مقدمة الطبعة الثانية :

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله المنعوت بجميل الصفات ، وصلّى الله على سيدنا محمد أشرف الكائنات ، المبعوث بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ، وعلى آله وصحبه الذين نصبوا أنفسهم للدفاع عن بيضة الدين حتى رفع الله بهم مناره ، وأعلى كلمته ، وجعله دينه المرضىّ ، وطريقه المستقيم.

وبعد ، فقد كان مما جرى به القضاء أنى كتبت منذ أربع سنين تعليقات على كتاب الخلاصة (الألفية) الذى صنّفه إمام النحاة ، أبو عبد الله جمال الدين محمد ابن مالك المولود بجيان سنة ستمائة من الهجرة ، والمتوفى فى دمشق سنة اثنتين وسبعين وستمائة ، وعلى شرحه الذى صنّفه قاضى القضاة بهاء الدين عبد الله بن عقيل ، المصرى ، الهاشمى ، المولود فى سنة ثمان وتسعين وستمائة ، والمتوفى فى سنة تسع وستين وسبعمائة من الهجرة ، ولم يكن يدور بخلدى ـ علم الله ـ أن تعليقاتى هذه ستحوز قبول الناس ورضاهم ، وأنها ستحلّ من أنفسهم المحلّ الذى حلّته ، بل كنت أقول فى نفسى : «إنه أثر يذكرنى به الإخوان والأبناء ، ولعله يجلب لى دعوة رجل صالح فأكون بذلك من الفائزين».

ثم جرت الأيام بغير ما كنت أرتقب ؛ فإذا الكتاب يروق قرّاءه ، وينال منهم الإعجاب كلّ الإعجاب ، وإذا هم يطلبون إلى فى إلحاح أن أعيد طبعه ، ولم يكن قد مضى على ظهوره سنتان ، ولم أشأ أن أجيب هذه الرغبة إلا بعد أن أعيد النظر فيه ، فأصلح ما عسى أن يكون قد فرط منّى ، أو أتمم بحثا ، أو أبدل عبارة بعبارة أسهل منها وأدنى إلى القصد ، أو أضبط مثالا أو كلمة غفلت عن


ضبطها ، أو ما أشبه ذلك من وجوه التحسين التى أستطيع أن أكافىء بها هؤلاء الذين رأوا فى عملى هذا ما يستحق التشجيع والتنويه به والإشادة بذكره ، وما زالت العوائق تدفعنى عن القيام بهذه الأمنيّة الشريفة وتدودنى عن العمل لتحقيقها ، حتى أذن الله تعالى ، فسنحت لى الفرصة ، فلم أتأخر عن اهتبالها ، وعمدت إلى الكتاب ، فأعملت فى تعليقاتى يد الإصلاح والزيادة والتهذيب ، كما أعملت فى أصله يد التصحيح والضّبط والتحرير ، وسيجد كل قارىء أثر ذلك واضحا ، إن شاء الله.

والله ـ سبحانه وتعالى! ـ المسئول أن يوفقنى إلى مرضاته ، وأن يجعل عملى خالصا لوجهه ، وأن يكتبنى ويكتبه عنده من المقبولين ، آمين.

كتبه المعتز بالله تعالى

محمّد محيى الدين عبد الحميد


مقدمة الطبعة الأولى

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد الله على نعمائه ، وصلاته وسلامه على خاتم أنبيائه ، وعلى آله وأصحابه وأوليائه اللهم إنى أحمدك أرضى الحمد لك ، وأحبّ الحمد إليك ، وأفضل الحمد عندك ، حمدا لا ينقطع عدده ، ولا يفنى مدده.

وأسألك المزيد من صلواتك وسلامك على مصدر الفضائل ، الذى ظلّ ماضيا على نفاذ أمرك ، حتى أضاء الطريق للخابط ، وهدى الله به القلوب ، وأقام به موضحات الأعلام : سيدنا محمد بن عبد الله أفضل خلق الله ، وأكرمهم عليه ، وأعلاهم منزلة عنده ، صلّى الله عليه وعلى صحابته الأخيار ، وآله الأبرار.

ثم أما بعد ، فلعلك لا تجد مؤلّفا ـ ممن صنفوا فى قواعد العربية ـ قد نال من الحظوة عند الناس ، والإقبال على تصانيفه : قراءة ، وإقراء ، وشرحا ، وتعليقا ، مثل أبى عبد الله محمد جمال الدين بن عبد الله بن مالك ، صاحب التآليف المفيدة ، والتصنيفات الممتعة ، وأفضل من كتب فى علوم العربية من أهل طبقته علما ، وأوسعهم اطلاعا ، وأقدرهم على الاستشهاد لما يرى من الآراء بكلام العرب ، مع تصوّن ، وعفة ، ودين ، وكمال خلق.

فلابن مالك مؤلفات فى العربية كثيرة متعددة المشارب ، مختلفة المناحى ، وقلّ أن تجد من بينها كتابا لم يتناوله العلماء منذ زمنه إلى اليوم : بالقراءة ، والبحث ، وبيان معانيه : بوضع الشروح الوافية والتعليقات عليه.

ومن هذه المؤلفات كتابه «الخلاصة» الذى اشتهر بين الناس باسم «الألفية» (١)

__________________

(١) تسمية «الألفية» مأخوذة من قوله فى أولها :

وأستعين الله فى ألفيه

مقاصد النحو بها محويه

وتسمية «الخلاصة» مأخوذة من قوله فى آخرها :

حوى من الكافية الخلاصه

كما اقتضى رضا بلا خصاصه


والذى جمع فيه خلاصة علمى النحو والتصريف ، فى أرجوزة ظريفة ، مع الإشارة إلى مذاهب العلماء ، وبيان ما يختاره من الآراء ، أحيانا.

وقد كثر إقبال العلماء على هذا الكتاب من بين كتبه بنوع خاص ، حتى طويت مصنّفات أئمة النحو من قبله ، ولم ينتفع من جاء بعده بأن يحاكوه أو يدّعوا أنهم يزيدون عليه وينتصفون منه ، ولو لم يشر فى خطبته إلى ألفية الإمام العلامة يحيى زين الدين بن عبد النور الزّواوى الجزائرى ، المتوفى بمصر فى يوم الاثنين آخر شهر ذى القعدة من سنة ٦٢٧ ه‍. والمعروف بابن معط ـ لما ذكره الناس ، ولا عرفوه.

* * *

وشروح هذا الكتاب أكثر من أن تتّسع هذه الكلمة الموجزة لتعدادها ، وبيان مزاياها ، وما انفرد به كل شرح ، وأكثرها لأكابر العلماء ومبرّزيهم : كالإمام أبى محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصارى الشافعى الحنبلى ، المتوفى ليلة الجمعة ، الخامس من شهر ذى القعدة من سنة ٧٦١ ه‍ ، والذى يقول عنه ابن خلدون : «مازلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية ـ يقال له ابن هشام ـ أنحى من سيبويه» اه.

وقد شرح ابن هشام الخلاصة مرتين : إحداهما فى كتابه «أوضح المسالك ، إلى ألفية ابن مالك (١)» ، والثانية فى كتاب سماه «دفع الخصاصة ، عن قرّاء الخلاصة» ويقال : إنه أربع مجلدات ، ويقول السيوطى بعد ذكر هذين الكتابين «وله عدة حواش على الألفية والتسهيل» اه.

وممن شرح الخلاصة العلامة محمد بدر الدين بن محمد بن عبد الله بن مالك ، المتوفى بدمشق فى يوم الأحد ، الثامن من شهر المحرم ، سنة ٦٨٦ ه‍ ، وهو ابن الناظم.

__________________

(١) قد أخرجنا هذا الكتاب إخراجا جيدا ، وشرحناه ثلاثة شروح أخرجنا منها الوجيز والوسيط ، ونسأل الله أن يوفق لإخراج البسيط ؛ فقد أودعناه مالا يحتاج طالب علم العربية إلى ما وراءه.


ومنهم العلامة الحسن بدر الدين بن قاسم بن عبد الله بن عمر ، المرادى ، المصرى المتوفى فى يوم عيد الفطر سنة ٨٤٩ ه‍.

ومنهم الشيخ عبد الرحمن زين الدين أبو بكر المعروف بابن العينى الحنفى المتوفى سنة ٨٤٩ ه

ومنهم الشيخ عبد الرحمن بن على بن صالح المكودىّ ، المتوفى بمدينة فاس سنة ٨٠١ ه

ومنهم أبو عبد الله محمد شمس الدين بن أحمد بن على بن جابر ، الهوّارى ، الأندلسى ، المرسينى ، الضرير.

ومنهم أبو الحسن على نور الدين بن محمد المصرى ، الأشمونى ، المتوفى فى حدود سنة ٩٠٠ ه‍ (١).

ومنهم الشيخ إبراهيم برهان الدين بن موسى بن أيوب ، الأبناسىّ ، الشافعى ، المتوفى فى شهر المحرم من سنة ٨٠٢ ه‍.

ومنهم الحافظ عبد الرحمن جلال الدين بن أبى بكر السّيوطى ، المتوفى سنة ٩١١ ه

ومنهم الشيخ محمد بن قاسم الغزّىّ ، أحد علماء القرن التاسع الهجرى.

ومنهم أبو الخير محمد شمس الدين بن محمد ، الخطيب ، المعروف بابن الجزرى ، المتوفى فى سنة ٨٣٣ ه‍.

ومنهم قاضى القضاة عبد الله بهاء الدين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله ابن عقيل ، القرشى ، الهاشمى ، العقيلى ـ نسبة إلى عقيل بن أبى طالب ـ الهمدانى الأصل ، ثم البالسى ، المصرى ، المولود فى يوم الجمعة ، التاسع من شهر المحرم من سنة ٦٩٨ ، والمتوفى بالقاهرة فى ليله الأربعاء الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول ٧٦٩ ه‍ ، وشرحه هو الذى نعانى إخراجه للناس اليوم.

__________________

(١) قد أخرجنا هذا الكتاب إخراجا دقيقا ، وشرحناه شرحا شاملا جامعا لأشتات الفن وأدلة مسائله ، وظهر منه ـ منذ عهد بعيد ـ أربع مجلدات ضخام ، والله المسئول أن يوفق لإكمال إظهاره بمنه وفضله.


وقد شرح الكتاب ـ غير هؤلاء ـ الكثير من العلماء ، ولست تجد شرحا من هذه الشروح لم يتناوله العلماء : بالكتابة عليه ، وبيان ما فيه من إشارات ، وإكمال ما عسى أن يشتمل عليه من نقص ، وكلّ ذلك ببركة صاحب الأصل المشروح ، وبما ذاع له بين أساطين العلم من شهرة بالفقه فى العربية وسعة الباع.

* * *

وهذه الشروح مختلفة ؛ ففيها المختصر ، وفيها المطول ، فيها المتعقب صاحبه للنّاظم يتحامل عليه ، ويتلمس له المزالق ، وفيها المتحيز له ، والمصحح لكل ما يجىء به ، وفيها الذى اتخذ صاحبه طريقا وسطا بين الإيجاز والإطناب ، والتحامل والتحيز.

ومن هؤلاء الذين سلكوا طريقا بين الطريقين بهاء الدين بن عقيل ؛ فإنه لم يعمد إلى الإيجاز حتى يترك بعض القواعد الهامّة ، ولم يقصد إلى الإطناب ؛ فيجمع من هنا ومن هنا ، ويبين جميع مذاهب العلماء ووجوه استدلالهم ، ولم يتعسف فى نقد الناظم : بحق ، وبغير حق ، كما لم ينحز له بحيث يتقبل كل ما يجىء به : وافق الصواب ، أو لم يوافقه.

ولصاحب هذا الشرح ـ من الشهرة فى الفن والبراعة فيه ، ومن البركة والإخلاص ـ ما دفع علماء العربية إلى قراءة كتابه والاكتفاء به عن أكثر شروح الخلاصة.

* * *

وقد أردت أن أقوم لهذا الكتاب بعمل أتقرب به إلى الله تعالى ، فرأيت ـ فى أول الأمر ـ أن أتمّم ما قصر فيه من البحث : فأبين اختلاف النحويين واستدلالاتهم ثم نظرت فإذا ذلك يخرج بالكتاب عن أصل الغرض منه ، وقد يكون الإطناب باعثا على الازورار عنه ، ونحن فى زمن أقلّ ما فيه من عاب أنك لا تجد راغبا فى علوم العرب إلا فى القليل النادر ؛ لأنهم قوم ذهبت مدنيتهم ، ودالت دولتهم ، وأصبحت الغلبة لغيرهم.

فاكتفيت بما لا بد منه ، من إعراب أبيات الألفية ، وشرح الشواهد شرحا وسطا بين الاقتصار والإسهاب ، وبيان بعض المباحث التى أشار إليها الشارح أو أغفلها بتّة فى عبارة واضحة وفى إيجاز دقيق ، والتذييل بخلاصة مختصرة فى تصريف الأفعال ؛ فإن ابن


مالك قد أغفل ذلك فى «ألفيته» ، ووضع له لامية خاصة ، سماها «لامية الأفعال».

* * *

وأريد أن أنبهك إلى أننى وفّقت فى تصحيح هذه المطبوعة تصحيحا دقيقا ؛ فإنّ نسخ الكتاب التى فى أيدى الناس ـ رغم كثرتها ، وتعدد طبعها ـ ليس فيها نسخة بلغت من الإتقان حدا ينفى عنك الريب والتوقف ؛ فإنك لتجد فى بعضها زيادة ليست فى بعضهما الآخر ، وتجد بينها تفاوتا فى التعبير ، وقد جمع الله تعالى لى بين اثنتى عشرة نسخة مختلفة ، فى زمان الطبع ، ومكانه ، ويسّر لى ـ سبحانه! ـ معارضة بعضها ببعض ، فاستخلصت لك من بينها أكملها بيانا ، وأصحّها تعبيرا ، وأدناها إلى ما أحبّ لك ، فجاءت ـ فيما أعتقد ـ خير ما أخرج للناس من مطبوعات هذا الكتاب.

وقد وضعنا زيادات بعض النسخ بين علامتين هكذا [].

والله ـ سبحانه! ـ المسئول أن ينفع بهذا العمل على قدر العناء فيه ، وأن يجعله فى سبيل الإخلاص فيه لوجهه ؛ إنه الرب المعين ، وعليه التكلان؟

محمد محيى الدين عبد الحميد


بسم الله الرحمن الرحيم

قال محمّد هو ابن مالك :

أحمد ربّى الله خير مالك (١)

مصلّيا على النّبى المصطفى

وآله المستكملين الشّرفا (٢)

__________________

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ، وصلاته وسلامه على من لا نبى بعده.

(١) «قال» فعل ماض «محمد» فاعل «هو» مبتدأ «ابن» خبره «مالك» مضاف إليه ، وكان حق «ابن» أن يكون نعتا لمحمد ، ولكنه قطعه عنه ، وجعله خبرا لضميره ، والأصل أن ذلك إنما يجوز إذا كان المنعوت معلوما بدون النعت حقيقة أو ادعاء ، كما أن الأصل أنه إذا قطع النعت عن إتباعه لمنعوته فى إعرابه ينظر ؛ فإن كان النعت لمدح أو ذم وجب حذف العامل ، وإن كان لغير ذلك جاز حذف العامل وذكره ، والجملة هنا ـ وهى قوله هو ابن مالك ـ ليست للمدح ولا للذم ، بل هى للبيان ؛ فيجوز ذكر العامل وهو المبتدأ ، وإذا فلا غبار على عبارة الناظم حيث ذكر العامل وهو المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب معترضة بين القول ومقوله «أحمد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «ربى» رب منصوب على التعظيم ، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال آخر الكلمة بحركة المناسبة ، ورب مضاف وياء المتكلم مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر «الله» عطف بيان لرب ، أو بدل منه ، منصوب بالفتحة الظاهرة «خير» منصوب بعامل محذوف وجوبا تقديره أمدح ، وقيل : حال لازمة ، وخير مضاف و «مالك» مضاف إليه ، والجملة من أحمد وفاعله وما تعلق به من المعمولات فى محل نصب مفعول به لقال ويقال لها : مقول القول.

(٢) «مصليا» حال مقدرة ، ومعنى كونها مقدرة أنها تحدث فيما بعد ، وذلك لأنه لا يصلى على النبى صلوات الله عليه فى وقت حمده لله ، وإنما تقع منه الصلاة بعد الانتهاء من الحمد ، وصاحبها الضمير المستتر وجوبا فى أحمد «على النبى» جار ومجرور متعلق بالحال «المصطفى» نعت للنبى ، وهو مجرور بكسرة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر «وآله» الواو عاطفة ، آل : معطوف على النبى ، وآل مضاف. والهاء مضاف


وأستعين الله فى ألفيّه

مقاصد النّحو بها محويّه (١)

نقرّب الأقصى بلفظ موجز

وتبسط البذل بوعد منجز (٢)

وتقتضى رضا بغير سخط

فاثقة ألفيّة ابن معط (٣)

__________________

إليه ، مبنى على الكسر فى محل جر «المستكملين» نعت لآل ، مجرور بالياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها ؛ لأنه جمع مذكر سالم ، وفيه ضمير مستتر هو فاعله «الشرفا» بفتح الشين : مفعول به للمستكملين ، منصوب بالفتحة الظاهرة ، والألف للاطلاق ، أو بضم الشين نعت ثان للآل ، مجرور بكسرة مقدرة على الألف ؛ إذ هو مقصور من الممدود ـ وأصله «الشرفاء» جمع شريف ككرماء وظرفاء وعلماء فى جمع كريم وظريف وعليم ـ وعلى هذا الوجه يكون مفعول قوله المستكملين محذوفا ، وكأنه قد قال : مصليا على الرسول المصطفى وعلى آله المستكملين أنواع الفضائل الشرفاء.

(١) «وأستعين» الواو حرف عطف ، أستعين : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «الله» منصوب على التعظيم ، والجملة من الفعل وفاعله وما تعلق به من المعمولات فى محل نصب معطوفة على الجملة السابقة الواقعة مفعولا به لقال «فى ألفيه» جار ومجرور متعلق بأستعين «مقاصد» مبتدأ ، ومقاصد مضاف و «النحو» مضاف إليه «بها» جار ومجرور متعلق بمحوية «محويه» خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جر نعت أول لألفية.

(٢) «تقرب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى ألفية «الأقصى» مفعول به لتقرب «بلفظ» جار ومجرور متعلق بتقرب «موجز» نعت للفظ «وتبسط» الواو حرف عطف ، تبسط : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى ألفية أيضا «البذل» مفعول به لتبسط «بوعد» جار ومجرور متعلق بتبسط «منجز» نعت لوعد ، وجملتا الفعلين المضارعين اللذين هما «تقرب» و «تبذل» مع فاعليهما الضميرين المستترين وما يتعلق بكل منهما فى محل جر عطف على الجملة الواقعة نعتا لألفية ، والجملتان نعتان ثان وثالث لألفية.

(٣) «وتقتضى» الواو حرف عطف ، تقتضى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى ألفية «رضا» مفعول به لتقتضى «بغير» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لرضا ، وغير مضاف و «سخط» مضاف إليه «فائقة»


وهو بسبق حائز تفضيلا

مستوجب ثنائى الجميلا (١)

والله يقضى بهبات وافره

لى وله فى درجات الآخره (٢)

__________________

حال من الضمير المستتر فى تقتضى ، وفاعل فائقة ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى «ألفية» مفعول به لاسم الفاعل ، وألفية مضاف و «ابن» مضاف إليه ، وابن مضاف و «معط» مضاف إليه ، وجملة «تقتضى» مع فاعله وما تعلق به من المعمولات فى محل جر عطف على الجملة الواقعة نعتا لألفية أيضا.

(١) «وهو» الواو للاستئناف ، وهو : ضمير منفصل مبتدأ «بسبق» جار ومجرور متعلق بحائز الآتى بعد ، والباء للسببية «حائز» خبر المبتدأ «تفضيلا» مفعول به لحائز ، وفاعله ضمير مستتر فيه «مستوجب» خبر ثان لهو ، وفاعله ضمير مستتر فيه «ثنائى» ثناء : مفعول به لمستوجب ، وثناء مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «الجميلا» نعت لثناء ، والألف للاطلاق.

(٢) «والله» الواو للاستئناف ، ولفظ الجلالة مبتدأ «يقضى» فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الله ، والجملة من الفعل الذى هو يقضى والفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ «بهبات» جار ومجرور متعلق بيقضى «وافره» نعت لهبات «لى ، وله ، فى درجات» كل واحد منهن جار ومجرور وكلهن متعلقات بيقضى ، ودرجات مضاف و «الاخره» مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة ، وسكنه لأجل الوقف ، وكان من حق المسلمين عليه أن يعمهم بالدعاء ؛ ليكون ذلك أقرب إلى الإجابة.

تنبيه : ابن معط هو الشيخ زين الدين ، أبو الحسين ، يحيى بن عبد المعطى بن عبد النور الزواوى ـ نسبة إلى زواوة ، وهى قبيلة كبيرة كانت تسكن بظاهر بجاية من أعمال إفريقيا الشمالية ـ الفقيه الحنفى.

ولد فى سنة ٥٦٤ ، وأقرأ العربية مدة بمصر ودمشق ، وروى عن القاسم بن عساكر وغيره ، وهو أجل تلامذة الجزولى ، وكان من المتفردين بعلم العربية ، وهو صاحب الألفية المشهورة وغيرها من الكتب الممتعة ، وقد طبعت ألفيته فى أوربا ، وللعلماء عليها عدة شروح.

وتوفى فى شهر ذى القعدة من سنة ٦٢٨ بمصر ، وقبره قريب من تربة الإمام الشافعى رضى الله عنهم جميعا (انظر ترجمته فى شذرات الذهب لابن العماد ٥ / ١٢٩ ، وفى بغية الوعاة للسيوطى ص ٤١٦ ، وانظر النجوم الزاهرة ٦ / ٢٧٨.


الكلام وما يتألّف منه (١)

كلامنا لفظ مفيد : كاستقم

واسم ، وفعل ، ثمّ ، حرف الكلم (٢)

واحده كلمة ، والقول عمّ ،

وكلمة بها كلام قد يؤم (٣)

__________________

(١) «الكلام» خبر لمبتدأ محذوف على تقدير مضافين ، وأصل نظم الكلام «هذا باب شرح الكلام وشرح ما يتألف الكلام منه» فحذف المبتدأ ـ وهو اسم الإشارة ـ ثم حذف الخبر ـ وهو الباب. فأفيم «شرح» مقامه ، فارتفع ارتفاعه. ثم حذف «شرح» أيضا وأقيم «الكلام» مقامه. فارتفع كما كان الذى قبله «وما» الواو عاطفة و «ما» اسم موصول معطوف على الكلام بتقدير مضاف : أى شرح ما يتألف. و «يتألف» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الكلام ، و «منه» جار ومجرور متعلق بيتألف ، والجملة من الفعل الذى هو يتألف والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(٢) «كلامنا» كلام : مبتدأ. وهو مضاف ونا مضاف إليه ، مبنى على السكون فى محل جر «لفظ» خبر المبتدأ «مفيد» نعت للفظ ، وليس خبرا ثانيا «كاستقم» إن كان مثالا فهو جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كاستقم وإن كان من تمام تعريف الكلام فهو جار ومجرور أيضا متعلق بمحذوف نعت لمفيد «واسم» خبر مقدم «وفعل ، ثم حرف» معطوفان عليه الأول بالواو والثانى بثم «الكلم» مبتدأ مؤخر ، وكأنه قال : كلام النحاة هو اللفظ الموصوف بوصفين أحدهما الإفادة والثانى التركيب المماثل لتركيب استقم ، والكلم ثلاثة أنواع أحدها الاسم وثانيها الفعل وثالثها الحرف. وإنما عطف الفعل على الاسم بالواو لقرب منزلته منه حيث يدل كل منهما على معنى فى نفسه ، وعطف الحرف بثم لبعد رتبته.

(٣) «واحده كلمة» مبتدأ وخبر ، والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب «والقول» مبتدأ «عم» يجوز أن يكون فعلا ماضيا ، وعلى هذا يكون فاعله ضميرا مستترا فيه جوازا تقديره هو يعود إلى القول ، والجمله من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ ، ويجوز أن يكون «عم» اسم تفضيل ـ وأصله أعم ـ حذفت همزته كما


الكلام المصطلح عليه عند النحاه عبارة عن «اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها» فاللفظ : جنس يشمل الكلام ، والكلمة ، والكلم ، ويشمل المهمل كـ «ديز» والمستعمل كـ «عمرو» ، ومفيد : أخرج المهمل ، و «فائدة يحسن السكوت عليها» أخرج الكلمة ، وبعض الكلم ـ وهو ما تركب من ثلاث كلمات فأكثرو لم يحسن السكوت عليه ـ نحو : إن قام زيد.

ولا يتركب الكلام إلا من اسمين ، نحو «زيد قائم» ، أو من فعل واسم كـ «قام زيد» وكقول المصنف «استقم» فإنه كلام مركب من فعل أمر وفاعل مستتر ، والتقدير : استقم أنت ؛ فاستغنى بالمثال عن أن يقول «فائدة يحسن السكوت عليها» فكأنه قال : «الكلام هو اللفظ المفيد فائدة كفائدة استقم».

وإنما قال المصنف «كلامنا» ليعلم أن التعريف إنما هو للكلام فى اصطلاح النحويين ؛ لا فى اصطلاح اللغويين ، وهو فى اللغة : اسم لكل ما يتكلّم به ، مفيدا كان أو غير مفيد.

__________________

حذفت من خير وشر لكثرة استعمالهما وأصلهما أخير وأشر ؛ بدليل مجيئهما على الأصل أحيانا. كما فى قول الراجز.

*بلال خير النّاس وابن الأخير*

وقد قرىء (سيعلمون غدا من الكذاب الأشر) بفتح الشين وتشديد الراء ، وعلى هذا يكون أصل «عم» أعم كما قلنا ؛ وهو على هذا الوجه خبر للمبتدأ «وكلمة» مبتدأ أول «بها» جار ومجرور متعلق بيؤم الآتى «كلام» مبتدأ ثان «قد» حرف تقليل «يؤم» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على كلام ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول ، ومعنى «يؤم» يقصد ، وتقدير البيت : ولفظ كلمة معنى الكلام قد يقصد بها ، يعنى أن لفظ الكلمه قد يطلق ويفصد بها المعنى الذى يدل عليه لفظ الكلام ، ومثال ذلك ما ذكر الشارح من


والكلم : اسم جنس (١) واحده كلمة ، وهى : إما اسم ، وإما فعل ، وإما حرف ؛ لأنها إن دلّت على معنى فى نفسها غير مقترنة بزمان فهى الاسم ، وإن اقترنت بزمان فهى الفعل ، وإن لم تدل على معنى فى نفسها ـ بل فى غيرها ـ فهى الحرف.

والكلم : ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر ، كقولك : إن قام زيد.

والكلمة : هى اللفظ الموضوع لمعنى مفرد ؛ فقولنا «الموضوع لمعنى» أخرج المهمل كديز ، وقولنا «مفرد» أخرج الكلام ؛ فإنه موضوع لمعنى غير مفرد.

__________________

أنهم قالوا «كلمة الإخلاص» وقالوا «كلمة التوحيد» وأرادوا بذينك قولنا : «لا إله إلا الله» وكذلك قال عليه الصلاة والسّلام : «أفضل كلمة قالها شاعر كلمة لبيد» وهو بريد قصيدة لبيد بن ربيعة العامرى التى أولها :

ألا كل شىء ما خلا الله باطل

وكلّ نعيم لا محالة زائل

(١) اسم الجنس على نوعين : أحدهما يقال له اسم جنس جمعى ، والثانى يقال له اسم جنس إفرادى ؛ فأما اسم الجنس الجمعى فهو «ما يدل على أكثر من اثنين ، ويفرق بينه وبين واحده بالتاء» ، والتاء غالبا تكون فى للفرد كبقرة وبقر وشجرة وشجر ، ومنه كلم وكلمة ، وربما كانت زيادة التاء فى الدال على الجمع مثل كمء للواحد وكمأة للكثير ، وهو نادر. وقد يكون الفرق بين الواحد والكثير بالياء. كزنج وزنجى ، وروم ورومى ، فأما اسم الجنس الإفرادى فهو «ما يصدق على الكثير والقليل واللفظ واحد» كماء وذهب وخل وزيت.

فإن قلت : فإنى أجد كثيرا من جموع التكسير يفرق بينها وبين مفردها بالتاء كما يفرق بين اسم الجنس الجمعى وواحده ، نحو قرى وواحدة قرية ، ومدى وواحدة مدية ، فبما ذا أفرق بين اسم الجنس الجمعى وما كان على هذا الوجه من الجموع؟.

فالجواب على ذلك أن تعلم أن بين النوعين اختلافا من وجهين ؛ الوجه الأول : أن الجمع لا بد أن يكون على زنة معينة من زنات الجموع المحفوظة المعروفة ، فأما اسم الجنس الجمعى فلا يلزم فيه ذلك ، أفلا ترى أن بقرا وشجرا وثمرا لا يوافق زنة من زنات الجمع! والوجه الثانى : أن الاستعمال العربى جرى على أن الضمير وما أشبهه يرجع إلى اسم الجنس الجمعى مذكرا كقول الله تعالى : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) وقوله جل شأنه : (إِلَيْهِ


ثم ذكر المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ أن القول يعمّ الجميع ، والمراد أنه يقع على الكلام أنه قول ، ويقع أيضا على الكلم والكلمة أنه قول ، وزعم بعضهم أن الأصل استعماله فى المفرد.

ثم ذكر المصنف أن الكلمة قد يقصد بها الكلام ، كقولهم فى «لا إله إلّا الله» : «كلمة الإخلاص».

وقد يجتمع الكلام والكلم فى الصّدق ، وقد ينفرد أحدهما.

فمثال اجتماعهما «قد قام زيد» فإنه كلام ؛ لإفادته معنى يحسن السكوت عليه ، وكلم ؛ لأنه مركب من ثلاث كلمات.

ومثال انفراد الكلم «إن قام زيد» (١).

ومثال انفراد الكلام «زيد قائم» (٢).

* * *

بالجرّ والتّنوين والنّدا ، وأل

ومسند ـ للاسم تمييز حصل (٣)

ذكر المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ فى هذا البيت علامات الاسم.

__________________

يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) فأما الجمع فإن الاستعمال العربى جرى على أن يعود الضمير إليه مؤنثا ، كما تجد فى قوله تعالى : (لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ) وقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وكقول الشاعر :

فى غرف الجنّة العليا الّتى وجبت

لهم هناك بسعى كان مشكور

(١) لم يكن هذا المثال ونحوه كلاما لأنه لا يفيد معنى يحسن السكوت عليه.

(٢) لم يكن هذا المثال ونحوه كلما لأنه ليس مؤلفا من ثلاث كلمات.

(٣) «بالجر» جار ومجرور متعلق بقوله «حصل» الآتى آخر البيت ، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف خبر مقدم مبتدؤه المؤخر هو قوله «تمييز» الآتى «والتنوين ، والندا ، وأل ، ومسند» كلهن معطوفات على قوله الجر «للاسم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم إن جعلت قوله بالجر متعلقا بحصل ، فإن جعلت بالجر خبرا مقدما ـ وهو الوجه الثانى ـ كان هذا متعلقا بحصل «تمييز» مبتدأ مؤخر ، وقد عرفت أن خبره واحد


فمنها الجر ، وهو يشمل الجرّ بالحرف والإضافة والتبعية ، نحو «مروت بغلام زيد الفاضل» فالغلام : مجرور بالحرف ، وزيد : مجرور بالإضافة ، والفاضل : مجرور بالتّبعية ، وهو أشمل من قول غيره «بحرف الجر» ؛ لأن هذا لا يتناول الجرّ بالإضافة ، ولا الجرّ بالتبعية.

ومنها التنوين ، وهو على أربعة أقسام (١) : تنوين التمكين ، وهو اللاحق للأسماء المعربة ، كزيد ، ورجل ، إلا جمع المؤنث السالم ، نحو «مسلمات» وإلا نحو «جوار ، وغواش» وسيأتى حكمهما. وتنوين التنكير ، وهو اللاحق للأسماء المبنية فرقا بين معرفتها ونكرتها ، نحو «مررت بسيبويه وبسيبويه آخر». وتنوين المقابلة ، وهو اللاحق لجمع المؤنث السالم ، نحو «مسلمات» فإنه فى مقابلة النون فى جمع المذكر السالم كمسلمين. وتنوين العوض ، وهو على ثلاثة أقسام : عوض عن جملة ، وهو الذى يلحق «إذ» عوضا عن جملة تكون بعدها ، كقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) أى : حين إذ بلغت الرّوح الحلقوم ؛ فحذف «بلغت الروح الحلقوم» وأتى بالتنوين عوضا عنه ؛ وقسم يكون عوضا عن اسم ، وهو اللاحق لـ «كلّ» عوضا عما تضاف إليه ، نحو «كلّ قائم» أى : «كلّ إنسان قائم» فحذف «إنسان» وأتى بالتنوين عوضا عنه (٢) ،

__________________

من اثنين «حصل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تمييز ، والجملة فى محل رفع نعت لتمييز ، وتقدير البيت : التمييز الحاصل بالجر والتنوين والندا وأل والإسناد كائن للاسم ، أو التمييز الحاصل للاسم عن أخويه الفعل والحرف كائن بالجر والتنوين والنداء وأل والإسناد : أى كائن بكل واحد من هذه الخمسة.

(١) فى نسخة «وهو أقسام» بدون ذكر العدد ، والمراد ـ على ذكر العدد ـ أن المختص بالاسم أربعة أقسام

(٢) ومنه قول الله تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) وقوله جل شأنه : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) وقوله تباركت كلماته : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) ومثل


وقسم يكون عوضا عن حرف ، وهو اللاحق لـ «جوار ، وغواش» ونحوهما رفعا وجرّا ، نحو «هؤلاء جوار ، ومررت بجوار» فحذفت الياء وأتى بالتنوين عوضا عنها.

وتنوين الترنم (١) ، وهو الذى يلحق القوافى المطلقة بحرف علّة ، كقوله :

(١) ـ

أقلّى اللّوم ـ عاذل ـ والعتابن

وقولى ـ إن أصبت ـ : لقد أصابن

__________________

كل فى هذا الموضوع كلمة «بعض» ومن شواهد حذف المفرد الذى من حق «بعض» أن يضاف إليه والإتيان بالتنوين عوضا عنه قول رؤبة بن العجاج فى مطلع أرجوزة طويلة يمدح فيها تميما :

داينت أروى والدّيون تقضى

فمطلت بعضا وأدّت بعضا

يريد فمطلت بعض الدين وأدت بعضه الآخر.

(١) هذا النوع خامس وقد ذكره وما بعده استطرادا.

١ ـ هذا بيت من الطويل ، لجرير بن عطية بن الخطفى ، أحد الشعراء المجيدين ، وثالث ثلاثة ألقيت إليهم مقادة الشعراء فى عصر بنى أمية ، وأولهم الفرزدق ، وثانيهم الأخطل.

اللغة : «أقلى» أراد منه فى هذا البيت معنى اتركى ، والعرب تستعمل القلة فى معنى النفى بتة ، يقولون : قل أن يفعل فلان كذا ، وهم يريدون أنه لا يفعله أصلا «اللوم» العذل والتعنيف «عاذل» اسم فاعل مؤنث بالتاء المحذوفة للترخيم ، وأصله عاذلة ، من العذل وهو اللوم فى تسخط ، و «العتاب» التقريع على فعل شىء أو تركه.

المعنى : اتركى أيتها العاذلة هذا اللوم والتعنيف ؛ فإنى لن أستمع لما تطلبين : من الكف عما آتى من الأمور ، والفعل لما أذر منها ، وخير لك أن تعترفى بصواب ما أفعل

الإعراب : «أقلى» فعل أمر ـ من الإقلال ـ مسند للياء التى لمخاطبة الواحدة مبنى على حذف النون ، وياء المؤنثة المخاطبة فاعل ، مبنى على السكون فى محل رفع «اللوم» مفعول به لأقلى «عاذل» منادى مرخم حذفت منه ياء النداء ، مبنى على ضم الحرف المحذوف فى محل نصب ، وأصله يا عاذلة «والعتابا» الواو عاطفة ، العتابا : معطوف على اللوم «وقولى» فعل أمر ، والياء فاعله «إن» حرف شرط «أصبت»


فجىء بالتنوين بدلا من الألف لأجل الترنم ، وكقوله :

(٢) ـ

أزف التّرحّل غير أنّ ركابنا

لمّا تزل برحالنا وكأن قدن

__________________

فعل ماض فعل الشرط ، وتاء المتكلم أو المخاطبة فاعله. وهذا اللفظ يروى بضم التاء على أنها للمتكلم ، وبكسرها على أنها للمخاطبة «لقد أصابا» جملة فى محل نصب مقول القول ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قيله ، والتقدير : إن أصبت فقولى لقد أصابا ، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها معترضة بين القول ومقوله.

الشاهد فيه : قوله : «والعتابن ، وأصابن» حيث دخلهما ، فى الإنشاد ، تنوين الترنم ، وآخرهما حرف العلة ، وهو هنا ألف الإطلاق ، والقافية التى آخرها حرف علة تسمى مطلقة.

٢ ـ هذا البيت للنابغة الذبيانى ، أحد فحول شعراء الجاهلية ، وثالث شعراء الطبقة الأولى منهم ، والحكم فى سوق عكاظ ، من قصيدة له يصف فيها المنجردة زوج النعمان ابن المنذر ، ومطلعها :

من آل ميّة رائح أو مغتدى

عجلان ذا زاد وغير مزوّد؟

اللغة : «رائح» اسم فاعل من راح يروح رواحا ، إذا سار فى وقت العشى «مغتدى» اسم فاعل من اغتدى الرجل يغتدى ، إذا سار فى وقت الغداة ، وهى من الصبح إلى طلوع الشمس ، وأراد بالزاد فى قوله «عجلان ذا زاد» ما كان من تسليم مية عليه أوردها تحيته «أزف» دنا وقرب ، وبابه طرب ، ويروى «أفد» وهو بوزنه ومعناه «الترحل» الارتحال «تزل» ـ مضموم الزاى ـ مضارع زال ، وأصله تزول ، فحذفت الواو ـ عند الجزم ـ للتخلص من التقاء الساكنين.

المعنى : يقول فى البيت الذى هو المطلع : أتمضى أيها العاشق مفارقا أحبابك اليوم مع العشى أو غدا مع الغداة؟ وهل يكون ذلك منك وأنت عجلان ، تزودت منهم أو لم تنزود ، ثم يقول فى البيت الشاهد : لقد قرب موعد الرحيل ، إلا أن الركاب لم تغادر مكان أحبابتا بما عليها من الرحال ، وكأنها قد زالت لقرب موعد الفراق.

الإعراب : «أزف» فعل ماض «الترحل» فاعل «غير» نصب على الاستثناء «أن» حرف توكيد ونصب «ركابنا» ركاب : اسم أن ، والضمير المتصل مضاف إليه «لما» حرف نفى وجزم «تزل» فعل مضارع مجزوم بلما «برحالنا» برحال : جار


والتنوين الغالى ـ وأثبته الأخفش ـ وهو الذى يلحق القوافى المقيّدة ، كقوله :

(٣) ـ

*وقاتم الأعماق خاوى المخترقن*

__________________

ومجرور متعلق بتزول ، ورحال مضاف و «نا» مضاف إليه «كأن» حرف تشبيه ونصب ، واسمها ضمير الشأن ، وخبرها جملة محذوفة تقديرها «وكأن قد زالت» فحذف الفعل وفاعله المستتر فيه ، وأبقى الحرف الذى هو قد.

الشاهد فيه : فى هذا البيت شاهدان للنحاة ؛ أولهما دخول التنوين الذى للترنم على الحرف ، وهو قد ؛ فذلك يدل على أن تنوين الترنم لا يختص بالاسم ؛ لأن الشىء إذا اختص بشىء لم يجىء مع غيره ، والثانى فى تخفيف «كأن» التى للتشبيه ، ومجىء اسمها ضمير الشأن ، والفصل بينها وبين خبرها بقد ، لأن الكلام إثبات. ولو كان نفيا لكان الفصل بلم ، كما فى قوله تعالى : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) ومثل هذا البيت فى الاستشهاد على ذلك قول الشاعر :

لا يهولنّك اصطلاء لظى الحر

ب ؛ فمحذورها كأن قد ألمّا

وسيأتى شرح ذلك فى باب إن وأخواتها.

٣ ـ هذا البيت لرؤبة بن العجاج ، أحد الرجاز المشهورين ، وأمضغهم للشيخ والقيصوم ، والذى أخذ عنه العلماء أكثر غريب اللغة ، وكان فى عصر بنى أمية ، وبعده :

*مشتبه الاعلام لمّاع الخفقن*

اللغة : «القاتم» كالأقتم : الذى تعلوه القتمة ، وهى لون فيه غبرة وحمرة ، و «أعماق» جمع عمق ـ بفتح العين ، وتضم ـ وهو : ما بعد من أطراف الصحراء. و «الخاوى» الخالى ، و «المخترق» مهب الرياح ، وهو اسم مكان من قولهم : خرق المفازة واخترقها ، إذا قطعها ومر فيها ، و «الأعلام» علامات كانوا يضعونها فى الطريق للاهتداء بها ، واحدها علم بفتح العين واللام جميعا ، و «الخفق» اضطراب السراب ، وهو الذى تراه نصف النهار كأنه ماء ، وأصله بسكون الفاء ، فحركها بالفتح ضرورة.

المعنى : كثير من الأمكنة التى لا يهتدى أحد إلى السير فيها لشدة التباسها وخفائها قد أعملت فيها ناقتى وسرت فيها ، يريد أنه شجاع شديد الاحتمال ، أو أنه عظيم الخبرة بمسالك الصحراء.


وظاهر كلام المصنف أن التنوين كلّه من خواصّ الاسم ، وليس كذلك ، بل الذى يختصّ به الاسم إنما هو تنوين التمكين ، والتنكير ، والمقابلة ، والعوض ، وأما تنوين الترنم والغالى فيكونان فى الاسم والفعل والحرف (١).

ومن خواص الاسم النداء ، نحو «يا زيد» ، والألف واللام ، نحو «الرّجل» والإسناد إليه ، نحو «زيد قائم».

فمعنى البيت : حصل للاسم تمييز عن الفعل والحرف : بالجر ، والتنوين ، والنداء ، والألف واللام ، والإسناد إليه : أى الإخبار عنه.

واستعمل المصنف «أل» مكان الألف واللام ، وقد وقع ذلك فى عبارة بعض المتقدمين ـ وهو الخليل ـ واستعمل المصنف «مسند» مكان «الإسناد له».

* * *

__________________

الإعراب : «وقاتم» الواو واو رب ، قاتم : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، وقاتم مضاف و «الأعماق» مضاف إليه «خاوى» صفة لقاتم ، وخاوى مضاف و «المخترق» مضاف إليه ، مجرور بالكسرة الظاهرة ، وسكنه لأجل الوقف ، وخبر المبتدأ جملة من فعل ماض وفاعل فى محل رفع ، وذلك فى قوله بعد أبيات :

*تنشّطته كلّ مغلاة الوهق*

الشاهد فيه : قوله «المخترقن» و «الخفقن» حيث أدخل عليهما التنوين مع اقتران كل واحد منهما بأل ، ولو كان هذا التنوين مما يختص بالاسم لم يلحق الاسم المقترن بأل ، وإذا كان آخر الكلمة التى فى آخر البيت حرفا صحيحا ساكنا كما هنا تسمى القافية حينئذ «قافية مقيدة».

(١) هذا الاعتراض لا يرد على الناظم ؛ لأن تسمية نون الترنم والنون التى تلحق القوافى المطلقة تنوينا إنما هى تسمية مجازية ، وليست من الحقيقة التى وضع لها لفظ التنوين ؛ فأنت لو أطلقت لفظ التنوين على المعنى الحقيقى الذى وضع له لم يشملهما ، والأصل أن يحمل اللفظ على معناه الحقيقى ، ولذلك نرى أنه لا غبار على كلام الناظم.


بتا فعلت وأتت ، ويا افعلى ،

ونون أقبلنّ ـ فعل ينجلى (١)

ثم ذكر المصنف أن الفعل يمتاز عن الاسم والحرف بتاء «فعلت» والمراد بها تاء الفاعل ، وهى المضمومة للمتكلم ، نحو «فعلت» والمفتوحة للمخاطب ، نحو «تباركت» والمكسورة للمخاطبة ، نحو «فعلت».

ويمتاز أيضا بتاء «أتت» ، والمراد بها تاء التأنيث الساكنة ، نحو «نعمت» و «بئست» فاحترزنا بالساكنة عن اللاحقة للأسماء ؛ فإنها تكون متحركة بحركة الإعراب ، نحو «هذه مسلمة ، ورأيت مسلمة ، ومررت بمسلمة» ومن اللاحقة للحرف ، نحو «لات ، وربّت ، وثمّت (٢)» وأما تسكينها مع ربّ وثمّ فقليل ، نحو «ربّت وثمّت».

__________________

(١) «بتا» جار ومجرور متعلق بينجلى الواقع هو وفاعله الضمير المستتر فيه فى محل رفع خبرا عن المبتدأ ، فإن قلت : يلزم تقديم معمول الخبر الفعلى على المبتدأ وهو لا يجوز ، قلت : إن ضرورة الشعر هى التى ألجأته إلى ذلك ، وإن المعمول لكونه جارا ومجرورا يحتمل فيه ذلك التقدم الذى لا يسوغ فى غيره ، وتا مضاف و «فعلت» قصد لفظه : مضاف إليه «وأتت» الواو حرف عطف ، أتت : قصد لفظه أيضا : معطوف على فعلت «ويا» معطوف على تاء ، ويا مضاف و «افعلى» مضاف إليه ، وهو مقصود لفظه أيضا «ونون» الواو حرف عطف ، نون : معطوف على تاء ، وهو مضاف و «أقبلن» قصد لفظه : مضاف إليه «فعل» مبتدأ «ينجلى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) أما دخول التاء على «لا» فأشهر من أن يستدل عليه ، بل قد استعملت «لات» حرف نفى بكثرة ، وورد استعماله فى فصيح الكلام ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) وأما دخولها على رب ففى نحو قول الشاعر :

وربّت سائل عنّى حفىّ

أعارت عينه أم لم تعارا

ونحو قول الآخر :

ماوىّ يا ربّتما غارة

شعواء كالّلذعة بالميسم


ويمتاز أيضا بياء «افعلى» والمراد بها ياء الفاعلة ، وتلحق فعل الأمر ، نحو «اضربى» والفعل المضارع ، نحو «تضربين» ولا تلحق الماضى.

وإنما قال المصنف «يا افعلى» ، ولم يقل «ياء الضمير» لأن هذه تدخل فيها ياء المتكلم ، وهى لا تختصّ بالفعل ، بل تكون فيه نحو «أكرمنى» وفى الاسم نحو «غلامى» وفى الحرف نحو «إنّى» بخلاف ياء «افعلى» فإن المراد بها ياء الفاعلة على ما تقدّم ، وهى لا تكون إلا فى الفعل.

ومما يميز الفعل نون «أقبلنّ» والمراد بها نون التوكيد : خفيفة كانت ، أو ثقيلة ؛ فالخفيفة نحو قوله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) والثقيلة نحو قوله تعالى : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ)

فمعنى البيت : ينجلى الفعل بتاء الفاعل ، وتاء التأنيث الساكنة ، وياء الفاعلة ، ونون التوكيد.

* * *

سواهما الحرف كهل وفى ولم

فعل مضارع يلى لم كيشم (١)

__________________

وأما دخولها على ثم ففى نحو قول الشاعر :

ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّنى

فمصيت ثمّت قلت لا يعنينى

(١) «سواهما» سوى : خبر مقدم مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ، وسوى مضاف والضمير مضاف إليه «الحرف» مبتدأ مؤخر ، ويجوز العكس ، لكن الأولى ما قدمناه «كهل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير «وذلك كهل» «وفى ولم» معطوفان على هل «فعل» مبتدأ «مضارع» نعت له «يلى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فعل مضارع ، والجملة خبر المبتدأ «لم» مفعول به ليلى ، وقد قصد لفظه «كيشم» جار ومجرور متعلق بمحذوف يقع خبرا لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كيشم ، وتقدير البيت كله : الحرف سوى الاسم والفعل ، وذلك كهل وفى ولم ، والفعل المضارع يلى لم ، وذلك كائن


وماضى الأفعال بالتّا مز ، وسم

بالنّون فعل الأمر ، إن أمر فهم (١)

يشير إلى أن الحرف يمتاز عن الاسم والفعل بخلوّه عن علامات الأسماء ، وعلامات الأفعال ، ثم مثّل بـ «هل وفى ولم» منبّها على أن الحرف ينقسم إلى قسمين : مختص ، وغير مختص ، فأشار بهل إلى غير المختص ، وهو الذى يدخل على الأسماء والأفعال ، نحو «هل زيد قائم» و «هل قام زيد» ، وأشار بفى ولم إلى المختص ، وهو قسمان : مختص بالأسماء كفى ، نحو «زيد فى الدار» ، ومختص بالأفعال كلم ، نحو «لم يقم زيد».

ثم شرع فى تبيين أن الفعل ينقسم إلى ماض ومضارع وأمر ؛ فجعل علامة

__________________

كيشم ، ويشم فعل مضارع ماضيه قولك : شممت الطيب ونحوه ـ من باب فرح ـ إذا نشقته ، وفيه لغة أخرى من باب نصر ينصر حكاها الفراء.

(١) «وماضى» الواو للاستئناف ، ماضى : مفعول به مقدم لقوله مز الآتى ، وماضى مضاف و «الأفعال» مضاف إليه «بالتا» جار ومجرور متعلق بمز «مز» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وسم» الواو عاطفة أو للاستئناف سم : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بالنون» جار ومجرور متعلق بسم «فعل» مفعول به لسم ، وفعل مضاف و «الأمر» مضاف إليه «إن» حرف شرط «أمر» نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده ، وتقديره : إن فهم أمر «فهم» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على أمر ، والجملة من الفعل ونائب فاعله لا محل لها من الإعراب تفسيرية ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه المذكور. وتقديره «إن فهم أمر فسم بالنون إلخ». وتقدير البيت : ميز الماضى من الأفعال بقبول التاء التى ذكرنا أنها من علامات كون الكلمة فعلا ، وعلم فعل الأمر بقبول النون إن فهم منه الطلب.

ومز : أمر من ماز الشىء يميزه ميزا ـ مثل باع يبيع بيعا ـ إذا ميزه ، وسم : أمر من وسم الشىء يسمه وسما ـ مثل وصفه يصفه وصفا ـ إذا جعل له علامة يعرفه بها ، والأمر قوله «إن أمر فهم» هو الأمر اللغوى ، ومعناه الطلب الجازم على وجه الاستعلاء.


المضارع صحة دخول «لم» عليه ، كقولك فى يشمّ : «لم يشم» وفى يضرب : «لم يضرب» ، وإليه أشار بقوله : «فعل مضارع يلى لم كيشم».

ثم أشار إلى ما يميز الفعل الماضى بقوله : «وماضى الأفعال بالتّامز» أى : ميّز ماضى الأفعال بالتاء ، والمراد بها تاء الفاعل ، وتاء التأنيث الساكنة ، وكل منهما لا يدخل إلا على ماضى اللفظ ، نحو «تباركت يا ذا الجلال والإكرام» و «نعمت المرأة هند» و «بئست المرأة دعد».

ثم ذكر فى بقية البيت أن علامة فعل الأمر : قبول نون التوكيد ، والدلالة على الأمر بصيغته ، نحو «اضربن ، واخرجنّ».

فإن دلّت الكلمة على الأمر ولم تقبل نون التوكيد فهى اسم فعل (١) ، وإلى ذلك أشار بقوله :

والأمر إن لم يك للنّون محل

فيه هو اسم نحو صه وحيّهل (٢)

__________________

(١) وكذا إذا دلت الكلمة على معنى الفعل المضارع ولم تقبل علامته ـ وهى لم ـ فإنها تكون اسم فعل مضارع. نحو أوه وأف ، بمعنى أنوجع وأتضجر ، وإن دلت الكلمة على معنى الفعل الماضى وامتنع قبولها علامته امتناعا راجعا إلى ذات الكلمة فإنها تكون اسم فعل ماض ، نحو هيهات وشتان ، بمعنى بعد وافترق ، فإن كان امتناع قبول الكلمة الدالة على الماضى لا يرجع إلى ذات الكلمة ، كما فى فعل التعجب نحو : «ما أحسن السماء» وكما فى «حبذا الاجتهاد» فإن ذلك لا يمنع من كون الكلمة فعلا.

(٢) «والأمر» الواو عاطفة أو للاستئناف ، الأمر : مبتدأ «إن» حرف شرط «لم» حرف نفى وجزم «يك» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف ، وأصله يكن «للنون» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر يك مقدما «محل» اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة ، وسكن لأجل الوقف «فيه» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لمحل «هو اسم» مبتدأ وخبر ، والجملة منهما فى محل جزم جواب الشرط ، وإنما لم يجىء بالفاء للضرورة. والجملة من الشرط وجوابه فى محل رفع خبر المبتدأ ، أو تجعل جملة «هو اسم» فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو قوله


فصه وحيّهل : اسمان وإن دلّا على الأمر ؛ لعدم قبولهما نون التوكيد ؛ فلا تقول : صهنّ ولا حيّهلنّ ، وإن كانت صه بمعنى اسكت ، وحيّهل بمعنى أقبل ؛ فالفارق (١) بينهما قبول نون التوكيد وعدمه ، نحو «اسكتنّ ، وأقبلنّ» ، ولا يجوز ذلك فى «صه ، وحيهل».

* * *

__________________

الأمر فى أول البيت ، وتكون جملة جواب الشرط محذوفة دلت عليها جملة المبتدأ وخبره ، والتقدير على هذا : والدال على الأمر هو اسم إن لم يكن فيه محل للنون فهو اسم ، وحذف جواب الشرط عند ما لا يكون فعل الشرط ماضيا ضرورة أيضا ؛ فالبيت لا يخلو من الضرورة «نحو» خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك نحو ، ونحو مضاف و «صه» مضاف إليه ، وقد قصد لفظه «وحيهل» معطوف على صه.

(١) ثلاثة فوائد ـ الأولى : أسماء الأفعال على ثلاثة أنواع ؛ النوع الأول : ما هو واجب التنكير ، وذلك نحو ويها وواها ، والنوع الثانى : ما هو واجب التعريف ، وذلك نحو نزال وتراك وبابهما ، والثالث : ما هو جائز التنكير والتعريف ، وذلك نحو صه ومه ؛ فما نون وجوبا أو جوازا فهو نكرة ، وما لم ينون فهو معرفة.

والفائدة الثانية : توافق أسماء الأفعال الأفعال فى ثلاثة أمور ؛ أولها : الدلالة على المعنى ، وثانيها : أن كل واحد من أسماء الأفعال يوافق الفعل الذى يكون بمعناه فى التعدى واللزوم غالبا ، وثالثها : أنه بوافق الفعل الذى بمعناه فى إظهار الفاعل وإضماره ؛ ومن غير الغالب فى التعدى نحو «آمين» فإنه لم يحفظ فى كلام العرب تعديه لمفعول ، مع أنه بمعنى استجب وهو فعل متعد ، وكذا «إيه» فإنه لازم مع أن الفعل الذى بمعناه ـ وهو زدنى ـ متعد ، وتخالفها فى سبعة أمور ؛ الأول : أنه لا يبرز معها ضمير ، بل تقول «صه» بلفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع المذكر والمؤنث ، بخلاف «اسكت» فإنك تقول : اسكتى ، واسكتا ، واسكتوا ، واسكتن ، والثانى أنها لا يتقدم معمولها عليها ؛ فلا تقول : «زيدا عليك» كما تقول : «محمدا الزم» والثالث أنه يجوز توكيد الفعل توكيدا لفظيا باسم الفعل ؛ تقول : انزل نزال ، وتقول : اسكت صه ، كما تقول : انزل انزل ، واسكت اسكت ، ولا يجوز توكيد اسم الفعل بالفعل ، والرابع : أن الفعل إذا دل على الطلب جاز نصب


..................................................................................

__________________

المضارع فى جوابه ، فتقول : انزل فأحدثك ، ولا يجوز نصب المضارع فى جواب اسم الفعل ولو كان دالا على الطلب كصه ونزال ، والخامس : أن أسماء الأفعال لا تعمل مضمرة ، بحيث تحذف ويبقى معمولها ، ولا متأخرة عن معمولها ؛ بل متى وجدت معمولا تقدم على اسم فعل تعين عليك تقدير فعل عامل فيه ؛ فنحو قول الشاعر :

يأيّها المائح دلوى دونكا

إنّى رأيت النّاس يحمدونكا

يقدر : حذ دلوى ، ولا يجعل قوله : «دلوى» معمولا لدونكا الموجود ، ولا لآخر مثله مقدر ، على الأصح. والسادس : أن أسماء الأفعال غير متصرفة ؛ فلا تختلف أبنيتها لاختلاف الزمان ، بخلاف الأفعال. والسابع : أنها لا تقبل علامات الأفعال كالنواصب والجوازم ونون التوكيد وياء المخاطبة وتاء الفاعل ، وهو ما ذكره الشارح فى هذا الموضع ؛ فاحفظ هذا كله ، وكن منه على ثبت ، والله يتولاك.

الفائدة الثالثة ، اختلف النحاة فى أسماء الأفعال ؛ فقال جمهور البصريين : هى أسماء قامت مقام الأفعال فى العمل ، ولا تتصرف تصرف الأفعال بحيث تختلف أبنيتها لاختلاف الزمان ، ولا تصرف الأسماء بحيث يسند إليها إسنادا معنويا فتقع مبتدأ وفاعلا ؛ وبهذا فارقت الصفات كأسماء الفاعلين والمفعولين ، وقال جمهور الكوفيين : إنها أفعال ؛ لأنها تدل على الحدث والزمان ، كل ما فى الباب أنها جامدة لا تتصرف ؛ فهى كليس وعسى ونحوهما ، وقال أبو جعفر بن صابر : هى نوع خاص من أنواع الكلمة ؛ فليست أفعالا وليست أسماء ؛ لأنها لا تتصرف تصرف الأفعال ولا تصرف الأسماء ، ولأنها لا تقبل علامة الأسماء ولا علامة الأفعال ، وأعطاها أبو جعفر اسما خاصا بها حيث سماها «خالفة».


المعرب والمبنى (١)

والاسم منه معرب ومبنى

لشبه من الحروف مدنى (٢)

يشير إلى أن الاسم ينقسم إلى قسمين : حدهما المعرب ، وهو : ما سلم من شبه الحروف ، والثانى المبنى ، وهو : ما أشبه الحروف ، وهو المعنىّ بقوله : «لشبه من الحروف مدنى» أى : لشبه مقرّب من الحروف ؛ فعلّة البناء منحصرة عند المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ فى شبه الحرف ، ثم نوّع المصنّف وجوه الشبه فى البيتين اللذين بعد هذا البيت ، وهذا قريب من مذهب أبى على الفارسى حيث جعل البناء منحصرا فى شبه الحرف أو ما تضمن معناه ، وقد نص سيبويه ـ رحمه الله! ـ. على أن علة البناء كلها ترجع إلى شبه الحرف ،

__________________

(١) أى : هذا باب المعرب والمبنى ، وإعرابه ظاهر.

(٢) «والاسم» الواو للاستئناف ، الاسم : مبتدأ أول «منه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «معرب» مبتدأ مؤخر ، والجملة منه ومن خبره خبر المبتدأ الأول ، «ومبنى» مبتدأ ، وخبره محذوف ، والتقدير «ومنه مبنى» ولا يجوز أن تعطف قوله مبنى على معرب ؛ لأنه يستلزم أن يكون المعنى أن بعض الاسم معرب ومبنى فى آن واحد ، أو يستلزم أن بعض الاسم معرب ومبنى وبعضه الآخر ليس بمعرب ولا مبنى ، وهو قول ضعيف أباه جمهور المحققين من النحاة «لشبه» جار ومجرور متعلق بمبنى ، أو متعلق بخبر محذوف مع مبتدئه والتقدير : «وبناؤه ثابت لشبه» «من الحروف» جار ومجرور متعلق بشبه أو بمدنى «مدنى» نعت لشبه ، وتقدير البيت :والاسم بعضه معرب وبعضه الآخر مبنى ؛ وبناء ذلك المبنى ثابت لشبه مدن له من الحرف ومدنى : اسم فاعل فعله أدنى ؛ تقول : أدنيت الشىء من الشىء ، إذا قربته منه ، والياء فيه هنا ياء زائدة للاشباع ، وليست لام الكلمة ؛ لأن ياء المنقوص المنكر غير المنصوب تحذف وجوبا.


وممن ذكره ابن أبى الرّبيع (١).

* * *

__________________

(١) اعلم أنهم اختلفوا فى سبب بناء بعض الأسماء : أهو شىء واحد يوجد فى كل مبنى منها أو أشياء متعددة يوجد واحد منها فى بعض أنواع المبنيات وبعض آخر فى نوع آخر ، وهكذا؟

فذهب جماعة إلى أن السبب متعدد ، وأن من الأسباب مشابهة الاسم فى المعنى للفعل المبنى ، ومثاله ـ عند هؤلاء ـ من الاسم «نزال وهيهات» فإنهما لما أشبها «انزل وبعد» فى المعنى بنيا ، وهذا السبب غير صحيح ، لأنه لو صح للزم بناء نحو سقيا لك و «ضربا زيدا» فإنهما بمعنى فعل الأمر وهو مبنى. وأيضا يلزمه إعراب نحو «أف» و «أوه» ونحوهما من الأسماء التى تدل على معنى الفعل المضارع المعرب ، ولم يقل بذلك أحد ، وإنما العلة التى من أجلها بنى «نزال» و «شتان» و «أوه» وغيرها من أسماء الأفعال هى مشابهتها الحرف فى كونها عاملة فى غيرها غير معمولة لشىء ، ألا ترى أنك إذا قلت نزال كان اسم فعل مبنيا على الكسر لا محل له من الإعراب ، وكان له فاعل هو ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وهذا الفاعل هو المعمول لاسم الفعل ، ولا يكون اسم الفعل أبدا متأثرا بعامل يعمل فيه ، لا فى لفظه ولا فى محله.

وقال قوم منهم ابن الحاجب : إن من أسباب البناء عدم التركيب ، وعليه تكون الأسماء قبل تركيبها فى الجمل مبنية ، وهو ظاهر الفساد ، والصواب أن الأسماء قبل تركيبها في الجمل ليست معربة ولا مبنية ، لأن الإعراب والبناء حكمان من أحكام التراكيب ، الا ترى أنهم يعرفون الإعراب بأنه : أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل ، أو يعرفونه بأنه : تغير أواخر الكلمات لاختلاف العوامل الداخلة عليها ، والبناء ضده ، فما لم يكن تركيب لا يجوز الحكم بإعراب الكلمة ولا ببنائها.

وقال آخرون : إن من أسباب البناء أن يجتمع فى الاسم ثلاثة أسباب من موانع الصرف ، وعللوه بأن السببين يمنعان من صرف الاسم ، وليس بعد منع الصرف إلا ترك الإعراب بالمرة ، ومثلوا لذلك بـ «حذام ، وقطام» ونحوهما ، وادعوا أن سبب بناء هذا الباب اجتماع العلمية ، والتأنيث ، والعدل عن حاذمة وقاطمة ، وهو فاسد ، فإنا وجدنا من الأسماء ما اجتمع فيه خمسة أسباب من موانع الصرف ، وهو مع ذلك معرب ، ومثاله «آذربيجان» فإن فيه العلمية والتأنيث والعجمة والتركيب وزيادة الألف والنون ،


كالشّبه الوضعىّ فى اسمى جئتنا

والمعنوىّ فى متى وفى هنا (١)

وكنيابة عن الفعل بلا

تأثّر ، وكافتقار أصّلا (٢)

ذكر فى هذين البيتين وجوه شبه الاسم بالحرف فى أربعة مواضع :

(فالأول) شبهه له فى الوضع ، كأن يكون الاسم موضوعا على حرف

__________________

وليس بناء حذام ونحوه لما ذكروه ، بل لمضارعته فى الهيئة نزال ونحوه مما بنى لشبهه بالحرف فى نيابته عن الفعل وعدم تأثره بالعامل.

وقال قوم منهم الذين ذكرهم الشارح : إنه لا علة للبناء إلا مشابهة الحرف ، وهو رأى الحذاق من النحويين ، كل ما فى الأمر أن شبه الحرف على أنواع.

(١) «كالشبه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كالشبه «الوضعى» نعت للشبه «فى اسمى» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة للوضعى ، واسمى مضاف و «جئتنا» قصد لفظه : مضاف إليه «والمعنوى» معطوف على الوضعى «فى متى ، وفى هنا» جاران ومجروران متعلقان بمحذوف نعت للمعنوى ، وتقدير البيت : والشبه المدنى من الحروف مثل الشبه الوضعى الكائن فى الاسمين الموجودين فى قولك «جئتنا» وهما تاء المخاطب و «نا» ومثل الشبه المعنوى الكائن فى «متى» الاستفهامية والشرطية وفى «هنا» الإشارية.

(٢) «وكنيابة» الواو عاطفة ، والجار والمجرور معطوف على كالشبه «عن الفعل» جار ومجرور متعلق بنيابة «بلا تأثر» الباء حرف جر ، ولا : اسم بمعنى غير مجرور بالباء ، وظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت لنيابة ، ولا مضاف ، وتأثر : مضاف إليه ، مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية التى يقتضيها ما قبله «وكافتقار» الواو حرف عطف والجار والمجرور معطوف على كنيابة «أصلا» فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على افتقار ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل جر نعت لافتقار ، وتقدير البيت : ومثل النيابة عن الفعل فى العمل مع أنه لا يتأثر بالعامل ، ومثل الافتقار المتأصل ، والافتقار المتأصل : هو الافتقار اللازم له الذى لا يفارقه فى حالة من حالاته.


[واحد] ، كالتاء فى ضربت ، أو على حرفين كـ «نا» فى «أكرمنا» ، وإلى ذلك أشار بقوله : «فى اسمى جئتنا» فالتاء فى جئتنا اسم ؛ لأنه فاعل ، وهو مبنى ؛ لأنه أشبه الحرف فى الوضع فى كونه على حرف واحد ، وكذلك «نا» اسم ؛ لأنها مفعول ، وهو مبنى ؛ لشبهه بالحرف فى الوضع فى كونه على حرفين (١).

(والثانى) شبه الاسم له فى المعنى ، وهو قسمان : أحدهما ما أشبه حرفا موجودا ، والثانى ما أشبه حرفا غير موجود ؛ فمثال الأول «متى» فإنها مبنية لشبهها

__________________

(١) الأصل فى وضع الحرف أن يكون على حرف هجاء واحد كباء الجر ولامه وكافه وفاء العطف وواوه وألف الاستفهام وما شاكل ذلك ، أو على حرفى هجاء ثانيهما لين كلا وما النافيتين ، والأصل فى وضع الاسم أن يكون على ثلاثة أحرف فصاعدا كما لا يحصى من الأسماء ، فما زاد من حروف المعانى على حرفين من حروف الهجاء مثل إن وليت وإلا وثم ولعل ولكن فهو خارج عن الأصل فى نوعه ، وما نقص من الأسماء عن ثلاثة الأحرف كتاء الفاعل ونا وأكثر الضمائر فهو خارج عن الأصل فى نوعه ، وما خرج من الحروف عن الأصل فى نوعه قد أشبه الأسماء ، وما خرج من الأسماء عن الأصل فى نوعه أشبه الحروف ، وكلا الشبهين راجع إلى الوضع ، وكان ذلك يقتضى أن يأخذ المشبه حكم المشبه به فى الموضعين ، إلا أنهم أعطوا الاسم الذى يشبه الحرف حكم الحرف وهو البناء ، ولم يعطوا الحرف الذى أشبه الاسم حكم الاسم وهو الإعراب لسببين ، أولهما أن الحرف حين أشبه الاسم قد أشبهه فى شىء لا يخصه وحده ، فإن الأصل فى وضع الفعل أيضا أن يكون على ثلاثة أحرف ، بخلاف الاسم الذى قد أشبه الحرف ؛ فإنه قد أشبهه فى شىء يخصه ولا يتجاوزه إلى نوع آخر من أنواع الكلمة ، والسبب الثانى : أن الحرف لا يحتاج فى حالة ما إلى الإعراب ؛ لأن الإعراب إنما يحتاج إليه من أنواع الكلمة ما يقع فى مواقع متعددة من التراكيب بحيث لا يتميز بعضها عن بعض بغير الإعراب ، والحرف لا يقع فى هذه المواقع المتعددة ، فلم يكن ثمة ما يدعو إلى أن يأخذ حكم الاسم حين يشبهه ، ومعنى هذا الكلام أن فى مشابهة الحرف للاسم قد وجد المقتضى ولكن لم ينتف المانع ؛ فالمقتضى هو شبه الاسم ، والمانع هو عدم توارد المعانى المختلفة عليه ، وشرط تأثير المقتضى أن ينتفى المانع.


الحرف ، فى المعنى ؛ فإنها تستعمل للاستفهام ، نحو «متى تقوم؟» وللشرط ، نحو «متى تقم أقم» وفى الحالتين هى مشبهة لحرف موجود ؛ لأنها فى الاستفهام كالهمزة ، وفى الشرط كإن ، ومثال الثانى «هنا» فإنها مبنية لشبهها حرفا كان ينبغى أن يوضع فلم يوضع ، وذلك لأن الإشارة معنى من المعانى ؛ فحقها أن يوضع لها حرف يدلّ عليها ، كما وضعوا للنفى «ما» وللنهى «لا» وللتمنّى «ليت» وللترجّى «لعلّ» ونحو ذلك ؛ فبنيت أسماء الإشارة لشبهها فى المعنى حرفا مقدّرا (١).

(والثالث) شبهه له فى النّيابة عن الفعل وعدم التأثر بالعامل ، وذلك كأسماء الأفعال ، نحو «دراك زيدا» فدراك : مبنىّ ؛ لشبهه بالحرف فى كونه يعمل ولا يعمل فيه غيره (٢) كما أن الحرف كذلك.

__________________

(١) نقل ابن فلاح عن أبى على الفارسى أن أسماء الإشارة مبنية لأنها من حيث المعنى أشبهت حرفا موجودا ، وهو أل العهدية ؛ فإنها تشير إلى معهود بين المتكلم والمخاطب ، ولما كانت الإشارة فى هنا ونحوها حسية وفى أل العهدية ذهنية لم يرتض المحققون ذلك ، وذهبوا إلى ما ذكره الشارح من أن أسماء الإشارة بنيت لشبهها فى المعنى حرفا مقدرا.

ونظير «هنا» فبما ذكرناه «لدى» فإنها دالة على الملاصقة والقرب زيادة على الظرفية ، والملاصقة والقرب من المعانى التى لم تضع العرب لها حرفا ، وأيضا «ما» التعجبية ، فإنها دالة على التعجب ، ولم تضع العرب للتعجب حرفا ، فيكون بناء كل واحد من هذين الاسمين لشبهه فى المعنى حرفا مقدرا ، فافهم ذلك.

(٢) اسم الفعل مادام مقصودا معناه لا يدخل عليه عامل أصلا ، فضلا عن أن يعمل فيه ، وعبارة الشارح كغيره توهم أن العوامل قد تدخل عليه ولكنها لا تؤثر فيه ، فكان الأولى به أن يقول «ولا يدخل عليه عامل أصلا» بدلا من قوله «ولا يعمل فيه غيره» وقولنا «مادام مقصودا منه معناه» يريد به الإشارة إلى أن اسم الفعل إذا لم يقصد به معناه ـ بأن يقصد لفظه مثلا ـ فإن العامل قد يدخل عليه ، وذلك كما فى قول زهير ابن أبى سلمى المزنى :


واحترز بقوله : «بلا تأثر» عما ناب عن الفعل وهو متأثر بالعامل ، نحو «ضربا زيدا» فإنه نائب مناب «اضرب» وليس بمبنى ؛ لتأثّره بالعامل ، فإنه منصوب بالفعل المحذوف ، بخلاف «دراك» فإنه وإن كان نائبا عن «أدرك» فليس متأثرا بالعامل.

وحاصل ما ذكره المصنف أن المصدر الموضوع موضع الفعل وأسماء الأفعال اشتركا فى النيابة مناب الفعل ، لكن المصدر متأثر بالعامل ؛ فأعرب لعدم مشابهته الحرف ، وأسماء الأفعال غير متأثرة بالعامل ؛ فبنيت لمشابهتها الحرف فى أنها نائبة عن الفعل وغير متأثرة به.

وهذا الذى ذكره المصنف مبنى على أن أسماء الأفعال لا محل لها من الإعراب والمسألة خلافية (١) ، وسنذكر ذلك فى باب أسماء الأفعال.

__________________

ولنعم حشو الدّرع أنت إذا

دعيت نزال ولجّ فى الذّعر

فنزال فى هذا البيت مقصود بها اللفظ ، ولذلك وقعت نائب فاعل ؛ فهى مرفوعة بضمة مقدرة على آخرها منع من ظهوها اشتغال المحل بحركة البناء الأصلى ، ومثله قول زيد الخيل :

وقد علمت سلامة أنّ سيفى

كريه كلّما دعيت نزال

ونظيرهما قول جريبة الفقعسى :

عرضنا نزال فلم ينزلوا

وكانت نزال عليهم أطمّ

(١) إذا قلت «هيهات زيد» مثلا ـ فللعلماء فى إعرابه ثلاثة آراء : الأول ـ وهو مذهب الأخفش ، وهو الصحيح الذى رجحه جمهور علماء النحو ـ أن هيهات اسم فعل ماض مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب ، وزيد : فاعل مرفوع بالضمة ، وهذا الرأى هو الذى يجرى عليه قول الناظم إن سبب البناء فى أسماء الأفعال كونها نائبة عن الفعل غير متأثرة بعامل لا ملفوظ به ولا مقدر ، والثانى ـ وهو رأى سيبويه ـ أن هيهات مبتدأ مبنى على الفتح فى محل رفع ؛ فهو متأثر بعامل معنوى وهو الابتداء ، وزيد : فاعل سد مسد الخبر ، والثالث ـ وهو رأى المازنى ـ أن هيهات مفعول مطلق


(والرابع) شبه الحرف فى الافتقار اللازم ، وإليه أشار بقوله : «وكافتقار أصّلا» وذلك كالأسماء الموصولة ، نحو «الذى» فإنها مفتقرة فى سائر أحوالها إلى الصّلة ؛ فأشبهت الحرف فى ملازمة الافتقار ، فبنيت (١).

وحاصل البيتين أن البناء يكون فى ستة أبواب : المضمرات ، وأسماء الشرط ، وأسماء الاستفهام ، وأسماء الإشارة ، وأسماء الأفعال ، والأسماء الموصولة.

* * *

__________________

لفعل محذوف من معناه ، وزيد : فاعل به ، وكأنك قلت : بعد بعدا زيد ، فهو متأثر بعامل لفظى محذوف من الكلام ، ولا يجرى كلام الناظم على واحد من هذين القولين ، الثانى والثالث ، وعلة بناء اسم الفعل على هذين القولين تضمن أغلب ألفاظه ـ وهى الألفاظ الدالة على الأمر منه ـ معنى لام الأمر ، وسائره محمول عليه ، يعنى أن اسم الفعل أشبه الحرف شبها معنويا ، لا نيابيا.

(١) زاد ابن مالك فى شرح الكافية الكبرى نوعا خامسا سماه الشبه الإهمالى ، وفسره بأن يشبه الاسم الحرف فى كونه لا عاملا ولا معمولا. ومثل له بأوائل السور نحو «ألم ، ق ، ص» وهذا جار على القول بأن فواتح السور لا محل لها من الإعراب ؛ لأنها من المتشابه الذى لا يدرك معناه ، وقيل : إنها فى محل رفع على أنها مبتدأ خبره محذوف ، أو خبر مبتدؤه محذوف ، أو فى محل نصب بفعل مقدر كاقرأ ونحوه ، أو فى محل جر بواو القسم المحذوفة ، وجعل بعضهم من هذا النوع الأسماء قبل التركيب ، وأسماء الهجاء المسرودة ، وأسماء العدد المسرودة ، وزاد ابن مالك أيضا نوعا سادسا سماه الشبه اللفظى ، وهو : أن يكون لفظ الاسم كلفظ حرف من حروف المعانى ، وذلك مثل «حاشا» الاسمية ؛ فإنها أشبهت «حاشا» الحرفية فى اللفظ.

واعلم أنه قد يجتمع فى اسم واحد مبنى شبهان فأكثر ، ومن ذلك المضمرات ؛ فإن فيها الشبه المعنوى ، إذ التكلم والخطاب والغيبة من المعانى التى تتأدى بالحروف ، وفيها الشبه الافتقارى ؛ لأن كل ضمير يفتقر افتقارا متأصلا إلى ما يفسره ، وفيها الشبه الوضعى ، فإن أغلب الضمائر وضع على حرف أو حرفين ، وما زاد فى وضعه على ذلك فمحمول عليه ، طردا للباب على وتيرة واحدة.


ومعرب الأسماء ما قد سلما

من شبه الحرف كأرض وسما (١)

يريد أن المعرب خلاف المبنىّ ، وقد تقدم أن المبنى ما أشبه الحرف ؛ فالمعرب ما لم يشبه الحرف ، وينقسم إلى صحيح ـ وهو : ما ليس آخره حرف علّة كأرض ، وإلى معتل ـ وهو : ما آخره حرف علة كسما ـ وسما : لغة فى الاسم ، وفيه ست لغات : اسم ـ بضم الهمزة وكسرها ، وسم ـ بضم السين وكسرها ، وسما ـ بضم السين وكسرها أيضا.

وينقسم المعرب أيضا إلى متمكن أمكن ـ وهو المنصرف ـ كزيد وعمرو ، وإلى متمكن غير أمكن ـ وهو غير المنصرف ـ نحو : أحمد ومساجد ومصابيح ؛

__________________

(١) «ومعرب» مبتدأ ، ومعرب مضاف و «الأسماء» مضاف إليه «ما» اسم موصول فى محل رفع خبر المبتدأ «قد سلما» قد : حرف تحقيق ، وسلم : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ، والألف فى «سلما» للاطلاق «من شبه» جار ومجرور متعلق بقوله سلم ، وشبه مضاف و «الحرف» مضاف إليه «كأرض» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كأرض «وسما» الواو حرف عطف ، سما : معطوف على أرض ، مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر ، وهو ـ بضم السين مقصورا ـ إحدى اللغات فى اسم كما سيذكره الشارح ، ونظيره فى الوزن هدى وعلا وتقى وضحا.

وههنا سؤال ، وهو أن الناظم فى ترجمة هذا الباب بدأ بالمعرب وثنى بالمبنى فقال «المعرب والمبنى» وحين أراد التقسيم بدأ بالمعرب أيضا فقال «والاسم منه معرب ومبنى» ولكنه حين بدأ فى التفصيل وتعريف كل واحد منهما بدأ بالمبنى وأخر المعرب ، فما وجهه؟

والجواب عن ذلك أنه بدأ فى الترجمة والتقسيم بالمعرب لكونه أشرف من المبنى بسبب كونه هو الأصل فى الأسماء. وبدأ فى التعريف بالمبنى لكونه منحصرا ، والمعرب غير منحصر ، ألا ترى أن خلاصة الكلام فى أسباب البناء قد أنتجت أن المبنى من الأسماء ستة أبواب ليس غير؟!.


فغير المتمكن هو المبنى ، والمتمكن : هو المعرب ، وهو قسمان : متمكن امكن ، ومتمكن غير أمكن (١).

* * *

وفعل أمر ومضىّ بنيا

وأعربوا مضارعا : إن عريا (٢)

من نون توكيد مباشر ، ومن

نون إناث : كير عن من فتن (٣)

__________________

(١) والمتمكن الأمكن هو الذى يدخله التنوين ، إذا خلا من أل ومن الإضافة ، ويجر بالكسرة ، ويسمى المنصرف ، والمتمكن غير الأمكن هو الذى لا ينون ، ولا يجر بالكسرة إلا إذا اقترن بأل أو أضيف ، ويسمى الاسم الذى لا ينصرف.

(٢) «وفعل» مبتدأ ، وفعل مضاف و «أمر» مضاف إليه «ومضى» يقرأ بالجر على أنه معطوف على أمر ، ويقرأ بالرفع على أنه معطوف على فعل «بنيا» فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف التى فيه للتثنية ، وهى نائب فاعل ، وذلك إذا عطفت «مضى» على «فعل» فإن عطفته على «أمر» فالألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فعل «أعربوا» فعل وفاعل «مضارعا» مفعول به «إن» حرف شرط «عريا» فعل ماض مبنى على الفتح فى محل جزم فعل الشرط ، وألفه للاطلاق ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه السابق. من الكلام ، أى : إن عرى الفعل المضارع من النون أعرب ، وعرى من باب رضى بمعنى خلا ، ويأتى من باب قعد بمعنى آخر ، تقول : عراه يعروه عروا ـ مثل سما يسمو سموا ـ إذا نزل به ، ومنه قول أبى صخر الهذلى :

وإنّى لتعرونى لذكراك هزّة

كما انتفض العصفور بلّله القطر

(٣) «من نون» جار ومجرور متعلق بعرى ، ونون مضاف و «توكيد» مضاف إليه ، «مباشر» صفة لنون «ومن نون» جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور السابق ، ونون مضاف و «إناث» مضاف إليه «كيرعن» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، وتقديره : وذلك كائن كيرعن «من» اسم موصول مفعول به ليرعن ، باعتباره فعلا قبل أن يقصد لفظه مع سائر التركيب ، مبنى على السكون فى محل نصب ، فأما بعد أن قصد لفظ الجملة فكل كلمة منها كحرف من


لما فرغ من بيان المعرب والمبنى من الأسماء شرع فى بيان المعرب والمبنى من الأفعال ، ومذهب البصريين أن الإعراب أصل فى الأسماء ، فرع فى الأفعال (١) ؛ فالأصل فى الفعل البناء عندهم ، وذهب الكوفيون إلى أن الإعراب أصل فى الأسماء وفى الأفعال ، والأول هو الصحيح ، ونقل ضياء الدين بن العلج فى البسيط أن بعض النحويين ذهب إلى أن الإعراب أصل فى الأفعال ، فرع فى الأسماء.

والمبنى من الأفعال ضربان :

__________________

حروف زبد مثلا «فتن» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(١) لما كان الأصل عند البصريين فى الأسماء الإعراب فإن ما كان منها معربا لا يسأل عن علة إعرابه ؛ لأن ما جاء على أصله لا يسأل عن علته ، وما جاء منها مبنيا يسأل عن علة بنائه ، وقد تقدم للناظم والشارح بيان علة بناء الاسم ، وأنها مشابهته للحرف ؛ ولما كان الأصل فى الأفعال عندهم أيضا البناء فإن ما جاء منها مبنيا لا يسأل عن علة بنائه ، وإنما يسأل عن علة إعراب ما أعرب منه وهو المضارع ، وعلة إعراب الفعل المضارع عند البصريين أنه أشبه الاسم فى أن كل واحد منهما يتوارد عليه معان تركيبية لا يتضح التمييز بينها إلا بالإعراب ، فأما المعانى التى تنوارد على الاسم فمثل الفاعلية والمفعولية والإضافة فى نحو قولك : ما أحسن زيد ؛ فإنك لو رفعت زبدا لكان فاعلا وصار المراد نفى إحسانه ، ولو نصبته لكان مفعولا به وصار المراد التعجب من حسنه ، ولو جررته لكان مضافا إليه ، وصار المراد الاستفهام عن أحسن أجزائه ، وأما المعانى التى تتوارد على الفعل فمثل النهى عن الفعلين جميعا أو عن الأول منهما وحده أو عن فعلهما متصاحبين فى نحو قولك : لا تعن بالجفاء وتمدح عمرا ، فإنك لو جزمت «تمدح» لكنت منهيا عنه استقلالا ، وصار المراد أنه لا يجوز لك أن تعن بالجفاء ولا أن تمدح عمرا ، ولو رفعت «تمدح» لكان مستأنفا غير داخل فى حكم النهى ، وصار المراد أنك منهى عن الجفاء مأذون لك فى مدح عمرو ، ولو نصبته لكان معمولا لأن المصدرية وصار المراد أنك منهى عن الجمع بين الجفاء ومدح عمرو ، وأنك لو فعلت أيهما منفردا جاز.


(أحدهما) ما اتّفق على بنائه ، وهو الماضى ، وهو مبنى على الفتح (١) نحو «ضرب وانطلق» ما لم يتصل به واو جمع فيضم ، أو ضمير رفع متحرك فيسكن.

(والثانى) ما اختلف فى بنائه والراجح أنه مبنى ، وهو فعل الأمر نحو «اضرب» وهو مبنى عند البصريين ، ومعرب عند الكوفيين (٢).

والمعرب من الأفعال هو المضارع ، ولا يعرب إلا إذا لم تتصل به نون التوكيد أو نون الإناث ؛ فمثال نون التوكيد المباشرة «هل تضربنّ» والفعل معها مبنى على الفتح ، ولا فرق فى ذلك بين الخفيفة والثقيلة (٣) فإن لم تتصل به لم يبن ، وذلك كما إذا

__________________

(١) بنى الفعل الماضى لأن البناء هو الأصل ، وإنما كان بناؤه على حركة ـ مع أن الأصل فى البناء السكون ـ لأنه أشبه الفعل المضارع المعرب فى وقوعه خبرا وصفة وصلة وحالا ، والأصل فى الإعراب أن يكون بالحركات ، وإنما كانت الحركة فى الفعل الماضى خصوص الفتحة لأنها أخف الحركات ، فقصدوا أن تتعادل خفتها مع ثقل الفعل بسبب كون معناه مركبا ، لئلا يجتمع ثقيلان فى شىء واحد ، وتركيب معناه هو دلالته على الحدث والزمان.

(٢) عندهم أن نحو «اضرب» مجزوم بلام الأمر مقدرة ، وأصله لتضرب ، فحذفت اللام تخفيفا ، فصار «تضرب» ثم حذف حرف المضارعة قصدا للفرق بين هذا وبين المضارع غير المجزوم عند الوقف عليه ، فاحتيج بعد حذف حرف المضارعة إلى همزة الوصل توصلا للنطق بالساكن ـ وهو الضاد ـ فصار «اضرب» وفى هذا من التكلف ما ليس تخفى.

(٣) لا فرق فى اتصال نون التوكيد بالفعل المضارع ومباشرتها له بين أن تكون ملفوظا بها كما مثل الشارح ، وأن تكون مقدرة كما فى قول الشاعر ، وهو الأضبط بن قريع

لا تهين الفقير علّك أن

تركع يوما والدّهر قد رفعه

فإن أصل قوله لا تهين لا تهينن بنونين أولاهما لام الكلمة والثانية نون التوكيد الخفيفة ، فحذفت نون التوكيد الخفيفة ، وبقى الفعل بعد حذفها مبنيا على الفتح فى محل جزم بلام النهى ، ولو لم تكن نون التوكيد مقدرة فى هذا الفعل لوجب عليه أن يقول لا تهن


فصل بينه وبينها ألف اثنين نحو «هل تضربانّ» ، وأصله : هل تضرباننّ ، فاجتمعت ثلاث نونات ؛ فحذفت الأولى ـ وهى نون الرفع ـ كراهة توالى الأمثال ؛ فصار «هل تضربانّ (١)».

وكذلك يعرب الفعل المضارع إذا فصل بينه وبين نون التوكيد واو جمع أو ياء مخاطبة ، نحو «هل تضربنّ يا زيدون» و «هل تضربنّ يا هند» وأصل «تضربنّ» تضربوننّ ، فحذفت النون الأولى لتوالى الأمثال ، كما سبق ، فصار تضربونّ ، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فصار تضربنّ ، وكذلك «تضربنّ» أصله تضربيننّ ؛ ففعل به ما فعل بتضربوننّ.

وهذا هو المراد بقوله : «وأعربوا مضارعا إن عريا من نون توكيد مباشر» فشرط فى إعرابه أن يعرى من ذلك ، ومفهومه أنه إذا لم يعر منه يكون مبنيا.

فعلم أن مذهبه أن الفعل المضارع لا يبنى إلا إذا باشرته نون التوكيد ، نحو «هل تضربنّ يا زيد» فإن لم تباشره أعرب ، وهذا هو مذهب الجمهور.

وذهب الأخفش إلى أنه مبنىّ مع نون التوكيد ، سواء اتصلت به نون التوكيد أو لم تتصل ، ونقل عن بعضهم أنه معرب وإن اتصلت به نون التوكيد.

ومثال ما اتصلت به نون الإناث «الهندات يضربن» والفعل معها مبنىّ على السكون ، ونقل المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ فى بعض كتبه أنه لا خلاف فى

__________________

بحذف الياء التى هى عين الفعل تخلصا من التقاء الساكنين ـ وهما الياء وآخر الفعل ـ ثم يكسر آخر الفعل تخلصا من التقاء ساكنين آخرين هما آخر الفعل ولام التعريف التى فى أول «الفقير» لأن ألف الوصل لا يعتد بها ، اذ هى غير منطوق بها ، فلما وجدناه لم يحذف الياء علمنا أنه قد حذف نون التوكيد وهو ينوبها.

(١) أى : بعد أن حرك نون التوكيد بالكسر بعد أن كانت مفتوحة ، فرقا بينها وبين نون التوكيد التى تتصل بالفعل المسند لواحد ، فى اللفظ ، فإن ألف الاثنين تظهر فى النطق كحركة مشبعة ، فلو لم تكسر النون فى المثنى التبس المسند للاثنين فى اللفظ بالمسند إلى المفرد.


بناء الفعل المضارع مع نون الإناث ، وليس كذلك ، بل الخلاف موجود ، وممن نقله الأستاذ أبو الحسن بن عصفور فى شرح الإيضاح (١).

* * *

وكلّ حرف مستحقّ للبنا

والأصل فى المبنىّ أن يسكّنا (٢)

ومنه ذو فتح ، وذو كسر ، وضم

كأين أمس حيث ، والساكن كم (٣)

الحروف كلها مبنية ؛ إذ لا يعتورها ما تفتقر فى دلالتها عليه إلى إعراب ، نحو «أخذت من الدّراهم» فالتيعيض مستفاد من لفظ «من» بدون الإعراب.

والأصل فى البناء أن يكون على السكون ؛ لأنه أخف من الحركة ، ولا يحرّك المبنىّ إلا لسبب كالتخلّص من التقاء الساكنين ، وقد تكون الحركة فتحة ، كأين وقام وإنّ ، وقد تكون كسرة ، كأمس وجير ، وقد تكون ضمة ، كحيث ، وهو اسم ، و «منذ» وهو حرف [إذا جررت به] ، وأما السكون فنحو «كم ، واضرب ، وأجل».

__________________

(١) ممن قال بإعرابه السهيلى وابن درستويه وابن طلحة ، ورأيهم أنه معرب بإعراب مقدر منع من ظهوره شبهه بالماضى فى صيرورة النون جزءا منه ؛ فتقول فى نحو (والوالدات يرضعن) : يرضعن فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع ظهورها شبه يرضعن بأرضعن فى أن النون قد صارت فيه جزءا منه.

(٢) «كل» مبتدأ ، وكل مضاف و «حرف» مضاف إليه «مستحق» خبر المبتدأ «للبنا» جار ومجرور متعلق بمستحق «والأصل» مبتدأ «فى المبنى» جار ومجرور متعلق بالأصل «أن» مصدرية «يسكنا» فعل مضارع مبنى للمجهول منصوب بأن ، والالف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المبنى ، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر خبر المبتدأ ، والتقدير : والأصل فى المبنى تسكينه ، والمراد كونه ساكنا.

(٣) «ومنه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «ذو» مبتدأ مؤخر ، مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لأنه من الأسماء الستة ، وذو مضاف و «فتح» مضاف إليه «وذو» معطوف على ذو السابق «كسر» مضاف إليه «وضم» معطوف على كسر بتقدير مضاف : أى وذو ضم «كأين» متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف «أمس ، حيث» معطوفان على أين بحرف عطف محذوف «والساكن الواو عاطفة أو للاستئناف ، الساكن : مبتدأ «كم» خبره ، ويجوز العكس.


وعلم مما مثلنا به أن البناء على الكسر والضم لا يكون فى الفعل ، بل فى الاسم والحرف ، وأن البناء على الفتح أو السكون : يكون فى الاسم ، والفعل ، والحرف (١).

* * *

والرّفع والنّصب اجعلن إعرابا

لاسم وفعل ، نحو : لن أهابا (٢)

والاسم قد خصّص بالجرّ ، كما

قد خصّص الفعل بأن ينجزما (٣)

__________________

(١) ذكر الناظم والشارح أن من المبنيات ما يكون بناؤه على السكون ، ومنه ما يكون بناؤه على حركة من الحركات الثلاث. واعلم أنه ينوب عن السكون فى البناء الحذف ، والحذف يقع فى موضعين : الأول الأمر المعتل الآخر ، نحو : اغز وارم واسع ، والثانى : الأمر المسند إلى ألف اثنين أو واو جماعة أو ياء مخاطبة ، نحو اكتبا واكتبوا واكتبى ، وأنه ينوب عن الفتح فى البناء شيآن : أولهما الكسر ، وذلك فى جمع المؤنث السالم إذا وقع اسما للا النافية للجنس ، نحو لا مسلمات ، وثانيهما الياء وذلك فى جمع المذكر السالم والمثنى إذا وقع أحدهما اسما للا النافية للجنس أيضا ، نحو : لا مسلمين ، وأنه ينوب عن الضم فى البناء شيآن : أحدهما الألف وذلك فى المثنى إذا وقع منادى نحو : يا زيدان ، وثانيهما الواو ، وذلك فى جمع المذكر السالم إذا وقع منادى أيضا ، نحو : يا زيدون.

(٢) «والرفع» مفعول به أول لاجعلن مقدم عليه «والنصب» معطوف عليه «اجعلن» فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إعرابا» مفعول ثان لاجعلن «لاسم» جار ومجرور متعلق بإعرابا «وفعل» معطوف على اسم «نحو» خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك نحو «لن» حرف نفى ونصب واستقبال «أهابا» فعل مضارع منصوب بلن ، والألف للاطلاق ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، ونحو مضاف وجملة الفعل والفاعل فى قوة مفرد مضاف إليه.

(٣) «والاسم» مبتدأ «قد» حرف تحقيق «خصص» فعل ماض ، مبنى للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوزا تقديره هو يعود إلى الاسم ، والجملة فى محل رفع


فارفع بضمّ ، وانصبن فتحا ، وجر

كسرا : كذكر الله عبده يسر (١)

واجزم بتسكين ، وغير ما ذكر

ينوب ، نحو : جا أخوبنى نمر (٢)

__________________

خبر المبتدأ «بالجر» جار ومجرور متعلق بخصص «كما» الكاف حرف جر ، وما : مصدرية «قد» حرف تحقيق «خصص» فعل ماض مبنى للمجهول «الفعل» نائب فاعله ، وما مع مدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف : أى ككون الفعل مخصصا «بأن» الباء حرف جر ، وأن حرف مصدري ونصب «ينجزما» فعل مضارع منصوب بأن ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل ، وأن ومدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالباء : أى بالانجزام ، والجار والمجرور متعلق بخصص.

(١) «فارفع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بضم» جار ومجرور متعلق بارفع «وانصبن» الواو عاطفة ، انصب : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، وهو معطوف على ارفع «فتحا» منصوب على نزع الخافض أى بفتح «وجر» الواو عاطفة ، جر : فعل أمر معطوف على ارفع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «كسرا» مثل قوله فتحا منصوب على نزع الخافض «كذكر الله عبده يسر» الكاف حرف جر ومجروره محذوف ، والجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف والتقدير : وذلك كائن كقولك ، وذكر : مبتدأ ، وذكر مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله ، وعبد : مفعول به لذكر منصوب بالفتحة الظاهرة ، وعبد مضاف والضمير مضاف إليه ، ويسر : فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذكر ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) «واجزم» الواو عاطفة ، اجزم : فعل أمر معطوف على ارفع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بتسكين» جار ومجرور متعلق باجزم «وغير» الواو للاستئناف ، غير : مبتدأ ، وغير مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر «ذكر» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة «ينوب» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى غير. والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «نحو» خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك نحو «جا» فعل ماض قصر للضرورة «أحو» فاعل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة ، وأخو مضاف و «بنى» مضاف إليه


أنواع الإعراب أربعة : الرفع ، والنصب ، والجر ، والجزم ؛ فأما الرفع والنصب فيشترك فيهما الأسماء والأفعال نحو «زيد يقوم ، وإنّ زيدا لن يقوم» وأما الجر فيختص بالأسماء ، نحو «بزيد» وأما الجزم فيختص بالأفعال ، نحو «لم يضرب».

والرفع يكون بالضمة ، والنصب يكون بالفتحة ، والجر يكون بالكسرة ، والجزم يكون بالسكون ، وما عدا ذلك يكون نائبا عنه ، كما نابت الواو عن الضمة فى «أخو» والياء عن الكسرة فى «بنى» من قوله : «جا أخو بنى نمر» وسيذكر بعد هذا مواضع النيابة.

* * *

وارفع بواو ، وانصبنّ بالألف ،

واجرر بياء ـ ما من الأسما أصف (١)

شرع فى بيان ما يعرب بالنيابة عمّا سبق ذكره ، والمراد بالأسماء التى سيصفها

__________________

مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم ، وبنى مضاف و «نمر» مضاف إليه ، مجرور بالكسرة الظاهرة ، وسكن لأجل الوقف ، والجملة من الفعل وفاعله فى قوة مفرد مجرور بإضافة نحو إليه.

(١) «وارفع» الواو للاستئناف ، ارفع فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بواو» متعلق بارفع «وانصبن» الواو عاطفة ، انصب : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وهو معطوف على ارفع «بالألف» جار ومجرور متعلق بانصب «واجرر» الواو عاطفة ، اجرر : فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وهو معطوف على ارفع «بياء» جار ومجرور متعلق باجرر «ما» اسم موصول تنازعه الأفعال الثلاثة «من الأسما» جار ومجرور متعلق بأصف الآتى ، أو بمحذوف حال من ما الموصولة «أصف» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ، والعائد ضمير محذوف منصوب المحل بأصف ، أى : الذى أصفه.


الأسماء الستة ، وهى أب ، وأخ ، وحم ، وهن ، وفوه ، وذو مال ؛ فهذه ترفع بالواو نحو «جاء أبو زيد» وتنصب بالألف نحو «رأيت أباه» وتجر بالياء نحو «مررت بأبيه» والمشهور أنها معربة بالحروف ؛ فالواو نائبة عن الضمة ، والألف نائبة عن الفتحة ، والياء نائبة عن الكسرة ، وهذا هو الذى أشار إليه المصنف بقوله : «وارفع بواو ـ إلى آخر البيت» ، والصحيح أنها معربة بحركات مقدّرة على الواو والألف والياء ؛ فالرفع بضمة مقدرة على الواو ، والنصب بفتحة مقدرة على الألف ، والجر بكسرة مقدرة على الياء ؛ فعلى هذا المذهب الصحيح لم ينب شىء عن شىء مما سبق ذكره (١).

__________________

(١) فى هذه المسألة أفوال كثيرة ، وأشهر هذه الأقوال ثلاثة ، الأول : أنها معربة من مكان واحد ، والواو والألف والياء هى حروف الإعراب ، وهذا رأى جمهور البصريين وإليه ذهب أبو الحسن الأخفش فى أحد قوليه ، وهو الذى ذكره الناظم هنا ومال إليه. والثانى : أنها معربة من مكان واحد أيضا ، وإعرابها بحركات مقدرة على الواو والألف والياء ، فإذا قلت «جاء أبوك» فأبوك : فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل ، وهذا مذهب سيبويه ، وهو الذى ذكره الشارح وزعم أنه الصحيح ، ورجحه الناظم فى كتابه التسهيل ، ونسبه جماعة من المتأخرين إلى جمهور البصريين ، والصحيح أن مذهب هؤلاء هو الذى قدمنا ذكره ، قال أتباع سيبويه : إن الأصل فى الإعراب أن يكون بحركات ظاهرة أو مقدرة فمتى أمكن هذا الأصل لم يجز العدول عنه إلى الفروع ، وقد أمكن أن نجعل الإعراب بحركات مقدرة ، فيجب المصير إليه ، والقول الثالث : قول جمهور الكوفيين ، وحاصله أنها معربة من مكانين ،. قالوا : إن الحركات تكون إعرابا لهذه الأسماء فى حال إفرادها : أى قطعها عن الإضافة ، فتقول : هذا أب لك وقد رأيت أخا لك ، ومررت بحم ، فإذا قلت فى حال الإضافة ، «هذا أبوك» فالضمة باقية على ما كانت عليه فى حال الإفراد ، فوجب أن تكون علامة إعراب ، لأن الحركة التى تكون علامة إعراب للمفرد فى حالة إفراده هى بعينها التى تكون علامة لإعرابه فى حال إضافته ، ألا ترى أنك تقول «هذا غلام» فإذا قلت «هذا غلامك» لم يتغير الحال؟ فكذا هنا. وكذا الواو والألف والياء بعد هذه الحركات فى حال إضافة الأسماء الستة تجرى مجرى الحركات فى كونها إعرايا ، بدليل أنها تتغير فى حال الرفع


من ذاك «ذو» : إن صحبة أبانا

والفم ، حيث الميم منه بانا (١)

أى : من الأسماء التى ترفع بالواو ، وتنصب بالألف ، وتجرّ بالياء ـ ذو ، وفم ، ولكن يشترط فى «ذو» أن تكون بمعنى صاحب ، نحو «جاءنى ذو مال» أى : صاحب مال ، وهو المراد بقوله : «إن صحبة أبانا» أى : إن أفهم صحبة ، واحترز بذلك عن «ذو» الطائية ؛ فإنها لا تفهم صحبة ، بل هى بمعنى الذى ؛ فلا تكون مثل «ذى» بمعنى صاحب ، بل تكون مبنيّة ، وآخرها الواو رفعا ، ونصبا ، وجرا ، ونحو «جاءنى ذو قام ، ورأيت ذو قام ، ومررت بذو قام» ؛ ومنه قوله :

(٤) ـ

فإمّا كرام موسرون لقيتهم

فحسبى من ذو عندهم ما كفانيا

__________________

والنصب والجر ، فدل ذلك على أن الضمة والواو جميعا علامة للرفع ، والفتحة والألف جميعا علامة للنصب ، والكسرة والياء جميعا علامه للجر ، وإنما ألجأ العرب إلى ذلك قلة حروف هذه الأسماء ، فرفدوها ـ فى حال الإضافة التى هى من خصائص الاسم ـ بحروف زائدة ، تكثيرا لحروفها.

(١) «من ذاك» من ذا : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، والكاف حرف خطاب «ذو» مبتدأ مؤخر «إن» حرف شرط «صحبة» مفعول به مقدم لأبان «أبانا» أبان : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذو ، وألفه للاطلاق وهو فعل شرط مبنى على الفتح فى محل جزم ، والجواب محذوف ، والتقدير : إن أبان ذو صحبة فارفعه بالواو «والفم» معطوف على ذو «حيث» ظرف مكان «الميم» مبتدأ «منه» جار ومجرور متعلق ببان «بانا» فعل ماض بمعنى انفصل ، مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الميم ، وألفه للاطلاق وجملته فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو قوله الميم ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جر بإضافة «حيث» إليها.

٤ ـ هذا بيت من الطويل ، وهو من كلام منظور بن سحيم الفقعسى ، وقد


..................................................................................

__________________

استشهد به ابن هشام فى أوضح المسالك (ش ٧) فى مبحث الأسماء الخمسة ، وفى باب الموصول ، كما فعل الشارح هنا ، واستشهد به الأشمونى (ش ١٥٥) مرتين أيضا. وقبل البيت المستشهد به قوله :

ولست بهاج فى القرى أهل منزل

على زادهم أبكى وأبكى البواكيا

فإمّا كرام موسرون لقيتهم

فحسبى من ذو عندهم ... البيت

وإما كرام معسرون عذرتهم

وإما لئام فادّخرت حيائيا

وعرضى أبقى ما ادّخرت ذخيرة

وبطنى أطويه كطىّ ردائيا

اللغة : «هاج» اسم فاعل من الهجاء ، وهو الذم والقدح ، تقول : هجاه يهجوه هجوا وهجاء «القرى» ـ بكسر القاف مقصورا ـ إكرام الضيف ، و «فى» هنا دالة على السببية والتعليل ، مثلها فى قوله صلّى الله عليه وسلّم : «دخلت امرأة النار فى هرة» أى بسبب هرة ومن أجل ما صنعته معها ، يريد أنه لن يهجو أحدا ولن يذمه ويقدح فيه بسبب القرى على أية حال ، وذلك لأن الناس على ثلاثة أنواع : النوع الأول كرام موسرون ، والنوع الثانى كرام معسرون غير واجدين ما يقدمونه لضيفانهم ، والنوع الثالث لئام بهم شح وبخل وضنانة ، وقد ذكر هؤلاء الأنواع الثلاثة ، وذكر مع كل واحد حاله بالنسبة له «كرام» جمع كريم ، وأراد الطيب العنصر الشريف الآباء ، وقابلهم باللئام «موسرون» ذوو ميسرة وغنى ، وعندهم ما يقدمونه للضيفان «معسرون» ذوو عسرة وضيق لا يجدون ما يقدمونه مع كرم نفوسهم وطيب عنصرهم.

الإعراب : «إما» حرف شرط وتفصيل ، مبنى على السكون لا محل له من الإعراب «كرام» فاعل بفعل محذوف يفسره السياق ، وتقدير الكلام : إما لقينى كرام ، ونحو ذلك ، مرفوع بذلك الفعل المحذوف ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة «موسرون» نعت لكرام ، ونعت المرفوع مرفوع ، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة لأنه جمع مذكر سالم ، والنون عوض عن التنوين فى الاسم المفرد «لقيتهم» لقى : فعل ماض مبنى على فتح مقدر لا محل له من الإعراب ، والتاء ضمير المتكلم فاعل لقى ، مبنى على الضم فى محل رفع ، وضمير الغائبين العائد إلى كرام مفعول به مبنى على السكون فى محل نصب. وجملة الفعل الماضى وفاعله


..................................................................................

__________________

ومفعوله لا محل لها من الإعراب تفسيرية «فحسبى» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، حرف مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب ، حسب : اسم بمعنى كاف خبر مقدم ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، مبنى على الفتح فى محل جر «من» حرف جر مبنى على السكون لا محل له «ذو» اسم موصول بمعنى الذى مبنى على السكون فى محل جر بمن ، وإن رويت «ذى» فهو مجرور بمن ، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة ، والجار والمجرور متعلق بحسب «عندهم» عند : ظرف متعلق بمحذوف يقع صلة للموصول الذى هو ذو بمعنى الذى ، وعند مضاف وضمير الغائبين مضاف إليه ، مبنى على السكون فى محل جر «ما» اسم موصول بمعنى الذى مبتدأ مؤخر مبنى على السكون فى محل رفع «كفانيا» كفى : فعل ماض مبنى على فتح مقدر على الألف منع من ظهوره التعذر ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم الموصول الذى هو ما ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم مفعول به مبنى على الفتح فى محل نصب ، والألف للاطلاق ، وجملة كفى وفاعله ومفعوله لا محل صلة ما.

الشاهد فيه : قوله «فحسبى من ذو عندهم» فإن «ذو» فى هذه العبارة اسم موصول بمعنى الذى ، وقد رويت هذه الكلمة بروايتين ؛ فمن العلماء من روى «فحسبى من ذى عندهم» بالياء ، واستدل بهذه الرواية على أن «ذا» الموصولة تعامل معامل «ذى» التى بمعنى صاحب والتى هى من الأسماء الخمسة ، فترفع بالواو ، وتنصب بالألف ، وتجر بالياء كما فى هذه العبارة على هذه الرواية ، ومعنى ذلك أنها معربة ويتغير آخرها بتغير التراكيب. ومن العلماء من روى «فحسبى من ذو عندهم» بالواو ، واستدل بها على أن «ذو» التى هى اسم موصول مبنية ، وأنها تجىء بالواو فى حالة الرفع وفى حالة النصب وفى حالة الجر جميعا وهذا الوجه هو الراجح عند النحاة ؛ وسيذكر الشارح هذا البيت مرة أخرى فى باب الموصول ، وينبه على الروايتين جميعا ، وعلى أن رواية الواو تدل على البناء ورواية الياء تدل على الإعراب ، لكن على رواية الياء يكون الإعراب فيها بالحروف نيابة عن الحركات على الراجح ، وعلى رواية الواو تكون الكلمة فيها مبنية على السكون ، فاعرف ذلك ولا تنسه.

قال ابن منظور فى لسان العرب : «وأما قول الشاعر :

*فإنّ بيت تميم ذو سمعت به*


وكذلك يشترط فى إعراب الفم بهذه الأحرف زوال الميم منه ، نحو «هذا فوه ، ورأيت فاه ، ونظرت إلى فيه» ؛ وإليه أشار بقوله : «والفم حيث الميم منه بانا» أى : انفصلت منه الميم ، أى زالت منه ؛ فإن لم تزل منه أعرب بالحركات ، نحو «هذا فم ، ورأيت فما ، ونظرت إلى فم».

* * *

أب ، أخ ، حم ـ كذاك ، وهن

والنّقص فى هذا الأخير أحسن (١)

وفى أب وتالييه يندر

وقصرها من نقصهنّ أشهر (٢)

يعنى أن «أبا ، وأخا ، وحما» تجرى مجرى «ذو ، وفم» اللّذين سبق ذكرهما ؛

__________________

فإن «ذو» هنا بمعنى الذى ، ولا يكون فى الرفع والنصب والجر إلا على لفظ واحد ، وليست بالصفة التى تعرب نحو قولك : مررت برجل ذى مال ، وهو ذو مال ، ورأيت رجلا ذا مال ، وتقول : رأيت ذو جاءك ، وذو جاءاك ، وذو جاءوك ، وذو جاءتك ، وذو جئنك ، بلفظ واحد للمذكر والمؤنث ، ومن أمثال العرب : أتى عليه ذو أتى على الناس ، أى الذى أتى عليهم ، قال أبو منصور : وهى لغة طيىء ، وذو بمعنى الذى» اه.

وفى البيت الذى أنشده فى صدر كلامه شاهد كالذى معنا على أن «ذو التى بمعنى الذى تكون بالواو ولو كان موضعها جرا أو نصبا ؛ فإن قول الشاعر «ذو سمعت به» نعت لبيت تميم المنصوب على أنه اسم إن ، ولو كانت «ذو» معربة لقال : فإن بيت تميم ذا سمعت به ، فلما جاء بها بالواو فى حال النصب علمنا أنه يراها مبنية ، وبناؤها كما علمت على السكون

(١) «أب» مبتدأ «أخ حم» معطوفان على أب مع حذف حرف العطف «كذاك» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر تنازعه كل من أب وما عطف عليه «وهن» الواو عاطفة ، هن : مبتدأ ، وخبره محذوف ، أى : وهن كذاك «والنقص» مبتدأ «فى هذا» جار ومجرور متعلق بالنقص ، أو بأحسن «الأخير» بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة أو هو نعت له «أحسن» خبر المبتدأ.

(٢) «وفى أب» جار ومجرور متعلق بيندر الآتى «وتالييه» معطوف على أب «يندر» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى النقص «وقصرها» الواو عاطفة ، قصر : مبتدأ ، وقصر مضاف والضمير مضاف إليه «من نقصهن» من نقص : جار ومجرور متعلق بأشهر. ونقص مضاف والضمير مضاف إليه «أشهر» خبر المبتدأ.


فترفع بالواو ، وتنصب بالألف ، وتجرّ بالياء ، نحو «هذا أبوه وأخوه وحموها ، ورأيت أباه وأخاه وحماها ، ومررت بأبيه وأخيه وحميها» وهذه هى اللغة المشهورة فى هذه الثلاثة ، وسيذكر المصنف فى هذه الثلاثة لغتين أخريين.

وأما «هن» فالفصيح فيه أن يعرب بالحركات الظاهرة على النون ، ولا يكون فى آخره حرف علة ، نحو «هذا هن زيد ، ورأيت هن زيد ، ومررت بهن زيد (١)» وإليه أشار بقوله : «والنقص فى هذا الأخير أحسن» أى : النقص فى «هن» أحسن من الإتمام ، والإتمام جائز لكنه قليل جدا ، نحو «هذا هنوه ، ورأيت هناه ، ونظرت إلى هنيه» وأنكر الفرّاء جواز إتمامه ، وهو مححوج بحكاية سيبويه الإتمام عن العرب ، ومن حفظ حجّة على من لم يحفظ.

وأشار المصنف بقوله : «وفى أب ونالييه يندر ـ إلى آخر البيت» إلى اللغتين الباقيتين فى «أب» وتالييه ـ وهما «أخ ، وحم» ـ فإحدى اللغتين النّقص ، وهو حذف الواو والألف والياء ، والإعراب بالحركات الظاهرة على الباء والخاء والميم ، نحو «هذا أبه وأخه وحمها ، ورأيت أبه وأخه وحمها ، ومررت بأبه وأخه وحمها» وعليه قوله :

__________________

(١) ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسّلام : «من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ، ولا تكنوا» وتعزى بعزاء الجاهلية معناه دعا بدعائها فقال : يا لفلان ، ويا لفلان ، والغرض أنه يدعو إلى العصبية القبلية التى جهد النبى صلّى الله عليه وسلّم جهده فى محوها. ومعنى «أعضوه بهن أبيه» قولوا له : عض أير أبيك ، ومعنى «ولا تكنوا» قولوا له ذلك بلفظ صريح ، مبالغة فى التشنيع عليه ، ومحل الاستشهاد قوله صلوات الله عليه : «بهن أبيه» حيث جر لفظ الهن بالكسرة الظاهرة ، ومن ذلك قولهم فى المثل : «من يطل هن أبيه ينتطق به» يريدون من كثر إخوته اشتدبهم ظهره وقوى بهم عزه (وانظره فى مجمع الأمثال رقم ٤٠١٥ فى ٢ / ٣٠٠ بتحقيقنا)


(٥) ـ

بأبه اقتدى عدىّ فى الكرم

ومن يشابه أبه فما ظلم

وهذه اللغة نادرة فى «أب» وتالييه ، ولهذا قال : «وفى أب وتالييه يندر» أى : يندر النقص ، واللغة الأخرى فى «أب» وتاليه أن يكون بالألف : رفعا ، ونصبا ، وجرا ، ونحو «هذا أباه وأخاه وحماها ، ورأيت أباه وأخاه وحماها ، ومررت بأباه وأخاه وحماها ، وعليه قول الشاعر :

__________________

٥ ـ ينسب هذا البيت لرؤبة بن العجاج ، من كلمة يزعمون أنه مدح فيها عدى بن حاتم الطائى ، وقبله قوله :

أنت الحليم والأمير المنتقم

تصدع بالحقّ وتنفى من ظلم

اللغة : «عدى» أراد به عدى بن حاتم الطائى الجواد المشهور «اقتدى» يريد أنه جعله لنفسه قدوة فسار على نهج سيرته «فما ظلم» يريد أنه لم يظلم أمه ؛ لأنه جاء على مثال أبيه الذى ينسب إليه ، وذلك لأنه لو جاء مخالفا لما عليه أبوه من السمت أو الشبه أو من الخلق والصفات لنسبه الناس إلى غيره ، فكان فى ذلك ظلم لأمه واتهام لها (انظر مجمع الأمثال رقم ٤٠٢٠ فى ٢ / ٣٠٠ بتحقيقنا).

الإعراب : «بأبه» الجار والمجرور متعلق باقتدى ، وأب مضاف والضمير مضاف إليه «اقتدى عدى» فعل ماض وفاعله «فى الكرم» جار ومجرور بالكسرة الظاهرة متعلق بافتدى أيضا ، وسكن المجرور للوقف «ومن» اسم شرط مبتدأ «يشابه» فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بالسكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من «أبه» مفعول به ليشابه ، ومضاف إليه «فما» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، وما : نافية «ظلم» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط ، وجملة الشرط وجوابه فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو اسم الشرط ، وهذا أحد ثلاثة أقوال ، وهو الذى نرجحه من بينها ، وإن رجح كثير من النحاة غيره.

الشاهد فيه : قوله «بأبه ـ يشابه أبه» حيث جر الأول بالكسرة الظاهرة ، ونصب الثانى بالفتحة الظاهرة. وهذا يدل على أن قوما من العرب يعربون هذا الاسم بالحركات الظاهرة على أواخره ، ولا يجتلبون لها حروف العلة لتكون علامة إعراب.


(٦) ـ

إنّ أباها وأبا أباها

قد بلغا فى المجد غايتاها

__________________

٦ ـ نسب العينى والسيد المرتضى فى شرح القاموس هذا البيت لأبى النجم العجلى ، ونسبه الجوهرى لرؤبة بن العجاج ، وذكر العينى أن أبا زيد نسبه فى نوادره لبعض أهل اليمن. وقد بحثت النوادر فلم أحد فيها هذا البيت ، ولكنى وجدت أبا زيد أنشد فيها عن أبى الغول لبعض أهل اليمن :

أىّ قلوص راكب تراها

طاروا عليهنّ فشل علاها

واشدد بمثنى حقب حقواها

ناجية وناجيا أباها

وفى هذه الأبيات شاهد للمسألة التى معنا ، وقافيتها هى قافية بيت الشاهد ، ومن هنا وقع السهو للعينى ، فأما الشاهد فى هذه الأبيات ففى قوله : «وناجيا أباها» فإن «أباها» فاعل بقوله : «ناجيا» وهذا الفاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ، وهذه لغة القصر ، ولو جاء به على لغة التمام لقال : «وناجيا أبوها».

الإعراب : «إن» حرف توكيد ونصب «أباها» أبا : اسم إن منصوب بفتحة مقدرة على الألف ، ويحتمل أن يكون منصوبا بالألف نيابة عن الفتحة كما هو المشهور ، وأبا مضاف والضمير مضاف إليه «وأبا» معطوف على اسم إن ، وأبا مضاف وأبا من «أباها» مضاف إليه ، وهو مضاف والضمير مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «بلغا» فعل ماض ، وألف الاثنين فاعله ، والجملة فى محل رفع خبر إن «فى المجد» جار ومجرور متعلق بالفعل قبله وهو بلغ «غايتاها» مفعول به لبلغ على لغة من يلزم المثنى الألف ، أى منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ، وغايتا مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه ، وهذا الضمير عائد على المجد ، وإنما جاء به مؤنثا ومن حقه التذكير لأنه اعتبر المحد صفة أو رتبة ، والمراد بالغايتين المبدأ والنهاية ، أو نهاية مجد النسب ونهاية مجد الحسب ، وهذا الأخير أحسن.

الشاهد فيه : الذى يتعين الاستشهاد به فى هذا البيت لما ذكر الشارح هو قوله : «أباها» الثالثة لأن الأولى والثانية يحتملان الإجراء على اللغة المشهورة الصحيحة كما رأيت فى الإعراب ؛ فيكون نصبهما بالألف ، أما الثالثة فهى فى موضع الجر بإضافة


فعلامة الرفع والنصب والجرّ حركة مقدّرة على الألف كما تقدّر فى المقصور ، وهذه اللغة أشهر من النقص.

وحاصل ما ذكره أنّ فى «أب ، وأخ ، وحم» ثلاث لغات : أشهرها أن تكون بالواو والألف والياء ، والثانية أن تكون بالألف مطلقا (١) ، والثالثة أن يحذف منها الأحرف الثلاثة ، وهذا نادر ، وأن فى «هن» لغتين : إحداهما النقص ، وهو الأشهر ، والثانية الإتمام ، وهو قليل.

* * *

وشرط ذا الإعراب : أن يضفن لا

لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا (٢)

__________________

ما قبلها إليها ، ومع ذلك جاء بها بالألف ، والأرجح إجراء الأوليين كالثالثة ؛ لأنه يبعد جدا أن يجىء الشاعر بكلمة واحدة فى بيت واحد على لغتين مختلفتين.

(١) هذه لغة قوم بأعيانهم من العرب ، واشتهرت نسبتها إلى بنى الحارث وخثعم وزبيد ، وكلهم ممن يلزمون المثنى الألف فى أحواله كلها ، وقد تكلم بها فى الموضعين النبى صلى الله عليه وسلم ، وذلك فى قوله : «ما صنع أبا جهل؟» ، وقوله : «لا وتران فى ليلة» وعلى هذه اللغة قال الإمام أبو حنيفة رضى الله عنه : «لا قود فى مثقل ولو ضربه بأبا قبيس» وأبو قبيس : جبل معروف.

(٢) «وشرط» الواو للاستئناف ، شرط : مبتدأ ، وشرط مضاف و «ذا» مضاف إليه «الإعراب» بدل أو عطف بيان أو نعت لذا «أن» حرف مصدرى ونصب «يضفن» فعل مضارع مبنى للمجهول وهو مبنى على السكون لاتصاله بنون النسوة فى محل نصب بأن ، وأن مدخولها فى تأويل مصدر خبر المبتدأ ، أى : شرط إعرابهن بالحروف كونهن مضافات ، و «لا» حرف عطف «لليا» معطوف على محذوف ، والتقدير : لكل اسم لا للياء «كجا» الكاف حرف جر ، ومجروره محذوف والجار والمجرور متعلق بمحذوف ، خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كقولك ، وجا : أصله جاء : فعل ماض «أخو» فاعل جاء ، وأخو مضاف وأبى من «أبيك» مضاف إليه مجرور بالياء ، وأبى مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه «ذا» حال منصوب


ذكر النحويون لإعراب هذه الأسماء بالحروف شروطا أربعة :

(أحدها) أن تكون مضافة ، واحترز بذلك من ألا تضاف ؛ فإنها حينئذ تعرب بالحركات الظاهرة ، نحو «هذا أب ، ورأيت أبا ، ومررت بأب».

(الثانى) أن تضاف إلى غير ياء المتكلم ، نحو «هذا أبو زيد وأخوه وحموه» ؛ فإن أضيفت إلى ياء المتكلم أعربت بحركات مقدّرة ، نحو «هذا أبى ، ورأيت أبى ، ومررت بأبى» ، ولم تعرب بهذه الحروف ، وسيأتى ذكر ما تعرب به حينئذ.

(الثالث) أن تكون مكبّرة ، واحترز بذلك من أن تكون مصغّره ؛ فإنها حينئذ تعرب بالحركات الظاهرة ، نحو : «هذا أبىّ زيد وذوىّ مال ، ورأيت أبىّ زيد وذوىّ مال ، ومررت بأبىّ زيد وذوىّ مال».

(الرابع) : أن تكون مفردة ، واحترز بذلك من أن تكون مجموعة أو مثنّاة ؛ فإن كانت مجموعة أعربت بالحركات الظاهرة (١) ، نحو «هؤلاء آباء

__________________

بالألف نيابة عن الفتحة ، وهو مضاف ، و «اعتلا» مضاف إليه. وأصله اعتلاء فقصره للاضطرار ، وتقدير البيت : وشرط هذا الإعراب (الذى هو كونها بالواو رفعا وبالألف نصبا وبالياء جرا) فى كل كلمة من هذه الكلمات كونها مضافة إلى أى اسم من الأسماء لا لياء المتكلم ، ومثال ذلك قولك : جاء أخو أبيك ذا اعتلاء ، فأخو : مثال للمرفوع بالواو وهو مضاف لما بعده ، وأبيك : مثال للمجرور بالياء ، وهو مضاف لضمير المخاطب ، وذا : مثال للمنصوب بالألف ، وهو مضاف إلى «اعتلا» ، وكل واحد من المضاف إليهن اسم غير ياء المتكلم كما ترى.

(١) المراد جمع التكسير كما مثل ؛ فأما جمع المذكر السالم فإنها لا تجمع عليه إلا شذوذا ، وهى ـ حينئذ ـ تعرب إعراب جمع المذكر السالم شذوذا : بالواو رفعا ، وبالياء المكسور ما قبلها نصبا وجرا ، ولم يجمعوا منها جمع المذكر إلا الأب وذو.

فأما الأب فقد ورد جمعه فى قول زياد بن واصل السلمى :

فلمّا تبيّنّ أصواتنا

بكين وفدّيننا بالأبينا


الزّيدين ، ورأيت آباءهم ، ومررت بآبائهم» ، وإن كانت مثنّاة أعربت إعراب المثنى : بالألف رفعا ، وبالياء جرا ونصبا ، نحو : «هذان أبوا زيد ، ورأيت أبويه ، ومررت بأبويه».

ولم يذكر المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ من هذه الأربعة سوى الشرطين الأوّلين ، ثم أشار إليهما بقوله : «وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا لليا» أى : شرط إعراب هذه الأسماء بالحروف أن تضاف إلى غير ياء المتكلم ؛ فعلم من هذا أنه لا بد من إضافتها ، وأنه لا بد أن تكون [إضافتها] إلى غير ياء المتكلم.

ويمكن أن يفهم الشرطان الآخران من كلامه ، وذلك أن الضمير فى قوله «يضفن» راجع إلى الأسماء التى سبق ذكرها ، وهو لم يذكرها إلا مفردة مكبرة ؛ فكأنه قال : «وشرط ذا الإعراب أن يضاف أب وإخوته المذكورة إلى غير ياء المتكلم».

واعلم أن «ذو» لا تستعمل إلا مضافة ، ولا تضاف إلى مضمر ، بل إلى اسم جنس ظاهر غير صفة ، نحو : «جاءنى ذو مال» ؛ فلا يجوز «جاءنى ذو قائم» (١)

__________________

وأما «ذو» فقد ورد جمعه مضافا مرتين : إحداهما إلى اسم الجنس ، والأخرى إلى الضمير شذوذا ، وذلك فى قول كعب بن زهير بن أبى سلمى المزنى :

صبحنا الخزرجيّة مرهفات

أبار ذوى أرومتها ذووها

ففى «ذووها» شذوذ من ناحيتين : إضافته إلى الضمير ، وجمعه جمع المذكر السالم

(١) اعلم أن الأصل فى وضع «ذو» التى بمعنى صاحب أن يتوصل بها إلى نعت ما قبلها بما بعدها ، وذلك يستدعى شيئين ؛ أحدهما : أن يكون ما بعدها مما لا يمتنع أن يوصف به ، والثانى : أن يكون ما بعدها مما لا بصلح أن يقع صفة من غير حاجة إلى توسط شىء ومن أجل ذلك لازمت الإضافة إلى أسماء الأجناس المعنوية كالعلم والمال والفضل والجاه


بالألف ارفع المثنّى ، وكلا

إذا بمضمر مضافا وصلا (١)

__________________

فتقول : محمد ذو علم ، وخالد ذو مال ، ويكر ذو فضل ، وعلى ذو جاه ، وما أشبه ذلك لأن هذه الأشياء لا يوصف بها إلا بواسطة شىء ، ألا ترى أنك لا تقول «محمد فضل» إلا بواسطة تأويل المصدر بالمشتق ، أو بواسطة تقدير مضاف ، أو بواسطة قصد المبالغة ، فأما الأسماء التى يمتنع أن تكون نعتا ـ وذلك الضمير والعلم ـ فلا يضاف «ذو» ولا مثناه ولا جمعه إلى شىء منها ، وشذ قول كعب بن زهير بن أبى سلمى المزنى الذى سبق إنشاده :

صبحنا الخزرجيّة مرهفات

أيار ذوى أرومتها ذووها

كما شذ قول الآخر :

إنما يعرف ذا الفضل من النّاس ذووه

وشذ كذلك ما أنشده الأصمعى قال : أنشدنى أعرابى من بنى تميم ثم من بنى حنظلة لنفسه :

أهنأ المعروف ما لم

تبتذل فيه الوجوه

إنما يصطنع

المعروف فى الناس ذووه

وإن كان اسم أو ما يقوم مقامه مما يصح أن يكون نعتا بغير حاجة إلى شىء ـ وذلك الاسم المشتق والجملة ـ لم يصح إضافة «ذو» إليه ، وندر نحو قولهم : اذهب بذى تسلم ، والمعنى : اذهب بطريق ذى سلامة ، فتلخص أن «ذو» لا تضاف إلى واحد من أربعة أشياء : العلم ، والضمير ، والمشتق ، والجملة ، وأنها تضاف إلى اسم الجنس الجامد ، سواء أكان مصدرا أم لم يكن

(١) «بالألف» جار ومجرور متعلق بارفع التالى «ارفع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «المثنى» مفعول به لا رفع ، منصوب بفتحة مقدرة على الألف «وكلا» معطوف على المثنى «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان «بمضمر» جار ومجرور متعلق بوصل الآتى «مضافا» حال من الضمير المستتر فى وصل «وصلا» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل جر بإضافة إذا إليها ، وجواب إذا محذوف ، والتقدير : إذا وصل كلا بالضمير حال كون كلا مضافا إلى ذلك الضمير فارفعه بالألف.


