كتاب الصيد وتوابعه



بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الصيد وتوابعه

وفيه مقاصد :

الأول : في الاصطياد

وفيه مطلبان.

الأول : في شرائط الاصطياد

ويشترط في قتل الصيد أن يكون فوات الروح بقتل الكلب المعلّم.

______________________________________________________

قوله : «الأوّل في شرائط الاصطياد إلخ» الاصطياد قد يطلق على أخذ الصيد وإثباته بأيّ وجه اتفق باليد وغيرها من الآلة المعتادة وغيرها ، ولا شكّ في جواز ذلك وتملّكه بغير شرط إلّا إذا كانت الآلة مغصوبة فإنه لا يجوز ، وفي تملّكه حينئذ ببعض افرادها مثل الشبكة تأمل ، وحينئذ لا بدّ من ذبحه على الوجه الشرعي ليحلّ ، ان لم يكن مات ، على الوجه الذي يحلّ كما سيجي‌ء.

والمراد به هنا قتل الحيوان الوحشي الممتنع بالفعل بإحدى الآلات ، وفي حكم الوحشي ، الأهلي الممتنع ، والمتردي فيمكن الاكتفاء به.

ويدل على حلّه النصّ كتابا وسنّة كما سيجي‌ء ، والإجماع المدّعى.

ولكن في حلّه بها ـ بعد ان كان الحيوان مأكول اللّحم ـ شروط.

(الأوّل) كون ما يصاد به ان كان حيوانا كلبا معلّما للصيد ، امّا حلّه به


.................................................................................................

______________________________________________________

فهو ثابت بالنصّ ، كتابا (١) وسنّة ، والإجماع.

وامّا عدمه بغير ، فان كان كلبا غير معلّم ، فلظاهر الكتاب والسنّة ، مثل حسنة محمّد بن قيس ـ الثقة ـ عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين (٢) عليه السّلام : ما قتلت من الجوارح مكلّبين وذكر اسم الله عليه فكلوا من صيدهن ، وما قتلت الكلاب التي لم تعلّموهن (ها ـ ئل) من قبل ان تدركوه فلا تطعموه (٣) والإجماع (٤).

وان كان غيره ـ فالمشهور عدم حصول الحلّ به ، وقال شاذّ منا ـ وهو الحسن بن أبي عقيل ـ بالحلّ إذا كان ممّا (بما ـ خ ل) هو مثل الكلب في القدر والجثة مثل النمر والفهد وغير هما.

دليل المشهور ، التقييد في قوله تعالى (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) (٥) أي يحلّ أكل ذلك الصيد لكم حال كونكم مكلّبين أي معلّمين للكلب فيكون الجارح الذي هو آلة الصيد كلبا معلّما. هكذا فسّر والاشتقاق يؤيّده.

وصحيحة (٦) الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، انه قال : في كتاب أمير المؤمنين صلوات الله عليه في قول الله عزّ وجلّ (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) قال : هي الكلاب (٧).

__________________

(١) وهو قوله تعالى (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) ، كما سيأتي من الشارح قده أيضا في ضمن نقل الأخبار.

(٢) هكذا في النسخ المخطوطة والمطبوعة ولكن ليس لفظ وقال أمير المؤمنين في الكافي والتهذيب والوسائل.

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٨.

(٤) عطف على قوله قدّس سرّه : فلظاهر الكتاب إلخ.

(٥) المائدة : ٤.

(٦) عطف على قوله قده : والاشتقاق.

(٧) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٠٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يحصل الحلّ بغيره (١) ، والّا كان القيد لغوا ، فتأمّل.

والأخبار (٢) عن أهل البيت عليهم السّلام ، مثل حسنة محمّد بن مسلم وغير واحد عنهما عليهما السّلام جميعا أنهما قالا في الكلب يرسله الرجل ويسمي؟ قال : إن أخذه فأدركت ذكاته فذكّه ، وان أدركته وقد قتله وأكل منه فكل ما بقي (٣)

ودلالتها عليه بالمفهوم ، وهي صريحة في جواز الأكل وان أكل.

وصحيحة أبي عبيدة الحذّاء ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل (الرجل ـ ئل) يسرّح كلبه المعلَّم ويسمّي إذا سرّحه؟ قال : يأكل ممّا أمسك عليه فان (إذا ـ ئل) أدركه قبل ان يقتله (قتله ـ ئل) ذكّاه وان وجد معه كلبا غير معلّم فلا يأكل منه ، قلت : فالفهد؟ قال : ان أدركت ذكاته فكل ، قلت : أليس الفهد بمنزلة الكلب؟ فقال : لا ليس شي‌ء يؤكل (منه ـ ئل) مكلّب الّا الكلب (٤).

وهما تدلّان على انه لو أدرك الصيد حيّا لا بدّ من ذكاته.

والظاهر أن ذلك مع استقرار الحياة.

وهذه تدل على عدم جواز الأكل مع الاشتباه بأنه قتله المعلّم أو غيره فافهم.

وصحيحته الأخرى ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ما تقول في البازي والصقر والعقاب؟ قال : إذا أدركت ذكاته فكل منه ، وان لم تدرك ذكاته فلا تأكل منه (٥).

__________________

(١) يعني بغير الكلب.

(٢) عطف على قوله قدّس سرّه : التقييد.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٠٩ ، وتمامه : ولا ترون ما يرون في الكلب.

(٤) أورد صدره في الوسائل باب ١ حديث ٢ وذيله في باب ٦ حديث ١ ج ١٦ ص ٢٠٧ وص ٢١٦ منها.

(٥) الوسائل باب ٩ حديث ١١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢١.


.................................................................................................

______________________________________________________

وهي صريحة في النهي عن أكل المذكور مع عدم الذكاة.

وما رواه في الصحيح أبو بكر الحضرمي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن صيد البزاة ، والصقورة ، والكلب ، والفهد ، فقال : لا تأكل صيدا من هذه الّا ما ذكّيتموه إلّا الكلب المكلّب ، قلت : فان قتله؟ قال : كل لان الله عزّ وجلّ يقول (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ). (فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) (١).

وصحيحة الحلبي قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : كان أبي عليه السّلام يفتي (كان ـ ئل) ويتقي ، وكنا نفتي نحن ونخاف في صيد البزاة والصقور ، وأمّا الآن فإنا لا نخاف ولا يحلّ (يحل ـ يب ئل) صيدها الّا ان تدرك ذكاته ، وانه في كتاب علي عليه السّلام : ان الله عزّ وجلّ قال (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) ، في الكلاب (٢).

ورواية أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : ان أرسلت بازا أو صقرا أو عقابا فلا تأكل حتى تدركه فتذكّيه ، وان قتل فلا تأكل (٣).

ولا يضر اشتراك علي بن أبي حمزة ، وأبي بصير ، بل ضعفهما أيضا (٤).

وما رواه في الصحيح عبد الله بن سليمان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل يرسل (أرسل ـ ئل) كلبه وصقره ، قال : قال : اما الصقر فلا تأكل من صيده حتى تدرك ذكاته ، وأما الكلب فكل منه إذا ذكرت اسم الله عليه أكل الكلب منه أو لم يأكل (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٣ وذيله باب ٣ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٣ و ٢١٩.

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٠ وتمامه : واذكروا اسم الله عليه.

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ٥ (وفي التهذيب : ونحن نخاف).

(٤) فان سنده كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن احمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير.

(٥) أورد صدره في الوسائل في باب ٩ حديث ٦ من الوسائل ج ١٦ ص ٢٢٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

فيها دلالة على وجوب التسمية وعدم ضرر أكل الكلب بالحلّ ، ولا يضرّ جهل عبد الله.

وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل عن صيد البازي والكلب إذا صاد وقد قتل صيده وأكل منه ، آكل فضلهما أم لا؟ فقال : اما ما قتله الطير فلا تأكل منه الّا ان تذكّيه ، واما ما قتله الكلب وقد ذكرت اسم الله عليه فكل منه ، وان أكل منه (١).

وهي تدل على التسمية وعدم ضرر الأكل.

وما في رواية زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : واما خلاف الكلب ممّا يصيد الفهود والصقور وأشباه ذلك فلا تأكل من صيده الّا ما أدركت ذكاته ، لان الله عزّ وجلّ قال (مُكَلِّبِينَ) ، فما كان خلاف الكلب فليس صيده بالذي يؤكل إلّا ما يدرك ذكاته (٢).

وغيرها من الأخبار الكثيرة جدّا ، ونقل الإجماع في المختلف عن السيد على ذلك.

وتدل على الحلّ أيضا أخبار مثل صحيحة علي بن مهزيار ، قال : كتب الى أبي جعفر عليه السّلام عبد الله بن خالد بن نصر المدائني : أسألك جعلت فداك عن البازي إذا أمسك صيده وقد سمّى عليه فقتل الصيد هل يحلّ اكله؟ فكتب عليه السّلام بخطه وخاتمه : إذا سميته أكلته ، وقال علي بن مهزيار : قرأته (٣).

وصحيحة أبي مريم الأنصاري قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الصقور والبزاة من الجوارح هي؟ قال : نعم (هي ـ ئل) بمنزلة الكلاب (٤).

__________________

(١) أورد صدره في الوسائل باب ٩ حديث ٢ وذيله في باب ٢ حديث ٩ ج ١٦ ص ٢١٩ وص ٢١٠.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٣.

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ١٦ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٢.

(٤) الوسائل باب ٩ حديث ١٧ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة زكريا بن آدم ، قال : سألت الرضا عليه السّلام عن صيد البازي والصقر يقتل صيده والرجل ينظر إليه ، قال : كل منه ، وان كان قد أكل منه أيضا شيئا ، قال : فرددت عليه ثلاث مرّات كلّ ذلك يقول مثل هذا (١).

وصحيحة أحمد بن محمّد ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عمّا قتل الكلب والفهد؟ قال : فقال أبو جعفر عليه السّلام : الكلب والفهد سواء فإذا هو أخذه فأمسكه فمات وهو معه فكل فإنه أمسك عليه وإذا أمسكه وأكل منه فلا تأكل ، فإنه أمسك على نفسه (٢).

ومثلها صحيحة محمّد بن عبد الله ، وعبد الله بن المغيرة ، قالا : سأله زكريا بن آدم إلخ (٣) ـ وهي مضمرة.

وصحيحة البزنطي قال : سأل زكريا بن آدم أبا الحسن عليه السّلام وصفوان حاضر ممّا قتل الكلب والفهد؟ قال : قال أبو جعفر عليه السّلام : الفهد والكلب سواء قدرا (٤).

وصحيحة زكريا بن آدم ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الكلب والفهد يرسلان فيقتلان (فيقتل ـ خ) قال : فقال لي : هما ممّا قال الله تعالى : (مُكَلِّبِينَ) ، فلا بأس بأكله (٥).

وبعض هذه الاخبار يدل على عدم جواز الأكل إذا أكل منه الكلب والفهد فحملها الشيخ على عدمه إذا كان عادة الكلب ذلك ، لما تقدم في الاخبار

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ١٨ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٢.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ١٥ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٧.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٦ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٧.

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ٥ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٧.

(٥) الوسائل باب ٦ حديث ٤ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

ما يدل على حلّ الأكل ، أكل أم لا.

وتدل عليه أيضا أخبار كثيرة ، مثل ما في حسنة محمّد بن مسلم وغير واحد : (فكل ما بقي) (١) وما في صحيحة حكم بن حكيم (٢) وغير هما ، فكأنه غير معلّم حينئذ ، فإن المعلّم ما يأكل إلّا نادرا وذلك لا يضرّ.

واحتمل حملها ـ أي حمل الأخبار التي دلّت على حلّ ما أكل منه الكلب ـ وعلى التقيّة أيضا.

واحتمل أيضا اختصاصها بالفهد يعني يجوز أن يكون حكم الفهد حكم الكلب وما جوز في غير الفهد ، وحمل غيرها ممّا يدل على جواز أكل ما قتله غير الكلب وغير الفهد أيضا ، على الضرورة أو على التقيّة أيضا.

ويؤيّده صحيحة الحلبي المتقدمة : (كان أبي ، الخبر) (٣).

ورواية المفضل بن صالح ، عن أبان بن تغلب ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : كان أبي يفتي في زمن بني أميّة أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال وكان يتّقيهم وانا لا أتقيهم وهو حرام ما قتل (٤).

فليس جوابه عن هذه الاخبار منحصرا في جواز القول بأكل صيد الفهد ، مثل الكلب فقط حتى يعترض بان في الأخبار ما يدل على جواز أكل صيد غيره أيضا كما فعله في شرح الشرائع.

ولعلّ تخصيص هذا الاحتمال بالفهد ، لوجدان القائل به فقط واحتمال إطلاق الكلب عليه فتأمّل.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢ حديث ٢ ج ١٦ ص ٢٠٩ من أبواب الصيد.

(٢) راجع الوسائل باب ٢ حديث ١ ج ١٦ ص ٢٠٩ من أبواب الصيد.

(٣) راجع الوسائل باب ٩ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٠.

(٤) الوسائل باب ٩ حديث ١٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٢.


أو السهم وشبهه ، كالسيف والرّمح ، وكلّ ما فيه نصل وان قتل معترضا ، والمعراض وان خلا من الحديد إذا خرق اللحم.

______________________________________________________

ويحتمل الحمل على الكراهة ، وتؤيّده حسنة محمّد بن مسلم ـ وهي صحيحة في التهذيب ـ عن أبي جعفر عليه السّلام انه كرّه صيد البازي إلّا ما أدركت ذكاته (١).

وصحيحة جميل بن درّاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه ولا يكون معه سكّين فيذكّيه بها أفيدعه حتى يقتله ويأكل منه؟ قال : لا بأس قال الله عزّ وجلّ (فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) ، ولا ينبغي أن يؤكل ممّا قتله الفهد (٢).

فإنّ (لا ينبغي) ظاهر في الكراهة الّا انّه خلاف المشهور والاحتياط ، و (لا ينبغي) بمعنى (يحرم) كثير ، وكذا (كرّه) بل الكراهة بالمعنى المشهور اصطلاح الفقهاء المجدّد ، وليس بمعلوم بكونه (كونه ـ خ) في كلامهم عليهم السّلام كذلك ، فتأمل.

وان كان ما يصاد به غير الحيوان فشرط حلّه به كونه سهما أو شبهه ، مثل السيف والرمح.

اما الحلّ بها فلأصل الإباحة ، وعموم ما يدلّ على حلّ ما خلقه الله لكم (٣) ، وحصر المحرّمات في الآيات (٤) والاخبار ، وكأنه إجماعيّ أيضا.

وتدل عليه أيضا الأخبار الصحيحة ، مثل صحيحة محمّد الحلبي ، قال :

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ٧ منها وسندها كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم.

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٨ الى قوله عليكم.

(٣) الظاهر انه اشارة إلى قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ـ البقرة : ٢٩.

(٤) لعله إشارة إلى قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) ـ الآية ، الانعام : ١٤٥. واما الاخبار فسيأتي بعضها إنشاء الله في خلال المسائل.


.................................................................................................

______________________________________________________

سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الصيد يضربه الرجل بالسيف أو يطعنه برمح (بالرمح ـ خ ل) أو يرميه بسهم فيقتله وقد سمّى حين فعل ذلك قال : كله (كل ـ كا ـ ئل) لا بأس به (١).

وصحيحته أيضا قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الصيد يرميه الرجل بسهم فيصيبه معترضا فيقتله ، وقد سمّى حين رماه ولم يصبه الحديدة؟ فقال : ان كان السهم الذي أصابه به هو قتله فان اراده (فإذا رآه ـ كا) فليأكله (٢).

وهذه تدل على حلية الصيد بالسهم معترضا وان لم يكن خرقه.

وصحيحته أيضا عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل عمّا صرع المعراض من الصيد فقال : ان لم يكن له نبل غير المعراض وذكر اسم الله عزّ وجلّ عليه فليأكل ممّا قتل (ما قتل كا ـ ئل) ، وان كان له نبل غيره فلا (٣).

وهذا التفصيل غير مشهور ولا مفهوم المعنى إلّا ان الخبر صحيح ، فكأنّ المقصود الضرورة في قتله بالمعراض حيث ما كان له غيره من النبل والسهم.

ويؤيّده ما في الفقيه : وكان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول : إذا كان سلاحه الذي يرمى به فلا بأس (٤) ، وفي خبر آخر : ان كانت تلك مرماته فلا بأس (٥) ، وروى انه ان خرق أكل ، وان لم يخرق لم يؤكل (٦) ، وقال علي عليه السّلام في رجل له نبال ليس فيها حديد وهي عيدان كلها فيرمي بالعود فيصيب وسط الطير معترضا فيقتله ويذكر اسم الله وان لم يخرج دم وهي نبال (نبالة ـ ئل) معلومة فيأكل منه إذا ذكر اسم الله عزّ وجلّ (٧) عليه.

__________________

(١) الوسائل باب ١٦ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٨.

(٢) الوسائل باب ٢٢ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٣.

(٣) الوسائل باب ٢٢ حديث ٤ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٤.

(٤) الوسائل باب ٢٢ حديث ٧ و ٨ و ٩ و ١٠ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٤.

(٥) الوسائل باب ٢٢ حديث ٧ و ٨ و ٩ و ١٠ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٤.

(٦) الوسائل باب ٢٢ حديث ٧ و ٨ و ٩ و ١٠ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٤.

(٧) الوسائل باب ٢٢ حديث ٧ و ٨ و ٩ و ١٠ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن تدل على اشتراط الخرق صحيحة أبي عبيدة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا رميت بالمعراض فخرق فكل ، وان لم يخرق واعترض فلا تأكل (١).

كأنها المشار إليها في الفقيه بقوله : وروى إلخ (٢) ومضمونها موافق للفتوى.

ويمكن تخصيصها بما إذا كان عنده نبل آخر ولم يكن من مرماته وصنعته ، وبقرينة ما تقدم.

ورواية زرارة وإسماعيل الجعفي أنهما سألا أبا جعفر عليه السّلام عما قتله (قتل ـ ئل ـ كا) المعراض ، فقال : لا بأس إذا كان هو من مرماتك أو صنعته لذلك (٣).

وتدل عليه أيضا موثقة محمّد بن مسلم ـ لابن فضال ـ عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : كل من الصيد ما قتله السيف والرمح والسهم ، وعن صيد صيد فتوزّعه القوم قبل أن يموت؟ قال : لا بأس به (٤).

لعلّ المراد ـ بعد إزالة الحياة المستقرّة وبقاء رمق ـ قسّم ، أو المراد بالتوزيع جعل نصفه مثلا لواحد ، والثلث لآخر ، والرأس لشخص ، لا القسمة بالفعل والانفصال والانفكاك ، فتأمّل.

واما عدم الحلّ بغيرها فالذي ثبت بالدليل ، عدم الحلّ إذا قتل بالحجر والبندق ، للأخبار الصحيحة الكثيرة بذلك ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن

__________________

(١) الوسائل باب ٢٢ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٣.

(٢) كما تقدم آنفا نقله من الشارح قدّس سرّه.

(٣) الوسائل باب ٢٣ حديث ٥ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٤.

(٤) الوسائل باب ١٦ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٨ وسندها هكذا كما في الكافي : محمّد بن يحيى ، عن احمد ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن بريد بن معاوية العجلي ، عن محمّد بن مسلم.


.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما عليهما السّلام ، قال : سألته عن قتل الحجر والبندق أيؤكل منه؟ فقال : لا (١)

ومثل صحيحة سليمان بن خالد وحسنة الحلبي وحريز (٢) وغيرها.

وكذا ما قتله الحبالة ، للرواية ، مثل حسنة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال أمير المؤمنين : ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه ، فإنه ميّت وكلوا ممّا أدركتم حيا وذكرتم اسم الله عليه (٣) أي ذكّيتم مع الشرائط مثل التسمية.

وقريب منه رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السّلام (٤).

وكذا يحرم ما يقع في الماء ويموت ، وهو ظاهر.

ويدل عليه ما في رواية سماعة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : وان وقع في الماء (أو تدهده من جبل ـ ئل) من رميتك فمات فلا تأكل منه (٥).

وكذا رواية ابن الحجّاج وحسنة الحلبي مثله (٦).

والظاهر انه كذلك لو وقع من جبل أو حائط ونحو ذلك.

وأمّا لو قتل بآلة أخرى ، مثل السكّين والخنجر وغير هما ، فالظاهر الحلّ للأصل وعموم أدلة الحلّ ، وحصر المحرّمات مع انه ليس منها.

ويؤيّده انهما يشبهان السيف.

ويدل عليه أيضا عموم بعض الأدلة ، مثل صحيحة حريز ، قال : سئل

__________________

(١) الوسائل باب ٢٣ حديث ٦ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٦.

(٢) الوسائل باب ٢٣ حديث ١ و ٣ و ٤ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٥.

(٣) الوسائل باب ٢٤ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٧.

(٤) راجع الوسائل باب ٢٤ حديث ٢ منها ص ٢٣٧.

(٥) الوسائل باب ٢٠ ذيل حديث ١ ج ١٦ ص ٢٣٢.

(٦) راجع الوسائل باب ٢٦ حديث ١ و ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

أبو عبد الله عليه السّلام عن الرمية يجرها صاحبها من النهر يؤكل منه؟ قال : (ان علم ـ ئل) ان كان يعلم ان رميته هي التي قتلته فليأكل ، (فيأكل ـ ئل) ، وذلك إذا كان قد سمى (١) فتأمّل.

وصحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : من جرح صيدا بسلاح فذكر اسم الله عليه ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع وقد علم ان سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه ان شاء ، وقال في أيّل يصطاده رجل فيقطعه الناس والرجل يمنعه (يتبعه ـ كا) افتراه نهية؟ قال : ليس بنهبة وليس به بأس (٢).

ويمكن ان يستدل على تحريم غير ما نصّ بتحليله من المقتول بالكلب والرمح والسهم ، والسيف ـ بأن الأصل عدم التذكية وإنما المحلّل هو التذكية ، ولأن غيره ميّت ، وهو حرام بالنص والإجماع.

وقد يمنعان ، بأنّ الأصل الحلّ ، وكذا ظاهر عموم الآيات والاخبار وحصر المحرّمات وخرج منه ما تحقق تحريمه بأنه ميتة وهو الذي يموت بغير تذكية وقتل في صيد ، وبالجملة غير معلوم كونه حراما وميتة.

ولا شك ان الاجتناب أحوط وأوفق بكلامهم فتأمّل.

ثم اعلم ان المراد بالرمح ، الرمح وما أشبهه كبيرا أو صغيرا من أيّ شي‌ء كان حتى العصا الصغير الذي فيه ما في كعب الرمح من الحديدة ، داخل.

وان المراد بالسهم ما فيه نصل وان لم يكن فيه ريش.

كأنه (٣) أشار إليهما بقوله : (وكلّ ما فيه نصل إلخ) مع احتمال

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٠.

(٢) أورد صدره في باب ١٦ حديث ١ وذيله في باب ١٧ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٨ ـ ٢٢٩ والأيل بضم الهمزة وكسرها والياء فيه مشدّدة مفتوحة ذكر الأوعال وهو التيس الجبلي (مجمع البحرين) (٣) كأن المصنف رحمه الله أشار الى ان المراد بالرمح إلخ وان المراد بالسهم إلخ بقوله إلخ.


وكذا السهم الخالي من نصل.

والتسمية عند إرسال الآلة ، فلو أخلّ بها عمدا لم تحلّ وان سمّى غيره أو شاركه المسمّى.

______________________________________________________

الاختصاص بالرمح المتعارف المتداول ، والسهم كذلك.

وأنه (١) لا يشترط في القتل بما فيه نصل ، بالنصل والقتل طولا ، والجرح ، بل يكفى القتل به ولو كان معترضا ، ودلت عليه العمومات وبالخصوص صحيحة الحلبي المتقدمة (٢).

وانه قد اشترط المصنف في المقتول بالمعراض مع خلوّه عن النصل خرق الجلد لعلّه لصحيحة أبي عبيدة المتقدمة (٣) ، وقد مرّ ما يدل على عدمه أيضا ، ولكن بشرط عدم نبل غيره ، فتأمّل.

واما كون السهم الخالي من النصل ـ مثل المعراض في اشتراط حلّ مقتوله بالخرق ـ فكأنه بالقياس ، ولعل عموم أدلة الحلّ بالسهم يشمله مع عدم الشرط أيضا مثل ما في صحيحة الحلبي المتقدمة (يرميه بسهم).

ويمكن ان يخص بالمتعارف المتداول ، وهو ما فيه النصل أو القتل المتعارف وهو بالطول والخرق.

قوله : «والتسمية عند إرسال الآلة إلخ» يعني لا بد في القتل بالآلة من الكلب وغيره ، من التسمية من المرسل الصائد القاتل ولو بالشركة ، فلو سمى غيره أو شاركه المسمّى لم يحلّ ، فهي شرط ، فان القتل بالآلة تذكية ، ويشترط فيها التسمية بالنص والإجماع ، وهي ذكر اسم الله على وجه التعظيم مثل بسم الله ، والله

__________________

(١) عطف على قوله رحمه الله : ان المراد بالرمح وكذا قوله قدّس سرّه : وانه اشترط المصنف إلخ.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٢ حديث ٤ ج ١٦ ص ٢٣٤ من أبواب الصيد.

(٣) راجع الوسائل باب ٢٢ حديث ١ ج ١٦ ص ٢٣٣ من أبواب الصيد.


ولو نسيها حلّ.

______________________________________________________

أكبر ، ويمكن اجزاء غير العربيّة للصدق ، وسيجي‌ء.

ويدل على اشتراطها في الصيد بالكلب آية (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ). (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) (١).

وقد مرّ ما يدلّ عليها في الاخبار الصحيحة المتقدمة فتذكّر.

وقد دلّت على كون التسمية أيضا عند إرسال الآلة مثل ما في صحيحة الحلبي : (وقد سمى حين رماه) (رمى ـ ئل) (٢).

والظاهر انما تجوز بعد الإرسال قبل الإصابة ، قال في الدروس : ولو سمّى بعده قبل الإصابة حلّ ، وقال قبله أيضا : ولو تعمّدها ثم سماها عندها ـ أي عند الإصابة ـ فالأقرب الإجزاء (انتهى).

لعموم (٣) بعض الأدلة مثل الآية والاخبار وتحمل هذه (٤) على الرخصة وبيان أول الوقت وسيجي‌ء.

فلو أخلّ بها عمدا لم يحلّ ، بل يحرم ، كمن تركها حين التذكية عمدا لا نسيانا (٥) للأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات ، وكون النسيان عذرا ظاهرا.

ويدل عليه ، كونه عذرا في الذبح والنحر ، ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل أرسل كلبه فأخذ صيدا فأكل منه آكل من فضله؟ فقال : كل ما قتل الكلب إذا سمّيت عليه ، وان (وإذا ـ ئل)

__________________

(١) المائدة : ٤.

(٢) الوسائل باب ٢٣ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٤.

(٣) تعليل لقوله قدّس سرّه : والظاهر انها تجوز بعد الإرسال إلخ.

(٤) يعني ما في صحيحة الحلبي من قوله : وقد سمّى حين رماه.

(٥) يعني لو ترك التسمية عمدا لم يحل لا انه تركها نسيانا وقوله للأصل إلخ تعليل لعدم الحرمة لو تركها نسيانا.


.................................................................................................

______________________________________________________

كنت ناسيا فكل منه أيضا وكل (من فضله) (فضله ـ ئل) (١).

وهي تدل على ان أكل الكلب له لا يضرّ بالحلّ ، والاخبار الصحيحة الدالة عليه كثيرة ستسمع ، وأيضا الأصل ، وما تقدّم مؤيّد.

وتدل عليه أيضا رواية زرارة ـ وفيها موسى بن بكر ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا أرسل الرجل كلبه ونسي ان يسمّي فهو بمنزلة من (قد ـ خ) ذبح ونسي ان يسمّي ، وكذلك إذا رمى بالسهم ونسي ان يسمّي (٢).

قال في الفقيه ـ بعد هذه الرواية ـ : وفي خبر آخر : (ان يسمّي حين يأكل) ، الظاهر عدم الخلاف في كون النسيان هنا عذرا.

واما الجهل ، فان كان من الذابح والصائد الذي لا يعتقد التسمية ، من المخالف ففيه تأمّل ، وظاهر الأخبار التحريم ، وسيجي‌ء.

واما إذا كان من الإماميّ الذي اثبت وجوب التسمية واشتراطها في المذهب لكنه جاهل بهذه المسألة كعوامهم فيمكن كونه معذورا ، لما مرّ ، وعدمه لظهور دلالة ما يدل على اشتراطها مطلقا ، فلا يحلّ إلّا بها خرج الناسي لدليل وبقي الباقي فتأمّل وسيجي‌ء في التذكية.

واما رواية عيسى بن عبد الله القمي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : أرمي بسهمي فلا أدري سمّيت أم لم اسم؟ فقال : كل لا بأس ، قال : قلت : أرمي فيغيب عنّي فأجد سهمي فيه فقال : كل ما لم يؤكل منه (قال ـ يب) : فإن أكل منه فلا تأكل منه (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ٨ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٠.

(٢) الوسائل باب ١٢ حديث ٢ ـ ٣ من أبواب الصيد ح ١٦ ص ٢٢٥ والسند كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن موسى بن بكر عن زرارة.

(٣) أورد في الوسائل صدره باب ٢٥ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٧ وذيله في باب ١٨ حديث ٤ منها.


ولو سمّى على صيد فقتل الكلب غيره حلّ.

______________________________________________________

فلا ينافي اشتراط التسمية لاحتمال حملها على انه لما كانت عادته التسمية فيحمل على فعلها أو انه إنما ترك حينئذ نسيانا ، فلا يضرّ.

ويمكن حملها على الجهل أيضا فيكون دليلا على كونه عذرا فتأمّل.

قوله : «ولو سمّى على صيد إلخ» إشارة إلى ان الشرط هو التسمية على الصيد لا التسمية على صيد بخصوصه ، لما تقدم من الأصل ، وغيره ، ولصدق التسمية التي هي شرط.

ولرواية عبّاد بن صهيب قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل سمّى ورمى صيدا فأخطأ وأصاب صيدا آخر ، قال : يأكل منه (١).

ولا يضرّ القول فيه بالبترية (٢) مع توثيق النجاشي (٣).

نعم لا بدّ ان يكون المرسل هو المسمِّي ، لأنه الذي بمنزلة الذابح.

وتؤيّده رواية محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن القوم يخرجون جماعتهم الى الصيد فيكون الكلب لرجل منهم فيرسل (ويرسل ـ ئل) صاحب الكلب كلبه ويسمّي غيره أيجزي ذلك؟ قال : لا يسمّي الّا صاحبه الذي أرسله (٤).

ورواية أبي بصير ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لا يجزي ان يسمّي الّا (غير ـ ئل) الذي أرسل الكلب (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٧ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٩.

(٢) بضم الموحّدة فالسكون فرقة من الزيدية قيل : نسبوا إلى المغيرة بن سعد ولقبه الأبتر إلخ (مجمع البحرين) (٣) يعني ان عباد بن صهيب وان قيل. انه بتريّ كما عن الخلاصة للعلامة الّا انه وثقه النجاشي في رجاله ومجرد فساد المذهب مع وثاقة الراوي غير قادح في حجيّة خبره.

(٤) الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٦.

(٥) الوسائل باب ١٣ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٦.


ولو أرسله على كبار فتفرّقت عن صغار فقتلها حلّت ان كانت ممتنعة ، وإلّا فلا ، وكذا الآلة.

ولو أرسله مسمّيا ولم يشاهد صيدا فاتّفق لم يحلّ.

______________________________________________________

قوله : «ولو أرسله على كبار إلخ» أي لو أرسل مسمّيا ، كلبه المعلّم على صيود كبار ممتنعات ، فتفرّقت الكبار عن أولادهم الصغار فقتل ذلك الكلب المرسل المسمّى على الكبار ، هذه الصغار حلّت تلك الصغار ان كانت ممتنعة ، لأنه حصل فيها شرائط الصيد ، فان الصيد هو الوحشيّ الممتنع بالفعل وقد قتل الكلب المعلّم مع التسمية ، ان لا يشترط التسمية على المرسل اليه ، بل يكفي التسمية مع إرساله إلى الصيد وان قتل غيره ، كما تقدم.

وان لم تكن ممتنعة بل صغارا بحيث لا تقدرن على النهوض ، والعدو ، والطيران فقتلها الكلب يكون حراما لأنها ميتة ، إذ هي غير المذكّى ، إذ ما ذبح ، ولا قتله الكلب على الوجه الشرعي ، وكذا سائر آلات الصيد من الرمح والسيف والسهم. فلو رمى مسمّيا على الكبار فقتل الصغار الممتنعة حلّت ، ولو قتل غير الممتنع لم يحلّ بل يحرم.

قوله : «ولو أرسله مسميا ولم يشاهد إلخ» أي لو أرسل الصائد كلبه أو آلة من آلات الصيد مع التسمية قبل الإرسال ، ولكن ما شاهد صيدا أصلا فاتفق صيد وقتل به ، لم يحلّ ذلك الصيد ، فإنه غير مذكّى ، إذ ما سمّى عليه ، ولا على غيره فهو مثل ما قتله الكلب بغير إرسال وبغير تسمية.

وبالجملة قاعدتهم تقتضي تحريم ما فارقه الروح لانه ميّت الّا ما علم انه مذكّى شرعيّ.

وفيه تأمّل ، للأصل ، ولما تقدم من الآيات والاخبار والإجماع والعقل ، الدالة على التحليل مع دليل حصر المحرّمات فلا يتم (فلاتم ـ خ) القاعدة.

على انه قد يقال : إنه صيد لانه مقتول بجرح آلة الصيد (شرعا) مع


وان لا يغيب الصيد وحياته مستقرّة ، فلو وجد قتيلا أو ميّتا بعد غيبته لم يحل وان كان الكلب واقفا عليه.

______________________________________________________

التسمية ، ولا يشترط التسمية على خصوصه لما مرّ والأصل عدم اشتراط الإرسال والتسمية مع المشاهدة فيدخل تحت الآية وسائر أدلة إباحة الصيد.

نعم لا يبعد اعتبار قصد ما الى الصيد ، والظاهر انه حاصل لأنه سمّى ولا يشترط ظن وجوده بل يكفي الاحتمال مع احتماله (١) فتأمّل.

قال في الدروس (٢) : قصد جنس الصيد ، فلو قصد الرمي لا للصيد لم يحلّ ، وقال أيضا : أن يكون الإرسال للصيد إلخ ، يفهم كفاية قصد صيد ما ، ويؤيده ما في رواية القاسم بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا صاد وقد سمّى فليأكل وإذا صاد ولم يسمّ فلا يأكل وهذا ممّا علّمتم من الجوارح مكلّبين (٣) ، وغيرها.

قوله : «وان لا يغيب الصيد إلخ» من شرائط حلّ الصيد عدم غيبته عن نظر الصائد مع استقرار حياته ، فإذا غاب بعد كونه مجروحا بآلة الصيد المحلّلة وحياته مستقرّة ثم وجده قتيلا أو ميّتا لم يحل وان كان فيه آلة الصيد مثل السهم أو كان الكلب واقفا على رأسه ، لما مرّ من القاعدة ، وهي الحكم بأنه ميّت وحرام ما لم يعلم ازالة الحياة على الوجه المبيع شرعا ، وهنا كذلك ، إذ قد يكون بعد الجرح موته وازالة حياته المستقرة بغير ذلك الجرح.

نعم لو غاب ولم يستقر حياته بل صار في حكم المذبوح ثم وجده (وجدته ـ خ) ميّتا فهو حلال لانه قد زال حياته المستقرّة بآلة الصيد المبيحة ، فهو

__________________

(١) يعني مع احتمال اشتراط ظن وجوده.

(٢) عبارة الدروس هكذا : وشرائط الحلّ به تسعة (إلى ان قال) : الثالث قصد جنس الصيد إلخ. وقال قبل ذلك : ثم يشترط فيه (أي في حل الصيد) تسعة (الى ان قال) : الثالث ان يكون الإرسال للصيد.

(٣) الوسائل باب ١٢ ذيل حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

مثل أن قتله ثم غاب ولا يضر ذلك.

وكذا لو علم ، بل ظن ظنا غالبا انه قتل بالآلة حلّ أيضا.

وقد دلّت الأخبار على اباحته مع غيبته مطلقا مثل ما تقدم في خبر عيسى بن عبد الله القميّ ، قال : قلت : أرمي فيغيب عني فأجد سهمي فيه ، فقال : كل (١) الخبر.

ويمكن تقييدها بعدم الاستقرار ، وبما إذا علم أو ظن انه انما قتلته (قتله ـ خ) الآلة وان كان حين الغيبة كانت حياته مستقرة وبه صرّح في بعض الأخبار.

مثل ما تقدم في صحيحة حريز عنه عليه السّلام : (ان كان يعلم (علم ـ خ) ان رميته هي التي قتلته فليأكل) (٢).

ورواية سماعة قال : سألته عن رجل رمى حمار وحشيّ (وحش ـ ئل) أو ظبيا فأصابه ثم كان في طلبه فوجده من الغد وسهمه فيه فقال : ان علم انه اصابه وان سهمه هو الذي قتله فليأكل منه والّا فلا يأكل (٣).

وما في صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال : من جرح صيدا بسلاح فذكر اسم الله عليه ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع وقد علم ان سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء (٤).

ورواية موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا رميت فوجدته وليس به اثر غير السهم وترى انه لم يقتله غير سهمك فكل ، يغيب (غاب ـ خ ل ـ ئل) عنك أو لم يغب عنك (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ صدر حديث ٤ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣١.

(٢) الوسائل باب ١٨ قطعة من حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٠.

(٣) الوسائل باب ١٨ قطعة من حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٠.

(٤) الوسائل باب ١٦ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٨.

(٥) الوسائل باب ١٨ حديث ٥ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣١.


وان يقتله الكلب بعقره لا بصدمه وإتعابه.

______________________________________________________

نعم إذا لم يعلم انه قتل بسهمه لا يؤكل ، لما مرّ كما إذا وجده ميّتا فيه سهم لا يعلم به وان صاحبه سمّى أم لا ، كما يدل عليه أيضا بعض ما تقدّم.

وتدل عليه أيضا صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام في صيد وجد فيه سهم وهو ميّت لا يدري من قتله؟ قال : لا تطعمه (١) (لا تطعمونه ـ خ ل).

قوله : «وان يقتله الكلب بعقره إلخ» من شرائط المقتول بالكلب الذي يحلّ أكله ان يكون الكلب قتله بعقره وجرحه لا بصدمه ، مثل ان يضربه بجنبه أو رأسه أو رجله فوقع فمات أو أتعبه فوقع ميّتا من التعب والعدو ، لما تقدم من القاعدة ، ولان الصيد هو القتل بالجرح ، لأنه المتعارف والمتداول والمفهوم ، فلا يحلّ غيره.

ويؤيده ما يدل على انه لا بدّ في السهم الخالي عن النصل من الخرق والجرح (٢) وقد تقدم ، وما يدل على عدم الحلّ بالحجر والبندق (٣).

وما دلت من الأخبار ، على انه لو مات في الماء أو وقع من الجبل والحائط ومات لم يحل مثل صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل عن رجل رمى صيدا وهو على جبل أو حائط فيخرق فيه السهم فيموت فقال : كل منه ، وان وقع في الماء من رميتك فمات فلا تأكل منه (٤).

وفيه تأمّل ، إذ ليس كل ما ذكره دليلا ، وظاهر أدلة حلّ ما قتله الكلب مثلا يشمله ، نعم لا بدّ من العلم أو الظن الشرعي على حلّه بالتذكية الشرعيّة ، وفي حصوله هنا تأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ١٩ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٢.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٣.

(٣) راجع الوسائل باب ٢٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٥.

(٤) الوسائل باب ٢٦ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٨.


وإسلام المرسل أو حكمه ، فلو أرسل الكافر وان كان ذمّيا لم يحلّ.

______________________________________________________

وبالجملة انما البحث في صدق أدلّة الحلّ وعدمه هنا ، والظاهر عدمه في الأتعاب وصدقها في غيره ممكن ، والاحتياط واضح ، وهو طريق السلامة علما وعملا فلا يترك.

وكذا لا يحلّ لو شاركه غيره في قتله بحيث استند القتل إليهما.

قوله : «وإسلام المرسل إلخ» من الشرائط : إسلام المرسل ورامي الآلة أو حكمه ، كما في أطفال المسلمين ، فان حكمهم حكم آبائهم عندهم.

لما كان إرسال الكلب بمنزلة الذبح والنحر وقد شرط كون فاعلهما مسلما أو من حكمه شرط ذلك في المرسل ، دليله دليله ، وسيجي‌ء.

وتؤيّده الآية (١) فإن الخطاب للمسلمين ، فيكون المكلّب والمرسل مسلما.

الظاهر عدم الحلّ مع كونه مشركا ، بل الظاهر انه إجماعيّ ، وفي الكتابيّ مثل اليهودي أو النصراني خلاف ، والمشهور عدم الحلّ.

قال في الدروس : نقل عن الحسن انه لا بأس بصيد اليهودي والنصراني وذبائحهم ، بخلاف المجوس ، وجوّز الصدوق أكل ذبيحة الثلاثة (٢) إذا سمعت منهم التسمية وفقدت ذبيحة المسلم ، مقتضاه (٣) جواز اصطيادهم ، وفي اصطياد المخالف خلاف سيأتي تحقيقه.

وفي اشتراط التسمية ـ المستفاد من الكتاب ، والسنة ، والإجماع ـ إشارة إلى اشتراطه ، فان الكافر لا يحصل منه التسمية الحقيقيّة فتأمّل.

__________________

(١) هي قوله تعالى (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) إلخ ـ المائدة : ٤.

(٢) يعني اليهود والنصارى والمجوس.

(٣) في الدروس فمقتضى قوله : جواز اصطيادهم ، ولا تعويل على القولين وفي حلّ اصطياد المخالف غير الناصب الخلاف الذي يأتي في الذبيحة ان شاء الله (انتهى).


وانفراده ، فلو أرسل المسلم والكافر آلتهما (آلتيهما ـ خ) فقتلاه حرم ، اتفقت الآلة أو اختلفت. ولو صيّر المسلم حياته غير مستقرة ثم مات بالآخر حلّ ، ولو انعكس أو اشتبه لم يحلّ ، ولو أثبته الكافر وقتله (قتلته ـ خ ل) آلة المسلم أو بالعكس لم يحلّ.

______________________________________________________

وكذا في صحيحة سليمان بن خالد الآتية اشارة إليه ، فتأمّل.

فإنه لا دليل واضح عليه الّا ان أكثر الأصحاب عليه ، وفيه الاحتياط.

وفي قوله : (فلو أرسل الكافر وإن كان ذميّا لم يحلّ) إشارة إلى ردّ القول النادر ، وسيجي‌ء نقل الخلاف وتحقيق الحال في الذبيحة.

قوله : «وانفراده إلخ» أي من الشرائط انفراد المسلم في إرسال الآلة ، بل انفراد الآلة المحلّلة ، حاصله اشتراط الموت بجرح الآلة المحلّلة بحيث لا يكون معه ما يجرحه.

فلو أرسل المسلم والكافر آلتيهما وقتل الصيد بهما بحيث علم أنّ لكل واحد دخلا في قتله وازالة استقرار حياته ، حرم ذلك الصيد ، سواء اتفقت آلتاهما مثل ان أرسل المسلم والكافر كلبيهما ، أو اختلفت ، مثل ان أرسل المسلم كلبا ، ورمى الكافر سهما ، ونحو ذلك.

فلو صيّر المسلم حياة صيد غير مستقرة ثم مات بهما أو بآلة الكافر حلّ ولم يحرم ، ولو انعكس حرم.

وكذا لو لم يعلم زوال حياته المستقرة بآلة المسلم المحلّلة أو بآلة الكافر المحرّمة ، وبالجملة ، المعلوم قتله بآلة الكافر حرام والمشتبه مثله فتأمّل.

والأخبار في انه لا يأكله حتى يعلم انه قتله رميته وكلبه المحلّل ، كثيرة ، وبالجملة ما يدل على عدم اباحة ما يمكن قتله بالمحلّل والمحرّم كثير ووجهه ظاهر.

وكذا يحرم لو أثبته آلة الكافر المحرّمة ، أي جعلته غير ممتنع ، بل صار الصيد


وان يرسله للاصطياد فلو استرسل من نفسه لم يحلّ وان أغراه بعد أما لو زجره فوقف ثمّ أغراه حلّ.

______________________________________________________

بسببه مثل الأهلي في عدم الامتناع من الأخذ وصار أخذه سهلا مثله ثم قتله المسلم بآلته من الكلب وغيره لم يحلّ بل يحرم ، فان القتل بآلته انما يحل إذا صاد ، وقتل الصيد ، وهو هنا ليس كذلك لان الامتناع بالفعل معتبر في حلّه بالآلة.

نعم لو ذبحه بعده مسلم يحلّ ، وهو ظاهر.

وكذا لو أثبته المسلم بآلته فقتله الكافر بآلته لم يحلّ ، إذ ما مات بآلة المسلم ولم تصر في حكم الميّت والمذبوح بزوال حياته المستقرّة بالفرض فما قتله الّا آلة الكافر. وقد تقرّر عدم الحلّ به مع الامتناع ، فمع عدمه بالطريق الأولى ، فليس له محلّل الّا الذبح المقرّر شرعا ، وهو ظاهر.

قوله : «وان يرسله للاصطياد إلخ» من الشرائط إرسال المسلم آلته للاصطياد وقصده ، فلو استرسل الآلة مثل الكلب من نفسها من غير إرسال لم يحلّ لعدم الشرط ، وهو ظاهر على تقدير ثبوت الشرطيّة.

ولكن لم (ما نجد له ـ خ) نجد دليلا عليه إلّا ما ذكر من قيد الإرسال في الخبر النبويّ صلّى الله عليه وآله (١).

وفي المتن والسند ، تأمّل.

نعم قد يقال : الأخبار الدالة على التسمية حين الإرسال ، تدلّ على عدم الحلّ بالاسترسال.

وهو ظاهر مع عدم التسمية ، ومع وجودها بعد استرساله ليست التسمية صادرة حين الإرسال ، فيفهم منه اشتراط الإرسال ، وانه لا يكفي الاسترسال.

__________________

(١) راجع سنن النسائي ج ٧ باب صيد الكلب المعلّم ص ٨٠ ، والروايات الواردة بقيد الإرسال عن أهل البيت عليهم السّلام كثيرة جدا فراجع الوسائل ج ١٦ باب ١ و ٢ و ٣ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ١٢ و ١٣ و ١٥ من أبواب الصيد.


.................................................................................................

______________________________________________________

فيه تأمّل (أمّا أولا) فيحتمل ان تكون التسمية حين الإرسال كناية عن ذهابه إلى الصيد وقتله ، سواء كان بالإرسال أو بالاسترسال.

(وثانيا) يحتمل ان يكون (حين الإرسال) رخصة ويكون كلما قرب من العقر والجرح أولى ، فإن التسمية عند الذبح ، وهو أقرب منه.

ويؤيّده خلوّ الآية وأكثر الاخبار عن التسمية حين الإرسال وان كانت موجودة في البعض ، ويشعر بكفاية مطلق التسمية الخبر الآتي وغيره فتأمل.

نعم ينبغي كونها قبل وصول الآلة إلى الصيد وجرحه ، فإنه بمنزلة الذبح فتأمّل.

(وثالثا) تدلّ على ان المقصود من الإرسال والتسمية حينئذ هو التسمية لا غير رواية القسم بن سليمان ـ في التهذيب وغيره ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن كلب أفلت ولم يرسله صاحبه فصاد فأدركه صاحبه وقد قتله أيأكل منه؟ فقال : لا ، إذا صاده وقد سمّى فليأكل ، وإذا صاد ولم يسمّ فلا يأكل ، وهذا ممّا علّمتم من الجوارح مكلّبين (١).

وهذه صريحة في عدم اعتبار الإرسال ، وعدم الضرر بالاسترسال الّا ان يترك التسمية.

هذا إذا لم يغره ، فان أغراه بعد استرساله ، فان لم يزد في عدوه فهو الاسترسال فقط ، إذ لا يقال له الإرسال ، ولا انه بحكمه ، إذ ما ظهر له اثر.

وقد يقال : فهم منه الرواح بإذنه ورضاه ، فكأنه أرسله ، فتأمّل.

وان (٢) زاد ففيه (مع التسمية خ) وجهان ، الحلّ لأن (٣) زيادة العدو

__________________

(١) أورد صدره الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٤ وذيله في باب ١٢ حديث ١ منها.

(٢) عطف على قوله قدّس سرّه : (فان لم يزد).

(٣) هذا وجه الحل واما الوجه الثاني وهو عدم الحل فسيأتي في عبارته قدّس سرّه : وقد فهم وجه التحريم أيضا.


.................................................................................................

______________________________________________________

وسرعته بمنزلة الإرسال وقد سمّى حينئذ.

والظاهر أن ليس هذا العدو مركّبا من المحرّم ـ وهو المرسل بنفسه مع قلّة العدو والمحلّل ، وهو زيادة العدو بعد الإغراء فيكون مقتولا بالمحلّل والمحرّم فيحرم مثل المقتول بكلب المسلم والكافر.

فإن (١) العدو الزائد بعد إغراء الصاحب وحكمه هو الذهاب السريع فقط وليس هو بأمرين كما قاله في شرح الشرائع ، بل أمر واحد. فان كان الإغراء بمنزلة الإرسال رأسا يكون محلّلا فقتل الصيد بالمحلّل فقط فيحل.

نعم يمكن المناقشة في انه ما حصل هنا المحلّل أصلا فإنه الإرسال ، ولا يقال لزيادة العدو بعد الاسترسال بإغرائه ، إرسال ، وليس بمعلوم ان ما هو بحكمه مثله في ذلك فيحرم اما لو سلّم فالظاهر انه مقتول بالإرسال فقط.

وقد فهم وجه التحريم أيضا ، فتأمّل.

هذا إذا لم يزجره صاحبه ، فإن زجره ، فان لم ينزجر ، فالظاهر انه لم يحلّل قتله ، بل لو أكل حينئذ لا (لم خ) يخرج عن كونه معلَّما ، فإنه ما أكل الصيد ، واما لو انزجر ووقف فاغتراه وسمّى ثم ذهب فقتل فالظاهر أنه إرسال فيحلّ مقتوله بشرائطه.

«فرع»

هل يملك صاحبه الصيد بإثبات كلبه المسترسل؟ فيه تأمل ، إذ لم يثبت يده عليه ولا قصده أيضا.

ويحتمل دخوله في ملكه بغير اختياره كالميراث ، ولكن الأصل عدمه حتى

__________________

(١) تعليل لقوله : (ليس هذا العدو مركبا إلخ).


ولو قتله المرسل والمسترسل حرم ، ولو رمى السهم فأعانته الريح حلّ ، وكذا لو وقع على الأرض ثم وثب فقتل.

اما لو رماه فتردّى من جبل أو وقع في الماء فمات حرم الّا أن

______________________________________________________

يثبت بالدليل ولم يقم دليل على ان أخذ كلب شخص صيدا موجب للمالك.

ويحتمل مع الإغراء والقصد خصوصا مع زيادة العدو به ، وحينئذ لو أغراه أجنبي ، فعلى القول بملك المالك لا ينفع ولا يضرّ ، وعلى القول بالعدم والقول بأن الإغراء مثل الإرسال ، يحتمل تملكه إذا قيل بتملكه بإرسال كلب الغير إلّا انه يكون فاعل حرام وملك ، مثل من رمى صيدا بقوس مغصوب أو سهم كذلك ، فتأمّل.

قوله : «ولو قتله المرسل إلخ» لو قتل صيدا كلبان مرسلان أرسل أحدهما صاحبه بشرائطه ، والآخر مسترسل ليس معه شرائطه بحيث علم ازالة الحياة المستقرّة بهما أو بالأخيرة أو لم يعلم بالأول حرم ذلك الصيد ، فإنه من اجتماع آلتي المحلّلة والمحرّمة ، وقد مرّ التحريم بقتلهما ، وله صور كثيرة قد مرّ بعضها ، وسيجي‌ء أيضا.

وليس من ذلك القبيل لو رمى الصيد بسهم فأعانته الريح بحيث لو لم يكن تلك الريح لم يصل إلى الصيد ولم يقتله فإنه يحلّ ، إذ ما قتل إلّا بآلة الصيد مع الشرائط ، واعانة الريح أيضا ، كانت بسبب صدوره عن الرامي وليست سببا آخر منضمّة اليه وقتل الصيد بهما كما في الكلبين ، نعم حصل له قوة من خارج ، ولكن أصله صادر عن الصائد ، والإعانة حصلت من الخارج ، منضما بفعله لا منفكا عنه فيحلّ مقتوله.

وكذا يحلّ لو وقع السهم على الأرض ثم وثب وحصل له به قوّة أو وقع على حائط فوثب فقتل بعد ذلك صيدا ، ولو كان بحيث لو لم يكن وقع عليها ثم وثب لم يقتل الصيد ، فتأمّل فإن الأخير أظهر من الأول.

وقوله : «أما لو رماه فتردى إلخ» من صور الاجتماع والاشتباه ان لو رمى


يقع بعد صيرورة حياته غير مستقرة.

ويتحقق التعليم بالاسترسال عند الإرسال والانزجار عند الزجر ، وان لا يأكل من الصيد ، ولا تقدح الندرة ولا شرب الدم وان (يتكرّر) (يكرّر ـ خ) ذلك ولا يكفى الاتفاق مرّة.

______________________________________________________

الصائد صيدا فضربه فتردّى الصيد من جبل ، أو وقع في الماء بحيث ما علم ازالة حياته المستقرّة بالجرح المحلِّل ، حرم ذلك الصيد ، فإنه ما علم قتله بالآلة المحلّلة.

ويحتمل ان يكون المراد انه رمى صيدا فتردّى من جبل أو وقع في الماء من غير جرحه بالسهم ووصوله اليه كما هو الظاهر ، وحينئذ الحكم بالتحريم أظهر ولكن ليس من صور الاجتماع ، وهو ظاهر.

وبالجملة لا شكّ في التحريم لو مات بغير سبب الجرح المحلّل أو بسببه مع شركة غيره بحيث لا يعلم استقلاله في إزالة حياته المستقرة ، وهو ظاهر من القاعدة ودلّت عليه الاخبار المتقدمة فتذكر وتأمّل.

نقل في الدروس انه قيد الصدوقان موته في الماء بما إذا كان رأسه في الماء ، فلو كان رأسه خارجا لم يحرم ، قال : وصوّبه الفاضل.

لعلّ المقصود به إذا دلّت القرينة على أنه انما قتل بجرح الآلة لا غير ومن جملته ذلك ، فتأمّل.

قال في المختلف : لا بأس بهذا التفصيل ، لأن (١) في الحقيقة عائد إلى ما فصّله باقي أصحابنا.

قوله : «ويتحقق التعليم إلخ» بيان للتعليم المعتبر في الكلب ليحلّ صيده مع باقي شرائطه.

المشهور في الفروع والتفاسير انه أمور ثلاثة ، الاسترسال عند الإرسال ـ أي

__________________

(١) هكذا في النسخ والصواب (لانه) كما لا يخفى.


.................................................................................................

______________________________________________________

ذهابه إلى الصيد إذا أذهب وأغراه إليه ـ والانزجار عند زجره عن الذهاب ، والعدو ، وقد أطلق البعض هذا.

ولكن قيّد في بعض المواضع مثل الدروس ، بما إذا لم يكن بعد إرساله إلى الصيد ، فإنه لا يكاد يقف بعد ذلك كلب أصلا ، فمع اشتراطه لا يتحقق كلب معلّم الّا نادرا.

قال في التحرير : الانزجار بالزجر انما يفيد قبل إرساله إلى الصيد أو رؤيته واما بعد ذلك فلا ، لانه لا ينزجر بحال فتأمّل.

وأن لا يأكل من الصيد بمعنى ان لا يكون عادته الأكل ، فلا يكفيه عدم الأكل مرّة ولا يقدح الأكل نادرا ولا شرب الدم مطلقا.

وقالوا : لا بدّ من تكرر حصول هذه الأمور كلّها.

وهل يكفي التكرر فيكون في الثالث معلَّما أم لا؟ ففيه تأمّل.

والظاهر الحوالة إلى العرف ، إذ ليس في الدليل التكرر حتى نبحث عن مقداره وعدده فالبحث فيه والخلاف ممّا لا ثمرة له ، ولهذا قال في التحرير : الأقوى عندي الحوالة في ذلك إلى العرف بأن يتكرر منه الصيد متصفا بهذه الشرائط فيتحقق حصولها فيه من غير تقدير المرّات ، فإذا لا بدّ من حصول العادة في ذلك فلا بدّ أن يحصل منه ذلك بمرّات متعدّدة بحيث يقال في العرف : أن هذا لا يأكل ، وانه معلّم ، ومسترسل بالإرسال ومنزجر بالانزجار فلا يكفي في حلّ الصيد موته بجرحه قبل حصول العادة ، وبعدها لا يضرّ خلافه ، مثل ان لا يذهب مرّة اتفاقا ، أو لا ينزجر ، أو يأكل فتأمّل.

اعلم انه لا شكّ انه لا بدّ من كون الكلب معلّما للآية (١) والاخبار

__________________

(١) هي قوله تعالى (مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) ـ المائدة : ٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

خصوصا ما في حسنة محمّد بن قيس عنه عليه السّلام : (وما قتلته (قتلت ـ خ ئل) الكلاب التي لم تعلّموها من قبل ان تدركوه فلا تطعموه) (١).

ولكن ما نعرف ما المراد وما ورد نصّ بذلك ، نعم ذكر الأصحاب وغير هم أيضا في التفاسير ما تقدم وما نعرف مأخذ ذلك مع الإجمال فإن حدّ الاسترسال مع الإرسال والانزجار عند الزجر غير معلوم ، وكلام الأكثر مطلق ، وقيّده البعض بغير وقت إرساله إلى الصيد ورؤيته كما تقدم.

وكذا عدم الأكل ، فإن الظاهر انه ما اعتبره البعض ، قال في الدروس : قال الصدوقان والحسن : يؤكل وان أكل وربما حمل على الندرة (انتهى).

وليس وجه حمله ظاهرا ، وقد دلّت الأخبار الكثيرة على عدم الضرر بالحلّ أكل (٢) الكلب من الصيد وقد مر بعضه مثل ما في رواية موسى بن بكر ، عن زرارة عنه عليه السّلام : (وان أكل فكل ما بقي وان كان غير معلّم يعلّمه في ساعته حين يرسله وليأكل منه فإنه معلّم) (٣).

وفي طريقه موسى بن بكر وفي الكتب ، فكأنّه لا يضرّ لشهرته ووجوده في الكتب مثل الفقيه وهي صريحة في عدم اعتبار عدم الأكل ، وانه لا يحتاج الى التكرار ، وكثرة الزمان في صيرورته معلّما فتأمّل.

وقال في الفقيه بعدها : وفي خبر آخر قال الصادق عليه السّلام : كل ما أكل منه الكلب وان أكل منه ثلثه (ثلثيه ـ خ ل) كل ما أكل الكلب وان لم يبق منه الّا

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٨.

(٢) كذا في النسخ والظاهر أنّ لفظة (أكل) فاعل لقوله رحمه الله (عدم الضرر).

(٣) أورد قطعة منه في باب ٢ ذيل حديث ٧ وقطعة منه في باب ٧ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٠ و ٢١٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

بضعة واحدة (١) وهي أيضا صريحة في عدم اعتبار عدم الأكل وهو ظاهر.

ومثل حسنة محمّد بن مسلم وغير واحد عنهما عليهما السّلام جميعا انهما قالا في الكلب يرسله الرجل ويسمّي؟ قالا : ان أخذه فأدركت ذكاته فذكّه ، وان أدركته وقد قتله وأكل منه فكل ما بقي (٢).

وفي رواية سالم الأشلّ عنه عليه السّلام (فقال : لا بأس بأكله بما يأكل ـ ئل) ، هو لك حلال (٣).

وما في حسنة الحلبي : (واما ما قتله الكلب وقد ذكرت اسم الله عليه فكل وان أكل منه) (٤).

وفي مثله دلالة على كفاية التسمية أيّ وقت كان ولا فرق بين الإرسال والاسترسال فان التسمية مع الجرح كاف فتأمّل.

وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الكلب يصطاد فيأكل من صيده أفآكل (أتوكل ـ ئل) بقيته؟ قال : نعم (٥).

وغير ذلك من الاخبار الكثيرة جدّا ، مثل ما في صحيحة أبي عبيدة الحذّاء عنه عليه السّلام قال : تأكل ممّا أمسك عليك (عليه ـ خ ل) (٦).

وصحيحة حكم بن حكيم (الصيرفي ـ ئل) ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ما تقول في الكلب يصيد الصيد فيقتله؟ قال : لا بأس بأكله ، قال :

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١٠ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٠.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٠٩ وزاد : ولا ترون ما يرون في الكلب.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٠٩.

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ٩ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٠.

(٥) الوسائل باب ٢ ذيل حديث ١٥ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١١.

(٦) الوسائل باب ١ قطعة من حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٠٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

قلت : انهم يقولون انه إذا قتله وأكل منه فإنما أمسك على نفسه فلا تأكل؟ فقال : كل أو ليس قد جامعوكم على ان قتله ذكاته؟ قال : قلت : بلى ، قال : فما يقولون في شاة ذبحها رجل أذكّاها؟ قال : قلت : نعم ، قال : (قل ـ خ :) فان السبع جاء بعد ما ذكّاها فأكل منها بعضها أيؤكل منها البقيّة؟ فإن أجابوك الى هذا فقل لهم : كيف تقولون إذا ذكّى ذلك فأكل منها لم تأكلوا ، وإذا ذكّى هذا وأكل أكلتم (١).

وهذه صحيحة صريحة في عدم اشتراط عدم الأكل مطلقا وانه مذهب العامّة.

ومن جملة ما حمله الشيخ في كتابي الأخبار غيرها ممّا ورد فيه ذلك ، على التقيّة ، مثل صحيحة رفاعة بن موسى قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الكلب يقتل فقال : كل ، فقلت : ان أكل منه؟ فقال : إذا أكل منه فلم يمسك عليك ، وانما أمسك على نفسه (٢).

فيحتمل ان يكون مذهب الكتابين عدم اشتراط عدم الأكل فيكون موافقا للصدوقين والحسن.

ويمكن حملها على الكراهة وإسقاطها بواحدة ، فيبقى الباقي.

فعلم منها عدم اعتبار عدم الأكل ولو عادة.

وظاهر الآية انه لا بدّ من كون ما يصير به معلّما شيئا علّمنا الله إياه في تعليم الكلب حتى يكون معلّما.

وما عرفنا أيّ شي‌ء ذلك الذي علّمناه ، من (٣) القرآن ولا من السنة إلّا ما في كلام العلماء ، ولم يعلم إجماعهم أيضا ، لما عرفت من الاجمال والخلاف (٤) ،

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٠٨.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ١٧ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٢.

(٣) متعلق بقوله قدّس سرّه : (وما عرفناه).

(٤) نشر على ترتيب اللف يعني القرآن والسنة مجملان ، والمسألة محل الخلاف لا إجماع فيها.


.................................................................................................

______________________________________________________

فتأمّل حتى يفتح الله.

مع انه قد ورد في رواية النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : الكلب الأسود البهيم (١) لا تأكل صيده لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله أمر بقتله (٢).

ونقل هذه العامة أيضا عنه صلّى الله عليه وآله (٣).

فيمكن التقيّة أو الحمل على الكراهة.

ويؤيّده عدم الصحّة وعدم دلالة الدليل على المدّعى فتأمل فيه.

وورد عن جميل ـ في الصحيح ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه ولا يكون معه سكّين فيذكّيه أفيدعه حتى يقتله ويأكل منه؟ قال : لا بأس ، قال الله تعالى (فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) (٤) الخبر.

وهذه أيضا كالصريح في عدم الفرق بين الإرسال والاسترسال ، وجواز التسمية من حين الإرسال إلى حين الجرح والقتل ، فان قتل الكلب جعله بمنزلة الذبح والنحر بغيره ، فتأمل.

وفي الصحيح ، عن معاوية بن حكيم ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن جميل بن درّاج ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام أرسل الكلب واسمّي عليه فيصيد وليس معي ما أذكّيه به؟ قال : دعه حتى يقتله الكلب وكل (٥) منه.

__________________

(١) فرس بهيم أي مصمت وهو الذي لا يخالط لونه شي‌ء سوى لونه ومنه الأسد البهيم (مجمع البحرين).

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٤.

(٣) الذي عثرنا عليه ما رواه أبو داود في سننه ج ٢ ص ١٠٨ عن عبد الله بن مقفل ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : لو لا ان الكلاب امة من الأمم لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها الأسود البهيم.

(٤) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٨.

(٥) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٩.


ويجوز الاصطياد بجميع آلته (الآلة ـ خ ل) ، لكن يشترط فيه التذكية وان كان فيه سلاح سواء كان بالشرك والحبالة والسهم الخالي من نصل إذا لم يخرق ، والسباع كالفهد ، والنمر ، والجوارح كالصقر والبازي وغير ذلك.

______________________________________________________

وهو مذهب الشيخ ومختار المصنّف في المختلف ، ولكن مع العجز.

ولا استبعاد في ذلك فإن الأمر شرعيّ محض ، والاحتياط أمر آخر لا يترك.

ولكن أخبار أخر كثيرة دالة على وجوب الذبح ان أدركه ، فكأنّ ذلك حمل الشيخ ومن تابعه على حمل هذه على حال الضرورة وعدم إمكان ما يذبح به كما يشعر به الخبران حيث دلّا على عدم ما يذبح به وان كان ذلك في السؤال ، ولكن التقرير وعدم شي‌ء آخر يدل على الجواز مطلقا مع ما تقدم ، يدل على الاقتصار على الجواز حال الضرورة وان كانت العلّة مشعرة بعدمها أيضا ، فتأمّل.

قوله : «ويجوز الاصطياد إلخ» أي يجوز أخذ الصيد بجميع آلات الصيد ، فالاصطياد والصيد هنا ليسا بالمعنى المتقدم (١) ، بل بالمعنى اللغوي ، ففي العبارة مسامحة.

ولا يكفي ذلك للأكل ، وان مات فيه يحرم ، إلّا ما مات بقتل الكلب ونحوه إيّاه مع الشرائط المتقدمة ، فيحلّ ، وان كان حيّا فلا بدّ من ذبحه ليحلّ ، وكذا ليحلّ استعمال جلده ويطهر ان كان قابلا للتذكية وان كان السلاح موجودا فيه بالفعل.

ولا فرق في ذلك بين أنواع آلاته وافرادها ، سواء كان الشرك والحبالة أو السهم الذي خال عن النصل ولم يخرق ، والسباع كالفهد والنمر ، وجوارح الطيور كالصقر والبازي ، وغير ذلك.

__________________

(١) وهو قتل الحيوان الوحشي الممتنع بالفعل بإحدى الآلات ، كما تقدم منه قدّس سرّه في أول الكتاب.


المطلب الثاني : في الأحكام

الاعتبار في حلّ ما يقتله المعلّم بالمرسل لا بالمعلّم ، فيحلّ لو أرسله المسلم وان كان المعلّم كافرا ، لا العكس (بالعكس ـ خ ل).

______________________________________________________

قوله : «الاعتبار في حلّ ما يقتله إلخ» أي إنما الاعتبار في حلّ الصيد الذي قتله الكلب المعلّم بالمرسل لا بالمعلّم فيحلّ مقتوله لو كان المرسل مسلما وسمّى وان كان المعلّم ومالكه كافرا ، ويحرم لو كان الأمر بالعكس لأن الكلب بمنزلة السكّين ، وصاحبه ومعلّمه بمنزلة صاحبه ومحدّدة ، والمرسل بمنزلة المذكّي والذابح ، فالمعتبر إسلامه فقط.

ويؤيّده أيضا العمومات مثلا في (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (١) وقد تقدّمت مثل : وان ذكرت اسم الله فكل (٢) ، وان أرسله وسمّى فليأكل (٣) ، وإذا صاد الكلب وقد سمّى فليأكل (٤) ويسرّح كلبه المتعلّم (المعلّم ـ ئل) ويسمّي إذا سرحه؟ قال : يأكل (٥) ـ وهي كثيرة.

وخصوص حسنة سليمان بن خالد ـ وهي صحيحة في التهذيب والاستبصار قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن كلب المجوسيّ يأخذه الرجل المسلم فسمّى حين يرسله أيأكل ممّا (ما ـ خ ل ئل) أمسك عليه؟ قال : نعم لأنّه مكلّب وذكر اسم الله عليه (٦).

__________________

(١) الانعام : ١١٨.

(٢) لاحظ الوسائل باب ٢ حديث ٩ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٠ وفيه : وان ذكرت اسم الله إلخ.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٧ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١١.

(٤) راجع الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٥.

(٥) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٣.

(٦) الوسائل باب ١٥ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

لعلّ فيه إشارة إلى كون التعليم هو التسمية كما في رواية القاسم بن سليمان المتقدمة : (إذا صاد الكلب وقد سمّى فليأكل ، وإذا صاد ولم يسمّ فلا يأكل وهذا ممّا علّمتم من الجوارح مكلّبين) (١).

وفي رواية زرارة المتقدمة : وان كان غير معلّم يعلّمه (في ـ ئل) ساعته حين يرسله وليأكل منه فإنه معلّم (٢) فافهم.

وتؤيّده الشهرة والكثرة ، وان قال الشيخ بعدم حلّه إذا كان المعلّم هو الكافر كالذابح ، لرواية منصور بن يونس ، عن عبد الرحمن بن سيابة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : اني أستعير كلب المجوس فأصيد به ، قال : لا تأكل من صيده الّا ان يكون علّمه مسلم فتعلم (٣).

ورواية النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كلب المجوسي لا تأكل صيده الّا ان يأخذه المسلم فيعلّمه ويرسله ، وكذا البازي وكلاب أهل الذمة وبزاتهم حلال للمسلمين أن يأكلوا صيدها (٤).

وكأنّه يخصّ العمومات بما إذا كان المعلّم مسلما.

ويؤيّده ان خطاب التعليم في الآية للمسلمين ، وكذا خصوص رواية سليمان لهاتين الروايتين جمعا ، ولو كانتا صحيحتين صريحتين كان جيّدا ولكن ضعيفتان كما ترى.

ويمكن حملهما ، على أنّه لمّا كان الكافر لا يعلم التعليم المقرّر عندنا غالبا ذكر ذلك ، أو الكراهة ، على ان في آخر الثانية ما يخالف فتواه أيضا (٥) ، ولا شك

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٥.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٨.

(٣) الوسائل باب ١٥ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٧.

(٤) الوسائل باب ١٥ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٧.

(٥) وهو قوله عليه السّلام : وكلاب أهل الذمة وبزاتهم حلال للمسلمين ان يأكلوا صيدها.


والصيد الذي يحلّ بقتل الكلب أو السهم ، هو : كل ممتنع وان كان أهليّا.

وكذا المتردّي والصائل إذا تعذّر ذبحهما في موضع الذكاة كفى عقره بالسيوف ، وغيرها في غيره.

______________________________________________________

ان الاجتناب أحوط.

قوله : «والصيد الذي يحل إلخ» بيان الصيد الذي يحلّ بقتل آلة الصيد إيّاه ، مثل الكلب والسهم ، والرمح ، وهو كلّ حيوان محلّل ممتنع من الأخذ بحيث لايقدر عليه غالبا وينهزم ، سواء كان ذلك بالأصالة ، كما إذا كان وحشيّا أو بغيرها ، مثل أن كان أهليّا استوحش وامتنع.

ودليل الأوّل واضح ، وكأنّ الثاني أيضا صيد شرعا ، ويحتمل لغة أيضا.

ولعل عموم ما يدل على جواز أكل ما قتله الآلات المذكورة مثل الكلب من الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، يشمله ، فتأمّل.

وبالجملة هو مثل الوحشي في هذا الحكم ، لعلّه بالإجماع ، والقياس ، والضرورة ، ومع الحرج ، وعدم تضييع المال ، والعمومات مؤيّدات ، وكذا الخصوصات الآتية ، فتأمّل.

قوله : «وكذا المتردي والصائل إلخ» أي الذي تردى في موضع لا يمكن إخراجه ، ولا الدخول لذبحه هناك كبئر ضيّقة ، والذي يصول على الإنسان ويجرحه ويخاف منه القتل والجرح بعد ان كان اهليّين لا بهذه الحيثيّة.

ويمكن تعميمهما كأنهما غير داخلين في الصيد الذي يحلّ بقتل الآلة حيث قطعهما. وقال (١) : (إذا تعذّر ذبحهما في موضع الذكاة كفى عقره) أي كلّ واحد منهما

__________________

(١) يعني المصنف رحمه الله.


.................................................................................................

______________________________________________________

والأولى هما (١) (بالسيوف وغير السيوف) في غير موضع الذبح أي إذا تعذّر ذبحهما على الوجه المقرّر شرعا من الذبح والنحر في الموضع المخصوص بالآلة المخصوصة مع القبلة (كفى) في تحليلهما ، جرحهما بأيّ آلة كانت من نحو السيف والسكين والخنجر.

ويلاحظ الشروط مهما أمكن من القبلة ، وقطع الأعضاء المعيّنة على الوجه المقرّر ، والتسمية والّا اكتفى بما أمكن من التسمية حين الجرح في أيّ موضع اتفق.

ثم ان ماتا به ولم يمكن ذبحهما على الوجه المقرّر كفى ذلك للحلّ (وان أمكن ، فلا بدّ منه للحلّ ـ خ).

لعلّ دليله بعض ما تقدم من نفي الحرج ، وتضييع المال ، والقياس ، فتأمّل.

ويدل على ان حكم العاصي حكم الصيد في القتل بالسيف ونحوه ، أخبار كثيرة ، مثل رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان امتنع عليك بعير وأنت تريد ذبحه (تنحره ـ كا ـ ئل) فانطلق منك ، فان خشيت ان يسبقك فضربته بسيف أو طعنته بحربة (رمح ـ خ ل ئل) بعد ان تسمّي فكل ، إلّا ان تدركه ولم يمت بعد فذكّه (٢).

وحسنة العيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان ثورا بالكوفة تار فبادر الناس إليه بأسيافهم فضربوه فأتوا أمير المؤمنين عليه السّلام فأخبروه (فسألوه ـ فقيه) فقال : ذكاة وحيّة (٣) ، ولحمه حلال (٤).

وصحيحة الحلبي ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام في ثور تعاصى وابتدره

__________________

(١) يعني ان الاولى اعتبار اجتماعهما معا لا الاكتفاء بكل واحد منهما كما هو ظاهر العبارة.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦١.

(٣) موت وحي مثل سريع لطفا ومعنى فعيل بمعنى ومنه ذكاة وحيّة اي سريعة (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

قوم بأسيافهم وسمّوا فأتوا عليّا عليه السّلام فقال : هذه ذكاة وحيّة ولحمه حلال (١)

وقرين منه رواية الفضل بن عبد الملك وعبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السّلام : ان قوما أتوا النبي صلّى الله عليه وآله فقالوا : ان بقرة لنا غلبتنا واستصعبت (استعصبت ـ خ ل ئل) علينا فضربناها بالسيف فأمرهم بأكلها (٢).

وأما المتردي فظاهر قوله تعالى (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) (إلى قوله) (إِلّا ما ذَكَّيْتُمْ) (٣) تحريمه الّا مع التذكية المتعارفة الّا ان يحمل على القتل بما أمكن.

وتخصّص برواية (لرواية ـ خ) إسماعيل الجعفي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : بعير تردّى في بئر كيف ينحر؟ قال : يدخل الحربة فيطعنه بها ويسمّي ويأكل (٤)

ولا يضرّ عدم صحّة السند ، لما مرّ فتأمّل.

وما دلّ على غير البعير والبقر شي‌ء ، ولا على جواز القتل بمطلق الآلة حتى الكلب والسهم ، فيمكن الاقتصار (الاختصار ـ خ ل) على ما في الروايات ، والتعدي ، لعدم الفرق وفهم العلّة ، وذكر الأصحاب من غير فرق وقائل بالفرق يدل على العموم في الغنم وغيره أيضا.

واما التعدي إلى الكلب فغير معلوم الجواز ، بل لا يفهم من عباراتهم ، نعم من الذين ذكروا أن حكمه حكم الصيد يفهم ذلك.

كأنه غير المتردي وغير الصائل بل المستعصي فتأمّل. وبالجملة ان صدق انه صيد فحكمه حكمه والّا فيقتصر فيه على ما علم جواز قتله به واكله مثل القتل بالرمح

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٠.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦١.

(٣) المائدة : ٣.

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ٤ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٦١.


ولا يحلّ لو رمى الفرخ غير الناهض.

ولو تقاطعت الكلاب الصيد حلّ ، ولو قطعت الآلة منه شيئا حرم المقطوع وذكّي الباقي ان كانت حياته مستقرة والّا حلّا معا ، ولو قطعته بنصفين حلّا الّا أن يتحرّك أحدهما حركة مستقرة الحياة فيذكّيه ويحرم الآخر.

______________________________________________________

في المستعصي فتأمّل.

قوله : «ولا يحل لو رمى إلخ» لو قتل الفرخ الغير الناهض أي الذي ما صار بعد ممتنعا ويمكن أخذه باليد بسهولة بما يقتل به الصيد من السهم والرمح وغيرهما ولم يذكّه لم يحلّ ، الّا ان يدركه وحياته مستقرة فيذكّيه فيحلّ ، لانه ليس بصيد وللرواية المتقدمة فيما إذا أرسل على كبار فانهزم وبقي الصغار (١).

قوله : «ولو تقاطعت الكلاب الصيد إلخ» يزيد بيان أنّ المعتبر في الحلّ بقتل الآلة من غير التذكية هو القتل بجرحه وانقطاع حياته المستقرّة به على أيّ وجه كان ، وبعد حصول ذلك لا يضر اباحته شي‌ء ، فلو تقاطعت الكلاب الصيد جميعا أي حين أخذها وصيدها إيّاه فقتلوه بالتقطيع بأن مات بالتقطيع لا بعده ، أو تقاطعته بعد ان مات وزالت حياته المستقرة ، حلّ ، وهو ظاهر.

بخلاف ما لو أخذ وقطعت الآلة منه شيئا أو تقاطعت الكلاب ثم مات ، فإنه يحرم ما أخذته الآلة وقطعته منه قبل الموت فإنه ميتة ، إذ المبان من الحيّ ميتة.

وان مات الباقي قبل وصول الصائد إليه حلّ.

وكذا ان ذكي الباقي بعده قبل زوال حياته المستقر حلّ ذلك ، والّا حرم هو أيضا.

ولو قطع منه شيئا وصار في هذا التقطيع حياته غير مستقرة حلّ المقطوع

__________________

(١) تقدّم بيان موضعها آنفا.


ولو اصطاد بالمغصوب لم يحرم المصيد (الصيد ـ خ ل) ، وعليه الإثم والأجرة.

______________________________________________________

والمقطوع منه.

ولو قطعه بنصفين بحيث انقطع حياته المستقرة من النصفين بالتنصيف حلّا.

نعم لو تحرّك أحدهما بعده حركة مستقرة الحياة وما ينقطع حياته المستقرة بذلك ، حرم غير المتحرك وان ذبح وذكّى المتحرك مع شرائطه حلّ ، والّا حرم هو أيضا ، والكل واضح الحمد لله.

ولعلّ عموم بعض الروايات شامل للكلّ ، مثل صحيحة (١) الحلبي عن الصادق عليه السّلام ، قال : سألته عن الصيد يضربه الرجل بسيف (بالسيف ـ خ) أو يطعنه برمح (الرمح ـ خ) أو يرميه بسهم فيقتله وقد سمّى حين فعل ذلك ، قال : كله (كل ـ ئل كا) ، ولا بأس (٢).

فإنها شاملة لما يقطعه ويجزّيه وينصّفه من غير اعتبار حركة في أحدهما كما اعتبره البعض وخروج الدم كما اعتبره آخر ، واعتبار ما فيه الرأس كما ذهب إليه بعض وغير ذلك من الأقوال المتشتتة المبنيّة على الروايات الشاذّة على ما قيل ونقل في شرح الشرائع وغيره.

قوله : «ولو اصطاد بالمغصوب إلخ» أي لا يشترط في حلّ الصيد عدم أخذه بطريق حرام ، فلو اصطاد بآلة محرّمة مثل ان غصب الشبكة ونصبها أو قوسا أو سهما أو رمحا أو كلب معلَّما فأرسله وقتل بها صيدا مع حصول شرائط الحلّ يحلّ ذلك الصيد ويملكه وان فعل حراما بالتصرف في مال الغير ، فانّ شرط الملك

__________________

(١) في النسخة المطبوعة وبعض النسخ المخطوطة مثل صحيحتي الحلبي.

(٢) الوسائل باب ١٦ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

الأخذ ، (١) والحلّ القتل بالآلة على الوجه الذي تقدّم ، ولا ينافيه حصول اثم حينئذ وهو ظاهر.

ولم يثبت اشتراط حلّية الفعل والآلة ، والأصل عدمه ، ومجرد التحريم والنهي عن التصرف فيه المستلزم للإثم لا يقتضي عدم الملك والتحريم بعد ورود الأدلة في حصول التحليل بقتل الصيد بالآلة على الوجه الذي تحقق في ضمن الحرام ، كما إذا ذبح أو نحر ماله بالسكين الغصبي أو المكان الغصبي أو في زمان كونه مكلّفا بغيره مضيّقا بحيث يكون حينئذ اشتغاله عنه به حراما ، كما إذا ضاق الوقت عن الصلاة.

ولما ثبت في الأصول من ان النهي في غير العبادات لا يقتضي الفساد.

ولي فيه تأمل ، وحاصله (٢) انّ التحليل بالآلة الغصبيّة والصحّة مع النهي في غير العبادات ان كان مصرّحا من الشارع فلا كلام في الحلّ والصحّة والتحريم وجمعهما لعدم المنافاة الصريحة عقلا و (٣) ان توهم منافاة وظنّ ذلك ، ولكن يندفع بتصريح الشارع.

وكذا لو كان عامّا بحيث يعلم دخول التحريم قطعا أو ظنّا متاخما للعلم أو الظن المستفاد من دليل شرعيّ ولو كان ذلك العلم من جهة العلم بان غرض الشارع انما تعلّق بعقر الكلب المعلّم مع التسمية من المسلم مثلا أو (وـ خ) ازالة روح حيوان على ذلك الوجه الذي قرّره ، مثل قطع الأعضاء الأربعة مثلا على أيّ وجه كان ، ولا يتفاوت عنده (٤) كونه على وجه حرام أو حلال ، مثل ان الغرض

__________________

(١) يعني شرط الحلّ القتل إلخ.

(٢) الظاهر ان المراد : التأمل في أصل الحكم بالحلّ ، وقوله قدّس سرّه : وحاصله يعني حاصل وجه التأمل.

(٣) وصلية فلا تغفل.

(٤) يعني عند الشارع.


.................................................................................................

______________________________________________________

من الزالة النجاسة رفع ذلك الخبث وانما المطلوب ذلك ، سواء كان في مكان مباح أو حرام ، أو في زمان كون ذلك الفعل حلالا أو حراما ، أو كون الماء حلالا أو حراما ، والآلة كذلك.

فلا (١) منافاة أيضا ، ويجتمع الحلّ ، والصحّة والطهارة مع التحريم.

والّا (٢) فلا ، بل الظاهر حينئذ هو التحريم وعدم الصحّة والحلّ ، وعدم ترتب الأثر المطلوب منه شرعا ، وعدم الاجتماع ، وحمل ما يدل على الحلّ على الوجه الشرعي بمعنى كونه راضيا بذلك الفعل ، فان المتبادر من النهي ـ خصوصا التحريمي ـ عدم ترتب شي‌ء شرعيّ عليه ، فان العقل يحكم بأنه انما رتب الشارع هذا الأثر على ما عيّنه على الوجه الذي عيّنه ورضي به لا غير ، وهو ظاهر.

وأشار إليه في متن المختصر والشرح العضدي (٣) حيث حكم بأن المتبادر من مطلق النهي رجوعه الى ذات المنهيّ ودلالته على فساد المنهي عنه يعني بطلانه.

ولذا قال بعض (٤) الأصحاب بعدم صحّة البيع وقت النداء يوم الجمعة وعدم حصول الطهارة (٥) بالروث والعظم لتحريم استعمالهما ، لعدم حصول ما شرطناه ، وثبوت المنافاة الظاهريّة ، فإن ظاهر قوله : (لا تفعل الأمر الفلاني) مثلا انه حرام ويؤاخذ صاحبه ، وانه لا يترتب عليه أثره الذي عيّنه له ، فان الظاهر انه انما يعيّنه لا يحب ويرضى لا غير فينافيه حصول الأثر ، وهو ظاهر ينبغي التدبر فتدبّر.

__________________

(١) جواب لقوله قدّس سرّه : (وكذا لو كان عاما إلخ).

(٢) الظاهر ان المراد (وان لم يكن عاما إلخ).

(٣) مختصر الأصول لابن الحاجب المتوفى ٦٤٦ ه‍ ـ ق وشرح المختصر للقاضي عبد الرحمن العضدي المتوفى ٧٥٦ ه‍ ـ ق يعني أشار إليه ابن الحاجب في متن المختصر ، والعضدي في شرحه.

(٤) في هامش بعض النسخ : (وهو الشيخ رحمه الله).

(٥) يعني الطهارة الخبيثة بسبب الاستنجاء بالروث والعظم.


ويجب غسل موضع العضّة من الكلب.

______________________________________________________

ثمّ في خصوص الصيد قد يقال : حصول الملك للغاصب في الشبكة والكلب ، غير ظاهر فإنه ليس له فعل مملِّك واضح مستقلّ ووضع يد ، فيحتمل حصوله للمغصوب منه ، وعدم حصول ملك لأحد فيبقى على اباحته حتى يأخذه آخذ على وجه التملك.

نعم في الجرح والرمح والسهم قد يقال : المملِّك هو فعله ، والآلة ليست لها دخل الّا الآلية ، وأنّ فعله وإثباته بفعله بمنزلة أخذه ووضع يده.

وبالجملة ، العقل غير مستقلّ في أمثال هذه ، وليست فيها أدلّة شرعيّة من نص وإجماع ، فالاحتياط لا يترك علما وعملا.

واما ثبوت أجرة الآلة لصاحبها من الغاصب والمتصرف فهو ظاهر ، بناء على ثبوت الأجرة عادة لمثل هذا المقدار من الفعل ان كان ، والّا فلا اجرة لها ، وثبوت الأجرة محتمل على تقدير كون الصيد أيضا له (١) فتأمّل.

قوله : «ويجب غسل إلخ» إشارة إلى ردّ قول الشيخ ومن تابعه في ان قتل الكلب النجس صيده بعضّه ومباشرته لموضع العضّة بالرطوبة لا تنجّس ذلك الموضع فلا يجب غسله ، بل يجوز مباشرته فيما يشترط (فيه ـ ظ) الطهارة ، واكله من غير غسل ذلك.

بل يحتمل ان لا يحتاج الى غسل أصلا ، إذ ما نجّسه الكلب ، والدم الداخل طاهر ، وانما النجس الدم المسفوح لو خرج من العرق بالذبح ونحوه وما حصل بالعض (الفرض ـ خ ل) فتأمّل.

ولأن دليل الشيخ الذي يدلّ على طهارة موضع العضّة وعدم وجوب غسله يدلّ على طهارة كلّه وعدم وجوب غسل شي‌ء منه ، وهو ورود الكتاب والسنّة ، والإجماع في جواز أكله من غير تقييد بغسل موضع العضّة فيعمّ فان جواز

__________________

(١) في هامش بعض النسخ : (أي للمغصوب منه).


ولو أرسل كلبه أو سهمه فعليه أن يسارع إليه.

______________________________________________________

الأكل فيها مرتّب على مجرّد التسمية والموت وبالعقر المشترط ـ أي الجرح من الكلب المعلّم كما سمعت فيما تقدم ، فتذكّر.

والأكثر على وجوب الغسل وعدم طهارة ذلك الموضع ، لما ثبت من نجاسة الملاقي بها بالرطوبة من غير استثناء هذا الموضع وترك التقييد بذلك في الأدلة ، بناء على ظهوره وثبوته بالأدلة العقليّة والنقليّة ، وهو ظاهر.

نعم لو نوقش في عدم ثبوت نجاسة الملاقي لها بالرطوبة حينئذ وقيل لم يثبت عموم ذلك فهو شي‌ء آخر فيحتاج إلى الإثبات ، وقد مرّ (١) البحث في ذلك خصوصا الملاقي للكلب مع الرطوبة ، فتأمّل.

قوله : «ولو أرسل كلبه إلخ» ظاهره وجوب المسارعة بعد إرسال الآلة ، الظاهر المراد المسارعة العرفيّة ، لا استعمال الجهد والطاقة وما لا مزيد عليه (٢) وبذل الطاقة بالكليّة.

وأيضا يحتمل كونه (٣) مع إصابة الآلة الصيد ، وظاهره عام.

ثم الوجوب غير ظاهر الدليل الّا ما يتخيّل من احتمال الإصابة وإمكان إدراكه الصيد حيّا وذبحه لو سارع.

فلو ترك المسارعة فيحتمل انه ما قتله الآلة حينئذ بل جرحه وحياته مستقرة ثم مات فيكون ميتة ، لأنه لو سارع لأدرك ذكاته ، فهو مثل حيوان مريض يعلم موته ويترك حتى يموت.

والموت بالآلة إنما يباح (٤) من غير التذكية إذا تعذر ولم يمكن ، ولهذا لو

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٣٤٠.

(٢) هكذا في النسخ بالواو ولعلّ الصواب (بما لا مزيد عليه).

(٣) يعني وجوب المبتدعة.

(٤) هكذا في النسخ والأصوب (يبح) كما لا يخفى.


فإن أدرك حياته مستقرة وجب التذكية ، وان تركه حتى مات فحرام. ولا يعذر بأن لا يكون معه مدية أو سقطت منه أو ثبتت في الغمد أو غصبت منه.

______________________________________________________

أمكن وترك حتى مات لحرم كما يفهم من إطلاقاتهم تحريم تضييع المال ، فترك المسارعة كترك التذكية مع إمكانها.

وفيه تأمّل ، إذ الأصل عدم الوجوب ، وتركه في ظاهر الأدلة من الآية والاخبار مشعر به ، وكون ترك المسارعة مثل تركه حتى يموت اختيارا غير مسلّم.

على انه قد ينازع في ثبوت الأصل ، فإن ظاهر الأدلة عموم الحلّ بقتل الكلب مثلا ، فان المتبادر منها هو قتل الكلب المعلّم مع التسمية لا غير حتى أنه لو أدركه حيّا ولم يكن عنده ما يذبحه به فقتله الكلب حلّ.

نعم في بعض الاخبار : (ان أدركه حيّا يذكّيه) (١) فتأمّل.

وبالجملة اشتراط الحلّ بها ووجوبها بحيث لو ترك يكون معاقبا غير ظاهر ، ولا شكّ أنها أحوط وأولى خصوصا مع ظنّ الإصابة.

قوله : «فإن أدرك (٢) حياته مستقرة إلخ» الأولى : (وحياته مستقرة وجبت التذكية) يحتمل ان يكون المراد من وجوب التذكية شرطيته للحلّ فقط ، ومعناه الحقيقي أيضا لأن تركه موجب لتحريمه وكونه ميتة ، وهو تضييع ممنوع منه ، فيكون الترك حراما والفعل واجبا والصيد أيضا حراما.

فحكم المصنف هنا بأنه ان أدركه المرسل الصائد يجب عليه تذكيته بنفسه أو بغيره لئلّا يموت ويشترط لحلّه تذكية مطلقا.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٣.

(٢) على نسخة فإن (أدرك حياته) لا غبار فيه وعلى هذا يحتمل ان يكون حياته بدلا من الضمير وحينئذ أيضا لا (واو) وعلى تقدر كونه جملة حالية الاولى الواو كما لا يخفى وهكذا في هامش بعض النسخ.


وانما يباح ، إذا أدركه ميتا أو في حركة المذبوح ، وقيل : لو لم يكن معه ما يذكّيه ترك الكلب يقتله ، ولو كانت حياته غير مستقرّة فهو كالمذبوح.

______________________________________________________

وليس عدم ما يمكن ان يذبح معه مثل المدية ـ أي السكين ـ عذرا في عدم الاشتراط فلا يحلّ ان مات حينئذ ، وان كان عذرا في عدم الوجوب فان تكليفه حينئذ غير معقول.

وكذا ان كان معه لكن سقط وضاع أو ثبتت المدية وعمده ولم يتمكن من إخراجها أو غصبت منه ونحو ذلك.

وجه ذلك ظاهر ، وهو عموم تحريم الحيوان الميّت بغير قطع الأعضاء الأربعة إلّا ما خرج بالدليل مثل مقتول الآلة التي أدركه المرسل ميتا أو حياته غير مستقرة وبقي الباقي تحته ، فعدم الآلة كما لم يكن عذرا في غير هذه الصورة ـ لم يكن عذرا فيها أيضا لأن مع إدراكه وحياته مستقرة ، مثل باقي الصور التي ليست بصيد.

وأكّده (١) بقوله : (وانما يباح إلخ) أي لا يباح الصيد الذي هو مقتول الآلة بمجرد قتلها إيّاه إلّا إذا أدركه المرسل ـ قال في الشرح : أو غيره ـ (ميّتا أو في حركة المذبوح) أي لم تكن حياته مستقرة. وتحقيقها لا يخلو عن اشكال ، وفي بيانها خلاف.

وفي قوله : (ولو لم يتسع الزمان للتذكية) وان كانت حياته مستقرة دلالة صريحة على قلة زمان الحياة المستقرة ، وانها ليست ما يعيش يوما أو يومين كما قيل.

وفي رواية ليث المرادي : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الصقورة والبزاة وعن صيدهن (هما ـ ئل)؟ فقال : كل ما لم يقتلن إذا أدركت ذكاته وأخّر الذكاة إذا كانت العين تطرف والرجل تركض والذنب يتحرك ، وقال : ليست الصقورة والبزاة في القرآن (٢).

__________________

(١) يعني المصنف قدّس سرّه.

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ٤ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

لعله المراد بالحياة المستقرة في عبارات الأصحاب حيث قيّد وأحلّ الصيد مع إصابة الآلة بعدمها ، فتأمّل.

وبالجملة ، ليست الحياة المستقرة في الأدلة ولا بيانها ، بل في بعض الاخبار : (إذا أدركت ذكاته فذكّه) (١) أي أدركت وهو حيّ عرفا يقال : انه حيّ يمكن ذكاته أي يعيش بمقدار زمان يمكن تذكيته فيه عادة مع حصول الأسباب ، فان لم يفعل ذلك يحرم حينئذ.

وكأنّ في كلامه هنا وفي غيره : (ولو لم يتسع) إشارة إلى بيان المراد بالحياة المستقرة هنا فتأمّل أو يكون المراد بها هنا معنى آخر.

فلا يرد اعتراض فخر المحققين (٢) بأنه ان كان المراد بعدم اتساع الزمان عدمه لنفس فعل الذكاة فلا يجتمع مع استقرار الحياة بمعنى ان يعد يوما أو يومين ، وان كان مع مقدّماته مثل تحصيل الآلة فالحكم بالحلّ مطلق غير سديدة إذ قد يكون ذلك الزمان أكثر من يوم أو يومين أيضا ، على ان الحكم بالحلّ في يوم واحد أيضا غير سديد.

فإنه قد ذكر من قبل أنّ فقد السكين وغيره ليس بعذر ، وانه يحرم بمجرد التأخير.

وأيضا قد يجاب بإرادة ما يتوقف عليه قريبا ويحكم بالحلّ حينئذ قبل ذلك وبالجملة الاعتراض جيّد ، بناء على القول بكون الحياة المستقرة يوما أو يومين كما سيذكره المصنف بل أقل أيضا ، ولا ينبغي الترديد فيه على الوجه المتقدم.

وكذا جوابه (٣) في شرح الشرائع باختيار كل من شقيه بأنه يكون في ظنه

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب الصيد.

(٢) راجع إيضاح الفوائد ج ٤ ص ١٢٠.

(٣) يعني جواب فخر المحققين من المسالك بأنه يختار كلا من شقي الفرضين المذكورين في كلام الفخر ويجيب بأنه يكون في ظنه إلخ جواب الشق الأول ، وان المراد (يتسع) إلخ جواب الشق الثاني.


.................................................................................................

______________________________________________________

حياة مستقرة فظهر كذبه ، وأن المراد ، ب (يسع الزمان) لما يتوقف عليه من الآلة ما يتعسر (يعسر ـ خ ل) تحصيله عادة.

لأن (١) العبارة خصوصا ما هنا كالصريحة في غير التوهم والظن.

والثاني (٢) رد إلى الجهالة.

مع انه إذا كان ممّا يعيش يوما بل أكثر ولم يتمكن في هذا الزمان من تحصيل الآلة وقتله الكلب يلزم كون الحكم بأنه حلال ، وذلك غير معلوم ، بل ظاهر تحريمه.

وبالجملة ، الظاهر ما قلناه من إرادتهم بالحياة المستقرة في هذا المقام ما يعدّ عرفا حيّا ولا يكون حركته حركة المذبوح مثل حركة الطير بعد ذبحه ، والشاة كذلك ونحو ذلك فلا يرد الاعتراض.

وان كان المراد ما يعيش يوما أو يومين فلا شك في وروده ، بل زائدا عليه ممّا أشرنا إليه ، وعدم إمكان الجواب عنه بالنسبة إلى العبارة (العادة ـ خ).

وقوله : (وقيل إلخ) بيان لقول آخر مقابل لما يفهم من قوله : (وانما يباح) وعطف عليه ، ويكون موجبا آخر لا عادته.

ويمكن عطفه على قوله : (فإن أدركه إلخ) ولكنّه بعيد ولا وجه لهذه الواسطة حينئذ.

وبالجملة لو كان قوله : (وقيل) بعد قوله : (أو غصبت منه) لكان أخصر واربط وأولى ، والأمر في ذلك هيّن.

وانما الكلام في دليله ، وقد مرّ دليل هذا القول ، وهو ظاهر الآيات مثل :

__________________

(١) تعليل لقوله : وكذا جوابه في شرح الشرائع إلخ يعني ان هذا الجواب غير صحيح.

(٢) يعني جواب الشق الثاني.


ولو لم يتسع الزمان للتذكية حلّ بقتل الكلب وان كانت حياته مستقرة.

ولو صيّره الرامي غير ممتنع ملكه وان لم يقبضه ، وكذا إذا أثبته في آلته كالحبالة والشبكة وكلّ ما يعتاد والاصطياد به وان انفلت ، ولا يملكه بتوحّله في أرضه ولا بتعشيشه في داره ، ولا بوثوب السمكة في سفينته.

______________________________________________________

فكلوا ممّا أمسكن (١) ، والاخبار الكثيرة ، وان خصّص بما إذا أدركت ذكاته لبعض الاخبار ، لكن الظاهر ان المراد بيع إمكانها ، وبقيت عامّة في غيرها.

ففي صورة عدم إمكان التذكية يكون عقره كافيا ، ولروايتي جميل بن درّاج صحيحة (٢) ، وغير صحيحة (٣) ، وقد تقدمتا ، وهو مذهب كثير من الأصحاب مثل الصدوق وابن الجنيد ، والشيخ واتباعه ، والمصنف في المختلف وظاهر الروايات يدل على انه يترك حتى يقتله الكلب ، فالكلب يفعل بعد الإدراك وتعذر التذكية شيئا آخر للتذكية.

ويمكن كفاية موته بما فعل فيه من الجرح ، ويكون ذلك كناية عنه وعن عدم قتله بشي‌ء آخر.

ومعلوم وجه انه إذا لم تكن حياته مستقرّة ، فهو كالمذبوح ولا يحتاج إلى الذبح ليحلّ ، فلو تركه حينئذ حتى يكمل موته لكفى ، وهو ظاهر.

وكذا وجه قوله : (ولو لم يتسع الزمان إلخ) إذ عدم وسعة الزمان للذبح مسقط لوجوبه واشتراطه وأي شي‌ء كان حياته ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو صيّره الرامي إلخ» لو صيّر الرامي صيدا ممتنعا غير مملوك ،

__________________

(١) المائدة : ٤.

(٢) لاحظ الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٩.

(٣) لاحظ الوسائل باب ٨ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٩.


وفي تملّكه بإغلاق باب عليه ، أو بتصييره في مضيق لا يتعذر قبضه ، أو بتوحّله في أرض اتخذها لذلك ، اشكال.

______________________________________________________

غير ممتنع ، ملكه بذلك وان لم يقبضه بيده.

لعلّ دليله الإجماع أو الخبر مع التأييد بأنه خرج عن كونه مباحا وصيدا بانتفاء الامتناع ، فصار كمملوكه الممتنع المأخوذ.

وكذا إذا أثبت الصيد في الاصطياد في آلته المعتادة له ، مثل الحبالة أو الشبكة وغيرهما من الأمور المعتادة للاصطياد والأخذ في كلّ بلاد ولكلّ صيد وان انفلت وخلص بعد ذلك فإنه لا يخرج عن ملك صائده ، بل ملكه ، فنماؤه له وكل من يجني عليه ، فهو ضامن له ونحو ذلك.

ولا يملكه بغير الآلة المعتادة المتهيأة للأخذ والاصطياد ، مثل التوحّل في أرض شخص وبقاؤه فيه لا يقدر على الذهاب والخلاص منه.

وكذا التعشيش (التعيش ـ خ) في ملكه وداره ، ولا بوثوب السمك ونحوه إلى سفينته ونحوها ، للأصل وعدم الاصطياد وتحقق سبب للملك.

قوله : «وفي تملّكه بإغلاق باب إلخ» أي في تملك الإنسان صيدا بحبسه وجعله ممتنعا بغير الآلات المعتادة للأخذ والصيد ، مثل ان غلق عليها باب موضع دخلوا فيه ، سواء كان داره أو دارا مباحا أو ملك شخص ، إذ لا يملك بدخوله في داره فتأمّل.

وكذا (١) بتصيّره وجعله إيّاها في مضيق يتعذّر خروجها عنه ولا يتعذّر أخذها ، بل سهل مثل حظيرة صغيرة أو بتوحّله في أرض جعلها واتخذها لذلك أي هيّأها لذلك بإيصال الماء وتهيّأ أسباب دخول الصيد فيه وعدم خروجه عنها.

إشكال في الكلّ ، من ثبوت انتفاء الامتناع وخروجه عن كونه صيدا

__________________

(١) خبر مقدم لقوله قدّس سرّه : إشكال في الكل.


ولو أطلق الصيد من يده قاطعا لنيّة التملك لم يخرج عن ملكه.

______________________________________________________

ممتنعا كما في سائر الآلات المعدّة لذلك ، ومن الأصل وعدم كون مثل ذلك موجبا لأخذ الصيد ، وانما علم تملكه بالآلات المعتادة لذلك ، ولا يسمّى مثل ذلك آلة الصيد عادة.

ولو كان الوجه (١) ذلك كان اتباع العرف والصدق حسنا.

ولكن الظاهر ان السبب ليس الصدق ، ولا كون الأخذ عادة بذلك في تملك الصيد في المجمع عليه ، إذ ليس في النصوص والدليل أنّ الأخذ بالآلة موجب للملك حتى يحمل الآلة على العرف.

بل الظاهر ان مجرّد القدرة عليه ، وسلب قدرته ، وإمكان أخذه بسهولة وكون ذلك بمنزلة الأخذ ، موجب للملك وسبب للتملك كما أشار إليه في الشرح فيملك.

ولكن لما كان الأصل عدم التملك فثبوته محتاج إلى دليل شرعيّ ، ولم يثبت في الشرع كون ذلك دليلا الّا ان يثبت ان الدليل في المثبت موجود فيه فتأمّل واحتط.

قوله : «ولو أطلق الصيد إلخ» كما ان دخول المال في ملك انسان يحتاج الى دليل كذا خروجه عنه ، يحتاج إليه ، فلو أخذ الصيد وملكه ثم أطلقه لم يخرج عن ملكه وان قصد ذلك ، للاستصحاب وعدم الدليل ، نعم يكون مالا اعرض صاحبه عنه.

(فان قيل) : بالإعراض يخرج ، يلزم هنا الخروج ، ولكنه غير ظاهر هناك ، لما مرّ.

نعم يجوز لغيره ، التصرف فيه للاعراض كما ذكروه في المال المعرض عنه ،

__________________

(١) أي لو كان وجه الملك ذلك أي أخذه بالآلات المعتاد.


ولا يملك (يملكه ـ خ) بالإصابة إذا تعذّر قبضه إلّا بسرعة عدوه.

ولو كسر جناح ما يمتنع بأمرين ، ثم كسر الأخر (الثاني ـ خ) رجله فهو للثاني على رأي.

______________________________________________________

ويحتمل العدم ، لاحتمال انه انما جوّز للغير التصرف فيه باعتبار خروجه عن ملكه ، ولمّا فرض عدم حصوله لم يحصل الاذن.

والظاهر الأوّل ، لأن ظاهر حال الإنسان انه إذا أخرج شيئا عن ملكه يجوز تصرف الغير فيه ، سواء خرج عن ملكه واعتقد ذلك أم لا.

ويشكل جواز التصرف الناقل للملك مثل البيع لمسبوقيّة تملّكه ، ولا يبعد ، لفهم عموم التصرفات وقد لا يسلم : لا بيع إلّا في ملك البائع الذي يملك ثمنه فتأمّل.

قوله : «ولا يملك (يملكه ـ خ) بالإصابة إلخ» وجه عدم تملك الصائد الصيد بإصابة سهمه مثلا إذا لم يجعله ممتنعا ، سواء صار بحيث يتمكّن من قبضه وأخذه ، ولكن بسرعة عدو أم لا ، هو الأصل وعدم الدليل عليه ، إذ لا دليل عليه الّا رفع الامتناع ، وكونه أيضا دليلا ما نعلمه الّا أنهم ذكروا ـ كأنه ـ بالإجماع أو غيره ممّا لا نعلمه ولم يحصل هنا بالفرض.

قوله : «ولو كسر جناح ما يمتنع إلخ» لو كان حيوان يمتنع بالجناح بالطيران والرجل بالعدو فجعله انسان غير ممتنع بأحدهما ، مثل ان كسر جناحه ، لا شك ان لا يملكه ، لعدم حصول انتفاء الامتناع ، ثم كسر الآخر رجله بحيث صار غير ممتنع محض حينئذ ، فرأى المصنّف أنه يملكه الثاني ، لأنه بفعله صار غير ممتنع ، وقبله لم يكن كذلك فيملكه كما إذا كسر رجل ما لا جناح له رأسا ، فأثر الأول كعدمه ، إذ هو باق على الامتناع بالفرض ، ومثل أن أوجع رجل صيدا أو جرحه وما


ولو وجد ميّتا بعقر هما حلّ ان كانا قد ذبحاه أو أدركت ذكاته ، والّا فلا لاحتمال قتل الثاني بعد الإثبات.

ولو رمى صيدا ظنّه غيره أو رمى سهما فاتفق الصيد من غير قصد أو أرسل كلبه ليلا فقتل لم يحلّ.

______________________________________________________

أثبته وجعله آخر غير ممتنع ، وهو مذهب المصنف وجماعة.

واختار في المبسوط الشركة ، لأن لكل واحد أثرا فيه ، فإنه لم يثبت الّا بفعلهما ، فإنه لو كان فعل الثاني فقط لم يثبت ، إذ كان يمتنع بالجناح وهو المفروض فيه فتأمّل ، لأن ما ذكره وان كان حقا الّا انه قبل فعل الثاني كان ممتنعا ، فصدق عليه انه جعل الصيد الممتنع الغير المملوك ـ قبل ان يصير غيره فيه اولى ـ غير ممتنع ، فملكه ، بناء على ان ذلك مملّك ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو وجد ميّتا بعقر إلخ» إذا رمى شخصان صيدا فوجداه ميّتا بالرميين ، فان كان الجرح بالرميين وقع على المذبح فذبحاه ـ لعل المراد كون كل واحد من الجرحين مستقلا في إرادة الحياة لو لا الآخر ـ حلّ ذلك الصيد.

وكذا ان جعلاه غير ممتنع وأدركاه وهو حيّ ، فهو حلال أيضا وفي كل واحد من الفرضين ينبغي الشركة بينهما نصفين.

ويحتمل بعيدا القرعة ، فيكون لمن خرجت باسمه.

وان لم يكن كذلك ، بل وجداه ميّتا ولم يكن كلّ واحد من الجرحين مستقلا في إزالة حياته لم يحلّ ، لما ذكره المصنف من احتمال جعل غير المستقلّ إياه غير ممتنع يشترط ذبحه ليحل ثم قتله الآخر الذي مستقل فقتل غير الصيد بغير الذبح فيحرم ، ولا يكفي في الحلّ احتمال العكس لما مرّ من القاعدة فتأمّل.

قوله : «ولو رمى صيدا إلخ» إشارة إلى انه لا بدّ من قصد الصائد القاتل الصيد في الجملة بآلته ليحلّ ، لما مرّ ، وان لم يكن كذلك لم يحلّ مثل ما لو رمى صيدا


وكلّ أثر يدل على التملك لا يملكه الثاني معه كقصّ الطير ، والحلقة في رجله.

______________________________________________________

ولكن ظن انه ليس بصيد بل ظنّه خنزيرا مثلا.

وكذا لو رمى سهما لا لقصد شي‌ء ، بل لمجرّد الامتحان انه على أيّ مقدار يرمي أو اللعب فقط أو يمشق فاتفق انه جاء على صيد فقتله ، أو أرسل كلبه ليلا من غير مشاهدة صيد ، ولا ظن ذلك بل امتحانا أو غيره فاتفق انه قتل صيدا ونحو ذلك.

هكذا يذكرون هذه المسألة وما نعرف دليلها ، نعم هي ظاهرة على تقدير ترك التسمية.

والظاهر تركها بناء على ظنه ، إذ الفرض انه ظنّ غير صيد وما قصده فلا يذكر التسمية ، واما على تقدير التسمية لاحتمال وقوعه على صيد اتفاقا وان ظن عدمه ، فليس بظاهر ، بل الظاهر حينئذ الحكم بالحلّ لعموم الأدلة ، بل خصوصها ، إذ ليس في الأدلة قصد الصيد بل قتله مع التسمية وسائر الشرائط.

وفهم اشتراط القصد ـ من مجرد ان الظاهر أن الذي يسمّى إنما يقصد الصيد ولا يمكن ذلك بدونه ـ مشكل إذ قد يظن عدمه ويكون محتملا وجوده فيسمّي.

وبالجملة ، الفرض ليس بمحال ، وانما البحث معه ، ولا يبعد حمل كلامهم على عدم التسمية ، بناء على ما تقدّم من عدم التسمية مع ظنّ عدم الصيد.

وأيضا ، الظاهر انه لا يشترط المشاهدة ، فمجرد الإرسال في الليل لا يوجب الحكم بالتحريم ، نعم انه فرض معه عدم الظن بالصيد أو الظن بعدمه ، يصير الحكم فيه كما في سابقه ، ويجي‌ء فيه الإشكال السابق ، فيصحّ للأعمى الاصطياد بالشرائط الّا ان يشترط المشاهدة ولم يكشف بالعلم أيضا وهو بعيد جدّا.

قوله : «وكل أثر يدل على التمليك إلخ» كل علامة في الصيد ـ دالّة على


ولو انتقلت الطيور من برج إلى آخر لا يملكها الثاني.

ولو جهل المثبت من الجارحين أقرع.

______________________________________________________

ملكيته لشخص آخر قبل ان صاده الثاني ـ لا يملكه مع تلك العلامة ، لأنه علم بها أنه ملك الشخص وليس بصيد مباح ، وتلك العلامة مثل قصّ جناح الطير فإنه معلوم كونه تحت يد انسان فعل ذلك ، فيكون مملوكا امّا للقاصّ أو غيره ، وكذا الحلقة في رجله.

فيه تأمّل ، إذ ذلك يدل على وقوعه في يد إنسان أمّا تملكه إيّاه فلا الّا ان يثبت ان قبض انسان صيدا على أي وجه كان ، مملّك ، وهو غير ظاهر ، إذ قد يشترط في تملك المباحات القصد وعدم الغفلة ، أو عدم قصد الغير ، أو عدم قصد عدم التملك ، أو الأخذ والتصرف بقصد التملك ، وفيما نحن فيه يجوز ان يقصد قطع شي‌ء فجاء جناح طير فقصّه ، أو وصل إلى آلة من غير مباشرة أحد وغير ذلك ، وكذا وضع الحلقة في رجله ، وكون مثل ذلك مملّكا غير ظاهر الدليل.

نعم الظاهر خلاف ذلك ، بل الظاهر انه بالقصد وبالأخذ ، فعلى القول بالأخذ من دون اشتراط شي‌ء آخر وترجيح الظاهر على الأصل ، ذلك غير بعيد ، والّا فالظاهر انه يملكه حتى يظهر خلافه ، ولكن هذا الحكم موجود حتى من المشترط في تملك المباحات القصد أو عدم قصد العدم.

قوله : «ولو انتقلت الطيور إلخ» عدم تملك صاحب البرج الثاني الطير بمجرد انتقاله من برج آخر إليه واضح ، وقد مرّ ان الدخول في الملك والتعشيش فيه ونحوه غير مملك ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو جهل المثبت إلخ» لو رمى اثنان صيدا فجرحه أحدهما وأثبته بحيث دخل في ملك الجارح ، سواء قتل به ، أو أدرك حيّا ويمكن ذكاته ولم يعلم أيهما كان الجارح المثبت ، سواء علم أو لا أو اشتبه أم لا بل وجد مجروحا علم


ولو أثبتاه معا فهو لهما.

ولو أثبته أحدهما وجرحه الآخر دفعة فهو للمثبت ولا شي‌ء على الجارح.

ولو أثبته الأوّل فصيّره في حكم المذبوح ثم قتله الثاني فهو للأوّل ، ولا شي‌ء على الثاني ان لم يفسد لحمه به أو جلده.

______________________________________________________

انه بجرح أحدهما ورميه قطعا ولم يعلم بعينه أقرع (١) بينهما.

فعلى اسم أيّهما خرجت القرعة كان الصيد له ، مثل ان يكتب جارح وغير جارح ، أو المالك وغير المالك ، ويخرج على اسم أحدهما أو يكتب اسمهما ويخرج على الجارح وغير الجارح أو المالك وغيره ، لأنه أمر مشكل وكل أمر مشكل فيه القرعة (٢).

ويحتمل التقسيم والشركة ، والأحوط تمليك كل واحد نصف الصيد لآخر.

قوله : «ولو أثبتاه معا فهو لهما إلخ» لو اثبت صيدا اثنان بآلتيهما معا من غير تقديم وتأخير فهو لهما ، سواء مات بهما أو أدرك وهو حيّ.

ولو أثبته أحدهما وجرحه الآخر فالصيد للمثبت ، ولا حظّ للجارح فيه ، لان المثبت ملكه بإثباته ، وجرح الآخر وعدمه سواء في عدم التأثير في الإثبات بالفرض ، وكما لا شي‌ء للجارح لا شي‌ء عليه أيضا من الأرش للمثبت ، إذ ما جرحه في ملكه حتى يلزمه الأرش وهو ظاهر.

ولو أثبته الأوّل وأزال امتناعه وصيّره في حكم المذبوح بإزالة حياته المستقرة ثمّ قتله الثاني فكالأوّل ، الصيد للأوّل ، ولا شي‌ء للثاني ، ولا شي‌ء عليه

__________________

(١) جواب لقوله قدّس سرّه : لو رمى اثنان إلخ.

(٢) عوالي اللئالي ج ٣ ص ٥١٢ طبع مطبعة سيد الشهداء ـ قم.


ولو لم يثبته الأوّل وقتله الثاني فهو له.

ولو أثبته الأوّل ولم يصيّره في حكم المذبوح فقتله الثاني فهو متلف ، وعليه الأرش ان أتلفه بالذكاة ، والّا فالقيمة معيبا بالأوّل ان لم يكن لميتته قيمة ، والّا الأرش.

______________________________________________________

أيضا ، لأنه قتل المقتول إن لم يفسد الجرح الثاني شيئا من لحمه أو جلده أو غيره ، ومع الإفساد ، عليه أرش نقص ما أفسد وعوض الفاسد ، وهو ظاهر ، إذ لا يشترط في ضمان المتلفات قصده والظلم (١) بل يكفي الإفساد في ملك الغير ، وقد وقع وهو (لما هو ـ خ) مقرّر عندهم ، ولهذا يغرمون بالخطإ والنسيان فتأمّل.

ولو لم يثبته الأول ، بل جرحه فقط غير مثبت ، ولا قاتل مزيل لحياته المستقرة فيقتله الثاني ، فهو له وليس للأول ، ولا عليه شي‌ء بما تقدم.

وكذا لو أثبته الثاني إن لم يكن بجرحه في إثباته دخل أصلا بأن كان الجرح الثاني مستقلا في الإثبات وان كان الجرح الأوّل بحيث لو لم يكن لم يكن الثاني مثبتا ولكن معه صار مثبتا ، فمثل ما تقدم من حكم ذي الامتناعين الذي جعل أحدهما غير ممتنع بأحدهما ثم يجعله الثاني غير ممتنع ، فتذكّر.

ولو أثبته الأوّل ولم يصيّره في حكم المذبوح بإزالة حياته المستقرة ثم قتله الثاني فهو متلف على الأوّل صيده المملوك له ، فإن أتلفه بالذكاة بأن قتله قتلا مبيحا للحيوان الغير الصيد لحصول جميع شرائطه فإنما عليه أرش هذا الصيد ، وتفاوت قيمته ما بين كونه حيّا مثبتا مجروحا كما كان قبل الجرح الثاني وبين كونه مذبوحا ذبحا شرعيّا وهو ظاهر.

وان أتلفه لا على وجه التذكية ، بل صار ميتا حراما ، فإنما عليه قيمته معيبا بالجرح الأوّل أي تمام قيمة المجروح.

__________________

(١) يعني لا يشترط فيه قصد الظلم.


وان جرحه الثاني ولم يقتله ، فإن أدرك ذكاته فهو حلال ، والا فميتة ، فان لم يتمكّن الأوّل من تذكيته وجب على الثاني كمال القيمة معيبا بالأوّل ، وان أهمل مع القدرة حتى سرت الجنايتان سقط ما قابل فعل الأوّل ، وعلى الثاني نصف قيمته معيبا.

______________________________________________________

هذا إذا لم يكن لميّته قيمة ، وان كان لميّته قيمة ، مثل ان يكون لعظمه قيمة ، فإنه يجوز الانتفاع به وبيعه ، وكذا سائر مستثنيات الميتة ، فإنما عليه الأرش ، وهو التفاوت بين قيمته ميّتا وحيّا مجروحا بالأول وهو واضح أيضا.

هذا إن قتله الثاني بعد إثبات الأول.

فإن جرحه الثاني ولم يقتله حينئذ ، فإن أدرك ذكاته فهو حلال ومال للأوّل ، وعلى الثاني له أرش جناية جرحه كائنا ما كان.

وان ترك ولم يذكّه ، فان لم يتمكّن من ذبحه وكان سبب تلفه جرحه ، سواء كان عدم التمكن لعدم آلة الذبح أو لضيق الزمان ، فهي ميتة ووجب له على الثاني تمام القيمة معيبا بالجرح الأول.

وان تمكن فهو ميتة أيضا ولم يكن له عليه شي‌ء ان لم يكن لجرحه في قتله مدخل ولا نقصان ، ومع النقصان الأرش.

والّا ، فإن كان مستقلا فيه بحيث لا دخل بجرح الأوّل في قتله ، بمعنى انه كان يعيش ان لم يكن الثاني ، فالظاهر ان عليه حينئذ أيضا كمال القيمة معيبا بالأوّل ان لم يكن لميّته قيمة ، إذ لا يسقط (لا يترك ـ خ) حق شخص بترك ذبح ماله المضمون حتى صار ميّتا والّا (١) الأرش ، وهو التفاوت ما بين كونه ميّتا وحيّا مجروحا بالأول.

وان كان سبب القتل كلا الجرحين مع القدرة على الذبح والإهمال حتى

__________________

(١) وان كان لميّته قيمة كذا في هامش بعض النسخ.


ولو كان مملوكا لغيرهما وقيمته عشرة وجناية كلّ واحد بدرهم وسرتا ، فبعض الاحتمالات

______________________________________________________

سرتا الجنايتان معا بمعنى عدم استقلال كل واحد في القتل ، فلو لم يكونا لم يقتل سقط (١) ما قابل فعل الأوّل ، وعلى الثاني نصف قيمته معيبا.

ومع عدمها (٢) عليه وعلى الثاني تمام القيمة معيبا ان لم يكن لميّته قيمة ، والّا فالأرش وسيعلم تفصيله أيضا ، هذا أحد الاحتمالات التي تجري في مال الغير ويجري كلّها فيه أيضا ، فوجه التخصيص غير ظاهر.

مع انه يحتمل هنا (٣) كمال القيمة معيبا بالأوّل ، لأنه لو لم يكن الجرح الثاني لم يمت بالفرض ، وان كان لو لا الأوّل أيضا لم يمت ، الّا انه بعد وجوده قتله الثاني ، نعم هذا الاحتمال لم يجر لو فرض كون كلّ واحد قاتلا مستقلا لو لا الآخر فتأمّل.

قوله : «ولو كان مملوكا لغيرهما إلخ» الظاهر جريان الاحتمالات المذكورة في مال الإنسان إذا كان أحد الجارحين عبدا كان أو شاة وغيرهما.

ويحتمل ذلك في الصيد أيضا بعد إثبات الأول وصيرورته ملكا له ، غاية الأمر انه سقط ما قابل فعله عن قيمة المقتول ، ويؤخذ الباقي من الجارح الثاني ، وفي ملك الغير يؤخذ منهما للمالك فليس المراد ، التخصيص بملك الغير ، بل لبيان الأخذ عنهما.

والقول بأن المصنّف فرض هذه المسألة في دابّة مملوكة لغير هما كعبد الغير وشاته ويمكن فرضها في عبد جنى عليه سيّده ثم جنى عليه آخر ـ كما قاله في الشرح ـ

__________________

(١) جواب لقوله قدّس سرّه : (وان كان سبب إلخ).

(٢) أي مع عدم القدرة على الذبح كذا في هامش بعض النسخ.

(٣) أي في كون سبب القتل كلا الجرحين ـ كذا في هامش بعض النسخ.


بسط العشرة على تسعة عشر ، وإيجاب عشرة منها على الأوّل ، وتسعة على الثاني.

______________________________________________________

غير جيّد ، ولكن الأمر في ذلك هيّن ، والعمدة تحقيق الحق.

وقد ذكروا رحمهم الله خصوصا الشهيد في الشرح ما لا يقدر على الزيادة عليه ونقل كلامهم ممّا لا فائدة فيه ، إذ يمكن أخذه منه ، بل عباراتهم أحسن فليرجع إليه.

ولكن لما كان اسم هذا شرحا فلا ينبغي ان يخلو عنه.

واعلم انه يحتمل أنّ المصنف فرض المسألة في حيوان الغير بعد الإشارة إلى حكم الصيد الذي صار ملكا له ثم جرحه الثاني ومات بهما (خشية ـ خ) ، لاحتمال اختصاص الصيد بما قلناه من الاحتمال ، وهو لزوم تمام القيمة على الثاني معيبا بالأول ان لم يكن لميّته قيمة ، والّا الأرش ، لأن جناية المثبت على مباح فلا يضمن ، وجرح الثاني وقتله فيضمن ، إذ الفرض أن جنايته كانت قاتلة ولو لم تكن الأولى أيضا.

ولا يتفاوت الحال بما (١) إذا كان قادرا على تذكيته ، وتركه عمدا أم لا؟ إذ لا يجب عليه ذبح ماله وتخليص غيره عن ضمانه.

ويحتمل كون مال الجارح الأوّل مثله فتأمّل.

أما توجيه الاحتمال الذي يظهر أنه أحسن الاحتمالات المتقدّمة ـ واختاره الشيخ علي فهو أنه بالحقيقة يؤل الى ان العشرة تلفت بعشرة مؤثرة فيه من واحد ، وبتسعة من آخر فينبغي تقسيمها عليها بهذه النسبة.

ولا يرد انه يلزم الحيف على كل واحد ، لأنه جنى أحدهما في نصف العشرة فليس عليه الّا نصفه والأخر في نصف التسعة فليس عليه نصفه كذلك ، إذ

__________________

(١) هكذا في النسخ مخطوطة ولعل الصواب (فيما) بدل (بما).


.................................................................................................

______________________________________________________

لا شك ان تمام العشرة متلفة تبلغهما ولا يمكن نقصان شي‌ء منهما (منها ـ خ) عن المالك ، ولا أخذ شي‌ء من غير هما ، لانحصار الجناية فيهما ، ولا يمكن التفاضل بينهما ، بل يجب ان يكون الباقي أيضا عليهما وهو نصف درهم هو تسعة اجزاء ونصف بنسبة جنايتهما وخسارتيهما (خسارتهما ـ خ) وهو كذلك ، لأنه إذا اعطى صاحب العشرة خمسة وصاحب التسعة أربعة ونصفا بقي نصف درهم هو تسعة اجزاء ونصف من مائة وتسعين جزء (١) فينبغي ان يجعل منها على الأول خمسة اجزاء ، وعلى الثاني أربعة اجزاء ونصف ، فان نسبة الخمسة إلى الأربعة ونصف كنسبة العشرة إلى التسعة وهي نسبة الخسرانين والجنايتين.

فعلى الأوّل خمسة دراهم هي خمسة وتسعون من مائة وتسعين جزء وخمسة أجزاء منها فالمجموع مائة جزء وعلى الثاني هي أربعة ونصف هي خمسة وثمانون ونصف من مائة وتسعين جزء وأربعة اجزاء ونصف منها ، فالمجموع تسعون ، هكذا قرّر في الشرح.

ولي فيه تأمّل من وجهين (الأول) ان فيه حيفا على الثاني ، لأنه ما شارك في القتل إلّا في حيوان يسوى تسعة ، فلا عليه الّا نصف ذلك بخلاف الأوّل ، فإنه جرح في وقت يسوى عشرة ، وما كان له هناك شريك أصلا فجنايته المستقلّة دينار ثم الشركة.

وليس هذا بناء على عدم إدخال أرش جناية الأول في النفس دون الثاني ، حتى يكون ترجيحا بلا مرجّح ، بل بناء على انه ابتدأ التلف وصيّر الحيوان يسوى تسعة بعد ان كان يسوى عشرة ، فليس حينئذ له شريك فلفعله (٢) أثر (تأثير ـ خ ل) في القتل بأكثر من جناية نصف العشرة ، فإنه لو كان له حينئذ

__________________

(١) حاصلة من ضرب تسعة عشرة في عشرة هكذا في هامش بعض النسخ.

(٢) فليس له تأثير ـ خ.


.................................................................................................

______________________________________________________

شريكا كان عليه نصف ، فكيف يكون عليه بلا شريك نصف.

فهذا الاحتمال وان يرى انه جيّد ، ولكن الظاهر انه ضعيف ، لما عرفت فتأمّل.

(والثاني) (١) انه على تقدير تسليم ما ذكر ، لا ينبغي ذلك مطلقا ، بل ينبغي ان يكون ذلك على القول بدخول أرش جناية الطرف في النفس كما هو الظاهر ، إذ ما قتل الّا نفس فيؤخذ ديتها أيّ شي‌ء كانت ، ولهذا لو كانت موجبة للقصاص ليس عليه الّا قصاصها للنفس بالنفس الّا ان يقال : يلزم القصاص في الطرف لو كانت موجبة له أيضا ، (الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ) مثلا فتأمّل.

واما على القول بعدمه مطلقا أو في المملوك فقط كما هو الظاهر ـ لأن في الحرّ لو لم يدخل لزم أخذ أرش الطرف مرّتين ـ فإن دية النفس مأخوذة عن كل انسان ، وهي موزّعة على كل بدنه ، فإذا أخذت عن طرفه على حدة ، وأخذ على جميعه دية كاملة يلزم ذلك ، وهو ظلم ، فإنه ما قتل الا نفسا وأخذ منه دية النفس والزيادة.

بخلاف المملوك فإنه ان أخذ دية الطرف لم يؤخذ دية نفسه بكلّها ، بل ديتها معدوم (٢) الطرف ، إذ لا يؤخذ إلّا قيمة معدوم الطرف.

فالظاهر ان على كل واحد خمسة ، لان على كل واحد دينارا أرش جنايته ثم الباقي يقسم بينهما بالسوية ، فإنه قتل بجنايتهما.

ولا حيف على الثاني ، لأنه صار شريكا في القتل بعد سقوط أرش الجنايتين ، ولا يلزم أخذ الناقص عن الأوّل ، فإنه ما صار شريكا الّا بعد سقوط أرش

__________________

(١) عطف على قوله : الأول إن إلخ.

(٢) هكذا في النسخ والصواب ، معدومة الطرف.


وبعضها إيجاب نصف العشرة على الأول ، ونصف التسعة على الثاني.

ولا اعتبار بهذا النقصان على المالك.

وبعضها على الأول خمسة ونصف ، وعلى الثاني خمسة فتبسط العشرة على عشرة ونصف.

______________________________________________________

جناية الثاني ، فكما لزمه شي‌ء لصاحب المال لزمه نقصان شي‌ء من أرش جناية الأول ، هذا احتمال آخر مطلقا مذكور في غير المتن.

وهو مطلقا غير جيّد ، نعم جيّد بناء على خروج أرش الجناية فتأمّل.

واما الاحتمال الثاني ، فهو ان نصف العشرة على الأوّل ، لأنه شريك في قتل حيوان يسوى عشرة ، وعلى الثاني نصف التسعة ، لأنه قتل بالشركة حيوانا يسوى تسعة ، فيلزم على صاحبه النقصان.

قال المصنف : (ولا اعتبار بهذا النقصان على المالك).

وهو ضعيف للزوم النقصان على المالك من غير وجه ، فلا وجه لعدم اعتباره ، كيف لا يكون معتبرا وقتل حيوانه ظلما ، فلا يأخذ تمام أرشه ، بل ينقص نصف العشر ، وهو ظلم.

واما الاحتمال الثالث ، فهو مبنيّ على عدم دخول أرش الجناية في النفس فحينئذ على الأوّل دينار للأرش ، ونصف التسعة لشركته في القتل حينئذ فعليه خمسة ونصف ، وعلى الثاني دينار للأرش كذلك ، ونصف الثمانية فعليه خمسة.

وهنا يلزم زيادة نصف دينار فيبسط العشرة على عشرة ونصف فيجعل عشرة دنانير أحدا وعشرين جزء ، فعلى الأول منها إحدى عشرة ، وعلى الثاني عشرة.

فيه حيف على الأوّل ، فإنه وان كانت جنايته على العشرة الّا ان جناية الثاني أسقطت عنه دينارا فصار الشركة في القتل بعد حذفه.


وبعضها إيجاب أربعة ونصف على الثاني ولا يمكن زيادة (الزيادة ـ خ) عليها ، وعلى الأوّل تمام العشرة.

______________________________________________________

فمقتضى القول بخروج الأرش عن دية النقص ما قدّمناه (١) فتذكر ، على انه مبنيّ على ذلك (٢) ، وينتفي (ينبغي ـ خ) الحكم على التقديرين أو بعد إثبات رجحان هذا (٣) وهو غير ظاهر وما أثبت ، فتأمّل.

ويحتمل عدم البسط والتزام حصول الزيادة للمالك ، لانفراد أرش الجناية عن قيمة النفس فتأمّل.

واما الاحتمال الرابع ، فهو أن الأربعة ونصفا على الثاني ، إذ ما شارك في القتل الّا بعد ان كان يسوى تسعة ، وعلى الأوّل خمسة ونصف تمام العشرة ، لأن النقصان غير معقول ، وإلزام الثاني بأكثر ممّا ذكرناه من شركته في قتل حيوان يسوى تسعة كذلك ، فيلزم الأول لأنه المبتدئ ، فكأنه لزمه دينار على الاستقلال للأرش ، ونصف التسعة للشركة في القتل.

وفيه أيضا حيف على الأول حيث ما أدخل أرش جنايته في القتل وأدخله الثاني.

وهذا الاحتمال لا يخلو عن قوّة ، وليس مبنيا على إخراج أرش جناية الأول وإدخال الثاني ، بل على انه ما كان للاول شريك الّا بعد ان صيّره يسوى تسعة مع شركته في قتله وإتلافه بالكليّة وما كان له شريك قبل التسعة ، وليس النقصان على المالك معقولا ، ولا على الثاني أكثر من جنايته ، وهو إتلاف نصف التسعة ، فلا يكون الّا على الأوّل ما فعله مستقلا وما شارك.

__________________

(١) أي من التنصيف هكذا في هامش بعض النسخ.

(٢) أي على خروج أرش الجناية هكذا في هامش بعض النسخ.

(٣) أي خروج الأرش عن الدية هكذا في هامش بعض النسخ.


المقصد الثاني : في الذبح

وفيه مطلبان :

الأول : في الأركان

وهي أربعة : (الأوّل الذابح) وشرطه الإسلام أو حكمه ، فلا تحلّ ذبيحة الكافر وإن كان ذمّيا ولا الناصب.

______________________________________________________

ولأنه المبتدي والمعتدي أوّلا ، فكأنه لفعله تأثير في القتل أكثر من الثاني لأنه صار شريكا بعد نقص التأثير كأنه أتلف بعضه وميّته ثم صار هذا شريكا له.

وهذا هو المتجه على القول بدخول الأرش إذ (أو ـ خ) فعل أكثر من إتلاف نصف العشرة ، فإنه كان مستقلا الى ان صارت تسعة ومن هنا حصل له شريك.

وهنا احتمالات كثيرة مذكورة في الشرح أكثرها مع ما فيها ، فليرجع اليه وليتأمّل ذلك.

قوله : «وشرطه الإسلام أو حكمه إلخ» نقل إجماع الأصحاب بل المسلمين على اشتراط كون الذابح غير مشرك ، وتحريم ذبيحة المشرك وغير الكتابي من أصناف الكفّار حتى المرتدّ.

وانما الخلاف والنزاع في غيرهم ، فذهب جماعة ، مثل الشيخين ، والسيّد ، وابن إدريس إلى اشتراط الإسلام ، فيحرم ذبيحة الكتابين (الكتابي ـ خ) مثل اليهود ، والنصارى ، والمجوس.

ونقل عن البعض ، مثل ابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ، القول بعدم الاشتراط والحلّ ، ونقل ذلك عن الصدوق أيضا ، لكن اشترط هو سماع التسمية عليها ولم يفرّق بين المجوس وغيره.

وقال في الدروس : وهو (أي التحريم) اختيار المعظم (الى قوله) : ويحرم


.................................................................................................

______________________________________________________

ذبيحة الناصبي ، والخارجي دون غيره على الأصحّ لقول أمير المؤمنين عليه السّلام : من دان بكلمة الإسلام وصام وصلّى ، فذبيحته لك (لكم ـ ئل) حلال إذا ذكر اسم الله عليه (١) ويعلم منه تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه ، وهل يشترط مع الذكر اعتقاد الوجوب؟ الأقرب لا ، وشرطه الفاضل ، وقصر ابن إدريس الحلّ على المؤمن والمستضعف الذي لا منّا ، ولا من مخالفينا ، ومنع الحلبي من ذبيحة جاحد النص ، ومنع ابن البراج من ذبيحة غير أهل الحق لقول أبي الحسن عليه السّلام لزكريا بن آدم : إني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك إلّا في وقت الضرورة إليه (٢) ويحمل على الكراهة (انتهى).

هذه صحيحة ، وفي طريق الاولى (الحسن) (٣) وهو غير ظاهر ، ولعلّه ابن سعيد أخو الحسين بن سعيد ، كأنه نقل عن أخيه فتأمّل.

ويؤيّد الأخير ما في الفقيه ـ بعد رواية الحلبي ـ : وقال الصادق عليه السّلام : لا تأكل ذبيحة اليهودي ، والنصراني ، والمجوسي وجميع من خالف الدين إلّا إذا سمعته يذكر اسم الله عليها (٤).

فان كانت عن الحلبي كما هو الظاهر ، فهي صحيحة.

ويحتمل ان يراد من الدين الإسلام فلا تكون مؤيّدة ، فتأمّل.

والدليل على اشتراط الإسلام هو الكتاب والسنّة والإجماع والاعتبار.

اما الكتاب : (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٥) وجه الدلالة أنها

__________________

(١) الوسائل باب ٢٨ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٢ وفيه ذبيحة من دان إلخ.

(٢) الوسائل باب ٢٨ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٢.

(٣) فان سندها كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن الحسن بن (عن ـ خ) يوسف ، عن عقيل عن محمّد بن قيس وفي الاستبصار الحسين بن سعيد عن الحسن عن يوسف بن عقيل إلخ.

(٤) الوسائل باب ٢٧ حديث ٤٣ من أبواب الذبائح ج ١٧ ص ٢٩١.

(٥) الانعام : ١٢١.


.................................................................................................

______________________________________________________

تدلّ على تحريم الأكل (مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ، ويدلّ عليه الإجماع أيضا فهو دليله أيضا.

أي لم يعلم ذكر اسمه تعالى عليه ، وذلك في الكافر ، غير معلوم إذا لم يعلم ، وإذا علم بذلك فذلك غير معلوم حقيقة وغير اسمه تعالى إذ (لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ) الحقيقي ، فإن ذكر اسمه تعالى على الحقيقة هو ذكره ممّا يعتقده ويثاب عليه ويعلمه على وجه لا يلزم كفره وعدم رضاء الله بذكره.

ولان الله تعالى لا ينهى عن الأكل الّا بذكر اسمه ، ولا يأمر بالأكل بذكر اسمه الّا بالذكر الذي يرضى بذلك ويثيب عليه ، ومعلوم عدم ذلك في ذكر الكافر وهو ظاهر ، وقد يمنع بعض المقدمات فتأمّل فيه.

واما الاعتبار ، فلان العقل يجد فيما يشترط فيه ذكر اسم الله ليحلّ قبح الاكتفاء بذبيحة الكافر ، الجاحد لله ، وعدو الله ، وعدو الإسلام واهله ، وانه لم يعتقد وجوب التسمية للحلّ ، فإنما يقوله بغير اعتقاد ، بل قد يكون استهزاء لو كان ، بل يتركه دائما للعداوة إلّا إذا علم عدم الشراء منه ويظن نقصان دنياه به.

واما الإجماع فقد تقدم.

واما الاخبار فهي كثيرة (منها) صحيحة قتيبة ، قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السّلام وانا عنده ، فقال : الغنم يرسل (نرسل ـ خ) معها اليهودي ، والنصراني فيعرض لها العارضة فيذبح ، أنأكل ذبيحته؟ فقال له أبو عبد الله عليه السّلام : لا تدخل ثمنها مالك ولا تأكلها ، فإنما هو الاسم ، ولا يؤمن عليها الّا مسلم ، فقال له الرجل : قال الله تعالى «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ، وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ؟» فقال : كان أبي عليه السّلام يقول : انما هي الحبوب وأشباهها (١).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٦ حديث ١ من أبواب الذبح ج ١٦ ص ٢٧٩ والآية ٥ من سورة المائدة.


.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن ذبائح نصارى العرب هل تؤكل؟ فقال : كان علي عليه السّلام ينهى (ينهاهم ـ يب ئل) عن أكل ذبائحهم وصيدهم وقال : لا يذبح لك يهودي ولا نصراني أضحيتك (١).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن نصارى العرب أتوكل ذبائحهم؟ فقال : كان علي ينهى عن ذبائحهم ، وعن صيدهم ، وعن مناكحتهم (٢).

وصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : لا تأكلوا ذبيحة نصارى العرب فإنهم ليسوا أهل الكتاب (٣).

وفيه تأمل ، فإنها توهم اختصاص التحريم بنصارى العرب.

وصحيحة أبي بصير ، قال سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : لا يذبح أضحيتك يهودي ولا نصراني ولا مجوسي ، وان كانت امرأة فلتذبح لنفسها (٤).

فيها دلالة على جواز ذبح المرأة وعدم اشتراط الرجل.

وصحيحة الحسين الأحمسي عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : هو الاسم فلا يؤمن عليه الّا المسلم (٥).

وصحيحة شعيب العقرقوفي ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام ، ومعنا أبو بصير وأناس من أهل الجيل (الحبل ـ ئل) يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب ، فقال لهم أبو عبد الله عليه السّلام : قد سمعتم ما قال الله في كتابه فقالوا : انا نحبّ ان

__________________

(١) الوسائل باب ٢٧ حديث ١٩ من أبواب الذبح ج ١٦ ص ٢٨٦.

(٢) الوسائل باب ٢٧ حديث ٦ من أبواب الذبح ج ١٦ ص ٢٨٣.

(٣) الوسائل باب ٢٧ حديث ٢٣ من أبواب الذبح ج ١٦ ص ٢٨٦.

(٤) الوسائل باب ٢٧ حديث ٢٠ من أبواب الذبح ج ١٦ ص ٢٨٦.

(٥) الوسائل باب ٢٧ حديث ٢ من أبواب الذبح ج ١٦ ص ٢٨٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

تخبرنا ، فقال : لا تأكلوها ، فلما خرجنا من عنده قال أبو بصير : كلها ، في عنقي ما فيها فقد سمعته وسمعت أباه جميعا يأمران بأكلها فرجعنا إليه ، فقال لي أبو بصير : سله ، فقلت له : جعلت فداك ما تقول في ذبائح أهل الكتاب؟ فقال : أليس قد شهدتنا بالغداة؟ وسمعت؟ قلت : بلى ، فقال : لا تأكلها ، فقال لي أبو بصير : في عنقي ، كلها ثم قال لي : سله الثانية. فقال لي : مثل مقالته الاولى ، وعاد أبو بصير فقال لي قوله الأوّل : في عنقي ، كلها ثم قال لي : سله ، فقلت : لا أسأله بعد مرّتين (١).

وصحيحة الحسين الأحمسي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال له رجل : أصلحك الله ان لنا جارا قصابا وهو يجي‌ء (فيجي‌ء ـ ئل) يهوديّ فيذبح له حتى يشتري منه اليهود ، فقال : لا تأكل من ذبيحته ولا تشتر منه (٢).

وهي كثيرة ولكنها غير صحيحة.

مثل موثقة سماعة عن أبي إبراهيم عليه السّلام ، قال : سألته عن ذبيحة اليهودي والنصراني ، فقال : لا تقربها (٣) (لا تقربنّها ـ كا يب) (لا تقربوها ـ ئل).

ومثلها موثقة حميد بن المثنى عن العبد الصالح عليه السّلام (٤).

ورواية زيد الشحام ـ ولا يضرّ وجود مفضل بن صالح (٥) الضعيف ـ قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام عن ذبيحة الذمي ، فقال : لا تأكله ان سمّى وان لم يسمّ (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٧ حديث ٢٥ ولاحظ ذيله أيضا ص ٢٨٧.

(٢) الوسائل باب ٢٧ حديث ١ من أبواب الذبائح ص ٢٨٢.

(٣) الوسائل باب ٢٧ حديث ٩ من أبواب الذبائح ص ٢٨٥.

(٤) الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٠ من أبواب الذبائح ص ٢٨٨.

(٥) سندها كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن فضل بن صالح عن زيد الشحام.

(٦) الوسائل باب ٢٧ حديث ٥ من أبواب الذبائح ص ٢٨٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

ومرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن ذبيحة أهل الكتاب ، قال : فقال : والله ما يأكلون ذبائحكم ، فكيف تستحلّون أنّ تأكلوا ذبائحهم انما هو الاسم ولا يؤمن (يؤتمن ـ خ ل) عليها الّا مسلم (١).

وغيرها ، تركتها لعدم الصحة ، وقد ذكر في الكافي قريبا من خمسة عشر خبرا (٢) من غير ذكر معارض أصلا.

ويؤيده عموم ما يدل على تحريم الميتة ، والقاعدة الدالّة على كون الذبيحة ميتا حتى يثبت التذكية الشرعيّة.

واما ما يدل على الحلّ فهو الآية المتقدمة (٣).

وجوابه ما تقدم في الاخبار الصحيحة ، ان المراد بطعامهم هو الحبوب ونحوها ، كأنه الأشياء اليابسة التي لم يباشروها بالرطوبة أو قابل (القابلة ـ ظ) للتطهير.

ويمكن ان يقال : معناها طعامهم من حيث انه طعامهم ليس بحرام ، بل حلال ، وليس بخارج عن أصل الحلّ الذي كان وخلق ولم يعرض له الحرمة بسبب كونه طعاما لهم ، فحينئذ لا ينافيه التحريم من جهة أخرى ، مثل ان يكون نجسا من خارج أو مغصوبا أو كونه ميتة فكذا كونه مذبوحهم.

وهو معنى جيد وظاهر ، فلا دلالة فيها على نفي التحريم الثابت بما تقدم مثل قوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٤).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٧ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٣.

(٢) لقد أورد الشيخ الحرّ العاملي في الوسائل ج ١٦ باب ٢٧ من أبواب الذبائح ستة وأربعين حديثا أحد عشر منها معارضة لباقيها وقد بين وجه التعارض فراجع ص ٢٨٢ ـ ٢٩١.

(٣) وهي : وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم إلخ كما عرفت.

(٤) الانعام : ١٢١.


.................................................................................................

______________________________________________________

نعم يمكن الاستدلال على الحلّ بقوله تعالى (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (١).

وقد مر ما يمكن ان يجاب عنه ، فليس فيه أيضا دلالة على الحلّ.

نعم في الاخبار ما يدل على الحلّ في الجملة ، وهي أيضا كثيرة ، ولكن الأولى أكثر.

مثل رواية حمران قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني : لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم الله عليه ، قلت : المجوسي؟ فقال : نعم إذا سمعته يذكر اسم الله ، اما سمعت قول الله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : كل ذبيحة المشرك إذا ذكر اسم الله عليها وأنت تسمع ، ولا تأكل ذبيحة نصارى العرب (٣).

وصحيحة جميل ، ومحمّد بن حمران أنهما سألا أبا عبد الله عليه السّلام عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس؟ فقال : كل ، فقال بعضهم : انهم لا يسمّون؟

فقال : فان حضرتموهم فلم يسمّوا فلا تأكلوا ، وقال : إذا غاب فكل (٤).

وصحيحة محمّد الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم؟ فقال : لا بأس به (٥).

وصحيحة حريز ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، وزرارة ، عن أبي جعفر

__________________

(١) الأنعام : ١١٨.

(٢) الوسائل باب ٢٧ حديث ٣١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٨.

(٣) الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٨.

(٤) الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٩.

(٥) الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام انهما قالا في ذبائح أهل الكتاب : فإذا شهدتموه وقد سمّوا اسم الله فكلوا ذبائحهم وان لم تشهدوهم فلا تأكلوا ، وان أتاك رجل مسلم فأخبرك أنهم سمّوا فكل (١)

وغيرها من الروايات ، ولكنها ضعيفة الاسناد فتركتها.

والأصل (٢) ، وعموم آيات الحلّ ، وحصر المحرّمات.

ويمكن ان يقال : الحصر إضافيّ ، أو إلى ذلك الزمان أو ترك غيرها للظهور ويدخل فيه بالدليل.

والعمومات مخصوصة بالأدلة المتقدمة ، والأصل مرتفع بها.

فليس الّا الروايات ، فيمكن أن يقال : لا دلالة في شي‌ء منها على الحلّ مطلقا كما هو مقصود المستدل الّا ما في رواية الحلبي (٣).

نعم فيها دلالة على مذهب الصدوق ، ولكن ترك الأخبار الكثيرة جدا أو تأويلها والعمل بغيرها مع ندرة قائلها ـ فإنه منحصر في الصدوق على ما نقل ـ لا يخلو من إشكال فاخباره اولى بالتصرف.

على انه يمكن ان يقال : حمران ما صرّح بتوثيقه ، بل مشكور لو كان ابن أعين ، على انه قد يكون غيره.

فقول شارح الشرائع : صحيحة زرارة ، عن أخيه حمران ، محلّ التأمّل (٤).

وانها تدلّ على إباحة ذبيحة الناصب ، بل مطلق الكفار على تقدير ذكر

__________________

(١) الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٨ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٠.

(٢) عطف على قوله رحمه الله : فهو الآية المتقدمة إلخ.

(٣) لاحظ الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٩.

(٤) الظاهر ان وجه التأمّل من جعل الشارح حمران أخا زرارة على سبيل البت مع إمكان كونه غيره.


.................................................................................................

______________________________________________________

اسم الله عليه ولا يقول به احد منا ، بل من غيرنا أيضا.

وانه ينبغي ان يقول بدل قوله (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) : (كُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ، فتأمّل.

وأنه لا يقال بمضمون صحيحة محمّد بن مسلم (١) أيضا ، إذ لا يقول أحد انه يحلّ ذبيحة المشرك مع التسمية ولا يحلّ ذبيحة نصارى العرب وان سمّوا ، إذ غاية أمرهم يكونون مشركين وقد جوّز أكل ذبائحهم.

وان رواية جميل (٢) غير معلوم الصحّة وان كان الظاهر الصحّة ، لعدم نسبة جميل إلى أب ، وعدم ظهور توثيق محمّد بن حمران ، فإنه مشترك بين مهمل وموثق على ما في كتاب ابن داود فتأمّل.

وان الظاهر (كلا) أو (كلوا) وكذا ينبغي : (إذا غبتم فكلوا) أو (غبتما فكلوا).

وان في أوّلها ما يدل على اشتراط التسمية كما هو مذهب غير الصدوق وقد دلت الأخبار الكثيرة ممّا يدل على الحلّ والتحريم ، على تحريمه حينئذ.

وان في رواية الحلبي أيضا في التهذيب (الحسن) (٣) وهو غير معلوم وان احتمل انه (ابن سعيد) فتأمّل وان كان (٤) في الاستبصار.

وأيضا فيها (ابن مسكان) المشترك وان كان الظاهر انه (عبد الله) الثقة

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٢ من أبواب الذبائح ص ٢٨٩.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٣ من أبواب الذبائح ص ٢٨٩.

(٣) فان سندها في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن محمّد الحلبي (وفي الاستبصار : الحسين بن سعيد ، عن صفوان عن ابن مسكان إلخ ج ٤ ص ٨٥).

(٤) المناسب ان يقول : (وان لم يكن) فان (الحسن) غير موجود فيه أو المراد ان ابن سعيد موجود في الاستبصار لكنه غير محرز.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولهذا جزمنا بالصحّة في الاولى (١) وغيرها الّا انه يقبل المناقشة حينئذ وترجيح غيرها عليها فتأمّل.

وان الظاهر في رواية حريز وزرارة (٢) : (وان أتاكم فأخبركم فكلوا) ولكن رواية حريز وزرارة صريحة وصحيحة على ما تقرّر عندهم ، وردّها مشكل وكذا تأويلها ، وهي مؤيّدة بما تقدم ، وبما تركناه من الاخبار مثل خبر (٣) أبي الورد بن زيد (٤) ، وخبر (٥) حريز فإنهما مثل صحيحة حريز وزرارة في الدلالة (٦).

على ان القاعدة الأصوليّة تقتضي الجمع بحمل العام والمطلق على الخاصّ والمقيّد من الآيات والاخبار.

ولا شكّ أن دلائل التحريم اما عامّ أو مطلق ، فتقيّد بها بأن كان ذبائح أهل الكتاب ان ظهر تسميتهم عليه أكلت وتكون حلالا ، والّا فحرام لا تؤكل وهو موافق لظاهر آية (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ (عَلَيْهِ) (٧) ، (فَكُلُوا مِمّا) (٨) الآية.

__________________

(١) أي في رواية التحريم ، كذا في هامش بعض النسخ.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٨ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٠.

(٣) الظاهر زيادة كلمة (أبي) كما في التهذيب والاستبصار والوسائل فإن فيها (الورد بن زيد).

(٤) قال : قلت لأبي جعفر عليه السّلام : حدثني حديثا وأمله عليّ حتى اكتبه ، فقال : اين حفظكم يا أهل الكوفة ، قال : قلت : حتى لا يردّه على احد ، ما تقول في مجوسيّ قال : بسم الله ثم ذبح؟ فقال : كل ، قلت : مسلم ذبح ولم يسم؟ فقال : لا تأكله ان الله يقول : (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ،) ـ (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ـ الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٧ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٩.

(٥) قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام ، عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس؟ فقال : إذا سمعتم يسمّون وشهد لك من رآهم يسمّون فكل ، وان لم تسمعهم ولم يشهد عندك من رآهم يسمون فلا تأكل ذبيحتهم ، الوسائل المصدر حديث ٣٩ منها ج ١٦ ص ٢٩٠.

(٦) المصدر حديث ٣٨ منها ج ١٦ ص ٢٩٠.

(٧) الانعام : ١١٨.

(٨) الانعام : ١٢١.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولا ينافيه إلّا رواية زيد الشحام (١) ، ولكن في طريقها مفضل بن صالح (٢) الضعيف.

فمذهب الصدوق هو موافق للقوانين أو يحمل الأوّل على الكراهة للجمع.

ولكنه مذهب نادر مخالف لظاهر كثير من اخبار الطرفين ، ومخالف لقاعدة التذكية المتقدمة في الجملة ، والاحتياط (٣) ، فالعمل به مشكل وان كان قويّا من جهة العلم ، فتأمّل.

وقال الشيخ في كتابي الأخبار ـ بعد الاخبار من الطرفين وتقديم التحريم وتأخير الحلّ كما فعلنا ـ : (فأول (٤) ما في هذه الأخبار أنها لا تقابل تلك ، لأنها أكثر ولا يجوز العدول عن الأكثر إلى الأقل ، لما قد بيّن في غير موضع ، ولأنّ ممن روى هذه قد روى احاديث الحظر التي قدمناها ، وهم الحلبي وأبو بصير ومحمّد بن مسلم ، ثم لو سلمت من هذا كلّه لاحتملت وجهين (أحدهما) ان الإباحة فيها انما تضمنت في حال الضرورة دون حال الاختيار وعند الضرورة تحلّ الميتة ، فكيف ذبيحة من خالف الإسلام والذي يدل على ذلك ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن حمزة القمي ، عن زكريا بن آدم ، قال : قال أبو الحسن عليه السّلام : اني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه ، وأصحابك إلّا في وقت الضرورة اليه (٥) والوجه الثاني ان تكون هذه الاخبار وردت (مورد) التقيّة لأن من خالفنا

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٧ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٣.

(٢) فان سندها كما في التهذيب هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن مفضل بن صالح ، عن زيد الشحام.

(٣) يعني مخالف للاحتياط.

(٤) هذه عبارة التهذيب وذكر في الاستبصار ما بمعناها ـ راجع التهذيب باب الذبائح والأطعمة والاستبصار ج ٤ باب ذبائح الكفار ص ٨٥.

(٥) الوسائل باب ٢٨ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

يجيز أكل ذبيحة من خالف الإسلام من أهل الذمة. والذي يدل على ذلك ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن بشير ، عن ابن أبي غفيلة الحسن بن أيوب ، عن داود بن كثير البرقي ، عن بشر بن أبي غيلان الشيباني ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن ذبائح اليهود والنصارى والنصّاب؟ قال : فلوى شدقه (١) وقال : كلها الى يوم (٢) ما (٣).

فيه تأمل ، لأن كثرة الاخبار لا توجب ردّ القليل الّا مع عدم إمكان الجمع ، وقد عرفت الإمكان.

وأيضا نقل شخص رواية ثم رواية منافية للأولى بحسب الظاهر لا يستلزم ردّ الأخيرة ، بل ولا ردّ شي‌ء منهما ، وهو ظاهر مع إمكان الجمع ، فليس ذلك قرينة (لقرينة ـ خ) لردّ اخبار الحلّ ولا تأويلها.

ولأن حمل تلك الأخبار الكثيرة الدالّة على الحلّ مثل ذبيحة المسلم مع التسمية ـ على الضرورة التي لا يمكن الأكل إلّا ما يسدّ الرمق ، مثل أكل الميتة ـ بعيد جدّا.

والرواية التي أيّده بها تدل على عدم حلّ ذبيحة كل مخالف للإماميّة إلّا حال الضرورة ، والظاهر انه لا يقول به ، وان قال به ابن أبي عقيل كما نقلناه عن الدروس ، فلمذهبه صورة.

