
مقدّمة الطّبعة
الثّانية
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
هذا المعجم
ثمرة أعوام ، وزبدة كتب كثار ، عكفت عليها عكوف المتعبّد ، ونهلت منها كما ينهل
الظّمآن ، حتّى إذا ارتويت واطمأنّت نفسي إلى ما استقرّيت ، شرعت في التّبويب
والتّصنيف وأنا أطوي اللّيل والنّهار غير ملتفت إلى ما حولي من عالم مصطخب يمور ،
وخلق مشت بهم الحياة وسعوا إليها راغبين. في هذا الجوّ كتبت هذا السّفر الذي أخرجه
المجمع العلميّ العراقيّ في ثلاثة أجزاء ، وما إن ظهر الجزء الأوّل سنة ١٤٠٣ ه ـ ١٩٨٣
م ، حتّى انهالت عليه الطّلبات وطفق الباحثون والمهتمّون بالمصطلح البلاغيّ يسألون
عن الجزءين الآخرين ، وكان توفيق الله عظيما فصدر الجزء الثاني سنة ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦
م وصدر الجزء الثالث سنة ١٤٠٧ ه ـ ١٩٨٧ م.
ولم تمض شهور
على صدور المعجم حتّى نفد وأصبح عزيزا ، واشتدّ الطّلب عليه وحثّني المهتمّون على
إعادة طبعه ، وكنت أقول لهم : ليس من دأيي أن أعود إلى ما نشرت. ومضيت أصدر الكتب
الجديدة ومنها «معجم النّقد الأدبيّ القديم» الذي أصدرته وزارة الثّقافة والإعلام
سنة ١٤٠٩ ه ـ ١٩٨٩ م في جزءين ..
وزاد الإلحاح
وعرض عليّ في عمّان أن أعيد طبعه وكان موقفي ثابتا ، وعدت إلى بغداد فإذا برسالة
كريمة بعث بها الأستاذ الدّكتور جورج متري عبد المسيح عارضا أن أعيد طبع المعجم في
«مكتبة لبنان» الشّهيرة بإخراج المعاجم الأنيقة الدّقيقة ، فأذعنت للأخ الكريم
وللدار العامرة ، وقلت هذه نعمة من نعم الله «لا يلقّاها إلّا ذو حظّ عظيم».
لقد مرّت على صدور
المعجم سنوات لم أجد فيها جديدا يغيّر قديما ، وها أنا أعيد طبعه كما صدر في
الطّبعة الأولى ، وكلّي أمل أن ألقى النّقد والتّوجيه بعد أن نلت التّقريظ
والمديح.
وكنت أطمح إلى
النّقد ولكنّ ثقة الباحثين بي دفعتهم إلى الإطراء والثّناء دفعا ، فلهم منّي أجمل
تحيّة وأعظم تقدير ، ولعلّهم يغضّون عن هفوات بدت ، وزلّات خطّت ، فما الكمال إلّا
لله وحده ...
وبعد فهذه
الطّبعة الثانية من «معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها» تقدّمها «مكتبة لبنان»
بثوب قشيب ، فلها منّي الشّكر العميم على ما قدّمت من معاجم يعتزّ بها الناطقون بالضاد.
الخميس ١٤ ربيع الثاني ١٤١٤ ه ٣٠ أيلول ١٩٩٣ م
|
الدّكتور أحمد مطلوب
عضو المجمع العلميّ العراقيّ
|
مقدّمة الطّبعة الأولى
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
نشأت البلاغة
كغيرها من علوم اللغة العربية لخدمة القرآن الكريم وإتقان اللغة وتعليمها والوقوف
على أساليبها ، ومرّت بأطوار مختلفة ، وشهدت تجارب متعددة وكان المصطلح البلاغيّ
يأخذ معناه العلميّ الدقيق كلّما ظهر عالم ألمعيّ له قدرة على وضع الحدود وصياغة
التعريفات.
ولعلّ عبد
القاهر الجرجاني (ـ ٤٧١ ه او ٤٧٤ ه) كان من أكثر البلاغيين دقة في المصطلح وضبطا
للقاعدة ورسما للأصول ، فقد استطاع بعبقريته الفذّة أن يؤلّف كتابيه «دلائل
الاعجاز» و «أسرار البلاغة» اللذين كانا عمدة البلاغيين. وظلّت البلاغة تشهد نموا
حتّى القرن الثاني عشر للهجرة ولكنها توقّفت عند رسوم المتأخرين ولم يضف اليها في
هذا العصر إلا ما يهدف اليه المنهج الحديث في تصنيف الموضوعات ، وهو منهج اتضح في «فن
القول» للمرحوم أمين الخولي ، ولم يسد الدرس البلاغيّ الجديد.
والمجدّد إن لم
يصدر عن التراث يظلّ بعيدا عن الأصالة ؛ لأنّ التجديد قتل القديم درسا ، والبلاغة
العربية ذات التأريخ العريق أحوج ما تكون الى الدراسة العميقة وسبر اتجاهاتها لتصل
الى مرحلة تستشرف فيها مستقبلا زاهرا ينير معالم الطريق. وأول خطوة الى التراث
البلاغي دراسة مصطلحاتها وتطورها وابرازها بثوبها العربي الأصيل ، ولن يتم ذلك إلا
بوضع معجم يجمع جزئياتها وينسقها في عرض تأريخي يظهر تطورها ويحدد معالمها. وقد
ظهرت هذه الفكرة منذ سنوات طويلة ، ولكنّ الوصول الى وضع معجم كان حلما بعيدا لأنّ
تأريخ البلاغة العربية طويل ؛ ولأنّ القدماء لم يلمحوا التطور إلا بما يخدم أهداف
الكتب التي ألفوها ؛ لأنّهم لم يقصدوا الى التأريخ قصدا ، ولم يسعوا إلى وضع معجم
البلاغة التأريخي سعيا. ولكنّ الدعوة الى وضع معجم تأريخي للغة العربية ظلت تتردد
، وعقدت من أجل ذلك الندوات فما استطاعت أن تبدأ به ؛ لأنّ تأريخ
الالفاظ العربية ممتد طويل ، ولأنّ الكثير من النصوص ضاع في غمرة الأحداث.
ولعل البلاغة
أسهل موردا وأقرب منالا لتأخر ظهورها في كتب ترصد أصولها ، فكان لها أن يقصد الى
وضع كتاب يؤرخ لمصطلحاتها الكبرى : الفصاحة ، والبلاغة ، والمعاني ، والبيان ،
والبديع. وصدر ذلك الكتاب عام ١٩٧٢ للميلاد ليكون تجربة تأخذ أبعادها من دعوة
المعجم التأريخي وتقتبس ملامحها من التراث الأصيل. وقام منهج ذلك الكتاب وهو «مصطلحات
بلاغية» على رصد كل مصطلح في مظانّه واستقاء الرأي من منابعه ، والربط بين الآراء
ربطا يظهر تطورها التأريخي ويحدد معنى المصطلح الذي استقرّ عليه المتأخرون.
ومرّت الأعوام
وصورة ذلك الكتاب تتسع ، ولم يظهر في الأفق ما يسدّد الخطى ويعبّد الطريق ، فكان «معجم
المصطلحات البلاغية وتطورها» هدية تقدّم على استحياء ؛ لأنها قد تكون فجّة ، أو
أنّها لا تحقق الهدف الذي من أجله يبذل الدارسون جهودهم في هذه السبيل.
إنّ وضع المعجم
البلاغي لم يكن هينا فهناك مئات المصادر التي تحمل بين سطورها بذورا أو ثمارا ،
وكان على الباحث أن يقف عليها ويعيد النظر فيها ليأخذ منها ما ينفع ويضمه الى ما
اقتبسه من كتب البلاغة والنقد ، حتى إذا ما استوت المادة على سوقها بدأ التصنيف ،
وبدأت حروف الهجاء تأخذ سبيلها في الترتيب من غير التفات الى أصل مادة المصطلح او
ارتباط بالمعجم القديم لأنّ في ذلك شيئا من العسر لا يخدم الهدف ولا يحقق الغاية
عند المراجعة السريعة ، ولذلك وضع «الاستفهام» قبل «الإسجال» و «الارتقاء» قبل «الإرداف»
و «الاعتراض» قبل «الإعجاز». فالأساس هو ترتيب الحروف في المصطلح كما يفعل
المعاصرون حينما ينسقون الالفاظ والمصطلحات.
وبعد أن تمّ
هذا التصنيف كانت العودة الى المعجمات للوقوف على معنى المصطلح في اللغة ليبدأ بعد
ذلك ذكر أسماء المصطلح المختلفة إن كانت له عدة تسميات ، ثم تعريف البلاغيين
والنقاد وغيرهم للفن البلاغي ، وهو تعريف أخذ من التطور التأريخي نسقه ، وقد يكون
ذلك التأريخ بعيدا يمتد الى آخر ما وقفت عنده البلاغة في القرن الثاني عشر للهجرة
على يد ابن معصوم المدني (ـ ١١١٧ ه) صاحب «أنوار الربيع في أنواع البديع». وتأتي
أقسام الفن بعد ذلك موضّحة بالأمثلة المقتبسة من الكتاب العزيز وكلام العرب
البليغ.
تلك خطة المعجم
، بدأت من الهمزة وانتهت بالواو ، ولم يكن العمل سهلا لأنّ تأريخ البلاغة عريق ،
ولأنّ القدماء لم يضعوا معالم لمثل هذا العمل. وقد يجد الباحث عنتا وضيقا حينما
يجد للنوع الواحد من فنون البلاغة اسمين أو أكثر ، فالغانمي ـ مثلا ـ سمّى بابا من
أبواب البلاغة
«التبليغ» وسمّى بابا آخر «الاشباع» وسمّاهما أبو العسكري وابن الأثير «الايغال».
وأطلق بعضهم أسماء مختلفة على فن واحد كتسميتهم «التجنيس» جناسا ومجانسا ومماثلا
وتماثلا ، و «التورية» إيهاما وتوجيها وتخييلا ، و «التشبيه المقلوب» غلبة الفروع
على الاصول ، والطرد والعكس ، و «التوجيه» محتمل الضدين ، و «الارصاد» تسهيما
وتوشيحا و «لزوم ما لا يلزم» إلزاما والتزاما وإعناتا وتشديدا وتضييقا ، و «التشريع»
توشيحا وذا القافيتين ، و «التكميل» احتراسا ، و «رد العجز على الصدر» تصديرا ، و
«المطابقة» طباقا وتضادا وتكافؤا وتطبيقا ، و «تجاهل العارف» سوق المعلوم مساق
غيره ، و «مراعاة النظير» تناسبا وتوفيقا وائتلافا ، و «المذهب الكلامي» الاحتجاج
النظري. وقد يريد بعضهم بالتوشيح فنّا غير الذي يريده آخر ، وقد يختلف التعريف
والمثال. فالتوشيح عند معظم البلاغيين هو الارصاد والتسهيم ، وعند أسامة بن منقذ «هو
أن تريد الشيء فتعبّر عنه عبارة حسنة وإن كانت أطول منه». وعند ضياء الدين بن
الأثير «هو أن يبني الشاعر أبيات قصيدته على بحرين ، فاذا وقف من البيت على
القافية الأولى كان شعرا مستقيما من بحر على عروض ، وصار ما يضاف الى القافية
الأولى للبيت كالوشاح وكذلك يجري في الفقرتين من الكلام المنثور». والى ذلك ذهب
ابن قيّم الجوزيّة فقال : «التوشيح أن تكون ذيول الأبيات ذات قافيتين على بحرين أو
ضربين من بحر واحد ، فعلى أيّ القافيتين وقفت كان شعرا مستقيما». وهذا هو «التشريع»
عند الآخرين ، وقد يسمى «ذا القافيتين» و «التوأم» ، قال المدني عنه : «التشريع هو
أن تبني القصيدة على وزنين من أوزان العروض وقافيتين ، فاذا أسقط من أجزاء البيت
جزء أو جزءان صار ذلك البيت من وزن آخر ، كأنّ الشاعر شرع في بيته بابا الى وزن
آخر. ولما خفي على ابن ابي الاصبع وجه مناسبة التشبيه بين اللغوي والاصطلاحي أو
استبعده ، سمّى هذا النوع «التوأم» ليطابق بين الاسم والمسمى».
ولم يكن بدّ من
الاشارة الى ذلك كله عند ما يتقدم المصطلح ، أما حينما يأتي باسم آخر فيذكر أنّه
النوع السابق أو الانواع المتقدمة ، لئلا يطول الكلام ويعاد ما ثبت في موادّ أخرى.
وبهذه الطريقة وبالاقتصار على الاسم المشهور لكل متقدم من البلاغيين خفّ المعجم
ولم يتكرر فيه إلا ما كان تكراره مهما. فالسجع يسمى تسجيعا ، ولما كانت التاء قبل
السين ، بحث هذا الفن وأقسامه في مصطلح «التسجيع» وكانت الاشارة في «السجع» اليه ،
فقيل : «السجع : هو التسجيع وقد تقدم» ، و «السجع الحالي» هو «التسجيع الحالي وقد
تقدم». وهكذا كان الأمر في كل مصطلح مع الاشارة الى المصادر التي ذكرته بالاسم
الجديد لئلا يظن أنّ القدماء اتفقوا في التسمية ، أو أنّ بعضهم ذكر الفن بعدة
مصطلحات.
إنّ «معجم
المصطلحات البلاغية وتطورها» الذي ضمّ ألف مصطلح ومائة ، محاولة أريد بها
وضع معجم تأريخي لهذا الفن الذي لم ينضج ولم يحترق ، وهو معجم يقوم على
ترتيب الانواع ترتيبا هجائيا لتسهل مراجعة النوع وجمع أجزائه في مادة واحدة ،
والاشارة اليها إذا جاءت منفردة ، وجمع الآراء المختلفة في الفن الواحد ، لتسهل
معرفة أول من بحث فيه ، وينتفع مؤرخ البلاغة ومن تعنيه المقارنة بين الفنون عند
العرب وغيرهم من الاقوام كالفرس واليونان والهنود الذين قيل إنّ لهم أثرا كبيرا في
نشأة البلاغة العربية وتطورها ، وما هو بالأثر الكبير حينما يرجع الباحث الى هذا
المعجم ويرى نشأة الفن وتطوره خلال القرون ، وارتباط مصطلحات البلاغة ، بالمتقدمين
منذ عهد الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ واللغويين والنحاة الأوائل كالخليل بن احمد
وسيبويه والاصمعي وأبي عبيدة والفراء وغيرهم ممن لم يدرسوا بلاغة أرسطو ، أو
يقرأوا صحف الفرس والهنود.
ويذهب «معجم
المصطلحات البلاغية وتطورها» الى أبعد من ذلك ، فهو يقدّم للدارسين معرفة الجديد
عند البلاغيين ويذكر مدى تأثر اللاحقين بالسابقين ، وتقريب فنون البلاغة وربطها
بالنصوص لتكون نافعة لمن يريد أن يكتشف بنفسه هذا الفن قبل أن يرجع الى المظان
ويسبر غورها ويقف على الأساليب. ولن يكون نفعه للمحققين بأقلّ من ذلك ، لأنّه
يقدّم الفن البلاغي خلال العصور المختلفة ويرصد التطور التأريخي ، وبذلك تسهل
المراجعة وتكثر الفائدة من المصادر التي استقى المعجم منها مادته ، وهي مصادر
كثيرة يتصل بعضها بالبلاغة والنقد ، ويرتبط بعضها بكتب الأدب والنوادر. وليس ذلك بقليل
لمن يريد أن يكسب من الوقت ساعات يقضيها في النظر والتأمل والتدقيق والحكم.
تلك خطة
التنسيق وذلك منهج التأليف ، فان أصاب «معجم المصطلحات البلاغية وتطورها» هدفه
الذي من أجله وضع فذلك خير من الله ، وإن لم يحقق من الهدف شيئا فعسى أن يحرك
الهمم ويدفع الباحثين الى رصد فنون البلاغة وتقديمها في معجم تأريخي يكون واحدا
مما يطمح اليه المخلصون لأمتهم ولغة كتابهم العزيز. وحسب «معجم المصطلحات البلاغية
وتطورها» أنّه كان أول خطوة في هذا المضمار وأنّه اتسع لألف مصطلح ومائة استنفدت
عشرة أعوام لجمعها من المظان ، وأنه أول نواة بلاغية تقدّم للدارسين ولمن سيضع
معجم اللغة العربية ، ذلك المعجم الذي لن يتم تنفيذه قبل أن توضع معجمات الفنون
والعلوم ، وتحدد المصطلحات والتعريفات. ولعلّ «معجم المصطلحات البلاغية وتطورها»
بعد أن يوجّه ويضاف اليه ، يكون نواة لذلك المعجم الكبير. ومن الله العون
والتوفيق.
الجمعة في الخامس عشر من أيار ١٩٨١ م
الحادي عشر من رجب ١٤٠١ ه
|
الدكتور أحمد مطلوب
كلية الآداب ـ جامعة بغداد
|
الهمزة
الائتلاف
الائتلاف :
الاجتماع والاتّفاق ، يقال : ائتلف الشّيء : ألف بعضه بعضا. قال العلوي : «وهو
افتعال من قولهم : ألّف الخرز بعضها الى بعض إذا جمعها» وفي اللسان : «وقد ائتلف القوم ائتلافا وألّف الله
بينهم تأليفا» .
وكان قدامة بن
جعفر قد بنى على الائتلاف منهج كتابه «نقد الشعر» حينما عرّف الشعر بقوله : «انه
قول موزون مقفّى يدلّ على معنى» ، أي انه يتألف من أربعة أركان : الوزن والقافية واللفظ
والمعنى. وقد تولد من ذلك ستة أضرب من التأليف ، غير ان قدامة ذكر ائتلاف اللفظ مع
المعنى ، وائتلاف اللفظ مع الوزن ، وائتلاف المعنى مع الوزن ، وائتلاف المعنى مع
القافية.
وذكر بدر الدين
بن مالك والعلوي والسبكي ائتلاف اللفظ مع اللفظ ، وائتلاف المعنى مع المعنى .
وسمّى ابن حجة
الحموي مراعاة النظير ائتلافا وتناسبا وتوفيقا ومؤاخاة ، وعرفه بقوله : «وهو في
الاصطلاح أن يجمع الناظم أو الناثر أمرا وما يناسبه مع الغاء ذكر التضاد لتخرج
المطابقة سواء كانت المناسبة لفظا لمعنى أو لفظا للفظ أو معنى لمعنى إذ القصد جمع
شيء الى ما يناسبه من نوعه أو ما يلائمه من أحد الوجوه» . وقال المدني عن مراعاة النظير : «هذا النوع أعني
مراعاة النظير ، سمّاه قوم بالتوفيق وآخرون بالتناسب وجماعة بالائتلاف وبعضهم
بالمؤاخاة. قالوا : هو عبارة عن أن يجمع المتكلم بين أمر وما يناسبه لا بالتضاد
سواء كانت المناسبة لفظا لمعنى أو لفظا للفظ أو معنى لمعنى ، إذ القصد جمع شيء وما
يناسبه من نوعه أو ملائمه من احد الوجوه» . ثم قال : «ولا يخفى ان هذا التفسير يدخل فيه ائتلاف
اللفظ مع المعنى وائتلاف اللفظ مع اللفظ ، وائتلاف المعنى مع المعنى. وكل من هذه
الأقسام عدّه أرباب البديعيات نوعا برأسه ونظموا له شاهدا مستقلا وجعلوه مغايرا
لهذا النوع ، مع انهم مثلوا لائتلاف اللفظ بما مثلوا به لمراعاة النظير بعينه ولا
وجه لذلك ، بل كان الصواب تنويع هذا النوع الى هذه الأنواع الثلاثة كما فعل صاحب
التبيان حيث قال : مراعاة النظير هو أن يجمع بين أمر وما يناسبه لا بالتضاد ، وهو
أصناف :
الأول : ائتلاف
اللفظ والمعنى.
والثاني :
ائتلاف اللفظ مع اللفظ.
والثالث :
ائتلاف المعنى مع المعنى.
وهذا كتنويعهم
اللف والنشر الى أنواعه المذكورة والالتفات الى انواعه الستة ، وغير ذلك من أنواع
البديع التي تتنوع الى أنواع. وإذ قد اصطلح أرباب البديعيات على جعل مراعاة النظير
نوعا برأسه ، وكل
__________________
من ائتلاف اللفظ والمعنى ، وائتلاف اللفظ مع اللفظ ، وائتلاف المعنى مع
المعنى ، نوعا برأسه ، فينبغي أن يحدّ كل منها بحد لا يشمل الآخر». وعلى هذا
الاساس بحث كل نوع في عنوان مستقل.
ائتلاف الفاصلة
:
الفواصل هي
مقاطع القرآن ، ولا تسمى سجعا ولا قوافي لان هذين المصطلحين مختصان بكلام العرب
نثره وشعره. وقد أفرد المصري هذا البحث بباب وقال إنه من مخترعات قدامة وسماه من
بعده التمكين ، ولكنه عرفه تعريفا أدخل فيه الأسجاع والقوافي فقال : «هو أن يمهد
الناثر لسجعة فقرته والشاعر لقافية بيته تمهيدا تأتي به القافية متمكنة في مكانها
، مستقرة في قرارها ، مطمئنة في موضوعها ، غير نافرة ولا قلقة ، متعلقا معناها
بمعنى البيت كله تعلقا تاما بحيث لو طرحت من البيت لاختل معناه واضطرب مفهومه. ولا
يكون تمكنها بحيث يتقدم لفظها بعينه في أول صدر البيت أو في أثناء الصدر أو معنى
يدل عليها ، ولا أن تفيد معنى زائدا على معنى البيت ، فان الاول تصدير ، والثاني
توشيح ، والثالث إيغال ، ولا يسمى شيء من ذلك تمكينا. وكل مقاطع آي الكتاب العزيز
لا تخلو من أن تكون أحد هذه الأقسام الأربعة ، ولهذا تسمى مقاطعه فواصل لا سجعا
ولا قوافي ، لاختصاص القوافي بالشعر ، والسجع بالمنافرة عن معنى الكلام مأخوذ من
سجع الطائر» .
ومما جاء منه
على هذا الباب وهو باب التمكين قوله تعالى : (قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ
تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا
ما نَشؤُا ، إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) ، فإنه لما تقدم في الآية ذكر العبادة وتلاه ذكر
التصرّف في الأموال اقتضى ذلك ذكر الحلم والرشد على الترتيب ؛ لأن الحلم العقل
الذي يصحّ به تكليف العبادات ويحضّ عليها ، والرشد حسن التصرف في الأموال.
وقوله : (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا
إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ. وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) فان ذكر الرسالة مهّد لذكر البلاغ والبيان فيه.
وقوله : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ، قالَ : يا
لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ
الْمُكْرَمِينَ) ، لان ذكر دخول الجنة مهّد لفاصلتها.
ائتلاف القافية
:
تحدث قدامة عن
ائتلاف القافية مع ما يدل عليه سائر البيت وقال : هو «أن تكون القافية متعلقة بما
تقدم من معنى البيت تعلق نظم له وملاءمة لما مرّ فيه» وتحدث عن أنواع ائتلاف القافية مع ما يدل عليه سائر
البيت وهي التوشيح والايغال. وذكر أنّ من عيوب ائتلاف المعنى والقافية التكلف في
طلبها والاتيان بها لتكون نظيرة لاخواتها في السجع. ومثال أن تكون القافية مستدعاة
قد تكلف في طلبها فاشتغل معنى سائر البيت بها قول أبي تمام :
كالظبية
الأدماء صافت فارتعت
|
|
زهر العرار
الغضّ والجثجاثا
|
فجميع البيت
مبنيّ لطلب هذه القافية ، وإلّا فليس في وصف الظبية بأنها ترعى الجثجاث كبير فائدة
؛ لأنه إنما توصف الظبية ـ إذا قصد لنعتها بأحسن أحوالها ـ بان يقال : إنها تعطو
الشجر ؛ لأنّها حينئذ رافعة رأسها ، وتوصف بأنّ ذعرا يسيرا قد لحقها كما قال
الطرماح :
مثل ما عاينت
مخروفة
|
|
نصّها ذاعر
روع مؤام
|
__________________
فأما أن ترعي
الجثجاث فلا معنى له في زيادة الظبية من الحسن ، لأنّ هذا النبت ليس من المراعي
التي توصف بالطيب.
ومثال الاتيان
بالقافية لتكون نظيرة لأخواتها في السجع قول علي بن محمد البصري :
وسابغة
الأذيال زعف مفاضة
|
|
تكنّفها منّي
نجاد مخطط
|
في وصف الدرع
وتجويد نعتها ، ولا يزيد في جودتها أن يكون نجادها مخططا أو غير ذلك .
وتحدث المصري
عن «ائتلاف القافية مع ما يدل عليه سائر البيت» فقال : «وهو الذي سماه من بعد
قدامة التمكين ، وهو أن يمهّد الناثر لسجعة فقرته أو الناظم لقافية بيته تمهيدا
تأتي القافية به متمكنة في مكانها مستقرة في قرارها مطمئنة في موضعها غير نافرة
ولا قلقة ، متعلقا معناها بمعنى البيت كله تعلقا تاما بحيث لو طرحت من البيت اختلّ
معناه واضطرب مفهومه ، ولا يكون تمكنها بحيث يقدّم لفظها بعينه في أول صدر البيت
أو معنى يدل عليها في أول الصدر أو في أثناء الصدر ولا أن يفيد معنى زائدا بعد
تمام معنى البيت ، فان الأول يسمى تصديرا ، والثاني توشيحا ، والثالث إيغالا ، ولا
يقال لشيء من ذلك تمكين البتة» . وسماه في «بديع القرآن» ائتلاف الفاصلة مع ما يدل عليه
سائر الكلام ، لأنّ نهايات الآيات لا تسمى أسجاعا بل فواصل لأنّ
السّجع مأخوذ من سجع الطائر ، ولا يليق ذلك بكتاب الله العزيز. ولكن البلاغيين
الآخرين كابن مالك وابن الأثير الحلبي والحموي والسيوطي والمدني سموه «تمكينا». ومعظم شعر الفحول من هذا اللون ، ومن
ذلك قول أبي تمام :
ومن يأذن الى
الواشين تسلق
|
|
مسامعه
بألسنة حداد
|
وقوله :
مذاكي حلبة
وشروب دجن
|
|
وسامر قينة
وقدور صاد
|
وأعين ربرب
كحلت بسحر
|
|
وأجساد تضمّخ
بالجساد
|
وقول البحتري :
فلم أر
ضرغامين أصدق منهما
|
|
عراكا إذا
الهيّابة النكس أكذبا
|
حملت عليه
السيف لا عزمك انثنى
|
|
ولا يدك
ارتدّت ولا حدّه نبا
|
وقول المتنبي :
يا من يعزّ
علينا أن نفارقهم
|
|
وجداننا كلّ
شيء بعدكم عدم
|
إن كان سرّكم
ما قال حاسدنا
|
|
ما لجرح إذا
أرضاكم ألم
|
ائتلاف اللّفظ
مع اللّفظ :
وهو الصنف
الثاني من الائتلاف عند ابن مالك ، وقد عرّفه بقوله : «هو أن يكون في الكلام معنى
يصحّ معه واحد من عدة معان فيختار منها ما بينه وبين بعض الكلام ائتلاف الاشتراك
في الحقيقة أو ملاءمة المزاج أو نحو ذلك» . وعرّفه العلوي بقوله : «هو أن تريد معنى من المعاني
تصحّ تأديته بألفاظ كثيرة ولكنك
__________________
تختار واحدا منها لما يحصل فيه من مناسبة ما بعده وملاءمته» .
وقال الحموي : «هو
أن يكون في الكلام معنى يصح معه هذا النوع ، ويأخذ عدة معان فيختار منها لفظة
بينها وبين الكلام ائتلاف» .
وقال السيوطي :
«أن تكون الألفاظ تلائم بعضها بعضا بأن يقرن الغريب بمثله والمتداول بمثله رعاية
لحسن الجوار والمناسبة» .
وذكر المدني
أنّ لهذا النوع تعريفين عند البديعيين :
الأول : ما
ذكره صفيّ الدين الحلّيّ وعليه أصحاب البديعيات وهو : «أن يكون في الكلام معنى
يصحّ معه واحد من عدة معان فيختار منها ما بين لفظه وبين بعض الكلام ائتلاف
وملاءمة وإن كان غيره يسدّ مسدّه».
كقول البحتري :
كالقسيّ
المعطّفات بل الأس
|
|
هم مبريّة بل
الأوتار
|
فانّ تشبيه
الابل بالقسيّ من حيث هو كناية عن هزالها يصحّ معه تشبيهها بالعراجين والأهلّة
والأطناب ونحوها ، فاختار من ذلك تشبيهها بالاسهم والاوتار لما بينهما وبين القسيّ
من الملاءمة والائتلاف.
الثاني : ما
ذكره السيوطي ، وهو التعريف السابق كقوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا
تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً). أتى بأغرب ألفاظ القسم وهي التاء ، فانها أقلّ
استعمالا وأبعد من أفهام العامة بالنسبة الى الباء والواو ، وبأغرب صيغ الأفعال
التي ترفع الاسماء وتنصب الأخبار وهو «تفتأ» فانّ «تزال» أقرب الى الافهام واكثر
استعمالا من «تفتأ» ، وبأغرب ألفاظ الهلاك وهو «الحرض» فاقتضى حسن الوضع أن تجاور
كل لفظة بلفظة من جنسها في الغرابة توخيا لحسن الجوار ورغبة في ائتلاف الألفاظ
لتتعادل في الوضع ، وتتناسب في النظم. ولما أراد غير ذلك قال : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ
أَيْمانِهِمْ) فأتى بجميع الألفاظ متداولة لا غرابة فيها.
وهذا التعريف
والتمثيل له هو الذي ينبغي المصير اليه والتعويل عليه ليكون نوعا مستقلا مغايرا
لمراعاة النظير ، أما التعريف الأول والتمثيل له فهما شاملان لمراعاة النظير .
ومن أمثلة هذا
الفن قول المتنبي :
على سابح موج
المنايا بنحره
|
|
غداة كأنّ
النّبل في صدره وبل
|
فالسابح :
الحصان ، فلما وصفه بالسباحة عقّبه بذكر الموج ، وذكر النبل وعقّبه بذكر الوبل لما
كان يشبه النبل في شدة وقعه وسرعة حركته ، ثم واصل بين الوبل والموج لما بينهما من
الملاءمة.
ومن ذلك قول
ابن رشيق القيرواني :
أصحّ وأقوى
ما رويناه في النّدى
|
|
من الخبر
المأثور منذ قديم
|
أحاديث
ترويها السيول عن الحيا
|
|
عن البحر عن
جود الأمير تميم
|
فلاءم بين
الصحة والقوة ، وبين الرواية والخبر ؛ لأنها كلها متقاربة في ألفاظها ، ثم قوله
أحاديث تقارب الأخبار ، ثم أردفها بقوله السيول ، ثم عقبه بالحيا ؛ لأن السيول منه
، ثم عن البحر ؛ لأنه يقرب من السيل ، ثم تابع بعد ذلك بقوله : «عن جود الأمير
تميم» فهذه الأمور كلها متقاربة ، فلأجل هذا لاءم
__________________
بينها في تأليف الألفاظ فصار الكلام بها مؤتلف النسج محكم السّدى .
ائتلاف اللّفظ
مع المعنى :
أشار بشر بن
المعتمر في صحيفته الى هذا الفن ، وقال : «ومن أراغ معنى شريفا فليلتمس له لفظا
كريما ، فانّ حقّ المعنى الشريف اللفظ الشريف» . وقال الجاحظ : «إلا اني أزعم ان سخيف الألفاظ مشاكل
لسخيف المعاني» ، وقال : «ومتى شاكل ـ أبقاك الله ـ ذلك اللفظ معناه
وأعرب عن فحواه ، وكان لتلك الحال وفقا ولذلك القدر لفقا ، وخرج من سماجة
الاستكراه ، وسلم من فساد التكلف ، كان قمينا بحسن الموقع وبانتفاع المستمع ،
وأجدر بأن يمنع جانبه من تناول الطاعنين ، ويحمي عرضه من اعتراض العائبين ، وألّا
تزال القلوب به معمورة والصدور مأهولة» . وقال : «ولكل ضرب من الحديث ضرب من اللفظ ، ولكل نوع
من المعاني نوع من الاسماء ، فالسخيف للسخيف ، والخفيف للخفيف ، والجزل للجزل» . وهذا هو التناسب بين اللفظ والمعنى ، وقد سماه قدامة «ائتلاف
اللفظ مع المعنى» وتحدث فيه عن المساواة والاشارة والإرداف والتمثيل. ولم
يبين معناه غير أنّ الآمدي شرحه ولم «توف عبارته بايضاحه» ، وتحدث عنه القاضي الجرجاني فقال : «لا آمرك باجراء
أنواع الشعر كله مجرى واحدا ، ولا أن تذهب بجميعه مذهب بعضه ، بل أرى لك أن تقسّم
الألفاظ على رتب المعاني فلا يكون غزلك كافتخارك ، ولا مديحك كوعيدك ، ولا هجاؤك
كاستبطائك ، ولا هزلك بمنزلة جدك ، ولا تعريضك مثل تصريحك ، بل ترتب كلّا مرتبته
وتوفّيه حقه ، فتلطّف إذا تغزلت ، وتفخّم اذا افتخرت ، وتتصرف للمديح تصرّف مواقعه
، فانّ المدح بالشجاعة والبأس يتميز عن المدح باللباقة والظرف ، ووصف الحرب
والسلاح ليس كوصف المجلس والمدام ، فلكل واحد من الأمرين نهج هو أملك به ، وطريق
لا يشاركه الآخر فيه» .
وعدّ المرزوقي «مشاكلة
اللفظ للمعنى» أحد أبواب عمود الشعر وقال :
«وعيار مشاكلة
اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية طول الدربة ودوام المدارسة فاذا حكما بحسن
التباس بعضها ببعض لا جفاء في خلالها ولا نبوّ ولا زيادة فيها ولا قصور ، وكان
اللفظ مقسوما على رتب المعاني قد جعل الأخصّ للأخص ، والأخسّ للأخس فهو البريء من
العيب» .
وقال المصري في
تعريفه : «وتلخيص معنى هذه التسمية أن تكون ألفاظ المعنى المطلوب ليس فيها لفظة
غير لائقة بذلك المعنى» .
وقال العلوي : «هو
أن تكون الألفاظ لائقة بالمعنى المقصود ومناسبة له ، فاذا كان المعنى فخما كان
اللفظ الموضوع له جزلا ، واذا كان المعنى رقيقا كان اللفظ رقيقا فيطابقه في كل
أحواله ، وهما اذا خرجا على هذا المخرج وتلاءما هذه الملاءمة وقعا من البلاغة أحسن
موقع ، وتألفا على أحسن شكل ، وانتظما في أوفق نظام. وهذا باب عظيم في علم البديع
وجاء القرآن الكريم على هذا الاسلوب» .
__________________
وقد أجمع البلاغيون الآخرون على هذا المعنى ، وعلى أن تكون الألفاظ لائقة بالمعنى
المقصود ومناسبة له. فاذا كان المعنى فخما كان اللفظ الموضوع له جزلا ، واذا كان
المعنى رشيقا كان اللفظ رقيقا ، واذا كان غريبا كان اللفظ غريبا ، واذا كان
متداولا كان اللفظ مألوفا.
ومثاله قوله
تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى
عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) فعدل سبحانه عن الطين الذي أخبر في كثير من مواضع
الكتاب العزيز أنه خلق آدم منه ، منها قوله : (إِنِّي خالِقٌ
بَشَراً مِنْ طِينٍ) وقوله حكاية عن ابليس : (خَلَقْتَنِي مِنْ
نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فعدل ـ عزوجل ـ عن ذكر الطين الذي هو مجموع التراب والماء الى ذكر
مجرد التراب ؛ لأنّه أدنى العنصرين وأكثفهما لما كان المقصود مقابلة من ادعى في
المسيح الالهية بما يصغر أمر خلقه عند من ادّعى ذلك ، فلهذا كان الاتيان بلفظة
التراب أمتن بالمعنى من غيرها من العناصر ، ولو كان موضعه غيره لكان اللفظ غير
مؤتلف بالمعنى المقصود. ولما أراد ـ سبحانه ـ الامتنان على بني اسرائيل بعيسى ـ عليهالسلام ـ أخبرهم عنه أنه يخلق لهم من الطين كهيئة الطير تعظيما
لأمر ما يخلقه باذنه ، إذ كان المعنى المطلوب الاعتداد عليهم بخلقه ليعظموا قدر
النعمة به. ومن طريف ما يتصل بهذا الفن ما جاء عن بشار فقد قيل له : إنّك لتجيء
بالشيء المتفاوت ، قال : وما ذاك؟ قيل : بينما تقول شعرا تثير به النقع وتخلع به
القلوب مثل قولك :
إذا ما غضبنا
غضبة مضريّة
|
|
هتكنا حجاب
الشّمس أو قطرت دما
|
إذا ما أعرنا
سيدا من قبيلة
|
|
ذرى منبر
صلّى علينا وسلّما
|
تقول :
ربابة ربّة
البيت
|
|
تصبّ الخلّ
في الزيت
|
لها عشر
دجاجات
|
|
وديك حسن
الصّوت
|
فقال : لكل شيء
وجه وموضع ، فالقول الأول جد ، وهذا قلته في جاريتي ربابة . ومن ذلك قول زهير :
أثافيّ سفعا
في معرّس مرجل
|
|
ونؤيا كجذم
الحوض لم يتثلّم
|
فلما عرفت
الدار قلت لربعها
|
|
ألا انعم
صباحا أيّها الرّبع واسلم
|
فانه لما قصد
إلى تركيب البيت الأول من ألفاظ تدل على معنى عربي لكن المعنى غريب ، ركبّه من
ألفاظ متوسطة بين الغرابة والاستعمال ، ولما قصد في البيت الثاني الى معنى أبين من
الأول وأعرف وإن كان غريبا ركّبه من ألفاظ مستعملة معروفة.
ومن هذا الباب
ملاءمة الألفاظ في نظم الكلام على مقتضى المعنى لا من مجرد جملة اللفظ ، فان
الائتلاف من جهة ما تقدم من ملاءمة الغريب للغريب والمستعمل للمستعمل لا من جهة
المعنى ، بل ذلك من جهة اللفظ. وأما الذي من جهة المعنى فقوله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) ، فانه ـ سبحانه ـ لما نهى عن الركون
__________________
للظالمين ، وهو الميل اليهم والاعتماد عليهم كان ذلك دون مشاركتهم في الظلم
، أخبر أنّ العقاب على ذلك دون العقاب على الظلم وهو مسّ النار دون الاحراق
والاصطلاء ، وإن كان المسّ قد يطلق ويراد به الاستئصال بالعذاب وشمول الثواب أكبر
مجازا ، ولما كان المسّ أول ألم أو لذة يباشرها الممسوس جاز أن يطلق على ما يدلّ
عليه استصحاب تلك الحال مجازا ، والحقيقة ما ذكر ، وهو في هذه الآية الكريمة على
حقيقته .
فائتلاف اللفظ
مع المعنى أساس الكلام البليغ ، ويتضح ذلك في شعر الفحول من شعراء العرب ، أما
صغارهم فانهم يقعون بعيدا عن هذا الفن البديع.
ائتلاف اللّفظ
مع الوزن :
هو أحد أقسام
الائتلاف عند قدامة الذي عرّفه بقوله : «هو أن تكون الاسماء والافعال في الشعر
تامة مستقيمة كما بنيت ، لم يضطر الأمر في الوزن الى نقضها عن البنية بالزيادة
عليها والنقصان منها ، وأن تكون أوضاع الاسماء والأفعال والمؤلفة منها وهي الأقوال
على ترتيب ونظام لم يضطر الوزن الى تأخير ما يجب تقديمه ولا الى تقديم ما يجب
تأخيره منها ولا اضطر أيضا الى اضافة لفظة أخرى يلتبس المعنى بها بل يكون الموصوف
مقدما والصفة مقولة عليها» . ومن هذا الباب أيضا : «ألا يكون الوزن قد اضطر الى
ادخال معنى ليس الغرض في الشعر محتاجا اليه حتى انه اذا حذف لم تنتقص الدلالة
لحذفه او اسقاط معنى لا يتم الغرض المقصود إلّا به ، حتى أنّ فقده قد أثر في الشعر
تأثيرا بان موقعه» . وعيوب هذا الفن : الحشو والتثليم والتذنيب والتغيير
والتفصيل. ومثال الحشو قول أبي عديّ القرشي :
نحن الرؤوس
وما الرؤوس إذا سمت
|
|
في المجد
للأقوام كالأذناب
|
فقوله : «للاقوام»
حشو.
ومثال التثليم
قول علقمة بن عبدة :
كأنّ ابريقهم
ظبي على شرف
|
|
مفدّم بسيا
الكتّان ملثوم
|
أراد : بسبائب
، فحذف للوزن.
ومثال التذنيب
قول الكميت :
لا كعبد
المليك أو كيزيد
|
|
أو سليمان
بعد أو كهشام
|
وأراد : عبد
الملك.
ومثال التغيير
قول الأسود بن يعفر :
ودعا بمحكمة
أمين سكّها
|
|
من نسج داود
أبي سلّام
|
أي : أبي
سليمان
ومثال التفصيل
قول دريد بن الصّمّة :
وبلّغ نميرا
إن عرضت ابن عامر
|
|
فأيّ أخ في
النائبات وطالب
|
ففرّق بين نمير
بن عامر بقوله : «إن عرضت» .
ولم يخرج
البلاغيون الآخرون كالمصري وابن مالك والحموي والسيوطي والمدني عمّا قاله قدامة بن جعفر ، ولم يخرجوا على أمثلته التي
هي من باب الضرائر ، ولعل حجتهم في ذلك أنّ كل شعر سليم
__________________
ليس فيه خروج على اللغة والوزن يدخل في هذا الباب.
الائتلاف مع
الاختلاف :
هو الصنف
السابع من الائتلاف عند ابن مالك ، والصنف الرابع عند العلوي وهو ضربان :
الأول : ما
كانت المؤتلفة فيه بمعزل عن المختلفة وأحدهما منتهى عن الآخر ، ومثاله قول الشاعر
:
أبى القلب أن
يأتي السدير وأهله
|
|
وإن قيل عيش
بالسدير غرير
|
بك البقّ
والحمّى وأسد تحفّه
|
|
وعمرو بن هند
يعتدي ويجوز
|
الثاني : ما
كانت المؤتلفة فيه مداخلة للمختلفة كقول العباس بن الأحنف يهجو قوما :
وصالكم هجر
وحبّكم قلى
|
|
وعطفكم صدّ
وسلمكم حرب
|
فكل واحد من
هذه مقرون مع ضدّه ، مؤلف معه.
ولم يذكر
الحموي هذا النوع وإنّما تحدث عن ائتلاف اللفظ مع المعنى ، وائتلاف اللفظ مع الوزن
، وائتلاف المعنى مع الوزن ، وائتلاف اللفظ مع اللفظ ، وتحدث المدني عن هذه
الأربعة الى جانب ائتلاف المعنى مع المعنى ، وبذلك يكون ابن مالك والعلوي قد
انفردا بهذا الفن كما تذكر المصادر التي بين أيدي الباحثين.
ائتلاف المعنى
مع المعنى :
وهذا الفن قسم
من المناسبة المعنوية ، وهو قسمان :
الأول : أن
يشتمل الكلام على معنى معه أمران ، أحدهما ملائم والآخر بخلافه فيقرن بالملائم ،
كما قال المتنبي :
فالعرب منه
مع الكدريّ طائرة
|
|
والروم طائرة
منه مع الحجل
|
فان «الكدريّ»
ـ وهو ضرب من القطا ـ من طير السهل ، والعرب بلادها المفاوز ، فقارن بينهما لمكان
هذه الملاءمة الدقيقة. والحجل من طير الجبل ، والروم بلادها الجبال ، فقارن بينهما
لهذا التناسب الدقيق.
الثاني : أن
يشتمل الكلام على معنى وملائمين له فيقرن به منهما ما لاقترانه به مزيّة كما في
قول المتنبي :
وقفت وما في
الموت شكّ لواقف
|
|
كأنّك في جفن
الرّدى وهو نائم
|
تمرّ بك
الابطال كلمى هزيمة
|
|
ووجهك وضّاح
وثغرك باسم
|
فان عجز كل من
البيتين يلائم كلا الصدرين وصالح لان يؤلف معه ، ولكن الشاعر اختار ما أورده
لأمرين :
أحدهما : ان
قوله «كأنك في جفن الردى وهو نائم» مسوق لتمثيل السلامة في مقام العطب فجعله مقررا
للوقوف والبقاء في موضع يقطع على صاحبه بالهلاك ، أنسب من جعله مقررا لثباته في
حال مرور الابطال به مهزومة.
وثانيهما : انّ
في تأخير قوله : «ووجهك وضّاح وثغرك باسم» تتميما للوصف وتفريعا على الأصل اللذين
يفوتان بالتقديم. فالوصف هو ثباته في الحرب ، والتتميم هو أنّ ثباته في الحرب
لاحتقاره كل خطب عظيم كما يفيده وضاحة الوجه وتبسم الثغر في ذلك الموقف ، لا
لضرورة فقدان المهرب. والتفريع على الاصل هو أنّ وضاحة وجهه وابتسام ثغره عند مرور
الابطال مكلومين مهزومين فرع ثباته في الحرب حين لا شكّ لواقف في الموت ، والردى
محيط به من جميع الجوانب ثم انه يسلم منه.
واستنشد سيف
الدولة المتنبي يوما قصيدته التي أولها :
__________________
على قدر أهل
العزم تأتي العزائم
|
|
وتأتي على
قدر الكرام المكارم
|
فلما بلغ قوله
: «وقفت وما في الموت شك لواقف» قال له سيف الدولة : قد انتقدنا عليك هذين البيتين
كما انتقد على امرئ القيس بيتاه وهما :
كأنّي لم
أركب جوادا للذّة
|
|
ولم أتبطّن
كاعبا ذات خلخال
|
ولم أسبأ
الزقّ الرويّ ولم أقل
|
|
لخيلي كرّي
كرّة بعد إجفال
|
وبيتاك لا
يلتئم شطراهما كما لا يلتئم شطرا هذين البيتين ، كان ينبغي لامرئ القيس أن يقول :
كأني لم أركب
جوادا ولم أقل
|
|
لخيلي كرّي
كرّة بعد إجفال
|
ولم أسبأ
الزقّ الرويّ للذّة
|
|
ولم اتبطّن
كاعبا ذات خلخال
|
ولك أن تقول :
وقفت وما في
الموت شكّ لواقف
|
|
ووجهك وضّاح
وثغرك باسم
|
تمرّ بك
الأبطال كلمى هزيمة
|
|
كأنّك في جفن
الرّدى وهو نائم
|
فقال : أيّد
الله مولانا ، إن صحّ أنّ الذي استدرك على امرئ القيس هذا كان أعلم بالشعر منه فقد
أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا. ومولانا يعلم أنّ الثوب لا يعرفه البزاز معرفة الحائك
؛ لأنّ البزاز يعرف جملته والحائك يعرف جملته وتفاريقه ؛ لانّه هو الذي أخرجه من
الغزلية الى الثوبية ، وإنّما قرن امرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد ، وقرن
السماحة في شراء الخمر للاضياف بالشجاعة في منازلة الاعداء. وأنا لمّا ذكرت الموت
في أول البيت أتبعته بذكر الردى وهو الموت ليجانسه ، ولما كان وجه الجريح المهزوم
لا يخلو من أن يكون عبوسا ، وعينه من أن تكون باكية قلت : «ووجهك وضّاح وثغرك باسم»
لأجمع بين الأضداد في المعنى وإن لم يتسع اللفظ لجميعها .
وكان ابن
طباطبا قد ذكر بيتي امرئ القيس حينما تكلم على تأليف الشعر وقال : «هكذا الرواية
وهما بيتان حسنان ولو وضع مصراع كل واحد منهما في موضع الآخر كان أشكل وأدخل في
استواء النسج» . وذكر قول ابن هرمة :
وإنّي وتركي
ندى الاكرمي
|
|
ن وقد حي
بكفي زنادا شحاحا
|
كتاركة بيضها
في العرا
|
|
ء وملبسة بيض
أخرى جناحا
|
وقول الفرزدق :
وإنك إذ تهجو
تميما وترتشي
|
|
سرابيل قيس
أو سحوق العمائم
|
كمهريق ماء
بالفلاة وغرّه
|
|
سراب أذاعته
رياح السّمائم
|
وقال : «وكان
يجب أن يكون بيت لابن هرمة مع بيت للفرزدق ، وبيت للفرزدق مع بيت لابن هرمة فيقال
:
وإني وتركي
ندى الأكرمي
|
|
ن وقدحي بكفي
زنادا شحاحا
|
كمهريق ماء
بالفلاة وغرّه
|
|
سراب أذاعته
رياح السّمائم
|
ويقال :
وإنّك إذ
تهجو تميما وترتشي
|
|
سرابيل قيس
أو سحوق العمائم
|
كتاركة بيضها
في العرا
|
|
ء وملبسة بيض
أخرى جناحا
|
__________________
حتى يصحّ
التشبيه للشاعرين جميعا وإلا كان تشبيها بعيدا غير واقع موقعه الذي أريد له. وإذا
تأملت أشعار القدماء لم تعدم فيها أبياتا مختلفة المصاريع ، كقول طرفة :
ولست بحلّال
التلاع مخافة
|
|
ولكن متى
يسترفد الناس أرفد
|
فالمصراع
الثاني غير مشاكل للأول. وكقول الأعشى :
وإنّ امرء
أهواه بيني وبينه
|
|
فياف تنوفاة
وبهماء خيفق
|
لمحقوقة أن
تستجيبي لصوته
|
|
وأن تعلمي
أنّ المعان موفّق
|
فقوله : «وأن
تعلمي أنّ المعان موفق» غير مشاكل لما قبله. وكقوله :
أعزّ أبيض
يستسقى الغمام به
|
|
لو قارع
الناس عن أحسابهم قرعا
|
فالمصراع
الثاني غير مشاكل للاول وإن كان كل واحد منهما قائما بنفسه».
ومن هذا الفن
قوله تعالى : (إِنَّ لَكَ أَلَّا
تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى. وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) ، فانه لم يراع فيه مناسبة الريّ للشبع ، والاستظلال
للبس ، بل روعيت المناسبة بين اللبس والشبع في عدم الاستغناء عنهما وانهما من أصول
النعمة ، وبين الاستظلال والريّ في كونهما تابعين لهما ومكملين لمنافعهما ، وهذا
أدخل في الامتنان لما في تقديم أصول النعم وإرداف التوابع من الاستيعاب.
ائتلاف المعنى
مع الوزن :
قال قدامة : «هو
أن تكون المعاني تامة مستوفاة لم يضطر الوزن الى نقصها عن الواجب ولا الى الزيادة
فيها عليه ، وأن تكون المعاني أيضا مواجهة للغرض لم تمتنع من ذلك ، ولم تعدل عنه
من أجل إقامة الوزن والطلب لصحته» . وذكر أنّ عيوب ائتلاف المعنى والوزن المقلوب والمبتور ،
مثال المقلوب قول عروة بن الورد :
فلو اني شهدت
أبا سعاد
|
|
غداة غدا
بمهجته يفوق
|
فديت بنفسه
نفسي ومالي
|
|
وما آلوك
إلّا ما أطيق
|
أراد أن يقول :
«فديت نفسه بنفسي» فقلب المعنى.
ومثال المبتور
قول عروة بن الورد :
فلو كاليوم
كان عليّ أمري
|
|
ومن لك بالتدبّر
في الأمور
|
فهذا البيت ليس
قائما بنفسه في المعنى ، ولكنه أتى بالبيت الثاني بتمامه فقال :
إذن لملكت
عصمة أمّ وهب
|
|
على ما كان
من حسك الصّدور
|
وتبعه
البلاغيون الآخرون في هذا الفن ومنهم :المصري ، وابن مالك ، والحموي ، والسيوطي ،
والمدني .
ائتلاف الوزن
مع المعنى :
وهو «ائتلاف
المعنى مع الوزن» ، وقد سماه كذلك المدني ، وقال في تعريفه : «هذا النوع عبارة عن
أن
__________________
يكون البيت صحيح المعنى مستقيم الوزن ، لا يضطر الشاعر فيه لاقامة الوزن
الى اخراج المعنى عن وجه الصحة أو تقديم أو تأخير أو حذف » ، وذكر أمثلة الفن السابق. ولكنّ حازما القرطاجني تحدث
عن صلة الوزن بالمعنى ، أي أنّ للاعاريض اعتبارا من جهة ما تليق به من الأغراض
فمنها أعاريض فخمة تصلح للفخر ، ومنها أعاريض رقيقة تصلح لاظهار الحزن ، وعلى هذا
الأساس قسّم أوزان الشعر الى السّبط ، والجعد ، واللين الشديد ، والذي بين بين.
ويقوم هذا التقسيم على اعتبار الحركات والسكنات ، فالسبطات هي التي تتوالى فيها
ثلاثة متحركات ، والجعدة هي التي تتوالى فيها أربعة سواكن من جزءين أو ثلاثة من
جزء ـ أي لا يكون بين ساكن منها وآخر إلّا حركة ـ والمعتدلة هي التي تتلاقى فيها
ثلاثة سواكن من جزءين أو ساكنان في جزء ، والقوية هي التي يكون الوقوف في نهاية
أجزائها على وتد أو سببين. والضعيفة هي التي يكون الوقوف في نهاية أجزائها على سبب
واحد ويكون طرفاه قابلين للتغيير . وهذه الحركات والسكنات لها ميزة في السمع وصفة أو صفات
تخصه من جهة ما يوجد له رصانة في السمع أو طيش ، ومن جهة ما يوجد له سباطة وسهولة
أو جعودة وتوعّر. ولما كانت أغراض الشعر مختلفة وجب أن تحاكى تلك الأغراض والمقاصد
بما يناسبها من الاوزان ، وأعلى البحور درجة الطويل والبسيط ويتلوهما الوافر
والكامل ، ومجال الشاعر في الكامل أفسح منه في غيره ، ويتلو ذلك الخفيف. أما
المديد والرمل ففيهما ضعف ولين ، وأما المنسرح ففيه اضطراب وتقلقل ، وفي السريع
والرجز كزازة ، وفي المتقارب سذاجة لتكرار أجزائه وإن كان الكلام فيه حسن الاطراد
، وفي الهزج سذاجة وحدّة ، وفي المجتث والمقتضب حلاوة قليلة على طيش فيهما ، وفي
المضارع قبح ، ولذلك ينبغي أن يصاغ الشعر في الوزن الذي يلائم معناه.
ولم يتحدث
البلاغيون الآخرون مثل هذا الحديث وانما تابعوا قدامة مع أنّ الفلاسفة المسلمين
أشاروا الى هذه المسألة فقال الفارابي وهو يتحدث عن اليونان : «جعلوا لكل نوع من
أنواع الشعر نوعا من أنواع الوزن مثل أنّ أوزان المدائح غير أوزان الأهاجي ،
وأوزان الأهاجي غير أوزان المضحكات وكذلك سائرها» وقال ابن سينا : «واليونانيون كانت لهم أغراض محدودة
فيما يقولون الشعر وكانوا ـ يخصون كل غرض بوزن على حدة ، وكانوا يسمون كل وزن باسم
على حدة» . ولعل حازما أراد أن يثبت غير ما قاله هذان الفيلسوفان
حينما نسبا هذه المزية الى اليونان وحدهم فتحدث عن صلة الوزن بأغراض الشعر العربي
، أو «ائتلاف الوزن مع المعنى» ، ولكنه لم يفصّل القول في ذلك وظل بعيدا عن كشف
أسرار هذا الائتلاف ، وظل البلاغيون الآخرون مرتبطين بما قاله قدامة في هذا الفن.
الابتداء :
ذكر البلاغيون
أنّ الأديب ينبغي أن يتأنّق في ثلاثة مواضع من كلامه حتى يكون أعذب لفظا ، وأحسن
سبكا ، وأصحّ معنى. وهذه المواضع هي : الابتداء ، والتخلص ، والانتهاء.
والابتداء أن
يكون مطلع الكلام شعرا أو نثرا ، أنيقا بديعا ، لأنّه أول ما يقرع السمع فيقبل
السامع على الكلام ويعيه ، وإن كان بخلاف ذلك أعرض عنه ورفضه وإن كان في غاية
الحسن. وقد استحسن القدماء مطلع النابغة الذبياني :
كليني لهمّ
يا أميمة ناصب
|
|
وليل أقاسيه
بطيء الكواكب
|
__________________
ومطلع أشجع
السّلمي :
قصر عليه
تحية وسلام
|
|
خلعت عليه
جمالها الأيام
|
وقالوا إنّ
الابتداءات البارعة التي تقدم أصحابها فيها معروفة ، منها :
أولا : قول
النابغة المتقدم.
ثانيا : قول
علقمة بن عبدة :
طحابك قلب في
الحسان طروب
|
|
بعيد الشباب
عصر حان مشيب
|
ثالثا : قول
امرئ القيس :
قفا نبك من
ذكرى حبيب ومنزل
|
|
بسقط اللّوى
بين الدّخول فحومل
|
رابعا : قول
القطامي :
إنّا محيّوك
فاسلم أيّها الطّلل
|
|
وإن بليت وإن
أعيا بك الطيل
|
خامسا : قول
أوس بن حجر :
أيّتها النفس
أجملي جزعا
|
|
إنّ الذي
تحذرين قد وقعا
|
إنّ الذي جمع
الشجاعة والنج
|
|
دة والحزم
والنّدى جمعا
|
الألمعيّ
الذي يظنّ بك الظّن
|
|
نّ كأن قد
رأى وقد سمعا
|
وقالوا : «لم
يبتدئ أحد من الشعراء بأحسن مما ابتدأ به أوس بن حجر ، لأنّه افتتح المرثية بلفظ
نطق به على المذهب الذي ذهب إليه منها في القصيدة فأشعرك بمرادة في أول بيت» .
سادسا : قول
أبي ذؤيب.
أمن المنون
وريبها تتوجّع
|
|
والدهر ليس
بمعتب من يجزع
|
وقد ابتدأ
كلامه في أوله بما دل على آخر غرضه.
ومثل هذه
الابتداءات كثير في شعر القدماء والمحدثين.
واستقبحوا مطلع
اسحاق الموصلي :
يا دار غيّرك
البلى ومحاك
|
|
يا ليت شعري
ما الذي أبلاك
|
لأنّ القصيدة
في تهنئة المعتصم بالله لما بنى قصره بالميدان وجلس فيه ، وقيل : إنّ المعتصم
تطيّر بهذا الابتداء وأمر بهدم القصر.
وليس ما وقع
فيه اسحاق من قبح الابتداء فريدا بل قد وقع فيه شعراء كبار كالمتنبي قال الثعالبي
: «ولأبي الطيب ابتداءات ليست لعمري من أحرار الكلام وغرره بل هي ـ كما نعاها عليه
العائبون ـ مستشنعة لا يرفع السمع لها حجابه ولا يفتح القلب لها بابه» من ذلك قوله :
هذي برزت لنا
فهجت رسيسا
|
|
ثم انصرفت
وما شفيت نسيسا
|
فانه لم يرض
بحذف علامة النداء من «هذي» حتى ذكر الرسيس والنسيس ، فأخذ بطرفي الثقل والبرد.
وأحسن
الابتداءات ما ناسب المقصود ويسمى «براعة الاستهلال» كقول أبي تمام يهنئ المعتصم
بفتح عمورية وكان أهل التنجيم زعموا أنّها لا تفتح في ذلك الوقت :
السيف أصدق
أنباء من الكتب
|
|
في حدّه
الحدّ بين الجدّ واللّعب
|
بيض الصفائح
لاسود الصحائف في
|
|
متونهنّ جلاء
الشّكّ والرّيب
|
وقول المتنبي
يرثي أم سيف الدولة الحمدانى :
نعدّ
المشرفية والعوالي
|
|
وتقتلنا
المنون بلا قتال
|
__________________
ونرتبط
السوابق مقربات
|
|
وما ينجين من
خبب الليالي
|
وهذا ما ذهب
اليه البلاغيون وأكّدوه . ومنهم من يسمي هذا الفن «حسن المطالع والمبادي»
كالثعالبي الذي عقد فصلا للكلام على ابتداءات المتنبي الحسنة ، وابن قيم الجوزية
الذي قال عنه : «وذلك دليل على جودة البيان وبلوغ المعاني الى الاذهان ، فانه أول
شيء يدخل الأذن ، وأول معنى يصل الى القلب ، وأول ميدان يجول فيه تدبر العقل» .
وقسمه الى
قسمين :
الأول : جليّ
كقوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ) ، وأكثر مطالع سور القرآن الكريم على هذا النمط.
الثاني : خفّي
كقوله تعالى : (الم. ذلِكَ الْكِتابُ) ، وما يجري مجرى ذلك من السور التي افتتحت بالحروف
المفردة والمركبة.
الإبداع :
الابداع من «أبدع»
وهو أن يأتي الشاعر بالبديع ، والبديع : الشيء الذي يكون أولا .
والابداع سمة
الشاعر المبتكر والكاتب المقتدر ، وقد وضعه البلاغيون والنقاد في قمة الانتاج وإن
كان قليلا إذا قيس بغيره. قال ابن رشيق : «الابداع : هو اتيان الشاعر بالمعنى
المستظرف الذي لم تجر العادة بمثله. ثم لزمته هذه التسمية حتى قيل له بديع وإن كثر
وتكرر فصار الاختراع للمعنى والابداع للفظ ، فاذا تمّ للشاعر أن يأتي بمعنى مخترع
في لفظ بديع فقد استولى على الأمد وحاز قصب السبق» .
وقال الوطواط :
«قال أرباب البيان إنّ هذه الصنعة عبارة عن نظم المعاني البديعة في ألفاظ حسنة
بعيدة عن التكلف. وفي رأيي أنّ ذلك لا يدخل في جملة الصناعات لأنّ كلام العقلاء
والفضلاء سواء المنظوم منه أو المنثور يجب أن يكون على هذا النسق فان لم يكن كذلك
اعتبر من أحاديث العوام» .
وقسم ابن
الأثير المعاني الى ضربين :
أحدهما :
يبتدعه مؤلف الكلام من غير أن يقتدي فيه بمن سبقه وهذا الضرب ربما يعثر عليه عند
الحوادث المتجددة ويتنبه له عند الامور الطارئة.
ومن ذلك ما ورد
في شعر أبي تمام في وصف مصلّبين :
بكروا وأسروا
في متون ضوامر
|
|
قيدت لهم من
مربط النّجار
|
لا يبرحون
ومن راهم خالهم
|
|
أبدا على سفر
من الأسفار
|
وهذا المعنى
مما يعثر عليه عند الحوادث المتجددة ، والخاطر في مثل هذا المقام ينساق الى المعنى
المخترع من غير كلفة كبيرة لشاهد الحال الحاضرة.
ومن هذا الضرب
ما جاء في شعر المتنبي وفي وصفه الحمّى ، وهو قوله :
وزائرتي كأنّ
بها حياء
|
|
فليس تزور
إلا في الظلام
|
بذلت لها
المطارف والحشايا
|
|
فعافتها
وباتت في عظامي
|
كأنّ الصّبح
يطردها فتجري
|
|
مدامعها
بأربعة سجام
|
أراقب وقتها
من غير شوق
|
|
مراقبة
المشوق المستهام
|
__________________
وأما الضرب
الثاني وهو الذي يحتذى فيه على مثال سابق ومنهج مطروق فذلك جلّ ما يستعمله مؤلفو
الكلام ، ولذلك قال عنترة :
هل غادر
الشعراء من متردم
|
|
أم هل عرفت
الدار بعد توهّم
|
ولكن قول من
قال : «لم يترك المتقدم للمتأخر شيئا» لا يؤخذ به ؛ لأنّ في كل زمان جديدا وفي كل
عصر بديعا.
وقال المصري : «هو
أن تكون مفردات كلمات البيت من الشعر أو الفصل من النثر أو الجملة المفيدة متضمنة
بديعا بحيث تأتي في البيت الواحد والقرينة الواحدة عدة ضروب من البديع بحسب عدد
كلماته أو جملته ، وربما كان في الكلمة الواحدة المفردة ضربان فصاعدا من البديع
ومتى لم تكن كل كلمة بهذه المثابة فليس بابداع» . واستخرج أحدا وعشرين ضربا من المحاسن في قوله تعالى (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ،
وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ، وَاسْتَوَتْ عَلَى
الْجُودِيِّ ، وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). ومن هذه الفنون : المناسبة والمطابقة والاستعارة
والتمثيل والارداف والتعليل وصحة التقسيم .
وقال السبكي : «هو
ما يبتدع عند الحوادث المتجددة كالامثال التي تخترع وتضرب عند الوقائع» ، وهذا ما أفاض في الحديث عنه ابن الأثير عند ما تكلم
على المعاني.
وذكر السيوطي
أنّ الطيّبي سمّى هذا الفن إبداعا ، وسماه أهل البديعيات «سلامة الاختراع» ، ولكن تعريفهم للأخير يخرجه من الأول الذي عرّفه
المصري ومن سار على نهجة تعريفا يختلف عن تعريف سلامة الاختراع ، قال المدني : «هذا
النوع عبارة عن أن يخترع الشاعر معنى لم يسبق اليه ، وسماه بعضهم الابداع وهو اسم
مطابق للمسمى غير أنّ أصحاب البديعيات وكثيرا من علماء البديع اصطلحوا على جعل
الابداع اسما للاتيان في البيت الواحد والفقرة الواحدة بعدة أنواع من البديع ،
وسمّوا هذا النوع بسلامة الاختراع ، ولكل ما اصطلح» .
فالابداع عند
بعضهم هو سلامة الاختراع ، والابداع عند آخرين هو أن يكون البيت من الشعر أو الفصل
من النثر مشتملا على عدة ضروب من البديع وهو ما ذهب اليه المصري وتبعه فيه أصحاب
البديعيات ، ولذلك كان للابداع وسلامة الاختراع تعريفان مختلفان عندهم وإن ذهب
المدني الى ان «الابداع» اسم مطابق للمسمى ، غير أنّه خصّ بضروب البديع ، وخص
سلامة الاختراع بالمعنى الجديد.
الإبدال :
الابدال من «أبدل»
وأبدل الشي وبدّله : تخذه منه بدلا ، وأبدلت الشي بغيره وبدّله الله من الخوف أمنا
، وتبديل الشيء : تغييره ، وان لم تأت ببدل .
وقد أدخله
المتأخرون في فنون البديع وقالوا في تعريفه إنّه «إقامة بعض الحروف مقام بعض» ،
وجعل منه ابن فارس «فانفلق» أي : فانفرق ، ولذلك قال تعالى : (فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ
كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ). وعن
__________________
الخليل بن احمد في قوله تعالى : (فَجاسُوا خِلالَ
الدِّيارِ) انّه أريد فحاسوا ، فقامت الجيم مقام الحاء. وحكي عن
أبي رياش في قول امرئ القيس :
وإن تك قد
ساءتك مني خليقة
|
|
فسلّي ثيابي
من ثيابك تنسل
|
معناه «تنسلل»
فأخرج اللام الثانية ياء لكسرة اللام الأولى. ومثله قول الآخر :
وإنّي لاستنعى
وما بي نعسة
|
|
لعلّ خيالا
منك يلقى خياليا
|
أراد : استنعس
، فاخرج السين ياءا .
وليس هذا من
فنون البديع بل هو من الدراسات اللغوية ، ولذلك بحثه ابن فارس في كتابه «الصاحبي»
وتحدث عنه اللغويون في مباحثهم ، ولكن الباحثين في علوم القرآن كالزركشي والسيوطي عدوه
من البديع وبحثوه مع التفويف وتأكيد المدح بما يشبه الذم والتقسيم والتدبيج.
إبراز الكلام
في صورة المستحيل :
قد يبرز الكلام
في صورة المستحيل وذلك على طريق المبالغة ليدل على بقية جمله ، كقوله تعالى : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى
يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) وغالى بعض الشعراء في وصف النحول فقال :
ولو أنّ ما
بي من جوى وصبابة
|
|
على جمل لم
يبق في النار خالد
|
وهذا الفن من
صور المبالغة المتناهية ، ولكنّ الزركشي تحدث عنه في فنون البديع .
الإبهام :
الابهام بالباء
الموحدة وهو الكلام الموهم لأنّ له أكثر من وجه ، وابهام الامر أن يشتبه فلا يعرف
وجهه وقد أبهمه ، واستبهم عليهم الأمر : لم يدروا كيف يأتون له ، واستبهم عليه
الأمر أي : استغلق .
والابهام عند
البلاغيين «إيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين» ، وسماه السكاكي التوجيه ، وسماه السيوطي كذلك. ولعله
يريد السكاكي حينما قال عن التوجيه : «وعرّفه قوم بان يحتمل الكلام وجهين متباينين
من المعنى احتمالا مطلقا من غير تقييد بمدح أو ذم أو غيره». وذكر تعريفا آخر ينطبق
على الابهام فقال : «وقوم بأن يحتمل معنيين أحدهما مدح والآخر ذم ، وهذا رأي لا
نرضاه. والذي عليه حذّاق الصنعة وأصحاب البديعيات وأولهم الصفي الحلي أنّ هذا
التفسير للنوع المسمى بالابهام ـ بالباء الموحدة ـ كما اخترعه ابن أبي الاصبع
وسماه وعرّفه بذلك» . وقد فرّق المصري بين الابهام والاشتراك فقال : «الاشتراك
لا يقع إلّا في لفظة مفردة لها مفهومان لا يعلم أيهما أراد المتكلم ، والابهام لا
يكون إلّا في الجمل المؤتلفة المفيدة ويختص بالفنون كالمدح والهجاء والعتاب
والاعتذار والفخر والرثاء والنسب وغير ذلك ، ولا كذلك الاشتراك» ، أي : أنّ الابهام عنده «أن يقول المتكلم كلاما يحتمل
معنيين متضادين لا يتميز أحدهما على الآخر ولا يأتي في كلامه بما يحصل به التمييز
فيما بعد ذلك بل يقصد ابهام الأمر فيهما قصدا» .
__________________
وسار البلاغيون
على خطا المصري في التسمية والتعريف ، وقال المدني : «وزاد بعضهم : وينبغي أن يكون المراد
انه إذا جرد عن القرائن ولم ينظر الى القائل والمقول فيه كان احتماله للمعنيين على
السوية» . وعقد العلوي فصلا للابهام والتفسير وقال : «إنّ المعنى
المقصود إذا ورد في الكلام مبهما فانه يفيده بلاغة ويكسبه إعجابا وفخامة ، وذلك
لانه إذا قرع السمع على جهة الابهام فان السامع له يذهب في إبهامه كل مذهب. ومصداق
هذه المقالة قوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ
ذلِكَ الْأَمْرَ) ثم فسّره بقوله : «أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين» .
ولكن الابهام
عند البلاغيين المتأخرين ولا سيما أصحاب البديعيات هو ما ذهب اليه المصري الذي ذكر
له قول الشاعر مثالا :
جاء من زيد
قباء
|
|
ليت عينيه
سواء
|
فما علم هل
أراد أنّ الصحيحة تساوي السقيمة أو العكس.
ومن إبهام
العرب قول رجل من بني عبد شمس بن سعد بن تميم :
تضيّفني وهنا
فقلت أسابقي
|
|
الى الزاد
شلّت من يديّ الأصابع
|
ولم تلق
للسعديّ ضيفا بقفرة
|
|
من الأرض
إلّا وهو صديان جائع
|
فانّ ظاهر
الشعر مبهم معناه فيظن سامعه أنه أراد ضيفا من البشر فيكون قد هجا به نفسه ، وانما
هو يصف ذئبا غشي رحله في الليل وهو بالقفر ، وهذا فخر محض.
وكان ابن
الأثير قد ذكر هذا الفن في الفصل الذي عقده للحكم على المعاني وقال إنّ المتنبي
كثيرا ما يقصد الابهام في كافورياته ، ومن ذلك قوله في كافور :
فما لك تعنى
بالأسنّة والقنا
|
|
وجدّك طعّان
بغير سنان
|
فان هذا بالذم
أشبه منه بالمدح لانه يقول : «لم تبلغ ما بلغته بسعيك واهتمامك بل بجد وسعادة ،
وهذا لا فضل فيه ؛ لان السعادة تنال الخامل والجاهد ومن لا يستحقها» .
ومن أمثلة
الابهام التي ذكرها المدني قوله تعالى حكاية عن اليهود : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ
الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ، وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ
مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ). قال الزمخشري : «قولهم : «غير مسمع» حال من المخاطب ،
أي اسمع وأنت غير مسمع ، وهو قول ذو وجهين ، يحتمل الذم أي : اسمع منا مدعوا عليك
ـ بلا سمعت ـ لانه لو أجيبت دعوتهم عليه لم يسمع فكان أصمّ غير مسمع. قالوا ذلك
اتكالا على أنّ قولهم ـ لا سمعت ـ دعوة مستجابة او اسمع غير مجاب الى ما تدعو
اليه. ومعناه غير مسمع جوابا يوافقك فكأنك لم تسمع شيئا ، أو اسمع غير مسمع كلاما
ترضاه فسمعك عنه ناب. ويجوز على هذا أن يكون «غير مسمع» مفعول «اسمع» أي : اسمع
كلاما غير مسمع اياك لأنّ أذنك لا تعيه نبوّا عنه. ويحتمل المدح أي :اسمع كلاما
غير مسمع مكروها ، من قولك اسمع فلان فلانا إذا سبّه. وكذلك قولهم «راعنا» يحتمل
راعنا نكلمك أي ارقبنا وانتظرنا ، ويحتمل شبه كلمة عبرانية أو سريانية كانوا
يتسابّون بها وهي راعينا ، فكانوا سخرية بالدين وهزؤا برسول الله ـ صلّى الله
__________________
عليه وسلم ـ يكلمونه بكلام محتمل ينوون به الشتيمة والاهانة ويظهرون به
التوقير والاكرام. ليا بألسنتهم : فتلا بها وتحريفا ، أي يفتلون بألسنتهم الحق الى
الباطل حيث يضعون «راعنا» موضع «انظرنا» و «غير مسمع» موضع : لا أسمعت مكروها. أو
يفتلون بالسنتهم ما يضمرونه من الشتم الى ما يظهرونه من التوقير نفاقا.
فان قلت : كيف
جاءوا بالقول المحتمل ذي الوجهين بعد ما صرّحوا وقالوا : سمعنا وعصينا؟
قلت : جميع
الكفرة كانوا يواجهونه بالكفر والعصيان ولا يواجهونه بالسبّ ودعاء السوء. ويجوز أن
يقولوه فيما بينهم ، ويجوز أن لا ينطقوا بذلك ولكنهم لما لم يؤمنوا جعلوا كأنهم
نطقوا به» .
ومنه قول النبي
ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقد ذكر عنده سريح بن الحضرمي وهو من الصحابة : «ذاك
رجل لا يتوسّد القرآن» فيحتمل وجهين ذكرهما ثعلب عن ابن الأعرابي : أحدهما : المدح
وهو انه لا ينام الليل حتى يتوسد القرآن معه فيكون مدحا.
والثاني : الذم
وهو انه ينام ولا يتوسده معه أي لا يحفظه فيكون ذما.
ومن أمثلة
الابهام قول محمد بن حازم الباهلي في الحسن بن سهل حين تزوج المأمون بابنته بوران
:
بارك الله
للحسن
|
|
ولبوران في
الختن
|
يا ابن هرون
قد ظفر
|
|
ت ولكن ببنت
من
|
فلا يعلم ما
أراد بـ «بنت من» في الرفعة أو في الحقارة ، ولما نمي هذا الشعر الى المأمون قال :
«والله ما ندري أخيرا أراد أم شرا؟».
ومن ذلك قول
الشاعر :
ويرغب أن يبني
المعالي خالد
|
|
ويرغب أن
يرضى صنيع الألائم
|
فان هذا يحتمل
المدح والذم لانه إن قدّر «في» أولا و «عن» ثانيا فمدح وإن عكس فذم إذ يقال : رغب
فيه ورغب عنه.
ومنه قول
المتنبي في مدح كافور :
ويغنيك عما
ينسب الناس أنه
|
|
اليك تناهى
المكرمات وتنسب
|
فقد يريد به
المدح ، أو السخرية أي : انه لا نسب لكافور.
وقوله :
وما طربي لما
رأيتك بدعة
|
|
لقد كنت أرجو
أن أراك فأطرب
|
فقد يحتمل
السخرية والاستهزاء ، أو المدح.
وقوله :
وغير كثير أن
يزورك راجل
|
|
فيرجع ملكا
للعراقيين واليا
|
فظاهر البيت
أنّ من رأى كافورا أفاد منه كسب المعالي ، وباطنه أنّ من رآه على ما به من النقص
وقد صار الى الملك ضاق صدره أن يقصر عما بلغه وأن لا يتجاوز ذلك الى كسب المكارم ،
وكذلك إذا رآه راجل لا يستكثر لنفسه أن يرجع واليا على العراقين.
والابهام فن
بديع متسع الباب ، والأديب البارع يقدر أن ينزع فيه مذاهب مختلفة ، ويفتح أبوابا
موصدة.
الاتّساع :
قال ابن رشيق :
«هو أن يقول الشاعر بيتا يتسع فيه التأويل فيأتي كل واحد بمعنى وانما يقع ذلك
لاحتمال اللفظ وقوته واتساع المعنى» .
وقال المصري : «هو
أن يأتي الشاعر ببيت يتسع فيه
__________________
التأويل على قدر قوى الناظر فيه وبحسب ما تحتمل ألفاظه» .
وقال السبكي : «هو
كل كلام تتسع تأويلاته فتتفاوت العقول فيها لكثرة احتمالاته لنكتة ما كفواتح السور»
.
وقال الحموي : «هذا
النوع أي الاتساع يتسع فيه التأويل على قدر قوى الناظر فيه وبحسب ما تحتمل ألفاظه
من المعاني» .
وقال السيوطي :
«هو أن يأتي بلفظ يتسع فيه التأويل بحسب قوى الناظر فيه وبحسب ما يحتمل اللفظ من
المعاني كما وقع في فواتح السور» .
وقال المدني : «هذا
النوع عبارة عن أن يأتي المتكلم في كلامه نثرا كان أو نظما بلفظ فأكثر يتسع فيه
التأويل بحسب ما يحتمله من المعاني» .
وهذه التعريفات
ترجع الى ما بدأه ابن رشيق وقرره المصري ، وهي تشير الى أنّ الاتساع يشمل الشعر
والنثر ، فمن ذلك قوله تعالى : (وَالشَّفْعِ
وَالْوَتْرِ) فقد اتسع التأويل في هاتين اللفظتين على ثلاثة وعشرين
قولا ذكرها المدني وهي :
١ ـ هما الزوج
والفرد من العدد ، وهذا تذكير بالحساب لعظم نفعه.
٢ ـ هما كل ما
خلقه الله ، لأنّ الأشياء إمّا زوج أو فرد.
٣ ـ الشفع هو
الخلق لكونه أزواجا ، والوتر هو الله تعالى وحده.
٤ ـ إنّ الشفع
صفات الخلق لتبديلها بأضدادها كالقدرة والعجز ، والوتر صفات الله تعالى.
٥ ـ إنهما
الصلاة ؛ لأنّ فيها شفعا ووترا.
٦ ـ إنّ الشّفع
النحر ، والوتر يوم عرفة.
٧ ـ إنّ الشفع
يوم التروية والوتر يوم عرفة.
٨ ـ إنّ الشفع
شفع العشر الآخر من شهر رمضان ، والوتر وترها.
٩ ـ إنّ الشفع
الليالي والايام ، والوتر يوم القيامة.
١٠ ـ إنّ الشفع
شفع العشر التي أتمّ الله بها ليالي موسى ، والوتر وترها.
١١ ـ إنّ الشفع
الصفا والمروة ، والوتر البيت الحرام.
١٢ ـ إنّ الشفع
قوله تعالى : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي
يَوْمَيْنِ) والوتر من تأخر الى اليوم الثالث.
١٣ ـ إنّ الشفع
آدم وحواء ، والوتر هو الله تعالى.
١٤ ـ إنّ الوتر
آدم ، والشفع شفع بحواء.
١٥ ـ إنّ الشفع
الركعتان من صلاة المغرب ، والوتر الركعة الثالثة.
١٦ ـ إنّ الشفع
درجات الجنان ، لأنّها كلها شفع ، والوتر دركات النار لأنّها وتر.
١٧ ـ إنّ الشفع
هو الله وهو الوتر أيضا.
١٨ ـ إنّ الشفع
مسجدا مكة والمدينة ، والوتر مسجد بيت المقدس.
١٩ ـ إنّ الشفع
القران في الحج والتمتع فيه ، والوتر الإفراد فيه.
٢٠ ـ إنّ الشفع
الفرائض ، والوتر السّنن.
٢١ ـ إنّ الشفع
الاعمال ، والوتر النية وهو الاخلاص.
٢٢ ـ إنّ الشفع
العبادة التي تتكرر كالصوم والصلاة والزكاة ، والوتر العبادة التي لا تتكرر كالحج.
__________________
٢٣ ـ إنّ الشفع
الروح والجسد إذا كانا معا ، والوتر الروح بلا جسد ، فكأنه ـ تعالى ـ أقسم بها في
حالتي الاجتماع والافتراق.
ومن الاتساع
فواتح السور المشتملة على حروف التهجي ، فانّ التأويل فيها متسع أيضا.
ومن أمثلته
الشعرية قول امرئ القيس :
مكر مفر مقبل
مدبر معا
|
|
كجلمود صخر
حطّه السيل من عل
|
فانه أراد أنّه
يصلح للكر والفر ويحسن مقبلا مدبرا ، ثم قال «معا» أي جميع ذلك فيه وشبهه في سرعته
وشدة جريه بجلمود صخر حطه السيل من أعلى الجبل ، فاذا انحط من عال كان شديد السرعة
فكيف اذا أعانته قوة السيل من ورائه. وذهب قوم الى أنّ معنى قوله : «كجلمود صخر
حطّه السيل من عل» انما هو الصلابة ؛ لان الصخر عندهم كلما كان أظهر للشمس والريح
كان أصلب. وقال بعضهم : إنّما أراد الافراط فزعم أنّه يرى مقبلا ومدبرا في حال
واحدة عند الكر والفر لشدة سرعته واعترض على نفسه واحتج بما يوجد عيانا فمثّله
بالجلمود المنحدر من قنة الجبل ، فانك ترى ظهره في النصبة على الحال التي ترى فيها
بطنه وهو مقبل اليك. وقال ابن رشيق بعد هذه التفسيرات : «ولعل هذا ما مرّ ببال امرئ
القيس ، ولا خطر في وهمه ، ولا وقع في خلده ولا روعه» . وقال المصري أيضا : «ولم تخطر هذه المعاني بخاطر
الشاعر في وقت العمل ، وانما الكلام إذا كان قويا من مثل هذا الفحل احتمل لقوته
وجوها من التأويل بحسب ما تحتمل ألفاظه وعلى مقدار قوى المتكلمين فيه ولذلك قال
الاصمعي : «خير الشعر ما أعطاك معناه بعد مطاولة» .
ومنه قول
الحماسي :
بيض مفارقنا
تغلي مراجلنا
|
|
نأسوا
بأموالنا آثار أيدينا
|
فانّ التأويل
اتسع في قوله : «بيض مفارقنا» فقيل : أراد بذلك الطهارة والعفاف ، كقولهم : أبيض
العرض والشيم والحسب. وقيل : أراد أنّهم كهول ومشايخ قد حنكهم التجارب وليسوا
بالاغمار ، وقيل : أراد أنّهم ليسوا بعبيد لأنّ فرق الانسان اذا كان أبيض كان جميع
جسده أبيض. وقيل : انحسار الشعر عن مقدم رؤوسهم لمداومتهم لبس البيض والمغافر.
وقيل :معناه نحن كرام نكثر استعمال الطيب فابيضت مفارقنا لذلك. وقيل : نحن مكشوفو
الرؤوس لا عيب فينا فعبّر عن النقاء بالبياض.
ومن ذلك قول
المتنبي يذكر الروم :
وقد بردت فوق
اللقان دماؤهم
|
|
ونحن أناس
نتبع البارد السّخنا
|
أراد : أنّا
نتبع البارد من الدماء سخنا ، كأنه يتوعدهم بقتل آخر ، فيكون قد أخذه من قول سويد
بن كراع يصف كلابا وثورا :
فهزّ عليه
الموت والموت دونه
|
|
على روقه منه
مذاب وجامد
|
ويعني بالمذاب
الحار ، وبالجامد البارد ، ويجوز أن يكون المتنبي أراد : ونحن أناس نتبع البارد من
الطعام سخنا ، وكذلك أيضا عادتنا في الدماء.
اتّساق البناء
:
يقال : وسق
الليل واتّسق أي انضم ، والطريق يأتسق ويتسق : ينضم ، واتسق القمر : استوى ،
واتساق القمر : امتلاؤه واجتماعه واستواؤه ليلة ثلاث عشرة وأربع عشرة ، وقال
الفراء : الى ست عشرة فيهن امتلاؤه واتساقه .
__________________
وذكر قدامة «اتساق
البناء» وقرنه بالسجع ولم يعرفه وانما قال إنّه كقول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لجرير بن عبد الله البجلي : «خير الماء الشبم ، وخير
المال الغنم ، وخير المرعى : الأراك والسلم ، إذا سقط كان لجينا ، واذا يبس كان
درينا ، واذا أكل كان لبينا» .
اتّساق النّظم
:
هذا الفن من
صفات الشعر الجيد ، وقد ذكره ثعلب وقال إنّه «ما طاب قريضه ، وسلم من السناد
والاقواء والاكفاء والاجازة والايطاء وغير ذلك من عيوب الشعر ، وما قد سهّل العلماء
إجازته من قصر ممدود ، ومدّ مقصور ، وضروب أخر كثير وإن كان ذلك قد فعله القدماء
وجاء عن فحولة الشعراء» .
ومعظم الشعر
يتصف باتساق النظم ، ولا يخرج منه إلا ما وقع فيه عيب أو ضرورة.
الاتّفاق :
الاتّفاق :
التوافق والتظاهر ، والوفاق الموافقة ، ووفق الشيء ما لاءمه ، وقد وافقه موافقة
ووفاقا واتفق معه وتوافقا .
والاتفاق : «هو
أن يتفق للشاعر شيء لا يتفق عاجلا كثيرا» ، وقد سماه ابن منقذ وابن قيم الجوزية «الاتفاق
والاطراد» ، وقد عرفه الأول بما تقدم وعرّفه الثاني بمثل ذلك التعريف .
وسماه المصري
والسيوطي والمدني «الاتفاق» وعرفوه بما يشبه التعريف السابق فقال المصري : «هو أن
تتفق للشاعر واقعة تعلمه العمل في نفسها فان للسبق الى معاني الوقائع التي يشترك
الناس في مشاهدتها أو سماعها فضلا لا يجحد كما اتفق لبعض شعراء مصر ، ويقال إنه
الرضي بن أبي حصينة وقد أغزى الملك الناصر صلاح الدين حاجبه حسام الدين لؤلؤ
الافرنج الذين قصدوا الحجاز من بحر القلزم ، فظفر الحاجب بهم فقال ابن أبي حصينة
في تهنئته مخاطبا للافرنج :
عدوكم لؤلؤ
والبحر مسكنه
|
|
والدرّ في
البحر لا يخشى من الغير
|
ثم قال بعد
أبيات مخاطبا الملك الناصر ـ رحمهالله ـ.
فامر حسامك
أن يحظى ينحرهم
|
|
فالدرّ مذ
كان منسوب الى البحر
|
ثم قال : «ومن
الاتفاق ان يتفق للشاعر أسماء لممدوحه ولآبائه يمكنه أن يستخرج منها مدحا لذلك
الممدوح ولو لم تتفق تلك الاسماء على ما هي عليه لما اتفق استخراج ذلك المدح كقول
أبي نواس :
عبّاس عبّاس
إذا احتدم الوغى
|
|
والفضل فضل
والربيع ربيع
|
وقد وقع في هذا
البيت مع لطيف الاتفاق مليح الازدواج في قوله : «عباس عباس» و «الفضل فضل» و «الربيع
ربيع». ولأبي نواس من القسم الاول من الاتفاق ما لم يتفق مثله في مرثية يرثي بها
خلفا الاحمر :
وكان مما مضى
لنا خلفا
|
|
وليس إذ بان
منه من خلف
|
__________________
فانه اتفق له
من اسم المرثي تورية حسّنت موقع هذا البيت الى أن أتى في الطبقة العليا والغاية
القصوى». ونقل الحموي هذا التعريف .
وقال السيوطي :
«وهو عزيز الوقوع جدا ، وهو أن يتفق للشاعر واقعة واسم مطابق لتلك الواقعة» .
وقال المدني : «هذا
النوع وإن سمي بالاتفاق إلّا أنّه قليل الاتفاق لعزة وقوعه ، وهو عبارة عن أن يتفق
للمتكلم واقعة وأسماء يطابقها إما مشاهدة أو سماعا» .
ومن أمثلة ذلك
قول أبي تمام :
لسلمى سلامان
وعمرة عامر
|
|
وهندبني هند
وسعدى بني سعد
|
ومن ذلك ما
اتفق للشيخ شمس الدين الكوفي الواعظ في الوزير مؤيد الدين العلقمي حيث قال :
يا عصبة
الاسلام نوحي والطمي
|
|
حزنا على ما
حلّ بالمستعصم
|
دست الوزارة
كان قبل زمانه
|
|
لابن الفرات
فصار لابن العلقمي
|
فاتفق أنّ
المذكورين كانا وزيرين وأنّ المورّى بهما نهران ، وقد طابق الناظم بينهما بالفرات
الحلو والعلقم المر.
الاتّكاء :
الاتّكاء :
الاحتمال على الشيء والاعتماد عليه ، يقال : توكأ على الشيء واتكأ : تحمل واعتمد
فهو متكئ ، واتكأت الرجل اتكاء إذا وسّدته حتى يتكئ .
والاتكاء الحشو
الذي يحتمل عليه ويعتمد ، قال ابن رشيق هو : «أن يكون في داخل البيت من الشعر لفظ
لا يفيد معنى وانما أدخله الشاعر لاقامة الوزن ، فان كان ذاك في القافية فهو
استدعاء. وقد يأتي في حشو البيت ما هو زيادة في حسنه وتقوية لمعناه» .
ومن ذلك قول
ابن المعتز :
صببنا عليها
ظالمين سياطنا
|
|
فطارت بها
أيد سراع وأرجل
|
فقوله «ظالمين»
حشو أقام به الوزن وبالغ في المعنى أشد مبالغة من جهته.
إثبات الشّيء
للشّيء :
سماه المصري «اثبات
الشيء للشيء ينفيه عن غير ذلك الشيء» ، وقد عرّفه بقوله : «هو أن يقصد المتكلم أن
يفرد انسانا بصفة مدح لا يشركه فيها غيره فينفي تلك الصفة في أول كلامه عن جميع
الناس ويثبتها له خاصة» .
وذكر السبكي
هذا الفن ولم يعرفه ، واكتفى بذكر مثال له .
ومثاله قول
الخنساء في أخيها صخر :
وما بلغت كفّ
امرئ متناولا
|
|
من المجد
إلّا والذي نلت أطول
|
وما بلغ
المهدون للناس مدحة
|
|
وإن أطنبوا
إلّا الذي فيك أفضل
|
فتناوله أبو
نواس فقال في الأمين :
إذا نحن
أثنينا عليك بصالح
|
|
فأنت كما
نثني وفوق الذي نثني
|
وإن جرت
الألفاظ منا بمدحة
|
|
لغيرك انسانا
فأنت الذي نعني
|
__________________
قال المصري : «ومن
هذا الباب قسم يقع في التشبيه والاخبار ، وهو أن يكون للمشبه أو المخبر عنه صفات
فيعمد المتكلم الى نفي بعضها نفيا يلزم منه اثبات ما في تلك الصفات له ، كقول رسول
الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لعلي ـ عليهالسلام ـ «اما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنّه
لا نبيّ بعدي» فسلبه النبوة مستثنيا لها من جميع ما كان لها من موسى ـ عليهماالسلام ـ ومن القسم الأول من هذا الباب جميع معجزات الرسل ـ صلوات
الله عليهم وسلامه ـ هي ، فان صورة المعجزة تنسب للنبي الذي جاءت على يده وتعدّ من
فعله مجازا ، وهو في الحقيقة فعل الله تعالى ، ومن ذلك في الكتاب العزيز قوله
تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ
رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) ، فاثبت الرمي للنبي صلىاللهعليهوسلم ـ إذ جاءت صورته على يده ونفى معناه عنه إذ كان لا
يتأتى مثل ذلك الرمي إلا من الله سبحانه ، فان كل حصاة أصابت عين كل انسان من
القوم ، وهذا لا يكون إلّا من فعل الله تعالى» .
وذكر المصري
أنّ هذا الفن من مبتدعاته وسماه في «تحرير التحبير» : باب السلب والإيجاب وعرفه
مثل تعريف الأول فقال : «هو ان يقصد المادح أن يفرد ممدوحه بصفة مدح لا يشركه فيها
غيره فينفيها في أول كلامه عن جميع الناس ويثبتها لممدوحه بعد ذلك» . وذكر الأمثلة السابقة وأكملها بقول الشاعر :
فصرت كأني
يوسف بين إخوتي
|
|
ولكن تعدّتني
النبوّة والحسن
|
فسلب نفسه
هاتين الصفتين من صفات يوسف ـ عليهالسلام ـ ليثبت ما عداهما مما امتحن به يوسف من اخوته ، وهذا
البيت وإن كان من شواهد الاستدراك فهو مما يليق أن يستشهد به ههنا.
ومن ذلك قول
ابن الرومي :
كأنّا مع
الجدران في جنباته
|
|
دمى في
انقطاع الرزق لا في المحاسن
|
لما كانت الدمى
موصوفة بهاتين الصفتين وكانت احداهما لائقة بالمعنى الذي قصده أثبتها ونفى ما
عداها من الصفة التي لا تليق بغرضه.
ولكنّ هذين
الفنين فن واحد وقد استدرك المصري على نفسه في الحاشية فقال : «قد عثرت على أنّ
هذا الباب لمن تقدمني من جهة تسميته لا من جهة شواهده فسميته «اثبات الشيء للشيء
بنفيه عن غير ذلك الشيء وتنزل باب السلب والايجاب بعد باب الاستثناء في أبواب من
تقدمني». ولكنّ الأمثلة التي ذكرها للفنين واحدة ، وبذلك لم يكن هذا الفن من
مبتدعاته أو مختلفا عن السلب والايجاب.
الإجازة :
الاجازة مشتقة
المعنى من الاجازة في السقي ، يقال : أجاز فلان فلانا إذا سقى له أو سقاه. ويقال
للذي يرد على أهل الماء فيستقي : مستجيز ، قال القطامي :
وقالوا فقيم
قيّم الماء فاستجز
|
|
عبادة إنّ
المستجيز على قتر
|
ويجوز أن يكون
من «أجزت عن فلان الكأس» إذا تركته وسقيت غيره ، فجازت عنه دون أن يشربها.
والاجازة في
الشعر أن تتم مصراع غيرك ، وقيل :الاجازة في الشعر أن يكون الحرف الذي يلي حرف
الروي مضموما ثم يكسر أو يفتح ويكون حرف الرويّ
__________________
مقيدا. والاجازة في قول الخليل : أن تكون القافية طاء والأخرى دالا ونحو
ذلك ، وهو الاكفاء في قول أبي زيد ، ورواه الفارسي : الاجازة بالراء غير معجمة .
فالاجازة «بناء
الشاعر بيتا أو قسيما يزيده على ما قبله ، وربما أجاز بيتا أو قسيما بأبيات كثيرة»
. فأما ما أجيز فيه قسيم بقسيم فقول بعضهم لأبي العتاهية :أجز : «برد الماء
وطابا» ، فقال : «حبّذا الماء شرابا». وأما ما أجيز فيه بيت ببيت فقول حسان بن
ثابت وقد أرق ذات ليلة :
متاريك أذناب
الامور إذا اعترت
|
|
أخذنا الفروع
واجتنبنا أصولها
|
وأجبل فقالت
ابنته : يا أبت ألا أجيزك عنه؟ فقال : أو عندك ذاك؟ قالت : بلى. قال : فافعلي ،
فقالت :
مقاويل
للمعروف خرس عن الخنا
|
|
كرام يعاطون
العشيرة سولها
|
قال : فحمى
الشيخ عند ذاك فقال :
وقافية مثل
السنان ردفتها
|
|
تناولت من
جوّ السماء نزولها
|
فقالت ابنته :
براها الذي
لا ينطق الشعر عنده
|
|
ويعجز عن
أمثالها أن يقولها
|
وذكر أنّ
العباس بن الأحنف دخل على الذلفاء فقال : أجيزي عني هذا البيت :
أهدى له
أحبابه أترجّة
|
|
فبكى وأشفق
من عيافة زاجر
|
فقالت غير
مفكرة :
خاف التلوّن
إذ أتته لأنّها
|
|
لونان باطنها
خلاف الظاهر
|
وأما ما أجيز
فيه قسيم بيت ببيت ونصف فقول الرشيد للشعراء : أجيزوا : «الملك لله وحده» فقال
الجماز :وللخليفة بعده
وللمحب إذا
ما
|
|
حبيبه بات
عنده
|
واستجاز سيف
الدولة أبا الطيب قول العباس بن الأحنف :
أمنّي تخاف
انتشار الحدي
|
|
ث ؛ وحظي في
ستره أوفر
|
فصنع القصيدة
المشهورة :
هواك هواي
الذي أضمر
|
|
وسرّك سرّي
فما أظهر
|
إلا أنّه خرج
فيها عن المقصد.
والاجازة ليست
فنا بديعيا كالجناس أو التورية وانما يدخل في الكلام على الشعر ، ولم يدخل في
المعجم إلّا لانه قرن الى التضمين كما فعل ابن رشيق حينما عقد بابا واحدا للاجازة
والتضمين.
الاجتلاب :
اجتلاب الشعر
سوقه واستمداده من الغير ، وهو من اجتلب أي ساق واستمد .
وقرن الحاتمي
والصنعاني الاجتلاب بالاستلحاق ، وقال الثاني عن الأخذ والاستعانة : «فمنها
المحمود ومنها المذموم ، فأحد رتبه أن يأخذ اللفظ جميعا والمعنى كالبيت والبيتين
والسجع التام والسجعتين وذلك على وجهين : إما أن يكون اجتلابا واستلحاقا فلا يدعي
أنّه له ، بل يستعين به ويكون مقرا به ، مثل ما فعل عمرو بن كلثوم ببيتي عمرو ذي
الطوق وهما :
صددت الكأس
عنا أمّ عمرو
|
|
وكان الكأس
مجراها اليمينا
|
__________________
وما شرّ
الثلاثة أمّ عمرو
|
|
بصاحبك الذي
لا تصبحينا
|
فانه استلحقه
بكلمته «ألا هبي بصحنك فاصبحينا» .
وكان ابن رشيق
قد ذكر البيتين وقال : «وربما اجتلب الشاعر البيتين فلا يكون في ذلك بأس كما قال
عمرو ذو الطوق : صددت ... فاستلحقهما عمرو بن كلثوم فهما في قصيدته ، وكان عمرو بن
العلاء وغيره لا يرون ذلك عيبا ، وقد يصنع المحدثون مثل ذلك. قال زياد الاعجم :
أشمّ إذا ما
جئت للعرف طالبا
|
|
حباك بما
تحوي عليه أنامله
|
ولو لم يكن
في كفه غير نفسه
|
|
لجاد بها
فليتّق الله سائله
|
واستلحق البيت
الأخير أبو تمام فهو في شعره. وأما قول جرير للفرزدق وكان يرميه بانتحال شعر أخيه
الأخطل بن غالب :
ستعلم من
يكون أبوه قينا
|
|
ومن كانت
قصائده اجتلابا
|
فانما وضع
الاجتلاب موضع السرق والانتحال لضرورة القافية ، هكذا ذكر العلماء من هؤلاء
المحدثين ، وأما الجمحي فقال : من السرقات ما يأتي على سبيل المثل اجتلابا مثل قول
أبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي :
تلك المكارم
لا قعبان من لبن
|
|
شيبا بماء
فعادا بعد أبوالا
|
ثم قال بعينه
النابغة الجعدي لما أتى موضعه ، فبنو عامر ترويه للجعدي ، والرواة مجمعون انه لأبي
الصلت ، فقد ذهب الجمحي في الاجتلاب مذهب جرير انّه انتحال ، ولم أر محدثا غيره
يقول هذا القول» .
فالاجتلاف
والاستلحاق ليسا عيبا ، والى ذلك ذهب الحاتمي وقال : «وبعض العلماء لا يراهما عيبا
، ووجدت يونس بن حبيب وغيره من علماء الشعر يسمي البيت يأخذه الشاعر على طريق
التمثيل فيدخله في شعره اجتلابا واستلحاقا فلا يرى ذلك عيبا. واذا كان الأمر كذلك
فلعمري إنّه لا عيب فيما هذه سبيله» .
الأحاجي :
يقال : كلمة
محجية أي مخالفة المعنى للفظ ، وهي الأحجية والأحجوة ، والأحجية والحجيّا لعبة
وأغلوطة يتعاطاها الناس بينهم ، وهي من نحو قولهم :أخرج ما في يدي ولك كذا. وفلان
يأتينا بالأحاجي أي بالأغاليط .
والأحاجي هي
الأغاليط من الكلام وتسمى الألغاز ، وقد يسمّى هذا النوع : «المعمّى» ، قال ابن
الأثير : «واما اللغز والاحجية فانهما شيء واحد وهو كل معنى يستخرج بالحدس والحزر
لا بدلالة اللفظ عليه حقيقة ولا مجازا ولا يفهم من عرضه لأنّ قول القائل في الضرس
:
وصاحب لا
أملّ الدهر صحبته
|
|
يشقى لنفعي
ويسعى سعي مجتهد
|
ما إن رأيت
له شخصا فمذ وقعت
|
|
عيني عليه
افترقنا فرقة الأبد
|
لا يدلّ على
أنّه الضرس لا من طريق الحقيقة ولا من طريق المجاز ولا من طريق المفهوم ، وانما هو
شيء يحدس ويحزر» . ثم قال : «واذا ثبت هذا فاعلم أنّ هذا الباب الذي هو
اللغز والاحجية والمعمّى يتنوع أنواعا : فمنه المصحّف ، ومنه
__________________
المعكوس ، ومنه ما ينقل الى لغة من اللغات غير العربية كقول القائل : اسمي
اذا صحفته بالفارسية آخر ، وهذا اسمه اسم تركي وهو «دنكر» ـ بالدال المهملة والنون
ـ وآخر بالفارسية «ديكر» ـ بالدال المهملة والياء المعجمة بثنتين من تحت ـ واذا
صحفت هذه الكلمة صارت «دنكر» ـ بالنون ـ فانقلبت الياء نونا بالتصحيف ، وهذا غير
مفهموم إلا لبعض الناس دون بعض. وانما وضع واستعمل لانه مما يشحذ القريحة ويحدّ
الخاطر ؛ لانه يشتمل على معان دقيقة يحتاج في استخراجها الى توقد الذهن والسلوك في
معاريج خفية من الفكر. وقد استعمله العرب في اشعارهم قليلا ، ثم جاء المحدثون
فأكثروا منه ، وربما أتى منه بما يكون حسنا وعليه مشحة من البلاغة ، وذلك عندي بين
بين فلا أعدّه من الأحاجي ولا أعدّه من فصيح الكلام».
ومن الأحاجي
قول بعضهم :
سبع رواحل ما
ينخن من الونا
|
|
شيم تساق
بسبعة زهر
|
متواصلات لا
الدؤوب يملّها
|
|
باق تعاقبها
على الدّهر
|
هذان البيتان
يتضمنان وصف أيام الزمان ولياليه ، وهي الاسبوع ، فان الزمان عبارة عنه.
وعلى هذا
الاسلوب ورد قول المتنبي في وصف السفن :
وحشاه عادية
بغير قوائم
|
|
عقم البطون
حوالك الألوان
|
تأتي بما سبت
الخيول كأنّها
|
|
تحت الحسان
مرابض الغزلان
|
وقد ورد من
الألغاز شيء في كلام العرب المنثور غير أنّه قليل بالنسبة الى ما ورد في أشعارها ،
وليس في كتاب الله شيء منها ، لانه لا يستنبط بالحدس والحزر كما تسنبط الالغاز.
الإحالة :
قال الدمنهوري
: «الاحالة مصدر أحلته على كذا ، وهي قسمان : خفية وجلية ، كقوله تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي
الْكِتابِ) إحالة على قوله : (وَإِذا رَأَيْتَ
الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي
حَدِيثٍ غَيْرِهِ ، وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ
الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، وكقوله : (وَآتَيْنا داوُدَ
زَبُوراً). والإحالة في الآية الأولى ظاهرة وفي الثانية خفية لما
قيل إنّها إحالة على قوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا
فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ
الصَّالِحُونَ) ، لتضمنه تفضيل محمد صلىاللهعليهوسلم» .
الاحتباك :
الاحتباك : شدّ
الازار ، وكل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد احتبكته ، والمحبوك ما أجيد عمله ،
والحبك : الشد والاحكام . وكأن الاحتباك مأخوذ من الشد والاحكام ، وقد أشار الى
ذلك السيوطي بقوله : «ومأخذ هذه التسمية من الحبك الذي معناه الشد والاحكام وتحسين
أثر الصنعة في الثوب ، فحبك الثوب سدّ ما بين خيوطه من الفرج وشدّه ، وإحكامه بحيث
يمنع عنه الخلل مع الحسن
__________________
والرونق وبيان أخذه منه أنّ مواضع الحذف من الكلام شبهت بالفرج بين الخيوط
فلما أدركها الناقد البصير بصوغه الماهر في نظمه وحوكه فوضع المحذوف مواضعه كان
حابكا له مانعا من خلل يطرقه فسدّ بتقديره ما يحصل به الخلل مع ما أكسبه من الحسن
والرونق» .
والاحتباك أحد
أقسام الحذف وقد سماه الزركشي «الحذف المقابلي» وعرّفه بقوله : «هو أن يجتمع في
الكلام متقابلان فيحذف من واحد منهما مقابله لدلالة الآخر عليه» . وذكره السيوطي باسم «الاحتباك» وقال عنه : «وهو من
ألطف الأنواع وأبدعها وقلّ من تنبه له أو نبّه عليه من أهل البلاغة ، ولم أره إلّا
في شرح بديعية الاعمى لرفيقه الاندلسي وذكره الزركشي في البرهان ولم يسمه هذا
الاسم بل سماه «الحذف المقابلي» ، وأفرده بالتصنيف من أهل العصر العلامة برهان
الدين البقاعي. قال الاندلسي في شرح البديعية : من أنواع البديع الاحتباك ، وهو
نوع عزيز ، وهو أن يحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ، وفي الثاني ما أثبت
نظيره في الاول» .
ومنه قوله
تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ
، قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا
تُجْرِمُونَ). الأصل : فان افتريته فعليّ إجرامي وانتم برآء منه ،
وعليكم إجرامكم وأنا بريء مما تجرمون. فنسبة قوله تعالى : (إِجْرامِي) وهو الاول إلى قوله : (وعليكم إجرامكم) وهو الثالث
كنسبة قوله : (وأنتم براء منه) وهو الثاني الى قوله تعالى : (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) وهو الرابع ، واكتفى من كل متناسبين بأحدهما.
ومنه قوله
تعالى : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ
كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) تقديره : إن أرسل فليأتنا بآية كما أرسل الأولون فاتوا
بآية.
ومنه قوله
تعالى : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ
فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) ، تقديره : أدخل يدك تدخل واخراجها تخرج ، إلّا انه قد
عرض في هذه المادة تناسب بالطباق فلذلك بقي القانون فيه الذي هو نسبة الأول الى
الثالث ، ونسبة الثاني الى الرابع على حالة الاكثرية فلم يتغير عن موضعه ولم يجعل
بالنسبة التي بين الاول والثاني ، وبين الثالث والرابع وهي نسبة النظير ، كقول
الشاعر :
وإني لتعروني
لذكراك هزّة
|
|
كما انتفض
العصفور بلّله القطر
|
أي : هزة بعد
انتفاضة كما انتفض العصفور بلله القطر ثم اهتز.
وقد يحذف من
الأول لدلالة الثاني عليه ، وقد يعكس ، وقد يحتمل اللفظ الأمرين. فالاول : كقوله
تعالى : (إِنَّ اللهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) في قراءة من رفع «ملائكته» أي : أنّ الله يصلي فحذف من
الأول لدلالة الثاني عليه وليس عطفا عليه.
والثاني :
كقوله : (يَمْحُوا اللهُ ما
يَشاءُ وَيُثْبِتُ) أي : ما يشاء.
والثالث :
كقوله : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ
أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) ، فقد قيل : إنّ «أحق» خبر عن اسم الله تعالى ، وقيل
بالعكس.
الاحتجاج
النّظريّ :
احتج بالشيء
اتخذه حجة ، والحجة البرهان
__________________
والدليل ، وأحج خصمي أي أغلبه بالحجة .
والاحتجاج
النظري لون من ألوان الكلام ، وسماه بهذا الاسم جماعة منهم أبو حيان الاندلسي وابن
قيّم الجوزية وابن النقيب ، وسماه الزركشي «إلجام الخصم بالحجة» ، ولكن البلاغيين يسمونه «المذهب الكلامي».
وحقيقة هذا
النوع احتجاج المتكلم على خصمه بحجة تقطع عناده وتوجب له الاعتراف بما ادعاه
المتكلم وابطال ما أورده الخصم. وسمي المذهب الكلامي لأنّه «يسلك فيه مذهب أهل
الكلام في استدلالهم على إبطال حجج خصومهم. والمراد بأهل الكلام علماء أصول الدين»
.
والمذهب
الكلامي هو الفن الخامس من بديع ابن المعتز ، قال : «وهو مذهب سماه عمرو الجاحظ
المذهب الكلامي ، وهذا باب ما أعلم أني وجدت في القرآن منه شيئا ، وهو ينسب الى
التكلف ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا» ولم يحدد هذا الفن ، ولعله يريد به اصطناع أساليب
الفلاسفة والمتكلمين في الجدل والاستدلال ، ولذلك نفاه عن القرآن الكريم.
ولم نعثر في
كتب الجاحظ المعروفة على هذا المصطلح ، ولكنه يسخر أحيانا من الذين يتكلفون أداء
الكلام تشبها بالمتكلمين .
والمذهب
الكلامي عند المتأخرين هو ايراد حجة للمطلوب على طريقة أهل الكلام ، وذلك أن يكون
بعد تسليم المقدمات مقدمة مستلزمة للمطلوب ، وهذا ما نجده في كتاب الله وكلام
العرب الذي استشهد به البلاغيون. وقد ذكره العسكري وأشار الى أن ابن المعتز نسبه
الى التكلف ، وتحدث في أول كتاب الصناعتين عن وضوح الدلالة وقرع
الحجة وهو مما يدخل في هذا الباب. قال : «ومن وضوح الدلالة وقرع الحجة قول الله
سبحانه : (وَضَرَبَ لَنا
مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ ، قالَ : مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟ قُلْ :
يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ). فهذه دلالة واضحة على أنّ الله تعالى قادر على إعادة
الخلق مستغنية بنفسها عن الزيادة فيها ؛ لأنّ الاعادة ليست بأصعب في العقول من
الابتداء ، ثم قال تعالى : (الَّذِي جَعَلَ
لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) ، فزادها شرحا وقوة ؛ لأنّ من يخرج النار من أجزاء
الماء وهما ضدان ليس بمنكر عليه أن يعيد ما أفناه. ثم قال تعالى : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) فقوّاها أيضا وزاد في شرحها وبلغ بها غاية الايضاح
والتوكيد لأنّ إعادة الخلق ليست بأصعب في العقول من خلق السماوات والأرض ابتداء» . وهذا هو المذهب الكلامي عند المتأخرين ، أما ما ذكره
في فصل المذهب الكلامي فهو متابعة لابن المعتز في معنى هذا الفن وأمثلته .
وتحدث عنه ابن
رشيق في باب التكرار ونقل كلام ابن المعتز وامثلته ، وأقرّ بذلك النقل فقال : «وقد
نقلت هذا الباب نقلا من كتاب عبد الله بن المعتز إلّا ما لاخفاء به عن أحد من أهل
التمييز ، واضطرني الى ذلك قلة الشواهد فيه إلا ما ناسب قول أبي نواس :
سخنت من شدة
البرودة حتى
|
|
صرت عندي
كأنك النار
|
__________________
لا يعجب
السامعون من صفتي
|
|
كذلك الثلج
بارد حار
|
فهذا مذهب
كلامي فلسفي» . ولكنه وجد أمثلة هي أولى بهذه التسمية مما ذكره
المؤلفون كنحو قول ابراهيم بن المهدي يعتذر الى المأمون من وثوبه على الخلافة :
البرّ منك
وطاء العذر عندك لي
|
|
فيما فعلت
فلم تعذل ولم تلم
|
وقام علمك بي
فاحتج عندك لي
|
|
مقام شاهد
عدل غير متّهم
|
وقول أبي عبد
الرحمن العطوي :
فوحق البيان
يعضده البر
|
|
هان في مأقط
ألدّ الخصام
|
ما رأينا سوى
الحبيبة شيئا
|
|
جمع الحسن
كلّه في نظام
|
هي تجري مجرى
الاصابة في الرأ
|
|
ي ومجرى
الأرواح في الأجسام
|
وبدأ المذهب
الكلامي يأخذ صورته الواضحة في كتب البلاغة ، فالتبريزي علّق على أبيات النابغة
الذبياني : ـ
ولكنني كنت
امرء لي جانب
|
|
من الأرض فيه
مستراد ومذهب
|
ملوك وإخوان
إذا ما لقيتهم
|
|
أحكّم في
أموالهم وأقرّب
|
كفعلك في قوم
أراك اصطنعتهم
|
|
فلم ترهم في
مثل ذلك أذنبوا
|
بقوله : «أي لا
تلمني في مدحي آل جفنة وقد أحسنوا اليّ كما لو أحسنت الى قوم فشكروا لك ولم تر ذلك
ذنبا. وهذه طريقة الجدل ، وانما اتفق له بجودة القريحة وفضل التمييز» .
وقال المصري : «المذهب
الكلامي عبارة عن احتجاج المتكلم على المعنى المقصود بحجة عقلية تقطع المعاند له
فيه ؛ لأنّه مأخوذ من علم الكلام الذي هو عبارة عن إثبات أصول الدين بالبراهين
العقلية. وهو الذي نسبت تسميته الى الجاحظ وزعم ابن المعتز أنّه لا يوجد في الكتاب
العزيز وهو محشو منه» .
وبدأ هذا الفن
يدخل في المحسنات المعنوية على يد أصحاب بلاغة السكاكي وقد عرّفه ابن مالك بقوله :
«المذهب الكلامي أن تورد مع الحكم ردا لمنكره حجة على طريق المتكلمين أي صحيحة
مسلّمة الاستلزام. وينقسم الى منطقي وجدلي ، فالمنطقي ما كانت حجته برهانا يقيني
التأليف قطعي الاستلزام ، والجدلي ما كانت حجته أمارة ظنية لا تفيد إلا الرجحان.
وأول من ذكر المذهب الكلامي الجاحظ وزعم أنّه ليس في القرآن منه شيء ، ولعله انما عنى القسم المنطقي فان الجدلي في القرآن
منه كثير» .
وقال الحلبي : «هو
ايراد حجة للمطلوب على طريقة أهل الكلام» .
وقال ابن
الأثير الحلبي : «وحقيقة هذا النوع احتجاج المتكلم على خصمه بحجة تقطع عناده وتوجب
له الاعتراف بما أدعاه المتكلم وإبطال ما أورده الخصم» .
وسار القزويني
وشراح تلخيصه على مذهب ابن مالك في إدخال هذا الفن في المحسنات المعنوية
__________________
وقال عنه : «هو أن يورد المتكلم حجة لما يدعيه على طريقة أهل الكلام» . وقال السبكي إنّ هذا ليس من البديع لأنّه تطبيق على
مقتضى الحال فيكون من علم المعاني . والمذهب الكلامي نوعان :
الأول : الجدلي
، وهو ما كانت حجته أمارة ظنية لا تفيد إلّا الرجحان ، وهذا النوع كثير في كتاب
الله من ذلك قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي
يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ). تقديره : والأهون أدخل في الامكان وقد أمكن البدء
فالاعادة أدخل في الامكان من بدء الخلق. ومثله : (مَا اتَّخَذَ اللهُ
مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ
وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ). وقوله : (لَوْ كانَ فِيهِما
آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) ، وقوله (قُلْ يُحْيِيهَا
الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ). ومن هذا النوع أبيات النابغة الذبياني : «ولكنني كنت
امرء ...».
الثاني :
المنطقي : وهو ما كانت حجته برهانا يقيني التأليف قطعي الاستلزام ، ولعل ابن
المعتز عنى هذا النوع حينما نفاه من القرآن ، ولكن المصري قال : «ومن هذا الباب
نوع منطقي وهو استنتاج النتيجة من مقدمتين فانّ أهل هذا العلم قد ذكروا أنّ أول
سورة الحج الى قوله : (وَأَنَّ اللهَ
يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) منطو على خمس نتائج من عشر مقدمات. فالمقدّمات من أول
السورة الى قوله تعالى : (وَأَنْبَتَتْ مِنْ
كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) والنتائج من قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ
هُوَ الْحَقُ) الى قوله : (وَأَنَّ اللهَ
يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ). وتفصيل ترتيب المقدمات والنتائج أن يقال : الله أخبر
أنّ زلزلة الساعة شيء عظيم ، وخبره هو الحقّ ، وأخبر عن المغيّب بالحق فهو حقّ ،
فالله هو الحق ، والله يأتي بالساعة على تلك الصفات ولا يعلم صدق الخبر إلا بأحياء
الموتى ليدركوا ذلك. ومن يأتي بالساعة يحيي الموتى فهو يحيي الموتى. وأخبر أن يجعل
الناس من هول الساعة سكارى لشدة العذاب ولا يقدر على عموم الناس بشدة العذاب إلا
من هو على كل شيء قدير ، فالله على كل شيء قدير. وأخبر أنّ الساعة يجازي فيها من
يجادل في الله بغير علم ، ولا بدّ من مجازاته ، ولا يجازي حتى تكون الساعة آتية.
ولا تأتي
الساعة حتى يبعث من في القبور فهو يبعث من في القبور وإنّ الله ينزّل الماء على
الأرض الهامدة فتنبت من كل زوج بهيج والقادر على إحياء الأرض بعد موتها يبعث من في
القبور ، وإن الله يبعث من في القبور» .
وذكر المصري
أنّ من هذا الباب جواب سؤال مقدر كقوله تعالى : (وَما كانَ
اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ) لأنّ التقدير انّ قائلا قال بعد قوله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) ، فقد استغفر ابراهيم لأبيه فأخبر بقوله : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ) والله أعلم .
فالمذهب
الكلامي من أساليب القرآن الكريم وكلام العرب ، وقد أوضح الحموي هذه المسألة
__________________
ورفض ما ذكره ابن المعتز فقال : «وقيل : إنّ ابن المعتز قال : لا أعلم ذلك
في القرآن ، أعني المذهب الكلامي ، وليس عدم علمه مانعا من علم غيره» .
الاحتراس :
الاحتراس من
احترس منه أي تحرز ، وتحرّست من فلان واحترست منه بمعنى : تحفظت منه .
وقد تحدث
الجاحظ عن «إصابة المقادير» وذكر أنّ طرفة قال في المقدار وإصابته :
فسقى ديارك ـ
غير مفسدها ـ
|
|
صوب الربيع
وديمة تهمي
|
فانه طلب الغيث
على قدر الحاجة ؛ لأنّ الفاضل ضار .
ومن محاسن
الكلام عند ابن المعتز اعتراض كلام في كلام لم يتمم معناه ثم يعود اليه فيتممه في
بيت واحد كقول كثيّر :
لو انّ
الباخلين ـ وأنت منهم ـ
|
|
رأوك تعلّموا
منك المطالا
|
وعدّه ابن رشيق
من تتميم المنى ومبالغة في اللفظ شديدة وقال : «وهو الذي فتق للشعراء هذا الفن
وتفّننوا فيه ونوعوه فجاءوا بالاحتراس وغيره فقال طرفة : فسقى ...» . وسماه في العمدة التتميم وقال : «وهو التمام أيضا
وبعضهم يسمي ضربا منه احتراسا واحتياطا» ثم عرفه بقوله : «ومعنى التتميم أن يحاول الشاعر معنى
فلا يدع شيئا يتم به حسنة إلا أورده وأتى به إما مبالغة وإما احتياطا واحتراسا من
التقصير».
وسماه ابن سنان
«التحرز» وقال : «وأما التحرز مما يوجبه الطعن فأن يأتي بكلام لو استمر عليه لكان
فيه طعن فيأتي بما يتحرز من ذلك الطعن كقول طرفة : «فسقى ...» فلو لم يقل ـ غير
مفسدها ـ لظن به أنّه يريد توالي المطر عليها وفي ذلك فساد للديار ومحو لرسومها» .
وسماه معظم
البلاغيين الاحتراس ، وعرّفوه بمثل ما عرّفه به ابن سنان ، فقال ابن منقذ : «هو أن
يكون على الشاعر طعن فيحترس منه» . وقال المصري : «هو أن يأتي المتكلم بمعنى يتوجه عليه
دخل فيفطن له فيأتي بما يخلصه من ذلك» .
وقال ابن مالك
: «الاحتراس أن تأتي في المدح أو غيره بكلام فتراه مدخولا بعيب من جهة دلالة
منطوقه أو فحواه فتردفه بكلام آخر لتصونه عن احتمال الخطأ» .
وقال ابن قيم
الجوزية : «وهو أن يذكر لفظا ظاهره الدعاء بالخير والنفع وذلك بما في ضمنه مما
يوهم الشر فيذكر فيه كلمة تزيل ذلك الوهم وتدفع ذلك الوهن» .
ولا تخرج
تعريفات أبي حيان والزركشي والحموي والمدني عن هذا المعنى وأدخله ملخصو المفتاح وشرّاحه في الاطناب وسمّوه
الاطناب بالتكميل أو الاحتراس وعرّفه القزويني بقوله : «هو أن يؤتى في كلام يوهم
خلاف
__________________
المقصود بما يدفعه» .
فالاحتراس عند
هؤلاء هو التكميل ، ولكنّ ابن مالك أفرد التكميل بفن آخر وعرّفه بقوله : «التكميل
أن تأتي في شيء من الفنون بكلام فتراه ناقصا لكونه مدخولا بعيب من جهة دلالة
مفهومه فتكمله بجملة ترفع عنه النقص. مثل أن تجيد مدح رب السيف بالكرم دون الشجاعة
أو رب القلم بالبلاغة دون سداد الرأي ونفاذ العزم فتراه ناقصا فتذكر معه كلاما
يكمل المدح ويرفع ايهام الذم» . وفرّق المصري بين الاحتراس والتكميل والتتميم فقال : «إن
المعنى قبل التكميل صحيح تام ثم يأتي التكميل بزيادة يكمل بها حسنه إما بفن زائد
أو بمعنى. والتتميم يأتي ليتمم نقص المعنى ونقص الوزن معا ، والاحتراس لاحتمال دخل
على المعنى وإن كان تاما كاملا ووزن الكلام صحيحا.
وقد جعل ابن
رشيق الاحتراس نوعا من التتميم وسوّى بينهما ، وقد ظهر الفرق بينهما فجعلهما في
باب واحد غير سائغ» . وفرّق بينه وبين المواربة فقال : «والفرق بينه وبين
المواربة ـ بالراء المهملة ـ أيضا ، أنّ الاحتراس يؤتى به وقت العمل عند ما يتفطن
المتكلم لموضع الدّخل ، والمواربة يؤتى بها وقت العمل وبعد صيرورة الكلام.
والمواربة ـ بالراء
المهملة ـ تكون بالتصحيف والتحريف واهتدام الكلمة والزيادة والنقص ، والاحتراس
بزيادة الجمل المفيدة المتضمنة معنى الانفصال عمّا يحتمله الكلام من الدخل ،
والمواربة تكون في نفس الكلام وتكون منفصلة عنه. والاحتراس لا يكون إلا في نفس
الكلام».
ثم فرّق بينه
وبين المناقضة والانفصال فقال : «إنّ الاحتراس هو ما فطن له الشاعر أو الناثر وقت
العمل فاحترس منه. والانفصال ما لم يفطن له حتى يدخل عليه ، فيأتي بجملة من الكلام
أو بيت من الشعر ينفصل به عنه ذلك الدخل» .
والأمثلة التي
ذكرها معظم البلاغيين واحدة ، وقد اتفقوا على تسمية هذا الفن احتراسا ـ ما عدا
بعضهم ـ وفرقوا بينه وبين التكميل والتتميم. ومن أمثلة هذا الفن في الكتاب العزيز
قوله تعالى : (وَقِيلَ بُعْداً
لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فانه ـ تعالى ـ لما أخبر بهلاك من هلك بالطوفان أعقبه
بالدعاء على الهالكين ووصفهم بالظلم ليعلم أنّ جميعهم كان مستحقا للعذاب احتراسا
من ضعيف يتوهم أنّ الهلاك ربما شمل من لا يستحق العذاب ، فلما دعا على الهالكين
ووصفهم بالظلم علم استحقاقهم لما نزل بهم وحلّ بساحتهم وظهر من ذلك صدق وعده لنبيه
نوح ـ عليهالسلام ـ وأعلمنا أنه قد أنجزه وعده الذي قال فيه : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ
ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ).
ومن ذلك قول
الخنساء :
ولو لا كثرة
الباكين حولي
|
|
على إخوانهم
لقتلت نفسي
|
ثم تخيّلت أنّ
قائلا قال لها : لقد ساويت أخاك بالهالكين من إخوان الناس فكيف أفرطت في الجزع
عليه دونهم؟ فاحترست من ذلك بقولها :
وما يبكون
مثل أخي ولكن
|
|
أعزّي النفس
عنه بالتأسي
|
وقول الفرزدق :
__________________
لعن الاله
بني كليب إنّهم
|
|
لا يغدرون
ولا يفون لجار
|
فقوله : «لا
يفون» احتراس لئلا يتوهم أنّ عدم غدرهم من الوفاء فقال : «ولا يفون» ليفيد أنه
للعجز ، وقوله : «لجار» ايغال ؛ لأنّ ترك الوفاء للجار أشد قبحا.
الأحجية :
الاحجية مفرد
الأحاجي وقد تقدمت ، والأحجية اللغز والمعمى ، وهذا قريب من التورية .
الاختتام :
الاختتام من
اختتم ، وهو نقيض الافتتاح . وهو في البلاغة أن يختم البليغ كلامه في أي مقصد كان
بأحسن الخواتم فانها آخر ما يبقى على الاسماع.
وينبغي تضمينها
معنى تاما يؤذن السامع بأنه الغاية والمقصد والنهاية. وهذه تسمية العلوي أما غيره فيسميه حسن الختام أو الخاتمة .
ومن أمثلة ذلك
خواتيم القرآن الكريم «فانّ الله تعالى ختم كل سورة من سوره بأحسن ختام وأتمّها
بأعجب إتمام ، ختاما يطابق مقصدها ويؤدي معناها من أدعية أو وعد أو وعيد أو موعظة
أو تحميد وغير ذلك من الخواتيم الرائقة» . ومن ذلك ما قاله أبو تمام يذكر فتح عمورية ويهنىء
المعتصم بها :
إن كان بين
صروف الدهر من رحم
|
|
موصولة أو
ذمام غير مقتضب
|
فبين أيامك
اللاتي نصرت بها
|
|
وبين أيام
بدر أقرب النّسب
|
وما قاله
المتنبي :
قد شرّف الله
أرضا أنت ساكنها
|
|
وشرّف الناس
إذ سوّاك إنسانا
|
وما قاله أبو
نواس في المأمون :
فبقيت للعلم
الذي تهدي له
|
|
وتقاعست عن
يومك الأيام
|
الاختراع :
الاختراع من
اخترع الشيء أي ارتجله ، والخرع ـ بالتحريك ـ والخراعة : الرخاوة في الشيء ، ومنه
قيل لهذه الشجرة الخروع لرخاوته ، وقيل : الخروع : كل نبات قصيف ريّان من شجر أو
عشب ، وكل ضعيف رخو خرع وخريع .
والاختراع عند
ابن وهب «ما اخترعت له العرب اسما مما لم تكن تعرفه» وليس هذا ما قصد اليه البلاغيون والنقاد ، فالاختراع
عند ابن رشيق : «خلق المعاني التي لم يسبق اليها والاتيان بما لم يكن منها قط ،
والابداع إتيان الشاعر بالمعنى المستظرف والذي لم تجر العادة بمثله ، ثم لزمته هذه
التسمية حتى قيل له بديع وإن كثر وتكرر ، فصار الاختراع للمعنى والابداع للفظ» . ثم قال : «واشتقاق الاختراع هو من التليين ، يقال «بيت
خرع» إذا كان لينا ، والخروع «فعول» منه ، فكأنّ الشاعر سهّل طريقة هذا المعنى
ولينه حتى أبرزه» ، وهذا ما أشارت اليه المعاجم في «خرع».
وعدّ القرطاجني
الاختراع الغاية في الاستحسان ، قال : «فمراتب الشعراء فيما يلمّون به من المعاني
إذن
__________________
أربعة : اختراع واستحقاق وشركة وسرقة. فالاختراع هو الغاية في الاستحسان ،
والاستحقاق تال له ، والشركة منها ما يساوي الآخر فيه الأول فهذا لا عيب فيه ،
ومنها ما ينحط فيه الآخر عن الأول فهذا معيب ، والسرقة كلها معيبة وإن كان بعضها
أشدّ قبحا من بعض» .
وقال ابن قيّم
الجوزية : «الاختراع هو أن يذكر المؤلف معنى لم يسبق اليه ، واشتقاقه من التليين
والتسهيل ، يقال : نبت خرع إذا كان لينا فكأن المتكلم سهل طريقه حتى أخرجه من
العدم الى الوجود. ومنه في القرآن كثير ، من ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ
اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ
الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ، ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ). ولم يسمع بمثل هذا التمثيل البديع لأحد قبل نزول
القرآن ولو سمع لكان القرآن سابقا ولا يكون مثله ولا قريبا منه وكذلك جميع أمثال
القرآن ليس لها أمثال ..
ومثال ذلك من
السنة النبوية قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «حمي الوطيس» فانّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أول من تكلم بهذا حين قدّم المسلمون خالد بن الوليد
في غزوة مؤتة حين حمل خالد في العدو ، والوطيس هو التنور ، فعبّر بشدة حميه ووقوده
عن شدة الحرب واتقادها واتقاد نارها حين حمل خالد ابن الوليد رضياللهعنه. ومن ذلك قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أما بعد» .
وقد تكلم
البلاغيون على هذا الفن في باب «سلامة الاختراع» ولم ينفرد بمثل هذا البحث غير ابن
قيم الجوزية كما تشير الى ذلك المصادر المعروفة.
الاختزال :
الاختزال :
الاقتطاع ، يقال : اختزله عن القوم مثل اختزعه ، واختزل فلان المال : اذا اقتطعه ،
والاختزال :الحذف استعمله سيبويه كثيرا وقال ابن سيده : «لا أعلم ذلك عن غيره» ،
وانخزل في كلامه : انقطع .
والاختزال من
أنواع الحذف ، وقد قسّم بعضهم هذا الاسلوب ، عدة أقسام ، والاختزال أحد تلك
الأقسام ، وهو ما ليس اقتطاعا أي حذف بعض حروف الكلمة ، أو اكتفاء أي حذف أحد
الشيئين المتلازمين ، أو احتباكا أي الحذف من الأول ما اثبت نظيره في الثاني ، ومن
الثاني ما أثبت نظيره في الأول.
والاختزال
أقسام ، لأن المحذوف اما كلمة : اسم ، أو فعل ، أو حرف ، أو أكثر .
ومن حذف الاسم
، حذف المضاف ، وهو كثير جدا في القرآن الكريم ومنه (الْحَجُّ أَشْهُرٌ) أي : حج أشهر ، و (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهاتُكُمْ) أي : نكاح امهاتكم.
وحذف المضاف
اليه مثل قوله تعالى : (رَبِّ اغْفِرْ لِي) ، أي : يا ربي. وحذف المبتدأ كقوله : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ. نارٌ حامِيَةٌ) أي : هي نار ، وقوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً
فَلِنَفْسِهِ) أي : فعمله لنفسه ، وقوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) ، أي : هم ، وقوله : (أُكُلُها دائِمٌ
وَظِلُّها) أي : دائم. وحذف الموصوف كقوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) أي : حور قاصرات.
__________________
وحذف الصفة
كقوله : (يَأْخُذُ كُلَّ
سَفِينَةٍ) أي صالحة.
وحذف المعطوف
عليه كقوله : (أَنِ اضْرِبْ
بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) أي : فضرب فانفلق.
وحذف المعطوف
مع العاطف كقوله تعالى : (لا يَسْتَوِي
مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) أي :ومن أنفق بعده.
وحذف المبدل
منه كقوله : (وَلا تَقُولُوا لِما
تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) أي : لما تصفه ، والكذب بدل من الهاء.
وحذف الفاعل
معنى كقوله : (لا يَسْأَمُ
الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) أي : دعائه الخير. وحذف المفعول مثل قوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) أي : إلها.
وحذف الحال
كقوله : (وَالْمَلائِكَةُ
يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ) أي : قائلين. وحذف المنادى كقوله تعالى : ألا يا اسجدوا
أي : يا هؤلاء.
وحذف العائد ، ويقع
في أربعة أبواب :
الأول : الصلة
كقوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي
بَعَثَ اللهُ رَسُولاً؟).
الثاني : الصفة
، كقوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً
لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ) أي : فيه.
الثالث : الخبر
، كقوله : (وَكُلًّا وَعَدَ
اللهُ الْحُسْنى) أي : وعده.
الرابع : الحال
، كقوله تعالى (وَالْمَلائِكَةُ
يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ) أي : قائلين. وحذف مخصوص نعم كقوله : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ
الْعَبْدُ) أي : أيوب.
وحذف الموصول
كقوله : (آمَنَّا بِالَّذِي
أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) أي : والذي أنزل اليكم ؛ لأنّ الذي أنزل الينا ليس هو
الذي أنزل الى من قبلنا ، ولهذا أعيدت «ما» في قوله : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ
إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ).
ويطرد حذف
الفعل اذا كان مفسرا كقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) أي : وإن استجارك أحد.
ويكثر في جواب
الاستفهام كقوله : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ
اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا : خَيْراً).
أي : أنزل.
وأكثر منه حذف
القول كقوله : (وَإِذْ يَرْفَعُ
إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا) أي : يقولان ربنا.
ويأتي في غير
ذلك كقوله : (انْتَهُوا خَيْراً
لَكُمْ) أي : واتوا ، وقوله : (وَالَّذِينَ
تَبَوَّؤُا الدَّارَ
__________________
وَالْإِيمانَ) أي : والفوا الايمان واعتقدوه.
ومن حذف الحروف
حذف همزة الاستفهام كقوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ) انذرتهم أي :أأنذرتهم؟
وحذف الموصول
الحرفي كقوله : (وَمِنْ آياتِهِ
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) ، أي : أن يريكم.
وحذف الجار
يطرد مع أن وأنّ كقوله : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ
أَنْ أَسْلَمُوا ، قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ ، بَلِ اللهُ يَمُنُّ
عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ) أي : بأن. وقوله : (أَيَعِدُكُمْ
أَنَّكُمْ) أي : بانكم. وجاء مع غيرهما كقوله : (قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) أي : قدرنا له.
وحذف العاطف
كقوله : (وَلا عَلَى الَّذِينَ
إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ، قُلْتَ : لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ
تَوَلَّوْا) أي : وقلت.
وحذف فاء
الجواب كقوله : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً
الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) أي فالوصية.
وحذف حرف
النداء وهو كثير كقوله : (يُوسُفُ أَعْرِضْ
عَنْ هذا) أي : يا يوسف. وحذف «قد» في الماضي إذا وقع حالا كقوله
: (أَوْ جاؤُكُمْ
حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) أي : قد حصرت.
وحذف «لا»
النافية كقوله : (تَاللهِ تَفْتَؤُا) أي لا تفتأ. وقوله : (وَعَلَى الَّذِينَ
يُطِيقُونَهُ) أي : لا يطيقونه.
وحذف لام
التوطئة كقوله : (وَإِنْ لَمْ
يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَ) أي : ولئن لم ينتهوا.
وحذف لام الأمر
كقوله : (قُلْ لِعِبادِيَ
الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) أي : ليقيموا. وحذف لام «لقد» كقوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) أي : لقد.
ومن حذف أكثر
من كلمة حذف مضافين كقوله : (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى
الْقُلُوبِ) أي : فانّ تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب.
وحذف ثلاثة
متضايفات كقوله : (فَكانَ قابَ
قَوْسَيْنِ) أي : فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب ، فحذف ثلاثة من
اسم كان وواحد من خبرها.
وحذف مفعولي
باب «ظن» كقوله : (أَيْنَ شُرَكائِيَ
الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أي : تزعمونهم شركاء.
وحذف الجار مع
المجرور كقوله : (خَلَطُوا عَمَلاً
صالِحاً) أي : بسيّئ ، و (آخَرَ سَيِّئاً) أي : بصالح.
وحذف العاطف مع
المعطوف كقوله : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) أي : والشر. وحذف حرف الشرط وفعله ويطرد بعد الطلب
كقوله : (فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللهُ) أي : إن اتبعتموني.
وحذف جواب
الشرط كقوله : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ
أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ) أي :
__________________
فافعل.
وحذف جملة
القسم كقوله : (لَأُعَذِّبَنَّهُ
عَذاباً شَدِيداً) أي : والله. وحذف جوابه كقوله : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً ...) الآيات ، أي : لتبعثن.
وحذف جملة
مسببة عن المذكور كقوله : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ
وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) أي : فعل ما فعل.
ومنه حذف جمل
كثيرة كقوله تعالى : (فَأَرْسِلُونِ.
يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) أي : فأرسلوني الى يوسف لأستبصره الرؤيا ففعلوا فأتاه
فقال له : يا يوسف. وهذا هو ايجاز الحذف الذي تكلم عليه البلاغيون ولكنّ السيوطي وضع له مصطلحا وسماه «الاختزال» وفصّل القول فيه تفصيلا
، وجاء بأمثلة من كتاب الله وحده.
والاختزال عند
السجلماسي أحد أنواع المفاضلة وهو «قول مركب من أجزاء فيه مشتملة بجملتها على
مضمون تنقص عنه بطرح جزء منها شأنه أن يصرح به» ، وهو نوعان «الاصطلام» و «الحذف».
الاختصار :
الاختصار هو
الايجاز ، وقد قال عنه عياش بن صحار هو «اللمحة الدالة» حينما سأله معاوية : «ما
أقرب الاختصار» ؟ وهذا الاسلوب من أبرز أساليب العرب ، فقد اهتموا
بالعبارة الموجزة والكلام المختصر ليسهل حفظه ويكون تأثيره في النفوس عظيما. وقد
حدّد البلاغيون والنقاد أسلوب التعبير تبعا للموضوع فقال ابن منقذ وهو يتحدث عن
الاسهاب والاطناب والاختصار والاقتصار : «اعلم أنّ كل واحد من هذه الأقسام له موضع
يأتي فيه فيحمد فان أتى في غيره لم يحمد. فان كان في الترغيب والترهيب والاصطلاح
بين العشائر والاعتذار والانذار الى الأعداء والعساكر وما أشبه ذلك فيستحب فيه
التطويل والشرح.
وأما غير ذلك
فيستحب فيه الاختصار والاقتصار» .
ومدحت العرب
التطويل والتقصير فقال الشاعر :
يرمون بالخطب
الطوال وتارة
|
|
وحي الملاحظ
خيفة الرّقباء
|
وقال السيوطي
عن الاختصار : «الايجاز والاختصار بمعنى واحد كما يؤخذ من المفتاح وصرّح به
الخطيبي. وقال بعضهم : الاختصار خاص بحذف الجمل فقط بخلاف الايجاز. قال الشيخ بهاء
الدين : وليس بشيء» . وذلك لأنّ الايجاز عند البلاغيين قد يكون بحذف الكلمة
أو الجملة أو الجمل وهو ما سمّوه «ايجاز الحذف».
الاختصاص :
الاختصاص من
اختص فلان بالأمر وتخصص له إذا انفرد ، ويقال : خصّصه واختصه : أفرده به دون غيره .
والاختصاص عند
الاصوليين التخصيص ، وقد اختلفت فيه عبارات أهل العلم فقال بعضهم : «هو إخراج صورة
من حكم كان يقتضيها الخطاب به لو لا التخصيص». وهو شبيه بالنسخ من حيث اشتراكهما
في اللبس ومن حيث أنّ كل واحد منهما
__________________
يقتضي اختصاص الحكم ببعض ما تناوله اللفظ. وقد فرّق ابن قيم الجوزية بينهما
من وجوه خمسة :
الأول : أنّ
الناسخ لا يكون إلا متأخرا عن المنسوخ.
الثاني : أنّ
النسخ لا يكون إلّا بخطاب رفع بحكم الخطاب الأول ، والتخصيص قد يقع بقول وفعل
وقياس.
الثالث : أنّ
نسخ الشيء لا يكون إلّا بما هو مثله في القوة أو بما هو أقوى منه في الرتبة ،
والتخصيص جائز بما هو دون المخصوص في الرتبة.
الرابع : أنّ
التخصيص لا يقع في حكم واحد والنسخ جائز في مثله لا سيما على أصل من يبني نسخ
الشيء قبل وقته.
الخامس : أنّ
التخصيص ما أخرج من الخطاب ما لم يرد به ، والنسخ رافع ما أريد اثبات حكمه.
ثم قال : «والذي
اعتمد عليه المحققون أنّ التخصيص إخراج بعض ما تناوله اللفظ العام أو ما يقوم
مقامه بدليل منفصل في الزمان إن كان المخصص لفظيّا أو بالحس إن كان عقليا قبل
تقرير حكمه».
ثم قال : «والتخصيص
يسميه أرباب علم البيان الاختصاص عندهم ولا يحسن إلا أن يكون اختصاص الشيء بمعنى
ظاهر ، مثل قوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ
الشِّعْرى) اختصاصها دون سائر النجوم لأنها عبدت ، وقيل : إنّ
النجوم تقطع السماء طولا وهي تقطعها عرضا».
ومن كلام العرب
قول الخنساء في أخيها صخر :
يذكرّني طلوع
الشمس صخرا
|
|
وأذكره لكل
غروب شمس
|
وانما خصّت
هذين الوقتين لأنّ طلوع الشمس يذكرها بغارته على أعدائها ، وغروبها يذكرها باقرائه
ضيفانه ، فاختصت لهذين الوقتين من بين سائر الاوقات لهذين المعنيين.
وعبارات
التخصيص ثلاثة :
الأولى : إنما
جاءني زيد.
الثانية :
جاءني زيد لا عمرو.
الثالثة : ما
جاءني إلا زيد.
فيفهم من
الأولى تخصيص المجيء أو تخصيص مجيء معين ظنه المخاطب مخصوصا بغيره أو مشاركا غيره
فيه فأفاد اثباته لزيد ونفيه عن غيره دفعة واحدة ومن الثانية في دفعتين ، والثالثة
بأصل الوضع تفيد نفي التشريك ولهذا لا يصح «ما زيد إلا قائم لا قاعد» لأنك بقولك :
«إلا قائم» نفيت عنه كل صفة تنافي القيام فيندرج فيه نفي القعود فيقع «لا قاعد»
تكرارا. ويصح «إنما زيد قائم لا قاعد» فان صيغة «إنّما» موضوعة للتخصيص ويلزمه نفي
الشركة فليس له من القوة ما يدلّ عليه بالوضع ، ولهذا يصح «زيد هو الجائي لا عمرو».
فدلالة
الأوليين على التخصيص أقوى ، ودلالة الثالثة على نفي التشريك. وقد تذكر الثالثة في
مثل ما أدعى واحد أنك قلت قولا ثم قلت بخلافه فتقول : «ما قلت إلا ما قلته قبل»
وعليه قوله تعالى حكاية عن عيسى ـ عليه الصلاة والسّلام ـ : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي
بِهِ). ليس المعنى : اني لم أزد على ما أمرتني به أن أقوله
شيئا ، ولكن المعنى : اني لم أدع مما أمرتني به أن أقوله شيئا ولم يذكر ما يخالفه.
وحكم «غير» اذا
وقع موقع «إلا» حكم «إلا» ، وأما «إنما» فالاختصاص فيها يقع مع المتأخر ، فاذا قلت
: «إنما ضرب عمرا زيد» فالاختصاص في الضارب كما قال سبحانه وتعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ
__________________
الْعُلَماءُ). واذا قلت : «انما ضرب زيد عمرا» فالاختصاص في المضروب.
واذا قلت : «إنما هذا لك» فالاختصاص في «لك» بدليل انك تقول بعده : «لا لغيرك».
واذا قلت : «إنما لك هذا» فالاختصاص في «هذا» بدليل انك تقول بعده «لا ذاك» قال
الله تعالى : (فَإِنَّما عَلَيْكَ
الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) فاذا وقع بعدها الفعل فالمعنى أنّ ذلك الفعل لا يصحّ
إلا من المذكور كقوله تعالى : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ
أُولُوا الْأَلْبابِ).
وقد يجمع معها
حرف النفي إمّا متأخرا كقولك : «إنما جاءني زيد لا عمرو» وإما متقدما كقولك : «ما
جاءني زيد وإنما جاءني عمرو» ، فهناك لو لم تدخل «إنما» كان الكلام مع من ظن أيهما
جاءك ، وإن أدخلها كان الكلام مع من غلط في الجائي. ولو قلت : «إنّ عمرا جاءني»
فان كانت المستغنى عنها فظهرت فائدة دخول «ما» على «إنّ» في «إنما» .
الاختلاس :
الخلس : الأخذ
في نهزة ومخاتلة ، والاختلاس كالخلس ، وقيل إنه أوحى من الخلس وأخص.
وخلست الشيء
واختلسته وتخلّسته اذا استلبته .
والاختلاس من
أنواع السرقات التي ذكرها الأوائل كالقاضي الجرجاني الذي قال : «ولست تعدّ من
جهابذة الكلام ونقاد الشعر حتى تميز بين أصنافه وأقسامه وتحيط علما برتبه ومنازله
فتفصل بين السرق والغصب ، وبين الاغارة والاختلاس» .
ولم يذكر الفرق
بين الاغارة والاختلاس. وذكر ابن رشيق الاختلاس ولم يحدده واكتفى بذكر أمثلة له ،
ومن ذلك قول أبي نواس :
ملك تصوّر في
القلوب مثاله
|
|
فكأنه لم يخل
منه مكان
|
اختلسه من قول
كثيّر :
أريد لأنسى
ذكرها فكأنّما
|
|
تمثّل لي
ليلى بكل سبيل
|
وهذا غير
الاغارة التي حدّدها بقوله : «الاغارة أن يصنع الشاعر بيتا ويخترع معنى مليحا
فيتناوله من هو أعظم منه ذكرا وأبعد صوتا فيروى له دون قائله» ومعنى ذلك أنّ الاختلاس هو التأثر ، أما الاغارة فهي
السلب والادعاء.
اختلاف صيغ
الألفاظ واتّفاقها :
عدّ ابن الاثير
اختلاف صيغ الالفاظ واتفاقها النوع السادس من الصناعة اللفظية «الالفاظ المركبة»
وقال : وهو من هذه الصناعة بمنزلة عليّة ومكانة شريفة ، وجلّ الألفاظ منوطة به.
ولقد لقيت
جماعة من مدعي فن الصناعة وفاوضتهم وفاوضوني وسألتهم وسألوني فما وجدت أحدا منهم
تيقّن معرفة هذا الموضوع كما ينبغي ، وقد استخرجت فيه أشياء لم أسبق اليها» . ومن ذلك أنّ الألفاظ اذا نقلت من هيئة الى هيئة انتقل
قبحها فصار حسنا وحسنها فصار قبحا. مثل لفظة «خود» فانها المرأة الناعمة ، واذا
نقلت الى صيغة الفعل قيل «خوّد» ومعناها أسرع. فهي على صيغة الاسم جميلة رائعة ،
وليست حسنة اذا جاءت فعلا كما في قول أبي تمام :
__________________
والى بني عبد
الكريم تواهقت
|
|
رتك النعام
رأى الظلام فخوّدا
|
ومن ذلك لفظة «ودع»
وهي فعل ماض لا ثقل بها على اللسان ، ولكنها حينما جاءت بهذه الصيغة لم تحسن كقول
أبي العتاهية :
أثروا فلم
يدخلوا قبورهم
|
|
شيئا من
الثروة التي جمعوا
|
وكان ما
قدّموا لأنفسهم
|
|
أعظم نفعا من
الذي ودعوا
|
وكانت حسنة
بديعة بصيغة الأمر كقوله تعالى : (وَدَعْ أَذاهُمْ
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) وبصيغة المستقبل كما في قوله : ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقد واصل في شهر رمضان فواصل معه قوم : «لو مدّ لنا
الشهر لواصلنا وصالا يدع له المتعمقون تعمقهم». وقول المتنبي :
تشقّكم
بقناها كل سلهبة
|
|
والضّرب يأخذ
منكم فوق ما يدع
|
ومثل ذلك لفظة «وذر»
فانها لا تأتي بصيغة الماضي وانما بصيغة الأمر كقوله تعالى : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) ، وصيغة المستقبل كقوله : (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ.
وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ. لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ).
وقد تكون
اللفظة حسنة وهي مفردة ولكنها تفقد ذلك الحسن حينما تثنّى ، ومن ذلك «الأخدع» التي
جاءت حسنة رائعة في قول الشاعر :
تلفتّ نحو
الحيّ حتى وجدتني
|
|
وجعت من
الاصغاء ليتا وأخدعا
|
وجاءت ثقيلة
مستكرهة في قول أبي تمام :
يا دهر قوم
من أخدعيك فقد
|
|
أضججت هذا
الأنام من خرقك
|
وعلة ذلك انها
في الأول مفردة وفي الثاني مثناة.
ومن الألفاظ ما
لا يحسن إلا بصيغة الجمع ، كلفظة اللب أي العقل ، فانها وردت في القرآن الكريم في
مواضع كثيرة وهي مجموعة ولم ترد مفردة ، كقوله تعالى : (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) ، وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ
لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ).
ومنها ما لا
يحسن إلا في الافراد كلفظة «الطيف» التي تفقد جمالها حينما تجمع فيقال : «طيوف».
وللصيغ أثر في
الحسن والقبح ، ولكنّ الذوق والثقافة والممارسة هي التي تضع الحقيقة أمام
المتذوقين ، أي أنّه لا تحدد هذه المسائل بقواعد ثابتة يرجع اليها الدارسون ، وإن
كان الاستقراء يقود الى أسس عامة كما فعل ابن الأثير الذي قال : «وأما فعل وافعوعل
فانا نقول : «أعشب المكان ، فاذا كثر عشبه قلنا : اعشوشب. فلفظة «افعوعل» للتكثير
، على أني استقريت هذه اللفظة في كثير من الألفاظ فوجدتها عذبة طيبة على تكرار
حروفها كقولنا : اخشوشن المكان ، واغرورقت العين ، واحلولى الطعم وأشباهها. وأما «فعلة»
نحو : همزة ولمزة وجثمة ونومة ولكنة ولحنة وأشباه ذلك فالغالب على هذه اللفظة أن
تكون حسنة ، وهذا أخذته بالاستقراء ، وفي اللغة مواضع كثيرة لا يمكن استقصاؤها.
فانظر الى ما يفعله اختلاف الصيغة بالألفاظ ، وعليك أن تتفقد أمثال هذه المواضع
لتعلم كيف تضع يدك في استعمالها ، فكثيرا ما يقع فحول الشعراء والخطباء في مثلها ،
ومؤلف الكلام من كاتب وشاعر إذا مرّت به ألفاظ عرضها على ذوقه الصحيح فما يجد
الحسن منها
__________________
موحّدا وحّده ، وما يجد الحسن منها مجموعا جمعه ، وكذلك يجري الحكم فيما
سوى ذلك من الألفاظ» .
اختلاف صيغ
الكلام :
يعمد الأديب
الى صيغ مختلفة من الكلام لئلا يتكرر فيثقل وتمجه الاسماع ، قال التنوخي : «واذا
تكرر واختلف المعنى وكان في الكلام دليل على معنى كل واحد من المتكررين فهو
التجنيس ، وهو مما يستحسن ولا يتجنب ، فان لم يكن في الكلام ما يفي بتبيين
المعنيين والحاق كل واحد منهما بلفظه فذلك مما ينبغي أن يتجنب ولا يؤتى لكونه مخلا
بالبيان. فاجتناب هذا النوع من قواعد علم البيان واجتناب الأول من باب البديع الذي
هو من محاسن الألفاظ» .
مثال الأول قول
ابراهيم بن سيّار للفضل بن الربيع :
هبني أسأت
وما أسأت وما أسأ
|
|
ت أقرّ كي
يزداد طولك طولا
|
ومثال الثاني
وهو مبين في الكلام قول الشاعر :
لعمري لقد
حبّبت كلّ قصيرة
|
|
اليّ وإن لم
تدر ذاك القصائر
|
عنيت قصيرات
الحجال ولم أرد
|
|
قصار الخطى
شرّ النساء البحاتر
|
فلو اقتصر على
البيت الأول لكان معيبا لاحتماله القصر والقصر. والقبيح قول كشاجم في المديح :
عمرته بفتية
صباح
|
|
سمح بأعراضهم
شحاح
|
لأنّ الباء في
قوله «بأعراضهم» يجوز أن تتعلق بـ «سمح» فيكون هجوا ، ويجوز أن تتعلق بـ «شحاح»
فيكون مدحا ، فهو ملبس بين المدح والهجو ، وليس في البيت ما يعيّن أحدهما.
الأخذ :
الأخذ والسرقة
من الموضوعات الأولى التي تحدث عنها البلاغيون ، وهما أنواع كثيرة سيرد ذكرها في هذا المعجم.
اخراج الكلام
مخرج الشّكّ :
عقد الزركشي
بابا في «اخراج الكلام مخرج الشك في اللفظ دون الحقيقة لضرب من المسامحة وحسم
العناد» . وضرب له مثلا بقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً
أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، وهو يعلم أنّه على الهدى وأنّهم على الضلال لكنه أخرج
الكلام مخرج الشك تقاضيا ومسامحة ، ولا شك عنده ولا ارتياب.
وقوله : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ
فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) ، وقوله : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ
إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ). أورده على طريق الاستفهام ، والمعنى : هل يتوقع منكم
إن توليتم أمور الناس وتأمّرتم عليهم لما تبين لكم من المشاهد ولاح منكم في
المخايل (أَنْ تُفْسِدُوا فِي
الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) تهالكا على الدنيا.
وإنما أورد
الكلام في الآية على طريق سوق غير المعلوم سياق غيره ، ليؤديهم التأمل في التوقع
عمن يتصف بذلك الى ما يجب أن يكون مسببا عنه من أولئك الذين أصمّهم الله وأعمى
أبصارهم ، فيلزمهم به
__________________
على ألطف وجه إبقاء عليهم من أن يفاجئهم به وتأليفا لقلوبهم ، ولذلك التفت
عن الخطاب الى الغيبة تفاديا عن مواجهتهم بذلك.
وقد يخرج
الواجب في صورة الممكن كقوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقاماً ، مَحْمُوداً).
وقد يخرج
الاطلاق في صورة التقييد كقوله : (حَتَّى يَلِجَ
الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ).
الإخلال :
الاخلال من
أخلّ بالشيء أي : أجحف ، وأخلّ بالمكان وبمركزه وغيره : غاب عنه وتركه ، وأخلّ به
: لم يف به .
والاخلال من
عيوب ائتلاف اللفظ والمعنى ، وقد عرّفه قدامة بقوله : «هو أن يترك من اللفظ ما يتم
به المعنى» . ومن عيوب ائتلاف اللفظ والمعنى أيضا : «أن يزيد في
اللفظ ما يفسد به المعنى» .
ومن الأول قول
الحارث بن حلّزة :
والعيش خير
في ظلا
|
|
ل النّوك ممن
عاش كدّا
|
أراد أن يقول :
«والعيش خير في ظلال النوك من العيش بكد في ظلال العقل» فترك شيئا كثيرا.
ومثال الثاني
قول بعضهم :
فما نطفة من
ماء نحض عذيبة
|
|
تمنّع من
أيدي الرقاة ترومها
|
بأطيب من
فيها لوانك ذقته
|
|
إذا ليلة
أسجت وغارت نجومها
|
وسمّى البغدادي
هذا الموضوع «الاخلال بالافادة».
أداة التّشبيه
:
أداة التشبيه
هي اللفظة التي تدل على المماثلة والمشاركة ، وقد أشار اليها القدماء وعدّوها
أساسا في اظهار صور التشبيه فقال سيبويه عن «الكاف» انها «تجيء للتشبيه» ، وقال المبرد مثل ذلك .
وسمّاها
السكاكي «كلمة التشبيه» غير أنّ القزويني وشرّاح تلخيصه سموها «أداة التشبيه» وهو ما سار عليه المتأخرون.
وأداة التشبيه
ثلاثة أنواع :
الأول ـ أسماء
: ومنها : مثل ، وشبه ، وشبيه ، ومثل.
الثاني ـ أفعال
: ومنها : حسب ، وظن ، وخال ، ويشبه ، وتشابه ، ويضارع.
الثالث ـ حرفان
: وهما : كأنّ ، والكاف.
وقد تحذف
الأداة فيسمى التشبيه مؤكدا كقول المتنبي :
بدت قمرا
ومالت غصن بان
|
|
وفاحت عنبرا
ورنت غزالا
|
وإذا ذكرت سمّي
التشبيه مرسلا كقول المتنبي :
كالبدر من
حيث التفتّ رأيته
|
|
يهدي الى
عينيك نورا ثاقبا
|
كالشمس في
كبد السماء وضوؤها
|
|
يغشى البلاد
مشارقا ومغاربا
|
__________________
كالبحر يقذف
للقريب جواهرا
|
|
جودا ويبعث
للبعيد سحائبا
|
والأول عند
البلاغيين أبلغ لأنّ الأداة محذوفة.
الإدماج :
الادماج : اللف
، يقال : أدمج الحبل أي : أجاد فتله ، وقيل : أحكم فتله ، ودمج الشيء دموجا إذا
دخل في الشيء واستتر فيه ، وأدمجت الشيء إذا لففته في ثوب.
فالادماج إدخال
الشيء في الشيء .
وقد بحث
الاوائل هذا الفن وعقد العسكري فصلا باسم «المضاعفة» قال : «هو أن يتضمن الكلام
معنيين :معنى مصرح به ومعنى كالمشار اليه» . ولكن البلاغيين الآخرين عقدوا بابا باسم «الادماج» ؛
وعدّه ابن رشيق من الاستطراد ، وقال : «ومن الاستطراد نوع يسمى الادماج» . وعقد له ابن منقذ بابا سماه «باب التعليق والادماج»
وقال عنه : «هو أن تعلق مدحا بمدح وهجوا بهجو ومعنى بمعنى» . ولكنّ المصري فرّق بين هذين الفنين فقال : «والفرق بين
التعليق والادماج أنّ التعليق يصرح فيه بالمعنيين المقصودين على شدة اتحادهما ،
والادماج يصرح فيه بمعنى غير مقصود قد أدمج فيه المعنى المقصود» .
وكان قد عرّف
التعليق بقوله : «هو أن يأتي المتكلم بمعنى في غرض من أغراض الشعر ثم يعلّق به
معنى آخر من ذلك الغرض يقتضي زيادة معنى من معاني ذلك الفن كمن يروم مدحا لانسان
بالكرم فيعلق بالكرم شيئا يدلّ على الشجاعة بحيث لو أراد أن يخلص ذكر الشجاعة من
الكرم لما قدر» . كقوله تعالى : (أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) ، فانه ـ سبحانه وتعالى ـ لو اقتصر على وصفهم بالذل على
المؤمنين لاحتمل أن يتوهم ضعيف الفهم أنّ ذلهم عجز وضعف ، فنفى ذلك عنهم وكمّل
المدح لهم بذكر عزّهم على الكافرين ليعلم أنّ ذلهم للمؤمنين عن تواضع لله ـ سبحانه
ـ لا عن ضعف ولا عجز بلفظ اقتضت البلاغة الاتيان به ليتم بديع اللفظ كما تمّ المدح
، فحصل في هذه الألفاظ الاحتراس مدمجا في المطابقة وذلك تبع للتعليق الذي هو
المطلوب من الكلام.
ومنه قول بعضهم
:
أترى القاضي
أعمى
|
|
أم تراه
يتعامى
|
سرق العيد
كأنّ العي
|
|
د أموال
اليتامى
|
فعلق خيانة
القاضي في أموال اليتامى بما قدمه من خيانته في أمر العيد برابطة التشبيه.
وعرّف الادماج
بقوله : «هو أن يدمج المتكلم غرضا له في ضمن معنى قد نحاه من جملة المعاني ليوهم
السامع أنّه لم يقصده ، وإنما عرض في كلامه لتتمة معناه الذي قصد اليه» . كقوله تعالى : (لَهُ الْحَمْدُ فِي
الْأُولى وَالْآخِرَةِ) ، فان هذه الجملة أدمج فيها المبالغة في الحمد ضمن
المطابقة إذ أفرد نفسه ـ سبحانه ـ بالحمد حيث لا يحمد سواه.
ومنه قول بعض
الاندلسيين :
أأرضى أن
تصاحبني بغيضا
|
|
مجاملة
وتحملني ثقيلا
|
__________________
وحقّك لارضيت
بذا لأني
|
|
جعلت وحقّك
القسم الجليلا
|
والبيت الثاني
المقصود ؛ لأنه أدمج فيه الغزل في العتاب من الفنون ، والمبالغة في القسم من
البديع.
وقسّمه ابن
مالك قسمين :
الأول : يتضمن
التصريح بمعنى من فن كفاية عن معنى من فن آخر كقول بعضهم :
أبى دهرنا
إسعافنا في نفوسنا
|
|
فأسعفنا فيمن
نحبّ ونكرم
|
فقلت له
نعماك فيهم أتمّها
|
|
ودع أمرنا
إنّ المهمّ المقدّم
|
فأدمج شكوى
الزمان في التهنئة.
وقول ابن نباتة
السعدي :
ولا بدّ لي
من جهلة في وصاله
|
|
فمن لي بخلّ
أودع الحلم عنده
|
فأدمج الفخر في
الغزل.
الثاني : أن يقصد
المتكلم الى نوع من البديع فيجيء في ضمنه بنوع آخر كقول بعض الاندلسيين السابق : «أأرضى
أن تصاحبني ...» .
وسار المتأخرون
على هذا التحديد والتقسيم ، وقالوا إنّ الادماج أعمّ من الاستتباع لأنه «تضمين
كلام سيق لمعنى معنى آخر» كقول المتنبي :
أقلّب فيه أجفاني
كأني
|
|
أعدّ بها على
الدهر الذنوبا
|
فانه ضمن وصف
الليل بالطول الشكاية من الدهر ، والاستتباع هو «المدح بشيء على وجه يستتبع المدح
بشيء آخر» كقول المتنبي :
نهبت من
الاعمار ما لو حويته
|
|
لهنّئت
الدنيا بأنك خالد
|
فانه مدحه
ببلوغه النهاية في الشجاعة إذ كثر قتلاه بحيث لو ورث أعمارهم لخلد في الدنيا على
وجه استتبع مدحه بكونه سببا لصلاح الدنيا مهنأة بخلوده.
الارتفاد :
الارتفاد :
الكسب ، يقال : ارتفد المال اكتسبه .
وقد ذكره ابن
رشيق في باب «الحشو وفضول الكلام» وقال معلقا على قول الشاعر :
ولو قبلت في
حادث الدهر فدية
|
|
لقلنا على
التحقيق نحن فداؤه
|
«فقوله ـ على التحقيق ـ حشو مليح
فيه زيادة فائدة ، ومن الناس من يسمي هذا النوع من الكلام ارتفادا ، وأنشد بعض
العلماء قول قيس بن الخطيم :
قضى لها الله
حين صوّرها الخا
|
|
لق أن لا
يكنّها سدف
|
والاتكاء عنده
والارتفاد هو قول الشاعر «صوّرها الخالق» لان اسم الله ـ تعالى ـ قد تقدم» .
الارتقاء :
هو الانتقال من
الأدنى الى الأعلى في الوجه المراد مثل : «لا أبالي بالوزير ولا بالسلطان» .
__________________
الإرداف :
الإرداف من
أردف ، يقال : أردفه ، أي ركب خلفه ، أي حمله خلفه على ظهر الدابة ، فهو رديف وردف
.
والإرداف مما
فرّعه قدامة من ائتلاف اللفظ مع المعنى وسماه هذه التسمية ، وقال عنه : «هو أن
يريد الشاعر دلالة على معنى من المعاني فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى بل
بلفظ يدل على معنى هو ردفه وتابع له ، فاذا دلّ على التابع أبان عن المتبوع» .
وكان المتقدمون
كابن قتيبة وابن المعتز. قد بحثوا ذلك في باب الكناية والتعريض ولكن البلاغيين ساروا على مذهب قدامة فعرّفه العسكري
بقوله : «الارداف والتوابع : أن يريد المتكلم الدلالة على معنى فيترك اللفظ الدال
عليه الخاص به ، ويأتي بلفظ هو ردفه وتابع له ، فيجعله عبارة عن المعنى الذي أراده»
. وسمّاه ابن رشيق التتبيع وقال : «ومن أنواع الاشارة : التتبع وقوم يسمونه
التجاوز ، وهو أن يريد الشاعر ذكر الشيء فيتجاوزه ويذكر ما يتبعه في الصفة وينوب
عنه في الدلالة عليه» .
وسماه ابن سنان
الإرداف والتتبيع وقال : «ومن نعوت البلاغة والفصاحة أن تراد الدلالة على المعنى
فلا يستعمل اللفظ الخاص الموضوع له في اللغة بل يؤتى بلفظ يتبع ذلك المعنى ضرورة
فيكون في ذكر التابع دلالة على المتبوع. وهذا يسمى الإرداف والتتبيع ؛ لأنّه يؤتى
فيه بلفظ هو ردف اللفظ المخصوص لذلك المعنى وتابعه» .
وسمّاه
التبريزي الإرداف وقال : «هو أن يريد الشاعر دلالة على معنى فلا يأتي باللفظ الدال
عليه بل بلفظ هو تابع له» . ونقل البغدادي هذا التعريف كما نقل تعريف قدامة .
وعدّه ابن
الأثير القسم الثاني من الكناية وذكر أنّ هذه تسمية قدامة ثم قال : «هو أن تراد
الاشارة الى معنى فيترك اللفظ الدال عليه ويؤتى بما هو دليل عليه ومرادف له» . وفرّعه الى خمسة فروع :
الأول : فعل
المبادهة كقوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ). فان المراد بقوله تعالى (لَمَّا جاءَهُ) أي أنّه سفيه الرأي ، يعني أنّه لم يتوقف في تكذيب وقت
ما سمعه ولم يفعل كما يفعل المراجيح العقول المتثبتون في الأشياء ، فانّ من شأنهم
إذا ورد عليهم أمر أو سمعوا خبرا أن يستعملوا فيه الروية والفكر ، ويتأنوا في
تدبره الى أن يصح لهم صدقه أو كذبه ، فقوله (لَمَّا جاءَهُ) يعني أنّه ضعيف العقل عازب الرأي ، وقد عدل عن هذه
العبارة الصريحة بقوله (لَمَّا جاءَهُ) وذلك آكد وأبلغ في هذا الباب.
الثاني : باب «مثل»
كقول الرجل إذا نفى عن نفسه القبيح : «مثلي لا يفعل هذا». أي : أنا لا أفعله فنفى
ذلك عن مثله وهو يريد نفيه عن نفسه قصدا للمبالغة فسلك به طريق الكناية لأنّه إذ
نفاه عمن يماثله أو يشابهه فقد نفاه عنه لا محالة.
الثالث : هو ما
يأتي في جواب الشرط كقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ
الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) ، كأنه قال : «إن كنتم منكرين يوم البعث فهذا يوم البعث»
فكنّى بقوله : (فَهذا يَوْمُ
الْبَعْثِ) عن بطلان قولهم وكذبهم فيما ادّعوه وذلك رادف له.
الرابع :
الاستثناء من غير موجب كقوله تعالى :
__________________
(لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ
إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) ، والضريع نبت وهو يبيس الشبرق ، ولا تقربه الابل أو
الدواب لخبثه ، والمعنى ليس لهم طعام أصلا ، لأنّ الضريع ليس بطعام البهائم فضلا
عن الانس.
ومن ذلك قول
بعضهم :
وتفرّدوا
بالمكرمات فلم يكن
|
|
لسواهم منها
سوى الحرمان
|
والمراد نفي
المكرمات عن سواهم لأنّه إذا كان لهم الحرمان من المكرمات فمالهم منها شي البتة.
الخامس : ليس
مما تقدم بشيء كقوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ
لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) والمعنى المراد من هذا الكلام أنّك أخطأت وبئسما فعلت ،
وقوله : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) بيان لما كنى عنه بالعفو أي مالك أذنت لهم وهل أستأنيت؟
فذكر العفو دليل على الذنب ورادف له وإن لم يذكره.
ومن ذلك قول
كثيّر :
وددت وما
تغني الودادة أنني
|
|
بما في ضمير
الحاجبية عالم
|
فان كان خيرا
سرّني وعلمته
|
|
وإن كان شرا
لم تلمني اللوائم
|
فان المراد من
قوله «لم تلمني» أني أهجرها فأضرب عن ذلك جانبا ولم يذكر اللفظ المختص به ولكنه
ذكر ما هو دليل عليه ورادف له.
ورجع المصري
الى ما بدأه قدامة ونقل تعريفه وبعض أمثلته ، وقرّق الحموي بين الإرداف والكناية وقال : «قالوا :
إنه هو والكناية شيء واحد.
قلت : إذ كان
الأمر كذلك كان الواجب اختصارهما ، وانّما أئمة البديع كقدامة والحاتمي والرماني
قالوا إنّ الفرق بينهما ظاهر. والإرداف هو أن يريد المتكلم معنى فلا يعبر عنه
بلفظه الموضوع له بل يعبر عنه بلفظ هو رديفه وتابعه كقوله تعالى : (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) فانّ حقيقة ذلك : جلست على المكان ، فعدل عن اللفظ
الخاص بالمعنى الى لفظ هو رديفه ، وإنّما عدل عن لفظ الحقيقة لما في الاستواء الذي
هو لفظ الإرداف من الإشعار بجلوس متمكن لا زيغ فيه ولا ميل. وهذا لا يحصل من لفظ «جلست»
و «قعدت». ومن الامثلة الشعرية على الإرداف قول أبي عبادة البحتري يصف طعنة :
فأوجرته أخرى
فأحالمت نصلها
|
|
بحيث يكون
اللبّ والرعب والحقد
|
ومراده القلب
فذكره بلفظ الإرداف.
والفرق بين
الإرداف وبين الكناية أنّ الإرداف قد تقرر أنّه عبارة عن تبديل الكلمة بردفها ،
والكناية هي العدول عن التصريح بذكر الشيء الى ما يلزم ؛ لأنّ الإرداف ليس فيه
انتقال من لازم الى ملزوم ، والمراد بذلك انتقال المذكور الى المتروك كما يقال : «فلان
كثير الرماد» ومراده نقله الى ملزومه وهي كثرة الطبخ للأضياف» . ويبدو أنّ هذا التمييز لم يقع إلا بعد أن خاض السكاكي
وشراح التلخيص في مباحث البلاغة التي ربطوها بالمنطق ، ولذلك فرّق السيوطي مثل ذلك
التفريق وقال : «قال بعضهم : والفرق بين الكناية والإرداف أنّ الكناية انتقال من
لازم الى ملزوم ، والإرداف من مذكور الى متروك» . وذكر المدني أنّه والكناية شي واحد عند علماء البيان ،
غير أنّ أئمة البديع فرقوا بينهما .
__________________
ومن أمثلة
الإرداف قول ابن أبي ربيعة :
بعيدة مهوى
القرط إمّا لنوفل
|
|
أبوها وإما
عبد شمس وهاشم
|
أراد أن يصف
طول الجيد فلم يذكره بلفظه الخاص بل أتى بمعنى هو تابع لطول الجيد وهو بعد مهوى
القرط.
وقول ليلى
الأخيلية :
ومخرّق عنه
القميص تخاله
|
|
بين البيوت
من الحياء سقيما
|
أرادت وصفه
الجود والكرم فجاءت بالإرداف والتوابع لهما ، أما ما يتبع الجود فانّ تخرق قميص
هذا المنعوت فسرّ أنّ العفاة تجذبه فتخرّق قميصه من مواصلة جذبهم إياه ، وأما ما
يتبع الكرم فالحياء الشديد الذي كأنه من إماتته نفس هذا الموصوف وإزالته عنه يخال
سقيما.
ومنه قول الحكم
الخضري :
قد كان يعجب
بعضهنّ براعتي
|
|
حتى سمعن
تتحنحي وسعالي
|
أراد وصف الكبر
والسن فلم يأت باللفظ بعينه ، ولكنه أتى بتوابعه وهي السعال والتنحنح.
إرسال المثل :
ذكره الثعالبي
ولم يعرّفه ، وقال الحموي : «إرسال المثل نوع لطيف في البديع ولم
ينظمه في بديعته غير الشيخ صفي الدين ، وهو عبارة عن أن يأتي الشاعر في بعض بيت
بما يجري مجرى المثل من حكمة أو نعت أو غير ذلك مما يحسن التمثيل به» . ونقل المدني هذا التعريف . وذكره السبكي في البديع وقال عنه : «هو أن يورد
المتكلم مثلا في كلامه ، وقد عرف ذلك في علم البيان في مجاز التمثيل» .
وكان الوطواط
والحلبي والنويري قد ذكروه قبل ذلك ولكنهم لم يعرّفوه ، وذكروا له أمثلة كقول أبي فراس الحمداني :
تهون علينا
في المعالي نفوسنا
|
|
ومن نكح
الحسناء لم يغلها المهر
|
وقول المتنبي :
وحيد من
الخلّان في كلّ بلدة
|
|
إذا عظم
المطلوب قلّ المساعد
|
تبكّي عليهن
البطاريق في الدجى
|
|
وهنّ لدينا
ملقيات كواسد
|
بذا قضت
الأيام ما بين أهلها
|
|
مصائب قوم
عند قوم فوائد
|
ومن إرسال
المثل قوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا
الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وقوله : (قُضِيَ الْأَمْرُ
الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) ، وقوله : (أَلَيْسَ الصُّبْحُ
بِقَرِيبٍ) وقوله : (كُلُّ نَفْسٍ بِما
كَسَبَتْ رَهِينَةٌ).
ومن كلامه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» ، وقوله : «آفة
العلم النسيان وإضاعته أن تحدّث به غير أهله» ، وقوله : «الحياء من الايمان» وقوله
: «لا ضرر ولا ضرار في الاسلام».
ومن ذلك قول
زهير :
__________________
ومن يجعل
المعروف من دون عرضه
|
|
يفره ومن لا
يتق الشّتم يشتم
|
وقول النابغة :
ولستّ بمستبق
أخا لا تلمّه
|
|
على شعث ،
أيّ الرجال المهذّب؟
|
وقول الأفوه
الأودي :
لا يصلح
الناس فوضى لا سراة لهم
|
|
ولا سراة إذا
جهّالهم سادوا
|
وقول لبيد :
وما المال
والأهلون إلّا وديعة
|
|
ولا بدّ يوما
أن تردّ الودائع
|
وقول القطامي :
قد يدرك
المتأني بعض حاجته
|
|
وقد يكون مع
المستعجل الزّلل
|
وقول بشار :
إذا كنت في
كلّ الأمور معاتبا
|
|
صديقك لم تلق
الذي لا تعاتبه
|
وقوله :
من راقب
الناس لم يظفر بحاجته
|
|
وفاز
بالطيبات الفاتك اللهج
|
وقول أبي
العتاهية :
إنّ الشباب
حجّة التصابي
|
|
روائح الجنة
في الشباب
|
وقول المتنبي :
إني لأعلم
واللبيب خبير
|
|
أنّ الحياة
وإن حرصت غرور
|
وقوله :
تلذّ له
المروءة وهي تؤذي
|
|
ومن يعشق
يلذّ له الغرام
|
وقوله :
على قدر أهل
العزم تأتي العزائم
|
|
وتأتي على
قدر الكرام المكارم
|
إرسال المثلين
:
ذكره الثعالبي ، وعرّفه الوطواط بقوله : «وتكون هذه الصنعة بأن يذكر
الشاعر مثلين في بيت واحد» . وقال الرازي : «هو عبارة عن الجمع بين المثلين» . ونقل الحلبي والنويري هذا التعريف .
ومن شواهد هذا
الفن قول لبيد :
ألا كلّ شيء
ما خلا الله باطل
|
|
وكلّ نعيم لا
محالة زائل
|
وقول أبي فراس
:
ومن لم يوقّ
الله فهو مضيّع
|
|
ومن لم يعزّ
الله فهو ذليل
|
وقول المتنبي :
أعزّ مكان في
الدنا سرج سابح
|
|
وخير جليس في
الزمان كتاب
|
وقوله :
وكلّ امرىء
يولي الجميل محبّب
|
|
وكلّ مكان
ينبت العزّ طيّب
|
الإرصاد :
الإرصاد :
الانتظار والاعداد ، ويقال : أرصدته إذا قعدت له على طريقه ترقبه .
والإرصاد : هو
أن يجعل قبل العجز من الفقرة أو البيت ما يدل على العجز إذا عرف الرويّ. ويسمّى
__________________
«التسهيم» ، وهو مأخوذ من الثوب المسهم ، وهو الذي يدل أحد سهامه على الآخر
الذي قبله لكون لونه يقتضي أن يليه لون مخصوص به لمجاورة اللون الذي قبله. وكان
ابن المقفع قد ذكره وإن لم يسمّه حينما قال : «وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك
، كما أنّ خير أبيات الشعر البيت الذي اذا سمعت صدره عرفت قافيته» . وعلّق الجاحظ عليه بقوله : «كأنه يقول : فرق بين صدر
خطبة النكاح وبين صدر خطبة العيد وخطبة الصلح وخطبة التواهب حتى يكون لكل فن من
ذلك صدر يدل على عجزه فانّه لا خير في كلام لا يدلّ على معناك ولا يشير الى مغزاك
والى العمود الذي اليه قصدت والغرض الذي اليه نزعت».
وسماه قدامة
التوشيح وقال : «هو أن يكون أول البيت شاهدا بقافيته ومعناها متعلقا به حتى أنّ
الذي يعرف قافية القصيدة التي البيت منها إذا سمع أول البيت عرف آخره وبانت له
قافيته» . وفضّل العسكري أن يسمى التبيين وقال : «سمّي هذا النوع
التوشيح ، وهذه التسمية غير لازمة بهذا المعنى ولو سمي تبيينا لكان أقرب. وهو أن
يكون مبتدأ الكلام ينبئ عن مقطعه ، وأوله يخبر بآخره ، وصدره يشهد بعجزه حتى لو
سمعت شعرا أو عرفت رواية ثم سمعت صدر بيت منه وقفت على عجزه قبل بلوغ السماع اليه.
وخير الشعر ما تسابق صدره واعجازه ومعانيه وألفاظه» .
ورأى ابن
الأثير أنّ تسميته بالارصاد أولى ، وذلك حيث ناسب الاسم مسمّاه ولاق به ، أما
التوشيح فنوع آخر من علم البيان» . وسماه القزويني وشراح تلخيصه إرصادا وقال إنّه يسمى
التسهيم أيضا .
وذكر ابن رشيق
تسمية قدامة وإن سماه تسهيما كما سماه علي بن هارون المنجم. قال الحاتمي : «قلت
لعلي بن هارون المنجم : ما رأيت أعلم بصناعة الشعر منك في التسهيم ، فقال : وهذا
لقب اخترعناه نحن. قلت : وما كيفيته؟ فأجابني بجواب لم يبرزه في عبارة يحكيها عن
غيره : إنّ صفة الشعر المسهّم أن يسبق المستمع الى قوافيه قبل أن ينتهي اليها
راوية منذ الشطر الأول قبل أن يخرج الى الشطر الأخير ومن قبل أن يسمعه» . وسماه ابن وكيع المطمع ، وذكر ابن سنان ان بعضهم يسميه توشيحا ، وبعضهم يسميه تسهيما وسماه توشيحا المصري وابن مالك وابن الاثير الحلبي ، والتوشيح عند ابن منقذ «هو أن تريد الشي فتعبر عنه
عبارة حسنة وإن كانت أطول منه» كقول ابن المعتز :
آذريون أتاك
في طبقه
|
|
كالمسك في
ريحه وفي عبقه
|
__________________
قد نفض
العاشقون ما صنع ال
|
|
هجر بألوانهم
على ورقه
|
فمدار البيت
موضوع على أنه أصفر. وليس كذلك الإرصاد الذي اتفق عليه المتأخرون كالقزويني الذي
قال : «الارصاد ويسمى التسهيم أيضا ، وهو أن يجعل قبل العجز من الفقرة أو البيت ما
يدل على العجز اذا عرف الرويّ» ، وتبعه في ذلك شراح تلخيصه كالسبكي والتفتازاني
والاسفراييني والمغربي .
وفرّق الحموي
بين التوشيح والتسهيم فقال : «اتفق علماء البديع على أنّ التوشيح أن يكون معنى أول
الكلام دالا على لفظ آخره ولهذا سموه التوشيح فانه ينزل فيه المعنى منزلة الوشاح
وينزل أول الكلام وآخره منزلة محل الوشاح من العاتق والكشح اللذين يجول عليهما
الوشاح» . وقال عن التسهيم : «وتعريفه أن يتقدم من الكلام ما
يدلّ على ما يتأخر تارة بالمعنى وتارة باللفظ كأبيات أخت عمرو ذي كلب فان الحذاق
بمعاني الشعر وتأليفه يعلمون معنى قولها : «فاقسم يا عمرو لو نبهاك» يقتضي أن يكون
تمامه : «إذن نبها منك داء عضالا» دون غيره من القوافي لأنه قال مكان «داء عضالا»
: ليثا غضوبا ، أو : أفعى قتولا ، أو ما ناسب ذلك لكان «الداء العضال» أبلغ إذ كل
منهما ممكن مغالبته والتوقي منه ، والداء العضال لا دواء له.
وهذا مما يعرف
بالمعنى ، وأما ما يدلّ على الثاني دلالة لفظية فهو قولها بعده :
إذن نبّها
ليث عرّيسة
|
|
مقيتا مفيدا
نفوسا ومالا
|
وخرق تجاوزت
مجهولة
|
|
بوجناء حرف
تشكّى الملالا
|
فكنت
النهار به شمسه
|
يقتضي أن يتلوه
:
وكنت دجى الليل فيه الهلالا
ومنه قول
البحتري :
أحلّت دمي من
غير جرم وحرّمت
|
|
بلا سبب يوم
اللقاء كلامي
|
فليس
الذي قد حلّلت بمحلل
|
ومن هنا يعرف
المتأدب أنّ تمامه :
وليس الذي قد حرّمت بحرام
وهذا الفن من
محمود الصنعة لأنّ خير الكلام ما دلّ بعضه على بعض ومن أمثلته في كتاب الله قوله : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً
واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ، وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ
بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ). فاذا وقف السامع على قوله تعالى : (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ) عرف أنّ بعده (يَخْتَلِفُونَ) لما تقدم من الدلالة عليه. ومنه قوله : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ
اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً ، وَإِنَّ أَوْهَنَ
الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) ، فاذا وقف السامع على قوله ـ عزوجل ـ (وَإِنَّ أَوْهَنَ
الْبُيُوتِ) علم أنّ بعده (لَبَيْتُ
الْعَنْكَبُوتِ) وقوله : (وَما كانَ اللهُ
لِيَظْلِمَهُمْ ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ، فانّ أول الآية يدل على آخرها.
ومنه قول زهير
:
سئمت تكاليف
الحياة ومن يعش
|
|
ثمانين حولا
ـ لا أبا لك ـ يشأم
|
وقول الآخر :
__________________
اذا لم تستطع
شيئا فدعه
|
|
وجاوزه الى
ما تستطيع
|
وقول البحتري :
أبكيكما دمعا
ولو أني على
|
|
قدر الجوى
أبكي بكيتكما دما
|
الازدواج :
الازدواج من
أزدوج ، وازدوج الكلام وتزاوج أشبه بعضه بعضا في السجع أو الوزن ، او كان لاحدى
القضيتين تعلق بالأخرى .
وكان الجاحظ قد
عقد في «البيان والتبين» بابا سماه «من مزدوج الكلام» لم يعرّفه ، ولكن الأمثلة التي ذكرها تدل على أنّه أراد
تساوي الفقرتين في الطول مع السجع ، كقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في معاوية : «اللهم علّمه الكتاب والحساب ، وقه
العذاب».
وعقد العسكري
بابا في «السجع والازدواج» وقال : «لا يحسن منثور الكلام ولا يحلو حتى يكون مزدوجا»
. ولم يفرق بين المصطلحين ، وكأن الازدواج عنده مرتبط بالسجع أو التوازن
بين العبارتين اللتين تأتيان مسجوعتين أحيانا وغير مسجوعتين أحيانا اخرى ، ولكنه
يفضل أن تكونا مسجوعتين ، قال وهو يتحدث عن وجوه السجع : «والذي هو دونهما أن تكون
الأجزاء متعادلة وتكون الفواصل على أحرف متقاربة المخارج إذا لم يمكن أن تكون من
جنس واحد ... والذي ينبغي أن يستعمل في هذا الباب ولا بدّ منه هو الأزدواج فان
أمكن أن يكون كل فاصلتين على حرف واحد أو ثلاث أو اربع لا يتجاوز ذلك كان أحسن فان
جاوز ذلك نسب الى التكلف. وإن أمكن أيضا أن تكون الأجزاء متوازنة كان أجمل وإن لم
يكن ذلك فينبغي أن يكون الجزء الأخير أطول على أنّه قد جاء في كثير من ازدواج
الفصحاء ما كان الجزء الأخير منه أقصر ... وينبغي أيضا أن تكون الفواصل على زنة
واحدة وإن لم يمكن أن تكون على حرف واحد فيقع التعادل والتوازن». وتحدث عن عيوب
الازدواج ، ومن ذلك التجميع وهو «أن تكون فاصلة الجزء الأول بعيدة المشاكلة لفاصلة
الجزء الثاني» ، ومن عيوبه التطويل وهو «أن تجي الجزء الأول طويلا فتحتاج الى
إطالة الثاني ضرورة».
وتحدث الخفاجي
عن السجع والازدواج في باب واحد ، ولكنه قسّم الفواصل الى قسمين : ضرب يكون سجعا وهو ما
تماثلت حروفه في المقاطع ، وضرب لا يكون سجعا ، وهو ما تقابلت حروفه في المقاطع
ولم تتماثل. ولا يخلو كل واحد من هذين القسمين أي المتماثل والمتقارب من أن يكون
يأتي طوعا سهلا وتابعا للمعاني وبالضد من ذلك حتى يكون متكلفا يتبعه المعنى. فان
كان من القسم الأول فهو المحمود الدال على الفصاحة وحسن البيان ، وإن كان من
الثاني فهو مذموم مرفوض.
ويبدو أنّه
يريد بالازدواج المتقارب أي الذي لا تتماثل حروفه في المقاطع.
وعرّفه ابن
منقذ بقوله : «هو أن تزاوج بين الكلمات والجمل بكلام عذب وألفاظ عذبة حلوة» . ونقل ابن قيم الجوزية هذا التعريف .
وقال المصري : «هو
أن يأتي الشاعر في بيته من أوله الى آخره بجمل ، كل جملة فيها كلمتان مزدوجتان ،
كل كلمة إما مفردة أو جملة. وأكثر ما يقع هذا النوع في أسماء مثناة مضافة» .
وأطلقه الرماني
على قسم من التجانس الذي
__________________
قال إنّه نوعان : مزاوجة ومناسبة ، والمزاوجة تقع في الجزاء كقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا
عَلَيْهِ) أي جازوه بما يستحق على طريق العدل إلا أنّه استعير
للثاني لفظ الاعتداء لتأكيد الدلالة على المساواة في المقدار فجاء على مزاوجة
الكلام لحسن البيان. والمناسبة تدور في فنون المعاني التي ترجع الى أصل واحد كقوله
تعالى : (ثُمَّ انْصَرَفُوا
صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) فجونس بالانصراف عن الذكر صرف القلب عن الخير ، والاصل
فيه واحد وهو الذهاب عن الشي ، أما هم فذهبوا عن الذكر وأما قلوبهم فذهب عنها
الخير .
وأطلقه الحموي
أيضا على المزاوجة فقال : «هذا النوع سمّوه المزاوجة والازدواج.» ونقل تعريف السكاكي وهو : «المزاوجة : هي أن تزاوج بين
معنيين في الشرط والجزاء» كقول الشاعر :
إذا ما نهى
الناهي فلجّ بي الهوى
|
|
أصاخ الى
الواشي فلجّ به الهجر
|
وهذا ما ذكره
الرماني ، ويبدو أنّ الإزدواج أعمّ من المزاوجة لأنّه لا يرتبط بالشرط الذي ذكره
الرماني والسكاكي والحموي.
ومن الازدواج
أيضا قوله تعالى : (عَلِيماً حَكِيماً) و (غَفُوراً رَحِيماً).
وقول الشاعر :
ومعظم النّصر
يوم النّصر مطعمه
|
|
أنّى توجّه
والمحروم محروم
|
وقول أبي تمام
:
وكانا جميعا
شريكي عنان
|
|
رضيعي لبان
خليلي صفاء
|
وقول ابن
الرومي :
أبدانهنّ وما
لبس
|
|
ن من الحرير
معا حرير
|
أردانهنّ وما
مسس
|
|
ن من العبير
معا عبير
|
الاستئناف :
تحدث عبد
القاهر في مبحث الفصل والوصل عن الاستئناف وذكر له أمثلة كثيرة ، ومن ذلك قول
اليزيدي :
ملّكته حبلي
ولكنّه
|
|
ألقاه من زهد
على غاربي
|
وقال إني في
الهوى كاذب
|
|
انتقم الله
من الكاذب
|
استأنف قول : «انتقم
الله من الكاذب» لأنّه جعل نفسه كأنه يجيب سائلا قال له : فما تقول فيما اتهمك به
من أنك كاذب؟ فقال : أقول : انتقم الله من الكاذب .
وذكر السكاكي
والقزويني كلام عبد القاهر وأمثلته ، وعرّفه التنوخي بقوله : «هو الاتيان بعد تمام كلام بقول
يفهم منه جواب سؤال مقدر» .
وهذا ما ذهب
اليه السابقون. ثم قال : «فمنه ما يكون باعادة اسم أو صفة كقولك : «أكرم زيدا فزيد
أهل الاكرام» أو «أكرم زيدا صديقك الصدوق» كأنه توهم أنّ قائلا يقول له : لم يكرم
زيد؟ فكان استئنافه كالجواب لذلك. ومنه قوله تعالى : (تَنْزِيلاً مِمَّنْ
خَلَقَ
__________________
الْأَرْضَ
وَالسَّماواتِ الْعُلى ، الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى). وقوله تعالى : (وَإِنْ تَجْهَرْ
بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى. اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ
لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى). والاستئناف هنا هو قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) وقوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ
إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى.) وقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). يدفع وصفه تعالى باللطف والخبرة توهّم من يستبعد مدركا
للبصر ولا يدركه البصر.
وقد يكون
الاستئناف بما ليس فيه إعادة اسم ولا صفة كقوله تعالى : (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا
إِبْراهِيمُ؟ قالَ : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ، فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا
يَنْطِقُونَ). تمّ الجواب بقوله : (بَلْ فَعَلَهُ
كَبِيرُهُمْ هذا) واستأنف (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ
كانُوا يَنْطِقُونَ) تنبيها على أنّ جوابه كان تهكما بهم وليس على حقيقته
وأنّ من لا ينطق كيف يفعل هذا بل كيف يكون إلها.
وهذا النوع في
الكلام كثير ، وهو من لطيف البيان ، ولا ينبغي أن يعدّ هذا من الحذف ؛ لان المتكلم
ما حذف من كلامه شيئا وانما السؤال لم يقع فكان هذا جوابه لو وقع.
وقسّم
المتأخرون الاستئناف ثلاثة أضرب : لأنّ السؤال الذي تضمنته الجملة الأولى إما عن سبب
الحكم فيها مطلقا كقول الشاعر :
قال لي؟ كيف
أنت؟ قلت : عليل
|
|
سهر دائم
وحزن طويل
|
أي : ما بالك
عليلا؟ او ما سبب علتك؟
وكقول الآخر :
وقد غرضت من
الدنيا فهل زمني
|
|
معط حياتي
لغرّ بعد ما غرضا
|
جربت دهري
وأهليه فما تركت
|
|
لي التجارب
في ودّ امرئ غرضا
|
أي : لم تقول
هذا ويحك؟ وما الذي اقتضاك أن تطوي عن الحياة الى هذا الحد كشحك؟
وإما عن سبب
خاص له كقوله تعالى : (وَما أُبَرِّئُ
نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) ، كأنه قيل : هل النفس أمّارة بالسوء؟ فقيل : إنّ النفس
لأمّارة بالسوء.
وإما عن غيرهما
كقوله تعالى : (قالُوا : سَلاماً ،
قالَ : سَلامٌ) ، كأنه قيل : فماذا قال ابراهيم عليهالسلام؟ فقيل : قال : سلام. ومنه قول الشاعر :
زعم العواذل
أنّني في غمرة
|
|
صدقوا ، ولكن
غمرتي لا تنجلي
|
فانه لما أبدى
الشكاية من جماعات العذّال كان ذلك مما يحرك السامع ليسأل : أصدقوا في ذلك أم
كذبوا؟ فأخرج الكلام مخرجه اذا كان ذلك قد قيل له ، ففصل.
وقد يحذف صدر
الاستئناف لقيام قرينة كقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها
بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ، رِجالٌ) فيمن قرأ (يُسَبِّحُ) مبينا للمفعول. وقد يحذف الاستئناف كله كقول الشاعر :
زعمتم أنّ
إخوتكم قريش
|
|
لهم إلف وليس
لكم إلاف
|
حذف الجواب
الذي هو : كذبتم في زعمكم وأقام
__________________
مقامه «لهم إلف وليس لكم إلاف» مقامه لدلالته عليه.
وقد يحذف ولا
يقام شي مقامه كقوله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ) أي : «أيوب» ، أو «هو» لدلالة ما قبل الآية وما بعدها
عليه. ونحو قوله : (فَنِعْمَ
الْماهِدُونَ) ، أي : نحن.
الاستتباع :
يقال : استتبعه
أي طلب اليه أن يتبعه ، والاستتباع هو المجيء بوجه يستتبع وجها آخر. وقد
سمّاه العسكري المضاعفة وقال عنه : «هو أن يتضمن الكلام معنيين : معنى مصرح به ،
ومعنى كالمشار اليه» . وسماه ابن منقذ التعليق ، وتبعه في ذلك المصري الذي قال : «هو أن يأتي المتكلم
بمعنى في غرض من أغراض الشعر ثم يعلق معنى به معنى آخر من ذلك الغرض يقتضي زيادة
معنى من معاني ذلك الفن كمن يروم مدحا لانسان بالكرم فيعلق بالكرم شيئا يدلّ على
الشجاعة بحيث لو أراد أن يخلص ذكر الشجاعة من الكرم لما قدر» وسماه كذلك ابن مالك والعلوي ، وسماه الرازي والحلبي والنويري وابن قيم الجوزية «الموجّه»
. وهذه تسمية الثعالبي فقد قال عن المتنبي ومحاسن شعره : «ومنها المدح
الموجه كالثوب له وجهان ما منهما إلا حسن ، كقوله :
نهبت من
الأعمار ما لو حويته
|
|
لهنئت الدنيا
بأنّك خالد
|
قال ابن جني :
لو لم يمدح أبو الطيب سيف الدولة إلا بهذا البيت وحده لكان قد بقي فيه ما لا يخلقه
الزمان وهذا هو المدح الموجه ؛ لأنّه بنى البيت على ذكر كثرة ما استباحه من أعمار
أعدائه ثم تلقاه من آخر البيت بذكر سرور الدنيا ببقائه واتصال أيامه. وكقوله :
عمر العدوّ
إذا لاقاه في رهج
|
|
أقلّ من عمر
ما يحوي إذا وهبا
|
مال كأنّ
غراب البين يرقبه
|
|
فكلما قيل
هذا مجتد نعبا
|
وقوله :
تشرق تيجانه
بغرّته
|
|
إشراق ألفاظه
بمعناها
|
وقوله :
تشرق أعراضهم
وأوجههم
|
|
كأنما في
نفوسهم شيم
|
وأخذ الوطواط
هذه التسمية وقال : «المدح الموجه ، ويقصد بالفارسية ما يحتمل أن يكون على وجهين ،
وتكون هذه الصنعة بان يمدح الشاعر ممدوحه بصفة من الصفات الحميدة بحيث يقرن بها
صفة حميدة أخرى من صفاته فيحصل بذلك مدح الممدوح على وجهين» . ومثّل له بقول المتنبي : «نهبت من الاعمار» وسماه
السكاكي الاستتباع وقال : «هو المدح بشيء على وجه يستتبع مدحا آخر» وذكر بيت المتنبي شاهدا. وتبعه في ذلك القزويني والسبكي
والتفتازاني والحموي والسيوطي والاسفراييني والمغربي والدمنهوري . وفرّق
__________________
المدني بينه وبين التكميل بقوله : «والفرق بين هذا النوع وبين التكميل ،
أنّ التكميل يكمل ما وصف به أولا ، والاستتباع لا يلزم فيه ذلك» .
ومن أمثلة ما
جاء من الاستتباع في الذم قول ابن هاني المغربي :
إنّ لفظا
تلوكه لشبيه
|
|
بك في منظر
الجفاء الجليف
|
وصفة بالعي
وقبح اللهجة على وجه يستتبع وصفه بجفاء الخلقة والجلافة. ومن ذلك قول المدني :
وبثّوا
الجياد السابحات ليلحقوا
|
|
وهل يدرك
الكسلان شأو أخي المجد
|
فساروا
وعادوا خائبين على وجى
|
|
كما خاب من
قدبات منهم على وعد
|
الاستثناء :
الاستثناء من
استثنيت الشيء من الشيء أي حاشيته ، وقد عرفه الاشموني بقوله : «الاستثناء هو الاخراج بـ
«إلا» أو احدى اخواتها لما كان داخلا أو منزلا منزلة الداخل» .
وقد تحدث
العسكري عنه في باب البديع وقسمه الى قسمين :
الأول : أن
تأتي معنى تريد توكيده والزيادة فيه فتستثني بغيره فتكون الزيادة التي قصدتها
والتوكيد الذي توخيته في استثنائك كقول النابغة الذبياني :
ولا عيب فيهم
غير أنّ سيوفهم
|
|
بهنّ فلول من
قراع الكتائب
|
وقول الآخر :
فتى كملت
أخلاقه غير أنّه
|
|
جواد فما
يبقي من المال باقيا
|
فتى كان فيه
ما يسرّ صديقه
|
|
على أنّ فيه
يسوء الأعاديا
|
الثاني :
استقصاء المعنى والتحرز من دخول النقصان فيه كقول طرفة :
فسقى ديارك ـ
غير مفسدها ـ
|
|
صوب الربيع
وديمة تهمي
|
وقول الآخر :
فلا تبعدن
إلا من السوء إنن
|
|
اليك وإن
شطّت بك الدار نازع
|
والأول هو الذي
سماه ابن المعتز تأكيد المدح بما يشبه الذم ، والثاني الاحتراس وذكر الباقلاني النوع الأول وسماه
استثناء وقال : «ومن البديع ضرب من الاستثناء» ، وذكر أمثلة العسكري. وتابعه ابن رشيق غير أنّه أخرج
الاحتراس الذي ذكره العسكري من هذا الباب ، وقال : «ومن أصحاب التأليف من يعد في
هذا الباب ما ناسب قول الشاعر :
فأصبحت مما
كان بيني وبينها
|
|
سوى ذكرها
كالقابض الماء باليد
|
وقال الربيع بن
ضبيع الفزاري :
فنيت وما
يفنى صنيعي ومنطقي
|
|
وكلّ امرئ
إلّا أحاديثه فاني
|
وليس من هذا
الباب عندي ، وإنّما هو من باب الاحتراس والاحتياط ، فلو أدخلنا في هذا الباب كل
ما وقع فيه استثناء لطال ولخرجنا فيه عن قصده وغرضه ، ولكل نوع موضع» .
__________________
وسار على هذا
النهج التبريزي والبغدادي ، وسماه المظفر العلوي استثناء أيضا ولكنه قال : «وقد
عبّر عنه جماعة فكان أقرب أقوالهم الى القلب ما ذكره عبد الله بن المعتز فانه قال
: «الاستثناء في الشعر تأكيد مدح بما يشبه الذم» وفعل مثله المصري فقال : «الاستثناء استثناءان : لغوي
وصناعي ، فاللغوي اخراج القليل من الكثير ، وقد فرغ النحاة من ذلك مفصلا في كتبهم.
والصناعي هو الذي يفيد بعد اخراج القليل من الكثير معنى زائدا يعدّ من محاسن
الكلام ، يستحق به الاتيان في أبواب البديع. ومتى لم يكن في الاستدراك والاستثناء
معنى من المحاسن غير ما وضعا له لا يعدّ ان من البديع» .
وتابعه ابن
الاثير الحلبي في التعريف والأمثلة ، وعرفه ابن قيم الجوزية بقوله : «هو أن يذكر شيئا ثم يرجع
عنه أو يدخل شيئا ثم يخرج منه بعضه» وقال إن الاستثناء في القرآن الكريم كثير ، وأما الرجوع
فلا ينبغي أن يكون في كتاب الله منه شي ؛ لأنّ المتكلم به لا يليق بجلاله أن يوصف
بالرجوع عن شي ، وأما ما سوى القرآن ففيه منه كثير.
وعقد الزركشي
بابا للاستثناء وقال : «وقريب منه تأكيد المدح بما يشبه الذم بان يستثني من صفة ذم
منفية عن الشي صفة مدح بتقدير دخولها فيها» ، وقال إنّ التأكيد فيه من وجهين : على الاتصال في
الاستثناء ؛ والانقطاع.
وعاد الحمودي
الى نهج المصري وابن الاثير الحلبي ونقل ما ذكراه ، وقرن السيوطي الاستدراك بالاستثناء وقال : إنّ «شرط
كونهما من البديع أن يتضمنا ضربا من المحاسن زائدا على ما يدل عليه المعنى اللغوي»
. وذكر المدني هذا الشرط فقال : «فليس كل استثناء يعدّ من المحسنات
البديعية بل يشترط فيه اشتماله على معنى يزيد على معنى الاستثناء اللغوي حتى يستحق
به نظمه في سلك أنواع البديع» .
ويتضح أنّ
البلاغيين نظروا الى الاستثناء من زاويتين :
الاولى : أنّه
تأكيد المدح بما يشبه الذم كما فعل ابن المعتز والعسكري.
الثانية : انه
الاستثناء النحوي الذي يشتمل على معنى يزيد على معنى الاستثناء اللغوية ، ويمثل
هذا الاتجاه المصري وابن الأثير الحلبي والسيوطي والمدني.
ومن أمثلة
الاستثناء قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ
آمَنَّا ، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا : أَسْلَمْنا). فان الكلام لو اقتصر فيه على ما دون الاستدراك لكان
منفرا لهم ؛ لأنّهم ظنوا الاقرار بالشهادتين من غير اعتقادهما إيمانا فأوجبت
البلاغة تبيين الايمان فاستدرك ما استدركه من الكلام ليعلم أنّ الايمان موافقة
القلب للسان وأنّ انفراد اللسان بذلك يسمى اسلاما لا ايمانا ، وزاده ايضاحا بقوله
تعالى : (وَلَمَّا يَدْخُلِ
الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) فلما تضمن الاستدراك ايضاح ما على ظاهر الكلام من
الاشكال عدّ من المحاسن. وكذلك الاستثناء لا بدّ من تضمنه معنى زائدا على
الاستثناء كقوله تعالى : (فَسَجَدَ
الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ) ، فان هذا
__________________
الاستثناء لو لم يتقدم لفظه هذا الاحتراس من قوله تعالى (كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) لما جاز اثباته في أبواب البديع فانه لو اقتصر فيه على
قوله (فسجد الملائكة إلا إبليس) لاحتمل أن يكون من الملائكة من لم يسجد فيتأسّى به
إبليس ولا يكون منفردا بهذه الكبيرة لاحتمال أن تكون أداة التعريف للعهد لا للجنس
، فلما كان هذا الاشكال يتوجه على الكلام اذا اقتصر فيه على ما دون التوكيد وجب
الاتيان بالتوكيد ، ليعلم أنّ أداة التعريف للجنس فيرتفع هذا الاشكال بهذا
الاحتراس فحينئذ تعظم كبيرة ابليس لكونه فارق جميع الملأ الأعلى وخرق اجماع
الملائكة فيستحق أن يفرد بما جرى عليه من اللعن الى آخر الأبد.
ومنه قول زهير
:
أخو ثقة لا
تهلك الخمر ما له
|
|
ولكنّه قد
يهلك المال نائله
|
وقول أبي نواس
:
لمن طلل عاري
المحلّ دفين
|
|
عفا آيه إلّا
خوالد جون
|
وقول الآخر :
تبّت يد سألت
سواك وأجدبت
|
|
أرض بغير
بحار جودك توسم
|
فالعزّ إلّا
في حياتك ذلّة
|
|
والمال إلّا
من يديك محرّم
|
وهناك نوع آخر
من الاستثناء وقع للمصري وسماه «استثناء الحصر».
استثناء الحصر
:
وقع هذا النّوع
للمصري وهو الذي سماه بهذا الاسم قال : «ومن الاستثناء ، نوع وقع لي فسميته
استثناء الحصر ، وهو غير الاستثناء الذي يخرج القليل من الكثير» . كقول القائل :
إليك وإلا ما
تحثّ الركائب
|
|
وعنك وإلّا
فالمحدّث كاذب
|
فان خلاصة هذا
البيت قول الشاعر للممدوح : لا تحث الركائب إلّا اليك ولا يصدق المحدث إلا عنك ،
ولا يحصل هذا الحصر من الاستثناء السابق.
وقد شرح المصري
ذلك بقوله : «فان قوله تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ
أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) لا يمنع أن يقال : إلا خمسين عاما وعاما لو لا توخي الصدق في الخبر. وقوله
سبحانه : (فَسَجَدَ
الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ) لا يمنع ان يقال :
ورهطه ، لو لا
مراعاة الصدق ، ولأنّ الصيغ التي قدرها المعترض لا يقع مثلها في الكلام الفصيح فانها
عبارة أهل العي والفهد. فان قلت : كل الاستثناء موضوع للحصر فلا اختيار لهذا
الاستثناء على الأول ، وما قدرته في الاستثناء الأول يلزم مثله في هذا الاستثناء
إذا أزلت منه التقديم والتأجير وأتيت بالكلام على استقامته. قلت : الذي ميّز هذا
الاستثناء على الأول هو ما فيه من التقديم والتأجير فانه على الصورة التي جاء عليها
يفيد حصرا أشد من حصر جنس الاستثناء كله».
وذكر الحموي
والسيوطي هذا النوع ونسباه الى المصري ، ولكن المدني علّق على ذلك بقوله : «وأنا أقول : أما
لفظ البيت فليس فيه استثناء و «إلّا» المذكورة في صدره وعجزه ليست
هي الاستثنائية وانما هي بمعنى «إن لم» فهي كلمتان «ان» الشرطية
__________________
و «لا» النافية ، مثلها في قوله تعالى : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ
فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) ، لان تقدير البيت هكذا : «اليك تحث الركائب والا» أي
وإن لم تحث اليك لا تحث.
و «عنك يحدث
المحدث وإلا» أي وان لم يحدث عنك فالمحدث كاذب. وأما معناه الذي ذكره فالاستثناء
فيه ظاهر ، فعلى هذا فالأليق أن يسمى هذا استثناء معنويا لئلا يتوهم من لا له دربة
في العربية أن «إلّا» فيه هي الاستثنائية فيخبط خبط عشواء» .
الاستثناء
المعنويّ :
هو استثناء
الحصر الذي تحدث عنه المصري في باب الاستثناء وقال إنّه نوع وقع له فسماه بهذا
الاسم ، ولكن المدني فضّل أن يسمى هذا النوع «الاستثناء المعنوي» لئلا يتوهم من
لا له دربة في العربية ان «إلّا» فيه هي الاستثنائية فيخبط خبط عشواء .
الاستحالة
والتّناقض :
الاستحالة من
استحال ، وقد قيل : كل شيء تغير عن الاستواء الى العوج فقد حال واستحال وهو
مستحيل. وكلام مستحيل أي محال ، والمحال ما عدل به عن وجهه. ويقال : أحلت الكلام
أحيله إحالة اذا أفسدته ، وأحال الرجل أتى بالمحال وتكلم به أي بما لا يمكن وقوعه . وللاستحالة معنى آخر وهو «حركة في الكيف كتسخن الماء
وتبرده مع بقاء صورته النوعية» ، والأول هو ما يتصل بالاستحالة في البلاغة ؛ أما
الثاني فهو مما يدخل في غير هذا الفن.
والاستحالة
والتناقض من عيوب المعاني وقد تحدث عنهما قدامة فقال : «وهما أن يذكر في الشعر شيء
فيجمع بينه وبين المقابل له من جهة واحدة.
والأشياء
تتقابل على أربع جهات : إما عن طريق المضاف ، ومعنى المضاف هو الشيء الذي يقال
بالقياس الى غيره مثل الضعف الى نصفه ، والمولى الى عبده ، والأب الى ابنه ، فكل
واحد من الأب والابن والمولى والعبد والضعف والنصف يقال بالاضافة الى الآخر ، وهذه
الأشياء من جهة ما ان كان واحد منها يقال بالقياس الى غيره هي من المضاف ، ومن جهة
أن كل واحد منها بازاء صاحبه كالمقابل له فهي من المتقابلات.
وإما على طريق
التضاد مثل : الشرير للخيّر والحار للبارد والأبيض للأسود. وإمّا على طريق العدم
والقنية مثل الأعمى والبصير والأصلع وذي الجمّة. وإما على طريق
النفي والاثبات مثل أن يقال : «زيد جالس ، زيد ليس بجالس» فاذا أتى في الشعر جمع
بيع متقابلين من هذه المتقابلات وكان هذا الجمع من جهة واحدة فهو عيب فاحش غير
مخصوص بالمعاني الشعرية بل هو لا حق بجميع المعاني. وأعني بقولي : «من جهة واحدة»
انه قد يجوز أن يجتمع في كلام منثور أو منظوم متقابلان من هذه المتقابلات ويكون
ذلك الاجتماع من جهتين لا من جهة واحدة فيكون الكلام مستقيما غير محال ولا متناقض.
مثال ذلك أن يقال في تقابل المضاف : إنّ العشرة مثلا ضعف وإنّها نصف ، لكن يقال
إنّها ضعف لخمسة ونصف لعشرين ، فلا يكون ذلك محالا إذا قيل من جهتين ، فاما من جهة
واحدة كما اذا قيل إنّها ضعف ونصف لخمسة ، فلا. وكذلك يجوز أن يجتمع المتقابلات
على طريق العدم والقنية من جهتين مثال ذلك أن يقال : «زيد أعمى بصير القلب» فيكون
ذلك صحيحا ، فاما من جهة واحدة
__________________
كما لو قيل في انسان واحد إنه أعمى العين بصيرها ، فلا. وكذلك في التضاد أن
يقال في الفاتر «حار» عند البارد و «بارد» عند الحار ، فأما عند أحدهما فلا. وفي
النفي والاثبات أن يقال : «زيد جالس» في وقته الحاضر الذي هو جالس ، و «غير جالس»
في الوقت الآتي الذي يقوم فيه إذا قام ، فذلك جائز ، فاما في وقت واحد وحال واحدة «جالس»
و «غير جالس» فلا. ولهذه العلة يجوز ما يأتي في الشعر على هذه السبيل مثل ما قال
خفاف بن ندبة :
إذا انتكث
الحبل ألفيته
|
|
صبور الجنان
رزينا خفيفا
|
فلو لم تكن
ارادته أنه رزين من حيث ليس خفيفا ، وخفيف من حيث ليس رزينا ، لم يجز» .
وتحدث ابن سنان
في باب المعاني عن الاستحالة التناقض وقال : «إنّ من الصحة تجنب الاستحالة
والتناقض ، وذلك أن يجمع بين المتقابلين من جهة واحدة» . وذكر بعض ما ذكره قدامة. وفرّق بين المستحيل والممتنع
بقوله : «وقد فرق بين المستحيل والممتنع بأنّ المستحيل هو الذي لا يمكن وجوده ولا تصوره
في الوهم مثل كون الشيء أسود أبيض وطالعا نازلا ، فان هذا لا يمكن وجوده ولا تصوره
في الوهم ، والممتنع هو الذي يمكن تصوّره في الوهم وإن كان لا يمكن وجوده مثل أن
يتصور تركيب بعض أعضاء الحيوان من نوع آخر منه كما يتصور يد أسد في جسم انسان ،
فانّ هذا وإن كان لا يمكن وجوده فانّ تصوره في الوهم ممكن. وقد يصح أن يقع الممتنع
في النظم والنثر على وجه المبالغة ، ولا يجوز أن يقع المستحيل البتة» .
وقال البغدادي
إنّ المستحيل «هو الشيء الذي لا يوجد ولا يمكن مع ذلك أن يتصوّر في الفكر مثل
الصاعد النازل في حال واحدة ، فانّ هذه الحال لا يمكن أن تكون ولا تصوّر في الذهن»
. ثم قال عن الامتناع إنّه «هو الذي وان كان لا يوجد فيمكن أن يتخيل ،
ومنزلته دون منزلة المستحيل في الشناعة مثل أن تركب أعضاء حيوان ما على جثة حيوان
آخر فانّ ذلك جائز في التوهم ولكنه معدوم في الوجود».
وعرّف التناقض
بمثل تعريفي قدامة وابن سنان ، وذكر جهات التقابل الأربع.
ومما جاء من
الاستحالة والتناقض على جهة التضاد قول أبي نواس يصف الخمر :
كأنّ بقايا
ما عفى من حبابها
|
|
تفاريق شيب
في سواد عذار
|
فشبّه حباب
الكأس بالشيب وذلك قول جائز لأنّ الحباب يشبه الشيب في البياض وحده لا في شيء آخر
غيره ، ثم قال :
تردّت به ثم
انفرى عن أديمها
|
|
تفرّي ليل عن
بياض نهار
|
فالحباب الذي
جعله في هذا البيت الثاني كالليل هو الذي كان في البيت الأول أبيض كالشيب ، والخمر
التي كانت في البيت الأول كسواد العذار هي التي صارت في البيت الثاني كبياض النهار
، وليس في هذا التناقض منصرف الى جهة من جهات العذر ، لأنّ الأبيض والأسود طرفان
متضادان ، ولا يجوز أن يوصف الشيء بالسواد والبياض في آن واحد.
ومما جاء من
التناقض على طريق المضاف قول عبد الرحمن بن عبد الله القس :
__________________
فاني إذا ما
الموت حلّ بنفسها
|
|
يزال بنفسي
قبل ذاك فأقبر
|
فقد جمع بين «قبل»
و «بعد» وهما من المضاف لأنّه لا قبل إلا لبعد ، ولا بعد إلا لقبل ، حيث قال :
إنّه اذا وقع الموت بها ، وهذا القول كأنه شرط وضعه ليكون له جواب يأتي به ،
وجوابه هو قوله : يزال بنفسي قبل ذاك ، وهذا شبيه بقول قائل لو قال : إذا انكسر
الكوز انكسرت الجرة قبله ، وقد جعل هذا الشاعر ما هو قبل بعداومما جاء من التناقض
على طريق القنية والعدم قول يحيى بن نوفل :
لأعلاج
ثمانية وشيخ
|
|
كبير السّن ذي
بصر ضرير
|
فلفظة «ضرير»
تستعمل في الأكثر للذي لا بصر له ، قول الشاعر في هذا الشيخ : إنّه ذو بصر وإنّه
ضرير تناقض من جهة القنية والعدم ، وذلك كأنه يقول : إنّ له بصرا ولا بصر له فهو
بصير أعمى.
ومن التناقض
على طريق الايجاب والسلب قول عبد الرحمن بن عبد الله القس :
أرى هجرها
والقتل مثلين فاقصروا
|
|
ملامكم
فالقتل أعفى وأيسر
|
فأوجب هذا
الشاعر الهجر والقتل انهما مثلان ثم سلبهما ذلك بقوله : «إنّ القتل أعفى وأيسر»
فكأنه قال : «إنّ القتل مثل الهجر وليس هو مثله ، ولو قال «بل القتل أعفى وأيسر»
لكان الشعر مستقيما.
الاستحقاق :
الاستحقاق :
الاستيجاب ، يقال : استحق الشيء أي استوجبه .
والاستحقاق من
أنواع أخذ المعنى عند القرطاجني ، ويفهم من كلامه أنّ الشاعر يستحق المعنى اذا
فضلت عبارته عن عبارة المتقدم ، وهذا حسن جيد في باب الأخذ الذي تحدث عنه
البلاغيون على مختلف العهود. قال القرطاجني وهو يتحدث عن المعاني : «فمراتب
الشعراء فيما يلمون به من المعاني إذن أربع : اختراع واستحقاق وشركة وسرقة.
فالاختراع هو الغاية في الاستحسان ، والاستحقاق تال له ، والشركة منها ما يساوي
الآخر فيه الأولى فهذا لا عيب فيه ، ومنها ما ينحط فيه الآخر عن الأول فهذا معيب ،
والسرقة كلها معيبة وان كان بعضها أشد قبحا من بعض» . وفي هذا النص يتضح أنّ الاستحقاق ليس مما يعاب بل إنّه
بعد الاختراع في المنزلة. وقد أوضح القرطاجني هذه المسألة بقوله : «فاذا تساوى
تأليفا الشاعرين في ذلك فانه يسمى الاشتراك ، وإن فضلت فيه عبارة المتقدم فذلك
الاستحقاق لأنّه استحقّ نسبة المعنى اليه باجادته نظم العبارة عنه» .
الاستخبار :
الاستخبار من
استخبر ، واستخبر : سأله عن الخبر وطلب أن يخبره ، ويقال : تخبرت الخبر واستخبرته
، وتخبرت الجواب واستخبرته. والاستخبار والتخبر :السؤال عن الخبر ، واستخبر إذا
سأل عن الأخبار ليعرفها .
وكان ثعلب قد
ذكر أنّ قواعد الشعر أربع : أمر ، ونهي ، وخبر ، واستخبار. ولم يعرّف الاستخبار وإنّما قال إنه كقول قيس بن الخطيم
:
أنّى سربت
وكنت غير سروب
|
|
وتقرّب
الأحلام غير قريب
|
__________________
ما تمنعي
يقظى فقد تؤتينه
|
|
في النّوم
غير مصرّد محسوب
|
فالاستخبار
عنده هو الاستفهام ، وهو ما ذهب اليه ابن قتيبة حينما قال : «الكلام أربعة : أمر ،
وخبر ، واستخبار ، ورغبة» . ولكنهما لم ينصا على ذلك وإن كان ذلك مفهوما من
تقسيمهما الكلام ، غير أنّ ابن فارس قال عنه : «الاستخبار : طلب خبر ما ليس عند
المستخبر ، وهو الاستفهام. وذكر ناس أنّ بين الاستخبار والاستفهام أدنى فرق ،
قالوا : وذلك أنّ اولى الحالين الاستخبار ؛ لانك تستخبر فتجاب بشيء فربما فهمته
وربما لم تفهمه ، فاذا سألت ثانية فانت مستفهم ، تقول : أفهمني ما قلته لي. قالوا
: والدليل على ذلك ان الباري ـ جل ثناؤه ـ يوصف بالخبر ولا يوصف بالفهم» . وذكر الزركشي مثل ذلك وقال إنّ الاستخبار بمعنى
الاستفهام ، وأشار الى من فرّق بينهما نقلا عن ابن فارس . ولكنّ البلاغيين أداروا مصطلح «الاستفهام» في مباحثهم
وكتبهم ، وهو ما استعمله النحاة حينما تحدثوا عن أدوات الاستفهام ، في حين أنّ عبد
القاهر قد قال إنّ الاستفهام استخبار ، «والاستخبار هو طلب من المخاطب أن يخبرك» .
الاستخدام :
الاستخدام في
اللغة استفعال من الخدمة وذكر الخطيبي أنّه «يسمى أيضا الاستحدام ـ بالحاء
المهملة» ، ولا صلة لهذه الكلمة بالاستخدام الذي هو «أن تكون
الكلمة لها معنيان فتحتاج اليها فتذكرها وحدها فتخدم للمعنيين» ، لأن الحدم شدة احماء الشيء بحر الشمس والنار ، يقال :
حدمه فاحتدم ، وحدمة النار : صوت التهابها ، والاحتدام شدة الحر ، واحتدمت النار :
التهبت ، واحتدم صدر فلان غيضا ، واحتدمت القدر : إذا اشتد غليانها ، واحتدم الدم
إذا اشتدت حمرته حتى يسودّ. ولا صلة للاستخدام بالاستخذام ، لأن الحذم القطع أو
الاسراع في المشي أو المشي الخفيف .
وكان ابن منقذ
أول من عرّفه بقوله : «اعلم أنّ الاستخدام هو أن تكون الكلمة لها معنيان فتحتاج
اليها فتذكرها وحدها فتخدم للمعنيين» . ومثّل له بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) ، والصلاة ههنا تحتمل أن تكون فعل الصلاة وموضع الصلاة
، فاستخدم الصلاة بلفظ واحد ؛ لانه قال سبحانه : (إِلَّا عابِرِي
سَبِيلٍ) فدلّ على أنّه أراد موضع الصلاة ، وقال تعالى : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) فدلّ على أنه فعل الصلاة.
وذكر قول
البحتري :
فسقى الغضا
والساكنيه وإن هم
|
|
شبّوه بين
جوانح وقلوب
|
فالغضا يحتمل
أن يكون الموضع ، ويحتمل أن يكون الشجر ، فاستخدم المعنيين بقوله : «والساكنيه»
وبقوله : «وإن هم شبّوه».
ومن ذلك قول بعض
العرب :
إذا نزل
السماء بأرض قوم
|
|
رعيناه وإن
كانوا غضابا
|
فالسماء تحتمل
معنيين : المطر والنبات ، فاستخدم المعنيين بقوله : «إذا نزل» وبقوله : «رعيناه»
لأنّ النزول من حالات المطر والرعي من حالات الكلأ.
__________________
وذكر ابن منقذ
نوعا آخر من الاستخدام ومثّل له بقول الشاعر :
اسم من ملّني
ومن صدّ عني
|
|
وجفاني لغير
ذنب وجرم
|
والذي ضنّ
بالوصال علينا
|
|
مثلما ضنّ
بالهوى قلب نعم
|
وهذا استخدام
في الاعراب ، لأنّ «قلب» مرفوع بالابتداء وبفاعل «ضنّ» وهو أيضا استخدام في المعنى
لأنّ معنى قلب من القلوب ومعنى العكس لأن الاسم معن.
وعرّفه ابن شيث
القرشي بقوله : «هو أن تكون الكلمة تقتضي معنيين فتستخدم فيهما جميعا» ومثاله : «أنا على عهدك الذي تعلمه لم أحلّ من أمرك
عقدا ، ولا مكانا آنس منك فيه فقدا» ، فقد استعمل «أحل» للمعنيين ، ومثاله : «أنت
في قلبي مالي عنك ولا لغيرك قلب» ، فـ «قلب» مستخدمة لقوله : «لي» ولقوله : «عنك».
وقال المصري : «هو
أن يأتي المتكلم بلفظة لها معنيان ثم يأتي بلفظتين تتوسط تلك اللفظة بينهما ،
ويستخدم كل لفظة منهما لمعنى من معنيي تلك اللفظة المتقدمة» . وربما التبس هذا الفن بالتورية ولذلك قال : «والفرق
بينهما أنّ التورية استعمال أحد المعنيين من اللفظة وإهمال الآخر ، والاستخدام
استعمالهما معا».
ونقل الحلبي
والنويري تعريف المصري ، واختلف تعريف الاستخدام بعد ذلك وانقسم البلاغيون الى
مؤيد لابن مالك ومنتصر للقزويني ، فابن مالك يقول : «إنّ الاستخدام اطلاق لفظ
مشترك بين معنيين ثم يأتي بلفظين يفهم من أحدهما أحد المعنيين ، ومن الآخر المعنى
الآخر ، ثم انّ اللفظين قد يكونان متأخرين عن اللفظ المشترك وقد يكونان متقدمين ،
وقد يكون اللفظ المشترك متوسطا بينهما» . ومثال هذه الطريقة قوله تعالى : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ، يَمْحُوا اللهُ
ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) ، فان لفظة (كِتابٌ) يحتمل أن يراد بها الأجل المحتوم والكتاب المكتوب ، وقد
توسطت بين لفظتي (أَجَلٍ) و (يَمْحُوا) فاستخدمت أحد مفهوميها وهو الأمد بقرينة ذكر الأجل ،
واستخدمت المفهوم الآخر وهو الكتاب المكتوب بقرينة (يَمْحُوا).
وهذا ما ذكره
المصري من قبل حينما ذكر هذه الآية شاهدا للاستخدام.
والقزويني يقول
: «هو أن يراد بلفظ له معنيان أحدهما ثم بضميره معناه الآخر ، أو يراد بأحد ضميريه
أحدهما وبالآخر الآخر» . وسار على هذا المذهب معظم البلاغيين واصحاب البديعيات .
ورجع ابن قيم
الجوزية الى تعريف ابن منقذ وامثلته ، وذكر الحموي طريقتي ابن مالك والقزويني ثم قال : «وعلى
كل تقدير فالطريقتان راجعتان الى مقصود واحد ، وهو استعمال المعنيين بضمير وغير
ضمير» . وذكر الآية التي استشهد بها ابن مالك ثم قال : «ومنه قوله من القصيدة
النباتية :
حويت ريقا
نباتيا حلا فغدا
|
|
ينظّم الدرّ
عقدا من ثناياك
|
__________________
فان لفظة «نباتي»
يحتمل الاشتراك بالنسبة الى السكر والى ابن نباتة الشاعر وقد توسطت بين «الريق»
وحلاوته وبين «الدر» و «النظم» و «العقد» فاستخدمت أحد مفهوميها وهو السكر النباتي
بذكر الريق والحلاوة ، واستخدمت من المفهوم الآخر وهو قول الشاعر «النباتي» بذكر
النظم والدر والعقد». وذكر أنّ شاهد الضمائر على طريقة القزويني بيت واحد وهو قول
القائل : «إذا نزل السماء ...» ، وأنّ شاهد الضميرين قول البحتري : «فسقى الغضا ...»
ولم يخرج البلاغيون عن هذين البيتين في مثل هذه الحالة وإن ذكروا غيرهما في
الحالات الأخرى.
وذكر السيوطي
ما قاله الحموي ، وأشار الى أنّ الطريقة الثانية مذهب السكاكي واتباعه ، غير أنّ مفتاح العلوم لا يحوي هذا الفن ولعل السيوطي
يريد به طريقة القزويني وشراح تلخيصه. ثم قال : «قيل : ولم يقع في القرآن على
طريقة السكاكي. قلت : وقد استخرجت بفكري آيات على طريقته منها قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) ، فأمر الله يراد به قيام الساعة والعذاب وبعثة النبي ـ
صلىاللهعليهوسلم ـ وقد أريد بلفظه الأخير كما أخرج ابن مردويه من طريق
الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ.) قال : «محمد» وأعيد الضمير عليه في «تستعجلوه» مرادا به
قيام الساعة والعذاب».
وذكر المدني
الطريقتين وسمّى الثانية طريقة الخطيب في الايضاح والتلخيص ومن تبعه ولم ينسبها
الى السكاكي وذكر عبارة السيوطي على الوجه الآتي : «قال الحافظ السيوطي في الاتقان
: قيل ولم يقع في القرآن على طريقة صاحب الايضاح شيء من الاستخدام» مع أنّ العبارة كما جاءت في معترك الاقران والاتقان
وشرح عقود الجمان هي : «وهذه طريقة السكاكي واتباعه». وليس في مفتاح العلوم ذكر
للاستخدام.
وقد ذكر الحلي
أنّ الاستخدام عزيز ولذلك لم يذكر المتقدمون له أمثلة كثيرة ، ومعظمها ما
سبق ذكره في هذا المقام.
الاستدراج :
الاستدراج من
استدرج ، واستدرجه بمعنى أدناه منه على التدريج فتدرّج هو ، وفي التنزيل العزيز : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا
يَعْلَمُونَ) ، أي : سنأخذهم قليلا قليلا ولا نباغتهم ، وقيل إنّ
معناه سنأخذهم من حيث لا يحتسبون .
وذكر ابن
الأثير أنّه استخرج هذا الفن من كتاب الله وقال : «وهو مخادعات الأقوال التي تقوم
مقام مخادعات الافعال. والكلام فيه وإن تضمن بلاغة فليس الغرض ههنا ذكر بلاغته فقط
، بل الغرض ذكر ما تضمنه من النكت الدقيقة في استدراج الخصم الى الاذعان والتسليم.
واذا حقق النظر فيه علم أنّ مدار البلاغة كلها عليه ؛ لأنه لا انتفاع بايراد
الألفاظ المليحة الرائقة ولا المعاني اللطيفة الدقيقة دون أن تكون مستجلبة لبلوغ
غرض المخاطب بها. والكلام في مثل هذا ينبغي أن يكون قصيرا في خلابه لا قصيرا في
خطابه ، فاذا لم يتصرف الكاتب في استدراج الخصم الى إلقاء يده فليس بكاتب ولا شبيه
له إلا صاحب الجدل ، فكما أنّ ذاك يتصرف في المغالطات القياسية فكذلك هذا يتصرف في
المغالطات الخطابية» .
وقال في تعريف
الاستدراج : «هو التوصل الى
__________________
حصول الغرض من المخاطب والملاطفة له في بلوغ المعنى المقصود من حيث لا يشعر
به ، وفي ذلك من الغرائب والدقائق ما يوثق السامع ويطربه ؛ لأنّ مبنى صناعة
التأليف عليه ومنشأها منه» .
ومثال ذلك قوله
تعالى : (وَاذْكُرْ فِي
الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا. إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا
أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً.
يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي
أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا. يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ ، إِنَّ
الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا ، يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ
عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا). وقال ابن الأثير معلقا على هذه الآيات : «هذا كلام
يهزّ أعطاف السامعين ويبهج نفوس المتأملين ، فعليك أيها المترشح لهذه الصناعة
بامعان النظر في مطاويه وترداد الفكر في أثنائه ، واتخاذه قدوة ونهجا تقتفيه ، ألا
ترى حين أراد ابراهيم أن ينصح أباه ويعظه مما كان متورطا فيه من الخطأ العظيم الذي
عصى به أمر العقل كيف رتب الكلام معه في أحسن اتساق وانتظام مع استعمال المجاملة
واللطف واللين والأدب الجميل والخلق الحسن مستنصحا في ذلك بنصيحة ربه وذاك أنه طلب
منه أولا العلة في خطيئته طلب منبّه على تماديه موقظ له لافراطه في غفلته وتناهيه
؛ لأنّ المعبود لو كان حيا متميزا سميعا بصيرا مقتدرا على الثواب والعقاب إلا أنّه
بعض الخلق لاستسخف عقل من أهّله للعبادة ووصفه بالربوبية ولو كان أشرف الخلق
كالملائكة والنبيين ، فكيف لمن جعل المعبود جمادا لا يسمع ولا يبصر؟ ثم ثنّى ذلك
بدعوته الى الحق مترفقا به متطلعا فلم يسم أباه بالجهل المطلق ولا نعته بالعلم
الفائق ولكنه قال : إنّ معي لطائف من العلم وشيئا منه. وذلك علم الدلالة على
الطريق السويّ ، فلا تستنكف وهب أني وإياك في مسير وعندي معرفة بالهداية دونك
فاتبعني أنجك من أن تضل وتتيه. ثم ثلّث ذلك بتثبيطه ونهيه عما كان عليه بأنّ
الشيطان الذي استعصى على ربك الرحمن الذي جميع ما عندك من النعم من عنده ، وهو
عدوّك وعدوّ أبيك آدم ، هو الذي ورّطك في هذه الورطة وألقاك في هذه الضلالة. إلا
أنّ ابراهيم ـ عليهالسلام ـ لامعانه في الاخلاص لم يذكر من جنايتي الشيطان إلّا
التي تختص منها بالله ـ عزوجل ـ عصيانه واستكباره ولم يلتفت الى ذكر معاداته لآدام ـ عليهالسلام ـ وذريته. ثم ربّع ذلك بتخويفه سوء العاقبة وما ينتج
عليه من الوبال. ولم يخل هذا الكلام من حسن أدب بحيث لم يصرّح بان العقاب لاحق
لأبيه ولكن قال : «إني أخاف أن يمسّك عذاب» فذكر الخوف والمسّ إعظاما لهما ونكّر
العذاب ، وجعل ولاية الشيطان ودخوله في جملة أشياعه أكبر من العذاب وصدّر كل نصيحة
من النصائح الأربع بقوله : «يا أبت» توسلا اليه واستعطافا ، فقال له في الجواب : (قالَ : أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي
يا إِبْراهِيمُ؟ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) ألا ترى كيف أقبل عليه الشيخ بفظاظة الكفر وغلظ العناد
فناداه باسمه ولم يقابل قوله : «يا أبت» بـ «يا بنيّ»؟ وقدّم الخبر على المبتدأ في
قوله : (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ
آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ؟) لأنه كان أهم عنده وفيه ضروب من التعجب والانكار لرغبة
ابراهيم عن آلهته وأن آلهته لا ينبغي أن يرغب أحد عنها» .
وعرّفه ابن
الأثير الحلبي بقوله : «يقال استدرج فلان فلانا إذا توصل الى حصول مقصوده من غير
أن يشعره من أول وهلة. والمراد بذلك الملاطفة في الخطاب ولزوم الأدب في الكلام مع
المخاطب بحيث لا تنفر نفسه قبل حصول المقصود منه» . وهذا قريب من قول ابن الاثير السابق ، ونقل أحد أمثلته
وعلّق عليه بما
__________________
يشير الى أنّه أخذ منه.
وذهب العلوي الى ما ذهب اليه السابقان وذكر الآيات التي استشهدا بها
، ولكنه أضاف الى أمثلتهما شواهد أخرى من كلام النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وكلام علي ـ رضياللهعنه ـ. وذكر أبياتا للمتنبي ، وقال إنّها من لطيف ما جاء في
الاستدراج من المنظوم ، وذلك أنّ سيف الدولة كان مخيما بأرض الديار البكرية على
مدينة ميافارقين ليأخذها فعصفت الريح بخيمته فأسقطتها فتطير الناس لذلك وقالوا إنه
لا يأخذها فامتدحه المتنبي بقصيدة يعتذر فيها عن سقوط الخيمة ويستدرج ما أثّر ذلك
في صدره بالازالة والمحو تقريبا لخاطره وتطييبا لنفسه فأجاد فيها كل الاجادة وأحسن
في الاعتذار والاستدراج غاية الاحسان ، مطلعها :
أينفع في
الخيمة العذّل
|
|
وتشمل من
دهرنا يشمل
|
ومنها قوله :
تضيق بشخصك
أرجاؤها
|
|
ويركض في
الواحد الجحفل
|
وتقّصر ما
كنت في جوفها
|
|
وتركز فيها
القنا الذبّل
|
ثم قال :
وإنّ لها
شرفا باذخا
|
|
وإنّ الخيام
بها تخجل
|
فلا تنكرنّ
لها صرعة
|
|
فمن فرح
النفس ما يقتل
|
ولمّا أمرت
بتطنيبها
|
|
أشيع بانّك
لا ترحل
|
فما اعتمد
الله تقويضها
|
|
ولكن أشار
بما تفعل
|
وعرّف أنك من
همّه
|
|
وأنك في نصره
ترفل
|
فما العاندون
وما أمّلوا
|
|
وما الحاسدون
وما قوّلوا
|
هم يطلبون
فمن أدركوا
|
|
وهم يكذبون
فمن يقبل
|
وهم يتمنون
ما يشتهو
|
|
ن ومن دونه
جدّك المقبل
|
وكان ابن
الاثير قد ذكر هذه الابيات شاهدا على المعاني البديعة التي جاء بها المتنبي ، ولم يذكرها في فن الاستدراج كما فعل العلوي.
وقال التنوخي :
«ومن البيان الاستدراج ، وهو استمالة المخاطب بما يؤثره ويأنس اليه أو ما يخوّفه
ويرعبه قبل أن يفاجئه المخاطب بما يطلب منه. وهذا بابا واسع ، وهو أن يقدم المخاطب
ما يعلم أنّه يؤثر في نفس المخاطب من ترغيب وترهيب واطماع وتزهيد.
وأمزجة الناس
تختلف في ذلك فينبغي أن يستمال كل شخص بما يناسبه وهذا لا يؤثر فيه التعليم إلا
يسيرا ، بل ينبغي أن يكون في مزاج الانسان قوة تؤديه الى ذلك وهي تصرف في الكلام
كتصرف الانسان في أحواله وأفعاله بما يعود عليه نفعه» .
ونقل ابن
الجوزية ما قاله ابن الأثير الذي ابتدع هذا الفن ، وذكر أمثلته
من آيات الذكر الحكيم.
الاستدراك :
الاستدراك من
استدرك الشيء بالشيء إذا حاول إدراكه به . والاستدراك : «رفع توهم يتولد من الكلام السابق رفعا
شبيها بالاستثناء وهو معنى «لكن» على أن تكون هناك نكتة طريفة لتحسنه
__________________
وتدخله في البديع ، وإلّا فلا يعدّ منه.
وسماه ابن
المعتز الرجوع وقال : «هو أن يقول شيئا ويرجع عنه» .
وسماه العسكري
الرجوع ايضا وقال : «هو أن يذكر شيئا ثم يرجع عنه » وهذا تعريف السابق.
وسماه التبريزي
الاستدراك والرجوع ، وقال البغدادي عنه : «وأما الاستدراك والرجوع فهو أن
يبتديء الشاعر بمعنى فينفي شيئا ثم يستدركه بما يؤيد هذا المعنى أو يثبت ما نفاه
أولا» .
وقال ابن
الزملكاني : «الاستدراك والرجوع ، هو أن يعود المتكلم على ما سبق من كلامه بالنقض
والابطال» .
وقال المصري
إنّ الاستدراك والرجوع على قسمين : قسم يتقدم الاستدراك فيه تقرير لما أخبر به
المتكلم وتوكيد. وقسم لا يتقدمه ذلك ومن أمثلة الأول قول ابن الرومي :
وإخوان
تخذتهم دروعا
|
|
فكانوها ولكن
للأعادي
|
وخلتهم سهاما
صائبات
|
|
فكانوها ولكن
في فؤادي
|
وقالوا قد
صفت منا قلوب
|
|
لقد صدقوا
ولكن من ودادي
|
ومن الثاني وهو
الذي لا يتقدم الاستدراك فيه تقرير ولا توكيد قول زهير :
أخو ثقة لا
تهلك الخمر ماله
|
|
ولكنّه قد
يهلك المال نائله
|
وهذه الشواهد
لا تنطبق إلّا على الاستدراك ، وقد سار على خطاه الحلبي والنويري وذكرا تعريفه
وتقسيمه وامثلته .
وجمع ابن
الأثير الحلبي بين الاستثناء والاستدراك ، وقال بعد أن عرّف الاستثناء : «وأما الاستدراك
فهو مثل ذلك إلا أنّه يفارق الاستثناء بلفظة لكن» وقال السبكي إنّ «الاستدراك إما بعد تقدم تقرير كقوله
تعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ
اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ
وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ). أو بعد تقدم نفي كقوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ
اللهَ رَمى). وهذا القسم يرجع الى الطباق أو الرجوع» . وهذا كلام المصري في كتابه «بديع القرآن» .
وعاد الحموي
الى ما ذكره المصري في «تحرير التحبير» ولكنه سماه استدراكا وفرّق بينه وبين
الرجوع ، وذكر قسمي المصري وأمثلته ثم قال : «ومتى لم يكن في
الاستدراك نكتة زائدة عن معنى الاستدراك لتدخله في أنواع البديع وإلّا فلا يعدّ
بديعا» . فلو اقتصر زهير في بيته :
أخو ثقة لا
تهلك الخمر ماله
|
|
ولكنّه قد
يهلك المال نائله
|
على صدر البيت
لدلّ على أنّ ماله موفور وتلك صفة ذم ، ولكنه استدرك ما يزيل هذا الاحتمال ويخلص
الكلام للمدح بالشطر الثاني.
__________________
وجمع السيوطي
بين الاستدراك والاستثناء ، وذكر لكل منهما مثالا خاصا وفصل بينهما في «شرح عقود
الجمان» ووضع لكل واحد فصلا ، وعرّف الاستدراك بمثل ما عرفه المصري وذكر أمثلته . وفعل مثل ذلك المدني .
ومن أمثلة ابن
المعتز قول بشار :
نبئت فاضح
أمه يغتابني
|
|
عند الأمير
وهل عليّ أمير
|
ومن أمثلة
البغدادي قول زهير :
قف بالديار
التي لم يعفها القدم
|
|
بلى وغيّرها
الأرواح والدّيم
|
وقول الأعرابي
:
أليس قليلا
نظرة إن نظرتها
|
|
إليك وكلا
ليس منك قليل
|
ومن أمثلة
المصري وغيره قوله تعالى : (إِذْ أَنْتُمْ
بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ
مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ
اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى
مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ). فالله سبحانه أخبر عن الأمر الواقع بخبر أخرجته
الفصاحة مخرج المثل ، وقوّى دليل الكلام بذكر العلة حيث قال بلفظ الاستدراك : (وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ
مَفْعُولاً.)
ومنه قول ابن
الدويدة المغربي فيمن أودعت عنده وديعة فادّعى ضياعها :
إن قال قد
ضاعت فيصدق أنها
|
|
ضاعت ولكن
منك يعني لو تعي
|
أو قال قد
وقعت فيصدق أنها
|
|
وقعت ولكن
منه أحسن موقع
|
وقال الأرجاني
:
غالطتني إذ
كست جسمي ضنى
|
|
كسوة أعرت عن
اللحم العظاما
|
ثم قالت أنت
عندي في الهوى
|
|
مثل عيني ،
صدقت لكن سقاما
|
وقال ابن أبي
حجلة :
شكوت الى
الحبيبة سوء حظّي
|
|
وما ألقاه من
ألم البعاد
|
فقالت أنت
حظّك مثل عيني
|
|
فقلت : نعم ،
ولكن في السواد
|
وقال المعري :
فيا دارها
بالحزن إنّ مزارها
|
|
قريب ولكن
دون ذلك أهوال
|
الاستدعاء :
الاستدعاء من
استدعى ، وكان قدامة قد تحدث عن عيوب ائتلاف المعنى والقافية وقال : «ومن عيوب هذا
الجنس أن يؤتى بالقافية لتكون نظيرة لاخواتها في السجع لا لأنّ لها فائدة في معنى
البيت» كقول أبي عدي القرشي :
ووفيت الحتوف
من وارث وا
|
|
ل وأبقاك
صالحا ربّ هود
|
فليس نسبة هذا
الشاعر الله ـ عزوجل ـ الى أنه «رب هود» بأجود من نسبته الى أنه «رب نوح»
ولكن القافية كانت دالية فأتى بذلك للسجع لا لافادة معنى بما أتى به منه.
وسماه ابن رشيق
الاستدعاء وقال عنه : «هو ألا يكون للقافية فائدة إلا كونها قافية فقط فتخلو حينئذ
__________________
من المعنى» . وذكر البيت السابق وقول السيد الحميري :
أقسم بالفجر
وبالعشر
|
|
والشّفع
والوتر ورب لقمان
|
في منزل محكم
ناطق
|
|
بنور آيات
وبرهان
|
فالفجر فجر
الصبح والعشر
|
|
عشر النّحر
والشفع نجيان
|
محمد وابن
أبي طالب
|
|
والوتر رب
العزة الباني
|
باني سماوات
بناها بلا
|
|
تقدير إنسيّ
ولا جان
|
ثم قال ابن
رشيق : «فانظر الى قوله : «رب لقمان» ما أكثر قلقه وأشد ركاكته». وذكر البيت الذي
ذكره قدامة أيضا وهو قول علي بن محمد صاحب البصرة :
وسابغة
الأذيال زعف مفاضة
|
|
تكنفها مني
نجاد مخطط
|
وقال : «فلا
أدري معنى هذا الشاعر في تخطيط النجاد ، وهذا أقل ما في تكلف القوافي الشاردة إذا
ركبها غير فارسها ، وراضها غير سائسها».
ولم يذكر
الاستدعاء أحد بعد قدامة وابن رشيق فيما وصل من كتب البلاغة والنقد.
الاستدلال
بالتّعليل :
الاستدلال من
استدل ، وهو «تقرير الدليل لاثبات المدلول سواء كان ذلك من الأثر الى المؤثر فيسمى
استدلالا إنيا ، أو بالعكس ويسمى استدلالا لميا ، أو من أحد الأثرين الى الآخر» .
وذكر ابن سنان
الاستلال بالتعليل ، وهو ما يسمى في البديع حسن التعليل ولم يعرّفه وإنّما
ذكر له قول أبي الحسن التهامي :
لو لم تكن
ريقته خمرة
|
|
لما تثنّى
عطفه وهو صاح
|
وقوله :
لو لم يكن
أقحوانا ثغر مبسمها
|
|
ما كان يزداد
طيبا ساعة السّحر
|
وقول البحتري :
ولو لم تكن
ساخطا لم أكن
|
|
أذمّ الزمان
وأشكو الخطوبا
|
وقال ابن سنان
إنّ قوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما
آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) جار هذا المجرى. وهذا من المذهب الكلامي عند البلاغيين.
الاستدلال
بالتّمثيل :
قال ابن سنان :
«وأما الاستدلال بالتمثيل فان يزيد في الكلام معنى يدل على صحته بذكر مثال له» .
كقول المعري :
لو اختصرتم
من الاحسان زرتكم
|
|
والعذب يهجر
للافراط في الخصر
|
فدلّ على أنّ
الزيادة فيما يطلب ربما كانت سببا للامتناع منه بتمثيل ذلك بالماء الذي لا يشرب
لفرط برده وإن كان البرد فيه مطلوبا محمودا.
ومنه قول أبي
تمام :
أخرجتموه
بكره من سجيته
|
|
والنار قد
تنتضى من ناضر السّلم
|
__________________
وقوله :
وإذا أراد
الله نشر فضيلة
|
|
طويت أتاح
لها لسان حسود
|
لو لا اشتعال
النار فيما جاورت
|
|
ما كان يعرف
طيب عرف العود
|
وقال ابن سنان
إنّ من الاستدلال بالتمثيل على الوجه الصحيح قول النابغة الذبياني يخاطب النعمان :
ولكنّني كنت
امرء لي جانب
|
|
من الأرض فيه
مستراد ومذهب
|
ملوك وإخوان
إذا ما لقيتهم
|
|
أحكّم في
أموالهم وأقرّب
|
كفعلك في قوم
أراك اصطنعتهم
|
|
فلم ترهم في
شكر ذلك أذنبوا
|
ثم قال : «فاستدل
النابغة على أنّه لا يستحق اللوم بمدحه آل جفتة وقد أحسنوا اليه بما مثّله من
القوم الذين أنعم النعمان عليهم ، فلما مدحوه لم يكونوا عنده ملومين». وهذا من
المذهب الكلامي عند البلاغيين ، أما الأبيات الاولى فهي من التمثيل أو الاستعارة
بالتمثيل.
الاستشهاد :
يقال : اشهدت
الرجل على اقرار الغريم واستشهدته بمعنى ، ومنه قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ
رِجالِكُمْ) أي : أشهدوا شهيدين. واستشهدت فلانا على فلان إذا سألته
إقامة شهادة احتملها .
وذكر العسكري
فنا سماه «الاستشهاد والاحتجاج» وهو من زياداته ، وقد قال عنه : «وهذا الجنس كثير في كلام القدماء
والمحدثين ، وهو أحسن ما يتعاطى من أجناس صنعة الشعر ومجراه مجرى التذييل لتوليد
المعنى ، وهو أن تأتي بمعنى ثم تؤكده بمعنى آخر يجري مجرى الاستشهاد على الأول
والحجة على صحته» .
ومثاله قول
بشار :
فلا تجعل
الشّورى عليك غضاضة
|
|
فانّ الخوافي
قوّة للقوادم
|
وقول أبي تمام
:
نقّل فؤادك
حيث شئت من الهوى
|
|
ما الحبّ إلا
للحبيب الأول
|
كم منزل في
الأرض يألفه الفتى
|
|
وحنينه أبدا
لأول منزل
|
وأخذ الدمنهوري
بهذا المعنى وذكر أبيات العسكري التي ذكرها في الصناعتين وهي :
كان لي ركن شديد
|
|
وقعت فيه
الزلازل
|
|
زعزعته نوب
الدّه
|
|
ر وكرّات
النوازل
|
ما بقاء
الحجر الصّل
|
|
ب على وقع
المعاول
|
وقال : «إن
الشاهد في البيت الثالث» ، وهذا من الاطناب عند المتأخرين. والاستشهاد عند
غيرهما هو الاستشهاد بالآيات الكريمة ، وقد تحدث الحلبي والنويري عن خصائص الكتابة
، ومما يتصل بها الاقتباس والاستشهاد والحل ، وقالا إن الاستشهاد بالآيات ينبغي أن
ينبه عليها .
__________________
الاستطراد :
اطّرد الشيء :
تبع بعضه بعضا وجرى ، واطّردت الأشياء إذا تبع بعضها بعضا ، واطّرد الكلام اذا
تتابع .
والاستطراد عند
الجاحظ هو الانتقال من موضوع الى آخر لكي لا يمل القارئ أو السامع ، وهذا واضح في
معظم مؤلفاته.
والاستطراد عند
ثعلب هو حسن الخروج ، وكذلك عند تلميذه ابن المعتز ، وقيل إنّ أوّل من ابتدع هذا الاسلوب السموأل في قوله
:
وإنّا أناس
لا نرى القتل سبّة
|
|
إذا ما رأته
عامر وسلول
|
يقرّب حبّ
الموت آجالنا لنا
|
|
وتكرهه
آجالهم فتطول
|
فكان هذا أول
شاهد ورد في هذا النوع وسار مسير الأمثال ، قال ابن رشيق : «وهو أول من نطق به» ، وقال المصري : «وأحسب أنّ أول من استطرد بالهجاء
السموأل» . وقيل إنّ البحتري الشاعر نقل هذه التسمية عن أبي تمام
، قال الصولي : «حدثني أبو الحسن على بن محمد الانباري ، قال : سمعت البحتري يقول
: أنشدني أبو تمام لنفسه :
وسابح هطل
التعداء هتّان
|
|
على الجراء
أمين غير خوّان
|
أظمى الفصوص
ولم تظمأ قوائمه
|
|
فخلّ عينيك
في ظمآن ريّان
|
فلو تراه
مشيحا والحصى زيم
|
|
بين السنابك
من مثنى ووحدان
|
أيقنت أن لم
تثبت أنّ حافره
|
|
من صخر تدمر
أو من وجه عثمان
|
ثم قال لي : ما
هذا الشعر؟ قلت : لا أدري. قال : هذا المستطرد ؛ أو قال : الاستطراد. قلت : وما
معنى ذلك؟
قال : يرى أنه
يريد وصف الفرس وهو يريد هجاء عثمان ، فاحتذى هذا البحتري فقال في قصيدته التي مدح
فيها محمد بن علي القمي ويصف الفرس أولها :
أهلا بذلكم
الخيال المقبل
|
|
فعل الذي
نهواه أو لم يفعل
|
ثم وصف الفرس
فقال :
وأغرّ في
الزمن البهيم محجل
|
|
قد رحت منه
على أغرّ محجّل
|
كالهيكل
المبنيّ إلا أنّه
|
|
في الحسن جاء
كصورة في هيكل
|
يهوي كما
تهوي العقاب إذا رأت
|
|
صيدا وينتصب
انتصاب الأجدل
|
متوجس
برقيقتين كأنّما
|
|
يريان من ورق
عليه موصّل
|
وكأنما نفضت
عليه صبغها
|
|
صهباء
للبردان أو قطر بّل
|
ملك العيون
فان بدا أعطيته
|
|
نظر المحبّ
الى الحبيب المقبل
|
ما إن يعاف
قذى ولو أوردته
|
|
يوما خلائق
حمدويه الأحول»
|
وعلّق الآمدي
على بعض حسن الخروج عند الشعراء
__________________
بقوله : «وهذا يسميه قوم الاستطراد ، وهو حسن جدا» وسماه العسكري الاستطراد وقال في تعريفه : «هو أن يأخذ
المتكلم في معنى فبينا يمر فيه يأخذ في معنى آخر وقد جعل الأول سببا اليه» ، وذكر أمثلة من القرآن والشعر ولا سيما أبيات أبي
تمام.
وقال ابن رشيق
: «الاستطراد أن يبني الشاعر كلاما كثيرا على لفظة من غير ذلك النوع يقطع عليها
الكلام وهي مراده دون جميع ما تقدم ويعود الى كلامه الأول وكأنما عثر بتلك اللفظة
عن غير قصد ولا اعتقاد نيّة» . وقال : «وهو أن يرى الشاعر أنّه في وصف شي وهو إنّما
يريد غيره فان قطع أو رجع الى ما كان فيه فذلك استطراد وإن تمادى فذلك خروج ،
وأكثر الناس يسمي الجميع استطرادا والصواب ما بينته» . وقال : «من الاستطراد نوع يسمى الادماج كقول عبيد الله بن طاهر لعبد الله بن سليمان بن وهب حين
وزر للمعتضد :
أبى الدهر في
اسعافنا في نفوسنا
|
|
وأسعفنا فيمن
نحبّ ونكرم
|
فقلت له :
نعماك فيهم أتمّها
|
|
ودع أمرنا
إنّ المهمّ المقدّم
|
وسماه
الاستطراد ـ أيضا ـ التبريزي والبغدادي وابن مالك ، وعدّه الصنعاني من أنواع الفصاحة .
وذكر المصري
أنّه لم يظفر منه بشيء في القرآن المجيد إلا في موضع واحد ، وهو قوله تعالى : (أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ
ثَمُودُ) ، وقال : «فمن ظفر فيه بشيء فهو المحسن بالحاقه في بابه
». وقال مثل ذلك ابن مالك فيما نقله السبكي ، قال : «ان الاستطراد قليل في القرآن الكريم وأكثر ما
يكون في الشعر وأكثره في الهجاء ، ولم أظفر به إلّا في قوله تعالى : (أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ
ثَمُودُ.) وذكر العسكري قبله غير هذه الآية كقوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ
خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) ، فبينا يدلّ الله ـ سبحانه ـ على نفسه بانزال الغيث
واهتزاز الارض بعد خشوعها قال : (إِنَّ الَّذِي
أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى ،) فأخبر عن قدرته على إعادة الموتى بعد إفنائها وإحيائها
بعد إرجائها ، وقد جعل ما تقدم من ذكر الغيث والنبات دليلا عليه ولم يكن في تقدير
السامع لأول الكلام ، إلا أنّه يريد الدلالة على نفسه بذكر المطر دون الدلالة على
الاعادة فاستوفى المعنيين جميعا» . وقال الزمخشري في قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا
عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ
، ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) : «وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدو
السّوءات وخصف الورق عليها إظهارا للمنّة فيما خلق من اللباس ولما في العري وكشف
العورة من المهانة والفضيحة ، واشعارا بأنّ التستر باب عظيم من أبواب التقوى» . وقال السيوطي : «وقد خرجت على الاستطراد قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ
يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) فانّ أول الكلام ذكر فيه الرد على النصارى الزاعمين
بنوّة
__________________
المسيح ، ثم استطرد الرد على العرب الزاعمين بنوّة الملائكة» .
وهذا يدل على
أنّ لأسلوب الاستطراد أمثلة في كتاب الله الخالد غير ما ذكر المصري. وقال المظفر
العلوي : «ومعنى الاستطراد خروج الشاعر من ذم الى مدح أو من مدح الى ذم» ، كقول زهير :
إنّ البخيل
ملوم حيث كان ولكنّ
|
|
الجواد على
علّاته هرم
|
وأشار
القرطاجني الى الفرق بين الاستطراد والتخلص بقوله : «وأهل البديع يسمون ما كان
الخروج فيه بتدرج تخلصا ، وما لم يكن بتدرج ولا هجوم ولكن بانعطاف طارى على جهة من
الالتفات استطرادا» ، كقول حسان بن ثابت :
إن كنت كاذبة
الذي حدّثتني
|
|
فنجوت منجى
الحارث بن هشام
|
ولا يرى المدني
ذلك استطرادا وانما هو تخلص لأنّ «الاستطراد يشترط فيه العود الى الكلام الأول كما
تقدم ، وحسان لم يعد الى ما كان عليه من ذكر العاذلة بل أتم القصيدة مستمرا على
ذكر هزيمة الحارث بن هشام والإيقاع بقومه في يوم بدر» .
وذكر السيوطي
أنّ مما يقترب من الاستطراد ولا يكاد ان يفترقان حسن التخلص ، وقال : «وقال بعضهم
: الفرق بين التخلص والاستطراد أنّك في التخلص تركت ما كنت فيه بالكلية وأقبلت على
ما تخلصت اليه. وفي الاستطراد تمر بذكر الأمر الذي استطردت اليه مرورا كالبرق
الخاطف ثم تتركه وتعود الى ما كنت فيه كأنك لم تقصده وإنّما عرض عروضا.
قال : وبهذا
يظهر أنّ ما في سورة الأعراف والشعراء من باب الاستطراد لا التخلص لعوده في
الأعراف الى قصة موسى بقوله : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى
أُمَّةٌ ...) ، وفي الشعراء الى ذكر الانبياء والأمم» . وقال العلوي : «هو أن يشرع المتكلم في شيء من فنون
الكلام ثم يستمر عليه فيخرج الى غيره ثم يرجع الى ما كان عليه من قبل ، فان تمادى
فهو الخروج وإن عاد فهو الاستطراد» ، وفرّق بين الأثنين الحموي والمدني ، ولكن قد يجتمع التخلص والاستطراد كما في قول مسلم :
أجدّك لا
تدرين أن ربّ ليلة
|
|
كأنّ دجاها
من قرونك تنشر
|
أرقت لها حتى
تجلّت بغرّة
|
|
كغرة يحيى
حين يذكر جعفر
|
وعرّف القزويني
الاستطراد بقوله : «هو الانتقال من معنى الى معنى آخر متصل به لم يقصد بذكر الأول
التوصل الى ذكر الثاني» ، وذكر السبكي والحموي والسيوطي هذا التعريف ، وعرفه الزركشي تعريفا غريبا فقال : «وهو التعريض بعيب
انسان بذكر عيب غيره» ، كقوله تعالى : (وَسَكَنْتُمْ فِي
مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا
بِهِمْ) ، ونقل ابن قيم الجوزية هذا التعريف والمثال وأضاف اليه
بيتي السموأل السابقين . وذكر المدني بعض التعريفات السابقة ، وأشار الى ما بين
الاستطراد والتخلص من فروق ، وذكر أمثلة من القرآن
__________________
الكريم .
ومن أمثلة
الاستطراد التي أعجبت المصري قول بكر بن النطاح :
عرضت عليها
ما أرادت من المنى
|
|
لترضى فقالت
قم فجئني بكوكب
|
فقلت لها هذا
التعنت كلّه
|
|
كمن يتشهّى
لحم عنقاء مغرب
|
سلي كلّ شيء
يستقيم طلابه
|
|
ولا تذهبي يا
بدر بي كلّ مذهب
|
فأقسم لو
أصبحت في عز مالك
|
|
وقدرته أعيا
بما رمت مطلبي
|
فتى شقيت
أمواله بنواله
|
|
كما شقيت بكر
بأرماح تغلب
|
قال : «وهذا
أبدع استطراد سمعته في عمري ، فانه قد جمع أحسن قسم ، وأبدع تخلص ، وأرشق استطراد
، وتضمن مدح الممدوح بالكرم وقبيلته بالشجاعة والظفر وهجاء أعدائهم بالضعف والخور
، وهذا لم يتفق لمن قبله ولا لمن بعده الى وقتنا هذا» .
الاستظهار :
الاستظهار من
استظهر ، أي استعان ، واستظهر حفظ ، والاستظهار أيضا الاحتياط والاستيثاق .
وقد ذكر ابن
رشيق في باب الايغال فنا سمّاه الاستظهار ، قال : «ومن هذا نوع يسمّى الاستظهار ،
وهو قول ابن المعتز لابن طباطبا العلوي أو غيره :
فأنتم بنو
بنته دوننا
|
|
ونحن بنو عمه
المسلم
|
فقوله : «المسلم»
استظهار ؛ لان العلوية من بني عم النبي ـ عليه الصلاة والسّلام ـ أيضا أعني أبا
طالب ومات جاهليا ، فكأن ابن المعتز أشار بحذقه الى ميراث الخلافة» .
الاستعارة :
الاستعارة
مأخوذة من العارية أي نقل الشيء من شخص الى آخر حتى تصبح تلك العارية من خصائص
المعار اليه. والعارية والعارة : ما تداولوه بينهم ، وقد أعاره الشيء وأعاره منه
وعاوره إياه. والمعاورة والتعاور شبه المداولة والتداول يكون بين اثنين.
وتعوّر واستعار
: طلب العارية ، واستعاره الشيء واستعاره منه : طلب منه أن يعيره إياه .
والاستعارة
مجاز لغوي عند أكثر البلاغيين وإن كان عبد القاهر قد تردد فيها فجعلها مجازا عقليا
مرة ومجازا لغويا تارة أخرى ، ففي «دلائل الإعجاز» يميل إلى أنّها مجاز عقلي أو هي
من أبوابه ، ويذكر في الكتاب نفسه أنّها مجاز في نفس الكلمة اي مجاز لغوي ويؤكد ذلك ما ذكره في كتابه الآخر وقد أشار المتأخرون الى هذا التردد كالرازي الذي رأى
أنّها مجاز لغوي ، والسكاكي الذي انكر المجاز العقلي وسلكه في الاستعارة
المكنية أي أنّ المجاز لغوي كله.
والاستعارة من
أوائل فنون التعبير الجميلة في اللغة العربية ، ولعل أبا عمرو بن العلاء كان من
أقدم الذين ذكروها ، فقد ذكر الحاتمي أنّ ابن العلاء قال : «كانت يدي في يد
الفرزدق وأنشدته قول ذي الرمة :
__________________
أقامت به حتى
ذوى العود في الثّرى
|
|
وساق الثريا
في ملاءته الفجر
|
قال : فقال لي
: أأرشدك أم أدعك؟ قلت : بل أرشدني.
فقال : إنّ
العود لا يذوي أو يجف الثرى ، وانما الشعر : «حتى ذوى العود والثرى». ثم قال أبو
عمرو : «ولا أعلم قولا أحسن من قوله : «وساق الثريا في ملاءته الفجر» فصيّر للفجر
ملاءة ، ولا ملاءة له ، وانما استعار هذه اللفظة وهو من عجيب الاستعارات» .
وقال الباقلاني
بعد أن ذكر بيت امرئ القيس :
وقد اغتدى
والطير في وكناتها
|
|
بمنجرد قيد
الأوابد هيكل
|
«واقتدى به الناس واتبعه الشعراء
فقيل : «قيد النواظر» و «قيد الالحاظ» و «قيد الكلام» و «قيد الحديث» و «قيد
الرهان». ثم قال : «وذكر الاصمعي وأبو عبيدة وحماد وقبلهم أبو عمرو أنّه أحسن في
هذه اللفظة وأنّه أتبع فلم يلحق ، وذكروه في باب الاستعارة البليغة» .
وقال سيبويه
تعليقا على بيت عامر بن الأحوص :
وداهية من
دواهي المنو
|
|
ن ترهبها
الناس لافالها
|
«فجعل للداهية فما» .
وأشار الفراء
الى اسلوب الاستعارة ولكنه لم يسمها ، أما أبو عبيدة فقد سماها ، فهو في تعليقه على بيت
الفرزدق :
لا قوم أكرم
من تميم إذ عدت
|
|
عوذ النساء يسقن
كالآجال
|
قال : «قوله : «عوذ
النساء» هن اللاتي معهن أولادهن ، والأصل في «عوذ» الابل التي معها أولادها فنقلته
العرب الى النساء. وهذا من المستعار ، وقد تفعل العرب ذلك كثيرا» . وفي تعليقه على البيت :
لقد مدّ
للقين الرهان فردّه
|
|
عن المجد عرق
من فقيرة مقرف
|
قال : «وانما
ضربه مثلا ههنا يريد أنّ أحد أبويه ليس بعربي ، والاصل للدواب فاستعاره للناس ،
والعرب تفعل هذا» .
ولكن هؤلاء
العلماء لم يعرّفوا الاستعارة وإن ذكروها مصطلحا ومثالا ، ولعل الجاحظ أول من
عرّفها بقوله : «الاستعارة تسمية الشيء باسم غيره إذا اقام مقامه» وسماها مثلا وبديعا عند تعليقه على بيت الأشهب بن رميلة
:
هم ساعد
الدهر الذي يتّقى به
|
|
وما خير كفّ
لا تنوء بساعده
|
قال : «قوله : «هم
ساعد» انما هو مثل ، وهذا الذي تسميه الرواة البديع» وهذه تسمية القدماء قال المظفر العلوي : «وكان القدماء
يسمونها الامثال فيقولون : «فلان كثير الأمثال». ولقبها بالاستعارة ألزم ؛ لأنه
أعمّ ؛ ولأنّ الامثال كلها تجري مجرى الاستعارة» .
وسماها الجاحظ
بدلا عند تعليقه على قوله تعالى : (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ
تَسْعى) وقال : «ولو كانوا لا يسمون انسيابها وانسياحها مشيا
وسعيا لكان ذلك مما يجوز على التشبيه والبدل وإن قام الشيء مقام
__________________
الشيء أو مقام صاحبه» .
وقال ابن قتيبة
: «فالعرب تستعير الكلمة فتضعها مكان الكلمة اذا كان المسمى بها بسبب من الآخر أو
مجاورا لها أو مشاكلا» وهذا تعريف ينطبق على المجاز كله ولا سيما المرسل الذي
من علاقاته السبية والمجاورة ، ويؤكد هذا المعنى الأمثلة التي ذكرها كقول الشاعر :
إذا سقط
السماء بأرض قوم
|
|
رعيناه وإن
كانوا غضابا
|
وقولهم للنبات «نوء»
وللمطر «سماء».
وذكرها المبرد
وقال إنّ «العرب تستعير من بعض لبعض» .
وقال ثعلب : «هو
أن يستعار للشيء اسم غيره أو معنى سواه» .
وقال ابن
المعتز إنّها «استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء عرف بها» . ولم يبحثها قدامة في «نقد الشعر» وانما أشار اليها
اشارات عابرة في أثناء كلامه على المعاضلة وقبح الاستعارة . وذكرها في «جواهر الألفاظ» وذكر لها أمثلة من غير أن
يعرفها .
وتحدث عنها
معاصره ابن وهب في فصل مستقل وقال : «وربما استعملوا بعض ذلك في موضع بعض على
التوسع والمجاز» .
وبدأ تعريف
الاستعارة بعد هؤلاء يأخذ طابعا واضحا يختلف عما سبق ، وقد عرّفها القاضي الجرجاني
بقوله : «الاستعارة ما اكتفي فيها بالاسم المستعار عن الاصل ونقلت العبارة فجعلت
في مكان غيرها. وملاكها تقريب الشبه ومناسبة المستعار له للمستعار منه وامتزاج
اللفظ بالمعنى حتى لا يوجد بينهما منافرة ولا يتبين في أحدهما إعراض عن الآخر» . وهذا التعريف يختلف عن التعريفات السابقة فهو أكثر
وضوحا وأعمق دلالة ، وهو يوضح العلافة بين المستعار له والمستعار منه وهي المشابهة
، وملاكها تقريب الشبه وائتلاف ألفاظ صورتها مع معانيها حتى لا توجد منافرة
بينهما.
وقال الرماني :
«الاستعارة تعليق العبارة على ما وضعت له في أصل اللغة على جهة النقل للابانة» . ونقل ابن سنان هذا التعريف .
وقال العسكري
إنّها «نقل العبارة عن موضع استعمالها في أصل اللغة الى غيره لغرض» ، وفي هذا التعريف إضافة الى ما سبق وهي قوله : «لغرض»
أي أنّه اشترط في الاستعارة أن يكون وراءها هدف وإلا فاستعمال اللفظ بمعناه الأصلي
أولى. وقال ابن فارس : «هي أن يضعوا الكلمة للشيء مستعارة من موضع آخر» . ونقل ابن رشيق تعريفات القاضي الجرجاني وابن وكيع وابن
جني والرماني ، ولما جاء عبد القاهر نظر الى الاستعارة نظرة دقيقة
فيها تحديد وعمق ، قال : «الاستعارة أن تريد تشبيه الشيء وتظهره وتجيء الى اسم
المشبه به فتعيره المشبه وتجريه عليه» . وهذا التعريف يؤكد أنها مجاز لغوي وأنها «ضرب من
التشبيه ونمط من التمثيل»
__________________
وأنّ «التشبيه كالأصل في الاستعارة وهي شبيهة بالفرع له أو صورة مقتضبة من
صوره» .
وعرّفها الرازي
تعريفا لا يختلف عن تعريف عبد القاهر وقال : «الاستعارة ذكر الشيء باسم غيره
واثبات ما لغيره له لأجل المبالغة في التشبيه». وقال : «الاستعارة عبارة عن جعل
الشيء الشيء لأجل المبالغة في التشبيه» .
وأخذ السكاكي
ما قاله عبد القاهر والرازي وعرّف الاستعارة بقوله : «هي أن تذكر أحد طرفي التشبيه
وتريد به الطرف الآخر مدعيا دخول المشبه في جنس المشبه به دالا على ذلك باثباتك
للمشبه ما يخص المشبه به» . وهذا من أدق التعريفات لأنّه حصر الاستعارة التصريحية
والاستعارة بالكناية أو المكنية.
وقال ابن
الأثير : «الاستعارة أن تريد الشيء بالشيء فتدع الافصاح بالتشبيه واظهاره وتجيء
على اسم المشبه به وتجريه عليه» . وقال : «حدّ الاستعارة :نقل المعنى من لفظ الى لفظ لمشاركة
بينهما مع طي ذكر المنقول لانه إذا احترز فيه هذا الاحتراز اختص بالاستعارة وكان
حدّا لها دون التشبيه» .
ونقل المصري
تعريفي ابن المعتز والرماني ثم قال : «هي تسمية المرجوح الخفي باسم الراجح الجلي
للمبالغة في التشبيه» . أي ما رجحت فيه الصفة وكان ظاهرا ينقل الى ما خفي وكان
مرجوحا عليه في هذه الصفة.
وقال ابن مالك
: «هي أن تذكر أحد طرفي التشبيه وتريد الآخر مدعيّا دخول المشبه في جنس المشبه به
مع سدّ طريق التشبيه ونصب القرينة ، ولهذا سميت استعارة» . وفي هذا التعريف اشارة الى القرينة التي لا يخلو منها
مجاز.
وقال الحلبي : «هو
ادعاء معنى الحقيقة في الشيء للمبالغة في التشبيه مع طرح ذكر المشبه من البين لفظا
وتقديرا. وان شئت قلت : هو جعل الشيء الشيء أو جعل الشيء للشيء لأجل المبالغة في
التشبيه» والتعريف الأول ينطبق على الاستعارة التصريحية ،
والثاني على الاستعارة المكنية ، وقد أوضح الحلبيّ ذلك بالمثالين اللذين ذكرهما
وإن لم يصرّح بالتسمية.