كلتا كذاك ، اثنان واثنتان

كابنين وابنتين يجريان (١)

وتخلف اليا فى جميعها الألف

جرّا ونصبا بعد فتح قد ألف (٢)

ذكر المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ أن مما تنوب فيه الحروف عن الحركات الأسماء الستة ، وقد تقدم الكلام عليها ، ثم ذكر المثنى ، وهو مما يعرب بالحروف.

وحدّه : «لفظ دالّ على اثنين ، بزيادة فى آخره ، صالح للتجريد ، وعطف مثله عليه» فيدخل فى قولنا «لفظ دال على اثنين» المثنى نحو «الزيدان» والألفاظ الموضوعة لاثنين نحو «شفع» ، وخرج بقولنا (٣) «بزيادة» نحو

__________________

(١) «كلنا» مبتدأ «كذاك» الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر ، والكاف حرف خطاب «اثنان» مبتدأ «واثنتان» معطوف عليه «كابنين» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير الذى هو ألف الاثنين فى قوله يجريان الآتى «وابنتين» معطوف على ابنين «يجريان» فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، وألف الاثنين فاعل ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ وما عطف عليه.

(٢) «وتخلف» فعل مضارع «اليا» فاعله «فى جميعها» الجار والمجرور متعلق بتخلف ، وجميع مضاف والضمير مضاف إليه «الألف» مفعول به لتخلف «جرا» مفعول لأجله «ونصبا» معطوف عليه «بعد» ظرف متعلق بتخلف ، وبعد مضاف و «فتح» مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «ألف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فتح ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل جر نعت لفتح.

(٣) وخرج بقوله «دال على اثنين» الاسم الذى تكون فى آخره زيادة المثنى وهو مع ذلك لا يدل على اثنين ، وإنما يدل على واحد أو على ثلاثة فصاعدا ، فأما ما يدل على الواحد مع هذه الزيادة فمثاله من الصفات : رجلان ، وشبعان ، وجوعان ، وسكران وندمان ، ومثاله من الأعلام : عثمان ، وعفان ، وحسان ، وما أشبه ذلك ، وأما ما يدل على الثلاثة فصاعدا فمثاله : صنوان ، وغلمان ، وصردان ، ورغفان ، وجرذان ، وإعراب هذين النوعين بحركات ظاهرة على النون ، والألف ملازمة لها فى كل حال ؛ لأنها نون الصيغة ، وليست النون القائمة مقام التنوين.


«شفع» ، وخرج بقولنا «صالح للتجريد» نحو «اثنان» فإنه لا يصلح لإسقاط الزيادة منه ؛ فلا تقول «اثن» وخرج بقولنا «وعطف مثله عليه» ما صلح للتجريد وعطف غيره عليه ، كالقمرين ؛ فإنه صالح للتجريد ، فنقول : قمر ، ولكن يعطف عليه مغايره لا مثله ، نحو : قمر وشمس ، وهو المقصود بقولهم : «القمرين».

وأشار المصنف بقوله : «بالألف ارفع المثنى وكلا» إلى أن المثنى يرفع بالألف ، وكذلك شبه المثنى ، وهو : كلّ ما لا يصدق عليه حدّ المثنى ، وأشار إليه المصنف بقوله «وكلا» ؛ فما لا يصدق عليه حدّ المثنى مما دل على اثنين بزيادة أو شبهها ، فهو ملحق بالمثنى ؛ فكلا وكلتا واثنان واثنتان ملحقة بالمثنى ؛ لأنها لا يصدق عليها حدّ المثنى ، لكن لا يلحق كلا وكلتا بالمثنى إلا إذا أضيفا إلى مضمر ، نحو «جاءنى كلاهما ، ورأيت كليهما ، ومررت بكليهما ، وجاءتنى كلتاهما ، ورأيت كلتيهما ، ومررت بكلتيهما» فإن أضيفا إلى ظاهر كانا بالألف رفعا ونصبا وجرا ، نحو «جاءنى كلا الرجلين وكلتا المرأتين ، ورأيت كلا الرجلين وكلتا المرأتين ، ومررت بكلا الرجلين وكلتا المرأتين» ؛ فلهذا قال المصنف : «وكلا إذا بمضمر مضافا وصلا» (١).

__________________

(١) هذا الذى ذكره الشارح تبعا للناظم ـ ـ من أن لكلا وكلنا حالتين : حالة يعاملان فيها معاملة المثنى ، وحالة يعاملان فيها معاملة المفرد المقصور ؛ فيكونان بالألف فى الأحوال الثلاثة كالفتى والعصا ـ هو مشهور لغة العرب ، والسر فيه ـ على ما ذهب إليه نحاة البصرة ـ أن كلا وكلتا لفظهما لفظ المفرد ومعناهما معنى المثنى ، فكان لهما شبهان شبه بالمفرد من جهة اللفظ ، وشبه بالمثنى من جهة المعنى ؛ فأخذا حكم المفرد تارة وحكم المثتى تارة أخرى ، حتى يكون لكل شبه حظ ، فى الإعراب. وفى إعادة الضمير عليهما أيضا.

ومن العرب من يعاملهما معاملة المقصور فى كل حال ؛ فيغلب جانب اللفظ ، وعليه جاء قول الشاعر :


ثم بيّن أن اثنين واثتتين يجريان مجرى ابنين وابنتين ؛ فاثنان واثنتان ملحقان بالمثنّى [كما تقدّم] ، وابنان وابنتان مثنى حقيقه.

ثم ذكر المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ أن الياء تخلف الألف فى المثنى والملحق به فى حالتى الجرّ والنصب ، وأن ما قبلها لا يكون إلا مفتوحا ، نحو : «رأيت الزّيدين كليهما ، ومررت بالزّيدين كليهما» واحترز بذلك عن ياء الجمع ؛ فإن ما قبلها لا يكون إلا مكسورا ، نحو : «مررت بالزّيدين» وسيأتى ذلك.

وحاصل ما ذكره أن المثنى وما ألحق به يرفع بالألف ، وينصب ويجرّ بالياء ، وهذا هو المشهور ، والصحيح أن الإعراب فى المثنى والملحق به بحركة مقدرة على الألف رفعا والياء نصبا وجرا.

وما ذكره المصنف من أن المثنى والملحق به يكونان بالألف رفعا والياء نصبا وجرا هو المشهور فى لغة العرب ، ومن العرب (١) من يجعل المثنى والملحق به

__________________

نعم الفق عمدت إليه مطيّتى

فى حين جدّ بنا المسير كلانا

ومحل الشاهد فى قوله «كلانا» فإنه توكيد للضمير المجرور محلا بالباء فى قوله «بنا» وهو مع ذلك مضاف الى الضمير ، وقد جاء به بالألف فى حالة الجر.

وقد جمع فى عود الضمير عليهما بين مراعاة اللفظ والمعنى الأسود بن يعفر فى قوله :

إنّ المنيّة والحتوف كلاهما

يوفى المخارم يرقبان سوادى

فتراه قال «يوفى المخارم» بالإفراد ، ثم قال «يرقبان» بالتثنية ، فأما الإعراب فإن جعلت «كلاها» توكيدا كان كإعراب المقصور ، ولكن ذلك ليس بمتعين ، بل يجوز أن يكون «كلاهما» مبتدأ خبره جملة المضارع بعده ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل رفع خبر إن ، وعلى هذا يكون اللفظ كإعراب المثنى جاريا على اللغة الفصحى.

(١) هذه لغة كنانة وبنى الحارث بن كعب وبنى العنبر وبنى هجيم وبطون من ربيعة


بالألف مطلقا : رفعا ، ونصبا ، وجرا ؛ فيقول : «جاء الزيدان كلاهما ، ورأيت الزيدان كلاهما ، ومررت بالزيدان كلاهما».

* * *

وارفع بواو وبيا اجرر وانصب

سالم جمع «عامر ، ومذنب» (١)

__________________

بكر بن وائل وزبيد وخثعم وهمدان وعذرة. وخرج عليه قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) وقوله صلّى الله عليه وسلّم : «لا وتران فى ليلة» وجاء عليها قول الشاعر :

تزوّد منّا بين أذناه طعنة

دعته إلى هابى التّراب عقيم

فإن من حق «هذان ، ووتران ، وأذناه» ـ لو جرين على اللغة المشهورة ـ أن تكون بالياء : فإن الأولى اسم إن ، والثانية اسم لا ، وهما منصوبان ، والثالثة فى موضع المجرور بإضافة الظرف قبلها ، وفى الآية الكريمة تخريجات أخرى تجريها على المستعمل فى لغة عامة العرب : منها أن «إن» حرف بمعنى «نعم» مثلها فى قول عبد الله بن قيس الرقيات :

بكر العواذل فى الصّبو

ح يلمننى وألومهنّه

ويقلن : شيب قد علا

ك وقد كبرت ، فقلت : إنّه

يريد فقلت نعم ، والهاء على ذلك هى هاء السكت ، و «هذان» فى الآية الكريمة حينئذ مبتدأ ، واللام بعده زائدة ، و «ساحران» خبر المبتدأ. ومنها أن «إن» مؤكدة ناصبة للاسم رافعة للخبر ، واسمها ضمير شأن محذوف ، و «هذان ساحران» مبتدأ وخبر كما فى الوجه السابق ، والجملة فى محل رفع خبر إن ، والتقدير : إنه (أى الحال والشأن) هذان لساحران.

(١) «وارفع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بواو» جار ومجرور متعلق بارفع «وبيا» جار ومجرور متعلق باجرر الآتى ، ولقوله انصب معمول مثله حذف لدلالة هذا عليه ، أى : اجرر بياء وانصب بياء «اجرر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وانصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا ، وهو معطوف بالواو على اجرر «سالم» مفعول به تنازعه كل من ارفع واجرر وانصب


ذكر المصنف قسمين يعربان بالحروف : أحدهما الأسماء الستة ، والثانى المثنى ، وقد تقدّم الكلام عليهما ، ثم ذكر فى هذا البيت القسم الثالث ، وهو جمع المذكر السالم وما حمل عليه ، وإعرابه : بالواو رفعا ، وبالياء نصبا وجرا.

وأشار بقوله : «عامر ومذنب» إلى ما يجمع هذا الجمع ، وهو قسمان : جامد ، وصفة.

فيشترط فى الجامد : أن يكون علما ، لمذكر ، عاقل ، خاليا من تاء التأنيث ، ومن التركيب ؛ فإن لم يكن علما لم يجمع بالواو والنون ؛ فلا يقال فى «رجل» رجلون ، نعم إذا صغّر جاز ذلك نحو : «رجيل ، ورجيلون» لأنه وصف (١) ، وإن كان علما لغير مذكر لم يجمع بهما ؛ فلا يقال فى «زينب» زينبون ، وكذا إن كان علما لمذكر غير عاقل ؛ فلا يقال فى لاحق ـ اسم فرس ـ لا حقون ، وإن كان فيه تاء التأنيث فكذلك لا يجمع بهما ؛ فلا يقال فى «طلحة» طلحون ، وأجاز ذلك الكوفيون (٢) ، وكذلك إذا كان مركبا ؛ فلا يقال فى «سيبويه» سيبويهون ، وأجازه بعضهم.

__________________

وسالم مضاف و «جمع» مضاف إليه ، وجمع مضاف إليه و «عامر» مضاف إليه ، و «مذنب» معطوف على عامر.

(١) وجاء من ذلك قول الشاعر :

زعمت تماضر أنّنى إمّا أمت

يسدد أبينوها الأصاغر خلّتى

محل الشاهد فى قوله «أبينوها» فإنه جمع مصغر «ابن» جمع مذكر سالما ورفعه بالواو نيابة عن الضمة ، ولو لا التصغير لما جاز أن يجمعه هذا الجمع ؛ لأن ابنا اسم جامد وليس بعلم ، وإنما سوغ التصغير ذلك لأن الاسم المصغر فى قوة الوصف ، ألا ترى أن رجيلا فى قوة قولك : رجل صغير ، أو حقير ، وأن أبينا فى قوة قولك : ابن صغير؟

(٢) ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز جمع العلم المذكر المختوم بتاء التأنيث كطلحة وحمزة جمع مذكر سالما بالواو والنون أو الياء والنون بعد حذف تاء التأنيث التى فى


ويشترط فى الصفة : أن تكون صفة ، لمذكر ، عاقل ، خالية من تاء التأنيث ، ليست من باب أفعل فعلاء ، ولا من باب فعلان فعلى ، ولا مما يستوى فيه المذكر والمؤنث ؛ فخرج بقولنا «صفة لمذكر» ما كان صفة لمؤنث ؛ فلا يقال فى حائض حائضون ، وخرج بقولنا «عاقل» ما كان صفة لمذكر غير عاقل ؛ فلا يقال فى سابق ـ صفة فرس ـ سابقون ، وخرج بقولنا «خالية من تاء التأنيث» ما كان صفة لمذكر عاقل ، ولكن فيه تاء التأنيث ، نحو علّامة ؛ فلا يقال فيه : علّامون ، وخرج بقولنا «ليست من باب أفعل فعلاء» ما كان كذلك ، نحو «أحمر» فإن مؤنثه حمراء ؛ فلا يقال فيه : أحمرون ، وكذلك ما كان من باب فعلان فعلى ، نحو «سكران ، وسكرى» فلا يقال : سكرانون ، وكذلك إذا استوى فى الوصف المذكر والمؤنث ، نحو «صبور ، وجريح» فإنه يقال : رجل صبور ، وامرأة صبور ، ورجل جريح ، وامرأة جريح ؛ فلا يقال فى جمع المذكر السالم : صبورون ، ولا جريحون.

وأشار المصنف ـ رحمه الله ـ إلى الجامد الجامع للشروط التى سبق ذكرها بقوله : «عامر» فإنه علم لمذكر عاقل خال من تاء التأنيث ومن التركيب ؛ فيقال فيه : عامرون.

__________________

المفرد ، ووافقهم على ذلك أبو الحسن بن كيسان ، وعلى ذلك يقولون : جاء الطلحون والحمزون ، ورأيت الطلحين والحمزين ، ولهم على ذلك ثلاثة أدلة ؛ الأول : أن هذا علم على مذكر وإن كان لفظه مؤنثا ، والعبرة بالمعنى لا باللفظ ، والثانى : أن هذه التاء فى تقدير الانفصال بدليل سقوطها فى جمع المؤنث السالم فى قولهم : طلحات ، وحمزات ، والثالث : أن الإجماع منعقد على جواز جمع العلم المذكر المختوم بألف التأنيث جمع مذكر سالما ، فلو سمينا رجلا بحمراء أو حبلى جاز جمعه على حمراوين وحبلين ولا شك أن الاسم المختوم بألف التأنيث أشد تمكنا فى التأنيث من المختوم بتاء التأنيث ، وإذا جاز جمع الاسم الأشد تمكنا فى التأنيث جمع مذكر سالما فجواز جمع الاسم الأخف تمكنا فى التأنيث هذا الجمع جائز من باب أولى.


وأشار إلى الصفة المذكورة أولا بقوله : «ومذنب» فإنه صفة لمذكر عاقل خالية من تاء التأنيث وليست من باب أفعل فعلاء ولا من باب فعلان فعلى ولا مما يستوى فيه المذكر والمؤنث ، فيقال فيه : مذنبون.

* * *

وشبه ذين ، وبه عشرونا

وبابه ألحق ، والأهلونا (١)

أولو ، وعالمون ، علّيّونا

وأرضون شذّ ، والسّنونا (٢)

وبابه ، ومثل حين قد يرد

ذا الباب ، وهو عند قوم يطّرد (٣)

__________________

(١) «وشبه» الواو حرف عطف ، شبه : معطوف على عامر ومذنب ، وشبه مضاف و «ذين» مضاف إليه مبنى على الياء فى محل جر «وبه» جار ومجرور متعلق بقوله ألحق الآتى «عشرونا» مبتدأ «وبابه» الواو عاطفة ، باب : معطوف على قوله عشرون ، وباب مضاف والهاء ضمير الغائب العائد إلى قوله عشرونا مضاف إليه «ألحق» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قوله عشرونا ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «والأهلون» معطوف على قوله عشرون.

(٢) «أولو» و «عالمون» و «عليون» و «أرضون» : كلهن معطوف على قوله عشرون «شذ» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على المتعاطفات كلها ، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها ؛ لأنها استئنافية ، وقيل : بل الجملة فى محل رفع خبر عن المتعاطفات ، والمتعاطفات مبتدأ ، وعلى هذا يكون قد أخبر عن الأخير منها فقط «والسنون» و «بابه» معطوفان على قوله عشرون.

(٣) «ومثل» الواو عاطفة أو للاستئناف ، مثل : نصب على الحال من الفاعل المستتر فى قوله يرد الآتى ، ومثل مضاف ، و «حين» مضاف إليه «قد» حرف تقليل «يرد» فعل مضارع «ذا» اسم إشارة فاعل يرد «الباب» بدل أو عطف بيان أو نعت لاسم الإشارة «وهو» مبتدأ «عند» ظرف متعلق بيطرد ، وعند مضاف و «قوم» مضاف إليه «يطرد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الضمير المنفصل الواقع مبتدأ ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، وتقدير


أشار المصنف ـ رحمه الله! ـ بقوله : «وشبه ذين» إلى شبه عامر ، وهو كل علم مستجمع للشروط السابق ذكرها كمحمد وإبراهيم ؛ فتقول : محمدون وإبراهيمون ، وإلى شبه مذنب ، وهو كل صفة اجتمع فيها الشروط ، كالأفضل والضّرّاب ونحوهما ، فتقول : الأفضلون والضّرّابون ، وأشار بقوله : «وبه عشرون» إلى ما ألحق بجمع المذكر السالم فى إعرابه : بالواو رفعا ، وبالياء جرا ونصبا.

وجمع المذكر السالم هو : ما سلم فيه بناء الواحد ، ووجد فيه الشروط التى سبق ذكرها ؛ فما لا واحد له من لفظه ، أو له واحد غير مستكمل للشروط ـ فليس بجمع مذكر سالم ، بل هو ملحق به ؛ فعشرون وبابه ـ وهو ثلاثون إلى تسعين ـ ملحق بجمع المذكر السالم ؛ لأنه لا واحد له من لفظه ؛ إذ لا يقال : عشر ، وكذلك «أهلون» ملحق به ؛ لأن مفرده ـ وهو أهل ـ ليس فيه الشروط المذكورة (١) ؛ لأنه اسم جنس جامد كرجل ، وكذلك «أولو» ؛ لأنه لا واحد له من لفظه ، و «عالمون» جمع عالم ، وعالم كرجل اسم جنس جامد ، وعلّيّون : اسم لأعلى الجنة ، وليس فيه الشروط المذكورة ؛ لكونه لما لا يعقل ، وأرضون : جمع أرض ، وأرض : اسم جنس جامد مؤنث ، والسنون : جمع سنة ، والسنة : اسم جنس مؤنث ؛ فهذه كلها ملحقة بالجمع المذكر ؛ لما سبق من أنها غير مستكملة للشروط.

__________________

البيت : وقد يرد هذا الباب (وهو باب سنين) معربا بحركات ظاهرة على النون مع لزوم الياء ، مثل إعراب «حين» بالضمة رفعا والفتحة نصبا والكسرة جرا ، والإعراب بحركات ظاهرة على النون مع لزوم الياء يطرد فى كل جمع المذكر وما ألحق به عند قوم من النحاة أو من العرب.

(١) وقد جمع لفظ «أهل» جمع مذكر سالما شذوذا ، وذلك كقول الشنفرى :

ولى دونكم أهلون : سيد عملس ،

وأرقط ذهلول ، وعرفاء حبأل


وأشار بقوله «وبابه» إلى باب سنة ، وهو : كل اسم ثلاثى ، حذفت لامه ، وعوّض عنها هاء التأنيث ، ولم يكسّر : كمائة ومئين وثبة وثبين. وهذا الاستعمال شائع فى هذا ونحوه ؛ فإن كسّر كشفة وشفاه لم يستعمل كذلك إلا شذوذا ، كظبة ؛ فإنهم كسّروه على ظباة وجمعوه أيضا بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا ، فقالوا : ظبون ، وظبين.

وأشار بقوله : «ومثل حين قد يرد ذا الباب» إلى أنّ سنين (١) ونحوه قد

__________________

(١) اعلم أن إعراب سنين وبابه إعراب الجمع بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا هى لغة الحجاز وعلياء قيس. وأما بعض بنى تميم وبنى عامر فيجعل الإعراب بحركات على النون ويلتزم الياء فى جميع الأحوال ، وهذا هو الذى أشار إليه المصنف بقوله «ومثل حين» وقد تكلم النبى صلّى الله عليه وسلّم بهذه اللغة ، وذلك فى قوله يدعو على المشركين من أهل مكة : «اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف» وقد روى هذا الحديث برواية أخرى على لغة عامة العرب : «اللهم اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف» فإما أن يكون عليه الصلاة والسّلام قد تكلم باللغتين جميعا مرة بهذه ومرة بتلك ، لأن الدعاء مقام تكرار للمدعو به ، وهذا هو الظاهر ، وإما أن يكون قد تكلم بإحدى اللغتين ، ورواه الرواة بهما جميعا كل منهم رواه بلغة قبيلته ؛ لأن الرواية بالمعنى جائزة عند المحدثين ، وعلى هذه اللغة جاء الشاهد رقم ٧ الذى رواه الشارح ، كما جاء قول جرير :

أرى مرّ السّنين أخذن منّى

كما أخذ السّرار من الهلال

وقول الشاعر :

ألم نسق الحجيج ـ سلى معدّا ـ

سنينا ما تعدّ لنا حسابا

وقول الآخر :

سنينى كلّها لاقيت حربا

أعدّ مع الصّلادمة الذكور

ومن العرب من يلزم هذا الباب الواو ، ويفتح النون فى كل أحواله ؛ فيكون إعرابه بحركات مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل ، ومنهم من يلزمه الواو ويجعل الإعراب بحركات على النون كإعراب زيتون ونحوه ، ومنهم من يجرى الإعراب الذى


تلزمه الياء ويجعل الإعراب على النون ؛ فتقول : هذه سنين ، ورأيت سنينا ، ومررت بسنين ، وإن شئت حذفت التّنوين ، وهو أقل من إثباته ، واختلف فى اطّراد هذا والصحيح أنه لا يطرد ، وأنه مقصور على السماع ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف» فى إحدى الروايتين ، ومثله قول الشاعر :

(٧) ـ

دعانى من نجد ؛ فإنّ سنينه

لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا

__________________

ذكرناه أولا فى جميع أنواع جمع المذكر وما ألحق به ، إجراء له مجرى المفرد ، ويتخرج على هذه اللغة قول ذى الإصبع العدوانى :

إنّى أبى أبىّ ذو محافظة

وابن أبى أبىّ من أبيّين

ويجوز فى هذا البيت أن تخرجه على ما خرج عليه بيت سحيم (ش ٩) الآتى قريبا فتلخص لك من هذا أن فى سنين وبابه أربع لغات ، وأن فى الجمع عامة لغتين.

٧ ـ البيت للصمة بن عبد الله ، أحد شعراء عصر الدولة الأموية ، وكان الصمة قد هوى ابنة عم له اسمها ريا ، فخطبها ، فرضى عمه أن يزوجها له على أن يمهرها خمسين من الإبل ، فذكر ذلك لأبيه ، فساق عند تسعة وأربعين ، فأبى عمه إلا أن يكملها له خمسين وأبى أبوه أن يكملها ، ولج العناد بينهما ، فلم ير الصمة بدا من فراقهما جميعا ، فرحل إلى الشام ؛ فكان وهو بالشام يحن إلى نجد أحيانا ويذمه أحيانا أخرى ، وهذا البيت من قصيدة له فى ذلك.

اللغة : «دعانى» أى اتركانى ، ويروى فى مكانه «ذراتى» وهما بمعنى واحد «نجد» بلاد بعينها ، أعلاها تهامة واليمن وأسفلها العراق والشام ، و «الشيب» ـ بكسر الشين ـ جمع أشيب ، وهو الذى وخط الشيب شعر رأسه. و «المرد» ـ بضم فسكون ـ جمع أمرد ، وهو من لم ينبت بوجهه شعر.

الإعراب : «دعانى» دعا : فعل أمر مبنى على حذف النون ، وألف الاثنين فاعل والنون للوقاية ، والياء مفعول به ، مبنى على الفتح فى محل نصب «من نجد» جار ومجرور متعلق بدعانى «فإن» الفاء للتعليل ، إن : حرف توكيد ونصب «سنينه» ، سنين : اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة ـ وهو محل الشاهد ـ وسنين مضاف والضمير


[الشاهد فيه إجراء السنين مجرى الحين ، فى الإعراب بالحركات وإلزام النون مع الإضافة].

* * *

ونون مجموع وما به التحق

فافتح ، وفلّ من بكسره نطق (١)

__________________

العائد إلى نجد مضاف إليه ، وجملة «لعبن» من الفعل وفاعله فى محل رفع خبر إن «بنا» جار ومجرور متعلق بلعبن «شيبا» حال من الضمير المجرور المحل بالباء فى بنا ، وجملة «شيبننا» من الفعل وفاعله ومفعوله معطوفة بالواو على جملة لعبن «مردا» حال من المفعول به فى قوله شيبننا.

الشاهد فيه : قوله «فإن سنينه» حيث نصبه بالفتحة الظاهرة ، بدليل بقاء النون مع الإضافة إلى الضمير ، فجعل هذه النون الزائدة على بنية الكلمة كالنون التى من أصل الكلمة فى نحو مسكين وغسلين ، ألا ترى أنك تقول : هذا مسكين ، ولقد رأيت رجلا مسكينا ، ووقعت عينى على رجل مسكين ، وتقول : هذا الرجل مسكينكم ، فتكون حركات الإعراب على النون سواء أضيفت الكلمة أم لم تضف ؛ لأن مثلها مثل الميم فى غلام والباء فى كتاب ، ولو أن الشاعر اعتبر هذه النون زائدة مع الياء للدلالة على أن الكلمة جمع مذكر سالم لوجب عليه هنا أن ينصبه بالياء ويحذف النون فيقول «فإن سنيه» ومثل هذا البيت قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف» والأبيات التى أنشدناها (فى ص ٥٨) وتقدم لنا ذكر ذلك.

(١) «ونون» مفعول مقدم لا فتح ، ونون مضاف و «مجموع» مضاف إليه «وما» الواو عاطفة ، ما : اسم موصول معطوف على مجموع ، مبنى على السكون فى محل جر «به» جار ومجرور متعلق بالتحق الآتى «انتحق» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «فافتح» الفاء زائدة لتزيين اللفظ ، وافتح : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وقل» فعل ماض «من» اسم موصول فى محل رفع فاعل بقل «بكسره» الجار والمجرور متعلق بنطق ، وكسر مضاف والضمير العائد على النون مضاف إليه «نطق» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، والجملة


ونون ما ثنّى والملحق به

بعكس ذاك استعملوه ، فانتبه (١)

حقّ نون الجمع وما ألحق به الفتح ، وقد تكسر شذوذا ، ومنه قوله :

(٨) ـ

عرفنا جعفرا وبنى أبيه

وأنكرنا زعانف آخرين

__________________

لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ، وتقدير البيت : افتح نون الاسم المجموع والذى التحق به ، وقل من العرب من نطق بهذه النون مكسورة : أى فى حالتى النصب والجر أما فى حالة الرفع فلم يسمع كسر هذه النون من أحد منهم.

(١) «ونون» الواو عاطفة ، نون : مبتدأ ، ونون مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «ثنى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة ما «والملحق» معطوف على ما «به» جار ومجرور متعلق بالملحق «بعكس» جار ومجرور متعلق باستعملوه ، وعكس مضاف وذا منّ «ذاك» مضاف إليه ، والكاف حرف خطاب «استعملوه» فعل ماض ، والواو فاعل. والهاء مفعول به ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو «نون» فى أول البيت «فانتبه» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، يريد أن لغة جمهور العرب جارية على أن ينطقوا بنون المثنى مكسورة ، وقليل منهم من ينطق بها مفتوحة.

٨ ـ هذا البيت لجرير بن عطية بن الخطفى ، من أبيات خاطب بها فضالة العرنى ، وقبله قوله :

عرين من عرينة ، ليس منّا

برئت إلى عرينة من عرين

المفردات : «جعفر» اسم رجل من ولد ثعلبة بن يربوع «وبنى أبيه» إخوته ، وهم عرين وكليب وعبيد «زعانف» جمع زعنفة ـ بكسر الزاى والنون بينهما عين مهملة ساكنة ـ وهم الأتباع ، وفى القاموس «الزعنفة ـ بالكسر والفتح ـ القصير والقصيرة ، وجمعه زعانف ، وهى أجنحة السمك ، وكل جماعة ليس أصلهم واحدا» ه. والزعانف أيضا : أهداب الثوب التى تنوس منه ، أى تتحرك ، ويقال للئام الناس ورذالهم : الزعانف.

الإعراب : «عرفنا» فعل وفاعل «جعفرا» مفعوله «وبنى» معطوف على جعفر وبنى مضاف وأبى من «أبيه» مضاف إليه ، وأبى مضاف وضمير الغائب العائد إلى جعفر مضاف إليه «وأنكرنا» الواو حرف عطف ، أنكرنا : فعل وفاعل «زعانف»


وقوله :

(٩) ـ

أكلّ الدهر حلّ وارتحال

أما يبقى علىّ ولا يقينى؟!

وما ذا تبتغى الشّعراء منّى

وقد جاوزت حدّ الأربعين؟

وليس كسرها لغة ، خلافا لمن زعم ذلك.

__________________

مفعول به «آخرين» صفة له منصوب بالياء نيابة عن الفتحة لأنه جمع مذكر سالم ، وجملة أنكرنا ومعمولاته معطوفة على جملة عرفنا ومعمولاته.

الشاهد فيه : كسر نون الجمع فى قوله «آخرين» بدليل أن القصيدة مكسورة حرف القافية ، وقد روينا البيت السابق على بيت الشاهد ليتضح لك ذلك ، وأول الكلمة قوله :

أتوعدنى وراء بنى رياح؟

كذبت ؛ لتقصرنّ يداك دونى

٩ ـ هذان البيتان لسحيم بن وثيل الرياحى ، من قصيدة له يمدح بها نفسه ويعرض فيها بالأبيرد الرياحى ابن عمه ، وقبلهما :

عذرت البزل إن هى خاطرتنى

فما بالى وبال ابنى لبون؟

وبعدهما قوله :

أخو خمسين مجنمع أشدّى

ونجّذنى مداورة الشؤون

المفردات : «يبتغى» معناه يطلب ، ويروى فى مكانه «يدرى» بتشديد الدال المهملة ، وهو مضارع ادراه ، إذا ختله وخدعه.

المعنى : يقول : كيف يطلب الشعراء خديعتى ويطمعون فى ختلى وقد بلغت سن التجربة والاختبار التى تمكننى من تقدير الأمور ورد كيد الأعداء إلى نحورهم؟ يريد أنه لا تجوز عليه الحيلة ، ولا يمكن لعدوه أن يخدعه.

الإعراب : «أكل» الهمزة للاستفهام ، وكل : ظرف زمان متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وكل مضاف و «الدهر» مضاف إليه «حل» مبتدأ مؤخر «وارتحال» معطوف عليه «أما» أصل الهمزة للاستفهام ، وما نافية ، وأما هنا حرف استفتاح «يبقى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الدهر «على» جار ومجرور متعلق بيبقى «ولا» الواو عاطفة ، ولا : زائدة لتأكيد النفى «يقينى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به «وما ذا» ما : اسم استفهام مبتدأ. وذا : اسم موصول بمعنى الذى فى محل رفع خبر


وحقّ نون المثنى والملحق به الكسر ، وفتحها لغة ، ومنه قوله :

(١٠) ـ

على أحوذيّين استقلّت عشيّة

فما هى إلا لمحة وتغيب

__________________

«تبتغى» فعل مضارع «الشعراء» فاعله «منى» جار ومجرور متعلق بتبتغى ، والجملة من الفعل وفاعله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ، والعائد ضمير منصوب بتبتغى ، وهو محذوف : أى تبتغيه «وقد» الواو حالية ، قد : حرف تحقيق «جاوزت» فعل وفاعل «حد» مفعول به لجاوز ، وحد مضاف و «الأربعين» مضاف إليه ، مجرور بالياء المكسور ما قبلها تحقيقا المفتوح ما بعدها تقديرا ، وقيل : مجرور بالكسرة الظاهرة ؛ لأنه عومل معاملة حين فى جعل الإعراب على النون ، وسنوضح ذلك فى بيان الاستشهاد بالبيت.

الشاهد فيه : قوله «الأربعين» حيث وردت الرواية فيه بكسر النون كما رأيت فى أبيات القصيدة ؛ فمن العلماء من خرجه على أنه معرب بالحركات الظاهرة على النون على أنه عومل معاملة المفرد من نحو حين ومسكين وغسلين ويقطين ، ومنهم من خرجه على أنه جمع مذكر سالم معرب بالياء نيابة عن الكسرة ، ولكنه كسر النون ، وعليه الشارح هنا.

ونظيره بيت ذى الأصبع العدوانى الذى رويناه لك (ص ٦٥) وقول الفرزدق :

ما سدّ حىّ ولا ميت مسدّهما

إلا الخلائف من بعد النّبيّين

١٠ ـ البيت لحميد بن ثور الهلالى الصحابى ، أحد الشعراء المجيدين ، وكان لا يقاربه شاعر فى وصف القطاة ، وهو من أبيات قصيدة له يصف فيها القطاة ، وأول الأبيات التى يصف فيها القطاة قوله :

كما انقبضت كدراء تسقى فراخها

بشمظة رفها والمياه شعوب

غدت لم تصعّد فى السماء ، وتحتها

إذا نظرت أهويّة ولهوب

فجاءت وما جاء القطا ، ثم قلّصت

بمفحصها ، والواردات تنوب

اللغة : «الأحوذيان» مثنى أحوذى ، وهو الخفيف السريع ، وأراد به هنا جناح القطاة ، يصفها بالسرعة والخفة ، و «استقلت» ارتفعت وطارت فى الهواء ، و «العشية» ما بين الزوال إلى المغرب ، و «هى» ضمير غائبة يعود إلى القطاة على تقدير مضافين ، وأصل الكلام : فما زمان رؤيتها إلا لمحة وتغيب.


وظاهر كلام المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ أن فتح النون فى التثنية ككسر نون الجمع فى القلّة ، وليس كذلك ، بل كسرها فى الجمع شاذّ وفتحها فى التثنيه لغة ، كما قدّمناه ، وهل يختص الفتح بالياء أو يكون فيها وفى الألف؟ قولان ؛ وظاهر كلام المصنف الثانى (١).

__________________

المعنى : يريد أن هذه القطاة قد طارت بجناحين سريعين ؛ فليس يقع نظرك عليها حين تهم بالطيران إلا لحظة يسيرة ثم تغيب عن ناظريك فلا تعود تراها ، يقصد أنها شديدة السرعة.

الإعراب : «على أحوذيين» جار ومجرور متعلق باستقلت «استقلت» استقل : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على القطاة التى تقدم وصفها «عشية» ظرف زمان منصوب على الظرفية متعلق باستقلت «فما» الفاء عاطفة ، ما : نافية «هى» مبتدأ بتقدير مضافين ، والأصل : فما زمان مشاهدتها إلا لمحة وتغيب بعدها «إلا» أداة استثناء ملغاة لا عمل لها «لمحة» خبر المبتدأ «وتغيب» الواو عاطفة ، وتغيب فعل مضارع فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على القطاة ، والجملة من الفعل والفاعل معطوفة على جملة المبتدأ والخبر.

الشاهد فيه : فتح نون المثنى من قوله «أحوذيين» وهى لغة ، وليست بضرورة ؛ لأن كسرها يأتى معه الوزن ولا يفوت به غرض.

(١) اعلم أنهم اتفقوا على زيادة نون بعد ألف المثنى ويائه وبعد واو الجمع ويائه ؛ واختلف النحاة فى تعليل هذه الزيادة على سبعة أوجه ، الأول ـ وعليه ابن مالك ـ أنها زيدت دفعا لتوهم الإضافة فى «رأيت بنين كرماء» إذ لو قلت «رأيت بنى كرماء» لم يدر السامع الكرام هم البنون أم الآباء؟ فلما جاءت النون علمنا أنك إن قلت «بنى كرماء» فقد أردت وصف الآباء أنفسهم بالكرم وأن بنى مضاف وكرماء مضاف إليه ، وإن قلت «بنين كرماء» فقد أردت وصف الأبناء أنفسهم بالكرم وأن كرماء نعت لبنين ، وبعدا عن توهم الإفراد فى «هذان» ونحو «الخوزلان» و «المهتدين» ؛ إذ لو لا النون لالتبست الصفة بالمضاف إليه على ما علمت أولا ولالتبس المفرد بالمثنى أو بالجمع ؛ الثانى أنها زيدت عوضا عن الحركة فى الاسم المفرد ، وعليه الزجاج ، والثالث : أن زيادتها عوض عن التنوين فى الاسم المفرد. وعليه ابن كيسان ، وهو الذى يجرى على ألسنة المعربين ، والرابع : أنها عوض عن الحركة والتنوين معا ، وعليه ابن ولاد والجزولى.


ومن انفتح مع الألف قول الشاعر :

(١١) ـ

أعرف منها الجيد والعينانا

ومنخرين أشبها ظبيانا

__________________

والخامس : أنها عوض عن الحركة والتنوين فيما كان التنوين والحركة فى مفرده كمحمد وعلى ، وعن الحركة فقط فيما لا تنوين فى مفرده كزينب وفاطمة ، وعن التنوين فقط فيما لا حركة فى مفرده كالقاضى والفتى ؛ ولبست عوضا عن شىء منهما فيما لا حركة ولا تنوين فى مفرده كالحبلى ، وعليه ابن جنى ، والسادس : أنها زيدت فرقا بين نصب المفرد ورفع المثنى ، إذ لو حذفت النون من قولك «عليان» لأشكل عليك أمره ، فلم تدر أهو مفرد منصوب أم مثنى مرفوع ، وعلى هذا الفراء ، والسابع : أنها نفس التنوين حرك للتخلص من التقاء الساكنين

ثم المشهور الكثير أن هذه النون مكسورة فى المثنى مفتوحة فى الجمع ، فأما مجرد حركتها فيهما فلأجل التخلص من التقاء الساكنين ، وأما المخالفة بينهما فلتميز كل واحد من الآخر ، وأما فتحها فى الجمع فلأن الجمع ثقيل لدلالته على العدد الكثير والمثنى خفيف ، فقصدت المعادلة بينهما ؛ لئلا يجتمع ثقيلان فى كلمة ، وورد العكس فى الموضعين وهو فتحها مع المثنى وكسرها مع الجمع ؛ ضرورة لا لغة ، وقيل : ذلك خاص بحالة الياء فيهما ، وقيل لا ، بل مع الألف والواو أيضا.

وذكر الشيبانى وابن جنى أن من العرب من يضم النون فى المثنى ، وعلى هذا ينشدون قول الشاعر :

يا أبتا أرّقنى القذّان

فالنّوم لا تطعمه العينان

وهذا إنما يجىء مع الألف ، لا مع الياء.

وسمع تشديد نون المثنى فى تثنية اسم الإشارة والموصول فقط ، وقد قرىء بالتشديد فى قوله تعالى : (فَذانِكَ بُرْهانانِ) وقوله : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها) وقوله : (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) وقوله سبحانه : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ).

١١ ـ البيت لرجل من ضبة كما قال المفضل ، وزعم العينى أنه لا يعرف قائله ، وقيل : هو لرؤبة ، والصحيح الأول ، وهو من رجز أوله :

إنّ لسلمى عندنا ديوانا

يخزى فلانا وابنه فلانا

كانت عجوزا عمّرت زمانا

وهى ترى سيّئها إحسانا


وقد قيل : إنه مصنوع (١) ؛ فلا يحتجّ به.

* * *

__________________

اللغة : «الجيد» العنق «منخرين» مثنى منخر ، بزنة مسجد ، وأصله مكان النخير وهو الصوت المنبعث من الأنف ، ويستعمل فى الأنف نفسه لأنه مكانه ، من باب تسمية الحال باسم محله ، كإطلاق لفظ القرية وإرادة سكانها «ظبيان» اسم رجل ، وقيل : مثنى ظبى ، قال أبو زيد «ظبيان : اسم رجل ، أراد أشبها منخرى ظبيان» ، فحذف ، كما قال الله عز وجل : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) يريد أهل القرية» اه ، وتأويل أبى زيد فى القرية على أنه مجاز بالحذف ، وهو غير التأويل الذى ذكرناه آنفا.

الإعراب : «أعرف» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «منها» جار ومجرور متعلق بأعرف «الجيد» مفعول به لأعرف «والعينانا» معطوف على الجيد منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر «ومنخرين» معطوف على الجيد أيضا ، منصوب بالياء نيابة عن الفتحة لأنه مثنى «أشبها» أشبه : فعل ماض ، وألف الاثنين فاعل «ظبيانا» مفعول به ، منصوب بالفتحة الظاهرة على أنه مفرد كما هو الصحيح ، فأما على أنه مثنى فهو منصوب بفتحة مقدرة على الألف كما فى قوله «والعينانا» السابق ، وذلك على لغة من يلزم المثنى الألف ، والجملة من الفعل وفاعله فى محل نصب صفة لمنخرين.

الشاهد فيه : قوله «والعينانا» حيث فتح نون المثنى ، وقال جماعة منهم الهروى : الشاهد فيه فى موضعين : أحدهما ما ذكرنا ، وثانيهما قوله «ظبيانا» ، ويتأتى ذلك على أنه تثنية ظبى ، وهو فاسد من جهة المعنى ، والصواب أنه مفرد ، وهو اسم رجل كما قدمنا لك عن أبى زيد ، وعليه لا شاهد فيه ، وزعم بعضهم أن نون «منخرين» مفتوحة ، وأن فيها شاهدا أيضا ، فهو نظير قول حميد بن ثور «على أحوذيين» الذى تقدم (ش رقم ١٠).

(١) حكى ذلك ابن هشام رحمه الله ، وشبهة هذا القيل أن الراجز قد جاء بالمثنى بالألف فى حاله النصب ، وذلك فى قوله «والعينانا» وفى قوله «ظبيانا» عند الهروى وجماعة ، ثم جاء به بالياء فى قوله «منخرين» فجمع بين لغتين من لغات العرب فى بيت واحد ، وذلك قلما بتفق لعربى ، ويرد هذا الكلام شيئان ؛ أولهما : أن أبا زيد رحمه الله قد روى هذه الأبيات ، ونسبها لرجل من ضبة ، وأبو زيد ثقة ثبت حتى إن


وما بتا وألف قد جمعا

يكسر فى الجرّ وفى النّصب معا (١)

لما فرغ من الكلام على الذى تنوب فيه الحروف عن الحركات شرع فى ذكر ما نابت فيه حركة عن حركة ، وهو قسمان ؛ أحدهما : جمع المؤنث السالم ، نحو مسلمات ، وقيدنا بـ «السالم» احترازا عن جمع التكسير ، وهو : ما لم يسلم فيه بناء الواحد ، نحو : هنود ، وأشار إليه المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ بقوله : «وما بتا وألف قد جمعا» أى جمع بالألف والتاء المزيدتين ، فخرج نحو قضاة (٢) ؛ فإنّ ألفه غير زائدة ، بل هى منقلبة عن أصل وهو الياء ؛ لأن أصله

__________________

سيبويه رحمه الله كان يعبر عنه فى كتابه بقوله «حدثنى الثقة» أو «أخبرنى الثقة» ونحو ذلك ، وثانيهما : أن الرواية عند أبى زيد فى نوادره :

*ومنخران أشبها ظبيانا*

بالألف فى «منخرين» أيضا ؛ فلا يتم ما ذكروه من الشبهة لادعاء أن الشاهد مصنوع ، فافهم ذلك وتدبره.

(١) «وما» الواو للاستئناف ، ما : اسم موصول مبتدأ «بتا» جار ومجرور متعلق بجمع الآتى «وألف» الواو حرف عطف ، ألف : معطوف على تا «قد» حرف تحقيق «جمعا» جمع : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «يكسر» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم الموصول الواقع مبتدأ ، والجملة من الفعل المضارع ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «فى الجر» جار ومجرور متعلق بيكسر «وفى النصب» الواو حرف عطف ، فى النصب : جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور الأول «معا» ظرف متعلق بمحذوف حال.

(٢) مثل قضاة فى ذلك : بناة ، وهداة ، ورماة ، ونظيرها : غزاة ، ودعاة ، وكساة ، فإن الألف فيها منقلبة عن أصل ، لكن الأصل فى غزاة ودعاة وكساة واو لا ياء.


قضية ، ونحو أبيات (١) فإنّ تاءه أصلية ، والمراد [منه] ما كانت الألف والتاء سببا فى دلالته على الجمع ، نحو «هندات» ؛ فاحترز بذلك عن نحو «قضاة ، وأبيات» ؛ فإن كل واحد منهما جمع ملتبس بالألف والتاء ، وليس مما نحن فيه ؛ لأن دلالة كل واحد منهما على الجمع ليس بالألف والتاء ، وإنما هو بالصّيغة ؛ فاندفع بهذا التقرير الاعتراض على المصنف بمثل «قضاة ، وأبيات» وعلم أنه لا حاجة إلى أن يقول : بألف وتاء مزيدتين ؛ فالباء فى قوله «بتا» متعلقة بقوله : «جمع».

وحكم هذا الجمع أن يرفع بالضمة ، وينصب ويجر بالكسرة ، نحو : «جاءنى هندات ، ورأيت هندات ، ومررت بهندات» فنابت فيه الكسرة عن الفتحة ، وزعم بعضهم أنه مبنىّ فى حالة النصب ، وهو فاسد ؛ إذ لا موجب لبنائه (٢).

* * *

__________________

(١) ومثل أبيات فى ذلك : أموات ، وأصوات ، وأثبات ، وأحوات جمع حوت ، وأسحات جمع سحت بمعنى حرام.

(٢) اختلف النحويون فى جمع المؤنث السالم إذا دخل عليه عامل يقتضى نصبه ؛ فقيل : هو مبنى على الكسر فى محل نصب مثل هؤلاء وحذام ونحوهما ، وقيل : هو معرب ، ثم قيل : ينصب بالفتحة الظاهرة مطلقا : أى سواء كان مفرده صحيح الآخر نحو زينبات وطلحات فى جمع زينب وطلحة ، أم كان معتلا نحو لغات وثبات فى جمع لغة وثبة ، وقيل : بل ينصب بالفتحة إذا كان مفرده معتلا ، وبالكسرة إذا كان مفرده صحيحا ، وقيل : ينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة مطلقا ؛ حملا لنصبه على جره ، كما حمل نصب جمع المذكر السالم ـ الذى هو أصل جمع المؤنث ـ على جره فجعلا بالياء ، وهذا الأخير هو أشهر الأقوال ، وأصحها عندهم ، وهو الذى جرى عليه الناظم هنا.


كذا أولات ، والّذى اسما قد جعل

 ـ كأذرعات ـ فيه ذا أيضا قبل (١)

أشار بقوله : «كذا أولات» إلى أن «أولات» تجرى مجرى جمع المؤنث السالم فى أنها تنصب بالكسرة ، وليست بجمع مؤنث سالم ، بل هى ملحقة به ، وذلك لأنها لا مفرد لها من لفظها.

ثم أشار بقوله : «والذى اسما قد جعل» إلى أن ما سمّى به من هذا الجمع والملحق به ، نحو : «أذرعات» ينصب بالكسرة كما كان قبل التسمية به ، ولا يحذف منه التنوين ، نحو : «هذه أذرعات ، ورأيت أذرعات ، ومررت بأذرعات» ، هذا هو المذهب الصحيح ، وفيه مذهبان آخران ؛ أحدهما : أنه يرفع بالضمة ، وينصب ويجر بالكسرة ، ويزال منه التنوين ، نحو : «هذه أذرعات ، ورأيت أذرعات ، ومررت بأذرعات» والثانى : أنه يرفع بالضمة ،

__________________

(١) «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «أولات» مبتدأ مؤخر «والذى» الواو للاستئناف ، الذى : اسم موصول مبتدأ أول «اسما» مفعول ثان لجعل الآتى «قد» حرف تحقيق «جعل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ـ وهو المفعول الأول ـ ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذى ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «كأذرعات» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كأذرعات «فيه» جار ومجرور متعلق بقبل الآتى «ذا» مبتدأ ثان «أيضا» مفعول مطلق حذف عامله «قبل» فعل ماض ، مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول ، وهو الذى ، أى : وقد قبل هذا الإعراب فى الجمع الذى جعل اسما كأذرعات ، والتقدير الإعرابى للبيت : وأولات كذلك : أى كالجمع بالألف والتاء ، والجمع الذى جعل اسما ـ أى سمى به بحيث صار علما ، ومثاله أذرعات ـ هذا الإعراب قد قبل فيه أيضا ، وأذرعات فى الأصل : جمع أذرعة الذى هو جمع ذراع ، كما قالوا : رجالات وبيوتات وجمالات ، وقد سمى بأذرعات بلد فى الشام كما ستسمع فى الشاهد رقم ١٢.


وينصب ويجر بالفتحة ، ويحذف منه التنوين ، نحو : «هذه أذرعات ، ورأيت أذرعات ، ومررت بأذرعات» ، ويروى قوله :

(١٢) ـ

تنوّرتها من أذرعات ، وأهلها

بيثرب ، أدنى دارها نظر عالى

__________________

١٢ ـ البيت لامرىء القيس بن حجر الكندى ، من قصيدة مطلعها :

ألا عم صباحا أيّها الطّلل البالى

وهل يعمن من كان فى العصر الخالى

اللغة : «تنورتها» نظرت إليها من بعد ، وأصل التنور : النظر إلى النار من بعد ، سواء أراد قصدها أم لم يرد ، و «أذرعات» بلد فى أطراف الشام ، و «يثرب» اسم قديم لمدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم «أدنى» أقرب «عال» عظيم الارتفاع والامتداد.

الإعراب : «ننورتها» فعل وفاعل ومفعول به «من» حرف جر «أذرعات» مجرور بمن ، وعلامة جره الكسرة الظاهرة ، إذا قرأته يالجر منونا أو من غير تنوين ، فإن قرأته بالفتح قلت : وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه اسم لا ينصرف ، والمانع له من الصرف العلمية والتأنيث ، والجار والمجرور متعلق بتنور «وأهلها» الواو للحال ، وأهل : مبتدأ ، وأهل مضاف والضمير مضاف إليه «بيثرب» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل نصب حال «أدنى» مبتدأ ، وأدنى مضاف ودار من «دارها» مضاف إليه ، ودار مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه «نظر» خبر المبتدأ «عال» نعت لنظر.

الشاهد فيه : قوله «أدرعات» فإن أصله جمع ، كما بينا فى تقدير بيت الناظم ، ثم نقل فصار اسم بلد فهو فى اللفظ جمع ، وفى المعنى مفرد. ويروى فى هذا البيت بالأوجه الثلاثة التى ذكرها الشارح : فأما من رواه بالجر والتنوين فإنما لاحظ حاله قبل التسمية به ، من أنه جمع بالألف والتاء المزيدتين ، والذين يلاحظون ذلك يستندون إلى أن التنوين فى جمع المؤنث السالم تنوين المقابلة ؛ إذ هو فى مقابلة النون التى فى جمع المذكر السالم ، وعلى هذا لا يحذف التنوين ولو وجد فى الكلمة ما يقتضى منع صرفها ؛ لأن التنوين الذى يحذف عند منع الصرف هو تنوين التمكين ، وهذا عندهم كما قلنا تنوين المقابلة ، وأما من رواه بالكسر من غير تنوين ـ وهم جماعة منهم المبرد والزجاج ـ فقد لاحظوا فيه أمرين : أولهما أنه جمع بحسب أصله ، وثانيهما : أنه علم على مؤنث ،


بكسر التاء منونة كالمذهب الأول ، وبكسرها بلا تنوين كالمذهب الثانى ، وبفتحها بلا تنوين كالمذهب الثالث.

* * *

وجرّ بالفتحة ما لا ينصرف

ما لم يضف أو يك بعد «أل» ردف (١)

أشار بهذا البيت إلى القسم الثانى مما ناب فيه حركة عن حركة ، وهو الاسم الذى لا ينصرف ، وحكمه أنه يرفع بالضمة ، نحو ، «جاء أحمد» وينصب بالفتحة ، نحو : «رأيت أحمد» ويجر بالفتحة أيضا ، نحو : «مررت بأحمد» ، فنابت الفتحة عن الكسرة. هذا إذا لم يضف أو يقع بعد الألف واللام ؛ فإن أضيف جرّ بالكسرة ، نحو : «مررت بأحمدكم» وكذا إذا دخله الألف واللام ،

__________________

فأعطوه من كل جهة شبها ؛ فمن جهة كونه جمعا نصبوه بالكسرة نيابة عن الفتحة ، ومن جهة كونه علم مؤنث حذفوا تنوينه ، وأما الذين رووه بالفتح من غير تنوين ـ وهم جماعة منهم سيبويه وابن جنى ـ فقد لاحظوا حالته الحاضرة فقط ، وهى أنه علم مؤنث.

(١) «وجر» الواو للاستئناف ، جر : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بالفتحة» جار ومجرور متعلق بجر «ما» اسم موصول مفعول به لجر ، مبنى على السكون فى محل نصب «لا» نافية «ينصرف» فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة ، وسكن للوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «ما» مصدرية ظرفية «لم» حرف نفى وجزم وقلب «يضف» فعل مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم ، وعلامة جزمه السكون ، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة صلة ما المصدرية «أو» عاطفة «يك» معطوف على يضف ، مجزوم بسكون النون المحذوفة للتخفيف ، وهو متصرف من كان الناقصه ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة «بعد» ظرف متعلق بمحذوف خبر يك ، وبعد مضاف و «أل» مضاف إليه مقصود لفظه «ردف» فعل


نحو «مررت بالأحمد (١)» ؛ فإنه يجر بالكسرة (٢).

* * *

واجعل لنحو «يفعلان» النّونا

رفعا ، وتدعين وتسألونا (٣)

__________________

ماض مبنى على انفتح لا محل له من الإعراب ، وسكن للوقف ، والفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل نصب حال من الاسم الموصول وهو ما : أى اجرر بالفتحة الاسم الذى لا ينصرف مدة عدم إضافته وكونه غير واقع بعد أل.

(١) قد دخلت أل على العلم إما للمح الأصل وإما لكثرة شياعه بسبب تعدد المسمى بالاسم الواحد وإن تعدد الوضع ، وقد أضيف العلم لذلك السبب أيضا ؛ فمن أمثلة دخول أل على العلم قول الراجز :

باعد أمّ العمرو من أسيرها

حرّاس أبواب على قصورها

ومن أمثلة إضافة العلم قول الشاعر :

علا زيدنا يوم النّقا رأس زيدكم

بأبيض ماضى الشّفرتين يمان

(٢) سواء أكانت «أل» معرفة ، نحو «الصلاة فى المساجد أفضل منها فى المنازل» أو موصولة كالأعمى والأصم ، واليقظان ، أو زائدة كقول ابن ميادة يمدح الوليد بن يزيد :

رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله

فإن الاسم مع كل واحد منها يجر بالكسرة.

(٣) «واجعل» الواو للاستئناف ، اجعل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لنحو» جار ومجرور متعلق باجعل ، ونحو مضاف ، و «يفعلان» قصد لفظه : مضاف إليه «النونا» مفعول به لا جعل «رفعا» مفعول لأجله ، أو منصوب على نزع الخافض «وتدعين» الواو عاطفة ، وتدعين : معطوف على يفعلان ، وقد قصد لفظه أيضا «وتسألونا» الواو عاطفة ، تسألون : معطوف على يفعلان ، وقد قصد لفظه أيضا ، وأراد من «نحو بفعلان» كل فعل مضارع اتصلت به ألف الاثنين ، وأراد من نحو تدعين كل فعل مضارع اتصلت به ياء المؤنثة المخاطبة ، ومن نحو تسألون كل فعل مضارع اتصلت به واو الجماعة.


وحذفها للجزم والنّصب سمه

كلم تكونى لترومى مظلمه (١)

لما فرغ من الكلام على ما يعرب من الأسماء بالنيابة شرع فى ذكر ما يعرب من الأفعال بالنيابة ، وذلك الأمثلة الخمسة ؛ فأشار بقوله «يفعلان» إلى كل فعل اشتمل على ألف اثنين : سواء كان فى أوله الياء ، نحو «يضربان» أو التاء ، نحو «تضربان» وأشار بقوله : «وتدعين» إلى كل فعل اتصل به ياء مخاطبة ، نحو «أنت تضربين» وأشار بقوله «وتسألون» إلى كل فعل اتصل به واو الجمع ، نحو «أنتم تضربون» سواء كان فى أوّله التاء كما مثّل ، أو الياء ، نحو «الزّيدون يضربون».

فهذه الأمثلة الخمسة ـ وهى : يفعلان ، وتفعلان ، ويفعلون ، وتفعلون ، وتفعلين ـ ترفع بثبوت النون ، وتنصب وتجزم بحذفها ؛ فنابت النون فيه عن الحركة التى هى الضمة ، نحو «الزّيدان يفعلان» فيفعلان : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون ؛ وتنصب وتجزم بحذفها ؛ نحو «الزّيدان لن

__________________

(١) «وحذفها» الواو للاستئناف ، حذف : مبتدأ ، وحذف مضاف ، وها : مضاف إليه «للجزم» جار ومجرور متعلق بسمة الآتى «والنصب» معطوف على الجزم «سمة» خبر المبتدأ ، والسمة ـ بكسر السين المهملة ـ العلامة ، وفعلها وسم يسم سمة على مثال وعد يعد عدة ووصف يصف صفة وومق يمق مقة «كلم» الكاف حرف جر ، والمجرور بها محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كقولك ، ولم : حرف نفى وجزم وقلب «تكونى» فعل مضارع متصرف من كان الناقصة مجزوم بلم ، وعلامة جزمه حذف النون ، وياء المؤنثة المخاطبة اسم تكون ، مبنى على السكون فى محل رفع «لترومى» اللام لام الجحود ، وترومى فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد لام الجحود ، وعلامة نصبه حذف النون ، والياء فاعل «مظلمة» مفعول به لترومى ؛ والمظلمة ـ بفتح اللام ـ الظلم ، وأن المصدرية المضمرة مع مدخولها فى تأويل مصدر مجرور بلام الجحود ، واللام ومجرورها يتعلقان بمحذوف خبر تكونى ، وجملة تكون واسمها وخبرها فى محل نصب مقول القول الذى قدرناه.


يقوما ، ولم يخرجا» فعلامة النصب والجزم سقوط النون من «يقوما ، ويخرجا» ومنه قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ)

* * *

وسمّ معتلّا من الأسماء ما

كالمصطفى والمرتقى مكارما (١)

فالأوّل الإعراب فيه قدّرا

جميعه ، وهو الّذى قد قصرا (٢)

__________________

(١) «وسم» الواو للاستئناف ، سم : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «معتلا» مفعول ثان لسم مقدم على المفعول الأول «من الأسماء» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ما «ما» اسم موصول مفعول أول لسم ، مبنى على السكون فى محل نصب «كالمصطفى» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول «والمرتقى» معطوف على المصطفى «مكارما» مفعول به للمرتقى ، والمعنى : سم ما كان آخره ألفا كالمصطفى ، أو ما كان آخره ياء كالمرتقى ، حال كونه من الأسما ، لا من الأفعال ـ معتلا.

(٢) «فالأول» مبتدأ أول «الإعراب» مبتدأ ثان «فيه» جار ومجرور متعلق بقدر الآتى «قدرا» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الإعراب. والألف للاطلاق «جميعه» جميع : توكيد لنائب الفاعل المستتر ، وجميع مضاف والهاء مضاف إليه ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول ، ويجوز أن يكون «جميعه» هو نائب الفاعل لقدر ، وعلى ذلك لا يكون فى «قدر» ضمير مستتر ، كما يجوز أن يكون «جميعه» توكيدا للاعراب ويكون فى «قدر» ضمير مستتر عائد إلى الإعراب أيضا «هو الذى» مبتدأ وخبر «قد» حرف تحقيق «قصرا» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الذى ، والألف للاطلاق ، والجملة لا محل لها صلة الذى ، والمعنى : فالأول ـ وهو ما آخره ألف من الأسماء كالمصطفى ـ الإعراب جميعه : أى الرفع والنصب والجر ، قدر على آخره الذى هو الألف ، وهذا النوع هو الذى قد قصرا : أى سمى مقصورا ، من القصر بمعنى الحبس ، وإنما سمى بذلك لأنه قد حبس ومنع من جنس الحركة.


والثّان منقوص ، ونصبه ظهر

ورفعه ينوى ، كذا أيضا يجرّ (١)

شرع فى ذكر إعراب المعتلّ من الأسماء والأفعال ، فذكر أن ما كان مثل «المصطفى ، والمرتقى» يسمى معتلا ، وأشار «بالمصطفى» إلى ما فى آخره ألف لازمة قبلها فتحة ، مثل «عصا ، ورحى» ، وأشار «بالمرتقى» إلى ما فى آخره ياء مكسور ما قبلها ، نحو «القاضى ، والدّاعى».

ثم أشار إلى أن ما فى آخره ألف مفتوح ما قبلها يقدّر فيه جميع حركات الإعراب : الرفع ، والنصب ، والجرّ ، وأنه يسمى المقصور ؛ فالمقصور هو : الاسم المعرب الذى فى آخره ألف لازمة ، فاحترز بـ «الاسم» من الفعل ، نحو يرضى ، وب «المعرب» من المبنى ، نحو إذا ، وب «الألف» من المنقوص ، نحو القاضى كما سيأتى ، وب «لازمة» من المثنّى فى حالة الرفع ، نحو الزّيدان ؛ فإن ألفه لا تلزمه إذ تقلب ياء فى الجر والنصب ، نحو [رأيت] الزّيدين.

وأشار بقوله «والثان منقوص» إلى المرتقى ؛ فالمنقوص هو : الاسم المعرب الذى آخره ياء لازمة قبلها كسرة نحو المرتقى ؛ فاحترز بـ «الاسم» عن الفعل نحو يرمى ، وب «المعرب» عن المبنى ، نحو الّذى ، وبقولنا «قبلها كسرة» عن

__________________

(١) «والثان منقوص» مبتدأ وخبر «ونصبه» الواو عاطفة ، نصب : مبتدأ ، ونصب مضاف والهاء ضمير الغائب العائد على الثانى مضاف إليه «ظهر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على نصب ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو نصب «ورفعه» الواو عاطفة ، ورفع : مبتدأ ، ورفع مضاف والهاء مضاف إليه «ينوى» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على رفع ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو رفع «كذا» جار ومجرور متعلق بيجر «أيضا» مفعول مطلق لفعل محذوف «يجر» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المنقوص.


التى قبلها سكون ، نحو ظبى ورمى ؛ فهذا معتلّ جار مجرى الصحيح : فى رفعه بالضمة ، ونصبه بالفتحة ، وجره بالكسرة.

وحكم هذا المنقوص أنه يظهر فيه النصب (١) ، نحو «رأيت القاضى» ، وقال الله تعالى : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) ويقدّر فيه الرفع والجرّ لثقلهما على الياء (٢)

__________________

(١) من العرب من يعامل المنقوص فى حالة النصب معاملته إياه فى حالتى الرفع والجر ؛ فيقدر فيه الفتحة على الياء أيضا ، إجراء للنصب مجرى الرفع والجر ، وقد جاء من ذلك قول مجنون ليلى :

ولو أنّ واش باليمامة داره

ودارى بأعلى حضر موت اهتدى ليا

وقول بشر بن أبى خازم ، وهو عربى جاهلى :

كفى بالنّأى من أسماء كافى

وليس لنأيها إذ طال شافى

فأنت ترى المجنون قال «أن واش» فسكن الياء ثم حذفها مع أنه منصوب ، لكونه اسم أن ، وترى بشرا قال «كافى» مع أنه حال من النأى أو مفعول مطلق.

وقد اختلف النحاة فى ذلك ، فقال المبرد : هو ضرورة ، ولكنها من أحسن ضرورات الشعر ، والأصح جوازه فى سعة الكلام ؛ فقد قرىء (من أوسط ما تطعمون أهاليكم) بسكون الياء.

(٢) من العرب من يعامل المنقوص فى حالتى الرفع والجر كما يعامله فى حالة النصب ، فيظهر الضمة والكسرة على الياء كما يظهر الفتحة عليها ، وقد ورد من ذلك قول جرير ابن عطية :

فيوما يوافين الهوى غير ماضى

ويوما ترى منهنّ غولا تغوّل

وقول الآخر :

لعمرك ما تدرى متى أنت جائى

ولكنّ أقصى مدّة الدّهر عاجل

وقول الشماخ بن ضرار الغطفانى :

كأنّها وقد بدا عوارض

وفاض من أيديهنّ فائض

وقول جرير أيضا :

وعرق الفرزدق شرّ العروق

خبيث الثّرى كابى الأزند


نحو «جاء القاضى ، ومررت بالقاضى» ؛ فعلامة الرفع ضمة مقدّرة على الياء ، وعلامة الجر كسرة مقدرة على الياء.

وعلم ممّا ذكر أن الاسم لا يكون فى آخره واو قبلها ضمة ، نعم إن كان مبنيّا وجد ذلك فيه ، نحو هو ، ولم يوجد ذلك فى المعرب إلّا فى الأسماء الستة فى حالة الرفع نحو «جاء أبوه» وأجاز ذلك الكوفيون فى موضعين آخرين ؛ أحدهما : ما سمى به من الفعل ، نحو يدعو ، ويغزو ، والثانى : ما كان أعجميا ، نحو سمندو ، وقمندو.

* * *

وأىّ فعل آخر منه ألف ،

أو واو ، أو ياء ، فمعتلّا عرف (١)

__________________

ولا خلاف بين أحد من النحاة فى أن هذا ضرورة لا تجوز فى حالة السعة ، والفرق بين هذا والذى قبله أن فيما مضى حمل حالة واحدة على حالتين ؛ ففيه حمل النصب على حالتى الرفع والجر ؛ فأعطينا الأقل حكم الأكثر ، ولهذا جوزه بعض العلماء فى سعة الكلام ، وورد فى قراءة جعفر الصادق رضى الله عنه : (من أوسط ما تطعمون أهاليكم) أما هذا ففيه حمل حالتين ـ وهما حالة الرفع وحالة الجر ـ على حالة واحدة وهى حالة النصب ، وليس من شأن الأكثر أن يحمل على الأقل ، ومن أجل هذا اتفقت كلمة النخاة على أنه ضرورة يغتفر منها ما وقع فعلا فى الشعر ، ولا ينقاس عليها.

(١) «أى» اسم شرط مبتدأ ، وأى مضاف و «فعل» مضاف إليه «آخر» مبتدأ «منه» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لآخر ، وهو الذى سوغ الابتداء به «ألف» خبر المبتدأ الذى هو آخر ، والجملة مفسرة لضمير مستتر فى كان محذوفا بعد أى الشرطية : أى فهذه الجملة فى محل نصب خبر كان المحذوفة مع اسمها ، وكان هى فعل الشرط ، وقيل : آخر اسم لكان المحذوفة ، وألف خبرها ، وإنما وقف عليه بالسكون ـ مع أن المنصوب المنون بوقف عليه بالألف ـ على لغة ربيعة التى تقف على المنصوب المنون بالسكون ، ويبعد هذا الوجه كون قوله «أو واو أو ياء» مرفوعين ، وإن أمكن جعلهما خبرا لمبتدأ محذوف وتكون «أو» قد عطفت جملة على جملة «أو واو أو ياء» معطوفان على ألف «فمعتلا» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، و «معتلا»


أشار إلى أن المعتلّ من الأفعال هو ما كان فى آخره واو قبلها ضمة ، نحو : يغزو ، أو ياء قبلها كسرة ، نحو : يرمى ، أو ألف قبلها فتحة ، نحو : يخشى.

* * *

فالألف انو فيه غير الجزم

وأبد نصب ما كيدعو يرمى (١)

والرّفع فيهما انو ، واحذف جازما

ثلاثهنّ ، تقض حكما لازما (٢)

__________________

حال من الضمير المستتر فى عرف مقدم عليه «عرف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فعل ، وخبر «أى» هو مجموع جملة الشرط والجواب على الذى نختاره فى أخبار أسماء الشرط الواقعة مبتدأ ، ولتقدير : أى فعل مضارع كان هو ـ أى الحال والشأن ـ آخره ألف أو واو أو ياء فقد عرف هذا الفعل بأنه معتل ، يريد أن المعتل من الأفعال المعربة هو ما آخره حرف علة ألف أو واو أو ياء.

(١) «فالألف» مفعول لفعل محذوف يفسره ما بعده ، وهو على حذف «فى» توسعا ، والتقدير : ففى الألف انو «انو» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فيه» جار ومجرور متعلق بانو «غير» مفعول به لانو ، وغير مضاف و «الجزم» مضاف إليه «وأبد» الواو حرف عطف ، أبد : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «نصب» مفعول به لأبد ، ونصب مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه ، مبنى على السكون فى محل جر «كيدعو» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة لما «يرمى» معطوف على يدعو مع إسقاط حرف العطف ، يريد أن ما كان من الأفعال المعربة آخره ألف يقدر فيه الرفع والنصب اللذان هما غير الجزم ، وما كان من الأفعال المعربة آخره واو كيدعو أو ياء كيرمى يظهر فيه النصب.

(٢) «والرفع» الواو حرف عطف ، الرفع : مفعول به مقدم على عامله وهو انو الآتى «فيهما» جار ومجرور متعلق بانو «انو» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «واحذف» فعل أمر ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «جزما» حال من فاعل احذف المستتر فيه «ثلاثهن» مفعول ، لا حذف بتقدير مضاف ، ومعمول جازما محذوف ، والتقدير : واحذف أواخر ثلاثهن حال كونك جازما


ذكر فى هذين البيتين كيفية الإعراب فى الفعل المعتل ؛ فذكر أن الألف يقدّر فيها غير الجزم ـ وهو الرفع والنصب ـ نحو «زيد يخشى» فيخشى : مرفوع ، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف ، و «لن يخشى» فيخشى : منصوب ، وعلامة النصب فتحة مقدرة على الألف ، وأما الجزم فيظهر ؛ لأنه يحذف له الحرف الآخر ، نحو «لم يخش».

وأشار بقوله : «وأبد نصب ما كيدعو يرمى» إلى أن النصب يظهر فيما آخره واو أو ياء ، نحو «لن يدعو ، ولن يرمى».

وأشار بقوله «والرّفع فيهما انو» إلى أن الرفع يقدّر فى الواو والياء ، نحو «يدعو ، ويرمى» فعلامة الرفع ضمة مقدرة على الواو والياء.

وأشار بقوله : «واحذف جازما ثلاثهنّ» إلى أن الثلاث ـ وهى الألف ، والواو ، والياء ـ تحذف فى الجزم ، نحو «لم يخش ، ولم يغز ، ولم يرم» فعلامة الجزم حذف الألف والواو والياء.

وحاصل ما ذكره : أن الرفع يقدّر فى الألف والواو والياء ، وأن الجزم يظهر فى الثلاثة بحذفها ، وأن النصب يظهر فى الياء والواو ، ويقدّر فى الألف.

* * *

__________________

الأفعال ؛ أو يكون «ثلاثهن» مفعولا لجازما ، ومعمول احذف هو المحذوف ، والتقدير : واحذف أحرف العلة حال كونك جازما ثلاثهن «تقض» فعل مضارع مجزوم فى جواب الأمر الذى هو احذف ، وعلامة جزمه حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «حكما» مفعول به لتقض على تضمينه معنى تؤدى «لازما» نعت لحكما.


النّكرة والمعرفة

نكرة : قابل أل ، مؤثّرا ،

أو واقع موقع ما قد ذكرا (١)

النكرة : ما يقبل «أل» وتؤثّر فيه التعريف ، أو يقع موقع ما يقبل «أل» (٢) فمثال ما يقبل «أل» وتؤثر فيه التعريف «رجل» فتقول : الرجل ، واحترز بقوله «وتؤثر فيه التعريف» مما يقبل «أل» ولا تؤثر فيه التعريف ، كعبّاس علما ؛ فإنك تقول فيه : العبّاس ، فتدخل عليه «أل» لكنها لم تؤثر فيه التعريف ؛ لأنه معرفة قبل دخولها [عليه] ومثال ما وقع موقع ما يقبل «أل» ذو : التى بمعنى صاحب ، نحو «جاءنى ذو مال» أى : صاحب مال ، فذو : نكرة ، وهى لا تقبل «أل» لكنها واقعة موقع صاحب ، وصاحب يقبل «أل» نحو الصاحب.

* * *

__________________

(١) «نكرة» مبتدأ ، وجاز الابتداء بها لأنها فى معرض التقسيم ، أو لكونها جارية على موصوف محذوف ، أى : اسم نكرة ، ويؤيد ذلك الأخير كون الخبر مذكرا «قابل» خبر المبتدأ ، ويجوز العكس ، لكن الأول أولى ، لكون النكرة هى المحدث عنها ، وقابل مضاف ، و «أل» مضاف إليه ، مقصود لفظه «مؤثرا» حال من أل «أو» عاطفة «واقع» معطوف على قابل ، و «موقع» مفعول فيه ظرف مكان ، وموقع مضاف و «ما» اسم موصول مبنى على السكون فى محل جر مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «ذكرا» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قابل أل ، والألف للاطلاق ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(٢) اعترض قوم على هذا التعريف بأنه غير جامع ، وذلك لأن لنا أسماء نكرات لا تقبل أل ولا تقع موقع ما يقبل أل ، وذلك الحال فى نحو «جاء زيد راكبا» والتمييز


وغيره معرفة : كهم ، وذى

وهند ، وابنى ، والغلام ، والّذى (١)

أى : غير النّكرة المعرفة ، وهى ستة أقسام : المضمر كهم ، واسم الإشارة كذى ، والعلم كهند ، والمحلّى بالألف واللام كالغلام ، والموصول كالّذى ، وما أضيف إلى واحد منها كابنى ، وسنتكلم على هذه الأقسام.

* * *

__________________

فى نحو «اشتريت رطلا عسلا» واسم لا النافية للجنس فى نحو «لا رجل عندنا» ومجرور رب فى نحو «رب رجل كريم لقيته».

والجواب أن هذه كلها تقبل أل من حيث ذاتها ، لا من حيث كونها حالا أو تمييزا أو اسم لا.

واعترض عليه أيضا بأنه غير مانع ، وذلك لأن بعض المعارف يقبل أل نحو يهود ومجوس ، فإنك تقول : اليهود ، والمجوس ، وبعض المعارف يقع موقع ما يقبل أل ، مثل ضمير الغائب العائد إلى نكرة ، نحو قولك : لقيت رجلا فأكرمته ، فإن هذا الضمير واقع موقع رجل السابق وهو يقبل أل.

والجواب أن يهود ومجوس اللذين يقبلان أل هما جمع يهودى ومجوسى ؛ فهما نكرتان ، فإن كانا علمين على القبيلين المعروفين لم يصح دخول أل عليهما ، وأما ضمير الغائب العائد إلى نكرة فهو عند الكوفيين نكرة ؛ فلا يضر صدق هذا التعريف عليه ، والبصريون يجعلونه واقعا موقع «الرجل» لا موقع رجل ، وكأنك قلت : لقيت رجلا فأكرمت الرجل ، كما قال تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) وإذا كان كذلك فهو واقع موقع ما لا يقبل أل ؛ فلا يصدق التعريف عليه.

(١) «وغيره» غير : مبتدأ ، وغير مضاف والهاء العائد على النكرة مضاف إليه «معرفة» خبر المبتدأ «كهم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كهم «وذى ، وهند ، وابنى ، والغلام ، والذى» كلهن معطوفات على هم ، وفى عبارة المصنف قلب ، وكان حقه أن يقول : والمعرفة غير ذلك ؛ لأن المعرفة هى المحدث عنها.

وهذه العبارة تنبىء عن انحصار الاسم فى النكرة والمعرفة ، وذلك هو الراجح عند


فما لذى غيبة أو حضور

 ـ كأنت ، وهو ـ سمّ بالضّمير (١)

يشير إلى أن الضمير : ما دلّ على غيبة كهو ، أو حضور ، وهو قسمان : أحدهما ضمير المخاطب ، نحو أنت ، والثانى ضمير المتكلم ، نحو أنا.

* * *

وذو اتّصال منه ما لا يبتدا

ولا يلى إلّا اختيارا أبدا (٢)

__________________

علماء النحو ، ومنهم قوم جعلوا الاسم على ثلاثة أقسام : الأول النكرة ، وهو ما يقبل أل كرجل وكريم ، والثانى : المعرفة ، وهو ما وضع ليستعمل فى شىء بعينه كالضمير والعلم ، والثالث : اسم لا هو نكرة ولا هو معرفة ، وهو ما لا تنوين فيه ولا يقبل أل كمن وما ، وهذا ليس بسديد.

(١) «فما» اسم موصول مفعول به أول لسم ، مبنى على السكون فى محل نصب «لذى» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما ، وذى مضاف و «غيبة» مضاف إليه «أو» عاطفة «حضور» معطوف على غيبة «كأنت» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أو متعلق بمحذوف حال من ما «وهو» معطوف على أنت «سم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بالضمير» جار ومجرور متعلق بسم ، وهو المفعول الثانى لسم.

(٢) «وذو» مبتدأ ، وذو مضاف و «اتصال» مضاف إليه «منه» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لذى اتصال «ما» اسم موصول خبر المبتدأ ، مبنى على السكون فى محل رفع «لا» نافية «يبتدا» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة لا محل صلة الموصول. والعائد محذوف ، أى : لا يبتدأ به ، كذا قال الشيخ خالد ، وهو عجيب غاية العجب ؛ لأن نائب الفاعل إذا كان راجعا إلى ما كان هو العائد ، وإن كان راجعا إلى شىء آخر غير مذكور فسد الكلام ، ولزم حذف العائد المجرور بحرف جر مع أن الموصول غير مجرور بمثله ، وذلك غير جائز ، والصواب أن فى قوله يبتدأ ضميرا مستترا تقديره هو يعود إلى ما هو العائد ، وأن أصل الكلام ما لا يبتدأ به ؛ فالجار والمجرور نائب فاعل ، فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير فاستتر فيه ، فتدبر ذلك وتفهمه «ولا» الواو عاطفة ، لا : نافية


كالياء والكاف من «ابنى أكرمك»

والياء والها من «سليه ما ملك» (١)

الضمير البارز ينقسم إلى : متّصل ، ومنفصل ؛ فالمتصل هو : الذى لا يبتدأ به كالكاف من «أكرمك» ونحوه ، ولا يقع بعد «إلّا» فى الاختيار (٢) ؛ فلا يقال : ما أكرمت إلّاك ، وقد جاء شذوذا فى الشعر ، كقوله :

(١٣) ـ

أعوذ بربّ العرش من فئة بغت

علىّ ؛ فما لى عوض إلّاه ناصر

__________________

«يلى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة معطوفة على جملة الصلة «إلا» قصد لفظه : مفعول به ليلى «اختيارا» منصوب على نزع الخافض ، أى : فى الاختيار «أبدا» ظرف زمان متعلق بيلى.

(١) «كالياء» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كالياء «والكاف» معطوف على الياء «من» حرف جر «ابنى» مجرور بمن ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من الياء «أكرمك» أكرم : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ابنى ، والكاف مفعول به ، والجملة فى محل نصب حال من قوله «الكاف» بإسقاط العاطف الذى يعطفها على الحال الأولى «والياء والهاء» معطوفان على الياء السابقة «من» حرف جار لقول محذوف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال ، أى والياء والهاء حال كونهما من قولك ـ إلخ «سليه» سل : فعل أمر ، وياء المخاطبة فاعل ، والهاء مفعول أول «ما» اسم موصول مفعول ثان لسلى «ملك» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة ما.

(٢) أجاز جماعة ـ منهم ابن الأنبارى ـ وقوعه بعد إلا اختيارا ؛ وعلى هذا فلا شذوذ فى البيتين ونحوهما.

١٣ ـ هذا البيت من الشواهد التى لا يعرف لها قائل

اللغة : «أعوذ» ألتجىء وأتحصن ، و «الفئة» الجماعة ، و «البغى» العدوان والظلم ، و «عوض» ظرف يستغرق الزمان المستقبل مثل «أبدا» إلا أنه مختص بالنفى ، وهو مبنى على الضم كقبل وبعد.


وقوله :

(١٤) ـ

وما علينا ـ إذا ما كنت جارتنا ـ

أن لا يجاورنا إلّاك ديّار

* * *

__________________

المعنى : إنى ألتجىء إلى رب العرش وأتحصن بحماه من جماعة ظلمونى وتجاوزوا معى حدود النصفة ؛ فليس لى معين ولا وزر سواه.

الإعراب : «أعوذ» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «برب» جار ومجرور متعلق بأعوذ ، ورب مضاف و «العرش» مضاف إليه «من فئة» جار ومجرور متعلق بأعوذ «بغت» بغى : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى فئة ، والتاء للتأنيث ، والجملة فى محل جر صفة لفئة «على» جار ومجرور متعلق ببغى «فما» نافية «لى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خير مقدم «عوض» ظرف زمان مبنى على الضم فى محل نصب متعلق بناصر الآتى «إلاه» إلا : حرف استثناء ، والهاء ضمير وضع للغائب ، وهو هنا عائد إلى رب العرش ، مستثنى مبنى على الضم فى محل نصب «ناصر» مبتدأ مؤخر.

الشاهد فيه : قوله «إلاه» حيث وقع الضمير المتصل بعد إلا ، وهو شاذ لا يجوز إلا فى ضرورة الشعر ، إلا عند ابن الأنبارى ومن ذهب نحو مذهبه ؛ فإن ذلك عندهم سائغ جائز فى سعة الكلام ، ولك عندهم أن تحذو على مثاله

١٤ ـ وهذا البيت أيضا من الشواهد التى لا يعرف قائلها.

اللغة : «وما علينا» يروى فى مكانه «وما نبالى» من المبالاة بمعنى الاكتراث بالأمر والاهتمام له والعناية به ، وأكثر ما تستعمل هذه الكلمة بعد النفى كما رأيت فى بيت الشاهد ، وقد تستعمل فى الإثبات إذا جاءت معها أخرى منفية ، وذلك كما فى قول زهير بن أبى سلمى المزنى :

لقد باليت مظعن أمّ أوفى

ولكن أمّ أوفى لا تبالى

و «ديار» معناه أحد ، ولا يستعمل إلا فى النفى العام ، تقول : ما فى الدار من ديار ، وما فى الدار ديور ، تريد ما فيها من أحد ، قال الله تعالى : (وَقالَ نُوحٌ رَبِ


..................................................................................

__________________

لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) يريد لا تذر منهم أحدا ، بل استأصلهم وأفنهم جميعا.

المعنى : إذا كنت جارتنا فلا نكترث بعدم مجاورة أحد غيرك ، يريد أنها هى وحدها التى يرغب فى جوارها ويسر له.

الإعراب : «وما» نافية «نبالى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن «إذا» ظرف متضمن معنى الشرط «ما» زائدة «كنت» كان الناقصة واسمها «جارتنا» جارة : خبر كان ، وجارة مضاف ونا : مضاف إليه ، والجملة من كان واسمها وخبرها فى محل جر بإضافة إذا إليها «أن» مصدرية «لا» نافية «يجاورنا» يجاور : فعل مضارع منصوب بأن ، ونا : مفعول به ليجاور «إلاك» إلا : أداة استثناء ، والكاف مستثنى مبنى على الكسر فى محل نصب ، والمستثنى منه ديار الآتى «ديار» فاعل يجاور ، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مفعول به لنبالى ، ومن رواه «وما علينا» تكون ما نافية أيضا ، وعلينا : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وأن المصدرية وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مرفوع يقع مبتدأ مؤخرا ، ويجوز أن تكون ما استفهامية بمعنى النفى مبتدأ ، وعلينا : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ؛ والمصدر المؤول من أن وما دخلت عليه منصوب على نزع الخافض ، وكأنه قد قال : أى شىء كائن علينا فى عدم مجاورة أحد لنا إذا كنت جارتنا ، ويجوز أن تكون ما نافية ، وعلينا : متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف ، والمصدر منصوب على نزع الخافض أيضا والتقدير على هذا : وما علينا ضرر فى عدم مجاورة أحد لنا إذا كنت أنت جارتنا.

الشاهد فيه : قوله «إلاك» حيث وفع الضمير المتصل بعد إلا شذوذا.

وقال المبرد : ليست الرواية كما أنشدها النحاة «إلاك» وإنما صحة الرواية :

* ألّا يجاورنا سواك ديّار*

وقال صاحب اللب : رواية البصريين :

* ألّا يجاورنا حاشاك ديّار*

فلا شاهد فيه على هاتين الروايتين ؛ فتفطن لذلك.


وكلّ مضمر له البنا يجب ،

ولفظ ما جرّ كلفظ ما نصب (١)

المضمرات كلّها مبنية ؛ لشبهها بالحروف فى الجمود (٢) ، ولذلك لا تصغّر

__________________

(١) «وكل» مبتدأ أول ، وكل مضاف و «مضمر» مضاف إليه «له» جار ومجرور متعلق بيجب الآتى «البنا» مبتدأ ثان «يجب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى البنا ، والجملة من الفعل وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول «ولفظ» مبتدأ ولفظ مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر «جر» فعل ماض مبنى للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة «كلفظ» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، ولفظ مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «نصب» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما المجرورة محلا بالإضافة ، والجملة من الفعل ونائب فاعله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(٢) قد عرفت ـ فيما مضى أول باب المعرب والمبنى ـ أن الضمائر مبنية لشبهها بالحروف شبها وضعيا ، بسبب كون أكثرها قد وضع على حرف واجد أو حرفين ، وحمل ما وضع على أكثر من ذلك عليه ، حملا للأقل على الأكثر ، وقد ذكر الشارح فى هذا الموضع وجها ثانيا من وجوه شبه الضمائر بالحروف ، وهو ما سماه بالشبه الجمودى ، وهو : كون الضمائر بحيث لا تتصرف تصرف الأسماء ؛ فلا تثنى ولا تصغر ، وأما نحو «هما وهم وهن وأنتما وأنتم وأنتن» ، فهذه صيغ وضعت من أول الأمر على هذا الوجه ، وليست علامة المثنى والجمع طارئة عليها.

ونقول : قد أشبهت الضمائر الحروف فى وجه ثالث ، وهى أنها مفتقرة فى دلالتها على معناها البتة إلى شىء ، وهو المرجع فى ضمير الغائب ، وقرينة التكلم أو الخطاب فى ضمير الحاضر ، وأشبهته فى وجه رابع ، وهو أنها استغنت بسبب اختلاف صيغها عن أن تعرب فأنت ترى انهم قد وضعوا للرفع صيغة لا تستعمل فى غيره ، وللنصب صيغة أخرى ولم يجيزوا إلا أن تستعمل فيه ؛ فكان مجرد الصيغة كافيا لبيان موقع الضمير ، فلم يحتج للاعراب ليبين موقعه ، فأشبه الحروف فى عدم الحاجة إلى الإعراب ، وإن كان سبب عدم الحاجة مختلفا فيهما (وانظر ص ٢٨ ، ٣٢).


ولا تثنّى ولا تجمع ، وإذا ثبت أنها مبنية : فمنها ما يشترك فيه الجرّ والنصب ، وهو : كل ضمير نصب أو جر متّصل ، نحو : أكرمتك ، ومررت بك ، وإنّه وله ؛ فالكاف فى «أكرمتك» فى موضع نصب ، وفى «بك» فى موضع جر ، والهاء فى «إنه» فى موضع نصب ، وفى «له» فى موضع جر.

ومنها ما يشترك فيه الرفع والنصب والجر ، وهو «نا» ، وأشار إليه بقوله :

للرّفع والنّصب وجرّ «نا» صلح

كاعرف بنا فإنّنا نلنا المنح (١)

أى : صلح لفظ «نا» للرفع ، نحو نلنا ، وللنصب ، نحو فإنّنا ، وللجر ، نحو بنا.

ومما يستعمل للرفع والنصب والجر : الياء ؛ فمثال الرفع نحو «اضربى» ومثال النصب نحو «أكرمنى» ومثال الجر نحو «مرّ بى».

ويستعمل فى الثلاثة أيضا «هم» ؛ فمثال الرفع «هم قائمون» ومثال النصب «أكرمتهم» ومثال الجر «لهم».

وإنما لم يذكر المصنف الياء وهم لأنهما لا يشبهان «نا» من كل وجه ؛ لأن «نا» تكون للرفع والنصب والجر والمعنى واحد ، وهى ضمير متّصل

__________________

(١) «للرفع» جار ومجرور متعلق بصلح الآتى «والنصب وجر» معطوفان على الرفع و «نا» مبتدأ ، وقد قصد لفظه «صلح» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نا ، والجملة من صلح وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «كاعرف» الكاف حرف جر ، والمجرور محذوف ، والتقدير : كقولك ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، واعرف : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بنا» جار ومجرور متعلق باعرف «فإننا» الفاء تعليلية ، وإن حرف توكيد ونصب ، ونا : اسمها «نلنا» فعل وفاعل ، والجملة من نال وفاعله فى محل رفع خبر إن «المنح» مفعول به لنال ، منصوب بالفتحة الظاهرة ، وسكن لأجل الوقف.


فى الأحوال الثلاثة ، بخلاف الياء ؛ فإنها ـ وإن استعملت للرفع والنصب والجر ، وكانت ضميرا متصلا فى الأحوال الثلاثة ـ لم تكن بمعنى واحد فى الأحوال الثلاثة ؛ لأنها فى حالة الرفع للمخاطب ، وفى حالتى النصب والجر للمتكلم ، وكذلك «هم» ؛ لأنها ـ وإن كانت بمعنى واحد فى الأحوال الثلاثة ـ فليست مثل «نا» ؛ لأنها فى حالة الرفع ضمير منفصل ؛ وفى حالتى النصب والجر ضمير متصل.

* * *

وألف والواو والنّون لما

غاب وغيره ، كقاما واعلما (١)

الألف والواو والنون من ضمائر الرفع المتصلة ، وتكون للغائب وللمخاطب ؛ فمثال الغائب «الزّيدان قاما ، والزّيدون قاموا ، والهندات قمن» ومثال المخاطب «اعلما ، واعلموا ، واعلمن» ، ويدخل تحت قول المصنف «وغيره» المخاطب والمتكلم ، وليس هذا بجيد ؛ لأن هذه الثلاثة لا تكون للمتكلم أصلا ، بل إنما تكون للغائب أو المخاطب كما مثلنا.

* * *

__________________

(١) «ألف» مبتدأ ـ وهو نكرة ، وسوغ الابتداء به عطف المعرفة عليها «والواو ، والنون» معطوفان على ألف «لما» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «غاب» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما ، والجملة لا محل لها صلة ما «وغيره» الواو حرف عطف ، غير : معطوف على ما ، وغير مضاف والضمير مضاف إليه «كقاما» الكاف جارة لقول محذوف ، والجار والمجرور يتعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى وذلك كائن كقولك ، وقاما : فعل ماض وفاعل «واعلما» الواو عاطفة ، واعلما : فعل أمر ، وألف الاثنين فاعله ، والجملة معطوفة بالواو على جملة قاما.


ومن ضمير الرّفع ما يستتر

كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر (١)

ينقسم الضمير إلى مستتر وبارز (٢) ، والمستتر إلى واجب الاستتار وجائزه.

__________________

(١) «من ضمير ، جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وضمير مضاف. و «الرفع» مضاف إليه «ما» اسم موصول مبتدأ مؤخر ، مبنى على السكون فى محل رفع «يستتر» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة لا محل لها صلة ما «كافعل» الكاف جارة لقول محذوف ، والجار والمجرور يتعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كقولك. وافعل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أوافق» فعل مضارع مجزوم فى جواب الأمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «نغتبط» بدل من أوافق «إذ» ظرف وضع للزمن الماضى ، ويستعمل مجازا فى المستقبل ، وهو متعلق بقوله «نغتبط» مبنى على السكون فى محل نصب «تشكر» فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل جر بإضافة إذ إليها.

(٢) المنقسم هو الضمير المتصل لا مطلق الضمير ، والمراد بالضمير البارز ما له صورة فى اللفظ حقيقة نحو الناء والهاء فى أكرمته ، والياء فى ابنى ، أو حكما كالضمير المتصل المحذوف من اللفظ جوازا فى نحو قولك : جاء الذى ضربت ؛ فإن التقدير جاء الذى ضربته ، فحذفت التاء من اللفظ ، وهى منوبة ؛ لأن الصلة لا بد لها من عائد يربطها بالموصول. ومن هنا تعلم أن البارز ينقسم إلى قسمين : الأول المذكور ، والثانى المحذوف ، والفرق بين المحذوف والمستتر من وجهين ، الأول : أن المحذوف يمكن النطق به ، وأما المستتر فلا يمكن النطق به أصلا ، وإنما يستعيرون له الضمير المنفصل ـ حين يقولون : مستتر جوازا تقديره هو ، أو يقولون : مستتر وجوبا تقديره أنا أو أنت ـ وذلك لقصد التقريب على المتعلمين ، وليس هذا هو نفس الضمير المستتر على التحقيق ، والوجه الثانى : أن الاستتار يختص بالفاعل الذى هو عمدة فى الكلام ، وأما الحذف فكثيرا ما يقع فى الفضلات ، كما فى المفعول به فى المثال السابق ، وقد يقع فى العمد فى غير الفاعل كما فى المبتدأ ، وذلك كثير فى العربية ، ومنه قول سويد بن أبى كاهل اليشكرى ، فى وصف امرىء يضمر بغضه :

مستسرّ الشّنء ، لو يفقدنى

لبدا منه ذباب فنبع


والمراد بواجب الاستتار : ما لا يحلّ محلّه الظاهر ، والمراد بجائز الاستتار : ما يحلّ محله الظاهر.

وذكر المصنف فى هذا البيت من المواضع التى يجب فيها الاستتار أربعة :

الأول : فعل الأمر للواحد المخاطب كافعل ، التقدير أنت ، وهذا الضمير لا يجوز إبرازه ؛ لأنه لا يحلّ محلّه الظاهر ؛ فلا تقول : افعل زيد ، فأما «افعل أنت» فأنت تأكيد للضمير المستتر فى «افعل» وليس بفاعل لا فعل ؛ لصحة الاستغناء عنه ؛ فتقول : افعل ؛ فإن كان الأمر لواحدة أو لاثنين أو لجماعة برز الضمير ، نحو اضربى ، واضربا ، واضربوا ، واضربن.

الثانى : الفعل المضارع الذى فى أوله الهمزة ، نحو «أوافق» والتقدير أنا ، فإن قلت «أوافق أنا» كان «أنا» تأكيدا للضمير المستتر.

الثالث : الفعل المضارع الذى فى أوّله النون ، نحو «نغتبط» أى نحن.

الرابع : الفعل المضارع الذى فى أوّله التاء لخطاب الواحد ، نحو «تشكر» أى أنت ؛ فإن كان الخطاب لواحدة أو لاثنين أو لجماعة برز الضمير ، نحو أنت تفعلين ، وأنتما تفعلان ، وأنتم تفعلون ، وأنتنّ تفعلن.

هذا (١) ما ذكره المصنف من المواضع التى يجب فيها استتار الضمير.

__________________

يريد هو مستسر البغض ، فحذف الضمير ؛ لأنه معروف ينساق إلى الذهن ، ومثل ذلك أكثر من أن يحصى فى كلام العرب.

(١) وبقيت مواضع أخرى يجب فيها استتار الضمير ، الأول : اسم فعل الأمر ، نحو صه ، ونزال ، ذكره فى التسهيل ، والثانى : اسم فعل المضارع ، نحو أف وأوه ، ذكره أبو حيان ، والثالث : فعل التعجب ، نحو ما أحسن محمدا ، والرابع : أفعل التفضيل ، نحو محمد أفضل من على ، والخامس : أفعال الاستثناء ، نحو قاموا ما خلا عليا ، أو ما عدا بكرا ، أو لا يكون محمدا. زادها ابن هشام فى التوضيح تبعا لابن مالك فى باب الاستثناء من التسهيل ، وهو حق ، السادس : المصدر النائب عن فعل الأمر ،


ومثال جائز الاستتار : زيد يقوم ، أى هو ، وهذا الضمير جائز الاستتار ؛ لأنه يحلّ محلّه الظاهر ؛ فتقول : زيد يقوم أبوه ، وكذلك كلّ فعل أسند إلى غائب أو غائبة ، نحو هند تقوم ، وما كان بمعناه ، نحو زيد قائم ، أى هو.

* * *

وذو ارتفاع وانفصال : أنا ، هو ،

وأنت ، والفروع لا تشتبه (١)

تقدم أن الضمير ينقسم إلى مستتر وإلى بارز ، وسبق الكلام فى المستتر ، والبارز ينقسم إلى : متّصل ، ومنفصل ؛ فالمتّصل يكون مرفوعا ، ومنصوبا ، ومجرورا ، وسبق الكلام فى ذلك ، والمنفصل يكون مرفوعا ومنصوبا ، ولا يكون مجرورا.

وذكر المصنف فى هذا البيت المرفوع المنفصل ، وهو اثنا عشر : «أنا» للمتكلم وحده ، و «نحن» للمتكلم المشارك أو المعظّم نفسه ، و «أنت» للمخاطب ، و «أنت» للمخاطبة ، و «أنتما» للمخاطبين أو المخاطبتين ، و «أنتم» للمخاطبين ، و «أنتنّ» للمخاطبات ، و «هو» للغائب ،

__________________

نحو قول الله تعالى (فَضَرْبَ الرِّقابِ) وأما مرفوع الصفة الجارية على من هى له فجائز الاستتار قطعا. وذلك نحو «زيد قائم» ألا ترى أنك تقول فى تركيب آخر «زيد قائم أبوه» وقد ذكره الشارح فى جائز الاستتار ، وهو صحيح ، وكذلك مرفوع نعم وبئس ، نحو «نعم رجلا أبو بكر ، وبئست امرأة هند» ؛ وذلك لأنك تقول فى تركيب آخر «نعم الرجل زيد ، وبئست المرأة هند».

(١) «وذو» مبتدأ ، وذو مضاف و «ارتفاع» مضاف إليه «وانفصال» معطوف على ارتفاع «أنا» خبر المبتدأ «هو ، وأنت» معطوفان على أنا «والفروع» مبتدأ «لا» نافية «تشتبه» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى الفروع ، والجملة من الفعل المضارع المنفى وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، الذى هو الفروع.


و «هى» للغائبة ، و «هما» للغائبين أو الغائبتين ، و «هم» للغائبين ، و «هنّ» للغائبات.

* * *

وذو انتصاب فى انفصال جعلا :

إيّاى ، والتّفريع ليس مشكلا (١)

أشار فى هذا البيت إلى المنصوب المنفصل ، وهو اثنا عشر : «إيّاى» للمتكلّم وحده ، و «إيانا» للمتكلم المشارك أو المعظّم نفسه ، و «إياك» للمخاطب ، و «إيّاك» للمخاطبة ، و «إياكما» للمخاطبين أو المخاطبتين ، و «إياكم» للمخاطبين ، و «إيّاكنّ» للمخاطبات ، و «إياه» للغائب ، و «إياها» للغائبة ، و «إياهما» للغائبين أو الغائبتين ، و «إيّاهم» للغائبين ، و «إياهنّ» للغائبات (٢).

* * *

__________________

(١) «وذو» مبتدأ ، وذو مضاف و «انتصاب» مضاف إليه «فى انفصال» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر فى جعل الآتى «جعلا» فعل ماض ، مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذو «إياى» مفعول ثان لجعل ، والجملة من جعل ومعموليه فى محل رفع خبر المبتدأ «والتفريع» مبتدأ «ليس» فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على التفريع «مشكلا» خبر ليس ، والجملة من ليس واسمها وخبرها فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) اختلف فى هذه اللواحق التى بعد «إيا» فقيل : هى حروف تبين الحال وتوضح المراد من «إيا» متكلما أو مخاطبا أو غائبا ، مفردا أو مثنى أو مجموعا ، ومثلها مثل الحروف التى فى أنت وأنتما وأنتن ، ومثل اللواحق فى أسماء الإشارة نحو تلك وذلك وأولئك ، وهذا مذهب سيبويه والفارسى والأخفش ، قال أبو حيان : وهو الذى صححه أصحابنا وشيوخنا.


وفى اختيار لا يجىء المنفصل

إذا تأتّى أن يجىء المتّصل (١)

كلّ موضع أمكن أن يؤتى فيه بالضمير المتّصل لا يجوز العدول عنه إلى المنفصل ، إلا فيما سيذكره المصنف ؛ فلا تقول فى أكرمتك «أكرمت إيّاك» لأنه يمكن الإتيان بالمتصل ؛ فتقول : أكرمتك.

__________________

وذهب الخليل والمازنى ، واختاره ابن مالك ، إلى أن هذه اللواحق أسماء ، وأنها ضمائر أضيفت إليها «إيا» زاعمين أن «إيا» أضيفت إلى غير هذه اللواحق فى نحو «إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب» فيكون فى ذلك دليل على أن اللواحق أسماء.

وذلك باطل لوجهين ؛ الأول : أن هذا الذى استشهدوا به شاذ ، ولم تعهد إضافة الضمائر. والثانى أنه لو صح ما يقولون لكانت «إيا» ونحوها ملازمة للاضافة ، وقد علمنا أن الإضافة من خصائص الأسماء المعربة ؛ فكان يلزم أن تكون إيا ونحوها معربة ، ألست ترى أنهم أعربوا «أى» الموصولة والشرطية والاستفهامية لما لازمها من الإضافة؟

وقال الفراء : إن «إيا» ليست ضميرا ، وإنما هى حرف عماد جىء به توصلا للضمير ، والضمير هو اللواحق ، ليكون دعامة يعتمد عليها ؛ لتمييز هذه اللواحق عن الضمائر المتصلة.

وزعم الزجاج أن الضمائر هى اللواحق موافقا فى ذلك للفراء ، ثم خالفه فى «إيا» فادعى أنها اسم ظاهر مضاف إلى الكاف والياء والهاء.

وقال ابن درستويه : إن هذا اسم ليس ظاهرا ولا مضمرا ، وإنما هو بين بين.

وقال الكوفيون : المجموع من «إيا» ولواحقها ضمير واحد.

(١) «وفى اختيار» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل يجىء الآتى «لا» نافية «يجىء» فعل مضارع «المنفصل» فاعل يجىء «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان «تأنى» فعل ماض «أن» حرف مصدرى ونصب «يجىء» فعل مضارع منصوب بأن «المتصل» فاعل يجىء ، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر فاعل تأتى ، والتقدير : تأتى مجىء المتصل ، والجملة من تأتى وفاعله فى محل جر بإضافة إذا إليها ، وجواب إذا محذوف لدلالة ما قبله عليه ، والتقدير : إذا تأتى مجىء المتصل فلا يجىء المنفصل.


فإن لم يمكن الإتيان بالمتصل تعين المنفصل ، نحو إيّاك أكرمت (١) ، وقد

__________________

(١) اعلم أنه يتعين انفصال الضمير ، ولا يمكن المجىء به متصلا ، فى عشرة مواضع : الأول : أن يكون الضمير محصورا ، كقوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) وكقول الفرزدق :

أنا الذّائد الحامى الذّمار ، وإنّما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلى

إذ التقدير : لا يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلى

ومن هذا النوع قول عمرو بن معديكرب الزبيدى :

قد علمت سلمى وجاراتها

ما قطّر الفارس إلا أنا

الثانى : أن يكون الضمير مرفوعا بمصدر مضاف إلى المنصوب به ، نحو «عجبت من ضربك هو» وكقول الشاعر :

بنصركم نحن كنتم فائزين ، وقد

أغرى العدى بكم استسلامكم فشلا

الثالث : أن يكون عامل الضمير مضمرا ، نحو قول السموأل :

وإن هو لم يحمل على النّفس ضيمها

فليس إلى حسن الثناء سبيل

وكقول لبيد بن ربيعة :

فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب

لعلّك تهديك القرون الأوائل

الرابع : أن يكون عامل الضمير متأخرا عنه ، كقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وهذا هو الموضع الذى أشار إليه الشارح.

الخامس : أن يكون عامل الضمير معنويا ، وذلك إذا وقع الضمير مبتدأ ، نحو «اللهم أنا عبد أثيم ، وأنت مولى كريم» ومنه «أنا الذائد» فى بيت الفرزدق السابق.

السادس : أن يكون الضمير معمولا لحرف نفى ، كقوله تعالى : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)(ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ)(وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ)(إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) وكقول الشاعر :

إن هو مستوليا على أحد

إلّا على أضعف المجانين

السابع : أن يفصل بين الضمير وعامله بمعمول آخر ، كقوله تعالى : (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) وكقول الشاعر :


جاء الضمير فى الشعر منفصلا مع إمكان الإتيان به متصلا ، كقوله :

(١٥) ـ

بالباعث الوارث الاموات قد ضمنت

إيّاهم الأرض فى دهر الدّهارير

__________________

مبرّأ من عيوب النّاس كلّهم

فالله يرعى أبا حفص وإيّانا

الثامن : أن يقع الضمير بعد واو المعية ، كقول أبى ذؤيب الهذلى :

فآليت لا أنفكّ أحذو قصيدة

تكون وإيّاها بها مثلا بعدى

التاسع : أن يقع بعد «أما» نحو «أما أنا فشاعر ، وأما أنت فكاتب ، وأما هو فنحوى».

العاشر : أن يقع بعد اللام الفارقة ، نحو قول الشاعر :

إن وجدت الصّديق حقّا لإيّا

ك ، فمرنى فلن أزال مطيعا

وسيأتى موضع ذكر تفصيله المصنف والشارح.

١٥ ـ البيت من قصيدة للفرزدق ، يفتخر فيها ، ويمدح يزيد بن عبد الملك بن مروان ، وقبله :

يا خير حىّ وقت نعل له قدما

وميّت بعد رسل الله مقبور

إنّى حلفت ، ولم أحلف على فند ،

فناء بيت من السّاعين معمور

اللغة : «الباعث» الذى يبعث الأموات ويحييهم بعد موتهم «الوارث» هو الذى ترجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك «ضمنت» ـ بكسر الميم مخففة ـ بمعنى تضمنت ، أى اشتملت أو بمعنى تكفلت يهم «الدهارير» الزمن الماضى ، أو الشدائد ، وهو جمع لا واحد له من لفظه.

الإعراب : «يالباعث» جار ومجرور متعلق بقوله «حلفت» فى البيت الذى أنشدناه قبل هذا البيت ، والأموات : يجوز فيه وجهان ؛ أحدهما : جره بالكسرة الظاهرة على أنه مضاف إليه ، والمضاف هو الباعث والوارث على مثال قوله :

يا من رأى عارضا أسرّ له

بين ذراعى وجبهة الأسد


وصل أو افصل هاء سلنيه ، وما

أشبهه ، فى كنته الخلف انتمى (١)

__________________

وقولهم «قطع الله يد ورجل من قالها» والوجه الثانى : نصب الأموات بالفتحة الظاهرة على أنه مفعول به تنازعه الوصفان فأعمل فيه الثانى وحذف ضميره من الأول لكونه فضلة «ضمنت» فعل ماض ، والتاء للتأنيث «إياهم» مفعول به تقدم على الفاعل «الأرض» فاعل ضمن «فى دهر» جار ومجرور متعلق بضمنت ، ودهر مضاف و «الدهارير» مضاف إليه ، مجرور بالكسرة الظاهرة.

الشاهد فيه : قوله «ضمنت إياهم» حيث عدل عن وصل الضمير إلى فصله ؛ وذلك خاص بالشعر ، ولا يجوز فى سعة الكلام ، ولو جاء به على ما يستحقه الكلام لقال «قد ضمنتهم الأرض».

ومثل هذا البيت قول زياد بن منقذ العدوى التميمى من قصيدة له يقولها فى تذكر أهله والحنين إلى وطنه ، وكان قد نزل صنعاء فاستوبأها ، وكان أهله بنجد فى وادى أشى ـ بزنة المصغر (وانظر ١ / ٦٥ من كتابنا هداية السالك إلى أوضح المسالك) :

وما أصاحب من قوم فأذكرهم

إلّا يريدهم حبّا إلىّ هم

فقد جاء بالضمير منفصلا ـ وهو قوله «هم» فى آخر البيت ـ وكان من حقه أن يجىء به متصلا بالعامل ـ وهو قوله «يزيد» ـ ولو جاء به على ما يقتضيه الاستعمال لقال «إلا يزيدونهم حبا إلى».

ومثل ذلك قول طرفة بن العبد البكرى :

أصرمت حبل الوصل ، بل صرموا

يا صاح ، بل قطع الوصال هم

وكان من حقه أن يقول : «بل قطعوا الوصال» لكنه اضطر ففصل

(١) «وصل» الواو للاستئناف ، صل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أو» حرف عطف دال على التخيير «افصل» فعل أمر ، وفعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وجملة افصل معطوفة على جملة صل «هاء» مفعول تنازعه الفعلان ، فأعمل فيه الثانى ، وهاء مضاف و «سلنيه» قصد لفظه : مضاف إليه «وما» الواو حرف عطف ، ما : اسم موصول معطوف على سلنيه «أشبهه» أشبه : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والهاء مفعول به ، والجملة لا محل


كذاك خلتنيه ، واتّصالا

أختار ، غيرى اختار الانفصالا (١)

أشار فى هذين البيتين إلى المواضع التى يجوز أن يؤتى فيها بالضمير منفصلا مع إمكان أن يؤتى به متصلا.

فأشار بقوله : «سلنيه» إلى ما يتعدّى إلى مفعولين الثانى منها ليس خيرا فى الأصل ، وهما ضميران ، نحو : «الدّرهم سلنيه» فيجوز لك فى هاء «سلنيه» الاتصال نحو سلنيه ، والانفصال نحو سلنى إيّاه ، وكذلك كل فعل أشبهه ، نحو الدّرهم أعطيتكه ، وأعطيتك إيّاه.

وظاهر كلام المصنف أنه يجوز فى هذه المسألة الانفصال والاتصال على السواء ، وهو ظاهر كلام أكثر النحويين ، وظاهر كلام سيبويه أن الاتصال فيها واجب ، وأن الانفصال مخصوص بالشعر.

وأشار بقوله : «فى كنته الخلف انتمى» إلى أنه إذا كان خبر «كان» وأخواتها ضميرا ، فإنه يجوز اتصاله وانفصاله ، واختلف فى المختار منهما ؛ فاختار المصنف

__________________

لها صلة ما «فى كنته» جار ومجرور متعلق بانتمى «الخلف» مبتدأ «انتمى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخلف ، والجملة من انتمى وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، وانتمى معناه انتسب ، والمراد أن بين العلماء خلافا فى هذه المسألة ، وأن هذا الخلاف معروف ، وكل قول فيه معروف النسبة إلى قائله.

(١) «كذاك» الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، والكاف حرف خطاب «خلتنيه» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «واتصالا» الواو عاطفة ، اتصالا : مفعول مقدم لأختار «أختار» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «غيرى غير : مبتدأ ، وغير مضاف والياء التى للمتكلم مضاف إليه «اختار» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود لغيرى ، والجملة من اختار وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «الانفصالا» مفعول به لاختار ، والألف للاطلاق.


الاتصال ، نحو كنته ، واختار سيبويه الانفصال ، نحو كنت إياه (١) ، [تقول ؛ الصّديق كنته ، وكنت إيّاه].

وكذلك المختار عند المصنف الاتصال فى نحو «خلتنيه» (٢) وهو : كلّ فعل تعدّى إلى مفعولين الثانى منهما خبر فى الأصل ، وهما ضميران ، ومذهب سيبويه أن المختار فى هذا أيضا الانفصال ، نحو خلتنى إيّاه ، ومذهب سيبويه أرجح ؛ لأنه هو الكثير فى لسان العرب على ما حكاه سيبويه عنهم وهو المشافه لهم ، قال الشاعر :

__________________

(١) قد ورد الأمران كثيرا فى كلام العرب ؛ فمن الانفصال قول عمر بن أبى ربيعة المخزومى :

لئن كان إيّاه لقد حال بعدنا

عن العهد ، والإنسان قد يتغيّر

وقول الآخر :

ليس إيّاى وإيّا

ك ، ولا نخشى رقيبا

ومن الاتصال قول أبى الأسود الدؤلى يخاطب غلاما له كان يشرب النبيذ فيضطرب شأنه وتسوء حاله :

فإن لا يكنها أو تكنه فإنّه

أخوها غذته أمّه بلبانها

وقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر بن الخطاب فى شأن ابن الصياد : «إن يسكنه فلن تسلط عليه ، وإلا يكنه فلا خير لك فى قتله» ومنه الشاهد رقم ١٧ الآتى فى ص ١٠٩.

(٢) قد ورد الأمران فى فصيح الكلام أيضا ، فمن الاتصال قوله تعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً ، وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً) وقول الشاعر :

بلّغت صنع امرىء برّ إخالكه

إذ لم تزل لاكتساب الحمد معتذرا

ومن الانفصال قول الشاعر :

أخى حسبتك إيّاه ، وقد ملئت

أرجاء صدرك بالأضغان والإحن


(١٦) ـ

إذا قالت حذام فصدّقوها

فإنّ القول ما قالت حذام

* * *

__________________

١٦ ـ هذا البيت قيل إنه لديسم بن طارق أحد شعراء الجاهلية ، وقد جرى مجرى المثل ، وصار يضرب لكل من يعتد بكلامه ، ويتمسك بمقاله ، ولا يلتفت إلى ما يقول غيره ، وفى هذا جاء به الشارح ، وهو يريد أن سيبويه هو الرجل الذى يعتد بقوله ، ويعتبر نقله ؛ لأنه هو الذى شافه العرب ، وعنهم أخذ ، ومن ألسنتهم استمد.

المفردات : «حذام» اسم امرأة ، زعم بعض أرباب الحواشى أنها الزباء ، وقال : وقيل غيرها ، ونقول : الذى عليه الأدباء أنها زرقاء اليمامة ، وهى امرأة من بنات لقمان بن عاد ، وكانت ملكة اليمامة ، واليمامة اسمها ، فسميت البلد باسمها ، زعموا أنها كانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام ، وهى التى يشير إليها النابغة الذبيانى فى قوله :

واحكم كحكم فتاة الحىّ إذ نظرت

إلى حمام سراع وارد الثّمد

قالت : ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا أو نصفه فقد

الإعراب : «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «قالت» قال : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «حذام» فاعل قال ، مبنى على الكسر فى محل رفع «فصدقوها» الفاء واقعة فى جواب إذا ، وصدق : فعل أمر مبنى على حذف النون ، والواو فاعل ، وها : مفعول به «فإن» الفاء للعطف ، وفيها معنى التعليل ، وإن : حرف توكيد ونصب «القول» اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة «ما» اسم موصول خبر إن ، مبنى ، على السكون فى محل رفع «قالت» قال : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «حذام» فاعل قالت ، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ، والعائد محذوف ، أى ما قالته حذام.

التمثيل به : قد جاء الشارح بهذا البيت وهو يزعم أن مذهب سيبويه أرجح مما ذهب إليه الناظم ، وكأنه أراد أن يعرف الحق بأن يكون منسوبا إلى عالم جليل كسيبويه ، وهى فكرة لا يجوز للعلماء أن يتمسكوا بها ، ثم إن الأرجح فى المسألة ليس هو ما ذهب إليه سيبويه والجمهور ، بل الأرجح ما ذهب إليه ابن مالك ، والرمانى ، وابن الطراوة من أن الاتصال أرجح فى خبر كان وفى المفعول الثانى من معمولى ظن وأخواتها ، وذلك


وقدّم الأخصّ فى اتّصال

وقدّمن ما شئت فى انفصال (١)

ضمير المتكلم أخصّ من ضمير المخاطب ، وضمير المخاطب أخصّ من ضمير الغائب ؛ فإن اجتمع ضميران منصوبان أحدهما أخصّ من الآخر ؛ فإن كانا متصلين وجب تقديم الأخصّ منهما ؛ فتقول : الدرهم أعطيتكه وأعطيتنيه ، بتقديم الكاف والياء على الهاء ؛ لأنها أخصّ من الهاء ؛ لأن الكاف للمخاطب ، والياء للمتكلم ، والهاء للغائب ، ولا يجوز تقديم الغائب مع الاتّصال ؛ فلا تقول : أعطيتهوك ، ولا أعطيتهونى ، وأجازه قوم ، ومنه ما رواه ابن الأثير فى غريب الحديث من قول عثمان رضى الله عنه : «أراهمنى الباطل شيطانا» ؛ فإن فصل أحدهما كنت بالخيار ؛ فإن شئت قدّمت الأخصّ ، فقلت : الدرهم أعطيتك إياه ، وأعطيتنى إياه ، وإن شئت فدّمت غير الأخصّ ، فقلت : أعطيته إيّاك ،

__________________

من قبل أن الاتصال فى البابين أكثر ورودا عن العرب ؛ وقد ورد الاتصال فى خبر «كان» فى الحديث الذى رويناه لك ، وورد الاتصال فى المفعول الثانى من باب ظن فى القرآن الكريم فيما قد تلونا من الآيات ، ولم يرد فى القرآن الانفصال فى أحد البابين أصلا ، وبحسبك أن يكون الاتصال هو الطريق الذى استعمله القرآن الكريم باطراد.

(١) «وقدم» الواو عاطفة ، قدم : فعل أمر مبنى على السكون لا محل له من الإعراب ، وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «الأخص» مفعول به لقدم «فى اتصال» جار ومجرور متعلق بقدم «وقد من» الواو عاطفة ، قدم : فعل أمر ، مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ما» اسم موصول مفعول به لقدم المؤكد ، مبنى على السكون فى محل نصب «شئت» فعل وفاعل ، وجملتهما لا محل لها صلة ما الموصولة ، والعائد محذوف ، والتقدير : وقد من الذى شئنه «فى انفصال» جار ومجرور متعلق بقدمن.


وأعطيته إياى ، وإليه أشار بقوله : «وقدّمن ما شئت فى انفصال» وهذا الذى ذكره ليس على إطلاقه ، بل إنما يجوز تقديم غير الأخصّ فى الانفصال عند أمن اللّبس ، فإن خيف لبس لم يجز ؛ فإن قلت : زيد أعطيتك إيّاه (١) ، لم يجز تقديم الغائب ، فلا تقول : زيد أعطيته إياك ؛ لأنه لا يعلم هل زيد مأخوذ أو آخذ.

* * *

وفى اتّحاد الرّتبة الزم فصلا

وقد يييح الغيب فيه وصلا (٢)

إذا اجتمع ضميران ، وكانا منصوبين ، واتّحدا فى الرّتية ـ كأن يكونا لمتكلمين ، أو مخاطبين ، أو غائبين ـ فإنه يلزم الفصل فى أحدهما ؛ فتقول : أعطيتنى إيّاى ، وأعطيتك إيّاك ، وأعطيته إيّاه ، ولا يجوز اتصال الضميرين ، فلا تقول : أعطيتنينى ، ولا أعطيتكك ، ولا أعطيتهوه ؛ نعم إن كانا غائبين واختلف لفظهما فقد يتصلان ، نحو الزّيدان الدّرهم أعطيتهماه ، وإليه أشار بقوله فى الكافية :

__________________

(١) إنما يقع اللبس فيما إذا كان كل من المفعولين يصلح أن يكون فاعلا كما ترى فى مثال الشارح ، ألست ترى أن المخاطب وزيدا يصلح كل منهما أن يكون آخذا ويصلح أن يكون مأخوذا ، أما نحو «الدرهم أعطيته إياك» أو «الدرهم أعطيتك إباه» فلا لبس لأن المخاطب آخذ تقدم أو تأخر ، والدرهم مأخوذ تقدم أو تأخر.

(٢) «وفى اتحاد» الواو حرف عطف ، والجار والمجرور متعلق بالزم الآتى ، واتحاد مضاف و «الرتبة» مضاف إليه «الزم» فعل أمر مبنى على السكون لا محل له من الإعراب ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فصلا» مفعول به لا لزم «وقد» الواو عاطفة ، قد : حرف دال على التقليل «يبيح» فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة «الغيب» فاعل يبيح «فيه» جار ومجرور متعلق بيبييح «وصلا» مفعول به ليبيح.


مع اختلاف ما ، ونحو «ضمنت

إيّاهم الأرض» الضّرورة اقتضت

وربما أثبت هذا البيت فى بعض نسخ الألفية ، وليس منها ، وأشار بقوله : «ونحو ضمنت ـ إلى آخر البيت» إلى أن الإتيان بالضمير منفصلا فى موضع يجب فيه اتّصاله ضرورة ، كقوله :

بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت

إيّاهم الأرض فى دهر الدّهارير (١) [١٥]

وقد تقدم ذكر ذلك.

* * *

وقبل يا النّفس مع الفعل التزم

نون وقاية ، و «ليسى» قد نظم (٢)

إذا اتصل بالفعل ياء المتكلم لحقته لزوما نون تسمى نون الوقاية ، وسميت بذلك لأنها تقى الفعل من الكسر ، وذلك نحو «أكرمنى ، ويكرمنى ، وأكرمنى» وقد جاء حذفها مع «ليس» شذوذا ، كما قال الشاعر :

__________________

(١) مضى شرح هذا البيت قريبا (ص ١٠١) فارجع إليه هناك ، وهو الشاهد رقم ١٥

(٢) «وقبل» الواو حرف عطف ، قبل ظرف زمان متعلق بالتزم الآتى ، وقبل مضاف و «يا» مضاف إليه ، ويا مضاف و «النفس» مضاف إليه «مع» ظرف متعلق بمحذوف حال من يا النفس ، ومع مضاف و «الفعل» مضاف إليه «التزم» فعل ماض مبنى للمجهول مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب ، وسكن لأجل الوقف «نون» نائب فاعل لا لتزم مرفوع بالضمة ، ونون مضاف و «قاية» مضاف إليه «وليسى» الواو عاطفة ، ليسى : قصد لفظه مبتدأ «قد» حرف تحقيق «نظم» فعل ماض مبنى للمجهول مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب. وسكنه لأجل الوقف ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ليسى ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ.


(١٧) ـ

عددت قومى كعديد الطّيس

إذ ذهب القوم الكرام ليسى

__________________

١٧ ـ هذا البيت نسبه جماعة من العلماء ـ ومنهم ابن منظور فى لسان العرب (ط ى س) ـ لرؤبة بن العجاج ، وليس موجودا فى ديوان رجزه ، ولكنه موجود فى زيادات الديوان.

اللغة : «كعديد» العديد كالعدد ، يقال : هم عديد الثرى ، أى عددهم مثل عدده ، و «الطيس» ـ بفتح الطاء المهملة ، وسكون الياء المثناة من تحت ، وفى آخره سين مهملة ـ الرمل الكثير ، وقال ابن منظور : «واختلفوا فى تفسير الطيس ، فقال بعضهم : كل من على ظهر الأرض من الأنام فهو من الطيس ، وقال بعضهم : بل هو كل خلق كثير النسل نحو النمل والذباب والهوام ، وقيل : يعنى الكثير من الرمل» اه «ليسى» أراد غيرى ، استثنى نفسه من القوم الكرام الذين ذهبوا ، هذا ويروى صدر الشاهد :

* عهدى بقومى كعديد الطّيس*

وهى الرواية الصحيحة المعنى.

المعنى : يفخر بقومه ، ويتحسر على ذهابهم ، فيقول : عهدى بقومى الكرام الكثيرين كثرة تشبه كثرة الرمل حاصل ، وقد ذهبوا إلا إياى ، فإننى بقيت بعدهم خلفا عنهم.

الإعراب : «عددت» فعل وفاعل «قومى» قوم : مفعول به ، وقوم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «كعديد» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف ، والتقدير : عددتهم عدا مثل عديد ، وعديد مضاف و «الطيس» مضاف إليه «إذ» ظرف دال على الزمان الماضى ، متعلق بعددت «ذهب» فعل ماض «القوم» فاعله «الكرام» صفة له ، والجملة فى محل جر بإضافة الظرف إليها «ليسى» ليس : فعل ماض ناقص دال على الاستثناء ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو يعود على البعض المفهوم من القوم ، والياء خبره مبنى على السكون فى محل نصب.

الشاهد فيه : فى هذا البيت شاهدان ، وكلاهما فى لفظ «ليسى» أما الأول فإنه أتى يخبره ضميرا متصلاء ولا يجوز عند جمهرة النحاة أن يكون إلا منفصلا ، فكان يجب عليه ـ على مذهبهم هذا ـ أن يقول : ذهب القوم الكرام ليس إياى. والثانى ـ وهو


واختلف فى أفعل التعجب : هل تلزمه نوز الوقاية أم لا؟ فتقول : ما أفقرنى إلى عفو الله ، وما أفقرى إلى عفو الله ، عند من لا يلتزمها فيه ، والصحيح أنها تلزم (١).

* * *

«ليتنى» فشا ، و «ليتى» ندرا

ومع «لعلّ» اعكس ، وكن مخبّرا (٢)

فى الباقيات ، واضطرارا خفّفا

منّى وعنّى بعض من قد سلفا (٣)

__________________

الذى جاء الشارح بالبيت من أجله هنا ـ حيث حذف نون الوقاية من ليس مع اتصالها بياء المتكلم ، وذلك شاذ عند الجمهور الذين ذهبوا إلى أن «ليس» فعل ، وانظر ما ذكرناه فى ص ١٠٤.

(١) الخلاف بين البصريين والكوفيين فى اقتران نون الوقاية بأفعل فى التعجب مبنى على اختلافهم فى أنه هو اسم أو فعل ، فقال الكوفيون : هو اسم ، وعلى هذا لا تتصل به نون الوقاية ؛ لأنها إنما تدخل على الأفعال لتقيها الكسر الذى ليس منها فى شىء ، وقال البصريون : هو فعل ، وعلى هذا يجب اتصاله بنون الوقاية لتقيه الكسر.

(٢) «وليتنى» الواو عاطفة ، ليتنى قصد لفظه : مبتدأ «فشا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ليتنى ، والجملة من فشا وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «وليتى» قصد لفظه أيضا : مبتدأ «ندرا» فعل ماض ، والألف للاطلاق ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ليتى ، والجملة من ندر وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «ومع» الواو عاطفة ، مع : ظرف متعلق باعكس الآتى ، ومع مضاف و «لعل» قصد لفظه : مضاف إليه «اعكس» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ومفعوله محذوف ، والتقدير : واعكس الحكم مع لعل «وكن» الواو عاطفة ، كن : فعل أمر ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مخيرا» خبره.

(٣) «فى الباقيات» جار ومجرور متعلق بمخير فى البيت السابق «واضطرارا» الواو عاطفة ، اضطرارا : مفعول لأجله «خففا» فعل ماض ، والألف للاطلاق «منى» قصد لفظه : مفعول به لخفف «وعنى» قصد لفظه أيضا : معطوف على منى


ذكر فى هذين البيتين حكم نون الوقاية مع الحروف ؛ فذكر «ليت» وأن نون الوقايه لا تحذف منها ، إلا ندورا ، كقوله :

(١٨) ـ

كمنية جابر إذ قال : ليتى

أصادفه وأتلف جلّ مالى

__________________

«بعض» فاعل خفف ، وبعض مضاف ، و «من» اسم موصول : مضاف إليه ، مبنى على السكون فى محل جر «قد» حرف تحقيق «سلفا ، فعل ماض ، والألف للاطلاق ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على من الموصولة ، والجملة من سلف وفاعله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول الذى هو من.

١٨ ـ هذا البيت لزيد الخير الطائى ، وهو الذى سماه النبى صلّى الله عليه وسلّم بهذا الاسم ، وكان اسمه فى الجاهلية قبل هذه التسمية زيد الخيل ؛ لأنه كان فارسا.

