء من المدخول عليه ، مغاير لاعتبارها غير جزء منه. ولذلك يمتنع : اللاموجود أسود ، والمعدوم هو لا أسود. وقد تقدم تحقيق هذا في علم المعاني ، في فصل وصف المعرف ، ويسمى هذا : إثباتا مشوشا. ولا يمتنع : ليس الموجود أسود ، والمعدوم ليس هو أسود ، في الإثبات المشوش ، ويصح : ليس المعدوم أسود ، في النفي المبين ، وإذا عرفت الإثبات المشوش والنفي المبين ، فقس عليهما الإثبات المبين والنفي المشوش. وكما تصورت في النفي ما ذكرت فتصوره بعينه في جانب الإمكان والضرورة ، والدوام واللادوام ، بينما إذا جعلت أجزاء من المبتدأ والخبر ، وبينما إذا جعلت جهات الحكم الجملة ، في الإثبات أو في النفي ، مستجمعا لتمام تصوره مثابة رؤيتك.

ثم من بعد التنبيه نقول : المبتدأ ، كليا كان أو بعضيا. إذا أثبت له الخبر ، كقولنا :

خ خ كل إنسان ناطق ، خ خ أو بعض الناس فصيح. أو نفي عنه ، كقولنا : لا إنسان بعالم غيب ، أو لا كل فصيح بشاعر ، من غير بيان أنه مشروط أو لا مشروط ، وأنه دائم أو لا دائم ، وأنه ضروري أو لا ضروري ، سميت : الجملة مطلقة عامة.

ومن الناس من يزعم : أن الجملة لا تصدق إلا مع الدوام ، ولو صدق في زعمه لامتنع قولنا : خ خ بعض الأجسام ساكن ؛ لكن إما دائما وإما غير دائم ، ولا يمتنع ، وله وجه دفع.

ومن الناس من يزعم : أن الجملة لا تصدق كلية إلا مع الضرورة ، لكن جزم العقل


بأن حكم أفراد النوع يصح أن لا يختلف ، يستلزم إذا صحت اللا ضرورة في فرد من أفراد النوع ، أن تصح في الكل. وأنك تعرف معنى الكل ما هو ، وهو كل فرد فرد لا الكل المجتمع المصحح للتفاوت بين حالي انفراد الأفراد واجتماعها.

ومن الناس من يزعم : أن النفي الكلي يستلزم شرط الوصف ، يعني أنه إذا قيل : خ خ لا أبيض يجامع للبصر ، ومعناه على ما عرفت : لا شيء مما له البياض ، أفاد : ما دام أبيض ، فعلى زعمه تسمى الجملة مطلقة عرفية لما في العرف من إضافة الحكم إلى الوصف.

والحاصل من المطلق الحقيقي هو ، ما ترى ، نوع واحد. هذا في باب الإطلاق ، وإذا لا شرطنا ، وعندنا ذات وصفة ، وقيدنا وعندنا ، دوام ولا دوام ، وضرورة ولا ضرورة ، حصل من ذلك أنواع كثيرة.

ولكنا نذكر من ذلك ما أنت مفتقر إليه في الحال ، وإذا أتقنته صار لك عمدة في الباقي.

فنقول في نوع اعتبار الشرط والتقييد بالدوام واللادوام : الجملة ، التي يبين فيها أن الخبر في الثبوت أو الانتفاء يدوم للمبتدأ بدوام ذاته من غير التعرض للوصف ، تسمى خ خ وجودية دائمة ، ويلزم فيها ، إذا كانت للذات صفة تحتمل اللادوام ، أن لا تخرج دوام الخبر إلى لا دوامه.

والجملة ، التي يبين فيها أن الخبر يدوم للمبتدأ بدوام وصفه ، من غير التعرض للذات ، تسمى : خ خ عرفية عامة.

والجملة ، التي يبين فيها أن الخبر لا يدوم للمبتدأ بدوام ذاته ، تسمى : خ خ وجودية لا دائمة. ويلزم فيها إذا كانت للذات صفة دائمة أن لا تخرج لا دوام الخبر إلى الدوام.

والجملة ، التي يبين فيها أن الخبر يدوم للمبتدأ بدوام وصفه ، لا بدوام ذاته ، تسمى : خ خ عرفية خاصة لوقوعها في مقابلة خ خ العرفية العامة.

فهذه أنواع أربعة من المقيدات بالدوام واللادوام ، مع اعتبار شرط.

ونقول في نوع اعتبار الشرط والتقييد بالضرورة واللاضرورة ، والجملة التي يبين فيها أن الخبر ضروري للمبتدأ ، ما دامت ذاته موجودة ، تسمى : خ خ ضرورية مطلقة ، ولا


فرق بينها وبين خ خ الوجودية الدائمة إلا اعتبار معنى الضرورة ، فاعرفه.

والجملة التي يبين فيها أن الخبر ضروري لمبتدأ ، ما دام موصوفا من غير التعرض لزيادة ، تسمى : الضرورية بشرط الوصف ، ولها عموم من عدة جهات ، فتأملها.

والجملة التي يبين فيها أن الخبر ضروري للمبتدأ ، ما دام موصوفا مع زيادة [إلا](١) ، ما دامت ذاته موجودة ، تسمى : خ خ المشروطة الخاصة.

والجملة التي يبين فيها أن الخبر ضروري للمبتدأ ، في وقت معين من أوقات وجوده ، تسمى : خ خ وقتية مضبوطة.

والجملة التي يبين فيها أن الخبر ضروري للمبتدأ ، لا في وقت معين ؛ تسمى : خ خ وقتية غير مضبوطة.

فهذه أنواع خمسة من المقيدات بالضرورة مع اعتبار شرط ، وقد كان يمكن اعتبار الضرورة لا مقيدة بحيث كانت نوعا سادسا مندرجة فيه الضرورات الخمس المتقيدة فتركناه ، ولكن يصار إليه حينا.

وأما اللاضرورة ، فحيث عرفت أنّا قلنا : خ خ إمكان عام ، وخاص ، وأخص ، وأخص الأخص ، عرفت أنه إذا قلنا : خ خ إمكان ، من غير التعرض لقيد من هذه القيود كان اعتبارا له خامسا أعم من الأربعة.

فالجملة إذا قيدت بالإمكان المطلق ، أفادت الشياع في أنواع الإمكان الأربعة ، ولا تحسبنها مطلقة عامة ، فتلك لا تتعرض لنفي الضرورة وهذه تتعرض لنفيها ، ثم إذا قيدتها بعام ، وبخاص ، وبأخص الأخص ، وهو الإمكان الاستقبالي ، على ما عرفناك ، حصلت من مجموع ذلك خمسة أنواع للجمل كما ترى.

النقائض :

وإذ قد حصلنا من الجمل القدر المحتاج إليه ، لزم أن نفي بالوعد في تحقيق النقائض ،

__________________

(١) في (د) ، (غ) (لا).


فتقول : أما البعضيان ؛ فقد عرفت أن لا سبيل إلى تناقضهما ، لتعذر الطريق إلى اتحاد المحكوم له فيهما باحتمال تغاير هو بين المبتدأين ، وأما الكليتان : فصحة اجتماعهما في الكذب لاحتمال اختصاص الصدق بغيرهما ، وهو اللاكل ، تسد الطريق إلى تناقضهما.

وأما المطلقتان العامتان : فلا سبيل إلى تناقضهما لتعذر الطريق إلى اتحاد المحكوم به فيهما ، لاحتمالهما اللادوام المصير لهما إلى البعض من الزمان ، المتعذر الاتحاد باحتمال تغاير هو بين البعضين ، فحال المطلقتين العامتين من جانب الخبر ، كحال البعضيتين من جانب المبتدأ ، فحيث عرفت أن البعضية لا ينقاضها إلا الكلية ، فاعرف أن المطلقة العامة لا ينقاضها إلا الدائمة. ومن هذا يتحقق أن قول من يقول بصحة تناقض المطلقتين مفتقر إلى تأويل ، ولعل المراد المطلقات اللفظية المستتبعة للدوام معنى ، كقولنا : خ خ كل إنسان حيوان أو خ خ ناطق أو خ خ ضحاك وما شاكل ذلك ، وأما الوجودية الدائمة وهي كقولنا : خ خ كل جسم ما دام موجود الذات قابل للعرض ، نقيضتها اللادائمة المحتملة للمخالف الدائم ، وهو [المنتقي](١) في جملة الأوقات. وللموافق اللادائم وهو المنتفي لا في جملتها. وأما العرفية العامة : وهي قولنا : خ خ كل إنسان حيوان ما دام إنسانا ، فحين قيد ثبوت الخبر بدوام الوصف ، وأطلق في جانب حقيقة المبتدأ ، وقد عرفت أن إطلاق الخبر في حق المطلق ، له حكم اللادائم ، فقد حصل الدوام مع الوصف ، واللادوام مع الذات. فيلزم في النقض : إما نفي الخبر مع الوصف ، أو اللادوام مع الذات فيلزم في البعض إما نفي الخبر عن حقيقة المبتدأ على الدوام ، أو نفيه عن الوصف لا على الدوام. وأما [الوجودية](٢) اللادائمة : وهي مثل قولنا : خ خ كل أبيض مفرق للبصر لا ما دام موجودا ، فحين أثبت فيها الخبر بقيد لا دوام الوجود وإطلاقه فيما عداه ، لزم في نقيضتها : إما النفي أو الإثبات الدائم. وأما العرفية الخاصة ، وهي كقولنا : خ خ كل أبيض مفرق للبصر لا ما دام موجودا بل ما دام أبيض ، فحين أثبت فيها الخبر بقيد لا دوام الوجود ودوام الصفة ، لزم في نقيضتها : إما النفي الدائم ، أو الإثبات

__________________

(١) في (ط) : المنفى.

(٢) في (د): (الموجودية).


الدائم ، أو النفي المقيد ، وهو في بعض أوقات البياض ، أي أوقات صفة المبتدأ. وأما الضرورية المطلقة : فنقيضتها اللاضرورية. وهي الممكنة العامة ؛ وأما الضرورة المشروطة بوصف المبتدأ ، وهي كقولنا : خ خ كل أبيض بالضرورة مفرق للبصر ما دام أبيض ، فحين أثبت فيها الخبر ، بإطلاقه في حق المبتدأ أو تقييده بالضرورة ، وبدوام الوصف ، لزم في نقيضتها : إما النفي الدائم ، أو الإثبات الدائم الخالي عن الضرورة ، أو النفي في بعض أوقات الوصف. وأما الضرورية المشروطة الخاصة : وهي كقولنا : خ خ كل أبيض مفرق للبصر بالضرورة ما دام أبيض ، لا ما دام موجود الذات ، فحين أثبت فيها الخبر بقيد الضرورة ، وقيد دوام الوصف ، وقيد لا دوام الذات ، لزم في نقيضتها : إما النفي الدائم ، أو جواز حصوله مع عدم الوصف ، أو جواز لا حصوله مع تحقيق الوصف. وأما الوقتية المضبوطة : فنقيضتها رفع الضرورة في ذلك الوقت ، وأما غير المضبوطة ، فنقيضتها رفع الضرورة في جميع الأوقات.

وأما الممكنة المطلقة : وهي كقولنا : خ خ كل مؤمن صادق لا بالضرورة ، فحين أثبت فيها الخبر مطلقا من جهة الدوام ، مقيدا باللاضرورية ، لزم في نقيضتها : إما النفي الدائم ، وإما الإثبات بالضرورة ، ثم إن احتمل التقييد باللاضرورة الإطلاق ، أعني : دوام اللاضرورة ولا دوامها ، لزم في نقيضتها دوام اللاضرورة. وأما الممكنة العامة : فنقيضتها الضرورية المطلقة ، كما تقدمت معها ، لكون التناقض من الجانبين. وأما الممكنة الخاصة : فنقيضتها رفع الإمكان الخاص : إما بالوجوب والامتناع ، وأما الممكنتان الباقيتان : فأمرهما ظاهر ، والله الهادي.


الفصل الثاني

في العكس

وأنه قسمان عكس نظير ، وعكس نقيض :

القسم الأول في عكس النظير

هو في الخبر ، أعني الخبر المطلق ، دون الشرط الذي هو خبر مخصوص ، عبارة عن تصيير خبر المبتدأ مبتدأ ، والمبتدأ خبرا ، مع تبقية الإثبات أو النفي بحاله ، والصدق والكذب بحاله ، دون الكم ، كما ستعرف.

لما عرفت أن لا غنى لصاحب الاستدلال عن معرفة مظان الانعكاس ، ومعرفة كيفية وقوعه فيها كليا أو بعضيا ، لزمنا أن نتكلم في عكوس الجمل المذكورة ، لكن الكلام هناك ، حيث نراه ، لا يستغني عن تقديم الكلام في [مسندي](١) الأصحاب ، لزمنا أن نطلعك عليهما.

أحدهما : طريق الافتراض ، وله وجهان : أحدهما : فرض البعض كلا لأفراده ، وثانيهما هو المقصود هنا ، وحاصله تعيين بعض من كلّ قد حكم عليه بحكم ، وجعل ملزوما للازم ليتوصل بتعيينه إلى بيان أن كل ملزوم لازم ، لا بد من أن يكون لازما لبعض أفراد لازمه ، ذلك مثل أن تريد : أن الإنسان ، الذي هو ملزوم الحيوان ، لا بد من أن يكون لازما لبعض أفراد الحيوان ، فتقصده فتقول : خ خ هذا الحاضر إنسان وإنه كما يصدق عليه أنه إنسان ، يصدق عليه أنه بعض الحيوان ، وأنه يمتنع أن يكون إنسانا ، وأن لا يكون بعض الحيوان ، فظهر : أن الإنسان لا بد من أن يلزم بعض الحيوان.

وثانيهما : طريق الخلف ، وحاصله إثبات حقيقة المطلوب ببطلان نقيضه ، مثل أن يقول : خ خ إن لم يصدق بعض الحيوان إنسان ، صدق نقيضه : لا شيء من الحيوان بإنسان ، و [يستلزم](٢) : خ خ لا إنسان حيوان ، وأنه باطل. هذا ، وعسى أن يكون لنا إلى

__________________

(١) في (د): (مسندين) وهو خطأ.

(٢) في (د): (يلزم).


حديث الخلف في آخر التكملة عود.

مناظرة بين المتقدمين والمتأخرين :

وقبل أن نشرع فيما نحن له ، فاعلم أن المتأخرين قد خالفوا المتقدمين في عدة مواضع من هذا الباب ، كما ستقف عليها ، وخطؤوهم ، وكل من يأتي يرى رأي المتأخرين ، وعندي أن المتقدمين ما أخطئوا هناك ، وأنا أذكر هاهنا كلاما كليا ؛ ليكون مقدمة لما نحن له ، فأقول ، وبالله التوفيق.

كل أحد لا يخفى عليه معنى قولنا مع قوله : مع ، [تراهم](١) يقولون : الوجود والعدم لا يجتمعان معا ، ولا يرتفعان معا. ويقولون : الملزوم ، بوصف كونه ملزوما ، لا يعقل إلا مع اللازم. ويقولون : إذا انتفى اللازم انتفى معه الملزوم ، ويقولون : اعتبار الذات مع الصفة يغاير اعتبار الذات لا مع الصفة. هذا كله لبيان أن معنى مع : المعلوم ، فلا نتخذه محل نزاع.

ثم نقول : ولا يخفى أن معنى : خ خ مع ، في تحققه ـ سواء فرض في الذهن أو في الخارج ـ مفتقر إلى طرفين لا محالة ، وإذا تحقق ، امتنع اختصاصه بأحدهما دون الآخر. لكن متى صدق على شيء أنه مع آخر ، تصورا أو غير تصور ، كيف شئت ، استلزم أن يصدق على ذلك الآخر بأنه مع ذلك الشيء بذلك الاعتبار ، وإلّا لزم أن يكون ال خ خ مع حاصلا حين ما لا يكون حاصلا ، وإذا عرفت أن ال خ خ مع عند تحققه أمر ، كما ينتسب إلى أحد طرفيه ينتسب إلى الآخر من غير تفاوت ، ظهر أن أي اعتبار قدر [ال خ خ مع](٢) الحاصل من إطلاق أو لا إطلاق ، ومن دوام أو لا دوام ، ومن ضرورة أو لا ضرورة ، امتنع أن يختص ذلك بأحد الطرفين ، دون صاحبه الواقع طرفا له ثانيا ، فإن كان هذا مع ذاك في التصور ، أو في الخارج ، كان ذاك مع هذا في ذلك التصور ، أو في ذلك الخارج ، والألزم المحذور المذكور ، وهو أن يكون ال خ خ مع حاصلا حين ما لا يكون ، لامتناع اختصاصه بأحدهما ، وإذا كان هذا مع ذاك دائما ، كان ذاك مع هذا في أوقات دوامه ،

__________________

(١) في (غ): (ما تراهم).

(٢) في (غ ، د): (للمع).


وإلا كان ال خ خ مع ، في وقت من الأوقات ، مع أن لا يكون فيه ، وإذا كان هذا مع ذاك على سبيل الضرورة ، بمعنى لا ينفك عنه البتة ، كان ذاك مع هذا على سبيل الضرورة ، وإلا صح انفكاكه عنه ، فيكون ال خ خ مع حاصلا مع أن لا يكون حاصلا. وإذا تصورت ما ذكرت في ال خ خ مع فتصوره بعينه في اللا خ خ مع من أنه متى لم يكن هذا مع ذاك ، لم يكن ذاك مع هذا ، وإلا كان ال خ خ مع حين لا يكون ؛ فإذا صدق : هذا الإنسان ليس بكاتب ، أي معنى الكاتب ليس مع هذا الإنسان ، صدق لا محالة. إن هذا الإنسان ليس مع معنى الكاتب. وإلا كان ال خ خ مع حاصلا ، حيث ليس هو بحاصل ، وكما تصورت اللامعية بين هذا الإنسان وبين الكاتب واجبة التحقق من الجانبين ، فأنت إذا نقلتها عن البعض إلى الكل مثل : خ خ [لا إنسان من الناس](١) بكاتب في هذه الساعة ، فتصورها ؛ أعني هذه اللامعية ، كذلك واجبة التحقق من الجانبين ، للوجه المقرر ، وكما تصورتها بين الإنسان وبين الكاتب ، وإذا أقمت مقام الكاتب الضاحك ، أو غيره مما شئت ، وقلت : هذا الإنسان ليس بضاحك بالإطلاق ، فتصور اللامعية بينهما من الجانبين بالإطلاق ، على موجب ما شهد له عقلك مما نبهت عليه.

وإذا أتقنت ما قرع سمعك ، فقل لي ، إذا صدق عندك : لا إنسان من الناس بضاحك في وقت ما ، فلا تقطع أن ما يتصور من معنى الضاحك يجب أن لا يكون مع إنسان من الأناسي في وقت ما ، وقع قطعك بأن الضاحك يجب أن لا يكون مع إنسان من الأناسي في وقت ، أفلا تقطع بأن كل إنسان يحتمل أن لا يكون مع الضاحك في وقت ما ، ما أظنك يشتبه عليك شيء من ذلك؟ بل لا بد من أن يكون عندك أظهر من الشمس إن صدق أن الضاحك ليس مع الإنسان يستلزم صدق : أن الإنسان ليس مع الضاحك ، وقد ظهر بين بياننا هذا أن سلب الضاحك عن الإنسان ، يستلزم سلب الإنسان عن الضاحك ، من غير شبهة. فإن قلت : وكلامك هذا مستدع أن لا يتفاوت جهة ال خ خ مع واللا خ خ مع في العكس ؛ ونراها تتفاوت عند المتأخرين ، أليسوا على أن إثبات الإنسانية مع عدم الضاحكية ، في قولك : لا إنسان بضاحك يصح ، وأن إثبات

__________________

(١) في (ط): (الإنسان من الناس).


الضاحكية مع عدم الإنسانية في قولك : خ خ لا ضاحك بإنسان ، يمتنع ، لاستلزامه عندهم نفي الإنسان مع إثباته ؛ لكون الكلام مفروضا في الخاص المفارق؟ وأليسوا على أن الجهة في قولك : خ خ الضاحك إنسان ، جهة وجوب معلومة بضرورة العقل ، وفي قولك : خ خ الإنسان ضاحك ، جهة إمكان عام لا يعلم العقل منه إلا ذلك القدر ، ولذلك يمتنع أن يعرف أن في الوجود ضاحكا مع الشك في وجود الضاحك؟ وأليسوا على أنك تصدق إذا قلت : خ خ الإنسان يمكن أن يكون ضاحكا بالإمكان الخاص وتكذب : إن قلت : خ خ الضاحك يمكن أن يكون إنسانا بالإمكان الخاص؟.

قلت : للمتقدمين أن يقولوا هذه تغليطات ، من حق المتأمل المتفطن أن لا يلتبس عليه وجه الصواب فيها.

بيان وجه التغليط في الصورة الأولى هو أنك إذا قلت : خ خ لا إنسان بضاحك ، في معنى إثبات الإنسان ونفي الضاحك : إما أن يكون نفي الضاحك مع اعتبار كونه خاصا للإنسان أولا ، فإن كان الثاني ، كان دعوى امتناع : خ خ لا ضاحك بإنسان ، كاذبة عند كل عاقل متفطن بلا ريبة ، وإن كان الأول ، كان في قولنا : لا إنسان بضاحك ، عند تلخيص معنى الضاحك ، نازلا منزلة لا إنسان بإنسان ضاحك ، ويكون حاصل معنى الكلام : خ خ في الوجود إنسان لا إنسان ضاحك ، مستفادا منه عقلا : خ خ في الوجود إنسان ، بوصف الإطلاق. خ خ لا إنسان ضاحك ، بالتقييد.

ودعوى امتناع عكس هذا دعوى غير محصل ؛ لأنه متى صح أن يقال : خ خ في الوجود إنسان بوصف الإطلاق ، لا إنسان يوصف بوصف الإطلاق.

وبيان وجه التغليط في الصورة الثانية : هو أنا إذا قلنا : الجهة في الأصل والعكس لا تتغير ، كان المراد : أن الجهة متى اتصفت عند العقل بوجوب أو امتناع أو ضرورة في موضع ، أصلا كان ذلك الموضع أو عكسا ، أفاد اتصافها ، في أيهما كان عنده شيء من ذلك ، اتصافها به في صاحبه ، مستويان في العلم باشتراكهما في تلك الجهة. فإذا علم العقل أن كل ضاحك يجب أن يكون إنسانا ، أفاده ذلك العلم أن إنسانا ما ، بحسب


تقدير الضاحك في القضية السالفة ، إن [ذهنيا](١) وإن خارجيّا ، يجب أن يكون ضاحكا ، يتبين ذلك ، أن العقل ، إنما يوجب كون الضاحك إنسانا من حيث اعتبار كونه خاصا ، يكون مفهومه مفهوما مجموعا من صفة مخصوصة وموصوف مخصوص ، وتحقق المجموع بدون ما هو جزء له ممتنع ، فيوجب مع الضاحك ، متى فرض تحقق له ، ذهني أو خارجي ، تحققا لإنسان ذهنيا أو خارجيا ، ومتى فرض العقل للضاحك تحققا كيف كان ، أفاده ذلك أن إنسانا ما يجب أن يكون ضاحكا ، من حيث إن جزء المتحقق ، باعتبار كونه جزءا من المتحقق ، يستلزم في تحققه ذلك ، امتناع الانفكاك عن الجزء الآخر ، لكونه مأخوذا معه في اعتبار التحقق.

وإنسان ما جزء من الضاحك [المفروض تحققه](٢) ، فيجب امتناع تحققه بدون ما يقوم المجموع ، الذي هو مفهوم الضاحك ، المتركب من الصفة والموصوف ، لكونه مأخوذا مع الضاحك في تحققه ، أعني تحقق الضاحك ، فالجهة كما ترى تتحد عند العقل في القضيتين ، وخ خ كل ضاحك إنسان بالوجوب إنسان ما ، أو خ خ بعض الأناسي ضاحك بالوجوب.

وبيان وجه التغليط في الصورة الثالثة هو [أنا متى](٣) قلنا : بعض الأناسي ضاحك بالإمكان الخاص ، لم يكن المعنى : أن الضاحك لا يجب لإنسان ، عند فرض وجود ضحك في الدنيا ، مثلا كالقائم : حيث لا يجب لإنسان عند فرض وجود قيام في الدنيا ، وإنما المعنى : أن الضاحك لا يجب لإنسان ، بشرط أن لا يفرض وجود للضحك ، كما لا يفرض له عدم ، أما إذا فرض وجود له ، وجب الضاحك للإنسان لا محالة ، وكيف لا يجب ، والكلام مفروض في أن الضحك خاص بالإنسان؟ وقولنا : إن ضاحكا خ خ إنسان لا يرد إلا على فرض وجود الضحك. فالجهتان لا تختلفان إلا لاختلاف فرضي الضحك بالحاصل ، إن قولنا : خ خ بعض الأناسي ضاحك بالإمكان الخاص ، ليس عكسه :

__________________

(١) في (ط): (ذهبنا).

(٢) في (د) : الفروض متحققة.

(٣) من (غ) وفي (ط): (أمامنى).


إن ضاحكا إنسان. فإن الضاحك هاهنا غير الضاحك هناك ، فالضاحك هناك غير مأخوذ باعتبار الثبوت له ، والضاحك هاهنا مأخوذ باعتبار الثبوت له ، فتأمل ما ذكرت.

فالمقام ملبس [ولأمر ما](١) ، جرى فيه ما جرى ، إذ فرع عليه المتأخرون ، فدونوا ما دونوا ، وما قصروا في تطبيق التفريعات ، قدس الله أرواحهم ، ولكن الأصل فيه ما فيه ، وقد سمينا نحن هذا الملبس : متعارفا عاميّا ويظهر من هذا : أن إثبات عكس المنفية البعضية ليس بذلك الممتنع كما يدعيه القوم ، وإنما أطنبت ، مع أن عادتي الاختصار ، لا سيما والأقل من القليل مما ذكرت كان يكفي ، فإنك في مقامك هذا ، لا كما تراك من جمعي المتقدمين والمتأخرين ، بين أطواد وأطواد ، وإذ قد ذكرنا ما ذكرنا ، [فلنرجع](٢) إلى المقصود.

أحكام المطلقات العامة :

أما المطلقات العامة : فالمثبتة الكلية منها مثل قولنا : كل اسم كلمة تنعكس بعضية.

وبيان انعكاسها : إما بالافتراض : وهو أنه يمكن الإشارة إلى واحد من آحاد هذا الكل ، محكوما عليه بالاسمية ، إما دائما أو في وقت ما ، وإلا فلا يكون من آحاد هذا الكل. ونحن نتكلم في واحد من آحاده ، فذلك الواحد ، وأفرضه لفظ خ خ رجل ، فلفظ رجل بعينه : اسم ، وهو بعينه : كلمة ، فالاسم كلمة ، والكلمة اسم. فيصدق : بعض الكلم اسم ، وهو المطلوب. وإما بالخلف وهو : أن كل واحد من الأسماء ، إذا كان كلمة ، صدق قولنا : خ خ بعض الكلم اسم ، وإلا صدق نقيضه ، وهو : لا شيء من الكلم ، ما دام كلمة ، باسم ، فيلزم : لا شيء من الأسماء بكلمة ، بوساطة ما قررنا في المقدمة. وقد كان كل اسم كلمة ، هذا خلف. وأما جعل انعكاسها بعضيا : فلاحتمال كون الخبر أعم.

__________________

(١) من (غ) وفي (ط) و (د) : ولا مبرما.

(٢) في (د): (فلترجع) بالتاء المثناة فوق.


وأما المثبة البعضية فتنعكس بعضية. ويبين انعكاسها منها بالافتراض أو بالخلف ، فالافتراض : هو أن تقول : بعض الأسماء كلمة ، وذلك البعض : رجل ، بحكم الفرض والتعيين ، فهو : اسم وكلمة ، وكلمة واسم فبعض الكلم اسم. والخلف هو أن تقول : بعض الأسماء كلمة ، فبعض الكلم اسم ، وإلا فلا شيء من الكلم ، ما دامت كلمة ، باسم ، بحكم النقيض ، ولا شيء من الأسماء بكلمة ، بحكم العكس ، بالطريق المذكور. وقد كان بعض الأسماء كلمة هذا خلف.

وأما جهة كونهما مطلقتين ، فعند المتقدمين لا تتغير ، وعند المتأخرين تتغير إلى الإمكان العام ، وعمدتهم في ذلك هو : أنهم يقولون : المثبتة الضرورية كقولنا : خ خ كل متحرك جسم بالضرورة ، لا يجب أن يكون عكسها مطلقا عاما كقولنا : خ خ بعض الأجسام متحرك بالإطلاق ، وإنما يجب أن يكون ممكنا عاما كقولنا : خ خ بعض الأجسام متحرك بالإمكان العام ، والممكن العام لا يجب أن يكون موجودا. ثم بعد هذا يقولون : فإذا لم يجب في عكس الضرورية الإطلاق ، فأولى أن لا يجب في المطلقة العامة ؛ فإن أقوى درجات المطلقة العامة هي أن تكون ضرورية ، لاحتمال المطلق العام إياها ، ثم إذا كان نفس الضروري ، لا يجب أن يكون عكسه مطلقا عاما ، فالقول : بأن عكس المطلق العام يجب أن يكون عكسه مطلقا عاما ، خطأ ، لكنا نقول : قولكم ، يصدق كل متحرك جسم بالضرورة ، ولا يصدق بعض الأجسام متحرك بالضرورة ، لا يلزم منه أنه إذا لم يصدق بالضرورة أن لا يصدق بغير الضرورة ، ونحن إذا بينا صدقه بغير الضرورة ، ثبت ما نقول من أن المثبتة الكلية ، إذا صدقت ، لزم أن يصدق عكسها.

نعم يبقى أن يقال : بالضرورة تتغير إلى الاستدلال ، لكنا نقول : المطلوب من الضرورة في القضايا هو العلم ، فإذا حصل العلم ، كان النزاع فيما وراء ذلك نزاعا لا تضايق فيه ، وبيان صدقها بغير الضرورة هو أنا نقول : إذا صدق كل متحرك جسم ، فصدقه ـ سواء قدر في الذهن أو في الخارج ، أو فيهما معا ـ لا يصح إلا بأن يكون الجسم مع المتحرك بذلك التقدير ، وإذا كان الجسم مع المتحرك ، لزم في بعض المتحرك أن يكون مع الجسم بذلك التقدير ، وإلا لزم أن يكون ال خ خ مع حاصلا حين لا يكون حاصلا ، لما سبق من التقرير ، ومن تحقيق أن مثل قول القائل : كل متحرك جسم بالضرورة ، ويصدق ويكذب : بعض الأجسام متحرك بالضرورة ، قول من باب


التغليط ، وبناء على المتعارف العامي.

وأما المنفية الكلية منها : فعند المتقدمين تنعكس ، وترى جماعة يبينون انعكاسها بتكلف ، فيقولون : إذا صدق بالإطلاق : خ خ لا إنسان بكاتب ، صدق : خ خ لا كاتب بإنسان بالإطلاق ، وإلا صدق نقيضه ، وهو : خ خ بعض الكتبة دائما إنسان ، فذلك البعض كاتب وإنسان دائما ، وخ خ إنسان دائما وكاتب ، وقد كان : خ خ لا إنسان بكاتب ، وهذا خلف. وعند المتأخرين ، دعوى انعكاسها غير صحيحة أصلا ، لقولهم : يصدق بالإطلاق : خ خ لا إنسان بضاحك ، ويكذب بهذا الإطلاق : خ خ لا ضاحك بإنسان ، وعندهم أيضا : أن الخلف غير مستقيم ، لما أن قيد الدوام في قولهم : خ خ بعض الكتبة دائما إنسان ، ينصرف إلى الإنسان ، ويبقى الكاتب مطلقا ، كما أنه مطلق في الأصل ، وهو : خ خ الإنسان بكاتب. ولا تناقض بين المطلقتين ، وعندهم إذا انعكست ، لا بد من انقلاب الإطلاق العام إلى الإمكان العام ، ويقولون : الإطلاق العام في الإثبات أقوى حالا من الإمكان العام فيه ، ثم إن الضرورية ، التي هي أقوى في الإثبات من المطلقة العامة فيه ، تنقلب في الانعكاس عندهم إلى الإمكان تارة ، فيرون ، فيما دون الضرورية ، بقاءها في الانعكاس على الإطلاق العام خطأ ، وأما نحن ، فعلى صحة انعكاسها ، وعلى أن قدح المتأخرين في الخلف صحيح ، دون قدحهم في الدعوى ، وعندنا أن الجهة لا تتغير ، ويخيل بيان صحة الدعوى ودفع قدحهم فيها ، وأن الجهة لا تتغير على المقدمة المذكورة ، وأما سائر ما حكينا عنهم فستقف على ما عندنا هنالك شيئا فشيئا.

أحكام الوجوديات الدائمة :

وأما الوجوديات الدائمة ، فالمثبتة الكلية منها تنعكس كنفسها بالافتراض ، يقال : إذا صدق كل جسم ، ما دام موجودا ، قابل للعرض ، أمكن أن يعين واحد من ذلك الكل ، فذلك الواحد جسم ، وقابل للعرض ما دام موجودا ، وهو بعينه قابل للعرض ما دام موجودا وجسم ، وبالخلف يقال : إذا صدق كل جسم ما دام موجودا قابل للعرض ، صدق بعض القابل للعرض ما دام موجودا جسم ، وإلا صدق نقيضه وهو : لا شيء من القابل للعرض بجسم ، وتنعكس بوساطة المقدمة السابقة : لا شيء من الأجسام يقابل للعرض. وقد كان كل جسم قابل للعرض ، وإذا انعكست ، انعكست بعضية ؛ لاحتمال


كون الخبر أعم.

والمثبتة البعضية منها تنعكس كنفسها بالطريقين ، وبعضية للاحتمال المذكور.

وأما المنفية الكلية منها فتنعكس كلية وكنفسها بحكم الخلف ، وهي أنه : إذا صدق لا شيء من الأجسام ما دام موجودا عرض ، صدق لا شيء من الأعراض ما دام موجودا جسم ، وإلا صدق نقيضه ، وهو : بعض الأعراض جسم ، ويلزم بحكم الافتراض بعض الأجسام عرض ، وقد كان : لا شيء من الأجسام بعرض ، هذا خلف.

وأما الوجوديات اللادائمة فأمرها على نحو ما ذكر.

أحكام العرفيات المطلقة :

وأما العرفيات المطلقة : فالمثبتة الكلية منها ، وكذا البعضية تنعكسان ، بالافتراض أو بالخلف ، بعضيتين لاعتبار احتمال أن يكون الخبر أعم ، ثم عند المتأخرين : مطلقتين عامتين لا مطلقتين عرفيتين ، بناء منهم لذلك على المتعارف العامي من أنه : يصح أن يكون ثبوت شيء لآخر لازما ، كثبوت الجسم للمتحرك ، في قولنا : خ خ كل متحرك جسم. وأن لا يكون ثبوت ذلك الآخر لذلك الشيء لازما ، كثبوت المتحرك للجسم في قولنا : خ خ بعض الأجسام متحرك. ورأينا انعكاسهما مطلقتين عرفيتين بناء على ما قدمنا.

وأما المنفية الكلية منها ، فتنعكس كلية ، وكنفسها عرفية مطلقة ، ويبين ذلك بطريق الخلف ، وهو أنه : إذا صدق : لا فعل بحرف ما دام فعلا ، لزم أن يصدق لا حرف بفعل ما دام حرفا ، وإلا صدق نقيضه ، وهو : بعض الحروف فعل. إذا كان بعض الحروف فعلا ، لزم منه بعض الأفعال حرف ، وقد كان لا شيء من الأفعال بحرف ، ويبين اللزوم تارة بطريق الافتراض ، مثل أن يفرض : أن ذلك البعض هو لفظة : خ خ من ، فتكون بعينها حرفا وفعلا ، وتكون هي بعينها فعلا وحرفا. فيكون ما هو فعل حرفا.

وتارة بطريق الانعكاس وهو أنه : إذا صدق بعض الحروف فعل ، صدق بعض الأفعال حرف ، على ما سبق من انعكاس البعضية بعضية ، ولكن يلزمك في هذا الثاني أن يكون تصحيحك لعكس المثبتة البعضية بغير الخلف ؛ لئلا يلزم الدور.


وقد منع عن صحة انعكاسها بوجوه : منها ، إن قيل ، إن قولنا : خ خ كل إنسان يمكن بالإمكان الخاص أن يكون كاتبا قضية صادقة ، وكل ما يمكن بالإمكان الخاص أن يكون ، يمكن أيضا لا يكون ، فإذن : كل إنسان يمكن بالإمكان الخاص أن لا يكون كاتبا ، وكل ما يمكن في وقت ، يمكن في كل وقت ، والألزم الانتقال من الإمكان الذاتي إلى الامتناع الذاتي ، وهو محال : فإذن : كل إنسان يمكن أن يكون دائما لا كاتبا ، وكل ممكن بأنه لا يلزم من فرض وقوعه محال ، وليفرض صدق قولنا دائما : خ خ لا إنسان من الناس بكاتب ، فهذه سالبة دائمة غير ممتنعة ، مع أن عكسها ، وهو قولنا : لا كاتب واحد بإنسان خ خ ، كاذب ؛ فعلمنا أن هذه السالبة لا تنعكس ، والجواب عندي هو : أن ادعاء الكذب لقولنا : خ خ لا كاتب واحد بإنسان ، غير صحيح ، مع الفرض المقدم ذكره ، وذلك أن كذبه ، إن كان ، لم يكن إلا لأن الكتابة لا تنفك عن الإنسان ، إلا أن دعوى لا انفكاكها عنه إما أن يكون في الوجود ، أو في التصور ، أو فيهما معا. لكن ادعاء كذبه في الوجود الخارجي ، إنما يصح عند فرض وجود كاتب إنسان ، لكن صحة فرض وجود الكاتب الإنسان ، الذي هو عين وجود الإنسان ، لكاتب ، مع صحة الفرض المقدم محال ، فادعاء كذبه في الوجود لا يصح ، وادعاء كذبه في التصور لا يصح أيضا ؛ لأن قولنا دائما : لا إنسان من الأناسي بكاتب ، إن أريد الدوام المتناول لأوقات التصور والوجود ، استلزم الفرض المقدم ، فرض تصور الإنسان لا مع الكتابة في جميع أوقات التصور ، فادعاء كذبه إنما يثبت إذا صح تصور الكاتب للإنسان ، الذي هو عين تصور الإنسان الكاتب ، لكن صحة فرض ذلك مع صحة الفرض المقدم محال ، فادعاء كذبه في التصور لا يصح ، وإن خصص الدوام بأوقات الوجود الخارجي دون أوقات التصور ، فادعاء كذبه في الوجود لم يصح للفرض المقدم ، وادعاء كذبه في التصور لم يصح لعدم اتحاد مورد انفكاك اللإنسان عن الكاتب ، ولا انفكاك الكاتب عن الإنسان ، وإذا كان ادعاء كذبه في الوجود الخارجي لا يصح ، وفي التصور لا يصح ، كان ادعاؤه فيها لا يصح أيضا ، ومنها إن قيل : ما حاصله هو : إن من المحتمل أن يكون سلب الشيء عن الشيء دائما ممكنا ، ولا يكون سلب الآخر عن الأول ، ممكنا ، وجوابه عندي : أنه راجع إلى التقرير الأول ، ودفعه بما تقدم ، ومنها إن قيل : صحة انعكاسها دائمة ، يقدح في حقية ما اختاره المتأخرون ، من أن عكس المثبتة الضرورية يجب أن يكون ممكنة


عامة ، وذلك أنه ، إذا ثبت أن عكس المنفية الدائمة منفية دائمة قدح في حقية ما ذكر ، وهو أنه يقال : إذا صدق بالضرورة خ خ كل إنسان حيوان ، صدق بالإطلاق العام : بعض الحيوان إنسان ، وإلا فدائما : خ خ لا شئ من الحيوان بإنسان ، فينعكس دائما : خ خ لا أحد من الناس بحيوان. وقد كان بالضرورة : خ خ كل إنسان حيوان ، هذا خلف ، وجوابه : أنا نمنع ، أن الحق هو ما اختاره المتأخرون ، بناء على المقدمة السابقة ، وسنزيده إيضاحا عند عكس الضرورة.

أحكام العرفيات الخاصة :

وأما العرفيات الخاصة ، فالمثبتة الكلية منها تنعكس بعضية وكنفسها ، فإذا صدق : خ خ كل كاتب متحرك ، لا دائما ، بل ما دام كاتبا ، صدق : خ خ بعض المتحرك كاتب ، لا دائما ، بل ما دام متحركا ، وإلا صدق نقيضه ، وهو : دائما لا شيء من المتحرك بكاتب ، وتنعكس : دائما لا شيء من الكاتب بمتحرك ، وقد كان : كل كاتب متحرك ؛ وكذلك البعضية منها تنعكس بعضية بحكم الخلف.

وأما المنفية الكلية منها كقولنا : لا شيء من الأبيض بأسود ، لا دائما ، بل ما دام أبيض ، فتنعكس كلية ، بدلالة الخلف ، أو لا ، وكنفسها عرفية خاصة لا عرفية عامة بحكم الخلف أيضا ، ثانيا : وذلك أنّا إذا جعلنا العكس دائما ، لزم أن يكون عكس عكسها ، وهو الأصل دائما ؛ لأن عكس الدائم دائم ، بعد ما كان الأصل : لا دائما ، وهو الخلف الثاني ، وقيل : الصواب أنها تنعكس عرفية عامة ، واستدل لذلك بأنه يصدق ، لا شيء من الكاتب بساكن لا دائما ، بل ما دام كاتبا ، ولا يصدق : لا شيء من الساكن بكاتب لا دائما بل ما دام ساكنا ، فإن بعض ما هو ساكن ، سلب عنه الكاتب ما دام موجودا ، وهو الأرض ، وإنه عندي غير متجه ؛ لأنّا إذا قلنا : خ خ لا شيء من الساكن بكاتب لا دائما بل ما دام ساكنا ، كان معناه : لا شيء من الساكن بكاتب لا لدوام وجوده ، بل لدوام وصفه. ويكون الغرض من ذلك هو أنهما إن تصاحبا في


الدوام ، فلا [تضف](١) الحكم إلى الذات ، ولكن إلى الوصف أضفه ، وحديث الأرض ليس شيئا غير الذي نحن فيه ، فإنّا ، إذا نفينا الكتابة عن الأرض ، لا ننفيها عنها لكونها موجودة ، بل لاعتقاد أن السكون لازم لها ، ولذلك إذا سلبنا عن نفوسنا هذا الاعتقاد ، وتوهمنا الأرض كاتبة ، لم تأب كونها كاتبة مع كونها موجودة ، فما ذكر من أن قولنا : لا شيء من الساكن بكاتب لا دائما بل ما دام ساكنا ، قول كاذب ، ليس بكاذب.

أحكام العرفيات المطلقة :

وأما الضروريات المطلقة ، فالمثبتة الكلية ، منها تنعكس بالاتفاق ، لكن بعضية لاحتمال عموم الخبر ، وكنفسها ضرورية مطلقة عند المتقدمين ؛ لأنه متى صدق أن : بالضرورة : خ خ كل كاتب إنسان ، لزم أن يصدق أن : بالضرورة خ خ بعض الأناسي كاتب ؛ لأنه متى كان : خ خ كل كاتب إنسان ، لزم أن يكون : خ خ كاتب واحد إنسانا. وليفرض أنه زيد ، فزيد بعينه كاتب ، وهو بعينه إنسان من الأناسي ، فكونه إنسانا ، إن استحال أن لا يكون كاتبا ، لزم أنه بالضرورة أن بعض الأناسى كاتب ، وإن لم يستحل أن لا يكون ، لزم أن بعض الكاتبين لا بالضرورة إنسان. وقد كان : أن بالضرورة خ خ كل كاتب إنسان ، ويلزم الخلف.

والمتأخرون أبوا كونها ضرورية ، وقالوا : نعلم أن بالضرورة كل كاتب إنسان ، ولا نعلم أن بالضرورة خ خ بعض الناس كاتب ، بناء على المتعارف العامي. ثم اختلفوا من بعد فذهب بعضهم إلى انعكاسها مطلقة عامة ، محتجا بأنه : إذا صدق أن بالضرورة خ خ كل كاتب إنسان يلزم أن يصدق خ خ بعض الناس كاتب بالإطلاق ، وإلا صدق نقيضه : خ خ لا إنسان دائما بكاتب ، ويصدق عكسه ؛ خ خ لا كاتب بإنسان ، وقد كان : خ خ كل كاتب إنسان ، هذا خلف. وذهب بعضهم إلى انعكاسها ممكنة عامة محتجا بأن عكس الضروري قد يكون ضروريا ، مثل : بالضرورة خ خ كل إنسان ناطق ، وبالضرورة

__________________

(١) في (د): (تضعف).


خ خ كل ناطق إنسان ، وقد يكون ممكنا خاصا مثل بالضرورة خ خ كل ضاحك إنسان ، وبالإمكان خ خ كل إنسان ضاحك ، والقدر المشترك بين الضروري والممكن الخاص إنما هو الممكن العام ، لا المطلق العام. وعلى هذا الرأي الأخير أكثر المتأخرين ، ونحن على رأي المتقدمين.

وأما المنفية الكلية منها ، فتنعكس كلية وكنفسها ، فإذا كان : بالضرورة خ خ لا إنسان بفرس ، كان بالضرورة : لا فرس بإنسان ، وإنه مستغن عن نصب الدلالة عليه ، فإن قولنا : بالضرورة خ خ لا إنسان بفرس ، معناه أن الفرسية والإنسانية يستحيل اجتماعهما لذاتيهما ، فكما أن بالضرورة خ خ لا إنسان بفرس ، كذلك : بالضرورة خ خ لا فرس بإنسان ، ثم إن شئت الدلالة قلت : إن لم يصدق بالضرورة خ خ لا فرس بإنسان صدق نقيضه ، وهو : بالإمكان العام بعض الأفراس إنسان ، وكل ما بالإمكان العام ، لا يلزم من فرض وجوده على بعض التقديرات محال ، فليفرض : بعض الأفراس إنسان ، ويلزم الخلف بالطرق التي عرفت.

أحكام الضروريات :

وأما الضروريات بشرط وصف المبتدأ ، فالمثبتة الكلية منها تنعكس بعضية ، لكن ممكنة عامة ، على رأي أكثر المتأخرين ، للوجه المذكور. والرأي عندي : انعكاسها ضرورة بالطريق المسلوك في الضرورية المطلقة.

وأما المنفية الكلية منها : فتنعكس كلية ، وكنفسها. والألزم أن يصدق نقيضها ، وهو : إما الإثبات الدائم ، أو في بعض الأوقات ، وأيّا كان اجتمع الخبر مع الوصف في وقته ، ولا يكون النفي ضروريا في جميع أوقات الوصف ، وكان المفروض [ضروريته](١) في جميع أوقاته ، هذا خلف.

وأما الضروريات المشروطة بشرط اللادوام : فالمثبتة الكلية منها تنعكس بالاتفاق ، وعلى رأي أكثر المتأخرين : ممكنة عامة ، وعلى رأينا ضرورية.

__________________

(١) في (د) : ضرورية.


وأما المنفية الكلية منها فتنعكس كلية ، ثم عند المتأخرين مطلقة عرفية ، للحجة التي حكيت عنهم في انعكاس العرفية الخاصة عرفية عامة ، ونحن إذ دفعنا حجتهم تلك ، نقول : تنعكس كنفسها.

والضروريتان الوقتيان أمرهما في الانعكاس في الإثبات وفي النفي على نحو أخواتهما في الضرورة.

أحكام الممكنات :

وأما الممكنات : فليس يجب لها في النفي عند المتأخرين عكس ، لما رأوا : أن الشيء قد يصح نفيه عن آخر بالإطلاق ، مثل : نفي الضاحك عن الإنسان في قولك : بالإطلاق خ خ لا إنسان بضاحك خ خ ، فإنه يصدق ، ولا يصح نفي الإنسان عن الضاحك بالإطلاق ، مثل : لا ضاحك بإنسان خ خ فإنه يكذب عندهم على ما سبق ، وأما في الإثبات فيجب لها عندهم عكس ، لكن الاحتمال عندهم أن يكون الثبوت بين الشيئين بالإمكان من جانب ، مثل : خ خ الجسم متحرك خ خ بالإمكان ، وبالضرورة من جانب آخر ، مثل : خ خ المتحرك جسم خ خ بالضرورة ، لا يجعل عكسها ممكنا خاصا ، بل يجعل عاما ليشمل نوعي الثبوت ، وإذا صدق الإمكان المطلق ، ولا بد عندهم من أن يكون عاما ؛ لأن الأصل ، وهو : بالإمكان خ خ كل إنسان صادق خ خ ، أو خ خ بعض الناس صادق خ خ ، بأي إمكان شئت ، يلزم أن يكون عكسه ، وهو : خ خ بعض الصادقين إنسان خ خ بالإمكان العام ، والا لزم أنه : ليس بممكن أن يكون صادق واحد إنسانا ، ويلزم بالضرورة خ خ لا إنسان بصادق خ خ ، وقد خ خ كان كل إنسان صادق خ خ ، أو خ خ بعض الناس صادق خ خ ، هذا خلف. إن جميع ذلك ، كما ترى ، على المتعارف العامي. وقد عرفت ما عندنا فيه.

ولما تقدم أن العكس يلزم فيه رعاية النفي والإثبات ، لا يستعملون لفظ العكس حيث لا مراعى لذلك ، فلا يقولون في مثل : بالإمكان الخاص يمكن أن لا يكون خ خ كل إنسان كاتبا خ خ ، عكسه : خ خ بعض الكاتبين إنسان خ خ ، بالإمكان العام ، كما يقولون في مثل : بالإمكان الخاص يمكن أن يكون خ خ كل إنسان كاتبا خ خ ، عكسه خ خ بعض الكاتبين إنسان خ خ بالإمكان العام ، وقد ظهر : أن تفاوت الجمل في العكس ؛ إذا وقع لا يقع في الكم ، وذلك في المثبتة الكلية فحسب.


القسم الثاني : في عكس النقيض

وهو عند الأصحاب في النوع الخبري ، أعني غير الشرط ، عبارة عن جعل نقيض الخبر مبتدأ ونقيض المبتدأ خبرا ، مثل أن تقول في قولك : خ خ كل إنسان حيوان ، خ خ كل لا حيوان لا إنسان. وفي قولك : خ خ بعض الناس كاتب ، خ خ بعض ما ليس بكاتب ليس بإنسان ، وفي قولك : لا إنسان بفرس ، خ خ بعض ما ليس بفرس هو إنسان ، وحاصله عندي يرجع إلى نفي الملزوم بنفي لازمه في عكس المثبت ، وإلى إثبات اللازم بثبوت ملزومه في عكس المنفي ، فتأمل واستعن فيه ، إن شئت ، بما قدمت لك في فصل ترجيح الكناية على الإفصاح ، بالذكر ، من كيفية الانتقال من اللازم إلى الملزوم.

ولا نشترط ههنا ما شرطنا في عكس النظير ، من أن لا يخالف الأصل والإثبات أو النفي.

ولنبتدىء بعكس نقيض المطلقة العامة : في المشهور أن لها عكس نقيض من جنسها ، وأن ذلك يتبين بالخلف ، فيقال : إذا صدق كل مؤمن صادق ، صدق خ خ كل من ليس بصادق ليس بمؤمن ، أي خ خ بعض من ليس بصادق مؤمن ، فينعكس : خ خ بعض المؤمنين ليس بصادق ، وقد كان : خ خ كل مؤمن صادق هذا خلف. لكن حيث عرفت أن لا تناقض بين المطلقتين ، لم يخف عليك أن لا خلف. ولكن إذا بين بالمقدمة المذكورة صح ، ويظهر لك من هذا أنك : إذا اعتبرت الدوام في أحد الجانبين ، أمكنك بيان عكس النقيض بالخلف ، فمتى صدق : خ خ كل مؤمن صادق ، صدق لا محالة : خ خ كل لا صادق دائما لا مؤمن ، بصفة الدوام ؛ وإنما قلنا : بصفة الدوام ؛ لأنه : إن صح ، ولو في وقت واحد ، لزم خلف.

وحاصله عندي هو : أن اللازم متى انتفى على الدوام ، انتفى الملزوم على الدوام.

وأما الضرورية المطلقة فهي تنعكس كنفسها ؛ لأن اللازم بالضرورة متى انتفى انتفى بالضرورة الملزوم ، ويندرج في ذلك سائر الضروريات.

وأما الممكنات : فمتى جعلت الإمكان جزء من الخبر ، انعكست ؛ لأنها حينئذ تلتحق بالضرورية ، لكون الإمكان لكل ممكن ضروريا له.


تركيب الدليل :

وحيث كشفت لك القناع ، ونبهتك على ذلك بما أوردت ، عرفت أن التعرض للزيادة على المذكور تكرار محض ، والتكرار وظيفة المستفيد لا المفيد ، وإذ قد تلونا عليك في فصلي : التناقض والانعكاس ما تلونا ، لم يخف عليك إذا استحضرت مضمونهما : أن سابقة الدليل ولاحقته ، متى جعلتا مطلقتين ، امتنع أن تدل ، اللهم إلا في باب الإمكان ، وأنهما إذا اختلفتا في الأحوال : من الدوام واللادوام ، والضرورة واللاضرورة ، وامتزجتا في الدليل ، لزم اختلاف حال الحاصل منه ، فوجب أن ننبهك ، في عدة امتزاجات ، على كيفية تعرض الاعتبارات لحال الحاصل ، ثم نشرع بعد المفصلين الموعودين في : تركيب الدليل من شرطيتين معا ، وشرطية إحداهما دون الأخرى ؛ لكن الكلام في ذلك يستدعي مزيد ضبط لما تقدم ، فنقول :

إن الدليل في الصورة الأولى ، في ضرورياتها الأربعة ، مستبد بالنفس ، لا يحتاج إلى موضح لكمال اتضاحه لرجوعه : في الإثبات إلى أن : لازم لازم الشيء لازم لذلك الشيء بواسطة ، وفي النفي إلى أن : معاند لازم الشيء معاند لذلك الشيء بواسطة.

وأما في الثانية والثالثة والرابعة ، فمتى افتقر إلى معونة في الإيضاح أوضحناه ، إما بما قدمنا ذكره في تلخيص الخلاصة ، وإما بما عليه الأصحاب من الرد إلى الأولى ، تارة بوساطة العكس ، وأخرى بوساطة : الافتراض ، وهو تقدير البعض كلا لأفراده على ما سبق وثالثة بهما ، وإما بالخلف.

أما الرد ، فكما إذا كان الدليل من الضرب الأول من الثانية ، مثل : كل منصرف معرب ، ولا شيء من المثنى بمعرب ، فلا شيء من المنصرف بمثنى. فتعكس اللاحقة ، فيرتد إلى الضرب الثالث من الأولى ، ويحصل الحاصل بعينه.

وهذا العمل يعرف بذي عكس واحد ، لعكس يجرى في ضمن الدليل.

وأما الخلف ، فمثل أن تقول : إن لم يصدق : لا شيء من المنصرف بمبني صدق نقيضه ؛ وهو : بعض المنصرف مبني. وتضم إليه اللاحقة فيتركب دليل من الضرب الرابع ، من الأول ، هكذا : بعض المنصرف مبني ، ولا شيء من المبنيات بمعرب ، فيحصل : لا كل منصرف معرب. وقد كان : كل منصرف معرب ، وذلك أن تعكس


النقيض فتقول : بعض المبني منصرف ، وتضم إليه السابقة لاحقة ، فيتركب دليل من الضرب الثاني من الأول ، هكذا : بعض المبني منصرف ، وكل منصرف معرب ، فيحصل : بعض المبنيات معرب. وقد كان : لا شيء من المبني بمعرب.

أو كما إذا كان الدليل من الضرب الثاني من الثانية ، مثل : لا شيء من المبنيات بمعرب ، وكل منصرف معرب ، فلا شيء من المبنيات بمنصرف ، فتعكس السابقة ثم تصير لاحقة ، فيتركب دليل من الضرب الثالث من الأول ، هكذا : كل منصرف معرب ، ولا شيء من المعربات بمبني ، فيحصل ، لا شيء من المنصرف بمبني ، ثم تعكس الحاصل فيحصل : لا شيء من المبنيات بمنصرف. ويعرف هذا العمل بذي العكسين : بعكس يجري في ضمن الدليل ، وعكس يجري في الحاصل منه.

وإن شئت الخلف بالطريقين قلت : فإن كذب : لا شيء من المبنيات بمنصرف ، صدق نقيضه ، وهو : بعض المبنيات منصرف ، وعندنا : كل منصرف معرب ، فيحصل منهما : بعض المبنيات معرب. وقد كان : لا شيء من المبنيات بمعرب ، أو عكست النقيض ، فقلت : بعض المنصرف مبني ، وعندنا : لا شيء من المبنيات بمعرب ، فيحصل : بعض المنصرف ليس بمعرب ، وقد كان : كل منصرف معرب.

وأما الافتراض ، فكما إذا كان الدليل من الضرب الرابع من الثانية ، مثل : بعض الكلم ليس بمعرب ، وكل منصرف معرب ، فبعض الكلم ليس بمنصرف. فتفرض البعض المبني من الكلم نوعا وقدره الغايات ، واجعله كلا ، فقل : لا شيء من الغايات بمعرب ، ثم اعمل عمل ذي العكسين فقل : كل منصرف معرب ، ولا شيء من المعرب بغاية ، يحصل : لا شيء من المنصرفات بغاية ، ثم اعكس الحاصل ، يحصل : لا شيء من الغايات بمنصرف. وهو عين معنى : بعض الكلم ليس بمنصرف. وإنما يصار إلى الافتراض ؛ لامتناع اللاحق في الصورة الأولى ، بعضية على ما عرفت.

وأما الخلف فهو إن كذب : لا شيء من الغايات بمنصرف ، صدق : بعض الغايات منصرف. ويضم إليه ، وكل منصرف معرب ، فيحصل بعض الغايات معرب. وقد كان : لا شيء من الغايات بمعرب ؛ ولك أن توجه الخلف بالطريق العكسي على ما تكرر ، وهو أن تعكس النقيض فتقول : بعض المنصرف غاية ، وعندنا : لا شيء من


الغايات بمعرب ، فيحصل منه بعض المنصرف ليس بمعرب ، وقد كان : كل منصرف معرب.

أو كما إذا كان الدليل من الضرب الأول من الثالثة ، مثل كل حرف كلمة ، وكل حرف مبني ، فبعض الكلم مبني. فتعكس السابقة ، ويرتد الدليل إلى الضرب الثاني من الأول ، أو تسلك الخلف قائلا : إن لم يصدق بعض الكلم مبني ، صدق لا شيء من الكلم بمبني. وقد كان معنا : كل حرف كلمة ، ولا شيء من الكلم بمبني ، فيحصل : لا شيء من الحروف بمبني ، وقد كان كل حرف مبني ، أو تسلكه بالطريق العكسي.

وكما إذا كان الدليل من الضرب الثالث من الثالثة ، مثل : كل اسم كلمة ، وبعض الأسماء معرب ، فبعض الكلم معرب. فتعكس اللاحقة وتجعلها سابقة ، فتقول : بعض المعربات اسم ، وكل اسم كلمة ، فبعض المعربات كلمة. ثم تعكس الحاصل فيحصل : بعض الكلم معرب.

أو تسلك الخلف فتقول : وإلا فلا شيء من الكلم بمعرب ، وتضم إليه سابقة الدليل سابقة ، فيحصل من ذلك : لا شيء من الأسماء بمعرب ، وعندنا : بعض الأسماء معرب. أو تقول ، بعض العكس لنقيض الحاصل : فلا معرب بكلمة ، وتضم إليه لاحقة الدليل سابقة ، فيحصل من ذلك : بعض الأسماء ليس بكلمة ، وعندنا : كل اسم كلمة.

أو كما إذا كان من الضرب الخامس من الثالثة ، مثل : بعض الأفعال وارد على خمسة أحرف ، ولا شيء من الأفعال بخماسي ، فلا كل وارد على خمسة أحرف خماسي. فترد إلى الرابع من الأولى بعكس السابقة ، مثل : بعض الوارد على خمسة أحرف فعل ، ولا شيء من الأفعال بخماسي ، فلا وارد على خمسة أحرف خماسي. أو إلى الثالث من الأولى ، بالعكس مع الافتراض ، مثل كل وارد على بناء تفوعل فعل ولا شيء من الأفعال بخماسي ، فلا شيء من الوارد على تفوعل خماسي ، وهو عين معنى : فلا كل وارد على خمسة أحرف خماسي. أو تبين الخلف بطريقيه مثل : إن لم يصدق لا كل وارد على خمسة أحرف خماسي ، صدق كل وارد على خمسة أحرف خماسي ، وعندنا : بعض الأفعال وارد على خمسة أحرف ، فتجعل سابقة ، ويتركب الدليل هكذا : بعض الأفعال وارد على خمسة أحرف ، وكل وارد على خمسة أحرف خماسي ، فيحصل :


بعض الأفعال خماسي وقد كان لا شيء من الأفعال بخماسي. والطريق الآخر معلوم.

أو كما إذا كان الدليل من الضرب الأول من الرابعة ، مثل : كل اسم كلمة ، وكل موصول اسم ، فبعض الكلم موصول : فتجعل السابقة لاحقة فتقول : كل موصول اسم ، وكل اسم كلمة ، فيحصل : كل موصول كلمة ، ثم تعكس الحاصل فيحصل : بعض الكلم موصول.

وإن شئت الخلف قلت وإلا فلا شيء من الكلم موصول ، وتجعله لاحقة لسابقة الدليل المتقدم ، فتقول : كل اسم كلمة ، ولا شيء من الكلم بموصول ، فيحصل : لا شيء من الأسماء بموصول. وعندنا ، بحكم العكس لسابقة الدليل المتقدم : بعض الأسماء موصول ، فالخلف لازم.

وكذا إذا كان من ضربها الخامس مثل : لا شيء من الكلم بمهمل ، وكل فعل كلمة ، فلا شيء من المهمل بفعل : تقول : كل فعل كلمة ، ولا شيء من الكلم بمهمل ، فلا شيء من الأفعال بمهمل. فلا شيء من المهمل بفعل ، وخلفه أن تقول و: إلا ، فبعض المهمل فعل ، وتجعله سابقة لقولك : كل فعل كلمة ، فتقول : بعض المهملات فعل ، وكل فعل كلمة ، فبعض المهملات كلمة ؛ وعندنا ، بحكم العكس لسابقة الدليل المتقدم : لا شيء من المهملات بكلمة ، هذا خلف.