وما نقله عن الفاضل من ان التسمية من دون اعتقاد الوجوب لا تنفع يرجع الى تحريم ذبيحة بعض المخالفين ، لأنهم لا يعتقدون ، فكأن مذهبهما (٤) واحد

__________________

(١) بالكسر ويفتح طفطفة الفم من باطن الخدّين (القاموس) في هامش المطبوعة بالطبع الحجري : الشدق جوانب الفم يقال : نفح في شدقه. لوى الرجل فالتوى برأسه مال واعرض (انتهى).

(٢) الوسائل باب ٢٧ حديث ٢٨ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٨.

(٣) الى هنا عبارة الشيخ رحمه الله في التهذيب وذكر في الاستبصار ما بمعناه.

(٤) أي مذهب ابن أبي عقيل والفاضل المصنف هكذا في هامش بعض النسخ المخطوطة.


وتحلّ ذبيحة المسلمة والخصي والمخالف ، والحائض والجنب ، وأطفال المؤمنين مع المعرفة ، وولد الزنا.

______________________________________________________

وهذه (١) دليله.

ويمكن حملها على الكراهة ، لما تقدّم ، وحمل الضرورة على المشقة في الجملة لا مثل حال حلّ الميتة فتأمّل.

وكذا يبعد الحمل على التقيّة ، فإن العمدة منها تدل على الحلّ مع التسمية والظاهر ان المخالف لا يشترط ذلك ، بل يقول بحلّ ذبيحة الذمّي مطلقا ، وهو اعرف.

وبالجملة الاجتناب عن ذبيحة كل من يخالف الحقّ أحوط ، خصوصا عن استعمال جلودهم فيما يشترط فيه الطهارة ، مثل النعال والفراء ، فان الظاهر ان أكثر هم لا يشترطون التسمية ، ولا القبلة مع ما تقدم هنا ، فتأمّل.

واعلم أنه يدل على تحريم ذبيحة الناصب اخبار (٢) ، ولكن في بعضها التقييد بعدم التسمية ، وانه ان سمّى يؤكل ، فحكمه مثل حكم ذبيحة أهل الكتاب في اختلاف الأخبار فتأمّل.

قوله : «وتحلّ ذبيحة المسلمة والخصي إلخ» لعل دليل الكل الأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات ، وصدق الذبح مع الشرائط ، مثل التسمية والقبلة بالفرض.

ويشترط في الكل المعرفة ، وان كان ظاهر العبارة انها قيد الأطفال لبعدهم عنها ، وهي العلم بطريق الذبح الذي هو شرط بمعنى انه لا بدّ ان يقع على ذلك الوجه ، لا المعرفة بذلك قبل الفعل ، فلو اتفق لم يجز كما هو ظاهر العبارة فتأمّل.

نعم لا بدّ في الأطفال مع ذلك من التميز (التمييز).

__________________

(١) يعني الرواية التي نقلها.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٨ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن كون المراد بالمعرفة ذلك ، فوجه التخصيص حينئذ ظاهر.

والمراد بالمؤمنين المسلمون.

وفي ولد (١) الزنا ، البلوغ ، وإظهار كلمة الإسلام لأنهم قالوا : ليس هو بحكم المسلم ، إذ ليس له أبوان شرعا حتى يكون في حكمهما.

ولعل لا خلاف في الكل إلّا في المخالف وولد الزنا ، بناء على القول بأنه لا يسلم فتأمّل.

ويدلّ على جواز ذبيحة المخالف ما تقدم ، وما سيجي‌ء من الاخبار الدالة على حلّ ما يباع في أسواق المسلمين.

ورواية الحسين بن سعيد ، عن الحسن بن يوسف لعله ابن عقيل ، عن يوسف (ـ كما في الاستبصار ـ فيحتمل أن الحسن أخوه فصحيح) بن عقيل ، عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : ذبيحة من دان بكلمة الإسلام وصام وصلى لكم حلال إذا ذكر اسم الله تعالى عليه (٢).

وهذه تدلّ على حلّ ذبيحة ولد الزنا المذكور أيضا ، وعلى حلّ ذبيحة كلّ ما تقدم وكل مسلم ، ولكن يفهم اشتراط الصوم والصلاة ، لعلّه للمبالغة أو الاستحباب ، وعلى تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه (٣).

لكن في طريقها اشتباه (٤).

__________________

(١) عطف على قوله رحمه الله : (في الأطفال) يعني لا بد في ولد الزنا.

(٢) الوسائل باب ٢٨ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٢.

(٣) في هامش النسخة المطبوعة بالحجر هكذا : بل تحريم ذبيحة من يصوم ولا يصلي وبالعكس أيضا ومن لا يفعلهما ومن لم يدن بكلمة الإسلام أيضا ـ منه رحمه الله (انتهى).

(٤) فان طريقها كما تقدم مرارا هكذا كما في التهذيب : الحسين بن سعيد ، عن الحسن عن يوسف بن


.................................................................................................

______________________________________________________

ويدلّ على تحريم ذبيحة المخالف ما تقدم من صحيحة زكريا بن آدم عنه عليه السّلام (١) وما نقلناه عن الفقيه (٢).

وان كلّهم لم يشترطوا التسمية والقبلة ، فحلّ ما يوجد في أيدي كلّهم محلُّ التأمل إلّا ان يسمع ويرى ذلك.

لعلّها حملت على الكراهة ، لما تقدم من رواية محمّد بن قيس ، وعموم ما يدلّ على حلّ ما يباع في أسواق المسلمين ، وقد تقدّم البحث فيه في بحث الصلاة (٣).

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن ذبيحة المرجئ (٤) ، والحروري؟ (٥) فقال : كل وقرّ واستقرّ حتى يكون ما يكون (٦).

لعلّ فيها إشارة إلى التقيّة فتأمّل.

وتدلّ على الكلّ حسنة محمّد بن مسلم ـ وهي صحيحة في الفقيه ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن ذبيحة الصبي؟ فقال : إذا تحرك وكان له خمسة أشبار وأطاق للشفرة (٧) (الشفرة ـ كا) ، وعن ذبيحة المرأة؟ قال : ان كنّ نساء ليس معهن

__________________

عقيل ، عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام ، ووجه الاشتباه ان الحسين مشتبه بين الحسن بن سعيد فصحيح أو غيره فمجهول ومحمّد بن قيس هذا أيضا مشتبه ، والله العالم.

(١) راجع الوسائل باب ٢٨ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٢.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٧ حديث ٤٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩١.

(٣) راجع ج ٢ ص ٩٦ من مجمع الفائدة.

(٤) هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون انه لا يضر مع الأيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة سموا مرجئة لاعتقادهم ان الله تعالى ارجأ تعذيبهم عن المعاصي أي أخرهم عنه (مجمع البحرين).

(٥) بفتح الحاء وضمها وهم الخوارج كان أول مجتمعهم فيها تعمقوا في الدين حتى مرقوا منه فهم المارقون (مجمع البحرين).

(٦) الوسائل باب ٢٨ حديث ٨ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٣.

(٧) بالفتح فالسكون ، السكين العريض وما عرض من الحديد (مجمع البحرين).


.................................................................................................

______________________________________________________

رجل فليذبح أعقلهن ولتذكر اسم الله عليه (١).

ومرسلة ابن أذينة عن غير واحد رووا جميعا (رواه عنهما ـ ئل) : أن ذبيحة المرأة إذا أجادت الذبح وسمّت فلا بأس بأكله ، وكذلك الصبي ، وكذلك الأعمى إذا سدّد (٢)

وحسنة الحلبي ـ وهي صحيحة في الفقيه ـ عن عبد الله بن سنان قال : كانت لعلي بن الحسين عليهما السّلام جارية تذبح له إذا أراد (٣).

ورواية مسعدة بن صدقة ، قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام عن ذبيحة الغلام ، قال : إذا قوى على الذبح وكان يحسن أن يذبح وذكر اسم الله عليه وعليها فكل. قال : وسئل عن ذبيحة المرأة؟ فقال : إذا كانت مسلمة فذكرت (وذكرت) اسم الله عليها (فكل ـ خ ئل) (٤).

وحسنة سليمان بن خالد ـ وهي صحيحة في الفقيه ـ قال : سألت أبا عبد الله عن ذبيحة الغلام والمرأة هل تؤكل؟ فقال : إذا كانت المرأة مسلمة وذكرت (فذكرت ـ خ) اسم الله على الذبيحة حلّت ذبيحتها ، والغلام إذا قوى على الذبيحة وذكر اسم الله عليه حلّت ذبيحته ، وذلك إذا خيف فوت الذبيحة ولم يوجد من يذبح غير هما (٥).

ولكن هذه تدلّ بمفهوم على عدم الجواز إلّا (إذا خيف ـ خ) حال خوف الذبيحة ولم يوجد غيرهما.

__________________

(١) الوسائل صدره باب ٢٢ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٥ وذيله في باب ٢٣ حديث ٥ منها.

(٢) الوسائل باب ٢٣ حديث ٨ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٧.

(٣) الوسائل باب ٢٣ حديث ٩ و ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

(٤) أورد صدره في الوسائل باب ٢٢ حديث ٢ من أبواب الذبائح وذيله في باب ٢٣ حديث منها ج ١٦ ص ٢٧٥ ـ ٢٧٧.

(٥) الوسائل باب ٢٣ حديث ٧ من أبواب الذبائح.


.................................................................................................

______________________________________________________

فمقتضى القاعدة تخصيص العمومات وتقييدها بها فلم يجز ذبحها وذبح الصبي إلّا حال الضرورة ، وبه يشعر حسنة محمّد المتقدمة (١) ، ومرسلة أحمد الآتية أيضا ولكن لا يعقل وجهه بعد وجود الشرائط ولم يذكره الأصحاب أيضا ، بل عمّموا جواز أكل ذبيحتهما.

فلعلّ القيد للاستحباب والاحتياط ، حيث لم يذبحا إذا لم يعرفا وليس معهما قوّة تامّة وان كانا قويين وعالمين في الجملة ، ولهذا يظهر من رواية جارية علي بن الحسين عليهما السّلام عدم القيد ، فكأنه لمعرفتها وقوتها عليه والاحتياط غير مخفي فإنه قد يكون تعبدا محضا.

وتدل على حلّ ذبيحة الخصي بخصوصه ، صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن ذبيحة الخصي ، فقال : لا بأس (٢).

ولا تحمل على حال الضرورة ، لمرسلة أحمد بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، قال : سأل مرزبان ، الرضا عليه السّلام ، عن ذبيحة الصبي قبل ان يبلغ وذبيحة المرأة ، قال : لا بأس بذبيحة الصبي والخصي والمرأة إذا اضطروا إليه (٣).

للأصل (٤) والعمومات والخصوصات ، وعدم صحّة هذه وان كانت مرسلة البزنطي (٥) الملحقة بالمسند واحتمال حمل القيد للافضليّة والاستحباب ولكن الاحتياط لا يترك.

وتدل على حلّ ذبيحة الجنب بخصوصه حسنة ابن أبي عمير ، عن بعض

__________________

(١) تقدمت آنفا فلاحظ وفي الكافي والوسائل وكذلك الغلام إذا قوى على الذبيحة وذكر اسم الله عزّ وجلّ.

(٢) الوسائل باب ٢٤ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٨.

(٣) الوسائل باب ٢٣ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٧.

(٤) تعليل لقوله قدّس سرّه ولا تحمل إلخ.

(٥) يعني ان المرسل هو احمد بن محمّد البزنطي.


ولو اشترك المسلم والكافر في الذبح حرم ، ولو سبق أحدهما وصيّره في حكم المذبوح فالاعتبار للسابق.

ولا تؤكل ذبيحة المجنون والصبي غير المميّز.

(الثاني المذبوح).

وهو كلّ ما تقع عليه الذكاة ، وانما تقع على كلّ حيوان طاهر بعد

______________________________________________________

أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا بأس بأن يذبح الرجل وهو جنب (١).

قوله : «ولو اشترك المسلم والكافر إلخ» دليل عدم الحلّ إذا ذبحه المشرك والمسلم أنه ما ذبحه المسلم مستقلا ، بل ما ذبحه ، والمتبادر من أدلّة حلّ مذبوح المسلم كونه مذبوحا له فقط ، لا انه يكون له دخل في ذبحه.

واما دليل الحلّ إذا صيّره المسلم في حكم المذبوح ثم قتله الكافر انه مذبوح المسلم فيحلّ لأدلته ، وكذا تحريم المذبوح إذا جعله الكافر في حكم المذبوح لأنه مذبوح الكافر فيحرم لما مرّ وهو ظاهر.

واما تحريم ذبيحة المجنون والصبي الغير المميّز فلعدم الشرط ، فإنه ما ذبحه المسلم ومن في حكم المسلم الذي هو شرط حلّ الذبح.

ولكن الكلام في ذلك ، إذ ما علم اشتراط العقل والتميز بعد ، بل علم عدم حلّ ذبيحة الكافر.

ولعلّ وجهه أنه ليس بذبح الإنسان القاصد ، بل كذبح غير الإنسان من الحيوانات ، والمتبادر من الذبح المحلّل هو ذبح الإنسان القاصد ، وهو يفهم عرفا.

وأيضا المتبادر الأفعال التي معتبرة في نظر الشرع ، وفعلهما غير معتبر فتأمّل فيه.

قوله : «وهو كلما يقع عليه الذكاة إلخ» بيان شرائط المذبوح الذي

__________________

(١) الوسائل باب ١٧ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٩.


الذبح فلا تقع على نجس العين كالكلب والخنزير ، ولا على الآدمي.

______________________________________________________

يجعله الذبح طاهرا حلالا جائز الاستعمال أو يخرجه عن كونه ميتة وحراما ، ونجسا غير جائز الاستعمال.

فان كان مأكول اللحم يقع عليه الذكاة بالإجماع ويجوز اكله وسائر استعمالاته الّا ما خرج منه وسيجي‌ء.

وان كان آدميّا أو نجس العين مثل الكلب والخنزير لم يقع عليهما الذكاة ولم تنفع فيهما أصلا ، بل يكون ميتة ونجسا بالإجماع أيضا.

اما غير هما مثل السباع والمسوخ والحشرات ففيه خلاف ، والقاعدة المقررة المتقدمة تدل على عدم وقوع الذكاة عليه أصلا ، وعدم إفادته شيئا من أحكام الذبائح ولم يخرجه عن حكم الميتة.

وهي ان الأصل عدم الذكاة ، وزوال الروح معلوم فيكون ميتة. وبالجملة قد تقرر عندهم ان كل ميّت ميتة الّا مع العلم بالذكاة الشرعية ، والمراد به الظن ولو حصل بخبر مسلم ، بل بمجرد وجوده في يده وسوق المسلمين ، فان زوال الروح هنا معلوم ، والذكاة الشرعيّة غير مظنونة ، إذ لا دليل شرعا على ذلك فتأمّل.

ولكن قد يقال على القاعدة : الأصل الطهارة وجواز استعماله في كلّ شي‌ء ، وكذا عمومات الحلّ وحصر المحرّمات حتى يعلم أنه ميتة شرعا ولم يعلم ، إذ قد يكون ممّا يذبح فذبح وحلّ ، إذا المفروض حصول الذبح قبل الموت ، والقاعدة انما سلّمت فيما إذا لم يعلم انه ذبح ، وهنا المفروض الذبح الشرعي.

ويدل عليه أيضا عموم ما يدل على الخروج عن حكم الميتة بالذبح الشرعي إلّا ما خرج بالدليل وقد حصل ، وما هنا دليل مخرج ، فان الدليل يدل على ان كل ما صيد على الوجه الشرعي أو ذبح كذلك بقطع الأعضاء المقرّرة مع التسمية والقبلة يحلّ ان كان مأكول اللحم ، والّا فيخرج عن حكم الميتة.

ويدل عليه أيضا عدم الفرق بين المأكول وغيره ، فإنهما مشتركان في حصول


.................................................................................................

______________________________________________________

النفع بهما بالأكل والانتفاع بجلده ولحمه وغير ذلك.

وأيضا يدل على كون السباع وغيرها قابلا للتذكية استعمال المسلمين قاطبة جلودها من غير نكير ، فكأنه إجماعيّ ، ولهذا قال في الشرح : (والقول الآخر في السباع لم أعرفه للقدماء) ، قال في شرح الشرائع : قال الشهيد في الشرح : (لا نعلم القائل بعدم وقوع الذكاة عليها) أي على السباع.

فان تمّ الإجماع على وجه يفيد الحجّة كان الاستدلال به أولى فتأمّل فيه.

وتدل عليه أيضا مضمرة سماعة ، قال : سألته عن لحوم السباع وجلودها؟ فقال : اما لحوم السباع ـ والسباع من الطير والدواب ـ فانا نكرهه (ها ـ خ ل) واما الجلود (جلودها ـ خ ل) فاركبوا عليها ولا تلبسوا شيئا (منها ـ ئل) تصلّون فيه (١).

ومعلوم ان المراد مع الذكاة.

ومضمرته الأخرى ، قال : سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال : إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، واما الميتة فلا (٢).

ودلالتهما واضحة ، ولكن سندهما غير معتبر (عثمان بن عيسى) (٣) في الأول وزرعة في الثاني (٤) مع سماعة والإضمار كأنه لا يضرّ ، فان الظاهر منها جريان الذكاة في السباع.

ويدل عليه أيضا ما تقدم في بحث اللباس ممّا يدل على جواز لبسها والصلاة فيها ، مثل السنجاب ، والخز ، والأرنب ، والثعلب ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرمة ج ١٦ ص ٣٢١.

(٢) الوسائل باب ٤٩ حديث ٢ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٧١.

(٣) سندها كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة.

(٤) سندها كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة.


وفي المسوخ والحشرات والسباع قولان.

ويطهر الجلد بمجرد الذكاة وان لم يدبغ على رأي ، فان كان ممّا يؤكل لحمه حلّ بالذبح (بالذكاة) ، والّا فلا.

______________________________________________________

واما المسوخات فعلى القول بأنها نجسة فظاهر عدم الذكاة فيها (وعدم النفع أيضا ـ خ) واما على القول الآخر المشهور ـ كما هو الظاهر ـ فالقاعدة الاولى تقتضي عدم الذكاة ، وبعض الذي ذكرناه في السباع يدل على جريانها فيها فتأمّل واحتط.

واما الحشرات فالجريان فيها بعيد ، لعدم استعمال المسلمين ، وعدم الاشتراك في الانتفاع غالبا ، وعدم فهم الذكاة ، وقلّة القائل ، فلعله ليس ممّا يقبل الذبح مثل الفارة ، ولا شك ان الاجتناب عن الكلّ أحوط.

ثم على القول بوقوع الذكاة تطهر بالذكاة ، فإن كان مأكول اللحم يحلّ أكله أيضا كسائر استعماله والّا فيطهر ويحلّ سائر استعماله (١) فقط من غير اشتراط شي‌ء في غير جلده.

واما اشتراط الذبح بعد ذلك في استعمال جلده ففيه أيضا خلاف ، وأكثر ما تقدّم مثل الأصل يدل على الجواز من غير اشتراط ، وكذا رواية سماعة المتقدمة وما تقدم في : يحقّ جواز الصلاة في السنجاب والخز وغير هما (٢) فإنها تدل عليه من غير اشتراط دباغه ، والأصل كاف مع عدم الدليل.

ونقل عن الشيخين ، والمرتضى ، وابن إدريس ، اشتراط الذبح ، واحتج الشيخ عليه بالإجماع على الجواز بعد الذبح ، وبعدم الدليل قبله.

وبرواية مخلد بن سرّاج ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام ، إذ دخل

__________________

(١) راجع مجمع الفائدة ج ٢ ص ٩٧ طبع مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم.

(٢) هكذا في النسخ في الموضعين ولعل الصواب كسائر استعمالاته.


(الثالث الآلة).

ولا تحلّ التذكية إلّا بالحديد مع القدرة ، فإن خيف الفوت جاز قطع الأعضاء بمهما كان من ليطة أو خشبة أو مروة حادّة أو زجاجة.

______________________________________________________

عليه معتّب (١) فقال : بالباب رجلان فقال : أدخلهما ، فدخلا فقال أحدهما : اني رجل سرّاج أبيع جلد (جلود ـ ئل) النمر ، فقال : أمذبوحة هي؟ فقال : نعم ، قال : ليس به بأس (٢).

وقد عرفت الدليل ، والحديث المذكور لم يظهر سنده (٣) ولا دلالته.

فتأمّل ، فإن عموم (إلّا ما ذكيتم) (٤) ونحوها ممّا يدل على الطهارة بالتذكية يدلّ على جريانها في جميع ما يمكن فيه ذلك ، فيدخل فيه المسوخ والسباع ، ولعلّ الحشرات مثل الفارة خرجت بالإجماع.

فتأمّل ، فإن الحيوان طاهر في الأصل ، والذكاة أخرجته عن كونه ميتة فلم يفتقر إلى الدبغ.

ولأنه اما ان يطهر بالتذكية فيحلّ استعماله من غير اشتراط ذبح أم لا ، فيحرم استعماله مطلقا.

واعلم أن ظاهر المتن واستدلال الشرح ان الخلاف في الطهارة ، قبل الدباغ ، والظاهر خلافه ، انما الكلام بعد حصول الطهارة ، وعلى القول بها في افتقار جواز الاستعمال إلى الدباغة أم لا.

قوله : «لا تحلّ التذكية إلّا بالحديد إلخ» ثالث أركان الذبح الأربعة ، الآلة التي بها يذبح أو ينحر.

__________________

(١) كان مولى لأبي عبد الله عليه السّلام وعنه عليه السّلام ان موالي عشرة خير هم معتب.

(٢) الوسائل باب ٢٨ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ١٢٤ وفيه أبي مخلد.

(٣) سنده كما في التهذيب هكذا : علي بن أسباط عن أبي مخلد السراج.

(٤) المائدة : ٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر عدم الخلاف في اشتراط كونها من حديدة مع الاختيار.

وتدل عليها الأخبار مثل حسنة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الذبيحة بالليطة وبالمروة؟ قال : لا ذكاة إلّا بحديدة (١).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن ذبيحة العود والحجر والقصبة ، فقال عليه السّلام : لا يصلح الّا بالحديد (٢).

وقريب منها مضمرة سماعة (٣).

وما في الصحيح ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يؤكل ما لا (لم ـ خ) يذبح لحديدة (٤).

والعادة والعرف ، فان العرف لا يفهم من الذبح والنحر الّا بالحديد مثل السكّين ونحوه الذي جرت العادة بالذبح والنحر به ، وهو ظاهر.

والظاهر انه لا خلاف أيضا عند الضرورة في جوازه بغيره مهما كان من ليطة ـ وهي القشرة من القصب ـ ، وخشبة حادّة ، أو مروة أي حجارة حادّة قاطعة للأعضاء ، أو زجاجة كذلك.

وتدل عليه الاخبار أيضا ، مثل رواية محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر عليه السّلام في الذبيحة بغير حديدة إذا اضطررت إليها ، فان لم تجد حديدة فاذبحها بحجر (٥).

وحسنة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٢.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٢.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٢.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٢.

(٥) الوسائل باب ٢ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

المروة والقصبة والعود ، يذبح بهنّ الإنسان إذا لم يجدوا (لم يجد ـ خ) سكينا؟ قال : إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك (١).

وفي صحيحته عنه عليه السّلام مثلها (٢).

وصحيحة زيد الشحام قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل لم يكن بحضرته سكّين يذبح بقصبة؟ فقال : اذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة والعود إذا لم تصب الحديدة إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به (٣).

ولكن في السنّ والظفر قولان ، سواء كانا منفصلين أو متصلين بصاحبهما ، مثل ان يذبح الذابح بظفر يده وسنّه المتصلين به.

نقل عن المبسوط والخلاف عدم الجواز بهما مطلقا أي من غير قيد بالاختيار والاضطرار وادعى فيه إجماعنا ، واستدل برواية رافع بن خديجة ان النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا الّا ما كان من سنّ أو ظفر وسأحدّثكم عن ذلك. امّا السّن فعظم الإنسان ، وأمّا الظفر فمدى الحبشة (٤).

استثنى السن والظفر من آلة الذبح فلا يكون المذبوح بهما حلالا.

ولرواية أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : لا تأكل ما لم يذبح بحديدة (٥) ورواية محمّد بن مسلم (٦) المتقدمتين وغيرهما من الاخبار الدالة على عدم جواز غير الحديد الّا ما ذكر في الاخبار المتقدمة.

قال في الشرح : وفي التهذيب جوّز رحمه الله للضرورة ، فعلى هذا ، الظاهر ان

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ بالطريق الثاني من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٣.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ١ بالطريق الرابع.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٣ بالطريق الرابع.

(٤) سنن أبي داود ج ٣ باب في الذبيحة بالمروة قطعة من حديث ١ رقم ٢٨٢١ ص ١٠٢.

(٥) قدمنا مواضعهما آنفا فراجع.

(٦) قدمنا مواضعهما آنفا فراجع.


.................................................................................................

______________________________________________________

مراده في الكتابين (مع الاختيار) بناء على الغالب ، واختار الجواز ابن إدريس والمصنّف في المختلف.

ودليله صحيحة زيد الشحام (١) المتقدمة ، وصحيحة عبد الرحمن وحسنته المتقدمتين (٢) ، فالأولى تدل على أنّ كلّ ما يقطع ويخرج الدم فيجوز الذبح به ويحل وصرّح فيها بالعظم أيضا ، والظاهر ان السنّ أيضا عظم.

والثانية دلت على انّ المدار على قطع الأوداج بأيّ شي‌ء كان وفي غير هما أيضا إشارة إلى ذلك فافهم.

وما صرّح في التهذيب بالجواز بالسن والظفر ، نعم نقل أوّلا كلام الشيخ المفيد : (ومن لم يجد حديدا يذكّي به ووجد زجاجة تفري اللحم أو ليطة من قصب لها حدّ كحدّ السكين ذكّى بها) (٣) ونقل الأخبار الدالّة على ذلك ، ثم التي ذكرناها أوّلا ثم قال : (واما حال الضرورة فقد روى جواز ذلك) ونقل الأخبار المتقدمة الأخيرة وهذه ليست بدالة على ما ذكره الشارح.

نعم قد يفهم منه التفصيل كما أشار إليه في المختلف ونقل عن ابن إدريس إجماعنا على جواز الذبح بهما (٤) وبغير هما مع عدم الاختيار حيث قال : لا خلاف

__________________

(١) قدمنا ذكر مواضعها آنفا فراجع.

(٢) قدمنا ذكر مواضعها آنفا فراجع.

(٣) وقال : ولا يذكّي بذلك الّا عند فقد حديد.

(٤) نقول : ان العبارة التي نقلها عن ابن إدريس لم نجدها في السرائر لا في كتاب الصيد والذبائح ولا في كتاب الأطعمة والأشربة والتي وجدناها من السرائر ما ذكره في باب الذبائح هكذا : وكيفيّته (أي الذبح) وجوب التسمية (إلى ان قال) وقطع أربعة أعضاء ، المريّ والحلقوم والودجين وهما المحيطان بالحلقوم ، والمري مجرى الطعام والحلقوم مجرى النفس مع القدرة على قطعها ويكون قطعها بحديدة مع قدرته عليه (إلى ان قال) : وقد قدمنا انه لا يجوز الذباحة إلّا بالحديد ، (فان لم يوجد) حديد وخيف فوات الذبيحة واضطرّ الى ذباحتها جاز ان يذبح بما يفري الأوداج من ليطة أو قصبة ، والليط هو القشر اللاصق بها الحادّ ، مشتق من لاط الشي‌ء بقلبه إذا لصق به ، والقصبة واحدة القصب ، أو زجاجة أو حجارة حادّة الأطراف مثل الصخرة والمروة وغير ذلك (ذبح) (انتهى)


وفي الظفر والسن قولان وان كانا منفصلين.

ولو رمى رأس عصفور ببندقة حرم.

(الرابع الكيفيّة).

______________________________________________________

بيننا انه يجوز الذباحة في حال الاضطرار ، وعند تعذر حديدة ، بكلّ شي‌ء يفري الأوداج ، سواء كان ذلك عظما أو حجرا أو عودا أو غير ذلك ، وانّما بعض المخالفين يذهب إلى انه لا يجوز الذبح بالسن والظفر حال الاختيار والاضطرار ، واستدل بخبر رواه المخالف من طرقهم ، وما رواه احد من أصحابنا.

ثم قال : هذا الذي ذكره ابن إدريس مذهب شيخنا رحمه الله ، وانما أطلق المنع في الكتابين بناء على الغالب.

ويؤيّد الجواز عموم ما يدلّ على جواز الحلّ.

فقول الشارح : والأصح انه لا يجوز التذكية بالسن والظفر مطلقا للحديث المتقدم ، والجواز بالعظم لا يلزم منه الجواز بالسنّ ، محلّ التأمّل.

قوله : «ولو رمى رأس عصفور ببندقة إلخ» فقطع رأسه بها حرم العصفور.

لعلّ دليله ما تقدم من القاعدة ، وما مرّ ممّا يدل على عدم حلّ الصيد الّا بالسهم ، والرمح ، والكلب ، وخصوصا تحريم ما يقتل بالحجر والبندق.

مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل عن قتل الحجر والبندق أيؤكل منه؟ فقال : لا (١).

ومثلها صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (٢).

__________________

وهي كما ترى ليس فيها اسم الظفر أو السن أصلا.

(١) الوسائل باب ٢٣ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٥.

(٢) الوسائل باب ٢٣ حديث ٦ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٦.


ويشترط فيه أمور خمسة (الأوّل) قطع المري ، وهو مجرى الطعام والشراب ، والحلقوم ، وهو مجرى الهواء ، والودجين ، وهما عرقان محيطان بالحلقوم.

______________________________________________________

وصحيحة سليمان بن خالد وحسنة حريز عن أبي عبد الله عليه السّلام (١).

ورواية محمّد بن مسلم وعبد الله بن سنان (٢).

فلا اختصاص بالعصفور ، ولا برمي رأسه ، ولا بالبندقة ، بل القتل بغير الآلة التي تقدم الحلّ بقتلها ، وبها على غير الوجه الذي تقدم يحرم مطلق ، لما تقدم غير مرّة.

قوله : «ويشترط أمور خمسة إلخ» بيان كيفيّة الذبح والآلة المقررة ليحلّ ويشترط فيه أمور خمسة (الأول) قطع الأعضاء ، وهي المريّ ـ وهو مجرى الطعام والشراب ـ والحلقوم ـ وهو مجرى النفس داخلا وخارجا ـ والودجان ـ وهما عرقان محيطان بالحلقوم وقيل : بالمري ـ والأمر في ذلك هيّن لأنهما معلومان.

هذا فيما يذبح من الحيوان ، وهو غير البدن.

واما هي فلا بدّ من نحرها عندهم كما سنذكر.

ولا بدّ في الأول من قطع كل هذه الأربعة بالكليّة ، فلا يكفي قطع البعض بالكلّية ، ولا قطع البعض من الكلّ. هذا هو ظاهر أكثر العبارات والمشهور بين المتفقهة.

والدليل عليه غير ظاهر سوى ما يقال : من ان الحلّ بهذا معلوم وبغيره غير معلوم ، فلا يحلّ ، وانه المشهور.

وما في روايتي عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدمتين : (إذا فرى الأوداج

__________________

(١) الوسائل باب ٢٣ حديث ١ ـ ٤ ـ ٧ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٦.

(٢) الوسائل باب ٢٣ مثل حديث ٤ من أبواب الصيد ج ١٦.


ولا يجزي قطع بعضها.

______________________________________________________

فلا بأس بذلك) (١).

وأنت تعلم ما فيه ، إذ قد يعلم الحلّ بغيره أيضا من عموم صدق الذبح ونحوه كما ستسمع ، والشهرة ليست بحجّة ، وروايتا عبد الرحمن ليستا بحجّتين إذ قد يكون المراد من الأوداج الودجين فقط ، وان سلّم انه قد يطلق على كل واحد ودج فمجموع الأربعة أوداج وانه ورد ذلك في اللّغة الّا انها ليست بصريحة في ذلك.

وأيضا ، الفري هو الشق ، قال في القاموس : فرى يفريه ، شقّه فاسدا أو صالحا تفرى انشق. فلا يفهم منه القطع بالكليّة كما هو المدعى ، والمشهور وهو ظاهر.

وكأنه الى ذلك أشار في الشرائع بقوله : المشهور ، فتأمّل.

فيمكن (ويمكن ـ ظ) ان يكون قطع الحلقوم كافيا مع العلم بأنه مات به بخروج الدم ونحوه.

ويدل عليه ما في صحيحة زيد الشحام : (إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به) (٢) وهو مذهب ابن الجنيد.

قال في الدروس : ولو (فلو ـ خ) قطع البعض لم يحلّ وان بقي يسير وكلام الشيخ في الخلاف يظهر منه الاجتزاء بقطع الحلقوم ، ومال إليه الفاضل بعض الميل لصحيحة زيد الشحام عن الصادق عليه السّلام : إذا قطع الحلقوم وجرى الدم فلا بأس (٣) ولكنها في سياق الضرورة المجوّزة للذبح بغير الحديد ، وهي معارضة بحسنة عبد الرحمن بن الحجّاج عن الكاظم عليه السّلام (إذا فرى الأوداج فلا بأس) (٤) ، ذكره أيضا عند عدم السكين (٥).

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢ حديث ١ بالطريقين من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٣.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٤.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٤.

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٤.

(٥) إلى هنا عبارة الدروس.


ويكفي في المنحور طعنه في ثغرة النحر ، وهي وهدة اللّبّة.

______________________________________________________

في رواية زيد الشحام : خروج الدم ، وهو أعم من الجري وان كان سوقها للضرورة الّا انها عامّة.

والظاهر عدم الفرق في ذلك بين حال الضرورة ـ بعدم وجدان الحديدة ـ وغيرها.

ويمكن عدم المنافاة بينها وبين ما في روايتي عبد الرحمن ، فإنهما تدلان على حصول التذكية بفري الأوداج ولا تدلان على عدمها بغيره الّا بمفهوم.

والظاهر أنّ منطوق صحيحة الشحام أقوى منه فلا يقيّد به وان كان يتوهم أولويّة الجمع بحملها عليهما لحمل المطلق على المقيّد ، الثابت في الأصول ، لما (١) عرفت من عدم صراحة هذا المفهوم وتقوية هذا المنطوق.

على انك قد عرفت غير مرّة ان التخصيص بالمفهوم انما نقول به إذا كان دلالة المفهوم أقوى على (٢) نفي الحكم عن غير المذكور ، من دلالة العام على وجود حكمه في تلك الأفراد المنفي عنها الحكم بالمفهوم فتأمّل.

وبالجملة ، المسألة لا تخلو عن إشكال ، من عدم الدليل ، ومن قول أكثر العلماء ولا شك ان الاحتياط معهم وان لم يكن دليلهم قويا ، فلا ينبغي الخروج مهما أمكن عن الاحتياط وذلك ظاهر.

قوله : «ويكفي في المنحور إلخ» اعلم ان المشهور بين الأصحاب ان التذكية أمّا بآلة الصيد وقد مرّ ، وإمّا بغيرها ، ففي السمك والجراد أخذهما من الماء وغيره حيّا ، سواء كان الآخذ مسلما أو كافرا ، بشرط العلم بأنه أخذهما حيّا ، وفي غيرهما إمّا الذبح أو النحر ، والأول في غير الإبل وقد مرّ طريقه ، والثاني فيه.

فلو عكس لم يحلّ شي‌ء منهما خلافا لبعض العامّة ، والنحر انما يحصل بطعن

__________________

(١) تعليل لقوله قدّس سرّه : (فلا يقيد).

(٢) متعلق بقوله رحمه الله : دلالة المفهوم إلخ.


.................................................................................................

______________________________________________________

السكين ونحوه واجالته وإدخاله في الوهدة التي منتهى الرقبة والصدر ، يقال لها : وهدة اللبّة (١) وهي الصدر.

وأشار بقوله : (ويكفي) إلى ردّ قول بعض العامّة : انه يحتاج مع ذلك الى قطع الحلقوم والمريّ.

لعلّ دليلهم الإجماع المستند الى بعض الروايات ، مثل حسنة معاوية بن عمّار ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : النحر في اللبّة ، والذبح في الحلقوم (٢).

وحسنة صفوان قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن ذبح البقر من المنحر؟ فقال : (لا) (٣) ، للبقر الذبح وما نحر فليس بذكي (٤).

ورواية يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام : ان أهل مكة لا يذبحون البقرة إنما ينحرون في لبّة البقر فما ترى في أكل لحمها؟ قال : فقال : فذبحوها وما كادوا يفعلون لا تأكل إلّا ما ذبح (٥).

وما تقدّم في اعتبار الذبح من قطع الحلق ونحوه ، فلا يحلّ بدونه إلّا الإبل بالإجماع.

وفي إفادة هذه الاخبار تمام المطلوب تأمّل واضح مع عدم الصحّة الّا أن يكون هنا إجماع أو غيره من الاخبار ممّا لم نطّلع عليه.

نعم قد دلّت رواية صفوان (٦) على عدم تذكية البقر بالنحر ، ورواية

__________________

(١) اللبّة بفتح اللام وتشديد الباء المنحر وموضع القلادة (مجمع البحرين).

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٦.

(٣) ليس في الكافي والتهذيب والوسائل لفظة (لا).

(٤) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٧.

(٥) الوسائل باب ٥ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٧.

(٦) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٧.


ولو ترك جلدة يسيرة من الحلقوم حرم.

______________________________________________________

يونس (١) ـ مع عدم الصحّة لاشتراك علي بن محمّد على ما في الكافي (٢) ، والكلام في يونس الّا أنّها مذكورة في التهذيب (٣) بغير ما في الكافي ، ولكن ليس فيها علي بن محمّد ، فكأنها حسنة ان لم يغيّر القول في يونس ـ دلّت على تحريم أكل البقر إلّا إذا ذبح.

ويمكن فهم تحريم المذبوح الّا مع الذبح.

ولكن ما دلّ على عدم حلّ المنحور الّا بالنحر وعموم (إلّا ما ذكّيتم) ونحوه يدلّ على الحلّ مطلقا بما يصدق عليه التذكية ، ولا شكّ في صدقها بقطع الأوداج بل الحلقوم كما تقدم فتأمّل ولا تخرج عن الاحتياط مهما أمكن فإنه طريق السلامة.

قوله : «ولو ترك جلدة يسيرة من الحلقوم حرم» أي لا بدّ من قطع كلّ واحد من الأعضاء الأربعة بالكلّية ، فلا يكفي قطع الكل ان بقي من البعض شي‌ء مثل جلدة يسيرة من الحلقوم ، وكذا من المريّ والودجين ويحتمل اختصاصه بالحلقوم فتأمّل.

وقد مرّ دليل التحريم حينئذ مع ما فيه ، فان دليله غير تام والقائل بالعدم موجود فتأمّل.

ولو قدّمه على قوله : (ويكفي) لكان أولى فإنه من تتمّة قوله : (ولا يجزي لو قطع بعضها) وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٧.

(٢) مسندها في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم عن أبيه وعلي بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن نصر ، عن يونس بن يعقوب.

(٣) في التهذيب هكذا : محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن يونس بن يعقوب. ولكن سند الوسائل غير ما في الكافي والتهذيب فلاحظ.


ولو قطع من القفا وأسرع إلى قطع الأعضاء قبل حركة المذبوح حلّ.

ولو نزع آخر حشوته مع الذبح حرم ان لم ينفرد الذبح بالتذفيف.

______________________________________________________

هذا إذا لم يستدركه ، امّا إذا قطع البعض ثم استدرك قطع الباقي ففصل في الدروس وقال : فلو قطع البعض وأرسله ثم تمّمه ، فان كان في الحياة استقرار أو قصر الزمان حلّ ، والّا فالأقرب التحريم ، لأن الأول غير محلّل ، والثاني يجري مجرى ذبح الميّت ، ووجه الحلّ استناد الموت إلى التذكية (١).

(وـ خ) قد عرفت منع كونه الأوّل غير محلّل ، ويمكن منع كون الثاني جاريا مجرى الميّت الّا ان يعتبر استقرار الحياة كما اعتبره وسيجي‌ء البحث فيه.

ويمكن استخراج وجه آخر للحلّ ممّا مرّ ، وهو انه لا يشترط قطع المجموع بل يكفي قطع البعض وقد حصل فرضا ، ولا يضرّ إتمامه بعده.

قوله : «ولو قطع من القفا إلخ» أي لو ذبح ما يذبح من القفا ، فإن أسرع إلى قطع الأعضاء الأربعة الذي هو شرط الحلّ قبل ان يصير بقطع غيرها ، في حكم المذبوح ، بأن لا يتحرك أو يتحرك حركة المذبوح غير مستقرة الحياة حلّ والّا حرم ، لحصول الشرط الذي هو المحلّل وعدمه ، وهو ظاهر ، ولكن العلم به مشكل.

ويمكن ان يحكم بعدم زوال الاستقرار قبل قطعها المحلّل ، للأصل والاستصحاب فيكون حلالا دائما حتى يعلم زوال الحياة المستقرّة قبله.

ويمكن اشتراط العلم لزوالها بالقطع المحلّل لا بقطع القفا قبله ، بناء على قاعدتهم المتقدمّة فتأمّل ، لعلّ دليل الأول أقوى والثاني أحوط.

قوله : «ولو نزع آخر حشوته إلخ» يعني لو ذبح ذابح حيوانا وفي هذه

__________________

(١) إلى هنا عبارة الدروس ذكرها في ثامن شروط التذكية.


والمشرف على الموت إن عرف أن حركته حركة المذبوح حرم ، وإن ظنّ أن حركته حركة مستقرة الحياة حلّ ، وإن اشتبه ولم يخرج الدم المعتدل حرم.

______________________________________________________

الحالة نزع الآخر حشوته حرم ذلك ويكون ميتة ان لم يكن الذبح مستقلا بإزالة روحه.

وهذا إشارة إلى اشتراط استقلال القطع المحلّل في إزالة الروح واستناد زوال الحياة المستقرّة إليه ، فإنه المتبادر من دليل اشتراط الذبح محلّلا ، إذ لا يفهم من أمثاله إلّا الاستقلال ، لعلّه لا خلاف فيه.

قال في الدروس : وان يستند موته إلى الذكاة ، فلو شرع في الذبح فانتزع آخر حشوته (لحشوته ـ خ) معا فميتة ، وكذا كلّ فعل لا يستقر معه الحياة (١) ، فتأمّل.

قوله : «والمشرف على الموت إن عرف أن حركته إلخ» قال في الدروس : المشرف (٢) على الموت كالنطيحة ، والموقوذة ، والمترديّة ، وما أكل السبع ، وما ذبح من قفاه ، اعتبر في حلّه استقرار الحياة ، فلو علم موته قطعا في الحال حرم عند جماعة ، ولو علم بقاء الحياة فهو حلال ، ولو اشتبه اعتبر بالحركة و (أو ـ الدروس) خروج الدم وظاهر (فظاهر ـ الدروس) الاخبار والقدماء ان خروج الدم والحركة أو أحدهما كاف ولو لم يكن فيه حياة مستقرّة ، والآية فيها إيماء إليه ، وهي قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) (إلى قوله) (إِلّا ما ذَكَّيْتُمْ) (٣) ، ونقل (٤) بعض ما في رواية زرارة ،

__________________

(١) إلى هنا عبارة الدروس ذكرها في تاسع شروط التذكية.

(٢) في الدروس : لو ذبح المشرف على الموت إلخ.

(٣) المائدة : ٣١.

(٤) في الدروس هكذا : ففي صحيحة زرارة عن الباقر عليه السّلام في تفسيرها : ان أدركت شيئا من عين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله ، وروى ابان بن تغلب (عثمان ـ خ) عن الصادق عليه السّلام : إذا شككت في حياة شاة ورأيتها تطرف عينها أو تحرّك ذنبا أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنها لك وعن الشيخ يحيى إلخ الدروس درس السادس التذكية ـ بعد ذكر شروطها العشرة.


.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية أبان بن تغلب الآتيتين ثم قال : وعن الشيخ يحيى (١) ان اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب ، ونعم ما قال. (انتهى).

ولا يخفى الاجمال والاغلاق في هذه المسألة ، والذي معلوم (٢) انه إذا صار الحيوان الذي يجري فيه الذبح بحيث علم أو ظن على الظاهر موته إلى انه ميّت بالفعل وان حركته حركة المذبوح مثل حركة الشاة بعد إخراج حشوها وذبحها وقطع أعضائها ـ والطير كذلك ـ فهو ميتة لا ينفعه الذبح.

وان علم عدمه فهو حيّ يقبل التذكية ويصير بها طاهرا وتجري فيه أحكام المذبوح.

والظاهر انه كذلك ، وان علم انه يموت في الحال والساعة لعموم الأدلّة التي تقتضي ذبح ذي الحياة ، فإنه حيّ مقتول ومذبوح بالذبح الشرعي ، ولا يؤثر في ذلك انه لو لم يذبح لمات سريعا أو بعد ساعة ، فما ذكرنا عن الدروس سابقا من قوله : (فلو علم موته إلخ) محلّ التأمّل ، فإنه يفهم منه ان المدار على قلّة الزمان وكثرته فتأمّل.

وبالجملة ينبغي المدار على الحياة وعدمها لا طول زمانها وعدمه لما مرّ فافهم.

واما إذا اشتبه حاله ولم يعلم موته بالفعل ولا حياته ، وانّ حركته حركة

__________________

(١) الظاهر انه يحيي بن أحمد بن سعيد الحلبي ابن عمّ المحقّق وتلميذه ، صاحب كتاب الجامع وفي تنقيح المقال ج ٣ ص ٣١٢ : عنونه ابن داود قائلا يحيى بن أحمد بن سعيد شيخنا الإمام العلامة ، الورع القدوة ، كان جامعا لفنون العلوم الأدبية ، والفقهية ، والأصوليّة كان أورع الفضلاء وأزهدهم له تصانيف جامعة للفوائد منها كتاب الجامع للشرائع في الفقه وكتاب المدخل في أصول الفقه وغير ذلك مات في ذي الحجّة سنة تسعين وستمائة انتهى (انتهى ما في التنقيح).

(٢) هكذا في النسخ ولعل الصواب والذي هو معلوم إلخ.


.................................................................................................

______________________________________________________

المذبوح أو حركة ذي الحياة ، فيمكن الحكم بالحلّ للاستصحاب ، والتحريم للقاعدة السالفة.

والذي يفهم من المتن ومثله أنّه يحلّ بخروج الدم المعتدل لا المتثاقل ، كأنّ مراده كون المعتدل علامة للحلّ مع عدم الحركة.

ويفهم من البعض الحلّ به وبالحركة ولو بطرف العين وتحريك الرجل والذنب وهو المفاد (١) من الاخبار ، ولكن يفهم من بعضها كون الحركة من بعد الذبح ، والأكثر تدل على القبل.

واعتبر البعض الحركة والدم ويمكن حمل الأخبار على ذلك.

واما الأخبار فهي صحيحة محمّد الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن الذبيحة؟ فقال : إذا تحرّك الذنب أو الطرف أو الاذن فهي ذكيّ (٢).

وضعيفة رفاعة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال في الشاة إذا طرفت عينها أو حرّكت ذنبها فهي ذكيّة (٣).

وهما غير ظاهرتين في كونها بعد الذبح فتأمّل.

ورواية عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : في كتاب علي عليه السّلام : إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحركت (ك ـ خ) الذنب فأدركته فذكّه (٤).

وهذه ظاهرة في القبل.

ورواية الحسن (٥) بن مسلم ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام إذ

__________________

(١) هكذا في النسخ ولعل الأصوب (وهو المستفاد من الاخبار) كما لا يخفى.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٣.

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٣.

(٤) الوسائل باب ١١ حديث ٧ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٣.

(٥) في هامش النسخ المطبوعة والمخطوطة هكذا : كذا في الكافي وفي التهذيب : الحسين بن مسلم إلّا أنهما مجهولان.


.................................................................................................

______________________________________________________

جاءه محمّد بن عبد السّلام فقال له : جعلت فداك يقول لك جدّي : ان رجلا ضرب بقرة بفأس (١) فسقطت ثم ذبحها ، فلم يرسل معه بالجواب ودعا سعيدة مولاة أم فروة فقال لها : ان محمّدا جاءني برسالة منك فكرهت أن أرسل إليك بالجواب معه ، فان كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج له الدم معتدلا فكلوا وأطعموا ، وان كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه (٢).

ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : في كتاب علي عليه السّلام : إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك الذنب فكل منه فقد أدركت ذكاته (٣).

وهذه أيضا ظاهرة في القبل.

ورواية أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا شككت في حياة الشاة فرأيتها تطرف عينها أو تحرك أذنيها أو تمصع (٤) بذنبها فاذبحها فإنها لك حلال (٥).

وهي أيضا ظاهرة في القبل.

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : كل كلَّ شي‌ء من الحيوان غير الخنزير والنطيحة والمتردية وما أكل السبع ، وهو قول الله عزّ وجلّ (إِلّا ما ذَكَّيْتُمْ) ، فإن أدركت شيئا منها وعين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته وكله ، وقال : وان ذبحت ذبيحة فأجدت الذبح فوقعت في النار أو في

__________________

(١) الفاس مؤنثة ، جمع افواس وفؤوس ، ومن اللجام ، الحديدة القائمة الحنك (القاموس).

(٢) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٤.

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ٦ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٣.

(٤) مصعت الدابة بذنبها حركته ـ الصحاح.

(٥) الوسائل باب ١١ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

الماء أو من فوق بيتك أو جبل إذا كنت قد أجدت الذبح فكل (١).

فالآية الشريفة أيضا دليل (على الحلّ بالحركة ـ خ) لان الاستثناء (٢) وقع من النطيحة والمترديّة وما أكل السبع فتفيد حلّها مع التذكية مطلقا سواء كانت فيها حياة مستقرة بالمعنى المتقدم ، أم لا ، وهي مع تفسيرها صريحة في المطلوب.

الموقوذة التي مرضت وقذفها المرض حتى لم تكن بها حركة.

والمنخنقة التي انخنقت باخناقها حتى تموت. والمتردية التي تردّى من مكان مرتفع إلى أسفل أو المتردي (يتردى ـ خ) من جبل أو في بئر فتموت.

والنطيحة التي تنطحها بهيمة أخرى فتموت ، وما أكل السبع هو الذي أكل منه السبع فمات ، هكذا فسّرت في رواية عبد العظيم ، عن أبي جعفر محمّد بن علي الرضا عليه السّلام (٣).

وصحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الشاة تذبح فلا تتحرّك ويهراق منها دم كثير عبيط؟ فقال : لا تأكل ان عليّا عليه السّلام كان يقول : إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل (٤).

ويؤيّده أيضا ما قلناه من أنّ المدار على وجود الحياة ، بالفعل ومثل رواية أبي بصير ، قال : لا تأكل من فريسة السبع ، ولا الموقوذة ولا المنخنقة ولا المتردّية إلّا

__________________

(١) أورد صدرها في باب ١١ حديث ١ وذيلها في باب ١٣ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٤ ـ ٢٦٦.

(٢) يعني في الآية (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) إلخ لا في الرواية.

(٣) الوسائل باب ١٩ حديث ١٩ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٢ وزاد : وما ذبح على النصب على حجر أو صنم الّا ما أدركت ذكاته فذكّي وللحديث ذيل طويل أورد تمامه في الوسائل باب ٥٧ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرمة ج ١٦ ص ٣٩٠.

(٤) الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

ان تدركها حيّة (تدركه حيا وتذكية ـ ئل) فتذكية (١).

ورواية الوشاء ، قال : سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول : النطيحة والمترديّة وما أكل السبع (منه إذا أدركت ذكاته ، فكل) (٢).

فكأنّ نظر من يقول بالتخيير إلى وجود كلّ واحد من الحركة والدم في الخبر فعمل بهما.

وهو مثل ما تقدم ، وما سيجي‌ء ، في إبانة الرأس في الحسن عنه عليه السّلام ، فقال : ان خرج الدم فكل (٣) ، وكذا في الصحيح أيضا ، كلاهما عن محمّد بن مسلم (٤)

وهما يدلّان على اعتبار الدم في غير حال الاشتباه قبل الذبح فتأمّل.

والذي يقول بالجمع نظر إلى الجمع بينهما ، فيعتبر في اخبار الحركة الدم أيضا ، وفي اخبار الدم الحركة أيضا.

لعلّ الأوّل أوفق بالقوانين فتأمّل.

والظاهر أنّ المراد معلوميّة الحياة أو مظنونيتها قبل الذبح بأي علامة كانت ، حركة كانت أو دما ، أو غير هما ، فاعتبار استقرار الحياة بمعنى ان يعيش يوما أو أيَّاما بعيد كأنه مراد الدروس بقوله : قال : عن يحيى اعتبار استقرار الحياة ، ليس من المذهب ونعم ما قال.

ويمكن ان يكون المراد به في عبارات الأصحاب مثل المتن وغيره الإشارة إلى بعض ما يعلم منه الحياة الحقيقيّة لا ما يشبهها كما تتوهم تلك في الذي يتحرك

__________________

(١) الوسائل باب ١٩ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٢.

(٢) الوسائل باب ١٩ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٣.

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ٢ بالسند الأول ج ١٦ ص ٢٥٩.

(٤) الوسائل باب ٩ حديث ٢ بالسند الثاني ج ١٦ ص ٢٥٩.


ولو قطع بعض الأعضاء ثم دفف (ذفف) (١) عليه بعد إرساله ، فالأقرب الإباحة ، سواء بقي فيه حياة مستقرة ـ وهو الذي يمكن أن يعيش اليوم والأيام ـ أو لا.

______________________________________________________

بعد الذبح.

ثم اعلم أنه يمكن الحمل على ما أشرنا إليه ، كلام المصنف هنا حيث قال : (ان عرف ان حركته حركة المذبوح) ـ أي علم موته أو ظن ذلك (حرم) ، وان ظن حركة مستقرة الحياة ـ أي علم أو ظن حياته وكون حركته حركة ذي الحياة لا المذبوح ـ حلّ ، فصرّح بان الظن كاف ولا يحتاج إلى العلم.

واشارة إلى أن المراد بالحياة المستقرة الحياة المعلومة الممتازة عمّا يشبهها ، مثل ما يوجد في المذبوح.

وان اشتبه ـ أي لم يعلم أحدهما ولا يظن لعدم الحركة الدالة على الحياة فذبح : فان خرج الدم المعتدل لا المتثاقل أي الغليظ العبيط ـ (٢) فهو حلال والّا فحرام فيكفي أحدهما عنده على الظاهر فتأمّل.

ويؤيّد ما قلناه ما سيجي‌ء من قوله : (الحركة الدالّة على الحياة أو الدم المسفوح) ولكن يأبى ذلك في الجملة تفسيره الاستقرار بيوم أو يومين فتأمّل.

قوله : «ولو قطع بعض الأعضاء إلخ» أي لو ذبح ذبيحة بقطع بعض الأعضاء المتقدمة وأرسله وترك القطع والذبح ثم أخذها وقطع الباقي وتمّم ذبحها وقتلها ، فالأقرب الحلّ والإباحة ، سواء بقي فيها حياة مستقرة بعد القطع الأوّل والترك أم لا.

وفسّر الحياة المستقرة بالمعيشة يوما أو أيّاما ، وقد عرفت ان ليس له دليل

__________________

(١) دف عليه يدف من باب قتل إذا أجهز عليه والذال المعجمة لغة (مجمع البحرين).

(٢) لحم ، ودم ، وزعفران عبيط بيّن الغبطة بالضم ـ طريّ (القاموس).


.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهر ، على ان العلم به مشكل ، وهو اعرف.

وكلامه هذا إشارة إلى ان ليس من شرط قطع الأعضاء المتابعة وعدم الفصل. وقد شرط في الدروس بالتفصيل الذي مرّ ، بل المعتبر قطعها وان تطاول الزمان بين قطع البعض أوّلا ، وإتمام الباقي (١) ويكون بدفعات وزمان كثيرة (كثير) ، لأنه (٢) إن زال الحياة المستقرة بالأول فصار مذبوحا بقطع الأعضاء ، ولا اثر لقطع الباقي في عدم التذكية فتأمّل (٣) ، وان كانت باقية فالأول لا دخل له ، وانما يذبح بالثاني فتأمّل.

ولأنه لا بدّ من قطع الأعضاء الأربعة فقط ، وقد وجد ، والأصل عدم اشتراط وحدة الفعل والتتابع وقلّة الزمان.

وفيه تأمّل ، إذ المتبادر من الذبح بقطع الأعضاء حصول قطعها في زمان واحد ، وحصول الذبح بقطعها ، بأن يكون لقطع الكل دخل في زوال الحياة المستقرّة ، وذلك لم يحصل حينئذ.

وقد مرّ التفصيل عن الدروس واختاره المحقّق الشيخ علي أيضا وهو انه ان لم يتراخ التدفيف (التذفيف ـ خ) عن قطع بعض الأعضاء بحيث لا يعد ذلك فعلا واحدا حلّ ، والّا لم يحلّ ان لم تكن الحياة مستقرّة.

وقال (٤) أيضا : ويعلم ذلك ـ أي الحياة المستقرة ـ بالحركة المعتدلة أو الدم

__________________

(١) هكذا في النسخ والصواب أو يكون إلخ.

(٢) تعليل لعدم اشتراط المتابعة.

(٣) في هامش المطبوعة والمخطوطة هكذا : إشارة إلى احتمال اشتراط الإزالة بقطع الجميع فتأمّل ـ منه رحمه الله (انتهى).

(٤) يعني صاحب الدروس : لكنه نقل بالمعنى فإنه قال في الدروس : ولو اشتبه اعتبر بالحركة أو خروج الدم (انتهى).


.................................................................................................

______________________________________________________

المعتدل عند الاشتباه.

والعلم بالحياة بمجرد ذلك مشكل ان كان مفسّرا بما في المتن ، نعم يمكن العلم أو الظن بالحياة بذلك ، بل انما يعلم ذلك لنصّ الشارع على الحلّ حينئذ ، وذلك انما يكون مع الحياة وما نريد من الحياة التي لها دخل في حصول التذكية إلّا الذي حكم الشارع بالحلّ معه فتأمّل.

ثم اعلم أن هذا الحكم والتفصيل مبنيّ على اعتبار قطع الجميع كما هو المشهور واما إذا اكتفى بالبعض كما مرّ فلا يجري فيه ذلك وهو ظاهر.

ثم على تقدير الاعتبار ، فما ذكره المصنّف محتمل ، للأصل والصدق ، ولما مرّ من انه ان بقيت الحياة المستقرة فقد أزيلت بقطع بعض الأعضاء فحصل التذكية ، وإزالتها بقطع جميع الأعضاء ـ بمعنى قطع الجميع ـ وزالت الحياة ، وان كانت بدفعات ، فان المعتبر قطعها وازالة الحياة به لا غير ، للأصل ، وذلك حاصل على تقدير عدم بقاء الحياة المستقرّة أيضا فتأمّل.

ويدل على عدم الفرق بين الصورتين أنه في كلّ واحدة منهما زالت الحياة المستقرّة بالبعض ، فان كان ذلك كافيا في الحلّ يحلّ فيهما ، والّا يحرم فيهما فتأمّل.

وبالجملة ان كان ولا بدّ من إزالة الحياة بالكلّ فلا يحل فيهما ، والّا يحلّ فيهما ، فالفرق ببقاء الاستقرار في الحلّ وعدمه في التحريم ـ كما جعله في الدروس واختاره الشيخ على ـ محلّ التأمّل.

وكذا قلّة الزمان الفاصل وصدق الوحدة العرفيّة ، إذ الفرض انه علم عدم استقرار الحياة بالأول ثم قطع الباقي.

فحينئذ يمكن ان يقال : ان شرط ازالة الحياة المستقرة بقطع الباقي حرم لعدمه وان قلّ الزمان الفاصل ، والّا حلّ مع كثرة الزمان أيضا ، إذ ما نجد لوحدة الفعل عرفا ولقلّة الزمان دخلا (في الإباحة ـ خ) ، فإنه ما وجد في الدليل قطع


ولا يشترط قطع الأعضاء في الصيد ، ولا المستعصي ، ولا المتردّي في بئر يتعذر فيها ذبحه ، بل يجوز عقره بالسيوف والحراب وان كان في غير المذبح.

______________________________________________________

الأربعة دفعة ، بل ليس فيه ذلك أصلا كما عرفت.

وأيضا لو كان ذلك (١) لزم عدم الحلّ مع بقاء الاستقرار وكثرة الزمان وليس كذلك ، نعم يمكن ان يكون ذلك لبعض الاعتبارات كما مرّ ، وفي جعل مثل ذلك دليلا هنا تأمّل ، الله يعلم.

والحاصل ان لا نزاع في الحلّ مع بقاء الاستقرار ، وكذا مع قلّة الزمان الفاصل وعدم الاستقرار ، وانما النزاع مع كثرته حينئذ ، المصنف على الحلّ والشهيد على التحريم ، فان اعتبر ازالة الحياة المستقرة بقطع الأعضاء الأربعة كما هو الظاهر ينبغي التحريم مع إزالة الحياة بالبعض مطلقا ، سواء كان الفاصل قليلا أم كثيرا ، وان لم يعتبر بل المعتبر قطع الجميع وازالة الحياة حلّ ، والأول هو الظاهر بناء على المشهور ، (الله يعلم ـ خ).

قوله : «ولا يشترط قطع الأعضاء إلخ» قد عرفت أنّ الصيد إذا قتل بالآلة الشرعيّة على الوجه المعتبر شرعا يحلّ على أي وجه كان ، ولا يشترط قطع عضو من تلك الأعضاء أصلا فكيف الجميع ، بل لا يشترط جرحه ، وقد مرّ مفصّلا فلا يحتاج إلى الإعادة.

وكأنّه أعيد ليظهر حكم المستعصي والمتردّي في بئر يتعذر فيها ذبحه ، فان حكمه حكم الصيد على ما عرفت أن المراد بالصيد الممتنع إلخ.

فالمستعصي داخل فيه ، والمتردّي لمّا تعذّر ذبحه على الوجه المشترط رخّص الشارع قتله واكتفى بحلّه بما يحل به الصيد.

__________________

(١) في هامش بعض النسخ هكذا : أي مدخليّة وحدة الفعل في الحلّ والإباحة.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويدلّ عليهما الإجماع ، والخبر مثل رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان امتنع عليك بعير وأنت تريد ان تنحره فانطلق منك ، فان خشيت ان يسبقك فضربته بسيف وطعنته بحربة (برمح ـ خ ل ئل) بعد ان تسمّى فكل الّا ان تدركه ولم يمت بعد فذكّه (١).

وهذه أيضا مؤيّدة لما قلنا من الاكتفاء بالحياة فتأمّل ، ولا يضرّ ضعف سندها وحسنة عيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : ان ثورا بالكوفة (٢) ثار فبادر الناس إليه بأسيافهم فضربوه فأتوا أمير المؤمنين عليه السّلام فأخبروه (فسألوه ـ خ ل ئل) : فقال : ذكاة ، وحيّة (٣) ، ولحمه حلال (٤) ترك التسمية للظهور ووجودها في غيرها.

وصحيحة الحلبي قال : قال أبو عبد الله عليه السلام في ثور تعاصى فابتدره قوم بأسيافهم وسموا وأتوا (فأتوا ـ ئل) عليا عليه السلام ، فقال : ذكاة وحية ، ولحمه حلال (٥).

ورواية الفضل بن عبد الملك وعبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ان قوما أتوا النبي صلّى الله عليه وآله فقالوا : ان بقرة لنا غلبتنا واستصعبت (واستعصت ـ خ ل ئل) علينا فضربنا ها بالسيف ، فأمرهم بأكلها (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩١.

(٢) في الخبر : ثارت قريش بالنبيّ صلّى الله عليه وآله فخرج هاربا أي هيجوه من مكانه من قولهم : ثار الغبار يثور ثورانا ، هاج (مجمع البحرين).

(٣) الوحيّ بتشديد الياء ، السريع ومثله موت وحيّ مثل سريع لفظا ومعنى ، فعيل بمعنى فاعل ومنه ذكاة وحيّة أي سريعة (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٠.

(٥) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٠.

(٦) الوسائل باب ١٠ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦١.


ولو شرد البعير وجب الصبر إلى القدرة عليه الّا أن يخاف هلاكه فيكون كالصيد.

______________________________________________________

ورواية إسماعيل الجعفي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : بعير تردّى في بئر كيف ينحر؟ قال : يدخل الحربة فيطعنه بها ويسمّي ويأكل (١).

فيها وفي الأولى دلالة على اعتبار النحر في الإبل ، فافهم.

وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل ضرب بسيفه جزورا أو شاة في غير مذبحها وقد سمّى حين ضربها (ضرب ـ ئل ـ كا) فقال : لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح من مذبحها (إذا تعمّد) (٢) لذلك ولم يكن حاله حال اضطرار ، فاما إذا اضطرّ إليه واستصعب عليه ما يريد ان يذبح فلا بأس بذلك (٣).

والظاهر اعتبار ما أمكن من القبلة والتسمية وقطع الأعضاء بالحديد على ما تقرر في الذبح الاختياري ، فإن اضطرّ اتى بما أمكن من الشروط ، ولو لم يمكن سقط الجميع ويصير حكمه حكم الصيد فتأمّل.

ولكن ينبغي في الذي شرد (٤) من البعير وغيره ، الصبر الى ان يقدر على ذبحه الاختياري الّا ان يخاف تلفه وهلاكه وحينئذ يجعله كالصيد ويعمل فيه ما يفعل فيه.

ودليله اعتبار العقل ولعل في حسنة الحلبي ورواية أبي بصير (٥) اشارة إليه.

ولكنهما غير ظاهرتين في ذلك ، والحكم بالوجوب كما فعله المصنف بمجرّد الاعتبار العقلي ـ بعد خلوّ النصوص عن ذلك ـ مشكل ، لعلّ له دليلا آخر غيره

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦١.

(٢) في الكافي والوسائل يعني إذا العمل إلى أخره.

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٦.

(٤) شرد البعير يشرد شرودا ، نفر فهو شارد (مجمع البحرين).

(٥) راجع الوسائل باب ١٠ حديث ١ ـ ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٠ ـ ٢٦١.


(الثاني) استقبال القبلة بها مع القدرة ، فلو أخلّ عمدا حرم لا نسيانا أو جاهلا بالجهة.

______________________________________________________

فتأمّل.

قوله : «الثاني استقبال القبلة بها إلخ» الشرط الثاني في حلّ الذبح والنحر استقبال القبلة بالذبيحة والمنحورة ـ أي جعلهما إلى القبلة ـ ، ويمكن كفاية جعل مذبحهما ومنحر هما إلى القبلة لا الكل والفاعل.

قال في الدروس : والمعتبر استقبال المذبوح والمنحور لا الفاعل في ظاهر كلام الأصحاب.

دليله حسنة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل ذبح ذبيحة فجهل ان يوجّهها إلى القبلة؟ قال : كل منها ، قلت له : فلم يوجّهها (فإنه لم يوجهها ـ ئل)؟ فقال : الّا تأكل منها ولا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم الله عليها ، وقال : إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة (١).

وحسنته أيضا ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن ذبيحة ذبحت لغير القبلة فقال : كل لا بأس بذلك ما لم يتعمده (٢).

وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سئل عن الذبيحة تذبح لغير القبلة؟ فقال : لا بأس إذا لم يتعمّد (٣).

والذي يتبادر من الأمر بتوجيه الذبيحة واستقبالها إلى القبلة ، وعن النهي عن أكل ما ذبح إلى غير القبلة ، هو كون الذبيحة إلى القبلة عرفا بان يكون بحيث يقال : انه ذبح إلى القبلة ، وجهه إليها.

__________________

(١) الوسائل باب ١٤ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٦.

(٢) الوسائل باب ١٤ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٦.

(٣) الوسائل باب ١٤ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن ان يحصل ذلك بالمذبح فقط ، ويؤيّده الأصل وعدم دليل ظاهر في اشتراط أكثر من ذلك ، والصدق في الجملة ، وكون الباء في (بذبيحتك القبلة) باء التعدية كالهمزة ، فكأنّه قال : اقبل ذبيحتك إلى القبلة ـ أي توجّهها إليها ـ فتوافق غيرها من الروايات.

ويحتمل للتعدية مع إلصاق الفاعل له كما في ذهبت بزيد وانطلقت به ـ أي انطلقت معه وذهبت معه ـ أي ذهبت وأخذته معي ـ فيكون الفاعل أيضا متوجّها إلى القبلة.

وينبغي أن يكون كلّ مقاديم الذبيحة إلى القبلة ، لاحتمال إرادتهم من توجيهها إليها ، بل يمكن دعوى تبادر ذلك.

ولا شك في ان الاحتياط في كون الفاعل والمذبوح متوجّها إلى القبلة وان أمكن حصول الشرط بمجرد كون المذبح إلى القبلة لأنه المجمع عليه ، وليست الاخبار صريحة في الزيادة على ذلك وان أمكن كونها المراد فتأمّل.

ثمّ الظاهر أنّ الشرط انما هو مع العلم والقدرة والاختيار فيسقط مع جهل الجهة ، بل جهل المسألة ونسيانها ، وكذا مع الاضطرار.

ويدلّ عليه الاعتبار ، وعلى بعضها الأخبار مثل (فجهل أن يوجّهها إلخ) (١) وقوله : (ما لم يتعمد) (٢) و (إذا لم يتعمد) (٣) وكلام (٤) الأصحاب ، قال في الدروس : (فلو تركه عمدا حرم ، ولو كان ناسيا أو مضطرا أو لم يعلم الجهة حلّ وكذا في غيره) (٥).

ويشعر به الأخبار الآتية في التسمية أيضا.

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب ١٤ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٤٦٦.

(٢) لاحظ الوسائل باب ١٤ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٤٦٦.

(٣) لاحظ الوسائل باب ١٤ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٤٦٦.

(٤) عطف على قوله : الاعتبار.

(٥) يعني في غير الدروس.


(الثالث) التسمية ، ويكفي ذكر الله تعالى ، فلو تعمّد الترك حرم لا ناسيا.

______________________________________________________

ثم انه يحتمل أن يكون المخالف (١) التارك عمدا مثل الجاهل ، فإنه جاهل بوجوب القبلة واشتراطها.

وفيه تأمّل فإنه مقصّر واعتمد في الاجتهاد أو في التقليد على ما لا يجوز بل الإشكال فيما إذا وجّهه إلى القبلة أيضا على ما عرفت من المصنف في التسمية ، فإنها من غير المعتقد كالعدم ، فتأمّل.

والظاهر ان ذبيحة المخالف الناسي للقبلة أو الجاهل بها بالكليّة ، يحتمل (٢) الحلّ وهنا أظهر من الأول فتأمّل والاجتناب مطلقا أحوط.

قوله : «الثالث التسمية إلخ» ثالث الشروط التسمية ، وهي أيضا شرط ، عامدا ، عالما ، مختارا ، فلو تركها حينئذ حرم ، بخلاف ما لو تركها جاهلا ، أو ناسيا ، أو مضطرّا ، فإنه يحلّ حينئذ.

والبحث في ذبح المخالف معها ، وعدمها ، مثل ما مرّ.

والظاهر انه لو ذكر التسمية يحلّ ما لم يكن كافرا ، مثل الناصبيّ.

وفيه أيضا تأمّل علم من ذبيحة الكافر.

دليل الأوّل (٣) الآية الكريمة (٤) ، والأخبار ، فأوّل غيرها ـ كصحيحة زكريا (٥) ـ بالكراهة ومنع ، منه (٦) ابن البرّاج والحلبي عن أكل ذبيحة منكر النص

__________________

(١) يعني من العامّة.

(٢) هكذا في النسخ ، والصواب يحتمل فيها الحلّ وهو حل ذبيحة المخالف ما لم يكن كافرا.

(٣) يعني منع من أكل ذبيحة المخالف ، ابن البرّاج.

(٤) هي قوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ).

(٥) قال : قال أبو الحسن عليه السّلام : اني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك إلّا في وقت الضرورة إليه ـ الوسائل باب ٢٦ حديث ٩ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٤٤.

(٦) يعني منع عن أكل ذبيحة كل من كان منكرا لنص النبي صلّى الله عليه وآله على الإمامة.


.................................................................................................

______________________________________________________

على الإمامة ، والمصنف (١) عن أكلها إذا لم يعتقد وجوب التسمية ، ولا شك ان منهم (٢) قائلا بعدمه.

والشيخ في الكتابين حمل اخبار حلّ ذبيحة الكافر على الضرورة ، وأيّدها برواية زكريا فيفهم منه قوله بتحريم ذبائح المخالف مطلقا فافهم.

والظاهر الحلّ مع التسمية ، لما مرّ كما هو المشهور ، والأحوط الاجتناب مطلقا.

واما إذا لم يسمّ ، فالظاهر انه ان ترك عمدا حرم للآية والاخبار ، وجهلا ونسيانا حلّ للاخبار مع احتمال الحلّ مطلقا ، بل هو الظاهر من كلامهم.

قال في الدروس : (فلو تركها عمدا فهو ميتة إذا كان معتقدا لوجوبها ، وفي غير المعتقد نظر ، وظاهر الأصحاب التحريم ، ولكنه يشكل لحكمهم بحلّ ذبيحة المخالف على الإطلاق ما لم يكن ناصبيّا ، ولا ريب ان بعضهم لا يعتقد وجوبها فتحلّ الذبيحة وان تركها عمدا ، ولو سمّى غير المعتقد للوجوب فالظاهر الحلّ ، ويحتمل عدمه لانه كغير القاصد للتسمية ، ومن ثم لم تحلّ ذبيحة المجنون والسكران ، وغير المميّز لعدم تحقق القصد إلى التسمية أو إلى قطع الأعضاء) (٣).

والظاهر ان غرضه مجرد الاحتمال وليس بمعتقده ، ولهذا قال فيما سبق (٤) : (وهل يشترط اعتقاد الوجوب؟ الأقرب لا وشرطه الفاضل) (٥).

__________________

(١) يعني منع المصنف عن أكل ذبيحة كل من لم يعتقد وجوبها عند التذكية.

(٢) من العامة.

(٣) إلى هنا عبارة الدروس أوردها في سابع شروط التذكية.

(٤) يعني في الشرط السابق على هذا الشرط ، فإنه ذكره في الشرط الثاني بقوله : وثانيها أهليّة الذابح بالإسلام أو حكمه فلا تحل ذبيحة الوثني سمعت تسميته أولا (إلى ان قال) : وهل يشترط مع الذكر اعتقاد الوجوب إلخ.

(٥) يعني المحقق صاحب الشرائع.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن كان ينبغي ردّ الدليل (١) هنا ، كأنّه ترك للظهور ـ وهو منع القياس مع وجود الفارق (٢) ـ إذ غير المعتقد وجوبها قصدها.

على انه قد يناقش في عدم حلّ ذبيحة غير القاصد مطلقا مثل السكران والمجنون ، نعم ان كان له دليل مثل الإجماع يقال به ، ولكن لا يتعدى ، والّا لم يقل هناك أيضا لعموم الآية والأخبار ، وكأنّه لذلك ترك في بعض الكتب مثل المتن شرط القصد وعدم حلّ ذبيحة غير القاصد فتأمّل.

واما دليلها فإجماع الأصحاب على الظاهر ، والكتاب قوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٣).

ورواياتهم ، مثل حسنة محمّد بن مسلم المتقدمة قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام الخبر (٤) وكذا ما في حسنته المتقدمة أيضا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : وسألته عن رجل ذبح ولم يسمّ؟ فقال : ان كان ناسيا فليسمّ حين يذكر ويقول : بسم الله على أوله وعلى آخره (٥).

وهذه تدل على عدم ضرر النسيان ، وانه يذكر اسم الله ـ كما تقدم ـ في الأثناء بعد الذكر كما قيل ذلك حين نسي التسمية في الأكل.

فيحتمل كونه مستحبا ، وظاهره الوجوب ، ولم نعرف قائلا بهما ولا شك انه أحوط.

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل

__________________

(١) يعني رد الدليل الذي ذكره هنا لاحتمال عدم الحل بقوله رحمه الله : (لانه كغير القاصد للتسمية).

(٢) قياس غير المعتقد مع التسمية على غير القاصد للتسمية قياس مع الفارق فان غير المعتقد قصد التسمية بخلاف غير القاصد.

(٣) الانعام : ١٢١.

(٤) راجع الوسائل باب ١٥ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٧.

(٥) راجع الوسائل باب ١٥ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

يذبح ، ولا يسمّي؟ فقال : ان كان ناسيا فلا بأس (عليه ـ خ) إذا كان مسلما وكان يحسن ان يذبح ، ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح (١).

وهذه تدل على اشتراط إسلام الذابح ومعرفته وعدم قطع الرقبة فافهم.

وما في حسنة محمّد بن مسلم (٢) المتقدمة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : وعن الرجل يذبح فنسي ان يسمّي أيؤكل ذبيحته؟ فقال : نعم إذا كان لا يتّهم ويحسن الذبح قبل ذلك ولا ينخع ولا يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة (٣).

كأنّه يريد به التهمة بالكفر وعدم الإسلام ، وفيها أيضا دلالة على اشتراط الإسلام وغيره ممّا في سابقتها.

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حمد الله؟ قال : هذا كله من أسماء الله ولا بأس به (٤).

فيها دلالة على اجزاء مطلق اسم الله في التسمية ، وان التسبيح والتكبير والتهليل والتحميل مجزية.

وأسماء الله لعلّه باعتبار ذكر اسم (الله) فيها ، مثل (سبحان الله) ، و (الله أكبر) و (لا إله إلّا الله) و (الحمد لله).

لعل المسؤول عنه هو الإمام عليه السّلام (٥) ، لما مرّ.

واعلم أنّ ظاهر هذه الأدلّة الحلّ من المخالف مع التسمية ، ولا يبعد ، ومع عدمها أيضا إذا نسي.

__________________

(١) الوسائل باب ١٥ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٧.

(٢) هكذا في النسخ كلها والصواب والحلبي كما في الكافي والفقيه والتهذيب والوسائل.

(٣) الوسائل باب ١٥ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٧.

(٤) الوسائل باب ١٦ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٨.

(٥) في الفقيه ـ باب الصيد والذبائح ـ سأل محمّد بن مسلم أبا جعفر عليه السّلام ـ وهو صريح.


(الرابع) نحر الإبل وذبح غيرها (ما عداها ـ خ) في الحلق تحت اللحيين ، فلو عكس عمدا حرم الّا أن يذكّيه وحياته مستقرّة.

______________________________________________________

وأنه إذا تركها عمدا يحرم ، فتأمّل.

وأنّ فيها الاشعار بالاعتقاد ، لأنّ ظاهر النسيان يفيد ذلك ، ولكن الآية أعمّ ، فتأمّل.

ثم إنّ المراد بالتسمية ذكر اسم الله تعالى عند الذبح أو عند النحر أو إرسال الآلة ، وأنها تحصل بذكر كل ما يسمّى اسم الله تعالى ولو كان في ضمن الاستغفار وغيره كما مرّ.

وان الظاهر انه يكفي مجرد (اسم الله) بل (الله) من غير ذكر صفة كمال ، لعموم الدليل ، وصدقه ، وأصل عدم الزيادة ، ونقل فيه خلاف ، فتأمّل.

قوله : «الرابع نحر الإبل إلخ» شرط تذكية كل حيوان بما هو ، مخصوص به فالإبل بالنحر في الوهدة (١) التي فسّرت ، وغيره بالذبح في الحلق ، وهو تحت اللحيتين ، فلو عكس فذبح الإبل عمدا اختيارا أو نحر غيره حرما جميعا الّا ان يدرك النحر في الأوّل والذبح في الثاني مع وجود الحياة المستقرة فيحلّان معا.

نعم قد مرّ ما أمكن ان يستدلّ على ذلك مع ما فيه ، فإنه ما قام دليل صحيح على عدم حلّ الإبل بالذبح.

نعم قد مرّ بعض ما يدل على عدم حلّ البقر بالنحر ، على انه قد تدل على حلّه رواية زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي عليهم السّلام ، قال : أتيت انا ورسول الله صلّى الله عليه وآله رجلا من الأنصار ، فإذا فرس له يكبد (يكيد ـ خ ل يب) بنفسه فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله : انحره يضعّف لك به أجران بنحرك إيّاه واحتسابك له فقال : يا رسول الله ألي منه شي‌ء؟ قال : نعم

__________________

(١) وهدة اللبّة هي نقرة النحر بين الترقوتين (مجمع البحرين).


.................................................................................................

______________________________________________________

كل وأطعمني ، قال : فأهدى للنبيّ صلّى الله عليه وآله فخذا منه فأكل منه وأطعمني (١).

يفهم منه أحكام ، مثل جواز الذبح في حال تكبّد بنفسه ، والنحر في المذبوح ، والأجر بالنحر ، واستحبابه ، والاحتساب ، وحلّ لحم الفرس ، وجواز رسول الله الإطعام ، وإهداء اللحم.

لكن في سندها ، الحسين بن علوان (٢) ، غير موثق ، بل قيل : هو عاميّ واخوه أوثق منه ، وعمرو بن خالد ، لعلّه عمر بغير واو ، وهو ثقة.

ويمكن ارادة الذبح من النحر أو كراهة نحر غير الإبل فتأمّل ولا تخرج عن الاحتياط.

واما حلّ المذبوح بعد النحر إذا ذبح وحياته مستقرّة ، وكذا المنحور ، فلعلّه لصدق الذبح والنحر وتحققه فيما يشترط فيه ذلك ، وازالة روحه وحياته به ، فإنه بعد استقرار الروح كما إذا لم ينحر ولم يذبح ، فإنهما إذا لم يزلا الروح فهما كالعدم.

ولكن بقاء الاستقرار بالمعنى الذي مضى ، بل بقاء الحياة ـ بعد تحقق الذبح والنحر المتقدمين ـ مشكل ومجرد فرض واحتمال بعيد.

والظاهر عدم الإمكان الّا ان يفرض عدم إتمامهما ، بل مجرد الجرح والقطع في منحر الإبل ومذبح غيره.

على ان في اشتراط الحياة المستقرة بذلك المعنى أيضا تأمّل ، لما مرّ من انه يصدق ويتحقق بدونه أيضا الحياة وذلك كاف في تحقق النحر والذبح في محلهما ، لما تقدم في الاخبار الكثيرة انه إذا وصل الحيوان إلى حال لا يعلم حياته وموته

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرمة ج ١٦ ص ٣٢٦.

(٢) سندها كما في التهذيب رقم ٢٠٠ هكذا : محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه عن علي عليهم السّلام.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويتحرك رجله أو تطرف عينه فيذبح يحلّ به (١).

فيمكن ان يكون مجرّد الحياة المعلومة بطرف العين ونحوه وخروج الدم المعتدل كافيا.

وأيضا التحديد بيوم أو أيّام ما نعرف مأخذه بخصوصه ، فينبغي الحوالة إلى العرف.

وأيضا ان كان المعتبر عدم قطع الحياة بالكلية بغير ما تقرّر فقد يوجد مع غير المستقرة بذلك المعنى أيضا ، وكذا ان كان عدم قطع الحياة بشي‌ء آخر وان كان عدم مدخليّة شي‌ء وعدم جرح بغير ذلك الوجه المعتبر في حلّه فقد عدم معها أيضا فتأمّل.

واعلم ان في شرح الشرائع قال : القول بالحلّ بعد العود إلى النحر والذبح ، للشيخ في النهاية ، والمصنف تردّد في ذلك ، ومنشأ حصول النحر التام والذبح كذلك في محلّه ، وانه لا تحصل التذكية بالذبح مثلا الّا بقطع الأعضاء قاتلا له.

ثم قال : إن اعتبرنا استقرار الحياة كما هو المشهور لم يحلّ هنا لفقد الشرط ، وان اكتفينا بالحركة بعد الذبح أو النحر وخروج الدم أو أحدهما لزم الحكم بالحلّ إذا وجد الشرط ، وسيأتي تحقيق ان المعتبر هو الثاني فيحلّ.

فيه تأمّل لأن الحكم بالحلّ بالحركة والدم ـ بعد قطع الأعضاء المهلك ـ مشكل فإنه بعد ذلك في حكم الميّت ولا اعتبار بتلك الحركة والدم ، فإنهما مثل ما يوجد فيما قطع بموته مثل حركة الطير بعد قطع الأعضاء الأربعة بالكلّية ، فإن مثلها لا يدل على الحياة الموجبة للحلّ فلا ينبغي جعلها دليلا له ، وجعله تحقيقا ، بل التحقيق ما أشرنا إليه فتذكّر.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٢.


(الخامس) الحركة الدالة على الحياة شرط بعد الذبح أو خروج الدم المسفوح ، ولا يكفي المتثاقل.

______________________________________________________

قوله : «الحركة الدالة على الحياة إلخ» الظاهر ان كون هذه الحركة أو الدم أو كليهما على الخلاف علامة للحلّ انما هو في المشتبه ، لأنه ان علم حياته قبل الذبح فذبح ولم يوجد أحدهما ، فالظاهر الحلّ ، لانه قد علم حياته وذبح على الوجه المقرر ، فان زال روحه به فيحلّ.

فتأمّل ، فإن بعض الاخبار الصحيحة يدل على اعتبار الدم بعد إبانة الرأس من غير المشتبه.

ولعلّ ذلك أيضا للاشتباه الحاصل بعده بأن الإزالة بقطع الأعضاء الأربعة أو غيره فلا يخرج عن الاشتباه فتأمّل.

وان علم موته فيذبح ووجد لم يحلّ ، وهذا أظهر ان أمكن.

لعلّ مراده بالحياة الحياة في الجملة ، وصدقها لغة وعرفا ، ولهذا ما قيّدها بالاستقرار أو بالحركة المتقدمة في الاخبار ، مثل الطرف.

وبالدم المسفوح ، الدم المعتدل ، بناء على ما مرّ ، لا المتثاقل.

ولا يحتمل إرادة الحياة المستقرّة بالمعنى الذي فسرها به لقوله : (بعد الذبح).

واعلم ان كلامه هذا كالصريح في عدم اعتبار الحياة المستقرّة بالمعنى المتقدم قبل الذبح ، بل يكفي خروج الدم أو حركة ما بعده ، فلم يكن مذهبه هاهنا اعتبار الحياة المستقرّة ، وهو خلاف ما نقل عنه في شرح الشرائع ولكن يلزم منافاة بين هذه وما تقدّم.

ويمكن حمل الحركة على الدالة على تلك الحياة ، وكذا الدم المسفوح فتأمّل.

وانه (١) اعتبر في القواعد شرطا آخر ، وهو قصده الذبح والنحر ، فلو وقع

__________________

(١) عطف على قوله : ان كلامه هذا إلخ وكذا قوله : وان هذه الشرائط.


المطلب الثاني في الأحكام

يجوز شراء ما يوجد في أسواق المسلمين من اللحوم ولا يجب السؤال ، وما يوجد في يد مسلم.

______________________________________________________

السكين من يده فصادف حلق حيوان فذبحه لم يحلّ.

وكأنه لذلك حكم بعدم حلّ ذبيحة المجنون ، والسكران ، والمغمى عليه ، والطفل الغير المميّز فتأمّل فيه.

وان هذه الشرائط انما هي مع الاختيار والإمكان ، فلو لم يمكن مثل بعير استعصى أو تردّى في بئر ولا يمكن النحر على الوجه المأمور به فيحلّ كصيد يقتل بآلته على ذلك الوجه كما مرّ.

ويحتمل ان لم يتيسر ذلك أيضا يقتله بما أمكن ويحلّ فتأمّل واحتط.

قوله : «يجوز شراء ما يوجد إلخ» واعلم أنّ مقتضى القاعدة المقرّرة عندهم من أنّ الأصل في الحيوان عدم الحلّ والذباحة (في الذباحة ـ خ) وانه ميتة ، عدم حلّ ما يوجد في أسواق المسلمين أو في أيديهم ، وطهارته من غير اخباره بحال ، بل معه أيضا إذا كان متهما أو مذهبه ، الحلّ في المذكّى بدون الشرائط ولم يكن مقيّدا بمذهب ، أو يستحلّ الميتة والدباغة ، أو يستحلّ بيعها على بعض الناس خصوصا على مذهب من لا يستحلّ ذبائح غير المحقّ ، مثل ابن البرّاج ، وظاهر الشيخ من تأويله المتقدم بل ابن إدريس أيضا حيث قيّد غير المؤمن بالمستضعف ، والمصنف حيث ذهب الى تحريم الذبيحة مع عدم اعتقاد وجوب التسمية ، إذ معلوم في المسلمين من لا يعتقده.

هذا مع العلم بمعرفة الذابح بالشرائط والحال انه قد لا يعلم ، كيف ومذهب بعضهم بل أكثرهم عدم هذه الشرائط ، مثل التسمية ، والقبلة ، والإسلام ، والاكتفاء بقطع بعض الأعضاء ، والذبح مقام النحر والطهارة بالدباغة ، فكيف


.................................................................................................

______________________________________________________

يحكم بطهارة الجلود واباحة استعمالها واستعمال اللحوم وغيرها بمجرد كونه في سوق المسلمين أو بيدهم.

على أن كثيرا من الأصحاب يكفر غير المحقّ الّا ان لا يراه سوق المسلمين ، والظاهر أنه ليس كذلك.

ووجه اقتضاء القاعدة المذكورة ذلك أن كونه مذبوحا ومنحورا على الوجه الشرعي موقوف على أمور متعددة ، والأصل عدم ذلك كلّه.

وان كان لي فيها (فيه ـ خ) تأمّل كما أشرنا إليه مرارا من ان الأصل الحلّ والطهارة.

ويدل عليه عموم الخلق (١) للإنسان ، وحلّ الجميع لهم الّا ما خرج بالدليل ، وحصر المحرمات في أمور (٢) ، فلم يحرم الّا مع العلم بانتفاء الحلّ فان مجرّد الاحتمال كاف في الطهارة ، ويحتمل في الحلّ أيضا.

وان قلنا ان ما قالوه أوجه بالنسبة إلى عدم الذبح والنحر ، فان الموت محرّم ومنجّس الّا مع تحقق التذكية ، فتأمّل.

الّا انه قد وردت الروايات بذلك ، وقد مضى في بحث لباس المصلّي بعضها ، مثل صحيحة البزنطي في الكافي والتهذيب (٣).

ويدلّ عليه أيضا مثل حسنة فضيل وزرارة ومحمّد بن مسلم ـ هي صحيحة في الفقيه ـ أنهم سألوا أبا جعفر عليه السّلام عن شراء اللحم (اللحوم ـ خ ئل) من الأسواق (السوق ـ خ ئل) ولا يدرون (لا يدرى ـ خ ئل) ما صنع القصّابون؟ قال : كل

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ـ البقرة : ٢٩.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) إلى آخر الآية.

(٣) راجع مجمع الفائدة ج ٢ ص ٩٦ ـ ٩٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه (١).

الظاهر أن التعبير في العبارات بالشراء ـ للروايات ، وسببه فيها ـ الإشارة إلى تحريم شراء الميتة.

فعلى ما فهمت لا بدّ من النقض إمّا في القاعدة المقررة المقتضية ، أو (٢) هذا الحكم ودليله من الروايات ، ولما ثبت هذا الحكم لصحّة الروايات ، فلا بدّ من القدح والتصرف فيها وهو مؤيد لما ذكرناه فيها من التأمّل ، فعلم من الحكم ورواياته وهن في تلك القاعدة كالوهن في القول بكفر غير المحقّ ونجاسته فتأمّل.

وقد بالغ في الدروس في هذا الحكم ، وقال : ويحلّ أكل ما يباع في سوق الإسلام من اللحم وان جهل حاله ولا يجب السؤال ، بل ولا يستحبّ وان كان البائع غير معتقد للحقّ ولو علم منه استحلال ذبائح الكتابيين (الكتابيّ ـ خ) على الأصح (٣).

وأنت تعلم أن كثيرا من المسلمين يستحلّون ما لا يستحلّه أهل الحقّ ، مثل الأرنب. وكلامه ظاهر في انه لا يحتاج إلى العلم بأنه مأكول اللحم ، وانه لا يستحب السؤال أيضا عن بيان هذا الحيوان فضلا عن كيفيّة ذبحه.

وفي شرح الشرائع أكثر (٤) ، قال : بل لو قيل بالكراهة لكان وجيها

__________________

(١) الوسائل باب ٢٩ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٤.

(٢) عطف على القاعدة يعني أو النقض في هذا الحكم يعني جواز الشراء من أسواق المسلمين مع عدم التذكية.

(٣) إلى هنا عبارة الدروس.

(٤) يعني مبالغة الشهيد الثاني في شرح الشرائع في هذا الحكم أكثر من مبالغة الشهيد الأول في الدروس فان الدروس حكم بعدم استحباب السؤال فقط وشارح الشرائع لم يكتف بذلك بل حكم بكراهة السؤال.


.................................................................................................

______________________________________________________

)وجها ـ خ ل) للنهي عنه في الخبر ، وأقل مراتبه الكراهة ، وفي الدروس اقتصر على نفي الاستحباب.

وقال في شرح الشرائع أيضا : لا فرق في ذلك بين ما يوجد في رجل معلوم الإسلام ومجهوله ، ولا في المسلم بين كونه ممن يستحلّ ذبيحة الكتابي وغيره على أصحّ القولين ، عملا بعموم النصوص والفتاوى.

ثمّ قال : واعتبر في التحرير كون المسلم ممن لا يستحلّ ذبائح أهل الكتاب ، وهو ضعيف جدا لأن جميع المخالفين استحلّ ذبائحهم فلزم على هذا انه لا يجوز أخذه من المخالف مطلقا وهذه الأخبار ناطقة ببطلان ذلك (١).

وليت شعري كيف صار سوق الإسلام بهذه المثابة مع القاعدة المقرّرة وما ذكرناه بعدها والعلم بأحوال الناس من عدم القيد ، والمذاهب المتشتتة؟ ومن اين سقط الاحتياط ، والزهد ، والورع ، والملاحظة حتى قالوا : إنه يستحب الاجتناب عن الحائض المتهمة ، بل ظاهر الرواية عدم الوضوء بسؤرها مطلقا (٢).

بل قيل عن مطلق المتهم (٣) ، ومن كان ماله لا يخلو عن شبهة مثل الظلمة ، والمعاملة معهم ، والاجتناب من أموال السلاطين وجوائزهم (٤) مع عدم العلم بالتحريم ، وإخراج خمسه استحبابا (٥) لو أخذ ونحو ذلك حتى أسقط الاستحباب (٦) بل أوجب كراهة السؤال والملاحظة (٧).

__________________

(١) إلى هنا عبارة شرح الشرائع.

(٢) راجع الوسائل باب ٨ من أبواب الأسئار ج ١ ص ٦٩.

(٣) راجع الوسائل باب ١٩ من أبواب أحكام العشرة ج ٨ ص ٤٢٢.

(٤) راجع الوسائل باب ٥١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ١٥٦.

(٥) راجع الوسائل باب ٤٨ حديث ٥ من أبواب ما يكتسب به ج ٣ ج ١٢ ص ١٤٦.

(٦) كما عن شرح الشرائع.

(٧) كما عن تحرير العلامة.


.................................................................................................

______________________________________________________

على أن في أكثر الأخبار الصحيحة (ليس عليكم المسألة) (١).

والظاهر أن نفي السؤال في رواية الفضيل وصاحبيه (٢) ليس للتحريم والكراهة ، بل لنفي الوجوب المتوهم ، فإنه أمر مستبعد فيحل السؤال ، فذلك رخصة لا عزيمة على الظاهر.

وان الاخبار غير ناصّة في التعميم الذي ذكروه ، بل قابلة للتخصيص بمثل ما (إذا علم بعبد أهله) (٣) أو (لم يعلم عدمه بشرائط الذباحة) كما أشار إليه في التحرير ، لما مرّ ، ومثل هذا التخصيص غير عزيز ولا مستبعد فتأمّل.

مع انه قال بعد ذلك في الدروس : (ولو وجد ذبيحة مطروحة لم يحلّ تناولها الّا مع العلم بان مباشرها أهل الحق ، أو قرينة الحال).

لكن هنا جوّز (مع القرينة وبالغ بعض ولم يقبل القرينة) بل قال : ولو كان جلد المصحف مطروحا في مسجد يحكم بنجاسة الجلد.

والظاهر أن الأمر ليس كذلك ، فان المطروح في بلاد المسلمين وبيوتهم ومحلاتهم وأسواقهم وطرقهم التي لا يصل إليها كافر محكوم بطهارته.

وبالجملة القرينة الظاهرة متبعة كما في اللحم الذي يباع في أسواق المسلمين ، إذ لا خصوصيّة للسوق ولا لليد ، بل المدار على الظاهر وترجيحه على

__________________

(١) يريد قدس سرّه انهم عليهم السّلام نفوا عدم وجوب السؤال لا عدم جوازه أو استحبابه فضلا عن كراهته فراجع الوسائل باب ٥ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٧١.

(٢) يعني زرارة ومحمّد بن مسلم فراجع باب ٢٩ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٤.

(٣) هكذا في النسخ ، وفي هامش المطبوعة (معرفة ـ ظ) يعني بدل (بعبد) وحاصل مراده قدّس سرّه ان اخبار حجّية سوق المسلمين ليست بمصرّحة بالتعميم في مطلق السوق أعم من ان يكون عالما بمعرفة الذابح شرائط التذكية وعدمها بل قابلة للتخصيص بأحد أمرين (أحدهما) التخصيص بالعالم (ثانيهما) التخصيص بما إذا لم يعلم عدم علم الذابح بشرائط التذكية كما قيّد في التحرير بعدم كون المسلم ممن لا يستحل الميتة ـ والله العالم. وفي بعض النسخ المخطوطة (تقيد) بدل (بعيد).


ويكره الذباحة ليلا اختيارا ، ونهار الجمعة قبل الزوال.

______________________________________________________

الأصل المتوهم تسهيلا.

ثمّ اعلم أنهم قالوا : امتياز بلد الإسلام عن بلد الكفر بنفوذ الأحكام.

وهو محلّ التأمّل ، بل ينبغي أن يكون الحاكم في ذلك العرف باعتبار أهل البلد ، فان كانوا مسلمين بحيث لا يوجد فيه كافر الّا نادر قليل أو بطريق المسافرة فهو بلد المسلمين ، والّا فلا ، وهو الذي يقتضيه القواعد.

وإليه أشار في شرح الشرائع ، لموثقة إسحاق بن عمار ، عن الكاظم عليه السّلام انه قال : لا بأس بالصلاة في الفر (والفراء ـ ئل) واليماني ، وفيما صنع في أرض الإسلام ، قلنا (قلت ـ خ ل) له : وان كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : إذا كان الغالب عليها المسلمون (المسلمين ـ ئل) (١) فلا بأس.

وان ذكر يد المسلم ـ بعد بلاد المسلمين ـ يدلّ على أنّ اليد كاف وإن لم تكن البلاد بلاد المسلمين.

وأنّ (٢) مجرّد إسلام البلد كاف بشرط عدم العلم بكفر ذي اليد ، فالعبارة جيّدة واكتفى في الدروس ببلاد (ببلد ـ خ) الإسلام وما ذكر يد المسلم فتأمّل ولكن (٣) لو عكس واكتفى بيد المسلم عن بلد الإسلام لكان أظهر فتأمّل.

قوله : «ويكره الذباحة ليلا إلخ» دليل كراهة ذبح الحيوان ليلا اختيارا ويوم الجمعة قبل الزوال ، كأنه الإجماع ، ورواية أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كان علي بن الحسين عليهما السّلام يأمر غلمانه ان لا يذبحوا حتى يطلع الفجر ، ويقول : ان الله جعل الليل سكنا لكل شي‌ء ، قال : قلت :

__________________

(١) الوسائل باب ٥٠ حديث ٥ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٧٢.

(٢) في بعض النسخ هكذا : وان مجرد إسلام البلد غير كاف فالعبارة جيدة ، والصواب ما أثبتناه.

(٣) يعني في عبارة المصنف بقوله : (وما يوجد في يد مسلم).


والنخع.

______________________________________________________

جعلت فداك فان خفنا (خفت ـ ئل)؟ قال : ان كنت تخاف الفوت فاذبح (١).

فيها دلالة على كراهة أكثر الأشغال ليلا اختيارا ، وعلى وجوب الذبح مع فوت الحيوان ، فيشعر بوجوب حفظ المال ، فافهم.

ورواية محمّد الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يكره الذبح وازالة (إراقة ـ خ ل) الدم يوم الجمعة قبل الصلاة إلّا عن ضرورة (٢).

ولا يضرّ عدم صحّة السند (٣) ، ويمكن شمولها للنحر أيضا ، بل لمثل الفصد والحجامة أيضا فتأمّل.

واما كراهة النخع فلصحيحة الحلبي ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : لا تنخع الذبيحة حتى تموت ، وإذا ماتت فانخعها (٤).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن الذبيحة؟ فقال : استقبل بذبيحتك القبلة ولا تنخعها حتى تموت ولا تأكل من ذبيحة لم تذبح من مذبحها (٥).

نقل عن الصحاح يقال : ذبحه فنخعه نخعا أي جاوز منتهى الذبح إلى النخاع ، وهو المخّ الذي في الفقار ـ يعني لا يوصل بالقطع إلى النخاع بل اتركها حتى يموت بالذبح ثم تنخعها.

__________________

(١) الوسائل باب ٢١ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٤ وفيه قال : سمعت علي بن الحسين وهو يقول لغلمانه : لا تذبحوا إلخ.

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٤.

(٣) والسند كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن موسى ، عن العباس بن معروف عن مروك بن عبيد ، عن بعض أصحابنا ، عن عبد الله بن مسكان ، عن محمّد الحلبي.

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٨.

(٥) الوسائل باب ٦ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

فيها دلالة على وجوب الاستقبال بالذبيحة وتحريم الذبيحة إذا ذبح من غير مذبحها ومات به وقد مرّ.

وهي ظاهرة في تحريم النخع مع صحّة السند.

وتدل عليه أيضا أخبار أخر مثل ما تقدم في استقبال القبلة ـ عن الرجل يذبح فنسي ان يسمّي أيؤكل ذبيحته؟ فقال : نعم إذا كان لا يتهم وكان يحسن الذبح قبل ذلك ، ولا ينخع ، ولا يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة (١).

وهذه بمفهومها تدلّ على تحريم الأكل بالنخع ، ويدل على تحريم النخع فقط غيرها أيضا.

فالظاهر تحريمه لا الكراهة كما هو المشهور ، نعم يحتمل حلّ المذبوح معه ، وكراهته ، ويكون الفعل حراما فقط ، ويشعر به الحكم بعدم الأكل إذا ذبح من غير مذبح (٢).

وهنا بالنهي فقط ، والأصل وغيره من العمومات ، وحصر المحرّمات وعدم صدق الميتة مؤيّد.

ويحتمل التحريم أيضا ويؤيّده مقارنة الاستقبال الذي تركه موجب لذلك ، ولا شك ان الأحوط ذلك وان لم يكن واجبا.

فالقول بتحريم النخع (بالتحريم ـ خ ل) كما هو مختار الدروس غير بعيد ، قال فيه : ويحرم إبانة الرأس عمدا وقطع النخاع ـ مثلث النون ـ قبل موتها ، وهو الخيط الأبيض وسط الفقار ـ بالفتح ـ ممتد في الرقبة إلى عجب الذنب ـ بفتح العين وسكون الجيم ـ (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ١٥ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٧.

(٢) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٥.

(٣) إلى هنا عبارة الدروس وفيه بعد قوله : (وسكون الجيم) وهو أصله كسر الرقبة لتوخي الموت ولا يحرم المذبوح بذلك خلافا للنهاية وابن زهرة في قطع الرأس والنخع (انتهى). راجع الدروس كتاب التذكية ص ٢٧٨.


وقلب السكين ليذبح الى فوق.

______________________________________________________

ويفهم منه أيضا أنه لا بدّ في النخع الحرام من قطع ذلك الخيط ، وهو غير ظاهر ، بل ظاهر الصحاح انه يكفى التجاوز عن منتهى المذبح والوصول إليه.

وقال في القاموس : نخع الذبيحة تجاوز (جاوز ـ خ) منتهى المذبح أصاب نخاعها.

وهو أيضا ظاهر في عدم قطع الخيط فتأمّل.

ثم التحريم والكراهة ، انما هو على تقدير الاختيار لا الاضطرار أيضا ، فلو سبق السكين إليه بغير اختيار لا كراهة ولا تحريم ، لا للفعل ولا للذبيحة.

ويدل عليه العقل والروايات في ابانة الرأس كما سيجي‌ء.

واما كراهة قلب السكين ـ وهو ان يدخل السكين في عنق المذبوح ويجعل وجهه إلى وجهه فيقطع الأعضاء الأربع إلى الفوق على عكس المتعارف ـ فلرواية حمران بن أعين ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن الذبح فقال : إذا ذبحت فأرسل ولا تكتف ، ولا تقلّب السكين لتدخلها تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق ، والإرسال للطير خاصّة ، فإن تردّى في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعمه فإنك لا تدري ، التردي قتله أو الذبح ، وان كان من الغنم فأمسك صوفه أو شعره ولا تمسك (ولا تمسكنّ ـ خ ئل) يدا ولا رجلا ، فأما البقرة فاعقلها فأطلق الذنب ، واما البعير فشدّ أخفافه إلى إباطه وأطلق رجليه وان أفلتك شي‌ء من الطير وأنت تريد ذبحه أو ندّ (١) عليك فارمه بسهمك ، فإذا سقط فذكّه بمنزلة الصيد (٢).

__________________

(١) ندّ البعير من باب ضرب ندّ وندادا بالكسر ونديدا ، نفر وذهب على وجهه شاردا والجمع نوادر (مجمع البحرين) ويقال : أفلت للطائر وغيره إفلاتا تخلّص (مجمع البحرين).

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

فيها أحكام ، مثل إرسال الطير ، وعدم قلب السكين ، وتحريم أكل الذبيحة بعد الذبح ، وإطعامه للغير بقطع الأعضاء الأربعة إذا وقع في بئر أو وهدة لاحتمال عدم الموت به بل بوقوعه في بئر ونحوه ، وانه لا يجوز بمجرد قطع الأعضاء الأربعة (١).

وفيه تأمل فإن الظاهر انه يموت به ، وان الحركة والحياة بعده لا اعتبار بهما فكأنه مات وحكمه حكم الميّت فالحكم بالتحريم لاحتمال موته بغيره مشكل خصوصا على القول باشتراط استقرار الحياة ، وتفسيرها باليوم وأكثر.

نعم ينبغي ملاحظة ذلك وعدم إرساله وطرحه في موضع يمكن موته وتدفينه (٢) بشي‌ء آخر غير الذبح ، ويمكن حمل الرواية على الكراهة أو على عدم قطع الأعضاء الأربعة فتأمّل.

وإمساك (٣) صوف الغنم وشعره ، وعدم إمساك يده ولا رجله.

ولكن فهم ربط يديه واحدى رجليه (منها معها ـ خ) كما فهمه في شرح الشرائع مشكل ، قال : والمراد في الغنم بقوله : (ولا تمسكنَّ يدا ولا رجلا) انه يربط يديه واحدى رجليه من غير ان يمسكه بيده فتأمّل.

وشدّ أخفاف البعير.

ولكن فيه أيضا إشكال ، لأنّ المتبادر منه ردّ يديه إلى إباطه وشدّ الساق والفخذ معا ، وان فعل كذلك فلا يمكن ان يقوم مع ان المستحب نحره قائما ، فيمكن ان يكون هذا على تقدير النحر ، باركا لا قائما أو يكون مخيّرا في الاستحباب أو بكونه أراد بالقيام ما يقابل اضطجاعه ليكون المراد جعل احدى يديه كذلك ، وهو لا ينافي القيام ، ويكون الجمع باعتبار افراد البعير لا باعتبار الاثنين ، في كل واحد.

__________________

(١) يأتي بقية ما يستفاد من الحديث بقوله قدّس سرّه : وإمساك صوف الغنم.

(٢) سنام مدفّف كمحدّث سقط على دفتي البعير وداففته ، أجهزت عليه كدففته (القاموس).

(٣) عطف على قوله : إرسال الطير ، وكذا قوله : وشد أخفاف البعير ، وقوله : وعقل البقر.


وان يذبح وآخر ينظر اليه.

______________________________________________________

ويبعد ان يكون المراد منه شدّ يديه ، بعضها مع بعض ، ما بين الركبة والخف ، إذ لا يفهم هذا المعنى من هذه العبارة وان كان ذلك موجودا مصرّحا في رواية أخرى (١) ، وهو ظاهر ، بل يكون حينئذ مخيّرا اما ان ينحره قائما على هذا الوجه أو مع فعله ذلك بيده الواحدة أو باركا الوجه الأوّل فتأمّل.

وعقل البقر بجمع رجليها ويديها وترك ذنبه.

وان الطير أو غيره إذا أفلت وخلص ولم يقدر عليه يذبح ويقتل بما أمكن ، يلاحظ فيه ما يعتبر في الصيد وقد مرّ مرارا فافهم.

واما فهم تحريم قلب السكين كما هو مذهب البعض فغير ظاهر لجهل في السند (٢) ، نعم ، الكراهة غير بعيدة ، وكذا القول باستحباب وكراهة ما يفهم منها الّا ان يكون دليل آخر غيرها فيعمل به فتأمّل.

واما كراهة الذبح والآخر ينظر إليه ، فتدل عليه رواية غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ان أمير المؤمنين عليه السّلام قال : لا يذبح الشاة عند الشاة ، ولا الجزور عند الجزور ، وهو ينظر إليه (٣).

وهي ضعيفة بغياث ، ولكن الكراهة غير بعيد لها مع قول الأصحاب.

فيها اشعار بجريان الذبح في الإبل وان المكروه ذبح كل واحد من الغنم والإبل إذا نظر إليه غيره من جنسه ، فلا يكره ذبح الشاة إذا نظر إليه الجزور وبالعكس ، ويحتمل الأعم ويكون المراد مثلا كاحتمال عدم اختصاص بهما ، مع احتماله أيضا لعدم القياس.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٥ حديث من أبواب الذبح من كتاب الحج ج ١٠ ص ١٣٤.

(٢) سنده كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي هاشم الجعفري (عن أبيه ـ خ ئل) عن حمران بن أعين.

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٨.


وابانة الرأس وسلخها قبل الموت على رأي أو قطع شي‌ء منها.

______________________________________________________

قوله : «وابانة الرأس وسلخها إلخ» أي يكره إبانة رأس الذبيحة قبل موتها أي قبل ازالة حياتها بالكليّة بأن تبرد وتسكن حركتها ، وكذا يكره كسر عنقها وسلخها وقطع شي‌ء منها قبله.

دليل الحلّ تحقّق الموت بإزالة الحياة المستقرة فلا يضرّ قطع هذه الأمور ولا تصير الذبيحة بذلك ميتة ، والأصل والعمومات وحصر المحرمات ، نعم لما ورد النهي في بعض الاخبار (١) حمل على الكراهة.

ويؤيّده الاعتبار وما تقدم في النخع ، فان كسر الرقبة وابانة الرأس مستلزم لذلك والزيادة ، فدليله يدل على حكمهما.

ومثل صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يذبح ولا يسمّي ، قال : ان كان ناسيا فلا بأس (عليه ـ يب) إذا كان مسلما وكان يحسن أن يذبح ، ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح (٢).

يعني حتى تبرد الذبيحة ، لما تقدّم في القبلة والتسمية في حسنة الحلبي : (حتى تبرد الذبيحة) (٣).

وفيها (٤) دلالة على البأس في قطع الرقبة ، كأن المراد الكراهة لحسنة الفضيل بن يسار ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل ذبح فتسبقه السكين فقطع الرأس ، فقال : ذكاة (٥) وحيّة ، ولا بأس بأكله (٦).

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٩ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٩.

(٢) الوسائل باب ١٥ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٧.

(٣) لاحظ الوسائل باب ١٥ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٧.

(٤) يعني في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة.

(٥) في الكافي : فقال : هو ذكاة وحيّة لا بأس به وبأكله.

(٦) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

وحسنة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مسلم ذبح فسمّى فسبقت مديته (السكين بحديها ـ كا ـ حديدة ـ يب خ ل كا) ، فأبان الرأس فقال : ان خرج الدم فكل (١).

وهما صحيحتان في الفقيه.

ورواية مسعد بن صدقة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام وسئل عن رجل يذبح فأسرع (فيسرع) السكين فتبين الرأس ، فقال : الذكاة الوحيّة (٢) لا بأس بأكله إذا لم يتعمد ذلك (٣).

وفي هذه والأولى دلالة على البأس في الفعل والأكل مع التعمد ، ولكنهما ليستا بصريحتين في تحريم الفعل والأكل ، فلا يبعد الجواز والقول بالكراهة لعلّ هذا نظر المصنف.

ويمكن دفع العمومات والأصل بالاخبار ، وكذا دفع انه حصل الموت وزال استقرار الحياة ، فإن ذلك لا يدل على عدم التحريم بدليل آخر ، بل على عدم التحريم من تلك الجهة وعدم كونها ميتة بعد التسليم وان لم تكن هذه الاخبار صريحة في التحريم ولكنها مع ما تقدم في النخع تدل على تحريم الفعل.

وفي تحريم الذبيحة تأمل وان لم يثبت ، ولكن الأحوط اجتنابها ، بل ولا يبعد كراهتها أيضا مثل الفعل فتأمّل.

والظاهر ان السلخ مكروه قبل أن يبرد ، وكذا أكله حينئذ لعدم دليل صالح للتحريم.

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٩.

(٢) الوحيّ بتشديد الياء ، السريع ، ومثله موت وحيّ مثل سريع لفظا ومعنى فعيل بمعنى فاعل ومنه ذكاة وحيّة أي سريعة (مجمع البحرين).

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

وقول الأصحاب بالكراهة مستند إلى مرفوعة محمّد بن يحيى ، قال : قال أبو الحسن الرضا عليه السّلام : الشاة ذبحت (إذا ذبحت الشاة ـ ئل) وسلخت أو سلخ شي‌ء منها قبل أن تموت فليس يحلّ أكلها (١) (لم يحل أكلها ـ ئل).

كأنّ المراد بقوله : (أو سلخ شي‌ء منها) قطع شي‌ء منها وان كان لحما ، وهو دليل قوله (٢) : (أو قطع شي‌ء منها).

وهذه تدلّ على تحريم الذبيحة ، وحملت على الكراهة لعدم صحّة السند مع ما تقدم.

ولا ينفع في الصحّة ، كون معنى (رفعه) في الاصطلاح أنه أسنده ، لعدم العلم بالإسناد ، فمعنى القدح فيه بإرساله كما فعله المصنف انه غير مسند صحيح يوجب العلم أو الظن ، وليس بمعلوم الاسناد عندنا ، لا ان محمّد بن يحيى ما أسنده وحذفه ، فلا يرد اعتراض الشارح (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٨.

(٢) يعني قول المصنف هنا.

(٣) الأولى نقل كلام الشارح بتمامه ليتّضح الحال قال : الثاني سلخ الذبيحة قبل بردها أو قطع شي‌ء منها ، فيه أيضا قولان : أحدهما التحريم ، ذهب إليه الشيخ في النهاية ، بل ذهب إلى تحريم الأكل أيضا وتبعه ابن البرّاج وابن حمزة استنادا إلى رواية محمّد بن يحيى رفعه قال : قال أبو الحسن عليه السّلام : الشاة إذا ذبحت أو سلخت أو سلخ شي‌ء منها قبل ان تموت فليس يحلّ أكلها. والأقوى الكراهة ، وهو قول الأكثر للأصل وضعف الرواية بالإرسال فلا تصلح دليلا على التحريم ، بل الكراهة للتسامح في دليله وذهب الشهيد الى تحريم الفعل دون الذبيحة (اما الأول) فلما فيه من تعذيب الحيوان ، المنهي عنه (واما الثاني) فلعموم قوله تعالى (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ، وأجاب عن إرسال الحديث أنّ المفهوم في اصطلاح أرباب صناعة الحديث ان قوله : (رفعه بمعنى أسنده فلا يكون مرسلا (وفيه) انه مع تسليمه لا يلزم من استناده على هذا الوجه خروجه عن الإرسال لان الواسطة مجهولة الحال وذلك كاف في الإرسال ، كما إذا رواه عن رجل ، أو عن بعض أصحابنا ونحو ذلك (انتهى).

وحاصل ما أفاده الشارح قدّس سرّه هنا ان القادح عدم صحّة سندها وعدم إيجابها العلم أو الظن لا


.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه نظر لأن المفهوم من اصطلاح أرباب صناعة الحديث ان (رفعه) بمعنى أسنده.

وطعن فيه ابن إدريس بالشذوذ وهو مسلّم.

ولا يخفى ما فيه ، فان الظاهر ان طعن المصنف متوجّه لا طعن ابن إدريس لما عرفت ، ولان الشذوذ مع الصحّة لا يضرّ فتأمّل.

ثم قال (١) : الأصحّ التحريم للنهي عن تعذيب الحيوان ، وعدم الشعور ممنوع ، واباحة الذبح ، لفائدة ، بخلافه هنا ولكنه يحلّ الأكل لأنّه ممّا ذكر اسم الله عليه.

قد يناقش في ثبوت تحريم تعذيب الحيوان بحيث يشمل ما نحن فيه وانّه (٢) لا بدّ من بقاء الشعور ، ولا يكفي منع عدم بقائه ، فلو استدل بالرواية بناء على صحتها عنده لكان أولى.

ويمكن كون الفعل مكروها ، لانه يصير سببا لكراهة أكل هذه الذبيحة فتأمّل (٣).

ويدلّ على حلّ الأكل حينئذ وبعد النخع وإبانة الرأس ، انه ممّا ذكر اسم الله ، وعلى الحلّ ـ بعد الإبانة فقط أيضا ـ رواية الحلبي ـ كأنّها صحيحة في الفقيه (٤) ـ

__________________

الإرسال بكلا المعنيين اللذين ذكرهما الشهيدان قدّس سرّهما : أحدهما عدم ذكر بعض الرواة. ثانيهما عدم معلوميته ، والله العالم.

(١) لم نعرف الى الآن مرجع ضمير (قال) فيحتمل كون المراد : المصنف أو ابن إدريس أو صاحب الدروس والله العالم.

(٢) انه قدّس سرّه أراد انه يعتبر في صدق التعذيب بقاء الحيوان بعده ، لا زوال الروح بنفس التعدية كما في المقام.

(٣) في هامش بعض النسخ : (إشارة إلى التأمل في الصحّة ، فإنه نقل عن حماد ، عن الحلبي ، وقد لا يكون حماد الذي إليه صحيح وهو ثقة (منه رحمه الله).

(٤) فإنه رواه بإسناده عن حماد ، عن الحلبي ، وطريق الصدوق الى حماد كما في مشيخة الفقيه هكذا : وما


ولو انفلت الطير جاز رميه بالسهم والرمح.

ويستحبّ في الغنم ربط يديه ، واحدى رجليه ، والإمساك على صوفه أو شعره حتى يبرد ، وفي البقر عقل يديه ورجليه ، وإطلاق ذنبه ، وفي الإبل ربط أخفافه إلى رباطه ، وإطلاق رجليه ، وإرسال الطير بعد الذبح.

وذكاة السمك أخذه من الماء حيّا ، فان وثب وأخذه قبل موته

______________________________________________________

عن الصادق عليه السّلام أنّه سئل عن رجل ذبح طيرا فقطع رأسه أيؤكل منه؟ قال : نعم ولكن لا يتعمّد قطع رأسه (١).

ولعلّها تشعر بعدم التحريم في غيرها من النخع والسلخ والكسر وقطع كل عضو منها.

واعلم أنّ الشارح نقل تحريم الفعل والأكل في الإبانة والسلخ عن النهاية ، وان الشيخ في الخلاف ادعى إجماع الصحابة على حلّ الأكل بعد إبانة الرأس ، وان كراهة الإبانة قول الخلاف وابن إدريس وقطب الدين الراوندي والمحقق ، وان كلامي المفيد والصدوق يحتمل التحريم والكراهة.

قوله : «ولو انفلت الطير جاز رميه إلخ» قد مرّ شرحه ودليله مع ما فيه (إلى قوله) : وإرسال الطير بعد ذبحه فتذكر.

قوله : «وذكاة السمك أخذه إلخ» أي ذكاة السمك ـ ليحلّ اكله ولم يكن ميتة ـ أخذه من الماء حيّا.

__________________

كان فيه ، عن حماد بن عيسى ، فقد رويته عن أبي رضي الله عنه ، عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ويعقوب بن يزيد ، عن حماد بن عيسى الجهني ورويته عن أبي رضي الله عنه ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه ، عن حماد بن عيسى (انتهى) ويعقوب بن يزيد ثقة.

(١) الوسائل باب ٩ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٩.


حلّ ، والّا فلا ، ولا يشترط في مخرجه الإسلام.

ولو وجد في يد كافر لم يحل الّا مع مشاهدة إخراجه له حيّا.

ولو أعيد في الماء فمات فيه لم يحلّ وان كان في الآلة.

ولو مات البعض في الشبكة المنصوبة فالأقرب الحرمة في الجميع مع الاشتباه واباحة أكله حيا.

ويؤكل ما يقطع منه بعد إخراجه وان وقع في الماء مستقرّ الحياة.

______________________________________________________

ينبغي ان يقال : (أخذه حيا) سواء كان من الماء أو غيره فإنه (١) قال : (فان وثب) ـ أي من الماء ـ ووقع في غيره من السفينة وغيرها وأخذه إنسان قبل موته حلّ ولو أخذه بعد موته لم يحلّ.

ولا يعتبر في حلّه ـ بعد ان كان ممّا يؤكل ـ غير ذلك وغير عدم الموت في الماء من شرائط التذكية ، مثل القبلة والتسمية وإخراج المسلم على الأصحّ.

نعم يشترط مشاهدة المسلم ، بل علم المسلم بأنه أخذه الكافر حيّا فلا يقبل خبر الكافر بأنه أخذه حيّا بخلاف المسلم ، فان وجوده في يده كاف فكيف إذا أخبر به.

قال في الدروس : وقال السيد وابن زهرة : الاحتياط تحريم ما أخرجه الكافر مطلقا وهو ظاهر المفيد رحمه الله.

وقال في التهذيب : قال الشيخ (٢) ذكاة السمك صيده ، ولا يؤكل ما صاده المجوس وأصناف الكفار.

وفي الدروس أيضا : ونقل ابن إدريس الإجماع على عدم اشتراط الإسلام ، وقضيّة كلام الشيخ في الاستبصار الحلّ إذا أخذه منه المسلم حيّا ، وهو يشعر بما قاله ابن زهرة (٣)

__________________

(١) يعني المصنف رحمه الله.

(٢) يعني الشيخ المفيد رحمه الله.

(٣) إلى هنا عبارة الدروس.


.................................................................................................

______________________________________________________

فلو مات السمك في الماء وغيره لم يحلّ بناء على الشرط المذكور ، سواء قتله آدميّ في الماء أو غيره بالمحدّد والمثقّل أم لا.

وكذا لو مات في الشبكة وغيرها من آلات الصيد ، ويحتمل الحلّ بناء على عموم الأخبار الصحيحة.

ولو اشتبه الحلال منه والحرام بأن مات بعضه بعد خروجه حيّا من الماء في الشبكة وبعضه كان ميتا فيها ، ففيه خلاف سيأتي تحقيقه.

قال في الدروس : ولو اشتبه الحيّ فيها بالميّت حلّ الجميع عند الحسن ، والشيخ والقاضي والمحقّق (إلى قوله) : وفي الأخبار الصحاح ، التعليل بأن الشبكة والحظيرة لما عملت ، عملت الاصطياد جرى مجرى المقبوض إليه وقضيتها حلّه ، ولو تميز الميّت ، وبه افتى الحسن ، والباقون حرّموا ما يتميّز ميتا جمعا بين الروايات.

ثم قال فيه أيضا : وان أدركه ـ أي في غير الماء ـ ينظره حيّا ولم يقبضه ثم مات فالأقرب التحريم ، ولو عاد السمك بعد إخراجه حيّا إلى الماء فمات فيه حرم ، ولو قطع منه قطعة بعد خروجه حيّا فهو حلال وان عاد الباقي إلى الماء ، سواء مات فيه أم لا ، ويباح اكله لصدق الذكاة وقيل لا يباح اكله حتى يموت كباقي ما يذكى (انتهى) (١).

أما الذي يدل على عدم اشتراط التسمية والقبلة ويكفي أخذه فيها فهو مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن صيد الحيتان وان لم يسمّ عليه؟ قال : لا بأس به (٢).

وقريب منه رواية زيد الشحّام عنه صلوات الله عليه أنه سئل عن صيد

__________________

(١) أورده هذه العبارات في الدروس في الشرط الرابع من شروط التذكية.

(٢) الوسائل باب ٣١ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

السمك ولا يسمّى؟ قال : لا بأس به (١).

الظاهر ان المراد بصيده أخذه فتأمّل.

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام ، قال : سألته عن سمكة وثبت من نهر فوقعت على الجد (٢) من النهر فماتت هل يصلح أكلها؟ قال : ان أخذتها قبل ان تموت ثم ماتت فكلها ، وان ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها (٣)

وصحيحة الحلبي ـ وسأله ـ أي أبا عبد الله عليه السّلام عن صيد الحيتان وان لم يسمّ؟ فقال : لا بأس به (٤).

وصحيحة علي بن جعفر عليه السّلام ، صريحة في عدم كفاية رؤيته حيّا ثم مات خارج الماء ، بل لا بد من الأخذ حيّا فلا بدّ من تأويل ما ينافيها.

مثل رواية زرارة ، قال : قلت : السمك يثب من الماء فيقع على الشط فيضطرب حتى يموت ، فقال : كلها (٥).

قال الشيخ : المراد (وتأخذها حيّا) على انها مقطوعة وفي السند (٦) (رجل).

وكذا رواية سلمة بن أبي حفص عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان عليّا عليه السّلام كان يقول في صيد السمكة إذا أدركتها (إذا أدركها الرجل ـ كا) وهي

__________________

(١) الوسائل باب ٣١ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ منقول بالمعنى فلاحظ الوسائل والكافي.

(٢) الجدّ بالضم والتشديد شاطئ النهر وكذا الجدّة قيل : وبه سمّيت الحدّة جدّه اعني المدينة التي عند مكة لأنها ساحل البحر (مجمع البحرين).

(٣) الوسائل باب ٣٤ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠١.

(٤) الوسائل باب ٣٤ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٦.

(٥) الوسائل باب ٣٤ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٢.

(٦) والسند كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن عبد الله بن بحر عن رجل عن زرارة.


.................................................................................................

______________________________________________________

تضطرب وتضرب بيدها وتتحرك بذنبها وتطرف بعينها فهي ذكاته (١) (ذكاتها ـ ئل).

أي بعد أخذها حينئذ كذبح غيرها.

وهذه مؤيّدة لعدم اعتبار الحياة المستقرّة بالمعنى المتقدم.

واما الذي يدل على حلّ صيد الكافر وعدم اشتراط الإسلام فهو ما تقدم ، ممّا يدل على حلّ ذبح أهل الكتاب (٢) فافهم ، وعموم ما يدل على حلّ السمك بالأخذ (٣).

وتدل عليه أيضا وعلى اشتراط رؤية المسلم أخذه حيّا صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن صيد الحيتان وانه لم يسمّ؟ فقال : لا بأس به وسألته عن صيد المجوسي للسمك آكله؟ فقال : ما كنت لآكله حتى انظر إليه (٤).

وما مرّ أيضا من كفاية خبر المسلم بأنّ الكتابي ذكّاه فافهم.

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن مجوسي يصيد السمك أيؤكل منه؟ فقال : ما كنت لآكله حتى انظر إليه ـ قال في التهذيب ـ : قال حماد : يعني حتى أسمعه يسمّي (٥).

ثم قال : ـ ونعم ما قال ـ : قال محمّد بن الحسن : الذي ذكر حماد في تأويل الخبر غير صحيح ، لأنا قدّمنا من الأخبار ما يدل على أنّ التسمية غير مراعى في صيد

__________________

(١) الوسائل باب ٣٤ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٢.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٧ حديث ١١ و ١٤ و ١٨ و ٢٥ و ٢٨ و ٣١ و ٤١ و ٤٣ و ٤٥ ج ١٦ ص ٢٨٢ إلخ.

(٣) راجع الوسائل باب ٣١ ج ١٦ ص ٢٩٦.

(٤) الوسائل باب ٣٢ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٨.

(٥) الوسائل باب ٣٢ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٨ وفيه وفي التهذيب : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن مجوسي يصيد السمك أيؤكل إلخ وهو الصواب.


.................................................................................................

______________________________________________________

السمك ، والوجه في قوله : (حتى انظر إليه) هو انه ينظر إلى الصيد فيراه انه يخرج من الماء حيّا أو يعطى وهو حيّ ، لأنه متى أعطاه المجوسي أو غير هم من أصناف الكفار وهي أموات فلا يجوز اكله ولا تقبل شهادتهم على ذلك (١).

وأيّده بحسنة عيسى بن عبد الله ـ الممدوح ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن صيد المجوسي (المجوس ـ خ ل) ، فقال : لا بأس إذا اعطوكاه احياء ، والسمك أيضا والّا فلا تجوز شهادتهم الّا ان تشهده (٢).

وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل عن صيد المجوسي (المجوس ـ خ ل) للحيتان حين يضربون عليها بالشباك ويسمّون بالشرك؟ فقال : لا بأس بصيدهم انما صيد الحيتان أخذه. (٣).

قال (٤) : وكلما روي من الاخبار من ان صيد المجوس لا بأس به فالمراد به ما ذكرناه من انه إذا شاهده الإنسان وهم يأخذونه ويصيدونه وهن احياء جاز اكله (٥).

وأيّده بالأخبار الكثيرة ، مثل حسنة الحلبي (٦).

وصحيحة سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الحيتان التي يصيدها المجوسي (المجوس ـ خ ل) فقال : ان عليّا عليه السّلام كان يقول : الحيتان والجراد ذكيّ (٧).

__________________

(١) إلى هنا عبارة التهذيب.

(٢) الوسائل باب ٣٢ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٨.

(٣) الوسائل باب ٣٢ حديث ٩ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٩.

(٤) يعني الشيخ رحمه الله في التهذيب.

(٥) إلى هنا عبارة الشيخ رحمه الله.

(٦) تقدّمت آنفا (الوسائل باب ٣٢ حديث ٩ من أبواب الذبائح).

(٧) الوسائل باب ٣٢ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

وموثقة أبي مريم الأنصاري ـ لابن فضال (١) ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام ما تقول فيما صادت المجوس من الحيتان؟ فقال : كان علي عليه السّلام يقول : الحيتان والجراد ذكي (٢).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : لا بأس بكواميخ المجوس ، ولا بأس بصيدهم السمك (٣).

ومنه علم عدم قوّة قول الشيخ المفيد ، نعم الأجود الاجتناب وهو مذهب ابن زهرة.

واما الذي يدل على انه ما مات في الماء لم يحلّ ـ مضافا إلى ما سبق ـ فهو مثل رواية عبد الرحمن بن سيابة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن السمك يصاد ثم يجعل في شي‌ء ثم يعاد في الماء فيموت فيه ، فقال : لا تأكله لأنه مات في الذي حياته (٤) وهي ضعيفة.

وصحيحة أبي أيوب أنه سأل أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط وأرسلها في الماء فماتت أتؤكل؟ فقال : لا (٥).

وصحيحة عبد المؤمن ـ على الظاهر ـ قال : أمرت رجلا ان يسأل أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل صاد سمكا وهن احياء ثم أخرجهن بعد ما مات بعضهن ، فقال : ما مات فلا تأكله فإنه مات فيما كان فيه حياته (٦).

__________________

(١) يعني كونها موثقة لأجل وجود ابن فضال فان سنده هكذا كما في التهذيب : الحسين بن سعيد عن ابن فضال عن يونس بن يعقوب عن أبي مريم.

(٢) الوسائل باب ٣٢ حديث ٦ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٩.

(٣) الوسائل باب ٣٢ حديث ٧ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٩.

(٤) الوسائل باب ١٣ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٠.

(٥) الوسائل باب ٣٣ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٠.

(٦) الوسائل باب ٣٥ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عمّا يوجد من السمك طافيا على الماء أو يلقيه البحر ميتا فقال : لا تأكله (١).

ومثله ضعيفة مفضل بن صالح عن زيد الشحام عنه عليه السّلام (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : لا تأكل (لا يؤكل ـ خ) ما نبذه الماء من الحيتان وما نصب (٣) الماء عنه (٤).

وحملها في التهذيب على احد الوجهين ، على انه مات في الماء ، ومات خارج الماء قبل ان يؤخذ حيّا.

وتدل عليه صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام ، قال : سألته عن سمكة وثبت من نهر فوقعت على الجد من النهر فماتت أيصلح أكلها؟ قال : ان أخذتها قبل ان تموت ثم ماتت فكلها وان ماتت قبل ان تأخذها فلا تأكلها (٥).

وهذا حمل جيّد ، وقد مرّ ما يؤيّدها ، وتقتضيه القاعدة الأصوليّة ، وهي حمل المجمل المبهم على المفصّل المبيّن ، فتأمّل.

ولكن يدلّ على الحل إذا مات في الشبكة بعض الروايات مثل صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل نصب شبكة في الماء ثم رجع إلى بيته وتركها منصوبة فأتاها بعد ذلك وقد وقع فيها سمك فيموتن ، فقال : ما عملت

__________________

(١) الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٠.

(٢) الوسائل باب ١٣ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٠.

(٣) يقال : نضب الماء ينضب من باب قعد نضوبا إذا غار في الأرض وسفل في الأرض وينضب بالكسر لغة (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ١٣ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٠ وزاد : فذلك المتروك كما في الفقيه أيضا.

(٥) الوسائل باب ٣٤ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٣٠١.


.................................................................................................

______________________________________________________

يده فلا بأس بأكل ما وقع فيهما (١) (فيه ـ خ ل ئل).

وصحيحة الحلبي قال : سألته عن الحظيرة من القصب تجعل في الماء للحيتان فتدخل فيها الحيتان فيموت بعضها فيها؟ فقال : لا بأس به ان تلك الحظيرة إنما جعلت ليصاد بها (٢).

ورواية هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سمعت أبي يقول : إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة ، فما أصاب فيها من حيّ أو ميّت فهو حلال ما خلا ما ليس له قشر ، ولا يؤكل الطافي من السمك (٣).

فجمع الشيخ بينها ، بأنه يحلّ الحيّ والميّت إذا اشتبه في الشبكة ولم يتميّز الحيّ من الميّت ، ويحرم الميّت إذا تميّز.

وهو مقتضى كلام الشيخ المفيد ، فقيّد ما يدل على الحلّ ولم يكن فيه قيد الاشتباه وعدم التميز مثل رواية مسعدة بن صدقة بذلك (٤).

فأفتى الشيخان بحلّ المشتبه مع تيقن كون الميّت فيه ، لصحّة رواية الحلبي وصراحتها فيه.

ويمكن ان يقال : بالحلّ مطلقا إذا مات في الشبكة وفيما يعمل ان ما يصطاد به ، مثل الحظيرة لا في غير ذلك (٥) مطلقا مع الاشتباه وعدمه كما هو رأي البعض لصحّة رواية محمّد بن مسلم وصراحتها فيه حيث قال : (ما عملت يده فلا بأس)

__________________

(١) الوسائل باب ٣٥ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٣.

(٢) الوسائل باب ٣٥ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٣.

(٣) الوسائل باب ٣٥ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٣.

(٤) أي يفيد الاشتباه وعدم التميز هكذا في هامش.

(٥) في النسخة : المطبوعة : مثل الحظيرة وغير ذلك.


.................................................................................................

______________________________________________________

وتؤيّدها رواية مسعدة بن صدقة (١) ولا تنافيها صحيحة الحلبي (٢) بل تؤيّدها (٣).

نعم رواية عبد المؤمن (٤) تنافيها في الجملة.

لكن يمكن ان يناقش في صحتها ، إذ فيه (ابن مسكان) (٥) المشترك.

وأيضا قد يكون سمع الجواب عبد المؤمن عن ذلك الرجل المأمور بالسؤال ، لا (٦) عنه عليه السّلام.

على ان عبد المؤمن غير مصرّح باسم أبيه فقد يكون غير المذكور أيضا موجودا ، كأنه لذلك ما سمّي بالصحّة.

على انها غير مصرحة بأن الميّت أخذ حيّا ومات فيما نصب بيده من الشبكة ونحوها.

ويؤيّده الأصل وعمومات حلّ ما خلق ، وحصر المحرّمات في الآية وستجي‌ء الأخبار الدالة على عدم تحريم شي‌ء إلّا ما حرم الله في كتابه ، ومعلوم عدم تحريم ذلك فيه (٧) فتأمّل.

واما الاحتياط فهو ظاهر ، لا يترك مع الإمكان.

واما حلّ اكله حيّا فلما تقدّم من الأصل وغيره.

فلعلّك فهمت دليل ما ذكر في المتن إلى قوله : (واباحة أكله حيّا).

وانه في اختياره حرمة الجميع ان مات بعضه في الشبكة واشتبه ، وهو مذهب ابن إدريس ، وابن حمزة لرواية عبد المؤمن المتقدمة ونحوها ، ولان الميّت حرام

__________________

(١) تقدمت آنفا.

(٢) تقدمت آنفا.

(٣) تقدمت آنفا.

(٤) تقدمت آنفا.

(٥) فان سنده كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن علي بن النعمان عن ابن مسكان ، عن عبد المؤمن.

(٦) يعني لم يسمع الجواب عن الامام عليه السّلام.

(٧) أي ما مات في الشبكة.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يمكن الاجتناب عنه الّا بالاجتناب عن الكل ، وما لا يتم الواجب الّا به فهو واجب.

تأمّل جدا فإنّ الرواية قد عرفت حالها.

ثم بعد ورود النص لا نسلّم ان المشتبه حرام ، بل هو حلال ، فليس ممّا يجب اجتنابه حتى يتوقّف على اجتناب الكلّ فيحرم الكل.

قال في الشرح : وقال الحسن والشيخ في النهاية ، والقاضي ، والمحقق : الكلّ حلال.

وتؤيده صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : كل شي‌ء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال ابدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه (١).

لكن في العمل بها تأمّل لا يخفى.

وما (٢) تقدم من الأخبار الصحيحة المتقدمة الدالة على حل المشتبه.

ولكن (٣) قال في المختلف : لا دلالة فيها على الموت في الماء بجواز ان خرج من الماء ومات في الشبكة وفي الحظيرة.

وهو بعيد ، فان ظاهرها الموت في الشبكة والحظيرة في الماء ، وهو ظاهر ، ولهذا اختار هنا تحريم الكل مع موت البعض في الشبكة واشتبه ، والحاصل ، الفرض ، الموت في الشبكة المنصوبة في الماء والكلام فيه.

واما إذا لم يعلم فالظاهر انه حلال للأصل.

وقد ينازع فيه ، فان قاعدة التذكية تقتضي التحريم حتى يعلم الخروج عن

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٥٩.

(٢) عطف على قوله : (صحيحة عبد الله بن سنان).

(٣) استدراك في أصل الحكم يعني ان المشتبه لا نسلم حرمته لكن قال في المختلف إلخ.


وذكاة الجراد أخذه (حيّا ـ خ).

ولا يشترط في أخذه الإسلام ان علم أخذه قبل موته.

ولو مات قبل أخذه لم يحلّ.

ولو أحرقت (احترقت ـ خ ل) الأجمة لم يحلّ الجراد المحترق فيها وان قصد إحراقه.

ولا يحلّ الدبا قبل استقلاله بالطيران.

______________________________________________________

الماء حيّا فلا يحلّ مع الاشتباه كما في الذبيحة إذا اشتبه موتها بالذكاة وغيرها الّا ان يقال : ان السمكة ليست كذلك ، فتأمّل.

قوله : «وذكاة الجراد أخذه حيّا» الظاهر ان الجراد حكمه حكم السمك في أنه لا يشترط في أخذه الإسلام ، ولا التسمية ، ولا القبلة ، بل يكفي حيّا وان أخذه المشرك مع علم المسلم بأنه أخذه وهو حيّ.

يدل عليه الأصل والعمومات (١) وبعض ما تقدم في السمك ، وما روى مسعدة بن صدقة ، قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام عن أكل الجراد؟ فقال : لا بأس بأكله ، ثم قال : انه نثرة (٢) من حوت في البحر ، ثم قال : ان عليا صلوات الله عليه قال : إن الجراد والسمك إذا خرج من الماء فهو ذكي والأرض للجراد مصيدة وللسمك قد يكون أيضا (٣).

ورواية عمرو بن (عمر ـ يب) هارون الثقفي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : الجراد ذكي فكله واما ما هلك (مات ـ ئل) في

__________________

(١) يعني بها العمومات الدالة على حلّ الأشياء أو أدلة حصر المحرّمات.

(٢) أي عطسة هكذا في هامش بعض النسخ.

(٣) الوسائل باب ٣٧ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

البحر فلا تأكله (١). وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام ، قال : سألته عن الجراد نصيبه ميّتا في الماء ، أو في الصحراء أيؤكل؟ قال : لا تأكله وسألته عن الدبا من الجراد أيؤكل؟ قال : لا حتى يستقلّ بالطيران (٢).

الدبا : الجراد إذا تحرّك قبل ان تنبت أجنحته.

فهذه الرواية الصحيحة دلّت على اشتراط الأجنحة والاستقلال والقدرة على الطيران في حلّ الجراد ، وانه لا يحلّ بدونه.

وتدلّ على عدم حلّه أيضا ـ إذا احترق بحرق الأجمة ، سواء قصد بذلك صيده وإحراقه أم لا ـ رواية عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل عن السمك يشوى وهو حيّ ، قال : نعم لا بأس به ، وسئل عن الجراد إذا كان في قراح (٣) فيحرق ذلك القراح فيحرق ذلك الجراد وينضج بتلك النار ، هل يؤكل؟ قال : لا (٤).

وهذه تدلّ على جواز شوي السمك حيا وأكله فتأمّل.

ولا يبعد ذلك في الجراد أيضا ، ولكن بعد أخذه حيّا ، فلا يحلّ بدونه ، وهو مقرر عندهم.

وتدل على ذلك الصحيحة المتقدمة أيضا ، فإنها تدل (دلّت ـ خ ل) على تحريمه إذا أصيب ميتا في البرّ والبحر ، والأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات أيضا تدل على حلّه إلّا ما خرج بالدليل مثل ان احترق بحرق الأرض ، وكونه ميتا في الماء والصحراء.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٧ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٥.

(٢) الوسائل باب ٣٧ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٥.

(٣) والقراح أيضا المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر والجمع اقرحة (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ٣٧ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٦.


وذكاة الجنين ذكاة أمّه إن تمّت خلقته ، ولو ولجته الروح وجبت تذكيته (وجبت التذكية ـ خ) ، وان لم تتمّ لم يحلّ.

______________________________________________________

قوله : «وذكاة الجنين ذكاة أمّه إلخ» الظاهر انه لا خلاف في تحريم الجنين إذا خرج من بطن أمّه غير تامّ ، وكذا لو خرج من بطن الميتة ميّتا.

كما لا خلاف في حلّه وإذا خرج تامّا مع عدم ولوج الروح وذبح امّه ، وكما إذا خرج حيّا وذبح ذبحا شرعيا.

ووجه الثاني (١) ظاهر كوجه (٢) الأخير ، واما الأول (٣) ، فإن كان إجماعيّا ، والّا ففيه تأمّل للأصل والعمومات مع عدم ما يدل على التحريم ، واما الثالث (٤) فسيجي‌ء دليله.

وانما الخلاف فيما إذا خرج تامّا ميّتا مع ولوج الروح وذكاة أمّه ، فنقل عن الشيخ وجماعة التحريم ، لأن التذكية بمعنى قطع الأعضاء الأربعة شرط في حلّ كل ذي روح غير السمك والجراد والصيد وما في حكمه ، ولم يحصل هنا ، فيكون ميتة فيحرم.

والمتأخّرون كلّهم ذهبوا إلى الحلّ لعموم الأخبار من طريق العامة مثل ما روي عنه صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ـ وقد سئل انا نذبح الناقة والبقرة والشاة وفي بطنها الجنين ، نلقيه أم نأكله؟ قال : كلوه ، فإن ذكاة الجنين ذكاة امّه (٥).

ومن طريق الخاصّة ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أحدهما عليهما السّلام عن قول الله عزّ وجلّ (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ)؟ قال : الجنين في

__________________

(١) وهو خروجه من بطن الميتة ميّتا.

(٢) خروجه حيّا وذبح ذبحا شرعيا.

(٣) هو خروجه من بطن امه غير تام.

(٤) خروجه تاما مع عدم ولوج الروح وذبح امه.

(٥) سنن أبي داود ج ٣ باب ما جاء في ذكاة الجنين حديث ١ ص ١٣ طبع مصر.


.................................................................................................

______________________________________________________

بطن امّه إذا أشعر وأوبر ، فذكاته ذكاة أمّه ، فذلك الذي عنى الله عزّ وجلّ (١).

فهذه تدل على ان مجرّد الشعر فيما أوبر كاف في حلّه ، وانه يحلّ بمجرد تذكية امّه ، وهو ظاهر.

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا ذبحت الذبيحة فوجدت في بطنها ولدا تامّا فكل ، وان لم يكن تامّا فلا تأكل (٢).

هذه تدل على أنّ مجرد التام مع ذبح الأمّ كاف في حلّ الولد ، وانه بدونه لم يحلّ.

وصحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الحوار (٣) يذكّي امه أيؤكل بذكاتها؟ فقال : ان (إذا ـ ئل) كان تاما (تماما ـ ئل) ونبت عليه الشعر فكل (٤).

وهذه تدل على انه لا بدّ من التام والشعر.

وعن يعقوب مثلها ضعيف (٥) (ضعيفة ـ خ ل).

ومضمرة سماعة ، قال : سألته عن الشاة يذبحها وفي بطنها ولد وقد أشعر ، قال : ذكاته ذكاة أمّه (٦).

وصحيحة ابن مسكان ـ وهو عبد الله ـ عن أبي جعفر عليه السّلام انه قال : في الذبيحة تذبح وفي بطنها ولد ، قال : ان كان تاما فكله ، فان ذكاته ذكاة أمّه

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٠.

(٢) الوسائل باب ١٨ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٠.

(٣) بالضم وهو ولد الناقة قيل : ولا يزال حوارا حتى ينفصل فإذا فصل عن امه فهو فصيل (مجمع البحرين)

(٤) الوسائل باب ١٨ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٩.

(٥) الوسائل باب ١٨ مثل حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٩.

(٦) الوسائل باب ١٨ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

وان لم يكن تاما فلا تأكله (١).

هذه مع التعليل تدل على ان مجرّد التام كاف في الحلّ.

ورواية مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال : في الجنين إذا أشعر فكل والّا فلا تأكل يعني إذا لم يشعر (٢).

وهما تدلّان على كفاية الشعر ، فالظاهر انه لا بدّ من التمام والشعر والوبر لوجود هما معا في صحيحة يعقوب فيقيّد غيرها بها ، وكأنه قيّد بأحد هما للتلازم.

والظاهر انه تلازم بين الشعر والوبر وتمام الخلقة ، ولهذا وجد الخلق في بعض الروايات (٣).

واكتفى الأصحاب بالتمام وفسّر البعض التمام بالشعر ، قال في الدروس : ومن تمام الخلقة الشعر والوبر.

وبالجملة لا بدّ في الحلّ بذكاة امه ، من تمام الخلق والشعر والوبر ان كان ممّا يشعر ويؤبر ، سواء كان بينهما تلازم أم لا.

والظاهر ان المراد بتمام الخلقة أن تكون صورته ممتازة بحيث يحكم بأنه تام الخلقة وليس بناقص سواء ولجه الروح أم لا ، لعموم الاخبار ، والأصل ، والعمومات وحصر المحرّمات وعدم صدق الميتة.

مع منع قول الشيخ باشتراط الذكاة بالطريق المذكور في كل حيوان وهو ظاهر.

وأيضا قالوا : الوجهان فيما إذا خرج وحياته مستقرة ولكن الزمان لا يسع التذكية فيموت قبل ان يذكّى.

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ حديث ٦ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٩.

(٢) الوسائل باب ١٨ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٩.

(٣) لم نعثر عليه الى الآن فتتبع.


.................................................................................................

______________________________________________________

الحلّ ، لانّه مع قصور الزمان عن التذكية ، في حكم خروجه ميّتا من غير حياة ، إذ لا يمكن ذبحه فهو كالخارج ميّتا.

و (١) عدمه ، لإطلاق الأصحاب انه لا بدّ من التذكية إذا خرج حيّا.

ويمكن ان يستدل على الأول بما تقدم من الأخبار ، فإنها تدل بظاهرها على الحلّ وان خرج حيّا ولم يحتج إلى التذكية خرج ما يسع الزمان التذكية بالإجماع وغيره وبقي الباقي.

ويؤيّده ، الأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات.

ويؤيّد الثاني انه ميّت ، وعدم سعة الزمان لم يجعله حلالا كما إذا أدرك حيوان (٢) عثر ولم يتمكّن من تذكيته لقلّة زمانه لم يصر حلالا ، بل هو ميّت وهو ظاهر فتأمّل ولا شك أنّ الاجتناب أحوط.

واعلم أنه على تقدير الحلّ لم يشترط فيه سرعة شقّ جوف امّه وبطنها وإخراج الجنين ، لاحتمال ان يكون حيّا فلا تقصر الزمان عن ذكاته بالتأخير فيحرم ، لما تقدّم (٣)

مع احتمال اشتراط ذلك ، فعلى تقدير حلّه حينئذ انّما يكون مع بذل وسعه بأنّ يشق بطنه في الحال بعد الذبح ، فتأمّل.

قال في شرح الشرائع : يتجه على القول باشتراط عدم حياته في حلّه اشتراط المبادرة ، وعلى تقديره لو لم يبادر فوجده ميّتا حلّ لأصالة عدم ولوج الروح وان كان الفرض بعيدا (٤).

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه الحلّ وهو الوجه الثاني.

(٢) كذا في النسخ والصواب حيوانا بالنصب.

(٣) من الأصل والأدلة هكذا في هامش بعض النسخ.

(٤) الى هنا عبارة شرح الشرائع يعني المسالك.


.................................................................................................

______________________________________________________

الاتجاه غير ظاهر وحينئذ المتجه على قول الشيخ والجماعة ، التحريم كما هو مقتضى دليلهم ، نعم لو قالوا بحلّه يحتمل ذلك.

وكذا الحلّ حال الاشتباه غير ظاهر عندهم ، لما أشرنا فتأمّل.

وان (١) قول الشيخ باشتراط عدم ولوج الروح مع تمام الخلقة والاشعار والأوبار محلّ التأمّل ، فإن الظاهر انه يلج حينئذ البتة وان لم يكن دائما فلا شك انه الغالب ، فحمل تلك الأخبار الكثيرة على ما إذا لم يلج الروح الذي نادر ، بعيد جدا ، فهذا ممّا يضعف قوله فتأمّل.

وانه إذا خرج ولم يعلم ولوج الروح وعدمه مع كونه تامّا ، فالظاهر انه حلال عند الشيخ والجماعة أيضا لما تقدّم من الأدلّة ، وأصل عدم ولوج الروح.

ولكن الظاهر ان الفرض بعيد لو أمكن ، فالمناسب لقول الشيخ والجماعة التحريم ، لان الظاهر ولوج الروح والموت بعده فتأمّل ولا شك ان الاجتناب أحوط وان معنى قوله صلّى الله عليه وآله وقولهم عليهم السّلام : ذكاة الجنين ذكاة امّه ، أنّ ما يحلّ الجنين إذا خرج عن بطن امّه ، هو ذكاة أمّه بقطع الأعضاء الأربعة المقرّرة أو نحرها ، ونحوها ممّا يحلّل من التذكية الشرعيّة.

فالذكاة الاولى مجاز ، والمراد منها المحلّل ، والثانية حقيقة أي التذكية الشرعيّة ويحتمل ارادة المجاز فيهما ، وهو ظاهر.

هذا على القراءة بالرفع فيها على ما هو المشهور.

واما على قراءة نصب الثانية ، فكأنها منصوبة على تقدير فعل وحرف فتكون منصوبة بنزع الخافض. والتقدير : ذكاة الجنين تحصل في ذكاة امّه أو بذكاته ،

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه أنه على تقدير الحل ، وكذا قوله قدّس سرّه وانه إذا خرج إلخ وقوله قدّس سرّه وان معي قوله.


المقصد الثالث : في الأطعمة والأشربة

وفيه بابان

الأول : في حال الاختيار

كلّ ما خلق (خلقه ـ خ) الله تعالى من المطعومات ، فهو مباح الّا ما نستثنيه ، وهي على خمسة أقسام.

______________________________________________________

وهو بعيد كما لا يخفى ، ويحتمل ان تكون منصوبة على التشبيه. والتقدير بذكاة امه ولكن حينئذ يفيد انه لا بدّ من تذكيته أيضا ، ولا يحصل ذلك بمجرد ذكاة امّه ، وذلك أيضا بعيد ويخرج عن الحكم المشهور ، فتأمّل.

قوله : «كلما خلقه الله من المطعومات فهو مباح إلخ» قد توافق دليل العقل والنقل على إباحة أكل كلّ شي‌ء خال عن الضرر ، وشربه ، وقد بيّن دلالة العقل على ان الأشياء الخالية عن الضرر مباحة ما لم يرد ما يخرجه عن ذلك.

والآيات الشريفة في ذلك كثيرة أيضا مثل (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (١) و (كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) (٢).

هما (٣) حالان مؤكدان لا مقيدان ، وهو ظاهر.

والأخبار أيضا كثيرة ، والإجماع أيضا واقع ، فالأشياء كلّها على الإباحة بالعقل والنقل ، كتابا وسنة وإجماعا إلّا ما ورد النص بتحريمه. امّا بالعموم ، مثل ويحرّم عليهم الخبائث (٤) ، فما علم انه خبيث فهو حرام ، ولكن معنى الخبيث غير

__________________

(١) البقرة : ٢٩.

(٢) البقرة : ١٦٨.

(٣) أي قوله تعالى (جَمِيعاً) ، وقوله تعالى (حَلالاً طَيِّباً).

(٤) الأعراف : ١٥٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهر ، إذ الشرع ما بيّنه ، واللغة غير مراد ، والعرف غير منضبط.

فيمكن ان يقال : المراد عرف أوساط الناس وأكثر هم حال الاختيار من أهل المدن والدور ، لا أهل البادية ، لأنه لا خبيث عندهم ، بل يطيّبون جميع ما يمكن أكله ، فلا اعتداد بهم.

واما (١) بالخصوص مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) (٢) الآية.

وبالجملة ، الظاهر الحلّ حتى يعلم انه حرام لخبثه أو لغيره ، لما تقدم ، ولما في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة : كل شي‌ء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه (٣).

ويؤيّده حصر المحرّمات ، مثل (قُلْ لا أَجِدُ) (٤) الآية.

نعم قد يحرم المحلّل بأشياء أخر مثل الغصب ويحلّ المحرّم للاضطرار ، وذلك غير معتبر ، والنظر والبحث في الأصل من غير اعتبار أمر.

فالذي يفهم من غير شك هو الحلّ ما لم يعلم وجه التحريم حتى في المذبوح من الحيوان واجزاء الميتة ، فما علم انه ميتة ، أو فاذبح على الوجه الشرعي فهو أيضا حرام الّا ما يستثنى.

واما المشتبه والمجهول الغير المستثنى فالظاهر من كلامهم انه حرام أيضا.

وفيه تأمل قد مرّ إليه الإشارة.

هذه الضابطة على العموم من غير نظر إلى دليل خاصّ لخصوص المادّة ، والتفصيل وما ورد فيه دليل بخصوصه ومفصلا ، فهو تابع لدليله تحريما وتحليلا

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : اما بالعموم.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٥٨.

(٤) الانعام : ١٤٥.


(الأوّل) البهائم ، ويحلّ الإبل والبقر ، والغنم.

ويكره الخيل.

______________________________________________________

فتأمّل.

قوله : «الأول البهائم ويحل الإبل إلخ» أول الأقسام الخمسة المحلّلة ، ممّا خلقه الله تعالى ، البهائم ، والمراد بها هذا الحيوان البرّي الغير الطائر.

لا خلاف بين المسلمين في إباحة الأنعام الثلاثة ، الإبل ، والبقر ، والغنم ، والأدلّة على إباحتها من الكتاب (١) والسنة أيضا كثيرة ، بل ولا يحتاج إلى الاستدلال لكونها ضروريّة.