اللغة : «المنية» بضم فسكون ـ اسم للشىء الذى تتمناه ، وهى أيضا اسم للتمنى ، والمنية المشبهة بمنية جابر تقدم ذكرها فى بيت قبل بيت الشاهد ، وذلك فى قوله :

تمنّى مزيد زيدا فلاقى

أخاثقة إذا اختلف العوالى

كمنية جابر ، إذ قال : ليتى

أصادفه وأفقد جلّ مالى

تلاقينا ، فما كنّا سواء

ولكن خرّ عن حال لحال

ولو لا قوله : يا زيد قدنى ؛

لقد قامت نويرة بالمآلى

شككت ثيابه لمّا التقينا

بمطّرد المهزّة كالخلال

«مزيد» بفتح الميم وسكون الزاى : رجل من بنى أسد ، وكان يتمنى لقاء زيد ويزعم أنه إلى لقيه نال منه ، فلما تلاقيا طعنه زيد طعنة فولى هاربا «أخاثقة» أى صاحب وثوق فى نفسه واصطبار على منازلة الأقران فى الحرب «العوالى» جمع عالية ، وهى ما يلى موضع السنان من الرمح ، واختلافها : ذهابها فى جهة العدو ومجيئها عند الطعن «جابر» رجل من غطفان ، كان يتمنى لقاء زيد ، فلما تلاقيا قهره زيد وغلبه «وأتلف» يروى «وأفقد».

الإعراب : «كمنية» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف ، والتقدير : تمنى مزيد تمنيا مشابها لمنية جابر ، ومنية مضاف و «جابر» مضاف إليه «إذ» ظرف للماضى من الزمان «قال» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا


والكثير فى لسان العرب ثبوتها ، وبه ورد القرآن ، قال الله تعالى : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ).

وأما «لعلّ» فذكر أنها بعكس ليت ؛ فالفصيح تجريدها من النون كقوله تعالى ـ حكاية عن فرعون ـ (لعلّى أبلع الأسباب) ويقلّ ثبوت النون ، كقول الشاعر :

__________________

تقديره هو يعود إلى جابر ، والجملة فى محل جر بإضافه إذ إليها «ليتى» ليت : حرف تمن ونصب ، والياء اسمه ، مبنى على السكون فى محل نصب «أصادف» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والهاء مفعول به ، والجملة فى محل رفع خبر ليت «وأفقد» الواو حالية ، وأفقد : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة فى محل رفع خبر لمبتدأ محذوف ، وتقديره : وأنا أفقد ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب حال «جل» مفعول به لأفقد ، وجل مضاف ومال من «مالى» مضاف إليه ومال مضاف وياء المتكلم مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «ليتى» حيث حذف نون الوقاية من ليت الناصبة لياء المتكلم ، وظاهر كلام المصنف والشارح أن هذا الحذف ليس بشاذ ، وإنما هو نادر قليل ، وهذا الكلام على هذا الوجه هو مذهب الفراء من النحاة ؛ فإنه لا يلزم عنده أن تجىء بنون الوقاية مع ليت ، بل يجوز لك فى السعة أن تتركها ، وإن كان الإتيان بها أولى ، وعبارة سيبويه تفيد أن ترك النون ضرورة حيث قال : «وقد قالت الشعراء «ليتى» إذا اضطروا كانهم شبهوه بالاسم حيث قالوا : الضاربى» اه ، وانظر شرح الشاهد (٢١) الآنى.

ومثل هذا الشاهد ـ فى حذف نون الوقاية مع ليت ـ قول ورقة بن نوفل الأسدى :

فيا ليتى إذا ما كان ذاكم

ولجت وكنت أوّلهم ولوجا

وقد جمع بين ذكر النون وتركها حارثة بن عبيد البكرى أحد المعمرين فى قوله :

ألا يا ليتنى أنضيت عمرى

وهل يجدى علىّ اليوم ليتى؟


(١٩) ـ

فقلت : أعيرانى القدوم ؛ لعلّنى

أخطّ بها قبرا لأبيض ماجد

__________________

١٩ ـ هذا البيت من الشواهد التى لا يعرف قائلها.

اللغة : «أعيرانى» ويروى «أعيرونى» وكلاهما أمر من العارية ، وهى أن تعطى غيرك ما بنتفع به مع بقاء عينه ثم يرده إليك «القدوم» ـ بفتح القاف وضم الدال المخففة ـ الآلة التى ينجر بها الخشب «أخط بها» أى أنحت بها ، وأصل الخط من قولهم : خط بأصبعه فى الرمل «قبرا» المراد به الجفن ، أى القراب ، وهو الجراب الذى يغمد فيه السيف «لأبيض ماجد» لسيف صقيل.

الإعراب : «فقلت» فعل وفاعل «أعيرانى» أعيرا : فعل أمر مبنى على حذف النون ، والألف ضمير الاثنين فاعل ، والنون للوقاية ، والياء مفعول أول لأعيرا «القدوم» مفعول ثان لأعيرا «لعلنى» لعل : حرف تعليل ونصب ، والنون للوقاية ، والياء اسمها «أخط» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، وجملة المضارع وفاعله فى محل رفع خبر لعل «بها» جار ومجرور متعلق بأخط «قبرا» مفعول به لأخط «لأبيض» اللام حرف جر ، وأبيض مجرور بها ، وعلامة جر ، الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه اسم لا ينصرف ، والمانع له من الصرف الوصفية ووزن الفعل ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لقبر «ماجد» صفة لأبيض ، مجرور بالكسرة الظاهرة.

الشاهد فيه : قوله «لعلنى» حيث جاء بنون الوقاية مع لعل ، وهو قليل.

ونظيره قول حاتم الطائى يخاطب امرأته ، وكانت قد لامته على البذل والجود :

أرينى جوادا مات هزلا لعلّنى

أرى ما ترين ، أو بخيلا مخلّدا

والكثير فى الاستعمال حذف النون مع «لعل» وهو الذى استعمله القرآن الكريم ، مثل قوله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) وقوله سبحانه : (لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً) ومنه قول الفرزدق :

وإنّى لراج نظرة قبل الّتى

لعلّى ـ وإن شطّت نواها ـ أزورها

وقول الآخر :

ولى نفس تنازعنى إذا ما

أقول لها : لعلّى أو عسانى


ثم ذكر أنك بالخيار فى الباقيات ، أى : فى باقى أخوات ليت ولعلّ ـ وهى : إنّ ، وأنّ ، وكأنّ ، ولكنّ ـ فتقول : إنّى وإنّنى ، وأنّى وأنّنى ، وكأنّى وكأنّنى ، ولكنّى ولكنّنى.

ثم ذكر أن «من ، وعن» تلزمهما نون الوقاية ؛ فتقول : منّى وعنّى ـ بالتشديد ـ ومنهم من يحذف النون ؛ فيقول : منى وعنى ـ بالتخفيف ـ وهو شاذ ، قال الشاعر :

(٢٠) ـ

أيّها السّائل عنهم وعنى

لست من قيس ولا قيس منى

* * *

__________________

٢٠ ـ وهذا البيت أيضا من الشواهد المجهول قائلها ، بل قال ابن الناظم : إنه من وضع النحويين ، وقال ابن هشام عنه «وفى النفس من هذا البيت شىء» ووجه تشكك هذين العالمين المحققين فى هذا البيت أنه قد اجتمع الحرفان «من» و «عن» وأتى بهما على لغة غير مشهورة من لغات العرب ، وهذا يدل على قصد ذلك وتكلفه.

اللغة : «قيس» هو قيس عيلان أبو قبيلة من مضر ، واسمه الناس ـ بهمزة وصل ونون ـ ابن مضر بن نزار ، وهو أخو إلياس ـ بياء مثناة تحتية ـ وقيس هنا غير منصرف للعلمية والتأنيث المعنوى ؛ لأنه بمعنى القبيلة ، وبعضهم يقول : قيس ابن عيلان.

الإعراب : «أيها» أى : منادى حذف منه ياء النداء ، مبنى على الضم فى محل نصب ، وها للتنبيه «السائل» صفة لأى «عنهم» جار ومجرور متعلق بالسائل «وعنى» معطوف على عنهم «لست» ليس : فعل ماض ناقص ، والتاء اسمها «من قيس» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليس «ولا» الواو عاطفة ، ولا نافية «قيس» مبتدأ «منى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، وهذه الجملة معطوفة على جملة ليس واسمها وخبرها.

الشاهد فيه : قوله «عنى» و «منى» حيث حذف نون الوقاية منهما شذوذا للضرورة.


وفى لدنّى لدنى قلّ ، وفى

قدنى وقطنى الحذف أيضا قد يفى (١)

أشار بهذا إلى أن الفصيح فى «لدنّى» إثبات النون ، كقوله تعالى : (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) ويقلّ حذفها ، كقراءة من قرأ (مِنْ لَدُنِّي) بالتخفيف والكثير فى «قد ، وقط» ثبوت النون ، نحو : قدنى وقطنى ، ويقل الحذف نحو : قدى وقطى ، أى حسبى ، وقد اجتمع الحذف والإثبات فى قوله :

(٢١) ـ

قدنى من نصر الخبيبين قدى

[ليس الإمام بالشّحيح الملحد]

* * *

__________________

(١) «فى لدنى» جار ومجرور متعلق بقل «لدنى» قصد لفظه : مبتدأ «قل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على لدنى المخففة ، والجملة من قل وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «وفى قدنى» جار ومجرور متعلق بيفى الآتى «وقطنى» معطوف على قدنى «الحذف» مبتدأ «أيضا» مفعول مطلق لفعل محذوف «قد» حرف تقليل «يفى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الحذف ، والجملة من يفى وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ الدى هو «الحذف» والجملة معطوفة على جملة المبتدأ والخبر السابقة.

٢١ ـ هذا البيت لأبى نخيلة حميد بن مالك الأرقط ، أحد شعراء عصر بنى أمية ، من أرجوزة له يمدح بها الحجاج بن يوسف الثقفى ، ويعرض بعبد الله بن الزبير.

اللغة : أراد بالخبيبين عبد الله بن الزبير ـ وكنيته أبو خبيب ـ ومصعبا أخاه ، وغلبه لشهرته ، ويروى «الخبيبين» ـ بصيغة الجمع ـ يريد أبا خبيب وشيعته ، ومعنى «قدنى» حسبى وكفانى «ليس الإمام إلخ» أراد بهذه الجملة التعريض بعبد الله بن الزبير ؛ لأنه كان قد نصب نفسه خليفة بعد موت معاوية بن يزيد ، وكان ـ مع ذلك ـ مبخلا لا تبض يده بعطاء.

الإعراب : «قدنى» قد : اسم بمعنى حسب مبتدأ ، مبنى على السكون فى محل رفع ، والنون للوقاية ، وقد مضاف والياء التى للمتكلم مضاف إليه مبنى على السكون فى


..................................................................................

__________________

محل جر «من نصر» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، ونصر مضاف و «الخبيبين» مضاف إليه «قدى» يجوز أن يكون قد هنا اسم فعل ، وقد جعله ابن هشام اسم فعل مضارع بمعنى يكفينى ، وجعله غيره اسم فعل ماض بمعنى كفانى ، وجعله آخرون اسم فعل أمر بمعنى ليكفنى ، وهذا رأى ضعيف جدا ، وياء المتكلم على هذه الآراء مفعول به ، ويجوز أن يكون قد اسما بمعنى حسب مبتدأ ، وياء المتكلم مضاف إليه ، والخبر محذوف ، وجملة المبتدأ وخبره مؤكدة لجملة المبتدأ وخبره السابقة «ليس» فعل ماض ناقص «الإمام» اسمها «بالشحيح» الباء حرف جر زائد ، الشحيح : خبر ليس منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد «الملحد» صفة للشحيح.

الشاهد فيه : قوله «قدنى» و «قدى» حيث أثبت النون فى الأولى وحذفها من الثانية وقد اضطربت عبارات النحويين فى ذلك ؛ فقال قوم : إن الحذف غير شاذ ، ولكنه قليل ، وتبعهم المصنف والشارح ، وقال سيبويه : «وقد يقولون فى الشعر قطى وقدى فأما الكلام فلا بد فيه من النون ، وقد اضطر الشاعر فقال قدى شبهه بحسبى لأن المعنى واحد» اه. وقال الأعلم : «وإثباتها (النون) فى قد وقط هو المستعمل ؛ لأنهما فى البناء ومضارعة الحروف بمنزلة من وعن ، فتلزمهما النون المكسورة قبل الياء ؛ لئلا يغير آخرهما عن السكون» اه وقال الجوهرى : «وأما قولهم قدك بمعنى حسب فهو اسم ، وتقول : قدى ، وقدنى أيضا بالنون على غير قياس ؛ لأن هذه النون إنما تزاد فى الأفعال وقاية لها ، مثل ضربنى وشتمنى» وقال ابن برى يرد على الجوهرى «وهم الجوهرى فى قوله إن النون فى قدنى زيدت على غير قياس» وجعل النون مخصوصا بالفعل لا غير ، وليس كذلك ، وإنما تزاد وقاية لحركة أو سكون فى فعل أو حرف ، كقولك فى من وعن إذا أضفتهما لنفسك : منى وعنى ؛ فزدت نون الوقاية لتبقى نون من وعن على سكونها ، وكذلك فى قد وقط ، وتقول : قدنى وقطنى ؛ فتزيد نون الوقاية لتبقى الدال والطاء على سكونها ، وكذلك زادوها فى ليت ، فقالوا : ليتنى ، لتبقى حركة التاء على حالها ، وكذلك قالوا فى ضرب : ضربنى ، لتبقى الباء على فتحها ، وكذلك قالوا فى اضرب : اضربنى ، أدخلوا نون الوقاية لتبقى الباء على سكونها» اه.


..................................................................................

__________________

ولابن هشام ههنا كلام كثير وتفريعات طويلة لم يسبقه إليها أحد من قدامى العلماء وهى فى مغنى اللبيب ، وقد عنينا بذكرها والرد عليها فى حواشينا المستفيضة على شرح الأشمونى فارجع إليها هناك إن شئت (وانظر الأبيات التى أنشدناها فى شرح الشاهد رقم ١٨ ففيها شاهد لهذه المسألة ، وهو رابع تلك الأبيات).

هذا ، ولم يتكلم المصنف ولا الشارح عن الاسم المعرب إذا أضيف لياء المتكلم.

واعلم أن الأصل فى الاسم المعرب ألا تتصل به نون الوقاية ، نحو ضاربى ومكرمى وقد ألحقت نون الوقاية باسم الفاعل المضاف إلى ياء المتكلم فى قوله صلّى الله عليه وسلّم : «فهل أنتم صادقونى» وفى قول الشاعر :

وليس الموافعينى ليرفد خائبا

فإنّ له أضعاف ما كان أمّلا

وفى قول الآخر :

ألا فتى من بنى ذبيان يحملنى

وليس حاملنى إلّا ابن حمّال

وفى قول الآخر :

وليس بمعيينى وفى النّاس ممتع

صديق إذا أعيا علىّ صديق

كما لحقت أفعل التفضيل فى قوله صلّى الله عليه وسلّم «غير الدحال أخوفنى عليكم» لمشابهة أفعل التفضيل لفعل التعجيب.


العلم (١)

اسم يعيّن المسمّى مطلقا

علمه : كجعفر ، وخرنقا (٢)

وقرن ، وعدن ، ولاحق ،

وشذقم ، وهيلة ، وواشق (٣)

العلم هو : الاسم الذى يعين مسماه مطلقا ، أى بلا قيد التكلم أو الخطاب أو الغيبة ؛ فالاسم : جنس يشمل النكرة والمعرفة ، و «يعين مسماه» : فصل أخرج النكرة ، و «بلا قيد» أخرج بقية المعارف ، كالمضمر ؛ فإنه يعين مسماه بقيد التكلم كـ «أنا» أو الخطاب كـ «أنت» أو الغيبة كـ «هو» ، ثم مثّل الشيخ بأعلام الأناسىّ وغيرهم ، تنبيها على أن مسمّيات الأعلام العقلاء وغيرهم من المألوفات ؛ فجعفر : اسم رجل ، وخرنق : اسم امرأة من شعراء العرب (٤) ،

__________________

(١) هو فى اللغة مشترك لفظى بين معان ، منها الجبل ، قال الله تعالى : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) أى كالجبال ، وقالت الخنساء ترثى أخاها صخرا :

وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به

كأنه علم فى رأسه نار

ومنها الراية التى تجعل شعارا للدولة أو الجند ، ومنها العلامة ، ولعل المعنى الاصطلاحى مأخوذ من هذا الأخير ، وأصل الترجمة «هذا باب العلم» فحذف المبتدأ ، ثم الخبر ، وأقام المضاف إليه مقامه ، وليس يخفى عليك إعرابه.

(٢) «اسم» مبتدأ «يعين» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم «المسمى» مفعول به ليعين ، والجملة من يعين وفاعله ومفعوله فى محل رفع صفة لاسم «مطلقا» حال من الضمير المستتر فى يعين «علمه» علم : خبر المبتدأ ، وعلم مضاف والضمير مضاف إليه ، ويجوز العكس ؛ فيكون «اسم يعين المسمى» خبرا مقدما ، و «علمه» مبتدأ مؤخرا «كجعفر» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، وتقدير الكلام : وذلك كائن كقولك جعفر ـ إلخ.

(٣) «وخرنقا ، وقرن ، وعدن ، ولاحق ، وشذقم ، وهيلة ، وواشق» كلهن معطوفات على جعفر.

(٤) لعل الأولى ـ بل الأصوب ـ أن يقول «من شواعر العرب».


وهى أخت طرفة بن العبد لأمّه ، وقرن : اسم قبيلة ، وعدن : اسم مكان ، ولاحق : اسم فرس ، وشذقم : اسم جمل ، وهيلة : اسم شاة ، وواشق : اسم كلب.

* * *

واسما أتى ، وكنية ، ولقبا

وأخّرن ذا إن سواه صحبا (١)

ينقسم العلم إلى ثلاثة أقسام : إلى اسم ، وكنية ، ولقب ، والمراد بالاسم هنا ما ليس بكنية ولا لقب ، كزيد وعمرو ، وبالكنية : ما كان فى أوله أب أو أمّ ، كأبى عبد الله وأمّ الخير ، وباللقب : ما أشعر بمدح كزين العابدين ، أو ذمّ كأنف النّاقة.

وأشار بقوله «وأخّرن ذا ـ إلخ» إلى أن اللقب إذا صحب الاسم وجب تأخيره ، كزيد أنف الناقة ، ولا يجوز تقديمه على الاسم ؛ فلا تقول : أنف الناقة زيد ، إلا قليلا ؛ ومنه قوله :

__________________

(١) «واسما» حال من الضمير المستتر فى أنى «أتى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى العلم «وكنية ، ولقبا» معطوفان على قوله اسما «وأخرن» الواو حرف عطف ، أخر : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ذا» مفعول به لأخر ، وهو اسم إشارة مبنى على السكون فى محل نصب «إن» حرف شرط «سواه» سوى : مفعول به مقدم لصحب ، وسوى مضاف ، وضمير الغائب العائد إلى اللقب مضاف إليه «صحبا» صحب : فعل ماض فعل الشرط ، مبنى على الفتح فى محل جزم ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اللقب ، وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : إن صحب اللقب سواه فأخره.


(٢٢) ـ

بأنّ ذا الكلب عمرا خيرهم حسبا

ببطن شريان يعوى حوله الذّيب

__________________

٢٢ ـ البيت لجنوب أخت عمرو ذى الكلب بن العجلان أحد بنى كاهل ، وهو من قصيدة لها ترثيه بها ، وأولها :

كلّ امرىء بمحال الدّهر مكذوب

وكلّ من غالب الأيّام مغلوب

اللغة : «محال الدهر» بكسر الميم ، بزنه كتاب ـ كيده أو مكره ، وقيل : قوته وشدته «شريان» ـ بكسر أوله وسكون ثانيه ـ موضع بعينه ، أو واد ، أو هو شجر تعمل منه القسى «يعوى حوله الذيب» كناية عن موته ، والباء من قولها «بأن» متعلقة بأبلغ فى بيت قبل بيت الشاهد ، وهو قوله :

أبلع هذيلا وأبلغ من يبلّغهم

عنّى حديثا ، وبعض القول تكذيب

الاعراب : «بأن» الباء حرف جر ، وأن : حرف توكيد ونصب «ذا» ـ بمعنى صاحب .. اسم أن ، منصوب بالألف نيابة عن الفتحة لأنه من الأسماء الستة ، وذا مضاف و «الكلب» مضاف إليه «عمرا» بدل من ذا «خيرهم» خير : صفة لعمرا ، وخير مضاف والضمير مضاف إليه «حسبا» تمييز «ببطن» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أن ، وبطن مضاف و «شريان» مضاف إليه «يعوى» فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل «حوله» حول : ظرف متعلق بيعوى ، وحول مضاف وضمير الغائب العائد إلى عمرو مضاف إليه «الذيب» فاعل يعوى ، والجملة فى محل نصب حال من عمرو ، ويجوز أن يكون قولها «ببطن» جارا ومجرورا متعلقا بمحذوف حال من عمرو ، وتكون جملة «يعوى إلخ» فى محل رفع خبر أن ، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور بالباء ، والجار والمجرور متعلق بأبلغ فى البيت الذى أنشدناه.

الشاهد فيه : قولها «ذا الكلب عمرا» حيث قدمت اللقب ـ وهو قولها «ذا الكلب» ـ على الاسم ـ وهو قولها «عمرا» ـ والقياس أن يكون الاسم مقدما على اللقب ، ولو جاءت بالكلام على ما يقتضيه القياس لقالت «بأن عمرا ذا الكلب».

وإنما وجب فى القياس تقديم الاسم وتأخير اللقب لأن الاسم يدل على الذات وحدها واللقب يدل عليها وعلى صفة مدح أو ذم كما هو معلوم ، فلو جئت باللقب أولا لما كان


وظاهر كلام المصنف أنه يجب تأخير اللقب إذا صحت سواه ، ويدخل تحت قوله «سواه» الاسم والكنية ، وهو إنما يجب تأخيره مع الاسم ، فأما مع الكنية فأنت بالخيار (١) بين أن تقدّم الكنية على اللقب ؛ فتقول : أبو عبد الله زين

__________________

لذكر الاسم بعده فائدة ، بخلاف ذكر الاسم أولا ؛ فإن الإتيان بعده باللقب يفيد هذه الزيادة.

ومثل هذا البيت فى تقديم اللقب على الاسم قول أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم الأنصارى الخزرجى :

أنا ابن مزيقيا عمرو ، وجدّى

أبوه عامر ماء السماء

والشاهد فى قوله «مزيقيا عمرو» فإن «مزيقيا» لقب ، و «عمرو» اسم صاحب اللقب ، وقد قدم هذا اللقب على الاسم كما ترى ، أما قوله «عامر ماء السماء» فقد جاء على الأصل ،

(١) هذا الذى ذكره الشارح هو ما ذكره كبار النحويين من جواز تقديم الكنية على اللقب أو تأخيرها عنه ، والذى نريد أن ننبه عليه أن الشارح وغيره ـ كصاحب التوضيح ابن هشام الأنصارى ـ ذكروا أن قول ابن مالك* وأخرن ذا إن سواه صحبا* موهم لخلاف المراد ، معتمدين فى ذلك على مذهب جمهرة النحاة ، لكن قال السيوطى فى همعه : إن كان (أى اللقب) مع الكنية فالذى ذكروه جواز تقدمه عليها ، وتقدمها عليه ، ومقتضى تعليل ابن مالك امتناع تقديمه عليها ، وهو المختار ، وهذا يفيد أن الذى يوهمه كلام المصنف مقصود له ، وأن مذهبه وجوب تأخير اللقب على ما عداه ، سواء أكان اسما أم كنية ، وكنت قد كتبت على هامش نسختى تصحيحا لبيت المصنف هذا نصه : «وأخرن هذا إن اسما صحبا» ثم ظهر لى أنه لا يجوز تصحيح العبارة بشىء مما ذكرناه وذكره الشارح أو غيره ، وعبارة ابن هشام فى أوضح المسالك تفيد أن هذه العبارة التى اعترضها الشارح قد وردت على وجه صحيح فى نظر الجمهور ، قال ابن هشام : «وفى نسخة من الخلاصة ما يقتضى أن اللقب يجب تأخيره عن الكنية كأبى عبد الله أنف الناقة ، وليس كذلك» اه. ومعنى ذلك أنه قد وردت فى النسخة المعتمدة عنده على الوجه الصحيح فى نظر الجمهور ، وقد ذكر الشارح هنا نص هذه النسخة.


العابدين ، وبين أن تقدم اللقب على الكنية ؛ فتقول : زين العابدين أبو عبد الله ؛ ويوجد فى بعض النسخ بدل قوله : * وأخّرن ذا إن سواه صحبا» * : * «وذا اجعل آخرا إذا اسما صحبا» * وهو أحسن منه ؛ لسلامته مما ورد على هذا ؛ فإنه نصّ فى أنه إنما يجب تأخير اللقب إذا صحب الاسم ، ومفهومه أنه لا يجب ذلك مع الكنية ، وهو كذلك ، كما تقدم ، ولو قال : «وأخرن ذا إن سواها صحبا» لما ورد عليه شىء ؛ إذ يصير التقدير : وأخّر اللّقب إذا صحب سوى الكنية ، وهو الاسم ، فكأنه قال : وأخر اللقب إذا صحب الاسم.

* * *

وإن يكونا مفردين فأضف

حتما ، وإلّا اتبع الّذى ردف (١)

إذا اجتمع الاسم واللقب : فإما أن يكونا مفردين ، أو مركبين ، أو الاسم مركبا واللقب مفردا ، أو الاسم مفردا واللقب مركبا.

__________________

(١) «إن» حرف شرط «يكونا» فعل مضارع متصرف من كان الناقصة فعل الشرط مجزوم بإن ، وعلامة جزمه حذف النون ، والألف اسمها مبنى على السكون فى محل رفع «مفردين» خبر يكون منصوب بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها لأنه مثنى «فأضف» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، وأضف : فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط «حتما» مفعول مطلق «وإلا» الواو عاطفة ، إلا : هو عبارة عن حرفين أحدهما إن ، والآخر لا ، فأدغمت النون فى اللام ؛ وإن حرف شرط ، ولا : نافية ، وفعل الشرط محذوف يدل عليه الكلام السابق : أى وإن لم يكونا مفردين «أتبع» فعل أمر مبنى على السكون ، وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط ، وحذف الفاء منها للضرورة ؛ لأن جملة جواب الشرط إذا كانت طلبية وجب اقترانها بالفاء فكان عليه أن يقول : وإلا فأتبع «الذى» اسم موصول مفعول به لأتبع ، مبنى على السكون فى محل نصب «ردف» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذى ، وجملة ردف وفاعله المستتر فيه لا محل لها من الإعراب صلة الموصول وهو «الذى».


فإن كانا مفردين وجب عند البصريين الإضافة (١) ، نحو : هذا سعيد كرز ، ورأيت سعيد كرز ، ومررت بسعيد كرز ؛ وأجاز الكوفيون الإتباع ؛ فتقول : هذا سعيد كرز ، ورأيت سعيدا كرزا ، ومررت بسعيد كرز ، ووافقهم المصنف على ذلك فى غير هذا الكتاب.

وإن لم يكونا مفردين ـ بأن كانا مركبين ، نحو عبد الله أنف الناقة ، أو مركّبا ومفردا ، نحو عبد الله كرز ، وسعيد أنف الناقة ـ وجب الإتباع ؛ فتتبع الثانى الأول فى إعرابه ، ويجوز القطع إلى الرفع أو النصب ، نحو مررت بزيد أنف الناقة ، وأنف الناقة ؛ فالرفع على إضمار مبتدأ ، والتقدير : هو أنف الناقة ، والنصب على إضمار فعل ، والتقدير : أعنى أنف الناقة ؛ فيقطع مع المرفوع إلى النصب ، ومع المنصوب إلى الرفع ، ومع المجرور إلى النصب أو الرفع ، نحو هذا زيد أنف الناقة ، ورأيت زيدا أنف الناقة ، ومررت بزيد أنف الناقة ، وأنف الناقة.

* * *

__________________

(١) وجوب الإضافة عندهم مشروط بما إذا لم يمنع منها مانع : كأن يكون الاسم مقترنا بأل ، فإنه لا تجوز فيه الإضافة ؛ فتقول : جاءنى الحارث كرز ، بإتباع الثانى للأول بدلا أو عطف بيان ؛ إذ لو أضفت الأول للثانى للزم على ذلك أن يكون المضاف مقرونا بأل والمضاف إليه خاليا منها ومن الإضافة إلى المقترن بها ، وذلك لا يجوز عند جمهور النحاة.

قال أبو رجاء غفر الله تعالى له ولوالديه : بقى أن يقال : كيف أوجب البصريون هنا إضافة الاسم إلى اللقب إذا كانا مفردين ولا مانع. مع أن مذهبهم أنه لا يجوز أن يضاف اسم إلى ما اتحد به فى المعنى كما سيأتى فى باب الإضافة؟

ويمكن أن يجاب عن هذا بأن امتناع إضافة الاسم إلى ما اتحد به فى المعنى إنما هو فى الإضافة الحقيقية التى يعرف فيها المضاف بالمضاف إليه ، وإضافة الاسم إلى اللقب من قبيل الإضافة اللفظية على ما اختاره الزمخشرى.


ومنه منقول : كفضل وأسد

وذو ارتجال : كسعاد ، وأدد (١)

وجملة ، وما بمزج ركّبا ،

ذا إن بغير «ويه» تمّ أعربا (٢)

وشاع فى الأعلام ذو الإضافه

كعبد شمس وأبى قحافه (٣)

__________________

(١) «ومنه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «منقول» مبتدأ مؤخر «كفضل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كفضل «وأسد» معطوف على فضل «وذو» الواو عاطفة ، وذو : معطوف على قوله منقول وذو مضاف و «ارتجال» مضاف إليه «كسعاد» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف : أى وذلك كائن كسعاد «وأدد» معطوف على سعاد.

(٢) «وجملة» مبتدأ خبره محذوف ، وتقديره : ومنه جملة ، وجملة المبتدأ والخبر معطوفة بالواو على جملة «ومنه منقول» ، «وما» الواو عاطفة ، وما اسم موصول معطوف على جملة ، مبنى على السكون فى محل رفع «بمزج» جار ومجرور متعلق بقوله ركب الآتى «ركبا» ركب : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والألف للاطلاق ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «ذا» اسم إشارة مبتدأ ، مبنى على السكون فى محل رفع «إن» حرف شرط «بغير» جار ومجرور متعلق بقوله تم الآتى ، وغير مضاف و «ويه» قصد لفظه : مضاف إليه «تم» فعل ماض مبنى على الفتح فى محل جزم فعل الشرط «أعرب» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ذا ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه خبر المبتدأ ، وتقدير الكلام : هذا أعرب ، إن تم بغير لفظ ويه أعرب.

(٣) «وشاع» فعل ماض «فى الأعلام» جار ومجرور متعلق بقوله شاع «ذو» فاعل شاع ، وذو مضاف ، و «الإضافة» مضاف إليه «كعبد» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كعبد ، وعبد مضاف و «شمس» مضاف إليه «وأبى» الواو عاطفة ، وأبى : معطوف على عبد ، مجرور بالياء نيابة عن الكسرة لأنه من الأسماء الخمسة ، وأبى مضاف «وقحافه» مضاف إليه.


ينقسم العلم إلى : مرتجل ، وإلى منقول ؛ فالمرتجل هو : ما لم يسبق له استعمال قبل العلمية فى غيرها ، كسعاد ، وأدد ، والمنقول : ما سبق له استعمال فى غير العلمية ، والنقل إما من صفة كحارث ، أو من مصدر كفضل ، أو من اسم جنس كأسد ، وهذه تكون معربة ، أو من جملة : كقام زيد ، وزيد قائم (١) ، وحكمها أنها تحكى ؛ فتقول : جاءنى زيد قائم ، ورأيت زيد قائم ، ومررت بزيد قائم ، وهذه من الأعلام المركبة.

ومنها أيضا : ما ركب تركيب مزج ، كبعلبكّ ، ومعدى كرب ، وسيبويه. وذكر المصنف أن المركب تركيب مزج : إن ختم بغير «ويه» أعرب ، ومفهومه أنه إن ختم بـ «ويه» لا يعرب ، بل يبنى ، وهو كما ذكره ؛ فتقول : جاءنى بعلبكّ ، ورأيت بعلبكّ ، ومررت ببعلبكّ ؛ فتعربه إعراب ما لا ينصرف ، ويجوز فيه أيضا البناء على الفتح ؛ فتقول : جاءنى بعلبكّ ، ورأيت بعلبكّ ، ومررت ببعلبكّ ، ويجوز [أيضا] أن يعرب أيضا إعراب المتضايفين ؛ فتقول : جاءنى حضر موت ، ورأيت حضر موت ، ومررت بحضر موت.

وتقول [فيما ختم بويه] : جاءنى سيبويه ، ورأيت سيبويه ، ومررت بسيبويه ؛ فثبنيه على الكسر ، وأجاز بعضهم إعرابه إعراب ما لا ينصرف ، نحو جاءنى سيبويه ، ورأيت سيبويه ، ومررت بسيبويه.

__________________

(١) الذى سمع عن العرب هو النقل من الجمل الفعلية ، فقد سموا «تأبط شرا» وسموا «شاب قرناها» ومنه قول الشاعر وهو من شواهد سيبويه :

كذبتم وبيت الله لا تنكحونها

بنى شاب قرناها تصرّ وتحلب

وسموا «ذرى حبا» ويشكر ، ويزيد ، وتغلب ، فأما الجملة الاسمية فلم يسموا بها ، وإنما قاسها النحاة على الجملة الفعلية.


ومنها : ما ركب تركيب إضافة : كعبد شمس ، وأبى قحافة ، وهو معرب ؛ فتقول : جاءنى عبد شمس وأبو قحافة ، ورأيت عبد شمس وأبا قحافة ، ومررت بعبد شمس وأبى قحافة.

ونبّه بالمثالين على أن الجزء الأول ؛ يكون معربا بالحركات ، كـ «عبد» ، وبالحروف ، كـ «أبى» ، وأن الجزء الثانى ؛ يكون منصرفا ، كـ «شمس» ، وغير منصرف ، كـ «قحافة».

* * *

ووضعوا لبعض الأجناس علم

كعلم الأشخاص لفظا ، وهو عمّ (١)

من ذاك : أمّ عريط للعقرب ،

وهكذا ثعالة للثّعلب (٢)

__________________

(١) «ووضعوا» الواو عاطفة ، ووضع : فعل ماض ، والواو ضمير الجماعة فاعل مبنى على السكون فى محل رفع «لبعض» جار ومجرور متعلق بوضعوا ، وبعض مضاف ، و «الأجناس» مضاف إليه «علم» مفعول به لوضعوا ، وأصله منصوب منون فوقف عليه بالسكون على لغة ربيعة «كعلم» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لعلم ، وليس حالا منه لأنه نكرة وصاحب الحال إنما يكون معرفة ، وعلم مضاف ، و «الأشخاص» مضاف إليه «لفظا» تمييز لمعنى الكاف ، أى : مثله من جهة اللفظ «وهو» ضمير منفصل مبتدأ «عم» يجوز أن يكون فعلا ماضيا ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوارا تقديره هو يعود إلى الضمير العائد إلى علم الجنس ، وعلى هذا تكون الجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ ، ويجوز أن يكون عم أفعل تفضيل وأصله أعم فسقطت همزته لكثرة الاستعمال كما سقطت من خبر وشر ، ويكون أفعل التفضيل على غير بابه ، وهو خبر عن الضمير الواقع مبتدأ.

(٢) «من» حرف جر «ذاك» ذا : اسم إشارة مبنى على السكون فى محل جر بمن ، والكاف حرف خطاب ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «أم» مبتدأ مؤخر ، وأم مضاف و «عريط» مضاف إليه «للعقرب» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن فى الخبر ، والتقدير : أم عريط كائن من ذاك حال كونه علما للعقرب «وهكذا» الواو عاطفة ، وها : حرف تنبيه ، والكاف حرف جر ، وذا : اسم


ومثله برّة للمبرّه ،

كذا فجار علم للفجره (١)

العلم على قسمين : علم شخص ، وعلم جنس.

فعلم الشخص له حكمان : معنوىّ ، وهو : أن يراد به واحد بعينه : كزيد ، وأحمد ، ولفظىّ ، وهو صحة مجىء الحال متأخرة عنه ، نحو «جاءنى زيد ضاحكا» ومنعه من الصّرف مع سبب آخر غير العلمية ، نحو «هذا أحمد» ومنع دخول الألف واللام عليه ؛ فلا تقول «جاء العمرو» (٢).

__________________

إشارة مبنى على السكون فى محل جر بالكاف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «ثعالة» مبتدأ مؤخر «للثعلب» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ضمير الخبر كما تقدم فيما قبله.

(١) «ومثله» الواو عاطفة ، مثل : خبر مقدم ، ومثل مضاف والهاء ضمير غائب عائد على المذكور قبله من الأمثلة مضاف إليه ، مبنى على الضم فى محل جر «برة» مبتدأ مؤخر «للمبرة» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن فى الخبر ؛ لأنه فى تقدير مشتق «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «فجار» مبتدأ مؤخر ، مبنى على الكسر فى محل رفع «علم» مبتدأ خبره محذوف «للفجرة» جار ومجرور متعلق بذلك الخبر المحذوف ، والتقدير : فجار كذا علم موضوع للفجرة ، ويجوز أن يكون قوله «للفجرة» جارا ومجرورا فى محل الوصف لعلم ، ويجوز غير هذين الإعرابين لعلم أيضا ، فتأمل.

(٢) اعلم أن العلم بحسب الأصل لا تدخله الألف واللام ، ولا يضاف ، وذلك لأنه معرفة بالعلمية ، وأل والإضافة وسيلتان للتعريف ، ولا يجوز أن يجتمع على الاسم الواحد معرفان ، إلا أنه قد يحصل الاشتراك الاتفاقى فى الاسم العلم ؛ فيكون لك صديقان اسم كل واحد منهما زيد أو عمرو ، مثلا. وفى هذه الحالة يشبه العلم اسم الجنس ؛ فتصل به أل ، وتضيفه ، كما تفعل ذلك برجل وغلام ، وقد جاء ذلك عنهم ؛ فمن دخول «أل» على علم الشخص قول أبى النجم العجلى :

باعد أمّ العمرو من أسيرها

حرّاس أبواب على قصورها


وعلم الجنس كعلم الشخص فى حكمه [اللّفظىّ] ؛ فتقول : «هذا أسامه مقبلا» فتمنعه من الصرف ، وتأتى بالحال بعده ، ولا تدخل عليه الألف واللام ؛ فلا تقول : «هذا الأسامة» (١).

__________________

وقول الأخطل التغلبى :

وقد كان منهم حاجب وابن أمّه

أبو جندل والزّيد زيد المعارك

وفى هذا البيت اقتران العلم بأل ، وإضافته.

ومن مجىء العلم مضافا قولهم : ربيعة الفرس ، وأنمار الشاة ، ومضر الحمراء ؛ وقال رجل من طيىء :

علا زيدنا يوم النّقا رأس زيدكم

بأبيض ماضى الشّفرتين يمان

وقال ربيعة الرقى :

لشتّان ما بين اليزيدين فى النّدى

يزيد سليم والأغرّ ابن حاتم

وقال الراجز يخاطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب

يا عمر الخير جزيت الجنّه

اكس بنيّاتى وأمّهنّه

* أقسمت بالله لتفعلنّه*

والشواهد على ذلك كثيرة ، وانظر ص ٨٧ السابقة.

(١) ذكر الشارح من أحكام العلم اللفظية ثلاثة أحكام يشترك فيها النوعان ، وترك ثلاثة أخرى :

(الأول) أنه يبتدأ به بلا احتياج إلى مسوغ ، تقول : أسامة مقبل : وثعالة هارب ، كما تقول : على حاضر ، وخالد مسافر.

(الثانى) أنه لا يضاف بحسب أصل وضعه ؛ فلا يجوز أن تقول : أسامتنا ؛ كما يمتنع أن تقول : محمدنا ، فإن حصل فيه الاشتراك الاتفاقى صحت إضافته على ما علمت فى علم الشخص.

(الثالث) أنه لا ينعت بالنكرة ؛ لأنه معرفة ، ومن شرط النعت أن يكون مثل المنعوت فى تعريفه أو تنكيره كما هو معلوم.


وحكم علم الجنس فى المعنى كحكم النكرة : من جهة أنه لا يخصّ واحدا بعينه ، فكلّ أسد يصدق عليه أسامة ، وكل عقرب يصدق عليها أمّ عريط ، وكل ثعلب يصدق عليه ثعالة.

وعلم الجنس : يكون للشخص ، كما تقدم ، ويكون للمعنى كما مثّل بقوله : «برّة للمبرّة ، وفجار للفجرة».

* * *


اسم الإشارة

بذا لمفرد مذكّر أشر

بذى وذه تى تا على الأنثى اقتصر (١)

يشار إلى المفرد المذكّر بـ «ذا» ومذهب البصريين أن الألف من نفس الكلمة ، وذهب الكوفيون إلى أنها زائدة (٢).

__________________

(١) «بذا» جار ومجرور متعلق بقوله «أشر» الآتى «لمفرد» جار ومجرور متعلق بأشر كذلك «مذكر» نعت لمفرد «أشر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بذى» جار ومجرور متعلق بقوله اقتصر الآتى «وذه» الواو عاطفة ، وذه : معطوف على ذى «تى تا» معطوفان على ذى بإسقاط حرف العطف «على الأنثى» جار ومجرور متعلق بقوله اقتصر الآتى أيضا «اقتصر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وجملة «اقتصر» معطوفة على جملة «أشر» بإسقاط العاطف.

(٢) ههنا ثلاثة أمور ؛ أولها : أن الشارح لم يذكر ـ تبعا للمصنف ـ فى هذا الكتاب من ألفاظ الإشارة إلى المفرد المذكر سوى «ذا» وقد ذكر العلماء أربعة ألفاظ أخرى : الأول «ذاء» بهمزة مكسورة بعد الألف ، والثانى «ذائه» بهاء مكسورة بعد الهمزة المكسورة ، والثالث «ذاؤه» بهمزة مضمومة وبعدها هاء مضمومة ، الرابع «آلك» بهمزة ممدودة بعدها لام ثم كاف ، وممن ذكر ذلك الناظم فى كتابه التسهيل.

الأمر الثانى : أن «ذا» إشارة للمفرد ، وهذا المفرد إما أن يكون مفردا حقيقة أو حكما ؛ فالمفرد الحقيقى نحو : هذا زيد ، وهذا خالد ، وهذا الكتاب ، والمفرد حكما نحو : هذا الرهط ، وهذا الفريق ، ومنه قول الله تعالى : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) أى بين المذكور من الفارض والبكر ، وربما استعمل «ذا» فى الإشارة إلى الجمع ، كما فى قول لبيد بن ربيعة العامرى :

ولقد سئمت من الحياة وطولها

وسؤال هذا النّاس : كيف لبيد؟

الأمر الثالث : أن الأصل فى «ذا» أن يشار به إلى المذكر حقيقة ، كما فى الأمثلة التى ذكرناها ، وقد يشار به إلى المؤنث إذا نزل منزلة المذكر ، كما فى قول الله تعالى :


ويشار إلى المؤنثة بـ «ذى» ، و «ذه» بسكون الهاء ، و «تى» ، و «تا» ، و «ذه» بكسر الهاء : باختلاس ، وبإشباع ، و «ته» بسكون الهاء ، وبكسرها ، باختلاس ، وإشباع ، و «ذات».

* * *

وذان تان للمثنّى المرتفع

وفى سواه ذين تين اذكر تطع (١)

يشار إلى المثنى المذكر فى حالة الرفع بـ «ذان» وفى حالة النصب والجر بـ «ذين» وإلى المؤنثتين بـ «تان» فى الرفع ، و «تين» فى النصب والجر.

* * *

وبأولى أشر لجمع مطلقا ،

والمدّ أولى ، ولدى البعد انطقا (٢)

__________________

(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ : هذا رَبِّي) أشار إلى الشمس ـ وهى مؤنثة بدليل قوله (بازِغَةً) ـ بقوله : (هذا رَبِّي) لأنه نزلها منزلة المذكر ، ويقال : بل لأنه أخبر عنها بمذكر ، ويقال : بل لأن لغة إبراهيم ـ عليه السّلام! ـ الذى ذكر هذا الكلام على لسانه لا تفرق بين المذكر والمؤنث.

(١) «وذان» الواو عاطفة ، ذان : مبتدأ «تان» معطوف عله بإسقاط حرف العطف «للمثنى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «المرتفع» نعت للمثنى ، وجملة المبتدأ وخبره معطوفة على ما قبلها «وفى سواه» الجار والمجرور متعلق بقوله «اذكر» الآتى ، وسوى مضاف والهاء ضمير الغائب العائد إلى المثنى المرتفع مضاف إليه ، وقد أعمل الحرف فى «سوى» لأنها عنده متصرفة «ذين» مفعول به مقدم على عامله وهو قوله «اذكر» الآتى «تين» معطوف على ذين بإسقاط حرف العطف «اذكر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وجملة «اذكر» معطوفة بالواو على ما قبلها.

(٢) «وبأولى» الواو عاطفة ، والباء حرف جر ، و «أولى» مجرور المحل بالباء ، والجار والمجرور متعلق بقوله «أشر» الآتى «أشر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لجمع» جار ومجرور متعلق بقوله «أشر» السابق «مطلقا» حال من قوله «جمع» «والمد» مبتدأ «أولى» خبره «ولدى» الواو


بالكاف حرفا : دون لام ، أو معه

واللّام ـ إن قدّمت ها ـ ممتنعه (١)

يشار إلى الجمع ـ مذكرا كان أو مؤنثا ـ بـ «أولى» ولهذا قال المصنف : «أشر لجمع مطلقا» ، ومقتضى هذا أنه يشار بها إلى العقلاء وغيرهم ، وهو كذلك ، ولكن الأكثر استعمالها فى العاقل ، ومن ورودها فى غير العاقل قوله :

(٢٣) ـ

ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى

والعيش بعد أولئك الأيّام

__________________

عاطفة ، لدى : ظرف بمعنى عند متعلق بقوله انطق الآتى ، ولدى مضاف و «البعد» مضاف إليه «انطقا» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والألف للاطلاق ، ويجوز أن تكون الألف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة للوقف.

(١) «بالكاف» جار ومجرور متعلق بقوله انطق فى البيت السابق «حرفا» حال من «الكاف» «دون» ظرف متعلق بمحذوف حال ثان من «الكاف» ودون مضاف و «لام» مضاف إليه «أو» حرف عطف «معه» مع : ظرف معطوف على الظرف الواقع متعلقه حالا وهو دون ، ومع مضاف والهاء ضمير الغائب مضاف إليه «واللام» مبتدأ «إن» حرف شرط «قدمت» قدم : فعل ماض مبنى على الفتح المقدر فى محل جزم على أنه فعل الشرط ، وتاء المخاطب فاعله ، و «ها» مفعول به لقدم «ممتنعه» خبر المبتدأ ، وجواب الشرط محذوف دل عليه المبتدأ وخبره ، والتقدير : واللام ممتنعة إن قدمت ها فاللام ممتنعة ، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها ، لأنها معترصة بين المبتدأ وخبره.

٢٣ ـ البيت لجرير بن عطية بن الخطفى ، من كلمة له يهجو فيها الفرزدق ، وقبله ـ وهو المطلع ـ قوله :

سرت الهموم فبتن غير نيام

وأخو الهموم يروم كلّ مرام

اللغة : «ذم» فعل أمر من الذم ، ويجوز لك فى الميم تحريكها بإحدى الحركات الثلاث : الكسر ؛ لأنه الأصل فى التخلص من التقاء الساكنين ؛ فهو مبنى على السكون وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين ، والفتح للتخفيف ؛ لأن الفتحة


وفيها لغتان : المدّ ، وهى لغة أهل الحجاز ، وهى الواردة فى القرآن العزيز ، والقصر ، وهى لغة بنى تميم.

وأشار بقوله : «ولدى البعد انطقا بالكاف ـ إلى آخر البيت» إلى أن المشار إليه له رتبتان : القرب ، والبعد ؛ فجميع ما تقدم يشار به إلى القريب ،

__________________

أخف الحركات ، وهذه لغة بنى أسد ، والضم ؛ لإتباع حركة الذال ، وهذا الوجه أضعف الوجوه الثلاثة «المنازل» جمع منزل ، أو منزلة ، وهو محل النزول ، وكونه ههنا جمع منزلة أولى ؛ لأنه يقول فيما بعد «منزلة اللوى» ـ واللوى ـ بكسر اللام مقصورا ـ موضع بعينه «العيش» أراد به الحياة.

المعنى : ذم كل موضع تنزل فيه بعد هذا الموضع الذى لقيت فيه أنواع المسرة ، وذم أيام الحياة التى تقضيها بعد هذه الأيام التى قضيتها هناك فى هناءة وغبطة.

الإعراب : «ذم» فعل أمر ، مبنى على السكون لا محل له من الإعراب ، وهو مفتوح الآخر للخفة أو مكسوره على الأصل فى التخلص من التقاء الساكنين أو مضمومه للاتباع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «المنازل» مفعول به لذم «بعد» ظرف متعلق بمحذوف حال من المنازل ، وبعد مضاف و «منزلة» مضاف إليه ، ومنزلة مضاف ، و «اللوى» مضاف إليه «والعيش» الواو عاطفة ، العيش : معطوف على المنازل «بعد» ظرف متعلق بمحذوف حال من العيش ، وبعد مضاف وأولاء من «أولائك» مضاف إليه ، والكاف حرف خطاب «الأيام» بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان عليه.

الشاهد فيه : قوله «أولئك» حيث أشار به إلى غير العقلاء ، وهى «الأيام» ومثله فى ذلك قول الله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) وقد ذكر ابن هشام عن ابن عطية أن الرواية الصحيحة فى بيت الشاهد* والعيش بعد أولئك الأقوام* وهذه هى رواية النقائض بين جرير والفرزدق ، وعلى ذلك لا يكون فى البيت شاهد ؛ لأن الأقوام عقلاء ، والخطب فى ذلك سهل ؛ لأن الآية الكريمة التى تلوناها كافية أعظم الكفاية للاستشهاد بها على جواز الإشارة بأولاء إلى الجمع من غير العقلاء


فإذا أريد الإشارة إلى البعيد أتى بالكاف وحدها ؛ فتقول : «ذاك» أو الكاف واللام نحو «ذلك».

وهذه الكاف حرف خطاب ؛ فلا موضع لها من الإعراب ، وهذا لا خلاف فيه.

فإن تقدّم حرف التنبيه الذى هو «ها» على اسم الإشارة أتيت بالكاف وحدها ؛ فتقول «هذاك» (١) وعليه قوله :

(٢٤) ـ

رأيت بنى غبراء لا ينكروننى

ولا أهل هذاك الطّراف الممدّد

__________________

(١) إذا كان اسم الإشارة لمثنى أو لجمع فإن ابن مالك يرى أنه لا يجوز أن يؤتى بالكاف مع حرف التنبيه حينئذ ، وذهب أبو حيان إلى أن ذلك قليل لا ممتنع ، ومما ورد منه قول العرجى ، وقيل : قائله كامل الثقفى :

ياما أميلح غزلانا شدنّ لنا

من هؤليّائكنّ الضّال والسّمر

الشاهد فيه هنا : قوله «هؤليائكن» فإنه تصغير «أولاء» الذى هو اسم إشارة إلى الجمع ، وقد اتصلت به «ها» التنبيه فى أوله ، وكاف الخطاب فى آخره.

٢٤ ـ هذا البيت لطرفة بن العبد البكرى ، من معلقته المشهورة التى مطلعها :

لخولة أطلال ببرقة ثهمد

تلوح كباقى الوشم فى ظاهر اليد

وقبل بيت الشاهد قوله :

وما زال تشرابى الخمور ولذّتى

وبيعى وإنفاقى طريفى ومتلدى

إلى أن تحامتنى العشيرة كلّها

وأفردت إفراد البعير المعبّد

اللغة : «خولة» اسم امرأة «أطلال» جمع طلل ، بزنة جبل وأجبال ، والطلل : ما شخص وظهر وارتفع من آثار الديار كالأثافى «برقة» بضم فسكون ـ هى كل رابية فيها رمل وطين أو حجارة ، وفى بلاد العرب نيف ومائة برقة عدها صاحب القاموس ،


ولا يجوز الإتيان بالكاف واللام ؛ فلا تقول «هذا لك».

وظاهر كلام المصنف أنه ليس للمشار إليه إلا رتبتان : قربى ، وبعدى ، كما قرّرناه ؛ والجمهور على أن له ثلاث مراتب : قربى ، ووسطى ، وبعدى ؛ فيشار إلى من فى القربى بما ليس فيه كاف ولا لام : كذا ، وذى ، وإلى من فى الوسطى بما فيه الكاف وحدها نحو ذاك ، وإلى من فى البعدى بما فيه كاف ولام ، نحو «ذلك».

* * *

__________________

وألف فيها غير واحد من علماء اللغة ، ومنها برقة ثهمد «تلوح» تظهر «الوشم» أن يغرز بالإبرة فى الجلد ثم يذر عليه الكحل أو دخان الشحم فيبقى سواده ظاهرا «البعير المعبد» الأجرب «بنى غبراء» الغبراء هى الأرض ، سميت بهذا لغبرتها ، وأراد ببنى الغبراء الفقراء الذين لصقوا بالأرض لشدة فقرهم ، أو الأضياف ، أو اللصوص «الطراف» بكسر الطاء بزنة الكتاب ـ البيت من الجلد ، وأهل الطراف الممدد : الأغنياء.

المعنى : يريد أن جميع الناس ـ من غير تفرقة بين فقيرهم وغنيهم ـ يعرفونه ، ولا ينكرون محله من الكرم والمواساة للفقراء وحسن العشرة وطيب الصحبة للأغنياء وكأنه يتألم من صنبع قومه معه.

الإعراب : «رأيت» فعل وفاعل «بنى» مفعول به ، وبنى مضاف ، و «غبراء» مضاف إليه ، ثم إذا كانت رأى بصربة فجملة «لا ينكروننى» من الفعل وفاعله ومفعوله فى محل نصب حال من بنى غبراء ، وإذا كانت رأى علمية ـ وهو أولى ـ فالجملة فى محل نصب مفعول ثان لرأى «ولا» الواو عاطفة ، ولا : زائدة لتأكيد النفى «أهل» معطوف على الواو الذى هو ضمير الجماعة فى قوله «لا ينكروننى» وأهل مضاف واسم الإشارة من «هذاك» مضاف إليه ، والكاف حرف خطاب «الطراف» بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان عليه «الممدد» نعت للطراف.

الشاهد فيه : قوله «هذاك» حيث جاء بها التنبيه مع الكاف وحدها ، ولم يجىء باللام ، ولم يقع لى ـ مع طويل البحث وكثرة الممارسة ـ نظير لهذا البيت مما اجتمعت فيه «ها» التنبيه مع كاف الخطاب بينهما اسم إشارة للمفرد ، ولعل العلماء الذين قرروا


وبهنا أو ههنا أشر إلى

دانى المكان ، وبه الكاف صلا (١)

فى البعد ، أو بثمّ فه ، أو هنّا

أو بهنالك انطقن ، أو هنّا (٢)

يشار إلى المكان القريب بـ «هنا» ويتقدّمها هاء التنبيه ؛ فيقال «ههنا» ؛ ويشار إلى البعيد على رأى المصنف بـ «هناك ، وهنالك ، وهنّا» بفتح الهاء وكسرها مع تشديد النون ، وب «ثمّ» و «هنّت» ، وعلى مذهب غيره «هناك» للمتوسط ، وما بعده للبعيد.

* * *

__________________

هذه القواعد قد حفظوا من شواهد هذه المسألة ما لم يبلغنا ، أو لعل قداماهم الذين شافهوا العرب قد سمعوا ممن يوثق بعربيته استعمال مثل ذلك فى أحاديثهم فى غير شذوذ ولا ضرورة تحوج إليه ؛ فلهذا جعلوه قاعدة.

(١) «وبهنا» الواو عاطفة ، بهنا : جار ومجرور متعلق بقوله «أشر» الآتى ، «أو» حرف عطف «ههنا» معطوف على هنا «أشر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إلى» حرف جر يتعلق بأشر «دانى» مجرور بإلى ، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء للثقل ، ودانى مضاف و «المكان» مضاف إليه «وبه» الواو عاطفة ، به : جار ومجرور متعلق بقوله صلا الآتى «الكاف» مفعول به مقدم على عامله وهو صلا الآتى «صلا» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والألف للاطلاق ، ويجوز أن تكون هذه الألف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة للوقف.

(٢) «فى البعد» جار ومجرور متعلق بقوله «صلا» فى البيت السابق «أو» حرف عطف معناه هنا التخيير «بثم» جار ومجرور متعلق بقوله «فه» الآتى «فه» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أو» حرف عطف «هنا» معطوف على قوله «ثم» السابق «أو» حرف عطف «بهنالك» جار ومجرور متعلق بقوله انطق الآتى «انطقن» انطق : فعل أمر ، مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ونون التوكيد الخفيفة حرف لا محل له من الإعراب «أو» حرف عطف «هنا» معطوف على قوله «هنالك».


الموصول

موصول الأسماء الّذى ، الأنثى الّتى ،

واليا إذا ما ثنّيا لا تثبت (١)

بل ما تليه أوله العلامه ،

والنّون إن تشدد فلا ملامه (٢)

__________________

(١) «موصول» مبتدأ أول ، وموصول مضاف و «الأسماء» مضاف إليه «الذى» مبتدأ ثان ، وخبر المبتدأ الثانى محذوف تقديره : منه ، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول «الأنثى» مبتدأ «التى» خبره ، والجملة معطوفة على الجملة الصغرى السابقة ـ وهى جملة المبتدأ الثانى وخبره ـ بحرف عطف مقدر ، والرابط للجملة المعطوفة بالمبتدأ الأول مقدر ، وكان أصل الكلام : موصول الأسماء أنثاه التى ، ويجوز أن يكون قوله «الأنثى» مبتدأ وخبره محذوف ، والتقدير : كائنة منه ، فيكون على هذا قوله «التى» بدلا من الأنثى «واليا» مفعول مقدم لقوله «لا تثبت» الآتى «إذا» ظرف ضمن معنى الشرط «ما» زائدة «ثنيا» ثنى : فعل ماض مبنى للمجهول وألف الاثنين نائب فاعل ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها ، وهى جملة الشرط «لا» ناهية «تثبت» فعل مضارع مجزوم بلا ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر لأجل الروى والوزن ، وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام ، والتقدير : ولا تثبت الياء ، إذا ثنيتهما ـ أى الذى والتى ـ فلا تثبتها.

(٢) «بل» حرف عطف معناه الانتقال «ما» اسم موصول مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور بعده ، والتقدير : بل أول ـ إلخ ، فهو مبنى على السكون فى محل نصب «تليه» تلى : فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقدير هى يعود إلى الياء ، والهاء ضمير الغائب العائد إلى ما مفعول به مبنى على الكسر فى محل نصب ، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «أوله» أول : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت والضمير الذى للغائب مفعول أول «العلامه» مفعول ثان لأول «والنون» مبتدأ «إن» شرطية «تشدد» فعل مضارع مبنى للمجهول فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على المبتدأ الذى هو النون «فلا» الفاء لربط الشرط


والنّون من ذين وتين شدّدا

أيضا ، وتعويض بذاك قصدا (١)

ينقسم الموصول إلى اسمى ، وحرفى

ولم يذكر المصنف الموصولات الحرفية ، وهى خمسة أحرف :

أحدها : «أن» المصدرية ، وتوصل بالفعل المتصرف : ماضيا ، مثل «عجبت من أن قام زيد» ومضارعا ، نحو «عجبت من أن يقوم زيد» وأمرا ، نحو «أشرت إليه بأن قم» ، فإن وقع بعدها فعل غير متصرف ـ نحو قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) وقوله تعالى : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) ـ فهى مخفّفة من الثقيلة.

ومنها : «أنّ» وتوصل باسمها وخبرها ، نحو «عجبت من أنّ زيدا قائم» ومنه قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا) وأن المخففة كالمثقّلة ، وتوصل باسمها وخبرها ، لكن اسمها يكون محذوفا ، واسم المثقّلة مذكورا.

ومنها : «كى» وتوصل بفعل مضارع فقط ، مثل «جئت لكى تكرم زيدا».

__________________

بالجواب ، ولا : نافية للجنس «ملامه» اسم لا مبنى على الفتح فى محل نصب ، وسكونه للوقف ، وخبر «لا» محذوف ، وتقديره : فلا ملامة عليك ، مثلا ، والجملة من لا واسمها وخبرها فى محل جزم جواب الشرط ، وجملة الشرط والجواب فى محل رفع خبر المبتدأ.

(١) «والنون» مبتدأ «من ذين» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه ضمير مستتر فى «شددا» الآتى «وتين» معطوف على «ذين» «شددا» شدد : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى النون ، والألف للاطلاق ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «أيضا» مفعول مطلق حذف فعله العامل فيه «وتعويض» مبتدأ «بذاك» جار ومجرور متعلق بقوله قصد الآتى «قصدا» قصد : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تعويض ، والجملة من قصد ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو قوله تعويض.


ومنها : «ما» وتكون مصدرية ظرفية ، نحو «لا أصحبك ما دمت منطلقا» [أى : مدّة دوامك منطلقا] وغير ظرفية ، نحو «عجبت ممّا ضربت زيدا» وتوصل بالماضى ، كما مثل ، وبالمضارع ، نحو «لا أصحبك ما يقوم زيد ، وعجبت مما تضرب زيدا» ومنه (١) : (بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) وبالجملة الاسمية ، نحو «عجبت ممّا زيد قائم ، ولا أصحبك ما زيد قائم» وهو قليل (٢) ، وأكثر ما توصل الظرفية المصدرية بالماضى أو بالمضارع المنفى بلم ، نحو «لا أصحبك ما لم تضرب زيدا» وبقلّ وصلها ـ أعنى المصدرية ـ بالفعل المضارع الذى ليس منفيّا بلم ، نحو «لا أصحبك ما يقوم زيد» ومنه قوله :

(٢٥) ـ

أطوّف ما أطوّف ثمّ آوى

إلى بيت قعيدته لكاع

__________________

(١) أى من وصلها بالفعل ، بقطع النظر عن كونه ماضيا أو مضارعا.

(٢) اختلف النحويون فيما إذا وقع بعد «ما» هذه جملة اسمية مصدرة بحرف مصدرى نحو قولهم : لا أفعل ذلك ما أن فى السماء نجما ، ولا أكلمه ما أن حراء مكانه فقال جمهور البصريين : أن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مرفوع على أنه فاعل لفعل محذوف ، والتقدير على هذا : لا أكلمه ما ثبت كون نجم فى السماء ، وما ثبت كون حراء مكانه ، فهو حينئذ من باب وصل «ما» المصدرية بالجملة الفعلية الماضوية ، ووجه ذلك عندهم أن الأكثر وصلها بالأفعال ، والحمل على الأكثر أولى ، وذهب الكوفيون إلى أن «أن» وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مرفوع أيضا ، إلا أن هذا المصدر المرفوع مبتدأ خبره محذوف ، والتقدير على هذا الوجه : لا أفعل كذا ما كون حراء فى مكانه ثابت ، وما كون نجم فى السماء موجود ، فهو من باب وصل «ما» بالجملة الاسمية ؛ لأن ذلك أقل تقديرا.

٢٥ ـ اشتهر أن هذا البيت للحطيئة ـ واسمه جرول ـ بهجو امرأته ، وهو بيت مفرد ليس له سابق أو لاحق ، وقد نسبه ابن السكيت فى كتاب الألفاظ (ص ٧٣ ط بيروت) ـ وتبعه الخطيب التبريزى فى تهذيبه ـ إلى أبى غريب النصرى.

اللغة : «أطوف» أى أكثر التجوال والتطواف والدوران ، ويروى «أطود»


ومنها : «لو» وتوصل بالماضى ، نحو «وددت لو قام زيد» والمضارع ، نحو «وددت لو يقوم زيد».

فقول المصنف «موصول الأسماء» احتراز من الموصول الحرفى ـ وهو

__________________

بالدال المهملة مكان الفاء ـ والمعنى واحد «آوى» مضارع أوى ـ من باب ضرب ـ إلى منزله ؛ إذا رجع إليه وأقام به «قعيدته» قعيدة البيت : هى المرأة. وقيل لها ذلك لأنها تطيل القعود فيه «لكاع» يريد أنها متناهية فى الخبث.

المعنى : أنا أكثر دورانى وارتيادى الأماكن عامة النهار فى طلب الرزق وتحصيل القوت ، ثم أعود إلى بيتى لأقيم فيه ، فلا تقع عينى فيه إلا على امرأة شديدة الخبث متناهية فى الدناءة واللؤم.

الإعراب : «أطوف» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، و «ما» مصدرية «أطوف» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا و «ما» مع ما دخلت عليه فى تأويل مصدر مفعول مطلق عامله قوله «أطوف» الأول «ثم» حرف عطف «آوى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «إلى بيت» جار ومجرور متعلق بقوله «آوى» «قعيدته» قعيدة : مبتدأ ، وقعيدة مضاف والضمير مضاف إليه «لكاع» خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل جر نعت لقوله «بيت» ، وهذا هو الظاهر ، وأحسن من ذلك أن يكون خبر المبتدأ محذوفا ، ويكون قوله «لكاع» منادى بحرف نداء محذوف ، وجملة النداء فى محل نصب مفعول به للخبر ، وتقدير الكلام على ذلك الوجه : قعيدته مقول لها : يالكاع.

الشاهد فيه : فى هذا البيت شاهدان للنحاة ، أولهما فى قوله «ما أطوف» حيث أدخل «ما» المصدرية الظرفية على فعل مضارع غير منفى بلم ، وهو الذى عناه الشارح من إتيانه بهذا البيت ههنا ، والشاهد الثانى يذكر فى أواخر باب النداء فى ذكر أسماء ملازمة النداء ، وهو فى قوله «لكاع» حيث يدل ظاهره على أنه استعمله خبرا للمبتدأ فجاء به فى غير النداء ضرورة ، والشائع الكثير فى كلام العرب أن ما كان على زنة فعال ـ بفتح الفاء والعين ـ مما كان سبا للاناث لا يستعمل إلا منادى ، فلا يؤثر فيه عامل غير حرف النداء ، تقول : يا لكاع ويا دفار ، ولا يجوز أن تقول : رأيت دفار ، ولا أن تقول : مررت بدفار ؛ ومن أجل هذا يخرج قوله «لكاع» هنا على حذف خبر المبتدأ وجعل «لكاع» منادى بحرف نداء محذوف كما قلنا فى إعراب البيت.


«أن وأنّ وكى وما ولو» ـ وعلامته صحة وقوع المصدر موقعه ، نحو «وددت لو تقوم» أى قيامك ، و «عجبت ممّا تصنع ، وجئت لكى أقرأ ، ويعجبنى أنّك قائم ، وأريد أن تقوم» وقد سبق ذكره.

وأما الموصول الاسمىّ فـ «الذى» للمفرد المذكر (١) ، و «التى» للمفردة المؤنّثة.

فإن ثنيت أسقطت الياء وأتيت مكانها : بالألف فى حالة الرفع ، نحو «اللّذان ، واللّتان» وبالياء فى حالتى الجر والنصب ؛ فتقول : «اللّذين ، والّلتين».

وإن شئت شدّدت النون ـ عوضا عن الياء المحذوفة ـ فقلت : «اللذانّ واللتانّ» وقد قرىء : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) ويجوز التشديد أيضا مع الياء ـ وهو مذهب الكوفيين ـ فتقول : «اللذينّ ، والّلتينّ» وقد قرىء : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ) ـ بتشديد النون ـ

وهذا التشديد يجوز أيضا فى تثنية «ذا ، وتا» اسمى الإشارة ؛ فتقول : «ذانّ ، وتانّ» وكذلك مع الياء ؛ فتقول : «ذينّ وتينّ» وهو مذهب الكوفيين ـ والمقصود بالتشديد أن يكون عوضا عن الألف المحذوفة كما تقدم فى «الذى ، والتى».

* * *

جمع الّذى الالى الّذين مطلقا

وبعضهم بالواو رفعا نطقا (٢)

__________________

(١) لا فرق بين أن يكون المفرد مفردا حقيقة ، كما تقول : زيد الذى يزورنا رجل كريم ، وأن يكون مفردا حكما كما تقول : الفريق الذى أكون فيه فريق مخلص نافع ، كما أنه لا فرق بين أن يكون عاقلا كما مثلنا ، وأن يكون غير عاقل كما تقول : اليوم الذى سافرت فيه كان يوما ممطرا.

(٢) «جمع» مبتدأ ، وجمع مضاف و «الذى» مضاف إليه «الأولى» خبر المبتدأ «الذين» معطوف على الخبر بتقدير حرف العطف «مطلقا» حال من الذين «وبعضهم» الواو عاطفة ، بعض : مبتدأ ، وبعض مضاف والضمير العائد إلى العرب


بالّلات والّلاء ـ الّتى قد جمعا

والّلاء كالّذين نزرا ، وقعا (١)

يقال فى جمع المذكر «الألى» مطلقا : عاقلا كان ، أو غيره ، نحو «جاءنى الألى فعلوا» وقد يستعمل فى جمع المؤنث ، وقد اجتمع الأمران فى قوله :

(٢٦) ـ

وتبلى الألى يستلئمون على الألى

تراهنّ يوم الرّوع كالحدإ القبل

__________________

مضاف إليه «بالواو» جار ومجرور متعلق بقوله نطق الآتى «رفعا» يجوز أن يكون حالا ، وأن يكون منصوبا بنزع الخافض ، وأن يكون مفعولا لأجله «نطقا» نطق : فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «بعضهم» والألف للاطلاق ، والجملة من نطق وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو بعضهم.

(١) «باللات» جار ومجرور متعلق بقوله جمع الآتى «واللاء» معطوف على اللات «التى» مبتدأ «قد» حرف تحقيق «جمعا» جمع فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على التى ، والألف للاطلاق ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «واللاء» الواو حرف عطف ، اللاء : مبتدأ «كالذين» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه الضمير المستتر فى «وقع» الآتى «نزرا» حال ثانية من الضمير المستر فى وقع «وقعا» وقع : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «اللاء» والألف للاطلاق ، والجملة من وقع وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو قوله اللاء.

٢٦ ـ هذا البيت من كلام أبى ذؤيب ـ خويلد ـ بن خالد الهذلى ، وقبله :

وتلك خطوب قد تملّت شبابنا

قديما ، فتبلينا المنون ، وما نبلى

اللغة : «خطوب» جمع خطب ، وهو الأمر العظيم «تملت شبابنا» استمتعت بهم «نبلينا» تفنينا «المنون» المنية والموت «يستلئمون» يلبسون اللأمة ، وهى الدرع ، و «يوم الروع» يوم الخوف والفزع ، وأراد به يوم الحرب «الحدأ» جمع حدأة ، وهو طائر معروف ، ووزنه عنبة وعنب ، وأراد بها الخيل على التشبيه «القبل» جمع قبلاء ، وهى التى فى عينها القبل ـ بفتح القاف والباء جميعا ـ وهو الحور.

المعنى : إن حوادث الدهر والزمان قد تمتعت بشبابنا قديما ، فتبلينا المنون وما نبليها ،


..................................................................................

__________________

وتبلى من بيننا الدارعين والقاتلة فوق الخيول التى تراها يوم الحرب كالحدأ فى سرعتها وخفتها.

الإعراب : «وتبلى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على المنون فى البيت الذى ذكرناه فى أول الكلام على البيت «الألى» مفعول به لتبلى «يستلئمون» فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، وواو الجماعة فاعله ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، «على» حرف جر «الألى» اسم موصول مبنى على السكون فى محل جر بعلى ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه «الألى» الواقع مفعولا به لتبلى «تراهن» ترى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والضمير البارز مفعول أول «يوم» ظرف زمان متعلق بقوله ترى ، وبوم مضاف و «الروع» مضاف إليه «كالحدأ» جار ومجرور متعلق بترى ، وهو المفعول الثانى «القبل» صفة للحدإ ، وجملة ترى وفاعله ومفعوليه لا محل لها صلة الموصول

الشاهد فيه : قوله «الأولى يستلئمون» ، وقوله «الألى تراهن» حيث استعمل لفظ الأولى فى المرة الأولى فى جمع المذكر العاقل ، ثم استعمله فى المرة الثانية فى جمع المؤنث غير العاقل ؛ لأن المراد بالأولى تراهن إلخ الخيل كما بينا فى لغة البيت ؛ والدليل على أنه استعملها هذا الاستعمال ضمير جماعة الذكور فى «يستلئمون» وهو الواو ، وضمير جماعة الإناث فى «تراهن» وهو «هن».

ومن استعمال «الألى» فى جمع الإناث العاقلات قول مجنون بنى عامر :

محا حبّها حبّ الألى كنّ قبلها

وحلّت مكانا لم يكن حلّ من قبل

وقول الآخر :

فأمّا الألى يسكنّ غور تهامة

فكلّ فتاة تترك الحجل أقصما

وهذا البيت يقع فى بعض نسخ الشرح ، ولا يقع فى أكثرها ، ولهذا أثبتناه ولم تشرحه ، ومن استعماله فى الذكور العقلاء قول الشاعر :

فإنّ الألى بالطّفّ من آل هاشم

تآسوا فسنّوا للكرام التآسيا

ومن استعماله فى الذكور غير العقلاء ـ وإن كان قد أعاد الضمير عليه كما يعيده على جمع المؤنثات ـ قول الأخر :

تهيّجنى للوصل أيّامنا الألى

مررن علينا والزّمان وريق


فقال : «يستلئمون» ثم قال : «تراهنّ».

ويقال للمذكر العاقل فى الجمع «الّذين» مطلقا ـ أى : رفعا ، ونصبا ، وجرا ـ فتقول : «جاءنى الّذين أكرموا زيدا ، ورأيت الذين أكرموه ، ومررت بالذين أكرموه».

وبعض العرب يقول : «الّذون» فى الرفع ، و «الّذين» فى النصب والجر ؛ وهم بنو هذيل ، ومنه قوله :

(٢٧) ـ

نحن الذون صبّحوا الصّباحا

يوم النّخيل غارة ملحاحا

__________________

٢٧ ـ اختلف فى نسبة هذا البيت إلى قائله اختلافا كثيرا ، فنسبه أبو زيد (النوادر ٤٧) إلى رجل جاهلى من بنى عقيل سماه أبا حرب الأعلم ، ونسبه الصاغانى فى العباب إلى ليلى الأخيلية ، ونسبه جماعة إلى رؤبة بن العجاج ، وهو غير موجود فى ديوانه ، وبعد الشاهد فى رواية أبى زيد :

نحن قتلنا الملك الجحجاحا

ولم ندع لسارح مراحا

إلا ديارا أو دما مفاحا

نحن بنو خويلد صراحا

* لا كذب اليوم ولا مزاحا*

اللغة : «نحن الذون» هكذا وقع فى رواية النحويين لهذا البيت ، والذى رواه الثقة أبو زيد فى نوادره «نحن الذين» على الوجه المشهور فى لغة عامة العرب ، وقوله «صبحوا» معناه جاءوا بعددهم وعددهم فى وقت الصباح مباغتين للعدو ، وعلى هذا يجرى قول الله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) «النخيل» ـ بضم النون وفتح الخاء ـ اسم مكان بعينه «غارة» اسم من الإغارة على العدو «ملحاحا» هو مأخوذ من قولهم «ألح المطر» إذا دام ، وأراد أنها غارة شديدة تدوم طويلا «مفاحا» بضم الميم ـ مرافا حتى يسيل «صراحا» يريد أن نسبهم إليه صريج خالص لا شبهة فيه ولا ظنة وهو برنة غراب ، وجعله العينى ـ وتبعه البغدادى ـ بكسر الصاد جمع صريح مثل كريم وكرام.

الإعراب : «نحن» ضمير منفصل مبتدأ «الذون» اسم موصول خبر. المبتدأ «صبحوا» فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة «الصباحا ، يوم» ظرفان


ويقال فى جمع المؤنث : «الّلات ، والّلاء» بحذف الياء ؛ فتقول «جاءنى الّلات فعلن ، والّلاء فعلن» ويجوز إثبات الياء ؛ فتقول «الّلاتى ، والّلائى»

وقد ورد «الّلاء» بمعنى الذين ، قال الشاعر :

(٢٨) ـ

فما آباؤنا بأمنّ منه

علينا الّلاء قد مهدوا الحجورا

[كما قد تجىء «الأولى» بمعنى «الّلاء» كقوله :

فأمّا الأولى يسكنّ غور تهامة

فكلّ فتاة تترك الحجل أقصما]

__________________

يتعلقان بقوله «صبحوا» ويوم مضاف و «النخيل» مضاف إليه «غارة» مفعول لأجله ، ويجوز أن يكون حالا بتأويل المشتق ـ أى مغيرين ـ وقوله «ملحاحا» نعت لغارة.

الشاهد فيه : قوله «الذون» حيث جاء به بالواو فى حالة الرفع ، كما لو كان جمع مذكر سالما ، وبعض العلماء قد اغتر بمجىء «الذون» فى حالة الرفع ومجىء «الذين» فى حالتى النصب والجر ؛ فزعم أن هذه الكلمة معربة ، وأنها جمع مذكر سالم حقيقة ، وذلك بمعزل عن الصواب ، والصحيح أنه مبنى جىء به على صورة المعرب ، والظاهر أنه مبنى على الواو والياء.

٢٨ ـ البيت لرجل من بنى سليم ، ولم يعينه أحد ممن اطلعنا على كلامهم من العلماء

اللغة : «أمن» أفعل تفضيل من قولهم : من عليه ، إذا أنعم عليه «مهدوا» بفتح الهاء مخففه من قولك : مهدت الفراش مهدا ، إذا بسطته ووطأته وهيأته ، ومن هنا سمى الفراش مهادا لوثارته ، وقال الله تعالى : (فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) أى : يوطئون ، ومن ذلك تمهيد الأمور ، أى تسويتها وإصلاحها «الحجور» جمع حجر ـ بفتح الحاء أو كسرها أو ضمها ـ وهو حضن الإنسان ، ويقال : نشأ فلان فى حجر فلان ـ بكسر الحاء أو فتحها ـ يريدون فى حفظه وستره ورعايته.

المعنى : ليس آباؤنا ـ وهم الذين أصلحوا شأننا ، ومهدوا أمرنا ، وجعلوا لنا حجورهم كالمهد ـ بأكبر نعمة علينا وفضلا من هذا الممدوح.

الإعراب : «ما» نافية بمعنى ليس «آباؤنا» آباء : اسم ما ، وآباء مضاف والضمير مضاف إليه «بأمن» الباء زائدة ، وأمن : خبر ما «منه ، علينا» كلاهما جار ومجرور متعلق بقوله أمن ، وقوله «اللاء» اسم موصول صفة لآباء «قد» حرف تحقيق


ومن ، وما ، وأل ـ تساوى ما ذكر

وهكذا «ذو» عند طيّىء شهر (١)

وكالّتى ـ أيضا ـ لديهم ذات ،

وموضع اللّاتى أتى ذوات (٢)

__________________

«مهدورا» مهد : فعل ماض ، وواو الجماعة فاعله «الحجورا» مفعول به لمهد ، والألف للاطلاق ، وجملة الفعل الماضى ـ الذى هو مهد ـ وفاعله ومفعوله لا محل لها صلة الموصول.

الشاهد فيه : قوله «اللاء» حيث أطلقه على جماعة الذكور ؛ فجاء به وصفا لآباء. وقد استعملوا «الألاء» اسما موصولا وأصله اسم إشارة ، وأطلقوه على جمع الذكور كما فى قول خلف بن حازم :

إلى النّفر البيض الألاء كأنّهم

صفائح يوم الرّوع أخلصها الصّقل

وقول كثير بن عبد الرحمن المشهور بكثير عزة :

أبى الله للشّمّ الألاء كأنهم

سيوف اجاد القين يوما صقالها

(١) «ومن» مبتدأ «وما ، وأل» معطوفان على من «تساوى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى الألفاظ الثلاثة من وماوأل ، والجملة من تساوى وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «ما» اسم موصول مفعول به لقوله «تساوى» وقوله «ذكر» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» الواقع مفعولا به ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «وهكذا» ها : حرف تنبيه ، كذا : جار ومجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه الضمير فى قوله «شهر» الآتى «ذو» مبتدأ «عند» ظرف متعلق بقوله «شهر» الآتى ، وعند مضاف و «طيىء» مضاف إليه «شهر» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ذو» والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو ذو.

(٢) «كالتى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «أيضا» مفعول مطلق فعله محذوف «لديهم» لدى : ظرف متعلق بما تعلق به الجار والمجرور السابق ، ولدى مضاف والضمير مضاف إليه «ذات» مبتدأ مؤخر «وموضع» منصوب على الظرفية المكانية ناصبه قوله «أنى» الآتى ، وموضع مضاف و «اللاتى» مضاف إليه «أنى ذوات» فعل ماض وفاعله.


أشار بقوله : «تساوى ما ذكر» إلى أنّ «من ، وما» والألف واللام ، تكون بلفظ واحد : للمذكر ، والمؤنث ـ [المفرد] والمثنى ، والمجموع ـ فتقول : جاءنى من قام ، ومن قامت ، ومن قاما ، ومن قامتا ، ومن قاموا ، ومن قمن ؛ وأعجبنى ما ركب ، وما ركبت ، وما ركبا ، وما ركبتا ، وما ركبوا ، وما ركبن ؛ وجاءنى القائم ، والقائمة ، والقائمان ، والقائمتان ، والقائمون ، والقائمات.

وأكثر ما تستعمل «ما» فى غير العاقل ، وقد تستعمل فى العاقل (١) ، ومنه قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى) وقولهم : «سبحان ما سخّر كنّ لنا» و «سبحان ما يسبّح الرّعد بحمده».

و «من» بالعكس ؛ فأكثر ما تستعمل فى العاقل ، وقد تستعمل فى غيره (٢) ،

__________________

(١) تستعمل «ما» فى العاقل فى ثلاثة مواضع ؛ الأول : أن يختلط العاقل مع غير العاقل نحو قوله تعالى : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فإن ما يتناول ما فيهما من إنس وملك وجن وحيوان وجماد ، بدليل قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) والموضع الثانى : أن يكون أمره مبهما على المتكلم ، كقولك ـ وقد رأيت شبحا من بعيد ـ : انظر ما ظهر لى ، وليس منه قوله تعالى : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) لأن إبهام ذكورته وأنوثته لا يخرجه عن العقل ، بل استعمال «ما» هنا فى ما لا يعقل لأن الحمل ملحق بالجماد ، والموضع الثالث : أن يكون المراد صفات من يعقل ، كقوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) وهذا الموضع هو الذى ذكره الشارح بالمثال الأول من غير بيان.

(٢) تستعمل «من» فى غير العاقل فى ثلاثة مواضع ؛ الأول : أن يقترن غير العاقل مع من يعقل فى عموم فصل بمن الجارة ، نحو قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) ومن المستعملة فيما لا يعقل مجاز مرسل علاقته المجاورة فى هذا الموضع ، والموضع الثانى : أن يشبه غير العاقل بالعاقل فيستعار له لفظه ، نحو قوله تعالى : (مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) وقول الشاعر * أسرب القطا هل من يعير جناحه* وهو الذى استشهد به المؤلف


كقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ ، يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ) ومنه قول الشاعر :

(٢٩) ـ

بكيت على سرب القطا إذ مررن بى

فقلت ومثلى بالبسكاء جدير :

أسرب القطا ، هل من يعير جناحه

لعلّى إلى من قد هويت أطير؟

__________________

فيما يلى ، وسنذكر معه نظائره ، واستعمال من فيما لا يعقل حينئذ استعارة ؛ لأن العلاقة المشابهة ، والموضع الثالث : أن يختلط من يعقل بما لا يعقل نحو قول الله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) واستعمال من فيما لا يعقل ـ فى هذا الموضع ـ من باب التغليب ، واعلم أن الأصل تغليب من يعقل على ما لا يعقل ، وقد يغلب ما لا يعقل على من يعقل ؛ لنكتة ، وهذه النكت تختلف باختلاف الأحوال والمقامات.

٢٩ ـ هذان البيتان للعباس بن الأحنف ، أحد الشعراء المولدين ، وقد جاء بهما الشارح تمثيلا لا استشهادا ، كما يفعل المحقق الرضى ذلك كثيرا ؛ يمثل بشعر المتنبى والبحترى وأبى تمام ، وقيل : قائلهما مجنون ليلى ، وهو ممن يستشهد بشعره ، وقد وجدت بيت الشاهد ثابتا فى كل ديوان من الديوانين : ديوان المجنون ، وديوان العباس ، ودلك من خلط الرواة.

اللغة : «السرب» جماعة الظباء والقطا ونحوهما ، و «القطا» ضرب من الطير قريب الشبه من الحمام «جدير» لائق وحقيق «هويت» بكسر الواو ـ أى أحببت.

الإعراب : «بكيت» فعل وفاعل «على سرب» جار ومجرور متعلق ببكيت ، وسرب مضاف و «القطا» مضاف إليه «إذ» ظرف زمان متعلق ببكيت مبنى على السكون فى محل نصب «مررن» فعل وفاعل ، والجملة فى محل جر بإضافة إذ إليها ، أى بكيت وقت مرورهن بى «بى» جار ومجرور متعلق بمر «فقلت» فعل وفاعل «ومثلى» الواو للحال ، مثل : مبتدأ ، ومثل مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «بالبكاء» جار ومجرور متعلق بقوله جدير الآتى «جدير» خبر المبتدأ «أسرب» الهمزة حرف نداء ، وسرب : منادى منصوب بالفتحة الظاهرة ، وسرب مضاف ، و «القطا» مضاف إليه «هل» استفهامية «من» اسم موصول مبتدأ «يعير» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، والجملة من يعير وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، هكذا قالوا ، وعندى أن جملة «يعير جناحه» لا محل لها من الإعراب صلة الموصول الذى هو من ، وأما خبر المبتدأ فمحذوف ، وتقدير الكلام : هل الذى يعير جناحه


وأما الألف واللام فتكون للعاقل ، ولغيره ، نحو «جاءنى القائم ، والمركوب» واختلف فيها ؛ فذهب قوم إلى أنها اسم موصول ، وهو الصحيح ، وقيل : إنها حرف موصول ، وقيل : إنها حرف تعريف ، وليست من الموصولية فى شىء.

وأما من وما غير المصدرية فاسمان اتفاقا ، وأما «ما» المصدرية فالصحيح أنها حرف ، وذهب الأخفش إلى أنها اسم.

ولغة طيىء استعمال «ذو» موصولة ، وتكون للعاقل ، ولغيره ، وأشهر لغاتهم فيها أنها تكون بلفظ واحد : للمذكر ، والمؤنث ، مفردا ، ومثنى ، ومجموعا (١) ؛

__________________

موجود «جناحه» جناح : مفعول به ليعير ، وجناح مضاف والضمير مضاف إليه «لعلى» لعل : حرف ترج ونصب ، والياء ضمير المتكلم اسمها «إلى» حرف جر «من» اسم موصول مبنى على السكون فى محل جر بإلى ، والجار والمجرور متعلق بقوله أطير الآتى «قد» حرف تحقيق «هويت» فعل ماض وفاعله ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، والعائد محذوف ، والتقدير : إلى الذى قد هويته «أطير» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة فى محل رفع خبر «لعل».

الشاهد فيه : قوله «أسرب القطا» وقوله «من يعير جناحه» والنداء معناه طلب إقبال من تناديه عليك ، ولا يتصور أن تطلب الإقبال إلا من العاقل الذى يفهم الطلب ويفهم الإقبال ، أو الذى تجعله بمنزلة من يفهم الطلب ويفهم الإقبال ، فلما تقدم بندائه استساغ أن يطلق عليه اللفظ الذى لا يستعمل إلا فى العقلاء بحسب وضعه ، وقد تمادى فى معاملته معاملة ذوى العقل ، فاستفهم منه طالبا أن يعيره جناحه ، والاستفهام وطلب الإعارة إنما يتصور توجيههما إلى العقلاء.

ومثل ذلك قول امرىء القيس بن حجر الكندى :

ألا عم صباحا أيّها الطّلل البالى

وهل يعمن من كان فى العصر الخالى

(١) لا فرق بين أن يكون ما استعمل فيه «ذو» الموصولة عاقلا أو غير عاقل ؛


فتقول : «جاءنى ذو قام ، وذو قامت ، وذو قاما ، وذو قامتا ، وذو قاموا ، وذو قمن» ، ومنهم من يقول فى المفرد المؤنث : «جاءنى ذات قامت» ، وفى جمع المؤنث : «جاءنى ذوات قمن» وهو المشار إليه بقوله : «وكالتى أيضا ـ البيت» ومنهم من يثنّيها ويجمعها فيقول : «ذوا ، وذوو» فى الرفع و «ذوى ، وذوى» فى النصب والجر ، و «ذواتا» فى الرفع ، و «ذواتى» فى الجر والنصب ، و «ذوات» فى الجمع ، وهى مبنية على الضم ، وحكى الشيخ بهاء الدين ابن النحاس أن إعرابها كإعراب جمع المؤنث السالم.

والأشهر فى «ذو» هذه ـ أعنى الموصولة ـ أن تكون مبنية ، ومنهم من يعربها : بالواو رفعا ، وبالألف نصبا ، وبالياء جرا ؛ فيقول : «جاءنى ذو قام ، ورأيت ذا قام ، ومررت بذى قام» فتكون مثل «ذى» بمعنى صاحب ، وقد روى قوله :

فإمّا كرام موسرون لقيتهم

فحسبى من ذى عندهم ما كفانيا [٤](١)

__________________

فمن استعمالها فى المفرد المذكر العاقل قول منظور بن سحيم الذى سيستشهد الشارح به ، وقول قوال الطائى :

فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا :

هلمّ فإنّ المشرفىّ الفرائض

يريد فقولا لهذا المرء الذى جاء ساعيا

ومن استعمالها فى المفرد المؤنث غير العاقل قول سنان بن الفحل الطائى :

فإنّ الماء ماء أبى وجدّى

وبئرى ذو حفرت وذو طويت

يريد : وبئرى التى حفرتها والتى طويتها ؛ لأن البئر مؤنثة بدون علامة تأنيث.

ومن استعمالها فى المفرد المذكر غير العاقل قول قوال الطائى أيضا :

أظنّك دون المال ذو جئت طالبا

ستلقاك بيض للنّفوس قوابض

(١) قد مضى شرح هذا البيت فى باب «المعرب والمبنى» (ش رقم ٤) شرحا


بالياء على الإعراب ، وبالواو على البناء.

وأما «ذات» فالفصيح فيها أن تكون مبنية على الضم رفعا ونصبا وجرا ، مثل «ذوات» ، ومنهم من يعربها إعراب مسلمات : فيرفعها بالضمة ، وينصبها وبجرها بالكسرة (١).

* * *

ومثل ما «ذا» بعد ما استفهام

أو من ، إذا لم تلغ فى الكلام (٢)

__________________

وافيا لا تحتاج معه إلى إعادة شىء منه هنا ، وقد ذكرنا هناك أن المؤلف سينشده مرة أخرى فى باب الموصول ، وأنه سيذكر فيه روايتين ، وقد بينا ثمة تخريج كل واحدة منهما ، ووجه الاستدلال بهما.

(١) قال ابن منظور : «قال شمر : قال الفراء : سمعت أعرابيا يقول : بالفضل ذو فضلكم الله به ، والكرامة ذات أكرمكم الله بها ؛ فيجعلون مكان الذى ذو ، ومكان التى ذات ، ويرفعون التاء على كل حال ، ويخلطون فى الاثنين والجمع ، وربما قالوا : هذا ذو تعرف ، وفى التثنية : هذان ذوا تعرف ، وهاتان ذوا تعرف ، وأنشد الفراء :

*وبئرى ذو حفرت وذو طويت* ومنهم من يثنى ، ويجمع ، ويؤنث ؛ فيقول : هذان ذوا قالا ، وهؤلاء ذوو قالوا ، وهذه ذات قالت ، وأنشد :

جمعتها من أينق موارق

ذوات ينهضن بغير سائق»

اه كلام ابن منظور ، وهو فى الأصل كلام الفراء.

(٢) «ومثل» خبر مقدم ، ومثل مضاف و «ما» مضاف إليه «ذا» مبتدأ مؤخر «بعد» ظرف متعلق بمحذوف حال من ذا ، وبعد مضاف و «ما» قصد لفظه : مضاف إليه ، وما مضاف و «استفهام» مضاف إليه «أو» حرف عطف «من» معطوف على ما «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «لم» حرف نفى وجزم وقلب «تلغ» فعل مضارع مبنى للمجهول ، مجزوم بحذف الألف والفتحة قبلها دليل عليها ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى ذا ، والجملة فى محل جر


يعنى أن «ذا» اختصّت من بين سائر أسماء الإشارة بأنها تستعمل موصولة ، وتكون مثل «ما» فى أنها تستعمل بلفظ [واحد] : للمذكر ، والمؤنث ـ مفردا كان ، أو مثنى ، أو مجموعا ـ فتقول : «من ذا عندك» و «ماذا عندك» سواء كان ما عنده مفردا مذكرا أو غيره.

وشرط استعمالها موصولة أن تكون مسبوقة بـ «ما» أو «من» الاستفهاميتين ، نحو «من ذا جاءك ، وما ذا فعلت» فمن : اسم استفهام ، وهو مبتدأ ، و «ذا» موصولة بمعنى الذى ، وهو خبر من ، و «جاءك» صلة الموصول ، والتقدير «من الذى جاءك»؟ وكذلك «ما» مبتدأ ، و «ذا» موصول [بمعنى الذى] ، وهو خبر ما ، و «فعلت» صلته ، والعائد محذوف ، تقديره «ماذا فعلته»؟ أى : ما الذى فعلته.

واحترز بقوله : «إذا لم تلغ فى الكلام» من أن تجعل «ما» مع «ذا» أو «من» مع «ذا» كلمة واحدة للاستفهام ، نحو «ماذا عندك؟» أى : أىّ شىء عندك؟ وكذلك «من ذا عندك؟» فماذا : مبتدأ ، و «عندك» خبره [وكذلك : «من ذا» مبتدأ ، و «عندك» خبره] فذا فى هذين الموضعين ملغاة ؛ لأنها جزء كلمة ؛ لأن المجموع استفهام.

* * *

وكلّها يلزم بعده صله

على ضمير لائق مشتمله (١)

__________________

بإضافة إذا إليها ، وهى فعل الشرط ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام ، وتقديره : ذا مثل ما حال كونها بعد ما أو من الاستفهاميتين ، إذا لم تلغ فى الكلام فهى كذلك ؛ وقوله «فى الكلام» جار ومجرور متعلق بقوله تلغ.

(٢) «وكلها» الواو للاستئناف ، كل : مبتدأ ، وكل مضاف والضمير مضاف إليه ومرجعه الموصولات الاسمية وحدها ، خلافا لتعميم الشارح ؛ لأنه نعت الصلة بكونها مشتملة على عائد ، وهذا خاص بصلة الموصول الاسمى ؛ ولأن المصنف لم يتعرض للموصول الحرفى هنا أصلا ، بل خص كلامه بالاسمى ، ألا ترى أنه بدأ الباب بقوله «موصول


الموصولات كلها ـ حرفية كانت ، أو اسمية ـ يلزم أن يقع بعدها صلة تبين معناها.

ويشترط فى صلة الموصول الاسمىّ أن تشتمل على ضمير لائق بالموصول : إن كان مفردا فمفرد ، وإن كان مذكرا فمذكر ، وإن كان غيرهما فغيرهما ، نحو «جاءنى الّذى ضربته» وكذلك المثنى والمجموع ، نحو «جاءنى اللّذان ضربتهما ، والّذين ضربتهم» وكذلك المؤنث ، تقول : «جاءت الّتى ضربتها ، واللّتان ضربتهما ، واللّاتى ضربتهنّ».

وقد يكون الموصول لفظه مفردا مذكرا ومعناه مثنى أو مجموعا أو غيرهما ، وذلك نحو «من ، وما» إذا قصدت بهما غير المفرد المذكر ؛ فيجوز حينئذ مراعاة اللفظ ، ومراعاة المعنى ؛ فتقول : «أعجبنى من قام ، ومن قامت ، ومن قاما ، ومن قامتا ، ومن قاموا ، ومن قمن» على حسب ما يعنى بهما.

* * *

وجملة أو شبهها الّذى وصل

به ، كمن عندى الّذى ابنه كفل (١)

__________________

الاسماء»؟ و «يلزم» فعل مضارع «بعده» بعد : ظرف متعلق بقوله يلزم ، وبعد مضاف والضمير العائد على كل مضاف إليه «صلة» فاعل يلزم «على ضمير» جار ومجرور متعلق بقوله «مشتملة» الآتى «لائق» نعت لضمير «مشتملة» نعت لصلة.

(١) «وجملة» خبر مقدم «أو شبهها» أو : حرف عطف ، شبه : معطوف على جملة ، وشبه مضاف والضمير مضاف إليه «الذى» اسم موصول مبتدأ مؤخر «وصل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على قوله «كلها» فى البيت السابق «به» جار ومجرور متعلق بقوله «وصل» وتقدير الكلام على هذا الوجه : والذى وصل به كل واحد من الموصولات السابق ذكرها جملة أو شبه جملة ، وقيل : قوله «جملة» مبتدأ ، وقوله «الذى» خبره ، ونائب فاعل وصل ليس ضميرا مستترا ، بل هو الضمير المجرور بالباء فى قوله «به» وليس هذا


صلة الموصول لا تكون إلا جملة أو شبه جملة ، ونعنى بشبه الجملة الظرف والجارّ والمجرور ، وهذا فى غير صلة الألف والّلام ، وسيأتى حكمها.

ويشترط فى الجملة الموصول بها ثلاثة شروط ؛ أحدها : أن تكون خبرية (١) ، الثانى : كونها خالية من معنى التعجب (٢) ، الثالث : كونها غير مفتقرة إلى كلام

__________________

الإعراب بجيد «كمن» الكاف جارة لمحذوف تقديره : كقولك ، ومن اسم موصول مبتدأ «عندى» عند : ظرف متعلق بفعل محذوف تقع جملته صلة ، وعند مضاف والضمير مضاف إليه «الذى» خبر المبتدأ «ابنه» ابن : مبتدأ ، وابن مضاف والضمير مضاف إليه «كفل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ابن» والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو قوله ابنه ، والجملة من المبتدأ وخبره لا محل لها من الإعراب صلة الذى.

(١) ذهب الكسائى إلى أنه يجوز أن تكون صلة الموصول جملة إنشائية ، واستدل على ذلك بالسماع ؛ فمن ذلك قول الفرزدق :

وإنّى لراج نظرة قبل الّتى

لعلّى ـ وإن شطّت نواها ـ أزورها

وقول جميل بن معمر العذرى المعروف بجميل بثينة :

وما ذا عسى الواشون أن يتحدّثوا

سوى أن يقولوا إنّنى لك عاشق

وزعم الكسائى أن جملة «لعلى أزورها» من لعل واسمها وخبرها صلة التى ، كما زعم أن «ما» فى قول جميل «وما ذا» اسم استفهام مبتدأ ، و «ذا» اسم موصول خبره ، وجملة عسى واسمها وخبرها صلة.

والجواب أن صلة التى فى البيت الأول محذوفة ، والتقدير : قبل التى أقول فيها لعلى إلخ ، وما ذا كلها فى البيت الثانى اسم استفهام مبتدأ ، وليس ثمة اسم موصول أصلا.

(٢) اختلف العلماء فى جملة التعجب : أخبرية هى أم إنشائية؟ فذهب قوم إلى أنها جملة إنشائية ، وهؤلاء جميعا قالوا : لا يجوز أن يوصل بها الاسم الموصول ؛ وذهب فريق إلى أنها خبرية ، وقد اختلف هذا الفريق فى جواز وصل الموصول بها ؛ فقال ابن خروف : يجوز ، وقال الجمهور : لا يجوز ؛ لأن التعجب ، إنما يتكلم به عند


قبلها ، واحترز بـ «الخبرية» من غيرها ، وهى الطّلبية والإنشائية ؛ فلا يجوز «جاءنى الّذى اضربه» خلافا للكسائى ، ولا «جاءنى الّذى ليته قائم» خلافا لهشام ، واحترز بـ «خالية من معنى التعجب» من جملة التعجب ؛ فلا يجوز «جاءنى الّذى ما أحسنه» وإن قلنا إنها خبرية ، واحترز «بغير مفتقرة إلى كلام قبلها» من نحو : «جاءنى الّذى لكنّه قائم» ؛ فإن هذه الجملة تستدعى سبق جملة أخرى ، نحو : «ما قعد زيد لكنّه قائم».

ويشترط فى الظرف والجار والمجرور أن يكونا تامّين ، والمعنىّ بالتامّ : أن يكون فى الوصل به فائدة ، نحو : «جاء الّذى عندك ، والّذى فى الدّار» والعامل فيهما فعل محذوف وجوبا ، والتقدير : «جاء الّذى استقرّ عندك» أو «الّذى استقرّ فى الدّار» فإن لم يكونا تامّين لم يجز الوصل بهما ؛ فلا تقول «جاء الّذى بك» ولا «جاء الّذى اليوم».

* * *

وصفة صريحة صلة أل

وكونها بمعرب الأفعال قلّ (١)

__________________

خفاء سبب ما يتعجب منه ؛ فإن ظهر السبب بطل العجب ، ولا شك أن المقصود بالصلة إيضاح الموصول وبيانه ، وكيف يمكن الإيضاح والبيان بما هو غير ظاهر فى نفسه؟ فلما تنافيا لم يصح ربط أحدهما بالآخر ، ويؤيد هذا التفصيل قول الشارح فيما بعد : «فلا يجوز جاءنى الذى ما أحسنه وإن قلنا إنها خبرية» فإن معنى هذه العبارة : لا يجوز أن تكون جملة التعجب صلة إن قلنا إنها إنشائية وإن قلنا إنها خبرية ؛ فلا تلتفت لما قاله الكاتبون فى هذا المقام مما يخالف هذا التحقيق.

(١) «وصفة» الواو للاستئناف ، صفة : خبر مقدم «صريحة» نعت لصفة «صلة» مبتدأ مؤخر ، وصلة مضاف و «أل» مضاف إليه «وكونها» كون : مبتدأ ، وهو من جهة الابتداء يحتاج إلى خبر ، ومن جهة كونه مصدرا لكان الناقصة يحتاج إلى اسم وخبر ، فالضمير المتصل به اسمه ، و «بمعرب» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبره من


الألف واللام لا توصل إلا بالصفة الصريحة ، قال المصنف فى بعض كتبه : وأعنى بالصفه الصريحة اسم الفاعل نحو : «الضارب» واسم المفعول نحو : «المضروب» والصفة المشبهة نحو : «الحسن الوجه» فخرج نحو : «القرشىّ ، والأفضل» وفى كون الألف واللام الداخلتين على الصفة المشبهة موصولة خلاف ، وقد اضطرب اختيار الشيخ أبى الحسن بن عصفور فى هذه المسألة ؛ فمرة قال : إنها موصولة ، ومرة منع ذلك (١).

وقد شذّ وصل الألف واللام بالفعل المضارع ، وإليه أشار بقوله : «وكونها بمعرب الأفعال قلّ» ومنه قوله :

__________________

حيث النقصان ، ومعرب مضاف ، و «الأفعال» مضاف إليه «قل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كونه الواقع مبتدأ ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

(١) للعلماء خلاف طويل فى جواز وصل أل بالصفة المشبهة ؛ فجمهورهم على أن الصفة المشبهة لا تكون صلة لأل ؛ فأل الداخلة على الصفة المشبهة عند هؤلاء معرفة لا موصولة ، والسر فى ذلك أن الأصل فى الصلات للأفعال ، والصفة المشبهة بعيدة الشبه بالفعل من حيث المعنى ، وذلك لأن الفعل يدل على الحدوث ، والصفة المشبهة لا تدل عليه ، وإنما تدل على اللزوم ، ويؤيد هذا أنهم اشترطوا فى اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة التى تقع صلة لأل أن يكون كل واحد منها دالا على الحدوث ، ولو دل أحدها على اللزوم لم يصح أن يكون صلة لأل ، بل تكون أل الداخلة عليه معرفة ، وذلك كالمؤمن والفاسق والكافر والمنافق ، وذهب قوم إلى أنه يجوز أن تكون الصفة المشبهة صلة لأل ؛ لأنها أشبهت الفعل من حيث العمل ـ وإن خالفته فى المعنى ـ ، أفلست ترى أنها ترفع الضمير المستتر ، والضمير البارز ، والاسم الظاهر ، كما يرفعها الفعل جميعا؟ وأجمعوا على أن أفعل التفضيل لا يكون صلة لأل ؛ لأنه لم يشبه الفعل لا من حيث المعنى ولا من حيث العمل ؛ أما عدم مشابهته الفعل من حيث المعنى فلأنه يدل على الاشتراك مع الزيادة والفعل يدل على الحدوث ، وأما عدم شبهه بالفعل من حيث العمل فلأن الفعل يرفع الضمير المستتر والبارز ، ويرفع الاسم الظاهر ، أما أفعل التفضيل فلا يرفع باطراد إلا الضمير المستتر ، ويرفع الاسم الظاهر فى مسألة واحدة هى المعروفة بمسألة الكحل.


(٣٠) ـ

ما أنت بالحكم التّرضى حكومته

ولا الأصيل ولا ذى الرّأى والجدل

__________________

٣٠ ـ هذا البيت للفرزدق ، من أبيات له يهجو بها رجلا من بنى عذرة ، وكان هذا الرجل العذرى قد دخل على عبد الملك بن مروان يمدحه ، وكان جرير والفرزدق والأخطل عنده ، والرجل لا يعرفهم ، فعرفه بهم عبد الملك ؛ فعاعتم العذرى أن قال :

فحيّا الإله أبا حزرة

وأرغم أنفك يا أخطل

وجدّ الفرزدق أتعس به

ودقّ خياشيمه الجندل

و «أبو حزرة» : كنبة جرير ، و «أرغم أنفك» : يدعو عليه بالذل والمهانة حتى يلصق أنفه بالرغام ـ وهو التراب ـ و «الجد» الحظ والبخت ، وفى قوله «وجد الفرزدق أتعس به» دليل على أنه يجوز أن يقع خبر المبتدأ جملة إنشائية ، وهو مذهب الجمهور ، وخالف فيه ابن الأنبارى ، وسنذكر فى ذلك بحثا فى باب المبتدأ والخبر فأجابه الفرزدق ببيتين ثانيهما بيت الشاهد ، والذى قبله قوله :

يا أرغم الله أنفا أنت حامله

يا ذا الخنى ومقال الزّور والخطل

اللغة : «الخنى» ـ بزنة الفتى ـ هو الفحش ، و «الخطل» ـ بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة ـ هو المنطق الفاسد المضطرب ، والتفحش فيه «الحكم» ـ بالتحريك ـ الذى يحكمه الخصمان كى يقضى بينهما ، ويفصل فى خصومتهما «الأصيل» ذو الحسب ، و «الجدل» شدة الخصومة.

المعنى : يقول : لست أيها الرجل بالذى يرضاه الناس للفصل فى أقضيتهم ، ولا أنت بذى حسب رفيع ، ولا أنت بصاحب عقل وتدبير سديد ، ولا أنت بصاحب جدل ، فكيف نرضاك حكما؟!.

الإعراب : «ما» نافية ، تعمل عمل ليس «أنت» اسمها «بالحكم» الباء زائدة الحكم : خبر ما النافية «الترضى» أل : موصول اسمى نعت للحكم ، مبنى على السكون فى محل جر «ترضى» فعل مضارع مبنى للمجهول «حكومته» حكومة : نائب فاعل لترضى ، وحكومة مضاف والضمير مضاف إليه ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «ولا» الواو حرف عطف ، لا : زائدة لتأكيد النفى «الأصيل» معطوف على الحكم «ولا»


وهذا عند جمهور البصريين مخصوص بالشعر ، وزعم المصنف ـ فى غير هذا الكتاب ـ أنه لا يختص به ، بل يجوز فى الاختيار ، وقد جاء وصلها بالجملة الاسمية ، وبالظرف شذوذا ؛ فمن الأول قوله :

(٣١) ـ

من القوم الرّسول الله منهم

لهم دانت رقاب بنى معدّ

__________________

مثل السابق «ذى» معطوف على الحكم أيضا ، وذى مضاف و «الرأى» مضاف إليه. «والجدل» معطوف على الرأى.

الشاهد فيه : قوله «الترضى حكومته» حيث أنى بصلة «أل» جملة فعلية فعلها مضارع ، ومثله قول ذى الخرق الطهوى :

يقول الخنى ، وأبغض العجم ناطقا

إلى ربّنا صوت الحمار اليجدّع

فيستخرج اليربوع من نافقائه

ومن جحره بالشيخة اليتقصّع

٣١ ـ هذا البيت من الشواهد التى لا يعرف قائلها ، قال العينى : «أنشده ابن مالك للاحتجاج به ، ولم يعزه إلى قائله» اه ، وروى البغدادى ببتا يشبه أن يكون هذا البيت ، ولم يعزه أيضا إلى قائل ، وهو :

بل القوم الرّسول الله فيهم

هم أهل الحكومة من قصىّ

اللغة : «دانت» ذلت ، وخضعت ، وانقادت «معد» هو ابن عدنان ، وبنو قصى هم قريش ، وبنو هاشم قوم النبى صلّى الله عليه وسلّم منهم

الإعراب : «من القوم الرسول الله» : الجار والمجرور متعلق بمحذوف يجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف ، ويكون تقدير الكلام : هو من القوم إلخ ، والألف واللام فى كلمة «الرسول» موصول بمعنى الذين صفة للقوم مبنى على السكون فى محل جر ، ورسول مبتدأ ، ورسول مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه «منهم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة أل الموصولة «لهم» جار ومجرور متعلق بقوله دانت الآتى «دانت» دان : فعل ماض ، والتاء تاء التأنيث «رقاب» فاعل دان ، ورقاب مضاف و «بنى» مضاف إليه ، وبنى مضاف و «معد» مضاف إليه.


..................................................................................

__________________

الشاهد فيه : قوله «الرسول الله منهم» حيث وصل أل بالجملة الاسمية ، وهى جملة المبتدأ والخبر ، وذلك شاذ.

ومن العلماء من يجيب عن هذا الشاهد ونحوه بأن «أل» إنما هى هنا بعض كلمة. وأصلها «الذين» فحذف ما عدا الألف واللام ، قال هؤلاء : ليس حذف بعض الكلمة وإبقاء بعضها بعجب فى العربية ، وهذا لبيد بن ربيعة العامرى يقول :

* درس المنا بمتالع فأبان*

أراد «المنازل» فحذف حرفين لغير ترخيم. وهذا رؤبة يقول :

* أوالفا مكة من ورق الحمى*

أراد «الحمام» فحذف الميم ثم قلب فتحة الميم كسرة والألف ياء ، وقد قال الشاعر ، وهو أقرب شىء إلى ما نحن بصدده :

وإنّ الّذى حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد

أراد «وإن الذين» بدليل ضمير جماعة الذكور فى قوله «دماؤهم» وقوله فيما بعد «هم القوم» وعليه خرجوا قول الله تعالى : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) أى كالذين خاضوا ـ وفى الآية تخريجان آخران ؛ أحدهما : أن الذى موصول حرفى كما ، أى وخضتم كخوضهم ، وثانيهما : أن الذى موصول اسمى صفة لموصوف محذوف ، والعائد إليه من الصلة محذوف أى : وخضتم كالخوض الذى خاضوه ـ قالوا : وربما حذف الشاعر الكلمة كلها ؛ فلم يبق منها إلا حرفا واحدا ، ومن ذلك قول الشاعر :

نادوهم : أن ألجموا ، ألاتا ،

قالوا جميعا كلّهم : ألافا

فإن هذا الراجز أراد فى الشطر الأول «ألا تركبون» فحذف ولم يبق إلا التاء ، وحذف من الثانى الذى هو الجواب فلم يبق إلا حرف العطف ، وأصله «ألا فاركبوا». وبعض العلماء يجعل الحروف التى تفتتح بها بعض سور القرآن ـ نحو ألم ، حم ، ص ـ من هذا القبيل ؛ فيقولون : ألم أصله : أنا الله أعلم ، أو ما أشبه ذلك ، وانظر مع هذا ما ذكرناه فى شرح الشاهد رقم ٣١٦ الآتى فى باب الترخيم.

قلت : وهذا الذى ذهبوا إليه ليس إلا قياما من ورطة للوقوع فى ورطة أخرى أشد


ومن الثانى قوله :

(٣٢) ـ

من لا يزال شاكرا على المعه

فهو حر بعيشة ذات سعه

__________________

منها وأنكى ؛ فهو تخلص من ضرورة إلى ضرورة أصعب منها مخلصا وأعسر نجاء. ولا يشك أحد أن هذا الحذف بجميع أنواعه التى ذكروها من الضرورات التى لا بسوغ القياس عليها ، ولذلك استبعد كثير تخريج الآية الكريمة التى تلوناها أولا على هذا الوجه كما استبعد كثيرون تخريجها على أن «الذى» موصول حرفى.

٣٢ ـ وهذا البيت ـ أيضا ـ من الشواهد التى لم ينسبوها إلى قائل معين.

اللغة : «المعه» يريد الذى معه «حر» حقيق ، وجدير ، ولائق ، ومستحق «سعة» بفتح السين ، وقد تكسر ـ اتساع ورفاهية ورغد.

المعنى : من كان دائم الشكر لله تعالى على ما هو فيه من خبر فإنه يستحق الزيادة ورغد العيش ، وهو مأخوذ من قوله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)

الإعراب : «من» اسم موصول مبتدأ «لا يزال» فعل مضارع ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على المبتدأ «شاكرا» خبر لا يزال ، والجملة من يزال واسمه وخبره لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «على» حرف جر «المعه» هو عبارة عن «أل» الموصولة بمعنى الذى ، وهى مجرورة المحل بعلى ، والجار والمجرور متعلق بشاكر ، ومع : ظرف متعلق بمحذوف واقع صلة لأل ، ومع مضاف والضمير مضاف إليه «فهو حر» الفاء زائدة ، و «هو» ضمير منفصل مبتدأ ، و «حر» خبره ، والجملة منهما فى محل رفع خبر المبتدأ ، وهو «من» فى أول البيت ، ودخلت الفاء على جملة الخبر لشبه المبتدأ بالشرط «بعيشة» جار ومجرور متعلق بقوله «حر» الرافع خبرا لهو «ذات» صفة لعيشة ، وذات مضاف و «سعة» مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة ، ولكنه سكنه للوقف.

الشاهد فيه : قوله «المعه» حيث جاء بصلة «أل» ظرفا ، وهو شاذ على خلاف القياس.

ومثل هذا البيت ـ فى وصل أل بالظرف شذوذا ـ قول الآخر :


أىّ كما ، وأعربت ما لم تضف

وصدر وصلها ضمير انحذف (١)

يعنى أن «أيا» مثل «ما» فى أنها تكون بلفظ واحد : للمذكر ، والمؤنث ـ مفردا كان ، أو مثنى ، أو مجموعا ـ نحو : «يعجبنى أيّهم هو قائم».

ثم إن «أيا» لها أربعة أحوال ؛ أحدها : أن تضاف ويذكر صدر صلتها ، نحو : «يعجبنى أيّهم هو قائم» الثانى : أن لا تضاف ولا يذكر صدر صلتها ، نحو : «يعجبنى أىّ قائم» الثالث : أن لا تضاف ويذكر صدر صلتها ، نحو : «يعجبنى أىّ هو قائم» وفى هذه الأحوال الثلاثة تكون معربة بالحركات الثلاث ، نحو : «يعجبنى أيّهم هو قائم ، ورأيت أيّهم هو قائم ، ومررت بأيّهم هو قائم» وكذلك : «أىّ قائم ، وأيّا قائم ، وأىّ قائم» وكذا ، «أىّ

__________________

وغيّرنى ما غال قيسا ومالكا

وعمرا وحجرا بالمشقّر ألمعا

يريد : الذين معه ، فاستعمل أل موصولة بمعنى الذين ، وهو أمر لا شىء فيه ، وأنى بصلتها ظرفا ، وهو شاذ ؛ فإن أل بجميع ضروبها وأنواعها مختصة بالأسماء ؛ وقال الكسائى فى هذا البيت : إن الشاعر يريد «معا» فزاد أل

(١) «أى» مبتدأ «كما» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر «وأعربت» الواو عاطفة ، أعرب : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء تاء التأنيث ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على «أى» «ما» مصدرية ظرفية «لم» حرف نفى وجزم «تضف» فعل مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على «أى» «وصدر» الواو واو الحال ، صدر : مبتدأ ، وصدر مضاف ووصل من «وصلها» مضاف إليه ، ووصل مضاف والضمير مضاف إليه «ضمير» خبر المبتدأ والجملة من المبتدأ والخبر فى محل نصب حال صاحبه الضمير المستتر فى تضف العائد على أى «انحذف» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ضمير» والتقدير : أى مثل ما ـ فى كونها موصولا صالحا لكل واحد من المفرد والمثنى والجمع مذكرا كان أو مؤنثا ـ وأعربت هذه الكلمة مدة عدم إضافتها فى حال كون صدر صلتها ضميرا محذوفا.


هو قائم ، وأيا هو قائم ، وأىّ هو قائم» الرابع ، أن تضاف ويحذف صدر الصلة ، نحو : «يعجبنى أيّهم قائم» ففى هذه الحالة تبنى على الضم ؛ فتقول : «يعجبنى أيّهم قائم ، ورأيت أيّهم قائم ، ومررت يأيّهم قائم» وعليه قوله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) وقول الشاعر :

(٣٣) ـ

إذا ما لقيت بنى مالك

فسلّم على أيّهم أفضل

__________________

٣٣ ـ هذا البيت ينسب لغسان بن وعلة أحد الشعراء المخضرمين من بنى مرة بن عباد ، وأنشده أبو عمرو الشيبانى فى كتاب الحروف ، وابن الأنبارى فى كتاب الإنصاف ، وقال قبل إنشاده : «حكى أبو عمرو الشيبانى عن غسان ـ وهو أحد من تؤخذ عنهم اللغة من العرب ـ أنه أنشد» وذكر البيت.

الإعراب : «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «ما» زائدة «لقيت» فعل وفاعل ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها ، وهى جملة الشرط «بنى» مفعول به للقى ، وبنى مضاف و «مالك» مضاف إليه «فسلم» الفاء داخلة فى جواب الشرط ، وسلم : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «على» حرف جر «أيهم» يروى بضم «أى» وبجره ، وهو اسم موصول على الحالين ؛ فعلى الضم هو مبنى ، وهو الأكثر فى مثل هذه الحالة ، وعلى الجر هو معرب بالكسرة الظاهرة ، وعلى الحالين هو مضاف والضمير مضاف إليه «أفضل» خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هو أفضل ، والجملة من المبتدأ وخبره لا محل لها صلة الموصول الذى هو أى.

الشاهد فيه : قوله «أيهم أفضل» حيث أتى بأى مبنيا على الضم ـ على الرواية المشهورة الكثيرة الدوران على ألسنة الرواة ـ لكونه مضافا ، وقد حذف صدر صلته وهو المبتدأ الذى قدرناه فى إعراب البيت ، وهذا هو مذهب سيبويه وجماعة من البصريين فى هذه الكلمة : يذهبون إلى أنها تأتى موصولة ، وتكون مبنية إذا اجتمع فيها أمران ؛ أحدهما أن تكون مضافة لفظا ، والثانى : أن يكون صدر صلتها محذوفا ؛ فإذا لم تكن مضافة أصلا ، أو كانت مضافة لكن ذكر صدر صلتها ؛ فإنها تكون معربة ، وذهب الخليل بن أحمد ويونس بن حبيب ـ وهما شيخان من شيوخ سيبويه ـ إلى أن


وهذا مستفاد من قوله : «وأعربت ما لم تضف ـ إلى آخر البيت» أى : وأعربت أىّ إذا لم تضف فى حالة حذف صدر الصلة ؛ فدخل فى هذه الأحوال الثلاثة السابقة ، وهى ما إذا أضيفت وذكر صدر الصلة ، أو لم تضف ولم يذكر صدر الصلة ، أو لم تضف وذكر صدر الصلة ، وخرج الحالة الرابعة ، وهى : ما إذا أضيفت وحذف صدر الصلة ، فإنها لا تعرب حينئذ.

* * *

وبعضهم أعرب مطلقا ، وفى

ذا الحذف أيّا غير أىّ يقتفى (١)

إن يستطل وصل ، وإن لم يستطل

فالحذف نزر ، وأبوا أن يختزل (٢)

__________________

أيا لا تجىء موصولة ، بل هى إما شرطية وإما استفهامية ، لا تخرج عن هذين الوجهين ، وذهب جماعة من الكوفيين إلى أنها قد تأنى موصولة ، ولكنها معربة فى جميع الأحوال ؛ أضيفت أو لم تضف ، حذف صدر صلتها أو ذكر.

(١) «وبعضهم» الواو للاستئناف ، بعض : مبتدأ ، وبعض مضاف والضمير مضاف إليه «أعرب» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى بعض ، والجملة من أعرب وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو بعضهم «مطلقا» حال من مفعول به لأعرب محذوف ، والتقدير : وبعضهم أعرب أيا مطلقا «وفى ذا» جار ومجرور متعلق بقوله «يقتفى» الآتى «الحذف» بدل من اسم الإشارة ، أو عطف بيان عليه ، أو نعت له «أيا» مفعول به لقوله «يقتفى» الآتى «غير» مبتدأ ، وغير مضاف و «أى» مضاف إليه «يقتفى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على المبتدأ ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، ومعنى الكلام : وبعض النحاة حكم بإعراب أى الموصولة فى جميع الأحوال ، وغير أى يقتفى ويتبع أيا فى جواز حذف صدر الصلة ، إذا كانت الصلة طويلة.

(٢) «إن» شرطية «يستطل» فعل مضارع مبنى للمجهول فعل الشرط «وصل» نائب فاعل ليستطل ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله ، وتقديره : إن يستطل


إن صلح الباقى لوصل مكمل

والحذف عندهم كثير منجلى (١)

فى عائد متّصل إن انتصب

بفعل ، أو وصف : كمن نرجو يهب (٢)

يعنى أن بعض العرب أعرب «أيا» مطلقا ، أى : وإن أضيفت وحذف

__________________

وصل فغير أى يقتفى أيا «وإن» الواو عاطفة ، إن شرطية «لم» حرف نفى وجزم وقلب «يستطل» فعل مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم ، وجملته فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى «وصل» «فالحذف» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، والحذف : مبتدأ «نزر» خبره ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط «وأبوا» فعل وفاعل «أن» مصدرية «يختزل» فعل مضارع مبنى للمجهول منصوب بأن ، وسكن للوقف ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى «وصل» والمراد أنهم امتنعوا عن تجويز الحذف ، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مفعول به لأبوا.

(١) «إن» شرطية «صلح» فعل ماض فعل الشرط مبنى على الفتح فى محل جزم ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله ، والتقدير : إن صلح الباقى بعد الحذف للوصل فقد أبوا الحذف «الباقى» فاعل صلح «لوصل» جار ومجرور متعلق بصلح «مكمل» نعت لوصل «والحذف» مبتدأ «عندهم» عند : ظرف متعلق بالحذف أو بكثير أو بمنجلى ، وعند مضاف والضمير العائد إلى العرب أو النحاة مضاف إليه «كثير» خبر المبتدأ «منجلى» خبر ثان ، أو نعت للخبر.

(٢) «فى عائد» جار ومجرور متعلق بكثير أو بمنجل فى البيت السابق «متصل» نعت لعائد «إن» شرطية «انتصب» فعل ماض فعل الشرط مبنى على الفتح فى محل جزم ، وسكن للوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يرجع إلى عائد «بفعل» جار ومجرور متعلق بانتصب «أو وصف» معطوف على فعل «كمن» الكاف جارة ، ومجرورها محذوف ، ومن : اسم موصول مبتدأ «نرجو» فعل مضارع ، مرفوع بضمة مقدرة على الواو ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن ، ومفعوله محذوف ، وهو العائد ، والتقدير كمن نرجوه ، والجملة لا محل لها صلة «يهب» فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة ، وسكن للوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «من» والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.


صدر صلتها ؛ فيقول : «يعجبنى أيّهم قائم ، ورأيت أيّهم قائم ، ومررت بأيّهم قائم» وقد قرىء (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ) بالنصب ، وروى* فسلم على أيّهم أفضل* [٣٣] بالجر.

* * *

وأشار بقوله : «وفى ذا الحذف ـ إلى آخره» إلى المواضع التى يحذف فيها العائد على الموصول ، وهو : إما أن يكون مرفوعا ، أو غيره ؛ فإن كان مرفوعا لم يحذف ، إلا إذا كان مبتدأ وخبره مفرد [نحو (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) وأيّهم أشدّ] ؛ فلا تقول : «جاءنى اللّذان قام» ولا «اللذان ضرب» ؛ لرفع الأول بالفاعليّة والثانى بالنيابة ، بل يقال : «قاما ، وضربا» وأما المبتدأ فيحذف مع «أى» وإن لم تطل الصلة ، كما تقدم من قولك : «يعجبنى أيّهم قائم» ونحوه ، ولا يحذف صدر الصلة مع غير «أى» إلا إذا طالت الصلة ، نحو «جاء الذى هو ضارب زيدا» فيجوز حذف «هو» فتقول «جاء الذى ضارب زيدا» ومنه قولهم «ما أنا بالذى قائل لك سوءا» التقدير «بالذى هو قائل لك سوءا» فإن لم تطل الصلة فالحذف قليل ، وأجازه الكوفيون قياسا ، نحو «جاء الذى قائم» التقدير «جاء الذى هو قائم» ومنه قوله تعالى : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) فى قراءة الرفع ، والتقدير «هو أحسن» (١).

__________________

(١) ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز حذف العائد المرفوع بالابتداء مطلقا ، أى سواء أكان الموصول أيا أم غيره ، وسواء أطالت الصلة أم لم تطل ، وذهب البصريون إلى جواز حذف هذا العائد إذا كان الموصول أيا مطلقا ، فإن كان الموصول غير أى لم يجيزوا الحذف إلا بشرط طول الصلة ؛ فالخلاف بين الفريقين منحصر فيما إذا لم تطل الصلة وكان الموصول غير أى ، فأما الكوفيون فاستدلوا بالسماع ؛ فمن ذلك قراءة يحيى بن يعمر : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) قالوا : التقدير على الذى هو أحسن ، ومن ذلك قراءة مالك ابن دينار وابن السماك : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) قالوا : التقدير : مثلا الذى هو بعوضة فما فوقها ، ومن ذلك قول الشاعر :


وقد جوزوا فى «لا سيّما زيد» إذا رفع زيد : أن تكون «ما» موصولة ، وزيد : خبرا لمبتدأ محذوف ، والتقدير «لاسىّ الذى هو زيد» فحذف العائد الذى هو المبتدأ ـ وهو قولك هو ـ وجوبا ؛ فهذا موضع حذف فيه صدر الصلة مع غير «أى» وجوبا ولم تطل الصلة ، وهو مقيس وليس بشاذ (١).

__________________

لا تنو إلّا الّذى خير ؛ فما شقيت

إلّا نفوس الألى للشّرّ ناوونا

قالوا : التقدير لا تنو إلا الذى هو خير ، ومن ذلك قول الآخر :

من يعن بالحمد لم ينطق بما سفه

ولا يحد عن سبيل المجد والكرم

قالوا : تقدير هذا البيت : من يعن بالحمد لم ينطق بالذى هو سفه ، ومن ذلك قول عدى بن زيد العبادى :

لم أر مثل الفتيان فى غبن

الأيّام يدرون ما عواقبها

قالوا : ما موصولة ، والتقدير : يدرون الذى هو عواقبها.

وبعض هذه الشواهد يحتمل وجوها من الإعراب غير الذى ذكروه ، فمن ذلك أن «ما» فى الآية الثانية يجوز أن تكون زائدة ، وبعوضة خبر مبتدأ محذوف ، ومن ذلك أن «ما» فى بيت عدى بن زيد يحتمل أن تكون استفهامية مبتدأ ، وما بعدها خبر ، والجملة فى محل نصب مفعول به ليدرون ، وقد علق عنها لأنها مصدرة بالاستفهام ، والكلام يطول إذا نحن تعرضنا لكل واحد من هذه الشواهد ، فلنجتزىء لك بالإشارة.