وكذا إذا كان من ضربها الثاني مثل : كل اسم دال على معنى ، وبعض الألفاظ اسم ، فبعض الدال على المعنى لفظ ، تقول : بعض الألفاظ اسم ، وكل اسم دال على معنى ، فيحصل : بعض الألفاظ دال على معنى ، ثم تعكس الحاصل ، فيحصل : بعض الدال على المعنى لفظ ، وخلفه ، على ما عرفناك ، تقول : وإلا : فلا شيء من الدال على المعنى بلفظ ، وتجعله لاحقة لقولك : كل اسم دال على المعنى ، فيحصل : لا شيء من الأسماء بلفظ. ثم تقول ، وعندنا بحكم العكس للاحقة أصل الدليل : بعض الأسماء لفظ. ويلزم الخلف.

وكذا إذا كان من ضربها الثالث ، مثل : كل منصرف معرب ، ولا شيء من الأفعال بمنصرف ، فلا كل معرب فعل. تعكس الجملتين. وإنه من قبيل ذي عكس واحد ؛ لبقاء السابقة سابقة ، واللاحقة لاحقة ، فتقول : بعض المعرب منصرف ، لا شيء من المنصرف


بفعل فيحصل : لا كل معرب فعل.

وقد عرفناك الطرق فاسكلها بنفسك ، ومتى أتقنت ما ذكر ، أمكنك تحصيل المطالب بطرق معلومة مضبوطة الأسماء ، وقد انضم إلى ذلك ما اخترنا نحن في عكوس الجمل ، من بقاء جهاتها محفوظة على ما سبق تقرير ذلك.

تفاوت الامتزاجات بين المتقدمين والمتأخرين :

ونحن إن [نسوق] الكلام إلى الآخر ، على أقرب الوجوه وأدخلها في الضبط أمكن ، ولكن في البين واقع يورث تشويشا ، فلا بد من تداركه ، وهو : أن بين المتقدمين والمتأخرين في الامتزاجات تفاوتا في الحكم يقدح في ضبط الكلام في مواضع ، ويشوش الأمر على المتعاطين ، فالرأي : أن نطلعك على السبب في وقوع التفاوت ، ثم نصرح لك بما نحن فاعلوه هناك من اختيار الأقرب إلى الضبط ، والعمل بالأليق.

اعلم أن التفاوت بين رأي المتقدمين ورأي المتأخرين حيث وقع ، وقع ؛ لأن المتقدمين لأجل تطلب الضبط اختاروا في الحاصل من الدليل أقل ما يلزم منه ، أعني : أعم الاحتمالين ، ولعمري ، ما فاتهم فائت ، وقد حصلوا على قانون مضبوط ، وهو جعل الحاصل تابعا لأعم جملتي الاستدلال ، إلا فيما كان اللازم من الدليل في الظهور مساويا لأقل ما يلزم منه ، وما ركبوا في اختيارهم لما اختاروه نوع بدعة. كيف ، وإن مبني الدليل كما عرفت على استفادة اليقين منه؟ والتشبث بأقل ما يلزم في باب اكتساب اليقين مما له قدم صدق في ذلك.

وأما المتأخرون : فقد بنوا رأيهم على ما يلزم من الدليل البتة ، من غير محاباة وغير التفات إلى مطلوب آخر في البين.

ونحن ، على أن نوفق بين الرأيين ، فنأخذ أقل ما يلزم من الدليل ابتداء ، ثم ننظر في الزيادة المحتملة ، إن وجدناها لازمة أخذناها أجزاء ، وهذا حين أن نشرع في الامتزاجات ، ذاكرين منها عدة أمثلة ليستعان بها فيما سواها.


أما الصورة الأولى ، فإذا ركبت الدليل فيها من سابقة دائمة ، ولاحقة مطلقة عامة ، مثل ما إذا قلت : خ خ كل إنسان ما دام موجود الذات ضحاك أي له قوة الضحك ؛ خ خ وكل ضحاك ضاحك بالفعل بالإطلاق ، كان الحاصل مطلقا بالاتفاق ، وهو : خ خ كل إنسان ضاحك بالفعل. وإذا قلبت ، فجعلت السابقة مطلقة عامة ، واللاحقة دائمة ، مثل ما إذا قلت : خ خ كل إنسان ضاحك بالفعل بالإطلاق ، وخ خ كل ضاحك بالفعل ما دام موجود الذات ضحاك ، أطلقنا الحاصل ابتداء ، ثم ننظر فنرى في اللاحقة الخبر ، لكونه مقيدا بدوام وجود الذات ، راجعا إلى تقييد ذات وجود الموصوف بالدوام ، دام له الوصف أو لم يدم ، فننقل الحاصل [من](١) الإطلاق إلى الدوام أجزاء ، ونقول اللازم : خ خ كل إنسان ما دام موجود الذات ضحاك.

و [كما](٢) عرفت هذا في الدائمة ، يجب أن تعرفه في الضرورية المطلقة ، بأن تجعل الحاصل مطلقا إذا ركبت الدليل من : سابقة ضرورية مطلقة ، ولاحقة عامة مطلقة ، مثل قولك : خ خ الله عز اسمه حي بالضرورة ، وخ خ كل حي مدرك للمدرك بالإطلاق ، فالله عز اسمه مدرك للمدرك بالإطلاق. وإذا قلبت فقلت : مثلا خ خ الإنسان ضاحك بالفعل بالإطلاق ، وخ خ الضاحك بالفعل ضحاك بالضرورة ، حصل الإطلاق ، أولا ، والضرورة ثانيا بالطريق المذكور.

وإذا ركبته فيها من : سابقة ضرورية مطلقة ، ولاحقة عرفية ، مثل ما إذا قلت : خ خ كل جسم بالضرورة متحيز ، وكل متحيز ما دام متحيزا كائن في جهة ، فلكون اللازم منه ، وهو الضرورة في الحاصل ، مساويا في الظهور لأقل ما يلزم ، وهو الدوام ، جعلنا الحاصل ضروريا من غير تدريج.

ويمتنع تركيبه فيها من السابقة الضرورية المطلقة ، واللاحقة العرفية الخاصة ؛ لامتناع اجتماعهما في الصدق ، فتأمل. وإنما أوصيك لتحريك بعض الأصحاب قلمه هنا بنوع من الاعتراض.

__________________

(١) في (غ ، د): (عن).

(٢) في (غ ، د) كلما.


وكذا يمتنع تركيبه فيها من : سابقة دائمة ، ولاحقة عرفية خاصة ، لمثل ذلك.

وإذا ركبته فيها من سابقة ممكنة ، ولاحقة ضرورية ، مثل ما إذا قلت : خ خ كل إنسان متحرك بالإمكان ، وخ خ كل متحرك جسم بالضرورة ، حكمنا بالتدريج قائلين ابتداء : خ خ كل إنسان جسم بالإمكان ثم بالضرورة ثانيا :

وإذا ركبته فيها من : سابقة مطلقة ، ولاحقة ممكنة عامة ، أو بالقلب ، وهو : من سابقة ممكنة عامة ، ولاحقة مطلقة ، فقلت : خ خ كل عاقل مفكر بالإطلاق ، وخ خ كل مفكر واصل إلى الحق بالإمكان العام ، أو قلت : خ خ كل مسيء نادم بالإمكان العام ، وخ خ كل نادم تائب بالإطلاق ، كان الحاصل أعم الاحتمالين ، وهو : الإمكان العام ، لاحتمال الإطلاق الضرورية.

وأما الصورة الثانية ، فحال الامتزاجات فيها ـ على رأينا ـ في بقاء الجهات محفوظة في العكس ، على نحو حالها في الصورة الأولى من غير تفاوت ؛ لارتدادها إليها بوساطة عكس اللاحقة في ضربيها الأول والثالث من غير زيادة عمل ، وبوساطة السابقة وجعلها لاحقة ، ثم عكس الحاصل في ضربها الثاني بوساطة الافتراض ، والعكس في السابقة وجعلها لاحقة ، ثم عكس الحاصل في ضربها الرابع.

وحين عرفت أن هذه الصورة لا تصلح إلا للنفي ، وقد نبهت على أن النفي إما أن يكون : نفيا للإثبات ، أو نفيا لخصوصية في الإثبات ، كالضرورة وكالدوام ، أو نفيا لخصوصية في النفي لمثل ذلك ، عرفت لا محالة : أن تركيب الدليل فيها من منفيتين معا ، أو من مثبتتين معا ، إذا اختلفتا في الخصوصية لم يكن ممتنعا.

والصورة الثالثة أيضا ، لارتدادها إلى الأولى بعكس السابقة في ضروبها الأربعة : الأول والثاني والرابع والخامس وبالافتراض في اللاحقة في ضربها الثالث ، أو عمل العكسين ، وبالافتراض في اللاحقة لا غير في ضربها السادس.

واعمل في الصورة الرابعة في ردها إلى الأولى بالطرق التي علمت ، فإنا ما اجتهدنا في حفظ الجهات في باب العكس ، إلا لهذا المقام ، والمتأخرون ما وقعوا في التطويلات ، وتدوينهم لما دونوا من الأسفار ، إلا لعدو لهم في العكس عن حفظ الجهة ، وأول حامل حملهم ، فيما أرى ، على العدول عنه : المتعارف العامي ، ثم سائر ما حكينا عنهم في مواضع.


وإن هذا النوع ، نوع متى اضطرب شيء منه ، استتبع اضطرب أشياء ، فاعلم.

خاتمة :

وحاصل الأمر أنك حين عرفت أن العكس حافظ للجهة ، وأن الحاصل من الصور الثلاث : الثانية ، والثالثة ، والرابعة ، يمكن تحصيله منهن على نحو تحصيله من الأولى من غير تفاوت ، بالطرق المذكورة ، وهي : الافتراض والعكس والعكسان ، فمتى أتقنت حال الامتزاجات في الصورة الأولى ، أغناك ذلك فيما عداها بسلوك الطرق المعلومة ، عن استئناف تأمل في الحاصل من امتزاجاتهن ، وليكن هذا آخر كلامنا في هذا الفصل.


[الباب](١) الثاني

في الاستدلال الذي جملتاه شرطيتان

إنك بعد أن وقفت على خواص تراكيب الاستدلالات في الفصل السابق ، مع أصولها المحتاج إليها ، وفروعها اللائقة بها ، لا نراك تفتقر في هذا الفصل إلا إلى مجرد الوقوف على الأحوال في الشرط : من الإثبات والنفي ، والتقييد بالكل والبعض والإهمال ، ومن التناقض والانعكاس. فحري بنا أن نوقفك على ذلك فنقول وبالله التوفيق.

أما الشرط ، فقد وقفت على كلماته في علم النحو ، وعلى تحقيقه في علم المعاني ، فلا نعيد ذلك. ولكن الأصحاب ألحقوا بكلمات الشرط : خ خ كلما ، وإن كانت أصول النحو تأبى ذلك ، لما تقرر أن كلمات الشرط حقها أن تجزم ، وليس هو من الجزم في شيء ، وإنما هو : (كل) الشمول ، قد دخل على : (ما) المصدرية المؤدية معنى الظرف ، على نحو : خ خ أتيتك مقدم الحاج ، وانتصب في قولك : خ خ كلما أكرمتني أكرمتك ، لإضافته إلى الظرف ، مفيدا معنى : خ خ كل وقت إكرامك إياي أكرمك.

واصطلحوا في كلمة : الترديد ، وهي إما على تسميتها كلمة شرط ، وليس من الشرط في شيء ، وإنما حاصله ترديد المبتدأ ، قبل دخول العوامل وبعده ، بين خبرين أو أكثر ، كقولك : خ خ زيد إما قائم ، وخ خ إما قاعد ، وخ خ إما ، وإما .. وخ خ إن زيدا إما قائم ، وإما قاعد ؛ وخ خ كان زيد إما قائما ، وإما قاعدا ؛ وأظن زيدا إما قائما وإما قاعدا ... وكقولك : خ خ زيد إما أن يكون قائما وإما أن يكون قاعدا ، إذ أصل الكلام ، بوساطة أصول النحو وعلم المعاني ، حال زيد إما كونه قائما ، وإما كونه قاعدا. أي حاله : إما القيام وإما القعود ، وكقولك : خ خ إما أن يكون زيد قائما وإما أن يكون قاعدا. إذ أصل الكلام الواقع : إما كون زيد قائما ، وإما كونه قاعدا ، أي الواقع إما قيام زيد وإما قعوده.

__________________

(١) في (غ ، د) : الفصل.


أقسام الشرط :

أو ترديد الخبر بين المخبر عنهما ، أو أكثر ، كقولك : خ خ جاءني إما فلان وإما فلان وإما فلان. وجعلوا الشرط قسمين : شرط انفصال : وهو ما أدي بإما على نحو : هذا الاسم إما أن يكون معربا وإما أن يكون مبنيا ؛ وشرط اتصال هو ما عداه.

والأصحاب ، حين سبقونا إلى التعرض لهذا الجزء من علم المعاني ، أعني علم الاستدلال ، ونراهم ما آلوا فيه جهدا ، آثرنا أن نتبعهم في ذلك مسامحين ، قضاء لحق الفضل لهم :

فلو قبل مبكاها بكيت صبابة ...

[بسعدى](١) شفيت النفس قبل التندّم

ولكن بكت قبلي ، فهيج لي البكا ...

بكاها ، فقلت : الفضل للمتقدم

أحوال الاستدلالات في الشرط :

اعلم أن الإثبات في الشرط هو : كون الاتصال والانفصال قائما. فالاتصال كقولك : خ خ إن أكرمتني أكرمتك ، وخ خ إن لم تهني لم أهنك ، وخ خ إن أكرمتني لم أهنك ، أو خ خ إن لم تهني أكرمتك ، والانفصال كقولك : خ خ إما أن يقوم زيد ، وخ خ إما أن يقوم عمرو ، وخ خ إما أن لا يقوم زيد ، وخ خ إما أن لا يقوم عمرو ، أو خ خ إما أن يقوم زيد وخ خ إما أن لا يقوم عمرو ، وخ خ إما أن لا يقوم زيد وخ خ إما أن يقوم عمرو.

وأما النفي فيه ، فهو سلب الاتصال أو الانفصال ، كقولك : خ خ ليس إن أكرمتني أهنك ، أو ليس خ خ إما أن يقوم زيد ، وخ خ إما أن يقوم عمرو.

والإثبات الكلي في الشرط هو عموم الاتصال ، كقولنا : خ خ كلما أكرمتني أكرمتك أو دائما خ خ إن أكرمتني أكرمتك ، أو عموم الانفصال ، كقولك : دائما خ خ إما أن يكون زيد كاتبا ، وخ خ إما أن يكون قارئا.

والنفي الكلي فيهما هو عموم الاتصال أو الانفصال على وجه يسد الطريق إلى

__________________

(١) في (بعض النسخ): (بعدى).


تحققهما ، كقولك : خ خ ليس البتة إذا أساء زيد عفوت عنه ، وخ خ ليس البتة إما أن تأتيني ، وخ خ إما أن آتيك.

والإثبات البعضي فيهما بخلاف الكلي ، كقولك : خ خ قد يكون إذا جاء زيد جاء عمرو ، وخ خ قد يكون زيد إما كاتبا وإما قارئا.

والنفي البعضي (ليس كلما) وليس دائما.

والإهمال هو إطلاق الحكم بالاتصال أو الانفصال من غير تعرض للزيادة ، كقولك : خ خ إن قام زيد قام عمرو ، وخ خ إما أن يقوم زيد وخ خ إما أن يقوم عمرو ، خ خ وليس إذا كان كذا كان كذا ، خ خ وليس إما أن يكون كذا وإما أن يكون كذا.

وأما أمر التناقض فيه فعلى نحو ما سبق ، يوضع في مقابلة : كلما كان ، ليس كلما كان ، وفي مقابلة : دائما إما ، وإما ليس دائما إما وإما ، وفي مقابلة ليس البتة ، في المتصل وفي المنفصل ، قد يكون.

وأما العكس فله في الشرط المتصل وجه ، وهو جعل الجزاء شرطا ، والشرط جزاء ، دون المنفصل. وحكم العكس على ما سبق المثبت الكلي أو البعضي : مثبت بعضي ، والمنفي الكلي : منفي كلي.

تركيب الشرط في الاستدلال :

واعلم أن تركيب الشرط يتفاوت ، فتارة يكون من خبريتين نحو : متى كانت الكلمة استعارة كانت مجازا مخصوصا. وتارة من خبرية وشرطية ، إما متصلة ، نحو : إن أريد بالكلمة الحقيقة ، فمتى استعملت لم تحتج إلى قرينة ، وإما منفصلة ، نحو : إن أريد بالكلمة الحقيقة ، فإما أن تكون حقيقة بالتصريح ، وإما أن تكون كناية ، وتارة من شرطية متصلة وخبرية ، نحو إن كان متى كانت الاستعارة على سبيل الكناية لزمتها استعارة تخييلية ، كان بين هاتين الاستعارتين مزيد تعلق ، وتارة من شرطية منفصلة وخبرية ، نحو : إما أن تكون هذه الكلمة إما استعارة أصلية أو استعارة تبعية ، وإما أن لا تكون استعارة أصلا ، وتارة من شرطيتين متصلتين ، نحو : إن كان متى كانت الكلمة مجازا ، كانت مسبوقة بحقيقة لم تكن مجازا ؛ أو منفصلتين ، نحو : إما أن يكون هذا


المستعمل إما حقيقة بالتصريح وإما كناية ، وإما أن يكون إما مجازا مرسلا وإما استعارة. وتارة تكون من متصلة ومنفصلة نحو : إن كان كلما كانت الكلمة مستعملة في معناها ، فهي حقيقة ، فإما أن تكون الكلمة حقيقة ، وإما أن لا تكون مستعملة في معناها ، وتارة من منفصلة ومتصلة ، نحو : إما أن تكون الاستعارة إما أن تكون لغوية ، وإما أن تكون عقلية ، وإما أن تكون متى كانت الاستعارة لم تكن إلا لغوية ، وتارة تكون من شرطيات ، نحو : إن كان الناطق لازما مساويا للإنسان ، صح إن كان متى كان كلما كان هذا إنسانا فهو ناطق ، كان كلما كان ناطقا فهو إنسان ، فيكون متى كان كلما لم يكن أن يكون إنسانا لم يكن أن يكون ناطقا ، كان كلما لم يكن أن يكون ناطقا لم يكن أن يكون إنسانا ، فهذه عشرون جملة خبرية صارت جملة واحدة شرطية.

حقيقة الاتصال :

واعلم أن الاتصال يسمى حقيقيا ، متى كان بحيث يلزم من تحقق الشرط تحقق الجزاء ، نحو : إن كانت اللفظة موضوعة للمعنى فهى كلمة ، وإن كانت كلمة فهي موضوعة للمعنى ، أو إن كانت اسما فهي كلمة ، أو إن لم تكن كلمة لم تكن اسما.

ويسمى غير حقيقي متى لم تكن كذلك ، كما إذا قلت : إن كان الاسم علما فهو مرتجل ، كحمدان وعمران وغطفان ، وإن كان العلم مرتجلا فهو غير قياسي : كموظب ومكوزة ومحبب وحيوة.

حقيقة الانفصال :

وأما الانفصال فالحقيقى : هو ما يراد به المنع عن الجمع وعن الخلو معا ، كقولك : كل اسم فإما أن يكون معربا وإما أن يكون مبنيا ، فلا شيء من الأسماء يجمع عليه الإعراب والبناء معا ، أو يسلبان عنه معا.

وغير حقيقي : هو ما يراد به المنع عن الجمع فحسب ، كقولك ، لمن يقول في ضمير أنه منفصل مجرور ، الضمير إما أن يكون منفصلا وإما أن يكون مجرورا ، تريد أن الانفصال والانجرار لا يجتمعان لضمير ، لا أنهما لا يرتفعان عنه ، كيف والمتصل المرفوع أو المنصوب في البين ، أو ما يراد به المنع عن الخلو ، كقولك لهذا القائل : الضمير إما أن لا يكون منفصلا وإما أن لا يكون مجرورا ، تريد أنه لا يخلو عنهما معا ، أعني عدم كونه


منفصلا ، وعدم كونه مجرورا ؛ لأنه بتقدير خلوه عن عدمهما معا يستلزم اتصافه بوجودهما معا ؛ لامتناع الواسطة بين وجود الشيء وعدمه ، فيكون منفصلا مجرورا معا.

ثم في كلام العرب تراكيب للجمل في غير الشرط ، إذا تأملتها وجدتها تنوب مناب الشرطيات ، كقولك : لا يتوب المؤمن عن الخطيئة ويدخل النار ، بواو الصرف ، ينوب هذا عن الشرطي المتصل مناب : إن تاب المؤمن عن الخطيئة لم يدخل [النار](١) ، ومن المنفصل مناب : إما أن لا يتوب وإما أن يدخل النار ، وكقولك : لا أخليك أو تؤدي إلى الحق ، بالنصب ، ينوب هذا عن الشرطي المتصل مناب : إن لم أخلك أديت إلى الحق ، ومن المنفصل مناب إما أن لا تكون تخلية وأما أن يكون أداء ، وكقولك إن شئت : ليس يتوب المؤمن عن الخطيئة إلا ويدخل الجنة.

وفي أمثال هذه التراكيب كثرة فمن أحب الاطلاع عليها ، فليخدم علم النحو ، وما سبق من علم المعاني.

قانون الشرطيات :

والقانون في الشرطيات المتصلة أن تنزل الشرط منزلة المبتدأ ، والجزاء منزلة الخبر ، ثم تركب الدليل منها ، على نحو ما سبق من الصور الأربع ، مراعيا الشروط المذكورة ، المصيرة للضروب الستة عشر في كل من الأربع ، إلى ما عرفت من الأربعة والأربعة والستة والخمسة.

وأما الشرطيات المنفصلة ، فليست إلا خبريات ، على ما عرفناك من الأصل في خ خ أما لا فرق ، إلا أن في الخبريات ، في النفي أو في الإثبات ، تعين الخبر للمبتدأ ، والمنفصلة لا تعينه ، وإنما تجعله أحد ما تعدد فتركب الدليل منها على نحو تركيبه من الخبريات ، ووضع الدليل إما أن يكون من شرطتين متصلتين ، أو منفصلتين ، أو من سابقة متصلة ولاحقة منفصلة ، أو بالعكس : فهذه أقسام أربعة. ونحن نورد من كل واحد منها مثالا ، في كل واحدة من الصور ، في ضرب واحد ، ليقاس عليه سائر الضروب.

__________________

(١) من (غ).


صور الاستدلال الذي جملتاه شرطيتان :

الصورة الأولى :

نقول في الأولى من القسم الأول : كلما كانت الكلمة مستعملة في معناها كانت حقيقة بالتصريح ، وكلما كانت حقيقة بالتصريح ، كانت في الاستعمال مستغنية عن قرينة ، فيحصل : كلما كانت مستعملة في معناها ، كانت في الاستعمال مستغنية عن قرينة.

ومن القسم الثاني : دائما كل مزيد ؛ إما أن يكون مزيدا للإلحاق ، وإما أن يكون مزيدا لغير الإلحاق ، ودائما كل مزيد للإلحاق إما أن يكون ملحقا بالرباعي ، وإما أن يكون ملحقا بالخماسي ، ودائما كل مزيد لغير الإلحاق إما أن يكون مزيد ثلاثي ، وإما مزيد رباعي ، وإما مزيد خماسي ، فيحصل : دائما كل مزيد إما ملحق بالرباعي ، وإما ملحق بالخماسي ، وإما غير ملحق ، إما مزيد ثلاثي وإما مزيد رباعي وإما مزيد خماسي.

ومن القسم الثالث : كلما كانت اللفظة دالة على معنى مستقل بنفسه غير مقترن بزمان ، كانت اسما ، ودائما كل اسم : إما أن يكون معربا وإما أن يكون مبنيا ، فيحصل :

دائما كل لفظة دالة على معنى مستقل بنفسه غير مقترن بزمان ، إما أن تكون معربة ، وإما أن تكون مبنية.

ومن القسم الرابع : دائما إما أن يكون المعرب اسما ، وإما أن يكون فعلا مضارعا ، وكلما كان المعرب اسما كان في الإعراب أصلا ، وكلما كان مضارعا كان في الإعراب متطفلا ، فيحصل : إما أن يكون المعرب أصلا في الإعراب ، وإما أن يكون متطفلا فيه.

الصورة الثانية :

ونقول في الثانية من القسم الأول : كلما كانت الكلمة كناية ، كانت مستعملة في معناها ومعنى معناها ، وليس البتة إذا كانت الكلمة مجازا أن تكون مستعملة في معناها ومعنى معناها ، فيحصل ليس البتة إذا كانت كناية أن تكون مجازا.


ومن القسم الثاني : [دائما](١) كل مجاز إما أن يكون لغويا ، وإما أن يكون عقليا ، وليس البتة شيء من الألفاظ المهملة إما لغويا وإما عقليا ، فيحصل دائما لا مجاز بمهمل.

ومن القسم الثالث : كلما كانت الكلمة حرفا كانت مبنية ، وليس البتة شيء إما منصرف وإما غير منصرف مبنيا ، فليس البتة كلمة هي حرف إما منصرفا وإما غير منصرف.

ومن القسم الرابع : دائما كل فعل إما ماض وإما مضارع وإما أمر ، وليس البتة شيء إذا كان حرفا أن يكون ماضيا أو مضارعا أو أمرا ، فليس البتة فعل بحرف.

الصورة الثالثة :

وفي الثالثة من القسم الأول : كلما كانت الكلمة مستعملة في غير معناها كانت مفتقرة إلى قرينة ، وكلما كانت الكلمة مستعملة في غير معناها كانت مجازا فيحصل : قد يكون إذا كانت الكلمة مفتقرة إلى قرينة أن تكون مجازا.

ومن القسم الثاني : دائما كل كلمة ، إما أن تكون حقيقة ، وإما أن تكون مجازا ، وكل كلمة دائما إما أن تكون اسما ، وإما فعلا ، وإما حرفا ، يحصل : إما الحقيقة وأما المجاز قد يكون إما اسما ، وإما فعلا ، وإما حرفا.

ومن القسم الثالث : كلما كانت الكلمة خماسية كانت اسما ، والكلمات الخماسية دائما إما على وزن قرطعب ، وإما على وزن جحمرش وإما على وزن سفرجل ، وإما على وزن قذعمل ، والاسم قد يكون إما على ، وإما على ، وإما على ، وإما على.

ومن القسم الرابع : دائما كل كلمة ملحقة ، إما ثلاثية وإما رباعية. وكلما كانت الكلمة ملحقة كانت مزيدة ، فأما الثلاثيات وأما الرباعيات قد تكون مزيدة.

الصورة الرابعة :

وفي الرابعة من القسم الأول : كلما كانت الكلمة استعارة كانت مفتقرة إلى نصب

__________________

(١) من (غ).


دلالة ، وكلما كانت الكلمة مستعملة لغير معناها ، روما للمبالغة في التشبيه ، كانت استعارة ، فيحصل : قد تكون إذا كانت الكلمة مفتقرة إلى نصب دلالة ، أن تكون مستعملة لغير معناها.

ومن القسم الثاني : دائما كل حقيقة من الكلم إما أن تكون تصريحا وإما أن تكون كناية ، ودائما إما الكلمة المستعملة في معناها وحده ، وإما المستعملة في معناها ومعنى معناها ، تكون حقيقة ، فيحصل : قد يكون إما التصريح ، وإما الكناية ، إما استعمالا للكلمة في معناها وحده ، وإما في معناها ومعنى معناها.

ومن القسم الثالث : كلما كان الاسم ممتنعا عن الصرف فهو في ضرورة الشعر يصرف ، ودائما كل ما كان إما جمعا ليس على زنته واحد ، وإما مؤنثا بالألف. فهو ممتنع عن الصرف ، فيحصل : قد يكون ما يصرف في ضرورة الشعر ، إما أن يكون جمعا ليس على زنة واحد ، وإما أن يكون مؤنثا بالألف.

ومن القسم الرابع : دائما كل مبني إما لازم البناء وإما عارض البناء ، وكلما دخل الاسم في الغايات كان مبنيا ، فيحصل : قد يكون بعض ما بناؤه لازم أو بناؤه عارض داخلا في الغايات.


[الباب](١) الثالث

الاستدلال الذي إحدى جملتيه شرطية والأخرى خبرية

من تكملة علم المعاني في الاستدلال الذي إحدى جملتيه شرطية والأخرى خبرية

تركيب الدليل في هذا [الباب](٢) ، في كل صورة من الصور الأربع ، لا يزيد على أربعة أقسام : وهي : أن تكون السابقة خبرية واللاحقة إما متصلة وإما منفصلة ، وأن تكون اللاحقة خبرية والسابقة إما متصلة وإما منفصلة. وقد عرفت جميع ذلك ، فاعتبر التركيبات بنفسك.

الباب الرابع

القياسات ومجاريها وأحوالها

وإذ قد نجز الموعود في [الأبواب](٣) الثلاثة من فن الاستدلال ، فلو لا أن للأصحاب فصولا سواها يتكلمون فيها : كفصل القياسات المركبة ، وفصل القياسات الاستثنائية ، وفصل قياس الخلف ، وفصل عكس القياس ، وفصل قياس الدور ، وغير ذلك ، لختمنا الكلام في هذا الفن ، مؤثرين أن لا ننظمها في سلك الإيراد ، لرجوعها إما إلى مجرد اصطلاح ، وإما إلى فائدة قلما تخفى على ذي فطنة يتقن ما قد سبق ذكره ، ولكنا نقفو أثرهم اعتناء بإيضاح ما توخوه ، مع التنبيه على ما هنالك من وجوه الضبط عندنا.

القياسات المركبة :

فنقول : تركيب القياسات عبارة عن تركيب دليل فيه تركيب دليل ، إما لسابقته وإما للاحقته ، وإما لكلتيهما ، وقس على هذا. وأنا أذكر مثالا واحدا ، وهو قولنا : في دليل فيه دليل سابقته : كل جسم قرين كون في جهة معينة ، وكل كون حادث ، فكل جسم قرين حادث. وكل قرين حادث حادث ، فكل جسم حادث.

__________________

(١) في (د ، غ) : الفصل.

(١) في (د ، غ) : الفصل.

(٢) في (غ ، د) : الفصول.


وتركيب القياسات عندهم ينقسم إلى : موصول ، وهو أن يكون الدليل المودع في الدليل قد وصل بذكر سابقته ولاحقته ، والحاصل منهما في المثال المذكور ، وإلى : مفصول ، وهو أن يكون قد فصل عنه ذكر الحاصل من جملتيه ، كما إذا قلت : كل جسم قرين كون في جهة معينة ، وكل كون في جهة معينة حادث ، وكل قرين حادث حادث ، وكل جسم حادث ؛ ولك أن تجعل الوصل : عبارة عن أن يوصل الدليل بالتصريح ، بجميع ما لا بد له منه في استلزامه للمطلوب.

والفصل : عبارة عن ترك شيء ، إذا علم موقعه ، فنقول في قولك : هذا مساو لذاك ، وذاك مساو لذلك ، فهذا مساو لذلك ، أنه مفصول. وفي قولك : هذا مساو لذاك ، وذاك مساو لذلك ، وكل مساو لمساو لشيء ، مساو لذلك الشيء ، فهذا مساو لذلك ، أنه موصول. وأن تقول في قولك : إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ، وإن كان النهار موجودا فالأعشى يبصر ، والشمس طالعة فالأعشى يبصر : إنه مفصول. وفي قولك : والشمس طالعة ، فالنهار موجود ، فالأعشى يبصر ، إنه [موصول](١).

القياسات الاستثنائية :

والقياس الاستثنائي عبارة عن الاستدلال بثبوت الملزوم على ثبوت لازمه ، وبنفي اللازم على انتفاء ملزومه ، دون مقابليهما ، إلا فيما إذا كان اللازم مساويا. لكن ذلك لا يكون عن قوة النظم ، مثال الاستدلال بثبوت الملزوم على ثبوت اللازم : إن كان هذا إنسانا ، فهو حيوان ، لكنه إنسان ، فيحصل : هو حيوان. ومثال الاستدلال بنفي اللازم على انتفاء ملزومه : إن كان إنسانا ، فهو حيوان ، لكنه ليس بحيوان ، فيحصل : ليس هو بإنسان. [وهو](٢) من الدلالات الواضحة المستلزم تكذيبها الجمع بين النقيضين استلزاما ظاهرا ، ولك أن تنزل الأول منهما منزلة الضرب الثاني من الصورة الأولى ؛ لأن قولنا : إن كان هذا إنسانا فهو حيوان في قوة : كل إنسان حيوان ، فتجعله لاحقة ،

__________________

(١) في (د) : مفصول.

(٢) في (غ) : وهما.


وتجعل قولك : لكنه إنسان ، وهو في قوة : هو إنسان ، سابقة : وتركب الدليل هكذا : هو إنسان ، وكل إنسان حيوان ، فيحصل : هو حيوان ، وأن تنزل الثاني ، منزلة الضرب الرابع من الصورة الثانية ، ناظما قولك : لكنه ليس بحيوان ، في سلك : ليس هو بحيوان ، مركبا للدليل هكذا : هو ليس بحيوان ، وكل إنسان حيوان ، محصلا منه : ليس هو بإنسان. وأما مقابلاهما فلا ينتظمهما ، على ما سلكنا من الطريق ، ضرب من ضروب الصور ، فتأمل.

قياس الخلف :

وأما قياس الخلف فقد تكرر عليك ، غير مرة ، كونه ، دليلا مركبا من نقيض الحاصل من الدليل المذكور ومن إحدى جملتيه ، لبيان بطلان النقيض ، بوساطة أن الدليل متى صح تركيبه وصدقت جملتاه لزمه الحق ، واللازم ههنا منتف ، فيلزم انتفاء الملزوم ، وإذ لا شبهة في صحة التركيب وفي صدق إحدى الجملتين ، فالمتعين للكذب ، إذن ، هي الجملة الأخرى ، وهي النقيض ، توصلا بذلك كله إلى إثبات حقية الحاصل من الدليل المذكور سابقا. والخلف إذا نظم في سلك القياسات المركبة نظم لذلك ، ونسميه قياس الخلف إما : لأنه قياس يسوق إلى حاصل رديء ، وهو خلاف الحق ، فالخلف هو الكلام الرديء ، يقال : سكت ألفا ونطق خلفا. وإما لأنه قياس كأنه يأتي من وراء من ينكر حاصل الدليل السابق ، ويترك حمله بنفس الدليل ، فالخلف هو الوراء أيضا ، بناء على أن الإنسان متى اتصف بالإنكار لشيء ؛ وصف بأنه حول ظهره إليه ، وكذا إذا ترك العمل به ، وأبى قبوله ، قيل : نبذه وراء ظهره ، وعليه قوله علت كلمته : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ)(١) أي تركوا العمل به ، وربما جرى على ألسن الدخلاء في هذا الفن بضم الخاء ، وقد جرت العادة على تسمية خلف الخلف رد الخلف إلى المستقيم.

وخلف الخلف : هو أن تركب قياسا من نقيض الحاصل من الخلف ومن إحدى

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٨٧.


جملتي الدليل السابق على خلف الخلف ، وتحصل منه المطلوب الأصلي ، وقد أغنت عبارتي : خلف الخلف ، مع كمال إيضاحها لمراد الأصحاب من : رد الخلف إلى المستقيم ، عن تطويلات تمس الحاجة إليها بدون هذه العبارة.

عكس القياس :

وأما عكس القياس فنظير الخلف من وجه ، وذلك أنه يؤخذ فيه ، مقابل حاصل الدليل ، إما بالتناقض مثل : ما إذا كان كل كذا وكذا ، فيوضع موضعه : لا كل كذا كذا. وإما بالتضاد مثل : ما إذا كان كل كذا كذا ، فيوضع موضعه : لا شيء من كذا كذا ، ويضم إليه إحدى جملتي الدليل ، ليحصل مقابل الجملة الأخرى احتيالا لمنع القياس.

قياس الدور :

وأما قياس الدور : فهو أن يؤخذ عكس إحدى جملتي الدليل ، مع الحاصل من الدليل ، فيركب منهما دليل مثبت للجملة الأخرى ، ويصار إلى هذا في الجدل احتيالا ، عند ما تكون إحدى جملتي الدليل غير بينة ، فيغير المطلوب عن صورته اللفظية ، ليتوهم شيئا آخر ، ويقرن به عكس الجملة الأخرى من غير تغير الكمية ، مثل قولنا : كل إنسان متفكر ، وكل متفكر ضحاك ، فكل إنسان ضحاك. وقولنا : كل إنسان ضحاك ، وكل ضحاك متفكر ، فكل متفكر. وقولنا : كل متفكر إنسان ، وكل إنسان ضحاك ، فكل إنسان متفكر ضحاك. لكن هذا الاحتيال إنما يتمشى إذا كانت الأجزاء متعاكسة متساوية ، كما في المثال المضروب ، والذي ضربته من المثال يبين معنى تسميته قياس الدور ، فانظر.


[فصل](١)

التقسيم والسبر والاستقراء والتمثيل

وإذ قد عثرت على القياسات ومجاريها وأحوالها ، وأن هنا أمورا شبيهة بالقياس ، فلا حرج أن نشير إليها إشارة خفيفة.

منها التقسيم والسبر وذلك : أن تجعل (٢) المبتدأ ملزوم أحد خبرين ، أو أخبار تحصرها ، ليتعين واحد من ذلك المجموع عند النفي لما عداه ، كما تقول : زيد إما في الدار أو في المسجد أو في السوق ، لكنه ليس في السوق ولا في المسجد ، فإذن هو في الدار. وإن هذا النوع ، متى صح حصره وصدق نفيه ، أفاد اليقين.

ومنها : الاستقراء ، وهو انتزاع حكم كلي عن جزئيات ، وأنه إذا تيسرت الإحاطة بجميع الجزئيات ، حتى لا يشذ عنها واحد ، أفاد اليقين. ومن للمستقرئ بذاك؟

ومنها التمثيل : وهو تعديد الحكم عن جزئي إلى آخر لمشابهة بينهما ، وأنه أيضا مما لا يفيد اليقين إلا إذا علم بالقطع أن وجه الشبه هو علة الحكم ، ولكن تسكب فيه العبرات.

فصل : في الدليل

وهذا أوان أن نثني عنان القلم إلى تحقيق ما عساك تنتظر منذ افتتحنا الكلام في هذه التكملة أن نحققه ، أو عل صبرك قد عيل له ، وهو : أن صاحب التشبيه ، أو الكناية ، أو الاستعارة ، كيف يسلك في شأن متوخاه مسلك صاحب الاستدلال ، وأنى يعشو أحدهما إلى نار الآخر والجد وتحقيق المرام [مظنة](٣) هذا ، والهزل وتلفيق الكلام مظنة هذا؟ فنقول ، وبالله الحول والقوة ، أليس قد تلي عليك : أن صور الاستدلال أربع لا

__________________

(١) من (د).

(٢) في (د) : تجهل.

(٣) في (د ، غ) : مئنة.


مزيد عليهن ، وأن الأولى هي التي تستبد بالنفس ، وأن ما عداها تستمد منها بالارتداد إليها ، فقل لي : إن كانت التلاوة أفادت شيئا؟ هل هو غير المصير إلى ضروب أربعة؟ بل إلى اثنين؟ محصولهما إذا أنت وفيت النظر إلى المطلوب حقه ، إلزام شيء يستلزم شيئا ، فيتوصل بذاك إلى الإثبات. أو يعاند شيئا فيتوصل بذلك إلى النفي ، ما أظنك ، إن صدق الظن ، يجول في ضميرك حائل سواه.

ثم إذا كان حاصل الاستدلال ، عند رفع الحجب ، هو ما أنت تشاهد بنور البصيرة ، فوحقك إذا شبهت قائلا : خ خ خدها وردة ، تصنع شيئا سوى أن تلزم الخد ما تعرفه يستلزم الحمرة الصافية ، فيتوصل بذلك إلى وصف الخد بها.

أو هل إذا كنيت قائلا : خ خ فلان جم الرماد ، تثبت شيئا غير أن تثبت لفلان كثرة الرماد المستتبعة للقرى ، توصلا بذلك إلى اتصاف فلان بالمضيافية عند سامعك؟.

أو هل إذا استعرت قائلا : في الحمام أسد ، تريد أن تبرز من هو في الحمام في معرض من سداه ولحمته شدة البطش ، وجراءة المقدم مع كمال الهيبة ، فاعلا ذلك ليتسم فلان بهاتيك السمات؟.

أو هل تسلك إذا رمت سلب ما تقدم ، فقلت : خدها باذنجانة سوداء ، أو قلت : [قدر](١) فلان بيضاء ، أو قلت : في الحمام فراشة ، مسلكا غير إلزام المعاند بدل المستلزم ، ليتخذ ذريعة إلى السلب هنالك؟

أرأيت ، والحال هذا ، إن ألقي إليك زمام الحكم أتجدك لا تستحي أن تحكم بغير ما حكمنا نحن ، أو تهجس في ضميرك : أنى يعشو صاحب التشبيه أو الكناية أو الاستعارة إلى نار المستدل؟ ما أبعد التمييز بمجرده أن يسوغ ذلك ، فضلا أن يسوغه العقل الكامل ، والله المستعان.

هذا ، وكم ترى المستدل يتفنن فيسلك : تارة طريق التصريح فيتمم الدلالة ، وأخرى

__________________

(١) كذا في الأصول.


طريق الكناية ، إذا مهر ، مثل ما تقول للخصم : إن صدق ما قلت استلزم كذا ، واللازم منتف ، ولا تزيد فتقول :

تعريف الدليل :

وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم ، فلزم منه كذب قولك. وهل فصل القياسات ووصلها يشم غير هذا؟ وأما بعد ، فللمحصلين فيما نحن بصدده أشياء تسلك فيما بينهم ، فلنورد طرفا منها لمجرد التنبيه على نوعها ، من ذلك أن تعريف الدليل ممتنع ؛ لأن العلم بتركيب الدليل ، إن كان بالضرورة ، امتنع تعريفه ، وإن كان بالدليل ، لزم. إما الدور وإما التسلسل ، وهما باطلان ، ولا شيء سوى الضرورة والاستدلال ، فيجاب عنه : بأنّا لا نعرف تركيب الدليل ، وإنما ننبه عليه ، من له في ظننا استعداد التنبه ، فإن لم يتنبه ، محوناه عن دفتر المخاطبين. ولا شبهة في تفاوت النفوس لإدراك العلوم ، ومن ذلك : أن الاكتساب بالدليل ممتنع ، فإن إفادته للعلم ، إن كانت بالضرورة لزم منه الاشتراك في العلم ، فالدليل : اشتراك العلم بما يفيد ، واللازم ، كما هو غير خاف ، منتف ، فيجاب عن ذلك : بأنه تشكيك ، فيما يعلم كل أحد بالضرورة أن ليس كل علم ضروريا ، فيعترض عليه ، بأن تصحيح ذلك في حيز التعارض لكونه مشككا أيضا في إحدى الضرورات المتألف عنها السؤال ، فيجاب عن الاعتراض بأن التعارض ، إن كان أورثكم شكا في ضرورات سؤالكم ، فالاعتراض مقدوح فيه ، فلا يستحق الجواب. وإن كان لم يورث ، فهو اعتراف منكم بكون ضرورتنا قائمة ، فلا حاجة بنا إلى الجواب ، فيقدح في الجواب : بأن التعارض إذا أورث تشكيكا لنا أوجب مثله لكم ، فيصار في دفع القدح إلى أنه تمسك منكم بالدليل ، وأنه تناقض ، وإنما أخرت هذا ، ولك أن تقدمه ، ليقرع سمعك ما قد سبقه ، ومن ذلك : أن الاكتساب بالدليل : إن قيل به ، لزم في كل من هو عاقل : جمال أو حمال أو نظيرهما ، إذا نظروا أن يحصل لهم من العلوم العقلية ما قد تفرد به الأفراد ، لكون النظر في نفسه ممكنا ، والإلزام الجبر ، وكون أجزاء الدليل في ذهن كل أحد لامتناع القول باكتسابها ، على ما سبق في باب الحد ، وكون صحة تركيب الدليل وفساده غير مكتسبين ، تفاديا عن المحذورين : الدور والتسلسل.


وكون الصادر علما مستغنيا عن الاكتساب للتفادي عن المحذورين ، ثم إن هذا اللازم معلوم الانتفاء لكل منصف ذي بصيرة ، فيقال : إن سلم لكم ما ذكرتموه في توجيه ما ألزمتم ، فهو ألزم لكم فيما إذا كانت العلوم عن آخرها مبرأة عن الاكتساب ، وهذا النوع الذي قد أردنا التنبيه عليه هو فوائد ، لئن أخذنا بك في شعبها ، وإنها لربما ضربت بعروقها إلى علوم لست من عالمها ، لتهيمن في أودية الحيرة ، خاسرا أكثر مما كنت قد ربحت ، فالرأي الرصين الترك عن آخرها ، ولنتكلم في فصل كنا أخرناه لهذا الموضع وهو : بيان حال المستثنى منه في كونه حقيقة أو مجازا فنقول :

المستثنى منه : حقيقة أو مجاز؟

إن أصحابنا في علم النحو ، حيث يصفون الاستثناء بأنه إخراج الشيء عن حكم دخل فيه غيره ، ويعنون أن ذلك الإخراج يكون بكلمات مخصوصة يعينونها ، وإنك لتعلم أن إخراج ما ليس بداخل غير صحيح ، فيظهر لك من هذا أن حق المستثنى عندهم ، كونه داخلا في حكم المستثنى منه ، وأن قولهم : لفلان علي عشرة دراهم إلا واحدا ، يستدعي دخول الواحد في حكم العشرة قبل إلا ، لكن دخول الواحد في حكم العشرة ، متى قدر من قبل المتكلم ، ناقض آخر الكلام أوله ، كما يشهد له الحال ؛ وقد سبق الكلام في التناقض ، فيلزم تقديره من قبل السامع.

وأن يكون استعمال المتكلم للعشرة مجازا في التسعة ، وأن يكون إلا واحدا قرينة المجاز ، ويفرع على اعتبار الدخول كون الاستثناء متصلا ، مثل : جاءني إخوتك إلا الأكبر ، أو قومك إلا زيدا منهم ، أصلا دون كونه منقطعا ، مثل : جاءني القوم إلا حمارا ، وكون كون دخول المستثنى في حكم المستثنى منه واجبا ، مثل ما سبق أصلا دون ما لا يكون واجبا ، مثل قولك : اضرب قوما إلا عمرا ، إذ لا يخفى أن دخول عمرو في حكم الضرب لا يجب وجوب دخول الواحد في العشرة ، أو الأكبر أو زيد في إخوتك وقومك ، ويفرع على اعتبار المجاز كون كون المستثنى أقل من المستثنى منه ، الباقي بعد الاستثناء ، مثل الأمثلة المذكورة أصلا ، نحو : لفلان علي عشرة إلا تسعة ، لكون الدخول الذي هو سبب الاستثناء مراعى في الأول ، وكون الدخول المراعى مع الوجوب أظهر منه عند عدم الوجوب في الثاني ، وكون تنزيل الأكثر منزلة الكل ،


الذي هو الطريق إلى المجاز فيما نحن فيه ، أدخل في المناسبة ، من تنزيل الأقل منزلة الكل في الثالث.

وأما المصير إلى فروع هذه الأصول عند البلغاء ، فمن باب الإخراج ، لا على مقتضى الظاهر بتنزيلها منزلة أصولها بوساطة جهة من جهات البلاغة ، قال تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ)(١) وقال : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ)(٢) بناء على التغليب فيهما ، وقال تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(٣) بتقدير حذف المضاف ، وهو إلا سلامة من أتى الله ، مدلولا عليه بقرائن الكلام ، منزلة السلامة المضافة منزلة المال والبنين ، بطريق قولهم : عتاب فلان السيف ، وأنيسه الإصداء.

وقوله (٤) :

واعتبوا بالصّيلم

ولك أن تحمل قوله : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) على معنى : لا ينفع شيء ما ، حمل قولك : خ خ لا ينفع زيد ولا عمرو ، على معنى : خ خ لا ينفع إنسان ما. ويكون من منصوب المحل ، وقال القائل (٥) :

وبلدة ليس بها أنيس ...

إلّا اليعافير وإلا العيس

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٣٤ ؛ الإسراء : ٦١ ؛ طه : ١١٦ ؛ الكهف : ٥٠.

(٢) سورة النساء ، الآية : ١٥٧.

(٣) سورة الشعراء ، الآيتان : ٨٨ ـ ٨٩.

(٤) البيت من الكامل وهو لبشر بن أبي خازم في ديوانه ص ٨٠ ولسان العرب (١ / ٥٧٨) (عتب) ، (١٢ / ٣٤٠) (صلم) ، وتهذيب اللغة (٢ / ٢٧٨) (١٢ / ١٩٩) ، وتاج العروس (٣ / ٣١١) (عتب) ، (صلم) وسمط اللآلى ص ٥٠٣.

(٥) البيت وهو لجران العود في ديوانه ص ٩٧ وخزانة الأدب ١٠ / ١٥ ـ ١٨ والدر (٣ / ١٦٢) ، وبلا نسبة في الإيضاح (٢ / ٤١٧) الأشباه والنظائر (٢ / ٩١) والإنصاف (١ / ٢٧١) ، المصباح (١٢٧) وخزانة الأدب (٤ / ١٢١ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، ٧ / ٣٦٣ ، ٩ / ٢٥٨ ، ٣١٤) وشرح شذور الذهب ص ٣٤٤ ، ولسان العرب (٦ / ١٩٨) (كنس) ويروى بسابسا مكان وبلدة.


على معنى أنيسها اليعافير والعيس ، أي أنيسها ليسوا إلا إياها. وقال (١) :

وقفت فيها أصيلانا أسائلها ...

أعيت جوابا ، وما بالربع من أحد

إلا أوادي (٢) ...

 ...

أراد : إن كان الآدي يعد أحدا فلا أحد فيه بها إلا هو.

وكذا في الفرعين الآخرين فتأملهما ، فقد اطلعت على جهات البلاغات ، فلا تقل : خ خ اضرب قوما إلا عمرا ، إلا لإظهار كمال الإبقاء على عمرو ، فإن المبقي على الشيء ينزل البعيد من احتمالات ضرره منزلة أقربها ، أو لوجه آخر مناسب مستلزم لإيجاب الدخول في باب البلاغة ؛ ولا تنس قولي : في باب البلاغة ، وكذا لا تقل : لفلان علي ألف ألا تسعمائة وتسعة وتسعين ، إلا إذا أردت أن تنزل ذلك الواحد منزلة الألف لجهة من الجهات الخطابية ، وقد عرفتها.

ولامتناع كون الشيء غير نفسه لا تصحح استثناء الكل من الكل ، فلا تقل : لفلان علي ثلاثة دراهم إلا ثلاثة ، ولكن أردف الثاني ما يخرجه عن المساواة ، فقل ، إن شئت : لفلان علي ثلاثة دراهم إلا ثلاثة إلا اثنين إلا أربعة إلا واحدا ، فليلزم درهمان لنزول : علي ثلاثة إلا ثلاثة إلا اثنين منزلة : لفلان علي أربعة ، لوقوع الاثنين في درجة الإثبات لكونهما مستثنيين عن ثلاثة هي في درجة النفي ، لكونها في محل الاستثناء عن ثلاثة مثبتة.

وإن كان تحقيق استثنائها عندك موقوفا على تبين مقدار خروجها عن المساواة

__________________

(١) البيت من البسيط وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٤ ، والأغاني (١١ / ٢٧) والإنصاف (١ / ١٧٠) ، وخزانة الأدب (٢ / ١٢٢ ، ١٢٤ ، ١٢٦) (١١ / ٣٦) ، والدر ٣ / ١٥٩ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٦٠ ، والإنصاف (١ / ١٧٠) ورصف المباني (ص ٣٢٤).

الرّبع : المنزل والدار بعينها ، لسان اللسان (ربع).

(٢) في (غ) : أوارى.


للمستثنى منه ، ولزوم الاثنين ، من قولك : علي أربعة إلا أربعة إلا واحدا ، بالطريق المذكور في إثبات الأربعة ، و: لفلان علي ثلاثة إلا ثلاثة إلا ثلاثة إلا ثلاثة إلا واحدا ، فليلزم الثلاثة : لوجوب الواحد الواقع في درجة الإثبات ، ووجوب واحد آخر من الثلاثة الثالثة عن الواحد ، وآخر ثالث من الثلاثة الخامسة عنه ، وهي : الثلاثة الأولى. و: لفلان علي ثلاثة دراهم إلا ثلاثة إلا واحدا إلا اثنين إلا ثلاثة إلا اثنين ، فليلزم : واحد لإسقاط الاثنين الآخرين من الثلاثة التي فيها ، الواقعة في درجة الإثبات ، وإخراج الواحد الباقي منها بعد الإسقاط من الاثنين قبله الساقطين ، وإسقاط الواحد الباقي منهما من الواحد قبله ، المجتمع من الواحد للباقي من الثلاثة الأولى ، المسقط عنها الاثنان الباقيان من الثلاثة المسقطة ، المخرج عنها الواحد بالإثبات.

ولفلان علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحدا إلا اثنين إلا ثلاثة إلا أربعة إلا خمسة إلا ستة إلا سبعة إلا ثمانية إلا تسعة ، فيلزم واحد ؛ لأنك إذا قلت : علي عشرة إلا تسعة ، لزم واحد ، ثم قلت : إلا ثمانية ، صار اللازم تسعة ، ثم إذا قلت : إلا سبعة ، بقي اللازم اثنين ، ثم إذا قلت : إلا ستة ، صار اللازم ثمانية ، ثم إذا قلت : إلا خمسة ، بقي اللازم ثلاثة ، ثم إذا قلت : إلا أربعة صار اللازم سبعة ، ثم إذا قلت : إلا ثلاثة ، بقي اللازم أربعة ، ثم إذا قلت : إلا اثنين ، صار اللازم ستة ، ثم إذا قلت : إلا واحدا ، بقي اللازم خمسة ، ثم إذا قلت : إلا اثنين ، صار اللازم سبعة ، ثم إذا قلت : إلا ثلاثة ، بقي اللازم أربعة ، ثم إذا قلت : إلا أربعة صار اللازم ثمانية ، ثم إذا قلت : إلا خمسة ، بقي اللازم ثلاثة ، ثم إذا قلت : إلا ستة ، صار اللازم تسعة ، ثم إذا قلت : إلا سبعة ، بقي اللازم اثنين ، ثم إذا قلت : إلا ثمانية ، صار اللازم عشرة ، ثم إذا قلت : إلا تسعة بقي اللازم واحدا ، هذا.

ثم إذا فرقت بين : (إلا) للاستثناء ، وبينها للوصف ، بمعنى : (غير) ، مثل ما إذا قلت : لفلان علي ثلاثة دراهم إلا اثنان ، بالرفع ، لزمت الثلاثة ، وإذا قلت : ما علي لفلان ثلاثة دراهم إلا اثنان ، احتمل ، من حيث أصول النحو ، أن لا يلزمه شيء ، إذا حمل الرفع على الوصف ، واحتمل أن يلزمه اثنان ، إذا حمل الرفع على البدل. وعلى هذا فقس ، تستخرج ما شئت من فتاوى ذات لطف ودقة ، بإذن الله تعالى.


فصل : وجه الإعجاز في الاستدلال

وإذ قد أفضى بنا القلم إلى هذا الحد من علمي المعاني والبيان ، وما أظنك يشتبه عليك ، وأنك منذ وفقنا لتحريك القلم فيهما لتشاهد ما تشاهد ، أنّا ما سطرنا ما سطرنا إلا وجل الغرض توخي إيقاظك مما أنت فيه ، من رقدة غباك عن ضروب افتنانات في النسج لحبير الكلام على منوال الفصاحة ، وإبداع وشيه بتصاوير عن كمال التأنق في ذلك إشدادا وإلجاما ، عسى إن استيقظت أن يضرب لك بسهم ، حيث ينص الإعجاز للبصيرة تليله ، ويقص على المذاق دقيقه وجليله ، فتنخرط في سلك المنقول عنهم في حق كلام رب العزة : إن له الحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أسفله لمغدق ، وإن أعلاه لمثمر ، وإنه يعلو وما يعلى ، وما هو بكلام البشر ؛ فتستغني بذلك عن قرع باب الاستدلال ، وأن لا تتجاذبك أيدي الاحتمالات في وجه الإعجاز ، فلنقصص عليك ما عليه المتحرفون عن هذا المقام.

اعلم أن قارعي باب الاستدلال ، بعد الاتفاق على أنه معجز ، مختلفون في وجه الإعجاز.

فمنهم من يقول : وجه الإعجاز : هو أنه ، عز سلطانه ، صرف المتحدين لمعارضة القرآن عن الإتيان بمثله بمشيئته ، لا أنها لم تكن مقدورا عليها فيما بينهم في نفس الأمر ، لكن لازم هذا القول كون المصروفين عن الإتيان بالمعارضة على التعجب من تعذر المعارضة ، لا من نظم القرآن ، مثله إذا قال لك مدع شيئا : حجتي في دعواي هذا أني أضع الساعة يدي على نحري ، ويتعذر ذلك عليك ، ووجدت حجته صادقة ، فإن التعجب في ذلك يكون منصرفا إلى تعذر وضع يدك على النحر ، لا إلى وضع المدعي يده على نحره ، واللازم كما ليس يخفى ، منتف.

ومنهم من يقول : وجه إعجاز القرآن وروده على أسلوب مبتدأ مباين لأساليب كلامهم في خطبهم وأشعارهم ، لا سيما في مطالع السور ، ومقاطع الآي ، مثل : يؤمنون ، يعملون ، لكن ابتداء أسلوب ، لو كان يستلزم تعذر الإتيان بالمثل ، لاستلزم ابتداء أسلوب الخطبة أو الشعر. إذ لا شبهة في أنهما مبتدآت ، تعذر الإتيان بالمثل. واللازم كما ترى منتف.


ومنهم من يقول : وجه إعجازه ، سلامته عن التناقض ، لكنه يستلزم كون كل كلام إذا سلم من التناقض ، وبلغ مقدار سورة من السور ، أن يعد معارضة. واللازم بالإجماع منتف.

ومنهم من يقول : وجه الإعجاز الاشتمال على الغيوب ، لكنه يستلزم قصر التحدي على السور المشتملة على الغيوب دون ما سواها ، واللازم بالإجماع أيضا منتف.

فهذه أقوال أربعة ، يخمسها ما يجده أصحاب الذوق من أن وجه الإعجاز : وهو أمر من جنس البلاغة والفصاحة ، ولا طريق لك إلى هذا الخامس إلا طول خدمة هذين العلمين ، بعد فضل إلهي من هبة يهبها بحكمته من يشاء ، وهي النفس المستعدة لذلك. خ خ فكل ميسر لما خلق (١) ، ولا استبعاد في إنكار هذا الوجه ممن ليس معه ما يطلع عليه ، فلكم سحبنا الذيل في إنكاره ، ثم ضممنا الذيل ما أن ننكره ، فله الشكر على جزيل ما أولى ، وله الحمد في الآخرة والأولى.

[خاتمة](٢) :

هذا وحين نرى الجهل قد أعمى جماعات عن علو شأن التنزيل ، حتى تعكسوا في ضلالات اعتقدوها لجهلهم مطاعن قامت على صحتها الأدلة ، فما ديدن الجهال إلا كذلك ، يقيمون ما نص لديه الجهل تليله ، مقام ما قص عليه العقل دليله ، فلئن لم يحرك ها هنا القلم ، ليقفن المبتغي بين منزلي حصول وفوات ، وكأني بمقامي هذا أسمعه

__________________

(١) هذه قطعة من حديث طويل أخرجاه في الصحيحين عن علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ مرفوعا : ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ، ومقعده من الجنة قالوا : يا رسول الله ، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال : اعملوا ، فكل ميسر لما خلق له ، أما من كان من أهل السعادة ، فسييسر لعمل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاوة ، فسييسر لعمل الشقاوة ثم قرأ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) الآية. وانظر في شرحه شرح الطيبى على مشكاة المصابيح ٢ / ٥٣٧ ح ٨٥ ط نزار الباز مكة المكرمة ـ بتحقيقى.

(٢) في (د) : فصل.


ينشدني (١) :

فإيه أبا الشدّاد إنّ وراءنا ...

أحاديث تروى بعدنا في المعاشر

يدعوني بذلك إلى تتمة الغرض من علمي المعاني والبيان ، في تحصيل ما قد اعترض مطلوبا ، كما ترى ، فها نحن لدعوته مجيبين ، بإملاء ما يستمليه المقام في فنين ، يذكر في أحدهما ما يتعلق بالنظم ، توخيا لتكميل علم الأدب ، وهو إتباع علم المنثور وعلم المنظوم ، وتفصيلا لشبه يتمسك بها من جهته ، ثم يذكر في الثاني دفع المطاعن ، فاعلين ذلك ؛ تحقيقا لظن نظنه أنك منا طامع في أن نسوق إليك الكلام على هذا الوجه.

وإن أحببت سبب الظن فأصخ : أليس متى جاء دافع وهي مفصلة عندك ، كان أجلب لثلج الصدر ، منك إذا جاء وهي مجملة؟ وهل إذا فضل المتكلم العالم بمداخل الفلسفة ومخارجها على المتكلم الجاهل بذلك ، فضل عليه بغير هذا؟.

لا أسيء بك الظن ، فأعدك عن تحقق ذلك على ريبة ، فقل لي وقد ألفت أن أكون المتطلب لك من المقامين أفضلهما ، وشبه الجهلة فيما نحن بصدده مختلفة فمن عائدة إلى علم الصرف ، ومن عائدة إلى علم النحو ، ومن عائدة إلى علم المعاني والبيان ، ومرجع ذلك كله إلى علم المنثور ، وقد ضمن اطلاعك كتابنا هذا على تفاصيل الكلام هناك. ومن عائدة إلى علم المنظوم وهو علم الشعر ، ونحن إلى الآن ما قضضنا عن التعرض له الخيام ، أفلا يورثنا ذا أن نظنك تنزع إلى المألوف ، وأنك بتلك الطماعية موصوف ، وهذا أوان أن نسوق إليك الحديث (٢).

__________________

(١) البيت من الطويل.

(٢) في هامش (غ) : في (ب): (والله أعلم ، تم قسم الاستدلال).


بسم الله الرّحمن الرّحيم

علم الشعر ودفع المطاعن

مقدّمة

الفن الأول من تتمة الغرض من علم المعاني وهو : الكلام في الشعر ، وفيه ثلاثة فصول : أحدها : في بيان المراد من الشعر ؛ والثاني : فيما يخصه لكونه شعرا ، وهو الكلام في الوزن. وثالثها : فيما يتبع ذلك على أقرب القولين فيه ، كما نطلعك على ذلك ، وهو الكلام في القافية.