وقال القزويني
: «الاستعارة هي ما كانت علاقته تشبيه معناه بما وضع له ، وقد تقيد بالتحقيقية
لتحقيق معناها حسا أو عقلا أي التي تتناول أمرا معلوما يمكن أن ينص عليه ويشار
اليه اشارة حسية أو عقلية فيقال إنّ اللفظ نقل من مسماه الأصلي فجعل اسما له على
سبيل الاعارة للمبالغة في التشبيه» .
وذكر العلوي
عدة تعريفات ثم اختار منها تعريفا فضّله على غيره وهو أنّ الاستعارة «تصييرك الشيء
الشيء وليس به وجعلك الشيء الشيء وليس له بحيث لا يلحظ فيه معنى التشبيه صورة ولا
حكما» . وفي هذا التعريف اشارة الى الاستعارة التصريحية والاستعارة بالكناية ،
وفصل للاستعارة عن التشبيه المحذوف الأداة.
ولا تخرج عن
ذلك تعريفات التبريزي والبغدادي وابن منقذ والصنعاني وابن الزملكاني والمظفر
العلوي والقرطاجني والتنوخي والنويري وابن الاثير الحلبي والسبكي والتفتازاني
والزركشي والحموي
__________________
والسيوطي والاسفراييني والمغربي والمدني والدمنهوري وغيرهم. وهذا يدل على «أن الكلام في الاستعارة وأنواعها
مما أطلق البيانيون فيه أعنّة الأقلام» ، ولكن المعوّل عليه عند المتأخرين ما ذهب اليه عبد
القاهر والسكاكي والقزويني وأصحاب الشروح والتلخيصات.
ولا بدّ
للاستعارة من ثلاثة أركان هي :
١ ـ المستعار
منه ، وهو المشبه به.
٢ ـ المستعار
له ، وهو المشبه.
٣ ـ المستعار ،
وهو اللفظ المنقول.
ويسمى الأول
والثاني طرفي الاستعارة ، ففي قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ
الرَّأْسُ شَيْباً) يكون المستعار هو الإشتعال ، والمستعار منه هو النار ،
والمستعار له هو الشيب ، والجامع بين المستعار منه والمستعار له مشابهة ضوء النهار
لبياض الشيب ولا بدّ للاستعارة من قرينة تدل على أنها ليست تعبيرا حقيقيا.
لم يقسّم
الاوائل الاستعارة الى الأقسام التي ذكرها المتأخرون بل خلط بعضهم بينها وبين
أنواع المجاز الاخرى. وكان تقسيم عبد القاهر بداية العناية بذلك فقد قسمها الى
مفيدة وغير مفيدة ، وقسم المفيدة الى ما سماه المتأخرون استعارة تصريحية واستعارة
مكنية.
ولعل الرازي من
أوائل الذين حاولوا تقسيم الاستعارة في ضوء ما تحدث عنه عبد القاهر ، فقد قسمها
الى أصلية وتبعية وتصريحية ومكنية وترشيحية وتجريدية .
واستفاد
السكاكي من هذا التقسيم وأمعن في التحديد ، وقسمها القزويني باعتبار الطرفين ـ المستعار منه
والمستعار له ـ وباعتبار الجامع ، وباعتبار الثلاثة ، وباعتبار اللفظ ، وباعتبار
أمر خارج عن ذلك كله .
والاستعارة
باعتبار الطرفين قسمان : وفاقية وعنادية ومنها التهكمية أو التمليحية وباعتبار
الجامع قسمان :
أحدهما ما يكون
الجامع فيه داخلا في مفهوم الطرفين ، وثانيهما ما يكون الجامع فيه غير داخل في
مفهوم الطرفين. وتنقسم باعتبار الجامع أيضا الى عامية وخاصية ، واما باعتبار
الثلاثة ـ الطرفين والجامع ـ فهي ستة أقسام : استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسي أو
بوجه عقلي ، أو بما بعضه حسي وبعضه عقلي ، واستعارة معقول لمعقول ، واستعارة محسوس
لمعقول واستعارة معقول لمحسوس. وباعتبار اللفظ قسمان : أصلية وتبعية. وباعتبار
الخارج ثلاثة أقسام :المطلقة والمجردة والمرشحة. وهناك الاستعارة التمثيلية أي
المجاز المركب والاستعارة التصريحية والاستعارة بالكناية أو المكنية.
وسار المتأخرون
على هذا التقسيم وتحدثوا عن هذه الأقسام ، ويتضح من مراجعة كتبهم أنّهم لم يتفقوا
على تحديدها كل الاتفاق ولا سيما التخييلية وصلتها بالمكنية ، وكان للسكاكي رأي
نقضه القزويني وكان
__________________
لغيرهما آراء مختلفة. وتقسيم الاستعارة الى تصريحية ومكنية خير وأجدى في
دراسة هذا الفن لأنّ ذلك عمدته ما دامت الاستعارة تقوم على التشبيه عند معظم
البلاغيين ، ولكن التطور التأريخي لهذا الفن يقتضي الكلام على هذه الاقسام لتتضح
مسيرة هذا الفن خلال الدراسات السابقة.
الاستعارة
الاحتماليّة :
قال السّكّاكي
: «هي أن يكون المشبّه المتروك صالح الحمل تارة على ما له تحقّق وأخرى على ما لا
تحقّق له ، أي انها تحتمل الوجهين ، وقد شرح السّكّاكي
التّحقيقيّة وقال : «أن يكون المشبه المتروك شيئا متحققا اما حسيا وإما عقليا».
فالاستعارة الاحتمالية ما احتملت ما له تحقق من وجه وما لا تحقق له من وجه آخر ،
ونظيره قول زهير :
صحا القلب عن
سلمى وأقصر باطله
|
|
وعرّي أفراس
الصّبا ورواحله
|
أراد أن يبين
أنه أمسك عما كان يرتكب أوان الصّبا وقمع النفس عن التلبس بذاك معرضا الاعراض
الكلي عن المعاودة لسلوك سبيل الغي وركوب مراكب الجهل فقال : «وعري أفراس الصبا
ورواحله» أي ما بقيت آلة من آلاتها المحتاج اليها في الركوب والارتكاب قائمة كأيما
نوع فرضت من الانواع حرفة أو غيرها متى وطنت النفس على اجتنابه ورفع القلب رأسا عن
دق بابه وقطع العزم عن معاودة ارتكابه فتقل العناية بحفظ ما قوام ذلك النوع به من
الآلات والأدوات فترى يد التعطيل تستولي عليها فتهلك وتضيع شيئا فشيئا حتى لا تكاد
تجد في أدنى مدة أثرا منها ولا عثيرا فبقيت لذلك معرّاة لا آلة ولا أداة فحق قوله
: «أفراس الصبا ورواحله» أن يعد استعارة تخييلية لما يسبق الى الفهم ويتبادر الى
الخاطر من تنزيل «أفراس الصّبا ورواحليه» منزلة أنياب المنية ومخالبها في قول
الشاعر :
واذا المنية
أنشبت أظفارها
|
|
ألفيت كلّ
تميمة لا تنفع
|
وإن كان يحتمل
احتمالا بالتكلف أن تجعل الافراس والرواحل عبارة عن دواعي النفوس وشهواتها والقوى
الحاصلة لها في استيفاء اللذات أو عن الاسباب التي قلما تتآخذ في اتباع الغي وجر
أذيال البطالة إلا أو ان الصبا. وكذلك قوله تعالى : (فَأَذاقَهَا اللهُ
لِباسَ الْجُوعِ) الظاهر من اللباس الحمل على التخييل وإن كان يحتمل أن
يحمل على التحقيق ، وهو أن يستعار لما يلبسه الانسان عند جوعه من انتقاع اللون
ورثاثة الهيئة .
فالاستعارة في
البيت والآية الكريمة تحتمل التخييل وتحتمل التحقيق فهي اما تخييلية أو تحقيقية.
الاستعارة
الأصليّة :
الاستعارة
الأصليّة هي التي تكون في أسماء الأجناس غير المشتقّة ويكون معنى التّشبيه داخلا
في المستعار دخولا أوّليّا . وقد أوضح السّكاكّي معناها بقوله : «هي أن يكون
المستعار اسم جنس كرجل وكقيام وقعود. ووجه كونها أصلية هو أنّ الاستعارة مبناها
على تشبيه المستعار له بالمستعار منه» . والى ذلك ذهب ابن مالك والقزويني والسبكي والتفتازاني
والسيوطي والاسفراييني والمدني والمغربي . ومنها
__________________
قوله تعالى : (لِتُخْرِجَ النَّاسَ
مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ، وقوله : (فِي كُلِّ وادٍ
يَهِيمُونَ). وقول البحتري.
يؤدّون
التحية من بعيد
|
|
الى قمر من
الايوان باد
|
فقد شبه ممدوحه
بالقمر ، ومنه تشبيه المتنبي ممدوحه بالشمس في قوله :
أحبّك يا شمس
الزمان وبدره
|
|
وإن لامني
فيك السّها والفراقد
|
الاستعارة
بالكناية :
وتسمى المكني
عنها أو المكنية وهي التي اختفى فيها لفظ المشبه واكتفى بذكر شيء من لوازمه دليلا
عليه كقول أبي ذؤيب الهذلي :
واذا المنية
أنشبت أظفارها
|
|
ألفيت كلّ
تميمة لا تنفع
|
شبّه المنية
بالسّبع في اغتيال النفوس وحذف المشبه به وهو السبع وأبقى شيئا من لوازمه وهي
الأظفار التي لا يكمل الاغتيال إلا بها.
ومنها قول دعبل
الخزاعي :
لا تعجبي يا
سلم من رجل
|
|
ضحك المشيب
برأسه فبكى
|
شبّه المشيب
بانسان وحذف المشبه به ورمز اليه بشيء من لوازمه وهو الضحك على سبيل الاستعارة.
وهذا النوع من
الاستعارة مقابل للاستعارة التصريحية وهما من تقسيم هذا الفن بحسب الطرفين :
المشبه والمشبه به فتارة يحذف المشبه فتكون الاستعارة تصريحية وتارة يحذف المشبه
به فتكون مكنية. وكان عبد القاهر قد أشار الى هذين القسمين وإن لم يسمهما كذلك بل
قال عن التصريحية : «أن تنقله ـ أي الاسم ـ عن مسماه الاصلي الى شي آخر ثابت معلوم
فتجريه عليه وتجعله متناولا له تناول الصفة للموصوف» . ومثّل له بقوله : «رأيت أسدا» أي رجلا شجاعا ، وقولهم
: «عنّت لنا ظبية» أي امرأة ، وقوله : «أبديت نورا» أي هدى. فالاسم في هذه الأمثلة
متناول شيئا معلوما يمكن أن ينص عليه فيقال إنّه عنى بالاسم وكنى به عن مسماه
الاصلي فجعل اسما على سبيل الاعارة والمبالغة في التشبيه.
وقال عن
المكنية : «أن يؤخذ الاسم من حقيقته ويوضع موضعا لا يبين فيه شيء يشار اليه فيقال
هذا هو المراد بالاسم والذي استعير له وجعل خليفة لاسمه ونائبا منابه» . ومثّل له بقول لبيد :
وغداة ريح قد
كشفت وقرّة
|
|
إذ أصبحت بيد
الشّمال زمامها
|
وذلك أنّه جعل
للشمال يدا ، ومعلوم أنّه ليس هناك مشار اليه يمكن أن تجري عليه كاجراء الأسد على
الرجل.
وفرّق بين
القسمين بقوله : «إنك اذا رجعت في القسم الأول الى التشبيه الذي هو المغزى من كل
استعارة تفيد وجدته يأتيك عفوا كقولك في «رأيت أسدا» : رأيت رجلا كالاسد ، أو رأيت
مثل الأسد ، أو شبيها بالأسد. وإن رمته في القسم الثاني وجدته لا يواتيك إذ لا وجه
لأن تقول : «إذ أصبح شيء مثل اليد للشمال» أو «حصل شبيه باليد للشمال». وانما
يتراءى لك التشبيه بعد أن تخرق اليه سترا وتعمل تأملا وفكرا ، وبعد أن تغيّر
الطريقة وتخرج عن الحد الأول كقولك : «إذ أصبحت الشمال ولها في قوة تأثيرها في
__________________
الغداة شبه المالك تصريف الشيء بيده واجراءه على موافقته وجذبه نحو الجهة
التي تقتضيها طبيعته وتنحوها ارادته. فأنت ـ كما ترى ـ تجد الشبه المنتزع ههنا إذا
رجعت الى الحقيقة ووضعت الاسم المستعار في موضعه الأصلي لا يلقاك من المستعار نفسه
بل مما يضاف اليه. ألا ترى أنك لم ترد أن تجعل الشمال كاليد ومشبهة باليد كما جعلت
الرجل كالأسد ومشبها بالأسد ولكنك أردت أن تجعل الشمال كذي اليد من الاحياء. فأنت
تجعل في هذا الضرب المستعار له وهو نحو الشمال ذا شيء وغرضك أن تثبت له حكم من
يكون له ذلك الشيء في فعل أو غيره لا نفس ذلك الشي فاعرفه» .
وذكر فرقا آخر
لخصه بقوله : «وطريقة أخرى في بيان الفرق بين القسمين وهو أنّ الشبه في القسم
الأول الذي هو نحو «رأيت أسدا» «تريد رجلا شجاعا» ، وصف موجود في الشي الذي استعرت
اسمه وهو الاسد. وأما قولك : «إذ أصبحت بيد الشمال زمامها» فالشبه الذي له استعرت
اليد ليس بوصف في اليد ولكنه صفة تكسبها اليد صاحبها وتحصل له بها ، وهي التصرف
على وجه مخصوص» .
وكان ما ذهب
اليه عبد القاهر منطلق البلاغيين في تحديد الاستعارة المكنية ، وقد قال الرازي : «هذا
إذا لم يصرح بذكر المستعار بل ذكر بعض لوازمه تنبيها به عليه» .
وقال السّكاكيّ
: «هي أن تذكر المشبّه وتريد به المشبّه به دالّا على ذلك بنصب قرينة تنصبها وهي
أن تنسب اليه وتضيف شيئا من لوازم المشبّه به المساوية» وقال ابن مالك : «هي أن تذكر المشبّه وتريد المشبّه به
وتدلّ بمثل شيء من لوازمه إلى المشبّه» .
ونقل النويري
وابن قيّم الجوزيّة والزركشي تعريف الرازي ، وقال الحلبي ولم يسمّها : «الثاني أن تعتمد لوازمه
عند ما يكون جهة الاشتراك وصفا انما ثبت له كما في المستعار منه بواسطة شيء آخر
فتثبت ذلك الشيء للمستعار له مبالغة في اثبات المشترك» .
وقال القزويني
: «قد يضمر التشبيه في النفس فلا يصرّح بشيء من أركانه سوى لفظ المشبه ويدل عليه
بان يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به من غير أن يكون هناك أمر ثابت حسا أو عقلا
أجري عليه اسم ذلك الأمر ، فيسمى التشبيه استعارة بالكناية أو مكنيا عنها واثبات
ذلك الأمر للمشبه استعارة تخييلية» ولم يخرج البلاغيون بعد ذلك عن هذا التعريف .
الاستعارة
التّبعيّة :
هي أن لا يكون
معنى التشبيه داخلا دخولا أوّليّا ، وهي كما قال السّكاكيّ : «ما تقع في غير أسماء
الأجناس كالأفعال والصّفات المشتّقة منها وكالحروف» وقال ابن مالك : «هي ما تقع في الأفعال والصّفات
والحروف فإنّها لا توصف فلا تحتمل الاستعارة بأنفسها وإنّما المحتمل لها في
الأفعال والصّفات مصادرها وفي الحروف متعلّقات معانيها فتقع الاستعارة هناك ثم
تسري في هذه الأشياء» وذلك أنّ الاستعارة تعتمد التشبيه ، والتشبيه يعتمد كون
المشبه موصوفا ، وانما يصلح
__________________
للموصوفية الحقائق كما في «جسم أبيض» و «بياض صاف» دون معاني الافعال
والصفات المشتقة منها والحروف .
ومثالها قوله
تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ
فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) ، شبّه ترتب العداوة والحزن على الالتقاط بترتب غلبة
الغائية عليه ، ثم استعير في المشبه اللام الموضوعة للمشبه به.
وقرينة التبعية
في الافعال والصفات تعود تارة الى الفاعل كما في «نطقت الحال» أو «الحال ناطقة
بكذا» لأنّ النطق لا يسند الى الحال. وتارة الى المفعول كقول ابن المعتز :
جمع الحقّ
لنا في إمام
|
|
قتل البخل
وأحيا السماحا
|
أي : أزال
البخل وأظهر السماح والقتل والاحياء الحقيقيان لا يتعلق بهما والقرينة جعلهما
مفعولين.
والثاني كقول
الشاعر :
نقريهم
لهذميات نقدّ بها
|
|
ما كان خاط
عليهم كلّ زرّاد
|
وهي قرينة على
أن «نقريهم» استعارة ، وهو مفعول ثان.
أو الاول
والثاني كقول الحريري :
وأقري
المسامع إمّا نطقت
|
|
بيانا يقود
الحرون الشّموسا
|
وتارة الى
الجار والمجرور نحو قوله تعالى :(فَبَشِّرْهُمْ
بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ، فقوله «بعذاب» قرينة على أنّ «بشّر» استعارة. وتارة
الى الجميع : الفاعل والمفعول الاول والثاني والمجرور بمعنى أنّ كلّا منها قرينة
مستقلة كقول الشاعر :
تقري الرياح
رياض الحزن مزهرة
|
|
إذا سرى
النوم في الأجفان إيقاظا
|
الاستعارة
التّجريديّة :
وتسمى المجرّدة
، وهي ما كان معتبرا فيها المستعار له ، أي أنها تكون تجريدية إذا عقبت بصفات ملائمة للمستعار
له أو تفريع كلام ملائم له وقال ابن مالك : «تجريد» الاستعارة هو أن تقرن بما
يلائم المستعار له» وعرّفها القزويني بمثل ذلك ، وقال العلوي : «فاما الاستعارة المجردة فانما لقبت
بهذا اللقب لأنّك إذا قلت : «رأيت أسدا يجدّل الابطال بنصله ويشك الفرسان برمحه»
فقد جرّدت قولك : «أسدا» عن لوازم الآساد وخصائصها إذ ليس من شأنها تجديل الابطال
ولا شكّ الفرسان بالرماح والنصال» . والى ذلك ذهب السبكي والتفتازاني والزركشي والسيوطي
والاسفراييني والمغربي والمدني .
ومثال
الاستعارة التجريدية قوله تعالى : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ
الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) حيث قال :(فَأَذاقَهَا) ولم يقل : «كساها» فان المراد بالاذاقة إصابتهم بما
استعير له اللباس كأنه قال : فأصابها الله بلباس الجوع والخوف.
__________________
وقول كثير :
غمر الرداء
إذا تبسّم ضاحكا
|
|
غلقت لضحكته
رقاب المال
|
فانه استعار
الرداء للمعروف لأنّه يصون عرض صاحبه كما يصون الرداء ما يلقى عليه ، ووصفه بالغمر
الذي هو وصف المعروف لا الرداء فنظر الى المستعار.
الاستعارة
التّحقيقيّة :الاستعارة التّحقيقية هي «أن يكون المشبه المتروك شيئا متحققا إما
حسيا أو عقليا» .
وسماها العلوي
الحقيقية وقال : «واما الحقيقية فهي أن تذكر اللفظ المستعار مطلقا ، كقولك : «رأيت
أسدا». والضابط لها أن يكون المستعار له أمرا محققا سواء جرد عن حكم المستعار له
أو لم يجرد بأن يذكر الاستعارة ثم يأتي بعد ذلك بما يؤكد أمر المستعار له ويوضح
حاله» . ومثال ذلك قول الشاعر :
ترى الثياب
من الكتّان يلمحها
|
|
نور من البدر
أحيانا فيبليها
|
فكيف تنكر أن
تبلى معاجرها
|
|
والبدر في
كلّ وقت طالع فيها
|
فلما استعار
ذكر القمر عقبه بذكر المعاجر وأنّه يبليها بطلوعه فيها كل وقت وذكره من أجل ايضاح
أمر المستعار له وبيان حقيقته.
وأوضح السيوطي
تعريف السكاكي فقال : «ما تحقق معناها حسا نحو (فَأَذاقَهَا اللهُ
لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ). أو عقلا نحو (وَأَنْزَلْنا
إِلَيْكُمْ نُوراً) أي : بيانا واضحا وحجة دامغة . والى ذلك ذهب الاسفراييني والمدني.
الاستعارة
التّخييليّة :
هي أن يستعار
لفظ دال على حقيقة خيالية تقدر في الوهم ثم تردف بذكر المستعار له ايضاحا لها
وتعريفا لحالها. وقد سمّاها ابن الاثير الحلبي «استعارة التخييل» ، وسماها العلوي «الاستعارة الخيالية الوهمية» .
ومثال
الاستعارة التخييلية قوله تعالى : (بَلْ يَداهُ
مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) وقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ
رَبِّكَ) وهما من الآيات الدالة على التشبيه.
ومن ذلك قول
أبي ذؤيب الهذلي :
واذا المنيّة
أنشبت أظفارها
|
|
ألفيت كلّ
تميمة لا تنفع
|
وقد يجتمع
التحقيق والتخييل في الاستعارة كما في قوله تعالى : (فَأَذاقَهَا اللهُ
لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ). والظاهر من هذه الاستعارة هو التخييل لأنّ الله ـ تعالى
ـ لما ابتلاهم لكفرهم باتصال هاتين البليتين ، ولما استعار اللباس ههنا مبالغة في
الاشتمال عليهم أخذ الوهم في تصوير ما للمستعار منه من التغطية والستر والاسترسال
رعاية لمزيد البيان في ذلك. وإن جعلت من باب التحقيق فهو أنّ ما يرى على الانسان
عند شدة الخوف والجوع
__________________
من الضعف والهزال وانتقاع اللون وعلو الصفرة ورثاثة الهيئة وركاكة الحال
وحصول القلق والخيبة يضاهي الملابس في اختلاف أحوالها وألوانها .
والاستعارة
التخييلية مرتبطة بالمكنية بل هي قرينتها خلافا للسكاكي الذي ذهب الى أنّ قرينة
المكنية تارة تكون تخييلية كبيت الهذلي : «واذا المنية ...» وتارة تكون تحقيقية أم
مستعارة لأمر محقق كما في قوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ
ابْلَعِي ماءَكِ). ويتضح ذلك في قوله : «والمصرح بها تنقسم الى تحقيقية
وتخييلية ، والمراد بالتحقيقية أن يكون المشبه المتروك متحققا إما حسيا وإما عقليا
، والمراد بالتخييلية أن يكون المشبه المتروك شيئا وهميا محضا لا تحقق له إلا في
مجرد الوهم» .
ومعنى ذلك أن
لا تلازم بين المكنية والتخييلية عند السكاكي بل يوجد كل منهما بغير الآخر. واستدل
على انفراد التخييلية عن المكنية بقول أبي تمام :
لا تسقني ماء
الملام فانني
|
|
صبّ قد
استعذبت ماء بكائي
|
فانه قد توهّم
أنّ للملامة شيئا شبيها بالماء فاستعار اسمه استعارة تخييلية غير تابعة للمكنية .
ويتضح في هذه
المسألة رأيان :
الأول : رأي
السكاكي وهو أنّ قرينة المكنية تارة تكون تخييلية وتارة تكون تحقيقية.
الثاني : رأي
القزويني وهو أنّ قرينة المكنية لا تكون إلا تخييلية.
وكان منطلق
السكاكي والقزويني أساسا سار عليه البلاغيون المتأخرون في هذه المسألة .
الاستعارة
التّرشيحيّة :
الاستعارة
التّرشيحيّة أو المرشّحة ، أو المجاز المرشّح ، هي التي قرنت بما يلائم المستعار منه ، أو هي أن
يراعي جانب المستعار ويولي ما يستدعيه ويضم اليه ما يقتضيه أو كما قال الحلبي : «أما ترشيحها فهو أن ينظر فيها الى
المستعار ويراعي جانبه ويوليه ما يستدعيه ويضم ما يقتضيه» .
ومنها قول
كثيّر :
رمتني بسهم
ريشه الكحل لم يضر
|
|
ظواهر جلدي
وهو في القلب جارح
|
وقول النابغة :
وصدر أزاح
الليل عازب همّه
|
|
تضاعفت
الأحزان من كلّ جانب
|
المستعار في كل
واحد منهما وهو الرمي والازاحة منظور اليه في لفظي السهم والعازب وقول الآخر :
ينازعني
ردائي عبد عمرو
|
|
رويدك يا أخا
عمرو بن بكر
|
لي الشطر
الذي ملكت يميني
|
|
ودونك فاعتجر
منه بشطر
|
فانه استعار
الرداء للسيف ووصفه بالاعتجار الذي هو وصف الرداء فنظر الى المستعار منه.
ومن ذلك قوله
تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) فانه استعار الاشتراء للاختيار وقفاه بالربح والتجارة
__________________
اللذين هما من متعلقات الاشتراء فنظر الى المستعار منه .
ومعظم
البلاغيين يسمون هذا اللون الاستعارة المرشحة أو الترشيحية ، غير أن العلوي يسميها «الموشحة» ولو لا تفسيره
للتوشيح لقيل إنّ في الكلمة تغييرا . والاستعار الترشيحية هي المقدمة في هذا الباب ، قال
المصري : «وأجلّ الاستعارات الاستعارة المرشحة كقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا
الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) فان الاستعارة الأولى وهي لفظة الشراء رشحت الثانية وهي
لفظتا الربح والتجارة للاستعارة . وقال الحموي : «وليس فوق رتبتها في البديع رتبة» ، وذلك لاشتمال الترشيح على تحقيق المبالغة ولذلك كان
مبناها على تناسي التشبيه حتى أنّه يوضع الكلام في علو المنزلة وضعه في علو المكان
كما قال أبو تمام :
ويصعد حتى
يظن الجهو
|
|
ل أنّ له
حاجة في السماء
|
فلو لا أنّ
قصده أن يتناسى التشبيه ويصمم على انكاره فيجعله صاعدا في السماء من حيث المسافة
المكانية لما كان لهذا الكلام وجه.
وكما قال
العباس بن الاحنف :
هي الشّمس
مسكنها في السّما
|
|
ء فعزّ
الفؤاد عزاء جميلا
|
فلا تستطيع
اليها الصعو
|
|
د ولن تستطيع
اليك النزولا
|
وقد يجتمع
التجريد والترشيح كما في قول زهير :
لدى أسد شاكي
السلاح مقذّف
|
|
له لبد
أظفاره لم تقلّم
|
فقوله : «لدى
أسد شاكي السلاح» تجريد لأنّه وصف يلائم المستعار له أي الأسد الحقيقي.
الاستعارة
التّصريحيّة :
الاستعارة
التّصريحيّة هي ما صرّح فيها بلفظ المشبّه به دون المشبّه ، أو هي كما قال
السّكّاكي : «أن يكون الطرف المذكور من طرفي التشبيه هو المشبّه به» . أو كما قال الحلبي وإن لم يسمّها : «أن تعتمد نفس
التشبيه ، وهو أن يشترك شيئان في وصف وأحدهما أنقص من الآخر فيعطى الناقص اسم
الزائد مبالغة في تحقيق ذلك الوصف كقولك : «رأيت أسدا» وأنت تعني رجلا شجاعا ، و «عنّت
لنا ظبية» وأنت تريد امرأة» .
ومثال هذا
اللون قوله تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ
إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ، أي : من الضلالة الى الهدى ، فقد استعيرت الظلمات
للضلال لتشابههما في عدم اهتداء صاحبهما ، وكذلك استعير لفظ النور للايمان
لتشابههما في الهداية ، والمستعار له وهما الضلال والايمان كل منهما محقق عقلا.
ومنها قول
المتنبي :
__________________
في الخدّ إن
عزم الخليط رحيلا
|
|
مطر يزيد به
الخدود نحولا
|
قرن الدمع
بالمطر ثم حذفه وأبقى المشبه به.
وقوله :
وأقبل يمشي
في البساط فما درى
|
|
الى البحر
يسعى أم البدر يرتقي
|
ربط سيف الدولة
الحمداني بالبحر.
وقول ديك الجن
:
لمّا نظرت
اليّ عن حدق المها
|
|
وبسمت عن
متفتّح النوّار
|
وعقدت بين
قضيب بان أهيف
|
|
وكثيب رمل
عقدة الزّنّار
|
عفّرت خدّي
في الثرى لك طائعا
|
|
وعزمت فيك
على دخول النار
|
ربط بين فمها
ومتفتح النوار ، وبين جسمها وقضيب البان. وهذه الاستعارة من روائع الاستعارات ،
ولذلك قال ابن الاثير : «وهذه الأبيات لا تجد لها في الحسن شريكا ، ولأن يسمى
قائلها شحرورا أولى من أن يسمّى ديكا» .
ومنها قوله
أيضا :
لا ومكان
الصليب في النحر من
|
|
ك ، ومجرى
الزنّار في الخصر
|
والخال في
الخدّ إذ أشبّهه
|
|
وردة مسك على
ثرى تبر
|
وحاجب مدخطّه
قلم الحس
|
|
ن بحبر
البهاء لا الحبر
|
وأقحوان بفيك
منتظم
|
|
على شبيه من
رائق الخمر
|
الاستعارة
التّمثيليّة :
سماها القزويني
المجاز المركب وقال : «وأما المجاز المركب فهو اللفظ المركب المستعمل فيما شبّه
بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل للمبالغة في التشبيه أي تشبيه احدى صورتين منتزعتين
من أمرين أو أمور بالأخرى ، ثم تدخل المشبهة في جنس المشبه بها مبالغة في التشبيه
فتذكر بلفظها من غير تغيير بوجه من الوجوه» .
وقال السيوطي :
«هي أن يكون وجه الشبه فيها منتزعا من متعدد» ، والى ذلك ذهب المدني مثالها ما كتبه الوليد بن يزيد لما بويع الى مروان بن
محمد وقد بلغه أنه متوقف في البيعة له : «أراك تقدّم رجلا وتؤخر أخرى فاذا أتاك
كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت والسّلام». شبّه صورة تردده في المبايعة بصورة
تردد من قام ليذهب في أمر فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا وتارة لا يريد فيؤخر أخرى.
ومن هذا اللون
قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، إذ المعنى انّ مثل الأرض في تصرفها تحت أمر الله
وقدرته مثل الشيء يكون في قبضة اخذ له منا ، والجامع يده عليه.
ومنه قول
الرماح بن ميادة :
ألم تك في
يمنى يديك جعلتني
|
|
فلا تجعلنّي
بعدها في شمالكا
|
ولو أنني
أذنبت ما كنت هالكا
|
|
على خصلة من
صالحات خصالكا
|
وقول عمير بن
الايهم :
راح القطين
من الأوطان أو بكروا
|
|
وصدّقوا من
نهار الأمس ما ذكروا
|
__________________
قالوا لنا
وعرفنا بعد بينهم
|
|
قولا فما
وردوا عنه ولا صدروا
|
وهذه من أمثلة
قدامة في فن «التمثيل» .
ومن ذلك قول
المتنبي :
ومن يك ذا فم
مرّ مريض
|
|
يجد مرّا به
الماء الزّلالا
|
والاستعارة في
هذه الأمثلة لم تجر في لفظ مفرد من ألفاظ العبارة وإنّما أجريت في التركيب كله ،
وهذا هو «التمثيل الذي يكون مجازا لمجيئك به على حد الاستعارة» . أو «الاستعارة التمثيلية». ومتى فشا هذا اللون في
الاستعمال سمي مثلا ولذلك لا تغير الأمثال .
الاستعارة
التّمليحيّة :
وتسمّى
التّهكّميّة أيضا ، وهي استعمال الألفاظ الدالّة على المدح في نقائضها من الذّمّ
والإهانة. وقد أشار الفرّاء إلى مثل هذا الأسلوب في القرآن الكريم وقال : «وقوله :
(فَأَثابَكُمْ غَمًّا
بِغَمٍ) ، الإثابة ههنا في معنى عقاب ولكنّه كما قال الشاعر :
أخاف زيادا
أن يكون عطاؤه
|
|
أداهم سودا
أو محدرجة سمرا
|
وقد يقول الرجل
الذي قد اجترم اليك : «لئن أتيتني لأثيبنك ثوابك» معناه لأعاقبنك وربما أنكره من
لا يعرف مذاهب العربية وقد قال الله تبارك وتعالى :(فَبَشِّرْهُمْ
بِعَذابٍ أَلِيمٍ) والبشارة انما تكون في الخير ، فقد قيل ذلك في الشر» .
ونظر ابن جني
الى مثل هذا الاسلوب بمثل ما نظر البلاغيون في المجاز المرسل الى اعتبار ما كان
فقال تعليقا على قوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) : «انما هو في النار الذليل المهان ، لكنه خوطب بما كان
يخاطب به في الدنيا ، وفيه مع هذا ضرب من التبكيت له والاذكار بسوء أفعاله» . وقال السكاكي في تعريف الاستعارة التمليحية : «هي
استعارة اسم أحد الضدين أو النقيضين للآخر بواسطة انتزاع شبه التضاد والحاقه بشبه
التناسب بطريق التهكم أو التمليح ثم ادعاء أحدهما من جنس الآخر والافراد بالذكر
ونصب القرينة».
وعدّها
القزويني من العنادية فقال : «ومنها ما استعمل في ضد معناه أو نقيضه بتنزيل التضاد
أو التناقض منزلة التناسب بوساطة تهكم أو تمليح» .
وسار على ذلك
شراح التلخيص ، والمدني الذي قال : «ومن العنادية التهكمية
والتمليحية وهما ما استعمل في ضد أو نقيض» .
ومن أمثلتها
قوله تعالى : (إِنَّكَ لَأَنْتَ
الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) مكان السفيه القوي وقوله : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) مكان انذرهم ؛ لأنّ البشارة إنما تستعمل في الأمور
المحمودة والمراد ههنا العذاب والويل. ومنه قوله : (فَاهْدُوهُمْ إِلى
صِراطِ الْجَحِيمِ).
__________________
قال العلوي : «والتهكم
في اللغة عبارة عن شدة الغضب على المتهكم به لما فيه من إسقاط أمره وحطّ منزلته
وحاله. وهو كثير التداور في كتاب الله ـ تعالى ـ خاصة عند عروض ذكر الكفار وأهل
الشرك والنفاق كقوله تعالى : (فَلَمَّا آسَفُونا
انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) وغير ذلك من الآيات الوعيدية والخطابات الزجرية الدالة
على مزيد الغضب وبالغ الانتقام» .
الاستعارة
التّهكّميّة :
هي الاستعارة
التمليحية وقد تقدمت. وقد جمعها بمصطلح واحد معظم البلاغيين كالسكاكي والقزويني
وشراح تلخيصه والمدني وغيرهم .
الاستعارة
الحقيقيّة :
هي الاستعارة
التحقيقية وقد تقدمت. وقد سماها كذلك العلوي الذي قال عن تقسيم الاستعارة : «التقسيم
الاول باعتبار ذاتها الى حقيقية وخيالية ، فأما الحقيقية فهي أن تذكر اللفظ
المستعار مطلقا» .
ومثل لها بقوله
: «وهذا مثاله قولك : «رأيت أسدا على سرير ملكه» و «بدرا على فرس أبلق» و «بحرا
على بابه الوفّاد» و «بحر علم لا يحيف في قضائه وحكمه» و «بدر تمّ يتكلم بجميع
الحقائق» فيأتي بهذه الامور عقيب ذكر الاستعارة من أجل تأكيد أمرها وايضاح حالها
لأنّك اذا قلت : «رأيت أسدا» فقد حصل مطلق الاستعارة وهو اختصاصه بالشجاعة التي هي
خاصة الأسد ، فهذه استعارة مطلقة. ثم لما قلت «على سرير ملكه» فصلته عن حكم الآساد
، إذ ليس الجلوس على السرر من شأنها ، وإنّما جيء بذلك من أجل تأكيد المستعار له.
وهذه تسمى استعارة مجردة ، وهكذا اذا قلت : «رأيت قمرا على فرس» و «بدرتم يتكلم»
فقد أثبت له ضوء الأقمار وتمام البدور ، ثم فصلته عمّالا يليق بالاقمار والبدور بقولك
: «على فرس» وبقولك : «يتكلم» لأنّه ليس الكون على الخيل والكلام من صفة الاقمار
والبدور بحال ، ولكن الغرض هو ما ذكرناه من توكيد أمر المستعار له وتوضيح حاله».
الاستعارة
الخاصّيّة :
هي الاستعارة
الغريبة التي لا يظفر بها إلّا من ارتفع عن طبقة العامّة ، أو هي التي لا يظهر
فيها الجامع إلّا بدقة ، كقول طفيل الغنوي :
وجعلت كوري
فوق ناجية
|
|
يقتات شحم
سنامها الرّحل
|
وموضع اللطف
والغرابة منه أن استعار الاقتيات لاذهاب الرحل شحم السنام مما يقتات.
وقول ابن
المعتز :
يناجيني
الاخلاف من تحت مطله
|
|
فتختصم
الآمال واليأس في صدري
|
وقد تكون
الغرابة في نفس الشبه كما في تشبيه هيئة العنان في موقعه من قربوس السرج بهيئة
الثوب في موقعه من ركبة المحتبي في قول يزيد بن مسلمة بن عبد الملك يصف فرسا له
بأنّه مؤدّب :
عوّدته فيما
أزور حبائبي
|
|
إهماله وكذاك
كلّ مخاطر
|
واذا احتبى
قربوسه بعنانه
|
|
علك الشكيم
الى انصراف الزائر
|
وقد تحصل بتصرف
في العامية كما في قول الآخر :
__________________
أخذنا بأطراف
الأحاديث بيننا
|
|
وسالت بأعناق
المطيّ الأباطح
|
أراد أنها سارت
سيرا حثيثا في غاية السرعة وكانت سرعة في لين وسلامة حتى كأنها كانت سيولا وقعت في
تلك الأباطح فجرت بها.
وقد تحصل
الغرابة بالجمع بين عدة استعارات لالحاق الشكل بالشكل كقول امرىء القيس :
فقلت له لمّا
تمطّى بصلبه
|
|
وأردف أعجازا
وناء بكلكل
|
أراد وصف الليل
بالطول فاستعار له صلبا يتمطى به إذ كان كل ذي صلب يزيد في طوله عند تمطيه شيء ،
وبالغ في ذلك بأن جعل له أعجازا يردف بعضها بعضا ثم أراد أن يصفه بالثقل على قلب
ساهره والضغط لمكابده فاستعار له كلكلا ينوء به .
الاستعارة
الخياليّة :
هي الاستعارة
التخييلية وقد تقدمت. وهذه تسمية العلوي الذي قال : «وأمّا الاستعارة الخيالية
والوهمية فهي أن تستعير لفظا دالّا على حقيقة خيالية تقدرها في الوهم ثم تردفها
بذكر المستعار له ايضاحا لها وتعريفا لحالها» .
الاستعارة
العامّيّة :
هي أن ينقل
الاسم عن مسماه الأصلي الى شيء آخر ثابت معلوم ويجري عليه ويجعل متناولا له تناول
الصفة للموصوف ، وذلك مثل : «رأيت أسدا» أي :رجلا شجاعا ، و «عنّت لنا ظبية» أي :
امرأة .
وقال القزويني
: إنّ العامية المبتذلة هي التي يظهر الجامع فيها كالمثالين السابقين ، وتبعه في
ذلك شراح تلخيصه وغيرهم .
الاستعارة
العقليّة :
هي الاستعارة
التخييلية وقد تقدمت. وهذه تسمية الدمنهوري حينما قال : «فمراده بالعقلية
التخلييلية بدليل المقابلة» . ثم قال إنّ الاستعارة تتحقق حسّا وعقلا ، فان لم تتحقق
كذلك وكان الأمر متوهما فالاستعارة تخييلية. وهذا ما ذهب اليه السكاكي بقوله : «والمراد
بالتحقيقية أن يكون المشبه المتروك شيئا متحققا إما حسيا واما عقليا ، والمراد
بالتخييلية أن يكون المشبه المتروك شيئا وهميا محضا لا تحقق له إلا في مجرد الوهم»
.
الاستعارة
العناديّة :
هي ما لا يمكن
اجتماع الطرفين في شيء كاستعارة اسم المعدوم للموجود لعدم نفعه واجتماع الوجود
والعدم في شيء ممتنع ومن العنادية الاستعارة التمليحية أو التهكمية وقد
مرّت. ومن أمثلة العنادية استعارة اسم الميت للحي الجاهل فانّ الموت والحياة ممتنع
اجتماعهما.
الاستعارة غير
المفيدة :
قسّم عبد
القاهر الاستعارة الى مفيدة وغير مفيدة ، ويريد بغير المفيدة ما لا يكون لها فائدة
في النقل ،
__________________
وموضعها حيث يكون اختصاص الاسم بما وضع له من طريق أريد به التوسع في أوضاع
اللغة والتنوّق في مراعاة دقائق في الفروق في المعاني المدلول عليها كوضعهم للعضو
الواحد أسامي كثيرة بحسب اختلاف أجناس الحيوان نحو وضع الشفة للانسان والمشفر
للبعير والجحفلة للفرس وما شاكل ذلك من فروق. فاذا استعمل الشاعر منها في غير
الجنس الذي وضع له فقد استعاره منه ونقله عن أصله وجاز به موضعه كقول الشاعر :
فبتنا جلوسا
لدى مهرنا
|
|
ننزّع من
شفتيه الصفارا
|
فاستعمل الشفة
في الفرس وهي موضوعة للانسان.
وقد علّق عبد
القاهر على ذلك بقوله : «فهذا ونحوه لا يفيدك شيئا لو لزمت الأصلي لم يحصل لك ،
فلا فرق من جهة المعنى بين قوله : «من شفتيه» وقوله : «من جحفلته» لو قاله ، إنما
يعطيك كلا الاسمين العضو المعلوم فحسب بل الاستعارة ههنا بأن تنقصك جزء من الفائدة
أشبه وذلك أنّ الاسم في هذا النحو إذا نفيت عن نفسك دخول الاشتراك عليه بالاستعارة
دلّ ذكره على العضو وما هو منه. فاذا قلت : «الشفة» دلّ على الانسان ، أعني يدلّ
على أنك قصدت هذا العضو من الانسان دون غيره. فاذا توهمت جري الاستعارة في الاسم
زالت عنها هذه الدلالة بانقلاب اختصاصها الى الاشتراك. فاذا قلت : «الشفة» في موضع
قد جرى فيه ذكر الانسان والفرس دخل على السامع بعض الشبهة لتجويزه أن تكون استعرت
الاسم للفرس. ولو فرضنا أن تعدم هذه الاستعارة من أصلها وتحظر لما كان لهذه الشبهة
طريق الى المخاطب فاعرفه» .
وليس الأمر
كذلك بل قد يكون هذا النوع من الاستعارة مفيدا ـ يحقق غرضا من الأغراض التي يسعى
اليها الشاعر أو الكاتب كالتحقير والتحبيب والتزيين ، أو تقتضي ضرورة الشعر ذلك ،
كما في البيت السابق فان الشاعر لم يستطع أن يأتي بلفظة «الجحفلة» لأنّ الوزن يختل
، وقد يكون أراد رسم صورة جميلة لمهره فشبهه بالطفل وسمّى جحفلته شفة. وكثيرا ما
نجد مثل ذلك في كلام الناس ، ولم يخف ذلك على عبد القاهر ، فقد أشار الى أنّ ضرورة
الشعر قد تضطر الشاعر الى أن يذكر كلمة أخرى غير الموضوعة في الأصل كما في قول
المزرّد :
فما رقد
الولدان حتى رأيته
|
|
على البكر
يمريه بساق وحافر
|
وأراد أن يقول
: «بساق وقدم» ولكن لم تطاوعه القافية.
وقد يجيء للذم
كما يقال : «إنّه لغليظ الجحافل وغليظ المشافر» كما قال الفرزدق :
فلو كنت ضبيا
عرفت قرابتي
|
|
ولكنّ زنجيا
غليظ المشافر
|
الاستعارة في
الأسماء :
تتم أقسام
الاستعارة المختلفة بطريق الاسم أو الفعل ، وكان عبد القاهر قد تحدث عن هذين
القسمين ، وقرر أنّ اللفظة إذا دخلتها الاستعارة فانها لا تخلو من أن تكون اسما أو
فعلا ، واذا كانت اسما فانه يقع مستعارا على قسمين :
أحدهما : أن
ينقل عن مسماه الأصلي الى شيء آخر ثابت معلوم ويجرى عليه ، ويجعل متناولا تناول
الصفة للموصوف. ومثل ذلك : «رأيت أسدا» أي :رجلا شجاعا ، و «عنّت لنا ظبية» أي :
امرأة.
وثانيهما : أن
يؤخذ الاسم عن حقيقته ويوضع موضعا لا يبين فيه شيء يشار اليه فيقال هذا هو المراد
بالاسم والذي استعير له وجعل خليفة لاسمه الاصلي ونائبا منابه ومثاله قول لبيد :
__________________
وغداة ريح قد
كشفت وقرة
|
|
إذ أصبحت بيد
الشمال زمامها
|
وذلك أنّه جعل
للشمال يدا ، ومعلوم أنّه ليس هناك مشار اليه يمكن أن تجري اليد عليه كاجراء الأسد
والسيف على الرجل في مثل : «انبرى لي أسد يزأر» و «سللت سيفا على العدو لا يفلّ» :
والظباء على النساء في «من الظباء الغيد» والنور على الهدى والبيان في «أبديت نورا
ساطعا».
والفرق بين
القسمين أنّ التشبيه في الأول يأتي عفوا ، ولا يأتي في الثاني إلا بعد التأمل
والتفكير .
وقد أوضح
المتأخرون ما يجري من الاستعارة في الاسم فقالوا إنّ الاسماء ثلاثة : الاول :
الاسم العلم ولا مدخل للمجاز فيه ؛ لأنه في جميع مواقعه أصل ، ومن حق المجاز أن
يكون مسبوقا بوضع أصلي ثم ينقل عنه ، ومن حق المجاز أن يكون بينه وبين ما نقل عنه
علاقة يحسن لأجلها التجوز والنقل. وهذا غير موجود في الأعلام ، ولكنهم جوزوا ذلك
في الأعلام التي اشتهرت بنوع من الوصف مثل حاتم في «رأينا اليوم حاتما» أي : رجلا
كاملا الجود.
الثاني : الاسم
المصدر وهو المشتق منه ، وقد يدخله المجاز إذا وقع في غير موضعه مثل : «رجل عدل»
وغير ذلك من المشتقات والصفات.
الثالث : اسم
الجنس ، وأكثر ما يرد المجاز في المفرد منه مثل «أسد» و «بحر» و «ليث» وغير ذلك من
الاسماء المفردة.
وقد تدخل
الاستعارة في أسماء الاشارة كقوله تعالى : (هذا وَإِنَّ
لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) ، فقوله :(هذا) استعارة لأنّه إنّما يستعمل حقيقة فيما كان قريبا مشارا
اليه ، فالمجاز في الاشارة داخل هنا فيما يعرض من أحواله في القرب والبعد .
الاستعارة في
الأفعال :
تحدث عبد القاهر
عنها وقال إنّ الفعل إذا استعير لما ليس له في الاصل فانّه يثبت باستعارته له وصفا
هو شبيه بالمعنى الذي اشتق الفعل منه. ففي «نطقت الحال بكذا» و «أخبرتني أسارير
وجهه بما في ضميره» و «كلمتني عيناه بما يحوي قلبه» نجد في الحال وصفا هو شبيه
بالنطق من الانسان وذلك أنّ الحال تدلّ على الأمر ويكون فيها أمارات يعرف بها
الشيء كما أنّ النطق كذلك ، وكذلك العين فيها وصف شبيه بالكلام وهو دلالتها
بالعلامات التي تظهر فيها وفي نظرها وخواص أوصاف يحدس بها على ما في القلوب من
الانكار والقبول.
قال عبد القاهر
موضحا ذلك : «واذا كان أمر الفعل في الاستعارة على هذه الجملة رجع بنا التحقيق الى
أنّ وصف الفعل بأنه مستعار حكم يرجع الى مصدره الذي اشتق منه. فاذا قلنا في قولهم
: «نطقت الحال» إنّ «نطق» مستعار فالحكم بمعنى أنّ النطق مستعار ، واذا كانت
الاستعارة تنصرف الى المصدر كان الكلام فيه على ما مضى» .
والفعل يكون
استعارة مرة من جهة فاعله الذي رفع به نحو «نطقت الحال بكذا» و «أخبرتني أسارير
وجهه بما في ضميره» و «كلمتني عيناه بما يحوي قلبه».
ويكون أخرى
استعارة من جهة مفعوله كقول ابن المعتز :
جمع الحقّ
لنا في إمام
|
|
قتل البخل
وأحيا السّماحا
|
ف «قتل» و «أحيا»
إنّما صارا مستعارين بأن عدّيا الى البخل والسّماح ، ولو قال : «قتل الأعداء وأحيا»
لم يكن «قتل» استعارة بوجه ولم يكن «أحيا» استعارة
__________________
على هذا الوجه. ومثله قوله الآخر :
وأقري الهموم
الطارقات حزامة
|
|
إذا كثرت
للطارقين الوساوس
|
وهو استعارة من
جهة المفعولين فأما من جهة الفاعل فهو محتمل للحقيقة وذلك أن يقول : «أقرى الأضياف
النازلين اللحم العبيط». وقد يكون الذي يعطيه الاستعارة أحد المفعولين دون الآخر
كقول القطامي :
نقربهم
لهذميّات نقدّ بها
|
|
ما كان خاط
عليهم كلّ زرّاد
|
وقد أوضح
المتأخرون ذلك وقالوا إنّ الأفعال دالة على حصول أحداث في أزمنة معينة ، فالفعل الصناعي
دالّ على المصدر وعبارة عنه ، فالمصدر إن وقع فيه مجاز فالفعل تابع وإن تعذر وقوع
المجاز في المصدر فالفعل أحق بالتعذر .
الاستعارة في
الحروف :
لا مدخل للمجاز
في الحروف ؛ لأنّ وضعها على أنّها تدل على معان في غيرها فلا بدّ من اعتبار الغير
في دلالتها. ثم ذلك الغير إن كانت صالحة للدخول عليه مثل «زيد في الدار» و «عمرو
من الكرام» فهي حقيقة في استعمالها وإن كانت غير صالحة لما دخلت عليه مثل : «من
حرف جر» و «لم حرف نفي» صارت مجازا ، لكنّ التجوز إنما كان من جهة تركيبها لا من
جهة الافراد والمنع إنّما كان في حالة الافراد لا في التركيب .
ويمكن أن تدخل
الاستعارة في الحرف إذا كان مضمنا ، لأنه في هذه الحالة يخرج عن معناه الاصلي الذي
وضع له. وقد تحدث النحاة عن ذلك في باب التضمين على سبيل التوسع والتجوّز ، وتكلم
عليه البلاغيون في الاستعارة التبعية وقالوا في قوله تعالى :(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ
لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً). إنه استعير في المشبه اللام الموضوع للمشبه به .
الاستعارة
القطعيّة :
وهي أن يكون
المشبه المتروك متعيّن الحمل على ماله تحقق حسي أو عقلي أو على ما لا تحقق له
البتة إلا في الوهم وهي الاحتمالية التي «يكون المشبه المتروك صالح الحمل على ما
لا تحقق له» .
وقد تحدث
السكاكي عن لونين من هذه الاستعارة :
الأول :
الاستعارة المصرح بها التحقيقية مع القطع ، قال : «هي اذا وجدت وصفا مشتركا بين
ملزومين مختلفين في الحقيقة هو في أحدهما أقوى منه في الآخر وأنت تريد إلحاق
الأضعف بالأقوى على وجه التسوية بينهما أن تدعي ملزوم الأضعف من جنس ملزوم الأقوى
باطلاق اسمه عليه وسدّ طريق التشبيه بافراده في الذكر توصلا بذلك الى المطلوب
لوجوب تساوي اللوازم عند تساوي ملزوماتها فاعلا ذلك في ضمن قرينة مانعة عن حمل
المفرد بالذكر على ما يسبق منه الى الفهم كيلا يحمل عليه فيبطل الغرض التشبيهي
بانيا دعواك على التأويل المذكور ليمكن التوفيق بين دلالة الافراد بالذكر وبين
دلالة القرينة المتمانعتين ولتمتاز دعواك عن الدعوى الباطلة. مثال ذلك أن يكون
عندك شجاع وأنت تريد أن تلحق جراءته وقوته بجراءة الأسد وقوته فتدعي الأسدية له
__________________
باطلاق اسمه عليه مفردا له في الذكر فتقول : «رأيت أسدا» كيلا يعدّ جراءته
وقوته دون جراءة الأسد وقوته مع نصب قرينة مانعة عن إرادة الهيكل المخصوص به كـ «يرمي»
أو «يتكلم» أو «في الحمام» أو أن يكون عندك وجه جميل وأنت تريد أن تلحق وضوحه
واشراقه وملاحة استدارته بما للبدر فتدّعيه بدرا باطلاق اسمه عليه مع إفراده في
الذكر قائلا : «نظرت الى بدر يبتسم» .
الثاني :
الاستعارة المصرح بها التخييلية مع القطع ، قال السكاكي : «هي أن تسمي باسم صورة
متحققة صورة عندك وهمية محضة تقدرها مشابهة لها مفردا في الذكر ضمن قرينة مانعة عن
حمل الاسم على ما يسبق منه الى الفهم من كون مسماه شيئا متحققا ، وذلك مثل أن تشبه
المنية بالسبع في اغتيال النفوس وانتزاع أرواحها بالقهر والغلبة من غير تفرقة بين
نفّاع وضرّار ولا رقو لمرحوم ومساس بقيا على ذي فضيلة تشبيها بليغا حتى كأنها سبع
من السباع فيأخذ الوهم في تصويرها في صورة السّبع واختراع ما يلازم صورته ويتمّ بها
شكله من ضروب هيئات وفنون وجوارح وأعضاء ، وعلى الخصوص ما يكون قوام اغتيال السبع
للنفوس بها وتمام افتراسه للفرائس بها من الأنياب والمخاطب ، ثم تطلق على مخترعات
الوهم عندك أسامي المتحققة على سبيل الافراد بالذكر وأن تضيفها الى المنية قائلا :
«مخالب المنية» أو «أنياب المنية» الشبيهة بالسبع لتكون اضافتها اليها قرينة مانعة
من إجرائها على ما يسبق الى الفهم منها من تحقق مسمياتها» .
الاستعارة
الكثيفة :
قال المصري : «والاستعارة
منها كثيف وهو استعارة الاسماء للاسماء» كقوله عليه الصلاة والسّلام ـ : «ضمّوا مواشيكم حتى
تذهب فحمة العشاء» فاستعار ـ صلىاللهعليهوسلم ـ للعشاء الفحمة لقصد حسن البيان ؛ لأنّ الفحمة ههنا
أظهر للحسن من الظلمة ، فإنّ الظلمة تدرك بحاسة البصر فقط والفحمة تدرك بحاستي
البصر واللمس لأنّها جسم والظلمة عرض ، فكان ذكر الفحمة أحسن بيانا من ذكر الظلمة.
وقال المصري
أيضا : «استعارة المحسوس للمحسوس بسبب المشاركة في وصف محسوس وهي الاستعارة
الكثيفة .
الاستعارة
اللّطيفة :
قال المصري : «واللطيف
وهو استعارة الأفعال للأسماء» كقوله تعالى : (فَما بَكَتْ
عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) ، وكقول أبي تمام :
من كلّ
ممكورة ذاب النعيم لها
|
|
ذوب الغمام
فمنهلّ ومنسكب
|
الاستعارة
المجرّدة :
هي الاستعارة
التجريدية وقد تقدمت.
استعارة
المحسوس للمحسوس بوجه حسّيّ :
سمّاها المصري «الاستعارة
الكثيفة» ، وذلك بأن يشترك المحسوسان في الذات ويختلفا في الصفات
كاستعارة الطيران لغير ذي جناح في السرعة فان الطيران والعدو يشتركان في الحقيقة
وهي الحركة
الكائنة إلا
أنّ الطيران أسرع.
أو بأن يختلفا
في الذات ويشتركا في صفة
__________________
محسوسة كقوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ
الرَّأْسُ شَيْباً) فالمستعار منه النار والمستعار له الشيب والجامع
الانبساط ، ولكنه في النار أقوى. ومنها قوله : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ
يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) فانّ أصل الموج تحريك المياه فاستعير لحركة يأجوج
ومأجوج لاشتراك المستعار والمستعار له في الحركة .
استعارة
المحسوس للمحسوس بوجه عقليّ :
وهذه ألطف من
استعارة المحسوس للمحسوس بوجه حسي وسماها المصري «الاستعارة المركبة من الكثيف
واللطيف» . ومنها قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ
اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) ، فالمستعار منه السلخ الذي هو كشط الجلد عن الشاة
والمستعار له كشف الضوء عن مكان الليل وهما حسيان ، والجامع ما يعقل من ترتب أمر
على آخر وحصوله عقب حصوله كترتب ظهور اللحم على الكشط وظهور الظلمة على كشف الضوء
عن مكان الليل ، والترتب أمر عقلي.
ومنها قوله
تعالى : (فَجَعَلْناها
حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) ، أصل الحصيد النبات ، والجامع الهلاك ، وهو أمر عقلي.
وقوله : (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ
الْعَقِيمَ) فان المستعار له الريح والمستعار منه ذات النتاج ،
والمستعار العقم وهو عدم النتاج والمشاركة بين المستعار له والمستعار منه في عدم
النتاج وهو شيء معقول .
استعارة
المحسوس للمحسوس بما بعضه حسّيّ وبعضه عقليّ :
وذلك مثل «رأيت
شمسا» وأنت تريد انسانا شبيها بالشمس في حسن الطلعة ونباهة الشأن. وقد أهمل
السكاكي هذا القسم في «مفتاح العلوم» .
استعارة
المحسوس للمعقول :
قال المصري : «وهي
ألطف من المركبة» ، وذلك كاستعارة النور الذي هو محسوس للحجة ، وكقوله
تعالى : (فَاصْدَعْ بِما
تُؤْمَرُ) فان المستعار منه صدع الزجاجة وهو حسي ، والمستعار له
تبليغ الرسالة ، والجامع لهما التأثير وهما عقليان.
ومنها قوله : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى
الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) فالقذف والدمغ مستعاران وهما محسوسان ، والحق والباطل
مستعاران لهما وهما معقولان .
الاستعارة
المرشّحة :
هي الاستعارة
الترشيحية وقد تقدمت.
__________________
الاستعارة
المطلقة :
وهي التي لم
تقترن بما يلائم المستعار أو المستعار منه ، قال القزويني : «هي التي لم تقترن بصفة
ولا تفريع كلام ، والمراد المعنوية لا النعت» ومنها قوله تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى
الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ). وتبعه في ذلك البلاغيون ولا سيما شراح التلخيص .
استعارة
المعقول للمحسوس :
وذلك كقوله
تعالى : (إِذا أُلْقُوا فِيها
سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ. تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) فالشهيق والغيظ مستعاران. وقوله : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ
حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ). وهذه من الاستعارة المطلقة أيضا ، والمستعار منه
التكبر وهو عقلي والمستعار له كثرة الماء وهو حسّي ، والجامع الاستعلاء وهو عقلي .
استعارة
المعقول للمعقول :
قال المصري : «وهي
ألطف الاستعارات» ، وذلك أن يستعار شيء معقول لشيء معقول لاشتراكهما في
وصف عدمي أو ثبوتي ، وأحدهما أكمل في الوصف فيتنزل الناقص منزلة الكامل كاستعارة
العدم للوجود إذا اشتركا في عدم الفائدة ، أو استعارة اسم الوجود للعدم إذا بقيت
آثاره المطلوبة منه كتشبيه الجهل بالموت لاشتراك الموصوف بهما في عدم الادراك
والعقل.
ومنها قوله
تعالى : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ
مَرْقَدِنا) ، فان المستعار منه الرقاد ، والمستعار له الموت ،
والجامع لهما عدم ظهور الأفعال ، والجميع عقلي وقوله :(وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) ، المستعار السكوت ، والمستعار منه الساكت ، والمستعار
له الغضب .
الاستعارة
المفيدة :
قسّم عبد
القاهر الاستعارة الى مفيدة وغير مفيدة ، ويريد بالمفيدة ما كان لنقلها فائدة وهي
عمدة هذا الفن ومداره ؛ لأنّها الاستعارة الحقيقية وهي واسعة لا تحدّ فنونها ولا
تحصر وهي «أمدّ ميدانا ، وأشدّ افتنانا ، وأكثر جريانا ، وأعجب حسنا واحسانا ،
وأوسع سعة ، وأبعد غورا ، وأذهب نجدا في الصناعة وغورا من أن تجمع شعبها وتحصر
فنونها وضروبها» . ثم قسمها الى استعارة في الاسم وفي الفعل وأوضح ما
سمّي بعد ذلك الاستعارة التصريحية والاستعارة بالكناية أو المكنى عنها.
الاستعارة
المكنيّة :
هي الاستعارة
بالكناية وقد تقدمت.
__________________
الاستعارة
الموشّحة :
هي الاستعارة
التّرشيحية والاستعارة المرشحة ، وهذه تسمية العلوي ولو لا أنّه شرح المصطلح لقيل
إنّ في العبارة خطأ. فقد قسم الاستعارة الى مجرّدة وموشّحة وقال : «إذا استعير لفظ
لمعنى آخر فليس يخلو الحال إمّا أن يذكر معه لازم المستعار له أو يذكر لازم
المستعار نفسه. فإن كان الأوّل فهو التّجريد وإن كان الثاني فهو التّوشيح» . ثم قال : «فأمّا الاستعارة الموشّحة فإنّما سمّيت بهذا
الاسم لأنك إذا قلت : «رأيت أسدا وافر الأظفار منكر الزئير دامي الأنياب» فقد ذكرت
لازم اللفظ المستعار وذكرت خصائصه فوشّحت هذه الاستعارة وزيّنتها بما ذكرته من
لوازمها وأحكامها الخاصّة ، أخذا لها من التّوشيح وهو ترصيع الجلد بالجواهر
واللآلي تحمله المرأة من عاتقها الى كشحها وهذا هو الوشاح واشتقاق التّوشيح
للاستعارة منه. ومثالها قوله تعالى : (اشْتَرَوُا
الضَّلالَةَ بِالْهُدى) ثم قال على أثره : (فَما رَبِحَتْ
تِجارَتُهُمْ) فلما استعار لفظ الشراء عقّبه بذكر لازمه وحكمه وهو
الربح توشيحا للاستعارة ولو قال فهلكوا أو عموا وصمّوا عوض قوله :(فَما رَبِحَتْ) لكان تجريدا ولم يكن توشيحا ، ولو قال تعالى : فكساها (اللهُ لِباسَ الْجُوعِ) لكان توشيحا ، أو قال : فأذاقها الله طعم الجوع والخوف
لكان توشيحا أيضا. ومن التوشيح قول كثيّر عزّة :
رمتني بسهم
ريشه الكحل لم يضر
|
|
ظواهر جلدي
وهو في القلب جارح
|
ومنه قوله :
تقري الرياح
رياض الحزن مزهرة
|
|
إذا سرى
النوم في الأجفان أيقاظا
|
فذكر السهم مع
الريش والرياض مع الأزهار يكون توشيحا» .
الاستعارة
الوفاقيّة :
الاستعارة
الوفاقية هي أن يكون اجتماع الطرفين في شيء ممكنا لما بينهما من الاتفاق ، كقوله
تعالى :(أَوَمَنْ كانَ
مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) ، أي : ضالا فهديناه ، استعير الاحياء من جعل الشيء حيا
للهداية التي هي الدلالة على ما يوصل الى المطلوب والاحياء والهداية مما يمكن
اجتماعهما في شيء .
الاستعانة :
قال الجاحظ : «حدثني
صديق لي قال : قلت للعتابي : ما البلاغة؟ قال كلّ من أفهمك حاجته من غير إعادة ولا
حبسة ولا استعانة فهو يلبغ. فان أردت اللسان الذي يروق الألسنة ويفوق كل خطيب
فاظهار ما غمض من الحق وتصوير الباطل في صرة الحق.
قال : فقلت :
له : قد عرفت الاعادة والحبسة فما الاستعانة؟ قال : أما تراه إذا تحدث قال عند
مقاطع كلامه يا هناه ، ويا هذا وياهيه ، واسمع مني ، واستمع اليّ ، وافهم عني ، أو
لست تفهم؟ أو لست تعقل؟ فهذا كله وما أشبهه عيّ وفساد» .
والاستعانة هنا
بمعناها اللغوي أي ما يستعين به المتحدث أو الخطيب حينما يتوقف وهي أقرب الى
الجملة الاعتراضية أو علامة التنبيه. وقد عرّفها المبرد بقوله : «أن يدخل في
الكلام ما لا حاجة اليه ليصحح به
__________________
نظما أو وزنا إن كان في شعر أو ليتذكر ما بعده إن كان في كلام منثور كنحو
ما تسمعه في كثير من كلام العامة مثل قولهم : ألست تسمع؟ أفهمت؟ أين أنت؟ وما أشبه
هذا. وربما تشاغل العيي بفتل اصبعه ومسّ لحيته وغير ذلك من بدنه وربما تنحنح» . وهذا قريب مما ذكره العتّابي ونقله الجاحظ غير أنّ فيه
زيادة وهي الحشو المتصل بوزن الشعر ، ومعنى ذلك أنّ الاستعانة تدلّ على الحشو
أيضا. ولكن البلاغيين نقلوا هذا المصطلح الى معنى آخر فقال المصري : «الاستعانة أن
يستعين الشاعر ببيت لغيره في شعره بعد أن يوطيء له توطئة لائقة به هنا بحيث لا
يبعد ما بينه وبين أبياته وخصوصا أبيات التوطئة له. وقد شرط بعض النقاد التنبيه
عليه إن لم يكن البيت مشهورا ، وبعضهم لم يشترط ذلك ، وهو الصحيح فان أكثر ما
رأينا ذلك في أشعار الناس غير منبّه عليه.
وأما الناثر
فان أتى في أثناء نثره ببيت لنفسه سمي ذلك تشهيرا وإن كان البيت لغيره سمي استعانة»
.
ومثال ذلك في
الشعر قول الحارثي :
وقائلة
والدّمع سكب مبادر
|
|
وقد شرقت
بالماء منها المحاجر
|
وقد أبصرت
حمّان من بعد أنسها
|
|
بنا وهي منّا
موحشات دواثر
|
كأن لم يكن
بين الحجون الى الصّفا
|
|
أنيس ولم
يسمر بمكة سامر
|
فقلت له
والقلب منّي كأنّما
|
|
يقلّبه بين
الجوانح طائر
|
بلى نحن كنّا
أهلها فأبادها
|
|
صروف الليالي
والجدود العواثر
|
فان الشاعر
استعان ببيتي حرفة بنت تبّع.
وهذا قريب من
التضمين غير أنّ المصري فرّق بينهما فقال : «والفرق بين التضمين والايداع
والاستعانة والعنوان أنّ التضمين يقع في النظم والنثر ويكون من المحاسن ومن العيوب
، والايداع والاستعانة وإن وقعا معا في النظم والنثر فلا يكونان إلا بالنظم دون النثر»
. وفرّق بين الاستعانة والمواربة فقال وهو يتحدث عما يقع من تصحيف أو تحريف
في الكلام المتقدم ليدخل في معنى الكلام المتأخر عند الاستعانة : «والفرق بين هذا
القسم من الاستعانة وبين المواربة أنّ المواربة تكون في كلام المتكلم نفسه
والاستعانة لا تكون إلا بكلام غيره» .
وقال السيوطي :
«وتضمين البيت كاملا يسمى استعانة لأنه استعان بشعر غيره» .
استعمال العامّ
والخاصّ :
العام لفظ وضع
وضعا واحدا لكثير غير محصور مستغرق جميع ما يصلح له ، والخاص هو كل لفظ وضع لمعنى
معلوم على الانفراد .
وقال ابن
الاثير الحلبي : «فالعام في اصطلاح الاصوليين هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له
بحسب وضع واحد. والفرق بين العام والمطلق هو اللفظ الدال على الحقيقة من حيث هي هي
على الاصطلاح المتقدم. وقد يطلق في اصطلاح آخر على المعنى الكلي الذي تندرج تحته
المقيّدات ، فعلى هذا من وجد الخاص أي المقيد وجد العام أي
__________________
المطلق لأنه جزؤه» .
وقرّر ابن
الاثير الجزري «أنّه اذا كان الشيئان أحدهما خاصا والآخر عاما فانّ استعمال العام
في حالة النفي أبلغ من استعماله في حالة الاثبات ، وكذلك استعمال الخاص في حالة
الاثبات أبلغ من استعماله في حالة النفي» . مثال ذلك الاسنانية والحيوانية فانّ إثبات الانسانية
يوجب إثبات الحيوانية ولا يوجب نفيها نفي الحيوانية ، وكذلك نفي الحيوانية يوجب
نفي الانسانية ولا يوجب إثباتها إثبات الانسانية. ومن ذلك قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي
اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ
وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) فقد عدل سبحانه وتعالى ـ عن الضوء الى لفظة النور ،
وذلك لأنّ النور أعم من الضوء فاذا انتفى انتفى الأخص.
ومما يحمل على
ذلك الأوصاف الخاصة إذا وقعت على شيئين وكان يلزم من وصف أحدهما وصف الآخر ولا
يلزم عكس ذلك ، ومثاله قوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) ، فانّه انما خصّ العرض بالذكر دون الطول للمعنى الذي
أشير اليه ، والمراد بذلك أنّه إذا كان هذا عرضها فكيف يكون طولها؟ وأما الاسماء
المفردة الواقعة على الجنس فكقوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ
قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. قالَ : يا قَوْمِ لَيْسَ بِي
ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ). قال : (ضَلالَةٌ) ولم يقل «ضلال» لأنّ نفي الضلالة أبلغ من نفي الضلال
عنه.
وأما الصفتان
الواردتان على شيء واحد فكقوله تعالى : (ما لِهذَا الْكِتابِ
لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) فان وجود المؤاخذة على الصغيرة يلزم منه وجود المؤاخذة
على الكبيرة.
ومنه قول
الأشتر النخعي :
خلّفت وفري
وانحرفت عن العلى
|
|
ولقيت أضيافي
بوجه عبوس
|
إن لم أشنّ
على ابن حرب غارة
|
|
لم تخل يوما
من نهاب نفوس
|
خيلا كأمثال
السّعالي شزّبا
|
|
تعدو ببيض في
الكريهة شوس
|
حمي الحديد
عليهم فكأنّه
|
|
لمعان برق أو
شعاع شموس
|
وأما الصفات
المتعددة الواردة على شيء واحد فكقول البحتري في وصف نحول الركاب :
يترقرقن
كالسّراب وقد خض
|
|
ن غمارا من
السّراب الجاري
|
كالقسيّ
المعطّفات بل الأس
|
|
هم مبريّة بل
الأوتار
|
فقد رقي في
تشبيه نحولها من الأدنى الى الأعلى فشبهها أولا بالقسيّ ، ثم بالأسهم المبرية ، ثم
بالأوتار وهي أبلغ في النحول لما سبق.
هذا ما عليه
الاسلوب ولكنّ بعضهم قد يخرج على ذلك ، وقد أشار ابن الاثير الى أنّ كثيرا من
الشعراء أغفلوا ذلك ومنهم المتنبي الذي قال :
يا بدر يا
بحر يا غمامة يا
|
|
ليث الشّرى
يا حمام يا رجل
|
وكان ينبغي أن
يبدأ فيه بالأدنى فالأدنى فيقول : يا
__________________
رجل ، يا ليث ، يا غمامة ، يا بحر ، يا حمام ، لأنّ هذا مقام مدح فيجب أن
يرقى فيه من منزلة الى منزلة حتى ينتهي الى المنزلة العليا ، ولو كان مقام ذم لعكس
القضية .
ولكن للأديب
الحرية في التعبير كما يتصور المعنى أو كما يريد أن يصوره.
الاستغراب :
أغرب الرجل :
جاء بشيء غريب ، واستغرب في الضحك واستغرب أكثر منه والاستغراب التعجب أو المجيء بالشيء الغريب أو المبالغة
فيه.
قال قدامة : «قد
يضع الناس في باب أوصاف المعاني الاستغراب والطرفة ، وهو أن يكون المعنى مما لم
يسبق اليه. وليس عندي أنّ هذا داخل في الأوصاف لأنّ المعنى المستجاد إنّما يكون
مستجادا إذا كان في ذاته جيدا فاما أن يقال له : جيد ، إذا قاله شاعر من غير أن
يكون تقدمه من قال مثله فهذا غير مستقيم ، بلى يقال لما جرى هذا المجرى : طريف
وغريب إذا كان فردا قليلا فاذا كثر لم يسمّ بذلك ، وغريب وطريف هما شيء آخر غير
حسن أو جيد لأنّه قد يجوز أن يكون حسن جيد غير طريف ولا غريب ، وطريف غريب غير حسن
ولا جيد» .
وسمّاه الآخرون
إغرابا ونقل ابن منقذ خلاصة كلام قدامة وقال : «هو أن يكون المعنى مما لم يسبق
اليه على جهة الاستحسان فيقال : طريف وغريب إذا كان فردا قليلا فاذا كثر لم يسمّ
بذلك» .
وقرن القرطاجني
الشعر الجيد بالاغراب فقال : «الشعر كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبّب الى النفس
ما قصد تحبيبه اليها ويكره اليها ما قصد تكريهه لتحمل بذلك على طلبه أو الهرب منه
بما يتضمن من حسن تخييل له ومحاكاة مستقلة بنفسها أو متصورة بحسن هيأة تأليف
الكلام أو قوة صدقه أو قوة شهرته أم بمجموع ذلك. وكل ذلك يتأكد بما يقترن به من
إغراب فانّ الاستغراب والتعجب حركة للنفس إذا اقترنت بحركتها الخيالية قوي
انفعالها وتأثرها» .
ولم يختر معظم
البلاغيين تسمية قدامة وإنّما سمّوه «النوادر» ومنهم المصري الذي قال : «وهو الذي
سماه قدامة قديما الاغراب والطرفة وسماه من بعده التطريف وسماه قوم النوادر ، وقوم
أبقوا عليه تسمية قدامة» .
ثم قال : «وهو
أن يأتي الشاعر بمعنى غريب لقلته في كلام الناس ، وليس من شرطه على رأي قدامة أن
يكون لم يسمع مثله ، وإنّما شرطه أن يكون قليلا نادرا. وقد رأى غير قدامة فيه غير
ذلك ، وقال : لا يكون في المعنى إغراب إلا إذا لم يسمع مثله. والاشتقاق يعضد
التفسير الثاني والشواهد تعضد تفسير قدامة ؛ لأنّ شواهد الباب وقع فيها ما يجوز أن
يكون قائله لم يسبق اليه وما يجوز أن يكون قد سبق اليه على قلته».
وقال ابن
الاثير الحلبي : «ويسمّى هذا الباب بالاغراب وهو أن يأتي المتكلم بمعنى غريب نادر
لم يسمع بمثله أو سمع وهو قليل الاستعمال» .
وسماه المدني
النوادر وقال : «النوادر جمع نادرة ، قال الجوهري : ندر الشيء يندر ندرا : إذا شذّ
، ومنه النوادر. وفي القاموس : نوادر الكلام : ما شذّ وخرج من الجمهور. وسمّاه
قدامة ومن تبعه : الإغراب ـ بالغين المعجمة ـ والطرافة» .
ومن أمثلته مدح
زهير للفقراء والأغنياء معا فانّه غريب إذ العادة جارية بمدح الاغنياء غالبا لأنّه
يقال :
__________________
ما سمع قط مدح فقير حتى قال :
على مكثريهم
حقّ من يعتريهم
|
|
وعند
المقلّين السّماحة والبذل
|
ومن الإغراب
قسم آخر وهو أن يعمد الشاعر الى معنى متداول معروف ليس بغريب في بابه فيغرب فيه
بزيادة لم تقع لغيره ليصير بها ذلك المعنى المعروف غريبا طريفا وينفرد به دون كل
من نطق بذلك المعنى من ذلك أنّ تشبيه الحسان بالشمس والبدر متداول معروف ولكنّ أبا
تمام تحيّل في زيادة طريفة لم تقع لغيره فقال :
فردّت علينا
الشمس والليل راغم
|
|
بشمس لهم من
جانب الخدر تطلع
|
فو الله ما
أدري أأحلام نائم
|
|
ألمّت بنا أم
كان في الركب يوشع
|
فالتشكيك الذي
أدخله في كلامه وذكر يوشع بعد إغرابه في التوطئة باخباره بأنّ هذه المرأة ردّت بها
الشمس على الرغم من الليل ، نقل المعنى من المعرفة الى الغرابة فاستحق أبو تمام
هذا المعنى الطريف دون كل من تناوله.
ومن الإغراب
والطرفة نوع لا يكون الاغراب فيه في ظاهر لفظه بل في تأويله وهو الذي إذا حمل على
ظاهره كان الكلام به معيبا جدا وإذا تؤول ردّ التأويل الى نمط الكلام الفصيح وأميط
من ظاهره حدث العيب فيكون التأويل هو الموصوف بالإغراب لا الظاهر وذلك كقوله تعالى
: (حَبِطَتْ
أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) ، فانهم أمسوا كما أصبحوا فتكون لفظة «فأصبحوا» حشوا لا
فائدة فيه ، ومثل هذا يتحاشى عنه نظم القرآن .
ومن الغريب
الطريف قول أبي تمام :
لا تنكروا
ضربي له من دونه
|
|
مثلا شرودا
في النّدى والباس
|
فالله قد ضرب
الأقلّ لنوره
|
|
مثلا من
المشكاة والنبراس
|
ومن لطيف
الإغراب وطريفه قول بعضهم :
ظلت تبشّرني
عيني إذا اختلجت
|
|
بأن أراك وقد
كنّا على حذر
|
فقلت للعين
إمّا كنت صادقة
|
|
إني ببشراك
لي من أسعد البشر
|
فما جزاؤك
عندي لست أعرفه
|
|
بلى جزاؤك أن
أحبوك بالنظر
|
وأستر المقلة
الأخرى فأحجبها
|
|
عن أن تراك
كما لم تأت بالخبر
|
ومنه قول الآخر
:
وما لبس
العشّاق ثوبا من الهوى
|
|
ولا بدّلوا
إلا الثياب التي أبلي
|
وما شربوا
كأسا من الحبّ مرّة
|
|
ولا حلوة إلا
وشربهم فضلي
|
ومنه قول أبي
الفتح البستي :
أرأيت ما قد
قال لي بدر الدّجى
|
|
لما رأى طرفي
يديم سهودا
|
حتام ترمقني
بطرف ساهر
|
|
أقصر فلست
حبيبك المفقودا
|
الاستفهام :
الفهم : معرفتك
الشيء بالقلب ، وفهمت الشيء :
عقلته وعرفته ،
وأفهمه الأمر وفهّمه إياه : جعله يفهمه ، واستفهمه : سأله أن يفهمه ، وقد استفهمني
الشيء فأفهمته وفهمته تفهيما .
__________________
والاستفهام طلب
العلم بشيء لم يكن معلوما من قبل ، وهو الاستخبار الذي قالوا فيه : إنّه طلب خبر
ما ليس عندك وهو بمعنى الاستفهام أي طلب الفهم.
ومنهم من فرّق
بينهما وقال : إنّ الاستخبار ما سبق أولا ولم يفهم حق الفهم ، فاذا سألت عنه ثانيا
كان استفهاما . ولكنّ الدائر في كتب البلاغة مصطلح «الاستفهام» ، وهو
من أساليب الانشاء أو الطلب التي فطن لها أوائل المؤلفين والبلاغيين ، وقد عقد له
سيبويه بابا سماه «باب الاستفهام» ، وتحدث فيه عن أدواته. وتكلم عليه الفراء والمبرد .
ودخل في
الدراسات البلاغية وتحدث عنه ابن وهب الذي قال : «ومن الاستفهام ما يكون سؤالا عما
لا تعلمه فيخصّ باسم الاستفهام» .
وقال السكاكي :
«والاستفهام لطلب حصول في الذهن ، والمطلوب حصوله في الذهن إما أن يكون حكما بشيء
على شيء أو لا يكون. والأول هو التصديق ويمتنع انفكاكه من تصور الطرفين ، والثاني
هو التصور ولا يمتنع انفكاكه من التصديق» . وسار على هذا المذهب ملخصو كتابه «مفتاح العلوم» وشراح
التلخيص . ولا يخرج غيرهم عن ذلك فالعلوي يقول : «ومعناه طلب
المراد من الغير على جهة الاستعلاء» . وابن قيم الجوزية يقول : «هو أن يستفهم عن شيء لم
يتقدم له به علم حتى يحصل له به علم» .
وللاستفهام
أدوات كثيرة وهي نوعان :
الأول : حرفان
وهما الهمزة وهل. وتستعمل الهمزة لطلب التصديق وهو إدراك النسبة أي تعيينها مثل : «أقام
محمد»؟ الجواب عنها يكون بـ «نعم» أو «لا». وللتصور وهو ادراك المفرد أي تعيينه
مثل : «أقام محمد أم قعد»؟ والجواب عنها يكون بتحديد المفرد أي : قام أو قعد.
أما هل فلا
يطلب بها غير التصديق مثل : «هل قام محمد»؟ والجواب عنها يكون بـ «نعم» أو «لا».
الثاني : اسماء
، ولا يطلب بها إلا التصور وهي :
١ ـ ما : يطلب
بها شرح الشيء مثل : «ما البلاغة»؟
٢ ـ من :
للسؤال عن الجنس مثل : «من هذا»؟
٣ ـ أيّ :
للسؤال عما يميز أحد المتشاركين في أمر يعمهما مثل : «أي الثياب عندك»؟
٤ ـ كم :
للسؤال عن العدد مثل : «كم كتابا عندك»؟
٥ ـ كيف :
للسؤال عن الحال مثل : «كيف محمد»؟
٦ ـ أين :
للسؤال عن المكان مثل : «أين كنت»؟
٧ ـ أنّى :
تستعمل تارة بمعنى «كيف» كقوله تعالى : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ
اللهُ بَعْدَ مَوْتِها؟) ، وتارة بمعنى «من أين» كقوله تعالى : (يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا؟) وتارة بمعنى «متى» مثل : «أنّى تسافر»؟
٨ ـ متى :
للسؤال عن الزمان مثل : «متى جئت»؟
٩ ـ أيّان :
للسؤال عن الزمان كقوله تعالى : (يَسْئَلُ
__________________
أَيَّانَ
يَوْمُ الْقِيامَةِ؟) ، وكقوله : (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ
يَوْمُ الدِّينِ؟).
ويخرج
الاستفهام عن معناه الحقيقي أي أنه «استفهام العالم بالشيء مع علمه به» . ويقصد به غير طلب الفهم الذي هو الاستفهام عن شيء لم
يتقدم له به علم حتى يحصل له به علم. والاغراض التي يخرج الاستفهام اليها كثيرة ،
وقد ذكر المتقدمون كسيبويه والفراء وأبي عبيدة وابن قتيبة والمبرد قسما كبيرا منها
ولكنّ البلاغيين المتأخرين كالسكاكي والقزويني وشراح تلخيصه ، والذين
ألفوا في علوم القرآن كالزركشي والسيوطي جمعوها مرتبة في مباحث الاستفهام.
استفهام
الإثبات :
ويأتي للاثبات
مع التوبيخ ، كقوله تعالى : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ
اللهِ واسِعَةً).
استفهام
الإخبار :
سماه بهذا
الاسم أبو عبيدة ، ومثّل له بقوله تعالى :(وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ
أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).
ومنه قول زهير
:
سواء عليه
أيّ حين أتيته
|
|
أساعة نحس
تتّقى أم بأسعد
|
وقال : «فخرج
لفظها على لفظ الاستفهام وانما هو إخبار» .
وسماه
البلاغيون «استفهام التقرير» ، اما استفهام الاخبار فقد مثّل له السيوطي بقوله تعالى : (أَفِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا) ، وقوله : (هَلْ أَتى عَلَى
الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)؟
استفهام
الاستبطاء :
مثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (مَتى نَصْرُ اللهِ) ، وقول الشاعر :
حتى متى أنت
في لهو وفي لعب
|
|
والموت نحوك
يجري فاغرا فاه
|
استفهام
الاستبعاد :
مثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (أَنَّى لَهُمُ
الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ). ومنه قول أبي تمام :
من لي بانسان
إذا أغضبته
|
|
وجهلت كان
الحلم ردّ جوابه؟
|
__________________
استفهام
الاسترشاد :
مثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (أَتَجْعَلُ فِيها
مَنْ يُفْسِدُ فِيها؟) والظاهر أنّهم استفهموا مسترشدين وانما فرق بين
العبارتين أدبا ، وقيل : هي هنا للتعجب .
استفهام
الافتخار :
مثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ
مِصْرَ؟)
استفهام
الاكتفاء :
مثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (أَلَيْسَ فِي
جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ؟)
استفهام الأمر
:
ذكره الفراء
ومثّل له بقوله تعالى : (وَقُلْ لِلَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ؟) ، وقال : «وهو استفهام ومعناه أمر» . ومثّل له السيوطي بالآية نفسها وقال : «أي اسلموا» وبقوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)؟ أي : انتهوا ، وقوله : (أَتَصْبِرُونَ)؟ أي : اصبروا.
استفهام
الإنكار :
والمعنى فيه
النفي وما بعده منفي ولذلك تصحبه «إلا» كقوله تعالى : (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ؟) وعطف المنفي عليه كقوله : (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ
أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ)؟ أي : لا يهدي. وقوله : (أَشَهِدُوا
خَلْقَهُمْ؟) أي : ما شهدوا ذلك.
وكثيرا ما
يصحبه التكذيب وهو في الماضي بمعنى «لم يكن» وفي المستقبل بمعنى «لا يكون» كقوله
تعالى : (أَفَأَصْفاكُمْ
رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ) أي : لم يفعل ذلك. وقوله :(أَنُلْزِمُكُمُوها
وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) أي : لا يكون هذا الالزام .
ومنه قول امرىء
القيس :
أيقتلني
والمشرفيّ مضاجعي
|
|
ومسنونة زرق
كأنياب أغوال
|
استفهام الإياس
:
ذكره الزركشي ومثّل له بقوله تعالى : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟)
استفهام
الإيناس :
مثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (وَما تِلْكَ
بِيَمِينِكَ يا مُوسى) ، وقيل هي للتقرير فيعرف ما
__________________
في يده حتى لا ينفر اذا انقلبت حيّة .
استفهام
التّأكيد :
أي التأكيد لما
سبق من معنى أداة الاستفهام قبله ، ومثّل له السيوطي بقوله تعالى : (أَفَمَنْ حَقَّ
عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ؟) أي : من حق عليه كلمة العذاب فانك لا تنقذه ، فـ «من»
للشرط والفاء جواب الشرط والهمزة في «أفأنت» معادة مؤكدة لطول الكلام.
استفهام
التّبكيت :
ذكره الزركشي ومثّل له بقوله تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ
لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ) ، وجعلها السكاكي من باب التقرير ، وفيه نظر لأنّ ذلك لم يقع منه عليهالسلام.
استفهام
التّجاهل :
مثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ
الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا)
استفهام
التّحذير :
ذكره الزركشي ومثّل له بقوله تعالى : (أَلَمْ نُهْلِكِ
الْأَوَّلِينَ) أي قدرنا عليهم فنقدر عليكم.
استفهام
التّحضيض :
وهو الطلب برفق
، وقد مثّل له السيوطي بقوله تعالى : (أَلا تُقاتِلُونَ
قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ؟).
استفهام
التّحقير :
مثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي
يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ؟).
ومنه قول
الشاعر :
فدع الوعيد
فما وعيدك ضائري
|
|
أطنين أجنحة
الذباب يضير؟
|
استفهام
التّذكير :
وفيه نوع
اختصار ، وقد مثّل له السيوطي بقوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ
إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) ، وقوله : (قالَ : هَلْ
عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ). قال الزركشي : «وجعل بعضهم منه : (أَلَمْ يَجِدْكَ
يَتِيماً فَآوى؟) ، وقوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ؟).
__________________
استفهام
التّرغيب :
مثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) ، وقوله : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى
تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)؟
استفهام
التّسهيل :
وهو للتخفيف ،
وقد مثّل له السيوطي بقوله تعالى : (وَما ذا عَلَيْهِمْ
لَوْ آمَنُوا).
استفهام
التّسوية :
وهو الاستفهام
الداخل على جملة يصح حلول المصدر محلها ، كقوله تعالى : (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ
أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) ، وهو استفهام الاخبار الذي ذكره أبو عبيدة ، ومثّل له المبرد بقوله : «ليت شعري أقام زيد أم قعد» ومنه قول المتنبي :
ولست أبالي
بعد إدراكي العلى
|
|
أكان تراثا
ما تناولت أم كسبا
|
استفهام التّشويق
:
جمعه السيوطي مع استفهام الترغيب ومثّل لهما بقوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ
قَرْضاً حَسَناً) ، وقوله : (هَلْ أَدُلُّكُمْ
عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ).
استفهام
التّعجّب :
ويقال له
استفهام التعجيب ، وقد مثّل له السيوطي بقوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ
بِاللهِ) ، ومنهم من جعله للتنبيه .
ومن هذا اللون
قول المتنبي مخاطبا الحمى :
أبنت الدهر
عندي كلّ بنت
|
|
فكيف وصلت
أنت من الزّحام
|
استفهام
التّعظيم :
مثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي
يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ).
ومنه قول
الشاعر :
أضاعوني وأيّ
فتى أضاعوا
|
|
ليوم كريهة
وسداد ثغر
|
استفهام
التّفجّع :
ذكره الزركشي ، ومثّل له بقوله تعالى : (ما لِهذَا الْكِتابِ
لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها)؟. ولعله التفخيم الذي ذكره
__________________
السيوطي ؛ لأنّ الآية لا تشعر بالتفجع كما تشعر بالتعظيم
والتفخيم.
استفهام
التّفخيم :
مثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (ما لِهذَا الْكِتابِ
لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً)؟. وكان الزركشي قد ذكر هذه الآية شاهدا للتفجع وليس
فيها تفجع.
استفهام
التّقرير :
وهو حمل
المخاطب على الاقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده. قال ابن جني : «ولا يستعمل ذلك
بـ «هل» كما يستعمل بغيرها من أدوات الاستفهام». وقال الكندي : «ذهب كثير من
العلماء في قوله تعالى : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ
إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ) الى أنّ «هل» تشارك الهمزة في معنى التقرير والتوبيخ».
ونقل أبو حيان عن سيبويه أنّ استفهام التقرير لا يكون بـ «هل» انما يستعمل فيه
الهمزة ، ثم نقل عن بعضهم أنّ «هل» تأتي تقريرا كما في قوله تعالى : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ). والكلام مع التقرير موجب ولذلك يعطف عليه صريح الموجب
ويعطف على صريح الموجب. فالأول كقوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ. وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) ، وقوله :
(أَلَمْ يَجِدْكَ
يَتِيماً فَآوى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) ، وقوله : (أَلَمْ يَجْعَلْ
كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ). والثاني كقوله تعالى : (أَكَذَّبْتُمْ
بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً).
وحقيقة استفهام
التقرير أنّه استفهام انكار ، والانكار نفي وقد دخل على النفي ، ونفي النفي اثبات»
.
وقسّم الآمدي
التقرير الى ضربين حينما تحدث عن الخطأ في قول أبي تمام :
رضيت وهل
أرضى اذا كان مسخطي
|
|
من الأمر ما
فيه رضى من له الأمر
|
قال : «فمعنى
هل في هذا البيت التقرير ، والتقرير على ضربين : تقرير للمخاطب على فعل قد مضى
ووقع ، أو على فعل هو في الحال ليوجب المقرر بذلك ويحققه ، ويقتضي من المخاطب في
الجواب الاعتراف به ، نحو وقوله : هل أكرمتك؟ هل أحسنت اليك؟ هل أودك وأوثرك؟ هل
أقضي حاجتك؟ وتقرير على فعل يدفعه المقرر وينفي أن يكون قد وقع نحو قوله : «هل كان
مني اليك قط شيء كرهته»؟ و «هل عرفت مني غير الجميل»؟ فقوله في البيت : «وهل أرضى»
تقرير لفعل ينفيه عن نفسه وهو الرضى كما يقول القائل : «وهل يمكنني المقام على هذه
الحال»؟ أي : لا يمكنني ، و «هل يصبر الحرّ على الذل»؟ و «هل يروى زيد»؟ و «هل
يشبع عمرو»؟ فهذه كلها أفعال معناها النفي. فقوله : «وهل أرضى» انما هو نفي للرضى
فصار المعنى : ولست أرضى ، إذ كان الذي يسخطني ما فيه رضى من له الأمر ، أي رضى
الله تعالى ، وهذا خطأ منه فاحش» .
__________________
استفهام
التّكثير :
مثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (فَكَأَيِّنْ مِنْ
قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها).
استفهام
التّمنّي :
مثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (فَهَلْ لَنا مِنْ
شُفَعاءَ).
ومنه قول
المتنبي :
أيدري الرّبع
أيّ دم أراقا
|
|
وأيّ قلوب
هذا الركب شاقا
|
استفهام
التّنبيه :
وهو من أقسام
الأمر ، وقد مثّل له السيوطي بقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى
رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) ، أي :انظر.
استفهام
التّهديد :
ويكون للوعيد ،
وقد مثّل له السيوطي بقوله تعالى : (أَلَمْ نُهْلِكِ
الْأَوَّلِينَ)
استفهام
التّهكّم :
ويكون
للاستهزاء ، وقد مثّل له السيوطي بقوله تعالى : (أَصَلاتُكَ
تَأْمُرُكَ) ، وقوله : (أَلا تَأْكُلُونَ؟ ما
لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ)؟
ومنه قول
المتنبي :
أفي كلّ يوم
ذا الدمستق قادم
|
|
قفاه على
الأقدام للوجه لائم؟
|
استفهام
التّهويل :
ويكون للتخويف
، وقد مثّل له السيوطي بقوله تعالى : (الْحَاقَّةُ. مَا
الْحَاقَّةُ)؟ وقوله : (الْقارِعَةُ. مَا
الْقارِعَةُ)؟
استفهام
التّوبيخ :
وجعله بعضهم من
قبيل الانكار ، إلّا أنّ الأول إنكار إبطال وهذا الانكار توبيخ ، والمعنى أنّ ما
بعده واقع جدير بأن ينفى ، فالنفي هنا قصدي والاثبات قصدي ، ويعبر عن ذلك بالتقريع
أيضا . ومنه قوله تعالى :(أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي؟) وقوله : (أَتَعْبُدُونَ ما
تَنْحِتُونَ؟) وقوله : (لِمَ تَقُولُونَ ما
لا تَفْعَلُونَ)؟
__________________
استفهام
الدّعاء :
وهو كالنهي إلا
أنّه من الأدنى الى الأعلى ، ومنه قوله تعالى : (أَتُهْلِكُنا بِما
فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا؟) ، أي :لا تهلكنا.
استفهام العتاب
:
مثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ؟). ومن ألطف ما عاتب به خير خلقه بقوله : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ
لَهُمْ)؟ .
استفهام العرض
:
وهو الطلب بشق
، وقد مثّل له السيوطي بقوله تعالى : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ
يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ؟).
استفهام النّفي
:
كقوله تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا
الْإِحْسانُ؟) ، وقول البحتري :
هل الدهر
إلّا غمرة وانجلاؤها
|
|
وشيكا وإلّا
ضيقة وانفراجها؟
|
استفهام النّهي
:
مثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (أَتَخْشَوْنَهُمْ؟ فَاللهُ
أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) بدليل قوله : (فَلا تَخْشَوُا
النَّاسَ وَاخْشَوْنِ).
استفهام الوعيد
:
قال السيوطي : «ومنه
الوعيد كقولك لمن يسيء الأدب : ألم أؤدّب فلانا؟ إذا كان عالما بذلك» .
ومنه قوله
تعالى : (أَلَمْ نُهْلِكِ
الْأَوَّلِينَ؟)
الاستقصاء :
قصا : بعد ،
وكل شيء تنجّى عن شيء فقد قصا وهو قاص ، وأقصى الرجل يقصيه : باعده. وتقصيت الأمر
واستقصيته واستقصى فلان في المسألة وتقصى بمعنى .
والاستقصاء «هو
أن يتناول الشاعر معنى فيستقصيه الى أن لا يترك فيه» كقوله تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ
أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ
ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ). فانه لو اقتصر على قوله «جنة» لكان كافيا ولكنه لم يقف
عند ذلك وانما استقصى فقال : (مِنْ نَخِيلٍ
وَأَعْنابٍ) ثم زاد (تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ثم أضاف (لَهُ فِيها مِنْ
كُلِّ الثَّمَراتِ) وقال في وصف صاحبها :
(وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) ثم استقصى المعنى بما يوجب تعظيم المصاب بقوله : (لَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) ثم أصاب الجنة (إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ
فَاحْتَرَقَتْ.)
__________________
ومنه قول ابن
الرومي في الحديث :
وحديثها
السّحر الحلال لو انّه
|
|
لم يجن قتل
المسلم المتحرّز
|
إن طال لم
يملل وإن هي أوجزت
|
|
ودّ المحدّث
أنّها لم توجز
|
شرك العقول
ونزهة ما مثلها
|
|
للمطمئن
وعقلة المستوفز
|
فقد استقصى وصف
حديث هذه المحبوبة استقصاء تاما.
وفرّق المصري
بين هذا الفن الذي ابتدعه والتتميم والتكميل ، فقال : «والفرق بين الاستقصاء
والتتميم والتكميل كون التتميم يرد على معنى ناقص فيتم بعضه ، والتكميل يرد على
التام فيكمل وصفه ، والاستقصاء له مرتبة ثالثة فانه يرد على الكامل فيستوعب كل ما
تقع عليه الخواطر من لوازمه بحيث لا يترك لآخذه مجالا لاستحقاقه من هذه الجملة» .
وكان عبد
القاهر قد تحدث عن استقصاء التشبيه وقال : «ويشبه هذا الموضع في زيادة أحد
التشبيهين مع أنّ جنسهما واحد وتركيبهما على حقيقة واحدة بأنّ في أحدهما فضل
استقصاء ليس في الآخر قول ابن المعتز في الآذريون :
وطاف بها ساق
أديب بمبزل
|
|
كخنجر عيّار
صناعته الفتك
|
وحمّل
آذريونة فوق أذنه
|
|
ككأس عقيق في
قرارتها مسك
|
مع قوله :
مداهن من ذهب
|
|
فيها بقايا
غاليه
|
الأول ينقص عن
الثاني شيئا ، وذلك أنّ السواد الذي في باطن الآذريونة الموضوع بازاء الغالية
والمسك فيه أمران :
أحدهما : أنّه
ليس بشامل لها.
والثاني : أنّ
هذا السواد ليس صورته صورة الدرهم في قعرها.
أعني أنّه لم
يستدر هناك بل ارتفع من قعر الدائرة حتى أخذ شيئا من سمكها من كل الجهات وله في
منقطعه هيئة تشبه آثار الغالية في جوانب المدهن إذا كانت بقية بقيت عن الاصابع.
وقوله : «في قرارتها مسك» يبين الأمر الأول ويؤمن دخول النقص عليه كما كان يدخل لو
قال : «ككأس عقيق فيها مسك» ولم يشترط أن يكون في القرارة. وأما الثاني من الأمرين
فلا يدلّ عليه كما يدلّ قوله : «بقايا غالية» وذاك أنّ من شأن المسك والشيء اليابس
إذا حصل في شيء مستدير له قعر أن يستدير في القعر ولا يرتفع في الجوانب الارتفاع
الذي تراه في سواد الآذريونة ، وأما الغالية فهي رطبة ثم هي تؤخذ بالاصابع ، واذا
كان كذلك فلا بدّ في البقية منها من أن تكون قد ارتفعت عن القرارة وحصلت بصفة
شبيهة بذلك السواد ، ثم هي لنعومتها ترقّ فتكون كالصبغ الذي لا جرم له يملك المكان
وذلك أصدق للشبه» .
ونقل ابن
الأثير الحلبي والسيوطي تعريف المصري للاستقصاء وأمثلته ، وقال السبكي إنّه «قريب من مراعاة النظير» .
الاستلحاق :
وهو من باب
الأخذ والاستعانة ، وقد قرنه السابقون
__________________
بالاجتلاب ، وقد تقدم الكلام عليهما في «الاجتلاب».
الاستهلال :
استهلال
الابتداء ، يقال استهلّت السماء وذلك في أول مطرها ، واستهلّ الصبيّ بالبكاء : رفع
صوته وصاح عند الولادة .
والاستهلال أن
يبتدئ الشاعر أو الكاتب بما يدلّ على الغرض كقول الخنساء في أخيها صخر :
وما بلغت كفّ
امرئ متناول
|
|
من المجد إلا
والذي نلت أطول
|
وما بلغ
المهدون للناس مدحة
|
|
وإن أطنبوا
إلا الذي فيك أفضل
|
قال ابن الزملكاني
: «ويقرب من هذا الضرب ضرب يسمى التسهيم كقول البحتري :
وإذا حاربوا
أذلوا عزيزا
|
|
وإذا سالموا
أعزوا ذليلا
|
وكقوله :
فليس الذي
حلّلته بمحلّل
|
|
وليس الذي
حرّمته بحرام
|
فالشطر الأول
معرف بالشطر الثاني في البيتين ، سمي بذلك أخذا من البرد المسهّم الذي لا تفاوت
فيه وقد يسمى التوشيح» .
وهذه النظرة
الى الاستهلال أوسع من نظرة الآخرين الذين يرون أنّه البدء بالمطلع الدال على
المعنى. قال القرطاجني : «وتحسين الاستهلالات والمطالع من أحسن شيء في هذه الصناعة
إذ هي الطليعة الدالة على ما بعدها المتنزلة من القصيدة منزلة الوجه والغرة ، تزيد
النفس بحسنها ابتهاجا ونشاطا لتلقي ما بعدها إن كان بنسبة من ذلك ، وربما غطت
بحسنها على كثير من التخون الواقع بعدها إذا لم يتناصر الحسن فيما وليها» .
وقد تحدث
البلاغيون عن «الابتداء» و «براعة الاستهلال» ، و «الافتتاح» وكلها تتصل
بالاستهلال وجمال بداية الكلام إن كان مما يثير السامع ويحرك في نفسه كثيرا من
الكوامن.
الاستيعاب :
وعب الشيء وعبا
وأوعبه واستوعبه : أخذه أجمع ، والاستيعاب : الاستقصاء في كل شيء .
والاستيعاب : «أن
يتعلق بالكلام معنى له أقسام متعددة فيستوعبها في الذكر ويأتي عليها» . كقوله تعالى : (يَخْلُقُ ما يَشاءُ ،
يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ. أَوْ
يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً ، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً). فهذا التقسيم حاصر لا مزيد على حصره مع ما فيه من
البلاغة التي ليس وراءها غاية ، لأنّه في معنى : الناس على طبقاتهم واختلاف
أحوالهم على أربعة أصناف : فمنهم من له بنات لا غير ، ومنهم من له بنون ، ومنهم ذو
بنات وبنين ، ومنهم من هو عقيم لا ولد له من ابن أو بنت ، فهذه الآية الكريمة
مستوعبة بذلك كله.
ومنه قول بشار
:
فراح فريق في
الأسار ومثله
|
|
قتيل وقسم
لاذ بالبحر هاربه
|
فاستوعب أنواع
التنكيل وتفريق الشمل كأنّه قال :صاروا بين أسير ومقتول وهارب في البحار لعله
ينجو.
ومنه قول نصيب
:
__________________
فقال فريق
القوم لما سألتهم
|
|
نعم وفريق
أيمن الله لا ندري
|
فاستوعب جميع
نوعي الجواب في النفي والاثبات فلم يبق بعد ذلك شيء.
وهذا ما سماه
الآخرون «حسن التقسيم» و «التقسيم».
الإسجال :
أسجل الأمر :
أطلقه ، ومنه قول محمّد بن الحنفية ـ رحمة الله عليه ـ في قوله عزوجل : (هَلْ جَزاءُ
الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) قال : هي مسجلة للبر والفاجر ، يعني مرسلة مطلقة في
الإحسان إلى كلّ أحد لم يشترط فيها برّ دون فاجر. وأسجلت الكلام :أرسلته .
وسمّاه المصري
: «الاسجال بعد المغالطة» وهو من مبتدعاته ، وقد قال في تعريفه : «هو أن يقصد
الشاعر غرضا من ممدوح فيأتي بألفاظ تقرّر بلوغه ذلك الغرض فيسجّل عليه ذلك مثل أن
يشترط لبلوغه ذلك الغرض شرطا يلزم من وقوعه وقوع ذلك الغرض ثم يقرّر وقوع ذلك
الغرض مغالطة ليقع المشروط» .
وقد يقع
الإسجال لغير مغالطة ، والقسم الأوّل يأتي في الشّعر وغيره من كلام البشر ولا يقع
في الكتاب العزيز إلّا القسم الثاني وهو الإسجال بغير مغالطة ، كقوله تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى
رُسُلِكَ) ، وقوله : (رَبَّنا
وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ).
ومثال القسم
الأول وهو ما تقع فيه المغالطة قول الشاعر :
جاء الشّتاء
وما عندي لقرّته
|
|
إلّا ارتعادي
وتصفيقي بأسناني
|
فإن هلكت
فمولانا يكفّنني
|
|
هبني هلكت
فهبني بعض أكفاني
|
وقد تأتي
المغالطة بلا إسجال إذا أراد المتكلّم إخفاء مراده فسأل عن شيء وهو يريد غيره بشرط
أن يكون المسؤول عنه يتعلق بمراده تعلقا قريبا لطيفا ، كقول أبي نواس :
أسأل
القادمين من حكمان
|
|
كيف خلّفتم
أبا عثمان
|
فيقولون لي
جنان كما سرّ
|
|
ك من خالها
فسل عن جنان
|
ما لهم لا
يبارك الله فيهم
|
|
كيف لم يغن
عندهم كتماني
|
فانه سأل عن
أخي سيد جنان ـ وهو أبو عثمان الذي ذكره في البيت الأول ـ وانما أراد جنانا.
ونقل الاسجال
عن المصري المتأخرون كالحلبي والنويري ، ولم يخرجا على أمثلته القرآنية والشعرية ، وذلك لأنّه
أول من تحدث عنه وليس فيما سبقه من دراسات كلام على الاسجال.
الأسلوب الحكيم
:
عقد الجاحظ في «البيان
والتبيين» بابا سماه «اللغز والجواب» وقال : «قالوا كان الحطيئة يرعى غنما له وفي
يده عصا فمرّ به رجل فقال : يا راعي الغنم ما عندك؟ قال : عجراء من سلم ـ يعني
عصاه ـ قال :إني ضيف. قال الحطيئة : للضيفان أعددتها» .
وكان مثل هذا
الاسلوب يستعمل للتظرف أو
__________________
التخلص من إحراج السائل ، ولم يضع الجاحظ مصطلح «الأسلوب الحكيم» وانما قال
السكاكي وهو يتحدث عن التصريح والتلويح : «ولا كالاسلوب الحكيم وهو تلقي المخاطب
بغير ما يترقب» كما قال الشاعر :
أتت تشتكي
عندي مزاولة القرى
|
|
وقد رأت
الضيفان ينحون منزلي
|
فقلت كأني ما
سمعت كلامها
|
|
هم الضيف
جدّي في قراهم وعجّلي
|
أو السائل بغير
ما يتطلب كما قال الله ـ تعالى ـ :(يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْأَهِلَّةِ ، قُلْ : هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) ، قالوا : ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ثم
يتزايد قليلا حتى يمتلئ ويستوي ، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدا.
وهذان هما قسما
هذا الاسلوب ، أي : تلقي المخاطب بغير ما يترقب ، كالبيتين السابقين ، وتلقي
السائل بغير ما يتطلب كالآية الكريمة السابقة. ولهذا الاسلوب أثر في الكلام وقد
أوضحه السكاكي بقوله : «وإنّ هذا الاسلوب الحكيم لربما صادف المقام فحرّك من نشاط
السامع ، سلبه حكم الوقور وأبرزه في معرض المسحور. وهل ألان شكيمة الحجاج لذلك
الخارجي وسلّ سخيمته حتى آثر أن يحسن على أن يسيء غير أن سحره بهذا الاسلوب
إذ توعده الحجاج بالقيد في قوله : «لأحملنك على الأدهم» فقال متغابيا : «مثل
الأمير يحمل على الأدهم والأشهب» مبرزا وعيده في معرض الوعد ، متوصلا أن يريه
بألطف وجه أنّ امرء مثله في مسند الامرة المطاعة خليق بأن يصفد لا أن يصفد ، وأن
يعد لا أن يوعد» .
وقد أوضح
القزويني كلام السكاكي فقال : «ومن خلاف المقتضى ما سماه السكاكي الاسلوب الحكيم ،
وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيها على أنّه الأولى
بالقصد ، أو السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤالة منزلة غيره تنبيها على أنه الاولى
بحاله أو المهم له» ، وذكر أمثلته.
وسمّى عبد
القاهر هذا الفنّ «المغالطة» ، وذكر السيوطي المصطلحين أي مصطلح عبد القاهر ومصطلح السّكّاكي. وذكر
الحموي أنّ هذا الأسلوب هو «القول بالموجب» وليس الأمر كذلك وإن ذكر أحد شواهده وهو قصة القبعثرى
مع الحجاج ؛ لأنّ القول بالموجب فن آخر. وذهب الى ذلك كثير من البلاغيين كالمدني
الذي قال عن القول الموجب : «هو والاسلوب الحكيم رضيعا لبان وفرسا رهان حتى زعم
بعضهم أنّ أحدهما عين الآخر وليس كذلك» ثم قال : «هذا النوع ـ أعني القول بالموجب ـ يشترك هو
والاسلوب الحكيم في كون كل منهما من إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر ، ويفترقان
باعتبار الغاية. فان القول بالموجب غايته ردّ كلام المتكلم وعكس معناه ، والاسلوب
الحكيم هو تلقي المخاطب بغير ما يترقب بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيها على أنه
الأولى بالقصد أو السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيها على أنّه
الأولى بحاله أو المهم له» ، وذكر أمثلة الأسلوب الحكيم ليفرق بينه وبين القول
بالموجب.
__________________
الإسناد
الخبريّ :
الاسناد الخبري
: ضم كلمة أو ما يجري مجراها الى أخرى بحيث يفيد أنّ مفهوم إحداهما ثابت لمفهوم
الأخرى أو منفي عنه. وصدقه مطابقته للواقع وكذبه عدمها ، وقيل : صدقه مطابقته
للاعتقاد وكذبه عدمها .
وقد أقام عليه
البلاغيون المتأخرون مباحث الخبر وأغراضه وانواعه ، ولم يتحدثوا عن الاسناد الانشائي وقد علل السبكي ذلك
بقوله : «والذي عندي في ذلك أنّ حقيقة الاسناد في الانشاء لا يتحقق إلّا بتوسع
وذلك لأنّ الاسناد نسبة دائرة بين المنتسبين» . وهذا صحيح ، لأنّ الاسناد واحد وهو تعليق خبر بمخبر
عنه أو مسند بمسند اليه ، ولذلك يجري على الانشاء ، وكان القزويني قد قال : «ما
ذكرناه في الابواب الخمسة السابقة ليس كله مختصا بالخبر بل كثير منه حكم الانشاء
فيه حكم الخبر» .
الإسهاب :
أسهب الرجل :
أكثر الكلام فهو مسهب ـ بفتح الهاء ـ ولا يقال بكسرها وهو نادر. وقال أبو علي
البغدادي : رجل مسهب ـ بالفتح ـ إذا أكثر الكلام في الخطأ فان كان ذلك في صواب فهو
مسهب ـ بالكسر ـ لا غير .
قال الجاحظ : «قال
أبو الحسن قيل لا ياس : ما فيك عيب إلا كثرة الكلام. قال : فتسمعون صوابا أم خطأ؟
قالوا : لا بل
صوابا. قال : فالزيادة من الخير خير. وليس كما قال ، للكلام غاية ولنشاط السامعين
نهاية ، وما فضل على قدر الاحتمال ودعا الى الاستثقال والملال فذلك الفاضل هو
الهذر ، وهو الخطل ، وهو الاسهاب الذي سمعت الحكماء يعيبونه» . وذكر أنّهم كانوا يكرهون السلاطة والهذر والتكلف
والاسهاب والاكثار لما في ذلك من التزيّد والمباهاة . وذكر أنّ ناسا قالوا لابن عمر : ادع الله لنا بدعوات.
فقال : «اللهمّ ارحمنا وعافنا وارزقنا».
فقالوا : لو
زدتنا يا أبا عبد الرحمن. قال : نعوذ بالله من الاسهاب» .
ويتضح أنّ
الجاحظ يريد الاسهاب المتكلف ، أما الذي يوجبه المقام فذلك محمود ، قال : «فأما ما
ذكرتم من الاسهاب والتكلف والخطل والتزيد فانما يخرج الى الاسهاب المتكلف والى
الخطل المتزيد» ، وقال : «ووجدنا الناس إذا خطبوا في الصلح بين العشائر
أطالوا ، واذا أنشدوا بين السماطين في مديح الملوك أطالوا ، وللاطالة موضع وليس
ذلك بخطل ، وللاقلال موضع وليس ذلك من عجز» .
وهذا ما ذهب
اليه ابن منقذ حينما تحدث عن الاسهاب والاطناب والاختصار والاقتصار ، وقال : «اعلم
أنّ كل واحد من هذه الأقسام له موضع يأتي فيه فيحمد ، فان أتى في غيره لم يحمد.
فان كان في الترغيب والترهيب والاصلاح بين العشائر والاعذار والانذار الى الأعداء
والعساكر وما أشبه ذلك فيستحب فيه التطويل والشرح ، وأما غير
__________________
ذلك فيستحب فيه الاختصار والاقتصار ، وقد أتى الكتاب العزيز بهما جميعا ،
وذلك لما يصلح بالمكانين ، وقد مدحت العرب التطويل والتقصير فقالوا :
يرمون الخطب
الطوال وتارة
|
|
يومون مثل
تلاحظ الرقباء
|
ومدح بعضهم خطيبا
فقال :
إذا هو أطنب
في خطبة
|
|
قضى للمطيل
على المقصر
|
وإن هو أوجز
في خطبة
|
|
قضى للمقلّ
على المكثر
|
وعرّفه الكلاعي
تعريفا بديعا فقال إنّه «ما رفل ثوب لفظه على جسده معناه» ثم قال : «موطن الاسهاب ما يكتب به الى عامة وتقرع به
آذان جماعة كالصلح بين العشائر والتحضيض على الحرب والتحذير من المعصية والترغيب
في الطاعة وغير ذلك مما له بال. فحينئذ يجب على الكاتب ان يبدئ ويعيد ويحذر
بالتكرير وينذر بالترديد» . وهذا ما قاله الجاحظ وابن منقذ من قبل.
الإشارة :
هي الايماء عند
المتقدمين لأنّ الاشارة هي الايماء يقال : أشار اليه باليد أي أومأ ، وأشار الرجل
يشير إشارة إذا أومأ بيديه ، ويقال : شوّرت اليه بيدي وأشرت اليه :
اي لوّحت اليه .
وعدّ الجاحظ
الاشارة من أصناف الدلالات على المعاني ، لكنه لا يريد بها المعنى البلاغي الذي ذكره قدامة في
باب «ائتلاف اللفظ والمعنى» وقال «هو أن يكون اللفظ القليل مشتملا على معان كثيرة
بايماء أو لمحة تدلّ عليها كما قال بعضهم وقد وصف البلاغة فقال : هي لمحة دالّة» ، وذلك مثل قول امرئ القيس :
فان تهلك
شنوءة أو تبدّل
|
|
فسيري إنّ في
غسّان خالا
|
بعزهم عززت
وإن يذلوا
|
|
فذلّهم أنالك
ما أنالا
|
فبنية هذا
الشعر على أنّ ألفاظه مع قصرها قد أشير بها الى معان طوال فمن ذلك قوله : «تهلك»
أو «تبدل» ، ومنه قوله : إنّ في غسّان خالا» ، ومنه ما تحته معان كثيرة وشرح طويل
وهو : «أنا لك ما أنالا».
وذكرها الجاحظ
مرة أخرى بهذا المعنى وربطها بالوحي والحذف وقال : «ورأينا الله ـ تبارك وتعالى ـ إذا
خاطب العرب والأعراب أخرج الكلام مخرج الاشارة والوحي والحذف ، واذا خاطب بني
اسرائيل أو حكى عنهم جعله مبسوطا وزاد في الكلام» .
والى ذلك ذهب
العسكري وذكر البيتين السابقين.
وفعل مثله
الباقلاني ، وقال ابن رشيق : «والاشارة من غرائب الشعر وملامحه ،
وبلاغته عجيبة تدل على بعد المرمى وفرط المقدرة وليس يأتي بها إلا الشاعر المبرّز
والحاذق الماهر ، وهي في كل نوع من الكلام لمحة دالة واختصار وتلويح يعرف مجملا
ومعناه بعيد من ظاهر لفظه» . وعدّ من أنواع الاشارة التفخيم ، والايماء ، والتعريض
، والتلويح ، والكناية ، والتمثيل ، والرمز ، واللمحة ، واللغز ، واللحن ،
والتعمية ، والحذف ، والتورية. وفعل مثل ذلك ابن سنان
__________________
والتبريزي والبغدادي والمظفر العلوي والحلبي والنويري . وقال عبد القاهر : «كذلك إثباتك الصفة للشيء تثبتها له
إذا لم تلقه الى السامع صريحا وجئت اليه من جانب التعريض والكناية والرمز والاشارة
، وكان له من الفضل والمزية ومن الحسن والرونق مالا يقل قليله ولا يجهل موضع الفضل
فيه» .
وقال المصري : «من
الاشارة نوع يقال له اللحن والوحي ، وهو يجمع العبارة والاشارة ببعد لا يفهم طريقه
إلا ذو فهم ، كما قال الشاعر :
ولقد وحيت
لكم لكيما تفطنوا
|
|
ولحنت لحنا
ليس بالمرتاب
|
وقال ابن قيم
الجوزية : «الاشارة أن تطلق لفظا جليا تريد به معنى خفيا ، وذلك من ملح الكلام
وجواهر النثر والنظام» . وأدخل في هذا الفن بعض أمثلة الكناية ، وذلك لأنّه
قسّم الاشارة الى أربعة أقسام :
الاول : هو ما
عرف به.
الثاني : أن
يكون اللفظ القليل مشتملا على المعنى الكبير.
الثالث :
المعميات والالغاز.
الرابع :
التورية.
وقال : «إنّ
الإشارة في الحسن والكناية في القبيح» ، وهذا هو الفرق بين الفنين عنده. وهذا التقسيم عودة
الى تقسيم السكاكي للكناية الى تعريض وتلويح ورمز وايماء واشارة ، وكأنّ الاشارة جزء من الكناية ، وإن كانت عبارة عبد
القاهر : «وجئت اليه من جانب التعريض والكناية والرمز والاشارة» توحي بان كل فن من
هذه الفنون قائم بنفسه.
ونقل السبكي
تعريف قدامة وقال إنّها من الايجاز ، وذهب الى ذلك السيوطي وقال إنّها إيجاز القصر بعينه . وفرّق المصري بينهما وقال إنّ دلالة اللفظ في الايجاز
دلالة مطابقة ، ودلالة اللفظ في الاشارة إما دلالة تضمن أو دلالة التزام ، أي أنّ الإشارة كالكناية وليست كالإيجاز.
ولم يخرج
المتأخرون كالمدني عما بدأه قدامة بل أرجع الاشارة اليه وذكر أنّها من
مستخرجاته ، ولا تكاد أمثلته تخرج على أمثلة السابقين.
ومن أمثلة
الاشارة قوله تعالى : (وَغِيضَ الْماءُ) ، فان ذلك يشير الى انقطاع مادة الماء من نبع الأرض
ومطر السماء ولو لا ذلك لما غاض.
ومنه قوله : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ
قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) ، فقد أشارت لفظة الأمر الى ابتداء نبوة موسى ـ عليهالسلام ـ وخطاب الله له ، واعطائه الآيات البينات من إلقاء
العصا لتصير ثعبانا وإخراج يده بيضاء وإرساله الى فرعون وسؤاله شدّ عضده بأخيه
هارون الى جميع ما جرى في ذلك المقام. وقوله
__________________
تعالى : (فِيها ما تَشْتَهِيهِ
الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) فألمح الى كل ما تميل النفوس اليه من الشهوات وتلتذه
الأعين من المرئيات.
ومنه قول زهير
:
فاني لو
لقيتك واتّجهنا
|
|
لكان لكل
منكرة كفاء
|
أي : قابلت كل
منكرة بكفئها.
ومن أمثلة
الوحي والاشارة بضرب من الاستعارة قول يزيد بن الوليد لمروان بن محمد وقد بلغه عنه
تلكؤه عن بيعته : «أراك تقدّم رجلا وتؤخر أخرى فاذا قرأت كتابي هذا فاقعد على
أيهما شئت».
الإشباع :
أشبع الثوب
وغيره : روّاه صبغا ، وقد يستعمل في غير الجواهر على المثل كاشباع النفخ والقراءة
وسائر اللفظ ، وكل شي توفره فقد أشبعته حتى الكلام يشبع فتوفر حروفه .
والاشباع في
القوافي هو إشباع حركة الحرف بين ألف التأسيس وحرف الروي ككسرة الصاد من قوله :
كليني لهم يا
أميمة ناصب
|
|
وليل أقاسيه
بطيء الكواكب
|
وقيل : إنّما
ذلك إذا كان الروي ساكنا ككسرة الجيم من قوله :
كنعاج وجرة ساقهنّ الى ظلال الصيف ناجر
وقيل : الاشباع
اختلاف تلك الحركة اذا كان الروي مقيدا كقول الحطيئة :
الواهب
المائة الصفا
|
|
يا فوقها وبر
مظاهر
|
وقال الأخفش :
الاشباع حركة الحرف الذي بين التأسيس والروي المطلق .
ولكن الغانمي
قال عنه : «هو أن يأتي الشاعر بالبيت معلق القافية على آخر أجزائه ولا يكاد يفعل
ذلك إلّا حذاق الشعراء ، وذلك أنّ الشاعر اذا كان بارعا جلب بقدرته وذكائه وفطنته
الى البيت وقد تمت معانيه واستغنى عن الزيادة فيه قافية متممة لأعاريضه ووزنه
فجعلها نعتا للمذكور» ، وذلك كقول ذي الرمة :
قف العيس في
أطلال ميّة فاسأل
|
|
رسوما كأخلاق
الرداء المسلسل
|
وعلق ابن
الأثير على ذلك بعد أن أشار الى التبليغ بقوله : «والبابان المذكوران سواء لا فرق
بينهما بحال ، والدليل على ذلك أنّ بيت امرئ القيس يتم معناه قبل أن يؤتى بقافيته
وكذلك بيت ذي الرمة ، ألا ترى أن امرأ القيس لما قال :
كأنّ عيون
الوحش حول خبائنا
|
|
وأرحلنا
الجزع ...
|
أتى بالتشبيه
قبل القافية ولما احتاج اليها جاء بزيادة حسنة وهي قوله : «لم يثقّب» وهكذا ذو
الرمة فانه لما قال :
قف العيس في
أطلال ميّة فاسأل
|
|
رسوما كأخلاق
الرداء ...
|
أتى بالتشبيه
أيضا قبل أن يأتي بالقافية ، ولما احتاج اليها جاء بزيادة حسنة وهي قوله : «المسلسل».
واعلم أنّ أبا هلال قد سمى هذين القسمين بعينهما الايغال»
وكان أبو هلال
العسكري قد نقل ذلك عن الاصمعي ، قال : «وأخبرنا أبو أحمد ، قال : أخبرنا الصولي
عن المبرد عن التوّزي قال : قلت للأصمعي :من أشعر الناس؟ فقال : من يأتي بالمعنى
الخسيس
__________________
فيجعله بلفظه كبيرا ، أو الكبير فيجعله بلفظة خسيسا ، أو ينقضي كلامه قبل
القافية فإذا احتاج اليها أفاد بها معنى» ، وذكر بيتي امرئ القيس وذي الرمة. وكأن الاشباع هنا
اشباع المعنى وان كان كاملا.
الاشتراك :
الشركة مخالطة
الشريكين ، يقال : اشتركنا بمعنى تشاركنا ، وقد اشترك الرجلان وتشاركا وشارك
أحدهما الآخر ، والشريك المشارك ، وطريق مشترك : يستوي فيه الناس ، واسم مشترك
تشترك فيه معان كثيرة .
والاشتراك أو
المشاركة عدة أنواع : منها ما يكون في اللفظ ، ومنها ما يكون في المعنى. فالذي
يكون في اللفظ ثلاثة أشياء :
الأول : أن
يكون اللفظان راجعين الى حدّ واحد ومأخوذين من حدّ واحد ، وذلك اشتراك محمود وهو
التجنيس .
الثاني : أن
يكون اللفظ يحتمل تأويلين أحدهما يلائم المعنى والآخر لا يلائمه ولا دليل فيه على
المراد كقول الفرزدق :
وما مثله في
الناس إلّا مملّكا
|
|
أبو أمه حيّ
أبوه يقاربه
|
فقوله : «حي»
يحتمل القبيلة ويحتمل الواحد الحي ، وهذا الاشتراك مذموم ، والمليح الذي يحفظ
لكثيّر في قوله يشبب :
لعمري لقد
حبّبت كلّ قصيرة
|
|
اليّ وما
تدري بذاك القصائر
|
عنيت قصيرات
الحجال ولم أرد
|
|
قصار الخطى
شرّ النساء البحاتر
|
فانه لما أحسّ
بالاشتراك نفاه وأعرب عن معناه الذي نحا اليه.
الثالث : ليس
من هذا في شيء ، وهو سائر الألفاظ المبتذلة للتكلم بها ، ولا يسمى تناولها سرقة
ولا تداولها اتباعا ؛ لأنّها مشتركة لا أحد من الناس أولى بها من الآخر فهي مباحة
غير محظورة إلّا أن تدخلها استعارة أو تصحبها قرينة تحدث فيها معنى أو تفيد فائدة
فهناك يتميز الناس ويسقط اسم الاشتراك الذي يقوم به العذر. قال الحاتمي عن
الاشتراك في اللفظ : «وقد اعتبر قوم هذا سرقا ، وليس بسرق وإنّما هي ألفاظ مشتركة
محصورة يضطر الى المواردة فيها إذا اعتمد الشاعر القول في معناه. ومثال ذلك قول
المنخّل بن سبيع العنبري :
ألا قد أرى
والله أن لست منكم
|
|
وأن لستم مني
وإن كنتم أهلي
|
وقول الآخر :
ألا قد أرى
والله أنّي ميّت
|
|
ونخل مقيم
سدرها أو بسالها
|
ومما يعتمده
قوم سرقا وليس بسرق وأنما هو اشتراك في اللفظ قول عنترة :
ألا قاتل
الله النوى كيف أصبحت
|
|
ألحّ عليها
يابثين صريرها
|
وقول جميل :
ألا قاتل
الله النوى كيف أصبحت
|
|
ألحّ عليها
يابثين صريرها
|
والاشتراك في
المعاني نوعان :
الأول : أن
يشترك المعنيان وتختلف العبارة عنهما فيتباعد اللفظان وذلك هو الجيد المستحسن.
__________________
الثاني : وهو
على ضربين :
أحدهما : ما
يوجد في الطباع من تشبيه الجاهل وبالثور والحمار ؛ والحسن بالشمس والقمر.
والاخر : ضرب
كان مخترعا ثم كثر حتى استوى فيه الناس وتواطأ عليه الشعراء آخرا عن أول .
ولم يخرج
البلاغيون عما تقدم مما ذكره ابن رشيق والحاتمي فقد قسمه المصري الى معنوي ولفظي ،
وفرّق بين الاشتراك اللفظي والإيضاح بقوله : «إنّ الاشتراك في الالفاظ والايضاح في
المعاني» .
وتبعهم الحلبي
والنويري والسيوطي وسماه الحموي والمدني «المشاركة» ولخصا كلام السابقين.
الاشتغال :
الاشتغال من
اشتغل واشتغل فلان بأمره فهو مشتغل . والاشتغال عند النحاة هو «أن يسبق اسم عاملا مشتغلا
عنه بضميره ، أو ملابسه لو تفرغ له هو أو مناسبه لنصبه لفظا أو محلا فيضمر للاسم
السابق عند نصبه عامل مناسب للعامل الظاهر مفسر به» .
ولا يريد
البلاغيون ذلك وأنما نظروا اليه من حيث المعنى فقال الزركشي : «إن الشيء اذا أضمر
ثم فسر كان أفخم مما اذا لم يتقدم اضمار. ألا ترى أنّك تجد اهتزازا في قوله تعالى
: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) وفي قوله : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ
تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) ونظائره. فهذه فائدة اشتغال الفعل عن المفعول بضميره» .
الاشتقاق :
اشتقاق الشيء :
بنيانه من المرتجل واشتقاق الكلام : الأخذ فيه يمينا وشمالا واشتقاق الحرف من
الحرف : أخذه منه . والاشتقاق : «نزع لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معنى
وتركيبا ومغايرتهما في الصيغة» . وقسموا الانشقاق الى :
١ ـ الاشتقاق
الصغير : وهو أن يكون بين اللفظين تناسب في الحروف والترتيب نحو «ضرب» من الضرب.
٢ ـ الاشتقاق
الكبير : وهو أن يكون اللفظين تناسب في اللفظ والمعنى دون الترتيب نحو «جبذ» من
الجذب.
٣ ـ الاشتقاق
الاكبر : وهو أن يكون بين اللفظين تناسب في المخرج نحو «نعق» من النهق .
وذكر الحموي
والسيوطي والمدني أنّ الاشتقاق بمعناه البلاغي من مستخرجات أبي هلال
العسكري وليس في كتاب الصناعتين هذا المصطلح وأنما هناك «المشتق» الذي قال عنه
العسكري في آخر أنواع البديع : «وقد عرض لي بعد نظم هذه الأنواع آخر لم يذكره أحد
وسميته المشتق وهو وجهين : فوجه منهما أن يشتق اللفظ من اللفظ ، والآخر أن يشتق
المعنى من اللفظ. فاشتقاق اللفظ من اللفظ هو مثل قول الشاعر في رجل يقال له ينخاب
:
__________________
وكيف ينجح من
نصف اسمه خابا وقلت في البانياس :
في البانياس
إذا أوطئت ساحتها
|
|
خوف وحيف
واقلاس وافلاس
|
وكيف يطمع في
أمن وفي دعة
|
|
من حلّ في
بلد نصف اسمه ياس
|
واشتقاق المعنى
من اللفظ مثل قول أبي العتاهية :
حلقت لحية
موسى باسمه
|
|
وبهارون إذا
ما قلبا
|
وقال ابن دريد
:
لو أوحي
النحو الى نفطويه
|
|
ما كان هذا
النحو يقرا عليه
|
أحرقه الله
بنصف اسمه
|
|
وصيّر الباقي
صراخا عليه
|
ونقل الحموي
هذا الكلام وقال : «وهذا النوع ما ذكره القاضي جلال الدين في التلخيص ولا في
الايضاح ولا ذكره الشهاب محمود في حسن التوسل ولا نظمه العميان ولا غيرهم من أصحاب
البديعيات غير الشيخ صفي الدين الحلي ».
ونظمه المدني
بعد ذلك فقال :
لم تبق بدر
لهم بدرا وفي أحد
|
|
لم يبق من
أحد عند اشتقاقهم
|
وذكر تعريف
العسكري وبعض أمثلته .
هذا هو الفن
الذي سماه العسكري «المشتق» وسماه الحموي والمدني «الاشتقاق» غير أن الاشتقاق عند
البلاغيين غير ذلك ، فهو المشتق عند البغدادي مثل قول خالد بن صفوان العبدي : «هشمتك
هاشم وأمتك أمية وخزمتك مخزوم» . وعند الوطواط : «أن يورد الكاتب أو الشاعر في نثره أو
نظمه الفاظا متقاربة الحروف في النطق» وعند الرازي أن تجيء بألفاظ يجمعها أصل واحد في اللغة» . كقوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ
الْقَيِّمِ) ، وهو من التجنيس عند ابن الاثير .
وعقد له ابن
الزملكاني فصلا مستقلا عن التجنيس وقال : «الاشتقاق هو أن تأتي بألفاظ يجمعها أصل
واحد ويكون معناه مشتركا كما أنّ حروفه الأصول مشتركة فتزيد على معنى الأصل تغاير
اللفظتين بوجه» . كقوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ
لِلدِّينِ الْقَيِّمِ). وقال : «ومما يشبه المشتق وليس بمشتق قوله سبحانه
وتعالى : (وَجَنَى
الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) ، وان أصل كل واحد من الكلمتين غير أصل الأخرى فـ «جنى»
من «جنى الشيء يجنيه» إذا قطعه و «الجنة» من «جنّة الله إذا ستره» .
وربط التنوخي
بين هذا الاشتقاق واشتقاق أهل النحو وقال : «ومن البيان ما يستند الى الاشتقاق
المعروف عند أهل النحو» .
وسماه بعضهم «الاقتضاب»
وقال ابن الجوزية : «هو من باب التجنيس وإن عدّ أصلا برأسه
__________________
وهو أن يجيء بألفاظ يجمعها أصل واحد في اللغة» . كالآية السابقة وكقول أبي تمام :
عممت الخلق
من نعماك حتى
|
|
غدا الثقلان
منها مثقلين
|
ثم قال : «هذا
الباب أولى بأن يكون من أجناس التجنيس» وهو ما ذهب اليه ابن الاثير قبل ذلك.
الإشراف :
يقال : أشرف لك
الشيء : أمكنك وشارف الشيء دنا منه وقارب أن يظفر به . وقال ابن شيث القرشي : «هو أن ينظر الى القافية فيشرف
عليها بخاطره ويبني الأمر عليها فانّ ذلك أهون عليه فيما يكتبه ولا يدور على
القافية فيطول عليه الكلام فكأنها وإن كانت آخر الكلام مبتدؤه في النفس وهو قول
بعضهم «أول الفكرة آخر العمل» .
إصابة المقدار
:
يقال : أصاب أي
جاء بالصواب وأصاب السهم القرطاس إذا لم يخطئ وذكره الجاحظ فقال : «قال طرفة في المقدار واصابته :
فسقى ديارك ـ
غير مفسدها ـ
|
|
صوب الغمام
وديمة تهمي
|
طلب الغيث على
قدر الحاجة لأنّ الفاضل ضار» .
وسماه ابن
المعتز «الاعتراض» وقال عنه : «ومن محاسن الكلام أيضا والشعر اعتراض كلام في كلام
لم يتم معناه ثم يعود اليه فيتممه في بيت واحد كقول كثيّر :
لو انّ
الباخلين ـ وأنت منهم ـ
|
|
رأوك تعلّموا
منك المطالا
|
وسماه الحموي «الاحتراس»
وذكر بيت طرفة السابق ، وتسمية الجاحظ طريفة لأنّها تدلّ على المعنى دلالة
واضحة.
الاصطراف :
الصّرف : ردّ
الشيء عن وجهه والصّرف : التّقلّب والحيلة ، يقال : فلان يصرف ويتصرّف ويصطرف
لعياله أي يكتسب لهم واصطرف في طلب الكسب ، قال العجّاج :
قد يكسب
المال الهدان الجافي
|
|
بغير ماعصف
ولا اصطراف
|
وقال الحاتمي :
«الاصطراف هو صرف الشاعر الى أبياته وقصيدته بيتا أو بيتين أو ثلاثة لغيره فيضيفها
الى نفسه ويصرفها عن قائلها وكان كثيّر كثيرا ما يصطرف شعر جميل الى نفسه ويهتدمه»
.
وقال ابن رشيق
: «الاصطراف أن يعجب الشاعر ببيت من الشعر فيصرفه الى نفسه فان صرفه اليه على جهة
المثل فهو اجتلاب واستلحاق ، وإن ادّعاه جملة فهو انتحال ... أما الاصطراف فيقع من
الشعر على نوعين :
أحدهما :
الاجتلاب ، وهو الاستلحاق أيضا.
والآخر :
الانتحال.
فأما الاجتلاب
فنحو قول النابغة الذبياني :
وصهباء لا
تخفي القذى وهو دونها
|
|
تصفّق في
راووقها حين تقطب
|
تمززّتها
والديك يدعو صباحه إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا فاستلحق البيت الأخير فقال :
واجانة ريّا
السرور كأنها
|
|
اذا غمست
فيها الزجاجة كوكب
|
__________________
تمززّتها
والديك يدعو صباحه
|
|
اذا ما بنو
نعش دنوا فتصوّبوا
|
وربما اجتلب
الشاعر البيتين فلا يكون في ذلك بأس كما قال عمرو ذو الطوق :
صددت الكأس عنا
أمّ عمرو
|
|
وكان الكأس
مجراها اليمينا
|
وما شرّ
الثلاثة أمّ عمرو
|
|
بصاحبك الذي
لا تصبحينا
|
فاستلحقهما
عمرو بن كلثوم فهما في قصيدته ، وكان أبو عمرو بن العلاء وغيره لا يرون ذلك عيبا.
والانتحال
عندهم قول جرير :
إنّ الذين
غدوا بلبك غادروا
|
|
وشلا بعينك
لا يزال معينا
|
غيّضن من
عبراتهن وقلن لي
|
|
ماذا لقيت من
الهوى ولقينا
|
فان الرواة
مجمعون على أنّ البيتين للمعلوط السعدي انتحلهما جرير . وكان الحاتمي قد عني بهذا الفن وذكر أنّ كثيّر عزّة
كان كثيرا ما يصطرف شعر جميل الى نفسه ويهتدمه وقال : «وأذكر هنا قدرا من اصطرف
غيره يستدل به على معنى الاصطراف. أخبرنا أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري عن
الدمشقي قال : أخبرنا الزبير بن بكار قال أخبرنا عمر بن أبي بكر الموصلي عن عبد
الله بن أبي عبيدة أنّ كثيرا أنشده قصيدته التي يقول فيها :
اذا الغرّ من
نوء الثريا تجاوبت
|
|
حمينا بأجواز
الفلاة قطارها
|
فمرّ في هذه
القصيدة على أبي ذؤيب الهذلي في قصيدته التي أولها :
وما الدهر
إلا ليلة ونهارها
|
|
وإلا طلوع
الشمس ثم غيارها
|
فأخذ منها
بيتين وهما :
وعيّرها
الواشون أنّي أحبها
|
|
وتلك وشاة
طائر عنك عارها
|
وإن اعتذر
منها فأني مكذّب
|
|
وإن تعتذر
يردد عليك اعتذارها
|
فاستضافهما
جميعا واصطرفهما ...
ومن الاصطراف
ما أخبرنا به أبو محمد عبد الله بن جعفر قال : أخبرنا المبرد عن المازني قال : قال
جرير :
لو شئت قد
نقع الفؤاد بمشرب
|
|
يدع الحوائم
لا يجدن غليلا
|
من ماء ذي
رصف القلاة ممنع
|
|
قطن الأباطح
ما يزال ظليلا
|
فقال المهرول
العامري ، واصطرف الأول واهتدم الثاني :
لو شئت قد
نقع الفؤاد بمشرب
|
|
يدع الحوائم
لا يجدن غليلا
|
من ماء ذي
رصف الفلاة ممنع
|
|
يعلو أشم على
الجبال طويلا
|
الاصطلام :
الاصطلام من
قولهم : اصطلم من الصلم وهو القطع . قال السجلماسي : «هو قول مركب من أجزاء فيه مشتملة
بجملتها على مضمون تنقص عنه بطرح جزء منها هو عمدة أو في حكم العمدة في الاقتران
لافادة ذلك المضمون» وهو نوعان :الاكتفاء ، والحذف المقابلي. وسيأتي
الاكتفاء ، اما الحذف المقابلي فهو «الاحتباك» وقد تقدم.
__________________
الإضمار :
الضمير : السرّ
وداخل الخاطر ، والضمير : الشيء الذي تضمره في قلبك وأضمرت الشيء : أخفيته ، وهو
مضمر وضمار .
وللضمائر
جانبان : أحدهما يتعلق بجانب الاعراب ، والآخر يتعلق بجانب المعاني.
والثاني هو
الذي يتحدث عنه البلاغيون ، وقد قالوا إنّ ضمير الشأن والقصة كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، وقوله : (فَإِنَّها لا تَعْمَى
الْأَبْصارُ). إنّما يرد على جهة المبالغة في تعظيم تلك القصة وتفخيم
شأنها وتحصيل البلاغة فيه من جهة اضماره أولا وتفسيره ثانيا ؛ لأنّ الشيء اذا كان
مبهما فالنفوس متطلعة الى فهمه ولها تشوق اليه فلأجل هذا حصلت فيه البلاغة ، ولأجل
ما فيه من الاختصاص والابهام لا يكاد يرد إلّا في المواضع البليغة المختصة
بالفخامة ومثل ذلك الضمير في «نعم» و «بئس» فهو إنّما اضمر على جهة المبالغة في
المدح والذم وهو من الباب الذي ابهم ثم فسّر ، فتوجّه البلاغة فيه من حيث كان
مبهما فكان للافئدة تطلع الى فهمه وللقلوب تعلق به ولها غرام بايضاحه.
ومثل ذلك
الضمير المتوسط بين المبتدأ والخبر وعواملهما وهو العماد أو الفصل كقوله تعالى : (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) وقوله : (إِنْ تَرَنِ أَنَا
أَقَلَ) ، وقوله : (وَلكِنْ كانُوا هُمُ
الظَّالِمِينَ).
ووروده من أجل
التأكيد المعنوي وفيه دلالة على الاختصاص ، فقوله تعالى : (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) ورد الضمير على هذه الصيغة للتأكيد لأنّ الكلام مع
ذكرها أبلغ ولو قيل «والكافرون الظالمون» باسقاط الضمير لكان هناك فرق بين
الحالتين في التأكيد وعدمه وهي مفيدة للإختصاص أي أنّهم لكفرهم اختصوا بمزيد الظلم
الفاحش. وقوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ
الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا*) فيه دلالة على مزيد اختصاصهم بالايمان واستحقاقهم
لصنعته من بين سائر الخلق فيؤخذ الاختصاص والتأكيد في هذا الضمير .
الإضمار على
شريطة التّفسير :
ومن الإضمار ما
يسمّى «الإضمار على شريطة التّفسير» وذلك مثل قولهم : «أكرمني وأكرمت عبد الله» أي
: أكرمني عبد الله وأكرمت عبد الله ، ثم ترك ذكره استغناء بذكره في الثاني. ومما
يشبه ذلك مجيء المشيئة بعد «لو» وبعد حرف الجزاء موقوفة معداة الى شيء كقوله تعالى
: (وَلَوْ شاءَ اللهُ
لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) والتقدير : ولو شاء الله أن يجمعهم على الهدى لجمعهم ،
إلا أنّ البلاغة في الحذف.
ومتى كان مفعول
المشيئة أمرا عظيما أو بديعا غريبا كان الأولى ذكره والا فالحذف أولى ، مثال الأول
قوله :
ولو شئت أن
أبكي دما لبكيته
|
|
عليه ولكن
ساحة الصّبر أوسع
|
لما كانت مشيئة
الانسان أن يبكي دما أمرا عظيما عجيبا كان الأولى التصريح به. ومثال الثاني قوله
تعالى : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ
يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ).
وقد تترك
الكناية الى التصريح لما فيه من زيادة الفخامة كقول البحتري :
__________________
قد طلبنا فلم
نجد لك في السؤ
|
|
دد والمجد
والمكارم مثلا
|
المعنى : قد
طلبنا لك مثلا ، ثم حذف لأنّ هذا المدح إنّما يتم بنفي المثل فلو قال : قد طلبنا
لك مثلا في السؤدد والمجد فلم نجده لكان قد أوقع نفي الوجود على ضمير المثل فانّ
الكناية لا تبلغ مبلغ التصريح ولهذا لو قيل : «وبالحق أنزلناه وبه نزل» و «قل هو
الله أحد وهو الصمد» لذهبت الفخامة التي في قوله تعالى :(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ
نَزَلَ) ، وقوله : (قُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ). وعلى ذلك قول الشاعر :
لا أرى الموت
يسبق الموت شيء
|
|
نغّص الموت
ذا الغنى والفقيرا
|
الإطالة :
يقال : طال
الشيء طولا وأطلته إطالة أي حددته وجعلته طويلا . وكان بعض البلغاء لا يميلون الى الاطالة بل كان بعضهم
لا يكاد يتكلم كعمرو ابن عبيد الذي قال الجاحظ عنه : «كان عمرو بن عبيد لا يكاد
يتكلم فاذا تكلم لم يكد يطيل. وكان يقول : لا خير في المتكلم إذا كان كلامه لمن
شهده دون نفسه ، وإذا طال الكلام عرضت للمتكلم أسباب التكلف ، ولا خير في شيء
يأتيك به التكلف» وذكر ابن جني أنّ «الاطالة والايجاز جميعا انما هما في
كل كلام مفيد مستقل بنفسه» . فالاطالة لها مقتضاها وللايجاز مقتضاه في الكلام ،
ولكنّ بعضهم حدد موقف الاطالة فقال شبيب ابن شيبة : «فاذا ابتليت بمقام لا بدّ لك
فيه من الاطالة فقدّم إحكام البلوغ في طلب السلامة من الخطل قبل التقدم في إحكام
البلوغ في شرف التجويد. وإياك أن تعدل بالسلامة شيئا فان قليلا كافيا خير من كثير
غير شاف» . وتحدث ابن المقفع عن الاطالة فقد قيل له : «فان ملّ
السامع الاطالة التي ذكرت أنّها حقّ ذلك الموقف»؟. قال : «اذا اعطيت كل مقال حقه
وقمت بالذي يجب من سياسة ذلك المقام وأرضيت من يعرف حقوق الكلام فلا تهتم لما فاتك
من رضى الحاسد والعدو فانه لا يرضيهما شيء. وأما الجاهل فلست منه وليس منك ، ورضى
جميع الناس شيء لا تناله ، وقد كان يقال :رضى الناس شيء لا ينال» .
الاطّراد :
الاطّراد مصدر
اطّرد الشيء : إذا تبع بعضه بعضا وجرى ، والأنهار تطّرد أي : تجري ، وبعير مطرد :
وهو المتتابع في سيره ولا يكبو ، واطّرد الأمر : استقام ، واطردت الأشياء : اذا
تبع بعضها بعضا ، واطرد الكلام : إذا تتابع .
قال ابن رشيق :
«ومن حسن الصنعة أن تطرد الاسماء من غير كلفة ولا حشو فارغ فانها إذا اطردت دلت
على قوة طبع الشاعر وقلة كلفته ومبالاته بالشعر» ، كقول الأعشى :
أقيس بن
مسعود بن قيس بن خالد
|
|
وأنت امرؤ
ترجو شبابك وائل
|
__________________
فأتى كالماء
الجاري اطرادا وقلة كلفة وبين النسب حتى أخرجه عن مواضع اللبس والشبهة.
ومما تعسف فيه
المتنبي قوله لسيف الدولة الحمداني :
فأنت أبو
الهيجا ابن حمدون يا ابنه
|
|
تشابه مولود
كريم ووالد
|
وحمدان حمدون
وحمدون حارث
|
|
وحارث لقمان
ولقمان راشد
|
قال ابن رشيق :
«ففي هذا المعنى من التقصير أنّه في بيتين وأنّه جعلهم أنياب الخلافة بقوله :
أولئك أنياب
الخلافة كلّها
|
|
وسائر أملاك
البلاد الزوائد
|
وهم سبعة
بالممدوح والأنياب في المتعارف أربعة إلا أن تكون الخلافة تمساح نيل أو كلب بحر ،
فان أنياب كل واحد منهما ثمانية. اللهم إلا أن يريد أنّ كل واحد منهم ناب الخلافة
في زمانه خاصة فانه يصح. وفيه من الزيادة على ما قبله أنه زاد واحدا في العدد
فانّه جعل كل ابن هو أبوه في الخلافة الى أن بلغ راشدا ولم يقصد الى ذلك أحد من
أصحابه وانما مقت شعره هذا تكريره كل اسم مرتين في بيت واحد وهي أربعة أسماء» .
وقال المصري عن
الاطراد : «هو أن تطرد للشاعر أسماء متتالية يزيد الممدوح بها تعريفا لأنّها لا
تكون إلا أسماء آبائه تأتي منسوبة صحيحة التسلسل غير منقطعة من ظهور كلفة على
النظم ولا تعسف في السبك بحيث يشبّه تحدرها باطراد الماء لسهولته وانسجامه فمتى
جاءت كذلك دلت على قوة عارضة الشاعر وقدرته» . وذكر بعض أمثلة ابن رشيق وقوله تعالى : (مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ
وَيَعْقُوبَ) حكاية عن يوسف عليهالسلام. وقال القرطاجني : «وما كان في أقصى الرتب من ذلك وما
يليها من الأوساط فهو الذي يسمى الاطراد» .
ولم يخرج ابن
مالك والحلبي والنويري وابن الاثير الحلبي والقزويني والسبكي والتفتازاني والحموي
والسيوطي والاسفراييني والمغربي والمدني والدمنهوري على السابقين وفرّق العلوي بينه وبين الاستطراد بقوله : «إنّ
الاستطراد يكون كلام ثم تدخل عليه كلاما أجنبيا عنه ثم ترجع الى الأول ؛ بخلاف
الاطراد فانه ذكر اسم الممدوح بعينه ليزداد إبانة وتوضيحا على ترتيب صحيح ونسق
مستقيم من غير تكلف في النظم ولا تعسف في السبك حتى يكون ذكر الاسم في سهولته
كاطراد الماء وسهولة جريه وسيلانه» .
هذا هو الاساس
عند معظم البلاغيين وسماه بعضهم «ذكر الاسماء مطلقا» وهي تسمية صحيحة وإن كان الأول أكثر دورانا وأقرب دلالة
على هذا الفن.
الإطناب :
الاطناب :
البلاغة في المنطق والوصف مدحا كان
__________________
أو ذما ، وأطنب في الكلام : بالغ فيه ، وأطنب في الوصف : اذا بالغ واجتهد.
وأطنب في الكلام أيضا ـ إذا أبعد ، وأطنب الابل : إذا تبع بعضها بعضا في السير . وهذه المعاني كلها تدل على الطول والتتابع والاطناب من
أقدم الفنون التي تحدث القدماء عنها ، وكان الجاحظ قد اشار اليه كثيرا ، وقال إنّه
ليس باطالة ما لم يجاوز الكلام الحاجة .
وقال إنّ سهل
بن هارون كان شديد الاطناب في وصف المأمون بالبلاغة والجهارة ، وبالحلاوة والفخامة
وجودة اللهجة والطلاوة» . وتحدث المبرد عن الاطناب وبحثه العسكري في كتاب الصناعتين وقال : «القول القصد
أنّ الايجاز والاطناب يحتاج اليهما في جميع الكلام وكل نوع منه ولكل واحد منهما
موضع ، فالحاجة الى الايجاز في موضعه كالحاجة الى الاطناب في مكانه. فمن أزال
التدبير في ذلك عن جهته واستعمل الاطناب في موضع الايجاز واستعمل الايجاز في موضع
الاطناب أخطأ» .
وأوضح ابن جني
أهمية كل منهما بقوله : «والاطالة والايجاز جميعا انما هما في كل كلام مفيد مستقل
بنفسه» . وأدخله السكاكي في مباحث علم المعاني وقال : «هو أداؤه
ـ الكلام ـ بأكثر من عباراتهم سواء كانت القلة أو الكثرة راجعة الى الجمل أو الى
غير الجمل» . وتبعه في هذا القزويني وشراح تلخيصه .
وقال ابن
الاثير : «والذي يحدّ به أن يقال : هو زيادة اللفظ على المعنى لفائدة. فهذا حدّه
الذي يميزه عن التطويل ؛ إذ التطويل هو زيادة اللفظ عن المعنى لغير فائدة ، وأما
التكرير فإنّه دلالة على المعنى مرددا» .
وذكر أنّ
الاطناب يوجد تارة في الجملة الواحدة من الكلام ؛ ويوجد تارة في الجمل المتعددة ؛
والذي يوجد في الجمل المتعددة أبلغ لاتساع المجال في ايراده.
وعلى هذا فإنه
قسمان :
الأول : الذي
يوجد في الجملة الواحدة من الكلام وهو يرد حقيقة ومجازا ؛ أما الحقيقة فمثل «ذقته
بفمي» ؛ وإنّما جيء به كذلك للتأكيد وللدلالة على نيله والحصول عليه ؛ كقول
البحتري :
تأمّل من
خلال السّجف وانظر
|
|
بعينك ما
شربت وما سقاني
|
تجد شمس
الضّحى تدنو بشمس
|
|
اليّ من
الرحيق الخسرواني
|
ومن ذلك قوله
تعالى : (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ
بِأَفْواهِكُمْ).
وأما ما جاء
منه على سبيل المجاز فقوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى
الْأَبْصارُ ؛ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
الثاني :
المختص بالجمل فانه يشتمل على أربعة أضرب :
الأول : أن
يذكر الشيء فيؤتى فيه بمعان متداخلة إلا أنّ كل معنى يختص بخصيصة ليست للاخر ؛
كقول أبي تمام :
قطعت اليّ
الزابيين هباته
|
|
والتاث مأمول
السحاب المسبل
|
__________________
من منّة
مشهورة وصنيعة
|
|
بكر واحسان
أغرّ محجّل
|
فالبيت الثاني
تداخلت معانيه ؛ إذ المنة والصنيعة والاحسان متقارب بعضه من بعض وليس ذلك بتكرير ؛
لأنّه لو اقتصر على قوله : «منّة وصنيعة واحسان» لجاز أن يكون تكريرا ولكنه وصف كل
واحدة من هذه الثلاث بصفة أخرجتها عن حكم التكرير.
الثاني : يسمى
النفي والاثبات ؛ وهو أن يذكر الشيء على سبيل النفي ثم يذكر على سبيل الاثبات أو
بالعكس ؛ ولا بدّ من أن يكون في أحدهما زيادة ليست في الآخر وإلّا كان تكريرا ؛
والغرض به تأكيد ذلك المعنى المقصود كقوله تعالى : (لا يَسْتَأْذِنُكَ
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا
بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ. إِنَّما
يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) فقد قال : (لا يَسْتَأْذِنُكَ
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) ثم قال بعد ذلك : (إِنَّما
يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) إلّا أنّه زاد في الثانية قوله : (وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي
رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) ولو لا هذه الزيادة لكان حكم هاتين الآيتين التكرير.
الثالث : هو أن
يذكر المعنى الواحد تاما لا يحتاج الى زيادة ثمّ يضرب له مثال من التشبيه كقول البحتري
:
ذات حسن لو
استزادت
|
|
من الحسن
اليه لما أصابت مزيدا
|
فهي كالشمس
بهجة والقضيب
|
|
اللّدن قدّا
والريم طرفا وجيدا
|
فقد أفاد
التشبيه تصويرا وتخييلا لا مزيد على حسنه.
الرابع : أن
يستوفي معاني الغرض المقصود من كتاب أو خطبة أو قصيدة وهذا أصعب الأنواع لأنّه
يتفرع الى أساليب كثيرة من المعاني .
ولا يخرج كلام
المتأخرين عما ذكره السابقون بل سار بعضهم كالعلوى على خطى ابن الاثير وقد أجمعوا
على أنّ هذا الفن أسلوب له أهدافه في التعبير ولذلك يقف الى جانب الايجاز
والمساواة ؛ لأنّ لكل واحد منها هدفه الذي لا يحققه غيره أحسن تحقيق . وللاطناب عدة أساليب تحدث عنها القدماء وحددوها في ضوء
تقسيماتهم لفنون البلاغة.
الإطناب
بالاعتراض :
وهو أن يؤتى في
أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين معنى بجملة أو أكثر لا محلّ لها من الاعراب
لنكتة كالتنزيه والتعظيم في قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ
لِلَّهِ الْبَناتِ ـ سُبْحانَهُ ـ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ).
والدعاء في قول
المتنبي :
وتحتقر
الدنيا احتقار مجرّب
|
|
يرى كلّ ما
فيها ـ وحاشاك ـ فانيا
|
وقول عوف بن
محلم الشيباني :
إنّ الثمانين
ـ وبلّغتها ـ
|
|
قد أحوجت
سمعي الى ترجمان
|
__________________
والتنبيه في
قول الشاعر :
واعلم ـ فعلم
المرء ينفعه ـ
|
|
أن سوف يأتي
كلّ ما قدرا
|
وتخصيص أحد
المذكورين بزيادة التأكيد في أمر علق بهما كقوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي
وَلِوالِدَيْكَ).
والمطابقة مع
الاستعطاف في قول المتنبي :
وخفوق قلب لو
رأيت لهيبه
|
|
يا جنّتي
لرأيت فيه جهنّما
|
والتنبيه على
سبب أمر فيه غرابة كما في قول الشاعر :
فلا هجره
يبدو ـ وفي اليأس راحة ـ
|
|
ولا وصله
يبدو لنا فنكارمه
|
الإطناب
بالإيضاح :
يؤتى بالاطناب
بالايضاح بعد الابهام ليرى المعنى في صورتين مختلفتين أو ليتمكن في النفس فضل تمكن
فإنّ المعنى إذا ألقي على سبيل الاجمال والابهام تشوقت نفس السامع الى معرفته على
سبيل التفصيل والايضاح فتتوجه الى ما يرد بعد ذلك فإذا ألقي كذلك تمكن فيها فضل
تمكن وكان شعورها به أتم. أو لتكمل اللذة بالعلم به فإن الشيء إذا حصل كمال العلم
به دفعة واحدة لم يتقدم حصول اللذة به ألم واذا حصل الشعور به من وجه دون وجه
تشوقت النفس الى العلم بالمجهول فيحصل لها بسبب المعلوم لذة وبسبب حرمانها عن
الباقي ألم ثم إذا حصل لها العلم به حصلت له لذة أخرى واللذة عقيب الألم أقوى من
اللذة التي لم يتقدمها ألم.
أو يؤتى به
لتفخيم الأمر وتعظيمه كقوله تعالى : (رَبِّ اشْرَحْ لِي
صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) والمقام مقتض للتأكيد للارسال المؤذن بتلقي المكاره
والشدائد. كقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ
ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ).
ففي ابهامه
وتفسيره تفخيم للأمر وتعظيم له.
ومن الايضاح
بعد الابهام باب «نعم» و «بئس» إذ لو لم يقصد الاطناب لقيل : «نعم زيد» و «بئس
عمرو».
ووجه حسنه سوى
الايضاح بعد الابهام أمران آخران :
الأول : إبراز
الكلام في معرض الاعتدال نظرا الى إطنابه من وجه والى اختصاره من آخر وهو حذف
المبتدأ في الجواب.
الثاني : ايهام
الجمع بين المتنافيين .
الإطناب
بالإيغال :
سبق الأصمعي
الى معرفة هذا الفن ولم يسمّه فقد ذكر قدامة أنّ ابا العباس محمد بن يزيد المبرد
قال : حدثني التّوّزي قال : قلت للأصمعي من أشعر الناس؟ فقال : من يأتي الى المعنى
الخسيس فيجعله بلفظه كبيرا أو الى الكبير فيجعله بلفظه خسيسا أو ينقضي كلامه قبل
القافية فإذا احتاج اليها أفاد بها معنى. قال : قلت : نحو من؟ قال : نحو ذي الرمة
حيث يقول :
قف العيس في
أطلال ميّة فاسأل
|
|
رسوما كأخلاق
الرداء المسلسل
|
فتم كلامه قبل «المسلسل»
ثم قال : «المسلسل» فزاد شيئا ثم قال :
__________________
أظن الذي
يجدي عليك سؤالها
|
|
دموعا كتبديد
الجمّان المفصّل
|
فتم كلامه ثم
احتاج الى القافية فقال «المفصل» فزاد شيئا .
وعدّه قدامة من
باب ائتلاف القافية مع سائر البيت وقال : «الايغال هو أن يأتي الشاعر بالمعنى في
البيت تاما من غير أن يكون للقافية فيما ذكره صنع ثم يأتي بها لحاجة الشعر في أن
يكون شعرا اليها فيزيد بمعناها في تجويد ما ذكره في البيت» كما قال امرؤ القيس :
كأنّ عيون
الوحش حول خبائنا
|
|
وأرحلنا
الجزع الذي لم يثقّب
|
فقد أتى الشاعر
على التشبيه كاملا قبل القافية وذلك أنّ عيون الوحش شبيهة بالجزع ثم لما جاء
بالقافية أو غل بها في الوصف ووكّده وهو قوله : «لم يثقب» فإنّ عيون الوحش غير
مثقبة وهي بالجزع الذي لم يثقب أدخل في التشبيه.
ولا يخرج كلام
العسكري وأمثلته عما ذكره قدامة وهو عند ابن رشيق ضرب من المبالغة وذكر أنّ بعضهم يسميه
تبليغا وقال عنه «هو ضرب من المبالغة إلا أنّه في القوافي خاصة
لا يعدوها والحاتمي وأصحابه يسمونه التبليغ» .
ولكنّ الحاتميّ
ذكر أنّه يسمى ايغالا أيضا قال : «أبدع ما قيل في التبليغ وقد سماه قوم الايغال»
وهو : «أن يأتي الشاعر بالمعنى في البيت تماما قبل انتهائه الى القافية ثم يأتي
بها لحاجة الشعر اليها فتزيد البيت نصاعة والمعنى بلوغا الى الغاية القصوى في الجودة»
.
وقال ابن سنان
: «إنّ الشاعر يوغل بالقافية في الوصف إن كان واصفا وفي التشبيه إن كان مشبها» .
وذهب البلاغيون
الآخرون الى مثل ذلك وحينما قسمّت البلاغة الى علومها الثلاثة تحدث عنه
القزويني في الاطناب وسمّى أحد أقسامه «الاطناب بالايغال» وقال عنه : «الايغال هو
ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى بغيرها كزيادة المبالغة في قول الخنساء :
وإنّ صخرا
لتأتمّ الهداة به
|
|
كأنه علم في
رأسه نار
|
لم ترض أن
تشبهه بالجبل المرتفع المعروف بالهداية حتى جعلت في رأسه نارا. وكتحقيق التشبيه في
بيت امرئ القيس السابق : «كأنّ عيون الوحش» . وتبعه العلوي والسبكي والتفتازاني والسيوطي
والاسفراييني والمغربي ولم يخرج البديعيون على ما ذكره الأوائل أو تحدث عنه
القزويني وشراح تلخيصه فالحموي يعود الى ما
__________________
ذكره قدامة وينقل كلامه ويفرق بين الايغال والتذييل والتمكين والتكميل بقوله : «والفرق
ظاهر فانّ الايغال لا يكون إلا في الكلمة التي فيها الرويّ وما يتعلق به ؛ وهو
أيضا مما يأتي بعد تمام المعنى كالتكميل والتذييل. وأما التمكين فليس له مدخل في
هذه الأبواب لأنّه عبارة عن استقرار القافية في مكانها لأنّها لا تزيد معنى البيت
بل إذا حذفت نقص معنى البيت لأنّها ممكنة في قواعده. وأما التكميل فانّه وإن أتى
بعد تمام المعنى فهو يفارق الايغال والتذييل من وجهين : أحدهما كونه يأتي في الحشو
والمقاطع والايغال والتذييل لا يكونان إلا في المقاطع دون الحشو. والايغال
والتذييل لا يخرجان عن معنى الكلام المتقدم والتكميل لا بدّ أن يأتي بمعنى يكمل
الغرض على التكملة المتقدمة إما تكميلا بديعيا أو تكميلا عروضيا. والتذييل يفارق
الايغال لكونه يزيد على الكلمة التي تسمى ايغالا ويستوعب غالبا عجز البيت» .
وكان المصري قد
فرّق من قبل بين التتميم والايغال من ثلاثة أوجه : أحدها : أنّ التتميم لا يرد إلا
على كلام ناقص شيئا ما إما حسن معنى أو أدب أو ما أشبه ذلك ، والايغال لا يرد إلا
على معنى تام من كل وجه.
الثاني :
اختصاص الايغال بالمقاطع دون الحشو مراعاة لاشتقاقه لأنّ الموغل في الأرض هو الذي
بلغ اقصاها أو قارب بلوغه فلما اختص الايغال بالطرف لم يبق للتتميم إلا الحشو.
الثالث : أنّ
الايغال لا بدّ وأن يتضمن معنى من معاني البديع والتتميم قد يتضمن أو لا يتضمن
وأكثر ما يتضمن الايغال التشبيه والمبالغة حتى لو قيل : إنّه لا يتعدى هذين
الضربين لكان حقا والتتميم يتضمن طورا المبالغة ويتضمن حينا الاحتياط ويأتي مرة
غير متضمن شيئا سوى تتميم ذلك المعنى» . وتبعهم المدني غير أنّه ردّ ما ذكره الحموي من التجاذب
الذي ينتظم الايغال والتكميل وقال : «ومفهومه أنّه لا فرق بينهما ، وليس كذلك فان
الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أنّ
التكميل يؤتى به لافادته معنى آخر يكمل المعنى الأول والايغال يؤتى به لافادته
نكتة في ذلك المعنى بعينه.
الثاني : أنّ
التكميل قد يكون في أثناء الكلام وقد يكون في آخره والايغال لا يكون إلا ختما
للكلام» .
الإطناب بالبسط
:
هو الاطناب
الذي يكون بتكثير الجمل كقوله تعالى : (الَّذِينَ
يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ) فقوله : (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) إطناب لأنّ إيمان حملة العرش معلوم وحسّنه إظهار شرف
الايمان ترغيبا فيه .
الإطناب بالتّتميم
:
قال الحاتمي : «التتميم
هو أن يذكر الشاعر معنى فلا يغادر شيئا يتم به ويتكامل معه الاشتقاق إلا أتى به» .
وقال القزويني
: «هو أن يؤتى في كلام لا يوهم خلاف المقصود بفضلة تفيد نكتة» كالمبالغة في قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) ، ومنه
__________________
قول الشاعر :
إنّي على ما
ترين من كبري
|
|
أعرف من أين
تؤكل الكتف
|
وقول زهير :
من يلق يوما
على علّاته هرما
|
|
يلق السّماحة
منه والنّدى خلقا
|
الإطناب
بالتّذييل :
بحثه البلاغيون
الأوائل فقال العسكري : «فأما التذييل فهو إعادة الالفاظ المترادفة على المعنى
بعينه حتى يظهر لمن لم يفهمه ويتوكد عند من فهمه ، وهو ضد الاشارة والتعريض.
وينبغي أن يستعمل في المواطن الجامعة والمواقف الحافلة ، لأنّ تلك المواطن تجمع
البطيء الفهم والبعيد الذهن والثاقب القريحة والجيد الخاطر ، فاذا تكررت الالفاظ
على المعنى الواحد توكّد عند الذهن اللقن ، وصحّ للكليل البليد» . ومنه قوله تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ
بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) ، ومعناه : وهل يجازي بمثل هذا الجزاء إلّا الكفور.
ومنه قول
الحطيئة :
قوم هم الأنف
والأذناب غيرهم
|
|
ومن يقيس
بأنف الناقة الذّنبا
|
فاستوفى المعنى
في النصف الأول ، وذيّل بالنصف الثاني.
وقال الباقلاني
: «وهو ضرب من التأكيد» ، وقال ابن سنان : «وهو أن يكون اللفظ زائدا على المعنى
وفاضلا عنه» . ثم قال : «وأمّا التذييل فهو العبارة عن المعنى بألفاظ
تزيد عليه» .
وقال التبريزي
إنّه «ضدّ الاشارة ، وهو إعادة الالفاظ المترادفة على المعنى الواحد بعينه حتى
يظهر لمن لم يفهمه ويتوكّد عند من فهمه» ، وهذه عبارة العسكري ، ونقل البغدادي هذا التعريف .
وقال ابن منقذ
: «هو أن تأتي في الكلام جملة تحقق ما قبلها» ، وذكر المصري مثل ذلك وفّرق بين الايغال والتكميل
والتمكين والتذييل ، فقال : «وقد يختلط على بعض الناس هذه الأبواب الأربعة وهي :
باب الايغال ، والتكميل ، والتمكين ، والتذييل ، وأنا أشير الى الفرق بينها فأقول
: الايغال لا يكون إلا في الكلمة التي فيها الرويّ وما يتعلق بها ، وهو أيضا مما
يأتي بعد تمام المعنى كالتكميل والتذييل ، وأما التمكين فيفارق هذه الأبواب من
كونه عبارة عن استقرار القافية في مكانها لكنها لا تزيد معنى البيت شيئا ومتى حذفت
القافية نقص المعنى مع كونها غير نافرة من البيت ، والتكميل وإن أتى بعد تمام
المعنى فهو يفارق الايغال من وجهين :
أحدهما : كونه
يأتي في الحشو والمقاطع والايغال والتذييل لا يكونان إلا في المقاطع دون الحشو ،
والايغال والتذييل لا يخرجان عن معنى الكلام المتقدم ، والتكميل لا بدّ أن يأتي
بمعنى يكمل الغرض المتقدم إمّا تكميلا بديعيا أو تكميلا عروضيا لأنّه يكون بمعاني
البديع كمطابقة تكمل جناسا أو مبالغة تكمل تشبيها أو بالفنون. والفنون عند أهل
الصناعة هي ما ينتجها المتكلم من الأغراض والمقاصد كالمديح والهجاء والرثاء والفخر
والوصف وغير ذلك. والتذييل يفارق الايغال لكونه يزيد على الكلمة التي تسمى إيغالا
__________________
آخذا في البيت من الجزء الذي هو الضرب الى أول العجز» .
ولم يخرج
البلاغيون الآخرون عن هذا المعنى وسار على خطى المتقدمين ابن مالك والحلبي
والنويري وابن الأثير الحلبي والعلوي وابن قيم الجوزية والزركشي والحموي والسيوطي
والمدني .
وتحدث عن
التذييل القزويني وشرّاح تلخيصه في بحث الاطناب وسمّوه «الاطناب بالتذييل ، وقال
القزويني : «هو تعقيب الجملة بجملة تشتمل على معناها للتوكيد» ، وهو ضربان : ضرب لا يخرج مخرج المثل لعدم استقلاله
بافادة المراد وتوقفه على ما قبله كقوله تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ
بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ؟) وقول ربيعة بن مقروم :
ودعوا نزال
فكنت أوّل نازل
|
|
وعلام أركبه
إذا لم أنزل
|
وقول ابن نباتة
السعدي :
لم يبق جودك
لي شيئا أؤمله
|
|
تركتني أصحب
الدنيا بلا أمل
|
وضرب يخرج مخرج
المثل كقوله تعالى : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ
وَزَهَقَ الْباطِلُ ، إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً). وقول النابغة الذبياني :
ولست بمستبق
أخا لا تلمّه
|
|
على شعث أيّ
الرجال المهذّب
|
وقد اجتمع
الضربان في قوله تعالى : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ
مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ؛ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ. كُلُّ نَفْسٍ
ذائِقَةُ الْمَوْتِ). فقوله : (أَفَإِنْ مِتَّ
فَهُمُ الْخالِدُونَ) من الأول وما بعده من الثاني. وكل منهما تذييل على ما
قبله.
وهو أيضا إما
لتأكيد منطوق كلام كقوله تعالى : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ
وَزَهَقَ الْباطِلُ ، إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) ؛ وإما لتأكيد مفهومه كبيت النابغة : «ولست بمستبق ...»
فان صدره دلّ بمفهومه على نفي الكامل من الرجال فحقق ذلك وقرره بعجزه.
الإطناب
بالتّكرير :
وهو الاطناب
بالتكرار ؛ وهو من الأساليب الشائعة في اللغة العربية ؛ وقد تعرّض له معظم النحاة
والنقاد والبلاغيين فقال الفراء : «والكلمة قد تكررها العرب على التغليظ والتخويف»
. وسماه أبو عبيدة «مجاز المكرر» وأولى الجاحظ التكرار عناية كبيرة ونقل بعض الأقوال فيه
؛ ومن طريف ما ذكر قوله : «جعل ابن السماك يوما يتكلم وجارية له حيث تسمع كلامه ،
فلما انصرف اليها قال لها : كيف سمعت كلامي؟قالت : ما أحسنه ؛ لو لا أنّك تكثر
ترداده. قال : أردده حتى يفهمه من لم يفهمه. قالت : الى أن يفهمه من لا يفهمه قد
ملّه من فهمه» . ثم قال الجاحظ : «وجملة القول في الترداد أنّه ليس فيه
حدّ ينتهى اليه ، ويؤتى على وضعه وإنما ذلك على قدر المستمعين ومن يحضره من العوام
والخواص. وقد رأينا الله ـ
__________________
عزوجل ـ ردّد ذكر قصة موسى وهود وهارون وشعيب وابراهيم ولوط
وعاد وثمود وكذلك ذكر الجنة والنار وأمور كثيرة ، لأنّه خاطب جميع الأمم» . فالتكرار محمود إذا جاء في الموضع الذي يقتضيه وتدعو
الحاجة اليه ، ولذلك فرّق الخطّابي بين المحمود والمذموم فقال : «وأما ما عابوه من
التكرار فأنّ تكرر الكلام على ضربين :
أحدهما : مذموم
وهو ما كان مستغنى عنه غير مستفاد به زيادة معنى لم يستفيدوه بالكلام الأول لأنه
حينئذ يكون فضلا من القول ولغوا ؛ وليس في القرآن شيء من هذا النوع.
والضرب الآخر :
ما كان بخلاف هذه الصفة ؛ فان ترك التكرار في الموضع الذي يقتضيه وتدعو الحاجة
اليه فيه بازاء تكلف الزيادة في وقت الحاجة الى الحذف والاختصار ، وإنما يحتاج
اليه ويحسن استعماله في الأمور المهمة التي قد تعظم العناية بها ويخاف بتركه وقوع
الغلط والنسيان فيها والاستهانة بقدرها .
ويأتي الاطناب
بالتكرير لنكتة كتأكيد انذار في قوله تعالى : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ.
ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) وفي (ثُمَ) دلالة على أنّ إنذار الثاني أبلغ وأشد.
وكزيادة
التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول كما في قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ
اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ. يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ
الدُّنْيا مَتاعٌ).
وقد يكرر اللفظ
لطول الكلام كما في قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ
لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
وَأَصْلَحُوا ، إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
وقد يكرر لتعدد
المتعلق كما كرره الله تعالى من قوله في سورة الرحمن : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (الرّحمن الآية ١٣) لأنّه ـ تعالى ـ ذكر نعمة بعد نعمة ، وعقّب كل نعمة
بهذا القول ؛ والغرض من ذكره عقيب نعمة غير الغرض من ذكره عقيب نعمة أخرى. وقد يأتي
للتهويل والتخويف وغير ذلك .
الإطناب
بالتّكميل :
قال الباقلاني
: «ومن البديع التكميل والتتميم وهو أن يأتي بالمعنى الذي بدأ به بجميع المعاني
المصححة المتممة لصحته المكملة لجودته من غير أن يخلّ ببعضها ولا أن يغادر شيئا
منها» كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ
عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما
تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ
تَمُوتُ) ثم قال : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ
خَبِيرٌ). وقول نافع بن خليفة :
__________________
رجال إذا لم
يقبلوا الحقّ منهم
|
|
ويعطوه عادوا
بالسيوف القواطع
|
وإنما تمّ جودة
المعنى بقوله : «ويعطوه».
وقال التبريزي
: «والتكميل أن يذكر الشاعر المعنى فلا يدع من الأحوال التي تتم بها صحته وتكمل
معها شيئا إلا أتى به» . ونقل البغدادي هذا التعريف .
وقال المصري : «وهو
أن يأتي المتكلم أو الشاعر بمعنى من معاني المدح أو غيره من فنون الشعر وأغراضه ثم
يرى مدحه والاقتصار على ذلك المعنى فقط غير كامل فيكمله بمعنى آخر» . وعرّفه بمثل ذلك ابن مالك والحلبي والنويري وابن قيم
الجوزية والحموي والمدني .
وقال القزويني
: «الاطناب بالتكميل أو الإحتراس هو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه
، وهو ضربان : ضرب يتوسط الكلام كقول طرفة :
فسقى ديارك ـ
غير مفسدها ـ
|
|
صوب الربيع
وديمة تهمي
|
وضرب يقع في
آخر الكلام كقوله تعالى : (فَسَوْفَ يَأْتِي
اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) ، فانّه لو اقتصر على وصفهم بالذلة على المؤمنين لتوهم
أنّ ذلتهم لضعفهم فلما قيل : (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) علم أنّها منهم تواضع لهم.
ومنه قول
الحماسي :
وما مات منا
سيّد في فراشه
|
|
ولا طلّ منا
حيث كان قتيل
|
فانه لو اقتصر
على وصف قومه بشمول القتل إياهم لأوهم أنّ ذلك لضعفهم وقلتهم ، فأزال هذا الوهم
بوصفهم بالانتصار من قاتلهم.
وتبعه في ذلك
شراح تلخيصه كالسبكي والتفتازاني والاسفراييني .
الإطناب
بالتّوشيع :
وهو أن يؤتى في
عجز الكلام بمثنى مفسر باسمين أحدهما معطوف على الآخر كما جاء في الخبر : «يشيب
ابن آدم ويشيب فيه خصلتان : الحرص وطول الأمل». وقول الشاعر :
سقتنيّ في
ليل شبيه بشعرها
|
|
شبيهة خديها
بغير رقيب
|
فما زلت في
ليلين : شعر وظلمة
|
|
وشمسين من
خمر ووجه حبيب
|
وقول البحتري :
لما مشين بذي
الأراك تشابهت
|
|
أعطاف قضبان
به وقدود
|
في حلتي حبر
وروض فالتقى
|
|
وشيان : وشي
ربي ووشي برود
|
وسفرن
فامتلأت عيون راقها
|
|
وردان : ورد
جنى وورد خدود
|
ومنه قول الآخر
:
أمسي وأصبح
من تذكاركم وصبا
|
|
يرثي لي
المشفقان : الأهل والولد
|
__________________
قد خدّد
الدمع خدي من تذكركم
|
|
واعتادني
المضنيان : الوجد والكمد
|
وغاب عن مقلتي
نومي لغيبتكم
|
|
وخانني
المسعدان : الصبر والجلد
|
لا غرو للدمع
أن تجري غواربه
|
|
وتحته
المضرمان : القلب والكبد
|
كأنما مهجتي
شلو بمسبعة
|
|
ينتابها
الضاريان : الذئب والأسد
|
لم يبق غير
خفيّ الروح في جسدي
|
|
فدى لك
الباقيان : الروح والجسد
|
الإطناب بذكر
الخاصّ :
ومنه الاطناب
بذكر الخاص بعد العام وذلك للتنبيه على فضله حتى كأنه ليس من جنسه تنزيلا للتغاير
في الوصف منزلة التغاير في الذات كقوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا
لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) ، وقوله : (حافِظُوا عَلَى
الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى). ومنه قول المتنبي :
فان تفق
الأنام وأنت منهم
|
|
فان المشك
بعض دم الغزال
|
وقول ابن
الرومي :
كم من أب قد
علا بابن ذرى شرف
|
|
كما علت
برسول الله عدنان
|
الإطناب
بالزّيادة :
ويكون على
أنواع : منها دخول حرف فأكثر من حروف التوكيد كقوله تعالى : (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) وقوله : (ثُمَّ إِنَّكُمْ
بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ).
ومنها دخول
الأحرف الزائدة كقوله تعالى : (كَيْفَ نُكَلِّمُ
مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) ، وقوله : (فَإِنْ آمَنُوا
بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ).
ومنها التأكيد
الصناعي ، وهو أربعة أقسام :
أحدها :
التوكيد المعنوي بـ «كل» و «أجمع» و «كلا» و «كلتا» كقوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ
أَجْمَعُونَ) ، وفائدته رفع توهم المجاز وعدم الشمول.
ثانيها :
التأكيد اللفظي وهو تكرار اللفظ الأول إما بمرادفه نحو قوله تعالى : (ضَيِّقاً حَرَجاً) ، وإما بلفظه فيكون في الاسم والفعل والحرف والجملة
فالاسم نحو قوله تعالى : (قَوارِيرَا.
قَوارِيرَا) وقوله : (دَكًّا دَكًّا). والفعل نحو قوله : (فَمَهِّلِ
الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً). واسم الفعل نحو قوله : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ
لِما تُوعَدُونَ). والحرف نحو قوله تعالى : (فَفِي الْجَنَّةِ
خالِدِينَ فِيها). والجملة نحو قوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ، إِنَّ
مَعَ الْعُسْرِ
__________________
يُسْراً).
وقد تقترن
الثانية بـ «ثم» نحو قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما
يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ).
ومن هذا النوع
تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل كقوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ
وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ). ومنه تأكيد المنفصل بمثله كقوله تعالى : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ).
ثالثها : تأكيد
الفعل وهو عوض عن تكرار الفعل مرتين ، وفائدته رفع توهم المجاز في الفعل ، والأصل
في هذا النوع أن ينعت بالوصف المراد كقوله تعالى : (اذْكُرُوا اللهَ
ذِكْراً كَثِيراً).
رابعها : الحال
المؤكدة كقوله تعالى : (وَيَوْمَ أُبْعَثُ
حَيًّا) ، وقوله : (وَلا تَعْثَوْا فِي
الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ).
وفي هذه
الأنواع كلها جاء الاطناب بالزيادة لغرض من الأغراض ، فاذا انتفى الغرض لم يعد
الاطناب مفيدا .
اعتدال الوزن :
ذكره قدامة ولم
يعرّفه ، وقال إنّه كقول من قال : «اصبر على حر اللقاء ومضض النزال وشدة المصاع
ودوام المراس» ، ولو قال : «على حر الحرب ومضض النازلة وشدة الطعن
ومداومة المراس» لبطل رونق التوازن ، لان «اللقاء» و «النزال» و «المصاع» و «المراس»
بوزن واحد في الحركة والسكون والزوائد.
ومثله قول
القائل : «إذا كنت لا تؤتى في نقص كرم ، وكنت لا أوتى من ضعف سبب ، فكيف أخاف منك
خيبة أمل أو عدولا عن اغتفار زلل ، أو فتورا عن لم شعث أو إصلاح خلل» ، فجعل «نقصا»
بازاء «ضعف» و «كرما» بازاء «سبب» و «عدولا» بازاء «فتور» مناسبة في التقدير
وموازنة في البناء ، ولو جعل مكان «كرم» : سماحة ، ومكان «سبب». شكرا ، لبطل
التوازن .
وهذا يدل على
أنّ التوازن أو الايقاع مهم في النثر لأنّه يضفي عليه جمالا إذا جاء فير متكلف ،
أو كان غير بعيد عن المعنى الذي يقصد الأديب اليه.
الاعتراض :
يقال : اعترض
الشيء دون الشيء ، أي : حال دونه ، واعترض فلان الشيء : تكلفه ، واعترض عرضه : نحا
نحوه ، واعترض له بسهم : أقبل قبله فرماه فقتله .
وهذا من الفنون
التي تحدث عنها المتقدمون وسماه بعضهم التفاتا ، قال الحاتمي عن الالتفات : «وقد
سمّاه قوم الاعتراض» ، وقال ابن رشيق عنه : «وهو الاعتراض عند قوم» ، وقال الصغاني : «ومن أنواع الفصاحة الالتفات ويسمى
الاعتراض» . وهذه تسمية الاصمعي ، فقد حكى الحاتمي وابن رشيق ما
روي عن اسحاق بن ابراهيم أنّ الاصمعي قال له : «أتعرف التفاتات جرير»؟ فقال : ما
هي؟ وانشده :
أتنسى إذ
تودعنا سليمى
|
|
بعود بشامة
سقي البشام
|
ثم قال : «ألا
تراه مقبلا على شعره ، ثم التفت الى
__________________
البشام فدعا له» ؟ وليس هذا هو الاعتراض الذي قال ابن المعتز عنه : «ومن
محاسن الكلام أيضا والشعر اعتراض كلام في كلام لم يتم معناه ثم يعود اليه فيتممه
في بيت واحد كقول كثير :
لو انّ
الباخلين ـ وأنت منهم ـ
|
|
رأوك تعلّموا
منك المطالا
|
فقد اعترض
بقوله ـ وأنت منهم ـ والاعتراض في كلام العرب «كثير قد جاء في القرآن وفصيح الشعر
ومنثور الكلام ، وهو جار عند العرب مجرى التأكيد فلذلك لا يشنع عليهم ولا يستنكر
عندهم أن يعترض به بين الفعل وفاعله ، والمبتدأ وخبره وغير ذلك مما لا يجوز الفصل
فيه بغيره إلا شاذا أو متأولا» .
ودخل هذا
الاسلوب في كتب البلاغة وعرّفه العسكري بمثل ما عرفه ابن المعتز وذكر أمثلته ، واشترط ابن منقذ أن لا تكون الجملة المعترضة زائدة بل
يكون فيها فائدة . وقسّمه الرازي الى ثلاثة أقسام :
الأول : مذموم
كقول الشاعر :
وما يشفي
صداع الرأس
|
|
مثل الصارم
العضب
|
الثاني : وسط
كقول امرئ الشاعر :
ألا هل أتاها
والحوادث جمّة
|
|
بأنّ امرأ
القيس بن تملك بيقرا
|
الثالث : لطيف
، وهو الذي يكسو المعنى جمالا كقوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ
بِمَواقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ
لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ). وأدخله السكاكي في المحسنات المعنوية وقال عنه : «ويسمى
الحشو ، وهو تدرج في الكلام ما يتم المعنى بدونه كقول طرفة :
فسقى ديارك ـ
غير مفسدها ـ
|
|
صوب الربيع
وديمة تهمي
|
وأشار ابن
الأثير الى أنّ بعضهم يسميه حشوا ، ثم قال عنه : «وحدّه كل كلام أدخل فيه لفظ أو
مركب لو أسقط لبقي الأول على حاله» . وقال ابن الزملكاني : «هو أن يأتوا في حشو الكلام بما
يتم الغرض دونه» . وذكر ابن مالك أنّ قدامة يسميه التفاتا ، ولكن الأمثلة التي ذكرها قدمة أقرب الى الرجوع منه
الى الاعتراض وإن كان قد قال : «ومن نعوت المعاني الالتفات وهو أن يكون الشاعر
آخذا في معنى فكأنه يعترضه إما شك فيه أو ظن بأنّ رادّا يرد عليه قوله أو سائلا
يسأله عن سببه فيعود راجعا الى ما قدّمه» ، وهذا قريب من الرجوع.
وقال ابن شيث
القرشي : «هو أن يذكر قضية ثم يحاشيه منها» ، وهو أنواع : منه مثل : «وخشيت أن يمر في ظن سيدنا ـ وحاشاه
ـ أن الأمر كذا فيعجل بالمؤاخذة ، وهو أبسط من ذلك علما وأوسع حلما» ، وقول الشاعر
:
حسبتك تجفوني
بما قال حاسدي
|
|
ـ وحاشاك ـ بل غير الجفا
منك أليق
|
ومنه نوع آخر
على طريق المزج أو طريق التفاؤل ،
__________________
ومثاله : «الناس كلهم أبناء الدنيا وأخلاقهم ـ حاشا سيدنا ـ أخلاقها ، فما
يراد منهم الوفاء ولا يردّ منهم الجفاء» ، وقول المتنبي :
وتحتقر
الدّنيا احتقار مجرّب ـ
|
|
يرى كلّ ما
فيها ـ وحاشاك ـ فانيا
|
ومنه نوع آخر
وهو حسن ، ومثاله : «وجدت من الألم ـ وعافاك الله ـ كذا وكذا ، فكيف أنكر أن تتنكر
عليّ الأيام وتتوالى على جسمي الآلام ، وقد أربيت على الستين ـ ضاعفها الله لك
عددا ـ وجعلك بالذكر الجميل بعد العمر الطويل مخلدا» ، وقول الشاعر :
إنّ الثمانين
ـ وبلغتها ـ
|
|
قد أحوجت
سمعي الى ترجمان
|
وسماه التنوخي
اعتراضا ، وقال الحلبي : «وهو الذي سماه الحاتمي وسماه ابن
المعتز اعتراض كلام في كلام لم يتم معناه ثم يعود فيتمه» . وذكر ابن الأثير الحلبي أنّهم يسمونه التمام أيضا . وهذه تسمية لم ترد كثيرا في كتب البلاغة إذ استحسن
البلاغيون تسميته اعتراضا كالزركشي والقزويني والعلوي وابن قيم الجوزية والسبكي
والتفتازاني والسيوطي والاسفراييني والمغربي . وذكر الحموي التسميات السابقة وأشار الى أنّ تسمية ابن
المعتز هي «اعتراض كلام في كلام لم يتم معناه» وقال إنّ اسمه التمام وإنّ الحاتمي
سماه التتميم ، وسماه بعضهم الاستدراك والرجوع . ولكنه حينما تحدث عنه عقد له فصلا باسم «الاعتراض»
وقال : «هو عبارة عن جملة تعترض بين الكلامين تفيد زيادة في معنى غرض المتكلم» . وفرّق بينه وبين الحشو بقوله : «ومنهم من سماه الحشو
وقالوا في المقبول منه «حشو اللوزينج» وليس بصحيح. والفرق بينهما ظاهر وهو أنّ
الاعتراض يفيد زيادة في غرض المتكلم والناظم ، والحشو إنما يأتي لاقامة الوزن لا
غير. وفي الاعتراض من المحاسن المكملة للمعاني المقصودة ما يتميز به على أنواع
كثيرة».
وذكر المدني له
عدة مصطلحات كالتمام والتتميم ، ولكنه عقد له فصلا باسم «الاعتراض» كما فعل الحموي وغيره ، وقال إنّه «متى خلا عن نكتة سمي
حشوا فلا يعد حينئذ من البديع بل هو من المستهجن» وذكر أنّ النكت فيه كثيرة منها
التنزيه كما في قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ
لِلَّهِ الْبَناتِ ـ سُبْحانَهُ ـ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ).
ومنها الدعاء
كقول أبي المنهال عوف بن محلم الخزاعي :
إنّ الثمانين
ـ وبلغتها ـ
|
|
قد أحوجت
سمعي الى ترجمان.
|
ومنها التنبيه
كقول الآخر :
واعلم ـ فعلم
المرء ينفعه ـ
|
|
أن سوف يأتي
كلّ ما قدرا.
|
ومنه تخصيص أحد
المذكورين بزيادة التأكيد في أمر علق بهما كقوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ
ـ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ
__________________
لِي
وَلِوالِدَيْكَ).
ومنها المطابقة
والاستعطاف كما في قول المتنبي :
وخفوق قلب لو
رأيت لهيبه
|
|
ـ يا جنّتي ـ لرأيت فيه
جهنّما
|
ومنها بيان
السبب لأمر فيه غرابة كما في قول الشاعر :
فلا هجره
يبدو ـ وفي اليأس راحة ـ
|
|
ولا وصله
يصفو لنا فنكارمه
|
ومنها المدح
كما في قول أبي محمد الخازن :
فأية طربة
للعفو إنّ ال
|
|
كريم ـ وأنت
معناه ـ طروب
|
ومما جاء بين
كلامين متصلين معنى وهو أكثر من جملة أيضا قوله تعالى : (قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى
وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي
سَمَّيْتُها مَرْيَمَ). فقوله تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ
بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) ليس من قول أم مريم وإنما هو اعتراض من كلام الله ـ سبحانه
ـ والنكتة فيه تعظيم الموضوع وتجهيلها بقدر ما وهب لها منه.
وهذه النكت
أشار اليها القزويني وشراح تلخيصه حينما تحدثوا عن «الاطناب بالاعتراض» :
الإعجاز :
نزل القرآن
الكريم فكان حجة بلاغية تحدى العرب بل الانس والجن على أن يأتوا بمثله ولو كان
بعضهم لبعض ظهيرا. وكان العرب يسمعونه فيخرّون لروعته وجماله ساجدين ويتأثرون به
تأثرا شديدا وقد دفع المؤلفين فيما بعد الى أن يبحثوا عن ذلك ويوضحوا مسألة إعجاز
القرآن ، ويبينوا سر ذلك الاعجاز الذي تحداهم الله به حينما قال : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ
وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ
وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً).
كان المتكلمون
أول من تحدثوا عن إعجازه وبلاغته فقالت المعتزلة ـ إلا النظام وهشاما الفوطي وعباد
بن سليمان ـ : «تأليف القرآن ونظمه معجز محال وقوعه منهم كاستحالة إحياء الموتى
منهم وانّه علم لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ. وقال النظام : الآية والاعجوبة في القرآن ما فيه من
الاخبار عن الغيوب ، فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لو لا
أنّ الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم. وقال هشام وعباد : لا نقول إنّ شيئا من
الأعراض يدلّ على الله سبحانه وتعالى ـ ولا نقول أيضا إنّ عرضا يدل على نبوة النبي
ـ صلىاللهعليهوسلم ـ. ولم يجعلا القرآن علما للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وزعما أنّ القرآن أعراض» .
ويتضح من ذلك
أنّ للمعتزلة رأيين في الاعجاز :
الأول : إنّه
معجز بنظمه.
إنّه معجز
بالصّرفة.
ورأى الرماني
أنّ القرآن معجز ببلاغته ، وهو أعلى طبقات الكلام ، والبلاغة عنده ايصال المعنى
الى القلب في أحسن صورة من اللفظ ، وأعلاها طبقة في الحسن بلاغة القرآن ، وأعلى
طبقات البلاغة معجز للعرب كإعجاز الشعر المفحم ، فهذا معجز للمفحم خاصة كما إنّ
ذلك معجز للكافة .
ويرى الخطّابي
أنّ بلاغة القرآن ترجع الى جمال ألفاظه وحسن نظمه وسموّ معانيه وتأثيره في النفوس
، قال : «واعلم أنّ القرآن إنما صار معجزا لأنّه جاء بأفصح
__________________
الالفاظ في
أحسن نظوم التأليف مضمنا أصح المعاني» ، وأشار الى تأثير القرآن في النفوس فقال : «قلت في
إعجاز القرآن وجها آخر ذهب عنه الناس فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ من آحادهم وذلك
صنيعه في القلوب وتأثيره في النفوس» وبذلك يكون للخطابي رأيان :
الأول : مجيء
القرآن بأفصح الالفاظ وأحسن النظم.
الثاني :
تأثيره في النفوس.
وذهب الباقلاني
الى أنّ كتاب الله معجز ؛ لأنّه نظم خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام
العرب ولذلك رأى أنّ البديع ليس من الأسباب التي يعلل بها الإعجاز ، قال : «لا
سبيل الى معرفة اعجاز القرآن من البديع الذي ادّعوه في الشعر ووصفوه فيه ، وذلك
أنّ هذا الفن ليس فيه ما يخرق العادة ويخرج عن العرف ، بل يمكن استدراكه بالتعلم
والتدرب به والتصنع له كقول الشعر ورصف الخطب وصناعة الرسالة والحذق في البلاغة» . وبذلك يرى أنّ القرآن معجز باسلوبه ونظمه البديع
وألفاظه ، وبأثره في النفوس ، لا بما فيه من وجوه البلاغة او فنونها.
وعاد الخفاجي
الى ما قاله النظام في الإعجاز وقرّر أنّ وجه الاعجاز صرف العرب عن معارضة القرآن
بأن سلبوا العلوم التي بها كانوا يتمكنون من المعارضة في وقت مرامهم ذلك ، قال : «إنّ
الصحيح أنّ وجه الإعجاز في القرآن هو صرف العرب عن معارضته ، وأنّ فصاحته قد كانت
في مقدورهم لو لا الصّرف.
وهذا هو المذهب
الذي يعوّل عليه أهل هذه الصناعة وأرباب هذا العلم» . ولكنه قال إنّ القائل بالصرف يحتاج الى تحقق الفصاحة
ليعرف ما هي ، ليقطع بأنها كانت في مقدورهم ومن جنس فصاحتهم. وذهب الى أن لا فرق
بين القرآن وفصيح الكلام المختار في هذه القضية ، ومتى رجع الانسان الى نفسه وكان
معه أدنى معرفة بالتأليف المختار وجد في كلام العرب ما يضاهي القرآن في تأليفه . وبذلك يكون للخفاجي رأيان :
الأول : إنّ
القرآن خرق العادة بفصاحته التي وقع التزايد فيها موقعا خرج عن مقدور البشر ،
ولكنه جعل القرآن طبقات في الفصاحة.
الثاني : الصّرفة.
وذهب عبد
القاهر الجرجاني الى أنّ كتاب الله معجز بنظمه أي أنّه يعود الى تلاؤم المعاني في
الكلمات المفردة تلاؤما يؤدي الى الغرض ، لأنّ الالفاظ «لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ
مجردة ولا من حيث هي كلم مفردة وإنّما تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملائمة معنى
اللفظة لمعنى التي تليها وما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ» . فعبد القاهر يرجع الإعجاز الى النظم والتأليف ، ولكنه
يرى أنّ إدراك هذين الأمرين يعود الى الذوق والاحساس الروحاني وكثرة الاطلاع على
كلام العرب وتذوقه .
وذهب الزمخشري
الى أنّ القرآن معجز من جهتين :
الأولى : ما
فيه من الاخبار عن الغيوب.
الثاني : نظمه
، وهذا عنده أمّ الإعجاز والقانون الذي وقع عليه التحدي ومراعاته أهم ما يجب على
المفسر . وهو بذلك يتابع عبد القاهر ، ولأجل إيضاح ذلك طبّق
قوانين البلاغة على كتاب الله ، وقال إنّ المفسر لا يستطيع أن يغوص على معانيه ما
لم يكن بارعا في علمين مختصين به هما : علم المعاني
__________________
وعلم البيان.
ورأى الرازي
أنّ إعجاز الكتاب العزيز وبلاغته راجعان الى الفصاحة التي يشتمل عليها نظمه
وبدائعه .
واستعرض
السكاكي الآراء في الإعجاز فوجد أنها أربعة ثم أورد وجها خامسا رآه أحسن الآراء
وخير الوجوه ، وقال : «فهذه أقوال أربعة يخمّسها ما يجده أصحاب الذوق أنّ وجه
الاعجاز هو أمر من جنس البلاغة والفصاحة ولا طريق لك الى هذا الخامس إلا طول خدمة
هذين العلمين ـ المعاني والبيان ـ بعد فضل إلهي من هبة يهبها بحكمته من يشاء ، وهي
النفس المستعدة لذلك فكل ميسر لما خلق له ، ولا استبعاد في انكار هذا الوجه ممن
ليس معه ما يطلع عليه ، فلكم سحبنا الذيل في إنكاره ثم ضممنا الذيل ما ان ننكره ،
فله الشكر على جزيل ما أولى ، وله الحمد في الآخرة والأولى» . وانتهى الى أنّ شأن الاعجاز يدرك ولا يوصف كاستقامة
الوزن تدرك ولا يمكن وصفها وكالملاحة ، قال : «ومدرك الاعجاز عندي هو الذوق ليس
إلا ، وطريق اكتساب الذوق خدمة هذين العلمين ـ المعاني والبيان ـ نعم للبلاغة وجوه
ملتثمة ربما تيسرت إماطة اللثام عنها لتجلى عليك أما نفس وجه الاعجاز فلا» . وهذه نظرة تعتمد على الذوق والادراك الروحاني أكثر من
اعتمادها على التعليلات التي أوردها كثير من العلماء. وهذا ما يحمد للسكاكي الذي
عاش في زمن تحكّم المنطق فيه وأخذت النظرة العقلية تطغى في التعليل والتفسير.
وكان لهذه
الآراء وغيرها أثر في دراسة البلاغة لأنّها دفعت الناس الى الوقوف على أساليبه وما
فيه من فنون القول ، ولذلك كانت معظم كتب «إعجاز القرآن» كتبا بلاغية ، وهذا من
فضل القرآن العظيم.
الأعداد :
تحدّث الرازي
عن التّعديد وقال : «هو إيقاع الأعداد من الأسماء المفردة في النثر والنظم على
سياق واحد ، فإن روي فيه ازدواج أو تجنيس أو مطابقة أو مقابلة أو نحوها فذلك في
غاية الحسن» . ومنه قول القائل : «فلان اليه الحلّ والعقد والقبول
والردّ والأمر والنهي والإثبات والنفي» ، وقول المتنبي :
الخيل والليل
والبيداء تعرفني
|
|
والطّعن
والضّرب والقرطاس والقلم
|
وقال ابن
الزملكاني : «هو إيقاع الألفاظ المفردة على سياق واحد» ، كقوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ
إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ، وقوله : (الْخالِقُ الْبارِئُ
الْمُصَوِّرُ).
وقال الحلبي
والنويري إنه يسمّى : «سياقة العدد» أو «سياقة الأعداد» ونقلا كلام الرازي ومثاليه
:النثري والشعري . وكان الثعالبي قد سمّاه «سياقة الأعداد» . وفعل مثل ذلك الوطواط الذي قال : «سياقة الأعداد :
وتكون هذه الصنعة بأن يسوق الكاتب أو الشاعر في نثره أو نظمه عددا من الأسماء
المفردة على نسق واحد بحيث يكون كل واحد من هذه الأسماء له معنى قائم بذاته ويكون
اسما كذلك لشيء آخر. وهذه الصنعة أكثر قبولا وأشد أسرا إذا اقترنت بازدواج اللفظ
أو التجنيس أو التضاد أو أي صنعة أخرى من
__________________
صناعات البلاغة» وقال ابن قيم الجوزية «ويسمى أيضا سياق الأعداد» ، وذكر تعريف الرازي ومثاليه وأمثلة أخرى من القرآن
الكريم كقوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ
الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ). ولا يخرج كلام الزركشي عن كلام السابقين وإن أضاف : «وأكثر
ما يؤخذ في الصفات ومقتضاها ألّا يعطف بعضها على بعض لاتحاد محلها ويجري مجرى
الوصف في الصدق على ما صدق» .
وهذا ما سماه
غير المتقدّمين «الأعداد» قال الحموي : «هذا النّوع أعني التعديد ذكره الإمام فخر
الدين الرازي وغيره وسماه قوم الأعداد» ، ويبدو من هذا الكلام أنّ التعديد أو الأعداد من
استخراج الرازي غير أنّ الثعالبي والوطواط ذاكره قبله.
ولم يخرج
الآخرون عن كلام الرازي وسمّوه تعديدا أو سياقة الأعداد وسياقة العدد .
الإعراض :
الاعراض عن
الشيء : الصّدّ عنه ، وأعرض عنه : صدّ .
وقد سمّاه ابن
الزملكاني : «الإعراض عن صريح الحكم» وقال : «تيقظ لهذا الفن فانّه دقيق السلك ، لبيق
السبك ، ويجيء على وجوه شتى» ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ
بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ
وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ). أعرض عن ذكر مقدار الجزاء والثواب وذكر ما هو معلم
مشترك بين جميع أعمال البر تضخيما لمقدار الجزاء لما فيه من إبهام المقدار وتنزيلا
له منزلة ما قد علم ، فهو غير محتاج الى بيانه. وهذا على حدّ قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : إنّما الأعمال بالنيات ، وإنّما لامرىء ما نوى ،
فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله».
أعرض عن ذكر
الجزاء الى اعادة الشرط تنبيها على وضوح ما ينال وتضخيما لشأن ما أتى من العمل
وصار السكوت عن مراتب الثواب أبلغ من بيانها. والى ذلك ذهب الزركشي ونقل كلام ابن
الزملكاني .
الإعنات :
العنت : دخول
المشقة على الانسان ولقاء الشدة ، يقال : أعنت فلان فلانا إعناتا إذا أدخل عليه
عنتا أي مشقة ، والإعنات : تكليف غير الطاقة .
والإعنات في
البلاغة من تسمية ابن المعتز الذي قال : «ومن إعنات الشاعر نفسه في القوافي وتكلفه
من ذلك ما ليس له» قول الشاعر :
عصاني قومي
والرشاد الذي به
|
|
أمرت ومن يعص
المجرّب يندم
|
فصبرا بني
بكر على الموت إنّني
|
|
أرى عارضا
ينهلّ بالموت والدم
|
وسماه بعضهم
لزوم ما لا يلزم ، والتضييق ، والتشديد ، والالتزام ، وذكر ابن الأثير الحلبي أنّ تجاهل
__________________
العارف يقال للاعنات . ولكنّ الفنّين مختلفان وقد شاع في الكتب مصطلح «لزوم
ما لا يلزم» أكثر من شيوع مصطلح ابن المعتز ، والاثنان واردان وصحيحان ؛ لأنّ
الإعنات هو إلزام الشاعر نفسه بما لا ينبغي. قال ابن الأثير : «وهو من أشق هذه
الصناعة مذهبا وأبعدها مسلكا. وذلك لأنّ مؤلفه يلتزم ما لا يلزمه ، فان اللازم في
هذا الموضع وما جرى مجراه إنّما هو السجع الذي هو تساوي أجزاء الفواصل من الكلام
المنثور في قوافيها ، وهذا فيه زيادة على ذلك وهو أن تكون الحروف التي قبل الفاصلة
حرفا واحدا وهو في الشعر أن تتساوى الحروف التي قبل رويّ الأبيات الشعرية» .
وزاد العلوي في
تعريفه فقال : «ويقال له : الاعنات ، ويرد في المنظوم والمنثور من الكلام ، ومعناه
في لسان علماء البيان أن يلتزم الناظم قبل حرف الرويّ حرفا مخصوصا أو حركة مخصوصة
من الحركات قبل حرف الروي أيضا وهكذا القول في الردف فانه يجعله على حدّ حرف
متماثل وهكذا إذا ورد في النثر يكون على هذه الطريقة. فحاصل الأمر في لزوم ما لا
يلزم هو أن يلتزم حرفا مخصوصا قبل حرف الروي من المنظوم أو حركة مخصوصة» .
وقال الحلبي : «هو
أن يعنت نفسه في التزام ردف أو دخيل أو حرف مخصوص قبل حرف الروي أو حركة مخصوصة» . وذكر النويري هذا التعريف .
وقال ابن مالك
: «الالتزام أن يلتزم المتكلم في السجع أو التقفية قبل حرف الروي ما لا يلزمه من
مجيء حرف بعينه أو حرفين أو أكثر ، ويحمد منه ما عدم الكلفة لدلالته على الاقتدار
وقوة المادة» .
وقريب من هذا
تعريف المصري الذي قال : «هو أن يلتزم الناثر في نثره أو الشاعر في شعره قبل رويّ
البيت من الشعر حرفا فصاعدا على قدر قوته وبحسب طاقته مشروطا بعدم الكلفة . وتعريف الحموي والسيوطي .
وقد ورد هذا
الفن في القرآن الكريم إلّا أنه يسير ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) ، وقوله : (فَلا أُقْسِمُ
بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ) ، وقوله : (وَاللَّيْلِ وَما
وَسَقَ. وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) ، وقوله : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ
فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ).
ومن الشعر قول
عروة بن أذينة :
إنّ التي
زعمت فؤادك ملّها
|
|
خلقت هواك
كما خلقت هوى لها
|
بيضاء باكرها
النعيم فصاغها
|
|
بلباقة
فأدقّها وأجلّها
|
واذا وجدت
لها وساوس سلوة
|
|
شفع الضمير
الى الفؤاد فسلّها
|
ومن التزام
حركة الفتح قبل حرف الروي قول ابن الرومي :
لما تؤذن
الدنيا به من صروفها
|
|
يكون بكاء
الطفل ساعة يولد
|
__________________
وإلّا فما
يبكيه منها وإنّه
|
|
لأوسع مما
كان فيه وأرغد
|
إذا أبصر
الدنيا استهلّ كأنّه
|
|
بما سوف يلقى
من أذاها يهدّد
|
وكان هذا الفنّ
في العهود الاولى يأتي سهلا منقادا في البيتين والثلاثة ، وقد يأتي في العشرين كما
في قصيدة كثيّر عزّة التي يقول فيها :
خليليّ هذا
ربع عزّة فاعقلا
|
|
قلوصيكما ثم
احللا حيث حلّت
|
وما كنت أدري
قبل عزّة ما البكا
|
|
ولا موجعات
القلب حتى تولّت
|
هنيئا مريئا
غير داء مخامر
|
|
لعزة من
أعراضنا ما استحلّت
|
فما أنا
بالداعي لعزة بالجوى
|
|
ولا شامت إن
نعل عزّة زلّت
|
وإنّي
وتهيامي بعزّة بعد ما
|
|
تخلّيت مما
بيننا وتخلّت
|
لكا لمرتجي
ظلّ الغمامة كلّما
|
|
تبوأ منها
للمقيل اضمحلّت
|
ولكن المتأخرين
أسرفوا في استعماله ، ونظم ابو العلاء ديوانا سماه «اللزوميات» والتزم فيه بهذا
الفن كل الالتزام. ومعظم البلاغيين لا يستسيغون الاعنات إذا جاء متكلفا ، وقد قال
الخفاجي : «وليس يغتفر للشاعر إذا نظم على هذا الفن لأجل ما ألزم نفسه ما لا يلزمه
شيء من عيوب القوافي ؛ لأنه إنما فعل ذلك طوعا واختيارا من غير إلجاء ولا إكراه.
ونحن نريد الكلام الحسن على أسهل الطرق وأقرب السبل وليس بنا حاجة الى المتكلف
المطرح وإن ادّعى علينا قائله أنّ مشقة نالته وتعبا مرّ به في نظمه» .
وفرّق ابن
الأثير بين المتكلف وغير المتكلف فقال : «أما المتكلف فهو الذي يأتي بالفكرة
والروية وذلك أن ينضى الخاطر في طلبه ويبعث على تتبعه واقتصاص أثره ، وغير المتكلف
يأتي مستريحا من ذلك كله ، وهو أن يكون الشاعر في نظم قصيدته أو الخطيب أو الكاتب
في انشاء خطبته أو كتابه ، فبينا هو كذلك إذ سنح له نوع من هذه الأنواع بالاتفاق
لا بالسعي والطلب. ألا ترى الى قول أبي نواس في مثل هذا الموضع :
اترك الاطلال
لا تعبأ بها
|
|
إنّها من كلّ
بؤس دانيه
|
وانعت الراح
على تحريمها
|
|
إنّما دنياك
دار فانيه
|
من عقار من
رآها قال لي :
|
|
صيدت الشمس
لنا في آنيه
|
وألحق بهذا
الفن تصغير الكلمات الأخيرة من الشعر أو من فواصل الكلام المنثور كقول بعضهم :
عزّ على ليلى
بذي سدير
|
|
سوء مبيتي
ليلة الضمير
|
مقضّبا نفسي
في طمير
|
|
تنتهز الرعدة
في ظهيري
|
يهفو اليّ
الزور من صديري
|
|
ظمآن في ريح
وفي مطير
|
وازر قرّ ليس
بالغرير
|
|
من لد ما ظهر
الى سحير
|
حتى بدت لي
جبهة القمير
|
|
لأربع خلون
من سهير
|
الإغارة :
أغار على القوم
إغارة وغارة : دفع عليهم الخيل ، وقيل : الإغارة المصدر والغارة الاسم من الاغارة
على
__________________
العدو .
والاغارة من
السرقات ، قال الحاتمي : «وهو أن يسمع الشاعر المفلق والفحل المتقدم الأبيات
الرائعة ندرت لشاعر في عصره وباينت مذاهبه في أمثالها من شعره ويكون بمذهب ذلك
الشاعر المغير أليق وبكلامه أعلق فيغير عليها مصافحة ويستنزل شاعرها عنها قسرا
بفضل الاغارة فيسلمها اليه اعتمادا لسلمه ومراقبة لحربه وعجزا عن مساجلة يمينه» .
وقال ابن رشيق
في باب السرقات : «الاغارة : أن يصنع الشاعر بيتا ويخترع معنى مليحا فيتناوله من
أعظم منه ذكرا وأبعد صوتا فيروى له دون قائله كما فعل الفرزدق بجميل وقد سمعه ينشد
:
ترى الناس ما
سرنا يسيرون خلفنا
|
|
وإن نحن
أومأنا الى الناس وقّفوا
|
فقال : متى كان
الملك في بني عذرة؟ إنما هو في مضر وأنا شاعرها ، فغلب الفرزدق على البيت ولم
يتركه جميل ولا أسقطه من شعره ، وقد زعم بعض الرواة أنّه قال له : تجاف لي عنه ،
فتجافى جميل عنه ، والأول أصح. فما كان هكذا فهو إغارة ، وقوم يرون أنّ الإغارة
أخذ اللفظ بأسره والمعنى بأسره ، والسّرق أخذ بعض اللفظ أو بعض المعنى ، كان ذلك
لمعاصر أو قديم» . ونقل الصنعاني هذا الكلام . وقال المظفر العلوي : «هي ادعاء اللفظ والمعنى من غير
أن يفكر الشاعر او يتعنّى ، فما ذم شاعر في السرقات بأقبح منها» وقال : هي «أقبح وجوه السرقات وأشنعها وأدناها منزلة
وأوضعها» .
ومن الاغارة ما
قاله ذو الرّمة : لقيت الفرزدق يوما فقلت له : لقد قلت أبياتا إنّ لها لعروضا ،
وإنّ لها لمرادا ومعنى بعيدا. فقال لي : ما قلت؟ قلت : قلت :
أحين أعاذت
بي تميم نساءها
|
|
وجُرّدت
تجريد اليماني من الغمد
|
ومدّت بضبعيّ
الرباب ومالك
|
|
وعمر وشالت
من ورائي بنو سعد
|
ومن آل يربوع
زهاء كأنّها
|
|
دجى الليل
محمود النكاية والورد
|
فقال له
الفرزدق : لا تعودنّ بها ، فأنا أحق بها منك.
فقال : والله
لا أعود فيها أبدا وما أرويها إلا لك فهي في قصيدة الفرزدق التي يقول فيها :
وكنّا إذا
القيسيّ نبّ عتوده
|
|
ضربناه فوق
الانثيين على الكرد
|
وكان الأحوص
بقباء فمرّ عليه موسى شهوات فأنشد قصيدة له حتى مرّ بهذا البيت :
وكذاك الزمان
يذهب بالنا
|
|
س وتبقى
الديار والآثار
|
فقال الأحوص
على رويّها قصيدة أولها :
ضوء نار بدا
لعينك أم شبّ
|
|
ت بذي الأثل
من سلامة نار
|
فأدخل فيها هذا
البيت فقال موسى شهوات : «ما رأيت مثلك يا أحوص ، أنشدتك قصيدة لي فذهبت بأفضل بيت
فيها فقال الأحوص : «والله ما هو لي ولا لك ، وما هو إلا للبيد حيث يقول :
وكذاك الزمان
يذهب بالنا
|
|
س وتبقى
الديار والآثار
|
فعفا آخر
الزمان عليهم
|
|
فعلى آخر
الزمان الديار
|
الإغراب :
الإغراب هو
الاستغراب وقد تقدم ، وذلك بأن يأتي
__________________
المتكلم بمعنى غريب نادر لم يسمع بمثله أو سمع وهو قليل الاستعمال. وسماه
قوم النوادر .
الإغراق :
أغرق في الشيء
: جاوز الحد ، وأصله من نزع السهم والاغراق فوق المبالغة ودون الغلو ، وقد سماه ثعلب «الافراط في الاغراق» ولم يعرّفه كقول امرئ القيس :
وقد أغتدي
والطير في وكناتها
|
|
بمنجرد قيد
الأوابد هيكل
|
وذكر ابن
المعتز «الافراط في الصفة» وسماه الرازي «الاغراق في الصفة» وهي تسمية الوطواط .
وتحدث عنه
العسكري في باب الغلو وقال : «الغلو تجاوز حد المعنى والارتفاع فيه الى غاية لا
يكاد يبلغها» كقوله تعالى : (وَبَلَغَتِ
الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) وقول الشاعر :
يتقارضون إذا
التقوا في موطن
|
|
نظرا يزيل
مواطن الأقدام
|
وقال الحاتمي :
«وبعضهم يسميه الغلو» ثم قال : «وجدت العلماء بالشعر يعيبون على أبيات الاغراق
ويختلفون في استهجانها واستحسانها ويعجب بعض منهم بها وذلك على حسب ما يوافق طباعه
واختياره ، ويرون أنها من إبداع الشاعر الذي يوجب الفضلة له.
ويقولون : «إنّ
أحسن الشعر أكذبه» وان الغلو إنما يراد به المبالغة. قالوا : واذا أتى الشاعر من
الغلو بما يخرج به عن الموجود ويدخل في باب المعدوم فانما يراد به المثل وبلوغ الغاية
في النعت. واحتجوا بقول النابغة وقد سئل : من أشعر الناس؟ فقال : «من استجيد كذبه
وأضحك رديّه». وقد طعن على هذا المذهب لمنافاته الحقيقية ، وانه لا يصحّ عند
التأمل والفكرة» .
وسماه ابن رشيق
الغلو وقال إنّ من أسمائه :
الإغراق
والإفراط ، وربط بين الغلو والاغراق في المعنى ، فالأول مشتق من «المغالاة
ومن غلوة السهم وهي مدى رميته» والثاني «أصله في الرمي وذلك أن تجذب السهم في
الوتر عند النزع حتى تستغرق جميعه بينك وبين حنية القوس». ثم قال : «وهذه التسمية
تدلّ على ما نحوت اليه وأشرت نحوه» . وقال : إنّ «أحسن الاغراق ما نطق فيه الشاعر أو
المتكلم بـ «كاد» أو ما شاكلها نحو «كأن» و «لو» و «لو لا» .
وفرّق المصري
بين الاغراق والغلو فقال : «وقد رأيت من لا يفرق بين الغلو والاغراق ويجعل
التسميتين لباب واحد. وعندي أنّ معنى البابين مختلف كاختلاف اسميهما إلا أنّ
الاغراق أصله في النزع وأصل الغلو بعد الرمية وذلك أنّ الرامي ينصب غرضا يقصد
إصابته فيجعل بينه وبينه مدى يمكن معه تحقيق ذلك الغرض فاذا لم يقصد غرضا معينا
ورمى السهم الى غاية ما ينتهي اليه بحيث لا يجد مانعا يمنعه من استيفاء السهم قوته
في البعد سميت هذه الرمية غلوة ، فالغلو مشتق منها. ولما كان الخروج عن الحق الى
الباطل يشبه خروج هذه الرمية عن حدّ الغرض المعتاد الى غير حدّ سمّي غلوا» وقال ابن مالك
__________________
عن الاغراق إنّه قسمان أحسنهما وأدخلهما في القبول ما اقترن به ما يقربه من
حد الصحة كـ «قد» و «كاد» و «لو» و «لو لا» وحرف التشبيه. وقال عن الغلو إنّ
المقبول منه «أن لا يتضمن دعوى كون الوصف على مقدار غير ممكن الوصف بما هو خارج عن
طباق الموصوف» .
ولكنّ معظم
البلاغيين آثروا مصطلح «الإغراق» وقد قال ابن منقذ عنه : «هو أن يبالغ في الشيء
بلفظه ومعناه» ، وقال الحلبي : «هو فوق المبالغة ودون الغلوّ» ، وقال عن الغلوّ : «ومنهم من يجعله هو والإغراق شيئا
واحدا». وذكر النويري مثل ذلك .
وجمع ابن
الاثير الحلبي الإغراق والغلوّ والمبالغة في باب واحد وقال : «هي ثلاث تسميات
متقاربة وردت في باب واحد لقرب بعضها من بعض» ، وقال في الإغراق : «هو الزيادة في المبالغة حتى
يخرجها عن حدّها». وفي الغلوّ : «هو زيادة في الخروج عن الحدّ». وفي المبالغة : «بلوغ
القصد في المعنى من غير تجاوز في الحدّ». ومثّل للإغراق بقول ابن المعتزّ :
صببنا عليها
ظالمين سياطنا
|
|
فطارت بها
أيد سراع وأرجل
|
وللغلو بقول
الشاعر :
تظلّ تحفر
عنه إن ضربت به
|
|
بعد الذراعين
والساقين والهادي
|
وللمبالغة بقول
الآخر :
تصرّم الدهر
لا وصل فيطمعني
|
|
فيما لديك
ولا نأي فيسليني
|
وكيف أعجب من
عصيان قلبك لي
|
|
يوما إذا كان
قلبي فيك يعصيني
|
والإغراق عند
العلوي أحد أنواع المبالغة وقد قال عنه إنّه «ما كان ممكن الوقوع لكنه ممتنع وقوعه
في العادة» كقول المتنبّي :
كفى بجسمي
نحولا إنّني رجل
|
|
لو لا
مخاطبتي إيّاك لم ترني
|
وحصر القزويني
المبالغة في التبليغ والإغراق والغلوّ لأنّ «المدعي للوصف من الشدة أو الضعف إما
إن يكون ممكنا في نفسه ، والثاني الغلو ، والاول إما أن يكون ممكنا في العادة أو
لا ، الأوّل التبليغ ، والثاني الإغراق» . وذكر للإغراق قول الشاعر :
ونكرم جارنا
ما دام فينا
|
|
ونتبعه
الكرامة حيث مالا
|
وتبعه في ذلك
شرّاح تلخيصه والسيوطي . ووضع الحموي الإغراق فوق المبالغة ودون الغلوّ وقال
عنه : «هو في الاصطلاح إفراط وصف الشيء بالممكن البعيد وقوعه عادة» ، وقال المدني : «الإغراق هو أن تدّعي لشيء وصفا بالغا
حدّ الإمكان عقلا والاستحالة عادة» .
ومن الإغراق
الى جانب ما تقدّم قول امرئ القيس :
تنوّرتها من
أذرعات وأهلها
|
|
بيثرب أدنى
دارها نظر عال
|
فإنّ أذرعات في
الشام ويثرب في الحجاز ، وبينهما ما بينهما من الجبال.
__________________
وقول ابن
الفارض :
كأني هلال
الشّكّ لو لا تأوّهي
|
|
خفيت فلم تهد
العيون لرؤيتي
|
وقول مجنون
ليلى :
ألا إنّما
غادرت يا أمّ مالك
|
|
صدى أينما
تذهب به الريح يذهب
|
وقول بشار :
في حلّتي جسم
فتى ناحل
|
|
لو هبّت
الريح به طاحا
|
افتتاحات
الكلام :
هي الابتداء أو
حسن الابتداء أو حسن الافتتاح ، وهذه تسمية التنوخي الذي قال : «وأما افتتاحات
الكلام وخواتمه فينبغي لمن نظم شعرا أو ألف خطبة أو كتابا أن يفتتحه بما يدل على
مقصوده منه ويختمه بما يشعره بانقضائه ، وأن يقصد ما يروق من الالفاظ والمعاني
لاستمالة سامعيه اليه» .
الافتنان :
يفنن الرجل
الكلام أي يشتق في فن بعد فن ، ورجل مفنّ : يأتي بالعجائب وامرأة مفنّة ، وافتنّ
الرجل في حديثه وفي خطبته إذا جاء بالأفانين وهو مثل أشتق. وافتن الرجل في كلامه :
اذا توسع وتصرف ، وافتن : أخذ في فنون من القول .
والافتنان من
الفنون التي ابتدعها المصري وقال عنه : «أن يفتن المتكلم فيأتي بفنين متفاوتين من
فنون الكلام في بيت واحد أو جملة واحدة مثل النسيب والحماسة والهجاء والهناء
والعزاء» . كقوله تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي
الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) فقد جمعت هذه اللفظات التي هي بعض آية الوعد والوعيد
والتبشير والتحذير. وقوله : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها
فانٍ. وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ).
فقد جمعت هاتان
الآيتان التعزية والفخر.
ومنه قول عبد
الله بن طاهر بن الحسين.
أحبك يا ظلوم
وأنت عندي
|
|
مكان الروح
من جسد الجبان
|
ولو أني أقول
مكان روحي
|
|
خشيت عليك
بادرة الطعان
|
وقول أبي نواس
للعباس بن الفضل بن الربيع يعزيه بالرشيد ويهنئه بالأمين :
تعزّ أبا
العباس عن خير هالك
|
|
بأكرم حيّ
كان أو من هو كائن
|
حوادث أيام
تدور صروفها
|
|
لهنّ مساوي
مرة ومحاسن
|
وفي الحي
بالميت الذي غيّب الثرى
|
|
فلا أنت
مغبون ولا الموت غابن
|
فقد جمع بين
التعزية والتهنئة.
ولم يخرج
الآخرون كالحلبي والنويري والسبكي والحموي والسيوطي والمدني عن هذه الدلالة والأمثلة وإن زاد المدنّي أمثلة أخرى ،
من ذلك قول عنترة الذي ذكر النسيب والحماسة في قوله :
إن تغد في
دوني القناع فانّني
|
|
طبّ بأخذ
الفارس المستلئم
|
__________________
فأول البيت نسيب وآخره حماسة.
ومن الافتنان
بالهجو والمدح قول ربيعة في يزيد بن حاتم يفضله على يزيد بن أسيد وكان في لسانه
تمتمة فعرّض بها في هذه الأبيات :
لشتان ما بين
اليزيدين في النّدى
|
|
يزيد سليم
والأعزّ ابن حاتم
|
فهمّ الفتى
الازديّ إتلاف ماله
|
|
وهمّ الفتى
القيسي جمع الدراهم
|
فلا يحسب
التمتام أني هجوته
|
|
ولكنني فضّلت
أهل المكارم
|
ومن أمثلته قول
الشريف الرضي جامعا بين الحماسة والمدح والهجو تعريضا لا تصريحا :
ما مقامي على
الهوان وعندي
|
|
مقول صارم
وأنف حميّ
|
وإباء محلّق
بن عن الضي
|
|
م كما راغ
طائر وحشيّ
|
أيّ عذر له
الى المجد إن ذل
|
|
ل غلام في
غمده المشرفيّ
|
ألبس الذلّ
في ديار الأعادي
|
|
وبمصر
الخليفة العلويّ
|
من أبوه أبي
ومولاه مولا
|
|
ي إذا ضامني
البعيد القصيّ
|
لفّ عرقي
بعرقه سيدا النا
|
|
س جميعا محمد
وعليّ
|
إنّ ذلّي
بذلك الجو عزّ
|
|
وأوامي بذلك
النّقع ريّ
|
قد يذل
العزيز ما لم يشمر
|
|
لانطلاق وقد
يضام الأبيّ
|
إنّ شرا عليّ
اسراع عزمي
|
|
في طلاب
العلى وحظي بطيّ
|
أرتضي بالأذى
ولم يقف العز
|
|
م قصورا ولم
تعز المطيّ
|
تاركا أسرتي
رجوعا الى حي
|
|
ث غديري قذ
ورعيي وبيّ
|
كالذي يخبط
الظلام وقد أق
|
|
مر من خلفه
النهار المضيّ
|
ومن ذلك قول
أبي الفتيان محمد بن حيوس يخاطب نصر بن محمود صاحب حلب مهنيا له بالملك ومعزيا له
في أبيه :
صبرنا على
حكم الزمان الذي سطا
|
|
على أنّه
لولاك لم يكن الصّبر
|
عرانا ببوسى
لا يماثلها الأسى
|
|
تقارن نعمى
لا يقابلها شكر
|
الإفراط :
يقال : أفرط في
الأمر : أسرف وتقدم ، والافراط :
إعجال الشيء في
الأمر قبل التثبت ، يقال : أفرط فلان في أمره أي عجّل فيه. وأفرط عليه : حمله فوق
ما يطيق ، وكل شيء جاوز قدره فهو مفرط ، والافراط : الزيادة على ما أمرت .
وقد قيل
للاصمعي : من أشعر الناس؟ قال : من يأتي الى المعنى الخسيس فيجعله بلفظه حسنا ،
ويأتي الى المعنى الكبير فيجعله بلفظه خسيسا ، وذلك عن طريق المبالغة والافراط في الصفة. وذكر
الجاحظ الافراط في الصفة وقال : «وإذ قد ذكرنا شيئا من الشعر في صفة الضرب والطعن
فقد ينبغي أن نذكر بعض ما يشاكل هذا الباب من إسراف من أسرف واقتصاد من اقتصد.
فاما من أفرط فقول مهلهل :
__________________
فلولا الريح
أسمع من بحجر
|
|
صليل البيض
تقرع بالذكور
|
وهذا ما ذكره
قدامة فيما بعد وأدخله في المبالغة .
ومن أشعار
المقتصدين في الشعر قول بعضهم :
تركت الركاب
لأربابها
|
|
فأجهدت نفسي
على ابن الصعق
|
جعلت يديّ
وشاحا له
|
|
وبعض الفوارس
لا يعتنق
|
وممن صدق على
نفسه عمرو بن الاطنابة حيث يقول :
وإقدامي على
المكروه نفسي
|
|
وضربي هامة
الرجل المشيح
|
وقولي كلما
جشأت وجاشت
|
|
مكانك تحمدي
أو تستريحي
|
وتحدث ابن
قتيبة عن ذلك واستحسن المبالغة والافراط في الاستعارة وقال : «وكان بعض أهل اللغة
يأخذ على الشعراء أشياء من هذا الفن وينسبها فيه الى الافراط وتجاوز المقدار ، وما
أرى ذلك إلا جائزا حسنا» . وأشار المبرد الى الافراط في قول الشاعر :
فلو أنّ ما
أبقيت مني معلّق
|
|
بعود ثمام ما
تأوّد عودها
|
وقال : إنّ هذا
متجاوز «وأحسن منه ما أصاب به الحقيقة ونبه فيه بفطنته على ما يخفى عن غيره وساقه
برصف قوي واختصار قريب» .
وأشار ثعلب الى
الإفراط في الغلو وذكر له أمثلة كقول النابغة :
وإنّك شمس
والملوك كواكب
|
|
إذا طلعت لم
يبد منهن كوكب
|
وذكر ابن
المعتز الافراط في الصفة وعدّه من محاسن الكلام . وتحدث عنه قدامة في باب المبالغة ، وتكلم عليه القاضي الجرجاني فقال : «فأما الافراط
فمذهب عام في المحدثين وموجود كثير في الاوائل ، والناس فيه مختلفون فمستحسن قابل
ومستقبح رادّ ، وله رسوم متى وقف الشاعر عندها ولم يتجاوز الوصف حدّها جمع بين
القصد والاستيفاء وسلم من النقص والاعتداء ، فاذا تجاوزها اتسعت له الغاية وأدته
الحال الى الاحالة ، وإنّما الاحالة نتيجة الافراط وشعبة من الاغراق ، والباب واحد
، ولكن له درج ومراتب. فاذا سمع المحدث قول الأول :
ألا إنّما
غادرت يا أمّ مالك
|
|
صدّى أينما
تذهب به الريح يذهب
|
وقول آخر من
المتقدمين :
ولو أنّ
أبقيت مني معلّق
|
|
بعود ثمام ما
تأوّد عودها
|
جسر على أن
يقول :
أسرّ إذا
نحلت وذاب جسمي
|
|
لعلّ الريح
تسفي بي اليه
|
وبدأ هذا الفن
يدخل الدراسات البلاغية ، فتحدث عنه ابن رشيق في باب الغلو والإغراق ، وعرّفه ابن الاثير بقوله : «وأما الإفراط فهو الإسراف
وتجاوز الحد ، يقال : «أفرط في الشيء إذا أسرف وتجاوز الحد» .
وفرّق بينه
وبين التفريط فقال : «أما التفريط والإفراط فهما ضدان أحدهما أن يكون لمعنى المضمر
في العبارة دون ما تقتضيه منزلة المعبّر عنه. والآخر أن
__________________
يكون المعنى فوق منزلته».
وعقد ابن
الزملكاني فصلا لفن سماه «الافراط والنزول» وقال : «إنّ هذا الغرض لا يوصف قاصده
بالكذب إذ كان غرضه معلوما وكان متجوزا في مقاله غير قاصد الى البتّ به والقطع
بمقتضاه» .
ومثّل له ببعض
كلام الله من ذلك قوله : (وَما أَمْرُ
السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ). وعقد المصري بابا سماه «الإفراط في الصفة» وقال : «وهو
الذي سمّاه قدامة المبالغة ، وسماه من بعده التبليغ ، وأكثر الناس على تسمية قدامة
لأنّها أخفّ وأعرف» وتحدث في هذا الباب عن المبالغة بمعناها العام وقال
إنّها جاءت في كتاب الله العزيز.
وقال القرطاجني
: «هو أن يغلو في الصفة فيخرج بها عن حد الامكان الى الامتناع والاستحالة» .
ولخّص التنوخي
وابن قيم الجوزية وابن الأثير الحلبي ما ذكره ابن الأثير ، وقال الحلبي والنويري إنّ «المبالغة تسمى التبليغ
والافراط في الصفة» .
وسار العلوي
على خطى ابن الأثير وقال إنّ الافراط الزيادة عن الحد أو هو «تجاوز الحد في المدح
والذم وغيرهما من المقاصد» وقال إنّ في الاقتصاد مذهبين :
الاول : جوازه
، وقالوا : «إنّ أحسن الشعر أكذبه» بل أكذبه يكون أصدقه.
والثاني : منعه
بعضهم وزعم أنّ للأمر حدودا ونهايات مما يدخل تحت الامكان فاما ما كان من الأمور
مما لا يدخل تحت الامكان ولا يعقل وجوده فلا وجه له. وجوّزه العلوي على كل أحواله
لأنّه «إذا كان جائز الوجود فهو معجب لا محالة لاشتماله على المبالغة في المدائح
وأنواع الذم وإن لم يكن جائز الوجود فالاعجاب به أشد والملاحة فيه أدخل ، وقد ورد
مثل ذلك في كتاب الله تعالى» .
ومن أمثلة
الافراط قول عنترة :
وأنا المنية
في المواطن كلّها
|
|
والطّعن مني
سائق الآجال
|
وقول بشار :
إذا ما غضبنا
غضبة مضريّة
|
|
هتكنا حجاب
الشّمس أو قطّرت دما
|
وقول المتنبي :
كأنّ الهام
في الهيجا عيون
|
|
وقد طبعت
سيوفك من رقاد
|
وقد صغت
الأسنة من هموم
|
|
فما يخطرن
إلا في فؤاد
|
وقول أبي نواس
:
وأخفت أهل
الشّرك حتى أنّه
|
|
لتخافك
النّطف التي لم تخلق
|
الإفراط في
الاستعارة :
هو الخروج عن
حدّ الاستعمال والعادة ، وكان أبو تمام قد اتّهم بذلك لأنّه خرج على عمود الشعر في
الاستعارة ، ولذلك قال الآمدي : «إنّ للاستعارة حدا تصلح فيه اذا جاوزته فسدت
وقبحت» . وقال : «وإنما استعارت العرب المعنى لما ليس هو له إذا
كان يقاربه أو يناسبه أو يشبهه في بعض أحواله أو كان سببا من أسبابه فتكون اللفظة
المستعارة حينئذ
__________________
لائقة بالشيء الذي استعيرت له وملائمة لمعناه» .
وعابوا المتنبي
لأنّه يفرط أحيانا في الاستعارة ، وإن كان لا يخرج على عمود الشعر كأبي تمام :
ومن قبيح
استعارات أبي تمام قوله :
يا دهر قوّم
من أخدعيك فقد
|
|
أضججت هذا
الأنام من خرقك
|
وقوله :
فضربت الشتاء
في أخدعيه
|
|
ضربة غادرته
عودا ركوبا
|
وقوله :
تروح علينا
كلّ يوم وتغتدي
|
|
خطوب كأنّ
الدهر منهن يصرع
|
ومن افراط
المتنبي في الاستعارة قوله :
مسرّة في
قلوب الطيب مفرقها
|
|
وحسرة في
قلوب البيض واليلب
|
وقوله :
تجمعت في
فؤاده همم
|
|
ملء فؤاد
الزمان إحداها
|
ولكنّ هذا
اللون من الاستعارات ليس محظورا على الشاعر إذا كان مثل المتنبي أو أبي تمام.
الاقتباس :
يقال : قبست
منه نارا أقبس قبسا فأقبسني أي :أعطاني منه قبسا ، وكذلك اقتبست منه نارا واقتبست
منه علما أيضا أي : استفدته .
فالاقتباس هو
الأخذ والاستفادة ، وقد عرف هذا اللون من الأخذ منذ عهد مبكر وكانوا يسمون الخطبة
التي لا توشّح بالقرآن الكريم بتراء. وروى الجاحظ عن عمران بن حطان انه قال : «إنّ
أول خطبة خطبتها عند زياد ـ أو عند ابن زياد ـ فاعجب بها الناس وشهدها عمي وأبي ،
ثم اني مررت ببعض المجالس فسمعت
رجلا يقول
لبعضهم : هذا الفتى أخطب العرب لو كان في خطبته شيء من القرآن» .
وقد عرّف
الرازي الاقتباس بقوله : «هو أن تدرج كلمة من القرآن أو آية منه في الكلام تزيينا
لنظامه وتضخيما لشأنه» .
وقال الحلبي : «هو
أن يضمن الكلام شيئا من القرآن أو الحديث ولا ينبّه عليه للعلم به» ، وذكر مثل ذلك النويري .
وقال ابن قيم
الجوزية : «ويسمّى التضمين ، وهو أن يأخذ المتكلم كلاما من كلام غيره يدرجه في
لفظه لتأكيد المعنى الذي أتى به أو ترتيب ، فان كان كلاما كثيرا أو بيتا من الشعر
فهو تضمين وإن كان كلاما قليلا أو نصف بيت فهو إيداع» وعرّفه القزويني بمثل ما عرّفه الحلبي والنويري وأضاف
قائلا : «لا على أنّه منه» . كقول الحريري : «فلم يكن إلا كلمح البصر أو هو أقرب
حتى أنشد فاغرب» ، والاقتباس من الآية السابعة والسبعين من سورة النحل وهي : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ
الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ.)
ومنه قول
الحماسي :
__________________
إذا رمت عنها
سلوة قال شافع
|
|
من الحب
ميعاد السلوّ المقابر
|
ستبقى لها
مضمر القلب والحشا
|
|
سريرة ودّ
يوم تبلى السرائر
|
والاقتباس من
الآية التاسعة من سورة الطارق وهي :(يَوْمَ تُبْلَى
السَّرائِرُ.)
والاقتباس منه
ما لا ينتقل فيه اللفظ المقتبس عن معناه الاصلي الى معنى آخر كما تقدم ، ومنه
بخلاف ذلك كقول ابن الرومي :
لئن أخطأت في
مدح
|
|
ك ما أخطأت
في منعي
|
لقد أنزلت
حاجاتي
|
|
«بِوادٍ
غَيْرِ ذِي زَرْعٍ»
|
والاقتباس من
الآية السابعة والثلاثين من سورة ابراهيم وهي : (رَبَّنا إِنِّي
أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ
الْمُحَرَّمِ ، رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ
تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ.) ولا بأس بتغيير يسير لأجل الوزن أو غيره كقول بعضهم عند وفاة بعض أصحابه :
قد كان ما
خفت أن يكونا
|
|
إنّا الى
الله راجعونا
|
والاقتباس من
الآية ١٥٦ من سورة البقر ، وهي :(الَّذِينَ إِذا
أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.)
وقول عمر
الخيام :
سبقت
العالمين الى المعالي
|
|
بصائب فكرة
وعلوّ همّه
|
ولاح بحكمتي
نور الهدى في
|
|
ليال للضلالة
مدلهمسه
|
يريد
الجاهلون ليطفؤوه
|
|
«ويأبى الله إلّا أن يتمّه»
|
والاقتباس من
الآية الثانية والثلاثين من سورة التوبة ، وهي : (يُرِيدُونَ أَنْ
يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ
نُورَهُ ، وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ.)
وكقول الآخر :
فلو كانت
الأخلاق تحوي وراثة
|
|
ولو كانت
الآراء لا تتشعّب
|
لأصبح كلّ
الناس قد ضمّهم هوى
|
|
كما أنّ كلّ
الناس قد ضمّهم أب
|
ولكنها
الأقدار كلّ ميسّر
|
|
لما هو مخلوق
له ومقرّب
|
اقتبس من لفظ
الحديث الشريف : «اعملوا ، كلّ ميسّر لما خلق له». وسار المتأخرون في هذا السبيل
كالسبكي والتفتازاني والسيوطي والاسفراييني والمغربي ، غير أنّ الحموي ذكر رأيا جديدا نسبه الى العلماء وهو
أن جعل الاقتباس نوعين : فما قام به الناثرون من الخطباء والمنشئين يسمى الاقتباس
، وما يتم على أيدي الشعراء في أشعارهم يسمى التضمين.
وذلك أنّ
العلماء في هذا الباب قالوا : «إنّ الشاعر لا يقتبس بل يعقد ويضمن ، وأما الناثر
فهو الذي يقتبس كالمنشئ والخطيب» .
وذكر الحموي
أيضا أنّ الاقتباس من كتاب الله على ثلاثة أقسام : مقبول ومباح ومردود. فالاول :
ما كان في الخطب والمواعظ والعهود ومدح النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ونحو ذلك.
والثاني : ما
كان في الغزل والرسائل والقصص.
والثالث : على
ضربين :
__________________
أحدهما : ما
نسبة الله تعالى الى نفسه ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه ، كما قيل عن أحد بني
مروان إنّه وقّع على مطالعة فيها شكاية من عماله : (إِنَّ إِلَيْنا
إِيابَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ).
والآخر : تضمين
آية كريمة في معنى هزل لا يحسن ذكر مثاله . وهذا ما نقله المدني من شرح بديعية صفي الدين الحلي وذكره السيوطي ايضا .
الاقتدار :
القدر والقدرة
والمقدار : القوة ، وقدر عليه يقدر قدرة ، واقتدر فهو قادر وقدير وأقدره الله
عليه.
والاقتدار على
الشيء : القدرة عليه .
والاقتدار من
الفنون التي ابتدعها المصري وقال في تعريفه : «هو أن يبرز المتكلم المعنى الواحد
في عدة صور اقتدارا منه على نظم الكلام وتركيبه وعلى صياغة قوالب المعاني والأغراض
، فتارة يأتي به لفظ الاستعارة وطورا يبرزه في صورة الإرداف وآونة يخرجه مخرج
الايجاز ، وحينا يأتي به في ألفاظ الحقيقة» . وسماه في «تحرير التحبير» التصرف وعرفه بمثل هذا
التعريف . كقول امرئ القيس يصف الليل :
وليل كموج
البحر أرخى سدوله
|
|
عليّ بأنواع
الهموم ليبتلي
|
فقلت له لمّا
تمطّى بصلبه
|
|
وأردف أعجازا
وناء بكلكل
|
فانه ابرز هذا
المعنى في لفظ الاستعارة ثم تصرف فيه فأتى به بلفظ الايجاز فقال :
فيا لك من
ليل كأنّ نجومه
|
|
بكل مغار
الفتل شدّت بيذبل
|
ثم تصرّف فيه
فأخرجه بلفظ الإرداف فقال :
كأنّ الثر يا
علّقت في مصامها
|
|
بأمراس كتّان
الى صمّ جندل
|
ثم تصرف فيه
فعبر عنه بلفظ الحقيقة فقال :
ألا أيّها
الليل الطويل ألا انجلي
|
|
بصبح وما إلا
صباح منك بأمثل
|
قال المصري : «ولا
شبهة في أنّ هذا إنّما يأتي من قوة الشاعر وقدرته ، ولذلك أتت قصص القرآن الكريم
في صور شتى من البلاغة ما بين الايجاز والاطناب واختلاف معاني الالفاظ» .
ولخّص السيوطي
كلام المصري وسار على مذهبه في بحث هذا الفن وسماه الاقتدار .
الاقتسام :
هو افتعال من
قولهم «اقتسم اقتساما وقاسم مقاسمة وقاسم قساما إذا حلف» وقد أقسم بالله واستقسمه به وقاسمه : حلف له ، وتقاسم
القوم.
تحالفوا ، وفسر
قوله تعالى : (كَما أَنْزَلْنا
عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) بانهم الذين تقاسموا وتحالفوا على كيد الرسول . وهو في البلاغة «أن يحلف على شيء بما فيه فخر أو مدح
أو تعظيم أو تغزل أو زهو أو غير ذلك مما يكون في رشاقة في الكلام وتحسين له» . وهذا تعريف العلوي ، وذكر من الاقتسام خمسة أمور :
__________________
الأول :
الامتنان والفخر ، والامتنان كقوله تعالى :
(فَوَ رَبِّ السَّماءِ
وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ). فامتنّ الله ـ تعالى ـ وأكّد امتنانه بما يقرره من
القسم.
والافتخار كقول
الأشتر النخعي :
بقّيت وفري
وانحرفت عن العلى
|
|
ولقيت أضيافي
بوجه عبوس
|
إن لم أشنّ
على ابن هند غارة
|
|
لم تخل يوما
من نهاب نفوس
|
فضمّن هذا
القسم على الوعيد ما فيه افتخار من الجود والشرف والسؤدد والشجاعة والبسالة.
الثاني : المدح
والثناء كقول الشاعر :
آثار جودك في
القلوب تؤثّر
|
|
وجميل بشرك
بالنجاح يبشّر
|
إن كان في
أمل سواك أعدّه
|
|
فكفرت نعمتك
التي لا تكفر
|
فهذا إنّما ورد
ههنا على جهة المدح والثناء على الممدوح بما هو أهله.
الثالث : تعظيم
القدر كقوله تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ
لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) ومنه قول عمر بن أبي ربيعة :
قالت وعيش
أخي وحرمة والدي
|
|
لأنبهنّ
الحيّ إن لم تخرج
|
فخرجت خيفة
قولها فتبسّمت
|
|
فعلمت أنّ
يمينها لم تحرج
|
فضممتها
ولثمتها وفديت من
|
|
حلفت عليّ
يمين غير المحرج
|
فقد حكى يمينها
على جهة الاعظام لها ورفع القدر منها.
الرابع : ما
يكون على جهة التغزل ، ومثاله ما قاله بعض الشعراء :
جنى وتجنّى
والفؤاد يطيعه
|
|
فلا ذاق من
يجني عليّ كما يجني
|
فان لم يكن
عندي كعيني ومسمعي
|
|
فلا نظرت
عيني ولا سمعت أذني
|
فقوله : «فان
لم يكن عندي كسمعي» فيه دلالة على القسم وهو متضمن له على جهة التغزل والاعجاب.
الخامس : أن
يكون واردا على جهة الزهو والطرب ومثاله قول الشاعر :
حلفت بمن
سوّى السماء وشادها
|
|
ومن مرج
البحرين يلتقيان
|
ومن قام في
المعقول من غير رؤية
|
|
بأثبت من
إدراك كلّ عيان
|
لما خلقت
كفّاك إلا لأربع
|
|
عقائل لم
يعقل لهنّ ثوان
|
لتقبيل أفواه
وإعطاء نائل
|
|
وتقليب هنديّ
وحبس عنان
|
فهذا وارد في
القسم على جهة الاعظام في المديح والاطراء على ممدوحه وإشادة ذكره واظهار أمره.
وسمّاه
التبريزي القسم ، قال البغدادي : «هو أن يقسم الشاعر أو يحلف غيره
بأقسام تتعلق بغرضه المقصود معتمدا بذلك الابداع فيما ينظم» .
وذكر له بيتي
الأشتر النخعي : «بقيت وفري ...» وقول أبي علي البصير معرضا بعلي ابن الجهم :
أكذبت أحسن
ما يظنّ مؤمّلي
|
|
وهدمت ما
شادته لي أسلافي
|
وعدمت عاداتي
التي عوّدتها
|
|
قدما من
الإتلاف والإخلاف
|
__________________
وصحبت أصحابي
بعرض معرض
|
|
متحكّم فيه
ومال وافي
|
وغضضت من
ناري ليخفى ضوؤها
|
|
وقريت عذرا
كاذبا أضيافي
|
إن لم أشنّ
على عليّ خلّة
|
|
تضحي قذى في
أعين الأشراف
|
وقال المصري : «هو
أن يريد الشاعر الحلف على شيء فيحلف بما يكون له مدحا وما يكسبه فخرا ، أو ما يكون
هجاء لغيره أو وعيدا له أو جاريا مجرى التغزل والترقق» أو «خارجا مخرج الموعظة والزهد» .
وذكر له
الأمثلة السابقة للأقسام الخمسة وهي :
الفخر والمدح
والتعظيم والغزل والزهد.
وقال ابن مالك
: «القسم أن تحلف على شيء بما فيه من فخر أو مدح أو تعظيم أو تغزل أو زهد أو غير
ذلك» ، وهذا قريب من كلام المصري وتقسيماته.
وقال الحلبي : «هو
أن يريد الشاعر الحلف على شيء فيأتي في الحلف بما يكون مدحا له وما يكسبه فخرا أو
يكون هجاءا لغيره أو وعيدا أو جاريا مجرى التغزل والترقق» . وذكر النويري هذا التعريف .
وقال ابن
الأثير الحلبي : «حقيقة هذا الباب أن يريد الشاعر أن يحلف على شيء فيحلف بما يكون
له مدحا وما يكسبه فخرا وما يكون تعريضا لغيره» .
وقال السبكي : «هو
الحلف على المراد بما يكون فيه تعظيم المقسم أو غير ذلك بما يناسبه» .
وعرّفه الزركشي
تعريفا نحويا فقال : «هو عند النحويين جملة يؤكد بها الخبر» ، وليس هذا ما قصد اليه البلاغيون.
ونفى الحموي أن
يكون لهذا الفن كبير فائدة في البديع ، قال : «القسم أيضا حكاية حال واقعة وليس
تحته كبير أمر ولكن تقرر أنّ الشروع في المعارضة ملزم ، وعرّفه بقوله : «هو أن يقصد الشاعر الحلف على شيء
فيحلف بما يكون له مدحا وما يكسبه فخرا وما يكون هجاء لغيره». وردّ المدني هذا
الكلام بقوله : «وهذا غلط صريح منه فانّ القسم من أنواع الانشاء وحكاية الحال من
نوع الاخبار ، ولكن ليس هذا بمستنكر من ابن حجة فانّ باعه قصير جدا في المسائل
العلمية» .
وقال السيوطي :
«هو أن يريد المتكلم الحلف على شيء فيحلف بما يكون فيه فخر له أو تعظيم أو تنويه
لقدره أو ذم لغيره أو جاريا مجرى الغزل والترفق أو خارجا مخرج الموعظة والزهد» . وتحدث عنه في الانشاء وقال : «نقل القرافي في الاجماع
على أنّه إنشاء وفائدته تأكيد الجملة الخبرية وتحقيقها عند السامع» .
فالاقتسام هو
القسم ، ولكن العلوي انفرد بالمصطلح الأول في حين تردد الثاني في كتب البلاغة
والنحو والأدب.
الاقتصاد :
القصد في الشيء
: خلاف الافراط ، وهو ما بين الإسراف والتقتير ، واقتصد فلان في أمره ، أي :استقام
، فالاقتصاد هو الاستقامة والاعتدال في
__________________
الامور.
وقد عرفه ابن
الأثير بقوله : «أن يكون المعنى المضمر في العبارة على حسب ما يقتضيه المعبّر عنه
في منزلته» .
ولخص التنوخي
وابن الأثير الحلبي وابن قيم الجوزية كلام ابن الأثير ، ونقل العلوي كثيرا منه وقال في الاقتصاد : «ومعناه أن
يكون المعنى المتدرج تحت العبارة على حسب ما يقتضيه المعبّر عنه مساويا له من غير
زيادة فيكون إفراطا ، ولا نقصان فيكون تفريطا» . كقوله تعالى : (هُدىً
لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ
إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُولئِكَ
عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
فهذه الأوصاف
على نهاية الاقتصاد والتوسط من غير إفراط ولا تفريط.
ومنه قول
الفرزدق يمدح زين العابدين علي بن الحسين :
هذا الذي
تعرف البطحاء وطأته
|
|
والبيت يعرفه
والحلّ والحرم
|
هذا ابن خير
عباد الله كلّهم
|
|
هذا التقيّ
النقيّ الطاهر العلم
|
يكاد يمسكه
عرفان راحته
|
|
ركن الحطيم
إذا ما جاء يستلم
|
وقول البحتري :
فلو انّ
مشتاقا تكلّف فوق ما
|
|
في وسعه لسعى
اليك المنبر
|
الاقتصاص :
قصّ آثارهم
يقصّها قصّا وقصصا وتقصّصا : تتّبعها بالليل ، وقيل : هو تتبّع الأثر أي وقت كان.
ويقال :خرج فلان قصصا في أثر فلان وقصّا وذلك اذا اقتصّ أثره. وقيل : القاصّ يقصّ
القصص لاتّباعه خبرا بعد خبر وسوقه الكلام سوقا .
والاقتصاص كما
عرّفه ابن فارس «هو أن يكون كلام في سورة مقتصّا من كلام في سورة أخرى أو في
السورة معها» كقوله تعالى : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ
فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) ، والآخرة دار الثواب لا عمل فيها فهذا مقتصّ : من قوله
: (وَمَنْ يَأْتِهِ
مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى).
ونقل الزركشي
هذا الباب من ابن فارس وأشار الى ذلك ، وفعل مثله السيوطي .
وذكر العسكري
الاقتصاص بمعنى سوق القصة ، قال : «واذا دعت الضرورة الى سوق خبر واقتصاص كلام
فتحتاج الى أن تتوّخى فيه الصدق وتتحرّى الحق فانّ الكلام حينئذ يملكك ويحوجك الى
اتباعه والانقياد له» . وكان ابن طباطبا قد ذكر اقتصاص الخبر أو الحكاية عند
كلامه على ما يضطر اليه الشاعر ، وقال : «على أنّ الشاعر إذا اضطر الى اقتصاص خبر
في شعر دبّره تدبيرا يسلس له معه القول ويطرد فيه المعنى فبنى شعره على وزن يحتمل
أن يخشى بما يحتاج الى اقتصاصه بزيادة من الكلام يخلط به أو نقص يحذف منه ، وتكون
الزيادة
__________________
والنقصان يسيرين غير مخدجين لما يستعان فيه بهما وتكون الالفاظ المزيدة غير
خارجة من جنس ما يقتضيه بل تكون مؤيدة له وزائدة في رونقه وحسنه . ومثل له بقصيدة الأعشى فيما اقتصه من خبر السّموأل
والتي قال فيها :
كن كالسّموأل
إذ طاف الهمام به
|
|
في جحفل
كزهاء الليل جرّار
|
ثم قال ابن
طباطبا بعد الأبيات : «فانظر الى استواء هذا الكلام وسهولة مخرجه وتمام معانيه
وصدق الحكاية فيه ووقوع كل كلمة موقعها الذي أريدت له من غير حشد مجتلب ولا خلل
شائن ، وتأمل لطف الأعشى فيما حكاه في قوله : «أأقتل ابنك صبرا أو تجيء بها» فاضمر
ضمير الهاء في قوله : «واختار أدرعه أن لا يسب بها» فتلافى ذلك الخلل بهذا الشرح
فاستغنى سامع هذه الأبيات عن استماع القصة فيها لاشتمالها على الخبر كله بأوجز
كلام وأبلغ حكاية وأحسن تأليف وألطف إيماءة» .
وقال المصري : «هو
أن يقتص المتكلم قصة بحيث لا يغادر منها شيئا في ألفاظ قليلة موجزة جدا بحيث لو
اقتصها غيره ممن لم يكن في مثل طبقته من البلاغة أتى بها في أكثر من تلك الالفاظ.
وأكثر قصص الكتاب العزيز من هذا القبيل كقصة موسى ـ عليهالسلام ـ في طه ، فان معانيها أتت بألفاظ الحقيقة تامة غير
محذوفة وهي مستوعبة في تلك الالفاظ.
وقد رأيت أكثر
العلماء على تقديم الأعشى في اقتصاصه قصة السموأل في أدرع امرىء القيس الشاعر التي
أودعها عنده لما قصد قيصر ووفاء السّموأل بها حتى سلمها لأهل امرىء القيس وبذل
دونها دم ولده وهو يشاهده» . ومن ذلك قول النابغة في اقتصاصه قصة الزرقاء للنعمان والتي منها :
فاحكم كحكم
فتاة الحيّ إذ نظرت
|
|
الى حمام
شراع وارد الثّمد
|
لقد تحدث
المصري عن الاقتصاص في باب الايجاز ، وتحدث عنه في باب التنظير أيضا ، وتكلم ابن فارس والزركشي والسيوطي عليه في فصول خاصة
اتخذت من هذا المصطلح عنوانا.
الاقتضاب :
القضب : القطع
، قضبه يقضبه قضبا واقتضبه وقضّبه فانقضب وتقضّب : انقطع ، واقتضب الحديث : انتزعه
واقتطعه ، واقتضاب الكلام :
ارتجاله قال العسكري : «الاقتضاب أخذ القليل من الكثير ، وأصله
من قولهم : «اقتضبت الغصن» إذا قطعته من شجرته ، وفيه معنى السرعة أيضا» .
والاقتضاب عند
بعضهم الاشتقاق الذي تقدم.
وله معنى آخر
أشار اليه البلاغيون كابن الاثير وهو خلاف التخلص وذلك «أن يقطع الشاعر كلامه الذي
فيه ويستأنف كلاما آخر غيره من مديح أو هجاء أو غير ذلك ولا يكون للثاني علاقة
بالأول.
وهو مذهب العرب
ومن يليهم من المخضرمين ، وأما المحدثون فانهم تصرفوا في التخلص فأبدعوا فيه
وأظهروا منه كل غريبة» . وقال التنوخي : «وأما الاقتضاب فالانتقال من كلام الى
غيره بكلمة تدلّ على الانتقال من غير أن يعلق بعض الكلام ببعض ، وهو غالبا بقولهم
: «أما بعد» وقولهم : «وبعد» وبكلمات كثيرة غيرهما. وقد سمي هذا «فصل
__________________
الخطاب» ، وفصل الخطاب حقيقته هو تخليص المعاني بعضها من بعض والاتيان بكل
شيء في موضعه ومع ما يناسبه ولعله خلاصة علم البيان» .
وقال القزويني
: «وقد ينتقل من الفن الذي شبب الكلام به الى ما يلائمه ويسمّى ذلك الاقتضاب وهو
مذهب العرب ومن يليهم من المخضرمين» وألحق به ما ذكره التنوخي وهو «فصل الخطاب» وقال : «ومن
الاقتضاب ما يقرب من التخلص كقول القائل بعد حمد الله : «أما بعد» ، قيل وهو «فصل
الخطاب» كقوله تعالى : (هذا ، وَإِنَّ
لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) ، وقوله : (هذا ذِكْرٌ ، وَإِنَّ
لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ).
ومنه قول
الكاتب : «هذا باب» و «هذا فصل». ولا يخرج عن ذلك البلاغيون الآخرون كالعلوي وابن
قيم الجوزية والسبكي والتفتازاني والحموي والاسفراييني والمغربي .
ومن بديع ما
جاء في الاقتضاب قول البحتري يمدح الفتح بن خاقان بعد انخساف الجسر به في قصيدته
التي مطلعها :
متى لاح برق
أو بدا طلل قفر
|
|
جرى مستهلّ
لا بكيء ولا نزر
|
وبعده :
فتى لا يزال
الدهر بين رباعه
|
|
أياد له بيض
وأفنية خضر
|
فبينا هو في
غزلها إذ خرج الى المديح على جهة الاقتضاب بقوله :
لعمرك ما
الدنيا بنا قصة الجدا
|
|
إذا بقي
الفتح بن خاقان والقطر
|
فخرج الى
المديح من غير أن يكون هناك له سبب من الأسباب.
ومن ذلك ما
قاله أبو نواس في قصيدته التي مطلعها :
يا كثير
النوح في الدمن
|
|
لا عليها بل
على السكن
|
فضمنها غزلا
كثيرا ثم قال بعد ذلك :
تضحك الدنيا
الى ملك
|
|
قام بالآثار
والسّنن
|
سنّ للناس
الندى فندوا
|
|
فكأنّ المحل
لم يكن
|
قال العلوي : «وأكثر
مدائح أبي نواس مؤسسة على الاقتضاب من غير ذكر التخلص» . والاقتضاب عند السجلماسي هو «اقتضاب الدلالة» وهو أربعة أنواع : التتبيع والكناية والتعريض والتلويح
، ولكل فن موضعه.
الاقتطاع :
القطع : إبانة
بعض أجزاء الجرم من بعض فصلا ، واقتطعه فانقطع وتقطّع أي : فصله ، والاقتطاع هو أخذ قطعة من الشيء.
وكان ابن فارس
قد عقد بابا باسم «القبض» وقال عنه : «ومن سنن العرب القبض محاذاة للبسط وهو
النقصان من عدد الحروف » كقول القائل :
غرثى الوشاحين صموت الخلخل
أراد :
الخلخال. وقول الآخر :
ليس شيء على المنون بخال
__________________
أي : بخالد.
وقال : «وهذا كثير في أشعارهم ، وما أحسب في كتاب الله ـ جلّ ثناؤه ـ منه إلا انه
روي عن بعض القراء انه قرأ «ونادوا يا مال» أي : يا مالك. والله أعلم بصحة ذلك» .
وسماه السيوطي
الاقتطاع ، وهو من أنواع الحذف عنده ، قال : «الحذف على أنواع : أحدها ما يسمى
بالاقتطاع وهو حذف بعض حروف الكلمة ، وأنكر ابن الاثير ورود هذا النوع في القرآن.
وردّ بأنّ بعضهم جعل منه فواتح السور على القول بأنّ كل حرف منها من اسم من
اسمائه. وأدعى بعضهم أنّ الباء في (وَامْسَحُوا
بِرُؤُسِكُمْ) أول كلمة «بعض» ثم حذف الباقي. ومنه قراءة بعضهم : «ونادوا
يا مال» بالترخيم ، ولما سمعها بعض السلف قال : ما أغنى أهل النار عن الترخيم.
وأجاب بعضهم
أنّهم لشدة ما هم فيه عجزوا عن إتمام الكلمة. ويدخل في هذا النوع حذف «أنا» في
قوله : (لكِنَّا هُوَ اللهُ
رَبِّي) الأصل : «لكن أنا» حذفت همزة «أنا» تخفيفا وادغمت النون
في النون» . وهذا قريب مما ذكره ابن فارس ، وهو من أنواع الحذف او
الايجاز بالحذف.
الاقتناص :
قنص الصيد
يقنصه قنصا وقنصا واقتنصه وتقنّصه : صاده ، والاقتناص : الاصطياد .
وقد ذكر
السيوطي أنّ ابن فارس ذكره ، وليس الأمر كذلك وانما ذكر الاقتصاص وقال عنه : «هو
أن يكون كلام في سورة مقتصا من كلام في سورة أخرى أو في السورة معها» . ولعل محقق كتاب «معترك الاقران في إعجاز القرآن» وقع
في سهو ، وإن أشار الى ذلك في الهامش ولكنه أثبت مصطلح «الاقتناص» وذكر تعريف ابن
فارس للاقتصاص ، على الرغم من أنّ السيوطي ذكره باسم «الاقتصاص» في كتابه «الاتقان
في علوم القرآن» ، وذكره الزركشي بهذا الاسم من قبل ونقل تعريف ابن فارس
أيضا .
فالاقتناص هو
الاقتصاص عند جميعهم ، ولكن مصطلح «الاقتصاص» أليق بمقام القرآن الكريم ، وقد تقدم
الاقتصاص.
الإقحام :
قحم الرجل في
الأمر : رمى بنفسه فيه من غير رويّة ، والاقحام : الارسال في عجلة ويقال : اقحم فلان نفسه بينهم إذا دخل بينهم.
وقد قال السبكي
: «وهو يعلم مما سبق» ، ولم يفسر ذلك ، والذي سبق «الاشارة» التي تعني دلالة
اللفظ القليل على المعنى الكثير أي انه من الايجاز ، وبذلك يكون الاقحام هو إدخال
شيء على الكلام مما يزيد عليه ، ولعله يريد شيئا آخر ، ولكن البلاغيين لم يذكروا
ذلك.
الأقسام :
الأقسام جمع
قسم ولم يذكر هذا المصطلح إلا ابن منقذ الذي قال : «إنّ محاسن الشعر الأقسام
الشريفة للمعاني اللطيفة» . وهذا تعريف أو قول
__________________
يحتاج إلى إيضاح لأنّ الأمثلة التي ذكرها لا تحدد ذلك تحديدا دقيقا. ومن
باب الأقسام قول النابغة :
نبئت أنّ أبا
قابوس أوعدني
|
|
ولا قرار على
زأر من الأسد
|
ما إن أتيت
بشيء أنت تكرهه
|
|
إذن فلا رفعت
سوطي اليّ يدي
|
وقول أبي فراس
:
لا ضربت لي
بالعراق خيمة
|
|
ولا أنثنت
أناملي على قلم
|
إن لم أثرها
من ديار فارس
|
|
شعث النواصي
فوقها سود اللمم
|
حتى ترى لي
بالعراق وقعة
|
|
يشرب فيها
الماء ممزوجا بدم
|
وقول علي بن
مقلد أبي شجاع سديد الملك :
فان لم تكن
عندي كسمعي وناظري
|
|
فلا نظرت
عيني ولا سمعت أذني
|
فانّك أحلى
في جفوني من الكرى
|
|
وأطيب طعما
في فؤادي من الأمن
|
الاكتفاء :
كفى يكفي كفاية
إذا قام بالأمر ، وكفى الرجل واكتفى : اضطلع ، وكفاك الشيء يكفيك واكتفيت به.
وكفاه الأمر : اذا قام فيه مقامه .
تحدث ابن رشيق
في باب الايجاز وقال : إن الايجاز عند الرماني على ضربين مطابق لفظه لمعناه لا
يزيد عليه ولا ينقص عنه مثل : «سل أهل القرية».
ومنه ما فيه
حذف للاستغناء عنه في ذلك الموضع كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) وقال : إنّ الضرب الأول مما ذكره الرماني يسمى المساواة
، والضرب والثاني مما ذكره يسمونه «الاكتفاء» وهو «داخل في باب المجاز وفي الشعر
القديم والمحدث منه كثير يحذفون بعض الكلام لدلالة الباقي على الذاهب» . وقد سمّى الرماني هذا النوع الايجاز بالحذف ، وهو المصطلح الذي شاع في كتب البلاغة حينما قسموا
الايجاز الى : إيجاز حذف وايجاز قصر. وعقد الحموي بابا للاكتفاء وقال : هو أن يأتي
الشاعر ببيت من الشعر وقافيته متعلقة بمحذوف فلم يفتقر الى ذكر المحذوف لدلالة
باقي لفظ البيت عليه ويكتفى بما هو معلوم في الذهن فيما يقتضي تمام المعنى. وهو
نوع ظريف ينقسم الى قسمين : قسم يكون بجميع الكلمة وقسم يكون ببعضها. والاكتفاء
بالبعض أصعب مسلكا لكنه أحلى موقعا ولم أره في كتب البديع ولا في شعر المتقدمين.
فشاهد الاكتفاء بجميع الكلمة كقول ابن مطروح :
لا أنتهي لا
أنثني لا أرعوي
|
|
ما دمت في
قيد الحياة ولا إذا
|
فمن المعلوم
أنّ باقي الكلام : «ولا إذا مت» لما تقدم من قوله «الحياة» ومتى ذكر تمامه في
البيت الثاني كان عيبا من عيوب الشعر مع ما يفوته من حلاوة الاكتفاء ولطفه وحسن
موقعه في الأذهان» .
والاكتفاء ببعض
الكلمة عزيز الوقوع جدا ولم يوجد في كتب البديع ومن ذلك قول ابن سناء الملك :
أهوى الغزالة
والغزال وإنّما
|
|
نهنهت نفسي
عفّة وتدينا
|
ولقد كففت
عنان عيني جاهدا
|
|
حتى إذا
أعييت أطلقت العنا
|
أي : العنان .
__________________
وذكر السيوطي
ما قاله ابن رشيق ، ذلك أنّ الحذف على أنواع أحدهما الاكتفاء وهو «أن يقتضي المقام
ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط فيكتفي بأحدهما عن الآخر لنكتة ويختص غالبا
بالارتباط العطفي كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ
الْحَرَّ) ، أي : والبرد.
وخصّ الحرّ
بالذكر لأنّ الخطاب للعرب وبلادهم حارة والوقاية عندهم من الحر أهم لأنه أشد عندهم
من البرد. وقيل : لأنّ البرد تقدم ذكر الامتنان بوقايته صريحا في قوله : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها
وَأَشْعارِها).
ولخّص السيوطي
في كتابه «شرح عقود الجمان» ما ذكره الحموي في خزانته وذكر بعض أمثلته.
وقال المدني : «إنّ
الاكتفاء ضرب من الايجاز وهو نوعان : نوع يكون بكلمة فأكثر ، ونوع يكون ببعض
الكلمة. فالأول «هو أن يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط فيكتفي
بأحدهما عن الآخر لنكتة ولا يكون المكتفى عنه إلا آخرا لدلالة الأول عليه ، وذلك
الارتباط قد يكون بالعطف وهو الغالب» كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ
الْحَرَّ). وقد يكون بالشرط وجوابه كقوله تعالى :(فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ
نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ) ، أي : فافعل. وقد يكون بالقسم بدأ به كقوله تعالى : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً. وَالنَّاشِطاتِ
نَشْطاً. وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً. فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً. فَالْمُدَبِّراتِ
أَمْراً) أي : لتبعثنّ. وقد يكون بطلب الفعل للمتعلق كقوله تعالى
: (خَلَطُوا عَمَلاً
صالِحاً) أي بسيء ، «وآخر سيئا» أي بصالح. أو بطلبه للمفعول
كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) ، أي : إلها.
وقد يكون بطلب
حرف الشرط لجملة الشرط وجوابه كقول الشاعر :
قالت بنات
العم يا سلمى وإن
|
|
كان فقيرا
معدما قالت : وإن
|
أي : وإن كان
كذلك رضيته أيضا.
وقد يكون
بالاسمية والخبرية لـ «إنّ» وأمثالها كقول الشاعر :
ويقلن شيب قد
علاك
|
|
وقد كبرت
فقلت : إنّه
|
أي : أنه كذلك.
وعلّق المدني
على تعريف صفي الدين الحلي وهو قريب من تعريف الحموي بانه «شامل لنوعي الاكتفاء
غير أنه لا يشمل الاكتفاء في النثر كما هو ظاهر ، والحدّ الذي ذكرناه شامل للنظم
والنثر معا» .
وأما النوع
الثاني من الاكتفاء وهو الذي يكون ببعض الكلمة فهو «حذف بعض حروف القافية من آخرها
لدلالة الباقية عليه» ثم قال : «واحترزنا بالقافية عن غيرها كقوله :
فنعم الفتى
تعشو الى ضوء ناره
|
|
طريف بن مال
ليلة الجوع والحصر
|
أي : ابن مالك.
وبقولنا : «من آخرها» عن مثل قوله :
غرثى الوشاحين صموت الخلخل
أي : الخلخال.
فلا يسمى ذلك اكتفاء عند البديعيين.
وقد يسمى في
غير هذا العلم بالاقتطاع ولا يختص بالقافية. وسماه ابن جني في كتاب التعاقب
بالايحاء وعقد له بابا فقال في باب الايحاء : «هو الاكتفاء عن
__________________
الكلمة بحرف من أولها». وسماه ابن فارس في فقه اللغة بالقبض ، وهو وارد في
القرآن والحديث وكلام العرب» ونقل بعض أمثلة القبض والاقتطاع التي ذكرها ابن فارس
والسيوطي ، كقول الشاعر :
قواطنا مكّة من ورق الحما
أي : الحمام.
وقول الآخر :
ليس حيّ على المنون بخال
أي : بخالد.
ومنه قول
القاضي الفاضل :
لعبت جفونك
بالقلوب وحبّها
|
|
والخدّ ميدان
وصدغك صولجا
|
أي : صولجان.
ومثل ذلك يكون بلا تورية ، أما الاكتفاء مع التورية فكقول ابن نباتة :
بروحي أمر
الناس نأيا وجفوة
|
|
وأحلاهم ثغرا
وأملحهم شكلا
|
يقولون في
الاحلام يوجد شخصه
|
|
فقلت : ومن
ذا بعده يجد الأحلا
|
أي : الأحلام ،
ولكنه ورّى عن الجمال أيضا.
الإكثار :
الكثرة : نقيض
القلة ، وأكثره جعله كثيرا .
وقد جعله
الأدباء من سمات بعض الكلام الذي لا يكون موجزا فقال جعفر البرمكي : «إذا كان
الاكثار أبلغ كان الايجاز تقصيرا ، واذا كان الايجاز كافيا كان الاكثار عيا» . أي أنّ البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال ولذلك
كان استعمال الاكثار في مكانه من أسباب البلاغة أي أنّه ليس عيبا في موضعه ولكن
إذا كان الايجاز كافيا كان الاكثار عيا. قال الجاحظ وهو يتحدث عن إياس بن معاوية :
«فان كان إياس عند نفسه عييا فذاك أجدر بان يهجر الاكثار. وبعد فما نعلم أحدا رمى
إياسا بالعي وانما عابوه بالاكثار» .
الإكمال :
الكمال :
التمام ، وقيل : التمام الذي تجزأ منه أجزاؤه ، واكملت الشيء أي أجملته وأتممته ،
وأكمله هو واستكمله وكمله : أتمه وجمله ، والاكمال : التمام .