(١) الاسم الواقع بعد «لا سيما» إما معرفة ، كأن يقال لك : أكرم العلماء لا سيما الصالح منهم ، وإما نكرة ، كما فى قول امرىء القيس :

ألا ربّ يوم صالح لك منهما

ولا سيّما يوم بدارة جلجل

فإن كان الاسم الواقع بعد «لا سيما» نكرة جاز فيه ثلاثة أوجه : الجر ، وهو أعلاها ، والرفع وهو أقل من الجر ، والنصب ، وهو أقل الأوجه الثلاثة.

فأما الجر فتخريجه على وجهين ؛ أحدهما : أن تكون «لا» نافية للجنس و «سى» اسمها منصوب بالفتحة الظاهرة ، و «ما» زائدة ، وسى مضاف ، و «يوم» مضاف


..................................................................................

__________________

إليه ، وخبر لا محذوف ، والتقدير : ولا مثل يوم بدارة جلحل موجود ، والوجه الثانى أن تكون «لا» نافية للجنس أيضا ، و «سى» اسمها منصوب بالفتحة الظاهر. وهو مضاف و «ما» نكرة غير موصوفة مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر ، و «يوم» بدل من ما.

وأما الرفع فتخريجه على وجهين أيضا ، أحدهما : أن تكون «لا» نافية للجنس أيضا و «سى» اسمها ، و «ما» نكرة موصوفة مبنى على السكون فى محل جر بإضافة «سى» إليها ، و «يوم» خبر مبتدأ حذوف ، والتقدير : هو يوم ، وخبر لا محذوف ، وكأنك قلت : ولا مثل شىء عظيم هو يوم بدارة جلجل موجود ، والوجه الثانى ، أن تكون «لا» نافية للجنس أيضا ، و «سى» اسمها ، و «ما» موصول اسمى بمعنى الذى مبنى على السكون فى محل جر بإضافة «سى» إليه ، و «يوم» خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير هو يوم ، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ؛ وخبر «لا» محذوف ، وكأنك قلت : ولا مثل الذى هو يوم بدارة جلجل موجود. وهذا الوجه هو الذى أشار إليه الشارح.

وأما النصب فتخريجه على وجهين أيضا ، أحدهما : أن تكون «ما» نكرة غير موصوفة وهو مبنى على السكون فى محل جر بإضافة «سى» إليها ، و «يوما» مفعول به لفعل محذوف ، وكأنك قلت : ولا مثل شىء أعنى يوما بدارة جلجل ، وثانيهما : أن تكون «ما» أيضا نكرة غير موصوفة وهو مبنى على السكون فى محل جر بالإضافة ، و «يوما» تمييز لها

وإن كان الاسم الواقع بعدها معرفة كالمثال الذى ذكرناه فقد أجمعوا على أنه يجوز فيه الجر والرفع ، واختلفوا فى جواز النصب ؛ فمن جعله بإضمار فعل أجاز كما أجاز فى النكرة ، ومن جعل النصب على التمييز وقال إن التمييز لا يكون إلا نكرة منع النصب فى المعرفة ؛ لأنه لا يجوز عنده أن تكون تمييزا ، ومن جعل نصبه على التمييز وجوز أن يكون التمييز معرفة كما هو مذهب جماعة الكوفيين جوز نصب المعرفة بعد «سيما».

والحاصل أن نصب المعرفة بعد «لا سيما» لا يمتنع إلا بشرطين : التزام كون المنصوب تمييزا ، والتزام كون التمييز نكرة.


وأشار بقوله «وأبوا أن يختزل* إن صلح الباقى لوصل مكمل» إلى أن شرط حذف صدر الصلة أن لا يكون ما بعده صالحا لأن يكون صلة ، كما إذا وقع بعده جملة ، نحو «جاء الذى هو أبوه منطلق» ، أو «هو ينطلق» أو ظرف ، أو جار ومجرور ، تامّان ، نحو «جاء الّذى هو عندك» أو «هو فى الدّار» ؛ فإنه لا يجوز فى هذه المواضع حذف صدر الصّلة ؛ فلا تقول «جاء الّذى أبوه منطلق» تعنى «الذى هو أبوه منطلق» ؛ لأن الكلام يتمّ دونه ، فلا يدرى أحذف منه شىء أم لا؟ وكذا بقية الأمثلة المذكورة ، ولا فرق فى ذلك بين «أى» وغيرها ؛ فلا تقول فى «يعجبنى أيّهم هو يقوم» : «يعجبنى أيّهم يقوم» لأنه لا يعلم الحذف ، ولا يختص هذا الحكم بالضمير إذا كان مبتدأ ، بل الضابط أنه متى احتمل الكلام الحذف وعدمه لم يجز حذف العائد ، وذلك كما إذا كان فى الصلة ضمير ـ غير ذلك الضمير المحذوف ـ صالح لعوده على الموصول ، نحو «جاء الذى ضربته فى داره» ؛ فلا يجوز حذف الهاء من ضربته ؛ فلا تقول : «جاء الذى ضربت فى داره» لأنه لا يعلم المحذوف.

وبهذا يظهر لك ما فى كلام المصنف من الإيهام ؛ فإنه لم يبيّن أنه متى صلح ما بعد الضمير لأن يكون صلة لا يحذف ، سواء أكان الضمير مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا ، وسواء أكان الموصول أيّا أم غيرها ، بل ربما يشعر ظاهر كلامه بأن الحكم مخصوص بالضمير المرفوع ، وبغير أى من الموصولات ؛ لأن كلامه فى ذلك ، والأمر ليس كذلك ، بل لا يحذّف مع «أى» ولا مع غيرها متى صلح ما بعدها لأن يكون صلة كما تقدم ، نحو «جاء الذى هو أبوه منطلق ، ويعجبنى أيّهم هو أبوه منطلق» وكذلك المنصوب والمجرور ، نحو «جاءنى الذى ضربته فى داره ، ومررت بالذى مررت به فى داره» ، و «يعجبنى أيّهم ضربته فى داره ، ومررت بأبيهم مررت به فى داره».

* * *


وأشار بقوله : «والحذف عندهم كثير منجلى ـ إلى آخره» إلى العائد لمنصوب.

وشرط جواز حذفه أن يكون : متصلا ، منصوبا ، بفعل تام أو بوصف ، نحو «جاء الّذى ضربته ، والّذى أنا معطيكه درهم».

فيجوز حذف الهاء من «ضربته» فتقول «جاء الذى ضربت» ومنه قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) وقوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) التقدير «خلقته ، وبعثه» (١).

وكذلك يجوز حذف الهاء من «معطيكه» ؛ فتقول «الذى أنا معطيك درهم» ومنه قوله :

(٣٤) ـ

ما الله موليك فضل فاحمدنه به

فما لدى غيره نفع ولا ضرر

تقديره : الذى الله موليكه فضل ، فحذفت الهاء.

__________________

(١) لم يذكر الشارح شيئا من الشواهد من الشعر العربى على جواز حذف العائد المنصوب بالفعل المتصرف ، بل اكتفى بذكر الآيتين الكريمتين ؛ لأن مجيئه فى القرآن دليل على كثرة استعماله فى الفصيح ، ومن ذلك قول عروة بن حزام :

وما هو إلّا أن أراها فجاءة

فأبهت حتّى ما أكاد أجيب

وأصرف عن جهى الّذى كنت أرتئى

وأنسى الّذى أعددت حين أجيب

أراد أن يقول : أصرف عن وجهى الذى كنت أرتئيه ، وأنسى الذى أعددته ، فحذف العائد المنصوب بأرتئى وبأعددت ، وكل منهما فعل تام متصرف :

٣٤ ـ هذا البيت من الشواهد التى ذكروها ولم ينسبوها إلى قائل معين.

اللغة : «موليك» اسم فاعل من أولاه النعمة ، إذا أعطاه إياها «فضل» إحسان.

المعنى : الذى يمنحك الله من النعم فضل منه عليك ، ومنة جاءتك من عنده من غير


..................................................................................

__________________

أن تستوجب عليه سبحانه شيئا من ذلك ؛ فاحمد ربك عليه ، واعلم أنه هو الذى ينفعك ويضرك ، وأن غيره لا يملك لك شيئا من نفع أو ضر.

الإعراب : «ما» اسم موصول مبتدأ «الله» مبتدأ «موليك» مولى : خبر عن لفظ الجلالة ، وله فاعل مستتر فيه عائد على الاسم الكريم ، والكاف ضمير المخاطب مبنى على الفتح فى محل جر بالإضافة ، وهو المفعول الأول ، وله مفعول ثان محذوف وهو العائد على الموصول ، والتقدير : موليكه ، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «خير» خبر عن «ما» الموصولة «فاحمدنه» الفاء عاطفة ، احمد : فعل أمر. وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والنون نون التوكيد ، والضمير البارز المتصل مفعول به «به» جار ومجرور متعلق باحمد «فما» الفاء للتعليل ، وما : نافية تعمل عمل ليس «لدى» ظرف متعلق بمحذوف خبر «ما» مقدم على اسمها ، وجاز تقديمه لأنه ظرف يتوسع فيه ، ولدى مضاف وغير من «غيره» مضاف إليه ، وغير مضاف وضمير الغائب العائد على الله مضاف إليه «نفع» اسم «ما» مؤخر «ولا» الواو عاطفة. ولا : نافية «ضرر» معطوف على نفع ، ويجوز أن تكون «ما» نافية مهملة ، و «لدى» متعلق بمحذوف خبر مقدم ، و «نفع» مبتدأ مؤخر.

الشاهد فيه : قوله : «ما الله موليك» حيث حذف الضمير العائد على الاسم الموصول لأنه منصوب بوصف ، وهذا الوصف اسم فاعل ، وأصل الكلام : ما الله موليكه ، أى : بالشىء الذى الله تعالى معطيكه هو فضل وإحسان منه عليك.

واعلم أنه يشترط فى حذف العائد المنصوب بالوصف ألا يكون هذا الوصف صلة لأل فإن كان الوصف صلة لأل كان الحذف شاذا ، كما فى قول الشاعر :

ما المستفزّ الهوى محمود عاقبة

ولو أتيح له صفو بلا كدر

كان ينبغى أن يقول : ما المستفزه الهوى محمود عاقبة ، فحذف الضمير المنصوب مع ان ناصبه صلة لأل ، ومثله قول الآخر :

فى المعقب البغى أهل البغى ما

ينهى امرأ حازما أن يسأما

أراد أن يقول : فى المعقبه البغى ، فلم يتسع له.

وإنما يمتنع حذف المنصوب بصلة أل إذا كان هذا المنصوب عائدا على أل نفسها ؛ لأنه هو الذى يدل على اسمية أل ، فإذا حذف زال الدليل على ذلك.


وكلام المصنف يقتضى أنه كثير ، وليس كذلك ؛ بل الكثير حذفه من الفعل المذكور ، وأما [مع] الوصف فالحذف منه قليل.

فإن كان الضمير منفصلا (١) لم يجز الحذف ، نحو «جاء الذى إيّاه ضربت» فلا يجوز حذف «إياه» وكذلك يمتنع الحذف إن كان متصلا منصوبا بغير فعل أو وصف ـ وهو الحرف ـ ـ نحو «جاء الذى إنّه منطلق» فلا يجوز حذف

__________________

(١) الذى لا يجوز حذفه هو الضمير الواجب الانفصال ، فأما الضمير الجائز الانفصال فيجوز حذفه ، وإنما يكون الضمير واجب الانفصال إذا كان مقدما على عامله كما فى المثال الذى ذكره الشارح ، أو كان مقصورا عليه كقولك : جاء الذى ما ضربت إلا إياه ، والسر فى عدم جواز حذفه حينئذ أن غرض المتكلم يفوت بسبب حذفه ، ألا ترى أنك إذا قلت «جاء الذى إياه ضربت» كان المعنى : جاء الذى ضربته ولم أضرب سواه ، فإذا قلت «جاء الذى ضربت» صار غير دال على أنك لم تضرب سواه ، وكذلك الحال فى قولك «جاء الذى ما ضربت إلا إياه» فإنه بدل على أنك قد ضربت هذا الجائى ولم تضرب غيره ، فإذا قلت : «جاء الذى ما ضربت» دل الكلام على أنك لم تضرب هذا الجائى فحسب.

فأما المنفصل جوازا فيجوز حذفه ، والدليل على ذلك قول الشاعر :

* ما الله موليك فضل فاحمدنه به*

فإن التقدير يجوز أن يكون «ما الله موليكه» ويجوز أن يكون «ما الله موليك إياه» وقد عرفت فيما سبق (فى مباحث الضمير) السر فى جواز الوجهين ، ومما يدل على جواز حذف الجائز الانفصال قول الله تعالى : (فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) فإنه يجوز أن يكون التقدير «بالذى آتاهموه ربهم» وأن يكون التقدير «بالذى آتاهم إياه ربهم» والثانى أولى ؛ فيحمل عليه تقدير الآية الكريمة ، وكذلك قول الله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) فإنه يجوز أن يكون التقدير «ومن الذى رزقناهموه» كما يجوز أن يكون التقدير «ومن الذى رزقناهم إياه».


الهاء (١) ، وكذلك يمتنع الحذف إذا كان منصوبا [متصلا] بفعل ناقص ، نحو «جاء الذى كانه زيد».

* * *

كذاك حذف ما بوصف خفضا

كأنت قاض بعد أمر من قضى (٢)

كذا الّذى جرّ بما الموصول جر

ك «مرّ بالّذى مررت فهو بر» (٣)

__________________

(١) إنما قال الشارح «فلا يجوز حذف الهاء» إشارة إلى أن الممنوع هو حذف الضمير المنصوب بالحرف مع إبقاء الحرف ، فأما إذا حذفت الضمير والحرف الناصب له جميعا فإنه لا يمتنع ، ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) هذا إذا قدرت أصل الكلام : (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أنهم شركائى ، على حد قول كثير :

وقد زعمت أنّى تغيّرت بعدها

ومن ذا الّذى يا عزّ لا يتغيّر؟

فإن قدرت الأصل «الذين كنتم تزعمونهم شركائى» لم يكن من هذا النوع.

(٢) «كذاك» الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، والكاف حرف خطاب «حذف» مبتدأ مؤخر ، وحذف مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر «بوصف» جار ومجرور متعلق بقوله «خفض» الآتى «خفضا» خفض : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» والجملة لا محل لها من الإعراب صلة «كأنت» الكاف جارة لقول محذوف ، أى كقولك ، أنت : مبتدأ «قاض» خبر المبتدأ «بعد» ظرف متعلق بمحذوف نعت للقول الذى قدرناه مجرورا بالكاف ، وبعد مضاف و «أر» مضاف إليه «من قضى» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لأمر ، أى : بعد فعل أمر مشتق من مادة قضى ، يشر إلى قوله تعالى : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) كما قال الشارح.

(٣) «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «الذى» اسم موصول مبتدأ مؤخر «جر» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «الذى» والجملة لا محل لها صلة «بما» جار ومجرور متعلق


لما فرغ من الكلام على الضمير المرفوع والمنصوب شرع فى الكلام على المجرور ، وهو إما أن يكون مجرورا بالإضافة ، أو بالحرف.

فإن كان مجرورا بالإضافة لم يحذف ، إلا إذا كان مجرورا بإضافة اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال ، نحو «جاء الذى أنا ضاربه : الآن ، أو غدا» ؛ فتقول : جاء الذى أنا ضارب ، بحذف الهاء.

وإن كان مجرورا بغير ذلك لم يحذف ، نحو «جاء الذى أنا غلامه ، أو أنا مضروبه ، أو أنا ضاربه أمس» وأشار بقوله : «كأنت قاض» إلى قوله تعالى : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) التقدير «ما أنت قاضيه» فحذفت الهاء ، وكأنّ المصنف استغنى بالمثال عن أن يقيّد الوصف بكونه اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال.

وإن كان مجرورا بحرف فلا يحذف إلا إن دخل على الموصول حرف مثله : لفظا ومعنى ، واتفق العامل فيهما مادة ، نحو : «مررت بالذى مررت به ، أو أنت مارّ به» فيجوز حذف الهاء ؛ فتقول : «مررت بالذى مررت» قال الله تعالى : (وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) أى : منه ، وتقول : «مررت بالذى أنت مارّ» أى به ، ومنه قوله :

__________________

بالفعل الذى قبله «الموصول» مفعول مقدم لجر الآتى «جر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» والجملة لا محل لها صلة «كمر» الكاف جارة لقول محذوف ، وهى ومجرورها يتعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كقولك ، مر : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بالذى» جار ومجرور متعلق بمر السابق «مررت» فعل وفاعل. والجملة لا محل لها صلة ، والعائد محذوف تقديره «به» وقوله : «فهو بر» الفاء واقعة فى جواب شرط محذوف ، وهو : ضمير منفصل مبتدأ ، بر : خبر المبتدأ. وجملة المبتدأ وخبره فى محل جزم جواب ذلك الشرط المحذوف.


(٣٥) ـ

وقد كنت تخفى حبّ سمراء حقبة

فبح لان منها بالّذى أنت بائح

أى : أنت بائح به.

__________________

٣٥ ـ هذا البيت لعنترة بن شداد العبسى ، الشاعر المشهور والفارس المذكور ، من كلمة مطلعها :

طربت وهاجتك الظّباء السّوانح

غداة غدت منها سنيح وبارح

تغالت بى الأشواق حتّى كأنّما

بزندين فى جو فى من الوجد قادح

اللغة : «طربت» الطرب : خفة تعتريك من سرور أو حزن «هاجتك» أثارت همك ، وبعثت شوقك «الظباء» جمع ظبى «السوانح» جمع سانح ، وهو ما أتاك عن يمينك فولاك مياسره من ظبى أو طير أو غيرهما ، ويقال له : سنيح «بارح» هو ضد السانح ، وهو ما أتاك عن يسارك فولاك ميامنه «قادح» اسم فاعل من قدح الزند قدحا ، إذا ضربه لتخرج منه النار «حقبة» ـ بكسر فسكون ـ فى الأصل تطلق على ثمانين عاما ، وقد أراد بها المدة الطويلة «فبح» أمر من «باح بالأمر يبوح به» : أى أعلنه وأظهره «لان» أى الآن ، فحذف همزة الوصل والهمزة التى بعدم اللام ، ثم فتح اللام لمناسبة الألف ، وقيل : بل هى لغة فى الآن ، ومثله قول جرير بن عطية :

ألان وقد نزعت إلى نمير

فهذا حين صرت لهم عذابا

وقول الآخر :

ألا يا هند هند بنى عمير

أرثّ لان وصلك أم جديد؟

وقول أشجع السلمى :

ألان استرحنا واستراحت ركابنا

وأمسك من يجدى ومن كان يجتدى

وروى الأعلم بيت الشاهد :

تعزّيت عن ذكرى سميّة حقبة

فبح عنك منها بالذى أنت بائح

وأنشده الأخفش كما فى الشرح ، وهو كذلك فى المشهور من شعر عنترة.

الإعراب : «قد» حرف تحقيق «كنت» كان : فعل ماض ناقص ، وتاء


فإن اختلف الحرفان لم يجز الحذف ، نحو : «مررت بالّذى غضبت عليه» فلا يجوز حذف «عليه» وكذلك «مررت بالذى مررت به على زيد» فلا يجوز حذف «به» منه ؛ لاختلاف معنى الحرفين ؛ لأن الباء الداخلة على الموصول للالصاق ، والداخلة على الضمير للسببية ، وإن اختلف العاملان لم يجز الحذف أيضا ، نحو : «مررت بالّذى فرحت به» فلا يجوز حذف «به».

وهذا كله هو المشار إليه بقوله : «كذا الذى جرّ بما الموصول جرّ» أى كذلك يحذف الضمير الذى جرّ بمثل ما جرّ الموصول به (١) ، نحو : «مررت

__________________

المخاطب اسمه مبنى على الفتح فى محل رفع «تخفى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة من تخفى وفاعله خبر «كان» فى محل نصب «حب» مفعول به لتخفى ، وحب مضاف و «سمراء» مضاف إليه «حقبة» ظرف زمان متعلق بتخفى «فبح» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لان» ظرف زمان متعلق ببح «بالذى» جار ومجرور متعلق ببح أيضا «أنت بائح» مبتدأ وخبر ، والجملة منهما لا محل لها صلة الموصول المجرور محلا بالباء ، والعائد محذوف ، وتقدير الكلام : فبح الآن بالذى أنت بائح به.

الشاهد فيه : قوله «بالذى أنت بائح» حيث استساغ الشاعر حذف العائد المجرور على الموصول من جملة الصلة ؛ لكونه مجرورا بمثل الحرف الذى جر الموصول ـ وهو الباء ـ والعامل فى الموصول متحد مع العامل فى العائد مادة : الأول «بح» والثانى «بائح» ومعنى : لأنهما جميعا من البوح بمعنى الإظهار والإعلان.

(١) ومثله أن يكون الموصول وصفا لاسم ، وقد جر هذا الموصوف بحرف مثل الذى مع العائد ، ومنه قول كعب بن زهير :

إن تعن نفسك بالأمر الّذى عنيت

نفوس قوم سموا تظفر بما ظفروا

لا تركننّ إلى الأمر الّذى ركنت

أبناء يعصر حين اضطرّها القدر


بالّذى مررت فهو بر» أى : «بالذى مررت به» فاستغنى بالمثال عن ذكر بقية الشروط التى سبق ذكرها.

* * *

__________________

ففى كل بيت من هذين البيتين شاهد لما ذكرناه.

أما البيت الأول فإن الشاهد فيه قوله «بالأمر الذى عنيت» فإن التقدير فيه : بالأمر الذى عنيت به ، فحذف المجرور ثم الجار ؛ لكون الموصوف بالموصول مجرورا بمثل الذى جر ذلك العائد.

وأما البيت الثانى فالشاهد فيه قوله «إلى الأمر الذى ركنت» فإن تقدير الكلام : إلى الأمر الذى ركنت إليه ، فحذف المجرور ، ثم حذف الجار ؛ لكون الموصوف ـ وهو الأمر ـ مجرورا بحرف مماثل للحرف الذى جر به ذلك العائد.

* * *


المعرّف بأداة التّعريف

أل حرف تعريف ، أو اللّام فقط ،

فنمط عرّفت قل فيه : «النّمط» (١)

اختلف النحويون فى حرف التعريف فى «الرجل» ونحوه ؛ فقال الخليل المعرّف هو «أل» ، وقال سيبويه : هو اللام وحدها ؛ فالهمزة عند الخليل همزة قطع ، وعند سيبويه همزة وصل اجتلبت للنطق بالساكن (٢).

__________________

(١) «أل» مبتدأ «حرف» خبر المبتدأ ، وحرف مضاف و «تعريف» مضاف إليه «أو» عاطفة «اللام» مبتدأ ، وخبره محذوف يدل عليه ما قبله ، والتقدير : أو اللام حرف تعريف «فقط» الفاء حرف زائد لتزيين اللفظ ، وقط : اسم بمعنى حسب ـ أى كاف ـ حال من «اللام» وتقدير الكلام : أو اللام حال كونه كافيك ، أو الفاء داخلة فى جواب شرط محذوف و «قط» على هذا إما اسم فعل أمر بمعنى انته! وتقدير الكلام «إذا عرفت ذلك فانته» وإما اسم بمعنى كاف خبر لمبتدأ محذوف ، أى إذا عرفت ذلك فهو كافيك ، وقوله «نمط» مبتدأ «عرفت» فعل وفاعل ، والجملة فى محل رفع نعت لنمط «قل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «فيه» جار ومجرور متعلق بقل «النمط» مفعول به لقل ؛ لأنه مقصود لفظه ، وقيل : إن «عرفت» فعل شرط حذفت أداته ، وجملة «قل» جواب الشرط حذفت منه الفاء ، والتقدير : نمط إن عرفته فقل فيه النمط ، أى إن أردت تعريفه ، وجملة الشرط وجوابه ـ على هذا ـ خبر المبتدأ ، وهو تكلف لا داعى له.

(٢) ذهب الخليل إلى أن أداة التعريف هى «أل» برمتها ، وأن الهمزة همزة أصلية ، وأنها همزة قطع ؛ بدليل أنها مفتوحة ؛ إذ لو كانت همزة وصل لكسرت ؛ لأن الأصل فى همزة الوصل الكسر ، ولا تفتح أو تضم إلا لعارض ، وليس هنا عارض يقتضى ضمها أو فتحها ؛ وبقى عليه أن يجيب عما دعا إلى جعلها فى الاستعمال همزة وصل ،


والألف واللام المعرّفة تكون للعهد ، كقولك : «لقيت رجلا فأكرمت الرّجل» وقوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ، فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) ولاستغراق الجنس ، نحو : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) وعلامتها أن يصلح موضعها «كلّ» ولتعريف الحقيقة ، نحو : «الرّجل خير من المرأة» أى : هذه الحقيقة خير من هذه الحقيقة.

و «النمط» ضرب من البسط ، والجمع أنماط ـ مثل سبب وأسباب ـ والنّمط ـ أيضا ـ الجماعة من الناس الذين أمرهم واحد ، كذا فاله الجوهرى.

* * *

وقد تزاد لازما : كالّلات ،

والآن ، والّذين ، ثمّ الّلات (١)

ولاضطرار : كبنات الأوبر

كذا ، «وطبت النّفس يا قيس» السّرى (٢)

__________________

والجواب عنده أنها إنما صارت همزة وصل فى الاستعمال ؛ لقصد التخفيف الذى اقتضاه كثرة استعمال هذا اللفظ. وذهب سيبويه رحمه الله إلى أن أداة التعريف هى اللام وحدها ، وأن الهمزة زائدة ، وأنها همزة وصل أتى بها توصلا إلى النطق بالساكن ، فإن قيل : فلماذا أتى بالهمزة ليتوصل بها إلى النطق بالساكن ولم تتحرك اللام؟ أجيب عن ذلك بأنها لو حركت لكانت إما أن تحرك بالكسر فتلتبس بلام الجر ، أو بالفتح فتلتبس بلام الابتداء ، أو بالضم فتكون مما لا نظير له فى العربية ؛ فلأجل ذلك عدل عن تحريك اللام ، وأبقيت على أصل وضعها. وجىء بهمزة الوصل قبلها.

(١) «قد» حرف تقليل «تزاد» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى «أل» «لازما» حال من مصدر الفعل السابق ، وتقديره : تزاد حال كون الزيد لازما ، وقيل : هو مفعول مطلق ؛ وهو وصف لمصدر محذوف : أى زيدا لازما ، وأنكر هذا ابن هشام على المعربين «كاللات» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كاللات «والآن ، والذين ، ثم اللات» معطوفات على اللات.

(٢) «لاضطرار» جار ومجرور متعلق بتزاد «كبنات» الكاف جارة لقول


ذكر المصنف فى هذين البيتين أن الألف واللام تأتى زائدة ، وهى ـ فى زيادتها ـ على قسمين : لازمة ، وغير لازمة.

ثم مثّل الزائدة اللازمة بـ «اللات» (١) وهو اسم صنم كان بمكة ، وب «الآن» وهو ظرف زمان مبنى على الفتح (٢) ، واختلف فى الألف واللام الداخلة عليه ؛

__________________

محذوف ، وهى ومجرورها يتعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كقولك إلخ ، وبنات مضاف و «الأوبر» مضاف إليه «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ من مادة القول محذوف أيضا «طبت» فعل وفاعل «النفس» تمييز «يا» حرف نداء «قيس» منادى مبنى على الضم فى محل نصب «السرى» نعت له ، وتقدير الكلام : وقولك : «طبت النفس يا قيس» كذلك.

(١) مثل اللات كل علم قارنت «أل» وضعه لمعناه العلمى ، سواء أكان مرتجلا أم كان منقولا ؛ فمثال المرتجل من الأعلام التى فيها «أل» وقد قارنت وضعه : السموأل ، وهو اسم شاعر جاهلى مشهور يضرب به المثل فى الوفاء ، ومثال المنقول من الأعلام التى فيها «أل» وقد قارنت وضعه للعلمية أيضا : العزى ، وهو فى الأصل مؤنث الأعز وصف من العزة ، ثم سمى به صنم أو شجرة كانت غطفان تعبدها ، ومنه اللات ؛ وهو فى الأصل اسم فاعل من لت السويق يلته ؛ ثم سمى به صنم ؛ وأصله بتشديد التاء ؛ فلما سمى به خففت تاؤه ؛ لأن الأعلام كثيرا ما يغير فيها ، ومنه «اليسع» فإن أصله فعل مضارع ماضيه وسع ثم سمى به.

(٢) أكثر النحاة على أن «الآن» مبنى على الفتح ؛ ثم اختلفوا فى سبب بنائه؟ فذهب قوم إلى أن علة بنائه تضمنه معنى «أل» الحضورية ؛ وهذا الرأى هو الذى نقله الشارح عن المصنف وجماعة ؛ وهؤلاء يقولون : إن «أل» الموجودة فيه زائدة ؛ وبناؤه لتضمنه معنى «أل» أخرى غير موجودة ؛ ونظير ذلك بناء «الأمس» فى قول نصيب بن رباح :

وإنّى وقفت اليوم والأمس قبله

ببابك حتّى كادت الشّمس تغرب

فإنهم جعلوا بناءه فى هذا وما أشبهه لتضمنه معنى «أل» غير الموجودة فيه ، وهذا


فذهب قوم إلى أنها لتعريف الحضور كما فى قولك : «مررت بهذا الرّجل» ؛ لأن قولك : «الآن «بمعنى هذا الوقت ، وعلى هذا لا تكون زائدة ، وذهب قوم ـ منهم المصنف ـ إلى أنها زائدة ، وهو مبنىّ لتضمنه معنى الحرف ، وهو لام الحضور.

ومثّل ـ أيضا ـ بـ «الذين» ، و «اللّات» والمراد بهما ما دخل عليه «أل» من الموصولات ، وهو مبنى على أنّ تعريف الموصول بالصّلة ؛ فتكون الألف واللام زائدة ، وهو مذهب قوم ، واختاره المصنف ، وذهب قوم إلى أن تعريف الموصول بـ «أل» إن كانت فيه نحو : «الذى» فإن لم تكن فيه فبنيّتها نحو : «من ، وما» إلا «أيّا» فإنها تتعرف بالإضافة ؛ فعلى هذا المذهب لا تكون الألف واللام زائدة ، وأما حذفها فى قراءة من قرأ : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) فلا يدلّ على أنها زائدة ؛ إذ يحتمل أن تكون حذفت شذوذا وإن كانت معرّفة ، كما حذفت من قولهم : «سلام عليكم» من غير تنوين ـ يريدون «السّلام عليكم».

وأما الزائدة غير اللازمة فهى الداخلة ـ اضطرارا ـ على العلم ، كقولهم فى «بنات أوبر» علم لضرب من الكمأة «بنات الأوبر» ومنه قوله :

__________________

عجيب منهم ؛ لأنهم ألغوا الموجود ، واعتبروا المعدوم ، وقال قوم : بنى «الآن» لضمنه معنى الإشارة ؛ فإنه بمعنى هذا الوقت ، وهذا قول الزجاج ، وقيل : بنى «الآن» لشبهه بالحرف شبها جموديا ، ألا ترى أنه لا يثنى ولا يجمع ولا يصغر؟ بخلاف غيره من أسماء الزمان كحين ووقت وزمن وساعة ؛ ومن الناس من يقول : الآن اسم إشارة إلى الزمان ، كما أن هنا اسم إشارة إلى المكان ؛ فبناؤه على هذا لتضمنه معنى كان حقه أن يؤدى بالحرف ، ومن النحاة من ذهب إلى أنه معرب ، وأنه ملازم للنصب على الظرفية وقد يخرج عنها إلى الجر بمن ، فيقال : سأحالفك من الآن ، بالجر ، ويقول صاحب النكت : «وهذا قول لا يمكن القدح فيه ، وهو الراجح عندى ، والقول ببنائه لا توجد له علة صحيحة» اه.


(٣٦) ـ

ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا

ولقد نهيتك عن بنات الأوبر

__________________

٣٦ ـ هذا البيت من الشواهد التى لم يعرفوا لها قائلا ، وممن استشهد به أبو زيد فى النوادر.

اللغة : «جنيتك» معناه جنيت لك ؛ ومثله ـ فى حذف اللام وإيصال الفعل إلى ما كان مجرورا ـ قوله تعالى : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) و (يَبْغُونَها عِوَجاً) و (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) «أكمؤا» جمع كمء ـ بزنة فلس ـ ويجمع الكمء على كمأة ، أيضا ، فيكون المفرد خاليا من التاء وهى فى جمعه ، على عكس تمرة وتمر ، وهذا من نوادر اللغة ، «وعساقلا» جمع عسقول ـ بزنة عصفور ـ وهو نوع من الكمأة ، وكان أصله عساقيل ، فحذفت الياء كما حذفت فى قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) فإنه جمع مفتاح ، وكان قياسه مفاتيح ، فحذفت الياء ، ويقال : المفاتح جمع مفتح ، وليس جمع مفتاح ، فلا حذف ، وكذا يقال : العساقل جمع عسقل ـ بزنة منبر ـ و «بنات الأوبر» كمأة صغار مزغبة كلون التراب ، وقال أبو حنيفة الدينورى : بنات أوبر كمأة كأمثال الحصى صغار ، وهى رديئة الطعم.

الإعراب : «ولقد» الواو للقسم ، واللام للتأكيد ، وقد : حرف تحقيق «جنيتك» فعل وفاعل ومفعول أول «أكمؤا» مفعول ثان «وعساقلا» معطوف على قوله أكمؤا «ولقد» الواو عاطفة ، واللام موطئة للقسم ، و «قد» حرف تحقيق «نهيتك» فعل وفاعل ومفعول «عن» حرف جر «بنات» مجرور بعن ، وبنات مضاف و «الأوبر» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «بنات الأوبر» حيث زاد «أل» فى العلم مضطرا ؛ لأن «بنات أوبر» علم على نوع من الكمأة ردىء ، والعلم لا تدخله «أل» ، فرارا من اجتماع معرفين ، وهما حينئذ العلمية وأل ، فزادها هنا ضرورة ، قال الأصمعى : «وأما قول الشاعر :

*ولقد نهيتك عن بنات الأوبر*

فإنه زاد الألف واللام للضرورة ، وكقول الراجز :

باعد أمّ العمرو من أسيرها

حرّاس أبواب لدى قصورها


والأصل «بنات أوبر» فزيدت الألف واللام ، وزعم المبرّد أن «بنات أوبر» ليس بعلم ؛ فالألف واللام ـ عنده ـ غير زائدة.

ومنه الداخلة اضطرارا على التمييز ، كقوله :

(٣٧) ـ

رأيتك لمّا أن عرفت وجوهنا

صددت ، وطبت النّفس يا قيس عن عمرو

__________________

(وقد سبق لنا ذكر هذا البيت فى باب العلم ، ونسبناه هناك لأبى النجم العجلى) وقول آخر :

يا ليت أمّ العمرو كانت صاحبى

مكان من أشتى على الرّكائب

قال : وقد يجوز أن أوبر نكرة فعرفه باللام ، كما حكى سيبويه أن عرسا من ابن عرس قد نكره بعضهم فقال : هذا ابن عرس مقبل» اه كلام الأصمعى.

٣٧ ـ البيت لرشيد بن شهاب اليشكرى ، وزعم التوزى ـ نقلا عن بعضهم ـ أنه مصنوع لا يحتج به ، وليس كذلك ؛ لأن العلماء عرفوا قائله ونسبوه إليه.

اللغة : «رأيتك» الخطاب لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد اليشكرى ، وهو المذكور فى آخر البيت «وجوهنا» أراد بالوجوه ذواتهم ، ويروى «لما أن عرفت جلادنا» أى : ثباتنا فى الحرب وشدة وقع سيوفنا «صددت» أعرضت ونأيت «طبت النفس» يريد أنك رضيت «عمرو» كان صديقا حميما لقيس ، وكان قوم الشاعر قد قتلوه.

المعنى : يندد بقيس ؛ لأنه فر عن صديقه لما رأى وقع أسيافهم ، ورضى من الغنيمة بالإياب ؛ فلم يدافع عنه ، ولم يتقدم للأخذ بثأرء بعد أن قتل.

الإعراب : «رأيتك» فعل وفاعل ومفعول ، وليس بحاجة لمفعول ثان ؛ لأن «رأى» هنا بصرية «لما» ظرفية بمعنى حين تتعلق برأى «أن» زائدة «عرفت» فعل وفاعل «وجوهنا» وجوه : مفعول به لعرف ، ووجوه مضاف والضمير مضاف إليه «صددت» فعل وفاعل ، وهو جواب «لما» و «طبت» فعل وفاعل ، والجملة معطوفة على جملة صددت «النفس» تمييز نسبة «يا قيس» يا : حرف نداء ، و «قيس» منادى ، وجمله النداء لا محل لها معترضة بين العامل ومعموله «عن عمرو» جار ومجرور متعلق بصددت ، أو بطبت على أنه ضمنه معنى تسليت.


والأصل «وطبت نفسا» فزاد الألف واللام ، وهذا بناء على أن التمييز لا يكون إلا نكرة ، وهو مذهب البصريين ، وذهب الكوفيون إلى جواز كونه معرفة ؛ فالألف واللام عندهم غير زائدة.

وإلى هذين البيتين اللذين أنشدناهما أشار المصنف بقوله : «كبنات الأوبر» ، وقوله : «وطبت النفس يا قيس السرى».

* * *

وبعض الاعلام عليه دخلا

للمح ما قد كان عنه نقلا (١)

__________________

الشاهد فيه : قوله «طبت النفس» حيث أدخل الألف واللام على التمييز ـ الذى يجب له التنكير ـ ضرورة ، وذلك فى اعتبار البصريين ، وقد ذكر الشارح أن الكوفيين لا يوجبون تنكير التمييز ، بل يجوز عندهم أن يكون معرفة وأن يكون نكرة ؛ وعلى ذلك لا تكون «أل» زائدة ، بل تكون معرفة.

ومن العلماء من قال : «النفس» مفعول به لصددت ، وتمييز طبت محذوف ، والتقدير على هذا : صددت النفس وطبت نفسا يا قيس عن عمرو ، وعلى هذا لا يكون فى البيت شاهد ، ولكن فى هذا التقدير من التكلف ما لا يخفى.

(١) «وبعض» مبتدأ ، وبعض مضاف و «الأعلام» مضاف إليه «عليه» جار ومجرور متعلق بدخل الآتى «دخلا» دخل فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على أل ، والألف للاطلاق ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «للمح» جار ومجرور متعلق بدخل ، ولمح مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «كان» فعل ماض ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على بعض الأعلام «عنه» جار ومجرور متعلق بقوله نقل الآتى «نقلا» نقل : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على بعض الأعلام ، والألف للاطلاق ، والجملة فى محل نصب خبر كان ، والجملة من كان ومعموليها لا محل لها صلة الموصول.


كالفضل ، والحارث ، والنّعمان ؛

فذكر ذا وحذفه سيّان (١)

ذكر المصنف ـ فيما تقدم ـ أن الألف واللام تكون معرّفة ، وتكون زائدة ، وقد تقدم الكلام عليهما ، ثم ذكر فى هذين البيتين أنها تكون للمح الصّفة ، والمراد بها الداخلة على ما سمّى به من الأعلام المنقولة ، مما يصلح دخول «أل» عليه ، كقولك فى «حسن» : «الحسن» وأكثر ما تدخل على المنقول من صفة ، كقولك فى «حارث» : «الحارث» وقد تدخل على المنقول من مصدر ، كقولك فى «فضل» : «الفضل» وعلى المنقول من اسم جنس غير مصدر ، كقولك فى «نعمان» : «النّعمان» وهو فى الأصل من أسماء الدم (٢) ؛ فيجوز دخول «أل» فى هذه الثلاثة نظرا إلى الأصل ، وحذفها نظرا إلى الحال.

وأشار بقوله «للمح ما قد كان عنه نقلا» إلى أن فائدة دخول الألف واللام الدلالة على الالتفات إلى ما نقلت عنه من صفة ، أو ما فى معناها.

__________________

(١) «كالفضل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كالفضل «والحارث والنعمان» معطوفان على الفضل «فذكر» مبتدأ ، وذكر مضاف و «ذا» اسم إشارة مضاف إليه «وحذفه» الواو حرف عطف ، حذف : معطوف على المبتدأ ، وحذف مضاف والضمير مضاف إليه «سيان» خبر المبتدأ وما عطف عليه ، مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى ، والنون عوض عن التنوين فى الاسم المفرد :

(٢) هنا شيئان : الأول أن الذى تلمحه حين تدخل «أل» على نعمان هو وصف الحمرة التى يدل عليها لفظه بحسب الأصل الأول التزاما ؛ لأن الحمره لازمة للدم. والثانى : أن الناظم فى كتاب التسهيل جعل «نعمان» من أمثلة العلم الذى قارنت أل» وضعه كاللات والعزى والسموأل ، وهذه لازمة ، بدليل قوله هناك «وقد تزاد لازما» وهنا مثل به لما زيدت عليه «أل» بعد وضعه للمح الأصل ، وهذه لبست بلازمة على ما قال «فذكر ذا وحذفه سيان» والخطب فى هذا سهل ؛ لأنه يحمل على أن العرب سمت «النعمان» أحيانا مقرونا بأل ؛ فيكون من النوع الأول ، وسمت أحيانا أخرى «نعمان» بدون أل ؛ فيكون من النوع الثانى.


وحاصله : أنك إذا أردت بالمنقول من صفة ونحوه أنه إنما سمى به تفاؤلا بمعناه أتيت بالألف واللام للدلالة على ذلك ، كقولك : «الحارث» نظرا إلى أنه إنما سمى به للتفاؤل ، وهو أنه يعيش ويحرث ، وكذا كلّ ما دل على معنى ونحوهما يوصف به فى الجملة ، كفضل ونحوه ، وإن لم تنظر إلى هذا ونظرت إلى كونه علما لم تدخل الألف واللام ، بل تقول : فضل ، وحارث ، ونعمان ؛ فدخول الألف واللام أفاد معنى لا يستفاد بدونهما ؛ فليستا بزائدتين ، خلافا لمن زعم ذلك ، وكذلك أيضا ليس حذفهما وإثباتهما على السواء كما هو ظاهر كلام المصنف ، بل الحذف والإثبات ينزّل على الحالتين اللتين سبق ذكرهما ، وهو أنه إذا لمح الأصل جىء بالألف واللام ، وإن لم يلمح لم يؤت بهما.

* * *

وقد يصير علما بالغلبه

مضاف أو مصحوب أل كالعقبه (١)

وحذف أل ذى ـ إن تناد أو تضف ـ

أوجب ، وفى غيرهما قد تنحذف (٢)

__________________

(١) «وقد» الواو للاستئناف ، قد : حرف تقليل «يصير» فعل مضارع ناقص «علما» خبر يصير مقدم على اسمه «بالغلبه» جار ومجرور متعلق بيصير «مضاف» اسم يصير مؤخر عن خبره «أو مصحوب» أو : حرف عطف ، مصحوب معطوف على مضاف ، ومصحوب مضاف ، و «أل» قصد لفظه : مضاف إليه «كالعقبة» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، وتقدير الكلام : وذلك كائن كالعقبة.

(٢) «وحذف» الواو للاستئناف ، حذف : مفعول به مقدم على عامله وهو «أوجب» الآتى ، وحذف مضاف ، و «أل» قصد لفظه : مضاف إليه «ذى» اسم إشارة نعت لال «إن» شرطية «تناد» فعل مضارع فعل الشرط ، مجزوم بحذف الياء ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أو» عاطفة «تضف» معطوف على «تناد» مجروم


من أقسام الألف واللام أنها تكون للغلبة ، نحو : «المدينة» ، و «الكتاب» ؛ فإنّ حقهما الصّدق على كل مدينة وكل كتاب ، لكن غلبت «المدينة» على مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، و «الكتاب» على كتاب سيبويه رحمه الله تعالى ، حتى إنهما إذا أطلقا لم يتبادر إلى الفهم غيرهما.

وحكم هذه الألف واللام أنها لا تحذف إلا فى النداء أو الإضافة ، نحو «يا صعق» فى الصّعق (١) ، و «هذه مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم».

وقد تحذف فى غيرهما شذوذا ، سمع من كلامهم : «هذا عيّوق طالعا» (٢) ، والأصل العيّوق (٢) ، وهو اسم نجم.

وقد يكون العلم بالغلبة أيضا مضافا : كابن عمر ، وابن عبّاس ، وابن مسعود ؛

__________________

بالسكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أوجب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقدير أنت ، وجواب الشرط محذوف لدلالة هذا عليه ، أو جملة أوجب وفاعله فى محل جزم جواب الشرط ، وحذف الفاء منها ـ مع أنها جملة طلبية ـ ضرورة «وفى» الواو حرف عطف ، فى : حرف جر «غيرهما» غير : مجرور بفى ، وغير مضاف والضمير ـ الذى يعود على النداء والإضافة ـ مضاف إليه ، والجار والمجرور متعلق بتنحذف الآتى «قد» حرف تقليل «تنحذف» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على «أل» وتقدير البيت : إن تناد أو تضف فأوجب حذف أل هذه ، وقد تنحذف أل فى غير النداء والإضافة.

(١) الصعق ـ فى أصل اللغة ـ اسم يطلق على كل من رمى بصاعقة ، ثم اختص بعد ذلك بخويلد بن نفيل ، وكان من شأنه أنه كان يطعم الناس بتهامة ، فعصفت الريح التراب فى جفانه ، فسبها ، فرمى بصاعقة ، فقال الناس عنه : ألصعق.

(٢) العيوق ـ فى أصل الوضع ـ كلمة على زنة فيعول من قولهم : عاق فلان فلانا يعوقه ، إذا حال بينه وبين غرضه ، ومعناه عائق ، وهو بهذا صالح للاطلاق على كل معوق لغيره ، وخصوا به نجما كبيرا قريبا من نجم الثريا ونجم الدبران ، زعموا أنهم سموه بذلك لأن الدبران يطلب الثريا والعيوق يخول بينه وبين إدراكها.


فإنه غلب على العبادلة (١) دون غيرهم من أولادهم ، وإن كان حقّه الصّدق عليهم ، لكن غلب على هؤلاء ، حتى إنه إذا أطلق «ابن عمر» لا يفهم منه غير عبد الله ، وكذا «ابن عباس» و «ابن مسعود» رضى الله عنهم أجمعين ؛ وهذه الإضافة لا تفارقه ، لا فى نداء ، ولا فى غيره ، نحو : «يا ابن عمر».

__________________

(١) العبادلة : جمع عبدل ، بزنة جعفر ، وعبدل يحتمل أمرين : أولهما أن يكون أصله «عبد» فزيدت لام فى آخره ، كما زيدت فى «زيد» حتى صار زيدلا ، والثانى أن يكونوا قد نحتوه من «عبد الله» فاللام هى لام لفظ الجلالة ، والنحت باب واسع ؛ فقد قالوا : عبشم ، من عبد شمس ، وعبدر ، من عبد الدار ، ومرقس ، من امرىء القيس ، وقالوا : حمدلة ، من الحمد لله ، وسبحلة ، من سبحان الله ، وجعفده ، من قولهم : جعلت فداءك ، وطلبقة ، من قولهم : أطال الله بقاءك ـ وأشباه لهذا كثيرة.

وقال الشاعر ، وينسب لعمر بن أبى ربيعة ؛ فجاء بالفعل واسم فاعله على طريق النحت :

لقد بسملت ليلى غداة لقيتها

فيا حبّذا ذاك الحبيب المبسمل

ولكثرة ما ورد من هذا النحو نرى أنه يجوز لك أن تقيس عليه ؛ فتقول «مشأل مشألة» إذا قال : ما شاء الله ، وتقول «سبحر سبحرة» إذا قال : سبحان ربى ، وتقول «نعمص نعمصة» إذا قال : نعم صباحك ، وتقول «نعمس نعمسة» إذا قال : نعم مساؤك ، وهكذا ؛ وقدامى العلماء يرون باب النحت مقصورا على ما سمع منه عن العرب وهو من تحجير الواسع ؛ فتدبر هذا ، ولا تكن أسير القليد ، وانظر القسم الأول من كتابنا دروس التصريف (ص ٢٢ طبعة ثانية)


الابتداء

مبتدأ زيد ، وعاذر خبر ،

إن قلت «زيد عاذر من اعتذر» (١)

وأوّل مبتدأ ، والثّانى

فاعل اغنى فى «أسار ذان» (٢)

وقس ، وكاستفهام النّفى ، وقد

يجوز نحو «فائز أولو الرّشد» (٣)

__________________

(١) «مبتدأ» خبر مقدم «زيد» مبتدأ مؤخر «وعاذر» الواو عاطفة ، وعاذر مبتدأ «خبر» خبر المبتدأ «إن» شرطية «قلت» قال : فعل ماض فعل الشرط ، وتاء المخاطب فاعل «زيد» مبتدأ «عاذر» خبره ، وفاعله ـ من جهة كونه اسم قاعل ـ ضمير مستتر فيه ، والجملة من المبتدأ والخبر مقول القول «من» اسم موصول مفعول به لعاذر «اعتذر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام وتقدير الكلام : إن قلت زيد عاذر من اعتذر فزيد مبتدأ وعاذر خبره.

(٢) «وأول» مبتدأ «مبتدأ» خبره «والثانى» مبتدأ «فاعل» خبر «أغنى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقدير هو يعود إلى فاعل ، والجملة فى محل رفع صفة لفاعل «فى» حرف جر ، ومجروره قول محذوف «أسار» الهمزة للاستفهام ، وسار : مبتدأ ، و «ذان» فاعل سد مسد الخبر ، والجملة من المبتدأ وفاعله مقول القول المحذوف ، وتقدير الكلام : وأول اللفظين مبتدأ وثانيهما فاعل أغنى عن الخبر فى قولك : أسار ذان.

(٣) «وقس» الواو عاطفة ، قس : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ومفعوله ومتعلقه محذوفان ، والتقدير : وقس على ذلك ما أشبهه «وكاستفهام» الواو حرف عطف ، والكاف حرف جر ، واستفهام : مجرور بها ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «النفى» مبتدأ مؤخر «وقد» الواو حرف ، قد حرف تقليل «يجوز» فعل مضارع «نحو» فاعل يجوز «فائز» مبتدأ «أولو» فاعل بفائز سد مسد الخبر ، وأولو مضاف و «الرشد» مضاف إليه ، والجملة من المبتدأ وفاعله المغنى عن الخبر مقول قول محذوف ، والتقدير : وقد يجوز نحو قولك فائز أولو الرشد ، والمراد بنحو هذا المثال : كل وصف وقع بعده مرفوع يستغنى به ولم تتقدمه أداة استفهام ولا أداة نفى.


ذكر المصنف أن المبتدأ على قسمين : مبتدأ له خبر ، ومبتدأ له فاعل سدّ مسدّ الخبر ؛ فمثال الأوّل «زيد عاذر من اعتذر» والمراد به : ما لم يكن المبتدأ فيه وصفا مشتملا على ما يذكر فى القسم الثانى ؛ فزيد : مبتدأ ، وعاذر : خبره ، ومن اعتذر : مفعول لعاذر ، ومثال الثانى «أسار ذان» فالهمزة : للاستفهام ، وسار : مبتدأ ، وذان : فاعل سدّ مسدّ الخبر ، ويقاس على هذا ما كان مثله ، وهو : كل وصف اعتمد على استفهام ، أو نفى ـ نحو : أقائم الزّيدان ، وما قائم الزّيدان ـ فإن لم يعتمد الوصف لم يكن مبتدأ ، وهذا مذهب البصريين إلا الأخفش ـ ورفع (١) فاعلا ظاهرا ، كما مثل ، أو ضميرا منفصلا ، نحو : «أقائم أنتما» وتم الكلام به (٢) ؛ فإن لم يتم به [الكلام] لم يكن مبتدأ ، نحو : «أقائم أبواه زيد» فزيد : مبتدأ مؤخر ، وقائم : خبر مقدم ، وأبواه : فاعل بقائم ، ولا يجوز أن يكون «قائم» مبتدأ ؛ لأنه لا يستغنى بفاعله حينئذ ؛ إذ لا يقال «أقائم أبواه» فيتمّ الكلام ، وكذلك لا يجوز أن يكون الوصف مبتدأ إذا رفع ضميرا مستترا ؛ فلا يقال فى «ما زيد قائم ولا قاعد» : إن «قاعدا» مبتدأ ، والضمير المستتر فيه فاعل أغنى عن الخبر ؛ لأنه ليس بمنفصل ، على أن فى المسأله خلافا (٣) ، ولا فرق بين أن يكون الاستفهام بالحرف ، كما مثل ،

__________________

(١) «ورفع» هذا الفعل معطوف بالواو على «اعتمد» فى قوله «وهو كل وصف اعتمد على استفهام أو نفى» وكذلك قوله «وتم الكلام به» ويتحصل من ذلك أنه قد اشترط فى الوصف الذى يرفع فاعلا بغنى عن الخبر ثلاثة شروط ، أولها : أن يكون معتمدا على استفهام أو نفى ـ عند البصريين ـ والثانى أن يكون مرفوعه اسما ظاهرا أو ضميرا منفصلا ، وفى الضمير المنفصل خلاف سنذكره ، والثالث أن يتم الكلام بمرفوعه المذكور.

(٢) سنبسط القول فى هذه المسألة قريبا (انظر ص ١٩٢ من هذا الجزء).


أو بالاسم كقولك : كيف جالس العمران (١)؟ وكذلك لا فرق بين أن يكون النفى بالحرف ، كما مثّل ، أو بالفعل كقولك : «ليس قائم الزّيدان» فليس : فعل ماض [ناقص] ، وقائم : اسمه ، والزيدان : فاعل سدّ مسدّ خبر ليس ، وتقول : غير قائم الزّيدان» فغير : مبتدأ ، وقائم : مخفوض بالإضافة ، والزيدان : فاعل بقائم سدّ مسدّ خبر غير ؛ لأن المعنى ما قائم الزّيدان ، فعومل «غير قائم» معاملة «ما قائم» ومنه قوله :

(٣٨) ـ

غير لاه عداك ؛ فاطّرح اللهو ،

ولا تغترر بعارض سلم

__________________

(١) «كيف» اسم استفهام مبنى على الفتح فى محل نصب حال من «العمران» الآتى و «جالس» مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة ، و «العمران» فاعل يجالس أغنى عن الخبر ، مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى.

٣٨ ـ لم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين.

اللغة : «لاه» اسم فاعل مأخوذ من مصدر لها يلهو ، وذلك إذا ترك وسلا وروح عن نفسه بما لا تقتضيه الحكمة ، ولكن المراد هنا لازم ذلك ، وهو الغفلة «اطرح» ـ بتشديد الطاء ـ أى ـ اترك «سلم» بكسر السين أو فنحها ـ أى صلح وموادعة ، وإضافة عارض إليه من إضافة الصفة للموصوف.

المعنى : إن أعداءك ليسوا غافلين عنك ، بل يتربصون بك الدوائر ؛ فلا تركن إلى الغفلة ، ولا تغتر بما يبدو لك منهم من المهادنة وترك القتال ؛ فإنهم يأخذون فى الأهبة والاستعداد.

الإعراب : «غير» مبتدأ ، وغير مضاف و «لاه» مضاف إليه «عداك» عدى : فاعل لاه سد مسد خبر غير ؛ لأن المضاف والمضاف إليه كالشىء الواحد ، وعدى مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه «فاطرح» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «اللهو» مفعول به لا طرح «ولا» الواو عاطفة ، لا : ناهية «تغترر»


فغير : مبتدأ ، ولاه : مخفوض بالإضافة ، وعداك : فاعل بلاه سدّ مسدّ خبر غير ، ومثله قوله :

(٣٩) ـ

غير مأسوف على زمن

ينقضى بالهمّ والحزن

__________________

فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بعارض» جار ومجرور متعلتى بتغترر ، وعارض مضاف ، و «سلم» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «غير لاه عداك» حيث استغنى بفاعل «لاه» عن خبر المبتدأ وهو غير ؛ لأن المبتدأ المضاف لاسم الفاعل دال على النفى ؛ فكأنه «ما» فى قولك «ما قائم محمد» فالوصف مخفوض لفظا بإضافة المبتدأ إليه وهو فى قوة المرفوع بالابتداء وللكلام بقية نأتى فى شرح الشاهد التالى لهذا الشاهد.

٣٩ ـ البيت لأبى نواس ـ الحسن بن هانى بن عبد الأول ، الحكمى ـ وهو ليس ممن يستشهد بكلامه ، وإنما أورده الشارح مثالا للمسألة ، ولهذا قال «ومثله قوله» وبعد هذا البيت بيت آخر ، وهو :

إنّما يرجو الحياة فتى

عاش فى أمن من المحن

اللغة : «مأسوف» اسم مفعول من الأسف ، وهو أشد الحزن ، وفعله من باب فرح ، وزعم ابن الخشاب أنه مصدر جاء على صيغة اسم المفعول مثل الميسور ، والمعسور ، والمجلود ، والمحلوف ، بمعنى اليسر والعسر والجلد والحلف ، ثم أريد به اسم الفاعل ، وستعرف فى بيان الاستشهاد ما ألجأه إلى هذا التكلف ووجه الرد عليه.

المعنى : إنه لا ينبغى لعاقل أن يأسف على زمن ليس فيه إلا هموم تتلوها هموم ، وأحزان تأتى من ورائها أحزان ، بل يجب عليه أن يستقبل الزمان بغير مبالاة ولا اكتراث.

الإعراب : «غير» مبتدأ ، وغير مضاف «مأسوف» مضاف إليه «على زمن» جار ومجرور متعلق بمأسوف ، على أنه نائب فاعل سد مسد خبر المبتدأ «ينقضى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «زمن» والجملة من ينقضى وفاعله فى محل جر صفة لزمن «بالهم» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر فى ينقضى «والحزن» الواو حرف عطف ، الحزن : معطوف على الهم.


فغير : مبتدأ ، ومأسوف : مخفوض بالإضافة ، وعلى زمن : جار ومجرور فى موضع رفع بمأسوف لنيابته مناب الفاعل ، وقد سدّ مسدّ خبر غير.

وقد سأل أبو الفتح بن جنى ولده عن إعراب هذا البيت ؛ فارتبك فى إعرابه.

ومذهب البصريين ـ إلا الأخفش ـ أن هذا الوصف لا يكون مبتدأ إلا إذا اعتمد على نفى أو استفهام (١) ، وذهب الأخفش والكوفيون إلى عدم اشتراط

__________________

التمثيل به : فى قوله «غير مأسوف على زمن» حيث أجرى قوله «على زمن» النائب عن الفاعل مجرى الزيدين فى قولك «ما مضروب الزيدان» فى أن كل واحد منهما سد مسد الخبر ؛ لأن المتضايفين بمنزلة الاسم الواحد ، فحيث كان نائب الفاعل يسد مع أحدهما مسد الخبر فإنه يسد مع الآخر أيضا ، وكأنه قال «ما مأسوف على زمن» على ما بيناه فى الشاهد السابق.

هذا أحد توجيهات ثلاثة فى ذلك ونحوه ، وإليه ذهب ابن الشجرى فى أماليه.

والتوجيه الثانى لابن جنى وابن الحاجب ، وحاصله أن قوله «غير» خبر مقدم ، وأصل الكلام : «زمن ينقضى بالهم غير مأسوف عليه» وهو توجيه ليس بشىء؟ لما يلزم عليه من التكلفات البعيدة ؛ لأن العبارة الواردة فى البيت لا تصير إلى هذا إلا بتكلف كثير.

والتوجيه الثالث لابن الخشاب ، وحاصله أن قوله «غير» خبر لمبتدأ محذوف تقديره «أنا غير ـ إلخ» وقوله «مأسوف» ليس اسم مفعول ، بل هو مصدر مثل «الميسور والمعسور ، والمجلود ، والمحلوف» وأراد به هنا اسم الفاعل ، فكأنه قال «أنا غير آسف ـ إلخ» وانظر ما فيه من التكلف والمشقة والجهد.

ومثل هذا البيت والشاهد السابق قول المتنبى يمدح بدر بن عمار :

ليس بالمنكر أن برّزت سبقا

غير مدفوع عن السّبق العراب

(١) مذهب جماعة من النحاة أنه يجب أن يكون الفاعل الذى يرفعه الوصف المعتمد اسما ظاهرا ، ولا يجوز أن يكون ضميرا منفصلا ، فإن سمع ما ظاهره ذلك فهو محمول على أن الوصف خبر مقدم والضمير مبتدأ مؤخر ، وعند هؤلاء أنك إذا قلت «أمسافر


ذلك ؛ فأجازوا «قائم الزّيدان» فقائم : مبتدأ ، والزيدان : فاعل سدّ مسدّ الخبر.

__________________

أنت» صح هذا الكلام عربية ، ولكن يجب أن يكون «مسافر» خبرا مقدما ، و «أنت» مبتدأ مؤخرا ، والجمهور على أنه يجوز أن يكون الفاعل المغنى عن الخبر ضميرا بارزا كما يكون اسما ظاهرا ، ولا محل لإنكار ذلك عليهم بعد وروده فى الشعر العربى الصحيح ، وفى القرآن الكريم عبارات لا يجوز فيها عربية أن تحمل على ما ذكروا من التقديم والتأخير ؛ فمن ذلك قوله تعالى : (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ) إذ لو جعلت «راغب» خبرا مقدما و «أنت» مبتدأ مؤخرا للزم عليه الفصل بين «راغب» وما يتعلق به وهو قوله «عن آلهتى» بأجنبى وهو أنت ؛ لأن المبتدأ بالنسبة للخبر أجنبى منه ، إذ لا عمل للخبر فيه على الصحيح ، ولا يلزم شىء من ذلك إذا جعلت «أنت» فاعلا ؛ لأن الفاعل بالنظر إلى العامل فيه ليس أجنبيا منه ونظير الآية الكريمة فى هذا وعدم صحة التخريج على التقديم والتأخير قول الشاعر «فخير نحن» فى الشاهد رقم ٤٠ الآتى.

ومن ذلك أيضا قول الشاعر :

أمنجز أنتم وعدا وثقت به

أم اقتفيتم جميعا نهج عرقوب؟

ومثله قول الآخر :

خليلىّ ما واف بعهدى أنتما

إذا لم تكونا لى على من أقاطع

وقول الآخر :

فما باسط لخيرا ولا دافع أذى

عن النّاس إلّا أنتم آل دارم

ولا يجوز فى بيت من هذه الأبيات الثلاثة أن تجعل الوصف خبرا مقدما والمرفوع بعده مبتدأ مؤخرا ، كما لا يجوز ذلك فى الشاهد الآتى على ما ستعرفه ، لأنه يلزم على ذلك أن يفوت التطابق بين المبتدأ وخبره ، وهو شرط لا بد منه ، فإن الوصف مفرد والضمير البارز للمثنى أو للمجموع ، أما جعل الضمير فاعلا فلا محظور فيه ، لأن الفاعل يجب إفراد عامله.


وإلى هذا أشار المصنف بقوله : «وقد يجوز نحو : فائر أولو الرّشد» أى : وقد يجوز استعمال هذا الوصف مبتدأ من غير أن يسبقه نفى أو استفهام.

وزعم المصنف أن سيبويه يجيز ذلك على ضعف ، ومما ورد منه قوله :

(٤٠) ـ

فخير نحن عند النّاس منكم

إذا الدّاعى المثوّب قال : يالا

__________________

٤٠ ـ هذا البيت لزهير بن مسعود الضبى.

اللغة : «الناس» هكذا هو بالنون فى كافة النسخ ، ويروى «البأس» بالباء والهمزة وهو أنسب بعجز البيت «المثوب» من التثويب ، وأصله : أن يجىء الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر ، ثم سمى الدعاء نثوييا لدلك «قال يالا ، أى : قال يا لفلان ، فحذف فلانا وأبقى اللام ، وانظر ص ١٥٩ السابقة.

الإعراب : «فخير» مبتدأ «نحن» فاعل سد مسد الخبر «عند» ظرف متعلق بخير ، وعند مضاف و «والناس» أو «البأس» مضاف إليه «منكم» جار ومجرور متعلق بخير أيضا «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان «الداعى» فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور ، والتقدير : إذا قال الداعى ، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله فى محل جر بإضافة إذا إليها «المثوب» نعت للداعى «قال» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الداعى ، والجملة من قال المذكور وفاعله لا محل لها من الإعراب مفسرة «يالا» مقول القول ، وهو على ما عرفت من أن أصله يا لفلان.

الشاهد فيه : فى البيت شاهدان لهذه المسألة ، وكلاهما فى قوله «فخير نحن» ، أما الأول فإن «نحن» فاعل سد مسد الخبر ، ولم يتقدم على الوصف ـ وهو «خير» ـ نفى ولا استفهام وزعم جماعة من النحاة ـ منهم أبو على وابن خروف ـ أنه لا شاهد فى هذا البيت ، لأن قوله «خير» خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره «نحن خير ـ إلخ» وقوله «نحن» المذكور فى البيت تأكيد للضمير المستتر فى خير ، وانظر كيف يلجأ إلى تقدير شىء وفى الكلام ما يغنى عنه؟ وأما الشاهد الثانى فإن «نحن» الذى وقع فاعلا أغنى عن الخبر هو ضمير منفصل ؛ فهو دليل للجمهور على صحة ما ذهبوا إليه من جواز كون فاعل الوصف المغنى عن الخبر ضميرا منفصلا ، ولا يجوز فى هذا البيت أن يكون قوله «نحن» مبتدأ مؤخرا ويكون «خير» خبرا مقدما ؛ إذ يلزم على ذلك الفصل بين «خير» وما يتعلق به ـ وهو قوله «عند الناس» وقوله «منكم» ـ بأجنبى ، على ما قررناه فى قوله تعالى :


فخير : مبتدأ ، ونحن : فاعل سدّ مسدّ الخبر ، ولم يسبق «خير» نفى ولا استفهام ، وجعل من هذا قوله :

(٤١) ـ

خبير بنو لهب ؛ فلا تك ملغيا

مقالة لهبىّ إذا الطّير مرّت

فخبير : مبتدأ ، وبنو لهب : فاعل سدّ مسدّ الخبر.

* * *

__________________

(أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي) (فى ص ١٩٣) ؛ فهذا البيت يتم به استدلال الكوفيين على جواز جعل الوصف مبتدأ وإن لم يعتمد على نفى أو استفهام ، ويتم به استدلال الجمهور على جواز أن يكون مرفوع الوصف المغنى عن خبره ضميرا بارزا.

٤١ ـ هذا البيت ينسب إلى رجل طائى ، ولم يعين أحد اسمه فيما بين أيدينا من المراجع.

اللغة : «خبير» من الخبرة ، وهى العلم بالشىء «بنو لهب» جماعة من بنى نصر ابن الأزد ، يقال : إنهم أزجر قوم ، وفيهم يقول كثير بن عبد الرحمن المعروف بكثيره عزة.

تيمّمت لهبا أبتغى العلم عندهم

وقد صار علم العائفين إلى لهب

المعنى : إن بنى لهب عالمون بالزجر والعيافة ؛ فإذا قال أحدهم كلاما فاستمع إليه ، ولا تلغ ما يذكره لك إذا زجر أو عاف حين تمر الطير عليه.

الإعراب : «خبير» مبتدأ ، والذى سوغ الابتداء به ـ مع كونه نكرة ـ أنه عامل فيما بعده «بنو» فاعل بخبير سد مسد الخبر ، وبنو مضاف ، و «لهب» مضاف إليه «فلا» الفاء عاطفة ، لا : ناهية «تك» فعل مضارع ناقص مجزوم بلا ، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف ؛ واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ملغيا» خبرتك ، وهو اسم فاعل فيحتاج إلى فاعل ، وفاعله ضمير مستتر فيه «مقالة» مفعول به لملغ ، ومقالة مضاف و «لهبى» مضاف إليه «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان ويجوز أن يكون مضمنا معنى الشرط «الطير» فاعل بفعل محذوف يفسره المذكور بعده ، والتقدير : إذا مرت الطير ، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله فى محل جر


والثّان مبتدا ، وذا الوصف خبر

إن فى سوى الإفراد طبقا استقرّ (١)

__________________

بإضافة «إذا» إليها ، وهى جملة الشرط ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام ، والتقدير : إذا مرت الطير فلاتك ملغيا .. إلخ «مرت» مر : فعل ماض ، والتاء التأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على «الطير» والجملة من مرت المذكور وفاعله لا محل لها من الإعراب مفسرة.

الشاهد فيه : قوله «خبير بنو لهب» حيث استغنى بفاعل خبير عن الخبر ، مع أنه لم يتقدم على الوصف نفى ولا استفهام ، هذا توجيه الكوفيين والأخفش للبيت ، ومن ثم لم يشترطوا تقدم النفى أو نحوه على الوصف استنادا إلى هذا البيت ونحوه.

ويرى البصريون ـ ما عدا الأخفش ـ أن قوله «خبير» خبر مقدم ، وقوله «بنو» مبتدأ مؤخر ، وهذا هو الراجح الذى نصره العلماء كافة ، فإذا زعم أحد أنه يلزم على هذا محظور ـ وإيضاحه أن شرط المبتدأ والخبر أن يكونا متطابقين : إفرادا وتثنية وجمعا ، وهنا لا تطابق بينهما لأن «خبير» مفرد ، و «بنو لهب» جمع ؛ فلزم على توجيه البصريين الإخبار عن الجمع بالمفرد ـ فالجواب على هذا أيسر مما تظن ؛ فإن «خبير» فى هذا البيت يستوى فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع ؛ بسبب كونه على زنة المصدر مثل الذميل والصهيل ، والمصدر يخبر به عن الواحد والمثنى والجمع بلفظ واحد ، تقول : محمد عدل ، والمحدان عدل ، والمحمدون عدل ، ومن عادة العرب أن يعطوا الشىء الذى يشبه شيئا حكم ذلك الشىء ؛ تحقيقا لمقتضى المشابهة ، وقد وردت صيغة فعيل مخبرا بها عن الجماعة ، والدليل على أنه كما ذكرناه وروده خبرا ظاهرا عن الجمع فى نحو قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) وقول الشاعر :

* هنّ صديق للّذى لم يشب*

(١) «والثان» مبتدأ «مبتدأ» خبر «وذا» الواو عاطفة ، ذا اسم إشارة مبتدأ «الوصف» بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة «خبر» خبر المبتدأ الذى هو اسم الإشارة «إن» شرطية «فى سوى» جار ومجرور متعلق باستقر الآتى ، وسوى مضاف ، و «الإفراد» مضاف إليه «طبقا» حال من الضمير المستتر فى «استقر» الآتى وقيل : هو تمييز محول عن الفاعل «استقر» فعل ماض فعل الشرط ، وفاعله ضمير


الوصف مع الفاعل : إما أن يتطابقا إفرادا أو تثنبة أو جمعا ، أو لا يتطابقا ، وهو قسمان : ممنوع ، وجائز.

فإن تطابقا إفرادا ـ نحو «أقائم زيد» ـ جاز فيه وجهان (١) ؛ أحدهما : أن

__________________

مستتر فيه جوازا تقديره هو ، وجواب الشرط محذوف ، وتقدير الكلام «إن فى سوى الإفراد طبقا استقر فالثان مبتدأ ـ إلخ».

(١) ههنا ثلاثة أمور نحب أن ننبهك إليها ، الأول : أنه لا ينحصر جواز الوجهين فى أن يتطابق الوصف والمرفوع إفرادا ، بل مثله ما إذا كان الوصف مما يستوى فيه المفرد والمثنى والجمع وكان المرفوع بعده واحدا منها ، نحو أقتيل زيد ، ونحو أجريح الزيدان ، ونحو أصديق المحمدون؟ وقد اختلفت كلمة العلماء فيما إذا كان الوصف جمع تكسير والمرفوع بعده مثنى أو مجموعا ؛ فذكر قوم أنه يجوز فيه الوجهان أيضا ، وذلك نحو : أقيام أخواك؟ ونحو أقيام إخوتك؟ وعلى هذا تكون الصور التى يجوز فيها الأمران ست صور : أن يتطابق الوصف والمرفوع إفرادا ، وأن يكون الوصف مما يستوى فيه المفرد وغيره والمرفوع مفردا ، أو مثنى ، أو مجموعا ، وأن يكون الوصف جمع تكسير والمرفوع مثنى ، أو جمعا ، وذهب قوم منهم الشاطبى إلى أنه يجب فى الصورتين الأخيرتين كون الوصف خبرا مقدما.

والأمر الثانى : أنه مع جواز الوجهين فيما ذكرنا من هذه الصور فإن جعل الوصف مبتدأ والمرفوع بعده قاعلا أغنى عن الخبر أرجح من جعل الوصف خبرا مقدما ، وذلك لأن جعله خبرا مقدما فيه الحمل على شىء مختلف فيه ؛ إذ الكوفيون لا يجوزون تقديم الخبر على المبتدأ أصلا ، ومع هذا فالتقديم والتأخير خلاف الأصل عند البصريين.

والأمر الثالث : أن محل جواز الوجهين فيما إذا لم يمنع من أحدهما مانع ، فإذا منع من أحدهما مانع تعين الآخر ؛ ففى قوله تعالى (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي) وفى قولك «أحاضر اليوم أختك» يمتنع جعل الوصف خبرا مقدما ، أما فى الآية فقد ذكر الشارح وجه ذلك فيها ، وإن يكن قد ذكره بعبارة يدل ظاهرها على أنه مرجح لا موجب ، وأما المثال فلأنه يلزم على جعل الوصف خبرا مقدما الإخبار بالمذكر عن المؤنث ، وهو لا يجوز أصلا ، والفصل بين الفاعل والعامل فيه يجوز ترك علامة التأنيث من العامل إذا كان الفاعل مؤنثا ، وفى قولك «أفى داره أبوك» يمتنع جعل «أبوك»


يكون الوصف مبتدأ ، وما بعده فاعل سدّ مسدّ الخبر ، والثانى : أن يكون ما بعده مبتدأ مؤخرا ، ويكون الوصف خبرا مقدما ، ومنه قوله تعالى (١) : (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ) فيجوز أن يكون «أراغب» مبتدأ ، و «أنت» فاعل سدّ مسدّ الخبر ، ويحتمل أن يكون «أنت» مبتدأ مؤخرا ، و «أراغب» خبرا مقدما.

والأول ـ فى هذه الآية ـ أولى ؛ لأن قوله : «عن آلهتى» معمول لـ «راغب» ؛ فلا يلزم فى الوجه الأول الفصل بين العامل والمعمول بأجنبى ؛ لأن «أنت» على هذا التقدير فاعل لـ «راغب» ؛ فليس بأجنبى منه ، وأما على الوجه الثانى فيلزم [فيه] الفصل بين العامل والمعمول بأجنبى ؛ لأن «أنت» أجنبى من «راغب» على هذا التقدير ؛ لأنه مبتدأ ؛ فليس لـ «راغب» عمل فيه ؛ لأنه خبر ، والخبر لا يعمل فى المبتدأ على الصحيح.

وإن تطابقا تثنية نحو «أقائمان الزيدان» أو جمعا نحو «أقائمون الزيدون» فما بعد الوصف مبتدأ ، والوصف خبر مقدم ، وهذا معنى قول المصنف : «والثّان مبتدا وذا الوصف خبر ـ إلى آخر البيت» أى : والثانى ـ وهو ما بعد الوصف ـ مبتدأ ، والوصف خبر عنه مقدّم عليه ، إن تطابقا فى غير الإفراد

__________________

فاعلا ؛ لأنه يلزم عليه عود الضمير من «فى داره» على المتأخر لفظا ورتبة ، وهو ممتنع.

(١) قد عرفت (ص ١٩٣ و ١٩٥) أن هذه الآية الكريمة لا يجوز فيها إلا وجه واحد ؛ لأن فيها ما يمنع من تجويز الوجه الثانى ، وعلى هذا فمراد الشارح أنه مما يجوز فيه الوجهان فى حد ذاته مع قطع النظر عن المانع العارض الذى يمنع أحدهما ؛ فإذا نظرنا إلى ذلك المانع لم يجز إلا وجه واحد ، ومن هنا تعلم أن قول الشارح فيما بعد «والأول فى هذه الآية أولى» ليس دقيقا ، والصواب أن يقول «والأول فى هذه الآية واجب لا يجوز غيره».


ـ وهو التثنية والجمع ـ هذا على المشهور من لغة العرب ، ويجوز على لغة «أكلونى البراغيث» أن يكون الوصف مبتدأ ، وما بعده فاعل أغنى عن الخبر.

وإن لم يتطابقا ـ وهو قسمان : ممتنع ، وجائز ، كما تقدم ـ فمثال الممتنع «أقائمان زيد» و «أقائمون زيد» فهذا التركيب غير صحيح ، ومثال الجائز «أقائم الزيدان» و «أقائم الزيدون» وحينئذ يتعين أن يكون الوصف مبتدأ ، وما بعده فاعل سدّ مسدّ الخبر (١).

* * *

__________________

(١) أحب أن أجلى لك حقيقة هذه المسألة ، وأبين لك عللها وأسبابها بيانا لا يبقى معه لبس عليك فى صورة من صورها ، وذلك البيان يحتاج إلى شرح أمرين ، الأول : لم جاز فى الوصف الذى يقع بعده مرفوع أن يكون الوصف مبتدأ ، والمرفوع بعده فاعلا ، وأن يكون الوصف خبرا مقدما والمرفوع مبتدأ مؤخرا ؛ والثانى : على أى شىء يستند تعين أحد هذين الوجهين وامتناع الآخر منهما؟.

أما عن الأمر الأول فنقول لك : إن اسم الفاعل واسم المفعول ونحوهما من الأوصاف قد أشبهت الفعل نوع شبه من حيث المعنى ؛ لدلالتها على الحدث الذى يدل عليه الفعل ، وهى فى طبيعتها أسماء تقبل علامات الاسم ، فتردد أمرها بين أن تعامل معاملة الأسماء بالنظر إلى لفظها وبين أن تعامل معاملة الأفعال فتسند إلى ما بعدها بالنظر إلى دلالتها على معنى الفعل ، ثم ترجح ثانى هذين الوجهين بسبب دخول حرف النفى أو حرف الاستفهام عليها ، وذلك لأن الأصل فى النفى وفى الاستفهام أن يكونا متوجهين إلى اوصاف الذوات. لا إلى الذوات أنفسها ، لأن الذوات يقل أن تكون مجهولة ، والموضوع للدلالة على أوصاف الذوات وأحوالها هو الفعل ، لا جرم كان الأصل فى النفى والاستفهام أن يكونا عن الفعل وما هو فى معناه ، ومن هنا تفهم السر فى اشتراط البصريين ـ فى جعل الوصف مبتدأ والمرفوع بعده فاعلا أغنى عن الخبر ـ تقدم النفى والاستفهام عليه.

وأما عن الأمر الثانى فإنا نقرر لك أن النحاة بنوا تجويز الوجهين وتعين أحدهما وامتناعه جميعا على أصول مقررة ثابتة ، فبعضها يرجع إلى حكم الفاعل ورافعه ، وبعضها يرجع إلى حكم المبتدأ وخبره ، وبعضها إلى حكم عام للعامل والمعمول.


ورفعوا مبتدأ بالابتدا

كذاك رفع خبر بالمبتدا (١)

مذهب سيبويه وجمهور البصريين أن المبتدأ مرفوع بالابتداء ، وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ.

__________________

فالفاعل يجب أن يكون عامله مجردا من علامة التثنية والجمع على أفصح اللغتين ؛ فمتى كان الوصف مثنى أو مجموعا لم يجز أن يكون المرفوع بعده فاعلا فى الفصحى.

والمبتدأ مع خبره تجب مطابقتهما فى الإفراد والتثنية والجمع ؛ فمتى كان الوصف مفردا والمرفوع بعده مثنى أو مجموعا لم يجز أن تجعل الوصف خبرا والمرفوع بعده مبتدأ.

وإذا كان الوصف مفردا والمرفوع بعده مفردا كذلك فقد اجتمع شرط الفاعل مع رافعه وشرط المبتدأ مع خبره ؛ فيجوز الوجهان.

ثم إن كان الوصف مفردا مذكرا والمرفوع مفردا مؤنثا فإذا لم يكن بينهما فاصل امتنع الكلام ؛ لأن مطابقة المبتدأ وخبره والفاعل ورافعه فى التأنيث واجبة حينئذ ، وإن كان بينهما فاصل صح جعل المرفوع فاعلا ولم يصح جعله مبتدأ ، فإن وجوب المطابقة بين المبتدأ والخبر لا تزول بالفصل بينهما ، وصح جعل المرفوع فاعلا ؛ لأن الفصل يبيح فوات المطابقة فى التأنيث بين الفاعل المؤنث الحقيقى التأنيث ورافعه.

وإن كان الوصف والمرفوع مفردين مذكرين وقد وقع بعدهما معمول للوصف جاز أن يكون المرفوع فاعلا ولم يجز أن يكون مبتدأ ، إذ يترتب على جعله مبتدأ أن يفصل بين العامل والمعمول بأجنبى.

وإذا كان الوصف مثنى أو مجموعا والمرفوع مفرد لم يصح الكلام بتة ، لا على اللغة الفصحى ، ولا على غير اللغة الفصحى من لغات العرب ، لأن شرط المبتدأ والخبر ـ وهو التطابق ـ غير موجود ، وشرط الفاعل وعامله ـ وهو تجرد العامل من علامة التثنبة والجمع ـ غير موجود ، وغير الفصحى لا تلحقها مع الفاعل المفرد.

(١) «ورفعوا» الواو للاستئناف ، رفعوا : فعل وفاعل «مبتدأ» مفعول به رفعوا «بالابتدا» جار ومجرور متعلق برفعوا «كذاك» الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، والكاف حرف خطاب «رفع» مبتدأ مؤخر ، ورفع مضاف و «خبر» مضاف إليه «بالمبتدا» جار ومجرور متعلق برفع.


فالعامل فى المبتدأ معنوىّ ـ وهو كون الاسم مجرّدا عن العوامل اللفظية غير الزائدة ، وما أشبهها ـ واحترز بغير الزائدة من مثل «بحسبك درهم» فيحسبك : مبتدأ ، وهو مجرد عن العوامل اللفظية غير الزائدة ، ولم يتجرد عن الزائدة ؛ فإن الباء الداخلة عليه زائدة ؛ واحترز «بشبهها» من مثل «ربّ رجل قائم» فرجل : مبتدأ ، وقائم : خبره ؛ ويدلّ على ذلك رفع المعطوف عليه ، نحو «ربّ رجل قائم وامرأة».

والعامل فى الخبر لفظى ، وهو المبتدأ ، وهذا هو مذهب سيبويه رحمه الله!.

وذهب قوم إلى أن العامل فى المبتدأ والخبر الابتداء ؛ فالعامل فيهما معنوىّ.

وقيل : المبتدأ مرفوع بالابتداء ، والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدإ.

وقيل : ترافعا ، ومعناه أنّ الخبر رفع المبتدأ ، وأن المبتدأ رفع الخبر.

وأعدل هذه المذاهب مذهب سيبويه [وهو الأول] ، وهذا الخلاف [مما] لا طائل فيه.

* * *

والخبر : الجزء المتمّ الفائده ،

كالله برّ ، والأيادى شاهده (١)

عرّف المصنف الخبر بأنه الجزء المكمل للفائدة ، ويرد عليه الفاعل ، نحو «قام زيد» فإنه يصدق على زيد أنه الجزء المتمّ للفائدة ، وقيل فى تعريفه : إنه الجزء المنتظم منه مع المبتدأ جملة ، ولا يرد الفاعل على هذا التعريف ؛ لأنه لا ينتظم منه مع المبتدأ جملة ، بل ينتظم منه مع الفعل جملة ، وخلاصة هذا أنه

__________________

(١) «والخبر» الواو للاستئناف ، الخبر : مبتدأ «الجزء» خبر المبتدأ «المتم» نعت له ، والمتم مضاف و «الفائده» مضاف إليه «كالله» الكاف جارة لقول محذوف ، ولفظ الجلالة مبتدأ «بر» خبر المبتدأ «والأيادى شاهده» الواو عاطفة ، وما بعدها مبتدأ وخبر ، والجملة معطوفة بالواو على الجمله السابقة.


عرّف الخبر بما يوجد فيه وفى غيره ، والتعريف ينبغى أن يكون مختصّا بالمعرّف دون غيره.

* * *

ومفردا يأتى ، ويأتى جمله

حاوية معنى الّذى سيقت له (١)

وإن تكن إيّاه معنى اكتفى

بها : كنطقى الله حسبى وكفى (٢)

ينقسم الخبر إلى : مفرد ، وجملة ، وسيأتى الكلام على المفرد.

فأمّا الجملة فإما أن تكون هى المبتدأ فى المعنى أو لا.

__________________

(١) «ومفردا» حال من الضمير فى «يأتى» الأول «يأتى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الخبر «ويأتى» الواو عاطفة ، ويأتى فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الخبر أيضا ، والجملة معطوفة على جملة «يأتى» وفاعله السابقة «جملة» حال من الضمير المستتر فى «يأتى» الثانى منصوب بالفتحة الظاهرة ، وسكن لأجل الوقف «حاوية» نعت لجملة ، وفيه ضمير مستتر هو فاعل «معنى» مفعول به لحاوية. ومعنى مضاف و «الذى» مضاف إليه «سيقت» سيق : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء للتأنيث. ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقدير هى يعود إلى جملة ، والجملة من سيق ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول «له» جار ومجرور متعلق بسيق.

(٢) «وإن» شرطية «تكن» فعل مضارع ناقص فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على قوله جملة «إياه» خبر تكن «معنى» منصوب بنزع الخافض أو تمييز «اكتفى» فعل ماض مبنى على الفتح المقدر على الألف فى محل جزم جواب الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر «بها» جار ومجرور متعلق باكتفى «كنطقى» الكاف جارة لقول محذوف ، نطق : مبتدأ أول ، ونطق مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «الله» مبتدأ ثان «وحسبى» خبر المبتدأ الثانى ومضاف إليه ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول «وكفى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، وأصله وكفى به ، فحذف حرف الجر ، فاتصل الضمير واستتر.


فإن لم تكن هى المبتدأ فى المعنى فلا بدّ فيها من رابط يربطها بالمبتدأ (١) ، وهذا معنى قوله : «حاوية معنى الّذى سيقت له» والرابط : (١) إما ضمير يرجع إلى المبتدأ ، نحو «زيد قام أبوه» وقد يكون الضمير مقدّرا ، نحو «السّمن منوان بدرهم» التقدير : منوان منه بدرهم (٢) أو إشارة إلى المبتدأ ،

__________________

(١) يشترط فى الجملة التى تقع خبرا ثلاثة شروط ؛ الأول : أن تكون مشتملة على رابط يربطها بالمبتدأ ، وقد ذكر الشارح هذا الشرط ، وفصل القول فيه ، والشرط الثانى : ألا تكون الجملة ندائية ؛ فلا يجوز أن تقول : محمد يا أعدل الناس ، على أن يكون محمد مبتدأ وتكون جملة «يا أعدل الناس» خبرا عن محمد ، الشرط الثالث : ألا تكون جملة الخبر مصدرة بأحد الحروف : لكن ، وبل ، وحتى.

وقد أجمع النحاة على ضرورة استكمال الخبر لهذه الشروط الثلاثة ، وزاد ثعلب شرطا رابعا ، وهو ألا تكون جملة الخبر قسمية ، وزاد ابن الأنبارى خامسا وهو ألا تكون إنشائية ، والصحيح عند الجمهور صحة وقوع القسمية خبرا عن المبتدأ ، كأن تقول : زيد والله إن قصدته ليعطينك ، كما أن الصحيح عند الجمهور جواز وقع الإنشائية خبرا عن المبتدأ ، كأن تقول : زيد اضربه ، وذهب ابن السراج إلى أنه إن وقع خبر المبتدأ جملة طليبة فهو على تقدير قول ؛ فالتقدير عنده فى المثال الذى ذكرناه : زيد مقول فيه اضربه ، تشبيها للخبر بالنعت ، وهو غير لازم عند الجمهور وفرقوا بين الخبر والنعت بأن النعت يقصد منه تمييز المنعوت وإيضاحه ، فيجب أن يكون معلوما للمخاطب قبل التكلم ، والإنشاء لا يعلم إلا بالتكلم ، وأما الخبر فإنه يقصد منه الحكم ؛ فلا يلزم أن يكون معلوما من قبل ، بل الأحسن أن يكون مجهولا قبل التكلم ليفيد المتكلم المخاطب ما لا يعرفه ، وقد ورد الإخبار بالجملة الإنشائية فى قول العذرى (انظر شرح الشاهد رقم ٣٠).

وجدّ الفرزدق أتعس به

ودقّ خياشيمه الجندل

وكل النحاة أجاز رفع الاسم المشغول عنه قبل فعل الطلب ، وأجاز جعل المخصوص بالمدح مبتدأ خبره جملة نعم وفاعلها ، وهى إنشائية ، وسيمثل المؤلف فى هذا الموضوع بمثال منه ، فاحفظ ذلك كله ، وكن منه على ثبت


كقوله تعالى : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ)(١) فى قراءة من رفع اللباس (٣) أو تكرار المبتدأ بلفظه ، وأكثر ما يكون فى مواضع التفخيم كقوله تعالى : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) و (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ) وقد يستعمل فى غيرها ، كقولك : «زيد ما زيد» (٤) أو عموم يدخل تحته المبتدأ ، نحو «زيد نعم الرّجل».

وإن كانت الجملة الواقعة خبرا هى المبتدأ فى المعنى لم تحتج إلى رابط ، وهذا معنى قوله : «وإن تكن ـ إلى آخر البيت» أى : وإن تكن الجملة إياه ـ أى المبتدأ ـ فى المعنى اكتفى بها عن الرابط ، كقولك : «نطقى الله حسبى» ؛ فنطقى : مبتدأ [أوّل] ، والاسم الكريم : مبتدأ ثان ، وحسبى : خبر عن المبتدإ الثانى ، والمبتدأ الثانى وخبره خبر عن المبتدإ الأول ، واستغنى عن الرّابط ؛ لأن قولك «الله حسبى» هو معنى «نطقى» وكذلك «قولى لا إله إلّا الله».

* * *

__________________

(١) هذه الآية الكريمة أولها : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) وقد قرىء فيها فى السبعة بنصب «لباس التقوى» وبرفعه ، فأما قراءة النصب فعلى العطف على «لباسا بوارى» ولا كلام لنا فيها الآن ، وأما قراءة الرفع فيجوز فيها عدة وجوه من الإعراب ؛ الأول : أن يكون «لباس التقوى» مبتدأ أول ، و «ذلك» مبتدأ ثانيا ، و «خير» خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول ، وهذا هو الوجه الذى خرج الشارح وغيره من النحاة الآية عليه ، والوجه الثانى : أن يكون «ذلك» بدلا من «لباس التقوى» ، والثالث : أن يكون «ذلك» نعتا للباس التقوى على ما هو مذهب جماعة و «خير» خبر المبتدأ الذى هو «لباس التقوى» وعلى هذين لا شاهد فى الآية لما نحن بصدده فى هذا الباب.


والمفرد الجامد فارغ ، وإن

يشتقّ فهو ذو ضمير مستكنّ (١)

تقدم الكلام فى الخبر إذا كان جملة ، وأما المفرد : فإما أن يكون جامدا ، أو مشتقّا.

فإن كان جامدا فذكر المصنف أنه يكون فارغا من الضمير ، نحو «زيد أخوك» وذهب الكسائىّ والرّمّانىّ وجماعة إلى أنه يتحمل الضمير ، والتقدير عندهم : «زيد أخوك هو» وأما البصريون فقالوا : إما أن يكون الجامد متضمنا معنى المشتق ، أو لا ؛ فإن تضمّن معناه نحو «زيد أسد» ـ أى شجاع ـ تحمّل الضمير ، وإن لم يتضمن معناه لم يتحمل الضمير كما مثّل.

وإن كان مشتقّا فذكر المصنف أنه يتحمل الضمير ، نحو «زيد قائم» أى : هو ، هذا إذا لم يرفع ظاهرا.

__________________

(١) «والمفرد» مبتدأ «الجامد» نعت له «فارغ» خبر المبتدأ «وإن» شرطية «يشتق» فعل مضارع فعل الشرط مبنى للمجهول ، مجزوم بإن الشرطية ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالفتح تخلصا من التقاء الساكنين وطلبا للخفة ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على قوله المفرد «فهو» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، والضمير المنفصل مبتدأ «ذو» اسم بمعنى صاحب خبر المبتدأ وذو مضاف و «ضمير» مضاف إليه «مستكن» نعت لضمير ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل جزم جواب الشرط ، ويجوز أن يكون قوله «المفرد» مبتدأ أول ، وقوله «الجامد» مبتدأ ثانيا ، وقوله «فارغ» خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول ، والرابط بين جملة الخبر والمبتدأ الأول محذوف ، وتقدير الكلام على هذا : والمفرد الجامد منه فارغ ، والشاطبى يوجب هذا الوجه من الإعراب ؛ لأن الضمير المستتر فى قوله «يشتق» فى الوجه الأول عاد على «المفرد» الموصوف بقوله «الجامد» بدون صفته ، إذا لو عاد على الموصوف وصفته لكان المعنى : إن يكن المفرد الجامد مشتقا ، وهو كلام غير مستقيم ، وزعم أن عود الضمير على الموصوف وحده ـ دون صفته ـ خطأ ، وليس كما زعم ، لا جرم جوزنا الوجهين فى إعراب هذه العبارة.


وهذا الحكم إنما هو للمشتق الجارى مجرى الفعل : كاسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبّهة ، واسم التفضيل ؛ فأما ما ليس جاريا مجرى الفعل من المشتقات فلا يتحمل ضميرا ، وذلك كأسماء الآلة ، نحو «مفتاح» فإنه مشتق من «الفتح» ولا يتحمل ضميرا ؛ فإذا قلت : «هذا مفتاح» لم يكن فيه ضمير ، وكذلك ما كان على صيغة مفعل وقصد به الزمان أو المكان كـ «مرمى» فإنه مشتق من «الرّمى» ولا يتحمل ضميرا ؛ فإذا قلت «هذا مرمى زيد» تريد مكان رميه أو زمان رميه كان الخبر مشتقّا ولا ضمير فيه.

وإنما يتحمل المشتق الجارى مجرى الفعل الضمير إذا لم يرفع ظاهرا ؛ فإن رفعه لم يتحمل ضميرا ، وذلك نحو «زيد قائم غلاماه» فغلاماه : مرفوع بقائم ؛ فلا يتحمل ضميرا.

وحاصل ما ذكر : أن الجامد يتحمل الضمير مطلقا عند الكوفيين ، ولا يتحمل ضميرا عند البصريين ، إلا إن أوّل بمشتق ، وأن المشتق إنما يتحمل الضمير إذا لم يرفع ظاهرا وكان جاريا مجرى الفعل ، نحو : «زيد منطلق» أى : هو ، فإن لم يكن جاريا مجرى الفعل لم يتحمّل شيئا ، نحو : «هذا مفتاح» ، و «هذا مرمى زيد».

* * *

وأبرزنه مطلقا حيث تلا

ما ليس معناه له محصّلا (١)

__________________

(١) «وأبرزنه» الواو للاستئناف ، أبرز : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقدير أنت ، ونون التوكيد حرف مبنى على السكون لا محل له من الإعراب ، والضمير المتصل البارز مفعول به لأبرز «مطلقا» حال من الضمير البارز ، ومعناه سواء أمنت اللبس أم لم تأمنه «حيث»


إذا جرى الخبر المشتق على من هو له استتر الضمير فيه ، نحو : «زيد قائم» أى هو ، فلو أتيت بعد المشتق بـ «هو» ونحوه وأبرزته فقلت : «زيد قائم هو» فقد جوّز سيبويه فيه وجهين ؛ أحدهما : أن يكون «هو» تأكيدا للضمير المستتر فى «قائم» والثانى أن يكون فاعلا بـ «قائم». هذا إذا جرى على من هو له.

فإن جرى على غير من هو له ـ وهو المراد بهذا البيت ـ وجب إبراز الضمير ، سواء أمن اللبس ، أو لم يؤمن ؛ فمثال ما أمن فيه اللبس : «زيد هند ضاربها هو» ومثال ما لم يؤمن فيه الّلبس لو لا الضمير «زيد عمرو ضاربه هو» فيجب إبراز الضمير فى الموضعين عند البصريين ، وهذا معنى قوله : «وأبرزنه مطلقا» أى سواء أمن اللبس ، أو لم يؤمن.

وأما الكوفيون فقالوا : إن أمن اللبس جاز الأمران كالمثال الأول ـ وهو :

__________________

ظرف مكان متعلق بأبرز «تلا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر المشتق ، والجملة من تلا وفاعله فى محل جر بإضافة حيث إليها «ما» اسم موصول مفعول به لتلا ، مبنى على السكون فى محل نصب «ليس» فعل ماض ناقص «معناه» معنى : اسم ليس ، ومعنى مضاف والضمير مضاف إليه «له» جار ومجرور متعلق بقوله «محصلا» الآتى «محصلا» خبر ليس ، والجملة من ليس ومعموليها لا محل لها من الإعراب صلة الموصول الذى هو «ما» ، وتقدير البيت : وأبرز ضمير الخبر المشتق مطلقا إن تلا الخبر مبتدأ ليس معنى ذلك الخبر محصلا لذلك المبتدأ ، وقد عبر الناظم فى الكافية عن هذا المعنى بعبارة سالمة من هذا الاضطراب والقلق ، وذلك قوله :

وإن تلا غير الّذى تعلّقا

به فأبرز الضّمير مطلقا

فى المذهب الكوفىّ شرط ذاك أن

لا يؤمن الّلبس ، ورأيهم حسن

وقد أشار الشارح إلى اختيار الناظم فى غير الألفية من كتبه لمذهب الكوفيين فى هذه المسألة ، وأنت تراه يقول فى آخر هذين البيتين عن مذهب الكوفيين «ورأيهم حسن»


«زيد هند ضاربها هو» ـ فإن شئت أتيت بـ «هو» وإن شئت لم تأت به ، وإن خيف اللبس وجب الإبراز كالمثال الثانى ؛ فإنك لو لم تأت بالضمير فقلت : «زيد عمرو ضاربه» لاحتمل أن يكون فاعل الضرب زيدا ، وأن يكون عمرا ، فلما أتيت بالضمير فقلت : «زيد عمرو ضاربه هو» تعين أن يكون «زيد» هو الفاعل.

واختار المصنف فى هذا الكتاب مذهب البصريين ، ولهذا قال : «وأبرزنه مطلقا» يعنى سواء خيف اللبس ، أو لم يخف ، واختار فى غير هذا الكتاب مذهب الكوفيين ، وقد ورد السماع بمذهبهم ؛ فمن ذلك قول الشاعر :

(٤٢) ـ

قومى ذرا المجد بانوها وقد علمت

بكنه ذلك عدنان وقحطان

التقدير : بانوها هم ؛ فحذف الضمير لأمن اللبس.

* * *

__________________

٤٢ ـ هذا الشاهد غير منسوب إلى قائل معين فيما بين أيدينا من المراجع.

اللغة : «ذرا» بضم الذال ـ جمع ذروة. وهى من كل شىء أعلاه «المجد» الكرم «بانوها» جعله العينى فعلا ماضيا بمعنى زادوا عليها وتمييزوا ، ويحتمل أن يكون جمع «بان» جمعا سالما مثل قاض وقاضون وغاز وغازون ، وحذفت النون للاضافة كما حذفت النون فى قولك «قاضو المدينة ومفتوها» وهو عندنا أفضل مما ذهب إليه العينى «كنه» كنه كل شىء : غايته ، ونهايته ، وحقيقته.

الإعراب : «قومى» قوم : مبتدأ أول ، وقوم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «ذرا» مبتدأ ثان ، وذرا مضاف و «المجد» مضاف إليه «بانوها» بانو : خبر المبتدأ الثانى ، وبانو مضاف وضمير الغائبة العائد إلى ذرا المجد مضاف إليه ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره خبر المبتدأ الأول «وقد» الواو واو الحال ، قد : حرف تحقيق «علمت» علم : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «بكنه» جار ومجرور متعلق بعلمت ،


وأخبروا بظرف أو بحرف جر

ناوين معنى «كائن» أو «استقر» (١)

__________________

وكنه مضاف واسم الإشارة فى «ذلك» مضاف إليه ، واللام للبعد ، والكاف حرف خطاب «عدنان» فاعل علمت «وقحطان» معطوف عليه

الشاهد فيه : قوله «قومى ذرا المجد بانوها» حيث جاء بخبر المبتدأ مشتقا ولم يبرز الضمير ، مع أن المشتق ليس وصفا لنفس مبتدئه فى المعنى ، ولو أبرز الضمير لقال : «قومى ذر المجد بانوهاهم» وإنما لم يبرز الضمير ارتكانا على انسياق المعنى المقصود إلى ذهن السامع من غير تردد ، فلا لبس فى الكلام بحيث يفهم منه معنى غير المعنى الذى يقصد إليه المتكلم ، فإنه لا يمكن أن يتسرب إلى ذهنك أن «بانوها» هو فى المعنى وصف للمبتدأ الثانى الذى هو «ذرا المجد» لأن ذرا المجد مبنية وليست بانية ؛ وإنما البانى هو القوم.

وهذا الذى يدل عليه هذا البيت ـ من عدم وجوب إبراز الضمير إذا أمن الالتباس ، وقصر وجوب إبرازه على حالة الالتباس ـ هو مذهب الكوفيين فى الخبر والحال والنعت والصلة ، قالوا فى جميع هذه الأبواب : إذا كان واحد من هذه الأشياء جاريا على غير من هو له ينظر ، فإذا كان يؤمن اللبس ويمكن تعين صاحبه من غير إبراز الضمير فلا يجب إبرازه ، وإن كان لا يؤمن اللبس واحتمل عوده على من هو له وعلى غير من هو له وجب إبراز الضمير ، والبيت حجة لهم فى ذلك.

والبصريون يوجبون إبراز الضمير بكل حال ، ويرون مثل هذا البيت غير موافق للقياس الذى عليه أكثر كلام العرب ، فهو عندهم شاذ.

ومنهم من زعم أن «ذرا المجد» ليس مبتدأ ثانيا كما أعربه الكوفيون ، بل هو مفعول به لوصف محذوف ، والوصف المذكور بعده بدل من الوصف المحذوف ، وتقدير الكلام : قومى بانون ذرا المجد بانوها ، فالخبر محذوف ، وهو جار على من له ، وفى هذا من التكلف ما ليس يخفى.

(١) «وأخبروا» الواو للاستئناف ، وأخبروا : فعل وفاعل «بظرف» جار ومجرور متعلق بأخبروا «أو» عاطفة «بحرف» جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور السابق ، وحرف مضاف ، و «جر» مضاف إليه «ناوين» حال من الواو


تقدم أن الخبر يكون مفردا ، ويكون جملة ، وذكر المصنف فى هذا البيت أنه يكون ظرفا أو [جارّا و] مجرورا (١) ، نحو : «زيد عندك» ، و «زيد فى الدّار» فكل منهما متعلّق بمحذوف واجب الحذف (٢) ، وأجاز قوم ـ منهم

__________________

فى قوله «أخبروا» منصوب بالياء نيابة عن الفتحة ، وفاعله ضمير مستتر فيه «معنى» مفعول به لناوين ، ومعنى مضاف ، و «كائن» مضاف إليه «أو» عاطفة «استقر» قصد لفظه ، وهو معطوف على كائن.

(١) يشترط لصحة الإخبار بالظرف والجار والمجرور : أن يكون كل واحد منهما تاما ، ومعنى التمام أن يفهم منه متعلقه المحذوف ، وإنما يفهم متعلق كل واحد منهما منه فى حالتين :

أولاهما : أن يكون المتعلق عاما ، نحو : زيد عندك ، وزيد فى الدار.

وثانيهما : أن يكون المتعلق خاصا وقد قامت القرينة الدالة عليه ، كأن يقول لك قائل : زيد مسافر اليوم وعمرو غدا ، فتقول له : بل عمرو اليوم وزيد غدا ، وجعل ابن هشام فى المغنى من هذا الأخير قوله تعالى : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) أى الحر يقتل بالحر والعبد يقتل بالعبد.

(٢) ههنا أمران ؛ الأول : أن المتعلق يكون واجب الحذف إذا كان عاما ، فأما إذا كان خاصا ففيه تفصيل ، فإن قامت قرينة تدل عليه إذا حذف جاز حذفه وجاز ذكره ، وإن لم تكن هناك قرينة ترشد إليه وجب ذكره ، هذا مذهب الجمهور فى هذا الموضوع ، وسنعود إليه فى شرح الشاهد رقم ٤٣ الآتى قريبا.

الأمر الثانى : اعلم أنه قد اختلف النحاة فى الخبر : أهو متعلق الظرف والجار والمجرور فقط ، أم هو نفس الظرف والجار والمجرور فقط ، أم هو مجموع المتعلق والظرف أو الجار والمجرور؟ فذهب جمهور البصريين إلى أن الخبر هو المجموع ؛ لتوقف الفائدة على كل واحد منهما ، والصحيح الذى ترجحه أن الخبر هو نفس المتعلق وحده ، وأن الظرف أو الجار والمجرور قيد له ، ويؤيد هذا أنهم أجمعوا على أن المتعلق إذا كان خاصا فهو الخبر وحده ، سواء أكان مذكورا أم كان قد حذف لقرينة تدل عليه ، وهذا الخلاف إنما هو فى المتعلق العام ، فليكن مثل الخاص ، طردا للباب على وتيرة واحدة.


المصنف ـ أن يكون ذلك المحذوف اسما أو فعلا نحو : «كائن» أو «استقرّ» فإن قدرت «كائنا» كان من قبيل الخبر بالمفرد ، وإن قدرت «استقرّ» كان من قبيل الخبر بالجملة.

واختلف النحويون فى هذا ؛ فذهب الأخفش إلى أنه من قبيل الخبر بالمفرد ، وأن كلا منهما متعلق بمحذوف ، وذلك المحذوف اسم فاعل ، التقدير «زيد كائن عندك ، أو مستقر عندك ، أو فى الدار» وقد نسب هذا لسيبويه.

وقيل : إنهما من قبيل الجملة ، وإن كلا منهما متعلق بمحذوف هو فعل ، والتقدير «زيد استقرّ ـ أو يستقرّ ـ عندك ، أو فى الدّار» ونسب هذا إلى جمهور البصريين ، وإلى سيبويه أيضا.

وقيل : يجوز أن يجعلا من قبيل المفرد ؛ فيكون المقدر مستقرا ونحوه ، وأن يجعلا من قبيل الجملة ؛ فيكون التقدير «استقرّ» ونحوه ، وهذا ظاهر قول المصنف «ناوين معنى كائن أو استقر».

وذهب أبو بكر بن السّرّاج إلى أن كلّا من الظرف والمجرور قسم برأسه ، وليس من قبيل المفرد ولا من قبيل الجملة ، نقل عنه هذا المذهب تلميذه أبو على الفارسىّ فى الشيرازيات.

والحقّ خلاف هذا المذهب ، وأنه متعلق بمحذوف ، وذلك المحذوف واجب الحذف ، وقد صرّح به شذوذا ، كقوله :

(٤٣) ـ

لك العزّ إن مولاك عزّ ؛ وإن يهن

فأنت لدى بحبوحة الهون كائن

__________________

٤٣ ـ هذا البيت من الشواهد التى لم يذكروها منسوبة إلى قائل معين.

اللغة : «مولاك» يطلق المولى على معان كثيرة ، منها السيد ، والعبد ، والحليف ، والمعين ، والناصر ، وابن العم ، والمحب ، والجار ، والصهر «يهن» يروى بالبناء


..................................................................................

__________________

للمجهول كما قاله العينى وتبعه عليه كثير من أرباب الحواشى ، ولا مانع من بنائه للمعلوم بل هو الواضح عندنا ؛ لأن الفعل الثلاثى لازم ؛ فبناؤه للمفعول مع غير الظرف أو الجار والمجرور ممتنع ، نعم يجوز أن يكون الفعل من أهنته أهينه ، وعلى هذا يجىء ما ذكره العينى ، ولكنه ليس بمتعين ، ولا هو مما يدعو إليه المعنى ، بل الذى اخترناه أقرب ؛ لمقابلته بقوله : «عز» الثلاثى اللازم ، وقوله : «بحبوحة» هو بضم فسكون ، وبحبوحة كل شىء : وسطه «الهون» الذل والهوان.

الإعراب : «لك» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «العز» مبتدأ مؤخر «إن» شرطية «مولاك» مولى : فاعل لفعل محذوف يقع فعل الشرط ، يفسره المذكور بعده ، ومولى مضاف والكاف ضمير خطاب مضاف إليه «عز» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مولاك ، والجملة لا محل لها مفسرة ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام ، أى : إن عز مولاك فلك العز «وإن» الواو عاطفة ، وإن : شرطية «يهن» فعل مضارع فعل الشرط محزوم وعلامة مجزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مولاك «فأنت» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، أنت : ضمير منفصل مبتدأ «لدى» ظرف متعلق بكائن الآتى ، ولدى مضاف و «بحبوحة» مضاف إليه ، وبحبوحة مضاف و «الهون» مضاف إليه «كائن» خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل جزم جواب الشرط.

الشاهد فيه : قوله «كائن» حيث صرح به ـ وهو متعلق الظرف الواقع خبرا ـ شذوذا ، وذلك لأن الأصل عند الجمهور أن الخبر ـ إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا ـ أن يكون كل منهما متعلقا بكون عام ، وأن يكون هذا الكون العام واجب الحذف ، كما قرره الشارح العلامة ، فإن كان متعلقهما كونا خاصا وجب ذكره ، إلا أن نقوم قرينة تدل عليه إذا حذف ، فإن قامت هذه القرينة جاز ذكره وحذفه ، وذهب ابن جنى إلى أنه مجوز ذكر هذا الكون العام لكون الذكر أصلا ، وعلى هذا يكون ذكره فى هذا البيت ونحوه ليس شاذا ، كذلك قالوا.

والذى يتجه للعبد الضعيف ـ عفا الله تعالى عنه! ـ وذكره كثير من أكابر


وكما يجب حذف عامل الظرف والجار والمجرور ـ إذا وقعا خبرا ـ كذلك يجب حذفه إذا وقعا صفة ، نحو : «مررت برجل عندك ، أو فى الدار» أو حالا ، نحو : «مررت بزيد عندك ، أو فى الدار» أو صلة ، نحو : «جاء الذى عندك ، أو فى الدار» لكن يجب فى الصّلة أن يكون المحذوف فعلا ، التقدير : «جاء الذى استقرّ عندك ، أو فى الدار» وأما الصفة والحال فحكمهما حكم الخبر كما نقدم.

* * *

ولا يكون اسم زمان خبرا

عن جثّة ، وإن يفد فأخبرا (١)

__________________

العلماء أن «كائنا ، واستقر» قد يراد بهما مجرد الحصول والوجود فيكون كل منهما كونا عاما واجب الحذف ، وقد يراد بهما حصول مخصوص كالثبات وعدم قبول التحول والانتقال ونحو ذلك فيكون كل منهما كونا خاصا ، وحينئذ يجوز ذكره ، و «ثابت» و «ثبت» بهذه المنزلة ؛ فقد يراد بهما الوجود المطلق الذى هو ضد الانتقال فيكونان عامين ، وقد يراد بهما القرار وعدم قابلية الحركة مثلا ، وحينئذ يكونان خاصين ، وبهذا يرد على ابن جنى ما ذهب إليه ، وبهذا ـ أيضا ـ يتجه ذكر «كائن» فى هذا البيت وذكر «مستقر» فى نحو قوله تعالى : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) لأن المعنى أنه لما رآه ثابتا كما لو كان موضعه بين يديه من أول الأمر.

(١) «ولا» الواو للاستئناف ، ولا : نافية «يكون» فعل مضارع ناقص «اسم» هو اسم يكون ، واسم مضاف و «زمان» مضاف إليه «خبرا» خبر يكون «عن جثة» جار ومجرور متعلق بقوله خبرا ، أو بمحذوف صفة لخبر «وإن» الواو للاستئناف. إن : شرطية «يفد» فعل مضارع فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كون الخبر اسم زمان «فأخبرا» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، أخبر فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا للوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة من فعل الأمر وفاعله فى محل جزم جواب الشرط.


ظرف المكان يقع خبرا عن الجثة ، نحو : «زيد عندك» وعن المعنى نحو : «القتال عندك» وأما ظرف الزمان فيقع خبرا عن المعنى منصوبا أو مجرورا بفى ، نحو : «القتال يوم الجمعة ، أو فى يوم الجمعة» ولا يقع خبرا عن الجثّة ، قال المصنف : إلا إذا أفاد نحو «الليلة الهلال ، والرّطب شهرى ربيع» فإن لم يفد لم يقع خبرا عن الجثة ، نحو : «زيد اليوم» وإلى هذا ذهب قوم منهم المصنف ، وذهب غير هؤلاء إلى المنع مطلقا ؛ فإن جاء شىء من ذلك يؤوّل ، نحو قولهم : اللّيلة الهلال ، والرّطب شهرى ربيع ، التقدير : طلوع الهلال الليلة ، ووجود الرّطب شهرى ربيع ؛ هذا مذهب جمهور البصريين ، وذهب قوم ـ منهم المصنف ـ إلى جواز ذلك من غير شذوذ [لكن] بشرط أن يفيد (١) ، كقولك : «نحن فى يوم طيّب ، وفى شهر كذا» ،

__________________

(١) هنا أمران يحسن بنا أن نبينهما لك تبيينا واضحا ، الأول : أن الاسم الذى يقع مبتدأ ، إما أن يكون اسم معنى كالقتل والأكل والنوم ، وإما أن يكون اسم جثة ، والمراد بها الجسم على أى وضع كان ، كزيد والشمس والهلال والورد ، والظرف الذى يصح أن يقع خبرا ؛ إما أن يكون اسم زمان كيوم وزمان وشهر ودهر ، وإما أن يكون اسم مكان نحو عند ولدى وأمام وخلف ، والغالب أن الإخبار باسم المكان يفيد سواء أكان المخبر عنه اسم جثة أم كان المخبر عنه اسم معنى ، والغالب أن الإخبار باسم الزمان يفيد إذا كان المخبر عنه اسم معنى ، فلما كان الغالب فى هذه الأحوال الثلاثة حصول الفائدة أجاز الجمهور الإخبار بظرف المكان مطلقا وبظرف الزمان عن اسم المعنى بدون شرط إعطاء للجميع حكم الأغلب الأكثر ، ومن أجل أن الإخبار بالظرف المكانى مطلقا وبالزمان عن اسم المعنى مفيد غالبا لا دائما ، ومعنى هذا أن حصول الفائدة ليس بواجب فى الإخبار حينئذ ، من أجل ذلك استظهر جماعة من المحققين أنه لا يجوز الإخبار إلا إذا حصلت الفائدة به فعلا ؛ فلو لم تحصل الفائدة من الإخبار باسم الزمان عن المعنى نحو «القتال زمانا» أو لم تحصل من الإخبار باسم المكان نحو «زيد مكانا» ونحو «القتال مكانا» لم يجز الإخبار ، وإذن فالمدار عند هذا الفريق على حصول الفائدة فى الجميع ؛ والغالب أن الإخبار باسم الزمان عن الجثة لا يفيد. وهذا هو السر فى تخصيص الجمهور هذه الحالة بالنص عليها.


وإلى هذا أشار بقوله : «وإن يفد فأخبرا» فإن لم يفد امتنع ، نحو : «زيد يوم الجمعة».

* * *

ولا يجوز الابتدا بالنّكره

ما لم تفد : كعند زيد نمره (١)

وهل فتى فيكم؟ فما خلّ لنا ،

ورجل من الكرام عندنا (٢)

__________________

الأمر الثانى : أن الفائدة من الإخبار باسم الزمان عن اسم الجثة تحصل بأحد أمور ثلاثة ؛ أولها : أن يتخصص اسم الزمان بوصف أو بإضافة ، ويكون مع ذلك مجرورا بفى ، نحو قولك : «نحن فى يوم قائظ ، ونحن فى زمن كله خير وبركة» ولا يجوز فى هذا إلا الجر بفى ، فلا يجوز أن تنصب الظرف ولو أن نصبه على تقدير فى ، وثانيها أن يكون الكلام على تقدير مضاف هو اسم معنى ، نحو قولهم : الليلة الهلال فإن تقديره الليلة طلوع الهلال ، ونحو قول امرىء القيس بن حجر الكندى بعد مقتل أبيه : اليوم خمر ، وغدا أمر ؛ فإن التقدير عند النحاة فى هذا المثل : اليوم شرب خمر ، وثالثها : أن يكون اسم الجثة مما يشبه اسم المعنى فى حصوله وقتا بعد وقت ، نحو قولهم : الرطب شهرى ربيع ، والورد أيار ، ونحو قولنا : القطن سبتمبر ، ويجوز فى هذا النوع أن تجره بفى ، فتقول : الرطب فى شهرى ربيع ، والورد فى أيار ـ وهو شهر من الشهور الرومية يكون زمن الربيع.

(١) «لا» نافية «يجوز» فعل مضارع «الابتدا» فاعل يجوز «بالنكرة» جار ومجرور متعلق بالابتدا «ما» مصدرية ظرفية «لم» حرف نفى وجزم وقلب «تفد» فعل مضارع مجزوم بلم ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على النكرة «كعند» الكاف جارة لقول محذوف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، وعند ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وعند مضاف و «زيد» مضاف إليه «نمرة» مبتدأ مؤخر ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب مقول القول المحذوف ، وتقدير الكلام : وذلك كائن كقولك عند زيد نمرة.

(٢) «هل» حرف استفهام «فتى» مبتدأ «فيكم» جار ومجرور متعلق


ورغبة فى الخير خير ، وعمل

برّ يزين ، وليقس ما لم يقل (١)

الأصل فى المبتدأ أن يكون معرفة (٢) وقد يكون نكرة ، لكن بشرط أن تفيد ، وتحصل الفائدة بأحد أمور ذكر المصنف منها ستة :

أحدها : أن يتقدم الخبر عليها ، وهو ظرف أو جار ومجرور (٣) ، نحو : «فى

__________________

بمحذوف خبر المبتدأ «فما» نافية «خل» مبتدأ «لنا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر «ورجل» مبتدأ «من الكرام» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لرجل «عندنا» عند : ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، وعند مضاف والضمير مضاف إليه.

(١) «رغبة» مبتدأ «فى الخير» جار ومجرور متعلق به «خير» خبر المبتدأ «وعمل» مبتدأ ، وعمل مضاف و «بر» مضاف إليه «يزين» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على عمل ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «وليقس» الواو عاطفة أو للاستئناف ، واللام لام الأمر ، يقس : فعل مضارع مجزوم بلام الأمر ، وهو مبنى للمجهول «ما» اسم موصول نائب فاعل يقس «لم» حرف نفى وجزم وقلب «يقل» فعل مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم ، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» والجملة من الفعل المبنى للمجهول ونائب فاعله لا محل لها من الإعراب صلة.

(٢) المبتدأ محكوم عليه ، والخبر حكم ، والأصل فى المبتدأ أن يتقدم على الخبر ، والحكم على المجهول لا يفيد ، لأن ذكر المجهول أول الأمر يورث السامع حيرة ؛ فتبعثه على عدم الإصغاء إلى حكمه ، ومن أجل هذا وجب أن يكون المبتدأ معرفة حتى يكون معينا ، أو نكرة مخصوصة. ولم يجب فى الفاعل أن يكون معرفة ولا نكرة مخصصة ؛ لأن حكمه ـ وهو المعبر عنه بالفعل ـ متقدم عليه البتة ؛ فيتقرر الحكم أولا فى ذهن السامع ، ثم يطلب له محكوما عليه أيا كان ، ومن هنا تعرف الفرق بين المبتدأ والفاعل ، مع أن كل واحد منهما محكوم عليه ، وكل واحد منهما معه حكمه ، ومن هنا تعرف أيضا السر فى جواز أن يكون المبتدأ نكرة إذا تقدم الخبر عليه.

(٣) مثل الظرف والجار والمجرور الجملة ، نحو قولك : قصدك غلامه رجل ، فرجل مبتدأ مؤخر ، وجملة «قصدك غلامه» من الفعل وفاعله فى محل رفع خبر مقدم ، لسوغ للابتداء بالنكرة ، هو تقديم خبرها وهو جملة ، واعلم أنه لا بد ـ مع تقديم


الدّار رجل» ، و «عند زيد نمرة» (١) ؛ فإن تقدم وهو غير ظرف ولا جار ومجرور لم يجز ، نحو : «قائم رجل».

الثانى : أن يتقدم على النكرة استفهام (٢) ، نحو : «هل فتى فيكم».

الثالث : أن يتقدم عليها نفى (٣) ، نحو : «ما خلّ لنا».

__________________

الخبر وكونه أحد الثلاثة : الجملة ، والظرف ، والجار والمجرور ـ من أن يكون مختصا ، وذلك بأن يكون المجرور أو ما أضيف الظرف إليه والمسند إليه فى الجملة مما يجوز الإخبار عنه ، فلو قلت : فى دار رجل رجل ، أو قلت عند رجل رجل ، أو قلت ولد له ولد رجل ـ لم يصح.

(١) النمرة ـ بفتح النون وكسر الميم ـ كساء مخطط تلبسه الأعراب ، وجمعه نمار.

(٢) اشترط جماعة من النحويين ـ منهم ابن الحاجب ـ لجواز الابتداء بالنكرة بعد الاستفهام شرطين ، الأول : أن يكون حرف الاستفهام الهمزة ، والثانى : أن يكون بعده «أم» نحو أن تقول : أرجل عندك أم امرأة؟ وهذا الاشتراط غير صحيح ؛ فلهذا بادر الناظم والشارح بإظهار خلافه بالمثال الذى ذكراه ، فإن قلت : فلماذا كان تقدم الاستفهام على النكرة مسوغا للابتداء بها؟ فالجواب : أن نذكرك بأن الاستفهام إما إنكارى وإما حقيقى ، أما الاستفهام الإنكارى فهو بمعنى حرف النفى ، وتقدم حرف النفى على النكرة يجعلها عامة ، وعموم النكرة عند التحقيق هو المسوغ للابتداء بها ، إذ الممنوع إنما هو الحكم على فرد مبهم غير معين ، فأما الحكم على جميع الأفراد فلا مانع منه ، وأما الاستفهام الحقيقى فوجه تسويغه أن المقصود به السؤال عن فرد غير معين بطلب بالسؤال تعيينه ، وهذا الفرد غير المعين شائع فى جميع الأفراد ، فكأن السؤال فى الحقيقة عن الأفراد كلهم ، فأشبه العموم ، فالمسوغ إما العموم الحقيقى وإما العموم الشبيه به.

(٣) قد عرفت مما ذكرناه فى وجه تسويغ الاستفهام الابتداء بالنكرة أن الأصل فيه هو النفى ؛ لأن النفى هو الذى يجعل النكرة عامة متناولة جميع الأفراد ، وحمل الاستفهام الإنكارى عليه لأنه بمعناه ، وحمل الاستفهام الحقيقى عليه لأنه شبيه بما هو بمعنى النفى ، فالوجه فى النفى هو صيرورة النكرة عامة.


الرابع : أن توصف (١) ، نحو : «رجل من الكرام عندنا».

الخامس : أن تكون عاملة (٢) ، نحو : «رغبة فى الخير خير».

السادس : أن تكون مضافة ، نحو : «عمل برّ يزين».

هذا ما ذكره المصنف فى هذا الكتاب ، وقد أنهاها غير المصنف إلى نيّف وثلاثين موضعا [وأكثر من ذلك (٣)] ، فذكر [هذه] السّتّة المذكورة.

__________________

(١) يشترط فى الوصف الذى يسوغ الابتداء بالنكرة أن يكون مخصصا للنكرة فإن لم يكن الوصف مخصصا للنكرة ـ نحو أن تقول : رجل من الناس عندنا ـ لم يصح الابتداء بالنكرة ، والوصف على ثلاثة أنواع ؛ النوع الأول : الوصف اللفظى ، كمثال الناظم والشارح ، والنوع الثانى : الوصف التقديرى ، وهو الذى يكون محذوفا من الكلام لكنه على تقدير ذكره فى الكلام ، كقوله تعالى (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) فإن تقدير الكلام : وطائفة من غيركم ، بدليل ما قبله ، وهو قوله تعالى (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) والنوع الثالث : الوصف المعنوى ، وضابطه ألا يكون مذكورا فى الكلام ولا محذوفا على نية الذكر ، ولكن صيغة النكرة تدل عليه. ولذلك موضعان ؛ الموضع الأول : أن تكون النكرة على صيغة التصغير ، نحو قولك : رجيل عندنا ، فإن المعنى رحل صغير عندنا ، والموضع الثانى : أن تكون النكرة دالة على التعجب ، نحو «ما» التعجبية فى قولك : ما أحسن زيدا ، فإن الذى سوغ الابتداء بما التعجبية وهى نكرة كون المعنى : شىء عظيم حسن زيدا ؛ فهذا الأمر الواحد ـ وهو كون النكرة موصوفة ـ يشتمل على أربعة أنواع.

(٢) قد تكون النكرة عاملة الرفع ، نحو قولك : ضرب الزيدان حسن ـ بتنوين ضرب ؛ لأنه مصدر ـ وهو مبتدأ ، والزيدان : فاعل المصدر ، وحسن : خبر المبتدأ ، وقد تكون عاملة النصب كما فى مثال الناظم والشارح ؛ فإن الجار والمجرور فى محل نصب على أنه مفعول به للمصدر ، وقد تكون عاملة الجر ، كما فى قوله عليه الصلاة والسّلام «خمس صلوات كتبهن الله فى اليوم والليلة» ومن هذا تعلم أن ذكر الأمر الخامس يغنى عن ذكر السادس ؛ لأن السادس نوع منه.

(٣) قد علمت أن بعض الأمور الستة يتنوع كل واحد منها إلى أنواع ، فالذين


والسابع : أن تكون شرطا ، نحو : «من يقم أقم معه».

الثامن : أن تكون جوابا ، نحو أن يقال : من عندك؟ فتقول : «رجل» ، التقدير «رجل عندى».

التاسع : أن تكون عامّة ، نحو : «كلّ يموت».

العاشر : أن يقصد بها التّنويع ، كقوله :

(٤٤) ـ

فأقبلت زحفا على الرّكبتين

فثوب لبست ، وثوب أجرّ

[فقوله «ثوب» مبتدأ ، و «لبست» خبره ، وكذلك «ثوب أجرّ»].

__________________

عدوا أمورا كثيرة لم يكتفوا بذكر جنس يندرج تحته الأنواع المتعددة ، وإنما فصلوها تفصيلا لئلا يحوجوا المبتدىء إلى إجهاد ذهنه ، وسترى فى بعض ما يذكره الشارح زيادة على الناظم أنه مندرج تحت ما ذكره كالسابع والتاسع والثانى عشر والرابع عشر وسنبين ذلك.

٤٤ ـ هذا البيت من قصيدة لامرىء القيس أثبتها له أبو عمرو الشيبانى ، والمفضل الضبى ، وغيرهما ، وأول هذه القصيدة قوله :

لا ، وأبيك ابنة العامر

ىّ لا يدّعى القوم أنّى أفرّ

وزعم الأصمعى ـ فى روايته عن أبى عمرو بن العلاء ـ أن القصيدة لرجل من أولاد النمر بن قاسط يقال له ربيعة بن جشم ، وأولها عنده :

أحار ابن عمرو كأنّى خمر

ويعدو على المرء ما يأتمر

ويروى صدر البيت الشاهد هكذا :

* فلمّا دنوت تسدّيتها*

اللغة : «تسديتها» تخطيت إليها ، أو علوتها ، والباقى ظاهر المعنى ، ويروى «فثوب نسيت».

الإعراب : «فأقبلت» الفاء عاطفة ، أقبلت : فعل ماض مبنى على فتح مقدر وفاعل «زحفا» يجوز أن يكون مصدرا فى تأويل اسم الفاعل فيكون حالا من التاء فى «أقبلت» ويجوز بقاؤه على مصدريته فهو مفعول مطلق لفعل محذوف ،


الحادى عشر : أن تكون دعاء ، نحو : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ)

الثانى عشر : أن يكون فيها معنى التعجب (١) ، نحو : «ما أحسن زيدا!».