قوله : «ويكره الخيل إلخ» المشهور بين الأصحاب حلّ الخيل والبغال والحمير حتى كاد ان يكون إجماعيّا ، ولهذا ما أشار المصنف إلى الخلاف.

ونقل عن أبي الصلاح تحريم البغال ، ودليله ، النهي في الروايات ، لكن لمّا كانت الروايات شاملة لغيرها أيضا كان عليه القول بتحريمه أيضا وسيجي‌ء مع الجواب. فدليل الحلّ العقل والنقل المتقدمات ، وحصر المحرّمات مع عدم دخولها فيها.

وحسنة محمّد بن مسلم وزرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام انهما سألاه عن لحم (لحوم ـ ئل) الحمر الأهليّة فقال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن أكلها يوم خيبر ، وانما نهى عن أكلها في ذلك الوقت ـ ئل ، لأنها كانت حمولة الناس ، وانما الحرام ما حرّمه (حرّم ـ ئل) الله عزّ وجلّ في القرآن (٢).

وفي رواية أخرى ، عن محمّد بن مسلم ، وعن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : سمعته يقول : ان المسلمين كانوا اجهدوا (اجتهدوا ـ خ) في خيبر

__________________

(١) مثل قوله تعالى (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ). وقوله تعالى (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ).

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأسرع المسلمون في دوابهم فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بإكفاء القدور ولم يقل إنها حرام وكان ذلك إبقاء على الدواب (١).

وفي الطريق : (عن رجل) (٢) ولا يضر.

وكذا نقل أكفاء القدور اذن أصحابها مع عدم التحريم ، لانه صلوات الله عليه أولى بالمسلمين من أنفسهم ورأى المصلحة في ذلك ففعل.

وفي رواية أخرى ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن لحوم الخيل والدواب والبغال والحمير؟ فقال : حلال ، ولكن الناس يعافونها (٣).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام انه سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ ، والوطواط ، والحمير ، والبغال ، والخيل ، فقال : ليس الحرام الّا ما حرّم الله في كتابه وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير ، وانما نهاهم من أجل ظهورهم ان يفنوه وليست الحمير (الحمر ـ ئل) بحرام. ثم قال : اقرأ هذه الآية (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) (٤).

وصحيحة أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : ان الناس

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٢ ولكن السند في الكافي والوسائل هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان عن أبي الجارود.

(٢) ليس في طريق الخبر لفظة (عن رجل) كما نقلناه ، نعم في التهذيب والاستبصار هكذا : أحمد بن محمّد عن رجل ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي الجارود ولعلّه الوجه في قوله قدّس سرّه : (ولا يضر لعدم وجوده في طريق الكليني رحمه الله).

(٣) الوسائل باب ٥ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٦.

(٤) الوسائل باب ٥ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٧ والآية ١٤٥ من سورة الانعام.


.................................................................................................

______________________________________________________

أكلوا لحوم دوابّهم يوم خيبر ، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بإكفاء قدورهم ونهاهم عن ذلك (عنها ـ خ ل ـ ئل) ولم يحرّمها (١).

ودليل الكراهة قالوا : هو حمل النهي على الكراهة ، وهو ما ورد في صحيحة ابن مسكان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن لحوم الحمر (الأهليّة ـ ئل) ، فقال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن أكلها يوم خيبر ، قال : وسألته عن أكل الخيل والبغال فقال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عنها فلا (ولا ـ ئل) تأكلها الّا ان تضطر اليه (٢).

ورواية أبان (بن تغلب ـ ئل) عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن لحوم الخيل؟ فقال : لا تأكل الا ان تصيبك ضرورة ، ولحوم الحمر الأهليّة ، قال : في كتاب علي عليه السّلام انه منع من أكلها (٣).

وحملها الشيخ على الكراهة ، واستدلّ عليها بالأخبار التي قدمناها.

وكذا حمل على الكراهة صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السّلام ، قال : سألته عن لحوم البراذين ، والخيل ، والبغال؟ قال : لا تأكلها (٤) ، لما تقدم ، وحمل خبر أبي سعيد الخدري ، قال : أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بلالا بأن ينادي : أن رسول الله صلّى الله عليه وآله حرّم الجرّي (٥) ، والضبّ (٦) والحمر الأهلية (٧) في الاستبصار على التقيّة ، لأنه موافق للعامة ،

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٥.

(٢) الوسائل أورد صدره في باب ٤ حديث ٤ وذيله في باب ٥ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٣) الوسائل باب ٥ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٦ وذيله في باب ٤ حديث منها.

(٤) الوسائل باب ٥ حديث ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٦.

(٥) والجرّي كذمّي سمك (القاموس).

(٦) والضبّ دابّة برية (مجمع البحرين).

(٧) الاستبصار ج ٤ باب حكم لحم الحمر الأهليّة حديث ٩ ص ٧٥ طبع النجف.


.................................................................................................

______________________________________________________

والرجال الذين رووا هذا الخبر أكثرهم رجال العامة ، وما يختصّون بنقله لا يلتفت إليه.

وأنت تعلم أنهم لا يختصّون بنقله.

ويمكن حمله أيضا على الكراهة مثل ما تقدم ، ولعل مقارنته بالمحرّمين (١) منعة عن ذلك.

ولكن التقيّة أيضا بعيد من غير سؤال (٢) ، وكذا اسناد تحريم شي‌ء إليه صلّى الله عليه وآله من غير ظهور ضرورة ، فردّه أولى كما أشار إليه.

وأنت تعلم أيضا أنه لا ينبغي حمل النهي في الخبرين الأوّلين على كراهة لحمها مطلقا ، بل على المبالغة لحفظها وبقائها ليركب ويحمل وينتفع بظهرها ، للتصريح بذلك في الاخبار المتقدمة وهنا أيضا صرح بالنهي يوم خيبر ، وهو مشعر به ، نعم في قوله : (لا تأكلها الّا ان تضطرّ إليها) (٣) و (لا تأكلها الّا ان يصيبك ضرورة) (٤) دلالة على الكراهة مطلقا لا من حيث الظهر فقط ، بل على الحرمة فيحمل عليها للجمع ، فإنه قد فهم عدم التحريم ممّا تقدم ، وان قوله عليه السّلام في الأول : (انما الحرام ما حرّمه الله في كتابه واقرأ هذه الآية) (٥) عام مخصوص بما علم تحريمه بغيرها فهو عام مخصّص كسائر العمومات المخصّصة.

أو يدعي تحريم جميع المحرّمات من القرآن من مثل قوله : (الخبائث) (٦)

__________________

(١) يعني حرمة الجرّي ، والضب.

(٢) يعني لم يسأل أحد الإمام عليه السّلام كي يصح حمل الجواب على التقية من السائل.

(٣) راجع الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٦.

(٤) راجع الوسائل باب ٤ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٣.

(٥) راجع الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٣.

(٦) في قوله تعالى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) ، الأعراف : ١٥٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

وادعى خبث الجميع ، أو من موضع آخر يفهمه هو وأهل بيته عليهم السّلام.

ويمكن أيضا حملها ـ للجمع بين الأدلّة ـ على التقيّة باعتبار أوّلها ، ويكون الاحتجاج باعتبار آخرها : (وليست الحمر بحرام) (١) ولا تحمل على التقيّة ، لعدم الضرورة فتأمّل ، ولا يضرّ دلالة أوّلها على عدم تحريم السباع وغيره من المحرّمات المذكورة ، لعلّه الباعث للشيخ على حملها على الحرام المغلّظ.

ويمكن أيضا أن يقال : لا تدلّ على نفي التحريم عنها إذ ما قال : (انها ليست بحرام) (٢) ، بل قال : (انّما الحرام ما حرّمه الله) انظر ان كان شي‌ء حرّمه ، فهو حرام والّا فحلال.

وحينئذ قد يكون المسؤولات من السباع وغيره حراما في القرآن بقوله : (ويحرم عليهم الخبائث) (٣) ولم يكن مباحا أصلا ، وكذلك (كل ـ خ) المسؤول ليس كذلك ، ولهذا أفرد بعد ذلك ذكر الحمر بنفي التحريم ، وما ذكر السباع وغيرها من المحرّمات المذكورة أوّلا في السؤال.

وقال الشيخ ـ بعد نقل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة ـ : قوله عليه السّلام : (ليس الحرام الّا ما حرّمه الله في كتابه) (٤) المعنى فيه : انه ليس الحرام المخصوص المغلّظ الشديد الحظر الّا ما ذكره الله في القرآن وان كان فيما عداه أيضا محرّمات كثيرة الّا انه دونه في التغليظ.

وأيّده برواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كان يكره أن يؤكل من الدوابّ لحم الأرنب ، والضّبّ ، والخيل ، والبغال ، والحمير وليس بحرام

__________________

(١) كما في جزء من باب ٥ من أبواب الأطعمة من الوسائل ج ١٦ ص ٣٢٧.

(٢) كما أشار عليه السّلام أيضا بقوله : (ولم يقل : انها حرام) كما في جزء ٢ من باب ٤ منها ص ٣٢٣.

(٣) الأعراف : ١٥٧.

(٤) كما في حديث ٦ من باب ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٧.


وأشدّ منها كراهيّة الحمر (الحمير ـ خ ل) ، وأشدّ منها البغال.

______________________________________________________

كتحريم الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن لحوم الحمر الأهليّة ، وليس بالوحشيّة بأس (١).

وأنت تعلم انه خلاف الظاهر ويبعد فهمه من الحصر ، وانه في هذا المقام حملها عليه بعيد جدا وان ظاهر قوله عليه السّلام : هو نفي التحريم عن لحوم الحمير كما هو مقصود الشيخ أيضا وحينئذ لا يظهر نفي مطلق التحريم عنها ، بل الظاهر ثبوت التحريم الغير المغلظ بناء على رجوع النفي إلى القيد.

وأيضا قد يوجد الحرام المغلّظ ممّا لم يحرم في القرآن مثل الكلب الّا ان يقال : انه يدخل في عموم الخبائث أو انه غير مغلّظ ، وهو بعيد.

ويقال : ان عدم التحريم بالكليّة يفهم من قوله بعد : (وليست الحمر بحرام) (٢) فإنه هنا بمعنى نفيه عن أصله ، لا المغلّظ ، ولا يخفى بعده أيضا ، هذا.

ثم المشهور ، التفاوت بينهما في الكراهة ، قيل : البغال أشدّ كراهة ، لأنه متولّد من مكروهين مختلفين ، ولوجود الخلاف في تحريمه. ثم الحمير لتنفّر الطبع منه أكثر من الخيل ، وكأنه لا خلاف فيه.

وقيل : الحمار أشدّ ، لانه متولد من مكروهين شديدين ، بخلاف البغال فإنه متولّد من الشديد والضعيف.

لعل الكراهة في الخيل أقل بالاتفاق ، ولهذا ما ذهب إلى تحريمه احد بخلافهما ، فان بعض العامّة على تحريمهما ، أو لأن الطبع أشدّ نفرة عنهما منه ، واما هما فالظاهر ان الطبع ينفرّ عن الحمار أكثر.

وبالجملة ، الاجتناب عن الكلّ حسن ، وعنهما أحسن إلّا مع الاضطرار

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٧.

(٢) تقدّم ذكر موضعه آنفا.


وما يربّيه بيده.

______________________________________________________

فيختار الأخف عن الطبع.

قال في الدروس : قال (١) الفاضل بكراهة الحمار الوحشي ، والحلبي بكراهة الإبل والجواميس ، والذي في مكاتبة أبي الحسن عليه السّلام في لحم حمير الوحش تركه أفضل (٢) وروى في لحم الجاموس لا بأس به (٣).

الظاهر انّ مراده من النقل أن لا بأس بكلام الفاضل.

وما نعرف دليل كراهة الإبل ، وظاهر الأدلة من الآية والاخبار عدمها ، ونفي البأس عن لحم الجاموس بخصوصه.

ويحتمل الكراهة ، إذ قد يعبّرون عمّا يكره بمثله فتأمّل ، فإن الأحكام الشرعيّة تحتاج إلى دليل شرعي.

قوله : «وما يربّيه بيده» ظاهره أن أكل لحم الحيوان الذي يربيه الإنسان مكروه مطلقا على الذي ربّاه وغيره ، وذلك غير مستفاد من دليله ، بل ظاهر دليله ان ذبح المربّي بيده إياه مكروه ، لا لحمه ، عليه ولا على غيره ، فذكره في الذباحة أولى.

الّا ان يقال : فهم كراهة اللحم أيضا من موضع آخر أو فهم من كراهة ذبحه ذلك فتأمّل.

وهو رواية محمّد بن فضيل ، عن أبي الحسن عليه السّلام ، قال : قلت له : جعلت فداك كان عندي كبش سمينة (سمين ـ خ) لِأُضحي به ، فلما أخذته فأضجعته نظر إليّ فرحمته ورققت عليه ثم إني ذبحته ، قال : فقال لي : ما كنت أحبّ لك ان تفعل ، لا تربّين شيئا من هذا ثم تذبحه (٤).

__________________

(١) في الدروس : قال ابن إدريس والفاضل إلخ.

(٢) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٢.

(٣) إلى هنا عبارة الدروس.

(٤) الوسائل باب ٦١ حديث ١ من أبواب الذبح من كتاب الحجّ ج ١٠ ص ١٧٥ وباب ٤٠ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٨.


ويحلّ من الوحشيّة البقر ، والكباش ، والحمر ، والغزلان ، واليحامير.

ويحرم الكلب والسنور وكلّ سبع ، وهو ماله ظفر أو ناب ،

______________________________________________________

وهذه ظاهرة فيما قلنا من كراهة الذبح للمربّي فقط ـ ولا يضرّ عدم صحّة السند.

ورواية أبي الصحاري ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت له : الرجل يعلف الشاة والشاتين ليضحّي بهما (بها ـ خ ل) قال : لا أحبّ ذلك ، قلت فالرجل يشتري الحمل أو الشاة فيتساقط علفه من هاهنا (هنا ـ خ) وهاهنا فيجي‌ء الوقت وقد سمن فيذبحه ، فقال : لا ولكن إذا كان ذلك الوقت فليدخل سوق المسلمين ويشتر منها ويذبحه (١).

ويحتمل كون هذه مثل الاولى ، ويحتمل فهم كراهة التضحية بالمعلوفة في البيت مطلقا ، واستحباب عدم كونه كذلك ، والشراء من السوق عند وقت التضحية فتأمّل.

قوله : «ويحلّ من الوحشية إلخ» أي يحلّ من الحيوان البرّي الوحشيّ ، «البقر إلخ». دليل حلّها هو العقل ، والنقل الذي أشرنا إليهما عموما ، وما وجدت خاصا دالا على جميع ما ذكره ، وما اعرف وجه التخصيص بها ، كأنه أراد التمثيل والتبيين في الجملة.

وقد نقل الإجماع على حلّ الخمسة ، والبقر ، والحمر ، ظاهر ، والكباش كأنه جمع الكبش ، وكأن المراد به الضأن والمعز الجبلّي ، والغزلان جمع غزال هو الظبي ، واليحامير جمع يحمور ، قيل : هو حيوان شبيه بالإبل وليس هو إيّاه.

قوله : «ويحرم الكلب والسنور إلخ» أمّا دليل تحريم الكلب والخنزير أيضا

__________________

(١) الوسائل باب ٤٠ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٨.


كالأسد ، والنمر ، والفهد ، والدبّ ، والثعلب ، والضبع ، وابن آوى.

______________________________________________________

فهو النص (١) والإجماع.

وكذا دليل تحريم السبع ، هو الإجماع والنص ، مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : كل ذي ناب من السباع وذي مخلب (أو مخلب ـ ئل) و (مخلب ـ يب) من الطير حرام ، وقال : لا تأكل من السباع شيئا (٢) وحسنة داود بن فرقد (وهي صحيحة في التهذيب) عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كلّ ذي ناب من السباع أو مخلب (ومخلب ـ كا) من الطير والوحش حرام (٣).

وفي رواية سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن المأكول من الطير والوحش ، فقال : حرّم رسول الله صلّى الله عليه وآله : كلّ ذي مخلب من الطير ، وكل ذي ناب من الوحش ، قلت : ان الناس يقولون من السبع ، فقال لي : يا سماعة ، السبع كلّه حرام وان كان سبعا لا ناب له (٤) الخبر.

ويدل على تحريم بعضه أيضا ما سيجي‌ء من انه مسوخ ، والمسوخ حرام والناب هو الضرس.

والظاهر ان المراد من المخلب هو الظفر ، وقد يوجدان معا في السبع كالسنور والأسد وقد يخلو عنه كما يشعر به رواية سماعة المتقدمة ، ولكن الغالب لا ينفكّ عنها.

والناب يكون في البهائم ، والمخلب في الطيور غالبا ، والمراد بذي الناب ،

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٣.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٠.

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٠.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٠.


والحشار أجمع كالحيّة ، والعقرب ، والفارة ، والجرذ ، والخنافس ، والصراصر ، وبنات وردان ، والقمّل ، والبراغيث.

ويحرم الأرنب ، والضبّ ، والقنفذ ، واليربوع ، والوبر ، والخزّ ، والفنك ، والسمّور ، والسنجاب ، والعضاء ، واللحكة.

______________________________________________________

الذي يفترس ويعدو به على الحيوان ويقوى به عليه ، سواء كان ضعيفا أو قويا ، مثل الأسد والنمر والفهد والذئب والثعلب والأرنب والضبع وابن آوى والسنور وحشيا كان أو إنسيا.

الحشرة وهي حشرات الأرض ، وفي الصحاح : الحشرة بالتحريك واحد حشرات الأرض ، وهي صغار دوابّ الأرض ، مثل الحيّة ، والعقرب ، والفارة والجرذ ـ وهو نوع من الفارة ـ والخنافس ، والصراصر ، وبنات وردان ، والقمّل ، والبراغيث.

وفي عدّ بعضها من الحشرات مثل القمّل تأمّل ، إذ لا يقال له دابّة الأرض.

وينبغي ان يعدّ منها : الضب ، والقنفذ ، واليربوع ، والعضاء ـ هي بالمدّ دويبة أكبر من الوزغة ـ واللحكة قيل : هي دابّة كالسمكة تسكن الرمل ، فإذا رأت الإنسان غاصت وتغيب فيه يشبّه بها أنامل العذاري.

وكان ينبغي أيضا عدّ الأرنب من السباع ، وذي الناب ، غاية الأمر أنه يكون أضعف من الثعلب.

فتغيير الأسلوب ، وإفراد الأرنب والضبّ وغيره ممّا ذكر بعد السباع والحشرات بقوله : (ويحرم الأرنب والضب) المشعر بعدم دخول ما تحته فيهما محلّ التأمّل ، نعم يمكن عدم دخول الفنك والسمّور والسنجاب فيما قبله فتأمّل.

واما الحشرات وما ذكرت من البهائم ، فما نعرف دليلا على تحريمها غير أنها مذكورة في الكتب ، فلعلّه إجماعيّ ، ويحتمل دعوى الخباثة في بعضها أيضا فتأمّل.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويدل أيضا على تحريم البعض ، وكونه مسوخا ما يدل على تحريم المسوخ ، مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن أكل الضبّ ، فقال : ان الضبّ ، والفارة ، والقردة ، والخنازير ، مسوخ (١).

وحسنة الحسين بن خالد ـ لكن الحسين غير ظاهر ، كأنه الصيرفي المذكور في رجال الشيخ في رجال الرضا عليه السّلام بغير مدح ولا ذم ـ قال : قلت لأبي الحسن عليه السّلام : أيحلّ أكل لحم الفيل؟ فقال : لا ، فقلت : لم؟ فقال : لأنه مثلة فقد حرم الله عزّ وجلّ لحوم الأمساخ ولحم ما مثل به في صورها (٢).

وما رواه محمّد بن الحسن الأشعري ، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام ، قال : الفيل مسخ كان ملكا زنى (زناء ـ ئل) ، والذئب مسخ كان اعرابيّا ديّوثا ، والأرنب مسخ كانت امرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها ، والوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس ، والقردة والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت ، والجرّيث والضبّ فرقة من بني إسرائيل حيث نزلت المائدة على عيسى بن مريم ، لم يؤمنوا ، فتاهوا فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البرّ ، والفارة وهي الفويسقة ، والعقرب كان نمّاما ، والدب ، والوزغ ، والزنبور كان عاما يسرق في الميزان (٣).

الّا ان محمّد بن الحسن غير ظاهر التوثيق ، كأنه محمّد بن الحسن بن أبي خالد المذكور في رجال الشيخ من غير مدح ولا ذم في رجال الرضا عليه السّلام.

واعلم ان كلب الماء ينبغي ان ينظر فيه ، فان كان له ناب يحرم ، والّا يحلّ ، لما مرّ ، وتؤيّده رواية ابن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٢.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٢.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

أكل لحم الخزّ ، قال : كلب الماء ان كان له ناب فلا تقربه والّا فاقربه (١).

وفي رواية حمران بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الخزّ؟ فقال : سبع يرعى في البرّ ويأوي الماء (٢).

ورواية زكريا بن آدم ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام ، فقلت : ان أصحابنا يصطادون الخزّ فآكل من لحمه؟ قال : فقال : ان كان له ناب فلا تأكله ، قال : ثم مكث ساعة ، فلمّا هممت بالقيام ، قال : أما أنت فإني أكره لك اكله فلا تأكله (٣) كأنه صحيحة.

ويحتمل كون المراد بالكراهة التحريم فتأمّل ، كما في رواية القاسم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن لحم الأسد فكرهه (٤).

وتدل على عدم الجزم بتحريم السنجاب والفنك رواية أبي حمزة قال : سأل أبو خالد الكابلي عليّ بن الحسين عليهما السّلام عن أكل لحم السنجاب والفنك والصلاة فيهما ، فقال أبو خالد : السنجاب يأوي الأشجار ، قال : فقال : ان كان له سبلة كسبلة السنور والفار فلا يؤكل لحمه ، فلا (ولا ـ ئل) تجوز الصلاة فيه ثم قال : أمّا انا فلا آكله ولا احرّمه (٥).

وهذه تدل على علامة أخرى للتحريم فتأمّل ، والاحتياط في الاجتناب عن احتمال ما يحرم ، وقد مرّ البحث فيهما وفي السنجاب في كتاب الصلاة (٦) فتذكّر وتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٩ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٧٢.

(٢) الوسائل باب ٣٩ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٧٢.

(٣) الوسائل باب ٣٩ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٧٢.

(٤) الوسائل باب ٤٢ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٧٣.

(٥) الوسائل باب ٤١ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٧٣.

(٦) راجع ج ٢ ص ٩٧ ـ ١٠١ من مجمع الفائدة.


.................................................................................................

______________________________________________________

ثم اعلم أيضا انه قد مضى في صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ما يظهر منه عدم تحريم السباع كلّها حيث قال : انه سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ ، والوطواط ، والحمير ، والبغال (والخيل ـ ئل)؟ فقال : ليس الحرام الّا ما حرّم الله في كتابه (١) الخبر.

وحملها الشيخ على الحرام المغلّظ ، وقد عرفت ما فيه ، وتوجيها آخر فتذكر.

وكذا يدل على ذلك (٢) صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يصلح أكل شي‌ء من السباع ، لأني أكرهه واقدره (٣).

لكن يمكن حملها على التحريم ، بل هي ظاهرة فيه.

ولا يدل على عدم تحريم شي‌ء غير الخنزير صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ما حرم الله في القرآن من دابّة إلّا الخنزير ، ولكنه نكره (٤).

لأنّها تدل على عدم تحريم دابّة في القرآن بخصوصها الّا الخنزير فلا ينافي التحريم بغير القرآن ولفظة (النكرة) محمولة على الأعمّ من التحريم والكراهة بغير القرآن فتأمّل.

وتدل على كراهة الأرنب صحيحة حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله عزوف (٥) النفس ، وكان يكره الشي‌ء ولا يحرّمه ، فأتي بالأرنب فكرهها ولم يحرّمها (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٧.

(٢) أي على عدم تحريم السباع كذا في هامش بعض النسخ.

(٣) الوسائل باب ٣ حديث من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢١.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١١.

(٥) عزفت نفسي عنه عزوفا زهدت فيه وانصرفت عنه (القاموس).

(٦) الوسائل باب ٢ حديث ٢١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٩.


(الثاني) الطيور ، ويحرم منها كلّ ذي مخلاب كالبازي ، والصقر ، والعقاب ، والشاهين ، والباشق ، والنسر ، والرخمة ، والبغاث ، والغراب الأبقع ، والكبير ساكن الجبل دون غراب الزرع على رأي.

______________________________________________________

وهذه مع ما تقدم من الأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات ، دليل حلّ أكثر الأشياء خصوصا الأرنب الّا ان يثبت التحريم بدليل شرعيّ ، وليس بواضح هنا الّا كلامهم ، مع ما تقدّم ، مع انه يمكن الجمع بينها وبين ما دل على التحريم بحمله على الكراهة ، فتأمّل وتذكر واحتط.

قوله : «الثاني الطيور إلخ» الثاني من الأقسام الخمسة المنقسمة إلى الحلّ والحرمة الطيور ، ويحرم منها كلّ ذي مخلاب أي ظفرة يفرس ويقتل به الحيوان ، مثل البازي ، والصقر ، والعقاب ، والشاهين ، والباشق ، والنسر ، والرخمة ، والبغاث ، والغراب الأبقع ، والكبير ساكن الجبل دون غراب الزرع على رأي المصنف.

الظاهر أن الغراب مرفوع عطف على فاعل (يحرم) أي ويحرم الغراب ، لا مجرور معطوفا على مجرور الكاف.

وان المذاهب في الغراب ثلاثة ، الكراهة مطلقا ، وهو مذهب الاستبصار والتهذيب ، والتحريم مطلقا وهو فتوى الخلاف ، والتفصيل ، وهو كراهة غراب الزرع ، وتحريم الأبقع أي ذي اللونين مختلفين ، الطويل الذنب ، وكذا الغراب الأسود الكبير الذي يسكن الجبال ، وهو مذهب الكتاب.

دليله رواية أبي يحيى الواسطي ، قال : سئل الرضا عليه السّلام عن الغراب ، الأبقع فقال : انه لا يؤكل ومن أحلّ لك الأسود (١).

وهي غير صحيحة فلا يثبت بها تحريمهما.

ولعل دليل كراهة غراب الزرع تنفر النفس ، وحمل بعض النهي فيه على

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

الكراهة وهو تحكّم.

واما دليل التحريم مطلقا فهو الخبر الصحيح ، عن علي بن جعفر عن أخيه موسى الكاظم عليه السّلام انه قال : لا يحلّ شي‌ء من الغربان ، زاغ ولا غيره (١) وهو نص في الباب.

وما روي عنه صلّى الله عليه وآله اتى بغراب فسمّاه فاسقا ، وقال : والله ما هو من الطيبات (٢).

ولكن هذا مجهول السند ، ومثله لا يدل على العموم.

ويدلّ على التحريم أيضا رواية أبي إسماعيل ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن بيض الغراب ، فقال : لا تأكله (٣) فتأمّل.

ودليل الكراهة رواية زرارة ، عن أحدهما عليهما السّلام انه قال : ان أكل الغراب ليس بحرام ، انما الحرام ما حرّم الله تعالى في كتابه ، ولكن الأنفس تتنزّه عن كثير من ذلك تقزّزا (٤).

لعلّها صحيحة ، ولا يضر أبان بن عثمان (٥) ، التقزّر تنفّر النفس وإبائها عن الشي‌ء.

والعمومات (٦) ، والأصل ، وحصر المحرّمات في الكتاب وفي الاخبار المتقدمة في بحث الحمير والبغال مع تنفّر الطبع وحمل النهي على الكراهة للجمع.

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٩.

(٢) كما عن شرح الشرائع.

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٩.

(٤) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، وتقزز من الدنس وكلما يستقز عافه وتجنبه.

(٥) سنده كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبان (بن عثمان ـ ئل) عن زرارة.

(٦) عطف على قوله : رواية زرارة.


ويحرم الخفاش ، والطاوس ، والزنابير ، والذباب ، والبق.

______________________________________________________

ولرواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام انه كره أكل الغراب لانه فاسق (١).

وقال الشيخ في الاستبصار : المراد (٢) بالحلّ المنفي في الخبر المقدّم هو الحلال الطلق الذي ليس فيه شي‌ء أصلا ، ولم يرد بذلك التحريم.

وبالجملة : ترجيح الأصل وظاهر القرآن والعمومات مع تعارض الخصوصيات ، غير بعيد مع الجمع بين الأدلّة ، وما تقدّم من تقديم الحلّ مع الاشتباه ما لم يعلم انه حرام في صحيحة عبد الله بن سنان (٣) ، وان كان الاجتناب أحوط.

فتأمّل ، فإن المسألة مشكلة ، وأيضا ما وجدت دليلا بخصوصه على تحريم المعدودات ، نعم ورد الدليل العامّ على تحريم كل ذي ناب ، ومخلب ، وظفر ، والخبائث.

والظاهر ان المذكورات إلى الغراب داخل تحت ذي مخلاب.

قوله : «ويحرم الخفاش إلخ» تغيير الأسلوب بترك الاقتصار على العطف ، مشعر بان ما قبله داخل في ذي مخلاب ، ومجرور (٤) عطفا على مدخول الكاف والظاهر انه ليس كذلك ، فان الغراب ليس منه مطلقا (٥) ، وان الخفاش والطاوس وما بعده غير داخلة فيه ، وذلك في الطاوس ما نعرفه والخفاش يقال له :

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٨.

(٢) عبارة الإستبصار ج ٤ ص ٦٦ هكذا : فقوله : لا يحل شي‌ء من الغربان معناه لا يحل حلالا طلقا ليس فيه شي‌ء من الكراهيّة ولم يرد بذلك التحريم (انتهى).

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٥٩.

(٤) يعني ان قول المصنف كالبازي إلى قوله : والكبير إلخ داخل في لفظة (ذي مخلاب) والخفاش الى قوله : (والبق) خارج عنه مع انه ليس كذلك طردا وعكسا فان الغراب ليس له مخلاب مع أنه داخل فيه بحسب العبارة ، والطاوس ما نعرف انه خارج عن ذي مخلاب ولعله ذو مخلب هذا ما فهمناه من هذا الكلام والله العالم.

(٥) مطلق الغراب سواء كان أبقع أم غيره.


وما كان صفيفه أكثر من دفيفه ، وما فقد القانصة ، والحوصلّة ، والصيصيّة ويحلّ ما صفيفه أقلّ من دفيفه أو مساو وما وجد له أحد الثلاثة ، والحمام أرجح كالقماري ، والدباسي ، والورشان ، والحجل ،

______________________________________________________

الخشاف والوطواط أيضا.

ودليل تحريمه (١) كونه خبيثا مع ما تقدّم من انه مسوخ في رواية محمّد بن الحسن الأشعري (٢) المتقدمة ، (الوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس) والظاهر انه لا خلاف فيه.

وأما الطاوس ، فيدل على تحريمه كونه مسوخا في رواية سليمان بن جعفر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام ، قال : الطاوس مسخ كان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن تحبه فوقع بها ثم راسلته بعد ذلك فمسخهما الله طاووسين أنثى وذكرا ، فلا تأكل لحمه ولا بيضه (٣).

وروايته أيضا عنه عليه السّلام قال : الطاوس لا يحلّ اكله ولا بيضه (٤).

وقد ادّعى كون الزنابير والذباب والبق خبائث ، وهو غير ظاهر عندي وهو أعرف ، ومعلوم ان الاجتناب أحوط.

ويدل على تحريم الزنابير كونها مسوخا في رواية محمّد بن الحسن المتقدمة (٥).

قوله : «وما كان صفيفه أكثر إلخ» هذه ضابطة اخرى للتحريم ، وهي

__________________

(١) يعني تحريم الوطواط.

(٢) راجع الوسائل باب ٢ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٤.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٣ وفيه كما في الكافي أيضا عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام.

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٣.

(٥) الوسائل باب ٢ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٤.


والدرّاج ، والقبج ، والقطا ، والطيهوج ، والدجاج.

______________________________________________________

كون كل حيوان لا يكون له دفيف أصلا أو يكون ولكن صفيفه أكثر من دفيفه. يقال : دف الطائر في طيرانه إذا حرّك جناحيه (جناحه ـ خ) كأنه يضربها دفة ، وصفّ إذا لم يحرّك كما يفعل الجوارح كالبازي ، وفقد القانصة ، هي بمنزلة الأمعاء للإنسان ، ويقال لها بالفارسيّة : (سنگدان) والحوصلّة بتخفيف اللام وتشديدها بمنزلة المعدة للإنسان يقال لها : بها (چينه دان) ، والصيصية بكسر الصادين الإصبع الزائدة في باطن رجل الطائر يقال لها : بها (مهمر).

ظاهر هذه العبارة أنّ عدم الدّف وقلّته بالنسبة إلى الصف ، وعدم هذه الثلاث بالكليّة ، هي علامة التحريم ، وانه ينعدم بوجود أحدها كما صرّح بعده تأكيدا بقوله : (ويحل إلخ) فعدم ذلك كلّه ضابطة التحليل.

وان هذا انما إذا كان وجود أحدها لا يجتمع مع علامة التحريم الثابتة كما سبق ، مثل كونه سبعا وذي مخلب (١) وناب.

وبالجملة ، الذي يفهم انه من كلامهم لا بدّ ان لا يوجد ما عدّ علامة للتحليل ـ مع ما حكم بتحريمه بخصوصه ـ ولا بعمومه حتى يتم الضابطة ، وهو ظاهر ، وما نعرف (يعرف ـ خ) صحّة ذلك ، ولو فرض عدم ذلك بأن وجد احدى علامات التحليل مع التصريح بحرمته ، أو بالعكس بأن وجد علامة التحريم مع التصريح بحلّه ، فيمكن ان تكون العلامتان معتبرتين في ذلك ، وما نصّ على نقيض ذلك ، فيكون العلامة والضابطة في المجهول لا في المطلق فتأمّل.

أما الدليل على الضابطة فهو الروايات ، مثل صحيحة زرارة ، قال : والله ما رأيت مثل أبي جعفر عليه السّلام قط ، قال : سألته قلت : أصلحك الله ما يؤكل من الطير؟ قال : كل ما دفّ ولا تأكل ما صفّ ، قال : قلت : فالبيض في الآجام؟

__________________

(١) هكذا في النسخ والصواب (وذا مخلب وناب).


.................................................................................................

______________________________________________________

فقال : ما استوى طرفاه فلا تأكله ، وما اختلف طرفاه فكل ، قلت : فطير الماء؟ قال : ما كانت له قانصة فكل وما لم تكن له قانصة فلا تأكل (١).

وفي الفقيه ـ بعدها ـ : وفي حديث آخر : ما كان (ان كان ـ ئل) يصفّ ويدفّ فكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل ، وان كان صفيفه أكثر من دفيفه فلا يؤكل ، ويؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصية ولا يؤكل ما ليست له قانصة أو (ولا ـ خ) صيصية (٢).

فيه الحكم بالأكثر ولم يعلم حال المساوي ، وسيجي‌ء.

ورواية عبد الله بن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : اني أكون في الآجام فيختلف عليّ الطير فما آكل منه؟ فقال : كل ما دفّ ولا تأكل ما صف ، قلت : اني اوتى به مذبوحا؟ قال : كل ما كانت له قانصة (٣).

ورواية سماعة بن مهران قال : سألت الرضا عليه السّلام ـ كذا في التهذيب ـ والظاهر أبا عبد الله عليه السّلام كما في الكافي ـ عن المأكول من الطير والوحش فقال : حرّم رسول الله صلّى الله عليه وآله : كلّ ذي مخلب من الطير وكلّ ذي ناب من الوحش ، قلت (فقلت ـ ئل) : ان الناس يقولون من السبع ، قال : فقال لي : يا سماعة السبع كلّه حرام ، وان كان سبع (سبعا ـ خ) لا ناب له ، وانما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله هذا تفصيلا وحرّم الله ورسوله المسوخ جميعا ، فكل الآن من طير البرّ ما كان له حوصلة ، ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمامة لا معدة كمعدة الإنسان ، وكلّ ما صفّ فهو ذو مخلب وهو حرام ، والصفيف كما يطير

__________________

(١) أورد صدره في الوسائل باب ١٩ حديث ١ وذيله قطعة في باب ٢٠ حديث ٤ ج ١٦ ص ٣٤٦ ـ ٣٤٨ وقطعة في باب ١٨ حديث ٢ ج ١٦ ص ٣٤٦ ـ ٣٤٨ ـ ٣٤٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٢) الوسائل باب ١٩ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٧.

(٣) أورد صدره في باب ١٩ حديث ٣ وذيله في باب ١٨ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

البازي ، (والحدأة ـ ئب) ، والصقر وما أشبه ذلك ، وكلّ ما دفّ فهو حلال ، والقانصة والحوصلّة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه وكلّ طير مجهول (١).

ورواية مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كل من الطير ما كانت له قانصة ولا مخلب له ، قال : وسئل عن طير الماء فقال : مثل ذلك (٢).

ورواية ابن بكير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كل من الطير ما كانت له قانصة أو صيصية أو حوصلة (٣).

ولا يضر عدم صحّة سندها بعد الاتفاق عليها.

واعلم ان رواية ابن بكير صريحة في انه يكفي للتحليل أحدها ، فالظاهر انها لا تجتمع مع المحرّم.

ورواية مسعدة تدلّ على أنّ القانصة وحدها كافية ، والظاهر أنّ أختيها كذلك لكن شرط عدم اجتماعها مع علامة التحريم ـ وهي المخلف ـ فيدل على إمكان الاجتماع مع تغليب علامة التحريم.

ورواية سماعة تدلّ على تحريم السبع مطلقا (٤) ، وانفكاكه عن الناب ، وتحريم المسوخ مطلقا ، سواء وجد فيه علامة أخر للتحريم أم لا ، ووجد علامات التحليل أم لا ، وان طير البرّ حلال إذا كان له حوصلة مطلقا ، وطير الماء إذا كان له قانصة كذلك.

ويمكن تقييد هما بعموم وجدان علامة التحريم المتقدمة ، مثل السبعية

__________________

(١) أورد قطعة منه في باب ٣ حديث ٣ ص ٣٢٠ وقطعة منه في باب ٢ حديث ٣ ص ٣١٣ وقطعة منه في باب ١٨ حديث ٣ ص ٣٤٥ وقطعة منه في باب ١٩ حديث ٢ ص ٣٤٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦.

(٢) الوسائل باب ١٨ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٦.

(٣) الوسائل باب ١٨ حديث ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٧.

(٤) سواء كان له ناب أم لا ، كذا في هامش بعض النسخ.


.................................................................................................

______________________________________________________

والمسوخيّة ، والمخلب ، والناب ، وهو ظاهر.

ودلت على تفسير القانصة في الجملة ، وعلى تفسير الصفّ ، والدفّ أيضا كذلك ، وان كلّ ما صفّ فهو ذو مخلب وحرام ، وكذا كل ذي ناب حرام مطلقا ، وكل ما دفّ حلال كذلك ، وان القانصة والحوصلة انما هي علامتان يعلم بهما الحلال من الطير إذا لم يعلم بالطيران من الصفّ والدفّ ويكون طيرا مجهولا حاله من جهة الصفّ والدفّ والتحليل والتحريم بسبب آخر ، والّا يحكم بهما بتلك العلامة.

وقريب منه رواية ابن أبي يعفور حيث قال فيه أولا : (كل ما دفّ) وفهم عدم أكل ما صفّ ، ثم بعد تعذر العلم بذلك قال : (كل ما كانت له قانصة) (١).

فعلم ان ذلك بعد تعذر العلم بوجه آخر فتأمّل ودلت على كفاية القانصة.

ورواية زرارة (٢) دلت على كفاية الدفّ للتحليل ، والصفّ للتحريم.

وبالجملة لا إشكال مع عدم اجتماع العلامتين المختلفتين للتحليل والتحريم ، وان احدى علامات التحليل أو التحريم كافية حينئذ وهو ظاهر ، وإذا اجتمعتا ففيه إشكال.

ولكن وجود الاجتماع الذي يكون سببا للإشكال غير معلوم.

فالذي يظهر ان الدفّ كاف في الحلّ إذا لم يكن مع السبعيّة والمسوخيّة والمخلب والناب (أو الناب ـ خ) ولم يحرم بخصوصه وان لم يكن معه احدى العلامات الأخر للتحليل ، وكذا إحداها أي الحوصلة والقانصة.

وان كل واحد من علامات التحريم الثلاث المتقدمة كافية إذا لم يكن مع

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٠ حديث ٦ ص ٣٤٩ وباب ١٨ حديث ٦ ص ٣٤٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦.

(٢) الوسائل باب ١٩ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

التصريح بحلّ ما فيه من الحيوان وان وجد فيه بعض علامات الحلّ والكثرة أدلّة التحريم ، المشتملة عليها ، وصحتها ، بخلاف أدلّة التحليل ، و (١) للاحتياط ، ولما تقدم من الإشارة في هذه الاخبار أن السبع مطلقا حرام ، وان القانصة ، والحوصلة انما هما في المجهول ، ولعدم وجود صحيح صريح في كفاية إحدى العلامات المذكورة في التحليل ، وهو ظاهر إذا نظرت فيما تقدم ، ولما هو المشهور ، من انه إذا اشتبه الحلال والحرام غلّب الحرام.

ويحتمل تقديم علامة الحلّ ، للعقل والنقل المتقدمين ، وعمومات الآيات (٢) والاخبار ، وحصر المحرّمات في القرآن ، والحديث انما الحرام ما حرّمه الله في كتابه (٣).

وصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في ترجيح الحلال مع الاشتباه حتى يعلم الحرام بعينه (٤).

وحينئذ يختصّ دليل التحريم بما إذا لم يكن معه شي‌ء ممّا قلنا إنه دليل التحليل ويعكس لو عكسنا.

وانه لا إشكال في عدم اجتماع المتقابلين منها مثل المخلب والناب والسبع وعدمها ، وإحدى الثلاثة وعدمها ، فان الظاهر ان إحداها علامة التحليل وعدم الكل علامة التحريم لا كلّ واحد ، وهو الظاهر من كلامهم ، والروايات على ما تقدّم.

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : لكثرة أدلة التحريم إلخ وكذا قوله : (ولما تقدم) وقوله : ولعدم وجود إلخ وقوله : ولما هو المشهور.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) الانعام : ١٤٥ ، وقوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً). البقرة : ٢٩.

(٣) لاحظ الوسائل باب ٤ ـ ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٢ ـ ٣٢٧.

(٤) راجع الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٥٩.


ويكره الهدهد ، والكركي ، والكروان ، والصعوة ، وطير الماء ان كان فيه أحد الثلاثة أو كان دفيفه أكثر أو مساويا.

______________________________________________________

نعم قد يجتمع الدفّ والصفّ في الجملة ، فالظاهر ان الحكم للغالب كما هو مدار أحكام الشرع.

وعلى تقدير فرض التساوي يحصل الاشكال مع عدم وجود مرجّح مع العلامتين فيجي‌ء فيه الاحتمالان المتقدمان ، والظاهر هنا الحلّ ، لما تقدم مع عدم ثبوت التحريم بالصفّ بدليل صحيح صريح مطلقا ، سواء كان مع الدفّ أم لا ، ولهذا صرّحوا بالتحليل مع المساواة ، فتأمّل.

قوله : «ويكره الهدهد إلخ» أما دليل كراهة الهدهد فهو النهي الواقع في الاخبار عن ذبحه وقتله ، مثل صحيحة علي بن جعفر قال : سألت أخي موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الهدهد ، وقتله ، وذبحه؟ فقال : لا يؤذى ولا يذبح فنعم الطير هو (١).

ورواية سليمان الجعفري ، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن قتل الهدهد ، والصرد ، والصوام ، والنحلة (٢).

وروى سليمان الجعفري عنه عليه السّلام أيضا ، قال : في كلّ جناح هدهد مكتوب بالسريانيّة : آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) خير البريّة (٣).

وسيجي‌ء أيضا ما يدل عليه.

وظاهر الدليل هو التحريم ، حمل على الكراهة ، كأنه للأصل والعمومات وحصر المحرّمات ، ولعدم القائل بالتحريم على الظاهر فتأمّل.

ثم اعلم أن الكلام في كراهة أكل اللحم ، والدليل ما دلّ عليه ، بل على

__________________

(١) الوسائل باب ٤٠ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٨ حديث ١.

(٢) الوسائل باب ٤٠ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٩.

(٣) الوسائل باب ٤٠ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

النهي عن أذاه وقتله ، وهو غير مستلزم للنهي عن أكل لحمه ، وهو ظاهر ، فان في أكله بعد القتل ليس أذاه.

وأيضا يحتمل ان يكون المراد بالنهي قتله لا للأكل ، بل لأذاه يؤيده قوله : (لا يؤذى) والعلّة (١) أيضا فإنه كونه (نعم طير) لا يستلزم عدم قتله للأكل ، فان الغنم أيضا موصوف بأنه نعم المال (٢) أو مال مبارك ونحو ذلك مع انه خلق للأكل (٣) ، ولا شك ان الاجتناب عن أذاه أولى وأحوط.

واما دليل كراهة الخطاف فهو رواية الحسن بن داود الرقي ، قال : بينا نحن قعود عند أبي عبد الله عليه السّلام إذ مرّ رجل بيده خطاف مذبوح ، فوثب إليه أبو عبد الله عليه السّلام حتى أخذه من يده ثم دحا به الأرض ثم قال : اعالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟ (لقد ـ يب) أخبرني أبي عن جدّي انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نهى عن قتل الستة النحلة ، والنملة ، والضفدع ، والصرد ، والهدهد ، والخطاف (٤).

فيها دلالة على كراهة الستة ، ولعلّ فيه ان الأمر (٥) يكون بمعنى الجواز ، ويفهم ان المراد بالنهي عن القتل ، النهي عن الأكل حيث رمى به بعد ان كان مذبوحا ثم نقل النهي عن القتل ، فتأمّل.

ولكن في السند جهالة ل (حسن) و (غيره) (٦) واضطراب أيضا حيث نقل

__________________

(١) يعني يؤيّده التعليل بقوله في صحيحة علي بن جعفر المتقدمة : فنعم الطير هو.

(٢) في خبر عمر بن ابان عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : نعم المال الشاة ، الوسائل باب ٢٩ حديث من أبواب أحكام الدواب ج ٨ ص ٣٧٢ وراجع باب ٢٠ منها وفيه اخبار كثيرة دالّة على كون الشاة والعنز بركة ص ٣٧٣.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى (خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‌ءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) ، النحل : ٥.

(٤) الوسائل باب ٣٩ حديث ٢ ـ ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٧.

(٥) يعني ان الأمر في قوله عليه السّلام : عالم أمركم بهذا إلخ يعني أجاز لكم.

(٦) سنده في التهذيب هكذا : محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن علي بن محمّد ، عن


والخطاف.

______________________________________________________

في الكافي انه رفع الى داود الرقي أو غيره (١) وزاد في آخرها بعد قوله : (نهى عن قتل الستة منها الخطاف وقال : إنّ دورانه في السماء أسفا لما فعل بأهل بيت محمّد صلّى الله عليه وآله وتسبيحه قراءة الحمد لله ربّ العالمين ، ألا ترونه يقول : ولا الضالّين؟ (٢).

وفي رواية محمّد بن يوسف التميمي ، عن محمّد بن جعفر ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : استوصوا بالصنينات خيرا يعني الخطاف ، فإنهن آنس طير الناس بالناس ثم قال : (وـ ئل) أتدرون ما تقول الصنينة إذا (يعني مرّت وـ ئل) ترنّمت؟ تقول : بسم الله الرَّحمن الرحيم ، الحمد لله ربّ العالمين. حتى قرأ أمّ الكتاب ، فإذا كان في آخر ترنّمها قالت : ولا الضالّين مدّها (بها ـ خ) رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ولا الضالّين (٣).

وفي حسنة جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قتل الخطاف أو إيذائهن في الحرم ، فقال : لا تقتلهن (لا تقتلن ـ خ) ، فاني كنت مع علي بن الحسين عليهما السّلام فرآني أُوذيهن ، فقال له : يا بنيّ لا تقتلهنّ ولا تؤذيهنّ فإنهن لا يؤذين شيئا (٤).

تدل على عدم قتل ما لا يؤذي ، وقتل ما يؤذي ، ولا تدل على تحريم لحمه ، بل كراهته (٥) أيضا مع ان فيه شيئا فتأمّل ، فكأنه كان عليه السّلام في الصغر

__________________

الحسن بن داود الرقى.

(١) وفي الكافي هكذا : علي بن محمّد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن علي بن محمّد رفعه إلى داود الرقي وغيره قال : بينا إلخ.

(٢) الوسائل باب ٣٩ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٧.

(٣) الوسائل باب ٣٩ حديث ٤ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٧.

(٤) الوسائل باب ٣٩ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٧.

(٥) يعني بل لا تدل على كراهته أيضا فضلا عن التحريم.


والفاختة.

والقنبرة.

______________________________________________________

جدّا (١).

وفي رواية عمار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه السّلام عن الرجل يصيب خطافا في الصحراء أو يصيده أيأكله؟ فقال : هو ممّا يؤكل ، وعن الوبر يؤكل؟ قال : لا هو حرام (٢).

وفهم الشيخ من الاولى تحريم لحمه ، وحمل الثانية على التعجب من ذلك دون الاخبار ويجري ذلك مجرى قول أحدنا إذا رأى إنسانا يأكل شيئا تعافه الأنفس : هذا شي‌ء يؤكل؟ وانما يريد به تهجينه لأن الاخبار عن جواز ذلك ، ولا يخفى بعده ، بل عدم إمكانه لقوله : (وعن الوبر يؤكل؟ قال : لا هو حرام) وعدم الحاجة والداعي إلى ذلك ، إذا ما ثبت بالأولى تحريم لحمه ، لما عرفت ، ولمقارنته بغير المحرّم مثل الهدهد ، فان الظاهر عدم تحريمه عنده بل عند غيره أيضا.

واما كراهة الفاختة ، فلما روي عن أبي عبد الله عليه السّلام انها طائر مشوم (٣).

وفي السند (٤) والدلالة تأمّل بعد أدلة الحلّ لكن الاجتناب حسن بهذا.

واما كراهة القبرة بالتشديد والتخفيف ، وبالنون لحسن. هكذا قيل ولكن في النسخ ، القنبرة ، فلرواية سليمان بن جعفر الجعفري ، عن أبي الحسن الرضا

__________________

(١) توجيه لنهيه عليه السّلام إيّاه عن الإيذاء بأنه عليه السّلام كان صغيرا جدا.

(٢) الوسائل باب ٣٩ حديث ٦ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٨ وباب ١٧ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٣) راجع الوسائل باب ٤١ حديث ٢ من أبواب أحكام الدواب ج ٨ ص ٣٨٦.

(٤) سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن الجاموراني ، عن ابن أبي حمزة ، عن سيف بن عميرة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام إلخ.


والحبارى

______________________________________________________

عليه السّلام قال : لا تأكلوا القبرة (القنبرة ـ ئل) ، ولا تسبوها ، ولا تعطوها الصبيان يلعبون بها ، فإنها كثيرة التسبيح لله تعالى ، وتسبيحها : لعن الله مبغضي آل محمّد صلّى الله عليه وآله (١).

ورواية أخرى له عنه عليه السّلام ، وفي آخرها : يقول في آخر تسبيحها : لعن الله مبغضي آل محمّد صلّى الله عليه وآله (٢).

وقال في الكافي : وبإسناده قال : كان علي بن الحسين عليهما السّلام يقول : ما ازرع الزرع لطلب الفضل فيه وما أزرعه إلّا ليناله المعترّ وذو الحاجة ، ولتنال منه القبرة (القنبرة ـ ئل) خاصّة من الطير (٣).

وامّا كراهة الحبارى ، فليس لها دليل واضح سوى انه مذكور في أكثر الكتب. قال في التحرير : وبها رواية شاذة (٤).

نعم في صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سأل أبي أبا عبد الله عليه السّلام وانا اسمع ما تقول في الحبارى؟ قال : ان كانت له قانصة فكل (٥) الخبر.

وهي مشعرة بعدم ظهور حالها فالاجتناب أولى فتأمّل.

وتدلّ على عدمها صحيحة كردين المسمعي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الحبارى قال : فوددت ان عندي منه فآكل منه حتى اتملّى (٦).

وعن بسطام بن صالح ، قال : سمعت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام يقول :

__________________

(١) الوسائل باب ٤١ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٩.

(٢) الوسائل باب ٤١ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٥٠.

(٣) الوسائل باب ٤١ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٥٠.

(٤) قال في التحرير ص ١٦٠ من كتاب الأطعمة والأشربة ما هذا لفظه : يكره الهدهد والفاختة والقبّرة والحبارى على رواية شاذة (انتهى).

(٥) الوسائل باب ٢٠ قطعة من حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٨.

(٦) الوسائل باب ٢١ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٠.


خصوصا الصرد والصوام.

والشقرّاق.

______________________________________________________

لا أرى بأكل الحبارى بأسا وانه جيّد للبواسير ووجع الظهر ، وهو ممّا يعين على كثرة الجماع (١).

قال في شرح الشرائع : كأنّ نفي البأس يشعر بالكراهة فتأمّل.

واما كراهة الصرد والصوام فقد مرّ في رواية الهدهد (٢) فتذكر ، وكانت فيها النحلة ، وفي أخرى : النملة أيضا ، وما ذكروهما فكأنهما محرّمتان عندهم فتأمّل ، وكانت فيها الضفدع والصرد أيضا مع قولهم بكراهة الصرد ، وكأنه لذلك قالوا بشدّة كراهته ، ولكن ما قالوا بشدّة كراهة الهدهد وما نعلم الشدّة أيضا وليس شدة الصوامّ بظاهرة.

واما شدّة كراهة الشقرّاق (٣) ، فلرواية عمار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل عن الشقرّاق ، فقال : كره قتله لحال الحيّات ، قال : وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يوما يمشي ، فإذا شقراق قد انقض فاستخرج من خفه حيّة (٤).

وكأنّ لفظة الكراهة التي قد تكون للتحريم مع العلّة وحسن فعله معه صلّى الله عليه وآله وجه لقوله : (خصوصا) وكذا وجود النهي في الصوام والصراد ، بخلاف الحبارى والفاختة ، ولكن لم يفهموا منه الشدّة والخصوصيّة بالنسبة إلى

__________________

(١) الوسائل باب ٢١ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ وفيه نشيط بن صالح.

(٢) راجع الوسائل باب ٣٩ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٢٤٧.

(٣) طائر يسمّى الاخيل دون الحمامة اخضر اللون اسود المنقار ، وبأطراف جناحيه سواد وبظاهر هما قال الجوهري : والعرب تتشأم به وفيه لغات إحداها فتح الشين وكسر القاف مع التثقيل والثانية بكسر الشين مع التثقيل ، والثالثة الكسر مع سكون القاف (مجمع البحرين) وفي هامش بعض النسخ (سرقيا).

(٤) الوسائل باب ٤٣ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٢٥١.


.................................................................................................

______________________________________________________

الهدهد والخطاف فتأمّل.

واعلم قد نقل وجها غريبا لقنزعة القنبرة في الكافي بإسناده إلى سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال : قال علي بن الحسين عليهما السّلام : القنزعة التي على رأس القبّرة من مسحة سليمان بن داود ، وذلك ان الذّكر أراد ان يسفد (١) أنثاه فامتنعت عليه ، فقال لها : لا تمتنعي فما أريد الّا ان يخرج الله عزّ وجلّ منّي نسمة تذكر به فأجابته إلى ما طلب ، فلما أرادت أن تبيض قال لها : أين تريدين أن تبيضي ، فقالت له : لا أدرى أنحيه عن الطريق ، قال لها : اني خائف ان يمرّ بك مارّ الطريق ، ولكنّي أرى لك ان تبيضي قرب الطريق ، فمن يراك قربه توهم انك تعرّضين للقط الحبّ من الطريق. فأجابته إلى ذلك وباضت وحضنت (٢) حتى أشرفت على النقاب ، فبينا هما كذلك إذا طلع سليمان بن داود (على نبينا وآله وعليهما السّلام) في جنوده والطير تظلّه فقالت له : هذا سليمان قد طلع علينا في جنوده ولا آمن ان يحطمنا ويحطم بيضنا ، فقال لها : ان سليمان (على نبينا وآله وعليه السّلام) لرجل رحيم بنا فهل عندك شي‌ء هيّأته لفراخك إذا نقبن؟ قالت : نعم جرادة خبّأتها منك انتظر بها فراخي إذا نقبن ، فهل عندك شي‌ء؟ قال : نعم عندي تمرة خبّأتها منك لفراخي ، قالت : فخذ أنت تمرتك وآخذ أنا جرادتي ونعرض لسليمان (على نبينا وآله وعليه السّلام) فنهديهما له ، فإنه رجل يحبّ الهديّة ، فأخذ التمرة في منقاره وأخذت هي الجرادة في رجليها ثم تعرّضا لسليمان (على نبينا وآله وعليه السّلام) فلما رآها وهو على عرشه بسط يديه لهما فأقبلا فوقع الذكر على اليمين ووقعت الأنثى على اليسار وسألهما عن حالهما فأخبراه فقبل هديتهما وجنّب جنده عنهما وعن بيضهما ومسح على رأسهما ودعا لهما بالبركة فحدثت القنزعة

__________________

(١) السفاد نزو الذكر من الحيوان والسباع على الأنثى ـ الصحاح.

(٢) حضن الطائر بيضه ضمه تحت جناحيه كذا في هامش الكافي.


(الثالث) حيوان البحر ، ويحرم كلّه الّا السمك ذا الفلس.

______________________________________________________

على رأسهما من مسحة سليمان عليه السّلام (١).

فيها أحكام ، مثل قصد النسل من النكاح.

والتجنب عن كسر بيض الطيور وأخذه.

والهديّة وقبولها وان كان قليلا جدّا وكان لصاحبها ، طلبا من المهدي إليه.

والدعاء له بالبركة وغيرها وان كان في شرع سليمان فتأمّل.

قوله : «الثالث حيوان البحر إلخ» المشهور بين الأصحاب تحريم حيوان البحر الّا السمك الذي له فلس فإنه الحلال ، وقد ادعى إجماع المسلمين على حلّ السمك الذي فيه فلس ، وإجماع الأصحاب على تحريم ما ليس بصورة السمك من سائر حيوان البحر ، وهو غير ظاهر ، وسيجي‌ء اختلافهم في السمك الذي لا فلس له مثل الجرّي والمارماهي والزمار.

فنقل عن الأكثر التحريم مطلقا لصحيحة محمّد بن مسلم قال : أقرأني أبو جعفر عليه السّلام شيئا من كتاب علي عليه السّلام ، فإذا فيه : انها كم عن الجرّيث ، والمارماهي ، والطافي ، والطحال ، قال : قلت له : رحمك الله انا نؤتى بسمك ليس له قشر ، فقال : كل ماله قشر من السمك ، وما ليس له قشر فلا تأكله (٢). وصحيحة حماد بن عثمان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : جعلت فداك ، الحيتان ما يؤكل منها؟ قال : ما كان له قشر ، فقلت : جعلت فداك ما تقول في الكنعت؟ قال : لا بأس بأكله ، قال : قلت : فإنه ليس له قشر ، قال : بلى ولكنها حوت سيّئة الخلق تحتكّ بكلّ شي‌ء ، فإذا أنظرت في أصل أذنها وجدت لها قشرا (٣)

__________________

(١) الكافي آخر كتاب الصيد باب القبرة ج ٢ ص ١٤٦ طبع قديم وأورد قطعة منه في الوسائل باب ٤١ حديث ٤ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٥٠.

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣١ وذيله في باب ٨ حديث ١ منها.

(٣) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة ابن سنان ـ كأنه عبد الله ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كان علي عليه السّلام بالكوفة يركب بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله ثم يمر بسوق الحيتان فيقول : لا تأكلوا ولا تبيعوا ما لم يكن له قشر من السمك (١).

ومثلها رواية مسعدة بن صدقة عنه عليه السّلام (٢).

ورواية أبي سعيد ، قال : خرج أمير المؤمنين عليه السّلام على بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله فخرجنا معه نمشي حتى انتهى إلى موضع أصحاب السمك فجمعهم ثم قال : أتدرون لأيّ شي‌ء جمعتكم؟ قالوا : لا ، فقال : لا تشتروا الجرّيث ، ولا المارماهي ، ولا الطافي على الماء ولا تبيعوه (٣).

وفي الصحيح ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عمّا يكره من السمك فقال : امّا في كتاب علي عليه السّلام فإنه نهى عن الجرّيث (٤).

وقريب منه رواية محمّد بن مسلم عنه عليه السّلام (٥).

ورواية ابن فضال عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : الجرّي ، والمارماهي ، والطافي حرام في كتاب علي عليه السّلام (٦) وغير ذلك من الاخبار.

وذهب الشيخ في كتابي الأخبار إلى إباحة ما عدا الجرّي ، لصحيحة محمّد الحلبي ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : لا يكره شي‌ء من الحيتان إلّا الجرّي (٧)

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٠.

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٠.

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ١٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٣.

(٤) الوسائل باب ٩ حديث ١٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٣.

(٥) الوسائل باب ٩ حديث ١٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٤.

(٦) الوسائل باب ٩ حديث ١٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٤.

(٧) الوسائل باب ٩ حديث ١٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

ومثلها رواية الحكم الّا انه بدل الجرّي الجرّيث (١).

قال الشيخ في الكتابين : فالوجه في هذين الخبرين وما جرى مجراهما أنه لا يكره كراهيّة الحظر إلّا الجرّي وان كان يكره كراهيّة الندب والاستحباب وما قدّمناه من الاخبار وان تضمّن بعضها لفظ التحريم ، مثل حديث ابن فضال : فمحمول على هذا الضرب من التحريم الذي قدّمناه.

وأيّده بصحيحة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام (أبا عبد الله عليه السّلام ـ يب) عن الجرّيث فقال : وما الجرّيث؟ فنعتّه له فقال (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) ، الآية ، ثم قال : لم يحرّم الله شيئا من الحيوان في القرآن الّا الخنزير بعينه ويكره كل شي‌ء من البحر ليس له قشر مثل الورق وليس بحرام انما هو مكروه (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الجرّي ، والمارماهي ، والزمير ، وما ليس له قشر من السمك إحرام هو؟ فقال لي : يا محمّد : اقرأ هذه الآية التي في الأنعام (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) ، قال : فقرأتها حتى فرغت منها ، فقال : انما الحرام ما حرّم الله ورسوله في كتابه ، ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها (٣).

فهذان الخبران صريحان في عدم تحريم شي‌ء من السمك الذي لا قشر له خرج ما اجمع على تحريمه ـ بحيث لا يمكن تأويله ـ بالنص والإجماع ، مثل الجرّي ان صحّ ما قيل فيه ، وبقي الباقي.

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ١٨ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٤.

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ١٩ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٤.

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ٢٠ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٥.


(الرابع) المائعات ويحرم منها الخمر وكلّ مسكر كالنبيذ وشبهه.

______________________________________________________

ويؤيده الأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات بالآية والاخبار المتقدّمة أيضا فتأمّل.

ولكن يبعد حمل تلك الأخبار الكثيرة جدّا على الكراهة خصوصا ما يدل على فعله عليه السّلام من ركوب بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله ، والرواح إلى السوق وجمع أهله ، ومنعهم عن البيع والأكل ، فإن مثل هذا لا يعمل للمكروه.

وأيضا الظاهر تحريم الطحال والطافي ، فيلزم حمل النهي الذي فيها على التحريم والكراهة ، وكذا في الجرّي أو الجرّيث مع غيرها.

وأيضا لا بدّ من إخراج الجرّي أو الجرّيث من الكراهة وإدخالهما في التحريم ، فلا بدّ من التأويل فيما يدل على حصر المحرّمات في غيره مثل الآية والاخبار.

وأيضا ان الأول (الدالة على التحريم ـ خ) أكثر ، مع انه يمكن حمل الأخيرتين على التقيّة ، أو على عدم التحريم بالكتاب أو التحريم الغليظ ، مثل تحريم الخنزير ، ويؤيّده كثرة القائل.

فتأمّل ، فإن المسألة من المشكلات.

وأيضا ما علم تحريم كل حيوان البحر غير السمك كما هو ظاهر كلامهم ، إذ ما عرفنا له دليلا سوى ما ادّعى الإجماع على تحريم ما ليس بصورة السمك في شرح الشرائع فتأمّل.

قوله : «الرابع المائعات ويحرم إلخ» رابع المخلوقات المنقسمات (المنقسمة ـ خ ل) إلى المحرّم والمباح المائعات ، والمحرّم منها الخمر وكل مسكر كالنبيذ ، وهو ما يصنع من التمر كما يفهم من صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الخمر من خمسة ، العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبتع من العسل ، والمزر من الشعير ،


.................................................................................................

______________________________________________________

والنبيذ من التمر (١).

ورواية الحسن الحضرمي عمن أخبره ، عن علي بن الحسين عليهما السّلام ، قال : الخمر من خمسة أشياء ، من التمر ، والزبيب ، والحنطة ، والشعير ، والعسل (٢).

ومثله روى في الصحيح ، عن عامر بن السمط ، عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام (٣).

وما روي في الصحيح أيضا ، عن علي بن إسحاق الهاشمي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الخمر من خمسة ، العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبتع من العسل ، والمرز من الشعير ، والنبيذ من التمر (٤).

ولا منافاة لاحتمال الأخذ من الجميع.

وبالجملة كلّ ما يسكر وان كان قليلا (قليله ـ خ ل) ليس كذلك فقليله وكثيره حرام من أيّ شي‌ء أخذ.

أما الخمر فالدليل على تحريمه من الكتاب (٥) والسنّة ، وقد كثرت الاخبار ، بل ما يحتاج إلى الدليل ، لانه صار من الضروريات.

واما غيره فبالقياس باستخراج العلّة ، وهو السكر ، وكونه علة ، مفهوم من

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٢١.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٢٢.

(٣) الوسائل باب ١ مثل حديث ٢ بالسند الثاني من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٢٢.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٢٢.

(٥) مثل قوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) إلخ ، البقرة : ٢١٩. وقوله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) ، المائدة : ٩٠. وقوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) ، المائدة : ٩١.


.................................................................................................

______________________________________________________

العقل والنقل.

وتدل عليه أيضا الأخبار ، مثل رواية علي بن يقطين ، عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال : ان الله عزّ وجلّ لم يحرِّم الخمر لاسمها ، ولكن حرّمها لعاقبتها ، فما فعل فعل الخمر فهو خمر (١).

ومثله صحيحته أيضا ، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام ، قال : ان الله تبارك وتعالى لم يحرّم الخمر لاسمها ، ولكن حرّمها لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر (٢) ، والمراد انه حرام مثلها.

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السّلام : واما الخمر ، فإنه حرّمها لفعلها وفسادها (٣).

وفي هذه الاخبار إشارة إلى جواز القياس مع بيان العلّة من الشارع ، فتأمّل.

وتدل على تحريم كل مسكر والنبيذ أيضا موثقة حنان بن سدير ، قال : سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله عليه السّلام : ما تقول في النبيذ ، فإن أبا مريم يشربه ويزعم أنك أمرته بشربه؟ فقال : صدق أبو مريم ، سألني عن النبيذ فأخبرته أنه حلال ولم يسألني عن المسكر. ثم قال عليه السّلام : ان المسكر ما اتقيت فيه أحدا ، سلطانا ولا غيره ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : كلّ مسكر حرام وما أسكر كثيره فقليله حرام ، فقال له الرجل : فهذا (هذا ـ ئل) النبيذ الذي أذنت لأبي مريم في شربه أيّ شي‌ء هو؟ فقال : اما أبي فإنه كان (فكان ـ ئل) يأمر الخادم فيجي‌ء بقدح فيجعل فيه زبيبا ويغسله غسلا نقيّا ثم يجعله (فيجعله ـ ئل) في إناء ثم يصبّ عليه ثلاثة مثله

__________________

(١) الوسائل باب ١٩ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٣.

(٢) الوسائل باب ١٩ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٣.

(٣) الوسائل باب ١٩ قطعة من حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٣ منقول بالمعنى.


.................................................................................................

______________________________________________________

أو أربعة ماء ثم يجعله بالليل ويشربه بالنهار ، ويجعله بالغداة ويشربه بالعشي وكان يأمر الخادم بغسل الإناء في كل ثلاثة أيّام كيلا (لئلا ـ ئل) تغتلم ، فان كنتم تريدون النبيذ فهذا النبيذ (١).

وفيها دلالة على تحريم كل مسكر ولو كان قليلا منه.

وان النبيذ منه في الجملة ، ومنه حرام ، ومنه حلال وبيّنه.

وان لا تقيّة في بعض الأمور يحتمل لانه معلوم بحيث لا يمكن التقيّة أو لوجود قائل بتحريمه منهم أيضا فتأمّل.

وفي الحسن ، عن كليب الصيداوي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال : كلّ مسكر حرام (٢).

وعن أبي الربيع الشامي ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : ان الله حرّم الخمر بعينها ، فقليلها وكثيرها حرام كما حرّم الميتة والدم ولحم الخنزير ، وحرّم رسول الله صلّى الله عليه وآله الشراب من كلّ مسكر وما حرّمه رسول الله صلّى الله عليه وآله فقد حرمه الله عزّ وجلّ (٣).

وفي صحيحة معاوية بن وهب ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ان رجلا من بني عمّي ـ وهو من صلحاء مواليك ـ يأمرني (أمرني ـ خ) ان أسألك عن النبيذ وأصفه لك فقال : انا أصف لك ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : كلّ مسكر حرام ، وما أسكر كثيره فقليله حرام ، قال : فقلت : فقليل الحرام يحلّه كثير الماء؟ فردّ عليّ بكفيه مرّتين : لا ، (٤) لا.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٢ حديث ٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٨١.

(٢) الوسائل باب ١٥ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٥٩.

(٣) الوسائل باب ١٥ حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٥٩.

(٤) الوسائل باب ١٧ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٦٧.


والفقاع.

______________________________________________________

وفي رواية الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن النبيذ ، فقال : حرّم الله الخمر بعينها وحرّم رسول الله صلّى الله عليه وآله من الأشربة كلّ مسكر (١).

وفي رواية أخرى ، عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام : انظر شرابك هذا الذي تشربه ، فان كان يسكر كثيره فلا تقربنّ قليله ، فان رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : كلّ مسكر حرام ، وما أسكر كثيره فقليله حرام (٢).

وبالجملة ، الاخبار في تحريم شرب كل مسكر كثيرة جدّا ، وهو ظاهر وأنّ المراد بالمسكر الذي كثيره يسكر ولا يشترط ان يسكر قليله أيضا ، فالذي يسكر الكثير منه فهو حرام من غير إسكار من أيّ شي‌ء كان ، والاخبار في ذلك كثيرة جدا ، وقد مرّ طرف منها.

ومثل ما في صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : سألته عن نبيذ قد سكن غليانه؟ فقال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : كل مسكر حرام (٣) ، ومثله رواية أبي الربيع الشامي (٤).

قوله : «والفقاع» من المحرّمات ، الفقاع أيضا ، والاخبار على تحريمه متظافرة ، مثل انه خمر مجهول فلا تشربه (٥) ، وفي أخرى خميرة (خمرة ـ ئل) استصغرها الناس (٦) ، في أخرى حدّه حدّ شارب الخمر (٧) ، وفي الأخرى : هو الخمر بعينها ، وفي أخرى : هو خمر وفيه حدّ شارب الخمر (٨).

__________________

(١) الوسائل باب ١٥ حديث ٦ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٦٠.

(٢) الوسائل باب ١٧ حديث ٩ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧١.

(٣) الوسائل باب ٢٥ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٨٥ وللحديث ذيل فلاحظ.

(٤) الوسائل باب ١٥ قطعة من حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٥٩.

(٥) راجع الوسائل باب ٢٨ حديث ١ و ٢ وباب ٢٧ حديث ٢ من أبواب الأشربة

(٦) راجع الوسائل باب ٢٨ حديث ١ و ٢ وباب ٢٧ حديث ٢ من أبواب الأشربة

(٧) راجع الوسائل باب ٢٨ حديث ١ و ٢ وباب ٢٧ حديث ٢ من أبواب الأشربة

(٨) راجع الوسائل باب ٢٨ حديث ١ و ٢ وباب ٢٧ حديث ٢ من أبواب الأشربة


.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الصحيح عن الوشاء ، قال : كتبت إليه ـ يعني الرضا عليه السّلام ـ اسأله عن الفقاع؟ قال : فكتب : حرام ، ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر ، قال : وقال أبو الحسن : لو ان الدار داري لقتلت بايعه ، ولجلدت شاربه ، وقال أبو الحسن الأخير عليه السّلام : هي خمرة استصغرها الناس (١) والروايات في تحريمها كثيرة جدا (٢).

لكن ورد مع ذلك الروايات في حلّه أيضا ، مثل صحيحة مرازم ـ كأنه ابن حكيم الثقة ـ قال : كان يعمل لأبي الحسن عليه السّلام الفقاع في منزله ، قال محمّد بن أحمد بن يحيى : قال : أبو أحمد يعني ابن أبي عمير : ولا يعمل فقاع يغلى

قال الشيخ في الاستبصار والتهذيب : الذي يكشف عمّا ذكره ابن أبي عمير ما رواه الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، قال : كتب عبد الله بن محمّد الرازي إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام : إن رأيت أن تفسّر لي الفقاع ، فإنه قد اشتبه علينا أمكروه هو بعد غليانه أم قبله؟ فكتب إليه : لا تقرب الفقاع الّا ما لم تصر آنيته أو كان جديدا. فأعاد الكتاب إليه : اني كتبت أسأل عن الفقاع ما لم يغل فأتاني : أن اشربه ما كان في إناء جديد أو غير ضار ، ولم اعرف حدّ الضراوة والجديد ، وسأل أن يفسّر ذلك له وهل يحلّ (يجوز ـ ئل) شرب ما يعمل في الغضارة أو الزجاج أو الخشب ونحوه من الأواني؟ فكتب : تفعل الفقاع (في الزجاج وفي الفخار الجديد ـ يب) وأواني الفخار الجديد إلى قدر ثلاث عملات ثم لا تعد منه بعد ثلاث عملات إلّا في إناء جديد ، والخشب مثل ذلك (٣) (٤).

__________________

المحرّمة ج ١٧ ص ٢٨٧ وص ٢٩٢.

(١) الوسائل باب ٢٨ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٢.

(٢) راجع باب ٢٧ و ٢٨ و ٢٩ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧.

(٣) الوسائل باب ٣٩ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٣٠٥ وأسقط قوله : قال محمّد بن أحمد بن يحيى قال أبو أحمد يعني إلخ ، ولكنه في التهذيب كما نقله الشارح قدّس سرّه.

(٤) الوسائل باب ٣٩ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٣٠٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

ثم نقل صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام ، قال : سألته عن شرب الفقاع الذي يعمل في السوق ويباع ولا ادري كيف عمل ولا متى؟ أيحلّ (لي ـ خ) ان اشربه؟ قال : لا أحبّ (١).

لعله يريد ب (لا أحب) التحريم ليوافق الأخبار الكثيرة.

وبالجملة ، الأخبار الكثيرة جدّا تدل على تحريم الفقاع ، لكن ما فسّر في الشرع فيحال إلى اللّغة والعرف ، فكلّ ما يسمّى به ـ ما لم يعلم حلّيته كما هو المشهور بين الأصحاب ـ فهو الحرام ، قيل : انه يتخذ من ماء الشعير.

ولكن ظاهر خبر مرازم مع تفسير ابن أبي عمير يدل على تحريم المغلي منه لا مطلقا ويفهم انه قول الشيخ في الكتابين ، لما مرّ من كلامه السابق ، ويقتضيه قاعدة حمل المطلق والعام على المقيّد والخاص.

ولكن تأييده برواية الحسين بن سعيد بعيد ، فإنها ضعيفة السند ، ومتنها مغلق ، وظاهرها يفيد جواز المغلي أيضا في الجديد وغير الضار ، بل ما غلى وعمل ثلاث مرّات أيضا ، ويحرم ما فوقه ، والقائل بمضمونها غير ظاهر ، إذ كلام ابن أبي عمير يدلّ على تحريم المغلي مطلقا ، والشيخ قبله وأراد تأييده بها ، لما مرّ ، مع الإشكال في المتن والسند.

فبقيت رواية مرازم غير مؤيّدة ، فتأويل ابن أبي عمير إياها غير ظاهر ، وطرحها أيضا مشكل.

وتأويل غيرها من الأخبار الكثيرة جدا بسبب هذه الواحدة التأويل لبعيد مشكل أيضا.

فيمكن تأويلها بحملها على التقيّة أو الفقاع الحلال أي الذي يعمل في

__________________

(١) الوسائل باب ٢٩ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٣٠٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

بيته ، ولعل في قوله : (يعمل له في منزله) إشارة إلى ما هو حلال ، حيث ما قال : (يشرب الفقاع مطلقا) فافهم. وكان يعمل على وجه يعلمه عليه السّلام انه حلال وان سمّى فقاعا لمشابهته للحرام الذي يعملونه.

وبالجملة ، الفعل المثبت الذي له أفراد محرّمة وافراد محلّلة لا عموم له ، وعمل الفقاع كذلك فإنهم يقولون : انه حرام الّا إذا علم انه حلال كما أشرنا إليه ولا يدل على تعيين فرد أيضا وهو ظاهر وقد ثبت في الأصول.

فرواية مرازم ـ على تقدير كونه ابن حكيم الثقة إذ قد يكون غيره ـ لا توجب طرح الأخبار الكثيرة ولا تقيّدها بالقيد الذي يفهم من كلام ابن أبي عمير ولا غيره حتى يثبت المقيّد للمحلل والمحرّم فتعيّن حملها (١) على تقدير عدم ردها ، لعدم تسليم الصحّة أو لمعارضة واحدة من الكثيرة (٢) فتأمّل.

ويؤيّده الشهرة بحيث كاد ان يكون إجماع الطائفة ومن خصوصيات مذهبهم.

قال في الدروس : الثاني ، الفقاع إجماعا لقول الصادق عليه السّلام والرضا عليه السّلام : (هو خبر مجهول فلا تشربه) (٣) ، وفي رواية شاذة حلّ ما لم يغل منه (٤) ولا توضر (٥) آنيته بأن يعمل فيها فوق ثلاث مرّات (٦) ، وهي تقيّة أو محمولة على

__________________

(١) في هامش بعض النسخ : يعني رواية مرازم اما على التقيّة أو على الفقاع الحلال.

(٢) هكذا في النسخ لكن الصواب : مع الكثيرة ، كما لا يخفى.

(٣) الوسائل باب ٢٧ حديث ٨ ـ ١١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٨٨ ـ ٢٨٩.

(٤) الوسائل باب ٣٩ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٣٠٥.

(٥) فيه : نهي عن الشرب في الإناء الضاري وهو الذي ضري بالخمر وعوّد بها ، فإذا جعل فيها العصير صار خمرا (مجمع البحرين).

(٦) الوسائل باب ٣٩ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٣٠٥.


والعصير إذا غلى واشتدّ الّا أن ينقلب خلا أو يذهب ثلثاه.

______________________________________________________

ما لم يسم فقاعا لحماء الزبيب قيل غليانه ، ففي رواية صفوان عن الصادق عليه السّلام : (حل الزبيب إذا نقع غدوة وشرب العشي أو ينقع بالعشي ويشرب غدوة) (١).

وهذا كلام جيّد يؤول إلى ما قلناه ، ولكن يفهم منه عدم القائل به وقد عرفت ان ابن أبي عمير والشيخ في الكتابين ـ على الظاهر ـ قائلين به فتأمّل.

وامّا حمل صحيحة علي بن يقطين على التحريم فغير بعيد ، لأن إطلاق (لا أحبّ) و (مكروه) على التحريم كثير ، ويحتمل ضربا من التقيّة أيضا فتأمّل.

قوله : «والعصير إذا غلى واشتدّ إلخ» من المحرّم ، العصير ، والمراد به الماء الّذي عصر من العنب ، بل الذي يصلح له ان يعصر ، إذ الماء الموجود في حبوب العنب أيضا إذا غلى قالوا بتحريمه.

والغليان هو انقلاب أعلاه أسفل كما سيجي‌ء في الرواية ، والشدّة عبارة عن الثخونة والغلظ والقوام ، وهي تحصل بعد الغليان.

والظاهر انه لا يحصل بمجرّد الغليان ما لم يكثر ، فلا تلازم بينهما كما ادّعاه الشهيد ، فاشتراط التحريم بهما محلّ التأمل ، فإن الظاهر من الروايات ان الشرط هو الغليان فقط ، فتأمّل.

مثل حسنة حماد بن عيسى ، (عثمان ـ خ ل) ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لا يحرم العصير حتى يغلى (٢).

وفي رواية أخرى عنه عليه السّلام قال : سألته عن شرب العصير ، قال :

__________________

(١) الوسائل باب ١٧ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٦٨.

(٢) الوسائل باب ٣٢ حديث ١ من أبواب الأشربة المباحة وفيه عن حماد عن أبي عبد الله عليه السّلام وباب ٣ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢١٩ ـ ٢٢٩ وفيه حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السّلام.


.................................................................................................

______________________________________________________

تشرب ما لم يغل فإذا غلى فلا تشربه ، قال : قلت : جعلت فداك أيّ شي‌ء الغليان؟ قال : القلب (١) وفي الطريق (٢) أبي يحيى الواسطي ، ولا يضرّ (٣).

وفي موثقة ذريح ـ لابن فضال ـ (٤) قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : إذا نشّ العصير وغلى (أو غلى كا يب ـ ئل) حرم (٥).

وحسنة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كل عصير اصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه (٦) ، وهي صحيحة في التهذيب (٧).

وحسنة أخرى له ، قال : أبو عبد الله عليه السّلام : إنّ العصير إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فهو حلال (٨).

وصحيحة ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا زاد الطلا على الثلث فهو حرام (٩).

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٢٩.

(٢) سنده كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبي يحيى الواسطي ، عن حماد بن عثمان.

(٣) لعل نظره قدّس سرّه الى وجود حسنته مثل الرواية الأولى هنا.

(٤) سند الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن احمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم عن ذريح.

(٥) الوسائل باب ٣ حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٢٩.

(٦) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٢٣.

طريق الشيخ رحمه الله هكذا : الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان.

(٧) طريقه إلى الحسن بن محبوب هكذا : ومن جملة ما ذكرته عن الحسن بن محبوب ما رويته بهذه الأسانيد ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، قال أيضا : ومن جملة ما ذكرته عن الحسن بن محبوب ما رويته بهذا الاسناد ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، ومراده بقوله : (بهذه الأسانيد) أو الإسناد طرقه إلى الكليني هذا ولكن في التهذيب عنه (يعنى محمّد بن أحمد بن يحيى) عن الحسن بن محبوب.

(٨) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٣١.

(٩) الوسائل باب ٢ حديث ٨ من أبواب الأشربة المحرمة ج ١٧ ص ٢٢٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

كأنه يريد ، العصير إذا غلى ولم يذهب ثلثاه وبقي الثلث بل بقي الزائد عليه فهو حرام.

واعلم ان ظاهر أكثر الاخبار ان العصير إذا غلى مطلقا حرم ، وفي صحيحة عبد الله (بالنار) (١) فكأنّ المراد أعم لعموم الأكثر مع فتوى الأصحاب وعدم المنافاة بين العام والخاصّ ليخصّص مع احتمال ارادة التخصيص.

وان ظاهرها اشتراط كونه غلى معصورا ، فلو غلى ماء العنب في حبّه لم يصدق عليه انه عصير غلى ، ففي تحريمه تأمّل ولكن صرّحوا به فتأمّل.

والأصل والعمومات وحصر المحرّمات دليل التحليل حتى يعلم الناقل.

وأن العصير بظاهر لغته عام عن عصير العنب وغيره وهم خصّصوه به ، فلعل لهم دليلا أو العصير له معنى شرعي أو عرفيّ خاصّ بالعنب وما نعرفه ، فيمكن خروج ما علم حلّه وبقي ما فيه الشك في التحريم ، مثل عصير التمر والزبيب ، وما تقدم من الأصل والعمومات وحصر المحرّمات مؤيّدا بالشهرة دليل الحلّ حتى يعلم كون المراد بالعصير ما يعمّ فتأمّل كما سبق.

وانهم قالوا : إذا غلى واشتدّ يصير نجسا ، وما رأيت دليلا للنجاسة ، وقال الشهيد أيضا في الذكرى بعدم دليل بها ومع ذلك قال بها في كتبه ، واشتراكه مع المسكرات والفقاع في التحريم لا يستلزم اشتراكه معها في النجاسة وهو ظاهر.

وعلى القول بنجاسته قالوا يطهر بذهاب ثلثيه أو صيرورته دبسا أو خلّا.

وأيضا قالوا إذا القي فيه شي‌ء حين غليانه أو قبله ثم نجس بالغليان نجس ذلك أيضا ، وإذا طهر يطهر ذلك أيضا معه ، ولا يمنعه من الطهارة بما يطهره كما إذا كان خمرا القي فيها شي‌ء ثم صار خلّا.

__________________

(١) في الصحيحة : كل عصير اصابته النار.


.................................................................................................

______________________________________________________

وفي ذلك كلّه تأمل إذ ما نجد دليلا على ذلك الّا ما تقدم ممّا يدل على الحلّ بذهاب ثلثيه ، وهو مستلزم للطهارة ، ولكن ما علم طهارته مع وقوع شي‌ء فيه صريحا ، فتأمّل.

اما كونه خلّا أو دبسا كذلك ، فان كان مع ذهاب ثلثيه فهو داخل فيه والا ففيه تأمل الّا ان يكون إجماعيّا أو يقال : إذا خرج عن كونه عصيرا صار طاهرا ، فإنه جزء لسبب النجاسة ، فإذا زال زالت كما في الخمر إذا صار خلّا.

ولكن قد ينازع في السببيّة ، وعلى تقديرها مجرد زواله غير كاف ، بل لا بدّ من المطهر ، لان الشارع حكم بنجاسته ، فيحتاج طهارته الى دليل ، إذا الأصل البقاء ، فتأمّل.

ثم قد ينازع في طهارة ما القي فيه ، ويناقش في الأصل أيضا مطلقا ، إذ قد يقال : الجامد أو المائع إذا القي في الخمر لا يطهر بالخلّية ، ولا بدّ للمثبت من الدليل ، وان الحكم بطهارة الخلّ ـ وان كان في الأصل خمرا ـ قد يكون لعدم نجاسة الخمر فان الدليل ما قام على نجاسته ، والأصل ، وكل شي‌ء طاهر حتى يعلم انه قذر (١) ، والاخبار الكثيرة مؤيّدة له وان كانت في النجاسة أيضا موجودة ، وقد مرّ البحث عنه في الطهارة مفصّلا (٢) فتأمّل.

وبالجملة ـ بعد وجود حكم شرعيّ ـ يحتاج رفعه إلى دليل كذلك.

فقد ظهر المناقشة في حصول الحلّ بصيرورة العصير دبسا أو بانقلابه خلّا ، فان الدليل كان مخصوصا بذهاب الثلثين كما رأيت الّا ان يدّعى الاستلزام لو لا الإجماع ، أو أنه انما يصير خلّا بعد ان يصير خمرا ، وقد ثبت بالدليل أنّ الخمر يحلّ إذا

__________________

(١) الوسائل باب ٣٧ حديث ٤ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٥٣ وفيه كل شي‌ء نظيف.

(٢) راجع ج ١ من هذا الكتاب ص ٣١٢ ـ ٣١٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

صار خلّا ، أو يقال : ان الدليل الدال على ان الدبس والخلّ مطلقا حلال يدل عليه فتأمّل.

وبالجملة ينبغي ملاحظة وزن العصير أوّلا ثمّ بعد أن صار دبسا ، فان ذهب ثلثاه ، وإلّا صبر عليه حتى يذهب ، وقد ادعى انه يصير دبسا بعد ان صار خمسا ، فان كان كذلك فحسن.

ويؤيّد طهارته ، الأصل ، والعمومات ، والحصر وكل شي‌ء طاهر حتى يعلم انه نجس.

والحكم بطهارة الدبس والخلّ ، والمباشر مع ما باشره ، فانّ الحكم بطهارة هذه الأشياء مع القول بالنجاسة بسبب التبعيّة مشكل.

ثم اعلم ان المشهور أنّ التحريم بالغليان مخصوص بالعصير العنبي ، ولا خلاف في حلّية عصير غير التمر والزبيب ، مثل عصير التفاح والرمان وان غلى ما لم يكن مسكرا ، وكذا سائر الربوبات ، والأصل والعمومات وحصر المحرّمات مؤيّدات.

ويدل عليه أيضا بعض الروايات ، مثل رواية جعفر بن أحمد المكفوف ، قال : كتبت إليه يعني أبا الحسن الأوّل صلوات الله عليه ، أسأله عن السكنجبين والجلّاب وربّ التوت ، وربّ الرمان ، وربّ التفاح وربّ السفرجل؟ فكتب : حلال (١).

وفي رواية أخرى له عنه عليه السّلام : زاد ربّ السفرجل إذا كان الذي يبيعها غير عارف ، وهي تباع في أسواقنا؟ فكتب جائز لا بأس بها (٢).

وفيهما ـ مع الغليان ـ خلاف ، والمشهور الحلّ ، ويؤيّده الأصل والعمومات

__________________

(١) الوسائل باب ٢٩ ح ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٣.

(٢) الوسائل باب ٢٩ ح ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

وحصر المحرّمات في الآية والاخبار الكثيرة.

وقيل بالتحريم ، بل يظهر أيضا القول بالنجاسة من الذكرى.

والظاهر الطهارة ، ولا ينبغي النزاع في ذلك لما تقدم ، وقياسهما على الخمر والعصير العنبي باطل ، مع عدم ثبوت الحكم في الأصل.

والحلّ (١) لما مرّ ، ولعدم دليل صالح للتحريم الّا ما مرّ من عموم العصير.

والظاهر انهما ليسا بداخلين فيه ، والمراد منه العصير العنبي ، كما يفهم من كلامهم ومن ظاهر الأخبار ولهذا ما قال احد بالعموم الّا ما أخرجه الدليل ، وما استدلّ القائل بعدم إباحتهما بتلك العمومات ، وما استدل له بها أيضا ، فكأنّ العصير عندهم مخصوص بالعنب بالوضع الثاني فتأمّل.

نعم قد استدل على تحريم عصير الزبيب برواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى أبي الحسن عليه السّلام ، قال : سألته عن الزبيب هل يصلح ان يطبخ حتى يخرج طعمه ثم يؤخذ الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، ثم يرفع فيشرب منه السنة؟ فقال : لا بأس به (٢).

وعلى تحريم عصير التمر ، بالقياس.

فهي ـ مع وجود سهل بن زياد (٣) في طريقها ـ غير دالّة إلّا بمفهوم ضعيف في كلام السائل لا الامام عليه السّلام ، وان قلنا بصحّة الاستدلال بمفهوم كلام السائل للتقرير فالدلالة ضعيفة جدا ، فان مثل هذه الدلالة للحكم الذي ثبت خلافه بالعقل والنقل من الأصل ، والكتاب ، والسنّة ، والإجماع غير معتبر جزما.

__________________

(١) عطف على قوله : قدّس سرّه : الطهارة أي الظاهر الحل.

(٢) الوسائل باب ٨ ح ٢ من أبواب الأشربة المحرمة ج ١٧ ص ٢٣٦.

(٣) طريقها كما في الكافي هكذا : عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، عن موسى بن القاسم ، عن علي بن جعفر.


.................................................................................................

______________________________________________________

ومثلها رواية إسحاق بن عمار ، قال : شكوت إلى أبي عبد الله عليه السّلام بعض الوجع ، فقلت له : ان الطبيب وصف لي شرابا ، آخذ الزبيب وأصبّ عليه الماء للواحد اثنين ثمّ أصبّ عليه العسل ثم أطبخه حتى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث ، فقال : أليس حلوا؟ قلت : بلى ، قال : اشربه ، ولم أخبره كم العسل (١).

بل يمكن فهم الحلّ مطلقا من قوله عليه السّلام : (أليس حلوا؟).

فافهم فتحريم عصير الزبيب بعيد.

وأبعد منه تحريم عصير التمر ، لعدم شمول هذه الرواية له وأبعد منه القياس.

نعم يمكن ان يستدلّ له أيضا بنحو مفهوم موثقة عمار الساباطي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن النضوح ، قال : يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه ثم يمتشطن (٢).

وهذه أدلّ ، ولكن سندها أيضا غير ظاهر.

ويؤيده أيضا ما توجد قريبا منه في حلّ صفة الشراب الحلال ، من تقييده في أكثر الروايات بالغلي حتى يذهب الثلثان ، ولكن ليس شي‌ء صحيح ، بل ولا موثق صريح في التحريم.

ويؤيّده أن النبيذ الذي يؤخذ من التمر ، والنقيع الذي من الزبيب انما يحرمان مع السكر ، وقد مرّ انه لو فعلا بحيث لا يسكران يحلّان ، وما يدل عليه بالمفهوم كثير.

ويدل عليه أيضا ما يدل على حلّ النبيذ الغير المسكر كثير ، مثل رواية أيوب بن راشد ، قال : سمعت أبا البلاد يسأل أبا عبد الله عليه السّلام عن النبيذ ،

__________________

(١) الوسائل باب ٥ ح ٥ ـ ٦ من أبواب الأشربة المحرمة ج ١٧ ص ٢٣٢.

(٢) الوسائل باب ٣٧ ح ١ من أبواب الأشربة المحرمة ج ١٧ ص ٣٠٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

فقال : لا بأس به ، فقال : انه يوضع فيه العكر (١) ، فقال أبو عبد الله عليه السّلام : بئس الشراب ، ولكن أنبذه غدوة واشربه بالعشي ، قال : فقال : جعلت فداك وهذا يفسد بطوننا ، قال : فقال أبو عبد الله عليه السّلام : أفسد لبطنك ان تشرب ما لا يحلّ لك (٢) ، وغير ذلك فتأمّل.

قيل : وروي عن أبي بصير في الصحيح ، قال : كان أبو عبد الله عليه السّلام يعجبه الزبيبة (٣).

وهذا ظاهر في الحلّ ، لان الطعام الزبيبي لا يذهب ثلثا ماء الزبيب كما لا يخفي.

قال في الدروس : ولا يحرم المعتصر من الزبيب ما لم يحصل فيه نشيش فيحلّ طبخ الزبيب على الأصحّ لذهاب ثلثيه بالشمس غالبا ، وخروجه عن مسمّى العنب.

الوجه الأول مشعر بأنه لو لم يكن يذهب ثلثا العنب عن الزبيب يكون ما يخرج عن الزبيب حراما بعد غليانه كماء العنب ، وانه إذا كان ذهب ثلثاه لم يحرم عصيره.

والظاهر انه ليس كذلك ، فان الحرام هو العصير العنبي إذا كان لم يذهب ثلثاه ، والزبيب حلال ، سواء ذهب ثلثاه أم لا.

وبأن سبب تحريمه انما يكون عند عدم ذهب الثلثين بالشمس ، والحال ان القائل بتحريمه يقول : ماء الزبيب إذا طبخ ، يحرم مثل ماء العنب للرواية ، وهذا يرد على الثاني أيضا ، ولكن المدّعي حق كما عرفت ، والاحتياط الاجتناب ، وهو ظاهر.

__________________

(١) هو بفتحتين درديّ الزيت ودرديّ النبيذ ونحوه (مجمع البحرين).

(٢) الوسائل باب ٣٠ حديث ١ من أبواب الأشربة المباحة ج ١٧ ص ٢١٧.

(٣) الوسائل باب ٢٧ حديث ١ من أبواب الأطعمة المباحة ج ١٧ ص ٤٣.


وما مزج بشي‌ء من هذه.

______________________________________________________

قوله : «وما مزج بشي‌ء من هذه» تحريم ما مزج بإحدى هذه المذكورات مع نجاستها ظاهر ، فإن الملاقي للنجس رطبا نجس ، وكل نجس حرام.

وكان يمكن له الاكتفاء عنه بحكم النجس.

ولكن لما ورد بخصوص الحل الرواية وقال بمضمونها جماعة أراد ردّه ، ولانه يريد بيان حكم الممتزج.

والحكم بتحريم الممتزج حينئذ ـ إن كان الامتزاج بحيث غلبه الحرام وصار من افراده ـ ظاهر وكذا المساوي بل ما علم انه فيه بحيث لم يضمحلّ بالكلّية ، واما ما اضمحلّ فيمكن الحكم بكونه حلالا مثل قطرة عرق أو بصاق حرام ، في حبّ ماء أو قدر ، بل في كوز كبير للاضمحلال ، ولأنه في كل ما يشرب منه لم يعلم وجود حرام فيه.

ولا يبعد جعل ذلك مدار الحكم ، فان كان بحيث كل ما أخذ وأكل أو شرب ما علم وجود المحرم فيه ويكون حلالا ، والّا فالمعلوم وجوده فيه يكون حراما.

ويدلّ عليه ما تقدم من العمومات ، والأصل ، وحصر المحرّمات وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : كل شي‌ء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعلم انه حرام (١).

ويحتمل التحريم خصوصا المسكر للروايات ، مثل حسنة عبد الرحمن بن الحجّاج فقال أبو عبد الله عليه السّلام : ان ما أسكر كثيره فقليله حرام ، فقال له الرجل : فأكثره بالماء؟ فقال له أبو عبد الله عليه السّلام : لا ، وما للماء يحلّ الحرام اتّق الله عزّ وجلّ ولا تشربه (٢).

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٥٩.

(٢) الوسائل باب ١٧ ذيل حديث ٧ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٦٩ وللحديث صدر فلاحظ.


.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية عمر بن حنظلة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتى يذهب عاديته ، ويذهب سكره؟ فقال : لا والله ، ولا قطرة يقطر (قطرت ـ خ) منه في حبّ إلّا أهرق (أهريق ـ خ ل) ذلك الحبّ (١).

فتأمّل فإن المسألة مشكلة ، والاجتناب أحوط.

ونقل في المختلف ، عن نهاية الشيخ ان القدر إذا كان يغلي على النار فان حصل فيه شي‌ء من الدم وكان قليلا ثم غلى جاز أكل ما فيها ، لان النار تحيل الدم ، وان كان كثيرا لم يجز أكل ما وقع فيه.

وما اعتبر الشيخ المفيد القلّة ، بل قال : ان وقع دم في قدر تغلي على النار جاز أكل ما فيها مع زوال عين الدم وتفرقها بالنار ، وان لم تزل عين الدم فيها حرم ما خالطه الدم ، وحلّ ما أمكن غسله بالماء ، وكذا سلّار ، ونقل عن ابن البرّاج قريبا من كلام الشيخ.

وعن ابن إدريس المنع من ذلك والمبالغة فيه ، وان ما ذكره الشيخ رواية شاذة مخالفة للأصول.

ثم ذكر المصنف الاستدلال بالرواية ، وهي رواية زكريا بن آدم ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم ومرق كثير؟ قال : فقال : يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلاب واللحم اغسله وكله ، قلت : فان قطر فيه الدم؟ قال : الدم تأكله النار ان شاء الله ، قلت : فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم؟ قال : فقال : فسد ، قلت : أبيعه من اليهود والنصارى وأبيّن لهم فإنّهم يستحلّون شربه؟ قال : نعم ، قلت : والفقاع هو بتلك

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

المنزلة إذا قطر في شي‌ء من ذلك؟ قال : أكره أن آكله في شي‌ء من طعامي (١).

وهذه تدلّ على كراهة الفقاع ، وقد مرّ ما يدلّ على تحريمه من النصّ والإجماع فالمراد بها الحرمة كما قيل ، فإن الكراهة تطلق على التحريم كثيرا ، وقد مرّ.

وكذا صحيحة محمّد بن إسماعيل ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن شرب الفقاع فكرهه كراهة شديدة (٢) ، وهي التحريم.

وتدلّ (٣) على نجاسة المذكورات ، وعدم طهارة المضاف مثل المرق وتطهير اللحم المطبوخ مع النجس ولو بالماء القليل على الاحتمال لعموم قوله عليه السّلام : (اغسله) فتأمّل.

وطهارة ما وقع فيه الدم.

وجواز بيع ما صار حراما على مستحلّه من الكفّار مع البيان له ذلك.

وعدم تطهير العجين بالماء مطلقا ولو كان كثيرا.

ويحتمل في الكل عدم النجاسة ، بل التحريم بسبب المخالطة ، ويكون الحكم بالإهراق والغسل ، لذلك ، فتأمّل.

وصحيحة سعيد الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقيّة من دم أيؤكل؟ قال : نعم ، فان النار تأكل الدم (٤).

فيمكن حملها على الدم الغير النجس ، لان الدم المجهول محكوم بالطهارة ، للأصل وكل شي‌ء طاهر حتى يعلم انه نجس ، ولهذا قالوا : لا يحكم بنجاسة شي‌ء حتى الدم الّا ان يعلم انه نجس صرّح به في الذكرى.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٦ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٨٦.

(٢) الوسائل باب ٢٧ حديث ١٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٨٩.

(٣) يعني رواية زكريا بن آدم كذا في هامش بعض النسخ.

(٤) الوسائل باب ٤٤ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٦٣.


والدم المسفوح وغيره كدم الضفادع والقراد.

______________________________________________________

ويحتمل حمله على غير الحرام أيضا ويكون قوله : (تأكله النار) لئلا تنفر الطبع ، لا الطهارة (للطهارة ـ خ) والحليّة ، فلا يدلّ على عدم نجاسة القدر بالدم حتى يقاس عليه سائر النجاسات كما فعله البعض أو يختص بالدم ويقال : النار تطهّر ما وقع فيه الدم عنه فقط أو يقاس عليه غيره أيضا.

ويمكن طرح الاولى ، لاشتراك محمّد بن موسى (١) ، بل الظاهر انه الضعيف الذي قيل : كان يضع الحديث ، ووجود الحسن بن المبارك المجهول أيضا.

وحمل في المختلف الثاني على ما قلناه ، ثم منع صحّة السند ، وقال : (فان سعيد الأعرج ما أعرفه إلخ) مع انه قال في الخلاصة : سعيد بن عبد الرحمن وقيل : ابن عبد الله ثقة ذكره ابن نوح (٢) وابن عقدة (٣) وكذا النجاشي.

فيمكن ان يكون ما يعرف ان هذه هو المذكور ، أو لا يقول بتوثيقه ، فإنه نقل عن ابن نوح وابن عقدة ولم نعرف مذهبهما.

وهو خلاف الظاهر ، فإنه المذكور وكثيرا ما يقول بصحّة مثله فتأمّل ، لعله نسي توثيقه في الخلاصة.

قوله : «والدم المسفوح إلخ» من المحرّمات المائعة الدم مطلقا ، مسفوحا

__________________

(١) سندها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن موسى ، عن الحسن بن المبارك ، عن زكريا بن آدم.

(٢) الظاهر انه أحمد بن محمّد بن نوح يكنى أبا العباس السيرافي وثقه الشيخ في الفهرست وقال : وله تصانيف منها كتاب الرجال الذين رووا عن أبي عبد الله عليه السّلام وزاد على ما ذكره ابن عقده كثيرا إلخ راجع تنقيح المقال للمحقق المتتبع المامقاني ج ٣ ص ٩٤.

(٣) احمد بن محمّد بن سعيد الهمداني الكوفي قال العلامة يكنى أبا العباس جليل القدر عظيم المنزلة وكان زيديا وجاروديا وعلى ذلك مات (إلى ان قال) : له كتب (إلى ان قال) : منها كتاب أسماء للرجال الذين رووا عن الصادق عليه السّلام أربعة آلاف رجل خرّج فيه لكل رجل الحديث الذي رواه مات بالكوفة سنة ٣٣٣ (الكنى) ج ١ ص ٣٤٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

وغير مسفوح.

قيل : المسفوح ، هو الذي يخرج بقوة عند قطع عرق الحيوان أو ذبحه ، من سفحت الماء إذا صببته ، فالمسفوح المصبوب.

واحترز به عمّا يخرج بتثاقل فهو غير المسفوح كدم الضفادع ، والقراد ، والسمك فلا يكون الدم المتثاقل الغير المسفوح نجسا لكون النجس هو المسفوح فقط ولكن يحرم لعموم قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) (١).

ومرسلة محمّد بن عبد الله ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ـ في تعليل المحرّمات ـ : لم حرّم الله (الخمر ـ ئل) الميتة والدم إلخ (٢).

قيل : الأولى ، الاستدلال على تحريمه ب (الخبائث) (٣) لأن مطلق الدم مقيّد بالدم المسفوح في قوله : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) (٤).

وأنت تعلم ان المطلق انما يحمل على المقيّد على تقدير المنافاة ، ولا منافاة بين الآيتين الّا باعتبار مفهوم الصفة ، فلو قيل به وبتخصيص العام بالمفهوم ليتم الحمل ، لكن ليس مفهومها بحجّة (الحجة ـ خ) ، وعلى تقديرها في التخصيص به بحث كما حقق في موضعه في الأصول.

نعم المنافاة موجودة من جهة الحصرة ولكن يمكن ان يكون تحريم مطلق الدم بعد نزول الحصر كما يجاب به عن كثير من المحرّمات ، على ان المنافاة حينئذ موجودة مع آية الخبائث ، فما يجاب به يجاب حينئذ ، فتأمّل.

وأيضا قد يناقش في الخباثة ، فإن كثيرا من الدماء يحكمون على حلّها ، مثل

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) لاحظ الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٧٦.

(٣) الأعراف : ١٥٧.

(٤) الأنعام : ١٤٥.


إلّا ما يستخلف في اللحم ممّا لا يدفعه المذبوح.

______________________________________________________

ما يبقى بعد القذف فتأمّل.

واما تحريم المسفوح فلنجاسته ، ولقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) (١).

ولكن قد صرّحوا بعدم تحريم كثير من الدماء ، مثل ما يبقى في الحيوان بعد الذبح والقذف من الدم المسفوح وغيره.

فعلى تقدير تحريم الجميع يشكل الأمر بمثله ، فإخراجه يحتاج إلى دليل ، والإجماع غير ظاهر وان قيل بتحريم المسفوح خاصّة لحمل المطلق من الآية على المقيّد وعدم ظهور (الخبائث) ودليل آخر على تحريم الكل فلا يحرم الّا المسفوح.

ولكن يخرج كثير من الدماء المحرّمة فيحتاج إدخاله إلى الدليل.

فدليل مسألة تحريم الدم وبيان الحرام منه والحلال ، والنجس والطاهر ، في غاية الاشكال وقد مرّت الإشارة إليه في باب النجاسات فتذكّر (٢) ، وينبغي الاجتناب والاحتياط حتى يفرج الله تعالى.

قوله : «الّا ما يستخلف في اللحم إلخ» يحتمل ان يكون مستثنى من قوله : (وغيره) أي الدم الغير المسفوح أيضا حرام مثل دم الضفادع والقراد (الّا ما يستخلف في اللحم) فإنه يكون طاهرا وحلالا.

ويحتمل ان يكون مستثنى من مطلق الدم ، مسفوحا وغيره ، إذ قد يبقى في الحيوان بعد الذبح والخروج المتعارف من الدم المسفوح شي‌ء ، وهو أيضا يكون حلالا.

واشترط في حلّ ما بقي ، خروج الدم والقذف المعتدل وعدم العلم بدخول شي‌ء من المسفوح إلى الباطن بجذب نفس أو لكون رأس الحيوان على موضع مرتفع

__________________

(١) الأنعام : ١٤٥.

(٢) راجع ج ١ من هذا الكتاب ص ٣١٤ ـ ٣١٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

فإنه حينئذ ما دخل فيه نجس.

فلا بدّ ان لا يكون رأسه على المنحدرة بحيث يرجع الدم إلى الجوف ، ولا يطلع ، بل يكون على المستوية أو المنحدرة بحيث يكون البدن فوق ، والرأس في التحت ليعين على الخروج ، ولا يشترط هذا ، للأصل وعموم ما يدل على حلّ الذبيحة.

وقوله : (ممّا لا يدفع) متعلّق ب (يستخلف) (وبيان له ـ خ) فهو الغير الخارج على الوجه الذي تقدم (على الوجه المتقدم).

وبالجملة ما علم بل ما ظن انه (مسفوح ـ خ) غير مندفع على الوجه العادي ، يكون حكمه بعد الخروج حكم المسفوح فيكون نجسا (وحراما ـ خ).

قال في شرح الشرائع : وفي إلحاق ما يتخلّف في القلب والكبد وجهان ، من مساواته له في المعنى وعدم كونه مسفوحا ، ومن الاقتصار بالرخصة المخالفة للأصل ، على موردها ، ولو قيل بتحريمه في كل ما لا نصّ فيه والاتفاق وان كان ظاهرا ما كان وجها ، لعموم تحريم الدم وكونه من الخبائث.

ما رأيت نصا دالا على حلّية ما يستخلف من الدم ولا إجماعا ، نعم ظاهر كلامهم الذي رأيته ، ذلك من غير إشارة إلى خلاف ، فكأنه إجماعيّ ، والدليل الذي يتخيّل ، الضرر ، والحرج والعسر ، والحكم بحلّ الذبيحة بعد الذبح من غير إشارة إلى إخراج الدماء التي فيها ، وذلك يشمل ما في القلب والكبد وغير هما ، وهو ظاهر.

ولكن قد يحال على ما تقرّر من نجاسة الدم وعدم حلّه ، على أنّ الاخبار دلّت على تحريم الدم من الذبيحة كباقي محرّماتها.

ولعلّهم حملوها على الدم المتعارف ، وهو الخارج المعتدل عند الذبح ، وذلك غير بعيد فإنه المتبادر ، قال في الكشّاف (١) وغيره : المسفوح ، المصبوب السائل

__________________

(١) الكشاف ج ٢ ص ٧٤ في تفسير قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ) إلخ ، الانعام : ١٤٥.


والبول كله إلا بول الإبل للاستشفاء.

______________________________________________________

كالدم في العروق ، لا كالكبد والطحال ، وقد رخّص في دم العروق بعد الذبح (١).

قال المحشي : هذا مذهب أبي حنيفة ، واما الشافعي فهو يحرّم كلّ الدماء مسفوحة أم لا.

يردّ على الشافعي أنّه يجب ان يقيّد المطلق على المقيّد خصوصا انه يجعل القرآن شيئا واحدا يقيّد بعضه بعضا.

وبالجملة ، العقل والنقل دليل اباحة كل شي‌ء وطهارته حتى يعلم خلافه فتأمّل ، فالدم الباقي والغير المسفوح حلال على الظاهر بناء على ذلك حتى يثبت التحريم والنجاسة ، ولهذا قيّدوا النجاسة بالدم المسفوح ، ولكن هو يدلّ على كون غير المسفوح ممّا له نفس سائلة لم يكن نجسا ، وظاهر حالهم وبعض عباراتهم ـ مثل الدم من ذي النفس ، لا الدم المسفوح ـ انه نجس فتأمّل. وقد مرّ البحث عن ذلك في بحث النجاسة (٢).

قوله : «والبول كلّه إلخ» من المحرّمات المائعة البول كلّه.

وجهه ظاهر ان كان من الحيوان الغير المأكول ، لأنه نجس وكلّ نجس حرام ، والظاهر انه بلا خلاف ، وللخباثة ، ولتعليل تحريم لحم الخنزير بالنجاسة في قوله تعالى (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) فتأمّل ، وكذا سائر النجاسات مثل المني.

واما الطاهر منه مثل بول ما يؤكل لحمه كالأنعام ففيه خلاف ، قيل : بالحلّ ، للعقل والنقل ، الدالّين على الإباحة خصوصا حصر المحرّمات ، وهو مذهب

__________________

(١) يعني يعبّرون عن الدم النجس بدم ذي النفس السائلة لا بالمسفوح وهو قرينة على نجاسة الدم مطلقا لا خصوص المسفوح.

(٢) راجع ج ١ من هذا الكتاب ص ٣١٤ ـ ٣١٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

السيد ، وابن الجنيد ، وابن إدريس ، والمحقق في النافع.

وقيل بالتحريم وهو مذهب المصنف ، والمحقّق في الشرائع ، والشهيد ، للاستخباث فيدخل تحت آية (الخبائث) (١).

والظاهر أنّ الأوّلين يمنعون صدق الخبيث ، فإنه ليس بشرعي ، واللغة والعرف غير ظاهر فيبقى أدلة الحلّ سالما وشاملا له ، فان الخبث غير ظاهر ، فان الصحناء (٢) يقولون بحلّه ، مع أنّ كثيرا من الناس يستخبثه.

وبالجملة ، الحكم بتحريمه بمجرد الخباثة ـ مع الاختلاف الذي في الطبائع ووجود اباحة أشياء تجد أكثر الناس انه خبيث ـ مشكل ، فلا تعدل عن أدلّة العقل والنقل الدالّين على الحلّ الّا بالعلم بالصدق فتأمّل والاحتياط حسن.

ومنه يعلم البحث في تحريم بصاق الإنسان ونخامته وعرقه وبعض فضلات باقي الحيوانات مع ورود نصوص ظاهرة في حلّ بصاق المرأة والبنت وقد مرّ في بحث الصوم فتذكّر (٣) فإنها ليست بأخبث من الدماء الباقية بعد القذف فتأمّل.

وقد استثني بول الإبل منه للاستشفاء ، لما ثبت عندهم انه صلّى الله عليه وآله أمر قوما اعتلّوا بالمدينة ان يشربوا أبوال الإبل فشربوا وشفوا (٤).

ويدل عليه أيضا ما روي عن الجعفري ، قال : سمعت أبا الحسن موسى عليه السّلام وهو يقول : أبوال الإبل خير من ألبانها ويجعل الله الشفاء في ألبانها (٥).

__________________

(١) الأعراف : ١٥٧.

(٢) والصحناء بالكسر ادام يتخذ من السمك ، يمدّ ويقصّر (مجمع البحرين) والصحناء ، والصحناة ، ويمدّان ويكسران ادام يتخذ من السمك ، الصغار منه مشهّ مصلح للمعدة (القاموس).

(٣) راجع ج ٥ من هذا الكتاب ص ٢٨ ـ ٣١.

(٤) سنن أبي ماجة ج ٢ باب ٣٠ من أبواب الإبل ١١٠٥٨ رقم ٣٥٠٣.

(٥) الوسائل باب ٥٩ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المباحة ج ١٧ ص ٨٧.


ولبن المحرّمات كالقردة والهرّة ويكره لبن المكروه كالأتن.

______________________________________________________

وهذه تدل على حلّ أبوالها من غير حاجة فتأمّل.

فعلى القول بتحريم الأبوال ، إنما يجوز شربه في محلّ الحاجة للاستشفاء وعلى الأول يجوز مطلقا ، والاستثناء مؤيد للحلّ مطلقا ، لما ثبت ان لا شفاء في المحرّمات (المحرم ـ خ) كما سيجي‌ء وعدم بيانه صلّى الله عليه وآله لهم انه انما يجوز مع الحاجة.

وأيضا قد يكون للمرض علاج آخر فتجوّزه انما يكون مع العلم بعدم الشفاء الّا فيه.

قوله : «ولبن المحرّمات كالقردة إلخ» المشهور ان اللبن تابع للحيوان ، فان حرم لحمه حرم لبنه ، وان كره كره ، وكذا عدمهما.

والدليل عليه غير ظاهر ومعلوم عدم الاستلزام وهو ظاهر ، نعم قد يتخيّل ذلك ولكن لا حقيقة له الّا ان يكون له دليل من إجماع ونحوه.

وقد ورد الاخبار بجواز شرب لبن الأتن الأهليّة من غير إشارة إلى كراهة مع وجود الأخبار في تحريم لحمها ، والخلاف بين الأصحاب ، فهو مؤيّد لعدم اللزوم ، ولو صحّ لأمكن الاستدلال على اباحة لحم الأتن بانضمام اخبار اباحة لبنه بعكس النقيض فتأمّل.

وهي صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : تغدّيت معه فقال لي : أتدري ما هذا؟ قلت : لا ، قال : هذا شيراز الأتن اتخذناه لمريض لنا ، فإن أحببت أن تأكل منه فكل (١).

ورواية يحيى بن عبد الله قال : كنا عند أبي عبد الله عليه السّلام فأتينا بسكرجات فأشار بيده نحو واحدة منهن ، وقال : هذا شيراز الأتن اتخذناه لعليل لنا

__________________

(١) الوسائل باب ٦٠ حديث ١ من أبواب الأطعمة المباحة ج ١٧ ص ٨٩.


وكل ما خالطه شي‌ء من المائعات النجسة حرم أكله إن لم يمكن تطهيره.

______________________________________________________

فمن شاء فليأكل ، ومن شاء فليدع (١).

وحسنة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن شرب ألبان الأتن ، فقال : اشربها (٢).

ورواية أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر عليه السّلام قال : سألته عن شرب ألبان الأتن ، فقال : لا بأس بها (٣).

وفي طريقها ، الحسين بن المبارك (٤) ، وفي بعض النسخ الحسن بن المبارك (٥) وعلى التقديرين مجهول.

ولا يخفى عدم فهم الاختصاص بالمريض ، بل عدم الكراهة أيضا فتأمّل.

قوله : «وكل ما خالطه شي‌ء إلخ» لا شكّ في تحريم أكل ما وقع عليه النجاسة من المائعات ، وشربه ، واستعماله فيما يشترط فيه الطهارة ، لأنه يصير به متنجسا ، وذلك ممّا لا نزاع فيه قبل التطهير.

وكذا فيما لا يمكن تطهيره مطلقا ، وهو المائع ، الغير الماء ، مثل الدبس والعسل والدهن وغير ذلك ، لأنه انما يطهر بوصول الماء الطاهر إلى جميع اجزائه وذلك غير ممكن.

ولو فرض ذلك طهر وأحلّ مثل ما نقل عن المصنّف انه قال : يجوز ان يغلي

__________________

(١) الوسائل باب ٦٠ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المباحة ج ١٧ ص ٨٩.

(٢) الوسائل باب ٦٠ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المباحة ج ١٧ ص ٨٩.

(٣) الوسائل باب ٦٠ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المباحة ج ١٧ ص ٨٩.

(٤) سندها كما في الكافي باب ألبان الأتن هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه ، عن الحسين بن المبارك عن أبي مريم الأنصاري.

(٥) في الوسائل : (الحسين بن الحسن بن المبارك) والظاهر انه سهو.


.................................................................................................

______________________________________________________

الدهن ويصبّ في الكرّ بحيث يصل إلى كلّ جزء منه الماء المطلق.

وكذا يمكن في العسل وغيره بالطريق الاولى ، ولكن الانتفاع المطلوب منه غير معلوم ويمكن ان يصب عليه أوّلا الماء بحيث صار ماء مطلقا ، ثم يطهر بالماء ثم يغلى بحيث يذهب الماء ويبقى العسل مثلا ، وهو أيضا بعيد.

واما الجامد ولو في بعض الأوقات ، مثل الدبس والعسل والسمن في الشتاء ، فلم ينجس بوقوع النجاسة فيه وملاقاته ايّاها الّا ما اتصل به مع رطوبة مّا فيسقط (فيكسط ـ فيكشف خ) ما وصل إليه يحلّ الباقي.

ويدل عليه العقل والنقل ، مثل صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه ، فان كان جامدا فألقها وما يليها وكل ما بقي ، وان كان ذائبا فلا تأكل واستصبح به ، والزيت مثل ذلك (١).

وفيها دلالة على عدم طهارة السمن بالماء وغيره ، وان المنهيّ عنه هو اكله لا سائر الانتفاعات ، وصرّح بالاستصباح ، واشارة إلى عدم نجاسة الفأرة حيث قيّد بالموت.

وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الفارة والدابّة تقع في الطعام والشراب فتموت فيه ، فقال : ان كان سمنا أو عسلا أو زيتا فإنه ربما يكون بعض هذه ، فان كان الشتاء فانزع ما حوله وكله وان كان الصيف فارفعه حتى تسرج به ، وان كان بردا فاطرح الذي كان عليه ولا تترك طعامك من أجل دابّة ماتت عليه (٢).

ويظهر من هذه ان المراد بالجمود ما ينجمد من هذه الأشياء مثل كونه في زمن الشتاء ، وانه لا حدّ له سوى العرف وما يرى من كونه بحيث لا يؤثر فيه كثيرا

__________________

(١) الوسائل باب ٤٣ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٦٢.

(٢) الوسائل باب ٤٣ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٦٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

بحيث لا يتعدى النجاسة غير محلّ الملاقي ، بل قد يفرض عدم التأثير أصلا فتأمّل.

وقد علم انه يجوز الاستصباح بذلك.

والظاهر انه لا خلاف في جواز الانتفاع والاستصباح بالدهن المتنجس مثل السمن والزيت ودلت على الجواز الرواية مثل ما تقدم.

وقد خصّ في أكثر العبارات جواز ذلك بتحت السماء دون السقف ، بل نقل ابن إدريس الإجماع على ذلك ذكره في المختلف ، وردّه بخلاف الشيخ في المبسوط.

وما (١) نجد له وجها أصلا ، وما قيل في ذلك من نجاسة الدخان غير تام ، بل ولا غير معقول ، وهو ظاهر ، ولا نصّ في ذلك الآن حتى يقال : انه تعبّد محض ، فان الروايات عامة بل ظاهرة في تحت السقف.

مثل ما تقدم (٢) ، ومثل صحيحة معاوية بن وهب عن الصادق عليه السّلام ، قال : قلت : جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل فقال : اما السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله ، واما الزيت فيستصبح ، وقال في بيع ذلك الزيت : تبيعه وتبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به (٣).

وصحيحة سعيد الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الفارة والكلب تقع في السمن والزيت ثم يخرج منه حيا؟ فقال : لا بأس بأكله ، وعن الفارة تموت في السمن والعسل ، فقال : قال علي عليه السّلام : خذ ما حولها وكل بقيّة ، وعن الفارة تموت في الزيت؟ فقال : لا تأكله ، ولكن أسرج به (٤) هذه

__________________

(١) يعني لا نجد وجها لكون الاستصباح تحت السماء فقط.

(٢) يعني صحيحة زرارة وصحيحة الحلبي.

(٣) الوسائل باب ٤٣ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٦١.

(٤) أورد قطعة منها في الوسائل باب ٤٥ حديث ١ وقطعة منها في باب ٤٣ حديث ٤ من أبواب الأطعمة


.................................................................................................

______________________________________________________

صريحة في طهارة الفارة.

وبالجملة دلالة الاخبار على جواز الاستصباح به تحت السقف ظاهرة لانه المتعارف فينصرف إليه ، وهو موافق لمذهب الشيخ في المبسوط مع الكراهيّة على ما نقل في المختلف ، لكنها غير ظاهرة كأنه لقولهم بالمنع.

وكذا أطلق ابن الجنيد جواز الاستصباح به ، وقوّى في المختلف أيضا الجواز مطلقا ، ولكن قال : الّا ان يعلم أو يظن بقاء شي‌ء من عين الدهن فيحرم الاستصباح تحت الظلال حينئذ.

أصله ظاهر جيّد ، وفي الاستثناء تأمل ، إذ غاية ما يلزم من الاستصباح بما علم وجود الدهن النجس في الدخان تنجيس الإنسان ماله ، وذلك ليس بمحرّم وهو ظاهر.

فالظاهر الجواز مطلقا من غير استثناء ، لما تقدم من الاخبار.

ولعل كلام المختلف في الاستثناء محافظة لكلامهم في الجملة وتأويله به ، وكذا الكراهة المنقولة عن المبسوط غير ظاهرة فلعلّه إشارة إلى توجيه ما تخيّلوا وما يمكن ان يقال في توجيه كلامهم من الكراهة ، والعلم أو الظن ببقاء عين الدهن في الدخان لا الحكم به فتأمّل.

فالظاهر الجواز مطلقا مع كون الاجتناب عن تحت السقف أحوط وأولى لمحافظة كلام الجماعة ، إذ قد يكن لهم فيه نصّ وما وصل إلينا.

وهذا الذي نجس بالعارض ، فالظاهر ان لا نزاع في جواز بيعه أيضا إذا كان دهنا ، ولكن قالوا بشرط إعلام المشتري المسلم بذلك ، إذ قد يستعمله فيما يشترط فيه الطهارة عملا بظاهر حال البالغ (البائع ـ خ ل) المسلم.

__________________

المحرّمة ج ١٦ ص ٤٦٤ وص ٤٦٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

وإذا لم يعلم ، هل يقع البيع باطلا أو يصحّ ويكون للمشتري ، الخيار بين الردّ بالأرش والفسخ ، فان المبيع معيب ، فيكون حكمه حكم سائر المعيبات.

والظاهر الأوّل الّا ان لا يقال بالاشتراط ، بل واجبا غير شرط ، فالنهي لا يدلّ على التحريم الّا ان يقال : الاعلام انما هو شرط جواز البيع لا شرط صحته ، فيحمل ان لا يباح الّا مع الاعلام ، ومع الترك كان حراما وصحيحا.

وأنت تعلم ان النهي هنا راجع إلى نفس البيع حينئذ ، ففي الصحّة تأمل يعلم من الأصول ، وقد مرّ البحث فيه مرارا فتأمّل.

وهل حكم غير الدهن المتنجسات الغير القابل للتطهير حكمه في جواز البيع أم لا؟ قيل : يختص به ، لعدم ظهور انتفاع في غيره.

والظاهر ، الجواز لعموم أدلّة البيع واحتمال الانتفاع وهو ظاهر ، هذا في المتنجّس.

واما النجس كالميتة مثل أليات (الغنم الشاة ـ خ) سواء قطعت من الحيّ أم من الميّت فقالوا : لا يجوز الانتفاع بها أصلا فلا يجوز بيعه أيضا لتحريم مطلق الانتفاع من الميتة ، ونقل على ذلك الإجماع في شرح الشرائع ، فإن ثبت ذلك ، والّا فعمومات أدلة حلّ الانتفاع بكل شي‌ء (١) إلّا ما أخرجه الدليل تشمله ، ولم يدلّ (حرِّمتْ عليكم الميتة) (٢) ونحوه (٣) على ذلك لجواز تحريم الأكل المتبادر ، ونحوه.

وبالجملة لو كان إجماع (٤) أو نصّ (٥) فهو المتبع ، والّا فلا.

__________________

(١) مثل قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ، البقرة : ٢٩.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) مثل قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) ، الآية ـ الأنعام : ٤٥.

(٤) في هامش بعض النسخ هكذا : كيف يكون الإجماع عليه وانه ذهب البعض إلى طهارته بالدباغ فيجوز ليس جلدها ـ بخطه رحمه الله.

(٥) في هامش بعض النسخ : (فيه بعض الروايات الغير المعتبرة ـ بخطه رحمه الله).


(الخامس) الجامدات وكلّها مباحة إلّا الميتة ولبنها على رأي.

______________________________________________________

والظاهر العدم (١) فيبقى على الحلّ بالعقل والنقل ، والاحتياط واضح.

قوله : «الخامس الجامدات وكلّها مباحة إلخ» خامس المخلوقات الغير الحيوان المنقسمة إلى المحرّم والمحلّل الجامدات ، الجامد ما يقابل المائع ، فذكر اللبن (٢) بتبعيّة الميتة ، وكلّها محلّلة إلّا ما يستثنيه منه (٣) الميتة.

دليل الإباحة العقل والنقل المتقدمين.

ودليل تحريم الميتة المستثناة : النص ـ كتابا وسنة ـ والإجماع ، وانها نجسة فمحرّمة الّا ما استثنى منها.

وكذا يحرم وينجس لبن الميتة على رأي المصنف وجماعة من المتأخرين ، وهو المشهور الموافق للقوانين ، إذ المائع الملاقي للنجاسة نجس ، وكل نجس حرام بالإجماع وهو ظاهر.

وتؤيده رواية وهب عن جعفر ، عن أبيه عليهما السّلام ان عليا عليه السّلام سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن ، فقال عليّ عليه السّلام : ذلك الحرام محضا (٤).

ولا يضر ضعفها بوهب ، كأنه ابن وهب العاميّ الكذّاب الضعيف جدّا كما صرّح به الشيخ في الكتابين (٥) لانه (٦) موافق لظاهر القوانين ، ونقل عنه أبو جعفر (٧) ـ كأنه أحمد بن محمّد بن عيسى الثقة الذي لم ينقل خبرا ضعيفا عن مثله

__________________

(١) يعني عدم الإجماع والنص.

(٢) يعني ذكر اللبن في قول المصنف (إلا الميتة ولبنها) انما هو بتبعيّة الميتة فإن اللبن مائع لا جامد.

(٣) يعني من المستثنيات ، الميتة.

(٤) الوسائل باب ٣٣ حديث ١١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٤٩.

(٥) يعني التهذيب والاستبصار.

(٦) تعليل لقوله قدّس سرّه : ولا يضر ضعفها.

(٧) والسند هكذا : كما في التهذيب محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن وهب عن جعفر ، عن أبيه إلخ.


.................................................................................................

______________________________________________________

على ما هو الغالب من عادته وحاله.

ولكن نقل ان المعظم على الحلّ مثل الصدوق ، والمفيد ، والشيخ في النهاية وكتابي الاخبار ، وأبي الصلاح ، وابن زهرة ، وابن البرّاج ، للروايات المعتبرة مثل حسنة حريز ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام لزرارة ومحمّد بن مسلم : اللبن ، واللبأ والبيضة ، والشعر ، والصوف ، والقرن ، والناب ، والحافر ، وكل شي‌ء يفصل من الدابّة والشاة (الشاة والدابة ـ ئل) فهو ذكيّ ، وان أخذته منه بعد ان يموت فاغسله وصلّ فيه (١).

هكذا في التهذيب (٢) والكافي (٣) ، لكن في الاستبصار (٤) : في الحسن عن حريز ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام ، فعلى هذا حسن ، وعلى الأوّل مقطوع ، فكأنّه عنه عليه السّلام والموجود فيها موافق للمشهور الّا اللبن واللبأ.

ورواية زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن الإنفحّة تخرج من الجدي الميّت؟ قال : لا بأس به ، قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت؟ قال : لا بأس به ، قلت : والصوف ، والشعر ، وعظام الفيل ، والجلد ، والبيض يخرج من الدجاجة؟ فقال : كلّ هذا لا بأس به (٥).

وهي بناء على كتب الرجال ، اما حسن أو صحيح لقطع الإسناد إلى الحسن بن محبوب ، والطريق إليه أحدهما.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٣ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٢) باب الذبائح والأطعمة حديث ٥٦ نقلا من الكليني رحمه الله.

(٣) باب ما ينتفع به من الميتة إلخ من كتاب الأطعمة حديث ٦ ولكن فيه قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام لزرارة إلخ ولعلّ النسخة التي كانت عند الشارح قدّس سرّه لم تكن كذلك.

(٤) باب ما يجوز الانتفاع به من الميتة ج ٤ ص ٨٨ حديث ١ نقلا عن الكليني رحمه الله ونقله هو رحمه الله أيضا في الخلاف في كتاب الطهارة مسألة ١٣ فلاحظ.

(٥) الوسائل باب ٣٣ حديث ١٠ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن الظاهر من الفهرست (١) كون الطريق إليه صحيحا فتأمّل.

ورواية الحسين بن زرارة ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام وأبي يسأله عن السنّ من الميتة ، والأنفحة من الميتة ، واللبن من الميتة ، والبيضة من الميتة؟ فقال : كلّ هذا ذكي ، قال : فقلت : فشعر الخنزير يجعل حبلا يستقى به من البئر التي يشرب منها ويتوضّأ منها؟ فقال : لا بأس به. وزاد فيه علي بن عقبة وعلي بن الحسن بن رباط ، قال : الشعر والصوف كلّه ذكيّ (٢).

وفي سندها ابن فضال وابن بكير ، المشهور بالفطحيّة ، والحسين المجهول (٣) ، وما ذكرها في الاستبصار.

وللقائل بها ان يمنع ان كل ملاق للنجس بالرطوبة نجس ، إذ قد يستثنى منه اللبن فان الحكم الشرعيّ يجوز الاستثناء والتخصيص بعد ورود النص ويؤيّده ، الحكم بطهارة ماء الاستنجاء والغسالة على قول وما بقي في المغسول بالاتفاق وبطهارة الإنفحّة من الميتة بالنصّ والإجماع من غير غسل ، وكذا العظم الملاقي للّحم مع وجود الرطوبة.

وأيّده في الشرح وقال : ان اللبن في الحيّ أيضا ملاق للنجاسة ، لأنه يخرج من بين روث ودم.

والمدى طاهر بالإجماع مع ملاقاته لمجرى البول ، وكذا أيّده بطهارة الدود والحصى الغير المتلطخ مع ملاقاته لمخرج الغائط.

فلا يحتاج إلى تأويل هذه الاخبار ، إذ لا عمدة حينئذ للقائل بالنجاسة ،

__________________

(١) في رجال المامقاني نقلا من مقباس الهداية للمحقّق المتتبع الميرزا محمد الأردبيلي عند نقل طرق الشيخ هكذا : والى الحسن بن محبوب صحيح في المشيخة والفهرست (انتهى).

(٢) الوسائل باب ٣٣ حديث ٤ ـ ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٣) والسند كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن الحسين بن زرارة.


.................................................................................................

______________________________________________________

وقضيّة الأصل الطهارة ، ولعله الأقرب.

لا شك في بعد هذا الحكم عن القوانين ، فإن الملاقي بالرطوبة لنجس العين الظاهر انه نجس بالعقل الخالي عن القصور أيضا فضلا عن النقل لتأثره منه ، ووجوده غالبا فيه ، فالاستثناء عن مثله مشكل إلّا إذا ثبت بالنص والإجماع كالإنفحّة.

على انه قد قيل في الإنفحة أيضا ، بوجوب غسلها بعد ذلك ، فإنها جلدة تقبل الطهارة وليس بمعلوم كونهما مائعة غير قابلة للطهارة ، ولهذا قيل : بوجوب غسلها ومثله يمكن ان يقال في العظم.

على انهما ليسا مثل اللبن ، فإنه مثل الماء بخلافهما ، فيمكن بعيدا منع تلاقيه للرطوبة بعد الموت فتأمّل.

وبالجملة لو قام الدليل يمكن الاستثناء ، وقد قام فيهما النص والإجماع كما في المؤيّدات بخلافه ، اما الإجماع فعدمه ظاهر ، واما النص فليس على الظاهر الّا ما ذكرناه (١).

وقد عرفت ما في سند الاولى ، ودلالتها أيضا ليست بواضحة ، بل لا دلالة فيها على المطلوب أصلا ، إذ ليس محلّ الدلالة إلّا قوله : (وان أخذته إلخ) ، وذلك صريح في غير اللبن ممّا يقبل الطهارة والصلاة فيه لقوله : (فاغسله وصلّ فيه) وهو ظاهر ، فضمير (أخذته) راجع إلى كل (٢) باعتبار بعض افراده.

__________________

(١) وهي حسنة حريز ، ورواية زرارة المتقدمتين فراجع الوسائل باب ٣٣ حديث ٣ و ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٥ ـ ٣٦٦.

(٢) يعني ان ضمير الهاء في أخذته راجع إلى كلّ واحد من المذكورات مثل اللبن واللبأ والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل شي‌ء يفصل من الشاة والدابة باعتبار بعض المذكورات وهو غير اللبن واللبأ فإنهما غير قابلين للغسل.


.................................................................................................

______________________________________________________

فان اقتضى ذلك (١) عدم عموم المرجع ـ كما هو مذهب بعض الأصوليين بل المصنف أيضا ـ فلم يكن داخلا في الأوّل أيضا فلم يظهر كونه ذكيّا.

على ان المطلوب الحلّ لا الطهارة ، فليست بصريحة في حلّه.

وان (٢) بقي على عمومه وسلّم كونه في الضمير أيضا عاما فلا يدل على المطلوب ، بل على نقيضه حيث يفهم كونه نجسا لانه المتبادر من إيجاب الغسل ومعلوم انه غير قابل للطهارة عندهم ، ولو قيل به (٣) قيل بالحلّ فان سبب تحريمه النجاسة عند المحرّم وحينئذ مضمون الخبر أنّ كل ما ينفصل من الدابّة الحيّة والشاة كذلك طاهر ، ومن الميتة نجس ، فاغسل ما يقبل الطهارة وكل.

فيفهم ان ما لا يقبل الطهارة نجس وحرام.

على ان قوله عليه السّلام : (وكل شي‌ء يفصل من الدابة والشاة فهو ذكي) لم يصح بظاهره عندهم ، بل مخصوص بغير اجزائهما ، وانه لا بدّ ان يراد من الدابة الطاهرة ، والّا فليس كل ما يفصل منه معها ذكي (٤) وهو ظاهر.

وسند الثانية (٥) وان كان جيّدا ولكن دلالتها غير واضحة ، إذ قوله عليه السّلام : (لا بأس به) ليس بصريح في اكله ولا استعماله في المشروط بالطهارة ،

__________________

(١) إشارة إلى بحث أصولي وهو ان تعقيب العام بضمير يرجع إلى بعض المرجع هل يوجب سقوط العام عن عمومه فيكون العام مجازا أم يلزم المجازية في الضمير ، فان مقتضى القواعد الأدبية رجوعه إلى جميع المرجع فرجوعه إلى بعضه مجاز في استعمال الضمير ، فعلى الثاني يكشف ذلك عن عدم تمام المذكورات داخلا في حكم الذكيّ من الأوّل.

(٢) عطف على قوله قدّس سرّه : فان اقتضى ذلك.

(٣) يعني لو قيل بقبوله للتطهير لقيل بالحلّ فان موضوع التحريم هو النجاسة فإذا انتفى الموضوع انتفى الحكم.

(٤) هكذا في النسخ ضبط غير منصوب والصواب (ذكيا) لانه خبر ليس.

(٥) وسندها كما في التهذيب باب الذبائح إلخ حديث ٥٨ هكذا : الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب عن زرارة وطريقه إلى الحسن بن محبوب على ما في المشيخة جيّد.


ونجس العين كالعذرة وما مزج بالنجس ممّا لا يمكن تطهيره.

______________________________________________________

فان نفي البأس عن العين ان لم يكن بقرينة على تعيين المقدّر ففيه خلاف في الأصول ان المقدر جميع الانتفاعات أو واحد لا على التعيين ، فيكون مجملا.

وأيضا يحتمل حال الضرورة ، إذ لا عموم له لغة بحسب الأوضاع والأزمان.

وانها مشتملة على الجلد الذي لا يقولون بحلّه ولا بطهارته.

وبالجملة ، الاعتماد في مثل هذه المسألة بمثل هذه لا يخلو عن إشكال.

وقد عرفت ما في سند الثالثة (١) ـ مع اشتمالها على ما ليس بجيّد ، وعدم صراحة (ذكي) في الحلّ ، بل في انه طاهر شرعا يجوز استعماله فيما يشترط فيه الطهارة ، لجواز إرادة أنه ذكي لغة.

وان ما ذكرناه من المؤيّدات خارج بالنص والإجماع.

واما تأييد الشارح فغير جيّد ، للفرق بين ما نحن فيه وما ذكره ، لان النجس من الحيّ ما لم يخرج إلى الخارج لم يحكم بنجاسته ، والباطن منه طاهر ، فالخارج من بين الروث والدم وان سلّم ملاقاته للدم النجس والروث كذلك لم ينجس ، لأن الملاقاة في الداخل ، وكذا ملاقاة المذي والودي المجمع على طهارتهما مخرج البول ، والدود والحصى مخرج الغائط وهو ظاهر ، فلم يظهر وجه قوله : ولعله الأقرب فتأمّل.

ويؤيّده التحريم انه قد يدّعي استخباثه كسائر أجزاء الميتة ، وانه داخل في الميتة فيشمله دليل تحريم الخباثة والميتة ونجاستها من الكتاب والسنة والإجماع ويؤيده الاحتياط فتأمّل واحتط.

قوله : «ونجس العين كالعذرة إلخ» الظاهر ان دليل تحريمه كل نجس حرام.

__________________

(١) وقد نقلنا سندها عند نقلها فلاحظ.


أو باشره الكافر برطوبة.

______________________________________________________

وكذا دليل تحريم ما يمتزج بالنجس ممّا لا يمكن طهارته وما يمكن طهارته إلى ان يطهر ، والكل واضح وقد مرّ.

قوله : «أو باشره الكافر برطوبة» من المحرّمات ما باشره الكافر برطوبة الى ان يطهّر مع الإمكان ، وأبدا مع عدمه ، وكان يمكنه الاكتفاء بما قبله ، لكن ذكر الخلاف لاختلاف الروايات.

فيدل على النجاسة والتحريم ما سبق من دليل نجاسة الكافر (١) وما يلاقيه رطبا وما تقدّم أيضا في الروايات الدالة على المنع من ذبيحتهم (٢) فتذكر.

وصحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن آنية أهل الذمّة والمجوس؟ فقال : لا تأكلوا في آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي يطبخون ، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر (٣).

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن موسى عليه السّلام ، قال : سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة وأرقد معه على فراش واحد وأصافحه؟ فقال : لا (٤).

ورواية هارون بن خارجة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : اني أخالط المجوس فآكل من طعامهم؟ قال : لا (٥).

والظاهر ان النزاع في الذمي لا المشرك ، ويدل على نجاسة المشرك قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (٦) ، وقد ثبت كون الذمي أيضا مشركا لقوله تعالى :

__________________

(١) لاحظ ج ١ من هذا الكتاب ص ٣١٩.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٦ ـ ٢٧ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٩ ـ ٢٨٢.

(٣) الوسائل باب ٧٢ حديث ٢ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٩٢.

(٤) الوسائل باب ٥٢ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٢.

(٥) الوسائل باب ٥٢ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٢.

(٦) التوبة : ٢٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) (إلى قوله) (سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ) (١) وقد مرّ ذلك فيدخل تحت الآية.

وفيه تأمّل ، إذ غير معلوم كون النجس بمعنى النجس الشرعي ، ودلالة الآية على شرك مطلق الذمي أيضا غير معلوم.

ولكن الظاهر منها النجاسة الشرعيّة ، فيحمل عليها ، فان المتبادر النجس الشرعي ، ويؤيده ما قال في القاموس : النجس بالفتح والكسر والتحريك ضدّ الطاهر لا (٢) وجوب الاجتناب كما يجتنب عن النجاسة كما قاله القاضي وغيره أو نجاسة باطنهم ، أو لأنهم لا يطهرون ولا يجتنبون النجاسة ، فالغالب عليهم النجاسة فهم أنجاس.

إذ كل ذلك خلاف الظاهر ، ولا يصار إليه إلّا لضرورة ، ولا ضرورة.

نعم يبعد إثبات شرك جميع الكفار ويمكن ذلك في بعضهم مثل ما ذكر في الآية (٣) مع التأمّل.

فإثبات نجاسة مطلق الكافر حتى المرتد بمثله مشكل ، وما ثبت فيما تقدم (٤) خبر صحيح صريح في ذلك.

وهذه (٥) الاخبار أيضا كذلك ، إذ الأولى بعد ان كانت صحيحة

__________________

(١) التوبة : ٣٠.

(٢) عطف على قوله قدّس سرّه : (النجاسة الشرعيّة) يعني ظاهر الآية الشريفة النجاسة لا وجوب الاجتناب إلخ.

(٣) يعني بعضهم يقول عزير بن الله إلخ لا كلهم فان اعتقاد جميعهم لهذا المعنى غير معلوم بل معلوم العدم.

(٤) في اخبار مؤاكلة الكفار وغيرها يعني ليس فيها ما جمع الوصفين ، الصحّة والصراحة.

(٥) يعني الأخبار المذكورة آنفا هنا في مقابل الاخبار التي تقدمت في كتاب الطهارة ج ١ ص ٣١٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

لا حسنة (١) بناء على ان طريق الشيخ (٢) إلى الحسن بن محبوب صحيح كما يظهر من الفهرست لا يخلو من شي‌ء ، إذ نهى أوّلا عن الأكل في آنيتهم ثم نهى عن الآنية التي يشرب فيها الخمر ، وذلك لا يدلّ على النجاسة وتحريم ما باشروه لاحتمال الفعل تعبدا أو لفسقهم.

على أن النهي عن الأكل في آنيتهم مطلقا غير منطبق على قوانينهم لاحتمال عدم مباشرتهم بالرطوبة ، ولهذا صرّحوا بجواز مباشرة إنائهم مع عدم العلم بمباشرتهم مع الرطوبة وان كانت عتيقة ، وهي مع غيرها تحتمل الكراهة التي صريحة في بعض الأخبار المعارضة لها كما ستسمع.

والاحتمال (٣) في الثانية أقرب ، لمقارنته بالرقود (٤) معهم في فراش واحد وتصافحهم التي لا يستلزم النجاسة.

والثالثة (٥) ضعيفة وفيها ما تقدم.

واما الاخبار الدالة على عدم النجاسة فهي كثيرة وأظهر دلالة من الأوّل فهي مثل صحيحة إسماعيل بن جابر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال : لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال : لا تأكله ثم سكت

__________________

(١) سندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب عن علاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم.

(٢) طريقة الى الحسن بن محبوب كما في مشيخة التهذيب هكذا ومن جملة ما ذكرته عن الحسن بن محبوب ما رويته بهذه الأسانيد ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه عن الحسن بن محبوب. وقوله قدّس سرّه : بهذه الأسانيد إشارة إلى طرق ثلاثة بعضها صحيحة قطعا مثل قوله : أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد رحمه الله ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه عن محمّد بن يعقوب.

(٣) يعني احتمال الكراهة.

(٤) مثل قوله : وأرقد معه على فراش واحد وأصافحه إلخ.

(٥) رواية هارون بن خارجة.


.................................................................................................

______________________________________________________

هنيئة ثم قال : لا تأكله ولا تتركه تقول : انه حرام ولكنّ تتركه تتنزه (تنزها ـ خ ل) عنه ان في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير (١).

فهذه صريحة في الكراهة لاحتمال المباشرة بالخمر والخنزير.

ففيها دلالة على توجيه تلك الاخبار من وجهين ، الكراهة ، والحمل على الاستعمال في الخمر كما في الاولى.

وفي غيرها أيضا مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السّلام قال : سألته عن آنية أهل الكتاب؟ فقال : لا تأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيه الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير (٢).

وصحيحة العيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن مؤاكلة اليهودي والنصراني فقال : لا بأس إذا كان من طعامك ، وسألته عن مؤاكلة المجوسي ، فقال : إذا توضأ فلا بأس (٣).

وحسنة الكاهلي قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السّلام وانا عنده عن قوم مسلمين حضرهم رجل مجوسي أيدعونه إلى طعامهم؟ فقال : أما أنا فلا ادعوه ولا أؤاكله ، فإني لأكره ان أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم (٤).

وفي رواية زكريا بن إبراهيم ، قال : كنت نصرانيا فأسلمت فقلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ان أهل بيتي على دين النصرانية ، فأكون معهم في بيت واحد وآكل من (في ـ خ) آنيتهم فقال عليه السّلام : أيأكلون لحم الخنزير؟ قلت :

__________________

(١) الوسائل باب ٥٤ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٥.

(٢) الوسائل باب ٥٤ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٥ وفيه : قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قوم إلخ.

(٣) الوسائل باب ٥٣ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٤.

(٤) الوسائل باب ٥٣ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

لا قال : لا بأس. (١).

ولا يضرّ الجهل بحال زكريا ، ولا شك ان هذه الاخبار أدلّ وأكثر.

لكن مضمون الأول مشهور ، بل كاد ان يكون إجماعيّا ، وبهذا يقولون : ان اخبار الطهارة شاذّة نادرة كما قاله في الشرائع الّا أنّ الحكم بالنجاسة أيضا بمجرّد قولهم مع دلالة هذه الأخبار والأصل والعمومات وحصر المحرّمات مشكل جدّا ، وان أمكن حمل هذه على التقيّة كما تشعر به رواية الكاهلي ، الله يعلم ويفرج حتى نفهم.

ويمكن حملها على المؤاكلة من غير المباشرة بالرطوبة ، مثل ان يأكل من طعام يابس لا تتعدى النجاسة إن وقعت على جانب الى الجانب الآخر.

وبالجملة ليس شي‌ء من الأول (٢) صريحا في نجاسة الكفار ، ولا الثواني (٣) في طهارتهم بل هي ظاهرة فيها وصريحة في جواز المؤاكلة ، وهي أعم من الطهارة.

فلو ثبت نجاستهم كما هو المشهور بالإجماع المنقول في المختلف عن ابن إدريس والسيد فلا منافي له.

ويمكن الجمع بينه وبين الاخبار ، وهو ظاهر كما مرّ فيشكل القول بالطهارة.

نعم يمكن القول بجواز المؤاكلة لهذه الاخبار ، كما نقل في المختلف عن الشيخ في النهاية.

قال في النهاية : يكره ان يدعو الإنسان أحدا من الكفّار على طعامه فيأكل

__________________

(١) الوسائل باب ٥٣ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٤.

(٢) يعني الأخبار التي استدل بها على النجاسة.

(٣) يعني الأخبار التي استدل بها على الطهارة.


.................................................................................................

______________________________________________________

معه فإذا دعاه فليأمره بغسل يديه ثم يأكل معه ، واستدل له بصحيحة عيص بن القاسم المتقدمة.

ثم قال : والجواب ، الحمل على ما إذا كان الطعام ممّا لا ينفعل بالملاقاة كالفواكه اليابسة والثمار كذلك والحبوب لما رواه سماعة انه سأل الصادق عليه السّلام عن طعام أهل الكتاب ، قال : الحبوب (١).

والاستدلال بالأخبار الصحيحة الدالّة على أنّ طعام أهل الكتاب الذي يحلّ هو الحبوب ، وانه المراد بالآية (٢) ، أولى ، واكتفى (٣) بالإشارة إليها برواية سماعة.

ويمكن كون مقصود الشيخ أيضا مجرد المؤاكلة لا المباشرة بالرطوبة والمؤاكلة حينئذ.

ولعلّ غسل يده للنظافة ، ولهذا فرض النزاع في المؤاكلة فقط ، قال : قال شيخنا المفيد : لا يجوز مؤاكلة المجوس ، وقال ابن البرّاج : لا يجوز الأكل والشرب مع الكفار ، وقال ابن إدريس : قول شيخنا في النهاية رواية شاذة أوردها إيرادا لا اعتقادا ، ولا يلتفت إليها ولا يعرج إليها لأنها مخالفة لأصول المذهب لأنّا قد بيّنا أنّ سؤر الكفار نجس بغير خلاف وقد بيّنا أنّ المائع ينجس بمباشرته ، وأيضا الإجماع واقع على ذلك قال السيّد المرتضى في انتصاره : وممّا انفردت به الإماميّة ان كل طعام عالجه الكفار من اليهود والنصارى وغير هم ممن ثبت كفرهم بدليل قاطع فهو حرام لا يجوز اكله ولا الانتفاع به وخالفنا باقي الفقهاء في ذلك.

__________________

(١) الوسائل باب ٥١ حديث ١ و ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ومتن الخبر هكذا : عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن طعام أهل الذمة ما يحلّ منه؟ قال : الحبوب.

(٢) يعني قوله تعالى (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ).

(٣) يعني الشيخ في النهاية.


والطين الّا بقدر (قدر ـ خ ل) الحمّصة من تربة الحسين عليه السّلام للاستشفاء.

______________________________________________________

والمعتمد ما اختاره ابن إدريس (لنا) أنهم أنجاس فينفصل ما باشروه برطوبة من الأطعمة.

والحاصل أنه ان كان النزاع معه في نجاستهم ـ والشيخ يجوّز طهارتهم والمؤاكلة والمباشرة معهم بالرطوبة فيما يشترط معه الطهارة ـ فقول الشيخ لا يخلو عن قوّة لعدم ثبوت نجاسة مطلق الكفار حتى الكتابيين مطلقا والمرتد إلّا أن يدعي الإجماع والشيخ وراء المنع فالاستدلال عليه بالنجاسة مصادرة.

وان كان بعد الاتفاق على النجاسة في مجرد المؤاكلة من غير المباشرة بالرطوبة فلا ينبغي النزاع معه ، فان دليله يفيد ذلك ، ولا منافي له في ذلك في المذهب ، من الإجماع والاخبار ، وهو ظاهر.

بل ينبغي القول به ، إذ يمكن الجمع بين الأدلة بالجواز في اليابس وغير ما يستلزم المباشرة بالرطوبة ، والمنع في غير ذلك ممّا يستلزم المباشرة بالرطوبة ، وهو ظاهر لا خفاء فيه.

الّا إذا قيل بعدم الجواز من حيث وجوب الاجتناب عن الفسّاق وعدم معاشرتهم ، ولكن ذلك أمر آخر لا خصوصيّة له بالكفار ، وكل الفسّاق كذلك.

قوله : «والطين إلّا قدر الحمّصة من تربة الحسين عليه السّلام للاستشفاء» من المحرّمات الجامدة الطين ، والظاهر انه لا خلاف في تحريمه.

ومستنده أخبار كثيرة بعضها دالّة على انه مضرّ للبدن ، مثل صحيحة إبراهيم بن مهزم ـ الثقة ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام : ان عليّا عليه السّلام قال : من انهمك في أكل الطين فقد شرك في دم نفسه (١).

__________________

(١) الوسائل باب ٥٨ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٢ وفيه إبراهيم بن مهزم ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام.


.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : انّ الله عزّ وجلّ خلق آدم فحرّم أكل الطين (١).

كأنها صحيحة ، إذ ليس فيها من يمكن فيه شي‌ء إلّا الحسن بن علي (٢) ـ لعله ـ الوشاء فتأمّل.

ورواية سعد بن سعد ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الطين ، فقال : أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ، إلّا طين الحائر ، فإن فيه شفاء من كل داء ، وأمنا من كل خوف (٣).

وهذه تدل على استثناء طين حائر الحسين عليه السّلام ، مثل رواية أبي يحيى الواسطي عن رجل ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : الطين حرام كلّه كلحم الخنزير ومن اكله ثم مات منه لم أصلّ عليه ، إلّا طين القبر فان فيه شفاء من كلّ داء ، ومن أكله لشهوة لم يكن له في شفاء (٤).

الظاهر انه لا خلاف في تحريم المستثنى منه وتحليل المستثنى ، انما الكلام في تحقيقهما.

اما المستثنى منه فظاهر اللفظ عرفا ولغة أنّه تراب مخلوط بالماء.

قال في القاموس : الطين معروف ، والطينة القطعة منه ، وتطيّن تلطّخ به.

وتؤيّده صحيحة معمر بن خلاد ، عن أبي الحسن عليه السّلام ، قال : قلت

__________________

(١) الوسائل باب ٥٨ حديث ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٣.

(٢) سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي ، عن هشام بن سالم.

(٣) الوسائل باب ٥٩ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٦.

(٤) الوسائل باب ٥٩ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

له : ما يروي الناس في أكل الطين وكراهيته (هته ـ ئل)؟ قال : انما ذاك المبلول ، وذاك المدر (١).

وهذه تدل على انه بعد اليبوسة أيضا حرام ، ولا يشترط بقاء الرطوبة ، ولكن لا بد ان يكون ممتزجا أوّلا به ، فلا يحرم غير ذلك ، للأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات.

والمشهور بين المتفقهة ، انه يحرم التراب والأرض كلّها حتى الرمل والأحجار ، قال في شرح الشرائع : المراد به ما يشمل التراب والمدر ، لما فيه من الإضرار بالبدن.

والضرر مطلقا غير واضح ، ولعل وجه المشهور انه إذا كان الطين حراما وليس فيه الّا الماء والتراب ، ومعلوم عدم تحريم الماء ، ولا معنى لتحريم شي‌ء سبب انضمام شي‌ء محلّل ، فلو لم يكن التراب حراما لم يكن الطين كذلك ، وانما التراب جزء الأرض ، فتكون هي كلّها حراما.

فيه تأمّل واضح فتأمل ولا تترك الاحتياط.

وأمّا المستثنى ، فالمشهور أنه تربة الحسين عليه السّلام ، فكلّ ما تصدق عليه التربة يكون مباحا ومستثنى ، وفي بعض الروايات : طين قبر الحسين عليه السّلام (٢).

فالظاهر ان الذي يؤخذ من القبر الشريف حلال ، ولما كان الظاهر عدم إمكان ذلك دائما فيمكن دخول ما قرب منه وحواليه فيه أيضا.