قال العلوي : «وهو
إفعال من أكمل الشيء إذا حصّله على حالة لا زيادة عليها في تمامه. وهو في مصطلح
علماء البيان مقول على أن تذكر شيئا من أفانين الكلام فترى في إفادته المدح كأنه
ناقص لكونه موهما بعيب من جهة دلالة مفهومه فتأتي بجملة فتكمله بها تكون رافعة
لذلك العيب المتوهم. وهذا مثاله أن تذكر من كان مشهورا بالشجاعة دون الكرم ومن كان
عالما بالبلاغة دون سداد الرأي ونفاذ العزيمة فترى في ظاهر الحال أنّه ناقص
بالاضافة الى عدم تلك الصفة المفقودة عنه فتذكر كلاما يكمل المدح ويرفع التوهم كما
قال كعب بن سعد الغنوي في ذلك :
حليم إذا ما
الحلم زيّن أهله
|
|
مع الحلم في
عين العدو مهيب
|
فانه لو اقتصر
على قوله : «حليم إذا ما الحلم زين أهله» لأوهم الى السامع أنّه غير واف بالمدح ؛
لأنّ كل من لا يعرف منه إلا الحلم ربما طمع فيه عدوه فنال منه ما يذم به ، فلما
كان ذلك متوهما عند إطلاقه أردفه بما يكون رافعا للاحتمال مكملا للفائدة بوصف
الحلم ، وهو قوله : «مع الحلم في عين العدو مهيب» ليدفع به ما ذكرناه من التوهم.
وكقول السموأل
بن عادياء :
__________________
وما مات منا
سيّد في فراشه
|
|
ولا طلّ منا
حيث كان قتيل
|
فلو اقتصر على
قوله : «وما مات منا سيد في فراشه» لأوهم أنّهم صبر على الحروب والقتل دون
الانتصار من أعدائهم فلا جرم أكمله بقوله : «ولا طلّ منا حيث كان قتيل» فارتفع ذلك
الاحتمال المتوهم وزال» .
وهذا ما سماه
البلاغيون التكميل أو الاطناب بالتكميل ، وقد تقدم.
الالتئام :
يقال : تلاءم
القوم والتأموا : اجتمعوا واتفقوا ، ويقال : التأم الفريقان والرجلان إذا تصالحا
واجتمعا.
والتأم الجرح
التئاما : إذا برأ والتحم .
والالتئام في
البلاغة أن تكون كلمات النظم متناسبة ليس فيها ما يثقل على النطق عند اجتماعها ،
وهو ما تحدث عنه البلاغيون في باب التنافر عند كلامهم على فصاحة الكلام وخلوصه من
ضعف التأليف وتنافر الكلمات ، وذكروا له قول القائل :
وقبر حرب
بمكان قفر
|
|
وليس قرب قبر
حرب قبر
|
وقول أبي تمام
:
كريم متى
أمدحه أمدحه والورى
|
|
معي واذا ما
لمته لمته وحدي
|
وقد أشار
المرزوقي الى ذلك وقال وهو يتحدث عن عمود الشعر : «وعيار التحام أجزاء النظم
والتئامه على تخير من لذيذ الوزن ، الطبع واللسان فما لم يتعثر الطبع بأبنيته
وعقوده ولم يتحبس اللسان في فصوله ووصوله بل استمرا فيه واستسهلاه بلا ملال ولا
كلال فذاك يوشك أن يكون القصيدة منه كالبيت ، والبيت كالكلمة تسالما لأجزائه
وتقارنا» . وهذا ما تحدث الجاحظ عنه من قبل وقال : «ومن ألفاظ
العرب ألفاظ تتنافر وإن كانت مجموعة في بيت شعر لم يستطع المنشد إنشادها إلا ببعض
الاستكراه فمن ذلك قول الشاعر :
وقبر حرب
بمكان قفر
|
|
وليس قرب قبر
حرب قبر
|
ولما رأى من لا
علم له أنّ أحدا لا يستطيع أن ينشدها هذا البيت ثلاث مرات في نسق واحد فلا يتتعتع
ولا يتلجلج وقيل لهم إنّ ذلك إنّما اعتراه إذ كان من أشعار الجن ، صدّقوا ذلك. ومن
ذلك قول ابن يسير في احمد بن يوسف حين استبطأه :
هل معين على
البكا والعويل
|
|
أم معزّ على
المصاب الجليل
|
ميّت مات وهو
في ورق العي
|
|
ش مقيم به
وظل ظليل
|
في عداد
الموتى وفي عامر الدن
|
|
يا أبو جعفر
أخي وخليلي
|
لم يمت ميتة
الوفاة ولكن
|
|
مات عن كلّ
صالح وجميل
|
__________________
لا أذيل
الآمال بعدك إنّي
|
|
بعدها
بالآمال حقّ بخيل
|
كم لها وقفة
بباب كريم
|
|
رجعت من نداه
بالتعطيل
|
ثم قال :
لم يضرها
والحمد لله شيء
|
|
وانثنت نحو
عزف نفس ذهول
|
فتفقد النصف
الأخير من هذا البيت فانك ستجد بعض ألفاظه يتبرأ من بعض. وأنشدني أبو العاصي قال :
أنشدني خلف الأحمر في هذا المعنى :
وبعض قريض
القوم أولاد علّة
|
|
يكدّ لسان
الناطق المتحفظ
|
وقال أبو
العاصي : وأنشدني في ذلك أبو البيداء الرياحي :
وشعر كبعر
الكبش فرّق بينه
|
|
لسان دعيّ في
القريض دخيل
|
أما قول خلف : «وبعض
قريض القوم أولاد علّة» فانه يقول : إذا كان الشعر مستكرها وكانت ألفاظ البيت من
الشعر لا يقع بعضها مماثلا لبعض ، كان بينها من التنافر ما بين أولاد العلّات.
واذا كانت الكلمة ليس موقعها الى جنب أختها مرضيا موافقا كان على اللسان عند إنشاد
ذلك الشعر مؤونة.
قال : وأجود
الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء ، سهل المخارج ، فتعلم بذلك أنّه قد أفرغ إفراغا
واحدا وسبك سبكا واحدا ، فهو يجري على اللسان كما يجري الدهان . وذكر ما لا تتباين الفاظه ولا تتنافر أجزاؤه ، ومن ذلك
قول أبي حيّة النميري :
رمتني وستر
الله بيني وبينها
|
|
عشيّة آرام
الكناس رميم
|
رميم التي
قالت لجارات بيتها
|
|
ضمنت لكم
ألّا يزال يهيم
|
ألا ربّ يوم
لو رمتني رميتها
|
|
ولكنّ عهدي
بالنضال قديم
|
فهذه الأبيات
من الشعر المتلائم الجميل.
وذكر الرماني
مثل ما ذكر الجاحظ حينما تحدث عن التلاؤم وجاء بأمثلته أيضا وقال إنّ «المتلائم في
الطبقة العليا القرآن كله» . ونقل ابن رشيق كلام الجاحظ في باب النظم .
الالتجاء :
لجأ الى الشيء
والمكان يلجأ لجأ ولجوء وملجأ ولجيء والتجأ وألجأت أمري الى الله أسندت.
والتجأت وتلجأت
إذا استندت اليه واعتضدت به أو عدلت عنه الى غيره كأنه إشارة الى الخروج والانفراد
.
وقال ابن منقذ
: «هو أن تستعمل اللفظة في غير موضعها من المعنى» ، وربط المعاظلة بالالتجاء في باب واحد ، وقال : إنّ
ذلك مثل قول بعض العرب :
وذات هدم عار
نواشرها
|
|
تصمت بالماء
تولبا جدعا
|
سمّى الطفل
تولبا ، والتولب الجحش.
ومنه قول
الفرزدق :
فلو كنت ضبيا
عرفت قرابتي
|
|
ولكنّ زنجيا
عظيم المشافر
|
لأنّه استعار
المشافر للانسان وإنما هي للجمال لا للرجال.
__________________
وقال ابن شيث
القرشي : «هو أن يضطر الكاتب الى أن يأتي بلفظة غير مستعملة في الذي هو بصدده
فيقيمها مقام المستعملة. ومثاله : «فما المعشاق عدمت سلوها والمقلات فقدت فلوها إلا دون ما أنا عليه من الوجد به والغرام».
فاستعمل «فلوها» في مكان «ولدها» حتى قابل بها «سلوها» وهو محتمل وربما كان جيدا.
وفي الشعر :
ليبكك الشّرب
والمدامة وال
|
|
إخوان طرا
وطامع طمعا
|
وذات هدم باد
نواشرها
|
|
تصمت بالماء
تولبا جدعا
|
وهذا ما سماه
عبد القاهر الاستعارة غير المفيدة وقد تقدمت.
الالتزام :
الالتزام هو
الارتباط بالشيء ، يقال : لزم الشيء يلزمه والتزمه وألزمه إياه فالتزمه ، ورجل
لزمة : يلزم الشيء فلا يفارقه .
والالتزام في
البلاغة هو «الاعنات» وقد تقدم ، ويسمى التضييق أو التشديد أو لزوم ما لا يلزم ،
وهذا الأخير أكثر استعمالا في كتب البلاغة. وممن سماه «التزاما» ابن مالك والمصري
والحموي والسيوطي والمدني .
الالتفات :
لفت وجهه عن
القوم : صرفه ، والتفت التفاتا ؛ والتلفت أكثر منه ، وتلفت الى الشيء والتفت اليه
صرف وجهه اليه ، ويقال : لفت فلانا عن رأيه أي صرفته عنه ومنه الالتفات .
والالتفات من
الأساليب العريقة في اللغة العربية وقد عرفه الجاهليون كامريء القيس الذي قال :
تطاول ليلك
بالاثمد
|
|
ونام الخليّ
ولم ترقد
|
وبات وباتت
له ليلة
|
|
كليلة ذي
العائر الأرمد
|
وذلك من نبأ
جاءني
|
|
وخبرته عن
أبي الأسود
|
قال الزمخشري :
«وقد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في ثلاثة أبيات» ، ثم قال : «وتلك على عادة افتنانهم في الكلام وتصرفهم
فيه ، ولأنّ الكلام إذا نقل من أسلوب الى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع
وايقاظا للاصغاء اليه من إجرائه على أسلوب واحد ، وقد تختص مواقعه بفوائد» .
وجاء الالتفات
في كتاب الله العزيز ، وأول سورة فيه تحمل هذا اللون من التعبير فقد قال سبحانه
وتعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). فقد التفت من الغيبة الى الخطاب. وجاء في كلام العرب ،
وقد انتبه القدماء لمثل هذا الاسلوب وذكره الفراء ولم يسمّه .
وذكره أبو
عبيدة وقال : «والعرب قد تخاطب فتخبر عن الغائب والمعنى للشاهد فترجع الى
__________________
الشاهد» .
ولعلّ الأصمعي
أوّل من سمّاه التفاتا ، فقد سأل إسحاق بن إبراهيم الموصلّي : أتعرف التفاتات جرير؟
قال : وما هي؟
فأنشده :
أتنسى إذ
تودّعني سليمى
|
|
بفرع بشامة
سقي البشام
|
ألا تراه مقبلا
على شعره ثم التفت الى البشام فدعا له .
وأدخله ابن
قتيبة في باب «مخالفة ظاهر اللّفظ معناه» وقال : «ومنه أن تخاطب الشاهد بشيء ثم
تجعل الخطاب له على لفظ الغائب كقوله ـ عزوجل ـ :(حَتَّى إِذا كُنْتُمْ
فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها).
قال الشاعر :
يا دار ميّة
بالعلياء فالسّند
|
|
أقوت وطال
عليها سالف الأبد
|
وكذلك أيضا
تجعل خطاب الغائب للشاهد كقول الهذلي :
يا ويح نفسي
كان جدة خالد
|
|
وبياض وجهك
للتراب الأعفر
|
وقال المبرد : «والعرب
تترك مخاطبة الغائب الى مخاطبة الشاهد ومخاطبة الشاهد الى مخاطبة الغائب. قال الله
ـ جلّ وعزّ ـ : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ
فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) ، كانت المخاطبة للأمة ثم انصرفت الى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إخبارا عنهم.
وقال عنترة :
شطّت مزار
العاشقين وأصبحت
|
|
عسرا عليّ
طلابك ابنة مخرم
|
فكان يتحدث
عنها ثم خاطبها» .
والالتفات أول
محاسن الكلام التي ذكرها ابن المعتز بعد فنون البديع الخمسة وهي : الاستعارة
والتجنيس والمطابقة ورد أعجاز الكلام على ما تقدمها والمذهب الكلامي ، وقال في
تعريف الالتفات : «هو انصراف المتكلم عن المخاطبة الى الإخبار ، وعن الإخبار إلى
المخاطبة وما يشبه ذلك.
ومن الالتفات
الانصراف من معنى يكون فيه الى معنى آخر» .
وسماه ابن وهب «الصّرف»
وقال «وأما الصرف فانهم يصرفون القول من المخاطب الى الغائب ومن الواحد الى
الجماعة» . وسماه ابن منقذ «الانصراف» وقال : «هو أن يرجع من
الخبر الى الخطاب من الخطاب الى الخبر» . وسمّاه كذلك ابن شيث القرشي وقال : «هو ان تبتدىء
المخاطبة بهاء الكناية ثم تنصرف الى المخاطبة بالكاف ، وهذا يحتمل إذا كان الأمر
مما تكنيه مهما دون غيره» .
وسماه قوم
الاعتراض ، وهو فن آخر ، وقد تقدم في الاطناب بالاعتراض ،
والاعتراض ، ولكن الاخرين سموه التفاتا ، وبدأ هذا الاسلوب يدخل في دراسة البلاغة
والنقد ، وقد تحدث عنه قدامة في نعوت المعاني وقال : «هو أن يكون الشاعر آخذا في
معنى فكأنه يعترضه إما شك أو ظن بأنّ رادا يردّ عليه قوله أو
__________________
سائلا يسأله عن سببه فيعود راجعا على ما قدمه فاما أن يؤكّده أو يذكر سببه
أو يحل الشك فيه» . وهذا هو الاعتراض او الرجوع ، وقد عدّه العسكري النوع
الثاني من الالتفات ، أما النوع الأول فهو ما ذكره الاصمعي . وبذلك يتضح أنّ الالتفات لم يكن واضحا عند قدامة
والعسكري وضوحه عند المتقدمين.
ونقل الباقلاني
رواية الأصمعي السابقة وعلق على بيت جرير :
متى كان
الخيام بذي طلوح
|
|
سقيت الغيث
أيّتها الخيام
|
بقوله : «ومعنى
الالتفات أنّه اعترض في الكلام قوله : «سقيت الغيث» ولو لم يعترض لم يكن ذلك
التفاتا وكان الكلام منتظما» ولذلك قال الحاتمي : «وقد سماه قوم الاعتراض» ، وقال ابن رشيق : «وهو الاعتراض عند قوم ، وسماه
الآخرون الاستدراك» ، وقال الصنعاني : «ويسمى الاعتراض» ولكنه عرفه تعريف
الالتفات فقال : «وهو الانصراف عن الاخبار الى المخاطبة ، وعن المخاطبة الى
الاخبار». ثم قال : «وقيل الالتفات هو أن يكون المتكلم آخذا في معنى فيعدل عنه الى
غيره قبل تمام الأول ثم يعود اليه فيتمه فيكون فيما عدل اليه مبالغة وزيادة حسنة» ، وهذا هو الاعتراض أو الرجوع الذي ذكره السابقون.
وتحدث عنه
التبريزي في فصل مستقل في حين انه أفرد الاستدراك والرجوع بفصل آخر ، وقال عنه : «الالتفات
: أن يكون الشاعر في كلام فيعدل عنه الى غيره قبل أن يتم الأول ثم يعود اليه فيتمه
فيكون فيما عدل اليه مبالغة في الاول وزيادة في حسنه» . ونقل البغدادي هذا التعريف .
وبدأ الالتفات
يأخذ معنى دقيقا بعد أن بدأت البلاغة تستقر ، وقد عرّفه الرازي بقوله : «إنّه
العدول عن الغيبة الى الخطاب أو على العكس» . وأدخله السكاكي في علم المعاني وقال : «إنّ هذا النوع
أعني نقل الكلام عن الحكاية الى الغيبة لا يختص المسند اليه ولا هذا القدر بل
الحكاية والخطاب والغيبة ثلاثتها ينقل كل واحد منها الى الآخر ، ويسمّى هذا النقل
التفاتا عند علماء علم المعاني. والعرب يستكثرون منه ويرون الكلام إذا انتقل من
أسلوب الى أسلوب أدخل في القبول عند السامع وأحسن تطرية لنشاطه واملأ باستدرار
اصغائه» ، وهذا ما ذكره الزمخشري من قبل . وقال السكاكي إنّه قد ينتقل بالصيغة من الماضي الى
المضارع ، وذكره مرة ثالثة في البديع وأحال الى كلامه في الموضعين السابقين ، وهذا يدل على
أنّ الالتفات كان عنده من علم المعاني مرة ، ومن علم البديع تارة أخرى.
وكان كلام ابن
الاثير على الالتفات مسهبا ، وهو عنده من الصناعة المعنوية قال : «وحقيقته مأخوذة
من التفات الانسان عن يمينه وشماله فهو يقبل بوجهه تارة كذا وتارة كذا ، وكذلك
يكون هذا النوع من الكلام خاصة لأنّه ينتقل فيه عن صيغة الى صيغة كالانتقال من
خطاب حاضر الى غائب أو من خطاب غائب الى حاضر ، أو من فعل ماض الى مستقبل أو من
مستقبل
__________________
الى ماض» . وسماه «شجاعة العربية» وهو عنده ثلاثة أقسام :
الاول : الرجوع
من الغيبة الى الخطاب ومن الخطاب الى الغيبة ، وقد ردّ في هذا البحث ما ذهب اليه
الزمخشري من أنّ في الانتقال تطرية لنشاط السامع وايقاظا للاصغاء اليه وقال : «والذي
عندي في ذلك أنّ الانتقال من الخطاب الى الغيبة أو من الغيبة الى الخطاب لا يكون
إلا لفائدة اقتضته وتلك الفائدة أمر وراء الانتقال من أسلوب الى أسلوب غير أنّها
لا تحدّ بحدّ ولا تضبط بضابط ولكن يشار الى مواضع منها ليقاس عليها غيرها» . وكان الزمخشري قد أشار الى مثل ذلك بعبارة موجزة فقال
: «وقد تختص مواقعه بفوائد» ، أي أنّه رأى أنّ الانتقال من أسلوب الى أسلوب ليس
للتطرية والايقاظ والتنبيه وحدها.
ومن أمثلة
الرجوع من الغيبة الى الخطاب قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فقد رجع من الغيبة في أول الكلام الى الخطاب في (إِيَّاكَ نَعْبُدُ.)
ومن الرجوع من
خطاب الغيبة الى خطاب النفس قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى
السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ : ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً
، قالَتا : أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ
وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ
وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ، فانه قال : (وَزَيَّنَّا) بعد قوله : (ثُمَّ اسْتَوى) وقوله : (فَقَضاهُنَ) و (وَأَوْحى.)
ومن الرجوع من
خطاب النفس الى خطاب الجماعة قوله تعالى : (وَما لِيَ لا
أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
ومن الرجوع من
خطاب النفس الى خطاب الواحد قوله تعالى : (حم. وَالْكِتابِ
الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا
مُنْذِرِينَ. فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا
كُنَّا مُرْسِلِينَ. رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
ومن ذلك قول
أبي تمام :
وركب يساقون
الركاب زجاجة
|
|
من السّير لم
تقصد لها كفّ قاطب
|
فقد أكلوا
منها الغوارب بالسّرى
|
|
وصارت لها
أشباحهم كالغوارب
|
يصرّف مسراها
جذيل مشارق
|
|
إذا آبه همّ
عذيق مغارب
|
يرى بالكعاب
الرود طلعة ثائر
|
|
وبالعرمس
الوجناء غرّة آيب
|
كأنّ بها
ضغنا على كلّ جانب
|
|
من الارض أو
شوقا الى كلّ جانب
|
إذا العيس
لاقت بي أبا دلف فقد
|
|
تقطّع ما
بيني وبين النوائب
|
هنالك تلقى
الجود من حيث قطّعت
|
|
تمائمه
والمجد مرخي الذوائب
|
قال ابن الأثير
: ألا ترى أنه قال في الأول : «يصرّف مسراها» مخاطبة للغائب ثم قال بعد ذلك : «إذا
العيس لاقت بي» مخاطبا نفسه. وفي هذا من الفائدة إنّه لما
__________________
صار الى مشافهة الممدوح والتصريح باسمه خاطب عند ذلك نفسه مبشرا لها بالبعد
عن المكروه والقرب من المحبوب ، ثم جاء بالبيت الذي يليه معدولا به عن خطاب نفسه
الى خطاب غيره وهو أيضا خطاب لحاضر فقال : «هنالك تلقى الجود». والفائدة بذلك أنّه
يخبر غيره بما شاهده كأنه يصف له جود الممدوح وما لاقاه منه إشارة بذكره وتنويها
باسمه وحملا لغيره على قصده وفي صفته جود الممدوح بتلك الصفة الغريبة البليغة وهي
قوله : «حيث قطّعت تمائمه» ما يقتضي له الرجوع الى خطاب الحاضر ، والمراد بذلك أنّ
محل الممدوح هو مألف الجود ومنشؤه ووطنه. وقد يراد به معنى آخر ، وهو أنّ هذا
الجود قد أمن عليه الآفات العارضة لغيره من المنّ والمطل والاعتذار وغير ذلك إذ
التمائم لا تقطع إلا عمن أمنت عليه المخاوف» .
ومن الرجوع من
الخطاب الى الغيبة قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي
يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ
وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ
وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ
دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ
لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
والثاني :
الرجوع عن الفعل المستقبل الى فعل الأمر وعن الفعل الماضي الى فعل الأمر فالأول كقوله
تعالى : (يا هُودُ ما جِئْتَنا
بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ ، وَما نَحْنُ لَكَ
بِمُؤْمِنِينَ. إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ ، قالَ :
إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ).
ومن الرجوع عن
الفعل الماضي الى فعل الأمر قوله تعالى : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي
بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ).
الثالث :
الإخبار عن الفعل الماضي بالمستقبل وعن المستقبل بالماضي ، فالأول كقوله تعالى :(وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ
سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ).
وعلى هذا ورد
قول تأبط شرا :
بأنّي قد
لقيت الغول تهوي
|
|
بسهب
كالصحيفة صحصحان
|
فأضربها بلا
دهش فخرّت
|
|
صريعا لليدين
وللجران
|
والضرب الثاني
وهو المستقبل كقوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ
فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ).
وليس في كتب
البلاغة الأخرى أوسع مما ذكر ابن الأثير ، وإن كان القزويني رجع الى السكاكي وأدخل
الالتفات في علم المعاني وتبعه شراح تلخيصه كالسبكي والتفتازاني والسيوطي
والاسفراييني والمغربي . أما الذين لم يتبعوا السكاكي فقد بحثوه في باب مستقل
وإن لم يخرجوا على الاتجاه العام الذي ساد قبلهم ، غير أنّ المصري قال : «وفي
__________________
الالتفات نوع غير النوعين المتقدمين وهو أن يكون المتكلم آخذا في معنى فيمر
فيه الى أن يفرغ من التعبير عنه على وجه ما فيعرض له أنه متى اقتصر على هذا
المقدار كان معناه مدخولا من وجه غير الوجه الذي بنى معناه عليه فيلتفت الى الكلام
فيزيد فيه ما يخلّص معناه من ذلك الدخل كقول شاعر الحماسة :
فانّك لم
تبعد على متعهد
|
|
بلى كلّ من
تحت التراب بعيد
|
فانّ هذا
الشاعر بنى معناه على أنّ المقبور قريب من الحي الذي يريد تعاهده بالزيارة إذ
القبور بأفنية البيوت غالبا ، فلما فرغ من العبارة عن معناه الذي قدّره على هذا
التقدير عرض له كأنّ قائلا يقول له : وأي قرب بين الميت المدفون تحت التراب والحي
فالتفت متلافيا هذا الغلط بقوله : «بلى كل من تحت التراب بعيد» كأنّ هذا الشاعر
بنى معناه على أنّ المقبور الى بعد» . وهذا ما سموه الاعتراض والرجوع.
وقال المصري : «والفرق
بين الاحتراس والالتفات أنّ الاعتراض والانفصال يكونان في بيت واحد وفي بيتين وفي
آية وفي آيتين ، والالتفات لا يكونان فيه إلا في بيت واحد وآية واحدة» .
الالتقاط :
اللّقط أخذ
الشيء من الأرض ، لقطه يلقطه لقطا والتقطه : أخذه من الارض واللقطة : اسم الشيء
الذي تجده ملقى فتأخذه .
والالتقاط
والتلفيق من أنواع السرقات وقد جمعهما الحاتمي في باب واحد وقال : «وهي ترقيع
الالفاظ وتلفيقها واجتذاب الكلام من أبيات حتى ينظم بيتا» . ومن التلفيق قول يزيد بن الطثرية :
إذا ما رآني
مقبلا غضّ طرفه
|
|
كأنّ شعاع
الشّمس دوني يقابله
|
فقوله : «إذا
ما رآني مقبلا» من قول جميل :
إذا ما رأوني
طالعا من ثنيّة
|
|
يقولون من هذا
وقد عرفوني
|
وقوله : «غضّ
طرفه» من قول جرير :
فغضّ الطرف
إنّك من نمير
|
|
فلا كعبا
بلغت ولا كلابا
|
وقوله : «كأنّ
شعاع الشمس دوني تقابله» من قول عنترة بن عكبرة الطائي :
إذا أبصرتني
أعرضت عني
|
|
كأنّ الشمس
من قبلي تدور
|
ومن الالتقاط
والترقيع قول ابن هرمة :
كأنّك لم تسر
بجنوب خلص
|
|
ولم تلمم على
الطّلل المحيل
|
التقطه ولفقه
من بيتين أحدهما قول جرير :
كأنك لم تسر
ببلاد نعم
|
|
ولم تنظر
بناظره الخياما
|
فصدر بيت ابن
هرمة من صدر البيت ، وعجزه من قول الكميت :
ألم تلمم على
الطّلل المحيل
|
|
بفيد وما بكاؤك
بالطلول
|
وقال الحاتمي :
«وممن كان يرقع ويلفق مع سعة صدره وغزارة بحره أبو نواس فمن ذلك قوله :
أشمّ طوال
الساعدين كأنّما
|
|
يناط نجادا
سيفه بلواء
|
__________________
صدر هذا البيت
مجتذب من قول المساور بن هند :
أشمّ طوال
الساعدين شمردل
|
|
يكاد يساوي
غارب الفحل غاربه
|
أو من قول زياد
بن عبد الله بن قرة حيث يقول :
أشم طوال
الساعدين كأنما
|
|
يناط الى جذع
طوال حمائله
|
وقوله : «نجادا
سيفه بلواء» من قول العنبري» .
وذكر ابن رشيق
الالتقاط والتلفيق ولم يعرفهما وانما اكتفى ببعض أمثلة الحاتمي . وعرّف ابن منقذ الالتقاط بقوله : «وهو ما يتطارحه
العلماء والشعراء والكتاب بينهم ، وهو أن يطرح بيت ويولد من كل كلمة منه بيت أو من
كلمتين أو ثلاثة أو غير ذلك مثلما ذكر في كتاب الصناعتين التلفيق والالتقاط وهو أن
يكون البيت ملفقا من ابيات قبله» . وذكر الأمثلة التي ذكرها الحاتمي وابن رشيق.
الإلجاء :
الالجاء من
ألجأ أي أسند ، وألجأه الى الشيء : اضطره اليه. والالجاء : الاضطرار .
وقد عرّفه
المصري بقوله : «هو أن تكون صحة الكلام المدخول ظاهره موقوفة على الاتيان فيه بما
يبادر الخصم الى ردّه بشيء يلجئه الى الاعتراف بصحته. وملخص تعريفه أن يقال : لكل
كلام يرد فيه على المعترض عليه جواب مدخول إذا دخله الخصم به التجأ الى تصحيح
الجواب» ، كقوله تعالى :(وَلَقَدْ نَعْلَمُ
أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) ، قال الله تعالى في جواب هذا القول : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ
أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) فان للخصم أن يقول : نحن إنّما أردنا القصص والأخبار
ونحن نعلم أنّ الأعجمي إذا القى الكلام الى العربي لا يخرجه عن كونه تعلم معانيه
من الأعجمي. فظاهر الكلام لا يصلح أن يكون ردا على المشركين فيقال لهم : هب أنّ
الأعجمي علمه المعاني فهذه العبارة الهائلة التي قطعت أطماعكم عن الاتيان بمثلها
من علمها له؟ أفان كان هو الذي أتى بها من قبل نفسه كما زعمتم فقد أقررتم أنّ رجلا
واحدا منكم أتى بهذا المقدار من الكلام الذي هو مائة سورة وأربع عشرة سورة ، وقد
عجزتم بأجمعكم ، وكل من تدعونه من دون الله عن الاتيان بأقصر سورة. فان قلتم : إنّ
الاعجمي علمه المعاني والالفاظ فهذا أشد عليكم لأنّه إقرار بأنّ رجلا أعجميا قدر
على ما بين من الآيات المتضمنة للأخبار والقصص وقد عجزتم عن ثلاث آيات منهن ،
يلجئهم ذلك الى الاقرار بأنّه من عند الله.
وقال السبكي : «هو
ذكر اعتراض وجواب» ، ولم يذكر له أمثلة. ويبدو أنّ المصري انفرد بالحديث
عن هذا الفن ، لأنّ «الالتجاء والمعاظلة» الذي ذكره ابن منقذ غير ذلك ، فالالتجاء والمعاظلة ـ كما تقدم ـ هو ما سماه عبد
القاهر الاستعارة غير المفيدة ، والإلجاء الذي ذكره المصري والسبكي هو «ذكر اعتراض
وجواب».
إلجام الخصم
بالحجّة :
يقال : ألجم
الفرس أي وضع له اللجام ، وفي الحديث : «من سئل عما يعلمه فكتمه ألجمه الله بلجام
من نار يوم القيامة» ، أي أنّ الممسك عن
__________________
الكلام ممثل بمن ألجم نفسه بلجام .
وإلجام الخصم
بالحجة هو الاحتجاج النظري وقد تقدم ، أو المذهب الكلامي وقد سماه الزركشي «الجام
الخصم بالحجة» وقال : «هو الاحتجاج على المعنى المقصود بحجة عقلية تقطع المعاند له
فيه.
والعجب من ابن
المعتز في بديعه حيث أنكر وجود هذا النوع في القرآن وهو من أساليبه» .
الألغاز :
ألغز الكلام
وألغز فيه : عمّى مراده وأضمره على خلاف ما أظهره ، واللغز : ما ألغز من كلام
فشبّه معناه ، واللغز : الكلام الملبّس ، وقد ألغز في كلامه يلغز إلغازا إذا ورّى
فيه وعرّض ليخفى. واللغز واللغيزى والالغاز : حفرة يحفرها اليربوع في جحرة تحت
الأرض .
وكان الخليل بن
احمد الفراهيدي قد ذكره فقال : «رأيت أعرابيا يسأل أعرابيا عن البلصوص ما هو؟ فقال
: طائر. قال : فكيف تجمعه؟ قال : البلنصى. قال الخليل : «فقد ألغز رجاز فقال : «فما
البلصوص يتبع البلنصى» كان لغزا» . وعقد الجاحظ بابا في اللغز والجواب ، ولكنّ ذلك أقرب الى اسلوب الحكيم.
وقال الحاتمي :
«وإنّما سمي اللغز لغزا ؛ لأنّ اللغز والالغاز ما خفي مذهبه وبعد مطلبه مأخوذ من
الارض اللغز واللغيزى وهي الخفية» ، وهذا تعريف لغوي ، ولكنّ ابن وهب قال عنه : «هو قول
استعمل فيه اللفظ المتشابه طلبا للمعاياة والمحاجة. والفائدة في ذلك في العلوم
الدنيوية رياضة الفكر في تصحيح المعاني واخراجها من المناقضة والفساد الى معنى
الصواب والحق وقدح الفطنة في ذلك واستنجاد الرأي في استخراجها» . وذلك مثل قول الشاعر :
ربّ ثور رأيت
في جحر نمل
|
|
ونهار في
ليلة ظلماء
|
فالثور ههنا
القطعة من الأقط وهي اللبن اليابس ، والنهار فرخ الحبارى ، فاذا استخرج هذا صحّ
المعنى ، واذا حمل على ظاهر لفظه كان محالا.
وقال الخفاجي :
«إن الموضوع على وجه الالغاز قد قصد قائله إغماض المعنى وإخفاءه وجعل ذلك فنا من
الفنون التي يستخرج بها أفهام الناس وتمتحن أذهانهم» وذكر أنّ شيخه أبا العلاء المعري كان يستحسن هذا الفن
ويستعمله في شعره كثيرا ، ومنه قوله :
وجبت سرابيّا
كأنّ إكامه
|
|
جوار ولكن
مالهنّ نهود
|
تمجّس حرباء
الهجير وحوله
|
|
رواهب خيط
والنهار يهود
|
فألغز بقوله : «جوار»
عن الجواري من الناس ، وهو يريد كأنهن يجرين في السراب. وبقوله : «نهود» عن نهود
الجواري ، وهو يريد بنهود «نهوض» أي كأنهنّ يجربن في السراب ومالهن على الحقيقة
نهوض. وأراد بقوله : «تمجّس حرباء» أي صار لاستقباله الشمس كالمجوس التي تعبدها
وتسجد لها وجعل الرواهب النعام لسوادها ، ويهود : يرجع ، وهو يلغز بذلك عن اليهود
لمّا ذكر المجوس والرواهب.
والالغاز عند
ابن الاثير الاغاليط من الكلام أو الأحاجي وقد يسمى المعمّى قال : «وأما اللغز
والاحجية فانّهما شيء واحد ، وهو كل معنى يستخرج بالحدس والحزر لا بدلالة اللفظ
حقيقة ومجازا ولا يفهم من عرضه لأنّ قول القائل في
__________________
الضرس :
وصاحب لا
أملّ الدهر صحبته
|
|
يشقى لنفعي
ويسعى سعي مجتهد
|
ما إن رأيت
له شخصا فمذ وقعت
|
|
عيني عليه
افترقنا فرقة الأبد
|
لا يدلّ على
أنّه الضرس لا من طريق الحقيقة ولا من طريق المجاز ولا من طريق المفهوم ، وإنّما
شيء يحدس ويحزر» .
وسمّاه المصري «الالغاز
والتعمية» وقال : إنّ الإلغاز يسمى المحاجاة ، والتعمية أعم أسمائه وهو : «أن يريد
المتكلم شيئا فيعبر عنه بعبارات يدل ظاهرها على غيره وباطنها عليه ، وهو يكون في
النثر والشعر» .
والالغاز عند
العلوي الأحجية قال : «وهو ميلك بالشيء عن وجهه ، واشتقاقه من قولهم : «طريق لغز»
إذا كان يلتوي ويشكل على سالكه ويقال له المعمّى أيضا وذكر البيتين السابقين في الضرس وعلّق عليهما بمثل
تعليق ابن الاثير. ومن ذلك وصف المتنبي للسفن في قصيدته التي يمدح بها سيف الدولة
عند ذكره لصورة الفرات :
وحشاه عادية
بغير قوائم
|
|
عقم البطون
حوالك الألوان
|
تأتي بما سبت
الخيول كأنّها
|
|
تحت الحسان
مرابض الغزلان
|
وذكر بعضهم أنّ
الالغاز وقع في القرآن الكريم وجعل منه ما جاء في أوائل السور من الحروف المفردة
والمركبة ، ومنه قوله تعالى في قصة ابراهيم ـ عليهالسلام ـ لما سئل عن كسر الأصنام وقيل له : أنت فعلته؟ فقال : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) قابلهم بهذه المعارضة ليقيم عليهم الحجة ويوضح لهم
المحجة .
ولا يخرج كلام
الحموي والسيوطي والمدني عما ذكره المتقدمون.
الإلمام :
ألمّ إلماما أي
: اقترب منه ، وقد ألمّ به أي نزل ، والإلمام : النزول ، والزيارة غبّا ، والالمام بالشيء معرفته ، وتجيء بمعنى انه لم يتعمق
فيه. والالمام من السرقات ، قال ابن رشيق إنه «ضرب من النظر» ، ومثل له بقول أبي الشيص :
أجد الملامة
في هواك لذيذة
|
|
حبّا لذكرك
فليلمني اللّوّم
|
وقول المتنبي :
أأحبه وأحبّ
فيه ملامة
|
|
إنّ الملامة
فيه من أعدائه
|
وقال عنهما ابن
رشيق في باب التغاير : «وهذا عند الجرجاني هو النظر والملاحظة وهو يعدّه في باب
السرقات» . وكان القاضي الجرجاني قد علق على البيتين بقوله : «ومن
لطيف السرق ما جاء به على وجه القلب وقصد به النقض» .
وللالمام معنى
آخر ، قال ابن شيث القرشي : «الالمام : وهو مصدر قولك : «ألمّ يلم إلماما» واللمم
الصغيرة والكبيرة من الذنوب ، وهو أن يلم الكاتب في صدر كلامه بكلمة ثم يبني عليها
فصلا
__________________
ثم يتفق أن يستعمل كلمة أخرى أجنبية فينافر ما بين اللفظين وينافي ما بين
المعنيين فيعود الى تلك الكلمة التي استعملها في صدر كلامه يعكسها هجاء ويعيدها في
أول الفصل الثاني. وهو مثل قولك : «أفاض الله عليك نعمه ، وأضاف اليك قسمه» ومنه :
«قرّف فلان بتكذيبه ففرق بينه وبين محبوبه» ويقال : «لاح لفلان سبيل رشده فحال
بينه وبين ضده». ومنه :
جلّ عن مشبه
يساويه في الفض
|
|
ل كما لجّ في
اقتناء الفخار
|
وهذا هو الضرب
الثاني من المشبه بالتجنيس الذي سمي معكوسا ، وقد ذكر ابن الاثير عكس الحروف ، وهو شبيه بما ذكره ابن شيث.
الإلهاب :
ألهب : أوقد ،
وألهب البرق إلهابا ، وإلهابه تداركه حتى لا يكون بين البرقتين فرجة ، وألهب في
الكلام :أمضاه بسرعة ، والأصل فيه : الجري الشديد الذين يثير اللهب وهو الغبار
الساطع كالدخان المرتفع من النار .
وقد ذكر العلوي
فنا سماه «الالهاب والتهييج» وقال إنّهما : «مقولان على كل كلام دال على الحث على
الفعل لمن لا يتصور منه تركه وعلى ترك الفعل لمن لا يتصور منه فعله ولكن يكون صدور
الأمر والنهي ممن هذه حاله على جهة الالهاب والتهييج له على الفعل أو الكف لا غير»
. فالأمر مثاله قوله تعالى : (فَاعْبُدِ اللهَ
مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) ، وقوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ
لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) وقوله : (فَاسْتَقِمْ كَما
أُمِرْتَ). والمعلوم من حاله ـ عليهالسلام ـ أنه حاصل على هذه الأمور كلها من عبادة الله تعالى
وإقامة وجهة للدين والاستقامة على الدعاء اليه لا يفتر عن ذلك ولا يتصور منه
خلافها لأنّ خلافها معصوم منه الأنبياء فلا يمكن تصوره من جهتهم بحال ولكنّ ورودها
على هذه الاوامر إنّما كان على جهة الحث له بهذه الأوامر وأمثالها. وكذلك ورد في
المناهي كقوله تعالى : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ
الْجاهِلِينَ) ، وقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ). وحاشاه أن يكون جاهلا أو أن يفعل أفعال السفهاء
والجهال.
وأنّى يخطر
بباله الشرك بالله وهو أول من دعا الى عبادته وحثّ عليها ، وهكذا القول فيما كان
واردا في الأوامر والنواهي ـ له ـ عليهالسلام ـ فإنّما كان على جهة الإلهاب على فعل الأوامر
والانكفاف عن المناهي
والتهييج
لداعيته وحثا له على ذلك. فالأمر في حقه على تحصيل الفعل والكف عن المناهي فيما
كان يعلم وجوبه عليه ويتحقق الانكفاف عنه إنّما هو على جهة التأكيد والحثّ
بالتهييج والالهاب ، فهذان نوعان من الكلام يردان في الكلام الفصيح والخطب البالغة
، ولو لا موقعهما في البلاغة أحسن موقع ما وردا في كتاب الله ـ تعالى ـ الذي أعجز
الثقلين الاتيان بمثله أو بأقصر سورة من سوره.
ولم يرد هذا
الفن إلا في كتاب «الطراز» للعلوي ، ولعله يدخل في خروج الأمر والنهي عن غرضيهما
الحقيقيين ، والغرض المجازي في كل منهما هو الالهاب والتهييج.
الامتحان :
امتحن القول :
نظر فيه ودبره ، وامتحن الله قلوبهم :
__________________
صفّاها وهذّبها . وقد أطلق العلوي مصطلح «الامتحان» على ثلاثة أنواع هي
: الاقتصاد والتفريط والافراط ، وقال : «إنّ من المعاني ما يكون متوسطا فيما أتي
به من أجله فيكون اقتصادا ، ومنها ما يكون قاصرا عن الغرض فيقال له تفريط ، ومنها
ما يكون زائدا عن الحد فيكون إفراطا. فهذا الفصل يسمى الامتحان لما كان فيه
الافادة لمعرفة هذه الامور الثلاثة ، فاذا عرفت هذا فاعلم أنّ هذه الامور الثلاثة
أعني الاقتصاد والتفريط والافراط لها مدخل في كل شيء من العلوم والصناعات والاخلاق
والطباع» .
وقد تقدم
الكلام على الافراط والاقتصاد وسيأتي الحديث عن التفريط.
الامتناع :
المنع : أن
تحول بين الرجل والشيء الذي يريده ، ويقال : هو تحجير الشيء ؛ منعه يمنعه منعا
ومنّعه فامتنع منه وتمنّع .
وكان قدامة قد
تحدث في باب العيوب العامة للمعاني عن إيقاع الممتنع وفرّق بينه وبين المتناقض ،
قال : «ومن عيوب المعاني إيقاع الممتنع فيها في حال ما يجوز وقوعه ويمكن كونه.
والفرق بين الممتنع والمتناقض أنّ المتناقض لا يكون ولا يمكن تصوّره في الوهم ،
والممتنع لا يكون ويجوز أن يتصور في الوهم» ومما جاء في الشعر وقد وضع الممتنع فيه فيما يجوز وقوعه
قول أبي نواس :
يا أمين الله
عش أبدا
|
|
دم على
الأيام والزّمن
|
فليس يخلو هذا
الشاعر من أن يكون تفاءل لهذا الممدوح بقوله : عش أبدا أو دعا له ، وكلا الأمرين
مما لا يجوز مستقبح.
وقال البغدادي
: «وأما الامتناع فهو الذي وإن كان لا يوجد فيمكن أن يتخيل ، ومنزلته دون منزلة
المستحيل في الشناعة ، مثل أن تركّب أعضاء حيوان ما على جثة آخر فانّ ذلك جائز في
التوهم ولكنه معدوم في الوجود» .
الأمثال :
المثل : الشيء
الذي يضرب لشيء مثلا فيجعل مثله ، والجمع : الأمثال . ولخّص الميداني ما قيل في المثل فقال : «قال المبرّد :
المثل مأخوذ من المثال وهو قول سائر يشبّه به حال الثاني بالأوّل والأصل في
التشبيه ، فقولهم «مثل بين يديه» إذا انتصب ، معناه أشبه الصورة المنتصبة. و «فلان
أمثل من فلان» أي : أشبه بما له في الفضل. والمثال : القصاص لتشبيه حال المقتص منه
بحال الأول ، فحقيقة المثل ما جعل كالعلم للتشبيه بحال الأوّل كقول كعب بن زهير :
كانت مواعيد
عرقوب لها مثلا
|
|
وما مواعيدها
إلّا الأباطيل
|
فمواعيد عرقوب
علم لكل ما لا يصحّ من المواعيد.
قال ابن
السّكّيت : المثل : لفظ يخالف لفظ المضروب له ويوافق معناه معنى ذلك اللفظ ،
شبّهوه بالمثال الذي يعمل عليه غيره.
وقال غيرهما :
سمّيت الحكم القائم صدقها في العقول أمثالا لانتصاب صورها في العقول مشتقة من
المثول الذي هو الانتصاب.
وقال إبراهيم
النّظّام : يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام : إيجاز اللفظ ،
وإصابة المعنى ، وحسن التشبيه ، وجودة الكناية ؛ فهو نهاية الغاية.
__________________
وقال ابن
المقفّع : إذا جعل الكلام مثلا كان أوضح للمنطق ، وآنق للسمع ، وأوسع لشعوب الحديث».
ثم قال
الميداني : «فالمثل ما يمثّل به الشيء أي يشبّه كالنكل من ينكّل به عدوه ، غير أنّ
المثل لا يوضع في موضع هذا المثل وإن كان المثل يوضع موضعه ، فصار المثل اسما
مصرّحا لهذا الذي يضرب ثم يردّ الى أصله الذي كان له من الصفة» .
وقال ابن وهب :
«وأمّا الأمثال فإنّ الحكماء والعلماء والأدباء لم يزالوا يضربون الأمثال ويبينون
للناس تصرّف الأحوال بالنظائر والأشباه والأشكال ، ويرون هذا النوع من القول أنجح
مطلبا وأقرب مذهبا» . وهذا ما ذهبت اليه كتب الأمثال غير أنّ الجاحظ سمّى
الاستعارة مثلا ، وقال في تعليقه على بيت الأشهب ابن رميلة :
هم ساعد
الدّهر الذي يتّقى به
|
|
وما خير كفّ
لا تنوء بساعد
|
«قوله : «هم ساعد الدّهر» إنّما هو
مثل ، وهذا الذي يسمّيه الرّواة البديع» وهذه تسمية القدماء ، قال المظفّر العلوي : «وكان
القدماء يسمّونها الأمثال فيقولون : «فلان كثير الأمثال». ولقبها بالاستعارة ألزم
؛ لأنّه أعمّ ، ولأنّ الأمثال كلّها تجري مجرى الاستعارة» . وهذا هو الصحيح لتبقى الأمثال وإرسال المثل وإرسال
المثلين ممّا يحسن التّمثّل به عند اقتضاء المقام.
والأمثال في
القرآن الكريم وكلام العرب كثيرة ، وقد تقدّمت منها صور في «إرسال المثل» و «إرسال
المثلين».
الأمر :
الأمر نقيض
النهي ، يقال أمره يأمره أمرا وإمارا فائتمر أي قبل أمره .
والأمر عند
البلاغيين هو طلب الفعل على وجه الاستعلاء والالزام ، أو كما قال العلوي : «هو
صيغة تستدعي الفعل أو قول ينبىء عن استدعاء الفعل من جهة الغير على جهة الاستعلاء»
.
وللأمر أربع
صيغ هي :
١ ـ فعل الأمر
كقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)
وقول الحطيئة :
دع المكارم
لا ترحل لبغيتها
|
|
واقعد فانّك
أنت الطاعم الكاسي
|
٢ ـ المضارع المقرون بلام الأمر
كقوله تعالى :(لِيُنْفِقْ ذُو
سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) وقول أبي تمام :
كذا فليجلّ
الخطب وليفدح الأمر
|
|
فليس لعين لم
يفض ماؤها عذر
|
٣ ـ اسم فعل الأمر كقوله تعالى : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ
مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ). ومنه «صه» بمعنى اسكت ، و «مه» بمعنى اكفف ، و «آمين»
بمعنى استجب ، و «بله» بمعنى دع ، و «رويده» بمعنى أمهله ، و «نزال» بمعنى انزل ، و
«دراك» بمعنى أدرك.
٤ ـ المصدر
النائب عن فعل الأمر كقوله تعالى :(وَبِالْوالِدَيْنِ
إِحْساناً).
وقول قطريّ بن
الفجاءة :
فصبرا في
مجال الموت صبرا
|
|
فما نيل
الخلود بمستطاع
|
__________________
والأمر من
أوائل الأساليب التي بحثها النحاة والبلاغيون ، وقد عقد له سيبويه بابا وتحدث عنه
ابن قتيبة وثعلب وأشاروا الى معناه الحقيقي والى بعض الأغراض التي يخرج اليها . ولعل ابن فارس كان من أوائل الذين عقدوا بابا باسم «باب
معاني الكلام» وهي عشرة : خبر واستخبار ، وأمر ونهي ، ودعاء وطلب ، وعرض وتحضيض ،
وتمن وتعجب ، وهذا هو الباب الذي سماه البلاغيون باب «الخبر
والانشاء». وقد عرّف الأمر بقوله : «الأمر عند العرب ما إذا لم يفعله المأمور سمي
المأمور به عاصيا ويكون بلفظ : افعل وليفعل» . وتحدث عن المعاني التي يحتملها لفظ الأمر.
ودخل أسلوب
الأمر في علم المعاني حينما قسم السكاكي البلاغة الى أقسامها الثلاثة :المعاني
والبيان والبديع. والأمر عنده هو الباب الثالث من أبواب الطلب ، وقال : «والأمر في
لغة العرب عبارة عن استعمالها أعني استعمال نحو «لينزل» و «انزل» و «نزال» و «صه»
على سبيل الاستعلاء» . وتحدث عن الاغراض المجازية للأمر ، وتبعه في ذلك
البلاغيون ولا سيما القزويني وشرّاح التلخيص .
والمعاني
المجازية التي يخرج اليها الأمر كثيرة منها :
الأمر للإباحة
:
الأمر للإباحة
عن الأغراض الاولى التي فطن لها النحاة ، فسيبويه يقول : «تقول «جالس عمرا أو
خالدا أو بشرا» كأنك قلت : جالس أحد هؤلاء ولم ترد إنسانا بعينه» .
وذكره ابن
قتيبة وقال : «وعلى لفظ الأمر وهو إباحة» قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) ، وقوله : (فَإِذا قُضِيَتِ
الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ).
ونصّ المبرد
على معنى الاباحة فقال : «وقد يكون لها موضع آخر معناه الإباحة وذلك قولك : «جالس
الحسن او ابن سيرين» و «ائت المسجد أو السوق» أي قد أذنت لك في مجالسة هذا الضرب
من الناس وفي إتيان هذا الضرب من المواضع» . وظل مثال «جالس الحسن او ابن سيرين» يدور في كتب
البلاغة عند الكلام على خروج الأمر للاباحة.
ومن الأمر
للاباحة قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ
الْفَجْرِ). وقول كثيّر :
أسيئي بنا أو
أحسني لا ملومة
|
|
لدينا ولا
مقليّة إن تقلّت
|
قال القزويني :
«ووجه حسنه إظهار الرضى بوقوع الداخل تحت لفظ الأمر حتى كأنه مطلوب» .
__________________
الأمر للاحتقار
:
ومنه قوله
تعالى : (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ
مُلْقُونَ) ، قال السبكي : «ولو لا أنّ الالقاء سحر لكنت أقول إنّه
أمر إباحة» .
الأمر للإرشاد
:
ومنه قوله
تعالى : (وَأَشْهِدُوا إِذا
تَبايَعْتُمْ). وقد ذكره السبكي والسيوطي .
الأمر للاعتبار
:
ذكره السبكي
والسيوطي ، وهو كقوله تعالى : (انْظُرُوا إِلى
ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ).
الأمر للإكرام
:
ومنه قوله
تعالى : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ*) ، قال السبكي : «وهو أيضا من الإباحة» .
الأمر للالتماس
:
وهو الطلب من
المساوي ، قال القزويني : «والالتماس إذا استعملت فيه على سبيل
التلطف» كقولك لمن يساويك في الرتبة «افعل» بلا استعلاء.
الأمر للامتنان
:
ومنه قوله
تعالى : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ
إِذا أَثْمَرَ) ، قال السبكي : «والظاهر انّه قسم من الاباحة لكن معه
امتنان» .
الأمر للإنذار
:
ومنه قوله
تعالى : (قُلْ تَمَتَّعُوا) ، ومنهم من عدّه من التهديد ، ومنهم من جعله قسما آخر ،
وأهل اللغة قالوا : «التهديد التخويف ، والانذار الابلاغ ، فهما متقابلان» .
الأمر للإنعام
:
أي : تذكير
النعمة كقوله تعالى : (كُلُوا مِمَّا
رَزَقَكُمُ اللهُ).
الأمر للإهانة
:
ذكره القزويني
والعلوي والسبكي والسيوطي ، وهو كقوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ). وقوله : (قُلْ : كُونُوا
حِجارَةً أَوْ حَدِيداً).
الأمر للتّأديب
:
ذكره ابن قتيبة
وقال : «أن يأتي على لفظ الأمر وهو تأديب» كقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ
عَدْلٍ
__________________
مِنْكُمْ). وقوله : (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي
الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَ).
الأمر للتّحريم
:
قال السبكي : «فان
جماعة ذهبوا الى أنّ الامر مشترك بين معان أحدها التحريم كما نقله الاصوليون. فاذا
كنا نذكر الاستعمالات لغير الأمر مجازا فذكر هذا أولى لأنّه استعمال حقيقي عند
القائل به ولا بدع في استعماله عند غيره في التحريم مجازا بعلاقة المضادة. ويمكن
أن يمثل له بقوله تعالى : (قُلْ تَمَتَّعُوا
فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) ، لكنه يبعده (فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ
إِلَى النَّارِ) فانّه لا يناسب التحريم ، وكذلك (تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ
مِنْ أَصْحابِ النَّارِ).
الأمر للتّخيير
:
ذكره المبرد
وقال : «وكذلك وقوعها للتخيير ، تقول : «اضرب إمّا عبد الله وإمّا خالدا» فالآمر
لم يشك ولكنه خيّر المأمور كما كان ذلك في «أو» .
ومنه قول بشار
:
فعش واحدا أو
صل أخاك فانّه
|
|
مقارف ذنب
مرّة ومجانبه
|
الأمر للتّسخير
:
أي للتذليل ،
كقوله تعالى : (كُونُوا قِرَدَةً) وعبّر به عن نقلهم من حالة الى حالة إذلالا لهم ، فهو
أخصّ من الاهانة .
الأمر للتّسليم
:
ذكره ابن فارس ، وهو كقوله تعالى : (فَاقْضِ ما أَنْتَ
قاضٍ).
الأمر للتّسوية
:
ذكره القزويني
والعلوي والسبكي والسيوطي ، ومنه قوله تعالى : (فَاصْبِرُوا أَوْ لا
تَصْبِرُوا). وقول المتنبي :
عش عزيزا أو
مت وأنت كريم
|
|
بين طعن
القنا وخفق البنود
|
الأمر للتّعجّب
:
ذكره السكاكي
في استعمال الانشاء بمعنى الخبر قال : «والأمر في باب التعجب من نحو «اكرم بزيد»
على قول من يقول إنه بمعنى الخبر» ، وذكره ابن فارس والسبكي والسيوطي ، ومنه قول كعب بن زهير :
أحسن بها
خلّة لو أنّها صدقت
|
|
موعودها أو
لو انّ النصح مقبول
|
الأمر للتّعجيز
:
ذكره ابن فارس
والسبكي والسيوطي ، ومنه
__________________
قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ
مِنْ مِثْلِهِ) إذ ليس المراد طلب ذلك منهم بل إظهار عجزهم. ومنه قول
الشاعر :
خلّ الطريق
لمن يبني المنار به
|
|
وابرز ببرزة
حيث اضطرك القدر
|
وقول الشاعر :
أروني بخيلا
طال عمرا ببخله
|
|
وهاتوا كريما
مات من كثرة البذل
|
الأمر للتّفويض
:
ومنه قوله
تعالى : (فَاقْضِ ما أَنْتَ
قاضٍ). قال السبكي : «زاده الامام أيضا» . وقد جاءت الآية لخروج الأمر الى التسليم كما ذكر ابن
فارس .
الأمر للتّكذيب
:
ذكره السبكي
والسيوطي ، ومنه قوله تعالى :(قُلْ فَأْتُوا
بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها) وقوله : (قُلْ هَلُمَّ
شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا).
الأمر للتّكوين
:
وهو أعمّ من
التسخير ، وقال السبكي : «وهو قريب من التسخير إلا أنّ هذا أعم»
. ومنه قوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ) ، وهذا لا يكون إلا من الله سبحانه .
الأمر للتّلهيف
:
ذكره الصاحبي
وقال : «ويكون أمرا والمعنى تلهيف وتحسير» كقول القائل : «مت بغيضك ومت بدائك» ومنه قوله تعالى : (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) وقول جرير :
موتوا من
الغيظ غمّا في جزيرتكم
|
|
لن تقطعوا
بطن واد دونه مضر
|
الأمر للتّمنّي
:
ذكره ابن فارس
وقال : «ويكون أمرا وهو تمن ، تقول لشخص تراه : «كن فلانا» . ومنه قول امرىء القيس :
ألا أيّها
الليل الطويل ألا انجلي
|
|
بصبح وما
الإصباح منك بأمثل
|
الأمر للتّهديد
:
ذكره ابن قتيبة
وقال : «ومنه أن يأتي الكلام على لفظ الأمر وهو تهديد» كقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما
شِئْتُمْ). ومنه قول الشاعر :
إذا لم تخش
عاقبة الليالي
|
|
ولم تستحي
فافعل ما تشاء
|
الأمر للخبر :
ذكره ابن فارس ، ومنه قوله تعالى :
__________________
(فَلْيَضْحَكُوا
قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) أي : انهم سيضحكون قليلا ويبكون كثيرا. وقال السبكي : «الخبر
نحو : «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» إذ الواقع انّ من لم يستح يفعل ما يشاء. وقيل :
المعنى : إذا وجدت الشيء مما لا يستحيا منه فافعله فيكون اباحة» .
الأمر للدّعاء
:
ذكره الفرّاء ، ومنه قوله تعالى على لسان موسى : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) وذكره ابن قتيبة في قوله تعالى : (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) وقال إنّه «على طريق الدعاء والمسألة» . وسماه ابن فارس «والمعنى مسألة» وقال المبرد : «الدعاء يجري مجرى الأمر والنهي ... وذلك
كقولك في الطلب «اللهمّ اغفر لي».
وقال القزويني
: «اذا استعملت في طلب الفعل على سبيل التضرع» ، كقوله تعالى : (رَبِّ اغْفِرْ لِي
وَلِوالِدَيَ).
الأمر للعجب :
ذكره السيوطي ، ومنه قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ
ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ).
الأمر للفرض :
ذكره ابن قتيبة
وقال : «وعلى لفظ الأمر وهو فرض» كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ). وهذا هو المعنى الحقيقي للأمر.
الأمر للنّدب :
ذكره ابن فارس
والسبكي والسيوطي ، ومنه قوله تعالى : (وَإِذا قُرِئَ
الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) ، وقوله : (فَانْتَشِرُوا فِي
الْأَرْضِ).
الأمر للمشورة
:
ذكره السبكي
والسيوطي ، ومنه قوله تعالى : (فَانْظُرْ ما ذا تَرى).
الأمر للواجب :
ذكره ابن فارس
وقال : «وتكون أمرا وهو واجب» كقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ).
وهذا هو الأمر
الحقيقي.
الأمر للوعيد :
ذكره أبو عبيدة
وقال عن قوله تعالى : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا
وَيَلْعَبُوا) «مجاز الوعيد» . وذكره المبرد وقال عن قوله تعالى : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) : «قيل مخرجه من الله ـ عزوجل ـ
__________________
على الوعيد» . وقال ابن فارس : «ويكون أمرا والمعنى وعيد» كقوله تعالى : (فَتَمَتَّعُوا
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وقوله : (اعْمَلُوا ما
شِئْتُمْ). ومنه قول عبيد بن الأبرص :
حتى سقيناهم
بكأس مرّة
|
|
فيها المثمّل
ناقعا فليشربوا
|
ومن الوعيد قول
الشاعر :
ارووا عليّ
وأرضوا بي رحالكم
|
|
واستسمعوا يا
بني ميثاء إنشادي
|
ما ظنكم ببني
ميثاء إن رقدوا
|
|
ليلا وشدّ
عليهم حيّة الوادي
|
وقد جاء في
الحديث الشريف : «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» أي : أنّ الله ـ جلّ ثناؤه ـ مجازيك.
الانتحال :
انتحل فلان شعر
فلان أو قول فلان : إذا ادّعاه إنه قائله ، وتنحّله : ادعاه وهو لغيره. ونحل القول
ينحله نحلا : نسبه اليه. ونحلته القول أنحله نحلا إذا أضفت اليه قولا قاله غيره
وادعيته عليه. ويقال : نحل الشاعر قصيدة إذا نسبت اليه وهي من قيل غيره.
وانتحل فلان
كذا وكذا معناه قد ألزمه نفسه وجعله كالملك له .
والانتحال من
السرقات عند البلاغيين وهو أن يأخذ الشاعر أبياتا لشاعر آخر وينتحلها لنفسه كقول
جرير :
إنّ الذين
غدوا بلبك غادروا
|
|
وشلا بعينك
لا يزال معينا
|
غيّضن من
عبراتهن وقلن : لي
|
|
ماذا لقيت من
الهوى ولقينا
|
فان الرواة
مجمعون على أنّ البيتين للمعلوط السعدي انتحلها جرير.
وانتحل جرير
قول طفيل الغنوي :
ولما التقى
الحيان ألقيت العصا
|
|
ومات الهوى
لما أصيبت مقاتله
|
ولذلك قال
الفرزدق :
إن تذكروا
كرمي بلؤم أبيكم
|
|
وأوابدي
تتنحّلوا الأشعارا
|
الانتقال :
النقل : تحويل
الشيء من موضع الى موضع ، يقال :نقله ينقله نقلا فانتقل. والتنقّل : التحوّل .
وكان المصري قد
استخرج فنا جديدا سماه «الحيدة والانتقال» وقال عنه : «هو أن يجيب المسؤول بجواب
لا يصلح أن يكون جوابا عما سئل عنه أو ينتقل المستدل الى استدلال غير الذي كان
آخذا فيه ، وانما يكون هذا بلاغة إذا أتى به المستدل بعد معارضة بما يدلّ على أنّ
المعترض لم يفهم استدلاله فينتقل عنه الى استدلال يقطع به الخصم عند فهمه. وقد جاء
في الكتاب العزيز من ذلك قوله تعالى حكاية عن الخليل عليهالسلام في قوله للجبّار : (رَبِّيَ الَّذِي
يُحْيِي وَيُمِيتُ) فقال الجبار : (أَنَا أُحْيِي
وَأُمِيتُ). ثم دعا بانسان فقتله ودعا بمن وجب عليه القتل فأعتقه
فلما علم الخليل أنّه لم يفهم معنى الاماتة والاحياء اللذين أرادهما انتقل الى
استدلال آخر فقال : (فَإِنَّ اللهَ
يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) فأتاه باستدلال
__________________
لا يجد لاسمه اسما مشتركا معه فتعلق بظاهره على طريق المغالطة أو لأنّه لم
يفهم إلا ذلك الوجه الذي تعلّق به فلا ، جرم أنّ الجبار انقطع وأخبر الله ـ سبحانه
ـ عنه بذلك حيث قال تعالى : (فَبُهِتَ الَّذِي
كَفَرَ) (البقرة ٢٥٨). وفيه نوع يحيد المسؤول عن خصوص الجواب الى عمومه لتفيد تلك
الحيدة زيادة بيان لا تحصل بخصوص الجواب كقول عائشة ـ رضياللهعنها ـ وقد سألتها امرأة : أتدخل المرأة الحمام؟فقالت : «كل
امرأة وضعت ثيابها في غير بيتها فقد عصت» ، أو كما قالت. فانظر الى حيدتها عن
الخصوص الى العموم لتفيد زيادة في البيان وتستوعب جميع أحكام الباب .. وأما ما
يأتي بسبب صحة المعارضة على طريق المغالطة فما لا يحسن ذكره مثاله . وسماه ابن الاثير الحلبي والسيوطي «الانتقال» ، وقال
الأول : «هو أن يسأل المتكلم في بحث أو غيره فيجيب بجواب لا يصلح أن يكون جواب ذلك
السؤال وانما يحمله على ذلك إما لأنّ حجته لم تنهض بالاستدلال عليه واما مغالطة عن
أداء الجواب عما سئل عنه» . ونقل مثال المصري. وقال السيوطي : «هو أن ينتقل
المستدل الى استدلال غير الذي كان آخذا فيه لكون الخصم لم يفهم وجه الدلالة من
الأول» . ونقل مثال المصري أيضا.
الانتكاث :
النكث : نقض ما
تعقده وتصلحه من بيعة وغيرها ، يقال : نكثه نكثا فانتكث وتناكث القوم عهودهم :
نقضوها .
سماه ابن منقذ «الانتكاث
والتراجع» وقال : «هو أن ينقض الشاعر قوله بقول آخر ، أو ينقص مما زاد فيه» . كما عابوا على امرئ القيس قوله :
فلو أنّ ما
أسعى لأدنى معيشة
|
|
كفاني ولم
أطلب قليل من المال
|
ولكنّما أسعى
لمجد مؤثّل
|
|
وقد يدرك
المجد المؤثل أمثالي
|
وقوله :
فتملأ بيتنا
أقطا وسمنا
|
|
وحسبك من غنى
شبع وريّ
|
لأنّه وصف نفسه
في موضع بسمو الهمة الى الأمور العظيمة ، وفي موضع آخر بالقناعة والشبع والري.
وكان قدامة قد
تحدث عن هذه الأبيات في باب مناقضة الشاعر نفسه في قصيدتين أو كلمتين ، ورأى أنّ
امرأ القيس لم يناقض نفسه ، قال : «إنّه لو تصفح أولا قول امرئ القيس حق تصفحه لم
يوجد ناقض معنى آخر ، بل المعنيان في الشعرين متفقان إلا أنّه زاد في أحدهما زيادة
لا تنقض ما في الآخر ، وليس أحد ممنوعا من الاتساع في المعاني التي لا تتناقض ،
وذلك أنّه قال في أحد المعنيين : «فلو أنني أسعى لأدنى معيشة كفاني القليل من
المال» وهذا موافق لقوله : «وحسبك من غنى شبع وريّ» لكن في المعنى الأول زيادة
ليست بناقضة لشيء وهو قوله : «لكنني لست أسعى لما يكفيني ولكن لمجد أؤتله».
فالمعنيان
اللذان ينبئان عن اكتفاء الانسان باليسير في الشعرين متوافقان ، والزيادة في الشعر
الأول التي دلّ بها على بعد همته ليست تنقض واحدا منهما ولا تنسخه» .
الانتهاء :
النهية
والنهاية : غاية كل شيء وآخره ، والنهاية :كالغاية حيث ينتهي اليه الشيء وهو
النهاء. يقال :
__________________
بلغ نهايته ، وانتهى الشيء وتناهى ونهّى : بلغ نهايته .
قال ابن رشيق :
«وأمّا الانتهاء فهو قاعدة القصيدة وآخر ما يبقى منها في الاسماع وسبيله أن يكون
محكما لا تمكن الزيادة عليه ولا يأتي بعده أحسن منه ، واذا كان أول الشعر مفتاحا
له وجب أن يكون الآخر قفلا عليه. وقد أربى أبو الطيب على كل شاعر في جودة فصول هذا
الباب الثلاثة إلا أنّه ربما عقّد أوائل الاشعار ثقة بنفسه وإغرابا
على الناس» . كقوله في أول قصيدة :
وفاؤكما
كالربع أشجاه طاسمه
|
|
بأن تسعدا
والدمع أشفاه ساجمه
|
وقال ابن رشيق
بعد ذلك : «ومن العرب من يختم القصيدة فيقطعها والنفس بها متعلقة ، وفيها راغبة
مشتهية ويبقى الكلام مبتورا كأنه لم يتعمد جعله خاتمة ، كل ذلك رغبة في أخذ العفو
واسقاط الكلفة. ألا ترى معلقة امرىء القيس كيف ختمها بقوله يصف السيل من شدة المطر
:
كأنّ السباع
فيه غرقى غديّة
|
|
بأرجائه
القصوى أنا بيش عنصل
|
فلم يجعل لها
قاعدة كما فعل غيره من أصحاب المعلقات وهي أفضلها.
وقد كره
الحذّاق من الشعراء ختم القصيدة بالدعاء ؛ لأنّه من عمل أهل الضعف إلا للملوك
فانهم يشتهون ذلك ما لم يكن من جنس قول أبي الطيب يذكر الخيل لسيف الدولة :
فلا هجمت بها
إلا على ظفر
|
|
ولا وصلت بها
إلا الى أمل
|
فان هذا شبيه
ما ذكر عن بغيض : كان يصابح الأمير فيقول : لا صبّح الله الأمير بعافية ، ويسكت ثم
يقول :
إلا ومسّاه
بأكثر منها ، ويماسيه فيقول : لا مسّى الله الأمير بنعمة ويسكت سكتة ثم يقول : إلا
وصبّحه بأتمّ منها ، أو نحو هذا ، فلا يدعو له حتى يدعو عليه ، ومثل هذا قبيح لا
سيما عن مثل أبي الطيب» .
وسماه القزويني
كما سماه ابن رشيق وقال : «ينبغي للمتكلم أن يتأنق في ثلاثة مواضع من كلامه حتى
تكون أعذب لفظا وأحسن سبكا وأصح معنى ، الأول الابتداء ... والثاني التخلص ...
والثالث الانتهاء لأنّه آخر ما يعيه السمع ويرتسم في النفس» .
ومن الانتهاءات
المرضية قول أبي نواس :
فبقيت للعلم
الذي تهدي له
|
|
وتقاعست عن
يومك الأيام
|
وقول أبي تمام
في خاتمة قصيدة فتح عمورية :
إن كان بين
صروف الدهر من رحم
|
|
موصولة أو
ذمام غير مقتضب
|
فبين أيامك
اللاتي نصرت بها
|
|
وبين أيام
بدر أقرب النّسب
|
أبقت بني
الأصفر الممراض كاسمهم
|
|
صفر الوجوه
وجلّت أوجه العرب
|
وسار شراح
التلخيص على سبيل القزويني في الانتهاء .
ونقل الجاحظ عن
شبيب بن شيبة قوله : «والناس موكلون بتفضيل جودة الابتداء وبمدح صاحبه وأنا موكل
بتفضيل جودة القطع وبمدح صاحبه» .
وسماه الحلبي «براعة
المقطع» وقال : «هو أن يكون آخر الكلام الذي يقف عليه المترسل أو الخطيب أو
__________________
الشاعر مستعذبا حسنا لتبقى لذته في الاسماع» .
وذكر النويري
هذا المصطلح وهذا التعريف .
وسماه المصري
حسن الخاتمة وذكر انه من مستخرجاته ، وقال : «يجب على الشاعر والناثر أن يختما
كلامهما بأحسن خاتمة فانّها آخر ما يبقى في الاسماع ولأنّها ربما حفظت من دون سائر
الكلام في غالب الأحوال فيجب أن يجتهد في رشاقتها ونضجها وحلاوتها وجزالتها» . ونقل ابن مالك هذا الكلام وبعض أمثلة المصري .
وليس الأمر كما
قال المصري وإنّما سبق الى هذا الفن الذي سمي «جودة القطع» أو «براعة المقطع» أو «الانتهاء»
، وقد أشار الحموي الى ذلك بقوله : «هذا النوع ذكره ابن أبي الاصبع أنّه من
مستخرجاته وهو موجود في كتب غيره بغير هذا الاسم فان التيفاشي سماه «حسن المقطع»
وسماه ابن أبي الاصبع حسن الخاتمة» .
فالانتهاء
معروف وأول اشارة اليه كانت كلام شبيب بن شيبة الذي سماه «جودة القطع» وكان القاضي
الجرجاني قد تحدث عن حسن الخاتمة وقال : «والشاعر الحاذق يجتهد في تحسين الاستهلال
والتخلص وبعدها الخاتمة فانها المواقف التي تستعطف أسماع الحضور وتستميلهم الى
الاصغاء» وسماه المدني «حسن الختام» وقال : «وهذا رابع المواضع
التي نص أئمة البلاغة على التأنق فيها ؛ لأنه آخر ما يقرع السمع ويرتسم في النس ،
وربما حفظ لقرب العهد به ، فان كان مختارا حسنا تلقاه السمع واستلذه حتى جبر ما
وقع فيما سبق من التقصير كالطعام اللذيذ الذي يتناول بعد الأطعمة التفهة ، وإن كان
بخلاف ذلك كان على العكس حتى ربما أنسى المحاسن الموردة فيما سبق. وجميع خواتيم
السور كفواتحها واردة على أحسن وجوه البلاغة واكملها لانها بين أدعية ووصايا
وفرائض وتحميد وتهليل ومواعظ ووعد ووعيد الى غير ذلك مما يناسب الاختتام»
ومن حسن الختام
الذي ذكره المدني قول أبي نواس :
وإنّي جدير
إذ بلغتك بالمنى
|
|
وأنت بما
أمّلت منك جدير
|
فإن تولني
منك الجميل فأهله
|
|
وإلا فاني
عاذر وشكور
|
وقول المتنبي :
سما بك همّي
فوق الهموم
|
|
فلست أعدّ
يسارا يسارا
|
ومن كنت بحرا
له يا عليّ
|
|
لم يقبل
الدرّ إلا كبارا
|
وقول ابن هاني
المغربي :
لا زلت تسحب
أذيال الندى كرما
|
|
في نعمة غير
مزجاة من النعم
|
ما نمنم
الروض أو حاكت وشائعه
|
|
أيدي السحاب
الغوادي العزّ بالديم
|
فالانتهاء ،
وجودة القطع وبراعة المقطع وحسن الخاتمة وحسن الختام كلها فن واحد الهدف منه أن
يحرك النفس عند ختام القصيدة أو الكلمة ليبقى أثرها عالقا بالنفوس.
الانسجام :
سجمت العين
الدمع والسحابة الماء تسجمه وتسجمه سجما وسجوما وسجمانا : وهو قطران
__________________
الدمع وسيلانه قليلا كان أو كثيرا. وانسجم الماء والدمع فهو منسجم إذا
انسجم أي انصب ، والانسجام هو الانصباب .
قال ابن منقذ :
«الانسجام أن يأتي كلام المتكلم شعرا من غير أن يقصد اليه وهو يدل على فور الطبع
والغريزة» .
وقال المصري : «هو
أن يأتي الكلام متحدرا كتحدر الماء المنسجم سهولة سبك وعذوبة ألفاظ حتى يكون
للجملة من المنثور والبيت من الموزون وقع في النفوس وتأثير في القلوب ما ليس لغيره
مع خلوه من البديع وبعده عن التصنيع. وأكثر ما يقع الانسجام غير مقصود كمثل الكلام
المتزن الذي تأتي به الفصاحة في ضمن النثر عفوا كمثل أشطار وأنصاف وأبيات وقعت في
أثناء الكتاب العزيز»
والانسجام على
ضربين : ضرب يأتي مع البديع الذي لم يقصد كقوله تعالى : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي
إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).
فقد وقع فيه
تعطف في قوله : (إِلَى اللهِ) و (وَأَعْلَمُ مِنَ
اللهِ) الى جانب ما فيه من سلامة وانسجام.
وضرب لا بديع
فيه كقوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ). وأكثر آي القرآن الكريم من شواهد هذا الباب . ويختلف كلام المصري عن كلام سابقه ، فالأول يريد به
مجيء الجملة الموزونة أو الشطر أو البيت في الكلام ، وهو ما ذكره المصري في آخر
تعريفه ، أما أول كلامه فيريد به الانسجام بمعناه العام وهو أن يتحدر الكلام تحدر
الماء المنسجم سهولة سبك وعذوبة لفظ. والى ذلك ذهب ابن قيم الجوزية والحموي
والسيوطي والمدني .
ومن الانسجام
الذي وقع في الاشعار المقصودة قول أبي تمام :
إن شئت ألا
ترى صبرا لمصطبر
|
|
فانظر على
أيّ حال أصبح الطّلل
|
وقوله :
نقّل فؤادك
حيث شئت من الهوى
|
|
ما الحبّ
إلّا للحبيب الأوّل
|
وقول البحتري :
فيا لائمي في
عبرة قد سفحتها
|
|
لبين وأخرى
قبلها لتجنّب
|
تحاول مني
شيمة غير شيمتي
|
|
وتطلب مني
مذهبا غير مذهبي
|
وقد يحصل
الانسجام مع البديع الذي أتت به القريحة عفوا من غير استدعاء ولا كلفة كبيت أبي
تمام الأول : «إن شئت ...» قال المصري : «فأنت ترى انسجام هذا الكلام مع كون البيت
قد وقع فيه المبالغة والتعليق والإشارة فانّه علق عدم صبر المصطبرين برؤية الطلل
على تلك الحالة ، وأشار بقوله : «على أي حال أصبح الطلل» الى أحوال كثيرة لو عبّر
عنها بلفظها لاحتاجت الى ألفاظ كثيرة. وعلق أحد الأمرين بالآخر إذ جاء بلفظ الشرط
والمشروط» .
ومن الانسجام
قول ابن القيسراني :
بالسّفح من
نعمان لي
|
|
قمر منازله
القلوب
|
حملت تحيته
الشّما
|
|
ل فردّها عني
الجنوب
|
__________________
فرد الصفات
غريبها
|
|
والحسن في الدنيا
غريب
|
لم أنس ليلة
قال لي
|
|
لما رأى جسدي
يذوب
|
بالله قل لي
من أعلّ
|
|
ك يا فتى قلت
: الطبيب
|
وقول ابن بسام
المعروف بالبسامي :
لله أيام
الشباب ولهوه
|
|
لو أنّ أيام
الشباب تباع
|
فدع الصّبا
يا قلب واسل عن الهوى
|
|
ما فيك بعد
مشيبك استمتاع
|
وقول الآخر :
بيض حرائر ما
هممن بريبة
|
|
كظباء مكّة
صيدهنّ حرام
|
يحسبن من لين
الكلام فواسفا
|
|
ويصدّهنّ عن
الخنا الاسلام
|
الإنشاء :
أنشأ الله
الخلق : أبتدأ خلقهم ، والانشاء هو الابتداء أو الخلق ، أو الابتداع . وليس بين هذه المعاني وما ذهب اليه البلاغيون صلة ،
لأنّ الانشاء عندهم : كل كلام لا يحتمل الصدق والكذب لذاته لانه ليس لمدلول لفظه
قبل النطق به واقع خارجي يطابقه أو لا يطابقه. وهذا ما ذكره القدماء فقال الشريف
الجرجاني : «الانشاء قد يقال على الكلام الذي ليس لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه»
.
واعتمدوا على
هذا المعنى حينما فصلوا بين الخبر والانشاء فقال القزويني : «ووجه الحصر أنّ
الكلام إما خبر أو انشاء ؛ لأنّه إما أن يكون لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه ،
أو لا يكون لها خارج. الأول : الخبر ، والثاني : الانشاء» .
والانشاء قسمان
:
الأول : الانشاء
الطلبي ، وهو ما يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب وهو خمسة أنواع : الأمر ،
والنهي ، والاستفهام ، والتمني ، والنداء. وهذه هي الموضوعات التي تحدث عنها
البلاغيون في مبحث الانشاء لأنّها تتفاوت في التعبير وتخرج عن الأغراض الحقيقية
وتؤدي معاني جديدة للأديب فيها تصرف كبير.
الثاني :
الانشاء غير الطلبي ، وهو ما لا يستدعي مطلوبا وله أساليب متعددة :
١ ـ صيغ المدح
والذم ، ومنها «نعم» و «بئس» كقوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا
الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ
خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ). وقوله : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ
خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ). وقوله : (يَدْعُوا لَمَنْ
ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ). وقول زهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان :
نعم امرء هرم
لم تعر نائبة
|
|
إلا وكان
لمرتاع لها وزرا
|
ومنها : «حبذا»
و «لا حبذا» كقول جرير :
يا حبّذا جبل
الريّان من جبل
|
|
وحبّذا ساكن
الريّان من كانا
|
__________________
وحبّذا نفحات
من يمانية
|
|
تأتيك من قبل
الريان أحيانا
|
ومثل : «لا
حبذا صديق السوء».
ومنها :
الافعال المحولة الى «فعل» كقوله تعالى :(كَبُرَتْ كَلِمَةً
تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ).
٢ ـ التعجب وله
صيغتان قياسيتان هما : «ما أفعله» كقوله تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ
ما أَكْفَرَهُ). وقول الشاعر.
بنفسي تلك
الأرض ما أطيب الربى
|
|
وما أحسن
المصطاف والمتربّعا
|
و «أفعل به»
كقوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ
وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا).
٣ ـ القسم
ويكون بالواو والتاء والباء كقوله تعالى : (وَالضُّحى
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى). وقوله : (تَاللهِ لَقَدْ
آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا). ومثل : «أقسم بالله إني بريء» أو «بالله إنّي بريء».
ومن صيغ القسم
التي تأتي كثيرا «لعمر» كقوله تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ
لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ).
وقول الشاعر :
لعمرك ما
أدري وإنّي لأوجل
|
|
على أيّنا
تأتي المنية أوّل
|
٤ ـ الرجاء : وهو طلب حصول أمر
محبوب قريب الوقوع. والحرف الموضوع له «لعل» كقوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى
إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ
أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
وَكِيلٌ).
ومنه قول ذي
الرمة :
لعلّ انحدار
الدمع يعقب راحة
|
|
من الوجد أو
يشفي نجيّ البلابل
|
والأفعال التي
تستعمل في هذا الاسلوب «عسى» كقوله تعالى : (فَعَسَى اللهُ أَنْ
يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ).
ومنه قول
الشاعر :
عسى الكرب
الذي أمسيت فيه
|
|
يكون وراءه
فرج قريب
|
و «حرى» ، مثل
: «حرى محمد أن يقوم».
و «اخلولق» ،
مثل : «اخلولقت السماء أن تمطر».
وتسمّى هذه
الثلاثة «أفعال الرجاء».
٥ ـ صيغ العقود
: مثل «بعت» و «اشتريت» و «هبت» و «قبلت». وهذه أساليب خبر لا يراد بها الاخبار لأنّها
لا تحتمل الصدق والكذب ولذلك لم توضع في مباحث الخبر.
ولا يهتم
البلاغيون بهذه الأساليب الانشائية لقلة الأغراض المتعلقة بها ؛ ولأنّ معظمها
أخبار نقلت عن معانيها الأصلية. أما الانشاء الذي يعنون به فهو الطلبي لما فيه من
تفنن في القول.
الانصراف :
الصرف : رد
الشيء عن وجهه ، صرفه يصرفه صرفا فانصرف. ومعنى قوله تعالى : (ثُمَّ انْصَرَفُوا) أي :رجعوا عن المكان الذي استمعوا فيه ، وقيل : انصرفوا
عن العمل بشيء مما سمعوا .
والانصراف هو «ان
يرجع من الخبر الى الخطاب ومن الخطاب الى الخبر» ، وهذه تسمية ابن منقذ ،
__________________
وابن شيث القرشي ، وسماه ابن وهب «الصرف» وسماه غيرهم «الالتفات» وهو الذي يتردد في كتب البلاغة
وقد تقدم.
الإنفاد :
نفد ـ بالدال ـ
الشيء نفدا ونفادا : فني وذهب.
وأنفد القوم
اذا نفد زادهم أو نفدت أموالهم. والمنافد : الذي يحاجّ صاحبه حتى يقطع حجته وتنفد
، ونافدت الخصم منافدة إذا حاججته حتى تقطع حجته ، وخصم منافد : يستفرغ جهده في
الخصومة .
وأخذ المظفر
العلوي هذا المعنى اللغوي وقال «الإنفاد ـ بالدال غير المعجمة ـ هو من قولهم :خصم
منافد إذا خاصم حتى تنفد حجته. وتقول : نافدت الرجل مثل «حاكمته». وفي الحديث : «إن
نافدتهم نافدوك». وهو أن يقول الشاعر بيتا تاما ويقول الآخر بيتا» . وربط بين الإنفاد والاجازة فقال : «وأما الإنفاد
والإجازة فروي أنّ كعب بن زهير لما تحرّك بالشعر كان أبوه زهير ينهاه عنه مخافة
ألا يكون استحكم شعره فيروى عنه ما يعاب عليه. وكان يضربه على ذلك فغلبه وطال ذلك
عليه فأخذه وسجنه وقال : «والذي أحلف به لا تتكلم ببيت شعر ولا يبلغني تريغ لشعر
إلا ضربت ضربا ينكرك عن ذلك. فمكث محبوسا أياما ثم أخبر أنّه تكلم به فضربه ضربا
مبرحا ثم أطلقه وسرّحه في بهمة وهو غليّم صغير فانطلق فرعاها ثم راح بها وهو يرتجز
:
كأنّما أحدو
ببهمي عيرا
|
|
من القرى
موقرة شعيرا
|
فخرج زهير اليه
وهو غضبان فدعا بناقة فركبها وتناوله فأردفه خلفه ، ثم حرك ناقته وهو يريد أن
يتعنت كعبا ويعلم ما عنده ويطلع على شعره ، فقال حين فصل من الحي :
وإنّي لتغدو
بي على الهمّ جسرة
|
|
تخبّ بوصّال
صروم وتعنق
|
ثم ضربه وقال :
أجز يا لكع ، فقال :
كبنيانة
القاريّ موضع رحلها
|
|
وآثار نسعيها
من الدّف أبلق
|
فقال زهير :
على لاحب مثل
المجرّة خلته
|
|
إذا ما علا
نشزا من الأرض مهرق
|
ثم قال : أجزيا
لكع ، فقال :
منير هداه
ليله كنهاره
|
|
جميع إذا
يعلو الحزونة أفرق
|
فقال زهير :
تظلّ بوعساء
الكثيب كأنّها
|
|
خباء على
صقبي بوان مروّق
|
ثم قال : أجزيا
لكع ، فقال :
تراخى به حبّ
الضّحاء وقد رأى
|
|
سماوة قشراء
الوظيفين عوهق
|
فقال زهير :
تحنّ الى مثل
الحبابير جثّم
|
|
لدى منهج من
قيضها المتفلق
|
__________________
ثم قال : أجزيا لكع ، فقال :
تحطّم عنها
قيضها عن خراطم
|
|
وعن حدق
كالنّبخ لم يتفلّق
|
فأخذ زهير بيد
كعب وقال له : «قد أذنت لك في الشعر» .
الانفصال :
فصلت الشيء
فانفصل أي : قطعته فانقطع .
والانفصال من
مبتدعات المصري ، وقد عرّفه بقوله : «هو أن يقول المتكلم كلاما يتوجه عليه فيه دخل
إذا اقتصر عليه فيأتي بعده بما ينفصل به عن ذلك إما ظاهرا أو باطنا يظهره التأويل»
كقوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ
فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ). فانّ على ظاهر هذه الآية حصل من جهة أنّ الطائر يطير
بجناحيه فيكون الاخبار بذلك عريا عن الفائدة ، والانفصال عن ذلك هو أنه سبحانه لما
قال : (وَما مِنْ دَابَّةٍ
فِي الْأَرْضِ) أوجبت البلاغة أن يردف ذلك بقوله : (وَلا طائِرٍ) في السماء أو في الجو (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) فأراد الايجاز فوجب أن يحذف إحدى الجملتين إما في
السماء أو (يَطِيرُ). ولا فيها من الضمير ، ولا سبيل الى حذف الفعل لأنّه
الذي يتعلق به الجار والمجرور الذي يمرّ بجناحيه وذكره مطلوب في الآية ؛ لأن ذكر
الجناح يفصل صاحبه من الهمج الذي يظهر وهو يخال أنّه يطير كالنمل والجعلان وغير
ذلك ، لأنّ هذا الصنف قد ذكر في نصف ما دبّ ودرج في الأرض. والآية قصد بها صحة
التقسيم لأنّه ـ سبحانه ـ لما استوعب كل ما يدبّ على الأرض في صدرها أراد الإتيان
بما يعمّ الذي يطير في الجو ، ولا يطير في الجو إلا طائر ، ولا يسمى طائرا إلا إذا
طار بجناحين ، ولا تسمى آلة الطيران جناحا إلا اذا كانت ذات قصب وريش وأباهر
وخوافي وقوادم ، فقوله ـ سبحانه ـ : (وَلا طائِرٍ) بعد ذكر الدواب موضّح لما أراد من صحة التقسيم ، ولفظة «طائر»
رشّحت لفظة «يطير» لمجيئها بعدها ولفظة «يطير» رشحت الاتيان بلفظة «الجناحين» فحصل
من مجموع ذلك الانفصال عن الدّخل المتوجه الى ظاهر الآية.
ومنه قول أبي
فراس :
في حرام
الناس إن كن
|
|
ت من الناس
تعدّ
|
ولقد نبّيت
إبلي
|
|
س إذا راك
يصدّ
|
ليس من تقوى
ولكن
|
|
ثقل فيك وبرد
|
فانّ أبا فراس
لو اقتصر على البيت الثاني لكان الهجاء فيه غير مخلص ، وكان يتوجه دخل بسبب احتمال
البيت للمدح والاتيان به في معرض الهجو فانفصل عن هذا الدخل بالبيت الثالث.
وفرّق المصري
بينه وبين الاحتراس بقوله : «والفرق بينه وبين الاحتراس ، عموم الاحتراس وخصوص هذا
الباب لأنّ البيت المدخول من هذا الباب يكون الدخل المتوجه عليه من جهة كونه صالحا
لضدين من الفنون وهو في سياق أبيات مقصودة في فن واحد منهما ، والاحتراس يكون بيته
مدخولا من هذا الوجه وغيره» . وقال أيضا : «إنّ الاحتراس هو ما فطن له الشاعر أو
الناثر وقت العمل فاحترس منه ، والانفصال ما لم يفطن له حتى يدخل عليه فيأتي بجملة
من الكلام أو بيت من الشعر ينفصل عنه ذلك الدخل» . وفرّق
__________________
بينه وبين المواربة فقال : «إنّ المواربة تكون في كلمة من الكلام أو في
كلام منفصل عنه ، والانفصال لا يكون إلا ببيت مستقل أو جملة منفردة عن سياق الكلام
متعلقة به داخلة فيه»
وأدخله السبكي
في باب الاحتراس وقال : «وقد فسّر بما هو في معنى الاحتراس المتقدم في الايجاز
والاطناب» .
وتكلم عليه
الحلبي والنويري مثل ما تحدث عنه المصري وذكرا أبيات أبي فراس .
الانقطاع :
القطع : إبانة
بعض أجزاء الجرم من بعض فصلا ، والقطع مصدر قطعت الحبل قطعا فانقطع .
والانقطاع من
مواضع الفصل في الكلام ، وقد ذكر البلاغيون نوعين هما : الاول : الانقطاع للاختلاف
خبرا وانشاء لفظا ومعنى كقول الشاعر :
وقال رائدهم
: ارسوا نزاولها
|
|
فكلّ حتف
امرىء يجري بمقدار
|
أو معنى ولفظا
مثل : «مات فلان ـ رحمهالله».
وعدّ السكاكي
قول اليزيدي :
ملّكته حبلي
ولكنّه ألقاه
|
|
من زهد على
غاربي
|
وقال : إنّي
في الهوى كاذب
|
|
انتقم الله
من الكاذب
|
من هذا الضرب وحمله
عبد القاهر على الاستئناف بتقدير «قلت» .
وهذا ما سماه
القزويني «كمال الانقطاع» وتبعه في ذلك شراح تلخيصه الثاني : الانقطاع لغير الاختلاف أي الاختلاف خبرا
وانشاء ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) ، فـ (إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا) مقطوع عما قبله لكون ما قبله حديثا عن القرآن وكون (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) حديثا عن الكفار وعن تصميمهم في كفرهم.
الاهتدام :
الهدم نقيض
البناء ، هدمه يهدمه هدما وهدّمه فانهدم. وقال ابن الأعرابي الهدم قلع المدر يعني
البيوت وهو فعل مجاوز والفعل اللازم منه الانهدام .
وقال الحاتمي :
«الاهتدام وهو افتعال من الهدم فكأنه هدم البيت من الشعر تشبيها له بهدم البيت من
البناء ؛ لأنّ البيت من الشعر يسمى بيتا لانه يشتمل على الحروف كما يشتمل البيت
على ما فيه» . وكان كثيّر عزّة يهتدم كثيرا من شعر جميل ويتبع آثاره
في النسيب. ويروى أنّ الفرزدق لقي كثيّرا فقال : «ما أشعرك يا كثير في قولك :
أريد لأنسى
ذكرها فكأنّما
|
|
تمثّل لي
ليلي بكلّ سبيل
|
يعرّض بأنّه
اهتدمه من قول جميل :
أريد لأنسى
ذكرها فكأنّما
|
|
تمثّل لي
ليلي بكلّ سبيل
|
يعرّض بأنّه
اهتدمه من قول جميل :
أريد لأنسى
ذكرها فكأنّما
|
|
تمثّل لي
ليلى على كل مرقب
|
ويقال إنّ
كثيرا أنشد عبد الله بن أبي عبيدة قصيدته التي يقول فيها :
__________________
قامت تودّعنا
والعين ساجية
|
|
كأنّ إنسانها
في لجّة غرق
|
ثم استدار
على أرجاء مقلتها
|
|
مبادرا خلسات
الطرف يستبق
|
كأنّه حين
مار المأقيان به
|
|
درّ تسلّل من
أسلاكه نسق
|
فاهتدم فيها
قول جميل :
قامت تودعنا
والعين ساجمة
|
|
إنسانها
بغضيض الدمع مكتحل
|
ثم استدار
على حوراء ساجية
|
|
حتى تبادر
منه دمعها الهمل
|
كأنه حين مار
المأقيان به
|
|
درّ تقطّع
منه السلك منفصل
|
وقال الصنعاني
: إنّ الاهتدام «أخذ قسمي اللفظ مع المعنى أو أكثر أقسامه» كما فعل امرؤ القيس ببيت أبي داود وهو :
وقد أغتدي
والطير في وكناتها
|
|
بمنجرد ضافي
العسيب عتيق
|
فقال امرؤ
القيس :
وقد اغتدي
والطير في وكناتها
|
|
بمنجرد قيد
الأوابد هيكل
|
وعلّق بعد ذكر
بعض الأمثلة : «إنّ المهتدم إن لم يقرّ بانه اهتدم وأخذ واستعار أو ادّعى أنّه
ماثل أو عارض فانّ منزلته تسقط وفضيحته تظهر ولا يسمى ذلك معارضة بل صريح السرق
والتغيير والتبديل ، واقراره أيضا شاهد بنقصه لكنه بمنزلة المذنب المعترف لا
المصرّ» .
فالاهتدام ـ كما
يبدو ـ أخذ قسم والتصرف في القسم الآخر تصرفا يسيرا ، ويظهر ذلك واضحا ـ أيضا مما
علق به ابن رشيق على قول النجاشي :
وكنت كذي
رجلين رجل صحيحة
|
|
ورجل رمت
فيها يد الحدثان
|
قال : «فأخذ
كثيّر القسم الاول واهتدم باقي البيت فجاء بالمعنى في غير اللفظ فقال : «ورجل رمى
فيها الزمان فشلّت» .
الأواخر
والمقاطع :
قال ابن منقذ :
«وينبغي أن يتحرز الشاعر فيها مما يتأول عليه ويؤول أمره اليه» كما روي أن أبا تمام أنشد : «على مثلها من أربع وملاعب»
فقال بعض الحاضرين : «لعنة الله ولعن اللاعنين» مع أنّ عجزه :ازيلت مصونات الدموع
السواكب».
وقال ابن منقذ
بعد ذلك «وكذلك ينبغي أن تكون أواخر القصائد حلوة المقاطع توقف النفس بانه آخر
القصيدة لئلا يكون كالنثر ... ولذلك ينبغي أن يكون مقطع البيت حلوا وأحسنه ما على
حرفين مثل : «منها بها» «حطه السيل من عل» «وليلة معا» و «تفريق الأحبة في غد»
وكقوله :
أتتني تؤنبني
في البكا
|
|
فأهلا بها
وبتأنيبها
|
وللعين عذر
إذا ما بكت
|
|
وقد عاينت
وجه محبوبها
|
ومنه أن يكون
في آخر البيت حرف لا يحتاج الى إعراب : واو أو ياء ، أو ياء إضافة ، أو ياء جماعة
كقوله : «صحا القلب من سلمى وقد كاد لا يصحو». أو تكون الفاصلة لائقة بما تقدمها
كقوله :
هم البحور
عطاء حين تسألهم
|
|
وفي اللقاء
إذا تلقاهم بهم
|
__________________
الأوصاف :
وصف الشيء له
وعليه وصفا وصفة : حلّاه. وقال الليث : الوصف وصفك الشيء بحليته ونعته ، وتواصفوا
الشيء من الوصف .
وكان قدامة قد
تحدث عن نعت الوصف وقال : «الوصف إنّما هو ذكر الشيء بما فيه من الأحوال والهيئات
، ولما كان أكثر وصف الشعراء انما يقع على الأشياء المركبة من ضروب المعاني كان
أحسنهم وصفا من أتى في شعره بأكثر المعاني التي الموصوف مركب منها ثم بأظهرها فيه
وأولاها حتى يحكيه بشعره ويمثله للحس بنعته» .
وتكلم ابن رشيق
على الوصف وقال : «الشعر إلا أقله راجع الى باب الوصف ولا سبيل الى حصره واستقصائه
، وهو مناسب للتشبيه مشتمل عليه وليس به ؛ لأنّه كثيرا ما يأتي في أضعافه. والفرق
بين الوصف والتشبيه أنّ هذا إخبار عن حقيقة الشيء وأنّ ذلك مجاز وتمثيل. وأحسن
الوصف ما نعت به الشيء حتى يكاد يمثله عيانا للسامع» .
وعقد ابن
الاثير الحلبي بابا سماه «باب الأوصاف والنعوت» وقال : «وحدّ الوصف أنّه ذكر الشيء
بما فيه من الأحوال والهيئات والفرق بين الوصف والتشبيه أنّ الوصف إخبار عن حقيقة
الشيء وأنّ التشبيه مجاز وتمثيل. وأحسن الوصف ما نعت به الشيء حتى يمثل للسامع
حضور المنعوت وتنزيل النعوت التي نعت بها على الأجزاء الموصوفة» ولكنّ كثيرا من الأوصاف لا تكون بديعة من غير مجاز
ولذلك ترتبط هذه الصور بالتشبيه أو التمثيل ، ومعظم الأمثلة التي ذكرها ابن الأثير
الحلبي تعتمد على ذلك ؛ ومن هنا كان هذا الباب أقرب الى باب التشبيه.
ومن الأمثلة
التي ذكرها قول البحتري :
وأغرّ في
الزمن البهيم محجل
|
|
قد رحت منه
على أغرّ محجّل
|
كالهيكل
المبنيّ إلا أنه
|
|
في الحسن جاء
كصورة في هيكل
|
تتوهم
الجوزاء في أرساغه
|
|
والبدر غرّة
وجهه المتهلّل
|
صافي الاديم
كأنما عنيت به
|
|
لصفاء نقبته
مداوس صيقل
|
ومنه قول
المتنبي :
وخيل تغتدي
ريح الموامي
|
|
ويكفيها من
الماء السّراب
|
رميتهم ببحر
من حديد
|
|
له في البرّ
خلفهم عباب
|
فمسّاهم
وبسطهم حرير
|
|
وصبّحهم
وبسطهم تراب
|
ومن في كفه
منهم قناة
|
|
كمن في كفه
منهم خضاب
|
الإيجاب
والسّلب :
وجب الشيء يجب
وجوبا أي : لزم وأوجبه هو وأوجبه الله واستوجبه أي : استحقه. ووجب البيع يجب جبة
وأوجبت البيع فوجب ، وقد أوجب لك البيع وأوجبه هو ايجابا اي : لزم وألزمه .
وسلبه الشيء
يسلبه سلبا أخذه منه ، والسلب نقيض الايجاب وهو القبول والالزام
__________________
وكان قدامة قد
تحدث عن هذا الموضوع وقال : «ومما جاء في الشعر من التناقض على طريق الايجاب
والسلب قول عبد الرحمن بن عبد الله القس :
أرى هجرها
والقتل مثلين فاقصروا
|
|
ملامكم فالقتل
أفى وأيسر
|
فأوجب هذا
الشاعر الهجر والقتل أنّهما مثلان ثم سلبهما ذلك بقوله : «إنّ القتل أعفى وأيسر»
فكأنه قال :إنّ القتل مثل الهجر وليس مثله. وأرى أنّ هذا الشاعر أراد أن يقول : بل
القتل أعفى وأيسر ، ولو قال : «بل» لكان الشعر مستقيما لأنّ مقام لفظة «بل» مقام
ما ينفي الماضي ويثبت المستأنف. لكنه لما لم يقلها وأتى بجمع الاثبات ونفيه استحال
شعره. وليس إذا علمنا أنّ شاعرا أراد لفظة تقيم شعره فجعل مكانها لفظة تحيله
وتفسده وجب أن يحتسب له ما توهّم أنّه أراده ويترك ما قد صرّح به ، ولو كانت
الأمور كلها تجري على هذا لم يكن خطأ» .
الإيجاز :
وجز الكلام
وجازة ووجزا وأوجز : قلّ في بلاغة ، وأوجزه اختصره. ويقال : أوجز فلان ايجازا في
كل أمر ، وأمر وجيز وكلام وجيز أي : خفيف مقتصر.
فالايجاز أن
يكون اللفظ أقل من المعنى مع الوفاء به وإلا كان إخلالا يفسد الكلام. أو هو «قلة
عدد اللفظ مع كثرة المعاني» . وقد سأل معاوية صحار بن عياش العبدي : «ما تعدّون
البلاغة فيكم؟». قال :الايجاز. قال له معاوية : وما الايجاز؟ قال صحار : أن تجيب
فلا تبطئ وتقول فلا تخطئ .
وأسلوب الايجاز
من أهم خصائص اللغة العربية ، فقد كان العرب لا يميلون الى الاطالة والاسهاب
وكانوا يعدون الايجاز هو البلاغة ، فأكثم بن صيفي رأى أنّ البلاغة هي الايجاز ،
وكان جعفر بن يحيى يقول لكتّابه : «إن قدرتم أن تجعلوا كتبكم توقيعات فافعلوا» . وفعلوا مثل ذلك في القصائد وقد قيل لبعضهم : ما لك لا
تزيد على أربعة واثنين؟ قال : هي بالقلوب أوقع ، والى الحفظ أسرع ، وبالالسن أعلق
، وللمعاني أجمع ، وصاحبها أبلغ وأوجز . وقال أبو عبيدة : «العرب تختصر الكلام ليخففوه لعلم
المستمع بتمامه فكأنّه في تمام القول» . وقال الجاحظ : «وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن
كثيره» ولكنه قال : «والايجاز ليس يعني قلة عدد الحروف واللفظ
، وقد يكون الباب من الكلام من أتى عليه فيما يسع بطن طومار فقد أوجز ، وكذلك الاطالة. وإنّما ينبغي له أن يحذف
بقدر ما لا يكون سببا لاغلاقه ولا يردد وهو يكتفي في الافهام بشطره ، فما فضل عن
المقدار فهو الخطل ». وعدّ ابن المقفع الايجاز هو البلاغة .
وكان لهذه
الصفة التي أولع بها العرب أن اهتم البلاغيون والنقاد باسلوب الايجاز ووضعوا له
حدودا وأقساما وبينوا مواضعه ، لأنّه ليس بمحمود في كل
__________________
موضع ، ولا بمختار في كل كتاب ، بل لكل مقام مقال ، والى ذلك أشار ابن
قتيبة بقوله : «لو كان الايجاز محمودا في كل الأحوال لجرّده الله تعالى في القرآن
، ولم يفعل الله ذلك ، ولكنه أطال تارة للتوكيد وحذف تارة للايجاز وكرر تارة
للافهام» .
وقال ابن جني
إنّ الإطالة والإيجاز هما في كل كلام مستقل بنفسه ولو بلغ الايجاز غايته لم يكن له
بدّ من أن يعطيك تمامه وفائدته مع أنّه لا بدّ فيه من تركيب الجملة فان نقصت عن
ذلك لم يكن هناك استحسان ولا استعذاب ، وقال إنّ العرب الى «الايجاز أميل وعن
الاكثار أبعد» وضرب مثلا بالقرآن الكريم وما فيه من الحذف الذي يجعل الكلام موجزا . ومعنى ذلك أنّ الايجاز ضروري كغيره إذا أراد المتكلم
أن يكون مطابقا لمقتضى الحال ولذلك قال العسكري : «إنّ الايجاز والاطناب يحتاج
اليهما في جميع الكلام وكل نوع منه ولكل واحد منهما موضع ، فالحاجة الى الايجاز في
موضعه كالحاجة الى الاطناب في مكانه ، فمن أزال التدبير في ذلك عن وجهته واستعمل
الاطناب في موضع الايجاز واستعمل الايجاز في موضع الاطناب أخطأ» .
وتحدث ابن رشيق
عنه وذكر تعريف الرماني وهو : «الايجاز هو العبارة عن الغرض بأقل ما يمكن من
الحروف» . وسماه ابن سنان «الاشارة» وقال عنه : «هو أن يكون
المعنى زائدا على اللفظ ، أي أنّه لفظ موجز يدل على معنى طويل على وجه الاشارة
واللمحة» . والمختار عنده في الفصاحة والدال على البلاغة هو أن
يكون المعنى مساويا للفظ أو زائدا عليه ، أي أن يكون اللفظ القليل يدل على المعنى
الكثير دلالة واضحة ظاهرة لا أن تكون الالفاظ لفرط ايجازها قد ألبست المعنى
وأغمضته حتى يحتاج في استنباطه الى طرف من التأمل ودقيق الفكر.
وعرّفه الكلاعي
تعريفا بديعا فقال إنه «ما ثوب لفظه كثوب المؤمن» ، وقال الرازي : «إنّه العبارة عن الغرض بأقل ما يمكن
من الحروف من غير إخلال» . وقال السكاكي إنّ الايجاز والاطناب من الامور النسبية
كالأبوة والبنوة ، وهي التي يتوقف تعقلها على تعقل غيرها ، فانّ الكلام الموجز
إنما يدرك من حيث وصفه بالايجاز بالقياس الى كلام آخر اكثر منه وكذلك المطنب انما
يدرك من حيث وصفه بالاطناب الى كلام آخر يكون أقل منه ، أي أنّه جعل متعارف
الأوساط مقياسا له ، وقال : «فالايجاز هو أداء المقصود من الكلام بأقل من عبارات
متعارف الأوساط ، والاطناب هو أداؤه بأكثر من عباراتهم سواء كانت القلة والكثرة
راجعة الى الجمل أو الى
__________________
غير الجمل» .
وتحدث عنه ابن
الأثير وعقد له فصلا في «المثل السائر» وفصلا في «الجامع الكبير» وقال في تعريفه :
«هو حذف زيادات الألفاظ» ثم قال : «حدّ الايجاز هو دلالة اللفظ على المعنى من
غير أن يزيد عليه ، والتطويل هو ضد ذلك ، وهو أن يدلّ على المعنى بلفظ يكفيك بعضه
في الدلالة عليه» وسماه ابن الزمكاني الاشارة كما سماه ابن سنان وقال : «هو
إثبات المعاني المتكثرة باللفظ القليل» . وقال العلوي : «هو في مصطلح أهل هذه الصناعة عبارة عن
تأدية المقصود من الكلام بأقل من عبارة متعارف عليها» . وقال السجلماسي : «هو قول مركب من أجزاء فيه مشتملة
بمجموعها على مضمون تدل عليه من غير مزيد» .
وهذه التعريفات
كلها لا تخرج عن القول بأنّ الايجاز هو التعبير عن المعنى بألفاظ قليلة تدل عليه
دلالة واضحة.
والايجاز عدة
أنواع تحدث عنها المتقدمون ، ولكنهم أجمعوا على تقسيمه الى ايجاز قصر وايجاز حذف.
إيجاز التّقدير
:
ايجاز التقدير
هو ما ساوى لفظة معناه وقد عدّه ابن الاثير القسم الأول من الايجاز الذي لا يحذف منه شيء. وسماه
ابن مالك «ايجاز التضييق» وذكر السيوطي هذه التسمية . ومن ذلك قوله تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ
ما أَكْفَرَهُ. مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ. مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ.
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ. ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ. ثُمَّ إِذا شاءَ
أَنْشَرَهُ. كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ). فقوله : (قُتِلَ الْإِنْسانُ) دعاء عليه وقوله : (ما أَكْفَرَهُ) تعجب من إفراطه في كفران نعمة الله عليه. ولا نرى
أسلوبا أغلظ من هذا الدعاء والتعجب ولا أخشن حسّا ولا أدل سخط مع تقارب طرفيه ولا
أجمع للائمة على قصر متنه ثم أنّه أخذ في صفة حاله من ابتداء حدوثه الى منتهى
زمانه فقال : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ
خَلَقَهُ) ثم بيّن الشيء الذي خلق منه بقوله : (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) أي هيأه لما يصلح له (ثُمَّ السَّبِيلَ
يَسَّرَهُ) أي سهّل سبيله وهو مخرجه من بطن أمه أو السبيل الذي
يختار سلوكه من طريقي الخير والشر ، والأول أولى لانه تال لخلقته وتقديره. ثم بعد
ذلك يكون تيسير سبيله لما يختاره من طريقي الخير والشر (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) أي جعله ذا قبر يوارى فيه (ثُمَّ إِذا شاءَ
أَنْشَرَهُ) أي : أحياه (كَلَّا) ردع للانسان عما هو عليه (لَمَّا يَقْضِ ما
أَمَرَهُ) أي لم يقض مع تطاول زمانه ما أمره الله به ، يعني أنّ
انسانا لم يخل من تقصير قط ، ألا ترى الى هذا الكلام الذي لو أردت أن تحذف منه
كلمة واحدة لما قدرت على ذلك لأنّك تذهب بجزء من معناه ، والايجاز «هو أن لا يمكنك
أن تسقط شيئا من ألفاظه» .
ومنه قوله ـ عليه
الصلاة والسّلام ـ : «الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور متشابهات». وهذا
الحديث من أجمع الأحاديث للمعاني الكثيرة ، وذلك إنه يشتمل على جلّ الأحكام الشرعية
فانّ الحلال والحرام إما أن يكون الحكم فيهما بينا لا خلاف فيه بين العلماء ، وإما
أن يكون خافيا تتجاذبه وجوه
__________________
التأويلات ، فكل منهم يذهب فيه مذهبا.
ومنه قول
النابغة الذبياني :
وإنّك كالليل
الذي هو مدركي
|
|
وإن خلت أنّ
المنتأى عنك واسع
|
وتخصيصه الليل
دون النهار مما يسأل عنه.
ومما يجري هذا
المجرى قول جرير :
تمنّى رجال
من تميم منيّتي
|
|
وما ذاد عن
أحسابهم ذائد مثلي
|
فلو شاء قومي
كان حلمي فيهم
|
|
وكا على
جهّال أعدائهم جهلي
|
ومن هذا الضرب
قول أبي نواس :
ودار ندامى
عطّلوها وأدلجوا
|
|
بها أثر منهم
جديد ودارس
|
مساحب من جرّ
الزقاق على الثرى
|
|
وأضغاث ريحان
جنيّ ويابس
|
حبست بها
صحبي فجددت عهدهم
|
|
وإنّي على
أمثال تلك لحابس
|
فللراح ما
زرّت عليه جيوبها
|
|
وللماء ما
دارت عليه القلانس
|
الإيجاز الجامع
:
هو القسم
الثالث من أقسام الإيجاز الخالي من الحذف وهو ما ذكره ابن مالك وقال : «أن يكون
المعنى عندك خليقا بمزيد البسط فتتركه الى بسط أخصر منه لتوخي نكتة» . وذكره الطيبي في «التبيان» ونقله عنه السيوطي وقال : «هو
أن يحتوي اللفظ على معان متعددة» كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) فان العدل هو الصراط المستقيم المتوسط بين طرفي الافراط
والتفريط المومي به الى جميع الواجبات في الاعتقاد والأخلاق والعبودية ، والاحسان
هو الاخلاص في واجبات العبودية.
إيجاز الحذف :
سماه أبو عبيدة
«مجاز المختصر» ، وسماه الجاحظ «الايجاز المحذوف» وسماه «الكلام
المحذوف» . وهو ما يكون بحذف كلمة أو جملة أو اكثر مع قرينة تعيّن
المحذوف ، أو هو كما قال ابن الاثير : «ما يحذف منه المفرد والجملة لدلالة فحوى
الكلام على المحذوف ولا يكون إلا فيما زاد معناه على لفظه» . وقال : أمّا الايجاز بالحذف فإنّه عجيب الأمر أشبه
بالسحر ، وذاك انك ترى فيه ترك الذكر أفصح من الذكر ، والصمت عن الافادة أزيد
للافادة وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق ، وأتم ما تكون مبينا إذا لم تبيّن. وهذه
جملة تنكرها حتى تخبرها وتدفعها حتى تنظر. والأصل في المحذوفات جميعا على اختلاف
ضروبها أن يكون في الكلام ما يدل على المحذوف فان لم يكن هناك دليل على المحذوف
فانه لغو من الحديث لا يجوز بوجه ولا سبب. ومن شرط المحذوف في حكم البلاغة أنّه
متى أظهر صار الكلام الى شيء غث لا يناسب ما كان عليه أولا من الطلاوة والحسن» .
وأدلة الحذف
كثيرة منها :
١ ـ أن يدلّ
العقل على الحذف والمقصود الأظهر على تعيين المحذوف كقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ). فالعقل يدل على الحذف والمقصود الأظهر يرشد الى أنّ
التقدير :حرّم عليكم تناول الميتة والدم ولحم الخنزير ؛ لأنّ
__________________
الغرض الأظهر منها تناولها.
٢ ـ أن يدلّ
العقل على الحذف والتعيين كقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) أي : أمر ربك أو عذابه أو بأسه.
٣ ـ أن يدلّ
الفعل على الحذف والعادة على التعيين كقوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز :
(فَذلِكُنَّ الَّذِي
لُمْتُنَّنِي فِيهِ). دل العقل على الحذف فيه ؛ لأنّ الانسان إنّما يلام على
كسبه فيحتمل أن يكون التقدير «في حبه» ، لقوله : (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) ، وأن يكون «في مراودته لقوله : (تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) وأن يكون «في شأنه وأمره» فيشملهما. والعادة دلّت على
تعيين المراودة لأنّ الحبّ المفرط لا يلام الانسان عليه في العادة لقهره صاحبه
وغلبته إياه ، وإنّما يلام على المراودة الداخلة تحت كسبه التي يقدر أن يدفعها عن
نفسه.
٤ ـ أن تدلّ
العادة على الحذف والتعيين كقوله تعالى : (لَوْ نَعْلَمُ
قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) من أنّهم كانوا أخبر الناس بالحرب فكيف يقولون بأنّهم
لا يعرفونها؟ فلا بدّ من حذف ، وتقديره : «مكان قتل» أي أنكم تقاتلون في موضع لا
يصلح للقتال ويخشى عليكم منه ، ويدل عليه أنّهم أشاروا على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن لا يخرج من المدينة وأنّ الحزم البقاء فيها.
٥ ـ الشروع في
الفعل كقول المؤمن : «بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» عند الشروع في القراءة أو أي عمل ، فانه يفيد أنّ
المراد : «بسم
الله أقرأ» والمحذوف بقدر ما جعلت التسمية مبدأ له.
٦ ـ اقتران
الكلام بالفعل فانه يفيد تقديره كقولنا لمن أعرس : «بالرفاء والبنين» فانه يفيد :
بالرفاء والبنين أعرست .
والمحذوف نوعان
:
الأول : حذف
جزء جملة ، وهو حذف المفردات ، ويكون على صور مختلفة.
١ ـ حذف الفاعل
: كقول العرب : «أرسلت» وهم يريدون : «جاء المطر» ولا يذكرون السماء. ومنه قوله
تعالى : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ
التَّراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ) ، والضمير في (بَلَغَتِ) للنفس ولم يجر لها ذكر.
ومنه قول حاتم
:
أماويّ ما
يغني الثراء عن الفتى
|
|
إذا حشرجت
يوما وضاق بها الصّدر
|
يريد : النفس ،
ولم يجر لها ذكر.
٢ ـ حذف الفعل
وجوابه : وهو نوعان :
أحدهما : يظهر
بدلالة المفعول عليه كقوله تعالى : (فَقالَ لَهُمْ
رَسُولُ اللهِ : ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها) أي :احذروا.
وقول المتنبي :
ولو لا أنّ
أكثر ما تمنّى
|
|
معاودة لقلت
ولا مناكا
|
أي : ولا صاحبت
مناكا.
وثانيهما : لا
يظهر فيه قسم الفعل ؛ لأنّه لا يكون هناك منصوب يدل عليه ، وإنّما يظهر بالنظر الى
ملاءمة الكلام كقوله تعالى : (وَعُرِضُوا عَلى
رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
فقوله : (لَقَدْ جِئْتُمُونا) يحتاج الى اضمار فعل ؛ أي : فقيل لهم : لقد جئتمونا ،
أو فقلنا لهم.
ومن هذا الضرب
ايقاع الفعل على شيئين وهو
__________________
لأحدهما كقوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا
أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) وهو لـ «أمركم» وحده ، وانما المراد : أجمعوا أمركم
وادعوا شركاءكم.
ومن حذف الفعل
باب يسمى «باب إقامة المصدر مقام الفعل» ويؤتي به لضرب من المبالغة والتوكيد كقوله
تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ
الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) أي : فاضربوا الرقاب ضربا ، حذف الفعل وأقيم المصدر
مقامه وفي ذلك اختصار وتوكيد.
وأما حذف جواب
الفعل فانه لا يكون في الأمر المحتوم كقوله تعالى : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا
وَيَلْعَبُوا*) لأنّهما جواب أمر (فَذَرْهُمْ*) وحذف الجواب في هذا لا يدخل في باب الايجاز.
٣ ـ حذف
المفعول به كقوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ
أَضْحَكَ وَأَبْكى. وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا). فبعد كل فعل مفعول به محذوف. ويكون ذلك لأغراض منها أن
يكون غرض المتكلم بيان حال الفعل والفاعل فقط أو أن يكون غرض المتكلم ذكره ولكنه
يحذفه ليوهم أنّه لم يقصد كقول البحتري :
شجو حسّاده
وغيظ عداه
|
|
أن يرى مبصر
ويسمع واع
|
أي : أن يرى
مبصر محاسنه ويسمع واع أخباره.
او أن يحذف لأنّه
معلوم ويأتي هذا بعد فعل المشيئة كقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ
لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) أي : لو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها.
ومنه قول
البحتري :
لو شئت لم
تفسد سماحة حاتم
|
|
كرما ولم
تهدم مآثر خالد
|
أي : لو شئت أن
لا تفسد سماحة حاتم لم تفسدها ، فحذف ذلك من الأول استغناء بدلالته عليه في الثاني
.
٤ ـ حذف المضاف
أو المضاف اليه واقامة كل واحد منهما مقام الآخر ، فمن حذف المضاف قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) أي : أهلها. ومن حذف المضاف اليه قوله : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ
بَعْدُ) ، أي : من قبل ذلك ومن بعد ذلك.
٥ ـ حذف
الموصوف أو الصفة وإقامة كل واحد منهما مقام الآخر. فمن حذف الموصوف قوله تعالى :(وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ
مُبْصِرَةً) أي : آية مبصرة ، ولم يرد الناقة فإنّها لا معنى لها لو
وصفها بالبصر.
ومن حذف الصفة
قوله : (وَكانَ وَراءَهُمْ
مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) أي : كل سفينة صحيحة أو صالحة.
٦ ـ حذف الشرط
أو جوابه ، ومثال حذف الشرط قوله تعالى : (يا عِبادِيَ
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) ، فالفاء في قوله : (فَاعْبُدُونِ) جواب شرط محذوف والمعنى : أنّ أرضي واسعة فإن لم تخلصوا
لي العبادة في أرض فاخلصوها في غيرها.
ومنه قول
الشاعر :
قالوا خراسان
أقصى ما يراد بنا
|
|
ثم القفول ،
فقد جئنا خراسانا
|
كأنه قال : إن
صحّ ما قلتم انّ خراسان أقصى ما يراد بنا فقد جئنا خراسان وآن لنا أن نخلص.
ومن حذف جواب
الشرط قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ
__________________
إِنْ
كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ
عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ). فان جواب الشرط هنا محذوف تقديره : إن كان القرآن من
عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين؟ ويدلّ على المحذوف قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ.)
٧ ـ حذف القسم
أو جوابه ، ومثال حذف القسم : «لأفعلنّ» أي : والله لأفعلنّ. ومثال حذف جوابه قوله
تعالى : (وَالْفَجْرِ.
وَلَيالٍ عَشْرٍ. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ. وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ. هَلْ فِي
ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ. أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ. إِرَمَ
ذاتِ الْعِمادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ). أي : ليعذبن أو نحوه.
٨ ـ حذف «لو»
أو جوابها ، ومثال حذف «لو» قوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ
مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ
وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ).
وتقديره : لو
كان معه آلهة لذهب كل إله بما خلق.
ومنه قول قريط
بن أنيف :
لو كنت من
مازن لم تستبح إبلي
|
|
بنو اللقيطة
من ذهل بن شيبانا
|
إذن لقام
بنصري معشر خشن
|
|
عند الحفيظة
إن ذو لوثة لانا
|
والتقدير : إذن
لو كنت منهم لقام بنصري معشر خشن.
ومثال حذف جواب
«لو» قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ
فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ). وتقدير جواب «لو» : لرأيت أمرا عظيما. ومنه قول أبي
تمام :
لو يعلم
الكفر كم من أعصر كمنت
|
|
له العواقب
بين السحر والقضب
|
التقدير : لو
يعلم الكفر لأخذ أهبة الحذار.
٩ ـ حذف جواب «لو
لا» كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. وَلَوْ
لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ). أي : ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لعجّل لكم العذاب.
١٠ ـ حذف جواب «لما»
كقوله تعالى : (فَلَمَّا أَسْلَما
وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ
الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ). أي : فلمّا أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم
قد صدقت الرؤيا كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به الوصف.
١١ ـ حذف جواب «أمّا»
كقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ
اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ؟) أي : فيقال لهم : أكفرتم بعد إيمانكم.
١٢ ـ حذف جواب «إذا»
كقوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ
اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. وَما
تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ). أي وإذا قيل لهم اتقوا أعرضوا وأصروا على تكذيبهم.
١٣ ـ حذف
المبتدأ أو الخبر ، ولا يكون حذف المبتدأ إلا مفردا ، والأحسن حذف الخبر لأنّ منه
ما يأتي جملة. ومن المواضع التي يحسن فيها حذف المبتدأ على طريق الايجاز قولهم : «الهلال
والله» أي : هذا الهلال.
ومن المواضع
التي يصحّ فيها حذف الخبر قولنا : «لو لا محمد لكان كذا» ومن المواضع التي يحتمل
أن يكون المحذوف فيها اما المبتدأ وإما الخبر قوله تعالى :
__________________
(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ*) فيحتمل أن يكون المبتدأ محذوفا وتقديره : فأمري صبر
جميل ، ويحتمل أن يكون من باب حذف الخبر وتقديره : فصبر جميل أجمل.
١٤ ـ حذف «لا»
من الكلام وهي مرادة كقوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا
تَذْكُرُ يُوسُفَ). أي : لا تفتأ.
ومنه قول امرىء
القيس :
فقلت يمين
الله أبرح قاعدا
|
|
ولو قطّعوا
رأسي لديك وأوصالي
|
أي : لا أبرح.
١٥ ـ حذف «الواو»
من الكلام وإثباتها ، وأحسن حذوفها في المعطوف والمعطوف عليه كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما
عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ
أَكْبَرُ). أي : لا يألونكم خبالا وودوا.
١٦ ـ حذف بعض
اللفظ وهو سماعي لا يجوز القياس عليه ، ومنه قول علقمة بن عبدة :
كأنّ إبريقهم
ظبي على شرف
|
|
مفدّم بسبا
الكتّان ملثوم
|
فقوله : «بسبا
الكتان» يريد : بسبائب الكتان.
وهذا وأمثاله
مما يقبح ولا يحسن وان كانت العرب قد استعملته.
والنوع الثاني
من الايجاز حذف الجمل ، وهو قسمان :
أحدهما : حذف
الجمل المفيدة التي تستقل بنفسها كلاما ، وهذا أحسن المحذوفات وأدلها على
الاختصار.
ثانيهما : حذف
الجمل غير المفيدة.
وجملة هذين
النوعين أربعة أضرب :
الأول : حذف
السؤال المقدر ، ويسمى الاستئناف وهو على وجهين :
١ ـ إعادة
الاسماء والصفات كقوله تعالى : (الم. ذلِكَ الْكِتابُ
لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ
وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ
هُمْ يُوقِنُونَ. أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ). والاستئناف واقع في هذا الكلام على «أولئك» لأنّه لما
قال : (الم. ذلِكَ الْكِتابُ). الى قوله : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ
يُوقِنُونَ) اتجه لسائل أن يقول : ما بال المستقلين بهذه الصفات قد
اختصوا بالهدى فأجيب بأن اولئك الموصوفين غير مستبعد أن يفوزوا دون الناس بالهدى
عاجلا وبالفلاح آجلا.
٢ ـ الاستئناف
بغير إعادة الاسماء والصفات كقوله تعالى : (وَما لِيَ لا
أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ
آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً
وَلا يُنْقِذُونِ. إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ
فَاسْمَعُونِ. قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ، قالَ : يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ
بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ). فمخرج هذا القول مخرج الاستئناف ؛ لأنّ ذلك من مظان
المسألة عن حاله عند لقاء ربه وكأنّ قائلا قال : كيف حال هذا الرجل عند لقاء ربه
بعد ذلك التصلب في دينه والتسخي لوجهه بروحه؟ فقيل : قيل ادخل الجنة ولم يقل : قيل
له ، لانصباب الغرض الى المقول لا الى المقول له مع كونه معلوما. وكذلك قوله : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) مرتّب على تقدير سؤال سائل عما وجد.
__________________
الثاني :
الاكتفاء بالسبب عن المسبب ، وبالمسبب عن السبب ، فاما الاكتفاء بالسبب عن المسبب
فكقوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ
الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ
الشَّاهِدِينَ. وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ). فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة ودلّ به على
المسبب وهو الوحي الى الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعليه قول المتنبي :
أتى الزمان
بنوه في شبيبته
|
|
فسرّهم
وأتيناه على الهرم
|
أي : فساءنا.
وأما حذف
الجملة غير المفيدة من هذا الضرب فكقوله تعالى حكاية عن مريم ـ عليهاالسلام ـ :(قالَتْ أَنَّى
يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا. قالَ كَذلِكِ
قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً
مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا). فقوله : (لِنَجْعَلَهُ آيَةً
لِلنَّاسِ) تعليل معلّله محذوف أي : وإنّما فعلنا ذلك لنجعله آية
للناس ، فذكر السبب الذي صدر الفعل من أجله وهو جعله آية للناس ودلّ به على المسبب
الذي هو الفعل.
وأما الاكتفاء
بالمسبب عن السبب فكقوله تعالى :(فَإِذا قَرَأْتَ
الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ). أي : إذا أردت قراءة القرآن فاكتف بالمسبب الذي هو
القراءة عن السبب الذي هو الارادة. والدليل على ذلك أنّ الاستعاذة قبل القراءة
والذي دلت عليه أنّها بعد القراءة.
الثالث :
الإضمار على شريطة التفسير ، وهو أن يحذف من صدر الكلام ما يؤتي به في آخره فيكون
الآخر دليلا على الأول. وهو ثلاثة أوجه .
١ ـ أن يأتي
على طريق الاستفهام فتذكر الجملة الاولى دون الثانية كقوله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ
لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ
مِنْ ذِكْرِ اللهِ ، أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
تقدير الآية :
أفمن شرح الله صدره للاسلام كمن أقسى قلبه؟ ويدل على المحذوف قوله : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ.)
٢ ـ أن يرد على
حد النفي والاثبات كقوله تعالى : (لا يَسْتَوِي
مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ ، أُولئِكَ أَعْظَمُ
دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) تقديره : لا يستوي منكم من أنفق قبل الفتح وقاتل ومن
أنفق بعده وقاتل. ويدل على المحذوف قوله :(أُولئِكَ أَعْظَمُ
دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا.)
٣ ـ أن يرد على
غير هذين الوجهين فلا يكون استفهاما ولا نفيا واثباتا كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا
وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ). فالمعنى في الآية : والذين يعطون ما أعطوا من الصدقات
وسائر القرب الخالصة لوجه الله ـ تعالى ـ وقلوبهم وجلة ، أي : خائفة من أن ترد
عليهم صدقاتهم. فحذف قوله : «ويخافون ان ترد عليهم هذه النفقات» ودلّ عليه بقوله :
(وَقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ.) فظاهر الآية أنّهم وجلون من الصدقة وليس وجلهم لأجل
الصدقة وانما وجلهم لأجل خوف الرد المتصل بالصدقة.
ومنه قول أبي
تمام :
يتجنب الآثام
ثم يخافها
|
|
فكانّما
حسناته آثام
|
والتقدير :
أنّه يتجنب الآثام فاذا تجنبها فقد أتى بحسنة ثم يخاف أن لا تكون تلك الحسنة
مقبولة
__________________
فكأنما حسناته آثام فلم يخف الحسنة لكونها حسنة وانما خاف ما يتصل بها من
الرد فكأنها مخوفة كما تخاف الآثام.
ومنه قول أبي
نواس :
سنّة العشاق
واحدة
|
|
فاذا أحببت فاستكن
|
فحذف الاستكانة
من الأول وذكرها في المصراع الثاني ، لأنّ التقدير : سنّة العاشقين واحدة وهي أن
يستكينوا ويتضرعوا ، فاذا أحببت فاستكن.
الرابع : ما
ليس بسبب ولا مسبب ولا اضمار على شريطة التفسير ولا استئناف. فمن حذف الجمل
المفيدة قوله تعالى : (قالَ : تَزْرَعُونَ
سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً
مِمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما
قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ
بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ. وَقالَ الْمَلِكُ
ائْتُونِي بِهِ).
فانه حذف من
هذا الكلام جملة مفيدة تقديرها : فرجع الرسول اليهم فأخبرهم بمقالة يوسف فعجبوا
لها أو فصدّقوه عليها ، وقال الملك : (ائْتُونِي بِهِ.)
ومن حذف الجمل
غير المفيدة قوله تعالى : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا
نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا.
قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ
بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا. قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ
هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً. قالَ : رَبِّ اجْعَلْ
لِي آيَةً ، قالَ : آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا.
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا
بُكْرَةً وَعَشِيًّا. يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ
صَبِيًّا). هذا الكلام قد حذف منه جملة دل عليها صدره وهو البشرى
بالغلام ، وتقديرها : ولما جاء الغلام ونشأ وترعرع قلنا له :يا يحيى خذ الكتاب
بقوة. فالجملة المحذوفة ليس من الجمل المفيدة.
ومن ذلك قول
المتنبي :
لا أبغض
العيس لكني وقيت بها
|
|
قلبي من
الهمّ أو جسمي من السّقم
|
وفي هذا البيت
حذف والتقدير : لا أبغض العيس لإنضائي إياها في الأسفار ولكنّي وقيت بها او كذا ،
فالثاني دليل على حذف الأول.
ومما يتصل بهذا
الضرب حذف ما يجيء بعد «أفعل» مثل : «الله أكبر» أي : أكبر من كل كبير.
وعليه ورد قول
البحتري :
الله أعطاك
المحبة في الورى
|
|
وحباك بالفضل
الذي لا ينكر
|
ولأنت أملأ
في العيون لديهم
|
|
وأجلّ قدرا
في الصدور وأكبر
|
أي : أنت أملأ
في العيون من غيرك .
إيجاز القصر :
هو تقليل
الالفاظ وتكثير المعاني ، وكان الجاحظ قد أشار اليه وهو «الكلام الذي قلّ عدد
حروفه وكثر عدد معانيه» . وأشار الى كتابه الذي جمع فيه آيا من القرآن ليعرف بها
فصل ما بين الايجاز والحذف ، وبين الزوائد والفصول والاستعارات. قال : «فاذا
قرأتها رأيت فضلها في الايجاز والجمع للمعاني الكثيرة بالالفاظ
__________________
القليلة على الذي كتبته لك في باب الايجاز وترك الفضول ، فمنها قوله حين
وصف خمر أهل الجنة :(لا يُصَدَّعُونَ عَنْها
وَلا يُنْزِفُونَ) ، وهاتان الكلمتان قد جمعتا جميع عيوب خمر أهل الدنيا.
وقوله ـ عزوجل ـ حين ذكر فاكهة أهل الجنة فقال : (لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) جمع بهاتين الكلمتين جميع تلك المعاني» وقال فيما بقي من رسالته في البلاغة والايجاز : «درجت
الارض من العرب والعجم على إيثار الايجاز وحمد الاختصار وذم الاكثار والتطويل
والتكرار وكل ما فضل عن المقدار» .
ورأى ابن
الأثير أنّ التنبه لهذا النوع من الايجاز عسر ، لأنّه يحتاج الى فضل تأمل ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي
الْقِصاصِ حَياةٌ). وتظهر روعة هذه الآية الكريمة حينما تقارن بقول العرب
: «القتل أنفى للقتل» ، ويتضح ذلك في وجوه :
الأول : أنّ
عدة حروف (فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) عشرة في التلفظ ، وعدد حروفه أربعة عشر.
الثاني : ما
فيه من التصريح بالمطلوب الذي هو الحياة بالنص عليها فيكون أزجر عن القتل بغير حق
لكونه أدعى الى الاقتصاص.
الثالث : ما
يفيده تنكير «حياة» من التعظيم أو النوعية.
الرابع :
اطراده بخلاف قولهم ، فانّ القتل الذي ينفي القتل هو ما كان على وجه القصاص لا
غيره.
الخامس :
سلامته من التكرار الذي هو من عيوب الكلام بخلاف قولهم.
السادس : استغناؤه
عن تقدير محذوف بخلاف قولهم فان تقديره : القتل أنفى من تركه.
السابع : أنّ
القصاص ضد الحياة فالجمع بينهما طباق.
الثامن : جعل
القصاص كالمنبع والمعدن للحياة بادخل «في» عليه . ومن الايجاز بالقصر قوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما
كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا
بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ).
ومنه قول
الشريف الرضي :
مالو الى شعب
الرحال وأسندوا
|
|
أيدي الطّعان
الى قولب تخفق
|
فانه لما أراد
أن يصفهم بالشجاعة في أثناء وصفهم بالغرام عبّر عن ذلك بقوله : «أيدي الطعان» وهذا
معنى الايجاز بالقصر عند البلاغيين غير أنّ ابن الأثير عدّه فرعا من الايجاز الذي لا يحذف منه شيء لأنّه قسّم
الايجاز الى قسمين :
١ ـ الايجاز
بالحذف ، وهو ما يحذف منه المفرد والجملة.
٢ ـ ما لا يحذف
منه شيء وهو ضربان :
الأول : ما
ساوى لفظه معناه ويسمى التقدير.
الثاني : ما
زاد معناه على لفظه ويسمى الايجاز بالقصر.
وقسّم الايجاز
بالقصر الى نوعين :
الأول : ما دلّ
لفظه على محتملات متعددة ويمكن التعبير عنه بمثل ألفاظه وفي عدتها ، ومنه قوله
تعالى : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا
إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي
__________________
فَاضْرِبْ
لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى.
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) فقوله :(فَغَشِيَهُمْ مِنَ
الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) من جوامع الكلم التي يستدل على قلتها بالمعاني الكثيرة
أي : غشيهم من الأمور الهائلة والخطوب الفادحة ما لا يعلم كنهه إلا الله ولا يحيط
به غيره. ومنه قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) فجمع في الآية جميع مكارم الاخلاق ؛ لأنّ في الأمر
بالمعروف صلة الرحم ومنع اللسان عن الغيبة وعن الكذب وغض الطرف عن المحرمات وغير
ذلك ، وفي الإعراض عن الجاهلين الصبر والحلم وغيرهما.
ومن ذلك قول
السموأل :
وإن هو لم
يحمل على النفس ضيمها
|
|
فليس الى حسن
الثناء سبيل
|
فانّ هذا البيت
قد اشتمل على مكارم الأخلاق جميعها من سماحة وشجاعة وعفة وتواضع وحلم وصبر وغير
ذلك ، فانّ هذه الأخلاق كلّها من ضيم النفس ؛ لأنّها تجد بحملها ضيما أي مشقة
وعناءا.
الثاني : ما
دلّ لفظه على محتملات متعددة ولا يمكن التعبير عنه بمثل ألفاظه وفي عدتها بل
يستحيل ذلك ، وهو أعلى طبقات الايجاز. ومنه قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) الذي فاق كل كلام وفضل غيره من كلام العرب .
الايداع :
استودعه مالا
وأودعه إياه : دفعه اليه ليكون عنده وديعة ، وأودعه قبل منه الوديعة ، وقد جاء به
الكسائي في باب الأضداد . وقال المدني : «الايداع في اللغة مصدر أودعته مالا إذا
دفعته اليه ليكون عنده وديعة ، وأودعته أيضا إذا أخذته منه وديعة فيكون من الأضداد
لكنه بمعنى الأول أشهر ، والثاني بالمعنى الاصطلاحي أنسب» .
وقال المصري : «هو
أن يعمد الشاعر أو المتكلم الى نصف بيت لغيره يودعنه شعره سواء أكان صدرا أو عجزا
، وأما الناثر فان أتى في نثره بنصف بيت لغيره سمّي ايداعا ، وإن كان لنفسه سمّي
تفصيلا» . وقال إنّ من لا يعرف الاصطلاح يسميه تضمينا ، وفرق
بينهما وبين الاستعانة بقوله : «إنّ التضمين يقع في النظم والنثر ويكون من المحاسن
ومن العيوب ولكنه لا يكون من العيوب إلا اذا وقع في النظم بالنظم ، والايداع
والاستعانة وإن وقعا معا في النظم والنثر فلا يكونان إلا بالنظم دون النثر» .
وقال الحلبي : «وأكثر
الناس يجعلونه من باب التضمين وهو منه إلا أنّه مخصوص بالنثر وبأن يكون المودع نصف
بيت إما صدرا وإما عجزا» . وذكر النويري هذا التعريف أيضا .
وقال الحموي : «الايداع
الذي نحن بصدده هو أن يودع الناظم شعره بيتا من شعر غيره أو نصف بيت أو ربع بيت بعد
أن يوطىء له توطئة تناسبه بروابط متلائمة بحيث يظن السامع أنّ البيت بأجمعه له.
وأحسن الايداع ما صرف عن معنى غرض الناظم الأول
__________________
ويجوز عكس البيت المضمن بأن يجعل عجزه صدرا أو صدره عجزا وقد تحذف صدور
قصيدة بكمالها وينظم لها المودع صدورا لغرض اختاره وبالعكس» .
وقال السيوطي :
«والمصراع فما دونه يسمى رفوا وايداعا ؛ لأنّه رفا بشعر الغير وأودعه إياه» .
وقال المدني : «هو
أن يودع الشاعر شعره بيتا فأكثر أو مصراعا فما دونه من شعر غيره بعد أن يوطىء له
في شعره توطئة تناسبه وتلائمه ويسمى التضمين والرفو أيضا» . ثم قال : «والايداع عند البديعيين من المحاسن».
ومثال الايداع
في النثر قول علي ـ رضياللهعنه ـ في جواب كتابه لمعاوية : «ثم زعمت أنّي لكل الخلفاء
حسدت ، وعلى كلهم بغيت ، فان يكون ذلك كذلك فليست الجناية عليك فيكون العذر اليك :
«وتلك شكاة ظاهر عنك عارها». وهذا عجز بيت تمثل به أيضا عبد الله بن الزبير وقد
قال أهل الشام له : «يا ابن ذات النطاقين» على سبيل المعيرة لها بذلك ، نظر الى
أنها كانت خادمة لا مخدومة على طريقة الجاهلية في مدح النساء وذمهم فأنشد :
وعيّرها
الواشون أنّي أحبّها
|
|
وتلك شكاة
ظاهر عنك عارها
|
ومن شواهد
الايداع الشعرية قول أبي نواس :
تغنّى وما
دارت له الكأس ثالثا
|
|
تعزّى بصبر
بعد فاطمة القلب
|
وقد يجتمع
الايداع والتضمين في شعر واحد كقول علي بن الجهم في «فضل» الشاعرة و «بنان»
المعنّي :
كلّما غنّى
بنان
|
|
اسمعي أو
خبرينا
|
أنشدت فضل
ألا حيي
|
|
ت عنا يا
مدينا
|
عارضت معنى
بمعنى
|
|
والندامى
غافلينا
|
فوقع التضمين
في البيت الاول والايداع في البيت الثاني.
وقال المصري : «وكنت
نظرت الى بيت لأبي الطيب وهو :
تذكرت ما بين
العذيب وبارق
|
|
مجرّ عوالينا
ومجرى السوابق
|
فأودعت كل قسم
منه بيتا من قصيدة مطلعها :
أعر مقلتي إن
كنت غير مرافقي
|
|
دموعا لتبكي
فقد حيّ مفارق
|
فقد نضبت يوم
الوداع مدامعي
|
|
وشابت لتشتيت
الفراق مفارقي
|
والبيتان منها
:
إذا الوهم
أبدى لي لماها وثغرها
|
|
تذكّرت ما
بين العذيب وبارق
|
ويذكرني من
قدّها ومدامعي
|
|
مجرّ عوالينا
ومجرى السوابق
|
وإن أخذ نصف
بيت لغيره فابتدأ به وثنى عليه تتمة البيت لا غير فذلك تمليط ، وان بنى عليه كل ما
يخطر له من أبيات لتمام غرضه فذلك توطيد» . ويبدو من الأمثلة المتقدمة أنّ الايداع هو التضمين
وأنّ المصري لم يكن دقيقا حينما أنكر على البلاغيين خلطهم بين الايداع والتضمين ،
وقد أشار المدني الى مثل ذلك فقال : «وانكار كون التضمين بمعنى الايداع بعد أن
اصطلح على ذلك كثير من أرباب هذا الفن ، بل هو
__________________
أشهر من الايداع في هذا المعنى ـ لا وجه له» .
وذكر تنبيهات
منها : أنّ أحسن التضمين ما صرف عن معنى غرض الشاعر الأول وما زاد على الأصل بنكتة
كالتورية ونحو ذلك ، ومثاله قول المصري المتقدم في بيت المتنبي.
وانه يجوز في
التضمين أن يجعل صدر البيت عجزا وبالعكس كقول الحريري :
على أنّي
سأنشد عند بيعي
|
|
أضاعوني وأيّ
فتى أضاعوا
|
المصراع الثاني
صدر بيت للعرجي وعجزه : «ليوم كريهة وسداد ثغر». وانّه لا يضره التغيير اليسير لما
قصد تضمينه ليدخل في معنى الكلام كقول بعضهم في يهودي به داء الثعلب :
أقول لمعشر
غلطوا وغضوا
|
|
من الشيخ
الرشيد وأنكروه
|
هو ابن جلا
وطلاع الثنايا
|
|
متى يضع
العمامة تعرفوه
|
والبيت لسحيم
بن وثيلة وهو :
أنا ابن جلا
وطلاع الثنايا
|
|
متى أضع
العمامة تعرفوني
|
فغيّره الى
طريق الغيبة ليدخل في المقصود.
الإيضاح :
وضح الشيء يضح
وضوحا وضحة وضحة واتضح أي : بان وهو واضح ووضّاح. وأوضح وتوضّح : ظهر .
والايضاح من
مبتدعات المصري وقد قال في تعريفه : «هو أن يذكر المتكلم كلاما في ظاهره لبس ثم
يوضحه في بقية كلامه» . وفرّق بينه وبين التفسير بقوله : «إنّ التفسير تفصيل
الاجمال ، والايضاح رفع الاشكال» .
ومن الايضاح
قوله تعالى : (كُلَّما رُزِقُوا
مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا
بِهِ مُتَشابِهاً). فان هذه الآية لو اقتصر على قوله :(مِنْ قَبْلُ) دون بقية الآية لأشكل على المخاطب ، فلا يدري هل أراد
سبحانه بما حكاه أهل الجنة اشارتهم الى صنف الثمرة أو مقدار ما يؤتون منها بحيث
تكون مقادير الثمار متساوية ، فأوضح سبحانه هذا الاشكال بقوله : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) أي : يشبه بعضه بعضا في الكمية وان تغايرت أصنافه.
ومنه قول
الشاعر :
يذكرنيك
الخير والشرّ كلّه
|
|
وقيل الخنا
والعلم والحلم والجهل
|
فان هذا الشاعر
لو اقتصر على هذا البيت لأشكل مراده على السامع لجمعه بين ألفاظ المدح والهجاء ،
فلما قال بعده :
فألقاك عن
مكروهها متنزها
|
|
وألقاك في
محبوبها ولك الفضل
|
أوضح المعنى
المراد ورفع اللبس وأوضح الشك.
وقد يكون
الايضاح في الوصف الذي لا يتعلق به مدح ولا هجاء وذلك أن يخبر المتكلم بخبر واحد
عن شيء واحد يقع التعجب منه ويشكل الأمر فيه ثم يوضح ذلك الأشكال بأن يخبر عنه بما
يفهم منه كشف اللبس عن الجزء الأول ، كقول ابن حيوس الدمشقي :
ومقرطق يغني
النديم بوجهه
|
|
عن كأسه
الملأى وعن إبريقه
|
__________________
فعل المدام
ولونها ومذاقها
|
|
في مقلتيه
ووجنتيه وريقه
|
فانه لو اقتصر
على البيت الأول لأشكل الأمر على السامع من جهة الوجه وإن كان حسنا لا يغنى به
النديم عن الخمر ، فأوضح اللبس في البيت الثاني.
ونقل عن المصري
هذا الفن البلاغيون كابن مالك والحلبي والنويري والعلوي والحموي والسيوطي والمدني
، وذكروا بعض أمثلته .
الإيضاح بعد
الإبهام : هو أحد أنواع الإطناب ، وقد تقدّم.
الإيغال :
وغل في الشيء
وغولا دخل فيه وتوارى ، ووغل : ذهب وأبعد وكذلك أوغل في البلاد ونحوها ، وتوغّل في
الأرض ذهب فأبعد فيها .
والايغال أحد
أقسام الاطناب وقد تقدم ، وهو «ختم الكلام نثرا كان أو نظما بما يفيد نكتة يتمّ
المعنى بدونها» .
إيقاع الممتنع
:
وقع على الشيء
ومنه يقع وقعا ووقوعا : سقط ، ووقع الشيء من يدي كذلك وأوقعه غيره ، ويقال :وقع
الشيء موقعه. ووقع بالأمر : أحدثه وأنزله ، ووقع القول والحكم اذا وجب .
والمنع أن تحول
بين الرجل وبين الشيء الذي يريده وهو خلاف الاعطاء ، ويقال : هو تحجير الشيء ،
منعه يمنعه منعا ومنّعه فامتنع منه وتمنّع .
وإيقاع الممتنع
من عيوب المعاني عند قدامة ، وقد قال عنه : «ايقاع الممتنع فيها في حال ما يجوز
وقوعه ويمكن كونه. والفرق بين الممتنع والمتناقض أنّ المتناقض لا يكون ولا يمكن
تصوره في الوهم ، والممتنع لا يكون ويجوز أن يتصور في الوهم» .
ومما جاء في
الشعر وقد وضع الممتنع فيه فيما يجوز وقوعه قول أبي نواس :
يا أمين الله
عش أبدا
|
|
دم على
الأيام والزمن
|
فليس يخلو هذا
الشاعر من أن يكون تفاءل لهذا الممدوح بقوله : «عش أبدا» أو دعا له ، وكلا الأمرين
مما لا يجوز مستقبح.
الإيماء :
أوميت لغة في
أومأت ، وأومى يومى وومى يمي مثل أوحى ووحى. والايماء الاشارة بالأعضاء كالرأس
واليد والعين والحاجب .
والايماء من
المسائل التي تحدث عنها المتقدمون فقال المبرد : «من كلام العرب الاختصار المفهم
والاطناب المفخم ، وقد يقع الايماء الى الشيء فيغني عند ذوي للألباب عن كشفه كما
قيل لمحة دالة» . وقال ابن جني معلقا على قول الشاعر :
أخذنا بأطراف
الأحاديث بيننا
|
|
وسالت بأعناق
المطيّ الأباطح
|
__________________
«إنّ في قوله :
«أطراف الأحاديث» وحيا خفيا ورمزا حلوا ، ألا ترى أنّه يريد باطرافها ما يتعاطاه
المحبون ويتفاوضه ذوو الصبابة المتيمون من التعريض والتلويح والايماء دون التصريح
، وذلك أحلى وأدمث وأغزل وأنسب من أن يكون مشافهة وكشفا ومصارحة وجهرا» . وذكر المدني أنّ الايماء عند ابن جني هو الاكتفاء قال
: «وسماه ابن جني في كتاب التعاقب بالايماء وعقد له بابا فقال : «باب الايماء وهو
الاكتفاء عن الكلمة بحرف من أولها» .
وعدّه ابن رشيق
من أنواع الاشارة ومثّل له بقوله تعالى : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ
الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) فأومأ اليه وترك التفسير معه. وبقول كثيّر :
تجافيت عني
حين لالي حيلة
|
|
وخلّفت ما
خلّفت بين الجوانح
|
فقوله : «وخلفت
ما خلفت» ايماء مليح .
والكناية تتنوع
عند السكاكي الى تعريض وتلويح ورمز وايماء واشارة ، قال : «وان كانت الكناية لامع نوع الخفاء كقول أبي
تمام :
أبين فما
يزرن سوى كريم
|
|
وحسبك أن
يزرن أبا سعيد
|
فانه في إفادة
أنّ أبا سعيد كريم غير خاف كان اطلاق اسم الايماء والاشارة عليها مناسبا» . ونقل ذلك القزويني وشراح التلخيص . وأدخله السجلماسي في أنواع الاشارة .
الإيهام :
الوهم من خطرات
القلب ، وتوهّم الشيء تخيّله وتمثّله كان في الوجود أو لم يكن. ويقال : توهّمت في
كذا وكذا وأوهمت الشيء : إذا أغفلته. ووهمت في الشيء أهم وهما إذا ذهب وهمك اليه
وأنت تريد غيره وتوهمّت أي ظننت ، وأوهمت غيري إيهاما والتوهيم مثله .
وكان الوطواط
قد تحدّث عنه وقال : «الايهام في اللغة بمعنى التخييل ولذلك يسمون هذه الصنعة
بالتخييل أيضا. وتكون بأن يذكر الكاتب أو الشاعر في نثره أو نظمه ألفاظا يكون لها
معنيان أحدهما قريب والآخر غريب فاذا سمعها السامع انصرف خاطره الى المعنى القريب
بينما يكون المراد منها هو المعنى الغريب» . ومثال ذلك قول أبي العلاء :
إذا صدق
الجدّ افترى العمّ للفتى
|
|
مكارم لا
تكرى وإن كذب الخال
|
فكل من سمع
الالفاظ الثلاثة «جد» و «عم» و «خال» انصرف ذهنه الى الأقارب في حين أنّ المقصود
بها أشياء أخرى ، فالجد هو الحظ ، والعم هو الجماعة ، والخال هو مخيلة السحاب وهي
ما يرى فيها من علامة المطر .
وقال الرازي : «هو
أن يكون للفظ معنيان أحدهما قريب والآخر غريب فالسامع يسبق فهمه الى القريب مع أنّ
المراد هو ذلك البعيد ، وهذا إنّما يحسن إذا كان الغرض تصوير ذلك المعنى البعيد
بالمعنى الظاهر.
وأكثر
المتشابهات من هذا الجنس» ومنه قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ
__________________
وَالسَّماواتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ). وذكر السكاكي هذه الآية شاهدا أيضا وقال عن الايهام : «هو
أن يكون للفظ استعمالان قريب وبعيد فيذكر لايهام القريب في الحال الى أن يظهر أنّ
المراد به البعيد» كقول الشاعر :
حملناهم طرا
على الدّهم بعد ما
|
|
خلعنا عليهم
بالطعان ملابسا
|
أراد بالحمل
على الدهم : تقييد العدى فأوهم إركابهم الدهم. ومنه قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى).
وذكر الحلبي
والنويري أنّ الايهام «يقال له التورية والتخييل ، وهو أن تذكر ألفاظا «لها معان
قريبة وبعيدة فاذا سمعها الانسان سبق إلى فهمه القريب ، ومراد المتكلم البعيد» . ومثاله قول عمر بن أبي ربيعة :
أيّها المنكح
الثريا سهيلا
|
|
عمرك الله
كيف يلتقيان
|
هي شامية إذا
ما استقلّت
|
|
وسهيل اذا
استقلّ يماني
|
فذكر الثريا
وسهيلا ليوهم أنّه يريد النجمين ويقول :كيف يجتمعان ، والثريا من منازل القمر
الشامية ، وسهيل من النجوم اليمانية. ومراده الثريا التي كان يتغزل بها لما زوجت
بسهيل. وقالا عن قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) إنّه من التخييل وهو «تصوير حقيقة الشيء للتعظيم» .
وعقد الزركشي
بابا للتورية وقال : «وتسمى الايهام والتخييل والمغالطة والتوجيه» وعرّفها بمثل تعريف الايهام ، وفرّق بينها وبين
الاستخدام ، وذلك انها استعمال المعنيين في اللفظ واهمال الآخر ، والاستخدام
استعمالهما معا بقرينتين ، أي أنّ المشترك إن استعمل في مفهومين معا فهو الاستخدام
وإن أريد أحدهما مع لمح الآخر باطنا فهو التورية.
وذهب الحموي
الى ذلك وقال : «والتورية أولى في التسمية لقربها من مطابقة المسمى لأنها مصدر
ورّيت الخبر تورية إذا سترته وأظهرت غيره كأن المتكلم يجعله وراءه بحيث لا يظهر» .
وسمى السيوطي
هذا الفن إيهاما وأشار الى أنّه يدعى التورية أيضا ، وفضّل المدني اسم التورية فقال : «التورية أقرب اسم
سمّي به هذا النوع ولمطابقته المسمّى لأنّه مصدر ورّيت الحديث : إذا أخفيته وأظهرت
غيره. قال أبو عبيدة : لا أراه إلا مأخوذا من وراء الانسان ، فاذا قال : «وريته»
فكأنه جعله وراءه بحيث لا يظهر. ويسمى الايهام والتوجيه والتخييل» . ولكن الأفضل أن يقال عن الآيات القرآنية إنّها تخييل
لأنّها ليست تورية ولا ايهاما بالمعنى المتأخر ، وقد ألمح الزمخشري الى مثل ذلك
فقال عن قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ
حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) «لما كان العظيم من الأشياء إذا عرفه الانسان حق معرفته وقدره في نفسه حق
تقديره عظمه حق تعظيمه قيل : (وَما قَدَرُوا اللهَ
حَقَّ قَدْرِهِ) وقرئ
__________________
بالتشديد على معنى : وما عظموه كنه تعظيمه ، ثم نبههم على عظمته وجلالة
شأنه على طريقة التخييل فقال : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.) والغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه
تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير ، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين الى
جهة حقيقة أو جهة مجاز ، وكذلك حكم ما يروى أنّ جبريل جاء الى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : «يا أبا القاسم إنّ الله يمسك السماوات والأرض
يوم القيامة على أصبع والأرضين على اصبع والجبال على اصبع والشجر على اصبع وسائر
الخلق على اصبع ، ثم يهزهنّ فيقول أنا الملك. فضحك رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وتعجب لأنّه لم يفهم منه إلا ما يفهمه علماء البيان
من غير تصوّر امساك ولا اصبع ولا هز ولا شيء من ذلك ، ولكن فهمه وقع أول شيء وآخره
على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة ، وان الأفعال العظام
التي تتحير فيها الأفهام والأذهان ولا تكتنهها الأوهام هينة عليه هوانا لا يوصل
السامع الى الوقوف عليه إلا اجراء العبارة في مثل هذه الطريقة من التخييل. ولا ترى
بابا في علم البيان أدق ولا أرق ولا ألطف من هذا الباب ولا أنفع وأعون على تعاطي
تأويل المشتبهات من كلام الله تعالى في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام
الانبياء ، فانّ أكثره وعليته تخييلات»
إيهام التّضادّ
:
سماه الحموي «ايهام
المطابقة» وسماه المدني «ايهام الطباق» ، وألحقه القزويني بالطباق وهو ما يمكن التقابل فيه بين
الظاهر من مفهوم اللفظين وإن يكن بين حقيقة المراد منهما تقابل ما . كقول دعبل :
لا تعجبي يا
سلم من رجل
|
|
ضحك المشيب
برأسه فبكى
|
وقول أبي تمام
:
ما إن ترى
الأحساب بيضا وضّحا
|
|
إلا بحيث ترى
المنايا سودا
|
إيهام التّناسب
:
ألحقه القزويني
بمراعاة النظير وقال : «ومما يلحق بالتناسب نحو قوله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ.
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) ويسمى إيهام التناسب» ، لأنّه لما ذكر لفظ الشمس والقمر ذكر النجم والمراد به
النبات ، فذكر النجم بعد ذكر الشمس والقمر يوهم التناسب لأنّ النجم أكثر ما يطلق
على نجم السماء المناسب للشمس والقمر بكونه في السماء.
إيهام التّوكيد
:
قال المدني إنّ
«إيهام التوكيد استخرجه الشيخ عمر بن الوردي وسماه بهذا الاسم ، وهو عبارة عن أن
يعيد المتكلم في كلامه كلمة فأكثر مرادا بها غير المعنى الأول حتى يتوهم السامع من
أول وهلة أنّ الغرض التأكيد وليس كذلك ولذلك سمي «ايهام التوكيد». ولم أقف عليه في
شيء من كتب هذا الفن وإنّما أشار اليه الشيخ صلاح الدين الصفدي في شرح لامية العجم
استطردا وقال : «إنّه في غاية الحسن ، يظن السامع من أول وهلة أنّه من باب التكرار
وتحصيل
__________________
الحاصل الى أن يعيره ذهنه ويتأمل معنى الشاعر في ذلك فيرقص طربا» ومثاله قوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ
عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ، فِيهِ رِجالٌ
يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ).
فقوله : «فيه ،
فيه» هو إيهام التوكيد فانّ السامع يظن من أول وهلة أنّ الثانية تأكيد للأولى ،
وليس كذلك.
ومن ذلك قول
الشاعر :
ألا حلّ بي
عجب عاجب
|
|
تقاصر وصفي
عن كنهه
|
رأيت الهلال
على وجه من
|
|
رأيت الهلال
على وجهه
|
وأنشد الوردي
لنفسه من هذا النوع :
تعشّقت أحوى
لي اليه وسائل
|
|
واصلاح
أحوالي لديه لديه
|
أمرّ به
مستعطفا ومسلّما
|
|
فيثقل تسليمي
عليه عليه
|
فلا كان واش
كدّر الصفو بيننا
|
|
وبغّض تحبيبي
اليه اليه
|
وقال المدني : «ولم
ينظم أحد من أصحاب البديعيات هذا النوع وقد تفردت أنا بنظمه في بديعيتي وهو قولي
في آخر البيت : «ولم أزل مغريا وجدي بهم بهم» ، فان قولي «بهم بهم» يوهم التوكيد
وليس توكيدا بل «بهم» الأولى. متعلقة بـ «وجدي» والثانية بقولي : «مغريا» .
وبيت المدني هو
:
حقّقت إيهام
توكيدي لحبهم
|
|
ولم أزل
مغريا وجدي بهم بهم
|
إيهام الطّباق
:
هو إيهام
التضاد ، وقد تقدم.
إيهام المطابقة
:
هو إيهام
التّضاد وإيهام الطّباق ، وقد تقدّما.
__________________
الباء
البدل :
بدل الشيء غيره
، والبديل البدل ويقال بدل ، وبدل الشيء وبدله وبديله : الخلف منه. وتبدّل الشيء
وتبدل به واستبدله واستبدل به : أتخذ منه بدلا ، وأبدل الشيء وبدّله : تخذه بدلا .
وقد أطلق
الجاحظ البدل على التشبيه والاستعارة ، وقال عند كلامه على قوله تعالى : (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) : «ومن جعل للحيات مشيا من الشعراء أكثر من أن نقف
عليهم» ولو كانوا لا يسمون انسيابها وانسياحها مشيا وسعيا لكان ذلك مما يجوز على
التشبيه والبدل وإن قام الشيء مقام الشيء أو مقام صاحبه فمن عادة العرب ان تشبه به
في حالات كثيرة.
وقال الله
تعالى : (هذا نُزُلُهُمْ
يَوْمَ الدِّينِ) والعذاب لا يكون نزلا ولكنه أجراه مجرى كلامهم» .
ولكن هذا
المصطلح لم يستعمل في الكتب المتأخّرة للتشبيه والاستعارة ، وكأنه استقر في
الدراسات النّحوية وقالوا : إنه «التابع المقصود بالحكم بلا واسطة» وهو عندهم
أربعة أقسام :
الأول : بدل
كلّ من كلّ كقوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ
الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).
الثاني : بدل
بعض من كلّ مثل : «أكلت الرغيف ثلثه».
الثالث : بدل
الاشتمال مثل : «أعجبني زيد علمه».
الرابع : البدل
المباين ، وهو بدل الغلط أو النسيان مثل «خذ نبلا مدى» واستخدم السكاكي مصطلح «البدل» في كلامه على الفصل
والوصل ، وعدّه من مواضع الفصل ، ففي البيت :
أقول له ارحل
، لا تقيمنّ عندنا
|
|
وإلا فكن في
السّر والجهر مسلما
|
فصل الشاعر «لا
تقيمن» عن «ارحل» لقصد البدل ؛ لأنّ المقصود من كلامه هذا إظهار كمال الكراهة
لاقامته بسبب خلاف سره العلن. وقوله : «لا تقيمن عندنا» أوفى بتأدية هذا المقصود
من قوله : «ارحل» لدلالة ذاك عليه بالتضمن مع التجرد عن التأكيد ، ودلالة هذا عليه
بالمطابقة مع التأكيد. ومثله قوله تعالى : (بَلْ قالُوا مِثْلَ
ما قالَ الْأَوَّلُونَ. قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا
لَمَبْعُوثُونَ؟).
فصل قالوا : (أَإِذا مِتْنا) عن (قالُوا مِثْلَ ما
قالَ الْأَوَّلُونَ) لقصد البدل .
__________________
البديع :
بدع الشيء
يبدعه بدعا وابتدعه : أنشأه وبدأه ، وابدعت الشيء : اخترعته لا على مثال. والبديع
: المبدع ، والبديع من أسماء الله تعالى لا بداعه الاشياء وإحداثه اياها وهو
البديع الأول قبل كل شيء. والبديع : الجديد .
وقد ذكر الجاحظ
أنّ مصطلح البديع اطلقه الرواة على المستطرف الجديد من الفنون الشعرية وعلى بعض
الصور البيانية التي يأتي بها الشعراء في أشعارهم فتزيدها حسنا وجمالا. قال معلقا
على بيت الأشهب بن رميلة :
هم ساعد
الدهر الذي يتّقى به
|
|
وما خير كف
لا تنوء بساعد
|
«قوله : «هم ساعد الدهر» إنّما هو
مثل ، وهذا الذي تسميه الرواة البديع» .
لكن أبا الفرج
الاصفهاني ذكر أنّ الشاعر العباسي مسلم بن الوليد كان أول من أطلق هذا المصطلح ،
قال : «وهو فيما زعموا أول من قال الشعر المعروف بالبديع ، وهو لقّب هذا الجنس
البديع واللطيف وتبعه فيه جماعة ، وأشهرهم فيه أبو تمام الطائي فانه جعل شعره كله
مذهبا واحدا فيه» .
ودفع الجاحظ
غلوه في حب العرب والرد على الشعوبية إلى أن يقول : «والبديع مقصور على العرب ومن
أجله فاقت لغتهم كل لغة ورأبت على كل لسان» .
وكان المولّدون
من الشعراء العصر العباسي قد أكثروا في أشعارهم من الصور البيانية التي سميت
البديع ، قال الجاحظ : «ومن الخطباء الشعراء ممن كان يجمع الخطابة والشعر الجيد
والرسائل الفاخرة مع البيان الحسن : كلثوم بن عمرو العتابي وكنيته أبو عمرو ، وعلى
ألفاظه وحذوه ومثاله في البديع يقول جميع من يتكلف مثل ذلك من شعراء المولدين كنحو
منصور النمري ومسلم بن الوليد الانصاري وأشباههما. وكان العتابي يحتذي حذو بشار في
البديع ، ولم يكن من المولّدين أصوب بديعا من بشار وابن هرمة» .
وقال «والراعي
كثير البديع في شعره ، وبشار حسن البديع ، والعتابي يذهب شعره في البديع» .
وشاع هذا اللون
في الأدب ولجّ المولّدون. في اصطناعه وتباهوا بالسبق اليه مما حدا بالخليفة
والشاعر العباسي ابن المعتز الى أن يؤلف «كتاب البديع» ليعلم أنّ بشارا ومسلما
وأبا نواس ومن تقيلهم وسلك سبيلهم لم يسبقوا الى هذا الفن ، ولكن كثر في
أشعارهم فعرف في زمانهم حتى سمي بهذا الاسم فأعرب عنه ودلّ عليه ، وليعرف أنّ
المحدثين لم يسبقوا المتقدمين الى شيء من أبواب البديع. قال : «ثم إنّ حبيب بن أوس
الطائي من بعدهم شغف به حتى غلب عليه وتفرع فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء
في بعض وتلك عقبى الافراط وثمرة الاسراف ، وإنّما كان يقول الشاعر من هذا الفن
البيت والبيتين في القصيدة وربما قرئت من شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيت
بديع ، وكان يستحسن ذلك منهم إذا أتى ناردا ويزداد حظوة بين الكلام المرسل» .
وكان الجاحظ من
أوائل الذين اعتنوا بالبديع وصوره ، وقد أطلقه على فنون البلاغة المختلفة ،
وتعليقه على بيت الأشهب بن رميلة يوضح اتجاهه حيث سمّى الاستعارة بديعا. ونظر ابن
المعتز الى البديع هذه النظرة ، وكانت فنونه عنده خمسة هي :
__________________
الاستعارة ، والتجنيس ، والمطابقة ، ورد أعجاز الكلام على ما تقدمها ،
والمذهب الكلامي ، وذكر ثلاثة عشر فنا سماها «محاسن الكلام والشعر» وهي : الالتفات
، والاعتراض ، والرجوع ، وحسن الخروج ، وتأكيد المدح بما يشبه الذم ، وتجاهل
العارف ، والهزل الذي يراد به الجد ، وحسن التضمين ، والتعريض والكناية ، والافراط
في الصفة ، وحسن التشبيه ، وإعنات الشاعر نفسه في القوافي ، وحسن الابتداءات.
وعاصره قدامة
بن جعفر وجمع من البديع أنواعا كثيرة بعضها مما ذكره ابن المعتز وبعضها جديد
كالتقسيم والترصيع والمقابلات والتفسير والمساواة والاشارة ولم يسمها بديعا وإنّما
هي من محاسن الكلام ونعوته.
وعقد أبو هلال
العسكري الباب التاسع من «كتاب الصناعتين» لشرح البديع ، وهو عنده مختلف الصور
البيانية كالاستعارة والمجاز والمطابقة والتجنيس.
وصور البديع
خمس وثلاثون ، وقد قال عنها : «فهذه أنواع البديع التي ادّعى من لا رويّة ولا
دراية عنده أنّ المحدثين ابتكروها وأنّ القدماء لم يعرفوها وذلك لمّا أراد أن يفخم
أمر المحدثين ؛ لأنّ هذا النوع من الكلام إذا سلم من التكلف وبرىء من العيوب كان
في غاية الحسن ونهاية الجودة» .
وزاد سبعة فنون
هي : التشطير ، والمجاورة ، والتطريز ، والمضاعفة ، والاستشهاد ، والتلطف ،
والمشتق.
ولم يهتم
القاضي الجرجاني بألوان البديع ولم يذكر منها إلا فنونا قليلة ، وقد أشار الى أنّ
المحدثين سمّوا الاستعارة والمطابق والجناس وغيرها بديعا .
وكانت نظرة
الباقلاني الى البديع شاملة وقد ذكر كثيرا من فنونه في كتابه «إعجاز القرآن» ولكنه
قال إنّه لا سبيل الى معرفة الاعجاز من البديع الذي ادّعوه في الشعر ووصفوه ، وذلك
أنّ هذا الفن ليس فيه مما يخرق العادة ويخرج عن العرف بل يمكن استدراكه بالتعلم
والتدرب .
واهتم ابن رشيق
بالبديع وفرّق بينه وبين المخترع ، فالمخترع من الشعر هو «ما لم يسبق اليه قائله
ولا عمل أحد من الشعراء قبله نظيره أو ما يقرب منه» .
والبديع هو
الجديد ، وأصله في الحبال وذلك أن يفتل الحبل جديدا ليس من قوى حبل نقضت ثم فتلت
فتلا آخر. قال : «والبديع ضروب كثيرة وأنواع مختلفة ، وأنا أذكر منها ما وسعته
القدرة وساعدت فيه الفكرة» .
وأدخل في
البديع المجاز والاستعارة والتمثيل والمثل السائر والتشبيه والاشارة ، ولا يختلف
عبد القاهر عن سابقيه ، والبديع عنده فنون البلاغة المختلفة ، قال : «وأما التطبيق
والاستعارة وسائر أقسام البديع» ، وقال : «وهكذا تراهم يعدونها في أقسام البديع حيث
يذكر التجنيس والتطبيق والتوشيح وردّ العجز على الصدر وغير ذلك» .
وسمّى ابن منقذ
أحد كتبه «البديع في نقد الشعر» وجمع فيه خمسة وتسعين فنا بلاغيا ، وسار المصري
على خطاه في كتابيه «بديع القرآن» و «تحرير التحبير» وذكر أكثر من مائة فن بلاغي
وابتدع فنونا جديدة.
إنّ البديع في
القرون الستة الاولى للهجرة كان يدل على فنون البلاغة المختلفة ، ولكن السكاكي
حينما قسم البلاغة الى علومها المعروفة أفرد بعض الموضوعات وسمّاها وجوها يصار
اليها لتحسين الكلام وقسمها الى لفظية ومعنوية ، ومن الأولى
__________________
المطابقة والمقابلة والمشاكلة ومراعاة النظير ، ومن الثانية التجنيس ورد
العجز على الصدر والقلب والسجع.
وكان بدر الدين
بن مالك أول من أطلق مصطلح «البديع» على هذه الوجوه والمحسنات ، وقد قال عن البديع
إنّه «معرفة توابع الفصاحة» وقسمها الى ثلاثة أنواع.
الأول : الراجع
الى الفصاحة اللفظية وهو أربعة وعشرون فنا منها : الترديد والتعطيف ورد العجز على
الصدر والتشطير والترصيع.
الثاني :
الراجع الى الفصاحة ويختص بافهام المعنى وتبيينه وهو تسعة عشر فنا منها : حسن
البيان والايضاح والمذهب الكلامي والتبيين والتتميم والتقسيم.
الثالث :
الراجع الى الفصاحة المختصة بتحسين الكلام وتزيينه ومنها : اللف والنشر ، والتفريق
والجمع والتورية وحسن الابتداء وحسن الخاتمة.
وفصل القزويني
البديع فصلا تاما عن البلاغة التي جعلها محصورة في المعاني والبيان ، والبديع عنده
ضربان : ضرب يرجع الى المعنى كالمطابقة ومراعاة النظير والارصاد ، وضرب يرجع الى
اللفظ كالجناس ورد العجز على الصدر والسجع.
ولم يخرج شرّاح
التلخيص عما رسمه القزويني وإن أضاف بعضهم كالسبكي فنونا أخرى.
فالبديع بمعناه
الأخير هو «علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال ووضوح
الدلالة» ، أي أنّه تابع لعلمي المعاني والبيان.
البديعيّات :
شهد القرن
السابع للهجرة لونا جديدا من التأليف في البلاغة هو «البديعيّات» وهي قصائد في مدح
الرسول محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ومن البسيط وروي الميم في أكثر الاحيان ، وتتضمن
فنونا بلاغية يورّى عنها أو لا يورّى.
والبديعيات
كثيرة ، ولعل أقدمها بديعية علي بن عثمان الاربلي في مدح بعض معاصريه. وقد ذكر ابن
شاكر الكتبي ستة وثلاثين بيتا منها اشتملت على فنون بلاغية مختلفة.
ويبدو أنّ هذه البديعية أول ما عرف في الأدب العربي من البديعيات ، وهي ليست في
مدح النبي الكريم وليست من البسيط أو على روي الميم ، وانما هي في مديح بعضهم ومن
الخفيف وروي اللام. وقد بدأها صاحبها بذكر الجناس التام والمطرف فقال :
بعض هذا
الدلال والإدلال
|
|
حال بالهجر
والتجنب حالي
|
وبالجناس
المصحف والمركب فقال :
جرت إذ جزت
ربع قلبي وإذ
|
|
لالي صبرا
أكثرت من إذلالي
|
ومن البديعيات
بديعية صفي الدين الحلي وهي في مائة وخمسة وأربعين بيتا ومطلعها :
إن جئت سلعا
فسل عن جيرة العلم
|
|
واقرا
السّلام على عرب بذي سلم
|
وبديعية ابن
جابر الاندلسي وهي في مائة وسبعة وعشرين بيتا استهلها بقوله :
بطيبة انزل
ويمّم سيد الأمم
|
|
وانثر له
المدح وانشر أطيب الكلم
|
وسمّاها «الحلة
السيرا في مدح خير الورى» وشرحها الرعيني الغرناطي بكتاب «طراز الحلة وشفاء الغلة».
__________________
ونظم عز الدين
الموصلي بديعية في مائة واربعين بيتا التزم فيها تسمية الفن البديعي مورّيا بكلمة
عنه البيت الذي يتضمنها ، ومطلعها :
براعة تستهلّ
الدمع في العلم
|
|
عبارة عن
نداء المفرد العلم
|
وكان الموصلي
أول من فعل ذلك ليتميز على الحلي الذي لم يلتزم بتسمية النوع.
وتوالى نظم
البديعيات وظهر شعراء عنوا بها كوجيه الدين عبد الرحمن ابن محمد اليمني وشرف الدين
عيسى بن حجاج بن عيسى بن شداد السعدي القاهري وزين الدين شعبان بن محمد القرشي
الآثاري الذي نظم ثلاث بديعيات : الصغرى وهي في مائة وتسعة
وستين بيتا ومطلعها :
إن جئت بدرا
فطب وانزل بذي سلم
|
|
سلّم على من
سبا بدرا على علم
|
والوسطى وهي في
ثلثمائة وثمانية أبيات ومطلعها :
دع عنك سلعا
وسل عن ساكن الحرم
|
|
وخلّ سلمى
وسل ما فيه من كرم
|
والكبرى وهي في
أربعمائة وسبعة أبيات ومطلعها :
حسن البداعة
حمد الله في الكلم
|
|
ومدح أحمد
خير العرب والعجم
|
وكان يعاصر
الآثاري أديب ناقد له أكبر الأثر في البديعيات وهو ابن حجة الحموي الذي وجد عصره
يزخر بالبديعيات ، وكان قد أعجب ببديعتي الحلي والموصلي فنظم بديعية في مائة
واثنين واربعين بيتا وورّى عن كل فن بكلمة ، ومطلعها :
لي في ابتدا
مدحكم يا عرب ذي سلم
|
|
براعة تستهلّ
الدمع في العلم
|
وشرحها بكتابه
البلاغي «خزانة الأدب وغاية الارب» الذي يعدّ أهم كتب البلاغة في القرن الثامن
للهجرة.
ولجلال الدين
السيوطي بديعية سماها «نظم البديع في مدح خير شفيع» وهي في مائة واربعين بيتا
ومطلعها :
من العقيق
ومن تذكار ذي سلم
|
|
براعة تستهلّ
الدمع في العلم
|
وشرحها شرحا
موجزا وأشار الى أنّه عارض بها بديعية الحموي في التورية باسم النوع البديعي.
ونظمت عائشة
الباعونية بديعية في مائة وثلاثين بيتا سمتها «الفتح المبين في مدح الأمين»
ومطلعها :
في حسن مطلع
أقماري بذي سلم
|
|
أصبحت في
زمرة العشّاق كالعلم
|
ونظمتها على
منوال بديعية الحموي من غير تسمية النوع البديعي وشرحتها شرحين.
ونظم عبد الغني
النابلسي بديعيتين ولم يلتزم في إحداهما تسمية النوع والتزمه في الثانية. ومطلع
الاولى :
يا منزل
الركب بين البان فالعلم
|
|
من سفح كاظمة
حيّيت بالديم
|
وشرحها بكتابه «نفحات
الأزهار على نسمات الاسحار في مدح النبي المختار». ومطلع الثانية :
يا حسن مطلع
من أهوى بذي سلم
|
|
براعة الشوق
في استهلالها ألمي
|
وهناك بديعيات
أخرى ومعظمها في مدح الرسول الكريم ـ صلىاللهعليهوسلم
ومن البسيط
وعلى رويّ الميم. ونظم المسيحيون بديعيات في المسيح ـ عليهالسلام ـ ومنهم الخوري نيقولاوس بن نعمة الله الصائغ الذي يقول
في مطلع بديعته :
بديع حسن
امتداحي رسل ربهم
|
|
براعة في
افتتاحي حمد ربهم
|
والخوري
أرسانيوس الفاخوري الذي التزم في احدى
__________________
بديعياته التورية على اسم النوع البديعي ومطلعها :
براعة المدح
في نجم ضياه سمي
|
|
تهدي بمطلعها
من عن سناه عمي
|
ومطلع الثانية
:
فحيّ حيّ
الجليل الجامع العظم
|
|
وبيت لحم
وآلا قد سمت بهم
|
ولم يلتزم في
الثالثة البسيط ولا الميم المكسورة وإنما اتخذ من الكامل والميم المضمومة سبيلا ،
ومطلعها :
إني لأحكام
القضاء مسلّم
|
|
ولسان حالي
بالهوى متكلّم
|
وهذه البديعيات
الكثيرة تدلّ على اهتمام كبير بفنون البديع في العهود المتأخرة وإن كان فيها إسراف
في الصنعة وتفنن في إيجاد أنواع بديعية جديدة. ولم يستمر الشعراء في نظم هذا اللون
من البديع فقد انصرفوا عنه وكادت البديعيات تختفي منذ مطلع القرن العشرين.
البراءة :
بريء من الأمر
يبرأ ويبرؤ براءة وبراء ، وبرئ : إذا تخلص وبرىء أذا تنزه وتباعد .
وقد أدخل
السبكي البراءة في البديع وقال : «ومحلها الهجاء ، وهو كما قال أبو عمرو بن العلاء
وقد سئل عن أحسن الهجاء فقال : «هو الذي أذا أنشدته العذراء في خدرها لا يقبح
عليها» .
البراعة :
برع يبرع بروعا
وبراعة وبرع فهو بارع : تمّ في كل فضيلة وجمال وفاق أصحابه في العلم وغيره ،
والبارع : الذي فاق أصحابه في السؤدد . قال الباقلاني : «وأما البراعة فهي فيما يذكر أهل
اللغة الحذق بطريقة الكلام وتجويده. وقد يوصف بذلك كل متقدم في قول أو صناعة» . وقال : «فأما وصف الكلام بالبراعة فمعناه أنّه حذقت
طريقته وأجيد نظمه ، وقد يوصف بذلك كل مجيد قول أو صناعة فيجوز أن يوصف القرآن
بالبراعة على هذا المعنى ، والمراد أنّه نظم ـ يخرج عن إمكان الناطقين لا على معنى
أنّه تجويد كلام هو على معنى كلام العرب» .
ويبدو أنّ هذا
المصطلح أهمل ولم يدخل في الدراسات البلاغية ولذلك قال السبكي : «مما يوصف به
الكلام والكلمة أيضا البراعة وأهملها الجمهور وقد ذكرها القاضي أبو بكر في
الانتصار مع الفصاحة والبلاغة وحدّها بما يقرب من حد البلاغة» . وقال السيوطي : «البراعة مثل البلاغة فيقال متكلم بارع
وكلام بارع ولا يقال كلمة بارعة.
قد حدّها
القاضي أبو بكر في الانتصار بما يقرب من حدّ البلاغة وأهملها الجمهور وذكرها هنا
من زوائدي» . وقد نظمها السيوطي في أرجوزته «عقود الجمان» فقال :
يوصف
بالفصاحة المركّب
|
|
ومفرد ومنشىء
مرتّب
|
وغير ثان صفه
بالبلاغة
|
|
ومثله في ذلك
البراعة
|
فالبراعة هي
البلاغة وهذا ما ذهب اليه عبد القاهر حينما جمع بين البلاغة والفصاحة والبيان
والبراعة ولم يفصل بينها جميعا وكل ما شاكل ذلك «مما يعبر به عن فضل بعض القائلين
على بعض من حيث نطقوا وتكلموا وأخبروا السامعين عن الأغراض والمقاصد ، وراموا أن
يعلموهم ما في نفوسهم ويكشفوا لهم عن
__________________
ضمائر قلوبهم» .
براعة
الاستهلال :
البراعة هي
التفوق ، والاستهلال الافتتاح والابتداء ، فاستهل : رأى الهلال ، واستهل المولود
صاح في أول زمان الولادة واستهلت السماء جادت بالهلل وهو أول المطر. قال المدني : «وكل
من هذه المعاني مناسب للنقل منه الى المعنى الاصطلاحي وإن خصه بعضهم بالنقل من
المعنى الثاني.
وإنّما سمي هذا
النوع الاستهلال لأنّ المتكلم يفهم غرضه من كلامه عند ابتداء رفع صوته به» .
وكان الجاحظ قد
نقل عن ابن المقفع قوله : «ليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك ، كما أنّ خير أبيات
الشعر البيت الذي إذا سمعت صدره عرفت قافيته» وقال الجاحظ : «كأنه يقول فرّق بين صدر خطبة النكاح
وبين صدر خطبة العيد وخطبة الصلح وخطبة التواهب حتى يكون لكل فن من ذلك صدر يدل
على عجزه ، فانّه لا خير في كلام لا يدلّ على معناك ولا يشير الى مغزاك ، والى
العمود الذي اليه قصدت ، والغرض الذي اليه نزعت».
وكانت هذه
إشارة الى الاهتمام بمثل ذلك في النثر والشعر ، ولذلك قال ابن جني : «إذا كان
المرسل حاذقا أشار في تحميده الى ما جاء بالرسالة من أجله» .
وعقد الكلاعي
فصلا سماه «الاشارة في الصدور الى الغرض المذكور» .
وذكر ابن
المعتز فنا في محاسن الكلام سماه «حسن الابتداءات» وقال الحموي عن هذه التسمية : «وفي هذه التسمية تنبيه
على تحسين المطالع وإن أخلّ الناظم بهذه الشروط لم يأت بشيء من حسن الابتداء» .
وقد فرّع
المتأخرون من هذه التسمية «براعة الاستهلال» وهي كما قال التبريزي : «أن يبتدىء
بما يدل على غرضه» ، كقول الخنساء في أخيها :
وما بلغت كفّ
امرىء متناولا
|
|
من المجد إلا
والذي نلت أطول
|
وما بلغ
المهدون للناس مدحة
|
|
وإن أطنبوا
إلا الذي فيك أفضل
|
ودخل الأخطل على
معاوية فقال : إني مدحتك فاسمع. فقال : إن كنت شبهتني بالحية والصقر فلا حاجة لي
فيه ، وإن كنت قلت كما قالت الخنساء في أخيها ، وأنشد البيتين فهات. فأنشده الأخطل
:
إذا متّ مات
الجود وانقطع الندى
|
|
ولم يبق إلّا
من قليل مصرّد
|
فقال له معاوية
: «ما زدت على أن نعيت اليّ نفسي».
وقال البغدادي
: «وأما براعة الاستهلال فهي من ضروب الصنعة التي يقدمها أمراء الكلام ونقاد الشعر
وجهابذة الألفاظ ، فينبغي للشاعر إذا ابتدأ قصيدة مدحا أو ذما أو فخرا أو وصفا أو
غير ذلك من أفانين الشعر ابتدأها بما يدل على غرضه فيها ، كذلك الخطيب إذا ارتجل
خطبة ، والبليغ إذا افتتح رسالة فمن سبله أن يكون ابتداء كلامه دالا على انتهائه
وأوله ملخصا بآخره» ، وذكر أمثلة التبريزي.
ويتضح مما قاله
المتقدمون أنّ براعة الاستهلال هي «ابتداء المتكلم بمعنى ما يريد تكميله وإن وقع
في اثناء القصيدة» ولذلك فرّق المصري بين أمثلتها وأمثلة حسن الابتداءات
فقال بعد أن ذكر
__________________
أمثلة للأخير : «فهذه أمثلة ابتداءات القصائد ، وأما أمثلة بارعة اسلاتهلال
فمنها قول محمد بن الخياط :
لمست بكفي
كفّه أبتغي الغنى
|
|
ولم أدر أنّ
الجود من كفّه يعدي
|
فلا أنا منه
ما أفاد ذوو الغنى
|
|
أفدت وأعداني
فأنفدت ما عندي
|
ولقد أحسن
البحتري اتباعه في هذا المعنى حيث قال :
أعدت يداه
يدي وشرّد جوده
|
|
بخلي فأفقرني
كما أغناني
|
ووثقت بالخلق
الجميل معجّلا
|
|
منه فأعطيت
الذي أعطاني
|
واذا نظرت الى
فواتح السور الفرقانية جملها ومفرداتها رأيت من البلاغة والتفنن في الفصاحة ما لا
تقدر العبارة على حصر معناه ، ومن أراد الوقوف على ذلك فليقف على كتابي المنعوت
بالخواطر السوانح في كشف أسرار الفواتح» .
وقال الحلبي
والنويري ما قاله المصري عن حسن الابتداءات أي أنّها «تسمية ابن المعتز وأراد بها
ابتداءات القصائد. وقد فرّع المتأخرون من هذه التسمية براعة الاستهلال ، وهو أن
يأتي الناظم أو الناثر في ابتداء كلامه ببيّنة أو قرينة تدل على مراده في القصيدة
أو الرسالة أو معظم مراده ، والكاتب أشدّ ضرورة الى ذلك من غيره ليبني كلامه على
نسق واحد دل عليه من أوله وهلة علم بها مقصده» .
وقال ابن
الاثير الحلبي عن براعة الاستهلال : «ويسمى حسن الابتداءات وهو من نعوت الألفاظ ،
وهو أن يكون مطلع الكلام دالا على المقصود في حسن الابتداء» . وهذا خلاف ما ذكره السابقون من أنّ براعة الاستهلال
مما فرعه المتأخرون عن حسن الابتداءات.
وقال ابن قيم
الجوزية : «هو أن يذكر الانسان في أول خطبته أو قصيدته أو رسالته كلاما دالا على
الغرض الذي يقصده ليكون ابتداء كلامه دالا على انتهائه» .
ثم قال : «هذا
النوع قد قدمناه في فصل حسن المطلع لكن الزنجاني ـ رحمهالله ـ أفرد له بابا فأفردناه على حكم ما أفرده ، وكان في
حسن المطلع زيادات يحتاج اليها فذكرناها ههنا ، وهذه الزيادة التي اقتضت افراده» .
وعدّه القزويني
من حسن الابتداء وقال : «وأحسن الابتداءات ما ناسب المقصود ، ويسمى براعة الاستهلال»
. كقول أبي تمام يهنىء المعصتم بالله بفتح عمورية وكان أهل التنجيم زعموا
أنّها لا تفتح في ذلك الوقت :
السيف أصدق
أنباء من الكتب
|
|
في حدّه
الحدّ بين الجد واللّعب
|
بيض الصفائح
لا سود الصحائف في
|
|
متونهنّ جلاء
الشكّ والريب
|
وتبع القزويني في ذلك شراح تلخيصه .
وقال السيوطي :
«ومن الابتداء الحسن نوع أخص منه يسمى براعة الاستهلال ، وهو أن يشتمل أول الكلام
على ما يناسب الحال المتكلم فيه ويشير الى ما سبق الكلام لأجله. والعلم الأسنى في
ذلك سورة الفاتحة التي هي مطلع القرآن الكريم فأنها مشتملة على جميع مقاصده» .
__________________
وسمّاه الحموي
براعة الاستهلال وقال وهو يتحدث عن حسن الابتداء «وقد فرّع المتأخرون منه براعة
الاستهلال في النظم والنثر وفيها زيادة على حسن الابتداء فانّهم شرطوا في براعة
الاستهلال أن يكون مطلع القصيدة دالا على ما بنيت عليه مشعرا بغرض الناظم من غير
تصريح بل باشارة لطيفة تعذب حلاوتها في الذوق السليم ويستدل بها على مقصده من عتب
أو عذر أو تنصل أو تهنئة أو مدح أو هجو وكذلك في النثر. فاذا جمع الناظم بين حسن
الابتداء وبراعة الاستهلال كان من فرسان هذا الميدان وإن لم يحصل له براعة
الاستهلال فليجتهد في سلوك ما يقوله في حسن الابتداء. وما سمي هذا النوع براعة
استهلال إلا لأنّ المتكلم يفهم غرضه من كلامه عند ابتداء رفع صوته به. ورفع الصوت
في اللغة هو الاستهلال ، يقال : استهل المولود صارخا إذا رفع صوته عند الولادة
وأهل الحجيج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية ، وسمي الهلال هلالا لأنّ الناس يرفعون
أصواتهم عند رؤيته» .
ومما وقع من
براعات الاستهلال التي تشعر بغرض الناظم وقصده في قصيده براعة قصيدة الفقيه نجم
الدين عمارة اليمني حيث قال :
إذا لم
يسالمك الزمان فحارب
|
|
وباعد إذا لم
تنتفع بالأقارب
|
فاشارات العتب
والشكوى لا تخفى على أهل الذوق في هذه البراعة ، ويفهم منها أنّ بقية القصيدة تعرب
عن ذلك.
ومن ألطف
البراعات وأحشمها براعة مهيار الديلمي فانه بلغه أنّه وشي به الى ممدوحه فتنصل من
ذلك بألطف عذر وأبرزه في معرض التغزل والنسيب فقال :
أما وهواها
حلفة وتنصّلا
|
|
لقد نقل الواشي
الواشي اليك فأمحلا
|
وما أحلى ما
قال بعده :
سعى جهده لكن
تجاوز حدّه
|
|
وكثّر
فارتابت ولو شاء قلّلا
|
ولم يخرج
المدني على ما قاله المتقدمون ولا سيما الحموي ، قال : «واعلم أنّ المتأخرين
فرّعوا على حسن الابتداء براعة الاستهلال ، وهو أن يكون أول الكلام دالا على ما
يناسب حال المتكلم متضمنا لما سبق الكلام لأجله من غير تصريح بل بألطف اشارة
يدركها الذوق السليم» . ثم قال : «اذا علمت ذلك فاعلم أنّ براعة الاستهلال في
مطلع القصيدة هو كونه دالا على بنيت عليه من مدح أو هجاء أو تهنئة أو عتب أو غير
ذلك. فاذا جمع المطلع بين حسن الابتداء وبراعة الاستهلال كان هو الغاية التي لا
يدركها إلا مصلّي هذه الحلبة والحالب من أشطر البلاغة أوفر حلبه» .
براعة التّخلّص
:
هو التخلص وحسن
التخلص ، ويراد به حسن الانتقال من غرض الى آخر في القصيدة ، ولم يكن القدماء
يعنون بالتخلص وانما هو من حسنات المحدثين أو كما قال ابن طباطبا : «ما أبدعه
المحدثون من الشعراء دون من تقدمهم ، لان مذهب الاوائل في ذلك واحد وهو قولهم عند
وصف الفيافي وقطعها بسير النوق وحكاية ما عانوه في أسفارهم : انا تجشمنا ذلك الى
فلان يعنون الممدوح كقول الأعشى :
الى هوذة الوهاب
أزجي مطيتي
|
|
أرجّي عطاء
صالحا من نوالكا
|
وكانوا يقولون
عند الانتقال «دع ذا» و «عدّ عن ذا» ، قال الباقلاني : «ألا ترى أنّ كثيرا من
الشعراء وقد وصف
__________________
بالنقص عند التنقل من معنى الى غيره والخروج من باب الى سواه ، حتى أنّ أهل
الصنعة قد اتفقوا على تقصير البحتري مع جودة نظمه وحسن وصفه في الخروج من النسيب
الى المديح وأطبقوا على أنّه لا يحسنه ولا يأتي فيه بشيء وإنّما اتفق له في مواضع
محدودة خروج يرتضي وتنقل يستحسن» . وقال الحاتمي : «من حكم النسيب الذي يفتتح به الشاعر
كلامه أن يكون ممتزجا بما بعده من مدح أو ذم أو غيرهما ، غير منفصل منه. فانّ
القصيدة مثلها مثل خلق الانسان في اتصال بعض أجزائه ببعض ، فمتى انفصل واحد عن
الآخر أو باينه في صحة التركيب غادر بالجسم عاهة تتخون محاسنه وتعفّي معالم جماله.
ووجدت حذاق
الشعراء وأرباب الصناعة من المحدثين محترسين من مثل هذه الحال احتراسا يجنبهم
شوائب النقصان ويقف على محجة الاحسان حتى يقع الاتصال ويؤمن الانفصال. وتأتي
القصيدة في تناسب صدورها وأعجازها وانتظام نسيبها بمديحها كالرسالة البليغة
والخطبة الموجزة لا ينفصل جزء منها عن جزء كقول مسلم بن الوليد وهو من بارع التخلص
:
أجدّك هل
تدرين أن ربّ ليلة
|
|
كأنّ دجاها
من قرونك ينشر
|
نصبت لها حتى
تجلّت بغرّة
|
|
كغرّة يحيى
حين يذكر جعفر
|
وقول بكر بن
النطاح :
ودويّة خلقت
للسراب
|
|
فأمواجه
بينها تزخر
|
كأنّ حنيفة
تحميهم
|
|
فأليتهم خشن
أزور
|
وهذا مذهب اختص
به المحدثون لتوقد خواطرهم ولطف أفكارهم واعتمادهم البديع وأفانينه في أشعارهم ،
فكأنه مذهب سهّلوا حزنه ونهجوا رسمه.
وأما الفحول
الاوائل ومن تلاهم من المخضرمين والاسلاميين فمذهب المتعالم فيه : «عدّ عن كذا الى
كذا» وقصارى كل رجل منهم وصفه ناقته بالعتق والكرم والنجابة والنجاء وأنّه امتطاها
وادّرع عليها جلباب ليل وتجاوز بها جوف تنوفة الى الممدوح.
وهذا الطريق
المهيع والمحجة اللهجم ، وربما اتفق لأحدهم معنى لطيف تخلص به الى غرضه ولم يتعمده
إلا أنّ طبعه السليم ساقه اليه وصراطه المستقيم أضاء له مناره وأوقد له باليفاع
ناره في الشعر» .
ومنهم من يسمي
هذا الفن خروجا وتوسلا قال ابن رشيق : «وأولى الشعر بأن يسمى تخلصا ما تخلص
فيه الشاعر من معنى الى معنى ثم عاد الى الأول وأخذ في غيره ثم رجع الى ما كان فيه»
كقول النابغة الذبياني آخر قصيدة اعتذر بها الى النعمان بن المنذر :
وكفكفت مني
عبرة فرددتها
|
|
الى النحر
منها مستهلّ ودامع
|
على حين
عاتبت المشيب على الصّبا
|
|
وقلت : ألما
أصح والشيب وازع؟
|
ثم تخلص الى
الاعتذار فقال :
ولكنّ هما
دون ذلك شاغل
|
|
مكان الشغاف
تبتغيه الأصابع
|
وعيد أبي
قابوس من غير كنهه
|
|
أتاني ودوني
راكش فالضّواجع
|
ثم وصف حاله
عند ما سمع من ذلك فقال :
فبتّ كأني
ساورتني ضئيلة
|
|
من الرقش في
أنيابها السمّ ناقع
|
يسهّد في ليل
التمام سليمها
|
|
لحلي النساء
في يديه قعاقع
|
__________________
تناذرها
الراقون من سوء سمّها
|
|
تطلقه طورا
وطورا تراجع
|
فوصف الحية
والسليم الذي شبّه به نفسه ما شاء ، ثم تخلص الى الاعتذار الذي كان فيه فقال :
أتاني ـ أبيت
اللعن ـ أنّك لمتني
|
|
وتلك التي
تستكّ منها المسامع
|
وسماه ابن منقذ
«التخليص والخروج» وقال : «ويستحب أن يكون الخروج والتشبيب في بيت واحد وهو شيء
ابتدعه المحدثون دون المتقدمين» . وسماه ابن الزملكاني «التخليص» ، وسماه التنوخي. المخلص» .
وقال ابن
الاثير : «فأما التخلص فهو أن يأخذ المؤلف في معنى من المعاني فبينا هو فيه إذ أخذ
معنى آخر وجعل الأول سببا اليه فيكون بعضه آخذا برقاب بعض من غير أن يقطع المؤلف
كلامه ويستأنف كلاما آخر ، بل يكون جميع كلامه كأنما أفرغ إفراغا ، وذلك مما يدلّ
على حذق الشاعر وقوة تصرفه وطول باعه واتساع قدرته» .
وقال ابن
الاثير الحلبي عن التخلص : «هو امتزاج ما يقدم الشاعر على المدح من نسيب أو غزل أو
فخر أو وصف أو غير ذلك بأول بيت من قصيدة أو بأول كلام من النثر ثم يخرج منه الى
المدح» . ونقل ابن قيم الجوزية كلام ابن الاثير وقال «الانتقال
من فن الى فن ويسمى التخلص» وفرّق بينه وبين «الاقتضاب» فقال : «فالفرق بينه وبين
الاقتضاب أنّ التخلص لا يكون إلّا لعلاقة بينه وبين ما تخلص منه ، وأما الاقتضاب
فليس شرطه أن يكون بينه وبين ما قبله علاقة بل يكون كلاما مستأنفا منقطعا عن الأول».
ووضعه القزويني
وشراح تلخيصه ملحقا بالبلاغة وقال : «التخلص ونعني به الانتقال مما شبب الكلام به
من تشبيب أو غيره الى المقصود كيف يكون؟ فاذا كان حسنا متلائم الطرفين حرّك من
نشاط السامع وأعان على اصغائه الى ما بعده ، وإن كان بخلاف ذلك كان الأمر بالعكس» .
وسماه ثعلب «حسن
الخروج» ، وتبعه في ذلك تلميذه ابن المعتز فقال وهو يتحدث عن
محاسن الكلام : «ومنها حسن الخروج من معنى الى معنى» . وسماه التبريزي «براعة التخلص» ، وقال البغدادي : «وأما براعة التخلص فان من حكم
التشبيب أن يكون ممتزجا بما بعده من مدح أو هجاء وغيرهما وغير منفصل منه ، فان
القصيدة مثلها كمثل الانسان في اتصال بعض أعضائه ببعض ، فمتى انفصل واحد عن الآخر
بطل الجسم. وحذاق الشعر لا يفصلون بينهما بل يصلون الأول بالآخر حتى تراه كالرسالة
والخطبة لا ينقطع جزء من جزء» .
وقال المصري : «براعة
التخلص هو امتزاج آخر ما يقدمه الشاعر على المدح من نسيب أو فخر أو وصف أو أدب أو
زهد أو مجون أو غير ذلك بأول بيت من المدح. وقد يقع ذلك في بيتين متجاورين وقد يقع
في بيت واحد. وهذه وإن لم تكن طريقة المتقدمين في غالب أشعارهم فان المتأخرين قد
لهجوا بها وأكثروا منها ، وهي لعمري من المحاسن» .
وقال الحلبي
والنويري : «براعة التخليص ، هو أن
__________________
يكون التشبيب أو النسيب ممزوجا بما بعده من مدح وغيره غير منفصل عنه» . وذكرا قول مسلم بن الوليد :
أجدك هل
تدرين أن ربّ ليلة
|
|
كأنّ دجاها
من قرونك تنشر
|
نصبت لها حتى
تجلت بغرة
|
|
كغرّة يحيى
حين يذكر جعفر
|
وقول المتنبي :
نودعهم
والبين فينا كأنه
|
|
قنا ابن أبي
الهيجاء في قلب فيلق
|
وهذا الاستشهاد
كأنه يشير الى ما ذكره المصري من أنّ هذا الفن يقع في بيتين متجاورين أو يقع في
بيت واحد.
ولا يخص براعة
التخلص أو التخلص أو حسن التخلص أو حسن الخروج النظم وانما يشمل النثر أيضا ، وقد ذهب بعض المتكلمين
الى أنها أحد وجوه الاعجاز. وهو دقيق يكاد يخفى في غير الشعر إلا على الحذاق من
ذوي النقد ، وهو مبثوث في الكتاب العزيز» . ومن براعة التخلص في الكتاب العزيز قوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ
الْقَصَصِ) ، فانه ـ سبحانه وتعالى ـ أشار بقوله : (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) الى قصة يوسف ـ عليهالسلام ـ فوطّأ بهذه الجملة الى ذكر القصة مشيرا اليها بهذه
النكتة من باب الوحي والرمز ، وإنّما كانت أحسن القصص بكون كل قضية منها كانت
عاقبتها الى خير ، فانّ أولها رميه في الجب فكانت عاقبته السلامة ، وبيع ليكون
عبدا فاتخذ ولدا ، ومراودة امرأة العزيز له فعصمه الله ، ودخوله السجن وخروجه ملكا
وظفر أخوته به أولا وظفر بهم آخرا ، وتطلعه الى أخيه بنيامين واجتماعه به وعمى
أبيه وردّ بصره وفراقه له ولأخيه واجتماعه بهما ، وسجود أبويه وأخوته له تحقيقا
لرؤياه من قبل .
ومنه قوله
تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ
نَبَأَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ قالُوا
نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ
تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا
كَذلِكَ يَفْعَلُونَ قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ
وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ
وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ). ثم قال : (رَبِّ هَبْ لِي
حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) ثم أردفه بقوله :(وَأُزْلِفَتِ
الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ. وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ). ثم قال : (فَكُبْكِبُوا فِيها
هُمْ وَالْغاوُونَ. وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) الى قوله : (فَلَوْ أَنَّ لَنا
كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). قال ابن الأثير : «هذا كلام يسكر العقول ويسحر الألباب»
وكان هذا الاستشهاد وشرحه ردا على من ذهب الى أنّ كتاب الله خال من التخلص
كأبي العلاء محمد بن غانم المعروف بالغانمي ، وقد قال ابن الاثير عن قوله : «وهذا
القول فاسد» . وذكر السيوطي مثل ذلك وردّ قول الغانمي أيضا .
فبراعة التخلص
من الفنون التي تشمل الشعر كما تشمل النثر ، وهو من محاسن الكلام ، وأحد دعائم
__________________
الارتباط بين أجزاء القصيدة او الخطبة والرسالة أو غير ذلك من الفنون.
براعة الطّلب :
قال الحلبي
والنويري : «هو أن تكون ألفاظ الطلب مقترنة بتعظيم الممدوح» كقول أمية بن أبي الصّلت :
أأذكر حاجتي
أم قد كفاني
|
|
حياؤك إنّ
شيمتك الحياء
|
إذا أثنى
عليك المرء يوما
|
|
كفاه من
تعرضه النشاء
|
وكقول المتنبي
:
وفي النفس
حاجات وفيك فطانة
|
|
سكوتي بيان
عندها وخطاب
|
وسماه ابن قيم
الجوزية «براعة الطلب وحسن التوسل» وقال : «وهو أن تكون ألفاظ الطلب مهذبة مقترنة
بتعظيم الممدوح» .
وقال الحموي : «وهذا
النوع من مستخرجات الشيخ عز الدين الزنجاني في كتاب المعيار ، وهو أن يلوح الطالب
بالطلب بألفاظ عذبة مهذبة منقحة مقترنة بتعظيم الممدوح خالية من الالحاف والتصريح
بل يشعر بما في النفس دون كشفه» . وفرّق بينه وبين الادماج فقال : «إنّ الادماج أن يقدر
معنى من المعاني ثم يدمج غرضه ضمنه ويوهم أنّه لم يقصده ، وهذا مقصور على الطلب
فقط» .
وذكر السيوطي
مثل ذلك ونظمه بقوله :
وزاد في
التبيان حسن الطّلب
|
|
بعد وسيلة
أتى بالطلب
|
وقال : «هذا
البيت من زيادتي» ثم ذكر ما ذكره السابقون من تعريف وأمثلة.
وذكر المدني ذلك أيضا ، وقال إنّ منه قوله تعالى حكاية عن إبراهيم ـ
عليهالسلام ـ : (أَفَرَأَيْتُمْ ما
كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي
إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ
يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي
ثُمَّ يُحْيِينِ. وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ
الدِّينِ).
براعة القطع :
سماه شبيب بن
شبية «جودة القطع» ، وسماه الحلبي «براعة القطع» ، وسماه النويري «براعة المقطع» وهو «الانتهاء» وقد تقدم.
براعة المطلع :
وهو الابتداء
أو حسن الابتداء ، قال المدني : «قال أهل البيان من البلاغة حسن الابتداء ويسمى «براعة
المطلع» وهو أن يتأنق المتكلم أول كلامه ويأتي بأعذب الألفاظ وأجزلها وأرقها
وأسلسها وأحسنها نظما وسبكا وأصحها مبنى وأوضحها معنى وأخلاها من الحشو والركة
والتعقيد والتقديم والتأخير الملبس والذي لا يناسب» .
براعة المقطع :
هو جودة القطع
وبراعة القطع والانتهاء وقد تقدم ،
__________________
وسماه بهذه التسمية النويري والتفتازاني والاسفراييني ، وسماه التيفاشي «حسن المقطع» .
البسط :
البسط نقيض
القبض ، بسطه يبسطه بسطا فانبسط ، وبسط الشيء : نشره .
والبسط في
البلاغة نقيض الايجاز ، وهو غير الاطناب ، وقد عدّه المصري من مبتدعاته وقال عنه :
«هو أن يأتي المتكلم الى المعنى الواحد الذي يمكنه الدلالة عليه باللفظ القليل
فيدل عليه باللفظ الكثير ، ليضمن اللفظ معاني أخر يزيد بها الكلام حسنا ، لو لا
بسط ذلك بكثرة الالفاظ لم تحصل تلك الزيادة» ومن ذلك قول امرىء القيس :
نظرت اليك
بعين جازئة
|
|
حوراء حانية
على طفل
|
فانّ حاصله
تشبيه عين هذه الموصوفة بعين الظبية فبسط الكلام ليزيده البسط معنى لولاه لم يوجد
فيه فانّ لنظر الظبية الى خشفها عاطفة عليه بحنو واشفاق من الحسن ما ليس لمطلق
نظرها ، أو لمنظرها في غير هذه الحالة.
ومنه قول
البحتري :
أخجلتني بندى
يديك فسوّدت
|
|
ما بيننا تلك
اليد البيضاء
|
صلة غدت في
الناس وهي قطيعة
|
|
عجبا وبر راح
وهو جفاء
|
فان حاصل
البيتين أنك قطعتني عنك خجلا من كثرة عطائك فبسط هذا الكلام لتحصيل زيادات من
البديع لو لا البسط ما حصلت كالطباق في البيت الأول بذكر السواد والبياض ،
والمقابلة في البيت الثاني بذكر الصلة والقطيعة والغدو والرواح والبر والجفاء.
وفرّق المصري
بينه وبين الاستقصاء بقوله : «إنّ الاستقصاء هو حصر كل ما يتفرع من المعنى ويتولد
عنه ، ويكون من سببه ولوازمه بحيث لا يترك فيه موضعا قد أخلقه بجدة الأخذ له
فيستدركه ليستحقه بذكره. والبسط نقل المعنى من الايجاز الى الاطناب بسبب بسط
العبارة عنه وإن لم يستقص كلّ ما يكون من لوازمه» .
وقال السبكي : «وفسروه
بما هو في معنى الاطناب» ولم يمثّل له.
وقال الحموي : «والبسط
بخلاف الايجاز لكونه عبارة عن بسط الكلام لكن شروطه زيادة الفائدة» .
وقال المدني : «البسط
هو الاطناب وهو خلاف الايجاز ، ومنهم من خصّه بالاطناب بتكثير الجمل فقسّم الاطناب
الى قسمين : بسط وزيادة ، فالأول الاطناب بالجمل والثاني الاطناب بغيرها.
والبديعيون لا يعرفون ذلك» .
البلاغة :
البلاغة
الانتهاء والوصول ، يقال : بلغ الشيء يبلغ بلوغا وبلاغا : وصل وانتهى ، وتبلغ
بالشيء وصل الى مراده ، والبلاغ : ما يتبلغ به ويتوصل الى الشيء المطلوب. والبلاغة
: الفصاحة ، ورجل بليغ : حسن الكلام فصيحه يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه. وقد
__________________
بلغ بلاغة : صار بليغا .
ولعل أول ما
تردد من معنى البلاغة في سؤال معاوية بن أبي سفيان لصحار ابن عياش ، فقد قال له : «ما
هذه البلاغة التي فيكم؟» قال : «شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا». وقال له
معاوية : «ما تعدّون البلاغة فيكم؟» قال : «الايجاز». قال له معاوية : «وما
الايجاز؟» قال : «أن تجيب فلا تبطيء وتقول فلا تخطىء» .
وفي كتاب «البيان
والتبيين» للجاحظ تعريفات كثيرة للبلاغة عند العرب وغيرهم وفسرها عمرو بن عبيد في أول الأمر تفسيرا دينيا ثم قال
: «فكأنك تريد تخير اللفظ في حسن الافهام : وقال : «إنّك اذا أوتيت تقرير حجة الله
في عقول المكلفين وتخفيف المؤونة على المستمعين وتزيين تلك المعاني في قلوب
المريدين بالالفاظ المستحسنة في الآذان ، المقبولة عند الاذهان رغبة في سرعة
استجابتهم ونفي الشواغل عن قلوبهم بالموعظة الحسنة على الكتاب والسّنّة كنت قد
أوتيت فصل الخطاب واستحققت على الله جزيل الثواب» .
وقال الاصمعي عن
البليغ إنّه «من طبق المفصل وأغناك عن المفسر» .
وقال العتابي
إنّ «كل من أفهمك حاجته من غير إعادة ولا حبسة ولا استعانة فهو بليغ ، فإن أردت
اللسان الذي يروق الألسنة ويفوق كل خطيب فاظهار ما غمض من الحق وتصوير الباطل في
صورة الحق» .
واكتفى الجاحظ
بذكر قول بعضهم وهو من أحسن ما اجتباه ودوّنه : «لا يكون الكلام يستحق اسم البلاغة
حتى يسابق معناه لفظة ولفظه معناه فلا يكون لفظه الى سمعك أسبق من معناه الى قلبك»
.
وقال المبرد : «إنّ
حق البلاغة إحاطة القول بالمعنى واختيار الكلام وحسن النظم حتى تكون الكلمة مقارنة
أختها ومعاضدة شكلها وأن يقرب بها البعيد ويحذف منها الفضول» .
وقال العسكري :
«البلاغة من قولهم : بلغت الغاية إذا انتهيت اليها وبلغتها غيري ومبلغ الشيء
منتهاه.
والمبالغة في
الشيء الانتهاء الى غايته فسميت البلاغة بلاغة لأنّها تنهي المعنى الى قلب السامع فيفهمه
وسميت البلغة بلغة لانك تتبلغ بها فتنتهي بك الى ما فوقها وهي البلاغ أيضا» . وأبدى رأيه في تعريفها وحدّها بقوله : «البلاغة كل ما
تبلغ به قلب السامع فتمكنه في نفسه كتمكنه في نفسك ، مع صورة مقبولة ومعرض حسن» . والبلاغة عنده من صفة الكلام لا من صفة المتكلم ولذلك
لا يجوز أن يسمى الله ـ سبحانه ـ بليغا إذ لا يصح أن يوصف بصفة موضوعها الكلام.
ولم يعرّف
الخفاجي البلاغة تعريفا دقيقا واكتفى بالاشارة الى اضطراب القوم في حدّها ، وفرّق
بينها وبين الفصاحة فقال : «والفرق بين الفصاحة والبلاغة أنّ الفصاحة مقصورة على
وصف الألفاظ والبلاغة لا تكون إلا وصفا للالفاظ مع المعاني. لا يقال في كلمة واحدة
لا تدل على معنى يفضل عن مثلها بليغة وإن قيل فيها فصيحة ، وكل كلام بليغ فصيح ،
وليس كل فصيح بليغا» .
ولم يعرّفها
عبد القاهر ، والفصاحة والبلاغة والبراعة
__________________
والبيان عنده بمعنى واحد لأنّه يعبر بها عن «فضل بعض القائلين على بعض من
حيث نطقوا وتكلموا وأخبروا السامعين عن الأغراض والمقاصد ، وراموا أن يعلموهم ما
في نفوسهم ويكشفوا لهم عن ضمائر قلوبهم» .
ولم تأخذ
البلاغة دلالتها المعروفة عند الرازي وهي عنده. «بلوغ الرجل بعبارته كنه ما في
قلبه مع الاحتراز المخل والاطالة المملة» .
وقال ابن
الاثير إنّ الكلام يسمّى بليغا لأنّه بلغ الأوصاف اللفظية والمعنوية ، والبلاغة
شاملة للالفاظ والمعاني وهي أخص من الفصاحة كالانسان من الحيوان فكل إنسان حيوان
وليس كل حيوان إنسانا ، وكذلك يقال : «كل كلام بليغ فصيح ، وليس كل فصيح بليغا»
وفرّق بينها وبين الفصاحة من وجه آخر غير الخاص والعام ، وهي أنّها لا تكون إلا في
اللفظ والمعنى بشرط التركيب ، فان اللفظة المفردة لا تنعت بالبلاغة وتنعت بالفصاحة
إذ يوجد فيها الوصف المختص بالفصاحة وهو الحسن وأما وصف البلاغة فلا يوجد فيها
لخلوها من المعنى المفيد الذي ينتظم كلاما» .
وحينما قسّم
السكاكي البلاغة ووضع معالمها في كتابه «مفتاح العلوم» عرّفها تعريفا دقيقا فقال :
«هي بلوغ المتكلم في تأدية المعاني حدّا له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها
وايراد التشبيه والمجاز والكناية على وجهها» .
وبهذا التعريف
أدخل مباحث علم المعاني وعلم البيان وأخرج مباحث البديع لأنّه وجوه يؤتي بها
لتحسين الكلام وهي ليست من مرجعي البلاغة.
وللبلاغة طرفان
: أعلى وأسفل متباينان تباينا لا يتراءى لأحد ناراهما ، وبينهما مراتب متفاوتة
تكاد تفوت الحصر ، فمن الأسفل تبتديء البلاغة وهو القدر الذي إذا نقص منه شيء
التحق ذلك الكلام بأصوات الحيوانات ثم تأخذ في التزايد متصاعدة الى أن تبلغ حد
الاعجاز ، وهو الطرف الأعلى وما يقرب منه.
وكان القزويني
آخر من وقف عند البلاغة من المتأخرين وميّز بين بلاغة الكلام وبلاغة المتكلم فقال
عن الأولى : «وأما بلاغة الكلام فهي مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته» ومقتضى الحال مختلف ومقامات الكلام متفاوتة فمقام
التنكير يباين مقام التعريف ، ومقام الاطلاق يباين مقام التقييد ، ومقام التقديم
يباين مقام التأخير ، ومقام الذكر يباين مقام الحذف ، ومقام القصر يباين مقام
خلافه ، ومقام الفصل يباين مقام الوصل ، ومقام الايجاز يباين مقام الاطناب
والمساواة ، وكذا خطاب الذكي يباين خطاب الغبي ، وكذا لكل كلمة مع صاحبتها مقام ،
وتطبيق الكلام على مقتضى الحال هو الذي يسميه عبد القاهر النظم. وقال عن الثانية :
«وأمّا بلاغة المتكلم فهي ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ» .
وقال إنّ كل
بليغ ـ كلاما كان أم متكلما ـ فصيح ، وليس كل فصيح بليغا ، وإنّ البلاغة في الكلام
مرجعها الى الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد ، والى تمييز الكلام الفصيح
من غيره.
وقسّم البلاغة
الى ثلاثة أقسام فكان ما يحترز به عن الخطأ علم المعاني ، وما يحترز به عن التعقيد
المعنوي علم البيان ، وما يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه على مقتضى
الحال وفصاحته علم البديع. فالبلاغة عنده ثلاثة أقسام : علم المعاني ، وعلم البيان
، وعلم البديع.
ولم يخرج
المتأخرون عن هذا التعريف
__________________
والتقسيم واصبح مصطلح البلاغة يضم هذه العلوم الثلاثة.
البليغ :
قال الحصري : «هو
من يحوك الكلام على حسب المعاني ويخيط الألفاظ على قدود المعاني» . وهذا ما أصبح تعريفا للبلاغة حينما قالوا : «البلاغة
هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال».
ولا يكون
البليغ متصفا بالبلاغة إلا إذا كان صاحب ذوق رفيع وثقافة واسعة وذا حفظ عظيم
لتنطبع الصور في ذهنه ويحذو حذوها في أول الأمر ثم ينطلق بعيدا عنها.
البيان :
البيان ما يبين
به الشيء من الدلالة وغيرها. وبان الشيء : اتضح فهو بيّن ، واستبان الشيء : ظهر.
والبيان الفصاحة واللسن ، كلام بيّن : فصيح. والبيان الافصاح مع ذكاء والبيّن من
الرجال : الفصيح والسمح اللسان.
وفلان أبين من
فلان أي أفصح منه وأوضح كلاما ، والبيان : إظهار المقصود بأبلغ لفظ وهو من حسن الفهم
وذكاء القلب مع اللسن ، وأصله الكشف والظهور .
وفي القرآن
الكريم اشارات كثيرة الى البيان منها قوله تعالى : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ
وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) ، وقوله : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ
الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ). وفي الحديث الشريف قوله ـ عليهالسلام : «إنّ من البيان لسحرا» .
وظلت كلمة «البيان»
تحمل هذه المعاني العامة حتى اذا ما دخلت في الدراسات البلاغية أصبح لها مدلول غير
الوضوح. وأول ما تصادفنا هذه الكلمة بمعناها القريب من الاصطلاح عند الجاحظ حيث
سمّى احد كتبه «البيان والتبيين» وجمع فيه كثيرا من الأقوال وتحدث عن البيان ،
ولعل تعريف جعفر بن يحيى الذي ذكره الجاحظ كان من أقدم ما دوّن قال : «قال ثمامة :
قلت لجعفر بن يحيى : ما البيان؟
قال : أن يكون
الاسم يحيط بمعناك ويجلي عن مغزاك وتخرجه عن الشركة ولا تستعين عليه بالفكرة.
والذي لا بدّ منه أن يكون سليما من التكلف بعيدا من الصنعة ، بريئا من التعقيد ،
غنيا من التأويل. وهذا هو تأويل قول الاصمعي : «البليغ من طبّق المفصل وأغناك عن
المفسر» .
والبيان عند
الجاحظ واسع المعنى وهو الكشف والايضاح والفهم والافهام ، قال : «البيان اسم جامع
لكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجاب دون الضمير حتى يفضي السامع الى حقيقته
ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان ومن أي جنس كان ذلك الدليل ، لأنّ مدار
الأمر والغاية التي اليها يجري القائل والسامع إنّما هو الفهم والافهام فبأي شيء
بلغت الافهام وأوضحت عن المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع» . والدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ خمسة : اللفظ ،
والاشارة ، والعقد ، والخط والنّصبة.
وتابعه ابن ذهب
وقال إنّ الدلالات أربعة أوجه : بيان الأشياء بذواتها ، وبيان الاعتقاد ، وبيان
العبارة ، وبيان الكتاب.
والبيان عند
الرماني الاحضار لما يظهر به تميز الشيء من غيره من الادراك ، وأقسامه أربعة :
__________________
كلام ، وحال ، واشارة ، وعلامة. وهذا قريب مما ذهب الجاحظ وابن وهب.
ونقل ابن رشيق
كلام الرماني ثم قال : «البيان : الكشف عن المعنى حتى تدركه النفس من غير عقلة ،
وإنّما قيل ذلك لأنّه قد يأتي التعقيد في الكلام الذي يدلّ ولا يستحق اسم البيان» .
والغريب أنّه
لا يطلق البيان على البلاغة وإنّما هو عنده فن من فنونها كالمجاز والاستعارة
والتشبيه والاشارة والتجنيس ، ولعل هذا الفهم هو الذي ضيّق نطاق بحثه وحصره في
الفصل الذي عقده وذكر فيه بعض الأقوال البليغة.
ولم يحدّد ابن
سنان البيان ولم يشر اليه ، وسمّى البلاغة فصاحة بمعناها الواسع ، وعدّ عبد القاهر
الفصاحة والبلاغة والبراعة والبيان شيئا واحدا وهو التعبير عن فضل القائلين على
بعض من حيث نطقوا وتكلموا وأخبروا السامعين عن الأغراض والمقاصد وراموا أن يعلموهم
ما في نفوسهم ويكشفوا لهم عن ضمائر قلوبهم .
وأخذ البيان
عند ابن الاثير معنى واسعا ، وهو لتأليف النظم والنثر بمنزلة أصول الفقه للاحكام
وأدلة الاحكام. ولكن هذه النظرة الواسعة بدأت تضيق حينما ألف السكاكي كتابه «مفتاح
العلوم» وقسّم البلاغة الى المعاني والبيان وما يلحق بهما من محسنات معنوية
ولفظية. وقد قال في تعريف البيان : «أمّا علم البيان فهو معرفة إيراد المعنى
الواحد في طرق مختلفة بالزيادة في وضوح الدلالة عليه وبالنقصان ليحترز بالوقوف على
ذلك عن الخطأ في مطابقة الكلام لتمام المراد منه» . وأدخل الدلالات في تقسيم موضوعاته التي انحصرت في
التشبيه والمجاز بأنواعه والكناية.
ولما جاء
القزويني وجد الطريق معبدا ووجد فنون البيان قد انحصرت واستقرت فسار على هدى
السكاكي وعرّف البيان بقوله : «هو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في
وضوح الدلالة عليه» . وقسمه كتقسيم السكاكي ، لأنّ اللفظ المراد به لازم ما
وضع له إن قامت قرينة على عدم إرادة ما وضع له فهو مجاز وإلا فهو كناية. ثم المجاز
منه الاستعارة وهي ما تبتنى على التشبيه فيتعين التعرض له ، فانحصر المقصود في
التشبيه والمجاز والكناية. وقدّم التشبيه على المجاز لابتناء الاستعارة عليه ،
وقدّم المجاز على الكناية لنزول معناه من معناها منزلة الجزء من الكل. ولعل هذا
سرّ إدخال الكناية في البيان لأنّها تحتاج الى قرينة تدل على المعنى المراد منها
كما أنّ المجاز يحتاج الى هذه القرينة غير أنّ قرينة المجاز تمنع من إرادة المعنى
الأصلي وقرينتها لا تمنع من إرادة المعنى الحقيقي.
وأخذ البيان
عند الساكي والقزويني طابعا علميا ، وأصبح يدل على التشبيه والمجاز والكناية بعد
أن كان يشمل فنون البلاغة كلها عند المتقدمين.
ولم يخرج
المتأخرون على هذا التحديد الذي انتهى اليه السكاكي وأقره
القزويني ، ولا يزال علم البيان يشمل الموضوعات الثلاثة : التشبيه والمجاز بأنواعه
كالمجاز العقلي والمجاز المرسل والاستعارة ، ثم الكناية والتعريض.
__________________
التاء
التّأسيس :
الأس والأسس
والأساس : كل مبتدأ شيء ، والأس والأساس : أصل البناء ، وقد أسّ البناء يؤسه أسا
وأسسه تأسيسا .
والتأسيس في
الشعر هو ألف بينها وبين حرف الروي حرف متحرك نحو قول النابغة :
كليني لهمّ
يا أميمة ناصب
|
|
وليل أقاسيه
بطيء الكواكب
|
وإذا أسس بيت
ولم يؤسس آخر فهو سناد .
والتأسيس عند
البلاغيين هو أن يبتدىء الشاعر ببيت غيره ويبني عليه ، وهو مشتق من أسّ البناء ،
فان هذا قد جعل الشاعر يكون قد جعل بيت غيره أساسا بنى عليه شعره. وقد ذكره المصري
في أثناء كلامه على الاستعانة .
وابتدع السيوطي
فنا سماه «التأسيس والتفريع» وقال : «هذا نوع لطيف اخترعته لكثرة استعماله في
الكلام النبوي ، ولم أر في الأنواع المتقدمة ما يناسبه فسميته بالتأسيس والتفريع
وذلك أن يمهد قاعدة كلية لما يقصده ثم يرتب عليها المقصود كقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لكل دين خلق ، وخلق هذا الدين الحياء» و «لكل أمة
أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح» و «لكل أمة فتنة ، وفتنة أمتي المال» و
«لكل شيء زكاة ، وزكاة الجسد الصيام». وذكر أمثلة كثيرة من هذا النوع ثم قال : «وفي
الأحاديث من ذلك شيء كثير وإنّما أطلت هنا بهذه الأمثلة تقريرا للنوع الذي اخترعته»
. وهذا المعنى للتأسيس غير ما قصد اليه المصري فالتأسيس عنده الاستعانة
ولذلك ذكره في باب الاستعانة في حين أنّ السيوطي يريد به تفسير ما أسسه ، أو ذكره
، أو ايضاحه ، وذلك واضح في كلمات الرسول محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فلكل دين خلق ، ولكن ما خلقه؟ الجواب أو الايضاح
والتفسير : «خلق هذا الدين الحياء». ومثل ذلك يقال في العبارات الأخرى.
التّأكيد :
أكّد العهد
والعقد لغة في وكّده ، والتأكيد لغة في التوكيد ، وقد أكّدت الشيء ووكّدته .
قال العلوي : «التأكيد
تمكين الشيء في النفس وتقوية أمره. وفائدته إزالة الشكوك وإماطة الشبهات عما أنت
بصدده» . وله مجريان :
الأول : عام
وهو يتعلق بالمعاني الإعرابية ، ولا يتعلق هذا النوع بمقاصد البلاغة.
الثاني : خاص
يتعلق بعلوم البيان ويقال له التكرير أيضا. وهو قسمان :
١ ـ ما يكون
تأكيدا في اللفظ والمعنى كقوله
__________________
تعالى : (فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ*). فهذا تكرير من جهة اللفظ والمعنى ، ووجه ذلك أنّ الله
ـ تعالى ـ إنما أوردها في خطاب الثقلين الجن والانس فكل نعمة يذكرها أو ما يؤول
الى النعمة فإنه يردفها بقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ*) تقريرا للآلاء وإعظاما لحالها.
ومن طلك قوله
تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا
الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ
عَذابِي وَنُذُرِ). وإنما كرره لما يحصل فيه من إيقاظ النفوس بذكر قصص
الأولين والاتعاظ بما أصابهم من المثلات وحل بهم من أنواع العقوبات فيكون بمنزلة قرع العصا لئلا
تستولي عليهم الغفلة ويغلب عليهم الذهول والنسيان.
ومن ذلك قول
المتنبي :
العارض الهتن
بن العارض الهتن ب
|
|
ن العارض
الهتن بن العارض الهتن
|
قال العلوي : «فهذا
من بابا التكرير ثم من الناس من صوّبه في تكريره هذا ومنهم من قال انه قد أساء
فيما أورده من ذلك. والأقرب أنّه مجيد في مطلق التكرير ، كما حكيناه فيما أوردناه
من آي التنزيل ، فانّ ما أورده من هذا التكرير دالّ على إغراق الممدوح في الكرم
لكن إنّما عرض فيه ما عرض لمن أنكره وزعم أنّه غير محمود فيما جاء به من جهة أنّ
لفظة «العارض» ولفظة «الهتن» ليستا واردتين على جهة البلاغة فيهما لقلة الاستعمال
لهما ، فمن أجل هذا كان ما قاله ليس بالغا في البلاغة مبلغا عظيما لا من جهة
التكرير ، فانّه محمود لا محالة» .
ومن ذلك ما
قاله «أبو نواس» :
قمنا بها
يوما ويوما وثالثا
|
|
ويوما ويوم
للترحل خامس
|
والمراد من هذا
أنّه أقام بها أربعة أيام ، وهذا تكرير ليس وراءه كبير فائدة.
٢ ـ ما يكون في
المعنى دون اللفظ وهذا القسم يستعمل كثيرا في القرآن الكريم وغيره وهو ضربان :
الأول : المفيد
، كقوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا
الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ) فقوله : (وَالْجِبالِ) وارد على جهة التأكيد المعنوي وفائدته تعظيم شأن هذه
الأمانة المشار اليها وتفخيم حالها.
ومن ذلك قول
المقنع الكندي :
وإنّ الذي
بيني وبين بني أبي
|
|
وبين بني عمي
لمختلف جدّا
|
إذا أكلوا
لحمي وفرت لحومهم
|
|
وإن هدموا
مجدي بنيت لهم مجدا
|
وإن ضيّعوا
غيبي حفظت غيوبهم
|
|
وإن هم هووا
عني هويت لهم رشدا
|
قال العلوي : «فانظر
الى هذه الأبيات ما أجمعها لفنون الانصاف وأبلغها في مراعاة جانب الحق والاعتراف ،
فهذه الالفاظ وإن كانت متغايرة لكنها متطابقة في المقصود دالة عليه» .
الثاني : غير
المفيد ، وهو أن ترد لفظتان مختلفتان تدلان على معنى واحد كقول أبي تمام :
قسم الزمان
ربوعنا بين الصّبا
|
|
وقبولها
ودبورها أثلاثا
|
فالصّبا
والقبول لفظتان تدلان على معنى واحد وهما اسمان للريح التي تهب من ناحية المشرق.
__________________
ومنه قول الآخر
:
قالت أمامة
لا تجزع فقلت لها
|
|
إنّ العزاء
وإنّ الصّبر قد غلبا
|
فالعزاء هو
الصبر.
ووقع نزاع بين
علماء البيان فمنهم من ردّه ومنهم من قبله ، وللعلوي رأي في ذلك لخصه بقوله : «أما
الناثر فلا يغتفر له مثل هذا وهو أن يأتي بكلمتين دالتين على معنى واحد من غير
فائدة وليس هناك ضرورة تلجئه الى ذلك فلهذا كان معدودا في النثر من العي المردود
فلا نقبله. وأما الناظم فانه إن أتى بهما في صدر البيت فلا عذر له في ذلك لأنّه
مخالف للبلاغة والبراعة في الفصاحة ويدلّ على ضيق العطن في الطلاقة والذلاقة ، وإن
كان في عجز الأبيات فما هذا حاله يغتفر له من أجل الضرورة الشعرية» .
وقال الزركشي
عن التأكيد : «القصد منه الحمل على ما لم يقع ليصير واقعا ، ولهذا لا يجوز تأكيد
الماضي ولا الحاضر لئلا يلزم تحصيل الحاصل وإنّما يؤكّد المستقبل» . وقسّمه قسمين :
الأول : صناعي
يتعلق باصطلاح النحاة ، وهو النوع العام عند العلوي.
الثاني : معنوي
وهو ما يهم البلاغيين ، وهذا ما سماه العلوي الخاص المتعلق بالبيان. وأشار الزركشي
الى مسائل تخص التأكيد منها وقوعه في القرآن والسنة وأنّه خلاف الأصل وأنّه حيث
وقع حقيقة وإن زعم قوم أنّه مجاز ؛ لأنّه لا يفيد إلا ما أفاده المذكور الأول.
قال : «حكاه
الطّرطوشي في العمدة ثم قال : ومن سمّى التأكيد مجازا فيقال له : إذا كان التأكيد
بلفظ الأول نحو «عجّل عجّل» ونحوه ، فإن جاز أن يكون الثاني مجازا جاز في الأول
لأنّهما في لفظ واحد ، واذا بطل حمل الأول على المجاز بطل حمل الثاني عليه ؛ لأنّه
قبل الأول» . ونقل هذا الكلام السيوطي فقال وهو يتحدث عن أنواع
مختلف في عدها من المجاز : «الثاني : التأكيد ، زعم قوم أنّه مجاز لأنّه لا يفيد
إلا ما أفاده الأول ، والصحيح أنّه حقيقة. قال الطّرطوشي في العمدة : ومن سماه
مجازا قلنا له إذا كان التأكيد بلفظ الاول نحو «عجل عجل» ونحوه فان جاز أن يكون
الثاني مجازا جاز في الأول لأنّهما في لفظ واحد واذا بطل حمل الأول على المجاز بطل
حمل الثاني عليه لأنّه مثل الأول» .
تأكيد الذّمّ
بما يشبه المدح :
تحدث ابن
المعتز عن محاسن الكلام في تأكيد المدح بما يشبه الذم ولم يشر الى تأكيد الذم بما
يشبه المدح ، وهو أن توحي العبارة الثانية بالمدح وما هي منه. وهو ضربان :
الأول : أن
يستثنى من صفة مدح منفية عن الشيء صفة ذم بتقدير دخولها فيها ، مثل : «فلان لا خير
فيه إلا أنّه يسيء الى من يحسن اليه». ويرى السبكي أنّ هذا المثال غير دقيق ،
والأحسن أن يقال : «فلان لا خير فيه إلا أنّه يتصدق مما يسرقه» .
الثاني : أن
يثبت للشيء صفة ذم ويعقب باداة استثناء تليها صفة ذم أخرى ، مثل : «فلان فاسق إلا
أنّه جاهل».
ويفيد هذا
الاسلوب التأكيد وذلك أنّه كدعوى الشيء ببينة .
__________________
تأكيد المدح
بما يشبه الذّمّ :
هذا الفن من
الأساليب القديمة في الشعر العربي ، ومن ذلك قول النابغة :
ولا عيب فيهم
غير أنّ سيوفهم
|
|
بهنّ فلول من
قراع الكتائب
|
وقد قال
الحاتمي عن هذا الفن الذي سماه «استثناء وتأكيدا للمدح بما يشبه الذم» : «وأحسب
أنّ أول من بدأ به النابغة فأحسن كل الاحسان في قوله : «ولا عيب ...» .
ومن المتقدمين
الذين ذكروه سيبويه الذي قال في باب «ما لا يكون إلا على معنى ولكن» تعليقا على
البيت : «أي : ولكن بهن فلول». وقال النابغة الجعدي :
فتى كملت
أخلاقه غير أنّه
|
|
جواد فلا
يبقي من المال باقيا
|
كأنه قال :
ولكنّه مع ذلك جواد. ومثل ذلك قول الفرزدق :
وما سجنوني
غير أنّي ابن غالب
|
|
وأنّي من
الأثرين غير الزعانف
|
كأنه قال :
ولكني ابن غالب ، ومثل ذلك في الشعر كثير» .
وسماه ابن
المعتز «تأكيد المدح بما يشبه الذم» وهو من محاسن الكلام ، ومثل له ببيتي
النابغتين .
وسماه العسكري «الاستثناء»
، وأطلق عليه ابن منقذ اسم «الرجوع والاستثناء» ، وهو ليس كذلك عند المصري الذي قال : «وقد خلط
المتأخرون باب الاستثناء بهذا الباب وكنت أرى أنّهما باب واحد الى أن نبهني عليه
عند قراءته من ألّفت له هذا الكتاب فرأيت إفراده منه» وسماه المدني «المدح في معرض الذم» وسماه آخرون «النفي
والجحود» .
وتناوله
البلاغيون بعد ذلك بالدراسة وأدخله السكاكي في التحسين المعنوي ، وتحدث عنه العلوي في التوجيه وقال : «هو أن يكون
الكلام له وجهان» وذكر أنه يرد في البلاغة على استعمالين :
الأول : أن
يؤكد المدح بما يكون مشبها للذم بأن تنفى عن الممدوح وصفا معينا ثم تعقبه
بالاستثناء فتوهم أنّك استثنيت ما يذم به فتأتي بما من شأنه أن يذم به وفيه
المبالغة في مدح الممدوح. ومنه قول النابغة الذبياني المتقدم ، وقول ابن الرومي :
وما تعتريها
آفة بشرية
|
|
من النوم
إلّا أنّها تتخير
|
كذلك أنفاس
الرياض بسحرة
|
|
تطيب وأنفاس
الأنام تغيّر
|
وقول الآخر :
ولا عيب فينا
غير أنّ سماحنا
|
|
أضرّ بنا
والناس من كلّ جانب
|
فأفنى الردى
أرواحنا غير ظالم
|
|
وأفنى الندى
أموالنا غير غاصب
|
أبونا أب لو
كان للناس كلّهم
|
|
أبا واحدا
أغناهم بالمناقب
|
الثاني : أن
يمدح شيء يقتضي المدح بشيء آخر كقول المتنبي :
نهبت من
الأعمار ما لو حويته
|
|
لهنّئت
الدنيا بأنّك خالد
|
فأول البيت دال
على المدح بالشجاعة وآخره دالّ
__________________
على علوّ الدرجة. وهذا ما سماه السكاكي والقزويني وشراح تلخيصه «الاستتباع»
.
وقال ابن مالك
عن تأكيد المدح بما يشبه الذم : «أن تنفي عن الممدوح وصفا معيبا ثم تعقبه
بالاستثناء فتوهم أنّه ستثبت له ما يذم به فتأتي بما من شأنه أن يذم به وفيه
المبالغة بالمدح» .
وقال ابن
الأثير الحلبي : «حقيقة هذا النوع أن يكون الانسان آخذا في مدح فيستثني في بعضه
فيعتقد السامع أنّ ما بعد الاستثناء يكون نوع ذم أو عيب في الممدوح استثنى منه
المادح في مدحه ، فاذا تكملة الاستثناء توجب تأكيدا للمدح الأول قطعا له» .
وقسّمه الآخرون
كالحلبي والنويري والقزويني وشراح التلخيص الى ثلاثة أضرب :
الأول : أن
يستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح بتقدير دخولها فيها ، وهو أفضلها عند
البلاغيين. ومنه قول النابغة الذبياني :
ولا عيب فيهم
غير أنّ سيوفهم
|
|
بهنّ فلول من
قراع الكتائب
|
أي : إن كان
فلول السيف من قراع الكتائب من قبيل العيب فأثبت شيئا من العيب على تقدير أنّ فلول
السيف منه وذلك محال ، فهو في المعنى تعليق بالمحال. والتأكيد فيه من وجهين :
أحدهما : أنّه
كدعوى الشيء ببينة.
وثانيهما : أنّ
الأصل في الاستثناء أن يكون متصلا فاذا نطق المتكلم بـ «إلا» أو نحوها توهّم
السامع قبل أن ينطق بما بعدها أنّ ما يأتي بعدها مخرج مما قبلها فيكون شيء من صفة
الذم ثابتا وهذا ذم. فاذا أتت بعدها صفة مدح تأكد المدح لكونه مدحا على مدح وإن
كان فيه نوع من الخلابة.
الثاني : أن
يثبت لشيء صفة مدح ويعقب بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى كقول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش».
ومنه قول
الجعدي :
فتى كملت
أخلاقه غير أنّه
|
|
جواد فما
يبقي من المال باقيا
|
الثالث : أن
يأتي الاستثناء فيه مفرغا كقوله تعالى :(وَما تَنْقِمُ مِنَّا
إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا).
أي : وما تعيب
منّا إلّا أصل المناقب والمفاخر كلها وهو الايمان بآيات الله. ونحوه قوله : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ
تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) فانّ الاستفهام فيه للانكار.
ويجري
الاستدراك مجرى الاستثناء كما في قول بديع الزمان الهمذاني :
هو البدر إلا
أنّه البحر زاخر
|
|
سوى أنّه
الضرغام لكنّه الوبل
|
وهذا الأسلوب
كثير في كلام العرب غير أنّه في غاية العزة في القرآن الكريم ، ومنه الآيتان
السابقتان.
قال المصري : «ولم
أجد منه إلا آية واحدة تحيّلت على تأويل تدخل به في هذا الباب ، وهي قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ
تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما
أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) فانّ
__________________
الاستثناء بعد الاستفهام الخارج مخرج التوبيخ على ما عابوا به المؤمنين من
الايمان يوهم بأن يأتي بعد الاستثناء ما يجب أن ينقم على فاعله مما يذم به فلما
أتى بعد الاستثناء ما يوجب مدح فاعله كان الكلام متضمّنا تأكيد المدح بما يشبه
الذم» .
وقال السيوطي :
«ونظيرها قوله : (وَما نَقَمُوا إِلَّا
أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ). وقوله : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا
مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) ، فانّ ظاهر الاستثناء أنّ ما بعده حق يقتضي الاخراج
فلما كان صفة مدح تقتضي الإكرام لا الاخراج كان تأكيدا للمدح بما يشبه الذم. وجعل
منه التنوخيّ في «الأقصى القريب» : (لا يَسْمَعُونَ فِيها
لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) استثنى (سَلاماً سَلاماً) الذي هو ضد اللغو والتأثيم فكان ذلك مؤكدا لانتفاء
اللغو والتأثيم» .
التّأليف :
هو الائتلاف
والتلفيق والتناسب والتوفيق ومراعاة النظير ، قال السبكي : «وكان الأحسن تسميته
التأليف لموافقة التوفيق» . وقال القزويني : «ومنه ـ أي المحسنات المعنوية ـ مراعاة
النظير وتسمى التناسب والائتلاف والتوفيق أيضا. وهي أن يجمع في الكلام بين أمر وما
يناسبه لا بالتضاد» . كقوله تعالى : (الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ).
ومنه قول أسيد
بن عنقاء :
كأنّ الثريا
علّقت في جبينه
|
|
وفي خدّه
الشّعرى وفي وجهه القمر
|
وقول البحتري
في صفة الابل الأنضاء :
كالقسيّ
المعطّفات بل الأس
|
|
هم مبرية بل
الأوتار
|
وقول ابن رشيق
:
أصحّ وأقوى
ما سمعناه في النّدى
|
|
من الخبر
المأثور منذ قديم
|
أحاديث
ترويها السيول عن الحيا
|
|
عن البحر عن
كفّ الأمير تميم
|
فانّه ناسب فيه
بين الصحة والقوة والسماع والخبر المأثور والأحاديث والرواية ، ثم بين السيل
والحيا والبحر وكف تميم مع ما في البيت الثاني من صحة الترتيب في العنعنة إذ جعل
الرواية لصاغر عن كابر كما يقع في سند الأحاديث فإنّ السيول أصلها المطر ، والمطر
أصله البحر ، ولهذا جعل كف الممدوح أصلا للبحر مبالغة.
ومن مراعاة
النظير ما يسميه بعضهم «تشابه الاطراف» وهو «أن يختم الكلام بما يناسب أوله في
المعنى» . كقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ، فان اللطيف يناسب ما لا يدرك بالبصر ، والخبرة تناسب
من يدرك شيئا فإنّ من يدرك شيئا يكون خبيرا به. وقوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي
الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُ
__________________
الْحَمِيدُ) ، فانّه قال : (الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ) لينبه على أنّ ما له ليس لحاجة بل هو غني عنه جواد به ،
فاذا جاد به حمده المنعم عليه.
التّأنيس :
قال الدمنهوري
: «هو تقديم ما يؤنس المخاطب قبل إخباره بمكروه» . ويرجع ذلك الى حذق المتكلم وبراعته في مثل ذلك الموقف.
التّبديل :
تبدل الشيء
وتبدل به واستبدله به كله : اتخذ منه بدلا. وأبدل الشيء من الشيء وبدّله تخذه منه
بدلا.
وتبديل الشيء :
تغييره وإن لم تأت ببدل .
وسمّاه العسكري
«العكس» وقال : «العكس أن تعكس الكلام فتجعل في الجزء الأخير منه ما جعلته في
الجزء الأول ، وبعضهم يسميه التبديل» . كقوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ
الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ). وقول الشاعر :
لساني كتوم
لأسراركم
|
|
ودمعي نموم
لسرّي مذيع
|
فلولا دموعي
كتمت الهوى
|
|
ولو لا الهوى
لم تكن لي دموع
|
ثم قال العسكري
: «والعكس أيضا من وجه آخر وهو أن يذكر المعنى ثم يعكسه إيراد خلاف كقول الصاحب : «وتسمى
شمس المعالي وهو كسوفها».
وقال ابن رشيق
في باب التصدير : «ومن التصدير نوع سماه عبد الكريم المضادة وأنشد للفرزدق :
أصدر همومك
لا يغلبك واردها
|
|
فكلّ واردة
يوما لها صدر
|
ويقاربه من
كلام المحدثين قول ابن الرومي :
ريحانهم ذهب
على درر
|
|
وشرابهم درر
على ذهب
|
والكتّاب يسمون
هذا النوع التبديل ، حكاه أبو جعفر النحاس» .
وذكر ابن رشيق «العكس»
في السرقات أيضا وقال : «والعكس قول ابن أبي قيس ويروى لأبي حفص البصري :
ذهب الزمان
برهط حسّان الألى
|
|
كانت مناقبهم
حديث الغابر
|
وبقيت في خلف
يحلّ ضيوفهم
|
|
منهم بمنزلة
اللئيم الغادر
|
سود الوجوه
لئيمة أحسابهم
|
|
فطس الأنوف
من الطراز الآخر
|
وسماه ابن سنان
«التبديل» . والعكس عند ابن منقذ «أن تأتي الجملتان احداهما عكس
الأخرى» واستشهد بالآية السابقة وأبيات شعرية كثيرة منها قول
البحتري :
يا من يحاكي
الراح في أوصافها
|
|
لونا وطعما
وجنتين وريقا
|
قم فاسقنيها
حين صبّ رحيقها
|
|
في الكأس
فانقلب الرحيق حريقا
|
وعدّه البغدادي
من نعوت الالفاظ وقال فيه : «هو أن يقدم في الكلام جزء ألفاظه منظومة نظاما تاما
فيجعل ما كان مقدما في الاول متأخرا في الثاني مثل قول من قال : «اشكر لمن أنعم
عليك وأنعم على من
__________________
شكرك» . وسماه «العكس والتبديل» أيضا ، وسماه مثل ذلك ابن شيث القرشي وقال : «العكس ، هو أن
يؤتى بالكلام وعكسه وكلاهما مفيد» .
وعدّه ابن
الأثير القسم الرابع من المشبه بالتجنيس وسماه «المعكوس» وذلك أن تعكس الالفاظ
والحروف. قال عن عكس الالفاظ : «وهذا الضّرب من التجنيس له حلاوة وعليه رونق ، وقد
سمّاه قدامة بن جعفر الكاتب «التبديل» وذلك اسم مناسب لمسماه لأنّ مؤلف الكلام
يأتي بما كان مقدما في جزء كلامه الأول مؤخرا في الثاني وربما كان مؤخرا في الأول
مقدما في الثاني. ومثّله قدامة بقول بعضهم : «أشكر لمن أنعم عليك وأنعم على من
شكرك» .
وقال المصري
إنّ هذه تسمية قدامة : «وقد جاء قدامة من التصدير بنوع آخر غير ما ذكرنا وسماه
التبديل ، وهو أن يصيّر المتكلم الآخر من كلامه أولا وبالعكس كقولهم : «اشكر لمن
أنعم عليك وأنعم على من شكرك» ولم أقف لهذا القسم على شاهد شعري فقلت :
اصبر على خلق
من تعاشره
|
|
واصحب صبورا
على أذى خلقك
|
ولم يفرد له
قدامة بابا فاذكره في أبوابه» .
وقال الحموي : «وقد
جاء قدامة من التصدير بنوع آخر وسماه التبديل» . وعقد له بابا سماه «العكس» وقال : «العكس في اللغة ردّ
آخر الشيء على أوله ويقال له التبديل. وفي الاصطلاح تقديم لفظ من الكلام ثم تأخيره»
. وسماه كذلك السيوطي والمدني ، وأشارا الى مصطلح «التبديل» أيضا وذكرا أنواعه وهي :
الأول : أن يقع
بين أحد طرفي جملة وما أضيف اليه نحو : «عادات السادات ، سادات العادات».
الثاني : أن
يقع بين لفظين في طرفي جملتين اسميتين كقوله تعالى : (لا هُنَّ حِلٌّ
لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ). وقول المتنبي.
فلا مجد في
الدنيا لمن قلّ ماله
|
|
ولا مال في
الدنيا لمن قلّ مجده
|
الثالث : أن
يقع بين متعلقي فعلين في جملتين كقوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ
مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ). وقد يقع بين متعلقي اسمية وفعلية كقوله ـ عليهالسلام ـ : «لست من دد ولا دد مني». وقول الحماسي :
فردّ شعورهنّ
السّود بيضا
|
|
وردّ وجوههنّ
البيض سودا
|
وأدخله
القزويني في المحسنات المعنوية وقال : «العكس والتبديل ، وهو أن يقدم في الكلام
جزء ثم يؤخر» وذكر الوجوه الثلاثة السابقة ، وتبعه في ذلك شراح
تلخيصه وغيرهم من المتأخرين .
وعقد المصري
بابا مستقلا سماه «العكس والتبديل» وقال : هو أن يأتي الشاعر الى معنى لنفسه أو
لغيره فيعكسه» . ومثال ما عكس الشاعر من
__________________
المعاني لغيره قول أبي العتاهية يشبه الرايات بالسحاب :
ورايات يحلّ
النّصر فيها
|
|
تمرّ كأنّها
قطع السّحاب
|
فعكسه علي بن
الجهم فقال يشبه السحابة بالرايات :
فمرّت تفوق
الطرف حتى كأنّها
|
|
جنود عبيد
الله ولّت بنودها
|
ومثال عكس
الشاعر معنى نفسه قول أحدهم :
واذا الدرّ
زان حسن نساء
|
|
كان للدر حسن
وجهك زينا
|
وقول الآخر :
منعّمة
الأطراف زانت عقودها
|
|
بأحسن مما
زينتها عقودها
|
ومن باب العكس
في الكتاب العزيز قوله تعالى :(ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ
مِنْ شَيْءٍ ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ).
ونقل ابن
الاثير الحلبي تعريف المصري وقال إنّه يسمى المغايرة أيضا .
التّبليغ :
بلغ الشيء يبلغ
بلوغا وبلاغا : وصل وانتهى ، وأبلغه هو إبلاغا وبلّغه تبليغا . قال الحاتمي : «وقد سماه قوم الايغال وهو : أن يأتي
الشاعر بالمعنى في البيت تماما قبل انتهائه الى القافية ثم يأتي بها لحاجة الشعر
اليها فتزيد البيت نصاعة والمعنى بلوغا الى الغاية القصوى» . وسماه ابن رشيق الايغال أيضا وقال إنّه ضرب من
المبالغة إلا أنّه في القوافي خاصة لا يعدوها . وقال ابن الاثير الحلبي : «وإنّما سمي ايغالا لأنّ
الناظم أوغل في كل منهما فكره حتى استخرج سجعة أو قافية تفيد معنى زائدا على معنى
الكلام» وردّ ابن الاثير الجزري كلام الغانمي الذي ميّز بين
التبليغ والاشباع وقال إنّهما فن واحد ، وإنّ تسمية العسكري له بالايغال أقرب .
وسمّى الحلبي
والنويري المبالغة تبليغا ، قالا : «وتسمى التبليغ والافراط في الصفة» وذكرا تعريف قدامة وهو : «ومن أنواع نعوت المعاني
المبالغة وهي أن يذكر الشاعر حالا من الأحوال في شعر لو وقف عليها لأجزأه ذلك في
الغرض الذي قصده فلا يقف حتى يزيد في معنى ما ذكره من تلك الحال ما يكون أبلغ فيما
قصد له» .
كقول عمير بن
الأيهم التغلبي :
ونكرم جارنا
ما دام فينا
|
|
ونتبعه
الكرامة حيث مالا
|
فإكرامهم للجار
ما دام فيهم من الاخلاق الحميدة الجميلة الموصوفة ، وإتباعهم إياه الكرامة حيث كان
من المبالغة في الجميل.
وهذا غير
الايغال أو الاطناب بالايغال ، وقد أدخله القزويني في البديع وعدّه نوعا من
المبالغة التي «تنحصر في التبليغ والإغراق والغلو ، لأنّ المدعي للوصف في الشدة أو
الضعف إما أن يكون ممكنا في نفسه أو لا ، الثاني الغلو. والأول إما أن يكون ممكنا
في العادة أيضا أو لا ، الأول التبليغ والثاني الإغراق» .
__________________
والتبليغ كقول امرئ القيس :
فعادى عداء
بين ثور ونعجة
|
|
دراكا فلم
ينضح بماء فيغسل
|
وصف هذا الفرس
بأنّه ادرك ثورا وبقرة وحشيين في مضمار واحد ولم يعرق ، وذلك غير ممتنع عقلا ولا
عادة. ومثله قول المتنبي :
وأصرع أيّ
الوحش قفيّته به
|
|
وأنزل عنه
مثله حين أركب
|
وهذه عودة الى
ما ذكره قدامة في المبالغة ، وسار على خطى القزويني شراح التلخيص . فالتبليغ عند هؤلاء غير الايغال أو الاطناب بالايغال
الذي تحدث عنه القزويني وشراح تلخيصه في علم المعاني أو ذكره البلاغيون المتقدمون
كالعسكري وابن رشيق والمظفر العلوي ، وإنّما هو المبالغة التي تحدث عنها القزويني
في علم البديع.
التّبيين :
تبين الشيء :
ظهر وتبينته أنا ، ويقال : بان الشيء واستبان وتبيّن وأبان وبيّن بمعنى واحد ،
والتبيين :الايضاح والوضوح .
والتبيين هو
التوشيح ، قال العسكري : «سمي هذا النوع التوشيح ، وهذه التسمية غير لازمة بهذا
المعنى ولو سمّي تبيينا لكان أقرب. وهو أن يكون مبتدأ الكلام ينبىء عن مقطعه ،
وأوله يخبر بآخره ، وصدره يشهد بعجزه حتى لو سمعت شعرا أو عرفت رواية ثم سمعت صدر
بيت منه وقفت على عجزه قبل بلوغ السماع اليه ، وخير الشعر ما تسابق صدوره وأعجازه
ومعانيه وألفاظه ، فتراه سلسا في النظام ، جاريا على اللسان لا يتنافى ولا يتنافر
كأنه سبيكة مفرغة أو وشي منمنم أو عقد منظم من جوهر متشاكل ، متمكن القوافي غير
قلقة ، وثابتة غير مرجة ، ألفاظه متطابقة ، وقوافيه متوافقة ، ومعانيه متعادلة ،
كل شيء منه موضوع في موضعه وواقع في موقعه فاذا نقض بناؤه وحلّ نظامه وجعل نثرا لم
يذهب حسنه ولم تبطل جودته في معناه ولفظه فيصلح نقضه لبناء مستأنف وجوهره لنظام
مستقبل» .
ولكنّ الآخرين
يطلقون التبيين على فن آخر غير التوشيح والارصاد ، فالتبريزي قال إنّه كقول
الفرزدق :
لقد خنت قوما
لو لجأت اليهم
|
|
طريد دم
حاملا ثقل مغرم
|
لألفيت فيهم
معطيا ومطاعنا
|
|
وراءك شزرا
بالوشيج المقوّم
|
فلو اقتصر على
البيت الأول لكان جيدا ودخل في باب ما حذف جوابه فبيّن قوله : «حاملا ثقل مغرم»
بقوله : «لألفيت فيهم معطيا» وقوله : «طريد دم» بقوله : «ومطاعنا» . ونقل هذا المثال والتعليق عليه البغدادي . وقال ابن مالك : «ويسمى تفسير الخفي وهو أن يكون في
مفردات كلامك لفظ مبهم المعنى لكونه مطلقا أو غير تام التقييد مرادا به بعض ما
تناوله فتتبعه ما يفسره ويشرح معناه من وصف فيه تفصيل» ، وهو نوعان :
الأول : تبيين
أحد ركني الاسناد بالآخر كقول محمد بن وهيب الحميري :
ثلاثة تشرق
الدنيا ببهجتها
|
|
شمس الضّحى
وأبو اسحاق والقمر
|
__________________
يحكي أفاعيله
في كلّ نائبة
|
|
الغيث والليث
والصّمصامة الذّكر
|
الثاني : تبيين
أحد ركني الاسناد أو غيره بالنعت أو نحوه كقول ابن الرومي :
آراؤكم
ووجوهكم وسيوفكم
|
|
في الحادثات
إذا دجون نجوم
|
فيها معالم
للهدى ومصابح
|
|
تجلو الدّجى
والأخريات رجوم
|
ومنه بيتا
الفرودق السابقان : «لقد خنت قوما ...».
وذكر القزويني
البيت الاول من بيتي الحميري في تقديم المسند وذلك للتشويق الى ذكر المسند اليه.
وذكره في
الجامع الوهمي ، وفي الجمع ، وتبعه في ذلك شراح التلخيص . وذكر القزويني أبيات الفرزدق وابن الرومي أمثلة للضّرب
الأول من اللف والنشر ، وهو أن يأتي النشر على ترتيب اللف .
وعدّ السبكي
بيتي ابن الرومي من التقسيم ، قال بعد أن ذكر كلام القزويني : «وفيه نظر من وجوه
منها أنّه اشترط فيما سبق أن لا يكون في النشر تعيين فرد منها لفرد من أفراد اللف
، وهذا فيه تعيين الأخير للأخير بقوله : «والأخريات رجوم» فيكون من التقسيم الذي
سيأتي لا من اللف والنشر» .
والتبيين عند
الحموي هو التفسير ، قال : «هذا النوع أعني التفسير من مستخرجات قدامة وسمّاه قوم
التبيين ، وهو أن يأتي المتكلم أو الشاعر في بيت بمعنى لا يستقل الفهم بمعرفة
فحواه دون تفسيره إما في البيت الآخر أو في بقية البيت إن كان الكلام يحتاج الى
التفسير في أوله. والتفسير يأتي بعد الشرط وما هو في معناه وبعد الجار والمجرور
وبعد المبتدأ الذي يكون تفسيره خبره بشرط أن يكون المفسر مجملا والمفسر مفصلا» وذكر أبيات الفرزدق والحميري وابن الرومي وهو ما ذكره
قدامة في التفسير الذي قال عنه : «ومن أنواع المعاني صحة التفسير وهي أن يضع
الشاعر معاني يريد أن يذكر أحوالها في شعره الذي يصنعه فاذا ذكرها أتى بها من غير
أن يخالف معنى ما أتى به منها ولا يزيد أو ينقص» وذكر بيتي الفرزدق ، وقول الحسين بن مطير الأسديّ :
فله بلا حزن
ولا بمسرّة
|
|
ضحك يراوح
بينه وبكاء
|
ففسر «بلا حزن»
بـ «ضحك» ، و «لا بمسرّة» بـ «بكاء».
وبحثه المدني
في التفسير وقال : «سمّاه ابن مالك وآخرون التبيين» . والحقيقة أنّ العسكريّ ذكر مصطلح «التبيين» وقرنه
بالتوشيح وأفرد له التبريزي والبغدادي بابا ثم جاء بعدهما ابن مالك وسماه تبيينا
أيضا.
تتابع الإضافات
:
تبع الشيء تبعا
وتباعا في الافعال وتبعت الشيء تبوعا : سرت في إثره ، واتّبعه وأتبعه وتتبّعه :
قفاه وتطلبه متّبعا له وكذلك تتبعه وتتبعته تتبعا. وتابع بين الأمور متابعة وتباعا
: واتر ووالى ، وتابعته على كذا متابعة وتباعا ، وتتابعت الأشياء : تبع بعضها بعضا
.
قال الصاحب بن
عباد : «إياك والاضافات المتداخلة فإنّ ذلك لا يحسن» ، وذكر أنّه يستعمل في الهجاء كقول القائل :
__________________
يا عليّ بن
حمزة بن عماره
|
|
أنت والله
ثلجة في خياره
|
وقال عبد
القاهر : «لا شبهة في ثقل ذلك في الأكثر ولكنه إذا سلم من الاستكراه لطف وملح» . ومما حسن فيه قول ابن المعتز :
وظلّت تدير
الراح أيدي جآذر
|
|
عتاق دنانير
الوجوه ملاح
|
ومما جاء حسنا
جميلا قول الخالدي في صفة غلام له :
ويعرف الشعر
مثل معرفتي
|
|
وهو على أن
يزيد مجتهد
|
وصيرفيّ
القريض وزّان دينا
|
|
ر المعاني
الدقاق منتقد
|
وأدخل القزويني
تتابع الاضافات في شروط فصاحة الكلام ، قال : «وقيل فصاحة الكلام هي خلوصه مما ذكر
، ومن كثرة التكرار والاضافات» . ومن ذلك قول ابن بابك :
حمامة جرعى
حومة الجندل اسجعي
|
|
فأنت بمرأى
من سعاد ومسمع
|
وقال : «وفيه
نظر ؛ لأنّ ذلك إن أفضى باللفظ الى الثقل على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه وإلا
فلا تخل بالفصاحة. وقد قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن
اسحاق بن ابراهيم» . وذكر الأبيات السابقة التي ذكرها عبد القاهر ، وتبعه
في ذلك شراح التلخيص .
التّتبيع :
أتبعه الشيء :
جعله تابعا له ، والتابع التالي ، وتبعت الشيء وأتبعته مثل ردفته وأردفته واتبعت
القوم اذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم .
التتبيع من
أنواع الاشارة ويسمى التجاوز ، وهو كما قال الحاتمي : «أن يريد الشاعر معنى فلا
يأتي باللفظ الدال عليه بل بلفظ تابع له ، فاذا دلّ التابع أبان عن المتبوع» . وأحسن ما قيل في ذلك وأبدعه قول عمر بن أبي ربيعة :
بعيدة مهوى
القرط إمّا لنوفل
|
|
أبوها وإمّا
عبد شمس وهاشم
|
إنّما ذهب الى
وصف طول الجيد فلم يذكره بلفظه الخاص به بل أتى بمعنى يدل على طول الجيد وهو قوله
: «بعيدة مهوى القرط».
وأبدع من هذا
في التتبيع قول امرئ القيس :
ويضحي فتيت
المسك فوق فراشها
|
|
نؤوم الضّحى
لم تنتطق عن تفضّل
|
إنّما أراد أن
يذكر ترفّه هذه المرأة وأنّ لها من يكفيها فأتى باللفظ التابع لذلك. وقال ابن رشيق
: «أن يزيد الشاعر ذكر الشيء فيتجاوزه ويذكر ما يتبعه في الصفة وينوب عنه في الدلالة
عليه. وأول من أشار الى ذلك امرؤ القيس يصف امرأة : ويضحي فتيت المسك ...» فقوله :
«يضحي فتيت المسك» تتبيع ، وقوله : «نؤوم الضحى» تتبيع ثان ، وقوله : «لم تنتطق عن
تفضل» تتبيع ثالث. وانما أراد أن يصفها بالترف والنعمة وقلة الامتهان في الخدمة
وأنّها شريفة مكيفة المؤونة فجاء بما يتبع الصفة ويدلّ عليها أفضل دلالة» .
وقال النابغة
وأراد أن يصف طول العنق وتمام الخلقة فيها فذكر القرط إذ كان مما يتبع العنق :
__________________
إذا ارتعشت
خاف الجبان رعاثها
|
|
ومن يتعلّق
حيث علّق يفرق
|
وسمّاه ابن
سنان إردافا وتتبيعا وقال : «ومن نعوت البلاغة والفصاحة أن تراد الدّلالة على
المعنى فلا يستعمل اللفظ الخاص الموضوع له في اللغة بل يؤتى بلفظ يتبع ذلك المعنى
ضرورة فيكون في ذكر التابع دلالة على المتبوع» . وذكر بيتي امرئ القيس وابن أبي ربيعة ، وقال : إنّ من
هذا الفن قول البحتري :
فأوجرته أخرى
فأضللت نصله
|
|
بحيث يكون
اللبّ والرعب والحقد
|
وقول عمرو بن
معد يكرب :
الضاربين بكل
أبيض مخذم
|
|
والطاعنين
مجامع الأضغان
|
وأدخل المظفر
العلوي التتبيع في الكناية وقال وهو يتحدث عنها : «وربما سمّاها قوم التتبيع ؛
لأنّ الشاعر يقول معنى ويأتي بلفظ تابع له فاذا دلّ التابع أبان عن المتبوع» . وذكر أنّ منه قوله تعالى : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) وهو كناية عن شدة الأمر والحرب ، ومعنى ذلك أنّ القلوب
ارتفعت عن مواضعها فنفرت كأنها تريد الخروج عن الأجسام مفارقة لها.
وعدّه ابن
الاثير الحلبي قسما من الكناية ، قال : «ومن الكناية قسم يقال له التتبيع وحقيقته
العدول عن اللفظ المراد به المعنى الخاص به الى لفظ هو ردفه» ، ومنه قوله تعالى : (وَاسْتَوَتْ عَلَى
الْجُودِيِ). وقول امرىء القيس :
وقد أغتدي
والطير في وكناتها
|
|
بمنجرد قيد
الأوابد هيكل
|
فقد أراد أن يصف
الفرس بالسرعة وأنّه جواد فلم يتكلم باللفظ بعينه ولكن باردافه. والأمثلة السابقة
يدخلها كثير من المتأخرين في الكناية ، وقد أدرك السابقون ذلك فصرّح المظفر العلوي وابن
الاثير الحلبي بأنّها من الكناية.
وقال السجلماسي
إنّ التتبيع هو الإرداف ، وهو أحد انواع الاقتضاب .
التّتميم :
تمّ الشيء يتمّ
تما وتما وتمامة وتماما وتمامة وتماما وتماما وتمّة ، وأتمّه غيره وتممه واستتمه
بمعنى ، وتممّه الله تتميما وتتمة ، وتمام الشيء وتمامته وتتمته : ما تمّ به .
وهو التمام أو
اعتراض كلام في كلام ، قال المصري : «وسمّاه الحاتمي في الحلية التتميم» ، وقال الحموي : «كان اسمه التمام وإنّما سماه الحاتمي
التتميم» ، وقال المدني : «ومنهم من سماه التمام وسماه ابن
المعتز اعتراض كلام في كلام لم يتم معناه ، والتسمية الاولى للحاتمي وهي أولى» . وقد سماه الحاتمي تتميما وقال عنه : «هو أن يذكر
الشاعر معنى فلا يغادر شيئا يتم به ويتكامل الاشتقاق معه فيه إلا أتى به» .
وكان الجاحظ قد
عقد بابا قال في أوله : «وباب
__________________
آخر ويذكرون الكلام الموزون ويمدحون به ويفضلون إصابة المقادير ويذمون
الخروج من التعديل» .
وقال : «وقال
طرفة في المقدار وإصابته :
فسقى ديارك ـ
غير مفسدها ـ
|
|
صوب الربيع
وديمة تهمي
|
طلب الغيث على
قدر الحاجة لأنّ الفاضل ضارّ» . وهذا هو الاعتراض عند ابن المعتز ، ولكنّ قدامة قال : «ومن أنواع نعوت المعاني التتميم ،
وهو أن يذكر الشاعر المعنى فلا يدع من الأحوال التي تتم بها صحته وتكمل معها جودته
شيئا إلا أتى به» .
وذكر له عدة
أمثله منها بيت طرفة : «فسقى ديارك ...» وقال : «فقوله : «غير مفسدها» إتمام لجودة
ما قاله ؛ لانه لو لم يقل «غير مفسدها» لعيب كما عيب ذو الرمة في قوله :
ألا يا اسلمي
يا دارميّ على البلى
|
|
ولا زال
منهلّا بجرعائك القطر
|
فان الذي عابه
في هذا القول إنما هو بأن نسب قوله هذا الى أنّ فيه إفسادا للدار التي دعا لها وهو
أن تغرق بكثرة المطر».
وعقد العسكري
فصلا سماه «التتميم والتكميل» وهو : «أن توفي المعنى حظّه من الجودة وتعطيه نصيبه
من الصحة ثم لا تغادر معنى يكون فيه تمامه إلا تورده أو لفظا يكون فيه توكيده إلا
تذكره» . كقوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صالِحاً
مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) ، فبقوله تعالى : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) تمّ المعنى. ومنه قول عمرو بن براق :
فلا تأمننّ
الدهر حرّا ظلمته
|
|
فما ليل
مظلوم كريم بنائم
|
فقوله : «كريم»
تتميم ؛ لأنّ اللئيم يغضي على العار وينام على الثار ، ولا يكون منه دون المظالم
تكبر. ومنه قول الخنساء :
وإنّ صخرا
لتأتمّ الهداة به
|
|
كأنّه علم في
رأسه نار
|
فقولها : «في
رأسه نار» تتميم ، وقالوا : لم يستوف أحد هذا المعنى استيفاءها. والتتميم عند
المرزوقي الزيادة على المعنى وقد سماه «تتميم المقطع» ، وذكر ابن رشيق أنّه التمام وأنّ بعضهم يسمي ضربا منه
احتراسا واحتياطا. وقال : «ومعنى التتميم أن يحاول الشاعر معنى فلا يدع شيئا يتم
به حسنه إلا أورده وأتى به إمّا مبالغة وإمّا احتياطا واحتراسا من التقصير» .
وقال التبريزي
: «التتميم أن يأخذ الشاعر في معنى فيورده غير مشروح فيقع له أنّ السامع لا يتصوره
بحقيقته فيعود راجعا الى ما قدّمه فاما أن يؤكده واما أن يجلي الشبهة فيه» كقول الشاعر :
أقمنا أكلنا
أكل استلاب
|
|
هناك وشربنا
شرب يدار
|
ثم علم أنّه لم
يتم المعنى وانه لبّسه فقال :
ولم يك ذاك
سخفا غير أنّي
|
|
رأيت الشّرب
سخفهم وقار
|
وقال ابن
الرومي :
آراؤكم
ووجوهكم وسيوفكم
|
|
في الحادثات
إذا دجون نجوم
|
فيها معالم
للهدى ومصابح
|
|
تجلو الدجى
والاخريات رجوم
|
__________________
وهذا هو اللف والنشر الذي ذكره المتأخرون .
وذكر البغدادي
تعريفين الاول هو : «ومن نعوت المعاني التتميم وهو أن توجد في المعنى كتابة أو
خطابة فيوفي بجميع المعاني المتممة لصحته المكملة لجودته من غير أن يخلّ ببعضها
ولا أن يغادر شيء منها. كقول القائل : «فحلّقت به أسباب الجلالة غير مستشعر فيها
لنخوة ، وترامت به أحوال الصرامة غير مستعمل فيها لسطوة ، هذا مع زماتة في غير حصر
ولين جانب من غير خور». فقد أتى هذا المتكلم بتتميمات المعاني التي جاء بها من غير
أن يخل بشيء منها» . والثاني هو تعريف التبريزي وأمثلته . ولم يخرج ابن منقذ كثيرا على ما ذكره العسكري في
التعريف والأمثلة ، قال : «اعلم أنّ التتميم أن يذكر الشاعر معنى ولا يغادر شيئا
يتم به إلا أتى به فيتكامل له الحسن والاحسان ويبقى البيت ناقص الكلام فيحتاج الى
ما يتممه به من كلمة توافق ما في البيت من تطبيق أو تجنيس» .
ونقل الصّنعاني
تعريف ابن رشيق وقال إنّ التتميم من أنواع الفصاحة . ونقل ابن الزملكاني تعريف التبريزي ومثّل له ببيتي ابن
الرومي : «آراؤكم ووجوهكم ...» وعقد له المصري بابا باسم التمام وقال : «وهو الذي سماه
الحاتمي التتميم وسماه ابن المعتز قبله اعتراض كلام في كلام لم يتم معناه ثم يعود
المتكلم فيتمه. وشرح حدّه : أنّه الكلمة التي إذا طرحت من الكلام نقص حسن معناه أو
مبالغته مع أنّ لفظه يوهم بأنّه تام» . وهو ضربان :
الأول : في
المعاني ، وهو تتميم المعنى ويأتي للمبالغة والاحتياط ، ويجيء في المقاطع كما يجيء
في الحشو كقوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِي
ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا
وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) ، فجاءت الفاصلة كلها تتميما لأنّ المعنى ناقص بغيرها
لكنه متى جاء في المقاطع سمي إيغالا ويكثر مجيئه في الحشو ومثاله قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) فقوله تعالى : (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ
أُنْثى) تتميم وقوله : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) تتميم ثان في غاية البلاغة التي بذكرها تمّ الكلام وجرى
على الصحة ، ولو حذفت هاتان الجملتان نقص معناه واختل منه حسن البيان. ومثال ما
جاء للاحتياط قول الغنوي :
أناس إذا لم
يقبل الحق منهم
|
|
ويعطوه عاذوا
بالسيوف القواضب
|
ومثال ما جاء
للمبالغة قول زهير :
من يلق يوما
على علّاته هرما
|
|
يلق السماحة
منه والنّدى خلقا
|
فقوله : «على
علاته» تتميم جاء للمبالغة.