__________________

تقديره : أزحف زحفا «على الركبتين» جار ومجرور متعلق بقوله «زحفا» «فثوب» مبتدأ «نسيت» أو «لبست» فعل وفاعل ، والجملة فى محل رفع خبر ، والرابط ضمير محذوف ، والتقدير نسيته ، أو لبسته «وثوب» الواو عاطفة ، ثوب : مبتدأ «أجر» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة فى محل رفع خبر ، والرابط ضمير منصوب محذوف ، والتقدير : أجره ، والجملة من المبتدأ وخبزه معطوفة بالواو على الجملة السابقة.

الشاهد فيه : قوله «ثوب» فى الموضعين ، حيث وقع كل منهما مبتدأ ـ مع كونه نكرة ـ لأنه قصد التنويع ، إذ جعل أثوابه أنواعا ، فمنها نوع أذهله حبها عنه فنسيه ، ومنها نوع قصد أن يجره على آثار سيرهما ليعفيها حتى لا يعرفهما أحد ، وهذا توجيه ما ذهب إليه العلامة الشارح.

وفى البيت توجيهان آخران ذكرهما ابن هشام وأصلهما للأعلم ، أحدهما : أن جملتى «نسيت ، وأجر» ليستاخرين ، بل هما نعتان للمبتدأين ، وخبراهما محذوفان ، والتقدير : فمن أثوابى ثوب منسى وثوب مجرور ، والتوجيه الثانى : أن الجملتين خبران ولكن هناك نعتان محذوفان ، والتقدير : فثوب لى نسيته وثوب لى أجره ، وعلى هذين التوجيهين فالمسوغ للابتداء بالنكرة كونها موصوفة ، وفى البيت رواية أخرى ، وهى* فثوبا نسيت وثوبا أجر* بالنصب فيهما ، على أن كلا منهما مفعول للفعل الذى بعده ، ولا شاهد فى البيت على هذه الرواية ، ويرجح هذه الرواية على رواية الرفع أنها لا تحوج إلى تقدير محذوف ، وأن حذف الضمير المنصوب العائد على المبتدأ من جملة الخبر مما لا يجيزه جماعة من النحاة منهم سيبويه إلا لضرورة الشعر.

(١) قد عرفت أن هذا الموضع والذى بعده داخلان فى الموضع الرابع ؛ لأننا بينا لك أن الوصف إما لفظى وإما تقديرى ، والتقديرى : أعم من أن يكون المحذوف هو الوصف أو الموصوف ، ومثل هذا يقال فى الموضع الرابع عشر ، وكذلك فى الموضع الخامس عشر على ثانى الاحتمالين ، وكان على الشارح ألا يذكر هذه المواضع ، تيسيرا للأمر على الناشئين ، وقد سار ابن هشام فى أوضحه على ذلك


الثالث عشر : أن تكون خلفا من موصوف ، نحو : «مؤمن خير من كافر».

الرابع عشر : أن تكون مصغّرة ، نحو : «رجيل عندنا» ؛ لأن التصغير فيه فائدة معنى الوصف ، تقديره «رجل حقير عندنا».

الخامس عشر : أن تكون فى معنى المحصور ، نحو : «شرّ أهرّ ذا ناب ، وشىء جاء بك» التقدير «ما أهرّ ذا ناب إلّا شرّ ، وما جاء بك إلا شىء» على أحد القولين ، والقول الثانى [أن التقدير] «شرّ عظيم أهرّ ذا ناب ، وشىء عظيم جاء بك» ؛ فيكون داخلا فى قسم ما جاز الابتداء به لكونه موصوفا ؛ لأن الوصف أعمّ من أن يكون ظاهرا أو مقدرا ، وهو ها هنا مقدّر.

السادس عشر : أن يقع قبلها واو الحال ، كقوله :

(٤٥) ـ

سرينا ونجم قد أضاء ؛ فمذ بدا

محيّاك أخفى ضوؤه كلّ شارق

__________________

٤٥ ـ هذا البيت من الشواهد التى لا يعرف قائلها.

اللغة : «سرينا» من السرى ـ بضم السين ـ وهو السير ليلا «أضاء» أنار «بدا» ظهر «محياك» وجهك.

المعنى : شبه الممدوح بالبدر تشبيها ضمنيا. ولم يكتف بذلك حنى جعل ضوء وجهه أشد من نور البدر وغيره من الكواكب المشرقة.

الإعراب : «سرينا» فعل وفاعل «ونجم» الواو للحال ، نجم : مبتدأ «قد» حرف تحقيق «أضاء» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نجم ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «فمذ» اسم دال على الزمان فى محل رفع مبتدأ «بدا» فعل ماض «محياك» محيا : فاعل بدا ، ومحيا مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه ، والجملة فى محل جر بإضافة مذ إليها ، وقيل : مذ مضاف إلى زمن محذوف ، والزمن مضاف إلى الجملة «أخفى» فعل ماض «ضوؤه» ضوء : فاعل أخفى ، وضوء مضاف والضمير مضاف إليه «كل» مفعول به لأخفى ، وكل مضاف و «شارق» مضاف إليه ، والجملة من الفعل ـ الذى هو أخفى ـ والفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ وهو مذ.

الشاهد فيه : قوله «ونجم قد أضاء» حيث أتى بنجم مبتدأ ـ مع كونه نكرة ـ


السابع عشر : أن تكون معطوفة على معرفة ، نحو : «زيد ورجل قائمان».

الثامن عشر : أن تكون معطوفة على وصف ، نحو : «تميمىّ ورجل فى الدّار».

التاسع عشر : أن يعطف عليها موصوف ، نحو : «رجل وامرأة طويلة فى الدّار».

العشرون : أن تكون مبهمة ، كقول امرىء القيس :

(٤٦) ـ

مرسّعة بين أرساغه

به عسم ييتغى أرنبا

__________________

لسبقه بواو الحال ، والذى نريد أن ننبهك إليه هاهنا أن المدار فى التسويغ على وقوع النكرة فى صدر الجملة الحالية ، سواء أكانت مسبوقة بواو الحال كهذا الشاهد ، أم لم تكن مسبوقة به ، كقول شاعر الحماسة (انظر شرح التبريزى ٤ / ١٣٠ بتحقيقنا) :

تركت ضأنى تودّ الذّئب راعيها

وأنّها لا ترانى آخر الأبد

الذّئب يطرقها فى الدّهر واحدة

وكلّ يوم ترانى مدية بيدى

الشاهد فيهما قوله «مدية» فإنه مبتدأ مع كونه نكرة ، وسوغ الابتداء به وقوعه فى صدر جملة الحال ؛ لأن جملة «مدية بيدى» فى محل نصب حال من ياء المتكلم فى قوله «ترانى».

ويجوز أن يكون مثل بيت الشاهد قول الشاعر :

عندى اصطبار ، وشكوى عند فاتنتى

فهل بأعجب من هذا امرؤ سمعا؟

فإن الواو فى قوله «وشكوى عند فاتنتى» يجوز أن تكون واو الحال ، وشكوى مبتدأ وهو نكرة ، وعند ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، فإذا أعربناه على هذا الوجه كان مثل بيت الشاهد تماما.

٤٦ ـ اتفق الرواة على أن هذا البيت لشاعر اسمه امرؤ القيس ، كما قاله الشارح العلامة ، لكن اختلفوا فيما وراء ذلك ؛ فقيل : لامرىء القيس بن حجر الكندى الشاعر المشهور ، وقال أبو القاسم الكندى : ليس ذلك بصحيح ، بل هو لامرىء القيس


..................................................................................

__________________

ابن مالك الحميرى ، لكن الثابت فى نسخة ديوان امرىء القيس بن حجر الكندى ـ برواية أبى عبيدة والأصمعى وأبى حاتم والزيادى ، وفيما رواه الأعلم الشنتمرى من القصائد المختارة ـ نسبة هذا البيت لامرىء القيس بن حجر الكندى ، وقال السيد المرتضى فى شرح القاموس ، نقلا عن العباب ، ما نصه : «هو لامرىء القيس بن مالك الحميرى ، كما قاله الآمدى ، ولبس لابن حجر كما وقع فى دواوين شعره ، وهو موجود فى أشعار حمير» اه ، ومهما يكن من شىء فقد روى الرواة قبل بيت الشاهد قوله :

أيا هند لا تنكحى بوهة

عليه عقيقته أحسبا

اللغة : «بوهة» هو بضم الباء ـ الرجل الضعيف الطائش ، وقيل : هو الأحمق «عقيقته» العقيقة الشعر الذى يولد به الطفل «أحسبا» الأحسب من الرجال :

الرجل الذى ابيضت جلدته. وقال القتيبى : أراد بقوله «عليه عقيقته» أنه لا يتنظف ، وقال أبو على : معناه أنه لم يعق عنه فى صغره فما زال حنى كبر وشابت معه عقيقته «مرسعة» هى التميمة يعلقها مخافة العطب على طرف الساعد فيما بين الكوع والكرسوع ، وقيل : هى مثل المعاذة ، وكان الرجل من جهلة العرب يشد فى يده أو رجله حرزا لدفع العين أو مخافة أن يموت أو يصيبه بلاء «بين أرساغه» الأرساغ جمع رسغ ـ بوزن قفل ـ يعنى أنه يجعلها فى هذا المكان ، ويروى «بين أرباقه» والأرباق : جمع ربق ـ بكسر فسكون ـ وهو الحبل فيه عدة عرى ، ومعناه أنه يجعل تميمته فى حبال «عسم» اعوجاج فى الرسغ ويبس «أرنبا» حيوان معروف ، وإنما طلب الأرنب دون الظباء ونحوها لما كانت تزعمه العرب من أن الجن تجتنبها ؛ فمن اتخذ كعبها تميمة لم يقربه جن ، ولم يؤذه سحر ، كذا كانوا يزعمون وأراد أنه جبان شديد الخوف

المعنى : يخاطب هندا أخته ـ فيما ذكر الرواة ـ ويقول لها : لا تتزوجى رجلا من جهلة العرب : يضع التمائم ، ويقعد عن الخروج للحروب ، وفى رسغه اعوجاج ويبس ، لا يبحث إلا عن الأرانب ليتخذ كعوبها تمائم جبنا وفرقا.

الإعراب : «مرسعة» مبتدأ «بين» ظرف منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، وبين مضاف وأرساغ من «أرساغه» مضاف إليه ، وأرساغ مضاف والضمير مضاف إليه ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب نعت لبوهة فى البيت السابق ،


الحادى والعشرون : أن تقع بعد «لو لا» ، كقوله :

(٤٧) ـ

لو لا اصطبار لأودى كلّ ذى مقة

لمّا استقلّت مطاياهنّ للظّعن

__________________

والرابط بين جملة الصفة والموصوف هو الضمير المجرور محلا بالإضافة فى قوله أرساغه «به» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «عسم» مبتدأ مؤخر ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل نصب صفة ثانية لبوهة «يبتغى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى بوهة ، وجملة الفعل وفاعله فى محل نصب صفة لبوهة أيضا «أرنبا» مفعول به ليبتغى ، فقد وصف البوهة فى هذين البيتين بخمس صفات : الأولى قوله «عليه عقيقه» والثانية قوله «أحسبا» والثالثة جملة «مرسعة بين أرساغه» ، والرابعة جملة «به عسم» ، والخامسة جملة «يبتغى أرنبا».

الشاهد فيه : قوله «مرسعة» فإنها نكرة وقعت مبتدأ ، وقد سوغ الابتداء بها إبهامها ، ومعنى ذلك أن المتكلم قصد الإبهام بهذه النكرة ، ولم يكن له غرض فى البيان والتعيين أو نقليل الشيوع ، وأنت خبير بأن الإبهام قد يكون من مقاصد البلغاء ألا ترى أنه لا يريد مرسعة دون مرسعة ، وهذا معنى قصد الإبهام الذى ذكره الشارح.

واعلم أن الاستشهاد بهذا البيت لا يتم إلا على رواية مرسعة بتشديد السين مفتوحة ، وبرفعها وتفسيرها بما ذكرنا ، وقد رويت بتشديد السين مكسورة ، ومعناها الرجل الذى فسد موق عينه ، وعلى هذا تروى بالرفع والنصب ؛ فرفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : هو مرسعة ، أى البوهة السابق مرسعة ، ونصبها على أنها صفة لبوهة فى البيت السابق من باب الوصف بالمفرد ، ولا شاهد فى البيت لما نحن فيه الآن على إحدى هاتين الروايتين.

٤٧ ـ لم ينسبوا هذا الشاهد إلى قائل معين.

اللغة : «أودى» فعل لازم معناه هلك «مقة» حب ، وفعله ومقه يمقه مقة ـ كوعده يعده عدة ـ والتا ، فى مقة عوض عن فاء الكلمة ـ وهى الواو ـ كعدة وزنة ونحوهما «استقلت» نهضت وهمت بالمسير «الظعن» الرحيل والسفر ، وهو بفتح العين هنا.

المعنى. يقول : إنه صبر على سفر أحبابه ، وتجلد حين اعتزموا الرحيل ، ولو لا ذلك الصبر الذى أبداه وتمسك به لظهر منه ما يهلك بسببه كل من بحبه ويعطف عليه.


الثانى والعشرون : أن تقع بعد فاء الجزاء ، كقولهم : «إن ذهب عير فعير فى الرّباط» (١).

الثالث والعشرون : أن تدخل على النكرة لام الابتداء ، نحو «لرجل قائم».

__________________

الإعراب : «لو لا» حرف يدل على امتناع الجواب لوجود الشرط «اصطبار» مبتدأ ، والخبر محذوف وجوبا تقديره : موجود. وقوله «لأودى» اللام واقعة فى جواب لو لا ، وأودى : فعل ماض «كل» فاعل أودى ، وكل مضاف ، و «ذى» مضاف إليه ، وذى مضاف و «مقة» مضاف إليه «لما» ظرف بمعنى حين مبنى على السكون فى محل نصب متعلق بقوله أودى «استقلت» استقل : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «مطاياهن» مطايا : فاعل استقل ، ومطايا مضاف والضمير مضاف إليه ، والجملة فى محل جر بإضافة لما إليها «للظعن» جار ومجرور متعلق باستقلت.

الشاهد فيه : قوله «اصطبار» فإنه مبتدأ ـ مع كونه نكرة ـ والمسوغ لوقوعه مبتدأ وقوعه بعد «لو لا».

وإنما كان وقوع النكرة بعد «لو لا» مسوغا للابتداء بها لأن «لو لا» تستدعى جوابا يكون معلقا على جملة الشرط التى يقع المبتدأ فيها نكرة ؛ فيكون ذلك سببا فى تقليل شيوع هذه النكرة.

(١) هذا من أمثال العرب ، والعير ـ بفتح فسكون ـ هو الحمار ، والرباط ـ بزنة كتاب ـ ما تشد به الدابة ، ويقال : قطع الظبى رباطه ، ويريدون قطع حبالته يضرب للرضا بالحاضر وعدم الأسف على الغائب ، والاستشهاد به فى قوله «فعير» حيث وقع مبتدأ ـ مع كونه نكرة ـ لكونه واقعا بعد الفاء الواقعة فى جواب الشرط ، وانظر هذا المثل فى مجمع الأمثال للميدانى (١ / ٢١ طبع بولاق ، رقم ٨٢ فى ١ / ٢٥ بتحقيقنا) وانظره فى جمهرة الأمثال لأبى هلال العسكرى (١ / ٨١ بهامش مجمع الأمثال طبع الخيرية) ورواه هناك «إن هلك عير فعير فى الرباط» وقال بعد روايته : يضرب مثلا للشىء يقدر على العوض منه فيستخف بفقده ، ونحو هذا المثل فى المعنى قول كثير عزة :

هل وصل عزّة إلّا وصل غانية

فى وصل غانية من وصلها بدل


الرابع والعشرون : أن تكون بعد «كم» الخبرية ، نحو قوله :

(٤٨) ـ

كم عمّة لك يا جرير وخالة

فدعاء قد حلبت علىّ عشارى

__________________

٤٨ ـ البيت للفرزدق بهجو جريرا ، وقبله قوله :

كم من أب لى يا جرير كأنّه

قمر المجرّة أو سراج نهار

ورث المكارم كابرا عن كابر

ضخم الدّسيعة كلّ يوم فخار

اللغة : «المجرة» باب السماء ، وقيل : هى الطريق التى تسير منها الكواكب «الدسيعة» الجفنة ، أو المائدة الكبيرة ، وضخامتها : كناية عن الكرم ، لأن ذلك يدل على كثرة الأكلة الذين يلتفون حولها «فدعاء» هى المرأة التى اعوجت إصبعها من كثرة حلبها ، ويقال : الفدعاء هى التى أصاب رجلها الفدع من كثرة مشيها وراء الإبل ، والفدع : زيغ فى القدم بينها وبين الساق ، وقال ابن فارس : الفدع اعوجاج فى المفاصل كأنها قد زالت عن أماكنها «عشارى» العشار : جمع عشراء ـ بضم العين المهملة وفتح الشين ـ وهى الناقة التى أتى عليها من وضعها عشرة أشهر ، وفى التنزيل الكريم : (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ).

الإعراب : «كم» يجوز أن تكون استفهامية ، وأن تكون خبرية «عمة» يجوز فيها وفى «خالة» المعطوفة عليها الحركات الثلاث : أما الجر فعلى أن «كم» خبرية فى محل رفع مبتدأ ، وخبره جملة «حلبت» وعمة : تمييز لها ، وتمييز كم الخبرية مجرور كما هو معلوم ، وخالة : معطوف عليها ، وأما النصب فعلى أن «كم» استفهامية فى محل رفع مبتدأ ، وخبره جملة «حلبت» أيضا ، وعمة : تمييز لها ؛ وتمييز كم الاستفهامية منصوب كما هو معلوم ، وخالة معطوف عليها ، وأما الرفع فعلى أن كم خبرية أو استفهامية فى محل نصب ظرف متعلق بحلبت أو مفعول مطلق عامله «حلبت» الآتى ، وعلى هذين يكون قوله «عمة» مبتدأ ، وقوله «لك» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت له ، وجملة «قد حلبت» فى محل رفع خبره ، وتمييز «كم» على هذا الوجه محذوف ، وهى ـ على ما عرفت ـ يجوز أن تكون خبرية فيقدر تمييزها مجرورا ، ويجوز أن تكون استفهامية فيقدر تمييزها منصوبا ، و «فدعاء» صفة لخالة ، وقد حذف صفة لعمة ممائلة لها كما حذف صفة لخالة ممائلة لصفة عمة ، وأصل الكلام قبل الحذفين «كم عمة لك فدعاء ، وكم خالة لك فدعاء» فحذف من الأول كلمة فدعاء وأثبتها فى الثانى ، وحذف من الثانى كلمة


وقد أنهى بعض المتأخرين ذلك إلى نيّف وثلاثين موضعا ، وما لم أذكره منها أسقطته ؛ لرجوعه إلى ما ذكرته ؛ أو لأنه ليس بصحيح.

* * *

والأصل فى الأخبار أن تؤخّرا

وجوّزوا التّقديم إذ لا ضررا (١)

الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر ، وذلك لأن الخبر وصف فى المعنى للمبتدأ ، فاستحقّ التأخير كالوصف ، ويجوز تقديمه إذا لم بحصل بذلك لبس أو نحوه ، على ما سيبيّن ؛ فتقول «قائم زيد ، وقائم أبوه زيد ، وأبوه منطلق زيد ، وفى الدّار زيد ، وعندك عمرو» وقد وقع فى كلام بعضهم أن مذهب

__________________

لك وأثبتها فى الأول ، فحذف من كل مثل الذى أثبته فى الآخر ، وهذا ضرب من البديع يسميه أهل البلاغة «الاحتباك».

الشاهد فيه : قوله «عمة» على رواية الرفع حيث وقعت مبتدأ ـ مع كونها نكرة ـ لوقوعها بعد «كم» الخبرية ، كذا قال الشارح العلامة ، وأنت خبير بعد ما ذكرناه لك فى الإعراب أن «عمة» على أى الوجوه موصوفة بمتعلق الجار والمجرور وهو قوله «لك» وبفدعاء المحذوف الذى يرشد إليه وصف خالة به ، وعلى هذا لا يكون المسوغ فى هذا البيت وقوع النكرة بعد «كم» الخيرية ، وإنما هو وصف النكرة ، وبحثت عن شاهد فيه الابتداء بالنكرة بعد كم الخبرية ، ولا مسوغ فيه سوى ذلك ، فلم أوفق للعثور عليه.

(١) «والأصل» مبتدأ «فى الأخبار» جار ومجرور متعلق به «أن» مصدرية «تؤخرا» فعل مضارع مبنى للمجهول منصوب بأن ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى الأخبار ، والألف للاطلاق ، و «أن» وما دخلت عليه فى تأويل مصدر خبر المبتدأ «وجوزوا» فعل وفاعل «التقديم» مفعول به لجوزوا «إذ» ظرف زمان متعلق بجوزوا «لا» نافية للجنس «ضررا» اسم لا ، مبنى على الفتح فى محل نصب ، والألف للاطلاق ، وخبر لا محذوف ، أى : لا ضرر موجود. والجملة من لا واسمها وخبرها فى محل جر بإضافة إذ إليها.


الكوفيين منع تقدّم الخبر الجائز التأخير [عند البصريين] وفيه نظر (١) ؛ فإن بعضهم نقل الإجماع ـ من البصريين ، والكوفيين ـ على جواز «فى داره زيد» فنقل المنع عن الكوفيين مطلقا ليس بصحيح ، هكذا قال بعضهم ، وفيه بحث (٢) ، نعم منع الكوفيون التقديم فى مثل «زيد قائم ، وزيد قام أبوه ،

__________________

(١) فى كلام الشارح فى هذا الموضوع قلق وركاكة لا تكاد تتبين منهما غرضه واضحا فهو أو لا ينقل عن بعضهم أنه ذكر أن الكوفيين لم يجوزوا تقديم الخبر على المبتدأ.

ثم يعترض على هذا النقل بقوله «وفيه نظر» وينقل عن بعض آخر أن الكوفيين يجوزون عبارة ظاهر أمرها أنها من باب تقديم الخبر ، فيكون كلام الناقل الأول على إطلاقه باطلا ، وكان ينبغى ـ على ذلك ـ تخصيصه بما عدا هذه الصورة.

ثم يعترض على النقل الثانى بقوله : «وفيه بحث» ، وظاهر المعنى من ذلك أن هذه العبارة التى ظنها ناقل المثال الثانى من باب تقديم الخبر ليست منه على وجه الجزم والقطع ؛ لأنه يجوز فيها أن يكون «زيد» من قوله «فى داره زيد» فاعلا بالجار والمجرور ، ولو لم يعتمد على نفى أو استفهام ؛ لأن الاعتماد ليس شرطا عند الكوفيين ؛ فيكون تجويز الكوفيين هذه العبارة ليس دليلا على أنهم يجوزون تقديم الخبر فى صورة من الصور ؛ فقد رجع الشارح على أول كلامه بالنقض ، هذا من حيث تعبيره.

فأما من حيث الموضوع فى ذاته ، فقد ذكر أبو البركات بن الأنبارى فى كتابه «الإنصاف ، فى مسائل الخلاف» (ص ٤٦ طبعة ثالثة بتحقيقنا) أن علماء الكوفة برون أنه لا يجوز أن يتقدم الخبر على المبتدأ ، مفردا كان أو جملة ، وعقد فى ذلك مسألة خاصة ، وعلى هذا لا يجوز أن يكون قولك «فى الدار زيد» من باب تقديم الخبر على المبتدأ عندهم.

فإن قلت : فهذا الخبر جار ومجرور ، والذى نقلته عنهم عدم تجويز التقديم إذا كان الخبر مفردا أو جملة.

فالجواب أن الجار والمجرور ـ عند الجمهور ، خلافا لابن السراج الذى جعله قسما برأسه ـ لا بخلو حاله من أن يكون فى تقدير المفرد ، أو فى تقدير الجملة ، وأيضا فقد عللوا عدم تجويز التقديم بأن الخبر اشتمل على ضمير يعود على المبتدأ ؛ فلو قدمناه لتقدم الضمير على مرجعه ، وذلك لا يجوز عندهم ، وهذه الغلة نفسها موجودة فى الجار والمجرور سواء أقدرت متعلقه اسما مشتقا أم قدرته فعلا :


وزيد أبوه منطلق» والحقّ الجواز ؛ إذ لا مانع من ذلك ، وإليه أشار بقوله «وجوّزوا التقديم إذ لا ضررا» فتقول : «قائم زيد» ومنه قولهم : «مشنوء من يشنؤك» فمن : مبتدأ ومشنوء : خبر مقدم ، و «قام أبوه زيد» ومنه قوله :

(٤٩) ـ

قد ثكلت أمّه من كنت واحده

وبات منتشبا فى برثن الأسد

فـ «من كنت واحده» مبتدأ مؤخر ، و «قد ثكلت أمّه» : خبر مقدم ، و «أبوه منطلق زيد» ؛ ومنه قوله :

__________________

٤٩ ـ البيت لشاعر سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسان بن ثابت الأنصارى اللغة : «ثكلت أمه» هو من الثكل ، وهو فقد المرأة ولدها «منتشبا» عالقا داخلا «برثن الأسد» مخلبه ، وجمعه براثن ، مثل برقع وبراقع ، والبراثن للسباع بمنزلة الأصابع للانسان ، وقال ابن الأعرابى : البرثن : الكف بكمالها مع الأصابع.

الإعراب : «قد» حرف تحقيق «ثكلت» ثكل : فعل ماض ، والتاء تاء التأنيث «أمه» أم : فاعل ثكلت ، وأم مضاف والضمير مضاف إليه ، والجملة من الفعل وفاعله فى محل رفع خبر مقدم «من» اسم موصول مبتدأ مؤخر «كنت» كان فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير المخاطب اسمه مبنى على الفتح فى محل رفع «واحده» واحد خبر كان ، وواحد مضاف ، والضمير مضاف إليه ، والجملة من «كان» واسمها وخبرها لا محل لها صلة الموصول الذى هو من «وبات» الواو عاطفة ، بات : فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من «منتشبا» خبر بات «فى برثن» جار ومجرور متعلق بمنتشب ، وبرئن مضاف و «الأسد» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «قد ثكلت أمه من كنت واحده» حيث قدم الخبر ، وهو جملة «ثكلت أمه» على المبتدأ وهو «من كنت واحده» وفى جملة الخبر المتقدم ضمير يعود على المبتدأ المتأخر ، وسهل ذلك أن المبتدأ ـ وإن وقع متأخرا ـ بمنزلة المتقدم فى اللفظ ؛ فإن رتبته التقدم على الخبر كما ترى فى بيت الناظم وفى مطلع شرح المؤلف لهذا الموضوع.


(٥٠) ـ

إلى ملك ما أمّه من محارب

أبوه ، ولا كانت كليب تصاهره

فـ «أبوه» : مبتدأ [مؤخّر] ، و «ما أمّه من محارب» : خبر مقدم.

__________________

٥٠ ـ هذا البيت من كلمة للفرزدق يمدح بها الوليد بن عبد الملك بن مروان.

اللغة : «محارب» ورد فى عدة قبائل : أحدها من قريش ، وهو محارب بن فهر ابن مالك بن النضر ، والثانى من قيس عيلان ، وهو محارب بن خصفة بن قيس عيلان ، والثالث من عبد القيس ، وهو محارب بن عمر بن وديعة بن لكير بن أفصى بن عبد القيس «كليب» بزنة التصغير ـ اسم ورد فى عدة قبائل أيضا : أحدها فى خزاعة ، وهو كليب بن حبشية بن سلول ، والثانى فى تغلب بن وائل ، وهو كليب بن ربيعة بن الحارث بن زهير ، والثالث فى تميم ، وهو كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك ، والرابع فى النخع ، وهو كليب بن ربيعة بن خزيمة بن معد بن مالك بن النخع ، والخامس فى هوازن ، وهو كليب بن ربيعة بن صعصعة.

الإعراب : «إلى ملك» جار ومجرور متعلق بقوله «أسوق مطيتى» فى بيت سابق على بيت الشاهد ، وهو قوله :

رأونى ، فنادونى ، أسوق مطيّتى

بأصوات هلّال صعاب جرائره

«ما» نافية تعمل عمل ليس «أمه» أم : اسم ما ، وأم مضاف والضمير مضاف إليه «من محارب» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر «ما» وجملة «ما» ومعموليها فى محل رفع خبر مقدم «أبوه» أبو : مبتدأ مؤخر ، وأبو مضاف والضمير مضاف إليه وجملة المبتدأ وخبره فى محل جر صفة لملك «ولا» الواو عاطفة ، لا نافية «كانت» كان : فعل ماض ناقص ، والتاء تاء التأنيث «كليب» اسم كان «تصاهره» تصاهر : فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى كليب ، والضمير البارز مفعول به ، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول فى محل نصب خبر «كان» وجملة كان واسمها وخبرها فى محل جر معطوفة على جملة الصفة.

الشاهد فيه : فى هذا البيت شاهد للنحاة وشاهد لعلماء البلاغة ، فأما النحاة فيستشهدون به على تقديم الخبر ـ وهو جملة «ما أمه من محارب» على المبتدأ ـ وهو قوله «أبوه» ـ والتقدير : إلى ملك أبوه ليست أمه من محارب ، وأما علماء البلاغة فيذكرونه شاهدا على


ونقل الشريف أبو السعادات هبة الله بن الشّجرى الإجماع من البصريين والكوفيين على جواز تقديم الخبر إذا كان جملة ، وليس بصحيح ، وقد قدمنا نقل الخلاف فى ذلك عن الكوفيين.

* * *

فامنعه حين يستوى الجزآن :

عرفا ، ونكرا ، عادمى بيان (١)

كذا إذا ما الفعل كان الخبرا ،

أو قصد استعماله منحصرا (٢)

__________________

التعقيد اللفظى الذى سببه التقديم والتأخير ، ومثله فى ذلك قول الفرزدق أيضا يمدح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومى وهو خال هشام بن عبد الملك بن مروان :

وما مثله فى النّاس إلّا مملّكا

أبو أمّه حىّ أبوه يقاربه

التقدير : وما مثله فى الناس حى يقاربه إلا مملكا أبو أمه أبوه.

(١) «فامنعه» امنع : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والضمير البارز ـ العائد على تقديم الخبر ـ مفعول به لا منع «حين» ظرف زمان متعلق بامنع «يستوى» فعل مضارع «الجزآن» فاعل يستوى ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل جر بإضافة «حين» إليها «عرفا» تمييز «ونكرا» معطوف عليه «عادمى» حال من «الجزآن» وعادمى مضاف و «بيان» مضاف إليه ، والتقدير : فامنع تقديم الخبر فى وقت استواء جزءى الجملة ـ وهما المبتدأ والخبر ـ من جهة التعريف والتنكير ، بأن يكونا معرفتين أو نكرتين كل منهما صالحة للابتداء بها ، حال كونهما عادمى بيان ، أى لا قرينة معهما تعين المبتدأ منهما من الخبر.

(٢) «كذا» جار ومجرور متعلق بامنع «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط «ما» زائدة «الفعل» اسم لكان محذوفة تفسرها المذكورة بعدها. والخبر محذوف أيضا ، والجملة من كان المحذوفة واسمها وخبرها فى محل جر بإضافة إذا إليها «كان» فعل ماض ناقص ، واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل «الخبرا» الخبر : خبر «كان» والألف للاطلاق ، والجملة لا محل


أو كان مسندا : لذى لام ابتدا ،

أو لازم الصّدر ، كمن لى منجدا (١)

ينقسم الخبر ـ بالنظر إلى تقديمه على المبتدأ أو تأخيره عنه ـ ثلاثة أقسام : قسم يجوز فيه التقديم والتأخير ، وقد سبق ذكره ، وقسم يجب فيه تأخير الخبر ، وقسم يجب فيه تقديم الخبر.

فأشار بهذه الأبيات إلى الخبر الواجب التأخير ، فذكر منه خمسة مواضع :

الأول : أن يكون كلّ من المبتدأ والخبر معرفة أو نكرة صالحة لجعلها مبتدأ ، ولا مبيّن للمبتدأ من الخبر ، نحو «زيد أخوك ، وأفضل من زيد أفضل من عمرو» ولا يجوز تقديم الخبر فى هذا ونحوه ؛ لأنك لو قدّمته فقلت «أخوك زيد ، وأفضل من عمرو أفضل من زيد» لكل المقدّم مبتدأ (٢) ، وأنت

__________________

لها مفسرة «أو» عاطفة «قصد» فعل ماض مبنى للمجهول «استعماله» استعمال : نائب فاعل قصد ، واستعمال مضاف والضمير مضاف إليه «منحصرا» حال من المضاف إليه لأن المضاف عامل فيه.

(١) «أو» عاطفة «كان» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر «مسندا» خبر كان «لذى» جار ومجرور متعلق بمسند ، وذى مضاف ، و «لام» مضاف إليه ، ولام مضاف ، و «ابتدا» مضاف إليه «أو» عاطفة «لازم» معطوف على ذى ، ولازم مضاف ، و «الصدر» مضاف إليه «كمن» الكاف جارة لقول محذوف كما تقدم مرارا «من» اسم استفهام مبتدأ «لى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «منجدا» حال من الضمير المستتر فى الخبر الذى هو الجار والمجرور ، وذلك الضمير عائد على المبتدأ الذى هو اسم الاستفهام.

(٢) إذا كانت الجملة مكونة من مبتدأ وخبر ، وكانا جميعا معرفتين ؛ فللنحاة فى إعرابها أربعة أقوال ، أولها : أن المقدم مبتدأ والمؤخر خبر ، سواء أكانا متساويين فى درجة التعريف أم كانا متفاوتين ، وهذا هو الظاهر من عبارة الناظم والشارح ؛ وثانيها أنه يجوز جعل كل واحد منهما مبتدأ ، لصحة الابتداء بكل واحد منهما ؛ والثالث : أنه إن كان أحدهما مشتقا والآخر جامدا فالمشتق هو الخبر ، سواء أتقدم أم تأخر ، وإلا


تريد أن يكون خبرا ، من غير دليل يدلّ عليه ؛ فإن وجد دليل يدلّ على أن المتقدم خبر جاز ، كقولك «أبو يوسف أبو حنيفة» فيجوز تقدم الخبر ـ وهو أبو حنيفة ـ لأنه معلوم أن المراد تشبيه أبى يوسف بأبى حنيفة ، لا تشييه أبى حنيفة بأبى يوسف ، ومنه قوله :

(٥١) ـ

بنونا بنو أبنائنا ، وبناتنا

بنوهنّ أبناء الرّجال الأباعد

__________________

بأن كانا جامدين ، أو كان كلاهما مشتقا ـ فالمقدم مبتدأ ؛ والرابع : أن المبتدأ هو الأعرف عند المخاطب سواء أتقدم أم تأخر ، فإن تساويا عنده فالمقدم هو المبتدأ.

٥١ ـ نسب جماعة هذا البيت للفرزدق ، وقال قوم : لا يعلم قائله ، مع شهرته فى كتب النحاة وأهل المعانى والفرضيين.

الإعراب : «بنونا» بنو : خبر مقدم ، وبنو مضاف والضمير مضاف إليه «بنو» مبتدأ مؤخر ، وبنو مضاف وأبناء من «أبنائنا» مضاف إليه ، وأبناء مضاف والضمير مضاف إليه «وبناتنا» الواو عاطفة ، بنات : مبتدأ أول ، وبنات مضاف والضمير مضاف إليه «بنوهن» بنو : مبتدأ ثان ، وبنو مضاف والضمير مضاف إليه «أبناء» خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول ، وأبناء مضاف و «الرجال» مضاف إليه «الأباعد» صفة للرجال.

الشاهد فيه : قوله «بنونا بنو أبنائنا» حيث قدم الخبر وهو «بنونا» على المبتدأ وهو «بنو أبنائنا» مع استواء المبتدأ والخبر فى التعريف ؛ فإن كلا منهما مضاف إلى ضمير المتكلم ـ وإنما ساغ ذلك لوجود قرينة معنوية تعين المبتدأ منهما ؛ فإنك قد عرفت أن الخبر هو محط الفائدة ؛ فما يكون فيه أساس التشبيه ـ وهو الذى تذكر الجملة لأجله ـ فهو الخبر.

وبعد ، فقد قال ابن هشام يعترض على ابن الناظم استشهاده بهذا البيت : «قد يقال إن هذا البيت لا تقديم فيه ولا تأخير ، وإنه جاء على التشبيه المقلوب ، كقول ذى الرمة :

* ورمل كأوراك العذارى قطعته*


فقوله «بنونا» خبر مقدم ، و «بنو أبنائنا» مبتدأ مؤخر ، لأن المراد الحكم على بنى أبنائهم بأنهم كبنيهم ، وليس المراد الحكم على بنيهم بأنهم كبنى أبنائهم.

والثانى : أن يكون الخبر فعلا رافعا لضمير المبتدأ مستترا ، نحو «زيد قام» فقام وفاعله المقدر (١) : خبر عن زيد ، ولا يجوز التقديم ؛ فلا يقال «قام زيد» على أن يكون «زيد» مبتدأ مؤخرا ، والفعل خبرا مقدما ، بل يكون «زيد» فاعلا لقام ؛ فلا يكون من باب المبتدأ والخبر ، بل من باب الفعل والفاعل ؛ فلو كان الفعل رافعا لظاهر ـ نحو «زيد قام أبوه» ـ جاز التقديم ؛ فتقول

__________________

فكان ينبغى أن يستشهد بما أنشده فى شرح التسهيل من قول حسان بن ثابت :

قبيلة ألأم الأحياء أكرمها

وأغدر النّاس بالجيران وافيها

إذ المراد الإخبار عن أكرمها بأنه ألأم الأحياء ، وعن وافيها بأنه أغدر الناس ، لا العكس» اه كلام ابن هشام.

والجواب عنه من وجهين ؛ أحدهما : أن التشبيه المقلوب من الأمور النادرة ، والحمل على ما يندر وقوعه لمجرد الاحتمال مما لا يجوز أن يصار إليه ، وإلا فإن كل كلام يمكن تطريق احتمالات بعيدة إليه ؛ فلا تكون ثمة طمأنينة على إفادة غرض المتكلم بالعبارة ، وثانيهما : أن ما ذكره فى بيت حسان من أن الغرض الإخبار عن أكرم هذه القبيلة بأنه ألأم الأحياء وعن أو فى هذه القبيلة بأنه أغدر الأحياء ، هذا نفسه يجرى فى بيت الشاهد فيقال : إن غرض المتكلم الإخبار عن أبناء أبنائهم بأنهم يشبهون أبناءهم ، وليس الغرض أن يخبر عن بنيهم بأنهم يشبهون بنى أبنائهم ، فلما صح أن يكون غرض المتكلم معينا للمبتدأ صح الاستشهاد ببيت الشاهد.

ومثل بيت الشاهد قول الكميت بن زيد الأسدى :

كلام النّبيّين الهداة كلامنا

وأفعال أهل الجاهليّة نفعل

فإن الغرض تشبيه كلامهم بكلام النبيين الهداة ، لا العكس.

(١) أراد بالمقدر ههنا المستتر فيه.


«قام أبوه زيد» ، وقد تقدم ذكر الخلاف فى ذلك (١) ، وكذلك يجوز التقديم إذا رفع الفعل ضميرا بارزا ، نحو «الزّيدان قاما» فيجوز أن تقدّم الخبر فتقول «قاما الزّيدان» ويكون «الزيدان» مبتدأ مؤخرا ، و «قاما» خبرا مقدما ، ومنع ذلك قوم.

وإذا عرفت هذا فقول المصنف : «كذا إذا ما الفعل كان الخبر» يقتضى [وجوب] تأخير الخبر الفعلى مطلقا ، وليس كذلك ، بل إنما يجب تأخيره إذا رفع ضميرا للمبتدأ مستترا ، كما تقدم.

الثالث : أن يكون الخبر محصورا بإنّما ، نحو «إنّما زيد قائم» أو بإلا ، نحو «ما زيد إلا قائم» وهو المراد بقوله «أو قصد استعماله منحصرا» ؛ فلا يجوز تقديم «قائم» على «زيد» فى المثالين ، وقد جاء التقديم مع «إلا» شذوذا ، كقول الشاعر :

(٥٢) ـ

فيا ربّ هل إلّا بك النّصر يرتجى

عليهم؟ وهل إلّا عليك المعوّل؟

__________________

(١) يريد خلاف البصريين والكوفيين ، حيث جوز البصريون التقديم. ومنعه الكوفيون (واقرأ الهامشة رقم ١ فى ص ٢٢٨).

٥٢ ـ البيت للكميت بن زيد الأسدى ، وهو الشاعر المقدم ، العالم بلغات العرب ، الخبير بأيامها ، وأحد شعراء مضر المتعصبين على القحطانية ، والبيت من قصيدة له من قصائد تسمى الهاشميات قالها فى مدح بنى هاشم ، وأولها قوله :

ألا هل عم فى رأيه متأمّل؟

وهل مدبر بعد الإساءة مقبل؟

اللغة : «عم» العمى ذهاب البصر من العينين جميعا ، ولا يقال عمى إلا على ذلك ، ويقال لمن ضل عنه وجه الصواب : هو أعمى ، وعم ، والمرأة عمياء وعمية «مدبر» هو فى الأصل من ولاك قفاه ، ويراد منه الذى يعرض عنك ولا يباليك «المعول» تقول : عولت على فلان ؛ إذا جعلته سندك الذى تلجأ إليه ، وجعلت أمورك كلها بين يديه ، والمعول ههنا مصدر ميمى بمعنى التعويل.


الأصل «وهل المعوّل إلا عليك» فقدّم الخبر.

الرابع : أن يكون خبرا لمبتدإ قد دخلت عليه لام الابتداء ، نحو «لزيد قائم» وهو المشار إليه بقوله : «أو كان مسندا لذى لام ابتدا» فلا يجوز تقديم الخبر

__________________

الإعراب : «يا رب» يا : حرف نداء ، رب : منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اكتفاء بكسر ما قبلها «هل» حرف استفهام إنكارى دال على النفى «إلا» أداة استثناء ملغاة «بك» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «النصر» مبتدأ مؤخر «يرتجى» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «النصر» ويجوز أن يكون «بك» متعلقا بقوله يرتجى ، وجملة يرتجى مع نائب فاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر «عليهم» جار ومجرور متعلق فى المعنى بالنصر ولكن الصناعة تأباه ؛ لما يلزم عليه من الفصل بين العامل ومعموله بأجنبى ، لهذا يجعل متعلقا بيرتجى «وهل» حرف استفهام تضمن معنى النفى «إلا» أداة استثناء ملغاة «عليك» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «المعول» مبتدأ مؤخر.

الشاهد فيه : قوله «بك النصر» و «عليك المعول» حيث قدم الخبر المحصور بإلا فى الموضعين شذوذا ، وقد كان من حقه أن يقول : هل يرتجى النصر إلا بك ، وهل المعول إلا عليك ، وأنت خبير بأن الاستشهاد بقوله : «بك النصر» لا يتم إلا على اعتبار أن الجار والمجرور خبر مقدم ، والنصر مبتدأ مؤخر ، فأما على اعتبار أن الخبر هو جملة «يرتجى» فلا شاهد فى الجملة الأولى من البيت لما نحن فيه ، ويكون الشاهد فى الجملة الثانية وحدها. وعبارة الشارح تفيد ذلك ، فإنه ترك ذكر الاستشهاد بالجملة الأولى لاحتمالها وجها آخر ، وقد علمت أن الدليل إذا احتمل وجها آخر سقط الاستدلال به ، والحكم بشذوذ هذا التقديم إطلاقا ـ كما ذكره الشارح ـ هو رأى جماعة النحاة ؛ فأما علماء البلاغة فيقولون : إن كانت أداة القصر هى «إنما» لم يسغ تقديم الخبر إذا كان مقصورا عليه ، وإن كانت أداة القصر «إلا» فإن قدمت الخبر وقدمت معه إلا كما فى هذه العبارة صح التقديم ؛ لأن المعنى المقصود لا يضيع ؛ إذ تقديم «إلا» معه يبين المراد.


على اللام ؛ فلا تقول : «قائم لزيد» لأن لام الابتداء لها صدر الكلام ، وقد جاء التقديم شذوذا ، كقول الشاعر :

(٥٣) ـ

خالى لأنت ، ومن جرير خاله

ينل العلاء ويكرم الأخوالا

فـ «لانت» مبتدأ [مؤخر] و «خالى» خبر مقدم.

__________________

٥٣ ـ البيت من الشواهد التى لم يعرف قائلها.

اللغة : «جرير» يروى فى مكانه «تميم» ، ويروى أيضا عويف «العلاء» بفتح العين المهملة ممدودا ـ الشرف والرفعة ، وقيل : هو مصدر على فى المكان يعلى ، مثل رضى يرضى ، وأما فى المرتبة فيقال : علا يعلو ، مثل سما يسمو سموا.

الإعراب : «خالى لأنت» يجوز فيه إعرابان أحدهما أن يكون «خال» مبتدأ ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، واللام للابتداء ، و «أنت» خبر المبتدأ ، وفيه ـ على هذا الوجه من الإعراب ـ شذوذ من حيث دخول اللام على الخبر ، مع أنها خاصة بالدخول على المبتدأ ، وثانيهما أن يكون «خالى» خبرا مقدما ، و «لأنت» مبتدأ مؤخرا ، وهذا الوجه هو الذى قصد الشارح الاستشهاد بالبيت من أجله ، وليس شاذا من الجهة التى ذكرناها أولا ، وإن كان فيه الشذوذ الذى ذكره الشارح ، وسنبينه عند الكلام على الاستشهاد «ومن» الواو للاستئناف ، من : اسم موصول مبتدأ «جرير» مبتدأ «خاله» خال : خبر المبتدأ الذى هو جرير ، وخال مضاف والضمير مضاف إليه ، والجملة من جرير وخبره لا محل لها صلة الموصول «ينل» فعل مضارع جزم تشبيها للموصول بالشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من «العلاء» مفعول به لينل ، وجملة الفعل والفاعل والمفعول فى محل رفع خبر المبتدأ ، وهو من «ويكرم» الواو عاطفة ، يكرم : فعل مضارع معطوف على «ينل» وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من «الأخوالا» قال العينى : هو مفعول به ، وهو بعيد كل البعد ، ولا يسوغ إلا على أن يكون يكرم مضارع أكرم مبنيا للمجهول ، والأولى أن يكون قوله : «يكرم» مضارع كرم ويكون قوله «الأخوالا» تمييزا : إما على مذهب الكوفيين الذين يجوزون دخول «أل» المعرفة على التمييز ، وإما على أن تكون أل زائدة على ما قاله البصريون فى قول الشاعر :

* وطبت النّفس يا قيس عن عمرو*


الخامس : أن يكون المبتدأ له صدر الكلام : كأسماء الاستفهام ، نحو «من لى منجدا؟» فمن : مبتدأ ، ولى : خبر ، ومنجدا : حال ، ولا يجوز تقديم الخبر على «من» ؛ فلا تقول «لى من [منجدا]».

* * *

__________________

الشاهد فيه : فى هذا البيت ثلاثة شواهد للنحاة :

الأول : فى قوله «ينل العلاء» فإن هذا فعل مضارع لم يسبقه ناصب ولا جازم ، وقد كان من حقه أن يجىء به الشاعر مرفوعا فيقول «ينال العلاء» ولكنه جاء به مجزوما ؛ فحذف عين الفعل كما يحذفها فى «لم يخف» ونحوه ، والحامل له على الجزم تشبيه الموصول بالشرط كما شبهه الشاعر به حيث يقول :

كذاك الّذى يبغى على النّاس ظالما

تصبه على رغم عواقب ما صنع

وليس لك أن تزعم أن من فى قوله «من جرير خاله» شرطية ؛ فلذلك جزم المضارع فى جوابها ؛ لأن ذلك يستدعى أن تجعل جملة «جرير خاله» شرطا ، وهو غير جائز عند أحد من النحاة ؛ لأن جملة الشرط لا تكون اسمية أصلا (وانظر ـ مع ذلك ـ شرح الشاهد رقم ٥٨ الآتى).

والشاهد الثانى : فى قوله «ويكرم الأخوالا» فإنه تمييز ، وقد جاء به معرفة ، وهذا يدل للكوفيين الذين يرون جواز مجىء التمييز معرفة ، والبصريون يقولون : ال فى هذا زائدة لا معرفة ،

والشاهد الثالث : ـ وهو الذى من أجله أنشد الشارح هذا البيت هنا ـ فى قوله «خالى لأنت» حيث قدم الخبر مع أن المبتدأ متصل بلام الابتداء ، شذوذا ، وفى البيت توجيهات أخرى أشرنا إلى أحدها فى الإعراب ، والثانى : أنه أراد «لخالى أنت» فأخر اللام إلى الخبر ضرورة ، والثالث : أن يكون أصل الكلام «خالى لهو أنت» فخالى : مبتدأ أول ، والضمير مبتدأ ثان ، وأنت : خبر الثانى ، فحذفت الضمير ، فاتصلت اللام بخبره مع أنها لا تزال فى صدر ما ذكر من جملتها.

ومثل هذا البيت فى هذين التوجيهين قول الراجز :

أمّ الحليس لعجوز شهربه

ترضى من اللّحم بعظم الرّقبه


ونحو عندى درهم ، ولى وطر ،

ملتزم فيه تقدّم الخبر (١)

كذا إذا عاد عليه مضمر

ممّا به عنه مبينا يخبر (٢)

كذا إذا يستوجب التّصدبرا

: كأين من علمته نصيرا (٣)

__________________

(١) «ونحو» مبتدأ «عندى» عند : ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وعند مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «درهم» مبتدأ مؤخر «ولى» الواو عاطفة ، لى : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «وطر» مبتدأ مؤخر «ملتزم» اسم مفعول : خبر المبتدأ الذى هو قوله «نحو» فى أول البيت «فيه» جار ومجرور متعلق بملتزم «تقدم» نائب فاعل لقوله «ملتزم» وتقدم مضاف و «الخبر» مضاف إليه.

(٢) «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف يدل عليه ما قبله ، أى : يلتزم تقدم الخبر التزاما كذا الالتزام «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان ، تضمن معنى الشرط «عاد» فعل ماض «عليه» جار ومجرور متعلق بعاد «مضمر» فاعل عاد «مما» جار ومجرور متعلق بعاد أيضا ، وما اسم موصول «به ، عنه» متعلقان بيخبر الآتى «مبينا» حال من المجرور فى «به» «يخبر» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها صلة «ما» وجملة «عاد عليه مضمر» فى محل جر بإضافة إذا إليها ، وهى شرط إذا ، وجوابها محذوف يدل عليه سابق الكلام ، وتقدير البيت : يلتزم تقدم الخبر التزاما كذلك الالتزام السابق إذا عاد على الخبر ضمير من المبتدأ الذى يخبر بذلك الخبر عنه حال كونه مبينا ـ أى مفسرا ـ لذلك الضمير.

قال ابن غازى : وهذا البيت مع تعقده وتشتيت ضمائره كان يغنى عنه وعما بعده أن يقول :

كذا إذا عاد عليه مضمر

من مبتدا ، وما له التّصدّر

(٣) «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف مثل سابقه فى أول البيت السابق «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان «يستوجب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر «التصديرا» مفعول به ليستوجب ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «كأين» الكاف جارة لقول محذوف ، أين : اسم استفهام مبنى على الفتح فى محل رفع خبر مقدم «من» اسم موصول مبنى على السكون فى محل رفع مبتدأ مؤخر «علمته» فعل وفاعل ومفعول أول «نصيرا» مفعول ثان لعلم ، والجملة لا محل لها صلة.


وخبر المحصور قدّم أبدا

: كما لنا إلّا اتّباع أحمدا (١)

أشار فى هذه الأبيات إلى القسم الثالث ، وهو وجوب تقديم الخبر ؛ فذكر أنه يجب فى أربعة مواضع :

الأول : أن يكون المبتدأ نكرة ليس لها مسوّغ إلا تقدّم الخبر ، والخبر ظرف أو جار ومجرور ، نحو «عندك رجل ، وفى الدار امرأة» ؛ فيجب تقديم الخبر هنا ؛ فلا تقول : «رجل عندك» ، ولا «امرأة فى الدّار» وأجمع النحاة والعرب على منع ذلك ، وإلى هذا أشار بقوله : «ونحو عندى درهم ، ولى وطر ـ البيت» ؛ فإن كان للنكرة مسوّغ جاز الأمران ، نحو «رجل ظريف عندى» ، و «عندى رجل ظريف».

الثانى : أن يشتمل المبتدأ على ضمير يعود على شىء فى الخبر ، نحو «فى الدّار صاحبها» فصاحبها : مبتدأ ، والضمير المتصل به راجع إلى الدار ، وهو جزء من الخبر ؛ فلا يجوز تأخير الخبر ، نحو «صاحبها فى الدّار» ؛ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

وهذا مراد المصنف بقوله : «كذا إذا عاد عليه مضمر ـ البيت» أى : كذلك يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه مضمر مما يخبر بالخبر عنه ، وهو المبتدأ ، فكأنه قال : يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه ضمير من المبتدأ ، وهذه عبارة ابن عصفور فى بعض كتبه ، وليست بصحيحة ؛ لأن الضمير فى قولك «فى الدّار

__________________

(١) «وخبر» مفعول مقدم لقدم الآتى ، وخبر مضاف و «المحصور» مضاف إليه «قدم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أبدا» منصوب على الظرفية متعلق بقدم «كما» الكاف جارة لقول محذوف ، و «ما» نافية «لنا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «إلا» أداة استثناء ملغاة «اتباع» مبتدأ مؤخر ، واتباع مضاف و «أحمدا» مضاف إليه ، مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل ، والألف للاطلاق.


صاحبها» إنما هو عائد على جزء من الخبر ، لا على الخبر ؛ فينبغى أن تقدر مضافا محذوفا فى قول المصنف «عاد عليه» التقدير «كذا إذا عاد على ملابسه» ثم حذف المضاف ـ الذى هو ملابس ـ وأقيم المضاف إليه ـ وهو الهاء ـ مقامه ؛ فصار اللفظ «كذا إذا عاد عليه».

ومثل قولك «فى الدار صاحبها» قولهم : «على التّمرة مثلها زبدا» وقوله :

(٥٤) ـ

أهابك إجلالا ، ما بك قدرة

علىّ ، ولكن ملء عين حبيبها

__________________

٥٤ ـ هذا البيت قد نسبه قوم ـ منهم أبو عبيد البكرى فى شرحه على الأمالى (ص ٤٠١) ـ لنصيب بن رياح الأكبر ، ونسبه آخرون ـ ومنهم ابن نباتة المصرى فى كتابه «سرح العيون» (ص ١٩١ بولاق) إلى مجنون بنى عامر من أبيات أولها قوله :

وناديت يا ربّاه أوّل سؤلتى

لنفسى ليلى ، ثمّ أنت حسيبها

دعا المحرمون الله يستغفرونه

بمكة يوما أن تمحّى ذنوبها

اللغة : «أهابك» من الهيبة ، وهى المخافة «إجلالا» إعظاما لقدرك.

المعنى : إنى لأهابك وأخافك ، لا لاقتدارك على ، ولكن إعظاما لقدرك ؛ لأن العين تمتلىء بمن تحبه فتحصل المهابة ، وهو معنى أكثر الشعراء منه ، انظر إلى قول بن الدمينة :

وإنّى لأستحييك حتّى كأنما

علىّ بظهر الغيب منك رقيب

الإعراب : «أهابك» أهاب : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والضمير البارز المتصل مفعول به ، مبنى على الكسر فى محل نصب «إجلالا» مفعول لأجله «وما» الواو واو الحال ، وما : نافية «بك» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «قدرة» مبتدأ مؤخر «على» جار ومجرور متعلق بقدرة ، أو بمحذوف نعت لقدرة «ولكن» حرف استدراك «ملء» خبر مقدم ، وملء مضاف و «عين» مضاف إليه «حبيبها» حبيب : مبتدأ مؤخر ، وحبيب مضاف والضمير مضاف إليه.


فحبيبها : مبتدأ [مؤخّر] وملء عين : خبر مقدم ، ولا يجوز تأخيره ؛ لأن الضمير المتصل بالمبتدأ ـ وهو «ها» ـ عائد على «عين» وهو متصل بالخبر ؛ فلو قلت «حبيبها ملء عين» عاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

وقد جرى الخلاف فى جواز «ضرب غلامه زيدا (١)» مع أن الضمير فيه عائد على متأخر لفظا ورتبة ، ولم يجر خلاف ـ فيما أعلم ـ فى منع «صاحبها فى الدّار» فما الفرق بينهما؟ وهو ظاهر ، فليتأمل ، والفرق [بينهما] أن ما عاد عليه الضمير وما اتصل به الضمير اشتركا فى العامل فى مسألة «ضرب غلامه زيدا» بخلاف مسألة «فى الدار صاحبها» فإن العامل فيما اتصل به الضمير وما عاد عليه الضمير مختلف (٢).

__________________

الشاهد فيه : قوله «ملء عين حبيبها» فإنه قدم الخبر ـ وهو قوله «ملء عين» ـ على المبتدأ ـ وهو قوله «حبيبها» ـ لاتصال المبتدأ بضمير يعود على ملابس الخبر ، وهو المضاف إليه ، فلو قدمت المبتدأ ـ مع أنك تعلم أن رتبة الخبر التأخير ـ لعاد الضمير الذى اتصل بالمبتدأ على متأخر لفظا ورتبة ، وذلك لا يجوز ، لكنك بتقديمك الخبر قد رجعت الضمير على متقدم لفظا وإن كانت رتبته التأخير ، وهذا جائز ، ولا إشكال فيه.

(١) مثل ذلك المثال : كل كلام اتصل فيه ضمير بالفاعل المتقدم ، وهذا الضمير عائد على المفعول المتأخر ، نحو مثال ابن مالك فى باب الفاعل من الألفية «زان نوره الشجر» ونحو قول الشاعر :

جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر

وحسن فعل كما يجزى سنمّار

ونحو قول الشاعر الآخر :

كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد

ورقّى نداه ذا النّدى فى ذرى المجد

وسيأتى بيان ذلك وإبضاحه فى باب الفاعل.

(٢) وأيضا فإن المفعول قد تقدم على الفاعل كثيرا فى سعة الكلام ، حتى ليظن أن رتبه قد صارت التقدم ، بخلاف الخبر ، فإنه ـ وإن تقدم على المبتدأ أحيانا ـ لا يتصور أحد أن رتبته التقدم ؛ لكونه حكما ، والحكم فى مرتبة التأخر عن المحكوم عليه البتة ،


الثالث : أن يكون الخبر له صدر الكلام ، وهو المراد بقوله : «كذا إذا يستوجب التصديرا» نحو «أين زيد»؟ فزيد : مبتدأ [مؤخر] ، وأين : خبر مقدم ، ولا يؤخّر ؛ فلا تقول : «زيد أين» ؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام ، وكذلك «أين من علمته نصيرا»؟ فأين : خبر مقدم ، ومن : مبتدأ مؤخر ، و «علمته نصيرا» صلة من.

الرابع : أن يكون المبتدأ محصورا ، نحو «إنما فى الدّار زيد ، وما فى الدّار إلا زيد» ومثله «ما لنا إلّا اتّباع أحمد».

* * *

وحذف ما يعلم جائز ، كما

تقول «زيد» بعد «من عندكما» (١)

__________________

وأيضا فإن الفاعل والفعل المتعدى جميعا يشعران بالمفعول ؛ فكان المفعول كالمتقدم ، بخلاف الخبر المتصل بمبتدئه ضمير يعود على ملابسه ، فإن المبتدأ إن أشعر بالخبر لم يشعر بما يلابس الخبر الذى هو مرجع الضمير.

(١) «وحذف» مبتدأ ، وحذف مضاف ، و «ما» اسم موصول مضاف إليه ، مبنى على السكون فى محل جر «يعلم» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة من الفعل المبنى للمجهول ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول الذى هو ما «جائز» خبر المبتدأ «كما» الكاف جارة ، وما مصدرية «تقول» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وما مع مدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف ، أى : كقولك ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى وذلك كائن كقولك ، و «زيد» مبتدأ ، وخبره محذوف ، والتقدير : زيد عندنا «بعد» منصوب على الظرفية متعلق بتقول «من» اسم استفهام مبتدأ «عندكما» عند : ظرف متعلق بمحذوف خبر عن اسم الاستفهام ، وعند مضاف والضمير الذى للمخاطب مضاف إليه ، والميم حرف عماد ، والألف حرف دال على التثنية ، والجملة فى محل جر بإضافة بعد إليها.


وفى جواب «كيف زيد» قل «دنف»

فزيد استغنى عنه إذ عرف (١)

يحذف كلّ من المبتدأ والخبر إذا دلّ عليه دليل : جوازا ، أو وجوبا ، فذكر فى هذين البيتين الحذف جوازا ؛ فمثال حذف الخبر أن يقال : «من عندكما»؟ فتقول : «زيد» التقدير «زيد عندنا» ومثله ـ فى رأى ـ «خرجت فإذا السّبع» التقدير (٢) «فإذا السبع حاضر» قال الشاعر :

(٥٥) ـ

نحن بما عندنا ، وأنت بما

عندك راض ، والرّأى مختلف

التقدير «نحن بما عندنا راضون».

__________________

(١) «وفى جواب» جار ومجرور متعلق بقل «كيف» اسم استفهام خبر مقدم «زيد» مبتدأ مؤخر ، وجملة المبتدأ والخبر مقصود لفظها فهى فى محل جر بإضافة «جواب» إليها «قل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «دنف» خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : زيد دنف «فزيد» الفاء للتعليل ، زيد : مبتدأ «استغنى» فعل ماض مبنى للمجهول «عنه» نائب فاعل لاستغنى ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ «إذ» ظرف متعلق باستغنى ، أو حرف دال على التعليل «عرف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى زيد المستغنى عنه فى الجواب ، والجملة فى محل جر بإضافة إذ إليها.

(٢) «إذا» فى هذا المثال ونحوه تسمى «إذا الفجائية» وللعلماء فيها خلاف : أهى حرف أم ظرف؟ والذين قالوا هى ظرف اختلفوا : أهى ظرف زمان أم ظرف مكان؟ فمن قال هى ظرف جعلها خبرا مقدما ، وجعل الاسم المرفوع بعدها مبتدأ مؤخرا ، وكأن القائل قد قال ـ على تقدير أنها ظرف زمان ـ خرجت ففى وقت خروجى الأسد ، أو قال ـ على تقدير أنها ظرف مكان ـ خرجت ففى مكان خروجى الأسد ، ولا حذف على هذا الوجه بشقيه ، ومن قال : هى حرف جعل الاسم المرفوع بعدها مبتدأ خبره محذوف ، والتقدير : خرجت فإذا الأسد موجود ، أو حاضر ، أو نحو ذلك. وهذا الوجه هو الذى عناه الشارح بقوله : «فى رأى».

٥٥ ـ هذا البيت نسبه ابن هشام اللخمى وابن برى إلى عمرو بن امرىء القيس


..................................................................................

__________________

الأنصارى ، ونسبه غيرهما ـ ومنهم العباسى فى معاهد التنصيص (ص ٩٩ بولاق) ـ إلى قيس بن الخطيم أحد فحول الشعراء فى الجاهلية ، وهو الصواب ، وهو من قصيدة له ، أولها قوله :

ردّ الخليط الجمال فانصرفوا

ماذا عليهم لو أنّهم وقفوا؟

وقيس بن الخطيم ـ بالخاء المعجمة ـ هو صاحب القصيدة التى أولها قوله :

أتعرف رسما كاطّراد المذاهب

لعمرة وحشا غير موقف راكب؟

اللغة : «الرأى» أراد به هنا الاعتقاد ، وأصل جمعه أرآء ، مثل سيف وأسياف وثوب وأثواب ، وقد نقلوا العين قبل الفاء ، فقالوا : آراء ، كما قالوا فى جمع بئر آبار وفى جمع رئم آرام ، ووزن آراء وآبار وآرام أعفال.

الإعراب : «نحن» ضمير منفصل مبتدأ ، مبنى على الضم فى محل رفع ، وخبره محذوف دل عليه ما بعده ، والتقدير : نحن راضون «بما» جار ومجرور متعلق بذلك الخبر المحذوف «عندنا» عند : ظرف متعلق بمحذوف صلة «ما» المجرورة محلا بالباء ، وعند مضاف والضمير مضاف إليه «وأنت» مبتدأ «بما» جار ومجرور متعلق بقوله «راض» الآتى «عندك» عند : ظرف متعلق بمحذوف صلة «ما» المجرورة محلا بالباء ، وعند مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه «راض» خبر المبتدأ الذى هو «أنت» و «الرأى مختلف» مبتدأ وخبره.

الشاهد فيه : قوله «نحن بما عندنا» حيث حذف الخبر ـ احترازا عن العبث وقصدا للاختصار مع ضيق المقام ـ من قوله «نحن يما عندنا» والذى جعل حذفه سائغا سهلا دلالة خبر المبتدأ الثانى عليه.

واعلم أولا أن الحذف من الأول لدلالة الثانى عليه شاذ ، والأصل الغالب هو الحذف من الثانى لدلالة الأول عليه.

واعلم ثانيا أن بعض العلماء أراد أن يجعل هذا البيت جاريا على الأصل المذكور ؛ فزعم أن «راض» فى الشطر الثانى من البيت ليس خبرا عن «أنت» بل هو خبر عن «نحن» الذى فى أول البيت ، وذلك بناء على أن «نحن» للمتكلم المعظم نفسه.


ومثال حذف المبتدأ أن يقال : «كيف زيد»؟ فتقول «صحيح» أى : «هو صحيح».

وإن شئت صرّحت بكل واحد منهما فقلت : «زيد عندنا ، وهو صحيح».

ومثله قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) أى : «من عمل صالحا فعمله لنفسه ، ومن أساء فإساءته عليها».

قيل : وقد يحذف الجزآن ـ أعنى المبتدأ والخبر ـ للدلالة عليهما ، كقوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) أى : «فعدّتهنّ ثلاثة أشهر» فحذف المبتدأ والخبر ـ وهو «فعدتهن ثلاثة أشهر» ـ لدلالة ما قبله عليه ، وإنما حذفا لوقوعهما موقع مفرد ، والظاهر أن المحذوف مفرد ، والتقدير : «واللائى لم يحضن كذلك» وقوله : (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) معطوف على (وَاللَّائِي يَئِسْنَ) والأولى أن يمثّل بنحو قولك : «نعم» فى جواب «أزيد قائم»؟ إذ التقدير «نعم زيد قائم».

* * *

وبعد لو لا غالبا حذف الخبر

حتم ، وفى نصّ يمين ذا استقر (١)

__________________

وهذا كلام غير سديد ، لأن نحن ـ وإن كانت كما زعم المتمحل للمتكلم المعظم لنفسه فمعناها حينئذ مفرد ـ تجب فيها المطابقة بالنظر إلى لفظها ؛ فيخبر عنها بالجمع ، كما فى قوله تعالى : (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) وما أشبهه.

(١) «بعد» ظرف متعلق بقوله حتم الآتى ، وبعد مضاف ، و «لو لا» مضاف إليه ، مقصود لفظه «غالبا» منصوب على نزع الخافض «حذف» مبتدأ ، وحذف مضاف و «الخبر» مضاف إليه «حتم» خبر المبتدأ «وفى نص» الواو عاطفة ، فى نص : جار ومجرور متعلق باستقر الآتى ، ونص مضاف و «يمين» مضاف إليه «ذا» اسم إشارة ،


وبعد واو عيّنت مفهوم مع

كمثل «كلّ صانع وما صنع» (١)

وقبل حال لا يكون خبرا

عن الّذى خبره قد أضمرا (٢)

كضربى العبد مسيئا ، وأتمّ

تبينى الحقّ منوطا بالحكم (٣)

__________________

مبتدأ «استقر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم الإشارة ، والجملة من استقر وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، وتقدير البيت : وحذف الخبر حتم بعد لو لا فى غالب أحوالها ، وهذا الحكم قد استقر فى نص يمين : أى إذا كان المبتدأ يستعمل فى اليمين نصا ، بحيث لا يستعمل فى غيره إلا مع قرينة.

(١) «وبعد» الواو عاطفة ، بعد ظرف متعلق باستقر فى البيت السابق ، وبعد مضاف و «واو» مضاف إليه «عينت» عين : فعل ماض ، والتاء تاء التأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى واو ، والجملة من عين وفاعله فى محل جر صفة لواو «مفهوم» مفعول به لعين ، ومفهوم مضاف ، و «مع» مضاف إليه ، مقصود لفظه «كمثل» الكاف زائدة ، مثل : خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك مثل «كل» مبتدأ ، وكل مضاف و «صانع» مضاف إليه «و» عاطفة «ما» يجوز أن تكون موصولا اسميا معطوفا على كل ، ويجوز أن تكون حرفا مصدريا هى ومدخولها فى تأويل مصدر معطوف على كل ، وجملة «صنع» وفاعله المستتر فيه على الوجه الأول لا محل لها صلة الموصول ، وخبر المبتدأ محذوف وجوبا.

(٢) «وقبل» الواو عاطفة ، وقبل : ظرف متعلق باستقر فى البيت الأول ، وقبل مضاف و «حال» مضاف إليه «لا» نافية «يكون» فعل مضارع ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حال «خبرا» خبر كان ، والجملة من يكون واسمه وخبره فى محل جر صفة لحال «عن الذى» جار ومجرور متعلق بخبر «خبره» خبر : مبتدأ ، وخبر مضاف والضمير البارز المتصل مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «أضمرا» أضمر : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى خبر ، والألف للاطلاق ، والجملة من أضمر ونائب الفاعل فى محل رفع خبر ، وجملة المبتدأ والخبر لا محل لها صلة الذى.

(٣) «كضربى» الكاف جارة لقول محذوف ، ضرب : مبتدأ ، وضرب مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، وهى فاعل المصدر «العبد» مفعول المصدر «مسيئا» حال من فاعل كان المحذوفة العائد على العبد ، وخبر المبتدأ جملة محذوفة ، والتقدير : إذا كان


حاصل ما فى هذه الأبيات أن الخبر يجب حذفه فى أربعة مواضع :

الأول : أن يكون خبرا لمبتدأ بعد «لو لا» ، نحو «لو لا زيد لأتيتك» التقدير «لو لا زيد موجود لأتيتك» واحترز بقوله «غالبا» عما ورد ذكره فيه شذوذا ، كقوله :

(٥٦) ـ

لو لا أبوك ولو لا قبله عمر

ألقت إليك معدّ بالمقاليد

فـ «عمر» مبتدأ ، و «قبله» خبر.

__________________

(أى وجد ، هو : أى العبد) مسيئا «وأتم» الواو عاطفة ، أتم : مبتدأ ، وأتم مضاف وتبيين من «تبيينى» مضاف إليه ، وتبيين مضاف ، وياء المتكلم مضاف إليه ، وهى فاعل له «الحق» مفعول به لتبيين «منوطا» حال من فاعل كان المحذوفة العائد على الحق ، على غرار ما قدرناه فى العبارة الأولى «بالحكم» جار ومجرور متعلق بقوله منوطا. والتقدير : أتم تبيينى الحق إذا كان (أى وجد ، هو : أى الحق) حال كونه منوطا بالحكم.

٥٦ ـ البيت لأبى عطاء السندى ـ واسمه مرزوق (وقيل : أفلح) بن يسار ـ مولى بنى أسد ، وهو من مخضرمى الدولتين الأموية والعباسية ، من كلمة يمدح فيها ابن يزيد بن عمر بن هبيرة ، وانظر قصة ذلك فى الأغانى (١٦ / ٨٤ بولاق) وقبل البيت المستشهد به قوله :

أمّا أبوك فعين الجود نعرفه

وأنت أشبه خلق الله بالجود

ويروى صدر البيت «لو لا يزيد ولو لا ـ إلخ» ويزيد أبو الممدوح ، وبعد لشاهد قوله :

ما ينبت العود إلّا فى أرومته

ولا يكون الجنى إلّا من العود

اللغة : «معد» هو أبو العرب ، وهو معد بن عدنان ، وكان سيبويه يقول : إن الميم من أصل الكلمة ؛ لقولهم «تمعدد» بمعنى اتصل بمعد بنسب أو حلف أو جوار ، أو بمعنى قوى وكمل ، قال الراجز :

ربّيته حتّى إذا تمعددا

كان جزائى بالعصا أن أجلدا

لقلة تمفعل فى الكلام ، ولكن العلماء خالفوه فى ذلك ؛ وذهبوا إلى أن الميم فى


..................................................................................

__________________

معد زائد بدليل إدغام الدال فى الدال ، والتزموا أن يكون تمعدد على زنة تمفعل مع قلته ، وانظر الجزء الثانى من كتابنا دروس التصريف «المقاليد» : هو جمع لا مفرد له من لفظه ، وقبل : مفرده إقليد ـ على غير قياس ـ وهو المفتاح ، وقد كنى الشاعر بإلقاء المقاليد عن الخضوع والطاعة وامتثال أمر الممدوح.

المعنى : يقول : أنت خليق بأن يخضع لك بنو معد كلهم ؛ لكفايتك وعظم قدرك. وإنما تأخر خضوعهم لك لوجود أبيك ووجود جدك من قبل أبيك.

الإعراب : «لو لا» حرف يدل على امتناع الثانى لوجود الأول ، مبنى على السكون لا محل له من الإعراب «أبوك» أبو : مبتدأ ، وأبو مضاف والكاف مضاف إليه ، والخبر محذوف وجوبا «ولو لا» الواو عاطفة كالأول ، لو لا : حرف امتناع لوجود «قبله» قبل : ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وقبل مضاف والضمير البارز مضاف إليه «عمر» مبتدأ مؤخر «ألقت» ألقى : فعل ماض ، والتاء تاء التأنيث «إليك» جار ومجرور متعلق بألقت «معد» فاعل ألقت ، والجملة من الفعل الماضى وفاعله لا محل لها جواب لو لا «بالمقاليد» جار ومجرور متعلق بألقت.

الشاهد فيه : قوله «ولو لا قبله عمر» حيث ذكر فيه خبر المبتدأ وهو قوله «قبله» ـ مع كون ذلك المبتدأ واقعا بعد لو لا التى يجب حذف خبر المبتدأ الواقع بعدها لأنه قد عوض عنه بجملة الجواب ، ولا يجمع فى الكلام بين العوض والمعوض عنه.

وفى البيت توجيه آخر ، وهو أن «قبله» ظرف متعلق بمحذوف حال ، والخبر محذوف ، وعلى هذا تكون القاعدة مستمرة ، ولا شاهد فى البيت لما أتى به الشارح من أجله. ومثله فى كل ذلك قول الزبير بن العوام رضى الله عنه :

ولو لا بنوها حولها لخبطتها

كخبطة عصفور ولم أتلعثم

فإن «لو لا» حرف امتناع لوجود ، و «بنوها» مبتدأ مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لكونه جمع مذكر سالما ، والضمير البارز مضاف إليه ، و «حول» ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، وحول مضاف والضمير البارز مضاف إليه ، وعلى هذا يكون فيه شاهد لما جاء الشارح ببيت أبى عطاء من أجله ، ويجوز أن يكون «حول» متعلقا بالخبر المحذوف على رأى الجمهور ، وعلى ذلك لا يكون شاهدا لما ذكره الشارح.


وهذا الذى ذكره المصنف فى هذا الكتاب ـ من أن الحذف بعد «لو لا» واجب إلا قليلا ـ هو طريقة لبعض النحويين ، والطريقة الثانية : أن الحذف واجب [دائما (١)] وأن ما ورد من ذلك بغير حذف فى الظاهر مؤوّل ، والطريقة الثالثة أن الخبر : إما أن يكون كونا مطلقا ، أو كونا مقيّدا ؛ فإن كان كونا مطلقا وجب حذفه ، نحو : «لو لا زيد لكان كذا» أى : لو لا زيد موجود ، وإن كان كونا مقيّدا ؛ فإما أن يدلّ عليه دليل ، أو لا ، فإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره ، نحو : «لو لا زيد محسن إلىّ ما أتيت» وإن دلّ عليه [دليل] جاز إثباته وحذفه ، نحو أن يقال : هل زيد محسن إليك؟ فتقول : «لو لا زيد لهلكت» أى : «لو لا زيد محسن إلىّ» ، فإن شئت حذفت الخبر ، وإن شئت أثبتّه ، ومنه قول أبى العلاء المعرّىّ ،

__________________

(١) ههنا شيآن نحب أن ننبهك إليهما ، الأول أن الطريقة الثانية من الطرق الثلاث التى ذكرها الشارح هى طريقة جمهور النحاة ، والفرق بينها وبين الطريقة الأولى أن أهل الطريقة الأولى يقولون : إن ذكر الخبر عندهم بعد «لو لا» قليل ، وليس شاذا ، وذلك بخلاف طريقة الجمهور ، فإن ذكر الخير عندهم بعد «لو لا» إن كان صادرا عمن لا يستشهد بكلامه كما فى بيت المعرى الآتى فهو لحن ، وإن كان صادرا عمن يستشهد بكلامه فإن أمكن تأويله كالشاهد ٥٦ وما أنشدناه معه فهو مؤول ، وإن لم يمكن تأويله فهو شاذ ، ولا شك أن القليل غير الشاذ.

والأمر الثانى : أن الشارح قد حمل كلام الناظم على الطريقة الأولى ، وذلك مخالف لما حمله من عداه من الشروح فإنهم جميعا حملوا كلام الناظم على الحالة الثالثه ، بدليل أنه اختارها فى غير هذا الكتاب ، وهو الذى أشرنا إليه عند إعراب البيت ، وتلخيصه أن تحمل قوله «غالبا» على حالات «لو لا» وذلك لأن لو لا إما أن يليها كون عام وهو أغلب الأمر فيها ، وإما أن يليها كون خاص وهو قليل ، ثم تحمل قوله «حتم» على الحكم النحوى ، وكأنه قد قال : إن كان خبر المبتدأ الواقع بعد لو لا كونا عاما وهو الغالب فإنه لا يجوز ذكر ذلك الخبر ، وهذا هو ـ كما ذكرنا ـ الطريقة الثالثة ، فتدبر.


(٥٧) ـ

يذيب الرّعب منه كلّ عضب

فلو لا الغمد يمسكه لسالا

__________________

٥٧ ـ البيت لأبى العلاء المعرى أحمد بن عبد الله بن سليمان ، نادرة الزمان ، وأوحد الدهر حفظا وذكاء وصفاء نفس ، وهو من شعراء العصر الثانى من الدولة العباسية ؛ فلا يحتج بشعره على قواعد النحو والتصريف ، والشارح إنما جاء به للتمثيل ، لا للاحتجاج والاستشهاد به.

اللغة : «يذيب» من الإذابة ، وهى إسالة الحديد ونحوه من الجامدات «الرعب» الفزع والخوف «عضب» هو السيف القاطع «الغمد» قراب السيف وحفنه.

الإعراب : «يذيب» فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة «الرعب» فاعل يذيب «منه» جار ومجرور متعلق بقوله يذيب «كل» مفعول به ليذيب ، وكل مضاف و «عضب» مضاف إليه «فلو لا» حرف امتناع لوجود «الغمد» مبتدأ «يمسكه» يمسك : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الغمد ، والهاء ـ التى هى ضمير الغائب العائد إلى السيف ـ مفعول به ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، وستعرف ما فى هذا الإعراب من المقال وتوجيهه فى بيان الاستشهاد «لسالا» اللام واقعة فى جواب «لو لا» وسال : فعل ماض ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى السيف ، وجملة سال وفاعله لا محل لها من الإعراب جواب لو لا.

التمثيل به : فى قوله «فلو لا الغمد يمسكه» حيث ذكر خبر المبتدأ الواقع بعد لو لا ـ وهو جملة «يمسك» وفاعله ومفعوله ـ لأن ذلك الخبر كون خاص قد دل عليه الدليل وخبر المبتدأ الواقع بعد لو لا يجوز ذكره كما يجوز حذفه إذا كان كونا خاصا وقد دل عليه الدليل عند قوم ، كما ذكره الشارح العلامة ، والجمهور على أن الحذف واجب ، وذلك بناء منهم على ما اختاروه من أن خبر المبتدأ الواقع بعد «لو لا» لا يكون إلا كونا عاما ، وحينئذ لا يقال إما أن يدل عليه دليل أولا ، وعندهم أن بيت المعرى هذا لحن لذكر الخبر بعد لو لا

وفى البيت توجيه آخر يصح على مذهب الجمهور ، وهو أن «يمسك» فى تأويل


وقد اختار المصنف هذه الطريقة فى غير هذا الكتاب.

الموضع الثانى : أن يكون المبتدأ نصّا فى اليمين (١) ، نحو : «لعمرك لأفعلنّ» التقدير «لعمرك قسمى» فعمرك : مبتدأ ، وقسمى : خبره ، ولا يجوز التصريح به.

قيل : ومثله «يمين الله لأفعلنّ» التقدير «يمين الله قسمى» وهذا لا يتعين أن يكون المحذوف فيه خبرا (٢) ؛ لجواز كونه مبتدأ ، والتقدير «قسمى يمين

__________________

مصدر بدل اشتمال من الغمد ، وأصله «أن يمسكه» فلما حذف «أن» ارتفع الفعل ، كقولهم «تسمع بالمعيدى خير من أن تراه» فيمن رواه برفع «تسمع» من غير «أن».

وحاصل القول فى هذه المسألة أن النحاة اختلفوا ؛ هل يكون خبر المبتدأ الواقع بعد لو لا كونا خاصا أولا؟ فقال الجمهور : لا يكون كونا خاصا ألبتة ، بل يجب كونه كونا عاما ويجب مع ذلك حذفه ، فإن جاء الخبر كونا خاصا فى كلام ما فهو لحن أو مؤول ، وقال غيرهم ؛ يجوز أن يكون الخبر بعد لو لا كونا خاصا ، لكن الأكثر أن يكون كونا عاما ، فإن كان الخبر كونا عاما وجب حذفه كما يقول الجمهور ، وإن كان الخبر كونا خاصا : فإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره ، وإن دل عليه دليل جاز ذكره وجاز حذفه ؛ فلخبر المبتدأ الواقع بعد لو لا حالة واحدة عند الجمهور ، وهى وجوب الحذف ، وثلاثة أحوال عند غيرهم ، وهى : وجوب الحذف ، ووجوب الذكر ، وجواز الأمرين ، وقد قدمنا لك أن الواجب حمل كلام الناظم على هذا ؛ لأنه صرح باختياره فى غير هذا الكتاب ، وقد ذكر الشارح نفسه أن هذا هو اختيار المصنف.

(١) المراد بكون المبتدأ نصا فى اليمين : أن يغلب استعماله فيه ، حتى لا يستعمل فى غيره إلا مع قرينة ، ومقابل هذا ما ليس نصا فى اليمين ـ وهو : الذى يكثر استعماله فى غير القسم حتى لا يفهم منه القسم إلا بقرينة ذكر المقسم عليه ، ألا ترى أن «عهد الله» قد كثر استعماله فى غير القسم ـ نحو قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) وقولهم : عهد الله يجب الوفاء به ، ويفهم منه القسم إذا قلت : عهد لأفعلن كذا ؛ لذكرك المقسم عليه.

(٢) إن كان من غرض الشارح الاعتراض على الذين ذكروا هذا المثال لحذف الخبر وجوبا لكون المبتدأ نصا فى اليمين فلا محل لاعتراضه عليهم بأن ذلك يحتمل أن يكون


الله» بخلاف «لعمرك» فإن المحذوف معه يتعين أن يكون خبرا ؛ لأن لام الابتداء قد دخلت عليه ، وحقّها الدخول على المبتدأ.

فإن لم يكن المبتدأ نصّا فى اليمين لم يجب حذف الخبر ، نحو «عهد الله لأفعلنّ» التقدير «عهد الله علىّ» فعهد الله : مبتدأ ، وعلىّ : خبره ، ولك إثباته وحذفه.

الموضع الثالث : أن يقع بعد المبتدأ واو هى نصّ فى المعية ، نحو «كلّ رجل وضيعته» فكلّ : مبتدأ ، وقوله «وضيعته» معطوف على كل ، والخبر محذوف ، والتقدير «كلّ رجل وضيعته مقترنان» ويقدّر الخبر بعد واو المعية.

وقيل : لا يحتاج إلى تقدير الخبر ؛ لأن معنى «كلّ رجل وضيعته» كل رجل مع ضيعته ، وهذا كلام تامّ لا يحتاج إلى تقدير خبر ، واختار هذا المذهب ابن عصفور فى شرح الإيضاح.

فإن لم تكن الواو نصّا فى المعية لم يحذف الخبر وجوبا (١) ، نحو «زيد وعمرو قائمان».

الموضع الرابع : أن يكون المبتدأ مصدرا ، وبعده حال سدّ [ت] مسدّ الخبر ، وهى لا تصلح أن تكون خبرا ؛ فيحذف الخبر وجوبا ؛ لسدّ الحال مسدّه ، وذلك نحو «ضربى العبد مسيئا» فضربى : مبتدأ ، والعبد : معمول

__________________

المحذوف هو المبتدأ ، وذلك من وجهين ؛ أولهما : أن المثال يكفى فيه صحة الاحتمال الذى جىء به من أجله ، ولم يقل أحد إنه يجب أن يتعين فيه الوجه الذى جىء به له وثانيهما : أن الغرض من كلامهم أنا إن جعلنا هذا المذكور مبتدأ كان خبره محذوفا وجوبا ، أما حذفه فلكون ذلك المبتدأ نصا فى اليمين ، وأما الوجوب فلأن جواب اليمين عوض عنه ، ولا يجمع بين العوض والمعوض منه.

(١) بل إن دل عليه دليل جاز حذفه ، وإلا وجب ذكره.


له ، ومسيئا : حال سدّ [ت] مسدّ الخبر ، والخبر محذوف وجوبا ، والتقدير «ضربى العبد إذا كان مسيئا» إذا أردت الاستقبال ، وإن أردت المضىّ فالتقدير «ضربى العبد إذ كان مسيئا» فمسيئا : حال من الضمير المستتر فى «كان» المفسّر بالعبد [و «إذا كان» أو «إذ كان» ظرف زمان نائب عن الخبر].

ونبّه المصنف بقوله : «وقبل حال» على أن الخبر المحذوف مقدّر قبل الحال التى سدّت مسدّ الخبر كما تقدم تقريره.

واحترز بقوله : «لا يكون خبرا» عن الحال التى تصلح أن تكون خبرا عن المبتدأ المذكور ، نحو ما حكى الأخفش ـ رحمه الله! ـ من قولهم «زيد قائما» فزيد : مبتدأ ، والخبر محذوف ، والتقدير «ثبت قائما» وهذه الحال تصلح أن تكون خبرا ؛ فتقول «زيد قائم» فلا يكون الخبر واجب الحذف ، بخلاف «ضربى العبد مسيئا» فإن الحال فيه لا تصلح أن تكون خبرا عن المبتدأ الذى قبلها ؛ فلا تقول : «ضربى العبد مسىء لأن الضرب لا يوصف بأنه مسىء.

والمضاف إلى هذا المصدر حكمه كحكم المصدر ، نحو «أتمّ تبيينى الحقّ منوطا بالحكم» فأتمّ : مبتدأ ، وتبيينى : مضاف إليه ، والحقّ : مفعول لتبيينى ، ومنوطا : حال سدّ [ت] مسدّ خبر أتم ، والتقدير : «أتم تبيينى الحقّ إذا كان ـ أو إذ كان ـ منوطا بالحكم».

* * *

ولم يذكر المصنف المواضع التى يحذف فيها المبتدأ ، وجوبا ، وقد عدّها فى غير هذا الكتاب أربعة (١) :

__________________

(١) بقى عليه موضعان آخران مما يجب فيه حذف المبتدأ (الأول) مبتدأ الاسم


الأول : النعت المقطوع إلى الرفع : فى مدح ، نحو : «مررت بزيد الكريم» أو ذم ، نحو : «مررت بزيد الخبيث» أو ترحّم ، نحو : «مررت بزيد المسكين» فالمبتدأ محذوف فى هذه المثل ونحوها وجوبا ، والتقدير «هو الكريم ، وهو الخبيث ، وهو المسكين».

الموضع الثانى : أن يكون الخبر مخصوص «نعم» أو «بئس» نحو : «نعم

__________________

المرفوع بعد «لا سيما» سواء كان هذا الاسم المرفوع بعدها نكرة كما فى قول امرىء القيس بن حجر الكندى الذى أنشدناه فى مباحث العائد فى باب الموصول (ص ١٦٦) ، وهو :

ألا ربّ يوم صالح لك منهما

ولا سيّما يوم بدارة جلجل

أم كان معرفه كما فى قولك : أحب النابهين لا سيما على ، فإن هذا الاسم المرفوع خبر لمبتدأ محذوف وجوبا ، والتقدير : ولا مثل الذى هو يوم بدارة جلجل ، ولا مثل الذى هو على ، وليس يخفى عليك أن هذا إنما يجرى على تقدير رفع الاسم بعد «لا سيما» فأما على جره أو نصبه فلا (الثانى) بعد المصدر النائب عن فعله الذى بين فاعله أو مفعوله بحرف جر ؛ فمثال ما بين حرف الجر فاعل المصدر قولك : سحقا لك. وتعسا لك ، وبؤسا لك ، التقدير : سحقت وتعست وبؤست. هذا الدعاء لك ، فلك : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف وجوبا ، ولم يجعل هذا الجار والمجرور متعلقا بالمصدر لأن التعدى باللام إنما يكون إلى المفعول لا إلى الفاعل ، والتزموا حذف المبتدأ ليتصل الفاعل بفعله ، ومثال ما بين حرف الجر المفعول قولك : سقيا لك ، ورعيا لك ، والتقدير : اسق اللهم سقيا وارع اللهم رعيا ، هذا الدعاء لك يا زيد ، مثلا ، فلك : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف وجوبا ، ولم يجعل الجار والمجرور متعلقا بالمصدر فى هذا لئلا يلزم عليه وجود خطابين لاثنين مختلفين فى جملة واحدة ، ولهذا لو كان المصدر نائبا عن فعل غير الأمر ، أو كانت اللام جارة لغير ضمير المخاطب ، نحو «شكرا لك» : أى شكرت لك شكرا ، ونحو «سقيا لزيد» : أى اسق اللهم زيدا ـ لم يمتنع جعل الجار والمجرور متعلقا بالمصدر ، ويصير الكلام جملة واحدة حينئذ ، والتزموا حذف المبتدأ فى هذا الموضع أيضا ليتصل العامل بمعموله.


الرّجل زيد ، وبئس الرّجل عمرو» فزيد وعمرو : خبران لمبتدإ محذوف وجوبا ، والتقدير «هو زيد» أى الممدوح زيد «وهو عمرو» أى المذموم عمرو.

الموضع الثالث : ما حكى الفارسىّ من كلامهم «فى ذمّتى لأفعلنّ» ففى ذمتى : خبر لمبتدإ محذوف واجب الحذف ، والتقدير «فى ذمّتى يمين» وكذلك ما أشبهه ، وهو ما كان الخبر فيه صريحا فى القسم.

الموضع الرابع : أن يكون الخبر مصدرا نائبا مناب الفعل ، نحو : «صبر جميل» التقدير «صبرى صبر جميل» فصبرى : مبتدأ ، وصبر جميل : خبره ، ثم حذف المبتدأ ـ الذى هو «صبرى» ـ وجوبا (١).

* * *

وأخبروا باثنين أو بأكثرا

عن واحد كهم سراة شعرا (٢)

__________________

(١) وقد ورد من هذا قول الله تعالى : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) وقول الشاعر :

عجب لتلك قضيّة ، وإقامتى

فيكم على تلك القضيّة أعجب

وقول الراجز :

شكا إلىّ جملى طول السّرى

صبر جميل فكلانا مبتلى

لكن كون هذا مما حذف فيه المبتدأ ليس بلازم ، بل يجوز أن يكون مما حذف فيه الخبر ، وكون الحذف واجبا ليس بلازم أيضا ، فقد جوزوا أن يكون «عجب» مبتدأ و «لتلك» خبره.

(٢) «وأخبروا» فعل ماض وفاعله «باثنين» جار ومجرور متعلق بأخبر «أو» حرف عطف «بأكثرا» جار ومجرور معطوف بأو على الجار والمجرور السابق «عن واحد» جار ومجرور متعلق بأخبر «كهم» الكاف جارة لقول محذوف ، وهى ومجرورها تتعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، وهم : مبتدأ «سراة» خبر أول


اختلف النحويون فى جواز تعدّد خبر المبتدأ الواحد بغير حرف عطف ، نحو : «زيد قائم ضاحك» فذهب قوم ـ منهم المصنف ـ إلى جواز ذلك ، سواء (١) كان الخبران فى معنى خبر واحد ، نحو : «هذا حلو حامض» أى مزّ ، أم لم يكونا كذلك ، كالمثال الأول ، وذهب بعضهم إلى أنه لا يتعدّد الخبر إلا إذا كان الخبران فى معنى خبر واحد ؛ فإن لم يكونا كذلك تعيّن العطف ؛ فإن جاء من لسان العرب شىء بغير عطف قدّر له مبتدأ آخر ؛ كقوله تعالى : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) وقول الشاعر :

(٥٨) ـ

من يك ذا بتّ فهذا بتّى

مقيّظ مصيّف مشتّى

__________________

«شعرا» أصله شعراء فقصره للضرورة ، وهو خبر ثان ، والجملة من المبتدأ وخبريه فى محل نصب مقول القول المقدر.

(١) الذى يستفاد من كلام الشارح ـ وهو تابع فيه للناظم فى شرح الكافية ـ أن تعدد الخبر على ضربين (الأول) تعدد فى اللفظ والمعنى جميعا ، وضابطه : أن يصح الإخبار بكل واحد منهما على انفراده ، كالآية القرآنية التى تلاها ، وكمثال النظم ، وكالبيتين اللذين أنشدهما. وحكم هذا النوع ـ عند من أجاز التعدد ـ أنه يجوز فيه العطف وتركه ، وإذا عطف أحدهما على الآخر جاز أن يكون العطف بالواو وغيرها ، فأما عند من لم يجز التعدد فيجب أن يعطف أو يقدر لما عدا الأول مبتدآت (الثانى) التعدد فى اللفظ دون المعنى ، وضابطه : ألا يصح الإخبار بكل واحد منهما على انفراده ، نحو قولهم : الرمان حلو حامض ، وقولهم : فلان أعسر أيسر ، أى يعمل بكلتا يديه ، ولهذا النوع أحكام : منها أنه يمتنع عطف أحد الأخبار على غيره ، ومنها أنه لا يجوز توسط المبتدأ بينها ، ومنها أنه لا يجوز تقدم الأخبار كلها على المبتدأ ؛ فلا بد فى المثالين من تقدم المبتدأ عليهما ، والإتيان بهما بغير عطف ؛ لأنهما عند التحقيق كشىء واحد ؛ فكل منهما يشبه جزء الكلمة.

٥٨ ـ ينسب هذا البيت لرؤبة بن العجاج ، وهو من شواهد سيبويه (ج ١ ص ٢٥٨) ولم ينسبه ولا نسبه الأعلم ، وروى ابن منظور هذا البيت فى اللسان أكثر من مرة ولم ينسبه فى إحداها ، وقد روى بعد الشاهد فى أحد المواضع قوله :


..................................................................................

__________________

* أخذته من نعجات ستّ*

وزاد على ذلك كله فى موضع آخر قوله :

* سود نعاج كنعاج الدّشت*

اللغة : «بت» قال ابن الأثير : البت الكساء الغليظ المربع ، وقيل : طيلسان من خز ، وجمعه بتوت ، وقوله «مقيظ ، مصيف ، مشتى» أى : يكفينى للقيظ وهو زمان اشتداد الحر ، ويكفينى للصيف ، وللشتاء «الدشت» الصحراء ، وأصله فارسى ، وقد وقع فى شعر الأعشى ميمون بن قيس ، وذلك قوله :

قد علمت فارس وحمير

والأعراب بالدّشت أيّكم نزلا

قال أهل اللغة : «وهو فارسى معرب ، ويجوز أن يكون مما اتفقت فيه لغة العرب ولغة الفرس».

المعنى : هذا البيت فى وصف كساء من صوف كما قال الجوهرى وغيره ، ويريد الشاعر أن يقول : إذا كان لأحد من الناس كساء فإن لى كساء أكتفى به فى زمان حمارة القيظ وزمان الصيف وزمان الشتاء ، يعنى أنه يكفيه الدهر كله ، وأنه قد أخذ صوفه الذى نسج منه من نعجات ست سود كنعاج الصحراء.

الإعراب : «من» يجوز أن يكون اسما موصولا ، وهو مبتدأ مبنى على السكون فى محل رفع ، ويجوز أن تكون اسم شرط مبتدأ أيضا ، وهو مبنى على السكون فى محل رفع أيضا «يك» فعل مضارع ناقص مجزوم بسكون النون المحذوفة للتخفيف ، فإن قدرت «من» شرطية فهذا فعل الشرط ، واسم يك على الحالين ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «من» ولا إشكال فى جزمه حينئذ ، وإن قدرتها موصولة فإنما جزم ـ كما أدخل الفاء فى «فهذابتى» لشبه الموصول بالشرط «ذا» خبريك ، منصوب بالألف نيابة عن الفتحة لأنه من الأسماء الستة ، وذا مضاف و «بت» مضاف إليه ، مجرور بالكسرة الظاهرة ، والجملة من «يك» واسمها وخبرها لا محل لها صلة الموصول إذا قدرت «من» موصولة «فهذا» الفاء واقعة فى جواب الشرط إذا قدرت «من» اسم شرط ، وإن قدرتها موصولة فالفاء زائدة فى خبر المبتدأ لشبهه بالشرط فى عمومه ،


وقوله :

(٥٩) ـ

ينام بإحدى مقلتيه ، ويتّقى

بأخرى المنايا ؛ فهو يقظان نائم

__________________

وها : حرف تنبيه ، وذا : اسم إشارة مبتدأ «بتى» بت : خبر المبتدأ ، وبت مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «مقيظ ، مصيف ، مشتى» أخبار متعددة لمبتدأ واحد ، وهو اسم الإشارة ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو «من» إن قدرت «من» موصولة ، وفى محل جزم جواب الشرط إن قدرتها شرطية ، وجملة الشرط وجوابه جميعا فى محل رفع خبر المبتدأ على تقدير من شرطية.

الشاهد فيه : قوله «فهذا بتى ، مقيظ ، مصيف ، مشتى» فإنها أخبار متعددة لمبتدأ واحد من غير عاطف ، ولا يمكن أن يكون الثانى نعتا للأول ؛ لاختلافهما تعريفا وتنكيرا ، وتقدير كل واحد مما عدا الأول خبرا لمبتدأ محذوف خلاف الأصل ؛ فلا يصار إليه.

٥٩ ـ البيت لحميد بن ثور الهلالى ، من كلمة يصف فيها الذئب.

اللغة : «مقلتيه» عينيه «المنايا» جمع منية ، وهى فى الأصل فعيلة بمعنى مفعول من منى الله الشىء يمنيه ـ على وزن رمى يرمى ـ بمعنى قدره ، وذلك لأن المنية من مقدرات الله تعالى على عباده ، وقوله «فهو يقظان نائم» هكذا وقع فى أكثر كتب النحاة ، والصواب فى إنشاد هذا البيت «فهو يقظان هاجع» ؛ لأنه من قصيدة عينية مشهورة لحميد بن ثور ، وقبله قوله :

إذا خاف جورا من عدوّ رمت به

قصائبه والجانب المتواسع

وإن بات وحشا ليلة لم يضق بها

ذراعا ، ولم يصبح لها وهو خاشع

الإعراب : «ينام» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذئب «بإحدى» جار ومجرور متعلق بقوله ينام ، وإحدى مضاف ، ومقلتى من «مقلتيه» مضاف إليه ، ومقلتى مضاف والضمير مضاف إليه «ويتقى» الواو عاطفة ، يتقى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذئب ، والجملة معطوفة على جملة «ينام» السابقة «بأخرى» جار ومجرور متعلق بقوله يتقى «المنايا» مفعول به ليتقى «فهو» مبتدأ «يقظان» خبره «نائم» أو «هاجع» خبر بعد خبر.


وزعم يعضهم أنه لا يتعدّد الخبر إلا إذا كان من جنس واحد ، كأن يكون الخبران مثلا مفردين ، نحو : «زيد قائم ضاحك» أو جملتين نحو : «زيد قام ضحك» فأما إذا كان أحدهما مفردا والآخر جملة فلا يجوز ذلك ؛ فلا تقول : «زيد قائم ضحك» هكذا زعم هذا القائل ، ويقع فى كلام المعريين للقرآن الكريم وغيره تجويز ذلك كثيرا ، ومنه قوله تعالى : (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) جوزوا كون «تسعى» خبرا ثانيا ، ولا يتعين ذلك ؛ لجواز كونه حالا (١).

__________________

الشاهد فيه : قوله «فهو يقظان نائم» أو قوله «فهو يقظان هاجع» حيث أخبر عن مبتدأ واحد ـ وهو قوله «هو» ـ بخبرين وهما قوله «يقظان هاجع» أو قوله «يقظان نائم» من غير عطف الثانى منهما على الأول

والشواهد على ذلك كثيرة فى كلام من يحتج بكلامه شعره ونثره ؛ فلا معنى لجحده ونكرانه.

ومما استشهد به المجيز قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى) وقوله سبحانه فى قراءة ابن مسعود : (وهذا بعلى شيخ) ومنه قول على بن أبى طالب أمير المؤمنين :

أنا الذى سمّتن أمّى حيدره

كليث غابات غليظ القصره

* أكيلكم بالسّيف كيل السّندره*

فإن قوله «أنا» مبتدأ ، والاسم الموصول بعده خبره ، ويجوز أن يكون «كليث» جارا ومجرورا يتعلق بمحذوف خبر ثان ، وقوله «أكيلكم» جملة فعلية فى محل رفع خبر ثالث ، وهذا دليل لمن أجاز تعدد الخبر مع اختلاف الجنس ، وهو ظاهر بعد ما بيناه.

(١) إذا لم تجعل جملة (تسعى) خبرا ثانيا كما يقول المعربون فهى فى محل رفع صفة لحية ، وليست فى محل نصب حالا من حية كما زعم الشارح ، وذلك لأن (حية) نكرة لا مسوغ لمجىء الحال منها ، وصاحب الحال لا يكون إلا معرفة أو نكرة معها مسوغ ، اللهم إلا أن تتمحل للشارح فتزعم أن الجملة حال من الضمير الواقع مبتدأ على رأى سيبويه الذى يجيز مجىء الحال من المبتدأ.


كان وأخواتها

ترفع كان المبتدا اسما ، والخبر

تنصبه ، ككان سيّدا عمر (١)

ككان ظلّ بات أضحى أصبحا

أمسى وصار ليس ، زال برحا (٢)

فتىء ، وانفكّ ، وهذى الأربعه

لشبه نفى ، أو لنفى ، متبعه (٣)

ومثل كان دام مسبوقا بـ «ما»

كأعط مادمت مصيبا درهما (٤)

__________________

(١) «ترفع» فعل مضارع «كان» قصد لفظه : فاعل ترفع «المبتدا» مفعول به لترفع «اسما» حال من قوله المبتدأ «والخبر» الواو عاطفة ، الخبر مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور بعده ، والتقدير : وتنصب الخبر «تنصبه» تنصب : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على «كان» ، والضمير البارز المتصل مفعول به ، والجملة من تنصب وفاعله ومفعوله لا محل لها تفسيرية «ككان» الكاف جارة لقول محذوف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كقولك ، كان : فعل ماض ناقص «سيدا» خبر كان مقدم «عمر» اسمها مؤخر ، مرفوع بالضمة الظاهرة ، وسكن للوقف.

(٢) «ككان» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، و «كان» هنا قصد لفظه «ظل» قصد لفظه أيضا : مبتدأ مؤخر «بات ، أضحى ، أصبحا ، أمسى ، وصار ليس ، زال ، برحا» كلهن معطوفات على ظل بإسقاط حرف العطف مما عدا الخامس.

(٣) «فتىء ، وانفك» معطوفان أيضا على «ظل» بإسقاط حرف العطف فى الأول «وهذى» الواو للاستئناف ، ها : حرف تنبيه ، مبنى على السكون لا محل له من الإعراب ، وذى : اسم إشارة مبتدأ «الأربعة» بدل من اسم الإشارة ، أو عطف بيان عليه ، أو نعت له ، «لشبه» جار ومجرور متعلق بقوله «متبعة» الآتى ، وشبه مضاف ، و «نفى» مضاف إليه «أو» حرف عطف «لنفى» جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور السابق «متبعه» خبر المبتدأ الذى هو اسم الإشارة.

(٤) «ومثل» خبر مقدم ، ومثل مضاف و «كان» قصد لفظه : مضاف إليه «دام» قصد لفظه أيضا : مبتدأ مؤخر «مسبوقا» حال من دام «بما» الباء حرف جر ، وما


لما فرغ من الكلام على المبتدأ والخبر شرع فى ذكر نواسخ الابتداء ، وهى قسمان : أفعال ، وحروف ؛ فالأفعال : كان وأخواتها ، وأفعال المقاربة ، وظنّ وأخواتها ؛ والحروف : ما وأخواتها ، ولا التى لنفى الجنس ، وإنّ وأخواتها.

فبدأ المصنف بذكر كان وأخواتها ، وكلّها أفعال اتفاقا ، إلا «ليس» ؛ فذهب الجمهور إلى أنها فعل ، وذهب الفارسىّ ـ فى أحد قوليه ـ وأبو بكر بن شقير ـ فى أحد قوليه ـ إلى أنها حرف (١).

__________________

قصد لفظه مجرور محلا بالباء ، والجار والمجرور متعلق بمسبوقا «كأعط» الكاف جارة لقول محذوف كما سبق مرارا ، أعط : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ومفعوله الأول محذوف ، والتقدير «أعط المحتاج» مثلا «ما» مصدرية ظرفية «دمت» دام : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير المخاطب اسم دام «مصيبا» خبر دام «درهما» مفعول ثان لأعط ، وتلخيص البيت : ودام مثل كان ـ فى العمل الذى هو رفع الاسم ونصب الخبر ـ لكن فى حالة معينة ، وهى حالة ما إذا سبقت دام بما المصدرية الظرفية الواقعة فى نحو قولك «أعط المحتاج درهما مادمت مصيبا» أى مدة دوامك مصيبا ، والمراد مادمت تحب أن تكون مصيبا.

(١) أول من ذهب من النحاة إلى أن ليس حرف ، هو ابن السراج وتابعه على ذلك أبو على الفارسى فى «الحلبيات» وأبو بكر بن شقير ، وجماعة.

واستدلوا على ذلك بدليلين :

الدليل الأول ، أن «ليس» أشبه الحرف من وجهين :

الوجه الأول : أنه يدل على معنى يدل عليه الحرف ، وذلك لأنه يدل على النفى الذى يدل عليه «ما» وغيرها من حروف النفى.

الوجه الثانى : أنه جامد لا يتصرف ، كما أن الحرف جامد لا يتصرف.

والدليل الثانى : أنه خالف سنن الأفعال عامة ، وبيان ذلك أن الأفعال بوجه عام مشتقة من المصدر للدلالة على الحدث دائما والزمان بحسب الصيغ المختلفة ، وهذه الكلمة لا تدل على الحدث أصلا ، وما فيها من الدلالة على الزمان مخالف لما فى عامة الأفعال ؛ فإن عامة الأفعال الماضية تدل على الزمان الذى انقضى ، وهذه الكلمة تدل على نفى


وهى ترفع المبتدأ ، وتنصب خبره ، ويسمى المرفوع بها اسما لها ، والمنصوب بها خبرا لها.

وهذه الأفعال قسمان : منها ما يعمل هذا العمل بلا شرط ، وهى : كان ، وظل ، وبات ، وأضحى ، وأصبح ، وأمسى ، وصار ، وليس ، ومنها ما لا يعمل هذا العمل إلا بشرط ، وهو قسمان : أحدهما ما يشترط فى عمله أن يسبقه نفى لفظا أو تقديرا ، أو شبه نفى ، وهو أربعة : زال ، وبرح ، وفتى ، وانفكّ ؛ فمثال النفى لفظا «ما زال زيد قائما» ومثاله تقديرا قوله تعالى : (قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) أى : لا تفتؤ ، ولا يحذف النافى معها قياسا إلا بعد القسم كالآية الكريمة ، وقد شذّ الحذف بدون القسم ، كقول الشاعر :

__________________

الحدث الذى دل عليه خبرها فى الزمان الحاضر ، إلى أن تقوم قرينة تصرفه إلى الماضى أو المستقبل ، فإذا قلت : «ليس خلق الله مثله» فليس أداة نفى ، واسمها ضمير شأن محذوف ، وجملة الفعل الماضى ـ وهو خلق ـ وفاعله فى محل نصب خبرها. وفى هذا المثال قرينة ـ وهى كون الخبر ماضيا ـ على أن المراد نفى الخلق فى الماضى ، وقوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) يشتمل على قرينة تدل على أن المراد نفى صرفه عنهم فيما يستقبل من الزمان ، ومن أجل ذلك كله قالوا : هى حرف.

ويرد ذلك عليهم قبولها علامات الفعل ، ألا ترى أن تاء التأنيث الساكنة تدخل عليها ؛ فتقول : ليست هند مفلحة ، وأن تاء الفاعل تدخل عليها ؛ فتقول : لست ، ولست ، ولستما ، ولستم ، ولستن.

وأما عدم دلالتها على الحدث كسائر الأفعال فإنه منازع فيه ؛ لأن المحققق الرضى ذهب إلى أن «ليس» دالة على حدث ـ وهو الانتفاء ـ ولئن سلمنا أنها لا تدل على حدث ـ كما هو الراجح ، بل الصحيح عند الجمهور ـ فإنا نقول : إن عدم دلالتها على حدث ـ ليس هو بأصل الوضع ، ولكنه طارىء عليها وعارض لها بسبب دلالتها على النفى ، والمعتبر إنما هو الدلالة بحسب الوضع وأصل اللغة ، وهى من هذه الجهة داله عليه ؛ فلا يضرها أن يطرأ عليها ذلك الطارىء فيمنعها.


(٦٠) ـ

وأبرح ما أدام الله قومى

بحمد الله منتطقا مجيدا

__________________

٦٠ ـ البيت لخداش بن زهير.

اللغة : «منتطقا» قد فسره الشارح العلامة تفسيرا ، ويقال : جاء فلان منتطقا فرسه ؛ إذا جنبه ـ أى جعله إلى جانبه ولم يركبه ـ وقال ابن فارس : هذا البيت يحتمل أنه أراد أنه لا يزال يجنب فرسا جوادا ، ويحتمل أنه أراد أنه يقول قولا مستجاذا فى الثناء على قومه ، أى : ناطقا «مجيدا» بضم الميم : يجرى على المعنيين اللذين ذكرناهما فى قوله «منتطقا» ، وهو وصف للفرس على الأول ؛ ووصف لنفسه على الثانى.

المعنى : يريد أنه سيبقى مدى حياته فارسا ، أو ناطقا بمآثر قومه ، ذاكرا ممادحهم ؛ لأنها كثيرة لا تفنى. وسيكون جيد الحديث عنهم ، بارع الثناء عليهم ؛ لأن صفاتهم الكريمة تنطق الألسنة بذكرهم.

الإعراب : «أبرح» فعل مضارع ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «ما» مصدرية ظرفية «أدام» فعل ماض «الله» فاعل أدام «قومى» قوم : مفعول به لأدام ، وقوم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «بحمد» جار ومجرور متعلق بقوله «أبرح» أو هو متعلق بفعل محذوف ، والتقدير «أحمد بحمد» وحمد مضاف ، و «الله» مضاف إليه «منتطقا» اسم فاعل فعله انتطق ، وهو خبر «أبرح» السابق ، وفاعله ضمير مستتر فيه «مجيدا» مفعول به لمنتطق على المعنى الأول ، وأصله صفة لموصوف محذوف ، فلما حذف الموصوف أقيمت الصفة مقامه ، وأصل الكلام : لا أبرح جانبا فرسا مجيدا ، وهو خبر بعد خبر على المعنى الثانى ، وكأنه قال : لا أبرح ناطقا بمحامد قومى مجيدا فى ذلك ؛ لأن مآثر قومى تنطق الألسنة بجيد المدح.

الشاهد فيه : قوله «أبرح» حيث استعمله بدون نفى أو شبه نفى ، مع كونه غير مسبوق بالقسم ، قال ابن عصفور : وهذا البيت فيه خلاف بين النحويين ، فمنهم من قال : إن أداة النفى مرادة ، فكأنه قال «لا أبرح» ومنهم من قال : إن «أبرح» غير منفى ، لا فى اللفظ ولا فى التقدير ، والمعنى عنده : أزول بحمد الله عن أن أكون منتطقا مجيدا ، أى : صاحب نطاق وجواد ـ لأن قومى يكفوننى هذا ؛ فعلى الوجه الأخير فى كلام ابن عصفور لا استشهاد فيه.

ومثل هذا البيت قول خليفة بن براز :


أى : لا أبرح منتطقا مجيدا ، أى : صاحب نطاق وجواد ، ما أدام الله قومى ، وعنى بذلك أنه لا يزال مستغنيا ما بقى له قومه ، وهذا أحسن ما حمل عليه البيت.

ومثال شبه النفى ـ والمراد به النهى ـ كقولك : «لا تزل قائما» ومنه قوله :

(٦١) ـ

صاح شمّر ولا تزل ذاكر المو

ت ؛ فنسيانه ضلال مبين

والدعاء ، كقولك : «لا يزال الله محسنا إليك» ، وقول الشاعر :

__________________

تنفكّ تسمع ما حييت

بهالك حتّى تكونه

واعلم أن شروط جواز حذف حرف النفى مطلقا ثلاثة :

الأول : أن يكون هذا الحرف «لا» دون سائر أخواته من حروف النفى.

الثانى : أن يكون المنفى به مضارعا كما فى الآية ، وكما فى قول امرىء القيس :

فقلت : يمين الله أبرح قاعدا

ولو قطعوا رأسى لديك وأوصالى

وقول عبد الله بن قيس الرقيات :

والله أبرح فى مقدّمة

أهدى الجيوش علىّ شكّتيه

حتّى أفجّعهم بإخوتهم

وأسوق نسوتهم بنسوتيه

وقول عمر بن أبى ربيعة المخزومى :

تالله أنسى حبّها

حياتنا أو أقبرا

وقول نصيب من مرثية له فى أبى بكر بن عبد العزيز بن مروان :

تالّله أنسى مصيبتى أبدا

ما أسمعتنى حنينها الإبل

الثالث : أن يكون ذلك فى القسم كما فى الآية الكريمة من سورة يوسف ، وبيت امرىء القيس ، وبيت عبد الله بن قيس الرقيات ، وبيت عمر ، وبيت نصيب ، وشذ الحذف بدون القسم كما فى بيت خداش ، وبيت خليفة بن براز.

٦١ ـ البيت من الشواهد التى لا بعرف قائلها.


(٦٢) ـ

ألا يا اسلمى ، يا دارمىّ ، على البلى ،

ولا زال منهلّا بجرعائك القطر

__________________

المعنى : يا صاحبى اجتهد ، واستعد للموت ، ولا تنس ذكره ؛ فإن نسيانه ضلال ظاهر.

الإعراب : «صاح» منادى حذفت منه ياء النداء ، وهو مرخم ترخيما غير قياسى ؛ لأنه نكرة ، والقياس ألا برخم مما ليس آخره تاء إلا العلم «شمر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ولا» الواو عاطفة ، لا : ناهية «تزل» فعل مضارع ناقص مجزوم بحرف النهى ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ذاكر» خبر تزل ، وذاكر مضاف ، و «الموت» مضاف إليه «فنسيانه» الفاء حرف دال على التعليل ، نسيان : مبتدأ ، ونسيان مضاف والهاء العائدة إلى الموت مضاف إليه «ضلال» خبر المبتدأ «مبين» نعت لضلال.

الشاهد فيه : قوله «ولا تزل ذاكر الموت» حيث أجرى فيه مضارع «زال» مجرى «كان» فى العمل ؛ لكونها مسبوقة بحرف النهى ، والنهى شبيه بالنفى.

٦٢ ـ البيت لذى الرمة غيلان بن عقبة يقوله فى صاحبته مية.

اللغة : «البلى» من بلى الثوب يبلى ـ على وزن رضى يرضى ـ أى : خلق ورث «منهلا» منسكبا منصبا «جرعائك» الجرعاء : رملة مستوية لا تنبت شيئا «القطر» المطر.

المعنى : يدعو لدار حبيبته بأن تدوم لها السلامة على مر الزمان من طوارق الحدثان وأن يدوم نزول الأمطار بساحتها ، وكنى بنزول الأمطار عن الخصب والنماء بما يستتبع من رفاهية أهلها ، وإقامتهم فى ربوعها ، وعدم المهاجرة منها لانتجاع الغيث والكلأ.

الإعراب : «ألا» أداة استفتاح وتنبيه «يا» حرف نداء ، والمنادى محذوف ، والتقدير «يادارمية» «اسلمى» فعل أمر مقصود منه الدعاء ، وياء المؤنثة المخاطبة فاعل «يادار» يا : حرف نداء ، ودار : منادى منصوب بالفتحة الظاهرة ، ودار مضاف ، و «مى» مضاف إليه «على البلى» جار ومجرور متعلق باسلمى «ولا» الواو حرف عطف ، لا : حرف دعاء «زال» فعل ماض ناقص «منهلا» خبر زال مقدم «بجرعائك» الجار والمجرور متعلق بقوله «منهلا» وجرعاء مضاف وضمير المخاطبة مضاف إليه «القطر» اسم زال مؤخر.


وهذا [هو] الذى أشار إليه المصنف بقوله : «وهذى الأربعة ـ إلى آخر البيت».

القسم الثانى : ما يشترط فى عمله أن يسبقه «ما» المصدرية الظرفية ، وهو «دام» كقولك : «أعط ما دمت مصيبا درهما» أى : أعط مدّة دوامك مصيبا درهما ؛ ومنه قوله تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) أى : مدّة دوامى حيا.

__________________

الشاهد فيه : للنحاة فى هذا البيت شاهدان ، الأول : فى قوله «يا اسلمى» حيث حذف المنادى قبل فعل الأمر فاتصل حرف النداء بالفعل لفظا ، ولكن التقدير على دخول «يا» على المنادى المقدر ، ولا يحسن فى مثل هذا البيت أن تجعل «يا» حرف تنبيه ؛ لأن «ألا» السابقة عليها حرف تنبيه ، ومن قواعدهم المقررة أنه لا يتوالى حرفان بمعنى واحد لغير توكيد ، ومثل هذا البيت فى ما ذكرنا قول الشماخ.

يقولون لى : يا احلف ، ولست بحالف

أخادعهم عنها لكيما أنالها

فقد أراد : يقولون لى يا هذا احلف ، ومثله قول الأخطل :

ألا يا اسلمى يا هند هند بنى بكر

ولا زال حيّانا عدى آخر الدهر

أراد : ألا يا هند اسلمى يا هند بنى بكر ، ومثله قول الآخر :

ألا يا اسلمى ذات الدّماليج والعقد

وذات الثّنايا الغرّ والفاحم الجعد

أراد : ألا يا ذات الدماليج اسلمى ذات الدماليج ـ إلخ ، ومثل الأمر الدعاء كما فى قول الفرزدق :

يا أرغم الله أنفا أنت حامله

يا ذا الخنى ومقال الزّور والخطل

يريد : يا هذا أرغم الله أنفا ـ إلخ ، ومثله قول الآخر :

يا لعنة الله والأقوام كلّهم

والصّالحين على سمعان من جار

فيمن رواه برفع «لعنة الله»

والشاهد الثانى فى قوله «ولا زال إلخ» حيث أجرى «زال» مجرى «كان» فى رفعها الاسم ونصب الخبر ، لتقدم «لا» الدعائية عليها ، والدعاء شبه النفى.


ومعنى ظلّ : اتّصاف المخبر عنه بالخبر نهارا ، ومعنى بات : اتّصافه به ليلا ، وأضحى : اتصافه به فى الضّحى ، وأصبح : اتّصافه به فى الصباح ، وأمسى : اتّصافه به فى المساء ، ومعنى صار : التحوّل من صفة إلى [صفة] أخرى ، ومعنى ليس : النفى ، وهى عند الإطلاق لنفى الحال ، نحو : «ليس زيد قائما» أى : الآن وعند التقييد بزمن على حسبه ، نحو : «ليس زيد قائما غدا» ومعنى ما زال وأخواتها : ملازمة الخبر المخبر عنه على حسب ما يقتضيه الحال نحو : «ما زال زيد ضاحكا ، وما زال عمرو أزرق العينين» ومعنى دام : بقى واستمرّ.

* * *

وغير ماض مثله قد عملا

إن كان غير الماض منه استعملا (١)

هذه الأفعال على قسمين (٢) : أحدهما ما يتصرّف ، وهو ما عدا ليس ودام.

__________________

(١) «وغير» مبتدأ ، وغير مضاف ، و «ماض» مضاف إليه «مثله» مثل : حال مقدم على صاحبها ، وصاحبها هو فاعل «عمل» الآتى ، ومثل مضاف والضمير مضاف إليه ، ومثل من الألفاظ المتوغلة فى الإبهام فلا تفيدها الإضافة تعريفا ؛ فلهذا وقعت حالا «قد» حرف تحقيق «عملا» عمل : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى غير الماضى ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «إن» شرطية «كان» فعل ماض ناقص ، فعل الشرط «غير» اسم كان ، وغير مضاف ، و «الماضى» مضاف إليه «منه» جار ومجرور متعلق باستعمل «استعملا» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى غير الماضى ، والجملة فى محل نصب خبر كان ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام ، والتقدير : إن كان غير الماضى مستعملا فإنه يعمل مشابها الماضى.

(٢) هى على قسمين إجمالا ، ولكنها على ثلاثة أقسام تفصيلا (الأول) ما لا يتصرف أصلا فلم بأت منه إلا الماضى ، وهو نعلان : ليس ، ودام ، فإن قلت : فإنه قد سمع : يدوم ، ودم ، ودائم ، ودوام ، قلت : هذه تصرفات دام التامة التى ترفع فاعلا فقط ، والكلام


والثانى ما لا يتصرّف ، وهو ليس ودام ، فنبّه المصنف بهذا البيت على أن ما يتصرف من هذه الأفعال يعمل غير الماضى منه عمل الماضى ، وذلك هو المضارع ، نحو : «يكون زيد قائما» قال الله تعالى : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) والأمر ، نحو : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) وقال الله تعالى : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) واسم الفاعل ، نحو : «زيد كائن أخاك» وقال الشاعر :

(٦٣) ـ

وما كلّ من يبدى البشاشة كائنا

أخاك ، إذا لم تلفه لك منجدا

__________________

إنما هو فى دام الناقصة التى ترفع الاسم وتنصب الخبر (الثانى) ما يتصرف تصرفا ناقصا ، بأن يكون المستعمل منه الماضى والمضارع واسم الفاعل ، وهو أربعة أفعال : زال ، وفتىء ، وبرح ، وانفك (الثالث) ما يتصرف تصرفا تاما بأن تجىء منه أنواع الفعل الثلاثة : الماضى ، والمضارع ، والأمر ، ويجىء منه المصدر واسم الفاعل ، وهو الباقى ، وقد اختلف النحاة فى مجىء اسم المفعول من القسم الثالث ؛ فمنعه قوم منهم أبو على الفارسى ؛ فقد سأله تلميذه ابن جنى عن قول سيبويه «مكون فيه» فقال : ما كل داء يعالجه الطبيب!. وأجازه غير أبى على ، فاحفظ ذلك.

٦٣ ـ البيت من الشواهد التى لم نقف لها على نسبة إلى قائل معين.

اللغة : «يبدى» يظهر «البشاشة» طلاقة الوجه «تلفه» تجده «منجدا» مساعدا.

المعنى : ليس كل أحد يلقاك بوجه ضاحك أخاك الذى تركن إليه ، وتعتمد فى حاجتك عليه ، ولكن أخوك هو الذى تجده عونا لك عند الحاجة

الإعراب : «ما» نافية تعمل عمل ليس «كل» اسمها ، وكل مضاف ، و «من» اسم موصول مضاف إليه «يبدى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «من» والجملة لا محل لها صلة الموصول «البشاشة» مفعول به ليبدى «كائنا» خبر ما النافية ، وهو اسم فاعل متصرف من كان الناقصة ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كل «أخاك» أخا : خبر كائن منصوب بالألف نيابة عن الفتحة لأنه من الأسماء الستة ، وأخا مضاف والكاف مضاف إليه «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «لم» حرف نفى وجزم «تلفه» تلف : فعل مضارع مجزوم بلم ،


والمصدر كذلك ، واختلف الناس فى «كان» الناقصة : هل لها مصدر أم لا؟ والصحيح أن لها مصدرا ، ومنه قوله :

(٦٤) ـ

ببذل وحلم ساد فى قومه الفتى

وكونك إيّاه عليك يسير

__________________

وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول أول لتلفى «لك» جار ومجرور متعلق بقوله منجدا الآتى «منجدا» مفعول ثان لتلفى ، وقال العينى : هو حال وذلك مبنى على أن «ظن» وأخواتها تنصب مفعولا واحدا ، وهو رأى ضعيف لبعض النحاة.

الشاهد فيه : قوله «كائنا أخاك» فإن «كائنا» اسم فاعل من كان الناقصة وقد عمل عملها ، فرفع اسما ونصب خبرا : أما الاسم فهو ضمير مستتر فيه ، وأما الخبر فهو قوله «أخاك» على ما بيناه فى إعراب البيت.

٦٤ ـ وهذا البيت ـ أيضا ـ من الشواهد التى لم ينسبوها إلى قائل معين.

اللغة : «بذل» عطاء «ساد» من السيادة ، وهى الرفعة وعظم الشأن.

المعنى : إن الرجل يسود فى قومه وينبه ذكره فى عشيرته ببذل المال والحلم ، وهو يسير عليك إن أردت أن تكون ذلك الرجل.

الإعراب : «ببذل» جار ومجرور متعلق بساد ، «وحلم» معطوف على بذل «ساد» فعل ماض «فى قومه» الجار والمجرور متعلق أيضا بساد ، وقوم مضاف والضمير مضاف إليه «الفتى» فاعل ساد «وكونك» كون : مبتدأ ، وهو مصدر كان الناقصة ؛ فمن حيث كونه مبتدأ يحتاج إلى خبر ، وهو قوله «يسير» الآتى ، ومن حيث كونه مصدر كان الناقصة يحتاج إلى اسم وخبر ؛ فأما اسمه فالكاف المتصلة به ؛ فلهذه الكاف محلان أحدهما جر بالإضافة ، والثانى رفع على أنها الاسم ، وأما خبرها فقوله «إيا» وقوله «عليك» جار ومجرور متعلق بيسير ، وقوله «يسير» هو خبر المبتدأ ، على ما تقدم ذكره.

الشاهد فيه : قوله «وكونك إياه» حيث استعمل مصدر كان الناقصة وأجراه مجراها فى رفع الاسم ونصب الخبر ، وقد بينت لك اسمه وخبره فى إعراب البيت.


وما لا يتصرف منها ـ وهو دام ، وليس (١) ـ وما كان النفى أو شبهه شرطا فيه ـ وهو زال وأخواتها ـ لا يستعمل منه أمر ولا مصدر.

* * *

وفى جميعها توسّط الخبر

أجز ، وكلّ سبقه دام حظر (٢)

__________________

فهذا الشاهد يدل على شيئين : أولهما أن «كان» الناقصة قد جاء لها مصدر فى كلام العرب ، فهو رد على من قال لا مصدر لها. وثانيهما أن غير الماضى من هذه الأفعال ـ سواء أكان اسما ، أم كان فعلا غير ماض ـ يعمل العمل الذى يعمله الفعل الماضى ، وهو رفع الاسم ونصب الخبر.

(١) رجح العلامة الصبان أن الناقصة لها مصدر ، ودليله على ذلك شيئان الأول أنها تستعمل البتة صلة لما المصدرية الظرفية ، ووجه الاستدلال بهذا الوجه أن ما المصدرية مع صلتها تستوجب التقدير بمصدر ، فاستعمالهم هذا الفعل بعد ما يشير إلى أنهم يعتقدون أن لها مصدرا ، والثانى أن العلماء جروا على تقدير ما دام فى نحو قوله تعالى : (ما دُمْتُ حَيًّا) بقولهم : مدة دوامى حيا ، ولو أننا التزمنا أن هذا مصدر لدام التامة ، أو أن العلماء اخترعوا فى هذا التقدير مصدرا لم يرد عن العرب ، لكنا بذلك جائرين مسيئين بمن قام على العربية وحفظها الظن كل الإساءة ، فلزم أن يكون هذا المصدر مصدر الناقصة فتتم الدعوى.