الفصل الأول

في بيان المراد من الشعر

قيل : الشعر عبارة عن كلام موزون مقفى ، وألغى بعضهم لفظ : المقفى ، وقال : إن التقفية ، وهي القصد إلى القافية ورعايتها لا تلزم الشعر ، لكونه شعرا بل لأمر عارض ، ككونه مصرعا ، أو قطعة أو قصيدة ، أو لاقتراح مقترح ، وإلا فليس للتقفية معنى غير انتهاء الموزون ، وأنه أمر لا بد منه ، جار من الموزون مجرى كونه مسموعا ؛ ومؤلفا ، وغير ذلك ، فحقه ترك التعرض ولقد صدق.

ومن اعتبر المقفى قال : الموزون قد يقع وصفا للكلام ، إذا سلم عن عيبى : قصور وتطويل ؛ فلا بد من ذكر التقفية تفرقة ، لكن وصف الكلام بالوزن ، للغرض المذكور ، لا يطلق وأقام بعضهم مقام الكلام اللفظ الدال على المعنى ، ولا بد لمن يتكلم بأصول النحو من ذلك ، مع زيادة ؛ وهي : أن تكون الدلالة بوساطة الوضع ، على ما يذكر في حد الكلمة ، وإلا لزم ، إذا قلت مثلا (١) :

ألا إن رأي الأشعريّ أبي الحسن ...

ومتّبعيه في القبيح وفي الحسن

وإن كان منسوبا إلى الجهل عن قلى ، ...

لرأي حقيق بالتأمل ، فاعلمن

أن لا يعد البيت الأول شعرا ، لكونه غير كلام بأصول النحو ، مع كونه شعرا من غير شبهة ، ولا الثاني وحده.

ثم اختلف فيه ، فعند جماعة : أن لا بد فيه من أن يكون وزنه ، لتعمد صاحبه إياه ، والمراد بتعمد الوزن هو : أن يقصد الوزن ابتداء ، ثم يتكلم مراعيا جانبه ، لا أن يقصد المتكلم المعنى وتأديته بكلمات لائقة من حيث الفصاحة في تركيب لتلك الكلمات توجبه البلاغة ، فيستتبع ذلك كون الكلام موزونا. أو أن يقصد المعنى ، ويتكلم بحكم

__________________

(١) البيتان من الطويل ، وهما من نظم المؤلف ضربا للمثل.


العادة على مجرى كلام الأوساط ، فيتفق أن يأتي موزونا.

وعند آخرين : أن ذاك ليس بواجب ، لكن يلزمه أن يعد كل لافظ في الدنيا شاعرا إذ ما من لافظ ـ إن تتبعت ـ إلا وجدت في ألفاظه ما يكون على الوزن ، أو ما ترى إذا قيل لباذنجاني : خ خ بكم [تبع](١) ألف باذنجانة؟ فقال : خ خ أبيعها بعشرة عدليات. كيف تجد القولين على الوزن؟ أو إذا قيل لنجار : خ خ هل تم ذاك الكرسي؟ فقال : خ خ نعم ، فرغت منه يوم الجمعة ، كيف تجد الأول في الأوزان والثاني أيضا؟ وعلى هذا إذا قيل لجماعة : خ خ من جاءكم يوم الأحد؟ فقالوا : خ خ زيد بن عمرو بن أسد.

وتسمية كل لافظ شاعرا مما لا يرتكبه عاقل عنده إنصاف ، فالصحيح هو الرأي الأول ، لا يقال : فيلزم أن يجوز فيمن قال قصيدة أو قطعة أن لا يسمى شاعرا بناء على تجويز أن لا يكون تعمد ذلك ، وامتناعه ظاهرا ، فالواجب هو أن العقل يصحح الاتفاق في القليل دون الكثير ، وإلا فسد عليك الإسلام في مواضع. فلا تمار. والمروي عن النبي عليه‌السلام أنه قال : خ خ من قال ثلاثة أبيات فهو شاعر ، شاهد صدق لما ذكرنا ، لإفادته أنه يمتنع تجويز عدم التعمد بالأبيات الثلاثة ، فلا بد من كونها شعرا ، ومن كون قائلها شاعرا من تعمد ، دون قائل الأقل.

فالشعر إذن : هو القول الموزون وزنا عن تعمد ، وأرى أن شيخنا الحاتمي ذلك الإمام في أنواع من الغرر ، الذي لم يسمع بمثله في الأولين ، ولن يسمع به في الآخرين ، كساه الله حلل الرضوان ، وأسكنه حلل الروح والريحان ، كان يرى هذا الرأي.

والرأي الأول حقه إذا سمي شعرا أن يسمى مجازا ؛ لمشابهته الشعر في الوزن ، ومذهب الإمام أبي إسحاق الزجاج في الشعر هو : أن لا بد من أن يكون الوزن من الأوزان التي عليها أشعار العرب ، وإلا فلا يكون شعرا ، ولا أدري أحدا تبعه في مذهبه هذا.

__________________

(١) أصلها تبيع ، ولكنه راعى فيها الوزن فحذفها تخفيفا.


الفصل الثاني

في تتبع الأوزان

اعلم أن النوع الباحث عن هذا القبيل يسمى علم العروض : وما أهم السلف فيه إلا تتبع الأوزان التي عليها أشعار العرب ، فلا يظنن أحد الفضول عندهم في الباب ، من ضم زيادة على ما حصروه ، ليست في كلام العرب ، فضلا على الإمام الخليل بن أحمد ذلك البحر الزاخر ، مخترع هذا النوع ، وعلى الأئمة المغترفين منه من العلماء المتقدمين به ، في ذلك ، رضوان الله عليهم أجمعين ؛ وإلا فمن أنبأ لهم لم يكونوا يرون الزيادة على التي حصروها من حيث الوزن مستقيمة ، والزيادة عليها تنادي بأرفع صوت (١) :

لقد وجدت مكان القول ذا سعة ...

فإن وجدت لسانا قائلا فقل

لا للطبع المستقيم أن يزيد عليها شيئا ، ولا [حاكم](٢) في هذه الصناعة إلا استقامة الطبع وتفاوت الطباع في شأنها معلوم ، وهي المعلم الأول المستغني عن التعلم ، فاعرف وإياك إن نقل إليك وزن منسوب إلى العرب ، لا تراه في الحصر ، أن تعد فواته قصورا في المخترع ، فلعله تعمد إهماله لجهة من الجهات ، أو أي نقيصة في أن يفوته شيء ، هو في زاوية من زوايا النقل لا زوايا العقل ، على أنه إن عد قصورا ، كان العيب فيه لمقدمي عهده ، حيث لم يهيئوا لإمام مثله ما يتم له المطلوب من مجرد نقل الرواة ومجرد الاستظهار بذلك ، اللهم صبرا.

فصل : أوزان أشعار العرب

وإذ قد وقفت على هذا ، فاعلم أن أوزان أشعار العرب ، بوساطة الاستقراء لمختلفاتها ، ترجع عند الخليل بن أحمد ، رحمه‌الله ، بحكم المناسبات المعتبرة على وجهها في الضبط ، والتجنب عن الانتشار ، إلى خمسة عشر أصلا ، يسميها : بحورا.

__________________

(١) البيت من البسيط.

(٢) في (د) : جاءكم ، وهو تصحيف.


وتلك البحور ترجع إلى خمس دوائر تنتظم حركات وسكنات معدودة انتظاما [مخصوصا](١) ، فتضبط في حروف تنظم ، تسمى تلك الضوابط : أصول الأفاعيل ، وهي ثمانية في اللفظ : اثنان منها خماسيان : فعولن ، فاعلن ، وستة سباعية : [مفاعيلن](٢) ، فاعلاتن ، مستفعلن ، مفاعلتن ، متفاعلن ، مفعولات ، إلا أن اعتبارها على مقتضى الصناعة يصيرها عشرة ، بضم اثنتان إليها ، وهما : مس تفع لن ، بقطع تفع عن طرفيه في موضعين ، وفاع لاتن ، بقطع فاع عما بعده في موضع. ومساق الحديث يطلعك على ذلك بإذن الله تعالى.

وتركيبات هذه الأفاعيل تصور من خمسة أنواع أو أربعة : أحدها : حرفان ثانيهما ساكن ، وإنه يسمى : سببا خفيفا. وثانيها : حرفان متحركان يعقبهما ساكن ، وإنه يسمى : وتدا مجموعا. وثالثها : حرفان متحركان يتوسطهما ساكن ، وإنه يسمى : وتدا مفروقا. ورابعها : ثلاثة أحرف متحركات على التوالي يعقبهن ساكن ، وإنه يسمى : فاصلة صغرى. وخامسها : متحركان لا يعقبهما ساكن ، كالنصف الأول من الفاصلة الصغرى ، وإنه يسمى : سببا ثقيلا. ولذلك كثيرا ما يقال فيها : إنها مركبة من سببين : ثقيل وخفيف ، فيعد : خ خ فعولن ، مركبا من : وتد مجموع ، وسبب خفيف بعده ؛ وفاعلن ، بالعكس ، ويعد : خ خ مفاعيلن ، مركبا من : وتد مجموع قبل سببين خفيفين ، وخ خ فاعلاتن ، منه بينهما ، وخ خ مستفعلن ، منه بعدهما ، ومفاعلتن منه ومن فاصلة صغرى بعده ، وخ خ متفاعلن : بالعكس ، ويعد خ خ مفعولات من : وتد مفروق بعد سببين خفيفين ، خ خ ومس تفع لن ، في الخفيف وفي المجتث ، منه بينهما ، وخ خ فاع لاتن ، في المضارع ، منه قبلهما.

ثم يقع في تعريفات الأفاعيل ما يجمع : أربعة أحرف متحركات على التوالي يعقبهن ساكن ، فذاك يسمى : فاصلة كبرى. وقد يذهب فيه إلى أنها مركبة من : سبب ثقيل ووتد مجموع ، لكن الوقوف على الصناعة يأباه ، وعسى أن تهتدي لذلك في أثناء ما

__________________

(١) من (غ).

(٢) في (ط) و (د) : مفاعيل.


يتلى عليك ، ولن يقف على لطائف ما اعتبره الإمام الخليل بن أحمد ، قدس الله روحه ، في هذا النوع إلا ذو طبع سليم ، وهو ماهر في استخراج علم الصرف.


الدوائر الشعرية وأسماؤها

الدائرة المختلفة

ولتلك الدوائر الخمس أسام ، وترتيب في الإيراد ، فدائرة تسمى : مختلفة ؛ لاختلاف ما فيها من الضابط خماسيا وسباعيا ، ويفتتح بذكرها وهي هذه :

الميم : علامة المتحرك ، خ خ والألف : علامة الساكن. يتم أصل البيت بدورها أربع مرات ، وإنها تتضمن من البحور المستقرأة ثلاثة ، أساميها :

خ خ طويل ، خ خ مديد ، خ خ بسيط ، ويصدر فيها بالطويل ، ويتلوه الباقيان على ترتيب الدائرة ، ومبدأ الطويل منها حيث ينظم للضبط : فعولن مفاعيلن ، ومبدأ المديد من حيث ينظم للضبط : فاعلاتن فاعلن ، ومبدأ البسيط من حيث ينظم : مستفعلن فاعلن.

الدائرة المؤتلفة

ودائرة تسمى مؤتلفة : ويثنى بها ، وهي هذه ، [تتمم](١) أصل البيت بدورها ست مرات ، وإنها تتضمن بحرين : يسمى أحدهما : الوافر ويفتتح به فيها ، وضابطه : مفاعلتن ، ويتلوه الثاني ويسمى : الكامل ، وضابطه : متفاعلن. وسميت مؤتلفة لعدم الاختلاف في ضابطي البحرين.

الدائرة المجتلبة

ودائرة تسمى مجتلبة ، ويثلث بها وهي هذه ، تتمم أصل البيت بست دورات ، وإنها تتضمن ثلاثة أبحر ، أساميها : هزج ، رجز ، رمل. ويبدأ بالهزج فيها من حيث ينظم : مفاعيلن ، ويثنى بالرجز من حيث ينظم : مستفعلن ، ويثلث بالرمل من حيث ينظم : فاعلاتن ، على مقتضى ترتيب الدائرة ، وسميت مجتلبة لاجتلابها الأجزاء من الدائرة الأولى.

__________________

(١) في (غ ، ط) : تتم.


الدائرة المشتبهة

ودائرة تسمى : مشتبهة ، ومساق الحديث يطلعك على معنى اشتباهها ، تذكر رابعة وهي : هذه تتمم أصل البيت بدورتين ، وإنها تتضمن ستة أبحر ، أساميها : سريع ، منسرح ، خفيف ، مضارع ، مقتضب ، مجتث ، ويقدم السريع فيها ، ويتلوه البواقي على الترتيب ، ومبدأ السريع منها من حيث ينظم : مستفعلن ، مستفعلن ، مفعولات ؛ ومبدأ المنسرح من حيث ينظم : مستفعلن ، مفعولات ، مستفعلن ، ومبدأ الخفيف من حيث ينظم : فاعلاتن ، خ خ مس تفع لن ، فاعلاتن ، بقطع : تفع ، عن طرفيها ، وإن اشتبه بمستفعلن المتصل لفظا ؛ ومبدأ المضارع من حيث ينظم : مفاعيلن ، فاع لاتن ، مفاعيلن ، بقطع : فاع ، عما بعدها ، وإن اشتبه بفاعلاتن المتصل لفظا ؛ ومبدأ المقتضب من حيث ينظم : مفعولات ، مستفعلن ؛ ومبدأ المجتث من حيث ينظم : خ خ مس تفع لن ، خ خ فاعلاتن خ خ فاعلاتن ، بقطع : خ خ تفع ، عن الطرفين.

الدائرة المنفردة

ودائرة تختم بها تسمى : منفردة ، فيها بحر واحد يسمى : خ خ المتقارب ، تتمم أصل البيت بثماني دورات ، وهي هذه ، وضابطه : خ خ فعولن.

ونحن إذا فرغنا عن الكلام في هذا الفن نذكر الحاصل على ترتيب الدوائر ، على ما رتبت عليه ، وعلى الابتداء فيها من البحور ، بما ابتدأ به ، إن شاء الله ، إلا أن هذا الفن ، لكثرة ما اخترع فيه من الألقاب ، وأنشئ فيه من الأوضاع ، يتصور الكلام فيه من جنس التكلم بلغة مخترعة ، فلا بد من الإيقاف على مخترعاته أولا ، ثم من التكلم به ثانيا.

مخترعات علم الشعر :

اعلم أن ما يوزن من الشعر بأصول الأفاعيل وفروعها التي ستأتيك تسمى : أجزاء الشعر ، وأتم عدد أجزاء البيت ثمانية ، مثل (١) :

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ٨ ، والأزهيّة ص ٢٤٤ ـ ٢٤٥ وخزانة الأدب ـ ـ


قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ...

بسقط اللّوا ، بين الدّخول فحومل

وإنه يسمى مثمنا ، وخط العروض هو ما ترى : يثبت الملفوظ به ، ويفك المدغم ، ولا يثبت ما لا يدخل في اللفظ ؛ وينزل إلى ستة ، ويسمى : مسدسا ، وإلى أربعة ، ويسمى : مربعا ، وإلى ثلاثة ، ويسمى : مثلثا ، وإلى اثنين ، عند الخليل ومن تابعه ، وإنه يسمى : مثنى ، وإلى واحد ، عند أبي إسحاق الزجاج ، فيوحد. وقد روي بيت على خمسة أجزاء ، جاء نادرا فخمس ، ولم يأت مسبع.

ثم إن الأجزاء تنصف في المثمن والمسدس والمربع نصفين ، ويسميان : مصراعي البيت ، ثم الجزء الأول من المصراع الأول يسمى : صدرا ، والآخر منه : عروضا ، والأول من المصراع الثاني ابتداء ، والآخر منه ضربا ، وعجزا. وما عدا ما ذكر في المثمن والمسدس يسمى حشوا ، ولا حشو للمربع.

وأما المثلث فمنهم من ينزله منزلة المصراع الأول في تسمية أجزائه ، فيسمى أولها :

صدرا ، وثانيها حشوا ، وثالثها عروضا ، ومنهم من ينزله منزلة المصراع الثاني ؛ فيسمى الأول : ابتداء ، والثالث ضربا ، وكذا المثنى في تسمية جزأيه ، ولا حشو له ، وقياس الموحد أن يختلف في تسميته : عروضا وضربا بحسب الرأيين ، والمسدس ، متى كان أصله التثمين سمي : مجزوءا ؛ لذهاب جزء من كل واحد من مصراعيه ، وما ربعوا المثمن ، على الأقرب في ظاهر الصناعة ، كما ستقف عليه.

وأما المربع والمثلث والمثنى فراجعة إلى المسدسات ، فالمربع مسمى بالمجزوء ، والمثلث :

بالمشطور ؛ لذهاب شطره ، والمثنى : بالمنهوك للإجحاف به ؛ وقياس الموحد أن يسمى مشطور المنهوك.

__________________

(١ / ٣٣٢) (٣ / ٢٢٤) ، والدرر (٦ / ٧١) ، ولسان العرب (٢٠٩) ، (لوا) وهمع الهوامع (٢ / ١٢٩ ، ١٣١) وبلا نسبة في الإنصاف (٢ / ٦٥٦).

والسقط : منقطع الرمل حيث يدق ، واللوى : الرمل المعوح الملتوى ، والدخول وحومل : اسما موضعين.


هذا. وإن أصول الأفاعيل قد سبق ذكرها ، فأما فروعها المغيرة عنها ، فمدار تغييراتها على أقسام ثلاثة : إسكان المتحرك ، ونقصان في الحروف ، وزيادة فيهن. ثم إنها قد تجتمع تارة على جزء واحد ، ولا تجتمع عليه أخرى ، وها أنا مورد جميع ذلك في الذكر ، بإذن الله تعالى.

يسكن خ خ تاء متفاعلن ، ويسمى : إضمارا ؛ وينقل إلى مستفعلن ؛ ولام مفاعلتن ، ويسمى : عصبا وينقل إلى مفاعيلن ، وينزل الفاصلة إذ ذاك منزلة سببين خفيفين ؛ وتاء مفعولات ويسمى : وقفا ؛ وينقل إلى مفعولان.

ويسقط الساكن الثاني السببى ، نحو : فعلن ، في فاعلن ، وفعلاتن في : فاعلاتن المتصل دون خ خ فاع لاتن المنقطع ، ومتفعلن في : مستفعلن منقولا إلى مفاعلن ، ويسمى : خ خ خبنا ؛ والساكن الرابع السيي ويسمى : خ خ طيا ، نحو مستعلن في خ خ مستفعلن ، وينقل إلى [متفعلن](١) ؛ والساكن الخامس السيي ، ويسمى : خ خ قبضا نحو : فعول في : فعولن ، أو مفاعلن في مفاعيلن ؛ والساكن السابع ، نحو : مفاعيل في مفاعيلن ، ويسمى : خ خ كفا.

ويفتقد أحد متحركي الوتد المجموع ، نحو : فاعاتن ، في : فاعلاتن ، ويسمى : خ خ تشعيثا. وفيه كلام يأتيك في باب الخفيف.

ويسقط ساكن السبب ويسكن متحركه ، نحو : فعول بسكون اللام ، وفاعلات منقولا إلى : فاعلان ، ويسمى : قصرا.

ويسقط ساكن الوتد المجموع ويسكن ثاني متحركيه ، نحو : مستفعل منقولا إلى مفعولن ، و: متفاعل منقولا إلى فعلاتن ، ويسمى : خ خ قطعا (٢).

ويجمع بين الإضمار ؛ في : متفاعلن ، وبين إسقاط المسكن ، فينقل إلى مفاعلن ، ويسمى : خ خ وقصا ؛ وبين العصب في مفاعلتن ، وبين إسقاط المسكن ، منقولا إلى

__________________

(١) في (د) : مفتعلن.

(٢) في (غ) : قطفا وهو خطأ ، فالقطف إسقاط السبب الخفيف من آخر التفعيلة.


مفاعلن ، ويسمى : عقلا ، وبين الإضمار وبين خ خ الطي في متفاعلن ، فينقل إلى : مفتعلن ، ويسمى : خ خ خزلا بالخاء المعجمة ، وبين خ خ العصب وخ خ الكف في : مفاعلتن ، فينقل إلى : مفاعيل ، ويسمى : خ خ نقصا ، وبين خ خ الوقف وخ خ الكف في : مفعولات ، فينقل إلى : مفعولن ، ويسمى : خ خ كسفا بالسين غير المعجمة عن شيخنا الحاتمي ـ رحمه‌الله ـ ، ويجمع بين خ خ الخبن وخ خ الطي في مستفعلن ، فينقل إلى : خ خ فعلتن ، ويسمى : خ خ خبلا ، وبين خ خ الخبن وخ خ الكف في مستفعلن وفاعلاتن ، منقولين إلى مفاعل وفعلات ، ويسمى : خ خ شكلا.

ويسقط السبب الخفيف من الآخر ، نحو : خ خ فعو ، وخ خ مفاعي ، منقولين إلى : خ خ فعل بسكون اللام ، وإلى خ خ فعولن ، ويسمى خ خ حذفا ؛ والوتد المجموع منه ، ويسمى خ خ المسقوط منه : أحذّ ، نحو : خ خ مستف وخ خ متفا ، منقولين إلى : فعلن بسكون العين ، وفعلن بتحركها والوتد المفروق منه ويسمى : خ خ المسقوط منه : خ خ أصلم ، نحو مفعو ، منقولا إلى فعلن.

ويجمع بين خ خ العصب وخ خ الحذف في مفاعلتن ، ويسمى : خ خ قطفا ، وينقل إلى فعولن ، ويجمع بين الحذف والقطع ، نحو : خ خ فع بسكون العين في فعولن ، ويسمى المفعول به هذا خ خ أبتر ، ويزاد آخرا حرف ساكن إما على سبب خفيف ، نحو أن يقال في : فاعلاتن ، بعد الزيادة : خ خ فاعليان ، وتسمى هذه الزيادة : تسبيعا ، وإما على وتد مجموع ، وتسمى : إزالة ، نحو أن يقال في مستفعلن : مستفعلات ، أو سبب خفيف نحو : مستفعلاتن ، ويسمى : خ خ ترفيلا.

الخرم والخزم :

وها هنا نوع من النقصان يسمى : الخرم ، ونوع من الزيادة يسمى : الخزم.

فالخرم : إسقاط المتحرك الأول من الوتد المجموع في الجزء الصدري لعذر يتفق واضح وربما وقع في الجزء الابتدائي ، وإنه عندي رذل لا أورده في الاعتبار ، فاعلم ، وللمخروم ألقاب بحسب اعتبارات عارضة يسمى في الخماسي : خ خ أثلم ، إذا خرم سالما ، أي : من غير زيادة تغيير ، خ خ وأثرم إذا خرم وهو مقبوض ، ويسمى في السباعي ، ذي الفاصلة ، وهو مفاعلتن : خ خ أعضب ، إذا خرم سالما ، و: خ خ أقصم إذا خرم وهو معصوب ،


خ خ وأجم إذا خرم وهو معقول ، و: خ خ أعقص إذا خرم وهو خ خ منقوص ، ويسمى في غير ذي الفاصلة ، وهو مفاعيلن ؛ خ خ أخرم ، إذا خرم سالما ؛ و: خ خ أشتر ، إذا خرم وهو مقبوض ، و: خ خ أحز ، إذا خرم وهو مكفوف.

وأما الخزم : بالزاي ، فهو : زيادة في أول البيت يعتد بها في المعنى ، ولا يعتد بها في اللفظ ، وأنا لا أعذر في هذه الزيادة إلا إذا كانت مستقلة بنفسها ، فاضلة بتمامها عن التقطيع ، أعني : كلمة على حدة غير محتاج أي جزء منها تقطيع البيت ، وربما وقع في أول المصراع الثاني ، وأنه عندي في الرداءة كالخرم فيه ، وهذه التغييرات تنقسم قسمين : فمنها ما يبنى عليه البيت ، فيلزم ، وإنه سمي : علة ، سواء كان بالزيادة أو بالنقصان.

ومنها ما ليس كذلك : فيسمى : زحافا. ثم إذا كان زحاف زيادة ، نظر ؛ فإن كان حيث قبل متحركه ساكن سببى ، كما إذا جاء : فاعلاتن فاعلاتن هكذا : فاعلاتن فاعلاتن ، سمي : صدرا ، وقيل : إنه معاقبة لما قبله ، وإذا جاء على فاعلات فاعلاتن ، سمي : عجزا ، وقيل : إنه معاقبة لما بعده ، وإذا جاء على نحو فاعلاتن فعلات فاعلاتن ، سمي ذا الطرفين.

والمعاقبة بين الحرفين : أن لا يجوز سقوطهما معا ، وإن جاز ثبوتهما معا ، والمراقبة بينهما أن لا يجوز سقوطهما معا ، ولا ثبوتهما معا ، كياء مفاعيلن ونونه في المضارع ، فإنه لا يأتي إلا مقبوضا أو مكفوفا.

وإذ قد عرفت ذلك ، فاعرف أن ما يسلم من العلة بالنقصان ، مع جواز أن لا يسلم ، يسمى : خ خ صحيحا ، والسالم من العلة بالزيادة ، بالشرط المذكور ، يسمى : خ خ معرى ، والسالم من الزحاف ، غير الخرم والخزم بالشرط المذكور ، يخص باسم : خ خ السالم ، والسالم من الخرم بالشرط المذكور يسمى : خ خ موفورا ، وما يسلم من الخرم أسميه أنا : خ خ مجردا ، وما يسلم من المعاقبة يسمى : [خ خ بريا](١).

__________________

(١) في (غ) : بريئا.


وإذ قد فرغنا عن ذلك فلنقل على المقصود الأصلي من تفصيل الكلام في كل بحر من البحور الخمسة عشر.

بحور الشعر :

١ ـ باب الطويل

أصل الطويل : خ خ فعولن مفاعيلن ، أربع مرات ، وله ، غير المصرع ، عروض واحدة مقبوضة ، وثلاثة أضرب :

والمصرع : هو ما يتعمد فيه اتباع العروض الضرب في وزنه ورويه ، اللهم إلا حيث يجري التشعيث ، وستعرف الروي في فصل علم القافية ، وحكم التصريع في جميع البحور هو ما عرفت ، فلا نعيده ثانيا.

الضرب الأول : صحيح سالم ، والثاني : مقبوض كالعروض ، والثالث محذوف.

بيت الضرب الأول (١) :

أبا منذر كانت / غرورا / صحيفتي ...

ولم أعطكم في الطّوع مالي ولا عرضي

تقطيعه :

أبا من / ذرن / كانت / غرورنصحيفتي

ولم أع / طكمفططوا / عمالي ولا عرضي

فعولن / مفاعيلن / فعولن / مفاعيلن ...

فعولن / مفاعيلن / فعولن / مفاعيلن

الصدر موفور سالم ، والعروض مقبوضة ، والضرب صحيح سالم.

وأجزاء الحشوين سالمة.

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٦٦ ، ولسان العرب (٥ / ١٢) بلا عزو.


بيت الضرب الثاني (١) :

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ...

ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

تقطيعه :

ستبدي / لكلأيّا / مما كن / تجاهلن / ...

ويأتي / كبلأ خبا / رمنلم / تزوّدي

فعولن / مفاعيلن / فعولن / مفاعلن ...

فعولن / مفاعيلن / فعولن / مفاعلن

كلاهما مقبوض.

وبيت الضرب الثالث (٢) :

أقيموا بني النّعمان عنّا صدوركم ...

وإلا تقيموا صاغرين الرّءوسا

تقطيعه :

فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ...

فعولن مفاعيلن فعولن فعولن

ويلزم هذا الضرب الثالث ، عند الخليل والأخفش ، كون القافية مردفة بالمد ، وستعرف ذلك. وقد روى الأخفش ضربا رابعا : مفاعل منقولا : فعولن. واعلم أن للأخفش روايات في الأعاريض والضروب ، رأيت تركها أولى ، فاعلم.

زحاف الطويل :

زحافه : يجري القبض في كل : فعولن ، إلا في الواقع ضربا ، ويجري القبض والكف في كل : مفاعيلن ، إلا في الواقع ضربا. وعن أبي إسحاق ، رحمه‌الله ، أن : فعولن السابق

__________________

(١) البيت من الطويل وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٤١ ، وسر الفصاحة ص ٢٠٧ ، ولسان العرب (ريث) وتاج العروس ١٥ / ١٥٠ رجز.

(٢) البيت من الطويل ، ينسب ليزيد بن خذاق الشين ، وبلا نسبة في لسان العرب (قوم) ، وتاج العروس (قوم).


على الضرب الثالث قلما يجىء سالما ، ولقد صدق ، والسبب في ذلك هو أنه إذا صح اتفق الجزآن في الربع الأخير من البيت ، ووضع الدائرة على اختلاف في جزأيها ، فيختار قبضه توصلا إلى تحصيل اختلاف بينهما ، ويجري : الثلم والثرم في فعولن الصدري ، وبين ياء مفاعيلن ونونه ، معاقبة.

بيت المقبوض (١) :

أتطلب من أسود بيشة دونه ...

أبو مطر وعامر وأبو سعد

تقطيعه :

أتطل / بمنأسو / دبيش / تدونهو ...

أبوم / طرنوعا / مرنو / أبو سعدي

فعول / مفاعلن / فعول / مفاعلن ...

فعول / مفاعلن / فعول / مفاعيلن

بيت الأثلم المكفوف (٢) :

شاقتك أحداج سليمي بعاقل ...

فعيناك للبين تجودان بالدمع

تقطيعه :

شاقت / كأحداج / سليمى / بعاقلن ...

فعينا / كللبين / تجودا / نبد دمعي

فعلن / مفاعيل / فعولن / مفاعلن ...

فعولن / مفاعيل / فعولن / مفاعيلن

بيت الأثرم (٣) :

هاجك ربع دارس الرسم باللوى ...

لأسماء عفّى آيه المور والقطر

تقطيعه :

__________________

(١) البيت من الطويل. وهو بلا نسبة في لسان العرب (مطر). وفي اللسان بيشة بلا تسهيل.

(٢) البيت من الطويل.

(٣) البيت في لسان العرب (عفا) بلا نسبة.


هاج / كر بعندا / رسر الرس / مبللوا ...

لأسما / ءعففا / يهلمو / رو لقطر

فعل / مفاعيلن / فعولن / مفاعلن ...

فعولن / مفاعيلن / فعولن / مفاعيلن

٢ ـ باب المديد

أصل المديد : خ خ فاعلاتن فاعلن ، أربع مرات ، وهو في الاستعمال مجزوء ، وله ثلاث أعاريض ، وستة أضرب ؛ العروض الأولى سالمة ، ولها ضرب واحد سالم ؛ والعروض الثانية محذوفة ، ولها ثلاثة أضرب : أولها مقصور ، والثاني : محذوف ، والثالث : أبتر ؛ والعروض الثالثة محذوفة مخبونة ، ولها ضربان : أولهما محذوف مخبون ، وثانيهما أبتر.

بيت الضرب الأول (١) :

يا لبكر انشروا لي كليبا ...

يا لبكر أين أين الفرار

تقطيعه :

يا لبكرن / انشروا / ليكليبن ...

يا لبكرن / أين أي / نلفرار

فاعلاتن / فاعلن / فاعلاتن ...

فاعلاتن / فاعلن / فاعلاتن

الأجزاء الستة سالمة.

بيت الضرب الثاني (٢) :

لا يغررنّ امرأ عيشه ...

كلّ عيش صائر للزوال

تقطيعه :

فاعلاتن / فاعلن / فاعلن ...

فاعلاتن / فاعلن / فاعلان

بيت الضرب الثالث (٣) :

__________________

(١) البيت من المديد. وهو للمهلهل بن ربيعة في خزانة الأدب ٢ / ١٦٢ ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٤٦٦) ، والكتاب (٢ / ٢١٥) ، ولسان العرب (لوم) وبلا نسبة في الخصائص (٣ / ٢٢٩).

(٢) البيت من المديد وهو بلا نسبة في لسان العرب (قصر) ، وتاج العروس (١٣ / ٤٣٧) قصر.

في (ط ، د) : حافظا.


اعلموا أنّي لكم حافظ ...

شاهدا ما كنت أو غائبا

ضربه غائبا : فاعلن.

بيت الضرب الرابع (١) :

إنما الذلفاء ياقوتة ...

أخرجت من كيس دهقان

ضربه قاني : فعلن.

بيت الضرب الخامس (٢) :

للفتى عقل يعيش به ...

حيث تهدي ساقه قدمه

تقطيعه :

للفتا عق / لن يعي / شبه / ...

حيث تهدي / ساقهو / قدمه

فاعلاتن / فاعلن / فعلن ...

فاعلاتن / فاعلن / فعلن

بيت الضرب السادس (٣) :

ربّ نار بتّ أرمقها ...

تقضم الهنديّ والغارا

تقطيعه :

__________________

(١) والبيت من المديد. وهو بلا نسبة في لسان العرب (بتر) ، (كيس) (قطع) ، (ذلف) ، وتاج العروس (بتر) كيس.

الذّلف ، بالتحريك : قصر الأنف. وقيل هو كالخنس. وامرأة ذلفاء من نسوة ذلف.

(٢) البيت من المديد. وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٨٦ ، وخزانة الأدب (٧ / ١٩) والدرر (٣ / ١٢٥) ، وسمط الآلى ٣١٩ ، ولسان العرب (سوق) ، (هدى). وبلا نسبة في شرح المفصل (٤ / ٩٢) ، ومجالس ثعلب ص ٢٣٨ وهمع الهوامع (١ / ٢١٢).

(٣) البيت من المديد. وهو لعبد بن الرقاع في ديوانه ص ٨٠ ، ولسان العرب (هند) ، وتاج العروس (هند).

ولعدى بن زيد في لسان العرب (فور) ، وتاج العروس (غور) وبلا نسبة في مقاييس اللغة (٤ / ٤٠٧).


رببنا رن / بتتأر / مقها ...

تقضملهن / دييول / غارا

فاعلاتن / فاعلن / فعلن ...

فاعلاتن / فاعلن / فعلن

ويلزم هذا الضرب : السادس ، والضرب : الرابع قبله ، كون القافية مردفة بالمد عند الخليل ـ رحمه‌الله ـ وعن الكسائي ، حمل هذين الضربين : الخامس والسادس ، على البسيط ، بإلقاء مستفعلن من الصدر ، وتقطيع أحدهما ب :

خ خ فاعلن مستفعلن فعلن

والآخر ب :

خ خ فاعلن مستفعلن فعلن

لكن الافتتاح بترك الأصل ، لا لضرورة موجبة ، كالخرم أو الخزم غير مناسب فليتأمل فيه.

زحاف المديد :

زحافه : يجري الخبن في كل : خ خ فاعلن ، إلا في الواقع عروضا وضربا ، ويجري في كل : خ خ فاعلاتن ، الخبن ، وكذا الكف والشكل إلا في الضربي ، فإنهما لا يجريان فيه. وبين نون فاعلاتن ، وألف فاعلن وفاعلاتن بعدها معاقبة ، وأما فاعلان ، فبعضهم لا يجيز خبنه ، وبعضهم يجيزه ، مستشهدا بقوله (١) :

كنت أخشى صرف تلك النّوى ...

فرماني سهمها فأصاب

بيت المخبون (٢) :

ومتى ما يع منك كلاما ...

يتكلّم فيجبك بعقل

جميع أجزائه مخبونة.

__________________

(١) البيت من المديد. ولم أعثر عليه.

(٢) البيت من المديد.


بيت المكفوف (١) :

[إن](٢) يزال قومنا مخصبين ...

صالحين ما اتقوا واستقاموا

تقطيعه :

فاعلات / فاعلن / فاعلات ...

فاعلات / فاعلن / فاعلاتن

بيت المشكوك (٣) :

لمن الديار غيرهنّ ...

كلّ داني المزن جون الرباب

تقطيعه :

لمندد / يارغي / رهنن ...

كلدانل / مزنجو / نربابي

فعلات / فاعلن / فعلات ...

فاعلاتن / فاعلن / فاعلاتن

بيت الطرفين (٤) :

ليت شعري هل لنا ذات يوم ، ...

[بجنوب](٥) ، فارع من تلاقي

تقطيعه :

فاعلاتن / فاعلن / فاعلاتن ...

فعلات / فاعلن / فاعلاتن

__________________

(١) البيت من المديد.

(٢) في (غ ، د) : لن.

(٣) البيت من المديد. وهو بلا نسبة في تاج العروس (شكل).

الجون : الأبيض ، والجون أيضا الأسود وهو من الأضداد وجمعه جون لسان اللسان (جون).

الرّباب بالفتح السحاب الأبيض وقيل هو السحاب المرئى كأنه دون السحاب سواء كان أبيض أو أسود واحدته ربابة وبه سميت المرأة الرباب. لسان اللسان. ربب.

(٤) البيت من المديد.

(٥) في (د) بجنوب ، بالحاء المهملة.


٣ ـ باب البسيط

أصل البسيط : خ خ مستفعلن فاعلن ، أربع مرات ، وهو يستعمل تارة مثمنا ، وأخرى مجزوءا مسدسا ، وله في المثمن عروض واحدة مخبونة ، ولها ضربان : أولهما مخبون ، وثانيهما مقطوع ؛ وفي المسدس عروضان :

العروض الأولى سالمة. ولها : ثلاثة أضرب ؛ أولها : مذال ، وثانيها : معرى ، وثالثها : مقطوع.

والعروض الثانية مقطوعة ، ولها واحد مقطوع ؛ وهذا البيت الأخير ، المقطوع العروض والضرب ، يسمى : مخلعا ، وعن الخليل : أن العروض المقطوعة لا تجامع غير الضرب المقطوع ، والكسائي يروي خلاف ذلك ، وهو شعر لامرئ القيس (١) :

عيناك دمعهما سال ...

كان شانيهما أوشال

وللأسود بن يعفر (٢) :

ونحن قوم لنا رماح ...

وثروة من موال وصميم

وفي قصيدة عبيد بن الأبرص وهي (٣) :

__________________

(١) البيت من البسيط وهو لامرئ القيس في شعره.

الوشل : الماء القليل من جبل أو صخرة يقطر منه قليلا قليلا ، وقيل : هو ماء يخرج من بين الصخر قليلا.

والجمع أوشال لسان اللسان وشل.

(٢) من البسيط. وهو في ديوانه.

(٣) البيت من مخلع البسيط وهو في ديوانه ص ٢٣ ، وخزانة الأدب (٢ / ٢١٨) وجمهرة اللغة (ص ٢٨٤) ، ولسان العرب (ذنب) ، (لحب) ، (رمل) ، (هزل).

وبلا نسبة في رصف المباني ص ٤٣٥ ، ولسان العرب (قطب) وتاج العروس (قطب).

وعجز البيت : فالقطبيّات فالذّنوب.


أقفر من أهله ملحوب

كثير من هذا القبيل ، وهذه القصيدة عندي من عجائب الدنيا في اختلافها في الوزن ، والأولى فيها أن تلحق بالخطب ؛ كما هو رأي كثير من الفضلاء.

بيت الضرب الأول من المثمن (١) :

يا جار لا أرمين منكم بداهية ...

لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك

تقطيعه :

يا جار لا / أرمين / منكمبدا / هيتن ...

لميلقها / سوقتن / قبليولا / ملكو

مستفعلن / فاعلن / مستفعلن / فعلن ...

مستفعلن / فاعلن / مستفعلن / فعلن

بيت الضرب الثاني منه (٢) :

قد أشهد الغارة الشعواء تحملني ...

جرداء معروقة اللحيين سرحوب

الضرب ، خ خ جوبو : خ خ فعلن. والخليل والأخفش ، رحمهما‌الله ، يريان الردف في

__________________

ـ ـ القطيبيّة : ماء بعينه ، والقطبيات من قول عبيد في الشعر الذي كسر بعضه وإنما أراد الماء فجمعه بما حوله ، لسان العرب (قطب).

(١) البيت من البسيط : وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه (ص ١٨٠) وجمهرة اللغة (ص ١٠٠٩) والدرر (٣ / ٥٦) وشرح المفصل (٢ / ٢٢) واللمع (ص ١٩٨) ، وهمع الهوامع (١ / ١٨٤).

(٢) البيت من البسيط. وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ٢٢٥ والمنصف (١ / ٢٢٣) ولامرئ القيس أو لعمران بن إبراهيم الأنصاري في شرح شواهد المغنى (٢ / ٤٩٦). ولإبراهيم بن عمران في لسان العرب (قصب) عرق وبلا نسبة في الجنى الدانى ص ٢٥٨ وخزانة الأدب (٦ / ١٠٥) (١١ / ٢٥٣).

اللحى : منبت اللحية من الإنسان وغيره ، وهما لحيان وثلاثة ألح.

سرحوب : الطويل ، الحسن الجسم ، والسّرحوبة من الإبل : السريعة الطويلة.


القافية هاهنا. وابن هانئ في قوله (١) :

لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند ...

واشرب على الورد من حمراء كالورد

ما رأى ذلك ؛ وقد روى الفراء ضربا ثالثا ، على خلاف أصول الصناعة ، وهو : فعل ، ساكن العين واللام ، كأنه أحذ مذال.

بيت الضرب الأول من مسدسه (٢) :

إنا ذممنا على ما خيلت ...

سعد بن زيد وعمرا من تميم

تقطيعه :

إننا ذمم / ناعلا / ما خييلت / ...

سعد بنزي / دنو عم / رنمنتميم

مستفعلن / فاعلن / مستفعلن ...

مستفعلن / فاعلن / مستفعلان

بيت الضرب الثاني منه (٣) :

ماذا وقوفي على ربع عفا ...

مخلولق دارس مستعجم

تقطيعه :

مستفعلن / فاعلن / مستفعلن / ...

[مستفعلن / فاعلن / مستفعلن](٤)

__________________

(١) البيت من البسيط. وهو لابن هانئ في ديوانه.

(٢) البيت من مجزوء البسيط. وهو للأسود بن يعفر في شعره ، وبلا نسبة في لسان العرب (ذيل) ، وتاج العروس (ذيل).

(٣) البيت من مجزوء البسيط وهو للمرقش في لسان العرب (خلق) ، وتاج العروس (خلق) ، وللأسود بن يعفر في ديوانه ص ٦٢ ، ولسان العرب خلع ، وتاج العروس (٢٠ / ٥٢٥ (خلع) وبلا نسبة في كتاب العين (١ / ١١٩).

(٤) في (د ، غ) مرتين.


بيت الضرب الثالث منه (١) :

سيروا معا إنّما ميعادكم ...

يوم الثلاثاء ببطن الوادى

الضرب ، خ خ نلوادي : خ خ مفعولن. ويلزمه : الردف عند الخليل ، رحمه‌الله.

بيت المخلع (٢) :

ما هيّج الشوق من أطلال ...

أضحت قفارا كوحي الواحي

تقطيعه :

مستفعلن / فاعلن / مفعولن / ...

[مستفعلن / فاعلن / مفعولن](٣)

زحاف البسيط :

زحافه يجري في كل خ خ مستفعلن وخ خ مستفعلان ، الخبن والطي والخبل ، وعن الخليل : أن الخبل لا يجري في عروض المجزوء ، ويجري في كل خ خ فاعلن وخ خ مفعولن الخبن.

بيت المخبون :

لقد خلت حقب صروفها عجب ...

فأحدثت غيرا وأعقبت دولا

تقطيعه :

مفاعلن / فعلن / مفاعلن / فعلن / ...

مفاعلن / فعلن / مفاعلن / فعلن (٤)

بيت المطوى :

ارتحلوا غدوة فانطلقوا بكرا ...

في زمر منهم يتبعها زمر

__________________

(١) البيت من مجزوء البسيط.

(٢) البيت من مجزوء البسيط. وهو بلا نسبة في لسان العرب (خلع) ، وتاج العروس (خلع).

(٢) البيت من مجزوء البسيط. وهو بلا نسبة في لسان العرب (خلع) ، وتاج العروس (خلع).

(٣) في (د ، غ) مرتين.


الأجزاء الأربعة مطوية.

بيت المخبول :

وزعموا أنهم لقيهم رجل ...

فأخذوا ماله وضربوا عنقه

تقطيعه :

فعلتن / فاعلن / فعلتن / فعلن ...

فعلتن / فاعلن / فعلتن / فعلن

بيت المخبول المذال من المسدس :

قد جاءكم أنكم يوما إذا ...

ما ذقتم الموت سوف تبعثون

الضرب ، خ خ فتبعثون : خ خ مفاعلان.

بيت المطوي المذال منه :

يا صاح قد أخلفت أسماء ما ...

كانت تمنّيك من حسن وصال

الضرب ، خ خ حسن وصال : مفتعلان.

بيت المخبول المذال منه :

هذا مقامي قريبا من أخي ...

كلّ امرئ قائم مع أخيه

الضرب ، خ خ مع أخيه : خ خ فعلتان.

بيت المخلع مخبونا (١) :

أصبحت والشيب قد علاني ...

يدعو حثيثا إلى الخضاب

تقطيعه :

مستفعلن / فاعلن / فعولن / ...

[مستفعلن / فاعلن / فعولن](٢)

__________________

(١) البيت لمطيع بن إياس الكناني.

(٢) في (د ، غ) : مرتين.


وخ خ فعولن هنا في العروض ، لما أشبه عروض المتقارب من مسدسه حذفه من قال (١) :

إن شواء ونشوة ...

وخبب البازل الأمون

تقطيعه :

أننشوا / أنونش / وتن / ...

وخببل / بازلل / أموني

مفتعلن / فاعلن / فعل / ...

فعلتن / فاعلن / فعولن

وأنه شاذ لا يقاس عليه.

٤ ـ باب الوافر

أصل الوافر : خ خ مفاعلتن ، ست مرات. وإنه : يسدس على الأصل تارة ، ويربع مجزوءا أخرى ، ولمسدسه عروض واحدة مقطوفة ، ولها ضرب واحد مثلها ، ولمربعه عروض واحدة سالمة ، ولها ضربان : أولهما سالم ، وثانيهما معضوب.

بيت ضرب المسدس (٢) :

لنا غنم نسوقها غزار ...

كأنّ قرون جلتها العصيّ

تقطيعه :

لنا غنمن / نسووقها / غزارن / ...

كانن قرو / نجللتهل / عصييوا

مفاعلتن / مفاعلتن / فعولن / ...

مفاعلتن / مفاعلتن / فعولن

نسووقها / غزارن / كانن قرو / نجللتهل

__________________

(١) البيت من مخلع البسيط. وهو بلا نسبة في لسان العرب (دمى).

(٢) البيت من الوافر وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ١٣٦ ، ولسان العرب سوق وأساس البلاغة (جلل).


فعولن / مفاعلتن / مفاعلتن / مفاعلتن](١)

بيت الضرب الأول من مربعه :

[بيت الضرب الأول من المربع](٢)

لقد علمت ربيعة أنّ ...

حبلك واهن خلق

تقطيعه :

[مفاعلتن / مفاعلتن / ...

مفاعلتن / مفاعلتن](٣)

بيت الضرب الثاني منه :

أعاتبها وآمرها ...

فتغضبني وتعصيني

الضرب ، وخ خ تعصيني : خ خ مفاعيلن. وقد ذكر ههنا ضرب ثالث مقطوف ، وهو :

بكيت ، وما يردّ لك ...

البكاء على حزين؟

كما ذكرت عروض ثانية مقطوفة في قوله :

عبيدة أنت همّي ...

وأنت الدهر ذكرى

زحاف الوافر :

زحافه يجري في كل خ خ مفاعلتن : العضب والعقل والنقض ، إلا في الواقع ضربا ، وعن الخليل : أن العقل لا يجري في عروض المربع ، ويختلف في الصدر بين كونه : أعضب وأقصم وأعقص وأجم ، وبين ياء المعضوب ونونه معاقبة.

__________________

(١) ساقط من (ط).

(٢) سقط من (ط ود) وأثبتناه من (غ).

(٣) في (د ، غ) مفاعلتن أربع مرات.


بيت المعضوب (١) :

إذا لم تستطع شيئا فدعه ...

وجاوزه إلى ما تستطيع

تقطيعه :

إذا لمتس / تطعشيأن / فدعهو / ...

وجاوزهو / إلى ماتس / تطيعو

مفاعيلن / مفاعيلن / فعولن / ...

مفاعيلن / مفاعيلن / فعولن

بيت المعقول (٢) :

منازل لعزتنا قفار ...

كأنما رسومها سطور

تقطيعه :

مفاعلن / مفاعلن / فعولن / ...

[مفاعلن / مفاعلن / فعولن](٣)

بيت المنقوض :

لسلامة دار بحفير ...

كباقي الخلق الرسم قفار

تقطيعه :

مفاعيل / مفاعيل / فعولن / ...

[مفاعيل / مفاعيل / فعولن](٤)

بيت الأعضب (٥) :

إن نزل الشتاء بدار قوم ...

تجنب جار بيتهم الشتاء

__________________

(١) البيت من الوافر وهو لعمرو بن معد يكرب في ديوانه ص ١٤٥ ، وتاج العروس (٢١ / ١٥٩) (زمع) ، (٤٦٦) (ودع) والأصمعيات ص ١٧٥. ويروى (أمرا) بدل (شيئا).

(٢) البيت من السريع. وهو بلا نسبة في لسان العرب (عقل) ، وتاج العروس (عقل).

(٣) في (د ، غ) مرتين.

(٣) في (د ، غ) مرتين.

(٤) البيت للحطيئة ديوانه ص ١٠٢. ويروى (بجار) مكان (بدار).


الصدر : خ خ إننزلش : خ خ مفتعلن.

بيت الأقصم :

ما قالوا لنا سددا ولكن ...

تفاقم أمرهم فأتوا بهجر

الصدر : (ما قالوا) : خ خ مفعولن.

بيت الأعقص (١) :

لو لا ملك رءوف رحيم ...

تداركني برحمته ، هلكت

الصدر : (لو لام) : خ خ مفعول.

بيت الأجم (٢) :

أنت خير من ركب المطايا ...

وأكرمهم أخا وأبا وأمّا

الصدر : (أنتخي) : خ خ فاعلن.

٥ ـ باب الكامل

أصل الكامل : خ خ متفاعلن ، ست مرات ، وأنه يسدس على الأصل تارة ، ويربع مجزوءا أخرى ، وله في مسدسه عروضان :

الأولى : سالمة ، ولها ثلاثة أضرب : سالم ؛ ومقطوع ؛ وأحد مضمر ، وقد أثبت ، غير الخليل والأخفش ، ضربا رابعا أحذ ، وحق هذا الضرب ، إن ثبت تقديمه على الثالث الذي هو أحذ مضمر ، فاعرفه فلا أذكر له بيتا.

والعروض الثانية : حذاء ، ولها ضربان : أولهما أحذ ، وثانيهما أحذ مضمر.

__________________

(١) البيت من الوافر وهو بلا نسبة في لسان العرب (٧ / ٥٥) (عقص) وتاج العروس (١٨ / ٤٠) (عقص).

(٢) البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في لسان العرب ١٢ / ١٠٨ جمم وتاج العروس جمم.


وله في مربعه عروض واحدة سالمة ، ولها أربعة [ضروب](١) : مرفل ، ومذال ، ومعرى ، ومقطوع.

بيت الضرب الأول من مسدسه (٢) :

وإذا صحوت فما أقصر عن ندى ...

وكما علمت شمائلي وتكرّمي

تقطيعه : خ خ متفاعلن ستّا.

بيت الضرب الثاني منه (٣) :

وإذا دعونك عمهنّ فإنه ...

نسب يزيدك عندهنّ خبالا

الضرب (نخبالا) : خ خ فعلاتن ، وحق هذا الضرب ، عند الخليل والأخفش ، كونه مردفا كما تراه.

بيت الضرب الثالث منه (٤) :

لمن الديار برامتين فعاقل ...

درست وغيرّ آيها القطر

الضرب : (قطرو) : خ خ فعلن.

__________________

(١) في (د ، غ) : أضرب.

(٢) البيت من الكامل وهو عنترة في ديوانه ص ٢٠٧ ، وتاج العروس (كمل).

(٣) البيت من الكامل. وهو للأخطل في ديوانه ص ٢٤٧. وبلا نسبة في لسان العرب (٨ / ٢٧٧) (قطع) وتاج العروس (٢٢ / ٢٩) (قطع).

(٤) البيت من الكامل. وهو بلا نسبة في لسان العرب (٣ / ٣٣٥) فرند.


بيت الضرب الرابع منه (١) :

لمن الديار عفى مرابعها ...

هطل أجشّ وبارح ترب

تقطيعه :

متفاعلن / متفاعلن / فعلن ...

[متفاعلن / متفاعلن / فعلن](٢)

بيت الضرب الخامس منه (٣).

ولأنت أشجع من أسامة إذ ...

دعيت نزال ، ولجّ في الذعر

العروض : خ خ متإذ ، خ خ فعلن ، والضرب : خ خ ذعري ، خ خ فعلن.

بيت الضرب الأول من مربعه (٤) :

ولقد سبقتهم إلىّ ...

فلم نزعت وأنت آخر

__________________

(١) الهطل والهطلان : المطر المتفرق العظيم القطر ، وهو مطر دائم مع سكون وضعف.

أجشّ : جشّ الحب يجشّه جشّا وأجشّه : دقّه ، وقيل طحنه طحنا غليظا جريشا.

البارح : الريح الحارة في الصيف. والبوارح : الأنواء ، والبارح : ما مر من الطير والوحش من يمينك إلى يسارك.

ترب : كثير التراب. وريح تربة : جاءت بالتراب. لسان اللسان (ترب).

(٢) في (د ، غ) مرتين.

(٣) البيت من الكامل وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٨٩ وإصلاح المنطق ص ٣٣٦ ، والإنصاف (٢ / ٥٣٥) ، وخزانة الأدب (٦ / ٣١٧ ، ٣١٨ ، ٣١٩) والدر (٥ / ٣٠٠) ، والشعر والشعراء (١ / ١٤٥) ، ولسان العرب (١١ / ٦٥٧ ، ٦٥٨) (نزل) ، ١٢ / ١٨ وبلا نسبة في خزانة الأدب (٧ / ٢٤٧) ، وشرح المفصل (٤ / ٥٠ ، ٥٢) ويروى : ولنعم حشو الدرع أنت إذ بدل الشطر الأول.

(٤) البيت من مجزوء الكامل وهو بلا نسبة في لسان العرب (١١ / ٢٩٢) (رفل).


الجزء الرابع ، الذي هو الضرب ؛ خ خ متفاعلاتن.

بيت الضرب الثاني منه (١) :

جدث يكون مقامه ...

أبدا بمختلف الرياح

الجزء الرابع ، الضرب : خ خ متفاعلان.

بيت الضرب الثالث منه :

وإذا افتقرت فلا تكن ...

متخشّعا وتجمّل

أجزاؤه الأربعة سالمة.

بيت الضرب الرابع منه :

وإذا هم ذكروا الإسا ...

ءة أكثروا الحسنات

ضربه : خ خ فعلاتن.

زحاف الكامل :

زحافه يجري في كل : خ خ متفاعلن ، وخ خ متفاعلاتن ، ومتفاعلان ، الإضمار ، والوقص ، والخزل ، ويجري في : خ خ فعلاتن ، الإضمار ؛ وبين سين المضمر وفائه معاقبة.

بيت المضمر (٢) :

إنّي امرؤ من خير عبس منصبا ...

شطري وأحمي سائري بالمنصل

__________________

(١) البيت من مجزوء الكامل. وهو بلا نسبة في تاج العروس (ذيل) ولسان العرب (١١ / ٢٦١) (ذيل).

والجدث : القبر ، والجمع أجداث.

(٢) البيت من الكامل وهو لعنترة في ديوان (ص ٢٤٨) ولسان العرب (ضمر) وتاج العروس ضمر ، وبلا نسبة في مقاييس اللغة (٥ / ٤٣٣).

المنصل : بضم الميم والصاد : السيف اسم له.


تقطيعه :

مستفعلن / مستفعلن / مستفعلن / ...

مستفعلن / مستفعلن / مستفعلن](١)

بيت الموقوص :

يذبّ عن حريمه بسيفه ...

ورمحه ونبله ويحتمي

تقطيعه :

[مفاعلن / مفاعلن / مفاعلن / ...

مفاعلن / مفاعلن / مفاعلن](٢)

بيت المخزول (٣) :

منزلة صمّ صداها وعفت ...

أرسمها إن سئلت لم تجب

تقطيعه :

[مفتعلن / مفتعلن / مفتعلن / ...

مفتعلن / مفتعلن / مفتعلن](٤)

وإنما يحكم لهذه الأبيات الثلاثة ، بكونها مزاحف الكامل ، إذا وجدت معها في القطعة ، أو القصيدة ، خ خ متفاعلن.

بيت المضمر المرفل (٥) :

وغررتني وزعمت أنّ ...

ك لابن في الصيف تامر

__________________

(١) في (د ، غ) " مستفعلن" ستّا.

(٢) في (د ، غ) مفاعلن ستّا.

(٣) البيت من الكامل. وهو بلا نسبة في تاج العروس (خزل) ولسان العرب (١١ / ١١٠) خزل ، (خزل)

(٤) في (د ، غ) مفتعلن ستّا.

(٥) البيت من مجزوء الكامل. وهو للحطيئة في ديوانه ص ٣٣ وأدب الكاتب ص ٣٢٧ ، وشرح المفصل (٦ / ١٣) ، ولسان العرب (لبن) وبلا نسبة في رصف المباني ص ٧٢ والصاحبي في فقه اللغة ص ١٨١.

لابن : رجل لابن : ذو لبن اللسان (لبن) ، تامر : أتمروا وهم تامرون : كثر تمرهم اللسان (تمر).


ضربه : خ خ مستفعلاتن.

بيت الموقوص المرفل :

ولقد شهدت وفاتهم ...

ونقلتهم إلى المقابر

ضربه : خ خ مفاعلاتن.

بيت المضمر المذال :

وإذا اغتبطت أو ابتأست ...

حمدت ربّ العالمين

ضربه : خ خ مستفعلان.

بيت الموقوص المذال :

كتب الشقاء عليهما ...

فهما له ميسران

ضربه : خ خ مفاعلان.

بيت المخذول المذال :

وأجب أخاك إذا دعا ...

ك معالنا غير [مخالف](١)

ضربه : خ خ مفتعلان.

بيت المضمر المقطوع من المسدس (٢) :

وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ...

ذخرا يكون كصالح الأعمال

وبيته من المربع :

وأبو الجليس وربّ ك ...

عبة فارغ مشغول

__________________

(١) في (د ، غ) : مخاف.

(٢) البيت من الكامل. وهو للأخطل في ديوانه ص ١٤٤ ، وجمهرة اللغة ص ٥٨١ والأغاني ص ٨ / ٣٢١.


ضرب البيتين : خ خ مفعولن ، ولقد خمس الوافر من قال :

لمن الصبيّ بجانب الصحراء ...

ملقى غير ذي مهد

وجعل الجزء الخامس أحذ مضمرا ، وهو من الشواذ

٦ ـ باب الهزج

أصل الهزج : خ خ مفاعيلن ست مرات ، وإنه في الاستعمال مجزوء مربع ، وله : عروض سالمة ، وضربان : أولهما : سالم ، وثانيها : محذوف.

بيت الضرب الأول (١) :

عفا من آل ليلى السه ...

ب فالأملاح فالغمر

تقطيعه : خ خ مفاعيلن أربعا.

بيت الضرب الثاني منه :

وما ظهري لباغي الضّي ...

م بالظهر الذلول

ضربه (ذلولي) : خ خ فعولن.

زحاف الهزج :

زحافه : يجري القبض والكف في كل : خ خ مفاعيلن ، إلا في الواقع ضربا. ويجري الكف فيما كان عروضا دون القبض ، وعن الأخفش ـ رحمه‌الله ـ ، جواز قبضها ، وفي بعض الروايات عن الخليل أيضا. ويجري في : خ خ مفاعيلن الصدري : الخرم والخرب والشتر ، وبين ياء خ خ مفاعيلن ونونه معاقبة.

__________________

(١) البيت من الهزج. وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ١٥٤ ، ولسان العرب ملح ، والتنبيه والإيضاح (١ / ٢٧٥) وتاج العروس (٧ / ١٥٠) ملح.

السهب : الفلاة ، الأملاح : والغمر : موضعان. اللسان.


بيت المقبوض :

فقلت لا تخف شيئا ...

فما عليك من بأس

تقطيعه :

فقلت لا / تخفشيأن / ...

فما علي / كمنبأسي

مفاعلن / مفاعيلن / ...

مفاعلن / مفاعيلن

بيت المكفوف (١) :

فهذان يذودان ...

وذا من كثب يرمي

تقطيعه :

فهذان / يذودان / ...

وذا منك / ثبنيرمي

مفاعيل / مفاعيل / ...

مفاعيل / مفاعيلن

بيت الأخرم :

أدوا ما استعاروه ...

كذاك العيش عاريه

صدره (أددو مس) : خ خ مفعولن.

بيت الأخرب (٢) :

لو كان أبو موسى ...

أميرا ما رضيناه

__________________

(١) البيت من الهزج وهو لعبد الله بن الزبعرى في ديوانه ص ٤٨ ، وطبقات فحول الشعراء ص ٢٤ ، والأغاني (١ / ٧١). وبلا نسبة في لسان العرب (كثب) ، وتاج العروس ٤ / ١٠٧ (كثب).

(٢) البيت من الهزج وهو بلا نسبة في لسان العرب (خرب) وتاج العروس (خرب) ويروى أبو بشر مكان أبو موسى


صدره : (لو كان) : خ خ مفعول.

بيت الأشتر :

في الذين قد ماتوا ...

وفيما جمعوا عبره

صدره : (فللذي) : خ خ فاعلن.

٧ ـ باب الرجز

أصل الرجز خ خ مستفعلن ستّا ، وهو في الاستعمال يسدس تارة على الأصل ، ويربع مجزوءا أخرى ، ويثلث مشطورا ثالثة ، على غير قول الخليل ، كأن الشعر عند الخليل هو ما له مصراعان وعروض وضرب ، ولعل الحق في يده لما في العرف من إجراء لفظ البيت على الشعر ، وامتناع إجرائه على المصراع ؛ ويثنى منهوكا رابعة. على قول الخليل ومن تابعه دون الأخفش ، ويوحد مشطور منهوك على قول الزجاج وحده.