الثاني : في
الالفاظ وهو الذي يؤتى به لاقامة الوزن بحيث لو طرحت الكلمة انتقل معنى البيت
بسواها ، وهي نوعان : كلمة لا يفيد مجيئها إلا أقامة الوزن فقط ، وإخرى تفيد مع
الوزن ضربا من المحاسن ، والأولى من العيوب والثانية من النعوت مثل قول المتنبي :
وخفوق قلب لو
رأيت لهيبه
|
|
ـ يا جنتي ـ لرأيت فيه
جهنّما
|
فانه جاء بقوله
: «يا جنتي» لاقامة الوزن وقصدها دون غيرها ممّا يسدّ مسدّها ليكون بينهما وبين
قافية البيت مطابقة لو كان موضعها غيرها لم تحصل.
وفرّق المصري
بين التتميم والإيغال من ثلاثة
__________________
أوجه :
الاول : أنّ
التتميم لا يرد إلا على كلام ناقص شيئا ما ، أما حسن معنى أو أدب أو ما أشبه ذلك
كبيت الغنوي : «أناس إذا ...» فانّ المعنى من غير «يعطوه» ناقص ، والايغال لا يرد
إلّا على معنى تام من كل وجه.
الثاني :
اختصاص الايغال بالمقاطع دون الحشو مراعاة لاشتقاقه ؛ لأنّ الموغل في الارض هو
الذي قد بلغ أقصاها أو قارب بلوغه ، فلما اختص الايغال بالطرف لم يبق للتميم إلّا
الحشو.
الثالث : أنّ
الايغال لا بدّ من أن يتضمن معنى من معاني البديع ، والتتميم قد يتضمن أولا يتضمن
، وأكثر ما يتضمن الايغال التشبيه والمبالغة. والتتميم يتضمن المبالغة طورا
والاحتياط طورا آخر ويأتي غير متضمن شيئا سوى تتميم ذلك المعنى .
ولم يخرج ابن
مالك على السابقين في تقسيم التتميم الى تتميم المعاني وتتميم الألفاظ ، وهو ما ذكره المصري. ونقل الحلب والنويري تعريف
المصري وتقسيمه وبعض أمثلته . وعاد ابن الاثير الحلبي الى تعريف قدامة وشواهده ، وأدخله القزويني في علم المعاني وبحثه في الاطناب
وقال : «هو أن يؤتى في كلام لا يوهم خلاف المقصود بفضلة تفيد نكتة كالمبالغة في
قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ
الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) أي : مع حبه ، والضمير للطعام أي مع اشتهائه والحاجة
اليه» . وهذا التعريف يبتعد عن أقوال السابقين وإن قال إنّه يفيد نكتة كالمبالغة
وهو ما أشار اليه معظم البلاغيين. وتبعه شراح تلخيصه والسيوطي .
والتتميم عند
العلوي على ثلاثة أوجه : إما للمبالغة وإما للصيانة أي الاحتراز وإما لاقامة الوزن
. وهذا ما أشار اليه السابقون.
وقال ابن قيم
الجوزية : «هو أن تردف الكلام بكلمة ترفع عنه اللبس وتقربه الى الفهم وتزيل عنه
الوهم وتقرره في النفس» .
وقال الزركشي :
«هو أن يتم الكلام فيلحق به ما يكمله إما مبالغة او احترازا أو احتياطا. وقيل : هو
أن يأخذ في معنى فيذكره غير مشروح وربما كان السامع لا يتأمله ليعود المتكلم اليه
شارحا» .
ورجع الحموي
الى ذكره المصري وأشار الى الخلط بينه وبين التكميل فقال : «ولقد وهم جماعة من
المؤلفين وخلطوا التكميل بالتتميم وساقوا في باب التتميم شواهد التكميل وبالعكس.
والفرق بين التكميل والتتميم ، أنّ التتميم يرد على الناقص فيتمه ، والتكميل يرد
على المعنى التام فيكمله إذ الكمال أمر زائد على التمام. وأيضا أنّ التمام يكون
متمما لمعاني النقص لا لأغراض الشعر ومقاصده والتكميل يكملها» .
ولم يخرج
المدني على السابقين وفضل تسمية الحاتمي لهذا الفن . وقال ابن شيث القرشي : «إنه مصدر تمم يتمم تتميما إذا
بلغ بالشيء غايته ، وهو أن يأتي الكاتب في كلامه المنثور بكلمة لام الفعل فيها حرف
علة ثم يأتي بكلمة من بعدها لام
__________________
الفعل فيها حرف صحيح يشبّع للاعتماد عليه للإعراب فيحصل من ذلك تتميم اللفظ
وتحصيل معنى تمّ به في تلك الكلمة الاولى التي أتى بها في صدر كلامه وهو قولك : «فلان
عال عالم ، وقاض قاضب ، وغال غالب ، وغاف غافل». ومنه :
يمدّون في
أيد عواص عواصم
|
|
تصول بأسياف
قواض قواضب
|
وهذا نوع من
الجناس عند البلاغيين الآخرين سماه عبد القاهر التجنيس الناقص المطرف .
التّثبيج :
ثبج الكتاب
والكلام تثبيجا لم يبينه ، وقيل : لم يأت به على وجهه ، والتثبج : اضطراب الكلام
وتفنينه.
والثبج تعمية
الخط وترك بيانه. التثبيج : التخليط .
قال ابن رشيق :
«ومن حسن النظم أن يكون الكلام غير مثبج ، والتثبيج جنس من المعاظلة» . وقال : «وأما التثبيج فهو طول الكلام واضطرابه ، ولا
يقال كلام مثبج حتى يكون هكذا. ويقال رجل مثبج الخلق إذا كان طويلا في اضطراب ،
والتثبيج عند الصولي في الخط ألا يكون بينا ، وكذلك هو الكلام» . وكان ابن رشيق قد أشار الى التثبيج في باب النظم ثم
دمجه بالمعاظلة في باب آخر فقال : «باب ذكر المعاظلة والتثبيج ، والعظال في
القوافي التضمين حكاه الخليل بن احمد وزعم قدامة أنّ المعاظلة سوء الاستعارة وهو
عندهم مشتق من التداخل والتراكب ومنه : «تعاظلت الجراد والكلاب» وأنشد قدامة بيت
أوس بن حجر :
وذات هدم عار
نواشرها
|
|
تصمت بالماء
تولبا جدعا
|
لأنّه قد أساء
الاستعارة عنده لجعله الطفل تولبا وهو ولد الحمار». ثم ذكر كلامه السابق عن
التثبيج ، ثم عاد الى المعاظلة وقال : «وزعم قوم أنّ المعاظلة تداخل الحروف
وتراكبها ... وزعم آخرون أنّها تركيب الشيء في غير موضعه». ويبدو من ذلك أنّ
التثبيج داخل في المعاظلة وأنّه طول الكلام واضطرابه.
التّثقيل
والتّخفيف :
الثقل نقيض
الخفة ، وثقّل الشيء : جعله ثقيلا والتثقيل ضد التخفيف .
الخفة : ضد
الثقل ، خفف الشيء : جعله خفيفا ، والتخفيف ضد التثقيل . وقد ذكر ابن منقذ هذا الفن وقال : «هو كقول أبي نواس :
دع عنك لومي
فانّ اللوم إغراء
|
|
وداوني بالتي
كانت هي الدّاء
|
أخذه أبو تمام
فأتى به في ألفاظ ثقيلة فقال :
قدك اتّئب
أربيت في الغلواء
|
|
كم تعذلون
وأنتم سجرائي
|
وكما قال مسلم
وأحسن :
قد أولعته
بطول الهجر غرّته
|
|
لو كان يعرف
طول الهجر ما هجرا
|
__________________
أخذه أبو تمام
فقال :
كشف الغطاء
فأخمدي أو أوقدي
|
|
لم تكمدي
فظننت أن لم تكمد
|
ولم يعرّف ابن
منقذ هذا اللون ويبدو من الأمثلة أنّه يريد به نوعا من الأخذ الموفق أو غير الموفق
، أي أنّ الشاعر قد يحيل ما يأخذه جميلا رقيقا ، وقد يصيّره ثقيلا غليظا.
التّثليم :
ثلم الاناء
والسيف ونحوه يثلمه ثلما وثلّمه فانثلم وتثلّم : كسر حرفه. والثّلم في الوادي أن
ينثلم جرفه وكذلك في النؤي والحوض .
وقد عدّه قدامة
من عيوب ائتلاف اللفظ والوزن وقال عنه : «هو أن يأتي الشاعر بأسماء يقصر عنها العروض
فيضطر الى ثلمها والنقص منها» ، كقول علقمة بن عبدة :
كأنّ إبريقهم
ظبي على شرف
|
|
مفدّم بسبا
الكتّان ملثوم
|
أراد : بسبائب
الكتّان ، فحذف للعروض. وقال لبيد :
درس المنا
بمتالع فأبان
|
|
وتقادمت
بالحبس فالسوبان
|
أراد :
المنازل. وهذا من الضرورات غير أنّ ابن منقذ عقد له فصلا وقال : «قد جاء في أشعار
العرب الفصحاء نقص في الالفاظ والكلمات وتغيير في الاسماء والافعال فقيل إنّه لغة
، وقيل : إنّه ضرورة» .
تجاهل العارف :
الجهل نقيض
العلم ، وقد جهله فلان جهلا وجهالة وجهل عليه. وتجاهل : أظهر الجهل ، وتجاهل : أرى
من نفسه الجهل وليس به .
ذكره ابن
المعتز في محاسن الكلام ولم يعرّفه ، ومثّل له بقول زهير :
وما أدري
ولست إخال أدري
|
|
أقوم آل حصن
أم نساء؟
|
وسماه العسكري
: «تجاهل العارف ومزج الشك باليقين» وقال : «هو إخراج ما يعرف صحته مخرج ما يشك فيه
ليزيد بذلك تأكيدا» . ومنه قول العرجي :
بالله يا
ظبيات القاع قلن لنا
|
|
ليلاي منكنّ
أم ليلى من البشر
|
وقول الآخر :
أيا شبه ليلى
ما لليلى مريضة
|
|
وأنت صحيح
إنّ ذا لمحال
|
أقول لظبي
مرّ بي وهو راتع
|
|
أأنت أخو
ليلى؟ فقال يقال
|
وذكر التبريزي
والبغدادي بعض الأمثلة السابقة ولم يعرّفاه .
ورجع ابن منقذ
الى ما ذكره العسكري وأضاف اليه أمثلة كثيرة ، ولم يعرّفه الرازي ومثّل له بقوله تعالى (وَإِنَّا أَوْ
إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، وقول المتنبي :
__________________
أريقك أم ماء
الغمامة أم خمر
|
|
بفيّ برود
وهو في كبدي جمر
|
وتحدث السكاكي
عنه في تنكير المسند اليه وذكر التجاهل في البلاغة ومثّل له بقول الخارجية :
أيا شجر
الخابور مالك مورقا
|
|
كأنّك لم
تجزع على ابن طريف
|
ثم أدخله بعد
ذلك في التحسين المعنوي وسمّاه «سوق المعلوم مساق غيره» وقال : «ولا أحب تسمية
بالتجاهل» ومثّل له بقول الخارجية : «أيا شجر الخابور ...»
وبالآية السابقة. ولعل الدافع الى ذلك هو تعظيم كتاب الله واحترامه وقد أشار ابن
الاثير الحلبي الى ذلك حينما تكلم على هذا الفن ، وقال : «وهذا الباب له اسمان :
أحدهما : تجاهل العارف ، والآخر : يقال له الاعنات ، فأما الأول فيطلق على ما يأتي
من نوعه في النظم والنثر ، وأما الثاني فيطلق على ما يأتي من هذا النوع في الكتاب
العزيز أدبا مع الآيات الكريمة إذ لا يصحّ إطلاق تسمية «تجاهل العارف» على شيء من
آيات الكتاب العزيز» وتسمية السكاكي أدقّ واكثر أدبا من الاعنات الذي هو
لزوم ما يلزم عند كثير من البلاغيين كما تقدم.
وقال ابن
الزملكاني : «هو أن تسأل عن شيء تعرفه موهما أنّك لا تعرفه وأنّه مما خالجك فيه
الشك لقوة شبه حصل بين المذكورين» .
وقال المصري : «وقد
سماه من بعد ابن المعتز الاعنات» ، والاعنات لزوم ما لا يلزم وتجاهل العارف شيء آخر كما
اتضح من التعريفات السابقة.
وعرّفه المصري
بقوله : «هو سؤال المتكلم عما يعلمه حقيقة تجاهلا منه به ليخرج كلامه مخرج المدح
أو الذم أو ليدلّ على شدة التدله في الحب أو لقصد التعجب أو التقرير أو التوبيخ» ونقل الحلبي والنويري هذا التعريف . وقسّمه المصري الى قسمين : الاول موجب ، كقوله تعالى :
(أَبَشَراً مِنَّا
واحِداً نَتَّبِعُهُ) وهذا خارج مخرج التعجب.
وقوله : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما
يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) ، وهذا خارج مخرج التوبيخ. وقوله : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي
وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) وهذا خارج مخرج التقرير.
ومما جاء منه
في المدح قول بعضهم :
بدا فراع
فؤادي حسن صورته
|
|
فقلت هل ملك
ذا الشّخص أم ملك
|
وأما ما جاء
منه للذم فكقول زهير :
وما أدري
ولست إخال أدري
|
|
أقوم آل حصن
أم نساء؟
|
وأما ما دلّ
منه على التدله في الحب فكقول العرجي :
بالله يا
ظبيات البان قلن لنا
|
|
ليلاي منكنّ
أم ليلى من البشر
|
والثاني : منفي
كقوله تعالى : (ما هذا بَشَراً إِنْ
هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ).
وقال المظفر
العلوي : «ومعنى تجاهل العارف أنّ الشاعر أو الناثر يسأل عن شيء يعرفه سؤال من لا
يعرفه ليعلم أنّ شدة الشبه بالمشبه به قد أحدثت عنده ذلك ، وهو كثير في أشعار
العرب وخطبهم» .
وعرّفه
القزويني بتسمية السكاكي ، قال : «وهو كما
__________________
سماه السكاكي سوق المعلوم مساق غيره لنكتة» كالتوبيخ والمبالغة في المدح والتدلّه في الحب والتحقير
والتعريض ، وتبعه في ذلك شراح التلخيص والسيوطي .
وسمّاه العلوي «التجاهل»
وقال : «هو أن تسأل عن شيء تعلمه موهما أنّك لا تعرفه وأنّه مما خالجك فيه الشك
والريبة ، وشبهة عرضت بين المذكورين ، وهو مقصد من مقاصد الاستعارة يبلغ به الكلام
الذروة العليا ويحله في الفصاحة المحل الأعلى» . وهذا تعريف ابن الزملكاني وإن أضاف اليه العبارة
الأخيرة فعدّه مقصدا من مقاصد الاستعارة لأنّه يقوم على التشبيه والتباس المشبه
بالمشبه به.
وعاد الحموي والمدني
الى ما ذكره السابقون وأشارا الى تسمية ابن المعتز وتسمية السكاكي وذكرا النكت
التي ذكرها القزويني وغيره .
وظل مصطلح «تجاهل
العارف» دائرا في الكتب في حين أنّ الاعنات وسوق المعلوم مساق غيره لم يحتلا مكانا
وإن كانت تسمية السكاكي أكثر تأدبا عند التعرض لآيات الكتاب العزيز.
التّجاوز :
تجاوز بهم
الطريق وجازه جوازا : خلّفه. وتجاوز الله عنه : عفا والتجاوز هو التتبيع ، قال ابن رشيق : «ومن أنواع
الإشارة التتبيع وقوم يسمونه التجاوز ، وهو أن يريد الشاعر ذكر الشيء فيتجاوزه
ويذكر ما يتبعه في الصفة وينوب عنه في الدلالة عليه» . وقد تقدم.
التّجريد :
جرد الشيء
يجرده جردا وجرّده : قشره .
والتجريد مصدر
جردته من ثيابه إذا نزعتها عنه. .
والتجريد من
الأساليب العربية القديمة فقد قال الأعشى وهو يتحدث عن نفسه :
يا خير من
يركب المطيّ لا
|
|
يشرب كأسا
بكفّ من بخلا
|
وقال :
ودّع هريرة
إنّ الركب مرتحل
|
|
وهل تطيق
وداعا أيّها الرجل
|
وقد أشار
سيبويه الى هذا الاسلوب في باب ما يختار فيه الرفع ويكون فيه الوجه في جميع اللغات
قال : «ولو قال : أما أبوك فلك أب» لكان على قوله : «فلك به أب» أو «فيه أب» وإنما
يريد بقوله : «فيه أب» مجرى الأب على سعة الكلام» . وهذا النوع من التجريد بالباء ، ولكن سيبويه لم يسمّه
كذلك ، وإنّما عرضه بوصفه أسلوبا عربيا فصيحا. وكان أبو علي الفارسي من أوائل
الذين تعرضوا له وهو الذي سماه تجريدا. وقد ذكر ذلك السابقون فقال ابن جني : «اعلم
أنّ هذا فصل من فصول العربية طريف حسن ، ورأيت أبا علي ـ رحمهالله ـ به غريا معنيا ولم يفرد له بابا لكنه وسمه في بعض
ألفاظه بهذه السمة فاستقريتها منه وأنقت لها. ومعناه أنّ العرب قد تعتقد ان في
الشيء من نفسه معنى آخر كأنه حقيقته ومحصوله وقد يجري ذلك الى ألفاظها لما عقدت عليه
معانيها وذلك نحو قولهم : «لئن لقيت زيدا لتلقين منه الاسد» و «لئن سألته
__________________
لتسألن البحر» فظاهر هذا أنّ فيه من نفسه أسدا وبحرا هو عينه هو الأسد
والبحر لا أنّ هناك شيئا منفصلا عنه وممتازا منه. وعلى هذا يخاطب الانسان منهم
نفسه حتى كأنها تقابله أو تخاطبه» . ونقل ابن الاثير بعض كلام الفارسي وردّ بعضه ، قال : «وأمّا
الذي ذكره أبو علي الفارسي ـ رحمهالله ـ فأنه قال : إنّ العرب تعتقد أنّ في الانسان معنى
كامنا فيه كأنه حقيقته ومحصوله فتخرج ذلك المعنى الى ألفاظها مجردا من الانسان
كأنه غيره وهو هو بعينه نحو قولهم : «لئن لقيت فلانا لتلقين به الأسد» و «لئن سألته
لتسألنّ منه البحر» وهو عينه الاسد والبحر لا أنّ هناك شيئا منفصلا عنه أو متميزا
منه. ثم قال : وعلى هذا النمط كون الانسان يخاطب نفسه حتى كأنه يقاول غيره كما قال
الأعشى : «وهل تطيق وداعا أيّها الرجل» وهو الرجل نفسه لا غيره.
هذا خلاصة ما
ذكره أبو علي ـ رحمهالله ـ والذي عندي أنه أصاب في الثاني ولم يصب في الأول ،
لان الثاني هو التجريد ، ألا ترى أنّ الأعشى جرّد الخطاب عن نفسه وهو يريدها ،
وأما الأول وهو قوله : «لئن لقيت فلانا لتلقين به الأسد» و «لئن سألته لتسألن منه
البحر» فان هذا تشبيه مضمر الأداة إذ يحسن تقدير أداة التشبيه فيه» . وردّ ابن أبي الحديد هذا الرأي وقال : «إنّ الحدّ الذي
حدّ هذا الرجل التجريد به لم يأت فيه نص من كتاب الله تعالى ولا ورد عن رسول الله
وانما هو حدّ اختاره هو وفسر التجريد به ، فانه حجر على أبي علي ـ رحمهالله ـ أن يجعل التجريد شيئا آخر.
ومعلوم أنّ هذه
الاصطلاحات والمواصفات موكولة الى آراء العقلاء واختياراتهم فأبو علي ـ رحمهالله ـ قد اختار أن يسمّي قولهم : «إذا سألت زيدا سألت البحر»
تجريدا ، وقد شرح ذلك وأوضحه بقوله إنّ ظاهر هذه اللفظة أنّ المسؤول غير زيد لأنّ
ألفاظها تقتضي ذلك.
ألا ترى أنك
تقول : «صحبت زيدا فاقتبست منه العلم» و «قتلت فلانا فأخذت منه السلب» فيقتضي
ظاهره بأنّ العلم غير المصحوب وأنّ السلب غير المقتول فهكذا يقتضي ظاهر قوله : «سألته
فسألت منه البحر» أنّ البحر غيره. فأبو علي ـ رحمهالله ـ سمّاه تجريدا ، وهو غير مانع لك من اصطلاحك ولا مشاحّ
لك في جدك الذي ذكرته للتجريد فكذلك أنت لا تجور ولا تضايقه في اصطلاحه وتجريده» . وردّ أقوال ابن الاثير الأخرى منتصرا للفارسي. وكان
ابن الاثير قد قال إنّ التجريد «إخلاص الخطاب لغيرك وأنت تريد به نفسك لا المخاطب
نفسه» . وله فائدتان :
الاولى : طلب
التوسع في الكلام.
الثانية : وهي
الأبلغ وذاك أنّه يتمكن المخاطب من إجراء الأوصاف المقصودة من مدح أو غيره على
نفسه إذ يكون مخاطبا بها غيره ليكون أعذر وأبرأ من العهدة فيما يقوله غير محجور
عليه.
والتجريد قسمان
:
الاول :
التجريد المحض ، وذلك أن تأتي بكلام هو خطاب لغيرك وأنت تريد به نفسك ، كقول حيص
بيص :
إلام يراك
المجد في زيّ شاعر
|
|
وقد نحلت
شوقا فروع المنابر
|
كتمت بعيب
الشعر حلما وحكمة
|
|
ببعضهما
ينقاد صعب المفاخر
|
أما وأبيك
الخير إنّك فارس ال
|
|
مقال ومحيي
الدارسات الغوابر
|
وإنّك أعييت
المسامع والنّهى
|
|
بقولك عمّا
في بطون الدفاتر
|
فقد أجرى
الخطاب على غيره وهو يريد نفسه كي يتمكن من ذكر ما ذكره من الصفات الفائقة وعدّ ما
__________________
عدّه من الفضائل التائهة ، وكل ما يجيء من هذا القبيل فهو التجريد المحض.
وأما ما قصد به التوسع خاصة فكقول الصّمة بن عبد الله :
حننت الى
ريّا ونفسك باعدت
|
|
مزارك من
ريّا وشعبا كما معا
|
فما حسن أن
تأتي الأمر طائعا
|
|
وتجزع أن
داعي الصبّابة أسمعا
|
وقد ورد بعدهما
ما يدلّ على أنّ المراد بالتجريد فيهما التوسع ؛ لأنّه قال :
وأذكر أيام
الصّبا ثم أنثني
|
|
على كبدي من
خشية أن تصدّعا
|
بنفسي تلك
الأرض ما أطيب الربى
|
|
وما أحسن
المصطاف والمتربعّا
|
فانتقل من
الخطاب التجريدي الى خطاب النفس ولو استمر على الحالة الاولى لما قضي عليه بالتوسع
وإنما كان يقضي عليه بالتجريد البليغ.
وعلى هذا
الاسلوب ورد قول المتنبي :
لا خيل عندك
تهديها ولا مال
|
|
فليسعد النطق
إن لم تسعد الحال
|
واجز الأمير
الذي نعماه فاجئة
|
|
بغير قول
ونعمى القوم أقوال
|
الثاني :
التجريد غير المحض ، وهو خطاب لنفسك لا لغيرك ، وهذا «نصف تجريد» لأنّك لم تجرد من
نفسك شيئا وإنّما خاطبت نفسك بنفسك. ومنه قول عمرو بن الاطنابة :
أقول لها وقد
جشأت وجاشت
|
|
مكانك تحمدي
أو تستريحي
|
وقول الاخر :
أقول للنفس
تأساء وتعزية
|
|
إحدى يديّ
أصابتني ولم ترد
|
وليس في هذا ما
يصلح أن يكون خطابا لغيرك كالأول وإنما المخاطب هو المخاطب بعينه وليس ثمّ شيء
خارج عنه.
وتحدث عنه عبد
القاهر وأخرجه من الاستعارة وقال تعليقا على قوله تعالى : (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) : «والمعنى ـ والله أعلم ـ أنّ النار هي دار الخلد وأنت
تعلم أن لا معنى ههنا لأن يقال إنّ النار شبهت بدار الخلد إذ ليس المعنى على تشبيه
النار بشيء يسمى دار الخلد كما تقول في زيد : «إنّه مثل الأسد» ثم تقول : «هو
الأسد» وإنما هو كقولك : «النار منزلهم ومسكنهم» .
وقال ابن مالك
: «التجريد أن تدلّ على أنّ الشيء بليغ في وصف بدعوى ما يستلزم صحة استخلاص موصوف
تهيأ منه ، كما تقول : «لي من فلان صديق حميم» على دعوى أنّه قد بلغ من الصداقة
مبلغا صحّ معه أن يستخلص منه مثله فيها ».
وقال الحلبي
والنويري : هو أن ينتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مثله في تلك الصفة مبالغة في كمالها
فيه» . ومثل ذلك قال القزويني وذكر أنّه أقسام غير أنّه لم يحددها واكتفى بالأمثلة
التي يتّضح منها أنّ التجريد يكون بالباء وب «من» ومخاطبة الغير ويراد به النفس
وانتزاع شيء من شيء مثله كقوله تعالى : (لَهُمْ فِيها دارُ
الْخُلْدِ) فقد انتزع منها مثلها. وفعل مثله شراح تلخيصه . ولم يخرج العلوي على ما ذكره ابن الأثير .
__________________
وسمّى ابن قيم
الجوزية التجريد المحض «خطاب الغير» وقال : «الأول خطاب الغير والمراد به المتكلم
وهو أولى باسم التجريد» وسمّى غير المحض «خطاب المتكلم لنفسه» . وقال الزركشي : «هو أن تعتقد أنّ في الشيء من نفسه
معنى آخر كأنه مباين له فتخرج ذلك الى ألفاظه بما اعتقدت ذلك» .
ونقل الحموي تعريف القزويني ولم يفصّل القول فيه وإنما اكتفى بمثال
واحد : «مررت بالرجل الكريم والنسمة المباركة» فجردت من الرجل نسمة متصفة بالبركة
وعطفتها عليه كأنها غيره وهي هو. وبيت واحد هو :
أعانق غصن
البان من لين قدّها
|
|
وأجني جنيّ
الورد من وجناتها
|
فانه جرّد من
قدّها غصنا ومن وجنتيها وردا.
وذكر السيوطي
في «معترك الاقران» مثال الحموي النثري وبعض الآيات بعد أن عرّفه تعريفا لا يخرج
على ما قاله السابقون . ولكنه أعاد الحديث عنه في «شرح عقود الجمان» وقسّمه
الى قسمين : الأول : أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله مبالغة.
الثاني : أن
تجرد نفسك فتخاطبها كأنّها غيرك .
وقال المدني
بعد أن ذكر معنى التجريد في اللغة : «وفي الاصطلاح أن ينتزع من أمر متصف بصفة أمر
آخر مثله في تلك الصفة مبالغة لكمالها فيه حتى كأنه بلغ من الاتصاف بها مبلغا يصحّ
أن ينتزع منه أمر آخر موصوف بتلك الصفة» .
وأوضح أقسامه
وهي :
الأول : أن
يكون بـ «من» التجريدية الداخلة على المنتزع منه. مثل : «لي من فلان صديق حميم» أي
قد بلغ من الصداقة مبلغا صحّ معه أن يستخلص منه صديق آخر مثله فيها. ومنه قول
الشاعر :
وبي ظبية
أدماء ناعمة الصّبا
|
|
تحار الظباء
الغيد من لفتاتها
|
أعانق غصن
البان من لين قدّها
|
|
وأجني جنيّ
الورد من وجناتها
|
وقول أبي
العلاء :
ماجت نمير
فهاجت منك ذا لبد
|
|
والليث أفتك
أفعالا من النّمر
|
الثاني : أن
يكون بالباء التجريدية الداخلة على المنتزع منه. مثل : «لئن سألت فلانا لتسألن به
البحر» بالغ في اتصافه بالسماحة حتى انتزع منه بحرا في السماحة.
ومنه قول
الشاعر :
دعوت كليبا
دعوة فكأنّما
|
|
دعوت بها ابن
الطّود أو هو أسرع
|
جرّد من كليب
شيئا يسمى ابن الطود وهو الصدى ، والحجر إذا تدهده ، يريد به سرعة استجابته.
الثالث : أن
يكون بدخول باء المعية والمصاحبة في المنتزع كقوله :
وشوهاء تعدو
بي الى صارخ الوغى
|
|
بمستلئم مثل
الفنيق المرحّل
|
الرابع : أن
يكون بدخول «في» على المنتزع منه كقوله تعالى : (لَهُمْ فِيها دارُ
الْخُلْدِ) أي : في جهنم وهي دار الخلد ، لكنه انتزع منها دارا
أخرى وجعلها معدة في جهنم لأجل الكفار تهويلا لأمرها ومبالغة في اتصافها بالشدة.
__________________
الخامس : أن
يكون بلا توسط حرف كقول قتادة بن مسلمة الحنفي :
فلئن بقيت
لأرحلنّ بغزوة
|
|
تحوي الغنائم
أو يموت كريم
|
يعني بالكريم
نفسه فكأنه انتزع من نفسه كريما مبالغة في كلامه ، ولذلك لم يقل : «أو أموت».
السادس : أن
يكون بطريق الكناية كقول الأعشى :
يا خير من يركب
المطيّ ولا
|
|
يشرب إلا
بكفّ من بخلا
|
أي يشرب الكأس
بكف جواد ، فقد انتزع من الممدوح جوادا يشرب هو الكأس بكفه على طريق الكناية لأنّه
إذا نفى عنه الشرب بكف البخيل فقد أثبت له الشرب بكف كريم ، ومعلوم أنّه يشرب بكفه
فهو ذلك الكريم.
السابع : أن
يكون بطريق خطاب المرء لنفسه كقول المتنبي :
لا خيل عندك
تهديها ولا مال
|
|
فليسعد النطق
إن لم تسعف الحال
|
كأنه انتزع من
نفسه شخصا آخر مثله في فقد الخيل والمال والحال الذي هو الغنى.
وهذه الأقسام
التي ذكرها المدني جمعت ما قاله السابقون.
التّجزئة :
الجزء : البعض
، وجزأ الشيء جزء وجزّأه : جعله أجزاء ، وكذلك التجزئة وجزّأ المال بينهم ـ مشدد
لا غير ـ قسّمه ، وأجزأ منه جزء أخذه .
قال ابن منقذ :
التجزئة هو أن يكون البيت مجزأ ثلاثة أجزاء أو أربعة» كقول المتنبي :
فنحن في جذل
والروم في جزل
|
|
والبحر في
خجل والبر في شغل
|
وقال المصري : «وهو
أنّ الشعر ـ يجزىء البيت من الشعر جميعه أجزاء عروضية ويسجعها كلها على رويين
مختلفين جزء بجزء الى آخر البيت ، الأول من الجزأين على رويّ مخالف لرويّ البيت ،
والثاني على رويّ البيت» كقول الشاعر :
هندية
لحظاتها
|
|
خطية خطراتها
|
داريّة
نفحاتها
|
ومثال الثاني
الذي سجع كل ثان من أجزائه زائدا على قافيته قول أبي تمام :
تجلّى به
رشدي وأثرت به يدي
|
|
وطاب به ثمدي
وأورى به زندي
|
وفرّق بينه
وبين التسميط من وجهين :
الأول : تقسيم
بيتها الى ثلاثة أجزاء مسجعة إن كان سداسيا أو أربعة مسجعة إن كان ثمانيا.
الثاني :
التزام السجع في الأجزاء على قافية البيت.
وفرّق بينه
وبين التسجيع فقال : «وبينه وبين التجزئة اختلاف زنة أجزائه ومجيئها على غير عدد
محصور معين» .
وقال ابن مالك
: «التجزئة أن تأتي مقاطع أجزاء البيت على سجعين متداخلين وأولهما مخالف للروي
والثاني على وفقه» .
وسمّاه ابن قيم
الجوزية : «التجزيء» : وقال : «هو أن يكون الكلام مجزء ثلاثة أجزاء أو أربعة
__________________
أجزاء» كقوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ
الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) ، وهذا مثال الأجزاء الثلاثة أما مثال الأربعة فكقوله
تعالى حكاية عن ابراهيم ـ عليهالسلام ـ يعظ أباه بقوله : (يا أَبَتِ لِمَ
تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً. يا أَبَتِ
إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ
صِراطاً سَوِيًّا. يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ
لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا. يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ
الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا).
ولا يخرج كلام
الحموي والسيوطي والمدني على هذا التحديد وهذه الأمثلة .
التّجزيء :
هو التجزئة ،
وهذه تسمية ابن قيم الجوزية . وقد تقدم.
التّجميع :
جمع الشيء عن
تفرقة يجمعه جمعا وجمّعه وأجمعه فاجتمع ، وكذلك تجمّع واستجمع.
وجمعت الشيء
إذا جئت به من ههنا وههنا .
ذكر قدامة
التجميع في عيوب القوافي وقال : «هو أن تكون القافية المصراع الاول من البيت الاول
على روي متهّيء لأن تكون قافية آخر البيت فتأتي بخلافه» كقول عمرو بن شأس :
تذكّرت ليلى
لات حين ادّكارها
|
|
وقد حني
الاصلاب ضلا بتضلال
|
وعدّه العسكري
من عيوب الازدواج وقال عنه : «هو أن تكون فاصلة الجزء الأول بعيدة المشاكلة لفاصلة
الجزء الثاني» . مثل ذلك أنّ سعيد بن حميد كتب : «وصل كتابك فوصل به ما
يستعبد الحر وإن كان قديم العبودية ويستغرق الشكر وإن كان سالف ودك لم يبق منه
شيئا». فالعبودية بعيدة منه. وذكر العسكري وابن سنان أنّ قدامة مثّل للتجميع بقول سعيد هذا ، وليس في «نقد
الشعر» هذا المثال.
وقال ابن رشيق
إنّ من ابتداء القصائد التجميع وهو «أن يكون القسم الأول متهيئا للتصريع بقافية ما
فيأتي تمام البيت بقافية من خلالها» . كقول جميل بثينة :
يا بثن إنّك
قد ملكت فاسجحي
|
|
وخذي بحظك من
كريم واصل
|
فتهيأت القافية
على الحاء ثم صرفها الى اللام. ثم قال ابن رشيق : «وهو كالاكفاء والسناد في القوافي إلا أنّه دونهما في الكراهية جدا واذا لم
يصرع الشاعر قصيدته كان كالمتسوّر الداخل من غير باب».
وقال ابن سنان
إنّ قدامة سمّى «ترك المناسبة في مقاطع الفصول التجميع» ثم قال : «ومن عيوب القوافي أن تكون قافية المصراع
الأول من البيت الأول على روي ينبىء أن تكون قافية آخر البيت بحسبه فيأتي بخلافه» .
__________________
وقال البغدادي
إنّ التجميع من عيوب الألفاظ ومثّل له بقول سعيد بن حميد . وقال القرطاجني : «ويكره أن يكون مقطع المصراع الأول
على صيغة يوهم وضعها أنّها مصراع ثم تأتي القافية على خلاف ذلك فيخلف ظن النفس في
القافية لذلك ، وقد سمّي هذا تجميعا» .
التّجنيس :
الجنس : الضرب
من كل شيء ، وهو من الناس ومن الطير ومن حدود النحو والعروض ومن الأشياء جملة.
ومنه المجانسة والتجنيس ، ويقال : هذا يجانس هذا أي يشاكله وفلان يجانس البهائم
ولا يجانس الناس إذا لم يكن له تمييز ولا عقل .
وقال الحموي : «وأما
اشتقاق الجناس فمنهم من يقول التجنيس هو تفعيل من الجنس ومنهم من يقول المجانسة
المفاعلة من الجنس أيضا إلا أنّ إحدى الكلمتين إذا تشابهت بالأخرى وقع بينهما
مفاعلة الجنسية والجناس مصدر جانس ، ومنهم من يقول التجانس التفاعل من الجنس أيضا
لأنه مصدر تجانس الشيئان إذا دخلا في جنس واحد. ولما انقسم أقساما كثيرة وتنوع
أنوعا عديدة تنزل منزلة الجنس الذي يصدق على كل واحد من أنواعه فهو حينئذ جنس» .
وقال المدني : «الجناس
والتجنيس والمجانسة والتجانس كلها ألفاظ مشتقة من الجنس ، فالجناس مصدر جانس
والتجنيس تفعيل من الجنس والمجانسة مفاعلة منه ؛ لأنّ إحدى الكلمتين إذا شابهت
الأخرى وقع بينهما مفاعلة الجنسية ، والتجانس مصدر تجانس الشيئان إذا دخلا تحت جنس
واحد» .
فالتجنيس هو
التجانس والجناس والمجانسة وكلها مشتقة من الجنس ، وقد قال ابن الاثير الحلبي : «فأما
لفظة الجناس فيقال إنّ العرب لم تتكلم بها وانما علماء اللغة قاسوها على نظائرها
وجعلوا الجناس حال كلمة بالنسبة الى أختها وكذلك المجانسة. وأما التجنيس فانه فعل
المجنس مثل التصنيف فعل المصنف. وأما التجانس فهو الكلمات في نفسها من التشابه» .
وقال العلوي : «وهو
تفعيل من التجانس وهو التماثل وانما سمي هذا النوع جناسا لأن التجنيس الكامل أن
تكون اللفظة تصلح لمعنيين مختلفين ، فالمعنى الذي تدل عليه هذه اللفظة هي بعينها
تدل على المعنى الآخر من غير مخالفة بينهما ، فلما كانت اللفظة الواحدة صالحة لهما
جميعا كان جناسا ، وهو من ألطف مجاري الكلام ومحاسن مداخله وهو من الكلام كالغرة
في وجه الفرس. فالجنس في اللغة هو الضرب من الشيء وهو أعم من النوع والمجانسة
المماثلة. وسمّي هذا النوع جناسا لما فيه من المماثلة اللفظية. وزعم ابن دريد أنّ
الاصمعي يدفع قول العامة : «هذا مجانس» لهذا ، ويقول إنه مولّد» .
وللأصمعي كتاب
سماه «الأجناس» ولأبي عبيد الله القاسم بن سلّام «كتاب الاجناس من كلام العرب وما
اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى» وقد أشار سيبويه الى فن التجنيس وسماه «اتفاق اللفظين
والمعنى مختلف» . وذكر المبرد مثل ذلك وله كتاب «ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن
__________________
المجيد» . وسماه ثعلب «المطابق» وقال : «هو تكرر اللفظة بمعنيين
مختلفين» .
والتجنيس ثاني
فن من بديع ابن المعتز وهو «أن تجيء الكلمة تجانس أخرى في بيت شعر وكلام.
ومجانستها لها
أن تشبهها في تأليف حروفها على السبيل الذي ألف الاصمعي كتاب الاجناس عليها.
وقال الخليل : «الجنس
لكل ضرب من الناس والطير والعروض ونحوه فمنه ما تكون الكلمة تجانس أخرى في تأليف
حروفها ومعناها ويشتق منها مثل قول الشاعر : «يوم خلجت على الخليج نفوسهم». أو
يكون تجانسها في تأليف الحروف دون المعنى مثل قول الشاعر : «إن لوم العاشق اللوم» . ومعنى ذلك ان التسمية ليست لابن المعتز وانما هي
للخليل وللاصمعي ، ويبدو أن رأيهما قريب من كلامه فهو يقول : «على السبيل الذي ألف
: الأصمعي كتاب الاجناس عليها».
وللتجنيس
تعريفات كثيرة ، وقد شرّق المؤلفون فيه وغرّبوا وقسموه أقساما كثيرة لذلك قال ابن
الاثير : «وقد تصرف العلماء من أرباب هذه الصناعة فيه فغرّبوا وشرّقوا لا سيما
المحدثين منهم ، وصنف الناس فيه كتبا كثيرة وجعلوه أبوابا متعددة واختلفوا في ذلك
وأدخلوا بعض تلك الابواب في بعض فمنهم عبد الله بن المعتز وأبو علي الحاتمي
والقاضي أبو الحسن الجرجاني وقدامة بن جعفر الكاتب ، وإنما سمّي هذا النوع من
الكلام مجانسا ، لأنّ حروف ألفاظه يكون تركيبها من جنس واحد. وحقيقته أن يكون
اللفظ واحدا والمعنى مختلفا وعلى هذا فانه : هو اللفظ المشترك وما عداه فليس من
التجنيس الحقيقي في شيء إلا أنّه قد خرج من ذلك ما يسمى تجنيسا وتلك تسمية
بالمشابهة لا لأنّها دالة على حقيقة المسمّى بعينه» .
وكان البلاغيون
قبل ذلك قد عرفوا التجنيس وتحدثوا عنه ومنهم قدامة الذي تكلم في باب ائتلاف اللفظ
والمعنى على المطابق والمجانس وقال : «ومعناهما أن تكون في الشعر معان متغايرة قد
اشتركت في لفظة واحدة وألفاظ متجانسة مشتقة. فأما المطابق فهو ما يشترك في لفظة
واحدة مثل قول زياد الأعجم :
ونبئتهم
يستنصرون بكاهل
|
|
وللؤم فيهم
كاهل وسنام
|
... وأما المجانس فأن تكون المعاني اشتراكها في
ألفاظ متجانسة على جهة الاشتقاق مثل قول أوس بن حجر :
لكن بفرتاج
فالخلصاء أنت بها
|
|
فحنبل فعلى
سرّاء مسرور
|
ومثل قول زهير
:
كأنّ عيني
وقد سال السليل بهم
|
|
وجيرة ما هم
لو أنّهم أمم
|
فالمطابق عند
قدامة هو التجنيس الحقيقي اما المجانس فهو شبيه به أو أحد أنواعه الذي سمّي تجنيس
الاشتقاق.
وذكر الحاتمي
قصة هذا الخلاف في المصطلح فقال : «أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين القرشي قال
:قلت لأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش وكان
__________________
أعلم من شاهدته بالشعر : أجد قوما يخالفون في الطباق فطائفة تزعم ـ وهي
الأكثر ـ بأنه ذكر الشيء وضده فيجمعهما اللفظ فهما لا المعنى. وطائفة تخالف ذلك
فتقول : هو اشتراك المعنيين في لفظ واحد كقول زياد الاعجم :
ونبئتهم
يستنصرون بكاهل
|
|
وللؤم فيهم
كاهل وسنام
|
فقوله : «كاهل»
للقبيلة ، وقوله «كاهل» للعضو عندهم هو المطابقة. قال : فقال الأخفش : من هذا الذي
يقول هذا؟ قلت : قدامة وغيره ... فقال : هذا يا بني هو التجنيس ومن زعم أنّه طباق
فقد ادّعى خلافا على الخليل والأصمعي. فقيل له : أفكانا يعرفان هذا؟فقال : سبحان
الله وهل غيرهما في علم الشعر وتمييز خبيثه من طيبه. قلت : فأنشدني أحسن طباق
للعرب.
قال قول عبد
الله بن الزّبير الأسدي :
رمى الحدثان
نسوة آل حرب
|
|
بمقدار سمدن
له سمودا
|
فردّ شعورهنّ
السود بيضا
|
|
وردّ وجوههنّ
البيض سودا
|
وتحدث الحاتمي
عن المجانسة وذكر له قول جرير :
كأنّك لم تسر
ببلاد نعم
|
|
ولم تنظر
بناظرة الخياما
|
وقوله :
وما زال
معقولا عقال عن النّدى
|
|
وما زال
محبوسا من الخير حابس
|
وهذا ما يدخل
في التجنيس. وتكلم الآمدي على المجانس في شعر أبي تمام فقال : «هو ما اشتق بعضه من
بعض» وذكر مصطلح «التجنيس» فقال عن جرير والفرزدق : «وكأنّ هذين الشاعرين في
تجنيس ما جنّساه من هذه الالفاظ وحاجتهما اليه يشبه قول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «عصيّة عصت الله ، وغفار غفر الله لها ، وأسلم سالمها
الله» . ثم قال بعد أن تكلم على المطابق : «وهذا باب ـ أعني المطابق ـ لقبه أبو
الفرج قدامة ابن جعفر في نقد الشعر «المتكافىء» وسمّى ضربا من المتجانس المطابق ...
وما علمت أنّ أحدا فعل هذا غير أبي الفرج فانه وان كان هذا اللقب يصح لموافقته
معنى الملقبات ، وكانت الألقاب غير محظورة فاني لم أكن أحب له أن يخالف من تقدمه
مثل أبي العباس عبد الله بن المعتز وغيره ممن تكلم في هذه الأنواع وألّف فيها إذ
قد سبقوا الى التلقيب وكفوه المؤونة. وقد رأيت قوما من البغداديين يسمون هذا النوع
المجانس المماثل ويلحقون به الكلمة إذا ترددت وتكررت نحو قول جرير :
تزوّد مثل
زاد أبيك فينا
|
|
فنعم الزاد
زاد أبيك زادا
|
وبابه قليل» .
وعقد الرماني
بابا للتجانس وقال : «هو بيان بأنواع الكلام الذي يجمعه أصل واحد في اللغة» . وقال العسكري : «التجنيس أن يورد المتكلم كلمتين تجانس
كل واحدة منهما صاحبتها في تأليف حروفها على حسب ما ألّف الأصمعي كتاب الأجناس.
فمنه ما تكون الكلمة تجانس الأخرى لفظا واشتقاق معنى كقول الشاعر :
يوما خلجت
على الخليج نفوسهم
|
|
عصبا وأنت لمثلها
مستام
|
__________________
... ومنه ما
يجانسه في تأليف الحروف دون المعنى كقول الشاعر :
يا صاح إنّ
أخاك الصّبّ مهموم
|
|
فارفق به إنّ
لوم العاشق اللّوم
|
وقال الباقلاني
: «ومعنى ذلك أن تأتي بكلمتين متجانستين. فمنه ما تكون الكلمة تجانس الأخرى في
تأليف حروفها ومعناها واليه ذهب الخليل.
ومنهم من زعم
ان المجانسة أن تشترك اللفظتان على جهة الاشتقاق» .
ولم يعرّف ابن
رشيق التجنيس وانما ذكر أنّه ضروب كثيرة وعرّف كل ضرب وذكر له أمثلة ، وفعل مثله عبد القاهر الذي تحدث عن ميزته ومواضع
الاحسان والاساءة في استعماله . وقال التبريزي : هو «أن يأتي الشاعر بلفظتين في البيت
إحداهما مشتقة من الأخرى ، وهذا الجنس يسمونه المطلق» ، ونقل البغدادي هذا التعريف .
وقال الصنعاني
: «هو اجتماع كلمتين ألفتا من حروف متجانسة ولأهل الأدب فيه مذاهب مختلفة وأقسامه
كثيرة» .
وقال السكاكي :
«هو تشابه الكلمتين في اللفظ» وأدخله في التحسين اللفظي كما فعل ابن الاثير حينما
تحدث عنه في الصناعة اللفظية .
وقال المظفر
العلوي : «هو أن يأتي الشاعر بكلمتين مقترنتين متقاربتين في الوزن غير متباعدتين
في النظم ، غير متنافرتين عن الفهم يتقبلهما السمع ولا ينبو عنهما الطبع» .
وقال ابن مالك
: «ويسميه قدامة طباقا ، وهو أن تأتي في غير رد العجز على الصدر بلفظتين بينهما
تماثل في الحروف وتغاير في المعنى» . وأدخله في قسم الفصاحة اللفظية من علم البديع.
وقال التنوخي
هو : «أن يأتي المتكلم في كلامه بحرف أو حرفين ثم يأتي بها ثانيا في أثناء ذلك
الكلام من غير أن يكون بينهما بعد بحيث ينصرف فيه الذهن عن الأول. ولعل ذلك أن
يكونا مجتمعين في بيت من الشعر ونحوه من الكلام ، ولا بدّ أن يكون المتجانسان
مختلفي المعنى» .
وسمّاه
القزويني : «الجناس» وأدخله في المحسنات اللفظية كالسكاكي وابن مالك ، وتبعه في التسمية شراح التلخيص
والحموي والسيوطي والمدني .
وسماه ابن
الأثير الحلبي : «الجناس» ولكنه حينما عرفه قال : «وحدّ التجنيس أنّه اتفاق
الالفاظ واختلاف المعاني» ، وقريب من هذا ما ذكره العلوي الذي عرفه بقوله : «وهو
أن تتفق اللفظتان في وجه من الوجوه ويختلف معناهما» .
ولم يهتم
الادباء جميعهم بهذا الفن ، فقد كان منهم من لا يتخذه مذهبا لما في كثير منه من
__________________
التكلف ، قال الحموي : «أما الجناس فانّه غير مذهبي ومذهب من نسجت على
منواله من أهل الأدب وكذلك كثرة اشتقاق الالفاظ فانّ كلا منهما يؤدي الى العقادة
والتقييد عن اطلاق عنان البلاغة في مضمار المعاني المبتكرة» . وكان الاوائل يستعملون هذا الفن ولكن من غير إسراف
فلما أفضى الحال الى المولّدين في العصر العباسي شاع وظهر ، وقد أكثر منه أبو تمام
، ولذلك قال ابن المعتز في التجنيس وغيره من فنون البديع : «إنّ حبيب ابن أوس
الطائي من بعدهم شغف به حتى غلب عليه وتفرّع فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء
في بعض وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف» .
وأقسام التجنيس
أو الجناس كثيرة ، وقد اختلف أرباب البديع فيها اختلافا كبيرا ، وقد أفرده
بالتأليف جماعة منهم الشيخ صفي الدين الحلي ، ألف كتابا سماه «الدر النفيس في
أجناس التجنيس» والشيخ صلاح الدين الصفدي. ألف فيه كتابه المسمى «جناس الجناس» ورأى ابن الاثير أنّه سبعة أقسام ، واحد منها يدل على
حقيقة التجنيس لأنّ لفظه واحد لا يختلف ، وستة أقسام مشبهة. فالقسم الأول الحقيقي
هو «أن تتساوى حروف ألفاظه في تركيبها ووزنها» ، والأقسام الستة المشبهة بالتجنيس هي :
الأول : أن
تكون الحروف متساوية في تركيبها مختلفة في وزنها.
الثاني : أن
تكون الألفاظ متساوية في الوزن مختلفة في التركيب بحرف واحد لا غير.
الثالث : أن
تكون الالفاظ مختلفة في الوزن والتركيب بحرف واحد.
الرابع :
المعكوس ، وهو ضربان : عكس الالفاظ وعكس الحروف.
الخامس : المجنب
وهو أن يجمع مؤلف الكلام بين كلمتين إحداهما كالتبع للأخرى والجنيبة لها.
السادس : ما
يساوي وزنه تركيبه غير أنّ حروفه تتقدم وتتأخر.
وفي كتب
البلاغة والنقد والأدب أنواع كثيرة هي :
تجنيس الإشارة
:
قال الرازي : «إنّ
المتجانس قد يكون مذكورا صريحا وقد يكون مذكورا باشارة» .
وقال العلوي : «هو
أن لا يذكر أحد المتجانسين في الكلام ولكن يشار اليه بما يدلّ عليه» .
كقول بعضهم
وذكره الرازي أيضا :
حلقت لحية
موسى باسمه
|
|
وبهرون اذا
ما قلبا
|
لأنّ كلمة «هرون»
إذا قلبت كانت «نوره» لكنه لم يذكرها وانما أشار اليها اشارة بقوله : «وبهرون إذا
ما قلبا».
وقول آخر :
وما أروى وان
كرمت علينا
|
|
بأدنى من
موقّفة حرون
|
يطيف بها
الرماة فتتقيهم
|
|
بأوعال معطفة
القرون
|
ف «أروى» هي
المرأة ، وقوله «موقفة حرون» إشارة الى أروى الأوعال وأراد أنّ هذه المرأة التي
اسمها أروى ليست بأقرب من التي في الجبال لكنه أعرض عن ذكرها.
__________________
وسمّى بعضهم
هذا النوع «تجنيس الكناية» قال الحموي : «وكل منهما مطباق التسمية» . وأدخله في الجناس المعنوي وعرّفه بقوله : «الضرب
الثاني من المعنوي وهو جناس الاشارة والكناية هو غير الأول أي جناس
الاضمار. وسبب ورود هذا النوع في النظم أنّ الشاعر يقصد المجانسة في بيته بين
الركنين من الجناس فلا يوافقه الوزن على إبرازهما فيضمر الواحد ويعدل بقوته الى
مرادف فيه كناية تدل على الركن المضمر فان لم يتفق له مرادف الركن المضمر فيأتي
بلفظة فيها كناية لطيفة تدل عليه. وهذا لا يتفق في الكلام المنثور» . ومثاله قول امرأة من عقيل وقد أراد قومها الرحيل عن
بني ثهلان وتوجه منهم جماعة يحضرون الابل :
فما مكثنا
دام الجمال عليكما
|
|
بثهلان إلا
أن تشدّ الأباعر
|
وأرادت أن
تجانس بين الجمال والجمال فلم يساعدها الوزن ولا القافية فعدلت الى مرادفة الجمال
بالاباعر.
ومنه قول دعبل
في امرأته سلمى :
إنّي أحبّك
حبّا لو تضمّنه
|
|
سلمى سميّك
ذاك الشاهق الراسي
|
فالكناية في «سميّك»
لأنّها أشعرت أنّ الركن المضمر في سلمى يظهر منه جناس الاشارة بين الركن الظاهر
والمضمر في سلمى ، وسلمى الذي هو الجبل.
ولم يخرج
السيوطي والمدني عن ذلك في بحث هذا الفن .
تجنيس الاشتقاق
:
ألحقه القزويني
بالجناس وقال : هو «أن يجمع بين اللفظين الاشتقاق» كقوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ
لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) ، وقوله (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ).
ومنه قول أبي
تمام :
وأنجدتم من
بعد إتهام داركم
|
|
فيا دمع
أنجدني على ساكني نجد
|
وقال الحلبي
والنويري : «ويسمى الاقتضاب أيضا ومنهم من عدّه أصلا برأسه ومنهم من عدّه أصلا في
التجنيس : وهو أن تجيء بألفاظ يجمعها أصل واحد في اللغة» .
وقال السيوطي :
«ويسمى المقتضب» . وقد فرّق الحموي بينه وبين المطلق فقال : «اما الجناس
المطلق فلشدة تشابهه بالمشتق يوهم أحد ركنيه أن أصلهما واحد وليس كذلك كقوله تعالى
: (وَإِنْ يُرِدْكَ
بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) ، وكقوله تعالى : (لِيُرِيَهُ كَيْفَ
يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) ... فهذه الأركان هنا شواهد على الجناس المطلق ليس فيها
ركنان يرجعان الى أصل واحد كالمشتق بل جميع ما ذكرنا أسماء أجناس وهي محمولة على
عدم الاشتقاق» .
تجنيس الإضافة
:
قال ابن
الزملكاني : «فإن عرض للمنطق أن أضيف الى احدى الكلمتين قيل له تجنيس الاضافة كقول
البحتري :
__________________
أيا قمر
التمام أعنت ظلما
|
|
عليّ تطاول
الليل التمام
|
فصار بالاضافة
كالمختلفين» . وكان القاضي الجرجاني قد سماه «المضاف» وذكر بيت
البحتري وقال : «ومعنى التمام واحد في الامرين ولو انفرد لم يعدّ تجنيسا ولكنّ
أحدهما صار موصولا بالقمر والآخر بالليل فكانا كالمختلفين» .
تجنيس الإضمار :
التجنيس
المعنوي نوعان : تجنيس الاشارة وقد تقدم ، وتجنيس الاضمار قال الحموي : «فالمعنوي
المضمر هو أن يضمر الناظم ركني التجنيس ويأتي في الظاهر بما يرادف المضمر للدلالة
عليه ، فان تعذّر المرادف أتى بلفظ فيه كناية لطيفة تدل على المضمر بالمعنى» . ومنه قول ابن عبدون وقد اصطبح بخمرة ترك بعضها الى
الليل فصارت خلا :
ألا في سبيل
اللهو كأس مدامة
|
|
أتتنا بطعم
عهده غير ثابت
|
حكت بنت
بسطام بن قيس صبيحة
|
|
وأمست كجسم
الشنفرى بعد ثابت
|
فبنت بسطام بن
قيس كان اسمها الصهباء ، والشنفرى قال :
اسقنيها يا
سواد بن عمرو
|
|
إنّ جسمي من
بعد حالي لخلّ
|
والخل هو
الرقيق المهزول فظهر من كناية اللفظ جناسان مضمران في صهباء وصهباء ، وخل وخل ،
وهما في صدر البيت وعجزه. ومن هنا أخذ الشيخ صفي الدين الحلي وقال :
وكلّ لحظ أتى
باسم ابن ذي يزن
|
|
في فتكه
بالمعنّى أو أبي هرم
|
فابن ذي يزن
اسمه سيف وأبو هرم اسمه سنان ، فظهر له جناسان مضمران من كنايات الالفاظ الظاهرة.
ونقل السيوطي
والمدني هذا الكلام ، وسارا على خطا الحموي .
تجنيس الإطلاق
:
ألحقه القزويني
بالجناس وقال : هو أن تجمع اللفظين المشابهة ، وهي ما يشبه الاشتقاق وليس به . وقال السيوطي : «ومنها تجنيس الاطلاق بأن يجتمعا في
المشابهة فقط» . وقال : «ويسمى أيضا المشابهة والمقاربة والمغايرة
وإيهام الاشتقاق» .
ومنه قوله
تعالى : (وَجَنَى
الْجَنَّتَيْنِ). وقوله : (قالَ إِنِّي
لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ).
ومنه قول
البحتري :
وإذا ما رياح
جودك هبّت
|
|
صار قول
العذول فيها هباءا
|
تجنيس الاقتضاب
:
هو تجنيس
الاشتقاق ، ويسمى المقتضب أيضا . وقد تقدم.
تجنيس البعض :
وهو مثل الجناس
او التجنيس الناقص ، ومنه قول القطامي :
__________________
بأحسن من
جمانة يوم ردّوا
|
|
جمال البين
واحتملوا نهارا
|
ف «جمانة» و «جمال»
تجنيس البعض.
ومنه قول
العجير السلولي :
تروّى من
البحرين ثم تروّحت
|
|
به العين
يهديه لظمياء ناقله
|
«تروّى» و «تروّحت» مجنس البعض .
التجنيس التامّ
:
وهو الجناس
المستوفي والمماثل والكامل قال السكاكي : «وهو أن لا يتفاوت المتجانسان في اللفظ» .
وقال الحلبي : «المستوفى
التام : وهو أن يجيء المتكلم بكلمتين متفقتين لفظا مختلفتين معنى لا تفاوت في
تركيبهما ولا اختلاف في حركتهما» .
وقال القزويني
: «والتام منه أن يتفقا في أنواع الحروف وأعدادها وهيئاتها وترتيبها فان كانا من
نوع واحد كاسمين سمي مماثلا كقوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ
السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ). وقول أبي تمام :
إذا الخيل
جابت قسطل الحرب صدّعوا
|
|
صدور العوالي
في صدور الكتائب
|
ف «صدور
العوالي» أسنّتها وأعاليها ، و «صدور الكتائب» نحور أفرادها.
وإن كانا من
نوعين كاسم وفعل سمّي مستوفى كقول أبي تمام :
ما مات من
كرم الزّمان فإنّه
|
|
يحيا لدى
يحيى بن عبد الله
|
تجنيس التّحريف
:
قال ابن منقذ :
«هو أن يكون الشكل فرقا بين الكلمتين» .
كقول البحتري :
سقم دون أعين
ذات سقم
|
|
وعذاب من
الثنايا العذاب
|
وقول الآخر :
أحبابنا ما
بين فر
|
|
قتكم وبين
الموت فرق
|
جازيتمونا في
بعا
|
|
دكم بما لا
نستحقّ
|
أفنيتم
العبرات فابقوا
|
|
وملكتم رقي
فرقّوا
|
وعرّفه المصري
بمثل هذا التعريف ، قال : «هو أن يكون الشكل فارقا بين الكلمتين أو بعضهما» . كقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّهُمْ
بِهِمْ) وقوله : (وَلكِنَّا كُنَّا
مُرْسِلِينَ) وكقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «الظّلم ظلمات».
__________________
ومنه قول أبي
تمام :
هنّ الحمام
فإن كسرت عيافة
|
|
من حائهنّ
فانّهنّ حمام
|
وهو ثلاثة
أقسام :
الأول : تبدل
فيه الحركة بالحركة كالآيتين السابقتين وبيت أبي تمام.
الثاني : تبدل
فيه الحركة بالسكون ، كالحديث الشريف.
الثالث : يبدل
فيه التخفيف بالتشديد مثل : «الجاهل إما مفرط أو مفرّط». وعرّفه مثل ذلك ابن
الاثير الحلبي وابن قيم الجوزية ، وقال الحموي : «هو ما اتفق ركناه في عدد الحروف
وترتيبها ، واختلفا في الحركات سواء كانا من اسمين أو فعلين أو من اسم وفعل أو من
غير ذلك ، فانّ القصد اختلاف الحركات» .
تجنيس التّداخل
:
سمّاه بعضهم «تجنيس
الترجيع» وسماه التبريزي : «التجنيس الناقص» وسماه آخرون «تجنيس التذييل» ، وهو «الذي
يوجد في إحدى كلمتيه حرف لا يوجد في الأخرى ، وجميع حروف الأخرى موجود في الأولى
وقسم في وسطها وقسم في آخرها» . مثال الأول : قوله تعالى : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى
رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ).
ومثال الثاني :
قول بعضهم : من جدّ وجد».
ومثال الثالث :
قول أبي تمام :
يمدّون من
أيد عواص عواصم
|
|
تصول بأسياف
قواض قواضب
|
وقد تكون
الزيادة حرفين ، فإما أن يقعا في أول الكلمة ويكونا متقاربين كقولهم : «ليل دامس
وطريق طامس».
وإما أن يقعا
في وسطها كقولهم : «ما خصصتني بل خسستني». أو آخر الكلمة ويكونا متباعدين كقوله : «سالب
وساكب». أو متقاربين كقولهم : «شاحب وشاغب». ومن القسم الذي توسط فيه الحرف الواحد
قوله تعالى : (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ
لَشَهِيدٌ. وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ).
وقال المصري
تعليقا على قول أبي تمام : «يمدون من أيد ...» : «وعندي أنّ تسميته تجنيس التداخل
لدخول احدى الكلمتين في الأخرى ، أو تجنيس التضمين لتضمن إحدى الكلمتين لفظ الأخرى
أولى بالاشتقاق ، إذ لا معنى لقولهم يرجع لفظ إحدى الكلمتين في لفظ الأخرى لأنّ
ظاهر الرجوع يؤذن بذهاب قبله ولا ذهاب ، أو كما قالوا : «تجنيس التذييل» .
تجنيس التّذييل
:
هو تجنيس
التداخل أو تجنيس الترجيع .
تجنيس التّرجيع
:
سمّاه ابن منقذ
بهذا الاسم وقال : «هو أن ترجع الكلمة بذاتها» ، وسمّي تجنيس التداخل او تجنيس التذييل ، وسماه التبريزي «التجنيس الناقص» .
__________________
تجنيس التّركيب
:
ذكر ابن سنان «مجانس
التركيب» وقال : «ومن المجانس فن ورد في شعر أبي العلاء احمد بن عبد الله بن سليمان
وسماه لنا مجانس التركيب ، لأنّه يركب من الكلمتين ما يتجانس به الصيغتان» .
وقال ابن منقذ
: «هو أن تكون الكلمة مركبة من كلمتين» . ومنه قول أبي العلاء :
البابلية باب
كلّ بليّة
|
|
فتوقينّ دخول
ذاك الباب
|
وقول الآخر :
إن ترمك
الغربة في معشر
|
|
تضافروا فيك
على بغضهم
|
فدارهم ما
دمت في دارهم
|
|
وأرضهم ما
دمت في أرضهم
|
وقال المصري : «هو
أن تركب كلمة من كلمتين ليماثل بها كلمة مفردة في الهجاء واللفظ» . وهو قسمان :
الأول : تتشابه
الكلمتان فيه لفظا وخطّا كقول القائل :
يا من تدلّ
بوجنة
|
|
وأنامل من
عندم
|
كفّي جعلت لك
الفدا
|
|
ألحاظ عينك
عن دمي
|
وكقول أبي
الفتح البستي :
إذا ملك لم
يكن ذا هبه
|
|
فدعه فدولته
ذاهبة
|
الثاني :
يتشابهان فيه لفظا لا خطّا كقول الشاعر :
كلّكم قد أخذ
الجا
|
|
م ولا جام
لنا
|
ما الذي ضرّ
مدير ال
|
|
جام لو
جاملنا
|
وأدخله
القزويني في الجناس التام ، قال : «والتام ايضا إن كان أحد لفظيه مركبا سمي جناس
التركيب» . وكان ابن الزملكاني قد سماه «المركب» وقال «وقد يسّمى
هذا المرفو لضمك الى القصير الحرف الفائت لتعادل نظيرتها» .
وسمّاه الحلبي
كذلك وقسمه كتقسيم المصري ، وفعل مثله الحموي وقسّمه المدني الى ثلاثة أقسام ، الاول والثاني المتقدمان ، والثالث
سماه المرفو وهو ما كان أحد ركنيه مستقلا والآخر مرفوا من كلمة أخرى كقول الحريري
:
ولا تله عن
تذكار ذنبك وابكه
|
|
بدمع يحاكي
المزن حال مصابه
|
ومثّل لعينيك
الحمام ووقعه
|
|
وروعة ملقاه
ومطعم صابه
|
تجنيس التّصحيف
:
سمّاه ابن سنان
«مجانس التصحيف» ومثّل له بقول البحتري :
ولم يكن
المغترّ بالله إذ شرى
|
|
ليعجز
والمعتزّ بالله طالبه
|
وقال ابن منقذ
: «هو أن تكون النفط فرقا بين
__________________
الكلمتين» . وقال الحموي : «هو ما تماثل ركناه خطا واختلفا لفظا» . كقوله تعالى : (وَهُمْ يَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ) وكقول أبي تمام :
السيف أصدق
أنباء من الكتب
|
|
في حدّه
الحدّ بين الجدّ واللّعب
|
واتفق معظم
البلاغيين على هذه التسمية ، غير أنّ ابن الزملكاني والمظفر العلوي يسميانه «تجنيس
الخط» . وسماه الحلبي والنويري والعلوي والحموي والسيوطي والمدني «التجنيس
المصحّف» .
تجنيس التّصريف
:
قال ابن منقذ :
«هو أن تنفرد كل كلمة من الكلمتين عن الأخرى بحرف» كقوله تعالى :
(لَيَكُونُنَّ أَهْدى
مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ). وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «الخيل معقود بنواصيها الخير».
ومنه قول
الشريف الرضي :
لا يذكر
الرمل إلا حنّ مغترب
|
|
له بذي
الرّمل أوطار وأوطان
|
إذا تلفتّ في
أطلالها ابتدرت
|
|
للعين والقلب
أمواه ونيران
|
وقال المصري : «هو
اختلاف صيغة الكلمتين بابدال حرف من حرف إما من مخرجه أو من قريب منه» .
وقال الحلبي
والنويري : «ومن أجناس التجنيس تجنيس التصريف ، وهو ما كان كالمصحف إلا في اتحاد
الكتابة ثم لا يخلو من أن تتقارب فيه الحروف باعتبار المخارج أو لا تتقارب ، فان
تقاربت سمي مضارعا وإن لم تتقارب سمي لاحقا» .
فالمضارع كقوله
تعالى : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ
عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ). واللاحق كقول علي ـ رضياللهعنه ـ : «الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر».
وقسمه السيوطي
مثل ذلك ، وقال الحموي إنّ «من الناس من يسمّي كل ما اختلف بحرف
«تجنيس التصريف» سواء كان من المخرج أو من غيره» .
تجنيس التّغاير
:
سمّاه التبريزي
«المطلق» ، وقال المصري : «هو أن تكون احدى الكلمتين اسما
والأخرى فعلا» كقوله تعالى : (إِنِّي وَجَّهْتُ
وَجْهِيَ). وقوله : (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى
الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ
__________________
بِالْحَياةِ
الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ). وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «عصيّة عصت الله ورسوله ، وغفار غفر الله لها ،
وأسلم سالمها الله».
ومنه قول جرير
:
كأنك لم تسر
ببلاد نجد
|
|
ولم تنظر
بناظرة الخياما
|
وقال المصري : «وقد
فرّع التبريزي من هذا القسم ضربا سماه التجنيس المستوفي ، وهو أن تتشابه الكلمتان
لفظا وخطا وإحداهما اسم والأخرى فعل» كقول أبي تمام :
ما مات من
كرم الزمان فانّه
|
|
يحيا لدى
يحيى بن عبد الله
|
وهذا هو الجناس
التام الذي تقدم.
تجنيس التّماثل
:
قال المصري : «هو
أن تكون الكلمتان اسمين او فعلين» ، وهو ضربان :
الأول : تتماثل
فيه الكلمتان سواء كانتا اسمين ام فعلين في اللفظ والخط كقول الشاعر :
عينه تقتل
النفوس وفوه
|
|
منه تحيي عين
الحياة النفوسا
|
الثاني : لا
تتماثل في الكلمتان الا من جهة الاشتقاق سواء أكانتا اسمين أم فعلين ، كقوله تعالى
: (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) ، وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «اسلم تسلم».
ومنه قول
البحتري :
نسيم الروض
في ريح شمال
|
|
وصوب المزن
في راح شمول
|
ثم قال المصري
: «وهذان التجنيسان أعني التغاير والتماثل من التجنيس الذي أصّله قدامة وابن
المعتز» .
التّجنيس
الحقيقيّ :
قال ابن قيّم
الجوزية : «هو أن تأتي بكلمتين كل واحدة منهما موافقة للأخرى في الحروف مغايرة لها
في المعنى» .
وقال ابن
الاثير الحلبي : «فاما الحقيقي فهو ما استوت ألفاظه في الخط والوزن والتركيب» .
وهذا هو الجناس
التام ، وقد تقدم.
تجنيس الخطّ :
هو تجنيس
التصحيف أو المصحف وقد تقدم.
وقال الوطواط :
«ويسمونه أيضا المضارعة والمشاكلة» .
تجنيس العكس :
سمّاه العلوي «المعكوس»
وسماه الحموي والمدني «المقلوب» ، وقال ابن منقذ : «هو أن تكون الكلمة عكس الأخرى» وهو قسمان : .
الاول : تنقلب
فيه الحروف ، كقوله تعالى : (إِنِّي
__________________
خَشِيتُ
أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ). وقول أبي تمام :
بيض الصفائح
لا سود الصحائف في
|
|
متونهنّ جلاء
الشّك والريب
|
الثاني : تنقلب
فيه الكلمات كقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «جار الدار أحقّ بدار الجار» وقول بعضهم : «عادات
السادات سادات العادات».
وقال المصري : «هو
أن تكون إحدى كلمتيه عكس الأخرى بتقديم بعض الحروف على بعض» .
وقال الحلبي
والنويري : «فان اشتملت كل كلمة على حروف الأخرى وكان بعض هذه قلب حروف هذه خص
باسم جناس العكس» . كقول عبد الله بن رواحة يمدح النبي ـ صلىاللهعليهوسلم. ـ :
تحمله الناقة
الأدماء معتجرا
|
|
بالبرد
كالبدر جلّى نوره الظلما
|
تجنيس القلب :
هو ان تختلف
الكلمتان في ترتيب الحروف ، وقد قسّمه القزويني الى قسمين :
الاول : قلب
الكل كقولهم : «حسامه فتح لأوليائه حتف لأعدائه».
الثاني : قلب
البعض كما جاء في الخبر : «اللهمّ استر عوراتنا وآمن روعاتنا». وعليه قول المتنبي
:
ممنّعة
منعّمة رداح
|
|
يكلّف لفظها
الطير الوقوعا
|
واذا وقع أحد
المتجانسين جناس القلب في أول البيت والآخر في آخره سمّي «مقلوبا مجنحا» ومثّل له
السيوطي بقوله تعالى : (فَرَّقْتَ بَيْنَ
بَنِي إِسْرائِيلَ). وهذا هو تجنيس العكس.
تجنيس القوافي
:
وهو أن يأتي في
القافية كما يفهم من الأمثلة التي ذكرها المظفر العلوي كقول النابغة الذبياني :
نرى الراغبين
العاكفين ببابه
|
|
على كلّ شيزى
أترعت بالعراعر
|
له بفناء
البيت دهماء جونة
|
|
تلقم أوصال
الجزور العراعر
|
ومنه الأبيات :
أتعرف أطلالا
شجونك بالخال
|
|
وعيش زمان
كان في العصر الخالي
|
ليالي ريعان
الشباب مسلّط
|
|
عليّ بعصيان
الإمارة والخال
|
واذ أنا خدن
للغويّ أخي الصّبا
|
|
وللغزل
المريّح ذي اللهو والخال
|
ليالي تكنى
تستبيني بدّلها
|
|
وبالنظر
الفتّان والخدّ والخال
|
إذا سكنت
ربعا رئمت رباعها
|
|
كما رئم
الميثاء ذو الريثة الخالي
|
__________________
ويقتادني
منهم رخيم دلاله
|
|
كما اقتاد
مهرا حين يألفه الخالي
|
الخال الاول
موضع ، والثاني : الماضي ، والثالث العجب ، والرابع الذي لا زوجة له ، والخامس النقطة
السوداء ، والسادس الذي ليس له معين ، والسابع الذي يسوس الدواب.
التّجنيس
الكامل :
هو التجنيس
التام او المستوفي وقد تقدم.
تجنيس الكناية
:
هو تجنيس
الاشارة ، وقد تقدم.
التّجنيس
اللاحق :
قال الرازي :
وإما إن كان الاختلاف بحرفين غير متقاربين فيسمى التجنيس اللاحق» .
وقال السّكّاكي
: «وهو أن يختلفا لا مع التقارب» وقال مثل ذلك ابن الزّملكاني والحلبي والنويري
والقزويني والسيوطي .
وقال المدني : «هو
ما أبدل من أحد ركنيه حرف بحرف من غير مخرجه ولا قريب منه» . ويكونان إما في الأول كقوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ).
وإما في الوسط
كقوله تعالى : (ذلِكُمْ بِما
كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ
تَمْرَحُونَ) ، وقوله : (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ
لَشَهِيدٌ. وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ). وإما في الآخر كقوله تعالى : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ).
وقول البحتري :
هل لما فات
من تلاق تلاف
|
|
أم لشاك من
الصّبابة شافي
|
وفرّق الحموي
بينه وبين المضارع فقال : «وأما اللاحق فقلّ من فرّق بينه وبين المضارع والمراد
بالمضارع هنا المشابه. والفرق بينهما دقيق فانّ اللاحق هنا ما أبدل من أحد ركنيه
حرف من غير مخرجه ومتى كان الحرف المبدل من مخرج المبدل منه سمي مضارعا ، وإن كان
قريبا منه كان مضارعا أيضا. وأنا أذكر شاهد كل منهما فانّ الفرق بينهما يدقّ عن
كثير من الافهام ولم يساعده على ظلمة شكّه غير ضياء الحسن. والمضارع هو المتشابه
في المخرج كقوله تعالى ، وهو الى الغاية التي لا تدرك : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ
عَنْهُ).
ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم ـ : «الخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة».
ومثله قول بعضهم : «البرايا أهداف البلايا». ومن النظم قول الشريف الرضي رحمهالله :
لا يذكر
الرمل إلا حنّ مغترب
|
|
له الى الرمل
أوطار وأوطان
|
فاللام والراء
والنون من مخرج واحد عند قطرب والجرمي وابن دريد والفراء. قال بعض أهل الأدب في
كتاب : «راش سهامه بالعقوق ولوى ماله عن
__________________
الحقوق» فالعين والحاء من مخرج واحد. ويعجبني قول الشيخ جمال الدين ابن
نباته في هذا الباب :
رقّ النسيم
كرقّتي من بعدكم
|
|
فكأننا في
حيّكم نتغاير
|
ووعدت
بالسلوان واش عابكم
|
|
فكأننا في
كذبنا نتخاير
|
فالغين والخاء
من مخرج واحد ... واللاحق قد تقدم أنّه ما أبدل من أحد ركنيه حرف من غير مخرجه
كقوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ
فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ). وكتب بعضهم في جواب رسالة : «وصل كتابك فتناولته
باليمين ووضعته مكان العقد الثمين».
ومن النظم قول
البحتري وأجاد الى الغاية :
عجب الناس
لاعتزالي وفي الأط
|
|
راف تلفى
منازل الأشراف
|
وقعودي عن
التقلّب والأر
|
|
ض لمثلي
رحيبة الأكناف
|
ليس عن ثروة
بلغت مداها
|
|
غير أنّي
امرؤ كفاني كفافي
|
ف «كفاني» و «كفافي»
هو اللاحق الذي لا يلحق» .
تجنيس اللّفظ :
قال المظفر
العلوي : «وربما سمّوه المطلق» .
ومنه قول جرير
:
حلأّت ذا سقم
يري لشفائه
|
|
وردا ويمنع
إن أراد ورودا
|
وقول القطامي :
صريع غوان
راقهنّ ورقنه
|
|
لدن شبّ حتى
شاب سود الذوائب
|
ف «شبّ» و «شاب»
تجنيس لفظ.
التّجنيس
اللّفظيّ :
قال الحموي : «أما
اللفظي فهو النوع إذا تماثل ركناه وتجانسا خطا خالف أحدهما الآخر بابدال حرف منه
فيه مناسبة لفظية كما يكتب بالضاد والظاء» .
وقال السيوطي :
«وبقي قسم آخر نبهت عليه من زيادتي وهو أن يكون المبدل مناسبا للاخر مناسبة لفظية
ويسمى اللفظي كالذي يكتب بالضاد والظاء نحو : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ).
والتاء والهاء
نحو : «جبلت القلوب على معاداة المعاداه». والنون والتنوين كقول الأرجاني :
وبيض الهند
من وجدي هواز
|
|
باحدى البيض
من عليا هوازن
|
والنون والألف
كقول أبي العفيف التلمساني :
أحسن وجه
الله وجها وفما
|
|
إن لم يكن
أحق بالحسن فمن
|
التّجنيس
المبدل :
قال المظفّر
العلوي : «وهو قريب من المطمع» .
وكان قد عرّف
المطمع بقوله : «هو أن يأتي الشاعر بكلمة ثم يبدأ في اختها على وفق حروفها فيطمع
في أنّه يجيء بمثلها فيبدل في آخرها حرفا بحرف» .
ومثاله قول
الخطيم المحرزي :
__________________
ليالي شهر ما
أعرّس ساعة
|
|
وأيام شهر ما
أعرّج دائب
|
أطمع أنّه يجنس
«أعرس» فقال : «اعرج» فابدل الجيم من السين.
ومثال التجنيس
المبدل قول الزبرقان بن بدر :
فرسان صدق في
الصباح إذا
|
|
كثر الصياح
ولجّ في النفر
|
أبدل الياء من
الباء :
ومنه قول
العديل :
أخا شقّة قد
شفّه دلج السّرى
|
|
يبيت يروم
الهمّ كلّ مرام
|
أبدل الفاء من
القاف.
التّجنيس
المتشابه :
وهذا النوع من
التام ، قال السكاكي : «واذا وقع أحد المتجانسين في التام مركبا ولم يكن مخالفا في
الخط كقوله :
إذا ملك لم
يكن ذا هبه
|
|
فدعه فدولته
ذاهبه
|
سمي «متشابها» .
وذكر القزويني
كلام السّكّاكي ، وعدّه الحلبي من المركّب ، وفعل مثله المدني الذي قال : «الجناس المقرون ويسمّى المتشابه ، وهو ما
اتّفق ركناه لفظا وخطا» . ومثّل له بالبيت السابق وبأبيات أخرى.
التّجنيس
المجنّب :
قال ابن الأثير
: هو «أن يجمع مؤلّف الكلام بين كلمتين إحداهما كالتبع للأخرى والجنيبة» . كقول البستي :
أبا العبّاس
لا تحسب لساني
|
|
لشيء من حلى
الأشعار عاري
|
فلي طبع
كسلسال معين
|
|
زلال من ذرى
الأحجار جاري
|
وقال : «وهذا
القسم له رونق وطلاوة».
التّجنيس
المحرّف :
قال القزويني :
«وإن اختلفا في هيئات الحروف فقط سمي محرّفا» . والاختلاف قد يكون في الحركة فقط مثل : «جبّة البرد
جنّة البرد» وقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا
فِيهِمْ مُنْذِرِينَ. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ).
وقد يكون في
الحركة والسكون كقولهم : «البدعة شرك الشّرك» وقول أبي العلاء :
والحسن يظهر
في بيتين رونقه
|
|
بيت من
الشّعر أو بيت من الشّعر
|
وهذا هو
التجنيس الناقص عند السكاكي .
وقال الحموي : «هو
ما اتفق ركناه في عدد الحروف وترتيبها واختلفا في الحركات سواء كانا من اسمين أو
فعلين او من اسم وفعل أو من غير ذلك» . وقد سماه «جناس التحريف» وقد تقدم.
التّجنيس المحض
:
قال المظفر
العلوي : «ومعنى المحض الخالص وكأنه من أصل واحد في مسموع حروفه» .
__________________
ومنه قول أبي
حية البجلي :
يعدّها للعدى
فتيان عادية
|
|
وكل كهل رحيب
الباع صهميم
|
قوله : «العدى»
و «عادية» تجنيس محض.
وقال يزيد بن
جدعاء :
وهم صبّحوا
أخرى ضرارا ورهطه
|
|
وهم تركوا
المأموم وهو أميم
|
«المأموم» الذي يهذي من أم رأسه ، و
«الأميم» حجر يشدخ به الرأس.
التّجنيس
المحقّق :
قال ابن رشيق :
«التجنيس المحقّق ما اتّفقت فيه الحروف دون الوزن رجع الى الاشتقاق أو لم يرجع» . كقول أحد بني عبس :
وذلكم أنّ
ذلّ الجار حالفكم
|
|
وأنّ أنفكم
لا يعرف الأنفا
|
فاتفقت «الأنف»
مع «الأنف» في جميع حروفهما دون البناء ، ورجعا الى أصل واحد ، وهذا عند قدامة أفضل تجنيس وقع.
ومثله في
الاشتقاق قول جرير ـ والجرجاني يسميه التّجنيس المطلق :
وما زال
معقولا عقال عن النّدى
|
|
وما زال
محبوسا عن الخير حابس
|
التّجنيس
المخالف :
قال الحلبي
والنويري : «هو أن تشتمل كل واحدة من الكلمتين على حروف الأخرى دون ترتيبها» .
كقول أبي تمام
:
بيض الصفائح
لا سود الصحائف في
|
|
متونهنّ جلاء
الشّك والرّيب
|
وقول البحتري :
شواجر أرماح
تقطع بينهم
|
|
شواجر أرحام
ملوم قطوعها
|
وقول المتنبّي
:
ممنّعة
منعّمة رداح
|
|
يكلّف لفظها
الطير الوقوعا
|
والبيت الأول
من شواهد «تجنيس العكس».
التّجنيس
المختلف :
هذا النوع من
التجنيس الناقص ، وقد قال ابن الزّملكاني : «ثم النقص إن وقع بتغير
الحركات سمّي المختلف» . وذكره المظفر العلوي بهذا الاسم ، وقال الحلبي والنويري : «ومنه المختلف ويسمى التجنيس
الناقص» .
والاختلاف إما
في الحركة كقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «اللهمّ كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي». وقول أبي
العلاء :
لغيري زكاة
من جمال فان تكن
|
|
زكاة جمال
فاذكري ابن سبيل
|
__________________
أو بالحركة
والسكون كقولهم : «البدعة شرك الشّرك».
أو بالتخفيف
والتشديد كقولهم : «الجاهل اما مفرط واما مفرّط».
التّجنيس
المذيّل :
قال السّكّاكي
: «هو أن يختلفا بزيادة حرف» .
وقال الحموي : «اختلف
جماعة المؤلفين في اسمه ولم يتقرر له أحسن من هذه التسمية فانّ فيها مطابقة
للمسمّى وما ذاك إلّا أنّ المذيل هو ما زاد أحد ركنيه على الآخر حرفا في آخره فصار
له كالذيل» .
وذكر السيوطي
أنّ بعضهم يسميه «المتوّج» وسمّاه الوطواط «التجنيس الزائد» وقال : ويسمونه أيضا
التجنيس المذيّل» . وسمّاه الحلبي والنويري المذيّل والزائد والناقص .
وقال العلوي : «هو
أن تجيء الكلمتان متجانستي اللفظ متفقتي الحركات والزنة خلا أنّه ربما وقع بينهما
مخالفة» . وتلك المخالفة على وجهين :
الأول : أن
تختص احدى الكلمتين بحرف يخالف الأخرى من عجزها كقول أبي تمام :
يمدّون من
أيد عواص عواصم
|
|
تصول بأسياف
قواض قواضب
|
فآخر «عواص»
ياء وآخر «عواصم» ميم ، وآخر «قواض» ياء ، وآخر «قواضب» باء.
وقول البحتري :
لئن صدفت
عنّا فربّت أنفس
|
|
صواد الى تلك
النفوس الصوادف
|
فآخر «صواد»
الياء وعجز «صوداف» الفاء مع اتفاقهما فيما عدا ذلك.
الثاني : أن
تختلف الكلمتان من أولهما كقوله تعالى : (وَالْتَفَّتِ
السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ). فلم يختلف «الساق» و «المساق» إلا بزيادة الميم في أول
«المساق».
ومن ذلك ما
ذكره عبد القاهر :
وكل سبقت منه
اليّ عوارف
|
|
ثنائي من تلك
العوارف وارف
|
وكم غرر من
برّه ولطائف
|
|
لشكري على
تلك اللطائف طائف
|
قال : «وذاك
أنّ زيادة «عوارف» على «وارف» بحرف اختلاف من مبدأ الكلمة في الجملة فانّه لا يبعد
كل البعد عن اعتراض طرف من هذا التخيل وإن كان لا يقوى تلك القوة كأنك ترى أنّ
اللفظة أعيدت عليك مبدلا من بعض حروفها غيره أو محذوفا منها» .
التّجنيس
المردّد :
هو التجنيس
المزدوج والمكرّر ، قال ابن الزّملكاني : «ومتى ولي أحد المتجانسين الآخر
من غير فصل قيل له المزدوج» . مثل : «من جدّ وجد» وقال الشاعر :
حدق الآجال
آجال
|
|
والهوى للناس
قتّال
|
__________________
فالأوّل جمع «إجل»
بكسر الهمزة وسكون الجيم وهو القطيع من بقر الوحش ، والثاني جمع «أجل» بفتحهما ،
وهو مدة الشيء.
وقال الحلبي
والنويري : «ويقال له التجنيس المردّد والمكرر أيضا ، وهو أن يأتي في أواخر
الاسجاع وقوافي الأبيات بلفظتين متجانستين إحداهما ضميمة الاخرى وبعضها» . كقول البستي :
أبا العباس
لا تحسب لشيني
|
|
بأنّي من حلى
الأشعار عاري
|
فلي طبع
كسلسال معين
|
|
زلال من ذرى
الأحجار جاري
|
وكان ابن
الاثير قد ذكر هذين البيتين شاهدا للتجنيس المجنب . وصحح الصفدي ذلك وقال : «هو النوع الذي يسمونه
بالمزدوج» .
وقال العلوي : «وإنما
لقّب هذا بالمزدوج لما يظهر بين الكلمتين من الاستواء ، ومنه الازدواج وهو
الاستواء. ويقال له التجنيس المردد ، ويقال له المكرر ايضا. وينقسم الى ما يكون
الازدواج واردا على جهة الانفصال في الكلمتين جميعا كقولك : «من جدّ وجد» و «من
لجّ ولج». والى ما يكون الازدواج واردا على جهة الانفصال في إحداهما والاتصال في
الأخرى كقولك : «إذا ملأ الصاع انصاع» .
وكبيتي البستي
السابقين. «أبا العباس ...».
التّجنيس
المرفوّ :
أدخله القزويني
في التجنيس التامّ وقال : «والتامّ أيضا إن كان أحد لفظيه مركّبا سمّي جناس
التركيب ، ثم إن كان المركّب منهما مركّبا من كلمة وبعض كلمة سمّي مرفوّا» .
وقال الحلبي
والنويري : «ومن أنواع المركّب المرفوّ وهو أن تجمع بين كلمتين إحداهما أقصر من
الأخرى فتضم الى القصيرة من حروف المعاني أو من حروف الكلمة المجاورة لها حتى
يعتدل ركنا التجنيس» .
وقال المدني : «هو
ما كان أحد ركنيه مستقلا والآخر مرفوّا من كلمة أخرى» .
ومنه قول
الحريري :
ولا تله عن
تذكار ذنبك وابكه
|
|
بدمع يحاكي
الوبل حال مصابه
|
ومثّل لعينيك
الحمام ووقعه
|
|
وروعة ملقاه
ومطعم صابه
|
وكان عبد
القاهر قد سمّاه كذلك ومثّل له بقول القائل :
ناظراه فيما
جنى ناظراه
|
|
أو دعاني أمت
بما أودعاني
|
التّجنيس
المركّب :
هو تجنيس
التركيب والتجنيس المرفوّ . وقد تقدّم.
__________________
التّجنيس
المزدوج :
هو التجنيس
المردد أو المركب .
التّجنيس
المستوفى :
ويقال له
التامّ والكامل ، وهو أن تكون كل كلمة مستوفاة في الأخرى . وقال الحموي عن التام : «إن انتظما من نوعين كاسم وفعل
سمّي مستوفى» وهذا ما ذهب اليه القزويني من قبل .
وعدّ هذا من
التجنيس لاختلاف المعنيين لأنّ أحدهما فعل والآخر اسم ، ولو اتفق المعنيان لم يعدّ
تجنيسا وإنما كان لفظة مكررة أي أنّه ينبغي أن تكون الكلمتان من نوعين ، ولذلك قال
القزويني : «وإن كانا من نوعين كاسم وفعل سمّي مستوفى» . ومنه قول الشاعر :
ما مات من
كرم الزمان فانّه
|
|
يحيا لدى
يحيى بن عبد الله
|
وقول الآخر :
وسمّيته يحيى
ليحيا فلم يكن
|
|
الى ردّ أمر
الله فيه سبيل
|
تجنيس المشابهة
:
وهو مما يشبه
المشتق ويسميه بعضهم المغاير .
كقوله تعالى : (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) وقوله : (لِيُرِيَهُ كَيْفَ
يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ).
ومنه قول
البحتري :
واذا ما رياح
جودك هبّت
|
|
صار قول
العذّال فيك هباءا
|
وقول أبي حية
البجلي :
يعدّها للعدى
فتيان عادية
|
|
وكل كهل رحيب
الباع صهميم
|
قال المظفر
العلوي : «وقوله : «يعدها للعدى» تجنيس مشابه» .
التّجنيس
المشوّش :
قال السّكّاكي
: «وههنا نوع آخر يسمّى تجنيسا مشوّشا وهو مثل قولك : «بلاغة وبراعة» .
وقال الغانمي :
«وكلّ تجنيس تجاذبه طرفان فلا يمكن إطلاق اسم أحدهما عليه فهو المسمى بالمشوّش.
مثاله قولهم : «فلان مليح البلاغة لبيق البراعة» .
وقال العلوي : «فلو
اتّفق العينان في الكلمتين وكانتا من حرف واحد لكان ذلك من تجنيس التصحيف ، أو كان
اللامان متفقين لكان ذلك من المضارع ، فلما لم يكن كما ذكرناه بقي مذبذبا بين
الأمرين ينجذب الى كل واحد منهما يشبه. ومنه قولهم : «صدّعنّي مذ صدّعنّي» فلولا
تشديد النون لكان معدودا من
__________________
تجنيس المركب» .
وقال الحموي : «إنّ
الركنين إذا تجاذبهما نوعان من التجنيس ولم يخلصا لواحد كان الجناس مشوشا» .
ومثاله قول أبي
فراس :
لطيرتي في
الصّداع نالت
|
|
فوق منال
الصّداع منّي
|
وجدت فيه
اتفاق سوء
|
|
صدّعني مثل
صدّعنّي
|
قال المدني : «فلولا
تشديد نون «عني» لكان جناسا مركبا ، أو كان «صدّعنّي» كلمة واحدة لكان جناسا محرفا»
.
التّجنيس
المصحّف :
هو تجنيس
التصحيف ، وقد تقدّم.
التّجنيس
المضارع :
تحدّث ابن رشيق
عن تجنيس سماه «المضارعة» وقال إنّه على ضروب كثيرة منها أن تزيد الحروف وتنقص وهو
الذي يسميه القاضي الجرجاني الناقص كقول أبي تمام :
يمدّون من
أيد عواص عواصم
|
|
تصول بأسياف
قواض قواضب
|
ومنها أن تتقدم
الحروف وتتأخر كقول أبي تمام :
بيض الصفائح
لا سود الصحائف في
|
|
متونهنّ جلاء
الشّك والريب
|
ومنها التصحيف
ونقص الحروف كقول بعضهم :
فان حلّوا
فليس لهم مقرّ
|
|
وإن رحلوا
فليس لهم مفرّ
|
وقال الرازي : «إنّ
الحرفين اللذين وقع الاختلاف فيهما إما أن يكونا متقاربين أو لا يكونا متقاربين ،
فالأول يسمى المضارع والمطرف» .
وقال السكاكي :
«التجنيس المضارع أو المطرف هو أن يختلفا بحرف أو حرفين مع تقارب المخرج» .
وقال ابن
الزملكاني : «وإن لم يتفقا خطا فإن وقع التفاوت بحرف من الحروف المتقاربة سواء وقع
أولا أو آخرا أو حشوا لقّب المضارع» .
وقال القزويني
: «ثم الحرفان المختلفان إن كانا متقاربين سمي الجناس مضارعا» . وهو إما في الأول نحو : «بيني وبين كنّي ليل دامس
وطريق طامس». أو في الوسط كقوله تعالى : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ
عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ). أو في الآخر كقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «الخيل معقود بنواصيها الخير الى يوم القيامة».
وقال الحلبي
والنويري : «ومنه المضارع ويسمى المطمع ، وهو أن يجاء بالكلمة ويبدأ بأختها على
مثل أكثر حروفها فتطمع في أنّها مثلها فتخالف بحرف.
ويسمى المطرف
أيضا وهو أن تجمع بين كلمتين متجانستين لا تفاوت بينهما إلا بحرف واحد من
__________________
الحروف المتقاربة سواء وقع آخرا أو حشوا كقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «الخيل معقود بنواصيها الخير». ومنه قول الحطيئة :
مطاعين في
الهيجا مطاعيم في الدجى
|
|
بنى لهم
آباؤهم وبنى الجدّ
|
وقول البحتري :
ظللت أرجم
فيك الظنو
|
|
ن أحاجمه أنت
أم حاجبه؟
|
ولكن المطرف
عند القزويني هو «أن يختلفا بزيادة حرف واحد في الأول كقوله تعالى : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى
رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ). أو في الوسط كقولهم «جدّي جهدي». أو في الآخر كقول أبي
تمام :
يمدّون من
أيد عواص عواصم
|
|
تصول بأسياف
قواض قواضب
|
وعرّف المضارع
بأن يكون الحرفان المختلفان متقاربين .
وقال العلوي : «هو
أن يجمع بين كلمتين هما متجانستان لا تفاوت بينهما إلا بحرف واحد سواء وقع أولا أو
آخرا أو وسطا حشوا» . وهو وجهان :
الأول : أن يقع
الاتفاق في الحروف المتقاربة كالحديث الشريف السابق.
الثاني : أن
يقع في الحروف التي لا تقارب فيها كقوله تعالى : (وَإِذا جاءَهُمْ
أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ).
وكقول البحتري
:
ألما فات من
تلاق تلاف
|
|
أم لشاك من
الصّبابة شاف؟
|
ثم قال : «وما
هذا حاله يقال له التجنيس اللاحق والتجنيس الناقص» .
وأدخله السيوطي
في تجنيس التصريف وهو عنده قسمان : «ما يكون التخالف بحرف مقارب في المخرج وما
يكون بغيره ، والأول يسمّى المضارع والثاني اللاحق. وكل منهما إمّا في الأول أو في
الوسط أو في الآخر» .
والمضارع عند
الحموي هو «المشابه في المخرج» . وسمّاه المدني «المطرف» وقال : «وأمّا الجناس المطرف
فهو ما زاد أحد ركنيه على الآخر بحرف في طرفه الأول وهو عكس المذيل ، فإنّ المذيل
تكون الزيادة في آخره فهي كالذيل. وقد يسمى هذا الجناس المردوف والناقص وفي تسميته
اختلاف كثير ولكن المطرف أولاها لأنّه مطابق للمسمى إذ الزيادة فيه كالطرف لأنّها
في أوله ، وخير الاسماء ما طابق المسمى» .
التّجنيس
المضاف :
قال القاضي
الجرجاني : «ومنه التجنيس المضاف كقول البحتري :
أيا قمر
التّمام أعنت ظلما
|
|
عليّ تطاول
الليل التّمام
|
ومعنى التمام
واحد في الامرين ولو انفرد لم يعد تجنيسا ولكنّ أحدهما صار موصولا بالقمر والآخر
بالليل فكانا كالمختلفين» .
وقال ابن رشيق
تعليقا على هذا البيت : «فهذا عندهم وما جرى مجراه إذا اتصل كان تجنيسا واذا
__________________
انفصل لم يكن تجنيسا. وإنما كان يتمكن ما أراد لو أنّ الشاعر ذكر الليل
وأضافه فقال : «ليل التمام» كما قال : «قمر التمام». والرماني سمّى هذا النوع
مزاوجا ومثله عنده قول الآخر :
حمتني مياه
الوفر منها مواردي
|
|
فلا تحمياني
ورد ماء العناقد
|
وقال المصري : «وأما
القسم الذي جعلته لها تاسعا وهو الذي ذكره التبريزي وسماه التجنيس المضاف وأنشد
فيه قول البحتري : «أيا قمر التمام ...» فهو مع قطع النظر عن الاضافة من تجنيس
التحريف ، لكن هو قسم قائم بذاته لاتصال المضاف بالمضاف اليه» .
وليس هذا النوع
من تسمية التبريزي وإنما من تسمية القاضي الجرجاني .. وسمّاه ابن الزملكاني «تجنيس الاضافة» وقد تقدم.
التّجنيس
المطابق :
قال البغدادي :
«وأما التجنيس فهو أن يأتي الشاعر بلفظتين في البيت إحداهما مشتقة من الاخرى
ويسمونه المطابق وهو أشهر أوصافه وأكبر أصنافه» نحو قول امرىء القيس :
لقد طمح
الطمّاح من بعد أرضه
|
|
ليلبسني من
دائه ما تلبّسا
|
والمطابق من
تسمية قدامة وقد قال : «فاما المطابق فهو ما يشترك في لفظة واحدة بعينها» .
مثل قول زياد
الأعجم :
ونبئتهم
يستنصرون بكاهل
|
|
وللؤم فيهم
كاهل وسنام
|
والتجنيس
المطابق هو التجنيس المطلق عند التبريزي الذي نقل عنه البغدادي تعريفه ومثاله
ولكنّه وضعه للمطابق .
التّجنيس
المطرّف :
هو التجنيس
المضارع ، وقد تقدّم. غير أنّ الحموي قال عنه : «وأما الجناس
المطرّف فهو ما زاد أحد ركنيه على الآخر حرفا في طرفه الأول» وهذا غير تعريفه للمضارع .
التّجنيس
المطلق :
قال القاضي
الجرجاني : «وأما التجنيس فقد يكون منه المطلق وهو أشهر أوصافه ، كقول النابغة :
وأقطع الخرق
بالخرقاء قد جعلت
|
|
بعد الكلال
تشكّى الأين والسّأما
|
وهذا يتصل
بالاشتقاق فـ «خرق» و «خرقاء» يجمعهما أصل ، وقد قال ابن رشيق بعد أن تكلم على
التجنيس المحقق : «ومثله في الاشتقاق قول جرير ، والجرجاني يسميه التجنيس المطلق» .
وقال التبريزي
: «التجنيس أن يأتي الشاعر بلفظتين في البيت إحدهما مشتقة من الأخرى وهذا الجنس
__________________
يسمونه المطلق» . نحو قول امرىء القيس :
لقد طمح
الطماح من بعد أرضه
|
|
ليلبسني من
دائه ما تلبّسا
|
وقول جرير :
فما زال
معقولا عقال عن النّدى
|
|
وما زال
محبوسا عن المجد حابس
|
وهذا الذي سماه
البغدادي «التجنيس المطابق» وذكر له الأمثلة نفسها .
وعرّفه ابن
الزملكاني بمثل تعريف التبريزي وذكر بيت جرير ، وسماه المظفر العلوي «تجنيس اللفظ» ، وعدّه العلوي من الناقص وقال : «المختلف بالأحرف
وتتفق الكلمتان في أصل واحد يجمعهما الاشتقاق وما هذا حاله يقال له المطلق» ، كبيت جرير ، ثم قال : «وإنما سمي مطلقا لأنّه لما
كانت حروفه مختلفة ولم يشترط فيه أمر سواه قيل له مطلق». وسماه السكاكي «تجنيس
المشابهة» أو «المتشابه» ، وقال الحموي : «أما الجناس المطلق فانّ للناس في
الفرق بينه وبين المشتق معارك وسماه السكاكي وغيره المتشابه والمتقارب لشدة
مشابهته وقربه من المشتق وكل منهما يختلف في الحروف والحركات ، ولكنّ الفرق بينهما
دقيق قلّ من أتى بصحته ظاهرا فإنّ المشتق غلط فيه جماعة وعدّوه تجنيسا وليس الأمر
كذلك فانّ معنى المشتق يرجع الى أصل واحد والمراد من الجناس اختلاف المعنى في
ركنيه ، والمطلق كل ركن منه يباين الآخر في المعنى» .
التّجنيس
المطمع :
هو التجنيس
المضارع ، وقد تقدّم. قال السيوطي : «وسمّى قوم هذا النوع
المطمع لأنّه لما ابتدأ بالكلمة على وفق الحروف التي قبلها طمع في أنّه يجانسها
بمثلها جناسا مماثلا» .
وقال المظفر
العلوي : «هو أن يأتي الشاعر بكلمة ثم يبدأ في أختها على وفق حروفها فيطمع في أنه
يجيء بمثلها فيبدل في آخرها حرفا بحرف وهو حسن في التجنيس» . كقول الحطيئة :
مطاعين في
الهيجا مطاعيم في الدّجى
|
|
بنى لهم
آباؤهم وبنى الجدّ
|
وقول أبي كدراء
العجلي :
نهضت الى
حديد مشرفيّ
|
|
حديث الصّقل
مأثور حسام
|
التّجنيس
المعكوس :
هو أن يقدم
المتكلم المؤخر من الكلام ويؤخر المقدم منه ، قال ابن الاثير : «وقد سماه قدامة بن
جعفر الكاتب «التبديل» وذلك اسم مناسب لمسماه ، لأنّ المؤلف يأتي بما كان مقدما في
جزء كلامه الأول مؤخرا في الثاني ، وبما كان مؤخرا في الأول مقدما في الثاني» . وهو ضربان :
الأول : عكس
الألفاظ كقول بعضهم : «عادات السادات سادات العادات». وقول عتاب بن ورقاء :
إنّ الليالي
للأنام مناهل
|
|
تطوى وتنشر
دونها الأعمار
|
__________________
فقصارهنّ مع
الهموم طويلة
|
|
وطوالهنّ مع
السرور قصار
|
وكقول الأضبط :
قد يجمع
المال غير آكله
|
|
ويأكل المال
غير من جمعه
|
ويقطع الثوب
غير لابسه
|
|
ويلبس الثوب
غير من قطعه
|
ومنه قوله
تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ
مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ).
الثاني : عكس
الحروف كقوله تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ) ، وقول بعضهم :
أهديت شيئا
يقلّ لو لا
|
|
أحدوثه الفأل
والتبرّك
|
كرسي تفاءلت
فيه لما
|
|
رأيت مقلوبه
يسرّك
|
وكقول الآخر :
كيف السرور
بإقبال وآخره
|
|
إذا تأملته
مقلوب إقبال
|
قال ابن الاثير
: «وهذا الضرب نادر الاستعمال لأنّه قلما تقع كلمة تقلب حروفها فيجيء معناها صوابا»
.
تجنيس المعنى :
قال المظفر
العلوي : «هو أن يأتي الشاعر بألفاظ يدلّ بمعناها على الجناس وإن لم يذكره» . كقول الشاعر في مدح المهلّب :
حدا بأبي أم
الرئال فأجفلت
|
|
نعامته من
عارض يتلهّب
|
يذكر فعل
المهلب بقطريّ بن الفجاءة ، وكان قطريّ يلقب «أبا نعامة» فأراد أن يقول : حدا بأبي
نعامة فاجفلت نعامته أي روحه فلم يستقم له فقال : «بأبي أم الرئال» وأم الرئال
النعامة وهو جمع رأل.
وقال الحلبي
والنويري : «هو أن تكون إحدى الكلمتين دالة على الجناس بمعناها دون لفظها.
وسبب استعمال
هذا النوع أن يقصد الشاعر المجانسة لفظا ولا يوافقه الوزن على الاتيان باللفظ
المجانس فيعدل الى مرادفه» . ثم قالا : «وبعضهم لا يدخل هذا في باب التجنيس وإن كان
في غاية الحسن والصعوبة».
وتحدث العلوي
عن هذا النوع في «تجنيس الاشارة» ، وأفرد الحموي نوعا سماه «الجناس المعنوي» ، وهو «تجنيس المعنى» ، وقسّمه الى تجنيس إضمار وتجنيس
إشارة وقال : «إنّ المعنوي طرفة من طرف الأدب عزيز الوجود جدا». وتابعه في ذلك
السيوطي والمدني» وقسماه الى إضمار وإشارة ، وقد تقدم هذان النوعان.
التّجنيس
المغاير :
قال ابن منقذ :
«هو أن تكون الكلمتان اسما وفعلا» . كقوله تعالى حكاية عن بلقيس :(وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ).
وقوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ).
وقول ذي الرّمة
:
__________________
كأنّ البرى
والعاج عيجت متونه
|
|
على عشر نهّى
به السّيل أبطح
|
وقول جرير :
كأنّك لم تسر
ببلاد نجد
|
|
ولم تنظر بنا
ظرة الخياما
|
وقول الآخر :
ربّ خود عرفت
في عرفات
|
|
سلبتني
بحسنها حسناتي
|
ورمت بالجمار
جمرة قلبي
|
|
أيّ قلب يقوى
على الجمرات
|
حرّمت حين
أحرمت نوم عيني
|
|
واستباحت
حماي باللّحظات
|
وأفاضت مع
الحجيج ففاضت
|
|
من دموعي
سوابق العبرات
|
لم أنل من
منّى منى النفس لكن
|
|
خفت بالخيف
أن تكون وفاتي
|
وقال المظفر
العلوي : «هو أن يأتي الشاعر بكلمتين إحداهما اسم والأخرى فعل» . ثم قال : «وهذا التجنيس يستحسنه أهل البديع في الشعر
وهو كثير جدا».
وقال الحلبي
والنّويري : «ومما يشبه المشتق ويسميه بعضهم المشابه وبعضهم المغاير قوله تعالى : (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) وقوله تعالى : (لِيُرِيَهُ كَيْفَ
يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) وقوله تعالى : (وَإِنْ يُرِدْكَ
بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) وقوله تعالى : (وَأَسْلَمْتُ مَعَ
سُلَيْمانَ).
ومن النظم قول
البحتري :
واذا ما رياح
جودك هبّت
|
|
صار قول
العذّال فيها هباءا
|
وسّماه ابن
الأثير الحلبي «جناس المغايرة» وقال : «هو أن تكون إحدى الكلمتين اسما والأخرى
فعلا» .
وهذا النوع
أقرب الى تجنيس الاشتقاق وغيره من الأنواع الأخرى التي تعتمد على المقاربة في
الاشتقاق ولكنّهم اشترطوا في هذا النوع أن تكون إحدى الكلمتين اسما والأخرى فعلا.
التّجنيس
المفروق :
وهو الضرب
الثاني من التجنيس المركب ، والمركب قد يكون من كلمة وبعض كلمة وهو المرفو ، أما
اذا اختلفا فهو المفروق . ومنه قول البستي :
كلّكم قد أخذ
الجا
|
|
م ولا جام
لنا
|
ما الذي ضرّ
مدير ال
|
|
جام لو
جاملنا
|
وقال المدني : «وخصّ
باسم المفروق لافتراق الركنين في الخط» ومن أمثلة هذا النوع قول الشاعر :
__________________
لا تعرضّنّ
على الرواة قصيدة
|
|
ما لم تبالغ
قبل في تهذيبها
|
فمتى عرضت
الشعر غير مهذّب
|
|
عدّوه منك
وساوسا تهذي بها
|
وقول أبي الفضل
الميكالي :
لقد راعني
بدر الدجى بصدوده
|
|
ووكّل أجفاني
برعي كواكبه
|
فيا جزعي
مهلا عساه يعود لي
|
|
ويا كبدي
صبرا على ما كواك به
|
وقول ابن جابر
:
أيّها العاذل
في حبّي لها
|
|
خلّ نفسي في
هواها تحترق
|
ما الذي ضرّك
مني بعد ما
|
|
صار قلبي من
هواها تحت رق
|
التّجنيس
المقارب :
قال المظفّر
العلوي : «ومعناه أنّه يقارب التجنيس وليس بتجنيس» كمال قال محمد بن عبد الملك الأسدي :
ردّ الخليط
أيانقا وجمالا
|
|
وأراد جيرتك
الغداة زيالا
|
ف «ردّ» و «أراد»
يشبه التجنيس للتقارب وليس بتجنيس.
وقال القطامي :
كأنّ الناس
كلّهم لأمّ
|
|
ونحن لعلّة
علت ارتفاعا
|
التّجنيس
المقتضب :
هو تجنيس
الاشتقاق وتجنيس الاقتضاب ، وقد تقدّم.
التّجنيس
المقلوب :
هو تجنيس العكس
، وقد تقدّم.
التّجنيس
المكرّر :
هو التجنيس
المردد والتجنيس المزدوج ، وقد تقدم.
التّجنيس
الملفّق :
قال الحموي : «حدّ
الملفق أن يكون كل من الركنين مركّبا من كلمتين ، وهذا هو الفرق بينه وبين
المركّب. وقلّ من أفرده عنه ، وغالب المؤلّفين ما فرّقوا بينهما بل عدّوا كلّ واحد
منهما مركّبا إلّا الحاتمي وابن رشيق وأمثالهما.
ولعمري لو سمي
الملّفق مركّبا والمركّب ملفّقا لكان أقرب الى المطابقة في التسمية ؛ لأنّ الملفّق
مركّب في الركنين والمركّب ركن واحد كلمة مفردة والثاني مركّب من كلمتين ، وهذا هو
التلفيق» . ومنه قول الشاعر :
وكم لجباه
الراغبين اليه من
|
|
مجال سجود في
مجالس جود
|
وقول ابن عنين
:
خبرّوها بأنه
ما تصدّى
|
|
لسلّو عنها
ولو مات صدّا
|
وقال السيوطي :
«هو المتركب ركناه» ، وذكر المدني مثل ما قال الحموي وأضاف أمثلة اليه . ومن
__________________
ذلك قول الصلاح الصفدي الذي كان مولعا بهذا النمط :
ولمّا نأيتم
لم أزل مترقّبا
|
|
قدومكم في
غدوة ومساء
|
وأين اذا كان
الفراق معاندي
|
|
مطالع ناء من
مطال عناء
|
وقوله :
وساق غدا
يسقي بكأس وطرفه
|
|
يجرد أسيافا
لغير كفاح
|
إذا جرح
العشاق قالوا أقمت في
|
|
مدارج راح أم
مدار جراح
|
وقوله :
بكيت على
نفسي لنوح حمائم
|
|
وجدت لها
عندي هديّة هاد
|
تنوب إذا
ناحت على الأيك في الدجى
|
|
مناب رشاد في
منابر شاد
|
وقوله :
متى تصنع
المعروف ترق الى العلى
|
|
وتلق سعودا
في ازدياد سعود
|
وإن تغرس
الإحسان تجن الثمار من
|
|
مغار سعود لا
مغارس عود
|
التّجنيس
المماثل :
قال التفتازاني
: «سمي جناسا مماثلا جريا على اصطلاح المتكلمين من أنّ التماثل هو الاتحاد في
النوع» .
وقال ابن منقذ
: «هو أن تكون الكلمتان اسمين أو فعلين» كقوله تعالى : (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) وقوله : (وَجَنَى
الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) وقول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «الظلم ظلمات يوم القيامة».
ومنه قول
البحتري :
يذكرنيك
والذكرى عناء
|
|
مشابه فيك
طيبة الشكول
|
نسيم الروض
في ريح شمال
|
|
وصوب المزن
في راح شمول
|
وقول الآخر :
إذا أعشطتك
أكفّ اللئام
|
|
كفتك القناعة
شبعا وريّا
|
فكن رجلا
رجله في الثرى
|
|
وهامة همته
في الثريّا
|
أبيا لنائل
ذي ثروة
|
|
تراه بما في
يديه حفيّا
|
فانّ إراقة
ماء الحياة
|
|
دون إراقة
ماء المحيّا
|
وعرّفه المظفر
العلوي بمثل ذلك ، وقال القزويني : «فإن كانا من نوع واحد سمي مماثلا» ، وهو من الجناس التام ، ومثّل له بقوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ
الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ).
وسمّاه ابن
الاثير الحلبي «جناس المماثلة» ، وردد الحموي ما قاله القزويني وهو أنّه «اذا انتظم
ركناه من نوع واحد كاسمين أو فعلين سمي مماثلا» .
__________________
التّجنيس
المنفصل :
قال ابن رشيق :
«وقد أحدث المولّدون تجانسا منفصلا يظهر أيضا في الخط كقول أبي تمام :
رفدوك في يوم
الكلاب وشقّقوا
|
|
فيه المراد
بجحفل كاللّاب
|
الكاف للتشبيه
، واللاب جمع لابة ، وهي : الحرة ذات الحجارة السود ... وليس بتجانس صحيح على ما
شرطه المتقدمون ، ولكنّه استظرف فادخل في هذا الباب تملحا. وأكثر من يستعمله
الميكالي وقابوس وأبو الفتح البستي وأصحابهم فمن ذلك قوله :
عارضاه بما
جنى عارضاه
|
|
أو دعاني أمت
بما أودعاني
|
فقوله : «أودعاني»
إنما هي «أو» التي للعطف نسق بها «دعاني» وهو أمر الاثنين من «دع» على قوله : «عارضاه»
الذي في أول البيت. وقوله «أو دعاني» الذي في القافية فعل ماض من اثنين» .
التّجنيس
الناقص :
وهو غير التام
والكامل ، وذلك أن يكون نقص في إحدى الكلمتين. قال القاضي الجرجاني : «ومنه الناقص
كقول الأخنس بن شهاب :
وحامي لواء
قد قتلنا وحامل
|
|
لواء منعنا
والسيوف شوارع
|
فجانس بـ «حامي
وحامل» ، والحروف الأصلية في كل واحد منهما تنقص عن الآخر» .
وأدخله ابن
رشيق في «تجنيس المضارعة» وأشار الى أنّ الجرجاني سماه التجنيس الناقص وسماه التبريزي والبغدادي والصنعاني ناقصا ، وقال الرازي إنه «التجنيس الذي يكون الاختلاف واقعا
في هيئة الحروف» وهذا ما قاله الوطواط من قبل .
والى ذلك ذهب
السكاكي وقال : «هو أن يختلفا في الهيئة دون الصورة» وقال ابن الزملكاني : «وهو ما عدا التام» . وقال القزويني : «وإن اختلفا في أعداد الحروف سمي
ناقصا» ، وهو إما أن يختلفا بزيادة حرف واحد وهو المطرف ، أو
بزيادة أكثر من حرف واحد وهو المذيل.
وسمّاه الحلبي
والنويري «المختلف» وقالا : «ومنه المختلف ويسمى التجنيس الناقص وهو مثل الأول في
اتفاق حروف الكلمتين إلا أنّه يخالفه إما في هيئة الحركة ... أو بالحركة والسكون» .
وقسّم العلوي
التجنيس كغيره الى قسمين أساسيين :
الأول :
التجنيس التام وهو المستوفى والكامل ، وذلك أن تتفق الكلمتان في لفظهما ووزنهما
وحركاتهما ويختلفا في المعنى.
الثاني :
الناقص ، ويقال له المشبه ويأتي على أنحاء مختلفة ويأتي على عشرة أضرب : المختلف
والمشتق وغير المشتق ـ المفروق والمرفو ـ والمذيل والمزدوج والمصحف والمضارع
والمشوش والمعكوس والاشارة .
__________________
وقد سبق الكلام
على هذه الأنواع وغيرها من الأنواع التي شعبها المتأخرون ، وهي كلّها ترجع الى
التجنيس الناقص.
التّحجيل :
التحجيل : بياض
يكون في قوائم الفرس ، وحجل فلان أمره تحجيلا إذا شهره . وهو تذييل أواخر الفصول بالأبيات الحكمية والاستدلالية
لتزداد بهاء وحسنا ، وتقع في النفوس أحسن موقع . وقال القرطاجني : «وأيضا فإنّا سمينا تحلية أعقاب
الفصول بالأبيات الحكمية والاستدلالية بالتحجيل ليكون اقتران صنعة رأس الفصل وصنعة
عجزه نحوا من اقتران الغرة بالتحجيل في الفرس .
التّحرّز :
الحرز : الموضع
الحصين ، واحترزت من كذا وتحرزت أي : توقيت .
وهو الاحتراس
وقد تقدم ، وسمّاه بهذا الاسم ابن سنان الذي قال : «وأما التحرز مما يوجب الطعن
فان يأتي بكلام لو استمر عليه لكان فيه طعن فيأتي بما يتحرز به من ذلك الطعن ،
كقول طرفة :
فسقى ديارك ـ
غير مفسدها ـ
|
|
صوب الربيع
وديمة تهمي
|
فلو لم يقل : «غير
مفسدها» لظن به أنّه يريد توالي المطر عليها وفي ذلك فساد للديار ومحو لرسومها» .
التّحويل :
تحوّل عن الشيء
: زال عنه الى غيره ، وحال الرجل يحول مثل تحوّل من موضع الى موضع . وهو المقلوب أو الانتقال ، وقد تحدث عنه المبرد وقال :
«ومما في القرآن مما يجيء مثله في كلام العرب من التحويل كقوله» : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ
مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ). وإنما العصبة تنوء بالمفاتح. ومن كلام العرب : «إن
فلانة لتنوء بها عجيزتها» ، ويقولون : «ادخلت القلنسوة في رأسي وأدخلت الخف في
رجلي» وانما يكون هذا فيما لا يكون فيه لبس ولا إشكال ولا وهم ولا يجوز : «ضربت
زيدا» وأنت تريد : غلام زيد على حكم قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (يوسف ٨٢) ومثل قوله تعالى : (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ.) ومن كلام العرب قول الأخطل :
أمّا كليب بن
يربوع فليس لهم
|
|
عند التفاخر
إيراد ولا صدر
|
مخلّفون
ويقضي الناس أمرهم
|
|
وهم بغيب وفي
عمياء ما شعروا
|
مثل القنافذ
هدّاجون قد بلغت
|
|
نجران أو
بلّغت سوءاتهم هجر
|
تخصيص المسند :
خصّه بالشيء :
أفرده به من دون غيره ، وأختص فلان بالأمر وتخصص له إذا انفرد .
وذلك بالاضافة
مثل : «زيد ضارب غلام» أو بالوصف مثل : «زيد رجل عالم» وذلك لتكون الفائدة أتم .
__________________
التّخلّص :
هو الانفكاك من
الشيء ، وخلص الشيء ، اذا كان قد نشب ثم نجا وسلم .
وهو براعة
التلخص وحسن التخلص ، وقد تقدم.
وممن سماه «التخلص»
القزويني وشراح تلخيصه .
تخليص الألفاظ
والمعاني :
التخليص :
التنجية من كل منشب ، تقول : خلّصته من كذا تخليصا أي نجيته .
قال التنوخي : «ومن
البيان تخليص الالفاظ بعضها من بعض والمعاني بعضها من بعض ، واجتناب اختلاطها» . ومثال اختلاط الالفاظ بالتقديم والتأخير قول بعض
الأعراب :
أحبّ بلاد
الله ما بين منعج
|
|
اليّ وسلمى
أن يصوب سحابها
|
لأنّ الترتيب
أن يقال : أحبّ بلاد الله أن يصوب سحابها اليّ ما بين منعج وسلمى.
ومثال اختلاط
المعاني بالتقديم والتأخير قول الشاعر :
ولم أر مثل
الحيّ حيّا مصبّحا
|
|
ولا مثلنا
يوم التقينا فوارسا
|
أكرّ وأحمى
للحقيقة منهم
|
|
وأضرب منّا
بالسيوف القوانسا
|
معناهما : لم
أر مثلا للحي أكرّ منهم ولا مثلا لنا أضرب منا ، فخلط المعنيين والالفاظ الدالة
عليهما وفي إعرابهما إشكال وفيهما شذوذ من بناء أفعل التفضيل مما ليس من الغرائز.
التّخيير :
خيرته بين
الشيئين أي فوضت اليه الخيار ، وتخير الشيء : اختاره وقد أشار أبو العلاء المعري الى احتمال تغيير القوافي
وذكر قول من قال :
ألمّ بصحبتي
وهم هجوع
|
|
خيال طارق من
أمّ حصن
|
لها ما تشتهي
عسلا مصفّى
|
|
إذا شاءت
وحوّارى بسمن
|
فهذان البيتان
يصلحان للتغيير وإبدال قافيتهما ، وقد فعل أبو العلاء ذلك ، فأم حصن : أم حفص وأم
جزء وأم حرب وأم صمت ، وحوّارى بسمن : بلمص وبكشء وبضرب وبكمت . ولكن أبا العلاء لم يعرفه ولم يسمه هذا الاسم.
وقد سمى المصري
هذا النوع من الفن «التخيير» وقال إنه من مبتدعاته وعرّفه بقوله : «هو أن يأتي
الشاعر ببيت يسوغ أن يقفى بقواف شتى فيتخير منها قافية مرجحة على سائرها بالدليل
تدخل بتخيرها على حسن اختياره» .
كقول الحريري :
إنّ الغريب
الطويل الذيل ممتهن
|
|
فكيف حال
غريب ماله قوت
|
فانه يسوغ أن
يقول : «فكيف حال غريب ما له حال» أي : ماله مال ، ماله نشب ماله سبب» ولكنّ «ما
له قوت» أدل على الفاقة وأمس بذكر الحاجة.
ومنه قوله تعالى
: (إِنَّ فِي
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ
مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما
أَنْزَلَ
__________________
اللهُ
مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ
الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). وقد انتهت كل آية بفاصلة حددها المعنى ولذلك جاءت في
مكانها ولا يغني غيرها عنها.
وأدخل المصري
في التخيير نوعا آخر وهو «أن يؤتى بقطعة من الكلام أو بيت من الشعر قد عطف بعض
جمله على بعض بأداة التخيير» كقوله تعالى :(فَكَفَّارَتُهُ
إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ
كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ).
ومنه قول
الشاعر :
خلّوا
التفاخر أو حلّوا اليفاع إذا
|
|
ما أسنت
الناس أو لبّوا الصريخ ضحى
|
ثم قال : «ولا
يكون هذا الضرب من المحاسن حتى تكون الجمل المعطوف بعضها على بعض متضمنة صحة
التقسيم كما جاء في الآية الكريمة إذ حصر ـ سبحانه وتعالى ـ فيها أنواع الكفّارة
التي لا يجزىء الموسر غيرها كما جاء في البيت من حصر أعظم الأسباب التي تفاخر
بمثلها وهي نهاية الكرم وغاية الشجاعة إذ لا يحل بالمكان المرتفع من الأرض في
المجاعة ليدل على بيته إلا الجواد كما قال شاعر الحماسة :
له نار تشبّ
على يفاع
|
|
إذا النيران
ألبست القناعا
|
ولم يك أكثر
الفتيان مالا
|
|
ولكن كان
أرحبهم ذراعا
|
كما أنّه لا
يبادر الى تلبية الصريخ عند الضحى وهو وقت الغارات إلا أشجع القوم».
وفرّق بينه
وبين حسن النسق وغيره بقوله : «والفرق بين التخيير بـ «أو» وحسن النسق من وجهين :
أحدهما : أنّ
حسن النسق يكون بجميع حروف العطف وغالبا ما تقع الواو ، وربما وقع منه شيء بالفاء
للتعاقب أو بـ «ثم» للمهلة والتراخي ووقوعه بالواو أكثر ، والتخيير لا يكون إلا بـ
«أو» التي هي للتخيير خاصة.
والثاني : أنّ
التخيير يشترط فيه صحة التقسيم ولا كذلك حسن النسق. والفرق بين تخيير مقطع الكلام
دون كل مقطع يسدّ مسدّه وبين التسهيم أنّ صدر كلام التخيير لا يدلّ إلا على المقطع
فقط وصدر كلام التسهيم يدلّ على ما زاد على المقطع الى أن يبلغ عجز البيت. والفرق
بين التخيير والتوشيح التوطئة بتقديم لفظة القافية في أول البيت من التوشيح ولا
كذلك التخيير» .
وقال السبكي عن
التخيير : «هو إثبات البيت أو الفقرة على روي يصلح لاشياء غيره فيتخير له» .
وذكر بيت
الحريري : «إن الغريب ...» وكان الفن التسعون من البديع عنده «التخيير» الذي قال
عنه : «هو البيت يأتي على قافية مع كونه يسوغ أن يقفّى بقواف كثيرة» كقول ديك الجن :
قولي لطيفك
ينثني
|
|
عن مضجعي عند
المنام
|
فعسى أنام
فتنطفي
|
|
نار تأجّج في
العظام
|
جسد تقلبه
الأكفّ
|
|
على فراش من
سقام
|
أمّا أنا
فكما علمت
|
|
فهل لوصلك من
دوام
|
فانه يصلح مكان
منام : رقاد ، هجوع ، هجود ،
__________________
وسن. ومكان عظام : فؤاد ، ضلوع ، كبود ، بدن.
ومكان سقام :
قتاد ، دموع ، وقود ، حزن. ومكان دوام : معاد ، رجوع ، وجود ، ثمن.
قال المدني : «فهذه
القوافي المثبتة حيال كل بيت يناسب كل منها المعنى ولكنّ الأول أولى» . وهذا النوع كالسابق الذي ذكره السبكي في الثاني
والخمسين من أنواع البديع ، ولكنه ـ كما يبدو ـ فرّق بينهما بأنّ الاول ربما خصّ
الروي في البيت الواحد ، وربما شمل الثاني الأبيات. ولكنّ الفكرة واحدة ولذلك عدّه
المصري فنا واحدا. ومزج الحموي بين النوعين واستشهد ببيت الحريري وأبيات ديك الجن
بعد أن عرّفه بتعريف المصري نفسه . وحينما تحدث عن التورية قال : «يقال لها الايهام
والتوجيه والتخيير» . ولعل في الكلمة تصحيفا أي انها «التحيير» لأنّ في
التورية نوعا من التحير في ارادة المعنى ، أو لعله «التخييل».
ولم يخرج
السيوطي على ما ذكره السابقون ، ومثله المدني في ذلك ، وردّ على الحموي الذي استشهد
بآيات من كتاب الله فقال : «وذكر ابن حجة في هذا النوع آية من كتاب الله تعالى
وعدّها منه وهو غير صواب ، بل هي نوع من التمكين قطعا ، إذ مفهوم التخيير أنّه
يسوغ أن يؤتي في مكان الفاصلة بفاصلة أخرى لو لا ما حظر الشرع من ذلك وليس كذلك ،
فانّ القرآن العظيم نزل على أكمل الوجوه لفظا ومعنى بحيث لا يمكن أحد أن يغير فيه
حرفا واحدا وإن خفي على بعض الضعفاء وجه الحكمة في بعض الألفاظ والفواصل وتوهّم
أنّه يمكن تغييرها فهو من غباوته وجهله بمواقع الالفاظ. والآية التي عدّها ابن حجة
من هذا النوع عدّها غيره من التمكين» .
وليس الحموي هو
الذي ذكر الآية أول مرة وانما سبقه الى ذلك المصري كما تقدم.
التّخييل :
خال الشيء :
ظنه ، وتخيّله : ظنه وتفرسه. وخيّل عليه : شبّه .
قال عبد القاهر
: «وجملة الحديث الذي أريده بالتخييل ههنا ما يثبت فيه الشاعر أمرا هو غير ثابت
أصلا ويدعي دعوى لا طريق الى تحصيلها ، ويقول قولا يخدع فيه نفسه ويريها ما لا ترى»
.
وقال ابن
الزّملكاني : «هو تصوير حقيقة الشيء حتى يتوهّم أنّه ذو صورة تشاهد وأنّه مما يظهر
في العيان» . كقوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ). وقوله :(طَلْعُها كَأَنَّهُ
رُؤُسُ الشَّياطِينِ).
وسمّى الحلبي
والنويري الايهام والتورية تخييلا وربما كان ذلك قريبا لأنّ الرازي ذكر مثالا للتورية وهو قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ ...) وهي من التخييل.
وتحدث العلوي
عنه وبعد أن ذكر تعريفي ابن الزملكاني والمطرزي قال : «هو اللفظ الدال بظاهره عى
معنى والمراد غيره على جهة
__________________
التصوير» . وقال الزركشي وهو يتحدث عن الاستعارة : «ومنها جعل
الشيء للشيء وليس له من طريق الادعاء والاحاطة به نافعة في آيات الصفات» . وذكر الآية السابقه ثم قال : «ويسمى التخييل». وقال
إنّ التورية تسمى ايهاما وتخييلا أي أنّه ذهب الى ما ذكره الرازي والحلبي والنويري أيضا.
وذكر الدمنهوري مثل ذلك حينما عرّف التخييل بقوله : «ويقال له الايهام ، وهو أن
يذكر لفظ له معنيان قريب وبعيد ويراد البعيد» . وهذا تعريف التورية عند البلاغيين.
والتخييل من
أهم الفنون البلاغية لأنّه يتصل بالابداع والخلق الفني ، وقد أولاه عبد القاهر
أهمية كبيرة عند ما تكلم على التشبيه والتمثيل في كتابه «أسرار البلاغة» ، وقال
الزمخشري عنه : «ولا ترى بابا في علم البيان أدق ولا أرق ولا ألطف من هذا الباب
ولا أنفع وأعون على تعاطي تأويل المشتبهات من كلام الله تعالى في القرآن وسائر
الكتب السماوية وكلام الأنبياء ، فإنّ اكثره وعليته تخييلات قد زلّت بها الأقدام
قديما» . وأشار المتأخرون الى هذا الأثر ونقلوا عبارة الزمخشري . والتخييل عند السجلماسي هو : التشبيه والاستعارة
والمماثلة أو التمثيل والمجاز ، ولكل نوع مادته في هذا المعجم.
التّدبيج :
الدبج : النقش
والتزيين ، ودبج الارض المطر يدبجها دبجا : روّضها .
وقال المدني : «التدبيج
مشتق من الديباج ، وهو ثوب سداه ولحمته ابريسم ، وهو معرّب «ديبا» بدون الجيم ثم
كثر حتى اشتقت العرب منه فقالوا : دبج الغيث الارض دبجا ـ من باب ضرب ـ ودبّجها
تدبيجا ـ بالتضعيف ـ إذا سقاها فأنبتت أزهارا مختلفة ، لأنّه عندهم اسم للمنقش» .
والتدبيج من
مبتدعات المصري ، وقد قال في تعريفه : «هو أن يذكر الشاعر أو الناثر ألوانا يقصد
الكناية بها أو التورية بذكرها عن أشياء من مدح أو وصف أو نسيب أو هجاء أو غير ذلك
من الفنون أو لبيان فائدة الوصف بها» . كقوله تعالى : (وَمِنَ الْجِبالِ
جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) ، فان المراد بذلك الكناية عن المشتبه والواضح من
الطرق.
ومنه قول ابن
حيّوس الدمشقي :
إن ترد علم
حالهم عن يقين
|
|
فالقهم يوم
نائل أو نزال
|
تلق بيض
الوجوه سود مثار
|
|
النقع خضر
الأكناف حمر النصال
|
وقول أبي تمام
:
تردّى ثياب
الموت حمرا فما أتى
|
|
لها الليل
إلا وهي من سندس خضر
|
وقول البحتري :
تحسّنت
الدنيا بعدلك فاغتدت
|
|
وآفاتها بيض
وأكنافها خضر
|
ويأتى للذم
كقول بعضهم :
__________________
وأحببت من
حبّها الباخلين
|
|
حتى ومقت ابن
سلم سعيدا
|
إذا سيل عرفا
كسا وجهه
|
|
ثيابا من
اللؤم بيضا وسودا
|
وعرّف التدبيج
بمثل ما عرفه المصري ابن مالك والحلبي والنويري وابن الاثير الحلبي والعلوي
والحموي والسيوطي والمدني .
وللتدبيج معنى
آخر عند البلاغيين ، فقد تكلم ابن سنان بعد الطباق على نوع سماه «المخالف» وقال : «فاما
المخالف وهو الذي يقرب من التضاد فكقول أبي تمام :
تردّى ثياب
الموت حمرا فما أتى
|
|
لها الليل
إلا من سندس خضر
|
فان الحمر
والخضر من المخالف وبعض الناس يجعل هذا من المطابق» . ومنه قول عمرو بن كلثوم :
بأنّا نورد
الرايات بيضا
|
|
ونصدرهنّ
حمرا قد روينا
|
وتحدث القزويني
عن مثل هذا في الطباق ولكنه قال بعد بيتي ابن حيّوس وأبي تمام : «ومن الناس من
سمّى نحو ما ذكرناه تدبيجا ، وفسّره بأن يذكر في معنى من المدح أو غيره ألوان بقصد
الكناية أو التورية. أما تدبيج الكناية فكبيت أبي تمام وبيتي ابن حيّوس ، وأما
تدبيج التورية فكلفظ الأصفر في قول الحريري» . وقول الحريري هو : «فمذ ازورّ المحبوب الأصفر ، وأغبرّ
العيش الأخضر ، اسودّ يومي الأبيض ، وابيضّ فودي الأسود حتى رثى لي العدو الأزرق
فيا حبّذا الموت الأحمر».
وسار على ذلك
شرّاح التلخيص والحموي والسيوطي والمدني بعد أن ذكروا المعنى الأول أيضا .
التّداول
والتّناول :
الدولة :
الانتقال من حال الى حال أو من حال الشدة الى الرخاء ، وتداولنا الأمر : أخذناه بالدّول
، وتداولته الايدي : أخذته هذه مرة وهذه مرة .
وناولت فلانا
شيئا مناولة إذا عاطيته ، وتناولت من يده شيئا : إذا تعاطيته ، وناولته الشيء
فتناوله ، وتناول الأمر : أخذه .
وقد عقد ابن
منقذ بابا سماه «السابق واللاحق والتداول والتناول» وقال : «هو أن يأخذ البيت
فينقص من لفظه أو يزيد في معناه أو يحرره فيكون أولى به من قائله لكنّ الأول سابق
والآخر لاحق» . كقول علي بن الجهم :
وكم وففة
للريح دون بلادها
|
|
وكم عقبة
للطير دون بلادي
|
أخذه المعري
فقال :
وسألت كم بين
العقيق الى الحمى
|
|
فجزعت من بعد
النوى المتطاول
|
وعذرت طيفك
في الجفاء لأنّه
|
|
يسري فيصبح
دوننا بمراحل
|
__________________
وكقول الآخر :
له خلائق بيض
لا يغيّرها
|
|
صرف الزمان
كما لا يصدأ الذّهب
|
أخذه الآخر
فقال :
صديق لي له
نسب
|
|
صداقة مثله
تجب
|
إذا نقدت
خلائقه
|
|
تبهرج عنده
الذّهب
|
التّدلّي :
الانسان يدلي
شيئا في مهواة ويتدلى هو نفسه ، ويقال : تدليت فيها وعليها ، ولا يكون التدلّي إلا
من علو الى استفال ، يقال : تدلّى من الشجرة ، وتدلّى فلان علينا من أرض كذا وكذا
أي : أتانا .
وقال السيوطي :
«التدلي بأن يذكر الأعلى ثم الأدنى لنكتة نحو
«الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»
فانّ الأول
أبلغ ، ولو اقتصر عليه لاحتشم أن يطلب منه اليسير فكمل بالألطف لذلك. وخرّج على
ذلك : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ
وَلا نَوْمٌ) و (فَلا تَقُلْ لَهُما
أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما) و (لَنْ يَسْتَنْكِفَ
الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ). ونكتة البداءة بالمسيح أنّ الخطاب مسوق للرد على
النصارى ثم استطرد للرد على العرب المدعين في الملائكة ثم تخلص الى حال المعاد» .
التّذنيب :
ذنب ذنبا :
تبعه ، والتذبيب : التعاظل ، وذنّب الضبّ : أخرج ذنبه من أدنى الجحر ورأسه في
داخله .
والتذنيب الزيادة
، وقد قال قدامة هو : «أن يأتي الشاعر بألفاظ تقصر عن العروض فيضطر الى الزيادة
فيها» . كقول الكميت :
لا كعبد
المليك أو كيزيد
|
|
أو سليمان
بعد أو كهشام
|
فالملك والمليك
اسمان لله ـ عزوجل ـ والخليفة هو عبد الملك بن مروان ، وقد اضطر الشاعر
الى أن يجعله «عبد المليك» للضرورة الشعرية.
التّذييل :
الذيل : آخر كل
شيء ، وذيّل فلان ثوبه تذييلا أي طوّله .
والتذييل : «أن
يذيل الناظم أو الناثر كلاما بعد تمامه وحسن السكوت عليه بجملة تحقق ما قبلها من
الكلام وتزيده توكيدا وتجري مجرى المثل بزيادة التحقيق» . وهو الاطناب بالتذييل وقد تقدم ، ولكنّ كثيرا من
البلاغيين بحثوه مستقلا ، وبحثه القزويني وشرّاح التلخيص والسيوطي في
__________________
الاطناب .
التّرتيب :
رتب الشيء يرتب
: ثبت فلم يتحرك ، ورتبّه ترتيبا : أثبته .
والترتيب من
استخراج شرف الدين التيفاشي وهو الذي سماه بهذا الاسم وقال عنه : «هو أن يجنح
الشاعر الى أوصاف شتى في موضوع واحد أو في بيت وما بعده على الترتيب ويكون ترتيبها
في الخلقة الطبيعية ولا يدخل الناظم فيها وصفا زائدا عما يوجبه علمه في الذهن أو
في العيان» .
وقال السيوطي :
«هو الترتيب والمتابعة» . ومنه قول زهير :
يؤخر فيوضع
في كتاب فيدّخر
|
|
ليوم الحساب
أو يعجل فينقم
|
وقول مسلم بن
الوليد :
هيفاء في
فرعها ليل على قمر
|
|
على قضيب على
حقف النقا الدهس
|
فان الأوصاف
الأربعة على ترتيب الانسان من الأعلى الى الأسفل.
ومنه قوله
تعالى : (هُوَ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ
يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً).
التّرجّي :
الرجاء من
الأمل نقيض اليأس ، رجاه يرجوه رجوا ، ورجيه وارتجاه وترجّاه بمعنى .
والترجي من
أساليب الانشاء ، وقد فرقوا بينه وبين التمني بأنّه في الممكن والتمني فيه وفي
المستحيل ، وبأنّ الترجي في القريب والتمني في البعيد ، وبأنّ الترجي في المتوقع
والتمني في غيره ، وبأنّ التمني في المعشوق للنفس والترجي لغيره .
وحرفا الترجي «لعل»
و «عسى» وقد تردان مجازا لتوقع محذور ويسمّى الاشفاق ، كقوله تعالى : (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ).
التّرجيع :
رجع يرجع :
انصرف ، ورجّع الرجل وترجّع : ردد صوته في قراءة أو أذان أو غناء أو زمر أو غير
ذلك مما يترنم به. والترجيع في الأذان : أن يكرر قوله : «أشهد أن لا إله إلّا الله
، أشهد أنّ محمدا رسول الله. وترجيع الصوت : ترديده في الحلق ، والترجيع : ترديد
القراءة .
ذكر العلوي فنا
سماه «الترجيع في المحاورة» وقال : «الترجيع تفصيل من قولك : رجّعت الشيء ، إذا
رددته ، ويسمى الترجيع رجيعا وهو ما يخرج من بطن ابن آدم لأنّه يتردد فيه ويقال
للسماء ذات الرجع لأنّ المطر يتردد في نزوله منها. وهو في مصطلح علماء
البيان عبارة عن أن يحكي المتكلم
__________________
مراجعة في القول ومحاورة جرت بينه وبين غيره بأوجز عبارة وأخصر لفظ فينزل
في البلاغة أحسن المنازل وأعجب المواقع.
ومن جيد ما
يورد من أمثلتها ما قاله بعض الشعراء .
قالت ألا لا
تلجن دارنا
|
|
إنّ أبانا
رجل غائر
|
أما رأيت
الباب من دوننا
|
|
قلت بأنّي
واثب ظافر
|
قالت فانّ
الليث عادية
|
|
قلت فسيفي
مرهف باتر
|
قالت أليس
البحر من دوننا
|
|
قلت فانّي
سابح ماهر
|
قالت أليس
الله من فوقنا
|
|
قلت بلى وهو
لنا غافر
|
قالت فامّا
كنت أعييتنا
|
|
فأت اذا ما
هجع السامر
|
واسقط علينا
كسقوط النّدى
|
|
ليلة لاناه
ولا آمر
|
وألطف من هذا
قول أبي نواس في شعره :
قال لي يوما
سليما
|
|
ن وبعض القول
أشنع
|
قال صفني
وعليّا
|
|
أيّنا أتقى
وأورع
|
قلت إني إن
أقل ما
|
|
فيكما بالحقّ
تجزع
|
قال كلّا قلت
مهلا
|
|
قال قل لي
قلت فاسمع
|
قال صفه قلت
يعطي
|
|
قال صفني قلت
تمنع
|
ومن جيده ما
قاله البحتري :
بتّ أسقيه
صفوة الراح حتى
|
|
وضع الكأس
ماثلا يتكفّا
|
قلت عبد
العزيز تفديك نفسي
|
|
قال لبيك قلت
لبيك ألفا
|
هاكها قال
هاتها قلت خذها
|
|
قال لا
أستطيعها ثم أغفى
|
فهذا وما شاكله
من جيد ما يؤثر في المحاورة وترجيع الخطاب على وجهه الملاطفة والاستعطاف» .
وذكر السيوطي
في بحث التكرير نوعا خاصا منه سماه الترجيع وقال : «قال الطيبي هو أن يكون المعنى
مهتما بشأنه فاذا شرع في نوع من الكلام نظر الى ما يتخلص اليه فاذا تمكن من إيراده
كرّ اليه كقوله تعالى : (وَلا تُعْجِبْكَ
أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي
الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ). قال الزمخشري في تجديد النزول له شأن في تقرير ما نزل له وتأكيده
وارادة أن يكون على بال من المخاطب ولا ينساه ولا يسهو عنه لفوته فأشبه الشيء الذي
أهم صاحبه فهو يرجع اليه في أثناء حديثه ويتخلص اليه» .
وسمّاه الآخرون
«المراجعة» وذكر المصري أنّه من مبتدعاته قال : «هو أن يحكي المتكلم مراجعة في
القول ومحاورة في الحديث جرت بينه وبين غيره أو بين اثنين غيره بأوجز عبارة وأرشق
سبك وأسهل ألفاظ إما في بيت واحد أو في أبيات أو جملة واحدة» كقول عمر بن أبي ربيعة :
__________________
بينما
ينعتنني أبصرنني
|
|
مثل قيد
الرّمح يعدو بي الأغر
|
قالت الكبرى
ترى من ذا الفتى
|
|
قالت الوسطى
لها : هذا عمر
|
قالت الصّغرى
وقد تيّمتها
|
|
قد عرفناه
وهل يخفى القمر؟
|
وذكر أبيات أبي
نواس والبحتري ، وقوله تعالى :(قالَ إِنِّي جاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
وكان الرازي قد
تحدث عن السؤال والجواب ومثّل له بقول الباخرزي :
قد قلت
هجرتني فما العلّة؟
|
|
صدّت وتمايلت
قالت قلّه
|
وأشار الى ذلك
المدني بقوله : «وسماها جماعة منهم الامام فخر الدين الرازي : السؤال والجواب ...
قال الشيخ صفي
الدين الحلبي في شرح بديعيته : وذكر ابن الاصبع أنّ هذا النوع من مخترعاته ، وقد
وجدناه في كتب غيره بالاسم الثاني» أي : السؤال والجواب ونقل ابن مالك تعريف المصري
وأمثلته ، وقال السبكي : «هي حكاية محاورة بين المتكلم وغيره وهو أعم من الالجاء» ومثّل له بأبيات وضاح اليمن التي ذكرها العلوي : «قالت
الا لاتلجن درانا ...».
وقال الحموي : «المراجعة
ليس تحتها كبير أمر ولو فوّض اليّ حكم في البديع ما نظمتها في أسلاك أنواعه.
وذكر ابن أبي
الاصبع أنّها من اختراعاته وعجبت من مثله كيف قربها الى الذي استنبطه من الانواع
البديعية الغريبة كالتهكم والافتنان والتدبيج والهجاء في معرض المدح والاشتراك
والالغاز والنزاهة. ومنهم من سمّى هذا النوع أعني المراجعة السؤال والجواب» .
ونقل السيوطي
تعريف المصري وقال : «المراجعة ذكرها ابن مالك وعبد الباقي وغيرهما وهي حكاية
التحاور بين المتكلم وغيره في البيت الواحد بألفاظ وجيزة» .
وذكر المدني
للترجيع والمراجعة أمثله كثيرة تدل على شيوع مثل هذا الاسلوب بين الشعراء .
التّرديد :
الردّ ، مصدر :
«رددت الشيء» وهو صرف الشيء ورجعه ، وردّه عن وجهه يرده ردّا صرفه ، وردّد القول
بمعنى ردّه والتثقيل للكثرة . والترديد هو إعادة الشيء.
قال الحاتمي : «الترديد
هو تعليق الشاعر لفظة في البيت متعلقة بمعنى ثم يرددها فيه بعينها ويعلقها بمعنى
آخر في البيت نفسه» .
وعدّه ابن رشيق
من المجانسة ، وعقد له بابا وعرّفه بقوله : «وهو أن يأتي الشاعر
بلفظة متعلقة بمعنى ثم يردها بعينها متعلقة بمعنى آخر في البيت نفسه أو في قسيم
منه». وهذا كلام الحاتمي ، وذلك كقول زهير :
من يلق يوما
على علّاته هرما
|
|
يلق السماحة
منه والندى خلقا
|
فعلق «يلق» بـ
«هرم» ثم علقها بالسماحة. وقوله :
__________________
ومن هاب
أسباب السماء ينلنه
|
|
ولو رام
أسباب السماء بسلّم
|
فرددت «أسباب».
ومنق قول أبي حيّة النميري :
ألا حيّ من
أجل الحبيب المغانيا
|
|
لبسن البلى
ممن لبسن اللياليا
|
إذا ما تقاضى
المرء يوما وليلة
|
|
تقاضاه شيء
لا يملّ التقاضيا
|
والترديد في
قوله : «لبسن البلى ممن لبسن اللياليا» و «إذا ما تقاضى المرء يوما وليلة» ثم قال
: «تقاضاه شيء لا يملّ التقاضيا».
ومنه قول أبي
نواس :
صفراء لا
تنزل الأحزان ساحتها
|
|
لو مسّها حجر
مسّته سرّاء
|
ثم قال ابن
رشيق : «وسمع أبو الطيب باستحسان هذا النوع فجعله نصب عينه حتى مقتّه وزهد فيه ،
ولو لم يكن إلا بقوله :
فقلقلت
بالهمّ الذي قلقل الحشا
|
|
قلاقل عيش
كلّهن قلاقل
|
فهذه الألفاظ
كما قال كلهن قلاقل» .
وعرفه التبريزي
والبغدادي بما يقرب من تعريف ابن رشيق وذكرا بعض أمثلته ثم قالا : «وقد يسمى
التعطف أيضا» . ولكن المصري فرّق بينهما بقوله : «وقد يلتبس الترديد
الذي ليس تعددا من هذا الباب بباب التعطف ، والفرق بينهما أنّ هذا النوع من
الترديد يكون في أحد قسمي البيت تارة وفيهما معا مرة ، ولا تكون احدى الكلمتين في
قسم والاخرى في آخر. والمراد بقربهما أن يتحقق الترديد. والتعطف وإن كان ترديد
الكلمة بعينها فهو لا يكون إلا متباعدا بحيث تكون كل كلمة في قسم. والترديد يتكرر
والتعطف لا يتكرر ، والترديد يكون بالأسماء المفردة والجمل المؤتلفة والحروف ،
والتعطف لا يكون إلا بالجمل غالبا» .
وسماه ابن منقذ
«التصدير» وهو رد الأعجاز على الصدور والفرق بينهما أنّ التصدير
مخصوص بالقوافي تردّ على الصدور والترديد يقع في أضعاف البيت .
وقال ابن شيث
القرشي : «وهو أن ترد آخر الكلام على أوله» ، وهذا هو التصدير ، أوردّ الأعجاز على الصدور.
وقال ابن
الاثير : «وربما جهل بعض الناس فادخل في التجنيس ما ليس منه نظرا الى مساواة اللفظ
دون اختلاف المعنى. فمن ذلك قول أبي تمام :
أظنّ الدّمع
في خدّي سيبقى
|
|
رسوما من
بكائي في الرسوم
|
وهذا ليس من
التجنيس في شيء إذ حدّ التجنيس هو إتفاق اللفظ واختلاف المعنى وهذا البيت المشار
اليه هو اتفاق اللفظ والمعنى معا ، وهذا مما ينبغي أن ينبه عليه ليعرف. ومن علماء
البيان من جعل له اسما سمّاه به وهو الترديد أي أنّ اللفظة الواحدة رددت فيه» .
وقال ابن
الزّملكاني : «هو أن تعلق لفظة بمعنى ثم تردها بعينها وتعلقها بمعنى آخر» . وذكر المصري مثل ذلك فقال : «هو أن يعلق المتكلم لفظة
من الكلام بمعنى ثم يردّها بعينها ويعلقها بمعنى آخر كقوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ
اللهِ ، اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ). فالجلالة الأولى
__________________
مضاف اليها ، والثانية مبتدأ بها» . وذكر أنّ من الترديد نوعا يسمى الترديد المتعدد «وهو
أن يتردد حرف من حروف المعاني إما مرة أو مرارا وهو الذي يتغير فيه مفهوم المسمى
لتغير الاسم إما لتغاير الاتصال أو تغاير ما يتعلق بالاسم» ومثال هذا النوع قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ
فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) فان اتصال «من» بضمير المخاطبين الغائبين في الموضعين
مع ما تضمنت «من» من معنى الشرط أصارت المؤمنين كافرين عند وقوع الشرط ، وقد يتردد
حرف الجر في الجملة من الكلام والبيت من الشعر مرارا عدة في جمل متغايرة ، ومثاله
قول الشاعر :
يريك في
الرّوع بدرا لاح في غسق
|
|
فليث عرّيسة
في صورة الرجل
|
وربما كان
المتردد غير حرف الجر كحرف النداء أو غيره ومثاله قول المتنبي :
يا بدر يا
بحر يا غمامة يا
|
|
ليث الشّرى
يا حمام يا رجل
|
ومثال المتردد
من الجمل غير المتعددة قول أبي نواس :
صفراء لا
تنزل الأحزان ساحتها
|
|
لو مسّها حجر
مسّته سرّاء
|
فقوله : «مسّها»
و «مسته» ترديد حسن.
ومن الترديد
نوع آخر ذكره المصري وهو «ترديد الحبك» ويسمى بيته المحبوك وهو «أن تبني البيت من
جمل ترد فيه كلمة من الجملة الأولى في الجملة الثانية وكلمة من الثالثة في الرابعة
بحيث تكون كل جملتين في قسم ، والجملتان الأخيرتان غير الجملتين الاوليين في
الصورة ، والجمل كلها سواء في المعنى» .
كقول زهير :
يطعنهم ما
ارتموا حتى إذا اطّعنوا
|
|
ضارب حتى إذا
ما ضاربوا اعتنقا
|
قد ردد كلمة من
الجملة الأولى في الجملة الثانية ، وردد كلمة من الجملة الثالثة في الجملة الرابعة
ثنتان في كل قسم ، وكل جملتين متفقتان في الصورة غير أنّهما مختلفتان إذا نظرت الى
كل قسم وجملته وإن اشتركا في المعنى فانّ صورة الطعن غير صورة الضرب ، ومعنى
الجميع واحد وهو الحماسة في الحرب.
وذكر المظفر
العلوي وابن مالك والنويري والحلبي وابن الاثير الحلبي والعلوي والسبكي والزركشي
والسيوطي والمدني كلام السابقين . وقال الحموي : «إنّ الترديد والتكرار ليس تحتهما كبير
أمر ولا بينهما وبين أنواع البديع قرب ولا نسبة لانحطاط قدرهما عن ذلك ولو لا
المعارضة ما تعرضت لهما في بديعيتي. ولكن ذكر زكي الدين بن أبي الاصبع بينهما فرقا
فيه بعض إشراق وهو أنّ اللفظة التي تكرر في البيت ولا تفيد معنى زائدا بل الثانية
عين الاولى هي التكرار ، واللفظة التي يرددها الناظم في بيته تفيد معنى غير معنى
الأولى هي الترديد. وعلى هذا التقدير صار للترديد بعض مزية يتميز بها على الكرار
ويتحلى بشعارها وعلى هذا الطريق نظم أصحاب البديعيات هذا النوع أعني الترديد» .
وذكروا نوعا من
الطباق سمّوه «طباق الترديد» وهو
__________________
«أن ترد آخر الكلام المطابق على أوله» . ثم قال الحموي : «فان لم يكن الكلام مطابقا فهو من ردّ
الأعجاز على الصدور ومنه قول الأعشى :
لا يرقع
الناس ما أوهوا وإن جهدوا
|
|
طول الحياة
ولا يوهون ما رقعوا
|
التّرشيح :
الرشح : ندى
العرق على الجسد ، والترشيح التربية والتهيئة للشيء ، ورشّح للأمر : ربّي له وأهّل
، ورشّح الغيث النبات : رباه ، ورشّحت الأرض البهمى : ربّتها وبلغت بها .
قال المصري : «هو
أن يؤتى بكلمة لا تصلح لضرب من المحاسن حتى يؤتى بلفظة تؤهلها لذلك» . ومنه قوله تعالى : (اذْكُرْنِي عِنْدَ
رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) فإن لفظة (رَبِّكَ) رشحت لفظة (رَبِّهِ) لأن تكون تورية إذ يحتمل أن يراد بها الإله تعالى ، وأن
يراد بها الملك. ولو وقع الاقتصار على قوله : (فَأَنْساهُ
الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) دون قوله : (اذْكُرْنِي عِنْدَ
رَبِّكَ) لم تدلّ لفظة (رَبِّهِ) إلا على الاله فحسب لكن لما تقدمت لفظة (رَبِّكَ) وهي لا تحتمل إلا الملك صلحت لفظة (رَبِّهِ) للمعنيين.
والترشيح يكون
للتورية وللاستعارة وللمطابقة وغيرها ، وقد فرّق المصري بين الترشيح والاستعارة
والتورية من ثلاثة أوجه :
الأول : أنّ من
التورية ما لا يحتاج الى ترشيح ، وهي التورية المحضة.
الثاني : أنّ
الترشيح لا يخص التورية دون بقية الأبواب بل يعم الاستعارة والطباق وغيرهما ، ففي
قول المتنبي :
وخفوق قلب لو
رأيت لهيبه
|
|
يا جنّتي
لظننت فيه جهنّما
|
رشحت لفظة «يا
جنتي» لفظة «جهنم» للمطابقة ، ولو قال مكانها «يا منيتي» لم يكن في البيت طباق.
الثالث : أنّ
لفظة الترشيح في كلام المورّى غير لفظة التورية ، فإن التورية في قول علي ـ عليهالسلام ـ : «وهذا كان أبوه ينسج الشمال باليمين» في لفظة «الشمال»
والترشيح في لفظة «اليمين».
وذكر الحموي
والسيوطي والمدني ما ذكره المصري لأنّه من أوائل الذين حددوا هذا الفن ، ولذلك استندوا
الى ما ذكره.
ومثال الترشيح
للتورية قول التهامي :
واذا رجوت
المستحيل فإنّما
|
|
تبني الرجاء
على شفير هار
|
فذكر «الشفير»
يرشح «الرجاء» للتورية برجاء البئر وهو ناحيتها ولو لا ذكره ما كان فيه تورية
ولكان من رجوت بمعنى ضد اليأس فقط لقوله أولا : «واذا رجوت المستحيل». ومثال
الترشيح للطباق بيت المتنبي : «وخفوق قلب ...».
ومثال الترشيح
للاستخدام قول أبي العلاء في صفة الدرع :
تلك ماذيّة
وما لذباب ال
|
|
صّيف والسيف
عندها من نصيب
|
فان ذكر «السيف»
رشح «الذباب» لاستخدامه بمعنى طرف السيف ، ولولاه لا نحصر في معنى الطائر المعروف.
ومثال الترشيح
للاستعارة قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ
__________________
تِجارَتُهُمْ) ، فإنّه استعار الاشتراء للاستبدال والاختيار ثم رشحه
بما يلائم الاشتراء من الربح والتجارة فذكر الربح والتجارة يرشح حقوق المبالغة في
التشبيه.
فالترشيح لا
يخص فنا بعينه ولذلك قال المدني : «إنّ الترشيح لا يختص بنوع من البديع فمن زعم
أنّه ضرب من التورية فلا معنى لجعله نوعا برأسه ، فقد توهّم» .
التّرصيع :
رصع الشيء :
عقده عقدا مثلثا متداخلا ، وإذا أخذت سيرا فعقدت فيه عقدا مثلثة فذلك الترصيع.
والترصيع :
التركيب ، يقال : تاج مرصع بالجوهر وسيف مرصع أي محلّى بالرصائع وهي حلق يحلّى بها
الواحدة رصيعة. ورصّع العقد بالجوهر : نظمه فيه وضمّ بعضه الى بعض .
فالترصيع مأخوذ
من ترصيع العقد وذاك أن يكون في أحد جانبي العقد من اللآلىء مثل ما في الجانب
الآخر ، ولكن ابن شيث القرشي قال : «الترصيع وهو مأخوذ من رصيعة اللجام وهي العقدة
التي تكون على صدغ الفرس من الجانبين ولا يجوز أن تكون احدى العقدتين معقودة
والأخرى محلولة ولا أن تكون إحداهما حالية والأخرى عاطلة» .
والترصيع من
نعوت الوزن عند قدامة وقد عرّفه بقوله : «هو أن يتوخى فيه تصيير مقاطع الأجزاء في
البيت على سجع أو شبيه به أو من جنس واحد في التصريف» . وبقوله أيضا : «فالترصيع أن تكون الالفاظ متساوية
البناء متفقة الانتهاء سليمة من عيب الاشتباه وشين التعسف والاستكراه يتوخى في كل
جزئين منها متواليين أن يكون لهما جزءان متقابلان يوافقانهما في الوزن ويتفقان في
مقاطع السجع من غير استكراه ولا تعسف» .
وقال العسكري :
«هو أن يكون حشو البيت مسجوعا» ، وذكر الباقلاني نوعا منه سماه «الترصيع مع التجنيس» كقول ابن المعتز :
ألم تجزع على
الربع المحيل
|
|
وأطلال وآثار
محول
|
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا
مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ.
وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ).
وقال الباقلاني
: «ومما يقارب الترصيع ضرب يسمّى المضارعة» ، كقول الخنساء :
حامي الحقيقة
محمود الخليقة مه
|
|
ديّ الطريقة
، نفّاع وضرّار
|
جوّاب قاصية
جزّار ناصية
|
|
عقّاد ألوية
للخيل جرّار
|
وقال ابن رشيق
: «واذا كان تقطيع الأجزاء مسجوعا أو شبيها بالمسجوع فذلك هو الترصيع عند قدامة» . ثم قال : «وللقدماء من هذا النوع إلا أنهم لا يكثرون
منه كراهة التكلف».
وقال ابن سنان
: «وهو أن يعتمد تصيير مقاطع الأجزاء في البيت المنظوم أو الفصل من الكلام المنثور
مسجوعة وكأن ذلك شبّه بترصيع الجوهر
__________________
في الحلي» .
ولا يخرج كلام
التبريزي والبغدادي وابن منقذ وابن الزملكاني وابن مالك وابن الأثير الحلبي
والحموي والسيوطي والمدني عن ذلك .
وقال الرازي : «هو
أن تكون الالفاظ مستوية الأوزان متفقة الأعجاز» ونقل السكاكي وابن قيم الجوزية والحلبي والنويري هذا التعريف
.
وقال ابن
الاثير : «هو أن تكون كل لفظة من ألفاظ الفصل الأول مساوية لكل لفظة من ألفاظ
الفصل الثاني في الوزن والقافية» . ونفى أن يكون هذا الفن في كتاب الله العزيز لما فيه من
زيادة في التكلف ، وقال إنّه قليل في الشعر ، واذا جيء به فيه لم يكن عليه محض
الطلاوة التي تكون اذا جيء به في الكلام المنثور. ومن ذلك قول بعضهم :
فمكارم
أوليتها متبرّعا
|
|
وجرائم
ألغيتها متورّعا
|
فـ «مكارم»
بازاء «جرائم» و «أوليتها» بازاء «الغيتها» و «متبرعا» بازاء «متورعا».
ولكنّ السابقين
كابن منقذ والرازي والسكاكي ذكروا له أمثلة من القرآن الكريم كقوله تعالى :(وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ
تُغْمِضُوا فِيهِ) ، وقوله : (إِنَّ إِلَيْنا
إِيابَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) ، وقوله :(وَآتَيْناهُمَا
الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ. وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، وقوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ
لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ). وعلق ابن الاثير على الآية الأخيرة بقوله «فأما قول من
ذهب الى أنّ في كتاب الله منه شيئا ومثله بقوله : إنّ الأبرار ...» فليس الأمر كما
وقع له فان لفظة «لفي» قد وردت في الفقرتين معا ، وهذا يخالف شرط الترصيع الذي
شرطناه لكنه قريب منه» .
وقال المصري : «الترصيع
كالتسجيع في كونه يجزّىء البيت إما ثلاثة أجزاء إن كان سداسيا ، أو أربعة إن كان
ثمانيا وسجع على ثاني العروضين دون الأول ، وأكثر ما يقع الجزءان المسجع والمهمل
في الترصيع مدمجين إلا أنّ أسجاع التسجيع على قافية البيت. والفرق بينه وبين
التسميط المسمى تسميط التبعيض ، أنّ المسجع من قسمي التسميط معا هي أجزاء عروضية
والمسجع من الترصيع أجزاء غير عروضية لوقوع السجع في بعض الأجزاء» .
وذكر أبيات أبي
صخر التي ذكرها قدامة وهي :
وتلك هيكلة
خود مبتّلة
|
|
صفراء رعبلة
في منصب سنم
|
عذب مقّبلها
خدل مخلخلها
|
|
كالدعص
أسفلها مخضوبة القدم
|
سود ذوائبها
بيض ترائبها
|
|
محض ضرائبها
صيغت على الكرم
|
__________________
سمح خلائقها
درم مرافقها
|
|
يروى معانقها
من بارد شبم
|
كأن معتّقة
في الدن مغلقة
|
|
صفرا مصفّقة
من رابىء رذم
|
شيبت بموهبة
من رأس مرقبة
|
|
جرداء مهيبة
في حالق شمم
|
وسمّى هذا
النوع «الترصيع المدمج» لأنّ كل جزء مسجع من أجزائه مدمج في الجزء الذي قبله فرقا
بينه وبين ما ليس كذلك من الترصيع. فانّ من الترصيع ما أجزاؤه المسجعة غير مدمجة
فيما قبلهما ، ومثاله قول مسلم بن الوليد :
كأنّه قمر أو
ضيغم هصر
|
|
أو حيّة ذكر
أو عارض هطل
|
وسمّاه المظفر
العلوي ترصيعا وتفويفا .
وأدخل القزويني
هذا اللون في السجع وقال : «وقيل السجع غير مختص بالنثر ومثاله من الشعر قول أبي
تمام :
تجلّى به
رشدي وأثرت به يدي
|
|
وفاض به ثمدي
وأورى به زندي
|
وأدخل في السجع
التشطير أيضا وهو أن يجعل كل من شطري البيت سجعة مخالفة لأختها كقول أبي تمام :
تدبير معتصم
بالله منتقم
|
|
لله مرتغب في
الله مرتقب
|
وقسّم الحلبي
والنويري الأسجاع الى أربعة أنواع :
الترصيع
والمتوازي والمطرف والمتوازن ، وبذلك يتفقان مع القزويني في هذا التحديد ، كما يتفق
المتأخرون معهم حينما عدّوا بيت أبي تمام الأول من السجع المطرف ، والبيت الثاني
من سجع التشطير. وقسّمه ابن شيث القرشي الى ترصيع حذو وترصيع لغو وقال : «فترصيع
الحذو وأفصحه قوله تعالى : (وَهُمْ يَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).
ومنه قول النبي
ـ صلوات الله عليه ـ «إياكم والمشارّة فانها تميت الغرّة وتحيي العرّة» ومنه قول الشاعر :
غرر لكنّهم
عرر
|
|
إن مزجت
الخبر بالخبر
|
وأما ترصيع
اللغو فهو كل كلمتين جاءتا في النثر على صورة واحدة في الخط لا يفرق بينهما إلا
بالشكل والنقط إلا أنّه لا يصلح أن تكون إحداهما قبالة الأخرى قافية لاختلاف حرف
الروي وهو مثل : «أعجبني من نبل فلان شائعه ومن نيله سائغه» و «أنا فيما فعلته
نابغ لا تابع وعائد لا عائذ وحابس لا خائس» .
وهذا تقسيم
جديد للترصيع وهو من صنوف الجناس ، وقد عدّها ابن رشيق من جناس التصحيف .
وقد يكون
الترصيع مع التجنيس ، قال الوطواط :
__________________
«وصناعة الترصيع رفيعة الشأن في ذاتها ولكنها إذا اقترنت بعمل آخر مثل
التجنيس فإنّها تزداد علوا ورفعة شأن» . ومنه قول بعضهم : «قد وطئت الدهماء أعقابهم وخشيت
الأعداء أعقابهم» و «الكؤوس في الراحات والنفوس في الراحات» ، وقول المؤملي الكاتب
:
لم نزل نحن
في سداد ثغور
|
|
واصطلام
الابطال من وسط لام
|
واقتحام
الأهوال من وقت حام
|
|
واقتسام
الاموال من وقت سام
|
ومنه قول
الوطواط :
جلالك يا خير
الملوك مساعيا
|
|
على منبر
المجد المؤثل خاطب
|
فللحظة
النكراء سيبك دافع
|
|
وللخطة
العذراء سيفك خاطب
|
وكان الباقلاني
قد ذكر ـ كما تقدم ـ الترصيع مع التجنيس ومثل له بقول ابن المعتز وبآية من
الذكر الحكيم.
التّرقّي :
رقي الى الشيء
رقيا ورقوّا وارتقى يرتقي وترقّى : صعد ، ورقّى غيره ، ويقال : ما زال فلان يترقّى
به الأمر حتى بلغ غايته .
قال السبكي : «هو
أن يذكر معنى ثم يردف بأبلغ منه كقولك : «عالم نحرير وشجاع باسل» وهذا قد يدخل في
بعض أقسام الأطناب» .
ومثل له
الزركشي بقوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ
وَلا نَوْمٌ) ، وقوله : (لا يُغادِرُ
صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً). وذكر السيوطي تعريف السبكي ومثاله نقلا عن كتاب «التبيان»
. وذكر قوله تعالى : (الْخالِقُ الْبارِئُ
الْمُصَوِّرُ) أي قدر ما يوجد ثم مثله. وقوله : (لَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا
النَّصارى). أي : ولا من هو أقرب مودّة فكيف بالأبعد؟
التّزاوج :
الزوج : خلاف
الفرد ، والزوج ، الفرد الذي له قرين.
وتزاوج القوم
وازدوجوا : تزوّج بعضهم بعضا.
والمزاوجة
والازدواج بمعنى ، وازدوج الكلام وتزاوج أشبه بعضه بعضا في السجع أو الوزن أو كان
لإحدى القضيتين تعلّق بالأخرى .
والتزاوج هو أن
يزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء كقول البحتري :
إذا ما نهى
الناهي فلجّ بي الهوى
|
|
أصاخت الى
الواشي فلجّ بها الهجر
|
وقوله :
إذا احتربت
يوما ففاضت دماؤها
|
|
تذكّرت
القربى ففاضت دموعها
|
وسمّي التزاوج
مزاوجة ، فالرماني قسّم التجانس الى مناسبة ومزاوجة وقال إنّ المزاوجة تقع في
الجزاء كقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى
عَلَيْكُمْ
__________________
فَاعْتَدُوا
عَلَيْهِ) أي جازوه بما يستحق على طريق العدل إلا أنّه استعير
للثاني لفظ الاعتداء لتأكيد الدلالة على المساواة في المقدار فجاء على مزاوجة
الكلام لحسن البيان. ومن ذلك : (مُسْتَهْزِؤُنَ ،
اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) أي : يجازيهم على استهزائهم. ومنه :(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ ، وَاللهُ
خَيْرُ الْماكِرِينَ) جازاهم على مكرهم فاستعير للجزاء على المكر اسم المكر
لتحقيق الدلالة على أنّ وبال المكر راجع عليهم ومختص بهم.
ونقل الصنعاني
كلام الرماني وأمثلته ، وتبعهما في ذلك ابن مالك الذي قال عن المزاوجة هي «أن
تأتي في غير ردّ العجز على الصدر بمتماثلين في أصل المعنى والاشتقاق فحسب» كقول الشاعر :
ألا لا يجهلن
أحد علينا
|
|
فنجهل فوق
جهل الجاهلينا
|
والمزاوجة عند
الرازي من أقسام النظم وذلك «أن يزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء» ، أي أنّها الازدواج والتزاوج وهو ما ذهب اليه عبد
القاهر من قبل. والى ذلك ذهب السكاكي والقزويني وشراح التلخيص ، وأدخلوا المزاوجة
في المحسنات المعنوية .
التّسبيغ :
يقال : شيء سابغ
أي كامل واف ، وسبغ الشيء يسبغ سبوغا : طال الى الأرض واتسع ، وسبغت الدرع وكل شيء
: طال الى الارض فهو سابغ .
قال المصري : «هذا
الباب سمّاه الأجدابي التسبيغ وفسّره بأن قال : «هو أن يعيد لفظ القافية في أول
البيت الذي يليها ، والتسبيغ زيادة في الطول ، ومنه قولهم : «درع سابغة» إذا كانت
طويلة الأذيال. وهذه اللفظة في اصطلاح العروضيين عبارة عن زيادة حرف ساكن على
السبب الخفيف في آخر الجزء ، وعلى هذا لا تكون هذه التسمية لائقة بهذا المسمى
فرأيت أن اسمي هذا الباب تشابه الاطراف لأنّ الأبيات فيه تتشابه أطرافها» . وقال : «ولم أظفر من الكتاب العزيز في هذا الباب إلا
بقوله : (اللهُ نُورُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ،
الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) فالحظ تشابه أطراف هذه الجمل لتقدر هذا النظم قدره» .
ومنه قول
النابغة الذبياني :
لعمري وما
عمري عليّ بهيّن
|
|
لقد نطقت
بطلا عليّ الأقارع
|
أقارع عوف لا
أحاول غيرها
|
|
وجوه قرود
تبتغي من تخادع
|
وقول ليلى
الأخيلية تمدح الحجاج :
إذا نزل
الحجّاج أرضا مريضة
|
|
تتبّع أقصى
دائها فشفاها
|
شفاها من
الداء العضال الذي بها
|
|
غلام إذا هزّ
القناة سقاها
|
__________________
سقاها
فروّاها بشرب سجاله
|
|
دماء رجال
يحلبون صراها
|
وقول أبي حية
النميري :
رمتني وستر
الله بيني وبينها
|
|
عشيّة آرام
الكناس رميم
|
رميم التي
قالت لجيران بيتها
|
|
ضمنت لكم
ألّا يزال بهيم
|
وذكر الحموي
والسيوطي والمدني مثل ذلك ، ولكنّ تشابه الأطراف كما فسّره القزويني ليس كذلك فهو
عنده من مراعاة النظير وذلك «أن يختم الكلام بما يناسب أوّله في المعنى» .
التّسجيع :
سجع يسجع سجعا
: استوى واستقام وأشبه بعضه بعضا ، والسجع الكلام المقفّى ، والجمع : أسجاع
وأساجيع ، وكلام مسجّع. وسجع يسجع سجعا وسجّع تسجيعا : تكلم بكلام له فواصل كفواصل
الشعر من غير وزن ، وصاحبه : سجّاعة وهو من الاستواء والاستقامة والاشتباه كأن كل
كلمة تشبه صاحبتها. قال ابن جني : سمي سجعا لاشتباه أواخره وتناسب فواصله. وسجع
الحمام : هدل على جهة واحدة ، وسجع الحمامة : موالاة صوتها على طريق واحد وربط الخليل السجع بالفواصل فقال : «سجع الرجل إذا نطق
بكلام له فواصل كقوافي الشعر من غير وزن» .
السجع هو الفن
المعروف في الأدب العربي ، وقد سماه تسجيعا قدامة وابن الزملكاني والمصري وابن
مالك والعلوي والمدني ، وألحقه ابن الاثير الحلبي بالتسميط . وقال ابن الاثير الجزري : «وحدّه أن يقال : تواطؤ
الفواصل في الكلام المنثور على حرف واحد» وهو ما قاله القزويني ، وهو معنى قول السكاكي : «الأسجاع وهي في النثر كما
القوافي في الشعر» .
والسجع من
أوصاف البلاغة في موضعه وعند سماحة القول فيه وأن يكون في بعض الكلام لا كله ،
فانّه في الكلام كمثل القافية في الشعر وإن كانت القافية غير مستغنى عنها في الشعر
القديم والسجع مستغنى عنه. قال ابن وهب : «فاما أن يلزمه الانسان في جميع قوله
ورسائله وخطبه ومناقلاته فذلك جهل من فاعله وعيّ من قائله» . وقال ابن جني : «ألا ترى أنّ المثل إذا كان مسجوعا لذّ
لسامعه فحفظه ، فاذا هو حفظه كان جديرا باستعماله ، ولو لم يكن مسجوعا لم تأنس
النفس به ولا أنقت لمستمعه ، واذا كان كذلك لم تحفظه ، وان لم تحفظه لم تطالب
أنفسها باستعمال ما وضع له وجيء به من أجله» .
وقد ذمه بعضهم
لأنّ الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ذمّ سجع الكهان حينما قال لبعضهم منكرا عليه وقد
كلّمه بكلام مسجوع : «أسجعا كسجع الكهان؟». قال الجاحط : «وكان الذي كرّه الأسجاع
بعينها وإن كانت دون الشعر في التكلف والصنعة أنّ كهّان العرب الذين كان أكثر
الجاهلية يتحاكمون اليهم وكانوا يدّعون الكهانة وأنّ مع كل واحد منهم رئيا من الجن
مثل حازي جهينة ، ومثل شق وسطيح
__________________
وعزّى سلمة وأشباههم. وكانوا يتكهنون ويحكمون بالأسجاع» وعلل ذلك النهي بقوله : «فوقع النهي في ذلك الدهر لقرب
عهدهم بالجاهلية ولبقيتها في صدور كثير منهم ، فلما زالت العلة زال التحريم. وقد
كانت الخطباء تتكلم عند الخلفاء الراشدين فيكون في تلك الخطب أسجاع كثيرة فلا
ينهونهم» . وقال ابن وهب إنّ الرسول الكريم أنكر ذلك لأنّ المتكلم
أتى به في بعض كلامه ومنطقه وكان ذلك على سجية الانسان وطبعه فهو غير منكر ولا
مكروه بل أتى في الحديث الشريف . ونطق به ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في بعض كلامه حتى أنّه غيّر الكلمة عن وجهها اتباعا
لها باخواتها في السجع فقال لابن ابنته : «أعيذه من الهامّة والسامّة وكل عين
لامّة» ، وإنّما أراد «ملمة» لأنّ الأصل فيها من «ألمّ فهو ملمّ». ورأى ابن الاثير
أنّ الرسول العظيم لم يذم السجع كله وانما ذمّ ما كان مثل سجع الكهان لا غير ، وقد
ورد في القرآن الكريم.
وعلل ذم بعضهم
للسجع بقوله : «وقد ذمه بعض أصحابنا من أرباب هذه الصناعة ، ولا أرى لذلك وجها سوى
عجزهم أن يأتوا به ، وإلا فلو كان كان مذموما لما ورد في القرآن الكريم فانه قد
أتى منه بالكثير حتى ليؤتى بالسورة جميعها مسجوعة كسورة الرحمن وسورة القمر
وغيرهما. وبالجملة فلم تخل منه سورة من السور» . وقال الكلاعي : «والذي عندي في هذا أنّ النثر والنظم
أخوان فكما لا يقدح في النظم تكلف الوزن والقافية ، كذلك لا يقدح في النثر تكلف
السجع» .
وقسّم ابن
الاثير التسجيع أو السجع الى ثلاثة أقسام :
الأول : أن
يكون الفصلان متساويين لا يزيد أحدهما على الآخر ، كقوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ.
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ).
الثاني : أن
يكون الفصل الثاني أطول من الأول كقوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا
بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً. إِذا رَأَتْهُمْ
مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً. وَإِذا أُلْقُوا مِنْها
مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً).
الثالث : أن
يكون الفصل الآخر أقصر من الأول ، وهو عند ابن الاثير عيب فاحش ، وذلك أنّ السجع
يكون قد استوفى أمده من الفصل الأول بحكم طوله ثم يجيء الفصل الثاني قصيرا عن
الأول فيكون كالشيء المبتور فيبقى الانسان عند سماعه كمن يريد الانتهاء الى غاية
فيعثر دونها.
ثم قسّمه على
اختلاف أنواعه الى نوعين :
الأول : القصير
، وهو أن تكون كل واحدة من السجعتين مؤلفة من ألفاظ قليلة وكلّما قلّت الألفاظ كان
أحسن لقرب الفواصل المسجوعة من سمع السامع. وهذا الضرب أوعر السجع مذهبا وأبعده
متناولا ولا يكاد استعماله يجيء إلا نادرا.
الثاني :
الطويل ، وهو ضد الأول لأنّه أسهل متناولا .
وكل واحد من
هذين الضربين تتفاوت درجاته في عده ألفاظ ، أما السجع القصير فأحسنه ما كان مؤلفا
من لفظتين لفظتين كقوله تعالى : (وَالْمُرْسَلاتِ
عُرْفاً. فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً). ومنه ما يكون مؤلفا من ثلاثة ألفاظ وأربعة وخمسة ،
وكذلك الى العشرة. وأمّا السجع الطويل فانّ درجاته تتفاوت أيضا في الطول فمنه ما
يقرب من السجع القصير وهو أن يكون
__________________
تأليفه من إحدى عشرة الى اثنتي عشرة لفظة واكثره خمس عشرة لفظة ، ومنه ما
يكون تأليفه من العشرين لفظة أو ما يزيد على ذلك.
وأخذ العلوي
بهذا التقسيم وتابع ابن الاثير في أنّ القصير أحسن وأوعر مسلكا من الطويل وأصعب
مدركا وأخف على القلب وأطيب على السمع ؛ لأنّ الألفاظ اذا كانت قليلة فهي أحسن
وأرق .
وأضاف القزويني
قسما ثالثا وهو «السجع المتوسط» كقوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا
سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ).
وقسمه
المتأخرون الى عدة أقسام هي : الحالي والعاطل والمرصع والمشطر والمطرف والمتماثل
والمتوازن والمتوازي . ولكنّ تقسيم ابن الاثير اكثر وضوحا وأقرب الى روح الفن
، ولعل اهتمام المتأخرين بالتقسيم هو الذي دفعهم الى ذلك.
والأصل في
السجع الاعتدال في مقاطع الكلام ، والاعتدال مطلوب في جميع الأشياء والنفس تميل
اليه بالطبع. وشرط السجع الحسن أن يصفّى من الغثاثة وأن يكون اللفظ تابعا للمعنى ،
وهو كما قال عبد القاهر : «لا تجد تجنيسا مقبولا ولا سجعا حسنا حتى يكون المعنى هو
الذي طلبه واستدعاه وساق نحوه وحتى تجده لا تبتغي به بدلا ولا تجد عنه حولا» . وقال ابن سنان : «والمذهب الصحيح أنّ السجع محمود إذا
وقع سهلا متيسرا بلا كلفة ولا مشقة وبحيث يظهر أنه لم يقصد في نفسه ولا أحضره إلا
صدق معناه دون موافقة لفظه. ولا يكون الكلام الذي قبله إنما يتخيل لأجله وورد
ليصير وصلة اليه» . وللسجع سرّ بيّنه ابن الأثير بقوله : «واعلم أنّ للسجع
سرا هو خلاصته المطلوبة فان عرّي منه فلا يعتد به أصلا ، وهذا شيء لم ينبه عليه
أحد غيري ...
والذي أقوله في
ذلك هو أن تكون كل واحدة من السجعتين المزدوجتين مشتملة على معنى غير المعنى الذي
اشتملت عليه أختها فان كان المعنى فيهما سواء فذاك هو التطويل بعينه لأنّ التطويل
إنما هو الدلالة على المعنى بألفاظ يمكن الدلالة عليها بدونها ، واذا وردت سجعتان
يدلان على معنى واحد كانت إحداهما كافية في الدلالة عليه. وجلّ كلام الناس المسجوع
جار عليه» . ووضع للكلام المسجوع أربع شرائط :
الأولى :
اختيار مفردات الألفاظ على الوجه الصحيح ، وذلك أن تكون جيدة.
الثانية :
اختيار التركيب الحسن.
الثالثة : أن
يكون اللفظ في الكلام المسجوع تاليا للمعنى لا المعنى تابعا للفظ.
الرابعة : أن
تكون كل واحدة من الفقرتين المسجوعتين دالة على معنى غير الذي دلّت عليه أختها.
وتسمى الكلمة
التي تختم بها الآية الكريمة «فاصلة» لقوله تعالى : (كِتابٌ فُصِّلَتْ
آياتُهُ) ومنع بعضهم أن يسمّى سجعا وذلك لأنّ أصل السجع من «سجع
الطير» فشرف القرآن الكريم من أن يستعار لشيء فيه لفظ هو في أصل صوت الطائر ،
ولأجل تشريف كتاب الله عن مشاركة غيره من الكلام في اسم السجع الواقع في كلام
الناس ، ولأنّ الكتاب العزيز من صفات الله ـ عزوجل ـ فلا يجوز وصفه بصفة لم يرد الاذن بها وإن صّح المعنى.
__________________
وفرّقوا بين الفاصلة
والسجع وقالوا إنّ الفواصل تتبع المعاني ولا تكون مقصودة في نفسها ، والسجع يقصد
لنفسه ثم يحيل المعنى اليه . ومن أشهر الذين نفوا السجع عن كتاب الله أبو بكر
الباقلاني متابعا في ذلك أبا الحسن الأشعري ؛ لأنّ القرآن لو كان سجعا لكان غير
خارج على أساليب العرب في كلامهم ولو كان داخلا فيها لم يقع بذلك إعجاز .
ولعل ما كان من
أمر السجع في عصره جعله يذهب هذا المذهب ويربط السجع باللفظ دون المعنى مع علمه
بأنّ السجع كثير في كتاب الله ، وقد سمّاه بعض البلاغيين سجعا ، ولن يقلل من قيمته
أن نسميه «فواصل» لأننا حينما ننظر في تصريفهم لها نجد أنّها حروف متشاكلة في
المقاطع وهي تابعة للمعاني ويمكن أن نجعل السجع تابعا للمعاني أيضا كما فعل عبد
القاهر وابن الاثير. وتقسيم الفواصل الى وجهين :
أحدهما : على
الحروف المتجانسة كقوله تعالى : (طه ما أَنْزَلْنا
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى. إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى).
وثانيهما :
الحروف المتقاربة كالميم والنون في قوله تعالى : (الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ـ لا يخرج السجع منها ، ولو قال الباقلاني إنّ الإعجاز
لا يؤخذ من السجع كما لا يؤخذ من فنون البديع الأخرى لكان أولى ، وله الحق في ذلك
ما دام يذهب الى أنّ كتاب الله الخالد معجز بنظمه وحسن تأليفه. يضاف الى ذلك أنّ
معنى السجع في اللغة ليس تصويت الحمام فحسب بل الأساس فيه الاستقامة والاستواء
والاشتباه بأنّ كل كلمة تشبه صاحبتها ، وليس بعد القرآن كتاب يشمل الاستقامة
والاستواء بكل صورها ومعانيها.
ومهما يكن من
أمر فان أكثر البلاغيين يسمون هذا الفن سجعا ، وهو فن أصيل عرف في الجاهلية وصدر
الاسلام وشاع وانتشر في العصر العباسي أيما انتشار واسرف بعضهم فيه ، ولذلك نزّه
الأشعرية كتاب الله من هذا الفن البديعي الذي أصبح من المحسنات اللفظية عند
المتأخرين ، وسموا نهاية الآيات «فواصل» وهي تسمية دقيقة من أجل
أن يكون هناك فرق بين سجع البشر وآيات الله العزيز.
التّسجيع
الحالي :
قسّم ابن شيث
القرشي السجع الى حال وعاطل ، وقال عن الحالي : هو «كل كلمتين جاءتا في الكلام
المنثور على زنة واحدة تصلح أن تكون إحداهما قافية أمام صاحبتها كقولك «فلان لا
تدرك في المجد غايته ولا تنسخ من الفضل آيته». ويكفي في ذلك كلام رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في تعويذ الحسن والحسين ـ عليهماالسلام ـ : «أعيذكما من الهامة والسامّة وكل عين لامّة» ،
وكذلك قوله : «يرجعن مأزورات غير مأجورات». وبمقدار ما تتوازن اللفظتان ويلزم
فيهما من تكرار الحروف يكون التبريز في ذلك» .
وقال الكلاعي :
«وإنّما سمّينا هذا النوع الحالي لأنّه حلّي بحسن العبارة ولطف الاشارة وبدائع
التمثيل والاستعارة ، وجاء من الأسجاع والفواصل ما لم يأت في باب العاطل» .
التّسجيع
العاطل :
قال ابن شيث
القرشي : «وأما السجع العاطل فهو
__________________
أن تقابل اللفظة أختها ولا تجمع بينهما القافية ، وكثير من الكتاب البلغاء
يقصده لخلوه من التكلف وجريانه على سجية الكلام دون التصنع ، وهو اذا كان من
القادر حسن واذا كان من العاجز قصور. وهو كقوله : «قلّ أهل الدين والأمانة فالى من
يسكن وعلى من يعوّل» فقال : «يعوّل» في قبالة «يسكن» فلو شاء قال «يظهر ويبطن» أو «فيما
يسر ويعلن». فاذا كان الكاتب متمكنا من البلاغة عدّ ذلك منه تنزلا وطلبا للاختصار
واعتناء بحصول المعنى الى المخاطب بالالفاظ النقية من غير التفات الى تصنيع السجع»
.
وقال الكلاعي :
«وإنّما سمّينا هذا النوع العاطل لقلة تحليته بالاسجاع والفواصل ، وهذا النوع هو
الأصل ، والتجمل بكثرة السجع فرع طارىء عليه» .
التّسجيع
المتماثل :
قال السيوطي : «أن
يتساويا في الوزن دون التقفية ويكون أفراد الأولى مقابلة لما في الثانية فهو
بالنسبة الى المرصع كالمتوازن بالنسبة الى المتوازي» . ومنه قوله تعالى : (وَآتَيْناهُمَا
الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ. وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) فالكتاب والصراط متوازنان ، وكذلك «المستبين» و «المستقيم»
واختلفا في الحرف الأخير.
التّسجيع
المتوازن :
قال الرازي هو
: «أن يتفقا في عدد الحروف ولا يتفقا في الحرف الأخير» . وبمثل ذلك عرّفه السيوطي . ومنه قوله تعالى : (وَنَمارِقُ
مَصْفُوفَةٌ. وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ). ثم قال الرازي «وهذا القسم خارج عن الحد المذكور» . وهذا النوع سمّاه المتأخرون الموازنة وأدخلوه في
المحسنات اللفظية ، قال القزويني : «وهي أن تكون الفاصلتان متساويتين في الوزن دون
التقفية» . وذكر الآيتين السابقتين.
التّسجيع
المتوازي :
وهو أن تتفق
اللفظة الأخيرة من القرينة مع نظيرتها في الوزن والرويّ . كقوله تعالى : (فِيها سُرُرٌ
مَرْفُوعَةٌ. وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ).
التّسجيع
المرصّع :
وهو مقابلة كل
لفظة بلفظة على وزنها ورويّها ، كقوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ
لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) وسماه الحلبي والنويري «الترصيع» .
التّسجيع
المشطّر :
وهو أن يكون
لكل نصف من البيت قافيتان مغايرتان لقافيتي النصف الأخير ، كقول أبي تمام :
__________________
تدبير معتصم
بالله منتقم
|
|
لله مرتغب في
الله مرتقب
|
التّسجيع
المطرّف :
وهو أن يأتي
المتكلّم في أجزاء كلامه أو بعضها بأسجاع غير متّزنة بزنة عروضية ولا محصورة في
عدد معيّن بشرط أن يكون رويّ الأسجاع رويّ القافية .
وسمّاه ابن قيم
الجوزية «المتطرّف» وقال : «هو أن تتفق الكلمتان الاخيرتان في الحرف الأخير دون
الوزن» .
ومن هذا الضرب
قوله تعالى : (ما لَكُمْ لا
تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً).
التّسجيل :
السّجل : الدلو
الضخمة المملوءة ماء ـ ، والسّجل : الصبّ ، يقال : سجلت الماء سجلا إذا صببته صبّا
متصلا ، وأسجل الرجل : كثر خيره ، وسجّل أنعظ . فالأسجال الاكثار.
قال العلوي : «هو
تطويل الكلام والمبالغة فيما سيق من أجله من مدح أو ذم ، وهو نوع من الأطناب ، خلا
أنّ الأطناب عام في كل مقصود من الكلام والتسجيل خاص في المبالغة في المدح أو الذم»
. والمثال فيه قوله ـ تعالى ـ في ذم عبادة الأوثان والأصنام وتهجين من عبد
سواه فانه سجل عليهم غاية التسجيل ونعى اليهم أفعالهم وربخهم وسفّه حلومهم واستركّ
عقولهم على جهة التسجيل والتنويه بما عملوا : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ
مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ
يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ
وَالْمَطْلُوبُ).
ومثاله في
المدح قوله ـ تعالى ـ في صفة المؤمنين في صدر سورة البقرة حيث ذكرهم بالصفات
المحمودة وأثنى عليهم بالمناقب المعهودة وبما شرح الله صدورهم بالايمان بالله
تعالى وبرسوله وكتبه المنزلة وبما كان منهم من التصديق بما جاءت به من أحوال
القيامة والحشر والنشر وغير ذلك.
التّسليم :
سلّمت اليه
الشيء فتسلّمه أي أخذه ، والتسليم بذل الرضى بالحكم ، وأسلم أمره لله أي سلّم ،
وأسلم أي دخل في السّلم وهو الاستسلام .
والتسليم أقرب
الى أسلوب البحث والمناظرة ، قال السبكي : «وهذا يدخل في المذهب الكلاميّ» .
وهو من مبتكرات
المصري الذي قال : «هو أن يفرض المتكلّم فرضا محالا إما منفيا أو مشروطا بحروف
الامتناع ليكون ما ذكره ممتنع الوقوع لامتناع وقوع مشروطه ، ثم يسلّم بوقوع ذلك
تسليما جدليّا ويدلّ على تقدير عدم الفائدة في وقوعه على تقدير وقوعه» . كقوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ
مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ
وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ).
ومنه قول
الطرمّاح :
لو كان يخفى
على الرحمن خافية
|
|
من خلقه خفيت
عنه بنو أسد
|
__________________
ونقل ذلك السيوطي
والمدني .
التّسميط :
السّمط : الخيط
ما دام فيه الخرز وإلا فهو سلك ، والسمط خيط النظم لأنّه يعلق ، والسمط : الخيط
الواحد المنظوم. وسمط الشيء سمطا : علّقه ، وسمّطت الشيء : علقته على السموط
تسميطا ، وسمّطت الشيء : لزمته .
قال المدني : «التسميط
مأخوذ من «السّمط» ـ بكسر السين المهملة وسكون الميم ـ وهو خيط النظم ، كأنّهم
جعلوا القافية كالسمط ، والأجزاء المسجعة بمنزلة حبات العقد ، أو من السمط بمعنى
القلادة كأنّهم جعلوا البيت بتفصيله بالأجزاء المسجعة كالقلادة المفصّلة بالجواهر
المتناسبة ، وهو عبارة عن أن يجعل الشاعر البيت من قصيدة أو كل بيت منها أربعة
أقسام ، ثلاثة منها على سجع واحد مع مراعاة القافية في الرابع» .
وقال التبريزي
: «التسميط اعتماد الشاعر تصيير مقاطع الأجزاء في البيت على سجع أو شبيه به أو من
جنس واحد في التصريف والتمثيل. وسمّي تسميطا تشبيها بالمسمّط في نظمه» . كقول امرىء القيس :
مكر مفر مقبل
مدبر معا
|
|
كجلمود صخر
حطّه السّيل من عل
|
فأتى باللفظتين
الاوليين مسجوعتين في تصريف واحد وجاء التاليتين شبيهتين بهما في التعديل
والتمثيل.
والمراد من هذا
أن تكون الأجزاء متوالية أو أن تكون مسجوعة.
ونقل البغدادي
هذا الكلام ، وقال المصري : «هو أن يعتمد الشاعر تصيير بعض مقاطع
الأجزاء أو كلها في البيت على سجع يخالف قافية البيت» . كقوله تعالى : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ
بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ
عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً). ومنه قول مروان بن حفصة :
هم القوم إن
قالوا أصابوا وإن دعوا
|
|
أجابوا وإن
أعطوا أطابوا وأجزلوا
|
ويسمّى هذا «تسميط
التبعيض» ، ومنه نوع آخر يسمّى «تسميط التقطيع» وهو «أن يسجع جميع أجزاء التفعيل
على رويّ يخالف رويّ القافية» كقول المصري نفسه :
وأسمر مثمر
بمزهر نضر
|
|
من مقمر مسفر
عن منظر حسن
|
والفرق بين
التسميط والتفويف تسجيع بعض أجزاء بيت التسميط وخلوّ كل أجزاء بيت التفويف من
السجع . والفرق بينه وبين التسجيع كون أجزاء التسجيع على روي قافية وليس كذلك
التسميط .
وتحدث المظفر
العلوي عن التضمين وقال : «ويسمّى التسميط والتوشيح ، وهذا في أشعار العرب قليل
جدا وقد استعمل المحدثون من ذلك ما لا يأتي عليه الاحصاء كثرة وعدّا واليسير منه
دليل على الكثير.
قال الأخطل :
__________________
ولقد سما
للخرميّ فلم يقل
|
|
بعد الونى
لكن تضايق مقدمي
|
ضمّن قول عنترة
:
إذ يتّقون بي
الأسنة لم أخم
|
|
عنها ولكنّي
تضايق مقدمي
|
وليس هذا هو
التسميط عند الآخرين بل هو التضمين الذي عرّفه ابن رشيق بقوله : «هو قصدك الى
البيت من الشعر أو القسيم فتأتي به في آخر شعرك أو في وسطه كالتمثل» .
وقسّمه ابن
مالك كالمصري الى تسميط تبغيض وتسميط التقطيع وذكر أمثلته .
وقال الحلبي
والنويري : «هو أن يجعل المتكلم مقاطيع أجزاء البيت أو القرينة على سجع يخالف قافية
البيت أو آخر القرينة» . ومثلا له ببيت مروان : «هم القوم ...» وقال : «فان
أجزاء البيت مسجعة على خلاف قافيته فتكون القافية بمنزلة السمط والأجزاء المسجعة
بمنزلة حبّ العقد». وهذا هو تسميط التبغيض عند المصري وابن مالك.
ونقل ابن
الاثير الحلبي تعريف المصري وبيت مروان ، وأوضح العلوي الفرق بينه وبين التسجيع بقوله : «اعلم
أنّ من الناس من يعدّ هذا النوع من أنواع التسجيع والحق ما قاله الخليل بن احمد ـ رحمهالله تعالى ـ انّه مخالف لأنواع السجع ، وهو أن يؤتى بالبيت
من الشعر على أربعة مقاطع فثلاثة منها على سجع واحد مع مراعاة القافية في الرابعة
الى أن تنقضي القصيدة على هذه الصفة. واشتقاقه من قولهم :
عقد مسمّط إذا
روعي فيه هذه الحال» . ومن أمثلته قول جنوب الهذلية :
وحرب وردت
وثغر سددت
|
|
وعلج شددت
عليه الحبالا
|
ومال حويت
وخيل حميت
|
|
وضيف قريت
يخاف الوكالا
|
وقال ابن قيم
الجوزية إنّه على قسمين .
الأول : أن
يكون في صدر الكلام أو الرسالة أو البيت أبيات مشطورة أو منهوكة مقفاة ثم يجمعها
قافية مخالفة لازمة للقصيدة حتى تنقضي أو رسالة حتى تنتهي فتصير كالسمط الذي احتوى
على جواهر متشاكلة. ومنه قوله تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ
كُوِّرَتْ. وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) الى قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما
أَحْضَرَتْ) (التكوير ١٤). وقوله : (فَلا أُقْسِمُ
بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ. وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ. وَالصُّبْحِ إِذا
تَنَفَّسَ). وقوله : (الرَّحْمنُ. عَلَّمَ
الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
بِحُسْبانٍ. وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ).
وقول امرئ
القيس :
ومستلئم
كشّفت بالرمح ذيله
|
|
أقمت بعضب ذي
شقاشق ميله
|
فجعت به في
ملتقى الحرب خيله
|
|
تركت عتاق
الطير يحجلن حوله
|
كأنّ
على سرباله نضح جريال
|
الثاني : أن
يصير كل بيت أربعة أقسام كقول
__________________
جنوب الهذلية : «وحرب وردت ...» وكقول الحريري :
خلّ ادّكار
الأربع
|
|
والمعهد
المرتبع
|
والظاعن
المودع
|
|
وعدّ عنه ودع
|
واندب زمانا
سلفا
|
|
سوّدت فيه
الصّحفا
|
ولم تزل
معتكفا
|
|
على القبيح
الشّنيع
|
وعاد السبكي
والحموي والسيوطي بهذا الفن الى قول السابقين ولا سيما كلام المصري وابن مالك .
وأخذ المدني
بتعريف ابن قيم الجوزية للقسم الثاني حينما قال : «وهو عبارة عن أن يجعل الشاعر
البيت من قصيدة أو كلّ بيت منها أربعة أقسام ثلاثة منها على سجع واحد مع مراعاة
القافية في الرابع» ، وذكر أبيات جنوب الهذلية وامرىء القيس والحريري
وغيرها وفرّق بينه وبين التسجيع. وهذا هو تسميط التبعيض عند المصري وابن مالك.
وأشار الى القسم الآخر أي تسميط التقطيع ونقل تعريف المصري وبيت شعره ثم قال : «ومنهم
من يسّمي هذا النوع الموازنة ، وعدّه نوعا مستقلا» .
التّسهيل :
السهولة : كل
شيء الى اللين وقلة الخشونة ، وقد سهل سهولة وسهّله : صيّره سهلا. وفي الدعاء : «سهّل
الله عليك الأمر ولك» أي : حمل مؤونته عنك وخفّف عليك ، والتسهيل : التيسير .
قال المدني : «التسهيل
أدخلها بعضهم في نوع الانسجام ، وذكرها التيفاشي مضافة الى باب الظرافة وسمّاها
قوم التظريف ، وذكرها ابن سنان الخفاجي في كتاب «سر الفصاحة» وقال في مجمل كلامه :
«هي خلو اللفظ من التكلّف والتعقيد والتعسف في السبك ، لا كما قال بعضهم :
وقبر حرب
بمكان قفر
|
|
وليس قرب قبر
حرب قبر
|
وهذا من أعقد
الكلام وأشده تنافرا» .
وعقد ابن منقذ
بابا باسم «الظرافة والسهولة» ، وفعل مثله الحموي الذي قال : «السهولة ذكرها التيفاشي
مضافة الى باب الظرافة وشركها قوم بالانسجام ، وذكرها ابن سنان الخفاجي في كتابه «سر
الفصاحة» فقال في مجمل كلامه : «هو خلوص اللفظ من التكلف والتعقيد والتعسف في
السبك».
وقال التيفاشي
: السهولة أن يأتي الشاعر بألفاظ سهلة تتميز على ما سواها عند من له أدنى ذوق من
أهل الأدب ، وهي تدلّ على رقة الحاشية وحسن الطبع وسلامة الرويّة» . ومنه قول الشاعر.
ألست وعدتني
يا قلب أنّي
|
|
إذا ما تبت
عن ليلى تتوب
|
فها أنا تائب
عن حبّ ليلى
|
|
فمالك كلما
ذكرت تذوب؟
|
وقول أبي
العتاهية :
أتته الخلافة
منقادة
|
|
اليه تجرّر
أذيالها
|
فلم تك تصلح
إلا له
|
|
ولم يك يصلح
إلا لها
|
__________________
ثم قال الحموي
: «ومذهبي أنّ البهاء زهير قائد عنان هذا النوع وفارس ميدانه».
وسمّى المدني
هذا النوع «التسهيل» وذكر كلام الحموي» ، ومعنى ذلك أنّ التسهيل عنده السهولة التي ذكرها
السابقون.
التّسهيم :
المسهّم :
البرد المخطّط ، وبرد مسهّم مخطّط بصور على شكل السهام .
وقال المدني : «التسهيم
مأخوذ من البرد المسهّم أي المخطط ، وهو الذي يدل أحد سهامه على الذي يليه لكون
لونه يقتضي أن يليه لون فحصوص بمجاورة الذي قبله أو بعده منه» .
والتسهيم
الإرصاد وقد تقدم ، وسمّاه قدامة والعسكري «التوشيح» ، ويقال إنّ الذي سماه تسهيما علي بن هارون وسماه ابن
وكيع «المطمع» .
وفرّق صفي
الدين الحلي بينه وبين التوشيح وقال : «ومن المؤلفين من سماه التوشيح ، والتوشيح
غيره ، والفرق بينهما من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّ
التسهيم يعرف به من أول الكلام آخره ، ويعلم مقطعه من حشوه من غير أن تتقدم سجعة
النثر أو قافية الشعر ، والتوشيح لا يعلم السجعة والقافية منه إلا بعد تقدم
معرفتها.
والآخر : أنّ
التوشيح لا يدلّك أولّه إلا على القافية فحسب ، والتسهيم يدلك تارة على عجز البيت
وطورا على ما دون العجز بشرط الزيادة على القافية.
والثالث : أنّ
التسهيم يدلّ تارة أوله على آخره وطورا آخره على أوله بخلاف التوشيح» .
وكان المظفّر
العلوي قد تكلّم على التسهيم كلاما يختلف عن كلام البلاغيين الآخرين ، قال : «سئل
جماعة ممن يتعاطى علم البديع ونقد الشعر الصنيع عن التسهيم فما منهم من أجاب بجواب
التفهيم ولم يحصل من إشاراتهم اليه ونصوصهم عليه سوى أنّ المسهّم هو الذي يسبق
السامع الى قوافيه قبل أن ينتهي اليها راوية. قلت : ليس هذا اللقب دالا على هذا
المعنى فإن كان الملقب قصد الاغراب به فقد أبعد المرمى وزلّ عن النهج الأقوم.
وإنّما التسهيم التخطيط والبرد المسهّم : المخطط. وكان الأجدر أن يقال : إنّ
التسهيم في الشعر هو التحسين له والتنقيح لألفاظه ومعانيه بالبرد المحسّن بالتسهيم
حتى يكون هذا النوع من الشعر معناه الى قلبك أسرع من ألفاظه الى سمعك. ولو سمّي
المطمع أي من سمعه يطمع في قول مثله وهو من ذاك بعيد لجاز» . ولكنه بعد ذلك فسّره كما فسّره الآخرون.
التّسويم :
السومة والسيمة
والسيماء والسيمياء : العلامة ، وسوّم الفرس جعل عليه السيمة ، والمسوّمة :
__________________
المعلّمة .
وقد تحدث
القرطاجني عن ذلك وقال : «إنّ الحذّاق من الشعراء المهتدين بطباعهم المسددة الى
ضروب الهيئات التي يحسن بها موقع الكلام من النفس من جهة لفظ أو معنى أو نظم أسلوب
، لما وجدوا النفوس تسأم التمادي على حال واحدة وتؤثر الانتقال من حال الى حال
ووجدوها تستريح الى استئناف الأمر بعد الأمر واستجداد الشيء بعد الشيء ووجدوها
تنفر من الشيء الذي لم يتناه في الكثرة إذا أخذ مأخذا واحدا ساذجا ولم يتحيل فيما
يستجد نشاط النفس لقبوله بتنويعه والافتنان في أنحاء الاعتماد به وتسكن الى الشيء
وإن كان متناهيا في الكثرة إذا أخذ من شتى مآخذه التي من شأنها أن يخرج الكلام بها
في معاريض مختلفة واحتيل فيما يستجد نشاط النفس لقبوله من تنويعه والامتنان في
أنحاء الاعتماد به اعتمدوا في القصائد أن يقسّموا الكلام فيها الى فصول ينحى بكل
فصل منها منحى من المقاصد ليكون للنفس في قسمة الكلام الى تلك الفصول والميل
بالأقاويل فيها الى جهات شتى من المقاصد ، فالراحة حاصلة بها لافتنان الكلام في
شتى مذاهبه المعنوية وضروب مبانيه النظمية واعتنوا باستفتاحات الفصول وجهدوا في أن
يهيؤوها بهيئات تحسن بها مواقعها من النفوس وتوقظ نشاطها لتلقي ما يتبعها ويتصل
بها ، وصدّروها بالأقاويل الدالة على الهيئات التي من شأن النفوس أن تتهيأ بها عند
الانفعالات والتأثرات لأمور سارّة أو فاجعة أو شاجية أو معجبة بحسب ما يليق بغرض
الكلام من ذلك وقصدوا أن تكون تلك الأقاويل مبادئ كلام من جهة ما نحي بها من أنحاء
الوضع أو محكوما لها بحكم المبادئ وأن وصلها بما قبلها واصل لكونها مستقلة بأنفسها
من جهة الوضع الذي يخصّها فيكون استئناف الكلام على ذلك النحو وصوغه على تلك
الهيئات مجددا لنشاط النفس ومحسّنا لموقع الكلام منها.
ولما كان
اعتماد ذلك في رؤوس الفصول ووجوهها أعلاما عليها وإعلاما بمغزى الشاعر فيها ، وكان
لفواتح الفصول بذلك بهاء وشهرة وازديان حتى كأنها بذلك ذوات غرر ، رأيت أن أسمي
ذلك بالتسويم ، وهو أن يعلّم على الشيء وتجعل له سيما يتميز بها. وقد كثر استعمال
ذلك في الوجوه كالغرر ، كما قال ابن الرومي :
سما سموة نحو
السّماء بغرّة
|
|
مسوّمة قدما
بسيما سجودها
|
فلذلك كان هذا
اللقب لائقا بما وضع عليه ، وايضا فانّا سمينا تحلية أعقاب الفصول بالأبيات
الحكمية والاستدلالية بالتحجيل ليكون اقتران صنعة رأس الفصل وصنعة عجزه نحوا من
اقتران الغرة بالتحجيل في الفرس.
فاذا اطّرد
للشاعر أن تكون فواتح فصوله على هذه الصفة واستوسق له الإبداع في وضع مباديها على
أحسن ما يمكن من ذلك صارت القصيدة كأنّها عقد مفصّل ، وتألقت لها بذلك غرر وأوضاح
وكان اعتماد ذلك فيها أدعى الى ولوع النفس بها وارتسامها في الخواطر لامتياز كل
فصل منها بصورة تخصّه» .
التّشابه :
تشابه الشيئان
واشتبها : أشبه كلّ واحد منهما صاحبه .
التّشابه : أن
يتساوى الطّرفان المشبّه والمشبّه به في جهة التشبيه فيترك التشبيه الى التشابه
ليكون كل واحد من الطرفين مشبّها ومشبّها به تفاديا من ترجيح أحد
__________________
المتساويين . كقول أبي إسحاق الصابي :
تشابه دمعي
إذ جرى ومدامعي
|
|
فمن مثل ما
في الكأس عيني تسكب
|
فو الله لا
أدري أبا لخمر أسبلت
|
|
جفوني أم من
عبرتي كنت أشرب
|
وكقول الصاحب
بن عبّاد :
رقّ الزجاج
وراقت الخمر
|
|
وتشابها
فتشاكل الأمر
|
فكأنّما خمر
ولا قدح
|
|
وكأنّما قدح
ولا خمر
|
والتّشابه عند
الحلبي والنويري هو التّناسب أي ترتيب المعاني المتآخية التي تتلاءم ولا تتنافر ،
كقول النابغة :
والرّفق يمن
والأناة سعادة
|
|
فاستأن في
رزق تنال نجاحا
|
واليأس عمّا
فات يعقب راحة
|
|
ولربّ مطعمة
تعود ذباحا
|
وقالا عن
التّناسب : «ويسمّى التشابه أيضا ، وقيل :التشابه أن تكون الألفاظ غير متباينة بل
متقاربة في الجزالة والرّقّة والسلاسة وتكون المعانى مناسبة لألفاظها من غير أن
يكسو اللفظ الشريف المعنى السخيف أو على الضد ، بل يصاغان معا صياغة تناسب وتلاؤم»
.
تشابه الأطراف
:
أطلقه المصري
على التسبيغ وقد تقدّم. ولكنّ القزويني عدّه من مراعاة النظير وقال
: «ومن مراعاة النظير ما يسمّيه بعضهم «تشابه الأطراف» وهو أن يختم الكلام بما
يناسب أوّله في المعنى» . كقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). فإنّ اللطيف يناسب ما لا يدرك بالبصر ، والخبرة تناسب
من يدرك شيئا فإنّ من يدرك شيئا يكون خبيرا به. ومن خفيّ هذا الضرب قوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ
عِبادُكَ ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). فان قوله : (وَإِنْ تَغْفِرْ
لَهُمْ) يوهم أنّ الفاصلة (الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ*) ولكن إذا انعم النظر علم أنّه يجب أن تكون ما عليه
التلاوة لأنّه لا يغفر لمن يستحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه فهو
العزيز الحكيم.
وتابع القزويني
شرّاح التلخيص في ذلك ، وهو ليس التسبيغ الذي تحدث عنه الآخرون. وتحدث
المدني عن نوع سماه «تناسب الاطراف» وقال : هو «عبارة عن أن يبتدئ المتكلم كلامه
بمعنى ثم يختمه بما يناسب ذلك المعنى الذي ابتدأ به» . وهو الذي سمّاه القزويني وشراح التلخيص «تشابه الأطراف»
، وسماه بعضهم «تشابه الاطراف المعنوي» قال المدني : «هو تطويل في العبارة فرأينا
نحن تسميته بتناسب الاطراف أولى لمطابقته لمسماه» .
وقسمه الى
لونين.
الأول : ظاهر
كقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ ....)
الثاني : خفي
كقوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ
....)
__________________
وهو ما ذكره
القزويني في تشابه الاطراف. ولكنّ المدني عقد فصلا سمّاه «تشابه الأطراف» وقال : «تشابه
الاطراف عبارة عن أن يعيد الشاعر لفظته القافية في أول البيت الذي يليها فتكون
الأطراف متشابهة. وسماه قوم «التسبيغ» ـ بالسين المهملة والغين المعجمة ـ والتسمية
الأولى أولى» .
وقال الحموي : «هذا
النوع الذي سمّوه تشابه الأطراف هو أيضا مثل المراجعة ليس في كل منهما كبير أمر ،
وتالله ما خطر لي يوما ولا حسن في الفكر أن ألحق طرفا من تشابه الاطراف بذيل من
أبيات شعري ، ولكن شروع المعارضة ملتزم» . وقال : «وهذا النوع كان اسمه التسبيغ ـ بسين مهملة
وغين معجمة ـ وإنّما ابن أبي الاصبع قال هذه التسمية غير لائقة بهذا المسمى فسماه «تشابه
الاطراف» فان الأبيات فيه تتشابه أطرافها» .
وكان الحلبي
والنويري قد قالا عنه : «هو أن يجعل الشاعر قافية بيته الأول أول بيته الثاني
وقافية الثاني أو الثالث وهكذا الى انتهاء كلامه» ، وهذا هو التسبيغ.
تشابه الأطراف
المعنويّ :
هو تشابه
الأطراف وقد تقدّم. قال المدني : «وهو تطويل في العبارة فرأينا نحن تسميته بتناسب
الأطراف أولى لمطابقته لمسمّاه» .
التّشبيه :
الشّبه
والشّبيه : المثل ، وأشبه الشيء : ماثله ، وأشبهت فلانا وشابهته وأشتبه عليّ ،
وتشابه الشيئان واشتبها : أشبه كلّ واحد منهما صاحبه ، والتّشبيه : التّمثيل . أي أنّ اللغويين لم يفرّقوا بين «التّشبيه» و «التّمثيل»
وإلى ذلك ذهب بعض البلاغييّن كالزمخشري وابن الأثير ، ونعى الأخير على العلماء
الذين فرقوا بينهما وعقدوا لكل منهما بابا مع أنّهما شيء واحد ولا فرق بينهما في
أصل الوضع اللغويّ . ولكنّ المتأخّرين فرّقوا بينهما وتحدّثوا عنهما
تفصيلا.
وكان القدماء
قد أكثروا من استعمال كلمة «التشبيه» من غير أن يعرفوه ، فبشّار بن برد يقول : «ونظرت
إلى مغارس الفطن ومعادن الحقائق ولطائف التشبيهات فسرت إليها بفكر جيد وغريزة قوية
فأحكمت سبرها وانتقيت حرّها» . ويقول : «لم أزل منذ سمعت قول امرىء القيس في تشبيهه
شيئين بشيئين في بيت واحد حيث يقول :
كأنّ قلوب
الطير رطبا ويابسا
|
|
لدى وكرها
العنّاب والحشف البالي
|
أعمل نفسي في
تشبيه شيئين في بيت حتى قلت :
كأنّ مثار
النقع فوق رؤوسنا
|
|
وأسيافنا ليل
تهاوى كواكبه
|
وقال سيبويه : «تقول
: «مررت برجل أسد أبوه» إذا كنت تريد أن تجعله شديدا و «مررت برجل مثل الأسد أبوه»
إذا كنت تشبهه» .
وقال ابن سلّام
وهو يتحدث عن امرئ القيس : «وشبّه النساء بالظباء والبيض ، وشبّه الخيل بالعقبان
والعصيّ ، وقيدّ الأوابد ، وأجاد في التشبيه ، وفصل بين النسيب وبين المعنى». وقال
عن ذي الرمة : «كان أحسن أهل طبقته تشبيها وأحسن الاسلاميين
__________________
ذو الرّمة» .
وأداره الجاحظ
كثيرا في كتبه وقال في موازنته بين قول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «الناس كلهم سواء كأسنان المشط» ، وقول الشاعر :
سواء كأسنان
الحمار فلا ترى
|
|
لذي شيبة
منهم على ناشىء فضلا
|
«وإذا حصّلت
تشبيه الشاعر وحقيقته وتشبيه النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وحقيقته ، عرفت فضل ما بين الكلامين» .
وترددت كلمة «التشبيه»
عنده من غير أن يحدده أو يقسمه ، وشأنها في ذلك شأن المصطلحات الأخرى التي ذكرها ،
ولعل المبرد كان من أوائل الذين فتحوا باب دراسة هذا الفن ، قال : «واعلم أنّ
للتشبيه حدا فالاشياء تتشابه من وجوه وتتباين من وجوه ، وإنّما ينظر الى التشبيه
من حيث وقع» .
وقال قدامة : «إنّ
الشيء لا يشبه بنفسه لا بغيره من كل الجهات إذ كان الشيئان إذا تشابها من جميع
الوجوه ولم يقع بينهما تغير البتة اتحدا فصار الاثنان واحدا ، فبقي أن يكون
التشبيه إنّما يقع بين شيئين بينهما اشتراك في معان تعمهما وتوصفان بها وافتراق في
أشياء ينفرد كل واحد منهما عن صاحبه بصفتها.
واذا كان الأمر
كذلك ، فأحسن التشبيه هو ما وقع بين الشيئين اشتراكهما في الصفات أكثر من
انفرادهما في الصفات أكثر من انفرادهما فيها حتى يدني بهما الى حال الاتحاد» .
وقال الرّمّاني
: «التشبيه هو العقد على أنّ أحد الشيئين يسدّ مسدّ الآخر في حس أو عقل ، ولا يخلو
التشبيه من أن يكون في القول أو في النفس» .
وقال العسكري :
«التشبيه : الوصف بأنّ أحد الموصوفين ينوب مناب الآخر بأداة التشبيه» .
ونقل
الباقلّاني تعريف الرّمّاني وقال : «وأما التشبيه فهو العقد على أنّ أحد الشيئين
يسدّ مسدّ الآخر في حسّ أو عقل» . وقال ابن رشيق : «التشبيه صفة الشيء بما قاربه وشاكله
من جهة واحدة أو جهات كثيرة لا من جميع جهاته ؛ لأنّه لو ناسبه مناسبة كلية لكان
إياه» .
وقال السّكّاكي
: «إنّ التشبيه مستدع طرفين مشبها ومشبها به ، واشتراكا بينهما من وجه وافتراقا من
آخر» . ونقل ابن مالك هذا التعريف ، وقال ابن الاثير : «التشبيه هو أن يثبت للمشبه حكما
من أحكام المشبه به» .
وقال المصري : «التشبيه
عبارة عن العقد على أنّ أحد الشيئين يسدّ مسدّ الآخر في حال أو عقد. هكذا حدّ
الرماني ، وهذا هو التشبيه العام الذي يدخل تحته التشبيه البليغ وغيره. وحدّ
التشبيه البليغ إخراج الأغمض الى الأظهر بالتشبيه مع حسن التأليف» .
وقال ابن
الأثير الحلبي : «حدّ التشبيه أن تثبت للمشبه حكما من أحكام المشبه به قصدا
للمبالغة» . وقال القزويني : «التشبيه الدّلالة على مشاركة أمر
لآخر في معنى» .
وقال العلوي
بعد أن ذكر تعريفي المطرزي
__________________
والسكاكي : «التعريف الثالث هو المختار أن يقال : هو الجمع بين الشيئين أو
الاشياء بمعنى ما بواسطة الكاف ونحوها» . وقال الزركشي : «هو إلحاق شيء بذي وصف في وصفه. وقيل :
أن تثبت للمشبه حكما من أحكام المشبه به. وقيل : الدّلالة على اشتراك شيئين في وصف
هو من أوصاف الشيء الواحد كالطيب في المسك والضياء في الشمس والنور في القمر ، وهو
حكم إضافي لا يرد إلا بين الشيئين بخلاف الاستعارة» . وقال السجلماسي : «هو القول المخيّل وجود شيء في شيء» .
وهذه التعريفات
وغيرها تؤدي الى معنى واحد هو أنّ التشبيه ربط شيئين أو أكثر في صفة من الصفات أو
اكثر. لكنّ البلاغيين اختلفوا في هذه الصفة أو الصفات ومقدار اتفاقها واختلافها ،
فذهب قدامة الى أنّ أحسن التشبيه ما وقع بين الشيئين اشتراكهما في الصفات اكثر من
انفرادهما فيها حتى يدني بهما التشبيه الى حال الاتحاد ، والى ذلك ذهب ابن رشيق
لأنّ المشبه لو ناسب المشبه به مناسبة كلية لكان إياه.
وقال ابن سنان
: «وإنما الأحسن في التشبيه أن يكون أحد الشيئين يشبه الآخر في أكثر صفاته ومعانيه
وبالضد حتى يكون رديء التشبيه ما قلّ شبهه بالمشبه به» . وقد يكون التشبيه أحسن إذا كثرت جهات الاختلاف ليكون
مجال التخيل والتصور أبعد مدى ولكن ينبغي أن لا يؤدي ذلك الى الغموض والابهام.
واختلفوا في
موقع هذا الفن من علم البيان وصلته بالمجاز ، فمدرسة السكاكي لا تعدّه من علم
البيان وإن بحثته فيه لأنّ دلالته وضعية ، وعدّه كثير من البلاغيين ركنا أساسيا في
بحوث البيان. وذكر بعض من دار في فلك السكاكي أنّ الاختلاف في وضوح الدلالة
وخفائها موجود في التشبيه ولذلك فهو فن مستقل في علم البيان قصدا وإن توقف عليه
بعض أبوابه ؛ لأنّ توقف بعض الأبواب على بعض لا يوجب كون المتوقف عليه مقدمة للفن . وحاولوا أن يعللوا سبب بحثه منفصلا غير أنّهم لم
يدخلوه في علم البيان ، وكان عليهم أن يعدّوه فنا مستقلا من فنون البلاغة وبذلك
يريحون أنفسهم من عناء التعليل.
أما كونه مجازا
أو غير مجاز فقد اختلفوا فيه وذهب بعضهم الى أنّه ليس مجازا ، ولعل عبد القاهر كان
من أوائل الذين صرّحوا بذلك فقال : «إنّ كل متعاط لتشبيه صريح لا يكون نقل اللفظ
من شأنه ولا من مقتضى غرضه ، فاذا قلت : «زيد كالأسد» و «هذا الخبر كالشمس في
الشهرة» و «له رأي كالسيف في المضاء» لم يكن نقل للفظ عن موضوعه ولو كان الأمر على
خلاف ذلك لوجب أن لا يكون في الدنيا تشبيه الا وهو مجاز وهو محال ؛ لأنّ التشبيه
معنى من المعاني وله حروف واسماء تدل عليه فاذا صرّح بذكر ما هو موضوع للدلالة
عليه كان الكلام حقيقة كالحكم في سائر المعاني فاعرفه» .
وتبعه في هذا
الرأي الرازي والمطرزي والسكاكي وابن الزملكاني والحلبي والنّويري والقزويني
وشرّاح التلخيص ، والى ذلك أشار ابن قيم الجوزية بقوله : «وذهب
المحققون من متأخري علماء هذه الصناعة
__________________
وحذاقها الى أنّ التشبيه ليس من المجاز ؛ لأنّه معنى من المعاني وله حروف
وألفاظ تدل عليه» وقال الزركشي : «والمحققون على أنّه حقيقة. قال
الزنجاني في المعيار : التشبيه ليس بمجاز لأنّه معنى من المعاني وله ألفاظ تدل
عليه وضعا فليس فيه نقل اللفظ عن موضوعه وانما هو توطئة لمن سلك سبيل الاستعارة
والتمثيل لأنّه كالأصل لهما وهو كالفرع له.
والذي يقع منه
في حيّز المجاز عند البيانيين هو الذي يجيء على حد الاستعارة. وتوسط الشيخ عز
الدين فقال : إن كان بحرف فهو حقيقة أو بحذفه فهو مجاز بناء على أنّ الحذف من باب
المجاز» .
وذهب آخرون الى
أنّه مجاز ، والى ذلك أشار ابن قيم الجوزية بقوله : «والذي عليه جمهور أهل الصناعة
أنّ التشبيه من أنواع المجاز ، وتصانيفهم كلها تصرح بذلك وتشير اليه» . ولعل ابن رشيق أشهر من صرّح بذلك فقال : «وأما كون
التشبيه داخلا تحت المجاز فلان المتشابهين في أكثر الأشياء إنّما يتشابهان
بالمقارنة على المسامحة والاصطلاح لا الحقيقة» .
وقرّر ابن
الاثير أنّ المجاز قسمان : توسّع في الكلام وتشبيه ، والتشبيه ضربان : تشبيه تامّ
وتشبيه محذوف وهو الاستعارة ، ثم قال : «وإن شئت قلت : إنّ المجاز ينقسم الى توسع
في الكلام وتشبيه واستعارة ، ولا يخرج عن أحد هذه الأقسام الثلاثة ، فأين وجد كان
مجازا». ثم قال : «ألا ترى أنّه إذا وجد التشبيه وحده كان ذلك مجازا» . وحسم العلوي الموضوع بعد أن تحدث عن التشبيه فقال : «والمختار
عندنا كونه معدودا في علوم البلاغة لما فيه من الدقة واللطافة ولما يكتسب به اللفظ
من الرونق والرشاقة ولاشتماله على إخراج الخفيّ وإدنائه البعيد من القريب ، فأما
كونه معدودا في المجاز أو غير معدود فالأمر فيه قريب من قريب بعد كونه من أبلغ
قواعد البلاغة وليس يتعلق به كبير فائدة» .
والحق أنّ
التشبيه مجاز ؛ لأنّه يعتمد على عقد الصلة بين شيئين أو أشياء لا يمكن أن تفسر على
الحقيقة ، ولو فسرت كذلك لأصبح كذبا ، وهو الفن الكثير الاستعمال في كلام العرب.
ويبدو أنّ عدم الانتقال فيه من معنى الى آخر كما في الاستعارة دعاهم الى إخراجه من
المجاز الذي هو استعمال الكلمة في غير ما وضعت له أو إسناد أمر الى آخر على سبيل
التوسع.
وللتشبيه أربعة
أركان هي : المشبّه والمشبّه به وأداة التشبيه ووجه الشبه ، ويطلق على المشبّه
والمشبّه به اسم «طرفي التشبيه» وهما الركنان الأساسيان في التشبيه. وينقسم
باعتبارهما الى أربعة أقسام :
الأول : أن
يكونا حسّيّين ، والمراد بالحسي ما يدرك هو أو مادّته بإحدى الحواسّ الخمس الظاهرة
:
البصر والسمع
والشّمّ والذوق واللمس. ومن ذلك قوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ
قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ. كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ). وقول الشاعر :
وكأنّ أجرام
السّماء لوامعا
|
|
درر نثرن على
بساط أزرق
|
وقال الآخر :
كأنّ المدام
وصوب الغمام
|
|
وريح الخزامى
وذوب العسل
|
يعلّ بها برد
أنيابها
|
|
إذا النجم
وسط السماء اعتدل
|
وقول الآخر :
__________________
لها بشر مثل
الحرير ومنطق
|
|
رخيم الحواشي
لا هراء ولا نزر
|
الثاني : أن
يكونا عقليّين لا يدرك واحد منهما بالحسّ بل العقل كتشبيه العلم بالحياة والجهل
بالموت والفقر بالكفر.
الثالث : تشبيه
المعقول بالمحسوس كقوله تعالى :(مَثَلُ الَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ). وقوله : (مَثَلُ الَّذِينَ
كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ).
الرابع : تشبيه
المحسوس بالمعقول ومنعه بعضهم لأنّ العقل مستفاد من الحسّ ، قال الرازي : «إنّه
غير جائز لأنّ العلوم العقلية مستفادة من الحواس ومنتهية اليها ولذلك قيل : من «فقد
حسّا فقد فقد علما». واذا كان المحسوس أصلا للمعقول فتشبيهه به يكون جعلا للفرع
أصلا وللأصل فرعا وهو غير جائز ، ولذلك لو حاول محاول المبالغة في وصف الشمس
بالظهور والمسك بالطيب فقال : «الشمس كالحجّة في الظهور» و «المسك كأخلاق فلان في
الطيب» كان سخيفا من القول» .
وأجازه بعضهم ،
ومن أمثلته قول القاضي التنوخي :
وكأنّ النجوم
بين دجاها
|
|
سنن لاح
بينهنّ ابتداع
|
وقول أبي طالب
الرقي :
ولقد ذكرتك
والظلام كأنّه
|
|
يوم النوى
وفؤاد من لم يعشق
|
وقول الآخر :
ربّ ليل
كأنّه أملي في
|
|
ك وقد رحت
عنك بالحرمان
|
وعلّل الرازي
حسن هذه التشبيهات بقوله : «واعلم أنّ الوجه الحسن في هذه التشبيهات أن يقدر
المعقول محسوسا ويجعل كالأصل في ذلك المحسوس على طريق المبالغة وحينئذ يصحّ
التشبيه» .
أما أداة
التشبيه فهي اللفظة التي تدل على المماثلة والمشاركة ، وهي ثلاثة أنواع :
الأول : أسماء
وهي : مثل وشبه وشبيه ومثيل وغيرها ، ومثالها قوله تعالى : (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ
الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ) ، وقوله :(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ
الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً).
الثاني : أفعال
وهي : حسب وخال وظنّ ويشبه وتشابه وغيرها ، ومثالها قوله تعالى : (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً) ، وقوله : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ
مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى).
الثالث : حروف
وهي بسيطة كالكاف في قوله تعالى : (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ
بِهِ الرِّيحُ). أو مركبة وهي «كأنّ» ومثالها قوله تعالى : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ). وأما وجه الشبه فهو الوصف المشترك بين المشبه والمشبه
به تحقيقا أو تخييلا فالتحقيقي كتشبيه الشعر بالليل في السواد والتخييلي كتشبيه
السيرة بالمسك والاخلاق بالعنبر.
ووجه الشبه قد
يكون واحدا حسيا كالنعومة في تشبيه البشر بالحرير ، أو واحدا عقليا كالهداية في
قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم». أو
متعددا كقول أبي بكر الخالدي :
__________________
يا شبيه
البدر حسنا
|
|
وضياء ومنالا
|
وشبيه الغصن
لينا
|
|
وقواما
واعتدالا
|
أنت مثل
الورد لونا
|
|
ونسيما
وملالا
|
زارنا حتى
إذا ما
|
|
سرّنا بالقرب
زالا
|
وقد خاض
القدماء في مسائل عقلية حينما تعرضوا لوجه الشبه ، وكان حديثهم عنه لا يمس الجانب
الأدبي مسّا قويا .
ويقع التشبيه
على وجوه منها :
الاول : إخراج
ما لا يقع عليه الحاسة الى ما تقع عليه كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ
كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً).
الثاني : إخراج
مما لم تجر به العادة الى ما جرت به كقوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا
عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ. تَنْزِعُ النَّاسَ
كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ).
الثالث : إخراج
ما لا يعرف بالبديهة الى ما يعرف بها كقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ
بَيْتاً).
الرابع : إخراج
ما لا قوة له في الصفة الى ما له قوة فيها كقوله تعالى : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي
الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ).
الخامس : إخراج
الكلام مخرج الانكار كقوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ
سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟).
ومراتب التشبيه
في القوّة والضعف في المبالغة باعتبار ذكر أركانه كلها أو بعضها ثمان هي : ذكر
الأركان الاربعة ، وترك المشبه ، وترك أداة التشبيه ، وترك المشبه وأداة التشبيه ،
وترك وجه الشبه ، وترك المشبه ووجه الشبه ، وترك أداة التشبيه ووجهه ، وإفراد
المشبه به بالذكر. والمرتبة السابعة وهي حذف وجه الشبه والأداة أبلغ الجميع ،
وسمّوا هذه المرتبة «التشبيه البليغ».
وللتشبيه أغراض
كثيرة ذكرها البلاغيون ، فمما يرجع الى المشبه منها : بيان أنّ وجود المشبه
ممكن ، وذلك في كل أمر غريب يمكن أن يخالف فيه ويدعى اقتناعه كما في قول المتنبي :
فإن تفق
الأنام وأنت منهم
|
|
فإنّ المسك
بعض دم الغزال
|
وبيان حاله كما
في قول الهذلي :
وإني لتعروني
لذكراك هزّة
|
|
كما انتفض
العصفور بلّله القطر
|
وبيان مقدار
حاله في القوة والضعف والزيادة كقول الشاعر :
فأصبحت من
ليلى الغداة كقابض
|
|
على الماء
خانته فروج الأصابع
|
وتقرير حاله في
نفس السامع كقول الشاعر :
__________________
إنّ القلوب
إذا تنافر ودّها
|
|
مثل الزجاجة
كسرها لا يشعب
|
وتزيينه
للترغيب كقول ابن الرومي :
تقول هذا
مجاج النحل تمدحه
|
|
وإن تعب قلت
: ذا قيء الزنابير
|
واستطرافه كقول
أبي تمام :
يرى أقبح
الأشياء أوبة آمل
|
|
كسته يد
المأمول حلّة خائب
|
وأحسن من نور
تفتحه الصبّا
|
|
بياض العطايا
في سواد المطالب
|
وأغراض التشبيه
الراجعة الى المشبه به تكون في الغالب إيهام أنّ المشبه به أتم من المشبه في وجه
الشبه ، وذلك في التشبيه المقلوب كقول محمد بن وهيب :
وبدا الصباح
كأنّ غرّته
|
|
وجه الخليفة
حين يمتدح
|
والتشبيه أنواع
كثيرة ، ومن هذه الأنواع التي ذكرتها المصادر القديمة :
تشبيه أربعة
بأربعة :
هو أن تشبّه
أربعة أشياء بأربعة أشياء كقول امرئ القيس :
له أيطلا ظبي
وساقا نعامة
|
|
وإرخاء سرحان
وتقريب تتفل
|
وكقول أبي نواس
:
تبكي فتذري
الدرّ من نرجس
|
|
وتلطم الورد
بعنّاب
|
تشبيه الإضمار
:
قال الوطواط : «تشبيه
الاضمار وتكون هذه الصفة بأن يشبه الشاعر شيئا بشيء آخر بحيث يبدو من ظاهر العبارة
أنّ المقصود شيء آخر وليس هذا التشبيه بينما يقصده الشاعر في ضميره هو نفس هذا
التشبيه» ، كقول المتنبي :
ومن كنت بحرا
له يا عليّ
|
|
لم يقبل
الدرّ إلا كبارا
|
فقد بدا من
ظاهر البيت أنّ المقصود هو طلب الدر الثمين في حين أنّ مقصود الشاعر تشبيه الممدوح
بالبحر.
ومنه قول
الوطواط نفسه :
إن كان وجهك
شمعا
|
|
فما لجسمي
يذوب
|
ظاهر البيت
يوحي أنّه يتعجب من ذوبان جسده في حين أنّ مقصوده الذي يضمره هو تشبيه وجه المعشوق
بالشمع.
ومنه قوله أيضا
:
وأمرع آمالي
بفيض يمينه
|
|
وهل تجدب
الآفاق والغيث هاطل
|
وقال الحلبي
والنويري : «هو أن يكون مقصوده التشبيه بشي فدلّ ظاهر لفظه أنّ مقصوده غيره» ، ومثاله بيت المتنبي : «ومن كنت ...»
التّشبيه
البعيد :
هو التشبيه
الذي يحتاج الى تفسير ولا يقوم بنفسه ،
__________________
قال المبرد : «وهو أخشن الكلام» ومنه قول الشاعر :
بل لو رأتني
أخت جيراننا
|
|
إذ أنا في
الدار كأني حمار
|
قال : المبرّد
: «فإنّما أراد الصّحّة فهذا بعيد لأنّ السامع إنما يستدلّ عليه بغيره ، وقال الله
ـ عزوجل ـ وهذا البيّن الواضح : (كَمَثَلِ الْحِمارِ
يَحْمِلُ أَسْفاراً) والسفر : الكتاب. وقال : (مَثَلُ الَّذِينَ
حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ) في أنّهم قد تعاموا عليها وأضربوا عن حدودها وأمرها
ونهيها حتى صاروا كالحمار الذي يحمل الكتب ولا يعلم ما فيها» .
وقال ابن
طباطبا : «ومن التشبيهات البعيدة التي لم يلطف أصحابها فيها ولم يخرج كلامهم في
العبارة عنها سلسا قول النابغة :
تخدي بهم أدم
كأنّ رحالها
|
|
علق أريق على
متون صوار
|
وقول النابغة
الجعدي :
كأنّ حجاج
مقلتها قليب
|
|
من السقبين
يخلف مستقاها
|
والحجاج لا
يغور لأنّه العظم الذي ينبت عليه شعر الحاجب» .
وقال الرازي : «وأما
الغريب فهو الذي تحتاج في إدراكه الى دقة نظر وقوة فكر مثل تشبيه الشمس بالمرآة في
كف الأشلّ كقوله : «والشمس كالمرآة في كفّ الأشل». وتشبيه البرق باصبع السارق في
قول كشاجم :
أرقت أم نمت
لضوء بارق
|
|
مؤتلق مثل
فؤاد العاشق»
|
وقال القزويني
: «والبعيد الغريب هو ما لا ينتقل فيه من المشبّه الى المشبه به إلا بعد فكر لخفاء
وجهه في بادئ الرأي» . وسبب خفائه أمران :
الأول : كونه
كثير التفصيل كتشبيه الشمس بالمرآة في كف الأشل.
الثاني : ندور
حضور المشبه به في الذهن لبعد المناسبة بينه وبين المشبه أو لكونه وهميا أو مركبا
خياليا أو مركبا عقليا. مثل تشبيه البنفسج بنار الكبريت في قول الشاعر :
ولا زوردية
تزهو بزرقتها
|
|
بين الرياض
على حمر اليواقيت
|
كأنّها فوق
قامات ضعفن بها
|
|
أوائل النار
في أطراف كبريت
|
وتشبيه نصال
السهام بأنياب الاغوال كما في قول امرئ القيس :
أيقتلني
والمشرفيّ مضاجعي
|
|
ومسنونة زرق
كأنياب أغوال
|
التّشبيه
البليغ :
هو التشبيه
الذي يحذف فيه وجه الشبه وأداة التشبيه ، وسموا مثل هذا بليغا لما فيه من اختصار
من جهة وما فيه من تصوير وتخيل من جهة أخرى ؛ لأنّ وجه الشبه إذا حذف ذهب الظن فيه
كل مذهب وفتح
__________________
باب التأويل ، وفي ذلك ما يكسب التشبيه قوة وروعة وتأثيرا. قال المصري : «حدّ
التشبيه البليغ إخراج الأغمض الى الأظهر بالتشبيه مع حسن التأليف» .
وعدّ القزويني
البعيد من البليغ لغرابته ولأنّ الشيء إذا نيل بعد الطلب له والاشتياق اليه كان
نيله أحلى وموقعه من النفس ألطف. وليس البعد في التشبيه هو التعقيد لأنّ التعقيد
سوء ترتيب الالفاظ واختلال الانتقال من المعنى الأول الى المعنى الثاني .
التّشبيه
التّخييليّ :
عدّ المدني
التخييلي الذي يكون وجه الشبه فيه لا يوجد إلا على سبيل التخييل مثل قول القاضي
التنوخي :
وكأنّ النجوم
بين دجاها
|
|
سنن لاح بينهنّ
ابتداع
|
وقول أبي طالب
الرقي :
ولقد ذكرتك
والظلام كأنّه
|
|
يوم النّوى
وفؤاد من لم يعشق
|
وقول الآخر :
ربّ ليل
كأنّه أملي في
|
|
ك وقد رحت
منك بالحرمان
|
وهو تشبيه
المحسوس بالمعقول الذي قال عنه الرازي : «إنّه غير جائز لأنّ العلوم العقلية
مستفادة من الحواس ومنتهية اليها ولذلك قيل : «من فقد حسا فقد فقد علما». واذا كان
المحسوس أصلا للمعقول فتشبيهه به يكون جعلا للفرع أصلا وللأصل فرعا وهو غير جائز
ولذلك لو حاول محاول المبالغة في وصف الشمس بالظهور والمسك بالطيب فقال : «الشمس
كالحجة في الظهور» و «المسك كأخلاق فلان في الطيب» كان سخيفا من القول» .
تشبيه التّسوية
:
هو تعدد المشبه
دون المشبه به ، قال الوطواط : تشبيه التسوية ، وتكون هذه الصفة بأن يأخذ الشاعر
صفة من صفاته وصفة من صفات مقصوده ويشبه الاثنين بشيء واحد لأنّهما من قبيله» . ومنه قول الوطواط نفسه :
صدغ الحبيب
وحالي
|
|
كلاهما
كالليالي
|
ثغوره في
صفاء
|
|
وأدمعي
كاللآلي
|
وقال الحلبي
والنويري : «هو أن يأخذ صفة من صفات نفسه وصفة من الصفات المقصودة ويشبههما بشيء
واحد» . وذكر البيتين السابقين.
تشبيه التّفضيل
:
قال الوطواط : «تشبيه
التفضيل ، وتكون هذه الصنعة بان يشبه الشاعر شيئا بشيء آخر ثم يعود فيفضل المشبه
على المشبه به» كقول الشاعر :
حسبت جماله
بدرا مضيئا
|
|
وأين البدر
من ذاك الجمال؟
|
وقول أبي الفرج
هندو :
من قاس جدواك
بالغمام فما
|
|
أنصف في
الحكم بين هذين
|
__________________
أنت إذا جدت
ضاحك أبدا
|
|
وهو إذا جاد
دامع العين
|
وقال الحلبي
والنويري : «هو أن تشبه شيئا بشيء ثم ترجع فترجع المشبه على المشبه به» . وذكرا الأبيات السابقة.
التّشبيه
التّمثيليّ :
تحدث أبو عبيدة
عن التمثيل وهو عنده التشبيه أو تشبيه التمثيل ، قال في تفسير قوله تعالى : (عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ) : «ومجاز الآية مجاز التمثيل ؛ لأنّ ما بنوه على التقول
أثبت أساسا من البناء الذي بنوه على الكفر والنفاق فهو على شفا جرف ، وهو ما يجرف
من سيول الأودية فلا يثبت البناء عليه» وليس في هذا التفسير ما يعطي الفرق الواضح بين اللونين
، ولعل قدامة كان أوّل من عدّ التمثيل مخالفا للتشبيه وهو عنده من نعوت ائتلاف
اللفظ والمعنى. قال : «هو أن يريد الشاعر إشارة الى معنى فيضع كلاما يدلّ على معنى
آخر ، وذلك المعنى الآخر والكلام منبئان عما أراد أن يشير اليه» . ومثال ذلك قول الرماح بن ميادة :
ألم تك في
يمنى يديك جعلتني
|
|
فلا تجعلنّي
بعدها في شمالكا
|
ولو أنني
أذنبت ما كنت هالكا
|
|
على خصلة من
صالحات خصالكا
|
وقال قدامة
أيضا : «والتمثيل أن يراد الاشارة الى معنى فتوضع ألفاظ تدلّ على معنى آخر وذلك
المعنى وتلك الالفاظ مثال للمعنى الذي قصد بالاشارة اليه والعبارة عنه. كما كتب
يزيد بن الوليد الى مروان بن محمد حين تلكأ عن بيعته : «أما بعد فإنّي أراك تقدّم
رجلا وتؤخر أخرى فاذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت والسّلام». فلهذا
التمثيل من الموقع ما ليس له لو قصد للمعنى بلفظه الخاص حتى لو أنّه قال مثلا : «بلغني
تلكؤك عن بيعتي فاذا أتاك كتابي هذا فبايع أو ، لا». لم يكن لهذا اللفظ من العمل
في المعنى بالتمثيل ما لما قدّمه» .
وهذا ما سماه
القزويني «المجاز المركب» وقال إنّه «اللفظ المركب المستعمل فيما شبه بمعناه
الاصلي تشبيه التمثيل للمبالغة في التشبيه» وذكر عبارة يزيد بن الوليد مثالا له.
وفسّر ابن سنان
التمثيل كما فسّره قدامة وذكر أمثلته ، وهو عنده من نعوت الفصاحة والبلاغة.
وفسّره المصري
مثل هذا التفسير وألحق به ما يخرج المتكلم المثل السائر كقوله تعالى : (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) ، وقول النابغة الذبياني :
ولست بمستبق
أخا لا تلمّه
|
|
على شعث أيّ
الرجال المهذّب
|
والتمثيل هو
المماثلة عند بعضهم كالعسكري الذي ذكر بعض أمثلة قدامة في التمثيل .
والباقلاني
الذي قال : «ومما يعدّونه من البديع المماثلة وهو ضرب من الاستعارة سمّاه قدامة
التمثيل» ، والسجلماسي الذي قال : «المماثلة وهي المدعوة ايضا
التمثيل» .
والتمثيل عند
ابن رشيق من ضروب الاستعارة وهو المماثلة ، وقد قال : «والتمثيل والاستعارة من
__________________
التشبيه إلا انهما بغير أداته وعلى غير أسلوبه».
وكان عبد
القاهر من أوائل الذين وضعوا حدا واضحا بين التشبيه والتمثيل حينما قسم التشبيه
الى ضربين :
أحدهما : أن
يكون تشبيه الشيء بالشيء من جهة أمر بيّن لا يحتاج فيه الى تأويل ، وهذا هو
التشبيه الأصلي.
ثانيهما : أن
يكون التشبيه محصلا بضرب من التأويل ، وهذا هو التشبيه التمثيلي ، او التمثيل.
ولذلك فكل
تشبيه يكون الوجه فيه حسيا مفردا أو مركبا أو كان من الغرائز والطباع العقلية
الحقيقية هو «تشبيه غير تمثيلي» ، وكل تشبيه كان وجه الشبه فيه عقليا مفردا أو
مركبا غير حقيقي ومحتاجا في تحصيله الى تأول هو «تشبيه تمثيلي» ، وهذا هو الفرق
بين الضربين وإن كان الأول عاما والثاني خاصا ، ولذلك قال : «كل تمثيل تشبيه وليس
كل تشبيه تمثيلا» .
ومن التشبيه
قول الشاعر :
وقد لاح في
الصّبح الثريا لمن رأى
|
|
كعنقود
ملّاحية حين نوّرا
|
ولا يحتاج هذا
البيت الى تأويل لأنّه ظاهر ، أما التمثيل فهو بخلاف ذلك ، ومنه قول ابن المعتز :
اصبر على مضض
الحسو
|
|
د فانّ صبرك
قاتله
|
فالنار تأكل
بعضها
|
|
إن لم تجد ما
تاكله
|
وقول صالح بن
عبد القدوس :
وإنّ من
أدّبته في الصّبا
|
|
كالعود يسقى
الماء في غرسه
|
حتى تراه
مورقا ناضرا
|
|
بعد الذي
أبصرت من يبسه
|
وهذه الأبيات
تحتاج الى تأول ولا يمكن أن تفهم الصلة بين الأطراف إلا بضرب من التأمل. والتمثيل
الذي أولى أن يسمى كذلك ما لا يحصل إلا من جملة من الكلام أو جملتين أو اكثر حتى
كأن التشبيه كلما أوغل في كونه عقليا محضا كانت الحاجة الى الجملة أكثر ، كقوله
تعالى : (إِنَّما مَثَلُ
الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ
الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ
زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها
أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ
بِالْأَمْسِ ، كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
والتمثيل عند
السكاكي هو ما كان وجه الشبه فيه عقليا غير حقيقي وكان مركبا ، قال : «واعلم أنّ
التشبيه متى كان وجهه غير حقيقي وكان منتزعا من عدة أمور خص باسم التمثيل» كقول ابن المعتز : «اصبر على مضض ...» وقول صالح بن عبد
القدوس : «وإنّ من أدبته ...».
والتمثيل عند
القزويني ما كان وجه الشبه فيه وصفا منتزعا من متعدد أي من أمرين أو أمور سواء كان
ذلك التعدد متعلقا بأجزاء الشيء الواحد أم لا ، قال : التمثيل ما وجهه وصف منتزع
من متعدد أمرين أو أمور» .
وقال الدسوقي :
«التمثيل هو هيئة مأخوذة من متعدد سواء كان الطرفان مفردين أو مركبين ، أو كان
أحدهما مفردا والآخر مركبا ، وسواء كان ذلك الوصف المنتزع حسيا بأن كان منتزعا من
حسي أو عقليا او اعتباريا وهميا ، وهذا مذهب الجمهور» . ولذلك فكل تمثيل عند السكاكي تمثيل عند القزويني
والجمهور ، وليس كل تمثيل عندهم تمثيل عند السكاكي ، فبين المذهبين عموم وخصوص.
__________________
ومن أمثلة
التمثيل عند القزويني والجمهور أبيات ابن المعتز وابن عبد القدوس وقول بشار :
كأنّ مثار
النقع فوق رؤوسنا
|
|
وأسيافنا ليل
تهاوى كواكبه
|
ووجه الشبه في
البيت حسي وإن كان مركبا.
وقد يكون
التمثيل على سبيل الاستعارة ، واذا كثر استعماله سمّي مثلا كقول بشار :
إذا كنت في
كلّ الأمور معاتبا
|
|
صديقك لم تلق
الذي لا تعاتبه
|
فعش واحدا
أوصل أخاك فانّه
|
|
مقارف ذنب
مرّة ومجانبه
|
وقول أبي تمام
:
واذا أراد
الله نشر فضيلة
|
|
طويت أتاح
لها لسان حسود
|
لو لا اشتعال
النار فيما جاورت
|
|
ما كان يعرف
طيب عرف العود
|
ولورود الأمثال
على سبيل الاستعارة لا تغير ، أي انها تستعمل كما وردت من غير التفات الى المخاطب
أو الموضوع.
تشبيه التّوليد
:
ذكر المصري
لونا من التشبيه فقال : «والنوع الآخر من التشبيه هو الذي يسمّى تشبيه التوليد
والتمثيل كقول الكميت :
أحلامكم
لسقام الجهل شافية
|
|
كما دماؤكم
يشفى بها الكلب
|
تشبيه ثلاثة
بثلاثة :
هو أن تشبه
ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء كقول المرقش :
النّشر مسك
والوجوه دنا
|
|
نير وأطراف
الأكفّ عنم
|
وقول البحتري :
كالسيف في
إخذامه والغيث في
|
|
إرهامه
والليث في إقدامه
|
وقول بعضهم :
ليل وبدر
وغصن
|
|
شعر ووجه
وقدّ
|
خمر ودرّ
وورد
|
|
ريق وثغر
وخدّ
|
تشبيه ثمانية
بثمانية :
وهو تشبيه
ثمانية أشياء بثمانية أشياء كقول بعضهم :
خدود وأصداغ
وقد ومقلة
|
|
وثغر وأرياق
ولحن ومعرب
|
وورد وسوسان
وبان ونرجس
|
|
وكأس وجريال
وجنك ومطرب
|
تشبيه الجمع :
هو تعدد المشبه
به دون المشبه كقول البحتري :
كأنما يبسم
عن لؤلؤ
|
|
منضّد أو برد
أو أقاح
|
وقول امرئ
القيس :
كأنّ المدام
وصوب الغمام
|
|
وريح الخزامى
ونشر القطر
|
__________________
يعلّ بها برد
أنيابها
|
|
إذا طرّب
الطائر المستحر
|
التشبيه الجيّد
:
هو التشبيه
الخارج عن التعدّي والتقصير كقول امرئ القيس :
إذا ما
الثريا في السماء تعرّضت
|
|
تعرّض أثناء
الوشاح المفصّل
|
وقول الكميت :
تشبّه في
الهام آثارها
|
|
مشافر قرحى
أكلن بريرا
|
التّشبيه الحسن
:
عدّ المبرد من
التشبيه الحسن قول جرير في صفة الخيل :
يشتفن للنظر
البعيد كأنما
|
|
إرنانها
ببوائن الأشطان
|
ومنه قول عنترة
:
غادرن نضلة
في معرك
|
|
يجرّ الأسنة
كالمحتطب
|
وعدّوا من
التشبيه الحسن قول امرئ القيس :
كأنّ عيون
الوحش حول خبائنا
|
|
وأرحلنا
الجزع الذي لم يثقّب
|
التّشبيه
الحسّيّ :
قال القزويني :
«الحسي : المدرك هو أو مادته باحدى الحواس الخمس الظاهرة» كقوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ
قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ. كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ). وقول الشاعر :
لها بشر مثل
الحرير ومنطق
|
|
رخيم الحواشي
لا هراء ولا نزر
|
تشبيه خمسة
بخمسة :
هو تشبيه خمسة
أشياء بخمسة أشياء كقول الوأواء الدمشقي :
قالت متى
البين يا هذا فقلت لها
|
|
إمّا غدا
زعموا أو لا فبعد غد
|
فأمطرت لؤلؤا
من نرجس وسقت
|
|
وردا وعضّت
على العنّاب بالبرد
|
قال العسكري عن
البيت الثاني : «ولا أعرف لهذا البيت ثانيا في أشعارهم» .
التّشبيه
الخياليّ :
هو التشبيه
المعدوم الذي فرض مجتمعا من عدة أمور ، كل واحد منها يدرك بالحس ، أو هو كما قال
الحلبي : «تشبيه الموجود بالمتخيل الذي لا وجود له في الأعيان» كقول الشاعر :
__________________
وكأنّ محمرّ
الشقيق إذا تصوّب أو تصعّدأعلام يا قوت نشرن على رماح من زبرجد وقول الآخر :
كلّنا باسط
اليد
|
|
نحو نيلوفر
ندي
|
كدبابيس عسجد
|
|
قضبها من
زبرجد
|
وأدخلوا هذا
النوع في تشبيه الحسي بالحسي ؛ لأنّ أجزاءه مدركة بالحس وإن كانت الصورة كلها غير
موجودة . وفرّقوا بينه وبين الوهمي فقال العلوي : «والتفرقة بين
الامور الخيالية والأمور الموهومة هو أنّ الخيال أكثر ما يكون في الأمور المحسوسة
، فاما الأمور الوهمية فانما تكون في المحسوس وغير المحسوس مما يكون حاصلا في
الوهم وداخلا فيه» .
تشبيه سبعة
بسبعة :
وهو أن يكون
تشبيه سبعة أشياء بسبعة أشياء كقول القاضي نجم الدين بن البارزي :
يقطّع
بالسكين بطيخة ضحى
|
|
على طبق في
مجلس لان صاحبه
|
كشمس ببرق قد
بدا وأهلة
|
|
لدى هالة في
الأفق شتّى كواكبه
|
تشبيه ستّة
بستّة :
هو تشبيه ستة
أشياء بستة أشياء كقول ابن جابر :
إن شئت ظبيا
أو هلالا أو دجى
|
|
أو زهر غصن
في الكثيب الأملد
|
فللحظها
ولوجهها ولشعرها
|
|
ولخدها والقد
والردف اقصد
|
تشبيه شيء
بأربعة أشياء :
وهو أن يشبه
شيء واحد بأربعة أشياء كقول الحلبي :
يفترّ طرسك
عن سطور جادها ال
|
|
فكر السليم
بصوب مسك أذفر
|
فكأنّما هو
روضة أو جدول
|
|
أو سمط درّ
أو قلادة عنبر
|
تشبيه شيء
بثلاثة أشياء :
هو أن يشبه شيء
واحد بثلاثة أشياء كقول البحتري :
كأنما يبسم
عن لؤلؤ
|
|
منضّد أو برد
أو أقاح
|
تشبيه شيء
بخمسة أشياء :
هو أن يشبه شيء
واحد بخمسة أشياء ، كقول الحريري :
يفترّ عن
لؤلؤ رطب وعن برد
|
|
وعن أقاح وعن
طلع وعن حبب
|
__________________
تشبيه شيء بشيء
:
وهو معظم
التشبيهات المعروفة التي يكون الربط فيها بين مشبه واحد ومشبه به واحد. ويأتي على
وجوه منها : تشبيه الشيء بالشيء صورة كقوله تعالى :(وَالْقَمَرَ
قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ).
ومنها تشبيه
الشيء بالشيء لونا وحسنا كقوله تعالى : (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ
مَكْنُونٌ) ومنها تشبيهه به لونا وسبوغا كقول امرئ القيس :
ومشدودة
السّكّ موضونة
|
|
تضاءل في
الطيّ كالمبرد
|
يفيض على
المرء أردانها
|
|
كفيض الأتيّ
على الجدجد
|
ومنها تشبيهه
بها لونا وصورة كقول النابغة :
تجلو بقادمتي
حمامة أيكة
|
|
بردا أسفّ
لثاته بالإثمد
|
كالأقحوان
غداة غبّ سمائه
|
|
جفّت أعاليه
وأسفله ند
|
ومنها ما يتضمن
معنى اللون وحده كقول زهير :
زجرت عليه
حرّة أرحبية
|
|
وقد كان لون
الليل مثل اليرندج
|
ومنها ما
تشبيهه به حركة كقول عنترة :
غردا يحكّ
ذراعه
|
|
قدح المكبّ
على الزّناد الأجذم
|
ومنها تشبيهه
به معنى كقول النابغة :
فانك شمس
والملوك كواكب
|
|
إذا طلعت لم
يبد منهن كوكب
|
وقوله :
فانك كالليل
الذي هو مدركي
|
|
وإن خلت أنّ
المنتأى عنك واسع
|
تشبيه شيء
بشيئين :
وهو أن يشبه
شيء واحد بشيئين كقول امرىء القيس :
وتعطو برخص
غير شثن كأنّه
|
|
أساريع رمل
أو مساويك إسحل
|
تشبيه شيئين
بشيئين :
قال الحاتمي : «أجمع
أهل العلم بالشعر كأبي عمرو بن العلاء والأصمعي وغيرهما بأنّ أحسن التشبيه ما
يقابل به مشبهان بمشبهين» .
وقال الحموي : «هذا
النوع ـ أعني تشبيه شيئين بشيئين ـ من المحاسن العزيزة الوقوع بخلاف كبيرة العدد
في التشبيه فان ذلك نوع اللف والنشر أحق به.
وهو في
الاصطلاح أن يقابل الشاعر بين الأربعة ويلتزم أنّ كل واحد من المشبه يسدّ مسدّ
المشبه به. ومما حكي عن بشار بن برد أنّه قال : «ما زلت منذ سمعت قول امرئ القيس
في وصف العقاب :
كأنّ قلوب
الطير رطبا ويابسا
|
|
لدى وكرها
العنّاب والحشف البالي
|
لا يأخذني
الهجوع حسدا له الى أن قلت في وصف
__________________
الحرب :
كأنّ مثار
النقع فوق رؤوسنا
|
|
وأسيافنا ليل
تهاوى كواكبه
|
وقال المدني : «هذا
النوع عبارة عن أن يأتي المتكلم بشيئين ويقابلهما بشيئين لأجل التشبيه» وهو على نوعين :
الأول : أن
يكون المقصود تشبيه كل جزء من جزء أحد طرفي التشبيه بما يقابله من الطرف الآخر ،
كقول امرئ القيس : «كأنّ قلوب الطير ...».
الثاني : أن
يكون المقصود تشبيه هيئة حاصلة من مجموع جزئي أحد الطرفين بالهيئة الحاصلة من
مجموع جزئي الطرف الآخر وإن كان الظاهر فيه تشبيه شيئين بشيئين ، وهو نوعان :
أحدهما : ما
يكون بحيث يحسن تشبيه كل جزء من جزئي أحد طرفيه بما يقابله من الطرف الآخر كقول
الشاعر :
وكأنّ أجرام
النجوم لوامعا
|
|
درر نثرن على
بساط أزرق
|
وثانيهما : ما
لا يكون كذلك كقول القاضي التنوخي :
كأنّما
المريخ والمشتري
|
|
قدّامه في
شامخ الرفعه
|
منصرف بالليل
عن دعوة
|
|
قد أسرجت
قدّامه شمعه
|
وهذا لا يصح
كالسابق أن ينظر اليه بانفراد وإنّما تشبه الهيئة الحاصلة من المريخ حال كون
المشتري أمامه بالهيئة الحاصلة من المنصرف عن الدعوة مسرجا الشمعة قدامه. وهذا هو
تشبيه المركب بالمركب ، قال المدني : «وإنّما أطلق عليه البديعيون تشبيه شيئين
بشيئين باعتبار تعدد طرفيه» .
تشبيه صورة
بصورة :
قال ابن الأثير
الحلبي إنّ التشبيه لا يخلو من ثلاثة أحوال : تشبيه معنى بصورة ، وتشبيه معنى
بمعنى ، وتشبيه صورة بصورة كقوله تعالى : (وَلَهُ الْجَوارِ
الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) فشبه صورة أجسام الفلك في عظمها بالجبال .
تشبيه صورة
بمعنى :
قال ابن الاثير
الحلبي : «وأما تشبيه صورة بمعنى كقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فيما رواه عبد الله بن مسعود أنّه خطّ خطا مريعا في
وسطه خط ، الى جانبه خطوط ثم خط خطا خارجا وقال : «أتدرون ما هذه الخطوط؟» قلنا : «الله
ورسوله اعلم». فقال : «الخطّ المربّع هو الأجل والخطّ الذي في وسطه هو الانسان ،
والخطوط التي حوله الأعراض التي تنهشه إن تركه هذا نهشه هذا. والخط الذي هو خارج
المربع هو الأمل» .
التّشبيه
العجيب :
عدّ المبرد من
التشبيه العجيب قول ذي الرمة في صفة الظليم :
شخت الجزارة
مثل البيت سائره
|
|
من المسوح
خدبّ شوقب خشب
|
__________________
وقول الشماخ :
فقرّبت مبراة
تخال ضلوعها
|
|
من الماسخيّات
القسيّ الموتّرا
|
تشبيه عشرة
بعشرة :وهو تشبيه عشرة أشياء بعشرة أشياء كقول القائل :
فرع جبين
محيّا معطف كفل
|
|
صدغ فم وجنان
ناظر ثغر
|
ليل هلال
صباح بانة كثب
|
|
آس أقاح شقيق
نرجس درّ
|
التّشبيه
القاصد :
عدّ المبرد من
التشبيه القاصد الصحيح قول النابغة :
وعيد أبي
قابوس في غير كنهه
|
|
أتاني ودوني
راكس فالضواجع
|
فبتّ كأني
ساورتني ضئيلة
|
|
من الرقش في
أنيابها السمّ ناقع
|
يسهّد من نوم
العشاء سليمها
|
|
لحلي النساء
في يديه قعاقع
|
تناذرها
الراقون في سوء سمّها
|
|
تطلّقه طورا
وطورا تراجع
|
فهذه هي صفة
الخائف المهموم وهو التشبيه المقارب عند المبرد أيضا.
التّشبيه
القريب :
ذكره المبرّد
وقال : «ومن حلو التشبيه وقريبه وصريح الكلام وبليغه قول ذي الرّمّة :
ورمل كأوراك
العذارى قطعته
|
|
وقد جلّلته
المظلمات الحنادس
|
وقال الرازي : «فالقريب
مثل ما اذا أخطرت بالبال استدارة الشمس واستنارتها وقعت المرآة المجلوة في قلبك
وعرفت كونها شبيهة للشمس» . وعرّفه القزويني بقوله : «والقريب المبتذل هو ما ينتقل
فيه من المشبه الى المشبه به من غير تدقيق نظر لظهور وجهه في بادئ الرأي» .
وسبب ظهوره
أمران :
الاول : كونه
الشبه أمرا جليّا فانّ الجملة أسبق أبدا الى النفس من التفصيل.
الثاني : كونه
قليل التفصيل مع غلبة حضور المشبّه به في الذهن.
تشبيه الكناية
:
قال الوطواط : «تشبيه
الكناية ، وتكون هذه الصنعة بأن يكنى عن المشبه بلفظ المشبه به بغير أداة من أدوات
التشبيه» .
وقال الحلبي
والنويري : «هو أن تشبه شيئا بشيء من غير أداة التشبيه» كقول المتنبي :
بدت قمرا
وماست خوط بان
|
|
وفاحت عنبرا
ورنت غزالا
|
وقول الوأواء
الدمشقي :
قلنا وقد
قتلت فيها لواحظها
|
|
كم ذا أما
لقتيل الحبّ من قود
|
__________________
فأمطرت لؤلؤا
من نرجس وسقت
|
|
وردا وعضّت
على العنّاب بالبرد
|
وهذا هو «التشبيه
المؤكد» أي المحذوف الأداة ، ومنه قوله تعالى : (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ
السَّحابِ) ، وقول الحماسي :
هم البحور
عطاء حين تسألهم
|
|
وفي اللقاء
إذا تلقى بهم بهم
|
وقول الشريف
الرضي :
أرسى النسيم
بواديكم ولا برحت
|
|
حوامل المزن
في أجداثكم تضع
|
ولا يزال
جنين النبت ترضعه
|
|
على قبوركم
الغوّاصة الهمع
|
التّشبيه
المؤكّد :
هو التشبيه
الذي حذفت فيه الأداة ، ويسمّى «تشبيه الكناية» وقد تقدّم.
التّشبيه
المتجاوز :
عدّ المبرّد من
التشبيه المتجاوز المفرط قول الخنساء :
وإنّ صخرا لتأتمّ
الهداة به
|
|
كأنّه علم في
رأسه نار
|
ومن التشبيه
المتجاوز الجيد النظم قول أبي الطمحان :
أضاءت لهم
أحسابهم ووجوهم
|
|
دجى الليل
حتى نظّم الجزع ثاقبه
|
التّشبيه
المتخيّل :
هو التشبيه
الخيالي والوهمي عند الرازي الذي قال : «الموجود بالمتخيل الذي لا وجود له في
الأعيان مثاله تشبيه الجمر الموقد ببحر المسك موجه الذهب» . وقد أدخل في هذا النوع أمثلة من التشبيه الخيالي
والتشبيه الوهمي.
التّشبيه
المتعدّد :
تحدّث عبد
القاهر عنه بعد كلامه على التشبيه المركّب فقال : «قدّمت بيان المركّب من التشبيه
وههنا ما يذكر مع الذي عرفتك أنّه مركّب ويقرن اليه في الكتب وهو على الحقيقة لا
يستحق صفة التركيب ولا يشارك الذي مضى ذكره في الوصف الذي كان تشبيها مركّبا وذلك
أن يكون الكلام معقودا على تشبيه شيئين بشيئين ضربة واحدة إلا أنّ أحدهما لا يداخل
الآخر في الشبه. ومثاله قول امرئ القيس :
كأنّ قلوب
الطير رطبا ويابسا
|
|
لدى وكرها
العنّاب والحشف البالي
|
وذلك أنّه لم
يقصد الى أن يجعل بين الشيئين اتّصالا وإنّما أراد اجتماعا في مكان فقط» فالتشبيه المركّب لا تغيّر أجزاؤه لأنّ ذلك يؤدي الى
تغيير الصورة ، والتشبيه المتعدّد يمكن تغيير أجزائه لأنّه جمع للصور وليس دمجا
لها. وتدخل في هذا الضرب كثير من أنواع التشبيه التي ليست بتمثيل كتشبيه الجمع
وتشبيه التسوية.
التّشبيه
المجمل :
هو التشبيه
الذي لم يذكر فيه وجه الشبه ، ومنه
__________________
ظاهر يفهمه كل أحد مثل «زيد أسد» أي في الشجاعة ، ومنه ما هو خفي لا يدركه
إلا من له ذهن يرتفع عن طبقة غير المثقفين كقول من وصف بني المهلب للحجاج لما سأله
عنهم : «كانوا كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها» أي : لتناسب أصولهم وفروعهم في
الشرف يمتنع تعيين بعضهم فاضلا وبعضهم أفضل منه كما أنّ الحلقة المفرغة لتناسب
أجزائها يمتنع تعيين بعضها طرفا وبعضها وسطا.
ومنه ما لم
يذكر فيه وصف المشبه ولا وصف المشبه به كالمثال الأول ومنه ما ذكر فيه وصف المشبه
به وحده كالمثال الثاني ، ونحوه قول زياد ابن الاعجم :
وإنّا وما
تلقي لنا إن هجوتنا
|
|
لكالبحر مهما
تلق في البحر يغرق
|
وقول النابغة :
فانّك شمس
والملوك كواكب
|
|
إذا طلعت لم
يبد منهن كوكب
|
ومنه ما ذكر
فيه وصف كل واحد منهما كقول أبي تمام :
صدفت عنه ولم
تصدف مواهبه
|
|
عنّي وعاوده
ظنّي فلم يخب
|
كالغيث إن
جئته وافاك ريّقه
|
|
وإن ترحّلت
عنه لجّ في الطّلب
|
تشبيه المحسوس
بالمحسوس :
هو أن يكون
المشبه والمشبه به حسيين أي مدركين باحدى الحواس الخمس . وقد تقدم الكلام عليه في طرفي التشبيه وفي التشبيه
الحسي.
تشبيه المحسوس
بالمعقول :
هو تشبيه ما
يدرك بالحسّ بما لا يدرك به ، وقد تقدّم الكلام عليه في طرفي التشبيه وفي التشبيه
التخييليّ.
التّشبيه
المحمود :
عدّ المبرد من
التشبيه المحمود قول الشاعر :
طليق الله لم
يمنن عليه
|
|
أبو داود
وابن أبي كثير
|
ولا الحجاج
عيني بنت ماء
|
|
تقلب طرفها
حذر الصقور
|
وقال : «وهذا
غاية في صفة الجبان» .
التّشبيه
المختصر :
قال المبرّد : «والعرب
تختصر في التشبيه وربما أو مأت به إيماء ، قال أحد الرجاز :
بتنا بحسان
ومعزاه تئط
|
|
ما زلت أسعى
بينهم والتبط
|
حتى إذا كان
الظلام يختلط
|
|
جاؤوا بمذق
هل رأيت الذئب قط
|
يقول في لون
الذئب واللبن إذا جهد وخلط بالماء ضرب الى الغبرة» .
التّشبيه
المردود :
هو التشبيه
القاصر عن الغرض ، فتشبيه
__________________
الشيء بالمسك في الرائحة مقبول لأنّ المسك أعرف الأشياء ولو شبه به في
السواد لكان مردودا لانه ليس معروفا من هذا الجهة عرفانه من تلك. قال السيوطي : «قال
عبد الباقي اليمني في كتابه : «اللهم إلا أن يذكر الغرض مصرحا به كقول القائل :
أشبهك المسك
وأشبهته
|
|
في لونه
قائمة قاعده
|
لا شكّ إذ
لونكما واحد
|
|
أنّكما من
طينة واحده
|
غرضه ذكر اللون
؛ لأنّ محبوبته سوداء ، وعلل ذلك بكونهما من طينة واحدة» .
التّشبيه
المرسل :
هو التشبيه
الذي تذكر في أداته كقوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ
الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) وقوله : (عَرْضُها كَعَرْضِ
السَّماءِ وَالْأَرْضِ). ومنه قول البحتري :
وإذا الأسنّة
خالطتها خلتها
|
|
فيها خيال
كواكب في الماء
|
التّشبيه
المركّب :
هو التشبيه
الذي يتّحد فيه المشبه والمشبه به ويكون مركبا من شيئين أو أكثر. وهو غير التشبيه
المتعدد الذي يكون جمعا للصور التشبيهية من غير تركيب وقد تقدم الكلام على التشبيه المتعدد.
وقال السجلماسي
: «التشبيه المركب هو أن يقع التخييل في القول والتشبيه والتمثيل فيه لشيئين
بشيئين وذاتين بذاتين» ، وأدخل فيه بعض الامثلة التي أدخلها غيره في التمثيل.
تشبيه المركّب
بالمركّب :
وهو أن يكون كل
من الطرفين كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامّت وتلاحقت حتى صارت شيئا واحدا كقول بشار :
كأنّ مثار
النّقع فوق رؤوسنا
|
|
وأسيافنا ليل
تهاوى كواكبه
|
وهو تشبيه
شيئين بشيئن ، قال المدني : «وإنّما أطلق عليه البديعيون تشبيه شيئين بشيئين
باعتبار تعدد طرفيه» . وقد تقدم.
تشبيه المركّب
بالمفرد :
وهو كقول أبي
تمام :
يا صاحبي
تقصّيا نظريكما
|
|
تريا وجوه
الأرض كيف تصوّر
|
تريا نهارا
مشمسا قد زانه
|
|
زهر الرّبى
فكأنما هو مقمر
|
فالمشبه وهو «نهار
مشمس قد زانه زهر الربى» مركب ، والمشبه به مفرد وهو «مقمر» .
التّشبيه
المستحسن :
عدّ المبرّد من
التشبيه المستحسن قول علقمة بن عبدة :
__________________
كأنّ إبريقهم
ظبي على شرف
|
|
مفدّم بسبا
الكتّان ملثوم
|
فهذا حسن جدا .
التّشبيه
المستطرف :
عدّ المبرّد من
التشبيه المستطرف قول بشّار بن برد :
كأنّ فؤاده
كرة تنزّى
|
|
حذار البين
إن نفع الحذار
|
يروّعه
السرار بكلّ أمر
|
|
مخافة أن
يكون به السرار
|
التّشبيه
المشروط :
قال الوطواط : «التشبيه
المشروط ويكون بتشبيه شيء بشيء آخر بشرط من الشروط فيقولون لو كان هذا لكان ذاك» . ومنه قول الوطواط نفسه :
عزماته مثل
النجوم ثواقبا
|
|
لو لم يكن
للثاقبات أفول
|
وقال الحلبي
والنّويري : «أشبه وجه مولانا بالعيد المقبل لو كان العيد تبقى ميامنه وتدوم
محاسنه» وكقوله : «وجه هو كالشمس لو لا كسوفها والقمر لو لا خسوفه» .