(٢) «وفى جميعها» الجار والمجرور متعلق بتوسط ، وجميع مضاف ، وها مضاف إليه «توسط» مفعول به لأجز مقدم عليه ، وتوسط مضاف ، و «الخبر» مضاف إليه «أجز» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «كل» مبتدأ «سبقه» سبق : مفعول به مقدم على عامله وهو حظر ، وسبق مضاف وضمير الغائب العائد إلى الخبر مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله «دام» قصد لفظه مفعول به لسبق «حظر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كل ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ وهو كل.


مراده أن أخبار هذه الأفعال ـ إن لم يجب تقديمها على الاسم ، ولا تأخيرها عنه ـ يجوز توسّطها بين الفعل والاسم (١) ؛ فمثال وجوب تقديمها على الاسم قولك : «كان فى الدّار صاحبها» ، فلا يجوز ههنا تقديم الاسم على الخبر ، لئلا يعود الضمير عل متأخر لفظا ورتبة ، ومثال وجوب تأخير الخبر عن الاسم

__________________

(٢) حاصل القول فى هذا الموضوع أن لخبر كان وأخواتها ستة أحوال :

الأول : وجوب التأخير ، وذلك فى مسألتين ، إحداهما : أن يكون إعراب الاسم والخبر جميعا غير ظاهر ، نحو : كان صديقى عدوى ، وثانيتهما : أن يكون الخبر محصورا نحو قوله تعالى : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) والمكاء : التصفير ، والتصدية : التصفيق.

الثانى : وجوب التوسط بين العامل واسمه ، وذلك فى نحو قولك : يعجبنى أن يكون فى الدار صاحبها ؛ فلا يجوز فى هذا المثال تأخير الخبر عن الاسم ؛ لئلا يلزم منه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة ، كما لا يجوز أن يتقدم الخبر على أن المصدرية لئلا يلزم تقديم معمول الصلة على الموصول ، فلم يبق إلا توسط هذا الخبر على ما ذكرنا.

الثالث : وجوب التقدم على الفعل واسمه جميعا ، وذلك فيما إذا كان الخبر مما له الصدارة كاسم الاستفهام ، نحو «أين كان زيد»؟

الرابع : امتناع التأخر عن الاسم ، مع جواز التوسط بين الفعل واسمه أو التقدم عليهما ، وذلك فيما إذا كان الاسم متصلا بضمير يعود على بعض الخبر ، ولم يكن ثمة مانع من التقدم على الفعل ، نحو «كان فى الدار صاحبها ، وكان غلام هند بعلها» يجوز أن تقول ذلك ، ويجوز أن تقول : «فى الدار كان صاحبها ، وغلام هند كان بعلها» ـ بنصب غلام ـ ولا يجوز فى المثالين التأخير عن الاسم.

الخامس : امتناع التقدم على الفعل واسمه جميعا ، مع جواز توسطه بينهما أو تأخره عنهما جميعا ، نحو «هل كان زيد صديقك»؟ ففى هذا المثال يجوز هذا ، ويجوز «هل كان صديقك زيد» ولا يجوز تقديم الخبر على هل ؛ لأن لها صدر الكلام ، ولا توسيطه بين هل والفعل ؛ لأن الفصل بينهما غير جائز.

السادس : جواز الأمور الثلاثة ، نحو «كان محمد صديقك» يجوز فيه ذلك كما يجوز أن تقول : صديقك كان محمد ، وأن تقول : كان صديقك محمد ، بنصب الصديق.


قولك : «كان أخى رفيقى» فلا يجوز تقديم رفيقى ـ على أنه خبر ـ لأنه لا يعلم ذلك ، لعدم ظهور الإعراب ، ومثال ما توسّط فيه الخبر قولك : «كان قائما زيد» قال الله تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) وكذلك سائر أفعال هذا الباب ـ من المتصرف ، وغيره ـ يجوز توسّط أخبارها بالشرط المذكور ، ونقل صاحب الإرشاد خلافا فى جواز تقديم خبر «ليس» على اسمها ، والصواب جوازه ، قال الشاعر :

(٦٥) ـ

سلى ـ إن جهلت ـ النّاس عنّا وعنهم

فليس سواء عالم وجهول

__________________

٦٥ ـ البيت من قصيدة للسمو أل بن عادياء الغسانى ، المضروب به المثل فى الوفاء ومطلع قصيدته التى منها بيت الشاهد قوله :

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه

فكلّ رداء يرتديه جميل

وإن هو لم يحمل على النّفس ضيمها

فليس إلى حسن الثّناء سبيل

اللغة : «يدنس» الدنس ـ بفتح الدال المهملة والنون ـ هو الوسخ والقذر ، والأصل فيه أن يكون فى الأمور الحسية ، والمراد ههنا الدنس المعنوى «اللؤم» اسم جامع للخصال الدنيئة ومقابح الصفات «رداء» هو فى هذا الموضع مستعار للخصلة من الخصال : أى إذا نظف عرض المرء فلم يتصف بصفة من الصفات الدنيئة فإن له بعد ذلك أن يتصف بما يشاء ، يريد أن له أن يختار من المكارم وخصال البر الخصلة التى يرغبها «ضيمها» الضيم : الظلم.

المعنى : يقول لمن يخاطبها : سلى الناس عنا وعمن تقارنينهم بنا ـ إن لم تكونى عالمة بحالنا ، مدركة للفرق العظيم الذى بيننا وبينهم ـ لكى يتضح لك الحال ، فإن العالم بحقيقة الأمر ليس كمن جهلها.

الإعراب : «سلى» فعل أمر ، وياء المخاطبة فاعله «إن» شرطية «جهلت» فعل ماض فعل الشرط ، وتاء المخاطبة فاعل ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله «عنا» جار ومجرور متعلق بقوله سلى «وعنهم» جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور قبله «فليس» الفاء حرف دال على التعليل ، وليس : فعل ماض ناقص «سواء» خبر ليس مقدم «عالم» اسم ليس مؤخر «وجهول» معطوف على عالم.


وذكر ابن معط أن خبر «دام» لا يتقدّم على اسمها ؛ فلا تقول : «لا أصاحبك» ما دام قائما زيد» والصواب جوازه ، قال الشاعر :

(٦٦) ـ

لا طيب للعيش ما دامت منغّصة

لذّاته بادّكار الموت والهرم

__________________

الشاهد فيه : قوله «فليس سواء عالم وجهول» حيث قدم خبر ليس وهو «سواء» عل اسمها وهو «عالم» وذلك جائز سائغ في الشعر وغيره ، خلافا لمن نقل المنع عنه صاحب الإرشاد.

٦٦ ـ البيت من الشواهد التى لم يعين أحد ممن اطلعنا على كلامه قائلها.

اللغة : «طيب» المراد به اللذة وما ترتاح إليه النفس وتهفو نحوه «منغصة» اسم مفعول من التنغيص وهو التكدير «بادكار» تذكر ، وأصله «اذتكار» فقلبت تاء الافتعال دالا ، ثم قلبت الذال دالا ، ثم أدغمت الدال فى الدال ، ويجوز فيه «اذكار» بالذال المعجمة ، على أن تقلب المهملة معجمة بعكس الأول ثم تدغم ، ويجوز فيه بقاء كل من المعجمة والمهملة على حاله فتقول «اذدكار» وبالوجه الأول ورد قوله تعالى : (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أصله مذتكر فقلبت التاء دالا ثم أدغمتا على ما ذكرناه أولا.

المعنى : لا يرتاح الإنسان إلى الحياة ولا يستطيب العيش مادام يتذكر الأيام التى تأتى عليه بأوجاعها وآلامها ، ومادام لا ينسى أنه مقبل لا محالة على الشيخوخة والموت ومفارقة أحبائه وملاذه.

الإعراب : «لا» نافية للجنس «طيب» اسمها مبنى على الفتح فى محل نصب «للعيش» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا ، أو متعلق بطيب ، وخبر لا حينئذ محذوف «ما» مصدرية ظرفية «دامت» دام : فعل ماض ناقص ، والتاء تاء التأنيث «منغصة» خبر دام مقدم على اسمها «لذاته» لذات : اسم دام مؤخر ، ولذات مضاف والهاء العائدة إلى العيش مضاف إليه «بادكار» جار ومجرور متعلق بقوله منغصة ، وادكار مضاف ، و «الموت» مضاف إليه «والهرم» معطوف بالواو على الموت.

الشاهد فيه : قوله «ما دامت منغصة لذاته» حيث قدم خبر دام وهو قوله «منغصة» على اسمها وهو قوله «لذاته».


وأشار بقوله : «وكلّ سبقه دام حظر» إلى أن كلّ العرب ـ أو كلّ النحاة ـ منع سبق خبر «دام» عليها ، وهذا إن أراد به أنهم منعوا تقديم خبر دام على «ما» المتصلة بها ، نحو : «لا أصحبك قائما ما دام زيد» فمسلّم ، وإن أراد أنهم منعوا تقديمه على «دام وحدها ، نحو «لا أصحبك ما قائما دام زيد» ـ وعلى ذلك حمله ولده فى شرحه ـ ففيه نظر ، والذى يظهر أنه لا يمتنع تقديم خبر

__________________

هذا توجيه كلام الشارح العلامة كغيره من النحاة ، ردا على ابن معط. وفيه خلل من جهة أنه ترتب عليه الفصل بين «منغصة» ومتعلقه وهو قوله «بادكار» بأجنبى عنهما وهو «لذاته».

وفى البيت توجيه آخر ، وهو أن يكون اسم «دام» ضميرا مستترا ، وقوله «منغصة» خبرها ، وقوله «لذاته» نائب فاعل لقوله «منغصة» ؛ لأنه اسم مفعول يعمل عمل الفعل المبنى للمجهول ، وعلى هذا يخلو البيت من الشاهد ؛ فلا يكون ردا على ابن معط ومن يرى رأيه.

ومن الشواهد التى يستدل بها للرد على ابن معط قول الشاعر :

ما دام حافظ سرّى من وثقت به

فهو الّذى لست عنه راغبا أبدا

فإن قوله «حافظ سرى» خبر دام ، وقوله «من وثقت به» اسمها ، وقد تقدم الخبر على الاسم ، ولا يرد عليه الاعتراض الذى ورد على البيت الشاهد ، ولكنه يحتمل التأويل ، إذ يجوز أن يكون اسم دام ضميرا مستترا يعود إلى «من وثقت به» ويكون خبرها هو «حافظ سرى» ، ويكون قوله «من وثقت به» فاعلا بحافظ ؛ لأنه اسم فاعل.

فإن قلت : فقد عاد الضمير على متأخر.

قلت : هو كذلك ، ولكنه مغتفر ههنا ؛ لأن الكلام على هذا يصير من باب الاشتغال لتقدم عاملين ـ وهما : دام ، وحافظ سرى ـ وتأخر معمول واحد ـ وهو «من وثقت به» ـ فلما أعمل العامل الثانى أضمر فى الأول المرفوع ، وهو جائز عند البصريين كما ستعرفه فى باب الاشتغال ، إن شاء الله.


دام على دام وحدها ؛ فتقول : «لا أصحبك ما قائما دام زيد» كما تقول : «لا أصحبك ما زيدا كلّمت».

* * *

كذاك سبق خبر ما النّافيه

فجىء بها متلوّة ، لا تاليه (١)

يعنى أنه لا يجوز أن يتقدّم الخبر على ما النافية ، ويدخل تحت هذا قسمان ؛ أحدهما : ما كان النفى شرطا فى عمله ، نحو «ما زال» وأخواتها ؛ فلا تقول : «قائما ما زال زيد» وأجاز ذلك ابن كيسان والنحاس ، والثانى : ما لم يكن النفى شرطا فى عمله ، نحو «ما كان زيد قائما» فلا تقول : «قائما ما كان زيد» ، وأجازه بعضهم (٢).

ومفهوم كلامه أنه إذا كان النفى بغير «ما» يجوز التقديم ؛ فتقول : «قائما لم يزل زيد ، ومنطلقا لم يكن عمرو» ومنعهما بعضهم (٣).

__________________

(١) «كذاك» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «سبق» مبتدأ مؤخر ، وسبق مضاف ، و «خبر» مضاف إليه ، وهو من جهة أخرى فاعل لسبق «ما» مفعول به لسبق «النافية» صفة لما «فجىء» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بها» جار ومجرور متعلق بجىء «متلوة» حال من الضمير المجرور محلا بالباء «لا» عاطفة «تالية» معطوف على متلوة.

(٢) أصل هذا الخلاف مبنى على خلاف آخر ، وهو : هل تستوجب «ما» النافية أن تكون فى صدر الكلام؟ ذهب جمهور البصريين إلى أنها لا تستوجب التصدير ، وعلى هذا أجازوا أن يتقدم خبر الناسخ المنفى بها عليها مطلقا ، ووافقهم ابنا كيسان والنحاس على جواز تقديم خبر الناسخ عليها إذا كان من النواسخ التى يشترط فيها النفى ؛ لأن نفيها حينئذ إيجاب فكأنه لم يكن ، بخلاف النوع الثانى.

(٣) ذكر ابن مالك فى شرح التسهيل أن الذى منع ذلك هو الفراء ، وهذا النع مردود بقول الشاعر :


ومفهوم كلامه أيضا جواز تقديم الخبر على الفعل وحده إذا كان النفى بما ، نحو «ما قائما زال زيد» و «ما قائما كان زيد» ومنعه بعضهم.

* * *

ومنع سبق خبر ليس اصطفى ،

وذو تمام ما برفع يكتفى (١)

وما سواه ناقص ، والنّقص فى

فتىء ليس زال دائما قفى (٢)

اختلف النحويون فى جواز تقديم خبر «ليس» عليها ؛ فذهب الكوفيون

__________________

مه عاذلى فهائما لن أبرحا

بمثل أو أحسن من شمس الضّحى

وقال ابن مالك فى شرح الكافية الشافية : إن ذلك جائز عند الجميع.

(١) «ومنع» مبتدأ ، ومنع مضاف ، و «سبق» مضاف إليه ، وسبق مضاف و «خبر» مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله «ليس» قصد لفظه : مفعول به لسبق «اصطفى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى منع ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «وذو» الواو للاستئناف ، ذو : مبتدأ ، وذو مضاف و «تمام» مضاف إليه «ما» اسم موصول خبر المبتدأ «برفع» جار ومجرور متعلق بيكتفى الآتى «يكتفى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما الموصولة ، وجملة يكتفى وفاعله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(٢) «وما» اسم موصول مبتدأ «سواه» سوى : ظرف متعلق بمحذوف صلة ما ، وسوى مضاف والهاء مضاف إليه «ناقص» خبر المبتدأ «والنقص» مبتدأ «فى فتىء» جار ومجرور متعلق بقوله «قفى» الآتى «ليس ، زال» معطوفان على «فتىء» بإسقاط حرف العطف «دائما» حال من الضمير المستتر فى قوله «قفى» الآتى «قفى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على النقص ، والجملة من قفى ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، وهو «النقص».

وتقدير البيت : وما سوى ذى التمام ناقص ، والنقص قفى ـ أى اتبع ـ حال كونه مستمرا فى فتىء وليس وزال.


والمبرد والزجاج وابن السراج وأكثر المتأخرين ـ ومنهم المصنف ـ إلى المنع ، وذهب أبو على [الفارسىّ] وابن برهان إلى الجواز ؛ فتقول : «قائما ليس زيد» واختلف النقل عن سيبويه ؛ فنسب قوم إليه الجواز ، وقوم المنع ، ولم يرد من لسان العرب تقدّم خبرها عليها ، وإنما ورد من لسانهم ما ظاهره نقدّم معمول خبرها عليها ، كقوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) وبهذا استدلّ من أجاز تقديم خبرها عليها ، وتقريره أن «يوم يأتيهم» معمول الخبر الذى هو «مصروفا» وقد تقدم على «ليس» قال : ولا يتقدّم المعمول إلا حيث يتقدّم العامل (١).

* * *

__________________

(١) هذه القاعدة ليست مطردة تمام الاطراد ، وإن كان العلماء قد اتخذوها دليلا فى كثير من المواطن ، وجعلوها كالشىء المسلم به الذى لا يتطرق إليه النقض ؛ ونحن ندكر لك عدة مواضع أجازوا فيها تقديم المعمول ، ولم يجيزوا فيها نقديم العامل :

الموضع الأول : إذا كان خبر المبتدأ فعلا ، لم يجز البصريون تقديمه على المبتدأ ؛ لئلا يلتبس المبتدأ بالفاعل ، فلا يقولون «ضرب زيد» على أن يكون فى ضرب ضمير مستتر ، وجملته خبر مقدم ، لكن أجازوا تقديم معمول هذا الخبر على مبتدئه فى نحو «عمرو ضرب زيدا». فيقولون «زيدا عمرو ضرب».

الموضع الثانى : خبر إن ـ إذا لم يكن ظرفا أو جارا ومجرورا ـ لم يجيزوا تقديمه على اسمها ؛ فلا يقولون : «إن جالس زيدا» ، وأجازوا تقديم معموله على الاسم ، فيقولون : «إن عندك زيدا جالس».

الموضع الثالث : الفعل المنفى بلم أو لن ـ نحو «لم أضرب ، ولن أضرب» ـ لم يجيزوا تقديمه على النفى ، وأجازوا تقديم معموله عليه ، نحو «زيدا لن أضرب ، وعمرا لم أصاحب».

الموضع الرابع : الفعل الواقع بعد إما الشرطية ، لم يجيزوا إيلاءه لإما ، وأجازوا إيلاء معموله لها ، نحو قوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)


وقوله : «وذو تمام ـ إلى آخره» معناه أن هذه الأفعال انقسمت إلى قسمين ؛ أحدهما : ما يكون تاما وناقصا ، والثانى ما لا يكون إلا ناقصا ، والمراد بالتام : ما يكتفى بمرفوعه ، وبالناقص : ما لا يكتفى بمرفوعه ، بل يحتاج معه إلى منصوب.

وكلّ هذه الأفعال يجوز أن تستعمل تامّة ، إلا «فتىء» ، و «زال» التى مضارعها يزال ، لا التى مضارعها يزول فإنها تامة ، نحو «زالت الشمس» و «ليس» فإنها لا تستعمل إلا ناقصة.

ومثال التام قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) أى : إن وجد ذو عسرة ، وقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) وقوله تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ)

* * *

ولا يلى العامل معمول الخبر

إلا إذا ظرفا أتى أو حرف جر (١)

__________________

والغرض من القاعدة التى أصلها هذا المستند : أن الغالب والكثير والأصل هو ألا يتقدم المعمول إلا حيث يجوز أن يتقدم العامل فيه ؛ فلا يضر أن يجوز تقديم المعمول فى بعض الأبواب لنكتة خاصة به حيث لا يتقدم عامله ، ولكل موضع من المواضع الأربعة نكتة لا تتسع هذه العجالة لشرحها.

(١) «ولا» نافية «يلى» فعل مضارع «العامل» مفعول به ليلى مقدم على الفاعل «معمول» فاعل يلى ، ومعمول مضاف و «الخبر» مضاف إليه «إلا» أداة استثناء «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط «ظرفا» حال مقدم على صاحبه ، وهو الضمير المستتر فى أتى «أتى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «معمول الخبر» السابق «أو» حرف عطف «حرف» معطوف على قوله «ظرفا» وحرف مضاف و «جر» مضاف إليه ، وجملة


يعنى أنه لا يجوز أن يلى «كان» وأخواتها معمول خبرها الذى ليس بظرف ولا جار ومجرور ، وهذا يشمل حالين :

أحدهما : أن يتقدم معمول الخبر [وحده على الاسم] ويكون الخبر مؤخرا عن الاسم ، نحو «كان طعامك زيد آكلا» وهذه ممتنعة عند البصريين ، وأجازها الكوفيون.

الثانى : أن يتقدم المعمول والخبر على الاسم ، ويتقدم المعمول على الخبر ، نحو «كان طعامك آكلا زيد» وهى ممتنعة عند سيبويه ، وأجازها بعض البصريين.

ويخرج من كلامه أنه إذا تقدم الخبر والمعمول على الاسم ، وقدّم الخبر على المعمول جازت المسألة ؛ لأنه لم يل «كان» معمول خبرها ؛ فتقول «كان آكلا طعامك زيد» ولا يمنعها البصريون.

فإن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا جاز إيلاؤه «كان» عند البصريين والكوفيين ، نحو «كان عندك زيد مقيما ، وكان فيك زيد راغبا».

* * *

ومضمر الشأن اسما انو إن وقع

موهم ما استبان أنّه امتنع (١)

__________________

«أتى» وفاعله فى محل جر بإضافة إذا إليها ، وهى فعل الشرط ، وجواب الشرط محذوف يفصح عنه الكلام ، وتقديره : فإنه يليه ، وهذه الجملة كلها فى موضع الاستثناء من مستثنى منه محذوف ، وهو عموم الأوقات ، وكأنه قال : لا يلى معمول الخبر العامل فى وقت ما من الأوقات إلا فى وقت مجيئه ظرفا أو حرف جر.

(١) «مضمر» مفعول به مقدم على عامله وهو قوله «انو» الآتى ، ومضمر مضاف و «الشأن» مضاف إليه «اسما» حال من مضمر «انو» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إن» شرطية «وقع» فعل ماض فعل الشرط ،


يعنى أنه إذا ورد من لسان العرب ما ظاهره أنه ولى «كان» وأخواتها معمول خبرها فأوّله على أنّ فى «كان» ضميرا مستترا هو ضمير الشأن ، وذلك نحو قوله :

(٦٧) ـ

قنافذ هدّاجون حول بيوتهم

بما كان إيّاهم عطيّه عوّدا

__________________

مبنى على الفتح فى محل جزم ، وسكن للوقف «موهم» فاعل وقع ، وموهم مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه ، مبنى على السكون فى محل جر «استبان» فعل ماض «أنه» أن : حرف توكيد ونصب ، والهاء ضمير الغائب اسمها مبنى على الضم فى محل نصب «امتنع» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر أن ، وأن ومعمولاها فى تأويل مصدر فاعل لاستبان ، وتقديره : استبان امتناعه ، وجملة «استبان» وفاعله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

وتقدير البيت : وانو مضمر الشأن حال كونه اسما لكان إن وقع فى بعض الكلام ما يوهم الأمر الذى وضح امتناعه ، وهو إيلاء كان معمول خبرها.

٦٧ ـ البيت للفرزدق ، من كلمة يهجو فيها جريرا وعبد القيس ، وهى من النقائض بين جرير والفرزدق ، وأولها قوله :

رأى عبد قيس خفقة شوّرت بها

يدا قابس ألوى بها ثمّ أخمدا

اللغة : «قنافذ» جمع قنفذ ، وهو ـ بضمتين بينهما سكون ، أو بضم القاف وسكون النون وفتح الفاء ، وآخره ذال معجمة أو دال مهملة ـ حيوان يضرب به المثل فى السرى ؛ فيقال : هو أسرى من القنفذ ، وقالوا أيضا «أسرى من أنقد» وأنقد : اسم للقنفذ ، ولا ينصرف ولا تدخله الألف واللام ، كقولهم للأسد : أسامة ، وللذئب : ذؤالة ، قاله الميدانى (١ / ٢٣٩ الخيرية) ثم قال : «والقنفذ لا ينام الليل ، بل يجول ليله أجمع» اه ، ويقال فى مثل آخر «بات فلان بليل أنقد» وفى مثل آخر «اجعلوا ليلكم ليل أنقد» وذكر مثله العسكرى فى جمهرة الأمثال (بهامش الميدانى ٢ / ٧) «هداجون» جمع هداج وهو صيغة مبالغة من الهدج أو الهدجان ، والهدجان ـ بفتحات ـ ومثله الهدج ـ بفتح فسكون ـ مشية الشيخ ، أو مشية فيها


..................................................................................

__________________

ارتعاش ، وباب فعله ضرب ، ويروى «قنافذ دراجون» والدراج : صيغة مبالغة أيضا من «درج الصبى والشيخ» ـ من باب دخل ـ إذا سار سيرا متقارب الخطو «عطية» هو أبو جرير.

المعنى : يريد وصفهم بأنهم خونة فجار ، يشبهون القنافذ حيث يسيرون بالليل طلبا للسرقة أو للدعارة والفحشاء ؛ وإتما السبب فى ذلك تعويد أبيهم إياهم ذلك.

الإعراب : «قنافذ» خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هم قنافذ ، وأصله هم كالقنافذ ؛ فحذف حرف التشبيه مبالغة «هداجون» صفة لقنافذ ، مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لأنه جمع مذكر سالم ، والنون عوض عن التنوين فى الاسم المفرد «حول» ظرف مكان متعلق بهداجون ، وحول مضاف ، وبيوت من «بيوتهم» مضاف إليه ، وبيوت مضاف والضمير مضاف إليه «بما» الباء حرف جر ، وما : يحتمل أن تكون موصولا اسميا ، والأحسن أن تكون موصولا حرفيا «كان» فعل ماض ناقص «إياهم» إيا : مفعول مقدم على عامله ، وهو عود ، وستعرف ما فيه ، وقوله «عطية» اسم كان «عودا» فعل ماض ، مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على عطية ، وجملة الفعل والفاعل فى محل نصب خبر «كان».

وهذا الإعراب إنما هو بحسب الظاهر ، وهو الذى يعرب الكوفيون البيت عليه ويستدلون به ، وهو إعراب غير مرضى عند جمهرة علماء النحو من البصريين ، وستعرف الإعراب المقبول عندهم عند بيان الاستشهاد بالبيت.

الشاهد فيه : قوله «بما كان إياهم عطية عودا» حيث إن ظاهره يوهم أن الشاعر قد قدم معمول خبر كان وهو «إياهم» على اسمها وهو «عطية» مع تأخير الخبر وهو جملة «عود» عن الاسم أيضا ؛ فلزم أن يقع معمول الخبر بعد الفعل ويليه ، هذا هو ظاهر البيت ، والقول بجواز هذا الظاهر هو مذهب الكوفيين ، وهم يعربون البيت على الوجه غير المرضى الذى ذكرناه فى الإعراب ، والبصريون يأبون ذلك ويمنعون أن يكون «عطية» اسم كان ، ولهم فى البيت ثلاثة توجهات :

أحدها : وهو الذى ذكره الشارح العلامة تبعا للمصنف ، أن اسم كان ضمير الشأن وقوله «عطية» مبتدأ ، وجملة «عودا» فى محل رفع خبر المبتدأ ، وإياهم :


فهذا ظاهره أنه مثل «كان طعامك زيد آكلا» ويتخرّج على أن فى «كان» ضميرا مستترا هو ضمير الشأن [وهو اسم كان].

__________________

مفعول به لعود ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب خبر كان ؛ فلم يتقدم معمول الخبر على الاسم لأن اسم كان مضمر يلى العامل.

والتوجيه الثانى : أن «كان» فى البيت زائدة ، و «عطية عود» مبتدأ وخبر ، وجملة المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ، وهو «ما» ، أى بالذى عطية عودهموه.

والثالث : أن اسم «كان» ضمير مستتر يعود على «ما» الموصولة ، وجملة عطية عود من المبتدأ والخبر فى محل نصب خبر كان ، وجملة كان ومعموليها لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

والعائد ـ على هذا التوجيه والذى قبله ـ محذوف تقديره هنا : بما كان عطية عودهموه ومنهم من يقول : هذا البيت من الضرورات التى تباح للشاعر ، ولا يجوز لأحد من المتكلمين أن يقيس فى كلامه عليها.

قال المحققون من العلماء : والقول بالضرورة متعين فى قول الشاعر ، ولم نقف على اسمه :

باتت فؤادى ذات الخال سالبة

فالعيش إن حمّ لى عيش من العجب

فذات الخال : اسم بات ، وسالبة : خبره ، وفيه ضمير مستتر هو فاعله يعود على ذات الخال ، وفؤادى : مفعول به مقدم على عامله الذى هو قوله سالبة ، وزعموا أنه لا يمكن فى هذا البيت أن يجرى على إحدى التوجيهات السابقة ، ومثله قول الآخر :

لئن كان سلمى الشّيب بالصّدّ مغريا

لقد هوّن السّلوان عنها التّحلّم

فالشيب : اسم كان ، ومغريا خبره ، وفيه ضمير مستتر يعود على الشيب هو فاعله وسلمى مفعول به لمغريا تقدم على اسم كان ، ولا تتأتى فيه التوجيهات السابقة.

ومن العلماء من خرج هذين البيتين تخريجا عجيبا ؛ فزعم أن «فؤادى» منادى بحرف نداء محذوف ، وكذلك «سلمى» وكأن الشاعر قد قال : باتت يا فؤادى ذات الخال سالبة إياك ، ولئن كان يا سلمى الشيب مغريا إياك بالصد ، وجملة النداء فى البيتين لا محل لها معترضة بين العامل ومعموليه.


ومما ظاهره أنه مثل «كان طعامك آكلا زيد» قوله :

(٦٨) ـ

فأصبحوا والنّوى عالى معرّسهم

وليس كلّ النّوى تلقى المساكين

__________________

٦٨ ـ البيت لحميد الأرقط ، وكان بخيلا ، فنزل به أضياف ، فقدم لهم تمرا ، والبيت من شواهد كتاب سيبويه (ج ١ ص ٣٥) وقبله قوله :

باتوا وجلّتنا الصّهباء بينهم

كأنّ أظفارهم فيها السّكاكين

اللغة : «جلتنا» بضم الجيم وتشديد اللام مفتوحة ـ وعاء يتخذ من الخوص يوضع فيه التمر يكنز فيه ، وجمعه جلل ـ بوزن غرفة وغرف ـ ويجمع أيضا على جلال ، وهى عربية معروفة «الصهباء» يريد أن لونها الصهبة ، قال الأعلم فى شرح شواهد سيبويه : الجملة قفة التمر تتخذ من سعف النخل وليفه ؛ فلذلك وصفها بالصهبة ، اه ، «فأصبحوا» دخلوا فى الصباح «معرسهم» اسم مكان من «عرس بالمكان» ـ بتشديد الراء مفتوحة ـ أى نزل به ليلا.

المعنى : يصف أضيافا نزلوا به فقراهم تمرا ؛ يقول : لما أصبحوا ظهر على مكان نزولهم نوى التمر كومة مرتفعة ، مع أنهم لم يكونوا يرمون كل نواة يأكلون تمرتها ؛ بل كانوا يلقون بعض النوى ويبلعون بعضا ، إشارة إلى كثرة ما قدم لهم منه ، وكثرة ما أكلوا ، ووصفهم بالشره.

الإعراب : «فأصبحوا» فعل وفاعل «و» حالية «النوى» مبتدأ «عالى» خبره ، وعالى مضاف ومعرس من «معرسهم» مضاف إليه ، ومعرس مضاف والضمير مضاف إليه ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل نصب حال من الواو فى أصبحوا «ليس» فعل ماض ناقص ، واسمها ضمير الشأن «كل» مفعول به مقدم لقوله «تلقى» وكل مضاف ، و «النوى» مضاف إليه «نلقى» فعل مضارع «المساكين» فاعل تلقى ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل نصب خبر ليس ، وهذا الإعراب جار على الذى اختاره العلماء كما ستعرف.

الشاهد فيه : قوله «وليس كل النوى تلقى المساكين» ولكى يتضح أمر الاستشهاد بهذا البيت تمام الاتضاح نبين لك أولا أنه يروى برفع كل وبنصبه ، ويروى «يلقى المساكين» بياء المضارعة كما يروى «تلقى المساكين» بالتاء ؛ فهذه أربع روايات.


..................................................................................

__________________

أما رواية رفع «كل» ـ سواء أكانت «وليس كل النوى يلقى المساكين» أم كانت «وليس كل النوى تلقى المساكين» ـ فليس فعل ماض ناقص ، وكل : اسم ليس ، وكل مضاف ، والنوى : مضاف إليه ، ويلقى أو تلقى : فعل مضارع ، والمساكين : فاعله ، وجملة الفعل والفاعل فى محل نصب خبر ليس ، ولا شاهد فى هذا البيت على هاتين الروايتين لما نحن فيه ، وليس فيه إيهام لأمر غير جائز ، غير أن الكلام يحتاج إلى تقدير ضمير يربط جملة خبر ليس باسمها ، وأصل الكلام : وليس كل النوى يلقيه المساكين ، أو تلقيه المساكين.

فإن قلت : كيف جاز أن يروى «تلقيه المساكين» بتأنيث الفعل مع أن فاعله مذكر ، إذ المساكين جمع مسكين.

فالجواب عن ذلك : أن المساكين جمع تكسير ، وجمع التكسير يجوز فى فعله التذكير والتأنيث بإجماع النحاة بصريهم وكوفيهم ، سواء أكان مفرد جمع التكسير مذكرا أم كان مفرده مؤنثا ، ومن ورود فعله مؤنثا ـ مع أن مفرده مذكر ـ قول الله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا ، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ، وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) فإن مفرد الأعراب أعرابى.

وأما رواية نصب كل والفعل «يلقى» بياء المضارعة ، فليس : فعل ماض ناقص ، واسمها ضمير شأن محذوف ، وكل مفعول مقدم ليلقى ، وكل مضاف والنوى : مضاف إليه ، ويلقى : فعل مضارع ، والمساكين : فاعله ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل نصب خبر ليس ، ولا يجوز فى البيت على هذه الرواية غير هذا الوجه من الإعراب ، نعنى أنه لا يجوز أن يكون قوله المساكين اسم ليس مؤخرا ، ويلقى فعلا مضارعا فاعله ضمير مستتر يعود إلى المساكين ، وجملة يلقى وفاعله فى محل نصب خبر ليس تقدم على اسمها.

فإن قلت : فلم لا يجوز أن يكون المضارع مسندا إلى ضمير مستتر يعود إلى المساكين إذا روى البيت «وليس كل النوى يلقى المساكين» بنصب كل؟

فالجواب أن ننبهك إلى أن الفعل المسند إلى ضمير يعود إلى جمع التكسير لا يجوز أن يكون كفعل الواحد المذكر ، فأنت لا تقول : الأعراب قال ، ولا تقول : المساكين يلقى ، وإنما يجوز فيه حينئذ أن يكون ضمير الجماعة : فتقول : الأعراب قالوا ، وتقول


..................................................................................

__________________

المساكين يلقون ، ويجوز فيه أن يكون مثل فعل الواحد المؤنث ، فتقول : الأعراب قالت : أو تقول : المساكين ألقت أو تلقى ، وكذا إذا تقدم الفعل وأسند إلى ضمير جمع التكسير المؤخر عنه يجب أن تقول : يلقون المساكين ، أو تقول : تلقون المساكين ، أو يقول تلقى المساكين ، فلما لم يقل شيئا من ذلك علمنا أنه أسنده إلى الاسم الظاهر بعده.

وأما رواية نصب «كل» والفعل «تلقى» بالتاء الفوقية فالكوفيون يعربونها هكذا ـ كل : مفعول مقدم لتلقى ، وكل مضاف والنوى : مضاف إليه ، وتلقى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المساكين ، والجملة من الفعل وفاعله المستتر فيه فى محل نصب خبر ليس تقدم على اسمه ، والمساكين : اسم ليس تأخر عن خبره ، ويستدل الكوفيون بهذا البيت ـ على هذا الإعراب ـ على أنه يجوز أن يقع بعد ليس وأخواتها معمول خبرها إذا كان خبرها مقدما على اسمها ، كما فى البيت.

والبصريون يقولون : إن هذا الإعراب غير لازم فى هذا البيت ، وعلى هذا لا يكون البيت دليلا على ما زعمتم ، والإعراب الذى نراه هو أن يكون ليس فعلا ناقصا ، واسمه ضمير شأن محذوف ، وكل : مفعول مقدم لتلقى ، والنوى : مضاف إليه ، وتلقى فعل مضارع ، والمساكين : فاعله ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل نصب خبر ليس ، والتقدير : وليس (هو : أى الحال والشأن) كل النوى تلقى المساكين ؛ فلم يقع بعد ليس معمول خبرها عند التحقيق ، بل الواقع بعدها هو اسمها المحذوف وموضعه بعدها

وإذا علمت هذا فاعلم أن ابن الناظم قد استشهد بهذا البيت لمذهب الكوفيين على الوجه الذى ذكرناه عنهم من الإعراب ؛ فأنكر العينى عليه ذلك ، وقال : وهذا وهم منه ؛ لأنه لو كان المساكين اسم ليس لقال «يلقون المساكين» كما تقول : قاموا الزيدون ، على أن الجملة من الفعل وفاعله خبر مقدم ، والاسم بعدها مبتدأ مؤخر ، والبيت لم يرو إلا «يلقى المساكين» بالياء التحتية. واسم ليس فى هذا البيت ضمير الشأن عند الكوفيين والبصريين ، اه كلامه بحروفه.

والعبد الضعيف ـ غفر الله له ولوالديه! ـ يرى أن فى كلام العينى هذا تحاملا على ابن الناظم لا يقره الإنصاف ، وأن فيه خللا من عدة وجوه.


ـ إذا قرىء بالتاء المثناة من فوق ـ فيخرّج البيتان على إضمار الشأن :

والتقدير فى الأول «بما كان هو» أى : الشأن ؛ فضمير الشأن اسم كان ،

__________________

الأول : أن قوله «والبيت لم يرو إلا يلقى المساكين بالياء التحتية» غير صحيح ؛ فقد علمت أنه يروى بالياء التحتية والتاء الفوقية ، وهذه عبارة الشارح العلامة تنادى بأنه قد روى بالتاء ، وأن الاستشهاد بالبيت لمذهب الكوفيين إنما يتجه على رواية التاء ؛ فكان عليه أن يمسك عن تخطئته فى الرواية ، لأن الرواية ترجع إلى الحفظ لا إلى العقل ، ولا شك أنه اطلع على كلام شارحنا لأنه شرح شواهده.

الثانى : فى قوله «ولو كان المساكين اسم ليس لقال يلقون المساكين» ليس بصواب ، إذ لا يلزم على كون المساكين اسم ليس أن يقول الشاعر : يلقون المساكين ، بل يجوز له أن يقول ذلك ، وأن يقول : تلقى المساكين ، كما بينا لك ، وقد قال العبارة الثانية على رواية الجماعة من أثبات العلماء.

الثالث : أن تنظيره بقوله «كما تقول قاموا الزيدون ، على أن الجملة خبر مقدم والاسم بعدها مبتدأ مؤخر» ليس تنظيرا صحيحا ، لأن الاسم فى الكلام الذى نظر به جمع مذكر سالم ، ومذهب البصريين أنه لا يجوز فى فعله إلا التذكير ، فلم يتم له التنظير ، والله يغفر لنا وله!!

ومن مجموع ما قدمنا ذكره من الكلام على هذا البيت تتبين لك خمسة أمور :

الأول : أن ثلاث روايات لا يجوز على كل رواية منها فى البيت إلا وجه واحد من وجوه الإعراب.

الثانى : أنه لا شاهد فى البيت لمذهب الكوفيين على كل رواية من هذه الروايات الثلاث.

الثالث : أن استشهاد الكوفيين بالبيت على ما ذهبوا إليه لا يجوز إلا على الرواية الرابعة ، وهى «وليس كل النوى تلقى المساكين».

الرابع : أن البيت يحتمل على الرواية الرابعة وجها من الإعراب غير ما أعربه عليه الكوفيون.

الخامس : أن استدلال الكوفيين بالبيت لم يتم ؛ لأن الدليل متى تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال ، وأنت خبير أن الاستدلال والاستشهاد غير التمثيل.


وعطية : مبتدأ ، وعوّد : خبره ، وإياهم : مفعول عوّد ، والجملة من المبتدأ وخبره خبر كان ؛ فلم يفصل بين «كان» واسمها معمول الخبر ؛ لأن اسمها مضمر قبل المعمول.

والتقدير فى البيت الثانى «وليس هو» أى : الشأن ؛ فضمير الشأن اسم ليس ، وكلّ [النوى] منصوب بتلقى ، وتلقى المساكين : فعل وفاعل [والمجموع] خير ليس ، هذا بعض ما قيل فى البيتين.

* * *

وقد تزاد كان فى حشو : كما

كان أصحّ علم من تقدّما (١)

كان على ثلاثة أقسام ؛ أحدها : الناقصة ، والثانى : التامّة ، وقد تقدم ذكرهما والثالث : الزائدة ، وهى المقصودة بهذا البيت ، وقد ذكر ابن عصفور أنها تزاد بين الشيئين المتلازمين : كالمبتدأ وخبره ، نحو «زيد كان قائم» والفعل ومرفوعه ؛ نحو «لم يوجد كان مثلك» والصلة والموصول ، نحو «جاء الّذى كان أكرمته» والصفة والموصوف ، «مررت برجل كان قائم» وهذا يفهم أيضا من إطلاق قول المصنف «وقد تزاد كان فى حشو» وإنما تنقاس زيادتها بين «ما»

__________________

(١) «وقد» حرف تقليل «تزاد» فعل مضارع مبنى للمجهول «كان» قصد لفظه : نائب فاعل تزاد «فى حشو» جار ومجرور متعلق بتزاد «كما» الكاف جارة لقول محذوف «ما» تعجبية ، وهى نكرة تامة مبتدأ ، وسوغ الابتداء بها ما فيها من معنى التعجب «كان» زائدة «أصح» فعل ماض فعل تعجب ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو يعود على ما التعجبية «علم» مفعول به لأصح ، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول فى محل رفع خبر المبتدأ ، وعلم مضاف و «من» اسم موصول مضاف إليه «تقدما» فعل ماض ، والألف للاطلاق ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة ، والجملة من تقدم وفاعله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.


وفعل التعجب ، نحو «ما كان أصحّ علم من تقدّما (١)» ولا تزاد فى غيره إلا سماعا.

وقد سمعت زيادتها بين الفعل ومرفوعه ، كقولهم (٢) : ولدت فاطمة بنت الخرشبّ الأنمارية الكملة من بنى عبس لم يوجد كان أفضل منهم.

و [قد] سمع أيضا زيادتها بين الصفة والموصوف كقوله :

(٦٩) ـ

فكيف إذا مررت بدار قوم

وجيران لنا كانوا كرام

__________________

(١) مما ورد من زيادتها بين «ما» التعجبية وفعل التعجب قول الشاعر :

لله درّ أنو شروان من رجل

ما كان أعرفه بالدّون والسّفل

ونظيره قول الحماسى (انظر شرح التبريزى ٣ / ٢٢ بتحقيقنا) :

أبا خالد ما كان أوهى مصيبة

أصابت معدّا يوم أصبحت ثاويا

وقول امرىء القيس بن حجر الكندى (وهو الشاهد رقم ٢٤٩ الآتى فى هذا الكتاب) :

أرى أمّ عمرو دمعها قد تحدّرا

بكاء على عمرو ، وما كان أصبرا

إذا قدرت الكلام وما كان أصبرها ، وقول عروة ابن أذينة :

ما كان أحسن فيك العيش مؤتنفا

غضّا ، وأطيب فى آصالك الأصلا

(٢) قائل هذا الكلام هو قيس بن غالب ، فى فاطمة بنت الخرشب ، من بنى أنمار ابن بغيض بن ريث بن غطفان ، وأولادها هم : أنس الفوارس ، وعمارة الوهاب ، وقيس الحفاظ وربيع الكامل ، وأبوهم زياد العبسى ، وكان كل واحد منهم نادرة أقرانه شجاعة وبسالة ورفعة شأن.

٦٩ ـ البيت للفرزدق ، من قصيدة له يمدح فيها هشام بن عبد الملك ـ وقيل : يمدح سليمان بن عبد الملك ـ وقد أنشده سيبويه (ج ١ ص ١٨٩) ببعض تغيير.

الإعراب : «كيف» اسم استفهام أشرب معنى التعجب ، وهو مبنى على الفتح فى


..................................................................................

__________________

محل نصب حال من فاعل هو ضمير مستتر فى فعل محذوف ، وتقدير الكلام : كيف أكون ، مثلا «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان «مررت» فعل وفاعل ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «بدار» جار ومجرور متعلق بمررت ، ودار مضاف و «قوم» مضاف إليه «وجيران» معطوف على دار قوم «لنا» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لجيران «كانوا» زائدة ـ وستعرف ما فيه ـ «كرام» صفة لجيران مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة فى آخره.

الشاهد فيه : قوله «وجيران لنا كانوا كرام» حيث زيدت «كانوا» بين الصفة وهى قوله «كرام» والموصوف وهو قوله «جيران».

هذا مقتضى كلام الشارح العلامة ، وهو ما ذهب إليه إمام النحاة سيبويه ، لكن قال ابن هشام فى توضيحه : إن شرط زيادة «كان» أن تكون وحدها ؛ فلا تزاد مع اسمها ، وأنكر زيادتها فى هذا البيت ، وهو تابع فى هذا الكلام لأبى العباس محمد بن يزيد المبرد ؛ فإنه منع زيادة كان فى هذا البيت ، على زعمه أنها إنما تزاد مفردة لا اسم لها ولا خبر ، وخرج هذا البيت على أن قوله «لنا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان مقدم عليها ، والواو المتصلة بها اسمها ، وغاية ما فى الباب أن الشاعر فصل بين الصفة وموصوفها بجملة كاملة من كان واسمها وخبرها ، وقدم خبر كان على اسمها ، وتقدير الكلام ـ على هذا ـ وجيران كرام كانوا لنا.

والذى ذهب إليه سيبويه أولى بالرعاية ؛ لأن اتصالها باسمها لا يمنع من زيادتها ، ألا ترى أنهم يلغون ظننت» متأخرة ومتوسطة ، ولا يمنعهم إسنادها إلى اسمها من إلغائها ، ثم المصير إلى تقديم خبر «كان» عليها والفصل بين الصفة وموصوفها عدول عما هو أصل إلى شىء غيره.

قال سيبويه : «وقال الخليل : إن من أفضلهم كان زيدا ، على إلغاء كان ، وشبهه بقوله الشاعر :

* وجيران لنا كانوا كرام*» اه

وقال الأعلم : «الشاهد فيه إلغاء كان وزيادتها توكيدا وتبيينا لمعنى المضى ، والتقدير وجيران لنا كرام كانوا كذلك» اه.


وشذّ زيادتها بين حرف الجر ومجروره ، كقوله :

(٧٠) ـ

سراة بنى أبى بكر تسامى

على كان المسوّمة العراب

__________________

هذا ، ومن شواهد زيادة «كان» بين الصفة وموصوفها ـ من غير أن تكون متصلة باسمها ـ قول جابر الكلابى (وانظر معجم البلدان مادة كتيفة) :

وماؤ كما العذب الّذى لو شربته

شفاء لنفس كان طال اعتلالها

فإن جملة «طال اعتلالها» فى محل جر صفة لنفس ، وقد زاد بينهما «كان».

٧٠ ـ أنشد الفراء هذا البيت ، ولم ينسبه إلى قائل ؛ ولم يعرف العلماء له قائلا ، ويروى المصراع الأول منه :

* جياد بنى أبى بكر تسامى*

اللغة : «سراة» جمع سرى ، وهو جمع عزيز ؛ فإنه يندر جمع فعيل على فعلة ، والجياد : جمع جواد ، وهو الفرس النفيس «تسامى» أصله تتسامى ـ بتاءين ـ فحذف إحداهما تخفيفا «المسومة» الخيل التى جعلت لها علامة ثم تركت فى المرعى «العراب» هى خلاف البراذين والبخاتى ، ويروى :

* على كان المطهّمة الصّلاب*

والمطهمة : البارعة التامة فى كل شىء ، والصلاب : جمع صلب ، وهو القوى الشديد.

المعنى : من رواه «سراة بنى أبى بكر ـ إلخ» فمعناه : إن سادات بنى أبى بكر يركبون الخيول العربية التى جعلت لها علامة تتميز بها عما عداها من الخيول.

ومن رواه «جياد بنى أبى بكر ـ إلخ» فمعناه : إن خيول بنى أبى بكر لتسمو قيمتها ويرتفع شأنها على جميع ما عداها من الخيول العربية ، يريد أن جيادهم أفضل الجياد وأعلاها.

الإعراب : «جياد» مبتدأ ، وجياد مضاف ، و «بنى» مضاف إليه ، وبنى مضاف و «أبى» مضاف إليه ، وأبى مضاف ، و «بكر» مضاف إليه «تسامى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى جياد ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «على» حرف جر «كان» زائدة «المسومة» مجرور بعلى «العراب» نعت للمسومة ، والجار والمجرور متعلق بقوله تسامى.


وأكثر ما تزاد بلفظ الماضى ، وقد شذّت زيادتها بلفظ المضارع فى قول أمّ عقيل بن أبى طالب :

(٧١) ـ

أنت تكون ماجد نبيل

إذا تهبّ شمأل بليل

__________________

الشاهد فيه : قوله «على كان المسومة» حيث زاد «كان» بين الجار والمجرور ، ودليل زيادتها أن حذفها لا يخل بالمعنى.

٧١ ـ البيت ـ كما قال الشارح ـ لأم عقيل بن أبى طالب ، وهى فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهى زوج أبى طالب بن عبد المطلب عم النبى صلى الله عليه وسلم وأبى أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه ، تقوله وهى ترقص ابنها عقيلا ، ويروى بيت الشاهد مع ما قبله هكذا :

إنّ عقيلا كاسمه عقيل

وبيبى الملفّف المحمول

أنت تكون السّيّد النّبيل

إذا تهبّ شمأل بليل

* يعطى رجال الحىّ أو ينيل*

اللغة : «ماجد» كريم «نبيل» فاضل شريف «تهب» مضارع هبت الريح هبوبا وهبيبا ، إذا هاجت «شمأل» هى ريح تهب من ناحية القطب «بليل» رطبة ندية.

الإعراب : «أنت» ضمير منفصل مبتدأ «تكون» زائدة «ماجد» خبر المبتدأ «نبيل» صفة لماجد «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان «تهب» فعل مضارع «شمأل» فاعل تهب «بليل» نعت لشمأل ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل جر بإضافة «إذا» إليها ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام ، والتقدير : إذا تهب شمأل بليل فأنت ماجد نبيل حينئذ.

الشاهد فيه : قولها «أنت تكون ماجد» حيث زادت المضارع من «كان» بين المبتدأ وخبره ، والثابت زيادته إنما هو الماضى دون المضارع ؛ لأن الماضى لما كان مبنيا أشبه الحرف ، وقد علمنا أن الحروف تقع زائدة ، كالباء ، وقد زيدت الباء فى المبتدأ فى نحو «بحسبك درهم» وزيدت فى خبر ليس فى نحو قوله تعالى (أَلَيْسَ اللهُ


ويحذفونها ويبقون الخبر

وبعد إن ولو كثيرا ذا اشتهر (١)

تحذف «كان» مع اسمها ويبقى خبرها كثيرا بعد إن ، كقوله :

__________________

بِكافٍ عَبْدَهُ) ونحو ذلك ؛ فأما المضارع فهو معرب ، فلم يشبه الحرف ، بل أشبه الاسم ؛ فتحصن بذلك عن أن يزاد ، كما أن الأسماء لا تزاد إلا شذوذا ، وهذا إيضاح كلام الشارح وتخريج كلامه وتعليله.

والقول بزيادة «تكون» شذوذا فى هذا البيت قول ابن الناظم وابن هشام وتبعهما من جاء بعدهما من شراح الألفية ، وهما تابعان فى ذلك لابن السيد وأبى البقاء.

ومما استدل به على زيادة «تكون» بلفظ المضارع قول حسان بن ثابت :

كأنه سبيئة من بيت رأس

يكون مزاجها عسل وماء

روياه برفع «مزاجها عسل وماء» على أنها جملة من مبتدأ وخبر فى محل رفع صفة لسبيئة وزعما أن «يكون» زائدة.

والرد على ذلك أن الرواية بنصب «مزاجها» على أنه خبر يكون مقدما ، ورفع «عسل وماء» على أنه اسم يكون مؤخر ، ولئن سلمنا رواية رفعهما فليس يلزم عليها زيادة يكون ، بل هى عاملة ، واسمها ضمير شأن محذوف ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل نصب خبرها.

وكذلك بيت الشاهد ، ليست «تكون» فيه زائدة ، بل هى عاملة ، واسمها ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وخبرها محذوف ، والجملة لا محل لها معترضة بين المبتدأ وخبره ، والتقدير : أنت ماجد نبيل تكونه.

(١) «يحذفونها» فعل مضارع ، وواو الجماعة فاعله ، وها العائد على كان مفعول به «ويبقون» الواو حرف عطف ، يبقون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، وواو الجماعة فاعله «الخبر» مفعول به ليبقون «وبعد» ظرف متعلق بقوله اشتهر الآتى ، وبعد مضاف و «إن» قصد لفظه مضاف إليه «ولو» معطوف على إن «كثيرا» حال من الضمير المستتر فى اشتهر «ذا» اسم إشارة مبتدأ «اشتهر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى «ذا» الواقع مبتدأ ، والجملة من اشتهر وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.


(٧٢) ـ

قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا

فما اعتذارك من قول إذا قيلا؟

__________________

٧٢ ـ البيت للنعمان بن المنذر ملك العرب فى الحيرة ، من أبيات يقولها فى الربيع ابن زياد العبسى ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ١٣١) ونسب فى الكتاب لشاعر يقوله للنعمان ، ولم يتعرض الأعلم فى شرح شواهده إلى نسبته بشىء ، والمشهور ما ذكرنا أولا من أن قائله هو النعمان بن المنذر نفسه فى قصة مشهورة تذكر فى أخبار لبيد.

الإعراب : «قد» حرف تحقيق «قيل» فعل ماض مبنى للمجهول «ما» اسم موصول نائب فاعل «قيل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «إن» شرطية «صدقا» خبر لكان المحذوفة مع اسمها ، والتقدير «إن كان المقول صدقا» «وإن كذبا» مثل قوله «إن صدقا» وكان المحذوفة فى الموضعين فعل الشرط ، وجواب الشرط محذوف فى الموضعين لدلالة سابق الكلام عليه «فما» اسم الاستفهام مبتدأ «اعتذارك» اعتذار : خبر المبتدأ ، واعتذار مضاف والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه «من قول» جار ومجرور متعلق باعتذار «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «قيلا» فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قول ، والجملة فى محل جر بإضافة إذا إليها ، وجواب «إذا» محذوف يدل عليه سابق الكلام ، وتقديره : إذا قيل قول فما اعتذارك منه.

الشاهد فيه : قوله «إن صدقا ، وإن كذبا» حيث حذف «كان» مع اسمها وأبقى خبرها بعد «إن» الشرطية ، وذلك كثير شائع مستساغ ، ومثله قول ليلى الأخيلة (انظره فى أمالى القالى ١ / ٢٤٨ ثم انظر اعتراضا عليه فى التنبيه ٨٨) :

لا تقربنّ الدّهر آل مطرّف

إن ظالما ـ أبدا ـ وإن مظلوما

وقول النابغة الذبيانى :

حدبت علىّ بطون ضنّة كلّها

إن ظالما فيهم وإن مظلوما

وقول ابن همام السلولى :

وأحضرت عذرى عليه الشّهو

د إن عاذرا لى وإن تاركا


التقدير : «إن كان المقول صدقا ، وإن كان المقول كذبا» وبعد لو (١) ، كقولك : «ائتنى بدابّة ولو حمارا» أى : «ولو كان الماتىّ به حمارا».

وقد شذّ حذفها بعد لدن ، كقوله :

(٧٣) ـ

* من لد شولا فإلى إتلائها*

[التقدير : من لد أن كانت شولا].

__________________

وكذا يكثر حذفها مع اسمها بعد «لو» كما قرره الشارح العلامة ، وعليه قول الشاعر :

لا يأمن الدهر ذو بغى ولو ملكا

جنوده ضاق عنها السّهل والجبل

(١) ومن ذلك ما ورد فى الحديث من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «التمس ولو خاتما من حديد» التقدير : ولو كان ملتمسك خاتما من حديد ، والبيت الذى أنشدناه فى آخر شرح الشاهد رقم ٧٢.

٧٣ ـ هذا كلام تقوله العرب ، ويجرى بينها مجرى المثل ، وهو يوافق بيتا من مشطور الرجز ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ١٣٤) ولم يتعرض أحد من شراحه إلى نسبته لقائله بشىء.

اللغة : «شولا» قيل : هو مصدر «شالت الناقة بذنبها» أى رفعته للضراب ، وقيل : هو اسم جمع لشائلة ـ على غير قياس ـ والشائلة : الناقة التى خف لبنها وارتفع ضرعها «إتلائها» مصدر «أتلت الناقة» إذا تبعها ولدها ،

الإعراب : «من لد» جار ومجرور متعلق بمحذوف ، والتقدير : ربيتها من لد ـ مثلا «شولا» خبر لكان المحذوفة مع اسمها ، والتقدير «من لد أن كانت الناقة شولا» «فإلى» الفاء حرف عطف ، وإلى : حرف جر «إتلائها» إتلاء : مجرور بإلى ، وإتلاء مضاف وها مضاف إليه ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف معطوف بالفاء على متعلق الجار والمجرور الأول ، وتقدير الكلام : رببت هذه الناقة من لد كانت شولا فاستمر ذلك إلى إتلائها.


وبعد «أن» تعويض «ما» عنها ارتكب

كمثل «أمّا أنت برّا فاقترب» (١)

ذكر فى هذا البيت أن «كان» تحذف بعد «أن» المصدرية ويعوّض عنها «ما» ويبقى اسمها وخبرها ، نحو «أمّا أنت برّا فاقترب» والأصل «أن كنت برّا فاقترب» فحذفت «كان» فانفصل الضمير المتصل بها وهو التاء ، فصار «أن أنت برّا» ثم أتى بـ «ما» عوضا عن «كان» ، فصار

__________________

الشاهد فيه : قوله «من لد شولا» حيث حذف «كان» واسمها وأبقى خبرها وهو «شولا» بعد لد ، وهذا شاذ ؛ لأنه إنما يكثر هذا الحذف بعد «إن ، ولو» كما سبق ، هذا بيان كلام الشارح العلامة وأكثر النحويين ، وهو المستفاد من ظاهر كلام سيبويه.

وفى الكلام توجيه آخر ، وهو أن يكون قولهم «شولا» مفعولا مطلقا لفعل محذوف ، والتقدير «من لد شالت الناقة شولا» وبعض النحويين يذكر فيه إعرابا ثالثا وهو أن يكون نصب «شولا» على التمييز أو التشبيه بالمفعول به ، كما ينتصب لفظ «غدوة» بعد «لدن» وعلى هذين التوجيهين لا يكون فى الكلام شاهد لما نحن فيه ، وراجع هذه المسألة وشرح هذا الشاهد فى شرحنا على شرح أبى الحسن الأشمونى فى (ج ١ ص ٣٨٦ الشاهد رقم ٢٠٦) تظفر ببحث ضاف واف.

(١) «وبعد» ظرف متعلق بقوله «ارتكب» الآتى ، وبعد مضاف ، و «أن» قصد لفظه : مضاف إليه «تعويض» مبتدأ ، وتعويض مضاف ، و «ما» قصد لفظه : مضاف إليه «عنها» جار ومجرور متعلق بتعويض «ارتكب» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تعويض ، والجملة من ارتكب ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، «كمثل» الكاف زائدة ، مثل : خبر لمبتدأ محذوف «أما» هى أن المصدرية المدغمة فى ما الزائدة المعوض بها عن كان المحذوفة «أنت» اسم كان المحذوفة «برا» خبر كان المحذوفة «فاقترب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.


«أن ما أنت برّا» [ثم أدغمت النون فى الميم ، فصار «أمّا أنت برّا»] ، ومثله قول الشاعر :

(٧٤) ـ

أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر

فإنّ قومى لم تأكلهم الضّبع

__________________

٧٤ ـ البيت للعباس بن مرداس يخاطب خفاف بن ندبة أبا خراشة ، وهو من شواهد سيبويه (ج ١ ص ١٤٨) وخفاف ـ بزنة غراب ـ شاعر مشهور ، وقارس مذكور ، من فرسان قيس ، وهو ابن عم صخر ومعاوية وأحتهما الخنساء الشاعرة المشهورة ، وندبة ـ بضم النون أو فتحها ـ أمه ، واسم أبيه عمير.

اللغة : «ذا نفر» يريد ذا قوم تعتز بهم وجماعة تمتلئ بهم فخرا «الضبع» أصله الحيوان المعروف ، ثم استعملوه فى السنة الشديدة المجدبة ، قال حمزة الأصفهانى : إن الضبع إذا وقعت فى غنم عاثت ، ولم تكتف من الفساد بما يكتفى به الذئب ، ومن إفسادها وإسرافها فيه استعارت العرب اسمها للسنة المجدبة ، فقالوا : أكلتنا الضبع.

المعنى : يا أبا خراشة ، إن كنت كثير القوم ، وكنت تعتز بجماعتك فإن قومى موفورون كثير والعدد لم تأكلهم السنة الشديدة المجدبة ، ولم يضعفهم الحرب ولم تنل منهم الأزمات

الإعراب : «أبا» منادى حذفت منه ياء النداء ، وأبا مضاف ، و «خراشة» مضاف إليه «أما» هى عبارة عن أن المصدرية المدغمة فى «ما» الزائدة النائبة عن «كان» المحذوفة «أنت» اسم لكان المحذوفة ، «ذا» خبر كان المحذوفة ، وذا مضاف و «نفر» مضاف إليه «فإن» الفاء تعليلية ، إن حرف توكيد ونصب «قومى» قوم اسم إن ، وقوم مضاف والياء ضمير المتكلم مضاف إليه «لم» حرف نفى وجزم وقلب «تأكلهم» تأكل : فعل مضارع مجزوم بلم والضمير مفعول به لتأكل «الضبع» فاعل تأكل ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر «إن».

الشاهد فيه : قوله «أما أنت ذا نفر» حيث حذف «كان» التى ترفع الاسم وتنصب الخبر ، وعوض عنها ما» الزائدة وأدغمها فى نون أن المصدرية وأبقى اسم «كان» وهو الضمير البارز المنفصل ، وخبرها وهو قوله «ذا نفر». وأصل الكلام عند البصريين : فخرت على لأن كنت ذا نفر ، فحذفت لام التعليل ومتعلقها ؛ فصار الكلام : أن كنت ذا نفر ، ثم حذفت كان لكثرة الاستعمال قصدا إلى التخفيف ، فانفصل الضمير الذى كان متصلا بكان لأنه لم يبق فى الكلام عامل يتصل به هذا الضمير


فأن : مصدرية ، وما : زائدة عوضا عن «كان» ، وأنت : اسم كان المحذوفة ، وذا نفر : خبرها ، ولا يجوز الجمع بين كان وما ؛ لكون «ما» عوضا عنها ، ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوّض ، وأجاز ذلك المبرد ، فيقول «أمّا كنت منطلقا انطلقت» (١).

ولم يسمع من لسان العرب حذف «كان» وتعويض «ما» عنها وإبقاء اسمها وخبرها إلا إذا كان اسمها ضمير مخاطب كما مثّل به المصنف ، ولم يسمع مع ضمير المتكلم ، نحو «أمّا أنا منطلقا انطلقت» والأصل «أن كنت منطلقا» ولا مع الظاهر ، نحو «أما زيد ذاهبا انطلقت» والقياس جوازهما كما جاز مع المخاطب ، والأصل «أن كان زيد ذاهبا انطلقت» وقد مثّل سيبويه رحمه الله فى كتابه بـ «أمّا زيد ذاهبا».

* * *

ومن مضارع لكان منجزم

تحذف نون ، وهو حذف ما التزم (٢)

__________________

ثم عوض من كان بما الزائدة ؛ فالتقى حرفان متقاربان ـ وهما نون أن المصدرية وميم ما الزائدة ـ فأدغمهما ؛ فصار الكلام : أما أنت ذا نفر.

هذا ، وقد روى ابن دريد وأبو حنيفة الدينورى فى مكان هذه العبارة «إما كنت ذا نفر وعلى روايتهما لا يكون فى البيت شاهد لما نحن فيه الآن.

ومن شواهد المسألة قول الشاعر :

إمّا أقمت وأمّا أنت مرتحلا

فالله يكلأ ما تأتى وما تذر

(١) ادعاء أنه لا يجوز الجمع بين العوض والمعوض منه لا يتم على الإطلاق ، بل قد جمعوا بينهما فى بعض الأحايين ؛ فهذا الحكم أغلبى ، ولهذا أجاز المبرد أن يقال «إما كنت منطلقا انطلقت».

(٢) «ومن مضارع» جار ومجرور متعلق بقوله «تحذف» الآتى «لكان»


إذا جزم الفعل المضارع من «كان» قيل : لم يكن ، والأصل يكون ، فحذف الجازم الضمة التى على النون ، فالتقى ساكنان : الواو ، والنون ؛ فحذف الواو لالتقاء الساكنين ؛ فصار اللفظ «لم يكن» والقياس يقتضى أن لا يحذف منه بعد ذلك شىء آخر ، لكنهم حذفوا النون بعد ذلك تخفيفا لكثرة الاستعمال (١) ؛ فقالوا : «لم يك» وهو حذف جائز ، لا لازم ، ومذهب سيبويه ومن تابعه أن هذه النون لا تحذف عند ملاقاة ساكن ؛ فلا تقول : «لم يك الرّجل قائما» وأجاز ذلك يونس ، وقد قرىء شاذّا (لم يك الّذين

__________________

جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لمضارع «منجزم» صفة ثانية لمضارع «تحذف» فعل مضارع مبنى للمجهول «نون» نائب فاعل تحذف «وهو» مبتدأ «حذف» خبر المبتدأ «ما» نافية «التزم» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذف ، والجملة من التزم ونائب الفاعل فى محل رفع صفة لحذف ، وتقدير البيت : وتحذف نون من مضارع منجزم آت من مصدر كان وهو حذف لم تلنزمه العرب ، يريد أنه جائز لا واجب.

(١) قد جاء هذا الحذف كثيرا جدا فى كلام العرب نثره ونظمه ؛ فمن أمثالهم «إن لم يك لحم فنفش» والنفش : الصوف ، ويروى «إن لم يكن» وهذه الرواية تدل على أن الحذف جائز لا واجب ، ومن شواهد ذلك قول علقمة الفحل :

ذهبت من الهجران فى كلّ مذهب

ولم يك حقّا كلّ هذا التّجنّب

وقول عروة بن الورد العبسى :

ومن يك مثلى ذا عيال ومقترا

يغرّر ويطرح نفسه كلّ مطرح

وقول مهلهل بن ربيعة يرثى أخاه كليب بن ربيعة :

فإن يك بالذّنائب طال ليلى

فقد أبكى من اللّيل القصير

وقول عميرة بن طارق اليربوعى :

وإن أك فى نجد ـ سقى الله أهله

بمنّانة منه! ـ فقلبى على قرب

وقول الحطيئة العبسى :

ألم أك جاركم ويكون بينى

وبينكم المودّة والإخاء


كفروا) وأما إذا لاقت متحركا فلا يخلو : إما أن يكون ذلك المتحرك ضميرا متصلا ، أولا ، فإن كان ضميرا متصلا لم تحذف النون اتفاقا ، كقوله صلّى الله عليه وسلم لعمر رضى الله عنه فى ابن صياد : «إن يكنه فلن تسلّط عليه ، وإلا يكنه فلا خير لك فى قتله» (١) ، فلا يجوز حذف النون ؛ فلا تقول : «إن يكه ، وإلّا يكه» ، وإن كان غير [ضمير] متصل جاز الحذف والإثبات ، نحو «لم يكن زيد قائما ، ولم يك زيد قائما» وظاهر كلام المصنف أنه لا فرق فى ذلك بين «كان» الناقصة والتامة ، وقد قرىء : (وإن تك حسنة يضاعفها) برفع حسنة وحذف النون ، وهذه هى التامة.

* * *

__________________

(١) روى هذا الحديث بهذه الألفاظ الإمام مسلم بن الحجاج فى باب ذكر ابن صياد من كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيحه. ورواه الإمام البخارى فى باب كيف يعرض الإسلام على الصبى من كتاب الجهاد من صحيحه ، ورواه الإمام أحمد بن حنبل فى مسنده (رقم ٦٣٦) بلفظ «إن يكن هو ، وإن لا يكن هو».


فصل فى ما ولا ولات وإن المشبّهات بليس

إعمال «ليس» أعملت «ما» دون «إن»

مع بقا النّفى ، وترتيب زكن (١)

وسبق حرف جرّ أو ظرف كـ «ما

بى أنت معنيّا» أجاز العلما (٢)

تقدّم فى أول باب «كان» وأخواتها أن نواسخ الابتداء تنقسم إلى أفعال

__________________

(١) «إعمال» مفعول مطلق منصوب بقوله «أعملت» الآتى ، وإعمال مضاف و «ليس» قصد لفظه : مضاف إليه «أعملت» أعمل : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء تاء التأنيث «ما» قصد لفظه : نائب فاعل أعملت «دون» ظرف متعلق بمحذوف حال من «ما» ودون مضاف ، وقوله «إن» قصد لفظه : مضاف إليه «مع» ظرف متعلق بمحذوف حال من «ما» أيضا ، ومع مضاف ، و «بقا» مقصور من ممدود للضرورة : مضاف إليه ، وبقا مضاف ، و «النفى» مضاف إليه «وترتيب» معطوف على «بقا» السابق «زكن» فعل ماض مبنى للمجهول. ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ترتيب ، والجملة من زكن ونائب فاعله فى محل جر صفة لترتيب ، وحاصل البيت : أعملت ما النافية إعمال ليس ، حال كونها غير مقترنة بإن الزائدة ، وحال كون نفيها باقيا ، وكون اسمها مقدما على خبرها.

(٢) «وسبق» مفعول به مقدم على عامله وهو قوله «أجاز» الآتى ، وسبق مضاف ، و «حرف» مضاف إليه ، وحرف مضاف ، و «جر» مضاف إليه «أو ظرف» معطوف على حرف جر «كما» الكاف جارة لقول محذوف ، ما : نافية حجازية «بى» جار ومجرور متعلق بقوله معنيا الآتى «أنت» اسم ما «معنيا» خبر ما منصوب بالفتحة الظاهرة «أجاز» فعل ماض «العلما» مقصور من ممدود ضرورة : فاعل أجاز.

وحاصل البيت : وأجاز النحاة العالمون بما يتكلم العرب به تقدم معمول الخبر على اسم ما ، بشرط أن يكون ذلك المعمول جارا ومجرورا أو ظرفا ؛ لأنه يتوسع فيهما ما لا يتوسع فى غيرهما ، وذلك نحو «ما بى أنت معنيا» أصله ما أنت معنيا بى ، تقدم الجار والمجرور على الاسم مع بقاء الخبر مؤخرا عن الاسم ، ومعنى : هو الوصف من «عنى فلان بفلان» ـ بالبناء للمجهول ـ إذا اهتم بأمره.


وحروف ، وسبق الكلام على «كان» وأخواتها ، وهى من الأفعال الناسخة ، وسيأتى الكلام على الباقى ، وذكر المصنف فى هذا الفصل من الحروف [الناسخة] قسما يعمل عمل «كان» وهو : ما ، ولا ، ولات ، وإن.

أما «ما» فلغة بنى تميم أنها لا تعمل شيئا ؛ فتقول : «ما زيد قائم» فزيد : مرفوع بالابتداء ، وقائم : خبره ، ولا عمل لما فى شىء منهما ؛ وذلك لأن «ما» حرف لا يختصّ ؛ لدخوله على الاسم نحو : «ما زيد قائم» وعلى الفعل نحو : «ما يقوم زيد» وما لا يختص فحقه ألّا يعمل ، ولغة أهل الحجاز إعمالها كعمل «ليس» لشبهها بها فى أنها لنفى الحال عند الإطلاق ؛ فيرفعون بها الاسم ، وينصبون بها الخبر ، نحو : «ما زيد قائما» قال الله تعالى (ما هذا بَشَراً) وقال تعالى : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) وقال الشاعر :

(٧٥) ـ

أبناؤها متكنّفون أباهم

حنقو الصّدور ، وما هم أولادها

__________________

٧٥ ـ البيت من الشواهد التى لا يعرف قائلها ؛ وقد أنشده أبو على ولم ينسبه ، وقبله قوله :

وأنا النّذير بحرّة مسودّة

تصل الجيوش إليكم أقوادها

اللغة : «النذير» المعلم الذى يخوف القوم بما يدهمهم من عدو ونحوه «بحرة» أصله الأرض ذات الحجارة السود ، وأراد منه هنا الكتيبة السوداء لكثرة ما تحمل من الحديد «أقوادها جمع قود ، وهى الجماعة من الخيل «أبناؤها» أى أبناء هذه الكتيبة التى ينذرهم بها ، وأراد رجالها ، وأباهم : القائد «متكنفون» أى : قد احتاطوا به ، والتفوا حوله ، ويروى «متكنفو آبائهم» بالإضافة.

الإعراب : «أبناؤها» أبناء : مبتدأ ، وأبناء مضاف وضمير الغائبة العائد إلى الحرة مضاف إليه «متكنفون» خبر المبتدأ «أباهم» أبا : مفعول به لقوله «متكنفون» لأنه جمع اسم فاعل ، وأبا مضاف وضمير الغائبين مضاف إليه «حنقو» خبر ثان ، وحنقو مضاف ، و «الصدور» مضاف إليه «وما» نافية حجازية «هم» اسم ما مبنى


لكن لا تعمل عندهم إلا بشروط ستة ، ذكر المصنف منها أربعة :

الأول : ألّا يزاد بعدها «إن» فإن زيدت بطل عملها ، نحو : «ما إن زيد قائم» برفع قائم ، ولا يجوز نصبه ، وأجاز ذلك بعضهم (١).

الثانى : ألا ينتقص النّفى بإلّا ، نحو : «ما زيد إلّا قائم» ؛ فلا يجوز نصب «قائم» و [كقوله تعالى : (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) وقوله : (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ)] خلافا لمن أجازه (٢).

__________________

على الضم فى محل رفع «أولادها» أولاد : خبر «ما» منصوب بالفتحة الظاهرة ، وأولاد مضاف وها ضمير الحرة مضاف إليه

الشاهد فيه : قوله «وما هم أولادها» حيث أعمل «ما» النافية عمل «ليس» فرفع بها الاسم محلا ، ونصب خبرها لفظا ، وذلك لغة أهل الحجاز.

(١) أجاز يعقوب بن السكيت ، إعمال «ما» عمل ليس مع زيادة «إن» بعدها واستدل على ذلك بقول الشاعر :

بنى غدانة ما إن أنتم ذهبا

ولا صريفا ، ولكن أنتم الخزف

وزعم أن الرواية بالنصب ، وأن «ما» نافية ، و «أنتم» اسمها ، و «ذهبا» خبرها ، وجمهور العلماء يروونه «ما إن أنتم ذهب» بالرفع على إهمال «ما» ، ومع تسليم صحة الرواية بالنصب فإنا لا نسلم أن «إن» زائدة ، ولكنها نافية مؤكدة لنفى ما.

(٢) ذهب يونس بن حبيب شيخ سيبويه ـ وتبعه الشلوبين ـ إلى أنه يجوز إعمال «ما» عمل ليس مع انتقاض نفى خبرها بإلا ، وقد استدل على ذلك بقول الشاعر :

وما الدهر إلّا منجنونا بأهله

وما صاحب الحاجات إلا معذّبا

فزعم أن «ما» نافية ، و «الدهر» اسمها ، و «منجنونا» خبرها ، وأن «ما» فى الشطر الثانى نافية كذلك ، و «صاحب الحاجات» اسمها ، و «معذبا» خبرها ، وبقول الشاعر :

وما حقّ الّذى بعثو نهارا

ويسرق ليله إلّا نكالا


الثالث : ألّا يتقدم خبرها على اسمها وهو غير ظرف ولا جار ومجرور ؛ فإن تقدّم وجب رفعه ، نحو : «ما قائم زيد» ؛ فلا تقول : «ما قائما زيد» وفى ذلك خلاف (١).

__________________

فما : نافية ، وحق : اسمها ، ونكالا : خبرها ، وقد جاء به منصوبا مع كونه مسبوقا بإلا.

وجمهور البصريين لا يقبلون دلالة هذه الشواهد ، ويؤولونها ، فمما أولوا به البيت الأول أن «منجنونا» مفعول به لفعل محذوف ، والتقدير : وما الدهر إلا يشبه منجنونا ، وجملة الفعل وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، وكذلك قوله «معذبا» فى الشطر الثانى : أى وما صاحب الحاجات إلا يشبه معذبا ، وبعضهم يقول : منجنونا مفعول مطلق لفعل محذوف على تقدير مضاف ، ومعذبا ليس اسم مفعول ، بل هو مصدر ميمى بمعنى التعذيب ، فهو أيضا مفعول مطلق لفعل محذوف ، ونكالا فى البيت الثانى اسم مصدر ؛ فهو كذلك مفعول مطلق لفعل محذوف ، والتقدير : وما الدهر إلا يدور دوران منجنون ، وما صاحب الحاجات إلا يعذب معذبا أى تعذيبا ، وما حق الذى يفسد إلا ينكل به نكالا أى تنكيلا ، وهذه الجمل الفعلية كلها فى محل رفع أخبار للمبتدآت الواقعة بعد ما النافية فى المواضع الثلاثة.

(١) ذهب بعض النحاة إلى أنه يجوز إعمال ما إعمال ليس مع تقدم خبرها على اسمها ، واستدل على ذلك بقول الفرزدق :

فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم

إذ هم قريش ، وإذ ما مثلهم بشر

قالوا : ما نافية عاملة عمل ليس ، ومثل : خبرها مقدم منصوب ، والضمير مضاف إليه ، وبشر : اسمها تأخر عن خبرها ، وزعموا أن الرواية بنصب مثل.

والجمهور يأبون ذلك ، ولا يقرون هذا الاستشهاد ، ولهم فى الرد على هذا البيت ثلاثة أوجه :

الأول : إنكار أن الرواية بنصب مثل ، بل الرواية عندهم برفعه على أنه خبر مقدم ، وبشر : مبتدأ مؤخر.

والثانى : أنه على فرض تسليم نصب «مثل» فإن الشاعر قد أخطأ فى هذا ،


فإن كان ظرفا أو جارا ومجرورا فقدمته فقلت : «ما فى الدار زيد» ، و «ما عندك عمرو» فاختلف الناس فى «ما» حينئذ : هل هى عاملة أم لا؟ فمن جعلها عاملة قال : إن الظرف والجار والمجرور فى موضع نصب بها ، ومن لم يجعلها عاملة قال : إنهما فى موضع رفع على أنهما خبران للمبتدأ الذى بعدهما ، وهذا الثانى هو ظاهر كلام المصنف ؛ فإنه شرط فى إعمالها أن يكون المبتدأ والخبر بعد «ما» على الترتيب الذى زكن ، وهذا هو المراد بقوله : «وترتيب زكن» أى : علم ، ويعنى به أن يكون المبتدأ مقدّما والخبر مؤخرا ، ومقتضاه أنه متى تقدّم الخبر لا تعمل «ما» شيئا ، سواء كان الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا ، أو غير ذلك ، وقد صرّح بهذا فى غير هذا الكتاب.

الشرط الرابع : ألّا يتقدم معمول الخبر على الاسم وهو غير ظرف ولا جار ومجرور ؛ فإن تقدم بطل عملها ، نحو : «ما طعامك زيد آكل» فلا يجوز نصب «آكل» ومن أجاز بقاء العمل مع تقدم الخبر يجيز بقاء العمل مع تقدم المعمول بطريق الأولى ؛ لتأخر الخبر ، وقد يقال : لا يلزم ذلك ؛ لما فى

__________________

والسر فى ذلك الخطأ أنه تميمى ، وأراد أن يتكلم بلغة أهل الحجاز ، فلم يعرف أنهم لا يعملون «ما» إذا تقدم الخبر على الاسم ، ولعله وجد خبر ليس قد جاء متقدما على اسمها ، فتوهم أن ما ـ لكونها بمعنى لبس ـ تعطى حكمها ، ولم يلتفت إلى أن «ما» فرع عن ليس فى العمل ، وأن الفرع ليس فى قوة الأصل.

والثالث : سلمنا أن الرواية كما يذكرون ، وأن الشاعر لم يخطىء. ولكنا لا نسلم أن «مثل» منصوب ، بل هو مبنى على الفتح فى محل رفع خبر مقدم ، وبشر : مبتدأ مؤخر ، وإنما بنيت «مثل» لأنها اكتسبت البناء من المضاف إليه ، وجاز ذلك البناء ولم يجب ، ولهذا شواهد كثيرة منها قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) فمثل فى هذه الآية الكريمة صفة لحق مع أن حقا مرفوع ومثل مفتوح ؛ فوجب أن يكون مبنيا على الفتح فى محل رفع.


الإعمال مع تقدّم المعمول من الفصل بين الحرف ومعموله ، وهذا غير موجود مع تقدم الخبر.

فإن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا لم يبطل عملها ، نحو : «ما عندك زيد مقيما ، وما بى أنت معنيّا» ؛ لأن الظروف والمجرورات يتوسّع فيها ما لا يتوسع فى غيرها.

وهذا الشرط مفهوم من كلام المصنف ؛ لتخصيصه جواز تقديم معمول الخبر بما إذا كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا.

الشرط الخامس : ألّا تتكرر «ما» ؛ فإن تكررت بطل عملها ، نحو : «ما ما زيد قائم» [فالأولى نافية ، والثانية نفت النفى ؛ فبقى إثباتا] فلا يجوز نصب «قائم» وأجازه بعضهم (١).

الشرط السادس : ألّا يبدل من خبرها موجب ، فإن أبدل بطل عملها ، نحو : «ما زيد بشىء إلا شىء لا يعبأ به» فبشىء : فى موضع رفع خبر عن المبتدأ الذى

__________________

(١) إذا رأيت «ما» متكررة فى كلام فالثانية : إما أن تكون نافية لنفى الأولى ، وإما أن تكون نافية مؤكدة لنفى الأولى ، وإما أن تكون زائدة ، فإذا كانت الثانية نافية لنفى الأولى صار الكلام إثباتا ؛ لأن نفى النفى إثبات ، ووجب إهمالهما جميعا ، وإذا كانت الثانية زائدة وجب إهمال الأولى أيضا عند من يهمل «ما» إذا اقترنت بها «إن» الزائدة ، وإن كانت «ما» الأولى نافية والثانية مؤكدة لنفى الأولى جاز لك حينئذ الإعمال ، وعلى هذا ورد قول الراجز :

لا ينسك الأسى تأسّيا ، فما

ما من حمام أحد مستعصما

فما الأولى هنا : نافية ، والثانية مؤكدة لها ، وأحد : اسمها ، ومستعصما : خبرها ، ومن حمام : جار ومجرور متعلق بمستعصم ، وأصل الكلام : فما أحد مستعصما من حمام.

وبعد ؛ فإنه يجب أن يحمل كلام من أجاز إعمال «ما» عند تكررها على أنه اعتبر الثانية مؤكدة لنفى الأولى ؛ فيكون الخلاف فى هذا الموضوع غير حقيقى.


هو «زيد» ولا يجوز أن يكون فى موضع نصب خبرا عن «ما» ، وأجازه قوم ، وكلام سيبويه ـ رحمه الله تعالى! ـ فى هذه المسألة محتمل للقولين المذكورين ـ أعنى القول باشتراط ألّا يبدل من خبرها موجب ، والقول بعدم اشتراط ذلك ـ فإنه قال بعد ذكر المثال المذكور ـ وهو «ما زيد بشىء ، إلى آخره» ـ : استوت اللغتان ، يعنى لغة الحجاز ولغة تميم ، واختلف شرّاح الكتاب فيما يرجع إليه قوله : «استوت اللغتان» فقال قوم : هو راجع إلى الاسم الواقع قبل «إلّا» والمراد أنه لا عمل لـ «ما» فيه ، فاستوت اللغتان فى أنه مرفوع ، وهؤلاء هم الذين شرطوا فى إعمال «ما» ألا يبدل من خبرها موجب ، وقال قوم : هو راجع إلى الاسم الواقع بعد «إلا» ، والمراد أنه يكون مرفوعا (١) سواء جعلت «ما» حجازية ، أو تميمية ، وهؤلاء هم الذين لم يشترطوا فى إعمال «ما» ألا يبدل من خبرها موجب ، وتوجيه كل من القولين ، وترجيح المختار منهما ـ وهو الثانى ـ لا يليق بهذا المختصر.

* * *

ورفع معطوف بلكن أو ببل

من بعد منصوب بما الزم حيث حل (٢)

__________________

(١) ظاهر هذا الكلام لبس بسديد ، بل يجوز فى «شىء» الواقع بعد «إلا» الرفع والنصب ، أما النصب فعلى أحد وجهين : الأول الاستثناء ، سواء أعملت ما أم أهملتها ، الثانى على أنه بدل من شىء المجرور بالباء الزائدة بشرط أن تكون ما عاملة ، وأما الرفع فعلى أحد وجهين : الأول أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف ، وكأنه قيل : إلا هو شىء لا يعبأ به ، ولا فرق على هذا الوجه بين أن تكون ما عاملة ، أو مهملة ، والثانى أن يكون بدلا من شىء الأول بشرط أن تكون ما مهملة.

(٢) «ورفع» مفعول به مقدم على عامله ، وهو قوله «الزم» الآتى ، ورفع مضاف و «معطوف» مضاف إليه «لكن» جار ومجرور متعلق بمعطوف «أو ببل»


إذا وقع بعد خبر «ما» عاطف فلا يخلو : إما أن يكون مقتضيا للإيجاب ، أولا.

فإن كان مقتضيا للإيجاب تعين رفع الاسم الواقع بعده ـ وذلك نحو «بل ، ولكن» ـ فتقول : «ما زيد قائما لكن قاعد» أو «بل قاعد» ؛ فيجب رفع الاسم على أنه خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير «لكن هو قاعد ، وبل هو قاعد» ولا يجوز نصب «قاعد» عطفا على خبر «ما» ؛ لأن «ما» لا تعمل فى الموجب.

وإن كان الحرف العاطف غير مقتض للإيجاب ـ كالواو ونحوها ـ جاز النصب والرفع ، والمختار النصب ، نحو «ما زيد قائما ولا قاعدا» ويجوز الرفع ؛ فتقول : «ولا قاعد» وهو خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير «ولا هو قاعد».

ففهم من تخصيص المصنف وجوب الرفع بما إذا وقع الاسم بعد «بل ، ولكن» أنه لا يجب الرفع بعد غيرهما.

* * *

وبعد ما وليس جرّ البا الخبر

وبعد لا ونفى كان قد يجرّ (١)

__________________

معطوف على قوله «بلكن» السابق «من بعد» جار ومجرور متعلق برفع ، وبعد مضاف و «منصوب» مضاف إليه «بما» جار ومجرور متعلق بمنصوب «الزم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «حيث» ظرف متعلق بالزم ، مبنى على الضم فى محل نصب «حل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة من حل وفاعله فى محل جر بإضافة حيث إليها.

(١) «وبعد» ظرف متعلق بقوله «جر» الآتى ، وبعد مضاف ، و «ما» قصد لفظه : مضاف إليه «وليس» قصد لفظه أيضا : معطوف على ما «جر» فعل


تزاد الباء كثيرا فى الخبر بعد «ليس ، وما» نحو قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) و (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ) و (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) و (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ولا تختص زيادة الباء بعد «ما» بكونها حجازية خلافا لقوم ، بل تزاد بعدها وبعد التميمية ، وقد نقل سيبويه والفرّاء ـ رحمهما الله تعالى! ـ زيادة الباء بعد «ما» عن بنى تميم ؛ فلا التفات إلى من منع ذلك ، وهو موجود فى أشعارهم (١).

وقد اضطرب رأى الفارسىّ فى ذلك ؛ فمرة قال : لا تزاد الباء إلا بعد الحجازية ، ومرة قال : تزاد فى الخبر المنفى.

وقد وردت زيادة الباء قليلا فى خبر «لا» كقوله :

__________________

ماض «البا» قصر للضرورة : فاعل جر «الخبر» مفعول به لجر «وبعد» ظرف متعلق بقوله «يجر» الآتى ، وبعد مضاف ، و «لا» قصد لفظه : مضاف إليه «ونفى» معطوف على لا ، ونفى مضاف ، و «كان» قصد لفظه : مضاف إليه «قد» حرف تقليل «يجر» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر.

(١) من ذلك قول الفرزدق يمدح معن بن أوس ، والفرزدق تميمى كما قلنا لك آنفا (٣٠٥) :

لعمرك ما معن بتارك حفّه

ولا منسىء معن ولا متيسّر

ثم إن الباء قد دخلت فى خبر «ما» غير العاملة بسبب فقدان شرط من شروط عملها ، وذلك كما فى قول المتنخل الهذلى :

لعمرك ما إن أبو مالك

بواه ، ولا بضعيف قواه

فأبو مالك مبتدأ ، ولا عمل لما فيه ؛ لكونه قد جاء مسبوقا بإن الزائدة بعد ما؟ وقد أدخل الباء فى خبر هذا المبتدأ ـ وهو قوله «بواه» ـ فدل ذلك على أن كون «ما» عاملة أو حجازية ليس بشرط لدخول الباء على خبرها.


(٧٦) ـ

فكن لى شفيفا يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب

وفى خبر [مضارع] «كان» المنفية بـ «لم» كقوله :

(٧٧) ـ

وإن مدّت الأيدى إلى الزّاد لم أكن

بأعجلهم ؛ إذ أجشع القوم أعجل

__________________

٧٦ ـ البيت لسواد بن قارب الأسدى الدوسى ـ يخاطب فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، وقبله قوله :

فأشهد أنّ الله لا شىء غيره

وأنّك مأمون على كلّ غائب

وأنّك أدنى المرسلين وسيلة

إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب

فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل

وإن كان فيما جئت شيب الذّوائب

اللغة : «فتيلا» هو الخيط الرقيق الذى يكون فى شق النواة.

الإعراب : «فكن» فعل أمر ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لى» جار ومجرور متعلق بقوله «شفيعا» الآتى «شفيعا» خبر كان «يوم» منصوب على الظرفية الزمانية ناصبه قوله شفيعا «لا» نافية تعمل عمل ليس «ذو» اسمها مرفوع بالواو نيابة عن الضمة ، وذو مضاف ، و «شفاعة» مضاف إليه «بمغن» الباء زائدة ، مغن خبر لا ، وهو اسم فاعل ـ فعله متعد ـ يرفع فاعلا وينصب مفعولا ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، و «فتيلا» مفعوله «عن سواد» جار ومجرور متعلق بمغن «ابن» صفة لسواد ، وابن مضاف ، و «قارب» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «بمغن» حيث أدخل الباء الزائدة على خبر لا النافية كما تدخل على خبر ليس وعلى خبر ما.

٧٧ ـ البيت للشنفرى الأزدى ، وأكثر الرواة على أن اسمه هو لقبه ، والبيت من قصيدته المشهورة بين المتأدبين باسم «لامية العرب» وأولها قوله :

أقيمو بنى أمّى صدور مطيّسكم

فإنّى إلى قوم سواكم لأميل


فى النّكرات أعملت كليس «لا»

وقد تلى «لات» و «إن» ذا العملا (١)

__________________

اللغة : «أقيموا صدور مطيكم» هذه كناية عن طلب الاستعداد لعظائم الأمور والجد فى طلب المعالى ، يقول : جدوا فى أمركم وانتبهوا من رقدتكم «فإنى إلى قوم سواكم إلخ» يؤذن قومه بأنه مرتحل عنهم ومفارقهم ، وكأنه يقول! إن غفلتكم توجب الارتحال عنكم ، وإن ما أعاين من تراخيكم وإقراركم بالضيم لخليق بأن يزهدنى فى البقاء بينكم «أجشع القوم» الجشع ـ بالتحريك ـ أشد الطمع «أعجل» هو صفة مشبهة بمعنى عجل ، وليس أفعل تفضيل ، لأن المعنى يأباه ، إذ ليس مراده أن الأشد عجلة هو الجشع ، ولكن غرضه أن يقول : إن من يحدث منه مجرد العجلة إلى الطعام هو الجشع ، فافهم ذلك.

الإعراب : «إن» شرطية «مدت» مد : فعل ماض فعل الشرط ، مبنى للمجهول ، مبنى على الفتح فى محل جزم ، والتاء تاء التأنيث «الأيدى» نائب فاعل لمد «إلى الزاد» جار ومجرور متعلق بقوله «مدت» السابق «لم» حرف نفى وجزم وقلب «أكن» فعل مضارع ناقص ، وهو جواب الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «بأعجلهم» الباء زائدة ، أعجل : خبر أكن ، منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، وأعجل مضاف والضمير مضاف إليه «إذ» كلمة دالة على التعليل قيل : هى حينئذ حرف ، وقيل : هى ظرف ، وعليه فهو متعلق بقوله «أعجل» السابق ، و «أجشع» مبتدأ ، وأجشع مضاف ، و «القوم» مضاف إليه «أعجل» خبر المبتدأ.

الشاهد فيه : قوله «بأعجلهم» حيث أدخل الباء الزائدة على خبر مضارع كان المنفى بلم.

واستشهاد الشارح بهذا البيت يدل على أنه فهم أن مراد المصنف بقوله «نفى كان» نفى هذه المادة أعم من أن تكون بلفظ الماضى أو بلفظ المضارع ، وأعم من هذه العبارة التى فى الألفية قول المصنف فى كتابه التسهيل «وبعد نفى فعل ناسخ» ؛ لأن الفعل الناسخ يشمل كان وأخواتها ، وظن وأخواتها ، بأى صيغة كانت هذه الأفعال.

(١) «فى النكرات» جار ومجرور متعلق بقوله «أعملت» الآتى «أعملت» أعمل : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء للتأنيث «كليس» جار ومجرور متعلق


وما لـ «لات» فى سوى حين عمل

وحذف ذى الرّفع فشا ، والعكس قلّ (١)

تقدّم أن الحروف العاملة عمل «ليس» أربعة ، وقد تقدّم الكلام على «ما» وذكر هنا «لا» و «لات» و «إن».

أمّا «لا» فمذهب الحجازيين إعمالها عمل «ليس» ، ومذهب تميم إهمالها (٢)

__________________

بمحذوف حال من «لا» أو صفة لموصوف محذوف ، والتقدير : إعمالا مماثلا إعمال ليس «لا» قصد لفظه : نائب فاعل أعملت «وقد» حرف تقليل «تلى» فعل مضارع «لات» فاعل تلى «وإن» معطوف على لات «ذا» اسم إشارة مفعول به لتلى «العملا» بدل أو عطف بيان أو نعت لاسم الإشارة ، وتقدير البيت : أعملت فى النكرات «لا» إعمالا مماثلا لإعمال ليس ، وقد تلى لات وإن هذا العمل.

(١) «ما» نافية «للات» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «فى سوى» جار ومجرور متعلق بقوله عمل الآتى ، و «سوى» مضاف ، و «حين» مضاف إليه «عمل» مبتدأ مؤخر «وحذف» مبتدأ ، وحذف مضاف ، و «ذى» بمعنى صاحب : مضاف إليه ، وذى مضاف و «الرفع» مضاف إليه «فشا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذف ذى الرفع ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «والعكس» مبتدأ «قل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى العكس ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو العكس.

وتقدير البيت : وما للات عمل فى غير لفظ حين وما كان بمعناه ، وحذف صاحب الرفع من معموليها مع بقاء المنصوب فاش كثير ، والعكس ـ وهو حذف المنصوب وإبقاء المرفوع ـ قليل.

(٢) قال أبو حيان : «لم يصرح أحد بأن إعمال لا عمل ليس بالنسبة إلى لغة مخصوصة إلا صاحب المغرب ناصر المطرزى ، فإنه قال فيه : بنو تميم يهملونها ، وغيرهم يعملها ، وفى كلام الزمخشرى : أهل الحجاز يعملونهما دون طيىء ، وفى البسيط : القياس عند تميم عدم إعمالها ، ويحتمل أن يكونوا وافقوا أهل الحجاز على إعمالها» وانظر هذا مع كلام الشارح.


ولا تعمل عند الحجازيين إلا بشروط ثلاثة (١) :

أحدها : أن يكون الاسم والخبر نكرتين ، نحو «لا رجل أفضل منك» ، ومنه قوله :

(٧٨) ـ

تعزّ فلا شىء على الأرض باقيا

ولا وزر ممّا قضى الله واقيا

__________________

(١) وبقى من شروط إعمال «لا» عمل ليس شرطان ؛ أولهما : ألا تكون لنفى الجنس نصا ؛ فإن كانت لنففى الجنس نصا عملت عمل إن المؤكدة التى تنصب الاسم وترفع الخبر ، وبنى اسمها حينئذ على الفتح إن لم يكن مضافا ولا شبيها به ، والشرط الثانى : ألا يتقدم معمول الخبر على اسمها ، فإن تقدم نحو «لا عندك رجل مقيم ولا امرأة» أهملت.

٧٨ ـ هذا البيت من الشواهد التى لم يذكروا لها قائلا معينا.

اللغة : «تعز» أمر من التعزى ، وأصله من العزاء ، وهو التصبر والتسلى على المصائب «وزر» هو الملجأ ، والواقى ، والحافظ «واقيا» اسم فاعل من الوقاية ، وهى الرعاية والحفظ.

المعنى : اصبر على ما أصابك ، وتسل عنه ؛ فإنه لا يبقى على وجه الأرض شىء ، وليس للانسان ملجأ يقيه ويحفظه مما قضاه الله تعالى.

الإعراب : «تعز» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فلا» الفاء تعليلية ، ولا : نافية تعمل عمل ليس «شىء» اسمها «على الأرض» جار ومجرور متعلق بقوله «باقيا» الآتى ، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف صفة لشىء «باقيا» خبر لا «ولا» نافية «وزر» اسمها «مما» من : حرف جر ، وما : اسم موصول مبنى على السكون فى محل جر بمن ، والجار والمجرور متعلق بقوله «واقيا» الآتى «قضى الله» فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، والعائد محذوف تقديره : مما قضاه الله ، و «واقيا» خبر لا.

الشاهد فيه : قوله «لا شىء باقيا ، ولا وزر واقيا» حيث أعمل «لا» فى الموضعين عمل ليس ، واسمها وخبرها نكرتان.

هذا ، وقد ذهب أبو الحسن الأخفش إلى أن «لا» ليس لها عمل أصلا ، لافى


وقوله :

(٧٩) ـ

نصرتك إذ لا صاحب غير خاذل

فبوّئت حصنا بالكماة حصينا

__________________

الاسم ولا فى الخبر ، وأن ما بعدها مبتدأ وخبر ، وذهب الزجاج إلى أن «لا» تعمل الرفع فى الاسم ولا تعمل شيئا فى الخبر ، والخبر بعدها لا يكون مذكورا أبدا ، وكلا المذهبين فاسد ، وبيت الشاهد رد عليهما جميعا ؛ فالخبر مذكور فيه فكان ذكره ردا لما ذهب إليه الزجاج ، وهو منصوب ، فكان نصبه ردا لما زعمه الأخفش.

٧٩ ـ هذا الشاهد قد أنشده أبو الفتح بن جنى ، ولم ينسبه إلى قائل ؛ وكذا كل من وقفنا على كلام له ذكر فيه هذا البيت ممن جاء بعد أبى الفتح.

اللغة : «بوئت» فعل ماض مبنى للمجهول ، من قولهم : بوأه الله منزلا ، أى أسكنه إياه «الكماة» جمع كمى ، وهو الشجاع المتكمى فى سلاحه ، أى : المستتر فيه المتغطى به ، وكان من عادة الفرسان المعدودين أن يكثروا من السلاح وعدد الحرب ، ويلبسوا الدرع والبيضة والمغفر وغيرهن ، لأحد أمرين ، الأول : الدلالة على شجاعتهم الفائقة ، والثانى. لأنهم قتلوا كثيرا من فرسان أعدائهم ، فلكثير من الناس عندهم ثارات ؛ فهم يتحرزون من أن يأخذهم بعض ذوى الثارات على غرة.

الإعراب : «نصرتك» فعل وفاعل ومفعول به «إذ» ظرف للماضى من الزمان متعلق بنصر «لا» نافية تعمل عمل ليس «صاحب» اسمها «غير» خبر لا ، وغير مضاف ، و «خاذل» مضاف إليه «فبوثت» الفاء عاطفة ، بوّئ : فعل ماض مبنى للمجهول ، وتاء المخاطب نائب فاعل ، وهو مقعول أول لبوّئ «حصنا» مفعول ثان «بالكماة» جار ومجرور جعله العينى متعلقا بقوله «نصرتك» فى أول البيت ، وعندى أنه يجوز أن يتعلق بقوله «حصينا» الذى بعده ، بل هو أولى وأحسن «حصينا» نعت لقوله حصنا السابق.

الشاهد فيه : قوله «لا صاحب غير خاذل» حيث أعمل لا مثل عمل ليس ؛ فرفع بها ونصب ، واسمها وخبرها نكرتان ، وهو أيضا كالبيت السابق رد لمذهبى الأخفش والزجاج.


وزعم بعضهم أنها قد تعمل فى المعرفة ، وأنشد للنابغة :

(٨٠) ـ

بدت فعل ذى ودّ ، فلمّا تبعتها

تولّت ، وبقّت حاجتى فى فؤاديا

وحلّت سواد القلب ، لا أنا باغيا

سواها ، ولا عن حبّها متراخيا

__________________

٨٠ ـ البيتان للنابغة الجعدى ، أحد الشعراء المعمرين ، أدرك الجاهلية ، ووفد على النبى صلّى الله عليه وسلّم ، وأنشده من شعره ، فدعا له ، والبيتان من مختار أبى تمام.

اللغة : «فعل ذى ود» أراد أنها تفعل فعل صاحب المودة ، فحذف الفعل وأبقى المصدر ، والود ـ بتثليث الواو ـ المحبة ، ومثله الوداد «تولت» أعرضت ورجعت «بقت حاجتى» بتشديد القاف ـ تركتها باقية «سواد القلب» سويداؤه وهى حبته السوداء «باغيا» طالبا «متراخيا» متهاونا فيه.

الإعراب : «بدت» بدا : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى «فعل» قال العينى : منصوب بنزغ الخافض ، أى : كفل ، وعندى أنه منصوب على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف ، أى : تفعل فعل مضاف إلخ ؛ وفعل مضاف ، و «ذى» مضاف إليه ، وذى مضاف ، و «ود» مضاف إليه «فلما» ظرف بمعنى حين ناصبه قوله «تولت» الذى هو جوابه «تبعتها» فعل وفاعل ومفعول ، والجملة فى محل جر بإضافة لما إليها «تولت» تولى : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى «وبقت» مثله «حاجتى» حاجة. مفعول به لبقت ، وحاجة مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «فى فؤاديا» الجار والمجرور متعلق بقوله «بقت» السابق «وحلت» حل : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى «سواد» مفعول به لحلت ، وسواد مضاف ، و «القلب» مضاف إليه «لا» نافية تعمل عمل ليس «أنا» اسمها «باغيا» خبرها ، وفاعله ضمير مستتر فيه «سواها» سوى : مفعول به لباغ ، وسوى مضاف والضمير مضاف إليه «ولا» الواو عاطفة ، ولا : نافية «عن حبها» الجار والمجرور متعلق بقوله متراخيا الآتى ، وحب مضاف وضمير المؤنثه الغائبة مضاف إليه «متراخيا» معطوف على قوله باغيا السابق.

الشاهد فيه : قوله «لا أنا باغيا» حيث أعمل «لا» النافية عمل «ليس» مع أن اسمها معرفة ، وهو «أنا» ، وهذا شاذ ، وقد تأول النحاة هذا البيت ونحوه ـ كما


واختلف كلام المصنف فى [هذا] البيت ؛ فمرة قال : إنه مؤوّل ، ومرة قال : إنّ القياس عليه سائغ (١).

الشرط الثانى : ألّا يتقدم خبرها على اسمها ؛ فلا تقول «لا قائما رجل».

الشرط الثالث : ألا ينتقض النّفى بإلّا ؛ فلا تقول : «لا رجل إلا أفضل من زيد» بنصب «أفضل» ، بل يجب رفعه.

ولم يتعرض المصنف لهذين الشرطين.

* * *

__________________

أشار إليه الشارح العلامة ، نقلا عن المصنف ـ بتأويلات كثيرة ؛ أحدها : أن قوله «أنا» ليس اسما للا ، وإنما هو نائب فاعل لفعل محذوف ، وأصل الكلام ـ على هذا ـ «لا أرى باغيا» فلما حذف الفعل ، وهو «أرى» برز الضمير المستتر ، وانفصل أو يكون الضمير مبتدأ ، وقوله «باغيا» حال من نائب فاعل فعل محذوف ، والتقدير «لا أنا أرى باغيا» ، وجملة الفعل المحذوف مع نائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، ويكون قد استغنى بالمعمول ـ وهو الحال الذى هو قوله «باغيا» ـ عن العامل فيه الذى هو الفعل المحذوف ، وزعموا أنه ليس فى هذا التأويل ارتكاب شطط ولا غلو فى التقدير ؛ فإن من سنن العربية الاستغناء بالمعمول عن العامل كما فى الحال السادة مسد الخبر المفصحة عنه ، كما اتضح لك ذلك فى باب المبتدأ والخبر ، فافهم ذلك ، والله يرشدك ويتولاك.

(١) الذى ذهب إلى أن القياس على هذا البيت سائغ ، هو أبو حيان ، شارح كتاب التسهيل لابن مالك ؛ فإن ابن مالك قال فى التسهيل ، «ورفعها معرفة نادر» فقال أبو حيان فى شرح هذه العبارة ما نصه : «قال المصنف فى الشرح (يريد ابن مالك) : وشذ إعمالها فى معرفة فى قول النابغة الجعدى * وحلت سواد القلب لا أنا باغيا* البيت اه ، وقد حذا المتنى حذو النابغة فقال :

إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى

فلا الحمد مكسوبا ، ولا المال باقيا

والقياس على هذا سائغ عندى (والمتكلم هو أبو حيان) وقد أجاز ابن جنى إعمال لا فى المعرفة ، وذكر ذلك فى كتاب التمام» اه كلام أبى حيان بحروفه.


وأما «إن» النافية فمذهب أكثر البصريين والفرّاء أنها لا تعمل شيئا. ومذهب الكوفيين ـ خلا الفرّاء ـ أنها تعمل عمل «ليس» ، وقال به من البصريين أبو العباس المبرد ، وأبو بكر بن السّرّاج ، وأبو على الفارسىّ ، وأبو الفتح بن جنى ، واختاره المصنف ، وزعم أن فى كلام سيبويه ـ رحمه الله تعالى! ـ إشارة إلى ذلك ، وقد ورد السماع به ؛ قال الشاعر :

(٨١) ـ

إن هو مستوليا على أحد

إلّا على أضعف المجانين

__________________

٨١ ـ يكثر استشهاد النحاة بهذا البيت ، ومع هذا لم يذكر

قائل معين.

اللغة والرواية : يروى عجز هذا البيت فى صور مختلفة :

إحداها : الرواية التى رواها الشارح.

والثانية :

* إلا على حزبه الملاعين*

والثالثة :

* إلا على حزبه المناحيس*

«مستوليا» هو اسم فاعل من استولى ، ومعناه كانت له الولاية على الشىء وملك زمام التصرف فيه «المجانين» جمع مجنون ، وهو من ذهب عقله ، وأصله عند العرب من خبله الجن ، والمناحيس فى الرواية الأخرى : جمع منحوس ، وهو من حالفه سوء الطالع.

المعنى : ليس هذا الإنسان بذى ولاية على أحد من الناس إلا على أضعف المجانين.

الإعراب : «إن» نافية تعمل عمل ليس «هو» اسمها «مستوليا» خبرها «على أحد» جار ومجرور متعلق بقوله «مستوليا» السابق «إلا» أداة استثناء «على أضعف» جار ومجرور يقع موقع المستثنى من الجار والمجرور السابق ، وأضعف مضاف ، و «المجانين» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «إن هو مستوليا» حيث أعمل «إن» النافية عمل «ليس» فرفع بها الاسم الذى هو الضمير المنفصل ، ونصب خبرها الذى هو قوله «مستوليا».


وقال آخر :

(٨٢) ـ

إن المرء ميتا بانقضاء حياته

ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا

__________________

وهذا الشاهد يرد على الفراء وأكثر البصريين الذين ذهبوا إلى أن «إن» النافية لا تعمل شيئا ، لا فى المبتدأ ولا فى الخبر ، ووجه الرد من البيت ورود الخبر اسما مفردا منصوبا بالفتحة الظاهرة ، ولا ناصب له فى الكلام إلا «إن» ، وليس لهم أن يزعموا أن النصب بها شاذ ؛ لوروده فى الشعر كثيرا ، ولوروده فى النثر فى نحو قول أهل العالية «إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية» ، وقد قرأ بهذه اللغة سعيد بن جبير ـ رضى الله عنه! ـ فى الآية الكريمة التى تلاها الشارح.

ويؤخذ من هذا الشاهد ـ زيادة على ذلك ـ أن «إن» النافية مثل «ما» فى أنها لا تختص بالنكرات كما تختص بها «لا» : فإن الاسم فى البيت ضمير ، وقد نص الشارح على هذا ، ومثل له.

ويؤخذ منه أيضا أن انتقاض النفى بعد الخبر بإلا لا يقدح فى العمل ؛ لأنه استثنى بقوله «إلا على أضعف ... إلخ».

٨٢ ـ وهذا البيت أيضا من الشواهد التى لا يعلم قائلها.

المعنى : ليس المرء ميتا بانقضاء حياته ، وإنما يموت إذا بغى عليه باغ فلم يجد عونا له ، ولا نصيرا يأخذ بيده ، وينتصف له ممن ظلمه ، يريد أن الموت الحقيقى ليس شيئا بالقياس إلى الموت الأدبى.

الإعراب : «إن» نافية «المرء» اسمها «ميتا» خبرها «بانقضاء» جار ومجرور متعلق بقوله «ميتا» وانقضاء مضاف ، وحياة من «حياته» مضاف إليه ، وحياة مضاف والضمير مضاف إليه «ولكن» حرف استدراك «بأن» الباء جارة ، وأن مصدرية «يبغى» فعل مضارع مبنى للمجهول منصوب بأن ، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر «عليه» جار ومجرور نائب عن الفاعل ليبغى ، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور بالباء ، أى بالبغى عليه ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف ، والتقدير «ولكن يموت بالبغى عليه» وقوله «فيخذلا» الفاء


وذكر ابن جنى ـ فى المحتسب ـ أن سعيد بن جبير ـ رضى الله عنه! ـ قرأ (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) بنصب العباد.

ولا يشترط فى اسمها وخبرها أن يكونا نكرتين ، بل تعمل فى النكرة والمعرفة ، فتقول : «إن رجل قائما ، [وإن زيد القائم] ، وإن زيد قائما».

* * *

وأما «لات» فهى «لا» النافية زيدت عليها تاء التأنيث مفتوحة ؛ ومذهب الجمهور أنها تعمل عمل «ليس» ؛ فترفع الاسم ، وتنصب الخبر ، لكن اختصت بأنها لا يذكر معها الاسم والخبر معا ، بل [إنما] يذكر معها أحدهما ، والكثير فى لسان العرب حذف اسمها وبقاء خبرها ، ومنه قوله تعالى : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) بنصب الحين ؛ فحذف الاسم وبقى الخبر ، والتقدير «ولات الحين حين مناص» فالحين : اسمها ، وحين مناص خبرها ، وقد قرىء شذوذا (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) برفع الحين على أنه اسم «لات» والخبر محذوف ، والتقدير «ولات حين مناص لهم» أى : ولات حين مناص كائنا لهم ، وهذا هو المراد بقوله : «وحذف ذى الرّفع ـ إلى آخر البيت».

وأشار بقوله : «وما للات فى سوى حين عمل» إلى ما ذكره سيبويه من أن

__________________

عاطفة ، ويخذل : فعل مضارع مبنى للمجهول ، معطوف على يبغى ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على المرء ، والألف للاطلاق.

الشاهد فيه : قوله «إن المرء ميتا» حيث أعمل «إن» النافية عمل «ليس» فرفع بها ونصب ، وفى هذا الشاهد مثل ما فى الشاهد السابق من وجوه الاستنباط التى ذكرناها.


«لات» لا تعمل إلا فى الحين ، واختلف الناس فيه ؛ فقال قوم : [المراد] أنها لا تعمل إلا فى لفظ الحين ، ولا تعمل فيما رادفه كالساعة ونحوها ، وقال قوم : المراد أنها لا تعمل إلا فى أسماء الزمان ؛ فتعمل فى لفظ الحين وفيما رادفه من أسماء الزمان ، ومن عملها فيما رادفه قول الشاعر :

(٨٣) ـ

ندم البغاة ولات ساعة مندم

والبغى مرتع مبتغيه وخيم

__________________

٨٣ ـ قيل : إن هذا الشاهد لرجل من طيىء ، ولم يسموه ، وقال العينى : قائله محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمى ، ويقال : مهلهل بن مالك الكنانى ، واستشهد الفراء بقوله «ولات ساعه مندم» ثم قال : ولا أحفظ صدره.

اللغة : «البغاة» جمع باغ ، مثل قاض وقضاة وداع ودعاة ورام ورماة ، والباغى : الذى يتجاوز قدره «مندم» مصدر ميمى بمعنى الندم «مرتع» اسم مكان من قولهم : رتع فلان فى المكان يرتع ـ من باب فتح ـ إذا جعله ملهى له وملعبا ، ومنه قوله تعالى (نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) «وخيم» أصله أن يقال : وخم المكان ؛ إذا لم ينجع كلؤه ، أو لم يوافقك مناخه.

الإعراب : «ندم» فعل ماض «البغاة» فاعل ندم «ولات» الواو واو الحال ، ولات : نافية تعمل عمل ليس ، واسمها محذوف «ساعة» خبرها ، والجملة فى محل نصب حال ، أى : ندم البغاة والحال أن الوقت ليس وقت الندم ؛ لأن وقته قد فات ، وساعة مضاف و «مندم» مضاف إليه «والبغى» مبتدأ أول مرفوع بالضمة الظاهرة «مرتع» مبتدأ ثان مرفوع بالضمة الظاهرة ، ومرتع مضاف ومبتغى من «مبتغيه» مضاف إليه ومبتغى مضاف والهاء مضاف إليه «وخيم» خبر المبتدأ الثانى ، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول.

الشاهد فيه : قوله «ولات ساعة مندم» حيث أعمل «لات» فى لفظ «ساعة» وهى بمعنى الحين ، وليست من لفظه ، وهو مذهب الفراء ـ فيما نقله عنه جماعة منهم الرضى ـ إذ ذهب إلى أن «لات» لا يختص عملها بلفظ الحين ، بل تعمل فيما دل


وكلام المصنف محتمل للقولين ، وجزم بالثانى فى التسهيل ، ومذهب الأخفش أنها لا تعمل شيئا ، وأنه إن وبد الاسم بعدها منصوبا فناصبه فعل مضمر ، والتقدير «لات أرى حين مناص» وإن وجد مرفوعا فهو مبتدأ والخبر محذوف ، والتقدير «لات حين مناص كائن لهم» والله أعلم.

* * *

__________________

على الزمان كساعة ووقت وزمان وأوان ونحو ذلك ، وفى المسألة كلام طويل لا يليق بسطه بهذه العجالة.

ومثل البيت الشاهد ما أنشده ابن السكيت فى كتاب الأضداد ، وهو :

ولتعرفنّ خلائقا مشمولة

ولتندمنّ ولات ساعة مندم


أفعال المقاربة

ككان كاد وعسى ، لكن ندر

غير مضارع لهذين خبر (١)

هذا هو القسم الثانى من الأفعال الناسخة [للابتداء] ، وهو «كاد» وأخواتها ، وذكر المصنف منها أحد عشر فعلا ، ولا خلاف فى أنها أفعال ، إلا عسى ؛ فنقل الزاهد عن ثعلب أنها حرف ، ونسب أيضا إلى ابن السّرّاج (٢) ،

__________________

(١) «ككان» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «كاد» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «لكن» حرف استدراك «ندر» فعل ماض «غير» فاعل ندر ، وغير مضاف و «مضارع» مضاف إليه «لهذين» جار ومجرور متعلق بقوله خبر الآتى «خبر» حال من فاعل ندر ، وقد وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة التى تقف على المنصوب المنون بالسكون ، كما يقف سائر العرب على المرفوع والمجرور المنونين.

(٢) نص ابن هشام فى أكثر كتبه على أن القول بأن «عسى» حرف هو قول الكوفيين ، وتبعهم على ذلك ابن السراج ، ونص فى المغنى وشرح الشذور على أن ثعلبا يرى هذا ، وثعلب أحد شيوخ الكوفيين ، وملخص مذهبهم أنهم قالوا : عسى حرف ترج ، واستدلوا على ذلك بأنها دلت على معنى لعل ، وبأنها لا تتصرف كما أن لعل كذلك لا تتصرف ، ولما كانت لعل حرفا بالإجماع وجب أن تكون عسى حرفا مثلها ؛ لقوة التشابه بينهما.

ومن العلماء من ذهب إلى أن «عسى» على ضربين (انظر ص ٣٤٥ الآتية) : الضرب الأول ينصب الاسم ويرفع الخبر مثل إن وأخواتها ، وهذه حرف ترج ، ومن شواهدها قول صخر بن العود الحضرمى :

فقلت : عساها نار كأس ، وعلّها

تشكّى فآتى نحوها فأعودها

والضرب الثانى : يرفع المبتدأ وينصب الخبر ـ وهو الذى نتحدث عنه فى هذا الباب ، وهو من أفعال المقاربة ـ وهذا فعل ماض ؛ بدليل قبوله علامة الأفعال الماضية كتاء الفاعل فى نحو قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) وأما جمودها ودلالتها على معنى يدل عليه حرف فلا يخرجانها عن الفعلية ، وكم من فعل يدل على معنى يدل عليه حرف ، وهو مع ذلك جامد ، ولم يخرجه ذلك عن فعليته ، أليست


والصحيح أنها فعل ؛ بدليل اتّصال تاء الفاعل وأخواتها بها ، نحو «عسيت» وعسيت ، وعسيتما ، وعسيتم ، وعسيتنّ».

وهذه الأفعال تسمى أفعال المقاربة ، وليست كلها للمقاربة ، بل هى على ثلاثة أقسام :

أحدها : ما دلّ على المقاربة ، وهى : كاد ، وكرب ، وأوشك.

والثانى : ما دلّ على الرّجاء ، وهى : عسى ، وحرى ، واخلولق.

والثالث : ما دلّ على الإنشاء ، وهى : جعل ، وطفق ، وأخذ ، وعلق ، وأنشأ.

فتسميتها أفعال المقاربة من باب تسمية الكل باسم البعض.

وكلها تدخل على المبتدأ والخبر ؛ فترفع المبتدأ اسما لها ، ويكون خبره خبرا لها فى موضع نصب ، وهذا هو المراد بقوله : «ككان كاد وعسى» لكن الخبر فى

__________________

حاشا وعدا وخلا دالة على الاستثناء وهى جامدة ، وقد جاءت حروف بألفاظها ومعانيها ؛ فلم يكن ذلك موجبا لحرفيتها؟

وهذا الذى ذكرناه ـ من أن «عسى» على ضربين ، وأنها فى ضرب منهما فعل ، وفى الضرب الآخر حرف ـ هو مذهب شيخ النحاة سيبويه (وانظر كتابنا على شرح الأشمونى ج ١ ص ٤٦٣ وما بعدها فى الكلام على الشاهد رقم ٢٥٢).

ومن هذا كله يتضح لك : أن فى «عسى» ثلاثة أقوال للنحاة ، الأول : أنها فعل فى كل حال ، سواء اتصل بها ضمير الرفع أو ضمير النصب أم لم يتصل بها واحد منهما ، وهو قول نحاة البصرة ورجحه المتأخرون ، والثانى : أنها حرف فى جميع الأحوال ، سواء اتصل بها ضمير الرفع أو النصب أم لم يتصل بها أحدهما ، وهو قول جمهرة الكوفيين ومنهم ثعلب ، وابن السراج. والثالث : أنها حرف إذا اتصل بها ضمير نصب كما فى البيت الذى أنشدناه ، وفعل فيما عدا ذلك ، وهو قول سيبويه شيخ النحاة ، ولا تتسع هذه العجالة السريعة إلى الاحتجاج لكل رأى وتخريج الشواهد على كل مذهب.


هذا الباب لا يكون إلا مضارعا ، نحو «كاد زيد يقوم ، وعسى زيد أن يقوم» وندر مجيئه اسما بعد «عسى ، وكاد» كقوله :

(٨٤) ـ

أكثرت فى العذل ملحّا دائما

لا تكثرن إنّى عسيت صائما

__________________

٨٤ ـ قال أبو حيان : «هذا البيت مجهول ، لم ينسبه الشراح إلى أحد» اه ؛ قال ابن هشام : «طعن فى هذا البيت عبد الواحد فى كتابه بغية الآمل ومنية السائل ، فقال : هو بيت مجهول ، لم ينسبه الشراح إلى أحد ، فسقط الاحتجاج به ، ولو صح ما قاله لسقط الاحتجاج بخمسين بيتا من كتاب سيبويه ، فإن فيه ألف بيت عرف قائلوها وخمسين بيتا مجهولة القائلين» اه ، وقيل : إنه لرؤبة بن العجاج ، وقد بحثت ديوان أراجيز رؤبة فلم أجده فى أصل الديوان ، وهو مما وجدته فى أبيات جعلها ناشره ذيلا لهذا الديوان مما وجده فى بعض كتب الأدب منسوبا إليه ، وذلك لا يدل على صحة نسبتها إليه أكثر مما تدل عليه عبارة المؤلف لكتاب الأدب الذى نقل عنه.

اللغة : «العذل» الملامة «ملحا» اسم فاعل من «ألح يلح إلحاحا» أى أكثر.

الإعراب : «أكثرت» فعل وفاعل «فى العذل» جار ومجرور متعلق بأكثر «ملحا» حال من التاء فى أكثرت مؤكدة لعاملها «دائما» صفة للحال «لا تكثرن» لا : ناهية ، والفعل المضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة فى محل جزم بلا ، ونون التوكيد حرف مبنى على السكون لا محل له ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إنى» إن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمها «عسيت» عسى : فعل ماض ناقص ، وتاء المتكلم اسمه «صائما» خبره ، والجملة من عسى واسمها وخبرها فى محل رفع خبر «إن».

الشاهد فيه : قوله «عسيت صائما» حيث أجرى «عسى» مجرى «كان» فرفع بها الاسم ونصب الخبر ، وجاء بخبرها اسما مفردا ، والأصل أن يكون خبرها جملة فعلية فعلها مضارع ، ومثل هذا البيت قولهم فى المثل «عسى الغوير أبؤسا».

وفى البيت توجيه آخر ، وهو أن «عسى» هنا فعل تام يكتفى بفاعل ، وهو هنا


وقوله :

(٨٥) ـ

فأبت إلى فهم ، وما كدت آئبا

وكم مثلها فارقتها وهى تصفر

__________________

تاء المتكلم ، بدليل وقوع جملتها خبرا لإن الناصبة للاسم الرافعة للخبر ، وذلك لأن عسى للترجى ، والترجى إنشاء ، وأيضا فإن الأفعال التاقصة جملتها إنشائية ، والجمل الإنشائية لا تقع خبرا لإن ، عند الجمهور الذين يجوزون وقوع الإنشائية خبرا للمبتدأ غير المنسوخ ، وإذا كان ذلك كذلك فلا بد أن تكون الجملة خبرية ؛ فلا تكون «عسى» ناقصة ، وأما قوله «صائما» على هذا فهو خبر «لكان» محذوفة مع اسمها ، وتقدير الكلام : إنى رجوت أن أكون صائما.

٨٥ ـ هذا البيت لتأبط شرا ـ ثابت بن جابر بن سفيان ـ من كلمة مختارة ، اختارها أبو تمام فى حماسته (انظر شرح التبريزى (١ / ٨٥ بتحقيقنا) وأولها قوله :

إذا المرء لم يحتل وقد جدّ جدّه

أضاع ، وقاسى أمره وهو مدبر

اللغة : «أبت» رجعت «فهم» اسم قبيلته ، وأبوها فهم بن عمرو بن قيس عيلان «تصفر» أراد تتأسف وتتحزن على إفلاتى منها ، بعد أن ظن أهلها أنهم قد قدروا على. وقصة ذلك أن قوما من بنى لحيان ـ وهم حى من هذيل ـ وجدوا تأبط شرا يشتار عسلا من فوق جبل ، ورآهم يترصدونه ، فخشى أن يقع فى أيديهم ، فانتحى من الجبل ناحية بعيدة عنهم ، وصب ما معه من العسل فوق الصخر ، ثم انزلق عليه حتى انتهى إلى الأرض ، ثم أسلم قدميه للريح ، فنجا من قبضتهم.

المعنى : يقول : إنى رجعت إلى قومى بعد أن عز الرجوع إليهم ، وكم مثل هذه الخطة فارقتها ، وهى تتأسف وتتعجب منى كيف أفلت منها.

الإعراب : «فأبت» الفاء عاطفة ، آب : فعل ماض ، وتاء المتكلم فاعله «إلى فهم» جار ومجرور متعلق بأبت «وما» الواو حالية ، ما : نافية «كدت» كاد : فعل ماض ناقص ، والتاء اسمه «آئبا» خبر كاد ، والجملة فى محل نصب حال «وكم» الواو حالية ، كم : خبرية بمعنى كثير مبتدأ ، مبنى على السكون فى محل رفع «مثلها» مثل : تمييز لكم مجرور بالكسرة الظاهرة ، ومثل مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه «فارقتها» فعل وفاعل ومفعول به «وهى» الواو للحال ، هى : مبتدأ «تصفر»


وهذا هو مراد المصنف بقوله : «لكن ندر ـ إلى آخره» لكن فى قوله «غير مضارع» إيهام ؛ فإنه يدخل تحته : الاسم ، والظرف ، والجارّ والمجرور ، والجملة الاسمية ، والجملة الفعلية بغير المضارع ، ولم يندر مجىء هذه كلها خبرا عن «عسى ، وكاد» بل الذى ندر مجىء الخبر اسما ، وأما هذه فلم يسمع مجيئها خبرا عن هذين.

* * *

وكونه بدون «أن» بعد عسى

نزر ، وكاد الأمر فيه عكسا (١)

__________________

فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب حال.

الشاهد فيه : قوله «وما كدت آئبا» حيث أعمل «كاد» عمل «كان» فرفع بها الاسم ونصب الخبر ، ولكنه أتى بخبرها اسما مفردا ، والقياس فى هذا الباب أن يكون الخبر جملة فعلية فعلها مضارع ، ولهذا أنكر بعض النحاة هذه الرواية ، وزعم أن الرواية الصحيحة هى «وما كنت آئبا».

(١) «وكونه» الواو عاطفة ، وكون : مبتدأ ـ وهو مصدر كان الناقصة فيحتاج إلى اسم وخبر سوى خبره من جهة الابتداء ـ وكون مضاف والضمير مضاف إليه وهو اسمه ، وخبره محذوف ، أى : وكونه واردا «بدون» جار ومجرور متعلق بذلك الخبر المحذوف ، ودون مضاف و «أن» قصد لفظه : مضاف إليه «بعد» ظرف متعلق أيضا بذلك الخبر المحذوف ، وبعد مضاف ، و «عسى» قصد لفظه : مضاف إليه «نزر» خبر المبتدأ الذى هو قوله كونه «وكاد» الواو عاطفة ، وكاد قصد لفظه : مبتدأ أول «الأمر» مبتدأ ثان «فيه» جار ومجرور متعلق بقوله «عكس» الآتى «عكسا» فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الأمر ، والجملة من عكس ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول.


أى : اقتران خبر «عسى» بـ «أن» كثير (١) ؛ وتجريده من «أن» قليل ، وهذا مذهب سيبويه ، ومذهب جمهور البصريين أنه لا يتجرّد خبرها من «أن» إلا فى الشعر ، ولم يرد فى القرآن إلا مقترنا بـ «أن» قال الله تعالى : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) وقال عز وجل : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ)

ومن وروده بدون «أن» قوله :

(٨٦) ـ

عسى الكرب الّذى أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب

__________________

(١) أنت إذا قلت «عسى زيد أن يقوم» فزيد : اسم عسى ، وأن والفعل فى تأويل مصدر خبره ؛ ويلزم على ذلك الإخبار باسم المعنى ـ وهو المصدر ـ عن اسم الذات ـ وهو زيد ، وهو غير الأصل والغالب فى كلام العرب.