ولمسدسه : عروض واحدة سالمة ، وضربان : سالم ، ومقطوع. ولمربعه : عروض وضرب سالمان ، وعروض مشطورة سالمة ، وهي ضربه ، وعروض مثناة كذلك.

بيت الضرب الأول من مسدسه (١) :

دار لسلمى ، إذ سليمى جارة ...

قفر ترى آياتها مثل الزبر

أجزاؤه ستة وسالمة.

بيت الضرب الثاني منه (٢) :

القلب منها مستريح سالم ...

والقلب مني جاهد مجهود

__________________

(١) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (قطع).

(٢) الرجز بلا نسبة في تاج العروس ، (قطع). ولسان العرب (قطع).


ضربه : (مجهودو) : خ خ مفعولن. ويلزم هذا الضرب عند الخليل والأخفش ، كون القافية مردفة بالمد.

بيت المربع :

قد هاج قلبي منزل ...

من أم عمرو مقفر

أجزاؤه أربعة وسالمة.

بيت المثلث (١) :

ما هاج أحزانا وجوا قد شجا

أجزاؤه ثلاثة مع السلامة.

بيت المثنى (٢) :

يا ليتني فيها جذع ...

أخبّ فيها وأضع

أقود وطفاء الزمع ...

كأنها شاة صدع

وقد أورد المشطور والمنهوك مقطوعين : لمقطوع المشطور قوله :

يا صاحبي رحلي ...

أقلا عذلي

__________________

(١) الرجز للعجاج في ديوانه (٢ / ١٣) وتخليص الشواهد (ص ٤٧) وشرح المفصل (١ / ٦٤) ولرؤبة في معاهد التنصيص (١ / ١٤) وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣٥٤ ، ولسان العرب (٨ / ٢٧) (بيع) (٥ / ٣٥٢) (رجز) ، (١١ / ٧٠) (بلل) ، (٤ / ٨٩) (بلا). وتمامه : من طلل كالأتحميّ أنهجا.

(٢) الرجز لدريد بن الصمة في ديوانه ص ١٢٨ ، وأساس البلاغة (زمع) وتاج العروس (٢٠ / ٤٢٣) (جذع) ، (٢١ / ٣٢٤) (صدع) ، (٢٢ / ٣٣٨) (وضع ، نهك) ولسان العرب (٨ / ٣٩٨) (وضع).

ولورقة بن نوفل في لسان العرب (٨ / ٤٥) (جذع) ، وتاج العروس (٢٠ / ٤٢٣) (جذع). وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٦٥٤) ، ولسان العرب (٥ / ٣٥٠) (رجز) (١٠ / ٥٠٠) (نهك).


بسكون الذال. ولمقطوع المنهوك قوله (١) :

ويل أمّ سعد سعدا

وستستمع فيهما كلاما.

بيت الموحد :

قالت حبل

ومن أخواتها :

ماذا الخجل

هذا الرجل

لما احتفل

أهدى بصل

والمثلث عند الخليل ، والمثنى عند الأخفش ، والموحد عند الجميع ، سوى أبي إسحاق ، من قبيل الأسجاع لا من قبيل الأشعار ، والكلام في الجانبين نفيا وإثباتا متقارب.

زحاف الرجز :

زحافه يجري في كل خ خ مستفعلن الخبن والطي والخبل ، ويجري في خ خ مفعولن الخبن.

بيت المخبون :

بكفّ خالد وأطعما ...

وطالما وطالما وطالما سقى

__________________

(١) الرجز لكبيشة بنت رافع في السيرة النبوية (٣ / ٢٠١) وبلا نسبة في خزانة الأدب (٣ / ٢٧٨) ، وتاج العروس (نهك) ولسان العرب (١٠ / ٥٠٠) (نهك).


تقطيعه : خ خ مفاعلن ستا.

بيت المطوي :

ما ولدت والدة من ولد ...

أكرم من عبد مناف حسبا

تقطيعه : خ خ مفتعلن ستا.

بيت المخبول :

وثقل منع خير طلب ...

وعجل منع خير تؤد

تقطيعه : فعلتن ستا.

بيت المقطوع المخبون :

لا خير فيمن كفّ عنا شرّه ...

إن كان لا يرجى ليوم خيره

الضرب : خ خ فعولن ، والأجزاء الباقية : خ خ مستفعلن.

٨ ـ باب الرمل

أصل الرمل : فاعلاتن ، ست مرات. وأنه يسدس على الأصل تارة ، ويربع مجزوءا أخرى : ولمسدسه عروض واحدة محذوفة ، وثلاثة أضرب : أولها : سالم ، وثانيها : مقصور ، وثالثها : محذوف. ولمربعه : عروض واحدة ، عند الخليل وأتباعه ، وثلاثة أضرب : أحدها مسبغ ، وثانيها : معرى ، وثالثها : محذوف. وتأتي عروض ثانية وضرب لها ، أذكرهما عقيب ذكر ما قدمت.

بيت الضرب الأول من مسدسه (١) :

__________________

(١) البيت من الرمل. وهو لعدى بن زيد في ديوانه ص ٩٣ ، والأغاني (٢ / ٩٤) ، وخزانة الأدب (٨ / ٥١٣) ، والشعر والشعراء (١ / ٢٣٥) ، والمنصف (٢ / ١٠٤) ، ولسان العرب (١٠ / ٣٩٣) (ألك). ـ ـ


أبلغ النعمان عني مالكا ...

أنه قد طال حبسي وانتظاري

تقطيعه :

أبلغننع / ما نعني / مالكن / ...

اننهو قد / طال حبسي / وانتظاري

فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلن / ...

فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلاتن

بيت الضرب الثاني منه (١) :

مثل سحق البرد عفّى بعدك ال ...

قطر مغناه وتأويب الشّمال

تقطيعه :

مثلسحقل / برد عففا / بعد كل / ...

قطر مغنا / هو وتأوي / بششمال

فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلن / ...

فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلان

بيت الضرب الثالث منه (٢) :

قالت الخنساء لما جئتها ...

شاب بعدي رأس هذا واشتهب

__________________

وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٩٨٢) ، والمنصف (١ / ٣٠٩) ولسان العرب (١ / ٥٨٥) ، (٥ / ٩٧) (قصر).

(١) البيت من الرمل المرفّل. وهو لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص ١٢٠ ، وخزانة الأدب (٧ / ١٩٨) (٥ / ٢٠٧) ، وشرح المفصل (٩ / ١٧). وبلا نسبة في شرح الأشموني (١ / ٨٣) والمنصف (١ / ٦٦).

(٢) البيت من الرمل. وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ٢٩٣ ، ولسان العرب (١ / ٥٠٨) (شهب) ، وتاج العروس (٣ / ١٦٩) (شهب). وبلا نسبة في تهذيب اللغة (٦ / ٨٧) ، وأساس البلاغة ص ٢٤٣ (شهب) ، وديوان الأدب (٢ / ٣٩٤).

اشتهب : اشهابّ رأسه واشتهب : غلب بياضه سواده. لسان اللسان (شهب).


تقطيعه :

فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلن / ...

[فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلن](١)

وأما قول المتنبي (٢) :

إنما بدر بن عمار سحاب ...

هطل فيه ثواب وعقاب

فاستعمال محدث ظاهرا.

بيت الضرب الأول من مربعه :

يا خليلىّ اربعا ...

واستخبرا رسما بعسفان

تقطيعه :

يا خليلي / يربعاوس / ...

تخبرارس / من بعسفان

فاعلاتن / فاعلاتن / ...

فاعلاتن / فاعليان

بيت الضرب الثاني منه :

مقفرات دارسات ...

مثل آيات الزبور

__________________

(١) في (د ، غ) مرتين.

(٢) البيت لأبي الطيب المتنبي في ديوانه (١ / ١٨٨) ط دار الكتب يمدح أبا الحسين بدر بن عمار ابن إسماعيل الأسدي الطبرستاني. وفي القصيدة تجوز في الوزن ، لأنه استعمل كل تفعيلاته تامة :

فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن ...

فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن

وهذا لا يجوز إلا في التصريع ، والتصريع هو امتلاك العروض لقافية الضرب ؛ كما في هذا البيت وهذا البحر ـ أي الرمل ـ لا تستعمل تفعيلاته إلا بحذف ، مثل :

فاعلاتن فاعلاتن فاعلن ...

فاعلاتن فاعلاتن فاعلن.

وقد أطلق العروضيون على الاستعمال التام لهذا البحر اسم الإقعاد.


تقطيعه : خ خ فاعلاتن ، أربعا.

بيت الضرب الثالث منه :

ما لما قرت به العي ...

نان من هذا ثمن

تقطيعه :

ما لما قر / رتبهلعي / ...

نان منها / ذا ثمن

فاعلاتن / فاعلاتن / ...

فاعلاتن / فاعلن

وأما العروض الثانية وضربها ، فمحذوفان ، وذلك قوله :

بؤسا للحرب التي ...

غادرت قومي سدى

تقطيعه :

بؤسا للحر / بللتي / ...

غادر تقو / ميسدا

فاعلاتن / فاعلن / ...

فاعلاتن / فاعلن

وقبله :

يا لبكر لا تنوا ...

ليس ذا حين وفى

دارت الحرب رحا ...

فادفعوها برحى

ثم قوله :

بؤسا للحرب ...

 ...

هذا قول أبي إسحاق في هذا الوزن ، ولم يذكره الخليل أصلا ، وأما البهرامي فقد عده من مربع المديد ، وتبعه جار الله. فالقول الأول إذا تأملت مبني على أنه مجزوء


أصله ؛ والقول الثاني مبني على أنه مشطور أصله ، فكن الحاكم بينهما.

زحاف الرمل :

زحافه : يجري الخبن في كل : خ خ فاعلاتن وخ خ فاعلن ، وفي خ خ فاعلان وخ خ فاعليان ، ويجري في كل خ خ فاعلاتن ، إلا فيما كان واقعا في الضرب ، الكف والشكل ، وبين نون خ خ فاعلاتن وألف أي جزء كان بعدها معاقبة.

بيت المخبون :

وإذا راية مجد رفعت ...

نهض الصلت إليها فحواها

تقطيعه :

وإذا را / يتمجدن / رفعت / ...

نهضصصل / تإليها / فحواها

فعلاتن / فعلاتن / فعلن / ...

فعلاتن / فعلاتن / فعلاتن

بيت المكفوف :

ليس كلّ من أراد حاجة ...

ثم جدّ في طلابها قضاها

تقطيعه :

ليسكل / منأراد / حاجتن / ...

ثمجدد / فيطلاب / ها قضاها

فاعلات / فاعلات / فاعلن / ...

فاعلات / فاعلات / فاعلاتن

بيت المشكول :

إنّ سعدا بطل ممارس ...

صابر محتسب لما أصابه

تقطيعه :

فاعلاتن / فعلات / فاعلن / ...

فاعلاتن / [فعلات / فعلاتن](١)

__________________

(١) في (د): (فعلاتن / فاعلاتن) ، وفي (غ): (فاعلاتن) فقط.


بيت المقصور المخبون :

أصبحت كسرى وأمسي قيصر ...

مغلقا من دونه باب حديد

تقطيعه :

فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلن / ...

فاعلاتن / فاعلاتن / فعلات /

بيت المسبغ المخبون :

واضحات فارسيّا ...

ت وأدم [عربيّات](١)

تقطيعه :

فاعلاتن / فاعلاتن / ...

فاعلاتن / فعليات

٩ ـ باب السريع

أصله : خ خ مستفعلن مستفعلن مفعولات.

وأنه في الاستعمال يسدس على الأصل تارة ، ويثلث مشطورا أخرى. ولمسدسه عروضان :

أولاهما : مطوية مكسوفة ، ولها ثلاثة أضرب : أحدها : مطوي موقوف ، وثانيها :

مطوي مكسوف ، وثالثها : أصلم.

والعروض الثانية : مخبولة مكسوفة ، ولها ضرب واحد مثلها ، وعروض مثلثة المشطور ، وهي ضربها موقوفة أو مكسوفة.

بيت الضرب الأول من مسدسه (٢) :

__________________

(١) في (د ، غ) : حربيات.

(٢) البيت من السريع ، وهو بلا نسبة في لسان العرب (عرق) (شأم) وتاج العروس (شأم) ، (زمن).


أزمان سلمى لا يرى مثلها ال ...

راءون في شام ولا في عراق

تقطيعه :

أزمانسل / ما لا يرى / مثله الر / ...

ر أو نفي / شامنولا / فيعراق

مستفعلن / مستفعلن / فاعلن / ...

مستفعلن / مستفعلن / فاعلان

بيت الضرب الثاني منه (١) :

هاج الهوى رسم بذات الغضى ...

مخلولق مستعجم محول

تقطيعه :

مستفعلن / مستفعلن / فاعلن / ...

[مستفعلن / مستفعلن / فاعلن](٢)

بيت الضرب الثالث منه (٣) :

قالت ، ولم تقصد لقيل الخنا : ...

مهلا ، فقد أبلغت أسماعي

عروضه : خ خ فاعلن ، وضربه خ خ فعلن بسكون العين.

بيت الضرب الرابع منه (٤) :

النشر مسك والوجوه دنا ...

نير وأطراف الأكفّ عنم

__________________

(١) البيت من السريع. وهو بلا نسبة في لسان العرب (خلق) ، ضخم ، وتاج العروس (خلق).

(٢) في (د ، غ) مرتين.

(٣) البيت من السريع. وهو لأبي قيس بن الأسلت السلمي في ديوانه ص ٧٨ ، ولسان العرب (٨ / ٤١٩) (بلغ) ، وتاج العروس (٢١ / ٢٢٤) سمع (٢٢ / ٤٤٨) (بلغ) ، والأغاني (١٧ / ١٢٢) ، وشرح اختيارات المفصل (١٢٣٣).

الخنا : من قبيح الكلام. والخنا : الفحش. لسان اللسان (خنا).

(٤) البيت من السريع ؛ وهو للمرقش الأكبر في ديوانه ص ٥٨٦ ، وتاج العروس (١٤ / ٢١٤) (نشر) ، وأساس البلاغة (نشر) ولسان العرب (٥ / ٢٠٦) (نشر).

النّشر : الريح الطيبة. والنّشر ريح فم المرأة وأنفها وأعطافها بعد النوم. لسان اللسان (نشر).

العنم : شجر لين الأغصان لطيفها يشبه به البنان كأنه بنان العذارى ، واحدتها عنمة. لسان اللسان (عنم).


عروضه : (هدنا) : خ خ فعلن. وضربه : (فعنم) : كذلك. وقد أورد لهذه العروض ضرب ثان أصلم ، وهو قوله (١) :

يأيها الزاري على عمر ...

قد قلت فيه غير ما تعلم

بسكون الميم ، والأخفش والزجاج ، متى اتصل كلامهما بهذين الضربين ، لا يشبعان ضبط الخليل ، ولا أعذرهما في ذلك.

بيت المشطور الموقوف العروض (٢) :

ينضخن في حافاتها بالأبوال

تقطيعه :

مستفعلن / مستفعلن / مفعولان

بيت المشطور المكسوف العروض :

يا صاحبي رحلي أقلّا عذلي

تقطيعه :

مستفعلن / مستفعلن / مفعولن /

وإنما لا يحمل هذا عندنا على مشطور الرجز المقطوع العروض ؛ لأن حمله على ذلك يستدعي إسقاط حرف مع إسقاط حركة ، وحمله على هذا يستدعي إسقاط حرف فحسب ؛ لكون الحركة ساقطة بحكم كون حرفها موقوفا عليه ، أي لكون حركة التاء من : خ خ مفعولات ، ساقطة في الاستعمال سقوطا لا ظهور لها إلا في الدائرة ، فتأمله ، واحذر على ما سمعت متى اعترضك موضع صالح الحمل على وجهين.

__________________

(١) البيت من السريع. وهو لكعب الأشعري في الصحاح (زرى) ، وبلا نسبة في لسان العرب (١٤ / ٣٥٦) (زرى) وتهذيب اللغة (١٣ / ٢٤٦).

(٢) البيت للعجاج ينظر شعره (٤ / ٣٢٢) ، والأبوال : جمع البول.


زحاف السريع :

زحافه يجري في كل : خ خ مستفعلن : الخبن ، والطي ، والخبل ، وفي : خ خ مفعولات ، وخ خ مفعولن : الخبن.

بيت المخبون :

أرد من الأمور ما ينبغي ...

وما تطيقه وما يستقيم

تقطيعه :

أرد منل / أمور ما / ينبغي / ...

وما تطي / قهو وما / يستقيم

مفاعلن / مفاعلن / فاعلن / ...

مفاعلن / مفاعلن / فاعلان

بيت المطوي :

قال لها ، وهو بها عالم ...

ويحك أمثال طريقي قليل

تقطيعه :

قال لها / وهو بها / عالمن / ...

ويحكأم / ثالطري / قيقليل

مفتعلن / مفتعلن / فاعلن / ...

مفتعلن / مفتعلن / فاعلن

بيت المخبول (١) :

وبلد قطعه عامر ...

وجمل حسره في الطريق

__________________

(١) البيت من السريع وهو بلا نسبة في رصف المباني ص ٤١٧ ويروى نحره بدل حسره حسره : الحسر والحسر : التعب والإعياء. لسان اللسان ١ / ٢٥٦.


تقطيعه :

وبلدن / قطعهو / عامرن / ...

وجملن / حسر هو / فططريق

فعلتن / فعلتن / فاعلن / ...

فعلتن / فعلتن / فاعلان

مزاحف المشطور في عروضه الأولى (١) :

قد عرّضت أروى بقول أفناد

تقطيعه :

قد عرضت / أروا بقو / لأفناد

مفتعلن / مستفعلن / فعولان

وفي عروضه الثانية (٢) :

وبلدة بعيدة النياط

تقطيعه :

مفاعلن / مفاعلن / فعولن

__________________

(١) عرض : لم يصرح. أروى : اسم امرأة ، أفناد : الخطأ في القول والرأى لسان اللسان : ٢ / ١٥٩ ، ٣٣٦.

(٢) النيط : الموت ، والبعد. لسان اللسان : ٢ / ٦٦١.

والرجز للعجاج ينظر شعره (١ / ٣٨٠) ، ولسان العرب (٧ / ٤١٩) (نوط) (٧ / ٤٣٣) (وطط) ، (١١ / ٥٠٩) (غول) ، وتهذيب اللغة (٨ / ١٩٢) وتاج العروس (١٩ / ٢٦٩) خلط ، ١٩ / ٣٣٦ سبط ، ٢٠ / ١٥٦ (نوط) (غول). ولرؤبة في تهذيب اللغة (١٤ / ٢٩) ، وليس في ديوانه وتمامه :

مجهولة تغتال خطو الخاطى.


١٠ ـ باب المنسرح

أصل المنسرح : خ خ مستفعلن مفعولات مستفعلن مرتين. وهو في الاستعمال : مسدس ومنهوك ؛ ولمسدسه عروض سالمة ، وضرب مطوي. وقد وجد له ضرب ثان مقطوع. والمنهوك : إما موقوف ، وإما مكسوف.

والعروض فيه هو الضرب.

بيت المسدس المطوي الضرب (١) :

إنّ ابن زيد لا زال مستعملا ...

للخير يفشي في مصره العرفا

تقطيعه :

إننبنزي / دنلازال / مستعملن / ...

للخير يف / شيفيمصر / هلعرفا

مستفعلن / مفعولات / مستفعلن / ...

مستفعلن / مفعولات / مفتعلن

بيت المسدس المقطوع الضرب ذاك (٢) :

وقد أذعر الوحوش بصلت ...

الخدّ رحب لبانه مجفر

__________________

(١) البيت من المنسرح وهو بلا نسبة في لسان العرب (٩ / ٢٣٩) (عرف) (١٥ / ١٥٥) (فشا) وتاج العروس (٢٤ / ١٥١) (عرف) ، مصره : المصر البلد. العرفا : هو المعروف والجود. لسان اللسان : (٢ / ١٦١ ، ٥٥٩).

(٢) أذعر : أخاف. الصلت : الواسع البارز الأملس ، واللبان : الصدر وقيل : ما بين الثديين والمجفر : عظيم الجنبين ، والجفرة : جوف الصدر [لسان اللسان (١ / ١٩٢ ، ٤٤٥) (٢ / ٣١ ، ٤٩٣)].


ضربه : (هو مجفر) : خ خ مفعولن.

بيت المنهوك الموقوف (١) :

صبرا بني عبد الدار

تقطيعه :

مستفعلن / مفعولان

بيت المنهوك المكسوف (٢) :

ويل أمّ سعد سعدا

تقطيعه :

مستفعلن / مفعولن

وليس يحمل على منهوك الرجز بالقطع ، كما لا يحمل مشطور السريع على مشطور الرجز ، لكن لا لما سبق ، بل إلحاقا لمفعولان بمفعولات.

زحاف المنسرح :

زحافه يجري في كل : خ خ مستفعلن وخ خ مفعولات : الخبن والطي والخبل ، إلا في خ خ مستفعلن ، الواقعة بعد خ خ مفعولات ، فالخبل فيها غير جار ، ويجري الخبن لا غير في : خ خ مفعولات ، وخ خ مفعولن.

__________________

(١) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (٥ / ٣٥٢) (رجز) ، (١٤ / ٨٣) (بكا) وتهذيب اللغة (١٠ / ٦١٠).

وصبرا : مصدر منصوب على المفعولية بمعنى اصبروا صبرا.

(٢) الرجز لكبيشة بنت رافع في السيرة النبوية (٣ / ٢٠١) وبلا نسبة في خزانة الأدب (٣ / ٢٧٨) ، وسر صناعة الإعراب (١ / ٢٣٥) ، وتاج العروس (نهك) ، ولسان العرب (١٠ / ٥٠٠) (نهك).


بيت المخبون (١) :

منازل عفاهنّ بذي الأرا ...

ك كلّ وابل مسبل هطل

تقطيعه :

منازلن / عفاهن / بذلأرا / ...

ككللوا / بلنمسب / لنهطلي

مفاعلن / مفاعيل / مفاعلن / ...

مفاعلن / مفاعيل / مفتعلن

بيت المطوي (٢) :

إن سميرا أرى عشيرته ...

قد حدبوا دونه وقد أنفوا

تقطيعه :

مفتعلن / فاعلات / مفتعلن / ...

مفتعلن / فاعلات / مفتعلن

بيت المخبول :

وبلد متشابه سمته ...

قطعه رجل على جمله

تقطيعه :

وبلدن / متشاب / هنسمته / ...

قطعه / رجلنع / لا جمله

فعلتن / فعلات / مستفعلن / ...

فعلتن / فعلات / مفتعلن

__________________

(١) عفاهن : أي أخفاهن وأذهب أثرهن. ذو الأراك : اسم موضع ، الوابل : المطر الشديد. المسبل : الغزير ، والهطل : المتتابع الدائم.

(٢) البيت من المنسرح. وهو بلا نسبة في لسان العرب (٤ / ٣٧٩) (سمر) ويروى أبقوا بدل أنفوا.


بيت الخبن في مفعولات (١) :

يا منزلا بسولان

تقطيعه :

مستفعلن / فعولان

بيت الخبن في مفعولن :

هل بالديار أنس

تقطيعه :

مستفعلن / فعولن

١١ ـ باب الخفيف

أصل الخفيف : خ خ فاعلاتن مس تفع لن فاعلاتن. [مرتين](٢).

وهو في الاستعمال مسدس على الأصل ، ومربع مجزوء. ولمسدسه : عروضان ، العروض الأولى : سالمة ولها ضربان : سالم ومحذوف ، والعروض الثانية : محذوفة ، ولها ضرب مثلها. ولمربعه عروض سالمة ، وضربان : سالم ومقصور مخبون.

بيت الضرب الأول من مسدسه (٣) :

حل أهلي ما بين درنا فبادو

لي وحلت علوية بالسخال

__________________

(١) سولان : اسم موضع.

(٢) في (غ) مرتان.

(٣) البيت من الخفيف وهو للأعشى في ديوانه ص ٥٣ ، ولسان العرب (١١ / ٥٠) (بدل) ، (١١ / ٣٣٢) (سخل) ، (١٣ / ١٥٤) (درن) وتاج العروس (بدل) ، (سخل) ، (درن).

درنا وبادو : اسما موضعين ، بالسخال : السخال اسم موضع أو اسم جبل.


تقطيعه :

حللأ هلي / ما بيندر / نا فبادو / ...

لي وحلت / علويتن / بسخالى

فاعلاتن / مس تفع لن / فاعلاتن / ...

فاعلاتن / مس تفع لن / فاعلاتن

بيت الضرب الثاني منه (١) :

ليت شعري هل ثمّ هل آتينهم ...

أم يحولنّ من بعد ذاك الردى

تقطيعه :

ليت شعري / هلثممهل / آتينهم / ...

أميحولن / منبعد ذا / كرردا

فاعلاتن / مس تفع لن / فاعلاتن / ...

فاعلاتن / مس تفع لن / فاعلن

بيت الضرب الثالث منه (٢) :

إن قدرنا يوما على عامر ...

ننتصف منه أو ندعه لكم

تقطيعه :

إنقدرنا / يومنعلا / عامرن / ...

ننتصف من / هو أو ندع / هولكم

__________________

(١) ليت شعري : أي ليت علمى حاضر ، فالخبر محذوف وهو كثير في كلامهم. والردى : الموت. [النهاية في غريب الحديث ٢ / ٤٨١] (شعر).

(٢) البيت من الخفيف وهو بلا نسبة في لسان العرب (١١ / ٦١٥) (مثل) ؛ وتاج العروس (مثل) ويروى نمتثل بدل ننتصف.


فاعلاتن / مس تفع لن / فاعلن / ...

فاعلاتن / مس تفع لن / فاعلن

بيت الضرب الأول من مربعه :

ليت شعري ما ذا ترى ...

أمّ عمرو في أمرنا

تقطيعه :

فاعلاتن / مس تفع لن / ...

[فاعلاتن / مس تفع لن](١)

بيت الضرب الثاني (٢) :

كلّ خطب إن لم تكو ...

نوا غضبتم يسير

تقطيعه :

فاعلاتن / مس تفع لن / ...

فاعلاتن / فعولن

ويلزم هذا الضرب عند الخليل الردف ، وقد رأى بعض أصحاب هذه الصناعة في (فعولن) هذه ، حملها على خبن (مس) وكسف (تفع) من : (مس تفع لن) مخطئا حامليه على الخبن والقصر ، قائلا : إن القصر يستلزم في علم القافية كون الروي من الوتد ، الذي هو الآن لام (فعولن) ، وكون وصل الروي من السبب ، وهو نونه ، ولا نظير لهذا المستلزم ، فإن الروى والوصل يكونان من جزء واحد ، أي : سبب أو وتد. لكن هذا الرأي يستلزم كسف الوتد في غير آخر الجزء ، ولا نظير لهذا المستلزم أيضا. وإن شئت

__________________

(١) في (د ، غ) مرتين.

(٢) الخطب : الشأن والأمر ، عظم أو صغر ، وهو هنا الأمر العظيم [لسان اللسان : ١ / ٣٤٨].


فتأمل زحافات : (فاع لاتن) ، في المضارع كيف تجد : (فاع) ، ممتنعا عن الكسف. وأما امتناع حمل : (فعولن) ، هذه على القطع ، فظاهر لفقد الوتد المجموع إذا تأملت.

زحاف الخفيف :

زحافه : تجري في كل : خ خ فاعلاتن وخ خ مس تفع لن ، الخبن والكف والشكل ، إلا فيما كان ضربا. فالكف والشكل لا يجريان فيه.

ويجري في : خ خ فاعلن ، الخبن وفي : خ خ فاعلاتن ، الضربية التشعيث. وكذا في العروضية ، لكن عند التصريع لا غير. وبين نون : خ خ فاعلاتن ، وسين : خ خ مستفعلن ، وألف : خ خ فاعلاتن أو خ خ فاعلن بعدها معاقبة. وكذا بين نون : خ خ فاعلاتن ، وألف : خ خ فاعلاتن ، المتصاحبتين.

والأصحاب اختلفوا في كيفية وقوع التشعيث ، فمنهم من يسقط أول متحركي الوتد ، ويقدر المشعث : خ خ فالاتن ، ثم ينقله إلى : خ خ مفعولن ، ومسنده التشبيه بالخرم. ومنهم من يسقط ثاني متحركيه ، ذهابا إلى أنه أقرب إلى الآخر ، والآخر محل الحوادث ، ويقدر المشعث : خ خ فاعاتن ، ثم ينقله. ومنهم من يسقط ساكن الوتد ، ويسكن ثاني متحركيه ، ويقدر المشعث : خ خ فاعلتن ، بسكون اللام ثم ينقله ، ومسنده التشبيه بالقطع الواقع فيه أجزاء. ومنهم من يسقط الساكن قبله بالخبن ، ويسكن أول الوتد ، ويقدر المشعث : خ خ فعلاتن بسكون العين ، ثم ينقله. ولك أن تجعل مسنده : التشبيه بالإضمار ، بعد أن تشبه : خ خ فعلا ، من : خ خ فعلاتن ، بالفاصلة.

بيت المخبون :

وفؤادي كعهده بسليمى ...

بهوى لم يزل ولم يتغير


تقطيعه :

وفؤادي / كعهده / بسليمى / ...

بهونلم / يزلو لم / يتغيير

فعلاتن / مفاعلن / فعلاتن / ...

فعلاتن / مفاعلن / فعلاتن

بيت المكفوف :

يا عمير ما تظهر من هواك ...

أو تجن يستكثر حين يبدو

تقطيعه :

يا عمير / ما تظهر / منهواك / ...

أو تجن / يستكثر / حينيبدو

فاعلات / مستفعل / فاعلات / ...

فاعلات / مستفعل / فاعلاتن

بيت المشكول والمشعث (١) :

إنّ قومي جحاجحة كرام ...

متقادم مجدهم أخيار

تقطيعه :

إننقومي / جحاجح / تنكرامو / ...

متقاد / منمجدهم / أخيار

فاعلاتن / م فا ع ل / فاعلاتن / ...

فعلات / مستفعلن / مفعولن

بيت الخبن في فاعلن عروضا وضربا (٢) :

بينما هنّ بالأراك معا ...

إذ أتى راكب على جمله

__________________

(١) جحاجحة : جمع جحجح : السيد الكريم السمح [لسان اللسان ١ / ١٦٥].

(٢) البيت من الخفيف وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ١٨٨ ، وشرح شواهد المغنى (١ / ٣٦٦) (٢ / ٧٢٢) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٧ / ٦٣ ، ٧٣) وشرح ديوان الحماسة للمزروقى ص ١٧٨٤ ، ويروى : بينما نحن بدل بينما هن والأراك : اسم موضع.


تقطيعه :

بينما هن / نبلأ را / كمعن / ...

إذ أتارا / كبنعلا / جمله

فاعلاتن / فاعلن / فعلن / ...

فاعلاتن / م فاعلن / فعلن

١٢ ـ باب المضارع

أصله مسدس هكذا : خ خ مفاعيلن فاعلاتن مفاعلن. مرتين. ثم استعمل مجزوءا مربعا سالم العروض والضرب ، وعلى المراقبة بين ياء خ خ مفاعيلن ونونه بيته (١) :

دعاني إلى سعاد ...

دواعي هوى سعاد

تقطيعه :

مفاعيل / فاعلاتن / ...

مفاعيل / فاعلاتن /

زحاف المضارع :

زحافه : يجري في : خ خ فاعلاتن العروضي ، الكف. كقوله :

وقد رأيت الرجال ...

فما أرى مثل عمرو

تقطيعه :

مفاعلن / فاعلات / ...

مفاعلن / فاعلات

__________________

(١) البيت من المضارع ، وهو بلا نسبة في لسان العرب (٨ / ٢٢٣) (ضرع) ، وتاج العروس (٢١ / ٤١٤) (ضرع) ، (٢٤ / ٣٨٨) (كفف). ويروى مكان سعاد في الشطرين سعادا ولعل الأول تصحيف.


ولما عرفت أن الخبن يستدعي في الساكن كونه سببيا ، تعرف أن لا مجال للخبن في خ خ فاعلاتن ، ولا للشكل. ويجري في خ خ مفاعيل في الصدر : الخرم ، وفي خ خ مفاعلن فيه :

الشتر.

بيت الأخرب :

قلنا لهم وقالوا ...

وكلّ له مقال

تقطيعه :

مفعول / فاعلاتن / ...

مفاعيل / فاعلاتن

بيت الأشتر :

سوف أهدي لسلمى ...

ثناء على ثناء

تقطيعه :

فاعلن / فاعلاتن / ...

مفاعيل / فاعلاتن

١٣ ـ باب المقتضب

أصله مسدس هكذا :

مفعولات مستفعلن مستفعلن ...

[مفعولات مستفعلن مستفعلن](١)

ثم استعمل مجزوءا مربعا مطوي العروض والضرب ، وعلى المراقبة بين خبن

__________________

(١) في (د) مرتين ، وفي (غ) مرتان.


مفعولات وطيه. بيته :

يقولون لا يعدوا ...

وهم يدفنونهم

تقطيعه :

مفاعيل / مفتعلن / ...

[مفاعيل / مفتعلن](١)

زحاف المقتضب :

وزحافه : من وجه أحد جانبي المراقبة في : خ خ مفعولات ، أما خبنه كما ترى ، وأما طيه كقوله (٢) :

أعرضت فلاح لها ...

عارضان كالبرد

إذ تقطيعه :

فاعلات / مفتعلن ...

[فاعلات / مفتعلن](٣)

١٤ ـ باب المجتث

أصله مسدس هكذا :

__________________

(١) في (د ، غ) مرتين.

(٢) البيت من المقتضب وهو بلا نسبة في لسان العرب (١ / ٦٧٨) (قضب) ، وتاج العروس (٤ / ٥٤) (قضب). ويروى أقبلت بدل أعرضت ، ولاح : بدا وظهر [لسان اللسان : ٢ / ١٥٨].

(٣) في (د ، غ) مرتين.


مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن ...

[مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن](١)

ثم استعمل مجزوءا مربعا وسالم العروض والضرب ، كقوله (٢) :

البطن منها خميص ...

والوجه مثل الهلال

تقطيعه :

مستفعلن / فاعلاتن / ...

[مستفعلن / فاعلاتن](٣)

زحاف المجتث :

زحافه : يجري في كل : خ خ مستفعلن وخ خ فاعلاتن ، الخبن والكف والشكل ، إلا خ خ فاعلاتن الضربي ، فلا يجري فيه الكف ، والشكل ، ولكن يجري فيه التشعيث عند بعضهم ، وبين : سين ، خ خ مستفعلن و: نونه ، معاقبة.

ولا مجال فيه للطي وللخبل ، لما تعرف.

بيت الخبن (٤) :

ولو علقت بسلمى ...

علمت أن ستموت

__________________

(١) في (د) مرتين ، وفي (غ) مرتان.

(٢) البيت من المجتث وهو بلا نسبة في تاج العروس (٥ / ١٩٦) (حدث).

خميص : أي ضامر هزيل لسان اللسان : (١ / ٣٦٨).

(٣) في (د ، غ) مرتين.

(٤) علق بالمرأة : أحبها ، والعلق : الهوى. [لسان اللسان ٢ / ٢١٥].


تقطيعه :

م فاع لن / فعلاتن ...

[فاع لن / فعلاتن](١)

بيت المكفوف (٢) :

ما كان عطاؤهنّ ...

إلا عدة ضمارا

تقطيعه :

مس تفع ل / فاعلاتن ...

مس تفع ل / فاعلاتن

بيت المشكول :

أولئك خير قوم ...

إذا ذكر الخيار

تقطيعه :

م فا ع ل / فاعلاتن / ...

[م فا ع ل / فاعلاتن](٣)

بيت المشعث :

لم لا يعي ما أقول ...

ذا السّيد المأمول

ضربه : خ خ مفعولن.

__________________

(١) في (د ، غ) مرتين.

(٢) ضمارا : الضمور : الهزال والضعف. لسان اللسان (٢ / ٧١).

(٣) في (د ، غ) : مرتين.


١٥ ـ باب المتقارب

أصله : خ خ فعولن ثمانيا ، وهو في الاستعمال يثمن على الأصل تارة ، ويسدس مجزوءا أخرى. ولمثمنة : عروض واحدة سالمة ولها أربعة أضرب : سالم ، ومقصور ، ومحذوف ، وأبتر ؛ ولمسدسة : عروض واحدة محذوفة وضربان : أحدهما محذوف ، والآخر أبتر.

بيت الضرب الأول من مثمنه (١) :

فأمّا تميم تميم بن [عمرو](٢)

فألفاهم القوم روبى نياما

أجزاؤه الثمانية سالمة.

بيت الضرب الثاني منه (٣) :

ويأوي إلى نسوة [بائسات](٤)

وشعث مراضيع مثل السعالي

ضربه : خ خ فعول ، ويلزم هذا الضرب الردف.

__________________

(١) البيت من المتقارب وهو لبشر بن أبي حازم في ديوانه ص ١٩٠ ، والأزهية ص ١٤٦ وجمهرة اللغة ص ١٠٢١ ، ولسان العرب (روب) وبلا نسبة في أدب الكاتب ص ٨١ ، وأمالى ابن الحاجب (١ / ٣٣٤) ، ومجالس ثعلب ص ٢٣٠ ، والمعاني الكبير ص ٩٣٧ ، وروبى : صفة للقوم وهي الكسل والفتور. اللسان.

(٢) في (ط) مر.

(٣) البيت من المتقارب. وهو لأمية بن أبي عائذ الهذلي في خزانة الأدب (٢ / ٤٢ ، ٤٣٢) (٥ / ٤٠) وشرح أشعار الهذليين (٢ / ٥٠٧) وشرح التصريح (٢ / ١١٧) وتاج العروس (سعل). ولأبي أمية في المقاصد النحوية (٤ / ٦٣) وللهذلي في شرح المفصل (٢ / ١٨) ، ولسان العرب (رضع) وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (١ / ٣٢٢).

وشعث : صفة للنسوة وهي تلبد الشعر واغبراره. مراضيع : جمع مرضع ، والسعالي : جمع سعلاة قيل هي الغول ويوصف به المرأة الصحابة البذيّة.

(٤) في (غ ، د) يائسات.


بيت الضرب الثالث منه (١) :

وأروي من الشعر شعرا عويصا ...

ينسّي الرواة الذي قد رووا

ضربه : خ خ فعل.

بيت الضرب الرابع منه (٢) :

خليليّ عوجا على رسم دار ...

خلت من سليمى ومن ميه

ضربه : خ خ فع أو خ خ فل ، كيف شئت. وقد أجاز الخليل في عروض البيت السالم الضرب. الحذف والقصر ، وأبت ذلك جماعة ، وشاهده في الحذف ، قوله (٣) :

لبست أناسا فأفنيتهم ...

وكان الإله هو المستأسيا

وشاهده في القصر ، قوله (٤) :

فرمنا القصاص وكان القصاص ...

عدلا وحقّا على المسلمينا

__________________

(١) البيت من المتقارب. وهو بلا نسبة في لسان العرب (٧ / ٥٨) (عوص) وتاج العروس (١٨ / ٤٩) (عوص).

عويصا : العويص من الشعر : ما يصعب استخراج معناه [لسان اللسان : ٢ / ٢٤١].

(٢) البيت من المتقارب وهو بلا نسبة في لسان العرب (٤ / ٣٨) (بتر) ، وتاج العروس (١٠ / ٩٥) (بتر).

وعوجا : العوج الانعطاف ، أي انعطفا. لسان اللسان (٢ / ٢٣٧).

(٣) البيت من المتقارب. وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص ٧٧ ، ولسان العرب (٦ / ١٧) (أوس) ٦ / ٢٠٣ (لبس) ، وتاج العروس (١٥ / ٤٢٧ (أوس) ، (١٦ / ٤٦٦) (لبس) والشعر والشعراء ص ٣٠١. وبلا نسبة في أساس البلاغة (لبس). ويروى الشطر الثاني رواية أخرى هكذا :

 ..................

وافنيت بعد أناس أناسا.

(٤) البيت من المتقارب ، وهو بلا نسبة في لسان العرب (٧ / ٧٦) (قصص) ، وتاج العروس (١٨ / ١٠٧) (قصص). ويروى هكذا :

فرمنا القصاص وكان التقا ...

صّ حكما وعدلا على المسلمينا

رمنا : من رام بشئ أي طلبنا (١ / ٥٢٦).


وغير الخليل يروي البيت : فكان القصاص.

ومن الشواهد له في القصر ، قوله (١) :

ولو لا خداش أخذت دوا ...

بّ سعد ولم أعطه ما عليها

ويروي : أخذت جمالات سعد.

بيت الضرب الأول من مسدسه (٢) :

أمن [دمنة](٣) أقفرت ...

لسلمى بذات الغضى

العروض والضرب كلاهما : خ خ فعل.

بيت الضرب الثاني منه (٤) :

تعفّف ولا تبتئس ...

فما يقض يأتيكا

ضربه : خ خ فع.

زحاف المتقارب :

زحافه : يجري القبض في كل : خ خ فعولن إلا في الواقع ضربا ، وعند الخليل ، وإلا فيما

__________________

(١) البيت من المتقارب. وهو بلا نسبة في لسان العرب (٧ / ٧٦) (قصص) ، وتاج العروس (٨ / ١٠٧) خداش : اسم لخداش بن زهير. لسان اللسان (١ / ٣٢٢).

(٢) أقفرت : أي خلت. ذات الغضى : ذات الشجر ويطلق على نجد. لسان اللسان (٢ / ٢٧١ ، ٤٠٤).

(٣) في (د) (منة).

(٤) البيت من مجزوء المتقارب. وهو بلا نسبة في لسان العرب (٤ / ٣٨) بتر ، وتاج العروس (١٠ / ٩٦) (بتر).


قبل : خ خ فع أيضا ، ويجري الحذف فيما كان عروضا ، والثرم والثلم جاريان في الصدري.

بيت المقبوض :

أفاد فجاد وساد فزاد ...

وقاد فزاد وعاد فأفضل

الأجزاء السبعة مقبوضة.

بيت الأثلم (١) :

لو لا خداش أخذنا جمالا ...

ت سعد ولم نعطه ما عليها

صدره : خ خ فعلن.

بيت الأثرم (٢) :

قلت سدادا لمن جاء يسري ...

فأحسنت قولا وأحسنت رأيا

صدره : خ خ فعل.

فصل : الخرم والخزم :

ولما تسمع من وقوع الخرم والخزم في الأشعار يلزمك في باب التقطيع متى أخذت فيه ، إذا لم يستقم لك على الأوزان التي وعيتها ، أن تعتبره بالنقصان الخزمي في الصدر وفي الابتداء تارة ، وبالزيادة الخزمية أخرى. والخزم يكون بحرف واحد فصاعدا إلى أربعة بحكم الاستقراء ، فإن استقام فذاك ؛ وإلا فإما أن لا يكون شعرا أصلا ، أو يكون وزنا خارجا عن الاستقراء.

__________________

(١) سبق تخريجه ، وورد مختلفا هكذا :

ولو لا خداش أخذت دوا ...

ب سعد ولم أعطه ما عليها.

(٢) السّداد : الإصابة في المنطق. لسان اللسان (١ / ٥٨٦).


فصل : باب المتداني (١)

وهذه الأوزان هي التي عليها مدار أشعار العرب بحكم الاستقراء ، لا تجد لهم وزنا يشذ عنها ، اللهم إلا نادرا ، وأكثر الاستقراءات كذلك لا تخلو عن شذوذ شيء منها ، ولعل جميعها. ثم لا تجد ذلك النادر ، بحرا كان أو عروضا أو ضربا أو زحافا ، إلا معلوم التفرع على المستقرئ ، أو ما ترى المتداني وهو خ خ فاعلن ثماني مرات كقولنا (٢) :

زارني زورة طيفها في الكرى ...

فاعتراني لمن زارني ما اعترى

كيف تجده ظاهر التفرع على المتقارب في دائرته ، وكذا ما يتبعه من الزحافات كالخبن في قوله (٣) :

أشجاك تشتّت شعب هواك ...

فأنت له أرق وصبّ

وكالقطع في قوله :

إنّ الدنيا قد غرتنا ...

واستهوتنا واستلهتنا

على قول من يعده شعرا ، ومن يسدس مثمنه متداني في قوله (٤) :

قف على دارسات الدمن ...

بين أطلالها فابكين

__________________

(١) المتداني : هو البحر المتدارك : الذي استدركه الأخفش على الخليل.

(٢) الطيف : المس والخيال ، والكرى : النوم والنعاس. ل اللسان (٢ / ١١٠ ، ٤٥٧).

(٣) أرق : من الأرق وهو السهر. لسان اللسان (١ / ٢٤) ، وصب : من الصبابة وهي الشوق لسان اللسان (٢ / ٤).

(٤) دارس الدمن : الدمن جمع دمنة وهي آثار البعير ، المعنى : الآثار والدور التي عفت واختفت. لسان اللسان (٢ / ٤٢٢).

والأطلال : جمع طلل : وهو ما شخص من آثار الديار لسان اللسان (٢ / ١٠١).


وغير ذلك مما ترى المتأخرين قد تعاطوها ، وسموها بأسام مفتقرين هدى الخليل ، إذا أنت طالعتها لم تخف عليك المداخل والمخارج هنالك.

ثم إذا مددت [بضبعك](١) استقامة طبع ، وخدمت أنواعا أخر ، اطلعت على أن هذا النوع ، أعني علم العروض نوع ، إذا أنت رددته إلى الاختصار احتمله ، وإذا أنت حاولت الإطناب فيه امتد ، وكاد أن لا يقف عند غاية ، لقبوله من التصرف فيه نقصانا وزيادة ما شاء الطبع المستقيم.

فإذ قد تلونا عليك ما اقتضانا الرأي تلاوته منه ، فحري أن نفي بما سبق به الوعد من الكلام في ترتيب الدوائر ، وترتيب البحور فيهن ، المستقرأة على النسق المذكور.

فروع بحور الشعر ولواحقها :

(اعلم) أن مبنى فروع الأصول في هذه الصناعة ، ولواحق سوابقها على النقصان لا على الزيادة ، وإن شئت أن تتحقق ذلك ، فعليك بفروع الأصول : كالمجزوء والمشطور ، والمنهوك والموحد ، ثم كالمضمر والمعضوب ، والموقوف ، وكالمخبون والمطوي ، والمقبوض والمكفوف ، وكالمشعث والمكسوف ، وكالمقصور والمقطوع ، وكالمخبول والمشكول ، وكالمحذوف والمقطوف ، والأحذ والأصلم والأبتر.

وإن اعترضك : المذال ، والمسبغ ، والمرفل ، فانظر أين تجد ذلك.

إن وجدته لا يجري إلا حيث يكون جزءا ساقطا ، فهو جار مجرى التعويض ، فلا تعده زيادة.

ترتيب الدوائر العروضية :

وإذا تحققت ذلك ، فنقول : تعين النقصان للفرع يستتبع تعين الأصالة للكمال ، وللأصل حق التقدم على الفرع ، فبحكم هذه الاعتبارات ناسب في هذا النوع تقديم

__________________

(١) من (غ) وقد تصحفت في (د) نطبعك وفي (ط): (لطبعك).


الأكمل فالأكمل ، فروعيت تلك المناسبة ، فلزم تقديم الدائرة المختلفة على ما سواها ؛ لكون بحورها أتم بحور عدد حروف ، لاشتمال كل بحر منها على ثمانية وأربعين حرفا. ولزم تأخير الدائرة المنفردة عن الكل ؛ لكون بحرها أنقص البحور عدد حروف ، لاشتماله على أربعين حرفا. ولزم توسط الدوائر الثلاث الباقية ؛ لاشتمال كل بحر من بحورهن على اثنين وأربعين حرفا. ثم لزم تقديم المؤتلفة منهن على أختيها ؛ لكون كل واحد من بحريها أتم من بحور أختيها عدد حركات ؛ لاشتمال كل واحد منهما على ثلاثين حركة ، واشتمال كل واحد من أولئك على أربع وعشرين. والسكون في هذا النوع معدود في جانب العدم ، فلا يوضع في مقابلة الحركة ، فاعرفه.

ثم ناسب إيلاء المجتلبة المؤتلفة لمزيد التناسب بينهما في : أن كل واحدة منهما تتمم أصل البيت بست دورات ، فترتيب الدوائر على ما ترى :

المختلفة ثم المؤتلفة ثم المجتلبة ثم المشبهة ثم المنفردة.

سبب تقديم بحر من بحور الدائرة الواحدة :

وأما تقديم ما يقدم من البحور في الدوائر : فالطويل ، نظرا إلى أركان الأفاعيل المبدوء بها ، وأعني بالأركان : الأسباب والأوتاد والفواصل. يقدم على أخويه ، لكون ركنه الأول ، وهو : خ خ فعو ، أتم من ركني أخويه ، وهما : خ خ فاو : مس. والهزج أيضا يقدم على أخويه لذلك.

وأما الكامل فإنما يؤخر عن الوافر ؛ لأن صحة إضماره يبرزه في معرض ما ركنه الأول سبب خفيف حكما ، وصحة إجراء الخبن عليه منبه على ذلك ، وكذا امتناعه عن الخرم امتناع ما أوله سبب خفيف ، على الرأي الصواب ، ولا يقف على هذا إلا النحوي المتقن ، حيث لا يبني على السكون الضمير في : غلامك ، أو : التصريفي الماهر ، حيث لا يجوز الإلحاق بالألف في حشو الكلمة ، أو صاحب الطبع المستقيم في باب الاستدلال أو غيره ، ممن يفهم باب قولنا : امتنع كذا لأدائه إلى الممتنع حكما ؛ وقولي : على الرأي الصواب ، احتراز عن رأي من يجوز الخرم في مخبون خ خ مستفعلن مستشهدا بقوله :


هل جديد على الأيام من باق ...

أم هل لما لا يقيه الله من واق

وأما تقديم السريع ؛ فلأن دائرته تضمنت وتدا مفروقا ، بخلاف سائر الدوائر ، وارتكاب المخالف لا يصار إليه إلا لعذر ، وأنه في السريع أكمل منه في غيره ؛ لأن أركان السريع ممتنع أن تؤلف ، على وجه من الوجوه ، تأليفا يخرج الوتد المفروق عن كونه مفروقا إلى كونه مجموعا ، أو سببا خفيفا ، بخلاف ما سواه ، فتأمله ، فيلزم تقديم السريع. وأما استدعاء المضارع فيها للتقدم ، بجهة أن ركنه الأول أتم ، فضعف للزوم النقصان له في الأجزاء حين لا يستعمل إلا مجزوءا مراقبا.

[خاتمة](١) :

وإذ قد وفينا بما كنا وعدنا ، فحري أن نختم الكلام في علم العروض بهذه الخاتمة ، وهي ما أقوله ، من : أن لك أن تتخذ الوافر أصلا وتفرع عليه جميع البحور على ما أذكره ، وهو : أن تقدر أصل الوافر مثمنا منبها على ذلك بنحو قول امرئ القيس (٢) :

خيال هاج لي شجنا ...

فبتّ مكابدا حزنا

عميد القلب مرتهنا ...

بذكر اللهو والطّرب

وتلحق مسدسه ، في غير المسمط ، بالمجزوء ، ومربعه : بالمشطور على خلاف ظاهر الصناعة. ثم تستخرج منه : الكامل مثمنا وتلحق مسدسه بالمجزوء ، ومربعه بالمشطور. ثم تستخرج من معضوب الوافر ، الهزج مثمنا ، وتجعله دائرة. وتستخرج منها : الرجز والرمل مثمنين ، ثم تستخرج من مثمن الهزج الطويل بوساطة حذف جزء : خ خ لن ، من

__________________

(١) في (د): (فصل).

(٢) البيتان لامرئ القيس.

هاج : بمعنى أهاج أي أثار وهيّج. شجنا : الهم والحزن مكابدا : كابد الأمر : قاساه. ل سان اللسان (٢ / ٤٣٩) ، وعميد القلب : قلب عميد : هدّه الشوق. لسان اللسان (٢ / ٢٢٣).


آخر مثل : خ خ مفاعي ، خ خ مفاعيلن. والمتقارب بحذف الأجزاء الثمانية ، وتجعل الطويل دائرة. وتستخرج منها : المديد والبسيط ، وبحرا ثالثا تزعمه مهجورا نصفه :

مفعولات مفعول مفعولات مفعول

ثم تجعله : أصلم فيبقي عندك :

مفعولات مفعو لمف عولا تمف

وهو بحر : المقتضب ، [فتديره](١) ، فتكون : الدائرة المشتبهة ، وتستخرج منها بحورها. وإن شئت استخرجت البحر الثالث هكذا :

مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن

وإنه بحر مستعمل ، وإن كان الخليل أهمله ، يحكى عن امرئ القيس أشعارا بهذا الوزن ، منها (٢) :

ألا يا عين فابكي ...

على فقدي [لملكي](٣)

وإتلافي لمالي ...

بلا حرف وجهد

تخطيت بلادا ...

وضيعت قلابا

وقد كنت قديما ...

أخا عز ومجد

ثم خرمته أولا ، وحذفته آخرا فيبقى عندك :

فاعيلنف عولنمفا عيلنفعوا

__________________

(١) في (ط): (فتدبره).

(٢) الأبيات لامرئ القيس.

(٣) في (د): (الملكى).


ثم تديره دائرة ، فتكون عين الدائرة المشتبهة ، وهذا الطريق أليق بالصناعة ؛ لاشتماله على وتد مفروق واحد وهو : خ خ لنف ، من : فاعيلنف ، دون الطريق الأول ، فتأمله.

وإنما ذكرت الأول ، لكون التصرف هناك في موضع فحسب ، وهو جعله أصلم لا غير.

فصل : أبيات المهجور من البحور :

وتقدر من أبيات المهجور ، إن شئت (١) :

إن المرء في أكثر الأحوال مرتاع ...

ليت المرء لم يدخل الدنيا فما ارتاع

إنّ العيش عيش الصّبا إذ ليس عقل ...

ينهي المرء عما إليه المرء نزّاع

مكسوف العروض ، موقوف الضرب ، عند ترك التصريع. ومن أبياته :

ما للمرء في عيشه من راحة ...

أنّى والليالي تريه ما ترى

أصلم العروض والضرب.

وإن شئت قدرته من الثاني بوساطة الخرم والحذف ، وليكن هذا آخر كلامنا في هذا الفصل.

__________________

(١) مرتاع : أي فزع خائف. والصّبا : بكسر الصاد : هو الصّغر. ونزاع : شديد الميل والرجوع. لسان اللسان (٢ / ٦٠٨).


الفصل الثالث

في الكلام في القافية وما يتصل بذلك

اختلفوا في القافية ، فهي عند الخليل : من آخر حرف في البيت ، إلى أول ساكن يليه ، مع المتحرك الذي قبل الساكن ، مثل : خ خ تابا ، من (١) :

أقلّي اللوم عاذل والعتابا

وعند الأخفش آخر كلمة في البيت مثل : خ خ العتابا ، بكمالها. وعند أبي علي : قطرب (٢) وأبي العباس : ثعلب (٣) : الروي ، وستعرفه.

__________________

(١) البيت من الوافر وهو لجرير في ديوانه ص ٨١٣ ، وخزانة الأدب (١ / ٦٩ ، ٣٣٨) ، (٣ / ١٥١) والدرر (٥ / ١٧٦) ، (٦ / ٢٣٣ ، ٣٠٩) ، وشرح المفصل (٩ / ٢٩) وبلا نسبة في الإنصاف ص ٦٥٥ ، وجواهر الأدب (ص ١٣٩ ، ١٤١) وخزانة الأدب (٧ / ٤٣٢) ، (١١ / ٣٧٤) ، ولسان العرب (١٤ / ٢٤٤) (خنا) ونوادر أبي زيد ص ١٢٧ وتمام البيت :

 ...

وقولى إن أصبت لقد أصابا

عاذل : أي يا لائمى.

(٢) قطرب : هو محمد بن المستنير بن أحمد ، أبو علي النحوي ، المعروف ب : قطرب اللغوي البصري. لازم سيبويه وكان يدلج إليه ؛ وكان من أئمة عصره. وهو أول من وضع المثلث في اللغة ، كان يرى رأي المعتزلة النظامية. مات سنة ٢٠٦ ه‍. من تصانيفه : معاني القرآن ، اشتقاق العلل في النحو ، وغريب الحديث ينظر : (أبجد العلوم ٣ / ٤١ ـ ٤٢).

(٣) ثعلب : أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني ، أبو العباس. إمام الكوفيين في النحو واللغة. ولد سنة ٢٠٠ ه‍.

وبدأ النظر في العربية والشعر واللغة سنة ٢١٦ ه‍. كان : ثقة حجة صالحا مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة ، والمعرفة بالعربية.

ثقل سمعه في آخر عمره ، وصم ، فصدمته دابة ومات سنة ٢٩١ ه‍. من تصانيفه : المصون ، اختلاف النحويين ، معاني القرآن ، ما تلحن فيه العامة ، الفصيح ... إلى غير ذلك.

ينظر : (أبجد العلوم ٣٠ / ٥٠ ـ ٥١).


وعن بعضهم إن القافية هي البيت ، وعن بعضهم هي القصيدة ، وحق هذا القول أن يكون من باب إطلاق اسم اللازم على الملزوم ، وباب تسمية المجموع بالبعض ، كقولهم : كلمة الحويدرة ، لقصيدته. وقول كل أحد : كلمة الشهادة ، لمجموع : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقوله علت كلمته : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ)(١) والمراد بالكلمة : مجموع كلامهم ، (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً)(٢) وقوله : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ)(٣) والمراد بالكلمة : (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ)(٤) وقوله : (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا)(٥) والمراد بالكلمة : (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) والألزم أن لا [يصح](٦) قافية البيت ، أو قافية القصيدة ، لاستلزامه إضافة الشيء إلى نفسه.

وتسمى : قافية ؛ لمكان التناسب ، وهو : أنها تتبع نظم البيت ، مأخوذة من : قفوت أثره ، إذا اتبعته. والميل ، من هذه الأقوال ، إلى قول الخليل ؛ لوقوفه على أنواع علوم الأدب نقلا وتصرفا ، واستخراجا واختراعا ، ورعاية في جميع ذلك لما يجب رعايته ، أشد حد ما شق فيه أحد غباره ، اللهم قدس روحه ، وارحم السلف كلهم ، واكس الجميع حلل الرضوان ، واجمعنا وإياهم في دار الثواب.

أنواع القافية باعتبار الحركات :

وإذ قد اخترنا رأي الخليل في القافية ، وإنها على رأيه ، لا بد من اشتمالها على

__________________

(١) سورة الكهف ، الآية : ٥.

(٢) سورة الكهف ، الآية : ٤.

(٣) سورة الصافات ، الآية : ١٧١.

(٤) سورة الصافات ، الآيتان : ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٥) سورة غافر (المؤمن) ، الآية : ٦.

(٦) في (غ) : يصخ.


ساكنين ، كما ترى ، فيستلزم لذلك خمسة أنواع :

أحدها : أن يكون ساكناها مجتمعين ، ويسمى المترادف ؛ أو يكون بينهما حرف واحد متحرك ، ويسمى : خ خ المتواتر ، أو حرفان متحركان ويسمى : خ خ المتدارك ، أو ثلاثة أحرف متحركات ويسمى : خ خ المتراكب ؛ أو أربعة ويسمى : خ خ المتكاوس ، ولا مزيد على الأربعة ، وكلامنا هاهنا مبني على عناية ، أذكرها في آخر الفصل.

المترادف :

وللمترادف : سبعة عشر موقعا. خ خ فاعلان : في خ خ فاعلاتن إذا قصر ، وفي خ خ مفعولات إذا طوي ووقف. وخ خ مستفعلان : مذالا لا غير ، ومضمرا مذالا. وخ خ مفاعلان : مخبونا مذالا ، وموقوصا مذالا وخ خ مفتعلان : مطويّا مذالا ، ومخذولا مذالا. وخ خ فعلتان. ومتفاعلان ، وخ خ فعلييان ، وخ خ فعلان ، وخ خ مفعولان ، وخ خ فعولان ، مقصور خ خ مفاعيلن في الضرب الرابع للطويل عند الأخفش ، ومخبونا موقوفا في غير ذلك ؛ وخ خ فعول.

المتواتر :

وللمتواتر : أحد وعشرون موقعا : خ خ مفاعيلن ، وخ خ فاعلاتن ، وخ خ فعلاتن ، وخ خ مفعول : مقطوعا لا غير ، ومضمرا مقطوعا ، ومكسوفا ، ومشعثا. وخ خ فعولن : سالما ومحذوفا ، ومخبونا مقطوعا ، ومقطوفا ومخبونا مكسوفا ، أو مخبونا مقصورا. وخ خ فعلن : مقطوعا وأبتر ، وأحذ مضمرا ، وأصلم. وخ خ فل : في نحو خ خ فعولن. خ خ فل وتن : في خ خ متفاعلاتن ، وفروعه الثلاثة : خ خ مستفعلاتن وخ خ مفاعلاتن وخ خ مفتعلاتن.

المتدارك :

وللمتدارك أحد عشر : خ خ متفاعلن ، وخ خ مستفعلن : سالما ومضمرا ، وخ خ مفاعلن : مخبونا ومقبوضا وموقوصا ومعقولا ، وخ خ فاعلن : سالما ومحذوفا ، وخ خ فعل في نحو : خ خ فعولن فعل. وخ خ فل في نحو : خ خ فعول فل ، على قول من يجوز قبض خ خ فعولن قبل خ خ فل.

المتراكب :


وللمتراكب ثمانية : خ خ مفاعلتن وخ خ مفتعلن : مطويا ومخزولا ، وخ خ فعلن للساكن قبله مخبونا لا غير ، ومخبونا محذوفا ، وأحذ ، ومخبونا مكسوفا ، وخ خ فعل ، في نحو : خ خ فعول فعل.

المتكاوس :

وللمتكاوس موقع واحد : خ خ فعلتن للساكن قبله.

فهذه ثمانية وخمسون موقعا لأنواع القافية الخمسة ، وعساك إذا فتشت عنها أن تعثر على مزيد.

أنواع القافية باعتبار الروي ، وما قبله وما بعده :

ثم إن القافية ، لاشتمالها على حرف الروي ، تتنوع باعتبار الروي ، وباعتبار ما قبله ، وباعتبار ما بعده.

أما تنوعها باعتبار الروي : فهي كونها : إما مقيدة ، أو مطلقة.

وأما تنوعها باعتبار ما قبل الروي فهي كونها : إما مردفة ، أو مؤسسة ، أو مجردة.

وأما تنوعها باعتبار ما بعد الروي ، ولا يلحقها هذا الاعتبار إلا في إطلاقها ، فهي كونها : إما موصولة من غير خروج ، أو مع خروج.