ومن ذلك أيضا
قول أبي تمام :
مها الوحش
إلا أنّ هاتا أوانس
|
|
قنا الخطّ
إلا أنّ تلك ذوابل
|
وقول الحريري :
يكاد يحكيك
صوب الغيث منسكبا
|
|
لو كان طلق
المحيا يمطر الذهبا
|
والبدر لو لم
يغب والشمس لو نطقت
|
|
والأسد لو لم
تصد والبحر لو عذبا
|
التّشبيه
المصيب :
عدّ المبرّد
منه قول سلامة بن جندل :
كأنّ النعام
باض فوق رؤوسهم
|
|
وأعينهم تحت
الحديد جواحم
|
وقول ذي
الرّمّة :
بيضاء في دعج
صفراء في نعج
|
|
كأنّها فضّة
قد مسّها ذهب
|
وقول امرئ
القيس :
كأنّ الثريا
علّقت في مصامها
|
|
بأمراس كتّان
الى صمّ جندل
|
التّشبيه
المطّرد :
وهو أن يجري
على الصورة المطردة ، وذلك بأن يكون المشبه به أدخل في المعنى الجامع بينه وبين
المشبه اما بالكبر او الايضاح او البيان. قال العلوي : «وعلامته أنّه لا بدّ من أن
تكون لفظة «أفعل التفضيل» جارية في التشبيه. وهذا يدل على ما قلناه من اعتبار
زيادة المشبه به على المشبه في تلك الصفة الجامعة بينهما ، فان لم يكن الأمر على
ما قلناه من الزيادة كان التشبيه ناقصا وكان معيبا ولم يكن دالا على البلاغة.
__________________
وهكذا الحال
إذا كانا حاصلين على جهة الاستواء فلا مبالغة في ذلك فاذن لا بدّ من اعتبار
الزيادة» .
التّشبيه
المطلق :
قال الوطواط : «التشبيه
المطلق ويكون بتشبيه شيء بشيء آخر بواسطة أداة التشبيه وبدون شرط أو عكس أو تفضيل
أو ما شابه ذلك .
وقال الحلبي
والنويري : «هو أن تشبه شيئا بشيء من غير عكس ولا تبديل» . وباب التشبيهات المطلقة واسع ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ
حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) ، وقوله : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ
نَخْلٍ خاوِيَةٍ) ، وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «الناس كأسنان المشط».
ومن ذلك قول
البحتري :
كأنّما تبسم
عن لؤلؤ
|
|
منضّد أو برد
أو أقاح
|
وقول الصاحب بن
عباد :
أتتني بالأمس
أبياته
|
|
تغلّل روحي
بروح الجنان
|
كبرد الشّراب
وبرد الشّبا
|
|
ب وظلّ
الأمان ونيل الأماني
|
وعهد الصّبا
ونسيم الصّبا
|
|
وصفو الدنان
ورجع القيان
|
التّشبيه
المعرّى :
عدّ المظفر
العلوي من التشبيه المعرّى قول النابغة :
مقذوفة بدخيس
النّحض بازلها
|
|
له صريف صريف
القعو بالمسد
|
وقال : إنّ أهل
البديع يسمونه «التشبيه المعرّى» فاذا شبّهوا ما له حركة وجرس نصبوا كما قالوا : «صريف
صريف» نصبا ، وإذا لم يكن كذلك رفعوا كما يقول القائل : «له رأس رأس الأسد» رفعا .
تشبيه المعقول
بالمحسوس :
هو إخراج ما لا
تقع عليه الحاسة الى ما تقع عليه الحاسة ، وذلك أن يكون المشبه عقليا والمشبه به
حسيا كقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ). وقد تقدم في طرفي التشبيه.
تشبيه المعقول
بالمعقول :
وذلك أن يكون
المشبه والمشبه به عقليين كقول الشاعر :
ربّ حيّ
كميّت ليس فيه
|
|
أمل يرتجى
لنفع وضرّ
|
وعظام تحت
التراب وفوق ال
|
|
أرض منها
آثار حمد وشكر
|
قال الحموي : «إنّ
هذا النوع في هذا الباب ليس له مواقع المحسوسات وأحسن ما وجدت فيه أعني تشبيه
المعقول بالمعقول قول أبي الطيّب المتنبي :
__________________
كأنّ الهمّ
مشغوف بقلبي
|
|
فساعة هجرها
يجد الوصالا
|
التّشبيه
المعكوس :
هو التشبيه
المقلوب والمنعكس ، وذلك بأن يجعل فيه المشبه مشبها به ويجعل المشبه به مشبها ،
كقول البحتري :
في طلعة
البدر شيء من محاسنها
|
|
وللقضيب نصيب
من تثنّيها
|
وقول ابن
المعتز :
ولاح ضوء
هلال كاد يفضحنا
|
|
مثل القلامة
إذ قصّت من الظّفر
|
وقال الحلبي
والنّويري : «التشبيه المعكوس وهو أن تشبه شيئين كل واحد منهما بالآخر» . وليس في هذا التعريف بيان ، وقد أحسن السابقون في
إيضاحه ، فابن جني سماه «غلبة الفروع على الأصول» وقال : «هذا فصل من فصول العربية
تجده في معاني العرب كما تجده في معاني الأعراب ولا تكاد تجد شيئا من ذلك إلا
والغرض فيه المبالغة . وسمّاه ابن الاثير «الطرد والعكس» وقال : إنّ الغرض
منه المبالغة وهو موضع من علم البيان حسن الموقع لطيف المأخذ . وسماه العلوي «التشبيه المنعكس» وقال : «اعلم أنّ هذا
النوع من التشبيه يرد على العكس والندور وبابه الواسع هو الاطّراد. وإنّما لقب
بالمنعكس لما كان جاريا على خلاف العادة والالف في مجاري التشبيه وقد يقال له «غلبة
الفروع على الأصول». وكل هذه الالقاب دالة على خروجه عن المقياس المطرد والمهيع
المستمر ، وله موقع عظيم في إفادة البلاغة. وقد ذكره ابن الاثير في كتابه «المثل
السائر» وقرره ابن جني في كتاب «الخصائص». والشرط في استعماله أن لا يرد إلا فيما
كان متعارفا حتى تظهر في صورة الانعكاس لأنّه لو ورد في غير المتعارف لكان قبيحا ؛
لأنّ مطرد العادة في البلاغة على تشبيه الأدنى فاذا جاء على خلاف ذلك فهو معكوس» .
والعلوي هنا
قرر ما تعارف عليه البلاغيون من أنّ المشبه به ينبغي أن يكون الأصل وهو الأقوى
والأوضح ولكنّ الشاعر قد يخرج على هذه القاعدة وهو يصوّر معانيه فيأتي بالتشبيهات
التي لا تجري على ما قرره البلاغيون ، وفي ذلك إثراء لهذا الفن. وقد وقف عبد
القاهر عند هذا اللون وقال إنّه يفتح بابا الى «دقائق وحقائق» وذلك بجعل «الفرع
أصلا والأصل فرعا» ، وهو كثير في التشبيهات الصريحة وذلك «أنّهم يشبهون
الشيء فيها بالشيء في حال ثم يعطفون على الثاني فيشبهونه بالأول فترى الشيء مشبها
مرة ومشبها به أخرى» ومن أظهر ذلك قولهم في النجوم «كأنها مصابيح» ثم قولهم في
المصابيح «كأنها نجوم» وتشبيه العيون بالنرجس ثم تشبيه النرجس بالعيون كقول أبي
نواس :
لدى نرجس غضّ
القطاف كأنّه
|
|
إذا ما
منحناه العيون عيون
|
وتشبيه الثغر
بالأقاحي ثم تشبيهها بالثغر كقول ابن المعتز :
والأقحوان
كالثنايا الغرّ
|
|
قد صقلت
أنواره بالقطر
|
وتشبيه أنوار
الرياض بالنجوم كقول البحتري :
بكت السماء
بها رذاذ دموعها
|
|
فغدت تبسّم
عن نجوم سماء
|
ثم تشبه النجوم
بالنّور :
__________________
قد أقذف
العيس في ليل كأنّ به
|
|
وشيا من
النّور أو روضا من العشب
|
وقد يمتنع هذا
القلب في طرفي التشبيه وذلك أن يكون بين الشيئين تفاوت شديد في الوصف الذي لأجله
نشبّه ثم قصدنا أن نلحق الناقص منهما بالزائد مبالغة ودلالة على أنّه يفضل أمثاله
فيه. وقد فسّر عبد القاهر ذلك بقوله : «بيان هذا أنّ ههنا أشياء هي أصول في شدة
السواد كخافية الغراب والقار ونحو ذلك ، فاذا شبهت شيئا بها كان طلب العكس في ذاك
عكسا لما يوجبه العقل ونقضا للعادة ؛ لأنّ الواجب أن يثبت المشكوك فيه بالقياس على
المعروف لا أن يتكلف في المعروف تعريفه بقياس على المجهول ، وما ليس بموجود على
الحقيقة فأنت إذا قلت في شيء «هو كخافية الغراب» فقد أردت أن تثبت له سوادا زائدا
على ما يعهد في جنسه وأن تصحح زيادة هي مجهولة له ، واذا لم يكن ههنا ما يزيد على
خافية الغراب في السواد فليت شعري ما الذي تريد من قياسه على غيره. ولهذا المعنى
ضعف بيت البحتري :
على باب
قنّسرين والليل لاطخ
|
|
جوانبه من
ظلمة بمداد
|
وذاك أنّ
المداد ليس من الأشياء التي مزيد عليها في السواد ، كيف وربّ مداد فاقد اللون ،
والليل والسواد بشدته أحق وأحرى أن يكون مثلا. ألا ترى الى ابن الرومي حيث قال :
حبر أبي حفص
لعاب الليل
|
|
يسيل للإخوان
أيّ سيل
|
فبالغ في وصف
الحبر بالسواد حين شبهه بالليل ، وكأنّ البحتري نظر الى قول العامة في الشيء
الأسود : «هو كالنقش» ثم تركه للقافية الى المداد» .
ولخّص قاعدة
قلب التشبيه بقوله : «وجملة القول أنّه متى لم يقصد ضرب من المبالغة في إثبات
الصفة للشيء والقصد الى إيهام في الناقص أنّه كالزائد واقتصر على الجمع بين
الشيئين في مطلق الصورة والشكل واللون أو جمع وصفين على وجه يوجد في الفرع على
حدّه أو قريب منه في الأصل فإنّ العكس يستقيم في التشبيه ومتى أريد شيء من ذلك لم
يستقم» .
ولا يأتي القلب
في التمثيل أو التشبيه التمثيلي بهذه السهولة بل يحتاج الى تأويل وتخيّل يخرج عن
الظاهر خروجا بيّنا أو يبعد عنه بعدا ظاهرا ، فهو يطاوع في التشبيه مطاوعة وينقاد
القياس فيه انقيادا لا تعسف فيه ، ولا يطاوع تلك المطاوعة في التمثيل. ومثال قلب
التمثيل قول القاضي التنوخي :
وكأنّ النجوم
بين دجاها
|
|
سنن لاح
بينهنّ ابتداع
|
وقول أبي طالب
الرقي :
ولقد ذكرتك
والظّلام كأنّه
|
|
يوم النوى
وفؤاد من لم يعشق
|
وقول ابن بابك
:
وأرض كأخلاق
الكريم قطعتها
|
|
وقد كحّل
الليل السماك فأبصرا
|
وهذه الصور
تحتاج الى فضل تأمل ودقة تأول وبعد نظر ، وهي من تشبيه المحسوس بالمعقول الذي
أنكره بعضهم وأكثر منه الشعراء في العصر العباسي أو هي ـ كما قال السجلماسي ـ من «الجري
على غير المجرى الطبيعي» في التشبيه.
تشبيه المعنى
بالصّورة :
هذا النوع من
أحوال التشبيه عند ابن الاثير الحلبي قال : «إما تشبيه معنى بصورة كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ
كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ
__________________
ماءً) ، فشبّه ما لا يدرك بالحاسة وهو الأعمال بما يدرك
بالحاسة وهو السراب» . وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس وقد تقدم.
تشبيه المعنى بالمعنى
:
قال ابن الاثير
الحلبي : «وأمّا تشبيه معنى بمعنى ، كقولك : «زيد أسد» فانّ الغرض تشبيه الشجاعة
التي هي معنى في زيد بالشجاعة التي هي معنى في الأسد» .
تشبيه المفرد
بالمركّب :
وهو أن يكون
المشبه مفردا والمشبه به غير مفرد كقوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ
، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ
زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ). وقول أبي نواس :
إذا امتحن
الدنيا لبيب تكشّفت
|
|
له عن عدوّ
في ثياب صديق
|
وقول أبي تمام
:
خذها مثقّفة
القوافي ربّها
|
|
لسوابغ
النّعماء غير كنود
|
كالدرّ
والمرجان ألف نظمه
|
|
بالشذر في
عنق الفتاة الرّود
|
تشبيه المفرد
بالمفرد :
قد يكون المشبه
والمشبه به مقيدين كقولهم لمن لا يحصل من سعيه على طائل : «هو كالراقم على الماء»
، فالمشبه الساعي مفرد مقيد بأن لا يحصل من سعيه على شي والمشبه به الراقم مقيد
بكون رقمه على الماء لأنّ وجه الشبه هو التسوية بين الفعل وعدمه وهو موقوف على
اعتبار هذين القيدين.
أو يكونان غير
مقيدين كتشبيه الخد بالورد.
أو يكونان
مختلفين نحو «والشمس كالمرآة في كفّ الأشلّ» المشبه به وهو المرآة مقيد بكونه في
كف الأشلّ بخلاف المشبه وهو الشمس. وعكسه نحو : «المرآة في كف الأشل كالشمس». ومنه
قوله تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ
وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ). وقوله :(وَجَعَلْنَا
اللَّيْلَ لِباساً).
وقول المتنبي :
وإذا اهتزّ
للندى بحرا
|
|
واذا اهتزّ
للوغى كان نصلا
|
وإذا الأرض
أظلمت كان شمسا
|
|
وإذا الارض
امحلت كان وبلا
|
وقول البحتري :
تبسّم وقطوب
في ندى ووغى
|
|
كالرعد
والبرق تحت العارض البرد
|
التّشبيه
المفرط :
عدّ المبرّد من
التشبيه المفرط المتجاوز قولهم للسخي : «هو كالبحر» وللشجاع «هو كالأسد» .
التّشبيه
المفروق :
هو ما أتي
بالمشبه والمشبه به واحدا بعد الآخر كقول المرقش الأكبر :
النّشر مسك
والوجوه دنا
|
|
نير وأطراف
الأكفّ عنم
|
__________________
وقول المتنبي :
بدت قمرا
ومالت خوط بان
|
|
وفاحت عنبرا
ورنت غزالا
|
التّشبيه
المفصّل :
هو التشبيه
الذي يذكر فيه وجه الشبه كقول أبي بكر الخالدي :
يا شبيه
البدر حسنا
|
|
وضياء ومنالا
|
وشبيه الغصن
لينا
|
|
وقواما
واعتدالا
|
أنت مثل
البدر لونا
|
|
ونسيما
وملالا
|
زارنا حتى
إذا ما
|
|
سرّنا بالقرب
زالا
|
وقول الآخر :
وثغره في
صفاء
|
|
وأدمعي
كاللآلي
|
وقول أبي
العلاء :
أنت كالشمس
في الضياء وإن جا
|
|
وزت كيوان في
علوّ المكان
|
التّشبيه
المقارب :
عدّ المبرّد من
التشبيه المقارب والقاصد الصحيح قول النابغة :
وعيد أبي
قابوس في غير كنهه
|
|
أتاني ودوني
راكس فالضواجع
|
فبتّ كأنّي
ساورتني ضئيلة
|
|
من الرقش في
أنيابها السّمّ ناقع
|
يسهّد من نوم
العشاء سليمها
|
|
لحلي النساء
في يديه قعاقع
|
تناذرها
الراقون من سوء سمّها
|
|
تطلّقه طورا
وطورا تراجع
|
التّشبيه
المقبول :
وهو التشبيه
الوافي بافادة الغرض كأن يكون المشبه به أعرف شيء بوجه الشبه إذا كان الغرض بيان
حال المشبه من جهة وجه الشبه أو بيان المقدار. ثم الطرفان في الثاني إن تساويا في
وجه الشبه فالتشبيه كامل في القبول ، وإلا فكلّما كان المشبّه به أسلم من الزيادة
والنقصان كان أقرب الى الكمال. أو كأن يكون المشبّه به أتمّ شيء في وجه الشبه إذا
قصد الحاق الناقص بالكامل ، أو كأن يكون المشبه به مسلّم الحكم معروفه عند المخاطب
في وجه الشبه إذا كان الغرض بيان امكان الوجود .
والتشبيهات
الجيدة من الانواع الاخرى تدخل في تمثيل هذا الضرب من التشبيه.
التّشبيه
المقلوب :
هو التشبيه
المعكوس والمنعكس وغلبة الفروع على الاصول ، وقد تقدم.
__________________
التّشبيه
الملفوف :
وهو ما أتي فيه
بالمشبهين ثم بالمشبه بهما ، كقول امرئ القيس :
كأنّ قلوب
الطير رطبا ويابسا
|
|
لدى وكرها
العنّاب والحشف
|
البالي
|
شبه الرطب
واليابس من قلوب الطير بالعنّاب والحشف البالي .
التّشبيه
المنعكس :
وهو التشبيه
المعكوس والمقلوب وغلبة الفروع على الاصول ، وقد تقدم.
التّشبيه
الوهميّ :
التشبيه الوهمي
هو ما لا وجود له ولا لأجزائه كلها أو بعضها في الخارج ولو وجد لكان مدركا باحدى
الحواس الخمس ، وقد قال الحلبي إنّه يقرب من النوع المسمى «التشبيه الخيالي» . ومنه قوله تعالى : (إِنَّها شَجَرَةٌ
تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ. طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ). فقد استقر في نفوس الناس من قبح الشياطين ما صار
بمنزلة المشاهد كما استقر في نفوسهم من حسن الحور العين ما صار بمنزلة المشاهد ولذلك
ربط سبحانه وتعالى بين شجر الزقوم ورؤوس الشياطين :
ومنه قول امرئ
القيس :
أيقتلني
والمشرفيّ مضاجعي
|
|
ومسنونة زرق
كأنياب أغوال
|
وأدخلوا هذا
النوع في تشبيه العقلي بالعقلي لأنّه لا يدرك بشيء من الحواس الخمس الظاهرة مع
أنّه لو أدرك لم يكن مدركا إلا بها .
التّشبيهات
العقم :
تحدّث الحاتمي
عن التشبيهات العقم ونقل عن هارون الرشيد انه قال عن بيتي عنترة :
وخلا الذباب
بها يغنّي وحده
|
|
غردا كفعل
الشارب المترنّم
|
هزجا يحكّ
ذراعه بذراعه
|
|
فعل المكبّ
على الزناد الأجذم
|
«يا أصمعي
هذا من التشبيهات العقم التي لا تنتج ثمرة ولا تلقح شجرة» . ونقل عن الاصمعي أنّ أبا عمرو بن العلاء وخلفا الاحمر
ويونس أجمعوا على أنّ التشبيهات العقم التي انفرد بها أصحابها ولم يشركهم فيها
غيرهم ممن تقدم معدودات.
أحدها : قول
عنترة في تشبيه حنك الغراب بالجلمين :
ظعن الذين
فراقهم أتوقع
|
|
وجرى بينهم
الغراب الأبقع
|
خرق الجناح
كأنّ لحيي رأسه
|
|
جلمان
بالأخبار هشّ مولع
|
ثانيها : قول
عديّ بن الرقاع في تشبيه قرن الظبي :
تزجي أغنّ
كأنّ إبرة روقه
|
|
قلم أصاب من
الدواة مدادها
|
ثالثها : قول
الراعي يصف قانصا جعد الرأس دنس الثياب :
__________________
فكأنّ فروة
رأسه من شعره
|
|
رعيت فأنبت
جانباها فلفلا
|
رابعها : قول
بشر بن أبي خازم بن عمرو الأسدي يشبّه عروق الأرطى إذ حفر أصله الثور باظلافه
بالأعنّة :
يثير ويبدي
عن عروق كأنّها
|
|
أعنّه خرّاز
تخطّ وتبشر
|
خامسها : قول
الطرّماح في وصف النعام :
مجتاب شملة
برجد لسراته
|
|
قدرا وأسلم
ما سواها البرجد
|
سادسها : قول
ذي الرّمة في تشبيه الليل :
وليل كجلباب
العروس ادّرعته
|
|
بأربعة
والشّخص في العين واحد
|
أحمّ علافيّ
وأبيض صارم
|
|
وأعيس مهريّ
وأروع ماجد
|
سابعها : قول
مضرّس بن ربعي في صفة نعامة :
صفراء عارية
الأكارع رأسها
|
|
مثل المدقّ
وأنفها كالمبرد
|
ونقل ابن رشيق
ما ذكره الحاتمي ثم قال : «وفي الشعر من هذا صدر جيد ، وفي القرآن تشبيه كثير» .
التّشبيهات
المجتمعة :
قال الرازي : «إنّما
يكون كذلك إذا كان التشبيه في أمور كثيرة لا يتقيد البعض بالبعض وحينئذ يكون ذلك
تشبيهات مضموما بعضها الى بعض لأغراض كثيرة وكل واحد منفرد بنفسه.
ولهذا النوع
خاصيتان :
الأولى : أنّه
لا يجب فيها الترتيب ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «زيد كالأسد بأسا ، والبحر جودا ،
والسيف مضاء ، والبدر بهاء» لم يجب عليك أن تحفظ لهذه التشبيهات نظاما.
الثانية : اذا
اسقط البعض فإنّه لا يتغير حال الباقي كقولهم : «هو يصفو ويكدر ويحلو ويمر» ، ولو
تركت ذكر الكدورة والمرارة وجدت المعنى في تشبيهك له بالماء في الصفاء وبالعسل في
الحلاوة باقيا على حقيقته» .
ومن التشبيهات
المجتمعة قول امرئ القيس :
كأنّ قلوب
الطير رطبا ويابسا
|
|
لدى وكرها
العنّاب والحشف البالي
|
فليست لمضامّة
الرطب في القلوب الى اليابس منها هيئة يقصد ذكرها أو يعنى بأمرها ، ولا لاجتماع
الحشف البالي مع العناب. ولو فرّق التشبيه فقيل كأنّ الرطب في القلوب عناب وكأن
اليابس حشف لم يكن أحد التشبيهين موقوفا في الفائدة على الآخر.
ونظيره في جمع
التشبيهات قول المتنبي :
بدت قمرا
ومالت خوط بان
|
|
وفاحت عنبرا
ورنت غزالا
|
فهما تشبيهان
كل واحد مستقل بنفسه وليس بينهما امتزاج فيحصل منه شيء واحد. وهذا ما ذكره عبد
القاهر من قبل حينما تكلم على التشبيه المتعدد والفرق بينه وبين المركب ، ويكاد كلام الرازي يكون نقلا لذلك. وقد تقدم ذلك في «التشبيه
المتعدد».
التّشديد :
هو الإعنات والالتزام
والتضييق ولزوم ما لا يلزم . وقد تقدّم.
__________________
التّشريع :
يقال : شرع
بابا الى الطريق أنفذه ، وشرع الباب والدار شروعا : أفضي الى الطريق وأشرعه اليه .
وقال المدني : «التشريع
في اللغة مصدر «شرّع» ـ بالتضعيف. يقال : شرّع بابا الى الطريق تشريعا أي فتحه
وبيّنه كـ «أشرعه إشراعا». وشرّع الناقة تشريعا إذا أدخلها في شريعة الماء ـ وهي
مورد الابل على الماء ـ والتشريع أيضا إيراد أصحاب الابل ابلهم شريعة لا يحتاج
معها الى الاستقاء من البئر. ومنه حديث علي ـ عليهالسلام ـ : «إنّ أهون السقي التشريع». ومن المعنى الاول نقل
الى الاصطلاح ، وهو أن تبنى القصيدة على وزنين من أوزان العروض وقافيتين ، فاذا
أسقط من أجزاء البيت جزء أو جزءان صار ذلك البيت من وزن آخر ، كأنّ الشاعر شرع في
بيته بابا الى وزن آخر. ولما خفي على ابن أبي الاصبع وجه مناسبة التشبيه بين
اللغوي والاصطلاحي أو استبعده سمّى هذا النوع : «التوأم» ليطابق بين الاسم والمسمى
. وقد ذكر السيوطي أنّ الحريري ابتدع هذا النوع ، وأنّ الأجدابيّ سماه بهذه التسمية ، ويسمى أيضا «ذا
القافيتين» . وقال السبكي إنّ تسميته بالتشريع «عبارة لا يناسب
ذكرها فانّ التشريع قد اشتهر استعماله فيما يتعلق بالشرع المطهر وكان اللائق
اجتنابها» .
وسمّاه بعضهم «التوشيح»
، قال ابن الاثير : «وهو أن يبني الشاعر أبيات قصيدته على بحرين مختلفين فاذا وقف
من البيت على القافية الاولى كان شعرا مستقيما من بحر على عروض واذا أضاف الى ذلك
ما بنى عليه شعره من القافية الأخرى كان أيضا شعرا مستقيما من بحر آخر على عروض
وصار ما يضاف الى القافية الأولى للبيت كالوشاح ، وكذلك يجري الأمر في الفقرتين من
الكلام المنثور فان كل فقرة منهما تصاغ من سجعتين» .
وقال العلوي في
تسميته تشريعا : «لأنّ ما هذا حاله من الشعر فانّ النفس تشرع الى تمام القافية
وكمالها» .
وسمّاه المصري «التوأم»
وأراد بذلك مطابقة التسمية للمسمّى ، قال : «إنّه متى اقتصر على القافية الأولى
كان من ضرب ذلك البحر الذي عمل الشاعر بيته منه ، فاذا استوفى أجزاءه وبناه على
القافية الثانية كان البيت من ضرب غير ذلك الضرب من ذلك البحر ، وغالبه أن يختلف
الرويان وإن جاز توافقهما» . وقال السيوطي : «وهي تسمية مطابقة للمسمى» .
ومن هذا الفن
قول بعضهم :
واذا الرياح
مع العشيّ تناوحت
|
|
هوج الرمال
بكثبهنّ شمالا
|
ألفيتنا نفري
الغبيط لضيفنا
|
|
قبل القتال
ونقتل الأبطالا
|
فانه لو اقتصر
على «الرمال» و «القتال» لكان الشعر من مجزوء الكامل ، وهو :
__________________
وإذا الرياح مع العشيّ تناوحت هوج الرمال ألفيتنا نفري الغبيط لضيفنا قبل
القتال ومنه قول الآخر :
اسلم ودمت
على الحوادث مارسا
|
|
ركنا ثبير أو
هضاب حراء
|
ونل المراد
ممكنا منه على
|
|
رغم الدهور
وفز بطول بقاء
|
ويصيران من
المجزوء بقافية آخرى :
اسلم ودمت
على الحوادث مارسا ركنا ثبير
|
|
ونل المراد
ممكنا منه على رغم الدهور
|
وفي هذا الفن
تكلف ظاهر ولذلك لا يستعمل إلّا قليلا ، وهو كما قال ابن الأثير : «ليس من الحسن
في شيء» ، ولذلك لم يهشّ له أصحاب البديعيات ، وقد قال الحموي :
«ولا شك في أنّ هذا النوع لا يأتي إلا بتكلف زائد وتعسف ، فانه راجع الى الصناعة
لا الى البلاغة والبراعة» .
التّشطير :
الشّطر نصف
الشيء ، والجمع أشطر وشطور ، وشطرته جعلته نصفين .
وهذا الفن من
ابتداع العسكري ، وقد عرّفه بقوله : «هو أن يتوازان المصراعان والجزءان
وتتعادل أقسامهما مع قيام كل واحد منهما بنفسه واستغنائه عن صاحبه» . ومثاله قول بعضهم : «من عتب على الزمان طالت معتبته
ومن رضي عن الزمان طابت معيشته». ومنه قول أوس بن حجر :
فتحدركم عبس
الينا وعامر
|
|
وترفعنا بكر
اليكم وتغلب
|
وقول أبي تمام
:
بمصعّد من
حسنه ومصوّب
|
|
ومجمّع من
نعته ومفرّق
|
وقول البحتري :
فقف مسعدا
فيهن إن كنت عاذرا
|
|
وسر مبعدا
عنهن إن كنت عاذلا
|
وجمع ابن منقذ
التشطير والمقابلة في باب واحد وقال : «إنّ المقابلة والتشطير هو أن يقابل مصراع
البيت الأول كلمات المصراع الثاني» ، كقول جرير :
وباسط خير
فيكم بيمينه
|
|
وقابض شرّ
عنكم بشماليا
|
وقول المتنبي :
أزورهم وظلام
الليل يشفع لي
|
|
وأنثني وضياء
الصّبح يغري بي
|
وقول ذي المرمة
:
استحدث الركب
عن أشياعهم خبرا
|
|
أم راجع
القلب من إطرابهم طرب؟
|
وقال المصري : «هو
أن يقسم الشاعر بيته شطرين ، ثم يصرّع كل شطر من الشطرين لكنّه يأتي بكل شطر
مخالفا لقافية الآخر ليتميز من أخيه فيوافق فيه الاسم المسمّى ، كقول مسلم بن الوليد :
موف على مهج
في يوم ذي رهج
|
|
كأنّه أجل
يسعى الى أمل
|
وقول أبي تمام
:
تدبير معتصم
بالله منتقم
|
|
لله مرتغب في
الله مرتقب
|
ثم قال المصري
: «وعندي أنّ بيت أبي تمام أولى من بيت مسلم بهذا الباب ؛ لأنّه عمد الى كل شطر
قدّره بيتا وصرّعه تصريعا صحيحا ، وبيت مسلم شطره
__________________
الأول مصرّع تصريعا صحيحا وشطره الثاني ليس بمصرّع لمخالفة روي وسطه وروي
آخره في الاعراب ، اللهم إلا أن يجعل الشطر على ضربين :
ضرب يصرّع فيه
أحد الشطرين دون الآخر ، وضرب يصرعان فيه معا». وقال ابن مالك عن التشطير : «ومن
أحسن ما جاء منه قول أبي تمام» .
وعدّ القزويني
التشطير من السجع وقال : «هو أن يجعل كل من شطري البيت سجعة مخالفة لاختها كقول
أبي تمام» ، وتبعه شراح التلخيص .
ورجع الحلبي
والنويري والحموي الى تعريف المصري ، واقترب من ذلك المدني غير أنّه جمع رأي القزويني ورأي
السابقين بتعريفه الذي قال فيه : «هو أن يقسم الشاعر كلّا من صدر بيته وعجزه شطرين
ثم يسجع كل شطر منهما لكنّه يأتي بالصدر مخالفا للعجز في التسجيع» .
التّشعيب :
الشّعب : الجمع
والتفريق والاصلاح والافساد ضد ، يقال : شعبه يشعبه فانشعب وشعبّه فتشعّب.
وشعب الرجل
أمره : إذا شتته وفرّقه. وشعّب الزرع وتشعّب : صار ذا شعب أي فرق ، وانشعب النهر
وتشعّب : تفرقت منه أنهار .
قال ابن منقذ :
«هو أن يكون في المصراع الثاني كلمة من المصراع الأول» . كقول أبي العلاء.
قد أورقت عمد
الخيام وأعشبت
|
|
شعب الرجال
ولون رأسي أغبر
|
ولقد سلوت عن
الشّباب كما سلا
|
|
غيري ولكن
للحبيب تذكّر
|
وقول كثيّر :
وما هجرتك
النفس يا عزّ إنّها
|
|
قلتك ولا أن
قلّ منك نصيبها
|
ولكنّهم يا
أحسن الناس أولعوا
|
|
بقول إذا ما
جئت : هذا حبيبها
|
وقول الشريف
الرضي :
ولقد مررت
على ديارهم
|
|
وطلولها بيد
البلى نهب
|
فوقفت حتى
عجّ من نصب
|
|
نضوي ولجّ
بعذلي الرّكب
|
وتلفّتت عيني
فمذ خفيت
|
|
عني الديار
تلفّت القلب
|
وقال ابن قيّم
الجوزيّة : «هو أن يكون في صدر الكلام كلمة من عجزه» كقوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها ، فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، كأبيات المعري وكثيّر عزّة.
وهذا قريب من
رد العجز على الصدر ومن أنواع التجنيس.
التّشكيك :
الشّكّ نقيض
اليقين ، يقال شككت في كذا وتشكّكت وشكّ في الأمر يشكّ شكا وشكّكه فيه غيره .
سمّاه ابن رشيق
«التشكك» وقال : «وهو من ملح
__________________
الشعر وطرف الكلام وله في النفس حلاوة وحسن موقع بخلاف ماللغلو والاغراق.
وفائدته الدلالة على قرب الشبهين حتى لا يفرق بينهما ولا يميز أحدهما من الآخر» . ومعظم الأمثلة التي ذكرها من تجاهل العارف كقول زهير :
وما أدري
وسوف إخال أدري
|
|
أقوم آل حصن
أم نساء؟
|
ولكنّ المصري
قال : «هو أن يأتي المتكلم في كلامه بلفظة تشكك المخاطب هل هي حشو أو أصلية لا غنى
الكلام عنها مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ). فان لفظة «بدين» تشكك السامع هل هي فضلة ، إذ لفظة (تَدايَنْتُمْ) تغني عنها ، والناظر في علم البيان يعلم أنّها أصلية
لأنّ لفظة الدين لها محامل وتقول : «داينت فلانا الموّدة يعني جازيته» ومنه «كما
تدين تدان». ومن ذلك قول رؤبة :
داينت أروى
والدّيون تقضى
|
|
فمطلت بعضا
وأدّت بعضا
|
وأمثال هذا.
وكل هذا هو الدّين المجازي الذي لا يكتب ولا يشهد عليه ، ولما كان المراد في الآية
الكريمة تبيين الدين المالي الذي يكتب ويشهد عليه وفيه ، وتبيين الأحكام المعلقة
به وما ينبغي أن يعمل فيه أوجبت البلاغة أن تقول : (بِدَيْنٍ) معناه يكتب ويشهد ليقول : (فَاكْتُبُوهُ) والله أعلم» . وذهب الى مثل ذلك الحلبي والنويري وابن الاثير الحلبي
والسبكي .
ومن التشكيك
ضرب آخر ، وهو أن يأتي المتكلم بجمل من المعاني في كلامه كل جملة معطوفة على
الأخرى بـ «أو» التي هي موضوعة للتشكيك لا التي للتخيير ، كقول البحتري :
كأنما تبسم
عن لؤلؤ
|
|
منضّد أو برد
أو أقاح
|
قال المصري : «ومن
التشكيك نوع التبس على بعض المؤلفين حتى أدخله في باب تجاهل العارف ، وهو أن يرى
المتكلم شيئا شبيها بشيء فيشكك نفسه فيه لقصد تقريب المشبه من المشبه به ثم يعود
عن المجاز الى الحقيقة فيزيل ذلك التشكيك فان لم يعد الى الحقيقة فهو تجاهل العارف
، وإن عاد فهو التشكيك المحض» ، كقول سلم :
تبدّت فقلت
الشمس عند طلوعها
|
|
بجلد غنيّ
اللون من أثر الورس
|
فلما كررت
الطّرف قلت لصاحبي
|
|
على مرية ما
ههنا مطلع الشمس
|
ثم قال : «فانظر
كيف رجع الى التحقيق بعد التشكيك ، وقد خفي هذا الفرق عن ابن رشيق وغيره حتى
أدخلوه في باب تجاهل العارف ، وهذا خلاف قول أبي تمام :
فو الله ما
أدري أأحلام نائم
|
|
ألمّت بنا أم
كان في الركب يوشع
|
فان سلما رجع
عن التشكيك وأبو تمام لو يرجع ، فكان بيت سلم من التشكيك المحض وبيت حبيب من تجاهل
العارف ، وقد ظهر الفرق بين البابين».
ولذلك عدّ
المصري مبتدعا لهذا الفن لأنّ ما ذكره ابن رشيق من باب تجاهل العارف.
التّشهير :
الشهرة وضوح
الأمر ، وقد شهره يشهره شهرا
__________________
وشهرة فاشتهر ، وشهّره تشهيرا فاشتهر .
والتشهير أن
يأتي الناثر في أثناء نثره ببيت لنفسه ، وقد أشار المصري الى هذا النوع عند كلامه
على الاستعانة .
التّصحيف :
التصحيف :
الخطأ في الصحيفة . والتصحيف هو «أن يقرأ الشيء بخلاف ما أراد كاتبه وعلى
غير ما اصطلح عليه في تسميته. وأما لفظ التصحيف فإنّ أصله فيما زعموا أنّ قوما
أخذوا العلم عن الصّحف من غير أن لقوا فيه العلماء فكان يقع فيما يروونه التغيير
فيقال عندها قد صحّفوا فيه ، أي رووه عن الصّحف ومصدره التصحيف ومفعوله مصحّف» .
وقد أشار
الجاحظ الى ما يقع في الكلام من التصحيف ، وقال القاضي الجرجاني : «ومن أصناف البديع التصحيف» كقول البحتري :
ولم يكن
المغتّرّ بالله إذ سرى
|
|
ليعجز
والمعتزّ بالله طالبه
|
ثم قال القاضي
: «وهذا يدخل في بعض الأقسام التي ذكرناها في التجنيس ولكن ما أمكن فيه التصحيف
فله باب على حياله وجانب يتميز به عن غيره».
وذكر التّبريزي
هذا النوع ولم يعرّفه واكتفى بأمثلة القاضي الجرجاني ونقل عنه ذلك البغدادي .
وقد قال المصري
عن التّبريزي : «ولم يذكره التّبريزي في أقسام التجنيس وجعل التصحيف بابا مفردا» .
وعقد الحموي
بابا سماه «المصحّف والمحرّف» ويريد به جناس التصحيف ، قال : «ومنهم من يسمّيه
جناس الخطّ وهو ما تماثل ركناه خطا واختلفا لفظا» .
وقال السّيوطي
: «هذا نوع رابع اخترعته ، وهو أن يأتي في المقصود بكلام لتصحيفه معنى معتبر فيقصد
الى ذلك لتذهب نفس السامع الى كل من معنييه كما حكي عن بعض الأذكياء أنّه كتب الى
بعض أصحابه أن يشتري له من البضائع الرائجة ، وأمر أن لا ينقط ليصلح للرائجة
والرابحة» .
التّصدير :
التّصدّر : نصب
الصدر في الجلوس ، وصدر كتابه : جعل له صدرا ، وصدّره في المجلس فتصدّر.
والتصدير :
حزام الرحل والهودج .
والتصدير هو
ردّ العجز على الصدر أو ردّ الأعجاز على الصدور ، وسمّاه التبريزي والبغدادي «ردّ
الكلام على صدره» ، وذكر الجاحظ أنّه جاء في الصحيفة الهندية : «ويكون مع
ذلك ذاكرا لما عقد عليه أول كلامه» ونقل قول ابن المقفع : «حتى يكون لكل فن من ذلك صدر
يدلّ على عجزه» وقال في رسالة القيان : «إنّ الفروع لا محالة راجعة الى
اصولها ، والأعجاز لاحقة بصدورها» . ولكن الجاحظ لم يعقد له بابا أو يمثّل له ، وكان ابن
المعتز قد عدّه من فنون البديع الخمسة ، وهو الباب
__________________
الرابع ، وقسّمه الى ثلاثة أقسام :
الأول : ما
يوافق آخر كلمة فيه آخر كلمة في نصفه الأول ، كقول الشاعر :
تلقى إذا ما
الأمر كان عرمرما
|
|
في جيش رأي
لا يفلّ عرمرم
|
الثاني : ما
يوافق آخر كلمة منه أول كلمة في نصفه الأول كقول الشاعر :
سريع الى ابن
العمّ يلطم خدّه
|
|
وليس الى
داعي النّدى بسريع
|
الثالث : ما
يوافق آخر كلمة فيه بعض ما فيه كقول الشاعر :
عميد بني
سليم أقصدته
|
|
سهام الموت
وهي له سهام
|
ولم يسمّ ابن
المعتز هذه الأقسام ولكنّ المصري قال : «والذي يحسن أن نسمي القسم الأول تصدير
التقفية ، والثاني تصدير الطرفين ، والثالث تصدير الحشو» .
وسمّاه الأصمعي
التصدير فقال : «من حسن التصدير قول عامر بن الطفيل :
فكنت سناما
في فزارة تامكا
|
|
وفي كلّ حي
ذروة وسنام
|
وسمّاه الحاتمي
التصدير أيضا وقال : «هو أن يبدأ الشاعر بكلمة في البيت في أوله أو في عجزه أو في
النصف منه ثم يرددها في النصف الأخير فاذا نظم الشعر على هذه الصنعة تهيأ استخراج
قوافيه وقبل أن يطرق أسماع مستمعيه ، وهو الشعر الجيد . وتبعه في التسمية ابن رشيق الذي ذكر أقسام ابن المعتز
وقال إنّه : «قريب من الترديد ، والفرق بينهما أنّ التصدير مخصوص بالقوافي تردّ
على الصدور فلا تجد تصديرا إلا كذلك حيث وقع من كتب المؤلفين وإن لم يذكروا فيه
فرقا والترديد يقع في أضعاف البيت إلا ما ناسب قول ابن العميد المقدم» ، وهو :
فإن كان
مسخوطا فقل شعر كاتب
|
|
وإن كان
مرضيّا فقل شعر كاتب
|
وقال : «وهو
داخل ـ عندي ـ في باب الترديد إذ كان قوله عند السّخط «شعر كاتب» إنما معناه
التقصير به وبسط العذر له إذ ليس الشعر من صناعته كما حكى ابن النحاس أنّهم يقولون
«نحو كتابي» إذا لم يكن مجودا ، وقوله عند الرضى «شعر كاتب» إنما معناه التعظيم له
وبلوغ النهاية في الظرف والملاحة لمعرفة الكتاب باختيار الالفاظ وطرق البلاغات فقد
ضادّ وطابق في المعنى وإن كان اللفظ تجنيسا مرددا» .
وسمّاه ابن
منقذ «ترديدا» و «تصديرا» قال : «باب الترديد ويسمّى التصدير ، اعلم أنّ الترديد
هو ردّ أعجاز البيوت على صدورها أو ترد كلمة من النصف الأول في النصف الثاني» .
ومن التصدير
نوع سماه عبد الكريم النهشلي المضادة كقول الفرزدق :
أصدر همومك
لا يغلبك واردها
|
|
فكلّ واردة
يوما لها صدر
|
وقال المصري عن
ردّ الأعجاز على الصدور : «وهو الذي سمّاه المتأخرون التصدير» ، وذكر أقسام ابن المعتز ووضع لها أسماء ثم ذكر قسما
رابعا ذهب عنه ابن المعتز وهو يأتي فيما الكلام فيه منفي ، واعتراض فيه إضراب عن
أوله كقول أبي العطاء السّندي :
__________________
فإنّك لم
تبعد على متعهّد
|
|
بلى كلّ من
تحت التراب بعيد
|
وقال إنّ قدامة
جاء من التصدير بنوع آخره وسماه التبديل وهو «أن يصير المتكلم الآخر من كلامه أولا
وبالعكس كقولهم : «اشكر لمن أنعم عليك وانعم على شكرك» ، ونظم له شاهدا شعريا ، قال : «ولم أقف لهذا القسم على
شاهد شعري فقلت :
اصبر على خلق
من تعاشره
|
|
واصحب صبورا
على أذى خلقك
|
ثم قال : «ولم
يفرد له قدامة بابا فأذكره في أبوابه».
وليس في نقد
الشعر المطبوع هذا النوع ، ولعل البغدادي نقله من كتاب آخر كما نقله المصري.
وفرّق المصري
بين التصدير والتوشيح فقال : «وربما اختلط التوشيح بالتصدير لكون كل منهما يدلّ
صدره على عجزه ، والفرق بينهما أنّ دلالة التصدير لفظية ودلالة التوشيح معنوية» .
وقال المظفر
العلوي : ويلقبه قوم ردّ أعجاز الكلام على صدوره وهو أن يبتدئ الشاعر بكلمة في
البيت ثم يعيدها في عجزه أو نصفه ثم يردها في النصف الأخير ، واذا نظم الشعر على
هذه الصنعة تيّسر استخراج قوافيه قبل أن تطرق اسماع مستمعيه» . وقال ابن قيم الجوزية : «ردّ العجز على الصدر ويسمّى
التصدير من ضروب البيان وفنون التلعب باللسان» . وقال الحموي : «هذا النوع الذي هو ردّ الأعجاز على
الصدور سمّاه المتأخرون التصدير ، والتصدير هو أخف على المستمع وأليق بالمقام» ، ولكنّ المدني قال : «ردّ العجز على الصدر هذا النوع
سمّاه بعضهم بالتصدير ، والاول أولى لأنّه مطابق لمسماه ، وخير الاسماء ما طابق
المسمّى» . وفرّق بين مفهومه في النثر وفي الشعر ، فقال : «وهو في
النثر : أن يجعل أحد اللفظين المكررين أعني المتفقين في اللفظ والمعنى أو المتجانسين
وهما المتشابهان في اللفظ دون المعنى أو الملحقين بالمتجانسين وهما اللفظان اللذان
يجمعهما الاشتقاق أو شبهه في أو الفقرة واللفظ الآخر في آخرها ، فيكون اربعة أقسام
:
الأول : أن
يكونا مكررين كقوله تعالى : (وَتَخْشَى النَّاسَ
وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ).
والثاني : أن
يكونا متجانسين نحو قولهم : «سائل اللئيم يرجع ودمعه سائل».
والثالث : أن
يجمع اللفظين الاشتقاق نحو قوله تعالى : (اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً).
والرابع : أن
يجمعهما شبه الاشتقاق نحو قوله تعالى : (قالَ : إِنِّي لِعَمَلِكُمْ
مِنَ الْقالِينَ).
وفي النظم :
على أربعة أقسام وهو : أن يقع أحد اللفظين في آخر البيت والآخر في صدر المصراع
الأول أو حشوه أو عجزه أو صدر المصراع الثاني فهذه اربعة أقسام. وعلى كل تقدير
فاللفظان إمّا مكرران ، أو متجانسان ، أو ملحقان بهما ، فتصير الأقسام اثني عشر
حاصلة من ضرب أربعة في ثلاثة ، وباعتبار أنّ الملحقين قسمان لأنّه إمّا أن يجمعهما
الاشتقاق أو شبه الاشتقاق تصير الأقسام ستة عشر ، حاصلة من ضرب أربعة في أربعة».
والاقسام التي ذكرها هي :
الأول : وقوع
أحد اللفظين في آخر البيت والآخر في صدر المصراع الأول واللفظان مكرران كقول
الشاعر :
__________________
سريع الى ابن
العمّ يلطم وجهه
|
|
وليس الى
داعي النّدى بسريع
|
وقول ابن جابر
الاندلسي :
جمال هذا
الغزال سحر
|
|
يا حبّذا ذلك
الجمال
|
الثاني : وقوع
أحد اللفظين المكررين في آخر البيت والثاني في حشو المصراع الأول كقول الشاعر :
تمتّع من
شميم عرار نجد
|
|
فما بعد
العشيّة من عرار
|
وقول أبي تمام
:
ولم يحفظ
مضاع المجد شيء
|
|
من الأشياء
كالمال المضاع
|
الثالث : وقوع
أحد اللفظين المكررين في آخر البيت والآخر في المصراع الأول ، كقول أبي تمام :
ومن كان
بالبيض الكواعب مغرما
|
|
فمازلت
بالبيض القواضب مغرما
|
وقول البحتري :
لقد غادرت في
جسمي سقاما
|
|
بما في
مقلتيك من السّقام
|
الرابع : وقوع
أحد اللفظين المكررين في آخر البيت ، والآخر في أول المصراع الآخر كقول ذي الرّمّة
:
وإن لم يكن
إلا معرّج ساعة
|
|
قليلا فاني
نافع لي قليلها
|
وقول كثيّر
عزّة :
أصاب الردى
من كان يبغي لها الردى
|
|
وجنّ اللواتي
قلن عزّة جنّت
|
الخامس : هو
وقوع أحد اللفظين في آخر البيت والآخر في صدر المصراع الأول واللفظان متجانسان
كقول القاضي الجرجاني :
دعاني من
ملامكما سفاها
|
|
فداعي الشوق
قبلكما دعاني
|
وقول الآخر :
ذوائب سود
كالعناقيد أرسلت
|
|
فمن أجلها
منّا النفوس ذوائب
|
السادس : وقوع
أحد اللفظين المتجانسين في آخر البيت ، والآخر في حشو المصراع الأول كقول الثعالبي
:
واذا البلابل
أفصحت بلغاتها
|
|
فانف البلابل
باحتساء بلابل
|
وقول الآخر :
لا كان انسان
تيمّم قاصدا
|
|
صيد المها
فاصطاده إنسانها
|
السابع : وقوع
أحد اللفظين المتجانسين في آخر البيت والآخر في آخر المصراع الاول كقول البحتري :
العيش في ظلّ
داريّا إذا بردا
|
|
والراح
تمزجها بالماء من بردى
|
وقول ابن جابر
الاندلسي :
زرت الديار
عن الأحبة سائلا
|
|
ورجعت ذا أسف
ودمع سائل
|
ونزلت في ظلّ
الأراكة قائلا
|
|
والربع أخرس
عن جواب القائل
|
الثامن : وقوع
أحد اللفظين المتجانسين في آخر البيت والآخر في صدر المصراع كقول الأرجاني :
أمّلتهم ثمّ
تأملتهم
|
|
فلاح لي أن
ليس فيهم فلاح
|
وقول الميكالي
:
إنّ لي في
الهوى لسانا كتوما
|
|
وفؤادا يخفي
حريق جواه
|
غير أنّي
أخاف دمعي عليه
|
|
ستراه يبدي
الذي ستراه
|
التاسع : وقوع
أحد اللفظين في آخر البيت ، والآخر في صدر المصراع الأول واللفظان ملحقان
بالمتجانسين جمعهما الاشتقاق كقول السريّ الرفّاء وقيل للبحتري :
ضرائب
أبدعتها في السما
|
|
ح فلسنا نرى
لك فيها ضريبا
|
وقول البحتري :
ضرب الجبال
بمثلها من عزمه
|
|
غضبان يطعن
بالحمام ويضرب
|
العاشر : وقوع
أحد اللفظين الملحقين بالمتجانسين في آخر البيت والآخر في حشو المصراع الأول كقول
امرئ القيس :
إذا المرء لم
يخزن عليه لسانه
|
|
فليس على شيء
سواه بخزّان
|
وقول أبي فراس
:
يقول لي
انتظر زمنا ومن لي
|
|
بأنّ الموت
ينتظر انتظاري
|
الحادي عشر :
وقوع أحد اللفظين الملحقين بالمتجانسين في آخر البيت والآخر في آخر المصراع الاول
كقول الشاعر :
فدع الوعيد
فما وعيدك ضائري
|
|
أطنين أجنحة
الذباب يضير
|
وقول أبي تمام
:
أعاذلتا ما
أخشن الليل مركبا
|
|
وأخشن منه
الملمات راكبه
|
الثاني عشر :
وقوع أحد اللفظين الملحقين بالمتجانسين في آخر البيت والآخر في أول المصراع الثاني
كقول أبي تمام :
ثوى في الثرى
من كان يحيا به الورى
|
|
ويغمر صرف
الدهر نائله الغمر
|
وقد كانت
البيض القواضب في الوغى
|
|
بواتر فهي
الآن من بعده بتر
|
وقول أبي فراس
:
ولكنّني في
ذا الزمان وأهله
|
|
غريب وأفعالي
لديه غرائب
|
الثالث عشر :
وقوع أحد اللفظين الملحقين اللذين يجمعهما شبه الاشتقاق في آخر البيت والآخر في
صدر المصراع الأول كقول الحريري :
ولاح يلحى
على جري العنان الى
|
|
ملهى فسحقا
له من لائح لاح
|
وقول الكافي
العماني :
ثنينا السوء
عن ذاك التثني
|
|
وأثنيناه عن
تلك الثنايا
|
الرابع عشر :
وقوع أحد اللفظين المذكورين في آخر البيت والآخر في حشو المصراع الأول كقول الشاعر
:
لعمري لقد
كان الثّريا مكانه
|
|
تراه فأضحى
الآن مثواه في الثرى
|
وقول أبي
العلاء :
لو اختصرتم
من الإحسان زرتكم
|
|
والعذب يهجر
للإفراط في الخصر
|
الخامس عشر :
وقوع أحد اللفظين المذكورين في آخر البيت والآخر في آخر المصراع الأول كقول الحريري
:
ومضطلع
بتلخيص المعاني
|
|
ومطّلع الى
تلخيص عان
|
وقول البحتري :
صفا مثلما
تصفو المدام خلاله
|
|
ورقّت كما
رقّ النسيم شمائله
|
السادس عشر :
وقوع أحد اللفظين المذكورين في آخر البيت والآخر في صدر المصراع الثاني كقول
__________________
التهامي :
طيف ألمّ
فزاد في آلامي
|
|
ألما ولم
أعهده ذا إلمام
|
وقوله :
تخمد الحرب
حين تغمد بأسا
|
|
وتسيل الدماء
حين تسلّ
|
وردّ الأعجاز
على الصدور أو التصدير عند ابن الاثير من باب التجنيس ، قال : «ورأيت الغانمي قد
ذكر في كتابه بابا وسمّاه «ردّ الأعجاز على الصدور» خارجا عن باب التجنيس وهو ضرب
منه وقسم من جملة أقسامه» . والى ذلك ذهب الخطيبي ، وقد قال السبكي إنّه «من أنواع
التحسين اللفظية لا من الجناس كما توهمه الخطيبي» .
وهذا الفن عند
السكاكي والقزويني وشراح التلخيص ومن تبعهم من المحسنات اللفظية ، وقد أفردوه عن
التجنيس .
التّصرّف :
صرّف الشيء :
أعمله في وجه كأنّه يصرفه عن وجه الى وجه ، وتصرف هو ، وتصاريف الأمور :
تخاليفها ،
ومنه تصاريف الرياح والسحاب .
والتصرّف من
مبتدعات المصري ، قال : «هو أن يأتي الشاعر الى معنى فيبرزه في عدة صور تارة بلفظ
الاستعارة وطورا بلفظ الإيجاز وآونة بلفظ الإرداف وحينا بلفظ الحقيقة» . كقول امرئ القيس :
وليل كموج
البحر أرخى سدوله
|
|
عليّ بأنواع
الهموم ليبتلي
|
فقلت له لمّا
تمطّى بصلبه
|
|
وأردف أعجازا
وناء بكلكل
|
فإنّه أبرز هذا
المعنى في لفظ الاستعارة ثم تصرّف فيه فأتى به بلفظ الايجاز فقال :
فيا لك من
ليل طويل كأنّه
|
|
بكلّ مغار
الفتل شدّت بيذبل
|
فان التقدير :
فيا لك من ليل طويل ، فحذف الصفة لدلالة التشبيه عليها. ثم تصرّف فيه فأخرجه بلفظ
الإرداف فقال :
كأنّ الثريا
علّقت في مصامها
|
|
بأمراس كتّان
الى صمّ جندل
|
ثم تصرف فيه
فعبر عنه بلفظ الحقيقة فقال :
ألا أيّها
الليل الطويل ألا انجلي
|
|
بصبح وما
الإصباح منك بأمثل
|
وهذا يدلّ على
قوة الشاعر وقدرته ، ولذلك أتت قصص القرآن الكريم في صور شتى من البلاغة وما بين
الايجاز والاطناب واختلاف معاني الألفاظ.
وسمّى المصري
هذا الفن «الاقتدار» أيضا وقال : «هو أن يبرز المتكلم المعنى الواحد في عدة صور
اقتدارا منه على نظم الكلام وتركيبه وعلى صياغة قوالب المعاني والأغراض ، فتارة
يأتي به لفظ الاستعارة وطورا يبرزه في صورة الإرداف وآونة يخرجه مخرج الايجاز ،
وحينا يأتي به في ألفاظ الحقيقة» .
ونقل الحلبي
والنّويري هذا الفن وأمثلته منه وسمياه
__________________
التصرف . كما سماه المصري في «تحرير التحبير».
التّصريح بعد
الإبهام :
صرّحت الخمر
تصريحا انجلى زبدها فخلصت ، وصرّح فلان بما في نفسه وصارح : أبداه وأظهره ،
والتصريح خلاف التعريض .
والتصريح بعد
الإبهام هو التفسير وقد سمّاه كذلك ابن قيم الجوزية فقال : «التصريح» بعد الابهام
ويسمى التفسير» . والتفسير «في اللغة تفعيل من الفسر ، وهو البيان
والكشف ، وقيل : هو مقلوب السفر ، يقال : أسفر الصباح : إذا أضاء» . وسمّاه بعضهم «التبيين» ، وعدّه قدامة من أنواع المعاني وسمّاه «صحة التفسير»
وقال : هي «أن يضع الشاعر معاني يريد أن يذكر أحوالها في شعره الذي يصنعه فاذا
ذكرها أتى بها من غير أن يخالف معنى ما أتى به منه ولا يزيد أو ينقص» كقول الفرزدق :
لقد جئت قوما
لو لجأت اليهم
|
|
طريد دم أو
حاملا ثقل مغرم
|
فلما كان هذا
البيت محتاجا الى التفسير قال :
لألفيت منهم
معطيا ومطاعنا
|
|
وراءك شزرا
بالوشيج المقوّم
|
وقال العسكري :
«هو أن يورد معاني فيحتاج الى شرح أحوالها فاذا شرحت تأتي في الشرح بتلك المعاني
من غير عدول عنها أو زيادة تزاد فيها» ، كقوله تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ
جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ
فَضْلِهِ). فجعل السكون لليل وابتغاء الفضل للنهار ، فهو في غاية
الحسن ونهاية التمام.
وقال
الباقلّاني : هو أن توضع معان تحتاج الى شرح أحوالها فاذا شرحت أثبتت تلك المعاني
من غير عدول عنها ولا زيادة ولا نقصان» .
وقال ابن رشيق
: «هو أن يستوفي الشاعر شرح ما ابتدأ به مجملا وقلما يجيء هذا إلا في أكثر من بيت
واحد» .
وقال ابن سنان
: «هو أن يذكر مؤلف الكلام معنى يحتاج الى تفسيره فيأتي به على الصحة من غير زيادة
ولا نقص» .
وقال البغدادي
: «هي أن توضع معان تحتاج الى شرح أحوالها فاذا شرحت أتي بتلك المعاني من غير عدول
عنها ولا زيادة عليها ولا نقصان منها» .
وقال ابن منقذ
: «إنّ التفسير هو أن تذكر جملة فلا تزيد فيها ولا تنقص منها ولا تخالف بينها» .
وقال الصنعاني
: «ومن أنواع الفصاحة ما يسمونه التفسير ، والتفسير شرح ما يبتدىء به القائل مجملا»
.
وقال ابن شيث
القرشي : «هو أن يكون في صدر الكلام جملة يفسرها ما بعدها» . وقال ابن الاثير : «إنّ صحة الترتيب في ذلك أن يذكر في
الكلام معان مختلفة فاذا أعيد اليها بالذكر لتفسر قدّم المقدّم وأخّر
__________________
المؤخر وهو الأحسن» .
وقال ابن
الزّملكاني : «هو أن تذكر شيئا ثم تقصد تخصيصه فتعيده مع ذلك المخصص» .
وقال المصري : «هو
أن يأتي المتكلّم في أول الكلام ، أو الشاعر في بيت من الشعر بمعنى لا يستقل الفهم
بمعرفة فحواه دون أن يفسر أما في البيت الآخر أو في بقية البيت إن كان الكلام الذي
يحتاج الى التفسير في أوله» .
وقال التنوخي :
«هو أن يذكر المؤلف ناظما كان أو ناثرا أشياء مرتبة ثم يفسرها ، فالمحمود منه أن
يكون التفسير مرتبا ترتيب المفسر ، فان خالف بين التفسير والمفسر في الترتيب أخذ
عليه ما لم يكن ذلك لمعنى.
ومما يخالف فيه
الترتيب النظم لضرورة الوزن والقافية فيعذر فاعله ، وقد يخالف الترتيب لمعنى غير
النظم فتكون المخالفة أولى من الترتيب» . ولا يخرج معنى التفسير عن ذلك عند الآخرين . ويلاحظ أنّ هذه التعريفات تقرّب هذا الفن من اللف
والنشر وقد أشار بعضهم كالحلبي والنويري الى ذلك فقالا : «وهو قريب منه ـ أي من
اللف والنشر ـ وهو أن يذكر لفظا ويتوهم أنّه يحتاج الى بيانه فيعيده مع التفسير» .
والتفسير على
أقسام : فمنه ما هو ضروري ، ومنه ما هو غير ضروري فالضروري ما لا يتمّ الكلام إلا
به ، وغير الضروري ويسمى «تبرعا» وهو نوعان : نوع يتم الكلام دونه ولكن لا يكمل
معناه إلا بالتفسير ، ونوع يتم الكلام ويكمل تقسيمه ولكن يحتاج في معناه الى زيادة
تكميل وتوكيد .
ومثال الضروري
قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ
دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ
يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) ، فاستغرق بذلك أقسام أجناس كل ما دبّ ودرج مع حسن
الترتيب. وهذا تفسير ضروري فانه لو اقتصر على قوله : (خَلَقَ كُلَّ
دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) ولم يفسر هذا التفسير لكان الكلام غير تام ، ولمّا فسره
بهذه الاقسام الثلاثة كمل به المعنى ولم يبق فيه قسم رابع.
ومثال تفسير
التبرع قول الشاعر :
لئن كنت
محتاجا الى الحلم إنّني
|
|
الى الجهل في
بعض الأحايين أحوج
|
ثم فسرّه بقوله
:
ولي فرس
بالحلم للحلم ملجم
|
|
ولي فرس
بالجهل للجهل مسرج
|
ثم فسره بقوله
:
فمن رام
تقويمي فإنّي مقوّم
|
|
ومن رام
تعويجي فاني معوّج
|
فالثاني تفسير
الأول والثالث تفسير الثاني وكلا التفسيرين من باب التبرع لأن البيت الأول تمّ به
الكلام واستوفى المعنى ، فهذا هو تفسير التبرع.
وليس كل كلام
يفتقر الى تفسير بل ما كان منه مجملا ومبهما فيجب تفسيره وتبيانه. وأفصح ما كانت
الكلمة وتفسيرها في بيت واحد كقول الشاعر :
ثلاثة تشرق
الدنيا ببهجتهم
|
|
شمس الضّحى
وأبو إسحاق والقمر
|
وقول الآخر :
__________________
صالوا وجادوا
وضاءوا واحتبوا فهم
|
|
أسد ومزن
وأقمار وأجبال
|
وفي بيتين كقول
الشاعر :
ولمّا أبى
الواشون إلا فراقنا
|
|
وما لهم عندي
وعندك من ثار
|
غزوتهم من
مقلتيك وأدمعي
|
|
ومن نفسي
بالسّيف والماء والنار
|
وعدّ قدامة
فساد التفسير من عيوب المعاني وهو ما كان على نقيض صحة التفسير ، ولم يجد له مثالا
إلا بيتين جاءه بهما أحد شعراء زمانه وهو يطلب أمثلة لهذا الباب وهما :
فيا أيّها
الحيران في ظلم الدّجى
|
|
ومن خاف أن
يلقاه بغي من العدى
|
تعال اليه
تلق من نور وجهه
|
|
ضياء ومن
كفّيه بحرا من الندى
|
قال قدامة : «ووجه
العيب فيهما أنّ هذا الشاعر لما قدّم في البيت الأول الظلم وبغي العدى كان الجيد
أن يفسر هذين المعنيين في البيت الثاني بما يليق بهما فأتى بازاء الاظلام بالضياء
وذلك صواب ، وكان الواجب أن يأتي بازاء بغي العدى بالنصرة أو العصمة أو بالوزر أو
بما جانس ذلك مما يحتمي به الانسان من أعدائه فلم يأت بذلك وجعل مكانه ذكر الندى ،
ولو كان ذكر الفقر أو العدم لكان ما أتى به صوابا» .
التّصريع :
صرع الباب :
جعل له مصراعين. قال أبو اسحاق :
المصراعان بابا
القصيدة بمنزلة المصراعين اللذين هما بابا البيت ، قال واشتقاقهما من الصرعين وهما
نصفا النهار. قال : فمن غدوة الى انتصاف النهار صرع ومن انتصاف النهار الى سقوط
القرص صرع. قال الازهري : والمصراعان من الشعر ما كان فيه قافيتان في بيت واحد ،
ومن الأبواب ما له بابان منصوبان ينضمان جميعا مدخلهما بينهما في وسط المصراعين ،
وبيت من الشعر مصرّع له مصراعان ، وكذلك باب مصرّع. والتصريع في الشعر : تقفية
المصراع الأول ، مأخوذ من مصراع الباب ، وهما مصرّعان ، وانما وقع التصريع في
الشعر ليدل على أن صاحبه مبتدىء إما قصة وأما قصيدة .
وقد سبق الى
معرفة التصريع علماء العروض كالخليل ، وقد كانوا يعدونه من محاسن الكلام ، قال أبو
تمام يمتدحه :
وتقفو لي
الجدوى بجدوى وإنّما
|
|
يروقك بيت
الشعر حين يصرّع
|
قال قدامة في
نعت القوافي : «أن تكون عذبة الحرف سلسة المخرج ، وأن يقصد لتصيير مقطع المصراع
الأول في البيت الاول من القصيدة مثل قافيتها فان الفحول المجيدين من الشعراء
القدماء والمحدثين يتوخون ذلك ولا يكادون يعدلون عنه ، وربما صرّعوا أبياتا أخر من
القصيدة بعد البيت الأول وذلك يكون من اقتدار الشاعر وسعة بحره ، وأكثر من كان
يستعمل ذلك امرؤ القيس لمحله من الشعر» . فمنه قوله :
قفا نبك من
ذكرى حبيب ومنزل
|
|
بسقط اللوى
بين الدّخول فحومل
|
ثم أتى بعد هذا
البيت بأبيات فقال :
أفاطم مهلا
بعض هذا التدلل
|
|
وإن كنت قد
أزمعت صرمي فأجملي
|
ثم أتى بأبيات
بعد هذا البيت فقال :
ألا أيّها
الليل الطويل ألا انجلي
|
|
بصبح وما
الإصباح منك بأمثل
|
وذكر أنّ كثيرا
من الشعراء سلك مسلك امرىء
__________________
القيس ومنهم أوس بن حجر والمرقش وحسان والشماخ وعبيد بن الابرص والراعي
وابن أحمر الباهلي وأمية بن حرثان. ثم قال : «وإنّما يذهب الشعراء المطبوعون
المجيدون الى ذلك لأنّ بنية الشعر إنّما هو التسجيع والتقفية فكلما كان الشعر أكثر
اشتمالا عليه كان أدخل له في باب الشعر وأخرج له عن مذهب النثر» .
فالتصريع في
الشعر بمنزلة السجع في الفصلين من الكلام المنثور وفائدته أنّه قبل كمال البيت
الأول من القصيدة تعلم قافيتها ، وهو أدخل في باب السجع. وقد قال ابن رشيق : «فأما
التصريع فهو ما كانت عروض البيت فيه تابعة لضربه تنقص بنقصه وتزيد بزيادته» . وقال : «وسبب التصريع مبادرة الشاعر القافية ليعلم في
أول وهلة أنّه أخذ في كلام موزون غير منثور ، ولذلك وقع في أول الشعر ، وربما صرّع
الشاعر في غير الابتداء ، وذلك اذا خرج من قصة الى قصة أو من وصف شيء الى وصف شيء
آخر فيأتي حينئذ بالتصريع إخبارا بذلك وتنبيها عليه.
وقد كثر
استعمالهم هذا حتى صرّعوا في غير موضع تصريع ، وهو دليل على قوة الطبع وكثرة
المادة إلا أنّه إذا كثر في القصيدة دلّ على التكف إلا من المتقدمين» .
وقال ابن سنان
: «وأمّا التصريع فيجري مجرى القافية ، وليس الفرق بينهما إلا أنّه في آخر النصف
الأول من البيت والقافية في آخر النصف الثاني منه.
وإنّما شبه مع
القافية بمصراعي الباب» .
وقال البغدادي
: «هو أن يقصد الشاعر لتصيير مقطع المصراع الأول في البيت الأول من القصيدة كمقطع
المصراع الثاني» .
وقال ابن
الأثير : «إنّ التصريع في الشعر بمنزلة السجع في الفصلين من الكلام المنثور» .
وفرّق المصري
بين العروضي والبديعي فقال : «التصريع على ضربين : عروضي وبديعي. فالعروضي عبارة
عن استواء عروض البيت وضربه في الوزن والاعراب والتقفية بشرط أن تكون العروض قد
غيّرت عن أصلها لتلحق الضرب في زنته. والبديعي استواء آخر جزء في الصدر وآخر جزء
في العجز في الوزن والاعراب والتقفية ، ولا يعتبر بعد ذلك أمر آخر» .
ومثال التصريع
العروضي قول امرىء القيس :
ألا عم صباحا
أيّها الطّلل البالي
|
|
وهل يعمن من
كان في العصر الخالي
|
ومثال التصريع
البديعي قوله في أثناء هذه القصيدة :
ألا إنني بال
على جمل بال
|
|
يقود بنا بال
ويتبعنا بال
|
ولا يخرج
الآخرون عن هذا المعنى للتصريع . وقد قسمّه ابن الأثير الى سبعة أقسام أو سبع مراتب
وتابعه العلوي في ذلك ، وهذه المراتب هي :
الأولى : وهي
أعلى التصريع درجة ، أن يكون كل مصراع من البيت مستقلا بنفسه في فهم معناه غير
محتاج الى صاحبه الذي يليه ، ويسمى «التصريع الكامل» كقول المتنبي :
__________________
إذا كان مدح
فالنسيب المقدّم
|
|
أكلّ فصيح
قال شعرا متيّم
|
الثانية : أن
يكون المصراع الأول مستقلا بنفسه غير محتاج الى الذي يليه فاذا جاء الذي يليه كان
مرتبطا به كقول امرىء القيس :
قفا نبك من
ذكرى حبيب ومنزل
|
|
بسقط اللوى
بين الدّخول فحومل
|
فالمصراع الأول
غير محتاج الى الثاني في فهم معناه لكن لما جاء الثاني صار مرتبطا به. ومنه قول
أبي تمام :
ألم يأن أن
تروى الظماء الحوائم
|
|
وأن ينظم
الشّمل المبدّد ناظم
|
وقول المتنبي :
الرأي قبل
شجاعة الشّجعان
|
|
هي أوّل وهي
المحلّ الثاني
|
الثالثة : أن
يكون الشاعر مخيرا في وضع كل مصراع موضع صاحبه ويسمى التصريع «الموجّه» كقول بعضهم
:
من شروط
الصّبوح في المهرجان
|
|
خفّة الشرب
مع خلوّ المكان
|
فإنّ هذا البيت
يجعل مصراعه الأول ثانيا ومصراعه الثاني أولا.
الرابعة : أن
يكون المصراع الأول غير مستقل بنفسه ولا يفهم معناه إلا بالثاني ويسمى التصريع «الناقص»
وليس بمرضي ولا حسن ، كقول المتنبي :
مغاني الشعب
طيبا في المغاني
|
|
بمنزلة
الربيع من الزّمان
|
فانّ المصراع
الأول لا يستقل بنفسه في فهم معناه دون أن يذكر المصراع الثاني.
الخامسة : أن
يكون التصريع في البيت بلفظة واحدة وسطا وقافية ويسمى التصريع «المكرر» وهو قسمان
:
أحدهما : أقرب
حالا من الآخر ويكون بلفظة حقيقية لا مجاز فيها كقول عبيد بن الأبرص :
فكلّ ذي غيبة
يؤوب
|
|
وغائب الموت
لا يؤوب
|
وثانيهما : أن
يكون التصريع بلفظة مجازية يختلف المعنى فيها ، كقول أبي تمام :
فتى كان شربا
للعغاة ومرتعا
|
|
فأصبح
للهنديّة البيض مرتعا
|
السادسة : أن
يذكر المصراع الأول ويكون معلقا على صفة يأتي ذكرها في أول المصراع الثاني ويسمى
التصريع «المعلق» كقول امرىء القيس :
ألا أيّها
الليل الطويل ألا انجلي
|
|
بصبح وما
الإصباح منك بأمثل
|
فانّ المصراع
الأول معلق على قوله «بصبح» وهذا معيب جدا ، وعليه ورد قول المتنبي :
قد علّم
البين منا البين أجفانا
|
|
تدمى وألّف
في ذا القلب أحزانا
|
فان المصراع
الأول معلق على قوله : «تدمى».
السابعة : أن
يكون التصريع في البيت مخالفا لقافيته ويسمى التصريع «المشطور» وهو أنزل درجات
التصريع وأقبحها ، ومن ذلك قول أبي نواس :
أقلني قد
ندمت على الذّنوب
|
|
وبالاقرار
عدت عن الجحود
|
فصرّع بحرف
الباء في وسط البيت ثم قفّاه بحرف الدال ، وهذا لا يكاد يستعمل إلا قليلا. قال ابن
الاثير عن هذه المراتب السبع : «وذلك شيء لم يذكره على هذا الوجه أحد قبلي» . وأدخل القزويني التصريع في السجع ، وقال : «ومنه ما
يسمى التصريع وهو جعل العروض مقفاة تقفية الضرب» . وسمّاه السّيوطي
__________________
«المصرّع» وأدخله في السجع أيضا ، وقال : «المصرّع وهو من زيادتي ، وذكره
في الإيضاح ، وهو توافق آخر المصراع الأوّل وعجز المصراع الثاني في الوزن والرّويّ
والإعراب وأليق ما يكون في مطالع القصائد» ، ونقل عن صاحب «التبيان» أنّه ثمانية أقسام ، وهي
المراتب السبع التي ذكرها ابن الاثير غير أنّه عدّ المرتبة الخامسة نوعين ، وأقسام
صاحب التبيان هي :
الأول : الكامل
، وهو المرتبة الأولى.
الثاني : المستقل
، وهو المرتبة الثانية.
الثالث : غير
المستقلّ ، وهو المرتبة الرابعة أي الناقص.
الرابع :
المعلّق ، وهو المرتبة السادسة.
الخامس : أن
يكون لكل منهما في التقديم معنى ، وهو المرتبة الثالثة أي الموجّه.
السادس : أن
يكون لفظ العجز حقيقة ، وهو النوع الأول من المرتبة الخامسة أي المكرّر.
السابع : أن
يكون مجازا ، وهو النوع الثاني من المرتبة الخامسة أي المكرّر.
الثامن : أن
يتخالف لفظ العجزين وهو المرتبة السابعة أي المشطور.
التّصريع
الكامل :
هو المرتبة
الأولى من التصريع وقد تقدم.
التّصريع
المستقلّ :
هو المرتبة
الثانية من التصريع وقد تقدم.
التّصريع
المشطور :
هو المرتبة
السابعة من التصريع وقد تقدم.
التّصريع
المعلّق :
هو المرتبة
السادسة من التصريع وقد تقدم.
التّصريع
المكرّر :
هو المرتبة
الخامسة من التصريع وقد تقدم.
التّصريع
الموجّه :
هو المرتبة
الثالثة من التصريع وقد تقدم.
التّصريع
الناقص :
هو المرتبة
الرابعة من التّصريع وقد تقدّم .
التّصريف :
صرّف الشيء :
أعمله في غير وجه كأنه يصرفه عن وجه الى وجه .
قال الرماني : «التصريف
: تصريف المعنى من المعاني المختلفة كتصريفه في الدلالات المختلفة وهو عقدها به
على وجه التعاقب. فتصريف المعنى في المعاني كتصريف الأصل في الاشتقاق في المعاني
المختلفة وهو عقدها به على جهة المعاقبة كتصريف الملك في معاني الصفات فصرف في
معنى «مالك» و «ملك» و «ذي الملكوت» و «المليك» وفي معنى «التمليك» و «التمالك» و
«الأملاك» و «التملك» و «الملوك». ثم قال : «وهذا الضّرب من التصريف فيه بيان عجيب
يظهر فيه المعنى بما يكتنفه من المعاني التي تظهره وتدلّ عليه. أما تصريف المعنى
في الدلالات المختلفة فقد جاء في القرآن في غير قصة منها قصة موسى ـ عليهالسلام ـ ذكرت في سورة الأعراف وفي طه والشعراء وغيرها لوجوه
من الحكمة
__________________
منها التصرف في البلاغة من غير نقصان عن أعلى مرتبة ، ومنها تمكين العبرة
والموعظة ، ومنها حل الشبهة في المعجزة» .
وعدّه
الباقلاني من وجوه البلاغة ولخّص ما ذكره الرّمّاني .
التّضادّ :
ضد الشيء :
خلافه ، وقد ضادّه وهما متضادّان ، يقال : ضادّني فلان إذا خالفك ، فأردت طولا
وأراد قصرا ، وأردت ظلمة وأراد نورا ، فهو ضدك وضد يدك . والتضادّ أن يجمع بين المتضادين مع مراعاة التقابل .
والتضاد هو
التطبيق والتكافؤ والطباق والمطابقة والمقاسمة ، وقد سمّاه ابن المعتز «المطابقة» وهو الفن الثالث من
بديعه ، قال : «قال الخليل ـ رحمهالله ـ : يقال طابقت بين الشيئين إذا جمعتهما على حذو واحد ،
وكذلك قال أبو سعيد : فالقائل لصاحبه : أتيناك لتسلك بناسبيل التوسع فأدخلتنا في
ضيق الضمان. قد طابق بين السعة والضيق في هذا الخطاب» وقد ذكر الحاتمي في باب المطابقة ما قيل فيها فقال : «أخبرنا
أبو الفرج علي ابن الحسين القرشي قال : قلت لأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش وكان
أعلم من شاهدته بالشعر : أجد قوما يخالفون في الطباق ، فطائفة تزعم وهي الاكثر ـ بأنّه
ذكر الشيء وضده فيجمعهما اللفظ فهما لا المعنى ، وطائفة تخالف ذلك فتقول : هو
اشتراك المعنيين في لفظ واحد كقول زياد الاعجم :
ونبئتهم
يستنصرون بكاهل
|
|
وللؤم فيهم
كاهل وسنام
|
فقوله : «كاهل»
للقبيلة ، وقوله «كاهل» للعضو عندهم ، هو المطابقة. قال : فقال الاخفش : من هذا
الذي يقول هذا؟ قلت : قدامة وغيره. فاما قدامة فقد أنشد :
وأقطع الهوجل
مستأنسا
|
|
بهوجل عيرانة
عنتريس
|
«هوجل» واسعة
السير ، فقال : هذا يا بني هو التجنيس ، ومن زعم انه طباق فقد ادّعى خلافا على
الخليل والاصمعي. فقيل له : أفكانا يعرفان هذا؟ فقال :سبحان الله ، وهل غيرهما في
علم الشعر وتمييز خبيثه من طيبه». وقال الحاتمي بعد ذلك : «أخبرنا عبيد الله بن
احمد بن دريد عن أبي حاتم قال : سألت الأصمعي عن صنعة الشعر فذكر في بعض قوله المطابقة
، وقال :أصلها وضع الرجل موضع اليد ، وأنشد :
وخيل يطابقن
بالدّارعين
|
|
طباق الكلاب
يطأن الهراسا
|
وقال المدني : «قالوا
: ولا مناسبة بين معنى المطابقة لغة ومعناها اصطلاحا فانها في اللغة الموافقة ،
يقال : طابقت بين الشيئين إذا جعلت
__________________
أحدهما على حذو الآخر وطابق الفرس في جريه : إذا وضع رجليه مكان يديه ،
والجمع بين الضدين ليس موافقة» . ونقل عن ابن الأثير قوله : «إنّهم سمّوا هذا الضرب من
الكلام مطابقا لغير اشتقاق ولا مناسبة بينه وبين مسماه ، هذا الظاهر لنا من هذا
القول إلا ان يكونوا قد علموا لذلك مناسبة لطيفة لم نعلمها نحن» . ثم قال المدني : «وأغرب ابن أبي الحديد في قوله : «الطبق
بالتحريك في اللغة هو المشقة ، قال الله سبحانه : (لَتَرْكَبُنَّ
طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) أي مشقة بعد مشقة ، فلما كان الجمع بين الضدين على
الحقيقة شاقا بل متعذرا ، ومن عادتهم أن تعطى الألفاظ حكم الحقائق في أنفسها توسعا
سمّوا كل كلام جمع فيه بين الضدين مطابقة وطباقا» .
وقال السعد
التفتازاني في شرح المفتاح : «إنّما سمّي هذا النوع مطابقة لأنّ في ذكر المعنيين
المتضادين معا توفيقا ، وايقاع توافق بين ما هو في غاية التخالف كذكر الإحياء مع
الإماتة والابكاء مع الضحك ونحو ذلك».
ثم قال المدني
: «وكأنّ ابن الاثير ظهر له وجه المناسبة فيما بعد فقال في كافية الطالب : «المطابقة
هي عند الجمهور الجمع بين المعنى وضده ، ومعناها أن يأتلف في اللفظ ما يضاد المعنى
وكأنّ كل واحد منهما وافق الكلام فسمي طباقا» . ويبدو من ذلك ان تسميته «مطابقة» أو «طباقا» غير
مناسبة ، ومصطلح «التضاد» اكثر دلالة على هذا الفن ، لان التضاد يدل على الخلاف ..
وسمّاه قدامة «التكافؤ»
وقال : «ومن نعوت المعاني التكافؤ وهو أن يصف الشاعر شيئا أو يذمه أو يتكلم فيه
بمعنى ما ، أي معنى كان فيأتي بمعنيين متكافئين.
والذي أريد
بقولي : «متكافئين» في هذا الموضوع :
متقاومان ، إما
من جهة المضادة أو السلب والايجاب أو غيرهما من أقسام التقابل» . اما «المطابق» عند قدامة فهو التجنيس ، وهو ما ذكره ثعلب حيث سمّى الجناس «المطابق» ، وإن كانت بعض الأمثلة التي ذكرها تحتمل المطابقة
أيضا. وقال الآمدي عن المطابقة : «هو مقابلة الحرف بضده أو ما يقارب الضد ، وإنّما
قيل مطابق لمساواة أحد القسمين صاحبه وإن تضادّا او اختلفا في المعنى» . وقال : «إنّما هو مقابلة الشيء بمثل الذي هو على قدره
فسموا المتضادين إذا تقابلا متطابقين» ، ثم قال : «وهذا باب أعني المطابقة لقّبه أبو الفرج
قدامة بن جعفر الكاتب في كتابه المؤلف في «نقد الشعر» : المتكافىء ، وسمّى
ضربا من
المتجانس المطابق ، وهو أن تأتي بالكلمة مثل الكلمة سواء في تأليفها واتفاق حروفها
ويكون معناهما مختلفا ... وما علمت أنّ أحدا فعل هذا غير أبي الفرج فانه وإن كان
هذا اللقب يصح لموافقته معنى الملقبات وكانت الألقاب غير محظورة ، فاني لم أكن أحب
أن يخالف من تقدّمه مثل أبي العباس عبد الله بن المعتز وغيره ممن تكلم في هذه
الأنواع وألف فيها إذ قد سبقوا الى التلقيب وكفوه المؤونة. وقد رأيت قوما من
البغداديين يسمون هذا النوع المجانس «المماثل» ويلحقون به الكلمة إذا ترددت وتكررت»
.
وقال التّبريزي
: «فالطّباق أن يأتي الشاعر بالمعنى وضده أو ما يقوم مقام الضد» .
وقال ابن
الأثير : «وهذا النوع يسمى البديع أيضا ،
__________________
وهو في المعاني ضد التجنيس في اللفظ» ، ورأى أنّ الاليق من حيث المعنى ان يسمى «المقابلة»
وكان ابن سنان قد آثر تسميته «المطابق» .
وقال المصري
إنّ المطابقة ضربان : ضرب يأتي بالفاظ الحقيقة ، وضرب يأتي بألفاظ المجاز. فما كان
منه بلفظ الحقيقة سمي طباقا ، وما كان بلفظ المجاز سمي تكافؤا ، ومثاله.
حلو الشمائل
وهو مرّ باسل
|
|
يحمي الذمار
صبيحة الإرهاق
|
فقوله : «حلو» و
«مر» يجري مجرى الاستعارة إذ ليس في الانسان ولا في شمائله ما يذاق بحاسة الذوق» .
وأدخل
السّكّاكي والقزويني وشرّاح التلخيص المطابقة في المحسنات المعنوية واصبحت من فنون البديع.
والجمع بين
المتضادين يكون باسمين أو فعلين أو حرفين ، أي لا يصح أن يضم الاسم الى الفعل أو
الفعل الى الاسم . والجمع بين الاسمين كقوله تعالى :(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ
رُقُودٌ) ، ومنه قول الفرزدق :
والشّيب ينهض
في الشباب كأنّه
|
|
ليل يصيح
بجانبيه نهار
|
والجمع بين
الفعلين كقوله تعالى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ
مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ
مَنْ تَشاءُ) ، وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلّون عند الطمع» ، وقول
أبي صخر الهذلي :
أما والذي
أبكى وأضحك والذي
|
|
أمات وأحيا
والذي أمره الأمر
|
والجمع بين
الحرفين كقوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ
وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) وقول الشاعر :
على أنني راض
بأن أحمل الهوى
|
|
وأخلص منه لا
عليّ ولا ليا
|
وللطباق نوعان
كما ذكر المصري :
الأول : الطباق
الحقيقي وهو ما كان بألفاظ الحقيقة سواء كان من اسمين أو فعلين أو حرفين كقوله
تعالى : (وَتَحْسَبُهُمْ
أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) ، وقوله : (وَما يَسْتَوِي
الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا
الْحَرُورُ) ، وقوله : (وَأَنَّهُ هُوَ
أَضْحَكَ وَأَبْكى. وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا).
الثاني :
الطباق المجازي : وهو ما كان بألفاظ المجاز ، ويرى المدني أن يشترط فيه أن يكون
المعنيان المجازيان متقابلين أيضا وإلا دخل فيه إيهام الطباق . ومن ذلك قوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ
مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) أي : ضالا فهديناه ، فالموت والاحياء متقابل معناهما
المجازيان ، وهما الضلال والهدى.
ومنه قول
التهامي :
لقد أحيا
المكارم بعد موت
|
|
وشاد بناءها
بعد انهدام
|
وهذا هو الطباق
اللفظي ، أمّا الطباق المعنوي فهو مقابلة الشيء بضده في المعنى لا في اللفظ كقوله
__________________
تعالى : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا
تَكْذِبُونَ. قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) معناه : ربّنا يعلم إنّا لصادقون. ومنه قول هدبة ابن
الخشرم :
فإن تقتلوني
في الحديد فاننّي
|
|
قتلت أخاكم
مطلقا لم يقيّد
|
فان معناه :
فان تقتلوني مقيدا وهو ضد المطلق ، فطابق بينهما بالمعنى : وقول المقنع الكندي :
لهم جلّ مالي
إن تتابع لي غنى
|
|
وإن قلّ مالي
لا أكلّفهم رفدا
|
فقوله : «إن
تتابع» في قوة قوله : «ان كثر» والكثرة ضد القلة ، فهو طباق بالمعنى لا باللفظ .
والطباق الذي
يأتي بألفاظ الحقيقة ثلاثة أقسام :
الأول : طباق
الايجاب ، وهو الجمع بين الشيء وضده ، كالأمثلة السابقة.
الثاني : طباق
السلب ، وهو الجمع بين فعلي مصدر واحد مثبت ومنفي أو أمر ونهي كقوله تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.
يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، وقول الشاعر :
وننكر إن
شئنا على الناس قولهم
|
|
ولا ينكرون
القول حين نقول
|
وقول البحتري :
يقيّض لي من
حيث لا أعلم النوى
|
|
ويشري اليّ
الشّوق من حيث أعلم
|
الثالث : طباق
الترديد ، وهو أن يرد آخر الكلام المطابق على أوله فإن لم يكن الكلام مطابقا فهو
ردّ الاعجاز على الصدور. ومثاله قول الأعشى :
لا يرقع
الناس ما أو هوا وإن جهدوا
|
|
طول الحياة
ولا يوهون ما رقعوا
|
ومن الطباق نوع
يسمّى الطّباق الخفيّ والملحق بالطباق ، وهو الجمع بين معنيين بتعلق أحدهما بما
يقابل الآخر نوع تعلق مثل السببية واللزوم كقوله تعالى : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ
بَيْنَهُمْ) ، فإنّ الرحمة وإن لم تكن مقابلة للشدة لكنها مسببة عن
اللين الذي هو ضد الشدة. ومنه قول التهامي :
والهون في
ظلّ الهوينى كامن
|
|
وجلالة الأخطار
في الاخطار
|
فان جلالة
الأخطار وان لم تكن مقابلة للهون لكنها لازمة للعز المقابل للهون .
ولا يكفي أن
يؤتى بالتضاد أو المطابقة بعيدة عن أي هدف ، مجردة عن أي تأثير ، وإنما ينبغي أن
تأتي مرشحة بنوع من البديع لكي تكتسب جمالا.
قال الحموي : «والذي
أقوله إنّ المطابقة التي يأتي بها الناظم مجردة ليس تحتها كبير أمر ، ونهاية ذلك
أن يطابق الضد بالضد وهو شيء سهل ، اللهم إلا أن تترشح بنوع من أنواع البديع
وتشاركه في البهجة والرونق ، كقوله تعالى : (تُولِجُ اللَّيْلَ
فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ، وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ
الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ
حِسابٍ) ، ففي العطف بقوله تعالى : (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) دلالة على أنّ من قدر على الافعال العظيمة قدر على أن
يرزق بغير حساب من شاء من عباده. وهذه مبالغة التكميل المشحونة بقدرة الرب سبحانه
وتعالى. فانظر الى عظم كلام الخالق هنا فقد اجتمع فيه المطابقة الحقيقية والعكس
الذي لا يدرك لو جازته وبلاغته ومبالغة التكميل التي لا تليق بغير قدرته. ومثل ذلك
قول امرئ القيس :
__________________
مكر مفرّ مقبل
مدبر معا
|
|
كجلمود صخر
حطّه السيل من عل
|
فالمطابقة في
الإقبال والإدبار ، ولكنه لما قال «معا» زادها تكميلا في غاية الكمال ، فانّ
المراد بها قرب الحركة في حالتي الاقبال والادبار وحالتي الكر والفر.
فلو ترك
المطابقة من هذا التكميل ما حصل لها هذه البهجة ولا هذا الموقع ، ثم انّه استطرد
بعد تمام المطابقة وكمال التكميل الى التشبيه على سبيل الاستطراد البديعي ... وقد
اشتمل بيت امرئ القيس على المطابقة والتكميل والاستطراد» .
ومن المطابقة
التي اكتست بالتورية قول المتنبي :
برغم شبيب
فارق السيف كفّه
|
|
وكانا على
العلّات يصطحبان
|
كأنّ رقاب
الناس قالت لسيفه
|
|
رفيقك قيسيّ
وأنت يماني
|
ومن المطابقة
التي اكتست بالجناس قول أبي تمام :
بيض الصفائح
لا سود الصحائف في
|
|
متونهنّ جلاء
الشّكّ والرّيب
|
وليس معنى ذلك
أنّ التضاد أو المطابقة حينما تأتي من غير ترشيح تفقد قيمتها بل أنّ التضاد هو
الذي يكسبها قيمة لأنّه يؤدي الى ايضاح المعنى وتقريب الصورة وهي كما قال الشاعر :
ضدان لمّا
استجمعا حسنا
|
|
والضّدّ يظهر
حسنه الضّدّ
|
ولأهمية
المطابقة قال القاضي الجرجاني : «وأما المطابقة فلها شعب خفية ، وفيها مكامن تغمض
، وربما التبست بها أشياء لا تتميز إلا للنظر الثاقب والذهن اللطيف» . وقال الصنعاني : «وهي من أكثرها دلالة على الفصاحة في
الكلام وأدخل في المنظوم والمنثور» .
التّضمين :
ضمّن الشيء
الشيء : أودعه إياه كما تودع الوعاء المتاع ، وقد تضمّنه هو ، والمضمّن من الشعر :
ما ضمنته بيتا .
التضمين في
العروض هو أن يبنى بيت على كلام يكون معناه في بيت يتلوه من بعده مقتضيا له ، أو هو «أن يكون الفصل الأول مفتقرا الى الفصل الثاني
والبيت الاول محتاجا الى الأخير» . أو هو «أن تتعلق القافية أو لفظة مما قبلها بما بعدها»
، كقول الشاعر :
كأنّ القلب
ليلة قيل يغدى
|
|
بليلى
العامرية أو يراح
|
قطاة عزّها
شرك فباتت
|
|
تجاذبه وقد
علق الجناح
|
وقول النابغة
الذبياني :
وهم وردوا
الجفار على تميم
|
|
وهم أصحاب
يوم عكاظ إنّي
|
شهدت لهم
مواطن صالحات
|
|
وثقت لهم
بحسن الظّن مني
|
وقول الآخر :
وسعد نسائلهم
والرباب
|
|
وسائل هوازن
عنا إذا ما
|
__________________
لقيناهم كيف
تعلوهم
|
|
بواتر يعزين
بيضا وهاما
|
قال ابن رشيق :
«وكلما كانت اللفظة المتعلقة بالبيت الثاني بعيدة من القافية كان أسهل عيبا من
التضمين» . والتضمين من العيوب عند القدماء لأنّ «خير الشعر ما
قام بنفسه وكمل معناه في بيته وقامت أجزاء قسمته بانفسها واستغني ببعضها لو سكت عن
بعض» ، غير أنّ ابن الاثير لا يعدّه عيبا .
والتضمين أيضا
: «حصول معنى فيه من غير ذكر له باسم أو صفة هي عبارة عنه» ، وهو على وجهين : ما كان يدلّ عليه الكلام دلالة
الاخبار ، وما يدل عليه دلالة القياس ، أي : أنّ العبارة تتضمن المعنى من غير
إشارة صريحة اليه ، وهو تضمين توجيه البنية مثل «معلوم» يوجب أنّه لا بدّ من «عالم»
، وتضمين يوجبه معنى العبارة من حيث لا يصح إلا به كالصفة بضارب يدل على «مضروب».
والتضمين عند
البلاغيين هو «استعارتك الانصاف والأبيات من غيرك وادخالك إياه في أثناء أبيات
قصيدتك» . كقول الشاعر :
إذا دلّه عزم
على الحزم لم يقل
|
|
«غدا
غدها إن لم تعقها العوائق»
|
ولكنّه ماض
على عزم يومه
|
|
فيفعل ما
يرضاه خلق وخالق
|
والشطر الثاني
من البيت الاول مضمّن.
ومنه قول جحظة
:
أصبحت بين
معاشر هجروا الندى
|
|
وتقبّلوا
الأخلاق عن أسلافهم
|
قوم أحاول
نيلهم فكأنما
|
|
حاولت نتف
الشّعر من آنافهم
|
هات اسقنيها
بالكبير وغنّني
|
|
«ذهب
الذين يعاش في أكنافهم»
|
والشطر الأخير
مضمن.
وللتضمين معنى
آخر ، قال الزركشي : «هو إعطاء الشيء معنى الشيء وتارة يكون في الأسماء وفي
الأفعال وفي الحروف. فأمّا في الأسماء فهو أن تضمّن اسما معنى اسم لافادة معنى
الاسمين جميعا كقوله تعالى : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا
أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) ، ضمن «حقيق» معنى حريص ليفيد أنّه محقوق بقول الحق
وحريص عليه. وأما الافعال فإن تضمّن فعلا معنى فعل آخر ويكون فيه معنى الفعلين
جميعا وذلك بأن يكون الفعل يتعدى بحرف فيأتي متعديا بحرف آخر ليس من عادته التعدي
به فيحتاج إما الى تأويله أو تأويل الفعل ليصح تعدّيه به» . وهذا هو التضمين اللغوي ، اما التضمين البلاغي فهو
استعارة كلام الاخير وادخاله في الكلام الجديد ، وقد بدأ يتضح في الكتب البلاغية
منذ عهد مبكر كما في كتاب الصناعتين ، وقال ابن رشيق : «هو قصدك الى البيت من الشعر أو
القسيم فتأتي به في آخر شعرك أو في وسطه كالمتمثل» ، وهذا ما تردد في كتب البلاغة الأخرى .
__________________
وسمّاه المظفر
العلوي تضمينا وتسميطا وتوشيحا ، ولهذين الفنين معنيان مختلفان عن التضمين ، ولكنه
سماهما كذلك ، قال : «باب التضمين ويسمّى التسميط والتوشيح ، وهذا في أشعار العرب
قليل جدا وقد استعمل المحدثون من ذلك ما لا يأتي عليه الاحصاء كثرة وعدّا واليسير
منه دليل على الكثير.
قال الاخطل :
ولقد سما
للخرّميّ فلم يقل
|
|
بعد الونى
لكن تضايق مقدمي
|
وهذا تضمين
لعبارة «لكن تضايق مقدمي» وليس تسميطا أو توشيحا ، إلا اذا نظر أنّ العبارة
المضمنة وشحت وسمطت الكلام.
وتحدث القزويني
عن الاقتباس في خاتمة كتابيه «الايضاح» و «التلخيص» فقال : «أما الاقتباس فهو أن
يضمن الكلام شيئا من القرآن أو الحديث لا على أنّه منه» ، وقال : «وأمّا التضمين فهو أن يضمن الشعر شيئا من شعر
الغير مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهورا عند البلغاء» ، أي انه فرّق بين الاقتباس والتضمين ، فالأول يخص
القرآن والحديث على أن لا يدمج قوله تعالى أو كلامه صلىاللهعليهوسلم بكلام الآخرين ، والثاني يخص الشعر. وتبعه في ذلك شراح
التلخيص .
ولخّص السيوطي
معاني التضمين فقال إنّه يطلق على أشياء .
الأول : ايقاع
لفظ موقع غيره لتضمنه معناه ، وهو نوع من المجاز.
الثاني : حصول
معنى فيه من غير ذكر له باسم هو عبارة عنه ، وهذا نوع من الايجاز.
الثالث : تعلق
ما بعد الفاصلة بها.
الرابع : ادراج
كلام الغير في أثناء الكلام لقصد تأكيد المعنى أو ترتيب النظم ، وهذا هو النوع
البديعي.
تضمين المزدوج
:
قال الوطواط : «ويكون
بأن يورد الشاعر أو الكاتب في عباراته أو أبياته لفظين أو أكثر مزدوجين ، وذلك
بمراعاته لحدود الاسجاع والقوافي» .
وقال الرازي : «هو
أن يكون المتكلم بعد رعايته الاسجاع يجمع في أثناء القرائن بين لفظين متشابهتي
الوزن والروي» كقوله تعالى : (وَجِئْتُكَ مِنْ
سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) ، وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «المؤمنون هينون لينون».
وقال ابن
الزّملكاني : «هو أن يقع في أثناء قرائن النثر أو النظم لفظان مسجعان مع مراعاة
حدود الاسجاع الأصلية» . وذكر ابن قيم الجوزية مثل هذا التعريف وذكر الآية نفسها وقول الشاعر :
تعوّد وسم
الوهب والنّهب في العلا
|
|
وهذان وقت
اللّطف والعنف دابه
|
ففي اللطف
أرزاق العباد هباته
|
|
وفي العنف
أعمار العداة نهابه
|
وذكر المدني
أنّ هذا النوع من مستخرجات صاحب المعيار وذكر الأمثلة السابقة وقول البحتري :
__________________
إنّ الظباء
غداة سفح محجّر
|
|
هيّجن حرّ
جوى وفرط تذكّر
|
من كلّ ساجي
الطّرف أغيد أجيد
|
|
ومهفهف
الكشحين أحوى أحور
|
وقول الآخر يرثي
الصاحب بن عباد :
مضى الصاحب
الكافي ولم يبق بعده
|
|
كريم يروّي
الأرض فيض غمامه
|
فقدناه لمّا
تمّ واعتمّ بالعلى
|
|
كذاك خسوف
البدر عند تمامه
|
التّضييق :
الضيق : نقيض
السعة ، ويقال : ضيّق عليه الموضع .
والتضييق : هو
الالتزام والاعنات والتشديد ولزوم ما لا يلزم ، وقد تقدم في الإعنات. ولكنّ معظم
البلاغيين يسمونه «لزوم ما لا يلزم» غير أنّ ابن منقذ عقد بابا سمّاه «التضييق والتوسيع
والمساواة» وقال : «التضييق هو أن يضيق اللفظ عن المعنى لكون المعنى أكثر من اللفظ»
.
كقول امرئ
القيس :
على سابح
يعطيك قبل سؤاله
|
|
أفانين جري
غير كزّ ولا واني
|
فان قوله : «أفانين
جري» اختصار معان كثيرة وكذلك «غير كزّ» يحتمل معاني كثيرة ، وكذلك «لا واني».
وهذا غير
الاعنات أو لزوم ما لا يلزم الذي ذكره الآخرون.
وقال السيوطي :
«هذا النوع اخترعته وسميته بالتضييق بأن يلتزم في الروي أمرا لا يلزم ، وإنما لم
يذكروه لظنهم أنّ الروي يلزم أن يكون على حرف واحد فلا يقع فيها التزام ما لا يلزم»
.
التّطبيق :
الطبق : غطاء
كل شيء ، وقد طابقه مطابقة وطباقا وتطابق الشيئان : تساويا ، والمطابقة الموافقة ،
والتطابق : الاتّفاق. وطبّق السّحاب الجوّ : غشّاه ، وطبّق الماء وجه الأرض :
غطّاه. والتطبيق في الصّلاة : جعل اليدين بين الفخذين في الرّكوع .
والتطبيق هو
التضاد وقد تقدم ، والتكافؤ والطباق والمطابقة والمقاسمة ، ولا علاقة لمعنى التطبيق البلاغي بمعناه اللغوي ، وقد
أشار الى ذلك البلاغيون .
التّطريز :
الطّرز : البزّ
والهيئة ، والطراز ما ينسج من الثياب للسلطان ، والطرز والطراز : الجيد من كل شي ،
ويقال : طرّز الثوب فهو مطرّز .
والتّطريز من
مبتدعات العسكري ، وقد قال في تعريفه : «هو أن يقع في أبيات متوالية من
القصيدة كلمات متساوية في الوزن فيكون فيها كالطراز في الثوب ، وهذا النوع قليل في
الشعر» . ومنه قول
__________________
أحمد بن أبي طاهر :
إذا أبو قاسم
جادت لنا يده
|
|
لم يحمد الأجودان
: البحر
|
والمطر
|
|
وإن أضاءت
لنا أنوار غرّته
|
تضاءل
الأنوران : الشمس والقمر
|
|
وإن مضى رأيه
أو حدّ عزمته
|
تأخّر
الماضيان : السيف والقدر
|
|
من لم يكن
حذرا من حدّ صولته
|
لم
يدر ما المزعجان : الخوف والحذر
|
وقول أبي تمام
:
أعوام وصل
كاد ينسي طولها
|
|
ذكر النّوى
فكأنّها أيّام
|
ثم انبرت
أيام هجر أردفت
|
|
نجوى أسى
فكأنّها أعوام
|
ثم انقضت تلك
السنون وأهلها
|
|
فكأنّهم
وكأنّها أحلام
|
وذكر ابن منقذ
تعريف العسكري وأمثلته وأضاف اليها .
والتطريز عند
المصري غير هذا ، قال : «هو أن يبتدئ المتكلم أو الشاعر بذكر جمل من الذوات غير
مفصّلة ثم يخبر عنها بصفة واحدة من الصفات مكررة بحسب العدد الذي قدّره في تلك
الجملة الأولى فتكون الذوات في كل جملة متعددة تقديرا والجمل متعددة لفظا والصفة
الواحدة المخبر بها عن تلك الذوات متعددة لفظا وعدد الجمل التي وصفت بها الذوات لا
عدد الذوات عدد تكرار واتحاد لا تعداد تغاير» كقول ابن الرومي :
أموركم بني
خاقان عندي
|
|
عجاب في عجاب
في عجاب
|
قرون في رؤوس
في وجوه
|
|
صلاب في صلاب
في صلاب
|
وقول الآخر :
فثوبي
والمدام ولون خدّي
|
|
شقيق في شقيق
في شقيق
|
وهذا النوع من
مبتدعات المصري ، أما التطريز الذي ذكره العسكري فهو التوشيع عنده ، وتبعه ابن مالك فقال : زهو أن يشتمل الصدر على ثلاثة
أسماء مخبر عنه ويتعلق به ويشتمل العجز على الخبر مقيدا بمثله مرتين» وتبعه كذلك الحلبي والنويري والعلوي والسبكي والحموي
والسيوطي .
وعاد ابن قيم
الجوزية الى المعنى الأول للتطريز فقال : «هو أن تأتي قبل القافية بسجعات متتالية
فيبقى في الأبيات أواخر الكلام كالطراز في الثوب» ، ومثّل له بقول الشاعر :
أمسي وأصبح
من هجرانكم دنفا
|
|
يرثي لي
المشفقان : الأهل والولد
|
قد خدّد
الدمع خدّي من تذكركم
|
|
وهدّني
المضنيان : الشوق والكمد
|
كأنّما مهجتي
شلو بمسبعة
|
|
ينتابها
الضاريان : الذئب والأسد
|
لم يبق غير
خفيّ الروح من جسدي
|
|
فدى لك
الفانيان : الروح والجسد
|
إنّي لأحسد
في العشاق مصطبرا
|
|
وحسبك
القاتلان : الحبّ والحسد
|
ثم قال ابن قيم
الجوزية : «هذا النوع استخرجه
__________________
المتأخرون وليس في شعر القدماء شيء منه ولا في كلامهم ، وقد استقريته من
الكتاب العزيز وأشعار المولدين فوجدته على ثلاثة أقسام :
الأول : ما له
علمان : علم من أوله وعلم من آخره.
الثاني : ما له
علم من أوله.
والثالث : ما
له علم من آخره :
فأما الذي له
علمان فكقوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ
خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ
بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ. وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ
أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ. وَمِنْ
آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ
فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ. وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً
وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
ومنه قول بعضهم
:
والمسعدان
عليها الصبر والجلد
|
|
أفناهما
الخاذلان : الوجد والكمد
|
والعاذلان
عليها ردّ عذلهما
|
|
في حبّها
العاذران : الحسن والجيد
|
والباقيان
هواها والغرام بها
|
|
فداهما
الذاهبان : الروح والجسد
|
وأما الذي
طرازه من أوله فمنه في القرآن كثير ، فمن ذلك قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا
هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللهُ
الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ
الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا
يُشْرِكُونَ. هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ
الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ).
ومنه قول
البحتري :
تعلو الوفود
ثلاثة في أرضه
|
|
إفضاله وجداه
والإنعام
|
وثلاثة تغشاك
مهما زرته
|
|
إرفاده
والمنّ والإكرام
|
وثلاثة قد
جانبت أخلاقه
|
|
قول البذا
والزور والآثام
|
وثلاثة في
الغرّ من أفعاله
|
|
تدبيره
والنقض والإبرام
|
وأما الذي علمه
من آخره ففي القرآن منه كثير ، فمن ذلك قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ
مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ. وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ
الْمَغْرِبَيْنِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) الى آخر السورة.
وجمع المدني
بين رأي المتقدمين والمتأخرين لأنّه ذكر للتطريز معنين :
الأول : أن
يؤتى في الكلام بمواضع متقابلة كأنّها طراز كأبيات أبي تمام التي ذكرها العسكري : «أعوام
وصل ...».
الثاني : أن
يبتدئ المتكلم من ذوات غير منفصلة ثم يخبر عنها بصفة واحدة من الصفات مكررة بحسب
العدد الذي قدره في تلك الجمل الأول فتكون الذوات في كل جملة متعددة تقديرا والجمل
متعددة لفظا وعدد الجمل التي وصفت بها الذوات لا عدد الذوات عدد تكرار واتحاد لا
تعداد تغاير ، كبيتي ابن الرومي : «أموركم بني خاقان ...». وهذا كلام المصري
ومثاله. وقد قال المدني : «هكذا قرره الشيخ صفي الدين الحلي في شرح بديعيته» .
__________________
التّطريف :
طرّف فلان إذا
قاتل حول العسكر لأنّه يحمل على طرف منهم فيردّهم الى الجمهور ، والتطريف : أن يرد
الرجل عن أخريات أصحابه ، وطرف كل شيء :
منتهاه .
قال ابن منقذ :
«هو أن تكون الكلمة مجانسة لما قبلها أو لما بعدها أو متعلقة بها بسبب من الأسباب»
، كقول أبي تمام :
السيف أصدق
أنباء من الكتب
|
|
في حدّه
الحدّ بين الجدّ واللّعب
|
التّطويل :
الطول : نقيض
القصر ، وطوّل : أطال ، يقال : طوّل لفرسك يا فلان ، أي أرخ له حبله في مرعاه» .
قال ابن سنان :
«التطويل هو أن يعبّر عن المعاني بألفاظ كثيرة كل واحد منها يقوم مقام الآخر ، فأي
لفظ شئت من تلك الالفاظ حذفته وكان المعنى على حاله ، وليس هو لفظا متميزا مخصوصا
كما كان الحشو لفظا متميزا مخصوصا» .
وقال ابن
الأثير : «هو أن يدلّ على المعنى بلفظ يكفيك بعضه في الدلالة عليه» ، كقول العجير السلولي :
طلوع الثنايا
بالمطايا وسابق
|
|
الى غاية من
يبتدرها يقدّم
|
فصدر هذا البيت
فيه تطويل لا حاجة اليه وعجزه من محاسن الكلام.
وقال القزويني
: «هو أن لا يتعين الزائد في الكلام كقوله : «وألفى قولها كذبا ومينا» فإنّ الكذب
والمين واحد» .
وعدّ بعضهم
التطويل عيّا ، قال الرماني : «فأما التطويل فعيب وعيّ ، لأنّه تكلف فيه الكثير
فيما يكفي منه القليل فكان كالسالك طريقا بعيدا جهلا منه بالطريق القريب. وأما
الاطناب فليس كذلك لأنّه كمن سلك طريقا بعيدا لما فيه من النزهة والفوائد العظيمة
فيحصل في الطريق الى غرضه من الفائدة على نحو ما يحصل له بالغرض المطلوب» . ونقل ذلك الصنعاني وقال : «وهذا الاطناب وهو بلاغة
وليس بالتطويل الذي هو عيّ لأنّه يتكلف فيه التكثير فيما يكفي فيه القليل فكان
كالسالك طريقا بعيدا جهلا منه بالطريق القريب ، والإطناب ليس كذلك لأنّه كما قال
الرماني يكون كمن سلك طريقا بعيدا لما فيه من النزه الكثيرة والفوائد العظيمة
فيحصل له في الطريق الى غرضه من الفائدة على نحو ما يحصل له بالغرض المطلوب» . وذكر ابن الاثير مثل ذلك فقال : «فانّ مثال الايجاز
والاطناب والتطويل مثال مقصد يسلك اليه في ثلاثة طرق ، فالايجاز هو أقرب الطرق
الثلاثة اليه ، والاطناب والتطويل هما الطريقان المتساويان في البعد اليه ، إلا
أنّ طريق الاطناب تشتمل على منزّه من المنازه لا يوجد في طريق التطويل» .
التّظريف :
الظّرف :
البراعة وقيل : حسن العبارة والحذق بالشيء ، وقد ظرف يظرف وهم الظرفاء ورجل
__________________
ظريف .
والتظريف هو
التسهيل ، وقد تقدّم.
تعادل الأقسام
:
ذكره المرزوقي وأراد به صحة التقسيم ثم مقابلة كل قسم من المعاني
المتحدث عنها بقسمه.
تعادل الأوزان
:
ذكره المرزوقي وأراد به تساوي سموط الاسجاع وهي القرائن التي تنزل من
الكلام المسجوع منزلة المصاريع للشعر فتعادلها بأن تكون متساوية المقدار في النطق
، معتدلة فيه ، وذلك أصل السجع.
التّعبير عن
المستقبل بلفظ الماضي :
وهو من
الالتفات وذلك بأن يعدل فيه الى لفظ الماضي تقريرا وتحقيقا لوقوعه كقوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ
فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ،
وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ.) ، وقوله : (وَنُفِخَ فِي
الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ
اللهُ ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ).
وقد يعبر عن
المستقبل بالماضي مرادا به المستقبل فهو مجاز لفظي كقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى) ، أي : «يقول» ، عكسه لأنّ المضارع يراد به الديمومة
والاستمرار .
التّعجّب :
العجب والعجب :
إنكار ما يرد عليك لقلة اعتياده ، وقد عجب منه يعجب عجبا وتعجّب واستعجب.
والاستعجاب :
شدة التعجّب .
قال ابن فارس :
«وأما التعجب فتفضيل شخص من الأشخاص أو غيره على أضرابه بوصف كقولك : «ما أحسن
زيدا» وفي كتاب الله جلّ ثناؤه : (قُتِلَ الْإِنْسانُ
ما أَكْفَرَهُ) ، وهو أحد أبواب الكلام العشرة التي ذكرها وقد أدخله الرازي في أقسام النظم وقال إنه كقول الشاعر :
أيا شمعا
يضيء بلا انطفاء
|
|
ويا بدرا
يلوح بلا محاق
|
فأنت البدر
ما معنى انتقاصي
|
|
وأنت الشمع
ما سبب احتراقي
|
وهذا ما ذكره
الوطواط فقال : «تكون هذه الصنعة بأن يظهر الشاعر في أحد أبياته تعجبه وحيرته من
شيء من الأشياء» ، وذلك كقول أديب ترك : «أيا شمعا يضيء ...».
التّعديد :
هو الأعداد ،
وقد تقدم ، ويسمى سياقة الاعداد وسياقة العدد أيضا .
__________________
التّعديل :
عدّل الموازين
والمكاييل : سوّاها ، وعدل الشيء :وازنه .
قال ابن شيث
القرشي : «هو أن تكون اللفظة التي هي السّجعة الثانية مركّبة من كلمتين حتى تساوي
أختها» . ومثاله : «شكر الله تفضله ولا زالت ختوم المحامد تفض
له» ، وقول الشاعر :
وإن أقرّ على
رقّ أنامله
|
|
أقرّ بالرقّ
كتّاب الانام له
|
وهذا نوع من
التجنيس ، وقد ذكره ابن رشيق وذكر البيت في بحث التجنيس ، وقال : «وقد أحدث
المولدون تجانسا منفصلا يظهر أيضا في الخط» ، وذكر له أيضا قول أبي تمام :
رفدوك في يوم
الكلاب وشققوا
|
|
فيه المزاد
بجحفل كالّلاب
|
وقول البستي :
عارضاه فيما
جنى عارضاه
|
|
أو دعاني أمت
بما أودعاني
|
التّعريض :
عرّض لفلان وبه
: إذا قال فيه قولا وهو يعيبه ، يقال :
عرّض تعريضا :
اذا لم يبيّن ، والتعريض خلاف التصريح ، والمعاريض : التورية بالشيء عن الشيء .
وقال العلوي : «التعريض
خلاف التصريح ، يقال :
عرّضت لفلان أو
بفلان إذا قلت قولا وأنت تعنيه ، ومنه المعاريض في الكلام. وفي أمثالهم : «إنّ في
المعاريض لمندوحة عن الكذب» أرادوا أنّ المعاريض فيها سعة عن قصد الكذب وتعمده.
واشتقاقه من قولهم عرض له كذا إذا عنّ ، لأنّ الواحد منا قد يعرض له أمر خلاف
التصريح فيؤثره ويقصده» .
التعريض من
الأساليب العربية العريقة ، وقد استعمله الشعراء فقال كعب ابن زهير :
يمشون مشي
الجمال الزهر يعصمهم
|
|
ضرب إذا عرّد
السّود التنابيل
|
يعرّض بالأنصار
لغلظتهم عليه فانكرت قريش ما قال ، وقالوا : لم تمدحنا إذ هجوتهم ، ولم يقبلوا ذلك
حتى قال :
من سرّه كرم
الحياة فلا يزل
|
|
في مقنب من
صالحي الأنصار
|
الباذلين
نفوسهم لنبيّهم
|
|
يوم الهياج
وسطوة الجبّار
|
وقد ذكره
المتقدّمون كالفرّاء ولم يسمّه ، ولكنّ تعليقه على قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً) يدلّ على أنه عرفه وفهمه ، وذكره ابن قتيبة وتحدث عنه ، وعقد له وللكناية بابا قال : «ومن هذا الباب التعريض
والعرب تستعمله في كلامها كثيرا فتبلغ إرادتها بوجه هو ألطف وأحسن من الكشف
__________________
والتصريح ، ويعيبون الرجل إذا كان يكاشف في كل شيء ويقولون : «لا يحسن
التعريض إلا ثلبا». وقد جعله الله في خطبة النساء في عدّتهن جائزا فقال : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما
عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) ولم يجز التصريح.
والتعريض في
الخطبة أن يقول الرجل للمرأة : والله إنّك لجميلة ، ولعلّ الله أن يرزقك بعلا
صالحا ، وإنّ النساء لمن حاجتي ، وهذا وأشباهه من الكلام» .
وعدّ ثعلب من
لطافة المعنى الدلالة بالتعريض على التصريح وقال : «ومن لطف المعنى كل ما يدلّ على
الايحاء الذي
يقوم مقام التصريح لمن يحسن فهمه واستنباطه» . وعدّ ابن المعتز من محاسن الكلام «التعريض والكناية» ولم يعرّفهما أو يفصل بينهما.
وسمّاه ابن وهب
«اللحن» وقال : «وأما اللحن فهو التعريض بالشيء من غير تصريح أو الكناية عنه بغيره»
. وذكره ابن جني ولم يعرّفه ، وأدخله ابن رشيق في باب الاشارة وذكر بيت كعب بن زهير
الذي عرّض فيه بالانصار وبعض الأمثلة الاخرى :وتحدث عنه عبد القاهر مع الكناية ، وفعل مثله التبريزي والبغدادي .
وكان ابن
الاثير ممن ميزوا بين الكناية والتعريض وقال : «وأمّا التعريض فهو اللفظ الدّالّ
على الشيء من طريق المفهوم لا بالوضع الحقيقي ولا المجازي فاذا قلت لمن تتوقع صلته
ومعروفه بغير طلب : «والله إني لمحتاج وليس في يدي شيء وأنا عريان والبرد قد آذاني»
فإنّ هذا وأشباهه تعريض بالطلب وليس هذا اللفظ موضوعا في مقابلة الطلب لا حقيقة
ولا مجازا ، إنما دلّ عليه من طريق المفهوم» . وفعل مثله التنوخي وقال : «ومن البيان الكناية
والتعريض وهما معنيان متقاربان جدا وربما التبس على كثير من الفضلاء أمرهما فمثل
أحدهما بما يستحق أن يكون مثالا للآخر وربما كان ذلك لكون اللفظ صالحا للكناية من
وجه والتعريض من وجه. والفرق بينهما أنّ الكناية وضع لفظ يراد به معنى يعرف من لفظ
آخر هو أحق به لكن يعدل عنه لقبحه في العادة أو لعظمه أو لستره أو لما ناسب ذلك من
الأغراض.
والتعريض أن
يذكر شيء يفهم منه غير ما وضع له لمناسبة ما بين المعنيين» .
ومن التعريض
قول الشّمندر الحارثي :
بنى عمّنا لا
تذكروا الشعر بعد ما
|
|
دفنتم بصحراء
الغمير القوافيا
|
فقوله : «دفنتم
القوافيا» يعني أنّ ما جرى لكم في ذلك اليوم من قهرنا لكم لا يصلح بعده ذكر الشعر
، فلم يذكر القهر والغلبة ، وعرّض عنه بدفن القوافي.
وقال ابن
الأثير الحلبي إنّ الالغاز والتعمية اذا قاربت الظهور سمّيت كناية أو تعريضا ،
وأما إذا أوغل في خفائه سمي لغزا أو رمزا ، وذكر تعريف ابن الاثير وقال : «وقالوا
إنّ هذا الحدّ فاسد لأنّه ليس لنا قسم ثالث في استعمال اللفظ ليدلّ على المعنى
خارجا عن الحقيقة والمجاز» . وفرّق العلوي كابن الاثير بين الفنين ، وعرّف الحلبي والنويري التعريض بعد تعريف الكناية
وقالا : «وأما التعريض فهو تضمين الكلام دلالة ليس لها ذكر
__________________
كقولك : «ما أقبح البخل» تعرض بأنّه بخيل» .
وكان السكاكي
قد قال من قبل إنّ الكناية تتنوع الى تعريض وتلويح ورمز وايماء واشارة ، وقال : «متى
كانت الكناية عرضية كان اطلاق اسم التعريض عليها مناسبا» ، وتبعه ابن مالك والقزويني والسبكي ، غير أنّ الأخير بحثه في البديع وقال : «التعريض وهو
الدلالة بالمفهوم بقصد المتكلّم» ، ونهج منهج السكاكي أيضا التفتازاني والمغربي .
وعقد الزركشي
للكناية والتعريض فصلا غير أنّه قال : «وأما التعريض فقيل إنّه الدلالة على المعنى
من طريق المفهوم ، وسمّي تعريضا لأنّ المعنى باعتباره يفهم من عرض اللفظ أي من
جانبه ويسمى التلويح ؛ لأنّ المتكلم يلوح منه للسامع ما يريده» كقوله تعالى : (بَلْ فَعَلَهُ
كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) ؛ لأنّ عرضه بقوله : (فَسْئَلُوهُمْ) على سبيل الاستهزاء وإقامة الحجة عليهم بما عرّض لهم به
من عجز كبير الاصنام عن الفعل مستدلا على ذلك بعدم إجابتهم إذا سئلوا ولم يرد
بقوله : (بَلْ فَعَلَهُ
كَبِيرُهُمْ هذا) نسبة الفعل الصادر عنه الى الصنم فدلالة هذا الكلام عجز
كبير الاصنام عن الفعل بطريق الحقيقة». وكلام الزركشي قريب من كلام ابن الاثير
والسبكي فالتعريض عنده «دلالة على المعنى من طريق المفهوم».
وعقد له الحموي
فصلا مستقلا وقال : «هو عبارة عن أن يكني المتكلم بشيء عن آخر لا يصرح به ليأخذه
السامع لنفسه ويعلم المقصود منه» . وفعل مثله المدني الذي قال عنه : «التعريض هو الاتيان
بكلام مشار به الى جانب هو مطلوب وابهام أنّ الغرض جانب آخر. وسمي تعريضا لما فيه
من الميل عن المطلوب الى عرض أي جانب» .
وعدّ السّيوطي
الوجه الخامس والعشرين من وجوه إعجاز القرآن الكريم «وقوع الكناية والتعريض» وذكر
الفرق بينهما ونقل بعض أقوال السابقين وقال : «وأما التعريض فهو لفظ استعمل في
معناه للتلويح بغيره» . وقال السجلماسي : «هو اقتضاب الدلالة على الشي بضده
ونقيضه من قبل أنّ في ظاهر اثبات الحكم لشي نفيه عن ضده ونقيضه» .
ويأتي التعريض
لأغراض مختلفة ذكر المدني منها : .
الأوّل :
لتنويه جانب الموصوف كما يقال : «أمر المجلس السامي نفذ والستر الرفيع قاصد لكذا»
تعريضا بأنّ المعبر عنه أرفع قدرا وشأنا من أن يسع الذاكر له التصريح باسمه وترك
تعظيمه بالسكينة.
ومن ذلك قوله
تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ
فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ
بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) أراد به محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فلم يصرّح بذكره بل عرّض إعلاء لقدره.
الثاني :
لملاطفة ، كما يقول الخاطب لمن يريد خطبتها : إنّك لجميلة صالحة وعسى الله أن ييسر
لي امرأة صالحة».
الثالث :
للاستعطاف والاستماحة كما يقول
__________________
المحتاج : «جئتك لأسلّم عليك ولأنظر الى وجهك الكريم» ، قال الشاعر :
أروح لتسليم
عليك واغتدي
|
|
وحسبك مني
بالسلام تقاضيا
|
الرابع :
للملامة والتوبيخ كقوله تعالى : (وَإِذَا
الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ؟) والذنب للوائد دون المؤودة ولكن جعل السؤال لها إهانة
للوائد وتوبيخا على ما ارتكبه ، ومنه قوله تعالى لعيسى ـ عليهالسلام ـ : (أَأَنْتَ قُلْتَ
لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ؟) ولا ذنب لعيسى وإنّما هو تعريض بمن عبدهما ، لكنه عدل
من خطابهم إهانة لهم وتوبيخا.
الخامس :
للاستدراج كقوله تعالى : (لا تُسْئَلُونَ
عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) لم يقل : «عما تجرمون» احترازا عن التصريح بنسبة الجرم
اليهم وأكتفاء بالتعريض في قوله (عَمَّا أَجْرَمْنا.)
السادس :
للاحتراز عن المخاشنة والمفاحشة كما تقول معرّضا بمن يؤذي المسلمين : «المسلم من
سلم المسلمون من لسانه ويده».
وقال المدني
بعد أن ذكر هذه الاغراض : «وأجمع العلماء على أنّ التعريض أرجح من التصريح لوجوه :
أحدها : أنّ
النفس الفاضلة لميلها الى استنباط المعاني تميل الى التعريض شغفا باستخراج معناه
بالفكر.
ثانيها : أنّ
التعريض لا ينتهك معه سجف الهيبة ولا يرتفع به ستر الحشمة.
ثالثها : أنّه
ليس للتصريح إلا وجه واحد ، وللتعريض وجوه وطرق عديدة.
رابعها : أنّ
النهي صريحا يدعو الى الاغراء بخلاف التعريض كما يشهد به الوجدان» .
التّعريف
والتّنكير :
المعرفة ما دلّ
على شيء بعينه ، والنكرة ما دل على شيء لا بعينه. وأقسام المعرفة المضمر ، والعلم
، واسم الاشارة ، والاسم الموصول ، والمعرف بالالف واللام ، والمضاف الى واحد منها
اضافة معنوية. وتتفاوت النكرات أيضا في مراتب التنكير وكلما ازدادت النكرة عموما
زادت ابهاما في الوضع .
ويدخل التعريف
على المسند اليه لأنّ الاصل فيه أن يكون معرفة لأنّه المحكوم عليه ، والحكم على
المجهول لا يفيد ، ولذلك فانه يعرّف لتكون الفائدة أتم ، لأنّ احتمال تحقق الحكم
متى كان أبعد كانت الفائدة في الاعلام به أقوى ، ومتى كان أقرب كانت أضعف.
والتعريف مختلف
، ويكون بوسائل هي :
الاول :
الإضمار ، وذلك إذا كان المقام مقام التكلم كقول بشار :
أنا المرعّث
لا أخفى على أحد
|
|
ذرّت بي
الشمس للقاصي وللداني
|
أو كان المقام
مقام الخطاب كقول الحماسية أمامة مخاطبة ابن الدمينة :
وأنت الذي
أخلفتني ما وعدتني
|
|
واشمتّ بي من
كان فيك يلوم
|
أو كان المقام
الغيبة كقوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ
أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) أي : العدل. وقول الشاعر :
__________________
هو البحر من
أيّ النواحي أتيته
|
|
فلجّته
المعروف والبرّ ساحله
|
الثاني :
العلمية ، ذلك لاحضاره بعينه في ذهن السامع ابتداء باسم مختص كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، وقول الشاعر :
أبو مالك
قاصر فقره
|
|
على نفسه
ومشيع غناه
|
أو لتعظيمه أو
إهانته كما في الكنى والالقاب المحمودة والمذمومة.
أو لكناية حيث
الاسم صالح لها ، كقوله تعالى :(تَبَّتْ يَدا أَبِي
لَهَبٍ) أي : جهنمي.
أو لايهام
استلذاذه كقول الشاعر :
بالله يا
ظبيات القاع قلن لنا
|
|
ليلاي منكنّ
أم ليلى من البشر
|
أو التّبرّك به
مثل : «الله الهادي ومحمّد هو الشفيع».
أو التفاؤل مثل
: «سعد في دارك».
او التّطيّر
مثل : «السفّاح في دار صديقك».
الثالث :
الموصولية ويكون ذلك لاسباب منها :
عدم علم
المخاطب بالاحوال المختصة به سوى الصلة مثل : «الذي كان معنا أمس رجل عالم».
أو لاستهجان
التصريح بالاسم ، أو زيادة التقرير كقوله تعالى : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي
هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ).
أو التفخيم
كقوله تعالى : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ
الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) أو تنبيه المخاطب على غلطة كقول الشاعر :
إنّ الذين
ترونهم إخوانكم
|
|
يشفي غليل
صدورهم أن تصرعوا
|
أو للايماء الى
وجه بناء الخبر كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ).
وربما جعل
ذريعة الى التعريض بالعظيم لشأن الخبر كقول الشاعر :
إنّ الذي سمك
السّماء بنى لنا
|
|
بيتا دعائمه
أعزّ وأطول
|
أو لشأن غير
الخبر كقوله تعالى : (الَّذِينَ كَذَّبُوا
شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ).
الرابع :
الاشارة ، ويؤتى بالمسند اليه اسم اشارة لأحد أمور وذلك : أن يقصد تمييزه لاحضاره
في ذهن السامع حسا كقول الشاعر :
أولئك قوم إن
بنوا أحسنوا البنا
|
|
وإن عاهدوا
أوفوا وإن عقدوا شدّوا
|
أو لقصد أنّ
السامع غبي لا يميز الشيء عنده إلا بالحس كقول الفرزدق :
أولئك آبائي
فجئني بمثلهم
|
|
إذا جمعتنا
يا جرير المجامع
|
أو للتنبيه إذا
ذكر قبل المسند اليه مذكور وعقب بأوصاف على أنّ ما يرد بعد اسم الاشارة فالمذكور
جدير باكتسابه من أجل تلك الاوصاف كقوله تعالى :(أُولئِكَ عَلى هُدىً
مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
الخامس :
التعريف بالالف واللام وتكون لأحد أمور : أن يشار به الى معهود بينك وبين مخاطبك
كما اذا قال لك قائل : «جاءني رجل من بلدة كذا» فتقول : ما فعل الرجل؟». وعليه
قوله تعالى : (وَلَيْسَ
__________________
الذَّكَرُ
كَالْأُنْثى).
أو يراد به نفس
الحقيقة مثل : «الماء مبدأ كل حي».
السادس :
التعريف بالاضافة ويكون لاسباب منها :أن لا يكون لاحضار المسند اليه في الذهن طريق
أخصر من الاضافة كقول الشاعر :
هواي مع
الركب اليمانين مصعد
|
|
جنيب وجثماني
بمكة موثق
|
أو أن تغني
إضافته عن التفصيل المتعذر أو المرجوح لجهة كقول الشاعر :
قومي هم
قتلوا أميم أخي
|
|
فاذا رميت
يصيبني سهمي
|
أو لتضمنها
تعظيما لشأن المضاف اليه او المضاف أو غيرهما ، فتعظيم شأن المضاف كقوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ
سُلْطانٌ).
ومن تعظيم شأن
المضاف اليه قولك : «كتابي من أجلّ الكتب».
أو لتضمنها
تحقير شأن المضاف أو المضاف اليه او غيرهما مثل : «أبو السارق جاء» و «أخو محمد
سارق».
أو لتضمنها
الاستهزاء كقوله تعالى على لسان فرعون : (إِنَّ رَسُولَكُمُ
الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ).
أما تعريف
المسند فلافادة السامع إمّا حكما على أمر معلوم له بطريق من طرق التعريف بأمر آخر
معلوم له كذلك ، وإما لازم حكم بين أمرين كذلك ، وقد أوضح عبد القاهر الجرجاني ذلك
.
وللتنكير دلالة
غير ما نراه في التعريف قال ابن الزّملكاني : «وقد يظن ظان أنّ المعرفة أجلى فهي
من النكرة أولى ، ويخفى عليه أنّ الإبهام في مواطن خليق وأنّ سلوك الايضاح ليس
بسلوك للطريق خصوصا في موارد الوعد والوعيد والمدح والذم اللذين من شأنهما
التشييد. وعلة ذلك أنّ مطامح الفكر متعددة المصادر بتعدد الموارد ، والنكرة متكثرة
الاشخاص يتقاذف الذهن من مطالعها الى مغاربها وينظرها بالبصيرة من منسمها الى
غاربها فيحصل في النفس لها فخامة وتكتسي منها وسامة. وهذا فيما ليس لمفرده مقدار
محصور بخلاف المعرفة فإنّه لواحد بعينه يثبت الذهن عنده ويسكن اليه» .
فالتنكير يأتي
لفائدة ، وينكّر المسند اليه لاغراض منها : الافراد كقوله تعالى : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى
الْمَدِينَةِ يَسْعى).
والنوعية كقوله
تعالى : (وَعَلى أَبْصارِهِمْ
غِشاوَةٌ).
والتعظيم كقوله
تعالى : (وَلَكُمْ فِي
الْقِصاصِ حَياةٌ).
والتحقير كقول
الشاعر :
له حاجب عن
كلّ شيء يشينه
|
|
وليس له عن
طالب العرف حاجب
|
والتكثير كقوله
تعالى : (قالُوا إِنَّ لَنا
لَأَجْراً).
والتقليل كقوله
تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ
اللهِ أَكْبَرُ).
__________________
وينكّر المسند
لأغراض منها : إرادة افادة عدم الحصر والعهد مثل : «زيد كاتب وعمرو شاعر».
وإرادة التفخيم
والتعظيم كقوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).
وإرادة التحقير
مثل : «الحاصل لي من هذا المال شيء» أي : حقير .
التّعطّف :
عطف الشيء
يعطفه عطفا وعطوفا فانعطف ، وعطّفه فتعطّف : حناه وأماله .
قال العسكري :
هو «أن تذكر اللفظ ثم تكرره والمعنى مختلف. قالوا : وأول من ابتدأه امرؤ القيس في
قوله :
ألا انني بال
على جمل بال
|
|
يسوق بنا بال
ويتبعنا بال
|
وليس هذا من
التعطف على الأصل الذي أصّلوه ، وذلك أنّ الالفاظ المكررة في هذا البيت على معنى
واحد يجمعها البلى فلا اختلاف بينها وانما صار كل واحدة منها صفة لشيء فاختلفت
لهذه الجهة لا من جهة اختلافها في معانيها ... وإنّما التعطف كقول الشماخ :
كادت تساقطني
والرّحل إذ نطقت
|
|
حمامة قد دعت
ساقا على ساق
|
أي : دعت حمامة
، وهو ذكر القماري ويسمى الساق عندهم ـ على ساق شجرة» . وهذا قريب من التجنيس الذي سمّاه قدامة «المطابقة» ،
قال العسكري : «وأهل الصنعة يسمون النوع الذي سماه المطابقة «التعطف» .
وسمّى بعضهم
التعطف ترديدا ، قال التبريزي : وهو «أن يعلق الشاعر لفظة في البيت بمعنى ثم يردها
بعينها ويعلقها بمعنى آخر» . ولكنه غير الذي ذكره العسكري لأنّ مثال الترديد قول
زهير :
من يلق يوما
على علّاته هرما
|
|
يلق السّماحة
منه والندى خلقا
|
وقول أبي نواس
:
صفراء لا
تنزل الأحزان ساحتها
|
|
لو مسّها حجر
مسّته سرّار
|
وفرّق المصري
بينهما بقوله : «وقد يلتبس الترديد الذي ليس تعددا من هذا الباب بباب التعطف ،
والفرق بينهما أنّ هذا النوع من الترديد يكون في أحد قسمي البيت تارة وفيهما معا
مرة ولا تكون إحدى الكلمتين في قسم والاخرى في آخر ، والمراد بقربهما أن يتحقق
الترديد. والتعطف وإن كان ترديد الكلمة بعينها فهو لا يكون إلا متباعدا بحيث تكون
كل كلمة في قسم ، والترديد يتكرر والعطف لا يتكرر ، والترديد يكون بالاسماء
المفردة والجمل المؤتلفة والحروف والتعطف لا يكون إلا بالجمل غالبا» .
وعقد للتّعطّف
بابا مستقلا وقال : «وقد سمّاه قوم المشاكلة ، وقد تقدم أنّ التعطف كالترديد في
إعادة اللفظة بعينها في البيت وأنّ الفرق بينهما بموضعهما وباختلاف التردد ، وثبت
أنّ التعطف لا بدّ أن تكون إحدى كلمتيه في مصراع والأخرى في المصراع الآخر ليشبه
مصراعا البيت في انعطاف أحدهما على الآخر بالعطفين في كل عطف منهما يميل الى
الجانب الذي يميل اليه الآخر» . وذكر له بيت زهير : «من يلق يوما ...» وقوله تعالى : (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا
__________________
إِحْدَى
الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ
عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) وقوله : (وَهُمْ عَنِ
الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ).
وقال ابن مالك
: «التعطيف أن تعلق الكلمة في موضع من الصدر بمعنى ، ثم تعلقها فيما سوى الضرب من
العجز بمعنى آخر» ، كقول الشاعر :
إذا ما نهى
الناهي فلجّ بي الهوى
|
|
أصاخ الى
الواشي فلجّ بي الهجر
|
كأنّ الكلمتين
على عطفي البيت ، وهذه من المزاوجة.
ومنه قول
المتنبي :
فساق اليّ
العرف غير مكدّر
|
|
وسقت اليه
المدح غير مذمّم
|
وتحدّث عنه ابن
الأثير الحلبي في باب الترديد وقال : «فاما التعطف فهو أن تكون إحدى الكلمتين في
المصراع الأول والأخرى في المصراع الثاني ، وكذلك المشاكلة. وحاصل الأمر أنّ هذه
الانواع كلها مادة واحدة وشواهدها متقاربة وهي باب واحد» . وذكر بيت أبي نواس : «صفراء لا تنزل ...» ، وقول
الشاعر :
سريع الى ابن
العمّ يشتم عرضه
|
|
وليس الى
داعي النّدى بسريع
|
وهذا من ردّ
العجز على الصدر.
وقال السبكي :
إنّه «كالترديد إلا أنّ الكلمة مذكورة في مصراعين وهو أعمّ من المزاوجة من وجه ،
فان تلك يشترط فيها الشرط والجزاء ولا يشترط فيها التكرر في مصراعين أو فقرتين ،
وهذا يشترط فيه التكرر في مصراعين ولا يشترط أن يكون في الكلام شرط وجزاء وينفصل
هذا والذي قبله عن ردّ العجز على الصدر بأنّ ذلك يكون العجز فيه آخر الضرب أو آخر
الفقرة وهذان يكون إعادة الكلمة فيهما فيما وراء القافية» .
وقال الحموي
بعد أن أشار الى الصلة بينه وبين الترديد والفرق بينهما إنّ التعطف من الانواع
التي «ليس تحتها كبير أمر ، وإنّ رتبة البديع أعلى من هذه الأنواع السافلة» .
وتحدّث السيوطي
عنه في علم المعاني وقال : «ثم نبهت من زيادتي أيضا على أنواع خاصة من التكرير
أحدها يسمى الترديد ... ثانيها : التعطف ، وهو مثل الترديد إلا أنّه يشترط في
إعادة اللفظ أن يكون في فقرة أخرى أو مصراع آخر» . وذكر المدني ما ذكره السابقون وفرّق بين الترديد
والتعطف من وجهين :
الأول : أنّ
الترديد لا يشترط فيه إعادة اللفظة في المصراع الثاني بل لو اعيدت في المصراع
الأول صحّ ، بخلاف التعطف.
والثاني : أنّ
الترديد يشترط فيه إعادة اللفظة بصيغتها ، والتعطف لا يشترط فيه ذلك ، بل يجوز أن
تعاد اللفظة بصيغتها وبما يتصرف منها .
تعقيب الكلام :
عقب كلّ شيء :
آخره ، وعقّب فلان في الصلاة تعقيبا : إذا صلّى فأقام في موضعه ينتظر صلاة أخرى.
وعقب هذا هذا :
إذا جاء بعده وقد بقي من الأول شيء. وتعقّب الخبر : تتبعه ، ويقال : تعقّبت الأمر
: اذا تدبرته .
__________________
قال التّنّوخي
: «ومن البيان تعقيب الكلام بمصدر معظم بمن أضيف اليه توكيدا لما في ذلك الكلام من
الحكم والمعاني وغير ذلك مما يعظم في بابه خيرا أو شرا» . ومنه قوله تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ
تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي
أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ). لما كانت الجبال ترى جامدة وهي تمرّ مرّ السحاب لسرعة
حركتها وهي لا ترى كان ذلك أمرا عظيما تحار فيه العقول ، وكّد بقوله تعالى : (صُنْعَ اللهِ) ثم وصف نفسه بانه المتقن لكل شيء.
ومن ذلك قول
الشاعر :
يركب كلّ
عاقر جمهور
|
|
مخافة وزعل
المحبور
|
والهول
من تهوّل الهبور
|
يجوز أن يكون «مخافة»
وما عطف عليه منتصبا على المصدر أو مفعولا له ، وهو مصدر أيضا فوكّد به سوء فعله في
كونه راكب العاقر وهو ما لم ينبت من الرمل مع أنّه جمهور وهو ما تراكم من الرمل
أيضا ، وترك السهل خوفا وسرعة لكونه متنعما يعسر عليه تحمل الشقاء أو هولا وتهوّلا
من المواضع المطمئنة للجبن ، وكل ذلك ركوب السهل خير منه فوكّد بتلك المصادر ضعف
رأيه مع أنّ المصدر حيث وقع يكون مؤكّدا لفعله أو مبينا لنوعه أو لعدده.
وذكر ابن رشيق
في باب التقسيم أنّ منه ما يسمى جمع الأوصاف كقول امرىء القيس :
له أيطلا ظبي
وساقا نعامة
|
|
وإرخاء سرحان
وتقريب تتفل
|
ويسميه بعض
الحذّاق من أهل الصناعة «التعقيب» وهو عندهم مستحسن ، أما التعقيب وهو مثل التقعير
فمكروه في الكلام» .
التّعقيد :
العقد : نقيض
الحلّ ، عقده يعقده عقدا وتعقادا وعقّده ، وقد اثعقد وتعقد . والتعقيد من الأساليب غير المستحسنة ، وقد قال بشر بن
المعتمر : «وإياك والتوعر فانّ التوعّر يسلمك الى التعقيد والتعقيد هو الذي يستهلك
معانيك ويشين ألفاظك» .
وذكر المبرد
أنّ من أقبح الضرورة وأهجن الالفاظ وأبعد المعاني قول الفرزدق في مدح ابراهيم بن
هشام :
وما مثله في
الناس إلا مملّكا
|
|
أبو أمه حيّ
أبوه يقاربه
|
«وكان يكون
إذا وضع الكلام في موضعه أن يقول : وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملك أبو أم
هذا المملك أبو هذا الممدوح. فدلّ على أنّه خاله بهذا اللفظ البعيد. وهجنه بما
أوقع فيه من التقديم والتأخير حتى كأنّ هذا الشعر لم يجتمع في صدر رجل واحد مع
قوله حيث يقول :
تصرّم مني
ودّ بكر بن وائل
|
|
وما كاد مني
ودّهم يتصرّم
|
قوارص تأتيني
ويحتقرونها
|
|
وقد يملأ
القطر الإناء فيفعم
|
وكأنه لم يقع
ذلك الكلام لمن يقول :
والشيب ينهض
في السواد كأنّه
|
|
ليل يصيح
بجانبيه نهار
|
فهذا أوضح معنى
وأعرب لفظ وأقرب مأخذ» .
وكان جعفر بن
يحيى يطلب أن يكون الكلام بريا من التعقيد ، وقال العسكري : «التعقيد والاغلاق
والتقعير سواء ، وهو استعمال الوحشي وشدة تعليق الكلام بعضه ببعض حتى يستبهم
المعنى» . وقد
__________________
وقع المتنبي في استكراه اللفظ وتعقيد المعنى ، قال الثعالبي : «وهو أحد
مراكبه الخشنة التي ينسخها ويأخذ عليها في الطرق الوعرة فيضل ويضل ويتعب ويتعب ولا
ينجح» .
واهتم ابن جني
بهذه المسألة وذكر أمثلة كثيرة للتعقيد ، وبيّن أنّه من آثار الإخلال بقواعد النحو
وأصوله ، وأنّه متعمد لاظهار قوة الطبع ، وقال عبد القاهر إنّ ذلك بسبب فساد النظم وسوء
التأليف .
وأدخل
السّكّاكي التعقيد في بحث الفصاحة وقال إنها قسمان : قسم راجع الى المعنى وهو خلوص
الكلام عن التعقيد ، وفسّره بقوله : «والمراد بتعقيد الكلام هو أن يعثر صاحبه فكرك
في متصرفه ويشيك طريقك الى المعنى ويوعر مذهبك نحوه حتى يقسم فكرك ويشعب ظنك الى
أن لا تدري من أين تتوصل وبأي طريق معناه يتحصل كقول الفرزدق :
وما مثله في
الناس إلا مملّكا
|
|
أبو أمه حيّ
أبوه يقاربه
|
وكقول أبي تمام
:
ثانيه في كبد
السّماء ولم يكن
|
|
كاثنين ثان
إذهما في الغار
|
وغير المعقّد
هو أن يفتح صاحبه لفكرتك الطريق المستوي ويمهّده وإن كان في معاطف نصب عليه المنار
وأوقد الأنوار حتى تسلكه سلوك المتبين لوجهته وتقطعه قطع الواثق بالنجح في طيته» . وتبعه في ذلك القزويني الذي عرّف التعقيد بقوله : «هو
أن لا يكون الكلام ظاهر الدّلالة على المراد به» . وله سببان :
أحدهما : ما
يرجع إلى اللفظ وهو أن يختل النظم ولا يدري السامع كيف يتوصل منه الى معناه كقول
الفرزدق. والكلام الخالي من التعقيد اللفظي ما سلم نظمه من الخلل فلم يكن فيه ما
يخالف الأصل من تقديم أو تأخير أو إضمار أو غير ذلك إلا وقد قامت عليه قرينة لفظية
أو معنوية.
والثاني : ما
يرجع الى المعنى وهو أن لا يكون انتقال الذهن من المعنى الأول الى المعنى الثاني
الذي هو لازمه والمراد به ظاهرا كقول العباس بن الأحنف :
سأطلب بعد
الدار عنكم لتقربوا
|
|
وتسكب عيناي
الدموع لتجمدا
|
كنّى بسكب
الدموع عما يوجبه الفراق من الحزن وأصاب ، لأنّ من شأن البكاء أن يكون كناية عنه
كقولهم : «أبكاني وأضحكني» أي : ساءني وسرني ، كما قال الحماسي :
أبكاني
الدّهر ويا ربّما
|
|
أضحكني
الدّهر بما يرضي
|
ثم طرد ذلك نقيضه
فاراد أن يكنّي عما يوجبه دوام التلاقي من السرور بالجمود لظنه أنّ الجمود خلو
العين من البكاء مطلقا من غير اعتبار شيء آخر ، وأخطأ ؛ لأنّ الجمود خلو العين من
البكاء في حال إرادة البكاء منها فلا يكون كناية عن المسرّة وإنّما يكون كناية عن
البخل. فالكلام الخالي من التعقيد ما كان الانتقال من معناه الأول الى معناه
الثاني الذي هو المراد به ظاهرا حتى يخيل الى السامع أنّه فهمه من حاقّ اللفظ.
وسار
المتأخّرون على مذهب السكاكي والقزويني ، ودرسوا التعقيد في مبحث الفصاحة الذي
صدّروا به دراساتهم البلاغية .
التّعليق :
علق بالشيء
علقا وعلقه : نشب فيه ، والتعليق من
__________________
علّق ، يقال : علّق بها تعليقا أي ارتبط بها أو أحبها .
وقد عقد ابن
منقذ بابا باسم «التعليق والادماج» وقال : «هو أن تعلق مدحا بمدح وهجوا بهجو ومعنى
بمعنى» كمال قال المتنبي :
الى كم تردّ
الرسل فيما أتوا به
|
|
كأنّهم فيما
وهبت ملام
|
أدمج «الرسل»
بردّ اللوم ، فكلاهما مديح.
وقول الآخر :
مغرى بقذف
المحصنا
|
|
ت وليس من
أبنائهن
|
وقال ابن شيث
القرشي : «التعليق هو أن يعلق معنى بمعنى فيعلق المدح بالمدح والهجو بالهجو» .
وهذا تعريف ابن
منقذ ، وقد ذكر له البيت السابق وقول القائل : «وأنت أبدا تردّ على قولي حتى كأني
ألومك فيما طبعت عليه من النوال أو أسومك أن تكون وأنت من سادات الكرام من البخال».
وعلامة هذا
الباب أن يكون أحد المعنيين تلويحا والآخر تصريحا ، ومنه أن يتحيل الكاتب في
بلاغته أن يقصد شيئا ويلف معه غيره. وهذا ما بحثه العسكري في باب «المضاعفة» وقال
: «هو أن يتضمن الكلام معنيين مصرح به ومعنى كالمشار اليه» . وهو قريب مما سماه السكاكي «الاستتباع» وقال : «هو
المدح بشيء على وجه يستتبع مدحا آخر» .
وأشار الى ذلك
المدني وهو يتحدث عن الاستتباع فقال : «هذا النوع سماه العسكري المضاعف وابن أبي
الاصبع ومن بعده التعليق وسماه الزنجاني الموجّه ، والسكاكي الاستتباع ، ولم يغيّر
أحد منهم من الشواهد. وهو عبارة عن الوصف بشيء يستتبع وصفا آخر من جنس الوصف الأول
مدحا كان أو ذما أو غير ذلك» . وعاد المصري الى مصطلح ابن منقذ وقال : «التعليق هو أن
يأتي المتكلم بمعنى في غرض من أغراض الشعر ثم يعلق به معنى آخر من ذلك الغرض يقتضي
زيادة معنى من معانى ذلك الفن كمن يروم مدحا لانسان بالكرم فيعلق بالكرم شيئا يدل
على الشجاعة بحيث لو أراد أن يخلص ذكر الشجاعة من الكرم لما قدر» . ومن ذلك قوله تعالى : (أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) فانه ـ سبحانه ـ لو اقتصر على وصفهم بالذل على المؤمنين
لاحتمل أن يتوهم ضعيف الفهم أنّ ذلّهم عن عجز وضعف فنفى ذلك عنهم وكمّل المدح لهم
بذكر عزهم على الكافرين ليعلم أنّ ذلهم للمؤمنين عن تواضع لله ـ سبحانه ـ لا عن
ضعف ولا عجز ، بلفظ اقتضت البلاغة الاتيان به ليتمم بديع اللفظ كما تم المدح ،
فحصل في هذه الالفاظ الاحتراس مدمجا في المطابقة وذلك تبع للتعليق الذي هو مطلوب
من الكلام.
ومنه قول أحدهم
في بعض القضاة وقد شهد عنده برؤية هلال الفطر فلم يجز الشهادة :
أترى القاضي
أعمى
|
|
أم تراه
يتعامى
|
سرق العيد
كأنّ الع
|
|
يد أموال
اليتامى
|
فعلق خيانة
القاضي في أموال اليتامي بما قدّمه من خيانته أمر العيد برابطة التشبيه. وفصل
المصري الادماج عن التعليق وعقد له بابا مستقلا وقال : «هو أن يدمج المتكلم غرضا
له في ضمن معنى وقد نحّاه من جملة المعاني ليوهم السامع انه لم يقصده وانما عرض في
كلام لتتمة معناه الذي قصد اليه» .
__________________
وقسّم ابن مالك
التعليق الى قسمين :
الأول : أن
تأتي في شيء من الفنون بمعنى تام فيه توطئة لما تذكره بعد من معنى آخر ، أما في
ذلك الفن كقول أبي نواس :
لهم في بيتهم
نسب
|
|
وفي وسط
الملا نسب
|
لقد زنّوا
عجوزهم
|
|
ولو زنّيتها
غضبوا
|
فعلق هجوهم
بالسخف والحماقة بهجوم بفجور أمهم ودناءة أبيهم حيث لم يرضوه وادعوا غيره. وأما من
فن آخر كقول المتنبي في صفة الليل :
أقلّب فيه
أجفاني كأنّي
|
|
أعدّ بها على
الدّهر الذنوبا
|
فعلّق في عتاب
الزمان بفن الغزل اللازم من الوصف.
الثاني : أن
يتضمن التعليق بالشرط وراء التلازم للدلالة على زيادة المبالغة كقول أبي تمام :
فان أنا لم
يمدحك عني صاغرا
|
|
عدوّك فاعلم
أنّني غير حامد
|
فانه كنّى
بتعليق عدم حمده لممدوحه على عدم حمد عدوه صاغرا عن المبالغة وعلو همته واقتدار
ممدوحه على كثرة العطاء .
وذكر العلوي
هذين القسمين وأمثلتهما بعد أن عرّف التعليق بقوله : «وهو في لسان علماء البيان
مقول على حمل الشيء على غيره لملازمة بينهما» .
وعاد ابن قيم
الجوزية الى مذهب ابن منقذ فعقد للتعليق والادماج فصلا واحدا وعرّفه بمثل تعريفه .
التّعليل :
علّله بطعام
وحديث ونحوهما : شغله بهما ، يقال :
فلان يعلّل
نفسه بتعلّة : وتعلّل به أي تلهّى به .
التعليل هو حسن
التعليل ، وقد ذكر ابن سنان الاستدلال بالتعليل ولم يعرّفه . وتحدث عبد القاهر عن التخييل ، ويفهم من كلامه أنّه
يريد به حسن التعليل فقد قال : «وجملة الحديث الذي أريد بالتخييل ههنا ما يثبت فيه
الشاعر أمرا هو غير ثابت أصلا ويدعي دعوة لا طريق الى تحصيلها ويقول قولا يخدع فيه
نفسه» . وسماه الرازي «حسن التعليل» وقال : «هو أن يذكر وصفان أحدهما لعلة الآخر
ويكون الغرض ذكرهما جميعا» ، كقول القائل :
فان غادر
الغدران في صحن وجنتي
|
|
فلا غرو منه
لم يزل وابلا يهمي
|
وقال الحلبي
والنّويري : «هو أن يدعى لوصف علة مناسبة له باعتبار لطيف وهو أربعة أضرب ، لأنّ
الصفة إما ثابتة قصد بيان علتها أو غير ثابتة أريد اثباتها» .
فالأولى : أن
لا يظهر لها في العادة علة كقول المتنبي :
لم يحك نائلك
السّحاب وإنّما
|
|
حمّت به
فصبيبها الرّحضاء
|
أو تظهر لها
علة كقول المتبي :
ما به قتل
أعاديه ولكن
|
|
يتّقي إخلاف
ما ترجو الذئاب
|
فانّ قتل
الاعداء في العادة لدفع مضرتهم لا لما ذكره.
الثانية : اما
ممكنة كقول مسلم بن الوليد :
يا واشيا
حسنت فينا إساءته
|
|
نجّى حذارك
إنساني من الغرق
|
__________________
فان استحسان
إساءة الواشي ممكن لكن لما خالف الناس فيه عقّبه بما ذكر. أو غير ممكنة كقول
الشاعر :
لو لم تكن
نية الجوزاء خدمته
|
|
لما رأيت
عليها عقد منتطق
|
وألحق به ما
بني على الشك كقول أبي تمام :
ربا شفعت ريح
الصّبا لرياضها
|
|
الى المزن
حتى جادها وهو هامع
|
كأنّ السّحاب
الغرّغّيبن تحتها
|
|
حبيبا فما
ترقى لهنّ مدامع
|
وذهب الى ذلك
القزويني في التعريف والتقسيم وإلحاق ما بني على الشك به ، وتبعه شراح تلخيصه والسيوطي والمدني .
وعقد بعض
البلاغيين فصلا باسم «التعليل» ، وقد قال المصري : «هو أن يريد المتكلم ذكر حكم
واقع أو متوقع فيقدم قبل ذكره علة وقوعه لكون رتبة العلة أن تقدم على المعلول» ، كقوله تعالى : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ
اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ، فسبق الكتاب من الله علة في النجاة من العذاب. ومنه
قول البحتري :
ولو لم تكن
ساخطا لم أكن
|
|
أذمّ الزمان
وأشكو الخطوبا
|
فوجود سخط
الممدوح هو العلة في شكوى الشاعر الزمان.
ونقل ابن
الأثير الحلبي تعريف المصري والآية الكريمة ، وقال ابن مالك : «التعليل أن تقصد الى حكم فتراه
مستبعدا لكونه قريبا او عجيبا أو لطيفا أو نحو ذلك فتأتي على سبيل التطرف بصفة
مناسبة للتعليل فتدعي كونها علة للحكم لتوهم تحقيقه ، فان اثبات الحكم بذكر علته
أروج في العقل من إثباته بمجرد دعواه» .
وذكر العلوي
تعريف ابن مالك وقسّمه الى نوعين :
الأوّل : أن
يأتي التعليل صريحا إما باللام كقول ابن رشيق يعلل قوله ـ عليهالسلام ـ : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» فقال في معنى ذلك :
سألت الأرض
لم جعلت مصلّى
|
|
ولم كانت لنا
طهرا وطيبا
|
فقالت غير
ناطقة لأنّي
|
|
حويت لكلّ
إنسان حبيبا
|
ولقد أحسن في
الاستخراج وألطف في التعليل ، فلأجل ما قاله كان ذلك علة في كونها طهورا ومسجدا.
الثاني : أن لا
يكون التعليل صريحا في اللفظ وإنّما يؤخذ من جهة السياق والنظم والمعنى كقول بعض
الشعراء ، ولعله مسلم بن الوليد :
يا واشيا
حسنت منا اساءته
|
|
نجّى حذارك
إنساني من الغرق
|
فلقد أبدع فيما
قاله وأراد أنّ الواشي مذموم لا محالة لما يفعله من القبيح لكنّ العلة في حسن
إساءته وهو أنّه يخاف على محبوبته من وشايته فامتنع دمع عينه من أجل الخوف فسلم
إنسان عينه من أن يغرق بدموعه لما كان خائفا مذعورا من الوشاية ، فلا وجه لتعليل
حسن الوشاة إلا هذا.
وقال الزركشي
إنّ ذكر الشيء معلّلا أبلغ من ذكره
__________________
بلا علة لوجهين :
أحدهما : أنّ
العلة المنصوصة قاضية بعموم المعلول.
الثاني : أنّ
النفوس تنبعث الى نقل الاحكام المعللة بخلاف غيرها.
وغالب التعليل
في القرآن الكريم هو على تقدير جواب سؤال اقتضته الجملة الاولى وهو سؤال عن العلة .
وتختلف نظرة
الزركشي عن الآخرين في التعليل فهو يريد التعليل الحقيقي ولذلك تحدّث عن الطرق
الدالة على العلة كالتصريح بلفظ الحكم او الإتيان بـ «كي» أو ذكر المفعول له ، أو
الإتيان بـ «أن» وغير ذلك. ويريد البلاغيون به حسن التعليل الذي لا يقوم على علة
حقيقية في أغلب الأحيان. ويبدو أنّ اتجاه الزركشي لم يؤثر في البلاغيين كثيرا ،
فالحموي عاد الى ما قاله المصري وابن مالك ، غير أنّ السيوطي أوجز ما قاله الزركشي ايجازا لا يوضح
المسألة ، ولعل سبب عودته الى ذلك اتصال موضوعه بالقرآن الكريم.
التّعمية :
عمي عليه الأمر
: التبس ، والتعمية أن تعميّ على الانسان شيئا فتلبّسه عليه تلبيسا ، والتعمية :
الاخفاء ، ويقال : عميت معنى البيت تعمية .
تحدث ابن رشيق
عن التعمية في باب الإشارة وقال : «ومنها التعمية ، وهذا مثل للطير وما شاكله ،
كقول أبي نواس : «واسم عليه خبن للصفا» وما أشبهه» .
وتحدث عنها
الحموي في باب «الالغاز» وقال : «هذا النوع أعني الالغاز يسمى المحاجاة والتعمية
وهي أعم اسمائه ، وهو أن يأتي المتكلم بعدة ألفاظ مشتركة من غير ذكر الموصوف ويأتي
بعبارات يدل ظاهرها على غيره وباطنها عليه» كقول ابي العلاء في إبرة :
سعت ذات سمّ
في قميص فغادرت
|
|
به أثرا
والله شاف من السّم
|
كست قيصرا
ثوب الجمال وتبّعا
|
|
وكسرى وعادت
وهي عارية الجسم
|
وأدخلها
السجلماسي في انواع الاشارة .
التّغاير :
تغيّر الشيء عن
حاله : تحوّل ، وغيّره : حوّله وبدّله كأنه جعله غير ما كان. وغير عليه الأمر :
حوّله.
وتغايرت
الاشياء اختلفت .
قال ابن رشيق :
«هو ان يتضاد المذهبان في المعنى حتى يتقاوما ثم يصحا جميعا وذلك من افتنان
الشعراء وتصرفهم وغوص أفكارهم» . ومن ذلك قول بعضهم يذكر قوما بأنهم لا يأخذون إلا
القود دون الدية :
لا يشربون
دماءهم بأكفّهم
|
|
إنّ الدماء
الشافيات تكال
|
وقال آخر وقد
أخذ بثأره إلا انه فيما زعم قتل دون من قتل له :
فيقتل خير
بامرىء لم يكن له
|
|
بواء ولكن لا
تكايل بالدم
|
ومن هذا الباب
قول أبي تمام في التكرم يفضله على الكرم المطبوع :
__________________
قد بلونا أبا
سعيد حديثا
|
|
وبلونا أبا
سعيد قديما
|
ووردناه
سائحا وقليبا
|
|
ورعيناه
بارضا وجميما
|
فعلمنا أن
ليس إلا بشقّ ال
|
|
نفس صار
الكريم يدعى كريما
|
وقال المتنبي
في خلافه :
لو كفر
العالمون نعمته
|
|
لما عدت نفسه
سجاياها
|
كالشمس لا
تبتغي بما صنعت
|
|
تكرمة عندهم
ولا جاها
|
ومن مليح
التغاير قول أبي الشيص :
أجد الملامة
في هواك لذيذة
|
|
حبّا لذكرك
فليلمني اللّوّم
|
وقول المتنبي
في عكس هذا :
أأحبّه وأحبّ
فيه ملامة
|
|
إنّ الملامة
فيه من أعدائه
|
وهذا عند
القاضي الجرجاني من لطيف السرق وقد جاء على وجه القلب وقصد به النقض .
وقال المصري : «التغاير
هو تضاد المذهبين أما في المعنى الواحد بحيث يمدح انسان شيئا ويذمه أو يذم ما مدحه
غيره أو يفضل شيئا على شيء ثم يعود فيجعل المفضول فاضلا أو يفعل ذلك مع غيره فيجعل
المفضول عند غيره فاضلا وبالعكس» .
وقال الحلبي
والنّويري : «هو أن يغاير المتكلم الناس فيما عادتهم أن يمدحوه فيذمه أو يذمونه
فيمدحه» . وعرّفه بمثل ذلك السبكي وأضاف أنّ التغاير إما من كلام
شخصين كقوله تعالى : (قالُوا إِنَّا بِما
أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي
آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ). وإما أن يتغاير كلام الشخص الواحد في وقتين كقول قريش
عن القرآن الكريم : (ما سَمِعْنا بِهذا
فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) فانه اعتراف بالعجز ثم قالوا في وقت آخر : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا).
وكان الأصل أن
لا يعدّ هذا حسنا بل عيبا لكنه لوقوعه في وقتين مختلفين في غير هذا المثال عدّ من
المحاسن .
وسمّاه العسكري
التلطف وهو من زياداته ، وقال : «هو أن تتلطف للمعنى الحسن حتى تهجنه والمعنى
الهجين حتى تحسّنه ».
وقال الحموي عن
التغاير : «سمّاه قوم التلطف وهو أن يتلطف الشاعر بتوصله الى مدح ما كان قد ذمه هو
أو غيره» ، وقال السيوطي مثل ذلك . وسماه آخرون «المغايرة» ، قال المدني : «المغايرة
والتغاير ويسميه قوم التلطف» .
التّغليب :
غلبه : قهره ،
وغلّب على صاحبه : حكم له عليه بالغلبة ، وتغلّب على بلد كذا : استولى عليه قهرا ،
وغلّبته أنا عليه تغليبا .
__________________
قال القرطاجني
هو «أن يغلب الأرجح من جهة الفصاحة أو البلاغة لفظا أو معنى» .
وقال القزويني
: «التغليب باب واسع يجري في فنون كثيرة» كقوله تعالى : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا
شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي
مِلَّتِنا).
أدخل شعيب ـ عليهالسلام ـ في (لَتَعُودُنَّ فِي
مِلَّتِنا) بحكم التغليب إذ لم يكن شعيب في ملتهم أصلا. وقد يسمى «ترجيح
أحد المعلومين على الآخر» ، ويكثر التغليب بالتثنية من ذلك «أبوان» للأب والأم ، و
«الخافقان» للمشرق والمغرب و «العمران» لأبي بكر وعمر.
وعرّفه الزركشي
بقوله : «وحقيقته إعطاء الشيء حكم غيره ، وقيل ترجيح أحد المغلوبين على الآخر أو
إطلاق لفظه عليهما إجراء المختلفين مجرى المتّفقين» . وهو أنواع : فمنه تغليب المذكر ، وتغليب المتكلم على
المخاطب ، والمخاطب على الغائب ، وتغليب العاقل على غيره ، وتغليب المتّصف بالشيء
على ما لم يتّصف به ، وتغليب الأكثر على الأقلّ ، وتغليب الجنس الكثير الأفراد على
فرد من غير هذا الجنس مغموز فما بينهم بأن يطلق اسم الجنس على الجميع ، وتغليب
الموجود على ما لم يوجد ، وتغليب الإسلام ، وتغليب ما وقع بغير هذا الوجه ، وتغليب
الأشهر. وقد قالوا إنّ جميع باب التغليب من المجاز ، قال الزركشي : «لأنّ اللفظ لم
يستعمل فيما وضع له ألا ترى أنّ القانتين موضوع للذكور الموصوفين بهذا الوصف ،
فاطلاقه على الذكور والاناث على غير ما وضع له» .
التّغيير :
تغيّر الشيء عن
حاله : تحوّل ، وغيّره : حوّله وبدّله كأنه جعله غير ما كان ، وغيّر عليه الأمر :
حوّله .
قال قدامة : «هو
أن يحيل الشاعر الاسم عن حاله وصورته الى صورة اخرى إذا اضطرته العروض الى ذلك» ، كما قال بعضهم يذكر سليمان ـ عليهالسلام ـ :
وكلّ صموت
نثلة تبعية
|
|
ونّسج سليم
كلّ قضّاء ذائل
|
وكما قال الآخر
:
ودعا بمحكمة
أمين سكّها
|
|
من نسج داود
أبي سلّام
|
التّفخيم :
فخّمه وتفخّمه
: أجلّه وعظّمه ، والتفخيم : التعظيم ، وفخّم الكلام : عظّمه .
وقد تحدّث ابن
رشيق عنه في باب الإشارة وقال : «ومن أنواع الإشارة التفخيم والإيماء ، فأمّا
التفخيم فكقول الله تعالى : (الْقارِعَةُ مَا
الْقارِعَةُ) وقد قال كعب بن سعد الغنوي :
أخي ما أخي
لا فاحش عند بيته
|
|
ولا ورع عند
اللقاء هيوب
|
وذكره
السجلماسي في الإبهام وهو من جنس
__________________
الاشارة .
التّفريط :
أفرط عليه في
القول يفرط : أسرف وتقدّم. وفرط في الأمر يفرط فرطا أي قصّر فيه وضيّعه حتى فات ،
وكذلك التفريط وهو التقصير والتضييع .
قال ابن منقذ :
«هو أن يقدم الشاعر على شيء فيأتي بدونه فيكون تفريطا منه إذ لم يكمل اللفظ أو
يبالغ في المعنى» ، كقول حسّان بن ثابت :
لنا الجفنات
الغرّ يلمعن بالضّحى
|
|
وأسيافنا من
شدّة تقطر الدما
|
فرّط في قوله :
«الجفنات» لأنّها دون العشرة وهو يقدر أن يقول : «لدينا الجفان» لأنّ العدد الأقل
لا يفتخر به.
وقال ابن
الأثير : «واما التفريط فهو التقصير والتضييع ، ولهذا قال الله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) أي : ما أهملنا ولا ضيّعنا. وأما الإفراط فهو الإسراف
وتجاوز الحدّ ، يقال : أفرط في الشيء ، إذا أسرف وتجاوز الحدّ. والتفريط والإفراط
هما الطرفان البعيدان ، والاقتصاد هو الوسط المعتدل ، وقد نقلت هذه المعاني
الثلاثة إلى هذا النوع من علم البيان. أمّا الاقتصاد فهو : أن يكون المعنى المضمر
في العبارة على حسب ما يقتضيه المعبّر عنه في منزلته. أمّا التفريط والإفراط فهما
ضدّان : أحدهما أن يكون المعنى المضمر في العبارة دون ما تقتضيه منزلة المعبّر عنه
، والآخر أن يكون المعنى فوق منزلته.
والتفريط في
المعاني الخطابية قبيح لا يجوز استعماله بوجه من الوجوه ، والإفراط يجوز استعماله
، فمنه الحسن ومنه دون ذلك. فممّا جاء من التفريط قول الأعشى :
وما مزبد من
خليج الفرا
|
|
ت جون غواربه
تلتطم
|
بأجود منه
بما عونه
|
|
إذا ما
سماؤهم لم تغم
|
فانه مدح ملكا
بالجود بماعونه ، والماعون : كلّ ما يستعار من قدوم أو قصعة أو قدر أو ما أشبه ذلك
، وليس للملوك في بذله مدح ولا لأوساط الناس أيضا ، وفي مدح السوقة به قولان ،
ومدح الملوك به عيب وذمّ فاحش ، وهذا من أقبح التفريط» .
وقال التّنّوخي
: «والتفريط أن يكون اللفظ قاصرا عمّا تضمنه من المعنى» .
وقال ابن الأثير
الحلبي : «وأمّا التفريط والإفراط فهو أن يكون المعنى المضمّن في العبارة بخلاف ما
تقتضيه البلاغة إمّا أن يكون انحطاطا دونها فهو تفريط وإمّا ما تجاوز عنها فهو
الإفراط. ولهذا قال عليهالسلام : «الجاهل إمّا مفرط أو مفرّط» يعني إما مقصّر فيما يجب
عليه أو متجاوز الحدّ فيما أمر به» .
وعرّفه العلوي
بمثل هذا التعريف ، أي أنّ التفريط هو التقصير والتضييع ، وعدّ الاقتصاد والتفريط والإفراط فصلا واحدا سماه «الامتحان».
ونقل ابن الجوزيّة كلام ابن الأثير وبعض أمثلته .
لقد تحدّث
البلاغيّون عن التفريط وأوضحوا معناه ، والغريب أنّ السّيوطي قال : «ونبّهت من
زيادتي أيضا على نوع يسمّى التفريط ذكره عبد الباقي اليمني في كتابه ولم أره لغيره
قال : «وهو ضد المبالغة ، أن يؤتي بالوصف ناقصا عمّا يقتضيه حال
__________________
المعبر عنه» . وذكر بيتي الأعشى السابقين. وهذا غريب من السّيوطي ،
ولعلّه يريد انه لم ير أحدا أدخل التفريط في المحسّنات المعنوية من البديع.
التّفريع :
فرّع : فرّق ،
وفرع كل شيء : أعلاه ، وتفرّعت أغصان الشجرة أي كثرت . والتفريع مصدر قولك : «فرعت من هذا الأصل فروعا» إذا
استخرجتها . قال ابن رشيق : «وهو من الاستطراد كالتدريج في التقسيم
، وذلك أن يقصد الشاعر وصفا ما ثم يفرع منه وصفا آخر يزيد الموصوف توكيدا» ، كقول الكميت :
أحلامكم
لسقام الجهل شافية
|
|
كما دماؤكم
يشفى بها الكلب
|
فوصف شيئا ثم
فرّع شيئا آخر لتشبيه شفاء هذا بشفاء هذا.
وقول ابن
المعتز :
كلامه أخدع
من لحظه
|
|
ووعده أكذب
من طيفه
|
فبينا هو يصف
خدع كلامه فرّع منه خدع لحظه ، ويصف كذب وعده فرّع كذب طيفه. وقال البغدادي : «هو
أن يأخذ الشاعر في وصف من الأوصاف فيقول ما كذا ، فينعت شيئا من الأشياء نعتا حسنا
ثم يقول بأفعل من كذا» ، كما قال الأعشى :
ما روضة من
رياض الحزن معشبة
|
|
خضراء جاد
عليها مسبل هطل
|
يضاحك الشمس
منها كوكب شرق
|
|
مؤزّر بعميم
النّبت مكتهل
|
يوما بأطيب
منها نشر رائحة
|
|
ولا بأحسن
منها إذ دنا الأصل
|
وقال القرطاجني
: «هو أن يصف الشاعر شيئا بوصف ما ثم يلتفت الى شي آخر يوصف بصفة مماثلة أو مشابهة
أو مخالفة لما وصف به الأول فيستدرج من أحدهما الى الآخر ويستطرد به اليه على جهة
تشبيه أو مفاضلة أو التفات أو غير ذلك مما يناسب به بين بعض المعاني وبعض فيكون
ذكر الثاني كالفرع عن ذكر الأول» . وهذا قريب مما ذهب اليه ابن رشيق ، بل الأمثلة واحدة.
والتفريع عند المصري نوعان :
أحدهما : أن
يبدأ الشاعر بلفظة هي إما اسم وإما صفة ثم يكررها في البيت مضافة الى أسماء وصفات
يتفرع من جملتها أنواع من المعاني في المدح وغيره كقول المتنبي :
أنا ابن اللقاء
أنا ابن السماء
|
|
أنا ابن
الضراب انا ابن الطعان
|
أنا ابن
الفيافي أنا ابن القوافي
|
|
انا ابن
السروج أنا ابن الرعان
|
طويل النجاد
طويل العماد
|
|
طويل القناة
طويل السنان
|
حديد اللحاظ
حديد الحفاظ
|
|
حديد الحسام
حديد الجنان
|
وهذا النوع لم
يسبق الى استخراجه ، وهو تفريع الجميع لأنّ كل بيت ينطوي على فروع من المعاني شتى
من المدح تفرعت من أصل واحد.
والنوع الثاني
: يتفرع منه معنى واحد من أصل واحد اما في بيت أو أبيات ، واما في جملة من الكلام
او جمل ، وهو أن يصدر الشاعر او المتكلم
__________________
كلامه باسم منفي بـ «ما» خاصة ثم يصف الاسم المنفي بمعظم أوصافه اللائقة به
إما في الحسن او القبح ثم يجعله أصلا يفرع منه معنى في جملة من جار ومجرور متعلقة
به تعلق مدح او هجاء أو فخر او نسيب أو غير ذلك يفهم من ذلك مساواة المذكور بالاسم
المنفي الموصوف ومنه أبيات الأعشى السابقة. وقد سمّى ابن منقذ هذا النوع النفي .
ومن التفريع
نوع ثالث وهو تفريع معنى من معنى من غير تقدم نفي ولا جحود كقول ابن المعتز :
كلامه أخدع
من لفظه
|
|
ووعده أكذب
من طيفه
|
وهو مختص
بمعاني النفس دون معاني البديع .
وقال القزويني
: «هو أن يثبت لمتعلق أمر حكم بعد اثباته لمتعلق له آخر» ومنه قول الكميت ، وتبعه شراح التلخيص .
وذكر السّيوطي
فنّا سمّاه «التأسيس والتفريع» وقال : «هذا نوع لطيف اخترعته لكثرة استعماله في
الكلام النبوي ، ولم أر في الأنواع المتقدّمة ما يناسبه فسمّيته بالتأسيس والتفريع
، وذلك أن يمهّد قاعدة كلّيّة لما يقصده ثم يرتّب عليها المقصود كقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لكل دين خلق ، وخلق هذا الدين الحياء». وقد استعمل
ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مثل هذا في تقريراته كثيرا» .
فالتفريع له
معنيان عند علماء البلاغة ، الاول : ما ذكره الخطيب القزويني وشراح التلخيص ،
والثاني ما ذكره البديعيون والزنجاني في معيار النظار. والى ذلك أشار المدني ،
وقال إنّ النوع الثاني «سماه بعضهم النفي والجحود» .
التّفريق :
الفرق : خلاف
الجمع ، فرقة يفرقه فرقا وفرّقه ، وقيل : فرق للصلاح فرقا ، وفرّق للافساد تفريقا .
وقال المدني : «التفريق
في اللغة ضد الجمع لا الاجتماع كما وهم ابن حجة ، وضد الاجتماع إنما هو الافتراق
لا التفريق» .
وسمّاه الحلبي
والنّويري «التفريق المفرد» وقال السكاكي : «هو أن تقصد الى شيئين من نوع فتوقع
بينهما تباينا» ، كقول الوطواط :
ما نوال
الغمام وقت ربيع
|
|
كنوال الأمير
وقت سخاء
|
فنوال الأمير
بدرة عين
|
|
ونوال الغمام
قطرة ماء
|
وعرّفه بمثل
ذلك ابن مالك والقزويني والعلوي والحموي والسيوطي والمدني وشراح التلخيص .
__________________
التّفريق
والجمع :
ابتدع المصري
فنا سماه «التفريق والجمع» وقال : «هو أن يفرق المتكلم بين كلامين مرتبطين
متلاحمين بكلام يتلو به الأول من كلامه بوهم السامع أنّه غير مرتبط ليفيد بذلك
معنى لا يفيده الكلام لو جاء على مقتضى وضع النظم وترتيبه ثم يعود فيجمع ما تفرّق
من الكلام بما كان يجب أن يقدّم لتأهيله لنفع الاول وملاءمته له وارتباطه به وكونه
في الظاهر لا يصلح أن يجاوره غيره» . كقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا
إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ
يَتَضَرَّعُونَ. فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ
قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. فَلَمَّا نَسُوا
ما ذُكِّرُوا بِهِ). ومقتضى حسن الجواب في النظم أن يقول ههنا : أخذناهم
بغتة فلم يقل ذلك وقال : (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ
أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) و (حَتَّى إِذا فَرِحُوا
بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) فأوهم ظاهر النظم أنّ قوله : (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ
شَيْءٍ) بعد قوله : (فَلَمَّا نَسُوا ما
ذُكِّرُوا بِهِ) غير ملائم وأنّ الأليق أن يقال : (أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) ، ولو جاء النظم على توهم السامع لحصل الاخلال بما
أفاده الفصل من المعاني لأنّ الإخبار بفتح أبواب كل شيء عقيب معاملتهم بما يبطل
أعذارهم وينبئهم بأمر معاصيهم ويسلكهم في خير الكتب المنزلة من الله المتضمنة
الوعيد بأخذهم من وسط ما استدرجهم به من النعم لتكون المحبة أشد وألم الأخذ أعظم
والعذاب أشقّ. ثم قال بعد الاخبار بفتح أبواب النعم العميمة «أخذناهم» فاجتمع ما
تفرق من الكلام وانتظم ما انفصم من ذلك النظام ، وهذا سرّ من اسرار البلاغة.
التّفسير :
التفسير هو
البيان والكشف ، وقيل هو مقلوب «السفر» يقال : أسفر الصباح : إذا أضاء .
والتفسير هو
التصريح بعد الابهام وقد تقدم ، وسمّاه ابن مالك وآخرون «التبيين» . وقد تقدم أيضا. وأدخله السجلماسي في جنس التوضيح .
تفسير الإجمال
والتّفصيل :
ذكره القرطاجني
وذكر له بعض قولهم :
أذكى وأخمد
للعداوة والقرى
|
|
نارين : نار
وغى ونار زناد
|
تفسير الإيضاح
:
ذكره القرطاجني
وقال : «هو إرداف معنى فيه إبهام ما بمعنى مماثل له إلا أنّه أوضح منه» ، كقول المتنبي :
ذكيّ تظنيه
طليعة عينه
|
|
يرى قلبه في
يومه ما ترى غدا
|
التّفسير بعد
الإبهام :
قال ابن الأثير
: «إنّ هذا النوع لا يعمد الى استعماله إلا لضرب من المبالغة فاذا جيء به في كلام
فانما يفعل ذلك لتضخيم أمر المبهم واعظامه لأنّه هو الذي يطرق السمع أولا فيذهب
بالسامع كل مذهب» . كقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ
ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) ففسر الأمر بقوله : (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ
مَقْطُوعٌ) وفي إبهامه أولا وتفسيره بعد ذلك تفخيم للأمر وتعظيم
لشأنه.
__________________
ومن بديع
التفسير بعد الإبهام قول الشاعر في وصف الخمر :
فقد مضى ما مضى
من عقل شاربها
|
|
وفي الزجاجة
باق يطلب الباقي
|
وقول الآخر :
مضى ما مضى
حتى علا الشّيب رأسه
|
|
فلما علاه
قال للباطل ابعد
|
وقول الآخر :
سأغسل عني
العار بالسيف جالبا
|
|
عليّ قضاء
الله ما كان جالبا
|
تفسير التّبرّع
:
قال ابن الأثير
الحلبي : «وأما تفسير التبرع فمثل قول الشاعر :
لئن كنت
محتاجا الى الحلم إنّني
|
|
الى الجهل في
بعض الأحابين أحوج
|
ثم فسّره بقوله
:
ولي فرس
بالحلم للحلم ملجم
|
|
ولي فرس
بالجهل للجهل مسرج
|
ثم فسره بقوله
:
فمن رام
تقويمي فانّي مقوّم
|
|
ومن رام
تعويجي فإنّي معوّج
|
فالثاني تفسير
الأول والثالث تفسير الثاني وكلا التفسيرين من باب التبرع ؛ لأنّ البيت الاول تمّ
به الكلام واستوفى المعنى فهذا هو تفسير التبرع» وقد تقدم في التصريح بعد الإبهام.
تفسير التّضمّن
:
ذكره القرطاجني
ومثّل له بقول ابن الرومي :
خبّره بالداء
واسأله بحيلته
|
|
تخبر وتسأل
أخا فهم وإفهام
|
تفسير التّعليل
:
ذكره القرطاجني
ومثّل له بقول أبي الحسن مهيار بن مرزويه :
بكيت على
الوادي فحرّمت ماءه
|
|
وكيف يحلّ
الماء أكثره دم
|
تفسير السّبب :
ذكره القرطاجني
ومثّل له بقول الشاعر :
... يرجى ويتقى
|
|
يرجى الحيا
منه وتخشى الصواعق
|
تفسير العدد :
ذكره ابن
الاثير الحلبي ومثّل له بقول ذي الرّمّة :
وليل كجلباب
العروس ادّرعته
|
|
بأربعة
والشّخص في العين واحد
|
أحمّ علافيّ
وأبيض صارم
|
|
وأعيس مهريّ
وأروع ماجد
|
تفسير الغاية :
ذكره القرطاجني
ولم يذكر له مثالا .
التّفصيل :
الفصل : بون ما
بين الشيئين ، وفصّلت الوشاح إذا كان نظمه مفصّلا بأن يجعل بين كل لؤلؤتين مرجانة
__________________
أو شذرة أو جوهرة تفصل بين كل اثنتين من لون واحد ، والتفصيل : التبيين . وقال المدني : «التفصيل بصاد مهملة في اللغة : مصدر «فصّلت
الشيء تفصيلا» إذا جعلته فصولا متمايزة» .
قال قدامة : «هو
أن لا ينتظم للشاعر نسق الكلام على ما ينبغي لمكان العروض فيقدم ويؤخر» .
كما قال دريد
بن الصمة :
وبلغ نميرا
إن عرضت ابن عامر
|
|
فأيّ أخ في
النائبات وطالب
|
ففرّق بين «نمير
بن عامر» بقوله : «إن عرضت».
وذكر ابن رشيق
أنّه من تسميات قدامة وقال إنه نوع من الحشو ، وكان قد ذكر أنّ عبد الكريم يطلق التفصيل على التقطيع
وهو بعض أنواع التقسيم ، وأنشد في ذلك :
بيض مفارقنا
تغلي مراجلنا
|
|
نأسو
بأموالنا آثار أيدينا
|
والتفصيل عند
المصري الشّرح والتّفسير ، وقد قسّمه الى متّصل ومنفصل ، والمتّصل منه كلّ كلام
وقع فيه «أمّا وأمّا» كقوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ
وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ
بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. وَأَمَّا
الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
والمنفصل هو ما
يأتي مجمله في سورة ومفصّلة في أخرى أو في مكانين مفترقين من سورة واحدة ، كقوله
تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) الى قوله :(وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) إلى قوله :(فَمَنِ ابْتَغى
وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) ، فإنّ قوله : (وَراءَ ذلِكَ) إجمال المحرّمات جاءت مفسّرة في قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ
النِّساءِ) إلى قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما
وَراءَ ذلِكُمْ) فإنّ هذه الآية اشتملت على خمسة عشر محرّما من أصناف
النساء ذوات الأرحام ثلاثة عشر صنفا ، ومن الأجانب صنفان .
وقال الحموي : «التفصيل
ـ بصاد مهملة ـ نوع رخيص بالنسبة الى فن البديع والمغالاة في نظمه ...
والتفصيل هو أن
يأتي الشاعر بشطر بيت له متقدم صدرا كان أو عجزا ليفصل به كلامه بعد حسن التصريف
في التوطئة الملائمة» .
وقال السّيوطي
: «ثم نبّهت من زيادتي على نوع يشبه التضمين وهو التفصيل ـ بصاد مهملة ـ وهو أن
يضمّن شعره مصراعا من نظم له سابق. وحسنه التمهيد له والتوطئة وصرفه عن ذلك المعنى
الذي وضع له أوّلا» . وذكر ذلك المدني فقال : «وفي الاصطلاح عبارة عن أن
يأتي المتكلّم بشطر بيت من شعر له متقدّم في نثره أو نظمه صدرا كان أو عجزا يفصل
به كلامه بعد أن يوطّئ له توطئة ملائمة» .
وذكر المدني
أيضا ما ذكره قدامة فقال : «وقد يطلق التفصيل على معنى آخر في الاصطلاح وهو أن
يقدم الشاعر ما حقه التأخير ويؤخر ما حقه التقديم ، أو يفصل فيما حقه الاتصال ،
وهو من العيوب العامة
__________________
للشعر». ورأى أنّ المعقود بالتفصيل هو المعنى الأول ، وفرّق بينه وبين
الايداع فقال : «ولا فرق بينه وبين الايداع سوى أنّ الايداع إيراد الشاعر شطر بيت
لغيره ، والتفصيل إيراده شطر بيته لنفسه ، وليس تحته كبير أمر».
التّفضيل :
فضّله : مزّاه
، ويقال : فضل فلان على غيره إذا غلب بالفضل عليهم ، وقوله تعالى : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ
خَلَقْنا تَفْضِيلاً) قيل : تأويله أنّ الله فضلهم بالتمييز .
وقال السّيوطي
: «هو من زيادتي ذكره الصفي واتباعه وجعله الاندلسي قسما من التفريع وكذا فعل صاحب
التلخيص أولا ثم ضرب عليه بخطه كما رأيته في نسخته ومشى عليه في الايضاح. وهو أن
ينفى بـ «ما» أو «لا» دون غيرهما من أدوات النفي عن ذي وصف أفعل تفضيل مناسب لذلك
الوصف معدّى بـ «من» الى ما يراد مدحه أو ذمة فتحصل المساواة بين الاسم الجرور بـ
«من» وبين الاسم الداخلة عليه «ما» النافية ، لانها نفت الأفضلية فتبقى المساواة
كقوله :
ما ربع ميّة
معمورا يطيف به
|
|
غيلان أبهى
ربى من ربعها الخرب
|
ولا الخدود
وإن أدمين من خجل
|
|
أبهى الى
ناظري من خدّها الترب
|
ومثاله من
الحديث : «ماذئبان ضاريان ارسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف
لدينه» ومنهم من سمّى هذا النوع النفي والجحد .
ومنهم من سماه «التفريع»
وقد تقدم.
التّفقير :
قال ابن المظفر
إنّ التفقير في رجل الدواب بياض مخالط للأسؤق الى الركب ، وقال الأزهري : هذا عندي
تصحيف والصواب بهذا المعنى التقفير بالزاي والقاف قبل الفاء . ولا علاقة لهذا المعنى بالفن الذي ذكره ابن قيّم
الجوزّيّة وعرّفه بقوله : «هو أن يأتي في البيت ذكر نكتة أو بيت او رسالة أو خطبة
أو غير ذلك فيومئ اليها الشاعر أو الناثر» .
كقوله تعالى : (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ) ، فان امرأ القيس أومأ اليه بقوله :
من القاصرات
الطّرف لو دبّ محول
|
|
من الذرّ فوق
الأنف منه لأثّرا
|
ومنه قول الآخر
:
ألوم زيادا
من ركاكة رأيه
|
|
وفي قوله :
أيّ الرجال المهذّب
|
وهل يحسن
التهذيب منك خلائقا
|
|
أرق من الماء
الزلال وأطيب
|
وسمّى ابن منقذ
هذا النوع «التقفية» ، ولا يدرى أي المصطلحين أصح ، وهل فيهما تحريف.
التّفويف :
اشتقاق التفويف
من الثوب الذي فيه خطوط بيض ، وأصل الفوف البياض الذي في أظفار الأحداث والحبة
البيضاء في النواة وهي التي تنبت منها النخلة. والفوفة القشرة البيضاء التي تكون
على النواة ، والفوف الشيء ، والفوف قطع القطن ، وبرد مفوّف أي رقيق. فكأنّ
المتكلم خالف بين جمل المعاني في التقفية كمخالفة البياض لسائر الألوان ، لان بعده
من سائر الألوان أشد من بعد بعضها عن
__________________
بعض .
قال التبريزي :
«والتفويف المشبه بالبرد المفوف ، وهو الذي يخلط في وشيه شيء من بياض» . كقول جرير :
هم الأخيار
منسكة وهديا
|
|
وفي الهيجا
كأنّهم صقور
|
بهم حدب
الكرام على المعالي
|
|
وفيهم من
مساءتهم فتور
|
خلائق بعضهم
فيها كبعض
|
|
يؤمّ كبيرهم
فيها الصغير
|
عن النكراء
كلّهم غبيّ
|
|
وبالمعروف
كلّهم بصير
|
وقال البغدادي
: «وهذا النوع من الشعر هو أن يسهل له مخارج الحروف ويرف منه رونق الفصاحة مع
الخلو من البشاعة. وأن يكون ظاهر المعنى لا يحتاج الى إعمال الفكر في استنباط
معانيه وإن كان خاليا من جميع الأوصاف التي تقدمت وتأخرت عنها» .
وذكر أمثلة
التبريزي. وقال ابن الزملكاني : «التفويف شبه بالبرد المفوّف الذي يخالط وشيه شيء
من بياض ، وفي الاصطلاح عبارة عن أن يصف المذكور مما يدخل على مدحه من صفات الكرم
مثلا ثم بما يدل على ذمه لكن تقرن بذلك الذم ما يرشد بأنّه مديح» ، وذكر أبيات جرير. وقال المصري : «والتفويف في الصناعة
عبارة عن إتيان المتكلّم بمعان شتى من المدح أو الغزل أو غير ذلك من الفنون
والأغراض كل فن في جملة من الكلام منفصلة من أختها بالتجميع غالبا مع تساوي الجمل
المركبة في الوزنية» . ويكون بالجمل الطويلة والمتوسّطة والقصيرة ، فمثال ما
جاء منه بالجمل الطويلة قول النابغة الذبياني :
فلله عينا من
رأى أهل قبّة
|
|
أضرّ لمن
عادى وأكثر نافعا
|
وأعظم أحلاما
وأكبر سيّدا
|
|
وأفضل مشفوعا
اليه وشافعا
|
ومثال ما جاء
منه في الجمل المتوسطة قول ابن زيدون :
ته احتمل
واحتكم اصبر وعز أهن
|
|
ودل اخضع وقل
اسمع ومر أطع
|
ومثال ما جاء
منه بالجمل القصيرة قول المتنبي :
أقل أنل اقطع
احمل على سل اعد
|
|
زد هش بش
تفضل ادن سر صل
|
وقد جاء من
التفويف المركّب من الجمل الطويلة في الكتاب العزيز قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ.
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ.
وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ. وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي
خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ). وفي الجمل المتوسّطة قول سبحانه : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ
وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ).
قال المصري : «ولم
يأت من الجمل القصيرة شيء في فصيح الكلام» .
وقال المظفر
العلوي إنّ الترصيع يسمى
__________________
«التفويف» ، ولكنّ تعريفه للترصيع والأمثلة التي ذكرها لا صلة لها
بالتفويف وأمثلته.
وقال ابن مالك
: «التفويف أن تأتي بمعان متلائمة في جمل مستوية المقدار أو مقاربة من قولهم : «ثوب
مفوف» للذي على لون وفيه خطوط بيض» ، وهو ضربان :
الأوّل : ما
جمله على المقاطع كقول الشاعر يصف سحابا :
يسربل وشيا
من خزوز تطرّزت
|
|
مطارفها طرزا
من البرق كالتّبر
|
فوشي بلا رقم
ونقش بلا يد
|
|
ودمع بلا عين
وضحك بلا ثغر
|
الثاني : ما
جمله مدمجة وهو ثلاثة أقسام ، لأنّ جمله إمّا طوال كما في قول عنترة :
إن يلحقوا
اكرر وإن يستلحموا
|
|
أشدد وإن
نزلوا بضنك أنزل
|
وإمّا متوسّطة
كما في قول ابن زيدون : «ته احتمل ...».
واما قصار كما
في قول ديك الجن :
احل وامرر
وضر وانفع ولن
|
|
واخشن ورش
وابر وانتدب للمعالي
|
وهذا ما ذكره
الحلبي والنّويري والعلوي ، ولكنّ القزويني قال : «وأمّا ما يسميه بعض الناس
التفويف ... فبعضه من مراعاة النظير وبعضه من المطابقة» .
وذكر ابن قيم
الجوزية فيه قولين :
الأول : أن
تكون ألفاظه سهلة المخارج عليها رونق الفصاحة وبهجة الطلاوة وعذوبة الحلاوة مع
الخلوّ من البشاعة ملطفة عند الطلب والسؤال مفخمة عند الفخار والنزال. وينبغي أن
يكون الشعر سهل العروض وقوافيه عذبة المخارج سهلة الحروف ومعانيه مواجهة للغرض
المطلوب ظاهرة منه حيث لا تحتاج الى إعمال الفكر في استنباط معانيه. وهذا ما ذكره
البغدادي
الثاني :
المفوف من الكلام والشعر هو الذي يكون فيه التزامات لا تلزم تكتب بأصباغ مختلفة
حتى يفطن للالتزامات التي جعلت عليه.
وقال ابن قيم
الجوزية بعد ذلك : «وعلى كلا القولين فالقرآن العزيز كله كذلك فان كان التفويف
بأصباغ مختلفة الالوان فتفويف القرآن العظيم مقاطع آياته وتحزيبه وتعشيره وأرباعه
وأخماسه وأسباعه فان العلماء ـ رضياللهعنهم ـ رخصوا بأن يكون ذلك بالحمرة أو الخضرة او الصفرة او
بألوان مخالفة للون الحبر والمداد حتى يعلم أنّها ليست من نفس القرآن فاستحبوا ذلك
، فاذا صار على هذه الصفة أشبه البرد المفوّف بل أجل وأحسن وأبهى وألطف. وان كان التفويف
الاول فالقرآن الكريم كله كذلك أيضا فاعرف ذلك» .
وليس هذا ما
أراده البلاغيون المتأخرون من التفويف ، وقد قال الحموي : «التفويف تأملته فوجته
نوعا لم يفد غير إرشاد ناظمه الى طرق العقادة ، والشاعر إذا كان معنويا وتجشم
مشاقه تقصر يده عن التطاول الى اختراع معنى من المعاني الغريبة وتجفوه حسان
الألفاظ ولم يعطف عليه برقة وتأنف كل قرينة صالحة أن تسكن له بيتا ولكن شروع
المعارضة ملزم به» . ثم قال : «والتفويف في الصناعة عبارة عن اتيان المتكلم
بمعان شتى من
__________________
المدح والغزل وغير ذلك من الفنون والاغراض كل فن في جملة من الكلام منفصلة
عن أختها مع تساوي الجملة في الوزنية ويكون بالجملة الطويلة أو المتوسطة او
القصيرة وأحسنها وأبلغها وأصعبها مسلكا القصار» . وهذا كلام المصري نفسه ، وذكر المدني مثل ذلك وأضاف
أمثلة أخرى .
التّقديم
والتّأخير :
التقديم من «قدّم»
أي وضعه أمام غيره ، والتأخير نقيض ذلك . قال الزركشي عن التقديم والتأخير : «هو أحد أساليب
البلاغة ، فانهم أتوا به دلالة على تمكنهم في الفصاحة وملكتهم في الكلام وانقياده
لهم ، وله في القلوب أحسن موقع وأعذب مذاق» .
واختلفوا في
عدّه من المجاز ، فمنهم من عدّه منه لأنّ تقديم ما رتبته التأخير كالمفعول وتأخير
ما رتبته التقديم كالفاعل نقل كل واحد منهما عن رتبته وحقه ، قال الزركشي : «والصحيح
أنّه ليس منه ، فإنّ المجاز نقل ما ما وضع له الى ما لم يوضع» .
والمعاني لها
في التقديم خمس أحوال :
الأولى : تقدّم
العلة على معلولها.
الثانية : التّقدّم
بالذات كتقدم الواحد على الاثنين.
الثالثة :
التّقدّم بالشرف.
الرابعة :
التّقدّم بالمكان.
الخامسة :
التّقدّم بالزّمان.
وتقديم الشيء
على وجهين : تقديم على نية التأخير كتقديم الخبر اذا قدّم على المبتدأ ، وتقديم لا
على نية التأخير ولكن على أن ينقل الشيء عن حكم الى حكم ، وذلك كأن يعمد الى اسمين
يحتمل كل واحد منهما أن يكون مبتدأ ويكون الآخر خبرا له فيقدم تارة على ذاك واخرى
على ذاك مثل : «زيد المنطلق» و «المنطلق زيد» ، فالتقديم والتأخير يؤثران في معنى
الجملة لأنّ ما يقدم هو المبتدأ أو المسند اليه وما يؤخر هو الخبر أو المسند . وباب التقديم والتأخير واسع لأنّه يشمل كثيرا من أجزاء
الكلام ، فالمسند اليه يقدم لأغراض بلاغية منها : أنّه الاصل ولا مقتضى للعدول عنه
كتقديم الفاعل على المفعول ، والمبتدأ على الخبر ، وصاحب الحال عليها.
وان يتمكن
الخبر في ذهن السامع لأنّ في المبتدأ تشويقا اليه كقول أبي العلاء :
والذي حارت
البرية فيه
|
|
حيوان مستحدث
من جماد
|
وأن يقصد تعجيل
المسرّة مثل : «سعد في دارك» أو الاساءة مثل : «السفّاح في دار صديقك».
وايهام أنّ
المسند اليه لا يزول عن الخاطر مثل «اللهَ رَبِّي».
وايهام التلذذ
بذكره كقول الشاعر :
بالله يا
ظبيات القاع قلن لنا
|
|
ليلاي منكنّ
أم ليلى من البشر
|
وتخصيص المسند
اليه بالخبر الفعلي إن ولي حرف النفي كقول المتنبي :
وما أنا
أسقمت جسمي به
|
|
ولا أنا
أضرمت في القلب نارا
|
وتقوية الحكم
وتقريره كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ
لا يُشْرِكُونَ). وإفادة العموم مثل : «كل
__________________
انسان لم يقم» .
ويقدم المسند
لأغراض منها : تخصيص المسند بالمسند اليه كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ).
والتنبيه من
أول الأمر على أنّه خبر لا نعت كقول حسان يمدح النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ :
له همم لا
منتهى لكبارها
|
|
وهمّته
الصّغرى أجلّ من الدّهر
|
له راحة لو
أنّ معشار جودها
|
|
على البرّ
كان البرّ أندى من البحر
|
والتفاؤل
بتقديم ما يسر مثل : «عليه من الرحمن ما يستحقّه».
والتشويق الى
ذكر المسند اليه كقول محمد بن وهيب :
ثلاثة تشرق
الدنيا ببهجتها
|
|
شمس الضحى
وأبو إسحاق والقمر
|
ومن التقديم
تقديم تعلّقات الفعل عليه كالمفعول والجار والمجرور والحال ويكون ذلك لأغراض منها
:الاختصاص كقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
والاهتمام
بالمتقدم كقوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ
أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ).
والتبرك مثل «قرآنا
قرأت».
وضرورة الشعر ،
وهو كثير لا يحدّ ولا يحصر.
ورعاية الفاصلة
كقوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ
فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ).
وهناك أنواع
اخرى لا ترجع إلى المسند اليه أو المسند او متعلّقات الفعل ، وإنما ترجع الى أمور
كثيرة ، وقد بحثها الزركشي في أنواع التقديم والتأخير ، ومما ذكره السبق كقوله
تعالى : (وَمِنْ نُوحٍ
وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى).
والذات كقوله
تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ
نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ، وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ). والعلة والسببية كقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ) لأنّ العبادة سبب حصول الاعانة.
والمرتبة كقوله
تعالى : (غَفُورٌ رَحِيمٌ*) لأنّ المغفرة سلامة والرحمة غنيمة والسلامة مطلوبة قبل
الغنيمة.
والتعظيم كقوله
تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ
وَالرَّسُولَ).
والغلبة
والكثرة كقوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ
لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ).
والاهتمام عند
المخاطب كقوله تعالى : (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ
مِنْها أَوْ رُدُّوها). ومراعاة الافراد كقوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ) ، فانّ المفرد سابق على الجمع. ومن ذلك قصد الترتيب
وخفة اللفظ ورعاية الفاصلة. وهذه الانواع التي ذكرها الزركشي لم يبحثها البلاغيون
إلا من خلال الجملة ، ولذلك
__________________
كانت دراستهم لها قاصرة ، أما الذين عنوا باسلوب القرآن الكريم فقد تجاوزوا
ذلك ونظروا الى التقديم والتأخير نظرة أوسع واكثر عمقا فجاءت مادتهم أغزر وبحوثهم
أخصب ، ولا يكاد يستثنى من ذلك إلا عبد القاهر الذي أبدع في تحليل الأساليب
البلاغية ونقل النحو من أحوال الإعراب والبناء الى المعاني التي تزخر بها العبارات
، وكانت نظريته في النظم من أحسن ما عرف النقد القديم والبلاغة العربية.
التّقسيم :
قسّم : جزّأ ،
والتقسيم هو التجزئة والتفريق .
سمّاه الحلبي
والنويري «التقسيم المفرد» ، والتقسيم من الأساليب العريقة في اللغة العربية ، فقد
سمع عمر بن الخطّاب ـ رضياللهعنه ـ قول زهير وكان لشعره مقدما :
وإنّ الحقّ
مقطعه ثلاث
|
|
يمين أو نفار
أو جلاء
|
فقال كالمعجب :
«من علّمه بالحقوق وتفصيله بينها واقامته أقسامها؟» . وذكر الجاحظ إعجاب عمر ـ رضياللهعنه ـ بقول عبدة بن الطبيب أيضا :
والمرء ساع
لأمر ليس يدركه
|
|
والعيش شحّ
وإشفاق وتأميل
|
وقال : وكان
عمر بن الخطاب ـ رضياللهعنه ـ يردد هذا النصف الآخر ويعجب من جودة التقسيم» .
وكان ذلك أساس
فن التقسيم في البلاغة العربية ، وقد قال القاضي الجرجاني عن قول زهير :
يطعنهم ما
ارتموا حتى إذا اطّعنوا
|
|
ضارب حتى إذا
ما ضاربوا اعتنقا
|
«فقسّم البيت
على أحوال الحرب ومراتب اللقاء ، ثم ألحق بكل قسم مايليه في المعنى الذي قصده من
تفضيل الممدوح فصار موصولا به مقرونا اليه» .
وتحدث قدامة عن
تمام الأقسام فقال : «هو أن يؤتى بالأقسام مستوفاة لم يخلّ بشيء منها ومخلصة لم
يدخل بعضها في بعض» . كقول بعضهم : «فانك لم تخل فيما بدأتني من مجد أثّلته
، وشكر تعجلته ، وأجر ادخرته». وتحدث عن صحة التقسيم وقال : «وصحة التقسيم أن توضع
معان يحتاج الى تبيين أحوالها فاذا شرحت أتي بتلك المعاني من غير عدول عنها ولا
زيادة عليها ولا نقصان منها» .
كقول بعضهم : «انا
واثق بمسالستك في حال بمثل ما أعلم من مشارستك في أخرى : لانك إذا عطفت وجدت لدنا
، وإذا غمزت ألفيت شثنا». وهذا غير التقسيم المعروف وإنما هو نوع من اللف والنشر.
وقال العسكريّ
: «التقسيم الصحيح أن تقسم الكلام على جميع أنواعه ولا يخرج منها جنس من أجناسه» .
وقال الخفاجي :
«أن تكون الأقسام المذكورة لم يخلّ بشيء منها ولا تكرّرت ولا دخل بعضها تحت بعض» .
وقال ابن رشيق
: إنّ بعضهم يرى أنّ التقسيم «استقصاء الشاعر جميع أقسام ما ابتدأ به» ، وعدّ من التقسيم التقطيع ، ومن التقطيع الترصيع.
وعدّ عبد
القاهر التقسيم من النظم الجيد ولا سيما اذا تلاه جمع كقول حسان ابن ثابت :
__________________
قوم إذا
حاربوا ضرّوا عدّوهم
|
|
أو حاولوا
النفع في أشياعهم نفعوا
|
سجيّة تلك
منهم غير محدثة
|
|
إنّ الخلائق
فاعلم شرّها البدع
|
وقال ابن منقذ
: «هو أن يقسم المعنى بأقسام تستكمله فلا تنقص عنه ولا تزيد عليه» .
وقال الصنعاني
: «هو أن يستقصي الشاعر تفصيل ما ابتدأ به ويستوفيه فلا يغادر قسما يقتضيه المعنى
إلا أورده» .
وقال ابن
الاثير : نريد بالتقسيم ههنا ما يقتضيه المعنى مما يمكن وجوده من غير أن يترك منها
قسم واحد ، واذا ذكرت قام كل قسم منها بنفسه ولم يشارك غيره» .
وقال ابن
الأثير الحلبي : «وحدّ هذا الباب أن يستوفي المتكلم جميع أقسام الكلمة التي يمكن
وجودها غير تارك منها قسما واحدا» .
وأدخل السكاكي
التقسيم في المحسنات المعنوية وقال : «هو أن تذكر شيئا ذا جزأين أو أكثر ثم تضيف
الى كل واحد من أجزائه ما هو له عندك» .
كقول بعضهم :
أديبان في
بلخ لا يأكلان
|
|
إذا صحبا
المرء غير الكبد
|
فهذا طويل
كظلّ القناة
|
|
وهذا قصير
كظلّ الوتد
|
وعلّق القزويني
على تعريف السكاكي بقوله : «وهذا يقتضي أن يكون التقسيم أعمّ من اللف والنشر» .
وعرّف التقسيم
بقوله : «هو ذكر متعدد ثم إضافة ما لكل اليه على التعيين» ، وتبعه شراح التلخيص .
وذكر القرطاجني
عدة أقسام لهذا الفن وقال إنّ من ذلك تعدد أشياء ينقسم إليها شيء لا يمكن انقسامه
الى اكثر منها ، ومنها : تعديد أشياء تكون لازمة عن شيء على سبيل الاجتماع أو
التعاقب ، ومنها تعديد أشياء تتقاسمها أشياء لا يصلح أن ينسب منها شيء إلا الى ما
نسب اليه من الأشياء المتقاسمة ، ومنها تعديد أجزاء من شيء تتقاسمها أشياء أو
أجزاء من شيء وتكون الأجزاء المعدودة إما جملة أجزاء الشيء أو أشهر أجزائه وألحقها
بغرض الكلام ويكون كل جزء منها لا يصلح أن ينسب الى غير ما نسب اليه بالنظر الى
صحة المعنى ومنها تعديد أشياء محمودة أو مذمومة من شيء متفقة في الشهرة والتناسب .
والكمال في
المعاني باستيفاء أقسامها واستقصاء متمماتها ، ومن المعاني التي وردت القسمة فيها
تامة صحيحة قول نصيب :
فقال فريق
القوم : لا ، وفريقهم
|
|
نعم ، وفريق
قال : ويحك ما ندري
|
ومن المعاني
التي وقع التقسيم فيها تاما صحيحا قول الشماخ :
متى ما تقع
أرساغة مطمئنة
|
|
على حجر
يرفضّ أو يتدحرج
|
ومن المعاني
التي قسّمت أتمّ تقسيم على جهة من التدريج والترتيب قول زهير :
يطعنهم ما
ارتموا حتى إذا اطّعنوا
|
|
ضارب حتى اذا
ما ضاربوا اعتنقا
|
__________________
ومن المعاني
التي وقعت قسمتها ناقصة قول جرير :
صارت حنيفة
أثلاثا فثلثهم
|
|
من العبيد
وثلث من مواليها
|
فهذه قسمة
ناقصة ، لأنّه أخلّ بالقسم الثالث.
ومما نقصت
قسمته من المعاني بتداخل قسم على قسم قول أبي تمام :
قسم الزمان
ربوعها بين الصّبا
|
|
وقبولها
ودبورها أثلاثا
|
ولا يخرج كلام
الآخرين عمّا تقدّم في التحديد والتقسيم والأمثلة .
وذكر ابن قيم
الجوزية والزركشي أنّ أرباب علم البيان لا يريدون بالتقسيم القسمة العقلية التي
يتكلم عليها المتكلم لأنّها تقتضي أشياء مستحيلة كقولهم : الجواهر لا تخلو إما أن
تكون مجتمعة أو مفترقة ، أو لا مفترقة ولا مجتمعة ، أو مجتمعة ومفترقة معا ، أو
بعضها مجتمع وبعضها مفترق ، فانّ هذه القسمة صحيحة عقلا لكنّ بعضها يستحيل وجوده ،
وإنّما المقصود «استيفاء المتكلم أقسام الشيء بحيث لا يغادر شيئا وهو آلة الحصر
ومظنة الاحاطة بالشيء» كقوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ
لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) فإنّه لا يخلو العالم جميعا من هذه الأقسام الثلاثة :
إما ظالم نفسه وإما سابق مبادر الى الخيرات وإما مقتصد فيها ، وهذا من أوضح
التقسيمات وأكملها.
وكان قدامة قد
قال عن صحة التقسيم : «هي أن يبتدىء الشاعر فيضع أقساما فيستوفيها ولا يغادر قسما
منها» وفساد التقسيم يكون إما بأن يكرر الشاعر الأقسام أو يأتي بقسمين أحدهما
داخل تحت الآخر . وقال المصري : «وصحّة الأقسام عبارة عن استيفاء
المتكلم أقسام المعنى الذي هو فيه بحيث لا يغادر منه شيئا ».
التّقصير :
القصر : الحبس
، وقصر قيد بعيره قصرا : اذا ضيّقه.
وقصر فلان
صلاته يقصرها قصرا في السفر. وقصّر :
نقص ورخص ، ضد .
قال ابن منقذ :
«هو أن ينقص السارق من كلامه ما هو من تمامه» كما قال عنترة :
وإذا سكرت
فإنّني مستهلك
|
|
مالي وعرضي
وافر لم يكلم
|
واذا صحوت
فما أقصّر عن ندى
|
|
وكما علمت
شمائلي وتكرّمي
|
أخذهما حسان
فنقص منهما ذكر الصّحو فقال :
فنشربها
فتتركنا ملوكا
|
|
وأسدا ما
ينهنهنا اللقاء
|
وكقول أبي نواس
:
__________________
إذا حصلت دون
اللهاة من الفتى
|
|
دعا همّه من
صدره برحيل
|
أخذه ابن
المعتز فنقص منه فقال :
إذا سكنت صدر
الفتى زال همّه
|
|
فطابت له
دنياه واتّسع الضّنك
|
ومعنى ذلك أنّ
هذا النوع يدخل في باب السرقات غير المحمودة ، لأنّ اللاحق قصّر عن السابق.
التّقطيع :
قطّع : قسّم ،
والتقطيع : التقسيم .
وقد ذكر ابن
رشيق من أنواع التقسيم نوعا سماه «التقطيع» ، وهو كقول النابغة الذبياني :
ولله عينا من
رأى أهل قبّة
|
|
أضرّ لمن
عادى وأكثرّ نافعا
|
وأعظم أحلاما
وأكبر سيّدا
|
|
وأفضل مشفوعا
اليه وشافعا
|
وسماه قوم منهم
عبد الكريم «التفصيل» وأنشد في ذلك :
بيض مفارقنا
تغلي مراجلنا
|
|
نأسو
بأموالنا آثار أيدينا
|
وقال البحتري :
قف مشوقا أو
مسعدا أو حزينا
|
|
أو معينا أو
عاذرا أو عذولا
|
فقطع وفصل.
وقال المتنبي :
فيا شوق ما
أبقى ويالي من النوى
|
|
ويا دمع ما
أجرى ويا قلب ما أصبى
|
ففصل وجاء به
على تقطيع الوزن كل لفظتين ربع بيت.
وقال :
للسبي ما
نكحوا والقتل ما ولدوا
|
|
والنّهب ما
جمعوا والنار ما زرعوا
|
واذا كان تقطيع
الاجزاء مسجوعا أو شبيها بالمسجوع فذلك هو الترصيع .
التّقفية :
قفاه واقتفاه
وتقفّاه : تبعه ، وقفّيت على أثره بفلان أي أتبعته إياه .
ذكر ابن منقذ
بابا باسم «التقفية» وقال : «هو أن يأتي ذكر نكتة أو خبر أو غير ذلك يومىء اليه
الشاعر أو الناثر » كقوله تعالى : (فِيهِنَّ قاصِراتُ
الطَّرْفِ) فانه يومئ الى قول امرئ القيس :
من القاصرات
الطرف لو دبّ محول
|
|
من الذرّ فوق
الأتب منه لأثّرا
|
ومنه قول
الرّفّاء :
مدح يغضّ
زهير عنه ناظره
|
|
ونائل يتوارى
عنده هرم
|
لا يستعير له
المدّاح منقبة
|
|
ولا يقولون
فيه غير ما علموا
|
وقد ذكر النوع
نفسه ابن قيم الجوزية باسم «التفقير» ، وذكر له الآية وبيت امرىء القيس وغير ذلك مما ذكره
ابن منقذ ، ولعل الأصح تسمية ابن منقذ ، وليس بعيدا أن يكون مصطلح ابن الجوزية
محرّفا ، لأن معنى التفقير اللغوي لا علاقة له بالأمثلة.
تقليل اللّفظ
ولا تقليله :
ذكره السّكّاكي
في المحسّنات المعنوية وقال :
__________________
«ومنه تقليل اللفظ ولا تقليله مثل : يا ، وهيا ، وغاض ، وغيض ، إذا صادفا
الموقع. ويتفرع عليهما الإيجاز في الكلام والإطناب فيه» .
التّكافؤ :
التكافؤ :
الاستواء ، وفي حديث النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «المسلمون تتكافأ دماؤهم» .
التكافؤ هو
التضاد والتطبيق والطباق والمطابقة ، وقد سمّاه كذلك قدامة والنحاس ، وقال المصري إنّ الطباق حينما يأتي بلفظ المجاز يسمى
تكافؤا ، وذكر الحموي مثل ذلك . وقال ابن الأثير الحلبي : «أمّا التكافؤ فهو كالطباق
في أنّه ذكر الشيء وضده لكن يشترط في التكافؤ أن يكون أحد الضدين حقيقة والآخر
مجازا ، فبهذا يحصل الفرق بينهما» ، كقول دعبل :
لا تعجبي يا
سلم من رجل
|
|
ضحك المشيب
برأسه فبكى
|
ف «ضحك المشيب»
مجاز و «بكاء الرجل» حقيقة.
وقول بشار :
إذا أيقظتك
حروب العدى
|
|
فنبّه لها
عمرا ثمّ نم
|
فايقاظ الحروب
مجاز ونوم الشخص حقيقة.
وذكر مثل ذلك
السيوطي الذي قسّم المطابقة أو الطباق الى حقيقي ومجازيّ وقال إنّ المجازي هو
التكافؤ .
وقد تقدم
الكلام على ذلك في التضادّ.
التّكرار :
هو الإطناب
بالتكرار ، وقد تقدّم.
التّكرير :
كرّر الشيء :
أعاده مرة بعد أخرى ، وكررت عليه الحديث : اذا ردّدته عليه .
قال ابن الأثير
عن الإطناب : «والذي يحدّه أن يقال : هو زيادة اللفظ عن المعنى لفائدة ، فهذا حدّه
الذي يميزه عن التطويل ، إذ التطويل هو : زيادة اللفظ عن المعنى لغير فائدة ، وأما
التكرير فإنّه دلالة اللفظ على المعنى مرددا كقولك لمن تستدعيه : «أسرع أسرع» فان
المعنى مردد واللفظ واحد ... واذا كان التكرير هو إيراد المعنى مرددا فمنه ما يأتي
لفائدة ومنه ما يأتي لغير فائدة ، فاما الذي يأتي لفائدة فانّه جزء من الإطناب وهو
أخصّ منه فيقال حينئذ : إنّ كل تكرير يأتي لفائدة فهو إطناب وليس كل إطناب تكريرا
يأتي لفائده. وأما الذي يأتي من التكرير لغير فائدة فإنه جزء من التطويل وهو أخص
منه فيقال حينئذ : إنّ كل تكرير يأتي لغير فائدة تطويل وليس كل تطويل تكريرا يأتي
لغير فائدة ».
وقسّم ابن
الأثير الحلبي التكرير قسمين :
الأوّل : يوجد
في اللفظ والمعنى مثل : «أسرع
__________________
أسرع».
الثاني : يوجد
في المعنى دون اللفظ مثل : «أطعني ولا تعصني» فإنّ الأمر بالطاعة هو النهي عن
المعصية.
وكلّ قسم من
هذين القسمين ينقسم الى مفيد وغير مفيد ، فالمفيد الذي يأتي في الكلام توكيدا له
وتسديدا من أمره وإشعارا بعظم شأنه ، وهو يأتي في اللفظ والمعنى ، كقوله : قال
تعالى : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ
أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ
الْمُسْلِمِينَ. قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ثم قال بعد ذلك : (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ
مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) (الزّمر ١٤). والمقصود في هذا التكرير غرضان مختلفان ، أما ما جاء في اللفظ
والمعنى والمراد به غرض واحد فكقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي
يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ
وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ
بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَإِنْ كانُوا مِنْ
قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ).
وأما القسم
الذي هو غير مفيد فهو الذي يأتي في الكلام توكيدا له كقول المتنبي :
ولم أر مثل
جيراني ومثلي
|
|
لمثلي عند
مثلهم مقام
|
وقال ابن شيث
القرشي : «التكرير هو أن يأتي بثلاث أو أربع كلمات موزونات ثم يختم بأخرى تكون القافية إما على وزنهن أو خارجة عنهن ، مثل
أن يقال : «لا زال عالي المنار حامي الذمار عزيز الجار هامي النعم وافي المجد نامي
الحمد جديد الجد وافر القسم». أو تتكرر اللفظة الواحدة مثل أن يقال : «باسم الأيام
باسم الايادي باسم الخدام» ... وفي الشعر :
كأنّ المدام
وصوب الغمام
|
|
ونشر الخزامى
وريح القطر
|
وهذا نوع من
التقطيع الذي يورث تكريرا.
التّكلّف :
تكلّفت الشيء :
تجشّمته على مشقة وعلى خلاف عادتك ، ويقال : حملت الشيء تكلفة إذا لم تطقه إلا
تكلفا .
وقد عقد ابن
منقذ بابا سماه «التكلف والتعسف» وقال : «وهو الكثير من البديع كالتطبيق والتجنيس
في القصد لأنّه يدلّ على تكلف الشاعر لذلك وقصده اليه ، واذا كان قليلا نسب الى
أنّه طبع في الشاعر ، ولهذا عابوا على أبي تمام لأنّه كثر في شعره ، ثم إنهم
استحسنوه في شعر غيره لقلته. وقالوا : إنّه بمنزلة اللثغة تستحسن فاذا كثرت صار
خرسا ، والشية تستحسن في الفرس فاذا كثرت صار بلقا ، والجودة تستحسن في الشعر فاذا
كثرت صار قططا ، ولهذا قالوا : خير الأمور أوسطها ، والحسنة بين
الشيئين والفضلة بين الرذيلتين» .
التّكميل :
هو الإطناب
بالتكميل وقد تقدم. وقد عرّفه المدني بقوله : «التكميل عبارة عن أن يأتي المتكلم
بمعنى تام في فن من الفنون فيرى الاقتصار عليه ناقصا فيكمله بمعنى آخر في غير ذلك
الفصل الذي أتى به أولا ، كمن مدح انسانا بالحلم فيرى الاقتصار عليه بدون مدحه
بالبأس ناقصا فيكمله بذكره» .
__________________
التّلاؤم :
تلاءم القوم
والتأموا : اجتمعوا واتّفقوا .
قال الرّمّاني
: «التلاؤم نقيض التنافر ، والتلاؤم تعديل الحروف في التأليف ، والتأليف على ثلاثة
أوجه : متنافر ومتلائم في الطبقة الوسطى ومتلائم في الطبقة العليا» والفائدة في التلاؤم حسن الكلام في السمع وسهولته في
اللفظ وتقبل المعنى له في النفس لما يرد عليها من حسن الصورة وطريق الدّلالة .
وقد تقدّم
الكلام عليه في الالتئام :
التّلطّف :
لطف يلطف : اذا
رفق ، والتّلطّف للأمر : التّرفّق له .
التّلطّف من
ابتداع العسكري ، وقد قال في تعريفه : «هو ان تتلطف للمعنى الحسن حتى
تهجنه والمعنى الهجين حتى تحسنه» . ومنه قول الحطيئة في قوم كانوا يلقبون بأنف الناقة
فيأنفون فقال فيهم :
قوم هم الأنف
والأذناب غيرهم
|
|
ومن يسوّي
بأنف الناقة الذّنبا
|
فكانوا بعد ذلك
يتبجحون بهذا البيت.
ومدح ابن
الرومي البخل وعذر البخيل فقال :
لا تلم المرء
على بخله
|
|
ولمه يا صاح
على بذله
|
لا عجب
بالبخل من ذي حجى
|
|
يكرم ما يكرم
من أجله
|
وقال ابن منقذ
: «هو أن يلفق كلاما من كلام آخر فيولد من الكلامين كلاما ثالثا» ، كما روي عن مصعب بن الزبير أنّه وشم على خيله (عدّة)
فلما أخذها الحجاج كتب عليها (للفرار) ، ومن ذلك قوله لسعيد : ما اسمك؟ قال : سعيد
، فقال : على الأعداء.
وقال الحموي
والمدني إنّ بعضهم سمّى التغاير تلطفا ، ولكن التغاير ـ وقد تقدّم ـ أوسع من ذلك وإن كان لا
يخرج عنه كثيرا.
التّلفيف :
لفّ الشيء
يلفّه لفا : جمعه ، وقد التفّ .
قال المصري : «هو
أن يقصد المتكلم التعبير عن معنى خطر له أو سئل عنه فيلف معه معنى آخر يلازم كلمة
المعنى الذي سئل عنه» . كقوله تعالى :مخبرا عن موسى عليهالسلام وقد قال سبحانه له :(وَما تِلْكَ
بِيَمِينِكَ يا مُوسى؟ قالَ : هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها
عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) وكقول الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقد سئل عن البحر في حديث أوله : «هو الطّهور ماؤه ،
الحّل ميتته».
وعرّفه المصري
تعريفا آخر فقال : «التلفيف وهو عبارة عن إخراج الكلام مخرج التعليم بحكم أو أدب
لم يرد المتكلم ذكره وانما قصد ذكر حكم خاص داخل في عموم الحكم المذكور الذي صرح
بتعليمه. وبيان هذا التعريف أن يسأل السائل عن حكم هو نوع من أنواع جنس تدعو
الحاجة الى بيانها كلها أو أكثرها فيعدل المسؤول عن الجواب الخاص عما سئل عنه من
تبيين ذلك النوع ، ويجيب
__________________
بجواب عام يتضمن الإبانة عن الحكم المسؤول عنه وعن غيره بدعاء الحاجة الى
بيانه» .
وهذا هو
التعريف الذي ذكره السبكي للتلفيف بعد ذلك فقال : «هو إخراج الكلام مخرج التعليم
وهو أن يقع السؤال عن نوع من الأنواع تدعو الحاجة لبيان جميعها فيجاب بجواب عام عن
المسؤول عنه وعن غيره ليبنى على عمومه ما بعده من الصفات المقصودة» وليس في كتب البلاغة الأخرى إشارة الى هذا الفن ،
فالمصري لم يذكر السابقين ولم يضعه في الفنون التي ابتدعها ، ولكن السبكي قال : «وقد
يقال إنّ هذا يرجع الى الاستطراد» .
التّلفيق :
لفقت الثوب
ألفقه لفقا : وهو أن تضم شقّة الى أخرى فتخيطها ، ولفق الشقتين يلفقهما لفقا
ولفّقهما : ضمّ إحداهما الى الأخرى فخاطهما والتلفيق أعم ، وهما ما دامتا ملفوقتين
لفاق وتلفاق وكلتاهما لفقان ما دامتا مضمومتين فاذا تباينتا بعد التلفيق قيل انفتق
لفقهما .
والتلفيق من
السرقات وهو أن يلفق الشاعر بيته من عدة أبيات لغيره ، مثل قول ابن الطثريّة :
إذا ما رآني
مقبلا غضّ طرفه
|
|
كأنّ شعاع
الشّمس دوني يقابله
|
فأوله من قول
جميل :
إذا ما رأوني
طالعا من ثنيّة
|
|
يقولون : من
هذا وقد عرفوني
|
ووسطه من قول
جرير :
ففضّ الطّرف
إنّك من نمير
|
|
فلا كعبا
بلغت ولا كلابا
|
وعجزه من قول
عنترة الطائي :
إذا أبصرتني
أعرضت عنّي
|
|
كأنّ الشمس
من حولي تدور
|
والتلفيق هو
الالتقاط وقد تقدم.
التّلميح :
لمح اليه يلمح
لمحا وألمح : اختلس النظر ، وقال بعضهم : لمح : نظر .
قال التفنازاني
: «وأما التلميح : صح بتقديم اللام على الميم من لمحه إذا أبصره ونظر اليه وكثيرا
ما تسمعهم يقولون في تفسير الأبيات في هذا البيت تلميح الى قول فلان ، وقد لمح هذا
البيت فلان الى غير ذلك من العبارات» .
وقال الرازي : «هو
أن يشار في فحوى الكلام الى مثل سائر أو شعر نادر أو قصة مشهورة من غير أن يذكره» ، كقول الشاعر :
المستغيث
بعمرو عند كربته
|
|
كالمستغيث من
الرّمضاء بالنّار
|
وتحدّث
القزويني عن التلميح في باب السرقات وقال : «وأما التلميح فهو أن يشار الى قصة أو
شعر من غير ذكره» .
والأول كقول
ابن المعتز :
__________________
أترى الجيرة
الذين تداعوا
|
|
عند سير
الحبيب وقت الزّوال
|
علموا أنّني
مقيم وقلبي
|
|
راحل فيهم
أمام الجمال
|
مثل صاع
العزيز في أرحل القو
|
|
م ولا يعلمون
ما في الرحال
|
وفيه إشارة الى
ما جاء في سورة يوسف ـ عليهالسلام ـ من صواع صاحب مصر أيام يوسف.
وقول أبي تمام
:
لحقنا
بأخراهم وقد حوّم الهوى
|
|
قلوبا عهدنا
طيرها وهي وقّع
|
فردّت علينا
الشمس والليل راغم
|
|
بشمس لهم من
جانب الخدر تطلع
|
نضا ضؤوها
صبغ الدّجنّة وانطوى
|
|
لبهجتها ثوب
السماء المجزّع
|
فو الله ما
أدري أأحلام نائم
|
|
ألمّت بنا أم
كان في الركب يوشع
|
وفيه إشارة الى
قصة يوشع فتى موسى ـ عليهماالسلام ـ واستيقافه الشمس.
والثاني كقول
الحريري : «بت ليلة نابغية» أومأ الى قول النابغة الذبيانيّ :
فبتّ كأنّي
ساورتني ضئيلة
|
|
من الرقش في
أنيابها السّمّ ناقع
|
وقول غيره :
لعمرو مع
الرمضاء والنار تلتظي
|
|
أرقّ وأحفى
منك في ساعة الكرب
|
أشار الى البيت
المشهور :
المستجير
بعمرو عند كربته
|
|
كالمستجير من
الرمضاء بالنار
|
ومن التلميح
ضرب يشبه اللغز كما روي أنّ تميميا قال لشريك النميري : «ما في الجوارح أحبّ اليّ
من البازي» فقال : «إذا كان يصيد القطا» ، أشار التميمي الى قول جرير :
أنا البازي
المطلّ على نمير
|
|
أتيح من
السماء لها انصبابا
|
وأشار شريك الى
قول الطرماح :
تميم بطرق
اللؤم أهدى من القطا
|
|
ولو سلكت طرق
المكارم ضلّت
|
وتبع القزويني
في هذا الفن شراح التلخيص ، ولا يخرج كلام الآخرين عن هذا المعنى ، وان كان المدني فصّل القول فيه وصنفه أربعة فصول :
الأول : فيما
وقع التلميح فيه الى آية من القرآن.
الثاني : فيما
وقع التلميح فيه الى حديث مشهور.
الثالث : فيما
وقع التلميح فيه الى شعر مشهور.
الرابع : فيما
وقع التلميح فيه الى مثل.
ولا يخرج ما
ذكره عما تقدم ، وإن كان بحثه مرتبا ، وأمثلته كثيرة لأنّه كما قال : «باب لا
ينتهي حتى ينتهى عنه» .
وقد عدّه
الحلبي والنويري من التضمين فقالا : «وهو من التضمين وإنّما بعضهم أفرده وهو أن
يشير في فحوى الكلام الى مثل سائر أو بيت مشهور أو قضية معروفة من غير أن يذكره» .
__________________
التّلويح :
ألاح بالسيف
ولوّح : لمع به وحرّكه ، وألاح بثوبه ولوّح به : أخذ طرفه بيده من مكان بعيد ثم
أداره ولمع به ليريه من يحب أن يراه .
الوحي باللفظ
ودلالة الاشارة والتلويح من أساليب العرب القديمة ، وقد أشار الجاحظ اليها ، وذكر ابن جني «التلويح» مع التعريض والإيماء ، وأدخله ابن رشيق في باب الاشارة وقال : «ومن أنواعها
قول المجنون قيس بن معاذ العامري :
فلو كنت أعلو
حبّ ليلى فلم يزل
|
|
بي النقض
والإبرام حتى علانيا
|
فلوّح بالصحة
والكتمان ثم بالسقم والاشتهار تلويحا عجيبا» .
وتحدث السكاكي
عن التلويح في الكناية فقال : «متى كانت الكناية عرضية على ما عرفت كان إطلاق اسم
التعريض عليها مناسبا ، واذا لم تكن كذلك نظر فان كانت ذات مسافة بينها وبين
المكنيّ عنها متباعدة لتوسط لوازم كما في «كثير الرماد» وأشباهه كان إطلاق اسم
التلويح عليها مناسبا لأنّ التلويح هو أن تشير الى غيرك عن بعد» .
وذكر القزويني
وشراح التلخيص ذلك ، ولم يخرجوا على ما ذكره السّكّاكي ، وقال السجلماسي :
«هو اقتضاب الدلالة على الشيء بنظيره واقامته مقامه» .
التّمام :
هو التتميم وقد
تقدّم ، والتمام اسمه القديم ولكن الحاتمي سمّاه «التتميم» وقال عنه : «هو أن يذكر
الشاعر معنى فلا يغادر شيئا يتم به ويتكامل الاشتقاق معه فيه إلا أتى به» .
وهو الاعتراض
عند ابن المعتز ، وقد تقدم.
تمام الأقسام :
تحدث قدامة عن
توفير الأقسام فقال : «هو أن يؤتى بالأقسام مستوفاة لم يخل بشيء منها ومخلصة لم
يدخل بعضها في بعض» مثل : «فانك لم تخلّ فيما بدأتني من مجد أثلته وشكر
تعجلته وأجر ادخرته». وهو عنده غير التقسيم المتقدم ، لأنّه تحدث عنه منفردا باسم «صحة
التقسيم» .
التّمثيل :
التمثيل في
اللغة هو التشبيه ، وقد تحدث عنه أبو عبيدة وهو عنده التشبيه أو تشبيه التمثيل ، وأفرد له قدامة بحثا وقال : «هو أن يريد الشاعر إشارة
إلى معنى فيضع كلاما يدل على معنى آخر ، وذلك المعنى الآخر والكلام منبئان عما
أراد أن يشير اليه» ، وفسره المصري مثل هذا التفسير .
__________________
والتمثيل عند
العسكري والباقلاني وابن رشيق المماثلة ، وهو ضرب من الاستعارة . والتمثيل عند عبد القاهر والسكاكي والقزويني وشراح
التلخيص وغيرهم هو «التشبيه التمثيلي» وقد تقدم.
التّمزيج :
مزج الشيء
يمزجه مزجا فامتزج : خلطه .
والتمزيج من
مبتدعات المصري ، وقد قال : «هو أن يمزج المتكلم معاني البديع بفنون الكلام أعني
أغراضه ومقاصده بعضها ببعض بشرط أن تجمع معاني البديع والفنون في الجملة أو الجمل
من النثر والبيت او البيوت من الشعر» كقول بكر بن النطّاح :
بذلت لها ما
قد أرادت من المنى
|
|
لترضى فقالت
قم فجئني
|
بكوكب
|
|
فقلت لها هذا
التعنّت كلّه
|
كمن يتشهّى
لحم عنقاء مغرب
|
|
فأقسم لو
أصبحت في عزّ مالك
|
وقدرته أعيا
بما رمت مطلبي
|
|
فتى شقيت
أمواله بعفاته
|
كما
شقيت بكر بأرماح تغلب
|
فان التمزيج
وقع في الثلاثة المتواليات من هذا الشعر بعد الأول ، فأما الأول من الثلاثة فانّه
مزج في صدره العتاب بالغزل بالمراجعة حيث قال : «فقلت لها هذا التعنت كله» لارتباط
هذا الصدر بما قبله بسبب المراجعة التي فيهما إذ قال : «فقالت» وأتى في عجز البيت
بالتذييل ليتحقق العتاب ويستدل على صحة ما ادعاه من التعنت فمزج المذهب الكلامي
بالتذييل في العجز. كما مزج العتاب والغزل في الصدر مع الارتباط بما قبله وحقق ذلك
بالمراجعة الحاصلة فيهما فوقع التمزيج في البيت المذكور من الفنون في العتاب
والغزل ، ومن المعاني في المراجعة بسبب الارتباط والتذييل والمذهب الكلامي ، ثم
مزج المبالغة بالقسم في البيت الثاني من الثلاثة ، والمدح بالغزل بواسطة الاستطراد
، وأتى بالطامة الكبرى في البيت الثالث من الثلاثة إذ مزج فيه الإرداف بالتشبيه
والشجاعة بالكرم ، ومدح قبيلة الممدوح بمدحه وذمّ أعداءها ، والايغال بالتشبيه.
والتمزيج يلتبس
بأربعة أبواب من البديع هي :
التكميل
والافتنان والتعليق والادماج ، وقد فرّق المصري بينها فقال : «إنّ التكميل لا يكون
إلا في معاني النفوس وأغراضها معا في البديع ، ولا يكون أحد الأمرين فيه قد اتحد
بالآخر بحيث لا يظهر من الكلام إلا صورة أحد الأمرين دون الآخر. وإنما يؤخذ المعنى
الآخر من الكلام بطريق القوة لشدة امتزاج المعنيين او الفنين أو أحدهما بالآخر ،
وهذه حال التمزيج بمعاني النفوس ومعاني البديع. والفرق بين التمزيج والافتنان أنّ
الافتنان لا يكون إلا بالجمع بين فنين من أغراض المتكلم كالغزل والمدح والعتاب
والهجاء والتهنئة والتعزية ، والتمزيج بخلاف ذلك إذ هو يجمع الفنون والمعاني ويكون
الأمران فيه متداخلين ، والفنان فيه ظاهران. والفرق بين التمزيج والتعليق أنّ
التعليق كالافتنان في اختصاصه بالفنون دون المعاني وظهور الفنين فيه معا إلّا أنّ
أحدهما متعلق بالآخر ، والافتنان لا يكون إلا بالجمع بين فنين من أغراض المتكلم
كالغزل والمدح والعتاب والهجاء والتهنئة والتعزية ، والتمزيج بخلاف ذلك إذ هو يجمع
الفنون والمعاني ، ويكون الأمران فيه متداخلين أي أحد الفنين فيه متعلقا بالآخر
ولا بدّ ، وكلاهما يفارق الامتزاج في ظهور صور الأشياء التي
__________________
تكون فيه فإنها تمتزج في الامتزاج بحيث لا يظهر منها لكل شيئين إلا صورة
واحدة. والفرق بين التمزيج والادماج أنّ الادماج كالتعليق لا يكون إلا بالفنون دون
المعاني بخلاف التمزيج وإن اشتبه التمزيج في إيجاد الصور ، لا يكون إلا بالمعاني
البديعية دون المعاني النفسية ودون الفنون. والفرق بين التعليق والتكميل دقيق وقد
جاء في الكتاب العزيز من التمزيج قوله تعالى : (رَبِّ احْكُمْ
بِالْحَقِ) فإنّها امتزج فيها فنا الأدب والهجاء بمعنى الإرداف
والتتميم وتولّد من ذلك ما استخرجته منها من بقية المحاسن ، فكان ذلك أربعة عشر
نوعا يضيق هذا المكان عن ذكرها مفصّلة ، وقد ذكرتها مفصّلة في «بديع القرآن»
العزيز» .
وقد ذكر ابن
الاثير الحلبي فنا سمّاه «التعريج» وقال : «هذا الباب يسمّى بحسن الارتباط ويسمّى
حسن الترتيب ويسمّى حسن النسق ، وحقيقته أئتلاف الكلام بعضه ببعض حتى كأنه أفرغ في
قالب واحد. وأكثر ما يوجد هذا النوع مستعملا في كتاب الله تعالى الدالّ على
الاعجاز ، وسمّي الارتباط لأنّه اذا جاءت الآية وعلم تأويل الارتباط بين الآيتين
وامتزج معناهما علم حسن الترتيب فسمي حسن الارتباط لذلك. وكذلك تسميته بالتمزيج
وحسن النسق وحسن الترتيب» . وليس هذا تعريجا وإنّما هو «التمزيج» الذي ذكره المصري
لأنّ تعريفه قريب من ذلك ولأن ابن الأثير الحلبي ردد كلمة «التمزيج» عدة مرات في
هذا التعريف ، وفي الكتاب خطأ وقع في العنوان الذي كتب صحيحا في مسارد الكتاب ،
يضاف الى ذلك أنّ التعريج ليس من الفنون المذكورة في كتب البلاغة المعروفة.
التّمكين :
مكن مكانه فهو
مكين ، وتمكّن مثل مكن. وتمكن بالمكان وتمكنه أي ثبت فيه ، وتمكّن من الشيء
واستمكن : ظفر .
والتمكين هو «ائتلاف
القافية» وقد تقدم. وكان اسمه «ائتلاف القافية» عند قدامة ولكن الذين جاءوا بعده
سموه «التمكين» .
التّمليط :
ملط الحائط
ملطا وملّطه : طلاه ، والملاط : الطين الذي يجعل بين سافي البناء ويملطه في
الحائط.
والملاطان
جانبا السنام مما يلي مقدّمه ، والملاطان : الجنبان ، سميا بذلك لأنّهما قد ملط
اللحم عنهما ملطا أي نزع ، والملاطان : الكتفان ، والملاطان :العضدان . وقال ابن رشيق : «واشتقاق التمليط من أحد شيئين :
أوّلهما : أن
يكون من الملاطين ، وهما جانبا السنام في مرد الكتفين ، قال جرير :
ظللن حوالي
خدر أسماء وانتحى
|
|
باسماء موّار
الملاطين أروح
|
فكأنّ كل قسيم
ملاط ، أي جانب من البيت ، وهما عند ابن السكيت العضدان. والآخر : وهو الأجود ، أن
يكون اشتقاقه من الملاط وهو الطين يدخل في البناء يملط به الحائط ملطا ، أي يدخل
بين اللبن حتى يصير شيئا واحدا. وأما الملط ـ وهو الذي لا يبالي ما صنع ـ والأملط
الذي لا شعر عليه في جسده فليس
__________________
لاشتقاقه منهما وجه» .
وقد تحدّث ابن
رشيق عنه في باب «التضمين والاجازة» وقال : «ومن هذا الباب نوع يسمى التمليط ، وهو
أن يتساجل الشاعران فيصنع هذا قسيما وهذا قسيما لينظر أيهما ينقطع قبل صاحبه» .
وفي الحكاية
أنّ امرأ القيس قال للتوأم اليشكري : إن كنت شاعرا كما تقول فملط أنصاف ما أقول
فأجزها قال : نعم.
قال امرؤ القيس
:
أحار ترى بريقا هبّ وهنا.
فقال التوأم :
كنار مجوس تستعر استعارا
فقال امرؤ
القيس :
أرقت له ونام أبو شريح
فقال التوأم :
إذا ما قلت قد هدأ استطارا
وربما ملّط
الأبيات شعراء جماعة كما يحكى أن أبا نواس والعباس بن الاحنف والحسين بن الضحاك
الخليع ومسلم بن الوليد الصريع خرجوا في متنزه لهم ومعهم يحيى بن المعلّى فقام
يصلي بهم فنسي الحمد وقرأ : «قل هو الله أحد» فارتج عليه في نصفها فقال أبو نواس :
أجيزوا :
أكثر يحيى
غلطا
|
|
في «قُلْ هُوَ
اللهُ أَحَدٌ»
|
فقال العباس :
قام طويلا
ساهيا
|
|
حتى إذا أعيا
سجد
|
فقال مسلم :
يزحر في
محرابه
|
|
زحير حبلى
بولد
|
كأنّما لسانه
|
|
شدّ بحبل من
مسد
|
وكان الخطابي
قد تحدث عن الاجازة وذكر طرفا مما ذكره ابن رشيق .
التّمنّي :
تمنّى الشيء :
أراده ، والتمني : تشهّي حصول الأمر المرغوب فيه .
ولا يخرج معنى
التمني عند البلاغيين عن هذا المعنى فهو توقع أمر محبوب في المستقبل ، والفرق بينه
وبين الترجي أنّه يدخل في المستحيلات ، والترجي لا يكون إلا في الممكنات . ولكن البلاغيين ـ مع ذلك ـ يفرقون بين نوعين من التمني
:
الأوّل : توقع
الأمر المحبوب الذي لا يرجى حصوله لكونه مستحيلا كقوله تعالى : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ
فَوْزاً عَظِيماً) ، وقول الشاعر :
ألا ليت
الشّباب يعود يوما
|
|
فأخبره بما
فعل المشيب
|
الثاني : توقع
الأمر المحبوب الذي لا يرجى حصوله لكونه ممكنا غير مطموع في نيله كقوله تعالى : (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ
قارُونُ).
والأداة
الموضوعة للتمني «ليت» وقد تستعمل ثلاثة أحرف للدلالة عليه :
أحدها : «هل»
كقوله تعالى : (فَهَلْ لَنا مِنْ
شُفَعاءَ
__________________
فَيَشْفَعُوا
لَنا).
الثاني : «لو»
سواء كانت مع «ودّ» كقوله تعالى :(وَدُّوا لَوْ
تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ). أو لم تكن ، كقوله تعالى : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) ، وقوله : (لَوْ أَنَّ لَنا
كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ).
الثالث : «لعل»
كقوله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ
الْأَسْبابَ. أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى). ومنه قول الشاعر :
أسرب القطا
هل من يعير جناحه
|
|
لعلّي الى من
قد هويت أطير
|
تمهيد الدّليل
:
مهدت لنفسي
ومهّدت أي جعلت لها مكانا وطيئا سهلا ، ويمهدون : يوطئون. وتمهيد الأمور : تسويتها
وإصلاحها ، وتمهيد العذر : قبوله وبسطه .
تحدث السيوطي
في المحسنات المعنوية عن «تمهيد الدليل» وقال : «هذا نوع ثالث اخترعته وسميته تمهيد
الدليل ، وهو أن يقصد الحكم بشيء فيرتب له أدلة تقتضي تسليمه قطعا بأن يبدأ
بالمقصود ويخبر عنه بجملة مسلّمة ، ثم يخبر عن تلك الجملة بأخرى مسلّمة فيلزم ثبوت
الحكم للأول بأن يحذف الوسط ويخبر بالأخير عن الأول. وهذا شكل من أشكال المناطقة ،
ونحن أهل السنة لا نتبعهم أصلا ، وهم مصرحون بأنّه في طبع أهل الذوق والذكاء ،
والقرآن والسنة طافحان باستعماله ثم تارة يكون الوسط جملة واحدة وتارة يكون أكثر.
فمن الأول قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى
تحابّوا» لأنّه يصح أن يحذف الوسط فيقال : «لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا ، لم يؤمن
بالله من لم يؤمن بي ، ولم يؤمن بي من لا يحب الانصار» .
التّناسب :
ناسبه : شركه
في نسبه ، المناسبة : المشاكلة ، وتناسبا : تماثلا وتشاكلا ، والتّناسب من تناسب.
تحدّث بشر بن
المعتمر في صحيفته عن التناسب بين الألفاظ والمعاني فقال : «ومن أراغ معنى كريما
فليلتمس له لفظا كريما ، فانّ حق المعنى الشريف اللفظ الشريف» .
وقال الجاحظ عن
تناسب الألفاظ والمعاني : «إلا أنّي أزعم أنّ سخيف الألفاظ مشاكل لسخيف المعاني» . وقال : «ومتى شاكل ـ أبقاك الله ـ ذلك اللفظ معناه
وأعرب عن فحواه ، وكان لتلك الحالة وفقا ولذلك القدر لفقا وخرج من سماجة الاستكراه
وسلم من فساد التكلف كان قمينا بحسن الموقع وبانتفاع المستمع وأجدر أن يمنع جانبه
من تناول الطاعنين ويحمي عرضه من اعتراض العائبين ، وألا تزال القلوب به معمورة
والصدور مأهولة» .
وقال : «ولكل
ضرب من الحديث ضرب من اللفظ
__________________
ولكل نوع من المعاني نوع من الأسماء ، فالسخيف للسخيف والخفيف للخفيف
والجزل للجزل والافصاح في موضع الافصاح والكناية في موضع الكناية والاسترسال في
موضع الاسترسال» .
وتحدّث قدامة
عن نعت ائتلاف اللفظ والمعنى وهو المساواة والاشارة والإرداف والتمثيل والمطابق
والمجانس ، وقال التنوخي : «ومن البيان التناسب ، وهو في الالفاظ
وفي المعاني ، وأكثر ما يحتاج اليه في الالفاظ لأنّ المعاني التي تطلب لا يلزم
فيها ترتيب ولا مناسبة ، فانّ المتكلم قد يفتقر الى ذكر الاشياء المتناقضة
والمتضادة والمتغايرة والمتنافرة وحيث لا يفتقر الى شيء من ذلك فهو التناسب فكأنه
مضطر الى ما يأتي به إذا كان مرادا» .
وقال الحلبي
والنّويري : «والتّناسب هو ترتيب المعاني المتآخية التي تتلاءم ولا تتنافر» . ويسمّى التشابه أيضا ، وقيل إنّ التشابه أن تكون
الألفاظ غير متباينة بل متقاربة في الجزالة والرقّة والسلاسة وتكون المعاني مناسبة
لألفاظها من غير أن يكسو اللفظ الشريف المعنى السخيف أو على الضد ، بل يصاغان معا
صياغة تتناسب وتتلاءم.
ومن التناسب
قول النابغة :
الرفق يمن
والأناة سعادة
|
|
فاستأن في
رزق تنال نجاحا
|
واليأس عما
فات يعقب راحة
|
|
ولربّ مطمعة
تعود ذباحا
|
ونقل ابن قيّم
الجوزيّة ذلك ، وسمّى الوطواط والقزويني وشراح التلخيص والحموي
والسّيوطي والمدني ، مراعاة النظير «تناسبا» أيضا .
تناسب الأبيات
:
وهو أن تكون
الأبيات أو أشطرها متناسبة ، وقد قال ابن طباطبا العلوي : «وينبغي للشاعر أن يتأمل
تأليف شعره وتنسيق أبياته ويقف على حسن تجاورها أو قبحه فيلائم بينها لتنتظم له
معانيها ويتصل كلامه فيها ولا يجعل بين ما ابتدأ وصفه أو بين تمامه فصلا من حشو
ليس من جنس ما هو فيه ، فينسى السامع المعنى الذي يسوق القول اليه.
كما انه يحترز
من ذلك من كل بيت فلا يباعد كلمة عن اختها ولا يحجز بينها وبين تمامها بحشو يشينها
ويتفقد كل مصراع هل يشاكل ما قبله؟ فربما اتفق للشاعر بيتان يضع مصراع كل واحد
منهما في موضع الآخر فلا يتنبه على ذلك إلا من دقّ نظره ولطف فهمه. وربما وقع
الخلل في الشعر من جهة الرواة والناقلين له فيسمعون الشعر على جهة ويؤدونه على
غيرها سهوا ولا يتذكرون حقيقة ما سمعوه منه كقول امرئ القيس :
كأني لم أركب
جوادا للذّة
|
|
ولم أتبطّن
كاعبا ذات خلخال
|
ولم أسبأ
الزقّ الرويّ ولم أقل
|
|
لخيلي كرّي
كرّة بعد إجفال
|
هكذا الرواية
وهما بيتان حسنان ولو وضع مصراع كل واحد منهما في موضع الآخر كان أشكل وأدخل في
استواء النسج فكان يروى :
__________________
كأني لم أركب
جوادا ولم أقل
|
|
لخيلي كرّي
كرّة بعد إجفال
|
ولم أسبأ
الزّقّ الرويّ للذّة
|
|
ولم أتبطّن
كاعبا ذات خلخال
|
ومن ذلك قول
المتنبي :
وقفت وما في
الموت شكّ
|
|
لواقف
|
كأنّك في جفن
الردى وهو نائم
|
|
تمرّ بك
الأبطال كلمى هزيمة
|
ووجهك
وضّاح وثغرك باسم
|
وحكي أنّ سيف
الدولة الحمداني قال للمتنبي : قد انتقدتهما عليك كما انتقد على امرئ القيس قوله :
«كأني لم أركب ...» فبيتاك لم يلتئم شطراهما كما لم يلتئم شطرا بيتي امرئ القيس
وكان ينبغي لك أن تقول :
وقفت وما في
الموت شكّ لواقف
|
|
ووجهك وضّاح
وثغرك باسم
|
تمرّ بك
الأبطال كلمى هزيمة
|
|
كأنك في جفن
الردى وهو نائم
|
فقال المتنبي :
«إن صحّ أنّ الذي استدرك على امرئ القيس هذا هو أعلم بالشعر منه فقد أخطأ امرؤ
القيس وأخطأت أنا ، ومولانا يعلم أنّ الثوب لا يعلمه البزّاز كما يعلمه الحائك
لأنّ البزاز يعرف جملته والحائك يعرف تفاصيله وإنّما قرن امرؤ القيس النساء بلذة
الركوب للصيد وقرن السماحة بسباء الخمر للاضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء ،
وكذلك لما ذكرت الموت في صدر البيت الأول اتبعته بذكر الردى في آخره ليكون أحسن
تلاؤما ، ولما كان وجه المنهزم الجريح عبوسا وعينه باكية قلت : «ووجهك وضّاح وثغرك
باسم» لأجمع بين الأضداد» .
فتناسب الابيات
والأشطار والارتباط بينها من أهم ما ينبغي للشاعر العناية به لئلا يحدث خلل أو
تختل الصورة الشعرية إذا وقع تنافر بين العبارات.
تناسب الأطراف
:
قال المدني : «تناسب
الأطراف عبارة عن أن يبتدىء المتكلّم كلامه بمعنى ثم يختمه بما يناسب ذلك المعنى
الذي ابتدأ به. وهذا النوع جعله الخطيب في التلخيص والإيضاح من مراعاة النظير . قال :ومن مراعاة النظير ما يسمّيه بعضهم تشابه الأطراف
وهو أن يختم الكلام بما يناسب أوّله في المعنى ، وقد علمت أنّ الشيخ زكي الدين بن
أبي الإصبع نقل هذا الاسم وهو «تشابه الأطراف» إلى نوع التسبيغ الذي هو عبارة عن
أن يعيد الشاعر لفظة القافية في أول البيت الذي يليها فتكون الأطراف متشابهة وهي
تسمية مطابقة للمسمّى. وسمّى بعضهم هذا النوع «تشابه الأطراف المعنوي» وهو تطويل
في العبارة فرأينا نحن تسميته بتناسب الأطراف أولى لمطابقته لمسمّاه» .
وهو نوعان :
ظاهر وخفيّ ، فالأوّل كقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) فإن «اللطيف يناسب كونه غير مدرك بالابصار ، والخبير
يناسب كونه مدركا للاشياء لأنّ المدرك للشيء يكون خبيرا».
الثاني كقوله
تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ
فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ). فان قوله ـ سبحانه ـ : (وَإِنْ تَغْفِرْ
لَهُمْ) يوهم أنّ الفاصلة
«الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»
ولكن اذا أمعن
وانعم النظر علم أنّه يجب أن تكون على ما عليه التلاوة لأنّه لا يغفر لمن يستحق
__________________
العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه فهو «الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ».
التّناسب بين
المعاني :
عقد ابن الأثير
بابا في الصناعة المعنوية سمّاه «التّناسب بين المعاني» ، وهو عنده ثلاثة أقسام :المطابقة وصحة التقسيم وفساده
وترتيب التفسير وما يصح من ذلك وما يفسد. وكل قسم من هذه الأقسام نوع في هذا
المعجم.
تناسب الفصول
والوصول :
ذكر ذلك
المرزوقي في شرحه لديوان الحماسة ولم يفسّره ، ولعلّه يريد به معرفة الفصل من الوصل
وصحّة استعمالهما لاهميتهما في الكلام ، وقد عدّوهما من أصعب المواضع.
التّنافر :
النّفر :
التفرق ، نفر القوم ينفرون نفرا ونفيرا ، ونفر : فرّ. وتنافروا : ذهبوا ، وتفرقوا .
قال الجاحظ : «ومن
ألفاظ العرب ألفاظ تتنافر وإن كانت مجموعة في بيت شعر لم يستطع المنشد انشادها إلا
ببعض الاستكراه فمن ذلك قول الشاعر :
وقبر حرب
بمكان قفر
|
|
وليس قرب قبر
حرب قبر
|
ولما رأى من لا
علم له أنّ أحدا لا يستطيع أن ينشدها هذا البيت ثلاث مرات في نسق واحد فلا يتتعتع
ولا يتلجلج وقيل لهم إنّ ذلك إنّما اعتراه إذ كان من أشعار الجن ، صدّقوا بذلك» . ومن ذلك قول ابن يسير في احمد بن يوسف حين استبطأه :
لم يضرها
والحمد لله شيء
|
|
وانثنت نحو
عزف نفس ذهول
|
قال الجاحظ : «فتفقّد
النصف الاخير من هذا البيت فانك ستجد بعض ألفاظه يتبرأ من بعض» .
وتحدث القزويني
عن تنافر الحروف وقال : «فالتنافر منه ما تكون الكلمة بسببه متناهية في الثقل على
اللسان وعسر النطق بها كما روي أنّ أعرابيا سئل عن ناقته فقال : «تركتها ترعى
الهعخع». ومنه ما هو دون ذلك كلفظ «مستشزر» في قول امرئ القيس :
غدائره
مستشزرات الى العلى
|
|
تضلّ العقاص
في مثنّى ومرسل
|
وتحدث عن تنافر
الكلمات وقال : «والتنافر منه ما تكون الكلمات بسببه متناهية في الثقل على اللسان
وعسر النطق بها ، متتابعة كما في البيت الذي أنشده الجاحظ :
وقبر حرب
بمكان قفر
|
|
وليس قرب قبر
حرب قبر
|
ومنه ما دون
ذلك كما في قول أبي تمام :
كريم متى
أمدحه أمدحه والورى
|
|
معي وإذا ما
لمته لمته وحدي
|
فانّ في قوله :
«أمدحه» ثقلا ما بين الحاء والهاء من تنافر» . وسار شراح التلخيص على خطا القزويني في بحث التنافر .
التّناقض :
النقض : إفساد
ما أبرمت من عقد أو بناء ، وناقضه في الشيء مناقضة ونقاضا : خالفه ، والمناقضة في
__________________
القول أن يتكلم بما يتناقض معناه . وقال الشريف الجرجاني : «التناقض : هو اختلاف القضيتين
بالايجاب والسلب بحيث يقتضي لذاته صدق إحداهما وكذب الأخرى» .
تحدّث قدامة عن
التناقض وقال : «إنّ مناقضة الشاعر نفسه في قصيدتين أو كلمتين بأن يصف شيئا وصفا
حسنا ثم يذمه بعد ذلك ذمّا حسنا أيضا غير منكر عليه ولا معيب من فعله إذا أحسن
المدح والذمّ بل ذلك عندي يدلّ على قوة الشاعر في صناعته واقتداره عليها» . وتحدّث في عيوب المعاني عن الاستحالة والتناقض وهما «أن
يذكر في الشعر شيء فيجمع بينه وبين المقابل له من جهة واحدة. والأشياء تتقابل على
أربع جهات : إمّا على طريق المضاف ومعنى المضاف هو الشيء الذي يقال بالقياس الى
غيره مثل الضعف الى نصفه والمولى الى عبده والأب الى ابنه ... وإمّا على طريق
التضادّ مثل الشّرّير للخير والحارّ للبارد والأبيض للأسود. وإمّا على طريق العدم
والقنية مثل الأعمى والبصير والأصلع وذي اللحية. وإما على طريق
النفي والاثبات مثل أن يقال : «زيد جالس» : «زيد ليس بجالس».
فاذا أتى في
الشعر جمع بين متقابلين من هذه المتقابلات وكان الجمع من جهة واحدة فهو عيب فاحش
غير مخصوص بالمعاني الشعرية بل هو لاحق بجميع المعاني» .
فمما جاء في
الشعر من التناقض على طريق المضاف قول عبد الرحمن بن عبد الله القس :
فاني إذا ما
الموت حلّ بنفسها
|
|
يزال بنفسي
قبل ذاك فأقبر
|
فقد جمع بين «قبل»
و «بعد» وهما من المضاف لأنّه لا قبل إلا لبعد ولا بعد إلا لقبل ، حيث قال : «إنه
اذا وقع الموت بها» وهذا القول كأنّه شرط وضعه ليكون له جواب يأتي به ، وجوابه هو
قوله : «يزال بنفسي قبل ذاك» وهذا شبيه بقول قائل لو قال : «إذا انكسر الكوز
انكسرت الجرة قبله».
ومما جاء على
جهة التضاد قول أبي نواس يصف الخمرة :
كأنّ بقايا
ما عفا من حبابها
|
|
تفاريق شيب
في سواد عذار
|
فشبّه حباب
الكأس بالشيب وذلك قول جائز ؛ لأنّ الحباب يشبه الشيب في البياض وحده لا في شيء
آخره غيره ، ثم قال :
تردّت به ثم
انفرى عن أديمها
|
|
تفرّي ليل عن
بياض نهار
|
فالحباب الذي
جعله في هذا البيت الثاني كالليل هو الذي كان في البيت الاول أبيض كالشيب ، والخمر
التي كانت في البيت الاول كسواد العذار هي التي صارت في البيت الثاني كبياض
النهار. وليس في هذا التناقض منصرف الى جهة من جهات العذر لأنّ الابيض والأسود
طرفان متضادان.
ومما جاء من
التناقض على طريقة القنية والعدم قول يحيى بن نوفل :
لأعلاج
ثمانية وشيخ
|
|
كبير السنّ
ذي بصر ضرير
|
فلفظة «ضرير»
إنّما تستعمل في الاكثر للذي لا بصر له وقول هذا الشاعر في هذا الشيخ إنّه ذو بصر
وإنّه ضرير تناقض من جهة القنية والعدم. وذلك أنّه كأنه يقول : «إنّ له بصرا ولا
بصر له ، فهو بصير أعمى».
ومما جاء على
طريق الايجاب والسلب قول عبد الرحمن بن عبد الله القس :
__________________
أرى هجرها
والقتل مثلين فاقصروا
|
|
ملامكم
فالقتل أعفى وأيسر
|
فأوجب هذا
الشاعر الهجر والقتل أنّهما مثلان ثم سلبهما ذلك بقوله : «إنّ القتل أعفى وأيسر»
فكأنه قال : «إنّ القتل مثل الهجر وليس هو مثله».
التّنبيه :
نبّهه وأنبهه
من النوم فتنبّه وانتبه ، وانتبه من نومه :استيقظ ، والتنبيه مثله. ونبّهه من
الغفلة فانتبه وتنبّه :أيقظه ، وتنبّه على الأمر : شعر به ونبّهته على الشي
:وقّفته عليه فتنبه هو عليه .
قال التبريزي :
«هو أن يقول الشاعر بيتا يرسله إرسال غير متحرز من المنتقد عليه ثم يتنبّه على ذلك
فيستدرك موضع الطعن عليه بما يصلحه وربما كان ذلك في الشطر الأول من البيت
فيتلافاه في الشطر الثاني وربما كان في بيت فيتلافاه في الثاني» ، كقول بعضهم :
هو الذئب أو
للذئب أو فى أمانة
|
|
وما منهما
إلا أزلّ خؤون
|
كأنه لما قال :
«أو للذئب أو فى أمانة» تنبه على أنّ قائلا يقول له : وأية أمانة في الذئب؟ فقال
مستدركا لخطئه : «وما منهما إلا أزلّ خؤون» فسلم له البيت.
ومن ذلك :
إذا ما ظمئت
الى ريقها
|
|
جعلت المدامة
منه بديلا
|
وأين المدامة
من ريقها
|
|
ولكن أعللّ
قلبا عليلا
|
فنبّه بقوله : «وأين
المدامة من ريقها» على قول القائل : وهل تكون المدامة بدلا عن ريقها ، فاستدرك عند
ذلك بقوله : «ولكن أعللّ قلبا عليلا».
وبعد أن ذكر
العلوي ما ذكره التبريزي وابن الزملكاني قال : «ومما هو منسحب في أذيال التنبيه
التتميم ، وهو أن نأخذ في بيان معنى فيقع في نفسك أنّ السامع لم يتصوره على حدّ
حقيقته وإيضاح معناه فتعود اليه مؤكدا له فيندرج تحت ما ذكرناه من خاصة التنبيه» . وهذا كقول ابن الرومي :
آراؤكم
ووجوهكم وسيوفكم
|
|
في الحادثات
إذا دجون نجوم
|
منها معالم
للهدى ومصابح
|
|
تجلو الدّجى
والأخريات رجوم
|
فقوله : «نجوم»
ورد غير مشروح لأنّه يفهم منه ما ذكره من التفصيل في البيت الآخر فلهذا كان مبهما
فلما شرح تقاسيم النجوم في البيت الثاني جاء متمما له ومكملا لمعناه. قال العلوي :
«فلا جرم كان معنى التتميم فيه حاصلا وكان فيه التنبيه على ما ذكرناه فلهذا
أوردناه على أثر التنبيه لما كان قريبا منه وملتصقا به ، فكان أحقّ بالايراد على
أثره» .
التّندير :
ندر الشيء يندر
ندورا : سقط ، وقيل : سقط وشذّ ، ونوادر الكلام تندر وهي ما شذّ وخرج من الجمهور .
التندير من
مبتدعات المصري ، وقد قال في تعريفه : «هو أن يأتي المتكلم بنادرة حلوة أو مجنة
مستطرفة ، وهو يقع في الجدّ والهزل» . ومن لطيف ما جاء منه في الجد وبديعه قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ
يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ
الْمَوْتِ). وأما ما جاء منه في الهزل
__________________
فكقول أبي تمام فيمن سرق له شعرا وهو محمد بن يزيد الرقي :
من بنو بحدل
من ابن الجباب
|
|
من بنو تغلب
غداة الكلاب
|
من طفيل من
عامر أم من الحا
|
|
رث أم من
عتيبة بن شهاب
|
إنّما
الضّيغم الهصور أبو الأش
|
|
بال هتّاك
كلّ خيس وغاب
|
من عدت خيله
على سرح شعري
|
|
وهو للحين
راتع في كتاب
|
يا عذارى
الكلام صرتنّ من بع
|
|
دي سبايا
تبعن في الأغراب
|
لو ترى منطقي
أسيرا لأصبح
|
|
ت أسيرا ذا
عبرة واكتئاب
|
طال رغبي
اليك مما أقاسي
|
|
ه ورهبي يا
ربّ فاحفظ ثيابي
|
وقال المصري في
الفرق بينه وبين التهكم والهزل الذي يراد به الجد : «إنّ التندير ظاهر جدّ وباطنه
هزل بخلاف البابين» .
وقال الحلبي
والنويري : «هو أن يأتي المتكلم بنادرة حلوة أو نكتة مستظرفة يعرض فيها بمن يريد
ذمه بأمر ، وغالبا ما يقع في الهزل» ، وذكرا أبيات أبي تمام أيضا.
التّنزيل :
أنزله غيره
واستنزله بمعنى ، ونزّله تنزيلا ، والتنزيل أيضا : الترتيب والتنزيل : النزول في
مهلة .
والتنزيل هو
ترتيب الأشياء من الأعلى الى الأدنى ، وقد ذكره الدّمنهوري فقال : «الانتقال من
الادنى الى الأعلى في الوجوه المرادة نحو : «لا أبالي بالوزير ولا بالسلطان»
والتنزيل عكس الترقي نحو : «هذا الأمر لا يعجز السلطان ولا الوزير» . وقد ورد هذا النوع في قول عبد الرحمن الخضري :
تعريض او
الغاز ارتقاء
|
|
تنزيل او
تأنيس او إيحاء
|
التّنسيق :
النسق من كلّ
شيء : ما كان على طريقة نظام واحد ، وقد نسّقته تنسيقا ، والتنسيق : الترتيب .
تحدّث الوطواط
عن «تنسيق الصفات» وقال : «وتكون هذه الصنعة بأن يذكر الكاتب أو الشاعر شيئا بجملة
أسماء أو جملة صفات متوالية» .
كقوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا
هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ
الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ). ومنه قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «ألا أخبركم بأحبّكم إليّ وأقربكم مني مجالس يوم
القيامة ، أحاسنكم أخلاقا ، الموطؤون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلفون. ألا أخبركم
بأبغضكم اليّ وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة أسوؤكم أخلاقا الثرثارون المتفيهقون».
ومنه قول العباس بن عبد المطلب في مدح المصطفى عليهالسلام :
وأبيض يستسقى
الغمام بوجهه
|
|
ثمال اليتامى
عصمة للأرامل
|
وقول حسان :
بيض الوجوه
كريمة أحسابهم
|
|
شمّ الأنوف
من الطرّاز الأوّل
|
__________________
وذكر الرازي
تنسيق الصفات ومثّل له بالآية السابقة ، وقال الحلبي والنويري عن تنسيق الصفات : «هو أن يذكر
الشيء بصفات متوالية» .
وسمّاه المصري «حسن
النسق» وقال : «هو أن تأتي الكلمات من النثر والأبيات من الشعر متتاليات متلاحمات
تلاحما سليما مستحسنا لا مستهجنا.
والمستحسن من
ذلك أن يكون كل بيت إذا أفرد قام بنفسه واستقلّ معناه بلفظه وإن ردفه مجاوره صار
بمنزلة البيت الواحد بحيث يعتقد السامع أنّهما اذا انفصلا تجزأ حسنهما ونقص
كمالهما وتقسّم معناهما وهما ليس كذلك بل حالهما في كمال الحسن وتمام المعنى مع
الانفراد والافتراق كحالهما مع الالتئام والاجتماع» . ومن ذلك قوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ
ابْلَعِي ماءَكِ ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي ، وَغِيضَ الْماءُ ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ
، وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ، وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، وقد جاءت الجمل في هذه الآية الكريمة معطوفا بعضها
على بعض بواو النسق على الترتيب الذي تقتضيه البلاغة.
ومن الشعر قول
زهير :
ومن يعص
أطراف الزجاج فإنّه
|
|
يطيع العوالي
ركبّت كلّ لهذم
|
فانّه نسق على
هذا البيت عدة أبيات ، كل بيت معطوف على ما قبله بالواو عطف تلاحم. وهذا من شواهد
عطف بيت على بيت ، وقد يكون حسن النسق في جمل البيت الواحد كقول ابن شرف القيرواني
:
جاور عليا
ولا تحفل بحادثة
|
|
إذا ادّرعت
فلا تسأل عن الأسل
|
سل عنه وانطق
وانظر اليه تجد
|
|
ملء المسامع
والأفواه والمقل
|
وسمّاه ابن
الأثير الحلبي التمزيج وحسن الارتباط وحسن الترتيب وحسن النسق وعرّفه بما يقرب من
تعريف المصري . وتحدث عنه في باب آخر باسم «حسن النسق والانسجام» ونقل
تعريف المصري ونقل بعض أمثلته . وتبعهما ابن قيم الجوزية وعرّف هذا النوع بتعريف
المصري أيضا . وقال الحموي : «هذا النوع أعني حسن النسق ويسمّى
التنسيق من محاسن الكلام وهو أن يأتي المتكلم بالكلمات من النثر والأبيات من الشعر
متتاليات متلاحمات تلاحما سليما مستحسنا مستبهجا وتكون جملها ومفرداتها متسقة
متوالية اذا أفرد منها البيت قام بنفسه واستقل معناه بلفظه» .
وذكر السّيوطي
قولين في هذا الفن :
الأوّل : ما
ذكره الرازي والحلبي والنويري وهو «أن يذكر الشيء بصفات متوالية».
الثاني : قول
أصحاب البديعيات وهو ما ذكره المصري والحموي . ولكنّه ذكر الرأي الثاني في «الاتقان» وحده وعرّف حسن
النسق بتعريف البلاغيين السابقين ولا سيما تعريف المصري ومثاله القرآني .
وذكر المدني
الرأيين أيضا ، ونقل التعريفين المعروفين لكل رأي .
__________________
تنسيق الصّفات
:
هو التنسيق
المتقدم ، وقد سمّاه كذلك الوطواط والرازي والحلبي والنّويري .
التّنظير :
النظر : تأمّل
الشيء بالعين. وتقول العرب : نظرت الى كذا وكذا ، من نظر العين ونظر القلب. واذا
قيل نظرت في الامر كان تفكرا وتدبرا بالقلب .
قال المصري : «هو
أن ينظر الانسان بين كلامين إما متفقي المعاني أو مختلفي المعاني ليظهر الأفضل
منهما» . مثال الأول قول يزيد بن الحكم الثقفي من شعراء الحماسة
:
يا بدر
والأمثال يض
|
|
ربها لذي
اللّبّ الحكيم
|
دم للخليل
بودّه
|
|
ما خير ودّ
لا يدوم
|
واعرف لجارك
حقّه
|
|
والحقّ يعرفه
الكريم
|
واعلم بأنّ
الضّيف يو
|
|
ما سوف يحمد
أو يلوم
|
فنظر بين هذه
الوصايا وبين قوله تعالى : (وَبِذِي الْقُرْبى
وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ).
ومثال الثاني
ما اقتصه الأعشى من قصة السموأل في وفائه بأدراع امرئ القيس التي أودعه اياها عند
دخوله بلاد الروم ، وقصيدة الأعشى مطلعها :
كن كالسموأل
إذ طاف الهمام به
|
|
في جحفل
كسواد الليل جرّار
|
قال المصري : «هذه
القصيدة أجمع العلماء البصراء بنقد الكلام على تقديمها في هذا الباب على جميع
الاشعار التي اقتصت فيها القصص وتضمنت الأخبار. واذا نظرت بينها وبين قوله تعالى
في سورة يوسف (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ
عَلَى الْعَرْشِ ...) رأيت تفاوت ما بين الكلامين وأدركت الفرق بين البلاغتين»
.
والتنظير من
مبتدعات المصري ، وهو قريب مما ذكره النقاد في باب الموازنة بين الكلام.
التّنكيت :
التنكيت مصدر
نكّت إذا أتى بنكتة وأصله من النكت ، وهو أن تضرب في الارض بقضيب ونحوه فتؤثر فيها
لأنّ المتكلم إذا أتى في كلامه بدقيقة احتاج السامع في استخراجها الى فضل تأمل
وتفكر ينكت معه الأرض كما هو شأن المتأمل .