ويؤيّده ما ورد في بعض الاخبار : (طين الحائر) (٣) وفي بعضها (عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : يؤخذ طين قبر الحسين عليه السّلام من عند القبر على

__________________

(١) الوسائل باب ٥٨ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩١.

(٢) الوسائل باب ٥٨ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩١.

(٣) الوسائل باب ٥٩ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

سبعين ذراعا) (١).

وفي بعضها (عنه عليه السّلام) قال : التربة (البركة خ ل ئل) من قبر الحسين بن علي عليهما السّلام عشرة أميال (٢).

والأخبار في جواز أكلها للاستشفاء كثيرة والأصحاب مطبقون عليه.

وهل يشترط أخذه بالدعاء ، وقراءة (إنّا أنزلناه)؟ ظاهر بعض الروايات (٣) في كتاب المزار ذلك بل مع شرائط (٤) أخر حتى ورد انه قال شخص : اني أكلت ما شفيت ، فقال له عليه السّلام : افعل كذا وكذا (٥).

وورد أيضا ان له غسلا وصلاة خاصّة والأخذ على وجه خاصّ ، وربطه ، وختمه بخاتم يكون نقشه كذا ، ويكون أخذه مقدارا خاصا (٦).

ويحتمل ان يكون ذلك لزيادة الشفاء وسرعته وتبقيته (تيقنه خ ل) لا مطلقا ، فيكون مطلقا جائزا كما هو المشهور ، وفي كتب الفقه مسطور.

ولا بدّ ان يكون بقصد الشفاء ، والّا فيحرم ولم يحصل له الشفاء كما مرّ في رواية أبي يحيى (٧) ويدل عليه غيرها أيضا.

ولا بدّ ان يكون قليلا لا يتجاوز قدر الحمّصة كما وردت به الرواية عن أحدهما عليهما السّلام قال : ان الله تعالى خلق آدم من الطين فحرّم الطين على

__________________

(١) الوسائل باب ٦٧ حديث ٣ من أبواب المزار ج ١٠ ص ٤٠٠.

(٢) الوسائل باب ٦٧ حديث ٧ من أبواب المزار ج ١٠ ص ٤٠١.

(٣) الوسائل باب ٥٩ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٧ وباب ٧٠ حديث ٣ من أبواب المزار ج ١٠ ص ٤٠٩.

(٤) الوسائل باب ٧٢ من أبواب المزار ج ١٠ ص ٤١٦.

(٥) باب ٥٩ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٧.

(٦) باب ٥٩ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٧.

(٧) الوسائل باب ٥٩ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٣.


والسموم القاتل قليها وكثيرها ، وما لا يقتل قليله يجوز تناول ما لا ضرر فيه.

______________________________________________________

ولده ، قال : قلت (فقلت ـ ئل) : فما تقول في طين قبر الحسين بن علي عليهما السّلام ، قال : يحرم على الناس أكل لحومهم ويحلّ لهم أكل لحومنا؟! ولكن اليسير منه مثل الحمّصة (١).

وتدلّ عليه العلّة أيضا.

وقد نقل أكله يوم عاشوراء بعد العصر (٢) ، وكذا الإفطار بها يوم العيد (٣) ولم يثبت صحته فلا يؤكل الّا للشفاء ، ولكن ينبغي أخذه بالدعاء والشرائط ، والدعاء عند الأكل أيضا للروايات (٤) بذلك فتأمّل.

وهل يستثنى غيرها؟ مثل الأرمني ، والطين المختوم ، للشفاء ، فإنهما ذكرتا في الطبّ علاجا لبعض الأمراض مثل الإسهال ، وهو مبني على تجويز الشفاء بالمحرم على تقدير تحريمهما ، وسيجي‌ء ذلك.

قوله : «والسموم القاتل قليلها وكثيرها إلخ» من المحرّمات الجامدة السموم القاتل ، قليلها وكثيرها ، وكل ما هو القاتل فهو حرام ، سواء كان قليلا أو كثيرا ، وما لم يكن قاتلا إلّا كثيره فلا يحرم الّا هو كالترياق ، فإن قليله ليس بقاتل ، ولكن كثيره قاتل ، فقدر القاتل بشرط العمد والعلم يكون حراما ، بل أكله يكون قتلا لنفسه فيدخل تحت قاتل المؤمن ان كان ، (نعوذ بالله منه).

نعم ما لا يقتل قليله ، ولكن يؤول إلى الضرر الكثير من المرض وغيره ، يمكن

__________________

(١) الوسائل باب ٧٢ حديث ١ من أبواب المزار ج ١٠ ص ٤١٤.

(٢) لم نعثر عليه الى الآن فتتبع ، نعم ذكره الشيخ رحمه الله في المصباح بعنوان الاستحباب راجع المصباح ص ٧١٣ في أوائل (المحرّم) فلاحظ.

(٣) راجع الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب صلاة العيد ج ٥ ص ١١٤.

(٤) راجع باب ٧٠ و ٧٢ من أبواب المزار من الوسائل ج ١٠ ص ٤٠٨ ـ ٤١٤.


ويحرم من الذبيحة الطحال ، والقضيب ، والفرج ، والفرث ، والدم ، والأنثيان ، والمثانة ، والمرارة ، والمشيمة. قيل : والنخاع ، والعلباء ، والغدد ، وذات الأشاجع ، وخرزة الدماغ ، والحدق.

ويكره الكلاء ، وإذنا القلب ، والعروق.

______________________________________________________

تحريم قليله أيضا حتى يصير عادة ويؤول تركه إلى الضرر فيجب ، فتأمّل.

وإليه أشار بقوله : (وما لا يقتل قليله يجوز تناول ما لا ضرر فيه) فافهم.

قوله : «ويحرم من الذبيحة الطحال إلخ» في تحريم الأشياء المخصوصة من الذبيحة والمنحورة المحلّلة خلاف ، قيل : أربعة ، وانه لا خلاف في تحريمها ، وهي الدم ، والطحال ، والقضيب ، والأنثيان ، قاله في الشرح.

ونقل عن الصدوق : عشرة لا يؤكل : الفرث ، والدم ، والنخاع ، والطحال ، والغدد ، والقضيب ، والأنثيان ، والرحم ، والحياء ، والأوداج ، وقال : وروي العروق (١) ، وفي حديث آخر : مكان الحياء ، الجلد.

قال في الشرح : قلت : قال أهل اللغة : الحياء بالمدّ رحم الناقة وجمعه احيية ولعلّ الصدوق أراد به ظاهر الفرج ، وبالرحم باطنه.

ثم كلامه ليس نصا على التحريم ، لعلّ وجهه انه ما ذكر الفرج مع تحريمه ، والحياء بمعنى رحم الناقة ليس بحرام عنده ، وان الصدوق يذكر كثيرا من المكروهات بلفظ التحريم والنهي.

ونقل عن المفيد وسلار : لا يؤكل الطحال والقضيب والأنثيان ولم يذكرا غيرها.

والظاهر ان ترك الدم للظهور ، فكأنه ليس بجزء من الذبيحة ، ثم قال : وقال المرتضى : انفردت الإماميّة بتحريم أكل الطحال ، والقضيب ، والخصيتين ،

__________________

(١) تأتي إن شاء الله.


.................................................................................................

______________________________________________________

والرحم ، والمثانة ، ووافقه في الخلاف ، وزاد الغدد ، والعلباء ، والخرزة ، ولم يتعرض لغيرها.

وقال أبو الصلاح ، وتبعه ابن زهرة : يحرم سبعة ، الدم ، والطحال ، والقضيب ، والأنثيان ، والغدد ، والمشيمة ، والمثانة.

وقال الشيخ في النهاية ـ وتبعه ابن البرّاج ، وابن حمزة ، وابن إدريس ـ : يحرم أربعة عشر ، الدم ، والفرث ، والطحال ، والمرارة ، والمشيمة ، والفرج ظاهره وباطنه ، والقضيب ، والنخاع ، والأنثيان ، والعلباء ، والغدد ، وذات الأشاجع ، والحدق ، والخرزة ونقص ابن البرّاج الدم لظهور تحريمه بنصّ القرآن ، وزاد ابن إدريس المثانة فالمحرّمات عنده خمسة عشرة.

وهو مختار المصنّف في القواعد ، ونقله عنه أكثر علمائنا في التحرير.

ونقل عن ابن الجنيد انه قال : يكره من الشاة أكل الطحال ، والمثانة ، والغدد ، والنخاع ، والرحم ، والقضيب ، والأنثيين ، ثم قال : الكراهة قد تطلق على التحريم ، قال : ونقل في المختلف ، عن أبي الصلاح كراهة النخاع ، والعروق ، والمرارة ، وحبّة الحدقة ، والخرزة ، ولم يذكر عنه التحريم ، فلعلّه لم يقف عليه حال التصنيف يريد به بيان الإجماع والاتفاق على تحريم الأربعة المذكورة ، الدم ، والطحال ، والقضيب ، والأنثيان.

والظاهر ان لا زائد على الخمسة عشر.

وظاهر المتن تحريم التسعة المذكورة ، والتردد في الستة الباقية.

واما الدليل فالظاهر ان ابن إدريس ومن يقول بتحريم الكلّ يستدل على تحريم الكل بالخباثة الدالة على التحريم بالآية (١) ، إذ ما نجد تحريم الكلّ في الخبر ،

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) ، الأعراف : ١٥٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

ومعلوم عدم الإجماع وفي صدق الخباثة على الكل تأمّل.

والأصل والعمومات وحصر المحرّمات في الآية (١) والأخبار الكثيرة المفسّرة لها (٢) ـ كما مرّ ـ دليل العدم.

ويدل على تحريم العشرة ما رواه في الفقيه مرسلا ، قال الصادق عليه السّلام : في الشاة عشرة أشياء لا يؤكل ، الفرث ، والدم ، والنخاع ، والطحال ، والغدد ، والقضيب ، والأنثيين ، والرحم ، والحياء ، والأوداج (٣).

وقال عليه السّلام : عشرة أشياء من الميتة ذكيّة ، القرن ، والحافر ، والعظم ، والسن ، والانفحة ، واللبن ، والشعر ، والصوف ، والريش ، والبيض (٤) ثم قال : وقد ذكرت ذلك مسندا في كتاب الخصال في باب العشرات.

رأيت في الخصال ـ بعد قوله عليه السّلام (الأوداج) : أو قال : (العروق) (٥).

لكن فيه أيضا بغير اسناد (٦) ، لعلّه حذف الناسخ منها أيضا كما فعل ذلك بثواب الأعمال ، فإنه يوجد مسندا وغير مسند ، أول هذه الرواية هو الذي نسبه الى

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) إلخ ، الأنعام : ١٤٥.

(٢) راجع الوسائل باب ٤ حديث ٦ ـ ٧ وباب ٥ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٤ ـ ٣٢٧.

(٣) أورده في الفقيه ج ٣ ص ٣٤٧ تحت رقم ٤٢١٧. طبع مكتبة الصدوق.

(٤) الوسائل باب ٣٣ حديث ٩ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٦.

(٥) الخصال (أبواب العشرة) باب لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء ص ٤٣٣.

(٦) لم نفهم المراد بقوله : قدّس سرّه (بغير اسناد) فان الحديث في الخصال هكذا : حدثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رضي الله عنه ، قال : حدثنا أبي ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السّلام ولعلّ المراد كونها مرسلة.


.................................................................................................

______________________________________________________

الصدوق ، وقال : غير صريح في التحريم ، وفيها دلالة على طهارة اللبن أيضا.

وروى عن ابن أبي عمير في الكافي والتهذيب أيضا ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء ، الفرث والدم ، والطحال ، والنخاع ، والعلباء ، والغدد ، والقضيب ، والأنثيان ، والحياء والمرارة (١).

هذه العشرة موافق لها إلّا في عدّ (العلباء) بدل (الرحم) وذكر (المرارة) بدل (الأوداج) ، وهذه أظهر ، فإن (المرارة والعلباء) أقرب إلى الحرام من (الرحم والأوداج) الّا ان يفسّر الرحم ب (الفرج) كما نقلناه عن الشرح.

وفي الطريق مع الإرسال سهل بن زياد.

وتدل على تحريم سبعة أشياء رواية أبي يحيى الواسطي رفعه ، قال مرّ أمير المؤمنين عليه السّلام بالقصّابين فنهاهم عن بيع سبعة أشياء من الشاة ، نهاهم عن بيع الدم ، والغدد ، وآذان الفؤاد ، والطحال ، والنخاع ، والخصي ، والقضيب (٢) الخبر.

وعدّ فيه آذان القلب من المنهي ، وما نعلم القائل به ، بل قيل : انه مكروه فكأن له ولعدم الصحّة حمل على الكراهة بالنسبة إليها وان كان بالنسبة إلى غيرها التحريم فتأمّل.

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه السّلام ، قال : حرم من الشاة سبعة أشياء ، الدم ، والخصيتان ، والقضيب ، والمثانة ، والغدد ، والطحال والمرارة (٣) لكنهما ضعيفتان.

وفي رواية إسماعيل بن مرّار عنهم عليهم السّلام ، قال : لا يؤكل ممّا يكون في الإبل ، والبقر ، والغنم ، وغير ذلك ممّا لحمه حلال ، الفرج بما فيه ظاهره وباطنه ،

__________________

(١) الوسائل باب ٣١ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٠.

(٢) الوسائل باب ٣١ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٩.

(٣) الوسائل باب ٣١ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

والقضيب ، والبيضتان ، والمشيمة ـ وهي موضع الولد ـ والطحال ـ لانه دم ـ والغدد مع العروق ، والمخّ الذي يكون في الصلب ، والمرارة ، والحدق ، والخرزة التي تكون في الدماغ ، والدم (١).

هذه أيضا تدل على العشرة ، بل الزيادة مع المخالفة لما سبق.

وفي رواية مسمع ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : إذا اشترى أحدكم اللحم فليخرج منه الغدد ، فإنه يحرّك عرق الجذام (٢).

وفي مرسلة عن بعض أصحابنا أنه كره الكليتين ، وقال : انهما مجتمع البول (٣).

كأنه لعدم الصحّة والقائل حملت على الكراهة كما قلناه في آذان القلب ، كما صرّح به المصنف هنا وغيره.

هذه ما رأيت من الاخبار في هذا الباب.

والظاهر ان لا نزاع في تحريم الأربعة المذكورة للإجماع المنقول ، والنص المجبور ضعفه به ولا ينافي ذلك عدم الحكم بتحريم جميع ما اشتمل عليه فتأمّل ، وفي الباقي إشكال من احتمال الخباثة (٤) ، والروايات (٥).

ولكن الأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات مثل (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) (٦) (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٧) وغير ذلك ، وعدم ظهور الخباثة ،

__________________

(١) الوسائل باب ٣١ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٩.

(٢) الوسائل باب ٣١ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٩.

(٣) الوسائل باب ٣١ حديث ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦.

(٤) فيشمله عموم قوله تعالى (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ).

(٥) الدالة على الحرمة.

(٦) المائدة : ٢.

(٧) الانعام : ١١٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

وضعف الروايات يدلّ على الإباحة ، كما يظهر انه مذهب بعض العلماء ، مثل الشيخ المفيد والسلار على ما تقدم فتأمّل.

واستدل في المختلف على مذهب النهاية بالاستخباث ، وبرواية ابن أبي عمير وإسماعيل بن مرّار (١) وردّ الروايتين بالضعف واختار ما في المتن من تحريم التسعة وقال بكراهة ما سواه من المذكورات.

وأنت تعلم أن الخباثة غير ظاهرة في كل ما هو مذكور في النهاية ، وفي كل ما اختاره أيضا ، ولو كانت ظاهرة لما اختلف فيه فتأمّل.

وأيضا ان الروايتين (٢) غير موافقتين لكلام النهاية ، إذ ليس (ذات الأشاجع) فيهما و (الحياء) موجود في الاولى و (العروق) في الثانية مع عدمهما في النهاية فتأمّل ، والمسألة مشكلة ، والاجتناب عن الكل أحوط فلا يترك ما (ان ـ خ) أمكن.

ثم ان الظاهر عدم الفرق في هذه الأشياء بين الذبائح المحلّلة التي يوجد فيها ذلك حتى العصفور (الطيور ـ خ ل) ، فان الظاهر هو العموم على تقدير التحريم فلا فرق.

اما تفسير هذه الألفاظ التي قيل بتحريم معناها ، قال في الشرح :

فالفرث قال الجوهري : هو السرجين ما دام في الكرش وجمعه فروث.

وقال بعض المفسرين : هو الأشياء المهضمة بعد الانهضام في الكرش وهما (٣) قريبان.

(والمثانة) بفتح الميم موضع البول ، (والمشيمة) قرين الولد الّذي يخرج معه ، والجمع مشايم مثل معايش ، (والنخاع) وهو عرق مستبطن القفار وهو اقصى

__________________

(١) المتقدمتين آنفا فراجع.

(٢) يعني رواية ابن أبي عمير ورواية إسماعيل بن مرّار المتقدمتين.

(٣) يعنى قول الجوهري وتفسير بعض المفسرين.


ولا يحرم اللحم المشويّ مع الطحال إن كان فوقه أو لم يكن الطحال مثقوبا.

______________________________________________________

حدّ الذبح (والعلباوان) اثنتان ، وهما عصبتان عريضتان صفراوان ممدودتان من الرقبة على الظهر إلى الذنب (والأشاجع) قال الجوهري : هو أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف ، الواحد أشجع بفتح الهمزة ، وذات الأشاجع كأنه إشارة إلى مجمع تلك الأصول ويقال أيضا ذوات الأشاجع ، (وخرزة الدماغ) قال الفقهاء : إنها حبّة في وسط الدماغ بقدر الحمّصة إلى الغبرة ما هي تخالف لون الدماغ اعني المُخّ الذي في الجمجمة ، (والحدق) جمع حدقة وهو سواد العين الأعظم.

لعلك علمت وجه كراهة (آذان القلب) والكلاء ، والعروق ممّا تقدم من الاخبار.

وقد عرفت ان المشيمة فسّرت في الحديث بموضع الولد ، وقال في القاموس : هي محلّ الولد ، ولعله مقصود الشارح ، والظاهر انه المراد بالرحم في بعض الروايات.

وان الأشاجع وذات الأشاجع واحد ، وانّها لا توجد بالمعنى الذي ذكر في كلّ البهائم المحلّلة.

الّا ان يقال : هي أصول الأصابع ، والظلف وغيره فيوجد في الغنم ، والإبل ، والبقر ، ويمكن وجودها بالمعنى الأول في الطيور ويشكل تميّزها فتأمّل ، والأصل الحلّ حتى يعلم ما يحرم ، وقد لا يكون ذلك في الكل فتأمّل.

واعلم ان مختار المتن من تحريم التسعة غير بعيد للخباثة ويكون الستة الباقية حلالا ومكروها لعدم الخباثة وصحّة الرواية (١).

قوله : «ولا يحرم اللحم المشوي إلخ» وجه عدم تحريم اللحم المشوي مع

__________________

(١) لم نعثر على رواية اشتملت على التسعة دالة على الكراهة فتتبع.


.................................................................................................

______________________________________________________

الطحال ان كان اللحم فوقه أو كان تحته ولم يكن الطحال مثقوبا ومنقوبا ، هو الأصل والاستصحاب ، وسائر الأدلة مع عدم العلم بامتزاجه بالمحرّم من اجزاء الطحال ، وبه رواية أيضا.

ومفهوم المتن يدل على تحريمه مع انتفاء الأمرين ، وتدل عليه الرواية.

قال في الفقيه : قال الصادق عليه السّلام : إذا كان اللحم مع الطحال في سفّود أكل اللحم إذا كان فوق الطحال ، فان كان أسفل من الطحال لم يؤكل ، ويؤكل جوذابه ، لان الطحال في حجاب ولا ينزل منه شي‌ء الّا ان يثقب ، فان ثقب صار منه ولم يؤكل ما تحته من الجوذاب ، فان جعلت سمكة يجوز أكلها مع جرّي أو غيرها ممّا لا يجوز أكله في سفّود أكلت التي لها فلوس إذا كانت في السفّود وفوق الجرّي وفوق اللاتي لا تؤكل ، فان كانت أسفل من الجرّي لم تؤكل ، وهي مرسلة فيه (١).

وقريب منها رواية ضعيفة في التهذيب والكافي أيضا وزيد : سئل عن الطحال أيحلّ أكله؟ قال : لا تأكله فهو دم (٢).

وزيد أيضا قوله : (وتحته خبز وهو الجوذاب).

وبالجملة بينهما مغايرة ، ولكنها ليست بمعنويّة.

وروى أيضا عمّار ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، وقد سئل عن الجرّي يكون في السّفود مع السمك قال : لا يؤكل ما كان فوق الجرّي ويرى ما سأل عليه الجرّي (٣).

قال في الدروس ـ بعد ذكر الرواية ـ : وعليها ابنا بابويه ، وطرّد الحكم في

__________________

(١) راجع الفقيه ج ٣ ص ٣٣٩ بعد رقم ٤٢٠٣ ولاحظ ذيله طبع مكتبة الصدوق.

(٢) الوسائل باب ٤٩ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٦٧.

(٣) الوسائل باب ٤٩ صدر حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص.


مسائل

البيض تابع ، فان اشتبه بيض السمك أكل الخشن وان اشتبه بيض الطير أكل ما اختلف طرفاه ، لا ما اتفق.

______________________________________________________

مجامعة ما يحل أكله لما يحرم أكله ، قال الفاضل : لم يعتبر علماؤنا ذلك ، والجرّي طاهر والرواية ضعيفة السند.

وأنت تعلم انه ينفصل من الجرّي اجزاء فيحرم وان كان طاهرا ، ويشكل حال الطحال أيضا فتأمّل.

ففي الكل تأمّل ، ينبغي الحلّ ما لم يعلم اختلاط الحرام فيحرم مطلقا ، لعلّ ما ذكر في الرواية ينبه عليه.

قوله : «البيض تابع إلخ» بيان ما يحلّ من البيض وما يحرم ، فقال : انه تابع للحيوان في الحلّ والحرمة والكراهة ، فمن الحلال المطلق كالحمام حلال ، ومن المكروه كالفاخته مكروه ، ومن الحرام كالبازي حرام.

لعلّ دليله انه كالجزء والحاصل منه فيكون تابعا له فتأمّل.

وتدل عليه أيضا رواية ابن فضال ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ان الدجاجة تكون في المنزل وليس معها الديكة تعتلف من الكناسة وغيره ، وتبيض بلا أن تركبها الديكة ، فما تقول في أكل ذلك البيض؟ قال : فقال : ان البيض إذا كان ممّا يؤكل لحمه فلا بأس بأكله ، فهو حلال (١) ولا يضرّ ضعف السند فتأمّل.

فإن اشتبه المحلّل بالمحرّم مثل بيض السمك الحلال المفلّس بغيره يحلّ الخشن منه فيؤكل دون الليّن.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٧ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولعلّه تدل عليه التجربة والرواية ، كأنهم رحمهم الله جرّبوا حتى حكموا بذلك ، فإن أفاد ذلك العلم أو الظن المعتبر ، والّا فلا ينبغي أكله ، وان دل على الحلّ ، الأصل والعمومات وخبر تغليب الحلال (١) ويدل على تغليب الحرام أيضا خبر (٢) وقد تقدما.

ويمكن الجمع بالإباحة والكراهة أو التقيّة ان كانت أو بالحصر وغيره كما ذكروه ، فتأمّل.

ونقل في الدروس ، عن ابن إدريس والمصنف حلّ ما في جوف السمك مطلقا للأصل وحلّ الصحناء بكسر الصاد والمدّ ، كأنهما نظرا الى ما قلناه ولكن الظاهر انه جزء من الحرام ، فيكون مثله ، ولا شك انه الأحوط.

ويدلّ على التميز بين البيض المحرّم والمحلّل من الطيور باستواء الطرفين والاختلاف ، كأنه التجربة أيضا مع الاخبار.

مثل ما في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السّلام وسأله غيره عن بيض طير الماء فقال : ما كان منه مثل بيض الدجاج ـ يغني على هيئته ـ (خلقته ـ ئل) فكل (٣).

ورواية محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : إذا دخلت أجمة فوجدت بيضا فلا تأكل منه الّا ما اختلف طرفاه (٤) ـ وهي صحيحة في

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٢١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٥٩.

(٢) لعله قدّس سرّه نظر إلى ما رواه الشيخ رحمه الله بإسناده عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير ، قال : سألت أحدهما عليهما السّلام عن شراء الخيانة والسرقة؟ قال : لا الا ان يكون قد اختلط معه غيره الوسائل باب ٣ حديث ٦ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٦٠.

(٣) الوسائل باب ٢٠ ذيل حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٨.

(٤) الوسائل باب ٢٠ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٧.


وإذا اغتذى الحيوان بعذرة الإنسان خاصّة حرم حتى يستبرئ.

______________________________________________________

التهذيب (١).

ورواية زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السّلام (سأله عن البيض ـ ئل) : البيض في الآجام؟ فقال : ما استوى طرفاه فلا تأكل وما اختلف طرفاه فكل (٢).

فيها (على الرياب) في التهذيب والكافي والفقيه (٣) ، فان كان (ابن الريان) أو (الرياب) كما هو الظاهر ، فهي حسنة ، فقد تقدمت.

وفي حديث ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : فقال : ان فيه عالما لا يخفى ، انظر كلّ بيضة تعرف رأسها من أسفلها فكل (فكلها ـ ئل) ، وما سوى ذلك فدعه (٤).

وفي أخرى ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : كل من البيض ما لم يستو رأساه ، وقال : ما كان من بيض طير الماء مثل بيض الدجاج وعلى خلقته أحد رأسيه مفرطح (٥) والّا فلا تأكل (٦).

وفي أخرى ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام قال : كل منه ما اختلف طرفاه (٧) فتأمّل.

قوله : «وإذا اغتذى الحيوان بعذرة إلخ» اعلم أنه قد يعرض التحريم للحيوان المحلّل من وجوه (الأول) الجلل ، وفيه بحثان :

__________________

(١) سندها كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم.

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٨.

(٣) في الوسائل نقلا من المشايخ الثلاثة (على بن الزيات).

(٤) الوسائل باب ٢٠ قطعة من حديث ٣ منها ص ٣٤٨.

(٥) المفرطح ، العريض يقال في البيض أحد رأسيه مفرطح أي عريض وفي بعض النسخ مفتح وهو بمعناه (مجمع البحرين).

(٦) الوسائل باب ٢٠ حديث ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٨.

(٧) رواية ابن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : انى أكون في الآجام فيختلف على البيض فما آكل منه؟ قال : كل منه ما اختلف طرفاه. الوسائل باب ٢٠ حديث ٦ ج ١٦ ص ٣٤٩.


بأن يطعم علفا طاهرا ، فالناقة بأربعين يوما ، والبقرة بعشرين ، والشاة بعشرة والبطة وشبهها بخمسة ، والدجاجة وشبهها بثلاثة ،

______________________________________________________

«الأول في ما يحصل به الجلل»

وفيه أبحاث :

(الأوّل) المشهور أنّه إنّما يحصل بأكل عذرة الإنسان فقط ، ونقل عن أبي الصلاح إلحاق غيرها من النجاسات بها ، وهو قياس لا نقول به.

(الثاني) في مدّة حصوله ، وهي المدّة التي يقال بالأكل فيها إنه حلّال ، ولكنها غير منضبطة شرعا ، ولا لغة ، ولا عرفا ، وفي بعض الروايات ما يدلّ على انه لا بد من كون غذائها ذلك ، ولم يكن له غذاء غيرها ، وانه لا بدّ من الاتصال ، فلو خلطت لم يحرم ولم يصر جلّالة.

وهي مرسلة موسى بن أكيل ، عن بعض أصحابنا (به ـ خ ل) ، عن أبي جعفر عليه السّلام في شاة شربت بولا ثم ذبحت ، قال : فقال : يغسل باقي جوفها ثم لا بأس به ، وكذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم تكن جلّالة ، والجلّالة التي يكون ذلك غذاؤها (١).

فيها دلالة على وجوب غسل الجوف إذا نجس ، فيفهم منها تنجيس البواطن ، وهو خلاف المشهور الّا ان تخصّه بأنها لا تنجس بنجاستها ، لا انها لا تنجس بالنجاسة الخارجيّة ، وهو بعيد ، وخلاف ظاهر كلامهم ، فتأمّل.

ويمكن حملها على الاستحباب في ذلك لضعفها.

ومرسلة علي بن أسباط عمن روى في الجلّالات:لابأس بأكلهنّ إذا كن يخلطن (٢).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٨.

(٢) تأتي عن قريب ان شاء الله.


والسمك بيوم وليلة ، وما عداها بما يزيل حكم الجلل.

______________________________________________________

وفي صحيحة هشام (١) أيضا اشارة إليه.

نعم قد فهم انه لا بدّ من كونها غذاءها وعدم الفصل بغيرها ، ولكن ما علم مقدار تلك المدّة ، فيمكن الحوالة إلى العرف وصدق أنّ تلك غذائها ، فيمكن تحقّقه اليوم وليلة ، وبالمقدار الذي يشتدّ به عظم وينبت لحم كما قيل في الرضاع ، ولكن معرفة هذا مشكل ، ولا شكّ في ظهورها بعد مدّة كثيرة.

ونقل عن بعض آخر ظهور النتن ورائحة تلك العذرة من لحمه.

والظاهر انه لا شك في حصوله حينئذ ، واما القبل فغير معلوم.

ونقل عن الخلاف والمبسوط انها التي يكون أكثر غذائها العذرة ، فلم يعتبر اشتراط عدم الفصل ، مع انه ما يفهم مدّة ذلك.

ونقل عن المحقّق أن هذا التفسير جيّد على القول بالكراهة ، لا التحريم ، ويؤيّده ان مذهب المبسوط هو الكراهة ، وانه قال : ذلك مذهبنا فيشعر بعدم الخلاف عندنا ، فلا يبعد اختصاص الكراهة المذكورة في المبسوط بما هو غالب علفه لا الدائم وكذا حمل كلام ابن الجنيد فلا يتحقق الخلاف للتحريم لحم الجلّال الذي يكون علفه ذلك فقط ، إذ ما نقل الكراهة إلّا عنهما فتأمّل.

والمشهور هو التحريم ، ودليله أخبار كثيرة منها صحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لا تأكل لحوم الجلّالات ، (وهي التي تأكل العذرة) (٢) فإن (وإن ـ خ ئل) أصابك من عرقها فاغسله (٣).

فيها دلالة على تعيين الجلّالة.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٧ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٤.

(٢) هذه الجملة ليست جزء من الرواية كما في التهذيب والاستبصار والوسائل ـ نعم هي موجودة في بعض نسخ الكافي ج ٦ باب لحوم الجلّالات إلخ ص ٢٥٠ حديث ١ بين معقوفتين فلاحظ.

(٣) الوسائل باب ٢٧ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

وحسنة حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا تشرب من ألبان الإبل الجلّالة ، وان أصابك شي‌ء من عرقها فاغسله (١).

وهما مع غير هما من الاخبار من طرق العامّة (٢) والخاصّة كما ستسمع في بحث الاستبراء ـ ظاهرة في التحريم ، مع اعتبار السند وعدم المعارض ، والشهرة والمناسبة العقليّة مع التأويل المذكور (٣) لكلام القائل بالكراهة.

نعم ، فيهما الأمر بالغسل من عرقها ، وهو يدلّ على نجاسة عرقها ، وهو خلاف المشهور ، فان كان لهما معارض ومانع عن ذلك يحمل الأمر فيهما على الاستحباب والّا فعلى الوجوب الظاهر ، وذلك غير مانع من دلالة أوّلهما على تحريم لحمها ولبنها فلا مانع من القول بالتحريم.

فقول شرح الشرائع ـ بعد نقل الرواية عن العامّة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله نهى عن أكل لحم الجلّالة ، وعن شرب ألبانها حتى يحبس (٤) ، ورواية هشام بن سالم ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : الناقة الجلّالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها (٥) الحديث ، وغيرها من الأخبار الدالّة على النهي : الأوّل (٦) عامّي والثاني غايته أن يكون من الحسان والباقي ضعيف ـ محلّ (٧) التأمّل إذ قد عرفت الصحيح (٨) والحسن.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٧ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٤.

(٢) يأتي عن قريب ان شاء الله ولاحظ سنن أبي داود ج ٣ باب النهي عن أكل الجلالة ص ٣٥١.

(٣) بقوله قدّس سرّه فيما تقدم آنفا : فلا يبعد اختصاص الكراهة المذكورة في المبسوط بما هو غالب علفه ذلك.

(٤) راجع سنن أبي داود ج ٣ ص ٣٥١ باب النهي عن أكل الجلالة وألبانها ولكن ليس فيه قوله : (حتى يحبس).

(٥) الوسائل باب ٢٨ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٦ وفيه عن مسمع عن أبي عبد الله عليه السّلام قال إلخ.

(٦) يعني ما رواه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله من انه نهى عن أكل لحم الجلالة إلخ وقوله : الأول إلخ مقول قوله : فقول شرح الشرائع.

(٧) خبر لقوله قدّس سرّه : فقول شرح الشرائع.

(٨) المراد بالصحيح صحيحة هشام بن سالم وبالحسن حسنة حفص بن البختري.


.................................................................................................

______________________________________________________

وما رأيت ما ذكره من الحسن في الأصول ، بل التي ذكرها رواية مسمع (١) ، وهي ضعيفة كما رأيت في الكافي ، وهو اعرف.

ثم قال : الأشهر الأوّل ، ولو قيل بالتفصيل كما قال المصنّف رحمه الله بأنه ان كانت العذرة غذاء محضا فالتحريم ، وان كان غالبا فالكراهة كان وجها.

وأنت تعلم انه وجه على ما قلناه لا على ما ذكره ، حيث لا دليل عنده على التحريم ، بل لا يبعد الكراهة فيما أكل العذرة مساويا ، بل أنقص أيضا خصوصا إذا كانت يعتدّ بها (تقيّد بها ـ خ ل) وكذا سائر النجاسات للاعتبار ، ومفهوم هذه الأخبار الدالّة على التحريم ، واحتمال القياس ، فتأمّل.

(الثالث) لا فرق بين سائر الحيوانات في ذلك وان كان المذكور في بعض الأدلّة الشاة أو الناقة ، لعدم الفرق ، وللعموم الظاهر في صحيحة هشام المتقدّمة.

(الرابع) على تقدير تحريم لحمها هل هي نجسة أم طاهرة؟ المشهور الأخير ، فهي كسائر المحرّمات الطاهرة مثل السباع ، بل ما نعرف القائل بها.

نعم ، قيل بنجاسة عرقها ، والروايتان المتقدمتان دلّتا على وجوب غسل عرقها فيحتمل التعبد والنجاسة.

وعلى تقدير نجاسة عرقها ـ كما هو قول الشيخ ـ لا تدلّ على نجاسة الحيوان فتكون نجس العين مثل الكلب والخنزير ، وهو ظاهر وموافق للأدلّة.

ويمكن حمل الأمر على الاستحباب كما مرّ ، فإنه يرد لذلك كثيرا ، والشهرة ، والأصل يؤيّده ، وكذا ما دل على حصر النجاسات وبعد التعبد من دون النجاسة.

وبالجملة ، الظاهر تحريم لحمها ولبنها وسائر ما يتولد منها ، ووجوب ازالة

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٨ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

عرقها حتى يعلم المزيل المحلّل من الاستبراء وغيره وهو ظاهر.

(الخامس) هل يقع عليها الذكاة كما في بعض المحرّمات؟ الظاهر ذلك للاستصحاب ، ولما مرّ في بعض المحرّمات.

«البحث الثاني في الاستبراء المحلل لما حرّم»

والظاهر ان لا خلاف بينهم في كون التحريم ممّا يمكن زواله بالاستبراء الّا انه وقع الخلاف في مدّته واختلفت الروايات ، فننقل الروايات ، فننظر فيما يستفاد منها.

وهي رواية السكوني ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : الدجاجة الجلّالة لا يؤكل لحمها حتى تقيّد (تغتذي ـ خ ل) ثلاثة أيام ، والبطة الجلّالة خمسة أيام ، والشاة الجلّالة عشرة أيام ، والبقرة الجلّالة عشرين يوما ، والناقة الجلّالة أربعين يوما (١).

ورواية موسى بن أكيل وقد تقدمت (٢).

ورواية يعقوب بن يزيد رفعه ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : الإبل الجلّالة إذا أردت نحرها تحبس البعير أربعين يوما ، والبقرة ثلاثين يوما ، والشاة عشرة أيام (٣).

ومرسلة علي بن أسباط وقد تقدمت (٤).

ورواية يونس عن الرضا عليه السّلام في السمك الجلّال انه سأله عنه

__________________

(١) الوسائل باب ٢٨ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٦.

(٢) الوسائل باب ٣٠ حديث ٥ من أبواب لباس المصلى ج ٣ ص ٣٠٠.

(٣) الوسائل باب ٢٨ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٦.

(٤) الوسائل باب ٢٧ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

فقال : تنتظر به يوما وليلة ـ وقال السياري (١) : ان هذا لا يكون إلّا بالبصرة ، وقال في الدجاج (جة ـ ئل) : تحبس ثلاثة أيام ، والبطة سبعة أيام ، والشاة أربعة عشر يوما ، والبقرة ثلاثين يوما ، والإبل أربعين يوما ثم يذبح (٢).

ورواية بسّام الصيرفي ، عن أبي جعفر عليه السّلام في الإبل الجلّالة؟ قال : لا تؤكل لحمها ، ولا يركب أربعين يوما (٣).

ورواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : الناقة الجلّالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى أربعين يوما والبقرة الجلّالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى ثلاثين يوما ، والشاة الجلّالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى عشرة أيام ، والبطة الجلّالة لا يؤكل لحمها حتى تربى خمسة أيام ، والدجاجة ثلاثة أيام (٤).

وهذه دلت على التحريم مع الجلل ، والحلّ بعده بالاستبراء.

والظاهر ان لا ريب في الحلّ بعد الاستبراء وعدم التحريم الأبدي.

ولكن اختلف في المدّة ، وليس في تعيين تلك المدّة نصّ معتبر كما رأيت ، فالحوالة إلى زوال الجلل الموجب عرفا مناسب.

ولا شك في الزوال بتطييب اللحم وزوال رائحته إذا كان السبب هو النتن ، وفيما لا تقدير له بزواله عرفا.

وفيما له تقدير في الروايات يمكن ذلك أيضا لعدم اعتبارها.

__________________

(١) يعني أحمد بن محمّد السياري الذي في طريق هذه الرواية.

(٢) الوسائل باب ٢٨ حديث ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٧.

(٣) الوسائل باب ٢٨ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٦ وفيه عن أبي عبد الله عليه السّلام.

(٤) الوسائل باب ٢٨ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

والأولى العمل بالأكثر فيما فيه اختلاف عددا ولو بأكثر الأمرين فيما له تقدير لو فرض الزوال قبل ذلك المقدر أو البقاء بعد الاستبراء بالمقدر.

ثم ان الظاهر انه لا يحتاج الى الربط والحبس كما وقع في بعض العبارات (١) والروايات (٢) فان الظاهر ان المراد حبسه ومنعه من العذرة ، وهو ظاهر مع انه لا شك ان موافقة الرواية أحسن.

ثم ان الظاهر ان لا فرق في المقدّر بين الذكر والأنثى إذا كان الموجود في لفظ الرواية أحدهما ، إذ لا فرق بينهما على الظاهر في الجلل وزواله ، فالمقدّر لأحدهما هو المقدّر للآخر ، فلا يكون هو ممّا لا نصّ فيه حتى يكون الاعتبار بزوال الاسم لا بالمقدّر كما يفهم من قيود المحقق الثاني الشيخ علي.

وأيضا ان الظاهر من بعض الروايات (٣) هو الحبس فقط من غير علف وهو غير بعيد ، فان الظاهر ان الجلل يزول بالمنع أيضا ، فتأمّل.

ويمكن حمله على الحبس عن العذرة أو العلف بغيره كما ورد في بعض آخر (٤) ولا شك في أولويّة العلف.

وأيضا انه لا يشترط الطهارة في العلف كما يفهم من المتن وغيره ، للأصل وعدم الدليل ، ولان الغرض زوال الجلل وهو يحصل حينئذ.

نعم ان قيل : بحصول الجلل بغيرها من النجاسات فلا بدّ من كون العلف

__________________

(١) في الشرائع : وفي الاستبراء اختلاف (إلى ان قال :) وكيفيته ان يربط ويعلف علفا طاهرا هذه المدّة (انتهى).

(٢) لاحظ الوسائل باب ٢٨ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٧ وفيه : ان البقرة تربط عشرين يوما إلخ.

(٣) راجع الوسائل باب ٢٨ حديث ٤ و ٥ بل ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٧.

(٤) لاحظ الباب المذكور حديث ١ و ٢ ص ٣٥٦.


ولو شرب شي‌ء من الانعام لبن خنزيرة ولم يشتد كره.

______________________________________________________

بغير ذلك أيضا.

واما المتنجس فالقول بحصول الجلل به غير معلوم ، فلو كان ذلك يكون كذلك.

وانه قد دلت على عدم البأس في أكل لحم وبيض دجاجة تأكل العذرة صحيحة سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام ، قال : سألته عن أكل لحوم الدجاج في الدساكر (١) وهم لا يمنعونها (لا يصدونها ـ يب) من شي‌ء تمرّ على العذرة مخلّى عنها أو آكل (وآكل ـ يب) بيضهنّ؟ فقال : لا بأس به (٢).

وهي لا تنافي ما دلت على التحريم ، إذ شرطه عدم الفصل وتمحّض العذرة وصيرورتها جلّالة ، وما علم تحققها في الدجاجة المسؤول عنها ، بل الأصل والظاهر عدم ذلك ، بل لا تدل على أكلها العذرة أيضا أصلا.

وحملها الشيخ على ذلك بقرينة مرسلتي موسى وعلي المتقدمتين (٣) ، واحتمل أيضا حملها على تقدير حصول الجلل على ما بعد الاستبراء.

قوله : «ولو شرب شي‌ء من الأنعام إلخ» هذا بيان ثاني ما يحرم لعارض وهو نعم ، من الأنعام المحلّلة ، يشرب لبن خنزيرة ، فإن كان قليلا بحيث لا يشتدّ عظمه ولا ينبت لحمه كره لحم ذلك الشارب ، ولبنه ، بل نسله أيضا على الاحتمال ، لاحتمال التأثير ، ويستبرأ بسبعة أيام استحبابا ، بان يعلف ما يستبرأ

__________________

(١) الدسكرة ، بناء على هيئة القصر فيه منازل وبيوت الخدم والحشم وليست بقرية محصّنة وليست بعربية والجمع دساكر (مجمع البحرين).

(٢) الوسائل باب ٢٧ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٣١ ، وأورده في التهذيب باب الذبائح إلخ حديث ١٩٣ ص ٣٥٠ طبع قديم وص ٤٦ ح ٩ طبع جديد.

(٣) الوسائل باب ٢٧ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ وباب ٣ حديث ٥ من أبواب لباس المصلى ج ٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

به أو يشرب من لبن الشاة وغيره في هذه الأيام السبعة.

ومستنده الكراهة الأخبار الآتية.

وان اشتد العظم ونبت اللحم حرم لحمه ونسله.

دليله ـ مع ذكرهم من غير إظهار خلاف ـ الروايات وان لم تكن صحيحة كأنها منجبرة بذلك ، وبالاعتبار فتأمّل.

وهي ما رواه أبو حمزة ـ كأنه الثمالي ـ مرفوعا ، قال : قال : لا تأكل من لحم حمل رضع من لبن خنزيرة (١).

وموثقة حنان بن سدير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل وانا حاضر عن جدي رضع من لبن خنزير حتى شب (٢) وكبر واشتد عظمه ثم استفحله رجل في غنم له (في غنمه ـ كا ـ ئل) فخرج له نسل ما تقول في نسله؟ فقال : اما ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربنه ، واما ما لم تعرفه (فكله ـ كا ـ ئل) فهو بمنزلة الجبن كل (فكلّ ـ يب) ولا تسأل عنه (٣).

فيها إشارة إلى ان لحمه أيضا يكون كذلك ، وكذا لبنه ان كانت ذات لبن بالطريق الاولى.

وان (٤) الجبن لا يخلو عن شي‌ء ، كأنه لاحتمال أخذ الإنفحّة من الميتة وان كانت طاهرة وحلالا على ما قالوه وسيأتي ، وان يكون الأولى الاجتناب فتأمّل.

وقريب منها رواية بشر بن سلمة ، عن أبي الحسن عليه السّلام في جدي رضع من خنزيرة ثم ضرب في الغنم ، فقال : هو بمنزلة الجبن ، فما عرفت انه ضربه فلا

__________________

(١) الوسائل باب ٢٥ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٤ ص ٣٥٣

(٢) في هامش النسخة المطبوعة هكذا : ثبت الفرس يشبّ ويشبّ إذا قمص ولعب.

(٣) الوسائل باب ٢٥ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٣.

(٤) عطف على قوله قدّس سرّه : إلى ان لحمه.


.................................................................................................

______________________________________________________

تأكله وما لم تعرفه فكله (١).

حملها الشيخ في التهذيب على انه رضع من الخنزيرة رضاعا تاما نبت عليه لحمه ودمه ، واشتد بذلك قوته ، فاما إذا كان دفعة واحدة أو دون ما نبت عليه اللحم واشتد العظم فلا بأس بأكل لحمه بعد استبرائه بما سنذكره ان شاء الله ، وقد صرّح في الحديث الأول (٢) ـ أي خبر حنان بن سدير ـ بذلك.

ثم أيّده برواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انّ أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن حمل غذّي بلبن خنزيرة؟ فقال : قيّدوه وأعلفوه الكسب (٣) والنوى والشعير والخبز ، ان كان استغنى عن اللبن ، وان لم يكن استغنى عن اللبن فيلقى على ضرع شاة سبعة أيام ثم يؤكل لحمه (٤).

والظاهر أن المراد بالمذكورات ـ مثلا ـ (٥) وهي بظاهرها أعم من المتنجس وغيره.

وان (٦) هذا التقييد للاستبراء فهي تدل على ان الاستبراء في مثله بسبعة أيام.

وانه لا بدّ من أكل شي‌ء فليس بمعلوم كفاية الحبس فقط ، مع عدم الأكل فليس ببعيد تحققه في ذلك المقدار من الزمان فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٥ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٣ وفيه بشر بن مسلمة.

(٢) يعني الأول في التهذيب لا هنا والا فالحديث الأول هنا حديث أبي حمزة.

(٣) بالضم فالسكون فضلة دهن السمسم (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ٢٥ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٣.

(٥) يعني ان المذكورات في خبر السكوني بقوله عليه السّلام أعلفوه إلخ من باب المثال لا ان لها خصوصيّة.

(٦) عطف على قوله قدّس سرّه : ان المراد وكذا قوله قدّس سرّه : وانه لا بد إلخ.


ويستبرئ استحبابا بسبعة أيام ، وان اشتدّ حرم لحمه ونسله.

______________________________________________________

ويدل أيضا على تحريم لحمه رواية (١) تدلّ على الاستبراء بسبعة مطلقا وكأن المصنف حملها على عدم الاشتداد والاستحباب.

ويمكن حملها على الأعم ولكن يكون الاستبراء واجبا ويحرم قبله ، وهو خلاف ما تقرّر مع عدم صحّة السند.

ويمكن حمله على الأعم وجعل الاجتناب أولى أعم من أن يكون حراما أو مكروها والاستبراء راجحا أعم من ان يكون واجبا أو مستحبا كل ذلك بالعناية فتأمّل.

والمصنف ما ذكر هنا الاستبراء في صورة التحريم ، بل في صورة الكراهة والاستحباب فقط ، وما اعرف وجهه ، كأنه إذا حرم لا يحلّ بالاستبراء ، لعدم الدليل ، ولكن لا دليل على التحريم أيضا فتأمّل.

وتدل على عدم البأس بلبن الإنسان ، وانه مكروه صحيحة أحمد بن محمّد بن عيسى قال : كتبت إليه : جعلني الله فداك من كلّ سوء : امرأة أرضعت عناقا (٢) حتى فطمت وكبرت وضربها الفحل ثم وضعت أفيجوز أن يؤكل لحمها ولبنها؟ فكتب عليه السّلام : فعل مكروه ولا بأس به (٣).

فيها : ان المكروه لا بأس به.

وانه مع الكبر والشدّة مكروه فبدونهما يجوز بالطريق الاولى ، ويحتمل الكراهة مطلقا.

والظاهر ان المراد لحمها ولحم نسلها ، فتأمّل.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٥ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٣.

(٢) بالفتح الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول (مجمع البحرين).

(٣) الوسائل باب ٢٦ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٤.


ولو شرب خمرا غسل لحمه وأكل دون ما في جوفه.

ولو شرب بولا غسل ما في بطنه وأكل.

______________________________________________________

واما إذا شرب احد المحلّلات ـ مثل الشاة ـ خمرا فقال المصنف : (غسل لحمه وأكل ولم يؤكل ما في بطنه) لا قبل الغسل ، ولا بعده.

ويحتمل اختصاص الحكم بالشاة لورود النص فيها خاصّة.

دليله ـ الذي رأيت غير كلامهم ـ رواية زيد الشحام الضعيفة ب (أبي جميلة) (١) ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال في شاة شربت خمرا حتى سكرت ثم ذبحت على تلك الحال ، لا يؤكل ما في بطنها (٢).

هذه ـ مع ضعفها ـ لا تدل على غسل اللحم ، ولا على تحريم ما في جوفها مطلقا ، بل إذا شربت حتى سكرت وذبحت حال السكر فهي أخصّ من المدعى من وجوه ، والأصل وما تقدم من القواعد يقتضي عدم ذلك.

ولكن لا ينبغي الخروج عن كلامهم مهما أمكن.

ويدل على الغسل وحليّة ما في البطن ـ إذا شرب البول ـ ما تقدم في رواية موسى بن أكيل ـ الضعيفة ـ عن أبي جعفر عليه السّلام في شاة شربت بولا ثم ذبحت؟ قال : فقال : يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به ، وكذا إذا اعتلفت العذرة (بالعذرة ـ ئل) ما لم تكن جلّالة. (٣)

وهي تدل على عدم غسل اللحم ، بل غسل ما في جوفها ، كأنه لوصول البول والغائط ، فتدل على تنجيس الباطن.

__________________

(١) فان سندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عبد الجبار عن أبي جميلة ، عن زيد الشحام.

(٢) الوسائل باب ٢٤ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٢.

(٣) الوسائل باب ٢٤ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٢ وفيه عن بعض أصحابه كما في التهذيب أيضا وفي الكافي والاستبصار عن بعض أصحابنا.


ويحرم موطوءة الإنسان ونسله ، ويقرع لو اشتبه حتى لا يبقى إلّا واحدة.

______________________________________________________

ولكنها ضعيفة من وجوه ، ويحتمل محض التعبد لا التنجيس واختصاص قاعدة عدم تنجيس الباطن بغيرها ، فتأمّل.

ولما كانتا ضعيفتين والأولى قاصرة عن المطلوب ، فلا يبعد القول بكراهة اللحم لو لم يكن إجماع.

ونقل عن ابن إدريس كراهة اللحم في الأول فتأمّل.

وقيل : ان هذا انما يكون إذا ذبح في الحال بعد الشرب ، واما إذا تأخّر بحيث صار ما شرب جزء من بدنه فيطهر بالاستحالة ولم يحرم.

وفيه تأمّل ، إذ الحرام بالاستحالة لا يحلّ ، نعم ذكر ذلك في بعض النجاسات لا في الكلّ ، وكأنه نظر إلى ان النجاسة سبب للحرمة ، وإذا استحيل صار طاهرا وحلالا وهنا كذلك وذلك غير بعيد ان لم يعمل بالخبرين ، فان ظاهر هما عام مثل كلامهم ، فالتخصيص محلّ التأمّل ، فتأمّل.

قوله : «ويحرم موطوء الإنسان إلخ» هذا بيان ثالث ما يحرم لعارض ، وهو موطوء الإنسان بإدخال الحشفة في قبل حيوان محلّل أو دبره ، أنزل أم لا ، ذكرا كان أو أنثى ، بالغا كان الفاعل أم لا ، حرّا أم (أو ـ خ) عبدا ، جاهلا أو (أم ـ خ) لا على الظاهر.

دليله ـ بعد قولهم ذلك من غير ذكر خلاف ـ صحيحة محمّد بن عيسى عن الرجل عليه السّلام انه سئل عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة؟ قال : ان عرفها ذبحها وأحرقها وان لم يعرفها قسمها نصفين ابدا حتى يقع السهم بها فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها (١).

__________________

(١) الوسائل باب ٣٠ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

المراد بالتنصيف ليس بحقيقي ، إذ لا يمكن في الفرد ، وهو ظاهر ، فالمراد قسمان متقاربان ، فزيادة أحد القسمين على الآخر بفرد لا يضر.

وكذا مخالفة الحكم ، لما تقرر عندهم من انه إذا اشتبه المحرّم بالمحلّل ان كان محصورا يجتنب الكلّ وان كان غيره يتصرف في الكلّ ، الّا القدر المحرّم ، إذ كليته غير معلوم ويعرف نقيضه في موارد كثيرة.

والدليل عليه غير واضح ، وقد مرّ صحيحة عبد الله بن سنان الدالّة على تغليب الحلال وبعد التسليم قد يكون خارجا عنه للنصّ والإجماع.

والظاهر انها صحيحة (١) ، ولا يضرّ محمّد بن عيسى ، لأن الظاهر انه العبيدي الذي رجّحنا توثيقه كما رجّحه العلّامة ، بل أكثرهم ، فإنهم يسمّون الأخبار التي هو فيها بالصحّة.

وان الرجل هو العسكري أو الهادي عليهما السّلام اللذان اليقطيني يروي عنهما لأنه قد يعبّران به كما في باب اللقطة :

نقل في الكافي (٢) والتهذيب (٣) : حديثا ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن جعفر ، قال : كتبت الى الرجل أسأله (إلى قوله) فوقع عليه السّلام ، الحديث.

ونقل هذا الحديث بعينه في باب اللقطة في الفقيه أيضا (٤) ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : سألته في كتاب (الى قوله) : فوقع عليه السّلام ، الحديث (٥).

__________________

(١) فان سندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن احمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى ، وطريق الشيخ إلى محمّد بن احمد بن يحيى الأشعري بأربعة طرق بعضها صحيح فراجع مشيخة التهذيب والاستبصار.

(٢) راجع الكافي باب اللقطة والضالة باب ٤٩ من كتاب المعيشة حديث ٩ ص ٣٦٧ من ج ١.

(٣) راجع التهذيب باب اللقطة والضالة من كتاب المكاسب ج ٢ ص ١١٧ حديث ١٤ طبع قديم.

(٤) راجع الفقيه ج ٣ باب اللقطة والضالة رقم ٤٠٦٢ طبع مكتبة الصدوق.

(٥) هكذا في النسخة المطبوعة وليس من قوله : ونقل هذا الحديث إلى قوله : الحديث في النسخ المخطوطة التي عندنا.


.................................................................................................

______________________________________________________

وجعفر (١) هذا من رجال العسكري عليه السّلام ، وله مكاتبات إلى الهادي عليه السّلام أيضا ، يعلم ذلك من التهذيب والكافي وغير هما فافهم.

فقول شرح الشرائع : بمضمونها عمل الأصحاب مع ضعفها وإرسالها ، لأن الراوي محمّد بن عيسى ، عن الرجل ، وهو مشترك بين الأشعري الثقة ، واليقطيني الضعيف ، والرجل ان كان هو الكاظم عليه السّلام ـ كما هو الغالب فهي مرسلة مع التضعيف بالاشتراك ، لان كلاهما لم يدركاه عليه السّلام ، وان كان غيره فهي مقطوعة لا يعمل بها إلخ.

غير جيّد ، لما عرفت ، ولأن الأشعري ما وثّق (٢) ، بل انما وثّق اليقطيني الّا ان بعضا ضعّفه أيضا.

مع أن محمّد بن عيسى ثلاثة ، الثالث الطلحي (٣) ، مذكور في الفهرست.

__________________

(١) هكذا في النسخ والصواب : عبد الله بن جعفر فإنه الراوي لهذا الحديث وهو الذي من أصحاب الهادي والعسكري عليهما السّلام. راجع تنقيح المقال للمحقق المامقاني ج ٢ ص ١٧٤.

(٢) بل الظاهر توثيق الأشعري أيضا دون اليقطيني فقط ففي تنقيح المقال ج ٣ ص ١٦٧ : محمّد بن عيسى بن عبد الله سعد الأشعري أبو علي عنونه النجاشي كذلك ، وقال : شيخ القميّين ووجه الأشاعرة متقدم عند السلطان (إلى ان قال) : وفي الوجيز انه ثقة ، وفي البلغة أنه ممدوح كالثقة إلخ ، فراجع التنقيح.

وقال أيضا : محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين مولى بني أسد بن خزيمة أبو جعفر العبيدي اليقطيني الأسدي الخزيمي البغدادي اليونسي (إلى ان قال) : وقد وقع الخلاف بين أصحابنا في الرجل على قولين أحدهما : انه ضعيف وهو الذي صرّح جمع منهم الشيخ رحمه الله في موضعين من رجاله وفي فهرسته قال في باب أصحاب الهادي عليه السّلام : من رجاله محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني بن يونس ضعيف (انتهى) وفي باب من لم يرو عنهم عليهم السّلام : محمّد بن عيسى اليقطيني ضعيف إلخ (إلى ان قال) : القول الثاني : انه ثقة وهو الذي صرّح به النجاشي إلخ فراجع.

(٣) في تنقيح المقال ج ٣ ص ١٦٧ : محمّد بن عيسى الطلحي عنونه في الفهرست كذلك وقال : له دعوات الأيام التي تنسب إليه يقال : دعوات الطلحي (إلى ان قال) وظاهره كونه إماميا الّا ان حاله مجهول (انتهى)


.................................................................................................

______________________________________________________

وأن الظاهر انه يمكن روايتهما عنه وان لم يذكروا ، ويكون بعيدا.

وأنّ الظاهر كونه إماما ، فان لم يكن هو يكون غيره فتأمّل.

ورواية مسمع ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ان أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن البهيمة التي تنكح؟ قال : حرام لحمها ، وكذلك لبنها (١).

الاولى تدل على تمام المطلوب حتى القرعة على تقدير الاشتباه والزيادة ، وهي إحراق الموطوءة ، ولكنها في الشاة خاصّة.

والثانية ـ مع ضعفها ـ لا تدل على تمام المطلوب وان كانت عامّة في البهيمة ، فإن ظاهرها عام فيحتمل اختصاص الحكم المذكور من التقسيم والإحراق بالشاة ، لاختصاص الخبر الصحيح بها.

ويحتمل تعميم التحريم في البهائم كلّها ، وهو (٢) لغة اسم لذوات الأربع خاصّة لوجودها في الخبر الثاني.

ويحتمل اجراء كلّ الاحكام فيها ، لقولهم مع عدم القائل بالفرق ، وفيه تأمّل.

ثم انه يحتمل الاختصاص بالبهائم ، وشمولها لكل حيوان محلّل يمكن فيه ذلك لقولهم وعدم ظهور القائل.

والأولى الاقتصار على مورد النص والإجماع في مثل هذا الحكم الصحيح ، بل في جميع المسائل يجب الاقتصار على مورد الدليل ، فتأمّل واحتط.

فتصير بالوطء حراما مؤبدا ـ لا نجسا ـ ويضمنه الواطئ ، ويجب ذبحها وإحراقها ان كان مأكول اللحم على ما ذكره من أحكامه.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٠ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٩ وفيه : لحمها ولبنها.

(٢) هكذا في النسخ والصواب : (وهي).


ويحرم المجثمة ، وهي الموضوعة غرضا.

والمصبورة ، وهي المجروحة تحبس حتى تموت.

ويحلّ من الميتة كل ما لا تحلّه الحياة كالصوف ، والشعر ، والوبر ، والريش مع الجزّ أو غسل موضع الاتصال ، والقرن ، والظلف ، والسن ، والبيض إذا اكتسى القشر الأعلى ، والأنفحة.

______________________________________________________

لعلّ لهم دليلا عليها أكثر من هذا ، وإلّا فإثبات تلك الأحكام التي ذكروها للموطوء والواطئ يبعد استخراجها عنهما ، بل لا يمكن الاستدلال عليها بهما ، ولعل لهم نصا آخر أو إجماعا ، وسيجي‌ء في الحدود زيادة بحث ان شاء الله.

ويدلّ على عروض التحريم للفحل ـ حين حصول شهوته ـ رواية النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : نهى أمير المؤمنين عليه السّلام عن أكل لحم الفحل وقت اغتلامه (١).

لعل المراد وقت حصول شهوته ، ولكن ما ذكروه ، وهي ضعيفة ، فيمكن حملها على الكراهة والتقيّة ان كانت.

قوله : «ويحرم المجثمة إلخ» أي الحيوان المحلّل الذي يجعل غرضا ويرمى بالسهم حتى يقتل على ذلك الوجه من غير ذبح شرعيّ ، وهذا أمر ظاهر علم ممّا سبق ، إذ قد علم أنّ كل ما قتل لا على الوجه الشرعي حرام وقد بيّن الوجه الشرعي وعلم ان ليس هذا منه.

وكذا تحريم المصبورة أي الحيوان المحلّل الذي يجرح ثم يحبس حتى يموت ، لعلّه ردّ على بعض العامّة أو غير ذلك.

قوله : «ويحل من الميتة كل ما لا تحلّه الحياة إلخ» يعني الميتة وهي التي

__________________

(١) الوسائل باب ٣٥ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

فارقها الروح بغير ذكاة شرعيّة ، حرام بجميع أجزائها إلّا ما فيها ممّا لا تحلّه الحياة.

والدليل إجماعهم على الظاهر ، والروايات ، منها ما تقدم في بيان حكم اللبن مثل رواية الحسين بن زرارة ، قال بعدها : وزاد فيه علي بن عقبة ، وعلي بن الحسن بن رباط ، قال : والشعر والصوف كله ذكيّ (١).

ورواية زرارة ومحمّد بن مسلم (٢) ، وصحيحة زرارة (٣) ، وما تقدم أيضا في المحرّمات المستثنيات من الذبيحة ، فإنه عدَّ في الرواية عن الصادق عليه السّلام عشرة (٤) أشياء ذكيّة وعدّها وكانت منها اللبن أيضا فتذكر فتأمّل ، ورواية يونس عنهم عليهم السّلام قال : خمسة ممّا فيه منافع الخلق ، الأنفحة ، والبيضة (البيض ـ خ) ، والصوف ، والشعر ، والوبر ولا بأس بأكل الجبن كلّه ممّا (ما ـ ئل) عمله المسلم أو غيره ، وانما يكره ان يؤكل سوى الأنفحة ممّا في آنية المجوس وأهل الكتاب ، لأنهم لا يتوقّون الميتة والخمر (٥).

وهي ضعيفة ب (إسماعيل بن مرّار) (٦).

وكأنّ يونس هو ابن عبد الرحمن ، وفيها ما يخالف الظاهر من المذهب فتأمّل.

وتدل على حكم البيضة فقط ضعيفة غياث بن إبراهيم ـ به ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة ، قال : ان كانت

__________________

(١) الوسائل باب ٣٣ حديث ٤ من أبواب ما يؤكل لحمه ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٢) الوسائل باب ٣٣ حديث ٣ و ١٠ من أبواب ما يؤكل لحمه ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٣) الوسائل باب ٣٣ حديث ٣ و ١٠ من أبواب ما يؤكل لحمه ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٤) الوسائل باب ٣٣ حديث ٩ من أبواب ما يؤكل لحمه ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٥) الوسائل باب ٣٣ حديث ٢ من أبواب ما يؤكل لحمه ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٦) فان سندها كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرّار عن يونس عنهم عليهم السّلام.


.................................................................................................

______________________________________________________

كست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها (١).

وقيّد بها ما في رواية زرارة المتقدمة (٢) من عدم البأس بمطلق البيض.

ويقيد عدم أكلها ، بما إذا لم يكتس القشر الأعلى مثل مقطوعة صفوان عن الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : الشعر ، والصوف ، والريش ، وكل نابت لا يكون ميّتا ، قال : وسألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة؟ فقال : لا (٣) تأكلها (٤).

للجمع بين الاخبار وان كانت المفصّلة (٥) غير صحيحة ، ولكنها مقبولة ، كأنه مجمع على مضمونها ، على ان الأصل الحلّ.

ورواية عدم الأكل أيضا غير معلوم الصحّة لقطعها في الكافي (٦).

والاحتياط في تقييد رواية الحلّ (٧) مع احتمال النجاسة بدون ذلك القشر إذا خرجت من الميتة.

ورواية الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السّلام ، قال : كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيّا؟ فكتب عليه السّلام : لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب ، وكلّ ما كان من السخال من الصوف وان جز

__________________

(١) الوسائل باب ٣٣ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٢) الوسائل باب ٣٣ حديث ١٠ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٦.

(٣) في نسخ الكافي قديما وحديثا وكذا في الوسائل (تأكلها) بحذف (لا) وانما أثبتناها لكون النسخة عند الشارح قدّس سرّه مشتملة على إثبات (لا) بقرينة قوله قدّس سرّه بعيد ذلك : (ورواية عدم الأكل إلخ).

(٤) الوسائل باب ٣٣ حديث ٨ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٦.

(٥) الوسائل باب ٣٣ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٦) فان في الكافي هكذا : وفي رواية صفوان عن الحسين إلخ ومعلوم ان الكليني لم يدرك صفوان فتكون مقطوعة الأول.

(٧) كما في أكثر الروايات المتقدمة راجع باب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

والشعر والوبر والأنفحة والقرن ولا يتعدى إلى غيرها ان شاء الله (١).

وما في رواية أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام ، سأله قتادة البصري عن الجبن فقال عليه السّلام : لا بأس به (ليس بها بأس ـ خ ل) فقال : انه ربّما جعلت فيه ان الإنفحّة ليس لها (بها ـ خ ل) عروق ولا فيها دم ولا لها عظم ، انما تخرج من بين جعلت فيه إنفحّة الميت فقال : ليس به بأس فرث ودم ، وانما الإنفحّة بمنزلة دجاجة ميّتة أخرجت منها بيضة ، فهل تأكل تلك البيضة؟ قال قتادة : لا ولا آمر بأكلها ، فقال له أبو جعفر عليه السّلام : ولم؟ فقال : لأنها من الميتة ، قال : فان حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أتأكلها؟ قال : نعم ، قال : فما حرّم عليك البيضة وأحلّ لك الدجاجة؟ ثم قال : فكذلك الأنفحة مثل البيضة ، فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المسلمين (المصلّين ـ خ ل) ولا تسأل عنه الّا أن يأتيك من يخبرك عنه (٢).

فيها تفسير الأنفحة بغير ما هو المشهور ، بل فسّرها بتفسير اللبن ، ويمكن ان يقال : هي الجلدة المشهورة ، ولكن يكون فيها ما بين الفرث والدم وهو كاللبن فتأمّل.

والظاهر ان لأهل اللّغة فيها خلافا ، قيل : هي كرش الجدي قبل ان يأكل ، وقيل : اللبن المنفعل في كرشه.

وهذه الرواية ظاهرة في الأخيرة ، ويؤيّده جعل المصنف وغيره إياها ممّا لا تحلّه الحياة ، فإنها على الأول ممّا تحلّه الحياة ولم يدخل في استثنائها ويحتاج إلى استثناء على حدته ، وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٣ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٦.

(٢) الوسائل باب ٣٣ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٤ ولها صدر أورده في الكافي باب ما ينتفع به من الميتة إلخ من كتاب الأطعمة فلاحظ.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن لا يخلو عن بعد ، فإنه ينقل من غير ظرف وتعلّق من اليد.

فالظاهر أنها جلدة فيها اللبن وفي الاستثناء والرواية مسامحة ، وبالجملة هي مستثناة من الميتة وان كانت منها ، للنصّ والإجماع معا فتأمّل ويشكل النصّ باللبن.

وأيضا فيها إشعار إلى أنّ ما اشتمل على العرق والدم من الميّت فهو حرام ونجس مثله وكذا لو اشتمل على عظم.

وفيه تأمل ، فإن عظمه ممّا تحلّه الحياة ، وانه من المستثنيات ولعل ما اشتمل على العظم غير مستثنى ، لا لأجله ، بل لمجموعه فتأمّل.

ودلالة (١) على حلّ البيضة من الميتة.

وان شراء اللحوم وغيره من أسواق المسلمين يجوز ، ولكن من يد المسلم لا مطلقا ، فمجرّد سوق المسلمين مع العلم بأن البائع غير مسلم لا ينفع.

نعم مع الجهل بحاله يحكم بإسلامه للدار ، وقد مرّ.

وان الجبن لا يخلو عن شي‌ء خصوصا مع العلم بأنّها من الميّت ، فالانفحّة لا تخلو عن شي‌ء فتأمّل.

وبالجملة ، أدلة هذه المستثنيات ـ ما ذكرناها ـ بعضها غير صحيحة ، وبعضها غير صريحة في الطهارة ، والاعتبار لا يجري في الكل ، مع اشتمال أكثرها على كون اللبن مثلها.

ولكن من الكل (٢) بانضمام الإجماع المدّعى في شرح الشرائع أو الشهرة والكثرة مع عدم ظهور الخلاف بوجه مع الأصل والعمومات وحصر المحرّمات ، والاعتبار في الجملة بأنه إذا لم تحلّ الحياة فلا ينجس ولا يحرم بالموت.

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : اشعار وكذا قوله قدّس سرّه : وان شراء اللحوم إلخ وقوله : وان الجبن إلخ.

(٢) قوله قدّس سرّه من الكل متعلق بقوله قدّس سرّه : يحصل الظن بالطهارة.


.................................................................................................

______________________________________________________

يحصل الظن بالطهارة والحلّ كما هو المشهور ، ولو لم يكن الّا الأخبار لم يحصل ذلك ظاهرا ، وان حصل لم يكن فرق بين الأنفحة واللبن ، ومع ذلك ، الفرق مشكل فتأمّل.

ثمّ انه ينبغي تطهير هذه المستثنيات مع الإمكان خصوصا على مذهب من أوجب غسل اليد إذا لاقت ميتة أو ميّتا على ما مرّ في أوّل الكتاب (١).

وظاهره (٢) أعمّ من كونهما يابسين أم لا. ويؤيد ذلك الحكم شرطيّة جزّ الصوف أو غسل موضع الاتصال ، لكن شرطيّة ذلك أيضا غير ظاهر ، إذ وجود الجزء من الميّت معه غير ظاهر ، ومعه لا يطهر.

وكذا الملاقاة بالرطوبة ، والعقل والنقل ينفيهما ، ولم نعلم الآن صحيحا يدلّ عليها ، نعم قد قيّد بعضها بالجز وهي رواية الفتح الضعيفة ، ـ له ـ (٣) ولغيره مع خلو الأكثر عنه أيضا ، والكل عن التطهير ، ولهذا أوجب الشيخ الجزّ معيّنا.

وهو (٤) بعيد ، نعم ينبغي ذلك لوجوده في بعض الروايات وان لم يكن صحيحا ، وقول العلماء ذلك وان لم يكن حجّة.

فلا يمكن الحكم بنجاسة أصل الشعرة التي انقلعت من الإنسان الحيّ أو الحيوان كذلك ، قياسا على الميّت ، لأنه باطل ، على أنّ الميتة لها حكم آخر وهو وجوب غسل الملاقي مع اليبوسة عند بعض.

ولم يذكروا أصل القرن والظلف ـ وهي بمنزلة الظفر للإنسان ـ للبقر والشاة وغيرهما ، والسن أيضا.

__________________

(١) راجع هذا الكتاب ج ١ ص ٣٧٣.

(٢) يعني ظاهر من أوجب غسل اليد.

(٣) يعني ان ضعفها لأجل الفتح بن يزيد ، ولأجل وجوده غيره ، كما سيأتي ان شاء الله.

(٤) يعني إيجاب الجزّ المنقول عن الشيخ.


ويحرم المشتبه بالميتة.

______________________________________________________

وهو أبعد ، فإن الظاهر انه متصل بالرطوبة ، وكذا العظام الّتي عليها اللحم ثم يوضع من اللحم.

ولعله (١) ، لعدم الذكر في الروايات ، بخلاف الصوف وأخويه ، ولكن في رواية الفتح الضعيفة به ـ وبغيره ـ حتّى يظهر فيها مقبول غير محمّد بن يعقوب وشيخه علي بن إبراهيم (٢) ، مع الكتابة ، ليس التقييد بظاهر ، إلّا في الأوّل.

لعلّ عندهم غير هذه في غير هذا المحلّ ، وقد مرّ في بحث الطهارة.

أو (٣) تركوه فيها للظهور ، وبالجملة الغسل في كل ما يحتمل أولى ، والاشتراط غير ظاهر وان فرض الاختلاط بالرطوبة ، ولا استبعاد بعد الإجماع والنص ، فان ذلك مثل الأنفحة فتأمّل.

قوله : «ويحرم المشتبه بالميتة إلخ» تحريم أكل المشتبه بالميتة هو مقتضى ما تقرّر عندهم من تغليب الحرام على الحلال ، إذا كان الاشتباه في المحصورة للرواية التي ينقلونها انه قال صلّى الله عليه وآله : ما اجتمع الحلال والحرام الّا غلب الحرام الحلال (٤).

ولانه يجب الاجتناب عن المحرّم ، وما يحصل الّا باجتناب الكل فيجب لكن ما نعرف دليلا لما تقرّر ، من تغليب الحرام ، الّا مثل المذكورات ، والرواية النبوية صلّى الله عليه وآله ما نعرفها.

وان سلّمت ووجدت صحيحة فهي معارضة بما ذكرناه مرارا من صحيحة

__________________

(١) لعل وجه عدم ذكرهم لأصل القرن إلخ.

(٢) سندها كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم عن المختار بن محمّد المختار ، وعن محمّد بن الحسن عن عبد الله بن الحسن العلوي جميعا عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي إسحاق.

(٣) عطف على قوله قدّس سرّه : لعدم الذكر.

(٤) عوالي اللآلي ج ٣ ص ٤٦٦ ولاحظ ذيله فان فيه جمعا بين الاخبار المتخالفة.


فإن بيع على مستحلّيه قصد المذكّى.

______________________________________________________

عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : كل شي‌ء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه (١).

وقريب منها ، صحيحة ضريس الكناسي ـ الثقة ـ قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن السمن والجبن نجده في أرض المشركين بالروم لا نأكله؟ فقال : اما علمت انه قد خلطه الحرام فلا تأكله ، واما ما لم تعلم فكله حتى تعلم انه حرام (٢).

فيه تأمّل فتأمّل ، والأصل والعمومات وحصر المحرّمات يرجّح الحلّ.

مع انه يمكن قراءة (الحرام) (٣) منصوبا ليكون مفعولا وموافقا لغيرها ولكن (٤) أظن وجود غيرها أيضا.

وقد يمنع وجوب الاجتناب عن المحرّم حين الاشتباه فتأمّل.

ويؤيّده تجويز البيع على مستحلّ الميّت مطلقا ، ولا تخرج عن الاحتياط.

واما بيعه على مستحلّ الميتة فدليله صحيحة الحلبي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : إذا اختلط الذكي والميتة باعه ممّن يستحلّ الميتة وأكل ثمنه (٥).

وحسنة الحلبي عنه عليه السّلام انه سئل عن رجل كانت له غنم وبقر ، وكان يدرك الذكي منها فيعزله ، ويعزل الميتة ، ثمّ ان الميتة والذكي اختلطا كيف يصنع به؟ قال : يبيعه ممن يستحلّ الميتة ويأكل ثمنه فإنه لا بأس (به ـ خ) (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٥٩.

(٢) الوسائل باب ٦٤ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٠٣.

(٣) الوارد في الحديث ١ النبويّ المتقدم.

(٤) يعني أظن وجود رواية أخرى غير هذه.

(٥) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٦٩.

(٦) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٦٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن جعلهما دليلا الاجتناب أيضا مع التأمّل ، ولما كان خلاف ما تقرّر عندهم ـ من عدم جواز التصرف في الميتة وعدم إباحة أكل ثمنها ـ فذكروا أنه يقصد بيع المذكّى (١) لا الميتة.

وفيه أيضا إشكال من جهة لزوم صحّة بيع المجهول ، وهم لا يجوّزونه.

(ومن جهة) انه قد يأخذ أكثر من ثمن المذكّى ، فإنه يبيع الاثنين ظاهرا.

(ومن جهة) انه يقصد بيع الواحد ، والمشتري أكثر.

وانه لو كان مع قصد ذلك يصحّ البيع لصحّ بيعه من الغير المستحلّ أيضا ، ومع ذلك ، فيه انه ما يحلّ له ان ينتفع به فلا يجوز البيع عليه ، فتأمّل.

قال في المختلف ـ للتفصّي عن ذلك ـ : انّ ذلك ليس ببيع حقيقة ، بل استنقاذ مال عن يد كافر ، وهو جيّد.

لكن ينبغي تخصيص الحكم بمن يحلّ ماله من الكفار الحربي الغير المأمون ، لا الذمّي ، ولا المأمون ، ولا المنتمي بالإسلام ، وكأنه مقصود وترك للظهور.

ولكن حمل الروايتين على ذلك لا يخلو عن بعد ، وكذا عبارات الأصحاب وانه حينئذ لا يحتاج إلى قولهم : (فيقصد بيع المذكّى) وهو ظاهر.

فالظاهر انه بيع حقيقي مع العمل بهما ، وحينئذ ينبغي أن يقال بالاستثناء عن عدم جواز بيع المجهول لو سلّم ، خصوصا إذا كان المشتري يشترى المعلوم ولم يكن عنده مجهول ، فإن العلّة الغرر ، ولا شك حينئذ في عدمه منهما معا وهو ظاهر.

وكذا (٢) عن الضرر (٣) بقصده أحدهما ، وقصد المشتري إيّاهما.

__________________

(١) يعني البائع حين إنشاء البيع.

(٢) عطف على قوله قدّس سرّه : عن عدم جواز بيع المجهول.

(٣) يعني الضرر الحاصل بمثل هذا النوع من البيع ، فان اختلاف قصدي البائع والمشتري ضرر ، والله العالم.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن ينبغي ان لا يبيع بأكثر من ثمن المذكّى ، وحمل الخبرين على هذا وان كان بعيدا ، أو يخصّص عدم الانتفاع بالميتة وعدم جواز أكل ثمنه إلّا في هذه الصورة.

وكذا (١) تسليط الكافر على أكل الميتة ، للنصّ والشهرة.

ومن لم يعمل بالخبر الواحد مثل ابن إدريس يطرحهما ولم يجوّز بيعه.

ونقل في شرح الشرائع عن الدروس ، الامتحان بالنار كما سيجي‌ء القول في اللحم المطروح الذي لم يعلم ـ ولو بقرينة ـ كونه من الذكي أو من الميتة ، لرواية شعيب عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل دخل قرية فأصاب بها لحما لم يدر أذكي هو أم ميّت؟ قال : يطرحه على النار فكلّ ما انقبض فهو ذكي ، وكل ما انبسط فهو ميتة (٢).

وهو غير بعيد إذا كان مذهبه ذلك وعمل بهذه الرواية.

لكن العمل بها مشكل لضعفها بوقف إسماعيل بن عمر (٣) ، واشتراك شعيب ، مع مخالفتها لما تقدم من أدلة التحريم في هذه المسألة ، لأنه يعلم من الرواية ان كل ما انقبض فهو حلال ، وما انبسط فهو حرام فهو بعينه جار فيما نحن فيه.

فإيراد شرح الشرائع بتضعيفه ـ مع تسليم الأصل ـ ببطلان القياس مع انه قياس مع الفارق ، إذ في اللحم المطروح وجود الميتة مشكوك ، بخلاف ما نحن فيه ، فان وجودها متيقن ، وليس كل ما يجري في المشتبه يجري في الميتة.

محلّ التأمل ، لما علم من الرواية العلّة ، وهي حصول العلم بتعيين أحدهما

__________________

(١) يعني يخصص أدلة عدم جواز تسليط الكافر على أكل الميتة في هذه المسألة للنص والشهرة.

(٢) الوسائل باب ٣٧ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٥٦.

(٣) سندها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن إسماعيل بن عمر ، عن شعيب.


والمقطوع من الحي ميتة فيحرم.

______________________________________________________

وهو أعم من المطروح والمشتبه بالميتة ، على انه ليس بفارق ، فان المطروح بحكم الميتة شرعا عندهم ، وان كل واحد من الميتة والمشتبه يحتمل ان يكون ميتة فوجود الميتة يقينا هنا لا ينفع ، فلا بدّ ان يمنع استقلال العلّة مع الاشتباه ، ومثله يرد في جميع القياسات المنصوصة العلّة أو يمنع الأصل فتأمّل.

قوله : «والمقطوع من الحيّ ميتة إلخ» العضو الذي قطع من الحيّ حكمه حكم الميتة ، فيكون نجسا وحراما ، فلا يجوز الانتفاع به بوجه كالميتة.

ولكن لا بدّ ان يكون ممّا تحلّه الحياة ، فلا يكون مثل الصوف والشعر ، وكذا القرن والعظم والظلف والسن والبيض.

ودليل التحريم وغيره انه كالميتة ، فيجري فيه جميع أحكام الميتة ، ومعلوم عدم جواز الانتفاع بشي‌ء منها بالآية ، مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (١) فإنه لا معنى لتحريم العين ، ولا قرينة لتقدير انتفاع معيّن ، والتعيين لغير مرجّح محال ، والمبهم موجب للإجمال المنفي من القرآن العظيم غالبا ، ولان جميع الانتفاعات أقرب إلى الحقيقة فيصار إليه مع تعدد الحقيقة كما ثبت في الأصول.

قد يقال : إذا تبادر أحدها يحمل عليه لقرينة كما في قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) (٢) ينصرف إلى حرمة النكاح ، وهنا أيضا الأكل فيما المطلوب منه ذلك.

ولكن يمكن ان يردّ بأن الحكم واقع على العموم من غير إشارة إلى خصوص مأكول فيحمل ذلك المطلق على أقرب المجازات لعدم قرينة ، وتبادر المطلق هذا لا بأس به ، لكن الأصل عدم تلك الأحكام الكثيرة ، فإثباتها بمجرّد عدم صحّة تعلّق النهي بالعين لا يخلو عن جرأة ، فإنه يصحّ بتقدير البعض ، فاقتضاء

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) النساء : ٢٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

الصحّة ذلك مشكل ، ورجحان أقرب المجازات ان لم يكن له معارض جيّد ، والتقدير الكثير بحسب المعنى وان كان بحسب اللفظ واحد ، وإثبات تحريم الأمور الكثيرة التي الأصل يقتضي عدمه قد يعارض.

ولا يعارضه لزوم الإجمال في القرآن العزيز ، فان ذلك غير عزيز خصوصا إذا كان له مبيّن مّا ، مثل ما قلناه من تبادر شي‌ء في كلّ مادّة.

وتدل عليه رواية الكاهلي ، قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السّلام وأنا عنده عن قطع أليات الغنم ، فقال : لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك ، ثم قال : ان في كتاب عليّ عليه السّلام : ان ما قطع منها ميّت لا ينتفع به (١) وفي الطريق سهل (٢).

ورواية علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال في أليات الغنم (الضأن ـ ئل) تقطع وهي أحياء إنّها ميتة (٣).

هما (٤) في الطريق ، كما ترى.

ورواية معلّى بن محمّد عن الحسن بن علي ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام ، فقلت : جعلت فداك ، ان أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها؟ فقال : حرام هي ، فقلت : جعلت فداك فنصطبح بها؟ فقال : اما تعلم انه يصيب اليد والثوب وهو حرام؟ (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ٣٠ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٥.

(٢) سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الكاهلي.

(٣) الوسائل باب ٣٠ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٥.

(٤) يحتمل ان يكون المراد ان كون علي بن أبي حمزة وأبي بصير في الطريق كما ترى يعني ضعيفان.

(٥) الوسائل باب ٣٢ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٤.


وان كان في الاستصباح.

______________________________________________________

وفيها ، معلّى وكأنّ الحسن هو الوشاء ، وفي دلالتها تأمّل.

وبالجملة بعد تسليم ذلك كلّه في الميّت الحقيقي والقطعة المبانة من الحيّ غير ظاهر ذلك في كل ما ينفصل من اجزائه حلّت فيها الروح ، إذ لا نسلّم صدق الميتة عليه وكونه كالميتة ، إذ لا يقال عرفا على كل مبان من الحيّ أنه ميتة وقطعة منه ، وهو ظاهر.

وان سلّم في العضو الذي له صورة فالظاهر عدم شموله للاجزاء الصغار من الجلود واللحوم المنكشطة من الجراحات والبثورات ، ومن سائر الأبدان مع اليبوسة خصوصا في الأسفار عن الوجه والشفة والأيدي ، فإن الاجتناب من ذلك متعسّر بل متعذّر بالنسبة إلى بعض الأشخاص ، ولعلّ مقصودهم غير ذلك.

وكأنه لذلك قال في المنتهى بعفو ما ينفصل عن البثورات ، مع ان العفو والتخصيص محلّ التأمّل.

ونفي الحرج (١) والضيق ، وارادة العسر دون اليسر (٢) ، والشريعة (٣) السهلة ، والأصل ، والعمومات كتابا (٤) وسنّة وإجماعا مع حصر المحرّمات والنجاسات وعدم العلم بدخولها فيها ، لما تقدم ، مع الشبهة في أصله على ما تقدّم مؤيد ، والاحتياط أمر آخر وحسن ان أمكن ، فلا يترك.

قوله : «وان كان في الاستصباح» إشارة إلى ردّ ما (يتوهم) من جواز الاستصباح بدهن الميتة والمتخذ من الاليات المبانة ، فإنه يتوهم تجويز الاستصباح بها كما بالادهان المتنجّسة كما مرّ ، وهو ظاهر ، لانه قياس مع الفارق وعدم ظهور العلّة.

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).

(٣) عوالي اللآلي ج ١ ص ٣٨١ حديث ٣ طبع مطبعة سيّد الشهداء.

(٤) والله خلق لكم ما في الأَرض.


ولا يطهر المرق الواقع فيه يسير الدم بالغليان ويغسل اللحم ، والتوابل.

ولو وقعت نجاسة غير سارية في جامد كالدبس والعسل والسمن ـ ألقيت النجاسة وما يحيط بها وحلّ (يحلّ ـ خ) الباقي.

______________________________________________________

قوله : «ولا يطهر المرق الواقع فيه إلخ» يعني إذا وقع الدم النجس في قدر فيه اللحم وغيره وينجس ما فيه ـ سواء كان قليلا أو كثيرا ـ لا يطهر المرق ، ولا اللحم بالغليان لدليل نجاسة ما ينجس بالملاقاة بالنجاسة مع كونه مائعا ، وعدم الدليل على الطهارة بالغليان فيه إلى المرق ان كان صار مضافا ، فانّ المضاف لا يطهر بالماء كما تقرّر عندهم.

ويغسل اللحم وغيره ممّا فيه من التوابل ، مثل الأرز والحمّص وغير هما بالماء الكثير إن غلى بحيث علم دخول الماء النجس فيها ، ويصبر عليها في الماء الكثير حتى يصل إلى جميع اجزائه الماء الطاهر ويتصل به.

وان كان ما صار كذلك بان حط فيه ووقع الدم النجس قبل ان يطبخ ويصير كما قلناه فيطهر بالقليل أيضا على الظاهر كما كان قبل ان يحط في القدر لو تنجّس يمكن تطهيره كذلك فتأمّل.

وأمر الطهارة مبني على التسامح من الشارع ، والّا فيشكل إذ لم يوجد في أكثر المواضع الماء الكثير ، فلو لم يكن كذلك للزم الحرج ، ولهذا رأيت طهارة أكثر الأشياء بالقليل وقد مرّ البحث فيه.

وقد مرّ في الخبر الصحيح أنه وقع أوقية من الدم في القدر الذي يطبخ فيه الجزور وقال : يؤكل ، لان النار لا تأكله (١) ، ومرّ تأويله فتأمّل وتذكّر.

قوله : «ولو وقعت نجاسة غير سارية إلخ» قد ذكرنا هذه المسائل مع

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤٤ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٧٦.


ويجوز الاستصباح بالدهن النجس تحت السماء لا تحت الظلال ، وهو تعبّد ، فانّ دخان النجس طاهر ، ولو بيع ما يقبل التطهر حلّ مع الاعلام.

ولا يطهر العجين النجس إلّا بالإحالة لا بالخبز.

______________________________________________________

دليلها مفصّلة ، ونزيد هنا انه نقل في الشرح قول أكثر العلماء على جواز الاستصباح بالدهن بالنجس تحت السماء ، لا تحت الظلال مثل الشيخ المفيد ، والشيخ في الخلاف ، والقاضي ، وابن إدريس ، والمحقق ، وانه ادعى عليه الإجماع ابن إدريس.

ولكن الشيخ اختار في المبسوط كراهيّة الاستصباح تحت الظلال.

وابن الجنيد أطلق جواز الاستصباح.

ونقل إنكار ابن إدريس قول المبسوط غاية الإنكار ، وقال : هو محجوج عليه بقوله في جميع كتبه.

وقد عرفت ان مقتضى الدليل الجواز من غير كراهة أيضا لكن الكراهة غير بعيدة لقول العلماء بالتحريم ، واحتمال تنجيس الأسباب والبيت ، والاجتناب عن النجاسات ، إذ قد ينجس شي‌ء وينسى ويوجب تطهير أكثر الأشياء ، وقد يوجب اعادة العبادات وغير ذلك.

وان ظاهر التهذيب هو الجواز مطلقا حيث نقل الأخبار المطلقة وما خصّصها بتحت السماء.

فقول ابن إدريس : (جميع كتبه) (١) غير ظاهر كدعوى إجماعه ، فإنه في مثل هذه المسألة غير ظاهر.

قوله : «ولا يطهر العجين النجس إلخ» أي لو عجن بالماء النجس

__________________

(١) يعني ما نسب ابن إدريس مخالفة الشيخ في جميع كتبه لما افتى به في المبسوط غير ظاهر كعدم ظهور دعواه الإجماع في مثل هذه المسألة.


وبصاق شارب الخمر طاهر ما لم يتغيّر لونه به وكذا الدمع في الكحل النجس.

______________________________________________________

عجين من الدقيق ونحوه لا شك انه ينجس

وقال المصنف : انه لا يطهر إلّا بالإحالة ، ولا يطهر بالخبز.

دليل الإحالة ما تقدم ، وانه إذا صار دخانا لا يبعد ذلك لا غير كما تقدم.

ودليل عدم طهارته بالخبز الاستصحاب ، وعدم دليل على الطهارة ، فإنه أمر شرعيّ يحتاج إلى دليل شرعيّ.

ونقل عن الشيخ الطهارة لرواية ما نعرفها ، والظاهر ان المراد بحصر المصنف ، الإضافي بالنسبة إلى الخبز وغيره ، والّا فظاهر انه يطهر بالكثير بأن يرقق بحيث يعلم وصول الماء إلى اجزائه ، وهو ليس بأبعد من طهارة اللحم الشحم المطبوخ بالماء النجس ، وكذا لو خبز ووضع في الماء بحيث يصل إلى أجزائه ، الماء ولا شك في الوصول والطهارة بعد ذلك ، وقد صرّح به المحقق الشيخ علي في بعض حواشيه.

قوله : «وبصاق شارب الخمر إلخ» أي إذا تناول الإنسان خمرا ، بل مطلق النجاسات والمتنجّسات ، فبصاقه طاهر ، لانه قد تقرر عندهم إن البواطن لم تنجس بورود النجاسة ما لم يتغيّر بها ، وان تغيّرت فطهر (تطهر ـ خ) بنفسها مع زوال التغيّر من غير احتياج إلى المطهر (التطهير ـ خ) ، فالبصاق الذي في الفم ان لم يتغيّر بالنجاسة كان ظاهرا ولم يتنجس ، وان تغيّر نجس ، فان زال طهر.

وإذا كان مشتبها فكذلك ، للاستصحاب ، ول : كل شي‌ء طاهر حتى يعلم انه نجس (١) وإذا علم التغيّر فلا يحكم بطهارته الّا مع العلم بزوال التغيّر ، لما

__________________

(١) الوسائل باب ٣٧ قطعة من حديث ٤ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٥٤ ، وفيه : كل شي‌ء نظيف حتى تعلم انه قذر فإذا علمت فقد قذر. ولم نعثر الى الآن على العبارة التي نقلها الشارح قدّس سرّه.


ويكره أكل ما باشره الجنب والحائض مع التهمة ، ومن لا يتقي النجاسات.

______________________________________________________

تقدّم ولكن الحكم بالطهارة ما دام في الفم ، وإذا خرج فكذلك ما لم يتّصل خارج الفم إلى النجاسة ، مثل الشفة المتنجس بشرب الخمر لوصوله اليه مع العلم ، ومع الاشتباه يحكم بطهارته أيضا.

ويؤيّد طهارة البصاق مع الاشتباه رواية أبي الديلم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : رجل يشرب الخمر فيبزق فأصاب ثوبي من بزاقه؟ فقال : ليس بشي‌ء (١).

ولا يضرّ وجود إسحاق بن عمّار (٢) وجهل أبي الديلم.

وكذا الحكم في جميع ما يخرج من البواطن مثل الدمعة مع الاكتحال بالكحل النجس وهو ظاهر.

هذا مع القول بنجاسة الخمر ، ولا كلام مع القول بالطهارة.

قوله : «ويكره أكل ما باشره إلخ» دليل كراهيّة أكل ما باشره الجنب والحائض المتهمين بالنجاسة هو الاحتياط والتجنب عن المشتبه بالمحرّمات ، ليكون ورعا ، فان تفسير الورع التجنب عن المشتبهات حتى لا يقع في المحرّمات.

وكذا كل متهم بعدم الاجتناب عن النجاسات ، بل عن المحرّمات مطلقا ، مثل الظلمة كالعاشر ، ولا يحكم بالتحريم ، ولا بنجاسة ما بأيديهم وما باشروه.

ولا يجب الاجتناب الّا مع العلم ، لا مع الظن الّا ان يكون من وجه شرعيّ كشاهدي عدل.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٩ حديث ١ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٥٨ وباب ٣٥ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٣٠٢.

(٢) سند الحديث كما في التهذيب هكذا : محمّد بن احمد بن يحيى ، عن العباس بن معروف ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي الديلم.


.................................................................................................

______________________________________________________

وقيل : يجب مع ظنّ النجاسة مطلقا ، والظاهر هو الأول ، والثاني أحوط في العمل وقد مرّ البحث في ذلك في باب الطهارة أيضا في الحائض المتهمة (١).

وسبب ذكرها (ذكره بخصوصه ـ خ) بخصوصها وجود الرواية في حقها ، واما الجنب وغيره فكأنه للقياس لما ذكر من العلّة ، فالظاهر حينئذ عدم الاختصاص بالأكل ، بل الشرب وسائر ما يشترط فيه الطهارة كذلك مع احتمال الاختصاص بالأكل والشرب ، وهو بعيد. واعلم ان الذي يستفاد من تتبع أقوالهم وأفعالهم عليهم السّلام عدم الاجتناب عن مثل سؤر الجنب ، بل الأظهر في النجاسة منه ، حيث يحكمون بطهارة أواني المشركين مع الاستعمال ويصلّون في الثياب التي هم نسجوها وخيّطوها (٢) أو استعاروها ، وغيرهم من شرّاب الخمر وغيره كما يظهر من الروايات وهو ينافي هذه الكراهة.

فهذا الدليل مدخول ومعارض بذلك فلا يكون الحكم بالكراهة عاما ، ولا يكون هذا الدليل معتبرا ، بل الحكم يكون مخصوصا بموضع النصّ ، وهو انما كان في الحائض ، وقد مرّ مفصّلا (٣).

الّا ان يقال : ان أفعالهم عليهم السّلام ذلك ، وأقوالهم للتسهيل على الناس وان لا يشكل الأمر عليهم (٤) ، مع انهم قد يقال انهم قد يكونون في الخلوة بحالة أخرى لئلا يشكل على الناس ويحصل الغرض من الاجتناب ، الله يعلم.

والاجتناب غير بعيد ، ولكن الوسواس (الاحتياط خ ل) والحكم بنجاسة الناس ، والاجتناب عنهم بحيث يعتقد ان ذلك حسن ليس بجهد ، فلا يفعل.

ثم ان الظاهر ان المراد بالتهمة ما تقدم من عدم الاجتناب عن الحيض

__________________

(١) راجع ج ١ من هذا الكتاب ص ٢٩٣.

(٢) هكذا في النسخ ولعلّ الأصوب (خاطوها).

(٣) أشرنا آنفا إلى الموضع المتقدم.

(٤) أي على الناس.


وسقي الدواب المسكر.

______________________________________________________

والمني وعدم توقي النجاسة مع العلم بذلك أو الظن القويّ حتى يستحبّ الاجتناب ، لا مجرد الوهم والاحتمال.

قوله : «وسقي الدواب المسكر» دليل جواز سقي الدواب المسكر ، بل سائر المحرّمات والمتنجسات هو الأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات مع عدم ما يدل على التحريم لعدم التكليف له ولا لصاحبه بعدمه.

ودليل الكراهة ، الاعتبار ، واحتمال ضرره بالحيوان أو يضرّ هو بعد السكر غيره ، واحتمال تأثيره في لحمه ، وتحريمه به ونجاسته كما مرّ إليه الإشارة في شرب البول ولبن الخنزير (١) فتذكّر.

ورواية أبي بصير ، عن الصادق عليه السّلام ، قال : وسألته عن البهيمة البقرة وغيرها تسقى أو تطعم ما لا يحلّ للمسلم أكله أو شربه أيكره ذلك؟ قال : نعم يكره ذلك (٢).

ولا يضرّ ضعف السند باشتراك أبي بصير وعلي بن أبي حمزة (٣) بل بضعفهما ، وجهل الحسن بن علي بن أبي حمزة وأبي عبد الله الرازي.

ورواية غياث ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السّلام ان عليّا (أمير المؤمنين ـ ئل) عليه السّلام كان يكره (كره ـ خ) ان يسقى الدوابّ الخمر (٤).

ولا يضرّ الضعف ب (غياث) ولا يقاس عليه الأطفال ، فإنهم وان لم يكونوا مكلّفين بالفعل ، ولكن يصيرون مكلّفين ويتعوّدون ، والناس مكلّفون بإجراء

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٤ ـ ٢٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٢.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٤٦.

(٣) سندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي عبد الله الرازي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير.

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٤٦.


والاسلاف في العصير.

______________________________________________________

أحكام المكلّفين عليهم.

ويدل عليه رواية عجلان أبي صالح ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : المولود يولد فنسقيه من الخمر؟ فقال : من سقى مولودا مسكرا سقاه الله من الحميم وان غفر له (١).

وروايته أيضا ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : قال الله عزّ وجلّ : من شرب مسكرا أو سقاه صبيّا لا يعقل سقيته من ماء الحميم معذبا أو مغفورا (٢) الحديث.

قوله : «والاسلاف في العصير» قيل : هكذا أطلق الشيخ وتبعه جماعة ، وعلّله بأنه لا يؤمن ان يطلبه صاحبه وقد يغيّر إلى حالة الخمر ، بل ينبغي أن يبيعه يدا بيد وان كان فعل ذلك لم يكن محظورا.

وناقشه ابن إدريس في ذلك وقال : السلف لا يكون إلّا في الذمة ، ولا يكون في العين ، فإذا كان في الذمة لزم تسليم ما في ذمته من العصير من أي موضع كان سواء تغيّر ما عنده إلى حال الخمر أم لم يتغيّر فلا وجه للكراهة.

وأجيب بإمكان أن يريد بالسلف بيع عين مشخّصة يسلّمها إليه في وقت معيّن ، وأطلق عليه السلف مجازا كما ورد (في ـ خ) السلف في شراء الغنم مع المشاهدة أو يحمل على الحقيقة ، ويتعذّر عليه تحصيل العصير عند الأجل لانقلابه كذلك.

ثم قيل : لا يخفى ما في هذا الجواب من التكلف وقوّة كلام ابن إدريس ولا

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٤٦ وفي الكافي عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان أمير المؤمنين عليه السّلام كره إلخ.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ وتمامه : ومن ترك المسكر ابتغاء مرضاتي أدخلته الجنّة وسقيته من الرحيق المختوم وفعلت به من الكرامة ما فعلت بأوليائي.


واستيمان من يستحلّ شربه قبل ذهاب ثلثيه على طبخه.

______________________________________________________

يخفى ان الجواب الأول جيّد ، إذ قد يوجد ذلك الإطلاق ، ويؤيد إرادته هنا قوله : (يدا بيد) وانه كلامه ، فله ان يريد ذلك ، وذلك غير عزيز.

على انه قد يكون السلف بالمعنى الحقيقي ، ولكن قد قرّر البائع مع نفسه إعطاء ما عنده ثم يغيّر ذلك فيعسر تحصيل غيره.

ولكن الكراهة حكم شرعيّ يحتاج إلى دليل شرعيّ ، ومثل هذا لم يصر دليلا ، ولكن هم يحكمون بالكراهة بمثل هذا ، بل أقل منه فتأمّل.

قوله : «واستيمان من يستحلّ شربه إلخ» يدل على الجواز ما تقدم من الأصل وغيره ، وقبول قول المخبر بتطهير وتحلّل ما تحت يده.

ودليل الكراهة الاعتبار ، فإنه لما اعتقد حلّه لا يبعد ان يأخذه قبل ذهاب ثلثيه ، ويخبر بالذهاب.

وقيل : حمل النهي في الخبر على ذلك ، لعدم الصحّة مثل رواية معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج ، ويقول : قد طبخ على الثلث وانا أعرفه أنه يشربه على النصف فأشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال : (خمر ـ يب) لا تشربه. قلت : فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث ، ولا يستحلّه على النصف يخبرنا ان عنده بختجا على الثلث ، قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه ، يشرب منه؟ قال : نعم (١).

يفهم ان المدار على الاعتقاد ، لا على الاخبار ، ويعني على الثلث ، الغليان حتى ذهب ثلثاه وبقي الثلث.

قيل في طريق الرواية يونس بن يعقوب (٢) قيل : فطحيّ ، وقيل : ثقة

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٣٤.

(٢) طريقها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن يونس بن يعقوب ، عن معاوية بن عمّار.


.................................................................................................

______________________________________________________

فيكون فطحيّا ثقة فتكون موثقة لا صحيحة ، فتصلح دليلا للكراهة.

فيه تأمل ، إذ من يقول : انه ثقة صرّح بصحّة عقيدته ، فلا يمكن الجمع ، على ان المعدّلين أكثر وأرجح.

ولاختلاف قول من قال بفطحيّته.

ولأن الكشي الراوي فطحيّته بطريق مرسل ، قال : إن الفطحيّة ما بقوا على امامة عبد الله حيث قال : قال بامامة عبد الله الأفطح عامّة مشايخ العصابة وفقهائها ومالوا إلى هذه المقالة ، فدخلت عليهم الشبهة لما روي عنهم عليهم السّلام انهم قالوا : الإمامة في أكبر ولد الإمام إذا مضى ثم منهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنه بمسائل من الحلال والحرام ولم يكن عنده فيها جواب ، ولما ظهر منه من الأشياء التي لا ينبغي ان يظهر من الامام رجع بعضهم أيضا.

ثم ان عبد الله مات بعد أبيه بسبعين يوما فرجع الباقون الّا شاذا ، وقالوا : بامامة أبي الحسن عليه السّلام للخبر الذي روي : أنّ الإمامة لا يكون في الأخوين غير الحسنين ، وبقي شذاذ منهم على القول بإمامته (١).

وبالجملة ، انا ما اعتقد فطحيّة يونس بن يعقوب ، والظاهر انه مقبول.

__________________

(١) الاولى نقل عبارة الكشي ، قال : الفطحيّة هم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمّد ، وسمّوا بذلك لانه قيل : انه كان افطح الرأس ، وقال بعضهم : كان افطح الرجلين ، وقال بعضهم : انهم نسبوا إلى رئيس من أهل الكوفة يقول له عبد الله بن فطيح ، والّذين قالوا بإمامته عامّة مشايخ العصابة ، وفقهاؤها مالوا إلى هذه المقالة ، فدخلت عليهم الشبهة ، لما روي عنهم عليهم السّلام انهم قالوا : الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا مضى ، ثم منهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنه بمسائل من الحلال والحرام ، لم يكن عنده فيها جواب ، ولما ظهر من الأشياء التي لا ينبغي ان يظهر من الامام ثم ان عبد الله مات بعد أبيه بسبعين يوما فرجع الباقون إلّا شذاذا منهم عن القول بإمامته إلى القول بإمامة أبي الحسن موسى عليه السّلام ورجعوا إلى الخبر الذي روي : ان الإمامة لا تكون في الأخوين بعد الحسن والحسين عليهما السّلام ، وبقي شذاذ منهم على القول بإمامته ، وبعد أن مات ، قال : بإمامة أبي الحسن موسى عليه السّلام (الكشي ص ١٦٤) طبع بمبئي.


.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا أكثر ما نسب إلى الفطحيّة ، مثل الحسن بن علي بن فضّال ، بل إسحاق بن عمار من العلماء أيضا.

على أنه يمكن ان يستدلّ عليه بحسنة عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : الرجل يهدى إلى البختج من غير أصحابنا ، فقال : ان كان ممن يستحلّ المسكر فلا تشربه ، وان كان ممن لا يستحلّ فاشربه (١).

وجه الدلالة انه يفهم عدم أكله من يد من يستحلّ فلا يستأمن.

ونقل عن الشيخ ، والمصنف ، وولده عدم جواز الاستيمان ، لرواية ابن عمار المتقدمة.

ويمكن كون هذه أيضا حجّة لهم ، ولكن هذه غير صحيحة ، ولا صريحة (لأنه في المستحلّ مطلقا ، ولا يلزم كون المستحلّ قبل ذهاب الثلثين يكون كذلك ، لاحتمال اشتراط النصف أو الثلث فتأمّل ـ خ).

وللقول (٢) في يونس في خبر معاوية (٣) ، وعدم صراحتها ، إذ المقصود كراهة استيمان من يستحلّ العصير قبل ذهاب ثلثيه ، وليس مضمونها كذلك ، وهو ظاهر ، فلا بدّ من الاستنباط والاستخراج منها ، بأنه إذا لم يقبل خبره بأنه ذهب ثلثاه فلا يستأمن ، ويمكن أن يحسن استيمانه ويوكل مع ذلك ، ويقبل خبره ، لانه جعل أمينا فتأمل.

على أن ورود النهي للكراهة كثير جدّا ، والأصل والعمومات وحصر المحرّمات يؤيّد الحمل على الكراهة.

ويؤيّده أيضا عموم صحيحة معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٣٣.

(٢) عطف على قوله قدّس سرّه : لرواية ابن عمّار المتقدمة. وكذا قوله قدّس سرّه فيما يأتي : (ولما تقرر) إلخ.

(٣) سنده كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن احمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن يونس بن يعقوب ، عن معاوية بن عمار واعلم انه ليس في بعض النسخ من قوله : (لأنه في المستحل) إلى قوله : أو الثلث.


والاستشفاء بمياه الجبال الحارّة.

______________________________________________________

عليه السّلام عن البختج ، فقال : إذا كان حلوا يخضّب الإناء ، وقال صاحبه : قد ذهب ثلثاه وبقي الثلث فاشربه (١).

فإنه أعم ممن يستحلّه قبل ذلك.

وكذاقوله عليه السّلام في حسنة عمر بن يزيد:(وان كان ممن لايستحلّ فاشربه)(٢).

فكأنه لذلك اختاره المصنف هنا والمحقق في الشرائع فتأمّل.

ولما تقرّر من قبول القول بطهارة وحلّ ما تحت يده ، فإذا قبل قوله فلا معنى لتحريم الاستيمان فيحمل النهي على الكراهة للجمع بين الأدلّة.

والظاهر ان مراد القائل بالتحريم هو تحريم شرب ذلك ، ويحتمل نفس الفعل أيضا.

ويؤيّد التحريم انه لا يبعد أنه لما اعتقد حلّه يشربه ويشربه قبل ذلك فتأمّل.

قوله : «والاستشفاء بمياه الجبال الحارّة» دليل كراهته هو الخبر المحمول على الكراهة ، لعدم الصحّة مع قول الجماعة ، وهي رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الاستشفاء بالحماة ، وهي العيون الحارّة التي تكون في الجبال التي توجد منها رائحة الكبريت فإنّها تخرج من فوح (٣) جهنم (٤).

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٣٤.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٣٤.

(٣) من فاحت القدر تفيح وتفوح إذا غلت ، شبّه بنار جهنم ، ويحتمل الحقيقة وانه أرسل من نارها إنذارا للجاحدين ، وكفارة لذنوب غيرهم ، ومثله قوله عليه السّلام في وجه النهي من الاستشفاء في المياه الحارّة التي تكون في الجبال يشمّ منها رائحة الكبريت لأنها من فيح جهنّم (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ١٢ حديث ٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ج ١ ص ١٦٠.


ولا تحرم الربوبات وان شمّ منها رائحة المسكر.

والخمر إذا انقلبت وان كان بعلاج ، وان كره.

______________________________________________________

ولا يبعد كراهة مطلق الجلوس فيها للعلّة المذكورة إلّا للضرورة.

قوله : «ولا تحرم الربوبات وان شمّ منها رائحة المسكر» دليله ، الأصل ، والعمومات مثل مضمرة الحسن بن محمّد المدائني ، قال : سألته عن السكنجبين والجلّاب وربّ التوت وربّ السفرجل ، وربّ التفاح ، وربّ الرمان فكتب : حلال (١).

ورواية جعفر بن احمد المكفوف ، قال : كتبت إليه يعني أبا الحسن الأول عليه السّلام اسأله عن السكنجبين والجلّاب ، وربّ التوت ، وربّ التفاح (وربّ السفرجل ـ ئل) ، وربّ الرمان؟ فكتب : حلال (٢) ورواية أخرى له مثلها ، وزاد فيها : ربّ السفرجل ـ وبعده ـ : إذا كان الذي يبيعها عارف وهي تباع في أسواقنا ، فكتب : جائز لا بأس بها (٣).

قوله : «والخمر إذا انقلبت إلخ» كأنها معطوفة على فاعل (لا تحرم) أي لا يحرم إذا انقلبت خلّا ، فإنها تظهر وتحلّ إذا صارت خلّا.

ويحتمل تقدير فعل (ويحلّ) فيكون فاعله ، والجملة معطوفة على الجملة السابقة.

والظاهر عدم الخلاف والإشكال فيما إذا انقلبت بنفسها ، لعل دليله الإجماع وعموم أدلّة حلّ الخلّ وبعض الروايات.

مثل رواية عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال :

__________________

(١) الوسائل باب ٢٩ حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٤.

(٢) الوسائل باب ٢٩ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٣.

(٣) الوسائل باب ٢٩ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

سألته ، عن الخمر العتيق (العتيق ـ خ ل) يجعل خلّا قال : لا بأس (١).

هكذا في التهذيب والاستبصار على ما رأيتها.

وفي الكافي الذي أصلها حسنة إلى جميل بن درّاج ، وابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام (٢) فهي حسنة وموثقة (٣) فتأمّل.

وروايته أيضا ، عن عبيد بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلا ، قال : لا بأس (٤).

وروايته أيضا ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال في الرجل إذا باع عصيرا فحبسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلا فقال : إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به (٥).

وصحيحة جميل ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمرا ، فقال : خذها ثم أفسدها. قال علي عليه السّلام : واجعلها خلا (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٣١ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٣٩٦ نقلا من الكافي والتهذيب والاستبصار.

(٢) سندها كما في الكافي (باب الخمر يجعل خمرا) هكذا : علي بن إبراهيم : ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن درّاج ، وابن بكير ، عن زرارة.

وفي التهذيب (باب الذبائح والأطعمة إلخ) حديث ٢٣٩ بهذا السند عن جميل بن درّاج عن ابن بكير عن زرارة ولكن جعل (وابن بكير) بدلا عن قوله : (عن ابن بكير) وفي الاستبصار (باب الخمر يصير خلا) كما في الكافي وفي الوسائل أيضا كما في الاستبصار.

(٣) قوله قدّس سرّه : (فهي حسنة) باعتبار السند الأوّل وهو جميل عن زرارة. وقوله قدّس سرّه : (موثقة) باعتبار السند الثاني وهو ابن بكير عن زرارة.

(٤) الوسائل باب ٣١ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٦.

(٥) الوسائل باب ٣١ حديث ٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.

(٦) الوسائل باب ٣١ حديث ٦ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة عبد العزيز بن المهتدي ، قال : كتبت إلى الرضا عليه السّلام : جعلت فداك ، العصير يصير خمرا فيصبّ عليه الخلّ وشي‌ء يغيّره حتى يصير خلا قال : لا بأس به (١).

وهي مكاتبة وفي الطريق محمّد (٢) بن عيسى العبيد ولا يضر.

وبعض منها يدل على الحل بعلاج أيضا خصوصا الأخير ، فيحمل على الكراهة ما دل على المنع إذا كان بعلاج.

مثل عبد الله بن بكير ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن الخمر يجعل خلّا؟ قال : لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها (٣) (يقلبها ـ خ ل يب).

وهي أيضا موثقة لابن بكير وأبي بصير (٤).

وصحيحة محمّد بن مسلم وأبي بصير وعلي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سئل عن الخمر يجعل فيها الخلّ؟ فقال : لا الّا ما جاء من قبل نفسه (٥).

حمل الشيخ في كتابيه هذه على الاستحباب ، وقال : لانه يستحب ان يترك الخمر حتى يصير خلا من قبل نفسه ولا يطرح فيه ما يغيّره من الملح وغيره وان فعل لم يكن محظورا ولا كان فاعله مأثوما.

__________________

(١) الوسائل باب ٣١ حديث ٨ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.

(٢) سنده كما في التهذيب هكذا : محمّد بن احمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن عبد العزيز بن المهتدي.

(٣) الوسائل باب ٣١ حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٦.

(٤) سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن عبد الله بن بكير ، عن أبي بصير.

(٥) الوسائل باب ٣١ حديث ٧ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

والأول (١) على ما ظن انه صار خلا ولم يكن كذلك.

ويمكن حملها أيضا على الكراهة ، ويكون معناها فيها بأس إذا جعل في الخمر ما يغلبها خلّا وتؤيّده نسخة التهذيب والاستبصار يقلبها بالقاف.

وان كان يغلبها بالغين كما في الكافي فيمكن حملها عليه أيضا.

وعلى انها غلبت عليه بحيث صار من جنس ما يعالج به ، مثل الخلّ واضمحل الخمر بالكليّة وغلب الخلّ ، وتؤيّده نسخة يغلبها بالغين وعليه يحمل ما رواه عبد الله بن بكير ، عن أبي بصير في الموثق ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الخمر يصنع فيها الشي‌ء حتى تحمض؟ قال : إذا (ان خ ل) كان الشي‌ء الذي وضع فيه (صنع فيها ـ ئل) هو الغالب على ما صنع فلا بأس به (٢).

وردّها في التهذيب ، لأنها شاذة منافية لما تقدم من نجاسة الخمر ورواية زكريّا بن آدم المتقدمة في صبّ قطرة من الخمر على القدر (٣).

وفي الدليل (٤) تأمّل ، فإنه يستلزم عدم الحلّ والطهارة بالعلاج مطلقا.

على أنّها غير صحيحة (٥) ، ودلالتها بالمفهوم ، والثانية (٦) مجملة ليست بصريحة في المنع والتحريم إذا صار خلّا بعلاج.

ولكن هنا اشكال من جهة أن ما يعالج به إذا القي في الخمر فصار نجسا ما يطهره؟ والانقلاب انما يطهر الخمر لا غير.

__________________

(١) يعني صحيحة محمّد بن مسلم وأبي بصير وعلي عن أبي بصير.

(٢) الوسائل باب ٣١ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٦.

(٣) راجع الوسائل باب ٣٨ حديث ٨ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٥٦.

(٤) يعني بالدليل ، الدليل الذي استدل به على الحلّ بعلاج وهو خبر عبد الله بن بكير ، عن أبي بصير.

(٥) يعني موثقة كما تقدم منه قدّس سرّه بقوله : (وهي أيضا موثقة لابن بكير) وقد قدمنا ذكر سندها فراجع.

(٦) يعني صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة فراجع.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن التي تدل على الحلّ أوضح دلالة ، بل أكثر ، فيمكن ان يجاب بأنه تابع مثل الآنية وآلات البئر وآلة ما يعمل به دبسا على القول بالنجاسة على ان النجاسة غير ظاهرة لما عرفت ، فيمكن حملها وطهارتها بالعلاج أيضا.

ولكن ينبغي كون ما يعالج به بحيث لا يضمحلّ الخمر به ، وتصير هي أيضا من جنس ذلك ، ولا يطلق عليه الخمر ، مثل ان يلقى على قطرة من خمر اكرارا من الخلّ وغيره فان ذلك لا يقال له حينئذ العلاج وهو ظاهر ، وسيجي‌ء.

فقد دل الخبر الصحيح وهو خبر عبد العزيز (١) على نفي البأس مع العلاج.

وتؤيّده العمومات والمطلقات الدالّة على الطهارة والحلّ ، سواء كانت بعلاج أم لا كما عرفت.

وتؤيّده الشهرة ، وعدم وجود الخلاف ، وعدم صراحة صحيحة محمّد (٢) في المنع ، مع إمكان الحمل والجمع كما فهمت.

وبالجملة بعد وجود الدليل لا استبعاد في أمثال ذلك ، وهو ظاهر.

الّا ان يتكلّم على الدليل (٣) بعدم صراحة الأكثر في الحلّ مع العلاج وصحته ، وبعدم توثيق محمّد بن عيسى (٤) في صريحة عبد العزيز.

وان الأصل بقاء النجاسة والتحريم اليقينيَّين بحكم الاستصحاب حتى يعلم المزيل ، ولم يحصل العلم ولا الظن الشرعي بذلك ، نعم يحصل في الخمر المنقلب بنفسه بإجماع الأصحاب بل المسلمين ، والروايات الظاهرة فيها ، وبقي الباقي.

__________________

(١) الوسائل باب ٣١ حديث ٨ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.

(٢) الوسائل باب ٣١ حديث ٧ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.

(٣) يعني الدليل على نفي البأس مع العلاج.

(٤) سندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن عبد العزيز المهتدي.


.................................................................................................

______________________________________________________

وقد عرفت الدليل في الجملة ، وان النجاسة غير معلومة ، وهي والتحريم انما هما مع اسم الخمريّة ، ولا نسلّم حينئذ ، فلا يقين ، ويؤيّده ما ذكرناه.

ويمكن ان يقال : الطهارة مشكل مع العلاج الذي يكون له جسم ويبقى بعد الحليّة على القول بنجاسة الخمر لنجاسته بالملاقاة ، وبقائه على حاله من غير انقلاب ، فلا اثر للتخليل فيه أصلا.

وأيضا ، الدليل ما دل الّا على العلاج المائع المضمحل مثل الخلّ لقرينة ذكره ، ولما قلناه.

وبالجملة لا ينبغي ترك العمل بيقين النجاسة والتحريم الّا بدليل شرعي ، وليس بمعلوم في العلاج خصوصا الجامد ، نعم القول بالمائع أقرب منه ، والاجتناب عن الكلّ أحوط فتأمّل.

قيل (١) : وربما قيل باشتراط ذهاب عين المعالج به قبل ان يصير خلّا لانه ينجس بوضعه ولا يطهر بانقلابها خلّا ، لان المطهّر للخمر هو الانقلاب ، وهو غير متحقق في ذلك الجسم الموضوع فيها ولا يرد مثله في الآنية ، لأنها ممّا لا ينفك عنها الخمر ، فلو لم يطهر معها لما أمكن الحكم بطهرها وان انقلبت بنفسها.

وهو متّجه الّا ان الأشهر الأول.

واعلم أنه ليس في الاخبار المعتبرة ما يدل على جواز علاجها بالأجسام والحكم بطهرها كذلك ، وانما هو عموم (٢) أو مفهوم كما أشرنا اليه مع قطع النظر عن الاسناد ، وقد ذكر في أوّل المسألة رواية أبي بصير المتقدمة ، قال : سألت

__________________

(١) يعني شارح الشرائع.

(٢) مثل قوله في مقام السؤال في رواية عبد العزيز : فيصبّ عليه الخلّ وشي‌ء يغيّره. الوسائل باب ٣١ حديث ٨ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.


ولو عولج بالنجس أو باشره الكافر لم يطهر بالانقلاب.

______________________________________________________

أبا عبد الله عليه السّلام عن الخمر يصنع ، الحديث (١) ، ورواية زرارة دليلا على طهارة الخمر بانقلابها خلّا ، سواء كان ما يعالج به عينا باقية أم لا ، وقد عرفت أنّ الأدلة على أصل المسألة كثيرة.

وكذا تدل على المعالجة رواية عبد العزيز صريحا الّا انها غير صريحة في الجامدات.

ويمكن ان يناقش في صحتها (لمحمّد) كما أشرنا إليه (٢).

وان رواية أبي بصير لم تصلح دليلا على الحلّ ، بل ربما تنافيه ، ولهذا ردها الشيخ بالشذوذ ، وان الجسم لا يذهب في الخمر ولا يخرج عن حقيقته وان كان مائعا واضمحلّ ولم يصر خمرا أيضا.

نعم قد يخفى مثل ان صبّ ماء قليلا (ماء قليل ـ خ ل) على الخمر ، مع انه قد يناقش في تطهيره ، إذ ينجس أوّلا ، والمتنجس بالخمر قد لا يطهر بالخليّة وان صار بعد ذلك خمرا ثم خلا فتأمّل.

وفي قوله (٣) إشارة إلى أن بعضا منع عن التطهير حينئذ ، ولكن التطهير أشهر فتأمّل.

قوله : «ولو عولج بالنجس إلخ» دليل عدم طهارة الخمر وحلّها بالخلّية ـ إذا كان ما يعالج به نجسا أو تنجست بنجس مثل ان باشرها الكافر ـ ظاهر ، فان العلاج النجس يزيدها نجاسة وتحريما ، وكذا مباشرة الكافر لها ، ولم يطهر بالانقلاب لعدم الدليل ، فان الدليل الذي دل على تطهيرها وحلّها بالانقلاب ظاهر في الخمر

__________________

(١) راجع الوسائل الباب المذكور حديث ٢ منها.

(٢) يعني محمّد بن عيسى فان سندها هكذا : محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن عبد العزيز بن المهتدي.

(٣) يعني قول شارح الشرائع.


ولو مزج الخمر بالخلّ واستهلكه الخلّ لم يحلّ.

______________________________________________________

التي كانت تحريمها ونجاستها من أصلها ولم يمازجها متنجس ومحرّم آخر.

ويحتمل الحلّ والطهارة للعموم ظاهرا فتأمّل.

ويمكن ان يقال : ان كان ذلك النجس نجس بالخمر يمكن ان تطهر بالانقلاب فتأمّل.

قوله : «ولو مزج الخمر بالخلّ واستهلكه الخلّ لم يحلّ» لو صبّ خمر قليل على الخلّ الكثير فاستهلكت بالخلّ بحيث ما يظهر الّا الخلّ لم يحلّ ذلك الخلّ ، بل ينجس بالخمر مثل التنجس كسائر النجاسات ولو علم انقلابها بالخلّ فإنها لا تنقلب الّا بعد تنجسه (تنجيسه ـ خ ل) الخلّ وهو لم يطهر بانقلابها وكذا لو صبّ على خمر كثير خلّ قليل حتى استهلك بها وصار مثل الخمر ولا يتميّز ، لم يطهر ولم يحلّ ذلك الخلّ.

وهنا يمكن ان يقال بالطهارة إذا انقلبت هذه الخمر خلا إذا قلنا بالطهارة بالعلاج وهو ظاهر ، بل هو عين ذلك ، ودليله رواية عبد العزيز (بن) المهتدي الصحيحة المتقدمة.

ونقل عن الشيخ في المسألتين أنه قال : لو علم صيرورة الخمر التي أخذت هذه التي ألقيت على الخلّ منها أو العكس خلّا يحلّ ويطهر ، واستبعده ابن إدريس ، وقال بها رواية شاذّة تردّ لمخالفتها أصول المذهب (١) من ان الملاقي للخمر النجس ينجس فالخلّ نجس وما يطهره أو الحمل (تحمل ـ خ ل) على التقيّة لموافقتها لمذهب أبي حنيفة وطوّل ونقل عن السيّد ما يوافق كلامه.

وقال المصنف في المختلف ـ بعد ذكر ذلك ـ : قول الشيخ ليس بعيدا عن (من ـ خ) الصواب ، لان انقلاب الخمر خلّا يدل على تماميّة استعداد انقلاب تلك

__________________

(١) بيان لأصول المذهب.


.................................................................................................

______________________________________________________

الخمر خلّا ، لان المزاج واحد ، واستعداد الملاقي للخل أكثر ، وصيرورته للخلّ أتم ، ولكن لم يعلم ذلك ، فإذا انقلب الأصل المأخوذ منه خلّا انقلبت تلك الخمر أيضا خلّا ، ونجاسة الخلّ تابعة للخمريّة وقد زالت ، فتنزيل النجاسة كما في الخمر إذا انقلبت ، ونقل كلام ابن الجنيد مؤيّدا له.

واعلم أن هذا غاية ما يمكن من التوجيه ، ولكن الظاهر انه ما ينفع ، لأن التابعيّة غير متوجّه في المسألة الاولى ، وفي الثانية غير ظاهرة ، فان المتنجس بالخمر لا يطهر بطهارة الخمر ، فإذا تنجس الخلّ كيف يطهر بصيرورة الخمر التي فيه خلّا ، ولو كان كذلك لزم طهارة كل ما ينجس بالخمر من الأمور الغير المتّصلة وهو ظاهر البطلان ، ولم يعلم لكون الاتصال به دخلا حتى يكون فرقا.

على انه قد يمنع لزوم خلّية تلك الخمر من خلّية الأصل ، لجواز ان يكون اتصالها بالخلّ وتكيّفها بكيفيّة الخلّ في الجملة مانعا عن الانقلاب فتأمّل.

وبالجملة نجاسة هذا الخلّ بعد ملاقاته للخمر على تقدير نجاستها ظاهر ، ولم يعلم طهارته بخلّية الخمر المأخوذ منه وطهارتها ، إذ لا دليل.

وقال في شرح الشرائع ـ بعد نقل كلام الشيخ وابن إدريس وتوجيه المصنف وتأييده بكلام ابن الجنيد ـ : واعلم ان الروايات الواردة في الباب كلّها ضعيفة والقول بطهر الخلّ إذا مضى زمان يعلم انقلاب الخمرية إلى الخلّ متجه إذا جوزنا العلاج وحكمنا بطهارته مع بقاء المعالج به ، لأن الخلّ لا يقصر عن ذلك الأعيان المعالج بها حيث حكم بطهرها مع طهرها ، الّا ان الإثبات من النصّ لا يخلو عن إشكال ، وكذا استفادته من إطلاق جواز علاجه الأعم من بقاء العين المعالج به (١).

__________________

(١) إلى هنا عبارة شرح الشرائع (يعني المسالك).


.................................................................................................

______________________________________________________

قد عرفت عدم ضعف الروايات كلّها ، ودلالتها على الطهارة بالعلاج.

واما كون ذلك متجها مع القول بالعلاج فغير ظاهر ، خصوصا في المسألة الأولى ، إذ المتبادر من العلاج ان تكون الخمر باقية على خمريتها ، ووضع فيها ما يعالجها ويقلّبها بالخلّ مع قلّة ما يعالج به وعدم جعل ما يعالج به ايّاها من جنسه في الحال ، فان ذلك ما يفهم من العلاج ، ولا يقال : انه جعله خلا بعلاج ، فإذا طهارة الخلّ الكثير الذي جعله علاجا لخلّية الخمر القليلة جدا ، غير ظاهر بالتبعيّة ، وهو ظاهر.

فإن الأكرار من الخلّ إذا نجس بقطرة من خمر ، لا يقال : انها طهرت بتبعيّة القطرة من الخمر ، لأنها كانت علاجا لخلّية تلك القطرة ، ومثل ذلك لا يفهم من الروايات وان قلنا بفهم طهارة الخمر بالعلاج منها مع بقاء ما يعالج به.

نعم ذلك غير بعيد في المسألة الثانية (١) إذا فرض بحيث يقال : انه علاج.

(وبقي البحث في الأولى) (٢) فكلام ابن إدريس جيّد (٣) ، والتوجيه غير ظاهر وان قلنا بالعلاج.

والظاهر انهما ليستا بداخلتين في مسألة العلاج عند الشيخ وغيره أيضا ولهذا ذكروهما بعدها وحكموا بعدم الحلّ ، ونسبوا القول بالحلّ إلى بعض كتب الشيخ فتأمّل.

وأيضا قد عرفت أن لا معنى لذهاب ما يعالج به حتى يتوجّه الطهارة بالعلاج ، بل الظاهر بقاؤه ، وهو ظاهر ، وطهارته بالتبعيّة ممكن ، ودلالة الروايات عليها غير بعيدة.

__________________

(١) وهي ما لو القي في الخمر خلّ حتى يستهلكه.

(٢) وهي ما لو القي في الخلّ خمر فاستهلكه.

(٣) وهو انه لا وجه للطهارة للإجماع على ان الخلّ يصير بمخالطة الخمر له نجسا.


ولو لم يعلم تذكية اللحم المطروح اجتنب.

______________________________________________________

والظاهر ان ليست الرواية التي أشار ابن إدريس إلى أنها دليل الشيخ ـ هي رواية عبد العزيز كما ذكره في شرح الشرائع (١) ، بل ولا غيرها من التي رأيتها فانا ما نجد رواية فيها : انه إذا صبّ الخمر على خلّ ، وصار المجموع بمجرد الانضمام خلّا واستهلكها وعلم صيرورة أصله خلا ، طهر ذلك الخل ، نعم يفهم المسألة الثانية من رواية عبد العزيز كما ذكرنا أوّلا.

قوله : «ولو لم يعلم تذكية اللحم المطروح اجتنب إلخ» دليل اجتناب اللحم المطروح غير معلوم الذبح ، ما تقدم من الضابطة ، هي أن الأصل في الميتة هو التحريم ، لأنّ زوال الروح معلوم ، والتذكية مشروطة بأمور كثيرة وجوديّة والأصل عدمها ولكن قد يعلم بالقرائن ، ولهذا يعلم الهدي إذا ذبح.

ويدل عليه بعض الاخبار أيضا ، مثل صحيحة عبد الله بن سنان (٢) المتقدمة ، من تغليب الحلال ، وخصوصا رواية النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انّ أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة ، كثير لحمها ، وخبزها ، وجبنها ، وبيضها ، وفيها سكّين؟ فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : يقوّم ما فيها ثم يؤكل ، لانه يفسد وليس له بقاء ، فان جاء طالبها غرموا له الثمن فقيل له : يا أمير المؤمنين لا ندري سفرة مسلم أو سفرة مجوسيّ؟ قال : هم في سعة حتى يعلموا (٣).

__________________

(١) فإنه قال في شرح الشرائع ـ عند قول المصنف (المحقق) : (ولو ألقى في الخمر خلّ حتى يستهلكه لم يحلّ ولم يطهر) : القول للشيخ وابن الجنيد لرواية عبد العزيز بن المهتدي ، قال : كتبت إلى الرضا عليه السّلام : العصير يصير خمرا فيصبّ عليه الخلّ وشي‌ء يغيّره حتى يصير خلا قال : لا بأس به ـ الوسائل باب ٣١ حديث ٨ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٥٩.

(٣) الوسائل باب ٢٣ حديث ١ من كتاب اللقطة ج ١٧ ص ٣٧٢.


وقيل : يحكم بالتذكية مع انقباضه في النار.

______________________________________________________

هما (١) في السند ، ولا يضرّ ، لأنها موافقة للعقل ولغيرها (٢).

وفيها أحكام كثيرة (منها) طهارة اللحم المطروح ، والجلد كذلك ، يحمل على وجود القرينة الدالّة على كونهما كانا في يد المسلم.

وكون اللحم في يد المجوسي غير طاهر فيحرم ذبيحة الكافر فافهم.

وجواز التصرف بالأكل في مال الناس إذا علم الهلاك من غير اذن الحاكم مع التقويم على نفسه.

وعدم اشتراط العدالة في المقوّم والمتصرف.

ومغايرة المقوم للتصرف ، والغرامة للصاحب.

وكون الجاهل معذورا حتى يعلم فتأمّل.

وبالجملة ، القرينة المفيدة للظن الغالب معتبرة فكيف ما يفيد العلم أو المتاخم له.

واما دليل القول بالامتحان بالانقباض والانبساط فهو الرواية المتقدمة في مسألة تحريم المشتبه بالميتة (٣).

وقد عرفت انها ضعيفة ، ولكن نقل في الشرح فتوى الجماعة بها ، كابن بابويه ، والشيخ وأبي الصلاح ، وابن زهرة ، وابن إدريس ، وقطب الدين الكيدري (٤) ونجيب الدين (٥) بن سعيد صاحب كتاب الرحمة ، والمحقق في النافع.

__________________

(١) يعني ان النوفلي والسكوني في سندها وهما ضعيفان لكنه لا يضرّ لموافقتها للعقل.

(٢) يعنى ولغير هذه الرواية من الروايات الأخر الموافقة لها في المعنى.

(٣) الوسائل باب ٢٧ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٥٦.

(٤) أبو الحسن محمّد بن الحسين بن الحسن البيهقي النيسابوري الإمامي الشيخ الفقيه الفاضل الماهر والأديب الأريب البحر الزاخر صاحب الإصباح في الفقه وأنوار العقول في جمع اشعار أمير المؤمنين عليه السّلام وشرح النهج وغير ذلك وله اشعار لطيفة وكان معاصرا للقطب الراوندي وتلميذا لابن حمزة الطوسي فرغ من شرحه على النهج سنة ٥٧٦ الكنى والألقاب للمحدث القمي ج ٣ ص ٦٠.

(٥) أبو زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن سعيد الهذلي ، العالم الفاضل الفقيه ، الورع الزاهد الأديب


.................................................................................................

______________________________________________________

وانه احتجّ بعضهم (١) عليه بالإجماع أيضا ، وقال : وهذه وان كان في بعض رجالها كلام الّا ان عمل الكافّة يؤيّدها ، ولا أعلم أحدا خالف فيها ، الّا أنّ المحقق في الشرائع والامام المصنف أورداها بلفظ (قيل) مشعرا بالضعف.

ويمكن ان يكون فيه جهة أصالة عدم الذكاة المعلومة ، فلا يزول بالاختيار المظنون ، ولقوله عليه السّلام : الحلال بيّن (٢).

وهما (٣) ضعيفان ، لأن الأخبار انّما تفيد الظن مع عدم جعل الشارع إيّاه سببا في الحكم ، وقد ثبت الجعل ، وقوله عليه السّلام : (الحلال بيّن) ، معارض بقوله عليه السّلام : الحرام بيّن ، والأصح العمل بالرواية ، بل الإجماع.

وأنت قد عرفت ضعفها ، والإجماع غير معلوم ، وان المصنف افتى هنا بخلاف مضمونها ثم قال : (وقيل) وهو صريح في عدم اختيارها وردّها.

وعرفت أيضا أنّ الاجتناب مختار المصنف فليس العمل بالإجماع ، بل برواية ضعيفة.

وانه يفهم من كلامه أن ليس العمل في هذه المسألة بالظن ، بل باليقين.

وليس كذلك ، إذ على تقدير حجيّة هذه الرواية وصحتها ، ليس العمل الّا

__________________

(١) لم نقف الى الآن على المراد من هذا البعض من هو؟.

(٢) هكذا في النسخ ولكن الحديث هكذا : عن عمر بن حنظلة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام (في حديث) إنّما الأمور ثلاثة أمر بيّن رشده فيتبع وأمر بيّن غيّه فيجتنب وأمر مشكل يردّ علمه إلى الله والى رسوله قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك ، الحديث. الوسائل باب ١٢ حديث ٩ من أبواب آداب القضاء ج ١٨ ص ١١٤.

(٣) يعني الدليلين المذكورين في كلامه من قوله : ويمكن إلى قوله : الحلال بيّن.


ويجوز الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة ، وتركه أفضل.

______________________________________________________

بالظن ، لعل أراد بالظن الحاصل (١) من غير دليل وهنا ظن من الدليل.

وان دليل العمل بالظن يقيني فالعمل ليس بالظن بل باليقين.

وهو جيّد لو كان دليل العمل بهذه الرواية يقينا ، كأنه جعلها داخلة في الروايات الصحيحة الواجب العمل.

وأنّ دليل العمل بالخبر الواحد أو هذا الخبر بخصوصه من جهة التأييد بالإجماع أو نحوه يقيني ، وأنت تعلم ما فيه ، فتأمّل.

قوله : «ويجوز الاستقاء بجلد الميتة إلخ» دليل جواز الاستقاء بجلد الميتة ـ لغير الصلاة ، بل لمطلق ما لا يشترط فيه الطهارة ـ هو الأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات ، والعقل ، وهو أنه يجد حسن ما فيه نفع ولا ضرر ، مع عدم ظهور تحريم جميع الانتفاعات بالميتة كما تقدم مفصلا.

والمذكور في أكثر الأخبار تحريم أكل الميتة.

ووجهه (٢) فيها انه يضعّف البدن ، وآكله يموت فجأة ، ورواية الحسين بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في جلد شاة ميتة يدبغ فيصبّ فيه اللبن أو الماء فأشرب منه وأ توضأ؟ قال : نعم ، وقال : يدبغ فلينتفع به ولا يصلّى فيه (٣) الحديث.

وفي أوائل الفقيه : وسئل الصادق عليه السّلام عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن ، والماء ، والسمن ما ترى فيه؟ فقال : لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن ، وتتوضأ منه وتشرب ، ولكن لا تصلّ فيها (٤).

وفيهما إشكال لأنهما تدلان على طهارة جلود الميتة ، وجواز استعمالها ولو في

__________________

(١) رد الظن الحاصل من غير دليل خ.

(٢) يعني وجه التحريم في الميتة.

(٣) الوسائل باب ٣٤ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٩.

(٤) أورده في الفقيه باب المياه وطهرها إلخ رقم ١٥ ج ١ ص ١١ طبع مكتبة الصدوق.


ويحرم استعمال شعر الخنزير ، ومع الضرورة يستعمل ما لا دسم فيه ، ويغسل ما باشره.

______________________________________________________

المشروط بالطهارة ، وهو مخالف للأصول المقرّرة ، والآية (١) في الجملة ، والأخبار الأخر ، فإن الاخبار بعدم الانتفاع بجلد الميتة كثيرة (٢) مع قطع النظر عن النجاسة.

فهذان مع المخالفة ليستا بصحيحتين فتطرحان أو يعمل ببعضهما ، مثل الانتفاع بجلدها للاستقاء لغير المشروط بالطهارة كالصلاة.

وكأنه كذلك فعل الشيخ ومن تابعه مثل المصنف هنا ، أو يكون له رواية أخرى غيرها ، ولا ريب (شك ـ خ) ان ترك الاستقاء به أفضل إن أمكن كما قال المصنّف.

واما تحريم استعمال شعر الخنزير فكأنه لنجاسته ، ونقل في المختلف ، عن ابن إدريس ان اخبار أهل البيت عليهم السّلام متظافرة بذلك ، وما رأيت إلى الآن خبرا واحدا في المنع عن استعمال شعر الخنزير ، فكيف الأخبار المتظافرة لعلها كانت وانعدمت وهو بعيد.

لعله يريد الأخبار الواردة بنجاسة الخنزير (٣) ، وهي شاملة لشعرة فلا يجوز استعماله لأن النجاسة لا يجوز استعمالها إلّا لضرورة ، ويؤيده انه نقل في مقابلة رد مذهب السيّد أن ما لا يحلّ من الخنزير وغيره لا ينجس ، وهو بعيد مع ان النجاسة لا تستلزم لتحريم الاستعمال وهو ظاهر.

والعجب من المصنف هنا انه جوّز استعمال جلد الميتة ولم يجوّز استعمال شعر الخنزير مع عدم الخلاف في نجاسة الميتة ، وعدم ورود خبر في ذلك مع ظاهر

__________________

(١) يعني آية تحريم الميتة مثل قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) إلخ.

(٢) راجع الوسائل باب ٦١ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ٦٨٠ وباب ١٣٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٨ وباب ١ وباب ٥٠ وباب ٣٨ من أبواب لباس المصلّي ج ٣ ص ٢٤٩ وص ٣١٠ وص ١٠٧١ وبعض اخبار باب ٦ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٦٦ وغيرها من الأخبار.

(٣) راجع الوسائل باب ١٣ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠١٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

الآية والأخبار الكثيرة العامّة الدالين على تحريم جميع الانتفاع بالميتة وخصوص الأخبار في المنع عن جلود الميتة (١) وعدم ذلك في الخنزير ، فإنه ما نهى الّا عن أكل لحمه في الآية (٢) ، وحكم نجاسته ، وورود الأخبار بجواز استعمال شعره.

مثل رواية برد الإسكاف ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : اني رجل خرّاز (٣) لا يستقيم عملنا الّا بشعر الخنزير نخرز به؟ قال : خذ منه زبرة (وبرة ـ خ) فاجعلها في فخارة وأوقد تحتها حتى يذهب دسمه ثم اعمل به (٤).

وروايته أيضا ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : جعلت فداك انا نعمل بشعر الخنزير ، فربما نسي الرجل فصلّى ، وفي يده شي‌ء منه؟ قال : لا ينبغي له ان يصلّي وفي يده شي‌ء منه ، وقال : خذوه فاغسلوه ، فما كان له دسم فلا تعملوا به ، وما لم يكن له دسم فاعملوا به ، واغسلوا أيديكم منه (٥).

ورواية سليمان الإسكاف ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن شعر الخنزير نخرز به؟ قال : لا بأس به ، ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي (٦).

وفي الأولى إشارة إلى الاحتياج ، كأنّه لذلك حملها على حال الضرورة هنا ، ولكنها غير صريحة والحمل بعيد غير ضروريّ وان كانت في الأولى حنّان بن سدير (٧) ، وفي الأخيرتين الاسكافيان المجهولان إلّا أنّهما مؤيّدتان لما تقدّم من

__________________

(١) تقدم آنفا مواضع ذكرها.

(٢) هي قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) ، الآية.

(٣) خرزت الجلد خرزا من بابي ضرب وقتل وهو كالخياط للثوب (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ٦٥ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٠٤.

(٥) الوسائل باب ٦٥ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٠٤.

(٦) الوسائل باب ٦٥ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٠٤.

(٧) سندها كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير عن برد الإسكاف.


ويحرم الأكل من بيت غير من تضمّنته الآية إلّا بإذن (بالاذن ـ خ ل) ، ومن الثمرة والزرع ممّا يمرّ به على رأي.

______________________________________________________

العقل والنقل مع عدم المعارض بخلاف استعمال جلود الميتة.

وكأنّه لذلك عكس في المختلف ، وهو حسن وان كان جواز استعمالهما ممكنا والاجتناب عنهما أحوط.

قوله : «ويحرم الأكل من بيت غير من تضمّنته الآية إلخ» المعلوم من العقل والنقل عدم جواز التصرف في مال الغير إلّا باذنه وطيب نفسه منه.

وقد يستثنى (استثنى ـ خ) منه أمور (الأوّل) ما تضمنته آية النور (١) وهي صريحة في جواز الأكل من بيت من تضمنته الآية من غير شرط.

والظاهر ، الاشتراط بعدم العلم ـ ويحتمل عدم الظن القوي أيضا ـ بعدم رضاهم ونهيهم فان الظاهر ـ مع العلم ، بل مع الظن أيضا بعدم الرضا والنهي ـ لا يجوز ، للجمع بينها وبين سائر الأدلة ، وهو ظاهر.

وقد اشترط ابن إدريس دخول البيت بإذنهم ، ونقل عن البعض شرط كون ما يؤكل ممّا يخشى فساده.

وهو غير ظاهر ، للأصل وظاهر عموم الآية ، فلا يقيّد الحكم بالمخشى تلفه ولا بإذن الدخول كما هو ظاهر الآية والأكثر.

ويحتمل أن يكون إليه أيضا أشار المصنف بقوله : (على رأي) يعني يجوز الأكل من غير قيد ـ الّا قيد الكراهة ، والنهي ، للعقل والنقل ـ على رأي ، فيكون

__________________

(١) الآية الشريفة (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ، النور : ٦١.


.................................................................................................

______________________________________________________

الرأي قيدا للمسألتين يفهم ذلك من الشرح.

قال : والأصحّ عدم التقييد بالمخشى تلفه ، وعدم التقييد بالاذن النطقي ، بل يكفي شاهد الحال.

واما التقييد بعدم الكراهيّة فجيّد بمعنى انه لو نهى عن الأكل حرم وكذا لو علم أو غلب على ظنّه الكراهة (الكراهيّة ـ خ ل).

قوله (١) : (بل يكفي) يشعر بأنه لا بدّ من العلم بالاذن ، ولو بشاهد الحال.

والظاهر انه ليس بشرط ، فالظاهر جواز الأكل ما لم يعلم أو يظن بالنهي (النهي ـ خ ل) للآية.

وبه يشعر قوله : (واما التقييد إلخ) ، فإن ظاهره انه لا يقيّد بشي‌ء إلّا ذلك ، فيجوز أكل النفاس من الأطعمة والأشربة المعتادة وغيرها لما مرّ ، مع احتمال التقييد بالمعتادة ، وهو غير بعيد ، لانصراف الأدلة الى ذلك ، والاجتناب أحوط وأيضا لا يتجاوز عن الأكل العادي فتأمّل.

ثمّ انّه يحتمل عدم الخصوصيّة بالبيت ، فيجوز الأكل من مالهم من غير البيت أيضا.

والظاهر الاختصاص الّا ان يعلم الإذن ، وحينئذ يبيح من ذلك الوجه ، لا من الآية الّا ان يكون في موضع كالبيت.

ويعلم من الآية الشريفة جواز التصرف في مال من تضمنته إذا كان انقص لمفهوم الموافقة ، مثل الجلوس في بيتهم ، والصلاة فيها ، بل في فروشهم ، بل الصلاة في لباسهم والتوضؤ بمائهم الذي علم كونه انقص ونحو ذلك ، فافهم فان القرآن كنز.

__________________

(١) يعني قول الشارح رحمه الله.


.................................................................................................

______________________________________________________

(الثاني) إعطاء المرأة من بيت زوجها شيئا للمساكين حتى الإدام لرواية زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في قول الله عزّ وجلّ (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ؟) قال : هؤلاء الّذين سمّى الله عزّ وجلّ في هذه الآية تأكل بغير إذنهم من التمر والمأدوم وكذلك تطعم المرأة من منزل زوجها بغير إذنه ، فأما ما خلا ذلك من الطعام فلا (١) وفي الطريق موسى بن بكر (٢).

والدلالة أيضا غير واضحة فلا ينبغي العمل مع مخالفتها للقواعد بل ظاهر آية جواز الأكل في البيوت أيضا.

ويدلّ على ان المراد من الصديق هو الّذي يفهم ظاهرا ، صحيحة محمَّد الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام (إلى قوله) : ما يعني بقوله (أَوْ صَدِيقِكُمْ؟) قال : هو والله الرجل يدخل بيت صديقه ، فيأكل بغير اذنه (٣).

والظاهر منها اعتبار دخول البيت ، والصداقة العرفيّة ، وقد روي : أن الصديق هو الذي يقدر أن يأخذ من جيبه دراهم ويخرج من غير إذنه (٤) ، يعني يطمئن خاطره بأنه مأذون ، فافهم.

وفي رواية زرارة قال : سألت أحدهما عليهما السّلام (إلى قوله) : قال : ليس

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٣٤.

(٢) سنده كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن صفوان عن موسى بن بكر ، عن زرارة.

(٣) الوسائل باب ٢٤ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٣٤ والحديث هكذا : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن هذه الآية : ليس عَليكم جُناح (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ) إلى آخر الآية قلت : ما يعنى إلخ.

(٤) لم نعثر على هذه الرواية إلى الآن نعم يستفاد ممّا نقله في تفسير البرهان عن تفسير علي بن إبراهيم فراجع ج ٣ من تفسير البرهان ص ١٥٣ عند تفسير هذه الآية الشريفة.


.................................................................................................

______________________________________________________

عليك جناح ، فيما طعمت أو أكلت ممّا ملكت مفاتحه ما لم تفسده (١).

فتدل على عدم الإفساد ، وهو ظاهر من غيرها أيضا ، فلا يضرّ وجود عبد الله بن بكير (٢).

وقد فسّر (أو ما ملكتم مفاتحه) في حسنة مرسلة ابن أبي عمير ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في قول الله عزّ وجلّ (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) قال : الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله ، ويأكل بغير إذنه (٣).

وقد فسّر بالمملوك ، وبصاحب المنزل ، فالكل غير بعيد ، فتأمّل.

ويدل على جواز التصدق من بيت الصديق والزوج رواية جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : للمرأة ان تأكل وان تتصدق ، وللصديق ان يأكل من (في ـ كا) منزل أخيه ويتصدق (٤).

وفي الطريق سهل بن زياد (٥) ، فلا ينبغي إلّا مع العلم أو الظن القوي بعدم الكراهة ويتفاوت بالنسبة إلى الأشخاص والأوقات والأموال فليلحظ ذلك.

(الثالث) أكل الوالد من مال ولده على الاحتمال ، لما في صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه ،

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ حديث ٤ من أبواب آداب المائدة والحديث هكذا : سألت أحدهما عليهما السّلام عن هذه الآية لَيس عليكم جُناح (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ) ، الآية فقال : ليس عليك إلخ.

(٢) سندها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن القاسم بن عروة ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة.

(٣) الوسائل باب ٢٤ حديث ٥ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٣٣٥.

(٤) الوسائل باب ٢٤ حديث ٣ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٣٣٥.

(٥) سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن جميل بن درّاج.


.................................................................................................

______________________________________________________

قال : يأكل منه ما شاء من غير سرف ، وقال : في كتاب علي عليه السّلام : ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلّا باذنه ، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء ، وله ان يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها ، وذكر أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لرجل : أنت ومالك لأبيك (١).

وصحيحة أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لرجل : أنت ومالك لأبيك (٢).

وغير ذلك من الاخبار.

وقيده الشيخ في الاستبصار بالاحتياج للتقييد في بعض الاخبار ، مثل حسنة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن رجل لابنه مال فيحتاج الأب إليه قال : يأكل منه ، فاما الأم فلا تأكل منه الّا قرضا على نفسها (٣).

وأنت تعلم ان هذه لا تصلح للتقييد ، وانه لا يفهم عدم جواز الأخذ إلّا نفقته الواجبة ، لكن قواعدهم تقتضي ذلك ، فتأمّل.

(الرابع) أكل المارّ على ثمرة أو زرع ممّا يمرّ عليه على رأي المصنف هنا وجماعة ، وفي المسألة خلاف سببه اختلاف الروايات ، وذكروا له شروطا ، وقد مرّ البحث عنها في التجارة فتذكر (٤).

ونشير هنا إجمالا إلى الروايات ، فأمّا رواية الحلّ فهي رواية محمّد بن مروان ،

__________________

(١) الوسائل باب ٧٨ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ١٩٤ وفي الوسائل والتهذيب عن أبي عبد الله عليه السّلام.

(٢) الوسائل باب ٧٨ حديث ٢ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ١٩٥ وزاد : ثم قال أبو جعفر عليه السّلام : ما أحب (لا تحب ـ خ ل) ان يأخذ من مال ابنه الّا ما احتاج إليه ممّا لا بدّ منه ان الله لا يحبّ الفساد.

(٣) الوسائل باب ٧٨ حديث ٥ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ١٩٦.

(٤) لاحظ ج ٨ ص ٢٢٢ من هذا الكتاب.


.................................................................................................

______________________________________________________

قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : أمرّ بالثمرة فآكل منها؟ قال : كل ولا تحمل قلت : جعلت فداك ان التجار قد اشتروها ونقدوا أموالهم ، قال : اشتروا ما ليس لهم (١).

وفيها أبي داود ، محمّد بن مروان (٢) ، والإرسال ، فإنّ أبا داود نقل عن بعض أصحابنا عن محمّد بن مروان.

ومرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن الرجل يمرّ بالنخل والسنبل والثمرة فيجوز له ان يأكل منها من غير اذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال : لا بأس (٣).

هذه مرسلة الّا أنها مرسلة أبي عمير هي عندهم بمنزلة الصحيح ، وقد عرفت ما فيه خصوصا إذا كانت مخالفة للقوانين وظاهر الكتاب والسنّة والإجماع وخصوص بعض الأخبار ، وان كانت مؤيّدة بفتوى الأكثر.

واما رواية المنع ـ مع ما أشرنا إليه من العقل والنقل كتابا وسنّة وإجماعا ـ فمرسلة متروك ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت له : الرجل يمرّ على قراح (٤) الزرع يأخذ منه السنبلة؟ قال : لا ، قلت : أي شي‌ء السنبلة؟ قال : لو كان كلّ من يمرّ به يأخذ منه سنبلة لا يبقى شي‌ء (٥).

وهذه وان كانت في الزرع ، ولكن علّتها تدل على المنع عن الكلّ ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ٤ من أبواب بيع الثمار ج ١٣ ص ١٤.

(٢) وسندها كما في التهذيب باب بيع الثمار حديث ٢٣ هكذا : الحسين بن سعيد ، عن أبي داود ، عن بعض أصحابنا ، عن محمّد بن مروان. وقوله قدّس سرّه : أبو داود محمّد بن مروان يعني ان كليهما ضعيفان.

(٣) الوسائل باب ٨ حديث ٣ من أبواب بيع الثمار ج ١٣ ص ١٤.

(٤) المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر والجمع اقرحة (مجمع البحرين).

(٥) الوسائل باب ٨ حديث ٦ من أبواب بيع الثمار.


.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يمرّ بالثمرة من النخل ، والزرع ، والكرم ، والشجر ، والمباطخ وغير ذلك من الثمر أيحلّ له ان يتناول منه شيئا ويأكل بغير اذن صاحبه؟ فكيف (وكيف ـ خ) حاله ان نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيّم وليس له؟ وكم الحدّ الذي يسعه ان يتناول منه؟ قال : لا يحلّ له ان يأخذ منه شيئا (١).

وقد حمل هذه الشيخ ومن تابعه في الفتوى على الكراهة ، والأولى تجنّبه.

وهو بعيد عن لفظة (لا يحلّ) مع ان المعارض لا يصلح للمعارضة على ما عرفت.

وحملها أيضا على عدم جواز الأخذ معه ، فان ذلك لا يجوز على وجه.

وهذا أبعد ، لأنه قد وقع السؤال عن الأكل.

ويمكن الحمل على الإفساد أيضا ، وهو أيضا بعيد ، وعلى قصد ذلك ، فان المجوّز يشترط عدم ذلك ، وان كان دليله أعم من ذلك ، وعلى العلم أو الظن بالكراهة من صاحبها.

وهذا الشرط ظاهر وان لم يدلّ دليل على ذلك ، بل ظاهر قوله : (اشتروا ما ليس لهم) (٢) يدل على أنّ مقدار ما يأكله المارّ ليس بمملوك لصاحبه ، ولا يدخل في المبيع ، وهو خلاف الظاهر ، فيردّ الخبر بذلك (٣).

واعلم ان ظاهر كلام المشترط ان شرط جواز الأكل عدم الإفساد وعدم الأخذ أيضا ، والظاهر انه ليس كذلك ، بل الإفساد لا يجوز ، وكذا الأخذ ، لا انه

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ٧ من أبواب بيع الثمار ج ١٣ ص ١٥.

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ٤ كما تقدم يعني في خبر محمّد بن مروان.

(٣) يعني لأجل اشتماله على ما هو خلاف الظاهر فان الظاهر ان التجار الّذين اشتروها ما يكون مالكا لثمرها فقوله عليه السّلام : (اشتروا ما ليس لهم) خلاف ظاهر الاشتراء.


الباب الثاني : في الاضطرار

ويباح للمضطر وهو خائف التلف لو لم يتناول أو المرض أو طوله أو عسر علاجه أو الضعف عن مصاحبة الرفقة مع خوف العطب عند التخلف أو عن الركوب المؤدّي إلى الهلاك.

______________________________________________________

معهما لا يجوز الأكل ، بخلاف شرط القصد وعدم الكراهيّة فتأمّل ، ومنه علم حال الضرورة وسيجي‌ء.