الروي :

والمراد بالروي : الحرف الآخر من حروف القافية ، إلا ما كان تنوينا ، أو بدلا من التنوين ، أو كان حرفا إشباعيّا مجلوبا لبيان الحركة ، مثل : المنزلا ، المنزلو ، المنزلي. أو قائما مقام الإشباعي في كونه مجلوبا لبيان الحركة ، وهو : الهاء ، مثل : كتابيه ، حسابيه ، أو مشابها للحرف الإشباعي : كألف ضمير الاثنين ، وكواو ضمير الجماعة مضموما ما قبلها ، وكياء ضمير المؤنث مكسورا ما قبلها ، مثل : لم يضربا ، لم يضربوا ، لم تضربي ؛ ويلحق الألف في مثل : أنتما وضربتما ومنكما ؛ والواو في مثل : أنتمو ، ضربتمو ، ومنكمو ، منهمو ، بألف : ضربا ، وواو : ضربوا. أو كان مشابها للقائم مقام الإشباعي ، كهاء التأنيث ، وهاء الضمير متحركا ما قبلهما دون الساكنة ، مثل : طلحة ، وحمزة.


ومثل : غلامه وضربه. فإن كل واحد من ذلك يسمى : وصلا لا رويّا ، وكثيرا ما تجري : الألف ، والواو ، والياء الأصول ، مثل : سرى يسرو ، ويسري ، والهاء الأصلي مثل : أشبه ، أعمه ، مجرى الحروف الإشباعية ، والقائمة مقامها ، وذلك أثناء القصائد على سبيل التوسع.

أسماء القافية :

والمراد بالقافية المقيدة : ما كان رويها ساكنا مثل (١) :

وقاتم الأعماق خاوي المخترق

وحركة ما قبل الروي المقيد تسمى توجيها.

وبالقافية المطلقة : ما كان رويها متحركا مثل (٢) :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلي

وحركة الروي تسمى مجرى.

والمراد بالقافية المردفة : ما كان قبل رويها ألفا مثل : عمادا ، أو : واوا ، أو ياء مدتين ، مثل : عمود ، عميد ؛ أو غير مدتين مثل : قول ، قيل. وتسمى كل من هذه

__________________

(١) البيت من الرجز وهو لرؤبة في ديوانه وعجز البيت :

 ...........

مشتبه الأعلام لمّاع الخفق.

قاتم الأعماق : أعماق الأرض : فواحيها. خاوى : خال ، المخترق : الممر ، لسان اللسان (١ / ٣٣٢).

وقاتم الأعماق : مخبر النواحي (٢ / ٣٥٦).

(٢) البيت من الطويل. وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ٨ ، والأزهيّة (ص ٢٤٤ ، ٢٤٥) ، والجنى الداني (ص ٦٣ ، ٦٤) ، وخزانة الأدب (١ / ٣٣٢) ، (٣ / ٢٢٤) ، والدرر (٦ / ٧١) ولسان العرب (١٥ / ٤٢٨) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٢٩). وبلا نسبة في الإنصاف (٢ / ٦٥٦) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٣١) ولسان العرب (١٥ / ٢٠٥).


الحروف : ردفا ، وحركة ما قبل الردف : حذوا. والردف بالألف لا يجامعه الردف بغيرها ، بخلاف الواو والياء ، فإن الجمع بينهما غير معيب. والردف بالواو والياء المدتين لا يجامعه الردف بالواو والياء غير المدتين.

والمراد بالقافية المؤسسة : ما كان قبل رويها بحرف واحد ألف ، والروي ، وتلك الألف ، من كلمة واحدة مثل : عامدا. أما إذا كانتا في كلمتين كنت بالخيار ، إن شئت ألحقت ذلك بالتأسيس ، وإن شئت لم تلحقه ، اللهم إلا إذا نزلتا منزلة كلمة واحدة للوجوه المعلومة في ذلك في علم النحو ، فيكون الحكم للتأسيس ، وتسمى هذه الألف : التأسيس ، والفتحة قبلها : رسّا ، والحرف المتوسط بين هذه الألف وبين الروي تسمى : الدخيل ، وحركته : إشباعا.

والمراد بالقافية المجردة : ما لم يكن قبل رويها ردف ولا تأسيس.

والمراد بالقافية الموصولة من غير خروج : ما كان بعد رويها حرف واحد مما يسمى : وصلا ، مثل : منزلا ، منزلو ، منزلة ، بالهاء الساكنة المتحرك ما قبلها.

وبالقافية الموصولة مع الخروج : ما كان بعد رويها هاء متحركة مع حرف إشباعي ، مثل : منزلها ، منزلهو ، ومنزلهي. وذلك الحرف يسمى : خروجا ، وحركة هاء الوصل : نفاذا.

فهذه أنواع تسعة للقافية غير ما تقدمت : المجرد مثل : منزل ، والمردف مثل : عماد ، عمود ، عميد ، ومثل : قول ، قيل. والمؤسس مثل : عامد ، ثلاثيها مع التقييد ، وهو أن لا تجري الأواخر. ثم هذه الثلاثة مع الوصل بلا خروج ، وذلك بأن تجري الأواخر ، بأن تحركها ملحقا إما : ألفا أو واوا أو ياء مدتين ، أو هاء ساكنة مثل : منزلا ، منزلو ، منزلي ، منزله ، منزله ، في المجرد. ومثل : عمادا ، عماد ، وعمادي ، عماده في [المردف](١). وعلى هذا أخواته في الردف : كالعمود والعميد ، وكالقول والقيل ، ومثل : عامدا ، عامدو ،

__________________

(١) في (د ، غ): (الردف).


عامدي ، عامده في المؤسس ، ثم هذه الثلاثة موصولة مع الخروج مثل : منزلها ، منزلهو ، منزلهي في المجرد ، وعمادها ، وكذلك الأخوات : عمودها ، عميدها ، قولها ، قيلها ، وعمادهو ، وعمادهي ، في المردف ، ومثل : عامدها ، أو عامدهو ، أو عامدهي في المؤسس. ولا بد ، فيما ذكرنا أن القافية كذا ، من أن يكون محمولا على قافية الأشعار في المشهور ، وإلا لم يصح تسمية القافية قافية في مثل قولي (١) :

حتام تنكر قدري ، أيها الزمن ...

بغيا وتوغر صدري ، أيها الزمن؟

أما يهمّك شيء غير غدرك بي ...

ما ذا استفدت بغدري أيها الزمن؟

قل لي إلى كم أرى الأحداث ترشقني ...

قد عيل صبري ، أتدري أيها الزمن؟

أرى بدورا لأقوام طلعن لهم ...

ألا طلوع لبدري؟ أيها الزمن؟

__________________

(١) البيت وما بعده للسكاكي من نظمه.


فصل

عيوب القافية

و [إذا](١) وقفت على ما تلي عليك ، فاعلم أن الشعر ، لما كان المطلوب به الوزن ، وقد كان مرجع الوزن إلى رعاية التناسب في الصوت ؛ ومن المعلوم أن الأمور بخواتيمها ، ناسب لذلك رعاية مزيد التناسب في القوافي التي هي خواتيم أبيات القصيدة أو القطعة.

فعيب تحريك الروي المقيد ، أو هاء الوصل الساكنة ، متى أخلّ بالوزن ، مثل :

وقاتم الأعماق خاوي المخترقن

ومثل (٢) :

تنفش الخيل ما لا تغزلهو

وسمي الأول : غلوا ، والثاني تعديا.

وعيب اختلاف الوصل ، وسمي مثل : منزلو مع منزلي : إقواء.

ومثل : منزلا مع منزلو أو منزلي : إصرافا ، وهو أعيب.

السناد :

وصحة اجتماع الواو والياء في الردف ، دون الألف والواو أو الياء ، تنبهك على ذلك.

وعيب اختلاف التوجه ، مثل : حرم بضم الراء ، مع حرم أو حرم بغير ضمها عند

__________________

(١) في (د) : وإذ.

(٢) تنفش : نفشت الإبل تنفش وتنفش ونفشت تنفش : إذا تفرقت فرعت بالليل من غير علم راعيها.

بنظر : لسان اللسان (نفش).


التقييد ، وفي الأصحاب من لا يعده عيبا ؛ لكثرة وروده في الشعر ، والأقرب عده عيبا.

وكذلك عيب اختلاف الإشباع ، مثل : كامل ، بكسر الميم مع تكامل أو تكامل بغير كسرها.

وكذلك عيب الاختلاف : بالتجريد والردف ؛ مثل : تعصه مع توصه ، أو التأسيس ، مثل : منزل مع منازل ، وبالردف بالمد وغير المد ، مثل : قول ، بضم القاف مع : قول ، بفتحها. وهو اختلاف الحذو. وجمعت هذه العيوب تحت اسم : السناد.

ثم عيب أيضا اختلاف الرويين مثل : كرب ، بالباء مع : كرم ، بالميم. أو : كرخ ، بالخاء. وسمي هذا العيب في المتقاربي المخرجين كالباء والميم : إكفاء ، وفي المتباعديهما : [كالياء](١) والخاء ، إجازة بالراء والزاي ، وهو أعيب لكون التفاوت هاهنا أكبر.

ومن العيوب الإيطاء : وهو إعادة الكلمة التي فيها الروي إعادة بلفظها ومعناها في القصيدة ، نحو : خ خ رجل رجل. فإنه إيطاء بالاتفاق ، دون نحو : خ خ رجل الرجل ، ففي الأصحاب من لا يعده إيطاء ، لقوة اتصال حرف التعريف بما يدخل فيه ، ونزول المعرف لذلك منزلة المغاير للمنكر ، وعيب الإيطاء بتقارب المسافة بين كلمتي الإيطاء ؛ أما إذا طالت القصيدة وتباعدت المسافة بين الكلمتين ، فقلما يعاب ، لا سيما إذا استعملت إحدى كلمتي الإيطاء في فن من المعاني وأخراهما في فن آخر.

هذه العيوب ظاهرة الرجوع إلى القافية على ما ترى.

وفي العيوب عيب يسمى : إنفادا ؛ وهو : تغيير العروض تغييرا غير معتاد في موضعه.

مثل قوله (٢) :

__________________

(١) في (د) : كالباء.

(٢) البيت من الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٩١ ، والخصائص (١ / ٢٩٤) ، وله أو لأبي الأسود الدؤلى في خزانة الأدب (١ / ٢٧٧ ، ٢٧٨ ، ٢٨١ ، ٢٨٧) والدرر (١ / ٢١٧) وللنابغة أو لأبي الأسود أو لعبد الله بن همارق في شرح التصريح (١ / ٢٨٣) ولأبي الأسود الدؤلى في ملحق ديوانه ص ٤٠١ وتخليص الشواهد ص ٤٩٠ وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ١٧٨ ، ولسان العرب ١٥ / ١٠٨ (عوى) وهمع الهوامع (١ / ٦٦). ويروى الشطر الأول رواية أخرى : جزى ربّه عنى عديّ ابن حاتم.


جزى الله عبسا عبس [بني](١) بغيض ...

جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

أو مثل قوله (٢) :

أفبعد مقتل مالك بن زهير ...

ترجو النساء عواقب الأطهار

لك أن تنظمه في سلك عروض القافية نظرا إلى أن محل العروض محل صالح للقافية بوساطة التصريع.

وأما التضمين المعدود في العيوب ، وهو تعلق معنى آخر البيت بأول البيت الذي يليه ، على نحو قوله (٣) :

وسائل تميما بنا والرباب ...

وسائل هوازن عنّا إذا ما

لقيناهم كيف نعلو لهم ...

ببيض تفلق بيضا وهاما

فعلقه بالقافية على ما ترى.

وكما أن النقصان في رعاية التناسب على ما رأيت عد عيبا ، عدت الزيادة في رعايته فضيلة ، وكذا التزام الدخيل حرفا معينا عد فضيلة.

وسمي كل واحد منهما : إعناتا ، ولزوم ما لا يلزم.

واعلم أن لك في كثير من عيوب القافية أن تكسوها بهذا الطريق ما يبرزها في معرض الحسن ، مثل أن تشرع في اختلاف التوجيه ، فتضم ثم تكسر ثم تفتح ، أو أي

__________________

(١) في (د) : أن ، وفي (غ): (بن).

(٢) البيت من الكامل ، وهو للربيع بن زياد العبسى في لسان العرب (٥ / ١٨٥) (مهر) ، (١٥ / ٢٠٧) (قوا) ، وتاج العروس (قوا) ، وبلا نسبة في لسان العرب ٣ / ٣٦٣ (قعد) ، وتهذيب اللغة (١ / ٢٠٣) ، (٩ / ٣٦٨) ، ومقاييس اللغة (٥ / ٣٧).

(٣) البيتان من المتقارب. الرباب : أحياء سموا بذلك لتفرقهم ل اللسان (١ / ٤٥٨)

ببيض : السيوف.


وضع شئت غير ما ذكرت ، ثم تراعي ذلك الوضع إلى آخر القصيدة ، أو في اختلاف الإشباع أو غيرهما ، كما فعل الخليل ـ قدس الله روحه ـ بالتضمين ؛ حيث التزمه ، فانظر كيف ملح ذلك (١) :

يا ذا الذي في الحبّ يلحى أما ...

والله لو حملت منه كما

حملت من حبّ رخيم لما ...

لمت على الحبّ فدعني وما

أطلب إني لست أدري بما ...

أحببت إلا أنني بينما

أنا بباب القصر في بعض ما ...

أطلب من قصرهم إذ رمى

شبه غزال بسهام فما ...

أخطأ سهماه ولكنّما

عيناه سهمان له كلمّا ...

أراد قتلي بهما سلّما

وكما اتفق التزامه في اختلاف الوصل في القطعة التي يرويها الأصمعي عن أعرابي بالبادية كان يصلي ويقول ، وهي (٢) :

أتنعم أولاد المجوس وقد عصوا ...

وتترك شيخا من سراة تميم

فإن تكسني ربّي قميصا وجبّة ...

أصلّي صلاتي كلّها وأصوم

وإن دام كلّ العيش يا ربّ هكذا ...

تركت صلاة الخمس غير ملوم

أما تستحي يا ربّ قد قمت قائما ...

أناجيك عريانا وأنت كريم

[فانظر](٣) كيف كسر شوكة العيب.

__________________

(١) البيتان وما بعدهما من السريع ، وهي لعمر بن ربيعة في ديوانه. والبيت الأول منها بلا نسبة في لسان العرب (١٣ / ٢٥٨) ضمن.

(٢) الأبيات من الطويل.

(٣) في (د ، غ) : فانصف.


ولنكتف بهذا القدر من فصول فن النظم منتقلين عنها إلى الفن الثاني وإنه (خاتمة مفتاح العلوم) في إرشاد الضلال ، بدفع ما يطعنون به في كلام رب العزة ، علت كلمته ، من جهات جهالاتهم.

ونحن نقدم كلاما يكشف لك عن ضلالهم في مطاعنهم على سبيل الإطلاق ، ثم نتبعه الكلام المفصل بعون الله تعالى.


الخاتمة

في إرشاد الضلال

نقول لهؤلاء ، وإنا لنعرف مرمى غرضهم فيما يريشون من النبال ، يمنون ما دون نيله خرط القتاد ، بل ضرب أسداد على [أسداد](١) : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(٢) ؛ قدروا معشر الضلال ، إذ عشش الجهل في نفوسكم ، وباض وفرخ الباطل في ضمائركم ، وعميتم أبصارا وبصائر ، فما اهتديتم ؛ تقديرا باطلا ، أن محمدا ، عليه‌السلام ، ما كان نبيا ، وقدروا أن القرآن كلامه ، أفعميتم أن تدركوا ضوء النهار بين أيديكم ، أن قد كان أفصح العرب ، وأملكهم لزمام الفصاحة والبلاغة غير مدافع ولا منازع ، وكلام مثله [حري](٣) أن يجل عن الانتقاد ، فضلا أن يحدر لثامه عن الزيف لدى النقاد ، فالقرآن الذي زعمتموه كلامه ، أما كان يقتضي بالبيت أن يكون [أحرى](٤) كلام على الاستقامة : لفظا وإعرابا ، وفصاحة وبلاغة ، وسلامة عن كل مغمز ، وحقيقا بأن يكتب على الحدق بذوب الذهب ، فإذ قد جهلتم حقه هناك ، أما اقتضى ، لا أقل ، أن يلين شكيمتكم ، ليخلص منكم كفافا ، لا عليه ولا له ، ثم قدروا حيث أعماكم الخذلان ، وأمطاكم ظهر السفه ، أنه ما كان أفصح العرب ، وأنه كان كآحاد الأوساط ، قد تعمد ترويج كلامه ، أما كان لكم في أنه مروّج ـ والعياذ بالله ـ ، وازع يزعكم أن تجازفوا ، فالمروّج كما لا يخفى ، وإن صادف الشمل سكرى تدير عليهم الغباوة كؤوسها ، وجثثا تغرز في سنة من الغفلة رءوسها ، يحتاط فيما يتعمد رواجه عليهم ، لا يألو فيه تهذيبا وتنقيحا ، فكيف إذا صادفه مشتملا على أيقاظ متفطنين ، لا يبارون قوة ذكاء ، وإصابة حدس ، وحدّة ألمعية ، وصدق

__________________

(١) في (د) : أسدادير ، وفي (غ) : أسداس.

(٢) اقتباس من سورة الصف ، الآية : ٨.

(٣) في (د ، غ) : حر.

(٤) في (د) : أجرى.


فراسة ، يخبرون عن الغائب بقوة ذكائهم ، كأن قد شاهدوه ، يصف لهم الحدس الصائب حال الورد قبل أن يردوه ، ويثبتون أبعد شيء بحدة ألمعيتهم ، كأن ليس ببعيد ، وينظم لهم المجهول صدق فراستهم في سلك المعروف منذ زمان مديد.

بين الفرزدق وجرير :

كما يحكي : أن سليمان بن عبد الملك أتي بأسارى من الروم ، وكان الفرزدق حاضرا فأمره سليمان بضرب واحد واحد منهم ، فاستعفى ، فما أعفي ، وقد أشير إلى سيف غير صالح للضرب ليستعمله ، فقال الفرزدق : بل أضرب بسيف أبي رغوان مجاشع ، يعني سيفه ، وكأنه قال : لا يستعمل ذلك السيف إلا ظالم أو ابن ظالم. ثم ضرب بسيفه الرومي ، واتفق أن نبا السيف ، فضحك سليمان ومن حوله ، فقال الفرزدق (١) :

أيعجب الناس أن أضحكت سيّدهم ...

خليفة الله يستسقى به المطر

لم تنب سيفي من رعب ولا دهش ...

عن الأسير ولكن أخّر القدر

ولن يقدّم نفسا قبل ميتتها ...

جمع اليدين ، ولا الصّمصامة الذّكر

ثم أغمد سيفه ، وهو يقول (٢) :

ما إن يعاب سيد إذا صبا

ولا يعاب صارم إذا نبا

ولا يعاب شاعر إذا كبا

ثم جلس يقول : كأني بابن المراغة قد هجاني ، فقال (٣) :

__________________

(١) الأبيات من البسيط.

(٢) الثلاثة الأشطر من الرجز ، ونبا : حد السيف إذا لم يقطع. ونبا فلان عن فلان : لم ينقد له.

(٣) البيت من الطويل : مجاشع : رجل جشع يجمع جزعا وحرصا وخبث نفس. والجشع : المتخلق بالباطل وما ليس فيه.


بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ...

ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم

وقام وانصرف و [خص](١) جرير فخبر الخبر ولم ينشد الشعر ، فأنشأ يقول :

بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ...

ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم

فأعجب سليمان ما شاهد ، ثم قال : يا أمير المؤمنين ، كأني [بابن القبر](٢) قد أجابني فقال :

ولا [نقتل](٣) الأسرى ولكن نفكّهم ...

إذا أثقل الأعناق حمل المغارم

ثم أخبر الفرزدق بالهجو دون ما عداه ، فقال مجيبا :

كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ...

وتقطع أحيانا مناط التمائم

ولا نقتل الأسرى ولكن نفكّهم ...

إذا أثقل الأعناق حمل المغارم

وهل ضربة الروميّ جاعلة لكم ...

أبا عن كليب أو أخا مثل دارم

__________________

(١) في (غ) : حضر.

(٢) في (غ) : بأبي القين.

(٣) في (د) : نعتل.


بين ذي الرمة وجرير :

وما يحكى أن ذا الرمة استرفد جريرا في قصيدته التي مستهلها (١) :

نبت عيناك عن طلل بحزوى ...

عفته الريح وامتنح القطارا

فأرفده عدة أبيات لها.

وهي هذه (٢) :

يعدّ النّاسبون إلى تميم ...

بيوت المجد أربعة كبارا

يعدّون الرباب وآل بكر ...

وعمرا ثمّ حنظلة الخيارا

ويذهب بينها المرئيّ لغوا ...

كما ألغيت في الدية الحوارا

فضمنها القصيدة ، وهي اثنتان وخمسون قافية ، ثم مر به الفرزدق فاستنشده إياها ، فأخذ ينشدها والفرزدق يستمع ، لا يزيد على الاستماع ، حتى بلغ هذه الأبيات الثلاثة ، استعادها منه الفرزدق مرتين ، ثم قال له : والله علكهنّ من هو أشد لحيّين منك.

نوادر متفرقة :

وما يحكى أن عمر بن لجأ أنشد جريرا شعرا ، فقال : ما هذا شعرك ، هذا : شعر حنظلي.

ولا تسل عن فطانتهم المنتبهة على الزمزمة اللطيفة ، وحدة نظرهم الدراكة للمحة

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لذى الرمة في ديوانه ص ١٣٧١ ، ولسان العرب (١٤ / ١٧٦) (حزا) ، ومقاييس اللغة (٥ / ٢٧٨) ، وأساس البلاغة (منح) ، وتاج العروس (حزا).

حزوى : جبل من جبال الدّهناء لسان اللسان (حزا).

(٢) الأبيات من الوافر وهي لذى الرمة في ديوانه ص ١٣٧٩ ، وشرح المفصل (٦ / ٨) ولسان العرب (١٥ / ٢٥٠) (لفا).


الضعيفة ، كما يترجم عن ذلك الروايات [المشهورة عنهم](١).

يروى أن فزاريا ونميريا تسايرا ، فقال الفزاري للنميري : غض لجام فرسك ، فقال : إنها مكتوبة. وإنما أراد الفزاري ما قيل في بني نمير (٢) :

فغضّ الطّرف إنّك من نمير ...

فلا كعبا بلغت ولا كلابا

وإنما عنى النميري ما قيل في بني فزارة (٣) :

لا تأمننّ فزاريّا خلوت به ...

على قلوصك ، واكتبها بأسيار

وأن واحدا من بني نمير ، وهو شريك النميري ، لقي رجلا من تميم ، فقال له التميمي : يعجبني من الجوارح البازي. قال شريك : وخاصة ما يصيد القطا.

أراد التميمي بقوله : البازي (٤) :

أنا البازي المطلّ على نمير ...

أتيح من السماء له انصبابا

وعني شريك بذكر القطا : قول الطرماح (٥) :

__________________

(١) في (د ، غ) : عنهم المشهورة.

(٢) البيت من الوافر. وهو لجرير في ديوانه ص ٨٢١ ، وخزانة الأدب (١ / ٧٢ ، ٧٤) ، (٩ / ٥٤٢) والدرر (٦ / ٣٢٢) ، ولسان العرب (٣ / ١٤٢) (حدد) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٦ / ٥٣١) (٩ / ٣٠٦).

(٣) البيت من البسيط ، وهو لسالم بن دارة في لسان العرب (٥ / ١٦٣) (مدر) ، (٩ / ٣٧) (جوف) ، وتهذيب اللغة (١١ / ٢١١) ، وتاج العروس (١٤ / ٩٨) (مدر) ، (٢٣ / ١١٢) (جوف) ، وبلا نسبة في لسان العرب (١ / ٧٠١) (كتب) ، ومقاييس اللغة (٥ / ١٥٨) ، وتاج العروس (٤ / ١٠٣) (كتب) وأساس البلاغة (كتب).

(٤) البيت من الوافر وهو لجرير في ديوانه ص ٨١٩ ، ولسان العرب (١١ / ٤٠٧) (طلل) ، وتاج العروس (طلل) ، التبيان (٢ / ٤٦٨).

البازيّ : واحد البزاة التي تصيد ، ضرب من الصقور.

(٥) البيت من الطويل. وهو للطرماح بن حكيم في معاهد التنصيص (٤ / ٢١٩) ، والتبيان (٢ / ٤٦٩) وفي التبيان : طرق المكارم بدل سبل المكارم


تميم بطرق اللّؤم أهدى من القطا ...

ولو سلكت سبل المكارم ضلّت

وأن معاوية قال للأحنف : ما الشيء الملفف في البجاد؟ فقال : السخينة. وإنما أراد معاوية قول القائل (١) :

إذا ما مات ميت من تميم ...

فسّرك أن يعيش فجئ بزاد

بخبز أو بتمر أو بسمن ...

أو الشيء الملفّف في البجاد

تراه يطوف في الآفاق حرصا ...

ليأكل رأس لقمان بن عاد

وكان الأحنف من تميم ؛ وإنما أراد الأحنف : بالسخينة ، وهي حساء يؤكل عند غلاء السعر ، وكانت قوم معاوية تقتصر عليه ، [رماهم](٢) بالبخل.

وأن رجلا من بني محارب دخل على عبد الله بن يزيد الهلالي ، فقال عبد الله : ما لقينا البارحة من شيوخ محارب ، ما تركونا ننام. وأراد قول الأخطل (٣) :

تكشّ بلا شيء شيوخ محارب ...

وما خلتها كانت تريش ولا تبري

ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ...

فدلّ عليها صوتها حية البحر

فقال : أصلحك الله ؛ أضلوا البارحة برقعا فكانوا في طلبه. أراد قول القائل (٤) :

لكلّ هلاليّ من اللّؤم برقع ...

ولابن يزيد برقع وجلال

__________________

(١) الأبيات من الوافر وهي ليزيد بن عمرو بن الصعق ، أو لأبي المهوس الأسدى في لسان العرب.

(٩ / ٣١٩) لفف ، (١٢ / ٥٤٧) (لقم) ، ولأبي المهوس في تاج العروس (٢٤ / ٣٧٤) لفف ، وبلا نسبة في لسان العرب (٤ / ٥٨٤) (عفر) ومجمع الأمثال (٢ / ٣٩٥).

(٢) في (غ) : وما هم.

(٣) البيتان من الطويل. تكش : كشّت الأفعى تكشّ كشا وكشيشا : وهو صوت جلدها إذا حكت بعضه ببعض لسان. العرب (كشش).

تريش : راش صديقه يريشه ريشا : إذا أطعم وسقاه وكساه.

(٤) البيت من الطويل.


وأن رجلا وقف على الحسن بن الحسن البصري ، رحمهما‌الله ، فقال : أعتمر أخرج أبادر ، فقال : كذبوا عليك ، ما كان ذلك. فإن السائل أراد : أعثمان أخرج أبا ذر؟ وأن الحسن بن وهب نهض ذات ليلة من مجلس ابن الزيات فقال : سحير ، أي : بت بخير. فقال له ابن الزيات. بنية. أي : بت به.

دهاء نساء العرب وفطنتهن :

وما ظنك بكياسة جيل قد بلغت من الدهاء نساؤهم إلى حد نقدهن للكلام ، وما يحكى أنشدت واحدة ، وكانت الخنساء (١) :

لنا الجفنات الغّر يلمعن بالضحى ...

وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

فقالت : أي فخر يكون في : أن له ولعشيرته ولمن ينضوي إليهم ، من الجفان ما نهايتها في العدد عشر ، وكذا من السيوف؟ ألا استعمل جمع الكثرة : الجفان ، والسيوف؟ وأي فخر في أن تكون جفنة ، وقت الضحوة ؛ وهو وقت تناول الطعام ، غراء لامعة ، كجفان البائع؟ أما يشبه أن قد جعل نفسه وعشيرته بائعي عدة جفنات؟ ثم أنى يصلح للمبالغة في التمدح بالشجاعة ، وأنه في مقامها : يقطرن دما؟ كان يجب أن يتركها إلى أن : يسلن أو يفضن أو ما شاكل ذلك.

وقد اجتمع راوية جرير ، وراوية كثير ، وراوية جميل ، وراوية نصيب ، وأخذ يتعصب كل واحد لصاحبه ، ويجمع له في البلاغة قصب الرهان ، فحكموا واحدة ، وكانت : سكينة ، فقالت لراوية جرير : أليس صاحبك القائل :

__________________

(١) البيت من الطويل. وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٣١ ، وأسرار العربية ص ٣٥٦ وخزانة الأدب (٨ / ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١١٠ ، ١١٦) ، ولسان العرب (١٤ / ١٣٦) (جدا) ، والمحتسب (١ / ١٨٧) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر (١ / ١٣٥).

الجفن : غمد السيف والجفن : أعظم ما يكون من القصاع.

والجفن : غطاء العين من أعلى وأسفل.


طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ...

حين الزيارة فارجعي بسلام

وأي ساعة أولى بالزيارة من الطروق؟ قبح الله صاحبك! وقبح شعره.

ثم قالت لراوية كثير : أليس صاحبك الذي يقول :

يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها ...

وأحسن شيء ما به العين قرت

وليس شيء أقر لعيونهن من النكاح ، فيحب صاحبك أن ينكح؟ قبح الله صاحبك! وقبح شعره!.

ثم قالت لراوية جميل : أليس صاحبك الذي يقول :

فلو تركت عقلي معي ما طلبتها ...

وإنّ طلابيها لما فات من عقلي

فما أرى لصاحبك هوى ، إنما طلب عقله. قبح الله صاحبك ؛ وقبح شعره.

ثم قالت لراوية نصيب : أليس صاحبك الذي يقول :

أهيم بدعد ما حييت ، فإن أمت ...

فيا ويح نفسي من يهيم بها بعدي

أما كان لصاحبك الديوث همّ إلا هم من يهيم بها؟ قبح الله صاحبك! وقبح شعره! ألا قال :

أهيم بدعد ما حييت ، فإن أمت ...

فلا صلحت دعد لذي خلة بعدى

وفي الحكايات كثرة ، والمقصود مجرد التنبيه وليس الري عن التشاف.

هذا وإن ارتكبتم ، حيث انتهيتم من السفه ، ويبس الثرى بينكم وبين نظر العقل ، إلى هذه الغاية أن قد احتاط ، لكن لم يجد عليه ، كان الفضل للبهائم عليكم ، حيث ترون أضل الخلق عن الاستقامة في الكلام ، إذا اتفق أن يعاود كلامه مرة بعد أخرى ، لا يعدم أن يتنبه لاختلاله فيتداركه ، ثم لا ترون أن تنزلوا ، [إلا](١) أقل ، تلاوة النبي عليه

__________________

(١) في (د ، غ): (لا).


الصلاة والسّلام للقرآن ، نيفا وعشرين سنة ، منزلة معاودة جهول لكلامه ، فتنظموا القرآن في سلك كلام متدارك الخطأ ، فتمسكوا عن هذيانكم؟ ثم إذ مسخكم الجهل هذا المسخ ، وبرقع عيونكم إلى هذا الحد وملك العمى بصائركم وأبصاركم على ما نرى ، فقدروا ما شئتم. قدروا إن لم يكن نبيا ، وقدروا أن كان نازل الدرجة في الفصاحة والبلاغة ، وقدروا أن لم يكن يتكلم إلا أخطأ ، وقدروا أنه ما كان له من التمييز ما لو زجى عمره على خطأ لا يشتبه عليكم أنتم ، لما تنبه لذلك الخطأ ، ولكن قولوا في هذه الواحدة ، وقد ختمنا الكلام معكم ، إذ لا فائدة. أو قد بلغتم من العمى إلى حيث لم تقدروا ، أن يتبين لكم أن عاش مدة مديدة بين أولياء وأعداء ، في زمان أهله من سبق ذكرهم ، فقدرتموه لم يكن له ولي [فينبه](١) ، فعل الأولياء ، إبقاء عليه أن ينسب إلى نقيصة ، ولا عدو فينص عليه تليله من جانب المغمز وضعا منه ، فعل الأعداء فيتداركه من بعده ، بتغيير.

سبحان الحكيم ، الذي يسع حكمته أن يخلق في صور الأناسي بهائم أمثال الطامعين أن يطعنوا في القرآن ، ثم الذي يقضي منه العجب ، أنك إذا تأملت هؤلاء ، وجدت أكثرهم لا في العير ولا في النفير ، ولا يعرفون قبيلا من دبير ، أين هم عن تصحيح نقل اللغة؟ أين هم عن علم الاشتقاق؟ أين هم عن علم التصريف؟ أين هم عن علم النحو؟ أين هم عن علم المعاني؟ أين هم عن علم البيان؟ أين هم عن باب النثر؟ أين هم عن باب النظم؟ ما عرفوا أن الشعر ما هو؟ ما عرفوا أن الوزن ما هو؟ ما عرفوا ما السجع؟ ما القافية؟ ما الفاصلة؟ أبعد شيء عن نقد الكلام جماعتهم ، لا يدرون ما خطأ الكلام وما صوابه ، ما فصيحه وما أفصحه ، وما بليغه وما أبلغه ، ما مقبوله وما مردوده ، وأين هم عن سائر الأنواع؟.

إذا جئتهم من علم الاستدلال ، وجدت فضلاءهم غاغة ، ما تعلك إلا أليفاظا! وإذا جئتهم من علم الأصول ، وجدت علماءهم مقلدة ، ما حظوا إلا بشم الروائح! وإذا

__________________

(١) في (د) : فينبهه.


جئتهم من نوع الحكمة ، وجدت أئمتهم حيوانات ، ما تلحس إلا فضلات الفلسفة! وهلم جرا ، من آخر وآخر ، لا إتقان لحجة ، ولا تقرير لشبهة ، ولا عثور على دقيقة ، ولا اطلاع على شيء من أسرار ، ثم ها هم أولاء كم قد سودوا من صفحات القراطيس ، بفنون هذيانات.

ولربما ابتليت بحيوان من أشياعهم يمد عنقه مد اللص المصلوب ، وينفخ خياشيمه شبه الكير المستعاد ، ويطيل لسانه كالكلب عند التثاؤب ، آخذا في تلك الهذيانات الملوثة لصماخ المستمع ، ما أحلم إله الخلق : لا إله إلا أنت ، تعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

هذا لبيان ضلالهم على سبيل الإطلاق ، فيما يوردون من المطاعن في القرآن ولقد حان أن نشرع في الكلام المفصل ، فنقول وبالله التوفيق.

مطاعن الضالين والرد عليهم :

إن هؤلاء ربما طعنوا في القرآن من حيث اللفظ قائلين : فيه (مقاليد) ، جمع إقليد ، وهو معرب : كليد. وفيه : (إستبرق) ، وهو معرب : اسطبر. وفيه : (سجيل) وأصله :

سنك كل. فأنّى يصح أن يكون فيه هذه المعربات ، ويقال : خ خ قرآن عربيّ مّبين.

فنقول : قدروا ، لجهلكم بطرق الاشتقاق ، وأصول علم الصرف ، أن لا مجال لشيء مما ذكرتم في علم العربية. أفجهلتم نوع التغليب؟ فما أدخلتموها في جملة كلم العرب من باب إدخال الأنثى في الذكور ، وإبليس في الملائكة على ما سبق.

وربما طعنوا فيه من حيث الإعراب قائلين فيه : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ)(١) وصوابه : إن هذين ، لوقوعه اسما لإن ، وفيه : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ)(٢) وصوابه : والصابئين ، لكونه معطوفا على اسم (إن) قبل مضي الجملة ،

__________________

(١) سورة طه : ٦٣.

(٢) سورة المائدة ، الآية : ٦٩.


وفيه : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ)(١) وصوابه : والمقيمون ، لكون المعطوف عليه مرفوعا لا غير. وفيه : (قَوارِيرَ) * (قَوارِيرَا)(٢)(سَلاسِلَ وَأَغْلالاً)(٣) وصوابهما : قوارير وسلاسل ، غير منونين لامتناعهما عن الصرف. وهذه وأمثالها مما يقال فيها لصاحبها (٤) :

سمعت شيئا وغابت عنك أشياء

اخدم علم النحو يطلعك على استقامة جميع ذلك.

وربما طعنوا فيه من جهة المعنى بأنحاء مختلفة ، منها أنهم يقولون : أنتم تدعون أن القرآن معجز بنظمه ، وأن نظمه غير مقدور للبشر ، وتعتقدون : أن الجن والإنس لئن اجتمعوا على أن يأتوا بثلاث آيات ، لا يقدرون على ذلك ، و [تحتجون](٥). لذلك ، بأن أهل زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا الغاية في الفصاحة والبلاغة ، ثم تحدوا تارة بعشر سور ، وأخرى بواحدة بالإطلاق ، وفي السور : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ)(٦) فلو أنهم قدروا على مقدارها ، وهي ثلاث آيات ، لكانوا قد أتوا بالمتحدى به. وقرآنكم يكذبكم في ذلك ، ويشهد أن نظم الآيات الثلاث ؛ بل الثلاثون ، بل الأكثر ، لا يعوز الفصيح ، فضلا أن يعوز الأفصح ، ولو كان وحده ، فضلا إذا ظاهره الإنس والجن ؛ فأما دعواكم باطلة ، وأما شهادة قرآنكم كاذبة ، ووجه شهادته لما ذكرنا أن في قرآنكم حكاية عن موسى :

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١٦٢.

(٢) سورة الإنسان ، الآيتان : ١٥ ـ ١٦.

(٣) سورة الإنسان ، الآية : ٤.

(٤) وتمام بيت الشعر :

وقل لمن يدعي في العلم معرفة ...

عرفت شيئا وغابت عنك أشياء

(٥) في (د): (يحتجون).

(٦) سورة الكوثر : الآية : ١.


(وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً)(١) ، ثم فيه حكاية عن موسى : (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي)(٢) إلى قوله : (إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً)(٣) وهذه إحدى عشرة آية ، فإذا قدر فصيح واحد على نظم إحدى عشرة آية في موضع واحد ، أفلا يكون الأفصح أقدر ؛ وإن كان واحدا على أكثر فكيف إذا ظاهره في ذلك الإنس والجن.

فيقال لهم : متى صح أن ينزل ما تقوله على لسان صاحبك من معنى ، على نسق مخصوص ، إذا سمعه قال : كنت أريد أن أقول هكذا ، وما كان يتيسر لي منزلة قوله المقول ، اندفع الطعن على أن القول المنصور عندنا في المتحدى به. إما سورة من الطوال ، وإما عشر من الأوساط.

ومنها أنهم يقولون : إنا نرى المعنى يعاد في قرآنكم في مواضع ، إعادة على تفاوت في النظم بين : حكاية وخطاب وغيبة ، وزيادة ونقصان وتبديل كلمات ، فإن كان النظم الأول حسنا ، لزم في الثاني ، الذي يضاد الأول بنوع من الزيادة والنقصان أو غير ذلك ، أن يكون دونه في الحسن ، وفي الثالث ، الذي يضاد الأولين بنوع مضادة ، أن يكون أدون. وقرآنكم مشحون بأمثال ما ذكر ، فكيف يصح أن يدعى في مثله أن كله معجز؟ والإعجاز يستدعي كونه في غاية الحسن لا أن يكون دونها بمراتب؟ من ذلك ما ترى في سورة آل عمران : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٤). وفي سورة الأنفال : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٥) وبعده : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ

__________________

(١) سورة القصص ، الآية : ٣٤.

(٢) سورة طه ، الآيتان : ٢٥ ـ ٢٦.

(٣) سورة طه ، الآية : ٣٥.

(٤) سورة آل عمران ، الآية : ١١٠.

(٥) سورة الأنفال ، الآية : ٥٢.


فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ)(١).

فنقول لهم : الذي ذكرتموه ، من لزوم التفاوت في الحسن ، يسلم لكم إذا فرض ذلك التفاوت في المقام الواحد ؛ لامتناع انطباق المتضادين على شيء واحد ، أما إذا تعدد المقام فلا ؛ لاحتمال اختلاف المقامات ، وصحة انطباق كل واحد على مقامه. ونحن نبين لكم انطباق ما أوردتموه من [الصور](٢) الثلاث على مقاماتها ، بإذن الله تعالى ، ليكون ذلك للمتدبر مثالا ، فيما سواه ، يحتذيه ، ومنارا ينتحيه. فنقول : كان أصل الكلام يقتضي أن يقال : (خ خ إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم منا شيئا وأولئك هم وقود النار كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذناهم بذنوبهم ونحن شديدو العقاب) لأن الله تعالى يخبر عن نفسه ، والإخبار عن النفس كذا يكون ، وكذلك كان يقتضي أن يقال في سورة الأنفال ، المنزلة عقيب هذه السورة : سورة آل عمران : خ خ كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا (بآياتنا فأخذناهم) بذنوبهم (إننا أقوياء شديدو) العقاب ذلك (بأننا لم نكن مغيري) نعمة (أنعمناها) على (قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ*) (وأننا سميعون عليمون) كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا (بآياتنا) فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون لكن تركت الحكاية في لفظ (منا) ، إلى لفظ الغيبة في : من الله تعالى ، على سبيل التغليظ وزيادة تقبيح الحال ، ثم تركت الغيبة في : (كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) *) إلى الحكاية في لفظ : (بآياتنا) تطبيقا لجميع ذلك على قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) متروك المفعول ، وذلك أنه حين ترك المفعول احتمل الغيبة ، وهو أن يكون المراد : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله ، على سبيل إظهار التعظيم في لفظ الغيبة ، كما تقول الخلفاء : يشير الخليفة إلى كذا ، ويشير أمير المؤمنين. واحتمل أيضا الحكاية ؛ لأن أصل الكلام يقتضيها ، وأن تكون بلفظ الجماعة لإظهار التعظيم أيضا ، ويكون المراد : (خ خ كَفَرُوا بِآياتِنا ، *) فلما احتمل الوجهين ، طبق عليهما من بعد ذلك. ولما كان لفظة : خ خ الله مع لفظة : خ خ الكفر ، حال إرادة التغليظ ، آثر : قيل ، بعد قوله : (كَفَرُوا

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية : ٥٤.

(٢) في (غ) : السور.


لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ) دون أن يقال : خ خ منا ، وحين أوثرت الغيبة هاهنا ، تعينت الحكاية في : (كَذَّبُوا بِآياتِنا) ثم لما وفّى الكلام حقه في الاعتبارين ، رجع إلى الغيبة ، فقيل : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) دون أن يقال : خ خ فأخذناهم ، لما كان في لفظة : خ خ الله هاهنا من زيادة المطابقة لموضعه ، ألا ترى أنه لو قيل : خ خ فأخذناهم ، لكان تابعا لقوله : (كَذَّبُوا بِآياتِنا) وكان ظاهر الكلام : أن الآخذ هو المكذب بآياته. وحيث قيل : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) تبع قوله : (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) فصار ظاهر الكلام أن الآخذ هو المكفور به. ففي الأول المأخوذ ، وصفه : مكذب بآيات الله ، وفي الثاني ، وصفه : كافر بالله. ولا شبهة أن الثاني آكد. ثم قيل : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) وأريد تذييل الكلام طبق على لفظة خ خ الله فقيل : (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) وأما قوله في سورة الأنفال : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) فلم يقل : بآياتنا ، إذ لم يكن قبله ما يحتمل الحكاية ، مثل احتمال ما نحن فيه لها ، ألا ترى أنه ليس هناك إلا قوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا) ويكون (الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ)(١) كلاما مستأنفا ، مبنيا على سؤال مقدر ، كأنه قيل : ماذا يكون حينئذ؟ فقيل : الملائكة يضربون ، فلا يحتمل على هذا التقدير إلا الغيبة. وهو : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا)(٢) به ، وإنما يحتمل الحكاية على التقدير الآخر في أحد الوجهين ، فلا يخفى ضعفه ، فلضعف احتمال الحكاية تركت ، وبني الكلام على الغيبة ، وأما اختيار لفظة : خ خ كفروا على لفظ : خ خ كذبوا ، فلأن الآية ، وهي : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ)(٣) لما أعيدت ، دلت إعادتها على أن المراد التأكيد لبيان قبح حالهم ، فكان التصريح بالكفر أوقع. ولما صرح بالكفر ، بعد التأكيد بالإعادة ، لا جرم أكد الكلام بعد ذلك ، فقيل : (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٤) وأما قوله تعالى ثالثا : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية : ٥٠.

(١) سورة الأنفال ، الآية : ٥٠.

(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١١٠.

(٣) سورة الأنفال ، الآية : ٥٢.


مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ)(١) فتركت الحكاية للوجه المذكور في : (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ*)(٢) وأما اختيار لفظة : خ خ كذبوا على : خ خ كفروا ؛ فلأن هذه الآية ، لما بنيت على قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ)(٣) وكان المعنى : خ خ ذلك العذاب ، أو : ذلك العقاب كان بسبب أن غيروا الإيمان إلى الكفر ، فغير الله الحكم. بل كانوا كفارا قبل بعثة الرسل ، وبعدهم ، وإنما كان تغير حالهم ، أنهم كانوا قبل بعث الرسل كفارا فحسب. وبعد بعثة الرسل صاروا كفارا مكذبين. فبناء هذه الآية على قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً)(٤) اقتضى لفظة : (كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ)(٥). وأما اختيار لفظ : خ خ الرب ، على : خ خ الله ؛ فلأنه صريح في معنى النعمة ، فلما غيروا بتضاعف الكفر ، وهو التكذيب ، اقتضى التصريح بما يفيد زيادة التشنيع.

وأما الحكاية في : (فَأَهْلَكْناهُمْ) فللتفنن في الكلام ، ولئلا يخلو عما هو أصل الكلام ، ومنها أنهم يقولون : أدنى درجات كون الكلام معجزا أن لا يكون معيبا ، وقرآنكم معيب ، فأنى يكون صالحا للإعجاز.

ويقولون في الآيات المتشابهة : قدروا أنها تستحسن فيما بين البلغاء لمجازاتها ، واستعاراتها ، وتلويحاتها ، وإيماءاتها ، وغير ذلك. ولكن جهاتها في الحسن هناك ، إذا استتبعت ، مضادة المطلوب ، بتنزيله إغواء الخلق ، بدل الإرشاد ، أفلا يكون هذا عيبا ، واستتباعها للإغواء ظاهر؟ وذلك أنكم تقولون : إن القرآن كلام مع الثقلين ، وتعلمون أن فيهم المحق والمبطل ، والذكي والغبي ، [فيقولوا](٦) : إذا سمع المجسم : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٧) أليس يتخذه عكازة يعتمد عليها في باطله. فينقلب الإرشاد

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية : ٥٤.

(١) سورة الأنفال ، الآية : ٥٤.

(٢) سورة الأنفال ، الآية : ٥٣.

(٣) سورة الأنفال ، الآية : ٥٤.

(٣) سورة الأنفال ، الآية : ٥٤.

(٤) كذا في الأصول.

(٥) سورة طه ، الآية : ٥.


المطلوب به معونة في الغواية ، ومددا للضلال ، ونصرة للباطل؟ وكذا غير المجسم ، إذا صادف ما يوافق بظاهره باطله؟.

فيقال لمثل هذا القائل : حبك الشيء يعمي ويصم. أليس إذا [أخذه](١) المجسم يستدل به لمذهبه ، فقيل له : لعل الله كذب ، يقول : كيف يجوز أن يكذب الله تعالى؟ فيقال : لحاجة من الحاجات تدعوه إلى الكذب ، فيقول : كيف تجوز الحاجة على الله تعالى؟ فيقال له : أليس الله بجسم عندك؟ وهل من جسم لا حاجة له؟ فيتنبه لخطئه ، ويعود ألطف [إرشادا](٢) وأبلغ هداية ، كما ترى ، هذا في حق المبطل.

وأما المحق ، فمن سمعه دعاه إلا النظر ، فأخذ في اكتساب المثوبة بنظره ، ثم إذا لم يف نظره دعاه إلى العلماء ، فيتسبب ذلك لفوائد لا تعد ولا تحد.

ومنها أنهم يقولون : لا شبهة في أن التكرار شيء معيب ، خال عن الفائدة ، وفي القرآن من التكرار ما شئت ، ويعدون قصة فرعون ونظائرها ونحو : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(٣) و (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)(٤) وغير ذلك مما ينخرط في هذا السلك.

فيقال لهم : أما إعادة المعنى بصياغات مختلفة ، فما أجهلكم في عدها تكرارا ، وعدها من عيوب الكلام.

إذا محاسني اللاتي أدلّ بها ...

كانت ذنوبي ، فقل لي كيف أعتذر؟

أليس لو لم يكن في إعادة القصة فائدة ، سوى تبكيت الخصم ، لو قال عند التحدي لعجزه : قد سبق إلى صوغها الممكن فلا مجال للكلام فيها ثانيا لكفت؟

وأما نحو : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) و (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) فمذهوب

__________________

(١) في (د ، غ) : أخذ.

(٢) في (د ، غ) إرشاد.

(٣) سورة الرحمن : في كثير من الآيات.

(٤) سورة المرسلات : في كثير من الآيات ، والمطففين : ١٠.


به : مذهب رديف ، يعاد في القصيدة مع كل بيت ، أو مذهب ترجيع القصيدة ، يعاد بعينه مع عدة أبيات ، أو ترجيع الأذكار.

وعائب الرديف أو الترجيع : إما دخيل في صناعة تفنين الكلام ، ما وقف بعد على لطائف أفانينه ، وإما متعنت ذو مكابرة.

ومنها أنهم يقولون : إن قرآنكم ينادي بأن ليس من عند الله ، وأنتم تدعون أنه من عند الله ، ونداه بأن ليس من عند الله من وجوه منها أن : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(١) وفيه من الاختلافات ما يربي على اثني عشر ألفا ، كما تسمع أصحاب القراات ينقلونها إليك ، وهل عدد مثله لا يكثر؟.

ومبنى هذا الطعن جهلهم بالمراد من الاختلاف ، وذلك أن المراد به هو التفاوت في مراتب البلاغة ، التي سبق ذكرها في علم البيان عند تحديد البلاغة ، فإنك إذا استقريت ما ينسب إلى كل واحد من البلغاء ، أشعارا كانت أو خطبا أو رسائل ، لم تكد تجد قصيدة من المطلع إلى المقطع ، أو خطبة ، أو رسالة ، على درجة واحدة في علو الشأن ، فضلا أن تجد مجموع المنسوب على تلك الدرجة ، بل لا بد يختلف. فمن بعض فوق سماك السماك علوّا ، ومن بعض تحت سمك الأرض نزولا فيها ، ما [ذلك](٢) على من به طرف بخاف.

وقل لي ، والحال ما قرئ من الروايات عن النبي عليه‌السلام ، صلوات الله وسلامه عليه : خ خ إن القرآن نزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف فاقرءوا كيف شئتم. هل من عاقل يذهب وهمه إلى نفي اختلاف القراآت ، لا سيما إذا انضم إلى ذلك ما يروى عن عمر ، رضي‌الله‌عنه ، أنه قال : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها ، وقد كان النبي ، عليه‌السلام ، أقرأنيها ، فأتيت به النبي ، عليه‌السلام ، فأخبرت ، فقال له : خ خ اقرأ : فقرأ تلك القراءة ، فقال النبي ، عليه‌السلام : خ خ هكذا

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٨٢.

(٢) في (د) : دلك.


نزلت ، ثم قال لي : خ خ اقرأ ، فقرأت ، فقال : خ خ هكذا نزلت ، ثم قال لي : خ خ إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف. وأصوب محمل يحمل عليه قوله ، عليه‌السلام : على سبعة أحرف ، ما حام حوله الإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة الهمذاني ، قدس الله روحه ، من أن المراد بسبعة الأحرف : سبعة أنحاء من الاعتبار متفرقة في القرآن ، وحق تلك الأنحاء عندي أن ترد إلى اللفظ والمعنى ، دون صورة الكتابة ، لما أن النبي ، عليه‌السلام ، كان أميا ، ما عرف الكتابة ، ولا صور الكلم ، فيتأتى منه اعتبار صورتها راجعا إلى إثبات كلمة وإسقاطها ، وأنه نوعان : أحدهما أن لا يتفاوت المعنى مثل : خ خ وما عملت أيديهم ، في موضع ، (وَما عَمِلَتْهُ)(١) ، لاستدعاء الموصول الراجع. وثانيهما : أن يتفاوت مثل قراءة بعض : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها)(٢) من نفسي.

وإما أن يكون راجعا إلى تغيير نفس الكلمة ، وأنه ثلاثة أنواع :

أحدها : أن تتغير الكلمتان والمعنى واحد مثل : (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ)(٣) وبالبخل ، (بِرَأْسِ أَخِيهِ)(٤) وبرأس ، و: (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ)(٥) وميسرة. ومثل : (إِنْ كانَتْ إِلَّا) (زقية) (واحِدَةً)(٦) في موضع إلّا (صيحة).

وثانيها : أن تتغير الكلمتان ، ويتضاد المعنى مثل : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها)(٧) بضم الهمزة ، بمعنى : أكتمها ، وأخفيها بفتح الهمزة ، بمعنى : أظهرها.

__________________

(١) سورة يس ، الآية : ٣٥.

(٢) سورة طه ، الآية : ١٥.

(٣) سورة الحديد ، الآية : ٢٤.

وسورة النساء ، الآية : ٣٧.

(٤) سورة الأعراف ، الآية : ١٥٠.

(٥) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٠.

(٦) سورة يس ، الآية : ٢٩.

(٧) سورة طه الآية : ١٥.


وثالثها : أن تتغير الكلمتان ، ويختلف المعنى مثل : (كالصوف المنقوش) في موضع : (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ)(١) و (طلع منضود) في موضع (طَلْحٍ)(٢).

وإما أن يكون راجعا إلى أمر عارض للفظ : وأنه نوعان :

أحدهما : الموضع مثل : و (جاءت سكرة الحق بالموت) في موضع : (سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ)(٣).

وثانيهما : الإعراب مثل : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَ)(٤) (أنا قل) و: (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ)(٥) وأطهر لكم.

ومنها : أن قرآنكم يكذب بعضه بعضا ؛ لاشتماله على كثير من التناقض ، فإن صدق ، لزم كذبه ، وإن كذب ، لزم كذبه ، والكذب على الله محال ، قائلين : بين قوله :

(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ)(٦) وقوله : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)(٧). وبين قوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ)(٨) وقوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)(٩) تناقض.

ولو عرفوا شروط التناقض ، على ما سبقت تلاوتها عليك ، لما قالوا ذلك. أليس

__________________

(١) سورة القارعة ، الآية : ٥.

(٢) سورة الواقعة ، الآية : ٢٩.

(٣) سورة ق ، الآية : ١٩.

(٤) سورة الكهف ، الآية : ٣٩.

(٥) سورة هود ، الآية : ٧٨.

(٦) سورة الرحمن ، الآية : ٣٩.

(٧) سورة القصص ، الآية : ٧٨.

(٨) سورة الحجر ، الآيتان : ٩٢ ـ ٩٣.

(٩) سورة الأعراف ، الآية : ٦.


من شروط التناقض : اتحاد الزمان واتحاد المكان ، واتحاد الغرض ، وغير ذلك مما عرفت؟ ومن لهم باتحاد ذلك فيما أوردوا بعد أن عرف أن مقدار يوم القيامة خمسون ألف سنة على ما أخبر تعالى : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)(١) وعرف بالأخبار ، أن يوم القيامة مشتمل على مقامات مختلفة ، فإذا احتمل أن يكون السؤال في وقت من أوقات يوم القيامة ، ولا يكون في آخر ، [و](٢) في مقام من مقاماته ولا يكون في آخر؟ أو بقيد من القيود. كالتوبيخ أو التقرير أو غير ذلك مرة ، وبغير ذلك القيد أخرى ؛ فكيف يتحقق التناقض؟ ويقولون بين قوله : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ)(٣) وقوله : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)(٤) وقوله : (هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٥) وقوله : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها)(٦) وبين قوله : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ)(٧) تناقض.

ويقولون بين قوله : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ)(٨) وبين قوله : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ)(٩) تناقض.

والجواب ما قد سبق.

ويقولون قوله : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ)(١٠) يناقض قوله : (وَلا طَعامٌ

__________________

(١) سورة المعارج ، الآية : ٤.

(٢) في (د ، غ) : أو.

(٣) سورة ق ، الآية : ٢٨.

(٤) سورة الزمر ، الآية : ٣١.

(٥) سورة البقرة ، الآية : ١١١.

(٦) سورة النحل ، الآية : ١١١.

(٧) سورة المرسلات : الآيات : ٣٥ ـ ٣٦.

(٨) الصافات : ٢٧.

(٩) سورة المؤمنون ، الآية : ١٠١.

(١٠) سورة الغاشية ، الآية : ٦.


إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ)(١) جهلا منهم أن أصحاب النار ، أعاذنا الله منها ، طوائف مختلفون في العذاب ؛ فمن طائفة عذابهم إطعام الضريع لا غير ، ومن طائفة عذابهم إطعام الغسلين وحده ، ويقولون قوله : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً)(٢) يناقض قوله : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً)(٣) لكون الأحقاب : جمع قلة نهايته العشرة ، وكون مفرد ، وهو الحقب : ثمانين سنة. ورجوع نهاية الأحقاب إلى ثمانمائة سنة.

فيقال لهم : أليس إذا لم يقدر (فحسب) مع قوله : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً)(٤) يرتفع التناقض؟ فمن أنبأكم بتقديره؟

ويقولون قوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(٥) يناقض قوله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ)(٦) والجواب أن التناقض إنما يلزم إذا قيل : (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(٧) (فحسب).

ويقولون بين قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)(٨) وبين قوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ* ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ* فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ)(٩). تناقض ؛ لكون عدد

__________________

(١) سورة الحاقة ، الآية : ٣٦.

(٢) سورة النبأ ، الآية : ٢٣.

(٣) سورة النساء ، الآيات : ٥٧ و ١٢٢ و ١٦٩ ومواضع كثيرة في القرآن.

(٤) سورة النبأ الآية : ٢٣.

(٥) سورة الأنعام ، الآية : ١٦٠.

(٦) سورة البقرة ، الآية : ٢٦١.

(٧) سورة الأنعام ، الآية : ١٦٠.

(٨) سورة الفرقان ، الآية : ٥٩ ، وسورة السجدة ، الآية : ٤.

(٩) سورة فصلت ، الآية : ٩ ـ ١٢.


أيام خلق السموات والأرض وما بينهما في الأول : ستة ، وفي الثاني : ثمانية ، لجهلهم بالمراد من قوله : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) وذلك يومان مأخوذان مع اليومين الأولين ، على ما يقال : خرجنا من البلد ، فوصلنا إلى موضع كذا في يومين ، فذهبنا ووصلنا إلى المقصد في أربعة أيام. مراد بالأربعة : يومان مضافان إلى اليومين الأولين.

ويقولون : الريح العاصفة لا تكون رخاء ، ثم : ريح سليمان موصوفة بهما في قرآنكم ، وذلك من التناقض. ولا يدرون أن المراد بالرخاء نفي ما يلزم العصف عادة من التشويش.

ويقولون : الثعبان ما يعظم من الحيات ، والجان ما يخف منها من غير عظم ، فقوله في عصا موسى : مرة هي ثعبان ومرة كأنها جان ، من التناقض. ولا يدرون أن المراد تشبيهها بالجان مجرد الخفة.

ويقولون : وصف القرآن بالإنزال والتنزيل من التناقض ؛ ولا يدرون : أن وصفه بالإنزال إنما هو من اللوح إلى السماء الدنيا ، وبالتنزيل من السماء الدنيا إلى النبي عليه‌السلام.

واعلم أن جهلهم في هذا الفن جهل لا حد له ، وهو السبب في استكثارهم من إيراد هذا الفن في القرآن ، وقد نبهت على مواقع خطئهم فتتبعها أنت.

ومنها أنهم يقولون : قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ)(١) كذب محض. ومن ذا الذي يرضى لكلام فيه عيب الكذب ، أن ينسب إلى الله ، تعالى عن الكذب علوّا كبيرا ، فإن أمره للملائكة بالسجود لآدم لم يكن بعد خلقنا وتصويرنا ، يقولون ذلك لجهلهم بأن المراد بقوله : (خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) هو خلقنا : أباكم آدم وصورناه.

ومنها أنهم يقولون : أنتم في دعواكم أن القرآن كلام الله قد علمه محمدا على أحد

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية : ١١.


أمرين ، إما أن الله تعالى جاهل لا يعلم ما الشعر ، وإما أن الدعوى باطلة. وذلك في قرآنكم : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ)(١) وأنه يستدعي أن لا يكون فيما علمه شعر ، ثم إن في القرآن من جميع البحور شعرا.

فيه من بحر الطويل من صحيحه :

من (شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ)(٢).

وزنه :

فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن

ومن مجزوءه : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ)(٣).

وزنه :

فعلن مفاعيلن فعولن مفاعلن

ومن بحر المديد : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا)(٤).

وزنه :

فاعلاتن فعلن فعلن

ومن بحر البسيط : (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً)(٥).

وزنه :

مفاعلن فاعلن مستفعلن فعلن

__________________

(١) سورة يس ، الآية : ٦٩.

(٢) سورة الكهف ، الآية : ٢٩.

(٣) سورة طه ، الآية : ٥٥.

(٤) سورة هود ، الآية : ٣٧ ؛ وسورة المؤمنون ، الآية : ٢٧.

(٥) سورة الأنفال ، الآية : ٤٤.


ومن بحر الوافر :

(وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)(١).

وزنه :

مفاعلتن مفاعيلن فعولن ...

مفاعلتن مفاعيلن فعولن

ومن بحر الكامل : (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٢).

وزنه :

مستفعلن مستفعلن ...

متفاعلن مستفعلان

ومن بحر الهزج من مجزوءه : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا)(٣).

وزنه :

مفعول مفاعيل فعولن

ونظيره : ألقوه (عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً)(٤).

ومن بحر الرجز : (دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً)(٥).

وزنه :

مفتعلن مفاعلن مفاعلن ...

مفاعلن مفاعلن مفعولن

ومن بحر الرمل : (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ)(٦).

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية : ١٤.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢١٣ ؛ وسورة النور ، الآية : ٤٦.

(٣) سورة يوسف ، الآية : ٩١.

(٤) سورة يوسف ، الآية : ٩٣.

(٥) سورة الإنسان ، الآية : ١٤.

(٦) سورة سبأ ، الآية : ١٣.


وزنه :

فعلاتن فاعلاتن ...

فعلاتن فاعلاتن

ونظيره : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ* الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ)(١).

ومن بحر السريع : (قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ)(٢).