قال ابن منقذ :
«التنكيت هو أن تقصد شيئا دون أشياء لمعنى من المعاني ولو لا ذلك لكان خطأ من
الكلام وفسادا في النقد» . فقد سئل ابن عباس عن قوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) لم لم يقل : «الثريا» فقال : كان قد ظهر في العرب رجل
يقال له ابن أبي كبشة عبد الشعرى لأنّها أكبر نجم في السماء فقصدها الله تعالى دون
النجوم لأنّها عبدت ولم تعبد الثريا.
وسئل الاصمعي
عن قول الخنساء :
يذكّرني طلوع
الشّمس صخرا
|
|
وأذكره لكلّ
غروب شمس
|
__________________
لم خصّت طلوع
الشمس وغروبها دون أثناء النهار؟فقال : لأنّ وقت الطلوع وقت الركوب الى الغارات ،
ووقت الغروب وقت قرى الضيفان ، فذكرته في هذين الوقتين مدحا له بأنّه كان يغير على
اعدائه ويقري أضيافه.
وأخذ المصري
وابن الاثير الحلبي والحموي والسيوطي والمدني بتعريف ابن منقذ وأمثلته وقال الحموي : «هذا النوع أعني التنكيت يستحق لغرابته
أن يعدّ مع المماثلة والموازنة ومع التطريز والترصيع» ، وقد عدّه السيوطي مختصا بالفصاحة دون البلاغة ، مثله
في ذلك مثل الفرائد .
التّنكير :
النكرة إنكارك
الشيء وهو نقيض المعرفة والنكرة خلاف المعرفة ، والتنكير خلاف التعريف . وقد تقدّم الكلام عليه في «التعريف والتنكير».
التّهجين :
الهجنة من
الكلام ما يعيبك ، والتهجين : التقبيح .
قال ابن منقذ :
«هو أن يصحب اللفظ والمعنى لفظ آخر ومعنى آخر يزري به ولا يقوم حسن أحدهما بقباحة
الآخر» فيكون كمدح بعضهم لعبد الله البجلي حيث قال :
يقال عبد
الله من بجيله
|
|
نعم الفتى
وبئست القبيله
|
فقال عبد الله
: ما مدح من هجي قومه.
ومن ذلك قول
النابغة :
نظرت إليك
بحاجة لم يقضها
|
|
نظر العليل
الى وجوه العوّد
|
هجّن البيت
بذكر العلة.
ومنه قول بعض
العرب :
ألا إنما
ليلى عصا خيزرانة
|
|
إذا غمزوها
بالأكفّ تلين
|
ذكر ابن قتيبة
أنّه لما أنشده بشارا قال له : هجّنت شعرك بقولك «عصا» ولو قلت : «عصا مخّ» أو «زبد»
لم تزل الهجنة.
وأحسن من هذا
قولي :
وحوراء
المدامع من معدّ
|
|
كأنّ حديثها
ثمر الجنان
|
أذا قامت
لطيتها تثنّت
|
|
كأنّ عظامها
من خيزران
|
ومنه قول أبي
تمام :
تسعون ألفا
كآساد الشّرى نضجت
|
|
جلودهم قبل
نضج التين والعنب
|
قيل : إنّه
هجين ؛ لأنّه لا فائدة في اختصاصه بالتين والعنب دون التمر.
التّهذيب :
التهذيب
كالتنقية ، هذب الشيء يهذبه هذبا وهذّبه : نقّاه وأخلصه . عقد ابن منقذ بابا سماه «التهذيب والترتيب» وقال : «ومن
التهذيب أن يخلص المعنى قبل السبك للفظ والقوافي قبل الأبيات» . وأتبع الباب بجملة وصايا تتصل بنظم
__________________
الشعر وجودة الكلام وحسن سبكه وترتيبه.
وعقد المصري
بابا لهذا الفن وقال : «التهذيب عبارة عن ترداد النظر في الكلام بعد عمله لينقح
ويتنبه منه لما مرّ على الناثر أو الشاعر حين يكون مستغرق الفكر في العمل فيغير
منه ما يجب تغييره ويحذف ما ينبغي حذفه ويصلح ما يتعين اصلاحه ويكشف عما يشكل عليه
من غريبه وإعرابه ويحرر ما لم يتحرر من معانيه وألفاظه حتى تتكامل صحته وتروق
بهجته» . وذكر بعض ما يتصل بتنقيح الشعر ووصية أبي تمام للبحتري
في صناعة المنظوم ، وقال إنّ التهذيب ثلاثة أقسام :
الاول : قسم
يكون بعد الفراغ من نظم الكلام باعادة النظر في لينقحه ويحرره ، وهذا القسم لا يقع
في الكتاب العزيز.
الثاني : قسم
هو حسن الترتيب في النظم إما في الارتقاء في الأدنى الى الأعلى او بتقديم ما يجب
تقديمه وتأخير ما يجب تأخيره.
الثالث : قسم
يعضد المعنى أو يقل التركيب او سوء الجوار ، إما في حروف مفردات الكلمة فيتجنب وقت
التأليف تلك اللفظة التي وقع فيها ذلك من المواضع الأول أو سوء الجوار في مجاورة
الكلام بعضه لبعض إذا كانت بهذه المثابة .
وقال المصري
ايضا : «إنّ التهذيب لا شاهد له يخصه لأنّه وصف يعمّ كل كلام منقح محرر ، إلا أنّا
نلخص فيه ما يعرف به وهو أن نقول : كل كلام قيل فيه لو كان موضع هذه الكلمة غيرها
أو لو تقدم هذا المتأخر أو تأخر هذا المتقدم أو لو تمّ هذا النقص أو تكمل هذا
الوصف أو لو حذفت هذه اللفظة بتة أو لو طرح هذا البيت جملة أو لو وضح هذا المقصد
أو تسهّل هذا المطلب لكان الكلام أحسن والمعنى أبين ، فهو خال من التهذيب ، عار من
التنقيح والتأديب» .
ومن أمثلة ذلك
قول سيف الدولة يخاطب أخاه ناصر الدولة :
وما كان لي
عنها نكول وإنّما
|
|
تجاوزت عن
حقّي ليغدو لك الحقّ
|
فإنّ سيف
الدولة ـ كما قيل ـ كان قد عمل أولا «وما كان عنها لي نكول» ثم فطن الى أنّ هذا
السّبك ـ يستثقل لقرب الحروف المتقاربة المخارج ، واذا قدّم «لي» على لفظة «عنها»
سهل التركيب وحصل التهذيب.
ولم يخرج
البلاغيون كابن الاثير الحلبي وابن قيم الجوزية والحموي والمدني عما ذكره ابن منقذ
والمصري .
التّهكّم :
تهكّم على
الأمر وتهكّم بنا : زرى علينا وعبث بنا . وقال المدني : «التهكم : التهدم في البئر ونحوها ،
والاستهزاء والطعن المتدارك والتبختر والغضب الشديد والتندم على الأمر الفائت
والمطر الكثير الذي لا يطاق والتغني. والمقصود هنا المعنى الثاني وهو الاستهزاء ،
وفي كونه منقولا من التهدم ـ كما قال بعضهم ـ أو الغضب ـ كما قال آخرون ـ نظر ،
لأنّه قد ورد التهكم بمعنى الاستهزاء في اللغة فأيّ داع الى كونه منقولا من معنى
آخر؟ نعم هو في الاصطلاح أخص منه في اللغة لأنّه في اللغة بمعنى الاستهزاء مطلقا ،
وفي الاصطلاح هو الخطاب بلفظ الاجلال في موضع التحقير ، والبشارة في موضع التحذير
، والوعد في مكان الوعيد ، والعذر في موضع
__________________
اللوم ، والمدح في معرض السخرية ، ونحو ذلك» .
وذكر الزمخشري
التهكم في تفسيره لقوله تعالى :(لَهُ مُعَقِّباتٌ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) ، وقال : «يحفظونه في توهمه وتقديره من أمر الله أي من
قضاياه ونوازله أو على التهكم به» .
وقال المصري
إنّ هذا الفن من مبتدعاته وذكر الآية السابقة وأشار الى الزمخشري ، وكلامه حق إذا
أريد به أنّه أوّل من عقد للتهكم بابا ، لأنّ البلاغيين السابقين لم يذكروه . قال في تعريفه : «هو في الاستعمال عبارة عن الاتيان
بلفظ البشارة في موضع الإنذار والوعد في مكان الوعيد والمدح في معرض الاستهزاء» ، ومثال البشارة قوله تعالى : (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ
عَذاباً أَلِيماً) ، ومثال الاستهزاء قوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ). ومثال المدح في موضع الاستهزاء قول ابن الذّورى في ابن
أبي حصينة من أبيات :
لا تظنّنّ
حدبة الظّهر عيبا
|
|
فهي في الحسن
من صفات الهلال
|
وكذاك القسيّ
محدودبات
|
|
وهي أنكى من
الظّبا والعوالي
|
وإذا ما علا
السّنام ففيه
|
|
لقروم الجمال
أيّ جمال
|
وذنابى
القطاة وهي كما تع
|
|
لم كانت
موصوفة بالجلال
|
وأرى
الانحناء في منسر البا
|
|
زيّ لم يعد
مخلب الرئبال
|
كوّن الله
حدبة فيك إن شئ
|
|
ت من الفضل
أو من الإفضال
|
فأتت ربوة
على طود حلم
|
|
طال أو موجة
ببحر نوال
|
ما رأتها
النساء إلا تمنّت
|
|
لو غدت حلية
لكلّ الرجال
|
وكقول ابن
الرومي :
فيا له من
عمل صالح
|
|
يرفعه الله
الى أسفل
|
والفرق بين
التهكم والهزل الذي يراد به الجد أنّ التهكم ظاهره جدّ وباطنه هزل وهو ضد الأول ؛
لأنّ الهزل الذي يراد به الجدّ يكون ظاهره هزلا وباطنه جدا.
ولا يخرج كلام
الآخرين كابن مالك والحلبي والنويري والعلوي والسبكي والحموي والسيوطي والمدني عما
ذكره المصري في تعريف التهكم وأمثلته .
التوأم :
التوأم من جميع
الحيوان : المولود مع غيره في بطن من الاثنين الى ما زاد ، وقد يستعار في جميع
المزدوجات. وذهب بعض أهل اللغة الى أنّ توأم «فوعل» من الوئام وهو الموافقة
والمشاكلة ، يقال :هو يوائمني أي يوافقني .
والتوأم هو
التشريع وقد تقدم ، والذي سمّاه بهذا
__________________
الاسم المصري وقال : «وهذا الباب أيضا سمّاه الاجدابي «التشريع» وفسّره بأن
قال : هو أن يبني الشاعر البيت أو الناثر على قافيتين إذا اقتصر على إحداهما كان
البيت له وزن وإن كمّله على القافية الاخرى كان له وزن آخر وتكون القافيتان متماثلتين
وتكونان مختلفتين. وهذه التسمية وإن كانت مطابقة لهذا المسمّى فهي غير معلومة عند
الكافة فسميته «التوأم» وهو أن يكون للبيت ـ كما ذكر قافيتان» .
التّوارد :
ورد فلان ورودا
: حضر ، وورد الماء وردا وورودا وورد عليه : أشرف عليه. وارده. ورد معه ، وتورّدت
الخيل البلدة : اذا دخلتها قليلا قليلا قطعة قطعة .
وتوارد القوم
الماء وردوا معا ، والشاعران اتفقا على معنى واحد يوردانه جميعا بلفظ واحد من غير
أخذ ولا سماع. ذكر القاضي الجرجاني هذا النوع بمعنى توارد الخواطر والافكار ، وقال ابن منقذ : «هو أن يقول الشاعر بيتا فيقوله آخر
من غير أن يسمعه» ، كما قال امرؤ القيس :
وقوفا بها
صحبي عليّ مطيّهم
|
|
يقولون لا
تهلك أسى وتجمّل
|
وقال طرفة :
وقوفا بها
صحبي عليّ مطيّهم
|
|
يقولون لا
تهلك أسى وتجلّد
|
وكما قال كثيّر
عزّة :
يذكّرنيها كل
ريح مريضة
|
|
لها بالتلاع
القاويات نسيم
|
وقال جرير :
يذكّرنيها كل
ريح مريضة
|
|
لها بالتلاع
القاويات وئيد
|
وقال المظفر
العلوي : «وإنّما سمّوه تواردا أنفة من ذكر السرقة وتكبرا عن السمة بها» . وعرّفه السبكي تعريفا يختلف عن السابقين فقال : «التوارد
ويسمى الإغراب والطرفة وهو أن يذكر الشيء المشهور على وجه غريب بزيادة أو تغيير
يصيّره غريبا ، وقد تقدم هذا في أنواع التشبيه وهو أن يكون وجه الشبه مشهورا
مبتذلا ولكن يلحق به ما يصيّره غريبا خاصا» .
التّوافق :
التوافق :
الاتفاق والتظاهر ، وقد وافقه موافقة ووفاقا واتفق معه وتوافقا .
ذكر القرشي
التوافق ويريد به موافقة اللفظ للفظ ولكن بلغة أخرى. قال : «وقد يقارب اللفظ اللفظ
او يوافقه وأحدهما بالعربية والآخر بالفارسية» . وليس هذا من البلاغة وانما ذكر للتنبيه.
التّوجيه :
توجّه اليه :
ذهب ، ووجّهته في حاجة ووجّهت وجهي لله وتوجهت نحوك واليك . وقال الحموي : «التوجيه مصدر توجّه الى ناحية كذا إذا
استقبلها وسعى نحوها» . قال المدني : «وهو غلط واضح دل على عدم معرفته باللغة
والصرف وأنّه كان فيهما راجلا جدا ، إذ لا يخفى على أصغر
__________________
الطلاب أنّ «التوجيه» مصدر وجهه الى كذا توجيها ، كما يقال : وجهت وجهي لله
سبحانه. وقد يقال :وجهت اليك بمعنى توجهت لازما ، واما توجّه فمصدره التوجّه ،
وهذا أمر قياسي ولا يحتاج فيه الى سماع» .
والتوجيه :
إيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين بأن يكون أحدهما مدحا والآخر ذما ، وقد التفت
الفراء الى هذا الاسلوب ـ وإن لم يسمّه ـ عند تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا) فيفهم منها الذم الذي أراده اليهود والمدح الذي قصده
المسلمون حين رغبوا في أن يرعاهم الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ .
وأدخل السكاكي
هذا النوع في المحسنات المعنوية وقال : «هو إيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين
كقول من قال للأعور : «ليت عينيه سواء».
وللمتشابهات من
القرآن مدخل في هذا النوع للأعور : «ليت عينيه سواء». وللمتشابهات من القرآن مدخل
في هذا النوع باعتبار» . وعرّفه القزويني بمثل ذلك وأضاف الى كلام السكاكي تفسير قوله تعالى :(وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا) نقلا عن الزمخشري الذي سماه «ذا الوجهين» لأنّه يحتمل الذي أي : اسمع منا مدعوا عليك بلا سمعت ،
والمدح أي : اسمع غير مسمع مكروها. ونقله الوطواط من الزمخشري وسماه «المحتمل
للضدين» وقال فيه : «ويسمونه أيضا بذي الوجهين ويكون بأن يقول الشاعر بيتا من
الشعر يحتمل معنيين أحدهما للمدح والآخر للهجاء» .
وسار على خطا
القزويني شراح التلخيص ، غير أنّ السبكي قال : «كذا أطلقه المصنف ويجب تقييده
بالاحتمالين المتساويين ، فانه إن كان أحدهما ظاهرا والثاني خفيا والمراد هو الخفي
كان تورية» .
وسمّى المصري
التورية توجيها ، وليس الأمر كذلك لأنّ التورية فيها معنيان : قريب وبعيد
، والثاني هو المقصود ، وأما التوجيه فلا يرجح فيه أحد الوجهين ، وهما كما قال ابن
الاثير الحلبي : «حدّ التورية أن تكون الكلمة تحتمل معنيين فيستعمل المتكلم أحد
احتماليهما ويهمل الآخر ومراده ما أهمله لا ما استعمله. وحدّ التوجيه أنّه اللفظ
المحتمل وجهين يحمل المتكلم مراده على أيهما شاء» .
ولكنّ المصري
عقد بابا للتوجيه وسماه «الإبهام» وقال : «هو أن يقول المتكلّم كلاما يحتمل معنيين
متضادين لا يتميز أحدهما على الآخر ولا يأتي في كلامه بما يحصل به التمييز فيما
بعد ذلك بل يقصد به إبهام الأمر فيهما قصدا» . وهذا هو التوجيه عند السكاكي والقزويني وشرّاح
التلخيص. وقد فضّل الحموي تسمية المصري فقال : «فتسمية النوع هنا بالابهام أليق من
تسميته بالتوجيه ومطابقة التسمية فيه لا تخفى على أهل الذوق الصحيح ، وهذا مذهب
ابن أبي الاصبع فإنّه هو الذي تخيّر الابهام» ، وذلك لأنّ التوجيه عند المتأخرين :
__________________
«أن يوجه المتكلم بعض كلامه أو جملته الى أسماء متلائمة اصطلاحا من أسماء
الأعلام او قواعد علوم أو غير ذلك مما يتشعب له من الفنون توجيها مطابقا لمعنى
اللفظ الثاني من غير إشتراك حقيقي بخلاف التورية ، وهذا هو مذهب الشيخ صفي الدين» .
وعرّفه العلوي
بمثل ما عرّفه السكاكي ، غير أنّه أدخل فيه المدح بما يشبه الذم ومدح الشيء
بحيث يقتضي المدح بشيء آخر ، وذكر في الخاتمة المثل المشهور : «ليت عينيه سواء»
وقال : «يحتمل أن تكون العوراء مثل الصحيحة في الرؤية ويحتمل عكس ذلك.
وعرّفه الزركشي
بمثل تعريف السكاكي والقزويني ، لكنه قال في مبحث التورية : «وتسمى الايهام والتخييل
والمغالطة والتوجيه» وعرّفها بمثل ما عرفها البلاغيون ، وفي ذلك خلط بين
الفنين اللذين فرق بينهما السابقون. ومن التوجيه بأسماء الاعلام قول ابن النقيب
يهجو :
أرح ناظري من
عابس الوجه يابس
|
|
له خلق صعب
ووجه مقطّب
|
أقول له إذ
آيستني صفاته
|
|
وإن قيل إنّي
في المطامع أشعب
|
متى يظفر
الآتي اليك بسؤله
|
|
وينجح من
مسعاه قصد ومطلب
|
ولومك سيّار
وشرّك ياسر
|
|
ووجهك عبّاس
وخلقك مصعب
|
وقول محيي
الدين بن عبد الظاهر يصف نهرا :
إذا فاخرته
الريح ولّت عليلة
|
|
باذيال كثبان
الربى تتعثّر
|
به الفضل
يبدو والربيع وكم غدا
|
|
به الروض
يحيى وهو لا شكّ جعفر
|
ومن التوجيه
بأسماء الكتب قول بعضهم :
وظبي معانيه
معان بديعة
|
|
له حار فكري
إذ حوى كلّ معجز
|
قرأت مقامات
الحريريّ كلّها
|
|
بعارضة
مشروحة للمطرّزي
|
ومن التوجيه
بأسماء سور القرآن قول السراج الوراق :
كلّ قلب عليّ
كالصّخر ملآ
|
|
ن وهيهات أن
تلين الصّخور
|
مغلق الباب
ماتلا سورة الفتح
|
|
وقاف من
دونها والطّور
|
وفي كتاب «أنوار
الربيع» كثير من ألوان التوجيه .
التّورية :
ورّيت الخبر :
جعلته ورائي وسترته ، ووريت عنه سترته وأظهرت غيره ، والتورية الستر .
التورية تسمّى
الايهام والتوجيه والتخيل والمغالطة ، ويرى الحموي أنّ التورية أولى
__________________
بالتسمية لقربها من مطابقة المسمى لأنّها مصدر ورّيت تورية إذا سترته
وأظهرت غيره ، كأن المتكلم يجعله وراءه بحيث لا يظهر ، وذهب الى مثل ذلك المدني فقال : «التورية أقرب اسم
سمي به هذا النوع لمطابقته المسمى ، لأنّه مصدر ورّيت الحديث ، إذا أخفيته وأظهرت
غيره»
والتورية أن
يذكر المتكلم لفظا مفردا له معنيان حقيقيان أو حقيقة ومجاز ، أحدهما قريب ودلالة
اللفظ عليه ظاهرة ، والآخر بعيد ودلالة اللفظ عليه خفية ، فيريد المتكلم المعنى
البعيد ويورّي عنه بالمعنى القريب فيتوهم السامع مع أول وهلة أنّه يريد القريب
وليس كذلك ، ولذلك سمّي هذا الفن إيهاما.
ولم يكن
المتقدمون يعنون بهذا النوع كثيرا ولكنّ المتأخرين شغفوا به حبا وأكثروا منه وأصبح
سمة في أشعارهم ، وقد أشار الحموي الى ذلك بقوله : «لأنّ هذا النوع ـ أعني التورية
ـ ما تنبه لمحاسنه إلّا من تأخّر من حذّاق الشعراء وأعيان الكتاب ، ولعمري إنّهم
بذلوا الطاقة في حسن سلوك الأدب الى أن دخلوا اليه من باب ، فإنّ التورية من أعلى
فنون الأدب وأعلاها رتبة وسحرها ينفث في القلوب ويفتح لها أبواب عطف ومحبة ، وما
أبرز شمسها من غيوم النقد إلا كل ضامر مهزول ، ولا أحرز قصبات سبقها من المتأخرين
غير الفحول» . وذكر أنّ المتنبي أول من كشف غطاءها وجلا ظلمة أشكالها
بقوله :
برغم شيب
فارق السّيف كفّه
|
|
وكانا على
العلّات يصطحبان
|
كأنّ رقاب
الناس قالت لسيفه
|
|
رفيقك قيسيّ
وأنت يماني
|
فهو يقول : إنّ
كفّ شبيب وسيفه متنافران لا يجتمعان ، لأنّ شبيبا كان قيسيا والسيف يقال له يماني
، فورّى به عن الرجل المنسوب الى اليمن ، ومعلوم ما بين القيسيين واليمانيين من
التنافر.
ولكنّ
المتقدمين أشاروا اليها وإن لم يعنوا بها كالجاحظ الذي أراد بها التغطية واستعمال
الحيلة . وتحدث عنها ابن رشيق في باب الاشارة وقال إنّ من
أنواعها التورية كقول عليّة بنت المهدي في طلّ الخادم :
أيا سرحة
البستان طال تشوّقي
|
|
فهل لي الى
ظل اليك سبيل
|
متى يشتفي من
ليس يرجى خروجه
|
|
وليس لمن
يهوى اليه دخول
|
فورّت بـ «ظلّ»
عن «طلّ». والتورية عند ابن رشيق مثل الكناية وذلك أنّ الشيء لا يذكر باسمه وإنما
يكنّى عنه بشجرة أو شاة أو بيضة أو مهرة ، كقول المسيب بن علس :
دعا شجر
الأرض داعيهم
|
|
لينصره السدر
والأثأب
|
فكنّى بالشجر
عن الناس.
ولعلّ تعريف
ابن منقذ أقرب الى المعنى الاصطلاحيّ فقد قال : «هي أن تكون الكلمة بمعنيين فتريد
أحدهما فتورّي عنه بالآخر» .
وأقرب من ذلك
تعريف المصري وهو : «أن تكون الكلمة تحتمل معنيين فيستعمل المتكلم أحد احتماليها
ويهمل الآخر ، ومراده ما أهمله لا ما استعمله» .
__________________
وقال السّكّاكي
في الإيهام : «هو أن يكون للفظ استعمالان قريب وبعيد فيذكر لإيهام القريب في الحال
الى أن يظهر أنّ المراد به البعيد» ، وهذا هو تعريف التورية. وقد مثّل له بقوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) ولكن الزمخشري قال في تفسيرها : «إنّها كناية عن الملك
كما في قوله : «يدفلان مبسوطة ويدفلان مغلولة بمعنى أنّه جواد أو بخيل» . وبقوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ). وهي من التخييل عند الحلبي والنويري ، وذلك أحسن من أن يطلق على ما في كتاب الله من روعة
وتخييل لفظ الايهام.
وفضّل القزويني
مصطلح «التورية» وذكر أنّها تسمى إيهاما ، وقال : «هي أن يطلق لفظ له معنيان قريب
وبعيد ويراد بها البعيد» . وتبعه في ذلك شراح التلخيص .
وقال العلوي : «إنّ
هذا الاسم عبارة عن كل ما يفهم منه معنى لا يدلّ عليه ظاهر لفظه ويكون مفهوما عند
اللفظ به» . وأدخل فيها الكناية والتعريض والمغالطة والاحاجي
والالغاز وقال : «فهذه الأمور كلها مشتركة في كونها دالة على أمور بظاهرها ويفهم
عند ذكرها أمور أخر غير ما تعطيه بظواهرها».
وقال ابن قيم
الجوزية : «هو أن يعلق المتكلم لفظة من الكلام بمعنى ثم يردها بعينها ويعلقها
بمعنى آخر» . وأدخلها السجلماسي في أنواع التعمية .
ولا تخرج
تعريفات البلاغيين الآخرين عن هذا المعنى ، وقد ذكر المدني تنبيهين هما :
الاول : الفرق
بين اللفظ الذي تتهيأ به التورية واللفظ الذي تترشح به واللفظ الذي تتبيّن به ،
أنّ الأول لو لم يذكر لما تهيأت التورية أصلا ، والثاني والثالث انما هما مقوّيان
للتورية ، ولم لم يذكرا لكانت التورية موجودة ، غير أنّ الثاني من لوازم المعنى
القريب المورّى به ، والثالث يكون من لوازم المعنى البعيد المورّى عنه.
الثاني : ليس
كل لفظ مشترك يتصور فيه التورية ، بل لا بدّ من اشتهار معانيه وتداولها على
الألسنة بخلاف اللغات الغريبة ، إلا أن يختص قوم باشتهار لغة غريبة بينهم فينبغي
اعتبار حال المخاطب بها.
والتورية أربعة
أنواع : التورية المبينة ، والتورية المجردة ، والتورية المرشحة ، والتورية
المهيأة.
التّورية
المبيّنة :
وهي ما ذكر
فيها لازم المورّى عنه قبل لفظ التورية أو بعده ، وهي قسمان :
الأول : هو ما
ذكر لازمه من قبل ، كقول البحتري :
ووراء تسدية
الوشاح مليّة
|
|
بالحسن تملح
في القلوب وتعذب
|
ف «تملح» تحتمل
أن تكون من الملوحة وهو المعنى القريب المورّى به ، وتحتمل أن تكون من الملاحة وهو
المعنى البعيد المورّى عنه ، وقد تقدم من لوازمه على جهة التبيين «ملية بالحسن».
الثاني : هو
الذي يذكر فيه لازم المورّى عنه بعد لفظ التورية كقول ابن سناء الملك :
__________________
أما والله لو
لا خوف سخطك
|
|
لهان عليّ ما
ألقى برهطك
|
ملكت
الخافقين فتهت عجبا
|
|
وليس هما سوى
قلبي وقرطك
|
يحتمل «الخافقين»
أن يريد ملك المشرق والمغرب وهو المعنى القريب المورّى به ويحتمل أن يريد قلبه
وقرط محبوبته وهو المعنى البعيد المورّى عنه وهو المراد فإنّ الشاعر صرّح بعد «الخافقين»
بذكر القلب والقرط .
التّورية
المجرّدة :
وهي التي لم
يذكر فيها لازم من لوازم المورّى به وهو المعنى القريب ولا من لوازم المورّى عنه
وهو المعنى البعيد. ومثاله قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى
الْعَرْشِ اسْتَوى) ولم يذكر من لوازم ذلك شي فالتورية مجردة. ومنها قوله ـ
صلىاللهعليهوسلم ـ حين سئل في مجيئه عند خروجه الى بدر فقيل له : مم
أنتم؟ فلم يرد أن يعلم السائل فقال : «من ماء» أراد أنّا مخلوقون من ماء ، فورّى
عنه بقبيلة يقال لها «ماء».
ومنها قول أبي
بكر الصديق ـ رضياللهعنه ـ في الهجرة وقد سئل عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : من هذا؟ فقال : «هاد يهديني». أراد هاديا يهديني
الى الاسلام ، فورّى عنه بهادي الطريق ، وهو الدليل الى السفر .
التّورية
المرشّحة :
وهي التي يذكر
فيها لازم المورّى به وسمّيت بذلك لتقويتها بذكر لازم المورّى به ، ثم تارة يذكر
اللازم قبل لفظ التورية وتارة بعده ، فهي بهذا الاعتبار قسمان :
الأول : هو ما
ذكر لازمه قبل لفظ التورية كقوله تعالى : (وَالسَّماءَ
بَنَيْناها بِأَيْدٍ) فان قوله (بِأَيْدٍ) يحتمل الجارحة وهو المعنى القريب المورّى به وقد ذكر من
لوازمه على جهة الترشيح «البنيان» ، ويحتمل القوة وعظمة الخالق ، وهذا المعنى
البعيد المورّى عنه وهو المراد ، فانّ الله تعالى منزّه عن المعنى الأول.
ومنها قول
الحماسي :
فلما نأت عنا
العشيرة كلّها
|
|
أنخنا
فحالفنا السيوف على الدّهر
|
فما أسلمتنا
عند يوم كريهة
|
|
ولا نحن
أغضينا الجفون على وتر
|
فإنّ «الإغضاء»
مما يلائم جفن العين لا جفن السيف وإن كان المراد به أغماد السيوف ؛ لأنّ السيف
إذا اغمد انطبق الجفن عليه واذا جرّد انفتح.
الثاني : هو ما
ذكر لازمه بعد لفظ التورية كقول الشاعر :
مذهمت من
وجدي في خالها
|
|
ولم أصل منه
الى اللّثم
|
قالت قفوا
واستمعوا ما جرى
|
|
خالي قد هام
به عمّي
|
فالخال يحتمل
أن يكون خال النسب وهو المعنى القريب المورّى به وقد ذكر لازمه بعد لفظ التورية
على جهة الترشيح وهو العمّ .
__________________
التّورية
المهيّأة :
وهي التي لا
تقع فيها التورية ولا تتهيّأ إلا باللفظ الذي قبلها او باللفظ الذي بعدها أو تكون
التورية في لفظين لو لا كل منهما لما تهيّأت التورية في الآخر.
فهي بهذا
الاعتبار ثلاثة أقسام :
الأوّل : وهو
الذي تتهيأ فيه التورية من قبل كقول ، ابن سناء الملك :
وسيرك فينا
سيرة عمرية
|
|
فروّحت عن
قلب وأفرجت عن كرب
|
وأظهرت فينا
من سميّك سنّة
|
|
فأظهرت ذاك
الفرض من ذلك النّدب
|
يحتمل «الفرض» و
«الندب» أن يكونا من الأحكام الشرعية ، وهذا هو المعنى القريب المورّى به ، ويحتمل
أن يكون «الفرض» بمعنى العطاء و «الندب» صفة الرجل السريع في قضاء الحوائج الماضي
في الأمور. وهذا هو المعنى البعيد المورّى عنه ، ولو لا ذكر السّنّة لما تهيأت
التورية فيهما ولا فهم «الفرض» و «الندب» الحكمان الشرعيان اللذان صحّت بهما
التورية.
الثاني : هو
الذي تتهيأ فيه التورية بلفظة من بعد ، كقول الشاعر :
لو لا التطير
بالخلاف وإنّهم
|
|
قالوا مريض
لا يعود مريضا
|
لقضيت نحبا
في جنابك خدمة
|
|
لأكون مندوبا
قضى مفروضا
|
فالمندوب يحتمل
أن يكون أحد الأحكام الشرعية وهو المعنى القريب المورّى به ، ويحتمل الميت الذي
يبكى عليه وهو المعنى البعيد المورّى عنه.
الثالث : هو
الذي تقع التورية فيه في لفظين لو لا كل منهما لما تهيأت التورية في الآخر كقول
عمر بن أبي ربيعة :
أيّها المنكح
الثريّا سهيلا
|
|
عمرك الله
كيف يلتقيان
|
هي شاميّة
إذا ما استقلّت
|
|
وسهيل إذا
استقلّ يماني
|
يحتمل أن تكون «الثريا»
ثريا السماء ، و «سهيل» النجم المعروف بسهيل ، وهو المعنى القريب المورّى به ،
ويحتمل أن تكون الثريا بنت علي بن عبد الله ابن الحارث بن أمية الأصغر ، وسهيل بن
عبد الرحمن بن عوف ، وهو المعنى البعيد المورّى عنه .
التّوزيع :
التوزيع :
القسمة والتفريق ، ووزّع الشيء : قسّمه وفرّقه .
هذا النوع من
مستخرجات صفي الدين الحلي في بديعيته وشرحها ، وهو «أن يوزع المتكلم حرفا من حروف
الهجاء في كل لفظة من كلامه نظما كان أو نثرا بشرط عدم التكلف» . ومنه قوله تعالى : (كَيْ نُسَبِّحَكَ
كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً) ، فالكاف ملزوم في جميع الكلمات سوى الفاصلة.
ومنه قول سليم
النبلي من قصيدة لزم في كلماتها القاف :
رشقت قلبي
أحداق الرشاق
|
|
فسقامي لسقام
بالحداق
|
وقول الحظوري
وفي كل كلمة همزة :
بأبي أغيد
أذاب فؤادي
|
|
إذ تناءى
وأظهر الإعراضا
|
__________________
التّوسّع :
السعة : ضد
الضيق ، والتوسع من توسّع ، قيل :توسعوا في المجالس اي تفسحوا .
ذكره الجاحظ
ويريد به أن يتوسّع المتكلّم في كلامه كأن يجعل الفرّوج فرخا ، ويجوز في الشعر ما
لا يجوز في غيره . وقد قال : «والعرب تتوسع في كلامها وبأي شي تفاهم
الناس فهو بيان إلا أنّ بعضه أحسن من بعض» .
وللتوسع غير
هذا المعنى فقد ذكر الزركشي أنّ من التوسع الاستدلال بالنظر في الملكوت كقوله
تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي
تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ
مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ
دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ
وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
ومنه التّوسّع
في ترادف الصفات كقوله تعالى :(أَوْ كَظُلُماتٍ فِي
بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ.
ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها). فإنّه لو أريد اختصاره لكان : أو كظلمات في بحر لجيّ.
ومنه التّوسّع
في الذم كقوله تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ
حَلَّافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) ، الى قوله :(عَلَى الْخُرْطُومِ).
وسمّاه السّبكي
«التوسيع» وقال : «وقد فسروه بأن يأتي في آخر الكلام بشي مفسر بمعطوف ومعطوف عليه
مثل قوله :
إذا أبو قاسم
جادت لنا يده
|
|
لم يحمد
الأجودان : البحر والمطر
|
وهذا في
الحقيقة أحد نوعي اللف والنشر» .
التّوسّل :
الوسيلة :
الدرجة والقربة ، وتوسّل اليه بوسيلة إذا تقرب اليه بعمل ، والتوسيل والتوسّل واحد
.
والتوسل هو
الخروج والتخلص ، قال ابن رشيق : «ومن الناس من يسمّى الخروج تخلصا وتوسلا» .
وقد تقدم
التخلص وبراعة التخلص.
التّوشيح :
الوشاح : حلي
النساء من لؤلؤ وجوهر تتوشّح المرأة به ومنه اشتق توشّح الرجل بثوبه ، ووشّحتها
توشيحا فتوشحت هي أي : لبسته .
والتوشيح هو
الإرصاد والتسهيم عند معظم البلاغيين ، غير أنّ ابن منقذ قال عنه : «هو أن تريد الشيء فتعبر
عنه عبارة حسنة وإن كانت أطول
__________________
منه» ، كقول ابن المعتز.
آذريون أتاك
في طبقه
|
|
كالمسك في
ريحه وفي عبقه
|
قد نفض
العاشقون ما صنع ال
|
|
هجر بألوانهم
على ورقه
|
فمدار البيت
موضوع على أنه أصفر.
وقال ابن
الاثير : هو أن يبني الشاعر أبيات قصيدته على بحرين مختلفين فاذا وقف من البيت على
القافية الأولى كان شعرا مستقيما من بحر على عروض واذا أضاف الى ذلك ما بنى عليه
شعره من القافية الاخرى كان أيضا شعرا مستقيما من بحر آخر على عروض وصار ما يضاف
الى القافية الاولى للبيت كالوشاح ، وكذلك يجري الأمر في الفقرتين من الكلام
المنثور» . والى ذلك ذهب ابن قيم الجوزية أيضا فقال : «التوشيح أن
تكون ذيول الأبيات ذات قافتين على بحرين أو ضربين من بحر واحد فعلي أي القافيتين وقفت
كان شعرا مستقيما» . وهذا هو «التشريع» وقد يسمّى «ذا القافيتين» ، وقد تقدم الكلام عليه في «التشريع».
وسمّى العلوي «التضمين»
تسميطا وتوشيحا على خلاف ما تعارف عليه البلاغيون.
التّوشيع :
وشع القطن
وغيره ووشّعه : لفّه ، والتوشيع : دخول الشيء في الشيء . والتوشيع هو الاطناب بالتوشيع وقد تقدم ، وهو التطريز أيضا .
التّوفيق :
الوفاق :
الموافقة ، والتوافق : الاتفاق والتظاهر ، ويقال : وفّقه الله ـ سبحانه ـ للخير
ألهمه وهو من التوفيق .
والتوفيق هو
الائتلاف والتناسب والمؤاخاة ومراعاة النظير ، وقد تقدم الأئتلاف والتناسب.
التّوقيف :
وقّف الحديث :
بيّنه ، وقّفت الحديث توقيفا وبينته تبيينا ، ويقال وقّفته على الكلمة توقيفا ،
والتوقيف :البياض مع السواد ، والتوقيف : عقب يلوى على القوس رطبا لينا حتى يصير
كالحلقة ، مشتق من الوقف الذي هو السوار من العاج .
قال السبكي : «هو
إثبات المتكلم معاني من المدح والوصف والتشبيه وغيرها من الفنون التي يفتتح بها
الكلام في جملة منفصلة عن أختها بالسجع غالبا مع تساوي الجمل في الزنة أو بالجمل
الطويلة» .
كقوله تعالى : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ
وَيُولِجُ النَّهارَ فِي
__________________
اللَّيْلَ).
التّوكيد :
أكّد العهد
والعقد لغة في وكّده ، والتأكيد لغة في التوكيد ، وقد أكدت الشيء ووكدته .
والتوكيد هو
التأكيد ، وقد تقدم.
توكيد الضّمير
:
قال ابن الأثير
الحلبي في باب الاطناب : «ومن هذا النوع الذي هو الاطناب ضربان : أحدهما ما يسمّى
توكيد الضمير المتصل بالمنفصل والآخر يسمّى التكرير. فأما توكيد الضمير المتصل
بالمنفصل فكقوله تعالى : (قالُوا يا مُوسى
إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ). فقولهم : (نَحْنُ الْمُلْقِينَ) ولم يقولوا : «وإما أن نلقي» ذلك لرغبتهم في أن يلقوا
قبله تقدما عليه فلهذا أتى الضمير المتصل مؤكدا بالمنفصل» .
توكيد
الضّميرين :
قال ابن الاثير
: «إذا كان المعنى المقصود معلوما ثابتا في النفوس فأنت بالخيار في توكيد أحد
الضميرين فيه بالآخر واذا كان غير معلوم وهو مما يشك فيه فالأولى حينئذ أن يؤكد
أحد الضميرين بالآخر في الدلالة عليه لتقرره وتثبته» . وهذا ما تحدث عنه ابن الاثير الحلبي في توكيد الضمير
المتصل بالمنفصل ، ولكن ابن الاثير الجزري أوضح هذه المسألة قبله ، ومن ذلك قوله
تعالى : (قالُوا يا مُوسى
إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) وقد أتى الضمير المتصل مؤكدا للمنفصل.
ومن أمثلة
توكيد المتصل بالمتصل قوله تعالى :(فَانْطَلَقا حَتَّى
إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ : أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ
نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً. قالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً).
ومن أمثلة
توكيد المتصل بالمنفصل قوله تعالى :(فَأَوْجَسَ فِي
نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى. قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى).
ومن توكيد
المنفصل بالمنفصل قول أبي تمام :
لا أنت أنت
ولا الديار ديار
|
|
خفّ الهوى
وتولّت الأوطار
|
ومنه قول
المتنبي :
قبيل أنت أنت
وأنت منهم
|
|
وجدّك بشر
الملك الهمام
|
التّوليد :
ولّد الرجل
غنمه توليدا كما يقال نتّج إبله ، وقال المدني : «التوليد في اللغة مصدر : «ولّدت
القابلة المرأة» إذا تولت ولادتها ، وولّدت الشيء عن غيره أنشأته عنه ، وهو
المنقول عنه الى الاصطلاح» .
تحدث البلاغيون
والنقاد عن التوليد عند كلامهم على السرقة ، وكان هدف بعضهم نفيها عنه ، فقال ابن
رشيق : «هو أن يستخرج الشاعر معنى من معنى شاعر آخر تقدّمه أو يزيد فيه زيادة
فلذلك يسمّى التوليد وليس باختراع لما فيه من الاقتداء بغيره ، ولا يقال له أيضا
__________________
سرقة ، اذا كان ليس آخذا على وجهه» . ومنه قول امرئ القيس :
سموت اليها
بعد ما نام أهلها
|
|
سموّ حباب
الماء حالا على حال
|
فقال عمر بن
أبي ربيعة وقيل وضّاح اليمن :
فاسقط علينا
كسقوط النّدى
|
|
ليلة لاناه
ولا زاجر
|
فولد منه معنى
مليحا اقتدى فيه بمعنى امرئ القيس من غير أن يشركه في شيء من لفظه أو ينحو منحاه
إلا في المحصول وهو لطف الوصول الى حاجته في خفية. وأما الذي فيه زيادة فكقول جرير
يصف الخيل :
يخرجن من
مستطير النقع دامية
|
|
كأنّ آذانها
أطراف أقلام
|
فقال عديّ بن
الرقاع يصف قرن الغزال :
تزجي أغنّ
كأنّ أبرة روقه
|
|
قلم أصاب من
الدّواة مدادها
|
فولّد بعد ذكر
القلم اصابته مداد الدواة بما يقتضيه المعنى إذ كان القرن أسود.
والتوليد عند
المصري ضربان : من الالفاظ والمعاني ، فالذي من الألفاظ على ضربين
أيضا :توليد المتكلم من لفظه ولفظ غيره وتوليده من لفظ نفسه. والأول : هو أن يزوّج
المتكلم كلمة من لفظه الى كلمة من غيره فيتولد بينهما كلام يناقض غرض صاحب الكلمة
الأجنبية وذلك في الالفاظ المفردة دون الجمل المؤتلفة. مثاله ما حكي أنّ مصعب بن
الزبير وسم خيله بلفظة «عدّة» فلما قتل وصار الى العراق رآها الحجاج فوسم بعد لفظة
«عدّة» لفظة «الفرار» فتولد بين اللفظتين غير ما أراده مصعب.
وهذا ما سمّاه
ابن منقذ التلطف وعرّفه بقوله : «هو أن يلفق كلاما مع كلام آخر فيولد من الكلامين
كلاما ثالثا» وذكر المثال نفسه.
ومن لطيف
التوليد قول بعض العجم ، وهو توليد المتكلم ما يريد من لفظ نفسه :
كأنّ عذاره
في الخدّ لام
|
|
ومبسمه
الشهيّ العذب صاد
|
وطرّة شعره
ليل بهيم
|
|
فلا عجب إذا
سرق الرقاد
|
فإنّ هذا
الشاعر ولّد من تشبيه العذار باللام وتشبيه الفم بالصاد لفظة لص ، وولّد من معناها
ومعنى تشبيه الطرة بالليل ذكر سرقة النوم فحصل في البيت توليد وإغراب وإدماج. قال
المصري : «وهذا من أغرب ما سمعت في ذلك ، وهو النوع الثاني من التوليد اللفظي» .
ومن توليد
الالفاظ توليد المعنى من تزويج الجمل المفيدة ، ومثاله ما حكي أنّ أبا تمام أنشد
أبا دلف :
على مثلها من
أربع وملاعب
|
|
أذيلت مصونات
الدموع السواكب
|
فقال : «من
أراد نكتة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» فولّد بين الكلامين كلاما
ينافي غرض أبي تمام من وجهين :
أحدهما : خروج
الكلام من النسيب الى الهجاء بسبب ما انضم اليه من الدعاء.
الثاني : خروج
الكلام من أن يكون بيتا من شعر الى أن صار قطعة من نثر. وهذا هو الضّرب الأول من
التوليد وهو ما تولد من اللفظ ، وأما الضرب الثاني منه وهو ما تولد من المعاني
فكقول القطامي :
قد يدرك
المتأني بعض حاجته
|
|
وقد يكون مع
المستعجل الزّلل
|
__________________
وقال من بعده :
عليك بالقصد
فيما أنت فاعله
|
|
إنّ التخلّق
يأتي دونه الخلق
|
فمعنى صدر هذا
البيت معنى بيت القطامي بكماله ومعنى عجز البيت مولّد بينهما.
وتحدّث ابن
الأثير الحلبي عن التوليد بما يشبه كلام المصري وتقسيمه ، وقال السبكي : «هو أنّ المتكلم يدرج ضربا من البديع
بنوع آخر فيتولد منهما نوع ثالث» .
وقال الحموي : «هذا
النوع أعني التوليد ليس تحته كبير أمر وهو على ضربين : من الالفاظ والمعاني.
فالذي من
الالفاظ تركه أولى من استعماله لأنّه سرقة ظاهرة وما ذاك إلا أنّ الناظم يستعذب
لفظة من شعر غيره فيقتضبها ويضمنها غير معناها الأول في شعره كقول امرئ القيس في
وصف الفرس :
وقد أغتدي
والطير في وكناتها
|
|
بمنجرد قيد
الأوابد هيكل
|
فاستعذب أبو
تمام «قيد الأوابد» فنقلها الى الغزل فقال :
لها منظر قيد
الأوابد لم يزل
|
|
يروح ويغدو
في خفارته الحبّ
|
والتوليد من
المعاني هو الأجمل والأستر ، وهو الغرض هنا. وذلك أنّ الشاعر ينظر الى معنى من
معاني من تقدمه ويكون محتاجا الى استعماله في بيت من قصيدة له فيورده ويولّد منه
معنى آخر كقول القطامي :
قد يدرك
المتأني بعض حاجته
|
|
وقد يكون مع
المستعجل الزّلل
|
وقال من بعده
ونقص الالفاظ وزاد تمثيلا وتوكيدا وتذييلا :
عليك بالصّبر
فيما أنت طالبه
|
|
إنّ التخلّق
يأتي دونه الخلق
|
فمعنى صدر هذا
البيت معنى بيت القطامي بكماله ومعنى عجزه نوع من التذييل» .
التّوهيم :
توهّم الشيء :
تخيله وتمثله ، ووهمت الى الشيء :اذا ذهب قلبك اليه وأنت تريد غيره ، وتوهمت أي
ظننت ، وأوهمت غيري ايهاما. والتوهيم مثله. ووهم ـ بكسر الهاء ـ غلط وسها .
قال ابن منقذ :
«هو أن تجيء لكلمة توهم أخرى» كقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ
يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَ) لأنّ قوله ـ سبحانه ـ (يُوَفِّيهِمُ) يوهم من لا يحفظ دينهم ـ بالفتح ـ ومنه قول المتنبي :
فإنّ الفئام
الذي حوله
|
|
لتحسد أرجلها
الأرؤس
|
قوله «الأرؤس»
يوهم أنّها القيام ـ بالقاف ـ وانما هو الفئام» ـ بالفاء ـ وهم الجماعات.
وقال المصري : «هو
أن يأتي المتكلم في كلامه بكلمة يوهم ما بعدها من الكلام أنّ المتكلّم أراد
تصحيفها ومراده على خلاف ما يتوهم السامع فيها» .
ورأى الحموي أن
يدمج التوهم والترشيح في التورية فيذكر التوهيم مع إيهامها والترشيح مع المرشحة . وقال السيوطي : «الترشيح والتوهيم ولهما مناسبة
بالتورية ، ولكنّ المدني فرّق بين التورية والتوهيم وقال إنّ
الفرق بينهما من ثلاثة
__________________
أوجه .
الاول : أنّ
التورية توهم وجهين صحيحين قريبا وبعيدا ، والمراد البعيد منهما ، والتوهيم يوهم
صحيحا وفاسدا والمراد الصحيح منهما.
الثاني : أنّ
التورية لا تكون إلا باللفظة المشتركة ، والتوهيم بها وبغيرها.
الثالث : أنّ
ايهام التورية مما يتعمده الناظم ، والتوهيم مما يتوهمه القارئ أو السامع.
ويأتي التوهيم
على وجوه مختلفة ، من ذلك التصحيف كقوله تعالى : (أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) فإنّ اصابة العذاب أوهمت السامع أنّ لفظة (أَشاءُ) بالسين المهملة من الاساءة. ومنه قول المتنبي : «وان
الفيام ...».
ومنه اختلاف
الاعراب كقوله تعالى : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ
يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) فان القياس (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) عطفا على ما قبله ، لكن لما كان الغرض الاخبار بأنّهم
لا ينصرون أبدا ألغى العطف وأبقى صيغة الفعل على حالها لتدل على الحال والاستقبال.
ومنه اختلاف المعنى كقوله تعالى :(وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ
فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فانه يوهم السامع أنّه غفور للمكره ، وانما هولهنّ.
ومنه الاشتراك
كقوله تعالى : (الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ. وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ). فان ذكر الشمس والقمر يوهم السامع أنّ النجم أحد
النجوم السماوية وإنّما المراد به النبت الذي لا ساق له وبالشجر الذي له ساق.
ومن ذلك قول
صفي الدين الحلي :
وساق من بني
الاتراك طفل
|
|
أتيه به على
جمع الرفاق
|
أملّكه قيادي
وهو رقّي
|
|
وأفديه بعيني
وهو ساقي
|
فان ذكر العين
يوهم أنّه أراد بقوله «ساقي» العضو المعروف الذي هو ما بين الركبة والقدم ، وإنما
أراد الساقي. قال المدني بعد هذين البيتين : «وتوهم ابن حجة أنّه قصد بذلك التورية
فأورد البيتين في باب التورية وقال : لا شك أنّ مراده بالمعنى الواحد من التورية
ساقي الراح ، وهو ظاهر صحيح ، وبالمعنى الثاني أن يكون هذا الساقي ساقا للشيخ صفي
الدين وهو غير ممكن . وهذا عمى بصيرة من ابن حجة عن المقصود ، ولم يقصد
الشيخ صفي الدين التورية وإنما قصد التوهيم» .
__________________
الجيم
الجامع :
جمع الشيء عن
تفرقة يجمعه جمعا ، وأمر جامع يجمع الناس .
الجامع هو الذي
يجمع بين شيئين أو أكثر ، وهذا من مصطلحات الوصل ، أي هو الذي يجمع بين كل شيئين
من الجملتين. وهو ثلاثة أقسام :
الأول : الجامع
العقلي ، وهو علاقة تجمع بين الشيئين في القوة المفكرة جمعا يكون مسندا الى العقل
بأن يكون أمرا حقيقيا أي واقعا في نفس الأمر من حيث هو هو. قال القزويني : «هو أن
يكون بينهما اتحاد في التصور أو تماثل ، فإنّ العقل بتجريده المثلين عن التشخص في
الخارج يرفع التعدد. أو تضايف كما بين العلة والمعلول والسبب والمسبب والسفل
والعلو والأقل والاكثر فان العقل يأبى أن لا يجتمعا في الذهن» .
الثاني :
الجامع الوهمي هو أن تجمعهما تلك الصلة في القوة المفكرة جمعا يكون من جهة الوهم
بأن لا يكون أمرا حقيقيا بل اعتباريا ويكون أمرا غير محسوس باحدى الحواس الخمس
الظاهرة فإنّ الوهم باصطلاح القوم ما يحكم بالمعاني الجزئية غير المحسوسة. قال
القزويني : «هو أن يكون بين تصوريهما شبه تماثل كلون بياض ولون صفرة فإنّ الوهم
يبرزهما في معرض المثلين ، ولذلك حسن الجمع بين الثلاثة التي في قوله :
ثلاثة تشرق
الدنيا ببهجتها
|
|
شمس الضّحى
وأبو إسحاق والقمر
|
أو تضادّ
كالسواد والبياض والهمس والجهارة والطيب والنتن والحلاوة والحموضة والملاسة
والخشونة وكالتحرك والسكون والقيام والقعود والذهاب والمجيء والاقرار والانكار
والايمان والكفر وكالمتصفات بذلك كالأسود والابيض والمؤمن والكافر. أو شبه تضادّ
كالسماء والارض والسهل والجبل والأول والثاني ، فإنّ الوهم ينزل المتضادين
والشبيهين بهما منزلة المتضايفين فيجمع بينهما في الذهن ولذلك تجد الضد أقرب خطورا
بالبال مع الضد» .
الثالث :
الجامع الخيالي ، وهو أن يكون بينهما علاقة تجمعهما في القوة المفكرة جمعا
اعتباريا مسندا لأحدى الحواس الخمس. قال القزويني : «هو أن يكون بين تصوريهما
تقارن في الخيال سابق ، وأسبابه مختلفة ولذلك اختلفت الصور الثابتة في الخيالات
ترتبا ووضوحا ، فكم صور تتعانق في خيال وهي في آخر لا تتراءى. وكم صورة لا تكاد
تلوح في خيال وهي في غيره نار على علم» .
__________________
وللجامع أهمية
عند البلاغيين في دراسة علم المعاني ولذلك قال القزويني : «ولصاحب علم المعاني فضل
احتياج الى التنبه لأنواع الجامع لا سيما الخيالي فإنّ جمعه على مجرى الإلف والعادة
بحسب ما تنعقد الأسباب في ذلك كالجمع بين الابل والسماء والجبال والارض في قوله
تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ
إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَى
الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) بالنسبة الى أهل الوبر فانّ جلّ انتفاعهم في معاشهم من
الابل فتكون عنايتهم مصروفة اليها وانتفاعهم منها لا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب وذلك
بنزول المطر فيكثر تقلب وجوههم في السماء. ثم لا بدّ لهم من مأوى يؤويهم وحصن
يتحصنون به ، ولا شيء لهم في ذلك كالجبال ، ثم لا غنى لهم لتعذر طول مكثهم في منزل
عن التنقل من أرض الى سواها ، فاذا فتّش البدوي في خياله وجد صور هذه الأشياء
حاضرة فيه على الترتيب المذكور بخلاف الحضري فاذا تلا قبل الوقوف على ما ذكرناه
ظنّ النسق لجهله معيبا» .
الجحد :
الجحد والجحود
: نقيض الإقرار كالإنكار والمعرفة ، جحده جحدا وجحودا .
قال ابن شيث
القرشي : «الجحد وهو أن تنكر شيئا لا تتحقق فيه الانكار بل هو على حكم المبالغة.
مثاله : «وقلبي قلق لما بلغني من تأملك ولا والله مالي بقلبي منذ بلغني ذلك عهد.
وعندي من الألم ما لا استطيع التصبر عنه ، ولا والله ما أعرف الألم بعدم الاحساس
بالحال التي أحدثها عند الوجد». وفي الشعر :
يقولون لو
سلّيت قلبك لارعوى
|
|
فقلت : وهل
للعاشقين قلوب
|
وهو الإفراط في
الصفة عند ابن المعتز ، أي أنّه مبالغة كما قرر ابن شيث نفسه.
الجزالة :
الجزل : الحطب
اليابس وقيل الغليظ ، ورجل جزل الرأي وامرأة جزلة بيّنه الجزالة : جيدة الرأي.
واللفظ الجزل : خلاف الركيك .
قال ابن شيث
القرشي عن الجزالة والسهولة : «وهذان النوعان من محاسن الكتابة فإنّ الكاتب الكيّس
يطلب أحدهما فإن وجد فيه المقصود وكان الكلام له فيه منقادا وإلا طلب الآخر. وأكثر
المطبوعين يميلون الى النوع الثاني وهو لعمري خليق بالميل اليه لبعده من التكلف.
فالاول : «إن
شئت لقانا فالقنا في القنا ، فان أسياقنا تشرئب الى شرب الدماء كما تشرئب الى
الماء خواطر النفوس الظماء وتحب أن تخب بنا الجياد في الهيجاء كما يخب لسان
الملجلج في الهجاء. فالغمرة الخمرة ، والعجاجة الزجاجة ونحن شربها وندمانها وغيرنا
قتيلها وسكرانها» .
والثاني : «أنت
يا أخي وفقك الله أودّ الى قلبي من الماء الزلال عند العطش وأحب الى ناظري من
السفور عند الغبش. ولو أوتيت مطالبي لم أفارقك طرفة عين ولم أطالب الأنام من بعدك
بثار ولا من قربك بدين ، وقلبك شهيد دعواي وضميرك سمير نجواي ، فما أحدثك من محنتي
إلّا بما أنت به عليم ولا أحدث بك من الشغف إلا ما هو عندك قديم. فصموتي إعراب
وإعراضي إقبال على الثقة لا إضراب».
__________________
وكثيرا ما يقع
الناس في هذين النوعين من الجهامة ويحسبونها من النوع الأول ، وفي الركاكة
ويحسبونها من النوع الأول ، وفي الركاكة ويحسبونها من النوع الثاني. فالأول في
الشعر كثير لا يحصى ومنه قول حبيب :
خذي عبرات
عينك من زماعي
|
|
وصوني ما
أزلت من القناع
|
أقلّي قد
أضاق بكاك ذرعي
|
|
وما ضاقت
بنازلة ذراعي
|
أآلفة النحيب
كم افتراق
|
|
أطلّ فكنت
داعية اجتماع
|
والثاني قليل
في الاشعار إلا عند المحسنين الكبار وهو :
تمنّع من
شميم عرار نجد
|
|
فما بعد
العشية من عرار
|
الجمع :
جمع الشيء عن
تفرقة يجمعه جمعا ، وجمعت الشيء إذا جئت به من ههنا وههنا.
قال خلف الأحمر
: «لم أر أجمع من بيت لامرئ القيس ، وهو قوله :
أفاد وجاد
وساد وزاد
|
|
وقاد وذاد
وعاد وأفضل
|
ولا أجمع من
قوله :
له أيطلا ظبي
وساقا نعامة
|
|
وإرخاء سرحان
وتقريب تنفل
|
وأدخل
السّكّاكي الجمع في المحسّنات المعنوية وقال : «هو أن تدخل شيئين فصاعدا في نوع
واحد» . كقوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ
زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا). وقول الشاعر :
إنّ الفراغ
والشّباب والجده
|
|
مفسدة للمرء
أي مفسده
|
وتبعه ابن مالك
في التعريف والأمثلة والبلاغيون الآخرون كالقزويني وشراح التلخيص والعلوي والحموي
والسيوطي والمدني .
جمع الأوصاف :
عدّه القاضي
الجرجاني من أصناف البديع وقال بعد كلامه على التقسيم : «ومما يقارب هذا جمع
الأوصاف» .
وقال ابن رشق
بعد باب التقسيم : «هذا وما قبله يسمّى جمع الأوصاف وسمّاه بعض الحذاق من أهل
الصناعة التعقيب» . ومثال قول أبي دواد :
بعيد مدى
الطّرف خاظي البضيع
|
|
ممرّ المطا
سمهريّ العصب
|
وقول النابغة :
حديد الطّرف
والمنك
|
|
ب والعرقوب
والقلب
|
وقد يعدّ فيه
التقفية والترصيع مثل قول الشاعر :
فالعين قادحة
والرجل ضارحة
|
|
واليد سابحة
واللون غربيب
|
__________________
والشدّ منهمر
والماء منحدر
|
|
والقصب مضطمر
والمتن ملحوب
|
جمع المؤتلف
والمختلف :
قال العسكري : «هو
أن يجمع في كلام قصير أشياء كثيرة مختلفة أو متفقة» ، كقوله تعالى :(فَأَرْسَلْنا
عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ
مُفَصَّلاتٍ). ومنه قول امرئ القيس :
سماحة ذا
وبرّ ذا ووفاء ذا
|
|
ونائل ذا إذا
صحا وإذا سكر
|
وقول أبي تمام
:
غدا الشّيب
مختطّا بفوديّ خطّة
|
|
سبيل الردى
منها الى النّفس مهيع
|
هو الزور
يجفى والمعاشر يجتوي
|
|
وذو الإلف
يقلى والجديد يرقّع
|
وسمّاه
التّبريزي «جمع المؤتلفة والمختلفة» ولم يعرّفه واكتفى ببيت امرئ القيس مثالا. وفعل مثله البغدادي وقال
: «ويقال إنّه لم يجمع واحد في بيت واحد جماعة أشياء قبله» .
وسمّاه المصري «جمع
المختلفة والمؤتلفة» ، وقال : «والذي أقول في هذه التسمية إنّها عبارة عن أن يريد
الشاعر التسوية بين ممدوحين فيأتي بمعان مؤتلفة في مدحهما ويروم بعد ذلك ترجيح
أحدهما على الآخر بزيادة فصل لا ينقص بها مدح الآخر فيأتي لأجل الترجيح بمعان
تخالف معاني التسوية» . ومنه قوله تعالى : (وَداوُدَ
وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ
وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ. فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا
حُكْماً وَعِلْماً).
ومنه قول
الخنساء في أخيها وقد أرادت مساواته بأبيها مع مراعاة حقّ الوالد بزيادة فضل لا
ينقص بها حق الولد :
جارى أباه فأقبلا
وهما
|
|
يتعاوران
ملاءة الحضر
|
وهما وقد
برزا كأنّهما
|
|
صقران قد
حطّا الى وكر
|
حتى إذا نزت
القلوب وقد
|
|
لزّت هناك
العذر بالعذر
|
وعلا هتاف
الناس أيّهما
|
|
قال المجيب
هناك : لا أدري
|
برقت صحيفة
وجه والده
|
|
ومضى على
غلوائه يجري
|
أولى فأولى
أن يساويه
|
|
لو لا جلال
السنّ والكبر
|
قال المصري : «وأول
من فتح باب هذا المعنى فيما أظن زهير حيث قال :
هو الجواد
فإن يلحق بشأوهما
|
|
على تكاليفه
فمثله لحقا
|
أو يسبقاه
على ما كان من مهل
|
|
فمثل ما
قدّما من صالح سبقا
|
لكنّ لشعر
الخنساء من الفضل في هذا المعنى ما ليس لغيره وتداول الناس هذا المعنى بعدها
وابتذله
__________________
الشعراء» ومن جمع المختلفة والمؤتلفة ضرب يأتي الشاعر فيه بأسماء
مؤتلفة ثم يصفها بصفات مختلفة كقول الشاعر :
لله ليلتنا
إذ صاحباي بها
|
|
بدر وبدر
سماويّ وأرضيّ
|
إنّ الهوى
والهواء الطّلق معتدلا
|
|
هذا وهذا
ربيعيّ طبيعيّ
|
بتنا جميعا
وكلّ في السماع وفي
|
|
شرب المدام
حجازيّ عراقيّ
|
أسقى وأسقي
نديما غاب ثالثنا
|
|
فالدّور منا
يمينيّ شماليّ
|
ومن جمع
المختلفة والمؤتلفة قول العباس بن الأحنف :
وصالكم صرم
وحبّكم قلى
|
|
وعطفكم صدّ
وسلمكم حرب
|
فان الوصل
والحب والعطف والسلم من المؤتلفة ، والصرم والقلى والصد والحرب من المختلفة.
وسمّاه السبكي
بتسمية المصري ونقل تعريفه ، ورجع الحموي الى مصطلح العسكري وقال : «هذا النوع ـ أعني
جمع المؤتلف والمختلف ـ ذكر المؤلفون فيه أقوالا كثيرة غير سديدة ومثلوه بأمثلة
غير مطابقة ، ولم يحرره ويطابقه بالامثلة اللائقة غير الشيخ زكي الدين بن أبي
الاصبع» وذكر تعريفه وأمثلته.
وفعل مثله السيوطي
، وقال المدني : «هذا النوع اختلفت فيه أقوال المؤلفين وعبّروا عنه
بعبارات غير سديدة ومثّلوا له بأمثلة غير مطابقة» ثم ذكر تعريف المصري وأمثلته كما فعل الحموي.
الجمع مع
التّفريق :
أدخله السكاكي
في المحسنات المعنوية وقال : «هو أن تدخل شيئين في معنى واحد وتفرق جهتي الادخال» ، كقوله :
قد اسودّ
كالمسك صدغا
|
|
وقد طاب
كالمسك خلقا
|
فانه شبّه
الصدغ والخلق بالمسك ثم فرق بين وجهي المشابهة.
وذكر ابن مالك
مثل ذلك ، وذكر الحلبي والنويري بيتا غير السابق وهو قول الوطواط
:
فوجهك كالنار
في ضوئها
|
|
وقلبي كالنار
في حرّها
|
وقال القزويني «شبّه
وجه الحبيب وقلب نفسه بالنار ، وفرّق بين وجهي المشابهة» ، وذكر قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا
اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ
النَّهارِ مُبْصِرَةً). وتبع القزويني شراح التلخيص والسيوطي والمدني .
ومن أمثلة هذا
النوع قول مروان بن أبي حفصة :
__________________
تشابه يوماه
علينا فأشكلا
|
|
فما نحن ندري
أيّ يوميه أفضل
|
أيوم نداه
الغمر أم يوم بأسه
|
|
وما منهما
إلا أغرّ محجّل
|
فإنّه أدخل
يوميه في التشابه والاشكال ثم فرّق بينهما فجعل أحدهما للبذل والسماحة ، والثاني
للنجدة والشجاعة.
وقول البحتري :
ولما التقينا
والنقا موعد لنا
|
|
تعجّب رائي
الدرّ حسنا ولا قطه
|
فمن لؤلؤ
تجلوه عند ابتسامها
|
|
ومن لؤلؤ عند
الحديث تساقطه
|
فجمع المرئي من
الدر والملقوط منه في كونهما متعجبا منهما ، ثم فرّق بينهما فجعل الأول مجلوا عند
الابتسام وهو ثغره ، وجعل الثاني مسقطا عند المحادثة وهو حديثه.
الجمع مع
التّفريق والتّقسيم :
ذكر الرازي
الجمع والتفريق والتقسيم في وجه واحد وقال : «وأما الجمع مع التفريق والتقسيم
فكقول الحاتمي :
ومن قيّد
المعبود قيّد عبده
|
|
وذلك باد وهو
خاف على القلب
|
فقيدك في أسر
وقيدي في الأسى
|
|
وذاك على أجل
وهذا على قلب
|
وأدخله السكاكي
في المحسنات المعنوية وقال : «كما إذا قلت :
فكالنار ضوء
وكالنار حرّا
|
|
محيّا حبيبي
وحرقة بالي
|
فذلك من ضوئه
في اختيال
|
|
وهذا لحرقته
في اختلال
|
ولك أن تلحق
بهذا القبيل قوله ـ عز سلطانه ـ : (يَوْمَ يَأْتِ لا
تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. فَأَمَّا
الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خالِدِينَ فِيها
ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ
لِما يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما
دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ).
وعلّق القزويني
على كلامه تعالى بقوله : «أمّا الجمع ففي قوله : (يَوْمَ يَأْتِ لا
تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) فإنّ قوله (نَفْسٌ) متعدد معنى لأنّ النكرة في سياق النفي تعمّ ، وأمّا
التفريق ففي قوله : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ
وَسَعِيدٌ ،) وأمّا التقسيم ففي قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ
شَقُوا) الى آخر الآية الثانية» .
وذكر قول ابن
شرف القيرواني :
لمختلفي
الحاجات جمع ببابه
|
|
فهذا له فنّ
وهذا له فنّ
|
فللخامل
العليا وللمعدم الغنى
|
|
وللمذنب
العتبى وللخائف الأمن
|
وتبعه في ذلك
شرّاح التلخيص والسيوطي والمدني .
والجمع بين هذه
الاشياء الثلاثة صعب ولذلك قال الوطواط : «جمع هذه الأشياء الثلاثة مع بعضها مشكل
للغاية» .
__________________
الجمع مع
التّقسيم :
أدخله السكاكي
في المحسنات المعنوية وقال : «هو أن تجمع أمورا كثيرة تحت حكم ثم تقسّم أو تقسم ثم
تجمع. مثال الأول قول المتنبي :
الدّهر معتذر
والسيف منتظر
|
|
وأرضهم لك
مصطاف ومرتبع
|
للسبي ما
نكحوا والقتل ما ولدوا
|
|
والنهب ما
جمعوا والنار ما زرعوا
|
فإنّه جمع في
البيت الأول أرض العدو وما فيها في كونها خالصة للممدوح وقسّم في الثاني :
ومثال الثاني
قول حسان ـ رضياللهعنه ـ :
قوم إذا
حاربوا ضرّوا عدوّهم
|
|
أو حاولوا
النفع في أشياعهم نفعوا
|
سجيّة تلك
منهم غير محدثة
|
|
إنّ الخلائق
فاعلم شرّها البدع
|
فانه قسّم في
البيت الأول حيث ذكر ضرهم للاعداء ونفعهم للاولياء ثم جمع في الثاني فقال : «سجية
تلك» .
وذكر ذلك ابن
مالك والحلبي والنويري والقزويني وشراح التلخيص والحموي والسيوطي والمدني .
الجناس :
هو التّجانس
والتّجنيس والمجانسة ، وقد تقدّم في «التجنيس». والذين سمّوه جناسا ذكروا
أقسامه بهذا الاسم وهي :
جناس الإشارة :
هو تجنيس
الإشارة .
جناس الاشتقاق
:
هو تجنيس
الاشتقاق ويسمّى المقتضب أيضا .
جناس الإضمار :
هو تجنيس
الاضمار .
جناس الإطلاق :
هو تجنيس
الاطلاق .
الجناس التّامّ
:
هو تجنيس
التامّ .
جناس التّحريف
:
هو تجنيس
التحريف ، أو الجناس المحرف .
__________________
جناس التّرجيع
:
هو تجنيس
الترجيع .
جناس التّركيب
:
هو تجنيس
التركيب .
جناس التّصحّف
:
هو تجنيس
التصحيف .
جناس التّصريف
:
هو تجنيس
التصريف .
جناس التّنوين
:
قال السبكي : «وهو
إمّا مقصور نحو شجى وشجن أو منقوص مثل مطاعن ومطاع في قافية نونية» .
الجناس
الحقيقيّ :
هو التجنيس
الحقيقي .
جناس الخطّ :
هو التجنيس
المصحف .
جناس العكس :
هو التجنيس
المعكوس والمقلوب .
جناس القلب :
هو تجنيس القلب
.
الجناس اللّاحق
:
هو التجنيس
اللاحق .
الجناس
اللّفظيّ :
هو التجنيس
اللفظي .
الجناس
المتشابه :
هو التجنيس
المتشابه .
الجناس
المتوازن :
هو أن تتفق
الكلمتان في الوزن وتختلفا فيما عداه .
الجناس المتوّج
:
قال السّيوطي
وهو يتحدّث عن الجناس الذي يقع فيه الاختلاف بأكثر من حرف : «سمّاه في التلخيص مذيلا وهو مخصوص بما كانت الزيادة في الآخر فإن كانت في
الأول فسمّاه بعضهم متوّجا ... وسمّاه في كنز البلاغة ترجيعا لأنّ الكلمة رجعت بذاتها بزيادة» . ومنه قوله تعالى :
__________________
(إِنَّ رَبَّهُمْ
بِهِمْ) ، وقوله (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) ، وحديث الشيخين : «في الحبّة السوداء الشفاء من كل داء»
، وحديث الديلمي : «ضع بصرك موضع سجودك» وقال البستي :
أبا العباس
لا تحسب بأنّي
|
|
بشيء من حلى
الأشعار عاري
|
فلي طبع
كسلسال معين
|
|
زلال من ذرى
الأحجار جاري
|
الجناس المجنّب
:
هو التجنيس
المجنّب .
الجناس المجنّح
:
قال السّيوطي :
«هو أن يقع أحد المقلوبين أول البيت والآخر آخره» كقول الشاعر :
لاح أنوار
الهدى
|
|
من كفّه في
كلّ حال
|
الجناس المحرّف
:
هو التجنيس
المحرف .
الجناس المذيّل
:
هو التجنيس
المذيّل .
الجناس المردوف
:
قال السّيوطي
وهو يتحدّث عن الجناس الناقص : «وهو قسمان : أحدهما أن يقع الاختلاف بحرف واحد
إمّا في الأول أو الوسط أو الطرف ويكون في نوع أو نوعين ، فالأول سمّيته أنا
بالمردوف لأنّ حرف الزيادة مردوف بما وقع فيه التجانس» ، كقوله تعالى : (وَالْتَفَّتِ
السَّاقُ بِالسَّاقِ. إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) ، وحديث الصحيحين : «الايمان يمان» ، وحديث الطبراني : «ترك
الوصية عار في الدنيا ونار وشنار في الآخرة».
الجناس المرفوّ
:
هو التجنيس
المرفوّ .
الجناس المركّب
:
هو تجنيس
التركيب .
الجناس المزدوج
:
هو التجنيس
المزدوج .
الجناس المستوفى
:
هو التجنيس
المستوفى .
الجناس المشتقّ
:
لم يعدّه ابن
حجة من الجناس لأنّ معنى المشتق
__________________
يرجع الى أصل واحد ، والمراد من الجناس اختلاف المعنى في ركنيه . ومثال المشتق قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. لا أَعْبُدُ
ما تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ. وَلا أَنا عابِدٌ ما
عَبَدْتُّمْ) ، والجمع راجع الى العبادة والمعنى في الاشتقاق راجع الى
أصل واحد.
ومنه قوله
تعالى : (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ
إِذا حَسَدَ).
ومنه قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «الظّلم ظلمات يوم القيامة».
ومنه قول عمرو
بن كلثوم :
ألا لا يجهلن
أحد علينا
|
|
فنجهل فوق
جهل الجاهلينا
|
ومن لطيف ذلك
قول كشاجم في خادم أسود مشهور بالظلم :
يا مشبها في
فعله لونه
|
|
لم تحظ ما
أوجبت القسمه
|
فعلك من لونك
مستخرج
|
|
والظّلم مشتق
من الظّلمه
|
الجناس المشوّش
:
هو التجنيس
المشوّش .
الجناس المصحّف
:
هو التجنيس
المصحّف ، وقال السّيوطي : «ويسمّى جناس الخط» .
الجناس المضارع
:
هو التجنيس
المضارع .
الجناس المضاف
:
وهو ما سمّاه
الرماني المزاوجة ، كقول البحتري :
أيا قمر
التّمام أعنت ظلما
|
|
عليّ تطاول
الليل التّمام
|
قال القاضي
الجرجاني : «ومعنى التمام واحد في الامرين ولو انفرد لم يعد تجنيسا ولكنّ أحدهما
صار موصولا بالقمر والآخر بالليل فكانا كالمختلفين ، وقد يكون من هذا الجنس ما
تجانس به المفرد بالمضاف وقد تكون الاضافة اسما ظاهرا ومكنيا وقد تكون نسبا ومن
أملح ما سمعت فيه قول أبي الفتح ابن العميد :
فان كان
مسخوطا فقل شعر كاتب
|
|
وإن كان
مرضيّا فقل شعر كاتب
|
الجناس المطرّف
:
هو التجنيس
المطرّف .
الجناس المطلق
:
هو التجنيس
المطلق .
الجناس المطمع
:
هو التجنيس
المطمع .
__________________
الجناس المعتلّ
:
قال السّبكي : «هو
ما تقابل في لفظيه حرفا مدلولين متغايرين أصليان أو زائدان مثل : نار ونور وشمال
وشمول» .
الجناس المعكوس
:
هو التجنيس
المعكوس .
الجناس
المعنويّ :
هو تجنيس
المعنى او المعنوي .
جناس المغايرة
:
هو التجنيس
المغاير .
الجناس المفروق
:
هو التجنيس
المفروق .
الجناس المقرون
:
وهو الجناس
المتشابه وهو «ما اتفق ركناه لفظا وخطا» ، كقول أبي الفتح البستي :
إذا ملك لم
يكن ذا هبه
|
|
فدعه فدولته
ذاهبه
|
الجناس المقصور
:
قال السّبكي : «ومنها
التجنيس المقصور نحو سنا وسناء ، ومثل جنا وجناح» .
الجناس المقلوب
:
هو تجنيس القلب
وجناس العكس .
الجناس المكتنف
:
قال السّيوطي
وهو يتحدّث عن أنواع الجناس الناقص : «والثاني سمّيته أنا بالمكتنف لأنّ حرف
الزيادة فيه مكتنف أي متوسّط بين ما اكتنفاه» ، كقولهم : «جدي جهدي» ، وحديث احمد : «الشيطان ذئب
الانسان كذئب الغنم يأخذ الشاة الشاذة» ، وحديث مسلم «ما أنزل الله داء إلا أنزل
له دواءا».
الجناس المكرّر
:
هو التجنيس
المكرر والمزدوج .
الجناس الملفّق
:
هو التجنيس
الملفّق .
الجناس الملفوف
:
أدخله السيوطي
في جناس التركيب وقال : «هو ما تركّب من كلمتين تامتين أو ثلاث كلمات» .
ويكون متشابها
وذلك بأن يتفقا في الخط كقول البستي :
إذا ملك لم
يكن ذا هبه
|
|
فدعه فدولته
ذاهبه
|
__________________
وقال الآخر :
عضّنا الدّهر
بنابه
|
|
ليت ما حلّ
بنابه
|
أو مفروقا ،
وذلك بأن يختلفا فيه كقول البستي :
كلّكم قد أخذ
الجا
|
|
م ولا جام
لنا
|
ما الذي ضرّ
مدير ال
|
|
جام لو
جاملنا؟
|
وقوله :
وإن أقرّ على
رق أنامله
|
|
أقرّ بالرقّ
كتّاب الأنام له
|
الجناس المماثل
:
هو التجنيس
المماثل ، وقال التفتازاني : «سمّي جناسا مماثلا جريا على
اصطلاح المتكلمين من أنّ التماثل هو الاتحاد في النوع» .
الجناس النّاقص
:
هو التجنيس
الناقص .
جودة القطع :
قال شبيب بن
شيبة : «الناس موكّلون بتفضيل جودة الابتداء وبمدح صاحبه ، وأنا موكّل بتفضيل جودة
القطع وبمدح صاحبه ،» .
وجودة القطع هو
الانتهاء وبراعة المقطع وحسن المقطع وحسن الخاتمة وحسن الختام ، وقد تقدّم «الانتهاء»
و «براعة المقطع».
__________________
الحاء
الحالي :
حليت المرأة
حليا وهي حال وحالية : استفادت حليا أو لبسته والحالي هو الكلام الذي يزيّن بألوان البديع ، قال
الكلاعي : «وإنّما سمّينا هذا النوع الحالي لأنّه حلّي بحسن العبارة ولطف الاشارة
وبدائع التمثيل والاستعارة وجاء فيه من الأسجاع والفواصل ما لم يأت في باب العاطل»
.
وذكر ابن شيث
القرشي نوعا من السجع سماه الحالي وقال : «فالسجع الحالي كل كلمتين جاءتا في
الكلام المنثور على زنة واحدة تصلح أن تكون إحداهما قافية أمام صاحبتها» مثل : «فلان لا تدرك في المجد غايته ولا تنسخ من الفضل
آيته» ، وقوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ في تعويذ الحسن والحسين : «أعيذكما من
الهامّة السامّة ومن كلّ عين لامّة» ، وقوله : «يرجعن مأزورات غير مأجورات».
الحثّ
والتّحضيض :
الحث : الإعجال
في اتّصال ، وقيل هو الاستعجال ما كان ، حثّه يحثّه حثا واستحثه واحتثّه.
والحضّ : ضرب
من الحثّ في السير وكلّ شيء ، حضّه يحضّه حضّا وحضّضه وهم يتحاضون .
والحث والتحضيض
كالأمر ، ومنه قوله تعالى : (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ. قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ) ، أي : ائتهم ومرهم بالاتقاء. وربما كان تأويلها النفي
كقوله تعالى : (لَوْ لا يَأْتُونَ
عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) أي : اتخذوا من دونه آلهة لا يأتون عليهم بسلطان بيّن.
الحذف :
حذف الشيء
يحذفه حذفا : قطعه من طرفه ، وحذف الشيء : إسقاطه .
وذكر ابن رشيق
في باب «الإشارة» نوعا من الحذف ومثّل له بقول نعيم بن أوس يخاطب امراته
:
إن شئت
أشرفنا جميعا فدعا
|
|
الله كلّ
جهده فأسمعا
|
بالخير خيرا
وان شرا فآ
|
|
ولا أريد
الشر إلا أنّ أنّ تآ
|
كذا رواه أبو
زيد الأنصاري وساعده من المتأخّرين علي بن سليمان الأخفش وقال : لأنّ الرجز يدل
عليه ، إلا أنّ رواية النحويين «وإن شرّافا» و «إلا أن تا» قالوا :يريد «وإن شرّا
فشر ، وإلا أن تشائي» وانشدوا :
__________________
ثم تنادوا
بعد تلك الضّوضا
|
|
منهم بهات
وهل ويايا
|
نادى مناد
منهم ألاتا
|
|
قالوا جميعا
كلهم بلى فا
|
وأنشد الفرّاء
: «قلت لها قومي فقالت قاف» يريد :قمت وللحذف دلالتان :
الأولى : ما
ذكره البلاغيّون في باب الإيجاز بالحذف وقد تقدّم.
الثانية : ما
ذكره علماء البديع المتأخّرون ، قال الوطواط : «وتكون هذه الصنعة بأن يطرح الشاعر
أو الكاتب حرفا أو أكثر من حروف المعجم من نثره أو نظمه» ومثاله ما يروونه من أنّ واصل بن عطاء كان يلثغ بالراء
فقيل له كيف تقول : «اطرح رمحك واركب فرسك» فقال : «ألق قناتك واعل جوادك». وهذا
ما أشار اليه الجاحظ من اطراح واصل لحرف الراء .
ومن أمثلة
الحذف قول الحريري في مقدمة الخطبة التي أوردها في مقاماته وقد حذف منها كل الحروف
المنقوطة : «الحمد لله الممدوح الاسماء ، المحمود الآلاء ، الواسع العطاء ، المدعو
لحسم اللأواء ...».
وحذف الحريري
جميع الحروف المنقوطة من الأبيات :
أعد لحسّادك
حدّ السلاح
|
|
وأورد الآمل
ورد السّماح
|
وصارم اللهو
ووصل المها
|
|
وأعمل الكوم
وسمر الرماح
|
واسع لادراك
محلّ سما
|
|
عماده لا لادّراع
المراح
|
والله ما
السؤدد حسو الطلا
|
|
ولا مراد
الحمد رود رداح
|
قال العلوي عن
هذا اللون من الحذف : «هو في مصطلح علم البيان عبارة عن التجنب لبعض حروف المعجم
عن إيراده في الكلام» .
وقال الحموي : «هذا
النوع ـ أعني الحذف ـ عبارة عن أن يحذف المتكلم من كلامه حرفا من حروف الهجاء أو
جميع الحروف المهملة بشرط عدم التكلف والتعسف. وهذا هو الغاية كما فعل الحريري في
المقامة السمرقندية بالخطبة المهملة التي أجمع الناس على أنّها نسيج وحدها وواسطة
العقد .
وقال السّيوطي
: «هو أن يحذف المتكلم من كلامه حروفا من حروف الهجاء بلا تكلف ولا تعسف بأنّ يحذف
كل حرف موصول ويأتي بالجميع مقطوعة أو عكسه أو يحذف كل حرف منقوط ويأتي بالجميع
مهملة أو عكسه ، أو يأتي بكلامه متخالفا حرف منه موصول وحرف مقطوع أو حرف معجم
وحرف مهمل أو كلمة كل حروفها معجمة ، وكلمة كل حروفها مهملة وهكذا ، أو يلتزم حذف
حرف واحد كالألف. نبّه على ذلك الرازي في نهاية الإيجاز وللحريري من ذلك أشياء في المقامات» .
وذكر المدني
أنّ هذا النوع من مستخرجات الإمام أبي المعالي عز الدين عبد الوهاب بن ابراهيم
الزنجاني صاحب معيار النظار .
ومن أمثلة هذا
النوع البديعي قصيدة الصاحب اسماعيل بن عباد في مدح أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ وهي في سبعين بيتا وقد عرّاها من حروف
__________________
الألف ومطلعها :
قد ظلّ يجرح
صدري
|
|
من ليس يعدوه
فكري
|
وقصيدة ابي
الحسن علي بن الحسين الهمذاني التي أخلاها من الواو ومطلعها :
برق ذكرت به
الحبائب
|
|
لما بدا
فالدّمع ساكب
|
وللحريري :
فتنتني
فجنّنتني تجنّي
|
|
بتفنّ يفتنّ
غبّ تجني
|
شغفتني بجفن
ظبي غضيض
|
|
غنج يقتضي
تفيّض جفني
|
وفي البيتين
حذفت الحروف المهملة ، وجاء الحريري بالحروف متصلة.
الحذو :
يقال : حذا
حذوه : أي فعل فعله ، والحذو من أجزاء القافية حركة الحرف الذي قبل الردف ، يجوز
ضمته مع كسرته ولا يجوز مع الفتح غيره نحو ضمة قول مع كسره قيل وفتحة قول مع فتحة
قيل .
وقال ابن منقذ
عن الحذو والاتباع : «هو أن يكون البيت على صناعة البيت الآخر» ، كما قال سحيم :
فما بيضة بات
الظّليم يحفّها
|
|
ويرفع عنها
جؤجؤا متجافيا
|
بأحسن منها
حين قالت أرائح
|
|
مع الركب أم
ثاو لدينا لياليا
|
تبعه على هذا
الحذو قوم كثير منهم من قال :
وما قطرة من
ماء مزن نقاذفت
|
|
به جانب
الجوديّ والليل دامس
|
بأعذب من
فيها وقد ذقت طعمه
|
|
ولكنّني فيما
ترى العين فارس
|
ومن ذلك لكثيّر
:
وما روضة
بالحزن طيبة الثرى
|
|
يمجّ جثجاثها
وعرارها
|
بأطيب من
أردان عزّة موهنا
|
|
إذا أوقدت
بالمندل الرّطب نارها
|
ومن ذلك قول
بعضهم :
ولم أر
كالمعروف أمّا مذاقه
|
|
فحلو وأمّا
وجهه فجميل
|
حذاه الآخر
فقال :
ومالي مال
غير درع حصينة
|
|
وأخضر من ماء
الحديد صقيل
|
وأحمر
كالديباج أمّا سماؤه
|
|
فريّا وأمّا
أرضه فمحول
|
والحذو في هذه
الامثلة لا يريد به الاتباع في المعاني والالفاظ وإنما الأخذ باسلوب السابق. ولكنّ
الأمثلة الاخرى التي ذكرها ابن منقذ تظهر الحذو في المعاني والالفاظ الى جانب
الاسلوب. من ذلك قول كثيّر :
وإنّي
وتهيامي بعزّة بعد ما
|
|
تولّى شبابي
وارجحنّ شبابها
|
لكالمرتجي
ماء بقفراء سبسب
|
|
يغرّ به من
حيث عنّ سرابها
|
وقوله يحذو
نفسه أيضا :
وإنّي
وتهيامي بعزّة بعد ما
|
|
تخلّيت مما
بيننا وتخلّت
|
لكالمرتجي
ظلّ الغمامة كلّما
|
|
تبوأ منها
للمقيل اضمحلّت
|
وأخذه جميل بن
معمر فقال : «وإنّي وتطلابي بثينة بعد ما».
__________________
الحروف العاطفة
والجارّة :
أدخل ابن
الأثير هذا الموضوع في الصناعة المعنوية وقال : «إنّ أكثر الناس يضعون هذه الحروف
في غير مواضعها فيجعلون ما ينبغي أن يجرّ بـ «على» بـ «في» في حروف الجر ، وفي هذه
الأشياء دقائق أذكرها لك» .
أمّا حروف
العطف فنحو قوله تعالى : (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي
وَيَسْقِينِ. وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ
يُحْيِينِ) ، فالاول عطفه بالواو التي هي للجمع وتقديم الإطعام على
الإسقاء والإسقاء على الإطعام جائز لو لا مراعاة حسن النظم ، ثم عطف الثاني بالفاء
لأنّ الشفاء يعقب المرض بلا زمان حال من أحدهما ثم عطف الثالث بـ «ثم» لأنّ
الإحياء يكون بعد الموت بزمان ولهذا جيء في عطفه بـ «ثم» التي هي للتراخي. ولو
غيّر نسق الكلمات لصحّ المعنى إلا أنّه لا يكون كمعنى الآية إذ كل شيء منها قد عطف
بما يناسبه ويقع موقع السداد منه.
وأمّا حروف
الجر فانّ الصواب يشدّ عن وضعها في مواضعها ، ومما ورد منه قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ
فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، قال ابن الاثير : ألا ترى الى بداعة هذا المعنى
المقصود لمخالفة حرفي الجر ههنا ، فانّه إنما خولف بينهما في الدخول على الحق
والباطل لأنّ صاحب الحق كأنه مستعل على فرس جواد يركض به حيث شاء. وصاحب الباطل
كأنه منغمس في ظلام منخفض فيه لا يدري أين يتوجه. وهذا معنى دقيق قلّما يراعى مثله
في الكلام ، وكثيرا ما سمعت اذا كان الرجل يلوم أخاه أو يعاتب صديقه على أمر من
الامور فيقول له : أنت على ضلالك القديم كما أعهدك فيأتي بـ «على» في موضع «في»
وإن كان هذا جائزا إلا أنّ استعمال «في» ههنا أولى لما أشرنا اليه» .
حسن الابتداء :
هو الابتداء ،
وقد تقدم. وهذه تسمية ابن المعتز فقد ذكر في محاسن الكلام «حسن الابتداءات» وقال إنّه كقول النابغة :
كليني لهم يا
أميمة ناصب
|
|
وليل أقاسيه
بطيء الكواكب
|
حسن الإتّباع :
وهذا النوع من
الأخذ أو السرقات الجيدة ، قال المصري : «هو أن يأتي المتكلّم الى معنى اخترعه
غيره فيحسن اتباعه فيه بحيث يستحق بوجه من وجوه الزيادات التي وجب للمتأخر استحقاق
معنى المتقدّم إمّا باختصار لفظه أو قصر وزنه أو عذوبة قافيته وتمكنها أو تتميم
لنقصه أو تكميل لتمامه أو تحليته بحلية من البديع يحسن بمثلها النظم ويوجب
الاستحقاق» .
ونقل الحلبي
والنّويري والحموي والمدني كلام المصري ، ولم يبعد ابن الأثير الحلبي عنه كثيرا .
ومن ذلك قول
عنترة :
إني امرؤ من
خير عبس منصبا
|
|
شطري وأحمي
سائري بالمنصل
|
وقد أحسن منصور
الفقيه اتباعه فقال :
__________________
من فاتني
بأبيه
|
|
ولم يفتني
بأمّه
|
ورام شتمي
ظلما
|
|
سكتّ عن نصف
شتمه
|
ومن هذا الباب
قول ابن الرومي :
تخذتكم درعا
حصينا لتدفعوا
|
|
نبال العدا
عني فكنتم نصالها
|
وقد كنت أرجو
منكم خير ناصر
|
|
على حين
خذلان اليمين شمالها
|
فإن أنتم لم
تحفظوا لمودّتي
|
|
ذماما فكونوا
لا عليها ولا لها
|
قفوا وقفة
المعذور عني بمعزل
|
|
وخلّوا نبالي
للعدا ونبالها
|
فاتبعه ابن
سنان الجفاجي الحلبي فقال :
أعددتكم
لدفاع كلّ ملمّة
|
|
عونا فكنتم
عون كل ملمّة
|
وتخذتكم لي
جنّة فكأنما
|
|
نظر العدوّ
مقاتلي من جنّتي
|
فلأنفضنّ
يديّ يأسا منكم
|
|
نفض الأنامل
من تراب الميّت
|
ومن مليح
الاتّباع ما وقع بين ابن الرومي وأبي حية النميري فيما قاله ، في زينب أخت الحجاج
حيث قال :
تضوّع مشكا
بطن نعمان إذ مشت
|
|
به زينب في
نسوة عطرات
|
يخمّرن أطراف
البنان من التّقى
|
|
ويبرزن شطر
الليل معتجرات
|
فهنّ اللواتي
إن برزن قتلنني
|
|
وإن غبن
قطّعن الحشا حسرات
|
وقد اتّبع ابن
الرومي أبا حية في البيت الأخير فقال :
ويلاه إن
نظرت وإن هي أعرضت
|
|
وقع السّهام
ونزعهنّ أليم
|
حسن الأخذ :
يتصل هذا النوع
بالسرقات ، وهي مسألة لا بدّ منها لأنّ اللاحق يتأثر بالسابق ، قال العسكري : «ليس
لأحد من أصناف القائلين غنى عن تناول المعاني ممن تقدمهم والصبّ على قوالب من
سبقهم. ولكن عليهم إذا أخذوها أن يكسوها ألفاظا من عندهم ويبرزوها في معارض تأليف
ويوردوها في غير حليتها الأولى ويزيدوها في حسن تأليفها وجودة تركيبها وكمال
حليتها ومعرضها ، فاذا فعلوا ذلك فهم أحقّ بها ممن سبق اليها. ولو لا أنّ القائل
يؤدي ما سمع لما كان في طاقته أن يقول وإنما ينطق الطفل بعد استماعه من البالغين» . ثم قال : «وقد أطبق المتقدمون والمتأخرون على تداول
المعاني بينهم فليس على أحد فيه عيب إلا إذا أخذه بلفظه كله أو أخذه فأفسده وقصّر
فيه عمن تقدمه» . وهذا قريب من «حسن الاتباع» بل هو نفسه لأنّ ما اشترطه
العسكري ينطبق على النوعين. وقد استعمل مصطلح «حسن الاتباع» وهو يتحدث عن «حسن الأخذ» فكأنه يريد بهما معنى واحدا.
ومن ذلك قول وهب بن الحارث بن زهرة :
تبدو كواكبه
والشّمس طالعة
|
|
تجري على
الكأس منه الصاب والمقر
|
أخذه النابغة
فقال :
تبدو كواكبه
والشّمس طالعة
|
|
لا النور نور
ولا الإظلام إظلام
|
وأخذ قول رجل
من كندة في عمرو بن هند :
هو الشمس
وافت يوم دجن فأفضلت
|
|
على كلّ ضوء
والملوك كواكب
|
فقال :
__________________
بأنّك شمس
والملوك كواكب
|
|
إذا طلعت لم
يبد منهنّ كوكب
|
وقال بشار :
من راقب لم
يظفر بحاجته
|
|
وفاز
بالطيبات الفاتك اللهج
|
تبعه سلم
الخاسر فقال :
من راقب
الناس مات غمّا
|
|
وفاز باللّذة
الجسور
|
حسن الارتباط :
هو التمزيج أو
حسن الترتيب أو حسن النسق وقد تقدم الكلام على التمزيج.
حسن الافتتاح :
هو حسن
الابتداءات وقد تقدم. وهذه تسمية ابن قيم الجوزية .
حسن الانتهاء :
هو الانتهاء . وقد تقدم.
حسن البيان :
قال الباقلّاني
: فالبيان على أربعة أقسام : كلام وحال وإشارة وعلامة ويقع التفاضل في البيان» ولم يعرّفه ، غير أنّ المصري قال : «حسن البيان عبارة
عن الإبانة عما في النفس بألفاظ سهلة بليغة بعيدة من اللبس» . وقال : «وحقيقة حسن البيان إخراج المعنى في أحسن الصور
الموضحة له وإيصاله الى فهم المخاطب بأقرب الطرق وأسهلها فانه عين البلاغة» . وقد تأتي العبارة عنه من طريق الايجاز وقد تأتي من
طريق الاطناب بحسب ما تقتضيه الحال. وفرّق بينه وبين الإشارة والايضاح فقال : «إنّ
الإشارة لا تكون بلفظ الحقيقة وحسن البيان يكون بلفظ الحقيقة وبغيره ...
والايضاح يكون
العبارة الفاضلة والعبارة النازلة وحسن البيان لا يكون إلا بالعبارة الفاضلة» . وقال المدني : «حسن البيان هو المنطق الفصيح المعرب
عما في الضمير ، وإنّما سمّي هذا النوع بحسن البيان لأنّه عبارة عن الافصاح عما في
النفس بألفاظ سهلة بليغة بعيدة عن اللبس من غير حشو مستغنى عنه يكاد يستر وجه حسن
البيان ويغطي واضح التبيان» .
وسمّاه العلوي «كمال
البيان» .
وقسّموه الى
حسن ومتوسّط وقبيح. فالقبيح كبيان باقل وقد سئل عن ثمن ظبي كان معه فأراد أن يقول :
«أحد عشر» فادركه العي ففرق أصابع يديه وأدلع لسانه فأفلت الظبي. وهذا على مذهب
المصري من الايضاح وليس من حسن البيان. والمتوسط كما لو قال خمسة وستة أو عشرة
وواحد ، والحسن لو قال : «أحد عشر» وهذا كالسابق ايضاح وليس حسن بيان ، وإنما هو
الكلام البليغ الذي يفصح عن المعنى. وهو معظم ما أنتجه الشعراء الفحول وكبار
الكتاب.
حسن التّأليف :
قال العسكري : «حسن
التأليف يزيد المعنى وضوحا وشرحا ومع سوء التأليف ورداءة الرصف والتركيب شعبة من
التعمية ، فاذا كان المعنى سبيّا
__________________
ورصف الكلام رديّا لم يوجد له قبول ولم تظهر عليه طلاوة. واذا كان المعنى
وسطا ورصف الكلام جيدا كان أحسن موقعا وأطيب مستمعا فهو بمنزلة العقد اذا جعل كل
خرزة منه الى ما يليق بها كان رائعا في المرأى وإن لم يكن مرتفعا جليلا ، وإن
اختلّ نظمه فضّمت الحبة منه إلى ما لا يليق بها اقتحمته العين وإن كان فائقا ثمينا»
.
وقال ابن
الأثير : «حسن التأليف أن توضع الألفاظ في مواضعها وتجعل في أماكنها» ، ومعظم كلام البلغاء متصف بذلك.
وخلاف ذلك وهو سوء
التأليف قول أبي تمام :
يا دهر قوّم
من أخدعيك فقد
|
|
أضججت هذا
الأنام من خرقك
|
وقول الفرزدق :
وما مثله في
الناس إلا مملّكا
|
|
أبو أمّه حيّ
أبوه يقاربه
|
وقال الآمدي : «وحسن
التأليف وبراعة اللفظ يزيد المعنى المكشوف بهاء وحسنا ورونقا حتى كأنّه أحدث فيه
غرابة لم تكن وزيادة لم تعهد» .
حسن التّخلّص :
هو التخلص أو
براعة التخلص ، وقد تقدما.
حسن التّرتيب :
هو التمزيج أو
حسن الارتباط أو حسن النّسق ، وقد تقدّم الكلام عليه في التمزيج.
حسن التّشبيه :
قال سيبويه : «تقول
مررت برجل أسد أبوه» إذا كنت تريد أن تجعله شديدا ، و «مررت برجل مثل الأسد أبوه»
إذا كنت تشبهه» . أي أنّه فرّق بين اسلوبين ، فالاول فيه خفاء التشبيه
وهو يدلّ على حسنه أي أنّه أروع من الثاني الذي جاء تشبيها عاما.
وحسن التشبيه
النوع الحادي عشر من محاسن الكلام عند ابن المعتز ، ولكنه لم يعرّفه واكتفى ببعض الأمثلة من غير ايضاح ،
من ذلك قول امرئ القيس :
كأنّ قلوب
الطير رطبا ويابسا
|
|
لدى وكرها
العنّاب والحشف البالي
|
وقول عنترة :
جادت عليه
كلّ بكر حرّة
|
|
فتركن كلّ
قرارة كالدرهم
|
وقول بشّار :
كأنّ فؤاده
كرة تنزّى
|
|
حذار البين
لو نفع الحذار
|
وقول أبي نواس
:
لما تبدّى
الصّبح من حجابه
|
|
كطلعة الأشمط
من جلبابه
|
وقول البحتري :
تخفي الزجاجة
نورها فكأنّها
|
|
في الكفّ
قائمة بغير إناء
|
وقول العلوي
الأصفهاني :
__________________
كأنّ انتضاء
البدر من تحت غيمه
|
|
نجاء من
البأساء بعد وقوع
|
وهذه الأبيات
من التشبيهات الحسنة عند ابن المعتز.
حسن التّصرّف :
قال الصنعاني :
«ومن أنواع الفصاحة بل هو معظمها وكبيرها حسن التصرف وهذا النوع لا يحصل بالتعمل
ولا ينقاد للمتكلف بل لا بدّ له من العلوم الضرورية المعبر عنها بالطبع ، وليس ذلك
يحصل من كثرة تعلم ولا ممارسة علوم ولا درس.
وبهذا تفاضل
الخطباء والشعراء وأصحاب الرسائل ، فاذا تأملت تصرف القرآن في المعاني المقصودة
عرفت أنّه زائد في الحسن على جميع أقسام الكلام وأنواعه ، ويشهد لك عقلك أنّه ليس
من كلام البشر لمجاوزته في الحسن جميع كلامهم لأنّك تجد عامة الناس إذا أخذوا في
الاقتصاص والتصرف في المعاني المختلفة والاغراض المتباينة والمقاصد المتغايرة تضعف
قواه ويهي نسجه وتزول بهجته ويظهر عليه الاختلال وحال القرآن بخلاف ذلك» . ومن بديع التحذير من الاغترار بالامهال قوله تعالى : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ.
وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ). ومن جميل الوعيد قوله تعالى : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ
أَجْمَعِينَ). ومن بليغ الحجاج قوله تعالى : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ
خَلْقَهُ ، قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي
أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ).
حسن التّضمين :
حسن التضمين
النوع الثامن من محاسن البديع عند ابن المعتز ، وهذا الفن هو التضمين الذي تقدم ، ولكنّ السابقين
نوّعوه فشمل العروض واللغة والبلاغة. وحسن التضمين عند المصري : «هو أن يضمن
المتكلم كلامه كلمة من بيت أو من آية أو معنى مجردا من كلام أو مثلا سائرا أو جملة
مفيدة أو فقرة من كلمة» . وقد سمّوا تضمين كلام الله «اقتباسا» وفرّقوا بين
التضمين والاقتباس .
حسن التّعليل :
هو التعليل ، وقد تقدّم.
حسن التّقسيم :
هو التقسيم وقد
تقدم.
حسن التّنقّل :
هو براعة
التخلص او التخلص أو حسن التخلص ، وقد تقدّم التخلص.
حسن الجمع :
هو الجمع ، وقد
تقدّم.
حسن الخاتمة :
هو الانتهاء :
وقد تقدّم. وذكر المصري أنّه من
__________________
مستخرجاته ولكن القاضي الجرجاني سمّاه «حسن الخاتمة» ، وأشار إلى ذلك الحموي والمدني .
حسن الختام :
هو الانتهاء ،
وقد تقدّم.
حسن الخروج :
هو التخلص أو
حسن التخلص أو براعة التخلص ، وقد أشار الجاحظ الى ذلك وسمّاه كذلك ثعلب وتلميذه
ابن المعتز . وسماه السجلماسي «التوجيه» ، قال : وهو الخروج» .
حسن الرّصف :
قال العسكري : «حسن
الرصف أن توضع الالفاظ في مواضعها وتمكن في أماكنها ولا يستعمل فيها التقديم
والتأخير والحذف والزيادة إلا حذفا لا يفسد الكلام ولا يعمي المعنى وتضم كل لفظة
منها الى شكلها وتضاف الى لفقها» . ثم قال : «ومن تمام حسن الرصف أن يخرج الكلام مخرجا له
طلاوة وماء وربما كان الكلام مستقيم الالفاظ صحيح المعاني ولا يكون له رونق ولا
رواء ولذلك قال الاصمعي لشعر لبيد «كأنه طيلسان طبرانيّ» أي هو محكم الأصل ولا
رونق له» .
وقال : «والكلام
اذا خرج في غير تكلف وكد وشدّة وتفكر وتعمّل كان سلسا سهلا وكان له ماء ورواء
ورقراق ، وعليه فرند لا يكون على غيره مما عسر بروزه واستكره خروجه» . وذلك مثل قول الحطيئة :
هم القوم
الذين إذا ألمّت
|
|
من الأيام
مظلمة أضاءوا
|
وقوله :
لهم في بني
الحاجات أيد كأنّها
|
|
تساقط ماء
المزن في البلد القفر
|
وكقول أشجع
السّلمي :
قصر عليه
تحية وسلام
|
|
نشرت عليه
جمالها الأيام
|
واذا سيوفك
صافحت هام العدا
|
|
طارت لهنّ عن
الفراخ الهام
|
برقت سماؤك
للعدوّ فأمطرت
|
|
هاما لها ظلّ
السيوف غمام
|
رأي الإمام
وعزمه وحسامه
|
|
جند وراء
المسلمين قيام
|
وكقول النمر :
خاطر بنفسك
كي تصيب غنيمة
|
|
إنّ الجلوس
مع العيال قبيح
|
فالمال فيه
تجلّة ومهابة
|
|
والفقر فيه
مذلّة وقبوح
|
وكقول الآخر :
نامت جدودهم
وأسقط نجمهم
|
|
والنجم يسقط
والجدود تنام
|
وكقول الآخر :
لعن الاله
تعلّة بن مسافر
|
|
لعنا يشنّ
عليه من قدّام
|
ثم قال العسكري
: «ففي هذه الأبيات مع جودتها رونق ليس في غيرها مما يجري مجراها في صحة المعنى
وصواب اللفظ».
وقال عن سوء
الرصف : «وسوء الرصف تقديم ما
__________________
ينبغي تأخيره منها ، وصرفها عن وجوهها ، وتغيير صيغتها ، ومخالفة الاستعمال
في نظمها. قال العتابي : الألفاظ أجساد والمعاني أرواح وإنّما تراها بعيون القلوب
، فاذا قدّمت منها مؤخرا أو أخرت منها مقدما أفسدت الصورة وغيّرت المعنى كما لو
حوّل رأس الى موضع يد أو يد الى موضع رجل لتحولّت الخلقة وتغيرت الحلية. وقد أحسن
في هذا التمثيل وأعلم به على أنّ الذي ينبغي في صيغة الكلام وضع كل شي منه في
موضعه ليخرج بذلك من سوء النظم» .
حسن المطالع
والمبادي :
هو براعة
الاستهلال أو براعة المطلع أو حسن الابتداء أو حسن الافتتاح .
حسن المطلب :
قال السّيوطي
بعد أن تكلّم على التّخلّص والفرق بينه وبين الاستطراد : «ويقرب منه حسن المطلب ،
قال الزنجاني والطيبيّ : وهو أن يخرج الى الغرض بعد تقدمة الوسيلة كقولك : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ). قال الطيبي : ومما اجتمع فيه حسن التخلص والمطلب معا
قوله تعالى حكاية عن إبراهيم : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ
لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ. الَّذِي خَلَقَنِي) الى قوله : (رَبِّ هَبْ لِي
حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ).
حسن المقطع :
هو الانتهاء
وبراعة المقطع وحسن الخاتمة ، وقد سمّاه كذلك الثعالبي والوطواط وابن قيم الجوزية
والتيفاشي وكان العسكري قد تحدث عن ذلك فقال : «وقلما رأينا بليغا
إلا وهو يقطع كلامه على معنى بديع أو لفظ حسن رشيق» وقال : «فينبغي أن يكون آخر بيت قصيدتك أجود بيت فيها
وأدخل في المعنى الذي قصدت له في نظمها».
وتحدث العسكري
أيضا عن حسن المقطع وقال : «ومن حسن المقطع جودة الفاصلة وحسن موقعها وتمكنها في
موضعها ». وهو ثلاثة أضرب :
الأوّل : أن
يضيق الشاعر موضع القافية فيأتي بلفظ قصير قليل الحروف فيتمم به البيت ، كقول زهير
:
وأعلم ما في
اليوم والأمس قبله
|
|
ولكنّني عن
علم ما في غد عمي
|
وقول النابغة :
كالأقحوان
غداة غبّ سمائه
|
|
جفّت أعاليه
وأسفله ندي
|
الثاني : أن
يضيق به المكان أيضا ويعجز عن إيراد كلمة سالمة تحتاج الى إعراب ليتم بها البيت
فيأتي بكلمة معتلة لا تحتاج الى الإعراب فيتمه بها ، كقول امرئ القيس :
بعثنا ربيّا
قبل ذاك مخمّلا
|
|
كذئب الغضا
يمشي الضراء ويتقي
|
وقول زهير :
صحا القلب عن
سلمى وقد كاد لا يسلو
|
|
وأقفر من
سلمى التعانيق فالثقل
|
وقول الحطيئة :
__________________
دع المكارم
لا ترحل لبغيتها
|
|
واقعد فانّك
أنت الطاعم الكاسي
|
الثالث : أن
تكون الفاصلة لائقة بما تقدمها من ألفاظ الجزء من الرسالة أو البيت من الشعر وتكون
مستقرة في قرارها ومتمكنة في موضعها حتى لا يسدّ مسدّها غيرها وإن لم تكن قصيرة
قليلة الحروف ، كقوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ
أَضْحَكَ وَأَبْكى. وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا. وَأَنَّهُ خَلَقَ
الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى). فابكى مع أضحك وأحيا مع أمات والانثى مع الذكر. وقوله
تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ
لَكَ مِنَ الْأُولى. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) ، فالأولى مع الآخرة والرضا مع العطية في نهاية الجودة
وغاية حسن الموقع.
ومن الشعر قول
الحطيئة :
هم القوم الذين
إذا ألمّت
|
|
من الأيام
مظلمة أضاءوا
|
وقول أبي نواس
:
إذا امتحن
الدنيا لبيب تكشّفت
|
|
له عن عدوّ
في ثياب صديق
|
وهذا معنى واسع
لحسن المقطع ، لأنّ حسن الانتهاء أو الخاتمة تخص الرسالة او الخطبة او القصيدة ،
ولكن العسكري في هذا القسم يدخل نهاية أي كلام سواء أكان عبارة أم بيت شعر ، ويضم
الفاصلة والقافية الى هذا النوع.
حسن النّسق :
هو التنسيق أو
تنسيق الصفات او التمزيج .
الحشو :
حشا : ملا ،
واسم ذلك الشيء الحشو على لفظ المصدر ، وقد سمّي القطن «الحشو» لانه يحتى به الفرش
وغيرها .
سمّاه قوم «الاتّكاء»
، وقد تقدّم ، قال قدامة : «هو أن يحشى البيت بلفظ لا يحتاج اليه لاقافة
الوزن» ، كقول أبي عدي القرشي :
نحن الرؤوس
وما الرؤوس إذا سمت
|
|
في المجد
للأقوام كالأذناب
|
فقوله : «للاقوام»
حشو.
ونقل المرزباني
كلام قدامة ومثاله ، وقال الحاتمي «وهذا باب لطيف جدا لا يتيقظ له إلا من
كان متوقد القريحة متباصر الآلة ، طبا بمجاري الكلام عارفا بأسرار الشعر ، متصرفا
في معرفة أفانينه» .
وذكر العسكري
ثلاثة أضرب للحشو : اثنان منها مذمومان وواحد محمود ، فأحد المذمومين أن يدخل في
الكلام لفظ لو سقط لكان الكلام تاما مثل قول الشاعر :
أنعى فتى لم
تذرّ الشّمس طالعة
|
|
يوما من
الدهر إلا ضرّ أو نفعا
|
فقوله : «يوما
من الدهر» حشو لا يحتاج اليه لأنّ الشمس لا تطلع ليلا.
والضرب الثاني
: العبارة عن المعنى بكلام طويل لا فائدة في طوله ويمكن أن يعبّر عنه بأقصر منه
كقول النابغة :
__________________
تبيّنت آيات
لها فعرفتها
|
|
لستة أعوام
وذا العام سابع
|
كان ينبغي أن
يقول : «لسبعة أعوام» ويتم البيت بكلام آخر يكون فيه فائدة ، فعجز عن ذلك فحشا
البيت بما لا وجه له.
وأما الضرب
المحمود فكقول كثيّر عزّة :
لو انّ
الباخلين وأنت فيهم
|
|
رأوك تعلّموا
منك المطالا
|
فقوله : «وأنت
فيهم» حشو إلا أنّه مليح ، ويسمي أهل الصنعة هذا الجنس «اعتراض كلام في كلام» وهذه تسمية ابن المعتز ، فقد قال عن الفن الثاني من
المحاسن : «ومن محاسن الكلام ايضا والشعر اعتراض كلام في كلام لم يتمم معناه ثم
يعود اليه فيتممه في بيت واحد» وذكر بيت كثير : «لو انّ الباخلين ...» فان كان ذاك في
القافية سمي استدعاء . وقسّمه الوطواط الى ثلاثة أقسام :
الأوّل : الحشو
القبيح وذلك بأن يكون اللفظ الزائد لا محل له بحيث يفسد البيت بوجوده ، كقول
القائل : «أورثني تكلمه صداع الرأس والقلقا» فانّ لفظ «الرأس» زيادة مستكرهة لأنّ
الصداع لا يكون إلا في الرأس.
الثاني : الحشو
المتوسط وذلك بأن يتساوى ذكر اللفظة الزائدة وعدم ذكرها فلا تكون مستقبحة غاية
القبح ولا مستحسنة غاية الاستحسان ، كقول الوطواط نفسه :
وأنت لعمر
المجد أشرف من حوى
|
|
على رغم آناف
العدا قصب المجد
|
فعبارة «لعمر
المجد» حشو متوسط ، وكذلك عبارة «على رغم آناف العدا».
الثالث : الحشو
المليح ، وبهذا النوع من الحشو يزدان البيت فيحسن الكلام ويزداد رونقه ، ومن أجل
ذلك يسميه الناس بحشو اللوزينج ، ومثاله قول أبي المنهال عوف بن محلم الخزاعي :
إنّ الثمانين
وبّلغتها
|
|
قد أحوجت
سمعي الى ترجمان
|
ومنه قول كثير
: «لو أنّ الباخلين ... وقول النابغة الجعدي :
ألا زعمت بنو
سعد بأنّي
|
|
ـ فقد كذبوا ـ كبير السنّ فان
|
وقال ابن سنان
: «وأصل الحشو أن يكون المقصد بها إصلاح الوزن أو تناسب القوافي وحرف الروي إن كان
الكلام منظوما وقصد السجع وتأليف الفصول إن كان منثورا من غير معنى تفيده اكثر من
ذلك» .
وقال عبد
القاهر : «وأما الحشو فانما كره وذمّ وأنكر وردّ لأنّه خلا من الفائدة ولم يحل منه
بعائدة ، ولو أفاد لم يكن حشوا ولم يدع لغوا.
وقد تراه مع
اطلاق هذا الاسم عليه واقعا من القبول أحسن موقع ومدركا من الرضى أجزل حظ ذاك
لافادته إياك عل مجيئه مجيء ما لا معوّل في الافادة عليه ولا طائل للسامع لديه
فيكون مثله مثل الحسنة تأتيك من حيث لم ترتقبها والنافعة أتتك ولم تحتسبها ، وربما
رزق الطفيلي ظرفا يحظى به حتى يحل محل الاضياف الذين وقع الاحتشاد لهم والأحباب
الذين وثق بالانس منهم وبهم» .
وقال ابن منقذ
: «الحشو أن تأتي في الكلام بألفاظ زائدة ليس فيها فائدة» والحشو عند ابن الأثير «الاعتراض» قال : «وبعضهم يسميه
الحشو ، وحدّه كل كلام أدخل فيه لفظ مفرد أو مركب لو أسقط
__________________
لبقي الأول على حاله» . وقال : «... أحدهما : لا يأتي في الكلام إلا لفائدة
وهو جار مجرى التوكيد.
والآخر : أن
يأتي في الكلام لغير فائدة ، فإما أن يكون دخوله فيه كخروجه منه ، وإما أن يؤثر في
تأليفه نقصا وفي معناه فسادا» .
وتابعه العلوي
في التسمية والتقسيم والأمثلة ، ولم يعرّفه المظفر العلوي وإنما ذكر أمثلة في باب «الحشو
السديد في المعنى المفيد» .
وقسّمه
القزويني الى نوعين :
أحدهما : ما
يفسد المعنى كقول المتنبي :
ولا فضل فيه
للشجاعة والنّدى
|
|
وصبر الفتى
لو لا لقاء شعوب
|
والثاني : ما
لا يفسد المعنى كقول أبي العيال الخفاجي :
ذكرت أخي
فعاودني
|
|
صداع السّرأس
والوصب
|
وتابعه في ذلك
شرّاح التلخيص .
الحصر :
حصره يحصره
حصرا : ضيّق عليه وأحاط به ، والحصر الاحاطة والتضييق . والحصر هو القصر ، ومعناه تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص كتخصيص المبتدأ بالخبر بطريق النفي في قوله تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا
مَتاعُ الْغُرُورِ) ، وتخصيص الخبر بالمبتدأ مثل : «ما شاعر إلا المتنبي».
وللقصر طرفان :
الأوّل :
المقصور ، وهو الشيء المخصّص.
الثاني :
المقصور عليه ، وهو الشيء المخصّص به.
ففي قوله تعالى
: (وَمَا الْحَياةُ
الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) خصص الغرور بمتاع الدنيا ، فالحياة الدنيا مقصور عليه ،
والغرور مقصور.
ويقع القصر بين
المبتدأ والخبر كقوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا
رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ).
والفعل والفاعل
مثل : «لا ينجح إلا محمد».
والفاعل
والمفعول مثل : «ما شاهد محمد إلا الحديقة».
والمفعولين مثل
: «ما أعطيت محمدا إلا كتابا» في قصر المفعول الاول على الثاني ، أما قصر المفعول
الثاني على الأول فمثل : «ما أعطيت كتابا إلا محمدا».
والحال وصاحبها
مثل : «ما جاء راكضا إلا محمد» في قصر الحال على صاحبها ، أما قصر صاحب الحال
عليها فمثل : «ما جاء محمد إلا راكضا».
ومثل ذلك
متعلقات الفعل فان القصر يجري فيها ما عدا اثنين :
الأول : المصدر
المؤكد فلا يقع القصر بينه وبين الفعل ولذلك لا يجوز أن تقول : «ما ضربت إلا ضربا»
، واما قوله تعالى : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا
ظَنًّا) فتقديره ظنا ضعيفا.
__________________
الثاني :
المفعول معه فانه لا يجيء بعد «إلا» ولذلك لا يقال : «ما سرت إلا والحائط».
وينقسم القصر
بحسب الحقيقة والاضافة الى قسمين :
الاول : قصر حقيقي
، وهو أن يختص المقصور بالمقصور عليه بحسب الحقيقة لا يتعداه الى غيره أصلا كقوله
تعالى : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ
أُولُوا الْأَلْبابِ) فالتذكر صفة لا تتجاوز الى غيرهم من سائر الناس في
الحقيقة والواقع.
الثاني : قصر
إضافي ، وهو غير حقيقي وذلك بأن يكون القصر فيه بالاضافة الى شيء مخصوص لا الى ما
عدا المقصور عليه ، ومنه قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ
إِلَّا رَسُولٌ) فـ «محمد» مقصور على الرسالة بالاضافة الى شيء آخر ،
وليس المقصود أنّ الرسالة مختصة به وحده.
وينقسم القصر
باعتبار طرفيه ـ المقصور والمقصور عليه ـ الى قسمين :
الأول : قصر
موصوف على صفة كقوله تعالى : (ما نَعْبُدُهُمْ
إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فقد قصرت العبادة على التقريب قصر موصوف على صفة.
الثاني : قصر
صفة على موصوف مثل : «ما في الدار إلا محمد» فقد قصر الوجود في الدار على «محمد»
قصر صفة على موصوف.
والمراد بالصفة
في أسلوب القصر الصفة المعنوية لا النعت الذي يذكره النحاة ، لأنّ الاستثناء لا
يقع بين الصفة والموصوف.
وينقسم القصر
بحسب الحقيقة والادعاء الى أربعة أقسام :
الأوّل : القصر
الحقيقي على سبيل الحقيقة.
الثاني : قصر
إضافي على سبيل الحقيقة.
وهذان النوعان
هما اللذان يقصدان عند اطلاق القصر الحقيقي والقصر الاضافي كما سبق.
الثالث : قصر
حقيقي على سبيل الادعاء والمبالغة ، ومثال قصر الصفة على الموصوف «لا شاعر إلا
المتنبي» على سبيل المبالغة وإضفاء الشاعرية على المتنبي.
ومثال قصر
الموصوف على الصفة : «ما حاتم إلا جوادا» أي انه لا يتصف بغير الجود من الصفات
مبالغة في كمال الجود فيه.
الرابع : قصر
إضافي على سبيل الادعاء والمبالغة ، ومثال قصر الصفة على الموصوف : «ما عالم إلا
محمد» وذلك إذا أريد قصر العلم على «محمد» بالنسبة الى آخر اذا كان عالما أيضا.
ومثال قصر
الموصوف على الصفة : «ما محمد إلا كاتب» إذا قصر «محمد» على الكتابة بالنسبة الى
صفة الشعر او الرسم ، ويراد بذلك انتقاء صفة الشعر أو الرسم منه.
وينقسم القصر
الاضافي بحسب حال المخاطب الى ثلاثة اقسام :
الاول : قصر
إفراد ، وذلك إذا اعتقد المخاطب الشركة في الحكم بين المقصور عليه وغيره.
الثاني : قصر
قلب ، وذلك إذا اعتقد المخاطب عكس الحكم الذي يثبت بالقصر.
الثالث : قصر
تعيين ، وذلك إذا كان المخاطب مترددا في الحكم بين المقصور عليه وغيره.
فاذا قيل في
قصر الصفة على الموصوف : «الأديب محمد لا خالد» وكان المخاطب يعتقد اشتراكهما في
صفة الأدب كان القصر «قصر إفراد».
واذا كان
المخاطب يعتقد غير ذلك كان القصر «قصر قلب».
__________________
واذا كان
المخاطب مترددا لا يدري أي الصفتين هي صفة محمد كان القصر «قصر تعيين». ولا يجري هذا
التقسيم في القصر الحقيقي ؛ لأنّ القصر في ذلك النوع قصر بالنسبة الى ما عدا
المقصور عليه على الاطلاق فلا يمكن أن يتصور في الشركة أو العكس أو التردد على ما
في القصر الإضافي الذي يجري فيه القصر بالنسبة الى شيء محدود.
وأهم طرق القصر
اربعة :
الأوّل : النفي
والاستثناء ، كقوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ
إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) ، وقوله : (وَما أَنْزَلَ
الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ).
الثاني : «إنما»
، ويكون المقصور عليه مؤخرا وجوبا كقوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى
اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ). ومنه قول عبيد الله بن قيس الرقيات :
إنّما مصعب
شهاب من اللّ
|
|
ه تجلّت عن
وجهه الظّلماء
|
الثالث : العطف
بـ «لا» أو «لكن» أو «بل» مثل : «محمد شاعر لا كاتب» و «ما محمد قائما بل زيد».
الرابع : تقديم
ما حقّه التأخير مثل : «شاعر هو» و «أنا كفيتك مهمّك». وهناك طرق اخرى للقصر غير
أنّ البلاغيين لم يتفقوا عليها كل الاتفاق. ولذلك تظل الوجوه الاربعة عمدة هذا
الاسلوب .
حصر الجزئيّ
وإلحاقه بالكلّيّ :
هذا الفن من
مستخرجات المصري وقد قال في تعريفه : «هو أن يأتي المتكلم الى نوع ما فيجعله
بالتعظيم له جنسا بعد حصر أقسام الأنواع فيه والاجناس» كقوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ
الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ). فإنّه سبحانه تمدّح بأنّه يعلم ما في البر والبحر من
أصناف الحيوان والنبات والجماد حاصرا لجزئيات المولّدات ، ورأى أنّ الاقتصار على
ذلك لا يكمل به التمدح فقال لكمال التمدح : (وَما تَسْقُطُ مِنْ
وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) (الأنعام ٥٩) وعلم أنّ علم ذلك يشاركه فيه من مخلوقاته كل ذي إدراك فقال : (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ) (الأنعام ٥٩) ثم ألحق هذه الجزئيات بعد حصرها بالكليات حيث قال : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ) (الأنعام ٥٩) ثم قال : (إِلَّا فِي كِتابٍ
مُبِينٍ) (الأنعام ٥٩).
ومنه قول
الشاعر :
اليك طوى عرض
البسيطة جاهل
|
|
قصارى
المطايا أن يلوح بها القصر
|
وكنت وعزمي
في الظلام وصارمي
|
|
ثلاثة أشباه
كما اجتمع النّسر
|
فبشّرت آمالي
بملك هو الورى
|
|
ودار هي
الدنيا ويوم هو الدهر
|
فقد قصد الشاعر
في البيت الأخير تعظيم الممدوح وتفخيم أمر داره التي قصده فيها ومدح يومه الذي
لقيه فيه فجعل الممدوح جميع الورى والدار التي لقيه فيها الدنيا ، واليوم الذي رأه
فيه الدهر ، فجعل الجزئي كليا بعد حصر أقسام الجزئي ، اما جعله الجزئي كليا فلأن
الممدوح جزء من الورى والدار جزء من الدنيا واليوم جزء من الدهر ، وأما حصر أقسام
الجزئي فلأن العالم أجسام وظروف زمان وظروف مكان ، وقد حصر ذلك.
وقال ابن الأثير
الحلبي : «هو أن يعظم المتكلم
__________________
جنسا من أنواع الكلام ويحصر فيه الأنواع المستغرقة لنوع ذلك الجنس حتى
يبالغ فيه» .
ونقل الحموي
تعريف المصري وأمثلته ، وقال السيوطي : «وهو نوع غريب صعب المسلك اخترعه ابن
أبي الاصبع المصري وهو شبيه بالمبالغة ذكرته عقبها ، وذلك أن يأتي المتكلم الى نوع
فيجعله جنسا تعظيما له ويجعل الجزئيات كلها منحصرة فيه» .
كقول الصفي :
فرد هو
العالم الكليّ في شرف
|
|
ونفسه الجوهر
القدسيّ في العظم
|
ومن الحديث «الدعاء
هو العبادة».
ونقل المدني
كلام المصري وأمثلته وأضاف اليها بعض الأمثلة .
الحقيقة :
حقّ الأمر يحق
: صار حقا وثبت ، وحقّ عليه القول وأحققته أنا ، وحقّه وحققه. صدّقه. وحقق الرجل
اذا قال هذا الشيء هو الحق .
والحقيقة «فعيلة»
بمعنى «مفعولة» ، واشتقاقها من «حقق الشيء إذا أثبته ، ولذلك فهي دلالة اللفظ على
المعنى الموضوع له في أصل اللغة ، وقد أشار الجاحظ اليها بقوله : «ويذكرون نارا
أخرى وهي على طريق المثل لا على طريق الحقيقة» .
وتقرن الحقيقة
في البحث بالمجاز ، وقد قال ابن تيمية إنّ تقسيم الكلام اليهما «اصطلاح حادث بعد
انقضاء القرون الاولى لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم باحسان ولا أحد
من الائمة المشهورين في العلم ... وأوّل من عرف أنّه تكلم بلفظ المجاز أبو عبيدة
معمر بن المثنى في كتابه ، ولكن لم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة وإنما عنى
بمجاز الآية ما يعبّر به عن الآية» ، ثم قال : «فإنّ تقسيم الالفاظ الى حقيقة ومجاز إنّما
اشتهر في المائة الرابعة وظهرت أوائله في المائة الثالثة وما علمته موجودا في
المائة الثانية اللهم إلا أن يكون في أواخرها» . ولعله يريد بذلك أنّ البحث في الحقيقة والمجاز لم يبدأ
إلا في ذلك العهد الذي حدّده ، أما الفرق بينهما في التعبير أو في البحث فهو أسبق
من ذلك ، كما يتضح من الاخبار ، وما يتجلى من كلام أبي عبيدة والجاحظ وغيرهما من
المتقدمين.
وقد بدأ البحث
في الحقيقة يظهر من القرن الثالث ولكن الذين جاءوا بعده كانوا أكثر عمقا في
التحديد ، فابن جني يقول : «الحقيقة ما أقرّ في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة» .
وقال ابن فارس
: «فالحقيقة الكلام الموضوع موضعه الذي ليس باستعارة ولا تمثيل ولا تقديم ولا
تأخير» .
وقال عبد
القاهر : «كل كلمة أريد بها ما وقعت له في وضع واضع ، وإن شئت قلت في مواضعة وقوعا
لا تستند فيه الى غيره فهي حقيقة. وهذه العبارة تنتظم الوضع الأول وما تأخر عنه
كلغة تحدث في قبيلة من العرب أو في جميع العرب أو في جميع الناس مثلا أو تحدث
اليوم. ويدخل فيها الأعلام منقولة كانت كزيد وعمرو أو مرتجلة كغطفان ، وكل كلمة
استؤنف لها على الجملة مواضعة أو ادعي الاستئناف فيها» .
وهذا تعريفها
في المفرد ، أما حدّها في الجملة فهي :
__________________
«كل جملة وضعتها على أنّ الحكم المفاد بها على ما هو عليه في العقل وواقع
منه فهي حقيقة ، ولن تكون كذلك حتى تعرى من التأول ، ولا فصل بين أن تكون مصيبا
فيما أفدت به من الحكم او مخطئا وصادقا أو غير صادق» . وتابعه ابن قيم الجوزية في هذا التعريف ونقل كلامه .
وقال ابن
الأثير : «فأما الحقيقة فهي اللفظ الدالّ على موضوعه الاصلي» .
وقال السكاكي :
«فالحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له من غير تأويل في الوضع كاستعمال
الأسد في الهيكل المخصوص. فلفظ «الأسد» موضوع له بالتحقيق ولا تأويل فيه». ثم قال
: «ولك أن تقول : الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما تدلّ عليه بنفسها دلالة ظاهرة
كاستعمال الأسد في الهيكل المخصوص» .
وقال القزويني
: «الحقيقة : الكلمة المستعملة فيما وضعت له في اصطلاح به التخاطب» ، وتبعه في ذلك شراح التلخيص ، وذكر العلوي أنّ أجمع تعريف في بيانها ما ذكره أبو
الحسين البصري فانه قال : «ما أفاد معنى مصطلحا عليه في الوضع الذي وقع فيه
التخاطب» .
ولا يخرج تعريف
الآخرين عما سبق .
والحقيقة ثلاثة
أقسام هي : الشرعية والعرفية واللغوية.
الحقيقة
الشّرعيّة :
هي اللفظة التي
يستفاد من جهة الشرع وضعها لمعنى غير ما كانت تدل عليه في أصل وضعها اللغوي .
وهي قسمان :
الأوّل : أسماء
شرعية ، وهي التي لا تفيد مدحا أو ذما نحو «الصلاة» و «الزكاة» و «الحج» وسائر
الاسماء الشرعية.
الثاني : أسماء
دينية ، وهي التي تفيد مدحا أو ذما نحو «مسلم» و «مؤمن» و «كافر» و «فاسق».
الحقيقة
العرفيّة :
هي التي نقلت
من مسماها اللغويّ الى غيره بعرف الاستعمال. وذلك الاستعمال قد يكون عاما ، وقد
يكون خاصا .
وتنحصر الحقيقة
العرفية في صورتين :
الأولى : أن
يشتهر استعمال المجاز بحيث يكون استعمال الحقيقة مستنكرا كحذف المضاف واقامة
المضاف اليه مقامه مثل : «حرّمت الخمر» والتحريم مضاف الى الخمر ، وهو في الحقيقة
مضاف الى الشرب ، وقد صار هذا المجاز أعرف من الحقيقة وأسبق الى الفهم ، ومنه
تسمية الشيء باسم ما يشابهه كتسميتهم حكاية كلام المتكلم بأنّه كلامه كما يقال
__________________
لمن أنشد قصيدة لامرىء القيس بانه كلام امرىء القيس ، لأنّ كلامه في
الحقيقة هو ما نطق به وأما حكايته فكلام غيره لكنه قد صار حقيقة لسبقه الى الافهام
بخلاف الحقيقة ، وكتسميتهم الشيء باسم ما يتعلق به كتسميتهم قضاء الحاجة بالغائط
وهو المكان المطمئن من الارض فاذا اطلق فان السابق الى الفهم منه مجازه وهو قضاء
الحاجة دون حقيقته وهو المكان المطمئن. فصارت هذه الامور المجازية حقائق بالتعريف
من جهة أهل اللغة تسبق الى الافهام معانيها دون حقائقها الوضعية اللغوية.
الثانية : قصر
الاسم على بعض مسمياته وتخصيصه به نحو لفظ «الدابة» فإنّها جارية في وضعها اللغوي
على كل ما يدبّ من الحيوانات من الدودة الى الفيل ثم إنّها اختصت ببعض البهائم.
ومنه لفظة «الجن» فإنّها موضوعة لكل ما استتر ثم اختصت ببعض من يستتر عن العيون ، و
«القارورة» فانها موضوعة لمقر المائعات ثم اختصت ببعض الآنية دون غيرها مما يستقر
فيه.
والحقيقة العرفية
الخاصة هي التي وضعها أهل عرف خاص وجرت على ألسنة العلماء من الاصطلاحات التي تخص
كل علم ، فانها في استعمالها حقائق وإن خالفت الأوضاع اللغوية نحو ما يجريه
النحويون في كتبهم من الرفع والنصب والجر والجزم ، وما يجريه أهل الحرف والصناعات
والعلوم فيما يفهمونه بينهم.
الحقيقة
اللّغويّة :
هي ما وضعها
واضع اللغة ودلّت على معان مصطلح عليها في تلك المواضعة كألفاظ القلم والكتاب
والشمس والقمر ، فاذا استعملت في معناها الأصلي فانها تكون حقيقة ، واذا استعملت
في غيره فانها تكون مجازا» . والحقيقة اللغوية هي أساس اللغة ، اما الحقيقة الشرعية
والحقيقة العرفية فهما نقل لها الى معان جديدة يصطلح عليها الناس.
الحلّ :
حلّ العقدة
يحلّها حلا : فتحها ونقضها فانحلت ، والحلّ : حلّ العقدة .
الحلّ من
أساليب الكتابة المعروفة منذ القديم ، وقد أشار العتابي اليها ، سئل يوما : «بماذا
قدرت على البلاغة؟» فقال : «بحل معقود الكلام ، فالشعر رسائل معقودة والرسائل شعر
محلول» .
وبحث ابن منقذ «الحل
والعقد» في باب واحد وقال : «إنّ الحلّ والعقد هو ما يتفاضل فيه الشعراء والكتاب ،
وهو أن يأخذ لفظا منثورا فينظمه أو شعرا فينثره ويطارحه العلماء فيما بينهم» .
وفعل مثله ابن
الأثير الحلبي وابن قيّم الجوزيّة إذ جمعا الحلّ والعقد في باب واحد ، وتحدّث العسكري عنه في «حسن الأخذ» وقال : «إنّ
المحلول من الشعر على أربعة اضرب : فضرب منها يكون بإدخال لفظة بين ألفاظه ، وضرب
ينحلّ بتأخير لفظة منه وتقديم أخرى فيحسن محلوله ويستقيم وضرب منه ينحلّ على هذا
الوجه ولا يحسن ولا يستقيم ، وضرب تكسو ما تحلّه من المعاني ألفاظا من عندك ، وهذا
ارفع درجاتك» .
فأمّا الضرب
الأوّل فكقول قليب المعتزلي لبعض الملوك يستعطفه على رجل من أهله : «جعلني الله
فداءك ، وليس هو اليوم كما كان ، إنّه وحياتك أفلت بطالته أي والله وراجعه حلمه
وأعقبه ـ وحقّك ـ الهوى ندما ، أنحى الدهر ـ والله ـ عليه بكلكله فهو اليوم إذا
__________________
رأى أخا ثقة غضّ بصره ومجمج كلامه» وكان قد سمع أبياتا للعتبي فحلها بهذه
العبارات ، وأبيات العتبي هي :
أفلت بطالته
وراجعه
|
|
حلم وأعقبه
الهوى ندما
|
ألقى عليه
الدهر كلكله
|
|
وأعاره
الإقتار والعدما
|
فاذا ألمّ به
أخو ثقة
|
|
غضّ الجفون
ومجمج الكلما
|
وأما الضرب
الثاني فمثاله ما ذكره بعض الكتاب من قول البحتري :
نطلب الاكثر
في الدنيا وقد
|
|
نبلغ الحاجة
فيها بالأقلّ
|
ثم قال : «فاذا
نثرت ذلك ولم تزد في ألفاظه شيئا قلت : نطلب في الدنيا الاكثر وقد نبلغ منها
الحاجة بالأقل».
وأما الضرب
الثالث فهو أن توضع ألفاظ البيت في مواضع ولا يحسن وضعها في غيرها فيختل إذا نثر
بتأخير لفظ وتقديم آخر فتحتاج في نثره الى النقصان منه والزيادة فيه ، كقول
البحتري :
يسرّ بعمران
الديار مضلّل
|
|
وعمرانها
مستأنف من خرابها
|
ولم أرتض
الدنيا أوان مجيئها
|
|
فكيف
ارتضائيها أوان ذهابها
|
فاذا نثر على
الوجه قيل : «يسر مضلل بعمران الدنيا ومن خرابها عمرانها مستأنف ، ولم أرتض أوان
مجيئها الدنيا فكيف أوان ذهابها ارتضائيها». فهذا نثر فاسد ، فاذا غيرّت بعض
ألفاظه حسن وهو أن تقول : «يسر المضلل بعمران الديار وانما تستأنف عمرانها من
خرابها ، وما ارتضيت الدنيا أوان مجيئها فكيف أرتضيها أوان ذهابها؟».
والضرب الرابع
أن يكسى ما يحلّ من المنظوم ألفاظا ، وهذا أرفع الدرجات.
وتحدّث ابن
الأثير عن الحل في باب «الطريق إلى تعلّم الكتابة» وقال : «ولقد مارست الكتابة
ممارسة كشفت لي عن أسرارها وأظفرتني بكنوز جواهرها إذ لم يظفر غيري باحجارها فما
وجدت أعون الأشياء عليها إلا حلّ آيات القرآن الكريم والأخبار النبوية وحل الأبيات
الشعرية» ، ثم تكلم على حل الآيات والحديث والشعر.
وأفرد المصري «الحلّ»
في باب وقال : «هو أن يعمد الكاتب إلى شعر ليحل منه عقد الوزن فيصيره منثورا» . وقال الحلبي والنّويري : «وأمّا الحلّ فهو باب يتسع
على المجيد مجاله وتتصرّف في كلام العارف به روّيته وارتجاله. وملاك أمر المتصدي
له أن يكون كثير الحفظ للأحاديث النبوية والآثار والامثال والاشعار لينفق منها وقت
الاحتياج اليها.
وكيفية الحلّ
أن تتوخى هدم البيت المنظوم وحلّ فرائده من سلكه ثم يرتب تلك الفرائد وما شابهها
ترتيب متمكن لم يحصره الوزن ويبرزها في أحسن سلك وأجمل قالب وأصح سبك ويكملها بما
يناسبها من أنواع البديع إن أمكن ذلك من غير كلفة ويتخير لها القرائن ، وإذا تمّ
معه المعنى المحلول في قرينة واحدة يغرم له من حاصل فكره أو من ذخيرة حفظه ما
يناسبه ، وله أن ينقل المعنى إذا لم يفسده إلى ما شاء ، فان كان نسيبا وتأتّى له
أن يجعله مديحا فليفعل ، وكذلك غيره من الأنواع. وإذا أراد الحلّ بالمعنى فلتكن ألفاظه
مناسبة لألفاظ البيت المحلول غير قاصرة عنها فما قصرت عنها ولو بلفظة واحدة فسد
ذلك الحل وعدّ معيبا ، واذا حلّ باللفظ فلا يتصرف بتقديم ولا تأخير ولا تبديل إلّا
مع مراعاة نظام الفصاحة في ذلك واجتناب ما ينقص المعنى
__________________
ويحط رتبته» .
وقال القزويني
: «وأما الحلّ فهو أن ينثر نظم» وتحدّث عنه ، وقد تبعه شرّاح التلخيص وغيرهم .
والحل ثلاثة
أنواع كما ذكر ابن الاثير وهي : حل الآيات وحل الأحاديث وحل الشعر.
حلّ الآيات :
قال ابن الأثير
: «وأما حلّ آيات القرآن العزيز فليس كنثر المعاني الشعرية لأنّ ألفاظه ينبغي أن
يحافظ عليها لمكان فصاحتها إلا انه لا ينبغي أن يؤخذ لفظ الآية بجملته فإنّ ذلك من
باب التضمين وإنّما يؤخذ بعضه فاما أن يجعل أولا لكلام أو آخرا على حسب ما يقتضيه
موضعه وكذلك تفعل بالاخبار النبوية. على أنّه قد يؤخذ معنى الآية والخبر فيكسى
لفظا غير لفظه وليس لذلك من الحسن ما للقسم الأول» .
وذكر ابن
الأثير الحلبي مثل ذلك وأشار الى اختلاف علماء الأدب في حلّ القرآن العزيز وإدراجه
في مطاوي الكلام .
حلّ الأحاديث :
قال ابن الأثير
: «وأمّا الأخبار النبوية فكالقرآن العزيز في حلّ معانيها» وقال ابن الأثير الحلبي : «وأما حلّ الآيات من القرآن
العزيز وكذلك الأحاديث النبوية فينبغي للمنشئ أن لا يأخذ عند حلّ الآية والحديث
جملة اللفظ فانّ ذلك من باب التضمين ولا يأخذ المعنى مجردا عن اللفظ بكماله إلا إن
أراد بذلك الاستشهاد ، بل إذا وقع له معنى وكانت آية من الآيات الكريمة أو حديث من
الأحاديث النبوية يتضمن ذلك المعنى فليجعل الآية والحديث في سياق كلامه المناسب
للمعنى فيطرز كلامه بالآية أو الحديث» .
حلّ الأشعار :
تكلم العسكري
على حلّ الشعر وقسّمه الى أربعة أضرب ، وقد تقدّمت في «الحل» ، وتحدّث عنه ابن الأثير ، وقسّمه إلى ثلاثة أقسام :
الأوّل : وهو
أدناها مرتبة أن يأخذ الناثر بيتا من الشعر فينثره بلفظه من غير زيادة ، وهذا عيب
فاحش.
الثاني : وهو
وسط بين الأوّل والثالث في المرتبة ، وهو أن ينثر المعنى المنظوم ببعض ألفاظه
ويعزف عن بعضها بألفاظ أخر.
الثالث : وهو
أعلى الأقسام الثلاثة ، وذلك أن يؤخذ المعنى فيصاغ بالفاظ غير ألفاظه.
وذكر هذه
الأقسام الثلاثة ابن الأثير الحلبي .
واشترط
القزويني لكي يكون نثر النظم مقبولا شيئين :
الأوّل : أن
يكون سبكه مختارا لا يتقاصر عن سبك أصله.
الثاني : أن
يكون حسن الموقع مستقرا في محله غير قلق . وذلك كقول بعض المغاربة : «فإنه لمّا قبحت فعلاته
وحنظلت نخلاته لم يزل سوء الظنّ يقتاده ويصدق توهمه الذي يعتاده» حلّ قول المتنبي
:
__________________
إذا ساء فعل
المر ساءت ظنونه
|
|
وصدّق ما
يعتاده من توهّم
|
وكقول بعضهم في
وصف السيف : «أورثه عشق الرقاب نحولا فبكى والدمع مطر تزيد به الخدود محولا» حلّ
قول المتنبي :
في الخدّ إن
عزم الخليط رحيلا
|
|
مطر تزيد به
الخدود محولا
|
ونهج
المتأخّرون نهج القزويني في حلّ المنظوم .
الحمل على
المعنى :
قال ابن قيم
الجوزية : «وذلك كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث وتصور معنى الواحد للجماعة والجماعة
للواحد ، وحمل الثاني على لفظ الأول أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا أو غير ذلك» . ومن ذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) والمراد به آدم عليهالسلام ، وأنّث ردّا الى النفس.
ومنه قول
الشاعر :
أبوك خليفة
ولدته أخرى
|
|
وأنت خليفة
ذاك الكمال
|
وقول الآخر :
يا أيّها
الراكب المزجي مطيّته
|
|
سائل بني أسد
ما هذه الصّوت
|
فانه ذهب
بالصوت الى الاستغاثة كما ذهب الآخر بالخوف الى المخافة في قوله :
أتهجر بيتا
بالحجاز تلفّعت
|
|
به الخوف
والأعداء من كلّ جانب
|
حمل اللّفظ على
اللّفظ :
عدّه ابن سنان
من التناسب وقال : «ومن التناسب أيضا حمل اللفظ على اللفظ في الترتيب ليكون ما
يرجع الى المقدم مقدما والى المؤخر مؤخرا» .
ومنه قول
الشريف الرضي :
قلبي وطرفي
منك هذا في حمى
|
|
قيظ وهذا في
رياض ربيع
|
فانه لما قدم «قلبي»
وجب أن يقدم وصفه بانّه في حمى قيظ فلو كان قال : «طرفي وقلبي منك» لم يحسن في
الترتيب أن يؤخر قوله «في رياض ربيع» والطرف مقدم.
وهذا هو اللف
والنشر.
الحيدة
والانتقال :
الحيد : حرف
شاخص يخرج من الجبل ، والحيد ما شخص من الجبل واعوجّ. وحاد عن الشيء يحيد : مال
عنه وعدل. والحيدة : العقدة في قرن الوعل.
والنقل : تحويل
الشي من موضع الى موضع ، نقله ينقله نقلا فانتقل .
وهذا النوع من
مستخرجات المصري ، قال : «هو أن يجيب المسؤول بجواب لا يصلح أن يكون جوابا عما سئل
عنه أو ينتقل المستدلّ الى استدلال غير الذي كان آخذا فيه وإنّما يكون هذا بلاغة
إذا أتى به المستدلّ بعد معارضة بما يدل على أنّ المعترض لم يفهم استدلاله فينتقل
عنه الى استدلال يقطع به الخصم عند فهمه»
ومنه قوله
تعالى حكاية عن الخليل إبراهيم ـ عليهالسلام ـ في قوله للجبار : (رَبِّيَ الَّذِي
يُحْيِي وَيُمِيتُ) فقال الجبار : (أَنَا أُحْيِي
وَأُمِيتُ) ثم دعا
__________________
بانسان فقتله ودعا بمن وجب عليه القتل فأعتقه. فلما علم الخليل أنّه لم
يفهم معنى الاماتة والإحياء اللذين أرادهما انتقل الى استدلال آخر فقال : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ
الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) فأتاه باستدلال لا يجد لاسمه اسما مشتركا معه فتعلق
بظاهره على طريق المغالطة ، أو لانّه لم يفهم إلا ذلك الوجه الذي تعلق به ، فلا
جرم أنّ الجبار انقطع وأخبر الله سبحانه عنه بذلك حيث قال تعالى : (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) وفيه نوع يحيد المسؤول عن خصوص الجواب الى عمومه لتفيد
تلك الحيدة زيادة بيان لا تحصل بخصوص الجواب.
__________________
الخاء
الخبر :
خبرت بالأمر أي
علمته ، وخبرت الأمر أخبره إذا عرفته على حقيقته ، والخبر ـ بالتحريك ـ واحد
الأخبار ، والخبر : ما أتاك من نبأ عمن تستخبر ، والخبر : النبأ ، وخبّره بكذا
وأخبره : نبأه .
ذكر سيبويه
الخبر مقابل الاستفهام ، وفعل مثله الفراء ، وبدأ هذا النوع يدخل الدراسات البلاغية ويأخذ صورة
محدودة ، وقد قال المبرد عنه : «الخبر ما جاز على قائله التصديق والتكذيب» . وقسّم ثعلب قواعد الشعر الى أربعة : أمر ونهي وخبر
واستخبار ، وقال إنّ الخبر كقول القطامي :
يقتلننا
بحديث ليس يعلمه
|
|
من يتقين ولا
مكنونه بادي
|
فهن ينبذن من
قول يصبن به
|
|
مواضع الماء
من ذي الغلّة الصادي
|
وقال ابن وهب :
«والخبر كل قول أفدت به مستمعه ما لم يكن عندك كقولك : «قام زيد» فقد أفدته العلم
بقيامه» .
وقال ابن فارس
: «أما أهل اللغة فلا يقولون في الخبر أكثر من أنّه إعلام ، تقول : أخبرته أخبره ،
والخبر هو العلم. وأهل النظر يقولون : الخبر ما جاز تصديق قائله أو تكذيبه وهو
إفادة المخاطب أمرا في ماض من زمان أو مستقبل أو دائم» .
ولكنّ
البلاغيين المتأخرين عادوا في بحثه الى منهج المتكلمين وأدخلوا فيه المباحث
الفلسفية والعقائدية فقال الرازي : «القول المقتضي بتصريحه نسبة معلوم الى معلوم
بالنفي أو بالاثبات. ومن حدّه :المحتمل للتصديق والتكذيب المحدودين بالصدق والكذب
، واقع في الدور مرتين» .
وذكر السكاكي
أقوال السابقين في تعريف الخبر وناقشها وذهب الى أنّ الخبر والطلب مستغنيان عن
التعريف الحدّي . أما القزويني فقد ذكر آراء السابقين كالنّظّام والجاحظ
، ولكنه أخذ برأي الجمهور وقال في أول بحثه للخبر : «اختلف الناس في انحصار الخبر
في الصادق والكاذب ، فذهب الجمهور الى أنّه منحصر فيهما ثم اختلفوا فقال الاكثر
منهم : صدقه مطابقة حكمه للواقع وكذبه عدم مطابقة حكمه ، وهذا هو المشهور وعليه
التعويل» . والى ذلك ذهب شراح التلخيص
__________________
ومعظم المتأخرين .
والخبر ثلاثة
أضرب :
الأول :
الابتدائي ، وهو الخبر الذي يكون خاليا من المؤكّدات لأنّ المخاطب خالي الذهن من
الحكم الذي تضمنه. ومن ذلك قوله تعالى : (قالَ بَلْ فَعَلَهُ
كَبِيرُهُمْ هذا).
ومنه قول
المتنبي :
أنا الذي نظر
الأعمى الى أدبي
|
|
واسمعت
كلماتي من به صمم
|
أنام ملء
عيوني عن شواردها
|
|
ويسهر الخلق
جرّاها ويختصم
|
الثاني :
الطلبي ، وهو الخبر الذي يتردد المخاطب فيه ولا يعرف مدى صحته ، أو هو كما قال
السكاكي : «وإذا ألقاها الى طالب لها متحير طرفاها عنده دون الاستناد فهو منه بين
بين لينقذه من ورطة الحيرة استحسن تقوية المنقذ بادخال اللام في الجملة أو «إنّ» . ومنه قوله تعالى : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ
أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى ، قالَ : يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ
بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) وقوله تعالى : (إِذْ قالُوا :
لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا).
ومنه قول جرير
:
إنّ العيون
التي في طرفها حور
|
|
قتلننا ثم لم
يحيين قتلانا
|
وقول البحتري :
هل يجلبنّ
اليّ عطفك موقف
|
|
ثبت لديك
أقول فيه وتسمع
|
الثالث :
الإنكاري ، وهو الخبر الذي ينكره المخاطب إنكارا يحتاج الى أن يؤكّد بأكثر من مؤكد
كقوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ
مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنا
إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا
إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ. قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ
الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ. قالُوا : رَبُّنا
يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ).
ومنه قول
الحماسي :
إنّا لنصفح
عن مجاهل قومنا
|
|
ونقيم سالفة
العدوّ الأصيد
|
ومتى نجد
يوما فساد عشيرة
|
|
نصلح وإن نر
صالحا لا نفسد
|
وللخبر مؤكدات
كثيرة منها : إنّ ، وأنّ ، وكأنّ ، ولكنّ ، ولام الابتداء ، والفصل ، وامّا ، وقد
، والسين ، والقسم ، ونونا التوكيد ، ولن ، والحروف الزائدة ، وحروف التنبيه.
وللخبر غرضان
أصليان هما :
الأوّل : فائدة
الخبر ، ومعناه إفادة المخاطب الحكم الذي تضمنته الجملة أو الكلام ، وهذا هو الاصل
في كل خبر لأنّ فائدته تقديم المعرفة او العلم الى الآخرين.
الثاني : لازم
الفائدة وهذا الغرض لا يقدم جديدا للمخاطب وإنّما يفيد أنّ المتكلم عالم بالحكم.
ولكنّ الخبر
كثيرا ما يخرج على خلاف مقتضى الظاهر فينزل غير السائل منزلة السائل وينزل غير
المنكر منزلة المنكر ، وينزل المنكر منزلة غير المنكر ، وله معان
__________________
مجازية كثيرة تحدث عنها البلاغيون ودارسو علوم القرآن ، وسيأتي الكلام
عليها في الموادّ القادمة ،
الخبر
الابتدائيّ :
هو الخبر الذي
يكون خاليا من المؤكّدات لأنّ المخاطب خالي الذهن من الحكم الذي تضمنه وقد تقدّم في «الخبر».
الخبر
الإنكاريّ :
هو الخبر الذي
ينكره المخاطب انكارا يحتاج الى أن يؤكّد بأكثر من مؤكّد وقد تقدّم في «الخبر».
الخبر الطّلبيّ
:
هو الخبر الذي
يتردد المخاطب فيه ولا يعرف مدى صحته . وقد تقدم في «الخبر».
الخبر للاسترحام
:
منه قول
إبراهيم بن المهدي مخاطبا المأمون :
أتيت جرما
شنيعا
|
|
وأنت للعفو
أهل
|
فإن عفوت
فمنّ
|
|
وإن قتلت
فعدل
|
وقول الآخر :
فما لي حيلة
إلا رجائي
|
|
لعفوك إن
عفوت وحسن ظني
|
الخبر لإظهار
التّحسّر :
منه قول أعرابي
يرثي ولده :
ولما دعوت
الصّبر بعدك والأسى
|
|
أجاب الأسى
طوعا ولم يجب الصّبر
|
وقول المتنبي :
أقمت بأرض
مصر فلا ورائي
|
|
تخبّ بي
الركاب ولا أمامي
|
وقوله في
الرثاء :
الحزن يقلق
والتجمّل يردع
|
|
والقلب
بينهما عصيّ طيّع
|
يتنازعان
دموع عين مسهّد
|
|
هذا يجيء بها
وهذا يرجع
|
الخبر لإظهار
الضّعف :منه قوله تعالى : (قالَ : رَبِّ إِنِّي
وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً).
وقول الشاعر :
إنّ الثمانين
ـ وبلغتها ـ
|
|
قد أحوجت
سمعي الى ترجمان
|
وقول أبي نواس
:
دبّ فيّ
السّقام سفلا وعلوا
|
|
وأراني أموت
عضوا فعضوا
|
منه قوله تعالى
: (وَالْمُطَلَّقاتُ
يَتَرَبَّصْنَ) قوله :(وَالْوالِداتُ
يُرْضِعْنَ) فان السياق يدلّ على أنّ الله ـ تعالى ـ أمر بذلك لا
أنّه أخبر.
الخبر للإنكار
:
منه قوله تعالى
: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) ، وهذا للتبكيت ، أما الانكار من غير ذلك فمثل : «ما له
عليّ حقّ».
__________________
الخبر للتّحذير
:
منه قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أبغض الحلال عند الله الطلاق».
الخبر لتحريك
الهمّة :
منه قوله تعالى
: (لِلَّذِينَ
أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ).
الخبر للتّعظيم
:
منه «سبحان
الله».
الخبر للتّمنّي
:
منه : «وددتك
عندنا».
الخبر للتّوبيخ
:
من ذلك قولنا
لتارك الصلاة : «الصلاة ركن من أركان الاسلام».
الخبر للتّوعّد
:
كقوله تعالى : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى).
الخبر للدّعاء
:
قال المبرد : «تقول
: «غفر الله لزيد» واللفظ لفظ الإخبار ، والمعنى معنى الدعاء» . ومنه قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، أي أعنا على عبادتك.
الخبر للفخر :
منه قول عمرو
بن كلثوم :
إذا بلغ
الفطام لنا صبيّ
|
|
تخرّ له
الجبابر ساجدينا
|
وقول أبي فراس
الحمداني :
إنّا إذا
اشتدّ الزما
|
|
ن وناب خطب
وادلهم
|
ألفيت حول
بيوتنا
|
|
عدد الشجاعة
والكرم
|
للقا العدا
بيض السيو
|
|
ف وللندى حمر
النعم
|
هذا وهذا
دأبنا
|
|
يودى دم
ويراق دم
|
وقول الشريف
الرضي :
لغير العلى
مني القلى والتجنّب
|
|
ولو لا العلى
ما كنت في العيش أرغب
|
وقور فلا
الألحان تأسر عزمتي
|
|
ولا تمكر
الصهباء بن حين أشرب
|
ولا أعرف
الفحشاء إلا بوصفها
|
|
ولا أنطق
العوراء والقلب مغضب
|
الخبر للمدح :
فإنّك شمس
والملوك كواكب
|
|
إذا طلعت لم
يبد منهنّ كوكب
|
الخبر للنّفي :
منه : «لا بأس
عليك».
الخبر بالنّفي
والإثبات :
نحو قولهم : «ما
هو إلا كذّاب» و «إن هو إلا كذّاب» ، ويستعمل في الأمر الذي ينكره المخاطب أو ما
ينزل هذه المنزلة ، قال الرازي : «فلا يصح استعمال هذه العبارة في الأمر الظاهر
فلا تقول للرجل الذي ترققه على أخيه وتنبهه للذي يجب عليه من صلة الرحم : «ما هو
إلا أخوك» .
__________________
الخبر للنّهي :
منه قوله تعالى
: (لا يَمَسُّهُ إِلَّا
الْمُطَهَّرُونَ).
الخبر للوعد :
منه قوله تعالى
: (سَنُرِيهِمْ آياتِنا
فِي الْآفاقِ).
الخبر للوعيد :
منه قوله تعالى
: (وَسَيَعْلَمُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).
خذلان المخاطب
:
خذله يخذله
خذلا وخذلانا : ترك نصرته وعونه.
وخذلان الله
العبد : أن لا يعصمه من الشّبه فيقع فيها ، نعوذ بلطف الله من ذلك .
قال ابن الأثير
: «هو الأمر بعكس المراد ذلك على الاستهانة بالمأمور وقلة المبالاة بأمره ، أي :
أنّي مقابلك على فعلك ومجازيك بحسنه . ومن ذلك قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّ
الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً
مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً
لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ، قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ
أَصْحابِ النَّارِ). فقوله : (قُلْ تَمَتَّعْ
بِكُفْرِكَ) من باب الخذلان كأنه قال له : إذ قد أبيت ما أمرت به من
الايمان والطاعة فمن حقك أن لا تؤثر به ذلك ونأمرك بتركه. وهذا مبالغة في خذلانه ،
لأنّ المبالغة في الخذلان أشد من أن يبعث على ضد ما أمر به.
ومن هذا الباب
قوله تعالى : (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ
مُخْلِصاً لَهُ دِينِي. فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) فإنّ المراد بهذا لامر الوارد على وجه التمييز المبالغة
في الخذلان.
وهذا ما تحدث
عنه ابن قيم الجوزية ، ونقله عن ابن الاثير .
الخروج :
الخروج : نقيض
الدخول ، خرج يخرج خروجا :
قال أبو دواد
بن حريز : «والخروج مما بني عليه أول الكلام إسهاب» ، وذكر ذلك العسكري أيضا .
وقال ابن رشيق
: «وأما الخروج فهو عندهم شبيه بالاستطراد وليس به لأنّ الخروج إنّما هو أن تخرج
من نسيب الى مدح أو غيره بلطف تحيل ثم تتمادى فيما خرجت اليه» .
كقول أبي تمام
:
صبّ الفراق
علينا صبّ من كثب
|
|
عليه إسحاق
يوم الروع منتقما
|
سيف الإمام
الذي سمّته هيبته
|
|
لما تخرّم
أهل الأرض مخترما
|
ثم تمادى في
المدح الى آخر القصيدة :
وفرّق ابن رشيق
بين هذا النوع والتّخلّص وقال : «ومن الناس من يسمّي الخروج تخلّصا وتوسّلا
وينشدون أبياتا منها :
إذا ما اتقى
الله الفتى وأطاعه
|
|
فليس به بأس
ولو كان من جرم
|
ولو أنّ جرما
أطعموا شحم جفرة
|
|
لباتوا بطانا
يضرطون من الشّحم
|
وأولى الشعر
بأن يسمّى تخلّصا ما تخلّص فيه الشاعر
__________________
من معنى الى معنى ثم عاد الى الأوّل وأخذ في غيره ثم رجع الى ما كان فيه» . وليس الخروج مثل ذلك لأنّه لا يشترط فيه الرجوع الى ما
كان عليه الشاعر.
الخروج على
مقتضى الظاهر :
الأصل في
الكلام أن يكون على مقتضى الظاهر ، ولكنه قد يخرج على خلافه لنكتة أو سبب من
الأسباب. ولهذا الخروج أساليب مختلفة منها : وضع المضمر موضع المظهر ، ووضع المظهر
موضع المضمر ، والقلب ، والأسلوب الحكيم ، والتغليب ، والالتفات ، وغيرها . ولكل واحد منها موضع في هذا المعجم.
خروج اللّفظ
مخرج الغالب :
قال الزّركشي :
«كقوله تعالى : (وَرَبائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ). فان الحجر ليس بقيد عند العلماء ، لكنّ فائدة التقييد
تأكيد الحكم في هذه الصورة مع ثبوته عند عدمها ، ولهذا قال بعده : (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ
بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) ولم يقل : (فَإِنْ لَمْ
تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) ولم يكنّ في حجوركم ، فدلّ على أن الحجر خرج مخرج
العادة» .
الخروج من معنى
إلى معنى :
هو أحد محاسن
الكلام عند ابن المعتزّ ، وهو الاستطراد وقد ذكره الحاتمي وقال الحلبي والنويري عنه : «ذكر الحاتمي في حلية
المحاضرة أنّه نقل هذه التسمية عن البحتري نقلها عن أبي تمام وسماه ابن المعتز «الخروج
من معنى الى معنى» .
وقد تقدم «الاستطراد».
الخطاب :
الخطاب
والمخاطبة : مراجعة الكلام ، وقد خاطبه بالكلام ، وقد خاطبه مخاطبة وخطابا ، وهما
يتخاطبان .
وقد تحدّث
الزركشي عن وجوه المخاطبات والخطاب في القرآن الكريم وقال إنّها تأتي على نحو من
أربعين وجها ذكر منها :
الأوّل خطاب
العامّ المراد به العموم ، كقوله تعالى :(إِنَّ اللهَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ).
الثاني : خطاب
الخاصّ والمراد به الخصوص كقوله تعالى : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ
إِيمانِكُمْ).
الثالث : خطاب
الخاصّ والمراد به العموم كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ).
الرابع : خطاب
العامّ والمراد به «الخصوص كقوله تعالى : (الَّذِينَ قالَ
لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ).
الخامس : خطاب
الجنس كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا
النَّاسُ*).
السادس : خطاب
النوع كقوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ).
السابع : خطاب
العين كقوله تعالى : (يا آدَمُ اسْكُنْ
__________________
أَنْتَ
وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ).
الثامن : خطاب
المدح كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا*).
التاسع : خطاب
الذم كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ).
العاشر : خطاب
الكرامة كقوله تعالى : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ
آمِنِينَ).
الحادي عشر :
خطاب الاهانة كقوله تعالى :(فَإِنَّكَ رَجِيمٌ.
وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ).
الثاني عشر :
خطاب التهكم كقوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ).
الثالث عشر :
خطاب الجمع بلفظ الواحد كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ).
الرابع عشر :
خطاب الواحد بلفظ الجمع كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً).
الخامس عشر :
خطاب الواحد والجمع بلفظ الاثنين كقوله تعالى : (أَلْقِيا فِي
جَهَنَّمَ).
السادس عشر :
خطاب الاثنين بلفظ الواحد كقوله تعالى : (فَمَنْ رَبُّكُما يا
مُوسى).
السابع عشر :
خطاب الجمع بعد الواحد كقوله تعالى : (وَما تَكُونُ فِي
شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا
كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ
مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ
وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).
الثامن عشر :
خطاب عين والمراد غيره كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ).
التاسع عشر :
خطاب الاعتبار كقوله تعالى :(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ
وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ
وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ).
العشرون : خطاب
الشخص ثم العدول الى غيره كقوله تعالى : (فَإِلَّمْ
يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ).
الحادي
والعشرون : خطاب التلوين كقوله تعالى :(يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ).
الثاني
والعشرون : خطاب الجمادات خطاب من يعقل كقوله تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا
طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ).
الثالث
والعشرون : خطاب التهييج كقوله تعالى :(وَعَلَى اللهِ
فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
الرابع
والعشرون : خطاب الإغضاب كقوله تعالى :(إِنَّما يَنْهاكُمُ
اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ
وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ
هُمُ الظَّالِمُونَ).
الخامس
والعشرون : خطاب التشجيع والتحريض كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ).
__________________
السادس
والعشرون : خطاب التنفير كقوله تعالى : (وَلا يَغْتَبْ
بَعْضُكُمْ بَعْضاً ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً
فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).
السابع والعشرون
: خطاب التحنن والاستعطاف كقوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ).
الثامن
والعشرون : خطاب التحبيب كقوله تعالى : (يا أَبَتِ لِمَ
تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ؟).
التاسع والعشرون
: خطاب التعجيز كقوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ
مِنْ مِثْلِهِ)
الثلاثون :
التحسير والتلهف كقوله تعالى : (قُلْ مُوتُوا
بِغَيْظِكُمْ)
الحادي
والثلاثون : التكذيب كقوله تعالى : (قُلْ فَأْتُوا
بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
الثاني
والثلاثون : خطاب التشريف وهو كل ما في القرآن العزيز مخاطبه بـ «قل» كقوله : (قُلْ آمَنَّا).
الثالث
والثلاثون : خطاب المعدوم كقوله تعالى :(يا بَنِي آدَمَ)
وذكر السيوطي
هذه الوجوه ، وكان الامام الشافعي قد تحدث عن بعض هذه الوجوه فعقد
أبوابا لما نزل من الكتاب العزيز عاما يراد به العام ويدخله الخصوص ، وما نزل عام
الظاهر وهو يجمع العام والخصوص ، وما نزل عام الظاهر يراد به كله الخصوص ، ولكنه ـ رضياللهعنه ـ لم يفصل جميع وجوه الخطاب.
الخطاب بالجملة
الاسميّة :
تحدّث ابن
الأثير والعلوي عن الخطاب بالجملة الاسمية ، ويؤتي بها لغرض خاص ، قال
العلوي : «ومتى كان واردا على جهة الاسمية فإنّه ينقدح فيه معنيان»
الأوّل : أنّ
الفاعل قد فعل الفعل على جهة الاختصاص به دون غيره ، كقوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى.
وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا) فصدّر الجملة بالضمير دلالة على اختصاصه بالاماتة
والاحياء والاضحاك والابكاء.
الثاني :
التحقق وتمكين ذلك المعنى في نفس السامع بحيث لا يخالجه فيه ريب ، كقوله تعالى :(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا
آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ
مُسْتَهْزِؤُنَ) ، فخاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية وشياطينهم بالجملة
الاسمية المحققة بـ «إنّ» المشددة.
ومن ذلك قول
بعضهم :
والشيب إن
يظهر فإنّ وراءه
|
|
عمرا يكون
خلاله متنفّس
|
لم ينتقص مني
المشيب قلامة
|
|
ولما بقي مني
ألبّ وأكيس
|
فلما كان
المشيب يذم في أكثر أحواله أتى باللام المؤكدة في قوله «ولما بقي» وجعل الجملة
الاسمية عوضا من الفعلية في ذلك وتأكيدا.
__________________
الخطاب بالجملة
الفعليّة :
تحدث ابن
الاثير والعلوي عن الخطاب بالجملة الفعلية ، وقال ابن الاثير : «وإنّما يعدل عن أحد الخطابين الى
الآخر لضرب من التأكيد والمبالغة.
فمن ذلك قولنا
: «قام زيد» و «إنّ زيدا قائم» فقولنا : «قام زيد» معناه الإخبار عن زيد بالقيام ،
وقولنا : «إنّ زيدا قائم» معناه الإخبار عن زيد بالقيام أيضا ، إلّا أنّ في الثاني
زيادة ليست في الأوّل وهي توكيده بـ «إنّ» المشدّدة التي من شأنها الإثبات لما
يأتي بعدها ، وإذا زيد في خبرها اللام فقيل : «إن زيدا لقائم» كان ذلك أكثر توكيدا
في الإخبار بقيامه» . فالغرض من الجملة الاسمية الثبوت والهدف من الجملة
الفعلية التجدد ، وقد قال الرازي : «إن كان الغرض من الاخبار الاثبات المطلق غير
المشعر بزمان وجب أن يكون الإخبار بالاسم كقوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ
بِالْوَصِيدِ) لأنّه ليس الغرض إلا إثبات البسط للكب ، فأما تعريف
زمان ذلك فليس بمقصود. وأمّا اذا كان الغرض في الاخبار الاشعار بزمان ذلك الثبوت
فالصالح له الفعل كقوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ
غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ). فانّ المقصود بتمامه لا يحصل بمجرد كونه معطيا للرزق
بل بكونه معطيا للرزق في كل حين وأوان» . ولخّص القزويني ذلك بقوله : «وفعليتها لافادة التجدد
واسميتها لافادة الثبوت فان من شأن الفعلية أن تدلّ على التجدد ، ومن شأنه الاسمية
أن تدلّ على الثبوت» .
الخطاب العامّ
:
ذكره السبكي
وقال : «المقصود منه أن يخاطب به غير معين إيذانا بأنّ الأمر لعظمته حقيق بأن لا
يخاطب به أحد دون أحد» . كقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ
وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) ، وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «بشر المشائين في الظلم». وربما يخاطب واحد
بالتثنية كقول :
خليليّ مرّا
بي على أم جندب
|
|
لنقضي لبانات
الفؤاد المعذّب
|
ثم قال السبكي
: «قال الطيبي : والمراد به عموم استغراق الجنس في المفرد فهو كالألف واللام
الداخلة على اسم الجنس قال : وتسميته خطابا عاما مأخوذ من قول صاحب الكشاف : «ما
أصابك يا انسان» «خطاب عام».
الخيف :
خيف البعير
والإنسان والفرس وغيره خيفا وهو أخيف بيّن الخيف والأنثى خيفاء إذا كانت إحدى عينه
سوداء كحلاء والأخرى زرقاء .
قال العلوي : «هو
فن من فنون البلاغة حسن التأليف والانتظام مشتمل على ما يجوز فيه الكلم الإهمال
والإعجام. وهو أن يكون الكلام من المنشور والمنظوم معقودا من جزءين إحدى كلمتي
العقد منقوطة كلها والأخرى مهملة كلها. واستعارة هذا اللقب من قولهم : «فرس أخيف»
إذا كان إحدى عينيه سوداء والأخرى زرقاء» .
ومثاله قول
الحريري :
اسمح فبثّ
السماح زين
|
|
ولا تخب آملا
تضيّف
|
__________________
فقوله «اسمح»
لا ينقط شيء من حروفه ، وقوله «فبث» منقوطة كلها ، وهكذا القول في سائر كلمات
البيت.
ومن النثر قول
الحريري أيضا : «الكرم ثبت الله جيش سعودك يزين ، واللؤم غضّ الدهر جفن حسودك يشين
، والأروع يثيب والمعور يخيب ، والحلاحل يضيف والماحل يخيف».
وكان الوطواط
قد سمّاه «الخيفاء» وقال : «الخيف في اللغة هو أن تكون عينا الجواد إحداهما سوداء
والأخرى زرقاء ، وتكون هذه الصنعة بان يجعل الكاتب في نثره أو الشاعر في شعره كلمة
من عبارته منقولة وكلمة أخرى عاطلة غير منقوطة» ، وذكر ما ذكره العلوي فيما بعد من أمثلة ولكنّه لم
يكتف بالبيت الأوّل من قول الحريري وانما ذكر له بيتا آخر وهو :
ولا تجز ردّ
ذي سؤال
|
|
فنّن أم في
السؤال خفّف
|
وسمّاه الرازي
الخيفاء أيضا وقال : «هي الكلام الذي جملة حروف إحدى كلمتيه منقوطة وجملة حروف
الكلمة الأخرى غير منقوطة» .
وسمّاه المطرزي
«الخيفاء» ايضا وقال : «الخيفاء عند البلغاء هي الرسالة أو القصيدة يكون حروف احدى
كلمتيها منقوطة بأجمعها وحروف الأخرى غير منقوطة بأسرها من الفرس الخيفاء وهي التي
خيف وهو أن تكون إحدى عينيها سوداء والأخرى زرقاء» .
الخيفاء :
هو الخيف ، وقد تقدّم.
__________________
الدال
الدّلالة :
دلّ يدلّ ، اذا
هدى ، ودلّه على الشيء يدلّه دلا ودلالة : سدّده إليه قال الشريف الجرجاني : «الدّلالة هي كون الشيء بحالة
يلزم من العلم به العلم بشيء آخر والشيء الأوّل هو الدالّ والثاني هو المدلول.
وكيفية دلالة اللفظ على المعنى باصطلاح علماء الأصول محصورة في عبارة النصّ وإشارة
النصّ ودلالة النصّ واقتضاء النصّ. ووجه ضبطه أن الحكم المستفاد من النّظم إمّا أن
يكون ثابتا بنفس النظم أو لا والأوّل إن كان النظم مسوقا إليه فهو العبارة وإلّا
فالإشارة ، والثاني إن كان الحكم مفهوما من اللفظ لغة فهو الدّلالة أو شرعا فهو
الاقتضاء. فدلالة النصّ عبارة عما ثبت بمعنى النص لغة لا اجتهادا. فقوله : «لغة»
أي يعرفه كل من يعرف هذا اللسان بمجرّد سماع اللفظ من غير تأمّل كالنهي عن التأفيف
في قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما
أُفٍ) يوقف به على حرمة الضّرب وغيره مما فيه نوع من الأذى
بدون الاجتهاد» .
وتحدّث الجاحظ
عن أصناف الدّلالات فقال : «وجميع أصناف الدّلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ
خمسة أشياء لا تنقص ولا تزيد : أوّلها اللفظ ثم الإشارة ، ثم العقد ، ثم الخط ، ثم
الحال التي تسمى نصبة ، والنّصبة هي الحال الدّالة التي تقوم مقام الأصناف ولا
تقصّر عن تلك الدّلالات.
ولكل واحد من
هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها وحلية مخالفة لحلية أختها وهي التي تكشف لك
عن أعيان المعاني في الجملة ثم عن حقائقها في التفسير وعن أجناسها وأقدارها وعن
خاصّها وعامّها وعن طبقاتها في السارّ والضارّ وعما يكون منها لغوا بهرجا وساقطا
مطّرحا»
وتحدّث ابن وهب
عن وجوه البيان ولم يخرج على دلالات الجاحظ ، قال : «البيان على أربعة أوجه : فمنه
بيان الأشياء بذواتها وإن لم تبن بلغاتها ومنه البيان الذي يحصل في القلب عند
إعمال الفكر واللب ومنه البيان باللسان ومنه البيان بالكتاب وهو الذي يبلغ من بعد
أو غاب» . وهذا الكلام قريب من كلام الجاحظ فإنّ النّصبة عنده هي
بيان الاعتبار ويدخل فيها بيان الاعتقاد أيضا لأنّه ثمرة بيان الاعتبار ونتيجته في
القلب ، ودلالة اللفظ عند الجاحظ هي البيان الثالث ، ودلالة الخط هي البيان
الرابع.
وبدأ مبحث
الدلالة يدخل في البلاغة ويقسّم علم البيان بمقتضاه ، ومن أقدم البلاغيين الذين
اهتموا بذلك الرازي ، فقد عقد فصولا للكلام على دلالة اللفظ على المعنى ، وقسّم
الدلالة إلى وضعية وعقلية . وقرر السّكّاكي أنّ «صاحب علم البيان له
__________________
فضل احتياج إلى التّعرّض لأنواع دلالات الكلم» وشرح ذلك الاحتياج وتحدّث عن أنواع الدلالات.
وأخرج التشبية
من علم البيان لأنّ دلالته وضعية.
وتبعه في ذلك
ابن مالك والقزويني وشرّاح التلخيص والعلوي واتخذوا الدلالات منهجا في دراسة فنون البيان.
والدلالات التي
تحدّث عنها القدماء هي : دلالة الإشارة ، ودلالة الالتزام ، ودلالة التّضمّن ،
ودلالة الخطّ ، ودلالة العقد ، والدلالة العقلية ، ودلالة اللفظ ، ودلالة المطابقة
، ودلالة النّصبة ، والدّلالة الوضعية.
دلالة الإشارة
:
هي من دلالات
المعاني الخمس التي ذكرها الجاحظ وقال إنّها باليد وبالرأس وبالعين والحاجب
والمنكب اذا تباعد الشخصان وبالثوب وبالسيف ، وقد يتهدّد رافع السيف والسوط فيكون
ذلك زاجرا ومانعا رادعا ويكون وعيدا وتحذيرا. والإشارة واللفظ شريكان ونعم العون
هي له ونعم الترجمان هي عنه ، وما أكثر ما تنوب عن اللفظ وما تغني عن الخط .
وقد قال الشاعر
في دلالات الإشارة.
أشارت بطرف
العين خيفة أهلها
|
|
إشارة مذعور
ولم تتكلّم
|
فأيقنت أنّ
الطّرف قد قال مرحبا
|
|
وأهلا وسهلا
بالحبيب المتيّم
|
وقال الآخر :
وللقلب على
القلب
|
|
دليل حين
يلقاه
|
وفي الناس من
النا
|
|
س مقاييس
وأشباه
|
وفي العين
غنى للمر
|
|
ء أن تنطق
أفواه
|
وقال ابن
الزملكاني : «ومن الإشارة قوله تعالى : (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ) ، ومنه ، (قالَ رَبِّ اجْعَلْ
لِي آيَةً ، قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا
رَمْزاً)
دلالة الالتزام
:
أجمع البلاغيون
على أنّ الدّلالة الوضعية لا يقع فيها تفاوت لأنّ «معرفتها التوقيف» ، وإنّما يقع التفاوت في الدلالة الالتزامية أو دلالة
الالتزام. وقال ابن الزملكاني. «اللفظ إمّا يعتبر بالنسبة الى تمام مسماه وهو
المطابقة أو الى جزئه من حيث هو كذلك وهو الالتزام» والأولى وضعية والأخريان عقليتان ، لأنّ اللفظ إذا وضع
للمسمى انتقل الذهن من المسمى الى اللازم ، ومثال دلالة الالتزام دلالة لفظ الإنسان والفرس على
كونها متحرّكة وشاغلة الجهة وغير ذلك من الأمور اللازمة.
دلالة التّضمّن
:
هي اعتبار
اللفظ الى جزئه من حيث هو كذلك ، وذلك نحو دلالة الفرس والانسان والأسد على
معانيها التي هي متضمنة لها كالحيوانية والإنسانية ، فإنّ هذه المعاني كلّها تدلّ
عليها هذه الألفاظ عند الإطلاق
__________________
لأنّها متضمنة لها من حيث أنّ هذه الحقائق متضمنة لها. فدلالتها عليها من
جهة تضمنها إياها .
دلالة الخطّ :
هي إحدى
الدلالات الخمس التي ذكرها الجاحظ ، وقد قالوا : «القلم أبقى أثرا» وقالوا : «القلم
مطلق في الشاهد والغائب وهو للغابر الحائن مثله للقائم الراهن» .
دلالة العقد :
هي إحدى
الدلالات الخمس التي ذكرها الجاحظ ، قال : «وأمّا القول في العقد وهو الحساب دون
اللفظ والخط فالدليل على فضيلته وعظم قدر الانتفاع به قول الله عزوجل : (فالِقُ الْإِصْباحِ
وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ
الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ). والحساب يشتمل على معان كثيرة ومنافع جليلة ولو لا
معرفة العباد بمعنى الحساب في الدنيا لما فهموا عن الله عزوجل معنى الحساب في الآخرة ، وفي عدم اللفظ وفساد الخط
والجهل بالعقد فساد جلّ النّعم وفقدان جمهور المنافع واختلال كل ما جعله الله ـ عزوجل ـ لنا قواما ومصلحة ونظاما» .
الدّلالة
العقليّة :
قال الرازي : «وأمّا
العقلية فإمّا على ما يكون داخلا في مفهوم اللفظ كدلالة لفظ البيت على السقف الذي
هو جزء مفهوم البيت ولا شك في كونها عقلية لامتناع وضع اللفظ إزاء حقيقة مركّبة
ولا يكون متناولا لأجزائها ، وإمّا على ما يكون خارجا عنه لدلالة لفظ السقف على
الحائط فإنه لما امتنع انفكاك السقف عن الحائط عادة كان اللفظ المفيد لحقيقة السقف
مفيدا للحائط بواسطة دلالة الأوّل فتكون هذه الدلالة عقلية» .
دلالة اللّفظ :
هي أعلى
الدلالات الخمس التي ذكرها الجاحظ منزلة ، واللفظ هو الذي يتبارى فيه الأدباء
ويجولون في ميادينه .
دلالة المطابقة
:
هي أن يعتبر
اللفظ بالنسبة الى تمام مسماه وذلك نحو دلالة الإنسان والفرس والأسد على هذه
الحقائق المخصوصة فإنّها مرشدة بالوضع عند إطلاقها على معانيها المعقولة. وتختص
دلالة المطابقة بأحكام كثيرة منها ثلاثة أحكام هي :
الحكم الأوّل
منها : ليس يلزم في كل معنى من المعاني أن يكون له لفظ يدلّ عليه بل لا يبعد أن
يكون ذلك مستحيلا ؛ لأنّ المعاني التي يمكن أن يعقل كل واحد منها غير متناهية.
الحكم الثاني :
الحقيقة في وضع الالفاظ إنّما هو للدّلالة على المعاني الذهنية دون الموجودات
الخارجية.
الحكم الثالث :
الألفاظ المشهورة من جهة اللغة المتداولة بين الخاصة والعامة لا يجوز أن تكون
__________________
موضوعة بمعنى خفي لا يعرفه إلّا الخاص ولا يصلح أن تكون موضوعة بازاء
المعاني الدقيقة التي لا يفهمها إلّا الأذكياء .
دلالة النّصبة
:
هي إحدى
الدلالات الخمس التي ذكرها الجاحظ وقال : «وأمّا النّصبة فهي الحال الناطقة بغير
اللفظ والمشيرة بغير اليد وذلك ظاهر في خلق السماوات والأرض وفي كلّ صامت وناطق
وجامد ونام ومقيم وظاعن وزائد وناقص. فالدّلالة التي في الموات الجامد كالدّلالة
التي في الحيوان الناطق ، فالصامت ناطق من جهة الدلالة والعجماء معربة من جهة
البرهان» .
الدّلالة
الوضعيّة :
وهي دلالة
المطابقة ، وقد تقدّمت.
الدّليل :
قال قدامة : «البلاغة
ثلاثة مذاهب :
المساواة : وهو
مطابقة اللفظ المعنى لا زائدا ولا ناقصا.
والإشارة : وهو
أن يكون اللفظ كاللمحة الدالة.
والدليل : وهو
إعادة الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد ليظهر لمن لم يفهمه ، ويتأكّد عند من
فهمه.
قال بعض
الشعراء :
يكفي قليل
كلامه وكثيره
|
|
بيت إذا طال
النّضال مصيب
|
__________________
الذال
الذّكر :
الذّكر ـ الحفظ
للشيء تذكره ، والذكر أيضا :
الشيء يجري على
اللسان يقال ذكره يذكره ذكرا وذكرا .
ويقرن
البلاغيون الذّكر بالحذف وهو نقيضه وقد تقدّم. ويذكر المسند اليه ، والمسند وغيرهما
في العبارة ولسبب من الأسباب ، ومن أغراض ذكر المسند اليه :
أنّه الأصل ولا
مقتضى للحذف ، فاذا حذف ذهب المعنى.
وضعف التعويل
على القرينة ، وذلك إذا ذكر المسند اليه في الكلام وطال عهد السامع به ، أو ذكر
معه كلام في شأن غيره مما يوقع في اللبس إن لم يذكر.
والتنبيه على
غباوة السامع حتى أنّه لا يفهم إلا بالتصريح.
وزيادة الايضاح
والتقرير كقوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً
مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ، ففي تكرير اسم الاشارة زيادة إيضاح وتقرير لتميزهم
على غيرهم.
وإظهار التعظيم
بالذّكر مثل : «القهار يصون عباده» لعظم هذا الاسم. أو اظهار الاهانة مثل : «اللعين
إبليس».
والتبرك باسمه
مثل : «محمد رسول الله خير الخلق».
والاستلذاذ
بذكره مثل : «(اللهُ خالِقُ كُلِّ
شَيْءٍ) ورازق كلّ حيّ».
وبسط الكلام
حيث يقصد الاصغاء كقوله تعالى : حكاية عن موسى ـ عليهالسلام : (هِيَ عَصايَ) ، ولذلك زاد على الجواب بقوله : (أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها). وذكر السكاكي : أنّ المسند اليه يذكر لكون الخبر عام
النسبة الى كل مسند اليه كقول الشاعر :
الله أنجح ما
طلبت به
|
|
والبرّ خير
حقيبة الرّحل
|
وقول أبي ذؤبب
الهذليّ :
والنفس راغبة
إذا رغّبتها
|
|
وإذا تردّ
الى قليل تقنع
|
ولكنّ القزويني
قال : «وفيه نظر ، لأنّه ، إن قامت قزينة تدلّ عليه إن حذف فعموم الخبر وارادة
تخصيصه بمعين وحدهما لا يقتضيان ذكره وإلا فيكون ذكره واجبا» .
إما ذكر المسند
فللأسباب التي تقدّمت في المسند اليه كزيادة التقرير والتعريض بغباوة السامع
والاستلذاذ والتعظيم والإهانة وبسط الكلام ، أو
__________________
ليتعين كونه اسما فيستفاد منه الثبوت أو كونه فعلا فيستفاد منه التجدد ، أو
كونه ظرفا فيورث احتمال الثبوت والتجدد .
ذكر الخاصّ بعد
العامّ :
هو الإطناب
بذكر الخاصّ بعد العامّ ، وقد تقدّم.
ذكر العامّ بعد
الخاصّ :
قال الزركشي : «وهذا
أنكر بعض الناس وجوده وليس بصحيح» . ومنه قوله تعالى : (إِنَّ صَلاتِي
وَنُسُكِي) ، والنسك العبادة ، فهو أعم من الصلاة.
وقوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ
سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ).
الذّمّ في معرض
المدح :
قال الحلبي
والنويري : «هو أن يقصد المتكلم ذمّ انسان فيأتي بالفاظ موجهة ظاهرها المدح
وباطنها القدح فيوهم أنّه يمدحه وهو يهجوه» . ومنه قول بعضهم في الشريف ابن الشجري :
يا سيدي
والذي يعيذك من
|
|
نظم قريض
يصدا به الفكر
|
ما فيك من
جدّك النبيّ سوى
|
|
أنّك لا
ينبغي لك الشّعر
|
ذو القافيتين :
هذه تسمية
الوطواط وقد قال عنه : «وتكون هذه الصنعة بأن يقول الشاعر قصيدة او مقطوعة ويجعل
لها قافيتين متجاورتين» . ومثاله قول مسعود ابن سعد :
يا ليلة
أظلمت علينا
|
|
ليلاء قاريّة
الدّجنّة
|
قد ركضت في
الدّجى علينا
|
|
دهما خداريّة
الأعنّة
|
فبتّ أقتاسها
فكانت
|
|
حللى نهاريّة
الأجنّه
|
ففي هذه
الأبيات نجد أنّ القافية الأولى هي الكلمات «قاريّة» وخداريّة» و «نهاريّة» ، اما
القافية الثانية فهي : «الدجنة» و «الأعنة» و «الأجنة» وسماه التفتازاني «ذا
القافيتين ايضا ، وهو التشريع أو التوشيح وقد تقدّما.
__________________
الراء
رجحان السابق
على المسبوق :
رجح الشيء بيده
وزنه ونظر ما ثقله ، وأرجح الميزان أي أثقله حتى مال ، ورجح الشيء يرجح ويرجح ويرجح
رجوحا ورجحانا ، ورجح في مجلسه يرجح : ثقل فلم يخف .
ورجحان السابق
على المسبوق نوع من الأخذ ، ولكنّه يكون أقلّ رتبة ودرجة من المأخوذ منه أي أنّ
السابق يرجح على المسبوق. وقد ذكره ابن منقذ ولم يعرّفه وقال إنّه كقول مسلم بن
الوليد :
فاذهب فأنت
طليق عرضك إنّه
|
|
عرض عززت به
وأنت ذليل
|
أخذه أبو نواس
فقصّر منه الوزن وأطال المعنى فقال :
بما أهجوك لا
أدري
|
|
لساني فيك لا
يجري
|
إذا فكّرت في
هجو
|
|
ك أشفقت على
شعري
|
وقال عديّ بن
زيد :
لو بغير
الماء حلقي شرق
|
|
كنت كالغصّان
بالماء اعتصاري
|
أخذه ابو نواس
فقصّر عنه بقوله :
غصصت عنك بما
لا يدفع الماء
|
|
وصحّ هجرك
حتى ما به ماء
|
الرّجع :
رجع رجعا
ورجوعا ورجعى ورجعانا ومرجعا ومرجعة : انصرف وفي التنزيل : (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) أي الرجوع والمرجع .
تحدث ابن شيث
القرشي عن الرّجع وقال : «الرّجع أيضا وهو الرد تقول : «رجعت فلانا عن كذا وكذا»
إذا رددته. ومنه (وَالسَّماءِ ذاتِ
الرَّجْعِ)
وهو ايضا نوعان
: مجتمع ومفرق.
فالمجتمع كل
كلمتين جاءتا في الكلام المنثور على صيغة واحدة في اللفظ والخط لا تخالف إحداهما
الأخرى إلا بأول الحروف ثم يعود ما في كل واحدة من الكلمتين في الاخرى بغير زيادة
ولا نقص كقوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ
هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) ، وقوله : (ذلِكُمْ بِما
كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ
تَمْرَحُونَ). ومنه قول علي ـ صلوات الله عليه ـ : «الدنيا دار ممر
والآخرة دار مقر ، فخذوا من ممركم لمقركم ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم».
ومنه قول أبي عبادة :
__________________
لانت معاطفه
فخيّل أنّه
|
|
للخيزران
مناسب بعظامه
|
إن كنت تنكر
ما أقول فجاره
|
|
أو باره أو
سامه أو هامه
|
والرجع المفرق
: هو كل كلمتين جاءنا في الكلام المنثور تضمن احداهما من الحروف ما تضمنته الاخرى
بغير زيادة ولا نقصان إلا انه على غير بنية ولا ترتيب كما كان في الرجع المجتمع
ولكن قد يتقدم بعض الحروف على بعض وهو من أحسن أوضاع الكتابة كقولك : «فلان أرفع
القوم عمادا وأفرعهم معادا وأصدقهم ميعادا». ومنه قول الشاعر :
شواجر أرماح
تقطّع بينهم
|
|
شواجر أرحام
ملوم قطوعها
|
وهذا هو الجناس
، فالرجع المجتمع عند ابن الاثير في القسم الثاني من المشبه بالتجنيس وهو «أن تكون
الالفاظ متساوية في الوزن مختلفة في التركيب بحرف واحد لا غير وإن زاد على ذلك خرج
من باب التجنيس» .
والرجع المفرق
عند ابن رشيق من جناس المضارعة وهو : «أن تتقدم الحروف وتتأخر» كقول أبي تمام :
بيض الصفائح
لا سود الصحائف في
|
|
متونهنّ جلاء
الشّكّ والريب
|
وقول البحتري :
«شواجر أرماح ...»
الرّجوع :
الرجوع هو
الانصراف والعودة ، وقد ذكر الباقلاني أنّ أبا عبيدة كان يقول عن امرئ القيس في
بيته :
وإنّ شفائي
عبرة مهراقة
|
|
فهل عند رسم
دارس من معوّل
|
إنّه رجع فاكذب
نفسه كما قال زهير :
قف بالديار
التي لم يعفها القدم
|
|
بلى وغيّرها
الأرواح والديم
|
وقال
الباقلّاني قبل ذلك إنّ منهم من لا يعدّ الاعتراض والرجوع من البديع وذكر البيتين .
والرجوع هو
الفن الثالث من محاسن الكلام عند ابن المعتزّ ، وهو «أن يقول شيئا ويرجع عنه» . كقول بشار :
نبّئت فاضح
أمّه يغتابني
|
|
عند الأمير
وهل عليك أمير؟
|
وقول يزيد بن
الطثرية :
أليس قليلا
إن نظرتها
|
|
اليك وكلا
ليس منك قليل
|
وعرّفه العسكري
بمثل كلام ابن المعتزّ ، وقرنه ابن منقذ بالاستثناء وقال : إنّ الرجوع
والاستثناء هو أن تذكر شيئا ثم ترجع عنه» ، وذكر بيت ابن عشرية.
وقال الحلبي
والنويري : «هو أن يعود المتكلم إلى كلامه السابق بالنقض لنكتة» . وقد قال السيوطي عن هذه النكتة تعليقا على بيت زهير : «قف
بالديار.» : «والنكتة في أنّه يبين برجوعه دهش عقله عند رؤية ديار أحبته فلم يعرف
ما يقول وتوهّم ما ليس بصحيح فلما راجعه عقله رجع بالنقض عن
__________________
الكلام الأول» .
والرجوع من
المحسّنات عند المتأخّرين ، وقد عرّفه القزويني بمثل تعريف الحلبي والنويري وتبعه في ذلك شرح التلخيص .
وعقد ابن قيم
الجوزية فصلا للرجوع والاستدراك وقال : هو على قسمين :
الأول : أن
تذكر شيئا وترجع عنه كقولهم : «والله ما معه من العقل شيء إلا بمقدار ما يوجب
الحجة عليه».
وقول زهير : «قف
بالديار ...».
الثاني : من
الاستدراك وهو أن يبتدئ كلامه بما يوهم السامع أنّه هجو ثم يستدرك ويأخذ في المدح
كقوله أبي مقاتل الضرير :
لا تقل بشرى
ولكن بشريان
|
|
غرّة الداعي
ويوم المهرجان
|
وهذا النوع غير
مستحسن عند الحذّاق فإنّ السامع ربما يتطير من أول الكلام فيتأذى ولا يلتذ بما
بعده .
وقال الحموي :
وسمّاه بعضهم استدراكا واعتراضا وليس بصحيح» ثم قال : «والذي اقوله إنّ هذا الرجوع لا فرق بينه وبين
السلب والايجاب وقد تقدم قول أبي هلال العسكري أنّ السلب والايجاب هو الذي يبني
المتكلم كلامه على نفي شيء من جهة واثباته من جهة أخرى. وقال القاضي جلال الدين : «الرجوع
هو العود على الكلام السابق بالنقض. وكل من التقريرين لائق بالنوعين». وذهب الى
مثل ذلك المدني وقال : «وليس المراد أنّ المتكلم غلط ثم عاد لأنّ ذلك يكون غلطا لا
بديع فيه ، بل المراد أنّه أوهم الغلط وإن كان قاله عن عمد إشارة الى تأكد الاخبار
بالثاني لأنّ الشيء المرجوع اليه يكون تحققه أشد» .
ردّ العجز على
الصّدر :
الردّ : صرف
الشيء ورجعه ، والمراد : مصدر رددت الشيء. ورد العجز على الصدر هو «التصدير» وقد تقدم ، وسمّاه
ابن المعتز «ردّ أعجاز الكلام على ما تقدمها» وتبعه في ذلك معظم البلاغيين . وسمّاه التبريزي والبغدادي «ردّ الكلام على صدره» .
الرّذالة :
الرذل والرذيل
والأرذل : الدون من الناس ، وقيل : هو الرديء من كل شيء. وقد رذل فلان يرذل رذالة
ورذولة فهو رذل ورذال .
__________________
عقد ابن منقذ
بابا للرذالة والجهامة وقال : «إنّ الرّذالة هو أن يكون المعنى لا يراد ولا يستفاد»
مثل قول بعض العرب :
زياد بن عين
عينه تحت حاجبه
|
|
وأسنانه بيض
وقد طرّ شاربه
|
وقول أبي
العتاهية :
مات الخليفة
أيّها الثّقلان
|
|
فكأنّني
أفطرت في رمضان
|
ومنه قول الأخر
:
إنّ جسمي شفّ
من غير مرض
|
|
وفؤادي لجوى
الحزن غرض
|
كجراب كان
فيه جبن
|
|
دخل الفأر
عليه فانقرض
|
الرّشاقة :
المرشق والرشيق
من الغلمان والجواري : الخفيف الحسن القد اللطيفه ، وقد رشق رشاقة. يقال للغلام
والجارية إذا كانا في اعتدال : رشيق ورشيقة وقد رشقا رشاقة .
عقد ابن منقذ
بابا للرّشاقة والجهامة وقال : «أما الجهامة فهي الكلمات القبيحة في السمع وأما
الرشاقة فهي حلاوة الألفاظ وعذوبتها» كقول الشّنفرى :
لتقرعنّ عليّ
السنّ من ندم
|
|
إذا تذكرت
مني بعض أخلاقي
|
الرّفو :
رفوت الثّوب
أرفوه رفوا أي أصلحت ما به من عيب وأعدت الالتحام بين أجزائه
والرفو نوع من التضمين وذلك ان يضمن المصراع فما دونه ، قال السّيوطي : «والمصراع
فما دونه يسمى رفوا وإبداعا لأنّه رفا شعره بشعر الغير وأودعه أياه»
الرّقطاء :
الرّقطة : سواد
يشوبه نقط بياض أو بياض يشوبه نقط سواد ، وقد ارقطّ ارقطاطا وارقاطّ ارقيطاطا وهو
أرقط والأنثى رقطاء .
قال المطرّزي :
«وأما الرقطاء عندهم فهي التي أحد حروف كلمة منها منقوط والآخر غير منقوط من الشاة
الرقطاء وهي التي بها نقط سود وبيض. مثال ذلك من النثر قول الحريري : «أخلاق سيدنا
تحب وبعقوته تلب» .
وقد ذكره
العلوي وهو يتحدّث عن «الخيف» وقال : «ومما يجيء على أثره ويسبك من خلاصة جوهره
نوع آخر من هذه الرسائل يلقب بالرقطاء وهي مخالفة لما ذكره في الخيف لكنّها تختص
بها نوعا من الاختصاص ، وهي أن تكون الكلمة الواحدة أحد حروفها منقوط والآخر مهمل
لا نقط فيه ، واشتقاقه من قولهم : «شاة رقطاء» وهي التي في جلدها نقط من سواد
وبياض ، وليس وراء هذا شيء ، خلا ما ذكرناه من الأحكام في البلاغة وعلو مراتب
الفصاحة وسلاطة اللسان وجودة القريحة وصفاء الذهن الى غير ذلك من المواد التي
يجعلها الله في بعض الأشخاص دون بعض» ، ومثاله قول الحريري : «أخلاق سيدنا تحب» فالهمزة
مهملة والخاء منقوطة واللام مهملة والقاف منقوطة ، ومثاله من الشعر قول الحريري :
__________________
سيّد قلّب
سبوق مبرّ
|
|
فطن مغرب
عزوف عيوف
|
الرّمز :
الرّمز : تصويت
خفي باللسان كالهمس ، والرمز : إشارة وإيماء بالعينين والحاجبين والشفتين ، والرمز
: كلّ ما أشرت اليه مما يبان بلفظ بأي شيء أشرت اليه بيد أو بعين ،
قال ابن وهب : «وأما
الرمز فهو ما أخفي من الكلام ... وإنّما يستعمل المتكلم الرمز في كلامه فيما يريد
طيّه عن كافة الناس والافضاء به الى بعضهم فيجعل للكلمة أو للحرف اسما من أسماء
الطيور والوحش أو سائر الاجناس أو حرفا من حروف المعجم ويطلع على ذلك الموضع من
يريد افهامه رمزه فيكون ذلك قولا مفهوما بينهما ، مرموزا عن غيرهما. وقد أتي في
كتب المتقدمين والحكماء والمتفلسفين من الرموز شيء كثير وكان أشدهم استعمالا للرمز
افلاطون» .
وعدّ ابن رشيق
الرمز من أنواع الإشارة وقال : «ومن أنواعها الرمز كقول أحد القدماء يصف امرأة قتل
زوجها وسبيت :
عقلت لها من
زوجها عدد الحصى
|
|
مع الصبح أو
مع جنح كلّ أصيل
|
يريد : أنّي لم
أعطها عقلا ولا قودا بزوجها إلا الهمّ الذي يدعوها الى عد الحصى.
ومن مليح الرمز
قول أبي نواس يصف كؤوسا ممزوجة فيها صور منقوشة :
قرارتها كسرى
وفي جنباتها
|
|
مها تدّريها
بالقسيّ الفوارس
|
فللخمر ما
زرّت عليه جيوبها
|
|
وللماء ما
دارت عليه القلانس
|
يقول إنّ حدّ
الخمر من صور الفوارس التي في الكؤوس الى التراقي والنحور وزبد الماء فيها مزاجا
فانتهى الشراب الى فوق رؤوسها. ويجوز أن يكون انتهاء الحباب الى ذلك الموضع لما
مزجت فأزبدت.
والأول أملح ،
وفائدته معرفة حدّها صرفا من معرفة حدّها ممزوجة» .
وتابع
البلاغيون ابن رشيق في عدّ الرمز من الاشارة والكناية فقال عبد القاهر : «وكذلك
إثباتك الصفة للشيء تثبتها له اذا لم تلقه الى السامع صريحا وجئت اليه من جانب
التعريض والكناية والرمز والاشارة كان له من الفضل والمزية ومن الحسن والرونق ما
لا يقل قليله ولا يجهل موضع الفضيلة فيه» .
وتتفاوت
الكناية عند السكاكي الى تعريض وتلويح ورمز وإيماء وإشارة قال : «وإن كانت ذات
مسافة غريبة مع نوع من الخفاء كنحو «عريض القفا» و «عريض الوسادة» كان اطلاق اسم
الرمز عليها مناسبا ، لأنّ الرمز هو أن تشير الى قريب منك على سبيل الخفية» .
وذكر مثل ذلك
القزويني وشرّاح التلخيص .
وتابعهم ابن
الاثير الحلبي فقال وهو يتحدث عن الكناية : «فإن كثرت الارداف والوسائط فإنّه يكون
خفيا جدا كالإلغاز والتعمية التي تراض بهما الأذهان فما وقع من هذا الباب لقصد
سمّي كناية أو تعريضا إذا قارب الظهور وأما اذا أوغل في خفائه سمّي لغزا أو رمزا» .
__________________
وتحدّث المصري
عن الرمز والإيماء وقال إنّه من مبتدعاته مع أنّ ابن رشيق وغيره تكلّموا على
الرمز.
قال : «فحواه
أن يريد المتكلّم إخفاء أمر ما في كلامه مع إرادته إفهام المخاطب ما أخفاه فيرمز
له في ضمنه رمزا يهتدي به الى طريق استخراج ما أخفاه من كلامه.
والفرق بينه
وبين الوحي والإشارة أنّ المتكلّم في باب الوحي والإشارة لا يودع كلامه شيئا يستدل
منه على ما أخفاه لا بطريق الرمز ولا غيره بل يوحي مراده وحيا خفيّا لا يكاد يعرفه
إلّا أحذق الناس. فخفاء الوحي والإشارة أخفى من خفاء الرمز والإيماء. والفرق بينه
وبين الإلغاز أنّ الإلغاز لا بد فيه ما يدل على المعمّى فيه بذكر بعض أوصافه
المشتركة بينه وبين غيره وأسمائه فهو أظهر من باب الرمز» . ومثال الرمز قول النابغة الذبياني :
فاحكم كحكم
فتاة الحيّ إذ نظرت
|
|
الى حمام
شراع وارد الثّمد
|
يحفّه جانبا
نيق ويتبعه
|
|
مثل الزجاجة
لم تكحل من الرّمد
|
قالت : ألا
ليتما هذا الحمام لنا
|
|
الى حمامتنا
أو نصفه فقد
|
فكمّلت مائة
فيها حمامتها
|
|
وأسرعت حسبة
في ذلك العدد
|
فانه رمز عدّة
الحمام التي رأتها الزرقاء ـ وعدته ستّ وستّون حمامة ـ فأخفى هذه العدّة ولم يدل
عليها بصريح الدلالة ، ورمز الدلالة على عدتها بهذا الطريق. ومن أمثلة هذا الباب
قوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ
طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ
السَّيِّئاتِ) ، فإنّ صدر هذه الاية دلّ على أنّ الصلوات خمس ، لأنّه
ـ عزوجل ـ أشار الى صلاتي النهار بقوله : (طَرَفَيِ النَّهارِ) ودلّ على صلوات الليل بقوله تعالى : (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ.)
وعدّه
السّجلماسي من التعمية وهي من جنس الإشارة وقال إنّه من الأقاويل اللغزية.
__________________
الزاي
الزّيادة :
الزّيادة :
النّموّ ، والزيادة خلاف النقصان ، زاد الشي يزيد زيدا وزيدا وزيادة ومزيدا
ومزادا. اي : ازداد .
تحدّث النحاة
الأوائل عن الزيادة وفضلها في الكلام ، وقد أشار الخليل الى موضعها وبلاغتها وقال
سيبويه في مثل : «مررت برجل حسبك به من رجل»
وزعم الخليل ـ رحمهالله ـ أنّ «به» ههنا بمنزلة «هو» ولكنّ هذه الباء دخلت ههنا
توكيدا» قال : «كفى الشيب والاسلام» و «كفى بالشيب والاسلام» فالزيادة تفيد الكلام توكيدا وتقوية والى ذلك ذهب أبو
عبيدة وذكر أنّ الحروف تزاد للتأكيد وللتنبيه .
وتحدّث
التّبريزي عن الزيادة التي يتم بها المعنى كقول طرفة :
فسقى ديارك ـ
غير مفسدها ـ
|
|
صوب الربيع وديمة
تهمي
|
فقوله : «غير
مفسدها» زيادة جعلت المعنى في غاية الحسن .
وذكر المصري
أنّ هذا الفن من مستخرجاته ولكن الخليل وسيبويه وأبا عبيدة قد أشاروا الى بلاغة
الزيادة ، وأمثلة التّبريزي تجعله من التتميم أو الاحتراس ولكنّ فضل المصري انه
فصّل القول فيه .
ونصح المظفّر
العلوي الشاعر أن يتجنب الزيادة كما يتجنب الاخلال ، كقول الشاعر :
فما نطفة من
ماء نهض عذيبة
|
|
تمنع من أيدي
الرقاة يرومها
|
بأطيب من
فيها لو انّك ذقته
|
|
اذا ليلة
أسجت وغارت نجومها
|
قوله : «لو
أنّك ذقته» زيادة أفسد بها المعنى لأنّه أوهم أنّك اذا لم تذقه لم يكن طيبا ولو
قال : «بأطيب من فيها واني لصادق» لكان أوكد في الاخبار وأصح في الانتقاد . وقال ابن قيّم الجوزية عن الزيادة في البناء : «هو أن
يقصد المتكلم معنى يعبر عنه لفظتان إحداهما أزيد بناء من الأخرى فيذكر الكلمة التي
تزيد حروفها عن الاخرى قصدا منه الى الزيادة في ذلك المعنى الذي عبر عنه. ولهذا
فان «اعشوشب» و «اخشوشن» في المعنى أكثر وأبلغ من «خشن» «اعشب» ولهذا وقعت الزيادة
بالتشديد أيضا.
فان «ستّار»
أبلغ من «ساتر» و «عفّار» أبلغ من «غافر». ولهذا قال سبحانه وتعالى : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ
غَفَّاراً) ، ومنه قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) عدل عن «قادر» الى
__________________
«مقتدر» ليشعر بالزيادة على زيادة قدرة الله تعالى والبيان عن عظم شأنه.
ومن هذا المعنى قول أبي نواس :
فعفوت عني
عفو مقتدر
|
|
أحلت له نعم
فألفاها
|
والعرب عادتها
أن تزيد في بناء الاسم ليشعر بزيادة المعنى الدال عليه» .
وكان ابن
الأثير قد تحدّث عن مثل هذا في باب «قوة اللفظ لقوة المعنى» وذكر الأمثلة نفسها . وتحدّث مثل ذلك الزّركشي وقال : «إنّ اللفظ اذا كان
على وزن من الأوزان ثم نقل الى وزن آخر أعلى منه فلا بدّ أن يتضمّن من المعنى أكثر
مما تضمنه أوّلا ، لأنّ الألفاظ أدلة على المعاني فاذا زيدت في الالفاظ وجب زيادة
المعنى ضرورة» وعقد للزيادة المطلقة قسما ايضا وقال : «والاكثرون
ينكرون إطلاق هذه العبارة في كتاب الله ويسمونه التأكيد ، ومنهم من يسميه بالصلة ،
ومنهم من يسميه المقحم» ثم تحدّث عن الزيادة في الحروف والافعال ، ومن الأول
قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ
مِيثاقَهُمْ) وقوله : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ
اللهِ). ومن الثاني زيادة «كان» في قوله تعالى : (قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي
الْمَهْدِ صَبِيًّا) ، ومثل قولهم : «أصبح العسل حلوا».
__________________
السين
السّؤال
والجواب :
ذكره الوطواط
وقال : «تكون هذه الصنعة بأن يرد في البيت أو البيتين سؤال وجوابه» . ومنه قول الباخرزي :
قد قلت لها
هجرتني ما العلّه؟
|
|
صدّت وتمايلت
وقالت قل له
|
وقال : «والفرس
يقدّرون صنعة السؤال والجواب حقّ قدرها ويستعملونها في القصيدة من مطلعها الى
نهايتها على نسق واحد».
وذكر الرازي
هذا الفن ولم يعرّفه ومثّل له بقول الباخرزي : «قد قلت لها ...» ومثّل له الحلبي والنويري بقول أبي نواس :
لك جسمي
تعلّه
|
|
فدمي لم
تحلّه
|
قال إن كنت
مالكا
|
|
فلي الأمر
كلّه
|
وقال ابن قيّم
الجوزيّة : «هو أن يحكي كلاما بـ «قال» ثم يجيبه بـ «قال» أيضا» ، وهو في القرآن الكريم كثير منه قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ
اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ، قالُوا : أَتَتَّخِذُنا هُزُواً؟
قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ. قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ
يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ؟ قالَ : إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا
بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ. قالُوا : ادْعُ لَنا
رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها؟ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ
صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ. قالُوا : ادْعُ لَنا رَبَّكَ
يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ
اللهُ لَمُهْتَدُونَ. قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ
الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ
جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ).
ومنه قول امرئ
القيس :
ويوم دخلت
الخدر خدر عنيزة
|
|
فقالت لك
الويلات إنّك مرجلي
|
فقلت لها
سيري وارخي زمامه
|
|
ولا تمنعينا
من جناك المعلّل
|
وقال الحموي
إنّه المراجعة وهي : «أن يحكي المتكلّم مراجعة في القول ومحاورة في الحديث بينه
وبين غيره بأوجز عبارة وأرشق سبك وألطف معنى وأسهل لفظ أما في بيت أو في ابيات» .
وقال المدني عن
المراجعة : «وسمّاها جماعة منهم الإمام فخر الدين الرازي : السؤال والجواب ...
وقال الشيخ صفي الدين الحلي في شرح بديعيته : وذكر ابن أبي الاصبع أنّ هذا النوع
من مخترعاته وقد وجدناه في
__________________
كتب غيره بالاسم الثاني» .
السّابق
واللّاحق :
السابق واللاحق
من الأخذ والسّرقات ، وقد عقد ابن منقذ بابا له باسم «السابق واللاحق والتداول
والتناول» وقال : «هو أن يأخذ البيت فينقص من لفظه أو يزيد في معناه أو يحرره
فيكون أولى به من قائله لكنّ الأول سابق والآخر لاحق» . ومنه قول علي بن الجهم :
وكم وقفة
للريح دون بلادها
|
|
وكم عقبة
للطير دون بلادي
|
أخذه ابو
العلاء فقال :
وسألت كم بين
العقيق الى الحمى
|
|
فجزعت من بعد
النوى المتطاول
|
وعذرت طيفك
في الجفاء لأنّه
|
|
يسري فيصبح
دوننا بمراحل
|
وكقول الأخر :
له خلائق بيض
لا يغيّرها
|
|
صرف الزمان
كما لا يصدأ الذّهب
|
أخذه الآخر
فقال :
صديق لي له
نسب
|
|
صداقة مثله
تجب
|
إذا نقدت
خلائقه
|
|
تبهرج عنده
الذّهب
|
ومنه قول
الأفوه الأودي :
وترى الطّير
على آثارها
|
|
رأي عين ثقة
أن ستمارا
|
أخذه النابغة
فقال :
إذا ما غزا
بالجيش حلّق فوقهم
|
|
عصائب طير
تهتدي بعصائب
|
جوانح قد
أيقنّ أنّ قبيله
|
|
إذا ما التقى
الجمعان أوّل غالب
|
أخذه الحطيئة
فقال :
ترى عافيات
الطّير قد وثقت لها
|
|
بشيع من
الخيل العتاق منازله
|
أخذه حميد بن
ثور فقال :
إذا ما غزا
يوما رأيت غمامة
|
|
من الطير
ينظرن الذي هو صانع
|
أخذه مسلم فقال
:
قد عوّد
الطّير عادات وثقن بها
|
|
فهنّ يتبعنه
في كلّ مرتحل
|
موف على مهج
في يوم ذي رهج
|
|
كأنّه أمل
يمشي الى أجل
|
وقال أبو نواس
:
واذا مجّ
القنا علقا
|
|
وتراءى الموت
في صوره
|
راح في ثنيي
مفاضته
|
|
أسد يدمي شبا
ظفره
|
يتأيا الطّير
غدوته
|
|
ثقة بالشّبع
من جزره
|
ثم أخذه أبو
تمام فقال :
وقد ظلّلت
أعقاب رايته ضحى
|
|
بأقدام طير
في الدماء نواهل
|
أقامت مع
الرايات حتى كأنها
|
|
مع الجيش إلا
أنّها لم تقاتل
|
ثم أخذه
المتنبي فقال :
له عسكرا خيل
وطير اذا رمى
|
|
بها عسكرا لم
تبق إلا جماجمه
|
وقال :
__________________
وذي لجب لا
ذو الجناح أمامه
|
|
بناج ولا
الوحش المثار بسالم
|
تمرّ عليه
الشمس وهي ضعيفة
|
|
تطالعه من
بين ريش القشاعم
|
فاومأ الى
المعنى ايماء.
السّبر
والتّقسيم :
السّبر :
التّجربة. وسبر الشي سبرا. حزره وخبره ، والسّبر : استخراج كنه الأمر . وقال الشريف الجرجاني : «السبر والتقسيم كلاهما واحد
وهو إيراد أوصاف الأصل أي المقيس عليه وإبطال بعضها ليتعين الباقي للعلية كما يقال
علة الحدوث في البيت اما التأليف او الامكان ، والثاني باطل بالتخلف لأنّ صفات
الواجب ممكنة بالذات وليست حادثة فتعين الأول» ، وقال : «السبر والتقسيم : هو حصر الأوصاف في الاصل
والغاء بعض ليتعين الباقي للعلية كما يقال : علة حرمة الخمر إمّا الإسكار أو كونه
ماء العنب او المجموع وغير الماء وغير الإسكار لا يكون علة بالطريق الذي يفيد
إبطال علة الوصف فتعين الإسكار للعلة» .
وتحدّث
السّيوطي عنه وقال : «من الأنواع المصطلح عليها في علم الجدل السبر والتقسيم» ومن أمثلته في القرآن الكريم قوله تعالى : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ
اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ، قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ
الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي
بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ
اثْنَيْنِ ، قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ ، أَمَّا
اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ
وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً
لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ). فان الكفّار لما حرّموا ذكور الأنعام تارة وإناثها
أخرى ردّ تعالى ذلك عليهم بطريق السبر والتقسيم فقال : إنّ الخلق لله خلق من كل
زوج مما ذكر ذكرا وأنثى فمم جاء تحريم ما ذكرتم؟ وما علته؟ ولا يخلو إما أن يكون
من جهة الذكورة أو الأنوثة او اشتمال الرحم الشامل لهما أو لا يدرى له علة وهو
التعبدي بأن أخذ ذلك عن الله ، والأخذ عن الله إما بوحي أو إرسال رسول أو سماع
كلامه ومشاهدة تلقي ذلك عنه ، وهو في معنى قوله : (أَمْ كُنْتُمْ
شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا.) فهذه وجوه التحريم لا تخرج عن وجه منها : والأول يلزم
عليه أن تكون جميع الذكور حراما ، والثاني يلزم عليه أن تكون جميع الإناث حراما ،
والثالث يلزم عليه تحريم الصنفين معا ، فبطل ما فعلوه من تحريم بعض في حالة وبعض
في حالة ، لأنّ العلة على ما ذكر تقتضي إطلاق التحريم والأخذ عن الله بلا واسطة
باطل ولم يدّعوه ، وبواسطة رسول كذلك لانه لم يأت اليهم رسول قبل النبي صلىاللهعليهوسلم ـ واذا بطل جميع ذلك ثبت المدعى وهو أنّ ما قالوه
افتراء على الله وضلال.
السّبك :
سبك الذهب
والفضة ونحوه من الذائب يسبكه ويسبكه سبكا وسبّكه : ذوّبه وأفرغه في قالب ، السّبك
تسبيك السبيكة من الذهب والفضة يذاب ويفرغ في مسبكة من حديد كأنها شق قصبة والجمع
السبائك .
تحدّث ابن منقذ
عن الفكّ والسبك في باب واحد وقال : «أمّا الفكّ فهو أن ينفصل المصراع الأوّل من
المصراع الثاني ولا يتعلّق بشيء من معناه» مثل قول زهير :
__________________
حيّ الديار
التي لم يعفها القدم
|
|
بلى وغيّرها
الأرواح والدّيم
|
«وأما السّبك
فهو أن يتعلق كلمات البيت بعضها ببعض من أوله الى آخره» كقول زهير :
سيطعنهم ما
ارتموا حتى إذا اطّعنوا
|
|
ضارب حتى إذا
اما ضاربوا اعتنقا
|
السّجع :
السجع هو
التسجيع ، وقد تقدّم الكلام عليه.
وهو أنواع :
السّجع الحالي
:
هو التسجيع
الحالي ، وقد تقدّم.
السّجع الطّويل
:
هو التسجيع
الطويل ، وقد تقدّم في الكلام على أنواع التسجيع.
السّجع العاطل
:
هو التسجيع
العاطل ، وقد تقدّم.
السّجع القصير
:
هو التسجيع
القصير ، وقد تقدّم في الكلام على أنواع التسجيع.
السّجع
المتطرّف :
هو التسجيع
المطرف ، وقد تقدّم.
السّجع
المتماثل :
هو التسجيع
المتماثل ، وقد تقدّم.
السّجع
المتوازن :
هو التسجيع
المتوازن ، وقد تقدّم.
السّجع
المتوازي :
هو التسجيع
المتوازي ، وقد تقدّم.
السّجع المرصّع
:
هو التسجيع
المرصع ، وقد تقدّم.
السّجع المشطّر
:
هو التسجيع
المشطر ، وقد تقدّم.
__________________
السّجع المطرف
:
هو التسجيع
المطرّف أو المتطرّف ، وقد تقدّم.
السّجع الموازي
:
لم يذكره أحد
بهذا الاسم غير الحموي ولعل فيه تصحيفا لأنّ التعريف الذي ذكره لهذا النوع هو
ما ذكره الآخرون للمتوازي ، وقد تقدّم.
السّرقة :
سرق الشيء
يسرقه سرقا وسرقا والاسم السّرق والسّرقة ، والسرقة : الأخذ بخفية ، ويقال : سرق
الشيء سرقا : خفي .
فطن العرب منذ
عهد مبكر الى التجديد والتقليد وفرّقوا بين الابتداع والإتباع ووضعوا لذلك قواعد
وأصولا. والسّرقات قديمة في الأدب العربي وقد وجدت بين شعراء الجاهلية ، وفطن
النقاد والشعراء اليها ولحظوا مظاهرها بين امرئ القيس وطرفة بن العبد ، وبين
الاعشى والنابغة الذبياني ، وبين أوس بن حجر وزهير بن ابن سلمى. وكان حسان بن ثابت
يعتز بكلامه وينفي عن معانيه الأخذ والاغارة ، قال :
لا أسرق
الشعراء ما نطقوا
|
|
بل لا يوافق
شعرهم شعري
|
وكانت السرقة
من موضوع الملاحاة بين جرير والفرزدق ، وكل ادّعى أنّ صاحبه يأخذ منه ، ومن ذلك
قول الفرزدق يخاطب جريرا :
إن تذكروا
كرمي بلؤم أبيكم
|
|
وأوابدي
تتنحّلوا الأشعارا
|
وغضب على
البعيث المجاشعي لما أخذه أحد معانيه فقال فيه :
إذا ما قلت
قافية شرودا
|
|
تنحلّها ابن
حمراء العجان
|
وكان الجاحظ قد
أشار الى السرقات ومهّد للباحثين السبيل ، قال : «لا يعلم في الأرض شاعر قديم في
تشبيه مصيب تامّ وفي معنى غريب عجيب أو في معنى شريف كريم أو في بديع مخترع إلا
وكل من جاء من الشعراء من بعده أو معه إن هو لم يعد على لفظه فيسرق بعضه أو يدعيه
بأسره فانّه لا يدع أن يستعين بالمعنى ويجعل نفسه شريكا فيه كالمعنى الذي تتنازعه
الشعراء فتختلف ألفاظهم وأعاريض أشعارهم ولا يكون أحد منهم أحق بذلك المعنى من
صاحبه ، أو لعله إن يجحد أنّه سمع بذلك المعنى قط وقال : «إنّه خطر على بالي من
غير سماع كما خطر على بال الأول» .
وعالج النقاد
والبلاغيون موضوع السرقة ، وقال ابن طباطبا إنّ الشعراء السابقين غلبوا على
المعاني الشعرية فضاق السبيل امام المحدثين ولم يكن من الأخذ بدّ.
وقال إنّه
ينبغي على الشاعر أن يديم النظر في شعر السابقين لتعلق معانيها بفهمه وترسخ أصولها
في قلبه واذا ما نظم الشعر وجدها أمام ناظريه ولكن لا ينبغي له أن يغير على معاني
الآخرين فيودعها شعره لأنّ هذا لا يستر سرقته .
ورأى الآمدي أن
لا سرقة في الألفاظ لأنّها مباحة غير محظورة وإنّما السرقة تتحقّق في المعاني
البديعة المخترعة التي يختص بها شاعر لا في المعاني المشتركة بين الناس الجارية في
عاداتهم والمستعملة في أمثالهم ومحاوراتهم مما ترتفع الظنة فيه عن الذي يورده أن
يقال أخذه من غيره ، قال : «وإنما السّرق
__________________
يكون في البديع الذي ليس للناس فيه اشتراك» وقال إنّ السرقة ليست من «كبير مساوئ الشعراء وخاصة
المتأخّرين إذ كان هذا بابا ما تعرّى منه متقدّم ولا متأخّر» .
وعني العسكري
بهذا النوع وتحدّث عن حسن المأخذ وقبحه ، ويريد بحسن المأخذ أن يؤخذ المعنى ويكسى
لفظا جديدا أجود من لفظه الأوّل ، ويريد بالقبيح أن يعمد الى المعنى ويؤخذ لفظه
كله أو أكثره أو يخرج في معرض مستهجن .
وتحدّث القاضي
الجرجاني عنها وذكر أنّ المعاني المشتركة والمتداولة لا تعدّ سرقة ، قال : «فمتى
نظرت فرأيت أنّ تشبيه الحسن بالشمس والبدر والجواد بالغيث والبحر والبليد البطيء
بالحجر والحمار ، والشجاع الماضي بالسيف والنار والصب المستهام بالمخبول في حيرته
والسليم في سهره ، والسقيم في انينه وتأمله امور متقرره في النفوس متصورة للعقول
يشترك فيها الناطق والأبكم والفصيح والأعجم والشاعر والمفحم حكمت بأنّ السرقة عنها
منتفية والأخذ بالاتباع مستحيل ممتنع ولا تطلق السرقة إلا على الأمور المنسوبة لشاعر أو كاتب
بعينه.
وتحدّث ابن
رشيق عنها وقال : «هذا باب متسع جدّا لا يقدر أحد من الشعراء أن يدّعي السلامة منه
وفيه أشياء غامضة إلا عن البصير الحاذق بالصناعة ، وأخر فاضحة لا تخفى على الجاهل
المغفل» .
وحصر السرقات
في الأنواع البديعية فقال : «السرقة إنما تقع في البديع النادر والخارج عن العادة
وذلك في العبارات التي هي الألفاظ» .
ودرس عبد
القاهر السّرقات ، وقال إنّ المعاني العقلية يتّفق فيها العقلاء ، والتخييلية يختص
بها كل شاعر أو أديب عن غيره . وقال إنّ السرقة ليست مجرّد لفظ ومعنى وإنما الأمر
صياغة وتصوير ، وهذا يرجع الى إيمانه بالنظم الذي هو توخي معاني
النحو.
وعقد ابن فصولا
مختلفة عن السرقة ، وكان ابن الأثير قد وقف طويلا عندها وتحدث عن أقسامها
كالنسخ والسلخ وأخذ المعنى مع الزيادة عليه وعكس المعنى الى ضده .
ودخلت السرقات
في كتب البلاغة حينما وضع القزويني كتابيه «التلخيص» و «الايضاح» فبعد أن انتهى من
بحث فنون البديع ذكر أنّ لهذا العلم ملحقات لا ينبغي إهمالها وهي السرقات الشعرية
والابتداء والتخلص والانتهاء ، وهذا اتجاه جديد في دراسة هذا الموضوع. فقد تكلم
عليها السابقون مع فنون البلاغة والنقد الأخرى ولم يجعلوها من البديع أو يلحقوها
به. وقد أثارت هذه المسألة بعضهم فتساءل العلوي قائلا : «هل تعدّ السرقة الشعرية
من علم البديع أو ، لا؟» وأجاب أنّ للمسألة وجهين :
أحدهما : أنّها
تكون معدودة فيه لأنّ كل واحد من السابق واللاحق إنما يتصرف في تأليف الكلام ونظمه
وترديده بين الفصيح والأفصح والأقبح والأحسن ، وهذه هي فائدة علم البديع وخلاصة
جوهره.
وثانيهما :
أنّها غير معدودة في علم البديع ؛ لأنّ معنى السرقة هو الأخذ ومجرد الأخذ لا يكون
متعلقا بأحوال الكلام ولا بشي من صفاته فلأجل
__________________
هذا لم تكن معدودة في علم البديع .
واختار العلوي
الأوّل وهو عدّها من جملة أصناف البديع وأكّد هذا بقوله : «والبرهان القاطع على ما
ذكرناه هو أنّ علم البديع أمر عارض لتأليف الالفاظ وصوغها وتنزيلها على هيئة تعجب
الناظر وتشوق القلب والخاطر ، وهذا موجود في السرقات الشعرية ، فانّ الشاعرين
المفلقين يأخذ كل واحد منهما معنى صاحبه ويصوغه على خلاف تلك الصياغة ويقلبه على
قالب آخر ، فإما زاد عليه وإما نقص عنه. وكل ذلك إنّما هو خوض في تأليف الكلام
ونظمه وإذن الأخلق عدّها منه لما ذكرناه بل هي أخلق بذلك ، لأنا اذا عددنا الطباق
والتجنيس والترصيع والتصريع من علوم البديع مع أنّها إنما اختصت بما اختصت به من
التأليف وتنزيلها على تلك الهيئات من لسان واحد فكيف حالها اذا كانت مختصة بما
ذكرناه من لسانين على هيئتين مختلفتين» .
وقد تحدّث
القزويني عن أنواع السرقات وتبعه في ذلك شراح التلخيص والسرقات أنواع كثيرة منها الانتحال والنسخ والمسخ
والاغارة والالمام والسلخ والنقل والفلب وغيرها ، وفي هذا المعجم كثير من هذه
الأنواع وقد أشير الى انها من الأخذ او السرقة .
ولم يقف
القزويني عند هذه الالوان وانما تحدث عما يتصل بالسرقة من الاقتباس والتضمين
والعقد والحل والتلميح ، ولهذه الانواع حديث في هذا المعجم أيضا.
سلامة الابتداع
:
السّلام
والسلامة البراءة ، وتسلّم منه : تبرأ ، والسّلام العافية . قال ابن الاثير الحلبي : «حقيقة هذا الباب أن يبتدع
الشاعر معنى لم يسبق اليه ولم يتبع فيه» . مثال ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ
وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ، ضَعُفَ
الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ). فقد ذكر ضعف الذباب الذي هو أقل المخلوقات سلبا لما
يسلبه وعجز جميع الخلق عن القدرة على خلق مثله.
ومن هذا الباب
قول عنترة :
وخلا الذباب
به فليس ببارح
|
|
غردا كفعل
الشارب المترنّم
|
هزجا يحكّ
جناحه بجناحه
|
|
قدح المكبّ
على الزناد الأجذم
|
فعنترة ابتدع
معنى لم يسبق اليه ولم يشبهه أحد فيه.
وسمّاه المصري «سلامة
الاختراع من الاتباع» وقال : «هو أن يخترع الاول معنى لم يسبق اليه ولم يتبع فيه» ، وهذا ما نقله ابن الاثير الحلبي وإن غيّر التسمية
فقال : «سلامة الابتداع من الاتباع». وتبع المصري في التسمية الحلبي والنويري
والسبكي والحموي والسيوطي والمدني .
__________________
سلامة الاختراع :
هو سلامة
الاتبداع ، وقد سمّاه كذلك المصري والحلبي والنويري والسبكي والحموي والسيوطي
والمدني .
السّلب
والإيجاب :
سلبه الشي
يسلبه سلبا ، والسّلب : ما يسلب.
وجب الشيء يجب
وجوبا : لزم ، وأوجبه الله واستوجبه اي : استحقه ، واوجب ايجابا .
قال العسكري : «هو
أن تبني الكلام على نفي الشيء من جهة وإثباته من جهة أخرى أو الامر به في جهة
والنهي عنه في جهة وما يجري مجرى ذلك» .
كقوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا
تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) ، وقول السموأل :
وننكر إن
شئنا على الناس قولهم
|
|
ولا ينكرون
القول حين نقول
|
وقول البحتري :
فابق عمر
الزمان حتى نؤدّي
|
|
شكر إحسانك
الذي لا يؤدّى
|
وقول أبي تمام
:
الى سالم
الأخلاق من كلّ عائب
|
|
وليس له مال
على الجود سالم
|
ولم يعرّفه
الباقلاني وإنما اكتفى بذكر بيت السموأل ، وسمّاه الخفاجي : الإيجاب والسلب ومثل له ببيت
السموأل وقول البحتريّ :
يقيّض لي من
حيث لا أعلم النوى
|
|
ويسري اليّ
الشوق من حيث أعلم
|
في «لا اعلم» و
«أعلم» من السلب والايجاب .
والايجاب
والسلب هو أحد أنواع التقابل التي تحدث عنها قدامة وقال : «ومما جاء في الشعر من
التناقض على طريق الايجاب والسلب قول عبد الرحمن ابن عبد الله القس :
أرى هجرها
والقتل مثلين فاقصروا
|
|
ملامكم
فالقتل أعفى وأيسر
|
وقال التّبريزي
عن السلب والايجاب : «هو أن يوقع الكلام على نفي شيء وإثباته في بيت واحد» ونقل هذا التعريف البغدادي والحلبي والنويري وابن قيم
الجوزية . وادّعى المصري أنّ هذا النوع من مبتدعاته ولكنّه
استدرك على نفسه بحاشية في أصل كتابه «تحرير التحبير» وقال : «وقد عثرت على أنّ
هذا الباب لمن تقدّمني من جهة تسميته لا من جهة شواهده» . وقال : «هو أن يقصد المادح أن يفرد ممدوحه بصفة مدح لا
يشركه فيها غيره فينفيها في أول كلامه عن جميع الناس ويثبتها لممدوحه بعد ذلك» . كقول الخنساء في اخيها :
وما بلغت كفّ
امرىء متناولا
|
|
من المجد
إلّا والذي نلت أطول
|
وما بلغ
المهدون للناس مدحة
|
|
وإن أطنبوا
إلّا الذي فيك أفضل
|
فقصد أبو نواس
أخذ معنى الثاني من البيتين فلم يتهيأ له أخذه إلّا في بيتين وقصر عنه بعد ذلك
تقصيرا كبيرا وذلك انه قال :
__________________
إذا نحن
أثنينا عليك بصالح
|
|
فأنت كما
نثني وفوق الذي نثني
|
وإن جرت
الألفاظ يوما بمدحة
|
|
لغيرك إنسانا
فأنت الذي نعني
|
ومن هذا الباب
ما يقع في التشبيه والأخبار وتفسيرها بحيث يكون للمشبه أو المخبر عنه صفات فينفي
بعضها ليثبت بعضها وينفي واحدة ليوجب اختها او يسلبها ويوجب غيرها كقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا
أنه لا نبيّ بعدي» فسلب النبوة ليوجب بقية المنازل التي كانت لهارون من موسى ـ عليهماالسلام ـ ومن ذلك قول الشاعر :
فصرت كأني
يوسف بين إخوتي
|
|
ولكن تعدّتني
النبوّة والحسن
|
فسلب نفسه
هاتين الصفتين من صفات يوسف ـ عليهالسلام ـ ليثبت ما عداهما مما امتحن به يوسف من إخوته.
ولكنّ المصري
حينما ألّف كتاب «بديع القرآن» لم ينسب «السلب والايجاب» الى نفسه ، وقد عرّفه
بقوله : «هو بناء الكلام على نفي الشيء من جهة وإيجابه من جهة أخرى أو أمر بشيء من
جهة ونهي عنه من غير تلك الجهة» . وهذا كتعريف العسكري ، وذكر له قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ...) (الإسراء ٢٣) شاهدا كما فعل السابق ايضا ، وبذلك نفى عن نفسه تهمة الكذب
التي أشار اليها بعضهم كالمدني الذي قال : «هذا النوع زعم ابن أبي الاصبع أنّه من
مستخرجاته وهو موجود في كتب القدماء الذين نقل عنهم ككتاب الصناعتين لأبي هلال
العسكري وسر الفصاحة لابن سنان الخفاجي وبديع شرف الدين التيفاشي وذكره عز الدين
الزنجاني في معيار النظار» . ويبدو أنّ المدني لم يطلع على «بديع القرآن» أو على
نسخة «تحرير التحبير» التي استدرك في احد هوامش صفحاتها ما ذكره.
وأرجع السّبكي
السلب والايجاب الى الطباق بعد أن عرّفه كتعريف المصري في «بديع القرآن» . ولم يخرج الحموي والسيوطي والمدني عما ذكره السابقون .
السّلخ :
السلخ : كشط
الإهاب ، سلخ يسلخ سلخا ، والسّلخ : ما سلخ عنه .
والسلخ أحد
أنواع السرقات وقد قال ابن الاثير هو : «أخذ بعض المعنى مأخوذا من سلخ الجلد الذي
هو بعض الجسم المسلوخ» . والسلخ عند القزويني الإلمام أيضا ، قال : «وإن كان
المأخوذ المعنى وحده سمّي إلماما وسلخا» وهو ثلاثة أقسام :
الأول : كقول
البحتري :
تصدّ حياء أن
تراك بأوجه
|
|
أتى الذنب
عاصيها فليم مطيعها
|
وقول المتنبي :
وجرم جرّه
سفهاء قوم
|
|
وحلّ بغير
جارمه العذاب
|
__________________
الثاني : كقول
بعض الأعراب :
وريحها أطيب
من طيبها
|
|
والطّيب فيه
المسك والعنبر
|
وقول بشار :
وإذا أدنيت
منها بصلا
|
|
غلب المسك
على ريح البصل
|
الثالث : كقول
الأعرابي :
ولم يك أكثر
الفتيان مالا
|
|
ولكن كان
أرحبهم ذراعا
|
وقول أشجع :
وليس بأوسعهم
في الغنى
|
|
ولكنّ معروفه
أوسع
|
ولم يبيّن
القزويني هذه الأقسام الثلاثة واكتفى بالأمثلة ، ولكنّ العلوي قال عن الوجه الاول
: «أن تكون السرقة مقصورة على المعنى لا غير ، من غير إيراد لفظ ما سرق منه. وهذا
أدقّ السرقات مسلكا وأحسنها صورة وأعجبها مساقا» ومثاله قول بعض أهل الحماسة :
لقد زادني
حبّا لنفسي أنني
|
|
بغيض الى كلّ
امرىء غير طائل
|
فقد أخذ
المتنبي هذا المعنى واستخرج منه ما يشبهه من جهة معناه ولم يورد شيئا من ألفاظه
ولكنه عوّل فيه على المعنى وقصره عليه ، قال :
وإذا أتتك
مذمّتي من ناقص
|
|
فهي الشّهادة
لي بأني كامل
|
وقال العلوي عن
الوجه الثاني : «أن تكون السرقة بأخذ المعنى وشيء يسير من اللفظ» كقول حسان بن
ثابت يصف الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويمدحه :
ما إن مدحت
محمدا بمقالتي
|
|
لكن مدحت
مقالتي بمحمد
|
أخذه أبو تمام
فأكمل معناه واسترق شيئا من لفظه على القلة ، فقال :
ولم أمدحك
تفخيما لشعري
|
|
ولكنّي مدحت
بك المديحا
|
وقال عن الوجه
الثالث : «أن يؤخذ بعض المعنى» كقول بعض الشعراء :
عطاؤك زين
لامرىء إن حبوته
|
|
ببذل وما كلّ
العطاء يزين
|
|
وليس بشين
لامرىء بذل وجهه
|
|
اليك كما بعض
السؤال يشين
|
أخذه أبو تمام
ونقص من معناه بعض النقصان فقال :
تدعى عطاياه
وفرا وهي إن شهرت
|
|
كانت فخارا
لمن يعفوه مؤتنفا
|
ما زلت
منتظرا أعجوبة زمنا
|
|
حتى رأيت
سؤالا يجتني شرفا
|
السّهولة :
السهل نفيض
الحزن ، والسهولة ضد الحزونة ، والسهل كل شيء الى اللين وقلة الخشونة. يقال :سهل
سهولة وسهّله : صيّره سهلا .
أدخل
المتأخّرون السهولة في بديعياتهم وقال الحموي : «السهولة ذكرها التيفاشي مضافة الى
باب الظرافة وشركها قوم بالانسجام. وذكرها ابن سنان الخفاجي في كتاب «سر الفصاحة»
فقال في مجمل كلامه : «هو خلوص اللفظ من التكلف والتعقيد والتعسف في السبك». وقال
التيفاشي : «السهولة أن يأتي الشاعر بألفاظ سهلة تتميز على ما سواها عند من له
أدنى ذوق من أهل الأدب. وهي تدلّ على رقة الحاشية وحسن الطبع وسلامة الرويّة .
__________________
وسمّاها المدني
«التسهيل» ، وذكر مثل ما قاله الحموي عن «السهولة» وقد تقدّم
التسهيل.
ومن أحسن أمثلة
هذا النوع قول بعضهم :
ألست وعدتني
يا قلب أنّي
|
|
إذا ما تبت
عن ليلى تتوب
|
فها أنا تائب
عن حبّ ليلى
|
|
فمالك كلّما
ذكرت تذوب؟
|
وقول أبي فراس
الحمداني :
أساء فزادته
الإساءة حظوة
|
|
حبيب على ما
كان منه حبيب
|
يعدّ عليّ
الواشيان ذنوبه
|
|
ومن أي للوجه
المليح ذنوب؟
|
سهولة المخرج :
سهولة المخرج
أن يتحدث الانسان بطلاقة بحيث لا يتكلف أو يتوقف. وقد ذكرها الجاحظ فقال : «وهذه
الصفات التي ذكرها ثمامة بن أشرس فوصف بها جعفر بن يحيى ، كان ثمامة بن أشرس قد
انتظمها لنفسه واستولى عليها دون جميع أهل عصره ، وما علمت أنّه كان في زمانه قروي
ولا بلدي كان بلغ من حسن الإفهام مع قلة عدد الحروف ولا من سهولة المخرج مع
السلامة من التكلف ما كان بلغه. وكان لفظه في وزن إشارته ، ومعناه في طبقة لفظه ،
ولم يكن لفظه الى سمعك بأسرع من معناه الى قلبك» .
سوء الاتّباع :
سوء الاتباع من
باب السرقات وقد قال ابن رشيق : «وسوء الاتّباع أن يعمل الشاعر معنى رديا ولفظا
رديا مستهجنا ثم يأتي من بعده فيتبعه فيه على رداءته» كقول أبي تمام :
باشرت أسباب
الغنى بمدائح
|
|
ضربت بأبواب
الملوك طبولا
|
وقال المتنبي :
إذا كان بعض
الناس سيفا لدولة
|
|
ففي الناس
بوقات لها وطبول
|
سوء الرصف :
قال العسكري : «وسوء
الرصف تقديم ما ينبغي تأخيره منها وصرفها عن وجوهها وتغيير صيغتها ومخالفة
الاستعمال في نظمها» وهو سوء النظم ، ومن ذلك المعاظلة كقول الفرزدق :
تعال فإن
عاهدتني لا تخونني
|
|
نكن مثل من
يا ذئب يصطحبان
|
فقد تراكبت
الكلمات في الشطر الثاني. ومثله قوله أيضا للوليد بن عبد الملك :
الى ملك ما
أمّه من محارب
|
|
أبوه ولا
كانت كليب تصاهره
|
وقوله يمدح
هشام بن اسماعيل :
وما مثله في
الناس إلا مملّكا
|
|
أبو أمّه حيّ
أبوه يقاربه
|
سوق المعلوم
مساق غيره :
هو تجاهل
العارف وقد تقدّم ، والذي سمّاه «سوق المعلوم مساق غيره» السّكّاكي ، قال : «ولا
أحبّ تسميته بالتجاهل» .
__________________
سياقة الأعداد :
هذا الفن هو
الأعداد وسياقة العدد أو التعديد وقد تقدّم.
سياقة العدد :
هو الأعداد
وسياقة الأعداد ، والتعديد ، وقد تقدّم.
__________________
الشين
شبه كمال
الاتّصال :
شبه كمال
الاتّصال من مسائل الفصل والوصل ، وهو أن تكون الجملة الثانية في الفصل بمنزلة
المتصلة بالأولى لكونها جوابا عن سؤال اقتضته الأولى فتنزّل منزلته فتنفصل الثانية
عنها كما يفصل الجواب عن السؤال. قال السّكّاكي : «فتنزل ذلك منزلة الواقع ويطلب
بهذا الثاني وقوعه جوابا له فيقطع عن الكلام السابق لذلك. وتنزيل السؤال بالفحوى
منزلة الواقع لا يصار اليه إلا لجهات لطيفة ، إما لتنبيه السامع على موقعه أو
لاغنائه أن يسأل ، أو لئلا يسمع منه شيء ، أو لئلا ينقطع كلامك بكلامه ، أو للقصد
الى تكثير المعنى بتقليل اللفظ وهو تقدير السؤال وترك العاطف أو غير ذلك مما ينخرط
في هذا السلك. ويسمّى النوع الأول قطعا والثاني استئنافا» .
والاستئناف
ثلاثة أضرب : لأنّ السؤال الذي تضمنته الجملة الاولى إما عن سبب الحكم فيها مطلقا
كقول الشاعر :
قال لي : كيف
أنت؟ قلت عليل
|
|
سهر دائم
وحزن طويل
|
أي : ما بالك
عليلا وما سبب علتك؟ وإما عن سبب خاص كقوله تعالى : (وَما أُبَرِّئُ
نَفْسِي ، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) كأنه قيل : هلى النفس أمّارة بالسوء؟ فقيل : إنّ النفس
لأمارة بالسوء.
وإما عن غيرهما
كقوله تعالى : (قالُوا : سَلاماً
قالَ : سَلامٌ) كأنه قيل : فماذا قال ابراهيم عليهالسلام؟
فقيل : قال :
سلام.
ومنه قول
الشاعر :
زعم العواذل
أنّني في غمرة
|
|
كذبوا ، ولكن
غمرتي ، لا تنجلي
|
فانه لما أبدى
الشكاية من جماعات العذّال كان ذلك مما يحرك السامع ليسأل : أصدقوا في ذلك أم
كذبوا؟
فأخرج الكلام
مخرجه إذا كان ذلك قد قيل له ، ففصل.
ومنه قول
المتنبي :
وما عفت
الرياح لهم محلّا
|
|
عفاه من حدا
بهم وساقا
|
فإنّه لما نفى
الفعل الموجود عن الرياح كان مظنة أن يسأل عن الفاعل.
وقد يحذف صدر
الاستئناف لقيام قرينة كقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها
بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ، رِجالٌ) فيمن قرأ (يُسَبِّحُ) مبنيا للمفعول.
وقد يحذف
الاستئناف كله ويقام ما يدل عليه مقامه كقول الحماسي :
زعمتم أنّ
أخوتكم قريش
|
|
لهم إلف وليس
لكم إلاف
|
__________________
حذف الجواب
الذي هو «كذبتم في زعمكم» وأقام قوله «لهم إلف وليس لكم إلاف» مقامه لدلالته عليه.
ويجوز أن يقدر
قوله : «لهم إلف وليس لكم إلاف» جوابا لسؤال اقتضاه الجواب المحذوف ، كأنه لما قال
المتكلم : «كذبتم» قالوا : «لم كذبنا؟» فقال : «لهم إلف وليس لكم إلاف» فيكون في
البيت استئنافان.
وقد يحذف ولا
يقام شيء مقامه كقوله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ*) أي : أيوب أو هو ، لدلالة ما قبل الآية وما بعدها عليه.
ونحوه قوله تعالى : (فَنِعْمَ
الْماهِدُونَ) أي : نحن .
شبه كمال
الانقطاع :
وهو أن تكون
الجملة الثانية في الفصل بمنزلة المنقطعة عن الاولى ؛ لأنّ عطفها عليها موهم
لعطفها على غيرها ويسمّى الفصل لذلك قطعا ، ومثاله قول الشاعر :
وتظنّ سلمى
أنني أبغي بها
|
|
بدلا أراها
في الضّلال تهيم
|
لم يعطف «أراها»
على «تظن» لئلا يتوهم السامع أنّه معطوف على «أبغي» لقربه منه مع أنّه ليس بمراد ،
ويحتمل الاستئناف.
وقسّم السكاكي
القطع الى قسمين :
الأول : القطع
للاحتياط وهو ما لم يكن لمانع من العطف كما في البيت : «وتظن سلمى ...».
الثاني : القطع
للوجوب ، وهو ما كان لمانع كقوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ
بِهِمْ) لأنّه لو عطف لعطف إما على جملة (قالُوا) وإما على جملة (إِنَّا مَعَكُمْ) وكلاهما لا يصحّ. وكذا قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ).
وللقزويني في
ذلك نظر لجواز أن يكون المقطوع في المواضع الثلاثة معطوفا على الجملة المصدّرة
بالظرف ، وهذا القسم لم يبين امتناعه .
شجاعة العربيّة
:
شجع شجاعة :
اشتد عند البأس ، والشجاعة شدة القلب في البأس .
شجاعة العربية
هو الالتفات وقد تقدّم ، وكان ابن جني قد سماه كذلك وتبعه ابن الأثير وابن الأثير الحلبي ، غير أنّهما عدّا الالتفات أحد أنواعه ، ومن ذلك أيضا
عكس الظاهر ، وتأنيث المذكّر ، وتذكير المؤنّث ، وتصوّر معنى الواحد للجماعة ،
ومعنى الجماعة للواحد ، وتقدّم المفعول على الفعل ، وتقديم الظروف على المظروف ،
وتقديم الخبر على المبتدأ ، ونوع الاستفهام ، وتقديم الظلمات على النور ، والتقديم
بالذات ، وتقديم السببية ، وتقديم الرتبة ، وتقديم الشرف ، وتقديم الأكثر على
الأقل. ولكنّ هذه الموضوعات ـ ما عدا ـ الالتفات أدخلها البلاغيون في أبواب أخرى
تتصل بها كالتقديم والتأخير والتغليب والاستفهام.
وقد ذكر ابن
الأثير أنّ هذا الفن سمي «شجاعة العربية» لأنّ «الشجاعة هي الإقدام وذاك أنّ
الرّجل
__________________
الشجاع يركب ما لا يستطيعه غيره ويتورّد ما لا يتوّرده سواه وكذلك هذا
الالتفات في الكلام فإنّ اللغة العربية تختص به دون غيرها من اللغات» ، وذكر العلوي مثل ذلك عند كلامه على الالتفات .
شجاعة الفصاحة
:
لم يذكر أحد
هذا النوع في البديع ، وهو من مستخرجات ابن جني قال : «هو عبارة عن حذف شيء من
لوازم الكلام وثوقا بمعرفة السامع به» .
وقال الشريف
الرضي : «وكان شيخنا ابو الفتح رحمة الله يسمي هذا الجنس «شجاعة الفصاحة» لأنّ
الفصيح لا يكاد يستعمله إلّا وفصاحته جريّة العنان ، غزيرة الموادّ» ، ومثاله قوله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ
بِالْحِجابِ) أي : الشمس ، ولم يجر لها ذكر ، وقوله : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ
أَقْطارِها) أي : المدينة ، ولم يجر لها ذكر ، وقوله : (إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) أي : الروح ، ولم يجر لها ذكر.
ومنه قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أرجو أن لا يطلع علينا نقابها» يريد نقاب المدينة ولم يجر لها لكنّه أقام علم
المخاطبين بها مقام تصريحه.
ومن ذلك قول
حاتم :
لعمرك ما
يغني الثراء عن الفتى
|
|
إذا حشرجت
يوما وضاق بها الصّدر
|
أي : النفس ،
ولم يجر لها ذكر.
قال المدني : «وأكثر
الأمثلة المذكورة عند علماء المعاني من وضع المضمر موضع المظهر إما لا شتهاره
ووضوح أمره أو لأنّ الذهن لا يلتفت الى غيره أو لغير ذلك من الاعتبارات. وليس من
الحذف في شيء كما لا يخفى لكنّ ابن جني مثّل لهذا النوع بالحديث السابق فكأنه لاحظ
أنّ المتكلم حذف من الكلام مرجع الضمير لعلم السامع به» .
الشّماتة :
الشماتة : فرح
العدوّ ، وقيل : الفرح ببلية العدوّ ، وقيل : الفرح ببليّة تنزل بمن تعاديه ،
والفعل منهما : شمت به يشمت شماتة وشماتا وأشمته الله به .
وهذا النوع من
مستخرجات المصري قال : «هو إظهار المسرة بمن نالته محنة أو أصابته نكبة ولم استمع
في ذلك مثل قول ابن الرومي :
لا زال يومك
عبرة لغدك
|
|
وبكت بشجو
عين ذي حسدك
|
فلئن بكيت
لطالما نكبت
|
|
بك همّة لجأت
الى سندك
|
لو تسجد
الأيّام ما سجدت
|
|
إلا ليوم فتّ
في عضدك
|
يا نعمة ولّت
غضارتها
|
|
ما كان أقبح
حسنها بيدك
|
فلقد غدت
بردا على كبدي
|
|
لمّا غدت
نارا على كبدك
|
ورأيت نعمى
الله زائدة
|
|
لما استبان
النّقص في عددك
|
لم يبق لي مما
برى جسدي
|
|
إلا بقايا
الروح في جسدك
|
وقال المصري : «ولم
أظفر منه في الكتاب العزيز بشيء
__________________
إلا قوله تعالى لفرعون وقد قال فرعون : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا
إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) الى قوله تعالى : (آلْآنَ وَقَدْ
عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) الى قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ
فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها
أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ : ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ
تُكَذِّبُونَ) وعجز الاية أردت. وكقوله سبحانه : (هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ
فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ).
ومن تتبع هذه
المعاني وجدها كثيرة .
__________________
الصاد
صحّة الأقسام :
هو «استيفاء
المتكلّم أقسام المعنى الذي هو آخذ فيه بحيث لا يغادر منه شيئا» وهو التقسيم ، وقد تقدّم.
صحّة الأوصاف :
قال ابن سنان :
«هو أن يمدح الإنسان بما يليق به ولا ينفر عنه» ، ولذلك عيب البحتري في مديحه الخليفة :
لا العذل
يردعه ولا التّ
|
|
عنيف عن كرم
يصدّه
|
وقيل : من هو
الذي يجسر على عذل الخليفة وتعنيفه؟
وعيب عبد
الرحمن القس في قوله :
سلّام ليت
لسانا تنطقين به
|
|
قبل الذي
نالني من صوته قطعا
|
وقيل : هذا
غاية الغلظ والجفاء والمخالفة لعادة أهل الهوى.
وعيب على كثيّر
قوله :
أريد لأنسى
ذكرها فكأنّما
|
|
تمثّل لي
ليلى بكلّ سبيل
|
وقيل : لم أراد
أن ينسى ذكرها حتى تتمّل له؟
صحّة التّشبيه
:
قال ابن سنان :
«هو أن يقال أحد الشيئين مثل الآخر في بعض المعاني والصفات ولن يجوز أن يكون أحد
الشيئين مثل الآخر من جميع الوجوه حتى لا يعقل بينهما تغاير البتة لأنّ هذا لو جاز
لكان أحد الشيئين هو الآخر بعينه وذلك محال وإنّما الأحسن في التشبيه أن يكون أحد
الشيئين يشبه الآخر في أكثر صفاته ومعانيه وبالضد حتى يكون رديء التشبيه ما قلّ
شبهه بالمشبه به» .
ومن التشبيهات
الرائعة قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا
أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ
لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً).
ومن بديع
التشبيه قول النابغة الذبياني :
فإنّك كالليل
الذي هو مدركي
|
|
وإن خلت أنّ
المنتأى عنك واسع
|
صحّة التّفسير
:
صحة التفسير من
أنواع المعاني عند قدامة وقد قال : «هي أن يضع الشاعر معاني يريد أن يذكر أحوالها
في شعره الذي يصنعه فاذا ذكرها أتى بها من غير أن يخالف معنى ما أتى به منها ولا
يزيد أو
__________________
ينقص» .
وصحة التفسير
هو التفسير وقد تقدّم.
صحّة التّقسيم
:
هو صحّة
الأقسام والتقسيم وقد تقدّما.
صحّة المقابلة
:
عدّها قدامة من
أنواع المعاني وأجناسها وقال : «هي أن يصنع الشاعر معاني يريد التوفيق بين بعضها
وبعض أو المخالفة فيأتي في الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف على الصحة أو
بشرط شروطا ويعدد أحوالا في أحد المعنيين فيجب أن يأتي بما يوافقه بمثل الذي شرطه
وعدّده وفيما يخالف باضداد ذلك» ومنه قول الشاعر :
فواعجبا كيف
اتفقنا فناصح
|
|
وفيّ ومطويّ
على الغلّ غادر؟
|
فقد أتى بازاء
كل ما وصفه من نفسه بما يضاده على الحقيقة ممن عاتبه حيث قال بازاء «ناصح» : «مطوي
على الغل» وبازاء «وفي» : «غادر».
وقال ابن سنان
: «هو أن يضع مؤلف الكلام معاني يريد التوفيق بين بعضها وبعض والمخالفة فيأتي في
الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالفه على الصحة» . وقال البغدادي : «هو أن يؤتى بمعان يراد التوفيق بينها
وبين معان أخرى ومضادة فيؤتى في الموافق بموافقه وفي المضاد بمضاده» .
ولا يخرج كلام
المصري عما ذكره قدامة والمتقدمون ، وسيكون التفصيل في «المطابقة» والفرق بينها وبين
الطباق.
صحّة النّسق :
قال ابن سنان
عن صحة النسق والنظم : «هو أن يستمر في المعنى الواحد واذا أراد أن يستأنف معنى
آخر أحسن التخلّص اليه حتى يكون متعلقا بالأول وغير منقطع عنه» .
ومعنى ذلك أنّه
حسن الخروج عند الآخرين ، وقد أوضح ابن سنان ذلك فقال : «ومن هذا الباب خروج
الشعراء من النسيب الى المدح ، فان المحدثين أجادوا التخلص حتى صار كلامهم في
النسيب متعلقا بكلامهم في المدح لا ينقطع عنه ، فأما العرب المتقدمون فلم يكونوا
يسلكون هذه الطريقة وإنّما كان أكثر خروجهم من النسيب إما منقطعا وإما مبنيا على
وصف الابل التي ساروا الى الممدوح عليها».
الصّرف :
هو الالتفات
والانصراف ، وقد سمّاه كذلك ابن وهب الذي قال : «واما الصرف فانه
يصرفون القول من المخاطب الى الغائب ومن الواحد الى الجماعة» . وقد تقدّم الكلام عليه في الالتفات وأشير اليه في
الانصراف.
__________________
الضاد
ضعف التّأليف :
الضّعف والضّعف
: خلاف القوة ، وقيل الضّعف ـ بالضم ـ في الجسد ، والضّعف ـ بالفتح ـ في الرأي
والعقل ، يقال : ضعف يضعف ضعفا وضعفا» .
وضعف التأليف
أن يركب الكلام تركيبا خارجا على الأسلوب المألوف مثل : «ضرب غلامه زيدا» فانّ
رجوع الضمير الى المفعول المتأخر ممتنع عند الجمهور لئلا يلزم رجوعه الى ما هو
متأخر لفظا ورتبة. وقيل : يجوز لقول الشاعر :
جزى ربّه عني
عديّ بن حاتم
|
|
جزاء الكلاب
العاويات وقد فعل
|
وأجيب عنه بأنّ
الضمير لمصدر «جزى» أي : ربّ الجزاء ، كما في قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) أي : العدل.
وضعف التأليف
من الموضوعات التي تحدث عنها البلاغيون في فصاحة الكلام ، وقد قال القزويني : «وأمّا
فصاحة الكلام فهي خلوصه من ضعف التأليف ، وتنافر الكلمات والتعقيد مع فصاحتها» .
__________________
الطاء
الطّاعة
والعصيان :
طاع يطاع وأطاع
: لان وانقاد ، وأطاعه إطاعة وانطاع له كذلك. وقد طاع له يطوع إذا انقاد له ، فاذا
مضى لأمره فقد أطاعه ، فاذا وافقه فقد طاوعه.
والطاعة : اسم
من أطاعه طاعة» . والعصيان خلاف الطاعة.
قال ابن منقذ :
«اعلم أنّ هذا الباب يمتحن به العالم والناقد وتعرف به فضيلة الكاتب والشاعر وهو
أن يريد البيت على ما تقتضيه صناعة النقد فلا يوافقه الوزن فيأتي بما لا يخرج عن
الصناعة. ذكر الشيخ أبو العلاء احمد بن سليمان المعري في كتابه المعروف باللامع
العزيزي في ديوان شعر المتنبي في قوله :
يردّ يدا عن
ثوبها وهو قادر
|
|
ويعصي الهوى
في طيفها وهو راقد
|
قال : أوجبت
عليه الصناعة أن يقول : يردّ يدا عن ثوبها وهو مستيقظ فلم يطاوعه الوزن فلم يخرج
عن الصنعة قوة وقدرة فقال : «قادر» وهو عكس «راقد» في الصورة والمعنى ، أمّا في
الصورة فهو من جناس العكس وأمّا في المعنى فانّ الراقد عاجز وهو ضد القادر فتمّ له
الطباق صورة ومعنى وهذا من الافراد الأفذاذ» .
وأشار
البلاغيون الى أنّ أبا العلاء استنبط هذا الفن عند نظره في شعر المتنبي ، ونقلوا تعريفه ومثاله ، ولذلك قال المصري : «هذا كلام
المعري على هذا البيت ، وهذا المعنى من البديع ولم يأت بشاهد غيره وتبعه الناس بعد
فأثبتوا هذا الباب وتكلموا فيه بمثل هذا الكلام واستشهدوا بهذا البيت ولم يأت أحد
منهم بغيره وأضربوا جميعهم عن النظر فيه إما لحسن ظنهم بالمعري وموضعه من الأدب
واعتقادهم فيه العصمة من الخطأ والسهو فيه وإما أن يكونوا قد مرّ عليهم ما مرّ
عليه في هذا البيت» . وأبدى المصري رأيه في البيت فقال :
والذي ذهب
عليهم أنّ البيت ليس فيه شيء أطاع الشاعر ولا شيء عصاه ، ودليل ذلك أنّ قول المعري
إنّ المتنبي أراد مستيقظا ليحصل منها ومن لفظة «راقد» طباق فعصته لفظة مستيقظ
لامتناعها من الدخول في هذا الوزن فيحكم على المتنبي لأنّه لو أراد أن يكون في
بيته طباق فحسب كان له أن يقول : يردّ يدا عن ثوبها وهو ساهر أو ساهد ، ويحصل له
غرضه من الطباق بالجمع بين «ساهر» و «راقد» ولا يكون عصاه شيء وأطاعه غيره ،
وإنّما المتنبي قصد أن يكون في بيته طباق وجناس فعدل
__________________
عن لفظة «ساهر» و «ساهد» الى لفظة «قادر» لأنّ القادر ساهر وزيادة ، إذ ليس
كل ساهر قادرا والقادر لا بدّ أن يكون ساهرا ليحصل بين «قادر» و «راقد» طباق معنوي
وجناس عكس». ثم قال : «فقد تبين من هذا البحث أنّ بيت المتنبي هذا لا يصلح أن يكون
شاهدا على هذا الباب لأنّه لم يعصه فيه شيء ولم يطعه غيره ، ولا بدّ إذ قد أثبت
هذا الباب لرشاقة تسمية من الاتيان بشاهد يليق به والذي يليق به من الشواهد قول
عوف بن محلم السعدي :
إنّ الثمانين
ـ وبلغتها ـ
|
|
قد أحوجت
سمعي الى ترجمان
|
لانا نعلم أنّ
أول ما يقصده المتكلم اخراج معناه في لفظ مساو له إذ هو خير ضروب البلاغة لكونه
وسطها وخير الأمور أوساطها ... فاذا اضطر الوزن الى الزيادة على اللفظ او النقص
منه اضطرارا فقد عصته المساواة وأطاعه غيرها».
الطّباق :
هو التضادّ
والتطبيق والتكافؤ والمطابقة والمقاسمة ، وقد تقدّم في التضادّ.
طباق الإيجاب :
هو الجمع بين
الشيء وضدّه ، وقد تقدّم في التضادّ.
طباق التّرديد
:
هو أن يرد آخر
الكلام المطابق على أوّله فان لم يكن الكلام مطابقا فهو ردّ الأعجاز على الصدور .
وقد تقدّم في
التضادّ.
الطّباق
الحقيقيّ :
هو ما كان
بألفاظ الحقيقة سواء كان من اسمين أو فعلين أو حرفين . وقد تقدم في التضاد.
الطّباق الخفيّ
:
هو الجمع بين
معنيين يتعلّق أحدهما بما يقابل الآخر نوع تعلّق مثل السببية واللزوم . وقد تقدّم في التضادّ.
طباق السّلب :
هو الجمع بين
فعلي مصدر واحد مثبت ومنفي أو أمر ونهي . وقد تقدّم في التضادّ.
الطّباق
المجازيّ :
هو ما كان
بألفاظ المجاز ، وقد تقدّم في التضادّ.
__________________
الطّباق
المعنويّ :
هو مقابلة
الشيء بضده في المعنى لا في اللفظ ، وقد تقدّم في التضادّ.
الطّرد والعكس
:
الطّرد :
الإبعاد ، والطرد : الشّلّ ، وطردت الرجل : اذا نحيته ، واطّرد الشيء : تبع بعضه
بعضا وجرى ، واطّرد الأمر : استقام ، واطّرد الكلام : اذا تتابع.
وعكس الشيء
يعكسه عكسا فانعكس : رد آخره على أوله .
قال ابن الأثير
: «هو أن يجعل المشبه به مشبها والمشبه مشبها به ، وبعضهم يسميه غلبة الفروع على
الاصول» .
وهو التشبيه
المعكوس والمقلوب والمنعكس ، وقد تقدم في التشبيه ، ولكنّ السيوطي عرّفه تعريفا
آخر فقال : «قال الطيبي هو أن يأتي بكلامين يقرر الأول بمنطوقه مفهوم الثاني
وبالعكس» كقوله تعالى : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ
الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ
ثَلاثَ مَرَّاتٍ) الى قوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ
وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ). فمنطوق الأمر بالاستئذان في تلك الاوقات خاصة مقرر
لمفهوم رفع الجناح فيما عداها وبالعكس. ومنه قوله تعالى : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) ثم قال السيوطي : «وهذا النوع يقابله في الايجاز نوع
الاحتباك».
طرفا التّشبيه
:
الطّرف :
الناحية من النواحي والطائفة من الشيء ، والجمع أطراف . يطلق على المشبّه والمشبّه به اسم «طرفي التشبيه» وهما
الركنان الأساسيان في التشبيه وينقسم باعتبارهما الى أربعة أقسام :
الأوّل : أن
يكونا حسيين ، والمراد بالحسي ما يدرك هو أو مادته باحدى الحواس الخمس الظاهرة ـ البصر
والسمع والشم والذوق واللمس ـ ومن ذلك قوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ
قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ).
ومنه قول
الشاعر :
وكأنّ أجرام
السماء لوامعا
|
|
درر نشرن على
بساط أزرق
|
وقول الآخر :
لها بشر مثل
الحرير ومنطق
|
|
رخيم الحواشي
لا هراء ولا نزر
|
الثاني : أن
يكونا عقليين لا يدرك واحد منهما بالحسّ بل بالعقل كتشبيه العلم بالحياة ، والجهل
بالموت ، والفقر بالكفر.
الثالث : تشبيه
المعقول بالمحسوس كقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ) ، وقوله : (مَثَلُ الَّذِينَ
كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ).
الرابع : تشبيه
المحسوس بالمعقول ، ومنعه بعضهم لأنّ العقل مستفاد من الحس. قال الرازي : «إنّه
غير جائز لأنّ العلوم العقلية مستفادة من الحواس ومنتهية اليها ولذلك قيل : «من
فقد حسا فقد عقلا». واذا كان المحسوس أصلا للمعقول فتشبيهه به يكون جعلا
__________________
للفرع أصلا وللأصل فرعا وهو غير جائز ، ولذلك لو حاول محاول المبالغة في
وصف الشمس بالظهور والمسك بالطيب فقال : «الشمس كالحجة في الظهور» و «المسك كأخلاق
فلان في الطيب» كان سخيفا من القول» .
وأجازه بعضهم ،
ومن أمثلته قول القاضي التنوخي :
وكأنّ النجوم
بين دجاها
|
|
سنن لاح
بينهنّ ابتداع
|
وقول أبي طالب
الرقي :
ولقد ذكرتك
والظلام كأنّه
|
|
يوم الندى
وفؤاد من لم يعشق
|
وقول الآخر :
ربّ ليل
كأنّه أملي في
|
|
ك وقد رحت
عنك بالحرمان
|
وعلل الرازي
حسن هذه التشبيهات بقوله : «واعلم أنّ الوجه الحسن في هذه التشبيهات أن يقدر
المعقول محسوسا ويجعل كالاصل في ذلك المحسوس على طريق المبالغة وحينئذ يصح التشبيه»
. ولم يستطع الرازي أن يتجاوز ذلك بعد أن رأى لمثل هذا اللون أمثلته في
كلام العرب .
الطّلب :
الطلب : محاولة
وجدان الشيء وأخذه. وطلب اليّ طلبا : رغب ، يقال : طلب اليّ فأطلبته أي : أسعفته
بما طلب .
والطلب من
مباحث علم المعاني فقد قسّموا الإنشاء الى قسمين :
الأوّل :
الإنشاء الطلبيّ ، وهو ما يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب ، وهو خمسة انواع :
الأمر ، والنهي ، والاستفهام ، والتمني ، والنداء. ولكل واحد منها كلام في هذا
المعجم.
الثاني :
الإنشاء غير الطلبيّ وهو ما لا يستدعي مطلوبا وله أساليب مختلفة منها :
صيغ المدح
والذم ، ومنها «نعم» و «بئس» كقوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا
الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ
خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ) ، وقوله :(وَلَدارُ الْآخِرَةِ
خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) وقوله :(يَدْعُوا لَمَنْ
ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ).
ومنه قول زهير
في مدح هرم بن سنان :
نعم امرأ هرم
لم تعر نائبة
|
|
إلّا وكان
لمرتاع لها وزرا
|
ومنها «حبّذا» و
«لا حبّذا» كقول جرير :
يا حبذا جبل
الريان من جبل
|
|
وحبذا ساكن
الريّان من كانا
|
وحبذا نفحات
من يمانية
|
|
تأتيك من قبل
الريّان أحيانا
|
ومنها الأفعال
المحوّلة الى «فعل» مثل قوله تعالى : (كَبُرَتْ كَلِمَةً
تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) والتعجب :وله صيغتان قياسيتان هما : «ما أفعله» كقوله
تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ
ما أَكْفَرَهُ) ، وقوله : (فَما أَصْبَرَهُمْ
عَلَى النَّارِ) وقول الشاعر :
__________________
فما أكثر
الإخوان حين تعدّهم
|
|
ولكنّهم في
النائبات قليل
|
وقول الأخر :
بنفسي تلك
الأرض ما أطيب الربى
|
|
وما أحسن
المصطاف والمتربّعا
|
و «أفعل به»
كقوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ
وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا). ويأتي سماعيا كقولهم : «لله درّه عالما».
والقسم : ويكون
بالواو والتاء والباء كقوله تعالى : (وَالضُّحى.
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) وقوله : (تَاللهِ لَقَدْ
آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) ، ومثل قولنا «أقسم بالله إنّي بريء».
ومن صيغ القسم
التي تأتي كثيرا «لعمر» كقوله تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ
لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ).
وقول الشاعر :
لعمرك ما
أدري وإنّي لأوجل
|
|
على أيّنا
تعدو المنيّة أوّل
|
والرّجاء ؛ وهو
طلب حصول أمر محبوب قريب الوقوع ، والحرف الموضوع له «لعلّ» كقوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى
إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ
أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ، إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
وَكِيلٌ).
وقول ذي الرّمة
:
لعلّ انحدار
الدمع يعقب راحة
|
|
من الوجد او
يشفي نجيّ البلابل
|
أما الافعال
التي تستعمل في هذا الاسلوب فهي «عسى» كقوله تعالى : (فَعَسَى اللهُ أَنْ
يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) ، وقول الشاعر :
عسى الكرب
الذي أمسيت فيه
|
|
يكون وراءه
فرج قريب
|
و «حرى» مثل : «حرى
محمد أن يقوم».
و «أخلولق» مثل
: «اخلولقت السماء أن تمطر».
وتسمّى هذه
الثلاثة «أفعال الرجاء».
وصيغ العقود :
مثل «بعت» و «اشتريت» و «وهبت» و «قبلت». وهذه أساليب خبرية لكنّها لا يراد بها
الاخبار لأنّها لا تحتمل الصدق والكذب ولذلك لم توضع مع الخبر.
ولا يهتمّ
البلاغيون بهذه الأساليب الانشائية لقلة الاغراض المتعلقة بها ، ولأنّ معظمها
أخبار نقلت من معانيها الاصلية ، وأما الانشاء الذي يعنون به فهو الطلبي لما فيه
من تفنن في القول ولخروجه عن أغراضه الحقيقية الى أغراض مجازية .
الطّيّ والنّشر
:
الطيّ ، نقيض
النشر ، طويته طيا وطية الطيّ والنشر هو اللفّ والنشر ، وقد سمّاه بذلك الحموي ، ولكنّ معظم البلاغيين يسمونه : «اللف والنشر». وكان
المبرد من أوائل الذين التفتوا الى هذا النوع وقال : «والعرب تلف الخبرين
المختلفين ثم ترمي بتفسيرهما جملة ثقة بأنّ السامع يردّ إلى كل خبره» كقوله تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ
جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ
فَضْلِهِ) ،
__________________
وكرر الاستشهاد بهذه الآية ، وقال معلقا عليها : «علما بأنّ المخاطبين
يعرفون وقت السكون ووقت الاكتساب» . وقال معلّقا على بيت امرىء القيس :
كأنّ قلوب
الطير رطبا ويابسا
|
|
لدى وكرها
العنّاب والحشف البالي
|
«فهذا مفهوم
المعنى فان اعترض معترض فقال : فهّلا فصل فقال : كأنه رطبا العناب وكأنه يابسا
الحشف؟
قيل له :
العربي الفصيح الفطن اللقن يرمي بالقول مفهوما ويرى ما بعد ذلك من التكرير عيا» .