قوله : «ويباح للمضطرّ وهو خائف التلف إلخ» أي يحلّ للمضطر ، بل يجب أكل وشرب جميع ما تقدم من المحرّمات حتى الميتة وأبوال الناس ، ولكن قد يكون بينها ترتيب كما سيعلم.

والاضطرار يحصل بخوف التلف ولكن يكون مع الظنّ لا مجرد التوهم والاحتمال وكذا بخوف حصول المرض الذي يكون شاقا لا يتحمّل ويعدّ صاحبه مريضا لا صحيحا أو زيادته أو طوله ، أو بطء برئه ، أو عسر علاجه ونحو ذلك.

ويحصل أيضا بخوف الضعف والعجز بترك التناول عن المشي مع مصاحبة الرفقة الضروريّة بحيث يخاف بدونهم والتخلف عنهم التلف والعطب على نفسه أو على من معه ، بل لا يبعد بخوف تلف ماله المحترم.

وكذا بخوف الضعف والعجز عن الركوب الذي لو لم يكن يؤدّي إلى هلاكه أو من معه أو المال على الاحتمال أو يحصل المرض أو يزيد أو ببطء برئه أو بعسر (يعسر ـ خ) علاجه ونحو ذلك.

وبالجملة جميع ما يخاف معه تلف النفس ، ولا يبعد ان المال المحترم كذلك ، وكذا الأمراض التي يعدّ صاحبها مريضا وناقصا ويحصل لصاحبها الم وطولها وعدم برئها وزيادتها ، بمنزلتها.


تناول كل المحرّمات إلّا الباغي وهو الخارج على الامام (العادل ـ خ) عليه السّلام.

أو العادي وهو قاطع الطريق.

______________________________________________________

وينبغي الملاحظة في ذلك كلّه ، والاحتياط ، فان الدليل هو ظاهر العقل (١) وبعض العمومات ، فلا بدّ من الاقتصار على المعلوم ، وذلك لا يخلو من إشكال وعسر فتأمّل.

وقد استثنى منه الباغي ، وقد فسّر بتفاسير (منها) الخارج على امام زمانه عليه السّلام فلا يترخّص بالأكل ، بل يجب عليه أن لا يأكل ويترك نفسه حتى يموت.

(ومنها) الآخذ عن مضطرّ مثله بأن يكون لمضطرّ آخر شي‌ء يسدّ رمقه يأخذه منه وسيجي‌ء هذا ، وذلك غير جائز ، بل يترك نفسه حتى يموت ولا يميت الغير ويحيي نفسه كما تقرّر أن لا تقيّة في الدماء (٢) ، فإنه إذا كان ولا بدّ من تلف النفس يكون هو ذلك لا غير.

ومنه (٣) العادي فسّر بقاطع الطريق ، فإنه إذا اضطّر لا يأكل ، بل الموت جوعا خير له من ان يأكل المحرّم ويعيش.

وقيل : الذي يتعدّى ويتجاوز عن مقدار سدّ رمقه.

وتدل على التفسيرين ، رواية البزنطي عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، في قول الله عزّ وجلّ (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، قال : الباغي الذي يخرج على الامام ، والعادي الذي يقطع الطريق ، لا تحلّ له الميتة (٤)

__________________

(١) لعل المراد من العقل أصالة البراءة.

(٢) راجع الوسائل باب ٣١ من أبواب الأمر والنهي ج ١١ ص ٤٨٣.

(٣) يعني قد استثنى من المضطر العادي.

(٤) الوسائل باب ٥٦ حديث ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الطريق سهل (١) مع الإرسال ، ولا يضرّ (٢).

وفي رواية حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في قوله الله عزّ وجلّ (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) ، قال : الباغي باغي الصيد ، والعادي السارق : ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا ، هي حرام عليهما ، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين ، وليس لهما ان يقصّرا في الصلاة (٣).

فيها دلالة على تحريم الصيد كأنه يريد صيد اللهو.

وعلى عدم الرخصة للسفر المحرّم مطلقا.

وفي رواية عبد العظيم الحسني ، عن أبي جعفر عليه السّلام في معنى قوله عزّ وجلّ (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) ، قال : العادي السارق ، والباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا لا ليعود به على عياله ، ليس لهما ان يأكلا الميتة إذا اضطرا ، هي حرام عليهما في حال الاضطرار كما هي حرام عليهما في حال الاختيار ، وليس لهما ان يقصّرا في صوم ولا صلاة في سفر (٤).

وهي مقيّدة للرواية الاولى في الصيد ، فتدلّ على جواز التأويل ، وعلى عدم الفرق بين الصلاة والصوم في عدم قصر هما في السفر المعصية فافهم.

وفي طريقها أيضا سهل (٥) والقطع بأبي الحسين المجهول ولا يضرّ.

__________________

(١) فان سندها هكذا كما في الكافي : عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عمن ذكره.

(٢) لعل وجه عدم الضرر كون المرسل ابن أبي نصر البزنطي الذي مراسيله لمسانيده ، فتأمّل.

(٣) الوسائل باب ٥٦ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرمة ج ١٦ ص ٣٨٨.

(٤) الوسائل باب ٥٦ قطعة من حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرمة ج ١٦ ص ٣٨٨.

(٥) سندها كما في التهذيب هكذا : روى أبو الحسين الأسدي عن سهل بن زياد ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن أبي جعفر محمّد بن علي الرضا عليهما السّلام وللحديث صدر وذيل فراجع التهذيب.


وإذا جاز الأكل وجب ، ولا يتعدى سدّ الرمق (رمقه ـ خ ل).

الا مع الحاجة الى الشبع كالعاجز عن المشي بدونه مع الاضطرار إلى الرفقة ولو توقّع مباحا قبل رجوع الضرورة حرم الشبع.

______________________________________________________

فإذا جاز الأكل يجب.

ويجب الاقتصار على دفع الضرر المحوج والمجوّز للأكل فيتقصر على سدّ الرمق عند خوف الموت المجوّز.

ولا يشبع إلّا إذا احتاج إليه كالذي يمشي في السفر مع الرفقة واحتاج إلى الشبع ليمشي معهم ، والّا ما يقدر عليه فيتخلّف عنهم ويهلك فيأكل ويشرب حتى يقدر على المشي الضروري المخلص عن الهلاك أو المرض أو غير هما ممّا يجوز له الأكل أو الشرب كما تقدم ، فان كان ما يندفع الّا بالشبع يشبع ، ودليل ذلك كلّه العقل (١) ، والنقل (٢) كتابا وسنّة وإجماعا.

وتدلّ على الجواز ـ مع الاستثناء ـ (٣) الآية الشريفة (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) ـ مصبوبا سائلا كالدم في العرق ، لا كالدم في الكبد والطحال ، وقد رخص في دم العروق بعد الذبح.

(أو فسقا) ، عطفا على المنصوب قبله ، سمّى ما أهلّ به لغير الله فسقا لتوغله في باب الفسق ، كأنّ المعنى ما ذبح بذكر اسم غير الله (غير اسم الله ـ خ) أو بترك اسم الله.

(فمن اضطر) ـ ممّن دعته الضرورة إلى أكل شي‌ء من هذه المحرّمات ـ (غير

__________________

(١) الحاكم بتقديم ما هو الأهم وهو حفظ الحياة على ما هو المهم وهو أكل الميتة.

(٢) المتقدم آنفا.

(٣) يعني يدل على حكم المستثنى والمستثنى منه الآية الشريفة.


ويجب التناول للحفظ ، فلو قصد ، التنزه حرم.

ويستبيح كلّ ما لا يؤدي الى قتل معصوم فيحلّ الخمر لإزالة العطش وان حرم التداوي به.

______________________________________________________

باغ) ـ على مضطر آخر مثله تارك لمواساته ـ (ولا عاد) ـ متجاوز قدر حاجته من تناول هكذا فسّر الباغي والعادي في الكشاف.

مع احتمال آخر غير ما نقلناه من أخبارنا.

ولا يخفى ان الآية والاخبار تدلان على جواز تناول هذه المحرّمات كلّها ، وهي الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، بل جميع ما يثبت تحريمها بغيرها للمضطر الّا المستثنى.

وانه نقل في حاشيته (١) ان الترخيص المذكور في قوله : (وقد رخص في دم العروق بعد الذبح) عند أبي حنيفة ، واما عند الشافعي فإنه يحرّم جميع الدماء مسفوحة كانت أو لا.

وأنت تعلم انه المناسب لمذهب الشافعي من تخصيص بعض القرآن ببعض ولو كان كل بعض في مسألة وموضع آخر ، لان القرآن شي‌ء واحد كما نقل عنه في الأصول ، وهنا ينبغي تخصيص الدم المطلق بالمسفوح لحمل المطلق على المقيد ، فتأمّل.

ثم انه لمّا كان حراما وانما يجوزه دفع الضرورة ويجب ان لا يتجاوز الضرورة قالوا : يجب ان يقصد دفع الضرورة ، وان لا يقصد غير ذلك من الشبع والتلذذ ، بل لا يقصد الّا الوجوب وامتثال أمر الشارع بالأكل والشرب لا غيره ليجمع بين الأمر والحفظ ، فلو قصد التنزه والتلذذ حرم.

قوله : «ويستبيح كل ما لا يؤدي إلى قتل معصوم إلخ» هذا تأكيد

__________________

(١) يعني في حاشية الكشاف.


.................................................................................................

______________________________________________________

لما سبق ، وتفصيله أنه يجوز للمضطر أكل وتناول كل محرّم لا يؤدّي أخذه وتناوله إلى قتل معصوم الدم حتى الذمي إذا توقّف عليه حفظ النفس المعصومة ، وان ادّى إليه لم يجز لما مرّ.

وكذا يمكن ان يجوز لدفع المرض ، وان يجوز لحفظ النفس ان كان مؤديا إلى مرض لنفس آخر ان علم عدم تأديته إلى التلف.

ويحتمل عدمه إذا كان مؤدّيا إلى مرض مسلم معصوم الدم الّا ان يكون مرضا هيّنا ، مثل وجع رأس وغيره زمانا قليلا أو حمّى سهلة ونحو ذلك.

وان ادّى إلى الجرح والتضرر مثل ان يأخذ من فخذ شخص ليأكل ويسلم عن الهلاك ، فيحتمل جوازه ، فإذا جاز احتمل الوجوب.

وكذا (١) تسليم ذلك الغير ، وعدمه فيجب عليه المنع.

وبالجملة هذه المسألة مجملة ، والظاهر عدم الضرر والإضرار حتى يعلم فتأمّل فيحلّ شرب الخمر ونحوها لا زالة العطش المخوف معه الهلاك أو المرض المتقدم ، على الاحتمال وان (٢) قلنا ان التداوي بالخمر حرام ، فإن ازالة العطش ليست بالتداوي وكذا الإساغة ما غصّ في حلقه ونحو ذلك ، فيحلّ كل ما احتاج إليها ويحصل دفع الضرورة بها.

دليله العقل والنقل ، فان الحرج والضيق منفيّ بهما.

وكذا تجويز أكل الميتة ولحم الخنزير في الآية والاخبار مشعر به.

ويدلّ عليه بخصوصه ما في مرسلة محمّد بن عبد الله ، عن بعض أصحابه ،

__________________

(١) يعني يحتمل جواز تسليم نفسه لقطع فخذه ليسلم الآخر وإذا جاز وجب. ويحتمل عدم وجوبه فحينئذ يجب منع الغير عن قطع فخذه.

(٢) وصليّة يعني لا ملازمة بين حرمة التداوي بالخمر وبين حرمة شربها لازالة العطش فيمكن جواز الثاني ولو مع منع الأوّل.


ولو وجد البول اعتاض به عن الخمر.

______________________________________________________

عن أبي عبد الله عليه السّلام ـ في بيان وجه تحريم الأشياء ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : لم حرّم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟ فقال : ان الله تبارك وتعالى لم يحرّم ذلك على عباده وأحلّ لهم ما سواه من رغبة منه فيما حرّم عليهم ، ولا الزهد (زهدا ـ كا) فيما أحلّ لهم ، ولكنه خلق الخلق وعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم ، فأحلّ الله تعالى لهم وأباحهم تفضّلا منه عليهم لمصلحتهم ، وعلم ما يضرهم فنها هم عنه وحرّمه عليهم ، ثمّ اباحه للمضطر فأحلّه له في الوقت الذي لا تقوم بدنه الّا به وأمره ان تناول منه بقدر البلغة لا غير (١).

وفي السند جهالة (٢) لا تضرّ.

وهي صريحة في جواز شرب الخمر وغيرها مع انحصار ما يدفع الضرورة فيه.

ولا يبعد فهم جوازه لدفع المرض أيضا فتأمّل.

وفهم وجوب الأكل والشرب حينئذ.

وانه يجب ان يقتصر على دفع الحاجة.

وان الأوامر والنواهي للمصالح والأغراض فتأمّل.

ومع هذا فقد نقل عن المبسوط عدم جواز دفع الضرورة بالخمر وان لم يمكن الّا به لغلظة تحريمه.

ولو احتاج إلى البول النجس أو الخمر قدّم البول وجعله عوضا عن الخمر

__________________

(١) الوسائل باب ١ قطعة من حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة بالطريق الأول عن الكليني رحمه الله ج ١٦ ص ٣١٠.

(٢) سنده كما في الكافي باب علل التحريم هكذا : عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا عن عمرو بن عثمان ، عن محمّد بن عبد الله عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام. وعدّة من أصحابنا أيضا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن محمّد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن مفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام أخبرني إلخ.


ولا يجوز التداوي بشي‌ء من الأنبذة ، ولا بشي‌ء من الأدوية معها شي‌ء من المسكر أكلا وشربا.

______________________________________________________

واكتفى به ولم يشرب الخمر.

لعلّ دليل التقديم غلظة حرمة الخمر لتحريمها بالقرآن (١) والاخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة جدّا (٢) ، ولأنه يزيل العقل ، ولهذا يجب الحلّ على شاربه ، وللخلاف في جواز شربها مع انحصار دفع الضرر بها ، ما بخلاف البول في ذلك كله (٣).

ويحتمل عدم الفرق بين الأبوال النجسة كلّها ، ولو اضطرّ الى البول النجس والحرام فالظاهر تقديم الحرام.

قوله : «ولا يجوز التداوي بشي‌ء من الأنبذة إلخ» هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه.

اعلم انه قد مرّ في أول الباب تحريم تناول جميع المحرّمات عند الاضطرار ، ومن جملته التداوي بها الّا ان يمنع كون المحرّمات دواء فلا يوجد الاضطرار إلى المحرّمات للتداوي.

ولكن يفهم جواز شرب الخمر وللعطش ونحوه ممّا يخاف هلاكه لو لم يشرب ، بل المرض (٤) وقد صرّح به في قوله : (ويحلّ الخمر لازالة العطش).

ونقل عن المبسوط في المختلف عدم جواز ذلك أيضا ، وانه لا سبيل إلى شربها بوجه من الوجوه ، نعم قد روى التداوي بها للعين ، قال : وقال بعضهم : يحلّ

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ» إلخ ، المائدة : ٩٠. والى قوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ» إلخ ، البقرة : ٢١٩ وغير هما من الآيات.

(٢) لاحظ الوسائل ج ١٧ أبواب الأشربة المحرّمة.

(٣) يعني في البول لم ينزل آية واحدة ولا الاخبار الكثيرة ولا يزيل العقل.

(٤) يعني جوازه لأجل خوف المرض لو لم يشربه.


.................................................................................................

______________________________________________________

للمضطر الطعام والشراب ، ويحلّ التداوي.

وبالجملة ، لهم في التداوي بها ، بل بغيرها أيضا من المسكرات ، بل سائر المحرّمات بحث وخلاف ، وظاهر الروايات هو المنع مطلقا وهي كثيرة.

(منها) صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن دواء عجن بالخمر ، فقال : لا والله ما أحبّ ان انظر إليه فكيف أتداوى به؟ انه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير ، فان (وترون ـ خ) أناسا يتداوون به (١).

هذه مخصوصة بالخمر والخنزير ، ويمكن فهم جواز شرب الخمر منها مع الاضطرار ، لانه جعلها مثل لحم الخنزير ، وهو جائز الأكل عند الاضطرار بالآية (٢) والإجماع ، فلا يبعد التداوي أيضا مع الاضطرار فتأمّل فيه.

وحسنة عمر بن أذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبد الله عليه السّلام أسأله عن الرجل ينعت له الدواء من ريح البواسير فيشربه بقدر سكرَّجة (السكرّجة ـ ئل) (٣) من نبيذ صلب ليس يريد به اللذة ، انما يريد به الدواء؟ فقال : لا ولا جرعة ، وقال : ان الله عزّ وجلّ لم يجعل في شي‌ء ممّا حرّم دواء ولا شفاء (٤).

والروايات كثيرة (٥) ، وهما أوضحهما سندا ، والباقية ضعيفة.

وفي رواية مسندة قال عليه السّلام لامرأة سألت عن النبيذ للشفاء : لا فلا

__________________

(١) الوسائل باب ٢٠ حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٥.

(٢) وهو قوله عليه السّلام (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) (إلى قوله تعالى) (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، الآية ، المائدة : ٣.

(٣) هي بضمّ السين والكاف والراء والتشديد ، إناء صغير يؤكل فيه الشي‌ء القليل من الأدم (مجمع البحرين) (٤) الوسائل باب ٢٠ حديث ١ من أبواب الأشربة المباحة ج ١٧ ص ٢٧٤.

(٥) لاحظ الباب المذكور.


.................................................................................................

______________________________________________________

تذوقي منه قطرة فإنما تندمين إذا بلغت نفسك هاهنا ، وأومى بيده إلى حنجرته يقول : ثلاثا : أفهمت؟ قالت : نعم (١).

وفي أخرى كذلك ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام فقال له رجل : انّ بي أرواح البواسير وليس يوافقني إلّا شرب النبيذ؟ قال : فقال : مالك ولما حرّم الله ورسوله (إلى قوله) : أفأدلك (أدلّك ـ ئل) على ما هو انفع من هذا؟ عليك بالدعاء فإنه شفاء من كل داء ، قال : فقلنا له : فقليله وكثيره حرام؟ قال : نعم فقليله وكثيره حرام (٢).

ورواية معاوية بن عمّار ، قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السّلام عن الخمر يكتحل منها؟ فقال أبو عبد الله عليه السّلام : ما جعل الله في حرام (محرم ـ ئل) شفاء (٣).

ورواية مروك بن عبيد ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السّلام (انه ـ خ) قال : من اكتحل بميل من مسكر كحّله الله بميل من نار (٤).

وفي اخرى انه سأل أبا عبد الله عليه السّلام عن النبيذ يجعل في الدواء؟ قال : لا ينبغي لأحد ان يستشفى بالحرام (٥).

وفي رواية الحلبي ، قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام عن دواء عجن بخمر؟ فقال : ما أحبّ ان انظر إليه ولا أشمّه فكيف أتداوى به؟ (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٠ قطعة من حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٥ وللحديث صدر وذيل فراجع.

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٥.

(٣) الوسائل باب ٢١ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٨.

(٤) الوسائل باب ٢١ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٨.

(٥) الوسائل باب ٢٠ حديث ٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٥.

(٦) الوسائل باب ٢٠ حديث ٦ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٥.


ويجوز عند الضرورة ، التداوي به للعين.

______________________________________________________

هذه الاخبار ـ مع أدلة التحريم الكثيرة الدالة على المبالغة في تحريم المسكر خصوصا الخمر ـ دليل المنع.

ولكن عموم الأكثر وعدم صحّة أكثر الخصوص ـ مع النهي عن الإلقاء إلى التهلكة (١) والأمر بحفظ النفس ودفع الضرر عنها ، مهما أمكن عقلا ونقلا ، كتابا وسنّة وإجماعا ـ يدل على الجواز.

فيمكن حملها على المبالغة في عدم حصول الشفاء في المحرّم بحيث لا يكون الشفاء في الغير الّا نادرا ، أو على عدم جواز الشفاء بالمحرّمات مع إمكان الشفاء بغيرها ، أو على طلب الشفاء والصحّة ، لا حفظ النفس ودفع الضرر.

ويؤيّده ما أشرنا إليه من قبل ، انه شبه للحم الخنزير وشحمه ، وقد جوّز اكله عند الاضطرار بالقرآن والسنّة والإجماع.

فيمكن تجويز التداوي بها مع العلم بحصول الشفاء بها لا بغيرها فتأمّل.

وتجويز حفظ النفس بها والتخليص عن الهلاك ، فيجوز شربها لذلك لا للشفاء ، وحصول البرء من المرض والتلذذ بالصحّة وطلبها ، بل طلب حفظ النفس للأمر به.

وإليه أشار في المختلف ، وقال : والمعتمد جواز شربه عند خوف التلف من العطش والمرض إذا اندفعا به كما اختاره ابن البرّاج.

وأجاب عن احتجاج الشيخ بالاخبار بالحمل على طلب الصحّة ، لا على طلب السلامة ونحن انما نسوّغ شربه في طلب السلامة بحيث لو لم يشربه أو لم يتداو به حصل التلف أما في طلب العافية فلا.

واما الاكتحال فتدل على جوازه ـ مع وجود الخمر في الكحل عند الضرورة

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ، البقرة : ١٩٥.


ويحلّ قتل الحربيّ ، والمرتد ، والزاني المحصن ، والمرأة الحربيّة ، والصبي الحربيّ والتناول منه ، ومن ميتة الآدمي وغيره دون الذمّي ، والمعاهد ، والعبد ، والولد.

______________________________________________________

وعدم العلاج الّا به ـ رواية هارون بن حمزة الغنوي عن الصادق عليه السّلام في رجل اشتكى عينيه فنعت له بكحل يعجن بالخمر ، فقال : هو خبيث بمنزلة الميتة ، فإن كان مضطرا فليكتحل به (١).

هذه مؤيّدة حسنة ، لحمل الاولى في المنع عن اكتحال العين بما فيه الخمر على حال الاختيار والإمكان بغيره.

وكذا يحمل جميع الاخبار ـ في المنع عن التداوي به ـ على التداوي حال الاختيار من وجهين : التشبيه ، والتصريح بالضرورة ، فمع حصول العلم بعدم حفظ النفس والهلاك الّا شربه يمكن تجويز ذلك.

ويحتمل لدفع المرض كذلك خصوصا وجع العين والاكتحال بما فيه الخمر ، فإنه لا منع منه في الكتاب والسنّة المتواترة ، والصحيحة ، مع إمكان تخصيص ما دل على المنع وتأويله كما تقدم.

وكأنه للفرق ـ بين التداوي عن الأمراض بالأكل والشرب المحرّمين وتداوي العين بالاكتحال بما فيه الخمر حيث لا دليل قويّ على المنع عن الاكتحال ووجود الدليل القويّ على الأول ـ اختار المصنّف منع التداوي مطلقا عن الأمراض وجواز الاكتحال مع الضرورة فتأمّل.

قوله : «ويحلّ قتل الحربي والمرتد إلخ» أيّ إذا لم يجد المسلم شيئا أصلا إلّا الآدمي الحيّ يحلّ له قتله والأكل منه مقدار ان لا يموت ان لم يكن معصوم الدم يعني يكون ممن يجوز قتله شرعا في الجملة وان لم يكن جائزا قتله للمضطر حال

__________________

(١) الوسائل باب ٢١ حديث ٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

الاختيار ، مثل (١) الحربي الغير المعاهد ، والغير المأمون ، ولو شبهه ، والمرتد الذي وجب قتله ، والزاني المحصن الذي يجب رجمه ، وكذا كلّ من وجب قتله ، مثل المحارب وتارك الصلاة مستحلا وغيرهما.

والظاهر عدم الخلاف فيه ، فهو دليله مع الاعتبار ، فان (٢) ذلك ممّا جاز قتله ، فإذا دار الأمر بين إهلاكه وإهلاك معصوم الدم فالمختار هو الأول.

واما قتل المرأة الحربيّة والصبي منهم فالمصنف وغيره أجازوا ذلك وان لم يكونا ممن جاز قتلهما ، قبل الاضطرار أصلا ، ولكن ما كان لحرمة روحهم وحياتهم ، ولهذا لم يجب عليهم القصاص ، ولا الدية ، ولا الكفارة ، بل كان المنع حال الاختيار وعدم الضرورة ، كالمنع عن قتل بعض الدواب والهوامّ الغير المأكول من غير ضرورة فجاز عند الضرورة ، لأن الأمر دائر بين قتلهم وبين هلاك معصوم الدم المسلم ، والأول أولى.

ويحتمل العدم ، لما تقدم من عدم جواز قتلهم حال الاختيار فتأمّل.

واما عدم حلّ قتل الذمي والمأمون والمعاهد فلعدم جواز قتلهم ، وكونهم معصومي الدم مثل المسلم وعدم حلّ قتل المملوك لمالكه لكونه معصوم الدم ، فلغيره بالطريق الأولى وكذا لا يجوز قتل الولد بالطريق الأولى.

ولعل ذكر هما لدفع توهم ذلك وجواز قتل من له عليه القصاص بالطريق الأولى. ويمكن جواز قتل الحربيّ لمن اضطر إليه من الذميّين لأنهم معصومو الدم ، بخلاف الحربي فيمكن ان يجوز له ذلك في دين الإسلام.

وكذا يجوز للمضطر المسلم الأكل من ميّت الآدمي.

والظاهر انه مقدم على قتل الآدميّ الذي لا يجوز له قتله ، ويمكن عدم جواز

__________________

(١) مثال لمن لم يكن معصوم الدم.

(٢) بيان للاعتبار العقلي.


ولو لم يجد الّا نفسه ، قيل يأكل من المواضع اللحمة كالفخذ ، ان لم يكن الخوف فيه كالخوف في الجوع.

______________________________________________________

طبخه فان الآدمي له حرمة ، ولمّا اضطر إلى الأكل والقتل جازا للضرورة ، واما الطبخ لكسر حرمة الآدميّ الميّت وهتكها مع ثبوت حرمته كحرمة الحيّ فلا يجوز ، نعم لو فرض عدم إمكان أكله إلّا مطبوخا فلا يبعد الجواز.

فروع

(الأول) إذا دار الأمر بين الميّت المسلم وقتل الحربي ففيه تأمّل ، يحتمل تقدم قتل الحربي والأكل منه حفظا لحرمة المسلم الميّت كالحيّ ، واختيار الميّت ، لأن القتل له غير معلوم جوازه وان جاز قتله للإمام عليه السّلام ، ولانه نجس أيضا من غير الموت ، بخلاف المسلم فتأمّل.

(الثاني والثالث) لو وجد المضطرّ : الميتة والحيّ والميّت فالظاهر انه (١) مقدّم على قتل الحيّ ، وعلى الأكل من الميّت أيضا ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو لم يجد الّا نفسه إلخ» ولو لم يجد المضطّر إلّا نفسه ، فان جزم بقطع شي‌ء من عضوه عدم الهلاك ، والتأدي إلى المرض القريب منه ، يجوز القطع من المواضع اللحمة ، مثل الفخذ الذي فرض عدم الهلاك والمرض بقطعه.

ويحتمل الوجوب ، وكذا في جميع صور الجواز ، وان قطع بهما فلا يجوز القطع في الأول ويحتمل أيضا في الثاني ، وكذا مع المساواة.

واما مع رجحان عدم الهلاك ، ففيه احتمالان ، الجواز كما في قطع الآكلة ، وعدمه لانه دفع ضرر بضرر غير مأمون أوله إلى الهلاك ، على انه قد يسهل الله له شيئا حتى لا يموت ، ومعلوم عدم الجواز مع رجحان الهلاك بالسراية.

__________________

(١) يعني أكل الميتة.


ولو وجد طعام الغير ولا ثمن طلبه من مالكه ، فان امتنع غصبه ، فان دفعه جاز له قتال المالك.

______________________________________________________

وبالجملة مع تساوي خوف الجوع وخوف السراية لا يقطع من نفسه ، فمع رجحان السراية أولى ، ومع قطع عدم فوتها يقطع ، ومع الرجحان تأمّل.

قوله : «ولو وجد طعام الغير ولا ثمن طلبه إلخ» إذا وجد المضطرّ طعام الغير ، فان كان الغير محتاجا مثله فلا يجوز الأخذ عنه ظلما ، وهو أحد معاني الباغي ، كما نقلناه عن الكشاف.

بل يمكن عدم جواز الأخذ منه مطلقا ، فإنه موجب لهلاكه ، فهو كإهلاك الغير لا بقاءه ، ولا يجوز له الإعطاء أيضا ، لأنه إهلاك لنفسه ، وإلقاء بيده إلى التهلكة.

ويحتمل جوازه على بعد لقوله تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) (١) ، أي حاجة.

والظاهر تخصيص الحاجة بما إذا لم يصل إلى الهلاك والتلف ، فتأمّل.

وان كان زائدا عنه وباذلا بلا ثمن فلا كلام ، فيأخذه وجوبا ، وكذا ان بذله بثمن مثله حالّ مقدور بالفعل ، وكذا بمؤجّل مقدور فيأخذ.

والأكل بمقدار ان يدفع الضرر ، وله ان يشبع ان وسع المبذول ذلك ، وان بذله بثمن مؤجل ولكن غير مقدور في ذلك الأجل فله ان يقبل ، ولكن لا يجب عليه البذل الّا حال القدرة.

ولو أعطاه بعوض من غير عقد فيلزمه عوضه ، وان أعطاه من غير ذكر عوض فالظاهر انه بغير عوض ، للأصل والعادة في بذل الطعام للمضطر ويحتمل العوض ،

__________________

(١) الحشر : ٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

وينبغي ان ينظر إلى الحال والقرائن من الطرفين ، والطعام.

ولو ادعى ذكر العوض وأنكره المضطر فالظاهر عدم لزوم العوض حتى يثبت. وان ادعى انه قصده فكذلك ، فإنه ما أظهر وسلّط الشخص على إهلاك ماله فلا عوض له مثل ان يقدّم الطعام إلى الغير فأكله في غير هذه الصورة وينبغي الإعطاء.

ولو أعطاه بأزيد من ثمن المثل ، فنقل عن الشيخ عدم وجوب الزيادة ، وان اشتراه بعقد صحيح بالزيادة دفعا لضرر القتال واحتمال إثارة الفتنة فإنه بمنزلة المكره ، فلا يصح ذلك العقد فيلزمه ثمن مثله في ذلك الزمان ، وقال : ان مع طلبه الزيادة ان أمكن ان يأخذه عنه قهرا ، فيأخذه ولا يلزمه الّا ثمن المثل ولو لم يمكن الّا بالقتال فيقاتله ، ولو قتل يكون هدرا ، ولو قتل المضطر يكون مضمونا ، فان لم يقدر عليه ويقدر على أخذه سرقة أو بحيلة أو بعقد فاسد شرعا أخذه ولا يلزمه أيضا إلّا ثمن المثل.

الظاهر انه على تقدير القدرة على القتال جاز هذا بل يتعين ، فلو ترك حينئذ لم يبعد أن يكون غاصبا وضامنا.

فكلام الشيخ محلّ التأمل لذلك ، ولأن الظاهر قبول ما يطلب المالك مهما كان الّا أن يجحف جدّا وحينئذ أيضا يمكن اللزوم والوجوب مع القدرة ، لأن الناس مسلّطون على أموالهم (١) ، والعقل والنقل دلّا على عدم أخذ مال الغير الّا بطيب نفس منه (٢) ولا اضطرار ، لأن الفرض القدرة ، ويجب عليه حفظ النفس بمهما أمكن من المال وغيره.

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ١ ص ٢٢٢ وص ٤٥٧ وج ٢ ص ١٣٨ وج ٣ ص ٢٠٨ طبع مطبعة سيّد الشهداء ـ قم.

(٢) عوالي اللئالي : ج ١ ص ٢٢٢ وص ١١٣ وج ٢ ص ٢٤٠ وج ٣ ص ٤٧٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ان فرض عدم القدرة حالا ومآلا يمكن ذلك ، بل الظاهر حينئذ أيضا وجوب الرضا به وترك القتال والفتنة ، ولكن لا يلزم الزيادة لعدم القدرة ويحتمل ان تكون موقوفة إلى حين القدرة ، فيلزم.

ولكن لا يكلّف بالإعطاء إلّا مع القدرة فيحتمل ان تكون مثل سائر الديون فلا يستثنى له غير مستثنى الديون ويضرب مع الغرماء على تقدير الإفلاس وعدمه ، بل يكون منوطا على قدرة تامّة عرفيّة بحيث لا يضر بحاله ضررا لا يتحمل أمثاله عادة لا حالا ولا مآلا ، وذلك غير بعيد فتأمّل.

وقد قيّد قول الشيخ : (بعدم وجوب الزيادة) بعدم القدرة ، فقيل (١) في الشرح وفي شرح الشرائع ، فلا يبقى حينئذ خلاف معنوي.

ويمكن ان يقول بوجوب الزيادة أيضا مع عدم القدرة من قال بوجوبها حين وجود القدرة كسائر الديون ، والشيخ قال بعدم وجوبها مع عدم القدرة مطلقا فيبقى النزاع معنويا مع التقييد أيضا كما ذكرناه من الاحتمال.

وظاهر المتن هنا التردد حيث ذكر قول المبسوط ولم يرجّح ولم يضعّف فتأمّل. وقوله : (ولو وجد طعام الغير ولا ثمن طلبه إلخ) ظاهر في وجوب الطلب من مالكه مع حضوره ، فلو كان غائبا فالظاهر ان له أخذه ، وان أمكن اذن الحاكم فهو الأولى ، والّا فينبغي إحضار العدول وتقويمهم إن أمكن ، والّا يقوم على نفسه ، فيأخذ ، فإن طلبه ، فإن أعطاه أخذه ، وقد مرّ البحث في العوض وعدمه.

وان منعه ودفعه عن ذلك جاز له قتاله ، فان قتل أحدهما فكما تقدم ، وان تلف شي‌ء فمنه مضمون ، ومن المالك لا ، لانه يفعل حراما ويقدر على حفظه وحفظ غيره وعدم إتلاف شي‌ء ، ويترك مع القدرة ، والمضطر يفعل واجبا للاضطرار.

__________________

(١) في بعض النسخ : فقيل في الشرح وشرح الشرائع وفي بعضها : فقيل في شرح الشرائع.


فإن أكله لم يكن للمالك مطالبته بالثمن.

ولو وجد له الثمن وجب دفعه ، فان طلب أزيد من ثمن المثل ، قيل : لا يجب بذل الزيادة ، وان اشتراه بها دفعا لضرر القتال.

ولو اضطر إلى الميتة و (الى ـ خ) طعام الغير ، فان بذله ولو بثمن

______________________________________________________

ويحتمل الضمان ، فان الوجوب لا ينافي الضمان.

وان علم إهلاكه في المقاتلة يحتمل عدم جوازها ، لما تقدم انه إذا انجرّ إبقاءه إلى إهلاك الغير لا يفعل فتأمّل في الفرق.

ولم يظهر وجه قوله : (فإن أكله لم يكن للمالك مطالبته بالثمن) وكيف يحلّ مال الغير بلا عوض بامتناعه وان كان حراما ، نعم الظاهر له الأخذ والأكل ، ولكن ثمن المثل ويمكن ان المراد مع عدم القدرة.

ويؤيّده قوله : (ولو وجد إلخ) والظاهر ان مراده به انه لو وجد الثمن وهو باذل وجب دفعه ، لا بعد الأخذ بالمقاتلة والقهر ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو اضطر إلى الميتة إلخ» لو وجد المضطر طعام الغير والميتة لا غير فان بذله بغير عوض أو بعوض مقدور عليه في الحال أو المآل تعيّن عليه أكل طعام الغير ، فان بذله بالثمن يجب ان يعطيه ويأخذ ولم يتعرّض للميتة ، وهو ظاهر.

ولكن ينبغي تقييد الثمن بما إذا لم يكن زائدا عن المثل أو بعدم الضرر بحاله والإجحاف ، بناء على اختيار احد المذهبين.

ولعلّ تركه يدلّ على عدم التقييد هنا ، فيكون مذهبه في الأوّل أيضا ذلك ، لا مذهب الشيخ ، ولا غيره ممن قال باللزوم ما لم يجحف أو مقيّدا بعدمه ، وتركه للظهور ، فتأمّل.

وان (١) لم يبذل بثمن مقدور ـ سواء بذل ولم يكن مقدورا أو لم يبذل ـ تخيّر

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : (فان بذله إلخ).


مقدور عليه تعيّن ، والّا تخيّر.

______________________________________________________

المضطر بين قتاله وأخذه بالقهر والغلبة ، أو الحيلة والسرقة على ما قلناه ، وبين أكل الميتة.

والظاهر لزوم العوض على التقادير ، كما مرّ ، ويحتمل العدم بناء على ما تقدم من المصنف.

ثم في هذا التخيير تأمّل خصوصا إذا كان موجبا للفتنة وإهلاك النفس والجرح ، وتضييع المال ، فيمكن تقييده بما إذا لم يؤثر فتنة ، ولكن الظاهر خلافه.

ومع ذلك أيضا محلّ التأمّل ، لأنّه إذا جاز أكل الميتة لا ينبغي حينئذ تجويز التصرف في مال الغير بغير إذنه ، فإنه حرام اكله والتصرف فيه أيضا.

وان فيه حقّ الناس وحقّ الله ، ويوجب العوض أيضا على الظاهر.

وأنّ تجويز الميتة مصرّح به في القرآن العزيز للمضطرّ ، بخلاف مال الغير.

والحاصل انه ان كان داخلا في المضطر يأكل الميتة لا غير ، والّا لم يجز أكلها ويأكل مال الغير ، فلا معنى للتخيير.

وأيضا قد يقال : ان أكل الميتة مرجوح لتنفر الطبع منه ، والنجاسة والحرمة واحتمال الضرر الذي هو نكتة تحريمها.

وبالجملة نجد في الصورة الأولى رجحان أكل الميتة ، وفي الثانية محتمل لما مرّ ، والضرر مندفع بتجويزه إيّاها ان شاء الله الّا ان تأبى النفس ولا تقبل وحينئذ يرجّح ذلك لدفع الضرر فتأمّل وعلى التقديرين لا يتجاوز القدر المحتاج إليه.

وينبغي ان لا يقصد الّا ذلك وامتثال أمر الله في جميع المحرّمات : الميتة ، ومال الغير ، والمسكر ، وغير ذلك.

فرع

يمكن ترجيح الميتة على المسكر وغيره لما مرّ ، وغيره أيضا عليه ، لانه يزيل


«فصل»

يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شي‌ء من المسكرات والفقاع.

______________________________________________________

العقل ، وأدلة تحريمه كثيرة وقد نقل الإجماع على تجويز غيره للمضطر ، بخلاف المسكر ، فإنك قد عرفت ان بعضا لم يجوزه أصلا ، وبعضا يجوّزه في دفع العطش ونحوه لا التداوي الّا الاكتحال ، وهو مذهب المتن ، وبعضا لم يجوز التداوي للعين أيضا.

قوله : «يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها إلخ» تحريم الأكل على مائدة يشرب عليها شي‌ء من المسكرات ـ أي ما يوضع فيه الطعام ، مثل السفرة وغيرها ـ هو المشهور.

وتدلّ على تحريم الجلوس عليها صحيحة هارون بن الجهم ، قال : كنا مع أبي عبد الله عليه السّلام بالحيرة حين قدم على أبي جعفر المنصور ، فختن بعض القوّاد ابنا له وصنع طعاما ودعا الناس وكان أبو عبد الله عليه السّلام فيمن دعي ، فبينما (فبينا ـ خ ل) هو على المائدة يأكل ومعه عدّة على المائدة فاستسقى رجل منهم ماء ، فاتي بقدح فيه شراب لهم ، فلما ان صار القدح في يد الرجل قام أبو عبد الله عليه السّلام عن المائدة ، فسئل عن قيامه ، فقال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر (١).

وفي رواية أخرى : ملعون ملعون من جلس طائعا على مائدة يشرب عليها الخمر (٢).

وتدلّ على تحريم الأكل عليها رواية الجرّاح المدائني ، عن أبي عبد الله

__________________

(١) لم نعثر إلى الآن عليها في الوسائل وأوردها في الكافي باب كراهية الأكل على مائدة يشرب عليها الخمر حديث ١ كتاب الأطعمة ص ١٥٦ طبع الأمير بهادري.

(٢) المصدر ذيل الحديث المذكور.


.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأكل على مائدة يشرب عليها الخمر (١).

فروع

(الأوّل) هل حكم باقي المسكرات كذلك؟ كما ذكره المصنف ، فيمكن ذلك للعلّة.

(الثاني) الفقاع يلحق بها في أكثر العبارات ، لعل الوجه ما تقدم انه خمر في روايات كثيرة (٢).

(الثالث) الظاهر حكم القيام عليها حكم الجلوس ، فان الظاهر ان المراد البعد عن ذلك المجلس وتلك المائدة ، فتأمّل.

(الرابع) هل يحرم الطعام الذي كان عليها ، أو الجلوس حرام أكل أم لا جلس أم لا؟ صريح الصحيحة الثانية أن الجلوس حرام ، ويمكن فهم تحريم الأكل أيضا ، ويؤيده التصريح في الثالثة. وأما تحريم أصل الطعام فلا نعلم ، فيكون كالأكل في آنية الذهب والفضّة يكون الأكل حراما لا المأكول وان أكل فيها ، فيكون فرقا بين المأكول والأكل الحرامين ، مثل المغصوب والنجس ، والأكل الحرام فقط مثل الأكل على المائدة المذكورة ، والأكل في آنيتهما مع احتمال تحريم المأكول أيضا ، فتأمّل ولكن ما دام فيها وفي تلك المائدة ، ويحتمل بعيدا مطلقا.

(الخامس) هل يحرم الجلوس والأكل على تلك المائدة مطلقا؟ أو حال الشرب فقط؟ أو في ذلك الوضع وللمجلس الذي وقع فيه ذلك؟ والأوسط

__________________

(١) الكافي كتاب الأطعمة باب كراهية الأكل على مائدة يشرب عليها الخمر حديث ٢ ص ١٥٦.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٧ ـ ٢٨ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٨٦ ـ ٢٨٧ وباب ٣٨ حديث ٥ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٥٦.


ويكره الأكل على الشبع وربما حرم.

______________________________________________________

المتيقن ، والأوّل أحوط ، ولا يبعد قوّة الأخير.

(السادس) هل حكم سائر المحرّمات حتى الغيبة وسباب المؤمن ونحو ذلك حكم الخمر في ذلك؟ الظاهر العدم ، نعم يجب حينئذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمراتبهما وتحقق شرائطهما.

ويمكن ان يكون (كون ـ خ ل) علة تحريم الأكل على مائدة الخمر وجوب إظهار الكراهة ، وانه حرام ولا يمكن الجلوس في حال وقوعه ، لانه يفهم الرضا بفعله وحينئذ يعمّ ، فتأمّل.

(السابع) نقل في شرح الشرائع ان العلامة عدا التحريم إلى الاجتماع للهو والفساد ، وعن ابن إدريس انه لا يجوز الأكل من طعام يعصى الله به ، أو عليه ، وقال : ولم نقف على مأخذه ، ويمكن كون المأخذ ما أشرنا إليه (١) ، فتأمّل.

قوله : «ويكره الأكل على الشبع وربما حرم» دليله ، العقل والطبّ ، وربما يحرم إذا ظن الضرر ، ودليله العقل والنقل.

وتدلّ على الكراهة أيضا رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : الأكل على الشبع يورث البرص (٢).

ولعل ـ لعدم الصحّة (٣) ، والمبالغة ، والحمل على الاحتمال ، لا على تيقن حصوله كما في استعمال المشمس ـ حملت على الكراهة.

وتدلّ على كراهة كثرة الأكل أخبار كثيرة ، ويفهم منها الكراهة على الشبع أيضا ، مثل رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كثرة الأكل

__________________

(١) من فهم الرضا بذلك الفعل كذا في هامش بعض النسخ.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٣ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٠٨.

(٣) فان سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن عيسى اليقطيني ، عن عبيد الله الدهقان ، عن درست الواسطي عن عبد الله بن سنان.


والأكل باليسار مع قدرة اليمين.

______________________________________________________

مكروه (١).

وروايته أيضا عنه عليه السّلام ، قال : قال لي : يا أبا محمّد انّ البطن ليطغى من اكله ، وأقرب ما يكون العبد من الله إذا خفّ بطنه ، وأبغض ما يكون العبد إلى الله إذا امتلأ بطنه (٢).

ورواية أخرى عنه عليه السّلام ، قال : ان الله يبغض كثرة الأكل (٣).

ورواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال أبو ذر : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أطولكم جشاء في الدنيا أطولكم جوعا (في ـ خ) يوم القيامة (٤) ، وغيرها.

قوله : «والأكل باليسار مع قدرة اليمين» وكذا الشرب ، بل مطلق استعمال الشمال مع القدرة على اليمين إلّا في الاستنجاء ، للروايات عموما ، ما هو المشهور انه صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يحب التيامن في أموره لا التياسر (٥).

ورواية سماعة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن الرجل يأكل بشماله أو يشرب بها قال : لا يأكل بشماله ولا يشرب بشماله ولا يتناول بها شيئا (٦).

ومثلها رواية الجراح المدائني (٧).

وخصوصا رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لا تأكل

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٠٥.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٠٥.

(٣) الوسائل باب ١ مثل حديث ٩ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٠٦.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤١٠.

(٥) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤١٠.

(٦) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤١٩.

(٧) الوسائل باب ١٠ حديث ٣ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٢٠.


والأكل متّكئا.

______________________________________________________

باليسار وأنت تستطيع (١).

وكأنه ـ لعدم الصحّة وعدم القائل ومفهوم ان المقصود هو الكراهة والمبالغة ـ حملت على الكراهة.

قوله : «والأكل متكئا» دليل كراهة الأكل متكئا ترك التأدب بحسب ما يدركه العقل.

وحسنة ابن أبي شعبة الحلبي ، قال : أخبرني أبي انه رأى أبا عبد الله عليه السّلام متربعا وقال : رأيت أبا عبد الله عليه السّلام يأكل متكئا ، قال : وقال : ما أكل رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو متكئ قط (٢).

وكأنّ فعله عليه السّلام لعذر أو لإظهار جوازه وعدم تحريمه.

ويدل عليه فعله عليه السّلام ، ومنع العباد البصري عن ذلك حتى صار ثلاث مرّات ثم قال عليه السّلام : والله ما نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن هذا قط (٣).

ورواية زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : ما أكل رسول الله صلّى الله عليه وآله متكئا منذ بعثه الله حتى قبض وكان يأكل أكل (اكلة ـ خ) العبد ويجلس جلسة العبد ، قلت : ولم (ذلك ـ خ)؟ قال : تواضعا لله عزّ وجلّ (٤) ، وهي كثيرة.

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٢٠.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٣ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤١٢.

(٣) عن الفضيل بن يسار قال : كان عباد البصري عند أبي عبد الله عليه السّلام يأكل فوضع أبو عبد الله عليه السّلام يده على الأرض فقال له عباد : أصلحك الله ، اما تعلم ان رسول الله صلّى الله عليه وآله نهى عن ذا ، فرفع يده فأكل ثم أعادها أيضا فقال له أيضا فرفعها ثم أكل فأعادها فقال أبو عبد الله عليه السّلام لا والله ما نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن هذا قط. الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤١٥.

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ٧ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤١٤.


ويستحبّ غسل اليد قبله وبعده (قبل الأكل ـ وبعده خ).

______________________________________________________

قوله : «ويستحب غسل اليد إلخ» دليله ، النظافة المطلوبة عقلا وشرعا ورواية ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : من غسل يده قبل الطعام وبعده عاش في سعة وعوفي من بلوى في جسده (١).

وحسنة أبي حمزة ـ كأنه الثمالي ـ ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قال : يا أبا حمزة الوضوء قبل الطعام وبعده يذهبان (يذيبان ـ ئل) الفقر ، قلت : بأبي أنت وأمّي يذهبان؟ قال : يذهبان (يذيبان ـ ئل) والظاهر ان المراد بالوضوء غسل اليد (٢).

ورواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في العمر وإماطة في الغمر (للغمر ـ ئل) عن الثياب ويجلو البصر (٣).

ورواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام من سرّه ان يكثر خير بيته فليتوضأ عند حضور طعامه (٤).

ورواية أبي عوف العجلي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : الوضوء قبل الطعام وبعده يزيدان في الرزق (٥).

وروي ان رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : أوّله ينفي الفقر ، وآخره ينفي الهم (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٤٩ حديث ٥ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤١٤.

(٢) الوسائل باب ٤٩ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٧٠.

(٣) الوسائل باب ٤٩ حديث ٦ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٧٣.

(٤) الوسائل باب ٤٩ حديث ٣ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٧١.

(٥) الوسائل باب ٤٩ حديث ٢ ـ ٤ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٧١.

(٦) أورد صدرها في باب ٦١ حديث ١ وذيلها في باب ٥٨ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٨٥ ـ ٤٩٠.


والتسمية ابتداء على كل لون.

والحمد انتهاء.

______________________________________________________

ودليل استحباب التسمية على كل فعل واضح ، وعلى الطعام بخصوصه روايات.

مثل صحيحة داود بن فرقد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : كيف اسمّي على الطعام؟ فقال : إذا اختلفت الآنية فسمّ على كل إناء ، قلت : فان نسيت ان اسمّي؟ قال : تقول : بسم الله على أوّله وآخره (١).

ولعلّ يريد بكلّ إناء كلّ لون لقوله : (اختلفت) ، ويحتمل مجرّد تعدد الآنية فتأمّل. وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : إذا حضرت المائدة وسمّى رجل منهم أجزأ عنهم أجمعين (٢).

وتدل على التسمية أوّلا ، والحمد آخرا ، وغيرها ـ رواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إذا وضعت المائدة حفّتها أربعة أملاك (ملك ـ ئل) ، فإذا قال العبد : بسم الله ، قالت الملائكة : بارك الله عليكم في طعامكم ثم يقولون للشيطان : اخرج يا فاسق لا سلطان لك عليهم ، فإذا فرغوا ، فقالوا : الحمد لله ، قالت الملائكة : قوم أنعم الله عليهم وأدّوا شكر ربّهم ، وإذا لم يسمّوا ، قالت الملائكة للشيطان : ادن ـ يا فاسق فكل معهم ، فإذا رفعت المائدة ولم يذكروا (ولم يحمدوا ـ فقيه) الله عزّ وجلّ ، قالت الملائكة : قوم أنعم الله عليهم فنسوا ربّهم (٣)

كأنه يريد بعدم ذكر الله ، الحمد له ، بقرينة المقابلة ، فيفهم ان الحمد يكون بعد رفعها.

__________________

(١) الوسائل باب ٦١ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٩٠.

(٢) الوسائل باب ٥٨ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٨٦.

(٣) الوسائل باب ٥٧ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٨٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الطعام إذا اجتمع اربع خصال فقد تمّ ، إذا كان من حلال وكثرت الأيدي عليه وسمّى في أوّله وحمد الله في آخره (١).

ويدل على ان تسمية واحد على مائدة كافية في تحقق الاستحباب ، صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدمة قال : إذا حضرت المائدة وسمّى رجل منهم أجزأ عنهم أجمعين (٢).

فلعل الساقط تأكده (تأكيده ـ خ ل) فهو الاستحباب الكفائي لا أصله.

وفي الصحيح ، عن كليب الأسدي ـ الممدوح في الجملة ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : ان الرجل المسلم إذا أراد ان يطعم طعاما فأهوى بيده قال : بسم الله والحمد الله ربّ العالمين ، غفر الله عزّ وجلّ له (من ـ ئل) قبل ان تصير للقمة إلى فيه (٣)

ورواية عبد الرحمن العرزمي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : من ذكر اسم الله عزّ وجلّ عند طعام أو شراب في أوّله وحمد الله في آخره لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام أبدا (٤).

وفي رواية غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ان أمير المؤمنين عليه السّلام ، قال : من ذكر اسم الله على الطعام (طعام ـ ئل) لم يسأل عن نعيم ذلك

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٢٢ وفيه ثلاث نقلا من الكافي والمحاسن والخصال ومعاني الأخبار لكن قال : وفيهما وفي الفروع اربع خصال.

(٢) تقدم آنفا هو ذكر موضعها.

(٣) الوسائل باب ٥٦ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٨٠.

(٤) الوسائل باب ٥٦ حديث ٥ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٨٣. والعرزمي بالعين المهملة المفتوحة ثم الراء المهملة الساكنة ثم الزاي المعجمة المفتوحة ثم الميم والياء. تنقيح المقال ج ١ ص ١٢٢.


وابتداء المالك وتأخره في الأكل.

وابتداء من على يمينه بالغسل والدور عليهم.

______________________________________________________

(الطعام ابدا) (١).

والاخبار في التسمية والتحميد كثيرة (٢).

قوله : «وابتداء المالك وتأخره في الأكل» دليل استحباب ابتداء المالك بالأكل قبل القوم وتأخره عنهم ، رواية ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا أكل مع القوم طعاما كان أول من يضع يده وآخر من يرفعها ليأكل القوم (٣).

وتدل على الأكل مع الضيف ، رواية جميل ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سمعته يقول : ان الزائر إذا زار المزور فأكل معه ألقى عنه الحشمة ، وإذا لم يأكل معه يتقبض (ينقبض ـ خ ل ئل) (٤) قليلا.

ويدل على استحباب الأكل مع الضيف وتأخره عنه ، رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام ان رسول الله صلّى الله عليه وآله كان إذا أتاه الضيف أكل معه ولم يرفع يده من الخوان حتى يرفع الضيف (٥).

قوله : «وابتداء من على يمينه إلخ» كان ينبغي ان يقول : ابتداء صاحب الطعام بغسل يده ثم من على يمينه قبل الطعام إلخ ، وبعده يغسل أوّلا من على يساره حتى يتم الدور ويختم به كما في غير هذه العبارة.

وتدل عليه في الجملة ، رواية محمّد بن عجلان ، عن أبي عبد الله

__________________

(١) الوسائل باب ٥٧ حديث ٤ ج ١٦ ص ٤٨٠.

(٢) راجع باب ٥٦ ـ ٥٨ من أبواب آداب المائدة.

(٣) الوسائل باب ٤١ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٦٠.

(٤) الوسائل باب ٤١ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٦١.

(٥) الوسائل باب ٤١ حديث ٣ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٦١.


وجمع الغسالة في إناء.

______________________________________________________

عليه السّلام ، قال : الوضوء قبل الطعام يبدأ صاحب البيت لئلا يحتشم أحد ، فإذا فرغ من الطعام بدأ بمن على يمين الباب ، حرّا كان أو عبدا (١).

ولكن فيها أنّ ابتداء الغسل بعد الطعام بمن على يمين الباب ، ولم يذكر الابتداء بمن يكون بعد غسل صاحب المنزل قبل الطعام.

ولعلّ المراد باب الموضع الذي جلسوا فيه ، وباليمين يمين الداخل ، فيحتمل في الموضع الذي لا باب له يكون المراد يمين ابتداء المجلس بالنسبة إلى الداخل فيه.

ويدل على تمام ما ذكرناه ـ كما هو المشهور ـ حديث آخر ، قال في الكافي بعد الرواية المتقدمة :

وفي حديث آخر ، يغسل أوّلا ربّ البيت يده ثم يبدأ بمن على يمينه ، وإذا رفع الطعام بدأ بمن على يسار صاحب المنزل ويكون آخر من يغسل يده صاحب المنزل ، لأنه أولى بالصبر على الغمر (٢).

فيمكن حمل الاولى على انه كان صاحب المنزل جالسا عند الباب ويمينها يساره أو على عدم كونه في المجلس ، أو على التخيير.

والظاهر ان المراد بصاحب المنزل هو صاحب الطعام وان كان المنزل لغيره ، أو لا يكون هناك منزل وبيت.

ويحتمل الحقيقة إذا كان صاحب الطعام غريبا ونزيلا في منزل الغير فتأمّل.

واما دليل جمع الغسالة في إناء واحد ، بمعنى ان يغسل الجميع في إناء واحد حتى يجتمع جميع المياه فيه ، رواية عمرو بن ثابت ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ،

__________________

(١) الوسائل باب ٥٠ حديث ١ من أبواب آداب المائدة.

(٢) الوسائل باب ٥٠ حديث ٣ ـ ٤ من أبواب آداب المائدة.


.................................................................................................

______________________________________________________

قال : اغسلوا أيديكم في إناء واحد تحسن أخلاقكم (١).

ورواية الفضل ابن يونس ، قال : لما تغذّى عندي أبو الحسن عليه السّلام وجي‌ء بطست بدئ به عليه السّلام وكان في صدر المجلس فقال عليه السّلام : ابدأ بمن على يمينك ، فلما (ان ـ خ) توضأ واحد أراد الغلام ان يرفع الطست ، فقال له أبو الحسن عليه السّلام : دعها فاغسلوا أيديكم فيها (٢).

فيها دلالة على الابتداء بصاحب المنزل بعد الطعام ثم بمن على يساره ، لان الظاهر انه عليه السّلام غسل يده وكان صاحب المنزل ويمين الذي يغسل يده يساره.

ويحتمل ان يكون المراد إرادة أن يبدأ به ولم يفعل عليه السّلام وأمر بغسل من على يساره وهو يمين الغلام ليوافق ما تقدم.

ثم انه يمكن ان يكون غسل اليد الواحدة ـ المباشرة للطعام ـ كافيا كما يشعر به ما في بعض العبارات غسل اليد.

ويحتمل استحباب غسل الاثنين وان لم تكن المباشرة إلّا واحدة.

وانه (٣) يستحب المسح بالمنديل في الغسل الثاني دون الأول.

وتدل عليه حسنة مرازم ، قال : رأيت أبا الحسن عليه السّلام إذا توضأ قبل الطعام لم يمسّ المنديل ، وإذا توضأ بعد الطعام مسّ المنديل (٤).

ورواية إبراهيم بن عقبه رفعه (يرفعه ـ ئل) ، قال : مسح الوجه بعد الوضوء يذهب بالكلف (٥) ويزيد في الرزق (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٥١ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٧٥.

(٢) الوسائل باب ٥١ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٧٤.

(٣) عطف على قوله قدّس سرّه : انه يمكن إلخ.

(٤) الوسائل باب ٥٢ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٧٦.

(٥) الكلف بالتحريك شي‌ء يعلو الوجه كالسمسم والاسم الكلفة (مجمع البحرين).

(٦) الوسائل باب ٥٤ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٧٦.


والاستلقاء بعده وجعل رجله اليمنى على اليسرى.

______________________________________________________

ورواية مفضل قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام وشكوت اليه الرّمد فقال لي : أو تريد الطريف (١)؟ ثم قال لي : إذا غسلت يدك بعد الطعام فامسح حاجبيك ، وقل ثلاث (مرّات ـ كا) : الحمد لله المحسن المجمل المنعم المفضل ، قال : ففعلت فما رمدت عيني بعد ذلك (٢).

وفي رواية أخرى : قال أبو عبد الله عليه السّلام : إذا غسلت يدك للطعام فلا تمسح يدك بالمنديل فإنه لا يزال البركة في الطعام ما دامت النداوة في اليد (٣).

وفي رواية زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه كره ان يمسح الرجل يده بالمنديل وفيها شي‌ء من الطعام تعظيما للطعام حتى يمصّها أو يكون الى جانبيه صبي يمصّها (٤).

لعلّ فيها إشارة الى عدم تحريم البصاق مطلقا فتأمّل.

قوله : «والاستلقاء بعده إلخ» دليله رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرضا عليه السّلام ، قال : إذا أكلت فاستلق على قفاك وضع رجلك اليمنى على اليسرى (٥).

تذنيب

روي عنه عليه السّلام ، قال : إذا فرغت من الطعام فقل : الحمد لله الذي

__________________

(١) والطريف من المال المستحدث ، وهو خلاف التالد (مجمع البحرين) كأنه كناية عن العين المتجددة بها نور.

(٢) الوسائل باب ٥٤ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٧٨.

(٣) الوسائل باب ٥٢ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٧٦.

(٤) الوسائل باب ٥٣ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٧٧.

(٥) الوسائل باب ٧٤ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٥٠٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

يطعم ولا يطعم (١).

وفي رواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا طعم عند أهل بيت ، قال : طعم عندكم الصائمون ، وأكل طعامكم الأبرار ، وصلّت عليكم الملائكة الأخيار (٢).

يفهم منه استحباب إطعام الصائم.

وفي الفقيه ، عن أبي حمزة الثمالي ـ والظاهر ان إليه صحيح وان قيل : انه قوي ـ عن علي بن الحسين عليهما السّلام انه كان إذا طعم ، قال : الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وأيّدنا وآوانا وأنعم علينا وأفضل ، الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم (٣).

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : نعم الإدام الخلّ ، وما افتقر بيت فيه خلّ (٤).

وفي الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : ان الرجل يشرب الشربة من الماء فيدخله الله بها الجنّة ، قلت وكيف ذاك يا ابن رسول الله؟ قال : ان الرجل ليشرب الماء فيقطعه ثم ينحّي الماء وهو يشتهيه فيحمد الله عزّ وجلّ ، ثم يعوده فيشرب ثم ينحّيه وهو يشتهيه فيحمد الله عزّ وجلّ ، ثم يعود فيشرب فيوجب الله عزّ وجلّ له بذلك الجنّة (٥).

__________________

(١) سنن أبي داود ج ٣ باب ما يقول الرجل إذا طعم حديث ٢ رقم ٣٨٥٠ ص ٣٦٦ طبع بمبئي وزاد : وجعلنا مسلمين.

(٢) الوسائل باب ٥٩ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٨٦.

(٣) الوسائل باب ٥٩ مثل حديث ٩ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٨٦.

(٤) الوسائل باب ٤٤ حديث ٨ من أبواب الأطعمة المباحة ج ١٧ ص ٦٧.

(٥) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب الأشربة المباحة ج ١٧ ص ١٩٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

وفي رواية عنه عليه السّلام ، قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا شرب الماء ، قال : الحمد لله الذي سقانا عذبا زلالا ولم يسقنا ملحا أجاجا ولم يؤاخذنا بذنوبنا (١).

وفي رواية أخرى ، قال : قال أبو عبد الله : إذا أردت أن تشرب الماء بالليل فحرّك الإناء ، وقل : يا ماء ان ماء زمزم وماء فرات يقرآنك السلام (٢).

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب الأشربة المباحة ج ١٧ ص ١٩٨.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ٥ من أبواب الأشربة المباحة ج ١٧ ص ١٩٨.


كتاب الميراث


كتاب الميراث

وفيه مقاصد :

الأول. في أسبابه

وهي شيئان : النسب ، والسبب.

والنسب ثلاث مراتب : الآباء والأولاد ، ثم الأجداد والاخوة ، ثم الأعمام والأخوال.

والسبب زوجيّة ، وولاء. والولاء ثلاثة : المعتق ، وضامن الجريرة ، والامام.

______________________________________________________

قوله : «الأوّل في أسبابه وهي شيئان إلخ» أي موجب الإرث والذي يقتضيه (بالعقل والنقل ـ خ) أمران : نسب ، وهو اتصال بين شخصين بسبب الولادة ، وسبب ، وهو اتصال خاصّ بينهما بغير ذلك.

وهو منحصر شرعا في أربعة : الزوجيّة ، والعتق ، وتضمين الجريرة ، والإمامة ودليل الحصر (فيها ـ خ) الاستقراء والأصل ، وسيجي‌ء تفصيله.

والنسب ثلاث مراتب كما هو المذكور في المتن بمعنى ما دام وجد شخص من المرتبة الاولى لا ترث الثانية والثالثة ، وكذلك لا يرث أحد من الثالثة ما دام وجد أحد من الثانية.


.................................................................................................

______________________________________________________

واعلم انه كما كان بين المراتب الثلاث ترتيب فكذا بين آحاد كل قسمي كلّ مرتبة ، فما دام وجد قريب من قسم لا يرث بعيد منه ، فما دام الولد ، لا يرث ولد الولد ، وكذا ما دام الجدّ لا يرث أبوه ، وهكذا ، وكذا الاخوة ، فما دام الأخ لا يرث ولد الأخ وكذا الأعمام والأخوال.

ولكن يرث البعيد من كل قسم بفقد قريبه مع قريب نظيره ، فولد الولد يرث مع الأبوين وكذا أبو الجدّ مع الاخوة ، وكذا ولد الاخوة مع الجدّ بغير واسطة ، وكذا العم بغير واسطة مع أولاد الخال ، وكذا الخال مع أولاد العم إلّا في أعمام الميّت وأخواله مع أعمام آبائه وأخوالهم كما سيجي‌ء.

ولهذا ما جعلت المراتب أكثر ، فإن كل قسمين في مرتبة واحدة لا ترتيب بينهما.

ثم اعلم ان لا فرق في هذه المراتب بين الذكر والأنثى.

وان المراد بالأولاد أولاد الصلب وأولاد هم وان نزلوا وبالآباء الأب والام فقط ، وبالأجداد أب الأب وأب الأم وأمهما وهكذا صاعدا ما صعد ، وبالاخوة هم وأولادهم وان نزلوا وبالأعمام والأخوال هم وأولادهم كذلك بل أعمام أبويه وأجداده وأخوالهم وأولادهم ، ولكن هم درجات مترتبة ، فلا يرث الدرجة الفوقانيّة مع وجود واحد من التحتانيّة وان كان بعيدا ، مثل ولد ولد عم الميّت وخاله دون عم أبيه وخاله ، وعلى هذا القياس ، وهذا أمر مجمل ، وسيجي‌ء تفصيله.

ثم اعلم ان بعض الفقهاء ضبط هذه المراتب على الاجمال ، فقال : بان القريب ان تقرّب الى الميّت بغير واسطة فهو المرتبة الأولى ، أو بواسطة واحدة فهو الثانية ، أو بأزيد من مرتبة فهو الثالثة.

وأورد عليه انه انما يتم في حق الإباء والأولاد ، وفي حق الاخوة والأجداد ، وفي حق الأعمام والأخوال ، ويتخلّف في حق أولاد الأولاد ، وفي أولاد الاخوة ،


.................................................................................................

______________________________________________________

وفي حق الأجداد العليا وفي حق أولاد العمومة والخؤولة ، فيحتاج في الإخراج والإدخال إلى ضرب من التكلف كما لا يخفى.

ولا يخفى انه لا يتمّ في مرتبة أصلا ، نعم يوجد ويصحّ الحكم في بعض افراد المراتب وهو المراد (ما أورد) فتأمّل.

وانه يمكن ان يقال : إنّ ولد الولد انما يرث لكونه ولدا ، لا لكونه ولد ولد ، فان المذكور في القرآن الولد ، والمراد به الأعم ، فوراثته من جهة الولديّة ، وليس سبب إرثه شي‌ء آخر غير الولادة ، بخلاف الجدّ ، فإن إرثه لا لكونه أبا ، ولهذا ما عبّر في القرآن ب (الأب) ولهذا ما يأخذ سهمه ، وكذا الجدّة ما تأخذ سهم الام ، بل من جهة ولده الذي هو أبو (ابن ـ ط) الميّت.

ثم الأعلى كلّها مرتبة الجدودة ليس إرثهم إلّا بسبب الجدودة ، والفاصل ليس إلّا الأب ، وكذا الاخوة وأولادها.

وبخلاف (١) الأعمام فإن إرثهم من جهة قربهم الى أبي (أب ظ) الميّت بالاخوة ثم الأب إليه بالأبوّة يعني الواسطة بين الميّت وبينه اثنان ، الجدّ والأب ، فإنه يتقرب بسبب الجدّ إلى أب الميّت ، وبسببه اليه ، وكذا الخال ، وهو ظاهر.

وكأنه مراد المورد بقوله : (فيحتاج في إخراجهم وإدخالهم في المرتبة إلى ضرب من التكلف كما لا يخفى).

أو يقال : ان المراد بالمرتبة الأولى مثلا التي يرث فيها أحد بغير واسطة وهكذا.

ثم الظاهر ان المراد ان المرتبة الأولى هي التي لا تكون سبب الاتصال الموجب للإرث بين آحادها ، والميّت مرتبة اخرى مقدّمة عليها ، وهي الأبوّة والبنوّة ،

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : (بخلاف الجدّ).


الفصل الأول : في الأبوين والأولاد

وكلّ من الأبوين إذا انفرد أخذ المال ، لكن للام الثلث بالتسمية والباقي بالرد.

______________________________________________________

والثانية هي التي قبلها مرتبة اخرى مثل الجدودة والاخوّة ، فإنهما بعد الأبوة والبنوّة ، والثالثة هي التي بعد المرتبتين ، وهي العمومة والخؤولة ، فإنهما بعد الجدودة والاخوة وهو ظاهر لا تكلّف فيه فافهم.

نعم في العبارة مسامحة في حمل المرتبة على القريب والمراد مرتبته وهو ظاهر.

قوله : «وكل من الأبوين إذا انفرد إلخ» بيان لأحكام المرتبة الأولى إذا لم يكن من المرتبة الأولى إلّا الأب ، ولم يكن معه من يجتمع من الوارث السببي من الزوج والزوجة ، فالمال كلّه له.

دليله ، الإجماع والنص من عموم الكتاب (أولوا الأرحام) (١) وخصوصه (وورثه أبواه) الآية (٢) فتأمّل.

ومن السنّة عموم الاخبار ، والخصوص ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : لا يرث مع الام ، ولا مع الأب ، ولا مع الابن ، ولا مع الابنة إلّا الزوج والزوجة ، وان الزوج لا ينقص من النصف شيئا إذا لم يكن ولد ، والزوجة لا تنقص من الربع شيئا إذا لم يكن ولد ، فإذا كان معهما ولد فللزوج الربع ، وللمرأة الثمن (٣).

وصحيحة زرارة ، قال : إذا ترك الرجل امّه أو أباه أو ابنه أو ابنته (إلى

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) ـ الأنفال : ٧٥.

(٢) النساء : ١١.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٠.


ولو اجتمعا فللأم الثلث مع عدم الاخوة ، والسدس معهم ، وللأب الباقي.

______________________________________________________

قوله) ولا يرث مع الام ، ولا مع الأب ، ولا مع الابن ، ولا مع الابنة أحد ، خلقه الله غير زوج أو زوجة (١).

والمراد غير من في هذه المرتبة من الأبوين والأولاد.

ويؤيّده اعتبار العقل.

وكذا لو انفردت الام ، ولكن الامّ تأخذ الثلث بالفرض والتسمية ، والباقي بالرد ، إذ سمّى لها الثلث مطلقا ، لأن معنى قوله تعالى (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) صلاحيّة كل واحد للإرث منفردا أو مجتمعا ، بأن لا يكون قاتلا أو رقا ونحو ذلك ، وهذا التفصيل لم يظهر له فائدة هنا ، بل في صور أخر كما ستقف عليه.

ودليلها دليل الاولى ، وقوله تعالى (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) لا ينافي إعطاء الباقي لها بالقرابة ، وهو ظاهر.

ولو اجتمعا فللأم الثلث مع عدم الحاجب ، والسدس معه مثل الاخوة ، وسيجي‌ء بيان الحجب وشرائطه ، والباقي ـ وهو الثلثان أو خمسة أسداس ـ للأب ، فالمسألة من الثلاثة أو الستة ، وهو ظاهر.

دليله (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) (٢) ، فإذا فرض الله تعالى للام الثلث والسدس مع قوله (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) فلم يكن الباقي إلّا للأب.

ولأنه إذا أخذت الأم الفريضة ووجد غيرها من هو مثلها في القرب يكون

__________________

(١) فروع الكافي باب انه لا يرث مع الولد والوالدين الأزواج أو زوجة حديث ٢ ج ٧ ص ٨٣ طبع دار الكتب الإسلامية.

(٢) النساء : ١١.


وان انفرد الابن أخذ المال ، وان كانا اثنين فصاعدا تشاركوا بالسويّة.

فإن انفردت البنت فلها النصف تسمية والباقي ردا ، وان كانتا اثنتين فصاعدا فلهنّ الثلثان تسمية والباقي ردّا.

______________________________________________________

له ، لعدم الفرض ، بل الأب أولى بالولد ، ولا خلاف في ذلك أيضا.

فالإجماع أيضا دليل ، مع صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل مات وترك أبويه؟ قال : للأب سهمان وللام سهم (١).

ورواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل ترك أبويه؟ قال : هو (هي ـ خ ل) من ثلاثة أسهم ، للأم سهم ، وللأب سهمان (٢).

وظاهر ان هذا مع عدم الحجب ، لظاهر قوله : (ترك أبويه) (٣) في انه ما بقي أحد غيرهما ممن يرث معهما أو يحجبهما ، ولقوله (تعالى) (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) (٤).

والأخبار كثيرة في أنه إذا بقي الأبوان يكون المال بينهما أثلاثا مع عدم الحجب بإخوة الأب ، وأسداسا معه (٥).

وكذا لو انفرد الابن من بين هذه المرتبة ولم يكن معه أحد الزوجين فله المال كلّه ، لما تقدم من عموم الآية والاخبار الدالة على عدم اجتماع احد معه غير الزوجين ، فان كان معه مثله تشاركا بالسويّة لعدم الترجيح.

وكذا لو انفردت البنت بالمعنى المتقدم الّا ان لها النصف بالتسمية والباقي

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٣.

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ٢ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٣.

(٣) في روايتي زرارة وأبي بصير المتقدمتين آنفا.

(٤) النساء : ١١.

(٥) راجع الوسائل باب ٩ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٣.


ولو اجتمع الذكور والإناث فللذكر مثل حظّ الأنثيين.

ولكلّ من الأبوين مع الذكور (أو الذكور ـ خ) والإناث ، السدس والباقي للأولاد بالسوية ان كانوا ذكورا ، والّا فللذكر مثل حظّ الأنثيين.

وللأبوين مع البنت السدسان ولها النصف ، والباقي يردّ عليهم أخماسا.

______________________________________________________

بالردّ ، وان كانتا اثنتين فصاعدا فالكل لهن الثلثان بالتسمية (تسمية ـ خ) ، والباقي ردّا.

ويدلّ عليه ما تقدم مع الإجماع والاخبار الدالّة على بطلان العصبة ، وهي كثيرة (١).

وإذا اجتمع الأولاد ذكورا وإناثا فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، وهو أيضا ظاهر من الكتاب والسنّة.

وإذا اجتمع كلّ من الأبوين مع الأولاد فمع الذكر فقط أو الذكر والأنثى ، فلكلّ واحد منهما السدس ، والباقي للذكور بينهم بالسويّة ان كانوا متعدّدين ومع الوحدة له فقط ، وان كانوا الذكور والأنثى فللذكر مثل حظ الأنثيين.

وان كانت الأنثى فقط ، فان كانت واحدة فلها النصف ، ولكل واحد منهما السدس ويردّ الباقي عليهم أخماسا مع عدم الحجب ، وهو ظاهر ، ولا خلاف فيه.

فالمال من أوّل الأمر أخماس ، والمسألة من خمسة.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٥ من أبواب ميراث الأبوين إلخ وباب ٤ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٤٤ وص ٤٨٤.


ومع الاخوة يردّ على البنت والأب أرباعا.

______________________________________________________

ومع حجب الامّ عن الزائد عن السدس يرد الباقي على الأب والبنت أرباعا ، فالمسألة من أربعة وعشرين ، أعطيت الأمّ السّدس ، وهو أربعة ، وقسّمت الباقي أرباعا بينهما فله خمسة ، ولها خمسة عشر.

دليل الأول (١) (فَلَهَا النِّصْفُ) (٢) و (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) (٣) بالفرض ، والفاضل لا يخرج عنهم لعدم اجتماع احد معهم كما عرفت ، فيقسم عليهم بالنسبة.

ويؤيّده حسنة محمّد بن مسلم ، قال : أقرأني أبو جعفر عليه السّلام صحيفة كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وخط علي عليه السّلام بيده ، ووجدت فيها : رجل ترك أبويه وابنته فللابنة النصف وللأبوين لكلّ واحد منهما السدس يقسّم المال على خمسة أسهم ، فما أصاب ثلاثة فللابنة ، وما أصاب سهمين فللأبوين (٤)

وهي محمولة على عدم الحجب بالإخوة للآية (٥).

ودليل الثاني (٦) ما تقدم ، من قوله تعالى (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) (٧) فمع وجود الاخوة ليس للأم زائدا على السدس شي‌ء أصلا وليس له مستحق غير هما ، فيقسم عليهما بالنسبة فقول الشيخ معين الدين المصري (٨) بالقسمة

__________________

(١) يعني بالأول : (وان كانت الأنثى) إلى قوله قدّس سرّه : (من خمسة).

(٢) النساء : ١١.

(٣) النساء : ١١.

(٤) الوسائل باب ١٧ ذيل حديث ١ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٦٣.

(٥) إشارة إلى قوله تعالى «فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ» ـ النساء : ١٠.

(٦) يعني قوله قدّس سرّه : ومع حجب الأم ـ إلى قوله ـ : خمسة عشر.

(٧) النساء : ١١.

(٨) الشيخ الأجل ، سالم بن بدران المازندراني الإماميّ يروي ، عن أبي المكارم ابن زهرة ، وأجاز للمحقق الطوسي سنة ٦١٩ الكنى للمحدث القمي ج ٣ ص ١٦٣ طبع بمبئي.


ولأحدهما معها السدس ، ولها النصف ، والباقي يردّ عليهم أرباعا.

ولأحدهما مع البنتين فصاعدا السدس ، وللبنات الثلثان والباقي يردّ أخماسا.

______________________________________________________

أخماسا في الصورتين الّا انه لا ردّ للأم في الأخيرة للحجب بالاتفاق ، والحجب انما هو للأب ، فيكون ما يردّ عليهما بدونه يردّ عليه معه ، فيكون الفاضل مردودا عليهما أخماسا ، لها ثلاثة أسهم ، وللأب سهمان ، بعيد ، وخلاف المشهور ولها مع أحدهما ، النصف ، والباقي يردّ عليهما وعلى الأب أو على الأم أرباعا بالنسبة إلى نصيبهما ، فالمسألة من أربعة من أوّل الأمر.

ودليله يعلم ممّا تقدم وتدل عليه أيضا حسنة محمّد بن مسلم ، قال : أقرأني أبو جعفر عليه السّلام صحيفة كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وخط علي عليه السّلام بيده فوجدت فيها رجل ترك ابنته وامّه ، للابنة النصف ثلاثة أسهم ، وللام السدس ، سهم ، يقسم المال على أربعة أسهم فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة ، وما أصاب سهما فللأم (فهو للأب ـ كا) (١) ولا حجب للام هنا ، لأن الحجب انما يكون مع الأب.

وهذه (٢) الرواية تحتمل الصحّة أيضا ، وهي دالة على بطلان التعصيب ، فتأمّل.

وان كانت الأنثى أكثر من واحدة واجتمعت مع أحدهما فقط فلأحدهما حينئذ السدس.

وللبنتين فصاعدا الثلثان ، ويردّ الباقي عليهما وعلى الأب أو الأم أخماسا ،

__________________

(١) الوسائل باب ١٧ قطعة من صدر حديث ١ من أبواب ميراث الأبوين ج ١٧ ص ٤٦٣.

(٢) يعني حسنة محمّد بن مسلم.


وللأبوين مع البنتين فصاعدا السدسان ، والباقي للبنتين فصاعدا.

وللزوج والزوجة مع أحد الأبوين حصته العليا ، والباقي لأحد الأبوين ، ومع الأبوين له ذلك ، وللام ثلث الأصل ان لم يكن (له ـ ح) اخوة ، والسدس معهم والباقي للأب.

______________________________________________________

فالفريضة من خمسة.

ودليله يعلم ممّا تقدّم.

ومعهما (١) معا فلهما فصاعدا الثلثان ولكل واحد منهما السدس ، فالمسألة من ستة.

ويعلم دليله من الكتاب (٢) (فَلَهُمَا الثُّلُثانِ) (٣) مع قوله (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) (٤).

ولا حجب في هاتين المسألتين ، لعدم اجتماع الأب معها وعدم الزيادة عن السدس ، وهو ظاهر.

وإذا اجتمع أحدهما أو هما مع أحد الزوجين فلأحد الزوجين حصّته العليا ، النصف أو الربع ، والباقي للأب أو الأمّ مع الوحدة ، ومع الاجتماع للام الثلث مع عدم الحجب ، والسدس معه والباقي للأب.

دليل ذلك الكتاب (٥) والسنّة والإجماع.

__________________

(١) يعني البنتين فصاعدا مع الأبوين.

(٢) وهو قوله تعالى «وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ» الآية.

(٣) النساء : ١٧٦.

(٤) النساء : ١١.

(٥) النساء : ١٢.


وللزوج والزوجة مع الأولاد حصته الدنيا ، والباقي للأولاد على ما فصّل.

وللزوج مع الأبوين والبنت حصته الدنيا ، وللأبوين السدسان والباقي للبنت.

______________________________________________________

وما وجد من إطلاق بعض الاخبار (١) السدس للامّ والباقي للأب فمحمول على الحجب.

والثلث (٢) والباقي له فمحمول على عدمه وهو ظاهر ، الحمد لله.

وإذا اجتمع أحدهما مع الأولاد فله حصته الدنيا الربع أو الثمن ، والباقي للأولاد على ما مرّ تفصيله ، فمع الوحدة له الكلّ ومع التعدد والتساوي بينهم على السوية ومع الاختلاف للذكر مثل حظ الأنثيين.

وإذا اجتمع الأولاد والآباء والزوج ، فللزوج مع أحدهما أو معهما ، ومع البنت حصته الدنيا الربع ، والباقي بينهما وبين أحدهما أرباعا ان كان أحدهما ، فالمسألة من ثمان وأربعين ، للزوج اثنا عشر ، ولأحدهما التسعة ، وللبنت سبعة وعشرون.

وان كانا معا فلكل واحد منهما السدس ، والباقي لها ، فالمسألة من اثني عشر ، له ثلاثة ، ولهما أربعة ، لكلّ واحد اثنان ، ولها خمسة فوقع النقص عليها ، إذ قد تقع الزيادة لها ، ولأن الأنثى لا تزيد في الميراث على الذكر ، ولو فرضت هذه ذكرا ما كان نصيبه الّا خمسة.

__________________

(١) مثل خبر ابان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في امرأة ماتت وتركت أبويها وزوجها ، قال : للزوج النصف ، وللام السدس ، وللأب ما بقي. الوسائل باب ١٦ حديث ٩ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٦٢.

(٢) يعني ما ورد من ان الثلث للام والباقي للأب محمول على عدم الحاجب فلاحظ باقي أخبار الباب المذكور.


وان كانت زوجة فالفاضل عن السهام يردّ على البنت والأبوين أخماسا ، ومع الاخوة ، على البنت والأب أرباعا ولأحد هما مع أحد الأبوين والبنت حصته الدنيا ، ولأحد الأبوين السدس ، وللبنت النصف والباقي يردّ على البنت وأحد الأبوين أرباعا.

ولأحدهما مع الأبوين والبنتين حصته الدنيا ، وللأبوين السدسان والباقي للبنتين.

وللزوج مع أحد الأبوين والبنتين حصته الدنيا ، ولأحد الأبوين السدس ، والباقي للبنتين.

______________________________________________________

ويدل عليه ما سيجي‌ء في إبطال العول ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها وابنتها؟ قال : للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهما ، وللأبوين لكل واحد منهما السدس سهمين من اثني عشر سهما ، وبقي خمسة أسهم فهي للابنة ، لأنه لو كان ذكرا لم يكن له أكثر من خمسة أسهم من اثني عشر سهما ، لأن الأبوين لا ينقصان كل واحد منهما من السدس شيئا ، وان الزوج لا ينقص من الربع شيئا (١).

وان كان بدل الزوج الزوجة تحصل الزيادة ، فهي تنقسم على البنت والأبوين أخماسا ، فالمسألة من مائة وعشرين تضرب نصف الثمانية في الستة ثم الحاصل في خمسة مع عدم الحجب بالاخوة ومعها بها يقسّم الفاضل عليها وعلى الأب أرباعا ، فيضرب الحاصل في أربعة فيحصل ستة وتسعون فمنها (٢) المسألة.

وان معهما (٣) أحد الأبوين ، فلها حصتها الدنيا الثمن ، ولها النصف ،

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ حديث ٢ من أبواب ميراث الأبوين ج ١٧ ص ٤٦٥.

(٢) يعني من ستة وتسعين تصح المسألة.

(٣) يعني البنت والزوجة.


ولا عول في المسألتين.

______________________________________________________

ولأحدهما السدس ، والباقي يقسم عليهما ، وعلى احد الأبوين أرباعا ، فالمسألة من ستة وتسعين.

وان كانت أكثر من واحدة ، فلأحدهما حصته الدنيا ، ولكل واحد منهما السدس ، والباقي لهما أولهنّ ، فيردّ النقص عليهن على تقدير الزوج بالسدس ونصفه ، فالمسألة من اثني عشر (١).

وعلى تقدير الزوجة يقع النقص عليهن بنصف النقص الأول ، وهو الثمن ، فالمسألة من أربعة وعشرين.

وان كان معهن أحدهما واحد الأبوين فللزوج الربع ، ولأحدهما السدس ، ولهنّ الباقي ، فالنقص عليهن بنصف السدس ، والمسألة من اثني عشر.

ودليلهما يعلم ممّا تقدّم مع عدم العول.

وقوله : (ولا عول) إشارة إلى ردّ مذهب العامة من ارتكاب العول في المسألتين (الاولى) اجتماع احد الزوجين ـ زوجا أو زوجة ـ مع الأبوين والبنتين فصاعدا ، (والثانية) اجتماع الزوج مع أحدهما والبنتين فصاعدا.

ففي الاولى ان كان زوجا تزاد على الفريضة ثلاثة حتى تصير خمسة عشر فتصحّ منه ، وان كان زوجة تزاد عليها أيضا ثلاثة حتى تصير سبعة وعشرين فتصحّ منه.

وفي الثانية تزاد على اثني عشر واحدا آخر فيجعل الاثني عشر ثلاثة عشر حتى ينقسم صحيحا ، وهو ظاهر.

دليلنا النصّ والإجماع ، وسيجي‌ء بطلان العول.

__________________

(١) فإنه أقل عدد يحصل منه الربع والسدس ، فبعد نصيب الزوج منه (ثلاثة) ونصيب الأبوين (أربعة) يبقى للبنتين أولهما فصاعدا ، الخمسة ونصيبهما ثمانية فالنقص عليهن بثلث وهو السدس ونصفه كما لا يخفى (كذا في هامش بعض النسخ المخطوطة).


وللزوجة مع أحد الأبوين والبنتين الثمن ، ولأحد الأبوين السدس ، وللبنات الثلثان ، والباقي ردّ على احد الأبوين والبنات أخماسا.

ومع فقد الأولاد يقوم أولاد هم مقامهم في مقاسمة الأبوين ، ولكلّ نصيب من يتقرّب به.

______________________________________________________

وان كانت الزوجة مع أحدهما ، والبنتين فصاعدا ، فلها الثمن ، ولأحدهما السدس ، والثلثان لهنّ ، ويبقى واحد لا ينقسم عليهن ، وعلى أحدهما أخماسا ، فالمسألة من مائة وعشرين كما تقدم.

ودليله ـ مع فهمه ممّا تقدم ـ رواية زرارة ، قال : هذا ممّا ليس فيه اختلاف عند أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السّلام ، وعن أبي جعفر عليه السّلام انهما سئلا عن امرأة تركت زوجها وأمّها وابنتيها؟ قال : للزوج الربع ، وللام السدس ، وللبنتين ما بقي ، لأنهما لو كانا ابنين لم يكن لهما شي‌ء إلّا ما بقي ، ولا تزاد المرأة أبدا على نصيب الرجل لو كان مكانها (الى قوله) : ولا يرث احد من خلق الله مع الولد إلّا الأبوان والزوج والزوجة ، فان لم يكن ولد وكان ولد الولد ذكورا أو إناثا فإنهم بمنزلة الولد ، وولد البنتين بمنزلة البنين ، يرثون ميراث البنين ، وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات ويحجبون الأبوين والزوجين عن سهامهم الأكثر ، وان سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر يرثون ما يرث ولد الصلب ويحجبون ما يحجب ولد الصلب (١).

قوله : «ومع فقد الأولاد يقوم إلخ» إذا فقد الأولاد للصلب يقوم مقامهم أولادهم ويشاركون الأبوين مثل آبائهم ، فابن البنت يقوم مقامها ، وبنت

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ حديث ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٦٦.


ولبنت الابن الثلثان ، ولابن البنت ثلث.

ولو انفرد ابن البنت فله النصف والباقي بالردّ ، ويردّ عليه مع الأبوين كما يردّ على البنت.

ولولد الابن جميع المال ان انفرد ـ ذكرا كان أو أنثى ـ والفاضل

______________________________________________________

الابن تقوم مقامه ، فيأخذ الأبوان الثلث بينهما نصفان ، لكل واحد منهما السدس ، والباقي لهما ، له ثلث ، ولها ثلثان وغير ذلك من الاحكام.

فان انفردت بنت الابن فلها المال كلّه بالقرابة مثله.

وان انفرد ابن البنت فله النصف بالتسمية ، والباقي بالردّ مثل امه ، ويردّ عليه وعلى الأبوين الباقي بعد القسمة أخماسا ان كانا معه ، وعليه وعلى أحدهما أرباعا ان كان معه ، مثل البنت ، ولا ردّ مع ابنة الابن مثل أبيها ، بل لها الباقي بعد الثلث أو السدس وغير ذلك من الاحكام.

هذا هو المشهور ، ونسب في الكافي (١) والفقيه (٢) الى الفضل.

وقال الصدوق : وقد أخطأ الفضل في ذلك (الى ان قال) : وهذا ممّا زلّ به قدمه عن الطريق المستقيم (المستقيمة ـ فقيه) ، وهذا سبيل من يقيس.

وهذا مبالغة كثيرة في ردّه ، مع انه مذهب الأكثر ، والآن ما نجد قائلا بغيره الّا هو ، مع انه ما ذكر دليله ، ولا دليل الفضل.

وكأن دليله النصّ الذي سيجي‌ء ، ودليل الفضل القياس الى الولد الأعم في غير باب الميراث ، فيكون هنا أيضا كذلك كما سنذكره عنه.

وذهب الصدوق الى ان ولد الولد انّما يرث بعد ان لم يكن من الأبوين أحد ، فولد الولد عنده لا يرث مع أحدهما.

__________________

(١) راجع الكافي باب ميراث ولد الولد ج ٧ ص ٩٠ طبع الآخوندي.

(٢) راجع الفقيه ج ٤ باب ميراث الأبوين مع ولد الولد ص ٢٦٩ طبع مكتبة الصدوق.


عن الفرائض ان شارك.

______________________________________________________

ونسبه الشيخ في التهذيب والاستبصار الى بعض أصحابنا وغلّط صاحبه (١).

والّذي يمكن ان يستدل للصدوق ، ان العقل يجد أن ما دام الأقرب لا يرث الأبعد.

ويدل عليه ، الكتاب ، والسنة ، والإجماع أيضا إلّا ما خرج بنصّ ودليل ، مثل قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٢).

وصحيحة أبي أيوب الخزّاز ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : في كتاب علي عليه السّلام : ان كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به الّا ان يكون وارث أقرب الى الميّت منه فيحجبه (٣).

وصحيحة سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام ، قال : بنات الابنة يقمن مقام البنات إذا لم تكن للميّت بنات ولا وارث غير هن ، وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميّت ولد ولا وارث غير هن (٤).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : بنات الابنة يقمن مقام الابنة إذا لم تكن للميّت بنات ولا وارث غير هن ، وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميّت ولد ولا وارث غير هن (٥).

والظاهر ان (ولا وارث غير هن) عطف على (بنات) ، وان المراد ولم يكن للميّت وارث آخر غير البنات أيضا يكون في مرتبة البنات ويمكن تورّثه معهن

__________________

(١) كما سيأتي عن قريب نقل عبارة الشيخ رحمه الله.

(٢) الأنفال : ٧٥.

(٣) الوسائل باب ٥ ذيل حديث ٩ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٨٧.

(٤) الوسائل باب ٧ حديث ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٤٩.

(٥) الوسائل باب ٧ حديث ٤ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

مثل الأبوين ، أو المراد نفي مطلق وارث ، ولكن ليس لنفي غير الأبوين مدخلا (١) في إرث بنات البنات.

قال الشيخ : فاما ما ذكره بعض أصحابنا من ان ولد الولد لا يرث مع الأبوين واحتجاجه في ذلك بخبر سعد وعبد الرحمن فغلط ، لأن قوله عليه السّلام : (ولا وارث غيره) المراد بذلك إذا لم يكن للميّت الابن الذي يتقرّب ابن الابن به أو البنت التي تتقرب بنت البنت بها ولا وارث له غيره من الأولاد للصلب. والذي يكشف عما ذكرناه ما رواه محمّد ـ وذكر الإسناد الى عبد الرحمن ابن الحجّاج ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل احد قام مقام الابن ، قال : وابنة الابنة (البنت ـ خ ل) إذا لم يكن من صلب الرجل احد قامت مقام البنت (٢).

ويمكن أيضا التأييد بصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : بنات البنت (الابنة ـ ئل) يرثن إذا لم تكن بنات كنّ مكان البنات (٣).

وهي أعم من ان تكون مع الأبوين أم لا.

والعقل ليس بمستقل ، والآية (٤) مجملة كخبر أبي أيوب ، والإجماع ودلالتها على المطلوب غير ظاهر وبعد التسليم قابلة للتخصيص فتأمّل.

وقوله عليه السّلام : (ولا وارث إلخ) جملة معطوفة على قوله : (بنات الابنة

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها والصواب (مدخل) بالرفع.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٥ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٠. والى هنا عبارة الشيخ رحمه الله.

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٠.

(٤) الظاهر ان المراد بالآية آية (أُولُوا الْأَرْحامِ).


.................................................................................................

______________________________________________________

يقمن) يعني هنّ يرثن ولا يرث غيرهن كالبنات (إذا لم يكن للميّت ولد) فالحديثان عليه لا له ، فيخرج الأبوان بنصّ وإجماع.

ويحتمل أن يكون المعنى : وليس للبنات وارث غير بنات البنات ، والأخير يمكن على تقدير عطفه على بنات أيضا ، ويحتمل الحاليّة أيضا وهو أظهر.

ولكن قد يقال : الحمل الذي ذكره الشيخ بعيد جدّا كما ترى ، وكذا حملنا الأول وان كان الثاني لم يكن مثله ، والآية ظاهرة في الجملة وكذا الخبر ، والتخصيص غير ضرورة.

ومؤيّد الشيخ ضعيف ، لخزيمة بن يقطين (١) ، فإنه قال في كتاب ابن داود : م جخ مهمل.

ومؤيدنا (٢) كمؤيّد الشيخ عام يجب حمله على الخاص الذي هو دليل الصدوق ، الّا ان خصوصيّة دليل الصدوق في نفي الأبوين ليست بظاهرة بحيث توجب الحمل مع ما عرفت ، وإمكان أن يستدلّ للفضل بظاهر آية (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) (٣) ، فإنه قيد فيها كون السدس لهما بوجود الولد ، والثلث للام بعدمه.

والظاهر ان ولد الولد ولد في هذا المقام ، بل ادعى الإجماع عليه في شرح الشرائع وأشار إليه أيضا الفضل.

قال في الكافي : قال الفضل : من الدليل على خطأ القوم في ميراث ولد

__________________

(١) سنده كما عن التهذيب هكذا : محمّد بن الحسن الصفار عن إبراهيم بن هاشم ، عن صفوان ، عن خزيمة بن يقطين ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج.

(٢) وهو الذي ذكره آنفا بقوله قدّس سرّه : ويمكن أيضا التأييد إلخ راجع باب ٧ حديث ٢ ج ١٧ ص ٤٤٩.

(٣) النساء : ١٠ والآية الشريفة (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ» إلخ.


.................................................................................................

______________________________________________________

البنات انهم جعلوا ولد البنات ولد الرجل من صلبه في جميع الأحكام الّا في الميراث واجمعوا على ذلك ، فقالوا : لا تحل حليلة ابن الابنة للرجل ولا حليلة ابن ابن الابنة لقوله عزّ وجلّ (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) (١) ، فإذا كان ابن الابنة ابن الرجل لصلبه في هذا الموضع لم لا يكون في الميراث ابنه ، وكذلك قالوا : قد (٢) ذكر تحريم المصاهرة مثل زوجة الأب على ابن الابن لآية (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) (٣) وذكر عدم قبول شهادة الجدّ لولد الولد لأنه ولده.

ثمّ ذكر اسناد عيسى الى آدم ونوح بالذريّة ، وليس الّا من جهة الأم بواسطة كثيرة.

هذه كلّها جيّدة.

وتقييد أنّ إطلاق الولد على الواسطة أيضا يصحّ ، وانه حقيقة.

وفيه تأمّل لأن الإطلاق أعم ، مع ان المتبادر هو بغير الواسطة ، ولكن الظاهر هو الحقيقة ، وظهور بعض الأفراد لكثرة الاستعمال فيه لا يدلّ على كونه حقيقة وفي غيره من الافراد مجازا ، وقد مرّ البحث فيه مرارا مفصّلا فتذكّر.

ولكن الأحسن في الإلزام هنا ان يذكر الفضل انهم يثبتون للزوج والزوجة نصيبهما الأدنى مع ولد الولد بقوله تعالى (إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) (٤) مثلا فيجعلون ولد الولد في الميراث أيضا ولدا ومانعا لحظّ من تعلّق حظّه بعدمه ، فكيف لا يجعلون ذلك في الأبوين مع تعليق سدسهم بالولد ، وثلث الام وثلثي الأب بعدمه.

وكذا يجعلون النصف للبنت ، والثلثين للبنتين فصاعدا ويقسمون للأولاد

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) من هنا : إلخ نقل بالمعنى.

(٣) النساء : ٢٢.

(٤) النساء : ١١.


.................................................................................................

______________________________________________________

للذكر مثل حظ الأنثيين وان كانوا بواسطة ووسائط ، وهذا وارد على القوم وعلى الصدوق.

الّا ان يقولوا هنا : الخبر (١) دلّ على ان المراد الولد فقط ، ويؤيّده التبادر.

والفرق بين الزوجين والأبوين ، ان الزوجين يرثان بالسبب وهما بالقرابة والنسب ، فلا يتفاوت الحال في الزوجين بخلافهما ، فالزوجان يمنعهما أيّ نسب كان قريبا أو بعيدا ، بخلاف الأبوين.

غير ان الخبر قد عرفت حاله ، وكذا التبادر ، والفرق ضعيف كما ترى فتأمّل.

ويرد على الفضل أيضا ومن قال بمقالته انه إذا كان ثبوت الإرث لولد الولد للآية لانه ولده ، مثل ولد الصلب ، فيجب ان يكون القسمة بينهم مثل القسمة بين أولاد الصلب (الأولاد للصلب ـ خ) فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين لقوله تعالى «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» (٢) ، فلا يصحّ جعل ابن البنت بمنزلتها وإعطائه الثلث وجعل ابنة الابن بمنزلته وإعطائها الثلثان (٣) كما نقل عنه في الفقيه (٤) وان نقل عنه في الكافي (٥) كلامه المشتمل عليهما معا ، فكلامه

__________________

(١) تقدم آنفا.

(٢) النساء : ١١.

(٣) هكذا في النسخ والصواب (الثلثين بالنصب).

(٤) قال في باب ميراث الأبوين مع ولد الولد ما هذا لفظه : وقال الفضل بن شاذان رضي الله عنه خلاف قولنا في هذه المسألة وأخطأ ، قال : ان تركت ابن ابنة وابنة ابن وأبوين فللأبوين السدسان وما بقي فلبنت الابن من ذلك الثلثان ، ولابن الابنة (البنت ـ خ) من ذلك الثلث ، تقوم ابنة الابن مقام أبيها وابن الابنة (البنت ـ خ) مقام امه ، وهذا ممّا زل به قدمه عن الطريقة المستقيمة ، وهذا سبيل من يقيس (انتهى) ج ٤ ص ١٩٧ الطبع الآخوندي.

(٥) قال في باب ميراث ولد الولد من كتاب المواريث ما هذا لفظه : قال الفضل : وولد الولد ابدا


.................................................................................................

______________________________________________________

ينافي بعضه بعضا على ما رأيته في الكافي لعلّه غلط وسهو من قلمه أو من قلم الناسخ.

نعم انما يناسب ذلك على مذهب الصدوق والقوم أيضا فإنهم يورّثونهم للقرابة ، ولتقرّبهم بآبائهم كما دل عليه دليلهم ، فبنت الابن مثل الابن يأخذ الثلثين ، وابن البنت مثلها يأخذ الثلث.

وكأن القوم نظروا الى الآية في أصل الإرث وثبوته ، والى الاعتبار والأخبار في النصيب حيث كانت فيها : ان أولاد الأولاد بمنزلة الأولاد (١) فهو شامل في أخذ الحظّ والنصيب أيضا ، وأوّلوا ما فيها من قوله عليه السّلام : (ولا وارث غير هن) بما تقدم من تأويل الشيخ وغيره.

ويمكن القول بأنهم ولد وحكمهم حكمهم في التقسيم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين كما هو ظاهر شمول الآية لهم ، ويكون الخبر في أخذ أصل الإرث وثبوته لهم لا في جميع الخصوصيات حتى تعيين الحصّة ، فإن ذلك قد علم من قبل بآية «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (٢) ، مطلقا في الأولاد ، بل غير هم أيضا كما سيجي‌ء.

وبالجملة ، المناسب بمذهب الفضل والمتأخرين كون حصّتهم مثل أولاد الصلب للذكر مثل حظ الأنثيين لا نصيب من يتقرب به ، بخلاف مذهب الصدوق

__________________

يقومون مقام الولد إذا لم يكن ولد الصلب لا يرث معهم الّا الولدان والزوج والزوجة ، فان ترك ابن ابن وابنة ابن فالمال بينهما للذكر مثل حظّ الأنثيين ، فإن ترك ابن ابن وابن ابنة فلابن الابن الثلثان ولابن الابنة الثلث ، وان ترك ابنة ابن وابن ابنة فلابنة الابن الثلثان نصيب الابن ولابن الابنة (البنت ـ خ) الثلث نصيب الابنة وان ترك ابنة ابن وابنة فلابنة الابن الثلثان ولابنة الابنة الثلث إلخ (انتهى موضع الحاجة من كلامه) ج ٧ ص ٨٨.

(١) راجع باب ٧ من أبواب ميراث الأبوين من الوسائل ج ١٧ ص ٤٤٩.

(٢) النساء : ١١.


.................................................................................................

______________________________________________________

وان أمكن هنا أيضا ذلك لما قلناه من احتمال معنى الخبر وكونه في ثبوت أصل الإرث.

والحاصل أنّ المسألة مشكلة ، والقول بظاهر الآية وبعض الاخبار (١) كما قاله المتأخرون في أصل إرثهم مع الأبوين لا يخلو عن قرب ، والشهرة مؤيّدة.

ولكن يقتضي ذلك جعلهم مثل أولاد الصلب في تعيين النصيب وأخذ الحصّة أيضا للذكر مثل حظ الأنثيين.

ولا ينافي الأخبار صريحا ذلك ، لاحتمال قوله : (يقمن مقام الابن) (٢) في أخذ الإرث والتقسيم للذكر مثل حظ الأنثيين لا في تعيين حصّتهم معهم ، فإنه يعلم من موضع آخر يعني ان ولد الولد يقوم مقام من يتقرب به في أخذ الإرث ، ولكن ينظر إليه فإن كان ذكرا يأخذ حصّة الذكر وان كان أنثى يأخذ حصّتها ، فتأمّل.

واعلم ان المذاهب في أولاد الأولاد ثلاثة (الأول) مذهب الصدوق وهو عدم اجتماعهم مع الأبوين في الإرث فإنهما واحد هما مقدم ، ومع عدمهما يرثون نصيب آبائهم ولا يخلو عن قرب.

(والثاني) أنهم يجتمعون مع الأبوين ويمنعونهما عن الثلث والثلثين الى السدس وينزلون منزلة آبائهم في أخذ نصيبهم ، وهو المشهور الآن ، ولا يخلو عن بعد لما عرفت.

(والثالث) يرثون معهما ويمنعونهما عن نصيبهما الأعلى إلى السدس كالزوجين مثل الأولاد للصلب ويقسمون الإرث مثلهم ، للذكر مثل حظ الأنثيين.

وبالجملة انهم أولاد ، وكأنه مذهب السيد وابن إدريس وابن أبي عقيل ،

__________________

(١) الظاهر ان المراد الخبر المشار إليه آنفا وهو حديث ٥ من باب ٧ ج ١٧ ص ٤٥٠ من الوسائل.

(٢) راجع الوسائل باب ٧ حديث ٤ ج ١٧ ص ٤٥٠ كما مرّ آنفا.


ولا يرث ولد الولد ذكرا كان أو أنثى مع ولد الصلب ذكرا أو أنثى وكل أقرب يمنع الأبعد.

ويشاركون الزوج والزوجة كآبائهم.

وكلّ من أولاد الابن وأولاد البنت يقتسمون المال للذكر مثل

______________________________________________________

وهو قريب ولكنه خلاف المشهور.

ويفهم من كلام السيّد أن كون ولد الولد ولدا حقيقة إجماعي عندنا ومتفق عليه بيننا فتأمّل.

قوله : «ولا يرث ولد الولد إلخ» وجه عدم ارث ولد الولد مع الولد للصلب سواء كانا ذكرين أو أنثيين أو مختلفين ، وسواء كان الولد أبا الولد أو عمّه أو عمّته (أو أمه ـ خ) أو خالته أو خالة ظاهر ، وكذا (هكذا ـ خ) كلّ قريب من الأولاد يمنع البعيد فولد الولد يمنع ولد ولد الولد وهكذا.

ويحتمل ان يكون المعنى كلّ قريب في مرتبة يمنع البعيد في تلك المرتبة إلّا في المسألة المتفقة عليها ، أو أن كل قريب يمنع البعيد مطلقا إلّا ما استثني ، مثل الأبوين لا يمنعان ولد الولد مع القرب والبعد على ما هو المشهور ، وقد تقدمت.

قوله : «ويشاركون الزوج والزوجة إلخ» فيمنعونهما من نصيبهما الأعلى إلى الأدنى كآبائهم.

وجهه كونهم أولادا وقد قيّد نصيبهما الأعلى بعدم الولد ، وهو مؤيّد لكونهم ولدا حقيقة كما مرّ فتأمّل.

قوله : «وكلّ من أولاد الابن إلخ» إذا أخذ الثلث أولاد البنت يقسّمون بالسوية ان كانوا متّحدي الجنس ، وان كانوا مختلفين فيه يقسّم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين لقوله تعالى (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (١).

__________________

(١) النساء : ١١.


حظ الأنثيين.

ويمنع الأولاد كلّ من يتقرب بالأبوين من الاخوة والأجداد ، والأعمام ، والأخوال ، وأولادهم ومن يتقرّب بهم كأولاد الأولاد ، وكذا أولاد الأولاد.

والأبوان يمنعان آبائهم لكن يستحب الإطعام ـ ان زاد النصيب عن السدس ـ بسدس الأصل ، فلو كان الأبوان مع اخوة استحب للأب طعمة أبويه دون الأم ، فلو كان معهما زوج استحب للأم طعمة أبويها دون الأب.

______________________________________________________

ونقل عن بعض الأصحاب كونه بينهم بالسويّة مطلقا ، ووجهه غير ظاهر.

وكذا ان أخذ الثلثين أولاد الابن يقسّمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، وهو أظهر إذ لا خلاف فيه ، وهو مؤيّد لما قلناه من كونهم أولادا فيكون حكمهم حكم الأولاد للصلب فتأمّل.

قوله : «ويمنع الأولاد كلّ من يتقرب إلخ» يعني يمنع أولاد الصلب جميع من يتقرب بالأبوين إلى الميّت أي لا يمنعون الأبوين فقط ، ويمنع من سواهما من الأنساب ممن يتقرب بابويهم مثل اخوة الميّت ، وأجداده ، والأعمام ، والأخوال ، وأولادهم.

ويمنعون أيضا من يتقرب بهم مثل أولادهم ، وهم أولاد الأولاد.

وكذا يمنع أولاد الأولاد من يتقرب بالأبوين إلى الميّت من الاخوة والأجداد والأعمام وغيرهم مثل من تقدّم ، وكل ذلك واضح ، بل علم مرارا.

قوله : «والأبوان يمنعان آبائهم لكن يستحب الإطعام إلخ» منع الأبوين آبائهما ، بل سائر من يتقرّب بهم وبالميّت من جهتهم أيضا ظهر ممّا تقدم ، وسيجي‌ء دليله.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن ذكره لتمهيد استحباب الطعمة أي يستحب لأب الميت وأمّه ان يطعم من ميراث ولده الذي وصل إليه أباه وامه جدّ الميّت وجدّته ، لكونهما محرومين من الإرث بهما ، بسدس من الأصل ان زاد نصيبه عنه.

فالظاهر ان يكون الزائد سدسا حتى يستحب الطعمة وانه لا يكون أقلّ من السدس أصلا.

فإذا كان الزيادة أقل من السدس لم يستحب الطعمة ، هذا ظاهر العبارة.

ويحتمل ـ كما ذكره البعض ـ ان يكون استحباب السدس موقوفا على زيادة السدس ، فيكون مع الزيادة في الجملة استحباب تلك الزيادة لا السدس.

وبالجملة ، يحتمل ان يكون استحباب الطعمة مع زيادة النصيب عن السدس في الجملة ، فإن كانت سدسا أو أكثر ، فالاستحباب بالسدس فقط والّا فبالأقل ، فالاستحباب إطعام أقل الأمرين من السدس وأقلّ ، فالطعمة مشروطة بزيادة نصيب المطعم عن (على ـ خ) السدس.

فإذا كان مع الأبوين الاخوة الحاجبة للأم إلى السدس لم يستحب الطعمة للام ، بل للأب خاصّة أن يطعم أبويه.

فإذا كان معهما زوج استحبّ الطعمة للام لأبويها دون الأب ، إذ الزوج يأخذ النصف ، والأم الثلث ، ويبقى للأب السدس فقط ، فما حصل شرط استحباب الطعمة بالنسبة إليه.

وعلى الأم ان تطعم أبويها بالزائد ، وهو السدس يقسّم بينهما نصفين كلّ واحد نصف السدس.

هذا مع عدم الحجب بها الى السدس ، ومعه فلا استحباب لها ، بل للأب فقط ، وهو ظاهر.

ولكن ينبغي التأمل في دليل المسألة والحكم بمقتضاه.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويجب أوّلا بيان عدم إرث الأجداد مع الأبوين ثم الدليل على الاستحباب.

وعدم الإرث هو المشهور ، بل كاد ان يكون إجماعا ، إذ ما نقل الخلاف إلّا عن ابن الجنيد ، وهو يجعل الفاضل عن سهام البنت والأبوين للجدّين والجدّتين ، فالطعمة المشهورة تكون واجبة عنده في بعض الافراد ، وتكون ميراثا.

ودليله عليه غير واضح وليس أدلّة الطعمة دليله ، إذ لو كانت لكان القول بالوجوب مطلقا عنده متيقنا ، لا في بعض الأفراد فتأمّل.

والدليل على عدم إرثهم وعلى عدم وجوب ذلك هو ظاهر القرآن ، فإنه جعل للأبوين لكلّ واحد منهما السدس مع الولد ، فدل على انه على تقدير الولد المال ينقسم بين الولد والأبوين فقط ، والثلث لهما ، والباقي له.

وكذا ان لم يكن له ولد جعل للام الثلث مع عدم الحجب ، والسدس معه ، والباقي للأب ، فما بقي لأحد شي‌ء.

والمراد بالأبوين هنا هو الأب والامّ فقط بغير خلاف على الظاهر ، ولأنّ السدس والثلثين ليسا للأب والأجداد وكذا السدس والثلث مثلا ليسا للام والجدّات ، بل ولا قائل بالاستحباب أيضا في بعض أفراده ، إذ الطعمة بعد الزيادة عن السدس لمن يتقرب به.

وأيضا لو كان الجدّ الأول والجدّة الاولى مرادين وشريكين مع ولد هما يكون آباؤهما وجميع الأجداد كذلك ، لعدم الفرق وصدق الآباء امّا حقيقة أو مجازا كالأوّلين وهو ظاهر ، ولا قائل به ، ولا دليل على الطعمة أيضا كما ستقف على دليل الطعمة.

وأيضا ظهور آية (أُولُوا الْأَرْحامِ) (١) ـ مع تفسيرها بأن الأقرب أولى من

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

الأبعد ـ يدلّ على عدم إرثهم ، وكذا الاعتبار ، والاخبار الدالّة عليه كما مرّ.

مثل صحيحة أبي أيوب الخزاز ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : ان في كتاب علي عليه السّلام : أن كلّ ذي رحم (فهو ـ ئل) بمنزلة الرحم الذي يجرّ به الّا ان يكون وارث أقرب الى الميّت منه فيحجبه (١).

ولا شكّ في قرب الأب والام والولد الى الميّت من الجدّين.

ولأنه قد دلت الأدلة ، كتابا وسنّة وإجماعا على انهم بمنزلة الاخوة وأولادهم ويجتمعون معهم ويأخذون مثل حصّتهم ، وسيجي‌ء ذلك. فلا يكونون مثل من هو مقدّم عليهم ، فان الولد والأبوين مقدّم على الأخوة وأولادهم ، ولا يأخذ الإخوة معهم شيئا أصلا.

ولأن قربهم إليه لولدهم ، فولدهم مقدّم عليهم كما ان قرب الاخوة بسبب أبويهم وانما يرثون بعدهم.

ويدل عليه أيضا ما دلّت على عدم اجتماع أحد الأبوين غير الزوج والزوجة مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، وما في صحيحة زرارة ، المتقدمتان (٢) ، من قوله : (ولا يرث مع الام ولا مع الأب ولا مع الابن ولا مع الابنة أحد خلقه الله غير الزوج والزوجة) (زوج أو زوجة ـ ئل) (٣).

ومعلوم ان المراد بالأم والأب غير الجدّين ، وهو ظاهر.

وما يدل على تقسيم ميراث الأبوين ، مثل صحيحة زرارة عن أبي جعفر

__________________

(١) الوسائل باب ٢ قطعة من حديث ٦ من أبواب ميراث الأعمام والأخوال ج ١٧ ص ٥٠٥.

(٢) هكذا في النسخ والصواب (المتقدمتين) بالنصب.

(٣) لاحظ الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب ميراث الأبوين وحديث ٧ من باب ٨ من أبواب موجبات الإرث ج ١٧ ص ٤٣٤ وص ٤٢٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام في رجل مات وترك أبويه؟ قال : للأب سهمان ، وللام سهم (١) وغيرها.

وما يدل على قسمة ميراث الأبوين والولد مثل حسنة محمّد بن مسلم الطويلة في التهذيب والكافي ، وصحيحته في الفقيه ، قال : أقرأني أبو جعفر عليه السّلام صحيفة كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وخطّ علي عليه السّلام بيده ، فوجدت فيها : رجل ترك ابنته وامه ، للابنة النصف ثلاثة أسهم ، وللام السدس سهم ، يقسّم المال على أربعة أسهم ، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة ، وما أصاب سهما فللأم ، قال : وقرأت فيها : رجل ترك ابنته وأباه للابنة النصف ثلاثة أسهم ، وللأب ، السدس سهم ، يقسّم المال على أربعة أسهم ، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة ، وما أصاب سهما فللأب (٢).

وكذا ما يدل على تقسيم ميراث الولد والأبوين والزوجة ، مثل حسنة عمر بن أذينة ، عن زرارة ، قال : قلت له : اني سمعت محمّد بن مسلم وبكيرا يرويان عن أبي جعفر عليه السّلام في زوج وأبوين وابنة ، للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهما ، وللأبوين السدسان أربعة أسهم من اثني عشر سهما ، وبقي خمسة أسهم ، فهو للابنة ، لأنها لو كانت ذكرا لم يكن لها غير خمسة من اثني عشر (الى قوله) : فقال زرارة : هذا هو الحق ، الحديث (٣).

وصحيحة زرارة ـ في الفقيه ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل مات وترك أبويه؟ قال : للام الثلث ، وللأب الثلثان (٤) ، تأمّل فيها.

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٣.

(٢) الوسائل باب ١٧ صدر حديث ١ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٦٣.

(٣) الوسائل باب ١٨ قطعة من حديث ١ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٦٥.

(٤) الوسائل باب ٩ حديث ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

وتدل عليه بخصوصه صحيحة عبد الله بن جعفر ـ كأنه الحميري الثقة ـ قال : كتبت الى أبي محمّد عليه السّلام : امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها وجدّها أو جدّتها كيف يقسم ميراثها؟ فوقّع عليه السّلام : للزوج النصف ، وما بقي للأبوين (١).

ورواية علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل مات وترك أباه وعمّه وجده؟ قال : فقال : حجب الأب الجدّ ، الميراث للأب وليس للعم ولا للجدّ شي‌ء (٢).

ورواية الحسن بن صالح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن امرأة مملكة لم يدخل بها زوجها ماتت وتركت أمها وأخوين لها من أبيها وأمها ، وجدّها أبا أمّها ، وزوجها؟ قال : يعطى الزوج النصف ، وتعطى الام الباقي ، ولا يعطى الجدّ شيئا لأن ابنته حجبته عن الميراث ، ولا يعطى الإخوة شيئا (٣).

وتدلّ على الطعمة صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قلت : ان بنتي هلكت وأمّي حيّة؟ فقال أبان بن تغلب ـ وكان عنده ـ : ليس لأمك شي‌ء فقال أبو عبد الله عليه السّلام : سبحان الله ، أعطها السدس (٤).

قال الشيخ : هي لا تنافي ما قدّمناه من الاخبار من ان الجدّ لا يستحق الميراث لان هذا انما جعل للجدّ أو الجدّة على جهة الطعمة ، لا على وجه الميراث.

وأيّد بحسنة جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : ان

__________________

(١) الوسائل باب ١٩ حديث ٤ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٦٨.

(٢) الوسائل باب ١٩ حديث ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٦٨.

(٣) الوسائل باب ١٩ حديث ٢ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٦٨.

(٤) الوسائل باب ٢٠ نحو حديث ٦ ج ١٧ ص ٤٧١ وهو مطابق لما نقله في التهذيب.


.................................................................................................

______________________________________________________

رسول الله صلّى الله عليه وآله أطعم الجدّة ـ أم الأم ـ السدس وابنتها حيّة (١).

وبموثقة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام ان رسول الله صلّى الله عليه وآله أطعم الجدّة السدس ولم يفرض لها شيئا (٢).

ومثله رواية أخرى له عنه عليه السّلام قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : ان نبيّ الله صلّى الله عليه وآله أطعم الجدّ السدس طعمة (٣).

ثم قال (٤) على أنّ الطعمة انما تكون للجدّ أو الجدّة إذا كان ولدهما حيّا فأما مع عدمه فليس لهما طعمة أيضا على حال.

ودل عليه بحسنة جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليه السّلام أن رسول الله صلّى الله عليه وآله أطعم الجدّة أم الأب السدس وابنها حيّ ، وأطعم الجدّة أم الأم السدس وابنتها حيّة (٥).

ورواية إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في أبوين وجدّة لأم؟ قال : للام السدس ، وللجدّة السدس ، وما بقي وهو الثلثان للأب (٦).

ورواية علي بن الحسن بن رباط رفعه الى أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : الجدّة لها السدس مع ابنها ومع ابنتها (٧).

وأنت تعلم أن الطعمة لا تنافي كونها إرثا الّا ان يكون اصطلاحا عندهم.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٠ حديث ١ ج ١٧ ص ٤٦٩ وهو مطابق لما نقله في التهذيب.

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ٣ ج ١٧ ص ٤٧٠ وهو مطابق لما نقله في التهذيب.

(٣) الوسائل باب ٢٠ حديث ٤ ج ١٧ ص ٤٧٠ وهو مطابق لما نقله في التهذيب.

(٤) يعني الشيخ في التهذيب.

(٥) الوسائل باب ٢٠ حديث ١ و ٩ من أبواب ميراث الأبوين ج ١٧ ص ٤٦٩.

(٦) الوسائل باب ٢٠ حديث ١٠ من أبواب ميراث الأبوين ج ١٧ ص ٤٧٢.

(٧) الوسائل باب ٢٠ حديث ١١ من أبواب ميراث الأبوين ج ١٧ ص ٤٧٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

مع ان التعبير عن الإرث بالطعمة مشعر بما قاله الشيخ.

وانه (١) لا دلالة فيها على خصوص مذهب ابن الجنيد القائل بوجوب الطعمة.

وعلى الحصر الّذي ادّعاه الشيخ وغيره ، من أنّ الطعمة انما تكون مع وجود ولد الجدّ أو الجدّة وانما يطعمهما ولد هما لا غير.

نعم المذكور في حسنة الجميل من فعله صلوات الله عليه وعلى آله انه كان كذلك وكذا خبر إسحاق.

وان الرواية الصحيحة (٢) دلّت على أن للجدّة سدسا مع ابنها ، والثلاثة التي بعدها (٣) دلّت على أن للجدة سدسا مع ابنها.

والثلاثة التي بعدها (٤) دلت على ان للجدّة والجدّ السدس ، وما ذكر مع من؟ ودلت رواية إسحاق (٥) على ان للجدّة أم الأم مع الأبوين السدس ، وفي الرواية الأخيرة (٦) ان للجدّة مطلقا السدس مع ابنها وابنتها.

وان ظاهرها ان الطعمة لا تنقص عن السدس ولا تزيد عليه كما هو ظاهر أكثر المتون.

ويحتمل الاحتمال المتقدم الذي نقلناه عن البعض ولكن لا صراحة في الاخبار عليه لما عرفت.

كما انه لا دلالة فيها صريحة على الطعمة من غير الولد المطعم ، ولا على

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : ان الطعمة إلخ وكذا قوله قدّس سرّه : وان الرواية الصحيحة إلخ.

(٢) وهي صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج.

(٣) هي حسنة جميل وموثقة زرارة ورواية أخرى له المتقدمات آنفا.

(٤) هي حسنة جميل بن درّاج ورواية إسحاق بن عمار ورواية علي بن الحسن بن رباط المتقدمات.

(٥) راجع الوسائل باب ٢٠ حديث ١٠ من أبواب ميراث الأبوين ج ١٧ ص ٤٧٢.

(٦) راجع الوسائل باب ٢٠ حديث ١١ من أبواب ميراث الأبوين ج ١٧ ص ٤٧٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

اشتراطها منه وان كان فهمه من بعضها وسوقها غير بعيد ولهذا شرطوه في المتون كما نقلناه عن الشيخ أيضا.

ولكن العمل بالعموم أولى ، فإن ظاهر لفظ الصحيحة الأولى (١) عام بأن الله أعطاها ـ أي الجدّة ـ السدس.

وبالجملة ، العمل بمضمون الأخبار موجب للسلامة من الاخطار ، وانها لا تدل على كون هذا السدس الذي هو الطعمة من حصّة ولد أجداد الميّت ، وانه لا بدّ ان تكون حصّته زائدة على السدس بالسدس حتى يستحب ، بل مضمونها كما عرفت إعطاء السدس وهو ظاهر في سدس الأصل مطلقا.

نعم إذا قيل : انها من حصّة من يتقرّب به لا بدّ من وجود السدس في تلك الحصّة وهو ظاهر.

واما كونها زائدة على السدس بسدس فلا بدّ من كونها ثلثا ، فلا يفهم منها ، فكأنهم فهموا بضرب من الاعتبار والاجتهاد ، وبأن الطعمة سدس ولا معنى لزيادتها على حصّة المطعم فلا يكون الّا مع كونها ثلثا وما فوق فتأمّل واعمل بمضمون ما هو الحجّة.

واعلم ان قوله تعالى (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) (٢) يدل على وجوب إعطاء شي‌ء حال القسمة إلى هؤلاء وقيل : نسخت بآية الإرث ، ولا منافاة ، والأصل عدم النسخ.

وقيل : محمولة على الاستحباب ، فيحتمل كون (أولوا القربى) الجدّين ،

__________________

(١) هي صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج التي نقلها في اولى أخبار الطعمة بقوله قدّس سرّه : وتدل على الطعمة إلخ.

(٢) النساء : ٨.


ويحبى الولد للصلب المؤمن الذكر الأكبر غير السفيه بثياب بدن أبيه ، وخاتمه ، وسيفه ، ومصحفه ان خلّف الميّت غيرها ، وعليه ما فات الأب من صلاة وصيام ، ولو كان الأكبر أنثى خصّ أكبر الذكور.

______________________________________________________

وعموم الوارث الذي لا يرث كما قيل ، ولكن قيل : ضمير (منه) راجع الى ما ترك الوالدان ، فيكون الاستحباب مخصوصا بالولد ومن يرث معه ويمكن ارادة ما ترك الميّت فتأمّل.

قوله : «ويحبى الولد للصلب إلخ» ظاهره وجوب الحبوة المذكورة للولد المذكور ويحتمل استحبابها ، ويؤيّده ترك الوجوب وذكرها بعد استحباب الطعمة المشعر بالاستحباب.

الكلام هنا في وجوبها واستحبابها وفيما يحبى به

ومن يحبى له والشرائط

ظاهر المتن هنا الوجوب ، وكون المحبي الولد للصلب له ، أي الولد الأول لا ولد الولد أيضا بشرط كونه مؤمنا.

ظاهره ، المؤمن بالمعنى الأخص ، فلا حبوة للمخالف.

وكونه أكبر الأولاد الموجودين ، ويحتمل كونه أكبر مطلقا وهو بعيد.

وذكرا فلا حبوة للنساء ، ولا للذكر إذا كان الأكبر أنثى.

ويحتمل ان يكون أكبر الذكور ، بل كونه لا أكبر منه ذكرا ، فلو كان ذكر وحده أو مع النساء ولو كنّ أكبر منه يكون له الحبوة.

وكذا لو كان معهم ذكور ، ويكون الواحد أكبر منهم وان كان أصغر منهن ، وإليه أشار بقوله : (ولو كان الأكبر أنثى) خصّ أكبر الذكور.

ويشترط كونه رشيدا غير سفيه.

وظاهر المتن (١) مشعر بكونها عوضا عما عليه أن يفعل للميّت ممّا ترك من

__________________

(١) بقرينة قوله رحمه الله : وعليه ما فات الأب من صلاة أو صيام.


.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة والصيام ، وقد مرّ وجوبهما على الولي مفصّلا فتذكر (١).

ويحتمل كون مقصوده عدم الاشتراط كما هو الأصل ، بل مجرد بيان ماله وما عليه فتأمّل.

وما يحبى به في المتن : ثياب بدنه التي تهيّأت للبس وان كثرت ولم تلبس ، ويحتمل اللبس في الجملة وعدم الخروج عن العادة.

وظاهر (خاتمه وسيفه ومصحفه) وحدتها ، ويحتمل العموم والجنس يشرط ان يخلّف الميّت مالا آخر غيرها يكون ميراثا ، فيكون غير الدّين والوصيّة أيضا.

وينبغي التأمل في الدليل فننقل الأدلة التي هي دليل أصل المسألة حتى تعلم ويعمل بمقتضاها.

فالأصل وآيات الإرث دليل عدم الحبوة ، لأنها بظاهرها تدلّ على انقسام جميع ما ترك على الوجه المذكور فيها ، مثل كون الربع والثمن للزوجين ، والثلث للام ، والسدس للأبوين ، والنصف للبنت الواحدة ، والثلثين للبنتين فصاعدا فللذكر مثل حظ الأنثيين ، فإنها وردت بلفظ عام ، مثل (نصف ما ترك) وعموم الأخبار الدالة على ميراث الأولاد وحدهم ، ومع من يجتمع معهم من الأزواج والأبوين فافهم.

واما الأخبار الدالّ ثبوتها ، فهي صحيحة ربعي بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا مات الرجل فلأكبر ولده : سيفه ، ومصحفه ، وخاتمه ، ودرعه (٢).

في صحتها إشكال من جهة توقفها على توثيق محمّد بن إسماعيل الذي ينقل عنه محمّد بن يعقوب وينقل هو عن الفضل بن شاذان (٣) ، لأنه ان كان ابن

__________________

(١) راجع كتاب الصوم ج ٥ ص ٢٦٤. ص ٢٧٩ من مجمع الفائدة.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٣٩.

(٣) سندها كما في الكافي ـ باب ما يرث الكبير من الولد ـ هكذا : محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن


.................................................................................................

______________________________________________________

بزيع الثقة ففي ملاقاته بعد ، وان كان غيره فغير ظاهر ، ولكن صرّحوا بصحّة مثل هذا الخبر ، وهو كثير جدّا وبخصوص هذه أيضا من غير توقف فتأمّل.

وصحيحته أيضا عنه عليه السّلام ، قال : إذا مات الرجل فسيفه ، وخاتمه ، ومصحفه ، وكتبه ، ورحله ، وراحلته ، وكسوته لأكبر ولده ، فان كان الأكبر بنتا (ابنة ـ ئل) فللأكبر من الذكور (١).

فيها إشعار بأن المراد ، الأكبر من الذكور ، بل المراد لا أكبر منهم منه كما سيجي‌ء في مرسلة حريز.

وفي صحتها أيضا شي‌ء لوجود محمّد بن خالد البرقي ، فيه تأمل لعدم توثيق النجاشي إياه وذكره ما يدلّ على ضعفه ، ولكن وثّقه الشيخ وتبعه العلّامة وغيره ، وهي صحيحة في الفقيه (٢) من غير إشكال.

ولكن ليس في الفقيه (راحلته) ، وهي مشتملة على ما لا يعرف القائل به ، من (كتبه) الدالّة على الجميع (الرحل والراحلة).

والظاهر ان الكسوة هي الثياب ـ ثياب بدنه.

وموثقة أبي بصير (له) ، لاحتمال أنه يحيي بن القاسم لنقل شعيب بن

__________________

شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن ربعي بن عبد الله. الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب ميراث الأبوين ج ١٧ ص ٤٣٩.

(١) سندها فيه في الباب المذكور هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله.

(٢) روى في الفقيه باب نوادر الميراث ج ٤ ص ٣٤٦ طبع مكتبة الصدوق : عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبد الله وطريقه الى حماد بن عيسى ـ كما في مشيخة الفقيه ص ٤٥٧ هكذا : وما كان فيه عن حماد بن عيسى فقد رويته ، عن أبي ـ رضي الله عنه ـ ، عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم ويعقوب بن يزيد ، عن حماد بن عيسى الجهني ، ورويته ، عن أبي رضي الله عنه ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى.


.................................................................................................

______________________________________________________

يعقوب الذي ابن أخته عنه (١) ، ـ ويحتمل كونه ليث البختري فهي صحيحة ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : الميّت إذا مات ، فان لابنه الأكبر : السيف ، والرحل ، والثياب ـ ثياب جلده ـ (٢).

وهذه مروية في التهذيب (٣) ، عن شعيب العقرقوفي بزيادة غير جيّدة (٤) لعلّه غلط. ورواية زرارة ، ومحمّد بن مسلم ، وبكير ، وفضيل بن يسار ، عن أحدهما عليهما السّلام ان الرجل إذا ترك سيفا أو سلاحا فهو لابنه ، فان كانوا اثنين فهو لأكبرهما (٥).

قال الشهيد الثاني في الرسالة (٦) : أنها موثقة وليست بظاهرة لوجود محمّد بن زياد بن عيسى (٧) المجهول ، وعدم ظهور الطريق الى علي بن الحسن بن فضال

__________________

(١) سندها ـ كما نقله الفقيه في باب نوادر الميراث ـ هكذا : روى حماد بن عيسى عن شعيب بن يعقوب ، عن أبي بصير.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٥ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٤٠.

(٣) في التهذيب باب ميراث الأولاد من كتاب الفرائض حديث ٩ : علي بن الحسن بن فضال ، عن احمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن شعيب العقرقوفي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يموت ماله من متاع بيته؟ قال : السيف وقال : الميّت إذا مات إلخ نقله الشارح قدّس سرّه من الفقيه وأورده في الوسائل باب ٣ حديث ٧ من أبواب ميراث الأبوين.

(٤) الظاهر ان مراد الشارح قدّس سرّه من الزيادة قول الراوي : الرجل يموت ماله من متاع بيته؟ قال : السيف فإنه لا وجه لهذا الكلام سؤالا وجوابا كما لا يخفى ولعله لذا قال الشارح قدّس سرّه : (لعله غلط) والله العالم.

(٥) الوسائل باب ٣ حديث ٦ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٤٠.

(٦) فان للشهيد الثاني قدّس سرّه رسائل عديدة على ما نقله في تنقيح المقال عن أمل الآمل منها رسالة في أحكام الحبوة فلاحظ تنقيح المقال للمحقق المتتبع المامقاني رحمه الله ج ١ ص ٤٧٢.

(٧) سندها كما في التهذيب باب ميراث الأولاد حديث ١٠ هكذا : علي بن الحسن بن فضال ، عن علي بن أسباط ، عن محمّد بن زياد بن عيسى ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ومحمّد بن مسلم وبكير وفضيل بن يسار عن أحدهما عليهما السّلام.


.................................................................................................

______________________________________________________

الّا ان يكون المأخوذ من كتابه المعلوم انه كتابه ، فتأمّل.

وحسنة حريز ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا هلك الرجل فترك بنين فللأكبر : السيف ، والدرع ، والخاتم ، والمصحف ، فان حدث به حدث فللأكبر منهم (١).

لعل معناه فان مات الأكبر قبل موت أبيه فللأكبر من الباقي من الذكور ، بل الذكر الذي لا أكبر منه كما مرّ.

وما رواه ابن أذينة ـ في الحسن ـ مرسلة ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما عليهما السّلام : ان الرجل إذا ترك سيفا أو سلاحا فهو لابنه ، وان (فان ـ ئل) كان له بنون فهو لأكبرهم (٢).

يفهم منها ـ مع ما تقدم ـ ان المراد لا أكبر منه من الذكور.

ولا يخفى عدم دلالتها على الوجوب صريحا ، ولهذا ما نقل التصريح بالوجوب الّا عن ابن إدريس.

ونقل عن ابن الجنيد والسيد المرتضى الاستحباب ، مع قوله : بأنه يعطى ذلك ويحسب عليه من ميراث أبيه.

قال في المختلف ـ بعد نقل الأحاديث والعبارات ـ : هل هذا التخصيص على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ نصّ السيد المرتضى ، وابن الجنيد ـ وهو ظاهر كلام أبي الصلاح ـ على الاستحباب ، وكلام الشيخين يوهم الوجوب من غير ان يدل عليه دلالة ظاهرة ونصّ بن إدريس على الوجوب ، وظاهر الأحاديث يحتمله ، والأقوى الاستحباب للأصل.

ثم قال : هل التخصيص بالقيمة أو مجانا؟ ظاهر كلام الشيخين الثاني ،

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٤٠.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٤ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٤٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه نصّ ابن إدريس ، وقال السيد المرتضى وابن الجنيد بالقيمة ، قال السيد المرتضى : وانما قوّينا ما بيّناه وان لم يصرّح به أصحابنا لأن الله تعالى يقول (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (١) وهذا الظاهر يقتضي مشاركة الأنثى للذكر في جميع ما يخلّفه الميّت من سيف ومصحف وغير هما ، وكذلك آيات ميراث الأبوين والزوجين تقتضي ان لهم السهام المذكورة من جميع تركة الميّت ، فإذا خصّصنا الذكر الأكبر بشي‌ء من ذلك من غير احتساب بقيمة عليه تركنا هذه الظواهر ، وأصحابنا لم يجتمعوا على الذكر الأكبر بفضل هذه الأشياء من غير احتساب بالقيمة ، وانما عوّلوا على اخبار رووها تتضمن تخصيص الأكبر بما ذكرناه من غير تصريح باحتساب عليه بقيمة ، وإذا خصصناه بذلك اتّباعا لهذه الاخبار واحتسبنا بالقيمة فقد سلمت ظواهر الكتاب مع العمل بما اجتمعت عليه الطائفة من التخصيص له بهذه الأشياء فذلك أولى. ووجه تخصيصه (التخصيص ـ خ ل) بذلك مع الاحتساب بقيمته عليه انه القائم مقام أبيه والسادّ مسدّه ، فهو أحق بهذه الأمور من النسوان والأصاغر للمرتبة والجاه. وكلام السيد رحمه الله لا بأس به وتؤيده الروايات المتضمنة لتخصيصه بسلاحه ورحله وراحلته وانه (٢) لو اعطى بغير الاحتساب لزم الإجحاف على الورثة (٣).

والظاهر أن مذهب السيد والمصنف في المختلف لا بأس به في المقامين جميعا ، بأن يكون مستحبا ، وبالقيمة.

ولكن يمكن ان يقال : ارتكاب أحدهما. أما الاستحباب بأخذ الأعيان مجانا بغير قيمة فللورثة يستحب ان يخلو له المعدودات مجانا ويشاركونه في باقي

__________________

(١) النساء : ١١.

(٢) في المختلف بعد قوله قدّس سرّه : (وراحلته) : ولو لا الاحتساب بالقيمة لزم الإجحاف بالورثة.

(٣) إلى هنا عبارة المختلف.


.................................................................................................

______________________________________________________

التركة بحظّه الذي فرضه الله له أو الوجوب بالقيمة.

أولى ، بأن يكون هو مخيّرا ويفوّض الأمر اليه ورخّص في ان يأخذ تلك الأعيان بقيمتها عن إرثه ، وان نقص يعطيهم ثمنها ، وكذا لو لم يكن غيرها ، فلا يجوز لأحد منعه عن ذلك ، وذلك الجمع بين الأدلة أولى ممّا ذكراه وتبقى الأدلّة على ظاهرها أكثر ممّا يقول بالجمع بين الاستحباب والقيمة ، وهو ظاهر.

ويؤيّده عدم حمل الاخبار على اختصاصه بالعين مجّانا ، والوجوب عدم التصريح فيها ، وصراحة الآيات في قسمة المواريث على خلاف مقتضى الاخبار واختلافها فانّ في بعضها : السيف والسلاح (١) وفي أخرى : السيف والرحل والثياب (٢) وفي بعضها أربعة : السيف ، والمصحف ، والثياب ، والخاتم (٣) ، وفي بعضها زيادة الدرع ، وفي بعضها معها : الرحل والراحلة والكتب (٤) ، كما رأيتها.

وكذا العبارات.

وان الموجود في أصحّ الاخبار ما لا يوجد (٥) القائل به ، وغيرها لا يخلو من تصور مّا فتأمّل.

وانّ العقل والنقل يدلان على وجوب اتباع الدليل اليقيني ، وهو القرآن الّا ان يثبت ما يوجب النقل عنه ، وهنا النقل ما هو ثابت ، لما عرفت ما في الدلالة وسند البعض ، وعدم القول ببعضها ، فتأمّل.

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب ٣ حديث ٤ ـ ٦ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧.

(٢) لاحظ الوسائل باب ٣ حديث ٥ ـ ٧ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧.

(٣) لاحظ الوسائل باب ٣ حديث ٣ ـ ٢ من أبواب ميراث الأبوين لكن فيه الدرع لا الثياب.

(٤) لم نعثر على ما يشتمل هذه الأمور الأربعة مع الدرع الذي يصير به خمسة.

(٥) لاحظ الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب ميراث الأبوين ج ١٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤيّده أيضا ما روي عنهم عليهم السّلام انهم قالوا : كلما وصل إليكم منّا فاعرضوه على كتاب الله فاعملوا بما يوافقه ، واتركوا ما يخالفه (١).

ثم في المسألة فروع كثيرة مذكورة في الدروس وغيره.

(منها) مع تعدد الأكبر يقسم بينهما.

(الثاني) يشترط البلوغ أم لا؟ الظاهر عدمه.

(الثالث) مع تعدد هذه الأشياء هل يأخذ كلّها أم لا؟ الظاهر كل ما يصدق اللفظ الدال عليه من (في ـ خ) الروايات ، سواء كان لفظه عاما أو خاصا ، مثل : له خاتمه ومصحفه ولباس بدنه ، لان الظاهر في مثل هذا المقام ارادة العموم على ما نفهم.

ويحتمل أخذ الجميع فيما إذا كان له لفظ عام ، مثل الجمع المضاف مثل (كتبه) ولكن القائل بأصله غير معلوم ، فكيف الجمع فتأمّل.

ونقل التخصيص عن أبي الصلاح بثياب الصلاة.

(الرابع) لو كان عليه دين مستوعب للتركة أو ما يشتمل على بعضها فلا حبوة كلّا أو بعضا ، لان الدين مقدم على الإرث ، ويحتمل العدم (٢) لأنها ليست من باب الإرث بل ظاهر الروايات أن هذه الأشياء له مطلقا ، فهو ملك له.

فتأمّل لأن الظاهر انها بعدم الموت ـ وان مال الميّت ـ لم ينتقل مجانا الى احد ولو من جهة غير الإرث إلّا بعد الدين.

(الخامس) لو قضى الورثة أو غيرهم ، أو أبرأ ذمته الديّان ، تكون حبوة له ،

__________________

(١) هذه العبارة مستفادة من مجموع ما ورد في هذا المعنى لا عين الرواية فلاحظ الوسائل باب ٩ حديث ١ ـ ١٠ ـ ١١ ـ ١٢ ـ ١٤ ـ ١٥ ـ ١٦ ـ ١٨ ـ ١٩ ـ ٢١ ـ ٢٩ ـ ٣٥ ـ ٣٧ ـ ٤٠ ـ ٤٧ ـ ٤٨ من أبواب صفات القاضي ج ١٨ ص ٧٥ ـ ٨٩.

(٢) أي عدم تقديم الدين على الحبوة.


الفصل الثاني : في ميراث الاخوة والأجداد

للأخ المنفرد من الأبوين المال ، وللأخوين فصاعدا كذلك بالسويّة ، وللأخت لهما النصف تسمية ، والباقي ردّا ، وللأختين لهما

______________________________________________________

ويحتمل العدم فتأمّل.

والظاهر ان له ان يفكّ هذه الأمور بأداء الدين واختصاصه بها وهو ظاهر.

(السادس) يحتمل جواز تعلّق الوصيّة بها ، فله ان يوصي بها ، وانه إذا اوصى مطلقا ينظر في إخراج الثلث الى هذه الأمور أيضا.

ويحتمل العدم ، لما تقدم في الدين فهنا أولى.

ولو احتاج الى اجازة الورثة يتوقف على اجازة صاحبها فقط.

(السابع) في ثبوتها لا فرق بين بقاء شي‌ء للورثة ، غيرها أم لا.

ويحتمل التخصيص بما إذا بقي لهم شي‌ء كما هو ظاهر المتن أو ما يقابلها وان قيل بعدم اختصاصها به وشركته مع غيره فتأمّل.

(الثامن) جعل بعض الأصحاب هذه الأشياء مقابلا لفعل الصلاة والصوم الذي يقضي أكبر الأولاد ـ صاحب الحبوة ـ ، وهو غير ظاهر الدليل.

(التاسع) اشتراط البعض ـ كالمصنف ـ ايمان الولد ، ورشده ، وعدم سفاهته وهو أيضا غير ظاهر الدليل.

ويمكن كون الايمان لعدم ثبوت الحبوة عندهم فيؤاخذون بمذهبهم كما في بعض الاحكام ، فتأمّل.

في ميراث الاخوة

قوله : «للأخ المنفرد من الأبوين إلخ» هذا بيان المرتبة الثانية ، ودليلها على الاجمال ما يفهم ممّا سبق من عموم الكتاب ، مثل (أولوا الأرحام بعضهم


فصاعدا الثلثان تسمية والباقي ردّا.

فان اجتمع الذكور والإناث فالمال بينهم للذكر ضعف الأنثى.

______________________________________________________

أولى) (١) ، والسنّة.

مثل ما دلت على ان الأقرب الى الميّت نسبا أولى بميراثه كما مرّ في صحيحة أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : في كتاب علي عليه السّلام : ان كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به الّا ان يكون وارث أقرب الى الميّت فيحجبه (٢).

وما روي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا التفّت القرابات فالسابق أحق بميراث قريبه ، فان استوت قام كلّ واحد منهم مقام قريبه (٣).

وما يدل على بطلان العصبة ، وسيجي‌ء.

والإجماع على ان الأقرب أولى بالميراث من الأبعد ، ويؤيّده الاعتبار.

ودليل مساواة الاخوة ، وكذا الأخوات ، ظاهر ، كأخذ أحدهم جميع التركة لو انفرد.

ودليل كون المال للإخوة والأخوات معا للذكر ضعف الأنثى ، قوله تعالى : (وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (٤) ، مع الاخبار والإجماع ظاهرا.

ودليل كون النصف للواحدة ، الكتاب (٥) والسنّة (٦) كدليل كون الثلثين

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.

(٢) الوسائل باب ٣ قطعة من حديث ٦ من أبواب ميراث الأعمام والأخوال ج ١٧ ص ٥٠٥ وفيه عن أبي أيوب كما مرّ منه قدّس سرّه في شرح قول الماتن رحمه الله : والأبوان يمنعان آبائهم إلخ.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٣ من أبواب موجبات الإرث ج ١٧ ص ٤١٩.

(٤) النساء : ١٧٦.

(٥) مثل قوله تعالى (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) ـ النساء : ١١.

(٦) راجع الوسائل باب ٢ ج ١٧ ص ٤٧٩.


وللواحد من الامّ ذكرا أو أنثى السدس ، وللزائد الثلث بالسوية ، وان كانوا ذكورا وإناثا ، والباقي ردّ عليه أو عليهم.

______________________________________________________

للبنتين فصاعدا.

وهو دليل كونهما للبنتين أيضا ، لأنه إذا ثبت ان للأختين الثلثان ، ومعلوم أن البنتين ليستا انقص منهما ، والزيادة عنهما منفيّة بالأصل فيتناولانه.

من هنا يظهر ان المراد بفوق اثنتين بنتان وما فوقهما ، كما في قولهم : فصاعدا أو ترك (١) ليعلم ثبوتهما فيهما بالطريق الاولى ثم أظهر ذلك وأكّد باثباتهما في الأختين.

وبالجملة ، القول بثبوتهما للاثنتين ظاهر وقول ابن عباس بأن لهما النصف بعيد.

وكذا دليل كون الباقي ـ بعد النصف والثلثين ـ للواحدة واثنتين بالرد مع عدم من في مرتبتهن ، واضح ممّا تقدم من أولويّة الأقرب بالنص (٢) والإجماع وبطلان العصبة.

هذا كلّه إذا كان الأخ أو الأخت من الأبوين أو الأب فقط ، فقوله : (من الأبوين) لا يخلو من مسامحة ، لعلّه يريد ما قلناه ، لكنه بعيد ، ويمكن انه تركه للظهور ، ولو قال من الأب لكان أخصر وأعم وأولى.

واما دليل كون السدس للواحد من الأم أختا كان أو أخا ، والثلث لأكثر ، ذكورا كانوا أو إناثا ، أو هما معا بالسوية مطلقا ، قوله تعالى (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً) ، أي أن كان الرجل الذي يموت ويورث منه (كلالة) أي لا يكون ولدا ، ولا

__________________

(١) يعني ترك الإتيان بلفظه (بنتين) ليعلم ثبوت الثلثين في بنتين بالطريق الاولى ثم صرّح في آخر سورة النساء بالنسبة إلى الأختين بقوله تعالى (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ).

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٦ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٧٦.


ولو اجتمع المتقرب بالأبوين مع المتقرب بالأم فللمتقرب بالأم السدس ان كان واحدا والثلث ان كان أكثر ، والباقي للمتقرب بهما ذكرا أو أنثى ، واحدا أو أكثر.

______________________________________________________

والدا لمن خلّفه ، فما خلّف الولد ولا الوالد ، أو كان الرجل الذي يعطى له الإرث كلالة (أو امرأة) عطف على رجل ، (وله) أي للذي يورث مطلقا (أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) (١).

ظاهر المشاركة هو التسوية ما لم يفضّل كما صرّح به في نحو الوصيّة والوقف.

قال المفسرون : المراد بالأخ والأخت هنا هما من الأم بالإجماع والاخبار ، ولإثبات النصف للأخت من الأب ، والكل للأخ له ، والثلثين للأختين فصاعدا ، وكون الذكر ضعف الأنثى ان كانوا رجالا ونساء ، والإجماع واخبار أهل البيت عليهم السّلام.

مثل ما في صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام (٢) : وللاخوة من الام ثلثهم ، فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ، وان كان واحدا فله السدس ، وانما عنى الله تعالى في قوله (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) انما عنى بذلك الاخوة والأخوات من الأم خاصّة ، وقال في آخر سورة النساء (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ) يعني بذلك أختا لأب وأُم أو أختا لأب (فلها نصف ما ترك) الخبر ـ (٣).

والمناسبة فتأمّل هذا في الصنف الواحد من الاخوة.

__________________

(١) النساء : ١١.

(٢) في الكافي هكذا : وان الزوج لا ينقص من النصف ولا الاخوة من الام من ثلثهم إلخ.

(٣) أوردها في الكافي باب ميراث الاخوة والأخوات مع الولد حديث ٦ من كتاب المواريث وقد أورد نحوها في الوسائل باب ٢ بعد حديث ٣ بقوله : وروى الكليني إلخ فلاحظ.


ولا شي‌ء للمتقرب بالأب ، ذكرا أو أنثى مع المتقرب بالأبوين ذكرا كان أو أنثى.

______________________________________________________

اما لو اجتمع الأصناف ، فلو اجتمع المتقرّب بالأبوين مع المتقرب بالأم أي المتقرب بالأب فقط وبالأبوين ، فلو قال هنا أيضا بالأب لكان أخصر وأعم ثم قال : ويسقط المتقرب بالأب لكن تركه هنا لذكره بعده بقوله : (ولا شي‌ء للمتقرب بالأب إلخ) ليعلم عدم إرثه ، سواء كان مع المتقرب بالأمّ أيضا أو مع المتقرب بالأبوين فقط ثم ذكر اجتماع الكلّ الّا انه لو فعل ما قلناه ما كان يحتاج إليه وكان أخصر مع افادة المراد والأمر في ذلك معيّن.

(فللمتقرب بالأم) ـ ابتدأ به للقلّة ـ (السدس ان كان واحدا والثلث ان كان أكثر بينهم بالسويّة).

دليله ما تقدم ، فإنه كان أعم من ان يكون معهم احد ممن يرث أم لا ، والباقي من السدس أو الثلث للمتقرّب بهما واحدا كان أو أكثر للذكر مثل حظّ الأنثيين.

واما دليل عدم شي‌ء للمتقرّب بالأب فقط ذكرا كان أو أنثى مع المتقرب بالأبوين كذلك ـ سواء كان معهم المتقرب بالأم أم لا ـ كأنّه الإجماع والخبر مثل ما نقل في الفقيه عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم : أعيان بني الأم أحق بالميراث من بني (١) العلّات.

ورواية يزيد الكناسي عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : ابنك أولى بك من ابن ابنك ، وابن ابنك أولى بك من أخيك ، قال : وأخوك لأبيك وأمك أولى بك من أخيك لأبيك ، وقال : أخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك ، قال :

__________________

(١) الوسائل باب ١٣ حديث ٤ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٥٠٣ ولكن في الفقيه (ولد) بدل (بني).


فان فقد المتقرب بالأبوين قام المتقرب بالأب مقامه على هيئته.

______________________________________________________

وابن أخيك لأبيك وأمك أولى بك من ابن أخيك لأبيك ، قال : وابن أخيك لا من أبيك أولى بك من عمك ، قال : وعمّك أخو أبيك من أبيه وامه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه ، قال : وعمك أخو أبيك من أبيه أولى بك من (١) عمّك أخي أبيك لأبيه (٢) ، قال : وابن عمك أخي أبيك لأبيه وامه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأبيه ، قال (٣) : (وابن عمك أخي أبيك من أبيه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لامّه) (٤).

ولكن في (يزيد) تأمّل ، فإنه غير ظاهر بهذه الكنية (٥) في أكثر كتب الرجال ، لكن في كتاب رجال الشيخ مذكور بهذه الكنية في رجال الباقر عليه السّلام ، فالخبر صحيح الّا أنّ فيها ما لا يقولون به ، وهو قوله : (وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك).

ولكن الظاهر عدم الخلاف فيه حتى من العامّة في العصبة على ما رأيته فتأمّل.

وكذا دليل كونهم كمن يتقرّب بالأبوين إذا انفردوا أو واجتمعوا مع المتقرّب بالأم فقط الإجماع والآيات ، والاخبار العامتين في الإرث ، ويمكن الاعتبار.

__________________

(١) من ابن عمك في بعض نسخ التهذيب.

(٢) لامه ـ ئل.

(٣) ليست هذه الجملة في بعض نسخ التهذيب.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب موجبات الإرث ج ١٧ ص ٤١٤.

(٥) يعني به لقب (الكناسي) لا الكنية المصطلحة.


الّا أن للأخت من الأب مع الواحد من الام النصف ، وللواحد السدس ، والباقي ردّ عليهما بالنسبة على رأي.

ولها مع الأزيد النصف ، ولهم الثلث ، والباقي يردّ أخماسا على رأي.

______________________________________________________

ولا فرق بينهما إلا في مسألتين ، بناء على رأيه هنا (الأولى) إذا خلّف أختا من الأب مع الواحد من الام مطلقا ذكرا كان أو أنثى فللأول النصف ، وللآخر السدس ، والباقي يردّ عليهما أرباعا بخلاف الاجتماع مع الأخت من الأبوين ، فإنه لا ردّ هنا لكلالة الأم ، بل السدس لكلالة الأمّ والباقي لها ، لزيادة القرب ، فإنها متقرّبة بالأبوين ، وهذا بالأم فقط.

وهو مذهب الأكثر ، بل كاد ان يكون إجماعا ، إذ لا (ما ـ خ) نقل الخلاف والاشتراك في الردّ إلّا عن الفضل ، وابن أبي عقيل ، في الشرح بخلاف ما هنا ، فان الاشتراك في الردّ هو مذهب كثير من العلماء على ما نقله في الشرح ، مثل الشيخ في المبسوط ، وابن الجنيد ، وابن زهرة ، وابن إدريس ، والكيدري (١) ، والمحقق للتساوي في الدرجة وفقد المخصّص. وقال : كلّ من قال بالرد في الأولى قال في الثانية بالطريق الأولى ، فالقائلون بالعدم هناك اختلفوا هنا فذهب الشيخ في المبسوط إلخ.

وكذا في المسألة الثانية ، وهي الأخت من الأب مع الزائد من كلالة الأم ، فلها النصف ، وللزائد الثلث ، يقسّم الباقي عليهما أخماسا.

فالأولى من اثني عشر ، والثانية من ثلاثين ، بل الاولى من الأربعة ، والثانية من الخمسة.

__________________

(١) أبو الحسن محمّد بن الحسين بن الحسن البيهقي النيسابوري الإمامي الشيخ الفقيه الفاضل الماهر ، والأديب الاريب البحر الزاخر صاحب الإصباح في الفقه وأنوار العقول في جميع اشعار أمير المؤمنين عليه السّلام وشرح النهج وغير ذلك وله اشعار لطيفة وكان معاصرا للقطب الراوندي وتلميذا لابن حمزة الطوسي فرغ من شرحه على النهج سنة ٥٧٦ (الكنى للمحدث القمي ج ٣ ص ٦٠ طبع صيدا).


.................................................................................................

______________________________________________________

والقائل بعدم الاشتراك هو الصدوق ، والشيخ في النهاية والاستبصار ، والقاضي ، والتقي ، وابن حمزة ، وهو ظاهر قول المفيد ، واختاره نجيب الدين لدخول النقص عليها ، فتكون الزيادة لها.

ولرواية محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام في ابن أخت لأب ، وابن أخت لأمّ؟ قال : لابن الأخت للأم السدس ، ولابن الأخت للأب الباقي (١).

وهو مستلزم لكون الأختين كذلك ، لان الولد انما يرث بواسطتهما.

وأجيب بأنّ دخول النقص لا يوجب الاختصاص بالزيادة ، والّا يلزم ذلك في البنت مع الأبوين.

والرواية ضعيفة السند ـ بعلي بن الحسن بن فضال (٢) ـ فإنه فطحي ، قال في الشرح : ولك ان تجيب عن النقض بأن التخلّف لمانع ، (وهو موجود ـ خ) ، ومعارض بدخول النقص على الأبوين ، إذ لا ريب ان فرضهما مع الولد غيره مع عدمه.