وللعلماء فى الجواب عن ذلك أربعة وجوه :

أولها : أن الكلام حينئذ على تقدير مضاف ، إما قبل الاسم وكأنك قلت : عسى أمر زيد القيام ، وإما قبل الخبر وكأنك قلت : عسى زيد صاحب القيام ؛ فعلى الأول تكون قد أخبرت باسم معنى عن اسم معنى ، وعلى الثانى تكون قد أخبرت باسم يدل على الذات عن اسم ذات ؛ لأن اسم الفاعل يدل على الذات التى وقع منها الحدث أو قام بها.

وثانيها : أن هذا المصدر فى تأويل الصفة ، وكأنك قد قلت : عسى زيد قائما.

وثالثها : أن الكلام على ظاهره ، والمقصود المبالغة فى زيد حتى كأنه هو نفس القيام.

وهذه الوجوه الثلاثة جارية فى كل مصدر ـ صريح أو مؤول ـ يخبر به عن اسم الذات ، أو يقع نعتا لاسم ذات ، أو يجىء حالا من اسم الذات.

ورابعها : أن «أن» ليست مصدرية فى هذا الموضع ، بل هى زائدة ؛ فكأنك قلت : عسى زيد يقوم ، وهذا وجه ضعيف ؛ لأنها لو كانت زائدة لم تعمل النصب ، ولسقطت من الكلام فى السعة أحيانا ، وهى لا تسقط إلا نادرا لضرورة الشعر.

٨٦ ـ البيت لهدبة بن خشرم العذرى ، من قصيدة قالها وهو فى الحبس. وقد


..................................................................................

__________________

روى أكثر هذه القصيدة أبو على القالى فى أماليه ، وروى أبو السعادات ابن الشجرى فى حماسته منها أكثر مما رواه أبو على ، وأول هذه القصيدة قوله :

طربت ، وأنت أحيانا طروب

وكيف وقد تعلّاك المشيب؟

يجدّ النّأى ذكرك فى فؤادى

إذا ذهلت على النّأى القلوب

يؤرّقنى اكتئاب أبى نمير

فقلبى من كآبته كئيب

فقلت له : هداك الله! مهلا

وخير القول ذو الّلبّ المصيب

عسى الكرب الّذى أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب

اللغة : «طربت» الطرب : خفة تصيب الإنسان من فرح أو حزن «النأى» البعد «الكرب» الهم والغم «أمسيت» قال ابن المستوفى : يروى بضم التاء وفتحها ، والنحويون إنما يروونه بضم التاء ، والفتح عند أبى حنيفة أولى ؛ لأنه يخاطب ابن عمه أبا نمير كما هو ظاهر من الأبيات التى رويناها ، وكان أبو نمير معه فى السجن.

الإعراب : «عسى» فعل ماض ناقص «الكرب» اسم عسى مرفوع به «الذى» اسم موصول صفة للكرب «أمسيت» أمسى : فعل ماض ناقص ، والتاء اسمه «فيه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أمسى ، والجملة من أمسى واسمه وخبره لا محل لها صلة الموصول «يكون» فعل مضارع ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه «وراءه» وراء : ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ، ووراء مضاف والهاء مضاف إليه «فرج» مبتدأ مؤخر «قريب» صفة لفرج ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل نصب خبر «يكون» والجملة من «يكون» واسمها وخبرها فى محل نصب خبر «عسى».

الشاهد فيه : قوله «يكون وراءه ـ إلخ» حيث وقع خبر «عسى» فعلا مضارعا مجردا من «أن» المصدرية ، وذلك قليل ، ومثله الشاهد الذى بعده (ش ٨٧) وقول الآخر :

عسى الله يغنى عن بلاد ابن قادر

يمنهمر جون الرّباب سكوب

(المنهمر : أراد به المطر الكثير ، والجون : الأسود ، والرباب : السحاب ، والسحاب الأسود دليل على أنه حافل بالمطر) ومثل هذه الأبيات قول الآخر :

فأمّا كيّس فنجا ، ولكن

عسى يغترّ بى حمق لئم


وقوله :

(٨٧) ـ

عسى فرج يأتى به الله ؛ إنه

له كلّ يوم فى خليقته أمر

وأما «كاد» فذكر المصنف أنها عكس «عسى» ؛ فيكون الكثير فى

__________________

٨٧ ـ البيت من الشواهد التى لا يعلم قائلها ، وألفاظه كلها ظاهرة المعنى.

الإعراب : «عسى» فعل ماض ناقص «فرج» اسمه «يأتى» فعل مضارع «به» جار ومجرور متعلق بيأتى «الله» فاعل يأتى ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل نصب خبر عسى «إنه» إن : حرف توكيد ونصب ، والهاء ضمير الشأن اسمه «له» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «كل» منصوب على الظرفية الزمانية لإضافته إلى اسم الزمان متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله ، وكل مضاف ، و «يوم» مضاف إليه «فى خليقته» الجار والمجرور يتعلق بما تعلق به الجار والمجرور السابق ، وخليقة مضاف والضمير الموضوع للغائب العائد إلى الله تعالى مضاف إليه «أمر» مبتدأ مؤخر ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل رفع خبر «إن».

الشاهد فيه : قوله : «يأتى به الله» حيث جاء خبر «عسى» فعلا مضارعا مجردا من أن المصدرية ، وهذا قليل ، ومثله ـ سوى ما ذكرنا مع الشاهد ٨٦ ـ قول الفرزدق :

وما ذا عسى الحجّاج يبلغ جهده

إذا نحن جاوزنا حفير زياد؟

وفى بيت الفرزدق هذا شاهد آخر ، وحاصله : أنه يجوز فى الفعل المضارع الذى يقع خبرا لعسى خاصة أن يرفع اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير يعود إلى اسم عسى.

فأما غير «عسى» من أفعال هذا الباب فلا يجوز فى الفعل المضارع الواقع خبرا لها إلا أن يكون رافعا لضمير يعود على الاسم ، وأما قول ذى الرمة :

وأسقيه حتّى كاد مما أبثّه

تكلمنى أحجاره وملاعبه

فظاهره أن المضارع الواقع خبرا لكاد وهو «تكلمنى» رفع اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير الاسم وهو «أحجاره» فهذا ونحوه شاذ أو مؤول.

أما بيت الشاهد (رقم ٨٧) فقد رفع المضارع فيه اسما أجنبيا من اسم عسى ؛ فلا هو ضمير الاسم ، ولا هو اسم ظاهر مضاف إلى الاسم ، وذلك شاذ أيضا


خبرها أن يتجرد (١) من «أن» ويقلّ اقترانه بها ، وهذا بخلاف ما نصّ عليه الأندلسيّون من أن اقتران خبرها بـ «أن» مخصوص بالشعر ؛ فمن تجريده من «أن» قوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) وقال : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ)(٢) ومن اقترانه بـ «أن» قوله صلّى الله عليه وسلّم : «ما كدت أن أصلّى العصر حتى كادت الشّمس أن تغرب» وقوله :

(٨٨) ـ

كادت النّفس أن تفيض عليه

إذ غدا حشو ريطة وبرود

__________________

(١) ومثل الآيتين الكريمتين قول أحد أصحاب مصعب بن الزبير ، يرثيه وهو الشاهد (رقم ١٤٩) الآتى فى باب الفاعل :

لمّا رأى طالبوه مصعبا ذعروا

وكاد ـ لو ساعد المقدور ـ ينتصر

الشاهد فيه : قوله «كاد ينتصر» فإن الفعل المضارع الواقع خبرا لكاد لم يقترن بأن

٨٨ ـ هذا البيت من الشواهد التى يذكرها كثير من النحاة وعلماء اللغة غير منسوبة إلى قائل معين ، وقد عثرنا بعد طويل البحث على أنه من كلمة لمحمد بن مناذر ، أحد شعراء البصرة يرثى فيها رجلا اسمه عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفى ، وقبله :

إنّ عبد المجيد يوم توفّى

هدّ ركنا ما كان بالمهدود

ليت شعرى ، وهل درى حاملوه

ما على النّعش من عفاف وجود؟

اللغة : «تفيض» من قولهم «فاضت نفس فلان» ويرى فى مكانه «تفيظ» وكل الرواة يجيزون أن تقول «فاضت نفس فلان» إلا الأصمعى فإنه أبى إلا أن تقول «فاظت نفس فلان» بالظاء ، وكلام غير الأصمعى أسد ؛ فهذا البيت الذى نشرحه دليل على صحته ، وكذلك قول الآخر :

تفيض نفوسها ظمأ ، وتخشى

حماما ؛ فهى تنظر من بعيد

وقول الراجز :

تجمّع النّاس ، وقالوا : عرس

ففقئت عين ، وفاضت نفس


وكعسى حرى ، ولكن جعلا

خبرها حتما بـ «أن» متّصلا (١)

__________________

وقول الشاعر فى بيت الشاهد «ريطة» بفتح الراء وسكون الياء المثناة ـ الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ، وأراد هنا الأكفان التى يلف فيها الميت.

الإعراب : «كادت» كاد : فعل ماض ناقص ، والتاء للتأنيث «النفس» اسم كاد «أن» مصدرية «تفيض» فعل مضارع منصوب بأن ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود للنفس ، والجملة خبر «كاد» فى محل نصب «عليه» جار ومجرور متعلق بقوله تفيض السابق «إذ» ظرف للماضى من الزمان متعلق بقوله «تفيض» أيضا «غدا» فعل ماض بمعنى صار ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على عبد المجيد المرثى «حشو» خبر غدا ، وحشو مضاف و «ريطة» مضاف إليه «وبرود» معطوف على ريطة.

الشاهد فيه : قوله «أن تفيض» حيث أنى بخبر «كاد» فعلا مضارعا مقترنا بأن ، وذلك قليل ، والأكثر أن يتجرد منها ، ومثل هذا البيت قول الشاعر :

أبيتم قبول السّلم منا ؛ فكدتم

لدى الحرب أن تغنوا السّيوف عن السّل

وقول رؤبة بن العجاج :

ربع عفاه الدّهر طولا فامّحى

قد كاد من طول البلى أن يمصحا

ومنه قول جبير بن مطعم ـ رضى الله تعالى عنه! ـ «كاد قلبى أن يطير» ومع ورود المضارع الواقع خبرا لكاد مقترنا بأن ـ فى الشعر والنثر ـ نرى أن قول الأندلسيين : إن اقترانه بأن مع كاد ضرورة لا يجوز ارتكابها إلا فى الشعر ؛ غير سديد ، والصواب ما ذكره الناظم وهو فى هذا تابع لسيبويه.

(١) «كعسى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «حرى» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «ولكن» حرف استدراك «جعلا» جعل : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق «خبرها» خبر : نائب فاعل جعل ـ وهو مفعول أول ـ وخبر مضاف والضمير مضاف إليه «حتما» صفة لموصوف محذوف يقع مفعولا مطلقا ، أى : اتصالا حتما «بأن» جار ومجرور متعلق بقوله متصلا الآتى «متصلا» مفعول ثان لجعل.


وألزموا اخلولق «أن» مثل حرى

وبعد أوشك انتفا «أن» نزرا (١)

يعنى أن «حرى» مثل «عسى» فى الدلالة على رجاء الفعل ، لكن يجب اقتران خبرها بـ «أن» ، نحو «حرى زيد أن يقوم» ولم يجرد خبرها من «أن» لا فى الشعر ولا فى غيره ، وكذلك «اخلولق» تلزم «أن» خبرها نحو «اخلولقت السماء أن تمطر» وهو من أمثلة سيبويه ، وأما «أوشك» فالكثير اقتران خبرها بـ «أن» ويقلّ حذفها منه ؛ فمن اقترانه بها قوله :

(٨٩) ـ

ولو سئل النّاس التّراب لأوشكوا

 ـ إذا قيل هاتوا ـ أن يملّوا ويمنعوا

__________________

(١) «وألزموا» فعل وفاعل «اخلولق» قصد لفظه : مفعول أول لألزم «أن» قصد لفظه أيضا : مفعول ثان لألزم «مثل» حال صاحبه قوله «اخلولق» السابق ، ومثل مضاف و «حرى» قصد لفظه : مضاف إليه «وبعد» ظرف متعلق بقوله «انتفا» الآتى ، وبعد مضاف ، و «أوشك» قصد لفظه : مضاف إليه «انتفا» كسر للضرورة : مبتدأ ، وانتفا مضاف و «أن» قصد لفظه : مضاف إليه «نزرا» فعل ماض ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى انتفا ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو انتفا ، وتقدير البيت : وألزم العرب اخلولق أن حال كونه مشبها فى ذلك حرى ، وانتفاء أن بعد أوشك قد قل.

٨٩ ـ هذا البيت أنشده ثعلب فى أماليه (ص ٤٣٣) عن ابن الأعرابى ، ولم ينسبه إلى أحد ، ورواه الزجاجى فى أماليه أيضا (ص ١٢٦) وقبله :

أبا مالك ، لا تسأل النّاس ، والتمس

بكفّيك فضل الله ، والله أوسع

المعنى : إن من طبع الناس أنهم لو سئلوا أن يعطوا أتفه الأشياء ، وأهونها خطرا ، وأقلها قيمة ـ لما أجابوا ، بل إنهم ليمنعون السائل ويملون السؤال.

الإعراب : «ولو» شرطية غير جازمة «سئل» فعل ماض مبنى للمجهول فعل الشرط «الناس» نائب فاعل سئل ، وهو المفعول الأول «التراب» مفعول ثان لسئل «لأوشكوا» اللام واقعة فى جواب «لو» وأوشك : فعل ماض ناقص ،


ومن تجرّده منها قوله :

(٩٠) ـ

يوشك من فرّ من منيّته

فى بعض غرّاته يوافقها

__________________

وواو الجماعة اسمه «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان «قيل» فعل ماض مبنى للمجهول «هاتوا» فعل أمر وفاعله ، وجملتهما فى محل رفع نائب فاعل لقيل ، وجملة قيل ونائب فاعله فى محل جر بإضافة «إذا» إليها ، وجواب الشرط محذوف ، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها معترضة بين أوشك مع مرفوعها وخبرها «أن» مصدرية «يملوا» فعل مضارع منصوب بأن ، وواو الجماعة فاعل ، والجملة فى محل نصب خبر أوشك «ويمنعوا» معطوف على يملوا.

الشاهد فيه : يستشهد النحاة بهذا البيت ونحوه على أمرين ، الأول : فى قوله «لأوشكوا» حيث ورد «أوشك» بصيغة الماضى ، وهو يرد على الأصمعى وأبى على اللذين أنكرا استعمال «أوشك» وزعما أنه لم يستعمل من هذه المادة إلا «يوشك» المضارع وسيأتى للشارح ذكر هذا ، والاستشهاد له بهذا البيت (ص ٣٣٨) ، والأمر الثانى : فى قوله «أن يملوا» حيث أتى بخبر «أوشك» جملة فعلية فعلها مضارع مقترن بأن ، وهو الكثير.

ومن الشواهد على هذين الأمرين قول جرير يهجو العباس بن يزيد الكندى :

إذا جهل الشّقىّ ولم يقدّر

ببعض الأمر أوشك أن يصابا

وقول الكلحبة اليربوعى :

إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت

حبال الهوينى بالفتى أن تقطّعا

٩٠ ـ البيت لأمية بن أبى الصلت ، أحد شعراء الجاهلية ، وزعم صاعد ان البيت لرجل من الخوارج ، وليس ذلك بشىء ، وهو من شواهد سيبويه (ج ٢ ص ٤٧٩).

اللغة : «منيته» المنية الموت «غراته» جمع غرة ـ بكسر الغين ـ وهى الغفلة «يوافقها» يصيبها ويقع عليها.

المعنى : إن من فر من الموت فى الحرب القريب الوقوع بين براثنه فى بعض غفلاته ،


ومثل كاد فى الأصحّ كربا

وترك «أن» مع ذى الشّروع وجبا (١)

كأنشأ السّائق يحدو ، وطفق ،

كذا جعلت ، وأخذت ، وعلق (٢)

__________________

والغرض تشجيع المخاطبين على اقتحام أهوال الحروب وخوض معامعها ، إذ كان الموت ـ ولا بد ـ نازل بكل أحد.

الإعراب : «يوشك» فعل مضارع ناقص «من» اسم موصول اسم يوشك «فر» فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم الموصول والجملة لا محل لها صلة «من منيته» الجار والمجرور متعلق بفر. ومنية مضاف والهاء مضاف إليه «فى بعض» الجار والمجرور متعلق بقوله «يوافقها» الآتى ، وبعض مضاف وغرات من «غراته» مضاف إليه ، وغرات مضاف وضمير الغائب مضاف إليه «يوافقها» يوافق : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والضمير البارز الذى هو للغائبة مفعول به ، وجملة يوافقها فى محل نصب خبر «يوشك».

الشاهد فيه : قوله «يوافقها» حيث أتى بخبر «يوشك» جملة فعلية فعلها مضارع مجرد من «أن» وهذا قليل.

(١) «مثل» خبر مقدم ، ومثل مضاف ، و «كاد» قصد لفظه : مضاف إليه «فى الأصح» جار ومجرور متعلق بقوله مثل لتضمنه معنى المشتق «كربا» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «وترك» مبتدأ ، وترك مضاف و «أن» قصد لفظه : مضاف إليه «مع» ظرف متعلق بترك ، ومع مضاف و «ذى» مضاف إليه ، وذى مضاف و «الشروع» مضاف إليه «وجبا» فعل ماض ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ترك الواقع مبتدأ ، والجملة من وجب وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) «كأنشأ» الكاف جارة لقول محذوف ، أنشأ : فعل ماض ناقص «السائق» اسمه «يحدو» فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة من الفعل المضارع وفاعله فى محل نصب خبر أنشأ «وطفق» معطوف على أنشأ «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «جعلت» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «وأخذت ، وعلق» معطوفان على جعلت.


لم يذكر سيبويه فى «كرب» إلا تجرّد خبرها من «أن» ، وزعم المصنف أن الأصحّ خلافه ، وهو أنها مثل «كاد» ؛ فيكون الكثير فيها تجريد خبرها من «أن» ويقلّ اقترانه بها ؛ فمن تجريده قوله :

(٩١) ـ

كرب القلب من جواه يذوب

حين قال الوشاة : هند غضوب

وسمع من اقترانه بها قوله :

(٩٢) ـ

سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظّما

وقد كربت أعناقها أن تقطعا

__________________

٩١ ـ قيل : إن هذا البيت لرجل من طيىء ، وقال الأخفش : إنه للكلحبة اليربوعى أحد فرسان بنى تميم وشعرائهم المجيدين.

اللغة! «جواه» الجوى! شدة الوجد «الوشاة» جمع واش ، وهو التمام الساعى بالإفساد بين المتوادين ، والذى يستخرج الحديث بلطف ، ويروى «حين قال العذول» وهو اللائم «غضوب» صفة من الغضب يستوى فيها المذكر المؤنث كصبور.

المعنى : لقد قرب قلبى أن يذوب من شدة ما حل به من الوجد والحزن ، حين أبلغنى الوشاة الذين يسعون بالإفساد بينى وبين من أحبها أنها غاضبة على.

الإعراب : «كرب» فعل ماض ناقص «القلب» اسمه «من جواه» الجار والمجرور متعلق بقوله «يذوب» الآتى ، أو بقوله «كرب» السابق ، وجوى مضاف وضمير الغائب العائد إلى القلب مضاف إليه «يذوب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى القلب ، والجملة من يذوب وفاعله فى محل نصب خبر كرب «حين» منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بقوله يذوب السابق «قال» فعل ماض «الوشاة» فاعل قال «هند» مبتدأ «غضوب» خبره ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل نصب مقول القول ، وجملة قال وفاعله ومفعوله فى محل جر بإضافة «حين» إليها.

الشاهد فيه : قوله «يذوب» حيث أتى بخبر «كرب» فعلا مضارعا مجردا من أن.

٩٢ ـ البيت لأبى يزيد الأسلمى ، من كلمة له يهجو فيها إبراهيم بن هشام


..................................................................................

__________________

ابن إسماعيل بن هشام بن المغيرة ، والى المدينة من قبل هشام بن عبد الملك بن مروان ـ وكان قد مدحه من قبل فلم ترقه مدحته ، ولم يعطه ، ولم يكتف بالحرمان ، بل أمر به فضرب بالسياط ، وأول هذه الكلمة قوله :

مدحت عروقا للنّدى مصّت الثّرى

حديثا ، فلم تهمم بأن تترعرعا

نقائذ بؤس ذاقت الفقر والغنى

وحلّبت الأيّام والدّهر أضرعا

اللغة : «مصت الثرى حديثا» أراد أنهم حديثو عهد بنعمة ؛ فكنى عن ذلك المعنى بهذه العبارة ، ولما عبر عنهم أولا بالعروق جعل الكناية من جنس ذلك الكلام «بأن تترعرعا» يروى براءين مهملتين بينهما عين مهملة ، ويروى «تتزعزها» بزاءين معجمتين بينهما عين مهملة كذلك ، ومعناه تتحرك ، يريد أنهم حدثت لهم النعمة بعد البؤس والضيق ؛ فليس لهم فى الكرم عرق ثابت ؛ فهم لا يتحركون للبذل ، ولا تهش نفوسهم للعطاء «نقائذ» جمع نقيذ ، بمعنى اسم المفعول ، يريد أن ذوى قرابة هؤلاء أنقذوهم من البؤس والفقر «أضرع» هو جمع ضرع ، والعبارة مأخوذة من قول العرب : حلب فلان الدهر أشطره ، يريدون ذاق جلوه ومره «ذوو الأحلام» أصحاب العقول ، ويروى «ذوو الأرحام» وهم الأقارب من جهة النساء «سجلا» ـ بفتح فسكون ـ الدلو ما دام فيها ماء قليلا كان ما فيها من الماء أو كثيرا ، وجمعه سجال ، فإن لم يكن فيها ماء أصلا فهى دلو لا غير. ولا يقال حينئذ سجل ، والغرب ـ بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة ، وكذلك الذنوب ـ بفتح الذال المعجمة ـ مثل السجل ، يريد أن الذى منحه ذوو أرحام هؤلاء إياهم شىء كثير لو وزع على الناس جميعا لوسعهم وكفاهم ، ولكنهم قوم بخلاء ذوو أثرة وأنانية ؛ فلا يجودون وإن كثر ما بأيديهم وزاد عن حاجتهم.

المعنى : إن هذه العروق التى مدحتها فردتنى إنما هى عروق ظلت فى الضر والبؤس حتى أنقذها ذوو أرحامها بعد أن أوشكت أن تموت ، ويقصد بذوى أرحامها بنى مروان.


والمشهور فى «كرب» فتح الراء ، ونقل كسرها أيضا.

ومعنى قوله «وترك أن مع ذى الشروع وجبا» أن ما دلّ على الشروع فى الفعل لا يجوز اقتران خبره بـ «أن» لما بينه وبين «أن» من المنافاة ؛ لأن المقصود به الحال ، و «أن» للاستقبال ، وذلك نحو «أنشأ السائق يحدو ، وطفق زيد يدعو ، وجعل يتكلم ، وأخذ ينظم ، وعلق يفعل كذا».

* * *

واستعملوا مضارعا لأوشكا

وكاد لا غير ، وزادوا موشكا (١)

__________________

الإعراب : «سقاها» سقى : فعل ماض ، وضمير الغائبة مفعوله الأول «ذوو» فاعل سقى ، وذوو مضاف ، و «الأحلام» مضاف إليه «سجلا» مفعول ثان لسقى «على الظما» جار ومجرور متعلق بسقاها «وقد» الواو واو الحال ، قد : حرف تحقيق «كربت» كرب : فعل ماض ناقص ، والتاء تاء التأنيث «أعناقها» أعناق اسم كرب ، وأعناق مضاف والضمير مضاف إليه «أن» مصدرية «تقطعا» فعل مضارع حذفت منه إحدى التاءين ـ وأصله تتقطعا ـ منصوب بأن ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى أعناق ، والجملة فى محل نصب خبر كرب ، والجملة من كرب واسمها وخبرها فى محل نصب حال.

الشاهد فيه : قوله «أن تقطعا» حيث أتى بخبر «كرب» فعلا مضارعا مقترنا بأن وهو قليل ، حتى إن سيبويه لم يحك فيه غير التجرد من «أن» ، وفى هذا البيت رد عليه ، ومثله قول الراجز ، وهو العجاج بن رؤبة :

قد برت أو كربت أن تبورا

لمّا رأيت ييهسا مثبورا

ومن ورود خبر «كرب» مضارعا غير مقترن بأن ـ سوى الشاهد السابق (رقم ٩١) قول عمر بن أبى ربيعة المخزومى :

فلا تحرمى نفسا عليك مضيقة

وقد كربت من شدّة الوجد تطلع

(١) «واستعملوا» فعل وفاعل «مضارعا» مفعول به لاستعمل «لأوشكا» جار


أفعال هذا الباب لا تتصرّف ، إلا «كاد ، وأوشك» ؛ فإنه قد استعمل منهما المضارع ، نحو قوله تعالى : (يَكادُونَ يَسْطُونَ) وقول الشاعر :

* يوشك من فرّ من منيّته (١) *

[٩٠] وزعم الأصمعىّ أنه لم يستعمل «يوشك» إلا بلفظ المضارع [ولم تستعمل «أوشك» بلفظ الماضى] وليس بجيّد ، بل قد حكى الخليل استعمال الماضى ، وقد ورد فى الشعر ، كقوله :

ولو سئل النّاس التّراب لأوشكوا

إذا قيل هاتوا أن يملّوا ويمنعوا (٢)

[٨٩] نعم الكثير فيها استعمال المضارع [وقلّ استعمال الماضى] وقول المصنف : «وزادوا موشكا» معنا أنه قد ورد أيضا استعمال اسم الفاعل من «أوشك» كقوله :

(٩٣) ـ

فموشكة أرضنا أن تعود

خلاف الأنيس وحوشا يبابا

__________________

ومجرور متعلق بقوله استعملوا «وكاد» معطوف على أوشك «لا» عاطفة «غير» معطوف على أوشك ، مبنى على الضم لقطعه عن الإضافة فى محل جر «وزادوا» فعل وفاعل «موشكا» مفعول به لزاد.

(١) هذا هو الشاهد رقم (٩٠) وقد سبق شرحه قريبا ، فانظره (ص ٣٣٣) ومحل الشاهد فيه هنا قوله «يوشك» حيث استعمل فعلا مضارعا لأوشك ، كما بيناه فى الموضع الذى أحلناك عليه.

(٢) هذا هو الشاهد رقم (٨٩) وقد سبق شرحه قريبا ، فانظره فى (ص ٣٣٣) والاستشهاد به ههنا لقوله «أوشكوا» حيث استعمل الفعل الماضى ، وفيه رد على الأصمعى وأبى على حيث أنكرا استعمال الفعل الماضى وصيغة المضارع المبنى للمجهول ، على ما حكاه ابن مالك عنهما ، وقد بينا ذلك فى الموضع الذى أحلناك عليه.

٩٣ ـ هذا البيت لأبى سهم الهذلى ، وبعده قوله :


وقد يشعر تخصيصه «أوشك» بالذكر أنه لم يستعمل اسم الفاعل من «كاد» ، وليس كذلك ، بل قد ورد استعماله فى الشعر ، كقوله :

(٩٤) ـ

أموت أسى يوم الرّجام ، وإنّنى

يقينا لرهن بالّذى أنا كائد

وقد ذكر المصنف هذا فى غير هذا الكتاب.

__________________

وتوحش فى الأرض بعد الكلام

ولا تبصر العين فيه كلابا

اللغة : «خلاف الأنيس» أى بعد المؤانس «وحوشا» قفرا خاليا ، وقد ضبطه بعض العلماء بضم الواو على أنه جمع وحش ، والوحش : صفة مشبهة ، تقول : أرض وحش ، تريد خالية ، وضبطه آخرون بفتح الواو على أنه صفة كصبور «يبابا» قال ابن منظور فى اللسان : «اليباب عند العرب : الذى ليس فيه أحد ، قال عمر بن أبى ربيعة :

ما على الرّسم بالبليّين لو

بيّن رجع الجواب أو لو أجابا؟

فإلى قصر ذى العشيرة فالصا

لف أمسى من الأنيس يبابا

معناه خاليا لا أحد به» اه.

الإعراب : «فموشكة» خبر مقدم ـ وهو اسم فاعل من أوشك ، ويحتاج إلى اسم وخبر ، واسمه ضمير مستتر فيه ـ «أرضنا» أرض : مبتدأ مؤخر ، وأرض مضاف والضمير مضاف إليه «أن» مصدرية «تعود» فعل مضارع منصوب بأن ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى أرض «خلاف» منصوب على الظرفية ، وناصبه «تعود» وخلاف مضاف ، و «الأنيس» مضاف إليه «وحوشا» حال من الضمير المستتر فى تعود ، وقوله «يبابا» حال ثانية ، وقيل : تأكيد لأنه بمعناه ، وقيل : معطوف عليه بحرف عطف مقدر ، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر خبر موشك.

الشاهد فيه : قوله «فموشكة» حيث استعمل اسم الفاعل من أوشك ، ومثله قول كثير بن عبد الرحمن الشهير بكثير عزة :

فإنّك موشك ألّا تراها

وتعدو دون غاضرة العودى

٩٤ ـ هذا البيت لكثير بن عبد الرحمن المعروف بكثير عزة ، وهو من قصيدة له


وأفهم كلام المصنف أن غير «كاد ، وأوشك» من أفعال هذا الباب لم يرد منه المضارع ولا اسم الفاعل ، وحكى غيره خلاف ذلك ؛ فحكى صاحب

__________________

طويلة يقولها فى رثاء عبد العزيز بن مروان أبى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموى العادل ؛ وقبل بيت الشاهد قوله :

وكدت وقد سالت من العين عبرة

سها عاند منها وأسبل عاند

قذيت بها والعين سهو دموعها

وعوّارها فى بان الجفن زائد

فإن تركت للكحل لم يترك البكى

وتشرى إذا ما حثحثتها المراود

اللغة : «سها عاند» يقال : عرق عاند ، إذا سال فلم يكد يرقأ ، وسئل ابن عباس عن المستحاضة فقال : إنه عرق عاند «قذيت بها» أصابنى القذى بسببها «سهو دموعها» ساكنة لينة «عوارها» قذاها «تشرى» تلح «حثحثتها» حركتها «المراود» جمع مرود ـ بزنة منبر ـ وهو ما يحمل به الكحل إلى العين «أسى» حزنا وشدة لوعة «الرجام» بالراء المهملة المكسورة والجيم ـ موضع بعينه ، ويصحفه جماعة بالزاى والحاء المهملة.

الإعراب : «أموت» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «أسى» مفعول لأجله ، ويجوز أن يكون حالا بتقدير «آسيا» أى حزينا «يوم» منصوب على الظرفية الزمانية ، وناصبه «أموت» ويوم مضاف و «الرجام» مضاف إليه «وإننى» إن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمها «يقينا» مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أوقن يقينا «لرهن» اللام مؤكدة ، ورهن : خبر إن «بالذى» جار ومجرور متعلق برهن «أنا» مبتدأ «كائد» خبره ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب بفعل محذوف تقع جملته فى محل نصب خبرا لكائد من حيث نقصانه ، واسمه ضمير مستتر فيه ، وتقدير الكلام : بالذى أنا كائد ألقاه ، مثلا.

الشاهد فيه : قوله «كائد» بهمزة بعد ألف فاعل منقلبة عن واو ـ حيث استعمل الشاعر اسم الفاعل من «كاد» هذا توجيه كلام الشارح العلامة ، وقد تبع فيه قوما من النحاة ، وقيل : إن الصواب فى الرواية «كابد» بالباء الموحدة من المكابدة ، فلا شاهد فيه.


الإنصاف استعمال المضارع واسم الفاعل من «عسى» قالوا : عسى يعسى فهو عاس ، وحكى الجوهرىّ مضارع «طفق» ، وحكى الكسائى مضارع «جعل».

* * *

بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد

غنى بـ «أن يفعل» عن ثان فقد (١)

اختصّت «عسى ، واخلولق ، وأوشك» بأنها تستعمل ناقصة وتامة.

فأما الناقصة فقد سبق ذكرها.

وأما التامة فهى المسندة إلى «أن» والفعل ، نحو «عسى أن يقوم ، واخلولق أن يأتى ، وأوشك أن يفعل» فـ «أن» والفعل فى موضع رفع فاعل «عسى ، واخلولق ، وأوشك» واستغنت به عن المنصوب الذى هو خبرها.

وهذا إذا لم يل الفعل الذى بعد «أن» اسم ظاهر يصحّ رفعه به ؛ فإن وليه نحو «عسى أن يقوم زيد» فذهب الأستاذ أبو على الشّلوبين إلى أنه يجب أن يكون الظاهر مرفوعا بالفعل الذى بعد «أن» فـ «أن» وما بعدها فاعل لعسى ، وهى تامة ، ولا خبر لها ، وذهب المبرد والسيرافىّ والفارسىّ إلى تجويز

__________________

(١) «بعد» ظرف متعلق بقوله يرد الآتى ، وبعد مضاف ، و «عسى» قصد لفظه مضاف إليه «اخلولق ، أوشك» معطوفان على «عسى» بعاطف مقدر «قد» حرف تحقيق «يرد» فعل مضارع «غنى» فاعل يرد «بأن يفعل» جار ومجرور متعلق بقوله «غنى» ومثله قوله «عن ثان» وقوله «فقد» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ثان ، والجملة من فقد ونائب فاعله فى محل جر صفة لثان.


ما ذكره الشّلوبين وتجويز وجه آخر ، وهو : أن يكون ما بعد الفعل الذى بعد «أن» مرفوعا بعسى اسما لها ، و «أن» والفعل فى موضع نصب بعسى ؛ وتقدّم على الاسم ، والفعل الذى بعد «أن» فاعله ضمير يعود على فاعل «عسى» وجاز عوده عليه ـ وإن تأخّر ـ لأنه مقدّم فى النية.

وتظهر فائدة هذا الخلاف فى التثنية والجمع والتأنيث ؛ فتقول ـ على مذهب غير الشلوبين ـ «عسى أن يقوما الزيدان ، وعسى أن يقوموا الزيدون ، وعسى أن يقمن الهندات» فتأتى بضمير فى الفعل ؛ لأن الظاهر ليس مرفوعا به ، بل هو مرفوع بـ «عسى» وعلى رأى الشلوبين يجب أن تقول : «عسى أن يقوم الزيدان ، وعسى أن يقوم الزيدون ، وعسى أن تقوم الهندات» فلا تأتى فى الفعل بضمير ؛ لأنه رفع الظاهر الذى بعده.

* * *

وجرّدن عسى ، أو ارفع مضمرا

بها ، إذا اسم قبلها قد ذكرا (١)

__________________

(١) «وجردن» جرد : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «عسى» قصد لفظه : مفعول به لجرد «أو» حرف عطف معناه التخيير «ارفع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مضمرا» مفعول به لارفع «بها» جار ومجرور متعلق بارفع «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان ، تضمن معنى الشرط «اسم» نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده ، أى : إذا ذكر اسم «قبلها» قبل : ظرف متعلق بذكر الآتى ، وقبل مضاف وها : مضاف إليه «قد» حرف دال على التحقيق مبنى على السكون لا محل له من الإعراب «ذكرا» فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم ، والجملة من ذكر ونائب فاعله المستتر فيه لا محل لها تفسيرية.


اختصّت «عسى» من بين سائر أفعال هذا الباب بأنها إذا تقدم عليها اسم جاز أن يضمر فيها ضمير يعود على الاسم السابق ، وهذه لغة تميم ، وجاز تجريدها عن الضمير ، وهذه لغة الحجاز ، وذلك نحو «زيد عسى أن يقوم» فعلى لغة تميم يكون فى «عسى» ضمير مستتر يعود على «زيد» و «أن يقوم» فى موضع نصب بعسى ، وعلى لغة الحجاز لا ضمير فى عسى» و «أن يقوم» فى موضع رفع بعسى.

ونظهر فائدة ذلك فى التثنية والجمع والتأنيث ؛ فتقول ـ على لغة تميم ـ : «هند عست أن تقوم ، والزيدان عسيا أن يقوما ، والزيدون عسوا أن يقوموا ، والهندان عستا أن تقوما ، والهندات عسين أن يقمن» وتقول ـ على لغة الحجاز ـ : «هند عسى أن تقوم ، والزيدان عسى أن يقوما ، والزيدون عسى أن يقوموا ، والهندان عسى أن تقوما ، والهندات عسى أن يقمن».

وأما غير «عسى» من أفعال هذا الباب فيجب الإضمار فيه ؛ فتقول : «الزيدان جعلا ينظمان» ولا يجوز ترك الإضمار ؛ فلا تقول : «الزيدان جعل ينظمان» كما تقول : «الزيدان عسى أن يقوما».

* * *

والفتح والكسر أجز فى السّين من

نحو «عسيت» ، وانتقا الفتح زكن (١)

__________________

(١) «والفتح» مفعول به مقدم على عامله وهو قوله «أجز» الآتى «والكسر» معطوف على الفتح «أجز» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فى السين» جار ومجرور متعلق بأجز «من نحو» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من السين ، ونحو مضاف وقوله «عسيت» قصد لفظه : مضاف إليه «وانتقا» الواو


إذا اتصل بـ «عسى» ضمير موضوع للرفع ، وهو لمتكلم ، نحو «عسيت» أو لمخاطب ، نحو «عسيت ، وعسيت ، وعسيتما ، وعسيتم ، وعسيتنّ» أو لغائبات ، نحو «عسين» جاز كسر سينها وفتحها ، والفتح أشهر ، وقرأ نافع : (فهل عسيتم إن تولّيتم) ـ بكسر السين ـ وقرأ الباقون بفتحها.

* * *

__________________

عاطفة ، انتقا : مبتدأ ، وانتقا مضاف و «الفتح» مضاف إليه «زكن» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى انتقا الفتح ، والجملة من زكن ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.


إنّ وأخواتها

لإنّ ، أنّ ، ليت ، لكنّ ، لعلّ ،

كأنّ ـ عكس مالكان من عمل (١)

كإنّ زيدا عالم بأنّى

كفء ، ولكنّ ابنه ذو ضغن (٢)

هذا هو القسم الثانى من الحروف الناسخة للابتداء ، وهى ستة أحرف (٣) :

__________________

(١) «لإن» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «أن ، ليت ، لكن ، لعل ، كأن» كلهن معطوف على المجرور بعاطف مقدر «عكس» مبتدأ مؤخر ، وعكس مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «لكان» جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقع جملته صلة الموصول : أى عكس الذى استقر لكان «من عمل» جار ومجرور متعلق بما تعلق به الأول.

(٢) «كإن» الكاف جارة لقول محذوف كما سبق غير مرة ، إن : حرف توكيد ونصب «زيدا» اسمها «عالم» خبرها «بأنى» الباء جارة ، وأن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمها «كفء» خبرها ، وأن ومعمولاها فى تأويل مصدر مجرور بالباء ، والجار والمجرور متعلق بقوله «عالم» السابق «ولكن» حرف استدراك ونصب «ابنه» ابن : اسم لكن ، وابن مضاف والهاء مضاف إليه «ذو» خبر لكن ، وذو مضاف و «ضغن» مضاف إليه.

(٣) قد عرفت مما قدمنا لك ذكره فى أول الكلام على أفعال المقاربة (ص ٣٢٢) أن سيبويه رحمه الله يرى أن «عسى» قد تكون حرفا دالا على الترجى مثل لعل وأنها على مذهبه تكون عاملة عمل إن ؛ فتنصب الاسم ، وترفع الخبر ، وذلك فى حالة واحدة ، وهى أن يتصل بها ضمير نصب ، نحو قول الشاعر :

* فقلت عساها نار كأس وعلّها*

وقد تقدم إنشاده كاملا فى الموضع الذى أحلناك عليه ، ومثله قول الراجز :

تقول بنتى : قد أنى أناكا ،

يا أبتا علك أو عساكا

ومثله قول عمران بن حطان الخارجى :


إنّ ، وأنّ ، وكأنّ ، ولكنّ ، وليت ، ولعلّ ، وعدّها سيبويه خمسة ؛ فأسقط «أنّ» المفتوحة لأن أصلها «إن» المكسورة ، كما سيأتى.

ومعنى «إنّ ، وأنّ» التوكيد ، ومعنى «كأنّ» التشبيه ، و «لكنّ» للاستدراك ، و «ليت» للتّمنّى ، و «لعلّ» للترجّى والإشفاق ، والفرق بين الترجّى والتمنى أن التمنى يكون فى الممكن ، نحو : «ليت زيدا قائم» وفى غير الممكن ، نحو : «ليت الشّباب يعود يوما» (١) ، وأن الترجّى لا يكون إلا فى الممكن ؛ فلا تقول : «لعلّ الشّباب يعود» والفرق بين الترجّى والإشفاق أن الترجّى يكون فى المحبوب ، نحو : «لعل الله يرحمنا» والإشفاق فى المكروه نحو : «لعل العدو يقدم».

وهذه الحروف تعمل عكس عمل «كان» فتنصب الاسم ، وترفع الخبر (٢)

__________________

ولى نفس أقول لها إذا ما

تنازعنى : لعلّى أو عسانى

ولهذا تجد ابن هشام عد هذه الحروف سبعة : الستة التى عدها الناظم والشارح ، والسابع عسى ، عند سيبويه وجماعة من النحاة ، فاعرف ذلك.

(١) قد وردت هذه الجملة فى بيت لأبى العتاهية ، وهو قوله :

ألا ليت الشّباب يعود يوما

فأخبره بما فعل المشيب

(٢) ههنا أمران يجب أن تتنبه لهما :

الأول : أن هذه الحروف لا تدخل على جملة يجب فيها حذف المبتدأ ، كما لا تدخل على مبتدأ لا يخرج عن الابتدائية ، مثل «ما» التعجبية ، كما لا تدخل على مبتدأ يجب له التصدير ـ أى الوقوع فى صدر الجملة ـ كاسم الاستفهام ، ويستثنى من هذا الأخير ضمير الشأن ؛ فإنه مما يجب تصديره ، وقد دخلت عليه إن فى قول الأخطل التغلبى :

إنّ من يدخل الكنيسة يوما

يلق فيها جآذرا وظباء

فإن : حرف توكيد ونصب ، واسمها ضمير شأن محذوف ، ومن : اسم شرط مبتدأ وخبره جملة الشرط وجوابه أو إحداهما ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل رفع خبر إن ، ولا يجوز أن تجعل اسم الشرط اسما لإن ؛ لكونه مما يجب له التصدير ، وقد حمل على


..................................................................................

__________________

ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم : «إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» فإن : حرف توكيد ونصب ، واسمها ضمير شأن محذوف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، والمصورون : مبتدأ مؤخر ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل رفع خبر إن ، وهذا هو الراجح فى إعراب هذا الحديث على هذه الرواية ، ومنهم من جعل من فى قوله «من أشد» زائدة على مذهب الكسائى الذى يجيز زيادة من الجارة فى الإيجاب ، ويجعل «أشد» اسم إن. و «المصورون» خبرها وهو مبنى على رأى ضعيف ، ولا تدخل هذه الحروف على جملة يكون الخبر فيها طلبيا أو إنشائيا ، فأما قوله تعالى (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وقوله سبحانه (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) وقول الشاعر :

إنّ الذين قتلتم أمس سيّدهم

لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما

فإنها على تقدير قول محذوف يقع خبرا لإن ، وتقع هذه الجمل الإنشائية معمولة له ؛ فيكون الكلام من باب حذف العامل وإبقاء المعمول. والتقدير : إن الذين قتلتم سيدهم مقول فى شأنهم لا تحسبوا ـ إلخ ، وكذلك الباقى ، هكذا قالوا ، وهو عندى تكلف والتزام ما لا لزوم له.

ويستثنى من ذلك عندهم أن المفتوحة ؛ فإنها انفردت بجواز وقوع خبرها جملة إنشائية ، وهو مقيس فيما إذا خففت نحو قوله تعالى (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) وقوله جل شأنه : (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها).

الأمر الثانى : أن جماعة من العلماء ـ منهم ابن سيده ـ قد حكوا أن قوما من العرب ينصبون بإن وأخواتها الاسم والخبر جميعا ، واستشهدوا على ذلك بقول (وينسب إلى عمر بن أبى ربيعة ، ولم أجده فى ديوانه) :

إذا اسودّ جنح اللّيل فلتأت ولتكن

خطاك خفافا ، إنّ حرّاسنا أسدا

ويقول محمد بن ذؤيب العمانى الفقيمى الراجز يصف فرسا :

كأنّ أذنيه إذا تشوّفا

قادمة أو قلما محرّفا

وبقول ذى الرمة :

كأن جلودهنّ مموّهات

على أبشارها ذهبا زلالا

وبقول الراجز :


نحو : «إنّ زيدا قائم» ؛ فهى عاملة فى الجزءين ، وهذا مذهب البصريين ، وذهب الكوفيّون إلى أنها لا عمل لها فى الخبر ، وإنما هو باق على رفعه الذى كان له قبل دخول «إن» وهو خبر المبتدأ.

* * *

وراع ذا التّرتيب ، إلّا فى الّذى

كليت فيها ـ أو هنا ـ غير البذى (١)

أى : يلزم تقديم الاسم فى هذا الباب وتأخير الخبر ، إلّا إذا كان الخبر ظرفا ، أو جارا ومجرورا ؛ فإنه لا يلزم تأخيره ، وتحت هذا قسمان :

أحدهما : أنه يجوز تقديمه وتأخيره ، وذلك نحو : «ليت فيها غير البذى»

__________________

* يا ليت أيّام الصّبا رواجعا*

وزعم ابن سلام أن لغة جماعة من تميم ـ هم قوم رؤبة بن العجاج ـ نصب الجزأين بإن وأخواتها ، ونسب ذلك أبو حنيفة الدينورى إلى تميم عامة.

وجمهرة النحاة لا يسلمون ذلك كله ، وعندهم أن المنصوب الثانى منصوب بعامل محذوف ، وذلك العامل المحذوف هو خبر إن ، وكأنه قال : إن حراسنا يشبهون أسدا ، يا ليت أيام الصبا تكون رواجع.

(١) «وراع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ذا» اسم إشارة مفعول به لراع «الترتيب» يدل ، أو عطف بيان ، أو نعت لاسم الإشارة «إلا» أداة استثناء «فى الذى» جار ومجرور يقع موقع المستثنى من محذوف. والتقدير : راع هذا الترتيب فى كل تركيب إلا فى التركيب الذى ـ إلخ «كليت» الكاف جارة لقول محذوف ، وهى ومجرورها متعلقان بفعل محذوف تقع جملته صلة الذى وليت : حرف تمن ونصب «فيها» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليت مقدم على اسمها «أو» عاطفة ، معناه التخيير «هنا» ظرف مكان معطوف على قوله «فيها» «غير» اسم «ليت» مؤخر ، وغير مضاف ، و «البذى» مضاف إليه ، والمراد بالتركيب الذى كليت فيها ـ إلخ : كل تركيب وقع فيه خبر إن ظرفا أو جارا ومجرورا


أو «ليت هنا غير البذى» أى اوقح ؛ فيجوز تقديم «فيها ، وهنا» على «غير» وتأخيرهما عنها.

والثانى : أنه يجب تقديمه ، نحو : «ليت فى الدّار صاحبها» فلا يجوز تأخير «فى الدار» لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

ولا يجوز تقديم معمول الخبر على الاسم إذا كان غير ظرف ولا مجرور ، نحو : «إنّ زيدا آكل طعامك» فلا يجوز «إنّ طعامك زيدا آكل» وكذا إن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا ، نحو : «إنّ زيدا واثق بك» أو «جالس عندك» فلا يجوز تقديم المعمول على الاسم ؛ فلا تقول : «إنّ بك زيدا واثق» أو «إنّ عندك زيدا جالس» وأجازه بعضهم ، وجعل منه قوله :

(٩٥) ـ

فلا تلحنى فيها ؛ فإنّ بحبّها

أخاك مصاب القلب جمّ بلابله

* * *

__________________

٩٥ ـ هذا البيت من شواهد سيبويه الخمسين التى لم ينسبوها إلى قائل معين (انظر كتاب سيبويه ١ / ٢٨٠).

اللغة : «لا تلحنى» ـ من باب فتح ـ أى : لا تلمنى ولا تعذلنى «جم» كثير ، عظيم «بلابله» أى وساوسه ، وهو جمع بلبال ، وهو الحزن واشتغال البال.

المعنى : قال الأعلم فى شرح شواهد سيبويه «يقول لا تلمنى فى حب هذه المرأة فقد أصيب قلبى بها ، واستولى عليه حبها ؛ فالعذل لا يصرفنى عنها» اه

الإعراب : «فلا» ناهية «تلحنى» تلح : فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به «فيها» جار ومجرور متعلق بتلحى «فإن» الفاء تعليلية ، إن : حرف توكيد ونصب «تجبها» الجار والمجرور متعلق بقوله «مصاب» الآتى ، وحب مضاف ، وها : ضمير الغائبة مضاف إليه «أخاك» أخا : اسم إن ، وأخا مضاف والكاف مضاف إليه «مصاب» خبر إن ، ومصاب مضاف و «القلب» مضاف إليه «جم» خبر ثان لإن «بلابله» بلابل : فاعل لجم ، مرفوع بالضمة الظاهرة ، وبلابل مضاف وضمير الغائب العائد إلى «أخاك» مضاف إليه ، مبنى على السكون فى محل جر.


وهمز إنّ افتح لسدّ مصدر

مسدّها ، وفى سوى ذاك اكسر (١)

«إنّ» لها ثلاثة أحوال : وجوب الفتح ، ووجوب الكسر ، وجواز الأمرين :

فيجب فتحها إذا قدّرت بمصدر ، كما إذا وقعت فى موضع مرفوع فعل (٢) ،

__________________

الشاهد فيه : تقديم معمول خبر «إن» وهو قوله «بحبها» على اسمها وهو قوله «أخاك» وخبرها وهو قوله «مصاب القلب» وأصل الكلام «إن أخاك مصاب القلب بحبها» فقدم الجار والمجرور على الاسم ، وفصل به بين إن واسمها ، مع بقاء الاسم مقدما على الخبر ، وإجازة هذا هو ما رآه سيبويه شيخ النحاة (انظر الكتاب ١ / ٢٨٠).

(١) «وهمز» مفعول مقدم على عامله ، وهو قوله «افتح» الآتى ، وهمز مضاف و «إن» قصد لفظه : مضاف إليه «افتح» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لسد» جار ومجرور متعلق بافتح ، وسد مضاف و «مصدر» مضاف إليه «مسدها» مسد : مفعول مطلق ، ومسد مضاف والضمير مضاف إليه «وفى سوى» جار ومجرور متعلق بقوله «اكسر» الآتى ، وسوى مضاف واسم الإشارة من «ذاك» مضاف إليه ، والكاف حرف خطاب «اكسر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

(٢) شمل قول الشارح «مرفوع فعل» ما إذا وقعت أن فى موضع الفاعل كالمثال الذى ذكره ، ومنه قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا) أى : أولم يكفهم إنزالنا ، وما إذا وقعت فى موضع النائب عن الفاعل ، نحو قوله تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) أى : قل أوحى إلى استماع نفر من الجن ، ولا فرق بين أن يكون الفعل ظاهرا كما فى هذه الأمثلة ، وبين أن يكون الفعل مقدرا ، وذلك بعد «ما» المصدرية نحو قولهم : «لا أكلمه ما أن فى السماء نجما» وقولهم : «لا أفعل هذا ما أن حراء مكانه» التقدير : لا أكلمه ما ثبت كون نجم فى السماء ، ولا أفعله ما ثبت كون حراء فى مكانه ، وبعد «لو» الشرطية فى مذهب الكوفيين ، وذلك كما فى نحو قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ) أى لو ثبت صبرهم.


نحو : «يعجبنى أنّك قائم» أى : قيامك ، أو منصوبه ، نحو : «عرفت أنّك قائم» أى : قيامك ، أو فى موضع مجرور حرف ، نحو : «عجبت من أنّك قائم» أى : من قيامك (١) ، وإنما قال : «لسدّ مصدر مسدّها» ولم يقل : «لسد مفرد مسدها» لأنه قد يسدّ المفرد مسدّها ويجب كسرها ، نحو : «ظننت زيدا إنه قائم» ؛ فهذه يجب كسرها وإن سدّ مسدّها مفرد ؛ لأنها فى موضع المفعول الثانى ، ولكن لا تقدّر بالمصدر ؛ إذ لا يصح «ظننت زيدا قيامه».

فإن لم يجب تقديرها بمصدر لم يجب فتحها ، بل تكسر : وجوبا ، أو جوازا ، على ما سنبين ، وتحت هذا قسمان ؛ أحدهما : وجوب الكسر ، والثانى : جواز الفتح والكسر ؛ فأشار إلى وجوب الكسر بقوله :

__________________

(١) ذكر المؤلف ضابطا عاما للمواضع التى يجب فيها فتح همزة «إن» ـ وهو أن يسد المصدر مسدها ـ وقد ذكر الشارح ثلاثة منها ، وبقيت عليه خمسة مواضع أخرى :

الأول : أن تقع فى موضع مبتدأ مؤخر ، نحو قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ) أى ومن آياته رؤيتك الأرض.

الثانى : أن تقع فى موضع خبر مبتدأ ، بشرط أن يكون ذلك المبتدأ غير قول ، وبشرط ألا يكون خبر أن صادقا على ذلك المبتدأ ، نحو قولك : ظنى أنك مقيم معنا اليوم ، أى ظنى إقامتك معنا اليوم.

الثالث : أن تقع فى موضع المضاف إليه نحو قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) أى مثل نطقكم ؛ فما : صلة ، ومثل مضاف وأن مع ما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور بالإضافة.

الرابع : أن تقع فى موضع المعطوف على شىء مما ذكرناه ، نحو قوله تعالى : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ، وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) أى : اذكروا نعمتى وتفضيلى إياكم.

الخامس : أن تقع فى موضع البدل من شىء مما ذكرناه ، نحو قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) أى : وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين كونها لكم ، فهو بدل اشتمال من المفعول به.


فاكسر فى الابتدا ، وفى بدء صله

وحيث «إنّ» ليمين مكمله (١)

أو حكيت بالقول ، أو حلّت محلّ

حال ، كزرته وإنّى ذو أمل (٢)

وكسروا من بعد فعل علّقا

باللّام ، كاعلم إنّه لذو تقى (٣)

__________________

(١) «فاكسر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فى الابتد» جار ومجرور متعلق باكسر «وفى بدء» جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور السابق ، وبدء مضاف و «صله» مضاف إليه «وحيث» الواو عاطفة ، حيث : ظرف معطوف على الجار والمجرور «إن» قصد لفظه : مبتدأ «ليمين» جار ومجرور متعلق بقوله «مكمله» الآتى «مكمله» خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل جر بإضافة «حيث» إليها.

(٢) «أو» حرف عطف «حكيت» حكى : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء للتأنيث ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى إن ، والجملة معطوفة على جملة المبتدأ والخبر السابقة «بالقول» جار ومجرور متعلق بحكيت «أو» حرف عطف «حلت» حل : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى إن «محل» مفعول فيه ، ومحل مضاف ، و «حال» مضاف إليه «كزرته» الكاف جارة لقول محذوف ، كما سلف مرارا ، زرته : فعل وفاعل ومفعول «وإنى» الواو واو الحال ، إن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمها «ذو» خبرها ، وذو مضاف ، و «أمل» مضاف إليه ، والجملة من إن واسمها وخبرها فى محل نصب حال صاحبه تاء المتكلم فى «زرته».

(٣) «وكسروا» الواو عاطفة ، وكسروا : فعل وفاعل «من بعد» جار ومجرور متعلق بكسروا ، وبعد مضاف ، و «فعل» مضاف إليه «علقا» علق : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل والجملة فى محل جر نعت لفعل «باللام» جار ومجرور متعلق بعلق «كاعلم» الكاف جارة لقول محذوف ، اعلم : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إنه» إن حرف توكيد ونصب ، والهاء اسمها «لذو» اللام هى لام الابتداء ، وهى المعلقة ، ذو : خبر إن مرفوع بالواو نيابة عن الضمه لأنه من الأسماء الستة ، وذو مضاف ، و «تقى» مضاف إليه.


[فذكر أنه] يجب الكسر فى ستة مواضع :

الأول : إذا وقعت «إنّ» ابتداء ، أى : فى أول الكلام ، نحو : «إنّ زيدا قائم» ولا يجوز وقوع المفتوحة ابتداء ؛ فلا تقول : «أنّك فاضل عندى» بل يجب التأخير ؛ فتقول : «عندى أنّك فاضل» وأجاز بعضهم الابتداء بها.

الثانى : أن تقع «إنّ» صدر صلة ، نحو : «جاء الّذى إنه قائم» ، ومنه قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ).

الثالث : أن تقع جوابا للقسم وفى خبرها اللام ، نحو : «والله إن زيدا لقائم» وسيأتى الكلام على ذلك.

الرابع : أن تقع فى جملة محكيّة بالقول ، نحو : «قلت إنّ زيدا قائم» [قال تعالى : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ)] ؛ فإن لم تحك به ـ بل أجرى القول مجرى الظن ـ فتحت ، نحو : «أتقول أن زيدا قائم؟» أى : أتظنّ.

الخامس : أن تقع فى جملة فى موضع الحال ، كقوله : «زرته وإنّى ذو أمل» ومنه قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) وقول الشاعر :

(٩٦) ـ

ما أعطيانى ولا سألتهما

إلّا وإنّى لحاجزى كرمى

__________________

٩٦ ـ البيت لكثير عزة ، وهو كثير بن عبد الرحمن ، من قصيدة له يمدح فيها عبد الملك بن مروان بن الحكم وأخاه عبد العزيز بن مروان ، وأول هذه القصيدة قوله :

دع عنك سلمى إذ فات مطلبها

واذكر خليليك من بنى الحكم

اللغة : «مطلبها» يجوز أن يكون ههنا مصدرا ميميا بمعنى الطلب ، ويجوز أن يكون اسم زمان بمعنى وقت الطلب ، والثانى أقرب «إلا» رواية سيبويه ـ رحمه الله ـ على أنها أداة استثناء مكسورة الهمزة مشددة اللام ، ورواية أبى العباس المبرد بفتح الهمزة وتخفيف اللام على أنها أداة استفتاح ، ورواية سيبويه أعرف وأشهر وأصلح من جهة


السادس : أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب وقد علّق عنها باللام ، نحو : «علمت إنّ زيدا لقائم» وسنبين هذا فى باب «ظنّ» فإن لم يكن فى خبرها اللام فتحت ، نحو : «علمت أنّ زيدا قائم».

هذا ما ذكره المصنف ، وأورد عليه أنه نقص مواضع يجب كسر إنّ» فيها :

الأول : إذا وقعت بعد «ألا» الاستفتاحية ، نحو : «ألا إنّ زيدا قائم». ومنه قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ)

__________________

المعنى «حاجزى» أى مانعى ، وتقول : حجزه يحجزه ـ من باب ضرب ـ إذا منعه وكفه.

الإعراب : «ما» نافية «أعطيانى» أعطى : فعل ماض ، وألف الاثنين فاعل ، والنون للوقاية ، والياء مفعول أول ، والمفعول الثانى محذوف ، والتقدير : ما أعطيانى شيئا «ولا» الواو عاطفة ، لا : نافية «سألتهما» فعل وفاعل ومفعول أول ، والمفعول الثانى محذوف ، وتقديره كالسابق «إلا» أداة استثناء ، والمستثنى منه محذوف ، أى : ما أعطيانى ولا سألتهما فى حالة من الأحوال «وإنى» الواو واو الحال ، إن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمها «لحاجزى» اللام للتأكيد ، حاجز : خبر إن ، وحاجز مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله «كرمى» كرم : فاعل بحاجز ، وكرم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، وجملة إن واسمها وخبرها فى محل نصب حال ، وهذه الحال فى المعنى مستثناة من عموم الأحوال ، وكأنه قال : ما أعطيانى ولا سألتهما فى حالة إلا هذه.

الشاهد فيه : قوله «إلا وإنى ـ إلخ» حيث جاءت همزة «إن» مكسورة لأنها وقعت موقع الحال ، وثمت سبب آخر فى هذه العبارة يوجب كسر همزة «إن» وهو اقتران خبرها باللام ، وقال الأعلم (ج ١ ص ٤٧٢) : الشاهد فيه كسر إن ؛ لدخول اللام فى خبرها ، ولأنها واقعة موقع الجملة النائبة عن الحال ، ولو حذف اللام لم تكن إلا مكسورة لذلك» اه.

ومثل هذا البيت قول الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) فإن فى هذه الآية الكريمة مكسورة الهمزة وجوبا لسببين كل واحد منهما يقتضى ذلك على استقلاله : وقوعها موقع الحال ، واقتران خبرها باللام.


الثانى : إذا وقعت بعد «حيث» ، نحو : «اجلس حيث إنّ زيدا جالس».

الثالث : إذا وقعت فى جملة هى خبر عن اسم عين ، نحو : «زيد إنّه قائم».

ولا يرد عليه شىء من هذه المواضع ؛ لدخولها تحت قوله : «فاكسر فى الابتدا» لأن هذه إنما كسرت لكونها أوّل جملة مبتدأ بها.

* * *

بعد إذا فجاءة أو قسم

لا لام بعده بوجهين نمى (١)

مع تلو فا الجزا ، وذا يطّرد

فى نحو «خير القول إنّى أحمد» (٢)

__________________

(١) «بعد» ظرف متعلق بقوله «نمى» فى آخر البيت ، وبعد مضاف ، و «إذا» مضاف إليه ، وإذا مضاف و «فجاءة» مضاف إليه ، وهى من إضافة الدال إلى المدلول «أو» حرف عطف «قسم» معطوف على إذا «لا» نافية للجنس «لام» اسمها «بعده» بعد : ظرف متعلق بمحذوف خبر لا ، وبعد مضاف والهاء مضاف إليه ، وجملة لا واسمها وخبرها فى محل جر نعت لقسم «بوجهين» جار ومجرور متعلق بقوله «نمى» الآتى «نمى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى همز إن.

(٢) «مع» ظرف معطوف على قوله «بعد» السابق بعاطف مقدر ، ومع مضاف و «تلو» مضاف إليه ، وتلو مضاف و «فا» قصر للضرورة : مضاف إليه ، وفا مضاف و «الجزا» قصر للضرورة أيضا : مضاف إليه «ذا» اسم إشارة مبتدأ «يطرد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على اسم الإشارة ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «فى نحو» جار ومجرور متعلق بيطرد «خير» مبتدأ ، وخير مضاف و «القول» مضاف إليه «إنى» إن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمها «أحمد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، وجملة المضارع وفاعله فى محل رفع خبر إن ، وجملة إن ومعموليها فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جر بإضافة «نحو» إليه.


يعنى أنه يجوز فتح «إنّ» وكسرها إذا وقعت بعد إذا الفجائية ، نحو «خرجت فإذا إن زيدا قائم» فمن كسرها جعلها جملة ، والتقدير : خرجت فإذا زيد قائم ، ومن فتحها جعلها مع صلتها مصدرا ، وهو مبتدأ خبره إذا الفجائية ، والتقدير «فإذا قيام زيد» أى ففى الحضرة قيام زيد ، ويجوز أن يكون الخبر محذوفا ، والتقدير «خرجت فإذا قيام زيد موجود» (١) ، ومما جاء بالوجهين قوله :

(٩٧) ـ

وكنت أرى زيدا ـ كما قيل ـ سيّدا

إذا أنّه عبد القعا والّلهازم

__________________

(١) هذان الوجهان اللذان جوزهما المؤلف على تقدير فتح همز أن بعد إذا الفجائية مبنيان على الخلاف فى إذا الفجائية : أهى حرف أم ظرف؟ (انظر ص ٢٤٤ وما بعدها) فمن قال هى ظرف مكانى أو زمانى جعلها الخبر ، وفتح الهمزة ، ومن قال هى حرف أجاز جعل إن واسمها وخبرها جملة أو جعلها فى تأويل مفرد ، وهذا المفرد إما أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف ، وإما أن يكون مبتدأ والخبر محذوفا ، فإن جعلتها جملة كسرت الهمزة ، وإن جعلتها مفردا فتحت الهمزة.

والحاصل أن من قال «إذا حرف مفاجأة» وهو ابن مالك ـ جاز عنده كسر همزة إن بعدها على تقدير أن ما بعدها جملة تامة ، وجاز عنده أيضا فتح الهمزة على تقدير أن ما بعدها فى تأويل مصدر مبتدأ خبره محذوف أو خبر لمبتدأ محذوف ، وأما من جعل إذا ظرفا زمانيا أو مكانيا فقد أوجب فتح همزة أن على أنها فى تأويل مصدر مبتدأ خبره الظرف قبله.

ومن هنا يتبين لك أن كلام الناظم وجعله «إن» بعد «إذا» ذات وجهين لا يتم إلا على مذهبه أن إذا الفجائية حرف ، أو على التلفيق من المذهبين : بأن يكون الفتح على مذهب من قال بظرفيتها والكسر على مذهب من قال بحرفيتها ، مع أن من قال بحرفيتها يجوز فيها الفتح أيضا.

٩٧ ـ هذا البيت من شواهد سيبويه التى لم ينسبوها ، وقال سيبويه قبل أن ينشده (١ ـ ٤٧٢): «وسمعت رجلا من العرب ينشد هذا البيت كما أخبرك به» اه.

اللغة : «اللهازم» جمع لهزمة ـ بكسر اللام والزاى ـ وهى طرف الحلقوم ، ويقال : هى عظم ناتىء تحت الأذن ، وقوله «عبد القفا واللهازم» كناية عن الخسة والدناءة والذلة ، وذلك لأن القفا موضع الصفع ، واللهزمة موضع اللكز ، فأنت إذا


..................................................................................

__________________

نظرت إلى هذين الموضعين منه اتضح لك أنه يضرب على قفاه ولهزمته ، وليس أحد يضرب على قفاه ولهزمته غير العبد ، فتعرف من ذلك عبوديته وذلته ودناءته.

المعنى : كنت أظن زيدا سيدا كما قيل لى عنه ، فإذا هو ذليل خسيس لا سيادة له ولا شرف.

الإعراب : «كنت» كان : فعل ماض ناقص ، والتاء اسمه «أرى» بزنة المبنى للمجهول ومعناه أظن ـ فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «زيدا» مفعوله الأول «كما» الكاف جارة ، وما : مصدرية «قيل» فعل ماض مبنى للمجهول وما المصدرية مع مدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف : أى كقول الناس ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت لمصدر محذوف يقع مفعولا مطلقا ، والتقدير : ظنا موافقا قول الناس «سيدا» مفعول ثان لأرى ، والجملة من «أرى» وفاعلها ومفعوليها فى محل نصب خبر كان «إذا» فجائية «إنه» إن : حرف توكيد ونصب ، والهاء اسمه «عبد» خبر إن ، وعبد مضاف و «القفا» مضاف إليه «واللهازم» معطوف على القفا.

الشاهد فيه : قوله «إذا أنه» حيث جاز فى همزة «إن» الوجهان ؛ فأما الفتح فعلى أن تقدرها مع معموليها بالمفرد الذى هو مصدر ، وإن كان هذا المفرد محتاجا إلى مفرد آخر لتتم بهما جملة ، وهذا الوجه يتأتى على الراجح عند الناظم من أن إذا حرف لا ظرف ، كما أنه يتأتى على القول بأنها ظرف ، وأما الكسر فلتقديرها مع مفعوليها جملة ، وهى فى ابتدائها ، قال سيبويه : «فحال إذا ههنا كحالها إذا قلت : مررت فإذا أنه عبد ، تريد مررت به فإذا العبودية واللؤم ، كأنك قلت : مررت فإذا أمره العبودية واللؤم ، ثم وضعت أن فى هذا الموضع جاز» اه ، وقال الأعلم : «الشاهد فيه جواز فتح إن وكسرها يعد إذا ، فالكسر على نية وقوع المبتدأ ، والإخبار عنه بإذا ، والتقدير فإذا العبودية ، وإن شئت قدرت الخبر محذوفا على تقدير : فإذا العبودية شأنه» اه.

والمحصل من وجوه الإعراب الجائز فى هذا الأسلوب أن نقول لك :

أما من ذهب إلى أن إذا الفجائية ظرف فأوجب فتح همزة إن ، وجعل أن وما دخلت


روى بفتح «أنّ» روى بفتح «أنّ» وكسرها ؛ فمن كسرها جعلها جملة [مستأنفة] ، والتقدير «إذا هو عبد القفا والّلهازم» ومن فتحها جعلها مصدرا مبتدأ ، وفى خبره الوجهان السابقان ، والتقدير على الأول «فإذا عبوديّته» أى : ففى الحضرة عبوديته ، وعلى الثانى «فإذا عبوديته موجودة».

وكذا يجوز فتح «إن» وكسرها إذا وقعت جواب قسم ، وليس فى خبرها اللام ، نحو «حلفت أنّ زيدا قائم» بالفتح والكسر ؛ وقد روى بالفتح والكسر قوله :

(٩٨) ـ

لتقعدنّ مقعد القصىّ

منّى ذى القاذورة المقلىّ

أو تحلفى بربّك العلىّ

أنّى أبو ذيّالك الصّبىّ

__________________

عليه فى تأويل مصدر ، ويجوز لك ـ حينئذ ـ ثلاثة أوجه من الإعراب : الأول أن يكون المصدر مبتدأ خبره إذا نفسها ، والثانى أن يكون المصدر مبتدأ خبره محذوف ، أى فإذا العبودية شأنه ، أو فإذا العبودية موجودة ، وهذا تقدير الشارح كغيره ، والثالث أن تجعل المصدر خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير فإذا شأنه العبودية ، وهذا تقدير سيبويه كما سمعت فى عبارته.

وأما من ذهب إلى أن إذا الفجائية حرف فأجاز فتح همزة إن وأجاز كسرها ، فإن فتحتها فهى ومدخولها فى تأويل مصدر ، ولك وجهان من الإعراب ، الأول أن تجعل المصدر مبتدأ خبره محذوف ، والثانى : أن تجعل المصدر خبر مبتدأ محذوف ، وليس لك ـ على هذا ـ أن تجعل «إذا» نفسها خبر المبتدأ ، لأن إذا حينئذ حرف وليست ظرفا ، وإن كسرتها فليس لك إلا الإعراب الظاهر ؛ إذ ليس فى الكلام تقدير ، فاحفظ هذا والله تعالى يرشدك.

٩٨ ـ البيتان ينسبان إلى رؤبة بن العجاج ، وقال ابن برى : «هما لأعرابى قدم من سفر فوجد امرأته وضعت ولدا فأنكره».

اللغة : «القصى» البعيد النائى «ذى القاذورة» المراد به الذى لا يصاحبه الناس لسوء خلقه ، ويقال : هذا رجل قاذورة ، وهذا رجل ذو قاذورة ؛ إذا كان الناس


..................................................................................

__________________

يتحامون صحبته لسوء أخلاقه ودنىء طباعه «المقلى» المكروه ، اسم مفعول مأخوذ من قولهم : قلاه يقليه ، إذا أبغضه واجتواه ، ويقال فى فعله أيضا : قلاه يقلوه ، فهو يائى واوى ، إلا أنه ينبغى أن يكون اسم المفعول الذى معنا فى هذا الشاهد مأخوذا من اليائى ؛ لأنه لو كان من الواوى لقال : مقلو ، كما تقول : مدعو ومغزو ، من دعا يدعو ، وغزا يغزو.

الإعراب : «لتقعدن» اللام واقعة فى جواب قسم محذوف ، تقعدن : فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة لتوالى الأمثال ، وياء المؤنثة المخاطبة المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين فاعل ، والنون للتوكيد ، وأصله «نقعدينن» فحذفت نون الرفع فرارا من اجتماع ثلاث نونات ، فلما حذفت التقى ساكنان ، فحذفت ياء المؤنثة المخاطبة للتخلص من التقائهما وهى كالثابتة ، لكون حذفها لعلة تصريفية ، وللدلالة عليها بكسر ما قبلها «مقعد» مفعول فيه أو مفعول مطلق ، ومقعد مضاف و «القصى» مضاف إليه «منى» جار ومجرور متعلق بتقعدن ، أو بالقصى ، أو بمحذوف حال «ذى» نعت للقصى ، وذى مضاف و «القاذورة» مضاف إليه «المقلى» نعت ثان للقصى «أو» حرف عطف بمعنى إلا «تحلفى» فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد أو ، وعلامة نصبه حذف النون ، وياء المخاطبة فاعل «بربك» الجار والمجرور متعلق بتحلفى ، ووب مضاف والكاف مضاف إليه «العلى» صفة لرب «أنى» أن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمه «أبو» خبر أن ، وأبو مضاف وذيا من «ذيالك» اسم إشارة مضاف إليه ، واللام للبعد ، والكاف حرف خطاب «الصبى» بدل من اسم الإشارة ، أو عطف بيان عليه ، أو نعت له.

الشاهد فيه : قوله «أنى» حيث يجوز فى همزة «إن» الكسر والفتح ؛ لكونها واقعة بعد فعل قسم لا لام بعده.

أما الفتح فعلى تأويل أن مع اسمها وخبرها بمصدر مجرور بحرف جر محذوف ، والتقدير : أو تحلفى على كونى أبا لهذا الصبى.

وأما الكسر فعلى اعتبار إن واسمها وخبرها جملة لا محل لها من الإعراب جواب القسم.

ووجه جواز هذين الوجهين فى هذا الموضع أن القسم يستدعى جوابا لا بد أن


ومقتضى كلام المصنف أنه يجوز فتح «إنّ» وكسرها بعد القسم إذا لم يكن فى خبرها اللام ، سواء كانت الجملة المقسم بها فعلية ، والفعل فيها ملفوظ به ، نحو «حلفت إنّ زيدا قائم» أو غير ملفوظ به ، نحو «والله إنّ زيدا قائم» أو اسمية ، نحو «لعمرك إنّ زيدا قائم» (١).

__________________

يكون جملة ، وبستدعى محلوفا عليه يكون مفردا ويتعدى له فعل القسم بعلى ؛ فإن قدرت «أن» بمصدر كان هو المحلوف عليه وكان مفردا مجرورا بعلى محذوفة ، وإن قدرت أن جملة فهى جواب القسم ، فتنبه لهذا الكلام.

(١) اعلم أن ههنا أربع صور :

الأولى : أن يذكر فعل القسم ، وتقع اللام فى خبر إن ، نحو قولك : حلفت بالله إنك لصادق ، ومنه قوله تعالى : (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) وقوله جل شأنه : (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ).

والثانية : أن يحذف فعل القسم ، وتقع اللام أيضا فى خبر إن ، نحو قولك : والله إنك لمؤدب ، ومنه قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ).

ولا خلاف فى أنه يتعين كسر همزة إن فى هاتين الصورتين ؛ لأن اللام لا تدخل إلا على خبر إن المكسورة.

والصورة الثالثة : أن يذكر فعل القسم ، ولا تقترن اللام بخبر إن ، كما فى البيت الشاهد السابق (رقم ٩٨).

ولا خلاف أيضا فى أنه يجوز فى هذه الصورة وجهان : كسر همزة إن ، وفتحها ، على التأويلين اللذين ذكرهما الشارح ، وذكرناهما فى شرح الشاهد السابق.

والصورة الرابعة : أن يحذف فعل القسم ، ولا تقترن اللام بخبر إن ، نحو قولك ، والله إنك عالم ، ومنه قوله تعالى : (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ).

وفى هذه الصورة خلاف ، والكوفيون يجوزون فيها الوجهين ، والبصريون لا يجوزون فتح الهمزة ، ويوجبون كسرها ؛ والذى حققه أثبات العلماء أن مذهب الكوفيين فى هذا الموضع غير صحيح ، فقد نقل ابن هشام إجماع العرب على الكسر ، وقال السيوطى فى جمع الجوامع : «وما نقل عن الكوفيين من جواز الفتح فيها غلط ؛ لانه لم يسمع» اه.


وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت «إنّ» بعد فاء الجزاء ، نحو «من يأتنى فإنّه مكرم» فالكسر على جعل «إنّ» ومعموليها جملة أجيب بها الشرط ، فكأنه قال : من يأتنى فهو مكرم ، والفتح على جعل «أنّ» وصلتها مصدرا مبتدأ والخبر محذوف ، والتقدير «من يأتنى فإكرامه موجود» ويجوز أن يكون خبرا والمبتدأ محذوفا ، والتقدير «فجزاؤه الإكرام».

ومما جاء بالوجهين قوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قرىء (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بالفتح [والكسر ؛ فالكسر على جعلها جملة جوابا لمن ، والفتح] على جعل أنّ وصلتها مصدرا مبتدأ خبره محذوف ، والتقدير «فالغفران جزاؤه» أو على جعلها خبرا لمبتدأ محذوف ، والتقدير «فجزاؤه الغفران».

وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت «أنّ» بعد مبتدأ هو فى المعنى قول وخبر «إنّ» قول ، والقائل واحد ، نحو «خير القول إنى أحمد [الله]» فمن فتح جعل «أنّ» وصلتها مصدرا خبرا عن «خير» ، والتقدير «خير القول حمد لله» فـ «خير» : مبتدأ ، و «حمد الله» : خبره ، ومن كسر جعلها جملة خبرا عن «خير» كما تقول «أول قراءتى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) فأول : مبتدأ ، و (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) جملة خبر عن «أول» وكذلك «خير القول» مبتدأ ، و «إنى أحمد الله» خبره ، ولا تحتاج هذه

__________________

وعلى هذا ينبغى أن يحمل كلام الناظم ؛ فيكون تجويز الوجهين مخصوصا بذكر فعل القسم مع عدم اقتران الخبر باللام ؛ وهى الصورة التى أجمعوا فيها على جواز الوجهين.


الجملة إلى رابط ؛ لأنها نفس المبتدأ فى المعنى ؛ فهى مثل «نطقى الله حسبى» ومثّل سيبويه هذه المسألة بقوله : «أول ما أقول أنّى أحمد الله» وخرّج الكسر على الوجه الذى تقدّم ذكره ، وهو أنه من باب الإخبار بالجمل ، وعليه جرى جماعة من المتقدمين والمتأخرين : كالمبرد ، والزجاج ، والسيرافى ، وأبى بكر بن طاهر ؛ وعليه أكثر النحويين.

* * *

وبعد ذات الكسر تصحب الخبر

لام ابتداء ، نحو : إنّى لوزر (١)

يجوز دخول لام الابتداء على خبر «إنّ» المكسورة (٢) ، نحو «إنّ زيدا لقائم».

__________________

(١) «بعد» ظرف متعلق بقوله تصحب الآتى ، وبعد مضاف ، و «ذات» مضاف إليه ، وذات مضاف ، و «الكسر» مضاف إليه «تصحب» فعل مضارع «الخبر» مفعول به لتصحب مقدم على الفاعل «لام» فاعل مؤخر عن المفعول ، ولام مضاف و «ابتداء» مضاف إليه «نحو» خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك نحو «إنى» إن : حرف توكيد ونصب ، والياء التى هى ضمير المتكلم اسمها «لوزر» اللام لام الابتداء ، وهى للتأكيد ، وزر : خبر إن ، ومعناه الملجأ الذى يستعان به.

(٢) يشترط فى خبر إن الذى يجوز اقتران اللام به ثلاثة شروط. ذكر المصنف منها شرطين فيما يأتى :

الأول : أن يكون مؤخرا عن الاسم ، فإن تقدم على الاسم لم يجز دخول اللام عليه نحو قولك : إن فى الدار زيدا ، ولا فرق فى حالة تأخره على الاسم بين أن يتقدم معموله عليه وأن يتأخر عنه ، وزعم ابن الناظم أن معمول الخبر لو تقدم عليه امتنع دخول اللام على الخبر ، وهو مردود بنحو قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) فقد دخلت اللام على الخبر فى أفصح الكلام مع تقدم معموليه وهما «بهم» و «يومئذ»

الثانى : أن يكون الخبر مثبتا غير منفى ، فإن كان منفيا امتنع دخول اللام عليه.

الثالث : أن يكون الخبر غير جملة فعلية فعلها ماض متصرف غير مقترن بقد ، وذلك


وهذه اللام حقّها أن تدخل على أول الكلام ؛ لأنّ لها صدر الكلام ؛ فحقّها أن تدخل على «إنّ» نحو «لأنّ زيدا قائم» لكن لما كانت اللام للتأكيد ، وإن للتأكيد ؛ كرهوا الجمع بين حرفين بمعنى واحد ، فأخّروا اللام إلى الخبر.

ولا تدخل هذه اللام على خبر باقى أخوات «إنّ» ؛ فلا تقول «لعلّ زيدا لقائم» وأجاز الكوفيون دخولها فى خبر «لكن» ، وأنشدوا :

(٩٩) ـ

يلوموننى فى حبّ ليلى عواذلى

ولكنّنى من حبّها لعميد

__________________

بأن يكون واحدا من خمسة أشياء ، أولها : المفرد نحو «إن زيدا لقائم» ، وثانيها : الجملة الاسمية نحو «إن أخاك لوجهه حسن» ، والثالث : الجملة الفعلية التى فعلها مضارع نحو «إن زيدا ليقوم» ، والرابع : الجملة الفعلية التى فعلها ماض جامد نحو «إن زيدا لعسى أن يزورنا» ، والخامس : الجملة الفعلية التى فعلها ماض متصرف مقترن بقد ، نحو «إن زيدا لقد قام».

ثم إذا كان الخبر جملة اسمية جاز دخول اللام على أول جزءيها نحو «إن زيدا لوجهه حسن» ، وعلى الثانى منهما نحو «إن زيدا وجهه لحسن» ، ودخولها على أول الجزءين أولى ؛ بل ذكر صاحب البسيط أن دخولها على ثانيهما شاذ.

٩٩ ـ هذا البيت مما ذكر النحاة أنه لا يعرف له قائل ، ولم أجد أحدا ذكر صدره قبل الشارح العلامة ، بل وقفت على قول ابن النحاس : «ذهب الكوفيون إلى جواز دخول اللام فى خبر لكن ، واستدلوا بقوله :

* ولكنّنى من حبّها لعميد*

والجواب أن هذا لا يعرف قائله ولا أوله ، ولم يذكر منه إلا هذا ؛ ولم ينشده أحد ممن وثق فى العربية ، ولا عزى إلى مشهور بالضبط والإتقان» اه كلامه ، ومثله للانبارى فى الإنصاف (٢١٤) ؛ وقال ابن هشام فى مغنى اللبيب : «ولا يعرف له قائل ، ولا تتمة ، ولا نظير» اه.

ولا ندرى أرواية الصدر على هذا الوجه مما نقله الشارح العلامة أم وضعه من عند


..................................................................................

__________________

نفسه أم مما أضافه بعض الرواة قديما لتكميل البيت غير متدبر لما يجره هذا الفعل من عدم الثقة ، وإذا كان الشارح هو الذى رواه فمن أى المصادر؟ مع تضافر العلماء من قبله ومن بعده على ما ذكرنا.

اللغة : «عميد» من قولهم : عمده العشق ، إذا هذه ، وقيل : إذا انكسر قلبه من المودة.

الإعراب : «يلوموننى» فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، وواو الجماعة فاعل ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به ، والجملة فى محل رفع خبر مقدم ، وهذا إذا جرينا على اللغة الفصحى ، وإلا فالواو حرف دال على الجمع ، وعواذلى : هو فاعل يلوم ، وقوله «فى حب» جار ومجرور متعلق بيلوم ، وحب مضاف ، و «ليلى» مضاف إليه «عواذلى» مبتدأ مؤخر على الفصحى «ولكننى» لكن : حرف استدراك ونصب ، والنون للوقاية ، والياء اسمه «من حبها» الجار والمجرور متعلق بقوله عميد الآتى ، وحب مضاف ، وها : مضاف إليه «لعميد» اللام لام الابتداء ، أو هى زائدة على ما ستعرف فى بيان الاستشهاد ، وعميد خبر لكن.

الشاهد فيه : قوله «لعميد» حيث دخلت لام الابتداء ـ فى الظاهر ـ على خبر لكن ، وجواز ذلك هو مذهب الكوفيين.

والبصريون يأبون هذا وينكرونه ، ويجيبون عن هذا البيت بأربعة أجوبة.

أحدها : أن هذا البيت لا يصح ، ولم ينقله أحد من الأثبات.

الثانى : ما ذكره الشارح العلامة من أن اللام زائدة ، وليست لام الابتداء.

الثالث : سلمنا صحة البيت ، وأن اللام فيه للابتداء ، ولكنها ليست داخلة على خبر «لكن» وإنما هى داخلة على خبر «إن» المكسورة الهمزة المشددة النون ، وأصل الكلام «ولكن إننى من حبها لعميد» فحذفت همزة «إن» تخفيفا ، فاجتمع أربع نونات إحداهن نون «ولكن» واثنتان نونا «إن» والرابعة نون الوقاية ؛ فحذفت واحدة منهن ، فبقى الكلام على ما ظننت.

الرابع : سلمنا أن هذا البيت صحيح ، وأن اللام هى لام الابتداء ، وأنها داخلة على خبر لكن ، ولكننا لا نسلم أن هذا مما يجوز القياس عليه ، بل هو ضرورة وقعت فى هذا البيت بخصوصه ، والبيت المفرد والبيتان لا تبنى عليهما قاعدة.


وخرّج على أن اللام زائدة ، كما شذّ زيادتها فى خبر «أمسى» نحو قوله :

(١٠٠) ـ

مرّوا عجالى ، فقالوا : كيف سيّدكم؟

فقال من سألوا : أمسى لمجهودا

__________________

والتخريجان الثالث والرابع متحتمان فيما ذكره الشارح من الشواهد (١٠٠ ، ١٠١) وما نذكره من قول كثير فى شرح الشاهد الآتى ، وكذلك فى قول الآخر :

أمسى أبان ذليلا بعد عزّته

وما أبان لمن أعلاج سودان

١٠٠ ـ حكى العينى أن هذا البيت من أبيات الكتاب ، ولم ينسبوه إلى أحد ، وأنشده أبو حيان فى التذكرة مهملا أيضا ، وأنشده ثعلب فى أماليه ، وأنشده أبو على الفارسى ، وأنشده أبو الفتح ابن جنى ، ولم ينسبه أحد منهم إلى قائل معين ، وقد راجعت كتاب سيبويه لأحقق ما قاله العينى فلم أجده بين دفتيه.

اللغة : «عجالى» جمع عجلان ـ كسكران وسكارى ـ ومن العلماء من يرويه «عجالا» بكسر العين على أنه جمع عجل ـ بفتح فضم مثل رجل ورجال ـ ومنهم يرويه «سراعا» على أنه جمع سريع «كيف سيدكم» روى فى مكانه «كيف صاحبكم» وقوله «من سألوا» يروى هذا الفعل بالبناء للمعلوم ، على أن جملة الفعل وفاعله لا محل لها صلة الموصول ، والعائد محذوف ، وتقدير الكلام : فقال الذى سألوه ويروى ببناء الفعل للمجهول ، على أن الجملة صلة ، والعائد للموصول هو واو الجماعة ، وكأنه قال : فقال الذين سئلوا «مجهودا» نال منه المرض والعشق حتى أجهداه وأتعباه.

الإعراب : «مروا» فعل وفاعل «عجالى» حال «فقالوا» فعل وفاعل «كيف» اسم استفهام خبر مقدم «سيدكم» سيد : مبتدأ مؤخر ، وسيد مضاف ، والضمير مضاف إليه ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل نصب مقول القول «قال» فعل ماض «من» اسم موصول فاعل قال «سألوا» فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، والعائد محذوف ، أى سألوه ، وقد بينا أنه يروى بالبناء للمجهول ، وعليه يكون العائد هو واو الجماعة التى هى نائب الفاعل ، ويكون الشاعر قد راعى معنى من


أى : أمسى مجهودا ، وكما زيدت فى خبر المبتدأ شذوذا ، كقوله :

(١٠١) ـ

أمّ الحليس لعجوز شهربه

ترضى من الّلحم بعظم الرّقبه

__________________

«أمسى» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى سيدكم «لمجهودا» اللام زائدة ، مجهودا : خبر أمسى ، وجملة أمسى ومعموليها مقول القول فى محل نصب.

الشاهد فيه : قوله «لمجهودا» حيث زيدت اللام فى خبر «أمسى» وهى زيادة شاذة ، ومثل هذا قول كثير عزة :

وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها

لكالهائم المقصى بكلّ سبيل

حيث زاد اللام فى خبر «زال» ـ وهو قوله لكالهائم ـ زيادة شاذة.

وفى ذلك رد لما زعم الكوفيون من أن اللام الداخلة فى خبر لكن فى قول الشاعر :

* ولكننى من حبها لعميد*

هى لام الابتداء ، وحاصل الرد عليهم بهذين الشاهدين أنا لا نسلم أن اللام التى فى خبر لكن هى ـ كما زعمتم ـ لام الابتداء ، بل هى لام زائدة مقحمة اقترنت بخبر لكن بدليل أن مثل هذه اللام قد دخلت على أخبار قد وقع الإجماع منا ومنكم على أن لام الابتداء لا تقترن بها كخبر أمسى وخبر زال فى البيتين.

١٠١ ـ نسب جماعة هذا البيت ـ ومنهم الصاغانى ـ إلى عنترة بن عروس مولى بنى ثقيف ، ونسبه آخرون إلى رؤبة بن العجاج ، والأول أكثر وأشهر ، ورواه الجوهرى.

اللغة : «الحليس» هو تصغير حلس ، والحلس ـ بكسر فسكون ـ كساء رقيق يوضع تحت البرذعة ، وهذه الكنية فى الأصل كنية الأنان ـ وهى أنثى الحمار ـ أطلقها الراجز على امرأة تشبيها لها بالأتان «شهربة» بفتح الشين والراء بينهما هاء ساكنة ، والمراد بها ههنا الكبيرة الطاعنة فى السن «ترضى من اللحم» من هنا بمعنى البدل مثلها فى قوله تعالى (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) أى بدلكم ، وإذا قدرت مضافا تجره بالباء ، وجعلت أصل الكلام : ترضى من اللحم بلحم عظم الرقبة ـ كانت من دالة على التبعيض.


وأجاز المبرّد دخولها فى خبر أنّ المفتوحة ، وقد قرىء شاذّا : (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) بفتح «أنّ» ، وبتخرّج أيضا على زيادة اللام.

* * *

ولا يلى ذى اللّام ما قد نفيا

ولا من الأفعال ما كرضيا (١)

__________________

الإعراب : «أم» مبتدأ ، وأم مضاف ، و «الحليس» مضاف إليه «لعجوز» خبر المبتدأ «شهربة» صفة لعجوز «ترضى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى أم الحليس ، والجملة صفة ثانية لعجوز «من اللحم» جار ومجرور متعلق بترضى «بعظم» مثله ، وعظم مضاف و «الرقبة» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «لعجوز» حيث زاد اللام فى خبر المبتدأ ؛ والذهاب إلى زيادة اللام أحد تخريجات فى هذا البيت ، ومنها أن «عجوز» خبر لمبتدأ محذوف كانت اللام مقترنة به ـ وأصل الكلام على هذا : أم الحليس لهى عجوز ـ إلخ. فحذف المبتدأ ، فاتصلت اللام بخبره ، وهى فى صدر المذكور من جملتها ـ وقد مضى بحث ذلك فى باب المبتدأ والخبر (انظر ما تقدم لنا ذكره فى شرح الشاهد رقم ٥٣) ومثل هذا البيت قول أبى عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان يمدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد امتن عليه يوم بدر :

فإنّك من حاربته لمحارب

شقىّ ، ومن سالمته لسعيد

الشاهد فى قوله : «من حاربته لمحارب» وفى قوله «من سالمته لسعيد» فإن «من» اسم موصول مبتدأ فى الموضعين ، وقد دخلت اللام على خبره فى كل منهما.

(١) «ولا» نافية «يلى» فعل مضارع «ذى» اسم إشارة مفعول به ليلى مقدم على الفاعل «اللام» بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة ، أو نعت له «ما» اسم موصول فاعل يلى «قد» حرف تحقيق «نفيا» نفى : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «ولا» الواو عاطفة ، لا : نافية «من الأفعال» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ما الآتية «ما» اسم موصول معطوف على «ما»


وقد يليها مع قد ، كإنّ ذا

لقد سما على العدا مستحوذا (١)

إذا كان خبر «إنّ» منفيّا لم تدخل عليه اللام ؛ فلا تقول «إنّ زيدا لما يقوم» وقد ورد فى الشعر ، كقوله :

(١٠٢) ـ

وأعلم إنّ تسليما وتركا

للا متشابهان ولا سواء

__________________

الأولى «كرضيا» قصد لفظه : جار ومجرور متعلق بفعل محذوف ، تقع جملته صلة «ما» الثانية ، وتقدير البيت : ولا يلى هذه اللام اللفظ الذى تقدمته أداة نفى ، ولا الماضى الذى يشبه رضى حال كونه من الأفعال.

(١) «وقد» حرف تقليل «يليها» يلى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الماضى المعبر عنه بقوله «ما كرضى» وها : ضمير عائد إلى اللام مفعول به ليلى «مع» ظرف متعلق بمحذوف حال من فاعل يلى ، ومع مضاف و «قد» قصد لفظه مضاف إليه «كإن» الكاف جارة لقول محذوف ، إن : حرف تأكيد ونصب «ذا» اسم إشارة : اسم إن «لقد» اللام لام التأكيد ، وقد : حرف تحقيق «سما» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم الإشارة ، والجملة خبر إن فى محل رفع «على العدا» جار ومجرور متعلق بسما «مستحوذا» حال من الضمير المستتر فى «سما».

١٠٢ ـ البيت لأبى حزام ـ غالب بن الحارث ـ العكلى.

اللغة : «إن» إذا جريت على ما هو الظاهر فالهمزة مكسورة ؛ لأن اللام فى خبرها ، وإذا جعلت اللام زائدة فتحت الهمزة ، والأول أقرب ؛ لأن الذى يعلق «أعلم» عن العمل هو لام الابتداء ، لا الزائدة «تسليما» أراد به التسليم على الناس ، أو تسليم الأمور إلى ذويها وعدم الدخول فيما لا يعنى «تركا» أراد به ترك ما عبر عنه بالتسليم.

الإعراب : «أعلم» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «إن» حرف توكيد ونصب «تسليما» اسمه «وتركا» معطوف عليه «للامتشابهان» اللام لام الابتداء أو زائدة على ما ستعرف ، ولا : نافية ، ومتشابهان : خبر إن «ولا» الواو عاطفة ، لا : زائدة لتأكيد النفى «سواء» معطوف على خبر إن.


وأشار بقوله : «ولا من الأفعال ما كرضيا» إلى أنه إذا كان الخبر ماضيا متصرفا غير مقرون بقد لم تدخل عليه اللام ؛ فلا تقول «إنّ زيدا لرضى» وأجاز ذلك الكسائىّ ، وهشام ؛ فإن كان الفعل مضارعا دخلت اللام

__________________

الشاهد فيه : قوله «للامتشابهان» حيث أدخل اللام فى الخبر المنفى بلا ، وهو شاذ.

وقد اختلف العلماء فى رواية صدر هذا البيت ؛ فظاهر كلام الرضى ـ وهو صريح كلام ابن هشام ـ أن همزة إن مكسورة ؛ لوجود اللام فى خبرها.

قال ابن هشام : «إن بالكسر لدخول اللام على الخبر» اه ، وهذا مبنى على ما هو الظاهر من أن اللام لام الابتداء ، كما ذكرنا لك فى لغة البيت.

وذهب ابن عصفور ـ تبعا للفراء ـ إلى أن الهمزة مفتوحة ، ومجازه عندنا أنه اعتبر اللام زائدة ، وليست لام الابتداء.

فإذا جعلت همزة إن مكسورة ـ على ما هو كلام ابن هشام ، وهو الذى يجرى عليه كلام الشارح ههنا ـ كان فى البيت شذوذ واحد ، وهو دخول اللام على خبر إن المنفى.

وإذا جريت على كلام ابن عصفور ، فإن اعتبرت اللام لام الابتداء كان فى هذا الشاهد شذوذان : أحدهما دخول اللام على خبر أن المفتوحة ، وثانيهما : دخولها على خبر أن المنفى.

ويخلص من هذا كله أن نعتبر اللام زائدة كما اعتبروها كذلك فى الشواهد السابقة.

وقال ابن جنى : «إنما أدخل اللام ـ وهى للايجاب ـ على لا وهى للنفى من قبل أنه شبه لا بغير ، فكأنه قال : لغير متشابهين ، كما شبه الآخر ما التى للنفى بما التى بمعنى الذى فى قوله :

لما أغفلت شكرك فاجتنبنى

فكيف ومن عطائك جلّ مالى؟

ولم يكن سبيل اللام الموجبة أن تدخل على ما النافية لو لا ما ذكرت لك من الشبه» انتهى كلامه.


عليه ، ولا فرق بين المتصرّف نحو «إنّ زيدا ليرضى» وغير المتصرف ، نحو «إنّ زيدا ليذر الشّرّ» هذا إذا لم تقترن به السين أو سوف ؛ فإن اقترنت [به] ، نحو «إنّ زيدا سوف يقوم» أو «سيقوم» ففى جواز دخول اللام عليه خلاف ؛ [فيجوز إذا كان «سوف» على الصحيح ، وأما إذا كانت السين فقليل].

وإن كان ماضيا غير متصرف فظاهر كلام المصنف [جواز] دخول اللام عليه ؛ فتقول : «إنّ زيدا لنعم الرّجل ، وإنّ عمرا لبئس الرّجل» وهذا مذهب الأخفش والفراء ، والمنقول أن سيبويه لا يجيز ذلك.

فإن قرن الماضى المتصرف بـ «قد» جاز دخول اللام عليه ، وهذا هو المراد بقوله : «وقد يليها مع قد» نحو «إنّ زيدا لقد قام».

* * *

وتصحب الواسط معمول الخبر

والفصل ، واسما حلّ قبله الخبر (١)

تدخل لام الابتداء على معمول الخبر إذا توسّط بين اسم إنّ والخبر ، نحو «إن زيدا لطعامك آكل» وينبغى أن يكون الخبر حينئذ مما يصح دخول اللام عليه كما مثّلنا (٢) فإن كان الخبر لا يصح دخول اللام عليه لم يصح دخولها

__________________

(١) «وتصحب» الواو عاطفة ، تصحب : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى اللام «الواسط» مفعول به لتصحب «معمول» بدل منه ، أو حال منه ، ومعمول مضاف ، و «الخبر» مضاف إليه «والوصل» معطوف على الواسط «واسما» معطوف على الواسط أيضا «حل» فعل ماض «قبله» قبل : ظرف متعلق بحل ، وقبل مضاف والضمير الذى للغائب العائد إلى قوله «اسما» مضاف إليه «الخبر» فاعل لحل ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل نصب نعت لقوله «اسما».

(٢) يشترط لدخول اللام على معمول الخبر أربعة شروط :

الأول : أن يكون هذا المعمول متوسطا بين ما بعد إن ، سواء أكان التالى لإن هو


على المعمول ، كما إذا كان [الخبر] فعلا ماضيا متصرفا غير مقرون بـ «قد» لم يصحّ دخول اللام على المعمول ؛ فلا تقول «إنّ زيدا لطعامك أكل» وأجاز ذلك بعضهم ، وإنما قال المصنف : «وتصحب الواسط» ـ أى : المتوسّط ـ تنبيها على أنها لا تدخل على المعمول إذا تأخر ؛ فلا تقول «إنّ زيدا آكل لطعامك».

وأشعر قوله بأن اللام إذا دخلت على المعمول المتوسّط لا تدخل على الخبر ، فلا تقول «إنّ زيدا لطعامك لآكل» ، وذلك من جهة أنه خصّص دخول اللام بمعمول الخبر المتوسط ، وقد سمع ذلك قليلا ، حكى من كلامهم «إنى» لبحمد الله لصالح».

__________________

اسمها كما فى مثال الشارح ، أم كان التالى لإن هو خبرها الظرف أو الجار والمجرور ، نحو «إن عندى لفى الدار زيدا» أم كان التالى لها معمولا آخر للخبر المؤخر ، نحو «إن عندى لفى الدار زيدا جالس» ويشمل كل هذه الصور قول الناظم «الواسط معمول الخبر» ، وإن كان تفسير الشارح قد قصره على صورة واحدة منها.

الشرط الثانى : أن يكون الخبر مما يصح دخول اللام عليه ، وهذا يستفاد من قول الناظم «معمول الخبر» فإن أل فى الخبر للعهد الذكرى ، والمعهود هو الخبر الذى تدخل اللام عليه ، والذى بينه وذكر شروطه فيها قبل ذلك.

الشرط الثالث : ألا تكون اللام قد دخلت على الخبر ، وهو الشرط الذى بين الشارح أن كلام الناظم يشعر به ، وقد بين أيضا وجه إشعار كلامه به.

الشرط الرابع : ألا يكون المعمول حالا ولا تمييزا ؛ فلا يصح أن تقول «إن زيدا لراكبا حاضر» ولا تقول «إن زيدا لعرقا يتصبب» وقد نص الشارح على الحال ، ونص غيره على التمييز ؛ وزاد أبو حيان ألا يكون المعمول مفعولا مطلقا ولا مفعولا لأجله ؛ فعنده لا يجوز أن تقول «إن زيدا لركوب الأمير راكب» ولا أن تقول «إن زيدا لتأديبا ضارب ابنه» واستظهر جماعة عدم صحة دخول اللام على المستثنى من الخبر ، ولا على المفعول معه ، وإن كان المتقدمون لم ينصوا على هذين.


وأشار بقوله : «والفصل (١)» إلى أن لام الابتداء تدخل على ضمير الفصل ، نحو «إنّ زيدا لهو القائم» وقال الله تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ) فـ «هذا» اسم «إنّ» ، و «هو» ضمير الفصل ، ودخلت عليه اللام ، و «الفصص» خبر «إنّ».

وسمى ضمير الفصل لأنه يفصل بين الخبر والصفة ، وذلك إذا قلت «زيد هو القائم» فلو لم تأت بـ «هو» لاحتمل أن يكون «القائم» صفة لزيد ، وأن يكون خبرا عنه ، فلما أتيت بـ «هو» تعين أن يكون «القائم» خبرا عن زيد.

وشرط ضمير الفصل أن يتوسط بين المبتدأ والخبر (٢) ، نحو «زيد هو القائم» أو بين ما أصله المبتدأ والخبر ، نحو «إنّ زيدا لهو القائم».

__________________

(١) البصريون يسمونه «ضمير الفصل» ووجه تسميته بذلك ما ذكره الشارح ، ومن العلماء من يسميه «الفصل» كما قال الناظم «والفصل» والكوفيون يسمونه «عمادا» ووجه تسميتهم إياه بذلك أنه يعتمد عليه فى تأدية المعنى المراد ، وقد اختلفوا فيه : أهو حرف أم اسم؟ وإذا كان اسما فهل له محل من الإعراب أم لا محل له من الإعراب؟ وإذا كان له محل من الإعراب فهل محله هو محل الاسم الذى قبله أم محل الاسم الذى بعده؟ فالأكثرون على أنه حرف وضع على صورة الضمير وسمى «ضمير الفصل» ومن النحاة من قال : هو اسم لا محل له من الإعراب ، ومنهم من قال : هو اسم محله محل الاسم المتقدم عليه ؛ فهو فى محل رفع إذا قلت «زيد هو القائم» أو قلت «كان زيد هو القائم» ، وفى محل نصب إذا قلت «إن زيدا هو القائم» ومنهم من قال : هو اسم محله محل الاسم المتأخر عنه ، فهو فى محل رفع فى المثالين الأول والثالث ، وفى محل نصب فى نحو قوله تعالى : (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ).

(٢) يشترط فى ضمير الفصل ـ بقطع النظر عن كونه بين معمولى إن ـ أربعة شروط : الأول : أن يقع بين المبتدأ والخبر أو ما أصلهما ذلك ، وقد ذكر الشارح هذا الشرط.


واشار بقوله : «واسما حلّ قبلة الخبر» إلى أن لام الابتداء تدخل على الاسم إذا تأخر عن الخبر ، نحو «إنّ فى الدار لزيدا» قال الله تعالى : (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ).

وكلامه يشعر [أيضا] بأنه إذا دخلت اللام على ضمير الفصل أو على الاسم المتأخر لم ندخل على الخبر ، وهو كذلك ؛ فلا تقول : «إنّ زيدا لهو لقائم» ، ولا «إن لفّى الدّار لزيدا».

ومقتضى إطلاقه ـ فى قوله : إن لام الابتداء تدخل على المعمول المتوسط بين الاسم والخبر ـ أن كلّ معمول إذا توسّط جاز دخول اللام عليه ؛ كالمفعول الصريح ، والجار والمجرور ، والظرف ، والحال ، وقد نص النحويون على منع دخول اللام على الحال ؛ فلا تقول : «إنّ زيدا لضاحكا راكب».

* * *

ووصل «ما» بذى الحروف مبطل

إعمالها ، وقد يبقّى العمل (١)

__________________

الشرط الثانى : أن يكون الاسمان اللذان يقع بينهما معرفتين نحو «إن محمدا هو المنطلق» أو أولهما معرفة حقيقة وثانيهما يشبه المعرفة فى عدم قبوله أداة التعريف كأفعل التفضيل المقترن بمن ، نحو «محمد أفضل من عمرو».

الشرط الثالث : أن يكون ضمير الفصل على صيغة ضمير الرفع كما فى هذه الأمثلة.

الشرط الرابع : أن يطابق ما قبله فى الغيبة أو الحضور ، وفى الإفراد أو التثنية أو الجمع ، نحو قوله تعالى : (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) فأنت للخطاب ، وهو فى الخطاب وفى الإفراد كما قبله ، ونحو (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) فنحن للتكلم كما قبله.

(١) «ووصل» مبتدأ ، ووصل مضاف ، و «ما» قصد لفظه : مضاف إليه «بذى» جار ومجرور متعلق بوصل «الحروف» بدل أو عطف بيان من ذى «مبطل»


إذا اتصلت «ما» غير الموصولة بإنّ وأخواتها كفّتها عن العمل ، إلا «ليت» فإنه يجوز فيها الإعمال [والإهمال] فتقول : «إنما زيد قائم» ولا يجوز نصب «زيد» وكذلك أن [وكأنّ] ولكنّ ولعلّ ، وتقول : «ليتما زيد قائم» وإن شئت نصبت «زيدا» فقلت : «ليتما زيدا قائم» وظاهر كلام المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ أنّ «ما» إن اتصلت بهذه الأحرف كفّتها عن العمل ، وقد تعمل قليلا ، وهذا مذهب جماعة من النحويين (١) [كالزجاجى ، وابن السراج] ، وحكى الأخفش والكسائى «إنما

__________________

خبر المبتدأ ، وفاعله ضمير مستتر فيه «إعمالها» إعمال : مفعول به لمبطل ، وإعمال مضاف وها مضاف إليه «وقد» حرف تقليل «يبقى» فعل مضارع مبنى للمجهول «العمل» نائب فاعل يبقى.

(١) ذهب سيبويه إلى أن «ما» غير الموصولة إذا اقترنت بهذه الأدوات أبطلت عملها ، إلا ليت ؛ فإن إعمالها مع ما جائز ، وعللوا ذلك بأن هذه الأدوات قد أعملت لاختصاصها بالأسماء ودخول «ما» عليها يزيل هذا الاختصاص ، ويهيئها للدخول على جمل الأفعال نحو قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وقوله سبحانه : (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) ونحو قول امرىء القيس :

ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل

وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالى

وتسمى «ما» هذه ما الكافه ، أو ما المهيئة ، ووجه هاتين التسميتين ظاهر بعد الذى ذكرناه لك من شأنها ، وتسمى أيضا ما الزائدة ، ولكون «ما» هذه لا تزيل اختصاص «ليت» بالجمل الاسمية ، بل هى باقية معها على اختصاصها بالأسماء ، لم تبطل عملها ، وقد جاء السماع معضدا لذلك ، كما فى قول النابغة الذبيانى :

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا أو نصفه فقد

فإنه يروى بنصب «الحمام» ورفعه ؛ فأما النصب فعلى إعمال ليت فى اسم الإشارة والحمام بدل منه أو عطف بيان عليه أو نعت له ، وأما الرفع فعلى إهمال ليت ، وذهب الزجاج فى كتابه «الجمل» إلى أن جميع هذه الأدوات بمنزلة واحدة ، وأنها إذا اقترنت بها «ما» لم يجب إهمالها ، بل يجوز فيها الإعمال والإهمال ، غير أن الإهمال أكثر فى


زيدا قائم» والصحيح المذهب الأول ، وهو أنه لا يعمل منها مع «ما» إلّا «ليت» ، وأما ما حكاه الأخفش والكسائى فشاذّ ، واحترزنا بغير الموصولة من الموصولة ؛ فإنها لا تكفّها عن العمل ، بل تعمل معها ، والمراد من الموصولة التى بمعنى «الذى» ، نحو «إنّ ما عندك حسن» [أى : إن الذى عندك حسن] ، والتى هى مقدّرة بالمصدر ، نحو «إنّ ما فعلت حسن» أى : إنّ فعلك حسن

* * *

وجائز رفعك معطوفا على

منصوب «إنّ» ، بعد أن تستكملا (١)

أى : إذا أتى بعد اسم «إنّ» وخبرها بعاطف جاز فى الاسم الذى بعده وجهان ؛ أحدهما : النصب عطفا على اسم «إنّ» نحو «إنّ زيدا قائم وعمرا»

__________________

الجميع ، أما الإعمال فعلى اختصاصها الأصلى ، وأما الإهمال فلما حدث لها من زوال الاختصاص وذكر الزجاج أن ذلك مسموع فى الجميع ، قال : «من العرب من يقول : إنما زيدا قائم ، ولعلما بكرا جالس ، وكذلك أخواتها : ينصب بها ، ويلغى ما» اه ، وتبعه على ذلك تلميذه الزجاجى ؛ وابن السراج ، وهو الذى يفيده كلام الناظم.

(١) «وجائز» خبر مقدم «رفعك» رفع : مبتدأ مؤخر ، ورفع مضاف والكاف مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله «معطوفا» مفعول به المصدر «على منصوب» جار ومجرور متعلق بمعطوف ، ومنصوب مضاف وقوله «إن» قصد لفظه : مضاف إليه «بعد» ظرف متعلق برفع «أن» مصدريه «تستكملا» فعل مضارع منصوب بأن ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى إن ، و «أن» وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور بإضافة «بعد» إليه ، وثمة مفعول لتستكمل محذوف ، والتقدير : بعد استكمالها معموليها.


والثانى : الرفع نحو «إنّ زيدا قائم وعمرو» واختلف فيه (١) ؛ فالمشهور أنه معطوف على محلّ اسم «إنّ» فإنه فى الأصل مرفوع لكونه مبتدأ ، وهذا يشعر به [ظاهر] كلام المصنف ، وذهب قوم إلى أنه مبتدأ وخبره محذوف ، والتقدير : وعمرو كذلك ، وهو الصحيح.

فإن كان العطف قبل أن تستكمل «إنّ» ـ أى قبل أن تأخذ خبرها ـ تعيّن النصب عند جمهور النحويين ؛ فتقول : إنّ زيدا وعمرا قائمان ، وإنّك وزيدا ذاهبان ، وأجاز بعضهم الرفع.

__________________

(١) مما لا يستطيع أن يجحده واحد من النحاة أنه قد ورد عن العرب ـ فى جملة صالحة من الشعر ، وفى بعض النثر ـ وقوع الاسم المرفوع مسبوقا بالواو بعد اسم إن المنصوب وقبل خبرها ، ومنه قول ضابىء بن الحارث البرجمى :

فمن يك أمسى بالمدينة رحله

فإنّى وقيّار بها لغريب

ومنه ما أنشده ثعلب ، ولم يعزه إلى قائل معين :

خليلىّ هل طبّ فإنّى وأنتما

 ـ وإن لم تبوحا بالهوى ـ دنفان!

وقد ورد فى القرآن الكريم آيتان ظاهرهما كظاهر هذين البيتين ؛ الأولى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) والثانية قراءة بعضهم : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ) برفع «ملائكته».

وقد اختلف النحاة فى تخريج ذلك ؛ فذهب الكسائى إلى أن الاسم المرفوع معطوف على اسم إن باعتباره مبتدأ قبل دخول إن ، وذهب الجمهور من البصريين إلى أن هذا الاسم المرفوع مبتدأ خبره محذوف ، أو خبره المذكور فيما بعد وخبر إن هو المحذوف وجملة المبتدأ وخبره معطوفة على جملة إن واسمها وخبرها ، وذهب المحقق الرضى إلى أن جملة المبتدأ والخبر حينئذ لا محل لها معترضة بين اسم إن وخبرها ، وهو حسن ؛ لما يلزم على جعلها معطوفة على جملة إن واسمها وخبرها من تقديم المعطوف على بعض المعطوف عليه ؛ لأن خبر إن متأخر فى اللفظ أو فى التقدير عن جملة المبتدأ والخبر ، وخبر إن جزء من الجملة المعطوف عليها.


وألحقت بإنّ لكنّ وأنّ

من دون ليت ولعلّ وكأنّ (١)

حكم «أنّ» المفتوحة و «لكنّ» فى العطف على اسمهما حكم «إنّ» المكسورة ؛ فتقول : «علمت أنّ زيدا قائم وعمرو» برفع «عمرو» ونصبه ، وتقول : «علمت أنّ زيدا وعمرا قائمان» بالنصب فقط عند الجمهور ، وكذلك تقول : «ما زيد قائما ، لكنّ عمرا منطلق وخالدا» بنصب خالد ورفعه ، و «ما زيد قائما لكن عمرا وخالدا منطلقان» بالنصب فقط.

وأما «ليت ، ولعلّ ، وكأنّ» فلا يجوز معها إلا النصب. [سواء تقدّم المعطوف ، أو تأخّر ؛ فتقول : «ليت زيدا وعمرا قائمان ، وليت زيدا قائم وعمرا» بنصب «عمرو» فى المثالين ، ولا يجوز رفعه ، وكذلك «كأنّ ؛ ولعل» ؛ وأجاز الفراء الرفع فيه ـ متقدما ومتأخرا ـ مع الأحرف الثلاثة.

* * *

وخفّفت إنّ فقلّ العمل

وتلزم الّلام إذا ما تهمل (٢)

__________________

(١) «وألحقت» الواو عاطفة ، ألحق : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء للتأنيث «بإن» جار ومجرور متعلق بألحق «لكن» قصد لفظه : نائب فاعل لألحق «وأن» معطوف على لكن «من دون» جار ومجرور متعلق بألحق أيضا ، ودون مضاف و «ليت» قصد لفظه : مضاف إليه «ولعل ، وكأن» معطوفان على ليت.

(٢) «وخففت» الواو عاطفة ، خفف : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء للتأنيث «إن» نائب فاعل خفف «فقل» الفاء عاطفة ، قل : فعل ماض معطوف بالفاء على خفف «العمل» فاعل لقل «وتلزم» فعل مضارع «اللام» فاعل تلزم «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط «ما» زائدة «تهمل» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى أن المخففة ، والجملة فى محل جر بإضافة إذا إليها ، وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : إذا ما تهمل إن التى خففت لزمتها اللام.


وربّما استغنى عنها إن بدا

ما ناطق أراده معتمدا (١)

إذا خفّفت «إنّ» فالأكثر فى لسان العرب إهمالها ؛ فتقول : «إن زيد لقائم» وإذا أهملت لزمتها اللام فارقة بينها وبين «إن» النافية ، ويقلّ إعمالها فتقول : «إن زيدا قائم» وحكى الإعمال سيبويه ، والأخفش ، رحمهما الله تعالى (٢) ؛ فلا تلزمها حينئذ اللام ؛ [لأنها لا تلتبس ـ والحالة هذه ـ

__________________

(١) «وربما» الواو عاطفة ، رب حرف تقليل ، وما كافة «استغنى» فعل ماض مبنى للمجهول «عنها» جار ومجرور نائب عن الفاعل لاستغنى ، والضمير المجرور محلا عائد على اللام المحدث عنها بأنها تلزم عند تخفيف إن فى حالة إهمالها «إن» شرطية «بدا» فعل ماض فعل الشرط «ما» اسم موصول فاعل بدا «ناطق» مبتدأ ، وهو فاعل فى المعنى ؛ فلذا جاز أن يبتدأ به مع كونه نكرة «أراده» أراد : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ناطق ، والهاء مفعول به ، والجملة من أراد وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة الموصول «معتمدا» حال من الضمير المستتر فى «أراد».

(٢) على الإعمال فى التخفيف ورد قوله تعالى (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) فى قراءة من قرأ بسكون نون «إن» وتخفيف ميم «لما» ، وفى هذه الآية ـ على هذه القراءة ـ إعرابان : أولهما أن «إن» مؤكدة مخففة من الثقيلة «كلا» اسم إن المخففة «لما» اللام لام الابتداء ، وما اسم موصول بمعنى الذين خبر إن المؤكدة المخففة «ليوفينهم» اللام واقعة فى جواب قسم محذوف ، يوفى : فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، ونون التوكيد حرف لا محل له من الإعراب ، وضمير الغائبين العائد على الذين مفعول أول ، و «ربك» رب فاعل يوفى ، ورب مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه ، وأعمال : مفعول ثان ليوفى ، وأعمال مضاف وضمير الغائبين العائد على الذين مضاف إليه ، وجملة الفعل المضارع وفاعله ومفعوليه لا محل لها من الإعراب جواب القسم المحذوف ، وتقدير الكلام : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) والجملة القسمية لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ، ويرد على هذا الإعراب أن جملة القسم إنشائية ، وجملة الصلة يجب أن تكون خبرية معهودة ، وقد


بالنافية] لأن النافية لا تنصب الاسم وترفع الخبر ، وإنما تلتبس بإن النافية إذا أهملت ولم يظهر المقصود [بها] فإن ظهر المقصود [بها] فقد يستغنى عن اللام ، كقوله :

(١٠٣) ـ

ونحن أباة الضّيم من آل مالك

وإن مالك كانت كرام المعادن

__________________

أجاب ابن هشام عن هذا فى كتابه المغنى بأن صلة الموصول فى الحقيقة هى جملة جواب القسم لا جملة القسم ؛ وجملة جواب القسم خبرية لا إنشائية ، والإعراب الثانى أن «إن» مؤكدة مخففة «كلا» اسم إن «لما» اللام لام الابتداء ، وما زائدة «ليوفيتهم» اللام مؤكدة للام الأولى ، ويوفى فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، والضمير مفعول به أول «ربك» فاعل ، ومضاف إليه ، و «أعمالهم» مفعول ثان ومضاف إليه ، والجملة من الفعل المضارع ومفعوليه فى محل رفع خبر إن المؤكدة المخففة.

١٠٣ ـ البيت للطرماح ـ الحكم بن حكيم ـ وكنيته «أبو نفر» ، وهو شاعر طائى ، وستعرف نسبه فى بيان لغة البيت.

اللغة : «ونحن أباة الضيم» يروى فى مكانه «أبا ابن أباة الضيم» وأباة : جمع آب اسم فاعل من أبى يأبى ـ أى امتنع ـ تقول : أمرت فلانا أن يفعل كذا فأبى ، تريد أنه امتنع أن يفعله والضيم : الظلم «مالك» هو اسم قبيلة الشاعر ، فإن الطرماح هو الحكم بن حكيم بن نفر بن قيس بن جحدر بن ثعلبة بن عبد رضا بن مالك بن أبان ابن عمرو بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيىء «كرام المعادن» طيبة الأصول شريفة المحتد.

الإعراب : «ونحن» مبتدأ «أباة» خبر المبتدأ ، وأباة مضاف ، و «الضيم» مضاف إليه «من آل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ثان. أو حال من الخبر ، وآل مضاف و «مالك» مضاف إليه «وإن» مخففة من الثقيلة مهملة «مالك» مبتدأ «كانت» كان : فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى مالك باعتبار القبيلة ، والتاء تاء التأنيث «كرام» خبر كان ، وكرام مضاف و «المعادن» مضاف إليه ، والجملة من كان واسمها وخبرها فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو مالك.


التقدير : وإن مالك لكانت ، فحذفت اللام ؛ لأنها لا تلتبس بالنافية ؛ لأن المعنى على الإثبات ، وهذا هو المراد بقوله : «وربما استغنى عنها إن بدا ـ إلى آخر البيت».

واختلف النحويون فى هذه اللام : هل هى لام الابتداء أدخلت للفرق بين «إن» النافية و «إن» المخففة من الثقيلة ، أم هى لام أخرى اجتلبت للفرق؟ وكلام سيبويه يدلّ على أنها لام الابتداء دخلت للفرق.

وتظهر فائدة هذا الخلاف فى مسألة جرت بين ابن أبى العافية وابن الأخضر ؛ وهى قوله صلّى الله عليه وسلّم : «قد علمنا إن كنت لمؤمنا» فمن جعلها لام الابتداء أوجب كسر «إن» ومن جعلها لاما أخرى ـ اجتلبت للفرق ـ فتح أن ، وجرى الخلاف فى هذه المسألة قبلهما بين أبى الحسن علىّ بن سليمان البغدادى الأخفش الصغير ، وبين أبى علىّ الفارسى ؛ فقال الفارسى : هى لام غير

__________________

الشاهد فيه : قوله «وإن مالك كانت ـ إلخ» حيث ترك لام الابتداء التى تجتلب فى خبر «إن» المكسورة الهمزة المخففة من الثقيلة عند إهمالها ، فرقانا بينها وبين «إن» النافية ، وإنما تركها هنا اعتمادا على انسياق المعنى المقصود إلى ذهن السامع ، وثقة منه بأنه لا يمكن توجيهه إلى الجحد ، بقرينة أن الكلام تمدح وافتخار ، وصدر البيت واضح فى هذا ، والنفى يدل على الذم ؛ فلو حمل عجز البيت عليه لتناقض الكلام واضطرب ، ألا ترى أنك لو حملت الكلام على أن «إن» نافية لكان معنى عجز البيت : وليست مالك كرام المعادن ، أى فهى قبلة دنيئة الأصول ؛ فيكون هذا ذما ومتناقضا مع ما هو بصدده ، فلما كان المقام مانعا من جواز إرادة النفى ارتكن الشاعر عليه ، فلم يأت باللام ، فالقرينة ههنا معنوية.

ومثل هذا البيت ـ فى اعتماد الشاعر على القرينة المعنوية ـ قول الشاعر :

إن كنت قاضى نحسبى يوم بينكم

لو لم تمنّوا بوعد غير مكذوب

ألا ترى أنه فى مكان إظهار الألم وشكوى ما نزل به من فراق أحبابه؟ فلو حملت «إن» فى صدر البيت على النفى فسد المعنى على هذا ، ولم يستقم الكلام.


لام الابتداء اجتلبت للفرق ، وبه قال ابن أبى العافية ، وقال الأخفش الصغير :إنما هى لام الابتداء أدخلت للفرق ، وبه قال ابن الأخضر (١).

* * *

والفعل إن لم يك ناسخا فلا

تلفيه غالبا بإن ذى موصلا (٢)

__________________

(١) قد علمت فيما مضى أن لام الابتداء لا تدخل إلا على المبتدأ ، أو على ما أصله المبتدأ ، وأنها تدخل فى باب إن على الخبر أو معموله أو ضمير الفصل ، وعلمت أيضا أنها لا تدخل على خبر إن إلا إذا كان مثبتا متأخرا غير ماض متصرف خال من قد ، ولو أنك نظرت فى شواهد هذه المسألة لوجدت هذه اللام الفارقة بين «إن» النافية والمخففة من الثقيلة تدخل على مفعول ليس أصله مبتدأ ولا خبرا كما فى قول عاتكة بنت زيد بن عمرو ، وسيأتى شرحه :

شلّت يمينك إن قتلت لمسلما

حلّت عليك عقوبة المتعمّد

وهو الشاهد رقم ١٠٤ ويأتى قريبا جدا

وتدخل على الماضى المتصرف الذى لم يسبقه «قد» نحو قولك : إن زيد لقام ، وتدخل على المنصوب المؤخر عن ناصبه نحو قوله تعالى : (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) فلما كان شأن اللام التى تدخل لأجل الفرق بين المخففة المؤكدة والنافية غير شأن لام الابتداء كان القول بأن إحداهما غير الأخرى أصح نظرا وأقوم حجة ؛ فمذهب أبى على الفارسى الذى أخذ به ابن أبى العافية مذهب مستقيم فى غاية الاستقامة.

(٢) «والفعل» مبتدأ «إن» شرطية «لم» حرف نفى وجزم وقلب «يك» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ، وهو فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل «ناسخا» خبر يك «فلا» الفاء لربط الجواب بالشرط ، ولا : نافية «تلفيه» تلفى : فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول أول لتلفى ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : فأنت لا تلفيه ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل جزم جواب الشرط «غالبا» حال من الهاء فى «تلفيه» السابق «بإن» جار ومجرور متعلق بقوله «موصلا» الآتى «ذى» نعت لإن «موصلا» مفعول ثان لتلفى.


إذا خفّفت «إنّ» فلا يليها من الأفعال إلا الأفعال الناسخة للابتداء ، نحو كان وأخواتها ، وظن وأخواتها ، قال الله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) وقال الله تعالى : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) وقال الله تعالى : (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) ويقلّ أن يليها غير الناسخ ، وإليه أشار بقوله : «غالبا» ومنه قول بعض العرب : «إن يزينك لنفسك ، وإن يشينك لهيه» وقولهم : «إن قنّعت كاتبك لسوطا» وأجاز الأخفش «إن قام لأنا (١)».

ومنه قول الشاعر :

(١٠٤) ـ

شلّت يمينك إن قتلت لمسلما

حلّت عليك عقوبة المتعمّد

__________________

(١) ههنا أربع مراتب ، أولاها : أن يكون الفعل ماضيا ناسخا ، نحو (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) ونحو (إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) والثانية : أن يكون الفعل مضارعا ناسخا ، نحو (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ) ونحو (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) والثالثة : أن يكون ماضيا غير ناسخ ، نحو قول عاتكة «إن قتلت لمسلما» والرابعة : أن يكون الفعل مضارعا غير ناسخ نحو قول بعض العرب «إن يزينك لنفسك ، وإن يشينك لهيه» وهى مرتبة على هذا الترتيب الذى سقناها به ، ويجوز القياس على كل واحدة منها عند الأخفش ، ومنع جمهور البصريين القياس على الثالثة والرابعة.

١٠٤ ـ البيت لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القريشية العدوية ، ترثى زوجها الزبير بن العوام رضى الله عنه ، وتدعو على عمرو بن جرموز قاتله.

اللغة : «شلت» بفتح الشين ، وأصل الفعل شللت ـ بكسر العين التى هى اللام الأولى ـ والناس يقولونه بضم الشين على أنه مبنى للمجهول ، وذلك خطأ «حلت عليك» أى نزلت ، ويروى مكانه «وجبت عليك»


وإن تخفّف أنّ فاسمها استكنّ

والخبر اجعل جملة من بعد أن (١)

إذا خفّفت أنّ [المفتوحة] بقيت على ما كان لها من العمل ، لكن لا يكون اسمها إلا ضمير الشأن محذوفا (٢) ، وخبرها لا يكون إلا جملة ، وذلك نحو «علمت أن زيد قائم» فـ «أن» مخفّفة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، وهو محذوف ، والتقدير [«أنه» ، و «زيد قائم» فى جملة فى موضع رفع خبر «أن» والتقدير] «علمت أنه زيد قائم» وقد يبرز اسمها وهو غير ضمير الشأن ، كقوله :

__________________

الإعراب : «شلت» شل : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «يمينك» يمين : فاعل شل ، ويمين مضاف والكاف مضاف إليه «إن» مخففة من الثقيلة «قتلت» فعل وفاعل «لمسلما» اللام فارقة ، مسلما : مفعول به لقتل «حلت» حل : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «عليك» جار ومجرور متعلق بحل «عقوبة» فاعل لحل ، وعقوبة مضاف و «المتعمد» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «إن قتلت لمسلما» حيث ولى «إن» المخففة من الثقيلة فعل ماض غير ناسخ وهو «قتلت» وذلك شاذ لا يقاس عليه إلا عند الأخفش.