وسمّاه ابن جني
«المجمل الذي يفصله العلم به» وذكر الآية السابقة : «ومن رحمته جعل لكم الليل
والنهار ...» وبيت امرىء القيس : «كأنّ قلوب الطير ...» وعلق عليهما بمثل تعليق
المبرد ، ثم قال : «وهذا في القرآن والشعر كثير اذا تفطنت له وجدته» . وتحدث ابن سنان عنه في التناسب وقال : «ومن التناسب
ايضا حمل اللفظ على اللفظ في الترتيب ليكون ما يرجع الى المقدم مقدما والى المؤخر
مؤخرا» كقوله الشريف الرضي :
قلبي وطرفي
منك هذا في حمى
|
|
قيظ وهذا في
رياض ربيع
|
فانه لما قدّم «قلبي»
وجب أن يقدّم وصفه بأنّه في حمى قيظ ، فلو كان قال : «طرفي وقلبي منك» لم يحسن في
الترتيب أن يؤخر قوله : «في رياض الربيع» والطرف مقدم.
وقال الزّمخشري
تعليقا على قوله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا
الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) : «شرع ذلك يعني جملة ما ذكر من أمر الشاهد بصوم الشهر
وأمر المرخص له بمراعاة عدة ما أفطر فيه ومن الترخيص في إباحة الفطر. فقوله : (لِتُكْمِلُوا) علة الأمر بمراعاة العدة (وَلِتُكَبِّرُوا) علة ما علم من كيفية القضاء والخروج عن عهدة الفطر ، (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) علة الترخيص والتيسير. وهذا نوع من اللف لطيف المسلك لا
يكاد يهتدي الى تبينه إلا النقاب المحدث من علماء البيان» .
وقال عن قوله
تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ
جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ...) (القصص ٧٣) «زواج بين الليل والنهار لأغراض ثلاثة : لتسكنوا في احدهما وهو
الليل ، ولتبتغوا من فضل الله في الآخر وهو النهار ، ولارادة شكركم» . وقال عن الآية التي بعدها :
(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ
فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ؟) : «وقد سلكت بهذه الآية التي بعدها اللف في تكرير
التوبيخ باتخاذ الشركاء ، إيذان بأن لا شيء أجلب لغضب الله من الإشراك به ، كما لا
شيء أدخل في مرضاته من توحيده» .
فالزمخشري
يسمّي هذا النوع لفّا ، وهو المصطلح الذي تعارف عليه البلاغيون ولكنهم أضافوا اليه
«النشر». قال الرازي : «اللف والنشر هو أن تلف شيئين ثم ترمي بتفسيرهما جملة ثقة
بأنّ السامع يردّ الى كل واحد منهما ماله» .
وأدخله
السّكّاكي في المحسّنات المعنوية وقال : «اللف والنشر ، وهي أن تلف بين شيئين في
الذكر ثم تتبعهما كلاما مشتملا على متعلق بواحد وبآخر من غير تعيين ثقة بأنّ
السامع يردّ كلا منهما الى ما هو له» .
__________________
وتبعه في ذلك ابن مالك والحلبي والنّويري ، والقزويني الذي قال : «هو ذكر متعدد على جهة التفصيل
أو الاجمال ثم ذكر ما لكل واحد من غير تعيين ثقة بأنّ السامع يردّه اليه» ، ثم قال :فالأول ضربان ، لأنّ النشر إما على ترتيب
اللف كقوله تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ
جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ
فَضْلِهِ) ، وقول ابن حيوس :
فعل المدام
ولونها ومذاقها
|
|
في مقلتيه
ووجنتيه وريقه
|
وقول ابن
الرومي :
آراؤكم
ووجوهكم وسيوفكم
|
|
في الحادثات
إذا دجون نجوم
|
فيها معالم
للهدى ومصابح
|
|
تجلو الدّجى
والأخريات رجوم
|
وإما على غير
ترتيبه كقول ابن حيوس :
كيف أسلو
وأنت حقف وغصن
|
|
وغزال لحظا
وقدّا وردفا
|
وقول الفرزدق :
لقد خنت قوما
لولجأت اليهم
|
|
طريد دم أو
حاملا ثقل مغرم
|
لألفيت فيهم
معطيا أو مطاعنا
|
|
وراءك شزرا
بالوشيج المقوّم
|
والثاني :
كقوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ
يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) فان الضمير في (قالُوا) لأهل الكتاب من اليهود والنصارى ، والمعنى وقالت اليهود
: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ، والنصارى :لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى ،
فلفّ بين القولين ثقة بأنّ السامع يردّ الى كل فريق قوله وأمنا من الالتباس ، لما
علم من التعادي بين الفريقين وتضليل كل واحد منهما لصاحبه.
وسار شرّاح
التلخيص على هدي القزويني ، ولم يخرج الآخرون على ما ذكره أو ما أشار اليه
المتقدّمون .
__________________
الظاء
الظّرافة
والسّهولة :
الظّرف ،
البراعة وذكاء القلب ، والظّرف : حسن العبارة ، والحذق بالشيء ، وظرف يظرف.
والسّهل نقيض
الحزن ، والسهولة : ضد الحزونة ، يقال : قد سهل الموضع ، وسهل سهولة .
عقد ابن منقذ
بابا للظّرافة والسهولة ولم يعرّفهما بل قال : «اعلم أنّ أشعار العرب والمحدثين قد
ورد فيهما الظريف السهل» كقول بعضهم :
هوى صاحبي
ريح الشّمال اذا جرت
|
|
وأشهى لقلبي
أن تهبّ جنوب
|
يقولون لو
عزّيت قلبك لارعوى
|
|
فقلت وهل
للعاشقين قلوب؟
|
وقول الآخر :
اذا ما ظمئت
الى ريقها
|
|
جعلت المدامة
منه بديلا
|
وأين المدامة
من ريقها
|
|
ولكن أعلّل
قلبا عليلا
|
وسمّاها الحموي
«السهولة» وقال : «ذكرها النيفاشي مضافة الى باب الظرافة» وسمّاها المدني «التسهيل» ونقل ما ذكره الحموي . وقد تقدم التسهيل والسهولة.
__________________
العين
العاطل :
عطلت المرأة
تعطل عطلا وعطولا وتعطّلت إذا لم يكن عليها حلي ولم تلبس الزينة وخلا جيدها من
القلائد. وامرأة عاطل .
والعاطل من
الكلام هو الذي لا يكون كثير التحلية بالأسجاع والفواصل ، قال الكلاعي : «وإنما
سمّينا هذا النوع العاطل لقلة تحليته بالاسجاع والفواصل ، وهذا النوع هو الأصل
والتجمل بكثرة السجع فرع طارئ عليه» .
وذكر ابن شيث
القرشي نوعا من السجع سمّاه العاطل وقال : «وأما السجع العاطل فهو أن تقابل اللفظة
أختها ولا تجمع بينهما القافية» . وقد تقدم في التسجيع او السجع.
العامّ والخاصّ
:
هو استعمال
العام في النفي والخاص في الاثبات ، وقد تقدم.
العبث :
عبث به عبثا
لعب فهو عابث لاعب بما لا يعنيه وليس من باله ، والعبث ، أن تعبث بالشيء .
قال ابن منقذ :
«هو أن يقصد الشاعر شيئا من بين أشياء من غير فائدة في ذلك» .
كقول النابغة
الذيباني :
فإنّك كالليل
الذي هو مدركي
|
|
وإن خلّت أنّ
المنتأى عنك واسع
|
عاب النقّاد
اختصاصه الليل دون النهار وقالوا : إنّ الليل والنهار في هذا سواء.
قال ابن منقذ :
«ولقد غلط النقاد الذين عابوا ذلك ، وذلك أنّ الأمر اذا كان محتملا لمعنيين اختص
أحدهما الذي هو أشبه والأرجح. ومعلوم أنّ هذا الشعر في حال الخوف والليل بحال
الخوف أولى لانه يشبه الاستتار والاختفاء فزال الاعتراض عن هذا البيت ، وصار مثل
قول الغزي :
وبتنا نذود
الوحش عنا كأنّنا
|
|
قتيلان لم
يعلم لنا الناس مصرعا
|
تجافي عن
المأثور بيني وبينها
|
|
وتدني عليّ
السابريّ المضلّعا
|
إذا أخذتها
هزّة الرّوع أمسكت
|
|
بمنكب مقدام
على الرّوع أروعا
|
لما احتمل
المأثور أن يكون الحديث والسيف
__________________
كان حمله على السيف أولى ، لأنّ الحال حال خوف بدليل قوله : «هزة الروع»
ولأنّه أراد العفة عنها بوضعه السيف بينهما» .
عتاب المرء
نفسه :
عتب عليه يعتب
ويعتب عتبا وعتابا : وجد عليه ، وعاتبه عتابا ومعاتبة : لامه .
ذكر المصري أنّ
«عتاب المرء نفسه» من إفراد ابن المعتز وتابعه في ذلك الحلبي والنّويري وصفي الدين الحلي في
بديعيته والحموي والمدني .
وليس الأمر
كذلك لأنّ ابن المعتز لم يذكر هذا الفن في بديعه وإنما تحدث في محاسن الكلام عن «إعنات
الشاعر نفسه في القوافي وتكلفه من ذلك ما ليس له» ، وذكر له أمثلة كقول الشاعر :
يقولون في
البستان للعين لذّة
|
|
وفي الخمر
والماء الذي غير آسن
|
فإن شئت أن
تلقى المحاسن كلّها
|
|
ففي وجه من
تهوى جميع المحاسن
|
وقول الآخر :
عصاني قومي
والرشاد الذي به
|
|
أمرت ومن يعص
المجرّب يندم
|
فصبرا بني
بكر على الموت إنّني
|
|
أرى عارضا
ينهلّ بالموت والدم
|
وهذا هو لزوم
ما لا يلزم لاعتاب المرء نفسه. وكان البيتان الاخيران مثار جدل البلاغيين مع أنّ
ابن المعتز ذكرهما في إعنات الشاعر نفسه في القوافي ، أي لزوم ما لا يلزم. قال
المصري : «وما أرى في هذين البيتين من عتاب المرء نفسه إلا ما يتحيل به لمعناهما
فيقدر أنّ هذا الشاعر لما أمر بالرشد وبذل النصح ولم يطع ندم على بذل النصيحة لغير
أهلها وملزوم ذلك عتابه لنفسه فيكون دلالة البيتين على عتابه لنفسه دلالة التزام
لا دلالة مطابقة ولا تضمين. ومثل هذين البيتين قول دريد بن الصمة :
نصحت لعرّاض
وأصحاب عارض
|
|
ورهط بني
السّوداء والقوم شهّدي
|
قلت لهم ظنوا
بألفي مدجّج
|
|
سراتهم في
الفارسيّ المسرّد
|
فلما عصوني
كنت منهم وقد أرى
|
|
غوايتهم
وأنّني غير مهتسد
|
وما أنا إلا
من غزيّة إن غوت
|
|
غويت وإن
ترشد غزيّة أرشد
|
أمرتهم أمري
بمنعرج اللّوى
|
|
فلم يستبينوا
النصح إلّا ضحى الغد
|
ولا يصلح أن
يكون شاهد هذا البيت إلا قول شاعر الحماسة :
أقول لنفسي
في الخلاء ألومها
|
|
لك الويل ما
هذا التجلّد والصّبر
|
وكقول ابن
السليماني من شعراء الحماسة :
لعمرك إني
يوم سلع للائم
|
|
لنفسي ولكن
ما يردّ التّلوّم
|
أأمكنت من
نفسي عدوّي ضلة
|
|
ألهفي على ما
فات لو كنت أعلم
|
وقد جاء من هذا
الباب في كتاب الله قوله سبحانه وتعالى : (يا حَسْرَتى عَلى ما
فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) والله أعلم» .
وقال مثل ذلك
الحلبي والنّويري والحموي
__________________
والمدني ، ولم يشر السيوطي الى مثل ما أشاروا ولم يعرف هذا
النوع وإنّما قال إنّ منه قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَعَضُّ
الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ
سَبِيلاً. يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ
أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ
خَذُولاً) وقوله تعالى : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ
يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ).
ولم يعجب هذا
النوع بعضهم فقال صفي الدين في شرح بديعيته : «هذا النوع أدخله ابن المعتز في
البديع وليس في شيء منه بل هو حكاية حال واقعة ولم يمكني أن أخلّ بذكره» . وقال الحموي : «هذا النوع ـ أعني عتاب المرء نفسه ـ لم
أجد العتب مرتّبا إلّا على من أدخله في البديع وعدّه من أنواعه ، وليس بينهما نسبة
والذوق السليم أعدل شاهد على ذلك ولو لا أنّ الشروع في المعارضة ملزم ما نظمت حصاة
مع جواهر هذه العقود ونهاية أمره أنّه صفة لحال واقعة ليس تحتها كبير أمر» .
العرض
والتّحضيض :
عرض الشيء عليه
يعرضه عرضا : أراه إيّاه.
وحضّ يحضّه حضا
: حثه على فعل شيء ، وحضضت القوم على القتال : حرضتهم . قال ابن فارس : «العرض والتحضيض متقاربان إلا أنّ
العرض أرفق والتحضيض أعزم وذلك قولك في العرض : «ألا تنزل؟ ألا تأكل؟»
العسف :
العسف : السير
بغير هداية والأخذ على غير الطريق ، وكذلك التّعسف والاعتساف. والعسف :ركوب
المفازة وقطعها بغير قصد ولا هداية ولا توخي صوب ولا طريق مسلوك ، وعسف المفازة
:قطعها. والعسف : ركوب الأمر بلا تدبير ولا رويّة عسفه يعسفه عسفا ، وعسف فلان
فلانا : ظلمه .
قال ابن منقذ :
«وقد جاء في أشعار العرب المتقدمين وقلّ في أشعار المتأخرين» ومن ذلك :
أحبّ بلاد
الله ما بين منعج
|
|
إليّ وسلمى
أن يصوب سحابها
|
تفسيره : أحب
بلاد الله إليّ ما بين منعج وسلمى.
ومثله قول
الفرزدق :
وما مثله في
الناس مملكا
|
|
أبو أمّه حيّ
أبوه يقاربه
|
أي : وما مثله
في الناس حي يقاربه إلّا مملكا أبو أمه أبوه.
وهذا من
التعقيد الذي تحدّث عنه البلاغيون في مباحث الفصاحة.
عطف الأوائل
على الأواخر :
ذكر المرزوقي
هذا المصطلح ، ولعلّه يريد به ردّ العجز على الصّدر.
عطف المظهر على
ضميره :
قال ابن الأثير
: «وهذا إنّما يعمد اليه لفائدة ، وهي تعظيم شأن الأمر الذي أظهر عنده الاسم
__________________
المضمر أولا» كقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا
كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ
يَسِيرٌ. قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ
اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ). فقد صرح باسمه تعالى في قوله : (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ
الْآخِرَةَ) مع إيقاعه مبتدأ في قوله : (كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) وكان القياس أن يقول : «كيف يبدئ الله الخلق ثم ينشئ
النشأة الآخرة». والفائدة في ذلك أنّه لما كانت الإعادة عندهم من الامور العظيمة
وكان صدر الكلام واقعا معهم في الابداء وقررهم أنّ ذلك من الله احتج عليهم بأنّ
الاعادة إنشاء مثل الابداء واذا كان الله الذي لا يعجزه شيء هو الذي لا يعجزه
الابداء ، فوجب أن لا تعجزه الإعادة.
فللدلالة
والتنبيه على عظم هذا الأمر الذي هو الاعادة أبرز اسمه تعالى وأوقعه مبتدأ ثانيا.
العقد :
العقد : نفيض
الحلّ ، عقده يعقده عقدا وتعقادا وعقدّه .
تحدّث الحاتمي
عن «نظم المنثور» وقال : «ومن الشعراء المطبوعين طائفة تخفي السرق وتلبسه اعتمادا
على منثور الكلام دون منظومه واستراقا للألفاظ الموجزة والفقر الشريفة والمواعظ
الواقعة والخطب البارعة» . وكان ابو العتاهية ومحمود الوراق شديدي اللهج بذلك ،
وقد تقدّم أمثالهما الأخطل ، عمد الى قول بعض اليونانيين : «العشق شغل قلب فارغ»
فنظمه فقال :
وكم قتلت
أروى بلا دية لها
|
|
وأروى لفرّاغ
الرجال قتول
|
ويروى أنّ
النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «اليد العليا خير من اليد السفلى» فنظم أبو
العتاهية بعض هذا اللفظ وأخلّ ببعضه ، فقال :
افرح بما
تأتيه من طيّب
|
|
إنّ يد
المعطي هي العليا
|
وتكلّم عليه
ابن منقذ في باب «الحل والعقد» وقال : «اعلم انّ الحلّ والعقد هو ما يتفاضل فيه
الشعراء والكتاب وهو أن يأخذ لفظا منثورا فينظمه أو شعرا فينثره ويطارحه العلماء
فيما بينهم» .
وقال المصري : «هو
ضدّ الحلّ ؛ لأنّه عقد النثر شعرا. ومن شرائطه أن يؤخذ المنثور بجملة لفظه أو
بمعظمه فيزيد فيه أو ينقص منه أو يحرف بعض كلماته ليدخل به في وزن من أوزان الشعر.
ومتى أخذ معنى المنثور دون لفظه كان ذلك نوعا من أنواع السرقات بحسب الآخذ الذي
يوجب استحقاق الأخذ للمأخوذ. ولا يسمّى عقدا إلا إذا أخذ المنثور برمته وإن غيّر
منه بطريق من الطرق التي قدمناها كان المبقّى منه أكثر من المغيّر بحيث يعرف من
البقية صورة الجميع»
وقال القزويني
: «أما العقد فهو أن ينظم نثر لا على طريق الاقتباس» وتبعه البلاغيون في ذلك .
والعقد من
القرآن الكريم كقول أبي نواس :
بنفسي غزال
صار للناس قبلة
|
|
وقد زرت في
بعض الليالي مصلّاه
|
__________________
ويقرأ في المحراب
والناس خلقه
|
|
«وَلا تَقْتُلُوا
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ»
|
فقلت تأمّل ما تقول فإنّها
|
|
لحاظك يا من تقتل الناس عيناه
|
وقول الآخر :
أنلني بالذي
استقرضت خطا
|
|
وأشهد معشرا
قد شاهدوه
|
فإنّ الله
خلّاق البرايا
|
|
عنت لجلال
هيبته الوجوه
|
يقول : «إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ
|
|
إِلى
أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ»
|
والعقد من
الحديث الشريف كقول الإمام الشافعي :
عمدة الخير
عندنا كلمات
|
|
أربع قالهن
خير البريّه
|
ألق المشبهات
وازهد ودع ما
|
|
ليس يعنيك
واعملنّ بنيّه
|
عقد قوله ـ عليهالسلام ـ : «الحلال بيّن والحرام بيّن بينهما أمور مشتبهات»
وقوله : «ازهد في الدنيا بحبك الله» وقوله : «من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه»
وقوله : «إنّما الاعمال بالنيات».
والعقد من كلام
الحكماء كقوله المتنبي :
والظّلم من
شيم النفوس فإن تجد
|
|
ذا عفّة
فلعلّة لا يظلم
|
عقد فيه قول
بعض الحكماء : «الظلم من طبع النفوس وإنما يصدّها عن ذلك إحدى علتين ، إما علة
دينية كخوف المعاد ، أو علّة سياسية كخوف القتل» ـ.
وفرّق المدني
بين الاقتباس والعقد فقال : «إنّ الاقتباس ليس الغرض منه نظم معنى شيء من كلام
الله أو رسوله بل تضمين شيء من ذلك على أنّه ليس منه بخلاف العقد كما عرفته في حدّ
كل منهما» .
وكان قد عرّف
الاقتباس بقوله : «هو تضمين النظم أو النثر بعض القرآن لا على أنّه منه ، بأن لا
يقال : قال الله» أو نحوه فان ذلك حينئذ لا يكون اقتباسا . وعرّف العقد بقوله : «هذا النوع عبارة عن أن يعمد
الشاعر الى شيء من كلام الله أو كلام رسوله أو السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم
، أو كلام الحكماء المشهورين فينظمه بلفظه ومعناه أو معظم اللفظ فيزيد فيه وينقص
منه ليدخل في وزن الشعر ، فإن نظم المعنى دون اللفظ لم يكن عقدا بل نوعا من السرقة
خلافا لمن أدخله في العقد» .
العكس :
عكس الشي يعكسه
عكسا فانعكس ، ردّ آخره على أوّله . والعكس أن يقدّم في الكلام جزء ثم يؤخّر ، ويسمّى التبديل وقد تقدّم. وللعكس معنى آخر وهو أن
يأتي الشاعر الى معنى لنفسه أو لغيره فيعكسه ، قال ابن شيث القرشي : «هو أن يؤتى
بالكلام وعكسه. وكلاهما مفيد كقوله تعالى :
__________________
(يُخْرِجُ الْحَيَّ
مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ). ومن الشعر في فرس :
ولئن أهنت
النّفس في إكرامها
|
|
فبها لي
الإكرام وهي تهان
|
وليس هذا
المعنى بيعيد عن معناه الآخر.
عكس الظّاهر :
قال ابن الأثير
: «هو نفي الشيء بإثباته ، وهو من مستطرفات علم البيان وذلك أنّك تذكر كلاما يدلّ
ظاهره أنّه نفي لصفة موصوف وهي نفي للموصوف أصلا» .
وأدخله ابن
الأثير الحلبي في «شجاعة العربية» وقال : «وحقيقة أن تذكر كلاما يدلّ ظاهره على
معنى ويراد به معنى آخر عكسه» . كقوله تعالى : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ
اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ). فهذا يدلّ ظاهره على أنّ هناك من يدعو مع الله إلها
آخر وله به برهان ، وما المراد ذلك بل المراد أنّ كل من يدعو مع الله إلها آخر لا
برهان له به.
ومن أمثلته ما
قاله علي بن ابي طالب ـ رضياللهعنه ـ في وصف مجلس الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لا تنثى فلتاته» أي : لا تذاع سقطاته ، فظاهر هذا
اللفظ أنّه كان ثم فلتات غير أنّها لا تذاع وليس المراد ذلك بل المراد أنّه لم يكن
ثمّ فلتات فتنثى.
وهذا الاسلوب
من أغرب ما توسعت فيه اللغة العربية وأمثلته الشعرية قليلة ولذلك قال ابن الاثير :
«ولقد مكثت زمنا أطوف على أقوال الشعراء قصدا للظفر بأمثلة من الشعر جارية هذا
المجرى فلم أجد إلا بيتا لامرئ القيس وهو :
على لاحب لا
يهتدى لمناره
|
|
إذا سافه
العود الديافيّ جرجرا
|
فقوله : «لا
يهتدى لمناره» أي : أنّ له منارا إلا أنّه لا يهتدى به ، وليس المراد ذلك بل
المراد أنّه لا منار له يهتدى به» .
وذكر بيتا من
نظمه وهو :
أدنين جلباب
الحياء فلن يرى
|
|
لذيولهن على
الطّريق غبار
|
وظاهر هذا
الكلام أنّ هولاء النساء يمشين هونا لحيائهن فلا يظهر لذيولهن غبار على الطريق
وليس المراد ذلك بل المراد أنّهن لا يمشين على الطريق أصلا أي أنّهن مخبئات لا
يخرجن من بيوتهن فلا يكون إذن لذيولهن على الطريق غبار ، وهو أظهر من بيت ابن أحمر
:
لا تفزع
الأرنب أهوالها
|
|
ولا ترى
الضبّ بها ينجحر
|
فإنّ ظاهر
المعنى أنّه كان هناك ضبّ ولكنه غير منجحر ، وليس كذلك بل المعنى أنه لم يكن هناك
ضبّ أصلا. وهذا الفن من التعبير عسر لأنه لا يظهر المعنى فيه.
عكس اللّفظ :
قال قدامة : «إنّه
مثل : «اشكر من انعم عليك وأنعم على من شكرك» ومثل : «إنّ من خوّفك لتأمن خير ممن
أمنك حتى تلقى الخوف». وكقول عمرو بن عبيد : «اللهم أغنني بالفقر اليك ولا تفقرني
بالاستغناء عنك» .
__________________
عكس المعنى :
وهو النوع
الرابع من السرقات عند العلوي ، فقد قسّمها الى النسخ والسلخ والمسخ وعكس المعنى
والزيادة عليه معنى آخر. قال عن عكس المعنى : «وما هذا حاله فهو بالغ في المجد كل
مبلغ ، ومن لطافته ورشاقته يكاد يخرجه عن حدّ السرقة» . ومن ذلك ما قاله أبو الشيص :
أجد الملامة
في هواك لذيذة
|
|
حبّا بذكرك
فليلمني اللّوّم
|
فأخذه المتنبي
وعكس ما قاله عكسا لائقا قال فيه :
أأحبّه وأحبّ
فيه ملامة
|
|
إنّ الملامة
فيه من أعدائه
|
قال العلوي «وما
هذا حاله فإنّه من السرقات الخفية كما أشرنا اليه. وقد قال بعض الحذّاق إنّ ما هذا
حاله بأن يسمّى ابتداعا أحق من أن يسمّى سرقة». ومن هذا ما قاله بعض الشعراء في
صفة الكرام ومدحهم :
لو لا الكرام
وما استنّوه من كرم
|
|
لم يدر قائل
شعر كيف يمتدح
|
وقد سبقه بهذا
المعنى أبو تمّام خلا أنّ ابا تمّام جعله في الكرم وهذا جعله في المدح قال أبو
تمّام في ذلك فأجاد كل الاجادة :
ولو لا خلال
سنّها الشّعر ما درى
|
|
بغاة النّدى
من أين تؤتى المكارم
|
العنوان :
عنت الكتاب
وأعننته لكذا أي عرضته له وصرفته اليه ، وعنّ الكتاب يعنّه عنّا كعنونه بمعنى واحد
مشتق من المعنى. قال اللحياني : عنّنت الكتاب تعنينا وعنيته تعنينا اذا عنونته
ابدلوا من إحدى النونات ياء وسمّي عنوانا لانه يعنّ الكتاب من ناحيته وأصله عنّان
فلما كثرت النونات قلبت احداها واوا ، ومن قال علوان الكتاب جعل النون لاما ؛
لأنّه أخفّ وأظهر من النون ، ويقال للرجل الذي يعرّض ولا يصرّح : قد جعل كذا وكذا
عنوانا لحاجته. قال ابن بري :
والعنوان :
الأثر ، وقال الليث : العلوان لغة في العنوان غير جيدة والعنوان ـ بالضم هي اللغة
الفصيحة .
والعنوان من
مبتدعات المصري قال : «هو أن يأخذ المتكلّم في غرض له من وصف أو فخر أو مدح أو
هجاء أو عتاب أو غير ذلك ثم يأتي لقصد تكميله بألفاظ تكون عنوانا لاخبار متقدمة
وقصص سالفة» .
ومنه قول ابي
نواس :
يا هاشم بن
خديج ليس فخركم
|
|
بقتل صهر
رسول الله بالسّدد
|
أدرجتم في إهاب
العير جثّته
|
|
لبس ما قدّمت
أيديكم لغد
|
إن تقتلوا
ابن أبي بكر فقد قتلت
|
|
حجرا بدارة
ملحوب بنو أسد
|
ويوم قلتم
لعمرو وهو يقتلكم
|
|
قتل الكلاب
لقد أبرحت بالولد
|
وربّ كندّية
قالت لجارتها
|
|
والدّمع
ينهلّ من مثنى ومن وحد
|
ألهى أمرأ
القيس تشبيب بفانية
|
|
عن ثأره
وصفات النؤي والوتد
|
فقد أتى أبو
نواس في هذه الأبيات بعدة عنوانات : منها قصة قتل محمد بن أبي بكر وقتل حجر أبي
امرئ القيس ، وقتل عمرو بن هند كندة في ضمن هجاء قبيلته وملوكهم.
ومثل ذلك قول
أبي تمام في استعطافه مالك بن
__________________
طوق على قومه :
رفدوك في يوم
الكلاب وشقّقوا
|
|
فيه المزاد
بجحفل كلّاب
|
وهم بعين
أباغ راشوا للعدى
|
|
سهميك عند
الحارث الحرّاب
|
وليالي
الثرثار والحشّاك قد
|
|
جلبوا الجياد
لواحق الأقراب
|
فمضت كهولهم
ودبّر أمرهم
|
|
أحداثهم
تدبير غير صواب
|
ورأوا بلاد
الله قد لفظتهم
|
|
أكنافها
رجعوا الى جوّاب
|
فأتوا كريم
الخيم مثلك صافحا
|
|
عن ذكر أحقاد
وذكر ضباب
|
فقد أتى أبو
تمّام في هذه الأيّام من السيرة النبوية وأيام العرب كيوم الكلاب وأخبار بني جعفر
بن كلاب مع ابن عمهم جوّاب.
وفي القرآن
الكثير من عنوانات العلوم ، من ذلك قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى
الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها
مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ
سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) فانّ فيها عنوان العلم المعروف بالآثار العلوية. ومن
ذلك قوله تعالى : (انْطَلِقُوا إِلى
ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ. لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ). فهذا عنوان العلم المنسوب الى اقليدس. لأنّ المثلث
الشكل أول أشكاله وهو أصل الأشكال ، وهو شكل إذا نصب في الشمس لا يوجد له ظل
لتحديد رؤوس زواياه. وأخذ البلاغيون هذا النوع من المصري كالحلبي والنويري وابن
الاثير الحلبي والحموي والسيوطي والمدني . وهذا الفن قريب من التلميح الذي تقدّم ولكنّه أوسع من
التلميح وأبعد مدى ، وقد تحدث العلوي عن الإشارة الى القصص والأخبار في فن «التلميح»
.
__________________
الغين
الغرابة :
غرب : بعد ،
والغريب : الغامض من الكلام ، وكلمة غريبة وقد غربت . قال ابن قيّم الجوزيّة : «الغرابة :هي أن يكون المعنى
مما لم يسبق إليه على جهة الاستحسان فيقال : ظريف وغريب إذا كان عديم المثال أو
قليله. والقرآن العظيم كله سهل ممتنع ألفاظه سهلة ومعانيه نادرة وأسلوبه غريب قد
مازجت القلوب عذوبته وحلت في العيون طلاوته وراق في الاسماع سماعه واستقر في
الطباع انطباعه فلهذا لم يسأم على ترداده ولم تملّه النفوس على دوام إيراده فكل آية
منه حسنة المساق وكل كلمة منه عذبة المذاق وكل معنى منه دقّ ورقّ» . وقال : «ومن هذا النوع في أشعار العرب والمخضرمين
والمتأخرين كثير لا يحصى ، فمن ذلك قول العرب :
هوى صاحبي
ريح الشّمال إذا جرت
|
|
وأشفى لقلبي
أن تهبّ جنوب
|
يقولون لو
عزّيت قلبك لارعوى
|
|
فقلت وهل
للعاشقين قلوب
|
والغرابة عند
ابن قيم الجوزية غير ما ذهب اليه المتأخرون فهي عنده الندرة والروعة وقد قرنها
بالظرافة والسهولة ، أمّا عند الآخرين فهي مما لا يحسن في فصيح الكلام ، وقد
اشترطوا لفصاحة المفرد شروطا هي : خلوصه من تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس
اللغوي والكراهة في السمع.
ويريدون
بالغرابة «أن تكون الكلمة وحشية لا يظهر معناها فيحتاج في معرفته الى أن ينفّر
عنها في كتب اللغة المبسوطة» . ومن ذلك قول عيسى بن عمر وقد سقط عن حماره واجتمع عليه
الناس : «ما لكم تكأكأتم عليّ كتكأكؤكم على ذي جنّة افرنقعوا عني» أي : اجتمعتم ،
تنحّوا.
أو يخرج لها
وجه بعيد كما في قول العجاج : «وفاحما ومرسنا مسرّجا» فانّه لم يعرف ما أراد بقوله
: «مسرّجا» حتى اختلف في تخريجه فقيل هو من قولهم للسيوف : «سريجية» منسوبة الى
قين يقال له «سريج» يريد أنّه في الاستواء والدقة كالسيف السريجيّ» ، وقيل : من
السراج ، يريد أنّه في البريق كالسراج ، وهذا يقرب من قولهم «سرج وجهه» أي :حسن ، و
«سرّج الله وجهه» أي : بهجه وحسّنه.
وكان ابن سنان
قد قال عن فصاحة اللفظة المفردة : «أن تكون الكلمة ـ كما قال أبو عثمان الجاحظ ـ غير
متوعّرة وحشيّة» وذكر عبارة عيسى ابن عمر أو أبي علقمة النحوي وبعض
الأشعار ، كقول أبي تمّام :
لقد طلعت في
وجه مصر بوجهه
|
|
بلا طائر سعد
ولا طائر كهل
|
__________________
فانّ «كهلا»
ههنا من غريب اللغة وقد روي أنّ الاصمعي لم يعرف هذه الكلمة وليست موجودة إلا في
شعر بعض الهذليين وهو قوله :
فلو كان سلمى
جاره أو أجاره
|
|
رياح بن سعد
ردّه طائر كهل
|
وقد قيل : إنّ
الكهل الضخم ، وكهل لفظة ليست بقبيحة التأليف لكنها وحشية غريبة.
الغصب :
الغصب : أخذ
الشيء ظلما ، غضب الشيء يغصبه غصبا واغتصبه فهو غاصب ، غصبه على الشيء : قهره
وغصبه منه ، والاغتصاب مثله .
الغصب أحد
أنواع السرقات وذلك أن يغتصب شاعر أبيات شاعر آخر أو قوله ، وهو مثل صنيع الفرزدق
بالشمردل اليربوعي وقد أنشد في محفل :
فما بين من
لم يعط سمعا وطاعة
|
|
وبين تميم
غير حزّ الحلاقم
|
قال الفرزدق : «والله
لتدعته أو لتدعن عرضك» فقال : «خذه لا بارك الله لك فيه».
وقال ذو
الرّمّة بحضرته : «لقد قلت أبياتا إنّ لها لعروضا وإنّ لها لمرادا ومعنى بعيدا»
قال : «ما قلت؟» فقال : قلت :
أحين أعاذت
بن تميم نساءها
|
|
وجرّدت تجريد
اليماني من الغمد
|
ومدّت بضبعيّ
الرباب ومالك
|
|
ومرو وسالت
من ورائي بنو سعد
|
ومن آل يربوع
زهاء كأنّه
|
|
دجى الليل
محمود النكاية والرمد
|
فقال له
الفرزدق : «إيّاك وإيّاها لا تعودنّ إليها وأنا أحق بها منك». قال : «والله لا
أعود فيها ولا أنشدها أبدا إلا لك» .
غلبة الفروع
على الأصول :
غلبه يغلبه
غلبا وغلبا ، وهي أفصح .
وغلبة الفروع
على الأصول هو التشبيه المعكوس أو المقلوب أو المنعكس وقد تقدم. والذي سمّاه كذلك
ابن جني .
الغلط :
الغلط : أن
تعيا بالشيء فلا تعرف وجه الصواب فيه ، وقد غلط في الأمر يغلط غلطا ، وأغلطه غيره .
قال ابن منقذ :
«الغلط هو أن يغلط في اللفظ وما يغلط في المعنى» . مثل قول زهير :
فينتج لكم
غلمان أشأم كلهم
|
|
كأحمر عاد ثم
ترضع فتفطم
|
أراد أحمر ثمود
وهو عاقر الناقة. وقد احتج له بعض العلماء فقال : «أراد عادا الأخرى لأنّهما عادان»
كما قال الله تعالى : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ
عاداً الْأُولى) فدلّ على أنّ ثمود عاد الاخرى.
وكقول بعض
العرب في الحماسة :
وبيضاء من
نسج ابن داود نثره
|
|
تخيّرتها يوم
اللقاء الملابسا
|
وإنّما الدرع
من نسج داود لا سليمان.
وكان العسكري
قد تحدّث عن الغلط في
__________________
المعاني وذكر أمثلة كثيرة مما وقع فيه الشعراء ، وتحدّث القاضي
الجرجاني عن أغاليط الشعراء وذكر بيت زهير وغيره . وعقد ابن رشيق بابا في أغاليط الشعراء والرواة وذكر مآخذ الأصمعي على زهير والشماخ ومآخذ الآمدي على
البحتري وغير ذلك.
الغلوّ :
غلا في الدين
والأمر يغلو غلوّا ، جاوز حدّه وأفرط ، وفي الحديث : «ايّاك والغلوّ في الدين» أي
التّشدّد فيه ومجاوزة الحد. والغلو : الإعداء ، وغلا بالسهم يغلو غلوا وغلوّا
وغالى به غلاء رفع يده يريد به أقصى الغاية وهو التّجاوز. وغلا السّهم نفسه :
ارتفع في ذهابه وجاوز المدى. والغلوة قدر رمية بسهم وقد تستعمل الغلوة في سباق
الخيل ، والغلوة : الغاية مقدار رمية قال ابن رشيق : «واشتقاق الغلوّ من المغالاة ، ومن غلوة
السهم وهي مدى رميته. يقال : «غاليت فلانا مغالاة وغلاء» إذا اختبرتما أيكما أبعد
غلوة سهم ، ومنه قول النبي ـ عليه الصلاة والسّلام ـ : «جري المذكيات غلاء» وقد جاء في حديث داحس «غلاء» و «غلاب» بالباء أيضا.
واذا قلت : «غلا السعر غلاء» فإنّما تريد أنّه ارتفع وزاد على ما كان ، وكذلك غلت
القدر غليا أو غليانا ، إنّما هو أن يجيش ماؤها ويرتفع» .
والغلوّ أحد
انواع المبالغة وقد سمّاه ابن طباطبا «التشبيهات البعيدة التي لم يلطف أصحابها
فيها ولم يخرج كلامهم في العبارة عنها سلسا عذبا» كقول خفاف بن ندبة :
أبقى لها
التعداء من عتداتها
|
|
ومتونها
كخيوطة الكتّان
|
وكان قدامة من
أوائل الذين أشاروا الى هذا الفن ومصطلحه وقال : «إنّ الغلوّ عندي أجود المذهبين
وهو ما ذهب اليه أهل الفهم بالشعر والشعراء قديما ، وقد بلغني عن بعضهم أنّه قال :
«أحسن الشعر أكذبه» وكذا يرى فلاسفة اليونانيين في الشعر على مذهب لغتهم» .
وقال العسكري :
«الغلوّ تجاوز حدّ المعنى والارتفاع فيه الى غاية لا يكاد يبلغها» .
كقوله تعالى : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) وقوله : (وَلا يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) ، وقول الجعدي :
بلغنا
السّماء مجدنا وسناؤنا
|
|
وإنّا لنرجو
فوق ذلك مظهرا
|
وقول البحتري :
فلو أنّ
مشتاقا تكلّف غير ما
|
|
في وسعه لسعى
إليك المنبر
|
وعدّ
الباقلّاني من البديع «الغلوّ والإفراط» ، وتحدّث ابن رشيق في المبالغة عن هذا النوع ، وقال : «فأما
الغلوّ الذي ينكره من ينكر المبالغة من سائر أنواعها ويقع فيه الاختلاف لا ما سواه
، ولو بطلت المبالغة كلها وعيبت لبطل التشبيه وعيبت الاستعارة الى كثير من محاسن
الكلام» . وعقد للمبالغة بابا
__________________
وقال : «ومن أسمائه أيضا الإغراق والإفراط ومن الناس من يرى أنّ فضيلة
الشاعر إنّما هي في معرفته بوجوه الإغراق والغلوّ ولا أرى ذلك إلّا محالا لمخالفته
الحقيقة وخروجه عن الواجب والمتعارف» ، ثم قال : «وأصحّ الكلام عندي ما قام عليه الدليل وثبت
فيه الشاهد من كتاب الله تعالى ونحن نجده قد قرن الغلو فيه بالخروج عن الحق فقال
جلّ من قائل : (يا أَهْلَ الْكِتابِ
لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِ).
ومنهم من يرى أنّ أحسن الغلوّ ما نطق فيه بـ «كاد» و «كأنّ» و «لو لا»
كقول زهير :
لو كان يقعد
فوق الشمس من شرّف
|
|
قوم بأحسابهم
أو مجدهم قعدوا
|
وقول أبي صخر
الهذلي :
تكاد يدي
تندى اذا ما لمستها
|
|
وينبت في
أطرافها الورق الخضر
|
وقوله تعالى : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) وقوله : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ
لَمْ يَكَدْ يَراها) ، وقوله :(يَكادُ زَيْتُها
يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ).
وفرّق المصري
بين الغلوّ والإغراق لأنّ منهم «من يجعله هو والإغراق شيئا واحدا» وقال : «وقد رأيت من لا يفرّق بين الغلوّ والإغراق
ويجعل التسميتين لباب واحد وهي عندي أنّ معنى البابين مختلف كاختلاف اسميهما إلا
أنّ الإغراق أصله في النزع وأصل في النزع وأصل الغلوّ بعد الرمية وذلك أنّ الرامي
ينصب غرضا يقصد إصابته فيجعل بينه وبينه مدى يمكن معه تحقيق ذلك الغرض فاذا لم
يقصد غرضا معيّنا ورمى السهم إلى غاية ما ينتهي اليه بحيث لا يجد مانعا يمنعه من
استيفاء السهم قوته في البعد سميت هذه الرمية غلّوة فالغلو مشتق منها. ولما كان
الخروج عن الحق الى الباطل يشبه خروج هذه الرمية عن حدّ الغرض المعتاد الى غير حدّ
سمّي غلوّا. قال الله سبحانه وتعالى : (قُلْ يا أَهْلَ
الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِ) وهو لا يعدّ من المحاسن إلا اذا اقترن به ما يقرّ به من
الحق كـ «قد» للإحتمال و «لو» و «لو لا» للامتناع و «كاد» للمقاربة واداة التشبيه
وآلة التشكيك وأشباه ذلك من القرائن اللفظية»
وفرّق ابن
الأثير الحلبي بين الإغراق والغلو والمبالغة فقال : الإغراق والغلوّ والمبالغة هي
ثلاث تسميات متقاربة وردت في باب واحد لقرب بعضها من بعض وسنذكر التمييز بين كل
نوع منها. فاما الإغراق فهو الزيادة في المبالغة حتى يخرجها عن حدّها ... وأما
الغلوّ فهو الزيادة في الخروج عن الحدّ ... وأما المبالغة فهي مشتقّة من «بلغ
المنزل واديا» : جاءه. وحدّها بلوغ القصد من غير تجاوز الحدّ» .
والغلوّ عند
ابن مالك ضربان . مقبول ومردود ، فالمقبول أن لا يتضمّن دعوى كون الوصف
على مقدار غير ممكن الوصف بما هو خارج عن طباق الموصوف. وهو قسمان :
أولاهما
بالقبول ما اقترن به ما يقربه من الحق كقول الشاعر يصف فرسا :
ويكاد يخرج
سرعة عن ظلّه
|
|
لو كان يرغب
في فراق رفيق
|
والقسم الآخر
ما كان غير مقترن ، كقول الشاعر :
__________________
أليس عجيبا
بأنّ امرء
|
|
شديد الجدال
دقيق الكلم
|
يموت وما
علمت نفسه
|
|
سوى علمه
أنّه ما علم
|
واما الغلوّ
المردود فأن يتضمّن دعوى كون الوصف غير ممكن الوصف بما هو خارج عن طباع الموصوف ،
كقول أبي نواس :
وأخفت أهل
الشرك حتى أنّه
|
|
لتخافك
النّطف التي لم تخلق
|
وتحدّث
القزويني عن الغلوّ في المبالغة التي هي أحد أبواب المحسّنات المعنوية وقال «وتحصر
في التبليغ والإغراق والغلوّ ، لأنّ المدعى للوصف من الشدّة أو الضعف إما أن يكون
ممكنا في نفسه أو لا ، الثاني الغلوّ ، والأوّل إمّا أن يكون ممكنا في العادة أيضا
أو لا ، الأوّل : التبليغ والثاني الإغراق» ، والمقبول من الغلوّ أصناف : أحدها : ما أدخل عليه ما
يقرّبه الى الصحة نحو لفظة «يكاد» في قوله تعالى : (يَكادُ زَيْتُها
يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) وقول الشاعر يصف فرسا : ويكاد يخرج سرعة ...».
الثاني : ما
تضمّن نوعا حسنا من التّخيّل كقول المتنبي :
عقدت سنابكها
عليها عثيرا
|
|
لو تبتغي
عنقا عليه لأمكنا
|
والثالث : ما
أخرج مخرج الهزل والخلاعة كقول بعضهم :
أسكر بالأمس
إن عزمت على الش
|
|
رب غدا إنّ
ذا من العجب
|
وتبع القزويني
في هذا المعنى شرّاح التلخيص ، وعدّ العلوي الغلوّ الضّرب الثالث من المبالغة وقال :
«ما كان ممتنعا وقوعه وهو الغلوّ ويكاد المفلقون في الشعر يستعملونه في مدحهم
وهجوهم» .
وسار المدني
على خطا المتأخّرين وقال : «الغلوّ هو أن تدعي لشيء وصفا بالغا حد الاستحالة عقلا
وعادة ، فتبين بهذا أنّ المبالغة دون الإغراق والإغراق دون الغلوّ لما مرّ من أنّ
المدعى في المبالغة ممكن عقلا وعادة وفي الإغراق ممكن عقلا لاعادة ، وفي الغلوّ
مستحيل عقلا وعادة. والغلو إن أفضى إلى الكفر كان قبيحا مردودا وإلّا كان مقبولا ،
والمقبول يتفاوت في الحسن وأحسنه ما دخل عليه ما يقرّبه الى الصحة كـ «كاد» و «لو»
و «لو لا» وحرف التشبيه .
__________________
الفاء
فائدة الخبر :
الفائدة : ما
أفاد الله تعالى العبد من خير يستفيده ويستحدثه ، والفائدة : ما استفدت من علم أو
مال ، أفدت المال أي اعطيته غيري وأفدته : استفدته.
فائدة الخبر هو
الغرض الأساسيّ من إلقاء أسلوب الخبر ، وذلك أنّ قصد المخبر بخبره إفادة المخاطب
نفس الحكم. مثل : «زيد قائم» لمن لا يعلم أنّه قائم.
وهذا هو الأصل
في الخبر إلّا إذا أريد به لازم الفائدة أو خرج الى غرض مجازيّ .
الفرائد :
الفرد : الذي
لا نظير له ، والجمع أفراد ، والفريد والفرائد : الشذر الذي يفصل بين اللؤلؤ
والذهب واحدته فريدة ، والفريد : الدرّ إذا نظم وفصل بغيره ، وقيل : الفريد :
الجوهرة النفسية كأنها مفردة في نوعها ، وفرائد الدر : كبارها.
الفرائد من
مبتدعات المصري ، وهذا النوع مختصّ بالفصاحة دون البلاغة لأنّ «مفهومه إتيان
المتكلّم بلفظة تتنزل من كلامه منزلة الفريدة من حب العقد تدل على عظم فصاحته وقوة
عارضته وشدة عربيته حتى أنّ هذه اللفظة لو سقطت من الكلام لعزّ على الفصحاء
غرامتها» كقوله تعالى : (الْآنَ حَصْحَصَ
الْحَقُ) وقوله : (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا
مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا).
ومنه قول أبي
نواس :
وكأنّ سعدى
إذ تودّعنا
|
|
وقد اشرأبّ
الدّمع أن يكفا
|
فلفظة «اشرأب»
من الفرائد ولا يقع مثلها في الندور ...
وكقوله :
حتى إذا ما
غلا ماء الشباب لها
|
|
وافعمت في
تمام الجسم والعصب
|
فاستعارة الغليان
لماء الشباب من الفرائد البديعة.
وكقول أبي تمام
:
وقدما كنت
معسول الأماني
|
|
ومأدوم
القوافي بالسداد
|
فلفظة «مأدوم»
من الفرائد.
وتبع المصري
المتأخّرون في هذا النوع . وقد سبق أن تحدّث البلاغيون كابن سنان وابن الأثير عن
__________________
الكلمة وتأثيرها وقيمتها ولكنهم لم يسمّوا ذلك «الفرائد» وإنّما أدخلوه في
بحث فصاحة الكلمة المفردة ، ولذلك قال السّيوطي إنّ هذا النوع مختصّ بالفصاحة دون
البلاغة . وذكر المدني مثل ذلك وقال : «هذا النوع يختصّ بالفصاحة
دون البلاغة لأنّه عبارة عن الإتيان بلفظة فصيحة تنزل منزلة الفريدة من القصيدة
وهي الجوهرة التي لا نظير لها تدلّ على عظم فصاحة المتكلّم وقوة عارضته وجزالة
عربيته بحيث لو أسقطت من الكلام عري من الفصاحة» .
فرط الاستقصاء
:
الفرط : كل شيء
جاوز قدره ، وأفرط عليه : حمّله فوق ما يطيق . فرط الاستقصاء هو الدقّة والإفراط في التشبيه أو
الصورة ، وقد تحدّث عبد القاهر عن فرط الاستقصاء في التشبيه وفضل العناية بتأكيد
ما بدىء به ، ومثّل له بقول أبي نواس في صفة البازي :
كأنّ عينيه
إذا ما أثأرا
|
|
فصّان قيضا
من عقيق أحمرا
|
في هامة
غلباء تهدي منسرا
|
|
كعطفة الجيم
بكفّ أعسرا
|
قال عبد القاهر
: «أراد أن يشبّه المنقار بالجيم ، والجيم خطان الأوّل الذي هو مبدؤه وهو الأعلى
والثاني وهو الذي يذهب الى اليسار ، واذا لم توصل فلها تعريق كما لا يخفى ،
والمنقار إنّما يشبه الخطّ الأعلى فقط ، فلمّا كان كذلك كان «كعطفة الجيم» ولم يقل
كالجيم ثم دقق بأن جعلها بكف أعسر لأنّ جيم الأعسر قالوا أشبه بالمنقار من جيم
الأيمن ، ثم إنّه أراد أن يؤكد أنّ الشبه مقصور على الخطّ الأعلى من شكل الجيم
فقال :
يقول من فيها
بعقل فكّرا
|
|
لو زادها
عينا الى فاء ورا
|
فاتصلت
بالجيم صارت جعفرا
|
فأراك عيانا
أنّه عمد في التشبيه الى الخطّ الأوّل من الجيم دون تعريقها ودون الخطّ الأسفل» .
الفساد :
الفساد : نقيض
الصلاح ، فسد يفسد وفسد فسادا .
عقد ابن منقذ
بابا للفساد وقال : «اعلم أنّ الفساد هو فساد المجاورة والتشبيه أو غير ذلك يقصد
الشاعر» مثل قول امرىء القيس :
كأني لم أركب
جوادا للذّة
|
|
ولم اتبطّن
كاعبا ذات خلخال
|
ولم أسبأ
الزقّ الرويّ ولم أقل
|
|
لخيلي كري
كرّة بعد إجفال
|
وحقّه أن يقول
:
كأني لم أركب
جوادا ولم أقل
|
|
لخيلي كرّي
كرّة بعد إجفال
|
ولم أسبأ
الزقّ الرويّ للذّة
|
|
ولم اتبطّن
كاعبا ذات خلخال
|
ومن ذلك قول
المتنبي :
وقفت وما في
الموت شكّ لواقف
|
|
كأنك في جفن
الردى وهو نائم
|
تمرّ بك
الأبطال كلمى هزيمة
|
|
ووجهك وضّاح
وثغرك باسم
|
__________________
وحقّه أن يقول
:
وقفت وما في
الموت شكّ لواقف
|
|
ووجهك وضّاح
وثغرك باسم
|
تمرّ بك
الأبطال كلمى هزيمة
|
|
كأنك في جفن
الردى وهو نائم
|
ومن ذلك قول
بعض العرب :
فإنّك إن
تهجو تميما وترتشي
|
|
سرابيل قيس
أو سحوق العمائم
|
كمهريق ماء
في الفلاة وغرّه
|
|
سراب أذاعته
رياح السمائم
|
وقول الآخر :
فاني وتركي
ندى الأكرمين
|
|
وقدحي بكفي
زندا شحاحا
|
كتاركة بيضها
بالعراء
|
|
وملبسة بيض
أخرى جناحا
|
وحقه أن يكون :
وإني وتركي
ندى الاكرمين
|
|
وقدحي بكفي
زندا شحاحا
|
كمهريق ماء
بالغلاة وغرّه
|
|
سراب أذاعته
رياح السمائم
|
و:
وإنّك إذ
تهجو تميما وترتشي
|
|
سرابيل قيس
أو سحوق العمائم
|
كتاركة بيضها
بالعراء
|
|
وملبسة بيض
أخرى جناحا
|
وكان ابن
طباطبا قد تحدّث عن مثل ذلك في باب تأليف الشعر وما يقع من مشاكلة بين بيت وبيت أو
مصراع ومصراع .
وتحدّث ابن
منقذ في هذا الباب عن فساد التفسير وفساد التجنيس وفساد القسمة وفساد المقابلة
وفساد المجاورة وفساد التشبيه. فمن فساد التفسير قول بعضهم :
فيا أيّها
الحيران في ظلمة الدّجى
|
|
ومن خاف أن
يلقاه بغي من الأذى
|
تعال اليه
تلق من نور وجهه
|
|
دليلا ومن
كفيه بحرا من الندى
|
ومن فساد
التجنيس قول ابي تمام :
ذهبت بمذهبه
السماحة فالتوت
|
|
فيه الطنون
أمذهب أم مذهب
|
ومن فساد
القسمة أو التقسيم قول جرير :
صارت حنيفة
أثلاثا فثلثهم
|
|
من العبيد
وثلث من مواليها
|
ومن فساد
المقابلة قول الأخطل :
إذا التقت
الأبطال أبصرت لونه
|
|
مضيئا وألوان
الكماة خضوع
|
ومن فساد
المجاورة قول أبي الشيص :
وللهوى جرس
ينفي الرقاد به
|
|
فكلّما رمت
نوما حرّك الجرسا
|
ومن فساد
التشبيه قول جميل :
لو كان في
قلبي كقدر قلامة
|
|
حبّا وصلتك
أو أتتك رسائلي
|
فساد التّفسير
:
التفسير هو أن
يستوفي الشاعر شرح ما ابتدأ به مجملا ، وصحة التفسير هو أن يضع معاني يريد أن يذكر
أحوالها في شعره الذي يصنعه فاذا ذكرها أتى بها غير أن يخالف معنى ما أتى به منها
ولا يزيد أو ينقص.
وفساد التفسير
خلاف ذلك وقد تقدّم في التفسير.
__________________
ومثاله قول
بعضهم :
فيا أيّها
الحيران في ظلم الدّجى
|
|
ومن خاف أن
يلقاه بغي من العدى
|
تعال اليه
تلق من نور وجهه
|
|
ضياء ومن
كفيه بحرا من الندى
|
فساد التّقسيم
:
فساد التقسيم
من عيوب المعاني وذلك يكون بتكرار المعنى أو أن يؤتى منها ما يكون بعضه داخلا تحت
بعض أو بأن يخل بما يقتضي المتكلّم فيه استيفاؤه وقد تقدّم في التقسيم.
ومثاله قول
جرير :
صارت حنيفة
أثلاثا فثلثهم
|
|
من العبيد
وثلث من مواليها
|
وعدّ بعضهم هذا
من الاكتفاء ، لأنّ الباقي مفهوم وهو أنّ ثلثهم صرحاء ، وهذا من البلاغة.
فساد المقابلات
:
فساد المقابلات
من عيوب المعانى ، قال قدامة : «هو أن يضع الشاعر معنى يريد أن يقابله بآخر إما
على جهة الموافقة أو المخالفة فيكون أحد المعنيين لا يخالف الآخر ولا يوافقه» . مثاله قول أبي عدي القرشي :
يا ابن خير
الأخيار من عبد شمس
|
|
أنت زين
الدنيا وغيث الجنود
|
فليس قوله : «وغيث
الجنود» موافقا لقوله «زين الدنيا» ولا مضادا ، وذلك عيب ، ومنه قوله أيضا :
رحماء بذي
الصلاح وضرّا
|
|
بون قدما
لهامة الصنديد
|
فليس للصنديد
فيما تقدّم ضد ولا مثل ، ولعله لو كان مكان قوله : «الصنديد» : «الشرير» كان ذلك
جيدا لقوله «ذي الصلاح».
الفصاحة :
أفصح اللّبن :
ذهب اللّبأ عنه ، فصح اللبن : إذا أخذت عنه الرغوة ، أفصح الصبح : بدا ضوؤه
واستبان وكل ما وضح فقد أفصح. الفصاحة : البيان ، يقال : فصح الرجل فصاحة فهو فصيح
، وكلام فصيح : بليغ ، ولسان فصيح : طلق. وفصح الاعجمي فصاحة :تكلم بالعربية وفهم
عنه وقيل : جادت لغته حتى لا يلحن .
وقد وردت
الفصاحة وما يتصل بها في القرآن الكريم فقال سبحانه وتعالى حكاية عن نبيه موسى ـ عليهالسلام ـ : (وَأَخِي هارُونُ هُوَ
أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) وجاءت في قول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش».
ولفظة الفصاحة
في كتاب الله وحديث الرسول العظيم لا تخرج عن معناها اللغوي وهو الظهور والبيان ،
وحينما دخلت هذه اللفظة في الدراسات البلاغية والنقدية ارتبطت بلفظة البلاغة ،
وأصبح البلاغيون لا يفرّقون بينهما في المرحلة الأولى من التأليف ، فالجاحظ لم يضع
حدّا واضحا بينهما وإنما أجراهما بمعنى واحد في مواضيع كثيرة من كتابه «البيان
والتبيين» فقال في تعريف البلاغة : «قال بعضهم ـ وهو أحسن ما اجتبيناه ودوّنّاه ـ لا
يكون الكلام يستحقّ اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه ولفظه معناه. فلا يكون لفظه
الى سمعك أسبق من معناه الى قلبك» . وفي هذا التعريف التقاء
__________________
الفصاحة بالبلاغة والاشارة الى أنّهما شيء واحد. وقد تحدث عن الحروف
وسلامتها وتآلفها وتكلم على تنافرها وغرابتها ووحشيتها ، وهذا ما أدخله المتأخرون
في شروط فصاحة الكلمة المفردة وفصاحة الكلام المركّب.
وتحدّث ابن
قتيبة عن الألفاظ عند كلامه على الشعر وتقسيمه الى أربعة أقسام : ضرب حسن لفظه
وجاد معناه ، وضرب حسن لفظه وحلا فإذا أنت فتشته لم تجد هناك فائدة في المعنى ،
وضرب جاد معناه وقصرت ألفاظه ، وضرب تأخر معناه وتأخر لفظه .
ولم يحدّد شروط
اللفظ الفصيح او البديع. وفعل مثل ذلك المبرّد وثعلب وابن المعتز ، وذكر قدامة نعت اللفظ الحسن ، وهو ما كان سمحا ، وسهل
مخارج الحروف عليه رونق الفصاحة مع الخلو من البشاعة.
وحدّد عيوب
اللفظ وهي أن يكون ملحونا وجاريا على غير سبيل الإعراب واللغة ، وأن يركب الشاعر
منه ما ليس بمستعمل إلا في الفرط ، ولا يتكلم به إلا شاذا وذلك هو الوحشي الذي مدح
عمر بن الخطاب ـ رضياللهعنه ـ زهيرا بمجانبته له وتنكبه اياه فقال : «لا يتبع حوشي
الكلام»
وذكر ابن وهب
بعض ما يتصل باللفظ ، وكان العسكري من أوائل الذين وقفوا طويلا عند الفصاحة
وفرّق بينها وبين البلاغة. وقد ذكر رأيين في الفصاحة ، الأول أنّ الفصاحة والبلاغة
ترجعان الى معنى واحد وإن اختلف أصلاهما لأنّ كل واحدة منهما هي الابانة عن المعنى
والاظهار له. الثاني : أنّهما مختلفتان وذلك أنّ الفصاحة تمام آلة البيان فهي
مقصورة على اللفظ لأنّ الآلة تتعلق باللفظ دون المعنى ، والبلاغة إنما هي إنهاء
المعنى الى القلب فكأنها مقصورة على المعنى.
قال : «وقال
بعض علمائنا : الفصاحة تمام آلة البيان فلهذا لا يجوز أن يسمى الله تعالى فصيحا إذ
كانت الفصاحة تتضمن الآلة ولا يجوز على الله تعالى ـ الوصف بالآلة ويوصف كلامه
بالفصاحة لما يتضمن من تمام البيان. والدليل على ذلك أنّ الألثغ والتمتام لا
يسميان فصيحين لنقصان آلهتما على اقامة الحروف.
وقيل زياد
الاعجم لنقصان آلة نطقه عن إقامة الحروف ، وكان يعبّر عن الحمار بالهمار ، فهو
أعجم وشعره فصيح لتمام بيانه»
وأوضح المسألة
بقوله : «ومن الدليل على أنّ الفصاحة تتضمن اللفظ والبلاغة تتناول المعنى أنّ
الببعاء يسمى فصيحا ولا يسمى بليغا ، إذ هو مقيم الحروف وليس له قصد الى المعنى
الذي يؤديه. وقد يجوز مع هذا أن يسمّى الكلام الواحد فصيحا بليغا إذا كان واضح
المعنى سهل اللفظ جيد السبك غير مستكره مجّ ولا متكلف وخم ولا يمنعه من أحد
الاسمين شيء لما فيه من إيضاح المعنى وتقويم الحروف» . وعقد فصلا في تمييز الكلام تحدث فيه عن صفات الالفاظ
الحسنة وانتهى الى أنّ الكلام اذا جمع العذوبة والجزالة والسهولة والرصانة مع
السلاسة والنصاعة واشتمل على الرونق والطلاوة وسلم من الحيف في التأليف وبعد عن
سماجة التركيب وورد على الفهم الثاقب ـ قبله ولم يرده وعلى السمع المصيب استوعبه
ولم يمجّه ، والنفس تقبل اللطيف وتنبو عن الغليظ .
وعقد ابن سنان
في كتاب «سر الفصاحة» فصولا ضافية تحدّث فيها عن صفات الحروف ومخارجها وفصاحة
اللفظة المفردة والألفاظ المؤلّفة. والفصاحة عنده «الظهور والبيان» والفرق بينها وبين البلاغة «أنّ الفصاحة مقصورة على وصف
الألفاظ والبلاغة لا
__________________
تكون إلّا وصفا للألفاظ مع المعاني. ولا يقال في كلمة واحدة لا تدلّ على
معنى يفضل عن مثلها بليغة وإن قيل فيها فصيحة وكل كلام بليغ فصيح وليس كل فصيح
بليغا» . ولكي تكون اللفظة الواحدة فصيحة ينبغي ان تتوفر فيها
ثمانية اشياء :
الأوّل : أن
يكون تأليف تلك اللفظة من حروف متباعدة المخارج ، ومثال التأليف من الحروف
المتباعدة كثير وجلّ كلام العرب عليه ، أما تأليف الحروف المتقاربة فمثل : «الهعخع».
الثاني : أن
يكون لتأليف اللفظة في السمع حسن ومزية على غيرها وإن تساويا في التأليف من الحروف
المتباعدة كما نجد لبعض النغم والالوان حسنا يتصور في النفس ويدرك بالبصر والسمع
دون غيره مما هو من جنسه. ومثاله في الحروف «ع ذ ب» فان السامع لقولهم : «العذيب»
ـ اسم موضع ـ و «عذيبة» ـ اسم امرأة ـ و «عذب» و «عذاب» و «عذب» و «عذبات» ما لا
يجده فيما يقارب هذه الالفاظ في التأليف. وليس سبب ذلك بعد الحروف في المخارج فقط
ولكنه تأليف مخصوص مع البعد ولو قدّمت الذال او الباء لم تجد الحسن على الصفة
الاولى في تقديم العين على الذال لضرب من التأليف في النغم يفسده التقديم
والتأخير.
الثالث : أن
تكون الكلمة غير متوعرة وحشية كقول أبي تمام :
لقد طلعت في
وجه مصر بوجهه
|
|
بلا طائر سعد
ولا طائر كهل
|
فان «كهلا»
ههنا من غريب اللغة ، وقد روي أنّ الأصمعي لم يعرف هذه الكلمة وليست موجودة إلا في
شعر بعض الهذليين وهو قوله :
فلو أنّ سلمى
جاره أو أجاره
|
|
رياح بن سعد
ردّه طائر كهل
|
وقد قيل : إنّ
الكهل الضخم ، و «كهل» لفظة ليست بقبيحة التأليف لكنّها وحشية غريبة.
الرابع : أن
تكون الكلمة غير ساقطة عامية ، ومثل الكلمة العامية «تفرعن» في قول أبي تمام :
جليت والموت
مبد حرّ صفحته
|
|
وقد تفرعن في
أفعاله الأجل
|
الخامس : أن
تكون الكلمة جارية على العرف العربي الصحيح غير شاذة ويدخل في هذا القسم كل ما
ينكره أهل اللغة ويردّه علماء النحو من التصرف الفاسد في الكلمة.
السادس : أن لا
تكون الكلمة قد عبّر بها عن أمر آخر يكره ذكره فاذا وردت وهي غير مقصود بها ذلك
المعنى قبحت وإن كملت فيها الصفات كقول الشريف الرضي :
اعزز عليّ
بأن أراك وقد خلت
|
|
من جانبيك
مقاعد العوّاد
|
فايراد «مقاعد»
في هذا البيت صحيح إلا أنّه موافق لما يكره ذكره في مثل هذا الشأن لا سيما وقد
أضافه الى من يحتمل إضافته اليهم وهم «العوّاد» ولو انفرد لكان الأمر فيه سهلا
فاما اضافته الى ما ذكره ففيه قبح لا خفاء به.
السابع : أن
تكون الكلمة معتدلة غير كثيرة الحروف فانها متى زادت على الأمثلة المعتادة
المعروفة قبحت وخرجت عن وجه من وجوه الفصاحة ، ومن هذا النوع قول أبي تمام :
فلاذربيجان
اختيال بعد ما
|
|
كانت معرّس
عبرة ونكال
|
سمجت ونبّهنا
على استسماجها
|
|
ما حولها من
نضرة وجمال
|
فكلمتا «اذربيجان»
و «استسماجها» رديئتان لكثرة حروفهما.
الثامن : أن
تكون الكلمة مصغّرة في موضع عبّر بها
__________________
فيه عن شيء لطيف أو خفي أو قليل أو ما يجري مجرى ذلك فإنّها تحسن به كقول
ابن أبي ربيعة :
وغاب قمير
كنت أرجو طلوعه
|
|
وروّح رعيان
ونوّم سمّر
|
وهذا تصغير
مختار في موضعه.
ومعظم هذه
الشروط تدخل في فصاحة الألفاظ المؤلّفة والإخلال بها قد يؤدّي الى زيادة القبح
والتنافر في الكلام ؛ لأنّه حين تكون الألفاظ مجتمعة تحتاج الى دقة في التركيب
واختيار اللطيف منها.
وكانت الفصاحة
والبراعة والبلاغة والبيان ألفاظا مترادفة عند عبد القاهر لأنّها يعبّر بها عن «فضل
بعض القائلين على بعض من حيث نطقوا وتكلّموا وأخبروا السامعين عن الأغراض والمقاصد
وراموا أن يعلموهم ما في نفوسهم ويكشفوا لهم عن ضمائر قلوبهم» .
والفصاحة عنده
تكون في المعنى ، وليس للكلمة المفردة كبير أهمية ، وكثيرا ما تستعمل اللفظة في
موضع فتكون حلوة الجرس عذبة وتستعمل في موضع آخر فتفقد تلك المزية ، وإنّما كان
ذلك «لأنّ المزية التي من أجلها نصف اللفظ في شأننا هذا بأنّه فصيح مزية تحدث بعد
أن لا تكون وتظهر في العلم من بعد أن يدخلها النظم. وهذا شيء إن أنت طلبته فيها
وقد جئت بها أفرادا لم ترم فيها نظما ولم تحدث لها تأليفا طلبت محالا ، وإذا كان
كذلك وجب أن تعلم قطعا أنّ تلك المزية في المعنى دون اللفظ» .
وعرّف الرازي
الفصاحة بأنّها «خلوص الكلام من التعقيد» وأطنب ابن الاثير في الكلام على الفصاحة وناقش ابن سنان
، وعند ما قسّم السكاكي البلاغة لم يعقد مستقلا للفصاحة وإنّما تكلم عليها
بعد أن انتهى من علم البيان ، وقال إنها قسمان : قسم راجع الى المعنى وهو خلوص
الكلام من التعقيد ، وقسم راجع الى اللفظ وهو أن تكون الكلمة عربية أصيلة ، وعلامة
ذلك أن تكون كثيرة الدوران على ألسنة الموثوق بعربيتهم واستعمالها أكثر ، لا مما
أحدثه المولّدون أو أخطأت فيه العامة ، وأن تكون أجرى على قوانين اللغة ، سليمة من
التنافر ، والمراد بتعقيد الكلام أن يعثر صاحبه الفكر في متصرفه ويشيك الطريق الى
المعنى .
واختصر ابن
مالك القسم الثالث من «مفتاح العلوم» وتكلم على الفصاحة وأطلق عليها اسم البديع
وقال : «هو معرفة توابع الفصاحة» وقال إنّ الفصاحة «صوغ الكلام على وجه له توفية
بتمام الافهام لمعناه وتبين المراد منه» ، وقسمها الى معنوية ولفظية وذكر ما في «مفتاح العلوم»
من صفات المعنوية واللفظية ، ثم قسم المعنوية الى مختصة بالافهام والتبيين والى
مختصة بالتزيين والتحسين.
وتحدّث
القزويني عن فصاحة اللفظة المفردة وفصاحة الكلام وقال إنّ الفصاحة تقع صفة للمفرد
فيقال : «كلمة فصيحة» ولا يقال «كلمة بليغة» ووضع للفظة المفردة شروطا هي : خلوصها
من تنافر الحروف ، والغرابة ، ومخالفة القياس اللغوي.
وتحدّث عن
فصاحة الكلام وهي : خلوصه من ضعف التأليف وتنافر الكلمات ، والتعقيد مع فصاحتها .
ولم يخرج شرّاح
التلخيص عما وضع القزويني من شروط للفظة الفصيحة والكلام الفصيح ، وهي
__________________
شروط ذكرها السابقون غير أنّ المتأخرين وضعوها في قواعد ثابتة وقسّموها هذا
التقسيم الذي أوتف دراسة الألفاظ وجرسها وإيحائها عند مرحلة لم تتجاوزها طوال
القرون السابقة.
فصل الخطاب :
الفصل : بون ما
بين الشيئين ، وفصل الخطاب :البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه ، وقيل
:هو أن يفصل بين الحق والباطل .
يسمّى النوع
الذي ينتقل فيه الشاعر من الفن الذي شبب الكلام به الى ما يلائمه اقتضابا ، ولكن
بعض ذلك الاقتضاب يقرب من التخلص ويسمّى حينئذ «فصل الخطاب» . كقوله تعالى : (هذا ، وَإِنَّ
لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) أي : الأمر هذا ، أو هذا كما مر. ومنه قول الكاتب : «هذا
باب» أو «هذا فصل» أو «أمّا بعد ...» وهو ما ذكره ابن الاثير الذي قال : «فمن ذلك
ما يقرب من التخلص وهو فصل الخطاب والذي أجمع عليه المحققون من علماء البيان أنّه
: «أما بعد ...» لأنّ المتكلم يفتتح كلامه في كل أمر ذي شأن بذكر الله وتحميده ،
فاذا أراد أن يخرج الى الغرض المسوق اليه فصل بينه وبين ذكر الله تعالى بقوله : «أما
بعد ...» . وذكر أنّه يأتي في الشعر قليلا ، ومن ذلك قول الشاعر
المعروف بالخباز البلدي في قصيدة منها :
هذا وكم لي
بالجنينة سكرة
|
|
أنا من بقايا
شربها مخمور
|
باكرتها
وغصونها مغروزة
|
|
والماء بين
مروزها مذعور
|
الفصل والوصل :
الفصل بون ما
بين الشيئين ، والفصل من الجسد :موضع المفصل ، وبين كل فصلتين وصل. والفصل الحاجز
بين الشيئين ، فصل بينهما يفصل فصلا فانفصل وفصلت الشيء فانفصل : أي قطعته فانقطع.
والوصل خلاف
الفصل ، وصل الشيء بالشيء يصله وصلا وصلة وصلة ، واتصل الشيء بالشيء : لم ينقطع .
والفصل في
البلاغة أو الكلام ترك عطف بعض الجمل على بعض ، والوصل عطف بعضها على بعض ، وكان
الجاحظ من أوائل الذين تكلموا عليه في كتبهم ، ووقف عنده العسكري وقفة طويلة وذكر أقوالا كثيرة تدل
على أهمية هذا الاسلوب ، وبحث ما يتصل بفصول القصيدة ومقاطعها .
وهذا ما لم
يتطرق إليه المتأخرون في الفصل والوصل ، ولعل عبد القاهر من أشهر الذين بحثوه بحثا
مفصلا يقوم على التقسيم والتحديد ، وربطوه بباب العطف. وقد أجمل مواضع الفصل
والوصل بقوله : «إنّ الجمل على ثلاثة أضرب : جملة حالها مع التي قبلها حال الصفة
مع الموصوف والتأكيد مع المؤكد فلا يكون فيها العطف البتة لشبه العطف فيها ـ لو
عطفت ـ بعطف الشيء على نفسه. وجملة حالها مع التي قبلها حال الاسم يكون غير الذي
قبله إلا أنّه يشاركه في حكم ويدخل معه في معنى مثل أن يكون كلا الاسمين فاعلا أو
مفعولا أو مضافا إليه فيكون حقها العطف. وجملة ليست في شيء من الحالين ، بل سبيلها
مع التي قبلها سبيل الاسم مع الاسم لا يكون منه في شيء فلا يكون إياه ولا
__________________
مشاركا له في معنى بل هو شيء إن ذكر لم يذكر إلا بأمر ينفرد ويكون ذكر الذي
قبله وترك الذكر سواء في حاله لعدم التعلق بينه وبينه رأسا ، وحق هذا ترك العطف
البتة.
فترك العطف
يكون إمّا للاتصال الى الغاية ، أو الانفصال الى الغاية ، والعطف لما هو واسطة بين
الامرين ، وكان له حال بين حالين ، فاعرفه»
وعلى هذا
الأساس وضع عبد القاهر أصول بحث الفصل والوصل وقوانينه وذكر الأمثلة الكثيرة
وحلّلها تحليلا علميّا وأدبيّا. وجاء علماء البلاغة فاختصروا بحوثه وبوبوها وكان
تحديدهم أدقّ ضبطا وقواعدهم أكثر تقييدا. وكان السّكّاكي من أشهر الذين اتبعوه
ولكنّه لم يوضح الموضوع او يبحثه بحثا مناسبا ، وانصرف الى الكلام على الجامع
وأنواعه ، واستفاد القزويني وشرّاح التلخيص من عبد القاهر
والسّكاكي وجمعوا بين تحديد القاعدة والشرح والتحليل .
وقد اتّفق
البلاغيون على أنّ الفصل يجب في خمسة مواضع :
الأوّل : أن
يكون بين الجملتين اتحاد تام وهو «كمال الاتصال» وذلك أن تكون الجملة الثانية
تأكيدا للأولى والمقتضي للتأكيد دفع توهم التجوز والغلط وهو قسمان :
أحدهما : أن
تنزل الثانية من الأولى منزلة التأكيد المعنوي من متبوعه في إفادة التقرير مع
الاختلاف في المعنى كقوله تعالى : (الم. ذلِكَ الْكِتابُ
لا رَيْبَ فِيهِ) فانّ وزان (لا رَيْبَ فِيهِ) وزان «نفسه» في مثل : «جاءني محمد نفسه».
وثانيهما : أن
تنزل الثانية من الأولى منزلة التأكيد اللفظي من متبوعه في اتحاد المعنى كقوله
تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا
رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) ، فان (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) معناه : أنّه في الهداية بالغ درجة لا يدرك كنهها حتى
كأنه هداية محضة.
ومن أمثلة كون
الجملة الثانية توكيدا للأولى قول المتنبي :
وما الدّهر
إلا من رواة قصائدي
|
|
إذا قلت شعرا
أصبح الدهر منشدا
|
فالجملة «إذا
قلت ...» توكيد للاولى ؛ لأنّ معنى الجملتين واحد.
أو أن تكون
الجملة الثانية بدلا من الاولى ، وهو ضربان :
أحدهما : أن
تنزل الثانية من الاولى منزلة بدل البعض من متبوعه كقوله تعالى : (أَمَدَّكُمْ بِما
تَعْلَمُونَ. أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ. وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) فانه مسوق للتنبيه على نعم الله تعالى عند المخاطبين ،
وقوله : (أَمَدَّكُمْ
بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ. وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) أوفى بتأديته مما قبله لدلالته عليها بالتفصيل من غير
إحالة على علمهم مع كونهم معاندين ، والأمداد بما ذكر من الأنعام وغيرها بعض
الأمداد بما يعلمون ويحتمل الاستئناف.
وثانيهما : أن
تنزل الثانية من الاولى منزلة بدل الاشتمال من متبوعه كقوله تعالى : (اتَّبِعُوا
الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ
__________________
مُهْتَدُونَ) فان المراد به حمل المخاطبين على اتباع الرسل ، وقوله :
(اتَّبِعُوا مَنْ لا
يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) أوفى بتأدية ذلك ، لأنّ معناه : لا تخسرون معهم شيئا من
دنياكم وتربحون صحة دينكم فينظم لكم خير الدنيا وخير الآخرة. ومنه قول الشاعر :
أقول له ارحل
، لا تقيمنّ عندنا
|
|
وإلا فكن في
السرّ والجهر مسلما
|
وقد فصل «لا
تقيمنّ» عن «ارحل» لقصد البدل ؛ لأنّ المقصود من كلامه هذا كمال اظهار الكراهة
لاقامته بسبب خلاف سره العلن. وقوله : «لا تقيمنّ عندنا» أوفى بتأدية هذا المقصود
من قوله : «ارحل» لدلالته عليه بالمطابقة مع التأكيد.
أو أن تكون
الثانية بيانا للأولى وذلك بأن تنزل منها منزلة عطف البيان من متبوعة في إفادة الايضاح
والمقتضي للتبيين أن يكون في الاولى نوع خفاء مع اقتضاء المقام ازالته كقوله تعالى
: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ
الشَّيْطانُ ، قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا
يَبْلى) ، فصل جملة (قالَ) عما قبلها لكونها تفسيرا له وتبيينا.
ومنه قول أبي
العلاء :
الناس للناس
من بدو ومن حضر
|
|
بعض لبعض وإن
لم يشعروا خدم
|
فالجملة
الثانية «بعض لبعض ...» إيضاح للاولى «الناس للناس» وهي بيان لها.
الثاني : أن
يكون بين الجملتين كما الانقطاع وذلك أن تختلف خبرا وإنشاء لفظا ومعنى كقوله
الشاعر :
وقال رائدهم
ارسوا نزاولها
|
|
فكلّ حتف
امرىء يجري بمقدار
|
فالجملة الاولى
«ارسوا» انشاء لفظا ومعنى «نزاولها» خبر لفظا ومعنى.
أو معنى لا
لفظا مثل : «مات فلان رحمهالله» فالجملة الاولى خبرية لفظا ومعنى والثانية انشائية
معنى لا لفظا ، لأنّ لفظ الفعل خبر لا أمر.
أو أن لا يكون
بين الجملتين جامع أو مناسبة بل تكون كل جملة مستقلة بنفسها مثل : «الليل رهيب ،
أقبل محمد» ولا صلة بين الجملتين ولذلك ترك العطف بينهما لكمال الانقطاع.
الثالث : أن
تكون الجملة الثانية جوابا عن سؤال يفهم من الجملة الاولى فتنزل منزلته ويسمى هذا «شبه
كمال الاتصال» أو «الاستئناف». والاستئناف ثلاثة أضرب لأنّ السؤال الذي تضمنته
الجملة الاولى إما عن سبب الحكم فيها مطلقا كقول الشاعر :
قال لي كيف
أنت قلت عليل
|
|
سهر دائم
وحزن طويل
|
أي : ما بالك
عليلا؟ أو ما سبب علتك؟
وقول الآخر :
وقد غرضت من
الدنيا فهل زمني
|
|
معط حياتي
لغرّ بعد ما غرضا
|
جرّبت دهري
وأهليه فما تركت
|
|
لي التجارب
في ودّ امرىء غرضا
|
أي : لم تقول
هذا؟ وما الذي اقتضاك أن تطوي عن الحياة الى هذا الحد؟ أي : تعرض عنها.
أو عن سبب خاص
له كقوله تعالى : (وَما أُبَرِّئُ
نَفْسِي ، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) كأنه قيل هل النفس أمّارة بالسوء؟ فقيل : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ
بِالسُّوءِ.)
أو عن غير هذين
النوعين كقوله تعالى : (قالُوا سَلاماً قالَ
سَلامٌ) كأنه قيل : فماذا قال إبراهيم
__________________
عليهالسلام؟ فقيل : (قالَ سَلامٌ.) ومنه قول الشاعر :
زعم العواذل
أنّني في غمرة
|
|
صدقوا ولكن
غمرتي لا تنجلي
|
لما حكى عن
العواذل أنّهم قالوا : هو في غمرة ، وكان ذلك مما يحرك السامع لأن يسأل فيقول :
فيما قولك في ذلك وما جوابك عنه؟ أخرج الكلام مخرجه اذا كان ذلك قد قيل له وصار
كأنه قال : أقول : صدقوا ، أنا كما قالوا ولكن لا مطمع لهم في فلاحي. ولو قال : «زعم
العواذل أنّني في غمرة وصدقوا» لكان يكون لم يصح في نفسه أنّه مسؤول وأنّ كلامه
كلام مجيب .
وقد يحذف صدر
الاستئناف لقيام قرينة كقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها
بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ. رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ
اللهِ) فيمن قرأ (يُسَبِّحُ) مبينا للمفعول كأنه قيل : من يسبحه؟فقيل : رجال.
وقد يحذف
الاستئناف كله ويقام ما يدل عليه مقامه كقول الشاعر :
زعمتم أنّ
إخوتكم قريش
|
|
لهم إلف وليس
لكم إلاف
|
حذف الجواب
الذي هو «كذبتم في زعمكم» وأقام «لهم إلف وليس لكم إلاف» مقامه لدلالته عليه.
ويجوز أن يقدر
قوله : «لهم إلف» جوابا لسؤال اقتضاه الجواب المحذوف كأنّه لما قال المتكلم «كذبتم»
قالوا : «لم كذبنا؟» فقال : «لهم إلف وليس لكم إلاف» فيكون في البيت استئنافان.
وقد يحذف ولا
يقام مقامه شيء كقوله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ) أي أيوب ، أو : هو لدلالة ما قبل الآية وما بعدها عليه.
الرابع : أن
يكون بين الجملتين «شبه كمال الانقطاع» وذلك بأن تكون الجملة الثانية بمنزلة
المنقطعة عن الاولى وينبغي هنا الفصل لأنّ عطفها عليها موهم لعطفها على غيرها ،
ويسمّى هذا الفصل «قطعا» ، ومنه قول الشاعر :
وتظن سلمى
أنني أبغي بها
|
|
بدلا أراها
في الضّلال تهيم
|
لم يعطف «أراها»
على «تظن» لئلا يتوهم السامع أنّه معطوف على «أبغي» لقربه منه مع أنّه ليس بمراد ،
ويحتمل الاستئناف.
الخامس ، أن
تكون الجملتان متوسطتين بين كمال الاتصال وكمال الانقطاع مع قيام المانع من الوصل
كأن يكون للأولى حكم لم يقصد إعطاؤه للثانية كقوله تعالى : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ
قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ ، اللهُ يَسْتَهْزِئُ
بِهِمْ).
فجملة (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) لا يصحّ عطفها على جملة (قالُوا ...) لئلا يلزم من ذلك اختصاص استهزاء الله بهم غير ميقّد
بوقت من الاوقات ، ولا يصح أن تعطف جملة (اللهُ يَسْتَهْزِئُ
بِهِمْ) على جملة «إنا معكم» لئلا يلزم أن تكون من مقول
المنافقين مع أنّها من مقول الله تعالى : ويجب الوصل في ثلاثة مواضع : الاول ، أن
يكون بين الجملتين كمال الانقطاع مع الايهام وذلك بأن تكون إحداهما خبرية والأخرى
انشائية ولو فصلت لأوهم الفصل خلاف المقصود ومنه قول البلغاء : «لا ، وايدك الله».
الثاني : أن
تكون الجملتان متفقتين خبرا وإنشاء لفظا ومعنى كقوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَ
__________________
الْفُجَّارَ
لَفِي جَحِيمٍ) ، وقوله : (يُخْرِجُ الْحَيَّ
مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) وقوله :(يُخادِعُونَ اللهَ
وَهُوَ خادِعُهُمْ) وقوله (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
وَلا تُسْرِفُوا).
أو أن تكونا
متّفقتين خبرا وانشاء معنى لا لفظا كقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا
مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ
إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ
حُسْناً) ، عطف قوله : (قُولُوا) على قوله : (لا تَعْبُدُونَ) لأنّه بمعنى :لا تعبدوا.
الثالث ، أن
يكون للجملة الأولى محلّ من الإعراب وقصد إشراك الجملة الثانية لها في الحكم
الاعرابي ، وهذا كعطف المفرد على المفرد لأنّ الجملة لا يكون لها محل من الإعراب
حتى تكون واقعة موقع المفرد.
وينبغي هنا أن
تكون مناسبة بين الجملتين كقوله تعالى : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ
فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ
فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) ، وقوله : (وَاللهُ يَقْبِضُ
وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، ولذلك عيب على أبي تمام :
لا والذي هو
عالم أنّ النّوى
|
|
صبر وأنّ أبا
الحسين كريم
|
إذ لا مناسبة
بين كرم أبي الحسين ـ محمد بن الهيثم ـ ومرارة النوى ولا تعلق لأحدهما بالآخر.
ومن إشراك
الجملة الثانية بالاولى في الحكم قول المتنبي :
وللسرّ مني
موضع لا يناله
|
|
نديم ولا
يفضي اليه شراب
|
فجملة «لا
يناله نديم» صفة لـ «موضع» ولذلك جاز أن يعطف عليها جملة «ولا يفضي اليه شراب».
وذكر عبد
القاهر لونا من الوصل وهو أن يؤتى بالجملة فلا تعطف على ما يليها ولكن تعطف
على جملة بينها وبين هذه التي تعطف جملة أو جملتان مثال ذلك قول المتنبي :
تولّوا بغتة
فكأنّ بينا
|
|
تهيّبني
ففاجأني اغتيالا
|
فكان مسير
عيسهم ذميلا
|
|
وسير الدمع
إثرهم انهمالا
|
قوله : «فكان
مسير عيسهم» معطوف على «تولوا بغتة» دون ما يليه من قوله : «ففاجأني» لأنّا إن
عطفناه على هذا الذي يليه أفسدنا المعنى من حيث أنّه يدخل في معنى «كأن» وذلك يؤدي
الى أن لا يكون «مسير عيسهم» حقيقة ويكون متوهما كما كان تهيب البين كذلك ، وهذا
أصل كبير.
ويتصل بالفصل
والوصل اقتران الجملة الحالية بالواو وعدم اقترانها ، وقد ألحقه البلاغيون بهذا
المبحث وعقد له عبد القاهر والرازي والسكاكي والقزويني فصولا وألحقوه ببات الفصل والوصل.
ولم يتعرض
البلاغيّون إلا للجمل حينما ترتبط أو تنفصل ، وإن كان عبد القاهر قد اتخذ من عطف
المفردات سبيلا للحديث عن عطف الجمل .
ولعل السبكي
كان من أحسن الذين تعرضوا لهذا المبحث ، وإن كان هذا المبحث اكثر التصاقا بالنحو.
__________________
فضل السابق على
المسبوق :
عقد ابن منقذ
لهذا النوع بابا وقال إنه كقول حسّان بن ثابت :
ترك الأحبة
أن يقاتل دونهم
|
|
ونجا برأس
طمرّة ولجام
|
أخذه أبو تمّام
فقال :
ترك الأحبّة
ناسيا لا ساليا
|
|
عذر النسيّ
خلاف عذر السّالي
|
وقال حسّان :
يغشون حتى ما
تهرّ كلابهم
|
|
لا يسألون عن
السواد المقبل
|
وقال أبو نواس
:
الى بيت حان
لا تهرّ كلابه
|
|
عليّ ولا
ينكرن طول ثوائي
|
وهذا من باب
الأخذ والسرقات.
الفكّ والسّبك
:
فككت الشيء
فانفك بمنزلة الكتاب المختوم تفك خاتمه ، وفككت الشيء خلصّته ، وفك الشيء يفكّه
فكا فانفك : فصله.
سبك الذهب
والفضة ونحوه من الذائب يسبكه ويسبكه سبكا وسبكة : ذوّبه وأفرغه في قالب.
والسبك : تسبيك
السبيكة من الذهب والفضة يذاب ويفرغ في مسبكة من حديد .
عقد ابن منقذ
للفكّ والسّبك بابا وقال : «أما الفكّ فهو أن ينفصل المصراع الاول من المصراع
الثاني ولا يتعلق بشيء من معناه» مثل قول زهير :
حيّ الديار
التي لم يعفها القدم
|
|
بلى وغيّرها
الأرواح والدّيم
|
«وأما السّبك
فهو أن يتعلّق كلمات البيت بعضها ببعض من أوّله الى آخره» كقول زهير :
يطعنهم ما
ارتموا حتى اذا اطّعنوا
|
|
ضارب حتى اذا
ما ضاربوا اعتنقا
|
ولذلك قيل : «خير
الكلام المحبوك المسبوك الذي يأخذ بعضه برقاب بعض».
الفواصل :
الفصل ، بون ما
بين الشيئين ، والفصل من الجسد :موضع المفصل وبين كل فصلين وصل. والفاصلة : الخرزة
التي تفصل بين الخرزتين في النظام ، وقد فصّل النظم ، وعقد مفصّل أي جعل بين كل
لؤلؤتين خرزة
انتبه الى
الفواصل الأدباء والمفسرون منذ عهد مبكر وقد ربط الخليل بينها وبين السجع فقال ؛ :
«سجع الرجل اذا نطق بكلام له فواصل كقوافي الشعر من غير وزن» ، وقرنها سيبويه بالقوافي فقال : «وجميع ما لا يحذف في
الكلام وما يختار فيه أن لا يحذف ، يحذف في الفواصل والقوافي» ، وذكرها الفراء باسمها فقال عن قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) «وانما ثنّاها هنا لأجل الفاصلة ، رعاية للتي قبلها والتي بعدها على هذا
الوزن. والقوافي تحتمل في الزيادة والنقصان ما لا يحتمله سائر الكلام» .
وسمّاه ايضا
رؤوس الايات وقال وهو يتحدث عن قوله تعالى : (أَإِذا كُنَّا
عِظاماً نَخِرَةً) ان عمر بن
__________________
الخطاب سمع وهو يقرأها : «إذا كنا عظاما ناخرة» وهي أجود الوجهين في
القراءة لأنّ الآيات بالألف ألاتزي أن (ناخرة) مع (الحافرة) و (الساهرة) أشبه
بمجيء التنزيل و (الناخرة) و (النخرة) سواء في المعنى بمنزلة (الطامع) و (الطمع) . وقال عن قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا
يَسْرِ) «وقد قرأ القرّاء «يسري» بإثبات الياء و «يسر» بحذفها ، وحذفها أحبّ اليّ
لمشاكلتها رؤوس الآيات ولأنّ العرب قد تحذف الياء وتكتفي بكسر ما قبلها منها» . وقال في قوله تعالى : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ
وَما قَلى) : «يريد» وما قلاك» فألقيت الكاف كما يقول : قد اعطيتك
وأحسنت ، ومعناه احسنت اليك ، فتكتفي بالكاف الأولى من الأخرى إعادة لأنّ رؤوس
الآيات بالياء فاجتمع ذلك فيه» .
ومعنى ذلك أنّ
فواصل الآيات شغلت القدماء وبدأت تدخل دراستها في كتب الإعجاز والبلاغة حينما
يتطرقون للسجع لكي ينفوا هذا النوع عن كتاب الله الخالد. قال الرماني : «الفواصل
حروف متشاكلة في المقاطع توجب حسن إفهام المعاني ، والفواصل بلاغة والأسجاع عيب ،
وذلك أنّ الفواصل تابعة للمعاني وأمّا الأسجاع فالمعاني تابعة لها» . ونقل الباقلاني هذا التعريف ونفى السجع عن القرآن الكريم وقال إنّ ما يختص به هو «الفواصل»
ولا شركة بينه وبين سائر الكلام ولا تناسب . وسمّيت كذلك ليتجنبوا الاسجاع لأنّ أصله من سجع الطير
فشرف القرآن أن يستعار لشيء فيه لفظ هو أصل في صوت الطائر. وردّ ابن سنان كلام
الرماني وقال : «وأما الفواصل التي في القرآن فانهم سمّوها فواصل ولم يسمّوها
اسجاعا وفرّقوا فقالوا : إنّ السجع هو الذي يقصد في نفسه ثم يحمل المعنى عليه ،
والفواصل التي تتبع المعاني ولا تكون مقصودة في أنفسها وقال علي بن عيسى الرماني
إنّ الفواصل بلاغة والسجع عيب وعلل ذلك بما ذكرناه من أنّ السجع تتبعه المعاني
والفواصل تتبع المعاني ، وهذا غير صحيح والذي يجب أن يحرر في ذلك أن يقال : إنّ
الأسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفصول على ما ذكرناه. والفواصل على ضربين : ضرب
يكون سجعا وهو ما تماثلت حروفه في المقاطع وضرب لا يكون سجعا وهو ما تقابلت حروفه المقاطع ولم تتماثل. ولا يخلو كل واحد من هذين
القسمين ـ أعني المتماثل والمتقارب ـ من أن يكون يأتي طوعا سهلا وتابعا للمعاني ،
وبالضد من ذلك حتى يكون متكلفا يتبعه المعنى فإن كان من القسم الاول فهو المحمود
الدالّ على الفصاحة وحسن البيان ، وإن كان من الثاني فهو مذموم مرفوض. فأما القرآن
فلم يرد فيه إلا ما هو من القسم المحمود لعلوّه في الفصاحة وقد وردت فواصله
متماثلة ومتقاربة» .
وتقسيم الفواصل
الى حروف متماثلة وحروف متقاربة من عمل الرماني ، وهذا التقسيم يؤدي الى أن تكون الفواصل أشمل من السجع
أي أنّها تضم هذا اللون وغيره مما سمي الموازنة ، وبذلك تكون الفواصل خاصة بكتاب
الله ويبقى جزء منها أو ضرب واحد مرتبطا بالسجع الذي يخص كلام العرب.
وقال المصري
إنّ مقاطع آي الكتاب العزيز لا تخلو من أن تكون أحد هذه الأقسام الأربعة : التمكين
والتصدير والتوشيح والايغال ، ثم قال : «ولهذا تسمى مقاطعه فواصل لا سجعا ولا
قوافي لاختصاص القوافي
__________________
بالشعر والسجع بالمنافرة عن معنى الكلام مأخوذ من سجع الطائر» .
وحينما تحدّث
البلاغيون عن السجع خصّوا الفواصل بالتفاتة واضحة فقال السكاكي عن السجع : «ومن
جهاته الفواصل القرآنية» . وقال القزويني : «وقيل إنّه لا يقال في القرآن أسجاع
وإنّما يقال فواصل» ، وتبعه في ذلك شرّاح التلخيص .
وعقد الزّركشي
فصلا في «معرفة الفواصل ورؤوس الآي» وقال : «وهي كلمة آخر الآية كقافية الشعر
وقرينة السجع» . وفي هذا التعريف فصل بين السجع والفواصل. وفرّق الإمام
أبو عمرو الداني بين الفواصل ورؤوس الآي وقال : «أما الفاصلة فهي الكلام المنفصل
مما بعده. والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وغير رأس ، وكذلك الفواصل يكنّ رؤوس آي
وغيرها. وكل رأس آية فاصلة ، وليس كل فاصلة رأس آية ؛ فالفاصلة تعمّ النوعين وتجمع
الضربين ، ولأجل كون معنى الفاصلة هذا ذكر سيبويه في تمثيل القوافي : (يَوْمَ يَأْتِ) و (ما كُنَّا نَبْغِ) ـ وهما غير رأس آيتين باجماع ـ مع (إِذا يَسْرِ) وهو رأس آية باتفاق» .
ثم قال
الزّركشي : «وتقع الفاصلة عند الاستراحة في الخطاب لتحسين لكلام بها وهي الطريقة
التي يباين القرآن بها سائر الكلام. وتسمّى فواصل لأنّه يفصل عندها الكلامان وذلك
أنّ آخر الآية فصل بينها وبين وما بعدها ولم يسمّوها أسجاعا» .
ولكن الجعبري
لم يوافق على ما ذكر الداني وقال : «وهو خلاف المصطلح ولا دليل له في تمثيل سيبويه
بـ (يَوْمَ يَأْتِ) و (كُنَّا نَبْغِ) وليس رأس آية لأنّ مراده الفواصل اللغوية لا الصناعية» .
وفصّل السّيوطي
في الفواصل ولخّص ما ذكره شمس الدين بن الصائغ الحنفي مع مراعاة المناسبة في كتابه
«إحكام الرآي في أحكام الآي» .
ويتضح من كلام
القدماء أنّ الفواصل أوسع دلالة من السجع ولذلك خصّوا بها كتاب الله وليتجنبوا
مصطلح السجع الذي يتصل بالحروف المتشابهة لا المتقاربة او الوقف.
__________________
القاف
قبح الأخذ :
قال العسكري :
قبح الأخذ أن تعمد الى المعنى فتتناوله بلفظه كله أو أكثره أو تخرجه في معرض
مستهجن. والمعنى إنما يحسن بالكسوة. أخبرنا بعض أصحابنا قال : قيل للشعبي : إنا
إذا سمعنا الحديث منك نسمعه بخلاف ما نسمعه من غيرك.
فقال : إني
أجده عاريا فأكسوه من غير أن أزيد فيه حرفا أي من غير أن أزيد في معناه شيئا» .
فما أخذ بلفظه
ومعناه وادّعى آخذه ـ أو ادعي له ـ أنّه لم يأخذه ولكن وقع له كما وقع للأول قول
طرفة :
وقوفا بها
صحبي عليّ مطيّهم
|
|
يقولون لا
تهلك أسى وتجلّد
|
وقول امرىء
القيس :
وقوفا بها
صحبي عليّ مطيّهم
|
|
يقولون لا
تهلك أسى وتجمّل
|
وقول البعيث :
أترجو كليب
أن يجيء حديثها
|
|
بخير وقد
أعيا كليبا قديمها
|
وقول الفرزدق :
أترجو ربيع
أن تجيء صغارها
|
|
بخير وقد
أعيا ربيعا كبارها
|
قال العسكري : «والأخذ
اذا كان كذلك كان معيبا وإن ادّعي أنّ الآخر لم يسمع قول الأول بل وقع لهذا كما
وقع لذاك فإنّ صحة ذلك لا يعلمها إلا الله ـ عزوجل ـ والعيب لازم للآخر».
ومن الأخذ
المستهجن أن يأخذ المعنى فيفسده أو يعوّصه أو يخرجه في معرض قبيح وكسوة مسترذلة ،
ومن ذلك قول أبي كريمة :
قفاه وجه ثمّ
وجه الذي
|
|
قفاه وجه
يشبه البدرا
|
أخذه من قول
أبي نواس :
بأبي أنت من
مليح بديع
|
|
بذّ حسن
الوجوه حسن قفاكا
|
وأحسن ابن
الرومي فيه فقال :
ما ساءني
إعراضه
|
|
عني ولكن
سرّني
|
سالفتاه عوض
|
|
من كلّ شيء
حسن
|
وسمع بعضهم قول
محمود الوراق :
إذا كان شكري
نعمة الله نعمة
|
|
عليّ له في
مثلها يجب الشّكر
|
فكيف بلوغ
الشكر إلا بفضله
|
|
وإن طالت
الأيام واتّصل العمر
|
إذا مسّ
بالسّراء عمّ سرورها
|
|
وإن مسّ
بالضّراء أعقبها الأجر
|
__________________
وما منهما
إلا له فيه نعمة
|
|
تضيق بها
الأوهام والبرّ والبحر
|
فقال وأساء :
الحمد لله
إنّ الله ذو نعم
|
|
لم يحصها
عددا بالشكر من حمدا
|
شكري له عمل
فيه عليّ له
|
|
شكر يكون
لشكر قبله مددا
|
ومن ذلك قول
الإمام علي ـ رضياللهعنه ـ «قيمة كل امرىء ما يحسنه» أخذه ابن طباطبا بلفظه
وأخرجه بغيضا متكلفا بقوله :
فيا لائمي
دعني أغال بقيمتي
|
|
فقيمة كلّ
الناس ما يحسنونه
|
القبض :
القبض خلاف
البسط ، قبضه يقبضه قبضا.
والقبض : جمع
الكف على الشيء ، وقبضت الشيء قبضا : أخذته. والقبض في الشعر حذف الحرف الخامس
الساكن من الجزء نحو النون من «فعولن» .
قال ابن فارس :
«ومن سنن العرب القبض محاذاة للبسط الذي ذكرناه ، وهو النقصان من عدد الحروف» ، كقول القائل : «غرثى الوشاحين صموت الخلخل». أي
الخلخال.
وسمّاه السيوطي
«الاقتطاع» وذكره المدني في «الاكتفاء» وقد تقدما.
القران :
قرنت الشيء
بالشيء : وصلته ، والقران : حبل يقلّد البعير ويقاد به .
والقران هو
الربط بين أبيات القصيدة ليقع التشابه والانسجام ، وقد ذكره الجاحظ وهو يتحدث عن
تلاحم أبيات الشعر وتوافقها ، قال أبو نوفل بن سالم لرؤية بن العجّاج : «يا أبا
الجحاف مت إذا شئت. قال : وكيف ذاك؟ قال : رأيت عقبة بن رؤبة ينشد رجزا أعجبني ،
إنه يقول : «لو كان لقوله قران» قال الشاعر :
مهاذبة
مناجبة قران
|
|
منادبة
كأنّهم الأسود
|
وأنشد ابن
الأعرابي :
وبات يدرس
شعرا لا قران به
|
|
قد كان نقّحه
حولا فما زادا
|
أراد بقوله : «قران»
التشابه والموافقة وكان يطلب أن يوضع البيت الى جنب ما يشبهه ويوافقه .
فالجاحظ نقل
هذا المصطلح وأراد به أن يكون الكلام متلاحما ، قال : «واذا كانت الكلمة ليس
موقعها الى جنب أختها مرضيا موافقا كان على اللسان عند إنشاد ذلك الشعر مؤونة.
وأجود الشعر ما رأيته متلاحم الاجزاء ، سهل المخارج فتعلم بذلك أنّه قد أفرغ
إفراغا واحدا وسبك سبكا واحد فهو يجري على اللسان كما يجري الدهان» .
وطلب الجاحظ أن
يكون اقتران بين الحروف لتخرج الالفاظ جميلة الجرس بديعة الايقاع ، قال : «فهذا في
اقتران الألفاظ فأمّا في اقتران الحروف فإنّ الجيم لا تقارن الظاء ولا القاف ولا
الطاء ولا الغين بتقديم ولا تأخير. والزاي لا تقارن الظاء ولا السين ولا الضاد ولا
الذال بتقديم ولا تأخير» . وهذا ما تحدث عنه اللغويون منذ عهد الخليل بن احمد
الفراهيدي وبنوا عليه كثيرا من الأحلام اللغوية واستفادوا منه في
__________________
معرفة الالفاظ الدخيلة.
قرب المأخذ :
قال العسكري : «وأما
قرب المأخذ فهو أن تأخذ عفو الخاطر وتتناول صفو الهاجس ولا تكد فكرك ولا تتعب نفسك
وهذه صفة المطبوع» . روي أنّ الرشيد أو غيره قال لندمائه وقد طلعت الثريا :
«أما ترون الثريا؟» فقال بعضهم : «كأنها عقد ريّا». وقال بعضهم لأبي العتاهية : «عذب
الماء فطابا» فقال أبو العتاهية : «حبذا الماء شرابا». وهذا يدل على سرعة البديهة
وعلى أنّ المتمكن من نفسه يضع لسانه حيث يريد.
القسم :
القسم : اليمين
، والجمع أقسام ، وأقسمت : حلفت وأصله من القسامة ، والقسامة : الذين يحلفون على
حقهم ويأخذون .
والقسم هو
الاقتسام وقد تقدم.
قصد الجدّ
بالهزل :
هو أن يراد
الجدّ في قالب الهزل ، كقول الشاعر :
إذا ما
تميميّ أتاك مفاخرا
|
|
فقل عدّ عن
ذا كيف أكلك للضّبّ
|
القصر :
القصر : الحبس
، وفي القرآن الكريم : (حُورٌ مَقْصُوراتٌ
فِي الْخِيامِ) ، أي محبوسات فيها.
والقصر : كفّك
نفسك عن أمر وكفها من أن تطمح به غرب الطمع .
والقصر هو
تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص وذلك كتخصيص المبتدأ بالخبر بطريق النفي في قوله تعالى
: (وَمَا الْحَياةُ
الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) وتخصيص الخبر بالمبتدأ مثل : «ما شاعر إلا المتنبي».
والقصر هو
الحصر وقد تقدم.
القطع :
القطع : إبانة
بعض أجزاء الجرم من بعض فصلا ، قطعه يقطعه قطعا . والقطع أن تكون العبارة الثانية منقطعة عن الاولى ،
ولذلك يجب الفصل. والقطع قد يكون للاحتياط كقول الشاعر :
وتظنّ سلمى
أنّني أبغي بها
|
|
بدلا ، أراها
في الضّلال تهيم
|
وقد يكون
للوجوب كقوله تعالى : (وَإِذا خَلَوْا إِلى
شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ. اللهُ
يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ).
وقد تقدّم
القطع في شبه كمال الانقطاع والفصل والوصل .
__________________
القطع للاحتياط
:
تقدّم في شبه
كمال الانقطاع والقطع والفصل والوصل .
القطع للوجوب :
تقدم في شبه
كمال الانقطاع والقطع والفصل والوصل .
قطع النّظير عن
النّظير :
ذكره احمد بن
المنير الاسكندري عند كلامه على قوله تعالى : (إِنَّ لَكَ أَلَّا
تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى. وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) ، وقال : «وفي الآية سر بديع من البلاغة يسمّى قطع
النظير عن النظير ، وذلك أنّه قطع الظمأ عن الجوع والضحو عن الكسوة مع ما بينهما
من التناسب. والغرض من ذلك تحقيق تعداد هذه النعم وتصنيفها ، ولو قرن كلا بشأنه
لتوهم المعدودات نعمة واحدة. وقد رمق أهل البلاغة سماء هذا المعنى قديما وحديثا
فقال الكندي الأول :
كأني لم أركب
جوادا للذّة
|
|
ولم أتبطّن
كاعبا ذات خلخال
|
ولم أرشف
الزقّ الرويّ ولم أقل
|
|
لخيلي كرّي
كرّة بعد إجفال
|
فقطع ركوب
الجواد عن قوله : «لخيلي كريّ كرة» وقطع تبطن الكاعب عن ترشف الكأس مع التناسب ،
وغرضه أن يعدد ملاذّة ومفاخره ويكثرها.
وتبعه الكندي
الآخر فقال :
وقفت وما في
الموت شكّ لواقف
|
|
كأنك في جفن
الردى وهو نائم
|
تمرّ بك
الأبطال كلمى هزيمة
|
|
ووجهك وضّاح
وثغرك باسم
|
فاعترضه سيف
الدولة بانه ليس فيه قطع الشيء عن نظيره ولكنه على فطنته قصر فهمه عما طالت اليه
يد أبي الطيب من هذا المعنى الطائل البديع.
على أنّ في هذه
الآية سرا لذلك زائدا على ما ذكر ، وهو أن قصد تناسب الفواصل ولو قرن الظمأ بالجوع
فقيل : «إنّ لك ألّا تجوع ولا تظموأ» لا نتثر سلك رؤوس الآي ، واحسن به منتظما» .
وكان
المتقدّمون قد أشاروا الى هذا الأسلوب وإن لم يسموه بمثل هذه التسمية ومنهم ابن
طباطبا الذي تحدث عن ارتباط أجزاء القصيدة وذكر بيتي امرىء القيس وغيرهما . وتكلم عليه المدني في باب «ائتلاف المعنى للمعنى» وذكر
الأبيات نفسها ، وقد تقدم.
القطع والعطف :
تحدّث عنه ابن
وهب فقال : «فمما قطع الكلام فيه وأخذ في فن آخر ثم عطف بتمام القول الاول عليه
قوله ـ عزوجل ـ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ) الى آخر الآية. ومثله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ
الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما
أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ
تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ ، الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ.) ثم قطع وأخذ في كلام آخر فقال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ،) ثم رجع الى الكلام الأول فقال : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ
مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
__________________
ومثل ذلك ما
حكاه عن لقمان في وصيته لابنه إذ قال له : (يا بُنَيَّ لا
تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ). تم قطع وأخذ في فن آخر فقال : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) الى قوله : (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
ثم رجع الى
تمام القول الأول في وصية لقمان فقال : (يا بُنَيَّ إِنَّها
إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي
السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ ، إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ). الى آخر الآيات» .
وهذا قريب من
الفصل والوصل ، ولكّنه أوسع منه لأنّه لا يخص ربط جملة بجملة أو فصل واحدة عن أخرى
وإنّما ربط المعاني أو فصلها أي : قطعها.
القلب :
القلب : تحويل
الشّيء عن وجهه ، قلبه يقلبه قلبا .
القلب من
الخروج على مقتضى الظاهر وذلك بأن يجعل أحد أجزاء الكلام مكان الآخر ، والآخر
مكانه على وجه يثبت حكم كل منهما للآخر .
وقد عقد ابن
منقذ بابا للقلب ولكنّه غير ما أراده الأخرون فهو «أن يقصد شيئا ويكون المقتضى بضد
ذلك الشيء» كما قال امرؤ القيس :
إذا قامتا
تضوّع المسك منهما
|
|
نسيم الصّبا
جاءت برّيا القرنفل
|
عابوا عليه
تشبيه المسك بالقرنفل وقالوا : إنما يشبه القرنفل بالمسك لأنّه أجلّ منه. وقد خرّج
النقاد له وجها غير ذلك فقالوا إنّه أراد قوله تضوّع ، أي مثل المسك كما قال أيضا
:
ألم ترياني
كلّما جئت طارقا
|
|
وجدت بها
طيبا وإن لم تطيّب
|
أي : مثل
الطيب. وهذا من التشبيه المقلوب او المعكوس او المنعكس.
وعقد الرازي
للقلب فصلا وقال : «هو إما في الكلمة الواحدة أو في الكلمات فإن كان في الكلمة
الواحدة فإما أن يتقدم كل واحد من حروفها على ما كان متأخرا عنه ويصير بعض الحروف
كذلك دون بعض ، فالاول يسمّى مقلوب الكلّ مثل : «الفتح» و «الحتف» في قوله :
حسامك منه للأحباب
فتح
|
|
ورمحك منه
للأعداء حتف
|
ثم إن وقع مثل
هاتين الكلمتين على طرفي البيت سمّي مقلوبا مجنحا كقوله :
ساق هذا
الشاعر الحي
|
|
ن الى من
قلبه قاس
|
سار حيّ
القوم فالهم
|
|
م علينا جبل
راس
|
وإن كان
التقديم والتأخير في بعض حروف الكلمة سمّي مقلوب البعض كقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «استر عوراتنا وآمن روعاتنا» ، وإما إن كان القلب في
مجموع كلمات بحيث يكون قرابتها من أوّلها الى آخرها عين قرابتها من آخرها الى
أولها فذلك مقلوب مستو مثل قول الحريري :
آس أرملا إذا
عرى
|
|
وارع اذا
المرء أسا
|
وهذا ما ذكره
الوطواط من قبل وذكره السكاكي
__________________
في المحسنات اللفظية وتبعه في ذلك ابن مالك والقزويني وشراح التلخيص وآخرون .
وذكر القزويني
وشرّاح التلخيص نوعا آخر من القلب في بحث السرقات وهو «أن يكون معنى الثاني نقيض
معنى الأول ، سمّي بذلك لقلب المعنى الى نقيضه» ، ومنه قول أبي الشيص :
أجد الملامة
في هواك لذيذة
|
|
حبّا لذكرك
فليلمني اللّوّم
|
وقول المتنبي :
أأحبّه وأحبّ
فيه ملامة
|
|
إنّ الملامة
فيه من أعدائه
|
وتحدث الزركشي
عن أقسام القلب وهي :
الأول : قلب
الاسناد وهو أن يشمل الاسناد الى شيء والمراد غيره كقوله تعالى : (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ
بِالْعُصْبَةِ) ، ومعناه أنّ العصبة تنوء بالمفاتح لثقلها فأسند «لتنوء»
الى «المفاتح» والمراد اسناده الى العصبة.
الثاني : قلب
المعطوف وهو جعل المعطوف عليه معطوفا والمعطوف معطوفا عليه كقوله تعالى : (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ
فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) حقيقته : فانظر ما ذا يرجعون ثم تولّ عنهم. ومنه قوله
تعالى : (ثُمَّ دَنا
فَتَدَلَّى) أي : تدلى فدنا.
الثالث : العكس
وهو أمر لفظي كقوله تعالى : (ما عَلَيْكَ مِنْ
حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ).
الرابع :
المستوي وهو أنّ الكلمة أو الكلمات تقرأ من أولها الى آخرها ومن آخرها الى أولها
لا يختلف لفظها ولا معناها كقوله تعالى : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ).
الخامس : مقلوب
البعض وهو أن تكون الكلمة الثانية مركّبة من حروف الكلمة الاولى مع بقاء بعض حروف
الكلمة الأولى كقوله تعالى : (فَرَّقْتَ بَيْنَ
بَنِي إِسْرائِيلَ). فـ (بَنِي) مركّب من حروف «بين» وهو مفرق إلا أنّ الباقي بعضها في
الكلمتين وهو أولها .
فالقلب أنواع
مختلفة ولكنّ الاهتمام بما يخرج على مقتضى الظاهر كان أعظم ، وقد ثارت مناقشات في
هذه المسألة فأنكر بعضهم القلب ، وقبله بعضهم مطلقا ، وقبله بعضهم إذا تضمن
اعتبارا لطيفا ، وهذا ما ذهب اليه القزويني بقوله : «والحق أنّه إذا تضمن اعتبارا
لطيفا قبل وإلا ردّ» .
القوّة :
القوّة : نقيض
الضّعف والجمع قوى وقوى ، وقد قوي الرجل والضعيف يقوى قوّة فهو قويّ .
عقد ابن منقذ
بابا للقوة والركاكة وقال : «هو أن يكون المعنى متناولا واللفظ متداولا كالكلمات
المستعملة والالفاظ المهملة فيكون الشعر ركيكا والنسج ضعيفا» كقول امرئ القيس :
__________________
ألا إنني بال
على جمل بال
|
|
يقود بنا بال
ويتبعنا بال
|
قال ابن منقذ :
«ومن العجب أنّ صاحب الصناعتين جعله من محاسن الشعر ولقّبه بالتعطف ، ولا خلف بين
العالم والجاهل في ركاكته» .
وقال : «ومن
الشعر الخلق :
ولو أرسلت من
حبك
|
|
مبهوتا من
الصين
|
لوافيتك قبل
الصّبح
|
|
أو قبل تصلين
|
قوّة اللّفظ
لقوّة المعنى :
قال ابن الأثير
: «اعلم أنّ اللفظ إذا كان على وزن من الأوزان ثم نقل الى وزن آخر اكثر منه فلا
بدّ من أن يتضمن من المعنى أكثر مما تضمنه أولا ؛ لأنّ الالفاظ أدلّة على المعاني
وأمثلة للابانة عنها فاذا زيد في الالفاظ أوجبت القسمة زيادة المعنى وهذا لا نزاع
فيه لبيانه ، وهذا النوع لا يستعمل إلا في مقام المبالغة» . ومن ذلك «خشن» و «اخشوشن» فمعنى الاولى دون معنى
الثانية لما فيها من تكرير العين وزيادة الواو ومن ذلك قوله تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ
مُقْتَدِرٍ) ، وقد استعمل (مُقْتَدِرٍ) لأنّه أقوى وأبلغ من «قادر».
ومن ذلك قول
أبي نواس :
فعفوت عني
عفو مقتدر
|
|
حلّت له نقم
فألفاها
|
والأمر في
اختلاف الصيغ كأمر هذا الاختلاف ، ولذلك ينتقل المتكلم من لفظة الى أخرى حينما
يريد أن يقوي المعنى أو يعطيه نوعا من المبالغة والتوكيد.
وتحدّث العلوي
عن هذا النوع بمثل ما تكلّم عليه ابن الأثير وقال إنّ ذلك يقع في الأسماء كقوله
تعالى : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) فانه أبلغ من «قائم» ، وفي الأفعال كقوله تعالى : (فَكُبْكِبُوا فِيها) ، فانه مأخوذ من «الكبّ» وهو القلب لكنّه كرر الباء
للمبالغة فيه. وفي الحروف ـ وهو قليل الاستعمال ـ مثل : «سأفعل» و «سوف أفعل» فان
زمان «سوف» أوسع من زمان السين وما ذاك إلا لأجل امتداد حروفها .
وهذا النوع مما
تحدّث عنه اللغويون والنحاة كابن جني ولكنهم لم يجلوه كما جلاه ابن الأثير ولذلك
قال : «هذا النوع قد ذكره أبو الفتح في كتاب «الخصائص» إلا أنّه لم يورده كما
أوردته أنا ولا نبّه على ما نبهت عليه من النكت التي تضمنته» وكرر العلوي هذا الكلام في كتابه الطراز .
القول بالموجب
:
هذا النوع من
مبتدعات المصري ، قال : «هو أن يخاطب المتكلّم فيبني عليها من لفظه ما يوجب عكس معنى
المتكلّم وذلك عين القول بالموجب لأنّ حقيقته ردّ الخصم كلام خصمه من فحوى لفظه» . كقول ابن حجاج :
قلت ثقّلت إذ
أتيت مرارا
|
|
قال ثقّلت
كاهلي بالأيادي
|
قلت طوّلت
قال لي بل تطوّل
|
|
ت وأبرمت قلت
: حبل ودادي
|
وقال ابن
الدويدة المغربي في رجل أودع بعض القضاة
__________________
مالا فادّعى ضياعه :
إن قال قد
ضاعت فيصدق أنها
|
|
ضاعت ولكن
منك يعني لو تعي
|
أو قال قد
وقعت فيصدق أنها
|
|
وقعت ولكن
منه أحسن موقع
|
ومنه قوله
تعالى : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا
إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) وموجب هذا القول إخراج الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ المنافقين منها لأنّه الأعز وهم الأذلون وقد كان ذلك
ألا ترى أنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ قال على أثر ذلك : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون ٨).
وفرّق المصري
بين القول بالموجب والتعطف من وجهين :
الأوّل : أنّ
اللفظة التي تزيد في التعطف لا تكون مع اختها في قسم واحد وإنما تكون كل لفظة في
شطر.
الثاني : أنّ
الثانية من كلمتي التعطّف لا تكون عكس معنى الكلام وهذه تعكس معناه. وذكر الحموي
والنويري أنّ القول بالموجب ضربان :
الأول : يقع
صفة في كلام مدّع شيئا يعني به نفسه فتثبت تلك الصفة لغيره من غير تصريح بثبوتها
له ولا نفيها عنه كالآية السابقة.
الثاني : حمل
كلام المتكلم مع تقريره على خلاف مراده مما يحتمله بذكر متعلقه كبيتي ابن حجاج ،
وقول الارجاني :
غالطتني إذ
كست جسمي ضن
|
|
كسوة أعرت من
الجلد العظاما
|
ثم قالت أنت
عندي في الهوى
|
|
مثل عيني
صدقت لكن سقاما
|
وأدخله
القزويني في المحسنات المعنوية وقسمه كتقسيم الحلبي والنويري وتبعه في ذلك شراح
التلخيص .
وقال الحموي :
إنّ القول بالموجب هو أسلوب الحكيم ، وليس الأمر كذلك بل هما يختلفان في الغاية وإن اتفقا
في أنّ كليهما إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر. فغاية القول بالموجب ردّ كلام
المتكلم وعكس معناه وغاية أسلوب الحكيم تلقي المخاطب بغير ما يترقب بحمل كلامه على
خلاف مراده تنبيها على أنّه الأولى بالقصد ، أو السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله
منزلة غيره تنبيها على أنّه الاولى بحاله أو المهم له .
وقال السّيوطي : «ولم أر من أورد له مثالا من القرآن ، وقد ظفرت بآية
منه وهي قوله تعالى : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ، قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ).
وقال أيضا : «وحذّاق
البديع شرطوا خلوّه من لفظة «لكن» لأنهم خصصوا بها نوع الاستدراك» . ولكنّ المدني قال إنّ الطيبي سبقه الى ذلك في «التبيان»
.
__________________
الكاف
كثرة التّكرار
:
ذكره القزويني
وشرّاح التلخيص في شروط فصاحة الكلام ، ويريدون به ذكر الشيء مرة بعد مرة ، وكثرته
يكون فوق الواحد أي اذا أعيد مرة ثانية كان تكرارا واذا أعيد ثالثة فاكثر كان «كثرة
التكرار» ويدخل في هذا تتابع الإضافات . ومن ذلك قول المتنبي :
وتسعدني في
غمرة بعد غمرة
|
|
سبوح لها
منها عليها شواهد
|
الكشف :
الكشف ، رفعك
الشيء عما يواريه ويغطيه ، كشفه يكشفه كشفا ، وكشف الامر : أظهره .
تحدث الحاتمي
عن كشف المعنى وإبرازه بزيادة منه تزيد نصاعة وبراعة مثال ذلك أنّ امرأ القيس قال :
كبكر
المقاناة البياض بصفرة
|
|
غذاها نمير
الماء غير المحلّل
|
أخذ هذا المعنى
ذو الرّمة فكشفه وأبرزه وزاد فيه زيادة لطيفة فقال :
كحلاء في برج
صفراء في نعج
|
|
كأنّها فضّة
قد مسّها ذهب
|
وذهب الى هذا
المعنى ابن رشيق ، ولكنّ ابن منقذ قال : «هو أن يكشف المتبع معنى
المبتدع اذا كان فيه شيء من الخفاء» ، وذكر بيتي امرىء القيس وذي الرمة ، وقول جرير :
إنّ الذين
غدوا بلبك غادروا
|
|
وشلا بعينك
لا يزال معينا
|
فقد كشفه ذو
الرّمة بقوله :
ولما تلاقينا
جزت من عيوننا
|
|
دموع كشفنا
غربها بالأصابع
|
ونلنا سقاطا
من حديث كأنّه
|
|
جنى النحل
ممزوجا بماء الوقائع
|
وقال العتابي :
مضت على عهده
الليالي
|
|
وأحدثت بعده
أمور
|
واعتضت
باليأس عنه صبرا
|
|
واعتدل الحزن
والسرور
|
__________________
كشفه بعضهم
بقوله :
ولسّت أرجو
ولست أخشى
|
|
ما أحدثت
بعده الدهور
|
فليجهد
الدهّر في مساتي
|
|
فما عسى جهده
يصير
|
ويدخل هذا
النوع في الأخذ والسرقات.
كشف المعنى :
وهو كشف الثاني
معنى الاول وإبرازه اذا كان فيه شيء من الخفاء ، وهو «الكشف» وقد تقدم.
الكلام الجامع
:
جمع الشيء عن
تفرقة يجمعه جمعا ، وجمعت الشيء : إذا جئت به من ههنا وههنا .
قال الحلبي
والنّويري : «هو أن يكون البيت كله جاريا مجرى مثل واحد» كقول زهير :
ومن يك ذا
فضل فيبخل بفضله
|
|
على قومه
يستغن عنه ويذمم
|
ومن لا يصانع
في أمور كثيرة
|
|
يضرّس بأنياب
ويوطأ بمنسم
|
ومهما تكن
عند امرىء من خليقة
|
|
وإن خالها
تخفى على الناس تعلم
|
وقال السّبكي :
«هو أن يجيء المتكلم مثلا في كلامه بشيء من الحكمة والموعظة أو شكاية الزمان أو
الأحوال» .
وقال الحموي : «هو
أن يأتي الشاعر ببيت مشتمل على حكمة أو وعظ أو غير ذلك من الحقائق التي تجري مجرى
الامثال ويتمثل الناظم بحكمها أو وعظها أو بحالة تقتضي إجراء المثل» . وعرّفه السيوطي بمثل هذا التعريف وقال المدني : «الكلام الجامع هو عبارة عن أن يأتي
الشاعر ببيت يكون جملة حكمة أو موعظة أو نحو ذلك من الحقائق الجارية مجرى الامثال.
هكذا قال غير واحد من البديعيين ، وقال الطيبي في التبيان : «هو أن يحلي المتكلم
كلامه بشيء من الحكمة والموعظة وشكاية الزمان والاخوان» وهذا أعم من الاول» . ومن ذلك قول أبي تمام :
واذا أراد
الله نشر فضيلة
|
|
طويت أتاح
لها لسان حسود
|
لو لا اشتعال
النار فيما جاورت
|
|
ما كان يعرف
طيب عرف العود
|
وقول الأخر :
حاول جسيمات
الأمور ولا تقل
|
|
إنّ المحامد
والعلى أرزاق
|
فارغب بنفسك
أن تكون مقصّرا
|
|
في غاية فيها
الطلاب سباق
|
وقول العتابي
يخاطب محبوبته :
تحبين أني
نلت ما نال جعفر
|
|
من الملك أو
ما نال يحيى بن خالد
|
فقالت : نعم ،
فقال :
وأنّ أمير
المؤمنين أحلّني
|
|
محلّهما
بالمرهفات البوارد
|
فقالت : لا ،
فقال :
دعيني تجئني
ميتتي مطمئنة
|
|
ولم أتجشّم
هول تلك الموارد
|
__________________
فانّ جسيمات
الامور منوطة
|
|
بمستودعات في
بطون الأساود
|
ومن ذلك قول
ابن دريد :
من لم يعظه
الدهر لم ينفعه ما
|
|
راح به
الواعظ يوما أو غدا
|
من لم تفده
عبرا أيامه
|
|
كان العمى
أولى به من الهدى
|
الكلام الموجّه
:
وجّه اليه كذا
: أرسله ، ووجّهت في حاجة ووجهت وجهي لله وتوجهت نحوك واليك ، وكساء موجّه : ذو
وجهين .
قال ابن الأثير
: «الموجّه أي له وجهان وهو مما يدلّ على براعة الشاعر وحسن تأتّيه» . والكلام الموجّه هو القسم الثاني من أقسام تأويل
المعنى ، فالاول أن يفهم منه شيء واحد لا يحتمل غيره ، والثاني أن يفهم منه الشيء
وغيره ، وتلك الغيرية ضد ، والثالث أن يفهم منه الشيء وغيره وتلك الغيرية لا تكون
ضدا. والأول يقع عليه أكثر الأشعار ، والثاني قليل الوقوع جدّا ، والثالث أكثر
وقوعا منه وهو واسطة بين الطرفين.
ومن ذلك قوله ـ
صلىاللهعليهوسلم ـ : «من كلام النبوّة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت».
وهذا يشتمل على معنيين ضدين :
أحدهما : أنّ
المراد به إذا لم تفعل فعلا تستحي منه فافعل ما شئت.
والآخر : أنّ
المراد به إذا لم يكن لك حياء يزعك عن فعل ما يستحى منه فافعل ما شئت.
وهذان معنيان
ضدان ، أحدهما مدح والآخر ذمّ.
ومن ذلك قول
المتنبي يخاطب كافورا :
عدوّك مذموم
بكلّ لسان
|
|
ولو كان من
أعدائك القمران
|
ولله سرّ في
علاك وإنّما
|
|
كلام العدى
ضرب من الهذيان
|
ثم قال :
فما لك تعنى
بالأسنّة والقنا
|
|
وجدّك طعّان
بغير سنان
|
فإنّ هذا بالذم
أشبه منه بالمدح ، لأنّه يقول : لم تبلغ ما بلغته بسعيك واهتمامك بل بجد وسعادة
وهذا لا فضل فيه ؛ لأنّ السعادة تنال الخامل والجاهد ومن لا يستحقها ، واكثر ما
كان المتنبي يستعمل هذا القسم في قصائده الكافوريات.
كمال الاتّصال
:
هو أن تكون
الجملة الثانية متصلة اتصالا تاما بالجملة الأولى . وقد تقدم في الفصل والوصل.
كمال الانقطاع
:
وهو من المواضع
التي يجب فيها الفصل ويكون لأمر يرجع الى الاسناد أو إلى طرفيه ، وقد تقدم في الانقطاع والفصل والوصل.
كمال البيان :
قال العلوي : «إنّ
لهذا الصنف من المكانة البلاغية موقعا عظيما ، وحاصله في لسان أهل البلاغة أنّه
كشف المعنى وايضاحه حتى يصل الى النفوس على
__________________
أحسن شيء وأسهله» . وهو حسن البيان وقد تقدم.
كمال المعنى :
قال ابن سنان :
«وأمّا كمال المعنى فهو أن تستوفي الأحوال التي تتم بها صحته وتكمل جودته» . وذلك مثل قول نافع بن خليفة الغنوي :
رجال إذا لم
يقبل الحقّ منهم
|
|
ويعطوه عاذوا
بالسيوف القواضب
|
فتمم المعنى
بقوله : «ويعطوه» لأنّه لو اقتصر على قوله : «إذا لم يقبل الحق منهم عاذوا بالسيوف»
كان المعنى ناقصا.
الكناية :
الكناية : أن
تتكلّم بشيء وتريد غيره ، وكنّى عن الأمر بغيره يكني كناية ، وتكنّى : تستر من
كنّى عنه إذا ورّى ، أو من الكنية .
من أقدم الذين
عرضوا للكناية أبو عبيدة وهي عنده ما فهم من الكلام ومن السياق من غير أن يذكر
اسمه صريحا في العبارة فهي تستعمل قريبة من المعنى البلاغي كما في قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) فهو كناية وتشبيه ، وفي قوله تعالى : (أَوْ لامَسْتُمُ
النِّساءَ*) كناية عن الغشيان .
وقد تأتي
الكناية بمعنى الضمير وهو ما ذكره سيبويه وكرّره أبو عبيدة في «مجاز القرآن»
والفراء في «معاني القرآن». وأشار الجاحظ الى الكناية والتعريض وذكر أنّهما لا
يعملان في العقول عمل الافصاح والكشف ، وربطها هي والوحي باللحظ ودلالة الاشارة ونقل عن شريح أنه قال : «الحدّة كناية عن الجهل» ونقل
عن أبي عبيدة أنّه قال : «العارضة كناية عن البذاء» قال : «واذا قالوا فلان مقتصد
فتلك كناية عن البخل ، واذا قيل للعامل مستقص فذلك كناية عن الجور» . وهذا هو المعنى الذي وقف عنده البلاغيون والنقاد.
وذكر ابن
المعتزّ فنّا من محاسن الكلام هو «التعريض والكناية» ولكنه لم يعرفهما وأدخل فيهما ما سمّي لغزا وذكر قول
بعضهم :
أبوك أب ما
زال للناس موجعا
|
|
لأعناقهم
نقرا كما ينقر الصّقر
|
إذا عوّج
الكتّاب يوما سطورهم
|
|
فليس بمعوجّ
له أبدا سطر
|
وتقع الكناية
عند المبرّد على ثلاثة أضرب :
أحدها :
التعمية والتغطية كقول النابغة الجعدي :
أكني بغير
اسمها وقد علم
|
|
الله خفيات
كلّ مكتتم
|
وقال ذو الرّمة
استراحة الى التصريح من الكناية :
أحبّ المكان
القفر من أجل انني
|
|
به اتغنّى
باسمها غير معجم
|
وثانيها :
الرغبة عن اللفظ الخسيس المفحش الى ما يدلّ على معناه من غيره كقوله تعالى في
المسيح وأمه : (كانا يَأْكُلانِ
الطَّعامَ) وهو كناية عن قضاء الحاجة.
وثالثها :
التفخيم والتعظيم ومنه اشتقت الكنية وهو
__________________
(٨) البيان ج ١ ص ١١٧. ولكن الجاحظ قال
ايضا في رسالة نفي التشبيه (الرسائل ج ١ ص ٣٠٧) : «
أن يعظّم الرجل أن يدعى باسمه ، وقد وقعت في الكلام على ضربين : في الصبي
على جهة التفاؤل بأن يكون له ولد ويدعى بولده كناية عن اسمه ، وفي الكبير أن ينادى
باسم ولده صيانة لاسمه .
وذكر قدامة فنا
سمّاه الإشارة ، وهو أن يكون اللفظ القليل مشتملا على معان كثيرة بايماء اليها أو
لمحة تدلّ عليها كما قال بعضهم وقد وصف البلاغة «هي لمحة دالّة» . وذكر في باب ائتلاف اللفظ والمعنى فنا سماه «الإرداف»
وهو أن يريد الشاعر دلالة على معنّى من المعاني فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك
المعنى بل بلفظ يدلّ على معنّى هو ردفه وتابع له فإذا دلّ على التابع أبان عن
المتبوع ، كقول عمر بن ابي ربيعة :
بعيدة مهوى
القرط إمّا لنوفل
|
|
أبوها وإما
عبد شمس وهاشم
|
وإنما أراد أن
يصف طول الجيد فلم يذكره بلفظه الخاص بل أتى بمعنى هو تابع لطول الجيد وهو بعد
مهوى القرط .
وتحدّث ابن
سنان عن حسن الكناية عما يجب أن يكنى عنه في المواضع التي لا يحسن التصريح فيها ،
وعدّه أصلا من أصول الفصاحة وشرطا من شروط البلاغة .
وتحدّث عن
الإرداف وقال : «ومن نعوت البلاغة والفصاحة أن تراد الدّلالة على المعنى فلا
يستعمل اللفظ الخاص الموضوع له في اللغة بل يؤتى بلفظ يتبع ذلك المعنى ضرورة فيكون
في ذكر التابع دلالة على المتبوع ، وهذا يسمّى الإرداف والتتبيع لأنه يؤتى فيه
بلفظ هو ردف اللفظ المخصوص بذلك المعنى وتابعه» .
واختلط مصطلحا «الكناية»
و «التعريض» عند العسكري وقال : «هو أن يكنّى عن الشيء ويعرّض به ولا يصرّح على
حسب ما عملوا باللحن والتورية عن الشيء» وتحدّث عن الإرداف والتوابع وقال : «أن يريد المتكلّم
الدلالة على معنى فيترك اللفظ الدالّ عليه الخاص به ويأتي بلفظ هو ردفه وتابع له
فيجعله عبارة عن المعنى الذي أراده ، وذلك مثل قول الله تعالى : (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ). وقصور الطرف في الأصل موضوعة للعفاف على جهة التوابع
والإرداف ، وذلك أنّ المرأة اذا عفّت قصرت طرفها على زوجها فكان ، قصور الطرف ردفا
للعفاف ، والعفاف ردف وتابع لقصور الطرف» . وتكلّم على المماثلة وهي : «أن يريد المتكلّم العبارة
عن معنى فيأتي بلفظة تكون موضوعة لمعنى آخر إلا أنّه ينبىء اذا أورده عن المعنى
الذي أراده كقولهم : «فلان نقي الثوب» يريدون أنّه لا عيب فيه وليس موضوع نقاء
الثوب البراءة من العيوب وإنما استعمل فيه تمثيلا» .
وأدخل ابن رشيق
الكناية في باب الإشارة وهي عنده من غرائب الشعر وملحه ، وبلاغته عجيبة تدلّ على
بعد المرمى وفرط المقدرة وليس يأتي بها إلا الشاعر المبرز والحاذق الماهر ، وهي في
كل نوع من الكلام لمحة دالّة واختصار وتلويح يعرف مجملا ، ومعناه بعيد من ظاهر
لفظه. ومن أنواعها التفخيم والايماء والتعريض والتلويح والكناية والتمثيل والرمز
واللمحة واللغز واللحن والتعمية والحذف والتورية والتتبيع. وقال عن الكناية : «والعرب
تجعل المهاة شاة لأنّها عندهم ضائنة الظباء ، ولذلك يسمونها نعجة. وعلى هذا
المتعارف في الكناية جاء قول الله ـ عزوجل ـ في إخباره عن
__________________
خصم داود ـ عليهالسلام ـ : (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ
تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ). كناية بالنعجة عن المرأة. وقال امرؤ القيس :
وبيضة خدر لا
يرام خباؤها
|
|
تمتعت من لهو
بها غير معجل
|
كناية بالبيضة
عن المرأة» . وقال إنّ من الكناية اشتقاق الكنية لانك تكني عن الرجل
بالابوة ، وذكر الأضرب الثلاثة التي ذكرها المبرّد.
وبدأ فن
الكناية يأخذ طابعه العلمي بعد ذلك فقال عبد القاهر : «الكناية أن يريد المتكلّم
اثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة ولكن يجيء الى معنى
هو تاليه وردفه في الوجود فيومىء به اليه ويجعله دليلا عليه» .
وقال الرازي :
اعلم أنّ اللفظة اذا اطلقت وكان الغرض الاصلي غير معناها فلا يخلو إما أن يكون
معناها مقصودا أيضا ليكون دالا على ذلك الغرض الاصلي ، وإما أن لا يكون. فالأول
الكناية ، والثاني المجاز» .
وقال ابن
الزملكاني : «هي أن تريد إثبات معنى فتترك اللفظ الموضوع له وتأتي بتاليه وجودا
لتومىء به اليه وتجعله شاهدا له ودليلا عليه» .
وقال السّكّاكي
: «هي ترك التصريح بذكر الشيء الى ذكر ما هو ملزومه لينتقل من المذكور الى المتروك»
.
وذكر ابن
الأثير عدّة تعريفات ورجّح «أنّها كل لفظة دلت على معنى يجوز حمله على جانبي
الحقيقة والمجاز بوصف جامع بين الحقيقة والمجاز» .
وقال القزويني
: «الكناية لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة معناه حينئذ» .
وقال المصري : «هي
أن يعبر المتكلم عن المعنى القبيح باللفظ الحسن وعن الفاحش بالطاهر» .
وذكر العلوي
عدّة تعريفات ثم قال : «فالمختار عندنا في بيان ماهية الكناية أن يقال هي اللفظ
الدالّ على معنيين مختلفين حقيقة ومجازا من غير واسطة لا على جهة التصريح» .
وقال الزركشي :
«الكناية عن الشيء : الدلالة عليه من غير تصريح باسمه ، وهي عند أهل البيان أن
يريد المتكلّم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له من اللغة ولكن
يجيء الى معنى هو تاليه ورديفه في الوجود ويجعله دليلا عليه فيدلّ على المراد من
طريق أولى» .
وفرّق الحموي
بين الكناية والإرداف فقال عنها : «الكناية هي الإرداف بعينه عند علماء البيان ،
وإنما علماء البديع أفردوا الإرداف عنها ، والكناية هي أن يريد المتكلّم إثبات
معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة ولكن يجيء الى معنى هو ردفه
في الوجود فيومىء اليه ويجعله دليلا عليه» . وقال في الإرداف : «نوع الإرداف قالوا :
__________________
إنّه هو والكناية شيء واحد. قلت : واذا كان الامر كذلك كان الواجب
اختصارهما وإنما ائمة البديع كقدامة والحاتمي والرماني قالوا : إنّ الفرق بينهما
ظاهر. والإرداف هو أن يريد المتكلم معنى فلا يعبر عنه بلفظه الموضوع له بل يعبر
عنه بلفظ هو رديفه وتابعه» .
وقال المدني : «هي
ترك التصريح بذكر الشيء الى ذكر لازمه المساوي لينتقل الذهن منه الى الملزوم
المطوي ذكره» ، وقال السجلماسي : «هي اقتضاب الدلالة على ذات المعنى
بما له اليه نسبة» .
ولا يخرج كلام
الآخرين على الكناية عما تقدم .
واختلف
البلاغيون في الكناية ، هل هي حقيقة أو مجاز؟ وقد أنكر الرازي أن تكون مجازا وفعل مثله عز الدين بن عبد السّلام الذي قال : «الظاهر
أنّ الكناية ليست من المجاز لأنّك استعملت اللفظ فيما وضع له وأردت به الدلالة على
غيره ولم تخرجه عن أن يكون مستعملا فيما وضع له» . وذهبت جماعة الى أنّها مجاز كالعلوي الذي قال : «وهكذا
اسم المجاز فانه شامل لانواعه من الاستعارة والكناية والتمثيل» وقال السكاكي : «إنها نازلة من المجاز منزلة المركب من
المفرد» ولذلك أخّر بحثها عن المجاز. وعدّ ابن الاثير الكناية
من الاستعارة وقال إنّ كلّ كناية استعارة وليست كل استعارة كناية . وذهب القزويني الى أنّها واسطة بين الحقيقة والمجاز وعلّل الدسوقي ذلك بقوله : «الكناية إخراجها بناء على
أنّها واسطة لا حقيقة ولا مجاز ، أما أنّها ليست حقيقة فلانها ـ كما سبق ـ اللفظ
المستعمل فيما وضع له. والكناية ليست كذلك وأما أنّها ليست مجازا فلانّه اشترط
فيها القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة ، والكناية ليست كذلك ولهذا أخرجها من
تعريف المجاز» .
ولخّص السيوطي
المذاهب المختلفة في الكناية وحصرها في أربعة :
الاول : أنّها
حقيقة قاله ابن عبد السّلام وهو الظاهر لأنّها استعملت فيما وضعت له وأريد بها
الدلالات على غيره.
الثاني : أنّها
مجاز.
الثالث : أنّها
لا حقيقة ولا مجاز واليه ذهب صاحب التلخيص لمنعه في المجاز أن يراد المعنى الحقيقي
مع المجازي وتجويزه ذلك فيها.
الرابع : وهو
اختيار الشيخ تقي الدين السبكي أنّها تقسم الى حقيقة ومجاز ، فان استعمل اللفظ في
معناه مرادا من لازم المعنى أيضا فهو حقيقة وإن لم يرد المعنى بل عبّر بالملزوم عن
اللازم فهو مجاز لاستعماله فيما وضع له .
ولم يكن
للكناية في مراحل التأليف الاولى تقسيم واضح ، ولكنّ ابن الاثير قسمها في كتابه «الجامع
الكبير» الى أربعة أقسام هي : التمثيل والإرداف والمجاورة والكناية التي ليست
تمثيلا ولا إردافا ولا مجاورة . وفي كتابه «المثل السائر» قال إنّ هذا التقسيم غير
دقيق ، وقسمها الى لونين : ما يحسن
__________________
استعماله وما لا يحسن استعماله وهو عيب في الكلام فاحش . وقسّمها السّكاكي ومن سار على نهجه كالقزويني وشرّاح
التلخيص الى ثلاثة أقسام :
الأوّل :
الكناية المطلوب بها نفس الموصوف ، وهي قريبة وبعيدة ، ومثال القريبة قول الشاعر
كناية عن القلب :
الضاربين
بكلّ أبيض مخذم
|
|
والطاعنين
مجامع الأضغان
|
و «مجامع
الأضغان» كناية عن القلوب.
وقول أبي
العلاء :
سليل النار
دقّ ورقّ حتى
|
|
كأن أباه
أورثه السّلالا
|
و «سليل النار»
كناية عن السيف.
وقول الآخر :
ودبّ لها في
موطن الحلم علّة
|
|
لها كالصلال
الرقش شرّ دبيب
|
و «موطن الحلم»
كناية عن الصدور.
والكناية
البعيدة أن يتكلف المتكلّم اختصاصها بأن يضم الى لازم لازما آخر وآخر حتى يلفق
مجموعا وصفيّا مانعا من دخول كل ما عدا مقصوده ، كأن يقال في الكناية عن الانسان :
«حي مستوي القامة عريض الأظفار».
الثاني :
الكناية المطلوب بها نفس الصفة ، وهي قريبة وبعيدة ، فالقريبة كقول طرفة :
أنا الرجل
الضّرب الذي تعرفونه
|
|
خشاش كرأس
الحية المتوقّد
|
وقد كنّى عن
صلابة جسمه وخفّة لحمه ومضي رأيه وتوقّد ذهنه وذكائه.
وقول الآخر :
ولسنا على
الأعقاب تدمى كلومنا
|
|
ولكن على
أقدامنا تقطر الدما
|
وهذا كناية عن
الشجاعة.
والكناية
البعيدة هي الانتقال الى المطلوب من لازم بعيد بوساطة لوازم متسلسلة كقول نصيب :
لعبد العزيز
على قومه
|
|
وغيرهم منن
ظاهره
|
فبابك أسهل
أبوابهم
|
|
ودارك مأهولة
عامره
|
وكلبك آنس
بالزائرين
|
|
من الأم
بابنتها الزائره
|
فانه انتقل من
وصف كلبه بما ذكر أنّ الزائرين معارف عنده ، ومن ذلك الى اتصال مشاهدتهم ليلا
ونهارا ، ومنها الى لزومهم بابه ، ومنها الى وفور إحسانه وهو المقصود.
ومنه قول
المتنبي :
تشتكي ما
اشتكيت من ألم الشّو
|
|
ق اليها
والشّوق حيث النحول
|
الثالث :
الكناية التي يطلب بها تخصيص الصفة بالموصوف وهي الكناية عن نسبة ويراد بها إثبات
أمر لأمر أو نفيه عنه أو كما قال ابن الزملكاني : «أن يأتوا بالمراد منسوبا الى
أمر يشتمل عليه من هي له حقيقة» . ومن هذا النوع قول زياد الأعجم :
إنّ السماحة
والمروءة والنّدى
|
|
في قبّة ضربت
على ابن الحشرج
|
وقول الشنفري :
__________________
يبيت بمنجاة
عن اللوم بيتها
|
|
إذا ما بيوت
بالملامة حلّت
|
وقول حسان بن
ثابت :
بنى المجد
بيتا فاستقرّ عماده
|
|
علينا فأعيا
الناس أن يتحوّلا
|
وقول الآخر :
اليمن يتبع
ظلّه
|
|
والمجد يمشي
في ركابه
|
وقول أبي نواس
:
فما جازه جود
ولا حلّ دونه
|
|
ولكن يصير
الجود حيث يصير
|
وقول المتنبي :
إنّ في ثوبك
الذي المجد منه
|
|
لضياء يزري
بكلّ ضياء
|
وقال السّكاكي
بعد هذه الاقسام إنّه قد يظن بعضهم أنّ هناك قسما رابعا وليس الأمر كذلك قال : «وقد
يظن أنّ ههنا قسما رابعا وهو أن يكون المطلوب بالكناية الوصف والتخصيص معا مثل ما
يقال : «يكثر الرماد في ساحة عمرو» في الكناية عن أن عمرا مضياف فليس بذاك إذ ليس
ما ذكر بكناية واحدة بل هما كنايتان وانتقال من لازمين الى ملزومين ، أحد اللازمين
كثرة الرماد والثاني تقييدها وهو قولك «في ساحة عمرو» .
وهذه الأقسام
الثلاثة هي مما ذكره عبد القاهر ، غير أنّه لم يحدّدها تحديدا دقيقا أو يفصل الأمثلة
فصلا تاما ، وكان السّكاكي ومن سار على مذهبه قد أوقفوا هذا الفن عند هذه الحدود.
__________________
اللام
لازم فائدة
الخبر :
لازم فائدة
الخبر هو الغرض الثاني من أغراض الخبر الأصلية ، وذلك أن يكون المخبر عالما بالحكم
كقولك لمن زيد عنده ولا يعلم أنك تعلم ذلك : «زيد عندك» .
اللّحن :
اللّحن : من
الأصوات المصوغة الموضوعة وجمعه ألحان ولحون ، ولحن في قراءته إذا غرّد وطرّب فيها
بألحان ، واللحن : ترك الصواب في القراءة والنشيد ، يقال : لحن يلحن لحنا ولحنا.
ولحن : قال له قولا يفهمه عنه ويخفى على غيره لأنّه يميله بالتورية عن الواضح
المفهوم. وقول مالك ابن اسماء بن خارجة الفزاري :
وحديث ألذّه
هو مما
|
|
ينعت
الناعتون يوزن وزنا
|
منطق رائع
وتلحن أحيا
|
|
نا وخير
الحديث ما كان لحنا
|
يريد أنّها
تتكلّم بشيء وهي تريد غيره وتعرّض في حديثها فتزيله عن جهته من فطنتها كما قال عزوجل : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ
فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) ، أي : في فحواه ومعناه .
وكان الجاحظ قد
ظن أنّ اللحن هو الخطأ والخروج على الإعراب ، وقد روى الخطيب البغدادي عن يحيى بن علي أنّه قال :
حدّثني أبي قال : قلت للجاحظ : إني قرأت في فصل من كتابك المسمّى كتاب البيان
والتبيين أنّ مما يستحسن من النساء اللحن في الكلام واستشهدت ببيتي مالك بن اسماء
ـ يعني قوله :
وحديث ألذّه
هو مما
|
|
ينعت
الناعتون يوزن وزنا
|
منطق صائب
وتلحن أحيا
|
|
نا وخير
الحديث ما كان لحنا
|
قال : هو كذاك.
قلت : أفما سمعت بخبر هند بنت اسماء بن خارجة مع الحجّاج حين لحنت في كلامها فعاب
ذلك عليها فاحتجّت ببيت أخيها فقال لها : إنّ أخاك أراد المرأة فطنة ، فهي تلحن
بالكلام الى غير المعنى في الظاهر لتستر معناه وتورّي عنه وتفهمه من أرادت
بالتعريض كما قال الله تعالى : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ
فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) ولم يرد الخطأ في الكلام ، والخطأ لا يستحسن من أحد.
فوجم الجاحظ ساعة ثم قال : لو سقط اليّ هذا الخبر لما قلت ما تقدّم. فقلت له : فأصلحه
، فقال : الآن وقد سار الكتاب في الآفاق.
__________________
هذا لا يصلح .
أي أنّ اللحن
في قول مالك بن أسماء هو التعريض عن فطنة ، والى ذلك ذهب ابن وهب حين قال : «وأمّا
اللحن فهو التعريض بالشيء من غير تصريح أو الكناية عنه بغيره» . والعرب تفعل ذلك لوجوه وتستعمله في أوقات ومواطن فمن
ذلك ما استعملوه للتعظيم أو للتخفيف أو للاستحياء أو للبقيا أو للانصاف أو
للاحتراس. فأمّا ما يستعمل من التعريض للاعظام فهو أن يريد مريد تعريف ما فوقه
قبيحا إن فعله فيعرض له بذلك من فعل غيره ويقبح له ما ظهر منه فيكون قد قبحّ له ما
أتاه من غير أن يواجهه به ، وفي ذلك يقول الشاعر :
ألا ربّ من
أطنبت في ذمّ غيره
|
|
لديه على فعل
أتاه على عمد
|
ليعلم عند
الفكر في ذاك أنّما
|
|
نصيحته فيما
خطبت به قصدي
|
وأما التعريض
للتخفيف فهو أنّ يكون لك الى رجل حاجة فتجيئه مسلما ولا تذكر حاجتك فيكون ذلك
اقتضاء له وتعريضا بمرادك منه ، وفي ذلك يقول الشاعر :
أروح بتسليم
عليك وأغتدي
|
|
وحسبك
بالتسليم مني تقاضيا
|
وأمّا التعريض
للاستحياء فالكناية عن الحاجة بالنجو والعذرة.
وأما التعريض
للبقيا فمثل تعريض الله ـ عزوجل ـ بأوصاف المنافقين وإمساكه عن تسميتهم إبقاء عليهم
وتألفا لهم. ومثل تعريض الشعراء بالديار والمياه والجبال والاشجار بقيا على ألّا
فهم وصيانة لأسرارهم وكتمانا لذكرهم.
وأما التعريض
للانصاف فكقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ
إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وأما التعريض للاحتراس فهو ترك مواجهة السفهاء والانذال
بما يكرهون وإن كانوا لذلك مستحقين خوفا من بوادرهم وتسرعهم وإدخال ذلك عليهم
بالتعريض والكلام اللين.
وأدخل ابن رشيق
اللحن في باب الإشارة وقال : «ومن الإشارات اللحن وهو كلام يعرفه المخاطب بفحواه
وإن كان على غير وجهه» . وقال : «ويسميه الناس في وقتنا هذا «المحاجاة لدلالة
الحجا عليه» وذلك نحو قول الشاعر يحذر قومه :
خلّوا على
الناقة الحمراء أرحلكم
|
|
والبازل
الأصهب المعقول فاصطنعوا
|
إنّ الذئاب
قد اخضّرت براثنها
|
|
والناس كلّهم
بكر اذا شبعوا
|
أراد بالناقة
الحمراء : الدهناء ، وبالجمل الأصهب : الصمان ، وبالذئاب : الأعداء. فيقول : «قد
اخضرت أقدامهم من المشي في الكلأ والخصب والناس كلهم اذا شبعوا طلبوا الغزو فصاروا
عدوا لكم كما أنّ بكر بن وائل عدوكم» وفعل مثله السجلماسي الذي عدّ اللحن من التعمية وهو من
جنس الإشارة .
لزوم ما لا
يلزم :
هو الإعنات أو
الالتزام أو التضييق أو التشديد ، وقد سمّاه كذلك معظم البلاغيين» ، وسمّاه المدني
__________________
الالتزام وأشار الى الأسماء الأخرى .
لطافة المعنى :
لطف به وله
يلطف لطفا ، اذا رفق به ، ولطف به لطفا ولطافة وألطفه وألطفته : اتحفته ، وألطفه
بكذا أي : برّه به ، واللطيف من الكلام : ما غمض معناه وخفي .
قال ثعلب : «لطافة
المعنى هو الدّلالة بالتعريض على التصريح» كقول امرىء القيس :
أمرخ خيامهم
أم عشر
|
|
أم القلب في
إثرهم منحدر
|
أي هل هم
مقيمون كعود المرخ أو قد حطّوا للرحلة كانسطاح العشر أو قد ارتحلوا فالقلب في
إثرهم منحدر.
وقال ثعلب : «ومن
لطف المعنى كل ما يدلّ على الايماء الذي يقوم مقام التصريح لمن يحسن فهمه
واستنباطه» كقول امرىء القيس :
وخليل قد
أقارقه
|
|
ثم لا أبكي
على أثره
|
وقول مهلهل بن
ابي ربيعة :
يبكى علينا
ولا نبكي على أحد
|
|
لنحن أغلظ
أكبادا من الإبل
|
وقول جرير :
وإنّي لا
ستحيي أخي أن أرى له
|
|
عليّ من
الفضل الذي لا يرى ليا
|
وقول عروة بن
الورد :
أقسّم جسمي
في جسوم كثيرة
|
|
وأحسو قراح
الماء والماء بارد
|
وقول نصيب في
سليمان بن عبد الملك :
فعاجوا
فأثنوا بالذي أنت أهله
|
|
ولو سكتوا
أثنت عليه الحقائب
|
اللّغز :
ألغز الكلام
وألغز فيه : عمّى مراده وأضمره على خلاف ما أظهره ، واللّغز : ما ألغز من كلام
فشبّه معناه ، واللغز : الكلام الملبّس .
وقد عقد الجاحظ
بابا في «اللغز في الجواب» وذكر عدة أخبار منها : «قالوا : كان الحطيئة يرعى غنما
له وفي يده عصا فمّر به رجل فقال : يا راعي الغنم ما عندك؟ قال : عجراء من سلم.
يعني عصاه. قال : إنّي ضيف ، فقال الحطيئة : «للضيفان أعددتها».
وذكر بعض أشعار
اللغز من ذلك أكل أولاد العقرب بطن أمهم كما في قول بعضهم :
وحاملة لا
يكمل الدهر حملها
|
|
تموت ويبقى
حملها حين تعطب
|
وقال ابن وهب :
«وأما اللغز فانّه من ألغز اليربوع ولغز اذا حفر لنفسه مستقيما ثم أخذ يمنة ويسرة
ليخبي بذلك على طالبه. وهو قول استعمل فيه اللفظ المتشابه طلبا للمعاياة والمحاجة.
والقائدة في ذلك في العلوم الدنيوية رياضة الفكر في تصحيح المعاني وإخراجها من
المناقضة والفساد إلى معنى الصواب والحق وقدح
__________________
الفطنة في ذلك واستنجاد الرأي في استخراجها» .
وذلك مثل قول
الشاعر :
ربّ ثور رأيت
في جحر نمل
|
|
ونهار في
ليلة ظلماء
|
فالثور ههنا
القطعة من الأقط ، والنهار فرخ الحبارى ، فاذا استخرج هذا صحّ المعنى وإذا حمل على
ظاهر لفظه كان محالا.
وأدخل فيه
الاسماء المشتركة مثل المجنون الذي به الخبل والمجنون الذي جنّة الليل ، والنبيذ
الذي يشرب والنبيذ الصبي المنبوذ ، والعليّ المرتفع والعليّ الفرس الشديد ، والجرح
المصدر من الجراح والجرح الكسب. ومثل ذلك كثير وقد جمعه أهل اللغة ، وممن جوزّه
وجمع أكثره ابن دريد في كتاب «الملاحن» ، وقد ذكر عبد القاهر بعض تلك الملاحن .
وأدخل ابن رشيق
اللغز في باب الإشارة وقال : «ومن أخفى الاشارات وأبعدها اللغز وهو أن يكون للكلام
ظاهر عجيب لا يمكن وباطن ممكن عجيب» كقول أبي المقدام :
وغلام رأيته
صار كلبا
|
|
ثم من بعد
ذاك صار غزالا
|
فقوله : «صار»
بمعنى عطف وما أشبهه ، ومستقبله يصور ، وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ
فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ). وقال الصفدي : «اللغز هو أن تذكر شيئا بصفات يشاركه
فيها غيره فيرجع الذهن في ذلك الى حيرة لا يدري مصرفها الى أي متصف منهما بتلك
الصفات لكونها تصدق من جهة وتكذب من أخرى. واشتقاقه من «اللغيزى» وهي حفر يحفرها
اليربوع تحت الارض ويجعلها متشبعة يمنة ويسرة ليخفي أمره على من يقصده فاذا طلبه
في واحد منها خرج من آخر» .
وقال السبكي : «اللغز
ويسمى الأحجية والمعمّى وهو قريب من التورية وأمثلته لا تكاد تنحصر ، وفيه مصنفات
للناس» .
وقال المدني : «الإلغاز
مصدر ألغز الكلام وفيه أتيت به مشتبها ، قال ابن فارس : اللغز : ميلك بالشيء عن
وجهه. وفي الاصطلاح : أن يأتي المتكلّم بكلام يعمي به المقصود بحيث يخفى على
السامع فلا يدركه إلا بفضل تأمّل ومزيد نظر» .
اللّفّ والنّشر
:
هو الطّيّ
والنّشر ، وقد تقدّم.
اللّمحة :
لمح اليه يلمح
لمحا وألمح : اختلس النظر ، وقال بعضهم : لمح : نظر ، واللمحة : النظرة العجلة .
__________________
وقد ذكر
البلاغيون المتقدمون أنّ البلاغة هي اللمحة الدالة ، وعدّ ابن رشيق اللمحة من باب الإشارة ، قال : «ومن
الإشارات اللمحة كقول أبي نواس يصف يوما مطيرا :
وشمسه حرّة
مخدّرة
|
|
ليس لها في
سمائها نور
|
فقوله : «حرة»
يدل على ما أراد في باقي البيت إذ كان من شأن الحرة الخفر والحياء ولذلك جعلها
مخدرة ...
وكذلك قول حسان
ويكون ايضا تتبيعا :
أولاد جفنة
حول قبر أبيهم
|
|
قبر ابن
مارية الكريم المفضل
|
يريد أنهم ملوك
ذوو حاضرة ومستقر عز ، ليسوا أصحاب رحلة وانتجاع» .
__________________
الميم
المؤاخاة :
آخى الرّجل
مؤاخاة وإخاء ، وفي الحديث أنّ النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ آخى بين المهاجرين والأنصار ، أي : ألّف بينهم بأخوة
الاسلام والايمان. وقال الليث : الاخاء :
المؤاخاة
والتأخي ، والأخوّة : قرابة الأخ والتأخّي : اتخاذ الاخوان .
المؤاخاة هي
الائتلاف أو التلفيق أو التناسب أو مراعاة النظير ، و «مراعاة النظير هو أن يجمع
الناظم أو الناثر أمرا وما يناسبه لا مع ذكر التضاد لتخرج المطابقة ، وسواء كانت
المناسبة لفظا لمعنى أو لفظا للفظ أو معنى لمعنى ؛ إذ القصد جمع شيء الى ما يناسبه
من نوعه أو ما يلائمه من أحد الوجوه» .
وقال المدني
بعد تعريف مراعاة النظير : «ولا يخفى أنّ هذا التفسير يدخل فيه ائتلاف اللفظ مع
المعنى ، وائتلاف اللفظ مع اللفظ ، وائتلاف المعنى مع المعنى ، وكل من هذه الأقسام
عدّه أرباب البديعيات نوعا برأسه ونظموا له شاهدا مستقلّا وجعلوه مغايرا لهذا
النوع» . وسمّاه ابن قيم الجوزية «المؤاخاة وقال : «وهي على
قسمين :
الأوّل :
المؤاخاة في المعاني.
والثاني :
المؤاخاة في الألفاظ.
ويكون للكلام
بها رونق لأنّ النفس يعرض لها عند الشعور شيء يطلع الى مناسبة فلا يرد إلا بعد
تشوّف ، ولا كذلك المباين ، فلذلك يقبح ذكر الشيء مع مباينه في المعنى المذكور» . وقال السبكي : «هو أخصّ من الائتلاف ، وهو أن تكون
معاني الالفاظ متناسبة» كقول ذي الرّمة :
لمياء في
شفتيها حوّة لعس
|
|
وفي الثنايا
وفي أنيابها شنب
|
احترازا عن مثل
قول الكميت :
وقد رأيت بها
خودا منعّمة
|
|
بيضا تكامل
فيها الدّلّ والشنب
|
فذكر «الشنب»
مع «الدل» غير مناسب.
وقبح قول أبي
تمام :
مثقفات سلبن
العرب سمرتها
|
|
والروم
زرقتها والعاشق القصفا
|
وكان ينبغي أن
يقول : «والعشاق قصفها» لكن منعه الوزن والقافية.
المؤاخاة
اللّفظيّة :
قسّموا
المؤاخاة الى مؤاخاة في الالفاظ ومؤاخاة
__________________
في المعاني وطلبوا أن يحسن مراعاة المؤاخاة اللفظية كالإفراد والتثنية
والجمع وغير ذلك من الأحكام اللفظية ، فاذا كان الاول مفردا استحب في مقابله أن
يكون مفردا مثله ، وهكذا إذا كان مجموعا ، ومن ثمّ عيب على أبي تمام قوله في وصف
الرماح :
مثقفات سلبن
العرب سمرتها
|
|
والروم زرقتها
والعاشق القصفا
|
وعيب على أبي
نواس قوله في وصف الخمر :
صفراء مجّدها
مرازبها
|
|
جلّت عن
النظراء والمثل
|
لأنّه جمع ثم
أفرد في معنى ، وكان الأحسن أن يقول : «والامثال» ليطابق «النظراء» ، أو «النظير»
ليطابق «المثل» .
ومن جميل
المؤاخاة اللفظية قوله تعالى : (طَبَعَ اللهُ عَلى
قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) ، وقوله : (شَهِدَ عَلَيْهِمْ
سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ) وقوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى
قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ).
المؤاخاة
المعنويّة :
تأتي المؤاخاة
المعنوية مطابقة على ما سبق من الكلام ، ومنها كثير في فواصل القرآن الكريم ، ومن
ذلك قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ
لَطِيفٌ خَبِيرٌ) فصل الآية بقوله : (لَطِيفٌ خَبِيرٌ) لما فيه من المطابقة لمعناها لأنّه ضمنها ذكر الرحمة
للخلق بانزال الغيث لما فيه من المعاش لهم ولانعامهم فكان لطيفا بهم خبيرا بمقادير
مصالحهم. ومنه قوله تعالى : (لَهُ ما فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) وقد فصلها بقوله : (الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ) ليطابق ما أودعه فيها لأنّه لما ذكر أنّه مالك لما في
السماوات والارض لا لحاجة قابله بقوله : (لَهُوَ الْغَنِيُ) أي : عن كل شيء ؛ لأنّ كل غني لا يكون نافعا بغناه إلا
إذا كان جوادا به منعما على غيره فانه يحمده المنعم عليه فذكر (الْغَنِيُ) ليدل به على كونه غير مفتقر اليها وذكر (الْحَمِيدُ) لما كان جوادا على خلقه فلا جرم استحق الحمد من جهتهم.
ومن المؤاخاة
المعنوية قول ذي الرّمة :
لمياء في
شفتيها حوّة لعس
|
|
وفي الثنايا
وفي أنيابها شنب
|
فقد ناسب بين «في
شفتيها حوة» و «في الثنايا شنب».
ومثال ما لا
تناسب فيه قول الكميت :
وقد رأيت بها
خودا منعّمة
|
|
بيضا تكامل
فيها الدلّ والشنب
|
ولا تناسب بين «الدل»
و «الشنب» .
المؤتلفة
والمختلفة :
قال الحلبي
والنّويري : «هو أن يريد الشاعر التسوية بين ممدوحين فيأتي بمعان مؤتلفة في مدحهما
ويروم بعد ذلك ترجيح أحدهما على الآخر بزيادة لا ينقص بها مدح الآخر فيأتي لأجل
الترجيح بمعان تخالف التسوية» . ومنه قول الخنساء في أخيها صخر وقد أرادت مساواته
بأبيه مع مراعاة حق الوالد بزيادة فضل لا ينقص بها قدر الولد :
جارى أباه
فأقبلا وهما
|
|
يتعاوران
ملاءة الحضر
|
__________________
وهما وقد
برزا كأنهما
|
|
صقران قد
حطّا الى وكر
|
حتى إذا نزت
القلوب وقد
|
|
لزّت هناك
العذر بالعذر
|
وعلا هتاف
الناس أيّهما
|
|
قال المجيب
هناك : لا أدري
|
برقت صحيفة
وجه والده
|
|
ومضى على
غلّوائه يجري
|
أولى فأولى
أن يساويه
|
|
لو لا جلال
السن والكبر
|
وأول من سبق
الى هذا المعنى زهير بقوله :
هو الجواد
فان يلحق بشأوهما
|
|
على تكاليفه
فمثله لحقا
|
أو يسبقاه
على ما كان من مهل
|
|
فمثل ما
قدّما من صالح سبقا
|
وهذا النوع
سمّاه المصري باب جمع المختلفة والمؤتلفة» ، وقد تقدّم.
ما لا يستحيل
بالانعكاس :
هذا النوع هو
الذي سمّاه السّكّاكي «مقلوب الكل» وسمّاه غيره «المقلوب المستوى» وسمّاه الحريري «ما لا
يستحيل بالانعكاس» وقال : «هو أن يكون الكلام بحيث إذا قلبته أي ابتدأت به من حرفه
الأخير الى حرفه الأوّل كان إياه ، وهو يقع في النثر وقد يقع في النظم». ونقل
المدني هذه التسمية والتعريف .
ومنه قوله
تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ) وقوله :(رَبَّكَ فَكَبِّرْ).
وقول الارجاني
:
مودّته تدوم
لكلّ هول
|
|
وهل كلّ
مودّته تدوم
|
وقول الآخر :
أراهنّ
نادمنه ليل لهو
|
|
وهل ليلهن
مدان نهارا
|
وقول الآخر :
عج تنم قربك
دعد آمنا
|
|
إنّما دعد
كبرق منتجع
|
وقول الحريري :
أسس أرملا
إذا عرا
|
|
وارع اذا
المرء أسا
|
ما يقرأ من
الجهتين :
أفرد له ابن
قيّم الجوزية قسما ومثّل له بقوله تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ) وقوله : (رَبَّكَ فَكَبِّرْ) ، وهذا من أنواع القلب وقد سمّاه السّكّاكي «مقلوب الكل»
وسمّاه الحريريّ والمدني «ما لا يستحيل بالانعكاس» وقد تقدّم. قال ابن قيم الجوزية : «وأرباب علم البيان
يسمّون هذا النوع العكس والتقليب ، وهو أربعة أنواع : قلب البعض ، ومقلوب الكل ،
والمجنّح ، والمستوي» .
ما يوهم فسادا
وليس بفساد :
قال ابن قيم
الجوزية : «هو أن يقرن الناظم أو الناثر
__________________
كلاما بما ليس يناسبه أو يقدّم التشبيه على ذكر المشبّه. ومنه في القرآن
كثير ، وكذلك في أشعار العرب» . ومنه قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى
الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) قرنها بقوله : (وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) واتبعها بقوله : (وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً) فليس قبلها وبعدها ما يناسبها. ومنه قوله تعالى : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا
تَعْرى. وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) الذي يقتضيه المعنى المناسب ظاهرا أن يقول : إنّ لك أن
لا تجوع فيها ولا تظمأ وأنّك لا تعرى فيها ولا تضحى.
وأدخل ابن قيم
الجوزية في هذا النوع ما سمّاه ابن منقذ «فسادا» وذكر أمثلته وقد تقدم.
المبادي
والمطالع :
وهذا النوع هو
ما سمي «حسن الابتداء» أو «حسن الافتتاح» ، وكان البلاغيون والنقاد قد اوصوا أن
تكون الابتداءات حسنة دالة على ما يؤتى به ومرتبطة به ، وقد تقدم ذلك.
وقد سمّاها «المبادي»
العسكري وابن منقذ والقرطاجني ، وسماها العلوي «المبادي والافتتاحات» .
المبالغة :
بالغ فلان في
أمري : اذا لم يقصر فيه .
وقد تحدّث ابن
المعتز في بديعه عن «الإفراط في الصفة» وهو أحد محاسن الكلام والشعر ، وكان ابن قتيبة قد تحدث قبله عن المبالغة في
الاستعارة وقال بعد قوله تعالى : (فَما بَكَتْ
عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) «تقول العرب إذا أرادت تعظيم مهلك رجل عظيم الشأن رفيع المكان عامّ النفع
كثير الصنائع : أظلمت الشمس له وكسف القمر لفقده وبكته الريح والبرق والسماء
والارض.
يريدون
المبالغة في وصف المصيبة به وأنّها قد شملت وعمت وليس ذاك بكذب لأنّهم جميعا
متواطئون عليه والسامع له يعرف مذهب القائل فيه ، وهكذا يفعلون في كل ما أرادوا أن
يعظموه ويستقصوا صنعته ونيتهم في قولهم : أظلمت الشمس أي : كادت تظلم ، وكسف القمر
أي : كاد يكسف ، ومعنى «كاد» همّ أن يفعل ولم يفعل» . وقال : «وكان بعض أهل اللغة يأخذ على الشعراء أشياء من
هذا الفن وينسبها الى الإفراط وتجاوز المقدار وما ارى ذلك إلّا جائزا حسنا» . وقال بعد أن ذكر أمثلة : «وهذا كله المبالغة في الوصف
وينوون في جميعه : «يكاد يفعل» وكلهم يعلم المراد به» .
وأدخل قدامة
هذا النوع في نعوت المعاني وقال : «هي أن يذكر الشاعر حالا من الاحوال في شعر لو
وقف عليها لأجزأه ذلك الغرض الذي قصده فلا يقف حتى يزيد في معنى ما ذكره من تلك
الحال ما يكون أبلغ فيما قصد له» . وقد ذكر المصري والحموي أنّ قدامة هو الذي سمّاها «المبالغة» وسار النقاد
والبلاغيون على تسميته لأنّها أخف
__________________
وأعرف من مصطلح ابن المعتز ولكن هذا ليس دقيقا لأنّ ابن قتيبة سبق الى
مصطلحي «المبالغة» و «الإفراط» كما تقدّم.
وسمّى الحلبي
والنّويري هذا النوع : المبالغة والتبليغ والإفراط في الصفة وقال ابن وهب : وأمّا المبالغة فانّ من شأن العرب أن
تبالغ في الوصف والذم كما من شأنها أن تختصر وتوجز وذلك لتوسعها في الكلام
واقتدارها عليه ، ولكل من ذلك موضع يستعمل فيه» وقسّمها الى مبالغة في اللفظ وهي التي تجري مجرى
التأكيد مثل : «هذا هو الحق بعينه» ، وقول الحطيئة :
ألا حبّذا
هند وأرض بها هند
|
|
وهند أتى من
دونها النأي والبعد
|
ومبالغة في
المعنى ، وهي إخراج الشيء على أبلغ غايات معانيه كقوله عزوجل (وَقالَتِ الْيَهُودُ
يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) فبالغ الله في تقبيح قولهم وإخراجه على غاية الذم.
ومنه قول زهير
:
وفيهن ملهى
للطيف ومنظر
|
|
أنيق لعين
الناظر المتوسّم
|
وقال الرّمّاني
: «المبالغة هي الدلالة على كبر المعنى على جهة التغيير عن أصل اللغة لتلك الابانة»
وهي على وجوه منها : المبالغة في الصفة المعدولة الجارية بمعنى المبالغة
وذلك على أبنية كثيرة منها : «فعلان» و «فّعال» و «فعول» و «مفعل» و «مفعال» وذلك
مثل ، «رحمان» و «غفّار» و «شكور» و «مطعن» و «منحار».
والمبالغة
بالصيغة العامة في مواضع الخاصة كقوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ).
وإخراج الكلام
مخرج الإخبار عن الأعظم الأكبر للمبالغة كقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا
صَفًّا).
وإخراج الممكن
الى الممتنع للمبالغة كقوله تعالى : (وَلا يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ).
وإخراج الكلام
مخرج الشك للمبالغة في العدل والمظاهرة في الحجاج كقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً
أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
وحذف الأجوبة
للمبالغة كقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ
وُقِفُوا عَلَى النَّارِ).
ونقل
الباقلّاني تعريف الرّمّاني والوجوه السابقة ، ولكنه قرنها قبل ذلك بالغلوّ وقال : «والمبالغة تأكيد
معاني القول» . وقال السّجلماسي : «المبالغة هي تأكيد معاني القول» .
وللبلاغيين
والنقاد ثلاثة مذاهب في المبالغة :
الأوّل : أنّها
غير معدودة من محاسن الكلام ولا من جملة فضائله ، وحجتهم على هذا هي : أنّ خير
الكلام ما خرج مخرج الحق من غير افراط ولا تفريط ، أو كما عبّر عنه حسان بن ثابت
بقوله :
وإنّما الشعر
عقل المرء يعرضه
|
|
على الأنام
فان كيسا وإن حمقا
|
__________________
وإنّ أشعر
بيت أنت قائله
|
|
بيت يقال إذا
أنشدته صدقا
|
قال الحموي : «وعند
أهل هذا المذهب أنّ المبالغة لم تسفر عن غير التهويل على السامع ولم يفر الناظم
الى التخييم عليها إلا لعجزه وقصور همته عن اختراع المعاني المبتكرة لأنّها في
صناعة الشعر كالاستراحة من الشاعر إذا أعياه إيراد المعاني الغريبة فيشغل الأسماع
بما هو محال وتهويل» .
الثاني : أنّها
من أجلّ المقاصد في الفصاحة وأعظمها في البراعة وحجتهم على ذلك «إنّ خير الشعر
أكذبه» و «أفضل الكلام ما بولغ فيه».
الثالث : أنّها
فن من فنون الكلام ونوع من محاسنه ومتى كانت جارية على جهة الغلو والإغراق فهي
مذمومة. قال ابن رشيق : «فأما الغلوّ فهو الذي ينكر المبالغة من سائر أنواعها ويقع
فيه الاختلاف لا ما سواه ، ولو بطلت المبالغة كلها وعيبت لبطل التشبيه وعيبت
الاستعارة الى كثير من محاسن الكلام» وقال ابن مالك : «ولو كانت معيبة لما أتت في القرآن
الكريم على وجوه شتى ولبطلت الاستعارة والتشبيه وكثير من محاسن الكلام» . وقال العلوي : «أمّا من عاب المبالغة فقد أخطأ فإنّ
المبالغة فضيلة عظيمة لا يمكن دفعها وإنكارها ، ولو لا أنّها في أعلى مراتب علم
البيان لما جاء القرآن ملاحظا لها في أكثر أحواله ، وجاءت فيه على وجوه مختلفة لا
يمكن حصرها فقد أخطأ من عابها على الإطلاق. وأما من استجادها على الاطلاق فغير
مصيب على الاطلاق أيضا لأنّ منها ما يخرج عن الحد فيعظم فيه الغلو والاغراق فيكون
مذموما كما سيحكى عن أقوام أغرقوا فيها وتجاوزوا الحد بحيث لا يمكن تصوّر ما قالوه
على حال قرب ولا بعد لكن خير الأمور أوساطها فما كان من الكلام جاريا على حدّ الاستقامة
من غير إفراط ولا تفريط فهو الحسن لامراء فيه فيكون فيه نوع من المبالغة من غير
خروج ولا تجاوز حد» .
وسار على هذا
المذهب معظم البلاغيين والنقاد ، فقال الحموي في تعريفها إنّها «إفراط وصف الشيء
بالممكن القريب وقوعه عادة» .
ويتّصل
بالمبالغة الإغراق والغلوّ وقد تقدّما ، وعدّ ابن رشيق الإيغال ضربا من المبالغة إلّا أنّه في القوافي خاصة وهذا الفن مما فرّعه قدامة
الذي بحث الغلو منفصلا عنها وفعل مثله التبريزي والبغدادي وابن مالك والصنعاني وذكرها ابن الأثير الحلبي في باب واحد غير أنّه شرح كل
قسم وقال : «هي تسميات متقاربة وردت في باب واحد لقرب بعضها من بعض» . وقال ابن منقذ : «إنّ المعنى إذا زاد عن التمام سمّي
مبالغة ، وقد اختلفت ألفاظه في كتبهم فسمّاه قوم الافراط والغلو والايغال وبعضه
أرفع من بعض» .
ولا يخرج تقسيم
المتأخرين كالقزويني وشرّاح التلخيص عما تقدّم فهي تبليغ وإغراق وغلو ، ولكنّ
أصحاب البديعيات عدّوا كلّ لون من هذه الألوان الثلاثة فنا قائما بذاته قال الحموي
: «وهذا النوع ـ أعني المبالغة ـ شركه قوم مع الإغراق والغلو لعدم معرفة الفرق وهو
مثل الصبح ظاهر» .
ولو رجعنا الى
التعريفات لوجدناها متقاربة ، ولذلك جمعها القزويني في فصل واحد كما فعل
__________________
ابن الأثير الحلبي وابن قيّم الجوزيّة .
وللمبالغة طرق
وأنواع ذكرها البلاغيون ولكنّها لا تخرج كثيرا على ما ذكره الرماني ومن جاء
بعده.
المبدأ :
هو الابتداء أو
حسن الابتداء أو حسن الافتتاح ، وقد تقدّم.
المبسوط :
البسط : نقيض
القبض ، بسطه يبسطه بسطا فانبسط وبسّطه فتبسط .
المبسوط هو
الكلام المطوّل ، وقد قال الجاحظ بعد قول الشاعر :
يرمون بالخطب
الطوال وتارة
|
|
وحي الملاحظ
خيفة الرّقباء
|
«فذكر
المبسوط في موضعه والمحذوف في موضعه والموجز والكناية والوحي باللحظ ودلالة
الإشارة» . ويؤتى بالمبسوط إذا اقتضاه المقام.
المتابعة :
تبع الشيء تبعا
وتباعا في الأفعال وتبعت الشيء تبوعا : سرت في أثره. وتابع بين الأمور متابعة
وتباعا : واترو والى ، وتابعته على كذا متابعة وتباعا ، وتتابعت الأشياء : تبع
بعضها بعضا .
قال المظفّر
العلوي : «المتابعة في الكلام المنثور والشعر المظوم أن يأتي المتكلّم بالمعاني
التي لا يجوز تقديم بعضها على بعض لأنّ المعاني فيها متتالية فالأوّل يتلوه الثاني
، والثاني يعقبه الثالث الى أن ينتهي المتكلّم الى غاية مراده. ولا يجوز تقديم
الثاني على الأوّل ولا الثالث على الثاني» . كقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ
يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً).
ومنه قول زهير
:
يؤخّر فيوضع
في كتاب فيدخر
|
|
ليوم حساب أو
يعجّل فينقم
|
وقال السّبكي :
«هي إثبات الأوصاف في اللفظ على ترتيب وقوعها» .
وقال السّيوطي
: «الترتيب والمتابعة ، وهو من مستخرجات التيفاشي وهو أن يرتب أوصاف الموصوف على
ترتيبها في الخلقة الطبيعية ولا يدخل فيها وصفا زائدا» .
المتجانس :
وهو الجناس
والمجانسة وما يتّصل بها .
المتحرّى :
حرّى الشيء
يحري حريا : نقص ، والحري : النقصان بعد الزيادة ، والحرى : الخليق ، وما أحراه : مثل
ما أحجاه ، وأحر به : مثل أحج به ، ومن أحر به اشتق التحريّ في الأشياء ونحوها وهو
طلب ما هو
__________________
أحرى بالاستعمال في غالب الظن. وفلان يتحرى الأمر : يتوخاه ويقصده ،
والتحري : قصد الأولى والأحق مأخوذ من الحرى وهو الخليق. والتحري : القصد
والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول .
قال السّيوطي :
«هذا النوع اخترعته وسميته المنتحل والمنتقل والمتحرّى ، وهو أن يختار لفظ إذا
قرأه الالثغ لا يعاب عليه تحريا. وقد رأيت في ذلك بيتين في الراء لبعض الاقدمين
وهما :
من شاء جمع
معان قد خصصت بها
|
|
وجاوزت كلّ
حدّ لم ينل وطرا
|
وكيف يسطاع
أن تحصى فواضلها
|
|
وزندك الفرد
مهما تقتدحه ورا
|
ف «وطرا» تصير «وطغا»
و «ورا» تصير «وغا» .
المتزلزل :
الزّلزلة
والزّلزال : تحريك الشيء ، وقد زلزله زلزلة وزلزالا. وقال بعضهم : الزلزلة مأخوذة
من الزلل في الرأي فاذا قيل : زلزل القوم فمعناه صرفوا عن الاستقامة وأوقع في
قلوبهم الخوف والحذر .
قال الوطواط : «وتكون
هذه الصنعة بأن يذكر الكاتب أو الشاعر لفظا في كلامه بحيث إذا غيّر حركة من حركات
حروفه تحوّل الكلام من المدح الى الهجو» . ومثاله : «الله معذّب الكفار ومحرّقهم في النار» فاذا
حركت الذال بالكسر في كلمة «معذب» وكذلك الراء في كلمة «محرق» كان ذلك عين الاسلام
والدين الحق ، أما اذا فتحت الذال والراء وقرأت الكلمات بالفتح كان ذلك محض الكفر.
ومنه قول
الوطواط نفسه :
رسول الله
كذّبه الأعادي
|
|
فويل ثم ويل
للمكذّب
|
فاذا نطق الذال
في كلمة «المكذّب» بالكسر كان البيت مدحا للرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ واذا قرئت بالفتح انقلب المعنى الى الكفر.
وقال الرازي : «هو
أن تدرج في الكلام لفظة لو غيّر إعرابها لانتقل المعنى الى ضدها» . مثل : «ولّد الله عيسى من العذراء البتول» ـ بالتشديد
ـ وهو حق في الاسلام ولو ذكر بالتخفيف صار كفرا.
وسمّاه ابن قيم
الجوزية «المزلزل» وقال : «هو أن يكون في الكلام لفظة لو غيّر وضعها أو إعرابها
تغيّر المعنى» . ومن ذلك قوله تعالى : (أَنْعَمْتَ
عَلَيْهِمْ) لو ضمت التاء لتغير المعنى. وقوله : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) لو فتحت الذال لتغير المعنى. وقوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) لو فتحت الباء في (رَبُّهُ) لصار كفرا. وقوله : (إِنَّما يَخْشَى
اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) لو غيّر اعراب (الْعُلَماءُ) لاختلّ المعنى.
المتشابه :
هو التجنيس
المتشابه. وسمّاه المدني «الجناس المقرون» وقد تقدّم في التجنيس المتشابه.
متعارف الأوساط
:
هو ما يتّفق
عليه من حدّ يكون مقياسا للكلام. وقد
__________________
قال السّكّاكي وهو يتحدّث عن الإيجاز والإطناب : «أمّا الإيجاز والإطناب
فلكونهما نسبيين لا يتيسّر الكلام فيهما إلا بترك التحقيق والبناء على شيء عرفي في
مثل جعل كلام الأوساط على مجرى متعارفهم في التأدية للمعاني فيما بينهم ولا بدّ من
الاعتراف بذلك مقيسا عليه ولنسمه متعارف الأوساط وإنّه في باب البلاغة لا يحمد
منهم ولا يذمّ» . وبذلك يكون الإيجاز هو أداء المقصود من الكلام بأقل من
عبارات متعارف الأوساط ، والإطناب هو أداؤه. بأكثر من عباراتهم.
ولكنّ القزويني
قال : «البناء على متعارف الاوساط والبسط الذي يكون المقصود جديرا به ردّ الى
جهالة ، فكيف يصلح للتعريف؟» . وحدّد الكلام بقوله : «المقبول عن طريق التعبير عن
المعنى هو تأدية أصل المراد بلفظ مساو له أو ناقص عنه أو واف أو زائد عليه لفائدة».
والأول هو المساواة ، والثاني هو الايجاز ، والثالث هو الاطناب.
المتكافئ :
هو التطبيق أو
الطّباق ، قال الآمدي : «وهذا باب ـ أعني المطابق ـ لقّبه أبو الفرج قدامة بن جعفر
الكاتب في كتابه المؤلف في نقد الشعر «المتكافئ» وسمّى ضربا من المتجانس المطابق» . وكان قدامة قد ذكر التكافؤ وقال عنه : «ومن نعوت
المعاني التكافؤ وهو أن يصف الشاعر شيئا أو يذمه أو يتكلم فيه بمعنى ما أي معنى
كان فيأتي بمعنيين متكافئين. والذي أريد بقولي «متكافئين» في هذا الموضع :
متقاومان ، أمّا من جهة المضادة أو السلب أو الايجاب أو غيرهما من أقسام التقابل ،
مثل قول أبي الشغب العبسي :
حلو الشمائل
وهو مرّ باسل
|
|
يحمي الذمار
صبيحة الارهاق
|
فقوله : «حلو» و
«مر» تكافؤ .
المتوازن :
هو أحد انواع
التسجيع أو السجع ، وهو أن يراعي في الكلمتين الاخيرتين من القرينتين مع اختلاف
الحرف الاخير منهما . وقد تقدّم.
المتوازي :
هو أحد أنواع
التسجيع أو السجع ، وهو أن يراعى في الكلمتين الاخيرتين من القرينتين الوزن مع
اتّفاق الحرف الأخير منهما وقد تقدّم.
المثل :
المثل من أوّل
المصطلحات التي ظهرت في الدراسات القرآنية والبلاغية ، وقد أشار اليه الفرّاء وهو
يتحدّث عن قوله تعالى : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي
التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) قال : «وفي الإنجيل أيضا كمثلهم في القرآن ويقال ذلك
مثلهم في التوراة هو مثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه ... وهو مثل ضربه الله ـ عزوجل ـ للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ اذ خرج وحده ثم قوّاه بأصحابه» .
وقال أبو عبيدة
وهو يتحدّث عن قوله تعالى : (فَأَتَى اللهُ
بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) : «مجازه مجاز
__________________
المثل والتشبيه» . وقال عن قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ
مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) : «لا تمسك عما ينبغي لك أن تبذل من الحق ، وهو مثل
وتشبيه» .
ويتضح في كلام
الفرّاء وأبي عبيدة أنّ المثل قد يراد به المثل بمعناه العام أو يراد به التشبيه
وما يتصل به من تمثيل ، وقد استعمل الجاحظ «المثل» بمعنى الاستعارة فقال وهو
يتحدّث عن قول الشاعر :
هم ساعد
الدهر الذي يتقى به
|
|
وما خير كفّ
لا تنوء بساعد
|
«قوله : «هم
ساعد الدهر» إنما هو مثل ، وهذا الذي تسميه الرواة البديع» و «ساعد الدهر» في البيت استعارة أو تشبيه بليغ ، ومعنى ذلك أنّ الجاحظ
اقترب في هذا المصطلح من السابقين. وقد يقرن احيانا بين المثل والاشتقاق والتشبيه أي أن «المثل» ظلّ مرتبطا بالتشبيه وما يتصل به من
استعارة أو تمثيل. وقال المبرّد بعد قول الشاعر :
تقول وصكّت
صدرها بيمينها
|
|
أبعلي هذا
بالرحى المتقاعس
|
«قوله : «المتقاعس»
إنما هو الذي يخرج صدره ويدخل ظهره. ويقال : «عزة قعساء» وانما هذا مثل ، اي : لا
تضع ظهرها على الارض» . وهذا قريب من كلام السابقين.
وربط الرازي
المثل بالتشبيه وقال : «المثل تشبيه سائر وتفسير السائر أن يكثر استعماله على معنى
أنّ الثاني بمنزلة الاول. والأمثال لا تغير لأنّ ذكرها على تقدير أن يقال في
الواقعة المعينة إنّها بمنزلة من قيل له هذا القول. فالأمثال كلها حكايات لا تغير»
والمثل عند القزويني وشرّاح التلخيص هو التمثيل على سبيل الاستعارة وقد
يسمّى التمثيل مطلقا. قال : «ومتى فشا استعماله كذلك سمّي مثلا ولذلك لا تغيّر
الأمثال» .
المثل السائر :
قال ابن رشيق :
«المثل السائر في كلام العرب كثير نظما ونثرا ، وأفضله أوجزه وأحكمه أصدقه» . وقد تقدّم في «إرسال المثل» و «إرسال المثلين» كثير من
الأمثال السائرة.
مجاراة الخصم :
مجاراة الخصم
من المصطلحات التي عرفت في علم الجدل ، وقد قال السّيوطي «ومنها مجاراة الخصم
ليعثر بأن يسلّم بعض مقدّماته حيث يراد تبكيته وإلزامه» كقوله تعالى : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا
بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا
فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ. قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما
كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ). فقوله : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) فيه اعتراف الرسول بكونهم مقصورين على البشرية فكأنهم
سلموا انتفاء الرسالة عنهم ، وليس مرادا بل هو مجاراة الخصم ليعثر ، فكأنهم قالوا
: ما ادعيتم من كوننا بشرا حق لا ننكره ولكن هذا لا ينافي أن يمن الله علينا
بالرسالة.
__________________
المجاز :
جزت الطريق
وجاز الموضع جوازا ، وجاز به وجاوزه وأجازه غيره وجازه وجاوزه وأجازه وأجاز غيره ،
وجازه : سار فيه وسلكه ، وجاوزت الموضع جوازا بمعنى جزته. والمجاز والمجازة :
الموضع .
المجاز اسم
للمكان الذي يجاز فيه كالمعاج والمزار وأشباههما ، وحقيقته هي الانتقال من مكان
الى آخر ، وأخذ هذا المعنى واستعمل للدلالة على نقل الالفاظ من معنى آخر. وقد
تحدّث البلاغيون والنقّاد عن هذا الفن في كتبهم وسمّى أبو عبيدة أحد كتبه «مجاز
القرآن» وعالج فيه كيفية التوصّل الى فهم المعاني القرآنية باحتذاء اساليب العرب
في كلامهم وسننهم في وسائل الإبانة عن المعاني. ولم يعن بالمجاز ما هو قسيم
الحقيقة وانما عنى بمجاز الآية ما يعبر به عن الآية ، وأشار ابن تيميّة الى ذلك
وهو يتحدّث عن الحقيقة والمجاز وقال : «إنّ الحقيقة والمجاز من عوارض الألفاظ وبكل
حال فهذا التقسيم هو اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة لم يتكلّم به أحد من
الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم كمالك
والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي بل ولا تكلّم به أئمة اللغة والنحو كالخليل
وسيبويه وأبي عمرو بن العلاء ونحوهم. وأوّل من عرف أنّه تكلّم بلفظ المجاز أبو
عبيدة معمر بن المثنّى في كتابه ولكن لم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة وإنّما عنى
بمجاز الآية ما يعبّر به عن الآية» . ثم قال : «فان تقسيم الألفاظ الى حقيقة ومجاز إنما
اشتهر في المائة الرابعة وظهرت أوائله في المائة الثالثة ، وما علمته موجودا في
المائة الثانية اللهمّ إلّا أن يكون في أواخرها» ولكنّ أسلوب الحقيقة والمجاز كان معروفا ومستعملا في
كلام العرب قبل ذلك ويسمي المجاز «سعة في الكلام» أي انه غير حقيقي. وسمّاه الفرّاء «الإجازة» فقال بعد
قوله تعالى : (فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعُسْرى) : يقول : قد خلق على أنّه شقي ممنوع من الخير ، ويقول
القائل فكيف قال : (فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعُسْرى) فهل في (لِلْعُسْرى) تيسير؟ فيقال في هذا في إجازته بمنزلة قول الله تبارك
الله وتعالى :
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ
كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ). والبشارة في الاصل على المفرح والسار ، فاذا جمعت في
كلامين :
هذا خير ، وهذا
شر ، جاز التيسير فيهما جميعا» .
وتعرّض الجاحظ
للمجاز وهو عنده صوره المختلفة ، ومن لطيف كلامه تعليقه على قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ
الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ
سَعِيراً). وقوله إنها من باب المجاز والتشبيه على شاكلة قوله
تعالى : (أَكَّالُونَ
لِلسُّحْتِ). وقد يقال لهم ذلك وإن شربوا بتلك الأموال الأنبذة
ولبسوا الحلل وركبوا الدواب ولم ينفقوا منها درهما واحدا في سبيل الأكل. وقال الله
ـ عزوجل ـ في تمام الآية : (إِنَّما يَأْكُلُونَ
فِي بُطُونِهِمْ ناراً) وهذا مجاز آخر ، وقرن بالآية بعض آيات أخر من التنزيل
الحكيم وبعض أشعار العرب التي تجري مجراها في الاستعارة ثم عقّب بقوله : «فهذا كله
مختلف ، وهو كله مجاز» وقال عن المجاز : «وهذا الباب هو مفخر العرب في لغتهم
وبه وبأشباهه اتسعت» .
فالجاحظ يضع
يده على أسلوب المجاز ويحدّد
__________________
مصطلحه بكل ما خالف الحقيقة ، وهذه خطوة كبيرة في ميدان البحث البلاغي في
القرن الثالث للهجرة.
وخطا ابن قتيبة
خطوة واسعة في دراسة المجاز وعقد له بابا كبيرا . وانتهى بعد الكلام عليه وعرض أمثلته الى القول بأنّ
الطاعنين على القرآن بالمجاز لأنّه كذب ، قوم جاهلون. قال : «وهذا من أشنع
جهالاتهم وأدلها على سوء نظرهم وقلة أفهامهم ولو كان المجاز كذبا وكل فعل ينسب الى
غير الحيوان باطلا ـ كان أكثر كلامنا فاسدا لأنا نقول : «نبت البقل» و «طالت
الشجرة» و «أينعت الثمرة» و «أقام الجبل» و «ورخص السعر» .
واستعمل
المبرّد المجاز بما يقرب من استعمال أبي عبيدة ، أي التفسير وما يعبر به عن معنى
الآية .
وتعرّض للمجاز
ابن جنّي وقال وهو يعرف الحقيقة بأنها «ما أقرّ في الاستعمال على أصل وضعه في
اللغة ، والمجاز ما كان بضد ذلك» . وقال ابن فارس : «وأمّا المجاز فمأخوذ من جاز يجوز اذا
استن ماضيا ... أي أنّ الكلام الحقيقي يمضي لسننه لا يعترض عليه. وقد يكون غيره
يجوز جوازه لقربه منه إلا أنّ فيه من تشبيه واستعارة وكف ما ليس في الأوّل» .
وقال ابن رشيق
: «العرب كثيرا ما تستعمل المجاز وتعدّه من مفاخر كلامها فإنّه دليل الفصاحة ورأس
البلاغة وبه بانت لغتها عن سائر اللغات» وذكر بعض ما قاله ابن قتيبة في «تأويل مشكل القرآن».
وقال عبد
القاهر : «المجاز مفعل من جاز الشيء يجوزه إذا تعدّاه ، واذا عدل باللفظ عما يوجبه
أصل اللغة وصفه بأنّه مجاز على معنى أنّهم جازوا به موضعه الأصليّ أو جاز هو مكانه
الذي وضع فيه أوّلا» .
وقال : «وأما
المجاز فكلّ كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها لملاحظة بين الثاني
والأوّل فهي مجاز. وإن شئت قلت : كلّ كلمة جزت بها ما وقعت له في وضع الواضع الى
ما لم توضع له من غير ان تستأنف فيها وضعا لملاحظة بين ما تجوز بها اليه وبين أصلها
الذي وضعت له في وضع واضعها فهي مجاز» . وقال : «وأما المجاز فقد عوّل الناس في حدّه على حديث
النقل ، وأنّ كل لفظ نقل عن موضوعه فهو مجاز» .
وقال الرازي : «والمجاز
مفعل من جاز الشيء يجوزه إذا تعداه ، واذا عدل باللفظ عما يوجبه أصل اللغة وصف
بأنه مجاز على معنى أنّهم جازوا به موضعه الأصلي أو جاز هو مكانه الذي وضع فيه
أوّلا» .
وهذا تعريف عبد
القاهر الأوّل ، ويبدو أنّه اختاره من التعريفات الثلاثة لأنّه أوضح وأكثر تفصيلا.
وقال السّكّاكي
: «المجاز هو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق استعمالا في الغير
بالنسبة الى نوع حقيقتها مع قرينة مانعة عن إرادة معناه في ذلك النوع» . وقال : «ولك أن تقول : المجاز هو الكلمة المستعملة في
غير ما تدلّ عليه بنفسها دلالة ظاهرة استعمالا في الغير بالنسبة الى نوع حقيقتها
مع قرينة مانعة عن إرادة ما تدلّ عليه بنفسها في ذلك النوع. ولك أن تقول : المجاز
هو الكلمة المستعملة في معنى معناها بالتحقيق استعمالا في ذلك بالنسبة إلى نوع
حقيقتها مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النوع».
__________________
وقال ابن
الأثير : «وأمّا المجاز فهو ما أريد به غير المعنى الموضوع له في أصل اللغة» .
وقال العلوي :
المجاز «مفعل» واشتقاقه إما من الجواز الذي هو التعدي في قولهم : «جزت موضع كذا»
إذا تعديته. أو من الجواز الذي هو نقيض الوجوب والامتناع. وهو في التحقيق راجع الى
الأوّل ؛ لأنّ الذي لا يكون واجبا ولا ممتنعا يكون متردّدا بين الوجود والعدم
فكأنه ينتقل من الوجود الى العدم أو من العدم الى الوجود. فاللفظ المستعمل في غير
موضوعه الأصليّ شبيه بالمتنقّل فلا جرم سمّي مجازا» . ثم قال : «وأحسن ما قيل فيه : ما أفاد معنى غير مصطلح
عليه في الوضع الذي وقع فيه التخاطب لعلاقة بين الاول والثاني». وهذا عنده أحسن
تعريف المجاز لأنّ ما قاله ابن جني وعبد القاهر وابن الأثير فاسد.
وهذه تعريفات
أصحاب المعاني والبيان ولا تخرج أقوال البلاغيين الآخرين عما قاله المتقدّمون . أما البديعيون فقالوا في تعريفه : «المجاز عبارة عن
تجوّز الحقيقة بحيث يأتي المتطلع الى اسم موضوع لمعنى فيخصه إما أن يجعله مفردا
بعد أن كان مركّبا أو غير ذلك من وجوه الاختصاص» .
ولم يقسّم
الأوائل المجاز الى أنواعه المعروفة ، وعند ما ألّف عبد القاهر كتابيه «دلائل
الاعجاز» و «أسرار البلاغة» أخذ المجاز منزلته واستقرت قواعده وأصوله وقسّمه الى
مجاز لغوي ومجاز عقلي وفرّق بينهما ، وسار البلاغيون على خطاه ، وقسم الرازي المجاز الى
مجاز في الاثبات ومجاز في المثبت وهما العقلي واللغوي . وقسّمه السّكاكي الى لغوي وهو المجاز في المفرد
والعقلي وهو المجاز في الجملة ، ثم قسّم مباحث المجاز الى خمسة هي : المجاز اللغوي
الراجع الى معنى الكلمة غير المفيد ، والمجاز اللغوي الراجع الى المعنى المفيد
الخالي عن المبالغة في التشبيه ، والاستعارة ، والمجاز اللغوي الراجع الى حكم
الكلمة في الكلام. والمجاز العقلي . وهذا تقسيم السابقين ولم يقره السّكّاكي ورأى أنّ
المجاز ينبغي أن يكون لغويّا كلّه ، وهو مفيد وغير مفيد ، والمفيد استعارة وغير
استعارة.
وقسّم القزويني
المجاز الى مفرد وهو لغوي وشرعي وعرفي ، ومركّب وهو التمثيل على سبيل الاستعارة.
ثم قسّمه الى مرسل واستعارة ، وتبعه في ذلك شرّاح التلخيص .
وأقسام المجاز
التي ذكرها المتقدّمون هي :
المجاز
الإسناديّ :
هو المجاز الذي
يكون في الإسناد أو التركيب وقد سمّي كذلك لأنّه متلقى من جهة الإسناد وهو المجاز
__________________
العقلي . وهذا النوع من المجاز تستعمل فيه الألفاظ المفردة في
موضوعها الأصلي ويكون المجاز عن طريق الإسناد. واذا ما ذهبنا نستقصي بحث هذا اللون
من المجاز عند الأوائل لانجدهم يشيرون الى اسمه هذا أو الى اسمه الآخر «المجاز
العقلي» وإن كانت في كتاب سيبويه بعض أمثلته كقول الخنساء :
ترعى إذا
نسيت حتى اذا ادّكرت
|
|
فإنما هي
إقبال وإدبار
|
وكقولهم : «نهارك
صائم» و «ليلك قائم» وهذا الكلام محمول عنده على السعة والحذف.
وفي كتاب «الكامل»
للمبرّد أمثلة من هذا اللون كقول جرير :
لقد لمتنا يا
أمّ غيلان في السّرى
|
|
ونمت وما ليل
المطيّ بنائم
|
وقول رؤية بن
العجّاج :
حارث قد
فرّجت عني غمي
|
|
فنام ليلي
وتجلّى همّي
|
والمبرّد يذهب
في ذلك مذهب سيبويه ويرى أنّ هذا الاسلوب مبالغة الى جانب السعة والحذف.
وتردّدت هذه
الأمثلة في كتاب الآمدي وكتاب ابن فارس الذي سمّاه «إضافة الفعل الى ما ليس
بفاعل في الحقيقة» . ولكنّ هؤلاء لم يسمّوه باسمه ويرجع الفضل في فصله عن
المجاز اللغوي الى عبد القاهر الذي أولاه عناية كبيرة وقال في تعريفه : «وحدّه أنّ
كلّ كلمة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضوعه في الفعل لضرب من التأول فهو مجاز» . وسماه مجازا عقليا ومجازا حكميا ومجازا في الإثبات
وإسنادا مجازيّا . وسمّاه السّكّاكي مجازا عقليا وتابعه ابن مالك
والقزويني وشرّاح التلخيص وعلّل المتأخّرون هذه التسميات المختلفة فقال ابن يعقوب
المغربي : «ومن الإسناد مطلقا مجاز عقلي لأنّ حصوله بالتصرّف العقلي ، ويسمّى
مجازا حكميّا لوقوعه في الحكم بالمسند اليه ويسمّى أيضا مجازا في الإثبات لحصوله
في إثبات أحد الطّرفين للآخر ، والسلب حقيقته ومجازه تابع لما يحقّق في الإثبات.
ويسمّى أيضا إسنادا مجازيّا نسبة الى المجاز بمعنى المصدر لأنّ الإسناد جاوز به
المتكلّم حقيقته وأصله الى غير ذلك» . وسمّاه السّيوطي «المجاز في التركيب» أيضا. ورأى السبكي أن يسمّى «مجاز الملابسة» ولا يقال «مجاز
إسناد» لقلة استعمال الإسناد بين الفعل وفاعله أو ما قام مقامه . ولعل الذي دعاه الى ذلك أنّه وجد علاقته الملابسة كما
يفهم من كلام القزويني وأنّه لا بدّ منها في كل مجاز من هذا النوع.
إنّ عبد القاهر
فتح السبيل للبلاغيين بدراسته العميقة لهذا النوع من المجاز ، وقد نبّه العلوي الى
هذه الحقيقة فقال : «اعلم أنّ ما ذكرناه في المجاز الإسنادي العقلي هو ما قرّره
الشيخ النحرير عبد القاهر الجرجاني واستخرجه بفكرته الصافية وتابعه على ذلك
الجهابذة من أهل الصناعة كالزمخشري
__________________
وابن الخطيب الرازي وغيرهما» .
لقد تحدّث عبد
القاهر عن المجاز العقلي في «دلائل الاعجاز» و «أسرار البلاغة» وخلاصة ما قاله أنّ
في الكلام مجازا يكون التجوز في حكم يجري على الكلمة وتكون الكلمة متروكة على
ظاهرها ويكون معناها مقصودا في نفسه ومرادا من غير تورية وتعريض كقولهم : «نهارك
صائم» و «ليلك قائم» و «نام ليلي وتجلى همي» وقوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) وقول الفرزدق :
سقاها خروق
في المسامع لم تكن
|
|
علاطا ولا
مخبوطة في الملاغم
|
قال عبد القاهر
: «أنت ترى مجازا في هذا كله ولكن لا في ذوات الكلم وأنفس الالفاظ ولكن في أحكام
أجريت عليها. أفلا ترى أنّك لم تتجوز في قولك : «نهارك صائم» «وليلك قائم» في نفس «صائم»
و «قائم» ولكن في أن أجريتهما خبرين على النهار والليل ، وكذلك ليس المجاز في
الآية في «ربحت» ولكن في إسنادها الى التجارة. وهكذا الحكم في «سقاها خروق» ليس
التجوّز في «سقاها» ولكن في أن أسندها الى الخروق. أفلا ترى أنك لا ترى شيئا منها
إلا وقد أريد به معناه الذي وضع له على وجهه وحقيقته فلم يرد بـ «صائم» غير الصوم
ولا بـ «قائم» غير القيام ولا بـ «ربحت» غير الربح ولا بـ «سقت» غير السقي كما
أريد في قوله : «وسالت باعناق المطي الاباطح» غير السيل» .
وليس بواجب في
المجاز الإسناديّ أو العقليّ أن يكون للفعل فاعل في التقدير اذا نحن نقلنا الفعل
اليه عدنا به الى الحقيقة مثل أن نقول في : ربحت تجارتهم» : ربحوا في تجارتهم ،
وفي «يحمي نساءنا ضرب» : نحمي نساءنا بضرب ، فان ذلك لا يتأتّى في كل شيء.
ونحن لا نستطيع
أن نثبت للفعل «اقدمني» في «اقدمني بلدك حق لي على انسان» فاعلا سوى «الحق». وكذلك
لا نستطيع في قول الشاعر :
وصيّرني هواك
وبي
|
|
لحيني يضرب
المثل
|
وقوله :
يزيدك وجهه
حسنا
|
|
إذا ما زدته
نظرا
|
أن نزعم أنّ لـ
«صيّرني» فاعلا قد نقل عنه الفعل فجعل للهوى كما في (رَبِحَتْ
تِجارَتُهُمْ) و «يحمي نساءنا ضرب» ، ولا نستطيع كذلك أن نقد لـ «يزيد» في «يزيدك وجهه»
فاعلا غير الوجه.
وأخذ الزّمخشري
آراء عبد القاهر وطبّقها في تفسيره الكشّاف ، وسار الرازي على خطاه وإن خالفه أحيانا ، وحينما وضع السّكّاكي علوم البلاغة وضعها الأخير قال
عن المجاز العقلي : «هو الكلام المفاد به خلاف ما عند المتكلّم من الحكم فيه لضرب
من التأويل إفادة للخلاف لا بوساطة وضع» ثم رأى بعد ذلك نظمه في سلك الاستعارة بالكناية ، والى
ذلك ذهب العلوي الذي قال إنّ أمثلة المجاز العقلي مجازات لغوية استعملت في غير
مواضعها الأصلية ، وعدّ ما ذهب اليه الرازي من أنّها عقلية فاسدا . ثم قال : «والمختار عندنا أنّ المجاز لا مدخل له في
الأحكام العقلية ولا وجه لتسمية المجاز بكونه عقليّا ، لأنّ ما هذا حاله انما
يتعلّق بالأوضاع اللغوية دون الأحكام العقلية» .
__________________
وعدّه القزويني
مجازا بالإسناد وأخرجه من علم البيان وأدخله في علم المعاني وقال : «إننا لم نورد
الكلام في الحقيقة والمجاز العقليين في علم البيان كما فعل السّكّاكي ومن تبعه
لدخوله في تعريف علم المعاني دون تعريف علم البيان» وتابعه في ذلك شرّاح التلخيص .
والمجاز العقلي
ثلاثة أقسام :
الأوّل : ما
طرفاه حقيقيّان مثل : «أنبت الربيع البقل» وقوله تعالى : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ
زادَتْهُمْ إِيماناً) وقوله : (وَأَخْرَجَتِ
الْأَرْضُ أَثْقالَها)
الثاني : ما
طرفاه مجازيّان كقوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ
تِجارَتُهُمْ) وقولهم : «أحيا الارض شباب الزمان».
الثالث : ما
طرفاه مختلفان أي ما كان أحد طرفيه ـ المسند أو المسند اليه ـ مجازا دون الآخر ،
كقوله تعالى : (تُؤْتِي أُكُلَها
كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) وقولهم : «أحيا الأرض الربيع» و «أنبت البقل شباب
الزمان» و «أحيتني رؤيتك» أي : آنستني وسرّتني. ومنه قول المتنبي :
وتحيي له
المال الصوارم والقنا
|
|
ويقتل ما
تحيي التبسم والجدا
|
ولا بدّ له من
قرينة إما لفظية كقول أبي النجم :
قد أصبحت أمّ
الخيار تدّعي
|
|
عليّ ذنبا
كله لم أصنع
|
من أن رأت
رأسي كرأس الأصلع
|
|
ميز عنه
قنزعا عن قنزع
|
جذب الليالي :
أبطئي أو أسرعي
وهذا مجاز
بدليل قوله :
أفناه قيل
الله للشمس اطلعي
|
|
حتى إذا
وافاك أفق فارجعي
|
أو غير لفظية
كاستحالة صدور المسند من المسند اليه أو قيامه به عقلا مثل : «محبتك جاءت بي اليك»
وكصدور الكلام من الموحد في مثل قول الشاعر :
أشاب الصغير
وأفنى الكبير
|
|
كرّ الغداة
ومرّ العشيّ
|
ولا بدّ لهذا
النوع من المجاز أن تكون له علاقة ، وأشهر علاقاته : المفعولية فيما بني للفاعل
وأسند الى المفعول به الحقيقي كقوله تعالى : (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) وهي مرضية. والفاعلية فيما بني للمفعول واسند الى
الفاعل الحقيقي مثل : «سيل مفعم» والسيل هو الذي يفعم لا يفعم.
والمصدرية فيما
بني للفاعل واسند الى المصدر مثل : «شعر شاعر» وقول أبي فراس :
سيذكرني قومي
إذا جدّ جدّهم
|
|
وفي الليلة
الظلماء يفتقد البدر
|
والزمانية فيما
بني للفاعل وأسند الى الزمان مثل : «نهاره صائم» و «ليله قائم» وقوله تعالى : (وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى).
والمكانية فيما
بني للفاعل وأسند الى المكان كقوله تعالى : (وَجَعَلْنَا
الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) ، والنهر لا يجري لأنّه مكان جري الماء.
والسببية فيما
بني للفاعل وأسند الى السبب كقول الشاعر :
__________________
إني لمن معشر
أفنى أوائلهم
|
|
قيل الكماة :
ألا أين المحامونا؟
|
والقيل لمن يفن
، وإنّما الذي أفنى هو الشجعان.
المجاز
الإفراديّ :
هو أحد أنواع
المجاز اللغويّ. وهو المجاز المرسل الذي تكون علاقته بين ما استعمل فيه وما وضع له
ملابسة غير التشبيه. وقد سمّاه ابن الزملكاني والزركشي «المجاز الإفرادي» وسمّاه السّيوطي «المجاز في المفرد» وقال : «ويسمّى
المجاز اللغويّ» .
يكون المجاز
اللغويّ في نقل الألفاظ من حقائقها اللغوية الى معان أخرى بينها صلة ومناسبة وقد
يسمّى المجاز المفرد. وقد قسّمه القزويني الى مرسل واستعارة لأنّ العلاقة المصحّحة
إن كانت تشبيه معناه بما هو موضوع له فهو استعارة وإلّا فهو مجاز مرسل. وعرّف
المرسل بقوله : «هو ما كانت العلاقة بين ما استعمل فيه وما وضع له ملابسة غير
التشبيه» . وسمّي هذا النوع مرسلا ؛ لأنّ الإرسال في اللغة
الإطلاق ، والمجاز الاستعاري مقيّد بادّعاء أنّ المشبّه من جنس المشبّه به والمرسل
مطلق من هذا القيد. وقيل : إنما سمي مرسلا لإرساله عن التقييد بعلاقة مخصوصة بل
ردّد بين علاقات بخلاف المجاز الاستعاري فإنّه بعلاقة واحدة وهي المشابهة .
ولم نجد أحدا
أطلق اسم «المجاز المرسل» على هذا النوع قبل السّكّاكي وكان القدماء قد ذكروا أنواعه ولم يسمّوه ، ومنهم
الفرّاء الذي قال في قوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) : «والعرب تقول : النادي يشهدون عليك والمجلس ، يجعلون
النادي والمجلس والمشهد والشاهد ـ القوم قوم الرجل» . وأشار الآمدي الى السببية والمجاورة وهي من علاقات
المرسل كقولهم للمطر : «سماء» وقولهم : «ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم». قال
الشاعر :
إذا سقط
السّماء بأرض قوم
|
|
رعيناه وإن
كانوا غضابا
|
أراد : إذا سقط
المطر رعيناه أي : رعينا النبت الذي يكون عنه ، ولهذا سمّي النبت ندى لأنّه عن
الندى يكون. وقالوا : «ما به طرق» أي ما به قوة ، والطرق : الشحم ، فوضعوه موضع
القوة ؛ لأنّ القوة عنه تكون.
وقولهم للمزادة
«راوية» وإنّما الراوية البعير الذي يسقى عليه الماء فسمّي الوعاء الذي يحمله
باسمه. ومن ذلك «الحفض» متاع البيت فسمي البعير الذي يحمله حفضا . وهذه أنواع المجاز المرسل الذي تحدث عنه المتأخرون.
وقال ابن جني
عن البيت :
ذر الآكلين
الماء ظلما فما أرى
|
|
ينالون خيرا
بعد أكلهم الماءا
|
«فكأنه من
باب الاكتفاء بالسبب عن المسبب ، يريد قوما كانوا يبيعون الماء فيشترون بثمنه ما
يأكلونه فاكتفى بذكر الماء الذي هو سبب المأكول من ذكر المأكول» .
وقسّم الإمام
الغزالي المجاز الى أربعة عشر نوعا ومعظمها يدخل في المجاز المرسل وذكر ابن الأثير
أنّها ترجع الى التوسّع والتشبيه والاستعارة . وتكلّم
__________________
عبد القاهر على هذا النوع ولم يسمّه مرسلا وإنّما هو مجاز لغوي يقرن
بالاستعارة وإن كانت علاقته غير المشابهة. وفي قوله : «وأما لصلة وملابسة بين ما
نقلها اليه وما نقلها عنه» تمييز للمجاز المرسل عن الاستعارة. وكان السّكّاكي ـ فيما
نعلم ـ أول من أطلق التسمية وتابعه بدر الدين بن مالك والقزويني وشرّاح التلخيص ، وتوسّع ابن قيّم الجوزيّة والعلوي والزركشي في بحث
هذا النوع وجمعوا له علاقات كثيرة ومن أشهرها : الجزئية وهي تسمية الشيء باسم جزئه كالعين
في الرقيب وكقوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ
إِلَّا قَلِيلاً) أي : صلّ. وقوله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ) أي : تحرير عبد مؤمن. ومنه قول الشاعر :
وكم علّمته
نظم القوافي
|
|
فلمّا قال
قافية هجاني
|
أي : الشعر.
والكلّيّة فيما
ذكر الكل وأريد الجزء كقوله تعالى : (يَجْعَلُونَ
أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) أي : أناملهم ، وقوله : (وَمَنْ لَمْ
يَطْعَمْهُ) أي : لم يذقه.
والسببية بأن
يطلق لفظ السبب ويراد المسبب كقوله تعالى : (يَدُ اللهِ فَوْقَ
أَيْدِيهِمْ) أي : قدرته فإنّ اليد سببها. وكقول الشاعر :
له أياد عليّ
سابغة
|
|
أعدّ منها
ولا أعدّدها
|
أي : نعم ؛
لأنّ الايادي سبب فيها.
والمسببيّة
فيما إذا ذكر لفظ المسبّب وأريد السبب كقوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ
مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) أي :مطرا هو سبب الرزق.
والسبق وهي
اعتبار ما كان أي تسمية الشيء باسم ما كان عليه كقوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) أي : الذين كانوا يتامى.
والاستعداد وهي
اعتبار ما يكون أي اطلاق اسم الشيء على ما يؤول اليه كقوله تعالى : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) ، وقوله : (إِنَّكَ مَيِّتٌ
وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ).
والمحلية فيما
إذا ذكر لفظ المحل وأريد به الحالّ فيه كقوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) أي : المجتمعين في النادي. وقوله : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ
فِي قُلُوبِهِمْ) أي : بألسنتهم لأنّ القول عادة لا يكون إلا بها.
والحاليّة وهي
عكس السابقة فيما إذا ذكر لفظ الحالّ وأريد به المحل كقوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ
وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي : في جنته التي تحلّ فيها الرحمة.
وقوله : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ
مَسْجِدٍ) أي : لباسكم لحلول الزينة فيه. والآلية فيما اذا ذكر
اسم الآلة وأريد الاثر الذي ينتج عنه كقوله تعالى :
__________________
(وَاجْعَلْ لِي لِسانَ
صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) أي : ذكرا حسنا ، واللسان أداة الذكر.
والمجاورة نحو «خلت
الراوية» أي : السقاء ، والراوية في الأصل للبعير الحامل لها وسمّيت باسمه لكونه
حاملا إياها أو مجاورا لها عند الحمل.
ومنها إقامة
صيغة مقام اخرى كاقامة فاعل بمعنى مفعول في قوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) أي : لا معصوم ، ومفعول مقام فاعل كقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) أي : آتيا ، وفعيل بمعنى مفعول كقوله تعالى : (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) اي : مظهورا عليه. ومنها مجيء المصدر على فعول كقوله
تعالى : (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ
جَزاءً وَلا شُكُوراً) أي شكرا. وإقامة الفاعل مقام المصدر كقوله تعالى : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) أي :تكذيب. وإقامة المفعول مقام المصدر كقوله تعالى : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) أي : الفتنة. ووصف الشيء بالمصدر كقوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) أي :فانهم عداوة.
ومنها مجيء المصدر
بمعنى المفعول كقوله تعالى : (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ
مِنَ الْعِلْمِ) أي : المعلوم ، وقوله : (صُنْعَ اللهِ) أي : مصنوعه.
وفي كتاب الله
كثير من المجاز المرسل وقد ذكرت بعضه كتب علوم القرآن خاصة ككتاب «البرهان في علوم
القرآن» للزركشي و «الاتقان في علوم القرآن» و «معترك الاقران» للسّيوطي.
مجاز التّركيب
:
هو المجاز
الإسنادي او المجاز العقلي ، وقد تقدّم.
مجاز التّشبيه
:
هو التشبيه
المحذوف الأداة ، وقد أوضح عز الدين بن عبد السّلام ذلك بقوله : «العرب اذا شبهوا
جرما بجرم أو معنى بمعنى أو معنى بجرم فان أتوا بأداة التشبيه كان ذلك تشبيها
حقيقيا وإن أسقطوا أداة التشبيه كان ذلك تشبيها مجازيا» ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَأَزْواجُهُ
أُمَّهاتُهُمْ) اي : مثل أمهاتهم في الحرمة وتحريم النكاح. وقوله : (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) أي : مثل ولد. وليس هذا من المجاز عند الآخرين.
مجاز التّضمين
:
قال ابن عبد
السّلام : «هو أن تضمّن اسما معنى اسم لإفادة معنى الاسمين فتعديه تعديته في بعض
المواطن» كقوله تعالى : (لا تُشْرِكْ بِاللهِ) ضمن «لا تشرك» معنى لا تعدل. والعدل التسوية أي : لا
تسووا بالله شيئا في العبادة. وقوله : (وَأَخْبَتُوا إِلى
رَبِّهِمْ) ضمن (وَأَخْبَتُوا) معنى أنابوا لافادة الإخبات والانابة جميعا.
ومنه قول
الشاعر :
__________________
فإن تكن
الأيّام أحسنّ مرّة
|
|
إليّ فقد
عادت لهنّ ذنوب
|
فقد ضمن «عادت»
معنى «صارت». وليس هذا من المجاز عند الآخرين.
مجاز الحذف :
هو المجاز
بالنقصان ، وكان الأوائل كسيبويه والفرّاء قد ذكروه وقالوا إنّه على اتّساع الكلام
مثاله أنّ المضاف اليه يكتسب إعراب المضاف في نحو قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ). فإنّ الحكم الذي يجب للقرية في الأصل هو الجر ، والنصب
فيها مجاز.
ومنه قوله
تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى
قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) اي : اختار من قومه ، فانّ الحكم الذي يجب لـ (قَوْمَهُ) هو الجر ، والنصب فيه مجاز.
ولا يسمّى كل
حذف مجازا وقد أوضح عبد القاهر ذلك بقوله : «ولا ينبغي أن يقال إنّ وجه المجاز في
هذا الحذف فإنّ الحذف اذا تجرد عن تغيير حكم من أحكام ما بقي بعد الحذف لم يسمّ
مجازا ، ألا ترى أنّك تقول : «زيد منطلق وعمرو» فتحذف الخبر ثم لا توصف جملة
الكلام من أجل ذلك بأنّه مجاز ، وذلك لأنّه لم يؤدّ الى تغيير حكم فيما بقي من الكلام
ويزيده تقريرا أنّ المجاز اذا كان معناه أن تجوز بالشيء موضعه وأصله فالحذف
بمجرّده لا يستحقّ الوصف به لأنّ ترك الذكر وإسقاط الكلمة من الكلام لا يكون نقلا
لها عن أصلها إنّما يتصور النقل فيما دخل تحت النطق. واذا امتنع أن يوصف المحذوف
بالمجاز بقي القول فيما لم يحذف. وما لم يحذف ودخل تحت الذكر لا يزول عن أصله
ومكانه حتى يغير حكم من أحكامه او يغير عن معانيه ، فاما وهو على حاله والمحذوف
مذكور فتوهم ذلك فيه من أبعد المحال فاعرفه» ونقل الرازي هذا الكلام وسمّى هذا اللون من المجاز «المجاز
بالنقصان» في حين سمّاه الآخرون «مجاز الحذف». وذكر القزويني
وشرّاح التلخيص وغيرهم كلام عبد القاهر الذي بالغ في النكير على من أطلق القول
بوصف الكلمة بالمجاز بالحذف أو الزيادة .
المجاز الحكميّ
:
هو المجاز
العقلي وقد تقدّم في المجاز الإسنادي ، وسمّي حكميّا ، لأنّ المجاز ليس في ذوات
الكلم وأنفس الألفاظ ولكن في أحكام أجريت عليها .
مجاز الزّيادة
:
وهو المجاز
الذي يكون بزيادة ، وحكمه كحكم مجاز الحذف أي ليست كل زيادة تعدّ مجازا. وقد أوضح
عبد القاهر ذلك بقوله : «واذا صحّ امتناع أن يكون مجرد الحذف مجازا او تحقّ صفة
باقي الكلام بالمجاز من أجل حذف كان على الإطلاق دون أن يحدث هناك بسبب ذلك الحكم
تغيّر حكم على وجه من الوجوه ، علمت منه أنّ الزيادة في هذه القضية كالحذف فلا
يجوز أن يقال إن زيادة «ما» في نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ) مجاز ، أو أنّ جملة الكلام
__________________
تصير مجازا من أجل زيادته فيه ، وذلك أنّ حقيقة الزيادة في الكلمة أن تعرى
من معناها وتذكر ولا فائدة لها سوى الصلة ويكون سقوطها وثبوتها سواء.
ومحال أن يكون
ذلك مجازا لأنّ المجاز أن يراد بالكلمة غير ما وضعت له في الأصل أو يزاد فيها أو
يوهم شيء ليس من شأنها كايهامك بظاهر النصب في القرية أنّ السؤال واقع عليها ، والزائد الذي سقوطه كثبوته لا
يتصور فيه ذلك. فأما غير الزائد من أجزاء الكلام الذي زيد فيه فيجب أن ينظر فيه ،
فان حدث هناك بسبب ذلك الزائد حكم تزول به الكلمة عن أصلها جاز حينئذ أن يوصف ذلك
الحكم أو ما وقع فيه بأنّه مجاز كقولك في قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) إنّ الجر في «المثل» مجاز لأنّ أصله النصب ، والجر حكم
عرض من أجل زيادة الكاف ولو كانوا إذ جعلوا الكاف مزيدة لم يعملوها لما كان لحديث
المجاز سبيل على هذا الكلام. ويزيده وضوحا أنّ الزيادة على الاطلاق لو كانت تستحق
الوصف بأنّها مجاز لكان ينبغي أن يكون كل ما ليس بمزيد من الكلام مستحقا الوصف
بأنّه حقيقة حتى يكون الأسد في قولك : «رأيت أسدا» وأنت تريد رجلا حقيقة» .
ونقل الرازي
هذا الكلام وتبعهما في ذلك البلاغيون .
المجاز العقليّ
:
هو المجاز
الإسنادي ومجاز التركيب والمجاز الحكمي ، وقد تقدّم.
المجاز في
الإثبات :
هو المجاز
الإسنادي ومجاز التركيب والمجاز الحكمي والمجاز العقلي وقد تقدّم.
المجاز في
المثبت :
هو المجاز في
المفرد ، ويسمّى المجاز اللغوي ، وهو قسمان : الاستعارة والمجاز المرسل ، وقد تقدّم.
مجاز اللّزوم :
ذكر عزّ الدين
بن عبد السّلام نوعا من المجاز سمّاه «مجاز اللزوم» وقال إنّه أنواع :
أحدها :
التعبير بالإذن عن المشيئة لأنّ الغالب أنّ الإذن في الشيء لا يقع إلا بمشيئته
الآذن واختياره ، والملازمة الغالبة مصحّحة للمجاز ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا
بِإِذْنِ اللهِ) أي : بمشيئة الله ، ويجوز في هذا أن يراد بالاذن أمر
التكوين ، والمعنى : «وما كان لنفس أن تموت إلا بقول الله موتي».
الثاني :
التعبير بالإذن عن التيسير والتسهيل في مثل قوله تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ
وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ) أي بتسهيله وتيسيره.
الثالث : تسمية
ابن السبيل في قوله تعالى : (وَابْنَ
__________________
السَّبِيلِ) لملازمته الطريق.
الرابع : نفي
الشيء لانتفاء ثمرته وفائدته للزومهما عنه غالبا في مثل قوله تعالى : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ) أي وفاء عهد أو تمام عهد ، فنفى العهد لانتفاء ثمرته
وهو الوفاء والاتمام.
الخامس :
التّجوّز بلفظ الريب عن الشكّ لملازمة الشكّ القلق والاضطراب فإنّ حقيقة الريب قلق
النفس ، ومن ذلك قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا شكّ في إنزاله أو في هدايته.
السادس :
التعبير بالمسافحة عن الزنا لأنّ السّفح صبّ المني وهو ملازم للجماع غالبا لكنّه
خصّ بالزنا إذ لا غرض فيه سوى صبّ المنيّ بخلاف النكاح فانّ مقصوده الولد والتعاضد
والتناصر بالأختان والأصهار والأولاد والأحفاد ومثاله قوله تعالى : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ*) أي : غير مزانين.
السابع :
التعبير بالمحلّ عن الحالّ لما بينهما من الملازمة الغالبة كالتعبير باليد عن
القدرة والاستيلاء والعين عن الإدراك والصدر عن القلب وبالقلب عن العقل وبالأفواه
عن الألسن وبالألسن عن اللغات وبالقرية عن قاطنيها وبالساحة عن نازليها وبالنادي
والندي عن أهلهما. وقد ورد كلّ ذلك في القرآن الكريم.
الثامن :
التعبير بالإرادة عن المقاربة لأنّ من أراد شيئا قربت مواقعته إياه غالبا ، ومن
ذلك قوله تعالى : (فَوَجَدا فِيها
جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ)
التاسع :
التّجوّز بترك الكلام عن الغضب لأنّ الهجران وترك الكلام يلازمان الغضب غالبا ومنه
قوله تعالى : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ
اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ).
العاشر :
التّجوّز بنفي النظر عن الإذلال والاحتقار كقوله تعالى : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ
الْقِيامَةِ).
الحادي عشر :
التّجوّز باليأس عن العلم لأنّ اليأس من نقيض العلوم ملازم للعلم غير منفكّ عنه ،
كقوله تعالى : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً).
الثاني عشر :
التعبير بالدخول عن الوطء ونّ الغالب من الرجل اذا دخل بامرأته انّه يطأها في ليلة
عرسها ومنه قوله تعالى : (وَرَبائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ
لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ).
الثالث عشر :
وصف الزمان بصفة ما يشتمل عليه ويقع فيه كقوله تعالى : (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ).
الرابع عشر :
وصف المكان بصفة ما يشتمل عليه ويقع فيه ، كقوله تعالى : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً).
الخامس عشر :
وصف الأعراض بصفة من قامت به ، كقوله تعالى : (فَإِذا عَزَمَ
الْأَمْرُ). والعزم صفة لذوي الأمر ، وقوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) وصف التجارة بالربح وهو صفة للتاجر.
السادس عشر :
الكنايات كقوله طرفة :
__________________
ولست بحلّال
التلاع مخافة
|
|
ولكن متى
يسترفد القوم أرفد
|
وقال بعد هذا
النوع : «والظاهر أنّ الكناية ليست من المجاز لأنّك استعملت اللفظ فيما وضع له
وأردت به الدلالة على غيره ولم تخرجه عن أن يكون مستعملا فيما وضع له» .
فمجاز اللزوم
ليس مجازا خاصا ذا علاقة أو ملابسة معينة وإنّما هو المجاز بأنواعه المختلفة ، وقد
ذكر فيه عز الدين بن عبد السّلام المجاز المرسل والمجاز العقلي وأدخل فيه الكنايات
وإن نفى كونها من المجاز.
المجاز
اللّغويّ :
هو المجاز في
المثبت أو في المفرد ، وهو نوعان : الاستعارة والمجاز المرسل ، وقد تقدّما.
مجاز المجاز :
قال عز الدين
بن عبد السّلام : «هو أن يجعل المجاز المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة
الى مجاز آخر فتجوز بالمجاز الأوّل عن الثاني لعلاقة بينه وبين الثاني» . كقوله تعالى : (وَلكِنْ لا
تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا)
فانّه مجاز عن
مجاز فإنّ الوطء يتجوّز عنه بالسر لأنّه لا يقع غالبا إلّا في السرّ فلما لازم
السر في الغالب سمّي سرّا ، ويتجوّز بالسّر عن العقد لأنّه سبب فيه ، فالمصحح
للمجاز الأول الملازمة ، والمصحح للمجاز الثاني التعبير باسم المسبب الذي هو السر
عن العقد الذي هو سبب ، كما سمّي عقد النكاح نكاحا لكونه سببا في النكاح وكذلك
سمّي العقد سرّا لأنّه سبب في السر الذي هو النكاح ، فهذا مجاز عن مجاز مع اختلاف
المصحح ، فمعنى قوله تعالى : (لا تُواعِدُوهُنَّ
سِرًّا) لا تواعدوهن عقد نكاح.
ومنه قوله
تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ
بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) فانّ قول (لا إِلهَ إِلَّا
اللهُ*) مجاز عن تصديق القلب بمدلول هذا اللفظ والعلامة السببية
لأنّ توحيد اللسان مسبب عن توحيد الجنان والتعبير بـ (لا إِلهَ إِلَّا
اللهُ) عن الوحدانية من مجاز التعبير بالقول عن المقول فيه.
ونقل السّيوطي
ذلك وقال : «وجعل منه ابن السيد قوله : (أَنْزَلْنا
عَلَيْكُمْ لِباساً) فانّ المنزل عليهم ليس هو نفس اللباس بل الماء المنبت
للزرع المتخذ منه الغزل المنسوج منها للباس» . وقال الزركشي : «قلت : وهذا تسمية ابن السيد مجاز
المراتب» .
مجاز المراتب :
قال الزركشي
وهو يتحدّث عن مجاز المجاز : «قلت وهذا تسمية ابن السيد مجاز المراتب» ، ولم يوضح صلة هذا النوع بمجاز المجاز ولعله واحد.
وكان السّيوطي قد ذكر ذلك من غير أن يسمّيه «مجاز المراتب» عند كلامه على مجاز
المجاز .
__________________
المجاز المرسل
:
هو المجاز
الإفرادي ، وهو أحد أنواع المجاز اللغوي وقد تقدّم.
المجاز المرشّح
:
هو الاستعارة
الترشيحية كقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) ، وقد سمّاها كذلك ابن الزملكاني ، قال : «ومن ترشيح
الاستعارة ، وتسمى المجاز المرشح» .
المجاز المركّب
:
قال القزويني :
«هو اللفظ المركّب المستعمل فيما شبّه بمعناه الأصليّ تشبيه التمثيل للمبالغة في
التشبيه أي تشبيه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين أو أمور بالأخرى ثم تدخل المشبّهة
في جنس المشبّه بها مبالغة في التشبيه فتذكر بلفظها من غير تغيير بوجه من الوجوه» . كما كتب الوليد بن يزيد لما بويع الى مروان بن محمد
وقد بلغه أنّه متوقف في البيعة له : «أمّا بعد فانّي أراك تقدّم رجلا وتؤخر أخرى ،
فاذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت والسّلام».
شبّه صورة
تردده في المبايعة بصورة تردد من قام ليذهب في أمر فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا
وتارة لا يريد فيؤخر أخرى.
ومنه قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) فانّه لما كان التقدم بين يدي الرجل خارجا عن صفة
المتابع له صار النهي عن التقدم متعلقا باليدين مثلا للنهي عن ترك الاتباع.
ومنه قول ابن
ميّادة :
ألم تك في
يمنى يديك جعلتني
|
|
فلا تجعلنّي
بعدها في شمالكا
|
أي : كنت
مكرّما عندك فلا تجعلني مهانا ، وكنت في المكان الشريف منك فلا تحطّني في المنزل
الوضيع.
وهذا يسمّى
التمثيل وقد تقدّم ، أو التمثيل على سبيل الاستعارة ، ومتى فشا استعماله كذلك سمي
مثلا ، ولذلك لا تغيّر الأمثال.
المجاز المفرد
:
قال القزويني :
«هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في اصطلاح به التخاطب على وجه يصحّ مع
قريته عدم إرادته» وهو ثلاثة انواع :
الأوّل : لغوي
مثل لفظ «الأسد» اذا استعمله المخاطب بعرف اللغة في الرّجل الشجاع.
الثاني : شرعي
مثل لفظ «صلاة» إذا استعمله المخاطب بعرف الشرع في الدعاء.
الثالث : عرفي
، وهو عرفي خاص مثل لفظ «فعل» اذا استعمله المخاطب بعرف النحو في الحديث.
وعرفي عام مثل
لفظ «دابة» اذا استعمله المخاطب بالعرف العامّ في الإنسان.
مجاز النّقصان
:
هو مجاز الحذف ، وقد تقدّم.
__________________
المجانس :
الجنس : الضرب
من كل شيء ، يقال : هذا يجانس هذا أي يشاكله أدخل قدامة المجانس في باب ائتلاف اللفظ والمعنى وقال :
«وأما المجانس فان تكون المعاني اشتراكها في ألفاظ متجانسة على جهة الاشتقاق» . كقول حيان بن ربيعة الطائي :
لقد علم
القبائل أنّ قومي
|
|
لهم حدّ إذا
لبس الحديد
|
وقول الفرزدق :
خفاف أخفّ
الله منه سحابة
|
|
وأوسعه من كل
ساف وحاصب
|
وقال الآمدي
معلقا على تسمية قدامة : «وهذا باب ـ أعني المطابق ـ لقبه أبو الفرج قدامة بن جعفر
الكاتب في كتابه المؤلف في «نقد الشعر» المتكافئ وسمّى ضربا من المتجانس المطابق ،
وهو أن تأتي بالكلمة مثل الكلمة سواء في تأليفها واتفاق حروفها ويكون معناهما
مختلفا نحو قول الأفوه الأودي :
وأقطع الهوجل
مستأنسا
|
|
بهوجل عيرانة
عنتريس
|
والهوجل الأوّل
: الأرض البعيدة ، والهوجل الثاني : الناقة العظيمة الخلق الموثقة» . ثم قال : «وما علمت أنّ أحدا فعل هذا غير أبي الفرج
فإنّه وإن كان في هذا اللقب يصح لموافقته معنى الملقبات وكانت الالقاب غير محظورة
فاني لم أكن أحبّ له أن يخالف من تقدمه مثل أبي العباس عبد الله ابن المعتزّ وغيره
ممن تكلّم في هذه الأنواع وألّف فيها إذ قد سبقوا الى التلقيب وكفوه المؤونة» . ولكنّ قدامة فصل بين المطابق والمجانس وإن لم يأخذ
بمصطلحات ابن المعتز مما أثار عليه مثل هذا النقد.
وقال الآمدي : «وقد
رأيت قوما من البغداديين يسمّون هذا النوع «المجانس المماثل» ويلحقون به الكلمة
إذا تردّدت وتكرّرت نحو قول جرير :
تزوّد مثل
زاد أبيك فينا
|
|
فنعم الزاد
أبيك زادا
|
وبابه قليل» .
وقال ابن سنان
: «ومن التناسب بين الألفاظ المجانس ، وهو أن يكون بعض الألفاظ مشتقا من بعض إن
كان معناهما واحدا ، أو بمنزلة المشتق إن كان معناهما مختلفا ، أو تتوافق صيغتا
اللفظتين مع اختلاف المعنى. وهذا إنما يحسن في بعض المواضع إذا كان قليلا غير
متكلّف ولا مقصود في نفسه» . ومن مجانس أبي تمام قوله :
يمدّون من
أيد عواص عواصم
|
|
تصول بأسياف
قواض قواضب
|
وهذا هو
التجنيس أو الجناس ، ثم قال ابن سنان : «وبعض البغداديين يسمّي تساوي اللفظتين في
الصفة مع اختلاف المعنى : المماثل ... ويسمّي المجانس ما توافقت فيه اللفظتان بعض
الاتفاق» ثم قال بعد أن ذكر اعتراض الآمدي : «والصواب ما قاله أبو القاسم» . وسمّى السجلماسي المجانسة والتجانس محاذاة .
__________________
المجانس
المماثل :
هو المجانس ، وقد تقدّم.
مجاوبة المخاطب
بغير ما يترقّب :
هو حمل الكلام
على خلاف القصد تنبيها على أنّه أولى بالقصد . وقد سمّاه عبد القاهر «المغالطة» وسمّاه السّكّاكي «الأسلوب
الحكيم» . وقد تقدّم.
المجاورة :
الجوار :
المجاورة ، والجار الذي يجاورك ، وجاور الرّجل مجاورة وجوارا : ساكنه .
المجاورة من
مبتدعات العسكري ، وقد قال في تعريفها : «المجاورة : تردّد لفظتين في
البيت ووقوع كل واحدة منهما بجنب الأخرى أو قريبا منها من غير أن تكون إحداهما
لغوا لا يحتاج اليها» .
وذلك كقول
علقمة :
ومطعم الغنم
يوم الغنم مطعمه
|
|
أنّى توجّه
والمحروم محروم
|
فقوله : «النغم
يوم الغنم» مجاورة ، و «المحروم محروم» مثله.
وقول أبي تمام
:
وما ضيق
أقطار البلاد أضاقني
|
|
اليك ولكن
مذهبي فيك مذهبي
|
وقوله :
دأب عيني
البكاء والحزن دأبي
|
|
فاتركيني
وقيت ما بي لما بي
|
وقوله :
أيام للايام
فيك نضارة
|
|
والدهر فيّ
وفيك غير ملوم
|
والمجاورة عند
ابن الأثير النوع الثالث من الكناية وذلك «أن يريد المؤلّف ذكر شيء فيترك ذكره
جانبا الى ما جاوره فيقتصر عليه اكتفاء بدلالته على المعنى المقصود» .
كقول عنترة :
وشككت بالرمح
الأصمّ ثيابه
|
|
ليس الكريم
على القنّا بمحرّم
|
أراد بالثياب
ههنا نفسه لأنّه وصف المشكوك بالكرم ولا توصف الثياب به فثبت حينئذ أنّه أراد ما تشتمل
عليه الثياب.
وقوله :
بزجاجة صفراء
ذات أسرّة
|
|
قرنت بأزهر
في الشمال مفدّم
|
الصفراء ههنا
الخمر والذكر للزجاجة حيث هي مجاورة لها ومشتملة عليها. وذهب بعض المفسّرين في
قوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) الى أنّ المراد بالثياب القلب والجسد.
مجاورة الأضداد
:
وهي الطّباق
عند ثعلب ، قال : «وهو ذكر الشيء مع ما يعدم وجوده» كقوله تعالى : («لا يَمُوتُ فِيها
وَلا يَحْيى) ، وقول زهير في الفزاريين :
هنيئا لنعم
السيدان وجدتما
|
|
على كلّ حال
من سحيل ومبرم
|
__________________
وقال :
فظلّ قصيرا
على قومه
|
|
وظلّ على
الناس يوما طويلا
|
وقال حميد بن
ثور يصف ذئبا :
ينام باحدى
مقلتيه ويتقي
|
|
بأخرى
الأعادي فهو يقظان نائم
|
المجدود :
الجدّ : الحظ
والرزق ، يقال : فلان ذو جدّ في كذا أي : ذو حظّ ، ورجل جدّ ـ بضم الجيم ـ أي
مجدود عظيم الجدّ .
قال الحاتمي : «المجدود
اشتهار الآخذ بالمعنى دون المأخوذ منه ، وهذا الشعر يسمّى الشعر المجدود لاشتهاره
دون الأصل» . من ذلك قول مهلهل : «يوم اللقاء على القنا بحرام»
فأخذه عنترة فأحسن واشتهر بيته لبراعته :
فشككت بالرمح
الطويل إهابه
|
|
ليس الكريم
على القنا بمحرّم
|
ومن ذلك قول
امرىء القيس :
وشمائلي ما
قد علمت وما
|
|
نبحت كلابك
طارقا مثلي
|
فأخذه عنترة
فأحسن فاشتهر بيته فقال :
فاذا صحوت
فما أقصّر عن ندى
|
|
وكما علمت
شمائلي وتكرّمي
|
وذكر ابن رشيق
ذلك وقال عن بيت عنترة : «رزق جدا واشتهارا» .
المجنّس
المتمّم :
قال المظفر
العلوي : «هو أن يأتي الشاعر بكلمة ثم يأتي بأختها إلا أنّه يتمّمها بحرف أو حرفين
من غير حروفهما» كقول حسان :
وكنا متى يغز
النبيّ قبيلة
|
|
نصل حافتيه
بالقنا والقنابل
|
وقول الخنساء :
إنّ البكاء
هو الشفا
|
|
ء من الجوى
بين الجوانح
|
المجنّس
المختلف :
هو التجنيس
المختلف ، وقد سمّاه كذلك المظفر العلوي ، ومثاله قول الشاعر :
بكروم وبدور
وقنا
|
|
تتثنى فوق
كثبان النقا
|
ف «قنا» و «نقا»
مجنس مختلف.
المجنّس المطمع
:
هو التجنيس
المطمع وقد سمّاه كذلك المظفر العلوي وقال : «هو أن يأتي الشاعر بكلمة ثم يبدأ في
أختها على وفق حروفها فيطمع في أنّه يجيء بمثلها فيبدلّ في آخرها حرفا بحرف وهو
حسن في التجنيس» . ومنه قول الحطيئة :
مطاعين في
الهيجا مطاعيم في الدجى
|
|
بنى لهم
آباؤهم وبنى الجدّ
|
وقول أبي كدراء
العجلي :
نهضت الى
حديد مشرفيّ
|
|
حديث الصّقل
مأثور حسام
|
المحاجاة :
كلمة محجية :
مخالفة المعنى للفظ وهي الأحجية
__________________
والأحجوة ، وقد حاجيته محاجاة وحجاء : فاطنته فحجوته. وحاجيته فحجوته : إذا
ألقيت عليه كلمة محجية مخالفة المعنى للفظ. والاحجية : اسم المحاجاة .
والمحاجاة هي
الإلغاز والتعمية وقد تقدّمت ، وذلك أن يريد المتكلّم شيئا فيعبّر عنه بعبارات
يدلّ ظاهرها على غيره وباطنها عليه .
المحاذاة :
يقال : حاذيت
موضعا : إذا صرت بحذائه ، وحاذى الشيء : وازاه قال ابن فارس : «معنى المحاذاة أن يجعل كلام بحذاء كلام
فيؤتى به على وزنه لفظا وإن كانا مختلفين فيقولون : «الغدايا والعشايا» فقالوا : «الغدايا»
لانضمامها الى «العشايا». ومثله قولهم : «أعوذ من السامة واللامة» فالسامة من قولك
: «سمّت» إذا خصت واللامة أصلها «ألمت» لكن لما قرنت بالسامة جعلت في وزنها.
وذكر بعض أهل
العلم أنّ من هذا الباب كتابة المصحف ، كتبوا (وَاللَّيْلِ إِذا
سَجى) بالياء وهو من ذوات الواو لما قرن بغيره مما يكتب
بالياء. قالوا ومن هذا الباب في كتاب الله ـ جل ثناؤه ـ : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ
عَلَيْكُمْ) ، فاللام التي في (لَسَلَّطَهُمْ) جواب (لَوْ.) ثم قال : (فَلَقاتَلُوكُمْ) فهذه حوذيت بتلك اللام ، وإلا فالمعنى : لسلطهم عليكم
فقاتلوكم ومثله : (لَأُعَذِّبَنَّهُ
عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) فهما لاما قسم ثم قال : (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي
،) فليس ذا موضع قسم لانه عذر للهدهد فلم يكن ليقسم على
الهدهد أن يأتي بعذر لكنه لما جاء به على أثر ما يجوز فيه القسم أجراه مجراه ، ومن
الباب «وزنته فاتّزن» و «كلته فاكتال» أي : استوفاه كيلا ووزنا ، ومنه قوله ـ جلّ
ثناؤه ـ : (فَما لَكُمْ
عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) تستوفونها لأنّها حقّ للأزواج على النساء.
ومن هذا الباب
الجزاء عن الفعل بمثل لفظه نحو :
(إِنَّما نَحْنُ
مُسْتَهْزِؤُنَ. اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) أي يجازيهم جزاء الاستهزاء و (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) و (فَيَسْخَرُونَ
مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) و (نَسُوا اللهَ
فَنَسِيَهُمْ) و (جَزاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُها).
ومثل هذا في
شعر العرب قول القائل :
ألا لا يجهلن
أحد علينا
|
|
فنجهل فوق
جهل الجاهلينا
|
ونقل الزركشي
هذا الكلام .
المحتمل
للضّدّين :
قال الرازي : «هو
أن يكون الكلام محتملا للمدح والذم احتمالا متساويا» . كقول بشار لرجل أعور :
خاط لي عمرو
قباء
|
|
ليت عينيه
سواء
|
وقال ابن قيّم
الجوزيّة : «وهو أن يكون الكلام محتملا للشيء وضده» كقوله تعالى : (وَكانَ
__________________
وَراءَهُمْ
مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) يحتمل أن يكون أراد بـ (وَراءَهُمْ :) أمامهم ، ويحتمل أن يكون (وَراءَهُمْ :) وهو يطلبهم. وينخرط في هذا السلك قوله تعالى : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) اذا جعل هذا من باب التّهكّم به والإزدراء عليه كان
ذما. ومنه قوله ـ صلىاللهعليهوسلم : «من جعل قاضيا ذبح بغير سكّين» فان أريد به الذم يكون
التقدير : من جعل قاضيا فقد قتل بغير سكين لأنّه ليس في قدرته إقامة الحق على وجهه
وإجراء الأحكام على القانون المستقيم فيكون قد كلّف ما لا طاقة له به ومن كلّف ما
لا طاقة له به فهو في ألم شديد يشبه ألم من ذبح بغير سكّين ومن أراد المدح قال :
إنّه لشدة تحرّزه في أحكامه واجتهاده في نقضه وإبرامه وإنعامه النظر فيما يحدث من
الوقائع ويتجدّد من خفايا الأحكام والنظر في أمر الوصايا ومال الأيتام الى غير ذلك
من الأمور المشقّة يحصل له من الألم مقدار ألم من ذبح بغير سكّين بل أشدّ ، لأنّ
من ذبح بغير سكين يقاسي الألم في حال ذبحه ثم يستريح ، والحاكم بهذه الأمور مستمرّ
التعب دائم النكد مشتغل القلب منقسم الفكر دائم النظر.
المخالف :
الخلاف
المضادّة ، وقد خالفه مخالفة وخلافا .
قال ابن سنان
وهو يتحدّث عن المطابق : «وسمّى أصحاب صناعة الشعر ما كان قريبا من التضادّ
المخالف. وقسّم بعضهم التضادّ فسمّى ما كان فيهما لفظتان معناهما ضدان كالسواد
والبياض المطابق ، وسمّى تقابل المعاني والتوفيق بين بعضها وبعض حتى تأتي في
الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف على الصحة المقابلة» . ثم قال : «فأمّا المخالف وهو الذي يقرب من التضاد» فكقول ابي تمام :
تردّى ثياب
الموت حمرا فما أتى
|
|
لها الليل
إلا وهي من سندس خضر
|
فان «الحمر» و
«الخضر» من المخالف ، وبعض الناس يجعل هذا من المطابق. وكذلك قول عمرو بن كلثوم :
بأنّا نورد
الرايات بيضا
|
|
ونصدرهنّ
حمرا قد روينا
|
وقول البحتري :
وإلا لقيت
الموت أحمر دونه
|
|
كما كان يلقى
الدهر أغبر دوني
|
ومن قبيح
المخالف قول أبي تمام :
مكرهم عنده
فصيح وإن هم
|
|
خاطبوا مكره
رأوه جليبا
|
لأنّه لما اراد
أن يخالف بين «فصيح» و «جليب» وهو الذي قد جلب في السبي فلم يفصح بالكلام جعل «المكر»
جليبا وذلك من «الاستعارات المستحيلة والأغراض الفاسدة» .
المخالفة :
قال ابن منقذ :
«المخالفة هي الخروج عن مذهب الشعراء وترك الاقتفاء لآثارهم» . كقول نصيب :
طرقتك صائدة
القلوب وليس ذا
|
|
وقت الزيارة
فارجعي بسلام
|
وليس المعهود
ردّ المحبوب على عقبه إذا أراد زيارة محبّه.
ومن ذلك قول
كثيّر :
ألا ليتنا يا
عزّ من غير ريبة
|
|
بعيران نرعى
في الخلاء ونعزب
|
__________________
يطرّدنا
الرعيان من كل تلعة
|
|
فلا عيشنا
يصفو ولا الموت يقرب
|
فقيل : إنّ
عزّة لما سمعت هذا قالت : تمنّيت لك الشقاء الطويل.
ومنه قول عمر
بن ابي ربيعة :
وإذا تلسنني
ألسنها
|
|
انني لست
بموهون فقر
|
وهذا ضدّ ما
فطر عليه طباع المحبين من احتمال المحبوبين والسكون وانقطاع الكلام عند رؤيتهنّ.
ومن ذلك قول
جميل :
أريد لأنس
ذكرها فكأنّما
|
|
تخيّل لي
ليلى بكلّ سبيل
|
وهذا خلاف
مذاهب الشعراء لأنّهم يحرصون على دوام ذكرهم وطول محبتهم. ونقل ابن قيّم الجوزيّة
تعريف ابن منقذ وقال : «والقرآن العظيم كله مخالف لأساليب الشعر وقوانين النظم
والنثر التي يستعملها الناظمون والناثرون» . وسمّى قدامة ذلك «مخالفة العرف» وهو من عيوب المعاني
وذلك أن يؤتى بما ليس في العادة والطبع .
والمخالفة في
فصاحة اللفظة هي مخالفة القياس كقول أبي النجم العجلي «الحمد لله العليّ الأجلل»
فإن القياس «الأجلّ» بالإدغام. .
مخالفة ظاهر
اللّفظ معناه :
وهو أنواع
كثيرة ، وقد تحدّث ابن قتيبة عنها ومن ذلك الدعاء على جهة الذم لا يراد به الوقوع
كقوله تعالى : (قُتِلَ
الْخَرَّاصُونَ) وقوله : (قُتِلَ الْإِنْسانُ
ما أَكْفَرَهُ). وقد يراد بهذا ايضا التعجب من إصابة الرجل في منطقه أو
في شعره أو رميه فيقال : «قاتله الله ما أحسن ما قال» و «أخزاه الله ما أشعره» و «لله
درّه ما أحسن ما اجتمع به». ومن ذلك الجزاء عن الفعل بمثل لفظه والمعنيان مختلفان
كقوله تعالى : (إِنَّما نَحْنُ
مُسْتَهْزِؤُنَ. اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) أي :يجازيهم جزاء الاستهزاء.
ومنه أن يأتي
الكلام على مذهب الاستفهام وهو تقرير كقوله سبحانه : (أَأَنْتَ قُلْتَ
لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ).
ومنه أن يأتي
على مذهب الاستفهام وهو تعجّب كقوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ
عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ).
كأنه قال : عمّ
يتساءلون يا محمد؟ ثم قال : عن النبأ العظيم يتساءلون.
ومنه أن يأتي
على مذهب الاستفهام وهو توبيخ كقوله تعالى : (أَتَأْتُونَ
الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ).
ومنه أن يأتي
الكلام على لفظ الأمر وهو تهديد كقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما
شِئْتُمْ). وأن يأتي على لفظ الأمر وهو تأديب كقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ). وعلى لفظ الأمر وهو إباحة كقوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ
خَيْراً) وعلى لفظ الأمر وهو فرض كقوله سبحانه : (وَاتَّقُوا اللهَ).
__________________
ومنه عامّ يراد
به خاصّ كقوله سبحانه حكاية عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : (وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُؤْمِنِينَ) ، ولم يرد كلّ المسلمين.
ومنه جمع يراد
به واحد واثنان كقوله عزوجل :(وَلْيَشْهَدْ
عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ومنه واحد يراد به جميع كقوله تعالى : (هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ). والعرب تقول : «فلان كثير الدرهم والدينار» يريدون
الدراهم والدنانير. وقال الشاعر :
هم المولى
وإن جنفو علينا
|
|
وإنّا من
لقائهم لزور
|
ومنه أن تصف
الجميع صفة الواحد كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ
بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) ويقال : «هم قوم عدل» قال زهير :
متى يشتجر
قوم يقل سرواتهم
|
|
هم بيننا فهم
رضا وهم عدل
|
ومنه أن يوصف
الواحد بالجمع كقولهم : «ثوب أهدام وأسمال» ، وقول الشاعر :
جاء الشتاء
وقميصي أخلاق
|
|
شراذم يضحك
مني التوّاق
|
ومنه أن يجتمع
شيئان ولأحدهما فعل فيجعل الفعل لهما كقوله سبحانه : (فَلَمَّا بَلَغا
مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما).
ومنه أن يجتمع
شيئان فيجعل الفعل لأحدهما أو تنسبه الى أحدهما وهو لهما كقوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً
انْفَضُّوا إِلَيْها) وقول الشاعر :
نحن بما
عندنا وأنت بما عن
|
|
دك راض
والرّأي مختلف
|
ومنه أن تخاطب
الشاهد بشيء ثم تجعل الخطاب له على لفظ الغائب كقوله عزوجل : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ
فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها). وهذا هو الالتفات.
ومنه أن يخاطب
الرّجل بشيء ثم يجعل الخطاب لغيره كقوله : (فَإِلَّمْ
يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) الخطاب للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ثم قال للكفّار : (فَاعْلَمُوا أَنَّما
أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، يدلّ على ذلك قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ).
ومنه أن تأمر
الواحد والاثنين والثلاثة فما فوق أمرك الاثنين كقوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ
عَنِيدٍ).
ومنه أن يخاطب
الواحد بلفظ الجميع كقوله سبحانه : (قالَ رَبِّ
ارْجِعُونِ).
ومنه أن يتصل
الكلام بما قبله حتى يكون كأنه قول واحد وهو قولان كقول سبحانه : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا
قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) ثم قال :(وَكَذلِكَ
يَفْعَلُونَ) وليس هذا من قولها وانقطع الكلام عند قوله : (أَذِلَّةً) ثم قال الله تعالى :(وَكَذلِكَ
يَفْعَلُونَ.)
ومنه أن يأتي
الفعل على بنية الماضي وهو دائم أو مستقبل كقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ) أي : أنتم خير أمة.
ومنه أن يجيء
المفعول به على لفظ الفاعل كقوله سبحانه : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ
مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ
__________________
رَحِمَ) أي : لا معصوم من أمره. وأن يأتي «فعيل» بمعنى «مفعل»
كقوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ). أي : مبدعها. و «فعيل» بمعنى «فاعل» مثل : «حفيظ» و «قدير».
ومنه أن يأتي
الفاعل على لفظ المفعول به وهو قليل كقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ
وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) أي آتيا.
ومعظم هذه
الأنواع يدخل في المجاز ولا سيما المرسل ، وفي الالتفات أو خروج الخبر والإنشاء عن
الأغراض الأصلية. وقد أدخل الزركشي معظم هذه الألوان في المجاز الإفرادي أو المرسل
.
مخالفة العرف :
أدخله قدامة في
عيوب المعاني وقال : «ومن عيوب المعاني مخالفة العرف والإتيان بما ليس في العادة
والطبع» . وهو المخالفة التي تحدّث عنها ابن منقذ وابن قيّم
الجوزيّة وقد تقدّمت.
المخترع :
اخترع فلان
الباطل : إذا اخترقه ، واخترع الشيء : اقتطعه واختزله ، والاختراع : الاستهلاك ،
واخترع الشيء : ارتجله ، وقيل : اخترعه اشتقه ، ويقال : أنشأه وابتدأه .
تحدّث
البلاغيون والنّقّاد عن المخترع في باب المعاني قال العسكري : إنّها على ضربين : ضرب يبتدعه صاحب الصناعة من غير أن
يكون له إمام يقتدي به فيه أو رسوم قائمة في أمثلة يعمل عليها.
وهذا الضّرب
ربما يقع عليه عند الخطوب الحادثة ويتنبّه له عند الأمور النازلة الطارئة.
والآخر : ما
يحتذيه على مثال تقدّم ورسم فرط أي سبق.
وعقد ابن رشيق
بابا له وقال : «المخترع من الشعر هو ما لم يسبق إليه قائله ، ولا عمل أحد من
الشعراء قبله نظيره أو ما يقرب منه» كقول امرئ القيس :
سموت اليها
بعد ما نام أهلها
|
|
سموّ حباب
الماء حالا على حال
|
فإنّه أوّل من
طرق هذا المعنى وابتكره وسلّم الشعراء اليه فلم ينازعه أحد إيّاه. وفرّق ابن رشيق
بين الاختراع والإبداع فقال : «والفرق بين الاختراع والإبداع وإن كان معناهما في
العربية واحدا ، أنّ الاختراع : خلق المعاني التي لم يسبق اليها والإتيان بما لم
يكن منها قطّ ، والإبداع : إتيان الشاعر بالمعنى المستظرف والذي لم تجر العادة
بمثله. ثم لزمته هذه التسمية حتى قيل له بديع وإن كثر وتكرّر ، فصار الاختراع
للمعنى والإبداع للفظ ، فاذا تم للشاعر أن يأتي بمعنى مخترع في لفظ بديع فقد
استولى على الأمد ، وحاز قصب السبق. واشتقاق الاختراع من التليين يقال : «بيت خرع»
إذا كان لينا ، والخروع «فعول» منه فكأن الشاعر سهل طريقة هذا المعنى وليّنه حتى
أبرزه. وأما البديع فهو الجديد وأصله في الحبال وذلك أن يفتل الحبل جديدا ليس من
قوى حبل نقضت ثم فتلت فتلا آخر» .
وذكر ابن
الأثير مثل ما ذكر العسكري وقال إنّ المعاني على ضربين :
الأول : يبتدعه
مؤلّف الكلام من غير أن يقتدي فيه بمن سبقه ، وهذا الضّرب ربما يعثر عليه عند
الحوادث المتجدّدة ، ويتنّبه له عند الأمور الطارئة. ومن ذلك ما
__________________
ورد في شعر أبي تمام في وصف مصلبين :
بكروا وأسروا
في متون ضوامر
|
|
قيدت لهم من
مربط النجّار
|
لا يبرحون
ومن رآهم خالهم
|
|
أبدا على سفر
من الأسفار
|
ومن ذلك ما جاء
في شعر المتنبي في وصفه الحمى :
وزائرتي كأنّ
بها حياء
|
|
فليس تزور
إلا في الظلام
|
بذلت لها
المطارف والحشايا
|
|
فعافتها
وباتت في عظامي
|
كأنّ الصّبح
يطردها فتجري
|
|
مدامعها
بأربعة سجام
|
أراقب وقتها
من غير شوق
|
|
مراقبة
المشوق المستهام
|
والثاني :
يحتذى فيه على مثال سابق ومنهج مطروق ، وهو جلّ ما يستعمله أرباب صناعة الكلام.
وقد سمّى ابن
رشيق الأول المخترع ، والثاني التوليد ، وكان هذا التقسيم من أسباب البحث في
السرقات ومتابعة الشعراء والكّتاب فيما ابتدعوه وأخذوه وتفصيل أنواع الأخذ.
المختلف
والمؤتلف :
هو أن يريد
المتكلّم التسوية بين الممدوحين فيأتي بمعنى مؤتلف في مدحهما ثم يروم بعد ذلك
ترجيح أحدهما على الآخر بزيادة فصل لا ينقص به مدح الآخر فيأتي بمعنى يخالف معنى
التسوية .
وهو جمع
المختلفة والمؤتلفة والمؤتلفة والمختلفة وقد تقدّما ..
المخلّص :
خلص الشيء يخلص
خلوصا وخلاصا إذا كان قد نشب ثم نجا وسلم. والتخليص : التنجية من كل منشب. تقول :
خلّصته من كذا تخليصا أي نجّيته تنجية فتخلص ، وتخلّصه تخلّصا كما يتخلّص الغزل
إذا التبس .
والمخلّص هو
التّخلّص أو حسن التّخلّص وقد مرّ.
وفرّق الحموي
بين الاستطراد والمخلّص فقال : «الاستطراد يشترط فيه الرجوع الى الكلام الأوّل
وقطع الكلام بعد المستطرد والأمران معدومان في المخلّص فإنّه لا يرجع الى الأوّل
ولا يقطع الكلام بل يستمر الى ما يخلص اليه» .
المخلّص المليح
:
عقد المظفر
العلوي بابا سماه «المخلّص المليح الى الهجاء والمديح» وهو التخلص أو حسن التّخلّص وقد تقدّم.
المدح في معرض
الذّمّ :
هو تأكيد المدح
بما يشبه الذم ، وهو من محاسن الكلام التي ذكرها ابن المعتزّ ، وسمّاه المظفر العلوي «الاستثناء» وسماه بعضهم «النفي والجحود» . وقد تقدّم.
المدرج :
درج يدرج درجا
: مشى مشيا ضعيفا ودبّ ، ودرجت الثوب. طويته والإدراج لف الشيء في الشيء . والمدرج من الحديث أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام
الراوي فيحسبها من يسمعها
__________________
مرفوعة في الحديث فيرويها كذلك . قال الزركشي : «هذا النوع سمّيته بهذه التسمية بنظير
المدرج من الحديث ، وحقيقته في أسلوب القرآن أن تجيء الكلمة الى جنب أخرى كأنها في
الظاهر معها وهي في الحقيقة غير متعلّقة بها» . كقوله تعالى ذاكرا عن بلقيس : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا
قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ
يَفْعَلُونَ) هو من قول الله لا من قول المرأة. ومنه قوله تعالى : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا
راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) انتهى قول المرأة ثم قال يوسف عليهالسلام : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ
أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) معناه : ليعلم الملك أنّي لم أخنه.
ومنه : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ
مَرْقَدِنا) تمّ الكلام فقالت الملائكة : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ
الْمُرْسَلُونَ.) وقوله تعالى حكاية عن ملأ فرعون :(يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ
أَرْضِكُمْ) هذا قول الملأ ثم قال فرعون : (فَما ذا تَأْمُرُونَ).
وكان ابن قتيبة
قد تحدث عن هذا النوع في باب «مخالفة ظاهر اللفظ معناه» وقال : «ومنه أن يتصل
الكلام بما قبله حتى يكون كأنه قول واحد وهو قولان» وذكر الآيات السابقة.
المذهب
الكلامّي :
هو الاحتجاج
النظري أو إلجام الخصم بالحجّة وقد تقدّم. ولكنّ الذي شاع في كتب البلاغة هو مصطلح «المذهب
الكلامّي» الذي نسبه ابن المعتزّ الى الجاحظ .
المراجعة :
رجع يرجع :
انصرف ، وراجع الشيء ورجع اليه ، ورجّع : ردّد صوته في قراءة أو أذان أو غناء او
زمر ، وراجعها مراجعة : رجعها الى نفسه ، وراجعه الكلام مراجعة ورجاعا : حاوره
إيّاه .
قال المصري
إنّه من مستخرجاته وعرّفه بقوله : «هو أن يحكي المتكلّم مراجعة في القول ومحاورة
في الحديث جرت بينه وبين غيره أو بين اثنين غيره بأوجز عبارة وأرشق سبك وأسهل
الفاظ إما في بيت واحد أو في أبيات أو جملة واحدة» .
وكان الوطواط
قد تحدّث عن السؤال والجواب ، وفعل مثله الرازي ، وهذا النوع هو المراجعة التي ادّعى المصري أنّها من
__________________
مبتدعاته وقد تقدّم السلب والإيجاب.
مراعاة الحروف
:
قال التنوخي : «ومن
البيان مراعاة الحروف ومعانيها ومواقع اللبس فيها واشتباه بعضها ببعض وهذا مما
يحتاج الى الطباع السليمة والتدرّب في معاني الشعر والخطب وما جاء من كلام العرب
في مكاتباتهم الى غير ذلك مما استعملوه» . ومن ذلك قوله تعالى : (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ
ما أَمَرَهُ. فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ. أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ
صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا. فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا. وَعِنَباً
وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً. وَحَدائِقَ غُلْباً. وَفاكِهَةً وَأَبًّا.
مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ. فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ. يَوْمَ يَفِرُّ
الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ). قال التنوخي : لما زجر بـ (كَلَّا) وأخبر أنّ المرء لم يقض ما أمر به عقب الزجر بالأمر
فأتى بالفاء مستأنفا للجملة الاخرى وتعقيبا للزجر بالأمر وتنبيها على أنّ غفلة
الإنسان مما ينبغي له سبب لأن يوعظ.
فالفاء هنا
دلّت على الاستئناف والتعقيب والتسبب.
وعطف شق الأرض
على صبّ الماء بـ «ثم» إذ لا بدّ بينهما من مهلة وقال : (فَأَنْبَتْنا) إذ انشقاق الأرض بالنبات فلا مهلة بينهما ، ثم عطف
النبات بعضه على بعض بالواو لأنّ فيه ما ينبت بعضه مع بعض وما ينبت بعضه عقيب بعض
وما يتقدم بعضه على بعض ويتأخّر من غير تعقيب. والواو تستعمل في هذه المواضع كلها
إذ هي لمجرّد الاشتراك. ثم قال : (فَإِذا جاءَتِ
الصَّاخَّةُ) وليس وقت مجيئها عقيب ما قبلها فهي لتعقيب الوعظ بعضه
ببعض إذ هو من توابع الزجر وليس في هذا العطف تعرض لتوالي الأوقات ثم قال : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ.
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) فعطف بالواو لأنّه يفر من المفرور منه إذا لقيه ولقاؤه
لهم قد يكون في وقت واحد وقد يكون في أوقات مختلفة ، والواو هي الجامعة لذلك كله.
وقدّم الأخ على الأم ، والأم على الأب ، والأب على الصاحبة والصاحبة على الابناء
انتقالا من كل واحد الى من هو أعز منه وأشد حفاوة ، والأب وإن كان كالأمّ أو
مرجوحا من جهة البر فانه يرجى نصره أكثر من الأمّ والمحافظة على الرجال أشد منها
على النساء. وأخر الصاحبة عنه وإن كانت لا يرجى نصرها لزيادة الانس والمودة التي
جعل الله بينهما ، وأخّر البنين عنها لأنّهم الغاية والنتيجة وزيادة حبهم بالطبع
على كل أحد».
ومثل ذلك حروف
الجر قال : التنوخي : «وانظر الى حروف الجر في مثل قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً
أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). استعمل «على» بالنسبة الى «الهدى» و «في» بالنسبة الى
الضلال مع أنّ كلّ واحد منهما يجوز أن يقال فيه «على» و «في» لأنّ الهدى من الله
والله الهادي والدالّ على طريق الهدى ، فكل من «هدى» و «دل» فهو على الهدى ، ولا
يوصف أحد بأنّه فيه إلّا لقربه وعلو مرتبته ، وهذا لا يكون إلّا للآحاد ممن يشاء
الله فاستعملت «على» لشمولها وأمّا الضلال فيوصف به من ضل عن الهدى. ومن لم يهتد
بعد وهو مما ينسب الى الإنسان على سبيل الأدب مع الله فالضلال محيط بالضال بالطبع
حتى يهديه الله فـ «في» هنا استعملت لأنّها أبلغ من «على» ، وأيضا فانّ الترديد
ههنا في الظاهر واما في نفس الأمر فالمشركون هم في الضلال منغمسون غاية الانغماس
فتكون «في» أنسب. وكان ابن الأثير قد تحدث عن ذلك في «الحروف العاطفة والجارة»
وقال : «إنّ أكثر الناس يضعون هذه الحروف في غير مواضعها فيجعلون ما ينبغي أنّ يجر
بـ «على» بـ «في»
__________________
في حروف الجر ، وفي هذه الأشياء دقائق أذكرها لك» .
مراعاة مقتضى
الحال :
أولى الجاحظ
هذه المسألة اهتماما كبيرا ونقل بعض الأقوال التي تذهب الى أنّ مراعاة مقتضى الحال
من أهم ما ينبغي أن يتمسك به الشاعر أو الخطيب أو الكاتب ، وقد جاء عن عبد الله بن
مسعود قوله : «حدّث الناس ما مدحوك بأبصارهم وأذنوا لك بأسماعهم ، واذا رأيت منهم
فترة فأمسك» ونقل الجاحظ قول الزيادي :
يرمون بالخطب
الطّوال وتارة
|
|
وحي الملاحظ
خيفة الرّقباء
|
وقال : «فمدح
كما ترى الإطالة في موضعها والحذف في موضعه» .
وذكر الجاحظ
أنّ «الله تبارك وتعالى إذا خاطب العرب والأعراب أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحي
والحذف ، واذا خاطب بني إسرائيل أو حكى عنهم جعله مبسوطا وزاد في الكلام» . وقال إنّ البلغاء «إذا خطبوا في صلح بين العشائر
أطالوا ، واذا أنشدوا الشعر بين السماطين في مديح الملوك أطالوا. فللإطالة موضع
وليس ذلك بخطل وللإقلال موضع وليس ذلك من عجز» وانتهى الجاحظ الى أنّ الذي قال : «لكل مقام مقال» قد أصاب في القول.
مراعاة النّظير
:
هو الائتلاف
والتلفيق والتناسب والتوفيق والمؤاخاة ، ولكنّ معظم البلاغيين يسمونه : «مراعاة
النظير» وأدخله الرازي في أقسام النظم وقال : «مراعاة النظير وهو عبارة عن جمع
الأمور المتناسبة» .