وعن الطعن بأنه وان كان فطحيّا الّا ان الشيخ والنجاشي وثّقاه ، وكذا وثقه شيخنا المصنّف.

ولك ان تقول : قد بقي منع الملازمة وان سلم دفع النقض ، مع ان النقص لا بدّ ان يكون عمّا فرض ، وهما صاحبا فرض مع الولد ، ولا نقص حينئذ عن الفرض ، ومع عدمه فالأب ليس صاحب فرض ولا نقص ، والام صاحبة فرض ، ولا ينقص عن فرضها فالمعارضة بهما غير واردة خصوصا بالأب.

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ١١ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٨٧ وفيه : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن ابن أخت لأب وابن أخت لأم؟ قال : لابن الأخت إلخ.

(٢) وسندها كما في التهذيب هكذا : علي بن الحسن بن فضال ، عن عمرو بن عثمان ، عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمّد بن مسلم.


ولو اجتمع الاخوة المتفرّقون فللمتقرب بالأمّ السدس ان كان واحدا ، والثلث ان كان أزيد ، الذكر والأنثى سواء ، والباقي للمتقرّب بالأبوين ، للذكر ضعف الأنثى ويسقط المتقرب بالأب.

______________________________________________________

والتوثيق لا يخرجه عن كونه فطحيّا ولم يصر خبره صحيحا ولا حسنا ، بل موثقا ، وهو ليس بحجّة ، مع ان الطريق إليه (١) مقطوع غير معلوم.

الّا ان يقال انه نقله عن كتابه ، وان بقاء الفطحيّة غير ظاهر ، فإنهم ما كانوا إلّا في زمان قليل ورجعوا عنه الّا قليل منهم ممن لا معرفة له مع بقائه راويا لتلك الروايات السابقة وما منع عنها ولا محاها ، فكأنه رواها في حال الاستقامة ، فتأمّل ، فإن هذا ينفع في كثير من المواضع.

وان الدليل الدال على ان المتقرّب بالأب يقوم مقام المتقرّب بالأبوين ظاهر في كون حكمه حكمه ، فكما كان الردّ هناك مخصوصا به يكون هنا أيضا مخصوصا بهذا ولا يعارضه كون القرب هناك من وجهين ، لأن القرب بالأب قائم مقام القرب بالأبوين فرضا مع فقده ويأخذ المتقرّب به حصّة من يتقرّب بهما ، فكما لم يكن عدم القرب من وجهين مانعا عن ذلك فكذا عن كون الردّ له ، فتأمّل.

ويؤيّده ان الآية والاخبار والإجماع دالّة على ثبوت الثلث أو السدس للمتقرّب بالأمّ وهو ظاهر في كون ذلك فقط له إذا كان معه من يرث فيكون الردّ مخصوصا بغيره ممن لا فرض له ، مثل ان كان معه الذكور من الإخوة ، لأب أو لأبوين ، وإذا كان معه صاحب الفريضة يرجّح في الردّ من كان من جنس من كان مخصوصا بالردّ مع فرضه ويؤيده الرواية المتقدمة فتأمّل.

قوله : «ولو اجتمع الأخوة المتفرقون إلخ» قد ظهر شرحه ، وانه كان

__________________

(١) يعني طريق الشيخ الى علي بن الحسن بن فضال ولكن يظهر من مشيخة التهذيب انه غير مقطوع فإنه قال : وما ذكرته في هذا الكتاب عن علي بن الحسن بن فضال فقد أخبرني به احمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعا منه واجازة عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال.


وللجدّ أو الجدّة المال إذا انفرد ، لأب كان أو لامّ ، ولهما المال ، للذكر مثل حظ الأنثيين ان كانا لأب ، وبالسويّة ان كانا لام.

وللجدّ أو الجدّة أو لهما للام (لام ـ خ) الثلث بالسويّة ، والباقي للجدّ أو الجدّة أو لهما لأب ، للذكر ضعف الأنثى.

ولو اجتمع الأجداد والاخوة فالجدّ للأم كالأخ لها ، والجدّة لها كالأخت منها ، والجدّ للأب كالأخ للأبوين ، والجدّة له كالأخت لهما.

وللجدّ أو الجدّة أو لهما من الام مع الاخوة للأبوين أو للأب مع عدمهم الثلث.

ولو كانا أو أحدهما مع الأخت للأبوين الثلث (لهما ـ خ) والباقي للأخت تسمية وردّا.

ومع الأخت من الأب إشكال في الردّ.

______________________________________________________

يمكن الاكتفاء عنه بما قبله بزيادة لفظ ، بل بنقص لفظ فتأمّل.

قوله : «وللجدّ أو الجدّة المال إلخ» دليل كون المال للجدّ أو الجدّة أو لهما للأب أو للأم ظاهر ، وهو الإجماع وظاهر النصوص مثل عموم (أُولوا الأَرحام) (١) والاخبار المتقدمة في تقديم الأقرب ، والاعتبار.

واما الدليل على ثبوت الثلث للجدّ أو الجدّة أو لهما من قبل الام والباقي للجدّ أو الجدّة أو لهما من قبل الأب كما هو المشهور ومذهب الأكثر ، بل لجميع المتأخرين ، فهو انهما كالأمّ والأب ، فللمتقرّب بالأم حصّة الأم الثلث مع عدم الحجب والباقي للمتقرّب بالأب كالأب والام فإنهما يرثان لقربهما بهما.

ورواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال أبو جعفر

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام : إذا لم يترك الميّت الّا جدّه ، أبا أبيه وجدّته ـ أم امّه ـ فان للجدّة الثلث ، وللجدّ الباقي ، قال : وإذا ترك جدّه من قبل أبيه وجدّ أبيه ، وجدّته من قبل أمّه وجدّة امّه ، كان للجدّة من قبل الامّ الثلث ، وسقط جدّة الأم ، والباقي للجدّ من قبل الأب ، وسقط جدّ الأب (١).

وهي مقطوعة ، عن علي بن الحسن بن فضال (٢) ، ولعلّه أخذها من كتابه كما يفهم من التهذيب والاستبصار ، وعليّ لا بأس به ، فلا يبعد العمل بروايته في مثل هذه المسألة فتأمّل.

ويؤيّده الاعتبار مع عدم وجود دليل فيهما بخصوصهما يخالف ذلك ، وكون الثلث للمتقرّبين بالأم يقسم بينهما بالسويّة ، والباقي للمتقرّب بالأب ، للذكر مثل حظ الأنثيين.

فوجه الأوّل ظاهر ، فإنه الظاهر من القسمة والشركة ، ويمكن القياس أيضا.

وكأن وجه الثاني قياس على الأولاد والإخوة من الأب والأبوين.

فيه تأمّل ظاهر ، لبطلان القياس ، ولأنهم ان كانوا مثل الإخوة ينبغي ان يكون للواحد للامّ السدس ، مثل الأخ ، فجعل الحكم للبعض لذلك ، وفي البعض

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٩٨.

(٢) سندها كما في التهذيب والاستبصار هكذا : علي بن الحسن بن فضال ، عن عمرو بن عثمان ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن محمّد بن مسلم ، وقوله قدّس سرّه : وهي مقطوعة عن علي بن الحسن بن فضال يريد ان الشيخ رحمه الله لم يروها مسندا إليه ، بل أخذها من كتاب علي بن الحسن فإنه ذكر في مشيخة الكتابين ما هذا لفظه : وما ذكرته في هذا الكتاب ، عن علي بن الحسن بن فضال فقد أخبرني به احمد بن عبدون ، المعروف بابن الحاشر سماعا منه واجازة عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال.

فان قوله رحمه الله (سماعا منه واجازة) ظاهر في أن أحمد بن عبدون أجاز للشيخ رحمه الله كتاب علي بن الحسن أو قرأ على الشيخ رحمه الله وسمع الشيخ رحمه الله قراءة كتابة والله العالم.


.................................................................................................

______________________________________________________

لأنه بمنزلة من يتقرّب به ، غير سديد.

ويحتمل جعلهما بمنزلة الإخوة للامّ والاخوة للأب والأبوين كما هو مذهب البعض ، مثل الفضل ، والصدوق ، وحينئذ التقسيم ظاهر.

ولعل دليله الاخبار ، مثل حسنة زرارة ، وبكير ، والفضيل ، ومحمّد ، وبريد ـ وهي صحيحة في الفقيه ، عنهم ـ عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : ان الجدّ مع الإخوة من الأب يصير مثل واحد من الإخوة ما بلغوا ، قال : قلت : رجل ترك أخاه لأبيه وأمه وجدّه ـ أو قلت : جدّه وأخاه لأبيه وأمه ـ؟ قال : المال بينهما ، وان كانا أخوين أو مائة ألف فله مثل نصيب واحد من الاخوة ، قال : قلت : رجل ترك جدّه وأخته؟ فقال : للذكر مثل حظ الأنثيين ، وان كانتا أختين فالنصف للجدّ ، والنصف الآخر للأختين ، وان كنّ أكثر من ذلك فعلى هذا الحساب ، وان ترك اخوة وأخوات لأب وأم أو لأب وجدّ فالجدّ أحد الإخوة ، فالمال بينهم للذكر مثل حظّ الأنثيين ، وقال زرارة : هذا ممّا لم يؤخذ عليّ فيه قد سمعته من أبيه ، ومنه قبل ذلك وليس عندنا في ذلك شك ولا اختلاف (١).

ورواية إسماعيل الجعفي ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الجدّ؟ فقال : يقاسم الاخوة ما بلغوا وان كانوا مائة ألف (٢).

وصحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل مات وترك امرأته وأخته وجدّه؟ قال : هذه من أربعة أسهم ، للمرأة الربع ، وللأخت سهم ، وللجدّ سهمان (٣)

كأنّ المراد الجدّ من الأب والأخت كذلك لما مرّ فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٩ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٩٠.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٦ ـ ١٤ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٩١.

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ١٠ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٩٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : في ستة اخوة وجدّ؟ قال : للجدّ السبع (١).

وفي أخرى له ، عنه في رجل ترك خمسة اخوة وجدّا؟ قال : هي من ستة ، لكلّ واحد سهم (٢).

وموثقة محمّد بن مسلم ـ لعبد الله بن بكير ـ عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : الاخوة مع الجدّ ـ يعني أبا الأب ـ يقاسم الاخوة من الأب والام ، والاخوة من الأب يكون الجدّ كواحد منهم من الذكور (٣).

وصحيحة زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل ترك أخاه لأبيه وامّه وجدّه؟ قال : المال بينهما نصفان ، ولو كان أخوين أو مائة كان الجدّ معهم كواحد منهم ، للجدّ ما يصيب واحدا من الاخوة ، قال : وان ترك أخته فللجد سهمان ، وللأخت سهم ، وان كانتا أختين فللجدّ النصف ، وللأختين النصف ، قال : وان ترك اخوة وأخوات من أب وأم وجدّا كان الجدّ كواحد من الاخوة ، للذكر مثل حظّ الأنثيين (٤).

وحسنة إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سمعته يقول : الجدّ يقاسم الإخوة ما بلغوا وان كانوا مائة ألف (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ١٥ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٩٢.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ١٦ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٩٢.

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ١١ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٩٠.

وسندها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن احمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن عبد الله بن بكير ، عن محمّد بن مسلم.

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ١٣ من أبواب ميراث الإخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٩١.

(٥) الوسائل باب ٦ حديث ٦ ـ ١٤ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد وكأنها تكررت كما في الوسائل أيضا لكن إحداهما بطريق الصدوق كما في حديث ٦ والأخرى بطريق الكليني والشيخ كما في حديث ١٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : أخ لأب وجدّ؟ قال : المال بينهما سواء (١).

وصحيحة ابن سنان ـ كأنّه عبد الله ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل ترك أخاه لامّه ولم يترك وارثا غيره؟ قال : المال له ، قلت : فان كان مع الأخ من الأمّ (للام ـ ئل) جدّ؟ قال : يعطى الأخ للأم السدس ، ويعطى الجدّ الباقي ، قلت : فان كان أخ لأب وجدّ؟ قال : المال بينهما سواء (٢).

ورواية أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الاخوة من الام مع الجدّ؟ قال : الاخوة من الام فريضتهم الثلث مع الجدّ (٣).

ورواية مسمع أبي سيّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل مات وترك اخوة وأخوات لأمّ وجدّا؟ قال : فقال : الجدّ بمنزلة الأخ من الأب له الثلثان ، وللاخوة والأخوات من الام الثلث ، فهم فيه شركاء سواء (٤).

وفي رواية أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قال : أعط الأخوات من الام فريضتهنّ مع الجدّ (٥).

وصحيحتي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في الإخوة مع الام مع الجدّ؟ قال : للاخوة من الامّ نصيبهم الثلث مع الجدّ (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ١٢ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٩١.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ١ وباب ٨ حديث ١ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٧٩ ـ ٤٩٥.

(٣) الوسائل باب ٨ حديث ٢ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٩٥.

(٤) الوسائل باب ٨ حديث ٤ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٩٦.

(٥) الوسائل باب ٨ حديث ٦ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٩٦.

(٦) الوسائل باب ٨ حديث ٣ ـ ٥ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٩٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

والاخبار في ذلك كثيرة ، وبمضمونها قال الأصحاب ، الّا انها تدل على ان حكم الجدّ والجدّة حكم الأخ والأخت إذا اجتمعا معهما ، ولم يعلم منها انه حكمهما مع عدم الاجتماع كما هو المطلوب هنا.

ولهذا حكموا بالثلث للجدّ والجدّة المنفردين للامّ الذي هو حصّة الأمّ ، لا السدس الذي هو حصّة أحد أخواتها ، لما تقدّم من المناسبة والرواية.

ويمكن أن يقال : يعلم من ذلك ، لأنهم كانوا حال الاجتماع بحكم الإخوة وبمنزلتهم ، فكذا حال الانفراد ، إذ يبعد ان يكونوا مثلهم حال الاجتماع ولم يكونوا مثلهم حال الانفراد مع عدم دليل من نصّ كتاب وإجماع على ثبوت حكمهم حال الانفراد ، فيلزم الإهمال والحوالة إلى الاجتهاد.

على ان في الخبر الصحيح ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن فريضة الجدّ؟ فقال : ما أعلم أحدا من الناس قال فيها إلّا بالرأي الّا علي بن أبي طالب عليه السّلام فإنه قال فيها بقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم (١).

على ان ما نقل عنه عليه السّلام حكمهم على الانفراد ، بل المنقول عنهم عليهم السّلام حكم الاجتماع كما عرفت.

وما روي ، عن علي بن أبي طالب عليه السّلام انه قال : من أراد ان يتقحم جراثيم جهنّم فليقل في الجدّ ، كذا في الفقيه ، كأنّ بالرأي (٢).

الّا أن الاخبار الدالّة على حال الاجتماع ، ما دلت على التفصيل الذي هم

__________________

ولفظ الرواية هكذا عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن الاخوة من الامّ مع الجدّ قال : للاخوة فريضتهم الثلث مع الجدّ.

(١) لم نجده في الوسائل ، ولكن أورده الصدوق في الفقيه باب ميراث الأجداد والجدّات ج ٤ ص ٢٨٠ رقم ٥٦٢٤ طبع مكتبة الصدوق والكافي باب ٢٤ الجدّ والتهذيب باب ميراث من عدد إلخ.

(٢) لم نجده أيضا في الوسائل ولكن أورده في الفقيه في الباب المذكور رقم ٥٦٥٠ ص ٢٨٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

يقولون به في الأجداد من انهم إذا كانوا لأب يكون حكمهم حكم إخوة الأب والام وإذا كانوا لامّ يكون حكمهم حكم إخوة الأمّ حتى يقاس عليها حال الانفراد بهذا التفصيل.

وهو كما ترى ، ولكن حملوها على ذلك ، وهو غير ظاهر فيشكل الحكم حال الانفراد ، بل حال الاجتماع أيضا ولا يبعد العمل بمضمون الروايات حال الاجتماع وحال الانفراد ، بالرواية (١) المؤيّدة بالشهرة ، بل كاد ان يكون إجماعا من المتأخّرين فتأمّل.

واعلم أنه قال في الفقيه : قال الفضل بن شاذان رحمه الله : اعلم ان الجدّ بمنزلة الأخ أبدا يرث حيث يرث ، ويسقط حيث يسقط. وغلط الفضل في ذلك لان الجدّ يرث مع ولد الولد ، ولا يرث مع (معه ـ فقيه) الأخ ، ويرث الجدّ من قبل الأب مع الأب ، والجدّ من قبل الام مع الام ، ولا يرث الأخ مع الأب والام ، وابن الأخ يرث مع الجدّ ، ولا يرث مع الأخ ، فكيف يكون الجدّ بمنزلة الأخ أبدا؟ وكيف يرث حيث يرث ويسقط حيث يسقط؟ بل الجدّ مع الاخوة بمنزلة واحد منهم ، فأمّا ان يكون أبدا بمنزلتهم يرث حيث يرث الأخ ويسقط حيث يسقط الأخ ، فلا (٢).

ولا يخفى ان غلط الفضل غير ظاهر ، لأن إرث الجدّ مع ولد الولد غير ظاهر ،

__________________

(١) وهي رواية محمّد بن مسلم المتقدمة ولكن فيها حكم الجدّ من قبل الأب والجدة من قبل الأم وليس فيها حكم صورة الاجتماع والتعدد (كذا في هامش بعض النسخ المخطوطة).

(٢) أورده في الفقيه ج ٤ ص ٢٨٦ طبع مكتبة الصدوق بعد رقم ٥٦٥٠ ثم قال : وذكر الفضل بن شاذان من الدليل على ذلك ما رواه فراس الشعبي ، عن ابن عباس انه قال : كتب إليّ علي بن أبي طالب عليه السّلام في ستة اخوة وجدّ ان اجعله كأحدهم وامح كتابي ، فجعله علي عليه السّلام سابعا معهم (سابعهم ـ خ). وقوله عليه السّلام : وامح كتابي كره ان يشنع عليه بالخلاف على من تقدمه وليس هذا بحجّة للفضل بن شاذان لان هذا الخبر انما يثبت ان الجدّ مع الاخوة بمنزلة واحد منهم ، وليس يثبت كونه أبدا بمنزلة الأخ ، ولا يثبت انه يرث حيث يرث الأخ ويسقط حيث يسقط الأخ ـ انتهى كلام الفقيه (رحمه الله تعالى).


.................................................................................................

______________________________________________________

بل (١) هو خلاف القول المشهور بين الأصحاب ، ولا يقول به غير الصدوق على ما نقلوه.

ويؤيّده ان ولد الولد أقرب إليه من الجدّ ، ولهذا الجدّ بمنزلة الأخ ، ويرث الاخوة معه وولد الولد مقدم عليه (٢) ولا يرث معه أخ أصلا.

وكذا ارث الجدّ مع الأب غير ظاهر ، بل هو خلاف المشهور فإن الأب مقدّم ، كيف والجدّ يرث معه الأخ ، بخلاف الأب ، فإنه لا يرث معه احد.

وأيضا قال هو رحمه الله (في باب ميراث الأبوين مع الولد) : أربعة لا يرث معهم أحد إلّا زوج أو زوجة : الأبوان ، والابن ، والابنة (٣).

فكيف يقول هنا : ان الجدّ يرث مع الأبوين.

نعم قالوا : يستحب لهما طعمة أبويهما ، وقد قال هو أيضا طعمة ، وذلك ليس بميراث ، فمراد الفضل نفي الإرث على سبيل الوجوب والاستحقاق لا نفي الطعمة والاستحباب وهو ظاهر.

وأيضا يمكن ان يقال : يرد على قوله أيضا (ان الجدّ مع الاخوة بمنزلتهم ابدا) انه إذا كان هنا اخوة من الأب ليس الجدّ بمنزلتهم ، فإنهم لا يرثون مع الاخوة من الأبوين ، والجد يرث مطلقا ، فهذا القول مجمل يقال ويراد منه المعنى الخاص بقرينة التفصيل الّذي فصّلوه ، فعلى تقدير تسليم قوله يجاب بهذا كما يجاب عن قوله به فتأمّل.

وأيضا لا ينافي قول الفضل ارث ولد الأخ مع الجدّ وعدم إرثه مع الأخ ، لأنه فسّر قوله : (الجدّ بمنزلة الأخ) انه يرث حيث يرث ويسقط حيث يسقط ، ولا

__________________

(١) يعني : بل ارث الجد مع ولد الولد خلاف القول المشهور.

(٢) أي على الأخ.

(٣) الفقيه ج ٤ ص ٢٦٩ طبع مكتبة الصدوق.


والأدنى يمنع الأبعد.

______________________________________________________

ينافي ذلك إرثه مع شخص لا يرث ذلك الشخص مع الأخ.

وبالجملة قد ثبت عند الفضل ومن قال بمقالته ، مثل : الصدوق ، وابن أبي عقيل ، وابن زهرة ، والتقي ـ بالنص والإجماع ـ كون الجدّ والجدّة من الأم كالأخ والأخت للأم ، فلأحدهما السدس ، ولهما الثلث ، فان لم يكن غير هما فالباقي لهما ، وهما من الأب كالأخ والأخت للأبوين أو للأب ، فالأخت للأبوين أو للأب ان كانت مخصوصة بالردّ مع الاجتماع ، فكذا الجدّة للأب.

وكذا الحكم ان كانت للام مع الأخت أو مع الجدّة للأب.

وعند المتأخّرين مثل المصنّف أنّ للجدّ أو الجدّة أو لهما من الامّ الثلث ، نصيب الأم بالسوية ، والباقي له أو لهما مع عدم الغير ، ومع الجدّ أو الجدّة أو هما للأب ، الباقي له أو لهما ، ومع الانفراد ، الكلّ له أو لهما ، للذكر مثل حظّ الأنثيين.

ولو اجتمع الأجداد مع الإخوة يجعل كلّ واحد أخا أو أختا للأم ، ان كانا للام ، وللأبوين ان كانا للأب ، ويسقط المتقرّب بالأب فقط من الإخوة مع المتقرّب بهما كما كان يسقط من قبل ، ويقوم مقام المتقرّب بهما مع عدمه ، والكل واضح ان شاء الله.

والأقرب من الأجداد يمنع الأبعد ، مثل الجدّ يمنع أباه ، وهو يمنع أباه ، وكذا الجدّة ، سواء كانا للأب أو للأمّ.

والأبعد من جنس يشارك الأقرب من غير جنسه ممّن في مرتبته ، فالجدّ الأبعد يشارك الاخوة والأخوات ، ويأخذ النصيب الذي كان يأخذه الأقرب ، وهو بمنزلة كما ان ابن الاخوة والأخوات يجتمعون الجدّ والجدّة الأوّلين مطلقا من الأب أو الأم وان كان كل أقرب يمنع الأبعد من جنسه فتأمّل. وتقريبه يعلم ممّا تقدم فتذكّر وهذا مجمل ، تفصيله مذكور في محلّه ، فتأمّل.

ثم اعلم أنّ الّذي قالوا ـ وكأنّه فهموا وليس بواضح من الروايات المذكورة


والأبعد يشارك الاخوة كالأقرب مع عدمه.

ولأجداد الأب الأربعة الثلثان ، ثلثا هما للجدّين من قبل أب الأب للذكر ضعف الأنثى ، وثلثهما للجدين من قبل أمّ الأب كذلك ، وثلث الأصل لأجداد الأم الأربعة بالسويّة.

______________________________________________________

التي وردت لإرث الأجداد مع الاخوة ـ ان الجدّ والجدّة مطلقا لاب كانا أو لام ، إذا اجتمعا مع الاخوة لأب أو لأب وأمّ يشاركونهم ويصيران كأحدهم ، وان كانا مع اخوة لامّ يأخذ إخوة الأمّ نصيبهم ، السدس ان كان واحدا ، والثلث ان كان أكثر ، والباقي للأجداد.

ويمكن كون القسمة بينهم بالسويّة ، لأصل عدم الرجحان ، وظهور القسمة في التسوية.

ويحتمل التقسيم بينهما للذكّر مثل حظّ الأنثيين مطلقا ، ويحتمل ذلك في المتقرّب بالأب والتسوية في المتقرّب بالأم وذلك خلاف ما نصّ الأصحاب عليه ، وهو ظاهر كما ترى فتأمّل.

قوله : «ولأجداد الأب الأربعة الثلثان إلخ» هذا بيان القسمة بين الأجداد الثمانية.

وحاصله انه إذا ترك شخص جدّا وجدّة لأب من أبيه ، وجدّا وجدّة أيضا له من امّه ، فالأجداد الأربعة من جهة أبيه ، وكذا أربعة أخرى من جهة أمّه فاجتمع ثمانية أجداد.

فثلثا الأصل للأوّل ، وثلثه للآخر لأن المسألة بمنزلة ان ترك إخوة متعدّدة من الأب ومتعدّدة من الأمّ فلأجداد الأم الثلث ، لأنهم كلالة الأم المتعددة ، ويقتسمونه (يقسمونه ـ خ) بالسوية ، والباقي لأجداد الأب ، وهم يقسمون الثلثين أثلاثا ، فثلثاه للجدّين من قبل أب الأب ، للذكر ضعف الأنثى ، ثلثهما للجدّين من قبل أمّ الأب كذلك أيضا ، لأن الجدّين من قبل أم الأب بمنزلة كلالة الأمّ بالنسبة


وتصح من مائة وثمانية.

والزوج والزوجة يأخذ كلّ منهما نصيبه الأعلى مع الاخوة والأجداد وأولادهم.

ولأحدهما مع الاخوة من الام سهمه الأعلى ، والثلث للاخوة من الأم تسمية والباقي لهم ردّا. ولو كان واحدا فله السدس والباقي ردّا.

______________________________________________________

الى الجدّين من قبل أب الأب ، ولكن يقسّم أثلاثا ، للذكر ضعف الأنثى ، لأن الكلّ من قبل الأب ، والذكر بمنزلة الأخ ، والأنثى بمنزلة الأخت ، فيقسّم حصتهم ، للذكر ضعف الأنثى كما بين الاخوة والأخوات من قبل الأب ، فتأمّل.

بخلاف الأجداد الأربعة من قبل الأم ، فإنهم بمنزلة الاخوة والأخوات للأم ، فهم كلالة الأمّ فيقسّم حصّتهم ، بينهم بالسويّة كما مرّ.

واما كون المسألة من مائة وثمانية ، فلأنّ أصل الفريضة ثلاثة ، لأن نصيب الأجداد للأم الثلث ، وسهامهم أربعة ، عدد رؤوسهم ، وسهام احداد الأب تسعة لأنك تطلب عددا له ثلث ، ولثلثه ثلث لينقسم عليهم صحيحا ، وتضرب الأربعة في الثلاثة حصل اثنا عشر ، وتضربه في التسعة صار مائة وثمانية.

ويمكن غير هذا الطريق أيضا ، ولكن في هذا كفاية.

هذا بناء على ظاهر كلام الأصحاب ، واما بناء على ظاهر الروايات فليست كذلك فتأمّل.

قوله : «والزوج والزوجة إلخ» إذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع الإخوة ، وأولادهم مع عدمهم ، وكذا مع الأجداد ، فلكلّ منهما نصيبه الأعلى ، الربع والنصف لعدم الولد.

فلو اجتمع كلّ واحد مع الإخوة من الامّ فقط فله نصيبه الأعلى ، الربع أو النصف ولهم الثلث تسمية ، والباقي ردّا.


ولأحدهما مع الأخت من الأب أو من الأبوين سهمهم الأعلى وللأخت النصف تسمية والباقي ردّا.

ولأحدهما مع الاخوة المتفرقين نصيبه الأعلى ، وللاخوة من الامّ ثلث الأصل والباقي للمتقرّب بالأبوين ، ومع عدمهم فللمتقرّب (فالمتقرّب ـ خ) بالأب.

ويدخل النقص عليهم دون كلالة الأمّ.

وان كان المتقرب بالأم واحدا فله السدس ، والباقي للمتقرّب

______________________________________________________

وان كان واحدا فالسدس تسمية ، والباقي ردا ، وهو ظاهر ، وكذا الباقي ، بل لو لم يذكره لأمكن.

قوله : «ولأحد هما مع الإخوة إلخ» إذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع الاخوة المتفرقين يسقط المتقرب بالأب ، ويقوم مقام من يتقرب بالأبوين مع عدمهم مثلهم إلّا في مسألة الرّد ، فان مختاره عدم الرد على المتقرّب بالأم مع اجتماعهم مع المتقرّب بالأبوين ، والرد مع المتقرّب بالأب ، مثل ان ترك زوجة وأختا للأب ، وأختا للأم ، للزوجة الربع ، وللأخت للأب النصف ، وللأخت للأم السدس ، والباقي يرد عليهم أرباعا ، فالمسألة من ثمانية وأربعين.

ولو كانت الأخت للأب والامّ مع الأخت للأمّ فقط ما كان الرد إلّا للأخت للأب والام عنده كما تقدم من ان لها قرابتان ، وان النقص عليها فقط دون كلالة الأمّ ، فالرد لها فقط ، والوجه الأخير جار في المتقرّب بالأب أيضا ، وكأنّ كليهما وجه واحد فتأمّل.

مثال النقص ان تركت زوجا وأختا أو أختين للأبوين ، واخوة للأم ، فله النصف ولهم الثلث وكلاهما من الأصل ، بقي سدسه لها أو لهما مع أن كان لها النصف ، ولهما الثلثان ، وكذا لو كانت أو كانتا للأب فقط.


بالأبوين أو بالأب مع عدمهم ، فان كان المتقرّب بالأب أنثى ردّ الفاضل على المتقرّب بالأم والمتقرّب بالأب بالنسبة (على النسبة ـ خ) على رأي.

______________________________________________________

ودليله كأنّه الإجماع وما تقدم من الاعتبار بأنه لو كان بدلهن الرجال ما كان يحصل لهم الّا ذلك ، وليس في الشرع فضل النساء على الرجال ان كان في مرتبة واحدة وكل واحد مكان الآخر ، وهو ظاهر.

وان كل من ذكر له في القرآن مرتبتان من الفرائض ، العليا والدنيا ، لا يزيد عليهما ولا ينقص عنهما بوجه إذا كان هناك وارث آخر غير ذي المرتبتين ، لان بيان المراتب يدل على حصرها وعدم الزيادة على المرتبة العليا والنقص من المرتبة الدنيا المذكورتين ، مثل الزوج والزوجة والام ، بخلاف من ذكر له مرتبة واحدة فقد ينقص عنها (وهو ظاهر ـ خ).

وفي الأخبار إشارة إلى كلا الوجهين وقد مضت ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في امرأة ماتت وتركت زوجها ، وأبويها ، وبنتها (ابنتها ـ ئل)؟ قال : للزوج الربع ، ثلاثة أسهم من اثني عشر سهما ، وللأبوين لكل واحد منهما السدس سهمين من اثني عشر سهما ، وبقي خمسة أسهم فهي للابنة لأنه لو كان ذكرا لم يكن له أكثر من خمسة أسهم من اثني عشر سهما لأن الأبوين لا ينقصان كل واحد منهما من السدس شيئا ، وان الزوج لا ينقص من الربع شيئا (١).

ولكن قد عرفت ان عدم الرد لكلالة الأمّ مع المتقرّب بالأب أيضا محتمل قريب ومذهب لا يخلو عن قوّة ، للأخبار الدالّة على انه بمنزلة المتقرّب

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ حديث ٢ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٦٦.


ويقوم أولاد الإخوة والأخوات مقام آبائهم مع عدمهم.

ولكل نصيب من يتقرّب به ، فان كانوا من قبل الأب أو الأبوين فللذكر مثل حظ الأنثيين ، والّا فبالسوية.

ولأولاد الأخت للأب أو لهما النصف ، للذكر ضعف الأنثى والباقي لهم بالردّ ان فقد المشارك.

ولأولاد الأختين الثلثان ، لكلّ نصيب من يتقرب به ، ويقوم مقامهم مع عدمهم أولاد الاخوة للأب.

ويدخل النقص بدخول الزوج أو الزوجة عليهم دون المتقرب بالأم.

ولأولاد الأخت من الام السدس بالسويّة.

______________________________________________________

بالأبوين ، فكما لا ردّ معهم لا ردّ مع من هو بمنزلتهم ، والوجه الثاني المذكور سابقا يقتضي عدم الرد عليها مع المتقرّب بالأب أيضا.

الّا ان يقال : ليس لها مرتبتان ، بل كلّ مرتبة واحدة ، فإن السدس للواحد ، والثلث لأكثر ، بخلاف الزوج والزوجة والام ، وهو ظاهر.

نعم يمكن ان يقال : لما لم تنقص عن السدس أصلا فلا ينبغي الزيادة والردّ الّا ان هذا ليس بوجه صحيح إذ لا يقتضي عدم النقص عن حصة قليلة عدم حصول الزيادة عليها أصلا ، وهو ظاهر ، بل هو نكتة ، ووجه مناسب يقال للرد على المتقرّب بالأبوين وعدمه على المتقرّب بالأم لحصول النقص عليه ، وانما الدليل النص أو الإجماع فتأمّل.

قوله : «ويقوم أولاد الاخوة والأخوات إلخ» أي يقوم أولاد الاخوة مقام آبائهم مع عدمهم ، ولكلّ نصيب من يتقرّب به ، فلأولاد الاخوة للام المال كله بالفرض سدسا أو ثلثا ، والباقي بالرد ان لم يكن معهم من يرث ، وان كان معهم


ولأولاد الأختين فصاعدا الثلث ، لكلّ نصيب من يتقرّب به.

ولو اجتمع الكلالات مع الزوج أو الزوجة فللزوج أو الزوجة نصيبه الأعلى ، ولأولاد الاخوة للام ثلث الأصل ، ولأولاد الاخوة من الأبوين الباقي ، وسقط المتقرب بالأب ، ولو فضل عن السهام ردّ على المتقرب بالأبوين خاصّة ، ومع عدمهم يردّ على المتقرب بالأمّ ، وعلى المتقرب بالأب بالنسبة على رأي.

______________________________________________________

أحد الزوجين فله نصيبه الأعلى ، والباقي للأولاد ، واحدا كان أو أكثر ، ذكرا أو أنثى الّا انه مع الكثرة يقسم بينهم المال بالسويّة.

وكذا أولاد الاخوة للأب أو للأبوين الّا انهم يأخذون الكلّ مع عدم الشركة ومعها الباقي بعد نصيب الشريك بالقرابة لا بالفرض ويقسمون المال بينهم للذكر ضعف حظّ الأنثى مع الاختلاف.

وانهم ان كانوا أولاد الأخت الواحدة لهم النصف بالفرض ، والباقي بالقرابة ، وان كانوا أولاد الأختين فصاعدا لهم الثلثان بالفرض ، والباقي بالقرابة ويقسمون بينهم ، للذكر مثل حظّ الأنثيين مع الاختلاف.

هذا مع عدم من يشاركهم ، ومعه ـ وهو الزوج أو الزوجة ـ يأخذ أولاد الواحدة النصف فقط بالفرض معه ، ومعها النصف بالفرض ، والربع بالقرابة والردّ وأولاد الأكثر معه (١) يأخذون النصف ، فيردّ عليهم النقص ، ومعها (٢) الثلثين بالفرض ، وبالرد نصف السدس ، وان اجتمعوا يسقط أولاد المتقرب بالأب بالمتقرّب بالأبوين ويقومون مقامهم مع عدمهم.

ولأولاد المتقرب بالأم السدس مع الوحدة المتقرّب بها ، والثلث مع الكثرة يقسّم بينهم بالسويّة والباقي لأولاد المتقرّب به أو لهما يقسم بينهم أثلاثا ان

__________________

(١) أي مع الزوج.

(٢) أي مع الزوجة.


.................................................................................................

______________________________________________________

اختلفوا. هذا إذا (ان ـ خ) لم يكن المتقرب به أو بهما أختا واحدة أو ثنتين فصاعدا ، فان كانت أختا واحدة فلاولادها النصف بينهم مع الكثرة ، والاختلاف أثلاثا ، وبالسويّة مع الاتحاد.

وان كانت أختين فصاعدا فلاولادهما الثلثان ، لأولاد كلّ واحدة الثلث ، فان كان وحده فله ذلك ، وان كان أكثر فللذكر ضعف الأنثى مع الاختلاف ، ومع الاتحاد بالسوية ، والباقي ان كان يردّ على أولاد المتقرّب بالأبوين فقط ، ومع عدمهم على المتقرّب بالأب فقط على قول ، وعليهم وعلى أولاد المتقرّب بالأم على قول المصنّف أرباعا ، كما إذا كان الأولاد لأخت واحدة من الأب فلهم النصف ، والأولاد لواحد من إخوة الأم فلهم السدس ، وأخماسا بأن كانوا للأختين من الأب فلهم الثلثان ، ولأولاد واحد من إخوة الأمّ السدس ، وأخماسا أيضا إذا كانوا من الأخت الواحدة للأب فلهم النصف ، ومن الأختين وأكثر للأم ، فلهم الثلث ، ولكن للاول ثلاثة أخماس ، وللآخر خمسان.

فإذا دخل عليهم الزوج أو الزوجة فيدخل النقص على المتقرّب بالأبوين ، أو الأب خاصّة لا المتقرّب بالأم.

وذلك كلّه ظاهر ولا يحتاج الى البيان.

إلّا (أنّ ـ خ) الدليل على أنّ أولاد الاخوة يقتسمون المال بينهم بالسويّة ، وأولاد الاخوة للأب أو له ، للام يقسمون بينهم للذكر ضعف الأنثى وكأنه الإجماع والاخبار من العامة والخاصّة.

مثل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة (١) ، والآية حيث دلّت في أوّل (٢)

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٥ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٨٦.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) ـ النساء : ١٢.


ويقاسمون الأجداد كآبائهم.

ويمنع الإخوة وأولادهم وان نزلوا والأجداد وان علوا ، الأعمام والأخوال وأولادهم.

______________________________________________________

السورة على الشركة في الثلث بين الاخوة وهي محمولة على التساوي ، لأنه الظاهر من الشركة ، وفي آخر (١) السورة وقع (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، وحملت الاولى على المتقرّب بالأم ، والثانية بالأب ، وجعلوا أولادهم بحكمهم ، وكأن وجه الجمع الخبر ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة ، والإجماع ، والّا فيمكن الجمع بينهما بحمل الاولى على الثانية ، لحمل المطلق والمجمل على المبيّن والمفصّل بعكس المشهور ، فبالحقيقة انما الدليل هو الإجماع والخبر ، لا الآية ، ولكن الأمر في ذلك هيّن.

قوله : «ويقاسمون الأجداد كآبائهم» قد مرّ دليل شركة أولاد إخوة الميّت مع أجداده ، وأنّهم بمنزلة آبائهم كما يشارك إخوة الميّت الأجداد ، فكذلك أولادهم ويأخذون كلّ نصيب من يتقرب به.

قوله : «ويمنع الإخوة إلخ» قد مرّ أيضا دليل منع اخوة الميّت وأولادهم وان نزلوا ، أعمام الميّت وأخواله ، وكذا منع أجداده وان علوا إياهم وهو مثل آية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) (٢) ، فإن جدّه وان علا أقرب إليه من العمّ ، لان قرب الجدّ بواسطة ولده الحاصل منه الّذي حصل منه الميّت ، فهو حاصل الجدّ بواسطة ، وله دخل في وجوده وقرب العم لوجوده وأبي الميّت من شخص واحد ، وليس له دخل في وجود الميّت ومعلوم ان الأوّل أقرب فتأمّل.

وكذا بالنسبة إلى الخال ، وكذا أولاد إخوته أقرب إليه من عمّه ، فإن أولاد إخوته ينتسبون إليه بواسطة حصوله وحصول أبيهم من شخص بخلاف العمّ فإنه

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ـ النساء : ١٧٦.

(٢) الأنفال : ٧٥.


الفصل الثالث : في ميراث الأعمام والأخوال

للعم المنفرد المال ، وكذا العمّان والأعمام بالسويّة ان كانوا من درجة واحدة.

وكذا العمّة والعمّتان والعمّات.

ولو اجتمع الذكور والإناث ، فإن كانوا من قبل الأب أو الأبوين فللذكر ضعف الأنثى ، والّا تساووا.

______________________________________________________

ينسب إليه ، لأن أباه وجدّ الميّت شخص واحد ، ومعلوم ان منشأ الاتحاد والقرب إذا كان أبا الميّت يكون النسبة أقرب من ان يكون جدّه فتأمّل.

وكذا بالنسبة إلى الخال ، وكأن فيه الإجماع أيضا.

ويدلّ عليه ما في صحيحة يزيد الكناسي ـ الطويلة المتقدمة ـ عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : وابن أخيك من أبيك أولى بك من عمك (١) فتأمّل.

قوله : «للعم المنفرد المال إلخ» كون المال كلّه للعم الواحد فقط ، وكذا للعمّين ، والأعمام على السواء إذا كان الكلّ من درجة واحدة ، أي من جنس واحد ، مثل كونهم من الأبوين أو أحدهما ، وكذا للعمّة والعمّتين والعمّات ظاهر ، إذا لم يكن من هو اولى منهم ، ولا من في مرتبتهم.

واما دليل التقسيم للذكر مثل حظّ الأنثيين إذا اجتمع العمّ والعمّة والأعمام والعمّات ـ ان كانوا من قبل الأب أو الأبوين ـ بأن يكون أخا أبيه من أبيه ، أو منه ، أو من امّه ، وبالسويّة ان كانوا من جهة الأمّ بأن يكون أخا أبيه من الام فقط كأنه الإجماع وما أعرفه ، والاعتبار ، فإنهم مثل الاخوة ، فإن سبب الإرث الإخوة فيكونون مثلهم.

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب موجبات الإرث ج ١٧ ص ٤١٤.


ولا يرث المتقرب بالأب مع المتقرب بالأبوين إذا تساووا في الدرجة.

ولو اجتمع المتفرقون فلمن تقرّب بالأم السدس ان كان واحدا ، والثلث ان كانوا (كان ـ خ) أكثر ، للذكر مثل الأنثى ، والباقي للمتقرب بالأبوين ، للذكر ضعف الأنثى (ويسقط ـ خ) المتقرب بالأب.

ويقوم المتقرب بالأب مقام المتقرب بهما عند عدمهم ، ذكرهم ضعف إناثهم.

______________________________________________________

ولكن قد مرّ عدم دليل واضح على الإخوة أيضا فتأمّل ، ويحتمل الاخبار وما رأيتها.

قوله : «ولا يرث المتقرب بالأب إلخ» عدم ارث المتقرب بالأب فقط من المتقرب بالأبوين إذا كانوا في درجة واحدة أي مرتبة واحدة بأن يكون كلّهم عمّا أو عمّة للميّت ، لا ان يكون بعضه عمّ أبيه وامّه وعمّتهما هو المشهور ، بل كاد ان يكون إجماعا.

ويدل عليه أيضا ما في صحيحة يزيد الكناسي المتقدّمة : وعمّك أخو أبيك من أبيه وامه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه (١).

قوله : «ولو اجتمع المتفرقون إلخ» إذا اجتمع عمومة الميّت للأب وللأبوين وللامّ سقط المتقرّب بالأب بالمتقرب بهما.

قد مرّ مع ما يحتمل ان يكون دليله من الإجماع ، والاعتبار ، والاخبار ولا أعرف في ذلك الّا ما مرّ.

__________________

(١) تقدم آنفا بيان موضعه.


.................................................................................................

______________________________________________________

وللمتقرّب بالأمّ السدس ان كان واحدا ، عمّا أو عمّة ، والثلث ان كان أكثر بينهم بالسويّة مطلقا ، أعماما أو عمّات أو هما معا ، والباقي للمتقرّب بالأبوين ، ومع عدمه للمتقرّب بالأب بينهما بالسويّة مع الاتحاد ، وللذكر ضعف الأنثى مع الاختلاف.

دليله كأنّه الإجماع ، والاخبار والاعتبار ، وما أعرفها ، والمذكور في الفقيه وعن الفضل في الكافي وغيره انه يقسّم المال بين الأعمام والعمّات مطلقا للذكر مثل حظ الأنثيين من غير فرق بين كونهم لأم ، أو لأب وأم ، أو لأب.

قال فيهما : وان ترك أعماما وعمّات فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين (١).

مقتضى النظر ، التقسيم بالسويّة في الكلّ من غير فرق ، للشركة في الإرث وعدم الأولويّة في النسب ، والزيادة تحتاج الى دليل ، وليس ، والتفاضل والفرق انما هو بين الاخوة ، وإجرائه في العمومة وغيرها قياس فتأمّل.

وبالجملة النصّ الكتابي إنما دلّ على كون السدس للواحد ، والثلث لأكثر من الإخوة والأخوات حمل على كونهم للام ، بقرينة الآية الثانية (٢) الدالّة على كون النصف للواحدة ، والثلثين لأكثر ، المحمولة على كونهم للأبوين أو الأب فقط لإجماع ونحوه.

وعلى التقسيم بين الاخوة والأخوات ، للذكر مثل حظّ الأنثى ، حمل على كونهم من الأمّ بقرينة جعل النصف للواحدة ، والثلثين لأكثر.

__________________

(١) الفقيه باب ميراث ذوي الأرحام ص ٢٩٠ ج ٢ طبع مكتبة الصدوق. والكافي باب ميراث ذوي الأرحام عقيب حديث ٩ نقلا عن الفضل.

(٢) هي قوله تعالى في آخر سورة النساء (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ) ـ النساء : ١٧٦.


والأقرب بدرجة وان كان من جهة واحدة ـ يمنع الأبعد وان كان من جهتين إلّا في مسألة إجماعيّة ، وهو ابن العمّ من الأبوين يمنع العمّ من الأب ولو كان معهما خال أو عمّة أو كان عوض العمّ عمّة أو

______________________________________________________

والتقسيم بين الذكور والأنثى مثل حظّ الأنثيين في آية أخرى (١) ، المحمولة على كونهم للأبوين أو للأب ، للإجماع على عدم ذلك لأولاد الأمّ ، ولأن الثلث والسدس حظ الام ، فالمناسب كون ذلك لمن يتقرّب بها.

وكذا على التقسيم بين الأولاد.

واما سائر الكلالات ، مثل الأعمام ، والأخوال ، والأجداد ، فلا نصّ فيه ، فكأنه للخبر في البعض والإجماع في الكلّ ان كان.

ويمكن ان يقال : الكلالة في الآية الشريفة (٢) محمولة على المتخلّف من الأقارب غير الوالد والولد ، وذكر الأخ والأخت بطريق التمثيل.

ولكن في فهم ذلك تأمّل ، فإنه لا يفهم ، نعم للقياس مجال ، ويؤيّده كون ذلك حصّة الأم.

وكذا لا دليل ظاهرا الآن في سقوط من يتقرّب بالأب فقط مع المتقرّب بالأبوين إلّا خبر يزيد الكناسي المتقدم ، ويحتمل ان يكون إجماعا أيضا ، الله يعلم فتأمّل.

قوله : «والأقرب بدرجة إلخ» دليل منع الأقرب من عمومة الميّت بدرجة واحدة وان كان القرب منه من جهة واحدة ، الأبعد بدرجة وأكثر وان كان قربه من الميّت بجهتين ، مثل منع الأخ والأخت من الامّ ، ابن الأخ والأخت من الأب والام ظاهر.

__________________

(١) المذكورة في آخر سورة النساء كما نقلناها.

(٢) هي قوله تعالى (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) ـ النساء : ١٧٦.


عوض الابن بنتا فالأقرب أولى ، وللخال المال إذا انفرد ، وكذا الخالان والأخوال ، والخالة والخالتان والخالات مع تساوي الدرجة.

ولو اجتمعوا فالذكر والأنثى سواء.

ولو اختلفوا فلمن تقرب بالأم السدس ان كان واحدا والثلث للأزيد ، والباقي للمتقرب بالأبوين ، الذكر والأنثى سواء ، ولا شي‌ء للمتقرب بالأب ، ويقوم المتقرب بالأب مقام المتقرب بالأبوين عند عدمهم كهيئتهم.

والأقرب ـ وان تقرب بجهة ـ يمنع الأبعد وان تقرب بجهتين.

______________________________________________________

وهو العقل والنقل ، كتابا (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) (١) وسنّة وهي أخبار كثيرة.

امّا استثناء المسألة الواحدة ، وهي ان ابن العم من الأبوين يمنع العم من الأب ، فللإجماع والخبر ، وهي مخصوصة بالصورة المذكورة فلا يمنع ابن العم من الأبوين ، العمة من الأب ، ولا الخال ، ولا الخالة ، سواء كانوا معهم عمّ أم لا.

وكذا لا يمنع بنت العم من الأبوين ، العمّ من الأب وغير ذلك من الصور ، لعدم الدليل على ذلك مع دليل العدم الذي تقدم من العقل والنقل.

قوله : «وللخال المال إلخ» بيان ميراث الخال والخالة ، فللخال المنفرد ما ترك ولد أخته مطلقا ، وكذا للخالة.

وان كانوا متكثرين يرثون كلّهم المال كلّه بالسويّة ، بشرط تساوي الدرجة مثل كونهم أخوالا وخالات لاب فقط أو لام أو لهما الّا انه ان كان من الام يكون له أو لها السدس ، وللأكثر الثلث بالفرض ، والباقي بالرّدّ.

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولو اجتمعوا مختلفين في الدرجة لا يرث المتقرّب بالأب مع المتقرّب بالأبوين فيسقط به ، ويأخذ المتقرب بالأمّ السدس ان كان واحدا ، والثلث ان كان أكثر ، ويقسّم بينهم بالسوية ، والباقي للمتقرّب بالأبوين أو للمتقرّب بالأب مع عدمه بالسوية أيضا سواء كانوا ذكورا أو إناثا أم ذكورا وإناثا.

ومعلوم ممّا مرّ أن الأقرب بدرجة وان كان قربه من جهة واحدة يمنع الأبعد وان كان قربه من جهتين ، مثل الخال لاب ـ أي أخو الأم من أبيها ـ يمنع ابن الخال للأبوين ـ أي ابن أخي الأمّ من الأبوين ـ وهو ظاهر الّا أنّ في سقوط المتقرّب بالأب بالمتقرب بالأبوين اشكالا ، لعدم الدليل الّا ان يكون إجماعا.

وكذا في إيراث المتقرّب بالأم السدس مع الوحدة ، والثلث مع الكثرة ، لعدم الدليل أيضا.

ثم ان كان ذلك لما ثبت عندهم من سقوط المتقرّب بالأب بالمتقرّب بالأبوين في الكلالة ، وثبوت السدس والثلث في كلالة الأم ، فلا يناسب الحكم بتساوي القسمة بينهم مطلقا ، بل ينبغي ذلك في المتقرّب بالأمّ وبالتثليث للذكر ضعف الأنثى في المتقرّب بالأبوين.

وبالجملة مع جعلهم من كلالة الأم ، ينبغي التقسيم بينهم بالسويّة مطلقا وجعل السدس للواحد ، والثلث للأكثر بالفرض والباقي بالردّ مطلقا ، فلا يجعل السدس للواحد ، والثلث للأكثر ، للمتقرّب بالأم ، والباقي لغيره ويبعد جعلهم من كلالة الأم ثم النظر في التقسيم بجعل النقص بالنسبة إلى البعض من كلالة الأم دون البعض ، فإنه ينبغي النظر الى الميّت ومن خلّف ، وقربه اليه فقط ، ولا شك ان الخال مطلقا ممن يتقرّب بالأمّ وكلالتها ، لأن قربه الى الميّت انما هو بالأمّ وان كان القرب بينهما من جهة الأب وان نظر الى الواسطة ، فلا ينبغي النظر الى الميّت ، وهو ظاهر فتأمّل.


ولو اجتمع الأخوال والأعمام فالثلث للخال أو الخالة أو لهما بالسويّة ، والثلثان للعمّ أو العمّة أو لهما.

ولو اجتمع الأخوال المتفرقون مع الأعمام المتفرقين فلمن تقرب بالأمّ من الأخوال سدس الثلث ان كان واحدا ، وثلثه ان كان أكثر ، والباقي من الثلث للمتقرب بالأبوين بالسويّة ، وسقط المتقرب بالأب وللعمومة من الام ثلث الثلثين بالسويّة ، وان كان واحدا فالسدس ، والباقي للمتقرب بالأبوين ، للذكر ضعف الأنثى ، وسقط المتقرب بالأب.

______________________________________________________

نعم يمكن أمثال ذلك ولو كان عليه دليل غير ما رأيناه.

قوله : «ولو اجتمع الأخوال إلخ» إذا اجتمع الأخوال والأعمام المتفرقون ، فالثلث للخال أو الخالة ، أو لهما بالسويّة ، سواء كان واحدا أو أكثر ، والثلثان للعمّ أو للعمّة أو لهما ، للذكر ضعف الأنثى ، فالثلث يأخذه الخال أو الخالة مع الوحدة ، والكثرة ، سواء كانوا من الأب والامّ ، أو الأمّ ، أو الأب ، ويسقط المتقرّب بالأب مع المتقرب بالأب والامّ ويقوم مقامه مع عدمه.

ثمّ يأخذ المتقرّب بالأمّ سدس ذلك الثلث ان كان واحدا ، وثلثه ان كان متعددا ويقسمونه بينهم بالسويّة ، ويأخذ العم أو العمّة أو الأعمام والعمّات ، الثلثين ويقسمونها مع التعدد ، للذكر ضعف الأنثى ، ويسقط المتقرّب بالأب مع المتقرب بالأب والامّ ويقوم مقامه مع عدمه.

ويأخذ المتقرّب بالأم سدس الثلثين مع الوحدة ، وثلثهما مع الكثرة ويقسمون بينهم بالسويّة مطلقا ، والباقي وهو خمسة أسداس الثلثين أو ثلثاهما ، يأخذه المتقرّب بالأبوين أو بالأب ويقسمونه بينهم للذكر ضعف الأنثى.

فيه ما تقدم في الأخوال ، على ان مقتضى القاعدة ان يكون للخال


.................................................................................................

______________________________________________________

الواحد والخالة الواحدة السدس ، وللمتعدد منهما الثلث ، فان ذلك حظّ كلالة الأم ، ولا شك في كونهما منها.

الّا انه قد دلّت الاخبار على ان العم والعمّة بمنزلة الأب ، والخال والخالة بمنزلة الأم.

مثل ما رواه في الصحيح أبو بصير ـ يعني المرادي ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن شي‌ء من الفرائض فقال لي : إلا أخرج لك كتاب علي عليه السّلام؟ فقلت : كتاب علي عليه السّلام لم يدرس؟ فقال لي : يا أبا محمّد كتاب علي لا يدرس (لا يندرس ـ يب) ، فأخرجه ، فإذا كتاب جليل ، فإذا فيه : رجل مات وترك عمّه وخاله؟ قال : للعم الثلثان ، وللخال الثلث (١).

وما في حسنة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السّلام : فإذا اجتمعت العمّة والخالة فللعمّة الثلثان ، وللخالة الثلث (٢).

ومثله مرسلة أبي المغراء (المعزى ـ يب) عن رجل عن أبي جعفر عليه السّلام (٣).

ورواية أبي أيوب ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إنّ في كتاب علي عليه السّلام : إن العمّة بمنزلة الأب ، والخالة بمنزلة الأم ، وبنت الأخ بمنزلة الأخ ، وكل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به الّا ان يكون وارث أقرب إلى الميّت منه فيحجبه (٤).

ورواية سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كان علي عليه السّلام يجعل العمّة بمنزلة الأب في الميراث ، ويجعل الخالة بمنزلة الأم ، وابن

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب ميراث الأعمام والأخوال ج ١٧ ص ٥٠٤.

(٢) الوسائل باب ٢ ذيل حديث ٤ من أبواب ميراث الأعمام والأخوال ج ١٧ ص ٥٠٥.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٥ من أبواب ميراث الأعمام والأخوال ج ١٧ ص ٥٠٥.

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ٦ من أبواب ميراث الأعمام والأخوال ج ١٧ ص ٥٠٥.


وأولاد العمومة والعمّات ، والخؤولة والخالات يأخذ كلّ نصيب من يتقرب به ، فلأولاد العم للام السدس بالسويّة ، ولأولاد العمين الثلث ، لكلّ نصيب من يتقرب به بالسويّة ، والباقي لبني العم أو العمومة للأبوين لكلّ نصيب من يتقرّب به للذكر ضعف الأنثى ، ومع عدمهم لبني العمومة من الأب كذلك وكذا أولاد الخؤولة.

______________________________________________________

الأخ بمنزلة الأخ ، وكل ذي رحم لم يستحق له فريضة فهو على هذا النحو ، قال : وكان علي عليه السّلام يقول : إذا كان وارث ممن له الفريضة فهو أحقّ بالمال (١).

قوله : «وأولاد العمومة والعمّات إلخ» لما كان لكلّ من يتقرب بشخص ميراثه فلأولاد العم والعمّة ارثهما ، ولأولاد الخال والخالة ارثهما ، يقومون مقام آبائهم ، ويأخذ كلّ نصيب من يتقرّب به ، فلولد العم الواحد للام والعمّة الواحدة لها المال كلّه مع عدم من يرث ، واحدا كان أو متعددا ، ومعه يقسمون بينهم بالسويّة مطلقا.

وكذا لولد العم والعمّة للأب أو له أو للأمّ ، الّا ان التقسيم هنا للذكر مثل حظ الأنثيين ان كانوا أولاد العم.

وان اجتمع الأولاد المتفرقون يسقط أولاد المتقرب بالأب بالمتقرب بهما ، ويأخذ ولد العم الواحد أو العمّة الواحدة للأمّ السدس ، ويقسمونه بالسوية مع التعدد.

ولأولاد العمّين أو العمّتين وأكثر من الامّ الثلث ، لكلّ نصيب من يتقرّب به بالسويّة ، والباقي لبني العم أو العمّة للأبوين ، لكلّ نصيب من يتقرّب به للذكر ضعف الأنثى في الأوّل ، ومثلها في الثاني ، ومع عدمهم لبني العم والعمّة من الأب كذلك.

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ٧ من أبواب ميراث الأعمام والأخوال ج ١٧ ص ٥٠٦.


وعمومة الميّت وعمّاته وخؤولته وخالاته وأولادهم وإن نزلوا يمنعون عمومة الأب وعمّاته وخؤولته وخالاته وعمومة الأم (وعماتها وخؤولتها ـ خ) وخالاتها.

فان فقد العمومة والخؤولة وأولادهم فلعمومة الأب والام وخؤولتهما وأولادهم وان نزلوا.

وكل بطن ـ وان نزلت ـ تمنع البطن العليا ، فابن ابن عم الأب أولى من عم الجدّ. ولو اجتمع عم الأب ، وعمته ، وخاله ، وخالته ، وعم الام ، وعمتها ، وخالها ، وخالتها ، فلمن تقرب بالأمّ الثلث بالسويّة ، ولخال الأب وخالته ثلث الثلثين بالسويّة ، والباقي لعمّ الأب وعمته ، للذكر ضعف الأنثى ، فيصحّ من مائة وثمانية.

______________________________________________________

وكذا أولاد الخؤولة ، أي لأولاد الخال الواحد والخالة الواحدة من الامّ السدس ويقسم مع التعدد بينهم بالسويّة ، ولأولاد الخالين والخالتين وأكثر من الام الثلث ، بينهم بالسويّة أيضا ، والباقي لبني الخال أو الخالة من الأبوين ، لكلّ نصيب من يتقرّب به بالسويّة ، ويسقط أولاد الخال أو الخالة من الأب.

ويقومون مقام أولادهما من الأبوين مثلهم.

قوله : «وعمومة الميّت وعمّاته إلخ» دليل منع أعمام الميّت وعماته ، وأخواله وخالاته ، وأولادهم وإن نزلوا أعمام أب الميت ، وعماته وأخواله وخالاته ، وأعمام الأم وعماتها ، وأخوالها وخالاتها ، ظاهر وقد تقدم.

وكذا دليل قوله : (فان فقد العمومة والخؤولة وأولادهم فلعمومة الأب والام وخؤولتهما وأولادهم وان نزلوا وكلّ بطن وان نزلت تمنع البطن العليا. فابن ابن عم الأب أولى من عم الجدّ).

وكذا دليل قوله : (ولو اجتمع عم الأب وعمته وخاله وخالته وعم الام


ولو اجتمع سببان متساويان في واحد ، ورّث بهما ، كابن عم لاب هو ابن ابن خال لام ، وابن عم هو زوج ، وعمّة لأب هي خالة لأمّ.

ولو تفاوتا ورث بالمانع كابن عم هو أخ.

______________________________________________________

وعمّتها وخالها وخالتها فلمن تقرّب بالأمّ الثلث بالسويّة ، ولخال الأب وخالته ثلث الثلثين بالسويّة ، والباقي لعم الأب وعمّته ، للذكر ضعف الأنثى فيصحّ من مائة وثمانية)

فإن ذلك كلّه ظاهر ممّا تقدم.

ووجه الوصول الى هذا العدد أيضا ظاهر ، لأنّ أصل الفريضة ثلاثة تنكسر على الفريقين ، يضرب سهام كلالات الام ، وهو أربعة في سهام كلالات الأب ـ وهو تسعة ـ إذ ينقسم ثلاثة أثلاثا يصير ستا وثلاثين ، ثلثها ـ اثني عشر ـ للمتقرّب بالأم بالسويّة ، والباقي ـ أربعة وعشرون ـ للمتقرّب بالأب ينكسر عليهم بضرب مخرج أقرباء الأب ـ وهو ثلاثة ـ في ستة وثلاثين ، يصير مائة وثمانية والكل واضح.

قوله : «ولو اجتمع سببان إلخ» قد يتفق السببان للإرث في شخص واحد بالنسبة إلى شخص ، فان كانا متساويين بمعنى ان لا يكون أحدهما مقدما على الآخر يرث بهما ، لوجود السبب وعدم المانع ، مثل ابن عم لاب لشخص ـ أي يكون ابن أخيه من أبيه ـ يكون هو ابن خال له لامّ أي ابن أخيه من امّه ، وذلك (١) بأن تزوج أخو شخص من أبيه أخته من امه ، فالشخص عم الأب بالنسبة إلى الولد الحاصل بينهما ، لأنه أخو أبيه من أبيه ، وخال أيضا ، لأنه أخو امّه من الام وهما

__________________

(١) في هامش بعض النسخ هكذا : هذا بأن تزوج رجل ذو ابن امرأة ذات بنت وأولدها ولدا وزوج ابنته بنت المرأة وأولدها أيضا ، فالولد الحاصل من الأب بالنسبة إلى الولد الحاصل من الأب عم وخال ان كان ذكرا وعمة وخالة ان كان أنثى ـ بخطه رحمه الله ـ (انتهى).


ولكل من الزوج والزوجة نصيبه الأعلى ، وللأخوال نصيبهم ، ويدخل النقص على العمومة ، فللزوج النصف ، وللخال الثلث ، وللعم السدس.

______________________________________________________

سببان (١) متساويان وابن ذلك الشخص بالنسبة إلى الولد الحاصل ، ابن عم وابن خال ، وفيه أيضا سببان.

ومثل ابن عم لامرأة ، هو زوج لها بأن تزوج شخص ابنة عمه.

وان لم يكن السببان متساويين بل متفاوتين بأن يكون أحدهما أقرب من الآخر ، فيكون مانعا للأبعد كما إذا وجدا في الشخصين ، فإن الأقرب هناك يمنع الأبعد ، فهنا بالطريق الاولى ، مثل ان تزوج عمّ شخص امّه وحصل منهما ولد ، فهذا الولد بالنسبة إلى الشخص حينئذ أخ من امّه لأنه ولد أمّها وابن عم له ، لانه ولد عمّه فيرث الولد منه بالاخوّة لا بابنيّة العم ، وهو ظاهر.

قوله : «ولكلّ من الزوجين نصيبه الأعلى إلخ» إذا اجتمع الزوج والعم والخال ، فللزوج النصف ، وهو نصيبه الأعلى ، وللخال الثلث ، لأنه بمنزلة الأمّ على ما تقدم ، بالخبر ، بل بالإجماع أيضا ، والباقي وهو السدس للعمّ ، وكذلك ان كان بدلَهما العمّة والخالة ، واحدا كانوا أو أكثر ، لما تقدم ، فورد النقص على العمّ والعمّة ، بل حقيقة لا نقص ، إذ لا فرض لهم حتى يكون حينئذ انقص من ذلك.

نعم ، هو انقص بالنسبة الى بعض الصور ، فإنه يحصل له الثلثان مع الخال ، لأنه بمنزلة الأب على ما تقدم.

ولو كانت الزوجة بدل الزوج يكون لها الربع الذي نصيبها الأعلى ،

__________________

(١) في هامش بعض النسخ هكذا : وبه حصل المثال وابن هذا الشخص بالنسبة الى ذلك الولد ابن عم وابن خال ، هذا مثال المتن ، وأخت هذا الشخص من أبيه وامه عمة وخالة بالنسبة إلى الولد ، وهو ظاهر ، ولو فرض ذلك الشخص بنتا تكون عمّة وخالة أيضا وولدها ابن عمّة وابن خالة ـ بخطه دام ظلّه ـ (انتهى).


ولو اجتمع الزوج مع العمومة فله النصف ، وللعمومة من الام الثلث ، وللعمومة من الأب السدس ، وكذا الخؤولة ، ولو دخل أحدهما على أولادهم فكذلك.

الفصل الرابع : في ميراث الأزواج

للزوج مع عدم الولد ـ وان نزل ـ النصف.

______________________________________________________

والثلث للخال أو الخالة ، والباقي للعم أو العمّة ، ويكون النقص عليهما أيضا حينئذ الّا انه أقل من الأولى ، فإنّ الحاصل هناك السدس ، وهنا السدسان ونصف السدس.

ولو اجتمع الزوج أو الزوجة مع العمومة المتفرقين فله النصف ، ولها ، الربع ، وللعمومة من الام الثلث ، وللعمومة من الأب والام أو الأب السدس ، أو السدسان ونصف سدس ، ويسقط المتقرب بالأب بالمتقرّب بهما ويقوم مقام المتقرّب بهما مع عدمه.

وكذا لو اجتمع أحدهما مع الخؤولة الخال أو الخالة المتفرقة ، وكذا لو اجتمع أحدهما مع أولاد العمومة وأولاد الخؤولة ، فهو مثل الاجتماع مع آبائهم بعينه ، فلا يحتاج الى البيان.

الفصل الرابع في ميراث الأزواج

قوله : «للزوج مع عدم الولد إلخ» كون النصف للزوج ، والربع للزوجة مع عدم الولد أصلا ، والربع له ، والثمن لها معه وان نزل ، هو منصوص الكتاب والسنّة والإجماع ، وهو من أدلّة إطلاق الولد على ولد الولد حقيقة فافهم.


فان لم يكن سواه ـ ولو ضامن جريرة ـ ردّ عليه على رأي ، وعلى الام على رأي ، وإلّا فعلى غيره ، ومع الولد ـ وان نزل ـ الربع.

______________________________________________________

وإذا كان وارث آخر غير هما ـ ولو كان ضامن الجريرة ـ فما بقي منهما له ، للنصّ والإجماع أيضا على الظاهر.

واما إذا لم يكن ـ ولو ضامن جريرة ـ ففي ردّ ما بقي إلى الزوج والزوجة خلاف ، مختار البعض الردّ على الزوج مطلقا مع حضور الامام وغيبته ، وعلى الزوجة مع الغيبة دون الحضور فللإمام عليه السّلام حينئذ.

دليل الأوّل : الروايات الكثيرة ، مثل رواية مثنى بن الوليد الحنّاط ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت : امرأة ماتت وتركت زوجها؟ قال : المال كلّه له إذا لم يكن لها وارث غيره (١).

وصحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السّلام في امرأة توفّيت ولم يعلم لها احد ، ولها زوج؟ قال : الميراث لزوجها (٢).

فيها اشعار بعدم التفتيش ، لاحتمال وجود وارث ، بل يكفي عدم ظهور وارث للحكم بالعدم ، وكون الميراث للموجود الظاهر ، فافهم.

ورواية أبي بصير ، قال : قرأ عليَّ أبو عبد الله عليه السّلام فرائض علي عليه السّلام ، فإذا فيها : الزوج يحوز المال كله إذا لم يكن غيره (٣).

ورواية أخرى له ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن المرأة تموت ولا تترك وارثا غير زوجها؟ قال : الميراث له كله (٤).

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٧ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٣.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٢.

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٢.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ١٤ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

فيها القاسم وعلي (١) المشتركان.

وفي الصحيح عن أبي بصير ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام فدعا بالجامعة ، فنظر فيها ، فإذا : امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره ، المال له (كلّه ـ ئل يب) (٢).

ورواية أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره؟ قال : إذا لم يكن غيره فله المال ، والمرأة لها الربع ، وما بقي فللإمام (٣).

وهذه تدل على عدم الردّ على المرأة مطلقا ، بل على الامام.

وصحيحة ابن مسكان ـ كأنه عبد الله الثقة ـ عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت له : رجل مات وترك امرأته؟ قال : المال لها ، قال : قلت : امرأة ماتت وتركت زوجها؟ قال : المال له (٤).

وهذه تدلّ على التسوية بين المرأة والزوج في ثبوت الرد لهما.

فجمع بينهما في الفقيه وغيره بحمل الاولى على ظهور الامام عليه السّلام ، والثانية على غيبته عليه السّلام وتبعه المصنف.

قال الشيخ : يحتمل ذلك ، ويحتمل وجه آخر ـ وهو الأولى ـ كون الزوجة قريبة الزوج ، فترث الباقي عن حصّة الزوجيّة بالقرابة. وأيده بصحيحة محمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار البصري ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن رجل مات وترك امرأة قرابة ليس له قرابة غيرها؟ قال : يدفع المال كلّه

__________________

(١) سندها كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم عن القاسم ، عن علي ، عن أبي بصير.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٢.

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ٥ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٢.

(٤) الوسائل باب ٣ أورد صدره في باب حديث وذيله في باب ٣ حديث ٦ ج ١٧ ص ٥١٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

إليها (١).

والحملان بعيدان ، وسيجي‌ء ، وفي التأييد تأمّل (٢).

وقال : ويدل على ما ذكرناه من أنّ المرأة لا تستحق أكثر من الربع مع عدم ولد وان لم يكن هناك قريب ما رواه حسن بن محمّد بن سماعة ، عن محمّد بن الحسن بن زياد العطّار ، عن محمّد بن نعيم الصحاف قال : مات محمّد بن أبي عمير (بياع السابري ـ ئل) واوصى اليّ وترك امرأة لم يترك وارثا غيرها ، فكتبت الى عبد صالح (العبد الصالح ـ ئل) فكتب اليّ : أعط المرأة الربع واحمل الباقي إلينا (٣).

وفي الدلالة على ما ذكره تأمل ظاهر (٤).

ثم ذكر صحيحة علي بن مهزيار ، وضعيفة محمّد بن مروان ، ورواية جميل (٥) ، وقال في المختلف : موثقة وسيأتي كلها مع البحث فيها.

واعلم ان ظاهر القرآن العزيز حصر نصيب الزوج والزوجة الأعلى في النصف والربع ، ومقتضى ذلك عدم الردّ عليهما أصلا مع ظهور الامام عليه السّلام وغيبته.

لكن المشهور ، بل نقل في الشرح دعوى الإجماع عن السيّد المرتضى

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٧.

(٢) في هامش بعض النسخ هكذا : لعدم إشعارها بعدم ذلك القرينة ، على انه لم يفهم منها كون المرتد زوجة (منه دام ظلّه) انتهى.

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٥.

(٤) في هامش بعض النسخ هكذا : فان المطلوب الردّ مع الغيبة لا مع الحضور وهي تدل على عدمه مع الحضور (انتهى).

(٥) راجع الوسائل باب ٤ حديث ٧ ـ ١٠ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

والشيخين من الأصحاب ، على الرد على الزوج مطلقا ، سواء كان حال الحضور أو حال الغيبة ، وقال فيه : (ونقلهم حجّة).

وقال في المختلف : وجلّة أصحابنا نقلوه ونقلهم حجة.

ومستندهم في ذلك أخبار (روايات ـ خ) كثيرة ، مثل صحيحة محمّد بن قيس ، وصحيحتي أبي بصير المتقدمات (١).

وصحيحته وحسنته في الكافي ، الأولى : عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن المرأة تموت ولا تترك وارثا غير زوجها؟ قال : الميراث له كلّه (٢) ولا يضرّ وجود محمّد بن عيسى ، عن يونس (٣).

والأخرى : عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت : امرأة ماتت وتركت زوجها؟ قال : المال له ، قال : معناه ولا وارث لها غيره (٤) ، وغيرها من الأخبار الكثيرة.

ولا يضرّ المناقشة بأن محمّد بن قيس مشترك (٥) ، وكذا أبا بصير ، لأنّا قد بيّنا مرارا ان محمدا الذي ينقل عنه عاصم بن حميد ثقة ، وهنا كذلك ، ولغير ذلك مما ذكرناه.

والظاهر ان أبا بصير أيضا هو ليث الثقة ، لاشتهاره ، وكثرة وقوعه في الاخبار ، ولهذا يسمّون الاخبار بها ولا يلتفتون الى اشتراكه كما سمّى خبره هنا بها

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٣ حديث ١ ـ ٢ ـ ٣ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١١ ـ ٥١٢.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ١١ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٣.

(٣) سندها كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي بصير.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ١٠ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٣.

(٥) فان سندها فيه محمّد بن قيس كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن قيس.


.................................................................................................

______________________________________________________

في الشرح والمختلف أيضا مع خبر محمّد بن قيس ، ويمكن ان يكون معلوما عندهم فتأمّل.

ولا يضرّ رواية جميل بن درّاج ـ قال في المختلف في الموثق ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يكون الردّ على زوج ولا زوجة (١).

لأن سندها (٢) مقطوع الى علي بن الحسن ، والطريق (٣) إليه غير معتبر.

والظاهر أنّه ابن فضال ، وقالوا : انه فطحي وان كان ثقة.

(لا يقال) : أخذ الشيخ من كتابه ، لأنه يقول في آخر التهذيب والاستبصار : واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنف الذي أخذنا الخبر من كتابه ، فلا تحتاج الى تصحيح السند إليه.

(لأنا نقول) ـ مع انه منقوض بحسن محبوب ـ : ليس بصريح في ان كل ما حذف الإسناد فالإسناد إليه ممّا لا يحتاج الى التصحيح ، بل غاية ما يفهم ، انه قد أورد ما أخذ من كتاب شخص ، ابتدأ بذكره ، اما كونه كليّة فلا ، ولهذا تراه يذكر المصنفين كثيرا مع الاسناد من غير حذف ، بل في رواية واحدة قد يذكر وقد يحذف ، وقد يذكر في التهذيب ويحذف في الاستبصار وبالعكس.

وأيضا دلالته على ثبوت كون الكتاب له باليقين أو بالطريق الشرعي غير ظاهرة ، إذ قد يريد المنسوب إليه ثم يذكر طريق نقله مع ذلك ووصوله إليه ، ولهذا

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٨ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٣.

(٢) سندها كما في التهذيب هكذا : علي بن الحسن بن فضال عن الحسن بن علي ابن بنت الياس عن جميل بن درّاج.

(٣) طريق الشيخ كما في مشيخة التهذيب والاستبصار هكذا : وما ذكرته في هذا الكتاب عن علي بن الحسن بن فضال فقد أخبرني به احمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعا منه واجازة عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال.


وللزوجة مع عدم الولد وان نزل الربع.

فان لم يكن غيرها ـ ولو ضامن جريرة ـ ردّ عليها مع الغيبة ، والّا فعلى الامام على رأي.

ومع الولد ـ وان نزل ـ الثمن.

______________________________________________________

يذكر طريقه الى كل من حذف وأخذ من كتابه في الفهرست وغيره.

وبالجملة ، بمثل هذا الكلام في أمثال هذا المقام لا يمكن الاحتجاج ، ولهذا ما نجد كثيرا ممّا قال في هذا المقام مطابقا لما فعله ، فكأنه يريد شيئا آخر ، ولهذا عدّ إسناده إلى المحذوف غير معتبر كثيرا خصوصا الى هذا الرجل ، وأنّ العلماء تعبوا في تصحيح طرقه ، وحكموا بضعف الأكثر.

والظاهر ان غرضهم عدم الاعتبار بذلك الخبر والاحتجاج به وهو ظاهر.

وأيضا دلالتها على المطلوب غير واضحة ، لاحتمال ارادة عدم الردّ مع وجود وارث آخر غير الامام عليه السّلام.

ويؤيّده عدم تنكير الردّ ، ولو سلّم أوّلت للجمع ، وان لم يمكن تحذف بواحدة مثلها تبقى البواقي الدالّة على الردّ سليمة عن المعارض.

والحاصل أنّ الردّ على الزوج واضح ، الحمد لله.

واما الزوجة ، فالظاهر عدم الردّ عليها لظاهر الآية والاخبار الكثيرة وقد مرّ بعضها مثل ما في رواية محمّد بن نعيم ، عن العبد الصالح : فكتب اليّ : أعط المرأة الربع ، واحمل الباقي إلينا (١).

وما في رواية أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل توفّي وترك امرأته؟ قال : للمرأة الربع وما بقي فللإمام عليه السّلام. ومثلها روايته الأخرى عنه

__________________

(١) الوسائل باب ٤ قطعة من حديث ٢ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام (١).

ورواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل (زوج ـ ئل) مات وترك امرأته؟ قال : لها الربع ويدفع الباقي الى الامام عليه السّلام (٢).

ورواية محمّد بن مروان ، عن أبي جعفر عليه السّلام في زوج مات وترك امرأته؟ قال : لها الربع ويدفع الباقي الى الامام عليه السّلام (٣).

قال في الشرح :

واستدل الشيخ والمصنّف بصحيحة علي بن مهزيار ، قال : كتب محمّد بن حمزة العلوي الى أبي جعفر الثاني عليه السّلام : مولى لك أوصى اليّ بمائة درهم ، وكنت أسمعه يقول : كل شي‌ء هو لي فهو لمولاي فمات وتركها ولم يأمر فيها بشي‌ء ، وله امرأتان أما واحدة (إحداهما ببغداد ـ كا ـ ئل) فلا أعرف لها موضعا الساعة ، والأخرى بقم ما الذي تأمرني في هذه المائة الدرهم؟ فكتب اليّ : انظر ان تدفع (من ـ ئل ـ كافي) هذه الدراهم إلى زوجتي الرجل وحقهما في (من ـ خ ل) ذلك الثمن ان كان له ولد ، وان لم يكن له ولد فالربع ، وتصدق بالباقي على من تعرف ان له إليه حاجة ان شاء الله (٤).

ثم اعترض بقوله : قلت : في الاستدلال بهذه على المطلوب نظر (أما أولا) ، فلاشتمالها على المكاتبة ، (واما ثانيا) فلأن الظاهر ان هذه المائة له عليه السّلام بسبب الإقرار الصادر عن الميّت فلعله عليه السّلام علم بالحال ، وأمره بإعطاء

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٤ ـ ٨ مع اختلاف يسير في ألفاظه من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٥ ـ ٥١٦.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ٥ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٥.

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ٧ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٦.

(٤) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

الزوجين لا يدل على انه ارث.

قلت : المكاتبة مثل المشافهة في الحجيّة ان ثبت ان الكتابة عنه عليه السّلام ، وذلك هنا ثابتة بشهادة العدل كالقول.

نعم قد يرجّح في مقام المعارضة ، وهو أيضا محلّ التأمّل ، إذ الاهتمام بالكتابة أكثر ، بل من التقية أبعد فتأمّل.

والظاهر أنّ مراده من قوله : (فهو لمولاي) ليس انه ماله كان ثابتا في ذمته أو عين ماله ، بل اما بطريق الانقطاع كما يقال : كل ما أملك لله ولرسوله ، بمعنى انه يصرف في سبيل الله ذلك أو انه حاصل من بركات الله ورسوله ويبعد كونه ماله عنده وعلمه به الى ذلك الوقت أو على سبيل الوصيّة ونحو ذلك.

ويدلّ على عدم كونه له ، وكون الإعطاء ميراثا ، قوله عليه السّلام : (وحقهما من ذلك الثمن) (١) فانّ المتبادر منه كونه إرثا ، فإنه لو كان حقّه الذي اعترف به وعلمه عليه السّلام ما كان ذلك ربعا ولا ثمنا.

نعم يمكن فرض كونه له عليه السّلام على وجه يكون ثمنه أو ربعه للزوجتين اتفاقا أو يكون بحسب الظاهر والعرف ، فإنهما مدعيتان ذلك ، وذلك لهما بحسب الظاهر ولم يمكنه عليه السّلام دفعهما أو يمكن ولكن تسامح ، الّا ان ذلك بعيد.

وكذا كونه وصيّة ، فيكون الرد عليها على تقدير عدم وصية الباقي فلا تدل على المطلوب ويحتمل ان يكون ممّن أعتقه عليه السّلام ، فيكون الباقي بعد حصّة الزوجيّة له بالإرث.

وهذا أيضا بعيد الّا أنّه أقرب ممّا ذكره الشارح وهو ظاهر ، وبالجملة

__________________

(١) تقدم آنفا فراجع وراجع الوسائل باب ٤ حديث ١ ج ١٧ ص ٥١٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

الاستدلال انما هو بالظاهر ، وظاهر الرواية ذلك فتأمّل.

وهذه الرواية تدل على التصدق بالباقي ، فيحتمل ان يكون له عليه السّلام فأمره به لانه ماله.

ويحتمل أن يكون حكم ما بقي عن الزوجة هكذا ولا يكون مردودا عليها ، ولا للإمام عليه السّلام ، بل مصرفه مصرف التصدق من أهل بلد الميّت كما هو مذهب البعض.

ويدل عليه بعض الروايات غيرها أيضا ، مثل ان أمير المؤمنين عليه السّلام كان يقسّمه على فقراء أهل البلد (١).

وقال في الفقيه : وقد روي في خبر آخر أنّ من مات وليس له وارث فماله لهمشاريجه يعني ماله لأهل بلده من لم يكن له وارث ، ولا قرابة أقرب إليه منهم (٢).

ونقل صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل مسلم قتل وله أب نصرانيّ لمن يكون ديته؟ قال : تؤخذ فتجعل في بيت مال المسلمين ، لان جنايته على بيت مال المسلمين (٣).

ويمكن القول بمضمونها وعدم التعدي إلى غيرها من الصور لصحتها ، وجعل مال من لا وارث له سوى الامام له عليه السّلام ، لا لغيره ، لما تقدم مع الشهرة العظيمة.

ولصحيحة محمّد بن مسلم ـ في الفقيه ـ عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : من مات وليس له وارث من قرابته ، ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته ، فماله من الأنفال (٤)

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤ حديث ١٠ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٥٤.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ٤ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٥٤.

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ٥ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٥٤.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٤٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

ومعلوم ان الأنفال مال الامام عليه السّلام.

لعلّ قوله عليه السّلام : (قد ضمن جريرته) محمول عند الأصحاب على عدم التبري من ضمان جريرته ، فان مجرّد ذلك عندهم موجب لضمان جريرته ، ومثبت لارثه منه هذا.

وتدلّ على الردّ على الزوجة صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في امرأة ماتت وتركت زوجها؟ قال : المال كله له ، قلت : فالرجل يموت ويترك امرأته؟ قال : المال لها (١).

قال في الفقيه ـ بعد نقل رواية أبي بصير الدالة على عدم الرد عليها ، بل كونه للإمام عليه السّلام ـ : قال مصنف هذا الكتاب : هذا في حال ظهور الامام عليه السّلام ، فاما في حال الغيبة فمتى مات الرجل وترك امرأة ولا وارث له غيرها فالمال لها. وتصديق ذلك ما رواه محمّد بن أبي عمير ، ونقل هذه الصحيحة (٢) وقبله الشيخ وغيره أيضا.

ولا يخفى بعد هذا التأويل والحمل ، بل عدم إمكانه ، إذ لا يعقل كون المال الذي تركه الزوج في زمان الصادق عليه السّلام ـ كما في هذه الرواية ـ لها حال غيبة صاحب الأمر عليه السّلام.

وان حملت على المرأة التي يموت زوجها في ذلك الزمان فلا يفهم ولم يكن الجواب أيضا مطابقا للسؤال.

وان حمل الغيبة على غيبته عليه السّلام عن بلد الميّت والمال فهو غير متعارف ، والظاهر انه لا قائل به وليس مقصود المؤوّل والقائل ذلك وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٦ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٥.

(٢) يعني رواية أبي بصير المذكورة آنفا.


ولو كنّ أربعا تساوين في الربع أو الثمن.

ولا يتوقف ميراث أحدهما من صاحبه على الدخول إلّا في عقد

______________________________________________________

وكذا الحمل الآخر الذي ذكره الشيخ ، وأيّده برواية محمّد بن القاسم المتقدمة ، على انه لا دلالة فيها كما عرفت ، فتذكر.

ويمكن ان يقال : صحّة رواية أبي بصير (١) غير ظاهرة لاشتراكه ووجود أبان في طريق الفقيه.

وفي طريق التهذيب والاستبصار والكافي ابن مسكان ـ المشترك ـ ومحمّد بن عيسى (٢) ، ولهم في ابان وابن عيسى كلام.

وكذا دلالتها على كون جميع المال لها غير ظاهرة ، وان أمكن دفع هذه الأمور بالظاهر ، ولكن في مقام المعارضة وإخراج القرآن عن ظاهره بمثله مشكل.

ويمكن حملها على كون الزيادة عن ربعها عطيّة منه عليه السّلام لها.

ولو سلّم دلالتها ومعارضتها يمكن حذفها بواحدة (٣) أو بالكل ممّا يعارضه ، ويبقى الباقي وظاهر القرآن على حالها.

قوله : «ولو كن أربعا إلخ» دليل تقسيم الثمن أو الربع بالسوية بين ما فوق الواحدة إلى الأربعة ظاهر إذ فرض لها مطلق الثمن أو الربع ، ومع التعدد لا دليل للتفصيل فتكون متساوية. وأيضا يدل عليه الخبر الدال على حكم ميراث المطلقة المشتبهة وسيجي‌ء.

قوله : «ولا يتوقف ميراث أحدهما إلخ» عدم توقف ميراث احد

__________________

(١) سندها كما في باب ٤ ميراث الزوج والزوجة حديث ٦ هكذا : محمّد بن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير.

(٢) سندها كما في التهذيب هكذا : احمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن ابن مسكان عن أبي بصير.

(٣) يعني بواحدة أو بكلها ممّا يعارضها فتسقط هي ومعارضها ويبقى الباقي.


المريض (المرض ـ خ ل).

______________________________________________________

الزوجين من الآخر على الدخول ظاهر ، لان عموم أدلة توريثهما يشمل الدخول وعدمه ، وهو عموم الكتاب والسنّة والإجماع.

وتدلّ على إرث الزوجة من الزوج بخصوصه قبل الدخول روايات كثيرة ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في الرجل يموت وتحته المرأة (امرأة ـ ئل) لم يدخل بها ، قال : لها نصف المهر ولها الميراث كاملا وعليها العدّة كاملة (١).

ومثلها مرسلة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن رجل ، عن علي بن الحسين عليهما السّلام (٢) ورواية ابن أبي يعفور (٣).

واشتمالها على نصف المهر الذي لا يقول به الأصحاب ، لا يضرّ ، وقد تقدم (٤) البحث في ذلك ، فتذكر.

وتدلّ على التوريث من الجانبين رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة ولم يفرض لها صداقا فمات عنها أو طلّقها قبل ان يدخل بها مالها عليه؟ فقال : ليس لها صداق وهي ترثه ويرثها (٥).

الظاهر ان المراد بالإرث في صورة الموت لا في صورة الطلاق ، وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٥ حديث ١ من أبواب العدد ج ١٥ ص ٤٦٣.

(٢) الوسائل باب ٥٨ حديث ٥ من أبواب المهور ج ١٥ ص ٧٢ نقل بالمعنى.

(٣) الوسائل باب ٥٨ حديث ٨ من أبواب المهور ج ١٥ ص ٧٣ نقل بالمعنى.

(٤) لم يسبق من الشارح قدّس سرّه فيما رأيناه من نسخ هذا الكتاب كتاب الطلاق نعم تقدم من تلميذه صاحب المدارك رحمه الله.

(٥) الوسائل باب ١٢ حديث ٤ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥٢٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

امّا استثناء الزوجة التي تزوّجها الرجل وهو مريض ومات ولم يدخل بها ، من التي ترث وتورث ، فهو خلاف مقتضى الأدلة والقواعد الشرعيّة بحسب الظاهر ، فيحتاج إلى دليل.

ولعلّه ، ما تقرّر عندهم من توقف نكاح المريض على الدخول الظاهر ان مرادهم توقف استمراره بمعنى عدم ترتب آثاره وأحكامه الثابتة للنكاح بعد موته ، مثل الإرث والعدّة لا أصل صحته وانعقاده وترتب الأثر قبل الموت ، والّا لزم عدم جواز وطئها وترتب أثره عليه ان وطأها في المرض وتجديد العقد بعد البرء والصحّة ولم يقولوا به.

وما رأيت لهم دليلا على ذلك إلّا رواية زرارة عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : ليس للمريض ان يطلّق وله ان يتزوج ، فان هو تزوج ودخل بها فجائز (فهو جائز ـ خ ل) ، وان لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل ولا مهر لها ولا ميراث (١).

هي صريحة فيما قلناه من معنى التوقف ، فمعنى البطلان ذلك لا ما يتوهم ولا انه علم بعد ذلك بطلانه أوّلا وعدم وقوعه ، بل طرأ عليه البطلان بالمعنى المذكور.

فالحكم غريب كدليله ، لأن الحكم بصحّة عقد مدّة وترتب اثر عليه ثم البطلان ان وقع موت بمعنى عدم ترتب أثر الصحّة تلك المدّة مع بطلانه من جهة أخرى ـ وهو الموت ـ عزيز.

وفي السند أيضا تأمّل لأنه نقل في زيادات نكاح التهذيب ، عن الحسن بن محبوب (٢) قيل : الطريق اليه يحتمل الحسن والصحّة ، مع ما في زرارة.

__________________

(١) الوسائل باب ٢١ حديث ١ من أبواب أقسام الطلاق ج ١٧ ص ٣٨٣ وباب ٤٢ حديث ١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ج ١٥ ص ٣٨٩.

(٢) في زيادات التهذيب خبر ١٠٢ من كتاب النكاح هكذا : الحسن بن محبوب عن علي عن زرارة.


.................................................................................................

______________________________________________________

وكأنه لذلك ، قال في الشرائع : نكاح المريض مشروط بالدخول ، فان مات في مرضه ولم يدخل بطل العقد ولا مهر لها ولا ميراث ، وهو رواية زرارة عن أحدهما عليهما السّلام.

لعلّه غير قائل به في شرح الشرائع.

وفي الدروس نسبه الى قول مشهور ، كأنّه لذلك ، الّا أنّ الظاهر عدم الخلاف عندهم في ذلك والّا لكان مذكورا.

وان الطريق (١) الى الحسن صحيح ، ويظهر من الفهرست ان زرارة ثقة عندهم فتأمّل.

ولعلّ المراد بعدم الطلاق ، حال المرض بقصد الإضرار ، وحرمانها من الإرث وعدم ترتّب أثره عليه من عدم إرثها منه ، لما تقدّم انه يقع طلاقها ، ولكن ترثه دونه إلى سنة ان مات في ذلك المرض ولم تتزوّج هي.

وتدلّ عليه الأخبار ، مثل ما في مرسلة أبان عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : رجل طلّق امرأته تطليقتين في صحته ثم طلّق الثالثة وهو مريض؟ قال : ترثه ما دام في مرضه وان كان الى سنة (٢).

وحسنة أبي العباس ـ كأنه فضل البقباق ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا طلّق الرجل المرأة في مرضه ورثته ما دام في مرضه ذلك ، وان انقضت عدّتها ، الّا ان يصحّ منه ، (قال ـ ئل) فقلت له : فان طال به المرض؟ قال : ما بينه وبين سنة (٣).

__________________

(١) للشيخ طرق عديدة الى الحسن بن محبوب بعضها صحيح وبعضها حسن فلاحظ مشيخة التهذيب والاستبصار.

(٢) الوسائل باب ٢٢ حديث ٣ من أبواب أقسام الطلاق ج ١٥ ص ٣٨٥.

(٣) الوسائل باب ٢٢ حديث ١ من أبواب أقسام الطلاق ج ١٥ ص ٣٨٤.


والمطلقة رجعيّة كالزوجة ما دامت في العدّة ، ولا توارث في البائن.

______________________________________________________

هما مقيّدتان بعدم تزويج المرأة ، كأنه للإجماع.

ولمرسلة عبد الرحمن بن الحجّاج عمن حدّثه عن أبي عبد الله في الرجل المريض يطلّق امرأته وهو مريض؟ قال : ان مات في مرضه ذلك وهي مقيمة عليه لم تتزوّج ورثته ، وان كانت قد تزوّجت فقد رضيت بالّذي صنع ولا ميراث لها (١).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : إذا طلّق الرجل امرأته تطليقتين ثم طلّقها الثالثة وهو مريض فهي ترثه (٢).

محمولة على السنة وعدم التزويج لغيرها ، فتأمّل فيها ، فكأنه لا خلاف عندهم فيها.

قوله : «والمطلقة رجعيّة كالزوجة إلخ» كون المطلقة الرجعيّة كالزوجة وهو يرثها ما دامت في العدّة بخلاف البائن ، فإنه بمجرّد الطلاق صارت كالأجنبيّة وانقطع الربط بينهما فلا يبقى شي‌ء من آثار النكاح السابق هو المشهور وكأنه مجمع عليه.

ومستنده اخبار ، مثل حسنة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : إذا طلّقت المرأة ثم توفّي عنها زوجها ، وهي في عدّة منه لم تحرم عليه فإنه ترثه وهو يرثها ما دامت في الدم من حيضتها الثانية من التطليقتين الأولتين وان طلّقها الثالثة فإنها لا ترث زوجها شيئا ولا يرث منها (٣).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا طلّق الرجل وهو صحيح لا رجعة له عليها لم ترثه ولم يرثها ، وقال : هو يرثها ويورث ما لم ترى الدم من

__________________

(١) الوسائل باب ٢٢ حديث ٥ من أبواب أقسام الطلاق ج ١٧ ص ٥٣٣.

(٢) الوسائل باب ١٤ حديث ١ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥٣٢.

(٣) الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥٣٠.


ولو اشتبهت المطلقة من الأربع ـ بعد تزويج الخامسة ـ فللأخيرة ربع الثمن ، والباقي بين الأربعة.

ولو اشتبهت بواحدة من الأربع أو بأكثر أو بالجميع احتمل القرعة وانسحاب الحكم ، فتقسّم الحصّة عليهن مع الاستيعاب وحصته المشتبهة بين من وقع فيه الاشتباه.

______________________________________________________

الحيضة الثالثة إذا كان له عليها رجعة (١).

وهي صريحة في ان الاعتبار في العدّة بالحيض لا بالطهر ، وقد مرّ البحث عن ذلك فتذكر.

وموثقة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يطلّق المرأة؟ فقال : يرثها وترثه ما دام له عليها رجعة (٢).

وصحيحة الحلبي وأبي بصير وأبي العباس ـ كأنه البقباق ـ جميعا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال : ترثه ولا يرثها إذا انقضت العدّة (٣).

لعلّ في طلاق المريض ، ويقيّد بالسنّة لما تقدم ، وان الطلاق رجعي.

قوله : «ولو اشتبهت المطلقة من الأربع إلخ» يعني لو كان لشخص أربع نسوة فطلّق واحدة منها طلاقا بائنا أو خرجت العدّة ثم تزوج بخامسة ومات واشتبهت المطلقة بين الأربع الأول فللأزواج الربع أو الثمن مع الولد وعدمه ، فلغير المشتبهة ـ وهي الخامسة ـ ربع الربع أو ربع الثمن ، والباقي بين الأربعة الأول يقسم أرباعا ، لأن واحدة ليست مستحقة من غير تعيين ، فتحريم معيّنة دون غيرها غير معقول ، فيقسم ، تأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ١٣ حديث ٢ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥٣٠.

(٢) الوسائل باب ١٣ حديث ٤ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥٣٠.

(٣) الوسائل باب ١٤ حديث ٣ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥٣٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولصحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل تزوّج أربع نسوة في عقد واحد (عقدة واحدة خ ـ ل) ، أو قال : في مجلس واحد ومهورهن مختلفة ، قال : جائز له ولهنّ. قلت : أرأيت ان هو خرج الى بعض البلدان فطلّق واحدة من الأربع واشهد على طلاقها قوما من أهل تلك البلاد وهم لا يعرفون المرأة ثم تزوّج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء (١) (عدّة التي طلّق ـ يب) ثم مات بعد ما دخل بها كيف يقسّم ميراثه؟ قال : ان كان له ولد فإن للمرأة التي تزوّجها أخيرا من أهل تلك البلاد (وهم لا يعرفون المرأة ـ خ) ربع ثمن ما ترك ، وان عرفت التي طلّقت من الأربع بعينها ونسبها فلا شي‌ء لها من الميراث و (ليس ـ خ ل ئل) عليها العدّة ، قال : ويقسّمن (يقسم ـ خ) الثلاث نسوة (النسوة ـ خ) ثلاثة أرباع ثمن ما ترك ، وعليهن العدّة ، وان لم تعرف التي طلّقت من الأربع (نسوة ـ خ) اقتسمن (قسمن ـ خ) اقتسمن (٢) (الأربع ـ خ) نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهن جميعا وعليهن جميعا العدّة (٣).

والظاهر ان (لا) ساقط عن قوله : (وعليها) إذ الفرض انها خرجت عن العدّة ثم تزوّج زوجها بخامسة كأنها مرادة وان لم يكن في اللفظ.

لعل اكتفى بما في قوله : (فلا شي‌ء) فتأمّل.

وأيضا كان المناسب ذكر حكم عدم الولد أيضا ، كأنه ترك للظهور ، هذا في الصورة المنصوصة ولعلّه لا خلاف فيها.

وامّا إذا كان الاشتباه بين اثنتين فصاعدا وغير ذلك ولم تكن صورة النص ، ففيه احتمال القرعة ، لأنّه من الأمر المشكل وهي له ، واجراء حكم النص

__________________

(١) بعد انقضاء عدّة تلك المطلقة ثم إلخ ـ ئل ـ كا.

(٢) قسمن النسوة ثلاثة أرباع إلخ ـ ئل.

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥٢٥.


ولا يردّ على الزوج والزوجة إلّا مع عدم كلّ وارث مسابب ومناسب ولا ينقصان عن ادنى السهمين.

وذات الولد من زوجها ترث منه من جميع تركته ، فان لم يكن

______________________________________________________

فيه ، لعدم فرق معقول ، ويحتمل الإيقاف حتى يصطلحن.

حكم النص غير بعيد ، لعدم الفرق مع وجود النص ، وعدم ظهور الخلاف.

ويؤيّده ما تقدم ، وانه لا شك ان حكم النص غير مخصوص لشخص الصورة الواقعة ، بل ولا بنوعها ، إذ الفرض كون عقد الأربع في مجلس واحد أو مرّة واحدة ، واختلاف المهور والتزويج في الغيبة مع إشهاد قوم من بلد الطلاق ومع عدم معرفتهم المطلقة وغير ذلك من الخصوصيّة ، مثل كون الطلاق رجعيّة ، والدخول بالخامسة ، والظاهر انهم لا يعتبرونها في الحكم المذكور بل يعدوها الى كل خامسة.

ودعوى ظهور عدم مدخليّة تلك الخصوصيّة وخفاء غيرها مثل عدد النساء بعيدة فتأمّل ، والاحتياط يقتضي المصالحة والتراضي.

قوله : «ولا يردّ على الزوج والزوجة» قد مرّ ما يدل على عدم الردّ على احد الزوجين الّا مع عدم جميع الوارث نسبا وسببا غير الامام عليه السّلام ، وهي أخبار كثيرة (١).

ولو (٢) كان هذا عند ذكر الرد عليهما كان اولى ، بل فهم من ذلك ولا يحتاج الى ذكره ، وكذا عدم النقصان عن ادنى سهمهما ، الربع والثمن ، وهو مدلول الكتاب والسنّة والإجماع.

قوله : «وذات الولد من زوجها ترث إلخ» هذه مسألة مشكلة ، لأنها

__________________

(١) لاحظ احاديث باب ٣ ـ ٤ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١١ ـ ٥١٤.

(٢) يعني لو كان عنوان هذه المسألة عقيب مسألة الردّ التي تقدمت كان أنسب بل لا حاجة الى ذكرها حينئذ لفهمها من تلك إلخ.


لها منه ولد لم ترث من رقبة الأرض شيئا وأعطيت حصتها من قيمة الآلات والابنية والنخل والشجر على رأي.

______________________________________________________

خلاف ظاهر القرآن وعموم الأخبار الكثيرة الدالة على ان الزوجين يرثان كل واحد من صاحبه من جميع ما ترك كسائر الورثة ، فإخراج الزوجة منهما مشكل.

وهي ممّا انفردت به الطائفة المحقّة كمسألة الحبوة ، وادّعوا الإجماع على حرمانها في الجملة ، وان خالف فيه ابن الجنيد ، فإنه جعلها كغيرها من الورثة.

ولكن قال في الشرح : وهو سابق على الإجماع ومسبوق به.

ثمّ اختلفوا فيما تمنع منه ، والممنوع منها لاختلاف الاخبار والانظار ، والبحث هنا في مقامين :

(الأول) في الزوجة الوارثة الممنوعة التي لم ترث من كلّ ما تركه زوجها.

قيل : ظاهر كلام الشيخ المفيد ، وقول المرتضى في الانتصار ، والشيخ في الاستبصار ، والتقي ، وهو صريح قول ابن إدريس ، عموم الزوجة ، لعموم الأدلّة التي تدل على منعها ، فإنها بعمومها شاملة لكلّ زوجة ذات ولد وغيرها وستسمعها ويؤيّده شمول التعليل الذي في الرواية لها مطلقا.

وذهب الصدوق في الفقيه ، وأكثر المتأخرين إلى أنها الزوجة التي لا ولد لها من الزوج الميّت ، لصحيحة عمر بن أذينة ، في النساء إذا كان لهنّ ولد أعطين من الرباع (١)

لأنها مفصّلة ، فيجب حمل المجمل عليها ، وللجمع بين الأدلة.

فإن صحيحة الفضيل بن عبد الملك وابن أبي يعفور عن الصادق عليه السّلام ، قال : سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئا أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئا؟ فقال : يرثها وترثه من

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥٢٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

كل شي‌ء ترك وتركت (١).

تدل على إرثها من كلّ شي‌ء.

هي (٢) دليل ابن الجنيد.

ولا يضرّ وجود أبان (٣) في الطريق.

وغيرها من الروايات الصحيحة تدلّ على عدم إرثها ، فلا بدّ من الجمع بينها فتحمل هذه على ذات الولد ، وتلك على غير ذات الولد ، لصحيحة عمر بن أذينة ، وبه سلم عموم الآية والاخبار أيضا في الجملة بمعنى انه يصير التخصيص فيه أقلّ.

وأنت تعلم ان العمدة في ذلك رواية ابن أذينة ، وهي كما ترى ليست بصحيحة ولا صريحة ، بل ولا ظاهرة في تمام المطلوب لكونها مقطوعة ، بل ظاهرها انه فتواه (٤) حيث ما أسند إلى أحد ولا بظاهر ولا بمضمر ، بل هو قال من عند نفسه كما يقول الإنسان فتواه ، وليست هي مثل سائر المقطوعات والمرسلات حتى يقال : الظاهر ان نقل مثله عن الامام عليه السّلام.

وليست بصريحة في الزوجات أيضا ، ولا في الإعطاء عن كلّ ما ترك ولا كل ما فيه النزاع ولا فيه حكم غير ذات الولد ، ولا كون الولد من الميّت ، فتخصيص الآيات والاخبار بمثل هذه بعيد جدّا.

وكأنه لذلك ما جمع في الاستبصار به ، بل ظاهره انه تركها ، وحمل رواية ابن الجنيد على التقيّة أو على الإرث ممّا عدا تربة الأرض وغيرها ممّا فيه النزاع.

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥٢٢.

(٢) قوله قدّس سرّه : هي إلخ خبر لقوله قدّس سرّه : فإن صحيحة الفضل بن عبد الملك.

(٣) سندها كما في باب ميراث الأزواج من التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن فضالة عن ابان عن الفضل بن عبد الملك أو ابن أبي يعفور.

(٤) يعني فتوى ابن أذينة.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا حمل عموم الآيات على هذا التفصيل بعيد لا يمكن فهمه ، إذ لو خصّصنا بذات الولد يبقى ـ مع بعده حدّا ـ حكم غيرها غير مفهوم ، وان حمل على التفصيل ، فارادة مثل ذلك إلغاز وتعميه ، فتأمّل.

ولأنّ رواية ابن الجنيد صريحة في التسوية بين الرجل والمرأة (مطلقا ـ خ) وعدم الفرق فيبعد تخصيصها بامرأة واحدة (لها ولد ـ خ) مع بقاء الحكم للمرأة الأخرى مجهولا.

على ان السائل سأل عن الكلّ ، فتخصيصها أيضا بعيد جدا فتأمّل.

وحمل الإستبصار أيضا بعيد.

وامّا دليل العموم فهو الروايات ، مثل حسنة العلماء الخمسة ـ زرارة ، وبكير ، وبريد ، وفضيل ، ومحمّد بن مسلم ـ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام ، منهم من رواه ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، ومنهم من رواه عن أبي عبد الله عليه السّلام ، ومنهم من رواه عن أحدهما عليهما السّلام : ان المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض الّا ان يقوّم الطوب والخشب قيمة ، فتعطى ربعها أو ثمنها ان كان له من قيمة الطوب والجذوع والخشب (١).

ظاهرها عموم المرأة ، سواء كانت ذات ولد من زوجها الميّت أم لا ، حيث صرّح بالثمن ، فتخصيصها بغير ذات ولد أبعد من حمل غيرها عليه فتأمّل ، ومنعها من ارض دار ، وغير صريحة في منعها عن كلّ ارض وعقار بل من ارض دار ، والتربة بمعنى التراب وهنا كناية عن الأرض فيحتمل ان يكون (أو أرض) للشك من الراوي انّه عليه السّلام قال : تربة دار أو أرض دار ، أو يكون (وارض) كما هو الظاهر ، و (ألف) (٢) زيادة ، ويكون عطفا تفسيريّا ولهذا بيّن الأرض بالتربة في

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٥ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٩.

(٢) يعني ألف في قوله عليه السّلام : (أو أرض).


.................................................................................................

______________________________________________________

رواية الفضل وغيرها.

وليست بصريحة في المنع عن قيمة الأراضي والعقارات فتأمّل.

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام : ان المرأة لا ترث ممّا ترك زوجها من القرى ، والدور ، والسلاح ، والدوابّ شيئا ، وترث من المال ، والفرش ، والثياب ، ومتاع البيت ممّا ترك ، ويقوّم النقض والأبواب والجذوع والخشب (القصب ـ ئل) فتعطى حقها (١) منه.

هذه انقص في عموم الزوجة عن الاولى ومشتملة على ما لا نجد قائلا به من منعها من السلاح والدواب وهما موجودان في رواية طربال بن رجاء المجهول (٢) أيضا ، وحملها على كونهما موصى بهما لأحد أو من الحبوة بعيد ، وكذا أسقطا هما بالإجماع ، وبالجملة الاستدلال بها لا يخلو عن شي‌ء فتأمّل.

ورواية زرارة ، ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئا (٣).

هذه صريحة في المنع من عينهما لا من قيمتهما.

وفي سندها في الكافي : محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن محمّد بن حمران المشترك (٤).

وفي التهذيب والاستبصار مقطوع ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن محمّد بن حمران ، ولكن قالوا : الطريق اليه صحيح (٥) ، وحينئذ لا يكون طريقهما طريق الكافي

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ١ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٩.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ١٢ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥٢٠.

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ٤ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٩.

(٤) فإنه مشترك بين محمّد بن حمران النهدي الثقة ومحمّد بن حمران مولى بني فهر المجهول ومحمّد بن حمران بن أعين الذي فيه كلام. لاحظ تنقيح المقال ج ٣ ص ١١٤ طبع النجف الأشرف.

(٥) في مشيخة الفقيه هكذا : وما كان فيه عن محمّد بن حمران وجميل بن درّاج فقد رويته عن أبي


.................................................................................................

______________________________________________________

الّا ان فيه : محمّد بن حمران المشترك ، ولهم كلام في يونس ، ففي تسميتها بالصحيحة كما فعله في المختلف وغيره محلّ التأمّل.

ورواية محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : ترث المرأة الطوب ولا ترث من الرباع شيئا ، قال : قلت : كيف ترث من الفرع ولا ترث من الرباع شيئا؟ فقال لي : ليس لها منهم نسب (سبب ـ كا) ترث به وانما هي دخيل عليهم فترث من الفرع ولا ترث من الأصل (الأصل ـ كا) ولا يدخل عليهم داخل سببها (١).

هذه كأنّها صحيحة في الكافي وان لم تكن كذلك في التهذيب والاستبصار.

وليست لها دلالة الّا على المنع من الرباع وهي الدور ، وتدل على الإرث من الطوب وهو الآجر ومشتملة على مناسبة (٢).

وحسنة زرارة ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : لا ترث النساء من عقار الأرض شيئا (٣).

ليست (٤) بصريحة في الزوجة ، بل في منع النساء عن عقار الأرض فقط.

وحسنتهما أيضا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا ترث النساء من

__________________

رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن محمّد بن حمران وجميل بن درّاج وقال أيضا في موضع آخر منها : وما كان فيه عن محمّد بن حمران ، فقد رويته عن أبي رضي الله عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن محمّد بن حمران. والطريق الأول صحيح والثاني صحيح أو حسن.

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٢ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٨.

(٢) الظاهر ان المراد من المناسبة هي قوله عليه السّلام : ليس لها منه نسب ترث به إلخ.

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ٦ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٨ ص ٥١٩.

(٤) خبر لقوله قدّس سرّه : وحسنة زرارة إلخ.


.................................................................................................

______________________________________________________

عقار الدور شيئا ، ولكن يقوّم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها ، قال : وانما ذلك لئلا تزوجن فتفسدن على أهل المواريث مواريثهم (١) ، ودلالتها تعلم مما سبق.

وصحيحة الحسن بن محبوب ـ في الفقيه ـ عن الأحول ـ كأنه أبو جعفر محمّد بن علي بن النعمان الثقة ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سمعته يقول : لا ترث النساء من العقار شيئا ، ولهن قيمة البناء والشجر والنخل ، يعني بالبناء الدور ، وانما عنى من النساء الزوجة (٢).

فهي ظاهرة في عموم الزوجة بناء على التفسير (٣) ، ولكن لم تدل على المنع عن العقار ، وتدلّ على قيمة الشجر أيضا ، فلا يحتاج الى التعب في إثبات قيمته لأنه مشهور وغير موجود في الأخبار الصحيحة صريحا بأن (٤) يدخل في العقار ، كما يفهم من شرح الشرائع (٥).

مع ان الظاهر انه ليس بداخل فيه ، فإنه فسّر بالمنزل والضيعة في

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٧ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٩.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ١٦ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥٢٢.

(٣) يعني بالتفسير قوله قدّس سرّه : وانما عنى بالنساء الزوجة.

(٤) متعلّق بقوله قدّس سرّه في إثبات قيمته يعني لا يحتاج إلى إتعاب النفس لإثبات قيمته بان يدّعي انها داخلة في لفظة (العقار) الواردة في الروايات الدالة على إرثها منها وذلك لدلالة قوله عليه السّلام : (ولهن قيمة البناء والشجر والنخل).

(٥) في المسالك بعد الاستدلال بخبر عبد الملك بن أعين عن أحدهما عليهما السّلام قال : ليس للنساء من الدور والعقار شي‌ء. قال : والشجر من العقار ، وهو وان تضمن نفي الإرث منه مطلقا من غير تعرض للقيمة بنفي ولا إثبات الّا ان في إثبات القيمة مناسبة لإثباتها في الآلات والابنية ، بل ربما ادعى دخول الشجر في الآلات وان كان بعيدا ، مع ما فيه من تعليل تخصيص الآية الدالة على إرث الزوجة من كل شي‌ء ، وفي بعض الروايات عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال : لا ترث النساء من العقار شيئا وتعطى قيمة البناء والشجر والنخل وهي نصّ في الباب ولكن يتوقف على تحقيق السند (انتهى كلامه رفع مقامه).


.................................................................................................

______________________________________________________

القاموس (١) ، نعم قال فيه : الاعقار شجر.

ورواية ميسّر ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن النساء ما لهن من الميراث؟ قال : لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب ، فأما الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيه ، قال : قلت : فالبنات (٢)؟ قال : البنات لهن نصيبهن منه ، قال : قلت : كيف صار ذا ، ولهذه الثمن (ولهذه ـ كا) والربع (٣) مسمّى؟ ، قال : لأن المرأة ليس لها نسب ترث به وانما هي دخيل عليهم ، وانما صار هذا هكذا لئلا تتزوج المرأة فيجي‌ء زوجها أو ولد من قوم آخرين فيزاحم قوما في عقارهم (٤).

هذه معلّلة ، أولها صريحة في المنع عن الأرض والعقار ، وان كان آخرها يشعر باختصاص من العقار وعامّة في النساء.

وفي السند علي بن الحكم (٥) وان كان الظاهر انه الثقة ، وحال ميسّر غير معلوم ، فان كان ابن عبد العزيز فالظاهر انه ممدوح ، فالخبر حسن في الفقيه فتأمّل.

وغيرها من الأخبار الكثيرة ، لكن تركتها لعدم اعتبار السند ولكفاية بغيرها.

ثم انهم رحمهم الله ذكروا لمنعها وجها عقليّا مأخوذا من الروايات الكثيرة مثل ما تقدّم (٦) ، ورواية حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إنما

__________________

(١) يعني ان القاموس فسر العقار بالمنزل والضيعة فليس الشجر داخلا فيه.

(٢) في الكافي : فالثياب؟ قال : الثياب لهن إلخ.

(٣) في الكافي الوسائل : ولهذه الثمن ولهذه الربع.

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ٣ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٨.

(٥) والسند كما في الكافي باب ان النساء لا يرثن من العقار شيئا هكذا : عدّه من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان الأحمر قال : لا أعلمه إلّا عن ميسر بيّاع الزطي عن أبي عبد الله عليه السّلام.

(٦) مثل قوله عليه السّلام في رواية محمّد بن مسلم في جواب قول الراوي : كيف ترث من الفرع ولا


.................................................................................................

______________________________________________________

جعل للمرأة قيمة الخشب والطوب لئلا يتزوّجن فيدخل عليهم من هو يفسد مواريثهم (١)

قال في الفقيه : الطوب ، الطوابيق المطبوخة من الآجر.

وغيرها من الروايات. قال في الشرح : وقد علل الأئمة عليهم السّلام والأصحاب ذلك بأنه لو ورث من الرباع ـ اعني الدور والمساكن ـ لأدى إلى الإضرار بأقرباء الميّت ، إذ لا حجر عليها في التزويج فربما تزوجن بمن كان ينافس المتوفّى أو يغيظه أو يحسد فيثقل ذلك على اهله وعشيرته فعوّل بها عن ذلك الى أجمل الوجوه ، وهذا التعليل ممّا تقتضيه الحكمة ومستبعده كالمستهزئ بالشرع.

الظاهر ان هذه مناسبة ظاهرة يفهمها الإنسان كأمثالها من التعليلات الكثيرة المذكورة ، وانه لا يعتبر فيها عدم الاطراد والانعكاس فتأمّل.

وقد تكون فيها حكمة بالغة غير ذلك لا يصل إليها فهمنا وما ذكر ، كما في سائر الاحكام.

وبالجملة ، إذا ثبت الحكم من المعصومين عليهم السّلام فلا استبعاد ، ولا يحتاج الى فهم العلّة وهو ظاهر ، وانما الكلام في ثبوت ذلك.

وأنت تعلم ان هذه الحكمة انما تقتضي الحرمان من عين تلك الأمور لا قيمتها فافهم.

(الثاني) في بيان الممنوع منه ، قال في الشرح : فيه أقوال ثلاثة ، وجعله في شرح الشرائع أربعة بإضافة المنع من عين الشجر وإعطاء قيمته على المذهب الأوّل.

قال في الشرح : (الأوّل) المشهور بين الأصحاب أنّه من نفس الأرض والقرى

__________________

ترث من الرباع : ليس لها منهم نسب ترث به وانما هي دخيل عليهم إلخ.

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٩ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥٢٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

والرباع كالدور والمنازل ومن عين الآلات والابنية لا من قيمتها ، اختاره الشيخ في النهاية ، والقاضي ، وظاهر كلام أبي الصلاح ، وابن حمزة ، واختاره المحقق ، لما تقدم من الروايات.

والأرض أعم من ان تكون خالية أو مشغولة بزرع وشجر وبناء ، والممنوع منها تلك الأرض وقيمتها ، لا ما فيها من البناء والشجر والزرع والبر وغير ذلك ، بل تأخذ نصيبها من تلك كلّها ، وكذا المياه والأنهار.

وقال المحقق الثاني : مرادهم بالآلات ما تقدّم في الروايات من الطوب والخشب ، والقصب ، والشجر ، بل جميع ما أثبتت في البناء من الأبواب والألواح ونحو ذلك وان لم يكن جميع ذلك آلة مذكورة في الروايات الّا أنّه مفهوم من سوقها ، والحرمان عنه غير ثابت بالدليل ، والتوريث الثابت بالبرهان من عينها ، يؤوّل إلى الضرر وتخريب البناء ، فيجعل من القيمة كالمذكورات فيها ، وجعل الدولاب والبكرة كذلك ، وهو غير ظاهر ، بل ينبغي التوريث عن عينهما.

والظاهر أنّ تقويم البناء والأشياء المثبتة يكون فيها بحيث يدخل فيه العمل أيضا لا مجرّد الآلات المنقوضة المرميّة ، فإن لها في تلك المعمولة حصّة منعت من الأرض وعين المعمولة فاستحقت قيمتها مستحقه للبقاء عملا للبقاء بمقتضى البرهان إلّا في الصورة الخارجية بالدليل المقبول الشرعي ، فيقوّم البيوت مثلا مستحقة البقاء في تلك الأرض ولم تكن الأرض داخلة ، وتعطى من تلك القيمة حصتها ، بل إذا كانت الأرض بحيث لا قيمة لها كالأرض في أشجار التوت ، لها الحصّة من تمام البستان ، إذ لا قيمة إلّا للأشجار.

ثم اعلم انه يحتمل ان تكون القيمة رخصة للورثة ، رفاهيّة بحالهم (لحالهم ـ خ) كما هو المتبادر من الروايات والتعليل المذكور فيها وفي كلام الأصحاب.


.................................................................................................

______________________________________________________

فلو بذل الأعيان لم يكن لها الامتناع وطلب القيمة ، وهذا هو المناسب بظاهر الآيات (١) والروايات وفيها محافظة على ظاهر هما في الجملة.

وأيضا ، الأصل عدم تكليف الورثة بالقيمة (بقيمة ذلك ـ خ ل) ، وقد يكون شاقا ، فإلزامهم إضرار منفي (٢) ، ومناف للحكمة الباعثة المذكورة.

ويحتمل كونها غريمة وحقّا لها ، كما يتوهم من ظاهر الأدلّة ، وهو مختار المحقق الثاني في المنسوبة إليه فتأمّل.

وان (٣) ليس في ظاهر الروايات ، المنع عن قيمة الأرض وغيرها ، بل ظاهر العبارات مثل الروايات ، مثل كلام النهاية الذي هو الأصل لغيره ، قال فيها : والمرأة لا ترث زوجها من الأرضين والقرى والرباع من الدور والمنازل ، بل يقوّم الطوب والخشب وغير ذلك من الآلات وتعطى حصّتها منها ولا تعطى من نفس الأرض شيئا.

وانه لا بدّ من تورثيها من عين غير محل النزاع والدليل ، ومن قيمة غير ما يفهم المنع من القيمة أيضا حفظا لظاهر الآيات والروايات مهما أمكن.

(والثاني) (٤) المنع من الدور والمساكن دون البساتين والضياع وتعطى قيمة الآلات والأبنية ، قالوا : وهو مذهب الشيخ المفيد وابن إدريس وشارح المختصر ، اختصارا على المنع من المتيقن ، وإبقاء الباقي بحسب عموم الأدلة الواضحة ، من الكتاب والسنّة والإجماع.

__________________

(١) فإن ظاهر آيات الإرث مطلقا هو تعلقه بما تركه الميّت وهو ظاهر في العين وكذا الروايات العامة الواردة في الإرث.

(٢) بقوله صلّى الله عليه وآله : لا ضرر ولا ضرار في الإسلام أو على مسلم ونحو ذلك.

(٣) عطف على قوله قدّس سرّه : انه يحتمل ان تكون إلخ.

(٤) عطف على قوله قدّس سرّه : الأول المشهور.


.................................................................................................

______________________________________________________

وللاختصار على ذلك في رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة وغيرها.

مثل ضعيفة يزيد الصائغ ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : ان النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئا ، ولكن لهنّ قيمة الطوب والخشب ، قال : قلت له : ان الناس لا يأخذون بهذا ، فقال : إذا ولّينا هم ضربنا هم بالسوط ، فان انتهوا ، والّا ضربناهم بالسيف (١).

فان الممنوع فيها ما كانت غير الرباع وهي الدور والمساكن.

وتدل على القيمة رواية يزيد الصائغ وغيرها ، قال الشيخ : لا تدل على ان لهن من الأرضين نصيبا الّا من جهة دليل الخطاب ، وذلك يترك لدليل أي دليله مفهوم يسقط بالمنطوق الذي هو غيرها من الروايات.

وأنت تعلم ان ليس مفهوم رواية الشيخ المفيد رحمه الله دليلا حتى يسقط بالمنطوق ، فإنه مفهوم اللقب ، وليس بدليل ، وهو واضح ، وان سلّم كونه (٢) صفة ، فكذلك فتأمّل.

(الثالث) المنع من عين الرباع فقط دون قيمتها فتأخذ من عين الجميع غير الرباع ومنها القيمة فلا تحريم عن شي‌ء بالكليّة ، وهو مذهب السيد.

والفرق بينه وبين مذهب الشيخ المفيد في (٣) حرمانها عن قيمة أرض الرباع عنده وأخذها عند السيّد ، فالتفاوت في قيمة أرض الرباع وعدمها ، ولو فرض عدم القيمة لها لا فرق بينهما.

وكأن السيّد نظر الى عدم اعتبار الأخبار ، فإنها ما وصلت الى حدّ التواتر

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ١ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥٢٠.

(٢) يعني ان سلم كون قوله عليه السّلام في رواية يزيد الصائغ : (من رباع الأرض) صفة يعني (الأرض الموصوفة بكونها رباعا) فليس له أيضا مفهوم.

(٣) خبر لقوله قدّس سرّه : والفرق فلا تغفل.


.................................................................................................

______________________________________________________

فالعمدة هو الإجماع ، وانما انعقد على الحرمان في الجملة ، بل على عين الرباع فقط ، فيبقى غيرها تحت عموم الآية والأخبار.

ويؤيّده قلّة التخصيص فيها وعدم الخروج عن ظاهرها كثيرا ، وانه (١) مع الشيخ المفيد وشارح المختصر نظروا إلى انه ما وجد المنع من الأراضي مطلقا في خبر صحيح أصلا بل ولا في حسن أيضا بحيث يكون صريحا في ذلك ، فإنه يحتمل ارض الدار (٢).

ووجود الرباع في الصحيح وثبوت الميراث لها في عموم الإجماع والآيات والاخبار الكثيرة اليقينيّة متنا ، بل دلالة أيضا.

وخصوص (٣) رواية الفضل وابن أبي يعفور الصحيحة ـ على الظاهر ـ الدالة على التساوي بينهما ، فاخرجوا منها الرباع ، وأبقوا الباقي تحت تلك الأدلّة اليقينيّة عملا في الجمع بين الأدلة من الآيات والاخبار الصحيحة والإجماع.

ثم نظر السيد الى عدم ثبوت المنع في النص والإجماع عن قيمة أرض الرباع بخصوصها ولا بعمومها ، فان الظاهر من المنع هو المنع عن العين ، والقيمة ثابتة في كثير من الاخبار ، وثابتة في الجملة بالإجماع ، فهو إبقاء للأدلّة مهما أمكن ، ولا شك انه أولى.

ولكن عموم أدلة الإرث من الآيات ، والروايات ، والإجماع ، لا تدلّ بظاهرها الّا على الإرث من العين ، فإثبات القيمة بعد تسليم منع العين بإبقائها محلّ المناقشة ، فيمكن الاختصار على إثبات قيمة الآلات الثابتة بالأخبار الكثيرة

__________________

(١) يعني ان الظاهر مع الشيخ المفيد رحمه الله.

(٢) يعني أريد من لفظة (الأرض) التي وردت في بعض الاخبار خصوص ارض الدار ، بقرينة وجود(الرباع) في خبر صحيح ، وبقرينة عموم أدلة ثبوت الميراث لها ، من الإجماع والآيات والاخبار.

(٣) عطف على قوله قدّس سرّه : عموم الإجماع.


.................................................................................................

______________________________________________________

كما هو مذهب الشيخ المفيد.

ثم اعلم أنه ان كان أحد لا ينظر إلى الإجماع المنقول وكثرة الاخبار والشهرة لوجود المخالف ودليل (١) صالح له خصوصا مع اختلاف تلك الاخبار واشتمال بعضها على ما لا يقول به احد كما مرّ ، ولا يخرج عن الكتاب والسنّة والإجماع اليقينيّة إلّا بمثلها وينظر الى ما روي عنهم عليهم السّلام : إذا وصل إليكم من الاخبار المختلفة فاعملوا بما يوافق القرآن واتركوا ما يخالفه (٢).

فعليه (٣) بقول ابن الجنيد فكأنّ ذلك نظره فتأمّل.

ولكن ترك الإجماع والشهرة ـ مع هذه الاخبار الكثيرة جدا ، منها صحيحة في الجملة ، وكثيرة منها حسنة لإبراهيم وهو بمنزلة الثقة ، بل ثقة عندهم ـ مشكل فالعمل بها في الجملة غير بعيد ، فكأنه لذلك ذهب إليه الأكثر.

ومن ينظر إلى اعتبار مثل هذا الإجماع لا الاخبار فعليه بقول السيد.

ومن ينظر إلى عدم الخروج عن الكتاب والسنّة والإجماع إلّا بدليل ولا يخصّصها الّا بخبر صحيح طريح خال عن القصور بل معتضد بالعمل ويكون دلالته على محلّ التخصيص أظهر من دلالة تلك العمومات اليقينيّة كما هو الحق فعليه بمذهب الشيخ المفيد ومن تابعه ، فذلك غير بعيد.

ومن ينظر إلى الشهرة والكثرة خبرا وفتوى فعليه بالقول المشهور ، وحمل خبر ابن الجنيد (٤) على التقيّة كما فعله في الاستبصار.

__________________

(١) هكذا في النسخ ولعل الصواب : عدم دليل صالح إلخ كما لا يخفى.

(٢) راجع الوسائل باب ٩ من أبواب صفات القاضي ج ١٨ ص ٧٥.

(٣) جواب لقوله قدّس سرّه : (ان كان أحد إلخ).

(٤) يعني الرواية التي استدل بها ابن الجنيد على عدم ممنوعيّة الزوجة مطلقا من جميع من تركة الزوج وهي صحيحة الفضل وابن أبي يعفور راجع الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥٢٢.


الفصل الخامس : في الولاء

ولا يرث المعتق مع وجود النسب وان بعد ، وللزوج أو الزوجة نصيبهما الأعلى والباقي للمعتق.

______________________________________________________

ومن ينظر إلى عدم اطراح الخبر خصوصا الصحيحة مطلقا فعليه بحمل المذكور (١) والعمل بجميع هذه الاخبار حتى لا يورثها من دوابّ زوجها وسلاحه أيضا ، لما في الرواية الصحيحة (٢) فتأمّل.

وبالجملة ، المسألة من مشكلات الفن ، الله يعين على تحقيق الحال.

قوله : «في الولاء إلخ» الموجب الثاني للإرث : السبب ، وهو قسمان ، الزوجيّة وقد مرّ أحكامها ، والولاء ، وهو أقسام ، أولها : ولاء العتق وقد مرّ أكثر أحكامه في كتاب العتق منها عدم إرثه إلّا بعد فقد جميع الأنساب.

ودليله كأنه الإجماع والنصّ من الكتاب ، مثل آية (أُولُوا الْأَرْحامِ) (٣).

والاخبار ، مثل رواية أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في امرأة أعتقت رجلا لمن ولاؤه؟ ولمن ميراثه؟ قال : للذي أعتقه الّا ان يكون له وارث غيرها (٤)

ومثلها صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن امرأة أعتقت رجلا لمن ولاؤه؟ ولمن ميراثه؟ قال : للذي أعتقه ان لم يكن له وارث غيرها (٥).

__________________

(١) هكذا في النسخ ولعل الصواب (بالحمل المذكور).

(٢) راجع الوسائل باب ٦ حديث ١ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٧.

(٣) الأنفال : ٧٥.

(٤) الوسائل باب ٣٥ حديث ٣ من كتاب العتق ج ١٦ ص ٣٨.

(٥) الوسائل باب ٣٥ حديث ٣ من كتاب العتق ج ١٦ ص ٣٨.


فان عدم المنعم ومن يرث الولاء انتقل المال الى ضامن الجريرة.

وهو كل من ضمن جريرة غيره وحدثه ، ويكون ولاؤه له ويثبت بذلك الميراث ، ولا يتعدى الضامن.

______________________________________________________

خصّتا بالوارث النسبيّ بالإجماع وغيره من الآيات والاخبار فيرث المعتق مع الزوجين فلأحدهما معه نصيبه الأعلى : النصف ، والربع ، والباقي له ، وهو ظاهر.

ولا يرث معه ضامن الجريرة ولا الامام عليه السّلام ، وهو أيضا ظاهر.

قوله : «فان عدم المنعم إلخ» ثاني أقسام الولاء : ولاء ضامن الجريرة ، فإذا مات المعتق الذي له الولاء ، وورّاثه الذين لهم الولاء بعده ، انتقل المال الى ضامن الجريرة ، هذا ظاهر العبارة وغيرها.

وفيه تأمل ، إذ لا يجتمع ولاء المعتق مع ولاء الضامن في شخص ولو بالترتيب ، إذ ولاء العتق على ما تقرر عندهم انما يكون على من أعتقه لله تبرعا لا في كفارة ونحوها ولم يتبرأ من ضمان جريرته ، فيكون هو ضامن جريرته ، وولاء ضامن الجريرة انما يكون مع السائبة التي لا ولاء لأحد عليه ، مثل ان أعتق في كفّارة أو ابرأ المعتق عن ضمان جريرته.

الّا ان يقال : يمكن ان لو مات المنعم الذي له عليه ولاء ، ومن يرث الولاء منه صار المعتق سائبة ، فيصح له ان يعقد ضمانا مع شخص فيثبت للضامن حينئذ.

هذا غير بعيد ، ولكن غير مفهوم من أدلّة الضمان والإرث به ، على انه ينبغي ان يقول (١) : فان لم يكن من يرث بولاء العتق انتقل إلخ فتأمّل.

قوله : «وهو كل من ضمن جريرة إلخ» معناه انه إذا كان شخصان

__________________

(١) يعني ان يقول المصنف بدل قوله : فان عدم المنعم ومن يرث الولاء انتقل إلخ : (فان لم يكن من يرث بولاء العتق انتقل إلخ. فإن عدم وجود من يرث يناسب عدم المنعم ومن يرث الولاء لا عدم المنعم الذي أعم من وجوده حين موت المعتق بالرد أو موته بعد موت المعتق بالفتح كما لا يخفى.


.................................................................................................

______________________________________________________

لا وارث لأحدهما ، عقدا عقد ضمان ، بأن يقول من لا وارث له للآخر : عاقدتك على ان تنصرني وتعقل عني وترثني ، فيقول الآخر : قبلت.

هذا إذا كان من جانب واحد الظاهر أنه يجوز.

وإذا كان من الجانبين فلا بدّ من عدم الوارث للآخر أيضا فيقول القابل أيضا ما قاله الموجب ، ويقبله الموجب ، أو يقول أحدهما : تنصرني وأنصرك ، وتمنع عني وامنع عنك ، وتعقلني واعقلك ، وترثني وارثك ، هكذا في شرح الشرائع.

ولزوم النصر والمنع غير مفهوم من العبارات والروايات ، بل الظاهر ضمان الحدث مثل العاقلة ، فلا يبعد ان يكتفى بالعقل فقط ، فيلزم الإرث والضمان كما في العاقلة أو يضمّ (بضم ـ خ ل) شرط الإرث أيضا.

وقال أيضا : انه يفتقر هذا إلى إيجاب وقبول كغيره من العقود.

ويمكن اشتراط الإيجاب والقبول بمعنى وجود ما يدل عليهما صريحا. اما الاشتراط بمعنى جميع ما اعتبروه في العقود من اللفظ العربي مع القدرة ، واعتبار القواعد العربيّة ، والمقارنة على الوجه الذي ذكروه في سائر العقود ، فمحلّ التأمّل كما في سائر العقود (١)

ثم بعد وجوده في لزومه خلاف ، نقل في شرح الشرائع عن الخلاف جوازه ، للأصل.

وعن ابن إدريس اللزوم للآية مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) ، والخبر مثل : المسلمون عند شروطهم (٣).

وبعد انعقاد العقد يصير أحدهما عاقلة الآخر ، فيضمن خطأه كالعاقلة ثم يرثه جميع ما تركه.

__________________

(١) يعني ان اعتبار المذكورات في سائر العقود أيضا محل التأمّل.

(٢) المائدة : ١.

(٣) راجع الوسائل باب ٦ حديث ١ ـ ٥ من أبواب الخيار : ج ١٢ ص ٣٥٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

قالوا : كان المسلمون أوّلا يتوارثون بهذا العقد لقوله تعالى (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) (١) ثم نسخ بآية الإرث مثل (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٢) ، والاخبار الدالة على الإرث.

والاخبار على هذا العقد كثيرة ، مثل ما في صحيحة بريد بن معاوية العجلي ، الطويلة ، عن أبي جعفر عليه السّلام (في بحث عتق التهذيب) : وان كان توالى قبل ان يموت الى احد من المسلمين فضمن جنايته وحدثه (جريرته ـ خ ل ئل) كان مولاه ووارثه ان لم يكن له قريب يرثه (٣).

وفيها دلالة كغيرها على ان مجرّد الضمان كاف ، فالاحتياج الى العقد المقرر محلّ التأمّل.

وان (٤) فقد الوارث النسبيّ الغير الممنوع من الإرث ، شرط لا غير ، فيشعر بعدم ضرر وجود مثل القاتل ، والزوج ، والزوجة فتأمّل.

وصحيحة (٥) هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا والى (الرجل ـ خ) الرجل فله ميراثه ، وعليه معقلته (٦)

__________________

(١) النساء : ٣٣ وفي مجمع البيان للطبرسي رحمه الله ج ٣ ص ٦٦ طبع بيروت في تفسير الآية قال : أي فآتوا كلا نصيبه من الميراث (الى ان قال) : ثم اختلفوا فيه على أقوال (أحدها) ان المراد بهم الحلفاء عن قتادة وسعيد بن جبر والضحاك وقالوا : ان الرجل في الجاهليّة كان يعاقد الرجل فيقول : دمي دمك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتعقل عني وأعقل عنك فيكون للحليف الذي من ميراث الحليف ، وعاقد أبو بكر مولى فورثه فذلك قوله : فآتوهم نصيبهم أي أعطوهم حظهم من الميراث ثم نسخ ذلك بقوله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) (انتهى موضع الحاجة).

(٢) الأنفال : ٧٥.

(٣) الوسائل باب ٤ قطعة من حديث ٢ من كتاب العتق ج ١٦ ص ٤٥.

(٤) عطف على قوله قدّس سرّه : (ان مجرد الضمان).

(٥) عطف على قوله قدّس سرّه : صحيحة بريد بن معاوية ، وكذا قوله : وصحيحة أبي عبيدة ، وقوله : ورواية أبي بصير.

(٦) الوسائل باب ١ حديث ٤ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٤٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة أبي عبيدة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل أسلم فتوالى الى رجل من المسلمين؟ قال : ان ضمن عقله وجنايته ورثه وكان مولاه (١).

ورواية أبي بصير ـ لعلّها الصحيحة ـ عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام فيمن نكّل مملوكه انه حرّ لا سبيل له عليه ، سائبة ، يذهب فيتولّى من أحبّ فإذا ضمن جريرته فهو يرثه (٢).

فيها دلالة على ان التنكيل سبب للعتق ، وانه حينئذ لا ولاء للمولى عليه ، ويصحّ له عقد ضمان الجريرة.

وكما ان التنكيل سبب لسقوط الولاء ويصير به سائبة يتوالى من يريد كسائر أسباب العتق الغير الاختياري فكذلك العتق في الكفارة.

ويدل عليه مثل صحيحة ابن رئاب ـ وهو علي ، الثقة. وعمار بن أبي الأحوص ـ المجهول ـ قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن السائبة فقال : انظروا في القرآن ، فما كان فيه (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) فتلك يا عمّار ، السائبة التي لا ولاء لأحد عليها الّا الله عزّ وجلّ ، فما كان ولاؤه لله فهو لرسول الله صلّى الله عليه وآله وما كان ولاؤه لرسول الله صلّى الله عليه وآله فان ولاءه للإمام ، وجنايته على الامام ، وميراثه له (٣).

وفيها دلالة على ان الامام عليه السّلام وارث من لا وارث له وعاقلته.

وتدل على الإرث بعقد الضمان أيضا ، صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام فيمن أعتق عبدا سائبة انه لا ولاء لمواليه عليه ، فان شاء يوالي الى رجل من المسلمين ، فليشهد انه يضمن

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٥ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٤٦.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٦ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٤٦.

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ٦ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٤٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

جريرته وكل حدث يلزمه ، فإذا فعل ذلك فهو يرثه ، وان لم يفعل ذلك كان ميراثه يرد على امام المسلمين (١).

وصحيحته أيضا عنه ، قال : من أعتق رجلا سائبة فليس عليه من جريرته شي‌ء وليس له من ميراثه شي‌ء وليشهد على ذلك ، وزاد في التهذيب : وقال : من تولى رجلا ورضي بذلك فجريرته عليه وميراثه له (٢).

وفي صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل عن المملوك يعتق سائبة؟ قال : يتولّى من شاء وعلى من يتولّى جريرته وله ميراثه ، قلنا له : فان سكت حتى يموت ولم يتولّ أحدا؟ قال : يجعل ماله في بيت مال المسلمين.

لعلّه يريد بيت مال الامام عليه السّلام حيث دلت الاخبار على كونه له ، ولما كان عليه السّلام ولي المسلمين ويصرف ماله في مصالحهم سمي بيته بيت مال المسلمين (٣) ويحتمل التقيّة ، ويمكن التأويل في تلك ويكون معنى كونه له كونه للمسلمين لذلك ، فتأمّل.

وصحيحة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : السائبة ليس لأحد عليها سبيل ، فان والى أحدا فميراثه له وجريرته عليه ، وان لم يوال أحدا فهو لأقرب الناس لمولاه الذي أعتقه (٤).

لعلّ المراد بالسائبة في الأخبار الذي برأ مولاه من جريرته حين عتقه.

وان قوله في الأخيرة : (وان لم إلخ) ينافي غيرها من الاخبار الدالة على ان ميراث من لا وارث له للإمام عليه السّلام ، أو لأهل بلده ، أو لبيت المال على

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ١٢ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٥٠.

(٢) الوسائل باب ٤١ حديث ٢ من كتاب العتق ج ١٦ ص ٤٦ وباب ٤٣ حديث ٤ منها ص ٤٩.

(٣) الوسائل باب ٤١ نحو حديث ١ بالسند الثاني من كتاب العتق ج ١٦ ص ٤٦.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ١٠ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٥٠.


ولا يضمن إلّا سائبة ، ولا يرث الّا مع فقد كل مناسب حتى المعتق ، ويأخذ مع احد الزوجين ما فضل عن نصيبه.

______________________________________________________

اختلافها ، فردها الشيخ لذلك ، وقال : انه غير معمول فيمكن ان تقيد بعقد الجريرة مع المولى أو على استحباب ان يعطيه الامام عليه السّلام ، على تقدير حاجته ، أو على المال الذي كان له ، لا الذي عليه بعد العتق ، فإنه لوارثه ان كان وان كان ذلك كله بعيد وخلاف الظاهر الّا انه أولى من الحذف والحمل على الغلط ، الله يعلم.

فإذا صح العقد ثبت الولاء ويثبت بذلك الميراث كما في النسب ، لكن لا يتعدى الميراث الى غيرهما ، فلا يرث قريب أحدهما الآخر ، ولا العكس ، لعدم الدليل إلّا في الضامن على ما تقدم كما في سائر الأسباب ، فإن الإرث بالزوجيّة والإمامة أيضا لا يتعدى عنهما وعن الامام عليه السّلام ، فان علّته الزوجيّة والإمامة ، وهما غير موجودين في غيرها.

بل في الحقيقة لم يتعدّ الميراث في النسب أيضا ، فإن كل احد يرث بقرابة مخصوصة ، فإن الولد يرث بقرابة الولديّة ، وولد الولد بسبب كونه ولد الولد ، وهكذا في غيرها ، فالمراد ظاهر ، فان المقصود انه إذا تحقق ولاء الضمان بينهما ، لا يسري ذلك الى عقبهما ، بخلاف ولاء العتق فإنه يسري ، وهو ظاهر وجه عدم السراية ظاهر ، فإنه شرط يفعله الإنسان على نفسه لشخص ، فلا معنى لثبوته لغيره بغير رضاه وعقل منه ، فتأمّل.

قوله : «ولا يضمن إلّا السائبة إلخ» أي لا يتحقّق عقد الضمان على شخص الّا ان يكون سائبة أي لا معتق له ، ولا نسب موجبان للإرث ، مثل حرّ ومعتق في كفارة لا قريب لهما ، أو معتق بتنكيل كذلك ، أو مع التبري من ضمان جريرته أي عتق بلا عوض بسبب مباح.

وقد مرّ دليله ، وهو الاخبار المتقدّمة الدالّة على تحقق الضمان في السائبة ، وقد مرّ في تلك الاخبار أيضا إشارة إلى معنى السائبة فافهم.


.................................................................................................

______________________________________________________

وصرّح بذلك في رواية أبي الربيع ، قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام عن السائبة؟ فقال : هو الرجل يعتق غلامه ثم يقول : اذهب حيث شئت ليس لي من ميراثك شي‌ء ولا علي من جريرتك شي‌ء ، وليشهد (ويشهد ـ ئل) على ذلك شاهدين (١).

هذه تدلّ على انه انما يحصل البراءة كما قاله الأصحاب ، وانه يصح بعد العتق أيضا وانه لا بد من الشهادة ، كأنه للتعليم.

ولا يضرّ الجهل بحال أبي الربيع ، فان مضمونه موافق للقوانين وغيره من الاخبار في الجملة فتأمّل.

فعلم انه لا يرث ضامن جريرة عن صاحبه الّا مع فقد كلّ وارث نسبي وسببيّ أيضا إلّا الامام ، والزوج ، والزوجة ، حذف للظهور.

ويدل عليه قوله بعيده : (ويأخذ مع احد الزوجين ما فضل عن نصيبه) الّا على النصف أو الربع ، فإنه على القول بالرد عليهما أيضا انما يردّ مع فقد هما فقد صرّح من قبل به.

وأعلم ان في قولهم : (ولا يرث الّا مع فقد كلّ مناسب ومسابب) مناقشة فإن ظاهره انه يجتمع معهم لكن لا يرث الّا بعد فقدهم ، والحال انه لا يوجد معهم لما علم انه لا يتحقق إلّا في السائبة وقد مرّ معناها.

فلو كان (فلا) (٢) لكان أولى ، فإنه يتفرّع عليه ، لأنه إذا قيل : (ولا يضمن إلّا السائبة) علم انه لا يرث الّا مع فقدهم ، إذ لم يكن السائبة الّا حينئذ ، وكذا في قوله : (ومسابب حتى المعتق) ، إذ يرث مع سبب آخر غيره ، وانما المانع هو المعتق فقط.

__________________

(١) الوسائل باب ٤٣ حديث ٢ من كتاب العتق ج ١٦ ص ٤٨.

(٢) يعني لو قال المصنف بدل قوله قدّس سرّه : (ولا يضمن إلّا السائبة) : (فلا يضمن إلخ) بالفاء لكان اولى.


فان عدم ضامن الجريرة فهو للإمام ، ولا يرث الّا مع فقد كلّ مناسب ومسابب.

______________________________________________________

قوله : «فان عدم ضامن الجريرة إلخ» ثالث أقسام الولاء ، الإمامة ، والامام عليه السّلام يرث سواء كان غائبا أو حاضرا بعد عدم وارث نسبي أو (وـ خ) سببي حتى ضامن الجريرة ، سواء لم يكن هناك وارث أصلا أو يكون ولكن ما يرث لمانع من قتل وكفر مع إسلام الميّت ونحوهما.

وهذا صحيح على تقدير القول بالرد على الزوجة وان قيل بعدم الرد ، فلا يشترط فقد كلّ المسابب ، ففي صحّة هذا القول على قول المصنف بالردّ على الامام دون الزوجة حال الغيبة تأمّل.

ثم كون ميراث من لا وارث له للإمام ، هو المشهور بين الأصحاب.

والظاهر ان دارهم كونه له خاصّة ، وكونه من خاصّة ماله كالأنفال وسائر أمواله ، لا أنه من بيت مال المسلمين كما هو عند العامّة.

وقال الصدوق في الفقيه : ان كان الامام حاضرا ، فهو له ، وان كان غائبا ، فهو لأهل بلده.

ونقل عن مقنعة الشيخ المفيد جعله في الفقراء والمساكين ، مع انه نقل عنها قيل : انه لإمام المسلمين.

دليل المشهور حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : من مات وترك دينا فعلينا دينه وإلينا عياله ، ومن مات وترك مالا ، فلورثته ، ومن مات وليس له مولى (موالي ـ ئل) فماله من الأنفال (١).

وقد تقرّر أن الأنفال له عليه السّلام ، وأوّل الخبر تفضّل عنهم عليهم السّلام على شيعتهم في الدنيا والآخرة فافهم.

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : من مات

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٤ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٤٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

وليس له وارث من قرابته ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من الأنفال (١).

كأنّه يريد بضمان الجريرة عدم التبري فيؤول إلى كلام الأصحاب.

وظاهرها ان الإرث بالعتق انما يثبت بعقد الضمان وشرطه ، لا بمجرد عتقه وحينئذ يلزم عدم الفرق بينه وبين غيره.

الّا ان يقال : يحتاج هناك الى عقد ، وهنا يكفي بمجرد القول بالقبول.

وهو بعيد فكان كلام الأصحاب أرجح ولم ينقل عنهم فيه الخلاف.

وصحيحة محمّد الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في قول الله تعالى ذكره (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ)؟ قال : من مات وليس له مولى فماله من الأنفال (٢).

التقريب ما تقدم مع التصريح في غير هما بكونه له عليه السّلام.

ومرسلة حماد بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام ، قال : الامام وارث من لا وارث له (٣).

وما في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السّلام : وان لم يفعل ذلك كان ميراثه يردّ على امام المسلمين (٤).

وصحيحة بريد العجليّ ـ في بحث العتق ـ عن أبي جعفر عليه السّلام : وان لم يكن توالى الى احد من المسلمين حتى مات كان ميراثه لإمام المسلمين (٥).

وما في صحيحة أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السّلام : وان لم يسلم من قرابته أحد فإن ميراثه للإمام (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٤٧.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٤٨.

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ٥ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٤٨.

(٤) الوسائل باب ٣ ذيل حديث ١٢ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٥١.

(٥) الوسائل باب ٤٠ قطعة من حديث ٢ من كتاب العتق ج ١٦ ص ٤٥.

(٦) الوسائل باب ٣ ذيل حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨١.


.................................................................................................

______________________________________________________

وما تقدم في صحيحة ابن رئاب : وما كان ولاؤه لرسول الله صلّى الله عليه وآله فان ولاءه للإمام ، وميراثه له (١).

وهذا يدل على ان الأنفال له عليه السّلام ، فافهم ، وغير ذلك.

ولعل دليل الشيخ المفيد على انه من بيت المال الروايات الكثيرة ، مثل ما تقدم في صحيحة أبي بصير : يجعل ماله في بيت مال المسلمين (٢) وقد عرفت تأويله.

ورواية معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سمعته يقول : من أعتق سائبة فليتوال من شاء ، وعلى من والى ، جريرته وله ميراثه ، فان سكت حتى يموت أخذ ميراثه فيجعل في بيت مال المسلمين إذا لم يكن له وليّ (٣).

وكأنّ الصدوق في الفقيه فرّق بين كونه للإمام وبين كونه مال المسلمين ، حيث قال ـ بعد صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة ـ : وقد روى في خبر آخر : من مات وليس له وارث فماله لهمشهريجه ، يعني أهل بلده (٤) ، قال مصنف هذا الكتاب : متى كان الامام حاضرا فماله للإمام ، ومتى كان الإمام غائبا فماله لأهل بلده متى لم يكن له وارث ولا قرابة أقرب إليه منهم بالبلديّة ، ونقل صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل مسلم قتل وله أب نصراني لمن يكون ديته؟ قال : تؤخذ فتجعل في بيت مال المسلمين لأن جنايته على بيت مال المسلمين (٥).

بل الشيخ أيضا في التهذيب ما فرّق بين كونه للإمام وبين كونه من بيت

__________________

(١) الوسائل باب ٣ قطعة من حديث ٦ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٤٩.

(٢) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٤٩ لكن هذه الجملة في رواية سليمان بن خالد ولاحظ باب ٤١ نحو حديث ١ من كتاب العتق ج ١٦ ص ٤٦.

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ٩ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٤٩.

(٤) الوسائل باب ٤ حديث ٤ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٥٢.

(٥) الوسائل باب ٣ حديث ٦ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

مال المسلمين حيث انه بعد نقل رواية معاوية بن عمار المتقدمة (١) ، ورواية عبد الله بن سنان المتقدمة ، التي فيها : وان لم يفعل ذلك كان ميراثه ردّ على امام المسلمين ، ورواية أبي بصير المتقدمة التي فيها:وان لم يوال أحدا فهو لأقرب الناس لمولاه الذي أعتقه (٢)قال :

قال محمّد بن الحسن : هذا الخبر ـ يعني رواية أبي بصير ـ غير معمول عليه ، لأن الأخبار كلّها وردت في انه متى لم يتوال السائبة أحدا كان ميراثه لبيت مال المسلمين ، وقد استوفينا ما في ذلك في كتاب العتق ، وأوردنا في هذا ما فيه كفاية والحمد لله ربّ العالمين ، ويزيد ذلك بيانا ما رواه الحسن (٣) الى قوله : قال : يجعل ميراثه في بيت مال المسلمين (٤) ، ثم ذكر رواية عمار بن أبي الأحوص المتقدمة (٥).

وذكر في كتاب العتق رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل عن المملوك يعتق سائبة؟ قال : يتوالى من شاء ، وعلى من تولى جريرته وله ميراثه ، قلت : فان سكت حتى يموت ولم يترك أحدا؟ قال : يجعل ماله في بيت مال المسلمين (٦).

ففي الطريق شعيب العقرقوفي عن أبي بصير (٧) فيحتمل كونه يحيى بن القاسم فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٣ قطعة من حديث ٩ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٤٩.

(٢) الوسائل باب ٣ قطعة من حديث ١٢ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٥٠.

(٣) هكذا في النسخ ولم يعلم المراد من (الحسن).

(٤) الوسائل باب ٤١ قطعة من حديث ١ من كتاب العتق ج ١٦ ص ٤٦.

(٥) الوسائل باب ٣ حديث ٦ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٤٩.

(٦) الوسائل باب ٤١ نحو حديث ١ من كتاب العتق ج ١٦ ص ٤٦.

(٧) فان طريقه كما في كتاب العتق من التهذيب حديث ١٥٧ هكذا : الحسين بن سعيد عن شعيب ، عن أبي بصير.


.................................................................................................

______________________________________________________

وذكر صحيحة ابن سنان المتقدمة التي فيها زيادة (وقال إلخ) (١) ولا دلالة فيها على المطلوب هنا.

ورواية أبي الربيع التي تقدّمت في معنى السائبة (٢) ، ولا دلالة فيها أيضا.

ثم ذكر رواية عمار بن أبي الأحوص المتقدمة (٣) وهي تدل على كونه للإمام عليه السّلام كما فهمت ، فليس في كتاب العتق زيادة على ما في هذا المقام فتأمّل.

لعلّ نظر الشيخ والصدوق الى ما ذكرناه من التأويل من انه وليّ المسلمين ، وبيته بيت مال المسلمين ، أو بيت مالهم بيته عليه السّلام.

وكأن ذلك مراد الشيخ المفيد أيضا حيث قال أوّلا انه للإمام ثم ذكر انه لبيت مال المسلمين فتأمّل.

واما دليل الصدوق ، فكأنه الجمع بين الروايات المتقدّمة وبين رواية السريّ ، يرفعه الى أمير المؤمنين عليه السّلام : في الرجل يموت ويترك مالا ليس له وارث؟ قال : فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : أعط همشاريجه (٤).

قال الشيخ في التهذيب : ورواه أيضا ، عن داود ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : مات رجل على عهد أمير المؤمنين عليه السّلام ، فأعطى ميراثه الى همشاريجه (همشهرجه ـ خ ل ئل) (٥).

فجمع الصدوق ، بحمل الأوّل على ظهور الامام عليه السّلام ، وهذه على غيبته.

__________________

(١) الوسائل باب ٤١ حديث ٢ من كتاب العتق ج ١٦ ص ٤٦.

(٢) الوسائل باب ٤٣ حديث ٢ من كتاب العتق ج ١٦ ص ٤٨.

(٣) الوسائل باب ٤٣ حديث ١ من كتاب العتق ج ١٦ ص ٤٨.

(٤) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٥٧.

(٥) الوسائل باب ٤ حديث ٣ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ج ١٧ ص ٥٥٧.


وكان أمير المؤمنين عليه السّلام يضعه في فقراء أهل بلده

______________________________________________________

وأنت تعلم انها لا تصلح للمعارضة على تقدير التنافي حتّى يجمع بهذا الجمع.

وأشار إليهما الشيخ في التهذيب والاستبصار ، وقال ـ بعد الرواية ـ : فهذه مرسلة لا تعارض ما قدمناه من الأخبار ، مع انه ليس فيها ما ينافي ما تقدم ، لأن الذي تضمّن أن أمير المؤمنين عليه السّلام اعطى تركته همشاريجه ، ولعلّ ذلك فعل لبعض الاستصلاح ، لأنه إذا كان المال له خاصّة جاز له ان يعمل به ما شاء وليس في الروايتين انه قال : ان هذا حكم كلّ مال لا وارث له فيكون منافيا لما قدّمناه من الاخبار.

وهذا توجيه حسن ، فإنه وان كان مشتملا على الأمر بإعطاء همشاريجه ، فليس بمناف لما تقدّم ، لانه ماله يفعل به ما يريد.

وقال في المختلف : وما قاله الشيخ جيّد ، والمعتمد العمل على المشهور ، من كونه للإمام عليه السّلام.

هذا كلام جيّد ، ولكن قال ـ بعده بلا فصل ـ : وتأويل الصدوق لا بأس به ، وكأنّه الذي اختاره المفيد.

وهو غير جيّد كما مرّ ، إذ مرّ أن روايته غير صالح (١) للمعارضة فلا يحتاج إلى التأويل.

وأنّ كلام الشيخ المفيد راجع الى المشهور ، وانه بعينه كلام الشيخ ، فان كان هو مخالفا للمشهور فكذلك كلام الشيخ.

وأن حمل كلامه على كلام الصدوق بعيد جدّا ولعلّ في العبارة غلطا. واعلم انه أشار في المتن أيضا الى ما ذكره الشيخ من الحمل ، بقوله : (وكان عليه السّلام إلخ) ولكن ما علم صرفه عليه السّلام في ضعفاء جيرانه من تلك الرواية ، كأنه علمه

__________________

(١) هكذا في النسخ والصواب : غير صالحة إلخ.


وضعفاء جيرانه تبرعا منه.

ومع الغيبة يقسم في الفقراء والمساكين ، فان خيف دفع الى الظالم.

______________________________________________________

من موضع آخر.