وزنه :

مفتعلن مفتعلن فاعلن

ونظيره : (نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ)(٣). ومنه : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ)(٤)

ومن بحر المنسرح : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ)(٥)

وزنه :

مستفعلن مفعولات مستفعلن.

ومن بحر الخفيف :

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ)(٦).

وزنه :

فعلاتن مفاعلن فعلاتن ...

فعلاتن مفاعلن فاعلاتن

__________________

(١) سورة الشرح ، الآيتان : ٢ ـ ٣.

(٢) سورة طه ، الآية : ٩٥.

(٣) سورة الأنبياء ، الآية : ١٨.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢٥٩.

(٥) سورة الإنسان ، الآية : ٢.

(٦) سورة الماعون ، الآيتان : ١ ـ ٢.


ومنه : (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً)(١) وكذا : (قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي)(٢).

ومن بحر المضارع ، من مجزوءه :

(يَوْمَ التَّنادِ* يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ)(٣).

وزنه :

مفعول فاعلات ...

مفاعيل فاعلاتن

ومن بحر المقتضب : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ)(٤)

وزنه :

فاعلات مفتعلن

ومن بحر المجتث : (الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ)(٥)

وزنه :

مستفعلن فعلاتن ...

مفاعلن فعلاتن

ومن بحر المتقارب : (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)(٦)

وزنه :

فعولن فعولن فعولن فعولن

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٧٨.

(٢) سورة هود ، الآية : ٧٨.

(٣) سورة غافر (المؤمن) ، الآيتان : ٣٢ ـ ٣٣.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ١٠ ؛ وسورة المائدة ، الآية : ٥٢ ؛ وغيرهما.

(٥) سورة التوبة ، الآية : ٧٩.

(٦) سورة الأعراف ، الآية : ١٨٣ ؛ وسورة القلم ، الآية : ٤٥.


فيقال لهم من قبل أن ننظر ، فيما أوردوه : هل حرفوا بزيادة أو نقصان حركة أو حرف أم لا ؛ ومن قبل أن ننظر : هل راعوا أحكام علم العروض في الأعاريض والضرب التي سبق ذكرها أم لا؟ ومن قبل أن ننظر : هل عملوا بالمنصور من المذهبين في معنى الشعر على ما سبق أم لا؟. يا سبحان الله ، قدروا جميع ذلك أشعارا؟ أليس يصح بحكم التغليب أن لا يلتفت إلى ما أوردتموه ، لقلته؟ ويجري لذلك القرآن مجرى الخالي عن الشعر ، فيقال بناء على مقتضى البلاغة : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ)(١). وعلى هذا المحمل ، كيف يلزم شيء مما ذكرتم؟.

وإذ قد وفق الله جلت أياديه حتى انتهى الكلام إلى هذا الحد ، فلنؤثر ختم الكلام حامدين الله ومصلين على الأخيار.

__________________

(١) سورة يس ، الآية : ٦٩.


الفهارس

١) فهرس آيات القرآن الكريم

٢) فهرس الحديث النبوى

٣) فهرس الأبيات الشعرية

٤) فهرس أنصاف الأبيات

٥) فهرس مصطلحات البلاغة

٦) فهرس الموضوعات

٧) فهرس أهم المصادر والمراجع



أولا : فهرس الآيات القرآنية

الآية

اسم السورة

رقم الصفحة

(إياك نعبد وإياك نستعين)

 الفاتحة : ٤

 ٢٩٩ ـ ٣٣٩

(اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم)

 الفاتحة : ٧

 ١٣٩

(غير المغضوب عليهم)

 الفاتحة : ٧

 ٢٠٣

(الم ذلك الكتاب)

 البقرة : ١ ـ ٢

 ٢٧٨ ـ ٣١٩

(ا لم* ذلك الكتاب لا ريب فيه)

 البقرة : ١ ـ ٢

 ٣٤١ ـ ٣٨٤

(ا لم* ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)

 البقرة : ١ ـ ٢

 ٣٧٧

(لا ريب فيه)

 البقرة : ٢

 ٢٦٣

(هدى للمتقين)

 البقرة : ٢

 ٣١٤ ـ ٣٨٨

(هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب)

 البقرة : ٢ ـ ٣

 ٥٢١

(وبالآخرة هم يوقنون)

 البقرة : ٤

 ٣٣٩

(أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون)

 البقرة : ٥

 ٢٧٧

(أولئك على هدى من ربهم)

 البقرة : ٥

 ٣٧٤

(أأنذرتهم أم لم تنذرهم)

 البقرة : ٦

 ١٧٩

(إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم)

 البقرة : ٦

 ٣٧٨ ـ ٣٨٠

(وعلى أبصارهم غشاوة)

 البقرة : ٧

 ٢٨٩ ـ ٣٧٨


(آمنا بالله وباليوم الآخر)

 البقرة : ٨

 ٣٢٠ ـ ٣٧٧

(في قلوبهم مرض)

 البقرة : ١٠

 ٧٢٥

(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)

 البقرة : ١١

 ٢٩٣ ـ ٣٧٢ ـ ٤٠٨

(ألا إنهم هم المفسدون)

 البقرة : ١٢

 ٣٧٢ ـ ٤٠٨

(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون* ألا إنهم هم المفسدون)

 البقرة : ١١ ـ ١٢

 ٤٠٨

(وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء)

 البقرة : ١٣

 ٣٧٢

(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم)

 البقرة : ١٤

 ٣٢٠

(إنا معكم إنما نحن مستهزؤن)

 البقرة : ١٤

 ٣٥٤ ـ ٣٧١ ـ ٣٧٨

(الله يستهزى بهم)

 البقرة : ١٥

 ٣٥٤ ـ ٣٧١

(فما ربحت تجارتهم)

 البقرة : ١٦

 ٥٠٨

(مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون)

 البقرة : ١٧

 ٤٥٦

(أو كصيب من السماء فيه ظلمات)

 البقرة : ١٩

 ٤٥٦

(أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت)

 البقرة : ١٩

 ٤٥٦

(أو كصيب من السماء)

 البقرة : ١٩

 ٢١٤ ـ ٤٥٧

(يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم)

 البقرة : ٢١

 ٣٦٩


(يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)

 البقرة : ٢١

 ٤٩١

(فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون)

 البقرة : ٢٢

 ٣٣٤ ـ ٣٣٥

(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا)

 البقرة : ٢٣

 ٣٤٨

(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله)

 البقرة : ٢٣

 البقرة : ٢٣

(فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي)

 البقرة : ٢٤

 ٤٧٤

(أعدت للكافرين)

 البقرة : ٢٤

 ٣٦٨

(فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار)

 البقرة : ٢٤

 ٥٣٨

(وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات)

 البقرة : ٢٥

 ٣٦٨

(ما ذا أراد الله بهذا مثلا)

 البقرة : ٢٦

 ٢٧٧

(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس)

 البقرة : ٣٤

 ٣٤٩

(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس)

 البقرة : ٣٤

 ٦١١

(ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين)

 البقرة : ٣٦

 ٣٢٢

(فإما يأتينكم مني هدى)

 البقرة : ٣٨

 ٣٥١

(وإياي فارهبون)

 البقرة : ٤٠

 ٣٣٠ ـ ٣٥٨

(فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم)

 البقرة : ٥٤

 ٣٨٩

(كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم)

 البقرة : ٢٨ ، ٢٩

 ٤٢٤

(فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا)

 البقرة : ٥٩

 ٢٩٥

(وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا)

 البقرة : ٦٠

 ٣٦٩

(فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت)

 البقرة : ٦٠

 ٣٨٩


(وضربت عليهم الذلة)

 البقرة : ٦١

 ٥٠٠

(عوان بين ذلك)

 البقرة : ٦٨

 ٢٠٩

(فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى)

 البقرة : ٧٣

 ٣٨٩

(فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون)

 البقرة : ٧٩

 ٣٠٨ ـ ٣٥٤

(وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا)

 البقرة : ٨٣

 ٣٦٧

(وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله)

 البقرة : ٨٣

 ٤٣٣

(وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم)

 البقرة : ٨٤

 ٤٣٣

(ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون)

 البقرة : ٨٧

 ٣٠٩

(أو كلما عاهدوا)

 البقرة : ١٠٠

 ١٨٠

(أو كلما عاهدوا)

 البقرة : ١٠٠

 ٣٥٩

(ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون)

 البقرة : ١٠٢

 ٢٦٠

(هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)

 البقرة : ١١١

 ٧١٩

(ليست اليهود على شيء)

 البقرة : ١١٣

 ٣٩٣

(ولئن اتبعت أهواءهم)

 البقرة : ١٢٠

 ٣٥٢

(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون)

البقرة : ١٢٣

 ٣٩٣

(وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا)

 البقرة : ١٢٥

 ٣٦٩

(وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا)

 البقرة : ١٢٧

 ٣٦٩


(ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني)

 البقرة : ١٣٢

 ٣٦٩

(ما تعبدون من بعدي)

 البقرة : ١٣٣

 ٤٢٠

(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم)

 البقرة : ١٣٦

 ٣٩٣

(فسيكفيكهم الله)

 البقرة : ١٣٧

 ٣٠٩

(صبغة الله)

 البقرة : ١٣٨

 ٥٣٤

(سيقول السفهاء)

 البقرة : ١٤٢

 ٣٠٩

(لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)

 البقرة : ١٤٣

 ٣٤٠

(ولئن اتبعت أهواءهم)

 البقرة : ١٤٥

 ٣٥٢

(يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة)

 البقرة : ١٥٣

 ٣٦٩

(وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة)

 البقرة : ١٥٥ ـ ١٥٦

(إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون)

 البقرة : ١٦٤

 ٣٩٣

(إنما حرم عليكم الميتة والدم)

 البقرة : ١٧٣

 ٤٠٣

(لكم في القصاص حياة)

 البقرة : ١٧٩

 ٢٨٩

(في القصاص حياة)

 البقرة : ١٧٩

 ٣٨٨

(حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود)

 البقرة : ١٨٧

 ٤٤

(حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)

 البقرة : ١٨٧

 ٥١٤


(يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج)

 البقرة : ١٨٩

 ٤٣٥

(فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)

 البقرة : ١٩٤

 ٥٣٤

(فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات)

 البقرة : ٢٠٩

 ٣٥٢

(سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة)

 البقرة : ٢١١

 ٤٢٣

(والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)

 البقرة : ٢١٣

 ٧٢٣

(مستهم البأساء والضراء)

 البقرة : ٢١٤

 ٥٠٠

(وزلزلوا حتى يقول الرسول)

 البقرة : ٢١٤

 ٥٠٠

(وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم)

 البقرة : ٢١٥

 ٣٥٠

(يسئلونك ما ذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل)

 البقرة : ٢١٥

 ٤٣٥

(فأتوا حرثكم أنى شئتم)

 البقرة : ٢٢٣

 ٤٢٤

(أن يتم الرضاعة)

 البقرة : ٢٣٣

 ١٧١

(والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا)

 البقرة : ٢٣٤

 ٣٣٢

(أو كالذي مر على قرية)

 البقرة : ٢٥٩

 ٧٢٤

(الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة)

 البقرة : ٢٦١

 ٧٢٠

(إنما البيع مثل الربا)

 البقرة : ٢٧٥

 ٤٥٢

(فأذنوا بحرب من الله ورسوله)

 البقرة : ٢٧٩

 ٢٨٩

(فنظرة إلى ميسرة)

 البقرة : ٢٨٠

 ٧١٧

(قل للذين كفروا سيغلبون)

 آل عمران : ١٢

 ٣٩٢


(أأسلمتم)

 آل عمران : ٢٠

 ١٧٩

(قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء)

 آل عمران : ٢٦

 ٥٣٢

(وليس الذكر كالأنثى)

 آل عمران : ٣٦

 ٣١٧

(أنى لك هذا)

 آل عمران : ٣٧

 ٤٢٤

(إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم)

 آل عمران : ٤٤

 ٣٩٠

(ومكروا ومكر الله)

 آل عمران : ٥٤

 ٥٣٤

(إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون)

 آل عمران : ٥٩

 ٣٥٦

(إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم)

 آل عمران : ٩٠

 ٣٩١

(كدأب آل فرعون)

 آل عمران : ١١٠

 ٧١١ ـ ٧١٣

(وما محمد إلا رسول)

 آل عمران : ١٤٤

 ٤٠١

(بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا)

 آل عمران : ١٥١

 ٣٩١

(فإذا عزمت فتوكل على الله)

 آل عمران : ١٥٩

 ٢٩٥ ـ ٣٤٠

(فنبذوه وراء ظهورهم)

 آل عمران : ١٨٧

 ٥٠١ ـ ٦٠٥

(ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم)

 النساء : ٢

 ١٥٨

(كفى بالله)

 النساء : ٦

 ٤٣٥

(إنما يأكلون في بطونهم نارا)

 النساء : ١٠

 ٤٧٤

(خالدين فيها أبدا)

 النساء : ٥٧

 ٧٢٠

(ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن)

 النساء : ٧٣

 ٣٤٧

(وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله)

 النساء : ٧٨

 ٣٤٧


(أينما تكونوا يدرككم الموت)

 النساء : ٧٨

 ٣٥٠

(لا يكادون يفقهون حديثا)

 النساء : ٧٨

 ٧٢٥

(وأرسلناك للناس رسولا)

 النساء : ٧٩

 ٣٤٠

(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)

 النساء : ٨٢

 ٧١٦

(وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها)

 النساء : ٨٦

 ٣٢٠

(ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة)

 النساء : ١٠٠

 ٣٥٠

(خالدين فيها أبدا)

 النساء : ١٢٢

 ٧٢٠

(ما لهم به من علم إلا اتباع الظن)

 النساء : ١٥٧

 ٦١١

(لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة)

 النساء : ١٦٢

 ٧١٠

(خالدين فيها أبدا)

 النساء : ١٦٩

 ٧٢٠

(إنما الله إله واحد)

 النساء : ١٧١

 ١٩٢ ـ ٤٠٧

(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)

 المائدة : ٣٨

 ٢٧٩

(في قلوبهم مرض)

 المائدة : ٥٢

 ٧٢٥

(وإذا جاؤكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به)

 المائدة : ٦١

 ٣٢٥

(يد الله مغلولة [غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا] بل يداه مبسوطتان)

 المائدة : ٦٤

 ٥٣٤

(إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون)

 المائدة : ٦٩

 ٧٠٩

(علام الغيوب)

 المائدة : ١٠٩

 ١٨٥

(ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله)

 المائدة : ١١٧

 ٤٠١

(علام الغيوب)

 المائدة : ١١٦

 ١٨٥


(وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله)

 المائدة : ١١٦

 ٤٠٢

(تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك)

 المائدة : ١١٦

 ٥٣٤

(وأجل مسمى عنده)

 الأنعام : ٢

 ٣٢٣

(قل أغير الله اتخذ وليا)

 الأنعام : ١٤

 ٤٢٦

(ولو ترى إذ وقفوا على النار)

 الأنعام : ٢٧

 ٣٥٤

(إنما يستجيب الذين يسمعون)

 الأنعام : ٣٦

 ٤٠٥ ـ ٤٠٧

(وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه)

 الأنعام : ٣٨

 ٢٨٥

(أغير الله تدعون)

 الأنعام : ٤٠

 ٤٢٦

(وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا)

 الأنعام : ٦٨

 ٥٠٠

(أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة)

 الأنعام : ٨٩

 ٢٧٩

(فأنى تؤفكون)

 الأنعام : ٩٥

 ٤٢٥

(وجعلوا لله شركاء الجن)

 الأنعام : ١٠٠

 ٣٣٣

(وجعلوا لله شركاء)

 الأنعام : ١٠٠

 ٣٤٣

(قتل أولادهم شركائهم)

 الأنعام : ١٣٧

 ٢٠٥

(قل آلذكرين حرم أم الأنثيين)

 الأنعام : ١٤٣

 ٤٢٦

(فلو شاء لهداكم أجمعين)

 الأنعام : ١٤٩

 ٣٣٤

(من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)

 الأنعام : ١٦٠

 ٧٢٠

(وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا)

 الأعراف : ٤

 ٣١٣

(وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون)

 الأعراف : ٤

 ٢٠٦


(وكم من قرية)

 الأعراف : ٤

 ٢٠٩

(وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا)

 الأعراف : ٤

 ١٨٥ ـ ١٨٦

(وكم من قرية أهلكناها)

 الأعراف : ٤

 ٤٧٥

(فلنسألئن الذين أرسل إليهم ولنسألئن المرسلين)

 الأعراف : ٦

 ٧١٨

(ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)

 الأعراف : ١١

 ٧٢١

(ما منعك ألا تسجد)

 الأعراف : ١٢

 ٤٧٥

(ونادى أصحاب الجنة)

 الأعراف : ٤٤

 ٣٥٢

(ونادى أصحاب الأعراف)

 الأعراف : ٤٨

 ٣٥٢

(إلا امرأته كانت من الغابرين)

 الأعراف : ٨٣

 ٣٤٩

(لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا)

 الأعراف : ٨٨

 ٣٤٨

(إن عدنا في ملتكم)

 الأعراف : ٨٩

 ٣٤٩

(فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه)

 الأعراف : ١٣١

 ٣٤٧ ـ ٣٥٣

(وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين)

 الأعراف : ١٣٢

 ٣٥١

(أرني انظر إليك)

 الأعراف : ١٤٣

 ٣٣٤

(برأس أخيه)

 الأعراف : ١٥٠

 ٧١٧

(ولما سكت عن موسى الغضب)

 الأعراف : ١٥٤

 ٤٩٩

(اثنتي عشرة أسباطا)

 الأعراف : ١٦٠

 ٢٠٠

(سنستدرجهم)

 الأعراف : ١٨٢

 ٣٠٩

(وأملي لهم إن كيدي متين)

 الأعراف : ١٨٣

 ٧٢٥


(قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون)

 الأعراف : ١٨٨

 ٤٠٧

(سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون)

 الأعراف : ١٩٣

 ٣٨٢

(إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين)

 الأعراف : ١٩٦

 ٣٢٥

(وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا)

 الأنفال : ٢

 ٥٠٨

(ليحق الحق ويبطل الباطل)

 الأنفال : ٨

 ٣٩٠

(وما رميت إذ رميت)

 الأنفال : ١٧

 ٢٦٠

(فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم)

 الأنفال : ١٧

 ٣٩٠ ، ٤٣٠

(وما كان الله ليعذبهم)

 الأنفال : ٣٣

 ١٧٠

(قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف)

 الأنفال : ٣٨

 ٣٩٢

(ليقضي الله أمرا كان مفعولا)

 الأنفال : ٤٤

 ٧٢٢

(ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا)

 الأنفال : ٥٠

 ٧١٣ ـ ٣٦٩

(إن الله قوي شديد العقاب)

 الأنفال : ٥٢

 ٧١١ ـ ٧١٣

(ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)

 الأنفال : ٥٣

 ٧١٤

(كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين)

 الأنفال : ٥٤

 ٧١٢ ـ ٧١٤

(إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون)

 الأنفال : ٥٥

 ٣٢٦

(فإما تثقفنهم في الحرب)

 الأنفال : ٥٧

 ٣٢٥

(والله يريد الآخرة)

 الأنفال : ٦٧

 ٢٠٥

(فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا)

 الأنفال : ٦٩

 ٣٨٩


(براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا)

 التوبة : ١ ـ ٢

 ٣٦٩

(ألا تقاتلون قوما)

 التوبة : ١٣

 ١٧٩

(ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين)

 التوبة : ١٤

 ٧٢٣

(أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم)

 التوبة : ٥٣

 ٤٣٥

(وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر)

 التوبة : ٧٢

 ٢٨٩

(علام الغيوب)

 التوبة : ٧٨

 ١٨٥

(المطوعين من المؤمنين في الصدقات)

 التوبة : ٧٩

 ٧٢٥

(استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)

 التوبة : ٨٠

 ٤٣٤

(فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا)

 التوبة : ٨٢

 ٥٣٣

(ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم)

 التوبة : ١٠١

 ٣٢٦

(وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا)

 التوبة : ١٠٢

 ٣٩٢

(وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم)

 التوبة : ١٠٣

 ٢٦٢

(فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا)

 التوبة : ١٢٤

 ٥٠٨

(قل أتنبئون الله بما لا يعلم)

 يونس : ١٨

 ٣٩١

(إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس)

 يونس : ٢٤

 ٤٦١

(فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس)

 يونس : ٢٤

 ٤٩٩

(والله يدعو إلى دار السلام)

 يونس : ٢٥

 ٣٣٤


(أثم إذا ما وقع)

 يونس : ٥١

 ١٨٠

(آلله أذن لكم)

 يونس : ٥٩

 ٤٢٧

(أفأنت تكره الناس)

 يونس : ٩٩

 ٤٢٧

(أفمن كان على بينة)

 هود : ١٧

 ١٨٠

(أنلزمكموها)

 هود : ٢٨

 ٤٢٧

(واصنع الفلك بأعيننا)

 هود : ٢٨

 ٤٢٧

(وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين)

 هود : ٤٤

 ٥٢٧

(ونادى نوح ربه)

 هود : ٤٥

 ٤٧٥

(وهذا بعلي شيخا)

 هود : ٧٢

 ٢١٤

(هن أطهر لكم)

 هود : ٧٨

 ٧١٨

(قال يا قوم هؤلاء بناتي)

 هود : ٧٨

 ٧٢٥

(إنك لأنت الحليم الرشيد)

 هود : ٨٧

(وما أنت علينا بعزيز)

 هود : ٩١

(يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد* فأما الذين شقوا ففي النار)

 هود : ١٠٥ ـ ١٠٦

 ٥٣٧

(وأما الذين سعدوا ففي الجنة)

 هود : ١٠٨

 ٥٣٧

(وما ربك بغافل عما تعملون)

 هود : ١٢٣

 ٣٤٩

(إنا أنزلناه قرآنا عربيا)

 يوسف : ٢

 ٣٨٣


(فصبر جميل)

 يوسف : ١٨

 ٢١٥ ـ ٢٦٧

(وراودته التي هو في بيتها عن نفسه)

 يوسف : ٢٣

 ٢٧٣

(ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم)

 يوسف : ٣١

 ٢٩٣ ـ ٣٧٩

(قالت فذلكن)

 يوسف : ٣٢

 ٢٧٨

(وما أبرى نفسي إن النفس لأمارة بالسوء)

 يوسف : ٥٣

 ٢٦٢

(واسأل القرية)

 يوسف : ٨٢

 ٥٠٢

(فصبر جميل)

 يوسف : ٨٣

(تالله تفتأ)

 يوسف : ٨٥

 ١٩٠

(تالله لقد آثرك الله علينا)

 يوسف : ٩١

 ٧٢٣

(ألقوه على وجه أبي يأت بصيرا)

 يوسف : ٩٣

 ٧٢٣

(فلما أن جاء البشير)

 يوسف : ٩٦

 ١٨٧

(الكبير المتعال)

 الرعد : ٩

 ١٢٣

(إن أنتم إلا بشر مثلنا)

 إبراهيم : ١٠

 ٤٠٥

(إن نحن إلا بشر مثلكم)

 إبراهيم : ١١

 ٤٠٦

(تؤتي أكلها كل حين)

 إبراهيم : ٢٥

 ٥٠٨

(قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم)

 إبراهيم : ٣١

 ٤٣٠

(مخلف وعده رسله)

 إبراهيم : ٤٧

 ٢٠٥

(ربما يود)

 الحجر : ٢

 ١٥٩

(ربما يود الذين كفروا)

 الحجر : ٢

 ٣٥٤


(ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين)

 الحجر : ٢

 ٤٩١

(وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم)

 الحجر : ٤

 ٣٥٩ ـ ٣٨٧

(فما خطبكم)

 الحجر : ٥٧

 ٤٢٠

(فو ربك لنسألنهم أجمعين* عما كانوا يعملون)

 الحجر : ٩٢ ـ ٩٣

 ٧١٨

(فاصدع بما تؤمر)

 الحجر : ٩٤

 ٥٠٠

(ا فمن يخلق كمن لا يخلق)

 النحل : ١٧

 ٤٥٢

(لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد)

 النحل : ٥١

 ٢٨٥

(فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله)

 النحل : ٩٨

 ٤٧٤

(يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها)

 النحل : ١١١

 ٧١٩

(فأذاقها الله لباس الجوع)

 النحل : ١١٢

 ٤٨٦

(إن كنتم إياه تعبدون)

 النحل : ١١٤

 ٣٣٩

(أفأصفاكم ربكم بالبنين)

 الإسراء : ٤٠

 ٤٢٦

(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس)

 الإسراء : ٦١

 ٦١١

(لو أنتم تملكون)

 الإسراء : ١٠٠

 ٣٥٦

(وبالحق أنزلناه وبالحق نزل)

 الإسراء : ١٠٥

 ٢٩٥

(اتخذ الله ولدا)

 الكهف : ٤

 ٦٨٩

(فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا)

 الكهف : ٥

(كبرت كلمة تخرج من أفواههم)

 الكهف : ٥

 ٦٨٩

(وكلبهم باسط ذراعيه)

 الكهف : ١٨

 ١٩٨

(وتحسبهم أيقاظا وهم رقود)

 الكهف : ١٨

 ٥٣٣


(قال قائل منهم كم لبثتم)

 الكهف : ١٩

 ٤٢٣

(ثلثمائة سنين)

 الكهف : ٢٥

 ٢٠٨

(من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)

 الكهف : ٢٩

 ٧٢٩

(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا)

 الكهف : ٣٠

 ٣١٩

(كلتا الجنتين آتت أكلها)

 الكهف : ٣٣

 ٢٣٨

(لكنا هو الله ربي)

 الكهف : ٣٨

 ١٢٣

(إن ترن أنا أقل)

 الكهف : ٣٩

 ٧١٨

(المال والبنون زينة الحياة الدنيا)

 الكهف : ٤٦

 ٥٣٥

(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس)

 الكهف : ٥٠

 ٦١١

(إنك لن تستطيع معي صبرا)

 الكهف : ٧٢

 ٣٩٤

(ألم أقل لك)

 الكهف : ٧٥

 ٣٩٤

(إنك لن تستطيع معي صبرا)

 الكهف : ٧٥

 ٣٩٤

(وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)

 الكهف : ١٠٤

 ٥٣٢

(رب إني وهن العظم مني)

 مريم : ٤

 ٣١٨

(واشتعل الرأس شيبا)

 مريم : ٤

 ٣٩٦ ـ ٤٩٨

(فهب لي من لدنك وليا* يرثني)

 مريم : ٥

 ٤٩٨

(ولنجعله آية للناس)

 مريم : ٢١

 ٣٩٠

(فإما ترين)

 مريم : ٢٦

 ١٨٤

(أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن)

 مريم : ٤٥

 ٢٩٠


(أي الفريقين خير مقاما)

 مريم : ٧٣

 ٤٢٣

(الرحمن على العرش استوى)

 طه : ٥

 ٥٣٧ ـ ٧١٤

(إن الساعة آتية أكاد أخفيها)

 طه : ١٥

 ٧١٧

(وما تلك بيمينك)

 طه : ١٧

 ٢٦٨ ـ ٣٩٤

(فقال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى)

 طه : ١٨

 ٢٦٨

(رب اشرح لي صدري)

 طه : ٢٥

 ٧١١ ـ ٣٩٤

(إنك كنت بنا بصيرا)

 طه : ٣٥

 ٧١١

(ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى)

 طه : ٤٩ ـ ٥٠

 ٤٢٢

(منها خلقناكم وفيها نعيدكم)

 طه : ٥٥

 ٧٢٢

(إن هذان لساحران)

 طه : ٦٣

 ٢٣٩ ـ ٧٠٩

(ولا يفلح الساحر حيث أتى)

 طه : ٦٩

 ٢٧٩

(آمنا برب هارون وموسى)

 طه : ٧٠

 ٣٤٥

(ولأصلبنكم في جذوع النخل)

 طه : ٧١

 ١٥٧

(فغشيهم من اليم ما غشيهم)

 طه : ٧٨

 ٣٨٩

(ما منعك إذ رأيتهم ضلوا* ألا تتبعن)

 طه : ٩٢ ـ ٩٣

 ٤٧٦

(قال فما خطبك يا سامري)

 طه : ٩٥

 ٧٢٤

(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس)

 طه : ١١٦

 ٦١١

(فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى)

 طه : ١٢٠

 ٣٧٧

(ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون)

 الأنبياء : ٦

 ٤٧٥

(حصيدا خامدين)

 الأنبياء : ١٥

 ٤٩٩


(بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه)

 الأنبياء : ١٨

 ٧٢٤

(نقذف بالحق على الباطل)

 الأنبياء : ١٨

 ٥٠٠

(وجعلنا من الماء كل شيء حي)

 الأنبياء : ٣٠

 ٢٧٨

(أهذا الذي يذكر آلهتكم)

 الأنبياء : ٣٦

 ٢٧٧

(ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك)

 الأنبياء : ٤٦

 ٢٨٨

(قالوا وجدنا آبائنا لها عابدين* قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين* قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين)

 الأنبياء : ٥٣ ـ ٥٥

 ٣٧٥

(أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين)

 الأنبياء : ٥٥

 ٣٨٢

(أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم)

 الأنبياء : ٦٢

 ٤٢٦

(فهل أنتم شاكرون)

 الأنبياء : ٨٠

 ٤٢٠

(وحرام على قرية أهلكناها)

 الأنبياء : ٩٥

 ٤٧٥

(يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم)

 الحج : ١

 ٢٢

(إن زلزلة الساعد شيء عظيم)

 الحج : ١

 ٣١٤

(إن كنتم في ريب من البعث)

 الحج : ٥

 ٣٤٨

(فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمى القلوب)

 الحج : ٤٦

 ٢٩٥

(أفأنبئكم بشر من ذلكم النار)

 الحج : ٧٢

 ٣٠٦

(فقال الملأ الذين كفروا من قومه)

 المؤمنون : ٢٤

 ٣٤٥

(ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون)

 المؤمنون : ٢٧

 ٢٦٢

(واصنع الفلك بأعيننا)

 المؤمنون : ٢٧

 ٧٢٢

(وقال الملأ من قومه الذين كفروا)

 المؤمنون : ٣٣

 ٣٤٥


(والذين هم بربهم لا يشركون)

 المؤمنون : ٥٩

 ٣٢٦

(بل قالوا مثل ما قال الأولون* قالوا ا اذا متنا وكنا ترابا وعظاما ا انا لمبعوثون)

 المؤمنون : ٨١ ـ ٨٢

 ٣٧٦

(لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا)

 المؤمنون : ٨٣

 ٣٤٤

(فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون)

 المؤمنون : ١٠١

 ٧١٩

(قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين)

 المؤمنون : ١١٢

 ٤٢٣

(سورة أنزلناها وفرضناها)

 النور : ١

 ٢٦٧

(ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا)

 النور : ٣٣

 ٣٥٣

(يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال)

 النور : ٣٦ ـ ٣٧

 ٣٣١

(والله خلق كل دابة من ماء)

 النور : ٤٥

 ٢٨٧

(والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)

 النور : ٤٦

 ٧٢٣

(ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون)

 النور : ٥٢

 ٣٥١

(طاعة معروفة)

 النور : ٥٣

 ٢٦٧ ـ ٣٠٧

(واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون)

 الفرقان : ٣

 ٣٢٥

(سمعوا لها تغيظا وزفيرا)

 الفرقان : ١٢

 ٤٩٩

(وقدمنا إلى ما عملوا)

 الفرقان : ٢٣

 ٤٩٩

(أهذا الذي بعث الله رسولا)

 الفرقان : ٤١

 ٢٧٧ ـ ٣٣٤

(أرأيت من اتخذ إلهه هواه)

 الفرقان : ٤٣

 ٤٥٣

(أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون)

 الفرقان : ٤٤

 ٢٩٩

(ألم تر إلى ربك كيف مد الظل)

 الفرقان : ٤٥

 ١٧٩

(خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام)

 الفرقان : ٥٩

 ٧٢٠


(كلا فاذهبا بآياتنا)

 الشعراء : ١٥

 ٣٩٠

(إنا رسول رب العالمين)

 الشعراء : ١٦

 ٤٢١

(وما رب العالمين)

 الشعراء : ٢٣

 ٤٢١

(ألا تستمعون)

 الشعراء : ٢٥

 ٤٢١

(قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون)

 الشعراء : ٢٧ ـ ٢٨

 ٦١١

(لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين)

 الشعراء : ٢٩

 ٤٢٢

(قال فرعون وما رب العالمين* قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين* قال لمن حوله ألا تستمعون* قال ربكم ورب آبائكم الأولين* قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون* قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون* قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين* قال أولوا جئتك بشيء مبين* قال فأت به إن كنت من الصادقين)

 الشعراء : ٢٣ ـ ٣١

 ٣٧٥ ـ ٤٢٢

(أولوا جئتك بشيء مبين* قال فأت به إن كنت من الصادقين)

 الشعراء : ٣٠ ـ ٣١

 ٤٢٢

(وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم فجمع السحرة)

 الشعراء : ٣٦ ـ ٣٨

 ٢٨٠

(قالوا آمنا برب العالمين)

 الشعراء : ٤٧ ، ٤٨

 ٤٢١

(رب موسى وهارون)

 الشعراء : ٤٨

 ٣٤٥

(ما تعبدون)

 الشعراء : ٧٠

 ٣٩٤

(نعبد أصناما فنظل لها عاكفين)

 الشعراء : ٧١

 ٢٦٨

(يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)

 الشعراء : ٨٨ ـ ٨٩

 ٤٨١

(إن حسابهم إلا على ربي)

 الشعراء : ١١٣

 ٤٠١

(وما أنا بطارد المؤمنين* إن أنا إلا نذير)

 الشعراء : ١١٤ ـ ١١٥

 ٤٠١

(أمدكم بماتعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون)

 الشعراء : ١٣٢ ـ ١٣٤

 ٣٧٦


(قال إني لعملكم من القالين)

 الشعراء : ١٦٨

 ٥٤١

(هل أنبئكم على من تنزل الشياطين* تنزل على كل أفاك أثيم)

 الشعراء : ٢٢١ ـ ٢٢٢

 ٣٧٥

(ألم تر أنهم في كل واد يهيمون)

 الشعراء : ٢٢٥

 ٥٠٠

(فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين* يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم* وألق عصاك)

 النمل : ٨ ـ ١٠

 ٣٦٨

(ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله)

 النمل : ١٥

 ٣٨٩

(وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون)

 النمل : ١٧

 ٣٢٥

(ما لي لا أرى الهدهد)

 النمل : ٢٠

 ٤٢٤

(وجئتك من سبأ بنبأ)

 النمل : ٢٢

 ٥٤٠

(اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ما ذا يرجعون)

 النمل : ٢٨

 ٣١٣

(أيكم يأتيني بعرشها)

 النمل : ٣٨

 ٤٢٢

(بل أنتم قوم تجهلون)

 النمل : ٥٥

 ٣٤٩

(ا اذا كنا ترابا وآباؤنا ا انا لمحرجون)

 النمل : ٦٧

 ٣٤٥

(لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا)

 النمل : ٦٨

 ٣٤٥

(ردف لكم)

 النمل : ٧٢

 ١٥٥

(أكذبتم بآياتي)

 النمل : ٨٤

 ١٧٩

(وما ربك بغافل عما تعملون)

 النمل : ٩٣

 ٣٤٩

(فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا)

 القصص : ٨

 ٤٩١

(وجاء رجل من أقصى المدينة)

 القصص : ٢٠

 ٣٤٤


(ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء)

 القصص : ٢٣

 ٣٣٤

(وأخي هارون هو أفصح مني لسانا)

 القصص : ٣٤

 ٧١١

(فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون)

 القصص : ٦٦

 ٣٢٦

(ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله)

 القصص : ٧٣

 ٥٣٤

(أين شركائي الذين كنتم تزعمون)

 القصص : ٦٢ ، ٧٤

 ٤٢٥

(ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون)

 القصص : ٧٨

 ٧١٨

(يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون)

 العنكبوت : ٥٦

 ٣٩٠

(ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله)

 العنكبوت : ٦٣

 ٣٣٠

(وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب)

 العنكبوت : ٦٤

 ٢٧٧

(أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا)

 العنكبوت : ٦٧

 ١٧٩

(ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون)

 الروم : ٣٣

 ٣٤٧

(وإذا مس الناس ضر)

 الروم : ٣٣

 ٣٨٢

(وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون)

 الروم : ٣٦

 ٣٤٧

(هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء)

 الروم : ٤٠

 ٣٣٥

(فأقم وجهك للدين القيم)

 الروم : ٤٣

 ٥٤١

(كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا)

 لقمان : ٧

 ٣٧٩

(وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم)

 لقمان : ١٥

 ٣٩٢

(ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله)

 لقمان : ٢٥

 ٣٣٠

(خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام)

 السجدة : ٤

 ٧٢٠


(ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤسهم)

 السجدة : ١٢

 ٢٧١ ـ ٣٥٤

(يوحى إليك من ربك)

 الأحزاب : ٢

 ٣٣١

(إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)

 الأحزاب : ٧٢

 ٣٩٠

(يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها)

 سبأ : ٢

 ٣٨١

(وجفان كالجواب وقدور راسيات)

 سبأ : ١٣

 ٧٢٣

(وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين)

 سبأ : ٢٤

 ٥٣٨ ـ ٣٥٣

(قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون)

 سبأ : ٢٥

 ٣٥٣

(ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم)

 سبأ : ٣١

 ٣٥٤

(علام الغيوب)

 سبأ : ٤٨

 ١٨٥

(وما أنت بمسمع من في القبور* إن أنت إلا نذير)

 فاطر : ٢٢ ـ ٢٣

 ٤٠٦

(هل من خالق غير الله)

 فاطر : ٣

 ١٥٧

(وإن يكذبوك فقد كذبت رسل)

 فاطر : ٤

 ٢٩٠

(ا فمن زين له سوء عمله فرآه حسنا)

 فاطر : ٨

 ٣٩١

(والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها)

 فاطر : ٩

 ٣٥٥

(ولو سمعوا ما استجابوا لكم)

 فاطر : ١٤

 ٣٤٨

(ولا ينبئك مثل خبير)

 فاطر : ١٤

 ٥٠ ـ ٣٨٩

(إن أنت إلا نذير)

 فاطر : ٢٣

 ٤٠٧

(إنما يخشى الله من عباده العلماء)

 فاطر : ٢٨

 ٤١٢


(لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون)

 يس : ٧

 ٣٢٦

(ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون)

 يس : ١٥

 ٤٠١ ـ ٤٠٦

(إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون)

 يس : ١٤ ـ ١٦

 ٢٥٩

(وجاء من أقصى المدينة)

 يس : ٢٠

 ٣٤٤

(وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون)

 يس : ٢٢

 ٣٥٢

(اتبعوا المرسلين* اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون)

 يس : ٢٠ ـ ٢١

 ٣٧٧

(أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون* إني إذا لفي ضلال مبين)

 يس : ٢٣ ـ ٢٥

 ٣٥٢

(إن كانت إلا صيحة)

 يس : ٢٩

 ٧١٧ ـ ٤١٠

(وما عملته)

 يس : ٣٥

 ٧١٧

(وآية لهم الليل نسلخ منه النهار)

 يس : ٣٧

 ٤٩٨

(من بعثنا من مرقدنا)

 يس : ٥٢

 ٤٩٩

(إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون)

 يس : ٥٣

 ٣٦٧

(إن كانت إلا صيحة)

 يس : ٥٣

 ٤١٠

(فاليوم لا تظلم نفس شيئا)

 يس : ٥٤

 ٣٦٧

(ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون)

 يس : ٥٤

 ٣٦٨

(إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون* هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون* لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون* سلام قولا من رب رحيم* وامتازوا اليوم أيها المجرمون)

 يس : ٥٥ ـ ٥٩

 ٣٦٧


(وما علمناه الشعر)

 يس : ٦٩

 ٧٢٢ ـ ٧٢٦

(ا اذا متنا وكنا ترابا وعظاما)

 الصافات : ١٦

 ٣٤٥

(فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون)

 الصافات : ١٩

 ٣٩٠

(وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون)

 الصافات : ٢٧

 ٧١٩

(لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون)

 الصافات : ٤٧

(وآتيناهما الكتاب المستبين*وهديناهما الصراط المستقيم)

 الصافات : ١١٧ ـ ١١٨

 ٥٤٢

(أصطفى البنات على البنين)

 الصافات : ١٥٣

 ٤٢٧

(ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين)

 الصافات : ١٧١

 ٦٨٩

(إنهم لهم المنصورون* وإن جندنا لهم الغالبون)

 الصافات : ١٧٢ ـ ١٧٣

 ٨٩

(وقليل ما هم)

 ص : ٢٤

 ٢٩٩

(وعذاب. اركض)

 ص : ٤٣ ـ ٤٤

 ١٨٣

(وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج)

 الزمر : ٦

 ٤٧٣

(وإذا مس الإنسان ضر)

 الزمر : ٨

 ٣٤٩

(ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض)

 الزمر : ٢١

 ٤٧٤

(ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون)

 الزمر : ٣١

 ٧١٩

(لئن أشركت)

 الزمر : ٦٥

 ٣٥٢

(والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه)

 الزمر : ٦٧

 ٥٣٧

(وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا)

 غافر : ٦

 ٦٨٩

(الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به)

 غافر : ٧

 ٣٩٤

(وينزل لكم من السماء رزقا)

 غافر : ١٣

 ٤٧٤


(ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع)

 غافر : ١٨

 ٣٩٢

(يوم التناد* يوم تولون مدبرين)

 غافر : ٣٢ ـ ٣٣

 ٧٢٥

(أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين* وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين* ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين* فقضاهن سبع سماوات في يومين)

 فصلت : ٩ ـ ١٢

 ٧٢٠

(وأما ثمود فهديناهم)

 فصلت : ١٧

 ٣٢٧

(ولا تستوي الحسنة ولا السيئة)

 فصلت : ٣٤

 ١٩١

(وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض)

 فصلت : ٥١

 ٣٥٠

(كذلك يوحي إليك)

 الشورى : ٣

 ١٤٢

(فالله هو الولي)

 الشورى : ٩

 ٣٩٠ ـ ٤٣٠

(ليس كمثله شيء)

 الشورى : ١١

 ١٥٤

(جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه)

 الشورى : ١١

 ٣٤٩

(ليس كمثله شيء)

 الشورى : ١١

 ٥٠٢

(وجزاء سيئة سيئة مثلها)

 الشورى : ٤٠

 ٥٣٤

(أفنضرب عنكم الذكر صفحا إن كنتم قوما مسرفين)

 الزخرف : ٥

 ٣٤٨

(فأنشرنا به بلدة ميتا)

 الزخرف : ١١

 ٥٠١

(أهم يقسمون رحمة ربك)

 الزخرف : ٣٢

 ٤٢٧

(أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي)

 الزخرف : ٤٠

 ٤٢٧

(وتلك الجنة التي أورثتموها)

 الزخرف : ٧٢

 ٢٧٨


(أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين)

 الدخان : ١٣

 ٤٢٥

(ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون)

 الدخان : ٣٠ ـ ٣١

 ٢٨٤

(إنه كان عاليا من المسرفين)

 الدخان : ٣١

 ٢٨٤

(إن نظن إلا ظنا)

 الجاثية : ٣٢

 ٢٨٨

(قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم)

 الأحقاف : ١٠

 ٤٣٠

(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم)

 الأحقاف : ١٣

 ١٨٦

(فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم)

 الأحقاف : ٢٥

 ٤١٠

(حتى تضع الحرب أوزارها)

 محمد : ٤

 ٥٠٨

(فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)

 محمد : ٢٢

 ٢٨٧

(أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم)

 محمد : ٢٢

 ٢٨٨

(إنا فتحنا لك)

 الفتح : ١

 ٣٥٢

(يد الله فوق أيديهم)

 الفتح : ١٠

 ٤٩٨

(ليدخل الله في رحمته)

 الفتح : ٢٥

 ٣٩٠

(لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم)

 الحجرات : ٧

 ٣٥٤

(وأحيينا به بلدة ميتا)

 ق : ١١

 ٥٠١

(سكرة الموت بالحق)

 ق : ١٩

 ٧١٨

(لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد)

 ق : ٢٨

 ٧١٩

(يسألون أيان يوم الدين)

 الذاريات : ١٢

 ٤٢٤

(وفي السماء رزقكم)

 الذاريات : ٢٢

 ٤٧٤


(وما هم بمؤمنين)

 الذاريات : ٢٥

 ٣٢٠

(هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين* إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون* فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين* فقربه إليهم قال ألا تأكلون* فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف)

 الذاريات : ٢٤ ـ ٢٨

 ٣٧٦

(فما خطبكم)

 الذاريات : ٣١

 ٤٢٠

(إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم)

 الذاريات : ٤١

 ٤٩٨

(ثم دنا فتدلى)

 النجم : ٨

 ٣١٣

(فكان قاب قوسين أو أدنى)

 النجم : ٩

 ٤٥٧

(وفجرنا الأرض عيونا)

 القمر : ١٢

(أبشرا منا واحدا نتبعه)

 القمر : ٢٤

 ٤٢٦

(فبأي آلاء ربكما تكذبان)

 الرحمن : في كثير من الآيات

 ٧١٥

(سنفرغ لكم ايه الثقلان)

 الرحمن : ٣١

 ٤٩٩

(فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان)

 الرحمن : ٣٩

 ٧١٨

(وجنى الجنتين دان)

 الرحمن : ٥٤

 ٥٤١

(طلح)

 الواقعة : ٢٩

 ٧١٨

(فلا أقسم بمواقع النجوم)

 الواقعة : ٧٥

 ١٩١

(فلا أقسم بمواقع النجوم* وإنه لقسم لو تعلمون عظيم)

 الواقعة : ٧٥ ، ٧٦

 ٥٣٨

(فروح وريحان)

 الواقعة : ٨٩

 ٥٤١

(ألم يأن للذين آمنوا)

 الحديد : ١٦

 ١٧٩


(ويأمرون الناس بالبخل)

 الحديد : ٢٤

 ٧١٧

(لئلا يعلم أهل الكتاب)

 الحديد : ٢٩

 ١٩١

(إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون)

 الممتحنة : ٢

 ٣٤٦

(يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم* تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله)

 الصف : ١٠ ـ ١١

 ٤٣٤

(يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم)

 الصف : ١٠

 ٣٧٠

(تؤمنون)

 الصف : ١١

 ٣٧٠

(وبشر المؤمنين)

 الصف : ١٣

 ٣٧٠

(يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله)

 الصف : ١٤

 ٤٥٦

(مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا)

 الجمعة : ٥

 ٤٥٧

(إذا جاءك المنافقون قالوا : نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون)

 المنافقون : ١

 ٣٩٤ ـ ٢٥٥

(وكانت من القانتين)

 التحريم : ١٢

 ٢٦٠ ـ ٣٤٩

(تكاد تميز من الغيظ)

 الملك : ٨

 ٤٩٩

(سنستدرجهم)

 القلم : ٤٤

 ٣٠٩

(وأملي لهم إن كيدي متين)

 القلم : ٤٥

 ٧٢٥

(بريح صرصر عاتية)

 الحاقة : ٦

 ٥٠١

(إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية)

 الحاقة : ١١

 ٥٠١

(ولا طعام إلا من غسلين)

 الحاقة : ٣٦

 ٧٢٠


(إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا)

 المعارج : ١٩ ـ ٢١

 ٢٨٣

(في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)

 المعارج : ٤

 ٧١٩

(يغفر لكم من ذنوبكم)

 نوح : ٤

 ١٥٨

(كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول)

 المزمل : ١٥ ـ ١٦

 ٢٨٠

(ما ذا أراد الله بهذا مثلا)

 المدثر : ٣١

 ٢٧٧

(يسأل أيان يوم القيامة)

 القيامة : ٦

 ٤٢٤

(فلا صدق ولا صلى)

 القيامة : ٣١

 ١٩٠

(إنا خلقنا الإنسان من نطفة)

 الإنسان : ٢

 ٧٢٤

(سلاسل وأغلالا)

 الإنسان : ٤

 ٧١٠

(دانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا)

 الإنسان : ١٤

 ٧٢٣

(قوارير* قواريرا)

 الإنسان : ١٥ ـ ١٦

 ٧٢٣

(ألم نهلك الأولين. ثم نتبعهم الآخرين)

 المرسلات : ١٦

 ١٧٩

(ويل يومئذ للمكذبين)

 المرسلات : فى كثير من الآيات

 ٧١٥

(هذا يوم لا ينطقون* ولا يؤذن لهم فيعتذرون)

 المرسلات : ٣٥ ـ ٣٦

 ٧١٩

(لابثين فيها أحقابا)

 النبأ : ٢٣

 ٧٢٠

(أنا ربكم الأعلى)

 النازعات : ٢٤

 ٤٢١

(إنما أنت منذر من يخشاها)

 النازعات : ٤٥

 ٤٠٥ ـ ٤٠٧

(فأين تذهبون)

 التكوير : ٢٦

 ٤٢٥

(إن الأبرار لفي نعيم* وإن الفجار لفي جحيم)

 الانفطار : ١٣ ـ ١٤

 ٥٤٢ ـ ٣٨١

(ويل يومئذ للمكذبين)

 المطففين : ١٠

 ٧١٥


(إذا السماء انشقت)

 الانشقاق : ١

 ٢١٣ ـ ٣٣٠

(إن كل نفس لما عليها حافظ)

 الطارق : ٤

 ١٩٥

(ليس لهم طعام إلا من ضريع)

 الغاشية : ٦

 ٧١٩

(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت* وإلى السماء كيف رفعت* وإلى الجبال كيف نصبت* وإلى الأرض كيف سطحت)

 الغاشية : ١٧ ـ ٢٢

 ٣٦٦

(إن إلينا إيابهم* ثم إن علينا حسابهم)

 الغاشية : ٢٥ ـ ٢٦

 ٥٤٢

(والليل إذا يسر)

 الفجر : ٤

 ١٢٣

(وجاء ربك)

 الفجر : ٢٢

 ٥٠٢

(أو إطعام في يوم ذي مسغبة* يتيما)

 البلد : ١٤ ـ ١٥

 ١٩٩

(فلا اقتحم العقبة)

 البلد : ١١

 ١٩٠

(والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها)

 الشمس : ١ ـ ٢

 ٣٣٦

(فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى* فسنيسره لليسرى* وأما من بخل واستغنى* وكذب بالحسنى* فسنيسره للعسرى)

 الليل : ٥ ـ ١٠

 ٥٣٣

(والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى)

 الضحى : ١ ـ ٣

 ٣٣٥

(ألم يجدك يتيما)

 الضحى : ٧

 ١٧٩

(ألم نشرح لك صدرك)

 الشرح : ١

 ٣٩٥

(ووضعنا عنك وزرك* الذي أنقض ظهرك)

 الشرح : ٢ ـ ٣

 ٧٢٤

(اقرأ باسم ربك)

 العلق : ١

 ٣٤١

(وأخرجت الأرض أثقائلها)

 الزلزلة : ٢

 ٥٠٨

(وما أدراك ما هية نار حامية)

 القارعة : ١٠ ـ ١١

 ٢٦٧


(كالعهن المنفوش)

 القارعة : ٥

 ٧١٨

(إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)

 العصر : ٢ ـ ٣

 ٢٧٩

(كعصف مأكول)

 الفيل : ٥

 ١٥٤

(أرأيت الذي يكذب بالدين* فذلك الذي يدع اليتيم)

 الماعون : ١ ـ ٢

 ٧٢٤

(إنا أعطيناك)

 الكوثر : ١

 ٧١٠

(لكم دينكم ولي دين)

 الكافرون : ٦

 ٣٢١

(تبت يدا أبي لهب)

 المسد : ١

 ٢٧٣

(قل هو الله أحد. الله الصمد)

 الإخلاص : ١ ـ ٢

 ١٨٣

(قل هو الله أحد)

 الإخلاص : ١ ـ ٢

 ٢٩٥


ثانيا : فهرس الحديث

الحديث

الصفحة

أصحابى مثل النجوم

 ٤٤٢

إياكم وخضراء الدمن

 ٤٤٥

كلّ ميسّر لما خلق

 ٦١٥

ليس من امبر امصيام فى امسفر

 ١٨٦

ما رأيت عورة رسول الله (ص) قط (عائشة)

 ٣٣٥

المؤمن غر كريم

 ٣١٨

الناس كلهم موتى

 ٩٣


ثالثا : فهرس أبيات الشعر

أبيات الشعر / اسم الشاعر / الصفحة

قافية الهمزة

لهدمت الحياض فكم يغادر

بحوض من نصائبه إزاء

لخولة إذ هم مغنى وأهلى

وأهلك ساكنون وهم رياء

عوف بن الأحوص ص ٢٩٧

إن نزل الشتاء بدار قوم

تجنب جار بيتهم الشتاء

الحطيئة ص ٦٤٣

وقل لمن يدعى فى العلم معرفة

سمعت شيئا وغابت عنك أشياء

ص ٧١٠

الناس أرض بكل أرض

وأنت من فوقهم سماء

ص ٢٧٩

من البيض الوجوه بنى سنان

لو أنك تستضىء بهم أضاءوا

هم حلوا من الشرف المعلى

ومن حب العشيرة حيث شاءوا

أبو البرج القاسم ابن جبل الذبيانى ص ٢٧١

إنما مصعب شهاب من الله

تجلت عن وجهه الظلماء

ابن قيس الرقيات ص ٤٠٧

إذا جرى فى كفه الرشاء

خلى القلب ليس فيه ماء

ص ٣٨٧

فغنها وهى لك الفداء

إنّ غناء الإبل الحداء

ص ٢٦٢

إذا عاش الفتى مائتين عاما

فقد ذهب اللذاذة والفتاء

الربيع بن ضبع ص ٢٠٨

كأن سبيئة من بيت رأس

يكون مزاجها عسل وماء

حسان ص ٣١١

لا تسقنى ماء الملام فإننى

صب ، قد استعذبت ماء بكائى

أبو تمام الطائى ص ٤٩٨


يرمون بالخطب الطوال وتارة

وحى الملاحظ خيفة الرقباء

 الجاحظ ص ٣٨٨

ما نوال الغمام وقت ربيع

كنوال الأمير يوم سخاء

ص ٥٣٥

ويصعد حتى يظن الجهول

بأن له حاجة في السماء

 أبو تمام ص ٤٩٤

طلبوا صلحنا ولات أوان

فأجبنا أن ليس حين بقاء

 الطائى أبو زبيد ص ١٣٥

سوف أهدى لسلمى

أثناء على ثناء

ص ٦٧٤

قافية الباء

كلانا يا يزيد يحب ليلى

بفى وفيك من ليلى التراب

 مزاحم بن الحارث العقيلى ص ٢٣٨

كأنها بوتقه أحميت

يجول فيها ذهب ذائب

 المهلبى الوزير ص ٤٣٣

لمن الديار عفى مرابعها

هطل أجشّ وبارح ترب

ص ٦٤٦

ما إن ترى السيد زيدا فى نفوسهم

كما تراه بنوا كوز ومرهوب

إن تسألوا الحق نعطى الحق سائله

والدرع محقبة والسيف مقروب

 عبد الله بن عنمة الضبى ص ٢٩٧

قد أشهد الغارة الشعواء تحملنى

جرداء معروقة اللّحيين سرحوب

 امرؤ القيس ص ٦٣٧

أقفر من أهله ملحوب

فالقطبيات فالذنوب

عبيد بن الأبرص ص ٦٣٧

أشجاك تشتت شعب هواك

فأنت له أرق صبّ

ص ٦٨٢

طحا بك قلب فى الحسان طروب

بعيد الشباب عصر حان مشيب

تكلفنى ليلى وقد شط وليها

وعادت عواد بيننا وخطوب

 علقمة الفحل ص ٢٩٨


والشمس من مشرقها قد بدت

مشرقة ليس لها حاجب

 المهلبى الوزير ص ٤٤٣

إن تسألوا الحقّ نعط الحق سائله

والدرع محقبة والسيف مقروب

 عبد الله بن عنمة الضبى ص ٢٩٦

له حاجب فى كل أمر يشينه

وليس له عن طالب العرف حاجب

 أبو الطمحان القينى ص ٢٩٨

أرى الصبر محمودا وعنه مذاهب

فكيف إذا لم يكن عنه مذهب

هو المهرب المنجى لمن أحدقت به

مكاره دهر ليس عنهن مهرب

 ابن الرومى ص ٢٧٢

إنما بدر بن عمار سحاب

هطل فيه ثواب وعقاب

 المتنبى ص ٦٥٧

ولو أن قوما لارتفاع قبيلة

دخلوا السماء دخلتها لا أحجب

 خالد بن يزيد بن معاوية ص ٣٨٥

أقلى اللوم عاذل والعتابا

وقولى إن أصبت : لقد أصابا

 جرير ص ٣٨١ ـ ١٨٣ ـ ٦٨٨

فأصبحن لا يسألنه عن بما به

أصعد فى علو الهوى أم تصوبا

 الأسود بن يعفر ص ١٥٦

اعلموا أنى لكم حافظا

شاهدا ما كنت أو غائبا

ص ٦٣٣

أنا البازى المطل على نمير

أتيح من السماء له انصبابا

 جرير ص ٧٠٤

تذكرت والذكرى تهيجك زينبا

وأصبح باقى وصلها قد تقضبا

وحل بفلج والأباتر أهلنا

وشطت فحلت غمرة فمثقبا

 لربيعة بن مقروم ص ٢٩٧

فغض الطرف إنك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا

 جرير ص ٧٠٤

ما ولدت والدة من ولد

أكرم من عبد مناف حسبا

ص ٦٥٥


خلى الذنابات شمالا كثبا

وأم أوعال كرما أو أقربا

 العجاج ص ١٥٥

ما إن يعاب سيد إذا صبا

ولا يعاب صارم إذا نبا

ولا يعاب شاعر إذا كبا

 الفرزدق ص ٧٠١

وصاعقة من نصله تنكفى بها

على أرؤس الأقران خمس سحائب

 البحترى ص ٤٨٤

وكأن الشمس المنيرة دينار

جلته حدائد الضرب

ص ٤٥٤

كلاهما حين جد الجرى بينهما

قد أقلعا ، وكلا أنفيهما رابى

 الفرزدق ص ٢٣٧

عميد القلب مرتهنا

بذكر اللهو والطرب

ص ٦٨٥

جياد بنى أبى بكر تسامى

على كان المسومة العراب

 ص ١٥١

أعلم الناس بالنجوم بنو نو

بخت علما لم يأتهم بالحساب

بل بأن يشاهدوا السماء سموّا

بترق فى المكرمات الصعاب

مبلغ لم يكن ليبلغه الطا

لب إلا بتلكم الأسباب

 ابن الرومى ص ٤٩٥

 ...

بل بلد ذى صعد وأصباب

ص ١٦٠

ملكته أمرى ولكنه

ألقاه من زهد على غاربى

وقال إنى فى الهوى كاذب

انتقم الله من الكاذب

ص ٣٧٩

أصبحت والشيب قد علانى

يدعو حثيثا إلى الخضاب

 مطيع بن إياس الكنانى ص ٦٤٠

إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة

سهيل أذاعت غزلها في الغرائب

ص ٢٠٢ ـ ٢٨١


أكسبته الورق البيض أبا

ولقد كان ولا يدعى لأب

 مسكين الدارمى ص ٣٨٦

تعيب الغانيات على شيبى

ومن لى أن أمتع بالمعيب

 البحترى ص ٣٩٩

كنت أخشى صرف تلك النوى

فرمانى سهمها فأصاب

ص ٦٣٤

لمن الديار غيرهن

كل دانى المزن جون الرباب

ص ٦٣٥

إنما بدر بن عمار سحاب

هطل فيه ثواب وعقاب

 أبو الطيب المتنبى ص ٦٥٧

قالت الخنساء لما جئتها

شاب بعدى رأس هذا واشتهب

 امرؤ القيس ص ٦٥٦

منزلة صم صداها وعفت

أرسمها إن سئلت لم تجب

ص ٦٤٨

قافية التاء

ألا رجلا جزاه الله خيرا

يدل على محصلة تبيت

 عمرو بن قعاس المرادى ص ١٧٦

لو لا ملك رءوف رحيم

تداركنى برحمته هلكت

ص ٦٤٤

ولو علقت بسلمى

علمت أن ستموت

ص ٦٧٦

فقلت : أنجو النفس إذ نجيت

هل ينفعنى حلف سخيت

أو فضة أو ذهب كبريت

 رؤبة ص ٢٣٠

وإذا هم ذكروا الإسا

ءة أكثروا الحسنات

ص ٦٤٧


ولا زوردية تزهو بزرقتها

بين الرياض على حمر اليواقيت

كأنها فوق قامات ضعفن بها

أوائل النار في أطراف كبريت

 ابن المعتز ص ٤٤٩

أسيئى بنا أو أحسنى لا ملومة

لدينا ولا مقلية إن تقلّت

 كثير عزة ص ٤٣٤

يقر بعينى ما يقر بعينها

وأحسن شىء ما به العين قرت

 كثير عزة ص ٧٠٧

تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا

ولو سلكت سبل المكارم ضلّت

 الطرماح بن حكيم ص ٧٠٥

سأشكر عمرا إن تراخت منيتى

أيادى لم تمنن وإن هى جلّت

 عبد الله بن الزبير ص ٢٦٦

زعم العوازل أن ناقة جندب

بجنوب خبت عريت وأجمت

 جندب ص ٣٧٣

يبيت بمنجاة عن اللوم بيتها

إذا ما بيوت بالملامة حلت

 الشنفرى الأزدى ص ٥١٩

كما أبرقت قوما عطاشا غمامة

فلما رأوها أقشعت وتجلت

ص ٤٥٨

واضحات فارسيا

ت وأدم عربيات

ص ٦٦٠

قافية الجيم

ما هاج أحزانا

وجوا قد شجا

 العجاج ص ٦٥٣

 ...