وأدخله
السّكاكي والقزويني وشرّاح التلخيص في المحسّنات المعنوية .
المرافدة :
الرّفد :
العطاء والصلة ، رفده يرفده : أعطاه : وأرفده :أعانه ، والمرفد : المعونة ،
والمرافدة : المعاونة .
وقد ذكر
الحاتمي المرافدة وقال : بينما كان جرير واقفا بالمربد وقد ركبه الناس وعمر بن لجأ
مواقفه أنشد جرير قوله :
يا تيم تيم
عديّ لا أبالكم
|
|
لا يلقينكم
في سوءة عمر
|
أحين صرت
سناما يا بني لجأ
|
|
وخاطرت بي عن
أحسابها مضر
|
فقال عمر جواب
هذا :
لقد كذبت
وشرّ القول أكذبه
|
|
ما خاطرت بك
عن أحسابها مضر
|
ألبست نزوة
خّوار على أمة
|
|
لبئست
الخلتان : البخل والخور
|
وكان الفرزدق
قد رفده بهذين البيتين في هذه القصيدة فقال جرير لما سمعها : «قبحا يا ابن قنب وفي
رواية اخرى يا ابن قين ـ كذبت والله ولؤمت
__________________
هذا شعر حنظلي ، هذا شعر العزيز يعني الفرزدق ، رفدك به» .
وقال ابن رشيق
: «وأما المرافدة فأن يعين الشاعر صاحبه بالأبيات يهبها له» ثم قال : «والشاعر يستوهب البيت والبيتين والثلاثة
وأكثر من ذلك إذا كانت شبيهة بطريقته ولا يعدّ ذلك عيبا ، لأنّه يقدر على عمل
مثلها ، ولا يجوز ذلك إلّا للحاذق المبرّز».
المرصّع :
الترصيع :
التركيب ، يقال : تاج مرصّع بالجوهر وسيف مرصّع أي محلّى بالرصائع ، وهي حلق يحّلى
بها ، الواحدة : رصيعة. ورصّع العقد بالجوهر : نظمه فيه وضمّ بعضه الى بعض .
قال الكلاعي : «وسمّينا
هذا النوع المرصّع لأنّه رصّع بالأخبار والأمثال والأشعار وروايات القرآن وأحاديث
النبي ـ عليهالسلام ـ الى غير ذلك من النحو والعروض وحلّ أبيات القريض» .
والمرصّع أحد
أنواع السجع عند السّيوطي ، قال : «وهو أحسن من قول الترصيع كما قال الشيخ بهاء
الدين لموافقة قولنا : «مطرف» و «متواز» وهو ما كان في الأولى مقابلا لما في
الثانية وزنا وتقفية كقوله تعالى : (إِنَّ إِلَيْنا
إِيابَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ).
وقد تقدّم في
السجع المرصّع.
المزاوجة :
ازدوج الكلام
وتزاوج : أشبه بعضه بعضا في السجع أو الوزن أو كان لإحدى القضيتين تعلّق بالأخرى.
والمزاوجة والازدواج بمعنى .
والمزاوجة هي
التزاوج ، وقد تقدّمت.
مزج الشّكّ
باليقين :
هو إخراج ما
يعرف صحته مخرج ما يشكّ فيه ليزيد بذلك تأكيدا ، وهو تجاهل العارف وقد تقدّم.
المزدوج :
ذكر الجاحظ
أمثلة لمزدوج الكلام كقوله ـ عليهالسلام ـ في معاوية : «اللهم علّمه الكتاب والحساب وقه العذاب»
، أشار الى الكلام المزدوج وغير المزدوج ، ولم يوضحهما أو يفرّق بينهما ، ولكنّ الأمثلة التي
ذكرها تشير الى معنى الازدواج والتعادل بين الجمل والعبارات.
وللمزدوج معنى
آخر في الشعر وهو : «ما أتى على قافيتين الى آخر القصيدة ، وأكثر ما يأتي على وزن
الرّجز» . وليس هذا ما يريده البلاغيون وإنما المزدوج عندهم
الكلام المتعادل من سجع أو من غير سجع.
__________________
المزلزل :
قال ابن قيّم
الجوزيّة : «المزلزل : هو أن يكون في الكلام لفظة لو غيّر وضعها أو إعرابها تغيّر
المعنى» .
وهو المتزلزل ،
وقد تقدّم.
المساواة :
سواء الشيء :
مثله. يقال : ساويت بينهما وسوّيت وساويت الشيء ساويت به .
عرض الجاحظ
للمساواة وقال : «حقّ المعنى أن يكون الاسم له طبقا وتلك الحال لها وفقا ، ويكون
الاسم له لا فاضلا ولا مفضولا» . وذكرها المبرّد فقال معلّقا على بعض الأبيات : «فهذا
كلام ليس فيه فضل عن معناه» وأدخلها قدامة في نعت ائتلاف اللفظ والمعنى وقال : «المساواة
وهو أن يكون اللفظ مساويا للمعنى حتى لا يزيد عليه ولا ينقص عنه ، وهذه هي البلاغة
التي وصف بها بعض الكتّاب رجلا فقال : «كانت ألفاظه قوالب لمعانيه» أي : هي مساوية
لها لا يفضل أحدهما عن الآخر» .
وذكر الرّمّاني
نوعا من الإيجاز وهو «مطابقة اللفظ للمعنى» وقال ابن رشيق عنه : «فهم يسمّونه
المساواة» . وكان قدامة من قبل قد أطلق على قولهم : «أن يكون اللفظ
مساويا للمعنى» اسم المساواة ، وهو ما أخذه البلاغيون وأداروه في مباحثهم التي
تعرّضت للإيجاز والإطناب.
وعرّف الكلاعي
هذا النوع تعريفا بديعا فقال انها : «ما خيط ثوب لفظه على جسد معناه» . وقال العسكري : «هو أن تكون المعاني بقدر الألفاظ
والألفاظ بقدر المعاني لا يزيد بعضها على بعض ، وهو المذهب المتوسّط بين الإيجاز
والإطناب» .
ونقل
الباقلّاني تعريف قدامة وقال عن المساواة : «وذلك يعدّ من البلاغة» ، ونقله ابن سنان والتبّريزي والبغدادي وابن الزملكاني
والمصري والنّويري وابن قيّم الجوزيّة والحموي ، وقد أغرب الأخير حينما عدّ المساواة في قسمي الإيجاز
والإطناب ومثّل لها لاعتبارها في قسم الإطناب بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى). وقد قال المدني إنّ كلامه هذا غريب والاستشهاد بهذه
الآية أغرب .
وأدخل
السّكّاكي المساواة في علم المعاني ، وجعلها غير محمودة ولا مذمومة لأنّه فسّرها
بالمتعارف من كلام أوساط الناس ، قال : «أمّا الإيجاز والإطناب فلكونهما نسبيين لا
يتيسّر الكلام فيهما إلّا بترك التحقيق والبناء على شيء عرفي مثل جعل كلام الأوساط
على مجرى متعارفهم في التأدية للمعاني فيما بينهم ، ولا بدّ من الاعتراف بذلك
مقيسا عليه ولنسمه متعارف الأوساط ، وإنّه في باب البلاغة لا يحمد منهم ولا يذمّ» . وليس الأمر كذلك لأنّ المساواة أسلوب له أغراضه وقد
ردّ القزويني كلام السّكّاكي وأوضح معنى المساواة بقوله : «المراد بالمساواة أن
يكون اللفظ بمقدار أصل المراد لا ناقصا عنه
__________________
بحذف أو غيره ولا زائدا عليه» .
وقال العلوي : «هي
في مصطلح فرسان البيان عبارة عن تأدية المقصود بمقدار معناه من غير زيادة فيه ولا
نقصان عنه» ، وقسّمها الى نوعين :
الأوّل : أن
تكون مساواة مع الاختصار ، وهذا نحو أن يتحرّى البليغ في تأدية معنى كلامه أوجز ما
يكون من الألفاظ القليلة الأحرف الكثيرة المعاني التي يتعسّر تحصيلها على من دونه
في البلاغة ، ومن هذا قوله تعالى : (هَلْ جَزاءُ
الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) ، وقوله تعالى : (وَهَلْ نُجازِي
إِلَّا الْكَفُورَ) فهذه أحرف قليلة تحتها فوائد غزيرة ونكت كثيرة.
الثاني : أن
يكون المقصود المساواة من غير تحرّ ولا طلب اختصار ويسمّى «المتعارف».
قال العلوي : «والوجهان
محمودان في البلاغة جميعا خلا أنّ الأوّل أدلّ على البلاغة وأقوى على تحصيل المراد»
. وقال السجلماسي : «هي مساوقة القول وبالجملة اللفظ للمعنى المدلول عليه
به ومطابقته» .
ويتضّح من كلام
البلاغيين اتّجاهان :
الأوّل : أنّ
المساواة واسطة بين الإيجاز والإطناب ، والى ذلك ذهب السّكّاكي والتيفاشي
والقزويني وشرّاح التلخيص.
الثاني : أنّ
المساواة داخلة في قسم الإيجاز ، والى ذلك ذهب ابن الأثير والطيبي الذي سماها : «إيجاز
قصر» وقال : «هو أن تقصر اللفظ على المعنى» .
قال المدني : «فالقزويني
والتيفاشي والزنجاني وجميع أصحاب البديعيات على أنّها محمودة بل معدودة من البلاغة
التي وصف فيها بعض الوصّاف أحد البلغاء : «كانت ألفاظه قوالب لمعانيه» ، وهذا قول
من أدخلها في قسم الإيجاز أيضا. وأما السّكّاكي وأتباعه فعلى الثاني لأنّهم
فسّروها بالمتعارف من كلام أوساط الناس الذين ليسوا في رتبة البلاغة» .
وورد مصطلح
المساواة بمعنى آخر ، فقد عقد ابن منقذ بابا للمساواة وقال : «هو مساواة الآخذ منه
للآخذ عنه ، والأوّل أحق به لأنّه ابتدع ، والثاني اتّبع ، فالأوّل سابق والثاني
لاحق» من ذلك ما قاله البحتري في بركة :
إذا علتها
الصّبا أبدت لها حبكا
|
|
مثل الجواشن
مصقولا حواشيها
|
أخذه الصولي
فقال :
إذا ما الريح
هبت قلت درع
|
|
وإن سكنت
فمرآة صقيل
|
ولكنّ ابن منقذ
جمع المساواة مع التضييق والتوسيع في باب واحد وقال : «إنّ النقاد قالوا : أن يكون
اللفظ على قدر المعنى ولا يكون أطول منه ولا أقصر ، ولذلك قالوا : «خير الكلام ما
كانت ألفاظه قوالب لمعانيه» .
وعقد ابن
الأثير الحلبي بابا لمساواة اللفظ للمعنى وائتلافه وقسّمه الى عدّة أقسام ، وكانت
مساواة الألفاظ للمعاني من غير زيادة ولا نقص
__________________
أحد تلك الأقسام .
المستجلب :
إنجلب الشيء
واستجلب الشيء : طلب أن يجلب اليه .
المستجلب هو
لزوم ما لا يلزم في السجع ، قال الكلاعي وهو يتحدّث عن السجع : «ثم كثرت الصناعة
وتشذّذ فيها القالة فاستجلبوا فيها السجع الفائق واللفظ الرائق فلم يأتوا بـ «غفور»
مع «بصير» ولا وقفوا عند إتيانهم بـ «غفور» مع «شكور» وب «خبير» مع «بصير» بل
جاءوا بـ «غفور» مع «كفور» فضموا الفاء وحرف المد واللين والراء ، وجاءوا بخبير مع
«ثبير» و «عبير» و «صبير» وجاءوا بميد مع «غيد» و «جيد» ، وجاءوا بزيد مع «قيد» و
«أيد» وجاءوا بغمر مع «زمر» ولم يأتوا به مع «ثمر» وجاءوا بمقر مع «ثمر».
فراعوا شكل
الحرف المضمّن والتزموا من ذلك ما لا يلزم واستجلبوا منه ما ربما لم يأت في سياق
الكلام.
وكذلك لا يأتون
بقمر مع «عمر» في حال الخفض ويجمعون بينهما في حالي الرفع والنصب ، فاذا أدخلوا
على «قمر» الالف واللام وافقوا التنوين.
وكان أبو
العلاء يلتزم في أسجاعه ما لا يلزم كثيرا ولكنّه كان لا يراعي الإعراب ، ولاتفاق
الإعراب في السجع تأثير عظيم ويجب للكاتب إذا تخالف إعراب السجع أن يعلم عليه
علامة تدل القارىء على الوقوف عليه فيحسن حينئذ في النطق ويلذ في السمع» .
المستحيل :
أحلت الكلام
أحيله إحالة اذا أفسدته ، والكلام المستحيل : المحال ، وهو ما عدل به عن وجهه .
تحدّث قدامة عن
الاستحالة والتناقض وقال : «هما أن يذكر في الشعر شيء فيجمع بينه وبين المقابل له
من جهة واحدة» وقد تقدّم الكلام على الاستحالة.
وفرّق
البلاغيون بين المستحيل والممتنع فقال ابن سنان : «إنّ المستحيل هو الذي لا يمكن
وجوده ولا تصوّره في الوهم مثل كون الشيء أسود أبيض وطالعا نازلا فانّ هذا لا يمكن
وجوده ولا تصوّره في الوهم.
والممتنع هو
الذي يمكن تصوّره في الوهم وإن كان لا يمكن وجوده» .
المستعار :
هو اللفظ
المنقول في الاستعارة ، ففي قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ
الرَّأْسُ شَيْباً) المستعار هو الاشتعال.
والمستعار من
المصطلحات القديمة ، وقد تقدم في الاستعارة.
المستعار له :
هو الذي يستعار
له المعنى ، وهو ما يقابل المشبّه في التشبيه ، ففي قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) المستعار له هو الشيب وقد تقدّم في الاستعارة.
المستعار منه :
وهو الذي
تستعار منه صفة من الصفات ، وهو ما يقابل المشبّه به في التشبيه ففي قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) المستعار منه النار ،
__________________
وقد تقدم في الاستعارة.
المسخ :
المسخ : تحويل
صورة الى صورة أقبح منها ، يقال : مسخ يمسخه مسخا . والمسخ أحد أنواع السّرقات ، قال ابن الأثير : «وأمّا
المسخ فهو إحالة المعنى الى ما دونه مأخوذا ذلك من مسخ الآدميين قردة» وقال إنّ المسخ عيب في الكلام فاحش فما جاء منه قول
الشريف الرضي :
أحنّ الى ما
تضمر الخمر والحلى
|
|
وأصدف عمّا
في ضمان المآزر
|
وقال المتنبي :
إنّي على
شغفي بما في خمرها
|
|
لأعفّ عما في
سراويلاتها
|
«ألا ترى الى
هذا المسخ ما أقبحه وذلك لو تأخّر زمان المتنبي عن زمان الشريف الرضي ، وبمثل ذلك
يعرف التفاضل بين الشاعرين وبين الكلامين ، فقول الشريف على ما تراه من اللطافة
والحسن وقول أبي الطيب على ما تراه من الرداءة والقبح» .
وقال العلوي : «هو
إحالة المعنى الى ما هو دونه واشتقاقه من قولهم : مسخت هذه الصورة الآدمية الى
صورة القردة والخنازير فتارة تكون صورة الشعر حسنة فتنقل الى صورة قبيحة ، وهذا هو
الأصل في المسخ ، وتارة تكون الصورة فبيحة فتنقل الى صورة حسنة فهذان وجهان نذكر
ما يتوجّه منهما» .
الوجه الأوّل :
أن ينقل الأحسن من الشعر الى صورة قبيحة ، ومثاله قول ديك الجن :
بحق تعزيك
ومنك الهدى
|
|
مستخرج
والصبر مستقبل
|
تقول بالعقل
رأيت الذي
|
|
تأوي اليه
وبه تعقل
|
إذا عفا عنك
وأودى بنا الد
|
|
هر فذاك المحسن
المجمل
|
أخذه المتنبي
فأتى به على عكس صورته وقلب أعلاه أسفله :
إن يكن صبر
ذي الرزيئة فضلا
|
|
تكن الأفضل
الأعزّ الأجلا
|
أنت يا فوق
أن تعزّى عن الأ
|
|
حباب فوق
الذي يعزيك عقلا
|
وبالفاظك
اهتدى فاذا عزّا
|
|
ك قال الذي
قلت قبلا
|
فالبيت الأخير
هو الذي وقع فيه المسخ.
الوجه الثاني :
عكس هذا ، وهو أن ينقل من صورة قبيحة الى صورة حسنة وهو معدود في السرقات ، كقول
المتنبي :
لو كان ما
يعطيهم من قبل أن
|
|
يعطيهم لم
يعرفوا التأميلا
|
وقد أخذه ابن
نباتة السعدي فأجاد فيه فقال :
لم يبق جودك
لي شيئا أؤمله
|
|
تركتني أصحب
الدنيا بلا أمل
|
وسمّى القزويني
المسخ إغارة وقال : «وإن كان مع تغيير لنظمه أو كان المأخوذ بعض اللفظ سمّي إغارة
ومسخا» . وتبعه في ذلك شرّاح التلخيص .
__________________
المسند :
سند الى الشيء
يسند سنودا ، واستند وتساند وأسند غيره ، وما يسند اليه يسمّى مسندا ومسندا .
المسند هو
المحكوم به أو المخبر به ، ففي قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) أسندنا المحبة الى الله تعالى فهي مسند ولفظ الجلالة
مسند اليه.
ومواضع المسند
هي : الفعل التامّ كقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ) فـ (أَفْلَحَ) فعل تامّ وهو مسند و «المؤمنو» مسند اليه.
ومنه قول
المتنبي :
إذا ساء فعل
المرء ساءت ظنونه
|
|
وصدّق ما
يعتاده من توهّم
|
ف «ساء» فعل
تام وهو مسند و «فعل» مسند اليه.
واسم الفعل مثل
«مه» بمعنى اكفف و «هيهات» بمعنى بعد ، ومنه قول المتنبي :
هيهات عاق عن
العواد قواضب
|
|
كثر القتيل
بها وقلّ العاني
|
وخبر المبتدأ
كقوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ
زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) فـ (زِينَةُ) خبر وهي مسند.
والمبتدأ
المكتفي بمرفوعه وهو كلّ وصف اعتمد على استفهام أو نفي ورفع فاعلا ظاهرا أو ضميرا
منفصلا وتمّ الكلام به. مثل : «أقائم الرجلان؟» فـ «قائم» مبتدأ وهو مسند لأنّ «الرجلان»
فاعل له سدّ مسدّ الخبر. ومنه قوله تعالى : (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ
آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ) فـ (راغِبٌ) مبتدأ وهو المسند والضمير (أَنْتَ) فاعل سد مسدّ الخبر.
وما أصله خبر
المبتدأ وهو خبر كان وأخواتها كقوله تعالى : (وَكانَ اللهُ
عَلِيماً حَكِيماً).
وخبر «إنّ»
وأخواتها كقوله تعالى : (وَإِنَّ اللهَ رَبِّي
وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ).
والمفعول
الثاني لـ «ظن» واخواتها كقوله تعالى : (وَما أَظُنُّ
السَّاعَةَ قائِمَةً). والمفعول الثالث لـ «أرى» وأخواتها مثل : «أريتك العلم
نافعا».
والمصدر النائب
عن فعل الأمر كقوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ
إِحْساناً).
وقول قطريّ بن
الفجاءة :
فصبرا في
مجال الموت صبرا
|
|
فما نيل
الخلود بمستطاع
|
المسند إليه :
هو المحكوم
عليه أو المخبر عنه ، ففي قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ
الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها
هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ). أسند الوعد الى الله سبحانه وتعالى ، فلفظ الجلالة
مسند اليه ، والوعد مسند. ومواضع المسند اليه هي : الفاعل للفعل التامّ وشبهه ،
ومن الأوّل قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ
فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) فـ (أَمْرُ) مسند اليه لأنّه فاعل.
وشبه الفعل هو
مشتقّاته كاسم الفاعل والصفة المشبّهة كقول عمر بن أبي ربيعة :
وكم مالئ
عينيه من شيء غيره
|
|
إذا راح نحو
الجمرة البيض كالدّمى
|
ففي «مالئ»
ضمير مستتر فاعل وهو المسند اليه.
__________________
ومنه أمثلة
الصفة المشبّهة : «أنت القويّ جسمه» فكلمة «جسمه» فاعل للصفة «القوي» وهي مسند
اليه.
ونائب الفاعل
كقوله تعالى : (وَجُمِعَ الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ) ، فالشمس نائب فاعل وهي مسند اليه.
والمبتدأ الذي
له خبر كقوله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ
لَكَ مِنَ الْأُولى) ، الآخرة مسند اليه لأنها مبتدأ.
وما أصله
المبتدأ وهو : اسم كان وأخواتها كقوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ
أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ، وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ،
وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً). فـ (مُحَمَّدٌ) في الآية اسم كان وهو مسند اليه لأنّه في الأصل مبتدأ.
واسم إنّ
وأخواتها كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا
وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ). وهي مبتدأ في الاصل والمفعول الأول لـ «ظن» وأخواتها
كقوله تعالى : (وَما أَظُنُّ
السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها
مُنْقَلَباً) ، فـ (السَّاعَةَ) مسند اليه لأنّها مبتدأ في الاصل.
والمفعول
الثاني لـ «أرى» وأخواتها مثل : «أريتك العلم نافعا» فـ «العلم» مسند اليه وهو
المفعول الاول لـ «أرى» وأصله مبتدأ لأنّ الجملة «العلم نافع».
المشاركة :
شاركت فلانا :
صرت شريكه .
المشاركة أن
يأتي الشاعر بلفظة مشتركة بين معنيين اشتراكا أصليّا وعرفيا فيسبق ذهن السامع الى
المعنى الذي لم يقصده الشاعر فيأتي بعده بما يبين قصده . وهي الاشتراك وقد تقدّم.
المشاكلة :
الشكل : الشّبه
والمثل ، وقد تشاكل الشيئان وشاكل كل واحد منهما صاحبه .
وكان الفرّاء
قد تحدّث عن هذا النوع ولكنه لم يسمه ، وقال المتأخّرون : «هي أن تذكر الشيء بلفظ
غيره لوقوعه في صحبته» تحقيقا أو تقديرا. وقال الفرّاء في قوله تعالى : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا
عَلَى الظَّالِمِينَ) : «فإن قال قائل : أرأيت قوله : (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى
الظَّالِمِينَ) أعدوان هو وقد أباحه الله لهم؟ قلنا : ليس بعدوان في
المعنى إنّما هو لفظ على مثل ما سبق قبله ، ألا ترى انه قال : (فَمَنِ اعْتَدى
عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) فالعدوان من المشركين في اللفظ ظلم في المعنى والعدوان
الذي أباحه الله وأمر به المسلمين إنّما هو قصاص فلا يكون القصاص ظلما وإن كان
لفظه واحدا» . وهذا أحد أنواع المشاكلة وهو «تحقيقا» وأما تقديرا ففي
قوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) فـ (صِبْغَةَ) ههنا الختانة وقد أمر محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بذلك أسوة باختتان إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وهي في مقابل صبغة النصارى أولادهم بغمسهم في الماء.
فلفظ الصبغة لم يتقدم في الحقيقة وإنّما
__________________
تقدم معناه وهو الحالة المعروفة في النصارى عند الولادة .
وقد سمّى
المبرّد هذا النوع «المزج» ولعل أبا علي الفارسي كان أوّل من أطلق عليه اسم «المشاكلة»
. ولا نعرف قصد الرّماني بالمشاكلة ، وقد أشار الى ذلك ابن رشيق وهو يتحدّث
عن الجناس المضارع أو تجنيس المضارعة وقال : «وهذا النوع يسمّيه الرّماني المشاكلة
وهي عنده ضروب : هذا أحدهما وهي المشاكلة في اللفظ خاصة وأمّا المشاكلة في المعنى
فننبه عليها في أماكنها» .
ونظر التّبريزي
الى المشاكلة نظرة أخرى فقال : «والمشاكلة أن يجمع الشاعر في البيت كلمتين متجاورتين
أو غير متجاورتين شكلهما واحد ومعنياهما مختلفان» كقول أبي سعيد المخزومي :
حدق الآجال
آجال
|
|
والهوى للحرّ
قتّال
|
وهذا هو الجناس
ولكنّ السّكّاكي نظر اليها كنظرة الفرّاء وذكر أمثلته القرآنية والبيت المعروف :
قالوا اقترح
شيئا نجد لك طبخه
|
|
قلت اطبخوا
لي جبّة وقميصا
|
وتبعه في ذلك
ابن مالك والقزويني وشرّاح التلخيص وغيرهم .
وذكر المصري
كلام التّبريزي وأمثلته ولكنّه قال : «وعندي أنّ ما أنشده التّبريزي في هذا الباب
داخل في أحد قسمي التجنيس المماثل والذي ينبغي أن تفسّر به المشاكلة قولنا : إنّ الشاعر
يأتي بمعنى مشاكل لمعنى في شعر غير ذلك الشعر أو في شعر غيره بحيث يكون كل واحد
منهما وصفا أو نسبا أو غير ذلك من الفنون غير أنّ كل صورة أبرز المعنى فيها غير
الصورة الأخرى. فالمشاكلة بينهما من جهة الغرض الجامع لهما والتفرقة بينهما من جهة
صورتيهما اللفظية» .
وقد انفرد
المصري بهذا اللون لهذا الباب ، ومثال مشاكلة الشاعر نفسه قول امرىء القيس في وصف
الفرس :
وقد اغتدي
والطّير في وكناتها
|
|
بمنجرد قيد
الأوابد هيكل
|
وقوله في صفة
الفرس أيضا :
إذا ما جرى
شوطين وابتلّ عطفه
|
|
تقول هزيز
الريح مرّت بأثأب
|
فامرؤ القيس في
هذين البيتين قاصد وصف الفرس بشدة العدو غير أنّه أبرز المعنى الأوّل في صورة
الإرداف حيث قال : «قيد الأوابد» فجعله يدرك الوحش إدراك المطلق للمقيّد ، وأبرز
الثاني في صورتي وصف وتشبيه بغير أداة إذ شبّه عدوه بعد جريه شوطين وعرقه بهزيز
الريح تمر بهذا الشجر الذي يسمع للريح فيه هزيز كحفيف الفرس الحادّ إذا خرق الريح
بشدة عدوه. فكل معنى من هذين المعنيين مشاكل لصاحبه إذ الجامع بينهما وصف الفرس
بشدة العدو. غير أنّ قدرة الشاعر تلاعبت به فأبرزته في صور مختلفة فهذا ما شاكل
الشاعر فيه
__________________
نفسه.
وأما ما شاكل
فيه غيره فكقول جرير :
إن العيون
التي في طرفها حور
|
|
قتلننا ثمّ
لم يحيين قتلانا
|
يصرعن ذا
اللّبّ حتى لا حراك به
|
|
وهنّ أضعف
خلق الله إنسانا
|
وقول عدي بن
الرقاع :
وكأنّها بين
النساء أعارها
|
|
عينيه أحور
من جآذر جاسم
|
وسنان أقصده
النعاس فرنّقت
|
|
في عينه سنة
وليس بنائم
|
فالمشاكلة بين
الرجلين من جهة أنّ كلا منهما وصف العيون بالمرض والفتور فأبرز معناه في صورة غير
الصورة الاخرى بحسب قوة عارضته في السبك وحسن اختياره اللفظ وجودة ذهنه في الزيادة
والنقص في التفضيل بين هذين الشاعرين بحيث لا يسعه هذا المكان.
وذكر الزمخشري
المشاكلة وقال : «شهد رجل عند شريح فقال : «إنك لسبط الشهادة» فقال الرجل : «إنها
لم تجعد عني» فقال : «لله بلادك» وقبل شهادته.
فالذي سوّغ
بناء الجار وتجعيد الشهادة هو مراعاة المشاكلة ولو لا بناء الدار لم يصح بناء
الجار وسبوطة الشهادة لا متنع تجعيدها .
مشاكلة اللّفظ
للّفظ :
وهي قسمان :
المشاكلة بالثاني للأوّل كقوله تعالى : (وَامْسَحُوا
بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) على مذهب الجمهور وإنّ الجر للجوار ، وقوله تعالى : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ
وَالسَّماءَ رَفَعَها).
والمشاكلة
بالأوّل للثاني كما في قراءة إبراهيم بن أبي عبيلة : «الحمدِ لله» بكسر الدال .
مشاكلة اللّفظ
للمعنى :
مشاكلة اللفظ
للمعنى من أبواب عمود الشعر التي حدّدها القدماء قال المرزوقي : «وعيار مشاكلة
اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية طول الدّربة ودوام المدارسة» .
وقال الزركشي :
«ومتى كان اللفظ جزلا كان المعنى كذلك» ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى
عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ). ولم يقل من «طين» كما أخبر به سبحانه في غير موضع (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) ، إنما عدل من الطين الذي هو مجموع الماء والتراب الى
ذكر مجرد التراب لمعنى لطيف ، وذلك أنّه أدنى العنصرين وأكثفهما لما كان المقصود
مقابلة من ادّعى في المسبح الالهية أتى بما يصغر أمر خلقه عند من ادعى ذلك فلهذا
كان الإتيان بلفظ التراب أمسّ في المعنى من غيره من العناصر ولما أراد سبحانه
الامتنان على بني إسرائيل أخبرهم أن يخلق لهم من الطين كهيئة الطير تعظيما لأمر ما
يخلقه باذنه إذ كان المطلوب الاعتداد عليهم بخلقه ليعظموا قدر النعمة به.
ومنه قوله
تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ
دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ). فانه سبحانه إنما اقتصر على ذكر الماء دون بقية
العناصر لانه أتى بصيغة الاستغراق ، وليس في العناصر الاربع ما يعمّ
__________________
جميع المخلوقات إلا الماء ليدخل الحيوان البريّ فيها.
والمشاكلة بين
اللفظ والمعنى ضرورية في التعبير ، لأنّ لكل معنى لفظا يدلّ عليه في صورة من الصور
التي يريد الشاعر أو الكاتب أن يعبر عنها.
المشبّه
بالتّجنيس :
المشبّه
بالتجنيس هو الجناس الناقص ، وقد سمّاه كذلك ابن الأثير الحلبي وقال : «وأما
المشبّه بالتّجنيس فهو النوع المسمّى بالجناس الناقص» . وقسّمه الى ثمانية أقسام : جناس المغايرة ، وجناس
المماثلة ، وجناس التصحيف ، وجناس التحريف ، وجناس التصريف ، وجناس الترجيع ،
وجناس العكس ، وجناس التركيب.
وقسّم ابن قيّم
الجوزيّة الجناس الى حقيقي ومشبّه بالتجنيس ويريد بالحقيقي الجناس التامّ ، وبالثاني : المماثل
والمغاير والتصحيف والتحريف والتشكيل والعكس والتركيب والتصريف والترجيع. وقد
تقدّمت.
المشتقّ :
اشتقاق الشيء :
بنيانه من المرتجل ، واشتقاق الكلام : الأخذ فيه يمينا وشمالا ، واشتقاق الحرف من
الحرف : أخذه منه. والمشتق هو المأخوذ من مادة أخرى ، اشتق يشتق .
المشتق من
ابتداع العسكري ، فقد قال بعد أن فرغ من شرح أبواب البديع : «وقد عرض لي بعد نظم
هذه الأنواع نوع آخر لم يذكره أحد وسمّيته المشتقّ وهو على وجهين : فوجه منهما أن
يشتق اللفظ من اللفظ ، والآخر أن يشتق المعنى من اللفظ» . فاشتقاق اللفظ من اللفظ مثل قول الشاعر في رجل يقال له
ينخاب : «وكيف ينجح من نصف اسمه خابا» وقول العسكري نفسه في البانياس :
في البانياس
إذا أوطئت ساحتها
|
|
خوف وحيف
وإقلال وإقلاس
|
وكيف يطمع في
أمن وفي دعة
|
|
من حلّ في
بلد نصف اسمه ياس
|
واشتقاق المعنى
من اللفظ مثل قوله أبي العتاهية :
حلقت لحية
موسى باسمه
|
|
وبهارون إذا
ما قلبا
|
وقول ابن دريد
:
لو أوحي
النحو الى نفطويه
|
|
ما كان هذا
النحو يقرا عليه
|
أحرقه الله
بنصف اسمه
|
|
وصيّر الباقي
صراخا عليه
|
المشكل :
أشكل الأمر :
التبس .
المشكل نوع من السجع
، قال الكلاعي : «وسمّينا هذا النوع من السجع المشكل لأنّه يأتي متفق اللفظ مختلف
المعنى فربما أشكل. وكان المجيد قد عني بهذا النوع وشغف بهذا الفن. فمن ذلك خطبة أخبرني
الوزير الفقيه انه قال : الحمد لله مودع الأشياء بين الكاف والنون
المسبحة له البحار الزاخرة والنون . الواحد الذي لا تجد له ضريبا والمنزل من خلال المزن
ضريبا . الذي كشف الخطوب الكامنة
__________________
وأبان وأوضح لأوليائه طريق الهداية وأبان» .
المصالتة :
أصلت السيف :
جرّده من غمده .
المصالتة من
أنواع الأخذ والسرقات قال المطرّزي : «المصالتة هي أخذ البيت بأسره غصبا من غير
تغيير شيء منه ولا على سبيل رفو أو إلمام أو إشمام» وقال الصنعاني : «وهي قبيحة جدّا من كل وجه عند النقدة»
. كما فعل الصاحب بن عباد ببيت المتنبي :
لبسن الوشي
لا متجملات
|
|
ولكن كي يصنّ
به الجمالا
|
صالته فقال :
لبسن برود
الوشي لا لتجمل
|
|
ولكن لصون
الحسن بين برود
|
وكما فعل
المتنبي ببيت العباس بن الأحنف :
والنجم في
كبد السّماء كأنّه
|
|
أعمى تحيّر
ما لديه قائد
|
فقال :
ما بال هذي
النجوم حائرة
|
|
كأنها العمي
مالها قائد
|
وهذه مصالتة لا
سرقة وهي مذمومة عند النقدة.
المصرّع :
المصرّع أحد
أنواع السجع ، وهو توافق آخر المصراع الأوّل وعجز المصراع الثاني في الوزن والرويّ
والإعراب . وقد سمّى البلاغيون هذا اللون التصريع ، وقد تقدّم.
المصنوع :
صنعة يصنعه
صنعا فهو مصنوع وصنع : عمله .
المصنوع : هو
الكلام المنمّق والموشّح بأنواع البديع ، قال الكلاعي : «وسمّينا هذا النوع
المصنوع لأنّه نمق بالتصنيع ووشّح بأنواع البديع وحلّي بكثرة الفواصل والأسجاع ،
واستجلب له منها ما يلذ في القلوب ويحسن في الأسماع .
المضادّة :
الضدّ : كلّ
شيء ضادّ شيئا ليغلبه ، وقد ضادّه وهما متضادّان المضادّة نوع من التصدير أوردّ العجز على الصّدر ، وهذا
النوع من تسمية عبد الكريم ، وأنشد للفرزدق :
اصدر همومك
لا يغلبك واردها
|
|
فكلّ واردة
يوما لها صدر
|
المضارع :
المضارع :
المشبه ، والمضارعة : المشابهة ، والمضارعة للشيء : أن يضارعه كأنه مثله أو شبهه .
المضارع أحد
أنواع السجع ، قال الكلاعي : «وهذا النوع سمّيناه المضارع لأنّه تتشابه حروفه ولا
يتّفق آخرها فهو لا يخلص لباب السجع المنقاد ولا السجع المستجلب فهو كالفعل
المضارع الذي لم يخلص للحال ولا للاستقبال» وهو كقولهم : «صرّ» و «صلّ»
__________________
وقولهم : «طاب» و «طار» وقولهم : «النصر» و «النصل».
المضاعف :
أضعف الشيء
وضعفّه وضاعفه : زاد على أصل الشيء وجعله مثليه أو أكثر . سمّى العسكري هذا النوع المضاعف ، وسمّاه المصري التعليق وسمّاه الزنجاني الموجّه
وسمّاه السّكّاكي الاستتباع ، وهو الوصف بشيء يستتبع وصفا آخر من جنس الوصف الأوّل
مدحا كان أو ذمّا أو غير ذلك وقد تقدّم الاستتباع.
المضاعفة :
هو المضاعف أو
الاستتباع وقد عرّفه العسكري بقوله : «هو أن يتضمّن الكلام معنيين معنى مصرّح به
ومعنى كالمشار اليه» . وقد تقدّم.
المضاف :
المضاف نوع من
الجناس وذلك كقول البحتري :
أيا قمر
التّمام جنيت ظلما
|
|
عليّ تطاول
الليل التّمام
|
فجانس بقمر
التمام والليل التمام ، ومعنى التمام واحد في الأمرين ولو انفرد لم يعد تجنيسا
لأنّ أحدهما صار موصولا بالقمر والآخر بالليل فكانا كالمختلفين . وقد تقدّم في التجنيس والجناس.
المطابق :
طابق فلان
فلانا : اذا وافقه .
المطابق هو
التجنيس عند ثعلب ، وقد قال في تعريفه : «هو تكرير اللفظة بمعنيين مختلفين» كقوله تعالى : (وَيَأْتِيهِ
الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) ، وقوله : (وَتَرَى النَّاسَ
سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) وقول طرفة :
كريم يروّي
نفسه بحياته
|
|
ستعلم إن
متنا صدى أينا الصّدي
|
وقول الآخر :
سلام الله يا
مطر عليها
|
|
وليس عليك يا
مطر السّلام
|
ولكنّ الآتيين
تحتملان المطابقة أي فيهما طباق سلب في (الْمَوْتُ) و (ما هُوَ بِمَيِّتٍ) وفي (سُكارى) و (ما هُمْ بِسُكارى ،) أما البيتان ففيهما جناس أي مطابق. وتابعه قدامة فقال :
«فأما المطابق فهو ما يشترك في لفظة واحدة بعينها» كقول زياد الأعجم :
ونبئتهم
يستنصرون بكاهل
|
|
وللؤم فيهم
كاهل وسنام
|
المطابقة :
المطابقة هي
التّضادّ والتطبيق والتكافؤ والطباق ، وقد تقدّمت.
__________________
مطابقة الكلام
لمقتضى الحال :
عرف العرب
مطابقة الكلام لمقتضى الحال ، وأشار الحطيئة في قوله لعمر ابن الخطاب ـ رضياللهعنه ـ الى أنّ لكل مقام مقالا فقال :
تحنّن عليّ
هداك المليك
|
|
فانّ لكل
مقام مقالا
|
وانتبه الى ذلك
النحاة واللغويون ، فالخليل يومىء الى ما يفيد ذلك وينقل سيبويه عنه في باب «عدّة
ما يكون عليه الكلم» ويقول : «وأما «قد» فجواب لقوله «لما يفعل» فتقول : قد فعل.
وزعم الخليل أنّ هذا الكلام لقوم ينتظرون الخبر» . ودعا الجاحظ الى مطابقة الكلام لمقتضى الحال وكرّر ذلك
في كتبه ونقل قولهم : «ومن علم حقّ المعنى أن يكون الاسم له طبقا وتلك الحال له
وفقا ... ومدار الأمر على إفهام كل قوم بمقدار طاقتهم والحمل عليهم على أقدار
منازلهم» . ونقل عن صحيفة بشر بن المعتمر قوله : «ينبغي للمتكلّم
أن يعرف أقدار المعاني ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين وبين أقدار الحالات
فيجعل لك طبقة من ذلك كلاما ولكل حالة من ذلك مقاما حتى يقسم أقدار الكلام على
أقدار المعاني ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات وأقدار المستمعين على أقدار
تلك الحالات» .
وقال : «ولكل
مقام مقال ولكل صناعة شكل» .
وأقرب أقواله
الى هذا الباب قوله : «لكل ضرب من الحديث ضرب من اللفظ ولكل نوع من المعاني نوع من
الأسماء ، فالسخيف للسخيف ، والجزل للجزل والإفصاح في موضع الإفصاح ، والكناية في
موضع الكناية ، والاسترسال في موضع الاسترسال.
واذا كان موضع
الحديث على أنّه مضحك ومله وداخل في باب المزاح والطيب فاستعملت فيه الإعراب انقلب
عن جهته وإن كان في لفظه سخف وابدلت السخافة بالجزالة صار الحديث الذي وضع على أن
يسرّ النفوس يكربها ويأخذ باكظامها» .
وقال : «وقد
أصاب كل الصواب من قال : «لكلّ مقام مقال» .
وذكر العسكري
وغيره عبارة «لكلّ مقام مقال» ، وربط البلاغيون حسن الكلام وقبحه بانطباقه على مقتضى
الحال وغيره فقال السّكّاكي : «إنّ مدار حسن الكلام وقبحه على انطباق تركيبه على
مقتضى الحال وعلى لا انطباقه» . وعرّفوا البلاغة بأنّها «مطابقة الكلام لمقتضى الحال
مع فصاحته» .
__________________
ومقتضى الحال
مختلف ، فإنّ مقامات الكلام متفاوتة ، فمقام التنكير يباين مقام التعريف ، ومقام
الإطلاق يباين مقام التقييد ، ومقام التقديم يباين مقام التأخير ، ومقام الذكر
يباين مقام الحذف ، ومقام القصر يباين مقام خلافه ، ومقام الفصل يباين مقام الوصل
، ومقام الإيجاز يباين مقام الإطناب والمساواة ، وكذا خطاب الذكيّ يباين خطاب
الغبي. وانتهى القزويني الى أنّ «ارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول بمطابقته
للاعتبار المناسب ، وانحطاطه بعدم مطابقته له. فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب ،
وهذا أعني تطبيق الكلام على مقتضى الحال هو الذي يسميه الشيخ عبد القاهر بالنظم»
المطرّف :
طرّف الرجل حول
العسكر وحول القوم ، يقال :طرّف فلان إذا قاتل حول العسكر لأنّه يحمل على طرف منهم
فيردهم ، والمطرّف من الخيل : هو الأبيض الرأس والذنب وسائره يخالف ذلك .
المطرّف أحد
أنواع السجع ، ويراعى فيه الحرف الأخير في كلمتي قرينتيه من غير مراعاة الوزن» .
كقوله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ
وَقاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً). وقد تقدم في التجنيس والجناس.
المطلق :
أطلق الناقة من
عقالها وطلّقها فطلقت ، وناقة طلق وطلق : لا عقال عليها ، وأطلقه فهو مطلق وطليق .
والمطلق : ما
يدلّ على واحد غير معيّن .
المطلق نوع من
الجناس ، قال الصنعاني : «إنّه كثير لا يعتبر فيه التمام ولا النقصان» كقول جرير :
وما زال
معقولا عقال عن الندى
|
|
وما زال
محبوسا عن الخير حابس
|
وقوله تعالى : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) وقوله حكاية عن صاحبة سليمان : (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ) ، وقوله : (لِلَّذِينَ
أَحْسَنُوا الْحُسْنى). وقد تقدّم في التجنيس والجناس.
المطمع :
الطّمع : ضد
اليأس ، يقال : طمع فيه وبه طمعا ، والمطمع : ما طمع فيه . المطمع هو الإرصاد والتسهيم ، وسمّاه قدامة والعسكري
التوشيح ، وقيل إنّ الذي سمّاه تسهيما هو علي بن إبراهيم ، والمطمع تسمية ابن وكيع
، وقد قال ابن رشيق : «فأما تسميته المطمع فذلك لما فيه من سهولة الظاهر
وقلة التّكلّف فإذا حوول امتنع وبعد مراده» .
المعارضة :
عارض الشيء
بالشيء معارضة : قابله ، وعارضت كتابي بكتابه : أي قابلته ، وفلان يعارضني : أي
يباريني .
قال ابن وهب : «المعارضة
في الكلام المقابلة بين الكلامين المتساويين في اللفظ ، وأصله في معارضة السلعة
بالسلعة في القيمة والمبايعة. وإنّما
__________________
تستعمل المعارضة في التقية وفي مخاطبة من خيف شرّه فيرضى بظاهر القول
ويتخلّص في معناه من الكذب الصراح» . ومن المعارضة قوله تعالى على لسان مؤذّن يوسف : عليهالسلام ـ : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ
إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) وهم لم يسرقوا الصواع وإنما عنى سرقتهم إياه من أبيه.
وللمعارضة معنى
آخر وهو أن يعارض أحدهم صاحبه في خطبة أو شعر فيجاريه في لفظه ويباريه في معناه ،
وقد عرفت المعارضة منذ الجاهلية» .
وتحدّث
الصنعاني عن المعارضة في فصل الاستعانة وقال : «اعلم أنّ المعارضة ليست من هذا
النمط بشيء ولا تعتبر في المعارضة بالمعاني وإنما العبرة باللفظ في الفصاحة
والبلاغة بأنواعها ، فلو كان المعارض يأخذ معنى ما يعارض فيه ويكسوه ألفاظا من
عنده ويستعين ببعض ألفاظه لكان هذا احتذاء وسرقة ولم يكن معارضة ، ولكان يظهر
للناس سقوط المعارض وخذلانه وافتضاحه» . ومن ذلك ما قاله امرؤ القيس :
خليليّ مرّا
بي على أم جندب
|
|
لنقضي حاجات
الفؤاد المعذّب
|
وما قاله علقمة
في معارضته :
ذهبت من
الهجران في كل مذهب
|
|
ولم يك حقا
كلّ هذا التّجنّب
|
فتباين معناهما
لأنّه وصف الهجران الذي هو نقيض الوصال ، وعدّ مع ذلك معارضا لأنّه لما كان ما أتى
به مثلا لما أتى به امرؤ القيس في الفصاحة.
ومن ذلك نقائض
جرير والفرزدق وهي معروفة مشهورة ، وقصائدهم في المعارضات كثيرة.
والمعارضة
والمناقضة عند ابن منقذ : «أن يناقض الشاعر كلامه أو يعارض بعضه بعضا» . كما قال خفاف :
إذا انتكث
الخيل ألفيته
|
|
صبور الجنان
رزينا خفيفا
|
قيل : إنّه
أراد رزينا من جهة العقل وخفيفا ، ويقال : إنّه أراد رزينا في نفسه.
وقال أبو نواس
:
لما بدا ثعلب
الصدود لنا
|
|
أرسلت كلب
الوصل في طلبه
|
فجاء يسعى به
معلّقه
|
|
وقد لوى رأسه
الى ذنبه
|
المعاظلة :
عاظل معاظلة :
لزم بعضه بعضا ، وتعاظلت الجراد : إذا تداخلت ، ويقال : تعاظلت السباع وتشابكت ،
وعاظل الشاعر في القافية عظالا : ضمّن. وروي عن عمر بن الخطاب ـ رضياللهعنه ـ أنّه قال لقوم من العرب : أشعر شعرائكم من لم يعاظل
الكلام ولم يتتبّع حوشيه ، أي لم يحمل بعضه على بعض ولم يتكلم بالرجيع من القول
ولم يكرر اللفظ والمعنى
المعاظلة من
عيوب اللفظ عند قدامة وهي التي وصف عمر بن الخطاب ـ رضياللهعنه ـ زهيرا بمجانبته لها فقال : «كان لا يعاظل بين الكلام».
ولا يريد عمر مداخلة بعض الكلام فيما يشبهه من بعض أو فيما كان من جنسه وإنما أنكر
أن يدخل بعضه فيما ليس من جنسه وما هو غير لائق به. قال قدامة : «وما أعرف ذلك إلا
فاحش الاستعارة» كقول أوس بن حجر :
__________________
وذات هدم عار
نواشرها
|
|
تصمت بالماء
تولبا جدعا
|
فسمّى الصبي
تولبا وهو ولد الحمار.
ومنه قول جبيهاء
الأسدي :
وما رقد
الولدان حتى رأيته
|
|
على البكر
يمريه بساق وحافر
|
فسمّى رجل
الإنسان حافرا.
وقد تحدّث عبد
القاهر عن هذا النوع في الاستعارة غير المفيدة ، وقال : إنّ الاستعارة ليست من
جانب اللفظ ولكنها من جهة المعنى الذي يفيد فائدة خاصة .
وقال الآمدي : «وقد
فسّر أهل العلم هذا من قول عمر وذكروا معنى المعاظلة وهي مداخلة الكلام بعضه في
بعض وركوب بعضه لبعض» . وردّ كلام قدامة وقال إنّ الامثلة التي ذكرها ليست من
المعاظلة ، وذكر بعض أنواع المعاظلة في شعر أبي تمّام من ذلك
قوله :
خان الصفاء
أخ خان الزمان أخا
|
|
عنه فلم
يتخوّن جسمه الكمد
|
وقوله :
يا يوم شرّد
يوم لهوي لهوه
|
|
بصبابتي
وأذلّ عزّ تجلّدي
|
وقوله :
يوم أفاض جوى
أغاض تغزّيا
|
|
خاض الهوى
بحري حجاه المزبد
|
وقال العسكري
إنّ المعاظلة «من سوء النظم» وردّ كلام قدامة بقوله : «وهذا غلط من قدامة كبير ؛
لأنّ المعاظلة في أصل الكلام إنّما هي ركوب الشيء بعضه بعضا وسمّي الكلام به إذا
لم ينضد نضدا مستويا وأركب بعض ألفاظه رقاب بعض وتداخلت أجزاؤه تشبيها بتعاظل
الكلاب والجراد ، وتسمية القدم بحافر ليست بمداخلة كلام في كلام وإنّما هو بعد في
الاستعارة» .
وذكر ابن رشيق
للمعاظلة عدة معان فالعظال في القوافي التضمين في رأي الخليل ، والمعاظلة سوء
الاستعارة في رأي قدامة ، والمعاظلة تداخل الحروف وتراكبها ، والمعاظلة تركيب
الشيء في غير موضعه .
وقسّم ابن
الأثير المعاظلة الى نوعين :
الأوّل :
المعاظلة اللفظية ، وهي خمسة أقسام : قسم يختص بأدوات الكلام نحو «من» و «الى» وعن»
و «على» فان ما يسهل النطق به إذا ورد مع أخواته ، ومنها ما لا يسهل بل يرد ثقيلا
على اللسان ، ومن ذلك قول أبي تمّام :
الى خالد
راحت بنا أرحبية
|
|
مرافقها من
عن كراكرها نكب
|
وقسم يختص
بتكرير الحروف ، ومن ذلك قولهم :
__________________
وقبر حرب
بمكان قفر
|
|
وليس قرب قبر
حرب قبر
|
وقول الحريري
وازورّ من
كان له زائرا
|
|
وعاف عافي
العرف عرفانه
|
وقسم أن ترد
ألفاظ على صيغة الفعل يتبع بعضها بعضا ، كقول بعضهم :
بالنار فرّقت
الحوادث بيننا
|
|
وبها نذرت
أعود أقتل روحي
|
وقسم يتضمّن
مضافات كثيرة كقولهم :
حمامة جرعا
حومة الجندل اسجعي
|
|
فأنت بمرأى
من سعاد ومسمع
|
وقسم ترد صفات
متعدّدة على نحو واحد كقول المتنبي :
دان بعيد
محبّ بهج
|
|
أعزّ حلو
ليّن شرس
|
الثاني :
المعاظلة المعنوية وهي أن يقدّم ما الأولى به التأخير لأنّ المعنى يختل بذلك
ويضطرب. فالمعاظلة المعنوية كتقديم الصفة أو ما يتعلق بها على الموصوف ، وتقديم الصلة
على الموصول وغير ذلك. ومن ذلك قول الشاعر :
فقد والشك
بيّن لي عناء
|
|
بوشك فراقهم
صرد يصيح
|
وقول الآخر :
فأصبحت بعد
خطّ بهجتها
|
|
كأنّ قفرا
رسومها قلما
|
ومن ذلك قول
الفرزدق :
الى ملك ما
أمّه من محارب
|
|
أبوه ولا
كانت كليب تصاهره
|
وقوله :
وما مثله في
الناس إلا مملّكا
|
|
أبو أمه حيّ
أبوه يقاربه
|
المعاني :
معنى كلّ شيء :
محنته وحاله التي يصير اليها أمره ، والمعنى والتفسير والتأويل واحد ، وعنيت
بالقول كذا :أردت. ومعنى كل كلام ومعناته مقصده .
علم المعاني من
المصطلحات التي أطلقها البلاغيون على مباحث بلاغية تتّصل بالجملة وما يطرأ عليها
من تقديم وتأخير ، أو ذكر وحدف ، أو تعريف وتنكير ، أو قصر وخلافه ، أو فصل ووصل ،
أو إيجاز وإطناب ومساواة.
وليس في كتب
البلاغة الأولى إشارة الى هذا العلم ، ولا نعرف أحدا استعمله قبل السّكّاكي بمعناه
المعروف. وكان الأوائل يستعملون مصطلح «المعاني» في دراساتهم القرآنية والشعرية
فيقولون «معاني القرآن» أو «معاني الشعر» ويتّخذون من ذلك أسماء لكتبهم. ولعلّ
عبارة «معاني النحو» التي وردت في المناظرة التي جرت بين الحسن بن عبد الله بن
المرزبان المعروف بأبي سعيد السيرافي وأبي بشر متّى بن يونس في مجلس الوزير أبي
الفتح بن جعفر بن الفرات ، كانت أقدم الإشارات الى هذا المصطلح بمعناه القريب من
البلاغة .
وعقد ابن فارس
في كتابه «الصاحبي» بابا سماه «معاني الكلام» وهي عند أهل العلم عشرة : خبر واستخبار ، وأمر ونهي ،
ودعاء وطلب ، وعرض وتحضيض ، وتمن وتعجب. وبذلك يكون ابن فارس
__________________
أوّل من أطلق «معاني الكلام» على مباحث الخبر والإنشاء التي أصبحت أهم
أبواب علم المعاني.
وكان لنظرية
النظم أثر كبير في ظهور هذا اللون من الدراسات ، وللنحاة العرب يد طولى في دراسة
الكلام وتحليله والوقوف عند الجملة وما يطرأ عليها من تقديم وتأخير أو ذكر وحذف.
ولعل سيبويه كان من أقدم الذين وقفوا عند هذه الجوانب ودرسها بعمق في فصول كتابه
الشهير. ولكنّ سيبويه والنحاة لم يسمّوا هذه البحوث نظما وإنّما هي قواعد تسير
عليها العرب في كلامها أو إنشائها. واذا أردنا أن نتلمس فكرة النظم فينبغي أن
نتلمسها في كتب أخرى ، وأقدم إشارة عثرنا عليها عبارة ابن المقفّع التي أشار فيها
الى صياغة الكلام ، قال : «فاذا خرج الناس من أن يكون لهم عمل وأن يقولوا قولا
بديعا فليعلم الواصفون المخبرون أنّ أحدهم وإن أحسن وأبلغ ليس زائدا على أن يكون
كصاحب فصوص وجد ياقوتا وزبرجدا ومرجانا فنظمه قلائد وسموطا وأكاليل ووضع كل فصّ موضعه
وجمع الى كل لون شبهه مما يزيده بذلك حسنا فسمي بذلك صائغا رقيقا ، وكصاغة الذهب
والفضة صنعوا فيها ما يعجب الناس من الحلي والآنية ، وكالنحل وجدت ثمرات أخرجها
الله طيبة وسلكت سبلا جعلها الله ذللا فصار ذلك شفاء وطعاما وشرابا منسوبا إليها
مذكورا به أمرها وصنعتها. فمن جرى على لسانه كلام يستحسنه أو يستحسن منه فلا يعجبن
به إعجاب المخترع المبتدع ، فانه إنما اجتباه كما وصفنا» .
وأخذ البلاغيون
معنى هذا الكلام وأداروه في كتاباتهم من غير أن يشيروا الى ابن المقفّع ، فقال
الجاحظ : «فإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير» وتحدّث عن النظم في كتبه وسمّى أحدها «نظم القرآن».
وكان لمسألة إعجاز القرآن الكريم أثر في بلورة فكرة النظم ، فقد ذهب قوم من
المتكلّمين إلى أنّ وجه الإعجاز هو ما اشتمل عليه كتاب الله العزيز من النّظم
الغريب المخالف لنظم العرب ونثرهم في مطالعه ومقاطعه وفواصله. وممن تحدثوا عن
النظم أبو عبد الله محمد بن يزيد الواسطي وأبو سليمان حمد بن محمّد بن إبراهيم
الخطابي وأبو الحسن علي بن عيسى الرّمّاني وأبو بكر محمّد ابن الطيب الباقلّاني
والقاضي عبد الجبار الأسد آبادي. وكان لكلامهم أثر في هذه الدراسة التي بلغت نضجها
على يدي عبد القاهر الذي أطال الكلام عليها وسمّى موضوعات علم المعاني : «معاني
النحو» أو النظم ، وهو عنده تعليق الكلام بعضه ببعض وجعل بعضه بسبب من بعض ، أو هو «توخي معاني النحو». وتعدّ دراسته لموضوعات
النظم في كتابه «دلائل الإعجاز» من أنضج الدراسات الأسلوبية. وحينما قسّم
السّكّاكي البلاغة الى علومها المعروفة أطلق مصطلح «علم المعاني» على الموضوعات
التي سمّاها عبد القاهر نظما ، وهو مصطلح ليس جديدا من حيث الاسم ولكنه جديد من
حيث الدّلالة. وكان الزمخشري والرازي والمطرّزي قد ردّدوا هذا المصطلح ، ولكنهم لم يحدّدوه أو يضعوا له منهجا واضحا ، وبذلك
كان السّكّاكي أوّل من استخدم هذا المصطلح للدلالة على بعض موضوعات البلاغة.
وأخذ البلاغيون
بهذا المنهج وعرّف القزويني علم المعاني بأنّه «علم يعرف به أحوال اللفظ العربي
التي بها يطابق مقتضى الحال» وحصر علم المعاني في ثمانية أبواب :
الأوّل : أحوال
الإسناد الخبري.
__________________
الثاني : أحوال
المسند اليه.
الثالث : أحوال
المسند.
الرابع : أحوال
متعلّقات الفعل.
الخامس :
القصر.
السادس :
الإنشاء.
السابع : الفصل
والوصل.
الثامن :
الإيجاز والإطناب.
ووجه الحصر أن
الكلام إمّا خبر أو انشاء ؛ لأنّه إما أن يكون لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه ،
أو لا يكون لها خارج ، الأوّل الخبر والثاني الإنشاء. ثم الخبر لا بدّ له من إسناد
ومسند اليه ومسند ، وأحوال هذه الثلاثة هي الأبواب الثلاثة الأولى. ثم المسند قد
يكون له متعلّقات إذا كان فعلا أو متصلا به أو في معناه كاسم الفاعل ونحوه ، وهذا
هو الباب الرابع. ثم الإسناد والتعلق كل واحد منهما يكون إما بقصر أو بغير قصر ،
وهذا هو الباب الخامس. والإنشاء هو الباب السادس. ثم الجملة إذا قرنت بأخرى فتكون
الثانية إما معطوفة على الأولى أو غير معطوفة ، وهذا هو الباب السابع. ولفظ الكلام
البليغ إما زائد على أصل المراد لفائدة أو غير زائد عليه ، وهذا هو الباب الثامن.
وسيطر هذا
المنهج على البلاغيين وظلت كتبهم تقسّم علم المعاني هذا التقسيم ، ولم يخرج عنه معظم المتأخّرين والمحدثين.
المعقّد :
العقد : نقيض
الحل ، عقده يعقده عقدا ، وعقدة اللسان : ما غلظ منه ، وعقّد كلامه : أعوصه وعمّاه
، وكلام معقّد : أي مغمّض .
المعقّد هو
الكلام الذي يحتاج الى جهد في تقريب المعنى ، وقد وصف البحتري بأنّه يعطي المعاني
الدقيقة تسهيلا وتقريبا ويردّ الغريب الى المألوف القريب.
وقد علّل عبد
القاهر ذمّ المعقّد بقوله : «والمعقّد من الشعر والكلام لم يذمّ لأنّه مما تقع
حاجة فيه الى الفكر على الجملة بل لأنّ صاحبه يعثر فكرك في متصرّفه ويشيك طريقك
الى المعنى ويوعر مذهبك نحوه بل ربما قسّم فكرك وشعّب ظنك حتى لا تدري من أين
تتوصّل وكيف تطلب» ، وقد تقدّم الكلام على التعقيد.
المعمّى :
عمي عليه الأمر
: التبس ، والتعمية أن تعمّي على الإنسان شيئا فتلبسه عليه تلبيسا ، وعمّيت معنى
البيت تعمية ومنه المعمّى من الشعر .
المعمّى هو
الأحجية واللغز ، قال السبكي عن اللغز : «ويسمّى الأحجية والمعمّى وهو قريب من
التورية وأمثلته لا تكاد تنحصر ، وفيه مصنّفات للناس» .
معنى المعنى :
فرّق عبد
القاهر بين المعنى ومعنى المعنى أي المعنى الأول والمعنى الثاني وقال : «تعني
بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ والذي تصل اليه بغير واسطة ، وبمعنى المعنى أن تعقل
من اللفظ معنى ثم يفضي بك ذلك المعنى الى معنى آخر» .
ولا يتوصّل الى
معنى المعنى إلّا عن طريق صور البيان ولذلك قال عبد القاهر : «وضرب آخر أنت لا
__________________
تصل منه الى الغرض بدلالة اللفظ وحده ولكن يدلّك اللفظ على معناه الذي
يقتضيه موضوعه في اللغة ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها الى الغرض» . ومدار هذا الأمر على الكناية والاستعارة والتمثيل.
وتحدّث الرازي
والقرطاجني عن ذلك ، ومعنى هذا أنّ التفاوت لا يقع في المعاني
الأول وإنما في المعاني الثواني أو في «معنى المعنى» وهذا أساس الإبداع.
المغالطة :
الغلط : كل شيء
يعيا الإنسان عن جهة صوابه من غير تعمد ، وقد غالطه مغالطة ، والمغلطة والأغلوطة :
الكلام الذي يغلط فيه ويغالط به .
المغالطة من
تسمية عبد القاهر وسمّاها السّكّاكي «الأسلوب الحكيم» وذكرها السّيوطي باسم مجاوبة
المخاطب بغير ما يترقّب ، وهو من خلاف مقتضى الظاهر .
وعقد ابن
الأثير بابا في المغالطات المعنوية وقال : «وهذا النوع من أحلى ما استعمل من
الكلام وألطفه لما فيه من التورية. وحقيقته أن يذكر معنى من المعاني له مثل في شيء
آخر ونقيض ، والنقيض أحسن موقعا وألطف مأخذا» . وقال : «إنّ المغالطة هي التي تطلق ويراد بها شيئان
أحدهما دلالة اللفظ على معنيين بالاشتراك الوصفي والآخر دلالة اللفظ على المعنى
ونقيضه» .
وقال ابن قيّم
الجوزيّة : «المغالطة ذكر الشيء وما يتوهّم مقابلا له وليس كذلك» ، وسمّى الزركشي التورية مغالطة ، قال : «وتسمّى
الإيهام والتخييل والمغالطة والتوجيه ، وهي أن يتكلّم المتكلّم بلفظ مشترك بين
معنيين قريب وبعيد ويريد المعنى البعيد ويوهم السامع أنّه أراد القريب» . وليست هذه المغالطة وإنّما هي التورية ، ولكنّ العلوي
أدخلها في التورية وعدّها المغالطة المعنوية وهي الضرب الأوّل ، أما الضرب الثاني
فهو الإلغاز والأحجية وقد تقدّم الإلغاز والأحجية.
المغالطة
المعنويّة :
قال العلوي : «اعلم
أنّ المغالطة المعنوية هي أن تكون اللفظة الواحدة دالة على معنيين على جهة
الاشتراك فيكونان مرادين بالنية دون اللفظ ، وذلك لأنّ الوضع في اللفظة المشتركة
أن تكون دالة على معنيين فصاعدا على جهة البدلية هذا هو الأصل في وضع اللفظ
المشترك ، فاذا كان المعنيان مرادين عند إطلاقها فإنما هو بالقصد دون اللفظ.
والتفرقة بين المغالطة والإلغاز هو أنّ المغالطة كما ذكرنا إنما تكون بالألفاظ
المشتركة وهي دالة على أحدهما على جهة البدلية وضعا ، وقد يرادان جميعا بالقصد
والنية بخلاف الإلغاز فانّه ليس دالا على معنيين بطريق الاشتراك ولكنه دالّ على
معنى من جهة لفظه وعلى المعنى الآخر من جهة الحدس لا بطريق اللفظ فافترقا بما
ذكرناه» .
ومثالها قول
المتنبي :
يشلّهم بكلّ
أقبّ نهد
|
|
لفارسه على
الخيل الخيار
|
__________________
وكل أصمّ
يعسل جانباه
|
|
على الكعبين
منه دم ممار
|
يغادر كلّ
ملتفت اليه
|
|
ولبّته
لثعلبه وجار
|
فالثعلب هو
الحيوان المعروف ، والثعلب هو طرف سنان الرمح مما يلي الصّعدة فلما اتفق الاسمان
حسن لا محالة ذكر الوجار. ولما كان الوجار يصلح لهما جميعا فاللبة وجار ثعلب
السنان وهو بمنزلة جحر الثعلب أيضا.
وهذا ما ذكره
ابن الأثير في «المغالطات المعنوية» التي عقد لها بابا وللاحاجي بابا آخر ، وهو ما ذكره
العلوي في باب التورية.
المغايرة :
هي التّغاير
والتّلطّف ، وقد تقدّما.
المغصّن :
غصّن العنقود
وأغصن : كبر حبّه شيئا ، والغصن :ما تشعّب عن ساق الشجرة دقاقها وغلاظها ، والغصنة
: الشعبة الصغيرة منه .
المغصّن نوع من
السجع ، قال الكلاعي : «وسمّينا هذا النّوع المغصّن لأنّه ذو فروع وأغصان. وقلما
يستعلمه إلّا المحدّثون من أهل عصرنا ، وهو نحو قولي : «وقد يكون من النعم
والإحسان وما يصدر من الفم واللسان ومن النعماء والمعروف ما يسر بالأسماء والحروف».
فقابلت سجعتين بسجعتين كل سجعة موافقة لصاحبتها» . وقد يقابل في هذا الفصل ثلاث بثلاث وأربع بأربع وخمس
بخمس وست بست وسبع بسبع.
المفاضلة :
قال السجلماسي
: هو ما فضل فيه المعنى على اللفظ» وأدخل فيه الاختزال والتضمين.
المفصّل :
فصّلت الوشاح
إذا كان نظمه مفصّلا بأن يجعل بين كل لؤلؤتين مرجانة أو شذرة أو جوهرة تفصل بين كل
اثنتين من لون واحد .
قال الكلاعي : «وسمّينا
هذا النوع من البيان المفصّل لأنّه فصّل فيه المنظوم بالمنثور فجاء كالوشاح
المفصّل» . ونظير ذلك قول أبي محمد المهلبي : «رأيته فصيح الاشارة
لطيف العبارة» :
إذا اختصر
المعنى فشربة حائم
|
|
وإن رام
إسهابا أتى الفيض بالمدّ
|
«قد نظرته
فرأيته جسما معتدلا وفهما مشتعلا» :
ونفسا تفيض
كفيض الغمام
|
|
وظرفا يناسب
صفو المدام
|
المقابلة :
قابل الشيء
بالشيء مقابلة وقبالا : عارضه ، والمقابلة : المواجهة والتقابل مثله .
قال أبو الفرج
الأصفهاني علي بن الحسين القرشيّ : سألت جعفر بن قدامة الكاتب وكان من
__________________
جهابذة الشعر عن المقابلة فقال : سألت أبي عنها فقال : «هو أن يضع الشاعر
معاني يعتمد التوفيق بين بعضها وبعض أو المخالفة فيأتي بالموافق مع ما يوافقه وفي
المخالف بما يخالفه على الصحة أو يشترط شروطا ويعدّد أحوالا في أحد المعنيين فيجب
أن يأتي بما يوافقه بمثل الذي شرط فيما يخالفه بأضداد ذلك. قال فقلت له : فانشدني
أحسن ما قيل فيه فقال :
لا أعرف أحسن
من قول الأوّل :
أيا عجبا كيف
اتّفقنا فناصح
|
|
وفيّ ومطويّ
على الغلّ غادر
|
فجعل بازاء «ناصح»
: مطويا على الغل ، وبازاء «وفيّ» : غادرا .
وتكلّم عليها
قدامة وهي عنده من أنواع المعاني ، قال : «ومن أنواع المعاني وأجناسها أيضا صحّة
المقابلات وهي أن يصنع الشاعر معاني يريد التوفيق بين بعضها وبعض أو المخالفة
فيأتي في الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف على الصحة أو يشرط شروطا ويعدّد
أحوالا في أحد المعنيين فيجب أن يأتي فيما يوافقه بمثل الذي شرطه وعدّده وفيما
يخالف بأضداد ذلك كما قال بعضهم :
فواعجبا كيف
اتفقنا فناصح
|
|
وفيّ ومطويّ
على الغلّ غادر
|
فقد أتي بإزاء
كل ما وصفه من نفسه بما يضاده على الحقيقة ممن عاتبه حيث قال بازاء «ناصح» : مطوي
على الغل ، وبازاء «وفيّ» : غادر» .
وقال قدامة عن
تصحيح المقابلة إنّها «أن يؤتي بمعان» يراد التوفيق بينهما وبين معان أخرى في
المضادة فيؤتى في الموافقة بالموافقة وفي المضادة بالمضادة» .
وقال العسكري :
«المقابلة إيراد الكلام ثم مقابلته بمثله في المعنى واللفظ على جهة الموافقة أو
المخالفة» .
وقال
الباقلّاني : «المقابلة هي أن يوفّق بين معان ونظائرها والمضاد بضده» . وعقد لها ابن رشيق بابا غير باب المطابقة وقال : «وأصلها
ترتيب الكلام على ما يجب فيعطى أول الكلام ما يليق به أوّلا وآخره ما يليق به آخرا
ويأتي في الموافق بما يوافقه وفي المخالف بما يخالفه. واكثر ما تجيء المقابلة في
الأضداد فإذا جاوز الطباق ضدين كان مقابلة» .
وقال التبريزي
: المقابلة أن يأتي الشاعر في الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف» .
وقال البغدادي
: «وأمّا المقابلة فهي أن يضع الشاعر معاني يريد التوفيق بينها فيأتي في الموافق
بما يوافق وفي المخالف بما يخالف على الصحّة أو يشترط شروطا في أحد المعنيين فيأتي
بما يوافقه بمثل الذي شرطه وفيما يخالفه بأضداد ذلك» . وقال الرازي : «المقابلة هي أن تجمع بين شيئين
متوافقين بين ضدّيهما ثم اذا شرطتهما بشرط وجب أن تشرط ضدّيهما بضد ذلك الشرط» .
ونقل السّكّاكي
تعريف الرازي وأدخلها في المحسّنات المعنوية بعد أن فصلها عن
المطابقة.
ووضعها
الصنعاني بين التقسيم والمطابقة وقال : «وأصلها ترتيب الكلام على ما يجب وأن يؤتى
من الموافق ما يوافقه وفي المخالف بما يخالفه ، وأكثر
__________________
ما تكون المقابلة في الأضداد فاذا جاوزت المطابقة ضدين كانت مقابلة» .
وقال ابن شيث
القرشي : «المقابلة هي أن يتساوى اللفظان في الكلام المضبوط بالسجعتين ويكون
الثاني ضدّ الأول مع التكافؤ في اللفظ» .
وأدخلها جماعة
في المطابقة كابن الأثير الذي قال : «اعلم أنّ الأليق من حيث المعنى أن يسمّى هذا
النوع المقابلة» . والقزويني الذي قال : «ودخل في المطابقة ما يخصّ باسم
المقابلة وهو أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو معان متوافقة ثم بما يقابلهما أو
يقابلها على الترتيب» . وجمع ابن الأثير الحلبي بين المطابقة والمقابلة في باب
واحد وإن عرّف كلا منهما تعريفا مستقلّا ، قال : «وحدّ الطباق : ذكر الشيء وضده ،
وقيل : هو اشتراك المعنيين في لفظ واحد ، وقيل : هو مساواة المقدار من غير زيادة
ولا نقص ، والكل قريب من قريب» . وقال : «فأما حدّ المقابلة : فهو أن تكون اللفظة
مقابلة لأختها ومعناها مختلف» .
وقال الحلبي
والنّويري : «والمطابقة أن تجمع بين ضدين مختلفين كالإيراد والإصدار ، والليل
والنهار ، والسواد والبياض» ، وقالا عن المقابلة : «وهي أعمّ من الطّباق وذكر بعضهم
أنّها أخصّ ، وذلك أن تضع معاني تريد الموافقة بينها وبين غيرها أو المخالفة فتأتي
في الموافق بما وافق ، وفي المخالف بما خالف ، أو تشرط شروطا وتعد أحوالا في أحد
المعنيين فيجب أن تأتي في الثاني بمثل ما شرطت وعددت» .
وقال الحموي
رادّا كلام من ذهب الى أنّ الفنين لون واحد : «وهو غير صحيح فإنّ المقابلة أعمّ من
المطابقة ، وهي التنظير بين شيئين فأكثر وبين ما يخالف وما يوافق. فبقولنا : «وما
يوافق» صارت المقابلة أعمّ من المطابقة فانّ التنظير بين ما يوافق ليس بمطابقة» .
وفرّق
البلاغيون بين اللونين من وجهين :
الأول : أنّ
الطباق لا يكون إلّا ضدّين غالبا كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي
أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، والمقابلة تكون غالبا بالجمع من أربعة أضداد : ضدين
في أصل الكلام وضدين في عجزه وتبلغ الى الجمع من عشرة أضداد خمسة في الصدر وخمسة
في العجز.
الثاني : لا
يكون الطباق إلّا بالأضداد ، والمقابلة تكون بالأضداد وغيرها وتأتي المقابلة على أنواع :
الأوّل :
مقابلة اثنين باثنين كقوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا
قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) وقول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلّا زانه ولا ينزع من شيء
إلّا شانه» وقول النابغة الجعدي :
فتى تمّ فيه
ما يسرّ صديقه
|
|
على أنّ فيه
ما يسوء الأعاديا
|
__________________
الثاني :
مقابلة ثلاثة بثلاثة كقوله تعالى : (وَيُحِلُّ لَهُمُ
الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) وقول أبي دلامة :
ما أحسن
الدين والدنيا إذا اجتمعا
|
|
وأقبح الكفر
والإفلاس بالرجل
|
وقول المتنبي :
فلا الجود
يفني المال والجدّ مقبل
|
|
ولا البخل
يبقي المال والجدّ مدبر
|
الثالث :
مقابلة أربعة بأربعة كقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى
وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى. وَأَمَّا مَنْ
بَخِلَ وَاسْتَغْنى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) ، وقول الشاعر :
يا أمّة كان
قبح الجور يسخطها
|
|
دهرا فأصبح
حسن العدل يرضيها
|
الرابع :
مقابلة خمسة بخمسة كقول الشاعر :
بواطئ فوق
خدّ الصّبح مشتهر
|
|
وطائر تحت
ذيل الليل مكتتم
|
وقول المتنبي :
أزورهم وسواد
الليل يشفع لي
|
|
وأنثني وبياض
الصّبح يغري بي
|
ولم يدخل
القزويني هذا البيت في هذا النوع لأنّ اللام والباء فيهما صلتا الفعلين فهما من
تمامهما .
الخامس :
مقابلة ستة بستة مثل قول الشاعر :
على رأس عبد
تاج عزّ يزينه
|
|
وفي رجل حرّ
قيد ذلّ يشينه
|
قال الصفدي : «هذا
أبلغ ما يمكن أن ينظم في هذا المعنى فإنّ أكثر ما عدّ الناس في باب المقابلة بيت
أبي الطيب لأنّه قابل فيه بين خمسة وهذا قابل فيه بين ستة» .
هذه أقسام
المقابلة المعروفة ، وقسّمها العسكري الى مقابلة في المعنى وهو مقابلة الفعل
بالفعل كقوله تعالى : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ
خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) فخواء بيوتهم وخرابها بالعذاب مقابلة لظلمهم ، ومقابلة
بالالفاظ كقول عديّ ابن الرقاع :
ولقد ثنيت يد
الفتاة وسادة
|
|
لي جاعلا
إحدى يديّ وسادها
|
وقول عمرو بن
كلثوم :
ورثناهنّ عن
آباء صدق
|
|
ونورثها إذا
متنا بنينا
|
وقد تأتي
المقابلة باللفظ والمعنى كما في قول الشاعر :
ومن لو أراه
صاديا لسقيته
|
|
ومن لو رآني
صاديا لسقاني
|
ومن لو أراه
عانيا لفديته
|
|
ومن لو رآني
عانيا لفداني
|
وذكر ابن رشيق
نوعا من المقابلة سمّاها «مقابلة الاستحقاق» وقال : «لكنّ قدامة لم يبال بالتقديم
والتأخير في هذا الباب وأنشد للطّرمّاح :
أسرناهم
وأنعمنا عليهم
|
|
وأسقينا
دماءهم الترابا
|
فما صبروا
لبأس عند حرب
|
|
ولا أدّوا
لحسن يد ثوابا
|
فقدّم ذكر
الأنعام على المأسورين وأخّر ذكر القتل في البيت الأول وأتى في البيت الثاني بعكس
الترتيب وذلك أنّه قدّم ذكر الصبر عند بأس الحرب وأخّر ذكر الثواب على حسن اليد ،
اللهم إلا أن يريد بقوله : «فما صبروا لبأس عند حرب» القوم المأسورين إذ لم
يقاتلوا
__________________
حتى يقتلوا دون الأسر واعطاء اليد ، فانّ المقابلة حينئذ تصحّ وتترتب على
ما شرطنا وهذه عندهم تسمى «مقابلة الاستحقاق» ويقرب منها قول أبي الطيب :
رجلاه في
الركض رجل واليدان يد
|
|
وفعله ما
تريد الكفّ والقدم
|
لأنّ الكفّ من
اليد بمنزلة القدم من الرجل فبينهما مناسبة وليست مضادة ولو طلبت المضادة لكان
الرأس أو الناصية أولى» .
وقسّمها ابن قيّم
الجوزية الى مقابلة لفظية ومعنوية وقسّمها الزركشي الى ثلاثة أقسام : نظيري ونقيضي وخلافي
، ومثال المقابلة النظيرين مقابلة السنة والنوم في قوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) لأنهما جميعا من باب الرقاد المقابل باليقظة.
ومثال مقابلة النقيضين
قوله تعالى : (وَتَحْسَبُهُمْ
أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) ، ومثال مقابلة الخلافين قوله تعالى : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ
بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً). قال المدني : «وهذا تقسيم غريب قلّ من ذكره ، ولعل قائله
تفرد به» وقسّم بعضهم المقابلة الى أربعة أنواع .
الأوّل : أن
يأتي بكل واحد من المقدّمات مع قرينه من الثواني كقوله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً
وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً).
الثاني : أن
يأتي بجميع الثواني مرتّبة من أوّلها كقوله تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ
جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ
فَضْلِهِ).
الثالث : أن
يأتي بجمع المقدّمات ثم بجمع الثواني مرتّبة من آخرها ويسمّى ردّ العجز على الصدر
كقوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ
وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ
بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. وَأَمَّا
الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
الرابع : أن
يأتي بجميع المقدّمات ثم بجميع الثواني مختلطة غير مرتّبة ويسمّى اللّف كقوله
تعالى : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى
يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ
نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) فنسبة قوله :(مَتى نَصْرُ اللهِ) الى قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) كنسبة قوله : (يَقُولَ الرَّسُولُ) الى (إِنَّ نَصْرَ اللهِ
قَرِيبٌ) لأنّ القولين المتباينين يصدران عن متباينين.
والمقابلة اذا
استعملت في موضعها كانت بديعة كما ظهر في الأمثلة السابقة ، وهي والمطابقة تزيد
المعنى وضوحا ، اما اذا استعملت في غير موضعها كانت فاسدة نابية ، وقد أشار قدامة
الى ذلك وتكلّم على فساد المقابلات وقال : «ومن عيوب المعاني فساد المقابلات وهو
أن يضع الشاعر معنى يريد أن يقابله بآخر إما على جهة الموافقة أو المخالفة فيكون
أحد المعنيين لا يخالف الآخر ولا يوافقه ، مثل ذلك قول أبي عدي القرشي :
يا ابن خير
الأخيار من عبد شمس
|
|
أنت زين
الدنيا وغوث الجنود
|
فليس قوله : «وغيث
الجنود» موافقا لقوله : «زين الدنيا» ولا مضادا ، وذلك عيب» . وقال العسكري : «وفساد المقابلة أن تذكر معنى تقتضي
الحال ذكرها بموافقة أو مخالفة فيؤتى بما لا يوافق ولا يخالف مثل أن يقال «فلان شديد
البأس نقي الثغر» أو «جواد الكلف أبيض الثوب» أو تقول : «ما صاحبت
__________________
خيّرا ولا فاسقا» و «ما جاءني أحمر ولا أسمر». ووجه الكلام أن نقول : «ما
جاءني أحمر ولا أسود» و «ما صاحبت خيّرا ولا شريرا» و «فلان شديد البأس عظيم
النكاية وجواد الكف كثير العرف» وما يجري مع ذلك لأنّ السمرة لا تخالف السواد غاية
المخالفة ، ونقاء الثغر لا يخالف شدة البأس ولا يوافقه» .
وقال القرطاجني
: «وإنما تكون المقابلة في الكلام بالتوفيق بين المعاني التي يطابق بعضها بعضا
والجمع بين المعنيين اللذين تكون بينهما نسبة تقتضي لأحدهما أن يذكر مع الآخر من
جهة ما بينهما من تباين أو تقارب على صفة من الوضع تلائم بها عبارة أحد المعنيين
عبارة الآخر كما لاءم كلا المعنيين في ذلك صاحبه» .
المقارنة :
قارن الشيء
الشيء مقارنة وقرانا : اقترن به وصاحبه ، واقترن الشيء بغيره وقارنته قرانا :
صاحبته ، وقرنت الشيء بالشيء : وصلته .
المقارنة من
مبتدعات المصري ، قال هو «أن يقرن الشاعر الاستعارة بالتشبيه أو المبالغة أو غير
ذلك من المعاني في كلامه بوصل يخفى أثره ويدقّ موضعه إلّا عن الحاذق المدمن النظر
في هذه الصناعة» . وفرّق بين هذا النوع والإبداع فقال : «المقارنة وهو أن
يقترن بديعان في كلمة من الكلام والفرق بين هذا الباب وباب الإبداع ، أنّ الإبداع
عبارة عن الإتيان ببديعين فصاعدا في الكلمة المفردة من غير اقتران» . ومن المقارنة قوله تعالى : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى
ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) فإنّ هذه الآية الكريمة اقترن فيها التنكيت بتجنيس
التغاير ، أمّا التنكيت ففي قوله تعالى : (عَلى ظُهُورِهِمْ) والنكتة في ترجيح الحمل على الظهور دون الرؤوس كون
الظهور أقوى للحمل فأشار سبحانه الى ثقل الأوزار ، والتجنيس بين (أَوْزارَهُمْ) و (يَزِرُونَ) لأنّ الأولى اسم والثانية فعل. وأكثر ما يقع ذلك بالجمل
الشرطية كقول ادريس بن اليمان من شعراء المغرب :
وكنت إذا
استنزلت من جانب الرضى
|
|
نزلت نزول
الغيث في البلد المحل
|
وإن هيّج
الأعداء منك حفيظة
|
|
وقعت وقوع
النار في الحطب الجزل
|
فان هذا الشاعر
لاءم بين الاستعارة في صدر البيت الأول والتشبيه في عجز البيت. ومن المقارنة ما
يقرنه الشاعر من شعر غيره بشعره وهو عكس الإبداع والاستعانة ، لأنّ الشاعر في هذين
البابين يقدّم شعر نفسه على شعر غيره وفي المقارنة يقدّم شعر غيره على نفسه ، كما
قال الرشيد هارون للمجاز يوما أجز : «الملك لله وحده» فقال المجاز : «وللخليفة
بعده» ، «وللمحب إذا ما حبيبه بات عنده» .
ومن المقارنة
ما يقرنه الشاعر من شعر نفسه فيكون في فن فاذا قرن البيت بآخر صار من فن غيره ،
ومن ذلك قول بعضهم :
له حقّ وليس
عليه حقّ
|
|
ومهما قال
فالحسن الجميل
|
وقد كان
الرسول يرى حقوقا
|
|
عليه لغيره
وهو الرّسول
|
فإنّ البيت
الأوّل مدح محض ، فلما اقترن بالثاني صار
__________________
هجوا بحتا.
ونقل الحلبي
والنّويري تعريف المصري للمقارنة وأمثلته .
المقاسمة :
تقسّموا الشيء
واقتسموه وتقاسموه : قسموه بينهم ، وقاسمته المال : أخذت منه قسمك وأخذ قسمه .
والمقاسمة هي
التضادّ والتطبيق والتكافؤ والمطابقة ، والسّيوطي هو الذي ذكر هذا المصطلح فقال عن
الطباق : «ويقال لهذا النوع أيضا التضادّ والمقاسمة والتكافؤ» .
المقاطع والمطالع
:
مقطع كل شيء
ومنقطعة : آخره حيث ينقطع كمقاطع الرمال والأودية والحرّة وما أشبهها.
ومقاطيع
الأودية : مآخيرها ، ومنقطع كل شيء :حيث ينتهي اليه طرفه.
المطلع :
الطلوع ، يقال طلعت الشمس طلوعا ومطلعا ومطلعا
قال ابن رشيق :
«اختلف أهل المعرفة في المقاطع والمطالع ، فقال بعضهم : هي الفصول والوصول بعينها.
فالمقاطع آخر الفصول ، والمطالع : أوائل الوصول. وهذا القول هو الظاهر من فحوى
الكلام.
والفصل آخر جزء
من القسيم الأوّل وهي العروض أيضا ، والوصل أول جزء يليه من القسيم الثاني.
وقال غيرهم :
المقاطع منقطع الأبيات وهي القوافي ، والمطالع : أوائل الأبيات وقال قدامة بن جعفر
في بعض تآليفه وقد ذكر الترصيع : «هو ان يتوخّى تصيير مقاطع الأجزاء في البيت على
سجع أو شبيه به أو من جنس واحد في التصريف» ... فأشار بهذه العبارة الى أنّ
المقاطع أواخر أجزاء البيت كما ترى ...
ومن الناس من
يزعم أنّ المطلع والمقطع أول القصيدة وآخرها ، وليس ذلك بشيء لأنّا نجد في كلام
جهابذة النقّاد إذا وصفوا قصيدة قالو : «حسنة المقاطع جيدة المطالع» ولا يقولون :
المقطع والمطلع.
وفي هذا دليل
واضح لأنّ القصيدة إنّما لها أول واحد وآخر واحد ولا يكون لها أوائل واواخر ...
وسألت الشيخ
أبا عبد الله محمّد بن إبراهيم بن السمين عن هذا فقال : «المقاطع أواخر الأبيات
والمطالع أوائلها» قال : ومعنى قولهم : «حسن المقاطع جيد المطالع» أن يكون مقطع
البيت ـ وهو القافية ـ متمكّنا غير قلق ولا متعلّق بغيره ، فهذا هو حسنة ، والمطلع
وهو أول البيت جودته أن يكون دالا على ما بعده كالتصدير وما شاكله.
وروى الجاحظ أنّ شبيب بن شيبة كان يقول : «الناس موكّلون بتفضيل
جودة الابتداء وبمدح صاحبه ، وأنا موكّل بتفضيل جودة المقطع وبمدح صاحبه ، وحظّ
جودة القافية ـ وإن كانت كلمة واحدة ـ أرفع من حظ سائر البيت او القصيدة ...
وحكاية الجاحظ
هذه تدلّ على أنّ المقطع آخر البيت أو القصيدة وهو بالبيت أليق لذكر حظ القافية.
وحكى أيضا عن
صديق له أنّه قال للعتابي : ما البلاغة؟ فقال : كل كلام أفهمك صاحبه حاجته من غير
إعادة ولا حبسة ولا استعانة فهو بليغ. قال : قلت :
قد عرفت
الإعادة والحبسة وما الاستعانة؟ قال : أما تراه إذا تحدّث قال عند مقاطع كلامه :
يا هناه ، اسمع مني ، واستمع إليّ ، وافهم ، وأ لست تفهم؟ هذا كله عيّ
__________________
وفساد.
وهذا القول من
العتابي يدلّ على أنّ المقاطع أواخر الفصول ، ومثله ما حكاه الجاحظ أيضا عن
المأمون أنّه قال لسعيد بن أسلم : «والله إنّك لتصغي لحديثي وتقف عند مقاطع كلامي».
واذا جعل
المقطع والمطلع مصدرين بمعنى القطع والطلوع كانت الطاء واللام مفتوحتين ، واذا
أريد موضع القطع والطلوع كسرت اللام خاصة وهو مسموع على غير قياس» .
مقتضى الحال :
وهو أن يكون
الكلام مطابقا للحالة التي يتحدّث عنها ومناسبا للموقف الذي يتحدّث فيه. وقد اهتم
العرب بذلك منذ القديم ، فقال الحطيئة :
تحنّن عليّ
هداك المليك
|
|
فانّ لكل
مقام مقالا
|
وتحدّث عنه
النحاة والبلاغيون وقالوا إنّ خير الكلام ما كان مطابقا لمقتضى الحال ، وقالوا إنّ
لكل مقام مقالا ، إلى غير ذلك من الأقوال التي تقدّمت في «مطابقة
الكلام لمقتضى الحال».
مقتضى الظّاهر
:
وهو أن يكون
الكلام مطابقا للواقع أو أن تؤدّي الجمل والعبارات المعنى الذي تحمله الألفاظ أي
ليس فيها تأويل وتوجيه غير ما تدلّ عليه الكلمات او الكلام في الظاهر . وقد يخرج الكلام على ذلك فيقال إنّه خرج على مقتضى
الظاهر ، ومن ذلك الالتفات والقلب والأسلوب الحكيم وغيرها ، ولها في هذا المعجم
موادّ.
المقصّر :
قصر الشيء يقصر
قصرا : خلاف طال. قصّرته تقصيرا : اذا صيرته قصيرا ، وقصر عن الأمر يقصر قصورا
وأقصر وقصّر وتقاصر .
المقصّر هو
الكلام الذي لا ينبئك بمعناه عند سماعك إياه ويحوجك الى شرح ، كقول الحارث بن حلزة :
والعيش خير
في ظلا
|
|
ل النّوك ممن
رام كدّا
|
أراد : والعيش
الناعم خير في ظلال النوك من العيش الشاق في ظلال العقل ، «وليس يدلّ لحن كلامه
على هذا فهو من الإيجاز المقصّر» .
المقلوب :
القلب : تحويل
الشيء عن وجهه ، قلبه يقلبه قلبا .
عقد ابن قتيبة
بابا للمقلوب وهو يأتي على أشكال متعدّدة ، فمن ذلك أن يوصف الشيء بضد صفته للتطيّر والتفاؤل
كقولهم للدّيغ : «سليم» تطيّرا من السقم وتفاؤلا بالسلامة ، وللعطشان : «ناهل» أي :
سينهل. وللمبالغة في الوصف كقولهم للشمس : «جونة» لشدة ضوئها. وللاستهزاء كقوله
تعالى على لسان قوم شعيب : (إِنَّكَ لَأَنْتَ
الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ).
ومن ذلك ما
يسمّى المتضادّان باسم واحد والأصل واحد فيقال للصبح «صريم» ولليل «صريم» قال
تعالى :
__________________
(فَأَصْبَحَتْ
كَالصَّرِيمِ) أي سوداء كالليل ؛ لأنّ الليل ينصرم عن النهار والنهار
ينصرم عن الليل.
ويقال للظلمة «سدفة»
وللضوء «سدفة» وأصل السدفة : السترة ، فكأن الظلام إذا أقبل ستر للضوء ، والضوء
إذا أقبل ستر للظلام.
ومن المقلوب أن
يقدّم ما يوضحه التأخير ويؤخّر ما يوضحه التقديم كقوله تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ
وَعْدِهِ رُسُلَهُ). أي : مخلف رسله وعده ، لأنّ الإخلاف قد يقع بالوعد كما
يقع بالرسل فتقول : أخلفت الوعد وأخلفت الرسل.
ومن المقلوب ما
قلب على الغلط كقول عبيد الله بن قيس الرقيات :
أسلمته في
دمشق كما
|
|
أسلمت وحشية
وهقا
|
أراد : كما
أسلم وحشية وهق ، فقلب على الغلط.
وأجاز المبرّد
القلب إذا لم يدخل الكلام لبس ، قال : «رفعت لناري» من المقلوب إنّما أراد : «رفعت
له ناري» والكلام إذا لم يدخله لبس جاز القلب للاختصار» ، ولم يجوّزه الآمدي دائما قال : «وإنما كان يصدر عن
العرب على سبيل السهو ولا يسوّغه متأخّر ، ومنه ما هو حسن وقد جاء مثله في القرآن»
.
وأشار قدامة
إلى نوع من المقلوب في عيوب ائتلاف المعنى والوزن قال : «ومنها المقلوب وهو أن
يضطرّ الوزن الشعري الى إحالة المعنى فيقلبه الشاعر الى خلاف ما قصد» كقول عروة بن الورد :
فلو أنّى
شهدت أبا سعاد
|
|
غداة غدا
بمهجته يفوق
|
فديت بنفسه
نفسي ومالي
|
|
وما آلوك إلا
ما أطيق
|
أراد أن يقول :
«فديت نفسه بنفسي» فقلب المعنى.
وللقلب معان
أخرى تقدّمت في مادّة «القلب».
مقلوب البعض :
هو أن يكون في
الكلام كلمتان أو أكثر يكون فيهما تقديم أو تأخير في بعض الحروف بحيث لا يشمل ذلك
الاختلاف الحروف كلها مثل : «رقيب» و «قريب» و «شاعر» و «شارع» ومنه قول أبي فراس
:
فعندي خصب
روّاد
|
|
وعندي ريّ
ورّاد
|
مقلوب الكلّ :
سمّاه بعضهم
المقلوب المستوى وعرّفه الحريري في مقاماته بما لا يستحيل بالانعكاس وهو أن يكون
الكلام بحيث إذا قلبته أي ابتدأت به من حرفه الأوّل كان اياه كقوله تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ) وقوله :(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) وقول الأرجاني :
مودّته تدوم
لكل هول
|
|
وهل كلّ
مودّته تدوم
|
المقلوب
المجنّح :
المقلوب
المجنّح هو مقلوب الكل ولكنّهم يحتفظون بالكلمتين اللتين تقع فيهما هاتان الصنعتان
__________________
فيضعون واحدة منها في أوّل البيت والأخرى في نهايته. ويسمّى أحيانا «المقلوب
المعطّف». ومثاله :
ساق هذا
الشاعر الجب
|
|
ن الى من
قلبه قاس
|
سار حيّ
القوم فال
|
|
همّ علينا
جبل راس
|
المقلوب
المستوي :
هو أن يقع قلب
الكل في كلمتين أو أكثر ، أي : إذا قلبت الجملة او المصراع أو البيت كان كل واحد
من هذه الثلاثة متفّق الأصل مع مقلوبه مثل قوله تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ) وقوله : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ). وقد تقدم في مقلوب الكل .
الملاءمة :
تلأم القوم
والتأموا : اجتمعوا واتفقوا وتلاءم الشيئان إذا اجتمعا واتّصلا. ولاءمت بين
الفريقين إذا اصلحت بينهما ، ولاءمت بين القوم ملاءمة : أذا أصلحت وجمعت واذا اتفق
الشيئان فقد التأما. ولاءمني الأمر : وافقني .
قال الحلبي
والنّويري : «فالملاءمة تأليف الألفاظ الموافية بعضها لبعض على ضرب من الاعتدال» كقول لبيد :
وما المرء
إلا كالشهاب وضوؤه
|
|
يعود رمادا
بعد إذ هو ساطع
|
وما المال
والأهلون إلا ودائع
|
|
ولا بدّ يوما
أن تردّ الودائع
|
ثم قالا : «وبعضهم
يعدّ التلفيق من باب الملاءمة ، وهو أن يضمّ الى ذكر الشيء ما يليق به ويجري مجراه
أي يجمع الأمور المتناسبة ويقال له «مراعاة النظير».
الملخّص :
لخّصت الشيء :
اذا استقصيت في بيانه وشرحه وتحبيره ، يقال : لخّص لي خبرك أي بيّنه لي شيئا بعد
شيء. ولخصت القول : اقتصرت فيه واختصرت منه ما يحتاج اليه .
الملخّص من
الشعر والكلام هو الذي يكون واضحا بيّنا ، وهو خلاف المعقّد قال عبد القاهر : «وأما
الملخّص فيفتح لفكرتك الطريق المستوي ويمهّده وإن كان فيه تعاطف أقام عليه المنار
وأوقد فيه
الأنوار حتى
تسلكه سلوك المتبين لوجهته وتقطعه قطع الواثق بالنجح في طيته فترد الشريعة زرقاء
والروضة غناء فتنال الري وتقطف الزهر الجني. وهل شيء أحلى من الفكرة إذا استمرت
وصادفت نهجا مستقيما ومذهبا قويما وطريقة تنقاد ، وتبيّنت لها الغاية فيما ترتاد» .
الملكة :
الملك : ما
ملكت اليد من مال وخول ، والملكة :ملكك .
الملكة هي صفة
راسخة في النفس ، وتحقيقه أنّه تحصل للنفس هيئة بسبب فعل من الأفعال ، ويقال
__________________
لتلك الهيئة كيفية نفسانية ، وتسمّى حالة ما دامت سريعة الزوال ، فاذا
تكرّرت ومارستها النفس حتى رسخت تلك الكيفية فيها وصارت بطيئة الزوال فتصير ملكة ،
وبالقياس الى ذلك الفعل عادة وخلقا .
قال القزويني
عن فصاحة المتكلّم إنّها «ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح» .
وشرحها بقوله :
«فالملكة قسم من مقولة الكيف التي هي هيئة قارّة لا تقتضي قسمة ولا نسبة وهو مختصّ
بذوات الأنفس راسخ في موضوعه ، وقيل : «ملكة» حتّى لا يكون المعبّر عن مقصوده بلفظ
فصيح فصيحا إلّا إذا كانت الصفة التي اقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح
راسخة فيه. وقيل : «يقتدر بها» ولم يقل : «يعبر بها» ليشمل حالتي النطق وعدمه.
وقيل : «بلفظ فصيح» ليعم المفرد والمركّب».
ولم يخرج
البلاغيون عما رسمه القزويني وكل ما فعلوه هو شرح عباراته
المماتنة :
المماتنة :
المباعدة في الغاية ، وسير مماتن : بعيد ، وسار سيرا مماتنا ، أي بعيدا. ويقال :
ماتن فلان فلانا إذا عارضه في جدل أو خصومة .
قال المظفر
العلوي : «أمّا المماتنة فهي تنازع الشاعرين بينهما بيتا يقول أحدهما صدره والآخر
عجزه» .
المماثل :
هو المجانس
المماثل ، قال الآمدي : «وقد رأيت قوما من البغداديين يسمّون هذا النوع المجانس المماثل
ويلحقون به الكلمة إذا ترددت وتكررت نحو قول جرير :
تزوّد مثل
زاد أبيك فينا
|
|
فنعم الزاد
زاد أبيك زادا
|
وبابه قليل» .
وقال ابن سنان
: «وبعض البغداديين يسمّي تساوي اللفظيتين في الصفة مع اختلاف المعنى ، المماثل» .
وقد سمّى قدامة
هذا النوع المطابق وقال : «فأمّا المطابق فهو ما يشترك في لفظة واحدة بعينها» .
وسمّاه ابن
رشيق المماثلة ، وفعل مثله المتأخّرون وربطوا هذا الفن بالجناس أو
الموازنة .
المماثلة :
مثل : كلمة
تسوية يقال : هذا مثله ومثله ، والفرق بين المماثلة والمساواة أنّ المساواة تكون
بين المختلفين في الجنس والمتفقين لأنّ التساوي هو التكافؤ في المقدار لا يزيد ولا
ينقص ، وأمّا المماثلة فلا تكون إلا في المتفقين .
سمّى قدامة
المماثلة تمثيلا وهو من نعوت ائتلاف اللفظ والمعنى ، قال : «هو أن يريد الشاعر
إشارة الى معنى فيضع كلاما يدلّ على معنى آخر ، وذلك المعنى والكلام منبئان عما
أراد أن يشير اليه» ، كقول
__________________
الرماح بن ميادة :
ألم تك في
يمنى يديك جعلتني
|
|
فلا تجعلنّي
بعدها في شمالكا
|
ولو أنّني
أذنبت ما كنت هالكا
|
|
على خصلة من
صالحات خصالكا
|
وسمّاها أبو
أحمد العسكري «المماثلة» ، قال عبد القاهر وهو يتحدّث عن قولهم : «إنّك تقدّم رجلا
وتؤخّر أخرى» : «وذكر أبو أحمد العسكري أنّ هذا النحو من الكلام يسمّى المماثلة ،
وهذه التسمية توهم أنّه شيء غير المراد بالمثل والتمثيل وليس الأمر كذلك» .
وأخذ أبو هلال
العسكري من خاله هذه التسمية وقال : «المماثلة أن يريد المتكلّم العبارة عن معنى
فيأتي بلفظة تكون موضوعة لمعنى آخر إلا أنّه ينبىء إذا أورده عن المعنى المراد» ، وذكر بيتي ابن ميادة : «ألم تك ...» ، وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إياكم وخضراء الدمن» وقولهم : «فلان نقيّ الثوب»
ويتضح أنّ المماثلة عنده المثل أو ما يقرب من الكناية ، وقد قال الباقلاني إنّها «ضرب
من الاستعارة سمّاه قدامة التمثيل وهو على العكس من الإرداف مبني على الاسهاب
والبسط وهو مبني على الايجاز والجمع ، وذلك أن يقصد الإشارة الى معنى فيضع ألفاظا
تدل عليه ، وذلك المعنى بألفاظه مثال للمعنى الذي قصد الإشارة اليه» ، ومثل له بقولهم : «أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى»
وقوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) ، وقول الحارثي :
بني عمّنا لا
تذكروا الشعر بعد ما
|
|
دفنتم بصحراء
الغمير القوافيا
|
والآية الكريمة
والبيت من شواهد الكناية لا الاستعارة.
وتابع التبريزي
الباقلّاني وقال : «المماثلة ضرب من الاستعارة» ونقل البغدادي تعريفه .
وأدخلها ابن
رشيق في التجنيس وقال : «التّجنيس ضروب كثيرة منها المماثلة وهي أن تكون اللفظة
واحدة باختلاف المعنى» . وهذا ما ذكره الآمدي وابن سنان . وفسّرها المصري تفسيرا آخر فقال : «هو أن تتماثل ألفاظ
الكلام أو بعضها في الزنة دون التقفية» كقوله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا
الطَّارِقُ. النَّجْمُ الثَّاقِبُ. إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ). فالطارق والثاقب وحافظ متماثلات في الزنة دون التقفية.
وقد تأتي بعض
ألفاظ المماثلة مقفاة من غير تصد ؛ لأنّ التقفية في هذا الباب غير لازمة كقول
امرىء القيس :
فتور القيام
قطوع الكلام
|
|
تفترّ عن ذي
غروب خصر
|
كأنّ المدام
وصوب الغمام
|
|
وريح الخزامى
ونشر القطر
|
يعلّ بها برد
أنيابها
|
|
إذا غرّد
الطائر المستحر
|
وتابعه ابن
مالك فقال : «المماثلة أن يتعدّد أو يوجد في البيت أو نحوه مماثلة في الوزن
والتقفية أو في الوزن فقط بين كلمتين متلاقيتين أو متوازيتين» ، ومثل له بقوله تعالى : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ
بِمَنْ فِي السَّماواتِ
__________________
وَالْأَرْضِ
وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) ، وقول الشاعر :
معتّقة
مصفّفة غفار
|
|
شآمية إذا
مزجت مروح
|
وقول أبي تمام
:
مها الوحش
إلا أنّ هاتا أوانس
|
|
قنا الخط
إلّا أنّ تلك ذوابل
|
وقال البحتري :
فأحجم لما لم
يجد فيك مطمعا
|
|
وأقدم لما لم
يجد عنك مهربا
|
ونقل الحموي
تعريف ابن مالك وأمثلته ، وفعل مثله المدني .
وأدخلها
القزويني في الموازنة وقال : «فإن كان ما في إحدى القرينتين من الألفاظ أو أكثر ما
فيها مثل ما يقابله من الأخرى في الوزن خص باسم المماثلة» كقول تعالى : (وَآتَيْناهُمَا
الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ ، وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، ومثل قول أبي تمام : «مها الوحش ...» وبيت البحتري : «فأحجم
...» وتابعه في ذلك شرّاح التلخيص وغيرهم . وقال المدني : «والفرق بين المماثلة والمناسبة اللفظية
توالي الألفاظ المتّزنة في المماثلة دون المناسبة. ولا يخفى أنّ هذا النوع ـ أعني
المماثلة ـ ليس تحته كبير أمر ، لكنه لمّا كان أمرا زائدا على ما خلا عنه من
الكلام عدّ من البديع» .
والمماثلة عند
السجلماسي هي التمثيل قال : «المماثلة وهو المدعوّة أيضا التمثيل ... وحقيقتها
التخييل والتمثيل للشيء بشيء له اليه نسبة وفيه منه إشارة وشبهة. والعبارة عنه به
وذلك أن يقصد الدلالة على معنى فيضع ألفاظا تدلّ على معنى آخر ، ذلك المعنى
بألفاظه مثال للمعنى الذي قصد الدلالة عليه» .
الممتنع :
المنع : أن
تحول بين الرجل وبين الشيء الذي يريده ، يقال : منعه يمنعه منعا ومنّعه فامتنع
وتمنع .
قال ابن سنان :
«الممتنع هو الذي يمكن تصوّره في الوهم وإن كان لا يمكن وجوده مثل أن يتصوّر تركيب
بعض أعضاء الحيوان من نوع في نوع آخر منه كما يتصوّر يد أسد في جسم انسان ، فانّ
هذا وإن كان لا يمكن وجوده فإنّ تصوّره في الوهم ممكن. وقد يصحّ أن يقع الممتنع في
النظم والنثر على جهة المبالغة ولا يجوز أن يقع المستحيل البتة .
المناسبة :
ناسبه : شاركه
في نسبه ، وفلانا يناسب فلانا فهو نسيبه أي قريبه . المناسبة عند الرّمّاني النوع الثاني من التّجانس ،
قال : «وهي تدور في فنون المعاني التي ترجع الى أصل واحد» كقوله تعالى : (ثُمَّ انْصَرَفُوا
صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) فجونس بالانصراف عن الذّكر ثم صرف القلب عن الخير ،
والأصل فيه واحد وهو الذهاب عن الشيء ، أمّا هم فذهبوا عن الذكر وأما قلوبهم فذهب
بها الخير. ونقل الصنعاني كلام الرّمّاني
__________________
وأمثلته .
والمناسبة عند
المصري نوعان : مناسبة في المعاني ومناسبة في الألفاظ فالمعنوية أن
يبتدىء المتكلّم بمعنى ثم يتمّم كلامه بما يناسبه معنى دون لفظ كقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ
يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ، فانه سبحانه لما قدّم نفي إدراك الإبصار له عطف على
ذلك قوله : (وَهُوَ اللَّطِيفُ) خطابا للسامع بما يفهم إذ معترف العادة أنّ كل لطيف لا
تدركه الأبصار ، ألا ترى أنّ حاسّة البصر لا تدرك إلّا اللون من كل متلوّن ،
والكون من كل متكوّن فإدراكهما إنّما هو للمركّبات دون الأفراد ولذلك لما قال (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) عطف على ذلك قوله (الْخَبِيرُ) تخصيصا لذاته سبحانه بصفات الكمال ؛ لأنّ كل من أدرك
شيئا كان خبيرا بذلك الشيء.
ومن ذلك قول
المتنبي :
على سابح موج
المنايا بنحره
|
|
غداة كأنّ
النّبل في صدره وبل
|
فإنّ بين لفظة
السباحة ولفظة الموج ولفظة الوبل تناسبا معنويا صار البيت به متلاحما شديد ملاءمة
الألفاظ.
وأما المناسبة
اللفظية فهي توخّي الإتيان بكلمات متّزنات وهي على ضربين : تامة وغير تامة.
فالتامة أن تكون الكلمات مع الاتزان مقفّاة وأخرى ليست بمقفّاة ، فالتقفية غير
لازمة للمناسبة. ومن شواهد المناسبة التي ليست بتامة في الكتاب العزيز قوله تعالى
: (ق. وَالْقُرْآنِ
الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ
هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ).
ومن شواهد
التامة قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مما كان يرقي به الحسنين ـ عليهماالسلام ـ : «أعيذ كما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة
ومن كل عين لامة» ، فقال النبي الكريم : «لامة» ولم يقل «ملمة» وهي القياس لمكان
المناسبة اللفظية للتامة. ومثله قوله ـ عليهالسلام ـ : «ارجعن مأزوات غير مأجورات» والمستعمل «موزورات»
لأنّه من «الوزر» غير مهموز وأما ما جاء من السّنّة من أمثلة المناسبة الناقصة
فكقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «إنّ أحبكم اليّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة
أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا» فناسب ـ عليهالسلام ـ بين «أخلاق» و «أكناف» مناسبة اتزان لا تقفيه.
ومن أمثلة
المناسبتين الناقصة والتامة قول أبي تمام :
مها الوحش
إلا أنّ هاتا أوانس
|
|
قنا الخطّ
إلا أنّ تلك ذوابل
|
فناسب بين «مها»
و «قنا» مناسبة تامّة وبين «الوحش» و «الخطّ» و «أوانس» و «ذوابل» مناسبة غير
تامّة.
ولخّص الحلبي
والنّويري وابن الأثير الحلبي والحموي كلام المصري وأخذوا بعض أمثلته.
ولم يخرج
المدني كثيرا على سابقيه غير أنّه قال : «المناسبة على ضربين : معنوية ولفظية
والمعنوية هي التّناسب في المعاني ويندرج فيها مراعاة النظير والتوشيح وتناسب
الأطراف وائتلاف المعنى مع المعنى. وتوهّم ابن حجة أنّ المناسبة المعنوية أمر غير
ذلك وعرّفها بتعريف تناسب الأطراف الذي سمّاه بعضهم بتشابه الأطراف المعنوي ومثّل
لها
__________________
بأمثلة مراعاة النظير وخلط بين النوعين» . ولم يتحدّث عن المعنوية وإنما تكلّم على اللفظية لأنها
«هي المقصودة بالذكر» ، ونقل تعريف المصري.
وفرّقوا بين
المماثلة والمناسبة فقالوا : الفرق بين المماثلة والمناسبة توالي الكلمات المستويات
في المماثلة وتفارقها في المناسبة» .
وللمناسبة معنى
آخر ذكره السّيوطي وهو الترابط بين الآيات الكريمة وغيرها ، قال : «المناسبة في
اللغة المشاكلة والمقارية ومرجعها في الآيات ونحوها إلى معنى رابط بينهما عامّ أو
خاصّ عقلي أو حسي أو خيالي أو غير ذلك من انواع علاقات التلازم الذهني كالسبب
والمسبّب والعلة والمعلول والنظيرين والضدين ونحوه. وفائدته جعل أجزاء الكلام
بعضها آخذا باعناق بعض فيقوى بذلك الارتباط ويصير التأليف حالته حال البناء المحكم
المتلائم الأجزاء» .
المنافرة بين
الألفاظ :
النّفر :
التّفرّق ، ونافرت الرجل منافرة إذا قاضيته ، والمنافرة : المفاخرة والمحاكمة ،
وفي حديث أبي ذرّ : «نافر أخي أنس فلانا الشاعر» أراد إنهما تفاخرا أيهما أجود .
قال ابن الأثير
: «وحقيقة هذا النوع الذي هو المنافرة ، أن يذكر لفظ أو ألفاظ يكون غيرها مما هو
معناها أولى بالذّكر» . وقال : «وعلى هذا فإنّ الفرق بينه وبين المعاظلة أنّ
المعاظلة هي التراكب والتداخل أما في الألفاظ أو في المعاني ، وهذا النوع لا تراكب
فيه وإنما هو إيراد ألفاظ غير لائقة بموضعها الذي ترد فيه».
والمنافرة
نوعان :
الأوّل : يوجد
في اللفظة الواحدة ، وإذا ورد هذا النوع في الكلام أمكن تبديله بغيره مما هو في
معناه سواء كان ذلك الكلام نثرا أو نظما.
الثاني : يوجد
في الألفاظ المتعددة ، ولا يمكن بتديله بغيره في الشعر بل يمكن ذلك في النثر لأنّه
يعسر في الشعر من أجل الوزن.
ومن القسم
الأوّل قول المتنبي :
فلا يبرم
الأمر الذي هو حالل
|
|
ولا يحلل
الأمر الذي هو يبرم
|
فلفظة «حالل»
نافرة عن موضعها ، وكانت له مندوحة عنها لأنّه لو استعمل عوضا عنها لفظة «ناقض»
لجاءت قارّة في مكانها غير قلقة ولا نافرة.
ومما جاء من
القسم الثاني قول المتنبي :
لا خلق أكرم
منك إلا عارف
|
|
بك داء نفسك
لم يقل لك هاتها
|
فانّ عجز هذا
البيت نافر عن مواضعه.
وذكر العلوي
مثل ذلك ونقل كلام ابن الأثير وأمثلته .
المناقضة :
النّقض خلاف
الإبرام ، والنقض : اسم البناء المنقوض إذا هدم ، وفي حديث صوم التّطوّع : «فناقضني
وناقضته» هي مفاعلة من نقض البناء وهو هدمه أي ينقض قولي وأنقض قوله. وناقضه في
الشيء مناقضة ونقاضا : خالفه. والمناقضة في القول : أن يتكلّم بما يتناقض معناه .
ذكر المصري أنّ
المناقضة من مبتدعاته وقال : «هو
__________________
تعليق الشرط على نقيضين ممكن ومستحيل ، ومراد المتكلّم المستحيل دون الممكن
ليؤثر التعليق عدم وقوع المشروط فكأنّ المتكلّم ناقض نفسه في الظاهر إذ شرط وقوع
أمر بوقوع نقيضين» كقول النابغة الذبياني :
وإنّك سوف
تحلم أو تناهى
|
|
إذا ما شبت
أو شاب الغراب
|
فان تعليقه
وقوع حلم المخاطب على شيبه ممكن وعلى شيب الغراب مستحيل ، ومراده الثاني لا الأوّل
؛ لأنّ مقصوده أن يقول : إنّك لا تحلم أبدا.
والفرق بين هذا
النوع ونفي الشيء بإيجابه أنّ المناقضة ليس فيها نفي ولا إيجاب ، ونفي الشيء
بإيجابه ليس فيه شرط ولا معناه.
ومن المناقضة
نوع آخر يرجع أصله الى الأوّل «وهو أن يأتي في لفظ الوعد ما يدلّ على الوعيد فيسرّ
المخاطب ويسوؤه في وقت واحد فيتوجه على ذلك اللفظ إشكال يوضحه بعده» . كقوله تعالى : (إِنَّا كاشِفُوا
الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) فقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ) وعد ، ووصف كشف العذاب بالقلة وعيد ، فهو يسر ويسوء في
حالة واحدة ، وإنما وصف بالقلة المنافية للكرم من أجل أنّه علّق كشف العذاب بشرط
عدم العود الى موجب العذاب فاقتضت البلاغة أن يقول (قَلِيلاً) ليدمج في دلائل النبوة الإخبار بالغيب وهو وقوع العود
فيرشح بذكر لفظة (قَلِيلاً) للإيضاح والإخبار بوقوع العود الذي اقتضى أن يكون كشف
العذاب قليلا من أجله. والشرط المأخوذ من قوة الكلام هو الذي يردّ هذا النوع الى
النوع الأول.
ومن المناقضة
نوع آخر وهو مناقضة المتكلّم غيره في معنى ما كمناقضة أبي القاسم بن واسانة نصيبا أو
عبد بني الحسحاس في قوله :
فما زال بردي
طيبا من ثيابها
|
|
الى الحول
حتى أنهج البرد باليا
|
فقال الواساني
:
فصاك بي طيبه
وصاك به
|
|
مني صنان في
حدّة البصل
|
فأخذ معنى بيت
المعزّى في صدر بيته وناقضه في بقيته لكنه قصر عنه.
ومن هذا النوع
قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى
عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ). فشرط سبحانه المثلية في المجازاة أمرا بالعدل فناقض في
ذلك الجاهلية فيما كانوا عليه من مدح الظلم كقول عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجهلن
أحد علينا
|
|
فنجهل فوق
جهل الجاهلينا
|
وقد تكلّم
قدامة بن قبل على التناقض وقال : «ومما يجب تقديمه أيضا أنّ مناقضة الشاعر نفسه في
قصيدتين أو كلمتين بأن يصف شيئا وصفا حسنا ثم يذمه بعد ذلك ذمّا حسنا أيضا غير
منكر عليه ولا معيب من فعله إذا أحسن المدح والذم بل ذلك عندي يدل على قوة الشاعر
في صناعته واقتداره عليها» كما عابوا تناقض امرئ القيس في قوله :
فلو أنّ ما
أسعى لأدنى معيشة
|
|
كفاني ـ ولم
أطلب ـ قليل من المال
|
ولكنّما أسعى
لمجد مؤثّل
|
|
وقد يدرك
المجد المؤثّل أمثالي
|
وقوله في موضع
آخر :
فتملأ بيتنا
أقطا وسمنا
|
|
وحسبك من غنى
شبع وريّ
|
__________________
وليس هذا ما
ذهب اليه المصري :
وقال ابن منقذ
: «المعارضة والمناقضة هو أن يناقض الشاعر كلامه أو يعارض بعضه» كما قال خفاف :
إذا انتكث
الخيل ألفيته
|
|
صبور الجنان
رزينا خفيفا
|
وقيل : إنه
أراد رزينا من جهة العقل وخفيفا ، وقيل : إنه أراد رزينا في نفسه. وقد تقدّم ذلك
في المعارضة ، وليس هذا ما أراده المصري وإنما أراد تعليق الشرط على نقيضين ممكن
ومستحيل ومراد المتكلّم المستحيل دون الممكن.
ونقل الحموي
والسّيوطي كلام المصري وأمثلته ، وعرّفها السّيوطي تعريفا آخر فقال : «هي تعليق أمر
على مستحيل إشارة الى استحالة وقوعه» كقوله تعالى : (وَلا يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ).
ورجع المدني
الى كلام المصري وأمثلته ، وبذلك ظل رأيه عمدة المتأخّرين في هذا الفن.
المنتحل :
انتحل فلان شعر
فلان أو قول فلان إذا ادّعاه أنّه قائله ، وتنحّله : ادّعاه وهو لغيره ، وانتحل
فلان كذا وكذا معناه قد ألزمه نفسه وجعله كالملك له
المنتحل هو
المتحرّى والمنتقى ، قال السّيوطي : «هو أن يختار لفظ إذا قرأه الالثغ لا يعاب
عليه تحرّيا» . وقد تقدّم في المتحرّى.
المنتقى :
النقاوة : أفضل
ما انتقيت من الشيء ، نقي الشيء ينقى ، وتنقّاه : اختاره. ونقوة الشيء : خياره ،
والتنقي : التخير .
المنتقى هو
المتحرّى والمنحل ، قال السّيوطي : «هو أن يختار لفظ إذا قرأه الألثغ لا يعاب عليه
تحرّيا» . وقد تقدّم في المتحرّى والمنتحل.
المنزع :
يقال للانسان
إذا هوي شيئا ونازعته نفسه اليه : هو ينزع اليه نزاعا ، والمنزعة ما يرجع اليه
الرجل من أمره ورأيه وتدبيره .
قال القرطاجني
: «إنّ المنازع هي الهيئات الحاصلة عن كيفيات مآخذ الشعراء في أغراضهم وأنحاء
اعتماداتهم فيها وما يميلون بالكلام نحوه أبدا ويذهبون به اليه حتى يحصل بذلك
للكلام صورة تقبلها النفس او تمتنع من قبولها. والذي تقبله النفس من ذلك ما كانت
المآخذ فيه لطيفة والمقصد فيه مستطرفا ، وكان للكلام به حسن موقع من النفس.
والمعين على
ذلك أن ينزع بالكلام الى الجهة الملائمة لهوى النفس من حيث تسرّها أو تعجبها او
تشجوها حيث يكون الغرض مبنيّا على ذلك نحو منزع عبد الله بن المعتز في خمرياته
والبحتري في طيفياته ، فإنّ منزعهما فيما ذهبا اليه من الأغراض منزع عجيب» .
ثم قال : «وقد
يعني المنزع أيضا كيفية مأخذ الشاعر في بنية نظمه وصيغة عباراته وما يتّخذه أبدا
كالقانون في ذلك كمأخذ أبي الطيب في توطئة
__________________
صدور الفصول للحكم التي يوقعها في نهاياتها فانّ ذلك كله منزع اختص به
واختص بالاكثار منه والاعتناء به. وقد يعنى بالمنزع غير ذلك إلّا أنّه راجع الى
معنى ما تقدّم ، فانّه أبدا لطف مأخذ في عبارات أو معان أو نظم أو أسلوب» .
المنصف :
قال السّكّاكي
وهو يتحدّث عن الجزاء والشرط : «ومن هذا الأسلوب قوله تعالى : (قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا
وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) وإلا فحق النسق من حيث الظاهر قبل (لا تُسْئَلُونَ) عما عملنا ولا نسأل عما تجرمون وكذا ما قبله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً
أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). وهذا النوع من الكلام يسمّى المنصف» . ولم يعرّفه أو يحدد أقسامه وأهدافه.
المنقاد :
المنقاد نوع من
السجع ، قال الكلاعي : «وسمّينا هذا النوع من السجع المنقاد لأنّه ينقاد طوعا
ويأتي قبل أن يستدعى ويستجلب وأكثر ما يأتي في فصل العامل» فمنه ما يأتي متفّقا في الوزن والسجع مثل «خبير» و «بصير»
وربما خالفوا بحرف المد واللين فجاءوا بـ «خبير» مع «غفور». وربما جاء متفقا في
السجع دون الوزن كـ «زيد» و «أيد» و «عمر» وقمر».
وربما أتوا
بحروف متقاربة كالسين والصاد من حروف الهمس والطاء والظاء من حروف الاطباق.
وكثيرا ما يقع
السجع في هذا الباب بالكنايات فيحترزون بها دون تكرار الحرف الذي قبلها فيقولون :
لنا وبنا ويعتقد ونها فصلا وسجعا.
المواربة :
المواربة :
المداهاة والمخاتلة ، وهي مأخوذة من الإرب وهو الدهاء فحوّلت الهمزة واوا. ويقال :
ورب العرق يورب : أي فسد .
وقال المصري : «المواربة
براء مهملة وهي من ورب العرق بفتح الواو والراء إذا فسد فهو ورب ـ بكسر الراء ـ فكأنّ
المتكلّم أفسد مفهوم ظاهر للكلام بما أبداه من تأويل باطنه .
قال التّبريزي
: «المواربة أن يقول الشاعر في مديح أو هجاء أو وصف فان أنكر عليه المديح بعض
أعداء الممدوح ممن يخافه أو عثر عليه المهجوّ غيّر المعنى بلفظه إلى ما يتخلص به
أو زاد او نقص. وأصله من «الإرب» وهو المكر والخديعة يقال أربت بكذا وكذا» .
وقال المصري : «وحقيقتها
أن يقول المتكلّم قولا يتضمّن ما ينكر عليه بسببه لبعد ما يتخلص به منه هذا إن فطن
له وقت العمل وإلّا ارتجل حين يجبه به ما يخلّصه منه من جواب حاضر أو حاجة بالغة
او تصحيف كلمة او تحريفها أو زيادة في الكلام او نقص او نادرة معجبة او ظرفة مضحكة»
وقد جاء في الكتاب العزيز من ذلك قوله تعالى حكاية عن أكبر ولد يعقوب عليهالسلام : (ارْجِعُوا إِلى
أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) فانّ بعض العلماء قرأ هذا الحرف (إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) و «لم يسرّق» بفعل ما لم يسمّ فاعله توخيا للصدق فان يوسف ـ عليهالسلام ـ سرّق ولم يسرق ، فأتى بالكلام على الصحة بابدال الضمة
من فتحة وتشديد في الراء وكسرتها» .
__________________
ومما وقع من
المواربة بالتحريف قول عتبان الحروري :
فان يك منكم
كان مروان وابنه
|
|
وعمرو ومنكم
هاشم وحبيب
|
فمنا حصين
والبطين وقعنب
|
|
ومنا أمير
المؤمنين شبيب
|
فانّه لما بلغ
الشعر هشاما وظفر به قال له : أنت القائل : «ومنا أمير المؤمنين شبيب» فقال : لم
أقل كذا وانما قلت : «ومنّا أمير المؤمنين شبيب» فتخلص بفتحة الراء بعد ضمها.
فهذا وأشباهه
يحتمل أن يكون الدخل وقع فيه للشاعر وقت العمل ويحتمل ألّا يكون وقع له وارتجل
التخلص عند سماعه ، والذي لا يحتمل أن يكون فطن له حتى قيل له قول الأخطل :
لقد أوقع
الجحّاف بالبشر وقعة
|
|
الى الله
منها المشتكى والمعوّل
|
فإلّا
تغيّرها قريش بملكها
|
|
يكن عن قريش
مستماز ومزحل
|
فقال له عبد
الملك بن مروان : الى أين يا ابن اللخناء؟
فقال : الى
النار. فضحك منه وسكت عنه ، فتخلّص بهذه النادرة.
وقد تكون
المواربة من غير ذلك كقوله ـ عليهالسلام ـ للعباس بن مرداس حين أنشد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم :
أتجعل نهبي
ونهب العبي
|
|
د بين عيينة
والأقرع
|
وما كان حصن
ولا حابس
|
|
يفوقان مرداس
في مجمع
|
وما أنا دون
امرئ منهما
|
|
ومن تضع
اليوم لا يرفع
|
فقال رسول الله
ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يا عليّ اقطع لسانه عني ؛ فقبض علي ـ عليهالسلام ـ على يده وخرج به فقال : أقاطع أنت لساني يا أبا الحسن؟
فقال : إني لممض فيك ما أمر. فهذه أحسن مواربة سمعت في كلام العرب. مضى به الى ابل
الصدقة فقال : خذ ما أحببت.
ومن المواربة
متّصل ومنفصل ، فالمتّصل ما كان تخلّصه في نفس الكلام ، والمنفصل ما كان التّخلّص
فيه من كلام آخر كالذي تقدّم لعلي ـ عليهالسلام ـ والأخطل. ونقل ابن الأثير الحلبي والسبكي والحموي
والسّيوطي كلام المصري ، وقد اتّضح أنّ التّبريزي نقلها من الإرب وهو المكر
والخديعة ونقلها المصري من ورب العرق إذا فسد ، وقد قال المدني : «وظاهر أنّه لا
يتعيّن نقلها الى الاصطلاح من الورب بمعنى الفساد بل يجوز أن يكون من المداهنات
والمخاتلة كما قال في القاموس ، بل هو أنسب بالمعنى الاصطلاحيّ كما لا يحفى» .
والفرق بين
المواربة والاحتراس «أنّ الاحتراس يؤتى به وقت العمل عند ما يتفطّن المتكلّم لموضع
الدخل ، والمواربة يؤتى بها وقت العمل وبعد صيرورة الكلام. والمواربة ـ بالراء المهملة
ـ تكون بالتصحيف والتحريف واهتدام الكلمة والزيادة والنقص ، والاحتراس بزيادة
الجمل المفيدة المتضمّنة معنى الانفصال عما يحتمله الكلام من الدخل ، والمواربة
تكون في نفس الكلام وتكون منفصلة عنه والاحتراس لا يكون إلّا في نفس الكلام» والفرق بين المواربة والانفصال «أنّ المواربة تكون ـ كما
تقدّم ـ في كلمة من الكلام أو في كلام منفصل
__________________
عنه ، والانفصال لا يكون إلا ببيت مستقلّ أو جملة منفردة عن سياق الكلام
متعلّقة به داخلة فيه .
المواردة :
ورد الماء
وغيره : أشرف عليه ، دخله أو لم يدخله ، يقال : رجل وارد ، وكل من أتى مكانا منهلا
او غيره فقد ورده .
قال التّبريزي
: «المواردة أن يتّفق الشاعر أن اذا كانا في عصر واحد او تأخّر أحدهما عن الآخر
على معنى واحد يتواردانه جميعا بلفظ واحد من غير أخذ أحدهما عن الآخر. وهي مأخوذة
من ورود الحيين الماء من غير انفاد» وذلك نحو ما ذكره ثعلب عن محمد بن زياد الأعرابي قال :
قال لابن ميادة حين قال :
بمستأسد
القريان حوّ تلاعه
|
|
فنوّاره ميل
الى الشمس ظاهره
|
أين يذهب بك ،
هذا للحطيئة. قال : أكذلك؟ قال :نعم. قال : الآن علمت أنّي شاعر ما سمعت بهذا إلّا
الساعة ، إني لشاعر حين وافقته وواردت على قوله .
وقال الحاتمي :
«أخبرنا أبو عمر عن ثعلب عن أبي نصر عن الأصمعي قال : قلت لابي عمرو بن العلاء : «أرأيت
الشاعرين يتفقان في المعنى ويتواردان في اللفظ؟ لم يلق أحد منهما صاحبه ولا سمع
بشعره؟فقال لي : تلك عقول رجال توافت على ألسنتها» .
وأدخل ابن رشيق
المواردة في باب السرقات وأشار الى بيت امرىء القيس :
وقوفا بها
صحبي عليّ مطيّهم
|
|
يقولون لا
تهلك أسى وتجمّل
|
وبيت طرفة :
وقوفا بها
صحبي عليّ مطيّهم
|
|
يقولون لا
تهلك أسى وتجلّد
|
ورفض أن تكون
هذه مواردة ، وقال إنّ امرأ القيس أسبق في قول هذا المعنى لأنّ طرفة في زمان عمرو
بن هند شاب حول العشرين وكان امرؤ القيس في زمان المنذر الأكبر كهلا وشعره أشهر من
الشمس فكيف يكون مواردة؟
ولم يدخل
العلوي هذا النوع في السرقة لأنّ «ذلك إنّما يكون فيمن علم حاله بالسبق لذلك
الكلام ثم يأخذه غيره مع علمه بأنه له كسرقة المتاع يأخذه السارق وهو حقّ لغيره
على جهة الخفية» .
وقال المصري : «هو
توارد الشاعرين المتعاصرين اللذين تجمعهما طبقة واحدة على معنى واحد إما مجرّدا أو
ببعض ألفاظه أو بأكثرها أو كلها ، فان كان أحدهما أقدم أو طبقته أرفع حكم له على
صاحبه بالسبق. وقد رأيت من يجعل اتفاق الشاعرين من طبقتين مختلفتين في عصرين
متباينين إذا تقارب ما بينهما بعض التقارب في الأمرين أو في القوة والقدرة تواردا»
. ومثال الأوّل بيتا امرىء القيس وطرفة ، ومثال ما جاء من القسم الثاني ما
جرى لابن ميّادة وبيت الحطيئة. وسمّى ابن منقذ هذا الباب «التوارد» ، وقد تقدّم.
الموازنة :
وازنه : عادله
وقابله ، وهو وزنه وزنته ووزانه وبوزانه
__________________
أي : قبالته ذكر الباقلّاني الموازنة ولم يعرّفها ، وأدخلها ابن رشيق في المقابلة وقال : «ومن المقابلة
ما ليس مخالفا ولا موافقا كما شرطوا إلّا في الوزن والازدواج فقط فيسمّى حينئذ
موازنة» . ومنه قول ذي الرّمة :
استحدث الركب
عن أشياعهم خبرا
|
|
أم راجع
القلب من إطرابه طرب
|
لأنّ قوله :
استحدث الركب» موازن لقوله : «أم راجع القلب» وقوله : «عن أشياعهم خبرا» موازن
لقوله : «من إطرابه طرب» وكذلك «الركب» موازن لـ «القلب» و «عن» موازن لـ «من» و «أشياعهم»
موازن لـ «اطرابه» و «خبرا» موازن لـ «طرب».
وذكر ابن رشيق
هذا النوع في السرقات أيضا ومثل لها بقول كثيّر :
تقول مرضنا
فما عدتنا
|
|
وكيف يعود
مريض مريضا
|
وازن في القسم
الآخر قول نابغة بني تغلب :
بخلنا لبخلك
قد تعلمين
|
|
وكيف يعيب
بخيل بخيلا
|
وقال التّبريزي
: «الموازنة أن تكون الألفاظ متعادلة الأوزان متوالية الأجزاء» . وقال ابن شيث القرشي : «الموازنة وهو أن تتوازن الألفاظ
وتكون السجعة رابعة» وأدخلها ابن الأثير في الصناعة اللفظية وقال : «هي أن
تكون ألفاظ الفواصل من الكلام المنثور متساوية في الوزن وأن يكون صدر البيت الشعري
وعجزه متساوي الألفاظ وزنا» . وقال إنّ هذا النوع أخو السجع في المعادلة دون
المماثلة ؛ لأنّ في السجع اعتدالا وزيادة على الاعتدال وهي تماثل أجزاء الفواصل
لورودها على حرف واحد وأما الموازنة ففيها الاعتدال الموجود في السجع ولا تماثل في
فواصلها ، فيقال كل سجع موازنة وليس كل موازنة سجعا ، وعلى هذا فالسجع أخص من
الموازنة .
وقال المصري : «هو
أن تأتي الجملة من الكلام أو البيت من الشعر متزن الكلمات متعادل اللفظات في
التسجيع والتجزئة معا في الغالب» . والفرق بين الموازنة والمماثلة التزام التسجيع في
الموازنة وخلو المماثلة عنه ، والفرق بينها وبين التجزئة مخالفة تسجيع أجزاء
التجزئة ومشابهة تسجيع أجزاء الموازنة .
وذكر المصري
معنى آخر للموازنة فقال : «هي مقارنة المعاني بالمعاني ليعرف الراجح في النظم من
المرجوح» . وهذا ما سمّاه الآمدي الموازنة وذكره النقاد في كتبهم ، ولا يراد به الموازنة بمعناها البديعي.
وقال المظفر
العلوي : «وذلك أن يأتي الشاعر ببيت يكون عدد كلمات النصف الأول منه كعدد كلمات
النصف الأخير ، وتكون الأجزاء متساوية ومتى تغيّر شيء من أجزائه إذا تقطع أو زاد
فيها أو نقص لم تحصل الموازنة وكذلك اذا استوت الأجزاء وتغيّرت الكلمات بزيادة او
نقيصة. وهذا لا يكاد يحصل للشاعر إلّا بعد معرفة العروض ، وإما أن يقع اتفاقا من
__________________
غير قصد له فغير معتد بوقوعه. وقد اتفق وقوع ذلك في أشعار العرب من غير قصد
له كثيرا» .
وقال التنّوخي
: «هي أن تكون الكلمة التي هي خاتمة الفاصلة الأولى على زنة الكلمة التي هي خاتمة
الفاصلة الثانية كانت على رويها أو لم تكن» .
وأدخلها
القزويني في المحسّنات اللفظية كما أدخلها ابن الأثير في الصناعة اللفظية وقال : «هي
أن تكون الفاصلتان متساويتين في الوزن دون التقفية» كقوله تعالى : (وَنَمارِقُ
مَصْفُوفَةٌ. وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) ثم قال القزويني «فان كان ما في إحدى القرينتين من
الألفاظ أو أكثر ما فيها مثل ما يقابله من الأخرى في الوزن خصّ باسم المماثلة»
كقوله تعالى : (وَآتَيْناهُمَا
الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ. وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ).
وقول أبي تمام
:
مها الوحش
إلا أنّ هاتا أوانس
|
|
قنا الخطّ
إلا أنّ تلك ذوابل
|
وقول البحتري :
فأحجم لمّا
لم يجد فيك مطمعا
|
|
وأقدم لمّا
يجد عنك مهربا
|
وتابع القزويني
في ذلك شرّاح التلخيص .
الموافقة :
الوفاق :
الموافقة ، والتوافق : الاتّفاق والتّظاهر. وقد وافقه موافقة ووفاقا واتفق معه
وتوافقا .
الموافقة هي
التّناسب والتّوافق . وقد تقدّما.
الموجّه :
وجّهت الريح
الحصى توجيها إذا ساقته ، والموجه هو الذي يكون له صورتان ، والأحدب الموجّه. هو
الذي له حدبتان .
سمّاه الرازي
والحلبي والنّويري وابن قيّم الجوزية بهذا الاسم ، وسمّاه الثعالبي «المدح الموجّه» وسمّاه الوطواط كذلك وقال : «يقصد بالموجه في الفارسية
ما يحتمل أن يكون على وجهين ، وتكون هذه الصنعة بأن يمدح الشاعر ممدوحه بصفة من
الصفات الحميدة بحيث يقرن بها صفة حميدة أخرى من صفاته فيحصل بذلك مدح الممدوح على
وجهين . وقال المدني إنّ الزنجاني سمّاه «الموجّه» أيضا وسمّاه العسكري المضاعف وسمّاه السّكّاكي «الاستتباع» وسمّاه غيرهم التّعليق. وقد تقدّم في الاستتباع.
المورّى :
ورّيت الخبر :
جعلته ورائي وسترته ، ووريته وأوريه تورية إذا سترته وأظهرت غيره ، ووريت عنه :
أردته وأظهرت غيره .
__________________
المورّى هو
التورية ، قال الكلاعي : «وسمّيناه هذا النوع من الكلام المورّى ؛ لأنّ باطنه على
غير ظاهره» . وقد تقدّمت التورية.
الموصّل :
الوصل خلاف
الفصل ، ووصل الشيء بالشيء يصله وصلا وصلة ، ووصّله : لأمه وأنهاه اليه وابلغه
اياه. واتصل الشيء بالشيء : لم ينقطع .
قال المطرزي : «هو
أن يجيء في النظم والنثر بكلمات ليس فيها كلمة إلا وحروفها يتصل بعضها ببعض في
الخط» . كقول الحريري :
فتنتني
فجننتني تجني
|
|
بتجنّ يفتنّ
غيب تجنّ
|
والقطعة مبنية
على هذا.
__________________
النون
النادر والبارد
:
ندر الشيء يندر
ندورا : سقط ، وقيل : سقط وشذّ ، ونوادر الكلام تندر وهي ما شذّ وخرج من الجمهور .
عقد ابن منقذ
بابا للنادر والبارد وقال : «إنّ الشعر النادر هو الذي يستفز القلب ويحمي المزاج
في استحسانه ، والبارد بضد ذلك» . مثل قول أبي العتاهية :
مات والله
سعيد بن وهب
|
|
رحم الله
سعيد بن وهب
|
يا أبا عثمان
أبكيت عيني
|
|
يا أبا عثمان
أوجعت قلبي
|
وهذا من البارد
، أما النادر فهو كثير والقرآن «مشحون به فانّ أكثر ألفاظه نادرة الوجود ومعانيه
مستوفية للمقصود كل كلمة منه جامعة لمعان شتى وكل آية تحتوي على معان لغير
المتكلّم به لا تتأتّى وكل سورة إحكام أحكامها لا ينحصر وايجاز إعجازها قد أعجز
البشر» .
النّداء :
النّداء
والنّداء : الصوت مثل الدّعاء والرّغاء ، وقد ناداه ونادى به وناداه مناداة ونداء
أي : صاح به .
النداء التصويت
بالمنادى ليقبل ، أو هو طلب إقبال المدعو الى الداعي. وقد أدخله البلاغيون
المتأخّرون في أنواع الإنشاء الطلبيّ.
وللنداء عدّة
أدوات هي : الهمزة وآ ، وأيا ، وأي ، وآي ، وهيا ، و: وا ، ويا. وبعض هذه الأدوات
للقريب وبعضها للبعيد ، وقد أشار سيبويه الى ذلك .
وقد يخرج
النداء الى أغراض مختلفة منها : الإغراء كقول المتنبي
يا أعدل
الناس إلّا في معاملتي
|
|
فيك الخصام
وأنت الخصم والحكم
|
والاستغاثة
كقول المتنبي :
واحرّ قلباه
ممّن قلبه شبم
|
|
ومن بجسمي
وحالي عنده سقم
|
والتّعجّب
كقوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى
الْعِبادِ).
والاختصاص مثل
: «عليّ ـ أيّها الرجل ـ يعتمد».
والتنبيه كقوله
تعالى : (يا لَيْتَنِي مِتُّ
قَبْلَ هذا) والتّحسّر كقول ابن الرومي :
__________________
يا شبابي
وأين مني شبابي
|
|
آذنتني حباله
بانقضاب
|
لهف نفسي على
نعيمي ولهوي
|
|
تحت أفنانه
اللّدان الرطاب
|
وقول الآخر :
أيا قبر معن
كيف واريت جوده
|
|
وقد كان منه
البرّ والبحر مترعا
|
النّزاهة :
نزه نزاهة
ونزاهية ، وأرض نزهة ونزهة بعيدة عذبة ، ويتنزه عن الشيء : تباعد عنه ، وفلان يتنزّه
عن الأقذار وينزّه نفسه عنها أي يباعد نفسه عنها. ورجل نزه الخلق : عفيف .
النزاهة من
مبتدعات المصري وإن كان القدماء يدعون إليها ، وقد قال أبو عمرو بن العلاء : «خير
الهجاء ما تنشده العذراء في خدرها فلا يقبح بمثلها». ولكنّ المصري أدخل النزاهة في
فنون البلاغة وقال : «وهو يختص غالبا بفن الهجاء وإن وقع نادرا في غيره ، فإنّه
عبارة عن نزاهة ألفاظ الهجاء وغيره من الفحش» وذكر عبارة أبي عمرو بن العلاء. ومن ذلك قول جرير :
فغضّ الطّرف
إنّك من نمير
|
|
فلا كعبا
بلغت ولا كلابا
|
وقد وقع من
النزاهة في القرآن الكريم قوله تعالى : (وَإِذا دُعُوا إِلَى
اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ.
وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ. أَفِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ
بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
وقال الحموي : «النزاهة
ما نظمها أحد في بديعيته إلّا صفي الدين الحلّيّ ، وهو نوع غريب تجوّل سوابق الذوق
السليم في حلبة ميدانه وتغرّد سواجع الحشمة على بديع أفنانه لأنّه هجو في الأصل
ولكنه عبارة عن الإتيان بألفاظ فيها معنى الهجو إذا سمعته العذراء في خدرها لم
تنفر منه» .
وقال السّيوطي
: «هو خلوص ألفاظ الهجاء من الفحش» . وذهب الى ذلك المدني أيضا .
النّزول :
عقد ابن
الزملكاني فصلا للإفراط والنزول ولم يعرّفهما وإنّما قال : «إنّ هذا الغرض لا يوصف
قاصده بالكذب إذ كان غرضه معلوما وكان متجوّزا في مقاله غير قاصد الى البتّ به
والقطع بمقتضاه كما لم يقض على من قال : «زيد أسد» بالكذب و «إنه بحر متلاطم
الأمواج» . ومثال الإفراط قوله تعالى : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ
الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ). ومثال النزول قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها
مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) وقوله في صفة الجنة : (فِيها أَنْهارٌ مِنْ
ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ
مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ. وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى).
نسبة الشّيء :
نسبة الشيء إلى
ما ليس منه من عيوب المعاني ، قال قدامة : «هو أن ينسب الشيء الى ما ليس منه» كقول خالد بن صفوان :
__________________
فان صورة
راقتك فاخبر فربّما
|
|
أمرّ مذاق
العود والعود أخضر
|
فهذا الشاعر
بقوله : «ربما أمرّ مذاق العود والعود أخضر» كأنه يومىء الى أنّ سبيل العود الأخضر
في الأكثر أن يكون عذبا أو غير مرّ وليس هذا بواجب لأنّه ليس العود الأخضر بطعم من
الطعوم أولى منه بالآخر.
النّسخ :
نسخ الشيء
ينسخه نسخا وانتسخه واستنسخه : اكتتبه عن معارضة .
النسخ أحد
أنواع السرقات ، قال ابن الأثير : «هو أخذ اللفظ والمعنى برمّته من غير زيادة عليه
مأخوذا ذلك من نسخ الكتاب» .
وسمّاه
القزويني نسخا وانحالا وقال : «فان كان المأخوذ كله من غير تغيير لنظمه فهو مذموم
مردود ؛ لأنّه سرقة محضة» وتبعه في ذلك شرّاح التلخيص .
وقال العلوي :
إنّ النسخ على وجهين :
الأوّل : أن
يأخذ لفظ الأوّل ومعناه ولا يخالفه إلا برويّ القصيدة كقول امرىء القيس :
وقوفا بها
صحبي عليّ مطيّهم
|
|
يقولون لا
تهلك أسى وتجمّل
|
وقول طرفة :
وقوفا بها
صحبي عليّ مطيّهم
|
|
يقولون لا
تهلك أسى وتجلّد
|
الثاني : هو
الذي يؤخذ فيه المعنى وأكثر اللفظ ، ومن ذلك ما قاله بعضهم يمدح معبدا صاحب الغناء
ويذكر فضله على غيره ممن تولّع بالغناء :
أجاد طويس
والسّريجيّ بعده
|
|
وما قصبات
السبق إلا لمعبد
|
ثم قيل بعد ذلك
:
محاسن أوصاف
المغنّين جمّة
|
|
وما قصبات
السبق إلا لمعبد
|
النّظر
والملاحظة :
النظر
والملاحظة من السرقات ، قال الحاتمي : «وهذه ضروب دقيقة قلّما ترد المدارك من
الإشارة الى المعنى وإخفاء السر» . ومثّل له بقول أوس ابن حجر :
سأجزيك أو
يجزيك عني مثوّب
|
|
وحسبك أن
يثنى عليك وتحمدي
|
وقول الحطيئة :
من يفعل
الخير لا يعدم جوازيه
|
|
لا يذهب
العرف بين الله والناس
|
فقوله : «لا
يذهب العرف بين الله والناس» هو قول أوس بن حجر : «سأجزيك أو يجزيك عني مثوّب»
لأنّ المثوّب هو الله عزوجل.
ولم يخرج ابن
رشيق على ذلك وقال : «إنّ الإلمام ضرب من النظر» .
النّظم :
النّظم :
التأليف ، نظمه ينظمه نظما ونظاما ، ونظمت اللؤلؤ أي جمعته في السلك .
بدأت فكرة
النظم منذ أن أخذ المعتزلة يبحثون في
__________________
إعجاز القرآن الكريم فقد ذهب بعضهم الى أنّ القرآن معجز بنظمه العجيب. وكان
ابن المقفّع قد أشار الى نظم الكلام وأنّ الناظم كصاحب الفصوص وجد ياقوتا وزبر جدا
ومرجانا فنظمه قلائد وسموطا وأكاليل ووضع كل فصّ موضعه وجمع الى كل لون شبهه مما
يزيده بذلك حسنا فسمّي بذلك صائغا رقيقا .
وتحدّث الجاحظ
عن النظم وسمّى أحد كتبه «نظم القرآن» وذهب الى أنّ كتاب الله معجز بنظمه البديع «الذي
لا يقدر على مثله العباد» . وتطوّرت الفكرة عند أبي سعيد السيرافي الذي قال : «معاني
النحو منقسمة بين حركات اللفظ وسكناته وبين وضع الحروف في مواضعها المقتضبة لها
وبين تأليف الكلام بالتقديم والتأخير وتوخّي الصواب في ذلك وتجنّب الخطأ في ذلك
وإن زاغ شيء عن النعت فإنه لا يخلو أن يكون سائغا بالاستعمال النادر والتأويل
البعيد أو مردودا لخروجه عن عادة القوم الجارية على فطرتهم» .
وأطال علماء الإعجاز
في هذه المسألة وقال الباقلّاني : «فأما شأو نظم القرآن فليس له مثال يحتذى عليه
ولا إمام يقتدى به ولا يصح وقوع مثله اتفاقا كما يتفق للشاعر البيت النادر والكلمة
الشاردة والمعنى الفذ الغريب والشيء القليل العجيب» .
وقال : «ليس
الإعجاز في نفس الحروف وإنّما هو في نظمها وإحكام رصفها وكونها على وزن ما أتى به
النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وليس نظمها أكثر من وجودها متقدّمة ومتأخرة ومترتّبة
في الوجود ، وليس لها نظم سواها» .
وكان القاضي
عبد الجبّار أكثر وضوحا حينما رأى أنّ الفصاحة والبلاغة تقومان على ضمّ الكلمات
وتقارنها . وتلقّف عبد القاهر ما كان من مسائل النظم وخطا خطوة
واسعة ووضع أصول نظرية النظم التي جمدت بعد ذلك في مباحث علم المعاني عند
السّكّاكي والقزويني وشرّاح التلخيص.
وليس النظم عند
عبد القاهر سوى تعليق الكلم بعضها ببعض وجعل بعضها بسبب من بعض .
وليس النظم سوى
حكم من النحو نتوخّاه ، أي أنّه معاني النحو قال : «واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع
كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف مناهجه التي
نهجت فلا تزيغ عنها وتحفظ الرسوم التي رسمت فلا تخلّ بشيء منها.
وذلك أنّا لا
نعلم شيئا يبتغيه الناظم بنظمه غير أن ينظر في وجوه كل باب وفروقه» .
والفرق بين
الأساليب ليس فرقا في الحركات وما يطرأ على الكلمات وإنما في معاني العبارات التي
يحدثها ذلك الوضع والنظم الدقيق ، ولذلك فليست العمدة في معرفة قواعد النحو وحدها
ولكن فيما تؤدّي اليه هذه القواعد والأصول ، أي أنّ الهدف منها الدلالة على
المعنى. وقد كان النحو عند عبد القاهر واسعا أخذ به البلاغيون وبنوا عليه علم
المعاني ، وفرق كبير بين توخّي معاني النحو والخروج عليها فالفرزدق أفسد عبارته
حينما قال :
وما مثله في
الناس إلا مملّكا
|
|
أبو أمه حيّ
أبوه يقاربه
|
والبحتري جاء
بنظم بديع حينما قال :
بلونا ضرائب
من قد نرى
|
|
فما إن رأينا
لفتح ضريبا
|
__________________
هو المرء
أبدت له الحادثا
|
|
ت عزما وشيكا
ورأيا صليبا
|
تنقّل في
خلقي سؤدد
|
|
سماحا مرجّى
وبأسا مهيبا
|
فكالسيف إن
جئته صارخا
|
|
وكالبحر إن
جئته مستشيبا
|
ولم تحسن هذه
الأبيات إلّا لأنّ الشاعر عرف كيف يصوغ الكلمات في عبارات جميلة ويضع كل كلمة الى
لفقها ويربط بين الالفاظ ربطا بديعا ، وليس كذلك الفرزدق الذي قدّم وأخر فأفسد
المعنى وعقّد التركيب.
ومن النظم ما
يتّحد في الوضع ويدقّ فيه الصنع وذلك أن تتّخذ أجزاء الكلام ويدخل بعضها في بعض
ويشتد ارتباط ثان بأوّل ، وأن يحتاج في الجملة الى أن توضع في النفس وضعا واحدا
وأن يكون الحال فيها حال الباني يضع بيمينه ههنا في حال ما يضع بيساره هناك. ومنه
ما لا يحتاج الى فكر وروية لكي ينتظم بل سبيله في ضمّ بعضه الى بعض سبيل من عمد
الى لآل فخرطها في سلك لا يبغي أكثر من أن يمنعها التفرق وكمن نضد أشياء بعضها الى
بعض لا يريد في نضده ذلك أن تجيء له منه هيئة أو صورة بل ليس إلّا أن تكون مجموعة
في رأي العين ، وذلك إذا كان المعنى لا يحتاج أن يصنع فيه شيء غير عطف لفظ على
مثله.
ولا بدّ أن
يتغيّر المعنى إذا تغيّر النظم وفي ذلك مجال رحب يجول فيه المنشئون.
لقد وضّح عبد
القاهر أصول «علم المعاني» في كتابه «دلائل الإعجاز» وسمّاه «النظم» أو «معاني
النحو» وليست معاني النحو إلّا علم المعاني الذي عرّفه السّكّاكي بقوله : «هو تتبع
خواصّ تراكيب الكلام في الإفادة وما يتّصل بها من الاستحسان وغيره ليحتزر بالوقوف
عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره» . ولكنّ السّكاكي ومن جاء بعده لم يستطع أن يحلّق كما
حلّق عبد القاهر في شرح النظم وإبرازها مع أنّ الموضوعات التي عولجت في الفنين
واحدة وهي ما يتّصل بالجملة أو الجملتين من أساليب الخبر والانشاء ، والتقديم
والتأخير ، والحذف والذّكر ، والقصر وخلافه ، والفصل والوصل ، والإيجاز الإطناب
والمساواة. وقد تقدّم الكلام على ذلك في «المعاني».
النّفي :
تحدّث ابن منقذ
عن النفي وقال : «إنّ النفي قد كثر في أشعار العرب المحدثين» كقول عديّ :
وما مخدر ورد
يرشح شبله
|
|
بخفان قد
أحمى جميع الموارد
|
كأنّ دماء
الهاديات بنحره
|
|
صبيب ملاءات
خضيب مجاسد
|
بأمنع منه
موئلا حين تلقه
|
|
إذا الحرب
أبدت عن خدام الخرائد
|
ومن ذلك قول
الشاعر :
وما هاج هذا
الشوق إلا حمامة
|
|
دعت ساق حرّ
ترحة وترنما
|
مطوّقة خطباء
تصدح كلما
|
|
دنا الصيف
وانجاب الربيع فأنجما
|
عجبت لها
أنّى يكون غناؤها
|
|
فصيحا ولم
تفغر بمنطقها فما
|
__________________
فلم أر مثلي
شاقه صوت مثلها
|
|
ولا عربيا
شاقه صوت أعجما
|
وقول الآخر :
وما روضة
بالحزن طيبة الثرى
|
|
يمجّ النّدى
جثجاثها وعرارها
|
لها أرج بين
البلاد كأنما
|
|
تلقّى بها
عطّارها وتجارها
|
بأطيب من
فيها إذا جئت طارقا
|
|
وقد أوقدت
بالمندل الرطب نارها
|
نفي الشّيء
بإيجابه :
ويسمّى «نفي
الشيء بنفي لازمه» قال ابن رشيق : «وهذا الباب من المبالغة وليس بها مختصّا إلا
أنّه من محاسن الكلام فاذا تأمّلته وجدت باطنه نفيا وظاهره ايجابا» .
وقال المصري : «هو
أن يثبت المتكلّم شيئا في ظاهر كلامه وينفي ما هو من سببه مجازا ، والمنفي في باطن
الكلام حقيقة هو الذي أثبته» . ونقل الحلبي والنّويري والحموي هذا التعريف . وقال السّيوطي : «هذا النوع يورده المنطقيون في كتبهم
ويعبّرون عنه بعبارة على اصطلاحهم ويمثّلون له بقولهم : «ما في الدار زيد» ويقصدون
عدم وجود زيد في الدنيا أصلا فاذا وقع لأرباب الحديث والسّنّة مثل هذا فانّهم
يتحاشون عن التعبير عنه باصطلاح المناطقة وقد وسع الله لهم في العبارة فليوردوه
على اصطلاح أهل البديع» .
فللبلاغيين في
تفسير هذا النوع عبارتان :
الأولى : ما
فسّره به ابن رشيق في العمدة وهو أن يكون الكلام ظاهره إيجاب الشيء وباطنه نفيه.
الثانية : ما
فسّره به غيره وهو أن ينفى الشيء مقيّدا والمراد نفيه مطلقا مبالغة في النفي
وتأكيدا له .
ومن أمثلة ابن
رشيق قول امرىء القيس :
على لا حب لا
يهتدى بمناره
|
|
إذا سافه
العود النّباطيّ جرجرا
|
فقوله : «لا
يهتدى بمناره» لم يرد أنّ له منارا لا يهتدى به ولكن أراد أنّه لا منار له فيهتدى
بذلك المنار.
ومن أمثلة
المصري قوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ
النَّاسَ إِلْحافاً) فان ظاهره نفي الإلحاف في المسألة لا نفي المسألة ،
والباطن نفي المسألة بتاتا. ومنه بيت امرىء القيس : «على لا حب ...»
وقال المصري : «ومن
هذا الباب قسم يوجب فيه المتكلّم لنفسه شيئا وينفيه بعينه عن غيره أو ينفي عن
موصوف ما صفة يوجبها لموصوف آخر» كقول السموأل :
وننكر إن
شئنا على الناس قولهم
|
|
ولا ينكرون
القول حين نقول
|
وقول الآخر :
__________________
هضيم الحشا
لا يملأ الكفّ خصرها
|
|
ويملأ منها
كلّ حجل ودملج
|
نفي العامّ :
قال التنّوخي :
«ومن البيان أنّ نفي العامّ يستلزم نفي الخاصّ وإثبات الخاصّ يستلزم إثبات العامّ
فيذكر المستلزم وهو أن يؤتى في النفي بالأعمّ وفي الإثبات بالأخصّ» . ومن ذلك قوله تعالى في قصة نوح ـ عليهالسلام ـ (قالَ الْمَلَأُ مِنْ
قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ). ولم يقل : «ليس بي ضلال» لأنّ نفي الضلالة يستلزم نفي
الضلال وهو أبلغ من عكسه ، ولا يرد عليه بعض ضلالة إذ بعض الضلالة ضلالة وعكس ذلك
يكون في الاثبات. ومن ذلك قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ
يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ
رَبِّهِ أَحَداً). أمر بالعمل الصالح من كان يؤمن بالله وهو جزئي ونهاه
أن يشرك به أحدا فاستعمل العامّ بعد النهي ، والأمر إثبات والنهي نفي.
نفي الموضوع :
قال السّيوطي :
«هذا النوع أيضا من مخترعاتي وسمّيته نفي الموضوع وهو كثير في الحديث وكلام
البلغاء بأن يكون اللفظ موضوعا لمعنى فيصرّح بنفيه عنه ويثبته لغيره مبالغة في
ادّعاء ذلك الحكم» .
كقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «ليس الشديد بالصرعة إنّما الشديد الذي يملك نفسه
عند الغضب» ، وقوله : «ليس الغنى عن كثرة المال ولكن الغنى غنى النفس». وقول
الشاعر :
ليس من مات
فاستراح بميت
|
|
إنّما الميت
ميّت الأحياء
|
النّفي والجحود
:
النفي والجحود
هو تأكيد المدح بما يشبه الذّمّ أو المدح في معرض الذّمّ ، وقد تقدّم. قال المدني
: «هذا النوع من مستخرجات ابن المعتزّ وسمّاه قوم تأكيد المدح بما يشبه الذم
وآخرون النفي والجحود» .
وأطلقه بعضهم
على أحد قسمي التفريع وهو أن يتفرّع من الكلام معنى واحد من أصل واحد إما في بيت
أو ابيات وإما في جملة من الكلام أو جمل ، وهو أن يصدّر الشاعر أو المتكلّم كلامه
باسم منفي بـ «ما» خاصة ثم يصف الاسم المنفي بمعظم أوصافة اللائقة به إما في الحسن
أو القبح ثم يجعله أصلا يفرع منه معنى في جملة من جار ومجرور متعلقة به تعلق مدح
أو هجاء أو فخر أو نسيب أو غير ذلك يفهم من مساواة المذكور بالاسم المنفي الموصوف»
. كقول الأعشى :
وما روضة من
رياض الحزن معشبة
|
|
غنّاء جاد
عليها مسبل هطل
|
يضاحك الشّمس
منها كوكب شرق
|
|
مؤزّر بعميم
النّبت مكتهل
|
يوما بأطيب
منها طيب رائحة
|
|
ولا بأحسن
منها إذ دنا الأصل
|
قال المصري : «وقد
سمّى بعض المتأخرين هذا القسم من التفريع النفي والجحود لتقدم حرف النفي على جملته
وأكثر ما يقع الأصل في بيت والتفريع منه في بيت آخر إما قريبا منه وإما بعيدا عنه.
وقد يقع منه ما يكون الأصل والفرع معا في
__________________
بيت واحد» كقول أبي تمام :
ما ربع ميّة
معمورا يطيف به
|
|
غيلان أبهى
ربى من ربعها الخرب
|
ولا الخدود
وإن أدمين من خجل
|
|
أشهى الى
ناظري من خدّها الترب
|
والنفي والجحود
بهذا المعنى تكلم عليه ابن منقذ في باب «النفي» وقد تقدم.
النقل :
النقل تحويل
الشيء من موضع الى موضع ، نقله ينقله نقلا فانتقل . تحدث الحاتمي عن نقل المعنى الى غيره وقال : «هذا باب
ينقل فيه المعنى عن وجهه الذي وجّه له ، واللفظ عن طريقه الذي سلك به فيها الى
غيره. وذلك صنعة راضة الكلام وصاغة المعاني وحذّاق السراق إخفاء للسرق والاحتذاء
وتورية عن الاتباع والاقتفاء ... وأكثر ما يطوع النقل في المعاني خاصة للمحدثين
لأنّهم فتحوا من نوادر الكلام ما كان هامدا وأيقظوا من عيونه ما كان راقدا وأجروا
من معينه ما كان راكدا وأضحكوا من مباسمه ما كان قاطبا وحلوا من أجياده ما كان
عاطلا» .
ومن ذلك قول
امرىء القيس في صفة الثقة بالفرس :
إذا ما ركبنا
قال ولدان أهلنا
|
|
تعالوا الى
أن يأتي الصّيد نخطب
|
نقل ابن مقبل
هذا المعنى الى صفة القدح فقال :
إذا استخبرته
من معّد عصابة
|
|
غدا ربّه قبل
المفيضين يقدح
|
وقال ابن منقذ
: «هو أن ينقل الشاعر معنى الى معنى غيره ، وهو كما قال أبو العلاء في تفسير شعر
المتنبي :
ولخطّه في
كلّ قلب شهوة
|
|
حتى كأنّ
مداده الأهواء
|
هذا يسميه أهل
النقد «النقل» لأنّه ثقله من قول البحتري في الخمر :
أفرغت في
الزجاج من كل قلب
|
|
فهي محبوبة
الى كلّ نفس
|
ومنه قول
البحتري أيضا :
ولو انّ
مشتاقا تكلّف غير ما
|
|
في وسعه لمشى
إليك المنبر
|
منقول من قول
الآخر :
ولهنّ بالبيت
العتيق لبانة
|
|
والبيت
يعرفهنّ لو يتكلّم
|
لو كان حيّا
قبلكن ظعائنا
|
|
حيّا الحطيم
وجوههنّ وزمزم
|
لكنّه نقله من
النسب الى المدح .
وأدخله
القزويني في الأخذ الخفي وقال : «ومنه النقل وهو أن ينقل معنى الأول الى غير محله»
.
نقل الجزل الى
الجزل :
هو أن ينقل
الشاعر أو الناثر المعنى الجزل الى جزل مثله ، كقول أبي نواس :
بحّ صوت
المال مما
|
|
منك يدعو
ويصيح
|
ما لهذا آخذ
|
|
فوق يديه أم
نصيح
|
أخذه مسلم بن
الوليد فنقله الى بناء أحسن منه فقال :تظلّم المال والأعداء من يده
__________________
لا زال للمال والأعداء ظلّاما
وقول أبي
العتاهية :
كأنها من
حسنها درّة
|
|
أخرجها الموج
الى الساحل
|
أخذه بشار فزاد
وأحسن فقال :
كأنّما أفرغت
في جوف لؤلؤة
|
|
فكلّ ناحية
من وجهها قمر
|
نقل الجزل الى
الرذل :
هو أن ينقل
الشاعر المعنى الجزل أقل منه جزالة وبناءا ، كقول امرئ القيس :
ألم ترياني
كلّما جئت طارقا
|
|
وجدت بها
طيبا وإن لم تطيّب
|
أخذه كثيّر
فقال :
فما روضة
بالحزن طيبة الثرى
|
|
يمجّ الندى
جثجاثها وعرارها
|
بأطيب من
أردان عزّة موهنا
|
|
وقد أوقدت
بالمندل الرّطب نارها
|
فطوّل في اللفظ
وقصّر في المعنى .
نقل الرذل الى
الجزل :
هو نقل المعنى
الرذل الى بناء جيد جزل كقول بشار :
يا طفلة
السنّ يا صغيرتها
|
|
أصبحت إحدى
المصائب الكبر
|
أخذه غيره فقال
:
وصغيرة
علّقتها
|
|
كانت من
الفتن الكبار
|
كالبدر إلا
أنّها
|
|
تبقى على ضوء
النهار
|
نقل الطويل الى
القصير :
قال ابن منقذ :
«ومنه السرقات المحمودة والمذمومة ، قال ابن وكيع التنيسي : السرقات المحمودة عشر
أولها استيفاء اللفظ الطويل في المعنى القصير» كقول بشار :
من راقب الناس
لم يظفر بحاجته
|
|
وفاز
بالطيبات الفاتك اللهج
|
اختصره سلم
الخاسر فقال :
من راقب
الناس مات غمّا
|
|
وفاز
باللّذّة الجسور
|
ولأبي تمام في
صفة قصيدة :
يودّ ودادا
أنّ أعضاء جسمه
|
|
إذا أنشدت
شوقا اليها مسامع
|
قصّره كشاجم
ونقله الى أبيات في صفة قينة فقال :
جاءت بوجه
كأنّه قمر
|
|
على قوام
كأنّه غصن
|
حتى إذا ما
استقرّ مجلسنا
|
|
وصار في
حجرها لها وثن
|
غنّت فلم تبق
فيّ جارحة
|
|
إلا تمنيت
أنّها أذن
|
واختصره آخر
فقال :
لي حبيب
خياله نصب عيني
|
|
سرّه في
ضمائري مكنون
|
إن
تذكّرته فكلّي قلوب
|
__________________
أو تأملته فكلّي عيون
نقل القصير الى
الطويل :
قال ابن منقذ :
«ومنه نقل اللفظ اليسير الى الكثير» كقول مسلم بن الوليد :
أقبلن في رأد
الضّحى زمرا
|
|
يسترن وجه
الشمس بالشّمس
|
أخذه الآخر
فطوّله وقال :
وإذا الغزالة
في السّماء تعرّضت
|
|
وبدا النّهار
لوقته يترجّل
|
أبدت لوجه
الشمس شمسا مثله
|
|
يلقى السماء
بمثل ما يستقبل
|
وقال أبي نواس
:
لا تسدينّ
اليّ عارفة
|
|
حتى أقوم
بشكر ما سلفا
|
أخذه دعبل
الخزاعي فقال :
تركتك لم
أتركك من كفر نعمة
|
|
وهل يرتجى
نيل الزيادة بالكفر
|
ولكنّني لمّا
رأيتك راغبا
|
|
وأسرفت في
برّي عجزت عن الشكر
|
النهي :
النهي خلاف
الأمر ، نهاه نهيا فانتهى وتناهى : كفّ النهي طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء والالزام ،
وهو أحد أقسام الانشاء الطلبي.
ويتفق مع الامر
في أنّ كل واحد منهما لا بدّ فيه من اعتبار الاستعلاء ، وأنّهما يتعلقان بالغير
فلا يمكن أن يكون الانسان آمرا لنفسه أو ناهيا لها ، وانهما لا بدّ من اعتبار حال
فاعلهما في كونه مريدا لهما.
ويختلفان في
أنّ كل واحد منهما مختص بصيغة تخالف الآخر ، وأنّ الامر دالّ على الطلب ، والنهي
دال على المنع ، وأنّ الأمر لا بدّ فيه من إرادة مأموره ، وأنّ النهي لا بدّ فيه
من كراهية منهيّه .
وللنهي صيغة
واحدة هي المضارع المقرون بـ «لا» الناهية الجازمة كقوله تعالى : (وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ
بَعْضُكُمْ بَعْضاً).
وقد تخرج هذه
الصيغة الى معان مجازية كثيرة منها : الدعاء ويكون صادرا من الأدنى الى الأعلى
كقوله تعالى على لسان من يريد الدعاء : (رَبَّنا لا
تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ، رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا
إِصْراً). وقول كعب بن زهير :
لا تأخذنّي
بأقوال الوشاة ولم
|
|
أذنب ولو
كثرت فيّ الأقاويل
|
والالتماس ،
ويكون صادرا من أخ الى أخيه أو صديق الى صديق كقوله تعالى على لسان هارون يخاطب
أخاه موسى : (قالَ يَا بْنَ أُمَّ
لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي). وقول أبي العلاء :
لا تطويا
السرّ عني يوم نائبة
|
|
فإنّ ذلك ذنب
غير مغتفر
|
والتمني ويكون
النهي موجها الى ما لا يعقل كقول الخنساء :
أعينيّ جودا
ولا تجمدا
|
|
ألا تبكيان
لصخر الندى
|
والنصح كقوله
تعالى : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ
أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ) ، وقول الشاعر :
لا تحلفنّ على صدق ولا كذب
__________________
فما يفيدك إلا المأثم الكذب
والتوبيخ كقول
الشاعر :
لا تنه عن
خلق وتأتي مثله
|
|
عار عليك إذا
فعلت عظيم
|
والتحقير كقول
الحطيئة :
دع المكارم
لا ترحل لبغيتها
|
|
واقعد فإنّك
أنت الطاعم الكاسي
|
والتيئيس كقوله
تعالى : (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ
كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) وقول المتنبي في مدح سيف الدولة :
لا تطلبنّ
كريما بعد رؤيته
|
|
إنّ الكرام
بأسخاهم يدا ختموا
|
وبيان العاقبة
كقوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ
اللهَ غافِلاً) أي : عاقبه الظلم العذاب لا الغفلة ..
النوادر :
ندر الشيء يندر
ندورا : سقط ، وقيل : سقط وشذّ ، ونوادر الكلام تندر وهي ما شذّ وخرج من الجمهور
وذلك لظهور .
سمّى قدامة هذا
النوع الاستغراب والطرفة ، وسمّاه قوم التطريف ، وهو أن يأتي الشاعر بمعنى غريب
لقلته في كلام الناس . وقد تقدم في الاستغراب.
__________________
الهاء
الهجاء في معرض
المدح :
هذا الفن من
مبتدعات المصري ، قال : «هو أن يقصد المتكلم الى هجاء إنسان فيأتي بألفاظ موجهة
ظاهرها المدح وباطنها القدح فيوهم أنّه يمدحه وهو يهجوه» . كقول بعضهم في بعض الأشراف :
له حقّ وليس
عليه حقّ
|
|
ومهما قال
فالحسن الجميل
|
وقد كان
الرسول يرى حقوقا
|
|
عليه لغيره
وهو الرسول
|
فالبيت الاول
لا يصلح إلا للمدح ومثله البيت الثاني لا يفهم منه مدح ولا هجاء ، ولكنه لما اقترن
بالأول أهّل نفسه وأخاه للهجاء وعدل بألفاظهما عن الثناء وحصل من اجتماعهما ما ليس
لكل منهما على انفراده.
ومن ذلك قول
عبد الصمد بن المعذل أو أبي العميثل في أبي تمام وقد كانت في لسانه حبسة :
يا نبيّ الله
في الشّع
|
|
ر ويا عيسى
بن مريم
|
أنت من أشعر
خلق الله
|
|
ما لم تتكلّم
|
فإنّ حال هذين
البيتين حال البيتين السابقين ، إذ الاول منهما اذا انفرد كان مدحا محضا واذا
اجتمعا صارا هجوا بحتا ، غير أنّ ثاني الآخرين مخالف لثاني الاولين.
ونقل السبكي
تعريف المصري ولم يمثّل لهذا الفن ونقله الحموي وأشار الى أنّه من مستخرجات المصري وفعل مثله السيوطي والمدني الذي سمّاه «الهجو في معرض المدح» .
الهدم :
الهدم نقيض
البناء ، هدمه يهدمه هدما وهدّمه فانهدم .
الهدم من
السرقات وذلك أن يأتي الشاعر بمعنى يعكسه الآخر ، ولم يعرّفه ابن منقذ .
وقال ابن قيم
الجوزية : «هو أن يأتي غيرك بكلام تضّمن معنى فتأتي أنت بضده فكأنه هدم ما بناه
المتكلم» ونقل الزركشي هذا التعريف .
ومن هذا النوع
قول البلاذري :
قد يرفع
المرء الليئم حجابه
|
|
ضعة ودون
العرف منه حجاب
|
عكسه الآخر
فقال :
__________________
ملك أغرّ
محجّب
|
|
معروفه لا
يحجب
|
وقال ابو تمام
:
وإن يحل
بيننا الحجاب فلن
|
|
يحجب عنا
معروفه الحجب
|
وقال حسان :
بيض الوجوه
كريمة أحسابهم
|
|
شمّ الأنوف
من الطراز الأوّل
|
يغشون حتى ما
تهرّ كلابهم
|
|
لا يسألون عن
السّواد المقبل
|
هدمه الآخر
فقال :
ذهب الزمان
برهط حسّان الألى
|
|
كانوا ملاذا
في الزّمان الجائر
|
وبقيت في خلف
يحلّ ضيوفهم
|
|
منهم بمنزلة
اللئيم الغادر
|
سود الوجوه
لئيمة أحسابهم
|
|
فطس الأنوف
من الطراز الآخر
|
الهذر والتبعيد
:
وهو من عيوب
اشتراك اللفظ ، قال البغدادي : «ومن عيوب هذا الجنس الهذر والتبعيد عند الحاجة الى
الايجاز والتقريب ، وهذا هو زيادة الالفاظ على المعاني من غير سبب يدعو اليها أو
حاجة تبعث عليها ، والمثالات في ذلك موجودة كثيرة من كلام العامة والدخلاء في
الصناعة» .
الهزل المراد
به الجد :
كان الجاحظ
يذكر بعض الفصول من الهزل استنشاطا للقارىء ، وقد قال عن إبراهيم بن هانىء : «وكان ماجنا خليعا
وكثير العبث متحررا ، ولو لا أنّ كلامه هذا الذي أراد به الهزل يدخل في باب الجدّ
لما جعلته صلة الكلام الماضي» .
وذكر ابن
المعتز في محاسن الكلام فنا سمّاه «الهزل يراد به الجدّ» ومثّل له بقول أبي العتاهية :
أرقيك أرقيك
باسم الله أرقيكا
|
|
من بخل نفس
لعلّ الله يشفيكما
|
ما سلم نفسك
إلّا من يتاركها
|
|
وما عدوّك
إلا من يرجيّكا
|
وذكر هذا الفن
البغدادي وابن الزملكاني ، وقال المصري : «هو أن يقصد المتكلم مدح انسان أو ذمه
فيخرج ذلك المقصود مخرج الهزل المعجب والمجون المطرب». ونقل الحلبي والنويري
تعريفه .
وقال ابن
الاثير الحلبي : «هذا الباب من نعوت الألفاظ» وعّرفه بمثل تعريف المصري. وأدخله القزويني في المحسنات
المعنوية ولم يعرّفه وإنّما قال : «فترجمته تغني عن تفسيره» وذكر قول امرىء القيس :
وقد علمت
سلمى وإن كان بعلها
|
|
بأنّ الفتى
يهذي وليس بفعّال
|
وتبعه في ذلك
شرّاح التلخيص ، وألحقه العلوي بتجاهل العارف وقال : «ومما يلحق
باذيال هذا الصنف ويجيء على أثره الهزل الذي يراد به الجدّ» ونقل
__________________
الحموي تعريف المصري ، وقال المدني : «أرى أنّه لا يختص بالمدح والذم بل كل
مقصد أخرجه المتكلم هذا المخرج عدّ من هذا النوع سواء كان مدحا أو ذما أو غزلا أو
شكوى أو اعتذارا أو سؤالا أو غير ذلك» ومن أمثلة المدني قول اللحام في أبي طلحة قسورة بن محمد
:
ويك أبا طلحة
ما تستحي
|
|
بلغت ستين
ولم تلتح
|
وقول ابن
الهبارية :
يقول أبو
سعيد إذ رآني
|
|
عفيفا منذ
عام ما شربت
|
على يد أيّ
شيخ تبت قل لي
|
|
فقلت على يد
الإفلاس تبت
|
وفي معناه
للبهاء زهير :
قالوا فلان
قد غدا تائبا
|
|
واليوم قد
صلّى مع الناس
|
قلت متى كان
وأنّى له
|
|
وكيف ينسى
لذّة الكاس
|
أمس بهذي
العين أبصرته
|
|
سكران بين
الورد والآس
|
ورحت عن
توبته سائلا
|
|
وجدتها توبة
إفلاس
|
__________________
الواو
وجه الشّبه :
وقد يسمّى «وجه
التشبيه» وهو المعنى الذي يشترك فيه المشبه والمشبه به تحقيقا أو تخييلا .
فالتحقيقي
كتشبيه الشعر بالليل في السواد والتخييليّ كتشبيه السيرة بالمسك والاخلاق بالعنبر.
ووجه الشبه قد
يكون واحدا حسيا كالنعومة في تشبيه البشر بالحرير ، أو واحدا عقليا كالهداية في
قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم». أو متعددا
كقول أبي بكر الخالدي :
يا شبيه
البدر حسنا
|
|
وضياء ومنالا
|
وشبيه الغصن
لينا
|
|
وقواما
واعتدالا
|
أنت مثل
الورد لونا
|
|
ونسيما
وملالا
|
زارنا حتى
إذا ما
|
|
سرّنا بالقرب
زالا
|
وينقسم التشبيه
باعتبار وجهه الى قسمين :
الاول : مجمل ،
وهو التشبيه الذي لم يذكر وجهه كقول النابغة الذبياني :
فإنّك شمس
والملوك كواكب
|
|
إذا طلعت لم
يبد منهن كوكب
|
الثاني : مفصّل
، وهو التشبيه الذي يذكر فيه وجهه كأبيات أبي بكر الخالدي : «يا شبيه البدر ...»
وقول الآخر :
وثغره في
صفاء
|
|
وأدمعي
كاللآلي
|
وقول أبي
العلاء :
أنت كالشمس
في الضياء وإن جا
|
|
وزت كيوان في
علوّ المكان
|
وينقسم ايضا
باعتبار وجهه الى تشبيه غير تمثيلي ، وتشبيه تمثيلي وهو ما اتصف ببعض الشروط التي
وضعها البلاغيون حينما فرّقوا بين النوعين ، وقد تقدم ذلك في التشبيه والتمثيل.
الوحي :
الوحي :
الإشارة والكتابة والرسالة والالهام والكلام الخفي وكل ما ألقيته الى غيرك .
قال ابن وهب : «وأما
الوحي فإنّه الإبانة عما في النفس بغير المشافهة على أي معنى وقعت من إيماء
__________________
وإشارة ورسالة وكتابة ، ولذلك قال الله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ
اللهُ إِلَّا وَحْياً). وهو على وجوه كثيرة» . فمنه الاشارة كقوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ
الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا).
ومنه الوحي
المسموع من الملك كقوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا
وَحْيٌ يُوحى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى).
ومنه الوحي في
المنام وهو الرؤيا الصحيحة كما قال الله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى
أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ).
ومنه الالهام
كما قال الله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ
إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ) أي : ألهمها.
ومنه الكتاب ،
ويقال منه : «وحيث الكتاب» إذا كتبته ، قال الشاعر :
ما هيّج
الشوق من أطلال دارسة
|
|
أضحت قفارا
كوحي خطه الواحي
|
ومن الوحي
الاشارة باليد والغمز بالحاجب والايماض بالعين كما قال الشاعر :
وتوحي اليه
باللّحاظ سلامها
|
|
مخافة واش
حاضر ورقيب
|
وقال آخر :
أشارت بطرف
العين خيفة أهلها
|
|
إشارة محزون
ولم تتكلّم
|
وأيقنت أنّ
الطرف قد قال مرحبا
|
|
وأهلا وسهلا
بالحبيب المسلّم
|
الوصل :
وصل الشيء
بالشيء يصله وصلا وصلة : اي ربطه .
والوصل في
البلاغة هو الربط بين الجمل أو عطف بعض الجمل على بعض ، وقد تقدم في الفصل والوصل.
وضع جمع القلّة
موضع الكثرة :
الجمل يقع
بعضها موقع بعض لاشتراكها في مطلق الجمع ، وفي القرآن الكريم أمثلة من ذلك قوله تعالى : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) فان المجموع بالألف والتاء للقلة وغرف الجنة لا تحصى.
وقوله : (اللهُ يَتَوَفَّى
الْأَنْفُسَ)
ومن شواهد مجيء
جمع القلة مرادا به الكثرة قول حسّان :
لنا الجفنات
الغرّ يلمعن في الضّحى
|
|
وأسيافنا
يقطرن من نجدة دما
|
وضع الخبر موضع
الطّلب :
وذلك أن يكون
في الأمر والنهي كقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) ، فالخبر هنّا للأمر. ومنه قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ)
__________________
أي : لا ترفثوا ولا تفسقوا. وقد تقدم ذلك في الخبر.
وضع الطّلب
موضع الخبر :
أي أن ينقل
الاسلوب الطلبي الى الخبر ، وقد تقدم ذلك في الأمر والنهي وغيرهما من أساليب
الانشاء الطلبي.
وضع الظاهر
موضع المضمر :
قال الزركشي : «والعجب
أنّ البيانيين لم يذكروه في أقسام الإطناب» وقال السيوطي : «ورأيت فيه تأليفا مفردا لابن الصائغ» .
ولهذا النوع
فوائد منها : زيادة التقرير والتمكين كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ).
والاصل : هو
الصمد. وقوله تعالى : (وَبِالْحَقِّ
أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ).
وقصد التعظيم
كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ
وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
وقصد الاهانة
والتحقير كقوله تعالى : (أُولئِكَ حِزْبُ
الشَّيْطانِ ، أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ).
والاستلذاذ
بذكره كقوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ
الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً).
وزيادة التقدير
كقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ هُوَ
مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ).
وإزالة اللبس
حيث يكون الضمير يوهم أنّه غير المراد كقوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ
الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ).
وأن يكون القصد
تربية المهابة وإدخال الروعة في ضمير السامع كقوله تعالى : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ).
وقصد تقوية
داعية المأمور كقوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
وتعظيم الأمر
كقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا
كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ
يَسِيرٌ. قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ).
وأن يقصد
التوصل بالظاهر الى الوصف كقوله تعالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ
وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) بعد قوله في صدر الآية : (إِنِّي رَسُولُ اللهِ
إِلَيْكُمْ جَمِيعاً.)
والتنبيه على
علة الحكم كقوله تعالى : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ
ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ).
وقصد العموم
كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَتَيا
أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها).
وقصد الخصوص
كقوله تعالى : (وَامْرَأَةً
مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ).
ومراعاة
التجنيس كقوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلهِ النَّاسِ). ومنها أن يتحمل ضميرا لا بدّ منه كقوله تعالى : (... أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما
أَهْلَها). وكونه أهم من الضمير كقوله
__________________
تعالى : (أَنْ تَضِلَّ
إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) وكون ما يصلح للعود ولم يسق الكلام له كقوله تعالى : (رُسُلُ اللهِ ، اللهُ أَعْلَمُ) والاشارة الى عدم دخول الجملة في حكم الاولى كقوله
تعالى : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ
يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ).
وسمّاه القزويني
: «وضع المظهر موضع المضمر» وذكر بعض دواعيه التي تقدمت ، وقال إنّه يأتي اسم اشارة
، وذلك لكمال العناية بتمييزه لاختصاصه بحكم بديع كقوله ابن الراوندي :
كم عاقل عاقل
أعيت مذاهبه
|
|
وجاهل وجاهل
تلقاه مرزوقا
|
هذا الذي ترك
الأوهام حائرة
|
|
وصيّر العالم
النحرير زنديقا
|
وإما للتهكم
بالسامع كما اذا كان فاقد البصر ، أو لم يكن ثمّ مشار اليه أصلا. وإما للنداء على
كمال بلادته بإنّه لا يدرك غير المحسوس بالبصر أو على كمال فطانته ، بأنّ غير
المحسوس بالبصر عنده كالمحسوس عند غيره. وإما لادعاء أنّه كمل ظهوره حتى كأنه
محسوس بالبصر كقول ابن الدمينة :
تعاللت كي
أشجى وما بك علّة
|
|
تريدين قتلي
قد ظفرت بذلك
|
ويأتي غير اسم
إشارة وذلك لزيادة التمكين كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ) وقوله : (وَبِالْحَقِّ
أَنْزَلْناهُ ، وَبِالْحَقِّ نَزَلَ). وقول الشاعر :
إن تسألوا
الحقّ نعط الحقّ سائله
|
|
والدرع محقبة
والسيف مقروب
|
وإما لادخال
الروع في ضمير السامع وتربية المهابة ، وإما لتقوية داعي المأمور كقوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى
اللهِ).
وإما للاستعطاف
كقول الشاعر : «إلهي عبدك العاصي أتاكا».
وضع الماضي
موضع المستقبل :
هذا النوع من
خلاف مقتضى الظاهر وذلك تنبيها على تحقيق وقوعه كقوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ
فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) وقوله : (وَنادى أَصْحابُ
الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا : ما أَغْنى عَنْكُمْ
جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ).
وإما للاشراف
أي : مشارفة وقوعه ومقاربته كقوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ
لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ
فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) أي : لو شارفوا أن يتركوا.
أو لابراز غير
الحاصل في معرض الحاصل لقوة الاسباب الظاهرة كقول المشتري : «اشتريت» حال انعقاد
أسبابه .
وقد بحث ابن
الاثير هذا النوع في شجاعة العربية أو الالتفات وقال فائدة ذلك «أنّ الفعل الماضي
إذا أخبر به عن الفعل المستقبل الذي لم يوجد بعد كان ذلك أبلغ وأوكد في تحقيق
الفعل وإيجاده ؛ لأنّ الفعل الماضي يعطي من المعنى أنّه قد كان ووجد ، وإنما يفعل
ذلك إذا كان الفعل المستقبل من الاشياء العظيمة
__________________
التي يستعظم وجودها» .
وضع المضمر
موضع المظهر :
هذا النوع من
خلاف مقتضى الظاهر ، كقولهم ابتداء من غير جري ذكر لفظا أو قرينة حال : «نعم رجلا
زيد» و «بئس رجلا عمرو» مكان : «نعم الرجل» و «بئس الرجل» على قول من لا يرى الأصل
«زيد نعم رجلا» و «عمرو بئس رجلا». وقولهم : «هو زيد عالم» و «هو عمرو شجاع» مكان
: «الشأن زيد عالم» و «القصة عمرو شجاع» ليتمكن في ذهن السامع ما يعقبه ، فانّ
السامع متى لم يفهم من الضمير معنى بقي منتظرا لعقبى الكلام كيف تكون فيتمكن
المسموع بعده في ذهنه فضل تمكن وهو السر في التزام تقديم ضمير الشأن أو القصة. قال
الله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ) وقال : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ
الْكافِرُونَ) وقال : (فَإِنَّها لا تَعْمَى
الْأَبْصارُ).
وهذا من أساليب
التوسع في القول والايجاز والابهام أحيانا .
وضع المظهر
موضع المضمر :
هذا النوع من
خلاف مقتضى الظاهر ، وهو «وضع الظاهر موضع المضمر» وقد تقدم.
وضع النّداء
موضع التّعجّب :
هذا النوع من
خروج النداء الى التعجب كقوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى
الْعِبادِ) قال الفراء : «معناه : فيا حسرة» ، وقد تقدم في النداء.
وقوع الحافر
على الحافر :
هذا النوع من
السرقات وذلك أن يؤخذ اللفظ والمعنى ، وقد قسّمه ابن الاثير الى ثلاثة أنواع :
الأول : أن
يستوي الشاعران في كل لفظة من الالفاظ ، وهذا يقع كثيرا في شعر جرير والفرزدق
كقولهما :
وغرّ قد وسقت
مشهّرات
|
|
طوالع لا
تطيق لها جوابا
|
بكل ثنيّة
وبكل ثغر
|
|
غرابتهن
تنتسب انتسابا
|
بلغن الشمس
حيث تكون شرقا
|
|
ومسقط قرنها
من حيث غابا
|
الثاني : أن
يختلف الشاعران في لفظة واحدة من بيتيهما كقول امرىء القيس :
وقوفا بها
صحبي عليّ مطيّهم
|
|
يقولون لا
تهلك أسى وتجمّل
|
وقول طرفة :
وقوفا بها
صحبي عليّ مطيّهم
|
|
يقولون لا
تهلك أسى وتجلّد
|
الثالث : أن
يختلف الشاعران في شطر بيتيهما ، وهو أقرب الأضرب الثلاثة حالا ، كقوله جرير :
إذا غضبت
عليّ بنو تميم
|
|
حسبت الناس
كلّهم غضابا
|
وقول الفرزدق :
وتحسب من
ملائمها كليب
|
|
عليها الناس
كلهم غضابا
|
__________________
الخاتمة
بعد الفراغ من
طبع المعجم أعارني الاستاذ الجليل الدكتور محمود الجليلي كتاب «الحجة على من زاد
على ابن حجة» للحاج عثمان بك الجليلي المتوفى سنة ١٢٤٥ ه فوجدته كتابا نافعا يدل على ثقافة عصره. وقد رأيت
اكمالا لما بدأت به أن أشير الى موضوعاته ليرجع اليها الدارسون وهم يراجعون «معجم
المصطلحات البلاغية وتطورها».
١ ـ براعة
الاستهلال ص ١٥.
٢ ـ الجناس
المضارع ص ١٧.
٣ ـ الجناس
الناقص ص ١٩.
٤ ـ الجناس
المشوش ص ٢١.
٥ ـ الجناس
المجنح ص ٢١.
٦ ـ الجناس
المجوف : وهو من مخترعات زمان المؤلف ، وحدّه : «بان تذكر كلمة حروفها ثلاثية أو
خماسية ثم تذكرها مع اسقاطك حرفا من وسطها فتصير مجوفة كقولك سفر البر خير من سفر
البحر» ص ٢٤.
٧ ـ الجناس
المرفو ص ٢٥.
٨ ـ جناس
التوهيم وهو من مخترعات المؤلف وهو «أن يذكر الناظم أو الناثر كلمتين تكون من حيث
الخط مخالفة ومن حيث اللفظ موافقة فيتوهم السامع أنّه جناس تمام فإذا نظر الى الخط
رآه جناسا مشوشا» مثل اتفاق لفظتي «كالشافي» و «كشاف» في النطق لا في الخط. ص ٢٦.
٩ ـ القول
بالموجب ص ٢٩.
١٠ ـ أسلوب ص
٣٠.
١١ ـ المضاهاة
وهو من مخترعات زمان المؤلف وهو «أن يماثل المتكلم كلمات بكلمات غيره مماثلة بحيث
لو علم كلام الغير تبينت المماثلة في كلام المتكلم» مثل تماثل القولين : «ما بين
جبهتها وباب بريدها» و «ما بين قلعتها وباب جديدها» ص ٣٣.
١٢ ـ الاقتضاب
ص ٣٥.
١٣ ـ الاحتباك
ص ٥٥.
١٤ ـ التشبيه
البليغ ص ٥٨.
١٥ ـ الطرد
والعكس ص ٦١.
١٦ ـ التفريع ص
٦٢.
١٧ ـ الترقي ص
٦٤.
١٨ ـ التنزل (التنزيل)
أو التدلي ص ٦٦.
١٩ ـ المهمل ص
٦٧.
٢٠ ـ المقطوع ص
٦٧.
٢١ ـ المتصل ص
٦٨.
٢٢ ـ التوزيع ص
٦٨.
٢٣ ـ الاستعانة
ص ٦٨.
٢٤ ـ المعجم ص
٧١.
__________________
٢٥ ـ الأخيف ص
٧٢.
٢٦ ـ الأرقط ص
٧٢.
٢٧ ـ المفصل ص
٧٢.
٢٨ ـ الصامت ص
٧٢.
٢٩ ـ الناطق ص ٧٢.
٣٠ ـ الشبيه
بالأخيف ص ٧٢.
٣١ ـ اللاحق
بالارقط ص ٧٢.
٣٢ ـ الشبيه
بالارقط ص ٧٢.
٣٣ ـ المقصور
والممدود ص ٧٣.
٣٤ ـ الموازنة
ص ٧٣.
٣٥ ـ ذكر عدد
الأبيات والانواع ص ٧٣.
٣٦ ـ الاستشهاد
ص ٧٣.
٣٧ ـ ختام
الختام ص ٧٣.
٣٨ ـ التغليب ص
٧٣.
٣٩ ـ الحقيقة ص
٧٥.
٤٠ ـ التأريخ ص
٧٦.
٤١ ـ حسن
الختام ص ١٠٥.
ولعل هناك كتبا
لم تقع يدي عليها وأنا أعدّ هذا المعجم الذي استغرق انجازه عشرة أعوام وتم طبعه
وتصحيحه في سبع سنين دأبا ، وما أنا بآسف على ما بذلت من جهد ووقت وحسبي أنني خدمت
لغة القرآن الكريم ، ورسمت طريقا لمن يريد أن يخدم أمته ووطنه ، ويحافظ على لغته
الشريفة. وحينما يصدر «معجم النقد العربي القديم» الذي ينتظر الطبع أكون قد خدمت بلاغة العرب ، وما
التوفيق إلا من عند الله تعالى.
الدكتور احمد
مطلوب
عضو المجمع
العلمي العراقي
الخامس عشر من
ايار ١٩٨٧ م
السابع عشر من
رمضان ١٤٠٧ ه. الجمعة
__________________
المصادر
١ ـ الاتقان في
علوم القرآن. جلال الدين السيوطي. القاهرة ١٣٦٨ ه.
٢ ـ إحكام صنعة
الكلام. محمد بن عبد الغفور الكلاعي الاشبيلي الاندلسي تحقيق محمد رضوان الداية.
بيروت ١٩٦٦ م.
٣ ـ أخبار أبي
تمام أبو بكر محمد بن يحيى الصولي. تحقيق خليل محمود عساكر ومحمد عبدو عزام ونظير
الاسلام الهندي. القاهرة.
٤ ـ أخبار
البحتري : أبو بكر محمد بن يحيى الصولي. تحقيق الدكتور صالح الاشقر. الطبعة
الثانية ـ دمشق ١٣٨٤ ه ـ ١٩٦٤ م.
٥ ـ الادب
الصغير. عبد الله بن المقفع (آثار ابن المقفع) بيروت ١٩٦٦ م.
٦ ـ أدب
الكاتب. ابن قتيبة. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد الطبعة الثالثة ـ القاهرة
١٣٧٧ ه ـ ١٩٥٨ م.
٧ ـ الاستدراك
في الرد على رسالة ابن الدهان المسماة بالمآخذ الكندية في المعاني الطائية. ضياء
الدين بن الاثير. تحقيق الدكتور حفني محمد شرف. القاهرة ١٩٥٨ م.
٨ ـ أسرار
البلاغة. عبد القاهر الجرجاني. تحقيق ه ريتر. استانبول ١٩٥٤ م.
٩ ـ الاشارة
الى الايجاز في بعض أنواع المجاز. عز الدين عبد العزيز ابن عبد السّلام. دمشق.
١٠ ـ الاطول.
عصام الدين ابراهيم بن محمد بن عربشاه الاسفراييني. تركية ١٢٧٤ ه.
١١ ـ إعجاز
القرآن. أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني. تحقيق السيد احمد صقر. القاهرة ـ دار
المعارف.
١٢ ـ أعلام
الكلام. محمد بن شرف القيرواني. القاهرة ١٣٤٤ ه ـ ١٩٢٦ م.
١٣ ـ الأغاني.
أبو فرج الاصفهاني. دار الكتب المصرية ـ القاهرة. الجزء السابع عشر تحقيق علي محمد
البجاوي ، القاهرة ١٣٨٩ ه ـ ١٩٧٠ م. الجزء التاسع عشر تحقيق عبد الكريم العزباوي
القاهرة ١٣٩١ ه ـ ١٩٧٢ م.
١٤ ـ الأقصى
القريب في علم البيان. محمد بن محمد التنوخي. القاهرة ١٣٢٧ ه.
١٥ ـ أمالي
المرتضى ـ الشريف المرتضى. تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم القاهرة ١٣٧٣ ه ـ ١٩٥٤
م.
١٦ ـ الامتناع
والمؤانسة. ابو حيان التوحيدي. تحقيق أحمد أمين واحمد الزين. القاهرة.
١٧ ـ الانتصاف.
احمد بن المنير الاسكندري. مطبوع في هامش تفسير الكشاف للزمخشري. الطبعة الثانية ـ
القاهرة ١٣٧٣ ه ـ ١٩٥٣ م.
١٨ ـ أنوار
الربيع في أنواع البديع. علي صدر الدين بن معصوم المدني. تحقيق شاكر هادي شكر. النجف
الأشرف ١٣٨٨ ه ـ ١٩٥٣ م.
١٩ ـ الايضاح.
الخطيب جلال الدين القزويني. تحقيق جماعة من علماء الازهر الشريف. القاهرة.
٢٠ ـ الايضاح
في شرح مقامات الحريري. أبو المظفر ناصر بن المطرزي. ايران ـ ١٢٧٢ ه.
٢١ ـ الايمان.
ابن تيمية. الطبعة الثانية ـ بيروت ١٣٩٢ ه ـ ١٩٧٢ م.
٢٢ ـ الباعث
الحثيث ـ شرح اختصار علوم الحديث. ابن كثير. الطبعة الثالثة ـ القاهرة.
٢٣ ـ البحر
المحيط. أثير الدين أبو حيان الاندلسي ، القاهرة ١٣٢٨ ه.
٢٤ ـ البديع.
عبد الله بن المعتز. طبعة كراتشكوفسكي. لندن ١٩٣٥ م.
٢٥ ـ البديع في
نقد الشعر. اسامة بن منقذ. تحقيق الدكتور احمد أحمد بدوي والدكتور حامد عبد
المجيد. القاهرة ١٣٨٠ ه ـ ١٩٦٠ م.
٢٦ ـ بديع
القرآن. ابن أبي الاصبع المصري. تحقيق الدكتور حفني محمد شرف. القاهرة ١٣٧٧ ه ـ ١٩٥٧
م.
٢٧ ـ بديعيات
الآثاري. زين الدين شعبان بن محمد القرشي الآثاري تحقيق هلال ناجي. بغداد ١٣٩٧ ه
ـ ١٩٧٧ م.
٢٨ ـ البرهان
في علوم القرآن. بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي. تحقيق محمد ابو الفضل
ابراهيم. القاهرة ١٣٧٦ ه ـ ١٩٥٧ م وما بعدها.
٢٩ ـ البرهان
في وجوه البيان. ابو الحسين اسحاق بن ابراهيم بن سليمان ابن وهب الكاتب. تحقيق
الدكتور احمد مطلوب والدكتورة خديجة الحديثي بغداد ١٣٨٧ ه ـ ١٩٦٧ م.
٣٠ ـ البرهان
الكاشف عن إعجاز القرآن. عبد الواحد بن عبد الكريم الزملكاني. تحقيق الدكتور أحمد
مطلوب والدكتورة خديجة الحديثي. بغداد ١٣٩٤ ه ـ ١٩٧٤ م.
٣١ ـ بيان
إعجاز القرآن. ابو سليمان حمد بن محمد بن ابراهيم الخطابي (ثلاث رسائل في إعجاز
القرآن) تحقيق محمد خلف الله والدكتور محمد زغلول سلام. دار المعارف ـ القاهرة.
٣٢ ـ البيان
والتبين. ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ. تحقيق عبد السّلام محمد هارون. القاهرة
١٣٦٧ ه ـ ١٩٤٨ م.
٣٣ ـ تأريخ
بغداد. الخطيب البغدادي. القاهرة.
٣٤ ـ تأويل
مشكل القرآن. ابن قتيبة. تحقيق السيد أحمد صقر. القاهرة ١٣٧٣ ه ـ ١٩٥٤ م.
٣٥ ـ التّبيان
في البيان. شرف الدين الحسين بن محمّد عبد الله الطيبي. تحقيق الدكتور توفيق الفيل
وعبد اللّطيف لطف الله. الكويت ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦ م.
٣٦ ـ التبيان
في علم البيان المطلع على إعجاز القرآن. عبد الواحد بن عبد الكريم الزملكاني. تحقيق
الدكتور أحمد مطلوب والدكتورة خديجة الحديثي بغداد ١٣٨٣ ه ـ ١٩٦٤ م.
٣٧ ـ تحرير
التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان اعجاز القرآن. ابن أبي الاصبع المصري. تحقيق
الدكتور حفني محمد شرف. القاهرة ١٣٨٣ ه.
٣٨ ـ التعريفات.
السيد الشريف علي بن محمد بن علي الجرجاني. القاهرة ١٣٥٧ ه ـ ١٩٣٨ م.
٣٩ ـ التلخيص
في علوم البلاغة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الخطيب. تحقيق عبد الرحمن
البرقوقي. الطبعة الثانية القاهرة ١٣٥٠ ه ـ ١٩٣٢ م.
٤٠ ـ التنبيه
على حدوث التصحيف. حمزة بن الحسن الاصفهاني. تحقيق الدكتور محمد أسعد طلس. دمشق
١٣٨٨ ه ـ ١٩٦٨ م.
٤١ ـ الجامع
الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور. ضياء الدين ابن الاثير. تحقيق
الدكتور
مصطفى جواد والدكتور جميل سعيد. بغداد ١٣٧٥ ه ـ ١٩٥٦ م.
٤٢ ـ الجمان في
تشبيهات القرآن. ابو القاسم عبد الله بن محمد بن الحسين المعروف بابن ناقيا
البغدادي. تحقيق الدكتور أحمد مطلوب والدكتورة خديجة الحديثي. بغداد ١٣٧٧ ه ـ ١٩٦٨
م.
٤٣ ـ جمهرة
اشعار العرب. ابو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي. بيروت ١٣٨٣ ه ـ ١٩٦٣ م.
٤٤ ـ جنى
الجناس. جلال الدين السّيوطي. تحقيق الدكتور محمّد علي رزق الخفّاجي. ١٩٨٦ م.
٤٥ ـ جواهر
الالفاظ. قدامة بن جعفر. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. القاهرة ١٣٥٠ ه ـ ١٩٣٢
م.
٤٦ ـ جوهر
الكنز. نجم الدين أحمد بن اسماعيل بن الأثير الحلبي. تحقيق الدكتور محمد زغلول
سلام. الاسكندرية ـ مصر.
٤٧ ـ حاشية
الدسوقي على شرح السعد لتلخيص المفتاح. محمد بن محمد عرفة الدسوقي. (شروح التلخيص)
القاهرة ١٩٣٧ م.
٤٨ ـ الحجة.
ابو علي الفارسي. القاهرة.
٤٩ ـ حدائق
السحر في دقائق الشعر. رشيد الدين محمد العمري المعروف بالوطواط. ترجمة الدكتور
ابراهيم أمين الشواربي. القاهرة ١٣٦٤ ه ـ ١٩٤٥ م.
٥٠ ـ حسن
التوسّل الى صناعة الترسل. شهاب الدين محمود الحلبي. تحقيق الدكتور اكرم عثمان
يوسف. بغداد ١٤٠٠ ه ـ ١٩٨٠ م.
٥١ ـ حلية اللب
المصون على الجوهر المكنون. أحمد الدمنهوري. مطبوع على حاشية شرح عقود الجمان
للسيوطي. القاهرة ١٣٥٨ ه ـ ١٩٣٩ م.
٥٢ ـ حلية
المحاضرة في صناعة الشعر. أبو علي محمد بن الحسن بن المظفر. الحاتمي. تحقيق
الدكتور جعفر الكتاني. بغداد ١٩٧٩ م.
٥٣ ـ خزانة
الأدب وغاية الارب. أبو بكر علي بن حجة الحموي. القاهرة ١٣٠٤ ه.
٥٤ ـ الخصائص.
أبو الفتح عثمان بن جني. تحقيق محمد رشيد رضا. القاهرة ١٣٧١ ه ـ ١٩٥٢ م.
٥٥ ـ دلائل
الاعجاز. عبد القاهر الجرجاني تحقيق محمد رشيد رضا. الطبعة الخامسة ـ القاهرة ١٣٧٢
ه.
٥٦ ـ رسائل ابن
كمال باشا. تحقيق الدكتور ناصر سعد الرشيد. الرياض ١٤٠١ ه ـ ١٩٨٠ م.
٥٧ ـ رسائل
البلغاء. محمد كرد علي. الطبعة الرابعة ـ القاهرة ١٣٧٤ ه ـ ١٩٥٤ م.
٥٨ ـ رسائل
الجاحظ. تحقيق عبد السّلام محمد هارون. ج ١ ـ ٢ (القاهرة ١٣٨٤ ه ـ ١٩٦٤ م) وج ٣ ـ
٤ (القاهرة ١٣٩٩ ه ـ ١٩٧٩ م).
٥٩ ـ رسالة
الجواري. الجاحظ (رسائل الجاحظ ج ٤).
٦٠ ـ الرسالة
العسجدية في المعاني المؤيدية. عباس بن علي بن أبي عمر الصنعاني. تحقيق عبد المجيد
الشرفي. ليبيا ـ تونس ١٣٩٦ ه ـ ١٩٧٦ م.
٦١ ـ رسالة
الغفران. أبو العلاء المعري. تحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطىء). دار
المعارف ـ القاهرة ١٩٥٠ م.
٦٢ ـ رسالة في
البلاغة والإيجاز. الجاحظ (رسائل الجاحظ ج ٤).
٦٣ ـ رسالة في
تحقيق المشاكلة. ابن كمال باشا (رسائل ابن كمال باشا ـ تحقيق الدكتور ناصر سعد
الرشيد ـ الرياض ١٤٠١ ه ـ ١٩٨٠ م).
٦٤ ـ رسالة في
قوانين صناعة الشعراء. الفارابي (مطبوعة في فن الشعر ـ تحقيق الدكتور عبد الرحمن
بدوي ـ القاهرة ١٩٥٣ م).
٦٥ ـ رسالة
القيان. الجاحظ. (رسائل الجاحظ
ج ٢).
٦٦ ـ الروض
المريع في صناعة البديع. ابن البناء المراكشي. تحقيق رضوان ابن شقرون. الدار
البيضاء ـ المغرب ١٩٨٥ م.
٦٧ ـ زهر
الآداب وثمر الالباب. ابو اسحاق ابراهيم بن علي الحصري القيرواني. تحقيق الدكتور
زكي مبارك. الطبعة الثالثة ـ القاهرة ١٣٧٢ ه ـ ١٩٥٣ م.
٦٨ ـ سر
الفصاحة. ابن سنان الخفاجي. تحقيق عبد المتعال الصعيدي. القاهرة ١٣٧٢ ه ـ ١٩٥٣ م.
٦٩ ـ شرح الاشموني
علي الفية ابن مالك. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. الطبعة الاولى ـ القاهرة
١٣٧٥ ه ـ ١٩٥٥ م.
٧٠ ـ شرح ديوان
الحماسة. احمد بن محمد بن الحسن المرزوقي. تحقيق أحمد أمين وعبد السّلام محمد
هارون. القاهرة ١٣٧١ ه ـ ١٩٥١ م.
٧١ ـ شرح عقود
الجمان في علم المعاني والبيان. جلال الدين السيوطي. القاهرة ١٣٥٨ ه ـ ١٩٣٩ م.
٧٢ ـ شرح
الفوائد الغياثية. المولى عصام. القاهرة.
٧٣ ـ شرح
الكافية البديعيّة. صفي الدين الحلّيّ. تحقيق الدكتور نسيب نشاوي. دمشق ١٤٠٣ ه.
٧٤ ـ شرح ما
يقع فيه التصحيف والتحريف. ابو احمد العسكري. تحقيق الدكتور السيد محمد يوسف. دمشق
١٤٠١ ه ـ ١٩٨١ م.
٧٥ ـ شروح
التلخيص. القاهرة ١٩٣٧ م.
٧٦ ـ شروح سقط
الزند. القاهرة ١٣٨٣ ه ـ ١٩٦٤ م.
٧٧ ـ الصاحبي.
احمد بن فارس. تحقيق الدكتور مصطفى الشويمي. بيروت ١٣٨٣ ه ـ ١٩٦٤ م.
٧٨ ـ طبقات
فحول الشعراء. ابن سلام الجمحي. تحقيق محمود شاكر. الطبعة الثانية ـ القاهرة ١٩٧٤
م.
٧٩ ـ الطراز
المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الاعجاز. يحيى بن حمزة العلوي القاهرة ١٣٣٢ ه
ـ ١٩١٤ م.
٨٠ ـ عروس
الافراح في شرح تلخيص المفتاح. بهاء الدين السبكي. (شروح التلخيص ـ القاهرة ١٩٣٧ م).
٨١ ـ العمدة في
محاسن الشعر وآدابه ونقده. ابن رشيق القيرواني. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.
الطبعة الثانية ـ القاهرة ١٣٧٤ ه ـ ١٩٥٥ م.
٨٢ ـ عيار
الشعر. محمد بن احمد بن طاطبا العلوي. تحقيق الدكتور طه الحاجري والدكتور محمد
زغلول سلام. القاهرة ١٩٥٦ م.
٨٣ ـ عيون الاخبار.
ابن قتيبة. دار الكتب المصرية ـ القاهرة.
٨٤ ـ فحولة
الشعراء. ابو سعيد عبد الملك بن قريب. تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي وطه محمد
الزيني. القاهرة ١٣٧٢ ه ـ ١٩٥٣ م. وتحقيق ش ـ توري بيروت ١٣٨٩ ه ـ ١٩٧١ م.
٨٥ ـ الفلك
الدائر على المثل السائر. ابن أبي الحديد. (الجزء الرابع من المثل السائر ـ تحقيق
الدكتور أحمد الحوفي والدكتور بدوي طبانة ـ القاهرة).
٨٦ ـ الفهرست.
ابن النديم. تحقيق رضا تجدد. طهران.
٨٧ ـ الفوائد
المشوق الى علوم القرآن وعلم البيان. ابن قيم الجوزية. القاهرة ١٣٢٧ ه.
٨٨ ـ فوات
الوفيات ، ابن شاكر الكتبي. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، القاهرة ١٩٥١ م.
٨٩ ـ القاموس
المحيط. الفيروزابادي.
٩٠ ـ قانون
البلاغة. ابو طاهر محمد بن
حيدر البغدادي (مطبوع في رسائل البلغاء لمحمد كرد علي ـ الطبعة الرابعة ـ القاهرة
١٣٧٤ ه ـ ١٩٥٤ م).
٩١ ـ قراضة
الذهب في نقد اشعار العرب. ابن رشيق القيرواني. القاهرة ١٣٤٤ ه ـ ١٩٢٦ م.
٩٢ ـ قواعد
الشعر. ابو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب. تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي.
القاهرة ١٣٦٧ ه ـ ١٩٤٨ م.
٩٣ ـ الكامل.
ابو العباس المبرد. تحقيق الدكتور زكي مبارك. القاهرة ١٣٥٥ ه ـ ١٩٣٦ م.
٩٤ ـ كتاب
التمهيد. ابو بكر محمد بن الطيب الباقلاني. تحقيق الأب رتشرد مكارثي اليسوعي ـ بيروت
١٩٥٧ م.
٩٥ ـ كتاب
سيبويه. ابو بشر عمرو بن عثمان المعروف بسيبويه. تحقيق عبد السّلام محمد هارون
القاهرة ١٣٨٦ ه ـ ١٩٦٦ م وما بعدها.
٩٦ ـ كتاب
الصناعتين. ابو هلال الحسن بن عبد الله العسكري. تحقيق علي محمد اليجاوي ومحمد أبو
الفضل ابراهيم. القاهرة ١٣٧١ ه ـ ١٩٥٢ م.
٩٧ ـ كتاب
العين. الخليل بن احمد الفراهيدي. تحقيق الدكتور مهدي المخزومي والدكتور ابراهيم
السامرائي. بغداد ١٤٠٠ ه ـ ١٩٨٠ م.
٩٨ ـ كتاب
المجموع او الحكمة العروضية في معاني الشعر. تحقيق الدكتور محمد سليم سالم. القاهرة
١٩٦٩ م.
٩٩ ـ الكشاف.
جار الله الزمخشري. الطبعة الثانية ـ القاهرة ١٣٧٣ ه ـ ١٩٥٣ م.
١٠٠ ـ كفاية
الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب. ضياء الدين بن الاثير. تحقيق الدكتور نوري
حمودي القيسي والدكتور حاتم صالح الضامن وهلال ناجي. الموصل ١٩٨٢ م.
١٠١ ـ لسان
العرب. ابن منظور.
١٠٢ ـ ما اتفق
لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد. ابو العباس المبرد القاهرة ١٣٥٠ ه.
١٠٣ ـ المثل
السائر في أدب الكاتب والشاعر. ضياء الدين بن الاثير. القاهرة ١٣٥٨ ه ـ ١٩٣٩ م.
١٠٤ ـ مجاز
القرآن. ابو عبيدة معمر بن المثنى. تحقيق الدكتور محمد فؤاد سزكين. القاهرة ١٣٧٤ ه
ـ ١٩٥٤ م.
١٠٥ ـ مجمع
الامثال. ابو الفضل أحمد بن احمد النيسابوري الميداني. تحقيق محمد محيي الدين عبد
الحميد. الطبعة الثانية. القاهرة ١٣٧٩ ه ـ ١٩٥٩ م.
١٠٦ ـ المحتسب
في تبيين وجوه شواذ القراءات والايضاح عنها. ابو الفتح عثمان بن جني. تحقيق علي
النجدي ناصف والدكتور عبد الحليم النجار والدكتور عبد الفتاح اسماعيل شلبي.
القاهرة ١٣٨٦ ه.
١٠٧ ـ المختصر.
سعد الدين التفتازاني (شروح التلخيص ـ القاهرة ١٩٣٧ م).
١٠٨ ـ مراتب
النحويين. أبو الطيب اللغوي. تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم. القاهرة ١٣٧٥ ه ـ ١٩٥٥
م.
١٠٩ ـ المصباح
في علم المعاني والبيان والبديع. بدر الدين بن مالك. القاهرة ١٣٤١ ه.
١١٠ ـ المصون
في الأدب. ابو احمد الحسن بن عبد الله العسكري. تحقيق عبد السّلام محمد هارون. الكويت
١٩٦٠ م.
١١١ ـ المطول.
سعد الدين التفتازاني. تركية ١٣٣٠ ه.
١١٢ ـ معالم
الكتابة ومغانم الاصابة. عبد الرحيم بن علي بن شيث القرشي نشره الخوري قسطنطين
المخلصي. بيروت ١٩١٣ م.
١١٣ ـ معاني
القرآن. يحيي بن زياد الفراء. القاهرة ١٣٧٤ ه ـ ١٩٥٥ م وما بعدها.
١١٤ ـ معاهد
التنصيص على شرح شواهد التلخيص. عبد الرحيم العباسي. تحقيق محمد محيي الدين عبد
الحميد. القاهرة ١٣٦٧ ه ـ ١٩٤٧ م.
١١٥ ـ معترك
الاقران في إعجاز القرآن. جلال الدين السيوطي. تحقيق علي محمد البجاوي. القاهرة
١٩٦٩ ـ ١٩٧٣ م.
١١٦ ـ معجم
الادباء. ياقوت الحموي. طبعة مرغليوث الثانية ـ القاهرة ١٩٢٣ م.
١١٧ ـ الممتع
في علم الشّعر وعمله. عبد الكريم النّهشلي القيرواني. تحقيق الدكتور منجي الكعبي. ليبيا
ـ تونس.
١١٨ ـ المغنى
في أبواب التوحيد والعدل. القاضي عبد الجبار الأسدآبادي. (ج ١٦ تحقيق امين الخولي)
القاهرة ١٣٨٠ ه ـ ١٩٦٠ م.
١١٩ ـ مغنى
اللبيب عن كتب الاعاريب. ابن هشام الانصاري تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.
القاهرة.
١٢٠ ـ مفتاح
العلوم. ابو يعقوب يوسف بن أبي بكر السكاكي. القاهرة ١٣٥٦ ه ـ ١٩٣٧ م.
١٢١ ـ مقالات
الاسلاميين واختلاف المصلين. ابو الحسن الاشعري. تحقيق ه ريتر. استانبول ١٩٢٩ م.
١٢٢ ـ المقتضب.
ابو العباس المبرد. تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة. القاهرة ١٣٨٥ ه.
١٢٣ ـ المنزع
البديع في تجنيس أساليب البديع.أبو محمد القاسم السجلماسي تحقيق علال الغازي. الرباط
ـ المغرب ١٤٠١ ه ـ ١٩٨٠ م.
١٢٤ ـ المنصف
في نقد الشعر وبيان سرقات المتنبي ومشكل شعره. ابن وكيع التنيسي. تحقيق محمد رضوان
الداية. دمشق ١٤٠٢ ه ـ ١٩٨٢ م.
١٢٥ ـ منهاج
البلغاء وسراج الادباء. ابو الحسن حازم القرطاجني. تحقيق الدكتور محمد الحبيب بن
الخوجة. تونس ١٩٦٦ م.
١٢٦ ـ الموازنة
بين شعر أبي تمام والبحتري. أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي. تحقيق السيد أحمد
صقر. القاهرة ـ دار المعارف.
١٢٧ ـ مواهب
الفتاح في شرح تلخيص المفتاح. ابن يعقوب المغربي (شروح التلخيص).
١٢٨ ـ الموشح.
محمد بن عمران المرزباني. تحقيق علي محمد البجاوي. القاهرة ١٩٦٥ م.
١٢٩ ـ نصرة
الثائر على المثل السائر. صلاح الدين خليل بن ابيك الصفدي ، تحقيق الدكتور محمد
علي سلطاني. دمشق ١٩٧٢ م.
١٣٠ ـ نصرة
الاغريض في نصرة القريض. المظفر بن الفضل العلوي. تحقيق الدكتورة نهى عارف الحسن.
دمشق ١٣٩٦ ه ـ ١٩٧٦ م.
١٣١ ـ نفحات
الأزهار على نسمات الأسحار في مدح النّبيّ المختار. عبد الغني النابلسي. الطّبعة
الثالثة. بيروت ١٤٠٤ ه ـ ١٩٨٤ م.
١٣٢ ـ النقائض.
ابو عبيدة. ليدن ١٩٠٥ م.
١٣٣ ـ نقد
الشعر. قدامة بن جعفر. تحقيق كمال مصطفى. القاهرة ١٩٦٣ م.
١٣٤ ـ نكت
الانتصار لنقل القرآن. ابو بكر محمد بن الطيب الباقلاني. تحقيق الدكتور محمد زغلول
سلام. الاسكندرية ١٩٧١ م.
١٣٥ ـ النكت في
اعجاز القرآن. ابو الحسن علي بن عيسى الرماني. (ثلاث رسائل في اعجاز القرآن)
القاهرة ـ دار المعارف.
١٣٦ ـ نهاية
الارب في فنون الادب. شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري. دار الكتب المصرية ـ
القاهرة.
١٣٧ ـ نهاية
الايجاز في دراية الاعجاز. فخر الدين الرازي. القاهرة ١٣١٧ ه.
١٣٨ ـ النهاية
في غريب الحديث والأثر. أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الاثير.
تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي القاهرة ١٣٨٣ ه ـ ١٩٦٣ م.
١٣٩ ـ الوافي
في العروض والقوافي ، الخطيب التبريزي. تحقيق الدكتور فخر الدين قباوة وعمر يحيى.
الطبعة الثانية ـ دمشق ١٣٩٥ ه ـ ١٩٧٥ م.
١٤٠ ـ الوساطة
بين المتنبي وخصومه. القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني. تحقيق محمد ابو الفضل
ابراهيم وعلي محمد البجاوي. الطبعة الثالثة ـ القاهرة.
١٤١ ـ يتيمة
الدهر في محاسن أهل العصر. ابو منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي. تحقيق محمد محيي
الدين عبد الحميد. الطبعة الثانية ـ القاهرة ١٣٧٥ ه ـ ١٩٥٦ م.
موضوعات
الكتاب
مقدّمة
الطّبعة الثانية
|
٥
|
الاتفاق
|
٣٠
|
مقدّمة
الطّبعة الأولى
|
٧
|
الاتكاء
|
٣١
|
الهمزة
|
|
إثبات الشيء
للشيء
|
٣١
|
الائتلاف
|
١١
|
الاجازة
|
٣٢
|
ائتلاف
الفاصلة
|
١٢
|
الاجتلاب
|
٣٣
|
ائتلاف
القافية
|
١٢
|
الأحاجي
|
٣٤
|
ائتلاف اللفظ
مع اللفظ
|
١٣
|
الاحالة
|
٣٥
|
ائتلاف اللفظ
مع المعنى
|
١٥
|
الاحتباك
|
٣٥
|
ائتلاف اللفظ
مع الوزن
|
١٧
|
الاحتجاج
النظري
|
٣٦
|
ائتلاف مع
الاختلاف
|
١٨
|
الاحتراس
|
٤٠
|
ائتلاف
المعنى مع المعنى
|
١٨
|
الأحجية
|
٤٢
|
ائتلاف
المعنى مع الوزن
|
٢٠
|
الاختتام
|
٤٢
|
ائتلاف الوزن
مع المعنى
|
٢٠
|
الاختراع
|
٤٢
|
الابتداء
|
٢١
|
الاختزال
|
٤٣
|
الابداع
|
٢٣
|
الاختصار
|
٤٦
|
الابدال
|
٢٤
|
الاختصاص
|
٤٦
|
إبراز الكلام
في صورة المستحيل
|
٢٥
|
الاختلاس
|
٤٨
|
الإبهام
|
٢٥
|
اختلاف صيغ
الألفاظ واتفاقها
|
٤٨
|
الإتساع
|
٢٧
|
اختلاف صيغ
الكلام
|
٥٠
|
اتساق البناء
|
٢٩
|
الأخذ
|
٥٠
|
اتساق النظم
|
٣٠
|
اخراج الكلام
مخرج الشك
|
٥٠
|
|
|
الاخلال
|
٥١
|
|
|
أداة التشبيه
|
٥١
|
|
|
الادماج
|
٥٢
|
الارتفاد
|
٥٣
|
الاستعارة
التجريدية
|
٩٠
|
الارتقاء
|
٥٣
|
الاستعارة
التحقيقية
|
٩١
|
الارداف
|
٥٤
|
الاستعارة
التخييلية
|
٩١
|
إرسال المثل
|
٥٦
|
الاستعارة
الترشيحية
|
٩٢
|
إرسال
المثلين
|
٥٧
|
الاستعارة
التصريحية
|
٩٣
|
الإرصاد
|
٥٧
|
الاستعارة
التمثيلية
|
٩٤
|
الازدواج
|
٦٠
|
الاستعارة
التمليحية
|
٩٥
|
الاستئناف
|
٦١
|
الاستعارة
التهكمية
|
٩٦
|
الاستتباع
|
٦٣
|
الاستعارة
الحقيقية
|
٩٦
|
الاستثناء
|
٦٤
|
الاستعارة
الخاصية
|
٩٦
|
استثناء
الحصر
|
٦٦
|
الاستعارة
الخيالية
|
٩٧
|
الاستثناء
المعنوي
|
٦٧
|
الاستعارة
العامية
|
٩٧
|
الاستحالة
والتناقض
|
٦٧
|
الاستعارة
العقلية
|
٩٧
|
الاستحقاق
|
٦٩
|
الاستعارة
العنادية
|
٩٧
|
الاستخبار
|
٦٩
|
الاستعارة
غير المفيدة
|
٩٧
|
الاستخدام
|
٧٠
|
الاستعارة في
الأسماء
|
٩٨
|
الاستدراج
|
٧٢
|
الاستعارة في
الأفعال
|
٩٩
|
الاستدراك
|
٧٤
|
الاستعارة في
الحروف
|
١٠٠
|
الاستدعاء
|
٧٦
|
الاستعارة
القطعية
|
١٠٠
|
الاستدلال
بالتعليل
|
٧٧
|
الاستعارة
الكثيفة
|
١٠١
|
الاستدلال
بالتمثيل
|
٧٧
|
الاستعارة
اللطيفة
|
١٠١
|
الاستشهاد
|
٧٨
|
الاستعارة
المجردة
|
١٠١
|
الاستطراد
|
٧٩
|
استعارة
المحسوس للمحسوس بوجه حسي
|
١٠١
|
الاستظهار
|
٨٢
|
استعارة
المحسوس للمحسوس بوجه عقلي
|
١٠٢
|
الاستعارة
|
٨٢
|
استعارة
المحسوس للمحسوس بما بعضه حسي وبعضه عقلي
|
١٠٢
|
الاستعارة
الاحتمالية
|
٨٧
|
استعارة المحسوس
للمعقول
|
١٠٢
|
الاستعارة
الأصلية
|
٨٧
|
|
|
الاستعارة
بالكناية
|
٨٨
|
|
|
الاستعارة
التبعية
|
٨٩
|
|
|
الاستعارة
المرشحة
|
١٠٢
|
استفهام
التذكير
|
١١٢
|
الاستعارة
المطلقة
|
١٠٣
|
استفهام
الترغيب
|
١١٣
|
استعارة
المعقول للمحسوس
|
١٠٣
|
استفهام
التسهيل
|
١١٣
|
استعارة
المعقول للمعقول
|
١٠٣
|
استفهام
التسوية
|
١١٣
|
الاستعارة
المفيدة
|
١٠٣
|
استفهام
التشويق
|
١١٣
|
الاستعارة
المكنية
|
١٠٣
|
استفهام
التعجب
|
١١٣
|
الاستعارة
الموشحة
|
١٠٤
|
استفهام
التعظيم
|
١١٣
|
الاستعارة
الوفاقية
|
١٠٤
|
استفهام
التفجع
|
١١٣
|
الاستعانة
|
١٠٤
|
استفهام
التفخيم
|
١١٤
|
استعمال
العام والخاص
|
١٠٥
|
استفهام
التقرير
|
١١٤
|
الاستغراب
|
١٠٧
|
استفهام
التكثير
|
١١٥
|
الاستفهام
|
١٠٨
|
استفهام
التمني
|
١١٥
|
استفهام
الاثبات
|
١١٠
|
استفهام
التنبيه
|
١١٥
|
استفهام
الإخبار
|
١١٠
|
استفهام
التهديد
|
١١٥
|
استفهام
الاستبطاء
|
١١٠
|
استفهام
التهكم
|
١١٥
|
استفهام الاستبعاد
|
١١٠
|
استفهام
التهويل
|
١١٥
|
استفهام
الاسترشاد
|
١١١
|
استفهام
التوبيخ
|
١١٥
|
استفهام
الافتخار
|
١١١
|
استفهام
الدعاء
|
١١٦
|
استفهام
الاكتفاء
|
١١١
|
استفهام
العتاب
|
١١٦
|
استفهام
الأمر
|
١١١
|
استفهام
العرض
|
١١٦
|
استفهام
الانكار
|
١١١
|
استفهام
النفي
|
١١٦
|
استفهام الاياس
|
١١١
|
استفهام
النهي
|
١١٦
|
استفهام
الايناس
|
١١١
|
استفهام
الوعيد
|
١١٦
|
استفهام
التأكيد
|
١١٢
|
الاستقصاء
|
١١٦
|
استفهام
التبكيت
|
١١٢
|
الاستلحاق
|
١١٧
|
استفهام
التجاهل
|
١١٢
|
الاستهلال
|
١١٨
|
استفهام
التحذير
|
١١٢
|
الاستيعاب
|
١١٨
|
استفهام
التحضيض
|
١١٢
|
الاسجال
|
١١٩
|
استفهام
التحقير
|
١١٢
|
الاسلوب
الحكيم
|
١١٩
|
الاسناد
الخبري
|
١٢١
|
الإعجاز
|
١٤٦
|
الاسهاب
|
١٢١
|
الأعداد
|
١٤٨
|
الاشارة
|
١٢٢
|
الإعراض
|
١٤٩
|
الاشباع
|
١٢٤
|
الاعنات
|
١٤٩
|
الاشتراك
|
١٢٥
|
الاغارة
|
١٥١
|
الاشتغال
|
١٢٦
|
الاغراب
|
١٥٢
|
الاشتقاق
|
١٢٦
|
الاغراق
|
١٥٣
|
الاشراف
|
١٢٨
|
افتتاحات
الكلام
|
١٥٥
|
إصابة
المقدار
|
١٢٨
|
الافتنان
|
١٥٥
|
الاصطراف
|
١٢٨
|
الافراط
|
١٥٦
|
الاصطلام
|
١٢٩
|
الافراط في
الاستعارة
|
١٥٨
|
الاضمار
|
١٣٠
|
الاقتباس
|
١٥٩
|
الاضمار على
شريطة التفسير
|
١٣٠
|
الاقتدار
|
١٦١
|
الاطالة
|
١٣١
|
الاقتسام
|
١٦١
|
الاطراد
|
١٣١
|
الاقتصاد
|
١٦٣
|
الاطناب
|
١٣٢
|
الاقتصاص
|
١٦٤
|
الاطناب
بالاعتراض
|
١٣٤
|
الاقتضاب
|
١٦٥
|
الاطناب
بالايضاح
|
١٣٥
|
الاقتطاع
|
١٦٦
|
الاطناب
بالايغال
|
١٣٥
|
الاقتناص
|
١٦٧
|
الاطناب
بالبسط
|
١٣٧
|
الاقحام
|
١٦٧
|
الاطناب
بالتتميم
|
١٣٧
|
الاقسام
|
١٦٧
|
الاطناب
بالتذييل
|
١٣٨
|
الاكتفاء
|
١٦٨
|
الاطناب بالتكرير
|
١٣٩
|
الاكثار
|
١٧٠
|
الاطناب
بالتكميل
|
١٤٠
|
الاكمال
|
١٧٠
|
الاطناب
بالتوشيع
|
١٤١
|
الالتئام
|
١٧١
|
الاطناب بذكر
الخاص
|
١٤٢
|
الالتجاء
|
١٧٢
|
الاطناب
بالزيادة
|
١٤٢
|
الالتزام
|
١٧٣
|
اعتدال الوزن
|
١٤٣
|
الالتفات
|
١٧٣
|
الاعتراض
|
١٤٣
|
الالتقاط
|
١٧٨
|
الالجاء
|
١٧٩
|
الأمر
للتكوين
|
١٨٨
|
الجام الخصم
بالحجة
|
١٧٩
|
الأمر
للتلهيف
|
١٨٨
|
الالغاز
|
١٨٠
|
الأمر للتمني
|
١٨٨
|
الالمام
|
١٨١
|
الأمر
للتهديد
|
١٨٨
|
الالهاب
|
١٨٢
|
الأمر للخبر
|
١٨٨
|
الامتحان
|
١٨٢
|
الأمر للدعاء
|
١٨٩
|
الامتناع
|
١٨٣
|
الأمر للعجب
|
١٨٩
|
الأمثال
|
١٨٣
|
الأمر للفرض
|
١٨٩
|
الأمر
|
١٨٤
|
الأمر للندب
|
١٨٩
|
الأمر
للاباحة
|
١٨٥
|
الأمر
للمشورة
|
١٨٩
|
الأمر
للاحتقار
|
١٨٦
|
الأمر للواجب
|
١٨٩
|
الأمر
للإرشاد
|
١٨٦
|
الأمر للوعيد
|
١٨٩
|
الأمر
للاعتبار
|
١٨٦
|
الانتحال
|
١٩٠
|
الأمر
للإكرام
|
١٨٦
|
الانتقال
|
١٩٠
|
الأمر
للالتماس
|
١٨٦
|
الانتكاث
|
١٩١
|
الأمر للامتنان
|
١٨٦
|
الانتهاء
|
١٩١
|
الأمر
للانذار
|
١٨٦
|
الانسجام
|
١٩٣
|
الأمر
للانعام
|
١٨٦
|
الانشاء
|
١٩٥
|
الأمر
للإهانة
|
١٨٦
|
الانصراف
|
١٩٦
|
الأمر
للتأديب
|
١٨٦
|
الانفاد
|
١٩٧
|
الأمر
للتحريم
|
١٨٧
|
الانفصال
|
١٩٨
|
الأمر
للتخيير
|
١٨٧
|
الانقطاع
|
١٩٩
|
الأمر
للتسخير
|
١٨٧
|
الاهتدام
|
١٩٩
|
الأمر
للتسليم
|
١٨٧
|
الأواخر
والمقاطع
|
٢٠٠
|
الأمر
للتسوية
|
١٨٧
|
الأوصاف
|
٢٠١
|
الأمر للتعجب
|
١٨٧
|
الايجاب
والسلب
|
٢٠١
|
الأمر
للتعجيز
|
١٨٧
|
الايجاز
|
٢٠٢
|
الأمر
للتفويض
|
١٨٨
|
إيجاز
التقدير
|
٢٠٤
|
الأمر
للتكذيب
|
١٨٨
|
الايجاز
الجامع
|
٢٠٥
|
إيجاز الحذف
|
٢٠٥
|
البيان
|
٢٣٧
|
إيجاز القصر
|
٢١١
|
التاء
|
|
الايداع
|
٢١٣
|
التأسيس
|
٢٣٩
|
الايضاح
|
٢١٥
|
التأكيد
|
٢٣٩
|
الايضاح بعد
الإبهام
|
٢١٦
|
تأكيد الذم
بما يشبه المدح
|
٢٤١
|
الايغال
|
٢١٦
|
تأكيد المدح
بما يشبه الذم
|
٢٤٢
|
ايقاع
الممتنع
|
٢١٦
|
التأليف
|
٢٤٤
|
الايماء
|
٢١٦
|
التأنيس
|
٢٤٥
|
الايهام
|
٢١٧
|
التبديل
|
٢٤٥
|
ايهام التضاد
|
٢١٩
|
التبليغ
|
٢٤٧
|
إيهام
التناسب
|
٢١٩
|
التبيين
|
٢٤٨
|
إيهام
التوكيد
|
٢١٩
|
تتابع
الإضافات
|
٢٤٩
|
إيهام الطباق
|
٢٢٠
|
التتبيع
|
٢٥٠
|
إيهام
المطابقة
|
٢٢٠
|
التتميم
|
٢٥١
|
الباء
|
|
التثبيج
|
٢٥٥
|
البدل
|
٢٢١
|
التثقيل
والتخفيف
|
٢٥٥
|
البديع
|
٢٢٢
|
التثليم
|
٢٥٦
|
البديعيات
|
٢٢٤
|
تجاهل العارف
|
٢٥٦
|
البراءة
|
٢٢٦
|
التجاوز
|
٢٥٨
|
البراعة
|
٢٢٦
|
التجريد
|
٢٥٨
|
براعة
الاستهلال
|
٢٢٧
|
التجزئة
|
٢٦٢
|
براعة التخلص
|
٢٢٩
|
التجزيء
|
٢٦٣
|
براعة الطلب
|
٢٣٣
|
التجميع
|
٢٦٣
|
براعة القطع
|
٢٣٣
|
التجنيس
|
٢٦٤
|
براعة المطلع
|
٢٣٣
|
تجنيس الإشارة
|
٢٦٨
|
براعة المقطع
|
٢٣٣
|
تجنيس
الاشتقاق
|
٢٦٩
|
البسط
|
٢٣٤
|
تجنيس
الإضافة
|
٢٦٩
|
البلاغة
|
٢٣٤
|
تجنيس
الإضمار
|
٢٧٠
|
البليغ
|
٢٣٧
|
تجنيس
الإطلاق
|
٢٧٠
|
تجنيس
الاقتضاب
|
٢٧٠
|
التجنيس
المختلف
|
٢٨٠
|
تجنيس البعض
|
٢٧٠
|
التجنيس
المذيل
|
٢٨١
|
التجنيس
التامّ
|
٢٧١
|
التجنيس
المردد
|
٢٨١
|
تجنيس
التحريف
|
٢٧١
|
التجنيس
المرفو
|
٢٨٢
|
تجنيس
التداخل
|
٢٧٢
|
التجنيس
المركب
|
٢٨٢
|
تجنيس
التذييل
|
٢٧٢
|
التجنيس
المزدوج
|
٢٨٣
|
تجنيس
الترجيع
|
٢٧٢
|
التجنيس
المستوفى
|
٢٨٣
|
تجنيس
التركيب
|
٢٧٣
|
تجنيس
المشابهة
|
٢٨٣
|
تجنيس
التصحيف
|
٢٧٣
|
التجنيس
المشوش
|
٢٨٣
|
تجنيس
التصريف
|
٢٧٤
|
التجنيس
المصحف
|
٢٨٤
|
تجنيس
التغاير
|
٢٧٤
|
التجنيس
المضارع
|
٢٨٤
|
تجنيس
التماثل
|
٢٧٥
|
التجنيس
المضاف
|
٢٨٥
|
التجنيس
الحقيقي
|
٢٧٥
|
التجنيس
المطابق
|
٢٨٦
|
تجنيس الخط
|
٢٧٥
|
التجنيس
المطرف
|
٢٨٦
|
تجنيس العكس
|
٢٧٥
|
التجنيس
المطلق
|
٢٨٦
|
تجنيس القلب
|
٢٧٦
|
التجنيس
المطمع
|
٢٨٧
|
تجنيس
القوافي
|
٢٧٦
|
التجنيس
المعكوس
|
٢٨٧
|
التجنيس
الكامل
|
٢٧٧
|
تجنيس المعنى
|
٢٨٨
|
تجنيس
الكناية
|
٢٧٧
|
التجنيس
المغاير
|
٢٨٨
|
التجنيس
اللاحق
|
٢٧٧
|
التجنيس
المفروق
|
٢٨٩
|
تجنيس اللفظ
|
٢٧٨
|
التجنيس
المقارب
|
٢٩٠
|
التجنيس
اللفظيّ
|
٢٧٨
|
التجنيس المقتضب
|
٢٩٠
|
التجنيس
المبدل
|
٢٧٨
|
التجنيس
المقلوب
|
٢٩٠
|
التجنيس
المتشابه
|
٢٧٩
|
التجنيس
المكرر
|
٢٩٠
|
التجنيس
المجنب
|
٢٧٩
|
التجنيس
الملفق
|
٢٩٠
|
التجنيس
المحرف
|
٢٧٩
|
التجنيس
المماثل
|
٢٩١
|
التجنيس
المحض
|
٢٧٩
|
التجنيس
المنفصل
|
٢٩٢
|
التجنيس
المحقق
|
٢٨٠
|
التجنيس
الناقص
|
٢٩٢
|
التجنيس
المخالف
|
٢٨٠
|
التحجيل
|
٢٩٣
|
التحرز
|
٢٩٣
|
التسجيع
المطرف
|
٣١٦
|
التحويل
|
٢٩٣
|
التسجيل
|
٣١٦
|
تخصيص المسند
|
٢٩٣
|
التسليم
|
٣١٦
|
التخلص
|
٢٩٤
|
التسميط
|
٣١٧
|
تخليص
الألفاظ والمعاني
|
٢٩٤
|
التسهيل
|
٣١٩
|
التخيير
|
٢٩٤
|
التسهيم
|
٣٢٠
|
التخييل
|
٢٩٦
|
التسويم
|
٣٢٠
|
التدبيج
|
٢٩٧
|
التشابه
|
٣٢١
|
التداول
والتناول
|
٢٩٨
|
تشابه
الأطراف
|
٣٢٢
|
التدلي
|
٢٩٩
|
تشابه
الأطراف المعنوي
|
٣٢٣
|
التذنيب
|
٢٩٩
|
التشبيه
|
٣٢٣
|
التذييل
|
٢٩٩
|
تشبيه أربعة
بأربعة
|
٣٢٩
|
الترتيب
|
٣٠٠
|
تشبيه
الاضمار
|
٣٢٩
|
الترجي
|
٣٠٠
|
التشبيه
البعيد
|
٣٢٩
|
الترجيع
|
٣٠٠
|
التشبيه
البليغ
|
٣٣٠
|
الترديد
|
٣٠٢
|
التشبيه
التخييلي
|
٣٣١
|
الترشيح
|
٣٠٥
|
تبشيه
التسوية
|
٣٣١
|
الترصيع
|
٣٠٦
|
تشبيه
التفضيل
|
٣٣١
|
الترقي
|
٣٠٩
|
التشبيه
التمثيلي
|
٣٣٢
|
التزاوج
|
٣٠٩
|
تشبيه
التوليد
|
٣٣٤
|
التسبيغ
|
٣١٠
|
تشبيه ثلاثة
بثلاثة
|
٣٣٤
|
التسجيع
|
٣١١
|
تشبيه ثمانية
بثمانية
|
٣٣٤
|
التسجيع
الحالي
|
٣١٤
|
تشبيه الجمع
|
٣٣٤
|
التسجيع
العاطل
|
٣١٤
|
التشبيه
الجيد
|
٣٣٥
|
التسجيع
المتماثل
|
٣١٥
|
التشبيه
الحسن
|
٣٣٥
|
التسجيع
المتوازن
|
٣١٥
|
التشبيه
الحسي
|
٣٣٥
|
التسجيع
المتوازي
|
٣١٥
|
تشبيه خمسة
بخمسة
|
٣٣٥
|
التسجيع
المرصع
|
٣١٥
|
التشبيه
الخيالي
|
٣٣٥
|
التسجيع
المشطر
|
٣١٥
|
تشبيه سبعة
بسبعة
|
٣٣٦
|
تشبيه ستة
بستة
|
٣٣٦
|
التشبيه
المستطرف
|
٣٤٣
|
تشبيه شيء
بأربعة أشياء
|
٣٣٦
|
التشبيه
المشروط
|
٣٤٣
|
تشبيه شيء
بثلاثة أشياء
|
٣٣٦
|
التشبيه
المصيب
|
٣٤٣
|
تشبيه شيء
بخمسة أشياء
|
٣٣٦
|
التشبيه
المطرد
|
٣٤٣
|
تشبيه شيء
بشيء
|
٣٣٧
|
التشبيه
المطلق
|
٣٤٤
|
تشبيه شيء
بشيئين
|
٣٣٧
|
التشبيه
المعرّى
|
٣٤٤
|
تشبيه شيئين
بشيئين
|
٣٣٧
|
تشبيه
المعقول بالمحسوس
|
٣٤٤
|
تشبيه صورة
بصورة
|
٣٣٨
|
تشبيه
المعقول بالمعقول
|
٣٤٤
|
تشبيه صورة
بمعنى
|
٣٣٨
|
التشبيه
المعكوس
|
٣٤٥
|
التشبيه
العجيب
|
٣٣٨
|
تشبيه المعنى
بالصورة
|
٣٤٦
|
تشبيه عشرة
بعشرة
|
٣٣٩
|
تشبيه المعنى
بالمعنى
|
٣٤٧
|
التشبيه
القاصد
|
٣٣٩
|
تشبيه المفرد
بالمركب
|
٣٤٧
|
التشبيه
القريب
|
٣٣٩
|
تشبيه المفرد
بالمفرد
|
٣٤٧
|
تشبيه
الكناية
|
٣٣٩
|
التشبيه
المفرط
|
٣٤٧
|
التشبيه
المؤكد
|
٣٤٠
|
التشبيه
المفروق
|
٣٤٧
|
التشبيه
المتجاوز
|
٣٤٠
|
التشبيه
المفصل
|
٣٤٨
|
التشبيه
المتخيل
|
٣٤٠
|
التشبيه
المقارب
|
٣٤٨
|
التشبيه
المتعدد
|
٣٤٠
|
التشبيه
المقبول
|
٣٤٨
|
التشبيه
المجمل
|
٣٤٠
|
التشبيه
المقلوب
|
٣٤٨
|
تشبيه
المحسوس بالمحسوس
|
٣٤١
|
التشبيه
الملفوف
|
٣٤٩
|
تشبيه
المحسوس بالمعقول
|
٣٤١
|
التشبيه
المنعكس
|
٣٤٩
|
التشبيه المحمود
|
٣٤١
|
التشبيه
الوهمي
|
٣٤٩
|
التشبيه
المختصر
|
٣٤١
|
التشبيهات
العقم
|
٣٤٩
|
التشبيه
المردود
|
٣٤١
|
التشبيهات
المجتمعة
|
٣٥٠
|
التشبيه
المرسل
|
٣٤٢
|
التشديد
|
٣٥٠
|
التشبيه
المركب
|
٣٤٢
|
التشريع
|
٣٥١
|
تشبيه المركب
بالمركب
|
٣٤٢
|
التشطير
|
٣٥٢
|
تشبيه المركب
بالمفرد
|
٣٤٢
|
التشعيب
|
٣٥٣
|
التشبيه
المستحسن
|
٣٤٢
|
التشكيك
|
٣٥٣
|
التشهير
|
٣٥٤
|
التعريض
|
٣٧٩
|
التصحيف
|
٣٥٥
|
التعريف
والتنكير
|
٣٨٢
|
التصدير
|
٣٥٥
|
التعطف
|
٣٨٥
|
التصرف
|
٣٦٠
|
تعقيب الكلام
|
٣٨٦
|
التصريح بعد
الابهام
|
٣٦١
|
التعقيد
|
٣٨٧
|
التصريع
|
٣٦٣
|
التعليق
|
٣٨٨
|
التصريع
الكامل
|
٣٦٦
|
التعليل
|
٣٩٠
|
التصريع
المستقل
|
٣٦٦
|
التعمية
|
٣٩٢
|
التصريع
المشطور
|
٣٦٦
|
التغاير
|
٣٩٢
|
التصريع
المعلق
|
٣٦٦
|
التغليب
|
٣٩٣
|
التصريع
المكرر
|
٣٦٦
|
التغيير
|
٣٩٤
|
التصريع
الموجّه
|
٣٦٦
|
التفخيم
|
٣٩٤
|
التصريع
الناقص
|
٣٦٦
|
التفريط
|
٣٩٥
|
التصريف
|
٣٦٦
|
التفريع
|
٣٩٦
|
التضاد
|
٣٦٧
|
التفريق
|
٣٩٧
|
التضمين
|
٣٧١
|
التفريق
والجمع
|
٣٩٨
|
تضمين
المزدوج
|
٣٧٣
|
التفسير
|
٣٩٨
|
التضييق
|
٣٧٤
|
تفسير
الاجمال والتفصيل
|
٣٩٨
|
التطبيق
|
٣٧٤
|
تفسير
الايضاح
|
٣٩٨
|
التطريز
|
٣٧٤
|
التفسير بعد
الابهام
|
٣٩٨
|
التطريف
|
٣٧٧
|
تفسير التبرع
|
٣٩٩
|
التطويل
|
٣٧٧
|
تفسير التضمن
|
٣٩٩
|
التظريف
|
٣٧٧
|
تفسير
التعليل
|
٣٩٩
|
تعادل
الأقسام
|
٣٧٨
|
تفسير السبب
|
٣٩٩
|
تعادل
الأوزان
|
٣٧٨
|
تفسير العدد
|
٣٩٩
|
التعبير عن
المستقبل بلفظ الماضي
|
٣٧٨
|
تفسير الغاية
|
٣٩٩
|
التعجب
|
٣٧٨
|
التفصيل
|
٣٩٩
|
التعديد
|
٣٧٨
|
التفضيل
|
٤٠١
|
التعديل
|
٣٧٩
|
التفقير
|
٤٠١
|
التفويف
|
٤٠١
|
التناسب بين
المعاني
|
٤٢٢
|
التقديم
والتأخير
|
٤٠٤
|
تناسب الفصول
والوصول
|
٤٢٢
|
التقسيم
|
٤٠٦
|
التنافر
|
٤٢٢
|
التقصير
|
٤٠٨
|
التناقض
|
٤٢٢
|
التقطيع
|
٤٠٩
|
التنبيه
|
٤٢٤
|
التقفية
|
٤٠٩
|
التندير
|
٤٢٤
|
تقليل اللفظ
ولا تقليله
|
٤٠٩
|
التنزيل
|
٤٢٥
|
التكافؤ
|
٤١٠
|
التنسيق
|
٤٢٥
|
التكرار
|
٤١٠
|
تنسيق الصفات
|
٤٢٧
|
التكرير
|
٤١٠
|
التنظير
|
٤٢٧
|
التكلف
|
٤١١
|
التنكيت
|
٤٢٧
|
التكميل
|
٤١١
|
التنكير
|
٤٢٨
|
التلاؤم
|
٤١٢
|
التهجين
|
٤٢٨
|
التلطّف
|
٤١٢
|
التهذيب
|
٤٢٨
|
التلفيف
|
٤١٢
|
التهكم
|
٤٢٩
|
التلفيق
|
٤١٣
|
التوأم
|
٤٣٠
|
التلميح
|
٤١٣
|
التوارد
|
٤٣١
|
التلويح
|
٤١٥
|
التوافق
|
٤٣١
|
التمام
|
٤١٥
|
التوجيه
|
٤٣١
|
تمام الأقسام
|
٤١٥
|
التورية
|
٤٣٣
|
التمثيل
|
٤١٥
|
التورية
المبينة
|
٤٣٥
|
التمزيج
|
٤١٦
|
التورية
المجردة
|
٤٣٦
|
التمكين
|
٤١٧
|
التورية
المرشحة
|
٤٣٦
|
التمليط
|
٤١٧
|
التورية
المهيأة
|
٤٣٧
|
التمني
|
٤١٨
|
التوزيع
|
٤٣٧
|
تمهيد الدليل
|
٤١٩
|
التوسع
|
٤٣٨
|
التناسب
|
٤١٩
|
التوسل
|
٤٣٨
|
تناسب
الأبيات
|
٤٢٠
|
التوشيح
|
٤٣٨
|
تناسب
الأطراف
|
٤٢١
|
التوشيع
|
٤٣٩
|
التوفيق
|
٤٣٩
|
الجناس
الحقيقي
|
٤٥١
|
التوقيف
|
٤٣٩
|
جناس الخط
|
٤٥١
|
التوكيد
|
٤٤٠
|
جناس العكس
|
٤٥١
|
توكيد الضمير
|
٤٤٠
|
جناس القلب
|
٤٥١
|
توكيد
الضميرين
|
٤٤٠
|
الجناس
اللاحق
|
٤٥١
|
التوليد
|
٤٤٠
|
الجناس
اللفظي
|
٤٥١
|
التوهيم
|
٤٤٢
|
الجناس
المتشابه
|
٤٥١
|
الجيم
|
|
الجناس
المتوازن
|
٤٥١
|
الجامع
|
٤٤٤
|
الجناس
المتوج
|
٤٥١
|
الجحد
|
٤٤٥
|
الجناس
المجنب
|
٤٥٢
|
الجزالة
|
٤٤٥
|
الجناس
المجنح
|
٤٥٢
|
الجمع
|
٤٤٦
|
الجناس
المحرف
|
٤٥٢
|
جمع الأوصاف
|
٤٤٦
|
الجناس
المذيل
|
٤٥٢
|
جمع المؤتلف
والمختلف
|
٤٤٧
|
الجناس
المردوف
|
٤٥٢
|
الجمع مع
التفريق
|
٤٤٨
|
الجناس
المرفو
|
٤٥٢
|
الجمع مع
التفريق والتقسيم
|
٤٤٩
|
الجناس
المركب
|
٤٥٢
|
الجمع مع
التقسيم
|
٤٥٠
|
الجناس
المزدوج
|
٤٥٢
|
الجناس
|
٤٥٠
|
الجناس
المستوفى
|
٤٥٢
|
جناس الإشارة
|
٤٥٠
|
الجناس
المشتق
|
٤٥٢
|
جناس
الاشتقاق
|
٤٥٠
|
الجناس
المشوش
|
٤٥٣
|
جناس الاضمار
|
٤٥٠
|
الجناس
المصحف
|
٤٥٣
|
جناس الاطلاق
|
٤٥٠
|
الجناس
المضارع
|
٤٥٣
|
الجناس التام
|
٤٥٠
|
الجناس
المضاف
|
٤٥٣
|
جناس التحريف
|
٤٥٠
|
الجناس
المطرف
|
٤٥٣
|
جناس الترجيع
|
٤٥١
|
الجناس
المطلق
|
٤٥٣
|
جناس التركيب
|
٤٥١
|
الجناس
المطمع
|
٤٥٣
|
جناس التصحف
|
٤٥١
|
الجناس
المعتل
|
٤٥٤
|
جناس التصريف
|
٤٥١
|
الجناس
المعكوس
|
٤٥٤
|
جناس التنوين
|
٤٥١
|
الجناس
المعنوي
|
٤٥٤
|
جناس
المغايرة
|
٤٥٤
|
حسن التضمين
|
٤٦٣
|
الجناس
المفروق
|
٤٥٤
|
حسن التعليل
|
٤٦٣
|
الجناس
المقرون
|
٤٥٤
|
حسن التقسيم
|
٤٦٣
|
الجناس
المقصور
|
٤٥٤
|
حسن التنقل
|
٤٦٣
|
الجناس
المقلوب
|
٤٥٤
|
حسن الجمع
|
٤٦٣
|
الجناس
المكتنف
|
٤٥٤
|
حسن الخاتمة
|
٤٦٣
|
الجناس
المكرر
|
٤٥٤
|
حسن الختام
|
٤٦٤
|
الجناس
الملفق
|
٤٥٤
|
حسن الخروج
|
٤٦٤
|
الجناس
الملفوف
|
٤٥٤
|
حسن الرصف
|
٤٦٤
|
الجناس
المماثل
|
٤٥٥
|
حسن المطالع
والمبادي
|
٤٦٥
|
الجناس
الناقص
|
٤٥٥
|
حسن المطلب
|
٤٦٥
|
جودة القطع
|
٤٥٥
|
حسن المقطع
|
٤٦٥
|
الحاء
|
|
حسن النسق
|
٤٦٦
|
الحالي
|
٤٥٦
|
الحشو
|
٤٦٦
|
الحث
والتحضيض
|
٤٥٦
|
الحصر
|
٤٦٨
|
الحذف
|
٤٥٦
|
حصر الجزئي
وإلحاقه بالكلي
|
٤٧٠
|
الحذو
|
٤٥٨
|
الحقيقة
|
٤٧١
|
الحروف
العاطفة والجارة
|
٤٥٩
|
الحقيقة
الشرعية
|
٤٧٢
|
حسن الابتداء
|
٤٥٩
|
الحقيقة
العرفية
|
٤٧٢
|
حسن الاتباع
|
٤٥٩
|
الحقيقة
اللغوية
|
٤٧٣
|
حسن الأخذ
|
٤٦٠
|
الحل
|
٤٧٣
|
حسن الارتباط
|
٤٦١
|
حل الآيات
|
٤٧٥
|
حسن الافتتاح
|
٤٦١
|
حل الأحاديث
|
٤٧٥
|
حسن الانتهاء
|
٤٦١
|
حل الأشعار
|
٤٧٥
|
حسن البيان
|
٤٦١
|
الحمل على
المعنى
|
٤٧٦
|
حسن التأليف
|
٤٦١
|
حمل اللفظ
على اللفظ
|
٤٧٦
|
حسن التخلص
|
٤٦٢
|
الحيدة
والانتقال
|
٤٧٦
|
حسن الترتيب
|
٤٦٢
|
الخاء
|
|
حسن التشبيه
|
٤٦٢
|
الخبر
|
٤٧٨
|
حسن التصرف
|
٤٦٣
|
حسن التضمين
|
٤٦٣
|
الخبر
الابتدائي
|
٤٨٠
|
الخطاب العام
|
٤٨٦
|
الخبر
الانكاري
|
٤٨٠
|
الخيف
|
٤٨٦
|
الخبر
الطلبيّ
|
٤٨٠
|
الخيفاء
|
٤٨٧
|
الخبر
للاسترحام
|
٤٨٠
|
الدال
|
|
الخبر لإظهار
التحسّر
|
٤٨٠
|
الدلالة
|
٤٨٨
|
الخبر لإظهار
الضعف
|
٤٨٠
|
دلالة
الاشارة
|
٤٨٩
|
الخبر
للإنكار
|
٤٨٠
|
دلالة
الالتزام
|
٤٨٩
|
الخبر
للتحذير
|
٤٨١
|
دلالة التضمن
|
٤٨٩
|
الخبر لتحريك
الهمة
|
٤٨١
|
دلالة الخط
|
٤٩٠
|
الخبر
للتعظيم
|
٤٨١
|
دلالة العقد
|
٤٩٠
|
الخبر للتمني
|
٤٨١
|
الدلالة
العقلية
|
٤٩٠
|
الخبر
للتوبيخ
|
٤٨١
|
دلالة اللفظ
|
٤٩٠
|
الخبر
للتوعّد
|
٤٨١
|
دلالة
المطابقة
|
٤٩٠
|
الخبر للدعاء
|
٤٨١
|
دلالة النصبة
|
٤٩١
|
الخبر للفخر
|
٤٨١
|
الدلالة
الوضعية
|
٤٩١
|
الخبر للمدح
|
٤٨١
|
الدليل
|
٤٩١
|
الخبر للنفي
|
٤٨١
|
الذال
|
|
الخبر بالنفي
والإثبات
|
٤٨١
|
الذكر
|
٤٩٢
|
الخبر للنهي
|
٤٨٢
|
ذكر الخاص
بعد العام
|
٤٩٣
|
الخبر للوعد
|
٤٨٢
|
ذكر العام
بعد الخاص
|
٤٩٣
|
الخبر للوعيد
|
٤٨٢
|
الذم في معرض
المدح
|
٤٩٣
|
خذلان
المخاطب
|
٤٨٢
|
ذو القافيتين
|
٤٩٣
|
الخروج
|
٤٨٢
|
الراء
|
|
الخروج على
مقتضى الظاهر
|
٤٨٣
|
رجحان السابق
على المسبوق
|
٤٩٤
|
خروج اللفظ
مخرج الغالب
|
٤٨٣
|
الرجع
|
٤٩٤
|
الخروج من
معنى الى معنى
|
٤٨٣
|
الرجوع
|
٤٩٥
|
الخطاب
|
٤٨٣
|
رد العجز على
الصدر
|
٤٩٦
|
الخطاب
بالجملة الاسمية
|
٤٨٥
|
الرذالة
|
٤٩٦
|
الخطاب بالجملة
الفعلية
|
٤٨٦
|
|
|
الرشاقة
|
٤٩٧
|
السلخ
|
٥١٠
|
الرفو
|
٤٩٧
|
السهولة
|
٥١١
|
الرقطاء
|
٤٩٧
|
سهولة المخرج
|
٥١٢
|
الرمز
|
٤٩٨
|
سوء الاتباع
|
٥١٢
|
الزاي
|
|
سوء الرصف
|
٥١٢
|
الزيادة
|
٥٠٠
|
سوق المعلوم مساق غيره
|
٥١٢
|
السين
|
|
سياقة الأعداد
|
٥١٣
|
السؤال والجواب
|
٥٠٢
|
سياقة العدد
|
٥١٣
|
السابق
واللاحق
|
٥٠٣
|
الشين
|
|
السبر والتقسيم
|
٥٠٤
|
شبه كمال الاتصال
|
٥١٤
|
السبك
|
٥٠٤
|
شبه كمال الانقطاع
|
٥١٥
|
السجع
|
٥٠٥
|
شجاعة العربية
|
٥١٥
|
السجع الحالي
|
٥٠٥
|
شجاعة الفصاحة
|
٥١٦
|
السجع الطويل
|
٥٠٥
|
الشماتة
|
٥١٦
|
السجع العاطل
|
٥٠٥
|
الصاد
|
|
السجع القصير
|
٥٠٥
|
صحة الأقسام
|
٥١٨
|
السجع المتطرف
|
٥٠٥
|
صحة الأوصاف
|
٥١٨
|
السجع المتماثل
|
٥٠٥
|
صحة التشبيه
|
٥١٨
|
السجع المتوازن
|
٥٠٥
|
صحة التفسير
|
٥١٨
|
السجع المتوازي
|
٥٠٥
|
صحة التقسيم
|
٥١٩
|
السجع المرصع
|
٥٠٥
|
صحة المقابلة
|
٥١٩
|
السجع المشطر
|
٥٠٥
|
صحة النسق
|
٥١٩
|
السجع المطرف
|
٥٠٦
|
الصرف
|
٥١٩
|
السجع الموازي
|
٥٠٦
|
الضاد
|
|
السرقة
|
٥٠٦
|
ضعف التأليف
|
٥٢٠
|
سلامة الابتداع
|
٥٠٨
|
الطاء
|
|
سلامة الاختراع
|
٥٠٩
|
الطاعة والعصيان
|
٥٢١
|
السلب والايجاب
|
٥٠٩
|
|
|
|
|
|
|
الطباق
|
٥٢٢
|
العنوان
|
٥٣٥
|
طباق الايجاب
|
٥٢٢
|
الغين
|
|
طباق الترديد
|
٥٢٢
|
الغرابة
|
٥٣٧
|
الطباق
الحقيقي
|
٥٢٢
|
الغصب
|
٥٣٨
|
الطباق
الخفيّ
|
٥٢٢
|
غلبة الفروع
على الأصول
|
٥٣٨
|
طباق السلب
|
٥٢٢
|
الغلط
|
٥٣٨
|
الطباق
المجازي
|
٥٢٢
|
الغلو
|
٥٣٩
|
الطباق
المعنوي
|
٥٢٣
|
الفاء
|
|
الطرد والعكس
|
٥٢٣
|
فائدة الخبر
|
٥٤٢
|
طرفا التشبيه
|
٥٢٣
|
الفرائد
|
٥٤٢
|
الطلب
|
٥٢٤
|
فرط الاستقصاء
|
٥٤٣
|
الطيّ والنشر
|
٥٢٥
|
الفساد
|
٥٤٣
|
الظاء
|
|
فساد التفسير
|
٥٤٤
|
الظرافة
والسهولة
|
٥٢٨
|
فساد التقسيم
|
٥٤٥
|
العين
|
|
فساد
المقابلات
|
٥٤٥
|
العاطل
|
٥٢٩
|
الفصاحة
|
٥٤٥
|
العام والخاص
|
٥٢٩
|
فصل الخطاب
|
٥٤٩
|
العبث
|
٥٢٩
|
الفصل والوصل
|
٥٤٩
|
عتاب المرء
نفسه
|
٥٣٠
|
فضل السابق
على المسبوق
|
٥٥٤
|
العرض
والتحضيض
|
٥٣١
|
الفك والسبك
|
٥٥٤
|
العسف
|
٥٣١
|
الفواصل
|
٥٥٤
|
عطف الأوائل
على الأواخر
|
٥٣١
|
القاف
|
|
عطف المظهر
على ضميره
|
٥٣١
|
قبح الأخذ
|
٥٥٧
|
العقد
|
٥٣٢
|
القبض
|
٥٥٨
|
العكس
|
٥٣٣
|
القران
|
٥٥٨
|
عكس الظاهر
|
٥٣٤
|
قرب المأخذ
|
٥٥٩
|
عكس اللفظ
|
٥٣٤
|
القسم
|
٥٥٩
|
عكس المعنى
|
٥٣٥
|
قصد الجد
بالهزل
|
٥٥٩
|
القصر
|
٥٥٩
|
اللمحة
|
٥٧٧
|
القطع
|
٥٥٩
|
الميم
|
|
القطع
للاحتياط
|
٥٦٠
|
المؤاخاة
|
٥٧٩
|
القطع للوجوب
|
٥٦٠
|
المؤاخاة
اللفظية
|
٥٧٩
|
قطع النظير
عن النظير
|
٥٦٠
|
المؤاخاة
المعنوية
|
٥٨٠
|
القطع والعطف
|
٥٦٠
|
المؤتلفة
والمختلفة
|
٥٨٠
|
القلب
|
٥٦١
|
ما لا يستحيل
بالانعكاس
|
٥٨١
|
القوة
|
٥٦٢
|
ما يقرأ من
الجهتين
|
٥٨١
|
قوة اللفظ
لقوة المعنى
|
٥٦٣
|
ما يوهم
فسادا وليس بفساد
|
٥٨١
|
القول
بالموجب
|
٥٦٣
|
المبادي
والمطالع
|
٥٨٢
|
الكاف
|
|
المبالغة
|
٥٨٢
|
كثرة التكرار
|
٥٦٥
|
المبدأ
|
٥٨٥
|
الكشف
|
٥٦٥
|
المبسوط
|
٥٨٥
|
كشف المعنى
|
٥٦٦
|
المتابعة
|
٥٨٥
|
الكلام
الجامع
|
٥٦٦
|
المتجانس
|
٥٨٥
|
الكلام
الموجه
|
٥٦٧
|
المتحرى
|
٥٨٥
|
كمال الاتصال
|
٥٦٧
|
المتزلزل
|
٥٨٦
|
كمال
الانقطاع
|
٥٦٧
|
المتشابه
|
٥٨٦
|
كمال البيان
|
٥٦٧
|
متعارف
الأوساط
|
٥٨٦
|
كمال المعنى
|
٥٦٨
|
المتكافئ
|
٥٨٧
|
الكناية
|
٥٦٨
|
المتوازن
|
٥٨٧
|
اللام
|
|
المتوازي
|
٥٨٧
|
لازم فائدة
الخبر
|
٥٧٤
|
المثل
|
٥٨٧
|
اللحن
|
٥٧٤
|
المثل السائر
|
٥٨٨
|
لزوم ما لا
يلزم
|
٥٧٥
|
مجاراة الخصم
|
٥٨٨
|
لطافة المعنى
|
٥٧٦
|
المجاز
|
٥٨٩
|
اللغز
|
٥٧٦
|
المجاز
الاسنادي
|
٥٩١
|
اللف والنشر
|
٥٧٧
|
المجاز
الافرادي
|
٥٩٥
|
|
|
مجاز التركيب
|
٥٩٧
|
مجاز التشبيه
|
٥٩٧
|
المخالف
|
٦٠٧
|
مجاز التضمين
|
٥٩٧
|
المخالفة
|
٦٠٧
|
مجاز الحذف
|
٥٩٨
|
مخالفة ظاهر
اللفظ معناه
|
٦٠٨
|
المجاز
الحكمي
|
٥٩٨
|
مخالفة العرف
|
٦١٠
|
مجاز الزيادة
|
٥٩٨
|
المخترع
|
٦١٠
|
المجاز
العقلي
|
٥٩٩
|
المختلف
والمؤتلف
|
٦١١
|
المجاز في
الإثبات
|
٥٩٩
|
المخلص
|
٦١١
|
المجاز في
المثبت
|
٥٩٩
|
المخلص
المليح
|
٦١١
|
مجاز اللزوم
|
٥٩٩
|
المدح في
معرض الذم
|
٦١١
|
المجاز
اللغوي
|
٦٠١
|
المدرج
|
٦١١
|
مجاز المجاز
|
٦٠١
|
المذهب
الكلامي
|
٦١٢
|
مجاز المراتب
|
٦٠١
|
المراجعة
|
٦١٢
|
المجاز
المرسل
|
٦٠٢
|
مراعاة
الحروف
|
٦١٣
|
المجاز
المرشح
|
٦٠٢
|
مراعاة مقتضى
الحال
|
٦١٤
|
المجاز
المركب
|
٦٠٢
|
مراعاة
النظير
|
٦١٤
|
المجاز
المفرد
|
٦٠٢
|
المرافدة
|
٦١٤
|
مجاز النقصان
|
٦٠٢
|
المرصع
|
٦١٥
|
المجانس
|
٦٠٣
|
المزاوجة
|
٦١٥
|
المجانس
المماثل
|
٦٠٤
|
مزج الشك
باليقين
|
٦١٥
|
مجاوبة
المخاطب بغير ما يترقب
|
٦٠٤
|
المزدوج
|
٦١٥
|
المجاورة
|
٦٠٤
|
المزلزل
|
٦١٦
|
مجاورة
الأضداد
|
٦٠٤
|
المساواة
|
٦١٦
|
المجدود
|
٦٠٥
|
المستجلب
|
٦١٨
|
المجنس
المتمم
|
٦٠٥
|
المستحيل
|
٦١٨
|
المجنس
المختلف
|
٦٠٥
|
المستعار
|
٦١٨
|
المجنس
المطمع
|
٦٠٥
|
المستعار له
|
٦١٨
|
المحاجاة
|
٦٠٥
|
المستعار منه
|
٦١٨
|
المحاذاة
|
٦٠٦
|
المسخ
|
٦١٩
|
المحتمل
للضدين
|
٦٠٦
|
المسند
|
٦٢٠
|
المسند اليه
|
٦٢٠
|
المغالطة
المعنوية
|
٦٣٤
|
المشاركة
|
٦٢١
|
المغايرة
|
٦٣٥
|
المشاكلة
|
٦٢١
|
المغصن
|
٦٣٥
|
مشالكة اللفظ
للفظ
|
٦٢٣
|
المفاضلة
|
٦٣٥
|
مشاكلة اللفظ
للمعنى
|
٦٢٣
|
المفصل
|
٦٣٥
|
المشبه
بالتجنيس
|
٦٢٤
|
المقابلة
|
٦٣٥
|
المشتق
|
٦٢٤
|
المقارنة
|
٦٤٠
|
المشكل
|
٦٢٤
|
المقاسمة
|
٦٤١
|
المصالتة
|
٦٢٥
|
المقاطع
والمطالع
|
٦٤١
|
المصرع
|
٦٢٥
|
مقتضى الحال
|
٦٤٢
|
المصنوع
|
٦٢٥
|
مقتضى الظاهر
|
٦٤٢
|
المضادة
|
٦٢٥
|
المقصر
|
٦٤٢
|
المضارع
|
٦٢٥
|
المقلوب
|
٦٤٢
|
المضاعف
|
٦٢٦
|
مقلوب البعض
|
٦٤٣
|
المضاعفة
|
٦٢٦
|
مقلوب الكل
|
٦٤٣
|
المضاف
|
٦٢٦
|
المقلوب
المجنح
|
٦٤٣
|
المطابق
|
٦٢٦
|
المقلوب
المستوي
|
٦٤٤
|
المطابقة
|
٦٢٦
|
الملاءمة
|
٦٤٤
|
مطابقة
الكلام لمقتضى الحال
|
٦٢٧
|
الملخص
|
٦٤٤
|
المطرف
|
٦٢٨
|
الملكة
|
٦٤٤
|
المطلق
|
٦٢٨
|
المماتنة
|
٦٤٥
|
المطمع
|
٦٢٨
|
المماثل
|
٦٤٥
|
المعارضة
|
٦٢٨
|
المماثلة
|
٦٤٥
|
المعاظلة
|
٦٢٩
|
الممتنع
|
٦٤٧
|
المعاني
|
٦٣١
|
المناسبة
|
٦٤٧
|
المعقد
|
٦٣٣
|
المنافرة بين
الألفاظ
|
٦٤٩
|
المعمى
|
٦٣٣
|
المناقضة
|
٦٤٩
|
معنى المعنى
|
٦٣٣
|
المنتحل
|
٦٥١
|
المغالطة
|
٦٣٤
|
المنتقى
|
٦٥١
|
المنزع
|
٦٥١
|
نقل القصير
الى الطويل
|
٦٦٧
|
المنصف
|
٦٥٢
|
النهي
|
٦٦٧
|
المنقاد
|
٦٥٢
|
النوادر
|
٦٦٨
|
المواربة
|
٦٥٢
|
الهاء
|
|
المواردة
|
٦٥٤
|
الهجاء في
معرض المدح
|
٦٦٩
|
الموازنة
|
٦٥٤
|
الهدم
|
٦٦٩
|
الموافقة
|
٦٥٦
|
الهذر
والتبعيد
|
٦٧٠
|
الموجه
|
٦٥٦
|
الهزل المراد
به الجد
|
٦٧٠
|
المورى
|
٦٥٦
|
الواو
|
|
الموصل
|
٦٥٧
|
وجه الشبه
|
٦٧٢
|
النون
|
|
الوحي
|
٦٧٢
|
النادر
والبارد
|
٦٥٨
|
الوصل
|
٦٧٣
|
النداء
|
٦٥٨
|
وضع جمع
القلة موضع الكثرة
|
٦٧٣
|
النزاهة
|
٦٥٩
|
وضع الخبر
موضع الطلب
|
٦٧٣
|
النزول
|
٦٥٩
|
وضع الطلب
موضع الخبر
|
٦٧٤
|
نسبة الشيء
|
٦٥٩
|
وضع الظاهر
موضع المضمر
|
٦٧٤
|
النسخ
|
٦٦٠
|
وضع الماضي
موضع المستقبل
|
٦٧٥
|
النظر
والملاحظة
|
٦٦٠
|
وضع المضمر
موضع المظهر
|
٦٧٦
|
النظم
|
٦٦٠
|
وضع المظهر
موضع المضمر
|
٦٧٦
|
النفي
|
٦٦٢
|
وضع النداء
موضع التعجب
|
٦٧٦
|
نفي الشيء
بإيجابه
|
٦٦٣
|
وقوع الحافر
على الحافر
|
٦٧٦
|
نفي العام
|
٦٦٤
|
الخاتمة
|
٦٧٧
|
نفي الموضوع
|
٦٦٤
|
المصادر
|
٦٧٩
|
النفي
والجحود
|
٦٦٤
|
الموضوعات
|
٦٨٦
|
النقل
|
٦٦٥
|
|
|
نقل الجزل
الى الجزل
|
٦٦٥
|
|
|
نقل الجزل
الى الرذل
|
٦٦٦
|
|
|
نقل الرذل
الى الجزل
|
٦٦٦
|
|
|
نقل الطويل
الى القصير
|
٦٦٦
|
|
|
|