ثم اعلم أيضا أنّ في هذه الاخبار دلالة على الرد على الزوج والزوجة دونه عليه السّلام فافهم.

قوله : «ومع الغيبة إلخ» لعلّ دليل صرفه في زمان غيبته عليه السّلام فيما ذكره انه عليه السّلام مستغن عنه ، وغيره محتاج فمعلوم رضاه به.

وانه لو كان حاضرا ومستغنيا عنه ، لفعله هكذا.

وتؤيده الرواية الدالة على فعل أمير المؤمنين عليه السّلام فينبغي الملاحظة في صرفه بان يدفع الى المحتاجين من أهل بلد الميّت.

يحتمل ان المراد بلد الموت وبلد الميّت ، بل هو المتبادر من (همشاريجه) فان كانوا حاضرين في بلد المال فينبغي اختيارهم ، والّا ففي غير هم ، ومختار الأحق وقدر الحاجة ، ولو كان يوما فيوما ممكنا ينبغي ذلك أو دفع الى أمين حتى يصرفه يوما فيوما عليهم ويختار الأيتام على غيرهم والعاجزين على الكسب كالعجائز والشيوخ والمرضى.

ويؤيّد ذلك كلّه ما ذكروه في الخمس.

وهو يقتضي كون المتصرف هو الحاكم النائب ، ومع التعدد وتعذر اذنه يحتمل العدل المتصرف صرفه ، الله يعلم.

ثم ان الظاهر على تقدير وصية الميّت به ينبغي صرفه كلّه فيه لا الثلث مع الاحتمال الظاهر لظاهر أدلة الثلث في الوصيّة.

وقد حملنا على الوصيّة الخبر الدال على حمل المال إليه عليه السّلام (١) ، وقد

__________________

(١) عن محمّد بن نعيم الصحاف ، قال : مات محمّد بن أبي عمير بياع السابري واوصى اليّ وترك امرأة لم


وكل من مات ولا وارث له وان كان حربيّا فميراثه للإمام ، وما يتركه المشركون خوفا من غير حرب فللإمام.

المقصد الثاني : في موانع الإرث

وهي خمسة : (الأول) الكفر ، فلا يرث الذمي والحربي والمرتد مسلما ، ويرث المسلم الكافر.

______________________________________________________

مرّ في عدم الرد على الزوجة فتذكر فإنه كانت في الرواية : (ولا يجوز دفعه الى الظالم لأحد اختيارا ، وان أخذه قهرا فلا اثم).

والظاهر عدم الضمان ان كان تصرفه فيه مشروعا ويده لم تكن يد ضمان قبل الأخذ منه والّا ضامن كغيره من الأموال فتأمّل.

قوله : «وكل من مات إلخ» دليله ما تقدم من الاخبار ، بل هذه المسألة هي تلك المسألة ، والظاهر ان الإعادة للتصريح بحال الحربي ، وقد مرّ في بحث الجهاد (١).

دليل كون ما يتركه المشركون خوفا من غير حرب له عليه السّلام ، فإنه من الأنفال ، وذلك له عليه السّلام.

قوله : «الكفر إلخ» من موانع الوارث عن الإرث : الكفر ، فإنه يمنع الكافر بأنواعه ـ مرتدا وأصليّا ، ذميّا وحربيّا ـ من ان يرث شيئا عن مورّثه المسلم مطلقا.

دليله لعلّه الإجماع ، والاخبار المخصّصة لعموم آيات الإرث واخباره وإجماعه.

__________________

يترك وارثا غيرها فكتبت الى العبد الصالح عليه السّلام فكتب اليّ : أعط المرأة الربع واحمل الباقي إلينا. الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٥.

(١) لا حظ ج ٧ من هذا الكتاب من ص ٤٣٦ إلخ.


.................................................................................................

______________________________________________________

مثل حسنة جميل وهشام ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : فيما روى الناس عن النبي صلّى الله عليه وآله انه قال : لا يتوارث أهل ملّتين ، وقال (قال ـ ئل) : نرثهم ولا يرثونا ان الإسلام لم يزده في حقّه الّا شدّة (١) (عزّا ، الاستبصار ـ التهذيب)

فيها دلالة على ان المراد بعدم توارث الملّتين عدم ارث الكافر من المسلم لا غير فلا ينافي التوارث بين ملتين كافرين ، وهو ظاهر.

وحسنة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سمعته يقول : لا يرث اليهوديّ والنصراني المسلم ، (المسلمين ـ يه صا) ، ويرث المسلم (المسلمون ـ فقيه) اليهودي والنصراني (٢).

فغيرهما يكون كذلك بالطريق الأولى.

وحسنة أبي ولّاد ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : المسلم يرث امرأته الذميّة وهي لا ترثه (٣) ، وهي صحيحة في الفقيه ، والاخبار في ذلك كثيرة بعضها يدل على عدم التوريث بين الملّتين.

وأوّل الشيخ ما يدل على عدم التوارث بين الكافر والمسلم بعدم التوارث من الجانبين ، وحمل الذي يدل على عدم توريث المسلم بخصوصه أيضا من الكافر على التقيّة مع عدم اعتبار أسناد شي‌ء منها.

ويدل على منع المرتدّ بخصوصه ما في رواية أبي بكر الحضرميّ : ولا يرثها ان ماتت وهو مرتد عن دين الإسلام (٤).

وما في الصحيح ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام :

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ١٤ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٧٦.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٧ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٧٥.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٧٤.

(٤) الوسائل باب ٦ ذيل حديث ٤ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٦.


ولو كان للكافر ورثة كفار ومسلم فالميراث كلّه للمسلم ، وان بعد كضامن الجريرة ، وقرب الكافر (الكفار ـ خ ل) كالوالد (كالولد ـ خ).

فان لم يخلّف مسلما ورثه الكافر (الكفار ـ خ ل) ان كان أصليا.

______________________________________________________

ومسلم تنصّر ثم مات؟ قال : ميراثه لولده المسلمين (١).

والمراد بالولد ، هو الحاصل قبل ارتداده ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو كان للكافر إلخ» لعلّ دليله الإجماع ، وممّا سبق ظهر أيضا ذلك فافهم.

ومرادهم بالوارث المسلم الذي يرث من الكافر غير الامام عليه السّلام ، فإنهم يورثون الكافر من الكافر معه ، وإليه أشار بقوله : (وان بعد كضامن الجريرة) ، فإنه يفهم منه انه الفرد الأخفى والأبعد ولا يكون أبعد منه ويحملون ما دلّ على عدم ارث الكافر ان كان وارث مسلم على الوارث الخاصّ للتبادر ، وعدم عدّه من الوارث لشخص بخصوصه فافهم. ويؤيّده عموم أدلة الإرث وعدم ثبوت عدم ارث الكافر من الكافر مطلقا.

قوله : «فان لم يخلّف مسلما إلخ» لعلّ دليله عموم أدلة الإرث مع عدم ثبوت المعارض والمخصّص.

فلو ترافعوا في ذلك إلينا نحكم لهم بالإرث الإسلامي.

ولكن هذا إذا كان الميّت كافرا أصليّا ، فلو كان مرتدا لم يرثه الكافر الوارث لا الأصلي ولا المرتد ، فإنه بحكم المسلم عندهم ، فإنه لا يرثه الّا المسلم.

لما في مرسلة أبان بن عثمان عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في

__________________

(١) الوسائل باب ٦ ذيل حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٥.


فان خلّف مع الولد الكافر زوجة مسلمة فلها الثمن والباقي للولد.

______________________________________________________

رجل يموت مرتدا عن الإسلام وله أولاد فقال : ماله لولده المسلمين (١).

لعلّ المراد المسلم ، في صحيحة أبي ولّاد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن رجل ارتد عن الإسلام لمن يكون ميراثه؟ قال (فقال ـ ئل) : يقسّم ميراثه على ورثته على كتاب الله (٢).

وكذا في رواية محمّد بن مسلم ـ كأنها صحيحة ـ قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرتد؟ فقال : من رغب عن دين الإسلام ، وكفر بما انزل الله على محمّد صلّى الله عليه وآله بعد إسلامه ، فلا توبة له وقد وجب قتله وبانت امرأته منه فليقسّم ما ترك على ولده (٣).

كأنه ترك قيد الإسلام لأنه كان مسلما ، فمعلوم كون ولده كذلك.

فيها بعض أحكام المرتدّ ، مثل عدم قبول توبته ، لعلّه الفطري ، والمراد عدم سقوط القتل فافهم.

ولو لم يكن له وارث مسلم فميراثه للإمام عليه السّلام كسائر من لا وارث.

لعلّ دليلهم الإجماع أو عموم ما يمنع الكافر عن الإرث ويخصّصونه في إرثه عن الكافر الأصلي ، فتأمّل.

قوله : «فلو خلّف مع الولد إلخ» متفرّع على توريث الكافر من الكافر مع عدم المسلم غير الامام ، وعدم انتقاله إليه عليه السّلام ، أي فلو مات كافر أصلي وخلّف ولدا كافرا وزوجة مسلمة فللزوجة الثمن ، لانه لا يرث الّا ما فرض لها ، والفرض لها مع الولد الوارث هو الثمن ، والمفروض ان الولد الكافر يرث من أبيه

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٦ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٧.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٣ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٦.

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ٥ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٧.


وان (فان ـ خ) كان مرتدا ورثه الامام.

ولو كان وارث المسلم كافرا فالميراث للإمام.

والمسلمون يتوارثون وان اختلفوا في المذاهب ، والكفار يتوارثون وان اختلفوا في الملل.

______________________________________________________

الكافر مع عدم وارث يمنعه.

وبالجملة إذا لم يكن وارث للكافر غير الكافر يرث من الكافر ، ولو كان هناك وارث يرث في الجملة فإنه لا يمنعه ولا يحجبه ، لعدم إرثه المال ، فهو بالنسبة إلى غير ما يرث كالمعدوم ، فكأنه مات كافر ولم يخلف الّا كافرا.

واعلم أنّ هذا التقرير يقتضي ان يكون لها الربع ، فإنها ترث مع عدم الولد الوارث الربع ، وهنا كذلك.

وان الولد انما يرث ما بقي فتأمّل فيه.

ويمكن ان يقال انها انما ترث الربع مع عدم الولد أصلا ، وارثا كان أو غيره ، لظاهر الأدلّة من الكتاب والسنّة.

ولكن بقي انه ينبغي ان يكون الحكم مبنيّا على عدم الرد على الزوجة ، فعلى مذهب المصنف ، يكون (١) على تقدير غيبة الإمام عليه السّلام ، وعلى المذهب الذي يردّ عليها يكون الكلّ لها ولا يكون للولد شي‌ء أصلا ، وإذا قيل بعدم الرد مطلقا يكون ما ذكره على عمومه صحيحا ، وهو ظاهر.

قوله : «وان كان مرتدا إلخ» أي ان كان الميّت الكافر مرتدا ولا وارث له مسلم ، وان كان له وارث كافر من جنسه أم لا ، لم يرثه الكافر ، بل الامام عليه السّلام ، قد مرّ وجهه مع التأمّل.

قوله : «ولو كان وارث المسلم إلخ» دليله أيضا قد مرّ وهو ظاهر.

قوله : «والمسلمون يتوارثون إلخ» دليل توارث المسلمين باختلاف

__________________

(١) يعني عدم الرد.


ولو أسلم الكافر على ميراث قبل القسمة شارك ان ساوى واختص به ان كان أولى ، وان كان بعدها أو كان الوارث واحدا فلا شي‌ء له.

______________________________________________________

أصنافهم بعضهم من بعض ، والكفار بانواعهم كذلك ـ إلّا الأصلي عن المرتد ويحتمل كون العكس كذلك فتأمّل ـ هو عموم أدلة الإرث كتابا وسنّة وإجماعا من غير معارض ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو أسلم الكافر على ميراث إلخ» إذا كان الوارث كافرا والموروث منه مسلما وكان هناك من يرثه من ورثته المسلمين ، فان كان واحدا حاز المال فلا شي‌ء لمن أسلم بعده ، سواء تصرف الوارث في المال أم لا ، وسواء كان أقرب ممن أسلم أم لا ، فإنه بمجرد الموت انتقل التركة إليه بأدلّة الإرث ، وصرفه عنه يحتاج الى دليل ، وليس الّا ان يكون الوارث اماما عليه السّلام فان بعضهم اشترط نقله الى بيت المال.

لعل مراده بيت ماله ، وليس له دليل واضح بعد ان تقرر انه الوارث ، فيكون مثل سائر الورثة فتأمّل وسيجي‌ء بيان تلك المسألة.

وان كان متعددا ، فإن أسلم وارث آخر بعد القسمة فلا شي‌ء له ، لما مرّ ، وان أسلم قبلها ، فان كان مقدما وأقرب الى الميّت ممن كان أخذ المال كلّه ، وان كان في مرتبتهم شاركهم بحصّته.

وهذا الحكم خلاف قواعدهم ، لما تقدم من ان المال بعد الموت ينتقل الى من يرثه في تلك الحال ، إذ لا يبقى ملك بلا مالك ، وبعده لا وجه للانتقال عنه الى آخر.

ولكن الظاهر انه مجمع عليه ، ومستندهم اخبار أهل البيت عليهم السّلام ، فيمكن ان يقال يبقى على حكم مال الميّت الى ان يقسّم أو يسلم الباقي ويصير بلا مالك بالفعل غير الله ، ولا بعد في ذلك أصلا أو ينتقل الى ملك الموجودين ملكا


.................................................................................................

______________________________________________________

متزلزلا ثم ينتقل منهم كلّه أو بعضه الى من يسلم بعده.

ويحتمل ان يكون إسلامهم كاشفا من انه كان لهم بعد الموت ، والظاهر الأوّل فتأمّل.

والاخبار التي هي مستند الحكم صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السّلام في الرجل يسلم على الميراث؟ قال : ان كان قسّم فلا حقّ له ، وان كان لم يقسّم فله الميراث ، قال : قلت : والعبد (العبد ـ ئل) يعتق على ميراث؟ فقال : هو بمنزلته (١)

وحسنة عبد الله بن مسكان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : من أسلم على ميراث قبل ان يقسّم فله ميراثه ، وان أسلم بعد ما قسّم (وقد قسّم ـ ئل) فلا ميراث له (٢).

وحسنة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : من أسلم على ميراث قبل ان يقسّم الميراث فهو له ، ومن أسلم بعد ما قسّم فلا ميراث له ، ومن أعتق على ميراث قبل ان يقسّم الميراث فهوله ، ومن أعتق بعد ما قسّم فلا ميراث له ، وقال في المرأة : ان (إذا ـ ئل) أسلمت قبل ان يقسّم الميراث فلها الميراث (٣).

وفي رواية البقباق ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : من أسلم على ميراث قبل ان يقسّم فهو له (٤).

وصحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل مسلم مات ، وله أمّ نصرانيّة ، وله زوجة وولد مسلمون؟ قال : فقال : ان أسلمت أمّه قبل ان يقسّم ميراثه أعطيت السدس ، قلت : فان لم تكن له امرأة ولا ولد ولا وارث له

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٤ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٢.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٢.

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٢.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ٥ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٢.


ولو كان الوارث الامام فهو اولى وان لم ينتقل (ينقل ـ خ ل) الى بيت المال.

______________________________________________________

سهم في الكتاب من المسلمين وامّه نصرانية و (له ـ كا) قرابة (قرابته) نصارى ممن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين لمن يكون ميراثه؟ قال : ان أسلمت امّه فان جميع ميراثه لها وان لم تسلم امّه وأسلم بعض قرابته ممن له سهم في الكتاب فان ميراثه له ، وان لم يسلم من قرابته أحد فإن ميراثه للإمام (١).

واعلم ان (أنه خ) في الحكم ـ بأنه إن أسلم وارث أو أعتق قبل القسمة ، فإن كان ممن يرث مع الموجودين ورث حصته ، سواء بينهما تفاوت أم لا ، وان كان بعدها فلا يرث ـ اشعارا (اشعار) ـ بعدم انتقال التركة بمجرد الموت الى الوارث فيما إذا كان الميّت مديونا فتأمّل.

وان المراد ب (شارك) و (ساوى) أخذ حصته ان كان ممن يرث ولو لم يكن مساويا في الحصّة كما ذكرناه ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو كان الوارث اماما إلخ» وجه اختصاص الامام من بين وحدة الوارث ـ بنقل المال الى بيت المال ـ غير ظاهر بعد الحكم ، بأنه ان كان واحدا فالميراث له ، وان أسلم آخر مساو أو أعلى بعد الموت والمذكور ثالث الأقوال.

وقيل : الامام عليه السّلام أولى.

وقيل : من أسلم أولى مطلقا.

ومقتضى الدليل السابق القول الثاني كما في غيره عليه السّلام.

والظاهر ان مراده من بيت المال بيت ماله عليه السّلام لا بيت مال المسلمين ، بناء على ما تقدم وصرّح به في القواعد.

ثم انه يحتمل ان يكون كناية عن تصرفه عليه السّلام فيه بنفسه أو وكيله فحينئذ لو تصرف ولم ينقل ثم أسلم وارث لم يكن له شي‌ء.

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٠.


والزوج كالواحد على رأي ، والزوجة كالمتعدد على رأي.

______________________________________________________

ويحتمل ارادة حقيقته فما لم ينقل وان تصرف يكون له لو أسلم ولكن ينبغي إخراج التصرف الناقل إليه بعد الله يعلم.

قوله : «والزوج كالواحد إلخ» يعني إذا خلّفت المسلمة ورثة كفارا وزوجا مسلما أو بالعكس فالزوج كالوارث الواحد القريب ، الذي حكم بأن المال له ، فإن أسلم بعده أحد من الورثة ليس له ميراثه ، فإنه بمجرد موتها استورث الزوج كلّ التركة ، النصف أو الربع بالفرض ان قلنا بأن المراد بالولد المانع عن النصف مطلق الولد ، وارثا كان أم لا ، والباقي بالردّ.

دليله ما تقدم في إثبات الردّ.

وقيل : ان الباقي للوارث ان أسلم قبل القسمة بين الامام والزوج.

والزوجة كالمتعدد. فإن أسلم وارثه بعد القسمة بين الزوجة والامام فلا شي‌ء له ، بل لها الربع ، ويحتمل الثمن ان كان هنا ولد ـ والباقي له عليه السّلام.

وان أسلم قبلها فلها الربع ـ ويحتمل الثمن ان كان له ولد ـ والباقي لمن أسلم.

هذا على تقدير عدم الرد ، اما على تقدير الرد فهي كالواحد تجوز المال ، فلا شي‌ء له ولا للإمام عليه السّلام.

وقال في القواعد : ان قلنا بالردّ عليهما لم يرث ، وان منعناه ورث ما فضل عن فرضيهما.

ينبغي التفصيل بقبل القسمة أو بعدها إلَّا أن يكون مبنيّا على منع الامام ، الكافر.

وبالجملة ، المسألة فرع مسألة الردّ وقد مرّت فكان ينبغي على مذهب المصنف هنا في الزوجة التفصيل بأنه ان كان حال الحضور فهي كالمتعدد ، والّا فكالواحد.

فكأن المقصود ذلك ، وترك للظهور ، أو أشار الى الرجوع عن الأصل.


.................................................................................................

______________________________________________________

قال في الشرح : هذه المسألة مبنيّة على أصلين : (الأول) ان الوارث الواحد لا شركة معه إذا أسلم الكافر بعد موت المورّث. وخالف فيه ابن الجنيد حيث شرّكه بينهما إذا كانت التركة عينا باقية في يد الوارث.

وأنت قد عرفت أن المشهور راجح ، فمذهب ابن الجنيد ضعيف ، ولهذا حكموا بالمشهور من غير إشارة إلى خلافه في أكثر المتون.

ويؤيّده أنّ هذا الخيال جار في بعض الموانع الأخر مثل الرق ولم ينقل منه فيه ذلك ، ولأنّه لا دليل على تعيين هذه الغاية.

ثم قال : (الثاني) الخلاف المتقدم في الزوجين ، فعلى القول بالردّ مطلقا إذا أسلم الكافر على ميراث ورثاه فلا شي‌ء له ، وعلى العدم مطلقا يشارك ما لم يأخذه الإمام أو يصرف في مصارفه.

وأنت تعلم ان مقتضى كلام المصنف كالواحد والمتعدد ، وان لم ينقل الى بيت المال كان عليه ان يقول : يشارك ما لم يقسم بين الزوج أو الزوجة والامام أو لم ينقل الى بيت المال ان جعلا معدومين على تقدير عدم الردّ فيكون مثل ما كان الامام وحده فتأمّل (١).

ثم نقل القول بأن الفاضل من سهمهما لمن أسلم ، عن الشيخ في النهاية وابن البرّاج مع قولهما بالردّ ، وقال : ونصّ على ذلك المحقّق في النكت ، محتجا بأن الزوج لا يستحق سوى النصف ، والردّ انما يستحقه إذا لم يوجد للميّت وارث محقّق ولا مقدّر ، وهنا الوارث المقدّر موجود ، فإنه إذا عرض على الكافر الإسلام وأسلم صار وارثا ومنع من الردّ ، والّا ردّه.

وأنت تعلم ان هذا الحكم والاحتجاج ضعيف ، فإنه قد ثبت الردّ بالأدلة

__________________

(١) إشارة إلى انه قد يكون بيت المال كناية عن أخذ الإمام عليه السّلام وتصرفه فلا بأس به حينئذ الّا ان (أو يصرف) غير جميل (منه رحمه الله).


.................................................................................................

______________________________________________________

ومدلولها مع عدم الوارث ، ان المال كلّه له ، أو لها ، والمتبادر من الوارث هو الذي يرث بالفعل المحقق ، لا المقدّر.

ولأنه قد دلت الأدلة على منع الكفر من الإرث فيكون الكافر ممنوعا حال الموت فينتقل المال إليهما.

وأيضا لا شك انهما أقوى من بعض الورّاث مثل الامام ، وقد مرّ ان المال له مع وجود وارث كافر.

وأيضا جار في كلّ مانع يحتمل زواله ، مثل الرق ، فتأمّل.

وأيضا احتجاجه جار في كل وارث منع كافرا عن الإرث سواء ورث فرضا وردّا أو قرابة خصوصا الذي يأخذ بالفرض والردّ.

ونقضه في الشرح بالبنت ، وهو منقوض بغيرها أيضا ، ولأنه حينئذ الى أي زمان يصبر ويتوقف ينبغي الى ان ينقرض وما بقي أحد ، إذ قد يتصور الإسلام في زمان آخر غير الزمان الأول الذي عرض عليه وامتنع ، مع انه ضرر ما قالوا به وان كان الشرط هو العرض مرّة واحدة ، مع احتياجه الى دليل فقد يتعذر بالغيبة والصباوة والجنون الّا ان يقال بإخراجه.

وبالجملة مقتضى القول بالردّ انهما كالواحد ، وان الواحد يرث الكلّ ولا يشاركه احد وان أسلم قبل تلف العين في يده.

ثم قال : والتحقيق ان الوارث الواحد ان عني به الوارث للجميع بالفرض والردّ فالحقّ ما قالوه ، وان عني به الوارث مطلقا فالحقّ ، المنع مع انسياق الدليل في البنت الواحدة ، والفرق بينهما تكلّف ، فحينئذ الأقرب المنع ، وهو مختار ابن إدريس ، وشيخنا في المختلف.

وأنت تعلم ان الوارث الواحد ليس من المسائل الأصوليّة والأمور المقررة وليس في الدليل أيضا حتى تحقق المراد منه ويتبع في كلامهم ، فكلّ احد يفسّره بما


وكذا البحث لو كان الميّت كافرا ، والورثة كفار ، لكن هنا لو أسلم قبل القسمة اختصّ وان كان مساويا.

والطفل تابع لأحد أبويه في الإسلام الأصلي والمتجدد ، فان بلغ وامتنع عن الإسلام قهر عليه ، فان امتنع كان مرتدا.

______________________________________________________

يطابق مضمونه ، وان مثل هذا المبنى كثير ، وانه في مرتبة المدعى.

على انه قد يناقش في كلامه بأنه ينبغي ان يقول : ان كان الوارث الواحد يرث الجميع بالفرض والردّ ، فالحقّ ما قالوه ، وان كان غيره فالحقّ المنع.

وبأنه ـ وان كان الواحد ممّا يرث الجميع بالردّ والفرض ـ يمكن القول بالمنع ، فان الزوج والزوجة ورث الكلّ كذلك ، إذ ما كان غيرهما موجودا ، والفرض ثبوت الردّ وهو ظاهر.

وانه ان كان مطلقا يمكن فيه ما قالوه ، وان ترجيح الحكم بدون ترجيح ما يبتني عليه غير جيّد ، وعلى كل فالظاهر ـ مع الرد ـ المنع ، وهو المشهور ، وعليه الأكثر.

قوله : «وكذا البحث لو كان الميّت كافرا إلخ» يعني ما سبق من انه إذا أسلم وارث كافر على ميراث. إلخ كان الميّت الذي يورث منه مسلما مع إسلام بعض الورثة ، وحكم ما إذ كان الميّت كافرا ولم يكن في الورثة مسلم ، مثله ، فإذا أسلم من يرث الكافر في الجملة ، فإن كان الكافر الوارث الذي يرثه واحدا لم يرث شيئا ، وان كان متعددا ، فان كان بعد القسمة فكذلك ، وان كان قبلها يرث ما ترك كلّه ويخصّ به وان كان بعيدا ، والكافر الوارث الباقي قريبا مثل المعتق المسلم وضامن الجريرة مع الآباء والأولاد ، فلو كان بدل قوله : (وان كان مساويا) (وان كان بعيدا) لكان أولى.

قوله : «والطفل تابع إلخ» لعلّ دليله : الإجماع ، والخبر ، فيترتب عليه أحكام الإسلام من الإرث وغيره.

لكن يقتضي ذلك انه بمجرّد إنكاره الإسلام لا يكون مرتدا عن الفطرة ،


ولو خلّف الكافر أولادا صغارا لا حظّ لهم في الإسلام ، وابن أخ وابن أخت مسلمين ، فالميراث لهما دون الأولاد ، ولا إنفاق على رأي.

______________________________________________________

بل يجبر على الإسلام ولا يقتل ، وان أسلم قهرا يكون مقبول الإسلام ، وان امتنع يكون حينئذ مرتدا كما هو ظاهر المتن ، وذلك مطلقا غير ظاهر ، وسيجي‌ء تحقيق الارتداد وأحكامه واقسامه ان شاء الله تعالى.

قوله : «ولو خلّف الكافر إلخ» لو خلّف الكافر وارثا قريبا غير مسلم ، وبعيدا مسلما كالأولاد الذين لا حظّ لهم في الإسلام أي لا أمّ لهم مسلمة يتبعونها ، وابن أخيه وابن أخته المسلمين فالأولاد بحكمه ، فلا ارث لهم ، فإنهم بمنزلة العدم ، فالمال لابن الأخ والأخت.

فإن كانا للأبوين أو للأب فالمال بينهما بالتثليث ، لابن الأخ الثلثان ، ولابن الأخت الثلث مثلهما ، وان كانا للام فبالسوية.

وان كانا مختلفين فلكلالة الأم السدس ، والباقي لكلالة الأب ، أو لكلالة الأب والام ، وان كان أحدهما للأب والآخر للأبوين يسقط المتقرّب بالأب ويرث الآخر ، ولا يجب على الوارثين الإنفاق على الأولاد ، للأصل والقواعد المقررة وهو مختار المتن ، وابن إدريس ، والمحقّق.

والأكثر على خلاف ذلك ، لرواية مالك بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن نصراني مات وله ابن أخ مسلم ، وابن أخت مسلم ، وللنصراني (له ـ ئل) أولاد وزوجة نصارى؟ قال : فقال : ارى ان يعطى ابن أخيه المسلم ثلثي ما تركه ويعطى ابن أخته (المسلم ـ يه) ثلث ما ترك ان لم يكن له ولد صغار ، فان كان له ولد صغار فان على الوارثين ان ينفقا على الصغار ممّا ورثا من أبيهم حتى يدركوا ، قيل له : كيف ينفقان (على الصغار ـ يه)؟ قال : فقال : يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة ويخرج وارث الثلث ثلث النفقة ، فإذا أدركوا قطعا


.................................................................................................

______________________________________________________

(قطعوا ـ يه ـ ئل) النفقة عنهم ، قيل له : فإن أسلم الأولاد (أولاده ـ يه) وهم صغار؟ قال : فقال : يدفع ما ترك أبوهم الى الامام حتى يدركوا ، فان بقوا (أتموا ـ يه) على الإسلام دفع الامام ميراثهم إليهم فان لم يبقوا (لم يتموا ـ يه) على الإسلام إذا أدركوا دفع الامام ميراثه الى ابن أخيه وابن أخته المسلمين ، يدفع الى ابن أخيه ثلثي ما ترك ، ويدفع الى ابن أخيه ثلث ما ترك (١).

هي مخالفة للقوانين فيمكن طرحها لعدم الصحّة ، لعدم توثيق مالك ، بل يفهم ذمّه.

قال في الخلاصة : روى الكشي : أن مالك بن أعين ليس من هذا الأمر في شي‌ء ، وعن علي بن أحمد العقيقي انه كان مخالفا.

فالقول بالصحّة كما فعله في الشرح والمختلف مشكل ، لعل المراد : اليه صحيح ، ولكن حينئذ لا تصلح للحجيّة في مثل هذه الأحكام المخالفة للقوانين وهو ظاهر.

على أنّ في متنه أيضا قصورا حيث حكم أوّلا بتوريث ابن الأخ وابن الأخت ولم يفصل بأنّه أسلم الأولاد أم لا. وحكم بعده بأنه إن أسلموا يعطي الإمام إلخ.

ويفهم وجوب الإنفاق على ابني الأخ والأخت مع عدم العلم بأنهم أسلموا.

ولم يفهم وجوب الإنفاق على الامام مع علمه بالإسلام ، بل ظاهر دفع الميراث إليهم ان بقوا على الإسلام ، وإليهما بالتثليث ان لم يبقوا ، يشعر بعدم الإنفاق فتأمّل فلا يحتاج إلى التأويل والتنزيل.

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٧٩ وفيه نقلا من الفقيه : عبد الملك بن أعين أو مالك بن أعين.


.................................................................................................

______________________________________________________

ونقل في الشرح انه نزّل على أربعة وجوه (الأوّل) أنّ المانع انما هو الكفر ، وهو مفقود في الأولاد.

وردّ بأن عدم الإسلام أيضا مانع ، وعلى تقدير تسليم الحصر ، الأولاد في حكم الكفار.

وأنت تعلم ان الذي ثبت بالإجماع أو غيره أن الكفر مانع ، وهو ظاهر في الحقيقي ، فتخصيص عموم الأدلة بغير ذلك مشكل فتأمّل ، فلا يردّ هذا التنزيل بالردّ المذكور.

نعم يمكن ردّه بأنه حينئذ يلزم توريث الأولاد ، لا ابني الأخ والأخت ، والإنفاق عليهما ، بل يأخذه الحاكم وينفق ، وعدم جواز الأخذ منهم بعد ان كفروا ، وبالجملة ان التنزيل لا يصلح ما في هذه الرواية.

(الثاني) تنزيلها على ان إسلام الصغير معدّ للإسلام الحقيقي والكافر الحقيقي إذا أسلم قبل القسمة يرث وهنا الصغير بذل مقدوره ، إذ لا يقدر الّا على إظهار الإسلام وليس ذلك سببا للإرث بالفعل ، بل للمراعاة لينكشف الحال بعد البلوغ.

وردّه أيضا بأنّ الإسلام الحقيقي السابق المستقر لا يعارض بمثل هذا.

وفيهما بعض ما تقدم لأنهما قريبان منه.

(الثالث) تنزيلها على عدم القسمة إلى حين البلوغ والإسلام ، وان قوله : (يعطى ابن أخيه وابن أخته) ليس بصريح في حصولها ، وما ردّه (١).

ويمكن ردّه بأنه أيضا ما يدفع جميع ما فيها ، فإن الإنفاق لأي شي‌ء؟ على انه ظاهر في حصولها ، إذ قال : فان على الوارثين إلخ.

(الرابع) حملها على الاستحباب.

__________________

(١) يعني ما ردّه الشارح كما ردّ الأولين ولكن يمكن ردّه إلخ.


ولو ارتدّ أحد الورثة فنصيبه لورثته وان لم يقسم ، لا لورثة الميّت.

(الثاني) الرق ، فلا يرث ولا يورّث ، إذ لا ملك له ، سواء كان قنّا ، أو مدبّرا ، أو مكاتبا مشروطا ، أو مطلقا لم يؤدّ ، أو أمّ ولد ، فلو كان

______________________________________________________

ثم قال : الثلاث الأول مستفادة من تحقيقات الامام المحقق نجم الدين في النكت ، والأخيرة تنزيل شيخنا الإمام المصنف في المختلف.

وأنت تعلم ان الرابع صحيح الّا انه خلاف الظاهر ، ولكن ارتكابه للجمع بين القوانين والأدلّة غير بعيد.

ويؤيّده عدم صحتها ، فلا يمكن القول بوجوب مضمونها لذلك ، والمستحبات تسامح في دليلها كثيرا فتأمّل.

ولو كانت صحيحة توجب العمل لأمكن القول بمضمونها ، مع عدم تعديته أصلا ، بل جعلها حكما في قضيّة مع التعدية إلى عين هذه الصورة فالى عين هذه الصورة أينما وجدت اولى من مثلها أيضا يعني في كلّ موضع يكون فيه الأولاد الصغار للميّت الكافر مطلقا مع وارث مطلقا ، سواء كان مؤخّرا عنهم في الإرث أو في مرتبتهم ، وهو بعيد.

قوله : «ولو ارتدّ أحد الورثة إلخ» يعني إذا استورث احد من ميّت كافر أو مسلم شيئا ثم ارتدّ ومات لم ينتقل ما استورثه إلى ورثة الميّت الأوّل ، بل هو لورثة الثاني ، سواء كان الثاني وحده أو مع جماعة وارتدّ ومات قبل القسمة أو بعدها.

هذا إذا كان مطلقا (١) ، واما إذا كان فطريا فلم يحتج الى فرض موته ، وجهه ظاهر.

قوله : «الثاني الرق إلخ» المانع الثاني من الإرث هو الرق فلا يرث رق أصلا ، محضا كان أو فيه شائبة العتق ، مثل المكاتب المشروط أو المطلق مع عدم

__________________

(١) هكذا في النسخة المخطوطة والصواب (مليّا).


احد الوارثين رقا اختصّ الحرّ وان بعد ـ كالمعتق وضامن الجريرة ـ ومنع العبد وان قرب كالولد ولا يمنع ولد الولد برقّ أبيه ولا كفره.

______________________________________________________

أداء شي‌ء ، أو المدبّر ، أو أمّ الولد ، ولا يورث منه أيضا.

استدل عليه بعدم الملك ، فإنه لا يملك ، فلا يدخل شي‌ء في ملكه فلا يخرج لذلك.

هذا ظاهر ان ثبت ذلك وقد مرّ البحث فيه مرارا فتذكر.

ويمكن الاستدلال أيضا على عدم إرثه من غيره أيضا بما تقدم في صحيحة محمّد بن مسلم التي في إسلام الوارث على ميراث : (قلت : العبد يعتق على ميراث؟ فقال : هو بمنزلته) (١).

وما في حسنته : ومن أعتق على ميراث قبل ان يقسّم الميراث فهو له ، ومن أعتق بعد ما قسّم فلا ميراث له (٢).

فيها دلالة على إرثه ان أعتق قبل القسمة.

وصحيحته أيضا ، عن أحدهما عليهما السّلام قال : لا يتوارث الحرّ والمملوك (٣).

ومثله رواية جميل ومحمّد بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه السّلام (٤).

وهما لا تدلان على عدم ارث الحرّ عن العبد فتأمّل.

ورواية مهزم ـ المجهول ـ ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في عبد مسلم وله أمّ نصرانيّة وللعبد ابن حرّ ، قيل : أرأيت ان ماتت أمّ العبد وتركت مالا؟ قال : يرثها ابن ابنها الحرّ (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ٣ قطعة من حديث ٤ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٢.

(٢) الوسائل باب ٣ قطعة من حديث ٣ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٢.

(٣) الوسائل باب ١٦ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٩.

(٤) الوسائل باب ١٦ حديث ٤ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٠.

(٥) الوسائل باب ١ حديث ١٨ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٧٧.


ولو عتق (أعتق خ ل) قبل القسمة شارك ان ساوى ، واختص ان كان أقرب ، ولو عتق بعدها أو كان الوارث واحدا فلا شي‌ء له ، ولو قسم بعض التركة ثم عتق أو أسلم شارك في الجميع.

______________________________________________________

وتدل عليه أيضا الروايات التي تدل على عتق الوارث ليرث ، وسيجي‌ء ، فيلزم منه ان يرث الحرّ البعيد من الورثة وان كان معتقا أو ضامن جريرة مع وجود الرق القريب ، مثل الآباء ، والأولاد ، لأن البعيد وارث ، ولا وارث غيره ، فلا يمنع كفر القريب من ارث المسلم البعيد وان كان فرعه ، نظرا الى ان البعيد انما يرث بسبب قربه من القريب ، ويأخذ ما يأخذه ، فهو فرعه ، فإذا لم يستحق هو شيئا فلا يرث فرعه ، لانه هو وارث بالاستقلال مثل القريب ، وليس فرعا له الّا انه ما يرث مع وجوده وارثا وهو ظاهر ممّا تقدم.

ويدل عليه (١) بخصوصه رواية مهزم المتقدمة ، ولا يضرّ الجهل بحاله.

وكذا الكلام في عدم منع رق القريب الحرّ البعيد من إرثه ، وهو ظاهر ممّا تقدم.

قوله : «ولو عتق قبل القسمة إلخ» البحث في العتق على ميراث ، مثل الإسلام عليه وقد مرّ مفصّلا الّا العتق ، والإسلام بعد قسمة البعض دون البعض ، فحكم هنا بشركة المعتق والمسلم في كلّ التركة ، ما قسم ، وما لم يقسم.

هذا انما يكون مع فرض كون الأحرار والمسلمين الذين كانوا حين الموت وقبل إسلام من أسلم ، وعتق من أعتق ممن يرث ويشارك معهم في الإرث مثلهم.

واما إذا لم يكونا كذلك بأن يكون من أعتق أو أسلم أقرب منهم ومانعين من إرثهم ، يكون جميع التركة مختصّة بهما ، فلو قال (٢) : (شارك أو اختص) ـ كما قاله في القواعد ـ كان أولى.

وذكر فيه احتمالين آخرين ، وهو الشركة أو الاختصاص في الباقي ، وعدم

__________________

(١) يعني المصنف.

(٢) أي على عدم منع كفر القريب ، البعيد عن الإرث (هكذا في هامش بعض النسخ).


.................................................................................................

______________________________________________________

الإرث أصلا ولكن قال : (على بعد).

ولعلّ وجه الأوّل انه يصدق عليه أنه أسلم أو أعتق قبل القسمة فتجري الأدلّة التي دلّت على التوريث من كلّ التركة حينئذ.

ووجه الثالث (١) انه قد ثبت الإرث لغيرهم بدليل منعهم ، فإنه قد دل على انهم بمنزلة العدم فيكون الميراث بغيرهم وملكوه ، لأدلة الإرث وقد خرج منه ما إذا ثبت الإسلام والعتق قبل القسمة أصلا بالإجماع والنص وبقي الباقي ، إذ يصدق عليه انهما ما وقعا قبل القسمة ، فإنه لا شك انه وجدت القسمة في الجملة فلا يوجد نقيضها ، فإن الماهيّة توجد بوجود فرد منها ، وانما ينعدم بعدم جميع أفرادها.

وبالجملة ، بعد تحقق انتقال المال الى المسلم والحرّ الموجودين بعد الموت بلا فصل ـ إذ بقاء ملك بلا مالك عندهم غير معقول ـ يحتاج الانتقال عنهم الى غيرهم الى دليل ، والدليل غير صريح فيما إذا وقعا بعد الشروع في القسمة ، لاحتمال اختصاصه بما إذا لم يشرع أصلا.

وان لم يكن ظاهرا في ذلك فلا شك في احتماله ، وهذا المقدار كاف.

الّا أن يقال : إنّ المال باق على حكم مال الميّت حتى يقسّم ويسلم أو يعتق الباقي أو انه ينتقل الى الموجودين ملكا متزلزلا ، لأن الأصل عدم اللزوم ، ويقال : إن الأدلة ظاهرة في قسمة الكل يعني إذا أسلم أو أعتق وارث قبل قسمة الميراث والميراث هو الكل ، لأنه عبارة عن جميع ما تركه الميّت ، ويأخذه قريب ، لا بعضه.

فكأنه إليه نظر المصنف وغيره ورجحوا الاحتمال الأول.

وممّا تقدم علم وجه الثاني ، وهو انه يأخذ الوارث بعد الإسلام والعتق حصته ممّا لا ينقسم ، ولا يأخذ ممّا قسم ، إذ يصدق على الأول انه أسلم قبل قسمته

__________________

(١) وهو ما لو كان العتق أو الإسلام بعد القسمة.


ولو لم يكن وارث سوى العبد اشترى من التركة وأعتق وأخذ الباقي ويقهر المالك على البيع ، سواء كان أبا أو ابنا أو غيرهما حتى الزوج والزوجة على رأي.

______________________________________________________

ولا يصدق على الثاني فتأمّل.

ثم ان الظاهر انه انما يكون إذا كان له حصّة في المنقسم وغيره ، واما إذا لم يكن له حصّة في المنقسم فالظاهر ان ليس فيه الّا الاحتمال الأول ، مثل زوجة أسلمت قبل قسمة مالها فيه حصّة وبعد قسمة ما ليس لها منه حصّة مثل الرباع والعقار ، ومثل ان قسّم المال بين الزوجتين والأولاد بأن أخذتا الثمن وأسلمت أو أعتقت أخرى قبل القسمة بينهما أو أسلم أو أعتق أحد الأولاد قبل القسمة بينهم.

وانه إذا كان الوارث الواحد هو الامام عليه السّلام وأعتق الوارث يجي‌ء فيه الاحتمالات المتقدمة في الإسلام الإرث ، والمنع ، والتفصيل.

قوله : «ولو لم يكن له وارث سوى إلخ» إذا مات شخص ولم يخلّف وارثا حرا ـ وان بعد ـ سوى الامام ، وخلّف قريبا مملوكا لو لم يكن كذلك لورث ، فان كان أبويه يفك بالشراء ، بالإجماع المنقول (في الشرائع) وبالنصوص.

مثل صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول في الرجل الحرّ يموت وله أمّ مملوكة قال : تشترى من مال ابنها ثم تعتق ، ثم يورثها (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول في رجل توفي وترك مالا ، وله أمّ مملوكة؟ قال : تشترى امّه وتعتق ثم يدفع إليها بقيّة المال (٢).

وحسنته عنه عليه السّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في الرجل

__________________

(١) الوسائل باب ٢٠ حديث ١ و ٧ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٤.

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ٢ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

يموت وله أمّ مملوكة ، وله مال ، ان تشترى امّه من ماله ثم يدفع إليها بقيّة المال إذا لم يكن له ذووا قرابة لهم سهم في الكتاب (١).

لعلّ المراد بالسهم في الكتاب مطلق الإرث وكأنّ الأب مفهوم بالطريق الأولى فإن عتق الأب أولى ، ولما سيجي‌ء من عتق الولد وغيره مثل الزوجة والقرابة فالأب أولى.

وتدل عليه أيضا مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا مات الرجل وترك أباه وهو مملوك ، أو امّه وهي مملوكة أو أخاه أو أخته وترك مالا ، والميّت حرّ اشترى ممّا ترك أبوه أو قرابته وورّث ما بقي من المال (٢).

واخرى له عنه عليه السّلام (٣) وستجي‌ء.

يحتمل ان المراد بالأب والام هنا الأوّلان ، لا الأجداد والجدّات أيضا ، فإن دعوى الإجماع فيهم غير ظاهر ، بل شمول النص لهم كذلك.

ويؤيّده ان ليس لهم حكمهما في الإرث ، بل هم في المرتبة الثانية.

ويحتمل ارادة العموم كما في غير هذه المسألة.

واما الأولاد ، فقال بعض بعدم شرائهم وعتقهم ، بل اقتصر على شراء الأبوين فقط ، لعدم الإجماع ، والأصل ، وأدلة عدم توريث الرق.

وبالجملة ان هذا الحكم مخالف لقواعدهم ، فإثباته يحتاج الى دليل قويّ.

وقال بعض بشرائهم والعتق ، لأنهم كالآباء ، ولصحيحة جميل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يموت ويترك ابنا مملوكا ، قال : يشترى ابنه

__________________

(١) الوسائل باب ٢٠ حديث ٦ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٥.

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ٣ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٤.

(٣) الوسائل باب ٢٠ حديث ٩ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

من ماله فيعتق ويورث ما بقي (١).

وما في صحيحة وهب بن عبد ربه ـ في ولد أمّ ولد تزوجت من رجل ، ومات الرجل وخلّف ولده ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان كان ترك مالا اشترى منه بالقيمة (بالقيمة منه ـ ئل) فأعتق وورث (٢).

والظاهر أن الرجل كان رقّا وأعتق ثم مات فلا يحتاج الى ما ذكره في الفقيه (٣) ، فإنه تكلف بعيد ، بل غير ممكن.

ورواية سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل مات وترك ابنا له مملوكا ولم يترك وارثا غيره وترك مالا؟ فقال : يشترى الابن ويعتق ويورث ما بقي من المال (٤).

كأنه لا فرق بين الابن والبنت.

ويشعر به صحيحة وهب بن عبد ربه (٥) ، ويؤيّده رواية إسحاق الآتية (٦).

واما غير هم من الأقارب فمنع بعض من الشراء ، والعتق ، كالمحقق في الشرائع مع قوله بما تقدم ، لما تقدم من انه خلاف القوانين ولا دليل عليه.

وبعض كالمصنف والمحقق الثاني ، قال به ، للقياس باستخراج العلّة ولما

__________________

(١) الوسائل باب ٢٠ نحو حديث ٤ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٥.

(٢) الوسائل باب ٢٠ قطعة من حديث ١٢ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٧.

(٣) في الفقيه ـ بعد نقل الخبر ـ هكذا : قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله : جاء هذا الخبر هكذا : فسقته بقوة إسناده ، والأصل عندنا انه إذا كان أحد الأبوين حرّا فالولد حرّ ، وقد يصدر عن الامام عليه السّلام بلفظ الاخبار ما يكون معناه الإنكار والحكاية عن قائليه (انتهى) الفقيه ج ٤ باب ميراث المماليك رقم ٥٧٣٦ طبع الآخوندي. ونقله في الوسائل أيضا تحت رقم ١٣ من الباب.

(٤) الوسائل باب ٢٠ حديث ١٠ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٧.

(٥) راجع الوسائل باب ٢٠ حديث ١٣ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٧.

(٦) راجع الوسائل باب ٢٠ حديث ٨ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

سيجي‌ء من الخبر الصحيح الدالّ على اشتراء الزوجة فالأقارب بالطريق الأولى.

ولما في رواية عبد الله بن طلحة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن رجل مات وترك مالا كثيرا وترك امّا مملوكة وأختا مملوكة (١)؟ قال : تشتريان من مال الميّت ثم تعتقان وتورثان ، قلت : أرأيت ان أبى أهل الجارية كيف يصنع؟ قال : ليس لهم ذلك يقوّمان قيمة عدل ثم يعطى مالهم على قدر القيمة ، قلت : أرأيت لو أنهما اشتريتا ثم أعتقتا ثم ورثتا من كان يرثهما؟ قال : كان يرثهما موالي أبيهما لأنهما اشتريتا (اشتريا ـ ئل) من مال الابن (الأب ـ خ) (٢).

وهي ـ مع ضعف السند ـ مخالطة للقواعد المقررة ، لاشتمالها على اشتراء الام والأخت واعتقاقهما وتوريثهما معا ، ولا تدل على عموم القرابة.

ويفهم من المصنف حملها على وجود إحداها لا وجود هما معا.

ويؤيّده قوله : (ان أبى أهل الجارية) فتأمّل.

ورواية إسحاق ، قال : مات مولى لعلي عليه السّلام ، فقال : انظروا هل تجدون له وارثا؟ فقيل له : ان له ابنتين باليمامية مملوكتين ، فاشتراهما من مال الميّت ثم دفع إليهما بقيّة الميراث (٣).

وهي أيضا ضعيفة السند ، مع اشتمالها على البنت فقط ، فلا عموم فيها.

مع احتمال كون ذلك تبرّعا منه عليه السّلام ، فان المال ـ بعد عدم الوارث ـ له عليه السّلام يفعل به ما يشاء.

يمكن ان يقال : ان ظاهر السوق يدل على العموم وعدم التبرع فافهم.

__________________

(١) في هامش الكافي نقلا عن مرآة العقول هكذا : الواو امّا بمعنى أو الخبر محمول على التقيّة.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٠ حديث ٥ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٥ وفي التهذيب والكافي والوسائل : لو انهما اشتريا ثم أعتقا ثم ورثا من بعد من كان يرثهما؟.

(٣) الوسائل باب ٢٠ حديث ٨ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولما في مرسلة ابن بكير المتقدمة (١).

ولما في مرسلة أخرى له ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا مات الرجل وترك أباه وهو مملوك أو امّه وهي مملوكة أو أخاه ، أو أخته وترك مالا والميّت حرّ ، اشتري ممّا ترك أبوه أو قرابته وورث ما بقي من المال (٢).

وفيهما ضعف السند بالإرسال وابن بكير.

وقال بعض ـ كالمصنف والمحقق الثاني ـ : بإعتاق الزوجة وتوريثها أيضا لصحيحة سليمان بن خالد ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : كان علي عليه السّلام إذا مات الرجل وله امرأة مملوكة اشتراها من ماله فأعتقها ثم ورثها (٣).

ويمكن ان يقال : عمومات الآيات ، والاخبار ، والإجماع ، دلّت على توريث الوارث مطلقا حتى الزوج والزوجة ، وخرج منها المملوك مع وجود الحرّ بالإجماع ، والأخبار ، والاعتبار ، بقي الباقي تحتها فيرث المملوك بأن يشترى ويعتق ويورث الباقي ان كان ، فتأمّل فيه.

ثم اعلم ان الشيخ رحمه الله ذكر ـ بعد نقض هذه الروايات في الكتابين ـ اخبارا تدلّ على عدم التوارث بين المملوك والحرّ ، مثل ما تقدم في صحيحة محمّد بن مسلم في الكافي ولكنها غير صحيحة فيهما : (لا يتوارث الحرّ والمملوك) (٤) وما كان نحوه ، مثل ما في روايتي محمّد بن حمران وحملها على عدم التوارث من الجانبين

__________________

(١) الوسائل باب ٢٠ حديث ٣ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٤.

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ٩ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٧.

(٣) الوسائل باب ٥٣ حديث ١ من كتاب العتق ج ١٦ ص ٦٧.

وسندها كما في الكافي باب ٤٣ انه لا يتوارث الحرّ والعبد هكذا : محمّد بن يحيى ، عن احمد بن محمّد ، عن على بن الحكم عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، وفي التهذيب باب الحرّ إن مات وترك وارثا مملوكا ، وفي الاستبصار ج ٤ ص ٧٧ باب من خلف وارثا مملوكا إلخ هكذا : الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن عبد الله وجعفر ومحمّد بن عبّاس ، عن علاء عن محمّد بن مسلم.

(٤) الوسائل باب ١٦ حديث ٢ ـ ٤ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

بمعنى ارث كلّ من الآخر ، وحمل في الاستبصار (١) صحيحة سليمان الأخيرة على كون ذلك تبرعا عنه عليه السّلام الّا ان الحكم ذلك ، وانه واجب ، لانه قد بيّن ان الزوجة إذا كانت حرّة لا ردّ لها.

ويمكن حملها على اشترائها من حصّتها وتوريث باقيها ولهذا قال : (ورّثها) ولم يقل : (يدفع إليها الباقي) وحمل فيهما على عدم ارث المملوك مع وجود الحرّ.

وبالجملة ، اشتراء الزوجتين وإعتاقهما ينبغي ان يكون مع القول بالردّ ، أو من حصّتهما ، ففي مختار المتن من إعتاق غير الآباء والأولاد حتّى الزوج والزوجة مطلقا.

تأمّل ما يدل على ان العبد لا يرث.

مثل رواية فضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : العبد لا يرث ، والطليق لا يرث (٢) هي غير صحيحة فيهما (٣) ، ولكنّها صحيحة في الفقيه ، عن علي بن رئاب بتغيير مّا قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : العبد لا يرث ، والطليق لا يورّث (٤)

__________________

(١) قال ـ بعد نقلها ـ : ما لفظه فالوجه في هذا الخبر أن أمير المؤمنين عليه السّلام كان يفعل على طريق التطوع ، لأنا قد بيّنا ان الزوجة إذا كانت حرّة ولم يكن هناك وارث لم يكن لها أكثر من الربع والباقي يكون للإمام وإذا كان المستحق للمال أمير المؤمنين عليه السّلام جاز ان يشترى الزوجة ويعتقها ويعطيها بقيّة المال تبرعا وندبا دون ان يكون فعل ذلك واجبا لازما (انتهى) ج ٤ ص ١٧٩.

(٢) الوسائل باب ١٦ حديث ٣ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٩.

(٣) فان سندها في الكتابين في البابين المشار إليهما هكذا : الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن جعفر بن سماعة ، عن الحسن بن حذيفة ، عن جميل ، عن فضيل بن يسار.

(٤) الوسائل باب ١٦ حديث ٧ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٠ وسندها كما في باب ميراث المماليك حديث ٧ من كتاب الفرائض هكذا : وروى الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب وفيه : العبد لا يورّث إلخ وطريق الصدق كما يظهر من المشيخة الى الحسن بن محبوب صحيح فلاحظ ج ١٤ روضة المتقين ص ٩٧ طبع قم.


.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه يحتمل ان يراد منها عدم الإرث منه وأيّده ببعض الأخبار المتقدمة الدالة على عدم إرثه مع وجود الحرّ كل ذلك للجمع بينهما وبين الاخبار الدالة على الشراء والعتق والتوريث.

وهذا مؤيّد لما قلنا من أن ظاهر الأدلة أن المملوك يرث ، والّا ما كان يحتاج الى هذا الحمل والتأويل ، بأن يقال : ان المملوك ما ورث ، بل اشترى ثم أعتق بدليل شرعي من مال الميّت من دون الإرث ثم ورث منه وحينئذ صار حرا فالحرّ وارث الحرّ.

ويمكن ان يقال : المراد بالإرث المثبت في العمومات واخبار العتق استحقاق المال بأن يصرف في مصالحه ، وان لم يكن هو المتصرّف ، بل وليّه ، وهو الإمام أو نائبه لا انه يتملّك ملكا بالفعل ، وبالإرث المنفيّ في خصوص الأخبار الملك بالفعل.

فروع

(الأول) المباشر للشراء هو الإمام أو من ينوبه ، على ما يظهر من كلامهم ، من انه الناظر العامّ أو القائم مقامه عليه السّلام ، وللعتق أيضا ان قيل بالاحتياج إلى الإعتاق ولم يحصل بمجرد الشراء كما يدل عليه ما في بعض الروايات المتقدمة : (فيشترى فيعتق) (١) (ثم يعتق) (٢) والعبارات مثل المتن : (وأعتق) (٣).

(الثاني) لو تعذر الحاكم يمكن جواز ارتكاب احد من المؤمنين ذلك وينبغي العدل ، ويستأذن العدول إن أمكن ، والّا يفعله كلّ من يقدر.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٠ حديث ١ ـ ٢ ـ ٤ ـ ١٠ ـ ١١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٤.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٠ حديث ٥ ـ ٧ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٤.

(٣) راجع الوسائل باب ٢٠ حديث ١٢ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويحتمل كون ارتكاب من بيده المال أولى.

(الثالث) الظاهر وجوب الشراء والعتق كفاية صرّح به في شرح الشرائع بأنه وجوب كفائي فتأمّل.

يحتمل كفاية المعاطاة كما في غيره ، والأولى إيقاع العقد الحقيقي كما في غيره.

(الرابع) يحتمل كفاية الشراء عن الإعتاق وحصوله بمجرد الشراء أو مع تسليم الثمن كما في تقويم حصّة الشريك على المعتق.

ويدلّ عليه ما في حسنة عبد الله بن سنان : (تشترى امّه وتعتق من ماله ثم تدفع إليها بقيّة المال) (١) ومرسلتي ابن بكير (٢) ، فإنها ظاهرة في الإعتاق بمجرد الشراء ويمكن حمل الباقية عليه بأن المراد ب (ينعتق) (فينعتق) أو أنه إذا أوقع الشراء المستلزم للعتق يصدق عليه انه اشتراه وأعتقه.

وهذا يحتمل في العبارات كالروايات ولكنه لا يخلو عن بعد لوجود (ثمّ) في بعضها والأحوط إيقاع صيغة العتق كالشراء.

(الخامس) وجوب البيع على المالك ، فلو لم يفعل يبيع عليه الحاكم ومن يقوم مقامه.

ويدل عليه بعض ما تقدم ، مثل رواية عبد الله بن طلحة (٣).

(السادس) يحتمل عدم وجوب بل عدم جواز إعطاء أكثر من قيمته ، وقهره عليه وان كان راضيا ببيعه بأكثر منه ، لأنها المتبادر من الرواية الدالة على الشراء فإنها تنصرف إلى السوقيّة ولا بعد في ذلك ، فإنه يقهر على أصل البيع ، مع انه مخالف للقانون العقلي والنقلي في الجملة للدليل وكذا التقويم بالقيمة.

ويؤيّده ما في رواية عبد الله بن طلحة المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السّلام ،

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٠ حديث ٢ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٤.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٠ حديث ٣ ـ ٩ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٤.

(٣) لاحظ الوسائل باب ٢٠ حديث ١ ـ ٥ ـ ٧ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٥.


فان قصر المال لم يجب الشراء وكان المال للإمام.

______________________________________________________

قلت : أرأيت ان أبى أهل الجارية كيف يصنع؟ قال : ليس لهم ذلك يقوّمان قيمة عدل ثم يعطى مالهم على قدر القيمة (١).

قد مرّ ما في هذه الرواية متنا وسندا ، على انه لم تدل على القيمة السوقيّة على تقدير رضاه أيضا بالبيع ، والروايات الأول أيضا غير صريحة في الوجوب ، والأمر بالبيع والشراء لا يدل على ذلك صريحا كما في الاحتكار فان المحتكر يؤمر بالبيع ويقهر على ذلك ، ولكن لا يقوّم عليه ، بل هو يقوّم بمهما أراد الّا ان يجحف.

وتؤيده القواعد العقليّة والنقليّة ، والظاهر انه أحوط بالنسبة الى حال العبد ولا شك ان الاكتفاء بالقيمة السوقيّة أحوط بالنسبة إلى المالك ، وان الاخبار المتقدمة ظاهرة في القيمة السوقيّة خصوصا ما في صحيحة وهب بن عبد ربه (اشترى منه بالقيمة) فتأمّل.

(السابع) لا فرق في ذلك كلّه بين القن المحض وغيره مثل أمّ الولد والمدبّر والمكاتب المشروط والمطلق الّا ان عتق منه شي‌ء فورث الحرّ حصّته من التركة فيمكن ان يعتق به ان وفى ، والّا كمّل من حصّته المملوكة وأعتق كما في كلّه إذا لم ينعتق منه شي‌ء فتأمّل.

قوله : «فان (وان خ) قصر المال إلخ» لو قصر المال عن ثمن الرقيق الواحد الوارث لو كان حرّا لم يشتر ولم يعتق منه البعض لان الشراء والعتق مخالف للقوانين والأصل ، فيحتاج الى الدليل ولا دليل إلّا في الكلّ ، فلا بدّ من الاقتصار على محلّ الدليل وهو المشهور ومقتضى الدليل.

ونقل في المختلف وغيره القول عن البعض من غير تعيينه بشراء ما يفي به وعتقه وسعيه في ثمن الباقي حتى يعتق كله ثم قال فيه : ليس بعيدا من الصواب ، لان عتق الجزء يشارك عتق الجميع في الأمور المطلوبة شرعا فيساويه في الحكم.

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب ٢٠ حديث ٥ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤيّده : (ولا يسقط الميسور بالمعسور) (١) وقوله (إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم) (٢) وان الأمر بشراء الجزء وعتقه موجود في ضمن الكلّ ، وليس بمعلوم اشتراط ذلك وتوقفه على البعض الآخر ، والّا دار.

وأنت تعلم أنّ دليل عدم شراء البعض مع قصر المال جار فيما إذا يفي بثمنه ولم يبق شي‌ء أصلا ، إذ مورد النصّ والإجماع ما كان مع الوفاء وبقاء مال ، والفرق بينهما ظاهر.

وان هذا القول مخالف للقوانين ، فإثباته بمجرّد هذه الأمور لا يخلو عن إشكال فإن القياس ما نقول به.

على انه مع الفارق ، إذ يلزم هنا تشطير المملوك وعدم وصول كلّ ثمنه الى المالك وهو ضرر لم يكن في الأوّل وإيجاب إعتاق البعض بالسعي ووجوب قبول ذلك على المالك تكليف ومخالف للقواعد والأصل.

وان هنا ما يبقى مال وكان في الأصل يبقى مال فقد يكون له دخل في ذلك فعلم ان فيه مخالفة القواعد أكثر.

وليس بمعلوم صدق : (لا يسقط الميسور بالمعسور) فإنّ المراد على الظاهر انه إذا كان أشياء مأمورا بها وتعسر بعضها وسقط لم يسقط الباقي ، وكذا الكلام على قوله : (إذا أمرتكم) مع عدم ظهور سنده ، والأمر بالجزء انما هو في ضمن الكلّ ، وهو لا يستلزم الأمر بالجزء منفردا وهو ظاهر.

ولا يلزم منه القول بالاشتراط والتوقف حتى يلزم الدور ، بل ان ما هو المأمور الكلّ ، والجزء في ضمنه.

وإذا لم يجب الشراء يكون المال للإمام عليه السّلام ، لما تقدم من ان المال

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ٤ ص ٥٨ طبع مطبعة سيد الشهداء ـ قم.

(٢) عوالي اللئالي ج ٤ ص ٥٨ رقم ٢١٦ مطبعة سيد الشهداء ـ قم وفيه : إذا أمرتم إلخ.


وكذا لو كانا اثنين وقصر عنهما لم يجب شراء أحدهما وان فضل عنه.

ولو قصر نصيب أحدهم (هما ـ خ) اشترى الآخر وأعتق وأخذ (يأخذ ـ خ) المال.

ولو تحرّر بعضه ورث من نصيبه بقدر حرّيته ومنع (من) الباقي وكذا يورث منه.

______________________________________________________

الذي لا وارث له له عليه السّلام.

قوله : «وكذا لو كانا اثنين إلخ» والبحث فيه بعينه مثل سابقه الّا ان هنا يحتمل تعيين شراء أحدهما وعتقه بالقرعة على القول بعدم الشراء والعتق إذا لم يف حصته بثمنه وكذا الحكم لو كانوا أكثر من الاثنين.

قوله : «ولو قصر نصيب أحدهم إلخ» دليله واضح ممّا ذكر ، والفرق بينه وبين ما إذا لم يف حصّة كلّ واحد بثمنه ظاهر ، كعدم الفرق بينه وبين من يكفي حصّته بثمنه وبقي شي‌ء من التركة ولم يكن معه من لا يفي حصّته به وعدمه فالفرق بينهما وبين الأوّلين كما هو ظاهر الشرائع واختاره المحقق الثاني غير ظاهر.

قوله : «ولو تحرر بعضه ورث إلخ» دليله عموم أدلة الإرث وأدلة منع المملوك عن الإرث وخصوص صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : المكاتب يرث ويورّث على قدر ما ادى (١).

وما في حسنة محمّد بن قيس في مكاتب ، عن أبي جعفر عليه السّلام فقضى انه يرث بحساب ما أعتق منه (٢).

وصحيحته عنه عليه السّلام في مكاتب توفّي وله مال ، قال : يحسب ميراثه

__________________

(١) الوسائل باب ١٩ حديث ٣ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٣.

(٢) الوسائل باب ١٩ ذيل حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٢.


ومع ظهور الامام لو قصر الربع ووقت التركة ، ففي الشراء نظر.

(الثالث) القتل.

ويمنع القاتل عمدا ظلما ، وفي الخطأ قولان أظهرهما

______________________________________________________

على قدر ما أعتق منه لورثته ، ما لم يعتق منه لأربابه الّذين كاتبوه من ماله (١).

قوله : «ومع ظهور الامام لو قصر إلخ» أي لو خلّف زوج حرّ زوجته المملوكة فقط حال ظهور الامام عليه السّلام ، وقلنا بشراء الزوجة في الجملة ، وبعدم الردّ عليها حينئذ كما هو مذهب المصنف هنا ، والّا فلا شراء بانتفاء الأوّل ويشترى مع انتفاء الثاني قطعا ولم يف الربع الذي نصيب الزوجة بثمنها ، ويفي كلّ التركة بذلك هل تشترى المرأة بما يفي من التركة وتعتق وان كان فاضلا تعطى أم لا؟ بل يكون المال كلّه للإمام عليه السّلام بناء على عدم الشراء إذا لم يف النصيب بالثمن والّا يشترى بعضها ويعتق ذلك وتسعى؟ فيه نظر.

وجه العدم ظاهر ، وهو ان الشراء انما يكون بمال يرثه ويملكه المشتري على تقدير كونه حرّا والفرض هنا عدم الردّ لها وعدم كفاية نصيبها بثمنها.

ووجه ثبوته عموم الدليل وعدم التفصيل ، ولهذا أطلق القائل بشرائها من غير تقييد بصورة يفي نصيبها بثمنها.

وكأنه ضعيف ، إذ الدليل مخصوص بصورة يفي ، وكذا إطلاق قولهم ، لما قلنا من ان الشراء انما يكون بماله على تقدير عتقه ، فينبغي ان لا يكون النظر بناء على القول بعدم الردّ.

ويحتمل ان يكون وجه النظر انه هل لها ردّ أم لا؟ فعلى الأوّل تشترى ، وعلى الثاني لا ، ولكن لا يناسب النظر من المصنف بعد الجزم على المبنى عليه وهو عدم الردّ حينئذ ولا القيد بحال الحضور فتأمّل.

قوله : «ويمنع القاتل عمدا إلخ» قد نقل الإجماع على عدم ارث القاتل

__________________

(١) الوسائل باب ١٩ حديث ٢ من موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٢.


(أقربهما خ ل) المنع من الدية لا التركة.

______________________________________________________

عمدا ظلما.

ومستنده الاخبار ، مع الاعتبار ، مثل صحيحة أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل قتل امّه؟قال:لا يرثها ويقتل بها صاغرا ، ولا أظن قتله بها كفارة لذنبه (١)

ولا فرق بين الابن والام ، وبين غيرها (هما).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا قتل الرجل أباه قتل به ، وان قتله أبوه لم يقتل به ولم يرثه (٢).

ولا فرق بينهما وبين غيرهما ، والاخبار العامّة المحمولة على العمد والظلم لما سيأتي كثيرة فيهما.

وأمّا الخطأ ففيه أقوال ثلاثة ثالثها ، لا يرث عن الدية ويرث عن غيرها.

دليل إرثه مطلقا عموم أدلّة الإرث كتابا وسنّة وإجماعا خرج العامد الظالم بدليله ، وبقي غيره ، وعدم المؤاخذة به لرفعه (٣) عن الأمّة.

ورواية محمّد بن قيس ـ في التهذيب والاستبصار ـ وحسنته في الفقيه ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل قتل امّه ، قال : ان كان خطأ فإن له ميراثه ، وان كان قتلها متعمدا فلا يرثها (٤).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب موانع الميراث ج ١٧ ص ٣٨٩.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٤ من أبواب موانع الميراث ج ١٧ ص ٣٨٩.

(٣) إشارة إلى حديث الرفع المعروف : رفع عن أمتي تسعة الخطأ والنسيان إلخ. راجع الوسائل ج ٥ من أبواب الخلل في الصلاة باب ٣٠ حديث ٢ ص ٣٤٥.

(٤) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٢ واللفظ للتهذيب والاستبصار لا للفقيه.


.................................................................................................

______________________________________________________

قتل أمّه أيرثها؟ قال : ان كان خطأ ورثها ، وان كان عمدا لم يرثها (١).

ولم يفرّقوا بين الامّ والولد وغير هما.

ودليل المنع مطلق عموم الاخبار ، مثل رواية جميل بن درّاج ، عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده ولكن يكون الميراث لورثة القاتل (٢)

ورواية أخرى لجميل ـ وهي حسنة في الفقيه ـ عن أحدهما عليهما السّلام في رجل قتل أباه؟ قال : لا يرثه ، فان كان للقاتل ولد ورث الجدّ المقتول (٣) ، وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا ميراث للقاتل (٤).

ورواية فضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يقتل الرجل بولده ويقتل الولد بوالده إذا قتل والده ، ولا يرث الرجل الرجل إذا قتله وان كان خطأ (٥).

والاخبار العامة والمطلقة في عدم ارث القاتل كثيرة لكنها محمولة على العامد للجمع بينهما وبين الاخبار الدالّة على ارث القاتل خطأ لوجوب حمل العام والمطلق على الخاصّ والمقيّد.

واما رواية الفضيل الدالة على نفي الإرث عن المخطئ أيضا ، فهي ضعيفة بالإرسال ، وبمعلّى بن محمّد ، فإنه رواه في الكافي عن بعض أصحابه (٦) وفي طريقه

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ٢ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٢.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٩.

(٣) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٦.

(٤) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٨.

(٥) الوسائل باب ٩ حديث ٣ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٢.

(٦) سندها كما في الكافي باب ميراث القاتل هكذا : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن حماد بن عثمان ، عن فضيل بن يسار.


.................................................................................................

______________________________________________________

الآخر (١) في التهذيب الإرسال الى (٢) علي بن الحسن فضال ، قال : حدثنا رجل ، عن محمّد بن سنان (٣) ـ وهو كما ترى ـ ومثل هذه لا تصلح للاحتجاج خصوصا مع معارضته بما تقدم.

قال الشيخ ـ بعد نقل رواية محمّد بن قيس ، وصحيحة عبد الله بن سنان الدالّتين على ارث المخطئ مطلقا : ولا ينافي هذين الخبرين ما رواه (وذكر رواية فضيل بن يسار) ثم قال : لأن هذا الخبر مرسل مقطوع الاسناد ، ومع ذلك يحتمل ان يكون الوجه فيه ما كان يقول شيخنا أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان من انه لا يرث الرجل الرجل إذا قتله خطأ من ديته ، ويرثه ممّا عدا الدية ، والمتعمد انه لا يرثه شيئا لا من الدية ولا من غيرها ، وكان بهذا التأويل يجمع بين الحديثين ، وهذا وجه قريب.

والذي يؤكد هذا التأويل ما رواه محمّد بن احمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر عن أبيه ان عليا عليهم السّلام كان لا يورّث المرأة من دية زوجها شيئا ولا يورث الرجل من دية امرأته شيئا ولا الاخوة

__________________

(١) سنده في التهذيب باب ميراث القاتل وفي الاستبصار باب ان القاتل خطأ يرث المقتول ج ٤ ص ١٩٣ هكذا : علي بن الحسن بن فضال قال : حدثنا رجل ، عن محمّد بن سنان ، عن حماد بن عثمان.

ورواه محمّد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن حماد بن عثمان ، عن فضيل بن يسار.

(٢) يعني السند الأول كما نقلناه.

(٣) هكذا في النسخ والمناسب ان يقول : الإرسال الى محمّد بن سنان ، والّا فطريق الشيخ رحمه الله في الكتابين الى علي بن الحسن بن فضال ليس فيه إرسال قال في مشيختهما : وما ذكرته في هذا الكتاب ، عن علي بن الحسن بن فضال ، فقد أخبرني به احمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعا منه واجازة ، عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال اللهمّ الّا ان يكون المراد ان الشيخ رحمه الله لا يروي عن علي بن محمّد بن الزبير بلا فصل ، بل هو مرسل لعدم درك الشيخ لابن الزبير.


.................................................................................................

______________________________________________________

من الامّ من الدية شيئا (١) ، قال محمّد بن الحسن : انما حملنا هذا الخبر على هذا المعنى ، لأنّا قد بيّنا فيما تقدم ان كلّ واحد من الزوجين يرث من دية صاحبه إذا لم يكن قاتلا. فلا وجه لهذا الخبر الّا ما قلنا ، والّا بطل الخبر ، ويحتمل ان يكون الخبر خرج على وجه (مخرج ـ خ ل) التقيّة لأن ذلك مذهب العامة (٢).

ولا يخفى ما في هذا الكلام من فهم اختياره أوّلا إرث القاتل خطأ ثم المنع عن الإرث مطلقا مع ما عرفت ما في دليله وحكمه بالإرسال والقطع ثم جعله دليلا للشيخ المفيد ، والحكم بأنه قريب ، وتأييده بضعيفة النوفلي عن السكوني الغير الدالة على ذلك إلّا بتأويلها وحملها على ذلك لما أثبته من ارث كل واحد من الزوجين من دية الآخر ، ومن حكمه بأنه إذا (ان ـ خ ل) لم يفعل ذلك يلزم الابطال مع قوله بعيده : (ويحتمل التقيّة).

وبالجملة مذهب الشيخ المفيد هو ثالث المذاهب ، ودليله ما فهم من الجمع بين الاخبار.

ولكن قد عرفت ان لا دليل على عدم ارث المخطئ من الدية ، بل مطلقا الّا انه يمكن ان يقال : أدلة إثبات الإرث للمخطئ ليست بظاهرة في إثباته من الدية أيضا لكل وارث ، بل ظاهرة في إرث الرجل من انه في الجملة إذا قتلها خطأ.

وان المتبادر من قوله : (ميراثها) و (يرثها) الإرث من الأموال التي كانت لها حال الحياة ، لا الدية التي تثبت بعد الموت.

وأيضا يؤيده ان الدية كأنه من القاتل ، وارثه عنها بعيد وغير مفهوم.

وأيضا ظاهر الآية الدالة على الدية (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) (٣) هو تسليم

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ٤ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٦.

(٢) الى هنا عبارة الشيخ رحمه الله في التهذيب.

(٣) النساء : ٩٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

الدية الى غير القاتل ، من أهل الميّت وان كان المسلّم هو العاقلة (وان كان المعطى العاقلة ـ خ).

وأيضا يؤيّده الاعتبار ، فان العقل يمنع من ارث شخص ممّا يلزم من جنايته.

ويؤيده أيضا ما في صحيحة أبي عبيدة ، في امرأة حامل شربت دواء وهي حامل ولم يعلم بذلك زوجها فألقت ولدها ، الى ان قال : قلت له : فهي لا ترث ولدها من ديته (مع أبيه ـ كا ـ ئل) ، قال : لا ، لأنها قتلته فلا ترثه (١).

وهي شاملة للعمد والخطأ ، وكالصريحة في نفي ارث القاتل خطأ من الدية مطلقا فيبعد تخصيصها بها فتأمّل.

ورواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : الّا امرأة طلّقت فمات عنها زوجها قبل ان تنقضي عدّتها فإنها ترثه ثم تعتدّ عدّة المتوفى عنها زوجها ، وان توفيت في عدّتها ورثها ، وان قتلت ورث من ديتها ، وان قتل ورثت من ديته ما لم يقتل أحدهما صاحبه (٢).

والمراد ، المطلقة الرجعيّة ، وهو ظاهر ، وظاهرها كون (ما لم يقتل) قيدا للتوريث من الدية وعدم الفرق بين الزوجين وغيرهما.

ويؤيده أيضا ما نقل في الشرح ، عن عمرو بن شعيب ، عن جدّه (وعبد الله بن عمر) أنّ النبي صلّى الله عليه (وآله) وسلم قال : لا يتوارث أهل ملتين شي‌ء ، ترث المرأة من مال زوجها ومن ديته ، ويرث الرجل من مالها ومن ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه ، فان قتل أحدهما صاحبه عمدا فلا يرث من ماله ، ولا من ديته ، ومن قتله خطأ ورث من ماله ولا يرث من ديته (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٢٩٠.

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ٤ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٢٩١.

(٣) في سنن أبي داود ج ٣ ص ١٢٦ (شتّى) بدل (شي‌ء) وهو الصحيح.


ولو تجرد العمد عن الظلم كالقصاص والحدّ لم يمنع.

______________________________________________________

ثم قال : وهذا نصّ في الباب وذكر الزوجين غير مخصّص إجماعا.

وما رأيتها في أصولنا كأنها عامّية ولا يضرّ.

ثم قال فيه : وهذا القول اختاره أكثر الأصحاب كابن الجنيد ، والمرتضى ، والشيخ نقله عن المفيد رحمه الله ، وهو مذهب أبي الصلاح ، والقاضي ، وابن حمزة ، وابن زهرة ، والفاضل ، والكيدري ، وحسّنه المحقق ، واختاره المصنف في المختلف ، وقرّبه في المتن ، وجوَّده في القواعد ، والمحقق الثاني أيضا.

وبالجملة منع المخطئ عن الإرث مطلقا بعيد ، وارثه من غير الدية قريب ، لان العمومات الدالّة على إرثه مع عدم ظهور شمولها للدية معارضة بالعمومات الدالة على ارث القاتل مطلقا ، والخصوصات التي اقتضت حمل العمومات عليها غير ظاهرة في الإرث عن الدية ، وهي روايتا محمّد وعبد الله ، والأصل عدم الإرث ، والجمع بين الروايات وان كانت ضعيفة في مثل هذا المسألة جيّد ، والتقيّة بعيدة كالطرح ، فإنها طرح في الحقيقة ، فتأمّل.

قوله : «ولو تجرد العمد عن الظلم إلخ» دليله ظاهر ، ويخصّص الأخبار الدالة على المنع بالظلم ، وفي بعضها تصريح بالظلم حيث أوجب فيه القصاص ، وفي بعضها تصريح بأنه إذا كان حقّا يرث.

هل شبيه العمد ملحق به أو بالخطإ؟ فيه خلاف ، اختار في القواعد الأوَّل لعلّ دليله عموم الأخبار الدالة على منع القاتل مطلقا خرج المخطئ لدليله الذي تقدم وبقي الباقي.

فيه تأمّل ، إذ المتبادر من القاتل في الاخبار هو القاتل عمدا فلا يدخل شبهه فيه ، وفي بعضها تصريح (١) بكونه عمدا حيث أوجب فيه القصاص مع عدم سقوط إثمه.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٧ حديث ٤ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٩.


ولو لم يكن سوى القاتل فالميراث للإمام ، ويطالب بالقود أو الدية ولا عفو.

ولا يمنع ولد الولد بجناية أبيه.

______________________________________________________

وعلى تقدير تسليم شموله له ، ففي تخصيص عموم الكتاب والسنّة والإجماع المتواترات بمثل هذه العمومات من الاخبار الآحاد تأمل واضح ، إذ إنما يجوز تخصيص اليقيني بالخبر الواحد الظنّي ـ عند من جوز ـ ، إذا كان خاصا ونصّا ودلالته يقينية لا تقاوم يقينيّتها متن اليقيني.

ويؤيّده اعتبار ان العامد الظالم يستحق ذلك لظلمة وقصده ، وربما يكون قاصدا للإرث فيعمل بخلاف مقتضى غرضه بخلافه ، فعمومها مع عدم (ثبوت ـ خ) المخصّص دليل الثاني.

وكأنّه كذلك اختاره المصنف في التحرير على ما نقله في الشرح فتأمّل.

قوله : «ولو لم يكن سوى القاتل إلخ» وجه كون الإرث للإمام مع عدم وارث غير القاتل ظاهر ممّا تقدم فتذكّر.

واما وجه عدم العفو له عن القاتل الوارث ، بل ويتعين عليه اما القصاص أو الدية مع ثبوته لغيره ، غير ظاهر.

كأنّ لهم دليلا على ذلك من إجماع أو خبر ، وما رأيته والأمر إليه عليه السّلام.

قوله : «ولا يمنع ولد الولد إلخ» إذا قتل شخص أباه وليس وارث غيره وللقاتل ابن ، يرث جدّه المقتول ولا يمنع قتل أبيه وحرمانه من الإرث من إرثه ، لأن القاتل الذي لا يرث بمنزلة العدم ، فلا وارث له الّا ابن ابنه فيحوز المال كلّه مع عدم الشريك وإذا كان معه من يشاركه مثل ابن عمه (١) أو الزوجة أو الأبوين يشاركهم بحصّته ولو كان من يمنعه وان كان بمنزلة أبيه القاتل مثل عمّه لا يرث شيئا.

__________________

(١) هكذا في النسخ فتأمّل في معناه والمراد منه.


ويرث الدية كلّ مناسب ومسابب ، وفي المتقرب بالأم قولان.

______________________________________________________

وبالجملة ، القاتل بمنزلة العدم فيرث غيره.

وقد كان في بعض الاخبار المتقدمة تصريح بذلك مثل حسنة جميل ـ في الفقيه ـ عن أحدهما عليهما السّلام في رجل قتل أباه. قال : لا يرثه ، فان كان للقاتل ولد ورث الجدّ المقتول (١).

قوله : «ويرث الدية كل مناسب إلخ» لعلّ دليل ارث كل وارث مناسب ومسابب الدية هو عموم أدلة الإرث.

ودليله ـ مع استثناء الاخوة من الامّ ـ خصوص الاخبار ، مثل صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في دية المقتول انه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم ، إذا لم يكن على المقتول دين ، إلّا الاخوة والأخوات من الأمّ فإنهم لا يرثون من ديته شيئا (٢).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام : ان الدية يرثها الورثة إلّا الاخوة والأخوات من الأمّ فإنهم لا يرثون من الدية شيئا (٣).

وصحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : الدية يرثها الورثة على فرائض المواريث (الميراث ـ ئل) إلّا الاخوة من الأمّ فإنهم لا يرثون من الدية شيئا (٤).

وضعيفة أبي العبّاس ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته هل للاخوة من الامّ من الدية شي‌ء؟ قال : لا (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٦.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٣.

(٣) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٣.

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ٤ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٤.

(٥) الوسائل باب ١٠ حديث ٦ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا ضعيفة عبيد بن زرارة عنه عليه السّلام ، قال : لا يرث الاخوة من الامّ من الدية شيئا (١).

هذا ـ في غير من يتقرّب بالأمّ أو بالأب فقط ـ موضع وفاق على الظاهر ، وفيه خلاف نقل عن المبسوط وموضع من الخلاف.

وعن ابن إدريس ـ في كتاب الجنايات ـ عدم الفرق بين الدية وغيرها ، فيرثها كلّ من يرث ما عداها لقوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٢) وسائر عمومات أدلّة الإرث.

هذا على قول من يذهب إلى عدم حجيّة خبر الواحد كابن إدريس أو الى عدم جواز تخصيص الكتاب به كما هو رأي البعض من الأصوليين حسن ، إذ الظاهر ان هذه الاخبار مع كثرتها ما وصلت الى حدّ التواتر ، بل صارت مستفيضة.

واما على قول من يقول بهما كالشيخ والمصنف فلا ، فتوقّف المصنف هنا بعيد ، وفتوى المبسوط وموضع من الخلاف أبعد ، فتأمّل.

الّا ان يخصّص بغير الإخوة والأخوات من الامّ ومن تحتهما مثل الأخوال وأولادهم ان قيل : بفهم حرمانهم من حرمان الإخوة بالطريق الأولى.

ومنه علم قوّة القول الثاني ، وهو توريث كلّ احد غير من يتقرب بالأمّ ، وهو مذهب النهاية ، والقاضي ، والتقي ، وابن زهرة ، والكيدري ، ونجيب الدين ، وابن إدريس في كتاب الميراث ، لما تقدم من الروايات.

ولكن كان أكثرها مخصوصة بالاخوة ، وفي الأوليين أخوات أيضا موجودة ، وذلك كاف ولعلّ غيرهم ممن يتقرّب بالأمّ مثلهم أو يفهم حرمانهم بالطريق الأولى.

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ٥ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٤.

(٢) الأنفال : ٧٥.


ولا يرث الزوجان من القصاص ، فإن رضي الورثة بدية العمد ورثا منه.

______________________________________________________

وكأنه لذلك ما نقل الفرق بينهم وان كان مقتضى ظاهر الدليل وهو حرمان الاخوة والأخوات فقط ، وتوريث غيرهم ممن يتقرّب بالأمّ أيضا عملا بعموم الأدلّة ، وخصوصها مع عدم المانع والمعارض ومفهوم الموافقة غير ظاهر وليس بحجة إلّا مع العلم بالعلّة ، ووجودها في الفرع ، وهو غير ظاهر وان كان يغلب على الظن ذلك مؤيّدا بعدم وجود القائل بالفرق على الظاهر فتأمّل واحتط.

ونقل من موضع من الخلاف منع المتقرّب بالأب فقط أيضا ، ووجهه غير ظاهر.

واعلم أن وجود هذه الروايات في حرمان الاخوة والأخوات من غير معارض مع قلّة وجود مثل هذا في مثل هذه المسألة الخلافيّة مؤيّد لحرمانها فتأمّل.

وان الدية بمنزلة مال الميّت بالنسبة إلى الديون والوصايا على ما ذكره الأصحاب.

وتدلّ عليه في الجملة صحيحة يحيى الأزرق ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يقتل ويترك دينا وليس له مال فيأخذ أولياؤه الدية ، أعليهم ان يقضوا دينه؟ قال : نعم ، قلت : وان لم يترك شيئا؟ قال : نعم ، إنما أخذوا ديته فعليهم ان يقضوا دينه (١).

كأن الوصيّة مثل الدين ، ولان صرفها في الدين لأنها بحكم ماله فتأمّل.

وهذه تدل على عدم وجوب قضاء الدين عليهم ، ولا على قضائه من مال الميّت واشارة الى ان تصرفاتهم (تصرفهم ـ خ) في المال جائز وماض قبل أداء الدين استوعب أم لا فتأمّل.

قوله : «ولا يرث الزوجان إلخ» لعل دليل عدم توريث الزوجين

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ حديث ١ من كتاب الدين ج ١٢ ص ١١١.


(الرابع) اللعان.

وهو يقطع الميراث بين المتلاعنين وبين الملاعن وكل من يتقرب به وبين الولد ، فان اعترف به الأب لم يرثه هو ولا من يتقرب به ويرثه الولد.

______________________________________________________

بالقصاص الأصل والإجماع ، يفهم من الشرح الاتفاق عليه ، بل على ارثهما من الدية بعد رضاء الورثة المستحقين للقصاص بها ، وظاهر ممّا تقدم ، فتأمّل.

قوله : «وهو يقطع الميراث إلخ» رابع موانع الإرث اللعان ، وقد مرّ انه يقطع الزوجيّة ويفسخ العقد ، وتحرم الزوجة على الزوج مؤبّدا ، وينتفى عنه الولد ، فلا توارث بين المتلاعنين ، ولا بين الملاعن ومن يتقرّب به ، وبين الولد الذي نفاه ، ولا بين أقاربهما ، وهو ظاهر.

بل لا ينبغي عدّ اللعان من الموانع ، إذ المقصود منه هو الذي يمنع الوارث مع كونه قريبا شرعيّا ، إذ لا يعدّ الطلاق مانعا وهو ظاهر ، وكأنه عدّه باعتبار انه حكم بحسب ظاهر الشرع انه ولده فيكون وارثا فنفاه عنه باللعان فتأمّل ، أو باعتبار انه لو أقرّ به بعده وأكذب نفسه في نفيه يرثه.

ولا يرثه الأب للعانه وكذا الّا يرثه من يتقرّب بالأب.

دليله إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (١) وغيره من أدلة قبول الإقرار ، وعدم قبول الإقرار إذا كان نافعا للمقر ، هكذا قالوا.

وفيه تأمّل ، إذ هذا يصح بالنسبة إلى وجوب النفقة لا بالنسبة إلى الإرث ، فإن أخذ الإرث لا يضره ، انما يضر ورثته ، وهو ظاهر.

والعمدة في الحكم ، هو الإجماع ـ ان كان ـ والنصّ وهو روايات كثيرة.

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ١ ص ٢٢٣ وج ٢ ص ٢٥٧ وج ٣ ص ٤٤٢ والوسائل باب ٣ حديث ٢ من كتاب الإقرار ج ١٦ ص ١١١.


.................................................................................................

______________________________________________________

مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال ـ في الملاعن ـ : ان أكذب نفسه قبل اللعان ردّت إليه امرأته وضرب الحدّ ، فان لا عن لم يحل له ابدا وان قذف رجل امرأته كان عليه الحدّ ، وان مات ولده ورثه أخواله ، فإن ادعاه أبوه لحق به ، وان مات ورثه الابن ولم يرثه الأب (١).

وما سيأتي في صحيحته أيضا عنه عليه السّلام : (ويرث الابن الأب ولا يرث الأب الابن) (٢) ، وغيرها.

وامّا ان لم يكذب نفسه ويبقى على حاله فيتمّ الأحكام على حالها ، فهو ومن يحصل منه بالنسبة إلى الأمّ ومن يتقرّب بها مثل ما لم يوجد اللعان.

وجهه ظاهر ، وهو أنه بالنسبة إليها يحكم بأنّه ولدها وهي امّه.

ويدلّ عليه أيضا النصوص ، مثل صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كان علي عليه السّلام يقول : إذا مات ابن الملاعنة وله اخوة قسّم ماله على سهام الله تعالى (٣).

الظاهر ان المراد الاخوة من الأمّ أو الأب والامّ ، وصرّح به في الفقيه حيث قال ـ بعد هذه الرواية ـ : يعني الاخوة (اخوة ـ ففيه) لأمّ أو لأب وأمّ فأمّا الإخوة للأب فقط فلا يرثونه ، والإخوة للأب والامّ إنما يرثونه من جهة الأمّ لا من جهة الأب ، وهم والإخوة للامّ في الميراث سواء ، ونعم ما قال.

ورواية موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام : ان ميراث ولد الملاعنة لأمه ، فإن كانت امّه ليست بحيّة (فان لم تكن أمّه حية ـ ئل) فلأقرب الناس الى امّه أخواله (٤).

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب الفرائض ج ١٧ ص ٥٥٨.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٣ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٥٦.

(٣) الفقيه باب ميراث ابن الملاعنة ج ٤ ص ٣٢٥ طبع مكتبة الصدوق.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٥٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر انه لا يضرّ (موسى) ، وان للأخوال ان لم يكن أقرب منهم مثل الاخوة كما تقدّم : ومثلها رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السّلام (١).

وما رواه أبو بصير ـ في الصحيح في الفقيه ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : ابن الملاعنة ينسب الى امّه ، ويكون امره وشأنه كلّه إليها (٢).

وصحيحة الحلبي ـ في الفقيه ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الملاعنة التي يرميها زوجها وينتفي من ولدها ويلاعنها ويفارقها ثم يقول بعد ذلك : الولد ولدي ويكذّب نفسه؟ فقال : اما المرأة فلا ترجع إليه أبدا ، واما الولد فإني أردّه إليه إذا ادّعاه ولا ادع ولده ، وليس له ميراث ، ويرث الابن الأب ، ولا يرث الأب الابن يكون ميراثه لأخواله ، وان دعاه احد ولد الزنا جلد الحدّ. هكذا في الفقيه وزاد في التهذيب والاستبصار ـ بعد قوله : (لأخواله) : فان لم يدّعه أبوه فإن أخواله يرثونه ولا يرثهم (٣).

وهو مخالف لما سبقه من الأخبار والقواعد ، فإنها تقتضي كونه بالنسبة إلى الأمّ ومن يتقرّب بها مثل ما لم يلاعن امّه وهو ظاهر.

ومثله موجود في ضعيفتي أبي بصير ومضمرة الفضيل الضعيفة (٤).

قال في التهذيب : والعمل على ثبوت الموارثة بينهم أحوط وأولى على ما يقتضيه شرع الإسلام.

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٥ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٥٧ ومراد الشارح قدّس سرّه من قوله : (ومثلها) يعني في المعنى لا في اللفظ وإلّا فالفاظه مختلفة.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٨ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٥٥٨.

(٣) أورده في الفقيه باب ميراث ابن الملاعنة رقم ٥٦٩١ ج ٤ ص ٣٢٣ طبع مكتبة الصدوق وفي الوسائل باب ٤ مثل حديث ٧ بالسند الثالث ج ١٧ ص ٥٦٣.

(٤) راجع الوسائل باب ٤ حديث ٥ ـ ٦ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٥٦٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

وغير (١) معلوم القائل بذلك ، الّا انه في الاستبصار قال : لا منافاة بينها ، لان ثبوت الموارثة بينهم انما يكون إذا أقرّ به الوالد بعد انقضاء الملاعنة ، لأنّ عند ذلك تبعد التهمة عن المرأة وتقوى صحّة نسبه فيرث أخواله ويرثونه. والاخبار الأخيرة متناولة لمن لم يقرّ والده به بعد الملاعنة ، فإن عند ذلك التهمة باقية ، فلا يثبت (الموارثة ـ الإستبصار) بل يرثونه ولا يرثهم ، لانه لم يصحّ نسبه ، وقد فصل ذلك (ما قلناه ـ صا) أبو عبد الله عليه السّلام في رواية أبي بصير ، ومحمّد بن مسلم وأبي الصباح الكناني وزيد الشحام ، وانه انما تثبت الموارثة إذا أكذب نفسه (٢).

وقد نقل هذه الاخبار أوّلا (٣) ، ولكنها ضعيفة السند (الاسناد ـ خ ل).

وأنت تعلم ان القاعدة تقتضي التوارث مطلقا ، فلو لم يكن ما في حسنة الحلبي على ما في التهذيب والاستبصار لأمكن ردّ غيرها ، ومع ذلك غير بعيد ردّها أيضا لعدم الصحّة وحملها على الاشتباه ، ولهذا ما نقل ذلك في الفقيه.

ويمكن حملها على الاستحباب أو التقيّة لو كانت ، كما حمل عليها الشيخ صحيحة أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : ابن الملاعنة ترثه امّه الثلث ، والباقي لإمام المسلمين ، لان جنايته على الإمام (٤).

وصحيحة زرارة ـ على الظاهر ـ عن أبي جعفر عليه السَّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في ابن الملاعنة ترث امّه الثلث والباقي للإمام لأن جنايته على الامام (٥).

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : مخالف لما سبقه.

(٢) الى هنا نقله من الاستبصار وتمامه : وذكر في رواية أبي بصير الأخيرة ، والحلبي معا انه انما لم يثبت ذلك إذا لم يدعه أبوه فكان ذلك دالا على ما قلناه من التفصيل ، وعلى هذا الوجه لا تنافي بينهما على حال الاستبصار ج ٤ باب ولد الملاعنة يرث إلخ ص ١٨١ ـ ١٨٢ طبع الآخوندي.

(٣) لاحظ الاستبصار ـ الباب المذكور ج ٤ ص ١٧٩.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٦٠.

(٥) الوسائل باب ٣ حديث ٤ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٦٠.


وهل يرث المتقرّب بأبيه؟ قيل : نعم ، وفيه نظر ويبقى الإرث ثابتا بين الولد وامه ومن يتقرب بها.

______________________________________________________

وهذا الحمل بعيد ولا ضرورة ، إذ يمكن القول بمضمونهما لصحتهما وعدم المعارض بخصوصه ، والعمومات الدالّة على أن الأمّ ترث جميع مال ولده مع عدم وارث آخر غيرها يمكن تخصيصها بغير أمّ ولد الملاعنة.

والخاصّة ليست بصحيحة ولا صريحة في توريث الامّ جميع مال ولدها من زوجها الملاعن ، مع وجود القائل بمضمونها وهو الصدوق في الفقيه ، لكن خصّصها بحين ظهور الامام عليه السّلام حيث قال ـ بعد رواية موسى بن بكر عن زرارة المتقدمة ـ : قال مصنف هذا الكتاب : متى كان الإمام غائبا كان ميراث ابن الملاعنة لامه ، ومتى كان ظاهرا ، لامّه الثلث والباقي للإمام ، وتصديق ذلك ما رواه الحسن (١). ونقل رواية أبي عبيدة وزرارة المتقدمتين.

وذلك غير بعيد ، ويؤيّده التعليل (٢) ، فان جنايته على الإمام انما يكون مع حضوره عليه السّلام ، وان احتمل كونه كناية عن بيت المال ، فتأمّل.

قوله : «وهل يرث المتقرّب بأبيه إلخ» يعني إذا أكذب الملاعن نفسه وأقرّ بالولد هل يرث الولد من يتقرّب بأبيه مثل اخوته من أبيه وجدّه أم لا بل انما يرث أباه فقط؟ فيه نظر عند المصنف ، وهو ظاهر في توقفه.

ونقل عن أكثر الأصحاب عدم الإرث ، لأنه قد ثبت باللعان عدمه وعدم النسب أيضا وعود إرثه عن أبيه بسبب إقراره ، والاخبار لا تدل على تعديته ، ولهذا فسّر في الاخبار إلحاقه بأبيه وردّه إليه بالإرث منه وعدم حرمانه عنه.

ونقل عن التقى أبي الصلاح إرثه عمن يتقرّب به أيضا ، محتجا بأن الإقرار كالبيّنة ، فكما إذا ثبت النسب بالبيّنة يتعدى فكذا بالإقرار.

__________________

(١) إلى هنا عبارة الفقيه ج ٤ باب ميراث ولد الملاعنة ص ٢٢٣ طبع مكتبة الصدوق.

(٢) يعني في صحيحة زرارة المتقدمة بقوله عليه السّلام : لان جنايته على الامام.


ولو نفى باللعان توأمين توارثا بإخوة الأم ، ولو خلّف ولد الملاعنة أخوين أحدهما لأبويه والآخر لامه تساويا.

______________________________________________________

وفيه منع ظاهر ، على انه ما ثبت النسب هنا بالإقرار أيضا ، بل ثبت مجرد إرثه عنه بالنصّ والإجماع ، ولهذا ما يرثه الأب ، وثبوت سائر أحكام النسب أيضا غير ظاهر ، نعم وجوب إنفاقه عليه غير بعيد.

فتوقف المصنف هنا لتعارض دليلي الطرفين المذكورين ـ كما يفهم من الشرح أيضا ـ غير جيّد.

ونقل فيه عن بعض كتب المصنّف أنه قال فيه : الأقرب انهم ان صدّقوا الأب على اللعان لم يرثهم ولا يرثونه ، وان اكذبوه ورثهم وورثوه.

كأنه مبنيّ على ما تقرر من ان إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، مثل ما قيل في الأب.

وقد عرفت ما فيه ، نعم ان أقرّ هو أيضا بالبنوّة والاخوة لهم مثلا لا يبعد ثبوت التوارث ، بل النسب لما تقرر عندهم من حصوله بإقرار الطرفين العاقلين البالغين الرشيدين ، ولكن علمهم في هذه الصورة لا يخلو عن إشكال فتأمّل وقد مضى شرح الباقي.

قوله : «ولو نفى باللعان توأمين إلخ» يعني إذا نفى شخص ولدين توأمين عن نفسه ولا عن انتفيا عنه معا ، ولكن كلاهما منسوبان الى أمهما وهما ولداها واخوان من الام فقط فيتوارثان بالاخوة ويأخذ كل واحد ميراث الآخر من جهة إخوة الأم ويرثان الام وبالعكس ، وهو ظاهر ممّا سبق.

وكذا قوله : (ولو خلّف ولد الملاعنة) أي إذا مات ولد الملاعنة من الملاعن الذي نفي عنه وثبت نسبه بالنسبة إليها وخلّف أخوين مثلا أحدهما للأب والام والآخر للام فقط ، سواء كان أحد التوأمين أم لا ، يتساويان في الإرث ، لأن كلاهما إخوة الأم فقط ونسبة الأبوّة منقطعة بالفرض ولا اعتبار لها ، ولهذا ما يرثه الأخ للأب فقط ، وان انفرد أو اجتمع مع اخوة الأمّ فقط مثل ما يرثه الأب.


ولو لم يخلّف سوى امّه فلها الثلث تسمية والباقي ردّا.

ولو كان معها ابن فلها السدس ، ولو لم يخلّف وارثا من قبل الام لم يرثه الأب ولا من يتقرّب به ، بل ميراثه للإمام.

واما ولد الزنا فلا يرثه أبواه ولا من يتقرب بهما ، وكذا هو لا

______________________________________________________

قوله : «ولو لم يخلّف سوى امّه إلخ» أي لو مات ولد الملاعنة ولم يخلّف ممن يرثه إلّا أمّة ترثه جميع ما تركه ، الثلث بالتسمية ، والباقي بالردّ ، لما تقرر من القواعد الميراثية.

وفيه إشارة الى ان ليس الباقي للإمام كما هو مقتضى بعض الروايات المتقدمة ومذهب الفقيه ، من ان الباقي ـ مع ظهوره عليه السّلام ـ له ، ومع غيبته لها وقد مرّ مفصلا ومرجحا.

قوله : «ولو كان معها ابن إلخ» إذا خلّف ولد الملاعنة معها ابنه فللأم السدس والباقي للولد ، ولو لم يخلّف وارثا من الامّ ومن يتقرّب بها وولده وزوجته فهو كمن لم يخلّف وارثا أصلا ، وان كان الملاعن أو من يتقرّب به موجودا فإنه بالنسبة إليه أجنبيّ وليس بوارث.

وبالجملة هذا الولد ماله أب ولا من يتقرّب به فوارثه منحصر في الأم ومن يتقرّب بها وولده وزوجته فهو بالنسبة إليهما كسائر أولادها ، فمع وجودها أو وجود من يتقرّب بها يرثانه وبالعكس.

فلو مات ولم يخلّف أحدا منهم فهو كمن لا وارث له ، فميراثه ميراثه ، وقد تقرّر أنه للإمام عليه السّلام.

قوله : «واما ولد الزنا فلا يرثه إلخ» قد تقرّر بالشرع الشريف ان الزنا لا يثبت به النسب لقوله صلّى الله عليه وآله ـ بالطريق العامة (١) والخاصّة ـ : الولد

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ١ ص ١٣٢ طبع مطبعة سيّد الشهداء ولا حظ ذيله.


يرثهم وانما يرثه الزوجان وأولاده ، ولو (وان ـ خ ل) نزلوا فان فقدوا فالإمام.

______________________________________________________

للفراش وللعاهر الحجر (١) ، فلا أب له ولا أمّ ان كان الزنا بالنسبة إليهما ، فلا يرثه أحدهما ولا يرثهما ولا من يتقرّب بها.

وبالجملة لا نسب له مع احد ، نعم قد يحصل له نسب شرعيّ بالنسبة الى من يحصل منه ويحصل له سبب الإرث بالزوجيّة والولاء ، وهو ظاهر.

فماله وارث ولا مورث نسبيّ الّا الأولاد وان نزلوا ، دون الآباء والاخوة والأخوات والأعمام والأخوال ، وهو ظاهر.

وان كان الزنا بالنسبة إلى أحدهما فقط لم يحصل النسب للزاني ويحصل للآخر ، فهو كولد الملاعنة حينئذ وهو ظاهر.

فلو كان ولد الزنا زوجا وخلّف زوجته فقط أو مع الأولاد فميراثه مثل ما تقدم ، وكذا لو كانت زوجة وخلّفت زوجا أو مع الأولاد.

ولو لم يخلّف الزوجة أو الزوج ولا الأولاد فهو مثل من لا وارث له ، وان كان الزانيان أو من يتقرّب بهما موجودين وحينئذ فميراثه للإمام عليه السّلام كغيره ممن لا يخلف وارثا وهو ظاهر.

وتؤيّده رواية عبد الله بن سنان ـ كأنها صحيحة ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته ، فقلت له : جعلت فداك كم دية ولد الزنا؟ قال : يعطى الذي أنفق عليه ما أنفق عليه ، قلت : فإنه مات وله مال من يرثه؟ قال : الامام عليه السّلام (٢).

لعلّ أنفق عليه ، عليه السّلام أو من بيت المال ، ويمكن المراد بكون ميراثه له ذلك فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ١ ـ ٤ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٦٦ ـ ٥٦٧.

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ٣ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٦٧.


ومن تبرأ عند السلطان من جريرة ولده وميراثه لم يصحّ على رأي.

______________________________________________________

وفي بعض الروايات ما يدل على توريثه لقرابة امّه ، مثل صحيحة يونس ، قال : ميراث ولد الزنا بالقرابة (لقرابته ـ ئل) من قبل امّه على نحو في ميراث ابن الملاعنة (١).

ردّها في الاستبصار بشذوذها وقطعها وحملها على انّه مذهب يونس.

ويمكن حملها على ما كان الزنا بالنسبة الى الرجل فقط دون المرأة مع عدمها ، ويؤيده تشبيهه بولد الملاعنة ، وأمّا غيرها فيردّ أو يؤول إن أمكن فتأمّل.

قوله : «ومن تبرأ عند السلطان إلخ» قد مرّ (٢) في بحث الوصيّة ان الإنسان إذا أوصى بإخراج بعض ولده من الإرث ، وهذه غير تلك ، لان حكم هذه في حال الحياة ، وتلك يظهر حكمه (حكمها ظ) بعد موته فإنه وصيّة.

وهو ان يجي‌ء شخص عند الامام ـ ويحتمل الحاكم مطلقا ـ ويقول : انا بري‌ء من ولدي ومن ضمان جريرته ومن إرثه.

وهل هذا العقد صحيح يترتب عليه أثره من انقطاع النسب وحكمه حتى انه إذا مات لا يرثه وبالعكس أيضا أم لا؟ المشهور لا ، عملا بعموم أدلّة الإرث والنسب ، وان الأمر الذي ثبت بكتاب الله وسنّة رسوله وإجماع الأمّة لا يمكن قطعه بمجرد اشتهاء النفس.

ولهذا ورد في كثير من الاخبار في الشرط الذي يخالف الكتاب : (شرط الله قبل شرطك) (٣) وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ٦ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٦٨.

(٢) لا يخفى عدم وجود كتاب الوصيّة في هذا الكتاب ولم يشرحها أيضا تلميذه صاحب المدارك في نهاية المرام.

(٣) الوسائل باب ٢٠ حديث ٦ من أبواب المهور ج ١٥ ص ٢٩ ولاحظ احاديث باقي الباب ولاحظ باب ٦ من أبواب الخيار ج ١٢ ص ٣٥٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن ورد بصحته بعض الروايات ، وعمل به الشيخ في بعض كتبه ، وهو رواية صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، قال : سألته عن المخلوع تبرأ (يتبرأ ـ ئل) منه أبوه عند السلطان ومن ميراثه ومن جريرته لمن ميراثه؟ فقال : قال علي عليه السّلام : هو لأقرب الناس إليه (١).

نقل عن الصحاح : الخليع هو الذي خلعه أهله ، فان جنى لم يطلبوا بجنايته.

ورواية بريد (يزيد خ ل) بن خليل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل تبرأ عند السلطان من جريرة ابنه وميراثه ثم مات الابن وترك مالا من يرثه؟ قال : ميراثه لأقرب الناس الى أبيه (٢).

والخروج عن تلك الأدلّة بهما مع ضعفهما وعدم صراحتها مشكل ، ولهذا قال المصنف : لم يصح ، وهو رأي الأكثر.

قال في الشرح : فيهما نظر من وجهين (الأول) إرسال الاولى وقطعها وجهالة راوي الثانية (الثاني) انهما ليسا صريحين في المنع ، فان الولد يصدق عليه انه أقرب الناس إليه وجواز فقد الأب الّا أن التأويلين بعيدان وعمل بمضمونهما الشيخ في النهاية ، والقاضي ، والكيدري ، وردّهما ابن إدريس ، والمحقق ، والامام المصنف لمخالفتهما نصّ الكتاب مع ضعفهما ، وقال الشيخ في الحائريات : فيهما نظر.

كأنه يريد بجهل راوي الثانية ، الجهل بحال يزيد بن خليل.

وأيضا أبو بصير في الأولى مشترك ، وفي كليهما ابن مسكان المشترك.

ثم ان الظاهر انه على تقدير القول بمضمونهما يحتمل التعدي الى غير الأب المتبري والابن فيجي‌ء في العكس وغير هما من الأقارب.

ويحتمل الاقتصار على موضع النص.

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٣ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٦٦.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٦٥.


(الخامس) الاشتباه في التقدم والتأخّر إلّا في الغرق والهدم ، فلو مات جماعة يتوارثون واشتبه المتقدّم أو علم الاقتران فلا توارث بينهم ، بل يرث كلّا منهم ورثته.

______________________________________________________

وأيضا يحتمل ان يكون الحكم مخصوصا بما يكون عند السلطان ، فلا يكون لو وقع مثله بغير حضوره كذلك.

وانه يكون الحكم بعدم إرث المتبرّي فقط ، وإذا لم يعقد الآخر كذلك يكون هو يرثه وان لم يرثه المتبرئ.

ويحتمل وقوعه عند غيره كذلك وثبوته بالنسبة إلى الطرفين.

وينبغي الاقتصار على موضع النص على تقدير كونه معمولا ، ولا يتعدى عنه الّا مع دليل شرعيّ بالمساواة عقلا أو نقلا ، وهو ظاهر ، وهو مفقود ظاهرا.

قوله : «الخامس الاشتباه إلخ» الخامس من موانع الإرث : اشتباه تقدم موت المورّث وحياته على موت من يرثه ، لان معنى ارث شخص عن آخر انتقال ماله عنه بموته فقط ، اليه ولا يتمّ هذا الّا ببقاء الثاني بعد الأوّل بزمان مّا ، وهو ظاهر ، فإذا حصل الاشتباه انتفى العلم بالشرط فلا يمكن الحكم بالإرث الذي هو المشروط لامتناع العلم بالمشروط مع الجهل بالشرط.

ولان مع الاشتباه احتمال ثلاثة : الاقتران ، تقديم هذا على هذا ، وبالعكس ، والإرث انما يثبت في احتمال واحد فهو مرجوح.

وعلم منه أن العلم بالمعيّة أيضا مانع كالاشتباه ، واليه أشار بقوله : (أو علم الاقتران) ، فلو أشار إليه أوّلا أيضا لكان أولى بأن يقول : (الخامس عدم التقدم) ، فتأمل.

وبالجملة عدم العلم بالتقدم بدليل شرعيّ هو المانع من ارث بعض المشتبهين عن بعض مع ثبوته لو لا الاشتباه.

وحينئذ مقتضى كلامهم هو جعل ارث كلّ واحد لمن بقي له من الوارث


فلو ادعى زوج الميتة موتها قبل ولده ، وادعى أخوها التأخير ولا بيّنة ، فميراثها بين الزوج والأخ وميراث الولد لأبيه.

اما في الهدم والغرق ، فإنهم يتوارثون ان كان لهم أو لأحدهم مال وكانوا يتوارثون ، واشتبه المتقدم ، فلو انتفى المال أو التوارث ـ وان

______________________________________________________

الغير المشتبه كما إذا علم الاقتران فجعلوا ذلك الوارث المشتبه معدوما ويقسمون ما تركه على غيره كسائر الموانع مثل الكفر والقتل وغير هما.

وجهه انه إذا لم يكن وارثا فهو معدوم بالنسبة إلى الميراث ، فالميراث لغيره ، سواء كان هو مقدما على الباقي أو كان في مرتبته.

ويحتمل هنا القرعة ، ويضعّفها عدم ذكرهم إياها ، وان القرعة انما تكون فيما إذ ثبت الحقّ واشتبه ، وهنا ليس كذلك لاحتمال المقارنة فلا إرث لأحد عن الآخر.

الّا ان هذا الاحتمال بعيد وقد لا يكون وعدم ذكر هم ليس بحجّة فتأمّل.

ثم اعلم ان المصنف فرّع على عدم توريث المشتبه ابطال دعوى زوج الميّتة قبليّة موتها على موت ولده منها ليكون جميع ما تركته له ، ودعوى أخيها تأخر موتها عن موت ولدها منه ، ليكون النصف له مع عدم البيّنة ، فإنه بعينه من صور الاشتباه فلا ارث لكلّ واحد من جهة دعواه ، بل تجعل المرأة ميّتة مشتبهة بالنسبة إلى موت الولد وعدمه ، فلا توارث بينهما فيجعل الولد كالمعدوم ، فتكون التركة بين زوجها وأخيها يأخذ هو نصيب الزوجيّة ، وهو النصف ، والباقي للأخ ، وهو ظاهر.

لعدم الولد ، ولان النصف للزوج بإقرار منازعة ، ولانه اما موتها قبل فيكون له النصف ، واما بعد فيكون له الكل.

وأيضا ينبغي ان يكون ذلك بعد التحالف الّا ان يتراضيا بعدم التحليف.

ثم اعلم أيضا أنهم رحمهم الله استثنوا عن ذلك : الغرقى والمهدوم عليهم ،


كان من أحدهما ـ أو علم الاقتران أو تقدم أحدهما فلا توارث.

______________________________________________________

وقالوا بتوريث كل واحد من الغريقين أصحابه ، وكذا المهدومين بشروط تأتي ، لدعوى الإجماع والنصّ.

مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن القوم يغرقون في السفينة أو يقع عليهم البيت فيموتون ولا يعلم أيّهم مات قبل صاحبه؟ قال : يورث بعضهم من بعض ، كذلك كان في كتاب علي عليه السّلام (١).

ومثله عنه بطريق آخر الّا انه قال : كذلك وجدناه في كتاب علي عليه السّلام (٢).

وما في صحيحتين آخرتين له وستجيئان (٣).

ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن القوم يغرقون أو يقع عليهم البيت؟ قال : يورث بعضهم من بعض (٤).

وفيه ، القاسم بن محمّد ، عن ابان بن عثمان (٥).

ومرسلة حمران بن أعين ، عمن ذكره ، عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قوم غرقوا جميعا أهل البيت قال : يورث هؤلاء من هؤلاء ، وهؤلاء من هؤلاء ، ولا يرث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئا ، ولا يورث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئا (٦).

ما رأيت في الغرقى غيرها (٧).

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ١ بالسند الأول والثالث من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٨٩.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ١ بالسند الأول والثالث من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٨٩.

(٣) راجع الوسائل باب ٢ حديث ١ ـ ٢ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٠.

(٤) راجع الوسائل باب ١ حديث ٣ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٠.

(٥) فان سنده كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمّد ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

(٦) الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٢.

(٧) ستأتي صحيحتا عبد الرحمن بن الحجاج ما فرض فيهما الغرق.


.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الثلاثة الأول (١) (عبد الرحمن بن الحجّاج) وفيه شي‌ء وان قيل : إنه رجع عن الكيسانيّة إلى الحق ، وهو ثقة ، لأنه نقل في مشيخة الفقيه انه إذا ذكر عند أبي الحسن عليه السّلام قال : انه لثقيل على الفؤاد (٢).

وغير معلوم كونه قبل الرجوع عن الكيسانيّة ، وانه نقل الرواية بعدها.

وان أمكن ان يقال : لو كان كذلك وعلم بطلانها لرفعها ومنع عن روايتها واشتهر ذلك ، وان الأصل عدم الرواية حتى رجع ، ولكن الأصل عدم الرجوع حتى نقل ، فلا بدّ للعمل من العلم المعتبر في العمل ، فتأمّل فيه.

واما الهدم ففيه روايات كثيرة ، مثل ما تقدم ، ومثل صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في الرجل سقط عليه وعلى امرأته بيت؟ قال : تورث المرأة من الرجل ويورث الرجل من المرأة. معناه يورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم ، لا يرثون ممّا يورث بعضهم من بعض (بعضا ـ خ ل) شيئا (٣).

يحتمل ان يكون (٤) كلامه عليه السّلام ، وبعض الرواة ، وصاحب الكتاب مثل الشيخ (٥).

وفي الطريق علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، فيه تأمّل (٦).

__________________

(١) يعني صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الاولى وما تقدم من قوله : وما في صحيحتين آخرتين.

(٢) رجال الكشي ص ٢٧٦ طبع بمبئى هكذا : (في أبي علي عبد الرحمن بن الحجاج) حمدويه بن نصير ، قال : حدثني محمّد بن الحسين ، عن عثمان بن عدس ، عن حسين بن ناجية قال : سمعت أبا الحسن عليه السّلام وذكر عبد الرحمن بن الحجاج فقال : انه لثقيل على الفؤاد «انتهى».

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩١.

(٤) يعني يحتمل ان يكون قوله : (معناه يورث إلخ) من كلام الامام عليه السّلام أو من كلام الرواة الواقعة في سلسلة السند أو من كلام صاحب الكتاب مثل الشيخ في التهذيب.

(٥) المناسب ان يقول : مثل الكليني رحمه الله فان الشيخ رواه عن علي بن إبراهيم وطريق الشيخ الى علي بن إبراهيم ـ كما في مشيخة التهذيب ـ غالبا بواسطة محمّد بن يعقوب صاحب الكافي.

(٦) في هامش النسخة المطبوعة وبعض النسخ المخطوطة هكذا : لبعد لقاء علي (يعني ابن إبراهيم) محمّدا


.................................................................................................

______________________________________________________

ومثلها ، عن عبيد بن زرارة (١) ، وفيه القاسم بن سليمان (٢).

ومثلها أيضا صحيحة أبان عن فضل بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، ـ في الفقيه ـ ، الّا انه قال : (ثم يورث الرجل) بدل (ويورث الرجل) (٣).

وصحيحة عاصم بن حميد ، عن محمّد بن قيس ـ وهي حسنة في الفقيه ـ عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل وامرأة انهدم عليهما بيت فماتا ، فلا (ولا ـ خ) يدرى أيّهما مات قبل؟ فقال : يرث كل واحد منهما زوجه كما فرض الله لورثتهما (٤).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن بيت وقع على قوم مجتمعين فلا يدرى أيهم مات قبل؟ قال : يورث بعضهم من بعض ، قلت : فإن أبا حنيفة أدخل فيها شيئا ، قال : وما ادخل؟ قلت : لو ان (٥) رجلين أخوين أحدهما مولاي ، والآخر مولى لرجل ، لأحدهما مائة ألف درهم والآخر ليس له شي‌ء ، ركبا في السفينة فغرقا فلم يدر أيّهما مات أوّلا كان (فان ـ خ) المال لورثة الذي ليس له شي‌ء ولم يكن لورثة الذي له المال شي‌ء ، قال : فقال أبو عبد الله عليه السّلام : لقد (شنعها ـ كا) (سمعها ـ خ) (سمعتها ـ خ يب) وهي

__________________

(يعني ابن عيسى) ولهم كلام في محمّد (يعني ابن عيسى) ويونس كأنه ابن عبد الرحمن ، وفي خصوص روايته عنه لهم كلام أيضا ، ولكن مثل هذا السند كثير جدا ، والاستبعاد في اللقاء ولا قصور فيهما فتأمّل (بخطه رحمه الله).

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٢ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٥.

(٢) سندها كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن النضر عن القاسم بن سليمان عن عبيد بن زرارة.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٥ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٠.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٨٩.

(٥) في النسخ والتهذيب : لو ان رجلين إلخ وفي الكافي والوسائل كما أثبتناه.


.................................................................................................

______________________________________________________

كذلك قلت : ولو انّ مملوكين أعتقت أنا إحداهما وأعتقت أنت الآخر ولأحدهما مائة ألف والآخر ليس له شي‌ء؟ فقال : مثله (١).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج أيضا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت له : رجل وامرأة سقط عليهما البيت ، فماتا؟ قال : يورث الرجل من المرأة ، والمرأة من الرجل ، قال : قلت : فإن أبا حنيفة قد ادخل عليهم في هذا شيئا ، قال : وأيّ شي‌ء أدخل عليهم؟ قلت : رجلين أعجميّين ليس لهما وارث الّا مواليهما ، أحدهما له مائة ألف درهم معروفة ، والآخر ليس له شي‌ء ، ركبا سفينة فغرقا وأخرجت المائة ألف كيف يصنع بها؟ قال : تدفع الى مولى الذي ليس له شي‌ء ولم يكن للآخر شي‌ء ، قال : فقال : ما أنكر ما ادخل فيها ، صدق ، هو هكذا ثم قال : يدفع المال الى مولى (موالي ـ خ ل) الذي ليس له شي‌ء ولم يكن للآخر مال يرثه موالي الآخر ، فلا شي‌ء لورثته (٢).

كتب على قوله : (قال) بخطّه : (إشارة إلى زيادته وتكراره) ، بل إلى انه غلط ، وينبغي كتابته على قوله : (ثم) فتأمّل.

والظاهر ان المراد بالرجلين كونهما وارثين مثل الأخوين.

ويؤيده ما في الكافي (أخوين اعجمين) (٣) ونفي (٤) وارث غير الآخر ، والّا ليس ممّا نحن فيه وهو ظاهر.

وفي الطريق أيضا علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس (٥) ،

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٠.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٢ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩١.

(٣) يعني (رجلين أخوين اعجمين).

(٤) عطف على قوله قدّس سرّه : (المراد إلخ) يعني الظاهر ان المراد نفي وارث إلخ.

(٥) لكن سنده في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج وحميد بن زياد ، عن ابن سماعة ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج.


.................................................................................................

______________________________________________________

وامره هيّن ، وهذه مؤيّدة لاستثناء الغرقى.

أمّا الشرائط فهي ثلاثة كما أشار إليه المصنّف (الأول) ثبوت المال لجميع المهلكين أو لواحد منهم ، فلو انتفى المال عن الكلّ فلا معنى للتوريث ، ويكفي من جانب واحد فيورث الآخر ولا يعكس فيأخذ وارث من لا مال له.

(والثاني) كونهم ممن يرث بعضهم بعضا وبالعكس اما مقدما على جميع من سواهم أو يكون شريكا ، فلو لم يكن استحقاق إرث أصلا ، سواء كان لعدم النسب والسبب أو وجود المانع مثل الكفر والرّق ، فلا يجزي فيه الحكم المذكور.

فوجه هذا الشرط أيضا ظاهر ، إذ لا معنى للبحث مع عدم الإرث.

ولو كان استحقاق الإرث من احد الجانبين فقط ، مثل ان غرق اخوان ، لواحد منهما ولد ، وليس للآخر أقرب من الأخ ، لا فائدة هنا أيضا في البحث عن التقدم والتأخر لتوريث كل منهما صاحبه.

ولكن قد يفيد البحث ويوجد التشاجر بين الباقين مثل ان فرض لمن ليس له أقرب من أخيه وارث أبعد من أخيه الغريق معه مثل ابن الأخ أو يكون الغريق الأخ من الأبوين للآخر وله أخ آخر من الأب فيدّعي موت أخيه بعد أخيه الصاحب الولد حتى يرثه ، فالحكم مثل ما سبق في غير الغرق والهدم من صور الاشتباه فتأمّل.

(وفيه) انه قد يقال : ان الغرق ليس فيه هذا الحكم ، بل التوريث وان لم يكن الّا من جانب واحد كما إذا كان لأحدهما مال ولم يكن للآخر شي‌ء أصلا ، ومجرد صلاحيّة الإرث غير معلوم النفع.

وكذا إذا كان أحد الأخوين الغريقين كافرا أو رقّا فيحتمل أيضا كالسابقة التوريث من جانب واحد ، فينتقل المال من الكافر الى المسلم ثم منه الى وارثه الأبعد من الأخ الكافر كما في صورة المال من جانب واحد بعينه ، فلا يكون


.................................................................................................

______________________________________________________

حكمه حكم غير الغرق والهدم.

الّا ان يقال : هذا الحكم مخالف للأصل والقاعدة ، وانما الاستثناء للدليل ، وقد وجد في صورة المال من جانب واحد لا غير فتأمّل.

(والثالث) اشتباه التقدم والتأخّر ، فلو علم الاقتران أو التقدم فلا بحث ، وما كان يحتاج الى هذه للزومه من الاستثناء كما لا يحتاج الى الرابع.

وهو الموت بسبب الغرق والهدم ونحوهما ان قيل بالإلحاق كما شرطه في القواعد لانه المفروض ، لعلّه ذكر للإلحاق.

ثم اعلم أيضا ان جماعة ـ كما فعل في المتن ـ اقتصروا على استثناء الغرق والهدم من صور الاشتباه ، للنص والإجماع اقتصارا على موردهما وعدم ثبوت العلّة ليقاس.

وبعضهم الحقوا بهما كلّ سبب ، مثل الحرق والتردي في البئر (بئر ـ خ) بل القتل بسبب مطلقا قياسا عليهما باستخراج العلّة ، وهو القتل بسبب دون الموت حتف الأنف مع الاشتباه لعدم معقولية الفرق بينهما وبين سائر الأسباب ، وهو مختار القواعد.

واختار في المختلف الأول كما في المتن مع الحكم بعدم خلوّ الثاني عن قوّة.

قال في المختلف : (لنا) ان الأصل عدم توريث أحدهما من صاحبه لعدم العلم ببقائه بعده ، خرج عنه الغرقى والمهدوم عليهم للنصوص الدالّة عليه ، فيبقى الباقي على أصل المنع ، احتج بأن العلّة الاشتباه ، وهو موجود في القتل والحرق ، والجواب المنع من التعليل بمطلق الاشتباه فجاز أن يكون العلّة الاشتباه المستند إلى أحدهما ، على ان قول ابن حمزة لا يخلو عن قوّة.

وأنت تعلم ان هذا الاحتجاج يدل على كون الأمر كذلك في مطلق الاشتباه ولو كان الموت حتف انفه ، والظاهر ان لا قائل به ، بل نقل الإجماع في شرح الشرائع على عدم القائل به.

وتؤيّده رواية القدّاح ، عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال : ماتت أمّ


ومع الشرائط يرث بعضهم من بعض من تركته لا ممّا ورثه من الآخر ، ويقدّم الأضعف في التوريث تعبّدا لا وجوبا.

______________________________________________________

كلثوم بنت علي عليه السّلام وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدرى أيّهما هلك قبل ، فلم يورّث أحدهما من الآخر وصلي عليهما جميعا (١).

ولكنها ضعيفة مع مخالفتها لبعض الأصول.

وان (٢) عدم عموم الحكم بالإجماع مؤيد لعدم القياس في الأسباب أيضا ، لأنه لو كان القياس حقا لقيل : لا فرق بين القتل والموت وانما العلّة هي الاشتباه.

وان جوابه جار في أكثر العلل المنصوصة مع قوله بصحّة القياس فيها.

فينبغي الاحتجاج على الوجه الذي أشرنا من كون العلّة هي القتل بسبب مع الاشتباه.

والجواب ، بان لا يفهم (بأنا لا نفهم ـ خ ل) العلّة هنا لعدم ظهور ما هو علّة في نفس الأمر الّا ان يريد الامارة فقد يمنع كلّيتها ، والقياس حينئذ ، إذ أهل القياس يشترطون كونها علّة باعثة لا مجرد امارة.

وعلى تقدير كونها ظاهرة عندنا فليس الّا الغرق والهدم مع الاشتباه ، إذ لا نصّ بشي‌ء والذي فهم هو ذلك ، وهو ظاهر. وبالجملة ، المعقول هو الاقتصار على موضع النصّ والإجماع.

قوله : «ومع الشرائط يرث إلخ» أي إذا حصل الشرائط يرث كل واحد منهما جميع ما ترك صاحبه لا ما استورثه منه بعد موته لفرض حياته ، للأصل ولعدم الدليل وليس النصّ والإجماع صريحان ، بل ولا ظاهر ان في ذلك.

ولانه يلزم إمّا عدم انقطاع القسمة ، أو الترجيح بلا مرجّح.

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٤.

(٢) عطف على قوله قدّس سرّه : ان هذا الاحتجاج إلخ وكذا قوله قدّس سرّه : وان جوابه إلخ.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولما تقدم في الأخبار ، مثل ما في صحيحتي عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدمتين (١) من كون المال لورثة من ليس له مال وعدم شي‌ء لورثة الآخر.

وما في آخر صحيحة محمّد بن مسلم (٢) على تقدير كونه من الرواية.

وما في مرسلة حمران : ولا يورث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئا (٣).

ولان ذلك مستلزم لفرض واحد حيّا وميّتا في وقت واحد ، فإنه إذا فرض واحد منهما ميّتا واستورث منه صاحبه ثم قطع النظر عن حياته ، وفرض ميتا واستورث منه الأوّل ، فإذا لم يورث الّا من أصل المال فلا محذور فيه ، إذ فرض أوّلا حيّا ثم قطع النظر عن ذلك ، وفرض ميّتا بأمر الشارع ولا محذور فيه أصلا.

واما إذا استورث ممّا ورثه أيضا فلا بدّ من فرضه ميّتا للإرث عنه ، واعتبار حياته أيضا ليكون له ما ورثه منه حتى يستورثه غيره ، وكون الوارث أيضا حينئذ ميّتا ليكون ماله لغيره ، هكذا قرره في المختلف والإيضاح وشرح الشرائع.

ولك ان تقول : لو لا النصّ والأصل وعدم الدليل لأمكن ان يقال : لا بعد بعد ورود النصّ لو كان ، بان يفرض ميّتا ثم حيّا ، ولا يلزم كونه حيّا وميّتا ، وانما هو مجرد الاعتبار ، إذ محصّله إعطاء وارث أحدهما إرثه من الآخر وعدم توريث وارث الآخر حصته من مال الآخر ، فلا يلزم عدم الانقطاع ، ولا الترجيح من غير مرجّح ، إذ تعيين الأول للنصّ ، فيحصل الزيادة للثاني.

ولهذا نقل القول به عن الشيخ المفيد ومن تابعه ، ولو كان الأمر كذلك كيف يذهب إليه الشيخ المفيد الجليل.

ودليله على ذلك ما تقدم في الروايات من قوله : (ثم يورث الرجل).

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب ٢ من أبواب ميراث الغرقى ج ١٧ ص ٥٩٠.

(٢) لاحظ الوسائل باب ٣ من أبواب ميراث الغرقى ج ١٧ ص ٥٩١ ومراده من قوله : (وما في آخر صحيحة إلخ) قوله : (معناه يورث إلخ) فلاحظ وقد تقدم الاحتمالان الآخران فراجع.

(٣) لاحظ الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

وتحريره انه لا شكّ في انه يقتضي وجوب تقديم المرأة الضعيفة ، وليس له فائدة إلّا مع القول بتوريث المتأخّر ممّا ورثه الأوّل ، وهذا هو القول بتقديم الأضعف نصا ، وهو قوله رحمه الله أيضا.

ولكن فيه تأمّل ، لما مرّ من دليل عدم الإرث ممّا ورث وعدم (ثمّ) إلّا في رواية واحدة في الفقيه (١).

مع احتمال كون (ثمّ) لمجرد الإشارة إلى التفاوت بينهما في المرتبة ، وأمثالها كثيرة في القرآن (٢) وغيره.

وكونه للاستحباب وكأنه أشار إليه بقوله : (تعبدا لا وجوبا) وكان المناسب (لا لفائدة التوريث ممّا ورث) أو (استحبابا) بدل (تعبدا).

وكون الفائدة شيئا آخر ، فان خفاء الفائدة عنا وظهور كون شي‌ء فائدة ظاهرا لا يستلزم القول بذلك ، فإن أكثر الحكم والمصالح الشرعيّة مخفيّة عنا ، خصوصا مع هذه الأدلة ، ولهذا ترك (ثم) في أكثر الاخبار كما رأيت.

على انه قد يطالب بحكمه تقديم الأضعف ، فالجواب الجواب.

وانه لا يتم الّا فيما يوجد ضعيف ، فمع تساويهما في الإرث لا دليل له أصلا.

وكذا إذا لم يكن لأحدهما مال أصلا أو يكون شخص واحد يرثهما مثل الإمام فتأمّل.

ثم ـ بعد تسليم ذلك كلّه ـ لا يدل على وجوب تقديم الأضعف على غيره مطلقا وفي جميع المراتب والورّاث بل في الزوجة والزوج فقط ، فقد لا يكون السبب الضعف بل مجرد الزوجيّة.

وبالجملة ، القول بوجوب تقديم الضعيف واستلزامه لتوريث ما ورث بعيد

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩١.

(٢) الوسائل باب ٥ حديث ٣ من أبواب ميراث الغرقى ج ١٧ ص ٥٩٥ وفي الكافي : عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله رفعه ان أمير المؤمنين عليه السّلام إلخ.


.................................................................................................

______________________________________________________

وليس له دليل صالح فافهم.

واعلم ان هذا مع عدم قرينة دالّة على التقدم وهو ظاهر.

وتدل عليه رواية قابوس ، عن أبيه ، عن علي ان عليّا عليه السّلام قضى في رجل وامرأة ماتا جميعا في الطاعون ماتا على فراش واحد ، ويد الرجل ورجله على المرأة فجعل الميراث للرجل وقال : انه مات بعدها (١).

ولكن سندها ضعيف ، والقرينة أيضا ضعيفة.

وانه إذا اشتبه الكافر والمسلم ، والحرّ والمملوك ، الوارث وغيره يستخرج بالقرعة ، لأنه أمر مشكل ، وهي له.

وتدل عليه الروايات ، مثل صحيحة حريز ، عن أحدهما عليهما السّلام انه قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام باليمن في قوم انهدمت عليهم دارهم (دار لهم ـ ئل) فبقي منهم صبيّان أحدهما مملوك والآخر حرّ ، فأسهم بينهما فخرج السهم على أحدهما فجعل المال له وأعتق الآخر (٢).

ورواية محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : قلت : أمة وحرّة وقع عليهما بيت وقد ولدتا وماتا كيف يورثان؟ قال : فقال : يسهم عليهما ثلاثا ولاء يعني ثلاث مرّات فأيهما اصابه السهم ورث من الآخر (٣).

والظاهر ان ثلاث مرّات على طريق الاستحباب ، لما تقرر ان القرعة مرّة واحدة كما يدل عليه بعض الاخبار فيما نحن فيه أيضا مثل الاولى (٤).

ورواية الحسين بن المختار ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام لأبي حنيفة : يا با حنيفة ما تقول في بيت سقط على قوم وبقي منهم صبيّان أحدهما حرّ والآخر

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٣ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٥.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٢.

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ٣ بالسند الثاني من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٣.

(٤) يعني صحيحة حريز والظاهر ارادته قدّس سرّه الإطلاق والّا فليس فيها تصريح في المرّة.


فلو غرق زوج وزوجة ، فرض موت الزوج أوّلا ، فللزوجة نصيبها ، والباقي لورثته. ثم يفرض موت الزوجة فللزوج نصيبه ، والباقي وما ورثته ، لورثتها ، وكذا غير هما ، ولو كان كلّ منهما اولى من ورثة الآخر ورث كل منهما جميع تركة الآخر ، وانتقل الى ورثته ، فيأخذ ورثة (اخوة ـ خ ل) الابن من امه جميع تركة (ما تركه ـ خ ل) الأب ، ويأخذ إخوة الأب جميع تركة الابن ، ولو تساويا فلا تقديم كأخوين

______________________________________________________

مملوك لصاحبه فلم يعرف الحرّ من المملوك؟ فقال أبو حنيفة : يعتق نصف هذا ويعتق نصف هذا ويقسّم المال بينهما. فقال أبو عبد الله عليه السّلام : ليس هكذا (كذلك ـ ئل) ولكنه يقرع بينهما فمن أصابته القرعة فهو حرّ ويعتق هذا ويجعل مولى له (١).

ولعلّ واقفيّة الحسين لا يضر مع قول بتوثيقه ، وضعف قول أبي حنيفة ظاهر ، لكن الحكم بعتق المملوك في قوله عليه السّلام غير ظاهر ، والقواعد تقتضي الحكم برقيته للحرّ ، إذ الفرض ان المملوك منهما مملوك الآخر كما صرّح به في الأخيرة ، لعل المراد في غيرها أيضا ذلك.

ويمكن حملها على العلم بالوصيّة بعتقه مع خروجه عن ثلث ماله أو علم وجوب عتقه على مالكه.

ويرتكب ذلك الحاكم أو نائبه ، ومع التعذر (لعله ـ خ) يجوز لآحاد المؤمنين العارفين ، بل يجب فتأمّل.

وأيضا لو لم يكن للغرقى والمهدومين وارث سوى الامام ينتقل الكلّ إليه.

وان كان لأحدهما وارث دون الآخر ينتقل ماله فقط إليه ، وهو ظاهر.

قوله : «فلو غرق زوج وزوجة إلخ» أراد ان يمثل لتقديم الأضعف في

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٢.


(كالأخوين ـ خ ل) وينتقل مال كل واحد منهما إلى ورثة الآخر.

ولو لم يكن لأحدهما وارث انتقل ما صار إليه عن أخيه الى الامام.

ولو كان لأحدهما مال انتقل الى الآخر ثم الى ورثته ، ولا شي‌ء لورثة ذي المال ان كان الآخر اولى منهم.

______________________________________________________

الميراث ، ففرض أوّلا موت الزوج وورّث الزوجة ، فإنها أقل نصيبا منه ، فان نصيب الزوجة نصف نصيب الزوج ، فيعطي الزوجة الربع مع عدم الولد ، والثمن معه ، والباقي لباقي ورثته.

ثم فرض موت الزوجة وورث زوجها الربع من تركتها أو النصف فقط ، لا ممّا استورثته من زوجها أيضا ، لما تقدم والباقي مع ما استورثته لباقي ورثتها ، وكذا ما استورثها منها لباقي ورثته كتركته.

وكذا إذا فرض غيرهما.

ومع وجود ضعيف يقدم الضعيف في الإرث ، فيفرض غيره ميّتا كما فعل هنا.

ولو كان كل واحد منهما أولى بارث الآخر من باقي الورثة ولم يكن لغير هما إرث أصلا ورث كل واحد منهما جميع ما تركه الآخر ثم ينتقل منه الى ورثته فيرث وارث كل واحد ارث الآخر.

مثال ذلك : غرق الأب والابن ، وللأب أخ وهو عم لذلك الابن ، وكذلك للابن أخ من جهة الأم ، فكلّ واحد من الأب والابن اولى بميراث الآخر ، فأخذ الأب كل مال الابن ، وأخذ الابن كلّ مال أبيه وانتقل منه الى أخيه من امّه ، ومن الأب إلى أخيه عم الابن.

وانما فرضنا الاخوة من الامّ فقط لانه لو كان أخا من أبيه أيضا كان شريكا مع الابن في إرث أبيه والفرض عدم وارث آخر لهما غير الغريقين.


ولو غرق الأبوان والولد ، فرض موته أوّلا ، فيرث الأبوان نصيبهما منه. ثم يفرض موت الأب فيرث الولد والام نصيبهما من تركته ، وترث الام ممّا ورثه من الولد ، ولا يرث الولد منه ، ثم يفرض موت الامّ ، فيرث الأب والولد من تركتها ، ويرث كل منهما ممّا ورثته من الآخر.

______________________________________________________

ومثال التساوي : الأخوان من الأب فقط أو الأمّ كذلك ، ولكلّ واحد أعمام ، أو أخوال فإذا غرقا ووجد شرائط التوارث انتقل مال كل واحد منهما الى آخر ثم انتقل منه الى وارثه فورث وارث كلّ واحد ارث الآخر من غير تقديم وتأخير.

وإليه أشار بقوله : (فلا تقديم) إذ التقديم وجوبا أو استحبابا انما يكون للأضعف وهو مفقود مع التساوي.

وهذا ممّا يضعف الاستدلال بالتوريث ممّا ورثه أيضا كما أشرنا إليه فافهم.

ولو لم يكن لأحدهما وارث غير صاحبه انتقل ما انتقل إليه الى الامام عليه السّلام.

وكذا إذا لم يكن لأحد وارث غير صاحبه انتقل مال كل واحد الى الآخر ثم لكلّ إليه وهنا أيضا لا معنى للتقديم وان فرض عدم التساوي وقد مرّ.

وكذا مرّ دليل ما إذا كان لأحدهما مال فقط وانتقل ذلك الى صاحبه ثم منه الى وارثه فيحصل لوارث من لا مال له أصلا جميع ما تركه الآخر ولم يحصل لورثته شي‌ء أصلا إذا كان غير ذي المال اولى بميراث ذي المال من غيره ، مثل ان غرق اخوان ، وللثاني أعمام أو أخوال فيورث غير ذي المال من صاحبه ذي المال ثم يرث منه ورثته أولادا وغيره ولم يحصل لأعمام ذي المال وأخواله شي‌ء.

وهذا أيضا ممّا لا يتصوّر فيه التقديم ، فلا يتمّ الاستدلال به على التوريث ممّا ورث وقد مرّ فتذكّر.

قوله : «ولو غرق الأبوان والولد إلخ» إشارة إلى بيان حكم ما فوق


.................................................................................................

______________________________________________________

الاثنين إذا غرقوا ، فلو غرق أبوان وولدهما فالولد أقوى نصيبا منهما ، فهما ضعيفان ، فيفرض موته وورثا منه ما تركه.

ثم يفرض موت الأب ويورث الأمّ ، فإنها أضعف بالنسبة إليه فترث هي عن الأب جميع ماله (أصل ماله ـ خ) والذي استورثه من ولده الغريق معهما وهو يرث من أبيه من جميع أصل ماله لا ممّا استورثه منه.

ثم يفرض موتها فيورث منها الولد من جميع ما عندها أصل مالها ، والذي استورثته من الأب ، ولا يرث ممّا استورثته من الولد.

ويرث الأب عن جميع ما تركته ـ سوى ما ورثته منه ـ أصل مالها والذي استورثته من الولد.

وجه ذلك يظهر ممّا تقدم ، فان منع الاستيراث ممّا ورث انما كان لما تقدم من الأدلّة ، وهي انّما تجري فيما ورث منه يعني لا يرث أحد من أحد من ماله الذي استورثه منه أي لا ينتقل المال الذي انتقل عنه بفرض موته بالإرث إلى وارثه الحيّ فرضا إليه بأن يفرض حيّا وذلك ميّتا ، واما عن غيره فلا ، فتأمّل.

ثم اعلم ان ليس حكم الأكثر مثل حكم الاثنين في عدم حصول التفاوت لتقديم الأضعف وتأخيره الّا على مذهب الشيخ المفيد من توريثه ممّا ورث منه ، بل يحصل التفاوت على المذهبين معا ، فان واحدا منهم وان لم يورث ممّا ورث غيره منه ، ولكن يستورث ممّا ورثه من غيره.

مثلا في الصورة المذكورة ما يبقى عند المرأة لورثتها الّا ما استورثته من الولد بعد ان أخذ الأب منه حصته وهو الربع ، فيبقى عندها ثلث مال الولد الذي استورثته منه الأربعة. وإذا عكس بان يفرض موت الأضعف فالأضعف مثل المرأة أوّلا ثم الأب ثم الولد يبقى عندها ثمن مال الأب مع ثلث مال الولد أصله واستورثه من الأب.


خاتمة

المفقود ينتظر مدّة لا يمكن ان يعيش مثله إليها غالبا ، ثم تقسم تركته بين الموجودين (للموجودين ـ خ) وقت الحكم.

ولو مات له قريب حاضر توقفنا في نصيبه وقدّر حياته في حق الحاضرين.

______________________________________________________

وبالجملة ، الذي يفرض موته أوّلا ما يؤخذ منه الّا ما تركه فيبقى عنده جميع ما يستورثه ، والذي يفرض موته بعده يستورث منه ما تركه وما استورث ممّا قبله وهكذا فيحصل تفاوت كثير الّا ان يفرض مدته مرّة أخرى بعدد من فرض موته بعده واستورث منه.

وكلامهم خال عن ذلك ، بل ظاهره خلاف ذلك حيث قالوا :

لو كان الغرقى أكثر فالحكم كذلك ، ولو تكثرت الغرقى لم يتغيّر الحكم ، وذكروا الأمثلة وبيّنوا التوريث مرّة واحدة مثل ما ذكر في المتن.

على انه يلزم المحال الذي ذكروه في ردّ مذهب الشيخ المفيد ومن تابعه فتأمّل (١) فيه.

فعلم ان في فرض تقديم موت غريق وتأخيره تفاوتا ، ولا دليل لتعيين المقدم والمؤخر ، فحينئذ يعيّن ذلك بالقرعة الى ان يخلص.

قوله : «المفقود ينتظر مدّة إلخ» المشهور في ميراث المفقود ما ذكره في المتن.

ودليله من العقل انه لا يجوز التصرف في مال الغير الّا على وجه شرعيّ ولا وجه هنا فيصبر حتى أويس من حياته ، فيحكم الشرع بموته فيكون ماله حين الحكم بموته لورثته الموجودين حينئذ لا قبل ، وحين موت مورثه وانتقال المال إليه ، وهو ظاهر.

__________________

(١) فاني ما وجدت لهم في هذا المقام شيئا (بخطّه رحمه الله) كذا في هامش المطبوعة والمخطوطة.


.................................................................................................

______________________________________________________

ومن النقل عموم ما يدل على المنع عن التصرف في مال الغير (١).

وصحيحة هشام بن سالم ، قال : سأل خطّاب الأعور أبا إبراهيم عليه السّلام وأنا جالس ، فقال : انه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجرة ففقدناه وبقي له من الأجرة شي‌ء ولا نعرف له وارثا (لا يعرف له وارث ـ خ ئل)؟ قال : فاطلبوه ، قال : قد طلبناه فلم نجده ، قال : فقال : مساكين ـ وحرّك يديه ـ قال : فأعاد عليه ، قال : اطلب واجهد ، فإن قدرت عليه والّا هو كسبيل مالك حتى يجي‌ء له طالب وان حدث بك حدث وأوص به ان جاء له طالب ان يدفع إليه (٢).

وقريب منها ما روي في الفقيه ـ في الحسن ـ عن هشام بن سالم ، قال : سأل حفص الأعور أبا عبد الله عليه السّلام وأنا حاضر ، فقال : كان لأبي أجير وكان له عنده شي‌ء فهلك الأجير فلم يدع وارثا ولا قرابة ، وقد ضقت بذلك كيف اصنع؟ فقال : رأيك المساكين ، رأيك المساكين ، فقلت (جعلت فداك ـ خ) : اني ضقت بذلك ذرعا (٣)؟ قال : هو كسبيل مالك ، فان جاء طالبه (طالب ـ ئل) أعطيته (٤).

وبينهما فرق في المتن والسند.

ولعلّ المراد بعدم الوارث عندهم فتأمّل.

ورواية معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل كان له على رجل حقّ ففقده ولا يدري اين يطلبه ، ولا يدري أهو حيّ أم ميّت ولا يعرف له

__________________

(١) مثل قوله عليه السّلام : لا يحل مال امرء مسلم الّا بطيب (أو عن طيب) نفسه فراجع عوالي اللئالي ج ١ ص ١١٣ وص ٢٢٢ وج ٢ ص ٢٤٠ وص ٢٧٣ طبع مطبعة سيد الشهداء.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ١ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٢.

(٣) أي ضعفت طاقتنا عن معرفتها ولم نقدر عليها والذرع الوسع والطاقة ومعنى ضيق الذرع والذراع قصرها كما ان معنى سعتها وبسطها طولها (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ١٠ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

وارثا ولا نسبا (١) ولا ولدا؟ قال : اطلبه ، قال : فان ذلك قد طال فأتصدّق به؟ قال : اطلبه (٢).

ورواية الهيثم بن أبي روح (٣) صاحب الخان ، قال : كتبت إلى عبد صالح عليه السّلام : اني أتقبل الفنادق فينزل عندي الرجل فيموت فجأة ولا أعرفه ولا اعرف بلاده ولا ورثته فيبقى المال عندي كيف اصنع به؟ ولمن ذلك المال؟ قال : فكتب : اتركه على حاله (٤).

وهذه الاخبار وان لم تكن في الميراث الّا ان الظاهر عدم الفرق بينه وبين سائر الحقوق.

ثم اعلم ان الأقوال في حكم ميراث المفقود مختلفة ، لاختلاف الاخبار.

وان ظاهر هذه الأخبار يدلّ على عدم جواز التصرف بمال الغير لو كان مجهول المالك وإبقائه على ماله حتى يصل الى أهله ، ووجوب الإيصاء على من عنده مال الغير وضمان ذلك.

فلا يبعد في اللقطة أيضا مثل ذلك على تقدير ضمانها لصاحبها كما هو رأي البعض وإليه أشار الشيخ في الوجه الذي سيجي‌ء ، والمشهور خلافه.

وتدل عليه أخبار كثيرة مع صحّة بعضها وقد مرّ البحث عنه (٥) مرارا ، فيمكن حمل ما هنا وأمثالها على عدم اليأس.

ويؤيّده الأمر بالطلب ، فإنه مع اليأس بعيد ، بل لا معنى له.

__________________

(١) في هامش النسخة المطبوعة عند قوله عليه السّلام ولا نسبا هكذا : كذا في الكافي ، وفي التهذيب والاستبصار : (ولا نسيب له ولا بلد ـ بخطه رحمه الله).

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٢ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٣.

(٣) في هامش المطبوعة هكذا : كذا في الكافي والتهذيب ، وفي الاستبصار ابن روح بخطه رحمه الله.

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ٤ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٣.

(٥) راجع المجلد ١٠ من هذا الكتاب ص ٤٦٥ ـ ٤٦٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤيّده أيضا ما في الفقيه ـ بعد خبر معاوية ـ : وقد روى في خبر آخر : ان لم تجد له وارثا وعرف الله عزّ وجلّ منك الجهد فتصدّق بها (١).

ويؤيّده أيضا خبر فيض (نصر ـ ئل) بن حبيب صاحب الخان قال : كتبت الى عبد صالح عليه السّلام : لقد وقعت عندي مائتا درهم وأربعة دراهم وأنا صاحب فندق ومات صاحبها ولم اعرف له ورثة فرأيك في إعلامي حالها وما اصنع بها؟ فقد ضقت بها ذرعا ، فكتب : اعمل فيها وأخرجها صدقة قليلا قليلا حتى يخرج (٢).

الظاهر ان المراد صرفه على قدر حاجة المحتاجين قليلا قليلا حتى يفنى ، لاحتمال حصول المال (المالك ـ خ) وان كان قال الشيخ في الاستبصار : والوجه في هذا الخبر أحد الشيئين ، أحدهما : أن يتصدق به ويكون ضامنا لصاحبه إذا جاء مثل اللقطة ، والثاني : انه إذا كان مال من لا وارث له فهو من الأنفال ويستحقه الامام عليه السّلام ثم يأمر به ما يريد.

وحمل الشيخ في الاستبصار قوله : (كسبيل مالك) على انه انما يكون كسبيل ماله إذا ضمن المال ولزمه الوصيّة به عند حضور الموت ، فتأمّل.

وان في رواية الهيثم دلالة على إبقاء مال الذي لا يعلم وارثه ، وقد مرّ ان مال من لا وارث له للإمام عليه السّلام ، فيمكن حملها على انه ماله ورأى المصلحة في تركه أو على العلم بوجود الوارث وعدم تعيّنه ، وتحمل ـ على عدم العلم بوارث أو العلم بعدمه ـ رواية محمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار ، عن أبي الحسن عليه السّلام في رجل كان (صار ـ خ ل) في يده مال لرجل ميّت لا يعرف له وارثا كيف يصنع بالمال؟ قال : ما أعرّفك لمن هو؟ يعني نفسه (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ١١ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٥.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٣ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٣.

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ١٢ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

وانه يدل بعض الروايات ـ وهو مذهب البعض ـ على تقسيم حصّة المفقود على الورثة الملإ بمقدار مال المفقود ، مثل ما رواه إسحاق بن عمّار ـ في الصحيح ـ قال : سألته عن رجل كان له ولد فغاب بعض ولده ولم يدر اين هو؟ ومات الرجل فيكفي يصنع بميراث (بما يرث) الغائب من أبيه؟ قال : يعزل حتى يجي‌ء ، قلت : فقد الرجل ، فلم يجي‌ء؟ فقال : ان كان ورثة الرجل ملاء بماله اقتسموه بينهم ، فإذا هو جاء ردّوه عليه. ومثلها اخرى ، عنه ، عن أبي إبراهيم عليه السّلام (١) لكن في الطريق سهل بن زياد (٢) الضعيف.

واخرى في الصحيح عنه أيضا ، قال : سألته عن رجل مات وترك ولدا وكان بعضهم غائبا لا يدري اين هو؟ قال : يقسم ميراثه ويعزل للغائب نصيبه ، قلت : فعليه الزكاة؟ قال : لا حتى يقدم فيقضيه ويحول عليه الحول ، قلت : فان كان لا يدري اين هو؟ قال : ان كان الورثة ملاء اقتسموا ميراثه فان جاء ردّوه عليه (٣).

وهذه تدل على عدم الزكاة الّا مع القبض وحول الحول بعده ، لعل القدرة عليه مع عدم المانع ويد الوكيل كافية ، فتأمّل.

وكلّها تدل على جواز القسمة ، ويحتمل الوجوب ان طلب باقي الورثة ولا يوقف الى ان يحضر الغائب من الورثة ، ويمكن توقف ذلك باذن الحاكم ، ومع عدم إمكانه أو تعسّره كفاية قسمة العدول.

والروايات خالية عن الجميع كما ترى ، والاحتياط ظاهر ، ودلالتها على المطلوب ظاهرة والسند أيضا جيّد الّا ان في إسحاق قولا ، هذا قول الشرائع بعينه.

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٦ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٤.

(٢) فان سنده كما في الكافي هكذا : أبو علي الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، ثم قال : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن حماد ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي إبراهيم صلوات الله عليه مثله.

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ٨ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

أظن معناه كونه فطحيّا باقيا عليها ، لكنه غير متيقن ، إذ قال الكشي (١) انه قال بها عامة مشايخ العصابة وما كان لهم للفطحيّة مستند إلّا أمر بعيد ، وقد عرفوا كونهم على الباطل ، فرجع أكثرهم ، وما كانوا عليها الّا زمانا قليلا ، فيبعد بقاء مثل هذا الشخص العالم بعد ذلك عليها.

ويفهم من كتاب الشيخ انه ثقة ، وكتابه معتمد ، وكذا قال النجاشي ، بل زاد عليها.

فلا يرد ما أورد شارح الشرائع على قول الشرائع : (وفي (٢) إسحاق قول وفي طريقها سهل بن زياد وهو ضعيف) : بان (٣) فطحيته مجمع عليه ، والرد (٤) لفساد المذهب مع التوثيق أو مطلقا مختلف فيه ، فلا معنى لقوله (٥) : وفيه قولا) دون

__________________

(١) الأولى نقل عبارة الكشي بتمامها بعينها قال :

الفطحيّة هم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمَّد ، وسمّوا بذلك لانه قيل : انه كان افطح الرأس ، وقال بعضهم : كان افطح الرجلين ، وقال بعضهم : انهم نسبوا إلى رئيس من أهل الكوفة يقال له : عبد الله بن فطيح ، والذين قالوا بإمامته عامة مشايخ العصابة وفقهاؤها مالوا الى هذه المقالة فدخلت عليهم الشبهة لما روي عنهم عليهم السّلام انهم قالوا : الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا مضى ، ثم منهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنه بمسائل من الحلال والحرام لم يكن عندهم فيها جواب ، ولما ظهر منه من الأشياء التي لا ينبغي ان يظهر من الامام ، ثم ان عبد الله مات بعد أبيه بسبعين يوما فرجع الباقون الّا شذاذا منهم عن القول بإمامته إلى القول بإمامة أبي الحسن موسى عليه السّلام ، ورجعوا الى الخبر الذي روي ان الإمامة لا تكون في الأخوين بعد الحسن والحسين عليهما السّلام ، وبقي شذاذ منهم على القول بإمامته ، وبعد ان مات قال بإمامة أبي الحسن موسى عليه السّلام ، وروي عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال لموسى : يا بنيّ ان أخاك سيجلس ويدّعي الإمامة بعدي فلا تنازعه بكلمة ، فإنه أول أهلي لحوقا بي «انتهى» رجال الكشي ص ١٦٤ (في عمار بن موسى الساباطي) طبع بمبئي.

(٢) مقول قول الشرائع.

(٣) بيان لإيراد شارح الشرائع.

(٤) هذا كلام الشارح قدّس سرّه لا تتمة لكلام شارح الشرائع فلا تغفل.

(٥) يعني قول صاحب الشرائع.


.................................................................................................

______________________________________________________

غيره (١).

ولكن بقي في قوله : (وفي طريقها سهل بن زياد) انك قد عرفت انه في طريق واحد.

وانه يدل على التربص اربع سنين ، ما رواه إسحاق بن عمار ـ كأنه في الصحيح ـ قال : قال لي أبو الحسن عليه السّلام : المفقود يتربّص بماله اربع سنين ثم يقسم (٢).