وفاحما ومرسنا مسرجا

 العجاج ص ٤٧٢

طرق الخيال ولا كليلة مدلج

سدكا بأرحلنا ولم يتعرج

أنى اهتديت لنا وكنت رجيلة

والقوم قد قطعوا متان السجج

 الحارث بن حلزة اليشكرى ص ٢٩٨

إن السماحة والمروءة والندى

فى قبة ضربت على ابن الحشرج

 زياد الأعجم ص ٥١٧


قافية الحاء

خذا حذرا يا حنشى فإننى

رأيت جران العود قد كان يصلح

لقد كان لى عن ضرتين عدمتنى

وعما ألاقى منهما متزحزح

 عامر بن الحارث النمرى ص ١٤٧

وبدا الصباح كأن غرته

وجه الخليفة حين يمتدح

 محمد بن وهيب ص ٤٥١

جاء شقيق عارضا رمحه

إن بنى عمك فيهم رماح

هل أحدث الدهر لنا ذلة

أم هل رنت أم شقيق سلاح

 حجل بن نضلة ص ٢٦٣

ليبقى يزيد ضارع لخصومه

ومختبط مما تطيح الطوائح

 الحارث بن ضرار النهشلى ص ٣٣١

جمع الحق لنا فى إمام

قتل البخل وأحيا السماحا

 ابن المعتز ص ٤٩٢

نحن الذون صبحوا الصباحا

يوم النخيل غارة ملحاحا

 رؤبة بن الحجاج ص ١٢٧

دارت الحرب رخا

فادفوعها برحى

ص ٦٥٨

ما هيج الشوق من أطلال

أضحت قفارا كوحى الواحى

ص ٦٣٩

جدث يكون مقامه

أبدا بمختلف الرياح

ص ٦٤٧

قافية الدال

ورج الفتى للخير ما إن رأيته

عن السن خيرا لا يزال يزيد

 المعلوط القريعى ص ١٥٦

ولم أر قبلى من مشى البدر نحوه

ولا رحلا قامت تعانقه الأسد

 المتنبى ص ٤٩٦

فإن تمس مهجور الفناء فربما

أقام به بعد الوفود وفود

ص ١٨٩


القلب منها مستريح سالم

والقلب منى جاهد مجهود

ص ٦٥٢

يا عمير ما تظهر من هواك

أو تجن يستكثر حين يبدو

ص ٦٧٢

نهبت من الأعمار ما لو حويته

لهنئت الدنيا بأنك خالد

 أبى الطيب ص ٥٣٩

قالت وقد رأت اصفرارى : من به؟

وتنهّدت فأجبتها المتنهّد

 المتنبى ص ٣٠٦

أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا

وإن عاهدوا أوفوا ، وإن عقدوا شدّوا

 الحطيئة ص ٢٧٦

ولا يقيم على ضيم يراد به

إلا الأذلان عير الحى والوتد

هذا على الخسف مربوط برمته

وذا يشج فلا يرثى له أحد

 الملتمس ص ٢٧٦

أنا الذى يجدونى فى صدورهم

لا أرتقى صدرا منها ولا أرد

ص ٢٦٩

وتعذلنى أفناء سعد عليهم

وما قلبى إلا بالتى علمت سعد

 الحطيئة ص ٤٠٨

أقادوا من دمى وتوعدونى

وكنت وما ينهنهنى الوعيد

 مالك بن رفيع ص ٣٨٦

إذا لم يكن للمرء فى الخلق مطمع

فذو التاج والسقاء والذر واحد

ص ٣٦٢

أن تقرءان على أسماء ويحكما

منى السّلام وأن لا تشعرا أحدا

ص ١٧١

ليت شعرى هل ثم هل آتينهم

أم يحولن من بعد ذلك الردى

ص ٦٦٩

بؤسا للحرب التى

غادرت قومى سدى

ص ٦٥٨


بانت سعاد فأسى القلب معمودا

وأخلفتك ابنة الحر المواعيدا

ما لم ألاق امرءا جزلا مواهبه

سهل الفناء رحيب الباع محمودا

وقد سمعت بقوم يحمدون فلم

اسمع بمثلك لا حلما ولا جودا

 ربيعة بن مقروم الضبى ص ٢٩٧

أبين فما يزرن سوى كريم

وحسبك أن يزرن أبا سعيد

 أبو تمام ص ٥٢١

أديبان فى بلخ لا يأكلان

إذا صحبا المرء غير الكبد

 أديب ترك ص ٥٣٥

وقفت فيها أصيلانا أسائلها

أعيت جوابا وما بالربع من أحد

 النابغة الذبيانى ص ٦١٢

يا من رأى عارضا أسرّ به

بين ذارعى وجبهة الأسد

 الفرزدق ص ٢٠٤

ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

 طرفة بن العبد ص ٦٣٠

 ..................

موعد أحبابك للفرقة غد

 أبو مقاتل الضرير ص ٤٣٢

أتطلب من أسود بيشة دونه

أبو مطر وعامر وأبو سعد

 ص ٦٣١

 ................

كما عصب العلباء بالعود

 الشماخ ص ٣١٠

فإن شئت لم ترقل وإن شئت أرقلت

مخافة ملوىّ من القدّ محصد

 طرفة ص ٣٣٥

لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند

واشرب على الورد من حمراء كالورد

 ابن هانئ ص ٦٣٨

سيروا معا إنما ميعادكم

يوم الثلاثا ببطن الوادى

ص ٦٣٩

أهيم بدعد ما حييت فإن أمت

فلا صلحت دعد لذى خلة بعدى

ص ٧٠٧


أهيم بدعد ما حييت فإن أمت

فيا ويح نفسى من يهيم بها بعدى

ص ٧٠٧

إذا ما مات ميت من تميم

فسرّك أن يعيش فجئ بزاد

بخبز أو بتمر أو بسمن

أو الشىء الملفق فى البجاد

تراه يطوف فى الآفاق حرصا

ليأكل رأس لقمان بن عاد

 يزيد بن عمرو بن الصعق ص ٧٠٥

دعاني إلى سعاد

دواعى هوى سعاد

ص ٦٧٣

أعرضت فلاح لها

عارضان كالبرد

ص ٦٧٥

وثقل منع خير طلب

وعجل منع خير تؤد

٦٥٥ ص

لمن الصبى بجانب الصحراء

ملقى غير ذى مهد

ص ٦٥٠

تطاول ليلك الإثمد

ونام الخلى ولم ترقد

وبات وباتت له ليلة

كليلة ذى العاثر الأرمد

وذلك عن نبأ جاءنى

وخبرته عن أبى الأسود

 امرؤ القيس ص ٢٩٨ ـ ٣٠٢

وكنت فتى من جند إبليس فارتقى

بى الحال حتى صار إبليس من جندى

 أبو نواس الحسن ابن هانىء ص ٢٨٦

الله يعلم ما تركت قتالهم

حتى علوا فرسى بأشقر مزبد

 الحارث بن هشام ص ٢٧٣

صبحت كسرى وأمسى قيصر

مغلقا من دونه باب حديد

ص ٦٦٠

سألت الندى والجو مالى أراكما

تبدلتما ذلا بعز مؤبد

وما بال ركن المجد أمسى مهدما

فقالا : أصبنا بابن يحيى محمد

فقلت : فهلا متّما عند موته

فقد كنتما عبديه فى كل مشهد

فقالا : أقمنا كى نعزى بفقده

مسافة يوم ثم نتلوه فى غد

بعض البرامكة ص ٥٢٢


نقريهم لهذميات نقد بها

ما كان خاط عليهم كل زراد

القطامى ص ٤٩٢

أزف الترحل غير أن ركابنا

لما تزل برحالنا وكأن قد

 النابغة الذبيانى ص ١٨٩

وكأن محمد الشقيق إذا تصوب أو تصعد

أعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد

 الصنوبرى ص ٤٦١

القلب منها مستريح سالم

والقلب منى جاهد مجهود

ص ٦٥٢

والذى حارت البرية فيه

حيوان مستحدث من جماد

 أبو العلاء المعرى ص ٢٧٥

قافية الذال

لكل جديد لذة غير أنى

وجدت جديد الموت غير لذيذ

ص ٣٢٢

قافية الراء

يا لبكر انشروا لى كليبا

يا لبكر أين أين الفرار

المهلهل بن ربيعة ص ٦٣٢

وغررتنى وزعمت أنك

لابن فى الصيف تامر

 الحطيئة ص ٦٤٨

قد هاج قلبى منزل

من أم عمرو مقفر

ص ٦٥٣

لمن الديار برامتين فعاقل

درست وغير أيها القطر

ص ٦٤٥

لسلامة دار بحفير

كباقى الخلق الرسم قفار

ص ٦٤٣

منازل لعزتنا قفار

كأنما رسومها سطور

ص ٦٤٣

ارتحلوا غدوة فانطلقوا بكرا

فى زمر منهم يتبعها زمر

ص ٦٣٩


ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها

شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر

محمد بن وهيب الحميرى ص ٣٢٤

أغر أبلج يأتم الهداة به

كأنه علم فى رأسه نار

الخنساء ص ٣٢٢

فإنك لا تبالى بعد حول

أظبى كان أمك أم حمار

خداش بن زهير ص ٣١١

إن قومى جحاجحه كرام

متقادم مجدهم أخيار

ص ٦٧٢

ل خطب إن لم تكو

نوا غضبتم يسير

ص ٦٦٠

مشتهر فى علمه وحلمه

وزهده وعهده مشتهر

ص ٥٤١

هاجك ربعى دارس الرسم باللوى

لأسماء عفى آية المور والقطر

 ص ٦٣١

إذا ما نهى الناهى فلج بى الهوى

أصاخ إلى الواشى فلج بى الهجر

البحترى ص ٥٣٤

ولقد سقتهم إلى

فلم نزعت وأنت آخر

 ص ٦٤٦

أما والذى أبكى وأضحك والذى

أمات وأحيا والذى أمره الأمر

 أبو صخر الهذلى ص ٥٣٣

وقد رأيت الرجال

فما أرى مثل عمرو

ص ٦٧٣

إذا محاسنى اللاتى أدل بها

كانت ذنوبي فقل لى : كيف أعتذر

ص ٧١٥

أيعجب الناس أن أضحكت سيدهم

خليفة الله يستسقى به المطر

لم تنب سيفى من رعب ولا دهشن

عن الأسير ولكن أخر القدر

 ص ٧٠١

إذا لم تكن للمرء عين صحيحة

فلا غزو أن يرتاب والصبح مسفر

ص ٤١٣


أولئك خير قوم

إذا ذكر الخيار

ص ٦٧٧

عفا من آل ليلى السه

ب فالأملاح فالغمر

طرفة بن العبد ص ٦٥٠

قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة

وللسبع خير من ثلاث وأكثر

القتال الكلابى ص ٢٨١

ورأين شيخا قد حنى صلبه

يمشى فيقعس أو يكب فيعثر

مساور بن هند العبسى ص ١٨٦

لا يفزع الأرنب أهوالها

ولا ترى الضب بها ينجحر

أوس بن حجر ص ٣٩٢

فما جازه جوده ولا حل دونه

ولكن يصير الجود حيث يصير

ابن هانىء ص ٥٢٠

لا تفزع الأرنب أحوالها

ولا ترى الضب بها ينجحر

 ابن أحمر ص ١٧٠

ألا يا سلمى يا دارمى على البلى

وما زال منهلا بحر عائك القطر

ذو الرمة ص ١٦٦

كلا ثقلينا واثق بغنيمة

وقد قدر الرحمن ما هو قادر

 إياس بن مالك ص ٢٣٨

فأصبحت أفى تأتها تلتبس بها

كلا مركبيها تحت رجليك شاجر

لبيد بن ربيعة ص ٢٠٧

وقد أذعر الوحوش بصلت

الخد رحب لبانه مجفر

ص ٦٦٥

وأرض كأخلاق الكرام قطعتها

وقد كحل الليل السماك فأبصرا

ابن بابك ص ٤٥٢

رب نار بتّ أرمقها

تقضم الهندى والغارا

عدى بن الرقاع ص ٦٣٣

أكلّ امرئ تحسبين امرأ

ونار توقد بالليل نارا

جارية بن الحجاج ص ٢٠٥


يعد الناسبون إلى تميم

بيوت المجد أربعة كبارا

يعدون الرباب وآل بكر

وعمرا ثم حنظلة الخيارا

ويذهب بينها المرئى لغوا

كما ألغيت فى الدية الحوارا

 ذى الرمة ص ٧٠٣

نبت عيناك عن طلل بجزوى

عفته الريح وامتنح القطارا

 ذى الرمة ص ٧٠٣

ما للمرء فى عيشه راحة

أنى والليالى تريه ما ترى

ص ٦٨٧

زارنى زورة طيفها فى الكرى

فاعترانى لمن زارنى ما اعترى

ص ٦٨٢

ما كان عطاؤهن

إلا عدة ضمارا

ص ٦٧٧

قد كان قبلك أقوام فجعت بهم

خلى لنا هلكهم سمعا وأبصارا

أنت الذى لم تدع سمعا ولا بصرا

إلا شفا فأمر العيش إمرارا

ص ٢٧٠

على لاحب لا يهتدى بمناره

إذا ساقه العود النباطى جرجرا

 أوس بن حجر ص ٣٩٢

لعبد العزيز على قومه

وغيرهم منن ظاهره

فبابك أسهل أبوابهم

ودارك مأهولة عامره

وكلبك آنس بالزائرين

من الأم بالابنة الزائره

نصيب ص ٥١٦

يزيدك وجهه حسنا

إذا ما زدته نظرا

أبو نواس ص ٥٠٨

قلت : زورى فأرسلت

أنا آتيك سحره

 سعيد بن حميد ص ٤٩٧

 ..............

يذهبن فى نجد وغورا غائرا

 العجاج ص ١٥٣

ولأنت أشجع من أسامة إذ

دعيت نزال ولج في الذعر

زهير بن أبى سلمى ص ٦٤٦


ما قالوا لنا سددا ولكن

تفاقم أمرهم فأتوا بهجر

ص ٦٤٤

نصف النهار الماء غامره

ورفيقه بالغين لا يدرى

 الأعشى ص ٣٨٥

عبيدة أنت همى

وأنت الدهر ذكرى

ص ٦٤٢

مضوا لا يريدون الرواح وغالهم

من الدهر أسباب جرين على قدر

 عكرمة العبسى ص ٣٨٥

له همم لا منتهى لكبارها

وهمته الصغرى أجل من الدهر

 بكر بن النطاح ص ٣٢٢

وتركب خيلا لا هوادة بينها

وتشقى الرياح بالضياطرة الحمر

خداش ص ٣١٣

ما سرت إلا وطيف منك يصحبنى

سرى أمامى وتأويبا على أثرى

أبو العلاء المعرى ص ٤٣٣

كم عمة لك يا جرير وخالة

فدعاء قد حلبت على عشارى

الفرزدق ص ٤٢٣

وقد رأيت الرجال

فما أرى مثل عمرو

ص ٦٧٣

وفؤادى كعهده بسليمى

بهوى لم يزل ولم يتغير

ص ٦٧١

وقد أذعر الوحش بصلت

الخد رحب لبانه مجفر

ص ٦٦٥

فإيه أبا الشداد إن وراءنا

أحاديث تروى بعدنا في المعاشر

ص ٦١٦

تكش بلا شىء شيوخ محارب

وما خلتها كانت تريش ولا تبرى

ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت

فدل عليها صوتها حبة البحر

الأخطل ص ٧٠٥

لا تأمنن فزاريا خلوت به

على قلوصك واكتبها بأسيار

 سالم بن دارة ص ٧٠٤


أفبعد مقتل مالك بن زهير

ترجو النساء عواقب الأطهار

 الربيع بن زياد العبسى ص ٦٩٧

أبلغ النعمان عنى ملكا

أنه قد طال حبسى وانتظارى

عدى بن زيد ص ٦٥٦

والخلّ كالماء يبدى لى ضمائره

مع الصفاء ويخفيها مع الكدر

أبو العلاء المعرى ص ٢٧٨

وإذا تأمل شخص ضيف مقبل

متسربل سربال ليل أغبر

أومى إلى الكوماء هذا طارق

نحرتنى الأعداء إن لم تنحرى

حسان ص ٢٧٦

مضوا لا يريدون الرواح وغالهم

من الدهر أسباب جرين على قدر

عكرمة العبسى ص ٣٨٥

نصف النهار الماء غامره

ورفيقه بالغين لا يدرى

الأعشى ص ٣٨٥

وقال رائدهم أرسلوا نزاولها

فكل حتف امرؤ يجرى بمقدار

ص ٣٧٩

ثانية فى كبد السماء ولم يكن

كاثنين ثان إذ هما فى الغار

أبو تمام ص ٥٢٧

وعد البدر بالزيارة ليلا

فإذا ما وفى قضيت نذورى

أبو عثمان سعيد ابن حميد ص ٤٩٦

قلت : يا سيدى ، ولم تؤثر اللي

ل على طلعة الصباح المنير

قال : لا أحب تغيير اسمى

هكذا الرسم فى طلوع البدور

أبو عثمان سعيد ابن حميد ص ٤٩٧

لا تعجبوا من بلى غلالته

قد زر أزراره على القمر

ص ٤٧٩ ـ ٤٩٦

ولأنت تخلق ما فريت

وبعض القوم يخلق ثم لا يفر

زهير بن أبى سلمى ص ١٢٣

بكرا صاحبى قبل الهجير

إن ذاك النجاح في التبكير

بشار بن برد ص ٢٦٠


متى ترعينى مالك وجرانه

وجنبيه تعلم أنه غير ثائر

حضجر كأم التوأمين توكأت

على مرفقيها مستهلة عاشر

سماعة النعامى ص ٢٣١

وجارى لا تستنكرى عذيرى

العجاج ص ١٦٦

بحسبك فى القوم أن يعلموا

بأنك فيهم غنى مضر

مسيخ مليخ كلحم الحوار

لا أنت حلو وأنت مر

 الأشعر الرقبان ص ٢٩٢

ولقد سبقتهم إلىّ

فلم نزعت وأنت آخر

ص ٦٤٦

ولقد شهدت وفاتهم

ونقلتهم إلى المقابر

ص ٦٤٩

يا لبكر نشروا لى كليبا

يا لبكر أين أين الفرار

المهلهل بن ربيعة

مقفرات دارسات

مثل آيات الزبور

ص ٦٥٧

صبرا بنى عبد الدار

ص ٦٦٦

دار لسلمى إذ سليمى جارة

قفر ترى آياتها مثل الزبر

ص ٦٥٢

أشهى إلى النفس من الخبز

ص ٤٥٤

قافية السين

وبلدة ليس بها أنيس

إلا اليعافير وإلا العيس

الجران القود ص ٤٨١

ونحن بنو عم على ذاك بيننا

زرابى فيها بغضة وتنافس

ونحن كصعد العس إن يعط شاعبا

يدعه وفيه عيبه متناحس

أرطأة بن سهية المرى ص ٢٧٠


لها خلق ضيق لو أن وضينه

فؤادك لم يخطر بقلبك هاجس

ص ٣٢٢

خلا إن العتاق من المطايا

أحسن بهن فهن إليه شموس

أبو زبيدة الطائى ص ١١٨

أقيموا بنى النعمان عنا صدوركم

وإلا تقيموا صاغرين الروءسا

يزيد بن خذاق الشنى ص ٦٣٠

حملناهم طرا على الدهم بعد ما

خلعنا عليهم بالطعان ملابسا

ص ٥٣٧

أمس أرملا إذا عرا

وارع إذا المرء أسا

الحريرى ص ٥٤٢

لو خير المنبر فرسانه

ما اختار إلا منكم فارسا

ص ٤١١

تقول ودقت نحرها بيمينها

أبعلى هذا بالرحا المتقاعس

 هذلول بن كعب العنبرى ص ٢٧٧

فقلت : لا تخف شيئا

فما عليك من بأس

ص ٦٥١

قامت تظللنى من الشمس

نفس أعز على من نفسى

قامت تظللنى ومن عجب

شمس تظللنى من الشمس

ابن العميد ص ٤٧٩

قافية الصاد

أكاشره وأعلم أن كلانا

على ما ساء صاحبه حريص

عدى بن زيد ص ٢٣٨

قالوا : اقترح شيئا نجد لك طبخه

قلت : اطبخوا لى جبة وقميصا

 ابن قعمق الأنطاكى ص ٥٣٣

قافية الضاد

وقد غرضت من الدنيا فهل زمنى

معط حياتى لغر بعد ما غرضا

جربت دهرى وأهليه فما تركت

لى التجارب فى ود امرؤ غرضا

 أبو العلاء ص ٣٧٤


وقد تعوضت عن كل بمشبهه

فما وجدت لأيام الصبا عوضا

أبو العلاء المعرى ص ٣٩٩

أمن دمنة أقفرت

لسلمى بذات الغضى

ص ٦٨٠

أبا منذر كانت غرورا صحيفتى

ولم أعطكم في الطوع مالى ولا عرضى

طرفة بن العبد ص ٦٢٩

قافية الطاء

وحرف كنون تحت راء ولم يكن

بدال يؤم الرسم غيره النقط

السكاكى ص ٥٣٤

وبلدة بعيدة النياط

مجهولة تغتال خطو الخاطى

 رؤبة ص ٦٦٤

الأرجاز :

حتى إذا جنّ الظلام واختلط

جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط

العجاج ص ٢٨٤

قافية الظاء

تقرى الرياح رياض الحزن مزهرة

إذا سرى النوم فى الأجفان إيقاظا

ص ٤٩٢

قافية العين

وخيل قد دلفت لها بخيل

تحية بينهم ضرب وجيع

 عمرو بن معد يكرب ص ٤٨١

إذا لم تستطع شيئا فدعه

وجاوزه إلى ما تستطيع

 عمرو بن معد يكرب ص ٦٤٣

وكأن النجوم بين دجاها

سنن لاح بينهن ابتداع

التنوخى ص ٤٥١

وليس بمغن فى المودة شافع

إذا لم يكن بين الضلوع شفيع

ص ٣٢٤

عند الملوك مضرة ومنافع

وأرى البرامك لا تضر وتنفع

ص ٣٢٢


لعمرى وما عمرى على بهين

لقد نطقت بطلا على الأقارع

ص ٥٣٨

طوى النخز والأجراز ما فى غروضها

وما بقيت إلا الضلوع الجراشع

ص ٤١٠

أولئك آبائى فجئنى بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

الفرزدق ص ٢٧٧

إن الذين ترونهم إخوانكم

يشفى غليل صدورهم أن تصرعوا

عبده بن الطيب ص ٢٧٥

النفس راغبة إذا رغبتها

وإذا ترد إلى قليل تقنع

أبو ذؤيب الهذلى ص ٢٦٨

وإذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تميمة لا تنفع

 أبو ذؤيب الهذلى ص ٤٧٧

الدهر معتذر ، والسيف منتظر

وأرضهم لك مصطاف ومرتبع

للسبى ما نكحوا ، والقتل ما ولدوا

والنهب ما جمعوا ، والنار ما زرعوا

المتنبى ص ٥٣٦

إذا هى قامت حاسرا مشمعلة

تجب الفؤاد ، رأسها ما تقنع

ص ١٩٢

قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم

أو حاولوا النفع فى أشياعهم نفعوا

سجية تلك منهم غير محدثة

إن الخلائق فاعلم شرها البدع

حسان ص ٥٣٦

الألمعى الذى يظن بك الظن

كأن قد رأى وقد سمعا

 أوس بن حجر ص ٢٨٣

إذا قال : قدنى قال بالله حلفة

لتغنى عنى ذا إنائك أجمعا

 حريث بن عناب ص ٢٠٣ ـ ٢٨٢

فأدرك إبقاء القراوة ظلعها

وقد جعلتنى من خزيمة إصبعا

 الكلحبة العربي ص ٤٥٧

فقالت : أكلّ الناس أصبحت مانحا

لسانك كيما أن تغر وتخدعا

حميد بن ثور الهلالى ص ١٧٢


قفى قبل التفرق يا ضباعا

ولا يك موقف منك الوداعا

ص ٣١١

فلما أن جرى سمن عليها

كما طيّنت بالفدن السّياعا

القطامى ص ٣١٢

فأدرك إبقاء القراوة ظلعها

وقد جعلتنى من حزيمة إصبعا

الكلحبة اليربوعى ص ٢٠٦

أما ترى حيث سهيل طالعا

نجما يضىء كالشهاب لامعا

ص ٢٢٦

يا ليتني فيها جذع

أخبّ فيها وأضع

أقود وطفاء الزمع

كأنها شاة صدع

دريد بن الصمة ص ٦٥٣

كأن انتضاء البدر من تحت غيمه

نجاء من البأساء بعد وقوع

ص ٤٥٢

قالت ولم تقصد لقيل الخنا

مهلا فقد أبلغت أسماعى

لأبو قيس بن الأسلت السلمى ص ٣٣٦ ـ ٦٦١

أطوف ما أطوف ثم آوى

إلى بيت قعيدته لكاع

الحطيئة ص ١٢٨

أردت لكيما أن تطير بقربتى

فتتركها شنّا ببيداء بلقع

ص ١٧٢

شاقتك أحداج سليمى بعاقل

فعيناك للبين تجودان بالدمع

ص ٦٣١

سريع إلى ابن العم يلطم وجهه

وليس إلى داعى الندا بسريع

حريص على الدنيا مضيع لدينه

وليس لما فى بيته بمضيع

المغيرة بن عبد الله ص ٢٦٦

قد أصبحت أم الخيار تدعى

على ذنبا ، كله لم أصنع

من أن رأت رأسى كرأس الأصلع

ميزا عنه قنزعا عن قنزع

أبو النجم العجلى ص ٥٠٤

إن المرء في أكثر الأحوال مرتاع

ليت المرء لم يدخل الدنيا فما ارتاع

إن العيش عيش الصبا إذ ليس عقل

ينهى المرء عما إليه المرء نزاع

ص ٦٨٧


قافية الفاء

زعمتم أن إخوتكم قريش

لها إلف وليس لكم إلاف

الحماسىّ ص ٣٧١

إن سميرا أرى عشيرته

قد حدبوا دونه وقد أنفوا

ص ٦٦٧

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرأى مختلف

قيس بن المظفر ص ٣٦

متى تهزر بنى قطن تجدهم

سيوفا فى عواتقهم سيوف

جلوس فى مجالسهم رزان

وإن ضيف ألم فهم خفوف

النابغة الذبيانى ص ٢٩٢

إن لنا أحمرة عجافا

يأكلن كل ليلة أكافا

ص ٤٧٤

إن ابن زيد لا زال مستعملا

للخير يغشى فى مصره العرفا

ص ٦٦٥

يا لبكر لا تنوا

ليس ذا حين وفى

ص ٦٥٨

عليه من اللؤم سرواله

فليس يرق لمستعطف

أيا شجر الخابور مالك مورقا

كأنك لم تجزع على ابن طريف

ليلى بنت طريف ص ٢٨٧ ـ ٥٣٨

لقد علمت ربيعة أنّ

حبلك واهن خلق

ص ٦٤٢

وأجب أخاك إذا دعا

ك معالنا غير مخالف

ص ٦٤٩

قافية القاف

زارت عليها للظلام رواق

ومن النجوم قلائد ونطاق

أبو العلاء ص ٣٣٦

هواى مع الركب اليمانين مصعد

جنيب وجثمانى بمكة موثق

جعفر بن علبة ص ٢٨٠


قد اسود كالمسك صدغا

وقد طاب كالمسك خلقا

ص ٥٣٥

بكف خالد وأطمعا

وطالما وطالما وطالما سقى

ص ٦٥٤

كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه

وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

ابن الراوندى ص ٢٩٤

وما عفت الديار له محلا

عفاه من حدا بهم وساقا

أبو الطيب ص ٣٧٣

ولقد ذكرتك والظلام كأنه

يوم النوى وفؤاد من لم يعشق

أبو طالب الرقى ص ٤٥١

وكأن أجرام النجوم لوامعا

دررن نثرن على بساط أزرق

أبو طالب الرقى ص ٤٤٤

ليت شعرى هل لنا ذات يوم

بجنوب فارع من تلاقى

ص ٦٣٥

هل جديد على الأيام من باق

أم هل لما لا يقيه الله من واق

ص ٦٨٥

ولو لا جنان الليل ما آب عامر

إلى جعفر سرباله لم يمزق

ص ٣٨٥

ايا من رأى ، رأى برق شريق

أسال البحار فأنتحى للعقيق

أبو داؤد الإيادى ص ٤٥٦

وبلد قطعه عامر

وجمل حسره فى الطريق

ص ٦٦٣

أزمان سلمى لا يرى مثلها الراءون

فى شام ولا فى عراق

ص ٦٦١

الأرجاز :

وقاتم الأعماق خاوى المخترق

مشتبه الأعماق لماع الخفق

رؤبة ص ٦٩٢


قافية الكاف

يا جار لا أرمين منكم بداهية

لم يلقها سوقة قبلى ولا ملك

زهير بن أبى سلمى ص ٦٣٧

تعفف ولا تبتئس

فما يقضى يأتيكا

ص ٦٨٠

أتتنى الشمس زائرة

ولم تك تبرح الفلكا

بشار بن برد ص ٤٩٦

إلهى عبدك العاصى أتاكا

مقرا بالذنوب وقد دعاكا

فإن تغفر فأنت لذاك أهل

وإن تطرد فمن يرحم سواكا

 إبراهيم بن أدهم ص ٢٩٥

ألا يا عين فابكى

على فقدى لملكى

امرؤ القيس ص ٦٨٦

تعاللت كى أشجى وما بك علة

تريدين قتلى قد ظفرت بذلك

ابن الدمينة ص ٢٩٤

قافية اللام

فقلت للركب لما أن علا بهم

من عن يمين الحبيب نظرة قبل

القطامى ص ١٥٧

وصيرنى هواك وبى

لحينى يضرب المثل

محمد اليزيدى ص ٥٠٨

تزال حبال مبرمات أعدها

لها ما مشى يوما على خفه جمل

ليلى امرأة سالم ابن قحفان ص ١٩٠

قال لى : كيف أنت؟ قلت : عليل

سهر دائم وحرن طويل

ص ٢٦٦

وإنى لأمنحك الصدود وإننى

قسما إليك مع الصدود لأميل

ص ٢١٤

بنو مطر يوم اللقاء كأنهم

أسود لها فى غيل خفان أشبل

 مروان بن أبى حفصة ص ٢٨٠

لنا جبل يحتله من نجيره

منيع يرد الطرف وهو كليل

 السموأل بن عادياء ص ٣٦٦


إن التى ضربت بيتا مهاجرة

بكوفة الجند غالت ودها غول

عبدة بن الطيب ص ٢٧٥

إن الذى سمك السماء بنى لنا

بيتا دعائمه أعز وأطول

الفرزدق همام بن غالب ص ٢٧٥

وأبو الجليش ورب كع

بة فارغ مشغول

ص ٦٤٩

لكل هلالى من اللؤم برقع

ولابن يزيد برقع وجلال

ص ٧٠٥

لعاب الأفاعى القاتلات لعابه

وأرى الجنى اشتارته أيد عواسل

ص ٣١٦

هو البدر إلا أنه البحر زاخر

سوى أنه الضرغام لكنه الوبل

بديع الزمان الهمذانى ص ٥٣٧

قلنا لهم وقالوا

كلّ له مقال

ص ٦٧٤

لم لا يعى ما أقول

ذا السيد المأمول

ص ٦٧٧

هاج الهوى رسم بذات الغضا

مخلولق مستعجم محول

ص ٦٦١

لقد خلت حقب صروفها عجب

فأحدثت غيرا وأعقبت دولا

ص ٦٣٩

أفاد فجاد وساد فزاد

وقاد فزاد وعاد فأفضل

ص ٦٨١

وإذا دعونك عمهن فإنه

نسب يزيدك عندهن خبالا

الأخطل ص ٦٤٥

فكالنار ضوءا ، وكالنار حرا

محيا حبيبى وحرقة بالى

فذلك من ضوئه فى اختيال

وهذا لحرقته فى اختلال

ص ٥٣٦


عرفت المنزل الخالى

عفا من بعد أحوال

عفا كل حنان

عسوف الوبل هطال

الوليد ص ٣٧٣

وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد

ذخرا يكون كصالح الأعمال

الأخطل ص ٦٤٩

إنى امرؤ من خير عبس منصبا

شطرى وأحمى سائرى بالمنصل

 عنترة ص ٦٤٧

وإذا افتقرت فلا تكن

متخشّعا وتجمّل

 ص ٦٤٧

غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها

تصل وعن قيض ببيداء مجهل

مزاحم بن الحارث ص ١٥٨

كأن قلوب الطير رطبا ويابسا

لدى وكرها العناب والحشف البالى

امرؤ القيس ص ٤٤٥

أتت تشكى عندى مزاولة القرى

وقد رأت الضيفان ينحون منزلى

فقلت كأنى ما سمعت كلامها

هم الضيف جدى فى قراهم وعجلى

حاتم الطائى ص ٤٣٥

حل أهلى ما بين درنا فبادو

لى وحلت علوية بالسخال

الأعشى ص ٦٦٩

أنا الذائد الحامى الذمار وإنما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلى

الفرزدق ص ٤٠٣

منازل عفاهن بذى الأرا

ك كل وابل مسيل هطل

ص ٦٦٧

يا صاحبى رحلى

أقلا عذلى

ص ٦٥٣

ومتى ما يع منك كلاما

يتكلم فيجبك بعقل

ص ٦٣٤

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

 امرؤ القيس ص ٥٢٧ ـ ٦٢٥ ـ ٦٩٢


لقد وجت مكان القول ذا سعة

فإن وجدت لسانا قائلا فقل

ص ٦٢٠

فلو تركت عقلى معى ما طلبتها

وإن طلابيها لما فات من عقلى

جميل بن معمر ص ٧٠٧

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

فألهيتها عن ذى قائم محول

امرؤ القيس ص ١٥٩

ويأوى إلى نسوة بائسات

وشعث مراضيع مثل السعالى

أمية بن أبى عائذ الهذلى ص ٦٧٨

البطن منها خميص

والوجه مثل الهلال

ص ٦٧٦

يا صاحبى رحلى

أقلا عذلى

ص ٦٦٢

وما ظهرى لباغى الضي

م بالظهر الذلول

ص ٦٥٠

أولاد جفنة حول قبر أبيهم

قبر ابن مارية الكريم المفضل

حسان بن ثابت ص ٢٨١

الله أنجح ما طلبت به

والبر خير حقيبة الرحل

امرؤ القيس ص ٢٦٨

زعم العواذل أننى فى غمرة

صدقوا ، ولكن غمرتى لا تنجلى

ص ٣٧٢

يابن الأكارم من عدنان قد علموا

وتالد المجد بين العم والخال

أنت الذى تنزل الأيام منزلها

وتمسك الأرض من خسف وزلزال

 على بن جبلة ص ٢٧٠

لا أمتع العوذ بالفصال ولا

أبتاع إلا قريبة الأجل

ابن هرمة ص ٥١٧

إذا الله لم يسق إلا الكرام

فسقى وجوه بنى حنبل

وسقى ديارهم باكرا

من الغيث فى الزمن المحمل

ص ٥٢٢


وما يك فى من عيب فإني

جبان الكلب مهزول الفصيل

ص ٥١٥

أو ما رأيت المجد ألقى رحلة

فى آل طلحة ثم لم يتحول

البحترى ص ٥٢٢

فمثلك حبلى قد طرقت ، ومرضع

فألهيتها عن ذى تمائم محول

امرؤ القيس ص ١٦٢

غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها

تصل ، وعن قيض ببيداء مجل

مزاحم بن الحارث العقيلى ص ١٦١

صلة الهجر لى وهجر الوصال

نكسانى فى السقم نكس الهلال

نحن قوم ملجن فى زى ناس

فوق طير لها شخوص الجمال

المتنبى ص ٤٨٠

أيقتلنى والمشرفى مضاجعى

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

امرؤ القيس ص ٤٦١

فقلت يمين الله أبرح قاعدا

ولو قطعوا رأسى لديك وأوصالى

امرؤ القيس ص ١٩٠

ويأوى إلى نسوة عطل

وشعثا مراضيع مثل السعالى

 أمية بن أبى عائذ الهذلى ص ١٤٨ ـ ٦٧٨

ويوم شهدناه سليما وعامرا

قليلا سوى الطعن النهال

رجل من بنى عامر ص ١٤٥

 ...

يبازل وجناء أو عيهل

منظور بن مرثدا الفقعى ص ١٢٣

يسقون من ورد البريص عليهم

بردى يصفق بالرحيق السلسل

حسان بن ثابت ص ٢٠٦

الأرجاز :

من حومة الليل يهاوى جملى

ومنهل وردته عن منهل

قفر به الأعطان لم تسهل

العجاج ص ١٥٤


عيناك دمعهما سال

كأن شانيهما أو شال

امرؤ القيس ص ٦٣٦

يا صاح قد أخلفت أسماء ما

كانت تمنيك من حسن وصال

ص ٦٤٠

لا يغرن امرأ عيشه

كل عيش صائر للزوال

ص ٦٣٢

جزى الله عبسا عبس بنى بغيض

جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

النابغة الذبيانى ص ٦٩٧

قالت حبل

ماذا الخجل

هذا الرجل

لما احتفل

أهدى بصل

ص ٦٥٤

مثل سحق البرد عفى بعدك ال

قطر مغناه وتأويب الشمال

عبيد بن الأبرص ص ٦٥٦

إن للخير والشر مدى

وكلا ذلك وجه وقبل

عبد الله بن الزبعرى ص ٢٠٩

قال لها وهو به عالم

ويحك أمثال طريقى قليل

ص ٦٦٣

قال لى كيف أنت قلت عليل

سهر دائم وحزن طويل

ص ٢٦٨

قافية الميم

سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام

الأحوص ص ١٦٢ ـ ٣٢٤

إن يزال قومنا مخصبين

صالحين ما اتقوا واستقاموا

ص ٦٣٥

فإن تكسنى ربى قميصا وجبة

أصلى صلاتى كلها وأصوم

ص ٦٩٨


قومى هم قتلوا أميم أخى

فإذا رميت يصيبنى سهم

الحارث بن وعلة ص ٢٨٠

وأنت الذى أخلفتنى ما وعدتنى

وأشمت بى من كان فيك يلوم

معشوقة بن الدمينة ص ٢٧١

وأنت الذى كلفتنى دلج السرى

وجون القطا بالجهلتين جثوم

ابن الدمينة عبد الله بن عمر الخثعمى ص ٢٧١

لا والذى عالم أن النوى

صبر وأن أبا الحسين كريم

أبو تمام ص ٣٨١

وتظن سلمى أننى أبغى بها

بدلا أراها في الضلال تهيم

ص ٣٧٠

ألا يا نخلة فى ذات عرق

عليك ورحمة الله السّلام

الأحوص

تراه إذا ما أبصر الضيف مقبلا

يكلمه من حبه وهو أعجم

ابن هرمة ص ٥١٦

وهم الآمرون الخير والفاعلونه

إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما

ص ٢٠١

أقول له : ارحل لا تقيمن عندنا

وإلا فكن فى السر والجهر مسلما

رمزت إلى مخافة من بعلها

من غير أن تبدى هناك كلامها

ابن هانئ ص ٥٢١

أنت خير من ركب المطايا

وأكرمهم أخا وأبا وأمّا

ص ٦٤٤

إذا شاء ظالع مسجورة

ترى حولها النبع والسأسما

النمر بن تولب ص ٣٣٥

لنا الجفنات الحر يلمعن بالضحى

وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

حسان بن ثابت ص ٧٠٦

 ...

فإنه أهل لأن يؤكرما

 أبو حيان الفقعسي ص ٨٩


يا ذا الذى فى الحب يلحى أما

والله لو حملت منه كما

حملت من حب رخيم لما

لمت على الحب فدعنى وما

عمر بن ربيعة ص ٦٩٨

وسائل تميما بنا والرباب

وسائل هوازن عنا إذا ما

لقيناهم كيف نعلو لهم

ببيض تفلق بيضا وهاما

ص ٦٩٧

فأما تميم تميم بن عمرو

فألقاهم القوم روبى نياما

بشر بن أبى حازم ص ٦٧٨

ونحن قوم لنا رماح

وثروة من موال وصميم

الأسود بن يعفر ص ٦٣٦

وإذا صحوت فما أقصر عن ندى

وكما علمت شمائلى وتكرمى

عنترة ص ٦٤٥

قومى هم قتلوا أميم أخى

فإذا رميت يصيبنى سهمى

الحارث بن وعلة ص ٢٨١

ماذا وقوفى على ربع عفا

مخلولق دارس مستعجم

المرقش ص ٦٣٨

إنا ذممنا على ما خيلت

سعد بن زيد وعمرا من تميم

الأسود بن يعفر ص ٦٣٨

فهذان يذودان

وذا من كثب يرمى

عبد الله بن الزبعرى ص ٦٥١

فسقى ديارك غير مفسدها

صوب الربيع وديمة تهمى

طرفة بن العبد ص ٥٣٨

 ...

يضحكن عن كالبرد المنهم

ص ١٥٤

يا أيها الزارى على عمر

قد قلت فيه غير ما تعلم

كعب الأشعرى ص ٦٦٢

إن يحيى لا زال يحيى صديقى

وخليلى من دون الأنام

ص ٥٣٨


فلو قبل مبكاها بكيت صبابة

بعدى شفيت النفس قبل التندم

ولكن بكت قبلى فهيج لى البكا

بكاها فقلت : الفضل للمتقدم

ص ٥٩٦

نستوقد التبل بالخضيض

ونصطاد نفوسا بنت على الكرم

ص ٨٢

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا

حين الزيارة فارجعى بسلام

ص ٧٠٧

كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها

وتقطع أحيانا مناط التمائم

ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم

إذا أثقل الأعناق حمل المغارم

وهل ضربة الرومى جاعلة لكم

أبا عن كليب أو أخا مثل دارم

الفرزدق ص ٧٠٢

ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم

إذا أثقل الأعناق حمل المغارم

الفرزدق وجرير ص ٧٠٢

بسيف أبى رغوان سيف مجاشع

ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم

ص ٧٠٢

أتنعم أولاد المجوس وقد عصوا

وتترك شيخا من سراة تميم

ص ٦٩٨

يذبّ عن حريمه بسيفه

ورمحه ونبله ويحتمى

ص ٦٤٨

هذا أبو الصقر فردا فى محاسنه

من نسل شيبان بين الضال والسّلم

ابن الرومى ص ٢٧٦

أبكى على قتلى العدان فإنهم

طالت إقامتهم ببطن برام

كانوا على الأعداء نار محرق

ولقومهم حرما من الأحرام

ص ٣٧٣

والمجد يدعو أن يدوم لجيده

عقد مساعى ابن العميد نظامه

ص ٥١٨

متى تخلو تميم من كريم

ومسلمة بن عمرو من تميم

ص ٥٢٢


سائل فوارس يربوع بشدتنا

أهل رأونا بسفح القاع ذى الأكم

زيد الخيل ص ١٨٨

قالت بنو عامر خالوا بنى أسد

يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام

ص ١٥٥

إذا قالت حذام قصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

لجيم بن صعب ص ٢٤٣

كلا أخوينا ذو رجال كأنهم

أسود الشرى من كل أغلب ضيغم

ص ٢٣٧

ونطعنهم تحت الحبى بعد ضربهم

ببيض المواضى حيث لى العمائم

الفرزدق ص ٢٢٦

ثلاث مئين للملوك وفى بها

ردائى ، وجلت عن وجوه الأهاتم

الفرزدق ص ٢٠٧

 ..................

يضحكن عن كالبرد المهم

ص ١٥٢

سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام

الأحوص ص ٣٢٤

يقولون لا يعدوا

وهم يدفنونهم

ص ٦٧٥

ألا يا نخلة فى ذات عرق

عليك ورحمة الله السّلام

الأحوص ص ٣٥٨

إن قدرنا يوما على عامر

ننتصف منه أو ندعه لكم

ص ٦٦٩

أرد من الأمور ما ينبغى

وما تطيقه وما يستقيم

ص ٦٦٣

كم من أديب فهم قلبه

مستكمل العقل مقل عديم

ومن جهول مكثر ماله

ذلك تقدير العزيز العليم

الطيبى ص ٢٩٤

النشر مسك والوجوه دنا

نير وأطراف الأكف عنم

المرقش الأكبر ص ٦٦١

ونحن قوم لنا رماح

وثروة من موال وصميم

ص ٦٣٦


قافية النون

سريت بهم حتى تكل مطيهما

وحتى الجياد ما يقدن بأرسان

امرؤ القيس ص ١٩٥

فو الله ، ما أدرى ، وإن كنت داريا

بسبع رمين الجمر أم بثمان

عمر بن أبى ربيعة ص ١٨٠

حتام تنكر قدرى أيها الزمن

بغيا وتوغر صدرى أيها الزمن

أما يهمك شىء غير غدرك بى

ماذا استفدت بغدرى أيها الزمن

السكاكى ص ٦٩٤

وكالنار الحياة فمن رماد

أواخرها ، وأولها دخان

أبو العلاء المعرى ص ٣٢٤

من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشر بالشر عند الله سيان

حسان بن ثابت ص ١٦٩

تنفك تسمع ما حييت

بهالك حتى تكونه

خليفة بن براز ص ١٨٨

قد علمت سلمى وجاراتها

ما قطر الفارس إلا أنا

عمرو بن معد يكرب ص ٤٠٣

إذن لقام بنصرى معشر خشن

عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا

قريط بن أنيف ص ١٤٢ ـ ٢١٣

أتانى هواها قبل أن أعرف الهوى

فصادف قلبى خاليا فتمكنا

قيس بن الملوح ص ٢٥٨

كلكم قد أخذ الجام ولا جام لنا

ما الذى ضر مدير الجام لو جاملنا

 أبو الفتح ص ٥٤٠

ليت شعرى ما ذا ترى

أم عمرو فى أمرنا

ص ٦٧٠

ونحن التاركون لما سخطنا

ونحن الآخذون لما أرضينا

عمرو بن كلثوم ص ٢٧٠

خيال هاج لى شجنا

فبتّ مكابدا حزنا

عميد القلب مرتهنا

بذكر اللهو والطرب

امرؤ القيس ص ٦٨٥


إن الدنيا قد غرتنا

واستهوتنا واستلهتنا

ص ٦٨٢

فرمنا القصاص وكان القصاص

عدلا وحقا على المسلمينا

ص ٦٧٩

إن شواء ونشوة

وخبن البازل الأمون

ص ٦٤١

بكيت وما يرد لك

البكاء على حزين

ص ٦٤٢

أعاتبها وآمرها

فتغضبنى وتعصينى

ص ٦٤٢

ألا من مبلغ فتيان فهم

بما لاقيت عند رحا بطان

بأنى قد لقيت الغول تهوى

بسهب كالصحيفة صحصحان

فقلت لها : كلانا نضو أرض

أخو سفر فخلى لى مكان

فشدت شدة نحوى فأهوت

لها كفى بمصقول يمان

فأضربها بلا دهش فخرت

صريعا لليدين وللجران

تأبط شرا ص ٣٥٥

يا خليلى اربعا

واستخبرا رسما بعسفان

ص ٦٥٧

إنما الذلفاء ياقوتة

أخرجت من كيس دهقان

ص ٦٣٣

أنا المرعث لا أخفى على أحد

ذرت بى الشمس للقاصى وللدانى

بشار بن برد ص ٢٦٩

ولقد أمر على اللئيم يسبنى

فمضيت ثمت قلت : لا يعنينى

رجل من سلول ص ٢٧٩

قد جاءكم أنكم يوما إذا

ما ذقتم الموت سوف تبعثون

ص ٦٤٠

كتب الشقاء عليهما

فهما له ميسران

ص ٦٤٩


وإذا اغطبت أو ابتأس

ت حمدت رب العالمين

ص ٦٤٩

ألا إن رأى الأشعرى أبى الحسن

ومتبعيه فى القبيح وفى الحسن

وإن كان منسوبا إلى الجهل ، عن قلى

لرأى حقيق بالتأمل ، فاعلمن

السكاكى ص ٦١٨

قف على دارسات الدمن

بين أطلالها فابكين

ص ٦٨٢

ما لم قرت به العي

نان من هذا ثمن

ص ٦٥٨

وقاتم الأعماق خاوى المخترقن

مشتبه الأعلام لماع الخفقن

ص ١٨٣

قافية الهاء

لو كان أبو موسى

أميرا ما رضيناه

ص ٦٥١

ومهمة مغبّرة أرجاؤه

كأن لون أرضه سماؤه

رؤبة بن العجاج ص ٣١٣

فيا من لديه أن كل امرؤ له

نظير ، وإن حاز الفضائل هل له؟

ص ٤٠٨

لا أدعى لأبى العلاء فضيلة

حتى يسلمها إليه عداه

ص ٤٠٨

أذاك أم نمش بالوشى أكرعه

أذاك أم خاطب بالسبى مرتعه

ذو الرمة ص ٥٣٧

لا خير فيمن كف عنا شره

إن كان لا يرجى ليوم خيره

 ص ٦٥٥

صبحنا الخزرجية مرهفات

أباد ذوى أرومتها ذووها

كعب بن زهير ص ٢١٠

ترى الثياب من الكتان يلمحها

نور من البدر أحيانا فيبليها

فكيف تنكر أن تبلى معاجرها

والبدر فى كل وقت طالع فيها؟

ناصر الدولة بن حمدان ص ٤٨٠


الأرجاز :

أى قلوص راكب نراها

نادية وناديا أباها

طاروا علاهن فطر علاها

رؤبة أو أبو النجم ص ٢٣٩

فوقفت أسألها وكيف سؤالنا

صمّا خوالد ما يبين كلامها

لبيد بن ربيعة ص ٣٠٢

وإذا راية مجد رفعت

نهض الصلت إليها فحواها

ص ٦٥٩

ولو لا خداش أخذت دوا

ب سعد ولم أعطه ما عليها

ص ٦٨٠ ـ ٦٨١

ليس كل من أراد حاجة

ثم جد فى طلابها قضاها

ص ٦٥٩

إن الذى الوحشة فى داره

يؤنسه الرحمة فى لحده

أبو العلاء المعرى ص ٢٧٥

لو شئت عدت بلاد نجد عودة

فخللت بين عقيقه وزروده

البحترى ص ٣٣٥

وإن من أدبته فى الصبا

كالعود يسقى الماء فى غرسه

صالح بن عبد القدوس ص ٤٥٥

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم

دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

نجوم سماء كلما انقض كوكب

بدا كوكب تأوى إليه كواكبه

أبو الطميحان القينى ص ٢٦٧

وما مثله فى الناس إلا مملكا

أبو أمه حى أبوه يقاربه

الفرزدق ص ٥٢٧

كأن مثار النفع فوق رؤوسنا

وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

بشار ص ٤٤٤ ـ ٤٦١

اصبر على مضض الحسود

فإن صبرك قاتله

ابن المعتز ص ٤٥٥


صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله

وعرى أفراس الصبا ورواحله

زهير بن أبى سلمى ص ٤٨٦

للفتى عقل يعيش به

حيث تهدى ساقه قدمه

طرفة بن العبد ص ٦٣٣

بيمن أبى إسحاق طالت يد العلا

وقامت قناة الدين واشتد كاهله

هو البحر من أى النواحى أتيته

فلجته المعروف والبرّ ساحله

أبو تمام ص ٢٧٢

أقبل فى المسنن من ربابة

أسنمة الآبال فى سحابة

ص ٤٧٣

أبو مالك قاصر فقره

على نفسه ومشيع غناه

 مالك بن عويمر ص ٢٧٢

إن سعدا بطل ممارس

صابر محتسب لما أصابه

ص ٦٥٩

ذا ملك لم يكن ذاهبه

وزعه فدولته ذاهبة

أبو الفتح البستى ص ٥٤٠

فى الذين قد ماتوا

وفيما جمعوا عبره

ص ٦٥٢

إن الفراغ والشباب والجدة

مفسدة للمرء أى مفسدة

 أبو العتاهية ص ٥٣٥

وزعموا أنهم لقيهم رجل

فأخذوا ماله وضربوا عنقه

ص ٦٤٠

كأنما المريخ والمشترى

قدّامه فى شامخ الرفعه

منصرف بالليل عن دعوة

قد أسرجت قدّامه شمعه

القاضى التنوخى ص ٤٤٥

بكر العواذل فى الصبوح

يلمننى وألومهنه

ويقلن : شيب قد علاك

وقد كبرت فقلت : إنّه

ص ١٩٣

أدوا ما استعاروه

كذاك العيش عاريه

ص ٦٥١


خليلى عوجا على رسم دار

خلت من سليمى ومن ميه

ص ٦٧٩

بينما هن بالأراك معا

إذ أتى راكب على جمله

جميل بثينة ص ٦٧٢

وبلد متشابه سمته

قطعه رجل على جمله

ص ٦٦٧

هذا مقامى قريبا من أخى

كل امرؤ قائم مع أخيه

ص ٦٤٠

قافية الواو

وأروى من الشعر شعرا عويصا

ينسى الرواة الذى قد رووا

ص ٦٧٩

قافية الياء

لبست أناس فأفنيتهم

وكان الإله هو المستأسيا

النابغة الجعدى ص ٦٧٩

قلت سداد لمن جاء يسرى

فأحسنت قولا وأحسنت رأيا

ص ٦٨١

أشاب الصغير وأفنى الكبير

كر الغداة ومر العشى

الصلتان العبدى ص ٥٠٣

لنا غنم نسوقها غزار

كأنّ قرون جلتها العصى

امرؤ القيس ص ٦٤١


رابعا : فهرس أنصاف الأبيات

أنصاف الأبيات / الشاعر / الصفحة

بآية يقدمون الخبل شعثا

ص ٢٢٤

وكم للوهم من حيل تروج

ص ٣٦٢

ويل أم سعد سعدا

كبيشة بنت رافع ص ٦٥٤ ـ ٦٦٤

قد عرضت أروى بقول أفناد

ص ٦٦٤

وجارى لا تستنكرى عذيرى

ص ١٦٣

وعالم يعرف بالسجزى

الصاحب ص ٤٥٤

هل بالديار آنس

ص ٦٦٨

وبلدة بعيدة النياط

ص ٦٦٤

وأن العقل سلطان مطاع

ص ٣٦٢

ثم وإن لم أنم كرى كراكا

ص ٣١٦

ينضحن فى حافاتها بالأبوال

العجاج ص ٦٦٢

وسقيت الغيث أيتها الخيام

ص ١٨١

يا منزلا بسولان

ص ٦٦٨


وإذا دارت رحى الحرب الزبون

ص ١٨١

تنفش الخيل مالا تغزلهو

ص ٦٥٩

وقاتم الأعماق خاوى المخترقن

ص ٦٩٥

عرف الديار توهما فاعتادها

عدى ص ٤٥٠

يحدو ثمانى مولعا بلقاحها

ص ٢٣٢

وأسال البحار فانتحى للعقيق

ص ٢٠٧

فى سعى دنيا طالما قدمت رجلى

العجاج ص ٢١١

فأصبحت أنى تأتها تلتبس بها

ص ٢١٢

عليه من اللؤم سروالة

ص ٢٣٢

عليه من الرحمن ما يستحقه

ص ٣٢٣


خامسا : فهرس مصطلحات البلاغة (١)

مصطلح البلاغة

أرقام الصفحات

أحوال التشبيه

الأسلوب الحكيم

أغراض التشبيه

الأمر

أنى

الإبدال

الإبهام

الإثبات

الإدراج

الإسناد الخبرى

الإضمار

الإطلاق

الإطناب

الإظهار

الإفراد

إلا

إنما

٤٥٩

٤٣٥ ـ ٤٣٦

٤٤٨

٤١٥ ـ ٤٢٨

٤٢٤

٢٨٥ ـ ٣٦١ ـ ٣٧٦

٥٣٧

٢٦٧ ـ ٣٠٧ ـ ٣٣٣ ـ ٣٣٦

٥٣٨

٢٥٧ ـ ٢٥٨

٣٣٦

٢٩٣

٣٨٧ ـ ٣٩٢ ـ ٣٩٤ ـ ٣٩٥

٣٣٧

٣٠٨

٤٠٩

٤٠٢ ـ ٤٠٤ ـ ٤١١

__________________

(*) يراعى أن ترتيب حرف الألف هكذا : الهمزة المفتوحة أولا ، ثم الهمزة المكسورة ، ثم همزة الوصل وهذا ترتيب الحاسب ، يرتب أولا الكلمات المبدءوة بهمزة مفتوحة ، ثم المكسورة ثم الوصل وهكذا .....


مصطلح البلاغة

أرقام الصفحات

الإيجاز

الإيضاح

الاختصار

الاستئناف

الاستتباع

الاستعارة

الاستعارة

الاستعارة التحقيقية

الاستعارة التخييلية

الاستعارة التصريحية

الاستعارة التهكمية

الاستعارة المصرح بها الأصلية

الاستعارة المصرح بها التبعية

الاستعارة المصرح بها التحقيقية مع القطع

الاستعارة المصرح بها التخييلية مع القطع

الاستعارة المصرح بها المحتملة للتحقيق والتخييل

الاستعارة المصرحة

الاستعارة المكنية

الاستفهام

الاسم

اسم الإشارة

الاعتراض

الالتفات

٣٨٧ ـ ٣٨٨ ـ ٣٩١ ـ ٣٩٣

٣٦١ ـ ٣٧٧

٣٨٩ ـ ٣٩٨

٣٧٠ ـ ٣٧٥ ـ ٣٧٦

٥٣٩

٣٩٧

٤٧٧

٤٨٢

٤٨٢ ـ ٤٨٧

٤٨٢

٤٨٣

٤٨٩

٤٨٩

٤٨٢

٤٨٥

٤٨٦

٤٨٢

٤٨٢ ـ ٤٨٧

٤١٥ ـ ٤١٨

٣١٠

٢٧٥

٥٣٨

٢٩٦ ـ ٥٣٩


مصطلح البلاغة

أرقام الصفحات

الانقطاع

البديع اللفظى

البديع المعنوى

بعد التشبيه

البلاغة

البيان

التأخير

تأكيد المدح بما يشبه الذم

التبيين

التجاهل

التجدد

التجريد

التجنيس

التجنيس التام

التجنيس اللاحق

التجنيس المتشابه

التجنيس المذيل

التجنيس المشوش

التجنيس المضارع

التجنيس المطرف

التجنيس المفروق

التجنيس الناقص

التخصيص

٣٧٩

٥٣٩

٥٣٣

٤٦٠

٥٢٥ ـ ٥٢٦

٢٤٩ ـ ٤٣٧ ـ ٢٨٥

٢٩٣ ـ ٣٢١ ـ ٣٣٧ ـ ٣٤٣

٥٣٧

٣٦١ ـ ٣٧٧

٥٣٧

٣٨٢

٤٩٤

٥٣٩

٥٣٩

٥٤٠

٥٤٠

٥٣٩

٥٤٠

٥٣٩

٥٣٩

٥٤٠

٥٣٩

٢٩٣ ـ ٣١٤ ـ ٣٣٩ ـ ٣٤٠


مصطلح البلاغة

أرقام الصفحات

التراكيب

الترشيح

الترك

التشبيه

التشبيه التمثيلى

التصريح

التضمين

تطويل الكلام (تابع الإطناب)

التعريض

التعريف

التغليب

التفريق

التفسير

التقديم

التقرير

التقسيم

تقليل اللفظ وعدمه

التقييد

التكرار

التمنى

التمييز

التنكير

٢٤٧

٤٩٤ ـ ٥٢٩

٢٦٥ ـ ٣٠٥ ـ ٣٢٩ ـ ٣٣٤

٤٣٩

٤٤٥

٥٢٨

٣٦٨

٣٢٤

٣٥٢ ـ ٣٧٥

٢٦٩ ـ ٢٧٢ ـ ٢٧٨ ـ ٢٨٠ ـ ٣١٤ ـ ٣١٧ ـ ٣١٨ ـ ٣٤٠

٣٤٨ ـ ٣٤٩

٥٣٥

٢٨٥

٢٩١ ـ ٣٢١ ـ ٣٣٧ ـ ٣٤٠ ـ ٣٤٢

٣٣٩ ـ ٣٧٧ ـ ٣٨١ ـ ٤١٧

٥٣٥

٥٣٩

٣٠٩ ـ ٣٤٦

٥٤١

٤١٥ ـ ٤١٨

٣٩٦

٢٨٦ ـ ٣١٠ ـ ٣٤٩

                                                                                   

                                                                                   

                                                                                   

                                                                                   

                                                                                   

                                                                                   


مصطلح البلاغة

أرقام الصفحات

التوجيه

التوسط بين كمال الاتصال وكمال الانقطاع

التوكيد

الثبوت

الجمع

الجمع مع التفريق

الجمع مع التفريق والتقسيم

الجمع مع التقسيم

الجملة

الجملة الاسمية

الجملة الشرطية

الجملة الظرفية

الجملة الفعلية

الحال

الحذف

الحشو

الحقيقة

الحقيقة العقلية

الخبر

الخبر الإنكارى

الخبر الابتدائى

الخبر الطلبى

٥٣٧

٣٦٧

٢٥٨ ـ ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ـ ٢٨٤ ـ ٣٣٩ ـ ٣٧٧

٣٨٢

٥٣٥

٥٣٥

٥٣٦

٥٣٦

٣١٩ ـ ٣٢٠

٣٢٠

٣٢٠ ـ ٣٤٦

٣٢٠ ـ ٣٨٦

٣٢٠

٣٨٣

٢٦٥ ـ ٣٠٥ ـ ٣٢٩ ـ ٣٣٤

٥٣٨

٤٣٨ ـ ٤٦٧ ـ ٤٧٠ ـ ٥٢٣

٥١٠

٢٥١ ـ ٢٥٤

٢٥٨

٢٥٨

٢٥٨


مصطلح البلاغة

أرقام الصفحات

خواص التراكيب

الذكر

رد التشبيه

رد العجز إلى الصدر

سوق المعلوم مساق غيره

شروط الاستعارة

طرفا التشبيه

الطلب

العطف

العلم

علم البديع

غرابة التشبيه

غير

الفصاحة

الفصاحة اللفظية

الفصاحة المعنوية

الفصل

الفصل بالضمير

الفعل

قبول التشبيه

قرب التشبيه

قرينة الاستعارة

٢٤٧ ـ ٢٤٨ ـ ٢٥١ ـ ٤٦٧

٢٦٧ ـ ٣٠٧ ـ ٣٣٣ ـ ٣٣٦

٤٦٢

٥٤١

٥٣٧

٤٩٨

٤٣٩

٢٥١ ـ ٤١٤

٢٨٦ ـ ٣٥٧ ـ ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ـ ٣٦٨ ـ ٣٨١ ـ ٤٠٠

٢٧٢

٥٣٢

٤٦٠

٤١٢

٥٢٦

٥٣١

٥٣١

٣٥٧

٢٨٦

٣٠٨

٤٦٢

٤٦٠

٤٨٤


مصطلح البلاغة

أرقام الصفحات

القصر

القطع

القلب

الكلام المنصف

كم

كمال الانقطاع

الكناية

الكناية المطلوب بها تخصيص الصفة بالموصوف

الكناية المطلوب بها نفس الصفة

الكناية المطلوب بها نفس الموصوف

كيف

لا العاطفة

اللف والنشر

ما

الماضى

متى

المجاز

المجاز العقلى

المجاز اللغوى

المجاز اللغوى الراجع إلى حكم الكلمة فى الكلام

مراتب التشبيه

مراتب الكلام البليغ

٢٩٣ ـ ٤٠٠ ـ ٤٠٩

٣٦٠ ـ ٣٧٠

٥٤١

٣٥٣

٤٢٣

٣٦١

٥١٢ ـ ٥٢٨

٥١٧

٥١٤

٥١٤

٤٢٣

٤٠٤

٥٣٤

٤٢٠

٣٤٦ ـ ٣٤٧

٤٢٤

٤٣٨ ـ ٤٦٦ ـ ٤٦٨ ـ ٤٧٠ ـ ٥١٣ ـ ٥٢٣ ـ ٥٢٨

٥٠٣

٤٧٢

٥٠٢

٤٦٤

٣٩٧


مصطلح البلاغة

أرقام الصفحات

مراعاة النظير

المزاوجة

المستقبل

المسند

المسند إليه

المشاكلة

المضارع

المضمر

المطابقة

المعانى

المقام

مقتضى الحال

مقتضى الظاهر وعكسه

من

الموصول

النداء

النفى والاستثناء

النهى

هل

وجه التشبيه

وصف المعرّف

الوصل

٥٣٤

٥٣٤

٣٤٧ ـ ٣٥٤

٢٥٥ ـ ٢٥٧

٢٥٥ ـ ٢٥٧ ـ ٢٦٥

٥٣٣

٣٤٦ ـ ٣٥٥

٢٦٩

٥٣٣

٢٤٧

٢٥٦ ـ ٣٠٦ ـ ٣٤٨ ـ ٣٦١ ـ ٣٩٣ ـ ٤١٠ ـ ٤٣٦ ـ ٥٤٢

٢٥٠ ـ ٢٥٦

٢٥٩ ـ ٤١٣ ـ ٤٣٥

٤٢٢

٢٧٣

٤١٥ ـ ٤٣١

٤٠١

٤١٥ ـ ٤٢٩

٤١٩

٤٤٠ ـ ٤٤١ ـ ٤٤٣ ـ ٤٤٦

٢٨٢

٣٥٧ ـ ٣٨٢


فهرس أهم المصادر والمراجع

ـ أ ـ

أبنية الصرف في كتاب سيبويه د. / خديجة الحديثي ط. مكتبة النهضة بغداد.