كأنه مذهب الصدوق وغيره ، قال في الفقيه ـ بعد هذه الرواية ـ : قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله : يعنى بعد ان لا تعرف حياته عن موته ولا يعلم في أيّ أرض هو؟ وبعد ان يطلب من أربعة جوانب اربع سنين ولا يعرف له خبر حياة ولا موت فحينئذ تعتدّ امرأته عدّة المتوفى عنها زوجها ويقسم ماله بين الورثة على سهام الله عزّ وجلّ في الفريضة.

والظاهر ان مراد الجماعة القائلين بالصبر اربع سنين هذا وهذا ممّا لا ينبغي ان ينازع فيه عند الأصحاب حيث قالوا : حينئذ يأمرها بعدّة الوفاة وتزويجها ، وهو ظاهر.

ويفهم من السيد الإجماع على ذلك في المختلف ، وقال فيه ـ بعد اختيار المشهور ونقل كلام الصدوق ـ : وهذا القول لا بأس به مع طلبه في البلاد كما في الاعتداد.

ويؤيد ذلك أيضا رواية عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : المفقود يحبس ماله عن (على ـ ئل) الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين ، فان لم يقدر عليه قسّم ماله بين الورثة ، فإن كان له ولد حبس المال

__________________

(١) لا يختص التوقف في إسحاق بل هو في مطلق من كان مذهبه فاسدا.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٥ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأنفق على ولده تلك الأربع سنين (١).

والعجب ان في شرح الشرائع ما ذكر إلّا هذه الرواية وضعفها بهما (٢).

على انها غير صريحة في المطلوب ، وفي متنها أيضا شي‌ء.

ومذهب البعض انه يقسم ماله على ورثته بعد عشر سنين لرواية علي بن مهزيار ، قال : سألت أبا جعفر الثاني عليه السّلام عن دار كانت لامرأة وكان لها ابن وابنة فغاب الابن بالبحر (في البحر ـ خ ئل) وماتت المرأة فادّعت ابنتها ان أمّها كانت صيّرت هذه الدار لها ، وباعت أشقاصا منها وبقيت في الدار قطعة الى جنب دار رجل من أصحابنا ، وهو يكره ان يشتريها لغيبة الابن وما يتخوف ان لا يحل (له ـ خ) شراؤها وليس يعرف للابن خبر؟ فقال لي : ومنذ كم غاب؟ فقلت : منذ سنين كثيرة ، فقال : ينتظر غيبته عشر سنين ثم يشترى ، فقلت له : إذا انتظر بها غيبة عشر سنين يحلّ شراؤها؟ قال : نعم (٣).

وفي دلالتها عليه تأمّل ، إذ الحكم ببيع حصّة من داره ـ بعد صبر عشر سنين ـ لا يدل على الحكم بموته ، والتصرف في سائر أمواله وتقسيم إرثه ، وهو ظاهر.

على ان تلك الحصّة كان لها مدّع من غير منازع ، ولعله كان يجوز له البيع بينه وبين الله في الحال ، ولهذا باع أشقاصا منها وقيل له عليه السّلام وما أنكر ذلك ، والصبر انما يكون للاحتياط ولم يجب على الحاكم منعه أيضا لحمل أفعال وأقوال المسلمين على الصحّة ، ولهذا يجوز بيع ما قال البائع : ان هذا كان لفلان اشتريته منه أو وهبه لي وغيره ممّا علم انه ما كان له باليقين ويكون للحاكم تجويز بيع مال الغائب والصبر في هذه المدّة كان لمصلحة الغائب.

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٩ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٥.

(٢) قال في المسالك : ضعفها بعثمان بن عيسى وسماعة فإنهما واقفيّان.

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ٧ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٤.


والحمل يرث بشرط انفصاله حيّا وان كان بجناية ان علم استناد حركته إلى الحياة ولا يشترط حياته عند موت المورث.

ولو سقط ميّتا أو نصفه حيّا ونصفه ميّتا قدّر معدوما.

______________________________________________________

فيحتمل ان يكون الاذن في البيع له ويحفظ حصته من الثمن وان كان خلاف الظاهر حيث سكت وما أشار عليه السّلام إليه.

والظاهر انها صحيحة في التهذيب ، لانه نقلها عنه بغير واسطة وطريقه اليه صحيح (١) وان كانت في الكافي ضعيفة لسهل بن زياد.

قال في شرح الشرائع : وفي طريق الرواية سهل بن زياد ، وهو ضعيف.

كأنه ما رآها إلّا في الكافي أو يكون سهل ساقطا في التهذيب عندنا أو عرف أنّ الطريق هنا بعينها طريق الكافي.

قوله : «والحمل يرث بشرط انفصاله إلخ» يعني إذا مات شخص وخلّف امرأته حاملا مثلا يرث ما في بطنها وينتقل بعض التركة إليه حال موت أبيه كسائر ورثته موجودين بالفعل.

ولكن ظهور صحّة الحكم ولزومه موقوف الى ان يخرج من بطن امّه حيّا بحيث صدق عليه انه حيّ ، سواء كان حياته مستقرة بالمعنى الذي ذكروه أم لا ، وسواء كان ولد تاما أو ناقصا قبل إكمال زمان الحمل ، وسواء كان سقوطه بجناية أم لا ، وسواء صاح بعد الولادة أم لا ، وسواء علم حياته في بطن امّه حال موت أبيه أم لا ، بل يكفي في الإرث كون مادته في البطن حين موت أبيه.

فلو جامع فمات بعده بلا فصل ثم جاء الولد لأقلّ مدّة الحمل وقبل مضيّ أقصاه بحيث يحكم بكونه ملحقا به يرث من أبيه في كل هذه الصور ، على ما يظهر

__________________

(١) طريق الشيخ رحمه الله الى علي بن مهزيار كما في مشيخة التهذيب هكذا : وما ذكرته في هذا الكتاب عن علي بن مهزيار فقد أخبرني به الشيخ أبو عبد الله ، عن محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله ، والحميري ومحمّد بن يحيى واحمد بن إدريس كلهم ، عن أحمد بن محمّد ، عن العباس بن معروف ، عن علي بن مهزيار.


.................................................................................................

______________________________________________________

من كلامهم.

نعم إذا ولد ميّتا أو خرج بعضه ـ ولو كان أكثره ـ من بطن امّه وهو حيّ ثم خرج الباقي وهو ميّت حكمه حكم الميّت فلا يرث ، فهو بمنزلة العدم في الحالتين ، على ما يظهر من كلامهم.

لعلّ دليلهم على ذلك كلّه الإجماع.

ويدل على عدم الإرث في موضعه ، الأصل وعدم صدق أدلّة الإرث ، فإنه مشروط بالحياة ، فلو لم تكن الأدلة على ارث الحمل كان مقتضى ذلك عدم توريثه فتأمّل.

والاخبار مثل صحيحة ربعيّ بن عبد الله ـ الثقة ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سمعته يقول في المنفوس إذا تحرك ورث انه ربما كان أخرس (١).

المنفوس هو المولود ، ويظهر منه ان الحمل يرث لان الظاهر ان المراد وان مات في الحال فحينئذ ما كان وقت موت أبيه إلّا حملا فتأمّل.

وانه لا يشترط الحياة المستقرّة ، ولا الحياة والوجود حال موت الأب وكذا شموله جميع الاقسام المشار إليها في أول المسألة فتأمّل.

وحسنته أيضا قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول في السقط إذا سقط من بطن امه فتحرّك تحركا بيّنا يرث ويورث فإنه ربما كان أخرس (٢). ومثلها ضعيفة أبي بصير الحسن بن سماعة وغيره (٣).

وهذه أصرح من الاولى في شمولها لبعض الأقسام.

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٣ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٦.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٤ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٧.

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ٧ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

لعلّ المراد بالتحرك البيّن هو التحرك الدال على الحياة في الجملة احترازا عن بعض الحركات التي ليست كذلك ، مثل التقلّص والقبض والبسط طبعا لا اختيارا فان ذلك قد يحصل في اللحوم.

وصحيحة الفضيل ـ كأنه ابن يسار ـ قال : سأل الحكم بن عتيبة أبا جعفر عليه السّلام عن الصبي يسقط من امّه غير مستهلّ أيورث؟ فاعرض عنه ، فأعاد عليه ، فقال : إذا تحرك تحرّكا بيّنا ورث (ويورث ـ خ ل ئل) فإنه ربما كان أخرس (١).

هذه أصرح في عدم اشتراط وجود الصوت.

فالذي في ضعيفة عبد الله بن سنان ـ لحسن بن سماعة وغيره ـ وفي مرسلة ابن عون المجهول ، عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السّلام : ان المنفوس لا يرث من الدية شيئا حتى يصيح ـ في الاولى ـ (٢) و (يستهلّ) ـ في الثانية ـ ويسمع صوته (٣) لا ينظر إليه.

ويمكن حمله على الكناية عن الحياة وعلامته من الصوت وغيره ، منها الحركة لما تقدم.

وحمله الشيخ على ان يصيح أو يتحرك ، أو التقيّة.

وتدل على توريث الحمل صريحا صحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن رجل مات وترك امرأته وهي حامل فوضعت بعد موته غلاما ثم مات الغلام بعد ما وقع إلى الأرض فشهدت المرأة التي قبّلتها انه استهلّ وصاح حين وقع إلى الأرض ثم مات بعد ذلك؟ قال : على الامام ان يجيز شهادتها

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٨ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٨.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٦٥٨.

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٦٥٨ وقوله قدّس سرّه : لا ينظر إليه خبر لقوله : فالذي.


.................................................................................................

______________________________________________________

في ربع ميراث الغلام (١).

وهذه تدلّ على قبول سماع شهادة أربع نساء في الاستهلال وتوريث المستهلّ تمام إرثه وامرأة واحدة في ربع الإرث.

وكأنه مخصوص بهذه الصورة ، فإن قبول بعض الشهود في بعض المدّعي غير مطابق للقواعد وما نذكره إلّا في هذه والوصيّة.

وان القبول واجب.

وان الظاهر لا خصوصيّة له بالإمام ، بل يكون ذلك على الحاكم مطلقا.

مع احتمال الاختصاص ، فإنه مخالف للقواعد.

فيحتمل قصره على محلّ النص.

ويؤيّده أن نظر غيره ليس مثل نظر الامام عليه السّلام فتأمّل.

وفيها إشعار بأنه لا يقبل بدون الإمام أو الحاكم ، مع احتمال العدم مع العدم ، فيؤخذ له ربع حصّته من الورثة ويوضع في يد أمين حتى يظهر حاله.

وانه يحتمل سماع امرأتين في النصف في الثلث في ثلاثة أرباع الإرث.

ويؤيّده عدم معقوليّة الفرق ، بل تحصل الظن حينئذ أكثر.

وصحيحة عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : تجوز شهادة القابلة في المولود إذا استهلّ وصاح في الميراث ويورث الربع من الميراث بقدر شهادة امرأة واحدة ، قلت : فان كانتا امرأتين؟ قال : تجوز شهادتهما في النصف من الميراث (٢).

وفيها دلالة على عدم اختصاص الحكم بشهادة القابلة ، بل تكفي مطلق المرأة.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ حديث ٦ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٥٩.

(٢) الوسائل باب ٢٤ حديث ٤٥ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٦٨.


ويأخذ الموجودون بأضرّ الأحوال ، فيقدّر الحمل ذكرين ، فيأخذ الأبوان السدسين ، والبنت الخمس ، فان سقط ميّتا أكمل لهم.

______________________________________________________

ويحتمل اعتبار العدالة ، وتركت لظهور اعتبارها في مطلق الشهادة.

ويحتمل العدم لظاهر اللفظ واختصاص موضعها بخلاف القواعد ويكون عدم اعتبارها أيضا منه فتأمّل.

قوله : «ويأخذ الموجودون بأضرّ الأحوال إلخ» إشارة إلى كيفيّة قسمة التركة على الموجودين والحمل ، فلو لم يكن غيره ممن يصلح للإرث غير الإمام ، أو يكون ولكن يكون هو مقدما فالكل يبقى له ، فان ولد حيّا فهو له ، وان مات بعده فهو لورثته ، والّا فهو للمتأخر عنه ، اماما كان أو غيره.

وان كان معه من يرث مثل الزوجة والأبوين ، فان لم يتفاوت الحال بوجوده وعدمه بالنسبة إليه ، مثل أن وجد ولد آخر ، فان لها الثمن ، وللأبوين لكل واحد منهما السدس ، سواء كان هناك حمل أم لا ، وان يتفاوت به فيؤخذ بأضرّ الأحوال ، فيعطى أقل ما يمكن له بان يفرض الحمل ذكرين ، إذ لا يمكن أكثر من ذلك غالبا ، وان حكي انه يوجد أكثر من ذلك أيضا.

فإن كان ذلك الولد بنتا تعطى خمس الباقي ، وان كان ابنا يعطى ثلثه.

ثم ان ولد على ما فرض فالقسمة ماضية ، وان خرج ميّتا يقسم الحصّة الموقوفة كأصل التركة ، وان خرج حيّا على خلاف ذلك الفرض ينقسم الزائد مثلها ، والكل ظاهر الحمد لله.

ويفهم من هذا وغيره ان لا يوقف التقسيم لغيبة بعض الورثة وعدم إمكان تصرفه ، بل يقسم (تقسم ـ خ ل) وتعزل حصّته.

وذلك مع الولي والوصي والحاكم ظاهر ، فإنه يرتكب ذلك ويحفظ الحصّة ومع التعذر لا يبعد ارتكاب ذلك لبعض الثقات.

ويدل عليه بعض الأخبار ، مثل مضمرة سماعة ، قال : سألته عن رجل


ودية الجنين لأبويه ومن يتقرب بهما أو بالأب نسبا وسببا.

ومن مات وعليه دين مستوعب فلا ميراث ، وان لم يكن مستوعبا فالفاضل للوارث.

______________________________________________________

مات وله بنون وبنات صغار من غير وصيّة ، وله خدم ومماليك وعقد ، كيف يصنعون الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ قال : ان قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كلّه فلا بأس (١).

وكان الإضمار ، وزرعة ، وسماعة (٢) لا يضر للزوم الحرج المنفيّ عقلا ونقلا وما تقدم في الوصيّة ، مثل صحيحة محمّد بن إسماعيل (٣) الدالّة على جواز بيع مال الأيتام له ولمثله حتى الجواري إذا لم يكن للميّت وصيّ ، فتذكر.

قوله : «ودية الجنين لأبويه إلخ» يدلّ على كون دية الجنين للأبوين ومع عدمهما للمتقرّب بهما أو به فقط دون المتقرّب بالأم انها دية ، وقد مرّ الدليل على انهم يرثونها ولا يرثها المتقرّب بالأم الّا ان في الدليل ما كان الا عدم إرث الاخوة من الأم ، فكأنه علم عدم ارث الغير بعدم الفرق والقائل ، بل بالطريق الأولى.

ويشمل الدليل جميع الورثة إلّا الاخوة من الام فيدخل جميع من يتقرب بالأب إلّا أي من له ربط ونسبة الى المقتول بالأب حتى المعتق والامام أيضا.

وفي قوله : (وسببا) مسامحة ، والأمر في ذلك هيّن بعد وجود الدليل على الحكم ووضوح المسألة ولكن الأدلة ما كانت صريحة ، بل كانت ظاهرة فتذكرها وتأملها.

ولعل ذكر دية الجنين بخصوصها مع انه فهم من قبل من يرثها مطلقا ، لخلاف فيها أو شبهه ولو من العامّة ، فتأمّل.

قوله : «ومن مات وعليه دين إلخ» قد مرّ البحث في هذه المسألة ، وهي

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب موجبات الإرث حديث ١ ج ١٧ ص ٤٢٠.

(٢) وسنده كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة.

(٣) راجع الوسائل باب ٤٧ من كتاب الوصيّة ج ١٣ ص ٤٣٦.


تتمة في الحجب

كل أقرب يمنع الأبعد ، فلا يرث ولد ولد مع ولد الصلب إلّا المسألة الإجماعيّة. والمتقرّب بالأبوين يمنع المتقرّب بالأب مع تساوي الدرجة.

والإخوة يحجب الام عما زاد عن السدس بشروط خمسة :

______________________________________________________

مشكلة جدا وقد ذكرت في القواعد في الحجر والوصيّة والميراث في كلّ موضع بخلاف الآخر ، وان حكم الوصية حكم الدين في ذلك ، وان ظاهر الآية عدم الإرث حتى يخرج الدين والوصيّة بالفعل.

ويدل عليه بعض الأخبار أيضا وقد مرّت (١).

وما في صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في دية المقتول أنّه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم إذا لم يكن على المقتول دين (٢) ، الخبر فتأمّل.

قوله : «كلّ أقرب يمنع الأبعد إلخ» قد مرّ تفصيل ذلك مع دليله ، فتذكر ، وكذا المسألة الإجماعيّة ، وهي أولويّة ابن عم للأبوين من العم للأب ، أي أخ الأب من أبيه ، وقد مرّت مفصّلة أيضا مع دليلها ، وكذا ما بعدها.

قوله : «والاخوة يحجب الام عما زاد إلخ» دليل حجب الإخوة الأمّ عن الثلث الى السدس الكتاب ، قوله تعالى (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) (٣).

والسنّة ، وستجي‌ء ، والإجماع ، وهو منقول ، عن المسلمين ، فلا كلام في

__________________

(١) تقدمت آنفا.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٣.

(٣) النساء : ١١.


وجود الأب.

وان يكونا رجلين أو رجلا وامرأتين أو أربع نساء أو أربع خناثى.

______________________________________________________

الحجب في الجملة.

وانما البحث في الشرائط الخمسة : (الأول) وجود الأب ، هذا الشرط هو المشهور بين الأصحاب.

ودليله ظاهر الآية ، فإنها ظاهرة في ان الحجب مع وجود الأب ، فإنه بعد الحكم لها بالثلث مع وجوده ، قال : (وان كان إلخ) أثبت لها السدس والحجب عن الثلث إليه ، وهو ظاهر.

وخبر بكير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : الام لا تنقص من الثلث ابدا الّا مع الولد والاخوة إذا كان الأب حيّا (١).

ولا يضرّ ضعف السند بالقطع (٢) الى علي بن الحسن بن فضال ، وخزيمة (٣). بن يقطين المجهول ، ويؤيّده التعليل بأنه لكثرة عيال الأب.

ونقل عن بعض الأصحاب عدمه ، واستدل له بعموم آية الحجب.

وقد عرفت انها دليل عليه ، لا له ، فتأمّل.

ويمكن ان يحتج بعموم بعض الاخبار.

وجوابه تخصيصها وتقييدها ـ بعد تسليم دلالتها وسندها ـ لغيرها (بغيرها ـ ظ) فتأمّل.

(والثاني) كونهما ذكرين أو ذكرا وأنثيين أو أربع نسوة ، هذا الشرط مخالف

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب ميراث الأبوين ج ١٧ ص ٤٥٨.

(٢) الظاهر ان مراده بالقطع عدم اتصال سند الشيخ الى ابن فضال لكنه ليس كذلك فإنه ذكر في مشيخة التهذيب ما لفظه : وما ذكرته في هذه الكتاب عن علي بن الحسن بن فضال فقد أخبرني به احمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعا منه واجازة ، عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال :

(٣) واما خزيمة فإن سند الشيخ كما في التهذيب هكذا : علي بن الحسن بن فضال ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن خزيمة بن يقطين ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن بكير.


.................................................................................................

______________________________________________________

لظاهر آية الحجب ، فإنها بظاهرها انما تدل على حجب الاخوة ، وهي جمع (الأخ) واقله ثلاثة على ما ثبت في الأصول والعربيّة.

فدليله ، الإجماع المنقول في الجملة والاخبار ، مع ان الآية لا تنافي حجب غيرهم صريحا ، نعم لا تدل على غير ذلك فيمكن إثباته بالإجماع والاخبار.

وهي ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا تحجب الام عن الثلث إذا لم يكن ولد إلّا أخوان أو أربع أخوات (١).

وحسنة أبي العباس ـ وهو فضل بن عبد الملك البقباق ـ الثقة عندهم ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا ترك الميّت أخوين فهم (٢) (اخوة) مع الميّت ، حجبا الام عن الثلث وان كان واحدا لم يحجب الامّ ، وقال : إذا كن أربع أخوات حجبن الام عن الثلث فإنهن بمنزلة الأخوين وان كن ثلاثا فلا (لم ـ خ ل) يحجبن (٣).

وفي رواية أخرى له ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن أبوين وأختين لأب وأم هل يحجبان الام عن الثلث؟ قال : لا ، قلت : وثلاث؟ قال : لا ، قلت : فأربع؟ قال : نعم (٤).

واخرى له عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يحجب الام عن الثلث إلّا أخوان أو أربع أخوات لأب وأم أو لأب (٥).

واما حجب الأخ والأختين فيمكن استفادته من هذه الاخبار ، خصوصا

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ٤ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٧.

(٢) ليس المراد تصحيح صيغة الجمع كما يوهم ظاهره بل المعنى ان الاخوة الذين ذكر هم الله في الآية يشمل الاثنين أيضا (مرآة العقول).

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٦.

(٤) الوسائل باب ١١ حديث ٢ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٦.

(٥) الوسائل باب ١١ حديث ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٦.


وان لا يكونوا كفارا ولا عبيدا ولا قتلة.

______________________________________________________

الحسنة ، فإن فيها ان الأربع بمنزلة الأخوين ، فالثنتان بمنزلة أخ واحد فهما مع أخ واحد كالأخوين.

ويؤيده أيضا عدم القائل بالفرق على الظاهر.

وكذا أربع خناثى والخنثيين مع أخ ، وكان ينبغي ذكر هما أيضا لأنهما إما أخوين أو أختين ، وعلى تقدير عدمهما فليس بأضعف من الأختين فيجري حكمهما فيهما بالطريق الأولى أو بالمساواة.

فيمكن حمل الآية على الأخوين وما فوقهما والأخ والأختين أو أربع أخوات واربع خناثى مجازا أو تغليبا أو يخصّص الآية بالثلاثة ويستدل على الباقي بغيرها ممّا مرّ.

وبالجملة أكثر الآيات مجملة انما يبيّن المقصود منها بالسنّة ، مثل آية الصلوات فإنها ما دلّت على شروطها وأفعالها وأوقاتها مفصّلة ، وآية الزكاة ظاهرة في إخراج الزكاة والإنفاق من المال مطلقا ، وقد خصّصت ببعض الأموال وبالنصاب والحول وآية الحج في غاية الاجمال ، فبيّنت بما علم من الافعال والشرائط المذكورة في محلّها فليس ببعيد ما ذكره الأصحاب هنا من الشرائط وهو ظاهر فتأمّل.

واما عدمه بثلاث نسوة والثنتين فقط فلظاهر الآية والاخبار وقد مرّتا فتذكّر.

وكذا بثلاث خناثى واثنين فقط ، لان الحجب مشروط بما أثبتنا الحجب به ، وهما غيره وهو ظاهر.

وانما أثبتنا بالأربع منها وبأخ واحد والاثنتين منها لأنها لم تنقص عن الأنثى ، وهو أيضا ظاهر ، فاحتمال كون القرعة قويّا ضعيف فتأمّل (١).

(الثالث) ان لا يكون الحاجب كافرا ولا مملوكا ولا قاتلا ، هذا الشرط

__________________

(١) على انه قد يقال : ان القرعة لبيان أنها أخ أو أخت وقد لا يكون أحدهما الّا ان يقال لبيان حكم أحدهما فتأمّل (منه رحمه الله) هكذا في هامش بعض النسخ.


.................................................................................................

______________________________________________________

أيضا مخالف لظاهر القرآن.

لعل دليل الأولين الإجماع المنقول المستند الى الاخبار ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن المملوك والمشرك يحجبان إذا لم يرثا؟ قال : لا (١).

والظاهر عدم الفرق بين الذكر والأنثى ، بل هما يطلقان عليهما.

وتؤيّده رواية الفضل ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن المملوك والمملوكة هل يحجبان إذا لم يرثا؟ قال : لا (٢).

والاعتبار ، وان الثلث ثبت لها بالكتاب والسنّة والإجماع ، وغير معلوم دخولهم في الإخوة الحاجبة ، لما علمت من إجمال القرآن وعدم بقائه على عمومه ، وارادة الخاصّ منه كثير.

فتأمّل فإن الإجماع غير معلوم ، والخبرين مع ضعف الأخير من وجوه لا يدلّان صريحا ، بل ولا ظاهرا على عدم حجبهما الام على الثلث الى السدس ، إذ قد يكون المراد عدم حجب من يرث بالتقرّب بهما مثل ولد هما المسلم والحر عن ارث جدهما.

ويؤيّده إنهما يدلّان على انهما يحجبان مع ارثهما ، وذلك لا يمكن إذا حملا على الاخوة ومنعهم الامّ عن الثلث ، وهو ظاهر.

وانما يمكن ذلك في الميّت المشرك أو المسلم وأسلم وارثه المشرك الأقرب قبل قسمة ورثته المسلمين البعيدة تركته فيحجبهم ، والحرّ الذي مات وخلّف مالا ولم يخلّف من يرثه غير المملوك فيشترى المملوك فيعتق فيرث حينئذ ويحجب الامام عليه السّلام فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ١٤ حديث ١ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٩.

(٢) الوسائل باب ١٤ حديث ٢ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٩.


وان يكونوا من الأبوين أو من الأب.

______________________________________________________

وبالجملة تخصيص آية الحجب بهما مشكل ، وبالاعتبار أشكل ، وبالإجماع ممكن ان ثبت.

نعم يمكن ان يقال : لا عموم للآية ، فإنها تدل على ثبوت الحجب للاخوة ولا تدل على كلّ أخوه في كل حال.

فتأمّل فإنها قد يدعى العموم العرفي والّا فيمنع حينئذ ثبوت الثلث أيضا لكل أمّ ، فقد لا يكون لها الثلث إذا اجتمعت مع الاخوة الكفرة والمماليك ، بل لا يبقى عموم الّا قليل فتأمّل.

واما الثالث (١) فما رأيت له دليلا الّا الاعتبار ، وان الثلث بثلث لها إلخ ، والقياس حيث فهم من الحديثين ان العلّة عدم صلاحيّة الإرث في الأولين.

والظاهر عدم الإجماع وان نقل (٢) عن الخلاف ، إذ نقل الخلاف عن الصدوقين وابن أبي عقيل ، ولا اعتداد بإجماع الخلاف ، فإنه قد ادعى فيه الإجماع في أكثر الخلافيّة المحقّقة الخلاف ، بل ادعى الإجماع على خلافه في غيره ، لعله أراد به معنى آخر.

نعم لو كان الحديثان حجتين مع القياس إذا فهم العلّة من النصّ مطلقا يثبت عدم الحجب بالقاتل أيضا.

وكذا إذا ثبت عموم الثلث وعدم عموم الاخوة فتأمّل وذلك غير بعيد فافهم.

(والرابع) كونهم من الأب أو من الأب والامّ.

دليلهم على ذلك ـ مع انه أيضا مخالف في الجملة لظاهر الآية ـ هو الإجماع المستند الى بعض الاخبار المتقدمة وموثقة عبيد بن زرارة ـ لابن فضال وابن

__________________

(١) يعنى القاتل.

(٢) يعني ان نقل الإجماع عن الخلاف.


وان يكونوا منفصلين لا حملا.

______________________________________________________

بكير ـ (١) قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : ان (في ـ ئل) الاخوة من الامّ لا يحجبون الامّ من الثلث (٢).

ورواية زرارة ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السّلام : يا زرارة ما تقول في رجل ترك أبويه واخوته من امّه وأبويه؟ (٣) قال : قلت : السدس لامّه وما بقي فللأب ، فقال : من اين هذا؟ قلت : سمعت الله عزّ وجلّ يقول في كتابه (العزيز ـ ئل) (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) ، فقال لي : ويحك يا زرارة أولئك الاخوة من الأب ، فإذا (إذا ـ ئل) كان الاخوة من الامّ لم يحجبوا الامّ عن الثلث (٤).

وفي الطريق عبد الله بن بحر (٥) الضعيف ويجري فيه ما تقدم فتأمّل.

(الخامس) الانفصال فلا يحجب الحمل.

دليله ظاهر الآية ، فإن الإخوة ما لم يكونوا منفصلين احياء بعد موت الميّت لا يقال لهم اخوة وهو ظاهر ، فلا ينبغي النزاع ، بل ارث الحمل أيضا لو لم يكن لنصّ لم يكن القول جيّدا.

ويؤيده خبر العلاء بن الفضيل ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان الطفل والولد (الوليد ـ خ) لا يحجب (لا يحجبك ـ ئل) ولا يرث الّا من آذن

__________________

(١) وسندها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضال عن ابن بكير عن عبيد بن زرارة.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٤.

(٣) في الوسائل : عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قال لي : يا زرارة ما تقول في رجل مات وترك أخويه من امه وأبويه إلخ.

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٤.

(٥) سنده كما في الكافي هكذا : عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد ، عن عبد الله بن بحر ، عن حريز ، عن زرارة.


ولا يحجب أولاد الإخوة.

نكتة

لعول عندنا باطل ، بل النقص يدخل على البنت و (أو خ ل) البنات والأب ومن يتقرب به أو بالأبوين.

______________________________________________________

(ما آذن ـ ئل) بالصراخ، ولا شي‌ء أكنّه البطن وان تحرّك الّا ما اختلف عليه الليل والنهار (١).

وقد ورث الحمل حال الموت مع انفصاله حيّا بدليل خارج وذلك ليس بمستلزم للحجب.

وهذه الرواية ضعيفة السند (٢) مشوش المتن فتأمّل التأييد بها ويجري فيه أيضا بعض ما تقدم من بحث العموم والخصوص فتأمّل.

واما عدم الحجب بالأولاد الاخوة فظاهر بل لا يحتاج الى الذكر ، فان الثابت الحجب بالاخوة ، وأولادهم ليسوا آباء هم (إيّاهم ـ خ) ولا يقال لهم اخوة وهو ظاهر.

لعلهم ذكروا لدفع توهم ان يقال لابن الأخ : أخ ، كما يقال لابن الابن : ابن.

قوله : «العول عندنا باطل إلخ» واعلم أنه إذا زاد السهام المفروضة للورثة عن الفريضة ، مثل ان خلّفت أختين من أب وأم أو من أب ، وزوجا ، كانت الفريضة الستة ، لهما الثلثان ، وله النصف ، ومعلوم عدم إمكان ذلك منها.

__________________

(١) الوسائل باب ١٣ حديث ١ بالسند الثالث من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٩.

(٢) سندها كما في الفقيه (باب من لا يحجب عن الميراث) هكذا : محمّد بن سنان عن العلاء بن فضيل. ومحمّد بن سنان مختلف فيه وان كان طريق الصدوق رحمه الله إليه كما يظهر من المشيخة صحيحا أو موثقا والله العالم.


.................................................................................................

______________________________________________________

والعامّة يعلون الفريضة فيجعلونها سبعة ، ويعطون ثلثي أصل الفريضة ـ أي الأربعة ـ الأختين ، ونصفه ـ وهو الثلث ـ للزوج ، فهم يجعلون السهام على حالها ويعلون الفريضة ، بل يجعلون السهام ناقصا ، فإنهم يجعلون الثلثين والنصف هنا أقلّ فيريدون بهما هما وما هو قريب منهما ، فالثلثان سهم ، وما قاربهما سهم ، وكذلك النصف وما قاربه ، وكذا في غير هذه الصورة ، هذا هو العول.

والتعصيب خلافه ، وهو نقض السهام عن الفريضة ، مثل ان خلّف بنتا وأخا ، أو ابن ابن ابن أخ ، بل ابن ابن عم وان نزل ، فإنهم يجعلون النصف للبنت والباقي لأقاربه الذكور ، وهو أولي عصبته.

ذكروا أنّ الأصحاب رحمهم الله اشبعوا البحث عن الكلام في إبطالهما وإثبات أنّ الحقّ خلافهما عقلا ونقلا فلا يحتاج إلى شي‌ء أصلا إلّا انا نحن أيضا نشير الى بعض منهما لئلّا يخلو الكتاب عنه.

فنقول : دليلهم على ذلك كلّه هو إجماعهم على بطلان العول ، وان خلافه هو الحق ، وهو ان النقص يقع على من قد يحصل له الزيادة ، البنت والبنات والأب ومن يتقرّب به ، مثل الأخت والأختين له.

واخبار هم المتظافرة.

مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، والفضيل بن يسار ، وبريد بن معاوية وزرارة بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : (انّ) السهام لا تعول (١).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : أقرأني أبو جعفر عليه السّلام صحيفة كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وخط علي عليه السّلام بيده ، فإذا فيها : ان السهام لا تعول (٢) وفي اخبار كثيرة ان الذي يعلم

__________________

(١) الوسائل باب ٦ صدر حديث ١٠ من أبواب موجبات الإرث ج ١٧ ص ٤٢١.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ١١ من أبواب موجبات الإرث ج ١٧ ص ٤٢٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

عدد رمل عالج ليعلم ان السهام لا تعول (١).

ويدلّ عليه ما في الاخبار ان الأبوين لا ينقص نصيبهم عن السدس (٢).

وان الزوج والزوجة لا ينقص نصيبهما مع الولد عن الربع والثمن ، ومع عدمه عن النصف والربع وهو موجود في مثل صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (٣)

وما رواه في الحسن ، بل في الصحيح ، بكير بن أعين ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : امرأة تركت زوجها وإخوتها لامّها وإخوتها وأخواتها لأبيها؟ قال : للزوج النصف ثلاثة أسهم ، وللاخوة من الامّ الثلث ، الذكر والأنثى فيه سواء وبقي سهم (فهو ـ ئل) للاخوة والأخوات من الأب ، للذكر مثل حظّ الأنثيين ، لأن السهام لا تعول ولا ينقص الزوج من النصف ، ولا الاخوة من الامّ من ثلثهم ، الخبر فإنه طويل (٤).

وفيه أيضا ما يدل على المطلوب صريحا.

واخرى كذلك (٥) ، عن بكير ، قال : جاء رجل الى أبي جعفر عليه السّلام فسأله عن امرأة تركت زوجها وإخوتها لامّها ، وأختها (وأختا ـ ئل) لأبيها؟ فقال : للزوج النصف ثلاثة أسهم ، وللاخوة من الامّ الثلث سهمان ، وللأخت من الأب السدس سهم ، فقال له الرجل : فإن فرائض زيد وفرائض العامة والقضاة على غير ذا يا با جعفر ، يقولون : للأخت من الأب ثلاثة أسهم تصير من ستة تعول إلى ثمانية ، فقال أبو جعفر عليه السّلام : ولم قالوا ذلك؟ فقال : لأن الله تبارك وتعالى

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٧ ـ ٩ ـ ١٤ ـ ١٥ من أبواب موجبات الإرث ج ١٧ ص ٤٢٣.

(٢) راجع الوسائل باب ٩ ـ ١٠ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ج ١٧ ص ٤٥٣ ـ ٤٥٤.

(٣) راجع الوسائل باب ١ من أبواب ميراث الأزواج ج ١٧ ص ٥١٠.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٨٢.

(٥) يعني : في الحسن بل في الصحيح.


.................................................................................................

______________________________________________________

يقول : وله أخت ، فلها نصف ما ترك ، فقال أبو جعفر عليه السّلام : فان كانت الأخت أخا؟ قال : فليس له الّا السدس ، فقال له أبو جعفر عليه السّلام : فما لكم نقّصتم الأخ؟ ان كنتم تجعلون للأخت النصف ، بأن الله سمّى لها النصف ، فان الله قد سمّى للأخ الكلّ والكل أكثر من النصف ، لانه قال عزّ وجلّ (فَلَهَا النِّصْفُ) ، وقال للأخ (وَهُوَ يَرِثُها) ـ يعني جميع مالها (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) ، فلا تعطون الذي جعل الله له الجميع في بعض فرائضكم شيئا وتعطون الذي جعل الله له النصف تاما ، فقال له الرجل أصلحك الله : وكيف نعطي الأخت النصف ولا نعطي الذكر ـ لو كانت هي ذكرا ـ شيئا؟ قال : تقولون (١) في أمّ وزوج واخوة لامّ وأخت لأب فتعطون الزوج النصف ، والام السدس ، والاخوة من الامّ الثلث ، والأخت من الأب النصف ثلاثة من تسعة وهي من ستة فيرتفع إلى تسعة؟ قال : كذلك تقولون (٢) ، قال : فان كانت الأخت ذكرا ، أخا لأب ، قال : ليس له شي‌ء. فقال الرجل لأبي جعفر عليه السّلام : فما تقول أنت؟ فقال : ليس للاخوة من الأب والامّ ، ولا للاخوة من الامّ ولا للاخوة من الأب مع الأمّ شي‌ء ، قال عمر بن أذينة : وسمعته من محمّد بن مسلم يرويه مثل ما ذكر بكير ، المعنى سواء ولست احفظه بحروفه وتفصيله الّا معناه ، قال : فذكرت لزرارة ، فقال : صدق (صدقا ـ كا) ، هو والله الحق (٣).

وصحيحة محمّد بن مسلم مثل الحسنة ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قلت له : ما تقول في امرأة ماتت وتركت زوجها وإخوتها لامها ، واخوة وأخوات لأبيها؟ قال : للزوج النصف ثلاثة أسهم ، ولإخوتها لأمّها الثلث سهمان ، الذكر

__________________

(١) هكذا في الكافي والفقيه والتهذيب والوسائل وجميع النسخ المخطوطة وفي النسخة المطبوعة (تعولون) بالعين.

(٢) هكذا في الكافي والفقيه والتهذيب والوسائل وجميع النسخ المخطوطة وفي النسخة المطبوعة (تعولون) بالعين.

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٨٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

مثل الأنثى فيه سواء وبقي سهم فهو للاخوة والأخوات من الأب ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، لأن السهام لا تعول ، وان الزوج لا ينقص من النصف ولا الاخوة من الامّ من ثلثهم لان الله عزّ وجلّ يقول (فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) (١) وان كان واحدا فله السدس وانما عنى الله في قوله «وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ» انما عنى بذلك الاخوة والأخوات من الأمّ خاصّة ، وقال في آخر سورة النساء «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ» ـ يعني بذلك أختا لأب وأمّ أو أختا لأب ـ فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان ممّا ترك وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظّ الأنثيين» فهم الذين يزادون وينقصون ، قال : ولو ان امرأة تركت زوجها وأختيها لامّها وأختيها لأبيها كان للزوج النصف ثلاثة أسهم ، ولأختيها لامّها الثلث سهمان ، ولأختيها لأبيها السدس سهم ، وان كانت واحدة فهو لها ، لأن الأختين من الأب لا تزادون (لم تزادا ـ ئل) على ما بقي ، ولو كان أخ لأب لم يزد على ما بقي (٢).

وفي الصحيح ، عن بكير ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : سأله رجل عن أختين وزوج؟ فقال : النصف والنصف ، فقال الرجل : أصلحك الله قد سمّى الله لهما أكثر من هذا ، لهما الثلثان ، فقال : ما تقول في أخ وزوج؟ فقال : النصف والنصف ، فقال : أليس قد سمّى الله له المال فقال : وهو يرثها ان لم يكن لها ولد (٣).

__________________

(١) النساء : ١١.

(٢) الوسائل باب ٣ نحو حديث ٢ ذكره في ذيل حديث ٣ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٨٣.

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٨١.


.................................................................................................

______________________________________________________

وغيرها ، مثل صحيحة عمر بن أذينة ، عن زرارة ، قال : قلت له : اني سمعت محمّد بن مسلم وبكيرا يرويان عن أبي جعفر عليه السّلام (١) الخبر.

وصحيحة محمّد بن مسلم عنه عليه السّلام أيضا (٢) الخبر.

وبالجملة انما يقع النقص على من لم يكن له في القرآن فرضان ، فإن الفريضة الثانية لا تنقص إذ جعل الفريضتين له يدلّ على ان ليس له مرتبة أقل ، والّا لعُدّ ، بخلاف ما لو فرض له فرض واحد ، فإنه ينقص عنه ويزيد ، فيحمل ذلك على بعض الأحوال بقرينة ان ما صار بصدد استيفاء حصته ، وهو ظاهر.

وموجود في الروايات رواه العامّة أيضا.

عن زفر ، عن ابن عباس انه لما ذكر الفرائض عنده فقال : سبحان الله العظيم أترون ان الذي أحصى رمل عالج عددا ، جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا وهذان النصفان قد ذهبا بالمال ، فأين موضع الثلث؟ فقال له زفر : من أوّل من أعال الفرائض؟ فقال : عمر بن الخطاب لمّا التفت عنده الفرائض ودفع بعضها بعضا ، فقال : والله ما أدري أيّكم قدّم الله وأيّكم أخّر الله وما أجد شيئا هو أوسع من ان أقسم عليكم هذا المال بالحصص ، فادخل على كل ذي حق سهم ما دخل عليه من عول الفريضة (الفرائض ـ ئل) وايم الله لو قدم من قدّم الله وأخّر من أخّر الله ما عالت فريضة ، فقال له زفر : فأيّها قدّم وايّها أخّر؟ فقال : كل فريضة لم يهبطها الله عزّ وجلّ (عن فريضة ـ ئل) الّا إلى فريضة فهذا ما قدّم الله ، وامّا ما أخّر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها الّا ما بقي فتلك التي أخّر ، واما التي قدّم الله :

__________________

(١) لعله نظر الى ما في ذيل حديث ٣ من قوله : قال عمر بن أذينة : وسمعته إلخ. (راجع الوسائل باب ٣ ذيل حديث ٣ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ج ١٧ ص ٤٨٣). وإلّا فلم نجده مستقلّا في الكتب الأربعة ولا في الوسائل.

(٢) المراد خبر ٣ من باب ٣ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد من الوسائل ج ١٧ ص ٤٨٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

فالزوج له النصف ، فإذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع الى الربع ولا يزيله عنه شي‌ء ، والزوجة لها الربع ، فإذا (١) زالت عنه صارت الى الثمن لا يزيلها عنه شي‌ء ، والامّ لها الثلث فإذا زالت عنه صارت الى السدس لا يزيلها عنه شي‌ء ، فهذه الفرائض التي قدّم الله عزّ وجلّ ، واما التي أخّر ففريضة البنات والأخوات ، لها النصف والثلثان ، فإن أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لها الّا ما بقي فتلك التي أخّر ، فإذا اجتمع ما قدّم الله وما أخّر بدئ بما قدّم الله فأعطى حقه كاملا ، فإن بقي شي‌ء كان لمن أخّر ، فان لم يبق شي‌ء فلا شي‌ء له فقال له زفر : فما منعك ان تشير بهذا الرأي على عمر؟ فقال : هبته ، فقال الزهري : والله لو لا انه تقدمه امام عدل كان امره على الورع ، فأمضى امرا فمضى ، ما اختلف على ابن عباس في المسألة اثنان (٢).

فعلم ان العول هو شي‌ء ثبت برأي عمر وليس له دليل من إجماع وغيره ، بل لم يكن رأى الصحابة مثل الأول (٣) وغيره أيضا ذلك.

فالذهاب الى مثل هذا خارج عن قانون الاستدلال ، بل العقل ، فان فعل صحابيّ واحد ورأيه ـ وان كان مجتهدا ـ ليس بحجّة إجماعا.

فالنقص عندنا انما يقع على البنات.

مثاله أبوان وزوج أو زوجة ، وبنتان فصاعدا ، فأخذ الأبوان الثلث كل واحد السدس ، والزوج أو الزوجة الربع أو الثمن بقي الباقي ، وهو أقلّ من فريضة البنات.

أو على البنت ، مثاله أبوان وزوج وبنت ، لهما الثلث ، وله الربع ، والباقي الذي هو أقل من نصيبه النصف لها.

__________________

(١) فإذا دخل عليها ما يزيلها عنه صارت إلخ ئل.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٧ من أبواب موجبات الإرث وفيه عن عبد الرحمن بن عبد الله (الرحمن ـ خ) بن عتبة قال : جالست ابن عباس فعرض ذكر الفرائض في المواريث فقال ابن عباس : سبحان الله إلخ.

(٣) يعني أبا بكر.


.................................................................................................

______________________________________________________

أو على المتقرّب بهما من الأخت والأخوات للأب أو له وللامّ مع كلالة الأمّ والزوج لها الصنف ، أو لهما الثلثان ، وللكلالة السدس أو الثلث ، وله النصف فيأخذ هو نصفها ، والكلالة سدسها أو ثلثها ، والباقي للأخت ، وهو أقل من نصيبها النصف ، أو للأخوات وهو أقل من نصيبها الثلثان.

مثال النقص على الأب فقط أبوان مع عدم الإخوة الحاجبة للأمّ وزوج له النصف ، وللامّ الثلث ، والباقي للأب ، فوقع النقص عليه وفيه مسامحة فتأمّل.

وحكم العقل المستفاد من الاخبار أيضا ، وهو انه محال ان الله تعالى يفرض سهما لم يكن في الفريضة وهو لازم لهم في كل مسألة عوليّة.

هكذا ذكروا وبيّنوها بالأمثلة ، خصوصا الفضل بن شاذان رحمه الله.

ولكن الظاهر انهم ما يقولون به بالحقيقة ، فإنهم يعلون الفريضة ويجعلون النقص على الكلّ على السويّة ، فهم يحملون الثلثين ـ مثلا ـ عليهما وعلى أقل منهما وكذا الثلث والنصف.

أو يجعلونها ممّا فوق الفريضة من عدد يمكن أخذها صحيحا منه مثل السبعة في مثال الأختين والزوج ، فكأنهم يقولون : انما أراد الله بهذه السهام في صور العول ما قرب منها ، لا عينها لاستحالتها ، فكأنهم يريدون السهام في الجملة كما أشرنا إليه ويفهم من الاخبار أيضا.

فالذي يلزمهم هو إخراج السهام عن معناها ، وحملها عليه في بعض الصور ، وهي غير صورة العول ، وعلى ما قرب منها ، وهي صورة العول ، وهذا القرب مجهول ، وفي كل صورة شي‌ء.

فالذي يلزمهم ليس اسناد المحالات الى الله تعالى التي ذكروها ، بل الألغاز والتعمية من وجوه ، ومثل هذا لا يجوز على الحكيم الّا مع البيان بالكتاب أو بالسنّة أو بالإجماع لا بمحض رأي رآه عمر بن الخطاب فقط كما فهمت فلو جاز مثل هذا لجاز ان يخرج كل لفظ عن مقتضاه في الكتاب والسنّة والإجماع ، فلم يبق لفظ


.................................................................................................

______________________________________________________

يعلم المراد منه حتى الأعداد في الحدود ، وهو واضح البطلان ، وهم صرّحوا أيضا (١) بذلك في أصولهم.

وقال (٢) في الكشاف : لا يجوز ان يراد بقوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) في آية الوضوء الوجوب والاستحباب معا للمتوضئ والمحدث ، لانه إلغاز وتعميه.

مع انه لزمه ذلك (٣) في هذه الآية بحمله المسح على المسح الحقيقي والغسل القليل في الرأس والرجل فتأمّل.

وبالجملة مثل هذا الحمل خارج عن قانون اللغة ، والأصول والعربيّة ، فلا يجوز ارادته ، ولا يمكن ، ولا يجوز من الله تعالى الخطاب بمثل هذا بحيث يكون المقصود العمل به وإيجاده في الخارج عند أحد (القائل ـ خ) حتى القائل بجواز التكليف بالمحال وهو ظاهر فافهم.

واما أصحابنا فهم يخصّصونها بغير صورة العول للأدلّة العقليّة والنقليّة ، والتخصيص والبيان في القرآن ، بل في مطلق الكلام غير عزيز.

على انه قد لا يسلم العموم اللغوي بحسب الافراد والأحوال والأوضاع وهو ظاهر فافهم.

وبالجملة من المعلومات والمسلّمات ان ليس المراد في صورة العول بالسهام حقيقتها ، فلا بدّ من التصرف فيها ، ولا شك ان ما ذكره الأصحاب أرجح ان لم يكن متعيّنا ، لما مرّ.

ويؤيّده أنّهم قائلون بأن كلّ الورثة مراد في صورة العول ، فلا شك في ان الذي ما نقول بنقص حصته مراد ، والأصل كون سهمه وفرضه محمولا على حقيقته

__________________

(١) هكذا في النسخ والأنسب ان يقال : وهم أيضا صرحوا إلخ كما لا يخفى.

(٢) الأصوب قال ، بإسقاط الواو.

(٣) يعني ما ذكره الكشاف بقوله : لا يجوز إلخ قد خالفه في مسألة المسح حيث حمله على المسح والغسل معا.


.................................................................................................

______________________________________________________

وكون الغير حينئذ مرادا ، مختلف فيه ، فما نقول به ونخصّص كونه مرادا بالفرض ، بغير هذه الصورة ، فتأمّل.

واما ما نقلوه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حيث سئل عن رجل مات وخلّف زوجته وأبوين وابنتيه؟ فقال عليه السّلام : صار ثمنها تسعا (١).

فظاهر انه غير صحيح ، فإن أهل بيته وشيعته اعرف بمذهبه وقوله ، وهو ظاهر وقد صرّح بمثله التفتازاني في شرح الشرح.

وانه قاصر عن إثبات جميع المطلوب.

وحمله الشيخ ـ بعد التسليم ـ على الإنكار لا الإقرار ، وعلى التقيّة.

ونقل عن طريق العامة عنه عليه السّلام ما يدل على ذلك ، حيث خالف في ذلك عمر كلامه عليه السّلام فقال : بقول عمر ، ثم قال بقوله الأوّل بعد ذلك ، وقال : هذا هو الحق وان أباه قومنا (٢).

__________________

(١) في التهذيب للشيخ أبي جعفر الطوسي ـ نقلا من العامّة ـ قال : واستدلوا أيضا بخبر رواه عبيدة السلماني عن أمير المؤمنين عليه السّلام حيث سئل عن رجل إلخ. التهذيب ج ٢ ص ٤٠٦ أوائل كتاب الفرائض ، باب ابطال العول والتعصيب.

(٢) الأولى نقل ما ذكره الشيخ رضوان الله عليه بعينه ليتضح الحال ويرتفع الاجمال ، قال : واما الخبر الذي رووه ـ إذا سلمناه ـ احتمل وجهين (أحدهما) ان يكون خرج مخرج النكير لا مخرج الاخبار كما يقول الواحد منا ـ إذا أحسن إلى غيره فقابلة ذلك بالإساءة وبالذم على فعله ـ فيقول : قد صار حسني قبيحا؟ وليس يريد بذلك الخبر عن ذلك على الحقيقة ، وانما يريد به الإنكار حسب ما قدمناه (والوجه الآخر) ان يكون أمير المؤمنين عليه السّلام قال ذلك لانه كان قد تقرر ذلك من مذهب المتقدم عليه ، فلم يمكنه المظاهرة بخلافه كما لم يمكنه المظاهرة بكثير من مذاهبه حتى قال لقضاته فقد سألوه بم نحكم يا أمير المؤمنين؟ فقال : اقضوا كما كنتم تقضون حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي.

وقد روى هذا الوجه المخالفون لنا ، روى أبو طالب الأنباري ، قال : حدثني الحسن بن محمّد بن أيوب الجوزجاني ، قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثني يحيى بن أبي بكر ، عن شعبة ، عن سماك ، عن عبيدة ، السلماني ، قال : كان علي عليه السّلام على المنبر فقام اليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين : رجل مات وترك


ولا ارث بالتعصيب بل بالقرابة أو التسبيب.

______________________________________________________

على ان قوله عليه السّلام ليس بحجّة عندهم ، فلا يصير حجّة تحقيقا ، ولا جدلا ، لعدم (١) تسليم الخصم ذلك ، فإنه يشترط عدالة الرواة وكونهم على مذهبه ويعتقد فسق جميع من خالفه والرواة كلّهم كذلك ، بل يعتقد البعض كفره.

واما استدلالهم بالقياس على الدّين أو الوصيّة فهو باطل ، لبطلان القياس مع استنباط العلّة وعدم ظهور الفرق ، فكيف ما لم يظهر فيه العلّة ويظهر الفرق ، فهو قياس مع الفارق من وجوه متعددة كما بيّنه الفضل والشيخ رحمهما الله (٢) ، ولا يحتاج الى ذكره لظهوره.

واما التعصيب فيدلّ على بطلانه ـ وان الحق خلافه ممّا اختاره الأصحاب ـ قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٣) ، فان المتبادر منه كون الأقرب أولى من الأبعد من غير فرقٍ بين الذكر والأنثى.

وقوله تعالى (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) (٤).

__________________

ابنتيه وأبويه وزوجة فقال علي عليه السّلام : صار ثمن المرأة تسعا؟ قال سماك : قلت لعبيدة : وكيف ذلك؟ قال : ان عمر بن الخطاب وقعت في إمارته هذه الفريضة فلم يدر ما يصنع ، وقال : للبنتين الثلثان ، وللأبوين السدسان ، وللزوجة الثمن ، قال : هذا الثمن باقيا بعد الأبوين والبنتين. فقال له أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله : أعط هؤلاء فريضتهم ، للأبوين السدسان ، وللزوجة الثمن ، وللبنتين ما يبقى ، فقال : فأين فريضتهما الثلثان؟ فقال له علي بن أبي طالب عليه السّلام : لهما ما يبقى. فأبى ذلك عليه عمر وابن مسعود فقال عليه السّلام : على ما رأى عمر ، قال عبيدة : وأخبرني جماعة من أصحاب علي عليه السّلام بعد ذلك في مثلهما انه اعطى للزوج الربع مع الابنتين ، وللأبوين السدسين ، والباقي ردّ على البنتين وذلك هو الحق وان أباه قومنا (انتهى كلامه رفع مقامه) التهذيب ج ٢ ص ٤٠٦ الطبع الحجري.

(١) تعليل لقوله قدّس سرّه : (ولا جدلا).

(٢) إن شئت تفصيل كلام الفضل والشيخ فراجع التهذيب باب في إبطال العول والعصبة من قول الشيخ : (وقد استدل من خالفنا على صحّة ما ذهبوا إليه بما ذكره الفضل رحمه الله عن أبي ثور إلخ).

(٣) الأنفال : ٧٥.

(٤) النساء : ٢٢.


فأما أن يرث بالفرض خاصّة كالأم والزوج والزوجة.

أو بالفرض تارة وبالقرابة أخرى كالأب والبنت والبنات والأخت والأخوات وكلالة الأم.

______________________________________________________

والسنة ، وهي الأخبار الدالّة على الرد على أصحاب الفرائض وقد مرّ كثير منها فتذكر.

وإجماعهم الحجّة على ذلك ، فلا ارث بالتعصيب ، بل اما بالقرابة والنسب أو بالسبب كما مرّ مفصّلا.

فالذي يرث بالقرابة والنسب فامّا أن يرث بالفرض خاصّة أم لا.

والأول مثل الامّ مع عدم الردّ ، فان فرضها حينئذ الثلث أو السدس كما مرّ ، مثل ان خلّف الأبوين مع عدم الولد ، فان لها الثلث حينئذ ، ومعه لها السدس ، والباقي للأب إلّا في صورة الرد ، فإنها ترث بالفرض والقرابة مثل الأبوين ، والبنت ، فان لها النصف بالفرض ولكلّ واحد منهما السدس كذلك ، والسدس الآخر يردّ عليهم أخماسا.

والذي يرث بالسبب أيضا إمّا ان يرث بالفرض خاصّة ، مثل الزوج والزوجة مع عدم الردّ وليس غير هما صاحب فرض في السبب.

أو بغيره خاصّة ، وهو الضامن ، والمولى ، والامام عليه السّلام.

والثاني ممن يرث بالقرابة قد يرث بالفرض وحده وقد يرث به وبالقرابة معا كالأب كما تقدم ، وقد يرث بالقرابة فقط مثل ان لم يكن غيره ، والبنت ، فإنّها قد ترث بالقرابة فقط مثل ان يكون مع الابن ، وكذا البنات.

وقد يرث بالفرض والقرابة كما في صورة اجتماعهما مع الأبوين وقد تقدّمت ولا ترث (١) بالفرض وحده ، وهو ظاهر.

__________________

(١) يعني وقد لا ثرت بالفرض إلخ.


أو بالقرابة خاصّة وهم من عداهم.

فان كان الوارث لا فرض له فالمال له ان لم يشاركه غيره كالابن.

وان شاركه مثله فلهما.

______________________________________________________

والبنات فإنهن قد يرثن بالفرض فقط أيضا مثل ان كنّ مع الأبوين.

وقد يرثن بهما معا ، مثل ان كن مع الأب ، فإن له السدس ، ولهن الثلثان ، والسدس الآخر يردّ عليه وعليهن أخماسا.

والأخت من الأب والأبوين ، فإنها قد ترث بالفرض فقط ، مثل ان كانت مع الزوج.

وقد ترث بالقرابة فقط ، مثل ان تكون مع الأخ.

وقد ترث بهما مثل أن تكون وحدها أو مع الزوجة.

وكذا الأخوات وكلالة الأمّ ، فإنها ان كانت منفردة ترث السدس ان كانت واحدة ، والثلث ان كانت أكثر ، بالفرض ، وبالقرابة ، الباقي ، ذكرا كان أو أنثى.

وكذا ان كانت مع الزوج أو الزوجة أو الأخت للأب ، على الخلاف.

وبالفرض فقط ان كانت مع الاخوة للأب ، فإن الباقي لهم.

وكذا ان كانت أكثر من واحد مع الأختين وأكثر للأب ، فإن لها الثلث ولهن الثلثان.

وفي الفرق بين الامّ وهؤلاء كما فعله في المتن تأمّل مّا.

وغير من ذكرناه من أصحاب الفرائض إنما يرث بالقرابة فقط.

فان كان الوارث ممن لا فرض له مطلقا أو في تلك الحال فالمال له كلّه ان لم يكن له شريك مثل ان خلّف الابن أو الأم فقط ، فإن التركة له أولها.

وان كان له شريك مثله وفي مرتبته فالمال بينهما نصفان ، كالابنين فإنهما


ولو اختلف النسب (السبب خ ل) فلكلّ نصيب من يتقرب به كالأخوال والأعمام.

وان كان ذا فرض أخذ فرضه ويردّ الباقي عليه ان لم يشاركه مساو كالبنت مع الأخت ، فإن ساواه ذو فرض أخذ فرضه.

فان فضل ولا مساوي ردّ عليهما بالنسبة إلّا مع حاجب لأحدهم.

______________________________________________________

يقسمان التركة بينهما على السويّة.

وان كان وارث آخر في مرتبته شريك معه ـ ولكن اختلف سبب توريثهما وتقربهما ولم يكن سببا أوّليا للإرث ، بل لكونه منتهيا ومنتسبا الى غيره ويتقرّب به ـ فلكلّ نصيب ممن يتقرّب به ، مثل الأخوال والأعمام ، فإن الخال ينتسب الى الميّت من جهة الأمّ فسبب إرثه نسبته إليه بالأمّ والعم من جهة الأب ، فسبب إرثه تقربه بالأب.

فللخال نصيبها وهو الثلث مع عدم الحجب وهنا لا حجب ، والباقي للعم كما لو اجتمع الأب والام فقط وان كان ذا فرض أخذ فرضه ويردّ عليه الباقي ان لم يكن له شريك مساو له في الإرث يرث معه ، كالبنت الواحدة مع الأخت فإنها تأخذ النصف بالفرض والباقي بالقرابة ويسقط الغير لآية أولوا الأرحام ، والاخبار ، وإجماع علماء أهل البيت عليهم السّلام.

ولا يدل الفرض لها على انحصار حظها في ذلك.

وان شاركه ذو فرض مساو له ، وفي مرتبته يرث معه مثله انقص منه في الحصّة أم لا ، فان لم يفصل شي‌ء فلا بحث مثل الأخت للأب والزوج ، فالنصف لها ، والنصف له.

وان فضل شي‌ء فمع التساوي يردّ عليهما بالسويّة ، ولكن هذا مجرد فرض وليس له فرد في الخارج.


أو زيادة في الوصلة.

وان نقصت فالنقص على من ذكر أوّلا.

وان كان المساوي غير ذي فرض فالباقي له.

المقصد الثالث

في اللواحق

وفيه فصول :

______________________________________________________

ومع عدمه بان يكون نصيب أحدهما أكثر من الآخر ، يردّ عليهما الباقي من الفرض بالنسبة التي بين فريضتهما كالبنت والأبوين ، فإن لها ، النصف ولكلّ واحد منهما السدس ، والباقي ـ وهو السدس ـ يردّ عليهما أخماسا ان لم يكن للام حاجب عن الفاضل عن السدس مثل الاخوة مع شرائط الحجب ، ومعه يردّ على البنت وعلى الأب أرباعا.

أو يكون لأحدهما زيادة في الوصلة فيخصّ صاحب الزيادة بالرد ، مثل الأخت من الأبوين مع كلالة الأمّ الواحدة أو أكثر ، فإن للأخت ، النصف وللكلالة ، السدس أو الثلث ، والثلث أو السدس الباقي يردّ على الأخت للأبوين لا على كلالة الأم أيضا ، لأن الأخت للأبوين أكثر وصلة من كلالة الأم ، لأنها متقربة بالأبوين وهي بالأم فقط ، وقد مرّ ذلك مع دليله والنظر فيه والتحقيق فتذكّر.

وان نقصت الفريضة عن السهام فالنقص يردّ على من ذكرناه لا على الكلّ فيكون عولا باطلا.

وان كان الذي يرث مع ذي الفرض غير ذي فرض ومساو له في مرتبته يرث كما يرث يكون الباقي ـ بعد فرض ذي الفرض ـ له ولا ردّ هنا ، والكل قد مرّ مفصلا مع دليله ولا يحتاج إلى الإعادة فتذكر وتأمّل.

قوله : «المقصد الثالث في اللواحق إلخ» الخنثى من له فرج الذكر


الأول : الخنثى

من له فرج الذكر والأنثى فيلحق بمن سبق البول منه ، فان اتفقا الحق بمن ينقطع (عليه ـ خ) أخيرا ، فإن تساويا اعطي نصف سهم ذكر ونصف سهم أنثى.

______________________________________________________

وفرج الأنثى فإن كانت ممتازة بحيث يعلم كونها أحدهما ، بأمر ظاهر ، فأمرها ظاهر ، ولا تسمّى بمشكل ، والّا فهو مشكل وانما الكلام فيه.

ويفهم من كلامهم عدم الخلاف بينهم ، بل الإجماع في امتيازهما بالبول في الجملة فإن بالت بأحدهما دون الآخر فيحكم به ، وكذا ان بالت بهما ولكن يسبق أحدهما على الآخر وان كانت في الابتداء معا ، ويتأخر أحدهما عن الآخر فالحكم للمتأخر.

ويفهم من كلام ابن البرّاج ان الحكم للسابق انقطاعا أيضا ، وقال في المختلف : وهو توهم فاسد توهّم من كلام الشيخ.

ومستندهم في ذلك اخبار هم عنهم عليهم السّلام ، مثل صحيحة داود بن فرقد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سئل عن مولود ولد ، له قبل وذكر كيف يورث؟ قال : ان كان يبول من ذكره فله ميراث الذكر ، وان كان يبول من القبل فله ميراث الأنثى (١).

وغيرها مثل حسنة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السّلام ـ في الكافي ـ قال : قلت له : المولود يولد ، له ما للرجال وله ما للنساء؟ قال : يورث من حيث سبق بوله (يبول ـ ئل) ، فان خرج منهما سواء فمن حيث ينبعث ، فان كانا سواء ورث ميراث الرجال والنساء (٢).

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٧٢.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٧٥.

يمكن كون الحيض واللحية والاحتلام ومجي‌ء المني من فرج الذكر دون المرأة من العلامة ، والحمل والولاء ، وان كان المفهوم من قضائه عليه السّلام عدم ذلك فتأمّل (منه رحمه الله).


.................................................................................................

______________________________________________________

أي نصف ميراثهما ، إذ لا معنى لزيادة الخنثى على الرجل ، وهو ظاهر.

ونقل في التهذيب والاستبصار (١) هذه ، عن هشام بن سالم بتغير في السند ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قضى علي عليه السّلام في الخنثى له ما للرجال ، وله ما للنساء؟ قال : يورث من حيث يبول ، فان خرج منهما جميعا فمن حيث سبق ، فان خرج سواء فمن حيث ينبعث ، فان كان سواء يورث ميراث الرجال والنساء (٢).

الظاهر أنّها الأولى ، ولهذا وجدت (٣) (قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام) على الحاشية ولكن سندها مغاير ، فإنه مرسل (٤) الى علي بن الحسن بن فضال ، عن محمّد بن الزيات ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم.

قال في المختلف وشرح الشرائع : انها موثق (موثقة ـ ظ).

وهو غير ظاهر لعدم العلم بطريقه الى (علي) فإنه قد يصرح فيهما بسند غير معتبر الّا ان يكون مأخوذا من كتابه المعلوم انه رواه ، ومحمّد بن الزيات أيضا مجهول.

وسنده في الكافي حسن لإبراهيم ، وسنده الآخر فيه عبد الله بن محمّد (٥) كأنه ابن عيسى أخو أحمد.

__________________

(١) لم نعثر عليها في الاستبصار فراجع وتتبع.

(٢) الوسائل باب ٢ نحو حديث ١ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه بالسند الثاني ج ١٧ ص ٥٧٣.

(٣) لم نفهم المراد من هذه العبارة فدقّق.

(٤) وطريق الشيخ الى علي بن الحسن كما في مشيخة التهذيب والاستبصار هكذا : وما ذكرته في هذا الكتاب عن علي بن الحسن بن فضال فقد أخبرني به احمد بن عبدون ، المعروف بابن الحاشر ، سماعا منه واجازة عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال. فقوله قدّس سرّه : فإنه مرسل إلخ لا يخلو من مناقشة اللهم الّا ان يريد بالإرسال الجهالة باعتبار مجهوليّة احمد بن عبدون.

(٥) والسند ان كما في الكافي باب ميراث الخنثى هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمّد جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم.


.................................................................................................

______________________________________________________

وفيها دلالة على توريثها نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى على تقدير التساوي في البول ابتداء وانقطاعا وعدم التميز ، وهو مذهب جماعة من الأصحاب.

وهي دليلهم مع القياس الى بعض الدعاوي ، فإنه مثل دعوى المتشبثين ، فيقسمان.

فكأنه يدّعي انها ذكر ، ووارث آخر يدعي انها أنثى ولا ترجيح فيقسم فتأمّل.

ولأنّ حرمانه من الإرث غير معقول ، وترجيح احد جانبيه بغير مرجح كذلك ، فيجعل بينهما ، وذلك بإعطاء النصف من ارث كل منهما فتأمّل.

وتؤيّده أيضا رواية إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن أبيه ان عليّا عليهم السّلام كان يقول : الخنثى يورث من حيث يبول ، فان بال منهما جميعا فمن أيّهما سبق البول ورث منه ، فان مات ولم يبل فنصف عقل المرأة (١).

وهذه ضعيفة بالقول في فطحيّة إسحاق ، والجهل بحال غياث بن كلّوب (٢) مع عدم التصريح بتوثيق الحسن بن موسى الخشاب وان لم يضره ذلك.

مع إجمال في المتن ، والدلالة ، واختصاصها بحال الموت ، فتأمّل.

ورواية هشام ـ مع عدم الصحّة وان كانت حسنة (٣) في الكافي ـ ليست بصريحة في المطلوب ، وهو ظاهر.

وفي متنها أيضا شي‌ء ، إذ (ينبغي) (فمن حيث يتأخر) ونحو ذلك بدل (من

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ٢ من أبواب ميراث الخنثى إلخ ج ١٧ ص ٥٧٥.

(٢) وطريقه كما في التهذيب هكذا : وروى الصفار عن الحسن بن موسى الخشاب عن غياث بن كلّوب ، عن إسحاق بن عمار.

(٣) تقدم آنفا نقل سندها.


.................................................................................................

______________________________________________________

حيث ينبعث) (١) فتأمّل.

والقياس ليس بحجّة بالإجماع وغيره ، وكذا ما بعده (٢) فإنه مناسبة (مناسبة ـ خ ل) ، إذ يقال : ينبغي القرعة أو ان يورث مثل النساء ، لأن حصة النساء لها متيقن ، والزائد منفي بالأصل ، وبأن حصّة الذكر انما تثبت بالآية والاخبار والإجماع مع ثبوت انه مذكر والفرض عدمه ، فلو لم يكن بعض النصوص مع عدم قول الأصحاب كان (لكان ـ خ) القول به وبالتوريث مثل النساء ، متعيّنا كما هو مذهب بعض العامّة.

وكأنّ لما ذكرناه ـ من قصور أدلّة التنصيف ـ ذهب بعض الأصحاب إلى القرعة لدخول هذه في كل أمر مشكل (٣).

ولصحيحة الفضيل بن يسار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن مولود ليس له : ما للرجال ولا (له ـ ئل) ما للنساء؟ قال : يقرع الإمام أو المقرع يكتب على سهم : (عبد الله) ، ويكتب على سهم (امة الله) ثم يقول الإمام أو المقرع : اللهم أنت الله لا إله إلّا أنت عالم الغيب والشّهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون بيّن لنا أمر هذا المولود كيف يورث ما فرضت له في الكتاب. ثم يطرح السهمان في سهام مبهمة ، ثم يجال السهم على ما خرج وورث عليه (٤).

فيها دلالة على الدعاء في القرعة ، وما ذكروه ، ولعله للاستحباب.

وتؤيّده أيضا أخبار أخر مثل رواية إسحاق المرادي (٥) ـ المجهول ـ عن أبي

__________________

(١) الظاهر أن مقصوده هو : ان يقول : (من حيث يتأخر) بدل (من حيث ينبعث) ليكون مقابلا لقوله عليه السّلام (من حيث سبق) والله العالم.

(٢) يعنى ما ذكره دليلا ، بعد ذكر القياس وهو قوله قدّس سرّه : (ولان حرمانه من الإرث إلخ).

(٣) إشارة الى الحديث المعروف كل أمر مشكل ففيه القرعة.

(٤) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب ميراث الخنثى إلخ ج ١٧ ص ٥٨٠.

(٥) على نقل الشيخ ـ كما في الوسائل ـ وعلى نقل الكليني رحمه الله إسحاق العرزمي.


.................................................................................................

______________________________________________________

عبد الله عليه السّلام (١) ومرسلة ثعلبة ، عن بعض أصحابنا عنه عليه السّلام (٢) ، مع وجود ابن فضال والحجال فيها (٣).

ورواية عبد الله بن مسكان ، قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام وانا عنده عن مولود ليس بذكر ولا بأنثى ليس له الّا دبر كيف يورث؟ قال : يجلس الامام ويجلس عنده أناس من المسلمين فيدعون الله ويجيل السهام عليه على ايّ ميراث يورثه ، ثم قال : وأي قضيّة أعدل من قضيّة يجال عليها بالسهام يقول الله تعالى : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) (٤).

قال في المختلف : انها موثقة.

وهي موقوفة على توثيق طريق الشيخ في التهذيب الى علي بن الحسن وقد مرّ مثله (وفيه) أيضا تأمل ، إذ هذه الروايات في المولود الذي ليس له ما للرجال ولا ما للنساء فقد يقال هنا : بالقرعة ، لا في الخنثى ، لاحتمال الفرق ، ولهذا ما وجد (٥) في الخنثى قرعة ولا فيه ما تقدم في الخنثى ، ولا يقاس.

ولا يستدل بالعموم المفهوم من الأخيرات وغيرها ، لعدم صحتها ، واحتمال الاختصاص بما تقدم.

قد يقال : لا إشكال في الخنثى ـ بعد النصوص الكثيرة والإجماع ـ في اعتبار حاله بالبول ، ومع عدم الحصول ، فلما تقدم من دليل التنصيف.

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ميراث الخنثى ج ١٧ ص ٥٧٩.

(٢) راجع الوسائل باب ٤ حديث ٣ من أبواب ميراث الخنثى ج ١٧ ص ٥٨٠.

(٣) سندها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن احمد بن محمّد ، عن ابن فضال ، والحجّال عن ثعلبة بن ميمون ، عن بعض أصحابنا.

(٤) الوسائل باب ٤ حديث ٤ من أبواب ميراث الخنثى ج ١٧ ص ٥٨١. والآية ١٤١ في سورة الصافات.

(٥) يعني في روايات الخنثى بالمعنى المعروف رواية دالة على القرعة ولم يوجد أيضا في روايات من ليس له فرج الرجال والنساء ، ما ورد في الخنثى من العلامات ولا يجوز مقايسة أحدهما بالآخر.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤيد الفرق انه قال في المختلف : الذي ليس له ما للرجال ولا ما للنساء يورث بالقرعة عند أكثر العلماء ، وقال ابن الجنيد : ان كان في الموضع ثقبة لا يشبه الفرج ولا له ذكر ينظر ، فان كان إذا بال نحّى ببوله ناحية ، ومن هذا مباله فهو ذكر ، فان لم ينحّ وبال على حيا له فهو أنثى ، والمشهور الأول.

واستدل عليه برواية ابن مسكان.

وأجاب عن احتجاج ابن الجنيد (١) برواية ضعيفة ، بأن ما ذكرناه أوضح طريقا وأشهر بين علمائنا ، فاختار هنا القرعة ، وفي الأوّل التنصيف ، بل لم يعلم ان أحدا ذهب إليها هنا.

وذهب بعض آخر الى عدّ الأضلاع ، فإن كان أضلاع جنبيها متساويتين في العدد فأنثى ، والّا فذكر ، لأنّ حوّاء خلقت من أيسر ضلع آدم ، وكأنه لذلك ترى أكثر النساء اعوج وصعبات ، وقليلة الخير فتأمّل.

ودليله قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام في قضاء شريح حيث جاءت إليه خنثى وحكت حكاية عجيبة وهي مشهورة (٢).

ونقل في المختلف عن الشيخ في الحائريّات حيث سئل عن هذه وأجاب بأنه مشهور بين أهل النقل في أصحابنا والمخالفين ، وهو جائز لا مانع منه ، وهو في قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام ، تمّ (٣).

وهذا قوله يدلّ على انه إجماع المسلمين فضلا عن طائفتنا ثم اختار التنصيف وما أجاب عن الاستدلال على العدّ ، وردّه في شرح الشرائع بضعف السند.

__________________

(١) متعلّق بقوله : (عن احتجاج) لا ب (أجاب) فلا تعول.

(٢) راجع الوسائل باب ٢ حديث ٣ ـ ٥ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٧٥ ـ ٥٧٦ والقضيّة طويلة.

(٣) يعنى كلام الشيخ.


فان انفرد فالمال له ، وان كان معه مثله تساووا.

______________________________________________________

وقال في الفقيه ـ مع ذكره الرواية المشتملة عليه مفصلا ، عن عاصم بن حميد ـ في الحسن ـ عن محمّد بن قيس ـ : إنّ حواء ما خلقت الّا من طين آدم ، وكذا النخلة والحمام ، والّا يلزم ان يقول أهل التشنيع : آدم ينكح بعضه بعضا ، ويأكل بعضه.

وأنت تعلم أنه لا يفهم من قوله : إجماع أصلا فضلا عن إجماع المسلمين وانه كان ينبغي على القول بمضمونها الفتوى بذلك ، لا بالتنصيف أو الجواب والردّ ، كأنه ترك للظهور ، إذ طريق رواية الشيخ ضعيف ، وعدم الإجماع معلوم كما ادعى في غيره من التنصيف والقرعة وغيرهما.

وأنت تعلم أيضا ان كلام الصدوق غير جيّد ، إذ لا بعد في ذلك كما قاله الشيخ واعتراض أهل التشنيع غلط ، الّا ان يقال : انه يعتقد هو أيضا ذلك وذكر من لسانهم واعتقادهم الّا انه يفهم من كلامه صحّة الاعتراض فتأمّل.

وانه حينئذ لا يناسب نقله الخبر القائل بصحته وحجيته بينه وبين الله الّا ان يؤوّله بهذا ويكون مقصوده التأويل وان لم يصرّح ، وهو بعيد.

وان هذه الرواية (١) حسن في الفقيه ، فلعلّ ما قاله (قال ـ خ ل) في شرح الشرائع : ان الرواية ضعيفة ، نظر الى التهذيب ، أو الى اعتقاده اشتراك محمّد بن قيس ، وقد مرّ البحث في تحقيق حاله مرارا ، فتذكر.

قوله : «فان انفرد فالمال له إلخ» إشارة إلى تفصيل ارث الخنثى.

وجه كون المال له ـ مع عدم وارث آخر غيره في مرتبته ـ ظاهر.

واما تساوي الخنثيين في الإرث إذا كانتا في مرتبة ودرجة واحدة مطلقا

__________________

(١) يعني رواية محمّد بن قيس المروية في الفقيه فقط دون التهذيب وطريق الصدوق الى عاصم أيضا حسن فإنه قال في المشيخة : وما كان فيه عن عاصم بن حميد فقد رويته عن أبي ومحمّد بن الحسن رحمهما الله عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد. وعاصم أيضا موثق.


فان كان معه ذكر فرض ذكرا تارة وأنثى أخرى ، وضربت احدى الفريضتين على احد التقديرين في الأخرى على الآخر ، ثمّ ضربت المجتمع في اثنين ، وله المجتمع من نصف السهمين ، وللذكر الباقي.

______________________________________________________

فلا يخلو عن تأمّل لاحتمال كون أحدهما ذكرا ، والآخر أنثى.

ويعلم ذلك بالعلامات المتقدمة ، مثل البول ، وعدّ الضلع عند القائل به.

نعم ان تعذر ذلك ولا يعلم بالعلامة أمكن القول بذلك ، ويمكن حمل المتن عليه مع احتمال القرعة أيضا فتأمّل ، إذ قد يدّعي أحدهما ان الآخر أنثى فتأمّل.

قوله : «فإن (فإذا ـ خ ل) كان معه إلخ» وإذا كان معه ذكر نفرض الخنثى ذكرا فالفريضة اثنان ، ونفرضه أنثى ، فهي ثلاثة ، وتضرب إحداهما في الأخرى صارت ستة ثم تضرب حاصله في الاثنين صار اثني عشر.

فعلى الأول سهمه ستة تأخذ نصفها ـ الثلاثة ـ وعلى الثاني أربعة تأخذ نصفها ـ اثنان ـ ومجموعهما ـ وهو خمسة ـ له.

ففي المتن زيادة للتوضيح ، فيمكن الاكتفاء بالأقصر.

بل يمكن ان يقال : لا يحتاج إلى أخذ الحصّة من الفرض الآخر ثم الجمع ، فإنه إذا حذف من حصة الذكر سدسه فما بقي يكون حصّة الخنثى ، وكذا إذا أضيف إلى حصّة الأنثى ربعها يصير حصّة الخنثى.

وجهه ظاهر ، بل يمكن ان يقال : لا يحتاج الى الفرض مرّتين ، إذ يكفي أحدا هما لأنا إذا فرضناه ذكرا مثلا حصته واحد ، وإذا حذف سدسه يحصل المطلوب فنطلب عددا يكون لنصفه سدس ويسقط من ذلك النصف سدسه فالباقي للخنثى ، وذلك العدد اثنا عشر.

ولكن غرضه بيان الضابطة مفصّلا لتعيين حصّة الخنثى ومن معه على القول بأن له نصف الذكر ونصف الأنثى ، فإنه متصور بوجوه ذكرها في القواعد ،


وكذا لو كان معه أنثى أو هما معا ، فتضرب ـ لو اجتمعا معا ـ أربعة في خمسة ، ثم اثنين في المجتمع ، فللخنثى ثلاثة عشر ، وللذكر ثلثا الباقي ، وللأنثى الثلث.

ولو اتفق زوج أو زوجة صحّحت (فريضة ـ خ) الخناثى ومشاركهم ، ثم ضربت مخرج الزوجين في المجتمع ، فتضرب أربعة ـ مخرج

______________________________________________________

واقتصر هنا على واحد منها وفصّله.

والظاهر ان مراده بضرب أحدهما في الآخر مع التباين ـ كما في الأمثلة ـ ومع التوافق يضرب في وفق الآخر ، ومع التساوي يكتفى بأحدهما وبالأكثر في التداخل.

ومعلوم انه على القول بالقرعة أو عدّ الأضلاع لا يحتاج الى هذا ، إذ ينكشف الحال ويعمل بمقتضاها ، وهو ظاهر.

وكذا لو كان مع الخنثى أنثى ، فنفرضه أنثى ، فالمسألة من اثنين ونفرضه ذكرا فمن الثلاثة وحاصل ضربهما ستة ، وحاصل ضربها في الاثنين اثنا عشر فللخنثى نصف الثلثين وهو أربعة منه ، ونصف النصف أيضا وهو ثلاثة ، والمجموع سبعة ، والباقي ـ أي الخمسة ـ للأنثى.

وفي صورة اجتماع الخنثى مع الذكر والأنثى نضرب أربعة وهي فريضة ـ فرضه أنثى ـ في خمسة ، وهي فريضة كونه ذكرا ، والمجتمع ـ وهو عشرون ـ في اثنين صار أربعين.

فله على الأول عشر يأخذ نصفه خمسة ، وعلى الثاني ستة عشر يأخذ نصفه ثمانية فحصل له ثلاثة عشر ، وثلثا الباقي الذي هو سبعة وعشرون ، وهما ثمانية عشر للذكر ، وثلثه الباقي ـ وهو تسعة ـ للأنثى ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو اتفق زوج إلخ» أي لو اتفق مع الخنثى احد الزوجين في المسائل الثلاث المتقدمة تصحّح فريضة الخنثى على الوجه الذي تقدم ، ثم تضربها في


نصيب الزوج ـ في أربعين ، فللزوج أربعون ، وللخنثى تسعة وثلاثون ، وثلثا الباقي للذكر ، والمتخلف للأنثى.

ولو كان مع الخنثى أبوان ، فلهما السدسان تارة ، والخمسان أخرى ، تضرب خمسة في ستة ، للأبوين أحد عشر ، وللخنثى تسعة عشر.

______________________________________________________

مخرج نصيب احد الزوجين.

ومثل المصنف للثالثة وبيّنها ، لأنها أشكل.

بيانه انك تضرب أربعين ـ الذي هو فريضة الخنثى ، والأنثى ، والذكر ـ في الأربعة التي هي مخرج نصيب الزوج على تقدير الولد فيكون مائة وستين ، فللزوج ربعها ـ وهو أربعون ـ وللخنثى تسعة وثلاثون وهو حاصل ضرب نصيبه من أصل المسألة في مخرج نصيب الزوج بعد وضع نصيبه منه ، وثلثا الباقي للذكر ، وهما أربعة وخمسون حاصل ضرب نصيبه منه ، وهو ثمانية عشر في المخرج المذكور بعد وضع نصيب الزوج ، والثلث الذي بقي للأنثى ، وهو سبعة وعشرون ، حاصل ضرب نصيبها منه ـ وهو تسعة ـ في الأربعة بعد وضع نصيب الزوج.

ويمكن استفادة ما بقي من الثالثة منها ، مثل ضرب أربعين في مخرج نصيب الزوج مع عدم الولد فيحصل نصف ما ذكرنا ويقسم عليهم بعد إخراج نصيب الزوج ، وهو الأربعون مثلها ، وذلك ظاهر.

وضربه في مخرج نصيب الزوجة مع الولد وعدمه ، فإن الأولى ضعف ما ذكر في الرجل مع الولد ، فيحصل من ضرب ثمانية في الأربعين ، ثلاثمائة وعشرون وتقسيمه ظاهر.

والثانية هي بعينها (بعينه ـ خ ل) ، والاولى والثانية تفهمان ممّا تقدم فافهم.

قوله : «ولو كان مع الخنثى أبوان إلخ» يعني إذا اجتمع الخنثى الولد مع أبوي الميت ، فمع فرضه الذكر يكون لهما السدسان ، إذ لهما ذلك مع الذكر كما مرّ


ولو كان مع أحدهما خنثيان فالضرب واحد ، ولكن تضرب اثنين في ثلاثين ، لأن لأحد الأبوين نصف الرد ، فله من ستين احد عشر ، وللخنثيين نصف أربعة الأخماس (أخماس ـ خ) وخمسة الأسداس (أسداس ـ خ).

______________________________________________________

والخمسان مع فرضه الأنثى ، لأن لها النصف ، ولكل واحد منهما السدس بالفرض ، يبقى سدس بينهم أخماسا فالكل مقسوم كذلك كما مرّ.

فالفرض الأول ستة ، والثاني خمسة ، يحصل من ضرب أحدهما في الأخر ثلاثون ، ولا يحتاج الى ضرب المجموع ـ مرّة أخرى ـ في الاثنين ، لتحصيل حصّة الخنثى صحيحا من حيث هو.

وكذا شريكيه من غير نظر إلى التقسيم بين كل واحد منهما صحيحا كما ذكره في أول الباب ، لان ذلك إنما يحتاج اليه مع عدم الصحّة بدونه ، وهنا يصح ، فان الثلاثين حصّة الذكر منه عشرون ، فأخذ نصفه للخنثى ، وحصّة الأنثى منه ثمانية عشر ، ونصفه تسعة ، فمجموع النصفين تسعة عشر ، وهو ظاهر وبقي لهما احد عشر.

وإذا أردنا التقسيم بينهما صحيحا نضرب المجموع في الاثنين يصير ستين لكلّ واحد ضعف ما تقدم.

فقد عرفت من هذا ان الضرب في الاثنين ليس ممّا يحتاج إليه في تحصيل حصّة الخنثى في جميع الصور ، بل لضبط القاعدة الكليّة ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو كان مع أحدهما إلخ» إذا كان مع أحد الأبوين اثنان من الخناثى فالفرضان والضرب واحد ، إذ على تقدير انهما ولدان ذكران فالفريضة ستة ، وعلى تقدير انهما أنثيان ، خمسة ، فيحصل بالضرب ثلاثون كما تقدم.

ولكن هنا لم يحصل منه حصّة أحد الأبوين صحيحا ، فإنه لا بدّ من تنصيف حصّته في كل فرض فريضة كانت أوردا ، وردّه واحدة ولا نصف لها.

وكذلك فريضته فإنها خمسة.


.................................................................................................

______________________________________________________

وكذلك حصّة الخنثى (الخنثيين ـ خ) ، فإنها من الأول خمسة وعشرون.

فلا بدّ من ضرب المجموع في الاثنين لتحصيل حصّة الخنثيين ، ولمن يقابلهما صحيحا ، فبعد الضرب صار ستين ، فحصل احد عشر لأحدهما ، وخمسون الّا واحدا لهما ، وهو نصف الأربعة الأخماس ، ونصف خمسة الأسداس.

فإن نصف الأول أربعة وعشرون ، ونصف الثاني خمسة وعشرون وذلك حظّهما وذلك أيضا لم ينقسم عليهما.

فإن أردت إتمام القسمة تضرب في اثنين ، يحصل مائة وعشرون صار ضعف المضروب فحصل لكل واحد ضعف الأول ، اثنان وعشرون لأحدهما ، ولكلّ من الخنثيين ما كان لهما معا في الأول ، وهو خمسون الّا واحدا وهو ظاهر.

فعلم ان ضرب الحاصل في الاثنين ليس لإتمام القسمة ، إذ قد لا يحصل بذلك أيضا كما عرفت ، وعرفت أيضا حلّ قوله : (لأن إلخ) (١) وان فيه شي‌ء (شيئا ـ ظ) إذ كان المناسب ان يقول : (لأن حصّة الخنثيين نصف ما حصل لهما في الفرضين) وليس له نصف صحيح ، لأن في الأول مهّد القاعدة لتحصيل حصّة الخنثى وان كان ما ذكره مستلزما لذلك.

ولانه قد يقال : لا يحتاج إلى أخذ الفريضة وحدها والتنصيف والردّ كذلك بالجواز ان يحسب فيؤخذان مرّة واحدة وينصف.

ففي صورة الردّ ، لأحد الأبوين ستة ، نصفها ثلاثة وانما الكسر في غير صورة الردّ ولأنه مشعر بان نصف الفرض صحيح ، وليس كذلك وهو ظاهر ، والأمر في ذلك هيّن.

ولكن هنا شي‌ء آخر قد مرّت إليه الإشارة ، وهو انه قد يكون أحدهما ذكرا والآخر أنثى ، فالحكم كلّية على هذا الوجه فيه مشكل.

__________________

(١) يعني قول المصنف : (لأن لأحد الأبوين).


ولو كان مع الأنثى والخنثى أحد الأبوين ، فله تارة السدس ، واخرى الخمس ، فله مع السدس نصف التفاوت ، تضرب خمسة في ستة ثم اثنين في المجتمع ثم ثلاثة في الستين ، فللأب ثلاثة وثلاثون ، وللأنثى أحد وستون ، وللخنثى ستة وثمانون.

ولو كان الأخ أو العم خنثى فكالولد.

______________________________________________________

الّا ان يقال : انما الكلام مع اليأس عن تحقيق الأمر بوجه من الوجوه ، والعلامة المقرّرة ، فحينئذ الاحتمالان في كل واحد منهما متساويان فلا رجحان.

ولكن قد يقال : قد ينازع أحدهما ويطلب القرعة ، وهذا جيّد على القول بالقرعة ، فتأمّل.

قوله : «ولو كان مع الأنثى والخنثى أحد الأبوين إلخ» إذا كان مع الخنثى الولد أنثى كذلك واحد الأبوين فلأحد الأبوين على تقدير الأنوثة سدس ، ولهما الثلثان ، يبقى السدس لم ينقسم فيردّ أخماسا ، فمع الردّ له الخمس ، فنصيبه حقيقة هو الخمس ، وعلى تقدير الذكورة له السدس فله نصف المجموع ، فيحصل له خمس ونصف فيحتاج الى ضرب الحاصل من ضرب احد الفرضين في الآخر ، وهو ثلاثون في الاثنين يحصل ستون ، له احد عشر ولم يحصل حصّة الخنثى والأنثى صحيحا ، وهو ظاهر فيحتاج إلى ضربه في ثلاثة للاحتياج إلى أخذ الثلث على تقدير كونه ذكرا يحصل مائة وثمانون فيحصل لأحد الأبوين ثلاثة وثلاثون.

فالأب في الكتاب على طريق المثال ، وللأنثى أحد وستون ، وللخنثى ستة وثمانون.

قوله : «ولو كان الأخ أو العم خنثى فكالولد» يعني إذا كان الخنثى وارثا آخر غير ولد الميّت مثل ان يكون أخاه أو عمّه على تقدير كونه ذكرا ، وأختا وعمّة على تقدير الأنوثة ، فهو كالولد في تقسيم الميراث وإخراج حصته ، بان يفرض


قال الشيخ : ولو كان زوجا أو زوجة فله نصف ميراثهما.

______________________________________________________

تارة ذكرا واخرى أنثى ، وهو ظاهر.

ولكن لا بدّ ان لا يكون كلالة الأمّ ، فإنه لا فرق فيهم بين الذكر والأنثى ، فإن للواحد السدس ، وللأكثر الثلث بينهم بالسويّة مطلقا ، فلا يتغيّر الحال بالذكورة والأنوثة ، فلا فرق بين الخنثى وغيره.

قوله : «قال الشيخ ولو كان زوجا إلخ» نقل ذلك عن المبسوط ومبناه حديث ميسر بن شريح ومحمّد بن قيس (١) ، المشتمل على قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام المشهور في زمان قضاء شريح وقد أشرنا إليه من قبل.

وأنت تعلم ـ بعد الرجوع الى تلك الرواية ـ انه لا دلالة فيها على هذا الحكم ، وعلى إمكان كون الخنثى زوجا وزوجة على حسب الشرع.

إذ يمكن ان يدل عليه قوله : أتت امرأة شريحا القاضي ، وقالت : ان لي ما للرجال وما للنساء؟ قال شريح : فإن أمير المؤمنين عليه السّلام يقضي على المبال ، قالت : فإني أبول بهما (منهما خ ل) جميعا ويسكنان معا ، قال : شريح : والله ما سمعت بأعجب من هذا ، قالت : أخبرك بأعجب (بما هو أعجب ـ ئل) من هذا ، قال : وما هو؟ قالت : جامعني زوجي فولدت منه وجامعت جاريتي فولدت مني ، فضرب شريح احدى يديه على الأخرى متعجبا ، ثم جاء الى أمير المؤمنين عليه السّلام. الخبر (٢).

حاصله انه حكم عليه السّلام بعدّ أضلاع جنبيها وما كانت متساوية ، فحكم بأنه رجل ، وأعطاه القلنسوة والنعلين. وفي التهذيب : أخذ من شعرها وأعطاها الرداء وألحقها بالرجال (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ٥ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٧٦ ، نقلا بالمعنى.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٥ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٧٦ ، نقلا بالمعنى.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٣ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٧٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

وسندها في الفقيه حسن عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، ولا دلالة فيها على ذلك كما ترى.

نعم فيها دلالة على اعتبار عدّ الأضلاع ، وقد ذكرناها هناك دليلا للقائل به.

وعلى قبول خبر الواحد وان كان حسنا بشرط التوثيق في مثل ذلك حيث أمر دينار الخصي وكان من صالحي أهل الكوفة وعراها وأخبر بعدم تساوي الأضلاع ، فحكم بالرجوليّة بعد ذلك.

وعلى جواز التعرية لمثل هذا الغرض.

وعلى ان القلنسوة والرداء والنعلين وعدم الشعر من زيّ الرجال.

وهي صريحة ـ على ما في الفقيه ـ في انها ولدت.

فقول الشارح ـ بعد نقل ما في التهذيب ـ : (وهذه الرواية دلّت على انها أولدت ولم تدل على انها ولدت كما ادعاه بعضهم ولكنها دلّت على انها كانت زوجة) محلّ التأمل إذ قد يكون مراد البعض على ما في الفقيه.

وانه لم يفهم انها كانت زوجة شرعيّة ، كيف وحكم بأنه رجل وألحقه بالرجال ، نعم ابن عمها يدعي انه زوجته بحسب اعتقاده وزعمه حيث قال : (يا أمير المؤمنين : بنت عمي وقد ولدت مني تلحقها بالرجال؟).

ثم اعلم انه لا معنى لهذا الحكم المنقول عن الشيخ في المبسوط انه قال فيه : (لا يمكن كون الخنثى أبا واما ويمكن كونه زوجا وزوجة لبعض الروايات) وهو إشارة الى هذه لأنه ان كان طرفه الآخر رجلا فالخنثى تكون امرأة وزوجة ، وان كان امرأة يكون هو زوجا ورجلا ، وان كان مشتبه الحال والمشكل فلا يتعيّن الزوج والزوجة.

لكن في الصورتين انما زوج بأنه امرأة في الأول ، ورجل في الثاني ، فلا معنى لتوريثه نصف حصّة الزوج والزوجة وهو ظاهر.


وفاقد الفرجين يورث بالقرعة.

وذو الرأسين والبدنين يوقظ أحدهما ، فإن انتبها فواحد ، وإلّا اثنان.

______________________________________________________

وأيضا ، الظاهر حينئذ انه لا يصح له التزويج ، فكيف يكون زوجة أو زوجا يرث.

الّا ان يقال : قد يكون مع عدم العلم فيكون شبهة موجبة لصحّة العقد باعتقادهم ، فيكون موجبا للإرث كما في سائر الأنكحة الواقعة على غير الوجه المعتبر والصحيحة باعتقادهم فيحكمون بالإرث وسائر أحكام الزوجة حتى بين الكفار ، فتأمّل فيه.

وكذا لا معنى للتوريث ان كان الطرف الآخر الخنثى المشكل.

ولكن لو فرض صحّة التزويج ظاهرا على ما تقدم أمكن الإرث على الوجه الذي تقدم وان كان ذلك بعيدا ، لانه لا بدّ في العقد من تعيين احد الطرفين لان تكون زوجة وموجبا وثبت له المهر وأحكام الزوجة ، والآخر زوجا قابلا يجب عليه بذل المهر وسائر أحكام الزوجة وبالجملة بطلان هذا واضح.

والفرق بين كون الخنثى أبا وامّا وبين كونه زوجا وزوجة بإمكان الثاني وامتناع الأول غير واضح ، وما نعرف قصد الشيخ به رحمه الله.

قوله : «وفاقد الفرجين يورث بالقرعة» قد مرّ دليله في بيان القول بالقرعة في الخنثى ، وهو اخبار وبعضها صحيح (١) فالقول بها متعيّن.

ويمكن الاكتفاء في القرعة بأن يكتب : (عبد الله) و (امة الله) ويحتمل (سهم عبد الله) و (سهم امة الله) ويجال ، ثم يستخرج بعد الدعاء المنقول في الروايات السابقة ، وينبغي الدعاء في جميع صور القرعة خصوصا ما نحن فيه لوجوده فيه في الروايات كما عرفت.

قوله : «وذو الرأسين والبدنين يوقظ إلخ» دليله رواية حريز بن

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٧٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال : ولد على عهد أمير المؤمنين عليه السّلام مولود له رأسان وصدران في حقو واحد فسئل أمير المؤمنين عليه السّلام : يورث ميراث اثنين أو واحد؟ فقال : يترك حتى ينام ثم يصاح به ، فان انتبها جميعا معا كان له ميراث واحد ، وان انتبه واحد وبقي الآخر نائما فإنما يورث ميراث اثنين (١).

وروى البزنطي ، عن أبي جميلة ، قال : رأيت بفارس امرأة لها رأسان وصدران على حقو واحد متزوجة تغار هذه على هذه ، وهذه على هذه ، قال : وحدثنا غيره أنه رأى رجلا كذلك وكانا حائكين يعملان جميعا على حق (حقو ـ خ ل يب) واحد (٢)

والرواية (٣) ضعيفة لمجهوليّة علي بن احمد بن الأشيم ، ولمحمد بن قاسم الجوهري ، فالحكم مشكل.

ويحتمل القرعة ، وعدهما اثنان (اثنين ـ ظ) وتكليفهما بتكليف الأنثى.

والظاهر انه لا بدّ من صومهما.

والصلاة لا تخلو عن إشكال ، فإن أمكن فعلهما ايّاها معا فلا اشكال ، والّا فمشكل ، إذ يلزم زيادة بعض الافعال.

ويحجان فيفعلان في وقت واحد ما لا يمكن التعدد فيه كالوقوف فينوبان ويقفان ويفعلان مرّتين ما يمكن فيه التعدد كالنيّة والتلبية.

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨١.

(٢) فروع الكافي باب ٥١ آخر منه حديث ٣ من كتاب المواريث ج ٢ ص ٢٨١ طبع أمير بهادري وص ١٥٢ ج ٧ طبع جديد حديث ٢ وفي التهذيب حديث ١٣ من باب ميراث الخنثى إلخ من كتاب الفرائض ج ٢ ص ٤٣٦ الطبع الحجري.

(٣) يعني الاولى وسندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد واحمد بن محمّد ، عن علي بن احمد بن أشيم عن القاسم بن محمّد الجوهري عن حريز بن عبد الله ، وله سند آخر يشبهه.


الفصل الثاني : في ميراث المجوس

واختلف فيهم ، فمن علمائنا من يورّثهم كالمسلمين ، ومنهم من يورّثهم بالنسب الصحيح والفاسد والسبب الصحيح خاصّة ، ومنهم من يورّثهم بالصحيح منهما والفاسد.

فلو تزوج بامه فأولدها بنتا فللأم نصيب الزوجة والام ، وللبنت نصيبها.

______________________________________________________

قوله : «الفصل الثاني في ميراث المجوس واختلف فيهم إلخ» الأقوال ثلاثة ثالثها انه يورث بالصحيح من النسب والفاسد ، وأيضا بالصحيح من السبب ، وهو مختار أكثر المتأخرين ، وهو قول الشيخ في التهذيب ، بل الظاهر أنّه أحدث (١) فيدلّ على جواز الأحداث.

وليس في المسألة نصّ معتمد ، وانما الإجماع على إرثه بالصحيح وشبهه من النسب والصحيح من السبب كالمسلمين ، وعليه حملت أدلة الإرث كتابا وسنّة وإجماعا فتأمّل.

نعم روى السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم السّلام انه كان يورث المجوسي إذا تزوج بامه وبابنته (وابنته ـ خ ل) من وجهين ، من وجه انها امه ، ووجه انها زوجته (٢).

وهي ضعيفة السند من وجوه (٣) فتأمّل.

قوله : «فلو تزوج بأمّه إلخ» ذكر مسائل على القول بالإرث بالسبب

__________________

(١) يعني ان الشيخ رحمه الله أحدث القول الثالث وكان قبله قولان ، فيدل على جواز احداث القول الثالث.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب ميراث المجوس ج ١٧ ص ٥٩٦.

(٣) فان سندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن احمد بن يحيى ، عن بنان بن محمّد ، عن أبيه عن ابن المغيرة ، عن السكوني ، ولعل الوجوه يراد بها مجهولية بنان وأبيه وضعف السكوني.


ولو كان أحدهما مانعا ورث باعتبار المانع كبنت هي أخت من أم.

وبنت هي بنت بنت ، وعمة هي أخت من أب ، وعمة هي بنت عمة.

ولو أولد من ابنته بنتا ثم مات ورثته العليا والسفلى بالبنتية.

ولو ماتت العليا بعده فقد خلّف بنتا هي أخت لأب فترث من جهة البنتية.

______________________________________________________

الفاسد أيضا (منها) انه إذا تزوج مجوسيّ بامّه وكان جائزا عندهم ، فأولدها بنتا ثم مات فالأمّ زوجة ، والبنت أخت ترث الامّ بهما لعدم المنع ، ولا ترث البنت إلّا لأنها بنت لمنع الأخت عن الإرث بالبنت.

وإليه أشار بقوله : ولو كان أحدهما مانعا يرث باعتبار مانع كبنت هي أخت من أم.

قوله : «وبنت هي بنت بنت إلخ» مثال آخر ، ان تزوّج بنته ، فأولدها بنتا ، فالمولود بنت وبنت بنت ، فلا ترث ان مات أبوها الّا بأنها بنت.

وإذا تزوج مجوسيّ صاحب ولد بامّه وحصلت منها بنت فالبنت بالنسبة إلى الولد عمّة فإنها أخت أبيها من امّه ، وأخته من أبيه ، لأنها بنت أبيها.

ولو تزوج ذلك بنته فأولدها بنتا فالبنت أخت للولد وبنت أخت له ، فهي عمّة وبنت عمّة بالنسبة إلى ولد هذا الولد.

ولو تزوج بنته وأولدها بنتا ورثته البنتان ، العليا أي الزوجة ، والسفلى أي بنت البنت بالبنتيّة ، ولا ترثه السفلى ببنتيّة البنت وترثه العليا بالزوجيّة أيضا.

ولو ماتت البنت العليا ، فان كان قبل أبيها الذي هو زوجها فقد تركت زوجها وأباها وبنتها وأختها ، فالأب يرثها بالزوجيّة والأبوّة ، والبنت يرثها بالبنتيّة


ولو ماتت السفلى فقد خلّفت أما هي أخت لأب فترث من جهة الأمومة.

ولو أولد من السفلى بنتا ثم مات الوسطى بعده فقد خلّفت اما هي أخت لأب فترث من جهة الأمومة.

ولو أولد من السفلى بنتا ثم مات الوسطى بعده فقد خلّفت اما وبنتا ، هما (وهما ـ خ ل) (أختا أب ـ خ ل) فللأم الربع ، وللبنت الباقي.

______________________________________________________

لا الأختيّة.

وان كان بعده فخلّفت بنتها وأختها فترثها بالبنتيّة لا الأختيّة.

ولو ماتت السفلى قبله فيرثها بالأبوّة ، لا بالجدودة ، وترثها العليا بالاميّة لا الأختيّة.

ولو تزوج ذلك (١) المجوسي السفلى وأولدها ، ثم ماتت الوسطى التي هي كانت السفلى والزوجة الثانية ، عن زوج هو أبوها وجدّها ، وعن أمّ وبنت هما اختاها من أبيها ، فللزوج الربع والسدس بالزوجيّة والأبوّة ، وسقطت الجدودة ، وللامّ السدس ، وللبنت النصف ، والباقي يردّ عليهما وعلى البنت أخماسا ، وسقطت الأختيّة.

ولو ماتت الوسطى بعد موت الأب فترثها الامّ السدس ، والبنت النصف ويردّ عليهما الباقي أرباعا ، فالربع للامّ وثلاثة الأرباع للبنت.

الصور كثيرة ولا يحتاج الى أكثر ممّا ذكر ، بل ليس في ذكره فائدة تعتدّ بها الّا ان يكون المقصود الإشارة إلى تحقيق الإرث بالنسب الفاسد الحاصل من الشبهة في المسلمين ، فان جميع ما ذكر ويتخيّل في المجوس يمكن فرضها في المسلمين للشبهة مثل ان تشبّه (تشتبه ـ خ) امّه أو بنته بالزوجة أو بالأختية ثم تزوجها ، وغير

__________________

(١) في ثلاث نسخ : إلى المجوسي والصواب ما أثبتناه.


وامّا المسلم فلا يرث بالسبب الفاسد ويرث بالنسب صحيحه وفاسده ، فإن الشبهة كالصحيح في لحوق النسب.

______________________________________________________

ذلك من الأمثلة والاحتمالات.

قوله : «واما المسلم فلا يرث إلخ» المسلم يرث بالنسب الصحيح الحاصل بالعقد الصحيح المشتمل على جميع الشرائط ، وبالنسب المفاسد أيضا.

والمراد به هنا ، الحاصل بالوطء الذي يكون مباحا بحسب الشرع ، لشبهة موجبة لذلك باعتقاد المسلم الواطئ والموطوءة ولم يكن تحريمه من الضروريّات.

ويحتمل كون مثله في حقّ مثله شبهة مسموعة شرعا فهذا أيضا نسب صحيح شرعا ، وأطلق عليه الفاسد نظرا الى عدم كونه بالعقد الصحيح المشتمل على جميع شرائطه المعتبرة ، فيحصل بهذه الشبهة النسب الشرعي المستلزم لترتب أحكام الشرع عليه ، مثل الإرث والتحليل والتحريم في النكاح ووجوب النفقة وغيرها ، سواء كان ذلك السبب عقدا فاسدا في نفس الأمر للإخلال بشرائطه سهوا أو لاعتقاد العاقد عدم ذلك كالعربية والمقارنة عند بعض العامة وغير ذلك أم لا ، بل اشتباها على الحسّ بأن تشتبه الزوجة أو الأمة بغير هما.

والفاسد الذي ذكر فيما سبق في المجوس ليس بهذا المعنى ، بل معناه الذي يفسده الشرع ويحكم بأنه فاسد وباطل ولم يترتب عليه الأثر لكون خلافه ضروريا للدين مثل أخذ الأم والبنت ونحوهما.

والظاهر ان دليل ذلك إجماعهم مع صدق النسب عرفا ولغة ، فإن الولد الحاصل من ماء رجل بسبب الوطء شبهة يطلق عليه انه ولده ، وهذا أبوه ، ومثل ذلك.

ولا ينتقض بالحاصل بالزنا ، اما لمنع الصدق ، إذ العالم بأنه حاصل من الزنا لا يطلق عليه انه ولده وهذا أبوه ، أو لخروجه بالنص والإجماع ، فلو سلّم ان أدلة الأحكام المتعلّقة بالنسب (بالنسبة ـ خ ل) مثل توريث الابن تعم الكلّ ، نقول : خرج الحاصل من الزنا بالنص والإجماع وبقي الباقي تحته وثبوت حرمته شرعا ، فإنه


الفصل الثالث : في السهام

وهي ستة : النصف من اثنين ، والربع من أربعة ، والثمن من ثمانية ، والثلث ، والثلثان من ثلاثة ، والسدس من ستة.

______________________________________________________

تحت العدة على الموطوءة شبهة وليس للواطئ أخذ أختها حتى تخرج عدّتها ونحو ذلك على ما يظهر من كلامهم وبعض الروايات.

والظاهر انه يدل على حصول النسب بوطء الشبهة في الجملة بعض الاخبار أيضا بخصوصها.

وانه لا خلاف عند الأصحاب في عدم الإرث بالنسب والسبب الفاسدين بالمعنى الذي ما (١) قدّمناه في إرث المجوسي ، ولا بالسبب الفاسد الذي ذكرناه في إرث المسلم الّا العقد الفاسد لإخلال شرائطه المعتبرة عندنا مع صحته عند المتعاقدين بحيث يكون لهما مذهبا من مذاهب المسلمين ولم يكن ضروريّ البطلان والفساد من الدين لشبهة مثل المخالفين حيث ما شرطوا الصيغة العربيّة ، والمقارنة.

لا ما علم فساده وعدم صحته وكون مثل ذلك عقدا مثل ما يحكى عن بعض الاعراب ان مجرد نصب الرمح على باب خيمة المرأة عقد موجب لكونها زوجة له ، ومثل قوله : انزل عن بيت عمّي ونحو ذلك.

ولعل دليلهم على عدم الإرث بالسبب الفاسد هو الإجماع أيضا.

وان الأدلة لا تشمل الّا الصحيح وما استثناه من الفاسد ، إذ لا يقال للموطوءة شبهة أنه زوجه الواطئ وان صحّ ان الولد ابن الواطئ وبنته ، وكذا الموطوءة ، وكذا المعقود عليها بالعقد الفاسد غير ما ذكر وان كان الوطء حلالا ليس بزنا ، والولد لا حقّ بهما شرعا ، فتأمّل.

قوله : «الفصل الثالث في السهام وهي ستة إلخ» أي السهام

__________________

(١) هكذا في النسخ كلّها ولعل الصواب إسقاط لفظة (ما) كما لا يخفي.


فان اجتمع السدس والربع فمن اثنى عشر ، والثمن والسدس من أربعة وعشرين.

فان لم تنقص الفريضة ولم تزد فان صحّت كأبوين وبنتين.

والّا ضربت عدد من انكسر نصيبه في الفريضة ان لم يكن

______________________________________________________

المفروضة في القرآن العزيز ستة : النصف ، والربع ، والثمن ، والسدس ، والثلث ، والثلثان ، وهي الكسور ، وأشار في المتن الى تفصيلها مع مخارجها بقوله :

(النصف من الاثنين إلخ) يعني النصف يخرج صحيحا من الاثنين ، فأراد بالخارج الكسر ، وبالمخرج أقلّ عدد يخرج ذلك الكسر منه صحيحا.

فمخرج النصف اثنان ، ومخرج الربع أربعة ، ومخرج الثمن ثمانية ، ومخرج الثلث والثلثين ثلاثة ، ومخرج السدس ستة.

فإن اجتمع اثنان منها في فريضة واحدة ، مثل السدس والربع ، وذلك إذا خلّفت أبوين ، وابنا وزوجا ، والسدس والثمن إذا خلفهم والزوجة ، يصير المخرج أكثر ، يحصل بضرب وفق أحدهما في الآخر في المثالين ، فيحصل من ضرب الثلاثة في أربعة اثنا عشر وهو مخرج الأولين ، والثلاثة في الثمانية يحصل أربعة وعشرون فهو مخرج الأخيرين ، ويمكن قياس غير هما عليهما.

قوله : «فان لم تنقص الفريضة إلخ» ان نقصت الفريضة عن السهام أو زادت عليها فهو عول وتعصيب قد مرّ.

وان لم تنقص ولم تزد بأن يخرج الكسور التي هي حظّ من خلّف من أصحاب الفروض منها ولم تزد عليها ، فان صحّت الفريضة بأن قسّمت الكسور على أصحابها مثل ان خلّف أختا من الأبوين أو الأب ، وزوجا ، فلكلّ واحد منهما النصف ، ومثل ان خلّف أبوين وبنتين ، فالثلث لهما لكل واحد منهما السدس ، فيأخذ كل واحد واحدا ، أو للبنتين الثلثان ، تأخذ كل واحدة ثنتين فهو ظاهر.

قوله : «والّا ضربت إلخ» أي ان لم تصحّ الفريضة بأن لا تنقسم حصص


بين نصيبهم وعددهم وفق ـ كأبوين وخمس بنات.

وان كان هناك وفق فاضرب الوفق من العدد ـ لا من النصيب ـ كأبوين وست بنات.

______________________________________________________

أصحاب الكسور عليهم صحيحا ، بل تنكسر ، فلا يخلو اما ان أن يكون الكسر على فريق واحد أو أكثر.

فعلى الأول ينظر ، فان لم يكن بين عدد من ينكسر نصيبهم عليهم وبين نصيبهم وفق فهو التباين ، ضربت العدد في الفريضة ، وان كان بينهما وفق وهو التوافق وهو كون العددين بحيث يفني أحدهما الآخر ، أو يفنيهما ثالث بالحذف عنهما مثل الأربعة والثمانية أو الستة ، فإنه لا يفني أحدهما الآخر ويفنيهما الاثنان ويسمّى المفني عادّا.

ثمّ ان كان العادّ مخرج النصف كما في المثال ـ وهو الاثنان ـ يقال بينهما : توافق بالنصف.

وان كان مخرج الثلث ـ وهو الثلاثة فإنه وفق الستة والتسعة ـ يقال : بينهما توافق بالثلث وهكذا.

ويقال للجزء الذي نسب إليه التوافق : وفق ، فان نصف أحدهما ـ فيما إذا كان التوافق بالنصف ـ وفق.

وكذا الثلاث فيما إذا كان بالثلث وهكذا.

فما يفني الأقل الأكثر هو التداخل ، وما يعدّ هما ثالث هو التوافق بالمعنى الأخصّ يضرب وفق العدد في الفريضة فيهما.

مثال الأوّل ، مات شخص وخلّف أبوين وخمس بنات ، الفريضة ستة ، لأن لكل واحد من الأبوين السدس ، وللبنات الثلثان ، وهنا لا زيادة ولا نقيصة ، ولكن لم يصح أي لم تنقسم حصّة البنات عليهن إذ الأربعة لا تنقسم على الخمس صحيحا.


وان انكسر على أكثر من فريق ، فان كان بين سهام كل فريق

______________________________________________________

وان صحّ قسمة الثالث على الأبوين ولم يكن بين الخمسة التي هي عدد من ينكسر نصيبهنّ عليهن ، وبين نصيبهنّ ـ أي الأربعة ـ وفق بل تباين ضربت عددهن في الفريضة ، صار ثلاثين ومنه يصح ، إذ يحصل للأبوين عشرة ، لكل واحد خمسة ، ولكلّ من البنات أربعة وهو ظاهر.

مثال الأول من الثاني ، مات زوج وخلّف زوجة وستة اخوة من الأب ، الفريضة أربعة ، نصيب الإخوة ثلاثة تنكسر عليهم ، وبينه وبين عددهم تداخل وتوافق بالثلث ضربنا الاثنين في الفريضة صار ثمانية ومنها تصح.

مثال الثاني منه (١) : مات شخص ، وخلّف أبوين وست بنات ، والفريضة ستة ، ولهما الثلث ، ينقسم عليهما صحيحا ، لكل واحد منهما السدس ، وبقي الثلثان أربعة لهن لم ينقسم عليهن صحيحا ، وبين عددهم ونصيبهم توافق بالنصف ، يضرب نصف العدد ثلاثة ـ في الفريضة الستة تصير ثمانية عشرة ، لكل منها ثلاثة ، ولكل واحدة منهنّ اثنان ، ولا يحصل بضرب وفق النصيب ـ أي الاثنين ـ في الفريضة ، لأنه يحصل اثنا عشر لكل واحد منهما اثنان يبقى ثمانية لا تنقسم عليهن صحيحا لأنهن ستة.

هذا كلّه واضح الّا انه أراد بالوفق هنا ما يشمل التداخل أيضا كما ذكرنا ، وهو الذي يفني الأقل الأكثر ، وهذا الاصطلاح موجود ، فللتوافق معنيان أعم وأخص ، ولا يمكن التساوي هنا فتأمّل.

وأما على الثاني وهو الذي يكون الكسر على أكثر من فريق فينظر ، فان كان بين نصيب وسهام كلّ فريق وطائفة من الورثة ، وبين عدد رؤوسهم وفق وتوافق بالمعنى الذي تقدّم ردّ كلّ فريق الى جزء الوفق أي يؤخذ نصف كل نصف واحد ويطرح النصف الآخر ان كان بينهما توافق بالنصف ويؤخذ الثلث ويترك

__________________

(١) يعني الثاني من الثاني عطف على قوله قدّس سرّه : مثال الأول من الثاني.


وعدده وفق فرد (يردّ خ) كل فريق الى جزء الوفق ، وان كان للبعض خاصّة فردّه (يردّه ـ خ) الى جزء الوفق واترك الأخرى بحالها ، وان لم يكن لشي‌ء منها وفق فاترك كلّ عدد (العدد ـ خ ل) بحاله.

ثمّ ان تماثلت الأعداد في الأقسام الثلاثة اقتصرت على أحدها وضربته في الفريضة كأربعة اخوة من أب ومثلهم من أم.

______________________________________________________

الثلثين ان كان التوافق بالثلث وهكذا الى العشر.

وان لم يكن بين الكل ذلك ، فان كان بين البعض يؤخذ وفق ذلك البعض ويترك الآخر.

وان لم يكن وفق أصلا يترك الكلّ على حاله ، ثم ينظر في عدد رؤوس كلّ فريق ، سواء كان كلّه أصلا لم يغيّر أصلا أو كان كله مغيّرا الى الوفق أو غير بعضه الى الوفق دون البعض.

فعدد الرؤوس اما كلّه وفق ، أو كلّه أصل ، أو بعضه وفق وبعضه أصل ، وعلى التقادير الثلاث ينسب بعضها الى بعض.

فان كان بينها تساو اقتصر على أحدها ، أي أخذ أحد الأعذار المتساوية وضرب في الفريضة يحصل المطلوب وهو القسمة على الكلّ صحيحا.

كمن مات وخلّف أربعة اخوة من أب وأربعة اخوة من أم ، فالعدد في الطرفين أربعة فحصل التساوي فتضربها في الفريضة وهي الثلاثة حصل المطلوب ، هذا بحسب ظاهر الأمر من غير نظر الى أصل الفريضة إلى آخر ما ذكر.

فيحتمل ان يكون مراده الإشارة إلى التمثيل للتساوي فقط ، لا للأصل المفروض أوّلا مع التساوي ، كما هو الظاهر ، والّا فهو مثال التداخل ، فإن الفريضة ثلاثة ، للاحتياج الى الثلث فينكسر سهم كلّ واحد على رؤوسهم ، فان الواحد ينكسر على الأربعة من الام ، وكذا الاثنان على الأربعة من الأب ، وبين الواحد والأربعة تباين ، وبين الاثنين والأربعة توافق بالنصف بالمعنى الذي تقدم فأخذنا


وان تداخلت ـ وهي التي يفنى أقلها الأكثر مرّتين أو مرارا ـ فاضرب الأكثر مثل ثلاثة اخوة من أم مع ستة من أب.

وان توافقت ـ وهي التي إذا سقط الأقل من الأكثر مرة أو مرارا بقي أكثر من واحد ـ كالعشرة إذا سقطت (أسقط ـ خ) من اثني عشر بقي

______________________________________________________

نصفه فصار عدد الرؤوس أربعة واثنين وبينهما تداخل ، وأخذنا الأكثر وهي أربعة ، وضربناه في الثلاثة صارت اثني عشر.

للاخوة من الام ثلثها ـ وهو أربعة ـ لكل واحد واحد ، والباقي للإخوة من الأب لكل واحد اثنان.

وان كان بينهما (بينها ـ خ ل) تداخل والتداخل بين العددين كونهما بحيث يفني أقلّهما الأكثر بالحذف عنه مرّة بعد أخرى ، فإنهما غير متساويين.

مثل ثلاثة اخوة من أم (الأم ـ خ) مع ستة من أب ، فإن الثلاثة تفني الستة بالحذف عنها مرّتين.

ولعل التمثيل هنا أيضا ، لمثل هذا المقدار لا لأصل المسألة ، فإن الفريضة ثلاثة منكسرة على الفريقين وبين نصيب كلالة الأب الستة وبين سهمهم الاثنان توافق بالنصف ، فاقتصرنا على نصف الستة التي هي كلالة الأب ـ وهي الثلاثة ـ وبينها وبين الثلاثة ـ كلالة الأم ـ تماثل فاكتفينا بإحدى الثلاثة وضربناها في الثلاثة الفريضة حصل التسعة ، الثلاثة لكلالة الأم لكل واحد واحد ، والستة لكلالة الأب لكل واحد كذلك ، فهذا مثال يصلح ان يكون مثالا للتماثل.

كما ان الأول يصلح للتداخل ، فلو عكس لكان اولى.

ولو عكس هذا المثال بأن يفرق كلالة الأمّ الستة ، والأب الثلاثة ، لكان مثالا للتداخل كما فعله في القواعد.

وان كان بينها (بينهما ـ خ) توافق فاضرب ذلك الجزء الوفق في تمام العدد الآخر والمجتمع في الفريضة يحصل منه المطلوب.


اثنان ، فإذا أسقطتهما من العشرة مرارا فنيت بهما فاضرب وفق أحدهما في عدد الآخر والمجتمع في الفريضة كأربع زوجات وستة اخوة.

وان تباينت ـ وهي التي إذا أسقط أحدهما من الآخر بقي واحد ـ ضربت أحدهما في الآخر والمجتمع في الفريضة كأخوين من أم وخمسة من أب.

______________________________________________________

كمن مات وخلف اربع زوجات وستة اخوة من الأب ، الفريضة أربعة ينكسر حظّ كلّ الفريق عليهم ، وبين الأربعة والستة وفق بالنصف فضربنا الثلاثة ـ وفق الستة ـ في الأربعة ، حصل اثنا عشر وضربناها في الفريضة حصل المطلوب فيعطى الزوجات اثنا عشر ربعها ، وحصل لكل واحد من الاخوة ستة.

وهذا أيضا بحسب الظاهر ، وإذا نظرت الى التفصيل فهذا المثال أيضا لم ينطبق ، فإنه إذا أرجعنا عدد رؤوس الإخوة إلى الثلاث تصير اثنين وأربعة ، وبينهما تداخل لا توافق ، ولعلّ نظره الى ما ذكرناه فتأمّل.

وان تباينت عدد رؤوس احد الفريقين بعد العمل المذكور مع الآخر ـ والتباين بينهما كونهما بحيث إذا أسقط أحدهما من الآخر بقي واحد ، حاصله ان لا يفني أحدهما الآخر ـ ولا ثالث غير الواحد ، تضرب تمام أحدهما في كلّ الآخر ثم حاصل الضرب في الفريضة يحصل المطلوب.

مثل أخوين من أمّ ، وخمسة من أب ، الفريضة ثلاثة ، ونصيب كل واحد منكسر على عدده وليس بين النصيب والعدد وفق ، إذ لا وفق بين الواحد والاثنين ، بل لا نسبة إذ الواحد ليس بعدد ، وان كان عددا فالمراد أكثر منه في المنقسم إلى الأقسام ولا بين الاثنين والخمسة فخلّيا على حالهما ، وبين الاثنين والخمسة تباين فيضرب أحدهما في الآخر حصل عشرة ثم العشرة في الفريضة ـ وهي ثلاثة ـ صار ثلاثين تقسم ثلاثة على الأخوين من الام صحيحا يحصل لكلّ واحد خمسة ، والثلثان على الخمس من الأب كذلك ، يحصل لكل واحد أربعة فهذا المثال مستقيم


الفصل الرابع : في المناسخات

إذا مات احد الورّاث قبل القسمة صحّحت فريضة الأول ، فإن كان وارث الثاني هو وارث الأول من غير اختلاف فالفريضة واحدة كأخوين وأختين مات أخ وأخت عن الباقيين.

ولو اختلف الاستحقاق أو الورّاث أو هما فقد ينهض النصيب بالفريضة الثانية ـ كزوجة مع بنت وأب خلّفت ابنا وبنتا.

______________________________________________________

بخلاف ما تقدم كما تقدم فتأمّل.

قوله : «في المناسخات إذا مات إلخ» قيل : المراد بالمناسخات ان يموت انسان ويموت بعده وارثه قبل قسمة تركته ويتعلّق غرض مّا بقسمة الفريضتين من أصل واحد فلا بدّ من تصحيح الفريضة الاولى واستخراج حظ الميّت الثاني منها صحيحا.

ثم ينظر ان كان وارث الثاني هو وارث الأول بعينه نصيبا وعددا الّا انه ليس في (الوارث) الثاني الميّت الثاني فالفريضة واحدة.

مثل ان مات أخ عن أخوين وأختين ، ثم أخ آخر ، ثم أخت آخر فبقي أخ وأخت فها هنا لا تفاوت ولا يحتاج الى فريضتين ، بل تكفي الاولى فيقسم ما تركه الأموات ، بين الأخ والأخت الباقيين مثلثا ان كانا من الأب والّا فبالسويّة.

وان اختلف نصيبهم واستحقاقهم مع اتحاد الورثة ، مثل ان مات شخص عن ثلاثة أولاد ثم مات أحد الأولاد وخلّف أخويه.

أو اختلف الوارث مع اتحاد الاستحقاق ، مثل ان مات شخص عن ولد ثم مات الولد عن ولد.

أو اختلفا ، مثل ان مات شخص وخلّف ولدا ومات وخلّف أخا.


وقد لا ينهض فتضرب وفق الفريضة الثانية ـ لا وفق نصيب الميّت الثاني ـ في الاولى ان كان بين نصيب الميّت الثاني من الفريضة الاولى والفريضة الثانية وفق ، كزوج مع أخوين من أم وأخوين من أب مات ، عن ابن وبنتين.

ولو تباين النصيب والفريضة ضربت الفريضة الثانية في الأولى كزوج وأخوين من أم وأخ من أب ، مات عن ابنين (اثنين ـ خ ل) وبنت ، وكذا البحث لو تضاعفت.

______________________________________________________

وفي الأقسام الثلاثة قد ينهض نصيب الميّت الثاني بالفريضة الثانية أي يصح قسمة ذلك على ورثة الثاني فيؤخذ ذلك النصيب وتجعل الفريضة الثانية وتقسم على الورثة.

مثل ان مات عن زوجة وبنت وابن ثم ماتت عن ابن وبنت ، الفريضة ثمانية تنكسر في مخرج الثلث فيضرب أحدهما في الآخر يصير أربعة وعشرين ، للزوجة ثلاثة ، والباقي بين البنت والابن أثلاثا فنصيب الزوجة ـ أي الثلاثة ـ يقوم بالفريضة الثانية ، إذ للابن اثنان ، وللبنت واحد.

وقد لا ينهض فيصحح الفريضتين ، وينظر ان كان بين نصيب الميّت الثاني من الفريضة الاولى وبين الفريضة الثانية وفق وتوافق بالمعنى الذي تقدم يضرب وفق الفريضة الثانية ـ لا وفق نصيب الميّت الثاني من الفريضة الاولى ـ في الفريضة الأولى.

كما إذا ماتت عن زوج وأخوين من أمّ وأخوين من أب ، ثم مات الزوج عن ابن وبنتين ، فالفريضة الأولى الستة ، لوجود النصف والثلث ، ولكن نصيب أخوي الأب ـ وهو الواحد ـ ينكسر عليهما في مخرج النصف (١) فيضرب الاثنان في

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها ولعل الأصح إسقاط جملة (في مخرج النصف).


.................................................................................................

______________________________________________________

الستة يصير أنثى عشر ، نصيب الميّت الثاني ستة ، لا يقوم بورثته ـ أي لا ينقسم عليهم صحيحا ، إذ لا ربع له ـ وبين هذا النصيب وبين الفريضة الثانية توافق بالنصف ، تضرب نصف هذه الفريضة ـ لا نصف النصيب ـ في الفريضة الاولى ، وهو اثنا عشر حصل أربعة وعشرون ويحصل منه الفريضتان اثنا عشر للزوج ، ينقسم على ورثته ، للابن ستة ، ولكل واحد من البنتين ثلاثة ولاخوي الميّت الأول أربعة ، وللثاني ثمانية.

وان لم يكن بينهما وفق بل تباين تضرب احدى الفريضتين في الأخرى ، مثل ان ماتت زوجة عن زوج وأخوين من أم وأخ من أب ثم مات الزوج عن ابنين وبنت ، الفريضة الأولى ستة :

للزوج ثلاثة ، ولكلالة الأم الثلث اثنان ، والواحد لكلالة الأب ، والثلاثة التي هي نصيب الميّت الثاني لا يقوم ولا ينقسم صحيحا على ورثته ، لعدم الخمس فالفريضة الثانية خمسة ، ولا وفق بينها وبين النصيب أصلا بل تباين فيضرب احدى الفريضتين في الأخرى يحصل ثلاثون ، ومنه يحصل المطلوب.

للزوج خمسة عشر تنقسم على ورثته ، للبنت ثلاثة خمس ، ولكل واحد من الابنتين ستة خمسان وللأخوين من الام عشر ـ ثلثه ـ لكل واحد خمسة ، والخمسة للأخ من الأب وكل ذلك ظاهر الحمد لله.

وما ذكر مثال لبعض الصور ، والباقي يعلم بالمقايسة ، وكذا الفرض كلّه في الميّت في المرتبة الثانية.

ويعلم منه حال الميت في المرتبة الثالثة وما زاد.

وإليه أشار بقوله : (وكذا البحث لو تضاعفت) وهو ظاهر فافهم.


تمّ الجزء الحادي عشر من كتاب «مجمع الفائدة والبرهان»

في شرح إرشاد الأذهان

حسب تجزئتنا

والحمد لله أولا وآخر وصلّى الله على محمَّد وآله الطاهرين

في شهر رمضان المبارك ١٤١٣

من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء والتحيّة

الحاج آغا مجتبى العراقي

الحاج الشيخ على پناه الإشتهاردي

الحاج آغا حسين اليزدي الأصفهاني

عفا الله عنهم

بحقّ النبي وآله أئمتهم صلوات الله عليهم

آمين



فهرس ما في هذا الجزء

كتاب الصيد وتوابعه

المقصد الأول : في الاصطياد

المطلب الأول:في شرائط الاصطياد

جوازه بكل آلة.......................................................... ٥

حكم ما إذا كانت الآلة مغصوبة.......................................... ٥

بيان ما يصاد........................................................... ٥

شرط حل الصيد كون ما يصاد به إن كان حيوانا كلبا معلما للصيد............ ٥

إن كان ما يصاد غير حيوان فشرط حله به كونه سهما أو شبهه............. ١٢

وجه عدم حل الصيد بغير السهم وشبهه.................................. ١٤

اشتراط التسمية في حل الصيد بالآلة..................................... ١٧

اشتراط التسمية في حل الصيد بالكلب المعلم.............................. ١٧

حل الصيد لو نسي التسمية............................................ ١٨

حكم ما لو سمي على صيد فقتل الكلب غيره............................. ٢٠

حكم ما لو أرسل كلبه على كبار فتفرقت عن صغار فقتلها.................. ٢١

حكم ما لو أرسله مسميا مع عدم مشاهدة الصيد حين التسمية............. ٢١

اشتراط عدم غيبة الصيد عن نظر الصائد................................. ٢٢


اشتراط قتل الكلب الصيد بعقره......................................... ٢٤

اشتراط إرسال المسلم................................................... ٢٥

اشتراط انفراد المسلم في إرسال الآلة...................................... ٢٦

اشتراط إرسال المسلم آلته للاصطياد..................................... ٢٧

هل يملك صاحب الكلب الصيد بإثبات كلبه المسترسل؟.................... ٢٩

عدم حل الصيد الذي قتله المرسل والمسترسل.............................. ٣٠

ما به يتحقق التعليم في الكلب المعلم..................................... ٣١

جواز الاصطياد بمعنى أخذ الصيد بجميع آلات الصيد...................... ٣٧

المطلب الثاني : في الاحكام

حل الصيد بإرسال المسلم الكلب المعلم وإن كان معلمه غير مسلم........... ٣٨

بيان الصيد يحل بقتل آلة الصيد......................................... ٣٩

حكم المتردي والصائل.................................................. ٤٠

عدم حل الفرخ الغير الناهض بآلة الصيد................................. ٤٣

حكم ما لو اصطاد بالمغصوب........................................... ٤٤

وجوب غسل موضع عضة الكلب....................................... ٤٧

وجوب المسارعة بعد إرسال الكلب أو السهم إلى الصيد.................... ٤٨

وجوب ذبحه لو أدركه وحياته مستقره..................................... ٤٩

بيان المراد من استقرار الحياة............................................. ٥١

حكم ما لو أدركه ولم يتسع الزمان لذبحه.................................. ٥٣

حكم ما لو صيره الرامي غير ممتنع........................................ ٥٣

حكم ما لو حبس الصيد وجعله غير ممتنع هل يملكه؟....................... ٥٤

حكم ما لو أطلق الصيد من يده قاطعا لنية التملك........................ ٥٥

عدم تملك الصائد الصيد بإصابة سهمه................................... ٥٦

حكم ما لو جعل الحيوان غير ممتنع في الجملة.............................. ٥٦


حكم ما لو رمى شخصان صيدا فوجداه ميتا بالرميين....................... ٥٧

كل أثر يدل على التملك لا يملكه الثاني معه.............................. ٥٨

عدم تملك الطيور بالانتقال من برج إلى آخر............................... ٥٩

حكم ما لو جهل المثبت من الجارحين.................................... ٥٩

حكم ما لو أثبته أحدهما وجرحه الآخر................................... ٦٠

حكم ما لو أثبته الأول فصيره في حكم المذبوح فقتله الثاني.................. ٦٠

حكم ما لو جرحه الثاني ولم يقتله وتفصيل الكلام فيه....................... ٦٢

المقصد الثاني : في الذبح المطلب

الأول : في الأركان

(الأول) الذابح ، وشرطه الاسلام ....................................... ٦٩

دليل اشتراط الاسلام هو الكتاب والسنة والاجماع.......................... ٧٠

حلية ذبيحة المسلمة والخصي والمخالف والحائض والجنب وأطفال المؤمنين وولد الزنا ٨١

حرمة الذبيحة مع اشتراك المسلم والكافر.................................. ٨٦

لا تؤكل ذبيحة المجنون والصبي غير المميز.................................. ٨٦

(الثاني) المذبوح

كل ما تقع عليه الذكاة هو كل حيوان طاهر بعد الذبح..................... ٨٦

هل المسوخ والحشرات قابلة للتذكية؟..................................... ٨٩

حكم طهارة الجلد بمجرد الذكاة قبل الذبح................................ ٨٩

(الثالث) آلة التذكية

لا تحل التذكية إلا بالحديد.............................................. ٩٠

حكم التذكية بالظفر والسن............................................. ٩٤

لو رمى رأس عصفور ببندقة حرم......................................... ٩٤


(الرابع) كيفية الذبح

اشتراط أمور خمسة (١) قطع المرئ....................................... ٩٥

كيفية النحر.......................................................... ٩٧

لزوم قطع كل واحد من الأعضاء الأربعة.................................. ٩٩

حكم القطع من القفا................................................. ١٠٠

حكم ذبح المشرف على الموت......................................... ١٠١

هل الحركة وخروج الدم المعقول شرط؟................................... ١٠٣

حكم ما لو قطع بعض الأعضاء ثم تممه................................ ١٠٧

عده اشتراط قطع الأعضاء في الصيد ولا المستعصى....................... ١١٠

كيفية تذكية البعير الشارد............................................. ١١٢

(٢) استقبال القبلة مع القدرة.......................................... ١١٣

(٣) التسمية وكيفيتها................................................ ١١٥

(٤) نحر الإبل وذبح غيرها............................................ ١١٩

(٥) الحركة الدالة على الحياة........................................... ١٢٢

المطلب الثاني : في الاحكام

جواز شراء ما يوجد في أسواق المسلمين من اللحوم........................ ١٢٣

حكم ما لو شك أن الذابح عارف بالشرائط............................. ١٢٣

كراهة الذبح ليلا ونهارا الجمعة......................................... ١٢٨

كراهة النخع........................................................ ١٢٩

كراهة قلب السكين ليذبح إلى فوق.................................... ١٣١

كراهة أن يذبح وآخر ينظر إليه........................................ ١٣٣

كراهة إبانة الرأس وسلخها قبل الموت................................... ١٣٤

حكم ما لو انفلت الطير.............................................. ١٣٨

ما يستحب في ذبح الانعام............................................ ١٣٨


ذكاة السمك أخذه من الماء حيا....................................... ١٣٨

لو وجد السمك في كافر لم يحل إلا مع مشاهدة اخراجه له حيا............ ١٣٩

حكم ما لو أعيد في الماء فمات فيه..................................... ١٣٩

حكم ما لو مات البعض في الشبكة.................................... ١٣٩

حكم ما لو اشتبه الحلال من السمك بالحرام............................. ١٤٠

أدلة حل صيد الكافر وعدم اشتراط الاسلام............................. ١٤٢

أدلة حرمة ما مات في الماء............................................. ١٤٤

دليل جواز أكل السمك حيا.......................................... ١٤٧

كيفية ذكاة الجراد.................................................... ١٤٩

ذكاة الجنين ذكاة أمه................................................. ١٥١

حكم ما لو خرج السمك من الماء حيا وحياته مستقرة..................... ١٥٣

المقصد الثالث : في الأطعمة والأشربة

(الباب الأول) في حال الاختيار

بيان ضابطة حل المطعومات........................................... ١٥٦

حل الانعام.......................................................... ١٥٨

كراهة الخيل والبغال.................................................. ١٥٨

شدة كراهة الحمر والبغال.............................................. ١٦٣

كراهة أكل الحيوان الذي رباه.......................................... ١٦٤

بيان ما يحل من الحيوان البري الوحشي.................................. ١٦٥

حرمة أكل لحم الكلب والسنور وكل سبع............................... ١٦٥

ذكر جملة من الحيوانات المحرمة......................................... ١٦٦

بيان ما يحل من الطيور................................................ ١٧١

حرمة ما كان صفيفه أكثر من دفيفه ... الخ............................. ١٧٤

كراهة الهدهد والكركي والكروان الصعوة وطير الماء........................ ١٨٠


حكم الخطاف....................................................... ١٨٢

حكم الفاختة والقنبرة................................................. ١٨٣

حكم الحباري....................................................... ١٨٤

كراهة الصرد والصوام والشقراق........................................ ١٨٥

حرمة كل حيوان بحري إلا السمك ذا الفلس............................. ١٨٧

حرمة كل مسكر من المايعات.......................................... ١٩٠

حرمة الفقاع......................................................... ١٩٤

حرمة العصير العنبي إذا غلى واشتد ما لم يصر خلا....................... ١٩٨

حرمة عصير الزبيب والتمر............................................ ٢٠٣

حكم ما مزج بشئ من المايعات المحرمة.................................. ٢٠٦

حرمة الدم المسفوح وبيان المراد منه...................................... ٢٠٩

استثناء الدم المختلف في اللحم في الجملة................................ ٢١١

حرمة الأبوال كلها إلا بول الإبل في الجملة............................... ٢١٣

حرمة لبن ما يحرم أكل لحمه........................................... ٢١٥

حرمة ما خالطه شئ من المايعات النجسة................................ ٢١٦

حلية الجامدات إلا الميتة ولبنها على قول................................ ٢٢١

حرمة نجس العين وما خرج بالنجس.................................... ٢٢٦

حرمة ما باشره الكفار................................................ ٢٢٧

حرمة أكل الطين وجواز أكل طين قبر الحسين عليه السلام مع الشرائط وبيان مقدار ما يحل         ٢٣٣

حرمة أكل السموم القاتل قليلها وكثيرها................................. ٢٣٧

بيان ما يحرم من الذبيحة.............................................. ٢٣٨

حكم اللحم المشوي مع الطحال....................................... ٢٤٤


مسائل

بيان ما يحل من البيض............................................... ٢٤٦

حكم ما لو اشتبه بيض السمك....................................... ٢٤٦

حكم ما إذا اغتذى الحيوان بعذرة الانسان............................... ٢٤٨

ما يحصل به الجلل ومدة حصوله....................................... ٢٤٩

عدم الفرق بين الحيوان في حصول الجلل................................. ٢٥٢

هل الحيوان الذي حصل له الجلل نجس؟................................ ٢٥٢

في الاستبراء المحلل.................................................... ٢٥٣

اختلاف الروايات في مدة استبراء الحيوانات.............................. ٢٥٣

حكم ما لو شرب شئ من الانعام لبن خنزيرة............................ ٢٥٦

استبراء الشارب للبن خنزيرة............................................ ٢٥٩

حكم ما لو شرب حيوان محلل اللحم خمرا أو بولا......................... ٢٦٠

حرمة موطوءة الانسان ونسله وحكم المشتبه.............................. ٢٦١

حكم الموضوعة فرضا والمصبورة......................................... ٢٦٥

ما يحل من الميتة...................................................... ٢٦٥

حرمة المشتبه بالميتة وحكم بيعها........................................ ٢٧١

المقطوع من الحي ميتة................................................. ٢٧٥

حرمة الاستصباح بالميتة............................................... ٢٧٧

عدم طهارة المرق بالغليان.............................................. ٢٧٨

حكم ما لو وقعت نجاسة غير سارية في الجامد........................... ٢٧٨

جواز الاستصباح بالدهن النجس....................................... ٢٧٩

لا يطهر العجين النجس إلا بالإحالة................................... ٢٧٩

حكم بصاق شارب الخمر............................................. ٢٨٠

كراهة أكل ما باشره الجنب والحائض مع التهمة ومن لا يتقي من النجاسات. ٢٨١


كراهة سقي الدواب المسكر........................................... ٢٨٣

كراهة الأسلاف في العصير........................................... ٢٨٤

كراهة استيمان من يستحل شرب العصير قبل ذهاب ثلثيه................ ٢٨٥

كراهة الاستشفاء بمياه الجبال الحارة..................................... ٢٨٨

عدم تحريم الربوبات وإن شم منها رائحة المسكر.......................... ٢٨٩

عدم تحريم الخل المنقلب عن الخمر...................................... ٢٨٩

حكم ما لو عولج الخمر بالنجس أو باشره الكافر......................... ٢٩٥

حكم ما لو مزج الخمر بالخل واستهلكه................................. ٢٩٦

حكم اللحم المطروح.................................................. ٢٩٩

جواز الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة................................... ٣٠٢

حكم استعمال شعر الخنزير........................................... ٣٠٣

حرمة الاكل من غير ما تضمنت الآية إلا بإذنه.......................... ٣٠٥

حكم إعطاء المرأة من بيت زوجها...................................... ٣٠٧

حكم أكل الوالد من مال ولده بغير إذنه................................ ٣٠٨

حكم اكل المارة على ثمرة أو زرع....................................... ٣٠٩

(الباب الثاني) في الاضطرار

جميع المحرمات تحل عند الاضطرار إلا ما خرج وبيان ما يحصل به الاضطرار إلا الباغي أو العادي    ٣١٢

بيان مقدار الاكل عند الاضطرار....................................... ٣١٥

إذا دار الامر بين شرب البول أو الخمر................................. ٣١٨

عدم جواز التداوي بشئ من الأنبذة المحرمة ولا بشئ من الأدوية مع شئ من المسكر اختيارا ٣١٩

جواز التداوي بهما عند الضرورة........................................ ٣٢٢

جوازقتل الحربي والمرتدوالزاني المحصن والمرأة الحربية والصبي الحربي


والتناول من لحمهم عند الضرورة....................................... ٣٢٣

جواز الاكل من ميتة الآدمي عند الضرورة............................... ٣٢٤

حكم ما إذا دار الامر بين الميت المسلم وقتل الحربي...................... ٣٢٥

حكم ما لو وجد المضطر الميتة والحي والميت.............................. ٣٢٥

حكم ما لو لم يجد إلا نفسه هل يجوز أكل لحمه؟........................ ٣٢٥

حكم ما لو وجد طعام الغير ولا ثمن.................................... ٣٢٦

حكم ما لو اضطر إلى الميتة وطعام الغير................................. ٣٢٩

حكم ما لو اضطر إلى الميتة أو المسكر.................................. ٣٣٠

يحرم الاكل على مائدة يشرب عليها الخمر............................... ٣٣١

هل حكم باقي المسكرات كالخمر؟..................................... ٣٣٢

يلحق الفقاع بالمسكرات.............................................. ٣٣٢

حكم القيام هنا حكم الجلوس......................................... ٣٣٢

هل الاكل حرام أو المأكول أيضا؟...................................... ٣٣٢

هل الحرمة مختصة بحال الشرب عليها أم يحرم الاكل مطلقا؟................ ٣٣٢

كراهة الاكل على الشبع.............................................. ٣٣٣

كراهة الاكل باليسار مع قدرة اليمين................................... ٣٣٤

كراهة الاكل متكئا.................................................. ٣٣٥

استحباب غسل اليد قبل الاكل وبعده.................................. ٣٣٦

استحباب التسمية ابتداء على كل لون.................................. ٣٣٧

استحباب ابتداء المالك وتأخره في الاكل................................ ٣٣٩

استحباب ابتداء من على يمينه بالغسل.................................. ٣٣٩

استحباب جمع الغسالة في إناء واحد.................................... ٣٤٠

استحباب الاستلقاء بعد الاكل وكيفيته.................................. ٣٤٢


كتاب الميراث

في أسباب الإرث وموجباته............................................ ٣٤٦

إرث الأبوين والأولاد

كل من الأبوين إذا انفرد أخذ المال..................................... ٣٤٩

إرث كل منهما مع الاجتماع.......................................... ٣٥٠

إذا انفرد الابن فالمال له وإذا تعدد تشاركوا............................... ٣٥١

حكم ما إذا انفردت البنت أو تعددتا................................... ٣٥١

حكم ما إذا اجتمع الذكور والإناث.................................... ٣٥٢

إرث كل من الأبوين مع الذكور أو الإناث من الأولاد..................... ٣٥٢

إرث كل من الأبوين مع الزوج أو الزوجة................................ ٣٥٦

إرث الأولاد مع الزوج أو الزوجة........................................ ٣٥٦

إرث أحد الأبوين والبنتين مع الزوج..................................... ٣٥٧

لا عول مع اجتماع أحد الزوجين مع الأبوين والبنتين...................... ٣٥٨

إرث أحد الأبوين والبنتين مع الزوجة.................................... ٣٥٩

مع فقد الأولاد يقوم أولادهم مقامهم في مقاسمة الأبوين................... ٣٥٩

إرث بنت الابن ومع ابن البنت........................................ ٣٦٠

إرث ولد الابن مع الانفراد............................................ ٣٦٠

عدم إرث ولد الولد مع ولد الصلب.................................... ٣٦٨

أولاد الابن والبنت يقتسمون المال للذكر مثل حظ الأنثيين................ ٣٦٨

يمنع الأولاد كل من يتقرب بالأبوين..................................... ٣٦٩

يمنع الأبوان آبائهم................................................... ٣٦٩

مسألة الطعمة....................................................... ٣٧٦

مسألة الحبوة

يحبى الولد للصلب المؤمن الذكر الأكبر................................. ٣٧٨


ذكر ما يحبى به في المتن............................................... ٣٧٩

الفروع المتفرعة على الحبوة............................................. ٣٨٥

ميراث الاخوة والأجداد

إرث الأخ إذا انفرد وإذا تعدد وكذا الأخت.............................. ٣٨٦

إذا اجتمع الذكور والإناث............................................ ٣٨٧

إرث الأخ من الام أو الأخت منفردا ومجتمعا............................. ٣٨٨

لو اجتمع المتقرب بالأبوين مع المتقرب بالام.............................. ٣٨٩

لو اجتمع المتقرب بالأبوين مع المتقرب بالأب فقط........................ ٣٩٠

قيام المتقرب بالأب مقام المتقرب بالأبوين عند فقده وكيفية الإرث حينئذ..... ٣٩١

لو اجتمع الاخوة المتفرقون............................................. ٣٩٤

إرث الجد أو الجدة إذا انفردا أو اجتمعا................................. ٣٩٥

الجد الأدنى يمنع الابعد................................................ ٤٠٣

الجد الابعد يشارك الاخوة............................................. ٤٠٤

إرث الأجداد الأربعة................................................. ٤٠٤

إرث الزوج أو الزوجة مع الاخوة والأجداد............................... ٤٠٥

قيام أولاد الاخوة والأخوات مقام آبائهم................................. ٤٠٨

أولاد الاخوة يقاسمون الأجداد كآبائهم.................................. ٤١١

منع الاخوة وأولادهم وكذا الأجداد الأعمام والأخوال وأولادهم............. ٤١١

ميراث الأعمام والأخوال

إرث العم المنفرد وكذا العمة المنفردة..................................... ٤١٢

إرث العم والعمة مع الاجتماع والاختلاف.............................. ٤١٢

الأقرب بدرجة يمنع الابعد إلا في ابن العم للأبوين مع العم من الأب فالإرث لابن العم     ٤١٥

حكم اجتماع الخال أو الخالة مع العم أو العمة........................... ٤١٥


لو اجتمع الأخوال والأعمام........................................... ٤١٨

لو اجتمع الأخوال المتفرقون مع الأعمام المتفرقين.......................... ٤١٨

اجتماع أولاد العمومة والعمات الخؤولة والخالات......................... ٤٢٠

عمومة الميت ونحوهم يمنعون عمومة أب الميت ونحوهم..................... ٤٢١

حكم ما لو اجتمع سببان متساويان في واحد............................ ٤٢٢

لكل من الزوج والزوجة نصيبه الاعلى مع الاجتماع مع العمومة والخؤولة..... ٤٢٣

ميراث الأزواج

إرث الزوج مع عدم الولد للزوجة....................................... ٤٢٤

هل يرد على الزوج الباقي من نصيبه مع عدم وارث آخر ولو ضامن جريرة؟.. ٤٢٥

إرث الزوجة مع عدم الولد للزوج....................................... ٤٣٠

هل يرد الباقي من نصيبها عليها مع عدم وارث آخر ولو ضامن جريرة؟...... ٤٣٠

الزوجات المتعددات يتساوين في الربع أو الثمن........................... ٤٣٥

عدم اشتراط الدخول في إرث الزوج أو الزوجة إلا في عقد المريض........... ٤٣٥

المطلقة رجعية كالزوجة................................................ ٤٣٩

لو اشتبهت المطلقة من الأربع بعد تزويج الخامسة......................... ٤٤٠

لو اشتبهت بواحدة من الأربع أو بأكثر................................. ٤٤٠

لا يرد على الزوج والزوجة الا مع عدم كل وارث مسابب ومناسب.......... ٤٤٢

ارث ذات الولد من زوجها............................................. ٤٤٢

في الولاء

لا يرث المعتق مع وجود النسب........................................ ٤٥٦

للزوج وللزوجة نصيبهما مع المعتق...................................... ٤٥٦

حكم ما لو عدم المنعم ومن يرث الولاء................................. ٤٥٧

ولاء ضامن الجريرة وبيان المراد منه....................................... ٤٥٧

لا يضمن إلا سائبة ولا يرث إلا مع فقد كل مناسب حتى المعتق............ ٤٦٢


الامام عليه السلام يرث مع عدم ضامن الجريرة........................... ٤٦٤

كل من مات ولا وارث له وإن كان حربيا فميراثه للامام عليه السلام........ ٤٧١

موانع الإرث

(الأول) الكفر حكم ما لو كان للكافر ورثة كفار........................ ٤٧٣

حكم ما لو كان وارث المسلم كافرا..................................... ٤٧٥

لو أسلم الكافر على ميراث قبل القسمة................................ ٤٧٦

هل الزوج كالوارث الواحد والزوجة كالمتعدد؟............................. ٤٧٩

حكم ما لو كان الميت كافرا والورثة كفار................................ ٤٨٢

حكم ما لو خلف الكافر أولادا صغارا لا حظ لهم في الاسلام............. ٤٨٣

حكم ما لو ارتد أحد الورثة بعد إرثه من المسلم........................... ٤٨٦

(الثاني) الرق فلا يرث ولا يورث مطلقا حكم ما لو أعتق قبل القسمة....... ٤٨٧

حكم ما لو لم يكن وارث سوى العبد................................... ٤٩٠

فروع

(١) المباشر لشراء العبد هو الامام أو من ينوبه........................... ٤٩٦

(٢) لو تعذر الحاكم................................................. ٤٩٦

(٣) وجوب الشراء والعتق كفائي....................................... ٤٩٧

(٤) هل الشراء يكفي عن الاعتاق؟.................................... ٤٩٧

(٥) يجب البيع على المالك وإن لم يفعل فالحاكم......................... ٤٩٧

(٦) هل يجوز أو يجب إعطاء أكثر من قيمة العبد؟...................... ٤٩٧

(٧) لا فرق بين في الاحكام المذكورة بين القن المحض وغيره................ ٤٩٨

حكم ما لو كان الوارثان عبدين وقصرت التركة عنهما..................... ٥٠٠

حكم ما لو قصر نصيب أحدهما (هم)................................. ٥٠٠


حكم ما لو تحرر بعضه............................................... ٥٠٠

(الثالث) القتل ، وهو مانع عن الإرث إذا كان عمدا ظلما وحكم القتل خطأ ٥٠١

القتل قصاصا أو حدا غير مانع........................................ ٥٠٧

حكم ما لو لم يكن له وارث سوى القاتل............................... ٥٠٨

ولا يمنع ولد الولد بجناية أبيه........................................... ٥٠٨

ويرث الدية كل مناسب ومسابب وحكم المتقرب بالام.................... ٥٠٩

عدم إرث الزوجين من القصاص........................................ ٥١١

(الرابع) اللعان ، وهو قاطع للإرث بين المتلاعنين......................... ٥١٢

هل يرث المتقرب بأبي الولد الذي لا عنه؟............................... ٥١٦

حكم ما لو نفى باللعان تو أمين....................................... ٥١٧

حكم ما لو لم يخلف الولد إلا امه...................................... ٥١٨

حكم ما لو خلف امه ومعها ابن....................................... ٥١٨

حكم ولد الزنا في الإرث وارثا وموروثا................................... ٥١٨

حكم من تبرأ أبوه عند السلطان من جريرة ولده.......................... ٥٢٠

(الخامس) الاشتباه في التقدم والتأخر إلا في الغرق والهدم.................. ٥٢٢

حكم الغرقي والمهدوم عليهم في التوارث................................. ٥٢٣

حكم ما لو غرق الأبوان والولد........................................ ٥٣٦

خاتمة

حكم المفقود وأنه إلى كم ينتظر؟....................................... ٥٣٨

حكم ما لو مات للمفقود قريب....................................... ٥٣٨

الحمل يرث بشرط انفصاله حيا........................................ ٥٤٦

يأخذ الموجودون أقل سهامهم مع الحمل................................. ٥٥٠

دية الجنين لأبويه..................................................... ٥٥١


حكم ما لو مات وعليه دين........................................... ٥٥١

تتمة في الحجب

كل أقرب يمنع الابعد................................................. ٥٥٢

الاخوة يحجب الام عما زاد عن السدس بشروط خمسة.................... ٥٥٢

(١) وجود الأب..................................................... ٥٥٣

(٢) كونهما ذكرين أو ذكرا وانثيين أو أربع نسوة.......................... ٥٥٣

(٣) أن لا يكون الحاجب كافرا........................................ ٥٥٥

(٤) كون الاخوة من الأب أو من الأبوين............................... ٥٥٧

(٥) انفصال الولد................................................... ٥٥٨

نكتة

العول عندنا وبيان من يرد عليه النقص.................................. ٥٥٩

لا إرث بالتعصيب................................................... ٥٦٩

اللواحق

في الخنثى

إرث الخنثى......................................................... ٥٧٤

حكم ما لو كان مع الخنثى ذكر....................................... ٥٨١

حكم ما لو كان مع الخنثى أنثى....................................... ٥٨٢

حكم ما لو كان مع الخنثى زوج أو زوجة................................ ٥٨٢

حكم ما لو كان مع الخنثى أبوان....................................... ٥٨٣

حكم ما لو كان مع أحد الأبوين خنثيان................................ ٥٨٤

حكم ما لو كان مع الأنثى والخنثى أحد الأبوين.......................... ٥٨٦

حكم ما لو كان الأخ أو العم خنثى.................................... ٥٨٦

حكم ما لو كان الخنثى زوجا أو زوجة................................... ٥٨٧

حكم إرث فاقد الفرجين.............................................. ٥٨٩


حكم إرث ذي الرأسين في بدن واحد................................... ٥٨٩

في ميراث المجوس

في أن المجوس هل هم كالمسلمين في النسب والسبب؟..................... ٥٩١

لو تزوج المجوسي بأمه فأولدها......................................... ٥٩١

ولو أولد من ابنته بنتا ثم مات......................................... ٥٩٢

لا يرث المسلم بالسبب الفاسد ويرث بالنسب مطلقا..................... ٥٩٤

في السهام

السهام ستة وبيانها................................................... ٥٩٥

حكم ما إذا اجتمع السدس والربع...................................... ٥٩٦

بيان النسب الأربع التوافق والتداخل والتماثل والتباين..................... ٥٩٧

في المناسخات

حكم ما إذا مات أحد الوراث قبل القسمة وتفصيل القول فيه............. ٦٠٢

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ١١

المؤلف:
الصفحات: 622