الاتقان في علوم القرآن للسيوطي ـ ط مصطفى الحلبي بمصر.

أخلاق النبوة لأبي الشيخ الأصبهاني ـ ط دار الكتاب العربي تحقيق د. سيد الجميلي.

أدب الكاتب لابن قتيبة ـ تحقيق محمد الدالي ـ ط مؤسسة الرسالة.

أسرار البلاغة ـ لعبد القاهر الجرجاني ـ بتصحيح السيد رشيد رضا ـ ط مكتبة محمد علي صبيح.

إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للشيخ الألباني ط المكتب الإسلامي.

أساس البلاغة للزمخشري ـ دار صادر ـ بيروت ١٣٩٩ ه‍.

إصلاح المنطق لابن السكيت تحقيق عبد السّلام هارون وزميله ـ ط دار المعارف بمصر.

الإشارات والتنبيهات في علم البلاغة لمحمد بن علي الجرجاني تحقيق د / عبد القادر حسين / ط دار نهضة مصر.

الأطول للعصام.

الأعلام للزركلي ـ بيروت.

الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني / ط ٢ : ١٧ ، ١٠ ، ١٥ ، ١٩ ، ١٨ ، ١٢ ، ١٣ ، ٤.

أمثال الحديث للرامهرمزي ط الدار السلفية ـ الهند للمرتضى علي بن الحسين تحقيق أبو الفضل ، القاهرة ١٩٥٤.

الأمالي لأبي علي القالي ط السعادة بمصر.

الأنوار الزاهية في ديوان أبي العتاهية. جمع اليسوعي ١٩١٤. المطبعة الكاثولوكية ـ بيروت.

الإيضاح في علوم البلاغة للقزويني. تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد.

مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة. وأخرى شرح د / محمد عبد المنعم خفاجي ط دار


الكتب اللبناني.

ـ ب ـ

البداية والنهاية لابن كثير ـ ط دار الفكر.

البدائل المستحسنة لضعيف ما اشتهر على الألسنة ـ لشيخنا الشيخ / محمد عمرو عبد اللطيف ط شركات الطوبجي.

البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني / ج / مطبعة السعاد ١٣٤٨ ه‍.

البديع في نقد الشعر لأسامة بن منقذ. تحقيق : د. أحمد أحمد بدوي. ود. حامد عبد المجيد / مطبعة البابي الحلبي ـ القاهرة : ١٣٨٠ ه‍ / ١٩٦ م.

بلاغة السكاكي منهجا وتطبيقا. لأحمد محمد علي / دكتوراه بكلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر.

البلاغة عند السكاكي. د. أحمد مطلوب / ط بغداد.

البلاغة تطور وتاريخ ـ د / شوقي ضيف ـ ط دار المعارف.

البيان العربي / د / بدوي طيانة ـ ط دار البيان العربي.

ـ ت ـ

التاج المككل ـ لأبي الطيب القنوجي.

تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ج ٢ / ط / ٢ / ترجمة : عبد الحليم النجار ، وج ٥ / ترجمة : د. رمضان عبد التواب. وعبد الحليم النجار / دار المعارف ـ مصر.

تاريخ ابن خلدون ـ دار الكتاب اللبناني.

تاريخ الخلفاء للسيوطي. تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار نهضة مصر بالقاهرة.

تاريخ علوم البلاغة والتعريف برجالها للشيخ مصطفى المراغي.

التبيان في البيان للطيبي. تحقيق / عبد الحميد هنداوي ـ المكتبة التجارية ـ مكة المكرمة.

تحرير التحبير لابن أبي الأصبع المصري. تحقيق : د. حفني محمد شرف القاهرة ١٣٨٣ ه‍.

تراث العرب العلمي. قدري طوقان.

التعبير البياني ـ أ. د / شفيع السيد ـ مكتبة الشباب ـ جامعة القاهرة.

التعريض في القرآن الكريم ـ د / إبراهيم الخولي ط ١.

التلخيص في علوم البلاغة للخطيب القزويني. شرح : عبد الرحمن البرقوقي / ط / ٢


١٣٥٠ ه‍ / ١٩٣٢ م.

التلخيص في علوم البلاغة للخطيب القزويني. شرح : د / عبد المنعم خفاجي / ط / ٢ ١٣٥٠ ه‍ / ١٩٣٢ م.

التيسير في القراءات السبع لأبي عمر الداني / استانبول ١٩٣٠ م.

ـ ج ـ

جامع العبارات في تحقيق الاستعارات علي عصام ـ دكتوراه بكلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر.

الجمان في تشبيه آيات القرآن لابن ناقيا البغدادي. تحقيق : د. أحمد مطلوب ، ود. خديجة الحديثي / دار الحرية ١٣٨٧ ه‍ / ١٩٦٨ م.

همع الهوامع على شرح جمع الجوامع للسيوطي ١٩٢٧ م.

جمهرة أنساب العرب لأبي محمد علي بن أحمد الأندلسي ، تحقيق عبد السّلام محمد هارون. دار المعارف مصر ط ٥.

ـ ح ـ

حسن التوسل إلى صناعة الترسل لشهاب الدين محمود الحلبي. تحقيق ودراسة : د. أكرم عثمان يوسف / دار الحرية ـ ١٩٨٠ م.

أـ حلية المحاضرة للحاتمي. تحقيق هلال ناجي ١٩٧٨.

ب ـ حلية المحاضرة : تحقيق : د. جعفر الكتاني. دار الحرية بغداد / ١٩٧٩.

الحماسة البصرية للبصري. عالم الكتب بيروت.

حماسة الظرفاء من أشعار المحدثين والقدماء لأبي محمد عبد الله بن محمد العبد لكاني الزوزني. تحقيق : د. محمد جبار المعيبد / دار الحرية بغداد / ج ١ ١٩٧٣ م ، ج ٢ ١٩٧٨ م.

ـ خ ـ

خريدة القصر وجريدة العصر للعماد الأصفهاني ، تحقيق د. شكري فيصل دمشق.

خزانة الأدب للبغدادي / ج ١ تحقيق وشرح عبد السّلام محمد هارون ، دار الكاتب العربي بالقاهرة ١٣٨٧ ه‍ / ١٩٦٧ م.

الخصائص لابن جنى ـ ط دار الهدى ـ بيروت.

ـ د ـ

دائرة المعارف الإسلامية ـ ط دار الفكر.


الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني / مطبعة دار الكتب الحديثة ـ مصر.

دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني. تعليق وشرح : د. محمد عبد المنعم الخفاجي / مطبعة الفجالة ـ القاهرة ١٩٦٩ م / ١٣٨٩ ه‍. وأخرى بتحقيق محمد رشيد رضا.

دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني. تحقيق / محمود شاكر. ط المدني. القاهرة.

أـ دمية القصر ، للباخرزي علي بن الحسن. تحقيق : عبد الفتاح محمد الحلو ، القاهرة ١٩٦٨ ، ١٩٧١ م.

ديوان إبراهيم بن العباس في الطرائف الأدبية / دار الكتب العلمية / بيروت ـ لبنان.

ديوان الأرجاني ناصح الدين أبي بكر أحمد بن محمد بن الحسين. تحقيق د.

محمد قاسم مصطفى / مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر / ١٣٩٩ ه‍ ـ ١٩٧٩ م.

ديوان أبي الأسود الدؤلي. تحقيق : الشيخ محمد حسن ال ياسين ، مطبعة المعارف ـ بغداد ١٩٦٤ م.

ديوان الأمير شهاب الدين أبي الفوارس : (حيص بيص). تحقيق السيد جاسم وشاكر هادي شكر / دار الحرية / ج ١ ـ ٢ ١٣٩٤ ه‍ ـ ١٩٧٤ م / ج ٣ ١٣٩٥ ه‍ ـ ١٩٧٥ م.

ديوان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مطبوعات العربي / ١٣٩٣ ه‍ ١٩٣ م.

ديوان البهاء زهير. دار المعارف بمصر.

ديوان حاتم الطائي / الشركة اللبنانية للكتاب / بيروت ، وديوان حاتم الطائي / دار صادر ـ بيروت.

ديوان ابن حيوس. تحقيق : خليل مردم بك / المطبعة الهاشمية.

ديوان أبي الحسن التهامي. ط ٢ / مطبعة دار المكتب الإسلامي ـ دمشق / ١٣٨٤ ه‍ ١٩٦٤ م.

ديوان حماسة أبي تمام. تحقيق : د. عبد المنعم أحمد صالح ، دار الرشيد للنشر بغداد ١٩٨٠.

ديوان الخالدين. جمع وتحقيق : د. سامي الدهان / مطبعة مجمع اللغة العربية ـ دمشق / ١٣٨ ه‍ ١٩٦٩ م ٣ ،

ديوان الخنساء ، دار التراث ، بيروت ١٩٦٨ م.

ديوان السيد الحميري.

ديوان الصاحب عباد. تحقيق. الشيخ محمد حسن آل ياسين بيروت ١٩٧٤ م.

ديوان الصنوبري. تحقيق : د. إحسان عباس / دار الثقافة بيروت ١٩٧٠ م.


ديوان العباس بن الأحنف. تحقيق : د. عاتكة الخزرجي / دار الكتب المصرية / ١٣٧٣ ه‍ ١٩٥٤ م.

ديوان عبيد بن الأبرص / دار صادر ـ بيروت.

ديوان عروة بن حزام.

ديوان عروة بن الورد.

ديوان كثير. تحقيق : د. إحسان عباس ، بيروت ١٩٧١ م.

ديوان لبيد بن ربيعة العامري. تحقيق : د. إحسان عباس. التراث العربي ـ الكويت ١٩٦٢ م.

ديوان المبارزة الشعرية جليس الأخبار في حكم الشعراء الأحبار / ط ٣ / عالم الكتب ـ بيروت ـ ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م.

ديوان المتلمس الضبيعي. تحقيق : كامل الصيرفي ، القاهرة. ١٩٧٠.

ديوان مسلم بن الوليد. تحقيق : د. سامي الدهان ، دار المعارف بمصر ١٩٧٠.

ديوان معن بن أوس المزني. صنعة : د. نوري حمودي القيسي ، ود. حاتم صالح الضامن / ط ١ / مطبعة دار الجاحظ بغداد ١٩٧٧ م.

ديوان ابن نباتة السعدي. دراسة وتحقيق : عبد الأمير مهدي حبيب الطاني / ج ١ ـ ٢ / دار الحرية / ١٣٩٧ ه‍ ١٩٧٧ م.

ديوان نصر بن سيار الكناني. جمع وتحقيق : عبد الله الخطيب / مطبعة شفيق / بغداد ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧٢ م.

ديوان ابن هانىء الأندلسي / دار صادر ـ بيروت / ١٣٨٤ ه‍ ١٩٦٤ م.

ديوان الهذليين نشر الدار القومية للطباعة والنشر بالقاهرة ١٣٨٤ ه‍ / ١٩٦٥ م.

ـ ر ـ

روح المعاني للألوسي. تحقيق : زهري النجار ، دار القومية العربية للطباعة بالقاهرة ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٤ م.

الروض المعطار في خبر الأقطار لمحمد عبد المنعم الحميري ، تحقيق د / إحسان عباس مكتبة ـ لبنان.

ـ س ـ

سر الفصاحة لابن سنان الخفاجي. تحقيق : علي فودة / مصر ١٩٣٢ م.

سقط الزند لأبي العلاء المعري / دار صادر. بيروت.

سمط الآلي. تحقيق : عبد العزيز الميمني. مط. لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ١٩٣٦ م.


سنن أبي داود بتحقيق محي الدين عبد الحميد. ط دار الفكر.

سنن النسائي بحاشية السندي ط دار القلم ـ بيروت.

سنن الترمذي ط دار إحياء التراث.

سنن ابن ماجه بتعليق محمد فؤاد عبد الباقي ط دار الحديث.

السنن الكبرى للبيهقي ط دار المعرفة ـ بيروت.

ـ ش ـ

شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي / المكتب التجاري / بيروت ـ لبنان.

شرح الأشعار الستة الجاهلية للبطليوسي. تحقيق : ناصيف سليمان عواد / ج ١ / دار الحرية للطباعة ١٩٧٩ م.

شرح ديوان جرير ، محمد إسماعيل الصاوي / مكتبة دار الثقافة العربية.

شرح ديوان حسان. ضبط الديوان. وصححه : عبد الرحمن البرقوقي / دار الأندلس / بيروت ـ ١٩٨٠ م.

شرح ديوان عبيد بن الأبرص / دار بيروت ، ودار صادر بيروت / ١٣٧٧ ه‍ ـ ١٩٥٨ م.

شرح ديوان أبي العتاهية / دار التراث ـ بيروت / ١٣٨٩ ه‍ ١٩٦٩ م.

شرح ديوان عمر بن أبي ربيعة.

شرح ديوان أبي فراس الحمداني / منشورات دار الفكر بيروت / مطبعة سميا.

شرح السنة للإمام البغوي ط المكتب الإسلامي.

شرح ديوان كعب بن زهير. صنعة السكري / الدار القومية القاهرة / ١٣٨٥ ه‍ ـ ١٩٦٥ م.

شرح شواهد الكشاف في الكشاف / ج ٤ /.

شرح شواهد المغني للسيوطي. تحقيق : أحمد ظافر خان مصر ١٣٨٦ ه‍ / ١٩٦٦ م.

شرح القصائد التسع لابن النحاس. تحقيق : أحمد خطاب ، دار الحرية للطباعة ـ مطبعة الحكومة ـ بغداد ١٣٩٣ ه‍ / ١٩٧٣ م.

شرح القصائد العشر للتبريزي. تحقيق : د. فخر الدين قباوة ، دار الأفاق الجديدة ـ بيروت ط ٣ ١٣٩٩ ه‍ / ١٩٧٣ م.

شرح المعلقات السبع للزوزني. تحقيق : محمد علي حمد الله /. طبعة دمشق المفصل لابن يعيش / ج ٩ مطبعة المنيرة بمصر.

شرح المفصل لابن يعيش / ج ٩ مطبعة المنيرة بمصر.


شرح مقامات الحريري ، دار التراث ـ بيروت.

شرح منظومة عقود الجمان للسيوطي ـ المطبعة الميمنية بمصر سنة ١٣٠٦ ه‍.

أـ شعر الأحوص ، جمع عادل سليمان جمال / الهيئة المصرية القاهرة / ١٣٨٩ ه‍ ـ ١٩٦٩ م.

شعر الأخطل ، صنعة السكري ، تحقيق : د. فخري الدين قباوة / منشورات دار الآفاق الجديدة / بيروت / ط ٢ / ١٣٩٩ ه‍ ـ ١٩٧٩ م.

شعر الأعراب لخليل مردم بك ، شرح وتقديم عدنان مردم بك ، مؤسسة الرسالة ط ١ ١٣٩٨ ه‍ / ١٩٧٨ ل.

شعر تأبط شرا. دراسة وتحقيق : سلمان داود القرة غولي ، وجبار تعبان جاسم / مطبعة الأداب ـ النجف الأشرف / ١٣٩٣ ه‍ ١٩٧٣ م.

شعر أبي سعد المخزومي ، جمعه وحققه : د. رزوق فرج رزوق / مطبعة الإيمان / بغداد ١٣٩١ ه‍ ـ ١٩٧١ م.

شعر عمرو بن أحمد الباهلي. تحقيق وجمع : حسين عطوان ، مطبعة دار الحياة ـ دمشق.

الشعر النسوي في الأندلسي لمحمد المنتصر الريسوني. تقديم : عبد الله كنون / منشورات دار مكتبة الحياة / بيروت ١٩٧٨ م.

شعر نصيب بن رباح. جمع وتقديم : د. داود سلوم / مطبعة الإرشاد / بغداد ١٩٦٨ م.

شعر أبي هلال العسكري. جمع وتحقيق : د. محسن غياض / مطبعة الوطن / بيروت ١٩٧٥ م.

الشعر والشعراء لابن قتيبة. تحقيق وشرح : أحمد محمد شاكر. دار المعارف.

شعر اليزيديين. جمعه وحققه : د. محسن غياض / مطبعة النعمان : النجف الأشرف.

شهاب الأخبار للقضاعي مع شرحه للشيخ أبي الوفا المراغي ط المجلس الأعلى سنة ١٩٧٠.

ـ ص ـ

صبح الأعشى ـ للقلقشندي ـ المطبعة الأميرية.

الصبغ البديعي في اللغة العربية. تأليف د. أحمد إبراهيم موسى / دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ـ القاهرة / ١٣٨٨ ه‍ ـ ١٩٦٩ م.

صحيح الجامع للشيخ الألباني ط المكتب الإسلامي.


الصناعتين لأبي هلال العسكري / مصر ١٩٧١ م. وأخرى تحقيق د. مفيد قميحة.

صحيح البخاري ط الشعب.

صحيح مسلم بشرح النووي. طب الشعب ، وأخرى بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

ـ ط ـ

طبقات الشافعية لأبي بكر هداية الله الحسيني. تحقيق : عادل نويهض / ج ٢ / منشورات دار الآفاق الجديدة ـ بيروت ١٩٧٩.

طبقات الشافعية جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي تحقيق : عبد الله الجبوري / مطبعة الإرشاد ـ بغداد / ١٣٩٠ ه‍ ـ ١٩٧٠ م.

ضعيف الجامع للشيخ الألباني ط المكتب الإسلامي.

طبقات الشعراء لابن المعتز. تحقيق : عبد الستار أحمد فراج / ط ٤ / دار المعارف.

طبقات فحول الشعراء / ط ١ / لمحمد بن سلام الجمحي شرح : محمود محمد شاكر ، مطبعة المدني بالقاهرة.

طبقات المفسرين ـ للداودي.

طراز الحلة وشفاء الغلة لأبي جعفر الغرناطي ـ مخطوط بدار الكتب المصري ـ ٢٥٨ بلاغة.

الطراز ليحيى بن حمزة العلوي ط ـ ٣ ، مطبعة المقتطف مصر ١٣٣٢ ه‍ ـ ١٩١٤ م.

الطيبي وجهوده البلاغية ـ عبد الحميد هنداوي ـ ماجستير مخطوط بكلية دار العلوم جامعة القاهرة ـ ومطبوع نشر المكتبة التجارية ـ بمكة المكرمة.

ـ ع ـ

أبو العتاهية حياته وشعره. تأليف : د. محمد محمود الدش / دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ـ القاهرة / ١٣٨٨ ه‍ ١٩٦٩ م.

العرف الطيب في شرح ديواني أبي الطيب للشيخ ناصيف اليازجي.

عقود الجمان وشرحه للسيوطي وشرحه للمرشدي ط. المطبعة الميمنية بمصر سنة ١٣٠٦ ه‍.

عيار الشعر. لابن طباطبا العلوي.

عين الأدب والسياسة أو زين الحسب والرياسة. تأليف أبي الحسن علي بن عبد الرحمن بن هذيل / دار الكتب العلمية ـ بيروت / ١٤٠١ ه‍.


ـ ف ـ

فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني ط دار الريان.

فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب للطيبي دكتوراه في تحقيق حاشيته على سورتي الأنعام والأعراف د. جميل الحسين المحمود بكلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر.

الفلك الدائر على المثل السائر لابن أبي الحديد. تحقيق : د. أحمد الحوفي ، ود. بدوي طبانة / ط ٢ / منشورات دار الرفاعي / ١٤٠٤ ه‍ ١٩٨٤ م.

فن البديع. تحقيق : د. عبد القادر حسين / دار الشروق / ١٤٠٣ ه‍ ١٩٨٣ م.

فن التشبيه. أعلي الجندي. مكتبة ـ نهضة مصر.

فن القول أمين الخولي. دار الفكر العربي.

فهارس دار الكتب المصرية ـ قسم مصطلح الحديث.

ـ ق ـ

قضايا ومواقف في التراث البلاغي أ. د / عبد الواحد علام مكتبة الشباب ـ جامعة القاهرة.

قانون البلاغة في نقد النثر والشعر لأبي طاهر محمد بن حيدر البغدادي. تحقيق : د. محسن غياض عجيل / ط ١ / مؤسسة الرسالة / ١٤٠١ ه‍. ١٩٨١ م.

القاموس المحيط للفيروزابادي.

ـ ك ـ

الكاشف عن حقائق السنن للطيبي شرح مشكاة المصابيح مخطوط بدار الكتب المصرية ٣٠ / حديث قوله ، المطبوع بتحقيق ط المكتبة التجارية مكة المكرمة.

الكامل للمبرد / طبع ليبزج. وأخرى ط مكتبة الاستقامة بالقاهرة ١٩٥١ م.

الكتاب لسيبويه ط ١ المطبعة الأميرية ببولاق ١٣١٦ ه‍.

كتاب شرح مقصورة ابن دريد. مطبعة الجمالية بمصر.

كتاب الطراز ليحيى بن حمزة العلوي / ج ١ ـ ٣ / مطبعة المقتطف مصر / ١٣٣٢ ه‍ ـ ١٩١٤ م.

كتاب العين / ج ١ ، ج ٨ ، تحقيق : د. مهدي المخزومي ود. إبراهيم السامرائي ج ١. مطابع الرسالة بالكويت ١٤٠ ه‍ / ١٩٨٠.

الكشاف للزمخشري / ج ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤. ط دار المعرفة.

كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، لحاجي خليفة مطبعة ، وكالة المعارض


١٩٤٣ م.

كشف المعاني والبيان عن رسائل بديع الزمان للشيخ إبراهيم أفندي الأحدب الطرابلسي / دار التراث ـ بيروت.

الكنى والألقاب لعباس القمي ، النجف الأشرف ١٣٧٦ ه‍.

كنز العمال.

كوبرلي زاده محمد باشا كتبخانه سنده.

ـ ل ـ

لبيد بن أبي ربيعة.

اللزوميات للمعري. دار صادر ، ودار بيروت ١٩٦١ م.

لسان العرب لابن منظور ط دار المعارف.

لطائف التبيان في المعاني والتبيان للطيبي ـ مخطوط بدار الكتب المصرية ، ٢٦ بلاغة ، المطبوع بتحقيق ط المكتبة التجارية مكة المكرمة.

ـ م ـ

ما تبقى من شعر عمرو بن الأطنابة. تحقيق : د. حميد تويني / مجلة المورد / ع ٢ / ١٤٠٥ ه‍.

المثل السائر لابن الأثير / طبعتين / تحقيق : محي الدين ، ود. بدوي طبانة. ود.أحمد الحوفي / دار الرفاعي ـ الرخاص / ١٤٠٣ ه‍ ١٩٨٣ م. وط دار نهضة مصر ـ الفجالة ـ القاهرة.

مجمع الأمثال للميداني طبع مصر ١٣٥٢ ه‍.

مجموع أشعار العرب. تصحيح وليم بن الورد البروسي ليبسيغ ١٩٠٣ ه‍.

محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء البلغاء للراغب الأصفهاني / مكتبة الحياة ـ بيروت ١٨٦١ م.

المختار من شعر ابن الدمينة.

مرآة الزمان في تاريخ الأعيان. تصنيف سبط ابن الجوزي / مطبعة حيدرآباد الدكن ـ الهند / ١٣٧٠ ه‍ ـ ١٩٥١ م.

المرتجل لابن الخشاب. تحقيق : علي حيدر ، منشورات دار الحكمة بدمشق ١٣٩٢ ه‍ ١٩٧٢ م.

مرشد المحتار إلى ما في مسند الإمام أحمد بن حنبل من الأحاديث والآثار للشيخ حمدي عبد المجيد السلفي مطبعة الإرشاد بغداد ١٩٨١ م.

المرقصات والمطربات لنور الدين علي بن الوزير أبي عمران. ط. (٧٦٣ ه‍) دار


حمد ومحيو ـ بيروت ١٩٧٣ م.

مروج الذهب للمسعودي.

المزهر للسيوطي ط دار الجيل.

المشترك لياقوت الحموي

مشكاة العشاق لجعفر بن أحمد السراج / دار بيروت ، دار صادر بيروت / ١٣٧٨ ه‍ ١٩٥٨ م.

معاني القرآن للأخفش. تحقيق : د. فائز فارس ، الشركة الكويتية ط ١٤٠١ ه‍ ـ ١٩٨١ م.

معاهد التنصيص لعبد الرحيم بن أحمد العباسي. تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد / ج ١ ـ ٤ / عالم الكتب ـ بيروت / ١٣٦٧ ه‍ ١٩٤٧ م.

معجم البلدان لياقوت الحموي.

معجم ما استعجم للوزير الأندلسي ـ تحقيق مصطفى السقا.

معجم المؤلفين ، عمر رضا كحالة / ج ٤ / المكتبة العربية ، دمشق ١٩٥٧ م.

المعجم المفصل في الأدب. د / محمد التونجي. ط. دار الكتب العلمية.

المعجم المفصل في البلاغة. د / إنعام عكاوي. ط. دار الكتب العلمية.

المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية. د / إميل يعقوب. ط. دار الكتب العلمية.

المعجم المفصل في علم الصرف. الأستاذ / راجي الأسمر. ط. دار الكتب العلمية.

المعجم المفصل في علوم اللغة. د / محمد التونجي ، الأستاذ راجي الأسمر. ط. دار الكتب العلمية.

المعجم المفصل في النحو العربي. د / عزيزة فوال. ط. دار الكتب العلمية.

المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج أحاديث إحياء علوم للحافظ العراقي.

مفتاح السعادة لطاش كبردي زاده. تحقيق : كامل بكري وعبد الوهاب أبو النور ، مطبعة الاستقلال مصر ١٩٦٨ م.

المفتاح للسكاكي. تحقيق : د. أكرم عثمان يوسف ، مطبعة دار الرسالة ـ بغداد ١٤٠٢ ه‍ ـ ١٩٨٢ م. وأخرى ط المكتبة الأدبية بالقاهرة.

المفصل للزمخشري نشر محمود توفيق مطبعة حجازي بالقاهرة.

المقتضب للمبرد. تحقيق : الشيخ عضيمة ١٣٨٢ ه‍ ـ ١٩٦٣ م.


ـ ن ـ

نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب لابن سعيد الأندلسي. تحقيق : د. نصرت عبد الرحمن طبع جمعية المطابع التعاونية بالأردن ١٩٨٢.

نقد الشعر لقدامة بن جعفر. تحقيق : كمال مصطفى / ط ٢ / نشر مكتبة الخانجي ـ القاهرة / ١٣٩٨ ه‍ ـ ١٩٧٨ م.

ـ ي ـ

اليتيمة للثعالبي. تحقيق : محي الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة ، القاهرة.


كتب للمحقق

دراسات حول الجماعة والجماعات (كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟). ثلاثة أجزاء نشر الصحابة (جدة ـ دبي) والتابعين بالقاهرة.

١ ـ الجزء الأول : حد الجماعة.

٢ ـ الجزء الثاني : الدعوة إلى الجماعة والائتلاف باعتزال جماعات الفرقة والاختلاف.

٣ ـ الجزء الثالث : العمل الجماعي : (أصوله وأشكاله).

٤ ـ دراسات أسلوبية في القرآن الكريم التوظيف البلاغي لصيغة الكلمة دراسة نظرية تطبيقية.

٥ ـ الإمام الطيبي : تجديداته وجهوده البلاغية (نشر المكتبة التجارية ـ مكة المكرمة).

٦ ـ التبيان في المعاني والبيان للإمام الطيبي ج ١ تحقيق ودراسة (المكتبة التجارية).

٧ ـ التبيان في علم البديع وفن الفصاحة للإمام الطيبي ج ٢ تحقيق ودراسة (المكتبة التجارية.

٨ ـ لطائف التبيان في المعاني والبيان للإمام الطيبي تحقيق ودراسة (المكتبة التجارية).

٩ ـ الكاشف عن حقائق السنن (شرح مشكاة المصابيح) للإمام الطيبي تحقيق ودراسة (١٣ مجلدا) (مكتبة نزار الباز بمكة المكرمة).

* ـ بلاغات النساء لابن طيفور ـ تحقيق ودراسة ـ ط. دار القضيلة.

* ـ شذا العرف في فنّ الصرف للشيخ الحملاوي ـ تحقيق ودراسة ط. دار الكتب العلمية.

* ـ قطر الندى وبل الصدى لابن هشام تحقيق وتعليق. ط. مكتبة نزار الباز ـ مكة المكرمة.

١٠ ـ اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق ودراسة (دار الهدى ـ بفيصل ـ مصر).

١١ ـ سلسلة الدين النصيحة.

* ـ نصيحة الإخوان في معالجة السحر والجان (نقد لطريقة العلاج السائدة ، وما فيها من بدع وضلالات) توزيع الأخبار.

١٢ ـ الجامع لأحكام زكاة الفطر. مكتبة التوعية.

١٣ ـ إعلام الأنام بحكم إخراج زكاة الفطر من غير الطعام. مكتبة التوعية.

١٤ ـ الدليل والبرهان على دخول الجان في بدن الإنسان ـ مكتبة التوعية.

١٥ ـ الفراغ نعمة أم نقمة ثلاثة أجزاء هي : ـ نصيحة الإخوان باغتنام ساعات الزمان.

١٦ ـ نوادر السلف الصالح في رعاية الأوقات.


١٧ ـ الأسباب المعينة على استثمار الأوقات.

١٨ ـ رعاية الأوقات في ترتيب الحقوق والمهمات.

١٩ ـ التزكية منهج تربوي شامل وإعداد للمسلم العامل : مقدمة لسلسلة منهج التزكية للمسلم المعاصر.

٢٠ ـ العقيدة السلفية للمسلم المعاصر ، ضمن : سلسلة المنهج السلفي لتزكية المسلم المعاصر الصحابة (جدة ـ دبي) والتابعين بالقاهرة.

٢١ ـ مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي (تحقيق ودراسة وتعليق على الشطحات والمخالفات) (دار الهدى ـ بفيصل ـ مصر).

٢٢ ـ تقنين الشريعة الإسلامية على المذهب الحنفي.

ـ تأليف (محمد قدري باشا) تحقيق ودراسة (تحت الطبع).

٢٣ ـ تحقيق رسالة نادرة في شرح حديث أم زرع (تحت الطبع).

٢٤ ـ الصبح السافر في جواب قول القائل : من لم يكفر الكافر فهو كافر (تحت الطبع).

٢٥ ـ سلسلة التربية الإيمانية في القرآن الكريم.

٢٦ ـ سلسلة الأربعينيات في الحديث النبوي. الأربعون في العقيدة ـ الأربعون في الأخلاق ـ الأربعون في الآداب ـ الأربعون في الأحكام .. إلخ.

٢٧ ـ موسوعة صفات الصحابة بين التنزيل والتطبيق تحت الطبع مكتبة الصحابة (جدة ـ دبي) والتابعين بالقاهرة.

٢٨ ـ فصل الخطاب في ضابط التشبه بأهل الكتاب.

٢٩ ـ تلخيص الكلام في أحكام الصيام رسالة مستخلصة من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.

٣٠ ـ قطع الجدال في ثبوت الهلال ، رسالة مستخلصة من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية مع دراسة للمحقق.

٣١ ـ فتاوى الصيام لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق ودراسة.

٣٢ ـ القول اللطيف في صفة صلاة الإمام بين التطويل والتخفيف. رسالة مستخلصة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية (تحت الطبع).

٣٣ ـ كسر طاغوت الكهان المدعين للعلاج بالقرآن (تحت الطبع).

٣٤ ـ القراءة المثلى للشيخ محمد محمد نور فطاني (راجعه وأتم مادته د / عبد الحميد هنداوي) (تحت الطبع) مكتبة الصحابة (جدة ـ دبي) (والتابعين بالقاهرة).

٣٥ ـ بر الوالدين للشيخ محمد محمد نور فطاني (راجعه وأتم مادته د / عبد الحميد هنداوي) (تحت الطبع) مكتبة الصحابة (جدة ـ دبي) (والتابعين بالقاهرة).

٣٦ ـ من آداب القرآن الكريم للشيخ محمد محمد نور فطاني (راجعه وأتم مادته د / عبد الحميد هنداوي) (تحت الطبع) مكتبة الصحابة (جدة ـ دبي) (والتابعين بالقاهرة).


فهرس الموضوعات

الموضوع

الصفحة

بين يدى الكتاب.............................................................. ٥

منهج التحقيق................................................................. ٨

نسخ الكتاب المخطوطة التى رجعنا إليها.......................................... ٨

نسخ الكتاب المطبوعة التى رجعنا إليها............................................ ٩

التعريف بالسكاكى وكتابه مفتاح العلوم......................................... ١٤

حياته وطلبه للعلم............................................................ ١٥

آثاره ومصنفاته.............................................................. ١٧

كتاب مفتاح العلوم ومنهج السكاكى فيه....................................... ١٩

السكاكى وتقسيمه الثلاثى لعلوم البلاغة....................................... ٢١

خطتنا فى عرض الدرس البلاغى................................................ ٢٧

العرض البديل............................................................... ٢٩

أولا : مقدمة فى تعريف علم البلاغة............................................ ٢٩

ثانيا : دراسة التراكيب........................................................ ٣١

الفصل الأول : علم الصرف.................................................. ٤١

الفصل الثانى : كيفية الوصول إلى النوعين....................................... ٤٣

مخارج الحروف............................................................... ٤٧

الباب الأول : فى معرفة الطريق إلى النوع الأول وكيفية سلوكه....................... ٤٧

الاشتقاق................................................................ ٤٨

قوانين الاشتقاق........................................................... ٥٠

الفصل الأول : النتائج الواجبة.............................................. ٥٧

الفصل الثانى : النتائج الجائزة............................................... ٦٠


الموضوع

الصفحة

الفصل الثالث : النتائج غير المستمرة......................................... ٦٢

الفصل الأول : مواضع الأصالة............................................. ٦٦

الفصل الثانى : مواضع الزيادة............................................... ٧٠

الفصل الثالث : مواضع البدل.............................................. ٧٥

الباب الثانى فى معرفة الطريق إلى النوع الثانى وكيفية سلوكه أيضا.................... ٧٥

الفصل الأول : الثلاثى المجرد من الأسماء...................................... ٧٧

الفصل الثانى : فى هيئات المزيد.............................................. ٨٠

الصنف الأول : فى الأفعال وهو مشتمل على فصلين............................. ٨٢

الفصل الأول : فى هيئات المجرد من الأفعال................................... ٨٢

الفصل الثانى : فى هيئات المزيد من الأفعال................................... ٨٨

الصنف الثانى : هيئات الأسماء المتصلة بالأفعال وهو مشتمل على ثمانية فصول....... ٩٥

الفصل الأول : هيئات المصادر............................................. ٩٥

الفصل الثانى : فى اسم الفاعل.............................................. ٩٧

الفصل الثالث : فى اسم المفعول............................................. ٩٧

الفصل الرابع : فى الصفة المشبهة............................................ ٩٨

الفصل الخامس : أفعل التفضيل............................................. ٩٨

الفصل السادس : اسم الزمان............................................... ٩٨

الفصل السابع : اسم المكان................................................ ٩٩

الفصل الثامن : اسم الآلة.................................................. ٩٩


الموضوع

الصفحة

الفصل الثالث : أنواع الاحتراز عن الخطأ...................................... ١٠٠

النوع الأول : الإمالة..................................................... ١٠٠

النوع الثانى : التفخيم.................................................... ١٠١

النوع الثالث : تخفيف الهمزة.............................................. ١٠١

النوع الرابع : الترخيم..................................................... ١٠٢

النوع الخامس : التكسير.................................................. ١٠٣

النوع السادس : التحقير.................................................. ١٠٧

النوع السابع : التثنية..................................................... ١١٠

النوع الثامن : جمعا التصحيح............................................. ١١١

النوع التاسع : النسبة.................................................... ١١٢

النوع العاشر : إضافة الشىء إلى نفسه..................................... ١١٥

النوع الحادى عشر : فى اشتقاق ما يشتق من الأفعال......................... ١١٥

النوع الثانى عشر : تصريف الأفعال مع الضمائر ونونى التأكيد................ ١١٦

النوع الثالث عشر : فى إجراء الوقف على الكلم............................ ١٢١

القسم الثانى

علم النحو

الفصل الأول : علم النحو : ما هو؟.................................... ١٢٥

الفصل الثانى : ضبط ما يفتقر إليه علم النحو............................ ١٢٥

الباب الأول : القابل أو المعرب............................................... ١٢٧

فى القابل وهو المعرب.................................................. ١٢٧


الموضوع

الصفحة

القسم الأول من المبنى.................................................... ١٢٧

القسم الثانى من المبنى.................................................... ١٣٥

أنواع المعرب............................................................. ١٣٦

وجها الإعراب........................................................... ١٣٧

الباب الثانى : فى الفاعل.................................................... ١٤١

فصل.................................................................. ١٠١

فصل.................................................................. ١٠١

فصل.................................................................. ١٤٣

فصل.................................................................. ١٤٣

فصل.................................................................. ١٥٠

شجرة بأنواع الحروف وأعمالها............................................. ١٥٣

الحروف العاملة.......................................................... ١٥٣

حروف الجر............................................................ ١٥٤

فصل.................................................................. ١٦١

حروف النصب......................................................... ١٦١

فصل : ترخيم المنادى.................................................... ١٦٣

فصل.................................................................. ١٦٦

فصل.................................................................. ١٦٧

الحروف الجازمة.......................................................... ١٦٧

فصل.................................................................. ١٦٩

نواصب الفعل........................................................... ١٦٩


الموضوع

الصفحة

فصل.................................................................. ١٧١

ما ينصب ثم يرفع من الحروف............................................. ١٧٣

فصل.................................................................. ١٧٤

فصل.................................................................. ١٧٤

فصل.................................................................. ١٧٥

فصل.................................................................. ١٧٥

فصل.................................................................. ١٧٦

فصل.................................................................. ١٧٧

ما يرفع ثم ينصب من الحروف............................................. ١٧٧

فصل.................................................................. ١٧٨

الحروف غير العاملة...................................................... ١٧٨

الأسماء الفاعلة.......................................................... ١٩٦

الجر بالإضافة........................................................... ٢٠٠

فصل.................................................................. ٢٠٤

فصل.................................................................. ٢٠٤

فصل.................................................................. ٢٠٥

فصل : الأعداد......................................................... ٢٠٧

فصل.................................................................. ٢١١

الفاعل المعنوى.......................................................... ٢١٣

الظروف................................................................ ٢١٣

المبتدأ والخبر............................................................. ٢١٥


الموضوع

الصفحة

وقوع الفعل المضارع موقع الاسم........................................ ٢١٦

الباب الثالث : في الأثر وهو الإعراب......................................... ٢١٧

فصل : خاتمة الكتاب................................................. ٢١٩

الفصل الأول : فى علة بناء ما بنى من الأسماء................................ ٢٢٣

الفصل الثانى : فى علة امتناع ما يمتنع من الصرف وما يتصل بذلك............. ٢٢٧

الفصل الثالث : فى علة إعراب الأسماء الستة بالحروف مضافة................. ٢٣٣

الفصل الرابع : فى علة إعراب المثنى والمجموع................................. ٢٣٥

الفصل الخامس : فى علة إعراب كلا وكلتا مضافين إلى الضمير على ما هو عليه.. ٢٣٧

الفصل السادس : فى علة إعراب نحو مسلمات على ما هو عليه............... ٢٤٠

الفصل السابع : فى علة إعراب ما أعرب من الأفعال ، ووقوع الجزم فى إعرابه موقع الجر من الأسماء ، وكيفية تفاوته ظهورا واستكنانا ، وزيادة ونقصانا.......................................................... ٢٤٠

الفصل الثامن : فى علة عمل الحروف العاملة وكيفية اختلافها فى ذلك.......... ٢٤٢

الفصل التاسع : فى علة عمل الأسماء غير الجر وكيفية اختلافها................. ٢٤٤

الفصل العاشر : فى علة عمل المعنى الرفع للمبتدأ والخبر والفعل المضارع......... ٢٤٤


الموضوع

الصفحة

القسم الثالث

علما المعانى والبيان

المقدمة : علم المعانى........................................................ ٢٤٧

علم البيان.............................................................. ٢٤٩

الفصل الأول : فى ضبط معاقد علم المعانى والكلام عليه ٢٥٠........................

تمهيد.................................................................. ٢٥٠

آراء العلماء في الخبر والطلب.............................................. ٢٥١

القانون الأول : فيما يتعلق بالخبر.......................................... ٢٥٤

لكل مقام مقال......................................................... ٢٥٦

فنون الخبر.............................................................. ٢٧٥

الفن الأول : فى تفصيل اعتبارات الإسناد الخبرى............................... ٢٥٨

الخبر الطلبى............................................................. ٢٥٨

الخبر الإنكارى.......................................................... ٢٥٨

الفن الثانى : فى تفصيل اعتبارات المسند إليه................................... ٢٦٥

طى ذكر المسند إليه..................................................... ٢٦٥

إثبات المسند إليه........................................................ ٢٦٧

المسند إليه معرفة........................................................ ٢٦٩

المسند إليه ضميرا........................................................ ٢٦٩

المسند إليه علما......................................................... ٢٧٢

المسند إليه اسما موصولا................................................... ٢٧٣

المسند إليه اسم إشارة.................................................... ٢٧٥


الموضوع

الصفحة

تعريف المسند إليه باللام.................................................. ٢٧٨

تعريف المسند إليه بالإضافة............................................... ٢٨٠

المسند إليه معرفة موصوفة................................................. ٢٨٢

تأكيد المسند إليه........................................................ ٢٨٤

بيان وتفسير المسند إليه.................................................. ٢٨٥

البدل عن المسند إليه..................................................... ٢٨٥

عطف المسند إليه....................................................... ٢٨٦

فصل المسند إليه........................................................ ٢٨٦

تنكير المسند إليه........................................................ ٢٨٦

تقديم المسند إليه على المسند.............................................. ٢٩١

تأخير المسند إليه على المسند.............................................. ٢٩٣

قصر المسند إليه على المسند.............................................. ٢٩٣

الالتفات............................................................... ٢٩٦

الفن الثالث : فى تفصيل اعتبارات المسند...................................... ٣٠٥

ترك المسند.............................................................. ٣٠٥

ذكر المسند............................................................. ٣٠٧

إفراد المسند............................................................. ٣٠٨

متى يكون المسند فعلا؟................................................... ٣٠٨

تقييد المسند............................................................ ٣٠٩

ترك تقييد المسند......................................................... ٣١٠

متى يكون المسند اسما؟................................................... ٣١٠


الموضوع

الصفحة

متى يكون المسند منكرا؟.................................................. ٣١٠

تخصيص المسند......................................................... ٣١٤

ترك تخصيص المسند..................................................... ٣١٤

متى يكون المسند اسما معرفا؟.............................................. ٣١٤

متى يكون المسند جملة؟................................................... ٣١٩

تأخير المسند............................................................ ٣٢١

تقديم المسند............................................................ ٣٢١

فصل : اعتبارات الفعل وما يتعلق به.......................................... ٣٢٩

ترك الفعل.............................................................. ٣٢٩

إثبات الفعل............................................................ ٣٣٣

ترك مفعوله............................................................. ٣٣٤

إثبات الفعل............................................................ ٣٣٦

إضمار فاعل الفعل...................................................... ٣٣٦

إظهار فاعل الفعل....................................................... ٣٣٧

التقديم والتأخير مع الفعل................................................. ٣٣٧

النوع الأول............................................................. ٣٣٧

النوع الثانى................................................................ ٣٣٩

النوع الثالث............................................................... ٣٤٢

تقييد الفعل................................................................ ٣٤٦

الفن الرابع : الفصل والوصل ، والإيجاز والإطناب............................... ٣٥٧

الفصل................................................................. ٣٥٧


الموضوع

الصفحة

العطف................................................................ ٣٥٧

القطع.................................................................. ٣٦٠

الإبدال................................................................. ٣٦١

الإيضاح والتبيين......................................................... ٣٦١

كمال الانقطاع......................................................... ٣٦١

وصف الكلام........................................................... ٣٦٤

وصف الطريق........................................................... ٣٦٥

حال وراق.............................................................. ٣٦٥

التوسط................................................................ ٣٦٧

خاتمة.................................................................. ٣٧٠

البدل.................................................................. ٣٧٦

الإيضاح والتبيين......................................................... ٣٧٧

التقرير والتأكيد......................................................... ٣٧٧

الانقطاع............................................................... ٣٧٩

الوصل................................................................. ٣٨٢

الحال.................................................................. ٣٨٣

تمهيد..................................................................... ٣٨٣

أصل الحال............................................................. ٣٨٤

الظرف................................................................. ٣٨٦

الإيجاز والإطناب........................................................ ٣٨٧

تعريف................................................................. ٣٨٨


الموضوع

الصفحة

الإيجاز................................................................. ٣٨٨

الاختصار.............................................................. ٣٨٩

التمييز................................................................. ٣٩٦

مراتب الكلام البليغ...................................................... ٣٩٧

فى الاستعارة............................................................ ٣٩٧

الاختصار.............................................................. ٣٩٨

تمهيد..................................................................... ٤٠٠

فصل : فى بيان القصر................................................... ٤٠٠

معنى القصر............................................................. ٤٠٠

طرق القصر............................................................ ٤٠٠

حكم لا العاطفة........................................................ ٤٠٤

القصر بين الفاعل والمفعول................................................ ٤٠٩

القصر بين المفعولين...................................................... ٤٠٩

القصر بين ذى الحال والحال.............................................. ٤٠٩

مستلزمات إلّا........................................................... ٤٠٩

حكم إنما............................................................... ٤١١

حكم غير.............................................................. ٤١٢

خاتمة.................................................................. ٤١٣

القانون الثانى من علم المعانى وهو قانون الطلب.............................. ٤١٤

مقدمة................................................................. ٤١٤

النوع الأول............................................................. ٤١٥

النوع الثانى............................................................. ٤١٥


الموضوع

الصفحة

الباب الأول : فى التمنى..................................................... ٤١٨

الباب الثانى : فى الاستفهام.................................................. ٤١٨

الباب الثالث : فى الأمر.................................................... ٤٢٨

الباب الرابع : فى النهى..................................................... ٤٢٩

الباب الخامس : فى النداء................................................... ٤٣١

الفصل الثانى : فى علم البيان................................................ ٤٣٧

تمهيد..................................................................... ٤٣٧

الأصل الأول : من علم البيان فى الكلام فى التشبيه............................. ٤٣٩

طرفا التشبيه............................................................ ٤٣٩

وجه التشبيه............................................................. ٤٤٠

وجه التشبيه واحدا....................................................... ٤٤١

وجه التشبيه غير واحد.................................................... ٤٤٣

وجه التشبيه ليس واحدا وليس فى حكم الواحد.............................. ٤٤٦

إحكام التصريح بوجه التشبيه أو عدمه..................................... ٤٤٦

حق وجه التشبيه شمول الطرفين............................................ ٤٤٧

النوع الثالث : النظر فى الغرض من التشبيه.................................... ٤٤٨

أ) الغرض العائد إلى المشبه................................................ ٤٤٨

ب) الغرض العائد إلى المشبه به............................................ ٤٥٠

ج) تساوى طرفى التشبيه : المشبه والمشبه به................................. ٤٥٤

د) التشبيه التمثيلى...................................................... ٤٥٥

أحوال التشبيه........................................................... ٤٥٩


الموضوع

الصفحة

تقديم.................................................................. ٤٥٩

من أسباب قرب التشبيه.................................................. ٤٦٠

من أسباب بعده وغرابته.................................................. ٤٦٠

قبول التشبيه............................................................ ٤٦٢

رد التشبيه.............................................................. ٤٦٢

التشبيه : أحكام متفرقة.................................................. ٤٦٣

مراتب التشبيه........................................................... ٤٦٤

خاتمة.................................................................. ٤٦٥

الأصل الثانى من علم البيان فى المجاز....................................... ٤٦٦

تقديم..................................................................... ٤٦٦

خواص الحروف......................................................... ٤٦٦

خواص التراكيب........................................................ ٤٦٧

ما هى الحقيقة........................................................... ٤٦٧

ما هو المجاز؟............................................................ ٤٦٨

تحديد الحقيقة والمجاز..................................................... ٤٧٠

أقسام المجاز................................................................ ٤٧١

الفصل الأول : المجاز اللغوى الراجع إلى معنى الكلمة غير المفيد................ ٤٧٢

الفصل الثاني : المجاز اللغوى الراجع إلى المعنى الخالى عن المبالغة فى التشبيه....... ٤٧٣

الفصل الثالث : الاستعارة................................................ ٤٧٧


الموضوع

الصفحة

أقسام الاستعارة :.......................................................... ٤٨١

القسم الأول : فى الاستعارة المصرح بها التحقيقية مع القطع.................... ٤٨٢

للاستعارة التهكمية...................................................... ٤٨٣

قرينة الاستعارة.......................................................... ٤٨٤

القسم الثانى : فى الاستعارة المصرح بها التخيلية مع القطع..................... ٤٨٥

القسم الثالث : فى الاستعارة المصرح بها المحتملة للتحقيق والتخييل.............. ٤٨٦

القسم الرابع : فى الاستعارة بالكناية........................................ ٤٨٧

القسم الخامس : فى الاستعارة الأصلية...................................... ٤٨٩

القسم السادس : فى الاستعارة التبعية....................................... ٤٨٩

الاستعارة ب" لعل"................................................... ٤٩٠

الاستعارة ب" اللام".................................................. ٤٩١

الاستعارة ب" ربما".................................................... ٤٩١

قرينة الاستعارة التبعية.................................................. ٤٩٢

تعريف الاستعارة...................................................... ٤٩٣

القسم السابع والقسم الثامن : فى تجريد الاستعارة وترشيحها................... ٤٩٤

شروط الاستعارة...................................................... ٤٩٧

أنواع الاستعارة........................................................ ٤٩٨

الفصل الرابع : المجاز اللغوى الراجع إلى حكم الكلمة فى الكلام................ ٥٠٢

الفصل الخامس : فى المجاز العقلى.......................................... ٥٠٣

وجوه استعمال المجاز العقلى............................................... ٥٠٦


الموضوع

الصفحة

صور المجاز العقلى........................................................ ٥٠٧

الحقيقة العقلية........................................................... ٥١٠

أقسام المجاز فى رأى السكاكى............................................... ٥١١

الأصل الثالث : من علم البيان فى الكناية..................................... ٥١٢

تقديم..................................................................... ٥١٢

أقسام الكناية :............................................................ ٥١٣

القسم الأول : فى الكناية المطلوب بها نفس الموصوف........................ ٥١٤

القسم الثانى : فى الكناية المطلوب الثانى بها نفس الصفة...................... ٥١٤

القسم الثالث : فى الكناية المطلوب بها تخصيص الصفة بالموصوف............. ٥١٧

أنواع الكناية :............................................................. ٥٢١

بين الحقيقة والمجاز........................................................ ٥٢٣

الخلاصة................................................................ ٥٢٤

البلاغة................................................................. ٥٢٥

تعريف البلاغة.......................................................... ٥٢٦

الفصاحة............................................................... ٥٢٦

انموذج قرآنى............................................................ ٥٢٧

النظر فى الآية من جانب البلاغة.......................................... ٥٢٨

النظر فى الآية من جانب الفصاحة......................................... ٥٣١

علم البديع............................................................. ٥٣٢

البديع المعنوى........................................................... ٥٣٣


الموضوع

الصفحة

البديع اللفظى........................................................... ٥٣٩

خاتمة.................................................................. ٥٤٢

علم الاستدلال

أو

علم خواص تركيب الكلام

علم الاستدلال ـ توطئة...................................................... ٥٤٤

القسم الأول : الحد وما يتصل به.......................................... ٥٤٥

القسم الثانى : علم الاستدلال............................................ ٥٤٨

الباب الأول : فى الاستدلال الذى جملتاه خبريتان.............................. ٥٥٠

الصورة الأولى........................................................... ٥٥١

أضرب الصورة الأولى..................................................... ٥٥٢

الصورة الثانية........................................................... ٥٥٣

أضرب الصورة الثانية..................................................... ٥٥٣

الصورة الثالثة........................................................... ٥٥٤

أضرب الصورة الثالثة..................................................... ٥٥٥

الصورة الرابعة وأضربها.................................................... ٥٥٦

الفصل الأول : فى الكلام فى الحكمين النقيضين................................ ٥٦٠

شروط التناقض......................................................... ٥٦٠

أصناف الجمل.......................................................... ٥٦٢

أحوال الجملة............................................................ ٥٦٣

طبقات الجمل........................................................... ٥٦٤


الموضوع

الصفحة

الضرورة (أو الجواب)..................................................... ٥٦٥

أقسام الضرورة.......................................................... ٥٦٦

اللاضرورة (الإمكان العام)................................................ ٥٦٦

إطلاق الجمل وتقييده................................................... ا ٥٦٧

النقائض................................................................ ٥٦٩

الفصل الثانى : فى العكس................................................... ٥٧٢

القسم الأول : فى عكس النظي......................................... ر ٥٧٢

مناظرة بين المتقدمين والمتأخرين............................................ ٥٧٣

أحكام المطلقات العامة................................................... ٥٧٧

أحكام الوجوديات الدائمة................................................ ٥٧٩

أحكام العرفيات المطلقة................................................... ٥٨٠

أحكام العرفيات الخاصة.................................................. ٥٨٢

أحكام العرفيات المطلقة................................................... ٥٨٣

أحكام الضروريات....................................................... ٥٨٤

أحكام الممكنات........................................................ ٥٨٥

القسم الثانى : فى عكس النقيض.......................................... ٥٨٦

تركيب الدليل........................................................... ٥٨٧

تفاوت الامتزاجات بين المتقدمين والمتأخرين.................................. ٥٩١

خاتمة.................................................................. ٥٩٤

الباب الثانى : فى الاستدلال الذى جملتاه شرطيتان.............................. ٥٩٥

أقسام الشرط........................................................... ٥٩٦


الموضوع

الصفحة

أحوال الاستدلالات في الشرط............................................ ٥٩٦

تركيب الشرط فى الاستدلال.............................................. ٥٩٧

حقيقة الاتصال......................................................... ٥٩٨

حقيقة الانفصال........................................................ ٥٩٨

قانون الشرطيات........................................................ ٥٩٩

صور الاستدلال الذى جملتاه شرطيتان........................................ ٦٠٠

الصورة الأولى........................................................... ٦٠٠

الصورة الثانية........................................................... ٦٠٠

الصورة الثالثة........................................................... ٦٠١

الصورة الرابعة........................................................... ٦٠١

الباب الثالث : الاستدلال الذى إحدى جملتيه شرط والأخرى خبرية.............. ٦٠٣

الباب الرابع : القياسات ومجاريها وأحوالها...................................... ٦٠٣

القياسات المركبة......................................................... ٦٠٣

القياسات الاستثنائية..................................................... ٦٠٤

قياس الخلف............................................................ ٦٠٥

عكس القياس........................................................... ٦٠٦

قياس الدور............................................................. ٦٠٦

فصل.................................................................. ٦٠٧

التقسيم والسبر والاستقراء والتمثيل........................................... ٦٠٧

فصل : فى الدليل........................................................ ٦٠٧

تعريف الدليل........................................................... ٦٠٩


الموضوع

الصفحة

المستثنى منه : حقيقة أم مجاز؟............................................. ٦١٠

فصل : وجه الإعجاز فى الاستدلال........................................ ٦١٤

خاتمة.................................................................. ٦١٥

علم الشعر ودفع المطاعن

مقدمة.................................................................... ٦١٧

الفصل الأول : فى بيان المراد من الشعر..................................... ٦١٨

الفصل الثانى : فى بيان تتبع الأوزان........................................ ٦٢٠

فصل : أوزان أشعار العرب............................................... ٦٢٠

الدوائر الشعرية وأسماؤها.................................................. ٦٢٣

الدائرة المختلفة.......................................................... ٦٢٣

الدائرة المؤتلفة........................................................... ٦٢٣

الدائرة المجتلبة............................................................ ٦٢٣

الدائرة المشتبهة.......................................................... ٦٢٤

الدائرة المنفردة........................................................... ٦٢٤

مخترعات علم الشعر........................................................ ٦٢٤

الخرم والخزم................................................................ ٦٢٧

١ ـ باب الطويل......................................................... ٦٢٩

زحاف الطويل........................................................ ٦٣٠

٢ ـ باب المديد.......................................................... ٦٣٢

زحاف المديد......................................................... ٦٣٤


الموضوع

الصفحة

٣ ـ باب البسيط........................................................ ٦٣٦

زحاف البسيط....................................................... ٦٣٩

٤ ـ باب الوافر.......................................................... ٦٤١

زحاف الوافر......................................................... ٦٤٢

٥ ـ باب الكامل......................................................... ٦٤٤

زحاف الكامل........................................................ ٦٤٧

٦ ـ باب الهزج........................................................... ٦٥٠

زحاف الهزج.......................................................... ٦٥٠

٧ ـ باب الرجز.......................................................... ٦٥٢

زحاف الرجز......................................................... ٦٥٤

٨ ـ باب الرمل.......................................................... ٦٥٥

زحاف الرمل......................................................... ٦٥٩

٩ ـ باب السريع......................................................... ٦٦٠

زحاف السريع........................................................ ٦٦٣

١٠ ـ باب المنسرح....................................................... ٦٦٥

زحاف المنسرح....................................................... ٦٦٦

١١ ـ باب الخفيف....................................................... ٦٦٨

زحاف الخفيف....................................................... ٦٧١

١٢ ـ باب المضارع....................................................... ٦٧٣

زحاف المضارع....................................................... ٦٧٣


الموضوع

الصفحة

١٣ ـ باب المقتضب..................................................... ٦٧٤

زحاف المقتضب...................................................... ٦٧٥

١٤ ـ باب المجتث........................................................ ٦٧٥

زحاف المجتث........................................................ ٦٧٦

١٥ ـ باب المتقارب...................................................... ٦٧٨

زحاف المتقارب....................................................... ٦٨٠

فصل : الخرم والخزم...................................................... ٦٨١

فصل : باب المتدانى..................................................... ٦٨٢

فروع بحور الشعر ولواحقها................................................ ٦٨٣

ترتيب الدوائر العروضية................................................... ٦٨٣

سبب تقديم بحر من بحور الدائرة الواحدة.................................... ٦٨٤

خاتمة.................................................................. ٦٨٥

فصل : أبيات المهجور من البحور.......................................... ٦٨٧

الفصل الثالث : فى الكلام فى القافية وما يتصل بذلك....................... ٦٨٨

أنواع القافية باعتبار الحركات................................................. ٦٨٩

المترادف................................................................ ٦٩٠

المتواتر.................................................................. ٦٩٠

المتدارك................................................................. ٦٩٠

المتراكب................................................................ ٦٩٠

المتكاوس............................................................... ٦٩١

أنواع القافية باعتبار الروى وما قبله وما بعده................................... ٦٩١


الموضوع

الصفحة

الروى............................................................... ٦٩١

أسماء القافية.......................................................... ٦٩٢

فصل : عيوب القافية................................................. ٦٩٥

الخاتمة : فى إرشاد الضلال............................................. ٧٠٠

بين الفرزدق وجرير.................................................... ٧٠١

بين ذو الرمة وجري.................................................... ٧٠٣

نوادر متفرقة.......................................................... ٧٠٣

دهاء نساء العرب وفطنتهنّ............................................. ٧٠٦

مطاعن الضالين والرد عليهم............................................ ٧٠٩

الفهارس.................................................................. ٧٢٧

فهرس آيات القرآن الكري................................................. م ٧٢٩

فهرس الحديث النبوى....................................................... ٧٦١

فهرس الأبيات الشعرية...................................................... ٧٦٢

فهرس أنصاف الأبيات..................................................... ٨٠١

فهرس مصطلحات البلاغة................................................... ٨٠٣

فهرس أهم المصادر والمراجع.................................................. ٨١١

كتب للمحقق............................................................. ٨٢٣

فهرس الموضوعات.......................................................... ٨٢٥

تم بحمد الله

مفتاح العلوم

المؤلف:
الصفحات: 846