(١) «وإن» شرطية «تخفف» فعل مضارع مبنى للمجهول فعل الشرط «أن» قصد لفظه : نائب فاعل لتخفف «فاسمها» الفاء لربط الجواب بالشرط ، اسم : مبتدأ ، واسم مضاف والضمير مضاف إليه «استكن» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسمها ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جزم جواب الشرط «والخبر» مفعول مقدم على عامله وهو قوله «اجعل» الآتى «اجعل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «جملة» مفعول ثان لاجعل «من بعد» جار ومجرور متعلق باجعل ، وبعد مضاف و «أن» قصد لفظه : مضاف إليه.

(٢) الذى اشترط فى أن المخففة أن يكون اسمها ضمير شأن محذوفا من النحاة هو ابن الحاجب ، فأما الناظم والجمهور فلم يشترطوا فيه ذلك ؛ لأنهم رأوا أن ضمير الشأن خارج عن القياس ؛ فلا يحمل الكلام عليه ما وجد له وجه آخر ، ومن أجل ذلك قدر سيبويه ـ رحمه الله! ـ فى قوله تعالى : (أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) أنك بإبراهيم قد صدقت الرؤيا.


(١٠٥) ـ

فلو أنك فى يوم الرّخاء سألتنى

طلاقك لم أبخل وأنت صديق

__________________

١٠٥ ـ البيت مما أنشده الفراء ، ولم يعزه إلى قائل معين :

اللغة : «أنك» بكسر كاف الخطاب ـ لأن المخاطب أنثى ، بدليل ما بعده ، والتاء فى «سألتنى» مكسورة أيضا لذلك «صديق» يجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول فيكون تذكيره مع أن المراد به أنثى قياسا ؛ لأن فعيلا بمعنى المفعول يستوى فيه المذكر والمؤنث والمفرد وغيره غالبا كجريح وقتيل ، ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى فاعل ، ويكون تذكيره مع المؤنث جاريا على غير القياس ، والذى سهل ذلك فيه أنه أشبه فى اللفظ فعيلا بمعنى مفعول ، أو أنهم حملوه على «عدو» الذى هو ضده فى المعنى ؛ لأن من سننهم أن يحملوا الشىء على ضده كما يحملونه على مثله وشبيهه.

المعنى : لو أنك سألتنى إخلاء سبيلك قبل إحكام عقدة النكاح بيننا لم أمتنع من ذلك ولبادرت به مع ما أنت عليه من صدق المودة لى ، وخص يوم الرخاء لأن الإنسان قد لا يعز عليه أن يفارق أحبابه فى يوم الكرب والشدة.

الإعراب : «فلو» لو : شرطية غير جازمة «أنك» أن : مخففة من الثقيلة ، والكاف اسمها «فى يوم» جار ومجرور متعلق بقوله «سألتنى» الآتى ، ويوم مضاف و «الرخاء» مضاف إليه «سألتنى» فعل وفاعل ، والنون للوقاية ، والياء مفعول أول «فراقك» فراق : مفعول ثان لسأل ، وفراق مضاف والكاف مضاف إليه «لم» حرف نفى وجزم وقلب «أبخل» فعل مضارع مجزوم بلم ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة جواب الشرط غير الجازم ؛ فلا محل لها من الإعراب «وأنت» الواو واو الحال ، أنت : ضمير منفصل مبتدأ «صديق» خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل نصب حال.

الشاهد فيه : قوله «أنك» حيث خففت «أن» المفتوحة الهمزة وبرز اسمها وهو الكاف ، وذلك قليل ، والكثير عند ابن الحاجب ـ الذى جرى الشارح على رأيه ـ أن يكون اسمها ضمير الشأن واجب الاستتار ، وخبرها جملة.


وإن يكن فعلا ولم يكن دعا

ولم يكن تصريفه ممتنعا (١)

فالأحسن الفصل بقد ، أو نفى ، أو

تنفيس ، أو لو ، وقليل ذكر لو (٢)

__________________

واعلم أن الاسم إذا كان محذوفا ـ سواء أكان ضمير شأن أم كان غيره ـ فإن الخبر يجب أن يكون جملة.

أما إذا كان الاسم مذكورا شذوذا كما فى هذا الشاهد ؛ فإنه لا يجب فى الخبر أن يكون جملة ، بل قد يكون جملة كما فى البيت ، وقد يكون مفردا ، وقد اجتمع ـ مع ذكر الاسم ـ كون الخبر مفردا وكونه جملة ، فى قول جنوب بنت العجلان من كلمة ترثى فيها أخاها عمرو بن العجلان :

لقد علم الضّيف والمرملون

إذا اغبرّ أفق وهبّت شمالا

بأنك ربيع وغيث مريع

وأنك هناك تكون الثّمالا

ألا ترى أنه خفف «أن» وجاء بها مرتين مع اسمها ، وخبرها فى المرة الأولى مفرد ، وذلك قوله «بأنك ربيع» وخبرها فى المرة الثانية جملة ، وذلك قوله «وأنك تكون الثمالا»

(١) «وإن» شرطية «يكن» فعل مضارع ناقص فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر «فعلا» خبر يكن «ولم» الواو واو الحال لم : حرف نفى وجزم وقلب «يكن» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل ، أو إلى الخبر «دعا» قصر للضرورة : خبر يكن المنفى بلم ، والجملة من يكن المنفى بلم واسمه وخبره فى محل نصب حال «ولم» الواو عاطفة ، لم : حرف نفى وجزم وقلب «يكن» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم «تصريفه» تصريف : اسم يكن ، وتصريف مضاف ، والهاء مضاف إليه «ممتنعا» خبر يكن الأخير.

(٢) «فالأحسن» الفاء واقعة فى جواب الشرط الواقع فى أول البيت السابق ، الأحسن : مبتدأ «الفصل» خبر المبتدأ «بقد» جار ومجرور متعلق بقوله «الفصل» «أو نفى ، أو تنفيس ، أو لو» كل واحد منها معطوف على «قد» «وقليل» الواو عاطفة ، وقليل خبر مقدم «ذكر» مبتدأ مؤخر ، وذكر مضاف و «لو» قصد لفظه مضاف إليه.


إذا وقع خبر «أن» المخففة جملة اسمية لم يحتج إلى فاصل ؛ فتقول : «علمت أن زيد قائم» من غير حرف فاصل بين «أن» وخبرها ، إلا إذا قصد النفى ؛ فيفصل بينهما بحرف [النفى] كقوله تعالى : (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

وإن وقع خبرها جملة فعلية ، فلا يخلو : إما أن يكون الفعل متصرّفا ، أو غير متصرف ، فإن كان غير متصرف لم يؤت بفاصل ، نحو قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) وقوله تعالى : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) وإن كان متصرفا ، فلا يخلو : إما أن يكون دعاء ، أولا ، فإن كان دعاء لم يفصل ، كقوله تعالى : (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها) فى قراءة من قرأ (غَضَبَ) بصيغة الماضى ، وإن لم يكن دعاء فقال قوم : يجب أن يفصل بينهما إلا قليلا ، وقالت فرقة منهم المصنف : يجوز الفصل وتركه (١) والأحسن الفصل ، والفاصل

__________________

(١) مما ورد فيه الخبر جملة فعلية فعلها متصرف غير دعاء ولم يفصل بفاصل من هذه الفواصل ـ سوى ما سينشده الشارح ـ قول النابغة الذبيانى :

فلمّا رأى أن ثمّر الله ما له

وأثّل موجودا وسدّ مفاقره

أكبّ على فأس يحدّ غرابها

مذكّرة من المعاول باتره

فأن : مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف ، وثمر : فعل ماض ، والله : فاعل ، ومال : مفعول به لثمر ، ومال مضاف وضمير الغائب مضاف إليه ، وجملة الفعل الماضى وفاعله فى محل رفع خبر أن ، وهذا الفعل : ماض متصرف غير دعاء ولم يفصل وممن قال بوجوب الفصل الفراء وابن الأنبارى.

وقد اختلف العلماء فى السبب الذى دعا إلى هذا الفصل ؛ فذهب الجمهور إلى أن هذا الفصل يكون للتفرقة بين أن المخففة من الثقيلة وأن المصدرية.

وعلى هذا ينبغى أن يقسم الفصل إلى قسمين : واجب ، وغير واجب ، فيجب إذا كان الموضع يحتملهما ، ولا يجب إذا كان مما تتعين فيه إحداهما كما فيما بعد العلم غير المؤول


أحد أربعة أشياء.

الأول : «قد» كقوله تعالى : (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا)

الثانى : حرف التنفيس ، وهو السين أو سوف ؛ فمثال السين قوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) ومثال «سوف» قول الشاعر :

(١٠٦) ـ

واعلم فعلم المرء ينفعه

أن سوف يأتى كلّ ما قدرا

__________________

بالظن ؛ فإن هذا الموضع يكون لأن المخففة لا غير ؛ إلا عند الفراء وابن الأنبارى ؛ فلبس عندهما موضع تتعين فيه المخففة ، ولذلك أوجبا الفصل بواحد من هذه الأشياء للتفرقة دائما.

وقال قوم : إن المقصود بهذا الفصل جبر الوهن الذى أصاب أن المؤكدة بتخفيفها ويشكل على هذا أن الوهن موجود إذا كان الخبر جملة اسمية ، أو جملة فعلية فعلها جامد أو دعاء ، فلماذا لم يجبر الوهن مع شىء من ذلك؟!

١٠٦ ـ هذا البيت أنشده أبو على الفارسى وغيره ، ولم ينسبه أحد منهم إلى قائل معين ، والبيت من الكامل ، وقد وهم العينى رحمه الله فى زعمه أنه من الرجز المسدس

الإعراب : «واعلم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فعلم» مبتدأ ، وعلم مضاف ، و «المرء» مضاف اليه «ينفعه» ينفع : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «علم» والهاء مفعول به لينفع ، والجملة من ينفع وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «أن» مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف وجوبا «سوف» حرف تنفيس «يأتى» فعل مضارع «كل» فاعل يأتى ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر أن ، وكل مضاف ، و «ما» اسم موصول مضاف إليه «قدرا» قدر : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» والجملة من قدر ونائب فاعله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول

الشاهد فيه : قوله «أن سوف يأتى» حيث أتى بخبر «أن» المخففة من الثقيلة جملة فعلية ، وليس فعلها دعاء ، وقد فصل بين «أن» وخبرها بحرف التنفيس ، وهو «سوف».


الثالث : النفى ، كقوله تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) وقوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) وقوله تعالى : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ)

الرابع : «لو» ـ وقلّ من ذكر كونها فاصلة من النحويين ـ ومنه قوله [تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) وقوله] تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ)

ومما جاء بدون فاصل قوله :

(١٠٧) ـ

علموا أن يؤمّلون فجادوا

قبل أن يسألوا بأعظم سؤل

__________________

ومثل هذا البيت قول الفرزدق :

أبيت أمنّى النّفس أن سوف نلتقى

وهل هو مقدور لنفسى لقاؤها

١٠٧ ـ هذا البيت من الشواهد التى لا يعلم قاثلها.

الإعراب : «علموا» فعل وفاعل «أن» مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف «يؤملون» فعل مضارع مبنى للمجهول ، وواو الجماعة نائب فاعل ، والجملة فى محل رفع خبر «أن» المخففة «فجادوا» الفاء عاطفة ، وجادوا : فعل وفاعل ، والجملة معطوفة على جملة علموا «قبل» ظرف متعلق بجاد «أن» مصدرية «يسألوا» فعل مضارع مبنى للمجهول منصوب بأن المصدرية ، وواو الجماعة نائب فاعل ، وقبل مضاف و «أن» وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مضاف إليه «بأعظم» جار ومجرور متعلق بجاد ، وأعظم مضاف ، و «سؤل» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «أن يؤملون» حيث استعمل فيه «أن» المخففة من الثقيلة ، وأعملها فى الاسم الذى هو ضمير الشأن المحذوف ، وفى الخبر الذى هو جملة «يؤملون» ومع أن جملة الخبر فعلية فعلها متصرف غير دعاء لم يأت بفاصل بين «أن» وجملة الخبر.

والاستشهاد بهذا البيت إنما يتم على مذهب الجمهور الذين يذهبون إلى أن «أن» الواقعة بعد علم غير مؤول بالظن تكون مخففة من الثقيلة لا غير ، فأما على مذهب الفراء وابن الأنبارى اللذين لا يريان للمخففة موضعا يخصها وأوجبا الفصل بواحد من الأمور التى ذكرها الشارح للتفرقة ؛ فإنهما ينكران أن تكون «أن» فى هذا البيت


وقوله تعالى : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) فى قراءة من رفع (يُتِمَّ) فى قول ، والقول الثانى : أن «أن» ليست مخففة من الثقيلة ، بل هى الناصبة للفعل المضارع ، وارتفع (يتمّ) بعده شذوذا (١).

* * *

وخفّفت كأنّ أيضا فنوى

منصوبها ، وثابتا أيضا روى (٢)

__________________

مخففة من الثقيلة ، ويزعمان أنها هى المصدرية التى تنصب المضارع ، وأنها لم تنصبه فى هذا البيت كما لم تنصبه فى قول الشاعر :

أن تقرآن على أسماء ويحكما

منّى السّلام ، وأن لا تشعرا أحدا

وكما لم تنصبه فى قوله تعالى : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) فى قراءة من قرأ برفع «يتم» وكما لم تنصبه فى حديث البخارى عن عائشة رضى الله تعالى عنها (٦ / ١٢٠ الطبعة السلطانية) قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لها «وما منعك أن تأذنين له؟ عمك» ، إلا أنه قد يقال : إنه لا يجوز على مذهبهما أيضا أن تكون «أن» فى البيت الشاهد مصدرية مهملة ، من قبل أن الشاعر قد قال بعد ذلك «قبل أن يسألوا» فنصب الفعل بحذف النون ؛ فدل ذلك على أن لغة هذا القائل النصب بأن المصدرية ، فيكون هذا قرينة على أن «أن» الأولى مخففة من الثقيلة ؛ فإن من البعيد أن يجمع الشاعر بين لغتين فى بيت واحد.

(١) قد ذكر العلماء أن هذه لغة لجماعة من العرب ؛ يهملون «أن» المصدرية كما أن عامة العرب يهملون «ما» المصدرية فلا ينصبون بها ، وأنشدوا على ذلك شواهد كثيرة ، وتحقيق هذا الموضوع على الوجه الأكمل مما لا تتسع له هذه العجالة ، ولكنا قد ذكرنا لك فى شرح الشاهد السابق بعض شواهد من القرآن الكريم ومن الحديث الصحيح ومن الشعر.

(٢) «وخففت» الواو عاطفة ، خفف : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء تاء التأنيث «كأن» قصد لفظه : نائب فاعل لخفف «أيضا» مفعول مطلق لفعل محذوف «فنوى» الفاء عاطفة ، نوى : فعل ماض مبنى للمجهول «منصوبها» منصوب : نائب فاعل نوى ، ومنصوب مضاف والضمير مضاف إليه «وثابتا» الواو عاطفة ، وثابتا : حال مقدم


إذا خففت «كأنّ» نوى اسمها ، وأخبر عنها بجملة اسمية (١) ، نحو «كأن زيد قائم» أو جملة فعلية مصدّرة بـ «لم (٢)» كقوله تعالى : (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) أو مصدّرة بـ «تد» كقول الشاعر :

أفد التّرحّل غير أنّ ركابنا

لمّا تزل برحالنا ، وكأن قد [٢](٣)

__________________

على صاحبه وهو الضمير المستتر فى قوله «روى» الآتى ، و «أيضا» مفعول مطلق لفعل محذوف «روى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى منصوبها.

(١) لم يستشهد الشارح هنا لمجىء خبر «كأن» جملة اسمية ، ومن شواهد ذلك قول الشاعر (ش ١٠٨) فى رواية أخرى غير التى ذكرها الشارح فى إنشاد البيت ، ولكنه أشار إليها بعد :

وصدر مشرق الّلون

كأن ثدياه حقّان

فكأن : حرف تشبيه ونصب ، واسمها ضمير شأن محذوف ، وثدياه. مبتدأ ومضاف إليه ، وحقان : خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل رفع خبر كأن.

(٢) إذا كانت جملة خبر «كأن» المخففة فعلية ؛ فإن قصد بها الثبوت اقترنت حتما بقد كبيت النابغة الذى أنشده الشارح (رقم ٢) ، وكقول الآخر :

لا يهولنّك اصطلاء لظى الحر

ب فمحذورها كأن قد ألمّا

وإن قصد بها النفى اقترنت بلم كما فى الآية الكريمة ، وكما فى قول الخنساء :

كأن لم يكونوا حمى يتّقى

إذ النّاس إذ ذاك من عزّبزّا

وكقول شاعر من غطفان (انظره فى معجم البلدان ٦ / ١٨).

كأن لم يدمّنها أنيس ، ولم يكن

لها بعد أيّام الهدملة عامر

(٣) هذا هو الشاهد رقم (٢) وقد شرحنا هذا البيت فى مبحث التنوين أول الكتاب ، فانظره هناك ، والاستشهاد به هنا فى قوله «وكأن قد» حيث خففت «كأن» وحذف اسمها وأخبر عنها بجملة فعلية مصدرة بقد ، والتقدير : وكأنه (أى الحال والشأن) قد زالت ، ثم حذفت جملة الخبر ؛ لأنه قد تقدم فى الكلام ما يرشد إليها ويدل عليها ، وهو قوله «لما تزل برحالنا»


أى : «وكأن قد زالت» فاسم «كأن» فى هذه الأمثلة محذوف ، وهو ضمير الشأن ، والتقدير «كأنه زيد قائم ، وكأنه لم تغن بالأمس ، وكأنه قد زالت» والجملة التى بعدها خبر عنها ، وهذا معنى قوله : «فنوى منصوبها» وأشار بقوله «وثابتا أيضا روى» إلى أنه قد روى إثبات منصوبها ، ولكنه قليل ، ومنه قوله :

(١٠٨) ـ

وصدر مشرق النّحر

كأن ثدييه حقّان

__________________

١٠٨ ـ هذا الشاهد أحد الأبيات التى استشهد بها سيبويه (ج ١ ص ٢٨١) ولم بنسبوها.

اللغة : «وصدر» قد روى سيبويه فى مكان هذه الكلمة «ووجه» وروى غيره فى مكانها «ونحر» وعلى هاتين الروايتين تكون الهاء فى قوله «ثدييه» عائدة إلى «وجه» أو «نحر» بتقدير مضاف ، وأصل الكلام : كأن ثديى صاحبه ، فحذف المضاف ـ وهو الصاحب وأقام المضاف إليه مقامه «مشرق اللون» مضىء لأنه ناصع البياض ، وهذا هو الثابت ، وقد رواه الشارح كما ترى «حقان» تثنية حقة ، وحذفت التاء التى فى المفرد من التثنية كما حذفت فى تثنية «خصية ، وألية» فقالوا : حصيان ، وأليان ، هكذا قالوا ، وليس هذا الكلام بشىء ، بل حقان تثنية حق ـ بضم الحاء وبدون تاء ـ وقد ورد فى فصيح شعر العرب بغير تاء ، ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم التغلبى :

وصدرا مثل حقّ العاج رخصا

حصانا من أكفّ اللامسينا

والعرب تشبه الثديين بحق العاج كما فى بيت الشاهد وكما فى بيت عمرو ، ووجه التشبيه أنهما مكتنزان ناهدان.

الإعراب : «وصدر» بعضهم يرويه بالرفع فهو مبتدأ خبره محذوف ، والتقدير : ولها صدر ، والأكثرون على روايته بالجر ؛ فالواو واو رب ، وصدر : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد «مشرق» صفة لصدر ، ومشرق مضاف و «اللون» مضاف إليه «كأن» مخففة من الثقيلة «ثدييه» ثديى : اسمها ، وثديى مضاف والضمير مضاف إليه


فـ «ثدييه» اسم كأن ، وهو منصوب بالياء لأنه مثنى ، و «حقّان» خبر كأن ، وروى «كأن ثدياه حقّان» فيكون اسم «كأن» محذوفا وهو ضمير الشأن ، والتقدير «كأنه ثدياه حقّان» و «ثدياه حقّان» : مبتدأ وخبر فى موضع رفع خبر كأن ، ويحتمل أن يكون «ثدياه» اسم «كأن» وجاء بالألف على لغة من يجعل المثنى بالألف فى الأحوال كلها.

* * *

__________________

«حقان» خبر كأن ، ومن روى «ثدياه حقان» وهى الرواية التى أنشدنا البيت عليها فى تعليقة سبقت قريبا (ص ٣٩٠) فهى جملة من مبتدأ وخبر فى محل رفع خبر كأن ، واسمها محذوف ، والتقدير : كأنه ـ أى الحال والشأن ـ ثدياه حقان ، وجملة كأن واسمها وخبرها فى محل رفع خبر المبتدأ ، وقد ذكر الشارح ـ رحمه الله! ـ الروايتين جميعا ، وبين وجه كل واحدة منهما بما لا يخرج عما ذكرناه.

الشاهد فيه : قوله «كأن ثدييه حقان» حيث روى بنصب «ثدييه» بالياء المفتوح ما قبلها : على أنه اسم «كأن» المخففة من الثقيلة ، وهذا قليل ، بالنظر إلى حذف اسمها ومجىء خبرها جملة ، ولهذا يروى برفع ثدييه على ما ذكرناه فى إعراب البيت ؛ فيكون البيت على هذه الرواية جاريا على الكثير الغالب.

ولا داعى لما أجازه الشارح على رواية «كأن ثدياه» من أن يكون «ثدياه» اسم كأن أتى به الشاعر على لغة من يلزم المثنى الألف ؛ فإن فى ذلك شيئين كل واحد منهما خلاف الأصل ، أحدهما : أن مجىء المثنى فى الأحوال كلها بالألف لغة مهجورة قديمة لبعض العرب. ثانيهما : أن فيه حمل البيت على القليل النادر ـ وهو ذكر اسم كأن ـ مع إمكان حمله على الكثير المشهور ، والذى يتعين على المعربين ألا يحملوا الكلام على وجه ضعيف متى أمكن حمله على وجه صحيح راجح.


لا التى لنفى الجنس

عمل إنّ اجعل للا فى نكره

مفردة جاءتك أو مكرّره (١)

هذا هو القسم الثالث من الحروف الناسخة للابتداء ، وهى «لا» التى لنفى الجنس ، والمراد بها «لا» التى قصد بها التنصيص على استغراق النفى للجنس كلّه.

وإنما قلت «التنصيص» احترازا عن التى يقع الاسم بعدها مرفوعا ، نحو : «لا رجل قائما» ؛ فإنها ليست نصّا فى نفى الجنس ؛ إذ يحتمل نفى الواحد ونفى الجنس ؛ فبتقدير إرادة نفى الجنس لا يجوز «لا رجل قائما بل رجلان» وبتقدير إرادة نفى الواحد يجوز «لا رجل قائما بل رجلان» ، وأما «لا» هذه فهى لنفى الجنس ليس إلّا ؛ فلا يجوز «لا رجل قائم بل رجلان».

وهى تعمل عمل «إنّ» ؛ فتنصب المبتدأ اسما لها ، وترفع الخبر خبرا لها ، ولا فرق فى هذا العمل بين المفردة ـ وهى التى لم تتكرر ـ نحو «لا غلام رجل قائم» وبين المكررة ، نحو «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» (٢).

__________________

(١) «عمل» مفعول أول مقدم على عامله وهو قوله «اجعل» الآتى ، وعمل مضاف و «إن» قصد لفظه : مضاف إليه «اجعل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «للا» جار ومجرور متعلق باجعل ، وهو المفعول الثانى لاجعل «فى نكره» جار ومجرور متعلق باجعل «مفردة» حال من الضمير المستتر فى «جاءتك» الآتى «جاءتك» جاء : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على «لا» والتاء للتأنيث ، والكاف مفعول به لجاء «أو» عاطفة «مكررة» معطوف على مفردة.

(٢) ومع أنها تعمل مفردة ومكررة فعملها بعد استيفاء شروطها وهى مفردة واجب ، وعملها مكررة جائز.


ولا يكون اسمها وخبرها إلا نكرة (١) ؛ فلا تعمل فى المعرفة ، وما ورد من ذلك مؤوّل بنكرة ، كقولهم «قضيّة ولا أبا حسن لها» فالتقدير : ولا مسمّى بهذا الاسم لها (٢) ويدل على أنه معامل معاملة النكرة وصفه بالنكرة كقولك «لا أبا حسن حلّالا لها» ولا يفصل بينها وبين اسمها ؛ فإن فصل بينهما ألغيت ، كقوله تعالى : (لا فِيها غَوْلٌ)

فانصب بها مضافا ، أو مضارعه

وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه (٣)

__________________

(١) الشروط التى يجب توافرها لإعمال «لا» عمل إن ستة ، وهى : أن تكون نافية ، وأن يكون المنفى بها الجنس ، وأن يكون النفى نصا فى ذلك ، وألا يدخل عليها جار كما دخل عليها فى نحو قولهم : جئت بلا زاد ، وقولهم : غضبت من لا شىء ، وأن يكون اسمها وخبرها نكرتين ، وألا يفصل بينها وبين اسمها فاصل أى فاصل ولا خبرها ، وقد صرح الشارح هنا بشرطين وهما الخامس والسادس ، وأشار فى صدر كلامه إلى الثلاثة الأولى ، وترك واحدا ، وهو ألا يدخل عليها جار.

(٢) هكذا أوله الشاح ، وليس تأويله بصحيح ؛ لأن المسمى بأبى حسن موجود وكثيرون ؛ فالنفى غير صادق.

وقد أوله العلماء بتأويلين آخرين ، أحدهما أن الكلام على حذف مضاف ، والتقدير : ولا مثل أبى حسن لها ، ومثل كلمة متوغلة فى الإبهام لا تتعرف بالإضافة ، ونفى المثل كناية عن نفى وجود أبى الحسن نفسه ؛ والثانى : أن يجعل «أبا حسن» عبارة عن اسم جنس وكأنه قد قيل : ولا فيصل لها ، وهذا مثل تأويلهم فى باب الاستعارة نحو «حاتم» بالمتناهى فى الجود ، ونحو «مادر» بالمتناهى فى البخل ، ونحو «يوسف» بالمتناهى فى الحسن ، وضابطه : أن يؤول الاسم العلم بما اشتهر به من الوصف.

(٣) «فانصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بها» جار ومجرور متعلق بانصب «مضافا» مفعول به لا نصب «أو» عاطفة «مضارعه» مضارع بمعنى مشابه : معطوف على قوله «مضافا» ومضارع مضاف والهاء العائدة إلى قوله «مضافا» مضاف إليه «وبعد» ظرف متعلق بقوله «اذكر» الآتى ، وبعد مضاف ،


وركّب المفرد فاتحا : كلا

حول ولا قوّة ، والثّانى اجعلا (١)

مرفوعا ، او منصوبا ، او مركّبا ،

وإن رفعت أوّلا لا تنصبا (٢)

__________________

و «ذا» من «ذاك» اسم إشارة : مضاف إليه ، والكاف حرف خطاب «الخبر» مفعول به لا ذكر الآتى «اذكر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «رافعه» رافع : حال من الضمير المستتر فى «اذكر» ورافع مضاف والهاء مضاف إليه ، من إضافة الصفة لمعمولها ، وهى لا تفيد تعريفا ولا تخصيصا ، ولذلك وقع هذا المضاف حالا.

(١) «وركب» الواو عاطفة ، ركب : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «المفرد» مفعول به لركب «فاتحا» حال من الضمير المستتر فى «ركب» ومتعلقه محذوف ، والتقدير : فاتحا له «كلا» الكاف جارة لقول محذوف على ما سبق غيره مرة ، ولا : نافية للجنس «حول» اسم لا ، مبنى على الفتح فى محل نصب ، وخبرها محذوف ، والتقدير : لا حول موجود «ولا» الواو عاطفة ، ولا : نافية للجنس أيضا «قوة» اسمها. وخبرها محذوف ، وهذه الجملة معطوفة بالواو على الجملة السابقة «والثانى» مفعول أول قدم على عامله ، وهو قوله اجعلا الآتى «اجعلا» اجعل : فعل أمر ، مبنى على السكون لا محل له من الإعراب ، وحرك بالفتح لأجل مناسبة الألف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والألف للاطلاق ، أو هو فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا لأجل الوقف لا محل له من الإعراب ، ونون التوكيد المنقلبة ألفا حرف لا محل له من الإعراب.

(٢) «مرفوعا» مفعول ثان لاجعل فى البيت السابق «أو منصوبا» أو : حرف عطف ، منصوبا : معطوف على مرفوع «أو مركبا» معطوف على قوله «مرفوعا» السابق «وإن» الواو عاطفة ، إن : شرطية «رفعت» رفع : فعل ماض فعل الشرط مبنى على الفتح المقدر فى محل جزم ، وتاء المخاطب فاعل «أولا» مفعول به لرفعت «لا» ناهية «تنصبا» : فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة


لا يخلو اسم «لا» [هذه] من ثلاثة أحوال ؛ الحال الأول : أن يكون مضافا [نحو «لا غلام رجل حاضر»]. الحال الثانى : أن يكون مضارعا للمضاف ، أى مشابها له ، والمراد به : كل اسم له تعلّق بما بعده : إمّا بعمل ، نحو «لا طالعا جبلا ظاهر ، ولا خيرا من زيد راكب» ، وإما بعطف نحو : «لا ثلاثة وثلاثين عندنا» ويسمى المشبّه بالمضاف : مطوّلا ، وممطولا ، أى : ممدودا ، وحكم المضاف والمشبّه به النصب لفظا ، كما مثّل ، والحال الثالث : أن يكون مفردا ، والمراد به ـ هنا ـ ما ليس بمضاف ، ولا مشبّه بالمضاف ؛ فيدخل فيه المثنى والمجموع ، وحكمه البناء على ما كان ينصب به ؛ لتركّبه مع «لا» وصيرورته معها كالشىء الواحد ؛ فهو معها كخمسة عشر ، ولكن محله النصب بلا ؛ لأنه اسم لها ؛ فالمفرد الذى ليس بمثنى ولا مجموع يبنى على الفتح ؛ لأن نصبه بالفتحة نحو «لا حول ولا قوّة إلا بالله» والمثنى وجمع المذكر السالم يبنيان على ما كانا ينصبان به ـ وهو الياء ـ نحو «لا مسلمين لك ، ولا مسلمين» فمسلمين ومسلمين مبنيان ؛ لتركبهما مع «لا» كما بنى «رجل» [لتركبه] معها.

وذهب الكوفيون والزّجّاج إلى أنّ «رجل» فى قولك : «لا رجل» معرب ، وأن فتحته فتحة إعراب ، لا فتحة بناء ، وذهب المبرد إلى أن «مسلمين» و «مسلمين» معربان (١).

__________________

المنقلبة ألفا لأجل الوقف فى محل جزم بلا الناهية ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط ، وحذف منها الفاء ضرورة ، وكان حقه أن يقول : وإن رفعت أولا فلا تنصبا.

(١) ذهب أبو العباس المبرد إلى أن اسم «لا» إذا كان مثنى أو مجموعا جمع مذكر سالما فهو معرب منصوب بالياء ، وليس مبنيا كما ذهب إليه جمهور النحاة ، واحتج لما ذهب إليه بأن التثنية والجمع من خصائص الأسماء ، وقد علمنا أن من شرط بناء الاسم لشبهه


وأما جمع المؤنث السالم فقال قوم : مبنىّ على ما كان ينصب به ـ وهو الكسر ؛ فتقول : «لا مسلمات لك» بكسر التاء ، ومنه قوله :

(١٠٩) ـ

إنّ الشّباب الّذى مجد عواقبه

فيه نلذّ ، ولا لذّات للشّيب

__________________

بالحرف فى وجه من وجوه الشبه التى تقدم بيانها : ألا يعارض هذا الشبه شىء من خصوصيات الأسماء ، والجواب على هذه الشبهة من وجهين : أو لهما ـ وهو وجه عقلى ـ أن ما كان من خصائص الأسماء إنما يقدح فى بناء الاسم ويعارضه إذا طرأ على الاسم بعد كونه مبنيا ، فأما إذا كان ما هو من خصائص الأسماء موجودا فى الاسم ثم عرض لهذا الاسم ما يقتضى شبهه بالحرف ـ من بعد ذلك ـ فإنه لهذا لا يعارض سبب البناء ولا يمنع منه ، ونحن ندعى أن الاسم كان مثنى أو مجموعا ، ثم دخلت عليه لا فتركب معها تركب خمسة عشر ، فوجد سبب البناء طارثا على ما هو من خصائص الاسم ، الثانى ـ وهو نقض لمذهبه بعدم الاطراد ـ أن المبرد نفسه قد اتفق مع الجمهور على بناء اسم لا المجموع جمع تكسير ، ولم يعبأ معه بما هو من خصائص الاسم وهو الجمع ، كما اتفق مع الجمهور على بناء المنادى المثنى أو المجموع جمع المذكر السالم على ما يرفع به ، ولم يعبأ بما هو من خصائص الأسماء.

١٠٩ ـ البيت لسلامة بن جندل السعدى ، من قصيدة له مستجادة ، وأولها قوله

أودى الشّباب حميدا ذو التّعاجيب

أودى ، وذلك شأو غير مطلوب

ولّى حثيثا ، وذاك الشّيب يتبعه

لو كان يدركه ركض اليعاقيب

اللغة : «أودى» ذهب وفنى ، وكرر هذه الكلمة تأكيدا لمضمونها ؛ لأنه إنما أراد إنشاء التحسر والتحزن على ذهاب شبابه «حميدا» محمودا «التعاجيب» العجب ، وهو جمع لا واحد له من لفظه ، ويروى فى مكانه «الأعاجيب» وهو جمع أعجوبة ، وهى الأمر الذى يتعجب منه «شأو» هو الشوط «حثيثا» سريعا «اليعاقيب» جمع يعقوب ، وهو ذكر الحجل «مجد عواقبه» المراد أن نهايته محمودة «الشيب» بكسر الشين ـ جمع أشيب ـ وهو الذى ابيض شعره ، وروى صدر البيت المستشهد به هكذا :

* أودى الشّباب الذى مجد ... إلخ*


وأجاز بعضهم الفتح ، نحو «لا مسلمات لك» (١)

__________________

الإعراب : «إن» حرف توكيد ونصب «الشباب» اسم إن «الذى» اسم موصول : نعت للشباب «مجد» يجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هو مجد ، وعواقبه ـ على هذا ـ نائب فاعل مجد ؛ لأنه مصدر بمعنى اسم المفعول كما فسرناه ويجوز أن يكون «مجد» خبرا مقدما ، و «عواقبه» مبتدأ مؤخرا ، وجاز الإخبار بالمفرد ـ وهو مجد ـ عن الجمع ـ وهو عواقب ـ لأن الخبر مصدر ، والمصدر يخبر به عن المفرد والمثنى والجمع بلفظ واحد ؛ لأنه لا يثنى ولا يجمع ، وعلى كل حال فجملة «مجد عواقبه» ـ سواء أفدرت مبتدأ أم لم تقدر ـ لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «فيه» جار ومجرور متعلق بقوله نلذ الآتى «نلذ» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن «ولا» نافية للجنس «لذات» اسم لا ، مبنى على الكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم فى محل نصب «للشيب» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر «لا»

الشاهد فيه : قوله «ولا لذات للشيب» حيث جاء اسم لا ـ وهو لذات ـ جمع مؤنث سالما ، ووردت الرواية ببنائه على الكسرة نيابة عن الفتحة ، كما كان ينصب بها لو أنه معرب.

(١) اعلم أن للعلماء فى اسم «لا» إذا كان جمع مؤنث سالما أربعة مذاهب :

الأول : أن يبنى على الكسرة نيابة عن الفتحة من غير تنوين ، وهذا مذهب جمهرة النحاة.

الثانى : أن يبنى على الكسرة نيابة عن الفتحة لكن يبقى له تنوينه ، وهذا مذهب صححه ابن مالك صاحب الألفية ، وجزم به فى بعض كتبه ، ونقله عن قوم ، وحجتهم فى عدم حذف التنوين أنه قد تقرر أن تنوين جمع المؤنث السالم هو تنوين المقابلة ، وهو لا ينافى البناء ، فلا يحذف.

الثالث : أنه مبنى على الفتح ، وهذا مذهب المازنى والفارسى ، ورجحه ابن هشام فى المغنى والمحقق الرضى فى شرح الكافية وابن مالك فى بعض كتبه.

الرابع : أنه يجوز فيه البناء على الكسرة نيابة عن الفتحة ، والبناء على الفتح.

وزعم كل شراح الألفية أن بيت سلامة بن جندل (الشاهد رقم ١٠٩) يروى بالوجهين جميعا ، فإذا صح ذلك لم يكن لإيجاب أحد الأمرين بعينه وجه وجيه ، ويؤخذ


وقول المصنف : «وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه» معناه أنه يذكر الخبر بعد اسم «لا» مرفوعا ، والرافع له «لا» عند المصنف وجماعة [وعند سيبويه الرافع له لا] إن كان اسمها مضافا أو مشبها بالمضاف ، وإن كان الاسم مفردا فاختلف فى رافع الخبر ؛ فذهب سيبويه إلى أنه ليس مرفوعا بـ «لا» وإنما هو مرفوع على أنه خبر المبتدأ ، لأن مذهبه أن «لا» واسمها المفرد فى موضع رفع بالابتداء ، والاسم المرفوع بعدهما خبر عن ذلك المبتدأ ، ولم تعمل «لا» عنده فى هذه الصورة إلا فى الاسم ، وذهب الأخفش إلى أن الخبر مرفوع بـ «لا» فتكون «لا» عاملة فى الجزءين كما عملت فيهما مع المضاف والمشبه به.

وأشار بقوله : «والثانى اجعلا» إلى أنه إذا أتى بعد «لا» والاسم الواقع بعدها بعاطف ونكرة مفردة وتكررت «لا» نحو «لا حول ولا قوّة إلا بالله» يجوز فيهما خمسة أوجه ، وذلك لأن المعطوف عليه : إما أن يبنى مع «لا» على الفتح ، أو ينصب ، أو يرفع.

فإن بنى معها على الفتح جاز فى الثانى ثلاثة أوجه :

الأول : البناء على الفتح ؛ لتركبه مع «لا» الثانية ، وتكون [لا] الثانية عاملة عمل إنّ ، نحو «لا حول ولا قوّة إلا بالله» (١).

__________________

من كلام ابن الأنبارى أن بيت سلامة يروى بالفتح دون الكسر ؛ فيكون تأييدا لمذهب المازنى ومن معه ؛ ولكنا لا نستطيع أن نرد رواية الكسر بمجرد كون ابن الأنبارى لم يحفظها.

(١) وعلى تركيب الثانية مع اسمها كتركيب الأولى مع اسمها قرأ أبو عمرو وابن كثير فى قوله سبحانه : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) بفتح بيع وخلة وشفاعة ، و «لا» فى المواضع الثلاثة نافية للجنس عاملة عمل إن ، والاسم المفتوح بعدها اسمها مبنى على الفتح فى محل نصب ، وخبرها ـ فيما عدا الأول ـ محذوف لدلالة ما قبله عليه.

ومن شواهد ذلك قول الراجز (وقد أنشدناه فى شرح الشاهد رقم ٢٧ السابق) :

نحن بنو خويلد صراحا

لا كذب اليوم ولا مزاحا


الثانى : النصب عطفا على محلّ اسم «لا» ، وتكون «لا» الثانية زائدة بين العاطف والمعطوف ، نحو «لا حول ولا قوّة إلا بالله» ومنه قوله :

(١١٠) ـ

لا نسب اليوم ولا خلّة

اتّسع الخرق على الرّاقع

__________________

١١٠ ـ البيت لأنس بن العباس بن مرداس ، وقيل : بل هو لأبى عامر جد العباس ابن مرداس ، ويروى عجز البيت كما رواه الشارح العلامة من كلمة عينية ، وبعده :

كالثّوب إذ أنهج فيه البلى

أعيا على ذى الحيلة الصّانع

وروى أبو على القالى صدر هذا البيت مع عجز آخر ، وهو :

* اتّسع الخرق على الرّاتق*

من كلمة قافية ، وقبله :

لا صلح بينى ـ فاعلموه ـ ولا

بينكم ، ما حملت عاتقى

سيفى ، وما كنّا بنجد ، وما

قرقر قمر الواد بالشّاهق

اللغة : «خلة» بضم الخاء وتشديد اللام ـ هى الصداقة ، وقد تطلق الخلة على الصديق نفسه ، كما فى قول رجل من بنى عبد القيس ، وهو أحد شعراء الحماسة.

ألا أبلغا خلّتى راشدا

وصنوى قديما إذا ما تصل

«الراقع» ومثله «الراتق» الذى يصلح موضع الفساد من الثوب «أنهج» أخذ فى البلى «أعيا» صعب ، وشق ، واشتد «العاتق» موضع الرداء من المنكب «قرقر قمر» قرقر : صوت ، وصاح ، و «قمر» يجوز أن يكون جمع أقمر ؛ فوزانه وزان أحمر وحمر وأصفر وصفر ، ويجوز أن يكون جمع قمرى ، كروم فى جمع رومى «الشاهق» الجبل المرتفع.

الإعراب : «لا» نافية للجنس «نسب» اسمها ، مبنى على الفتح فى محل نصب «اليوم» ظرف متعلق بمحذوف خبر لا «ولا» الواو عاطفة ، ولا : زائدة لتأكيد النفى «خلة» معطوف على نسب ، بالنظر إلى محل اسم «لا» الذى هو النصب «اتسع» فعل ماض «الخرق» فاعل لاتسع «على الراقع» جار ومجرور متعلق بقوله «اتسع».


الثالث : الرفع ، وفيه ثلاثة أوجه ؛ الأول : أن يكون معطوفا على محل «لا» واسمها ؛ لأنهما فى موضع رفع بالابتداء عند سيبويه ، وحينئذ تكون «لا» زائدة ، الثانى : أن تكون «لا» الثانية عملت عمل «ليس» ، الثالث : أن يكون مرفوعا بالابتداء ، وليس للاعمل فيه ، وذلك نحو «لا حول ولا قوّة إلا بالله» ومنه قوله :

(١١١) ـ

هذا ـ لعمركم ـ الصّغار بعينه

لا أمّ لى ـ إن كان ذاك ـ ولا أب

__________________

الشاهد فيه : قوله «ولا خلة» حيث نصب على تقدير أن تكون «لا» زائدة للتأكيد ، ويكون «خلة» معطوفا بالواو على محل اسم «لا» ـ وهو قوله «نسب» ـ عطف مفرد على مفرد ، وهذا هو الذى حمله الشارح ـ تبعا لجمهور النحاة ـ عليه.

وقال يونس بن حبيب : إن «خلة» مبنى على الفتح فى محل نصب ، ولكنه نونه للضرورة ، وبناؤه على الفتح عنده على أن «لا» الثانية عاملة عمل «إن» مثل الأولى ، وخبرها محذوف يرشد إليه خبر الأولى ، والتقدير «ولا خلة اليوم» والواو قد عطفت جملة «لا» الثانية مع اسمها وخبرها على جملة لا الأولى ، وهو كلام لا متمسك له ، بل يجب ألا يحمل عليه الكلام ؛ لأن الحمل على وجه يستتبع الضرورة لا يجوز متى أمكن الحمل على وجه سائغ لا ضرورة معه.

وقال الزمخشرى فى مفصله : إن «خلة» منصوب بفعل مضمر ، وليس معطوفا على لفظ اسم لا ، ولا على محله ، والتقدير عنده : لا نسب اليوم ولا تذكر خلة ، وهو تكلف لا مقتضى له ، ويلزم عليه عطف الجملة الفعلية على الجملة الاسمية ، والأفضل فى العطف توافق الجملة المعطوفة مع الجملة المعطوف عليها فى الفعلية والاسمية ونحوهما.

١١١ ـ اختلف العلماء فى نسبة هذا البيت ، فقيل : هو لرجل من مدحج ، وكذلك نسبوه فى كتاب سيبويه ، وقال أبو رياش : هو لهمام بن مرة أخى جساس بن مرة قاتل كليب ، وقال ابن الأعرابى : هو لرجل من بنى عبد مناف ، وقال الحاتمى : هو لابن أحمر ، وقال الأصفهانى : هو لضمرة بن ضمرة ، وقال بعضهم : إنه من الشعر القديم جدا ، ولا يعرف له قائل.


..................................................................................

__________________

اللغة : «هذا لعمركم» العمر ـ بفتح فسكون ـ الحياة ، وقد فصل بين المبتدأ الذى هو اسم الإشارة وخبره ، بجملة القسم ـ وهى قوله «لعمركم» مع خبره المحذوف ـ ويروى «هذا وجدكم» والجد : الحظ والبخت ، وهو أيضا أبو الأب «الصغار» بزنة سحاب ـ الذل ، والمهانة ، والحقارة «بعينه» يزعم بعض العلماء أن الباء زائدة ، وكأنه قد قال : هذا الصغار عينه ، ولا داعى لذلك.

الإعراب : «هذا» اسم إشارة مبتدأ «لعمركم» اللام لام الابتداء ، وعمر : مبتدأ ، وخبره محذوف وجوبا ، والتقدير : لعمركم قسمى ، وعمر مضاف والضمير مضاف إليه ، والجملة معترضة بين المبتدأ وخبره لا محل لها من الإعراب «الصغار» خبر المبتدأ الذى هو اسم الإشارة «بعينه» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال ، وقيل : الباء زائدة ، وعليه يكون قوله عين تأكيدا للصغار ، وعين مضاف والهاء مضاف إليه «لا» نافية للجنس «أم» اسم لا مبنى على الفتح فى محل نصب «لى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا «إن» شرطية «كان» فعل ماض ناقص فعل الشرط ، مبنى على الفتح فى محل جزم «ذاك» ذا : اسم كان ، وخبرها محذوف ، والتقدير : إن كان ذاك محمودا ، أو نحوه «ولا» الواو عاطفة ، لا زائدة لتأكيد النفى «أب» بالرفع ـ معطوف على محل لا واسمها ؛ فإنهما فى موضع رفع بالابتداء عند سيبويه ، وفيه إعرابان آخران ستعرفهما فى بيان الاستشهاد بالبيت.

الشاهد فيه : قوله «ولا أب» حيث جاء مرفوعا على واحد من ثلاثة أوجه : إما على أن يكون معطوفا على محل «لا» مع اسمها كما ذكرناه ، أو على أن «لا» الثانية عاملة عمل ليس ، و «أب» اسمها ، وخبرها محذوف ، أو على أن تكون «لا» غير عاملة أصلا ، بل هى زائدة ، ويكون «أب» مبتدأ خبره محذوف ، وقد ذكر ذلك الشارح العلامة. ومثله قول جرير بن عطية :

بأىّ بلاء يا نمير بن عامر

وأنتم ذنابى ، لا يدين ولا صدر؟

وقد ورد على غرار ذلك قول المتنبى :

لا خيل عندك تهديها ولا مال

فليسعد النّطق إن لم يسعد الحال


وإن نصب المعطوف عليه جاز فى المعطوف الأوجه الثلاثة المذكورة ـ أعنى البناء ، والرفع ، والنصب ـ نحو : لا غلام رجل ولا امرأة ، ولا امرأة ، ولا امرأة.

وإن رفع المعطوف عليه جاز فى الثانى وجهان ؛ الأول البناء على الفتح ، نحو «لا رجل ولا امرأة ، ولا غلام رجل ولا امرأة» ومنه قوله :

(١١٢) ـ

فلا لغو ولا تأثيم فيها

وما فاهوا به أبدا مقيم

__________________

١١٢ ـ البيت لأمية بن أبى الصلت ، ولكن الشارح ـ كغيره من النحاة ـ قد لفق صدر بيت من أبيات كلمة أمية على عجز بيت آخر منها ، وصواب إنشاد البيتين هكذا :

ولا لغو ولا تأثيم فيها

ولا حين ولا فيها مليم

وفيها لحم ساهرة وبحر

وما فاهوا به أبدا مقيم

اللغة : «لغو» أى. قول باطل ، وما لا يعتد به من الكلام «تأثيم» هو مصدر أثمته ـ بتشديد الثاء ـ بمعنى نسبته إلى الإثم بأن قلت له : يا آثم ، يريد أن بعضهم لا ينسب بعضا إلى الإثم ؛ لأنهم لا يفعلون ما يصحح نسبتهم إليه «حين» هلاك وفناء «مليم» بضم الميم ـ وهو الذى يفعل ما يلام عليه «ساهرة» هى وجه الأرض ، يريد أن فى الجنة لحم حيوان البر.

الإعراب : «فلا» نافية ملغاة «لغو» مبتدأ ، مرفوع بالضمة الظاهرة «ولا» الواو عاطفة ، لا : نافية للجنس تعمل عمل إن «تأثيم» اسم لا مبنى على الفتح فى محل نصب «فيها» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر «لا» وخبر المبتدأ محذوف يدل عليه خبر لا هذا ، ويجوز عكس ذلك على ضعف فيه فيكون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف خبر المبتدأ ، ويكون خبر لا هو المحذوف ، وعلى أية حال فإن الواو قد عطفت جملة لا مع اسمها وخبرها على جملة المبتدأ والخبر «وما» اسم موصول مبتدأ «فاهوا» فعل وفاعل ، والجملة من فاه وفاعله لا محل لها صلة الموصول «به» جار ومجرور متعلق بفاهوا «أبدا» منصوب على الظرفية ناصبه فاهوا أو مقيم «مقيم» خبر المبتدأ ، ويجوز أن تكون لا الأولى نافية عاملة عمل ليس ، ولغو : اسمها ، وخبرها محذوف يدل عليه خبر لا الثانية العاملة عمل إن أو خبر الاولى هو


والثانى : الرفع ، نحو «لا رجل ولا امرأة ، ولا غلام رجل ولا امرأة (١)».

ولا يجوز النصب للثانى ؛ لأنه إنما جاز بها تقدّم للعطف على [محل] اسم «لا» و «لا» هنا ليست بناصبة ؛ فيسقط النّصب ، ولهذا قال المصنف : «وإن رفعت أوّلا لا تنصبا».

* * *

ومفردا نعتا لمبنىّ يلى

فافتح ، أو انصبن ، أو ارفع ، تعدل (٢)

__________________

المذكور بعد ، وخبر الثانية محذوف يدل عليه خبر الأولى ، وتكون الواو قد عطفت جملة لا الثانية العاملة عمل إن على جملة لا الأولى العاملة عملى ليس ، ولكن الوجه الثانى من وجهى الخبر ضعيف ؛ لما يلزم عليه من العطف قبل استكمال المعطوف عليه.

الشاهد فيه : قوله «فلا لغو ولا تأثيم» حيث ألغى لا الأولى ، أو أعملها عمل ليس ؛ فرفع الاسم بعدها ، وأعمل «لا» الثانية عمل «إن» على ما بيناه فى إعراب البيت.

ومثل هذا الشاهد قول عامر بن جوين الطائى ، وهو الشاهد رقم ١٤٦ الآتى فى باب الفاعل :

فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها

الرواية فيه برفع «مزنة» بالضمة الظاهرة وبفتح «أرض» والقول فيهما كالقول فى «لا لغو ولا تأثيم».

(١) من شواهد هذا الوجه قول الله تعالى : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) يرفع الثلاثة فى قراءة غير أبى عمرو وابن كثير ، وقول عبيد بن حصين الراعى :

وما هجرتك حتّى قلت معلنة :

لا ناقة لى فى هذا ولا جمل

وقد نسج عليه أبو الطيب المتنبى فى قوله :

بم التّعلّل لا أهل ولا وطن

ولا نديم ولا كأس ولا سكن؟

(٢) «ومفردا نعتا» يجوز أن يكون مفردا مفعولا مقدما تنازعه العوامل الثلاثة


إذا كان اسم «لا» مبنيّا ، ونعت بمفرد يليه ـ أى لم يفصل بينه وبينه بفاصل ـ جاز فى النعت ثلاثة أوجه :

الأول : البناء على الفتح ؛ لتركّبه مع اسم «لا» ، نحو «لا رجل ظريف».

الثانى : النصب ، مراعاة لمحل اسم «لا» نحو «لا رجل ظريفا».

الثالث : الرّفع ، مراعاة لمحل «لا» واسمها ؛ لأنهما فى موضع رفع عند سيبويه كما تقدم ، نحو «لا رجل ظريف»

* * *

وغير ما يلى ، وغير المفرد

لا تبن ، وانصبه ، أو الرّفع اقصد (١)

__________________

الآتية ويكون نعتا بدلا منه ، ويجوز أن يكون مفردا حالا من نعتا ، وجاز مجىء الحال من النكرة لتقدمه عليها ولتخصصه بالمتعلق أو بالوصف ، ويكون نعتا مفعولا تنازعه العوامل الثلاثة «لمبنى» جار ومجرور متعلق بقوله نعتا ، أو بمحذوف صفة له «بلى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نعت ، والجملة فى محل نصب صفة لقوله نعتا «فافتح» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «أو» عاطفة «انصبن» فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ونون التوكيد حرف لا محل له من الإعراب «أو» حرف عطف «ارفع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «تعدل» فعل مضارع مجزوم فى جواب الأمر ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر لأجل الروى.

(١) «وغير» مفعول مقدم على عامله ، وهو قوله «لا تبن» الآتى ، وغير مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «يلى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة لا محل لها صلة ما «وغير» الواو عاطفة ، غير : معطوف على غير السابقة ، وغير مضاف ، و «المفرد» مضاف إليه «لا»


تقدّم فى البيت الذى قبل هذا أنه إذا كان النعت مفردا ، والمنعوت مفردا ، ووليه النعت ، جاز فى النعت ثلاثة أوجه ، وذكر فى هذا البيت أنه إن لم يل النعت المفرد المنعوت المفرد ، بل فصل بينهما بفاصل ، لم يجز بناء النعت ؛ فلا تقول «لا رجل فيها ظريف» ببناء ظريف ، بل يتعين رفعه ، نحو «لا رجل فيها ظريف» أو نصبه ، نحو «لا رجل فيها ظريفا» وإنما سقط البناء على الفتح لأنه إنما جاز ـ عند عدم الفصل ـ لتركب النعت مع الاسم ، ومع الفصل لا يمكن التركيب ، كما لا يمكن التركيب إذا كان المنعوت غير مفرد ، نحو «لا طالعا جبلا ظريفا» ولا فرق ـ فى امتناع البناء على الفتح فى النعت عند الفصل ـ بين أن يكون المنعوت مفردا ، كما مثل ، أو غير مفرد.

وأشار بقوله : «وغير المفرد» إلى أنه إن كان النعت غير مفرد ـ كالمضاف والمشبه بالمضاف ـ تعيّن رفعه أو نصبه ؛ فلا يجوز بناؤه على الفتح ، ولا فرق فى ذلك بين أن يكون المنعوت مفردا أو غير مفرد ، ولا بين أن يفصل بينه وبين النعت أو لا يفصل ؛ وذلك نحو «لا رجل صاحب برّ فيها ، ولا غلام رجل فيها صاحب برّ».

وحاصل ما فى البيتين : أنه إن كان النعت مفردا ، والمنعوت مفردا ، ولم يفصل بينهما ؛ جاز فى النعت ثلاثة أوجه ، نحو «لا رجل ظريف ، وظريفا ، وظريف» وإن لم يكن كذلك تعين الرفع أو النصب ، ولا يجوز البناء.

* * *

__________________

ناهية «تبن» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وانصبه» الواو عاطفة ، انصب : فعل أمر مبنى على السكون لا محل له من الإعراب ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به لا نصب «أو» عاطفة «الرفع» مفعول به مقدم لا قصد «اقصد» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.


والعطف إن لم تتكرّر «لا» احكما

له بما للنّعت ذى الفصل انتمى (١)

تقدّم أنه إذا عطف على اسم «لا» نكرة مفردة ، وتكررت «لا» يجوز فى المعطوف ثلاثة أوجه : الرفع ، والنصب ، والبناء على الفتح ، نحو «لا رجل ولا امرأة ، ولا امرأة ، ولا امرأة» وذكر فى هذا البيت أنه إذا لم تتكرر «لا» يجوز فى المعطوف ما جاز فى النعت المفصول ، وقد تقدم [فى البيت الذى قبله] أنه يجوز فيه : الرفع ، والنصب (٢) ، ولا يجوز فيه البناء على الفتح ؛

__________________

(١) «والعطف» مبتدأ «إن» شرطية «لم» حرف نفى وجزم وقلب «تتكرر» فعل مضارع فعل الشرط «لا» قصد لفظه : فاعل تتكرر «احكما» فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا لأجل الوقف ، ونون التوكيد المنقلبة ألفا حرف لا محل له من الإعراب ، وفاعل احكم ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط ، وحذفت منه الفاء ضرورة ، وجملة الشرط وجوابه فى محل رفع خبر المبتدأ «له ، بما» جاران ومجروران يتعلقان باحكم ، وما : اسم موصول «للنعت» جار ومجرور متعلق بقوله انتمى الآتى «ذى» نعت للنعت ، وذى مضاف ، و «الفصل» مضاف إليه «انتمى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» الموصولة ، والجملة من انتمى وفاعله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

وحاصل البيت : والعطف إن لم تتكرر لا فاحكم له بالحكم الذى انتمى للنعت صاحب الفصل من منعوته ، وذلك الحكم هو امتناع البناء وجواز ما عداه من الرفع والنصب.

(٢) من شواهد هذه المسألة قول رجل من بنى عبد مناة بن كنانة يمدح مروان بن الحكم وابنه عبد الملك :

فلا أب وابنا مثل مروان وابنه

إذا هو بالمجد ارتدى وتأزّرا

فأنت تراه قد عطف «ابنا» على اسم لا الذى هو «أب» وأتى بالمعطوف


فتقول : «لا رجل وامرأة ، وامرأة» ولا يجوز البناء على الفتح ، وحكى الأخفش «لا رجل وامرأة» بالبناء على الفتح ، على تقدير تكرر «لا» فكأنه قال : «لا رجل ولا امرأة» ثم حذفت «لا».

وكذلك إذا كان المعطوف غير مفرد لا يجوز فيه إلا الرفع والنصب ، سواء تكررت «لا» نحو «لا رجل ولا غلام امرأة» أو لم تكرر ، نحو «لا رجل وغلام امرأة» (١)

هذا كله إذا كان المعطوف نكرة ؛ فإن كان معرفة لا يجوز فيه إلا الرفع ، على كل حال ، نحو «لا رجل ولا زيد فيها» ، أو «لا رجل وزيد فيها».

* * *

وأعط «لا» مع همزة استفهام

ما تستحقّ دون الاستفهام (٢)

__________________

منصوبا. وقد كان يجوز له أن يأتى به مرفوعا بالعطف على محل «لا» مع اسمها ؛ فإن محلهما رفع بالابتداء عند سيبويه ، كما تقدم ذكره مرارا.

(١) ذكر الناظم والشارح حكم العطف على اسم لا ، وحكم نعته ، ولم يذكر واحد منهما حكم البدل منه. وحاصله أن البدل إما أن يكون نكرة كاسم لا ، وإما أن يكون معرفة ؛ فإذا كان البدل نكرة جاز فيه الرفع والنصب ؛ فتقول : لا أحد رجلا وامرأة فيها ، وتقول : لا أحد رجل وامرأة فيها ، وإن كان البدل معرفة لم يجز فيه إلا الرفع ، فتقول : لا أحد زيد وعمرو فيها.

وأما التوكيد فلا يأتى منه المعنوى ، لأنّ ألفاظه معارف ، واسم «لا» نكرة ، ولا تؤكد النكرة توكيدا معنويا على ما ستعرف فى باب التوكيد إن شاء الله.

(٢) «وأعط» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لا» قصد لفظه : مفعول أول لأعط «مع» ظرف متعلق بمحذوف حال من «لا» ومع مضاف ، و «همزة» مضاف إليه ، وهمزة مضاف ، و «استفهام» مضاف إليه «ما»


إذا دخلت همزة الاستفهام على «لا» النافية للجنس بقيت على ما كان لها من العمل ، وسائر الأحكام التى سبق ذكرها ؛ فتقول : «ألا رجل قائم ، وألا غلام رجل قائم ، وألا طالعا جبلا ظاهر» وحكم المعطوف والصفة ـ بعد دخول همزة الاستفهام ـ كحكمهما قبل دخولها.

هكذا أطلق المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ هنا ، وفى كل ذلك تفصيل.

وهو : أنه إذا قصد بالاستفهام التوبيخ ، أو الاستفهام عن النفى ؛ فالحكم كما ذكر ، من أنه يبقى عملها وجميع ما تقدم ذكره : من أحكام العطف ، والصفة ، وجواز الإلغاء.

فمثال التوبيخ قولك : «ألا رجوع وقد شبت؟» ومنه قوله :

(١١٣) ـ

ألا ارعواء لمن ولّت شبيبته

وآذنت بمشيب بعده هرم؟

__________________

اسم موصول : مفعول ثان لأعط «تستحق» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على «لا» ومفعوله ضمير محذوف يعود على «ما» الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «دون» ظرف متعلق بمحذوف حال من «لا» ودون مضاف و «الاستفهام» مضاف إليه.

وحاصل البيت : وأعط «لا» النافية حال كونها مصاحبة الهمزة الدالة على الاستفهام نفس الحكم الذى كانت «لا» هذه تستحقه حال كونها غير مصحوبة بأداة الاستفهام.

١١٣ ـ هذا البيت لم ينسبه أحد ممن استشهد به ـ فيما بين أيدينا من المراجع ـ إلى قائل معين.

اللغة : «ارعواء» أى : انتهاء ، وانكفاف ، وانزجار ، وهو مصدر ارعوى يرعوى : أى كف عن الأمر وتركه «آذنت» أعلمت «ولت» أدبرت «مشيب» شيخوخة وكبر «هرم» فناء للقوة وذهاب للفتاء ودواعى الصبوة.


ومثال الاستفهام عن النفى قولك : «ألا رجل قائم؟» ومنه قوله :

(١١٤) ـ

ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد؟

إذا ألاقى الّذى لاقاه أمثالى

__________________

المعنى : أفما يكف عن المقابح ويدع دواعى النزق والطيش هذا الذى فارقه الشباب وأعلمته الأيام أن جسمه قد أخذ فى الاعتلال ، وسارعت إليه أسباب الفناء والزوال؟!

الإعراب : «ألا» الهمزة للاستفهام ، ولا : نافية للجنس ، وقصد بالحرفين جميعا التوبيخ والإنكار «ارعواء» اسم لا «لمن» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر «لا» ومن : اسم موصول «ولت» ولى : فعل ماض. والتاء تاء التأنيث «شبيبته» شبيبة : فاعل ولت ، وشبيبة مضاف والضمير مضاف إليه. والجملة من ولت وفاعله لا محل لها صلة الموصول «وآذنت» الواو عاطفة ، آذن : فعل ماض ، والتاء تاء التأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى شبيبة «بمشيب» جار ومجرور متعلق بآذنت «بعده» بعد : ظرف زمان متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وبعد مضاف والهاء ضمير المشيب مضاف إليه «هرم» مبتدأ مؤخر ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل جر صفة لمشيب.

الشاهد فيه : قوله «ألا ارعواه» حيث أبقى للا النافية عملها الذى تستحقه مع دخول همزة الاستفهام عليها ؛ لأنه قصد بالحرفين جميعا التوبيخ والإنكار.

١١٤ ـ نسب هذا البيت لمجنون بنى عامر قيس بن الملوح ، ويروى فى صدره اسمها هكذا :

* ألا اصطبار لليلى أم لها جلد*

اللغة : «اصطبار» تصبر ، وتجلد ، وسلوان ، واحتمال «لاقاه أمثالى» كناية عن الموت.

المعنى : ليت شعرى ـ إذا أنا لاقيت ما لاقاه أمثالى من الموت ـ أيمتنع الصبر على سلمى أم يبقى لها تجلدها وصبرها؟.

الإعراب : «ألا» الهمزة للاستفهام ، ولا : نافية للجنس «اصطبار» اسم «لا» مبنى على الفتح فى محل نصب «لسلمى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر «لا»


وإذا قصد بألا التمنّى : فمذهب المازنىّ أنها تبقى على جميع ما كان لها من الأحكام ، وعليه يتمشّى إطلاق المصنف ، ومذهب سيبويه أنه يبقى لها عملها فى الاسم ، ولا يجوز إلغاؤها ، ولا الوصف أو العطف بالرفع مراعاة للابتداء.

ومن استعمالها للتمنّى قولهم : «ألا ماء ماء باردا» وقول الشاعر :

(١١٥) ـ

ألا عمر ولّى مستطاع رجوعه

فيرأب ما أثأت يد الغفلات

* * *

__________________

«أم» عاطفة «لها» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «جلد» مبتدأ مؤخر. والجملة معطوفة على جملة «لا» واسمها وخبرها «إذا» ظرفية «ألاقى» فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «الذى» اسم موصول : مفعول به لألاقى «لاقاه» لاقى : فعل ماض ، والهاء مفعول به للاقى تقدم على فاعله «أمثالى» أمثال : فاعل لاقى ، وأمثال مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول لا محل لها صلة الموصول.

الشاهد فيه : قوله «ألا اصطبار» حيث عامل «لا» بعدد دخول همزة الاستفهام مثل ما كان يعاملها به قبل دخولها ، والمراد من الهمزة هنا الاستفهام ، ومن «لا» النفى ؛ فيكون معنى الحرفين معا الاستفهام عن النفى ، وبهذا البيت يندفع ما ذهب إليه الشلوبين من أن الاستفهام عن النفى لا يقع ، وكون الحرفين معاد دالين على الاستفهام عن النفى فى هذا البيت مما لا يرتاب فيه أحد ؛ لأن مراد الشاعر أن يسأل : أينتفى عن محبوبته الصبر إذا مات ، فتجزع عليه ، أم يكون لها جلد وتصبر؟

١١٥ ـ احتج بهذا البيت جماعة من النحاة ولم ينسبه أحد منهم ـ فيما نعلم ـ إلى قائل معين.

اللغة : «ولى» أدبر ، وذهب «فيرأب» يجبر ويصلح «أثأث» فتقت ، وصدعت


وشاع فى ذا الباب إسقاط الخبر

إذا المراد مع سقوطه ظهر (١)

__________________

وشعبت ، وأفسدت ، تقول : رأب فلان الصدع ، ورأب فلان الإناء ؛ إذا أصلح ما فسد منهما ، وقال الشاعر :

يرأب الصّدع والثّأى برصين

من سجايا آرائه ويغير

(بغير ـ بفتح باء المضارعة ـ بمعنى يمير : أى يمون الناس).

الإعراب : «ألا» كلمة واحدة للتمنى ، ويقال : الهمزة للاستفهام ، وأريد بها التمنى ولا : نافية للجنس ، وليس لها خبر لا لفظا ولا تقديرا «عمر» اسمها «ولى» فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بعود إلى عمر ، والجملة فى محل نصب صفة لعمر «مستطاع» خبر مقدم «رجوعه» رجوع : مبتدأ مؤخر ، ورجوع مضاف والضمير العائد إلى العمر مضاف إليه ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل نصب صفة ثانية لعمر «فيرأب» الفاء للسببية ، يرأب : فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية فى جواب التمنى ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عمر «ما» اسم موصول : مفعول به ليرأب «أثأت» أثأى : فعل ماض ، والتاء تاء التأنيث «يد» فاعل أثأت ، ويد مضاف و «الغفلات» مضاف إليه ، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها صلة الموصول ، والعائد ضمير منصوب محذوف تقديره «أثأته».

الشاهد فيه : قوله «ألا عمر» حيث أريد بالاستفهام مع «لا» مجرد التمنى ، وهذا كثير فى كلام العرب ، ومما يدل على كون «ألا» للتمنى فى هذا البيت نصب المضارع بعد فاء السببية فى جوابه.

(١) «وشاع» فعل ماض «فى» حرف جر «ذا» اسم إشارة مبنى على السكون فى محل جر بفى ، والجار والمجرور متعلق بشاع «الباب» بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة «إسقاط» فاعل شاع ، وإسقاط مضاف و «الخبر» مضاف إليه «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط «المراد» فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده ، وتقديره : إذا ظهر المراد «مع» ظرف متعلق بقوله «ظهر» الآتى ، ومع مضاف وسقوط من «سقوطه» مضاف إليه ، وسقوط مضاف والهاء مضاف إليه «ظهر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المراد ، والجملة من ظهر وفاعله لا محل لها من الإعراب مفسرة.


إذا دلّ دليل على خبر «لا» النافية للجنس وجب حذفه عند التميميين والطائيين ، وكثر حذفه عند الحجازيين ، ومثاله أن يقال : هل من رجل قائم؟ فتقول : «لا رجل» وتحذف الخبر ـ وهو قائم ـ وجوبا عند التميميين والطائيين ، وجوازا عند الحجازيين ، ولا فرق فى ذلك بين أن يكون الخبر غير ظرف ولا جار ومجرور ، كما مثّل ، أو ظرفا أو جارّا ومجرورا ، نحو أن يقال : هل عند رجل؟ أو هل فى الدار رجل؟ فتقول : «لا رجل».

فإن لم يدلّ على الخبر دليل لم يجز حذفه عند الجميع ، نحو قوله صلّى الله عليه وسلم : «لا أحد أغير من الله» وقول الشاعر :

(١١٦) ـ

* ولا كريم من الولدان مصبوح*

__________________

١١٦ ـ نسب الزمخشرى فى المفصل (١ / ٨٩ بتحقيقنا) هذا الشاهد لحاتم الطائى ، ونسبه الجرمى ـ مع صدره ـ لأبى ذؤيب الهذلى ، والصواب أنه ـ كما قال الأعلم ـ لرجل جاهلى من بنى النبيت بن قاسط (وصوابه ابن مالك) ـ وهو حى من اليمن ـ وكان قد اجتمع هو حاتم والنابغة الذبيانى عند امرأة يقال لها ماوية بنت عفزر يخطبونها ، فآثرت حاتما عليهما ، وصدر هذا الشاهد :

* إذا اللّقاح غدت ملقى أصرّتها*

وبعض النحاة ـ كسيبويه ، والأعلم ، وتبعهم الأشمونى ـ يجعل صدر هذا الشاهد قوله :

* ورد جازرهم حرفا مصرّمة*

وهذا من تركيب صدر بيت على عجز بيت آخر ، وهاك ثلاثة أبيات منها البيت الشاهد لتعلم صحة الإنشاد.

هلّا سألت النّبيتيّين ما حسبى

عند الشّتاء إذا ما هبّت الرّيح

وردّ جازرهم حرفا مصرّمة

فى الرّأس منها وفى الأصلاء تمليح


وإلى هذا أشار المصنف بقوله : «إذا المراد مع سقوطه ظهر» واحترز بهذا مما لا يظهر المراد مع سقوطه ؛ فإنه لا يجوز حينئذ الحذف كما تقدم.

* * *

__________________

إذا اللّقاح غدت ملقى أصرّتها

ولا كريم من الولدان مصبوح

اللغة : «اللقاح» جمع لقوح ، وهى الناقة الحلوب «أصرتها» جمع صرار ، وهو خيط يشد به رأس الضرع لئلا يرضعها ولدها ، وإنما تلقى الأصرة حين لا يكون در ، وذلك فى سنى القحط «مصبوح» اسم مفعول من صبحته ـ بتخفيف الباء ـ إذا سقيته الصبوح ، وهو ـ بفتح الصاد وضم الباء الموحدة ـ الشرب بالغداة ، والغداة : الوقت ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس.

الإعراب : «إذا» ظرف للزمان المستقبل تضمن معنى الشرط «اللقاح» اسم لغدا محذوفا يدل عليه المذكور بعده ، وخبره محذوف يدل عليه ما بعده أيضا ، والتقدير : إذا غدت اللقاح ملقى أصرتها «غدت» غدا : فعل ماض ناقص بمعنى صار ، والتاء للتأنيث ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على اللقاح «ملقى» خبر غدا ، وهو اسم مفعول «أصرتها» أصرة : نائب فاعل لملقى ، وأصرة مضاف والضمير العائد إلى اللقاح مضاف إليه «ولا» نافية للجنس «كريم» اسمها «من الولدان» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لكريم «مصبوح» خبر لا.

الشاهد فيه : قوله «ولا كريم من الولدان مصبوح» حيث ذكر خبر لا ، وهو قوله «مصبوح» لكونه ليس يعلم إذا حذف ، ولو أنه حذفه فقال «ولا كريم من الولدان» لفهم منه أن المراد ولا كريم من الولدان موجود ؛ لأن الذى يحذف ـ عند عدم قيام قرينة ـ هو الكون العام ، ولا شك أن هذا المعنى غير المقصود له.

هذا تخريج البيت على ما يريد الشارح والناظم تبعا لسيبويه شيخ النحاة.

وقد أجاز الأعلم الشنتمرى وأبو على الفارسى وجار الله الزمخشرى أن يكون الخبر محذوفا ، وعليه يكون قوله «مصبوح» نعتا لاسم لا ، باعتبار أصله ، وهو المعبر عنه بأنه تابع على محل لا واسمها معا ؛ لأنهما فى التقدير مبتدأ عند سيبويه ، كما تقدم بيانه.


..................................................................................

__________________

قال الأعلم : «ويجوز أن يكون نعتا لاسمها محمولا على الموضع ، ويكون الخبر محذوفا لعلم السامع ، وتقديره موجود ونحوه» اه.

وقال الزمخشرى : «وقول حاتم* ولا كريم إلخ* يحتمل أمرين : أحدهما أن يترك فيه طائيته إلى اللغة الحجازية ، والثانى ألا يجعل مصبوح خبرا ، ولكن صفة محمولة على محل لا مع المنفى» اه.

ويريد بترك طائيته أنه ذكر خبر لا ؛ لأنك قد علمت أن لغة الطائيين حذف خبر لا مطلقا ، أعنى سواء أكان ظرفا أو جارا ومجرورا أم كان غيرهما ، متى فهم ودلت عليه قرينة ، أو كان كونا مطلقا ، ويكون حاتم قد تكلم فى هذا البيت على لغة أهل الحجاز الذين يذكرون خبر لا ، عند عدم قيام القرينة على حذفه ، أو عند تعلق الغرض بذكره لداعية من الدواعى ، لكن الذى يقرره العلماء أن العربى لا يستطيع أن يتكلم بغير لغته التى درب عليها لسانه ، فإذا نحن راعينا ذلك وجب أن نصير إلى الوجه الآخر ـ وهو أن نقدر قوله «مصبوح» نعتا لقوله «لا كريم» أى نعتا على محل لا مع اسمها وهو الرفع ـ حتى يكون كلامه جاريا على لغة قومه ، فاعرف هذا ، والله يرشدك ويبصرك.


ظنّ وأخواتها

انصب بفعل القلب جزءى ابتدا

أعنى : رأى ، خال ، علمت ، وجدا (١)

ظنّ ، حسبت ، وزعمت ، مع عدّ

حجا ، درى ، وجعل اللّذ كاعتقد (٢)

وهب ، تعلّم ، والّتى كصيّرا

أيضا بها انصب مبتدا وخبرا (٣)

هذا هو القسم الثالث من الأفعال الناسخة للابتداء ، وهو ظنّ وأخواتها.

وتنقسم إلى قسمين ؛ أحدهما : أفعال القلوب ، والثانى : أفعال التّحويل.

فأما أفعال القلوب فتنقسم إلى قسمين ؛ أحدهما : ما يدلّ على اليقين ، وذكر المصنف منها خمسة : رأى ، وعلم ، ووجد ، ودرى ، وتعلّم ، والثانى منهما :

__________________

(١) «انصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بفعل» جار ومجرور متعلق بانصب ، وفعل مضاف ، و «القلب» مضاف إليه «جزءى» مفعول به لا نصب ، وجزءى مضاف ، و «ابتدا» مضاف إليه «أعنى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «رأى» قصد لفظه : مفعول به لأعنى «خال ، علمت ، وجدا» كلهن معطوفات على رأى بعاطف مقدر.

(٢) «ظن ، حسبت ، وزعمت» كلهن معطوفات على «رأى» المذكور فى البيت السابق بعاطف مقدر فيما عدا الأخير «مع» ظرف متعلق بأعنى ، ومع مضاف ، و «عد» قصد لفظه : مضاف إليه «حجا ، درى ، وجعل» معطوفات على عد بعاطف مقدر فيما عدا الأخير «اللذ» اسم موصول ـ وهو لغة فى الذى ـ صفة لجعل «كاعتقد» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول.

(٣) «وهب ، تعلم» معطوفان على «عد» بعاطف محذوف من الثانى «والتى» اسم موصول : مبتدأ «كصيرا» جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقع جملته صلة التى «أيضا» مفعول مطلق لفعل محذوف «بها» جار ومجرور متعلق بقوله انصب الآتى «انصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مبتدا» مفعول به لا نصب «وخبرا» معطوف على مبتدا ، وجملة انصب وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.


ما يدل على الرّجحان ، وذكر المصنف منها ثمانية : خال ، وظنّ ، وحسب ، وزعم ، وعدّ ، وحجا ، وجعل ، وهب.

فمثال رأى قول الشاعر :

(١١٧) ـ

رأيت الله أكبر كلّ شىء

محاولة ، وأكثرهم جنودا

فاستعمل «رأى» فيه لليقين ، وقد تستعمل «رأى» بمعنى «ظنّ» (٢) ، كقوله تعالى : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) أى : يظنّونه.

__________________

١١٧ ـ البيت لخداش بن زهير بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة بن بكر ابن هوازن.

اللغة : «محاولة» تطلق المحاولة على القوة والقدرة ، وتطلق على طلب الشىء بحيلة ، والمعنى الثانى من هذين لا يليق بجانب الله تعالى «وأكثرهم جنودا» قد لفق الشارج العلامة ـ تبعا لكثير من النحاة ـ هذه اللفظة من روايتين : إحداهما رواها أبو زيد ، وهى* وأكثرهم عديدا* والثانية رواها أبو حاتم ، وهى* وأكثره جنودا*.

الإعراب : «رأيت» فعل وفاعل «الله» منصوب على التعظيم ، وهو المفعول الأول «أكبر» مفعول ثان لرأى ، وأكبر مضاف ، و «كل» مضاف إليه ، وكل مضاف و «شىء» مضاف إليه «محاولة» تمييز «وأكثرهم» الواو عاطفة ، أكثر : معطوف على «أكبر» ، وأكثر مضاف والضمير مضاف إليه «جنودا» تمييز أيضا.

الشاهد فيه : قوله «رأيت الله أكبر ... إلخ» فإن رأى فيه دالة على اليقين ، وقد نصبت مفعولين ؛ أحدهما لفظ الجلالة ، والثانى قوله «أكبر» على ما بيناه فى الإعراب.

(١) تأتى رأى بمعنى علم ، وبمعنى ظن ، وقد ذكرهما الشارح هنا ، وتأتى كذلك بمعنى حلم ، أى رأى فى منامه ـ وتسمى الحلمية ـ وسيذكرها الناظم بعد ، وهى بهذه المعانى الثلاثة تتعدى لمفعولين ، وتأتى بمعنى أبصر نحو «رأيت الكواكب» ، وبمعنى اعتقد نحو «رأى أبو حنيفة حل كذا» وتأتى بمعنى أصاب رئته. تقول «رأيت محمدا»


ومثال «علم» «علمت زيدا أخاك» وقول الشاعر :

(١١٨) ـ

علمتك الباذل المعروف ؛ فانبعثت

إليك بى واجفات الشّوق والامل

__________________

تريد ضربته فأصبت رئته ، وهى بهذه المعانى الثلاثة تتعدى لمفعول واحد ، وقد تتعدى التى بمعنى اعتقد إلى مفعولين ، كقول الشاعر :

رأى النّاس ـ إلّا من رأى مثل رأيه ـ

خوارج ترّاكين قصد المخارج

وقد جمع الشاعر فى هذا البيت بين تعديتها لواحد وتعديتها لاثنين ، فأما تعديتها لواحد ففى قوله «رأى مثل رأيه» وأما تعديتها لاثنين ففى قوله «رأى الناس خوارج» هكذا قيل ، ولو قلت إن خوارج حال من الناس لم تكن قد أبعدت.

١١٨ ـ هذا البيت من الشواهد التى لم ينسبوها لقائل معين.

اللغة : «الباذل» اسم فاعل من البذل ، وهو الجود والإعطاء ، وفعله من باب نصر «المعروف» اسم جامع لكل ما هو من خيرى الدنيا والآخرة ، وفى الحديث «صنائع المعروف تقى مصارع السوء» ، «فانبعثت» ثارت ومضت ذاهبة فى طريقها «واجفات» أراديها دواعى الشوق وأسبابه التى بعثته على الذهاب إليه ، وهى جمع واجفة ، وهى مؤنث اسم فاعل من الوجيف ، وهو ضرب من السير السريع ، وتقول : وجف البعير يجف وجفا ـ بوزان وعد يعد وعدا ـ ووجيفا ؛ إذا سار ، وقد أوجفه صاحبه ، وفى الكتاب العزيز(فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ).

الإعراب : «علمتك» فعل وفاعل ومفعول أول «الباذل» مفعول ثان لعلم «المعروف» يجوز جره بالإضافة ، ويجوز نصبه على أنه مفعول به للباذل «فانبعثت» الفاء عاطفة ، وانبعث : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «إليك ، بى» كل منهما جار ومجرور متعلق بانبعث «واجفات» فاعل بانبعث ، وواجفات مضاف و «الشوق» مضاف إليه «والأمل» معطوف على الشوق.

الشاهد فيه : قوله «علمتك الباذل ... إلخ» فإن علم فى هذه العبارة فعل ذال على اليقين ، وقد نصب به مفعولين : أحدهما الكاف ، والثانى قوله الباذل ، على ما بيناه فى الإعراب.


ومثال «وجد» قوله تعالى : (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)

ومثال «درى» قوله :

(١١٩) ـ

دريت الوفىّ العهد يا عرو فاغتبط

فانّ اغتباطا بالوفاء حميد

__________________

والذى يدل على أن «علم» فى هذا البيت بمعنى اليقين أن المقصود مدح المخاطب واستجداؤه ، وذلك يستدعى أن يكون مراده إنى أيقنت بأنك جواد كريم تعطى من سألك ؛ فلهذا أسرعت إليك مؤملا جدواك.

وقد تأنى «علم» بمعنى ظن ، ويمثل لها العلماء بقوله تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ).

وهى ـ إذا كانت بمعنى اليقين أو الظن ـ تتعدى إلى مفعولين

وقد تأتى بمعنى عرف فتتعدى لواحد ، وقد تأتى بمعنى صار أعلم ـ أى مشقوق الشفة العليا ـ فلا تتعدى أصلا.

١١٩ ـ وهذا الشاهد ـ أيضا ـ لم ينسبوه إلى قائل معين.

اللغة : «دريت» بالبناء للمجهول ـ من درى ـ إذا علم «فاغتبط» أمر من الغبطة ، وهى أن تتمنى مثل حال الغير من غير أن تتمنى زوال حاله عنه ، وأراد الشاعر بأمره بالاغتباط أحد أمرين ؛ أولهما : الدعاء له بأن يدوم له ما يربطه الناس من أجله ، والثانى : أمره بأن يبقى على اتصافه بالصفات الحميدة التى تجعل الناس يغبطونه.

المعنى : إن الناس قد عرفوك الرجل الذى يفى إذا عاهد ؛ فيلزمك أن تغتبط بهذا ، وتقربه عينا ، ولا لوم عليك فى الاغتباط به.

الإعراب : «دريت» درى : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء نائب فاعل ، وهو المفعول الأول «الوفى» مفعول ثان «العهد» يجوز جره بالإضافة ، ونصبه على التشبيه بالمفعول به ، ورفعه على الفاعلية ؛ لأن قوله «الوفى» صفة مشبهة ، والصفة يجوز فى معمولها الأوجه الثلاثة المذكورة «يا عرو» يا : حرف نداء ، وعرو : منادى مرخم بحذف التاء ، وأصله عروة «فاغتبط» الفاء عاطفة ، اغتبط : فعل


ومثال «تعلّم» ـ وهى التى بمعنى اعلم (١) ـ قوله :

(١٢٠) ـ

تعلّم شفاء النّفس قهر عدوّها

فبالغ بلطف فى التّحيّل والمكر

__________________

أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فإن» الفاء للتعليل ، إن : حرف توكيد ونصب «اغتباطا» اسم إن «بالوفاء» جار ومجرور متعلق باغتباط ، أو بمحذوف صفة لاغتباط «حميد» خبر «إن» مرفوع بالضمة الظاهرة.

الشاهد فيه : قوله «دريت الوفى العهد» فإن «درى» فعل دال على اليقين ، وقد نصب به مفعولين ؛ أحدهما : التاء التى وقعت نائب فاعل ، والثانى هو قوله «الوفى» على ما سبق بيانه.

هذا ، واعلم أن «درى» يستعمل على طريقين ؛ أحدهما : أن يتعدى لواحد بالباء نحو قولك : دريت بكذا ، فإن دخلت عليه همزة تعدى بها لواحد ولثان بالباء كما فى قوله تعالى : (وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) والثانى : أن ينصب مفعولين بنفسه كما فى بيت الشاهد ، ولكنه قليل.

(١) احترز بقوله «وهى التى بمعنى اعلم» عن التى فى نحو قولك : تعلم النحو ، والفرق بينهما من ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أن قولك «تعلم النحو» أمر بتحصيل العلم فى المستقبل ، وذلك بتحصيل أسبابه ، وأما قولك «تعلم أنك ناجح» فإنه أمر بتحصيل العلم بما يذكر مع الفعل من المتعلقات فى الحال ، وثانيهما : أن التى من أخوات ظن تتعدى إلى مفعولين ، والأخرى تتعدى إلى مفعول واحد ، وثالثها : أن التى من أخوات ظن جامدة غير متصرفة ، وتلك متصرفة ، تامة التصرف ، تقول : تعلم الحساب يتعلمه وتعلمه أنت.

١٢٠ ـ البيت لزياد بن سيار بن عمرو بن جابر.

اللغة : «تعلم» اعلم واستيقن «شفاء النفس» قضاء مآربها «لطف» رفق «التحيل» أخذ الأشياء بالحيلة.

المعنى : اعلم أنه إنما يشفى نفوس الرجال أن يستطيعوا قهر أعدائهم والتغلب عليهم ؛ فيلزمك أن تبالغ فى الاحتيال لذلك ؛ لكى تبلغ ما تريد.

الإعراب : «تعلم» فعل بمعنى اعلم ، وهو فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «شفاء» مفعول أول لتعلم ، وشفاء مضاف ، و «النفس» مضاف إليه «قهر» مفعول ثان لتعلم ، وقهر مضاف ، وعدو من «عدوها» مضاف إليه ، وعدو


وهذه مثل الأفعال الدالة على اليقين.

ومثال الدالة على الرّجحان قولك : «خلت زيدا أخاك» وقد تستعمل «خال» لليقين ، كقوله :

(١٢١) ـ

دعانى الغوانى عمّهنّ ، وخلتنى

لى اسم ؛ فلا أدعى به وهو أوّل

__________________

مضاف ، وها مضاف إليه «فبالغ» الفاء للتفريع ، بالغ : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بلطف» جار ومجرور متعلق ببالغ «فى التحيل» جار ومجرور متعلق بلطف ، أو بمحذوف صفة له «والمكر» معطوف على التحيل.

الشاهد فيه : قوله «تعلم شفاء النفس قهر عدوها» حيث ورد فيه «تعلم» بمعنى اعلم ، ونصب به مفعولين ، على ما ذكرناه فى الإعراب.

ثم اعلم أن هذه الكلمة أكثر ما تتعدى إلى «أن» المؤكدة ومعموليها ، كما فى قول النابغة الذبيانى :

تعلّم أنّه لا طير إلّا

على متطيّر ، وهو الثّبور

وقول الحارث بن ظالم المرىء :

تعلّم ـ أبيت اللّعن! ـ أنّ فاتك

من اليوم أو من بعده بابن جعفر

وكذلك قول الحارث بن عمرو ، وينسب لعمرو بن معديكرب :

تعلّم أنّ خير النّاس طرّا

قتيل بين أحجار الكلاب

ويندر أن تنصب مفعولين كل منهما اسم مفرد غير جملة كما فى بيت الشاهد.

١٢١ ـ هذا البيت للنمر بن بن تولب العكلى ، من قصيدة له مطلعها قوله :

تأبّد من أطلال جمرة مأسل

فقد أقفرت منها سراء فيذبل

اللغة : «دعانى الغوانى» الغوانى : جمع غانية ، وهى التى استغنت بجمالها عن الزينة أو هى التى استغنت ببيت أبيها عن الأزواج ، أو هى اسم فاعل من «غنى بالمكان» أى أقام به ، ويروى : «دعانى العذارى والعذارى : جمع عذراء ، وهى الجارية البكر ، ويروى : «دعاء العذارى» ودعاء ـ فى هذه الرواية ـ مصدر دعا مضاف إلى فاعله ، وعمهن مفعوله.


و «ظننت زيدا صاحبك» وقد تستعمل لليقين كقوله تعالى : (وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ) و «حسبت زيدا صاحبك» وقد تستعمل لليقين ، كقوله :

(١٢٢) ـ

حسبت التّقى والجود خير تجارة

رباحا ، إذا ما المرء أصبح ثاقلا

__________________

الإعراب : «دعانى» دعا : فعل ماض ، والنون للوقاية ، والياء مفعول أول «الغوانى» فاعل دعا «عمهن» عم : مفعول ثان لدعا ، وعم مضاف والضمير مضاف إليه «وخلتنى» فعل وفاعل ، والنون للوقاية ، والياء مفعول أول ، وفيه اتحاد الفاعل والمفعول فى كونهما ضميرين متصلين لمسمى واحد ـ وهو المتكلم ـ وذلك من خصائص أفعال القلوب «لى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «اسم» مبتدأ مؤخر ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل نصب مفعول ثان لخال «فلا» نافية «أدعى» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «وهو» الواو واو الحال ، وهو : ضمير منفصل مبتدأ «أول» خبر للمبتدأ ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل نصب حال.

الشاهد فيه : قوله «وخلتنى لى اسم» فإن «خال» فيه بمعنى فعل اليقين ، وليس هو بمعنى فعل الظن ؛ لأنه لا يظن أن لنفسه اسما ، بل هو على يقين من ذلك ، وقد نصب بهذا الفعل مفعولين ؛ أولهما ضمير المتكلم ، وهو الياء ، وثانيهما جملة «لى اسم» من المبتدأ والخبر ، على ما بيناه فى الإعراب.

١٢٢ ـ هذا البيت للبيد بن ربيعة العامرى ، من قصيدة طويلة عدتها اثنان وتسعون بيتا ، وأولها قوله :

كبيشة حلّت بعد عهدك عاقلا

وكانت له خبلا على النّأى خابلا

تربّعت الأشراف ثمّ تصيّفت

حساء البطاح وانتجعن المسايلا

اللغة : «كبيشة» على زنة التصغير ـ اسم امرأة «عاقلا» بالعين المهملة والقاف اسم جبل ، قال ياقوت : «الذى يقتضيه الاشتقاق أن يكون عاقل اسم جبل ، والأشعار التى قيلت فيه بالوادى أشبه ، ويجوز أن يكون الوادى منسوبا إلى الجبل ، لكونه من


ومثال «زعم» قوله :

(١٢٣) ـ

فإن تزعمينى كنت أجهل فيكم

فإنّى شريت الحلم بعدك بالجهل

__________________

لحفه» اه «خبلا» الخبل : فساد العقل ، ويروى «وكانت له شغلا على النأى شاغلا» وقوله «تربعت الأشراف» معناه : نزلت به فى وقت الربيع ، والأشراف : اسم موضع ، ولم يذكره ياقوت «تصيفت حساء البطاح» نزلت به زمان الصيف ، وحساء البطاح : منزل لبنى يربوع ، وهو بضم باء البطاح كما قال ياقوت ، ووهم العينى فى ضبطه بكسر الباء لظنه أنه جمع بطحاء «رباحا» بفتح الراء ـ الربح «ثاقلا» ميتا ؛ لأن البدن يكون خفيفا ما دامت الروح فيه ، فإذا فارقته ثقل.

المعنى : لقد أيقنت أن أكثر شىء ربحا إذا اتجر فيه الإنسان إنما هو تقوى الله تعالى والجود ، وإنه ليعرف الربح إذا مات ، حيث يرى جزاء عمله حاضرا عنده

الإعراب : «حسبت» فعل وفاعل «التقى» مفعول أول «والجود» معطوف على التقى «خير» مفعول ثان لحسبت ، وخير مضاف ، و «تجارة» مضاف إليه «رباحا» تمييز «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان «ما» زائدة «المرء» اسم لأصبح محذوفة تفسرها المذكورة بعد ، وخبرها محذوف أيضا ، والتقدير إذا أصبح المرء ثاقلا ، والجملة من أصبح المحذوفة ومعموليها فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «أصبح» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المرء «ثاقلا» خبر أصبح ، وهذه الجملة لا محل لها مفسرة.

الشاهد فيه : قوله «حسبت التقى خبر تجارة ـ إلخ» حيث استعمل الشاعر فيه «حسبت» بمعنى علمت ، ونصب به مفعولين ؛ أولهما قوله «التقى» وثانيهما قوله «خير تجارة» على ما بيناه فى الإعراب.

١٢٣ ـ هذا البيت لأبى ذؤيب الهذلى.

اللغة : «أجهل» الجهل هو الخفة والسفه «الحلم» التؤدة والرزانة.

المعنى : لئن كان يترجح لديك أنى كنت موصوفا بالنزق والطيش أيام كنت أقيم بينكم ، فإنه قد تغير عندى كل وصف من هذه الأوصاف ، وتبدلت بها رزانة وخلقا كريما.


..................................................................................

__________________

الإعراب : «إن» شرطية «تزعمينى» فعل مضارع فعل الشرط ، مجزوم بحذف النون ، وياء المخاطبة فاعل ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم مفعول أول «كنت» كان : فعل ماض ناقص ، والتاء اسمه «أجهل» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة من أجهل وفاعله فى محل نصب خبر كان ، والجملة من «كان» واسمها وخبرها فى محل نصب مفعول ثان لنزعم «فيكم» جار ومجرور متعلق بأجهل «فإنى» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، إن : حرف توكيد ونصب ، والباء اسمها «شريت» فعل وفاعل ، والجملة من شرى وفاعله فى محل رفع خبر «إن» والجملة من إن ومعموليها فى محل جزم جواب الشرط «الحلم» مفعول به لشريت «بعدك» بعد : ظرف متعلق بشريت ، وبعد مضاف والكاف ضمير المخاطبة مضاف إليه «بالجهل» جار ومجرور متعلق بشريت.

الشاهد فيه : قوله «تزعمينى كنت أجهل» حيث استعمل المضارع من «زعم» بمعنى فعل الرجحان ، ونصب به مفعولين ؛ أحدهما ياء المتكلم ، والثانى جملة «كان» ومعموليها ، على ما ذكرناه فى إعراب البيت.

واعلم أن الأكثر فى «زعم» أن تتعدى إلى معموليها بواسطة «أن» المؤكدة ، سواء أكانت مخففة من الثقيلة نحو قوله تعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) وقوله سبحانه : (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) أم كانت مشددة كما فى قول عبيد الله بن عتبة :

فذق هجرها ؛ قد كنت تزعم أنّه

رشاد ، ألا يا ربّما كذب الزّعم

وكما فى قول كثير عزة :

وقد زعمت أنّى تغيّرت بعدها

ومن ذا الّذى يا عزّ لا يتغيّر؟

وهذا الاستعمال ـ مع كثرته ـ ليس لازما ، بل قد تتعدى «زعم» إلى المفعولين بغير توسط «أن» بينهما ؛ فمن ذلك بيت الشاهد الذى نحن بصدده ، ومنه قول أبى أمية الحنفى ، واسمه أوس :

زعمتنى شيخا ، ولست بشيخ

إنّما الشّيخ من يدبّ دبيبا


ومثال «عدّ» قوله :

(١٢٤) ـ

فلا تعدد المولى شريكك فى الغنى

ولكنّما المولى شريكك فى العدم

__________________

وزعم الأزهرى أى «زعم» لا تتعدى إلى مفعوليها بغير توسط «أن» وعنده أن ما ورد مما يخالف ذلك ضرورة من ضرورات الشعر لا يقاس عليها ، وهو محجوج بما روينا من الشواهد ، وبأن القول بالضرورة خلاف الأصل.

١٢٤ ـ هذا البيت للنعمان بن بشير ، الأنصارى ، الخزرجى :

اللغة : «لا تعدد» لا تظن «المولى» يطلق ـ فى الأصل ـ على عدة معان سبق بيانها (ص ٢١١) والمراد منه هنا الحليف ، أو الناصر «العدم» هو هنا بضم العين وسكون الدال ـ الفقر ، ويقال : عدم الرجل يعدم ـ بوزن علم يعلم ـ وأعدم فهو معدم ؛ إذا افتقر.

المعنى : لا تظن أن صديقك هو الذى يشاطرك المودة أيام غناك ؛ فإنما الصديق الحق هو الذى يلوذ بك ويشاركك أيام فقرك وحاجتك.

الإعراب : «فلا» ناهية «تعدد» فعل مضارع مجزوم بلا ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «المولى» مفعول أول لتعدد «شريكك» شريك : مفعول ثان لتعدد ، وشريك مضاف ، والكاف مضاف إليه «فى الغنى» جار ومجرور متعلق بشريك «ولكنما» الواو عاطفة ، لكن : حرف استدراك ، وما : كافة «المولى» مبتدأ «شريكك» شريك : خبر المبتدأ ، وشريك مضاف والكاف مضاف إليه «فى العدم» جار ومجرور متعلق بشريك.

الشاهد فيه : قوله «فلا تعدد المولى شريكك» حيث استعمل المضارع من «عد» بمعنى تظن ، ونصب به مفعولين ؛ أحدهما قوله «المولى» والثانى قوله «شريك» على ما سبق بيانه فى الإعراب.

ومثل بيت الشاهد فى ذلك قول أبى دواد جارية بن الحجاج :

لا أعدّ الإقتار عدما ، ولكن

فقد من قد فقدته الإعدام

فقوله «أعد» بمعنى أظن ، والإقتار : مصدر أقتر الرجل ؛ إذا افتقر ، وهو مفعوله الأول ، وعدما : مفعوله الثانى ، ومثله أيضا قول جرير بن عطية :


ومثال «حجا» قوله :

(١٢٥) ـ

قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة

حتّى ألمّت بنا يوما ملمّات

__________________

تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم

بنى ضوطرى ، لو لا الكمىّ المقنّعا

فتعدون : بمعنى تظنون ؛ وعقر النيب : مفعوله الأول ، وأفضل مجدكم : مفعوله الثانى

١٢٥ ـ هذا البيت نسبه ابن هشام إلى تميم [بن أبى] بن مقبل ، ونسبه صاحب المحكم إلى أبى شنبل الأعرابى ، ونسبه ثعلب فى أماليه إلى أعرابى يقال له القنان ، ورواه ياقوت فى معجم البلدان (١٦٥٧) أول أربعة أبيات ، وبعده قوله :

فقلت ، والمرء تخطيه عطيّته :

أدنى عطيّته إيّاى ميئات

اللغة : «أحجو» أظن «ألمت» نزلت ، والملمات : جمع ملمة وهى النازلة من نوازل الدهر

المعنى : لقد كنت أظن أبا عمرو صديقا يركن إليه فى النوازل ، ولكنى قد عرفت مقدار مودته ؛ إذ نزلت بى نازلة فلم يكن منه إلا أن نفر منى وأعرض عنى ولم يأخذ بيدى فيها.

الإعراب : «قد» حرف تحقيق «كنت» كان : فعل ماض ناقص ، والتاء اسمه «أحجو» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «أبا» مفعول أول لأحجو ، وأبا مضاف و «عمرو» مضاف إليه «أخا» مفعول ثان لأحجو ، وجملة أحجو ومعموليه فى محل نصب خبر كان «ثقة» يقرأ بالنصب منونا مع تنوين أخ ، فهو حينئذ صفة له ، وقرأ بالجر منونا ، فأخا ـ حينئذ ـ مضاف ، و «ثقة» مضاف إليه ، وعلى الأول هو معرب بالحركات ، وعلى الثانى هو معرب بالحروف لاستيفائه شروط الإعراب بها «حتى» حرف غاية «ألمت» ألم : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «بنا» جار ومجرور متعلق بألم «يوما» ظرف زمان متعلق بألم «ملمات» فاعل ألم.

الشاهد فيه : قوله «أحجو أبا عمرو أخا» حيث استعمل المضارع من «حجا» بمعنى ظن ، ونصب به مفعولين ، أحدهما «أبا عمرو» والثانى «أخا ثقة».

هذا ، واعلم أن العينى صرح بأنه لم ينقل أحد من النحاة أن «حجا يحجر» بنصب مفعولين غير ابن مالك رحمه الله.


ومثال «جعل» قوله تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً)

وقيّد المصنف «جعل» بكونها بمعنى اعتقد احترازا من «جعل» التى بمعنى «صيّر» فإنها من أفعال التحويل ، لا من أفعال القلوب.

ومثال «هب» قوله :

(١٢٦) ـ

فقلت : أجرنى أبا مالك ،

وإلّا فهبنى امرأ هالكا

__________________

واعلم أيضا أن «حجا» تأتى بمعنى غلب فى المحاجاة ، وهى : أن تلقى على مخاطبك كلمة يخالف لفظها معناها ، وتسمى الكلمة أحجية وأدعية ، وتأنى حجا أيضا بمعنى قصد ، ومنه قول الأخطل :

حجونا بنى النّعمان إذ عصّ ملكهم

وقبل بنى النّعمان حاربنا عمرو

(عص ملكهم : أى صلب واشتد) وتأتى أيضا بمعنى أقام ، ومنه قول عمارة ابن يمن :

* حيث تحجّى مطرق بالفالق*

وقول العجاج.

فهنّ يعكفن به إذا حجا

عكف النّبيط يلعبون الفنزجا

والتى بمعنى غلب فى المحاجاة أو قصد تتعدى إلى مفعول واحد ، والتى بمعنى أقام فى المكان لا تتعدى بنفسها ، وإنما تتعدى بالباء ، كما رأيت فى الشواهد.

١٢٦ ـ البيت لابن همام السلولى.

اللغة : «أجرنى» اتخذنى لك جارا تدفع عنه وتحميه ، هذا أصله ، ثم أريد منه لازم ذلك ، وهو الغياث والدفاع والحماية «أبا مالك» يروى فى مكانه «أبا خالد» «هبنى» أى عدنى واحسبنى.

المعنى : فقلت أغثنى يا أبا مالك ؛ فإن لم تفعل فظن أنى رجل من الهالكين.

الإعراب : «فقلت» فعل وفاعل «أجرنى» أجر : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به لأجر «أبا» منادى


ونبّه المصنف بقوله : «أعنى رأى» على أن أفعال القلوب منها ما ينصب مفعولين وهو «رأى» وما بعده مما ذكره المصنف فى هذا الباب ، ومنها ما ليس كذلك ، وهو قسمان : لازم ، نحو «جبن زيد» ومتعد إلى واحد ، نحو «كرهت زيدا».

هذا ما يتعلق بالقسم الأول من أفعال هذا الباب ، وهو أفعال القلوب.

وأما أفعال التّحويل ـ وهى المرادة بقوله : «والتى كصيرا ـ إلى آخره» ـ فتتعدّى أيضا إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر ، وعدّها بعضهم سبعة : «صيّر» نحو «صيّرت الطّين خزفا» و «جعل» نحو قوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) و «وهب» كقولهم «وهبنى الله

__________________

بحرف نداء محذوف ، وأبا مضاف ، و «مالك» مضاف إليه «وإلا» هى إن الشرطية مدغمة فى لا النافية ، وفعل الشرط محذوف يدل عليه ما قبله من الكلام ، وتقديره : وإن لا تفعل ، مثلا «فهبنى» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، هب : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والنون للوقاية ، والياء مفعول أول «امرأ» مفعول ثان لهب «هالكا» نعت لامرىء.

الشاهد فيه : قوله «فهبنى امرأ» فإن «هب» فيه بمعنى فعل الظن ، وقد نصب مفعولين ، أحدهما ياء المتكلم ، وثانيهما قوله «امرأ» على ما أوضحناه فى الإعراب.

واعلم أن «هب» ـ بهذا المعنى ـ فعل جامد لا يتصرف ؛ فلا يجىء منه ماض ولا مضارع ، بل هو ملازم لصيغة الأمر ، فإن كان من الهبة ـ وهى التفضل بما ينفع الموهوب له ـ كان متصرفا تام التصرف ، قال الله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) وقال سبحانه : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) وقال : (هَبْ لِي حُكْماً).

واعلم أيضا أن الغالب على «هب» أن يتعدى إلى مفعولين صريحين كما فى البيت الشاهد ، وقد يدخل على «أن» المؤكدة ومعموليها ؛ فزعم ابن سيده والجرمى أنه لحن. وقال الأثبات من العلماء المحققين : ليس لحنا ؛ لأنه واقع فى فصيح العربية. وقد روى مر حديث عمر «هب أن أبانا كان حمارا» ، وهو ـ مع فصاحته ـ قليل.


فداك» أى صيّرنى ، و «تخذ» كقوله تعالى : (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) و «اتّخذ» كقوله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) و «ترك» كقوله تعالى : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) وقول الشاعر :

(١٢٧) ـ

وربّيته حتّى إذا ما تركته

أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه

__________________

١٢٧ ـ البيت لفرعان بن الأعرف ـ ويقال : هو فرعان بن الأصبح بن الأعرف ـ أحد بنى مرة ، ثم أحد بنى نزار بن مرة ، من كلمة له يقولها فى ابنه منازل ، وكان له عاقا ، والبيت من أبيات رواها أبو تمام حبيب بن أوس الطائى فى ديوان الحماسة (انظر شرح التبريزى : ٤ ـ ١٨ بتحقيقنا) وأول ما رواه صاحب الحماسة منها قوله :

زت رحم بينى وبين منازل

جزاء كما يستنزل الدّرّ حالبه

لربّيته حتّى إذ آض شيظما

يكاد يساوى غارب الفحل غاربه

فلمّا رآنى أبصر الشّخص أشخصا

قريبا ، وذا الشّخص البعيد أقاربه

تغمّط حقّى باطلا ، ولوى يدى

لوى يده الله الّذى هو غالبه

اللغة : «واستغنى عن المسح شاربه» كناية عن أنه كبر ، واكتفى بنفسه ، ولم تعد به حاجة إلى الخدمة.

الإعراب : «ربيته» فعل وفاعل ومفعول «حتى» ابتدائية «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «ما» زائدة «تركته» فعل ماض وفاعله ومفعوله الأول ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «أخا» مفعول ثان لترك ، وأخا مضاف ، و «القوم» مضاف إليه «واستغنى» فعل ماض «عن المسح» جار ومجرور متعلق باستغنى «شاربه» شارب : فاعل استغنى ، وشارب مضاف والهاء ضمير الغائب مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «تركته أخا القوم» حيث نصب فيه بـ «ترك» مفعولين ؛ لأنه فى معنى فعل التصيير ، أحدهما الهاء التى هى ضمير الغائب ، وثانيهما قوله «أخا القوم» ، وقد أوضحناهما فى الإعراب ، هذا ، وقد قال الخطيب التبريزى فى شرح الحماسة : إن «أخا القوم» حال من الهاء فى «تركته» وساغ وقوعه حالا ـ مع كونه معرفة ؛ لأنه مضاف إلى المحلى بأل ـ والحال لا يكون إلا نكرة ؛ لأنه لا يعنى قوما باعيانهم ، ولا


و «ردّ» كقوله :

(١٢٨) ـ

رمى الحدثان نسوة آل حرب

بمقدار سمدن له سمودا

فردّ شعورهنّ السّود بيضا

وردّ وجوههنّ البيض سودا

* * *

__________________

يخص قوما دون قوم ، وإنما عنى أنه تركه قويا مستغنيا لاحقا بالرجال ، اه بإيضاح ، وعليه لا استشهاد فى البيت ، ولكن الذى عليه الجماعة أولى بالنظر والاعتبار.

١٢٨ ـ البيتان لعبد الله بن الزبير ـ بفتح الزاى وكسر الباء ـ الأسدى ، وهما مطلع كلمة له اختارها أبو تمام فى ديوان الحماسة ، وقد رواها أبو على القالى فى ذيل أماليه (ص ١٥١) ولكنه نسبها إلى الكميت بن معروف الأسدى ، وروى ابن قتيبة فى عيون الأخبار (٢ / ٦٧٦) البيتين اللذين استشهد بهما الشارح ونسبهما إلى فضالة ابن شريك ، والمعروف المشهور هو ما ذكره أبو تمام (انظر التبريزى ٢ / ٤٩٤) وبعد البيتين قوله :

فإنّك لو رأيت بكاء هند

ورملة إذ تصكّان الخدودا

سمعت بكاء باكية وباك

أبان الدّهر واحدها الفقيدا

اللغة : «الحدثان» جعله العينى عبارة عن الليل والنهار ، وكأنه حسبه مثنى ، وإنما الحدثان ـ بكسر فسكون ـ نوازل لدهر وحوادثه «سمدن» من باب قعد ـ أى حزن وأقمن متحيرات ، وتوهمه العينى مبنيا للمجهول «فرد وجوههن ـ إلخ» يريد أنه قد صير شعورهن بيضا من شدة الحزن ووجوههن سودا من شدة اللطم ، ويشبه هذا ما روى أن العريان بن الهيثم دخل على عبد الملك بن مروان ، فسأله عن حاله ، فقال : ابيض منى ما كنت أحب أن يسود ، واسود منى ما كنت أحب أن يبيض ، يريد ابيض شعره وكبرت سنه وذهبت نضارة وجهه ورونق شبابه ؛ فصار أسود كابيا.

الإعراب : «رمى» فعل ماض «الحدثان» فاعل رمى «نسوة» مفعول به لرمى ، ونسوة مضاف و «آل» مضاف إليه ، وآل مضاف ، و «حرب» مضاف إليه «بمقدار» جار ومجرور متعلق برمى «سمدن» فعل وفاعل «له» جار ومجرور


وخصّ بالتّعليق والإلغاء ما

من قبل هب ، والأمر هب قد ألزما (١)

كذا تعلّم ، ولغير الماض من

سواهما اجعل كلّ ما له زكن (٢)

__________________

متعلق بسمد «سمودا» مفعول مطلق مؤكد لعامله «فرد» الفاء عاطفة ، رد : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الحدثان «شعورهن» شعور : مفعول به أول لرد ، وشعور مضاف وضمير النسوة مضاف إليه «السود» صفة لشعور «بيضا» مفعول ثان لرد «ورد وجوههن البيض سودا» مثل الجملة السابقة.

الشاهد فيه : قوله «فرد شعورهن ـ إلخ» ، وقوله «ورد وجوههن ـ إلخ» حيث استعمل «رد» فى معنى التصيير والتحويل. ونصب به ـ فى كل واحد من الموضعين ـ مفعولين.

(١) «وخص» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بالتعليق» جار ومجرور متعلق بخص «والإلغاء» معطوف على التعليق «ما» اسم موصول : مفعول به لخص ، مبنى على السكون فى محل نصب ، ويجوز أن يكون خص فعلا ماضيا مبنيا للمجهول ، وعليه يكون «ما» اسما موصولا مبنيا على السكون فى محل رفع نائب فاعل لخص ، ولعل هذا أولى ؛ لأن الجملة المعطوفة على هذه الجملة خبرية «من قبل» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما ، وقبل مضاف و «هب» قصد لفظه : مضاف إليه «والأمر» الواو حرف عطف ، الأمر ـ بالنصب ـ مفعول ثان مقدم على عامله. وهو «ألزم» الآتى «هب» قصد لفظه : مبتدأ «قد» حرف تحقيق «ألزما» ألزم : فعل ماض مبنى للمجهول. والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ـ وهو مفعوله الأول ـ ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على هب ، والجملة من ألزم ومعمولاته فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «تعلم» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «ولغير» الواو عاطفة ، لغير : جار ومجرور متعلق بقوله «اجعل» الآتى ، وغير مضاف ، و «الماض» : مضاف إليه «من سواهما» الجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت لغير ، وسوى مضاف ، والضمير مضاف إليه «اجعل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «كل» مفعول به لاجعل ، وكل مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «له» جار ومجرور متعلق بزكن الآتى «زكن»


تقدّم أن هذه الأفعال قسمان ؛ أحدهما : أفعال القلوب ، والثانى : أفعال التحويل.

فأما أفعال القلوب فتنقسم إلى : متصرفة ، وغير متصرفة.

فالمتصرفة : ما عدا «هب ، وتعلّم» فيستعمل منها الماضى ، نحو «ظننت زيدا قائما» وغير الماضى ـ وهو المضارع ، نحو «أظنّ زيدا قائما» والأمر ، نحو «ظنّ زيدا قائما» واسم الفاعل ، ونحو «أنا ظانّ زيدا قائما» واسم المفعول ، نحو «زيد مظنون أبوه قائما» فأبوه : هو المفعول الأول ، ارتفع لقيامه مقام الفاعل ، و «قائما» المفعول الثانى ، والمصدر ، نحو «عجبت من ظنّك زيدا قائما» ـ ويثبت لها كلها من العمل وغيره ما ثبت للماضى.

وغير المتصرف اثنان ـ وهما : هب ، وتعلّم ، بمعنى اعلم ـ فلا يستعمل منهما إلا صيغة الأمر ، كقوله :

تعلّم شفاء النّفس قهر عدوّها

فبالغ بلطف فى التّحيّل والمكر [١٢٠](١)

وقوله :

فقلت : أجرنى أبا مالك

وإلّا فهبنى امرأ هالكا [١٢٦](٢)

واختصّت القلبية المتصرفة بالتعليق والإلغاء (٣) ؛ فالتعليق هو : ترك العمل

__________________

فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة من زكن ونائب نائب فاعله لا محل لها صلة الموصول.

(١) ارجع إلى شرح هذا البيت فى (ص ٤٢٠) وهو الشاهد ١٢

(٢) قد شرحنا هذا الشاهد آنفا ، فارجع إليه فى (ص ٤٢٧) وهو الشاهد ١٢٦.

(٣) هذه العبارة موهمة «أن التعليق والإلغاء لا يجرى واحد منهما فى غير أفعال القلوب إلا ما استثناه ، وليس كذلك ، بل يجرى التعليق فى أنوع من الأفعال سنذكرها لك فيما بعد ، وعلى هذا يكون معنى كلام الناظم والشارح أن الإلغاء والتعليق معا مما


لفظا دون معنى لمانع ، نحو «ظننت لزيد قائم» ، فقولك «لزيد قائم» لم تعمل فيه «ظننت» لفظا ؛ لأجل المانع لها من ذلك ، وهو اللام ، ولكنه فى موضع نصب ، بدليل أنّك لو عطفت عليه لنصبت ، نحو «ظننت لزيد قائم وعمرا منطلقا» ؛ فهى عاملة فى «لزيد قائم» فى المعنى دون اللفظ (١)

والإلغاء هو : ترك العمل لفظا ومعنى ، لا لمانع ، نحو «زيد ظننت قائم» فليس لـ «ظننت» عمل فى «زيد قائم» : لا فى المعنى ، ولا فى اللفظ.

ويثبت للمضارع وما بعده من التعليق وغيره ما ثبت للماضى ، نحو «أظنّ لزيد قائم» و «زيد أظنّ قائم» وأخواتها.

__________________

يختص بأفعال القلوب دون جميع ما عداها من الأفعال ، وهذا لا ينافى أن واحدا منهما بمفرده قد يجرى فى غير أفعال هذا الباب. وهو التعليق.

ثم إن التعليق يجرى فى أربعة أنواع من الفعل : (الأول) كل فعل شك لا ترجيح فيه لأحد الجانبين على الآخر ، نحو : شككت أزيد عندك أم عمرو ، ونسيت أإبراهيم مسافر أم خالد ، وترددت أكان معى خالد أمس أم لم يكن (والثانى) كل فعل يدل على العلم ، نحو : تبينت أصادق أنت أم كاذب ، واتضح لى أمجتهد أنت أم مقصر (النوع الثالث) كل فعل يطلب به العلم نحو : فكرت أتقيم أم تسافر ، وامتحنت عليا أيصبر أم يجزع ، وبلوت إبراهيم أيشكر الصنيعة أم يكفرها ، وسألت أتزورنا غدا أم لا ، واستفهمت أمقيم أنت أم راحل (الرابع) كل فعل من أفعال الحواس الخمس ، نحو : لمست ، وأبصرت ، واستمعت ، وشممت ، وذقت.

(١) مثل ذلك قول كثير بن عبد الرحمن صاحب عزة :

وما كنت أدرى قبل عزّة ما البكى

ولا موجعات القلب حتّى نولّت

فأنت ترى أنه عطف «موجعات القلب» بالواو على جملة «ما البكى» التى علق عنها «أدرى» بسبب «ما» الاستفهامية وقد أتى بالمعطوف منصوبا بالكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم.


وغير المتصرفة لا يكون فيها تعليق ولا إلغاء ، وكذلك أفعال التّحويل ، نحو «صيّر» وأخواتها.

* * *

وجوّز الإلغاء ، لا فى الابتدا ،

وانو ضمير الشّأن ، أو لام ابتدا (١)

فى موهم إلغاء ما تقدّما

والتزم التّعليق قبل نفى «ما» (٢)

و «إن» و «لا» ؛ لام ابتداء ، أو قسم ،

كذا ، والاستفهام ذا له انحتم (٣)

__________________

(١) «وجوز» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «الإلغاء» مفعول به لجوز «لا» حرف عطف «فى الابتدا» جار ومجرور معطوف على محذوف ، والتقدير : جوز الإلغاء فى التوسط وفى التأخر لا فى الابتداء «وانو» الواو حرف عطف ، انو : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ضمير» مفعول به لانو ، وضمير مضاف ، و «الشأن» مضاف إليه «أو» عاطفة «لام» معطوف على ضمير ، ولام مضاف ، و «ابتدا» مضاف إليه وقد قصره للضرورة.

(٢) «فى موهم» جار ومجرور متعلق بانو فى البيت السابق ، وفاعل «موهم» ضمير مستتر فيه «إلغاء» مفعول به لموهم ، وإلغاء مضاف ، وما اسم موصول مضاف إليه «تقدما» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة والجملة من تقدم وفاعله لا محل لها صلة ما الموصولة «والتزم» فعل ماض مبنى للمجهول «التعليق» نائب فاعل لالتزم «قبل» ظرف متعلق بالتزم ، وقبل مضاف و «نفى» مضاف إليه ، ونفى مضاف ، و «ما» قصد لفظه مضاف إليه.

(٣) «وإن ، ولا» معطوفان على «ما» فى البيت السابق «لام» مبتدأ ، ولام مضاف و «ابتداء» مضاف إليه «أو» عاطفة «قسم» معطوف على ابتداء «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «والاستفهام» مبتدأ أول «ذا» اسم إشارة : مبتدأ ثان «له» جار ومجرور متعلق بانحتم الآتى «انحتم» فعل ماض ،


يجوز إلغاء هذه الأفعال المتصرفة إذا وقعت فى غير الابتداء ، كما إذا وقعت وسطا ، نحو «زيد ظننت قائم» أو آخرا ، نحو «زيد قائم ظننت» (١) ، وإذا توسّطت ، فقيل : الإعمال والإلغاء سيّان ، وقيل : الإعمال أحسن من الإلغاء ، وإن تأخّرت فالإلغاء أحسن ، وإن تقدمت امتنع الإلغاء عند البصريين ؛ فلا تقول : «ظننت زيد قائم» بل يجب الإعمال ؛ فتقول : «ظننت زيدا قائما» فإن جاء من لسان العرب ما يوهم إلغاءها متقدمة أوّل على إضمار ضمير الشأن ، كقوله :

(١٢٩) ـ

أرجو وآمل أن تدنو مودّتها

وما إخال لدينا منك تنويل

__________________

وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم الإشارة ، والجملة من انحتم وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول.

(١) ظاهر هذه العبارة أن الإلغاء جائز فى كل حال ، ما دام العامل متوسطا أو متأخرا ، وليس كذلك ، بل للالغاء ـ مع ذلك ـ ثلاثة أحوال : حال يجب فيه ، وحال يمتنع فيه ، وحال يجوز فيه ؛ فأما الحال الذى يجب فيه الإلغاء فله موضعان : أحدهما أن يكون العامل مصدرا مؤخرا نحو قولك : عمرو مسافر ظنى ، فلا يجوز الإعمال ههنا ؛ لأن المصدر لا يعمل متأخرا ، وثانيهما : أن يتقدم المعمول وتقترن به أداة تستوجب التصدير ، نحو قولك : لزيد قائم ظننت ، وأما الحال الذى يمتنع فيه الإلغاء فله موضع واحد ، وهو : أن يكون العامل منفيا ، نحو قولك : زيدا قائما لم أظن ؛ فلا يجوز هنا أن تقول : زيد قائم لم أظن ؛ لئلا يتوهم أن صدر الكلام مثبت ، ويجوز الإلغاء والإعمال فيما عدا ذلك.

١٢٩ ـ هذا البيت لكعب بن زهير بن أبى سلمى المزنى ، من قصيدته التى يمدح بها سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، والتى مطلعها :

بانت سعاد فقلبى اليوم متبول ،

متيّم إثرها ، لم يفد ، مكبول

وما سعاد غداة البين إذ رحلت

إلّا أغنّ غضيض الطّرف مكحول


فالتقدير «وما إخاله لدينا منك تنويل» فالهاء ضمير الشأن ، وهى المفعول الأول ، و «لدينا منك تنويل» جملة فى موضع المفعول الثانى ، وحينئذ فلا إلغاء ؛ أو على تقدير لام الابتداء ، كقوله :

__________________

اللغة : «بانت» بعدت ، وفارقت «متبول» اسم مفعول من تبله الحب : أى أضناه وأسقمه «متيم» اسم مفعول من تيمه الحب ـ بالتضعيف ـ إذا ذلله وقهره وعبده «إثرها» بعدها ، وهو ظرف متعلق بمتيم «يفد» أصله من قولهم : فدى فلان الأسير يفديه فداء ، إذا دفع لآسريه جزاء إطلاقه «مكبول» اسم مفعول مأخوذ من قولهم : كبل فلان الأسير ، إذا وضع فيه الكبل ، وهو القيد «تدنو» تقرب «تنويل» عطاء.

الإعراب : «أرجو» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «وآمل» مثله «أن» مصدرية «تدنو» فعل مضارع منصوب بأن ، وسكنت الواو ضرورة «مودتها» مودة : فاعل تدنو ، ومودة مضاف وها : مضاف إليه «وما» نافية «إخال» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «لدينا» لدى : ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ، ولدى مضاف ونا مضاف إليه «منك» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه تنويل «تنويل» مبتدأ مؤخر ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل نصب مفعول ثان لإخال ، والمفعول الأول ضمير شأن محذوف.

الشاهد فيه : قوله «وما إخال لدينا منك تنويل» فإن ظاهره أنه ألغى «إخال» مع كونها متقدمة ، وليس هذا الظاهر مسلما ، فإن مفعولها الأول مفرد محذوف هو ضمير الشأن ومفعولها الثانى جملة «لدينا تنويل منك» كما قررناه فى إعراب البيت.

وهذا أحد توجيهات فى البيت ، وهو الذى ذكره الشارح ، وفيه توجيه ثان ، وحاصله أن «ما» موصولة مبتدأ ، وقوله «تنويل» خبرها ، و «إخال» عاملة فى مفعولين أحدهما ضمير غيبة محذوف ، وهو العائد على «ما» والثانى هو متعلق قوله «لدينا» والتقدير : والذى إخاله كائنا لدينا منك هو تنويل.

وفيه توجيهات أخرى لا تتسع لها هذه العجالة.


(١٣٠) ـ

كذاك أدّيت حتّى صار من خلقى

أنّى وجدت ملاك الشّيمة الأدب

التقدير : «أنّى وجدت لملاك الشّيمة الأدب» فهو من باب التعليق ، وليس من باب الإلغاء فى شىء.

__________________

١٣٠ ـ هذا البيت مما اختاره أبو تمام فى حماسته ، ونسبه إلى بعض الفزاريين ولم بعينه (وانظر شرح التبريزى على الحماسة ٣ / ١٤٧ بتحقيقنا).

اللغة : «كذاك أدبت» الكاف فى مثل هذا التعبير اسم بمعنى مثل صفة لمصدر محذوف ، واسم الإشارة يراد به مصدر الفعل المذكور بعده ، وتقدير الكلام : تأديبا مثل ذلك التأديب ، وذلك التأديب هو الذى ذكره فى البيت السابق عليه ، وهو قوله :

أكنيه حين أناديه لأكرمه

ولا ألقّبه ، والسّوأة اللّقب

«ملاك» بزنة كتاب ـ قوام الشىء وما يجمعه «الشيمة» الخلق ، وجمعها شيم كقيمة وقيم.

الإعراب : «كذاك» الكاف اسم بمعنى مثل نعت لمحذوف ، واسم الإشارة مضاف إليه ، أو الكاف جارة لمحل اسم الإشارة ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف يقع نعتا لمصدر محذوف يقع مفعولا مطلقا لأدبت ، والتقدير على كل حال : تأديبا مثل هذا التأديب أدبت «أدبت» أدب : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء ضمير المتكلم نائب فاعل «حتى» ابتدائية «صار» فعل ماض ناقص «من خلقى» الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر صار مقدم ، وخلق مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «أنى» أن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمها «وجدت» فعل وفاعل ، والجملة من وجد وفاعله فى محل رفع خبر أن ، وأن ومعمولاها فى تأويل مصدر اسم صار «ملاك» مبتدأ ، وملاك مضاف و «الشيمة» مضاف إليه «الأدب» خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب سدت مسد مفعولى وجد ، على تقدير لام ابتداء علقت هذا الفعل عن العمل فى لفظ جزأى هذه الجملة ، والأصل : وجدت لملاك الشيمة الأدب ، أو الجملة فى محل نصب مفعول ثان لوجد ، ومفعوله الأول ضمير شأن محذوف ، وأصل الكلام : وجدته (أى الحال والشأن) ملاك الشيمة الأدب.


وذهب الكوفيون ـ وتبعهم أبو بكر الزبيدىّ وغيره ـ إلى جواز إلغاء المتقدم ؛ فلا يحتاجون إلى تأويل البيتين.

وإنما قال المصنف : «وجوّز الإلغاء» لينبّه على أن الإلغاء ليس بلازم ، بل هو جائز ؛ فحيث جاز الإلغاء جاز الإعمال كما تقدّم ، وهذا بخلاف التعليق [فإنه لازم ، ولهذا قال : «والتزم التعليق»].

فيجب التعليق إذا وقع بعد الفعل «ما» النافية ، نحو «ظننت ما زيد قائم».

أو «إن» النافية ، نحو «علمت إن زيد قائم» ومثلوا له بقوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) وقال بعضهم : ليس هذا من باب التعليق فى شىء ؛ لأن شرط التعليق أنه إذا حذف المعلّق تسلّط العامل على ما بعده فينصب مفعولين ، نحو «ظننت ما زيد قائم» ؛ فلو حذفت «ما» لقلت : «ظننت زيدا قائما» والآية الكريمة لا يتأتّى فيها ذلك ؛ لأنك لو حذفت لمعلّق ـ وهو «إن» ـ لم يتسلّط «تظنون» على «لبثتم» ؛ إذ لا يقال : وتظنون لبثتم ، هكذا زعم هذا القائل ، ولعله مخالف لما هو كالمجمع عليه ـ من أنه لا يشترط فى التعليق هذا الشرط الذى ذكره ـ وتمثيل النحويين للتعليق بالآية الكريمة وشبهها يشهد لذلك.

__________________

الشاهد فيه : قوله «وجدت ملاك الشيمة الأدب» فإن ظاهره أنه ألغى «وجدت» مع تقدمه ؛ لأنه لو أعمله لقال «وجدت ملاك الشيمة الأدبا» بنصب «ملاك» و «الأدب» على أنهما مفعولان ؛ ولكنه رفعهما ، فقال الكوفيون : هو من باب الإلغاء والإلغاء جائز مع التقدم مثل جوازه مع التوسط والتأخر ، وقال البصريون : ليس كذلك ، بل هو إما من باب التعليق ، ولام الابتداء مقدرة الدخول على «ملاك» وإما من باب الإعمال ، والمفعول الأول ضمير شأن محذوف ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب مفعول ثان ؛ على ما بيناه فى إعراب البيت ، والمنصف الذى يعرف مواطن الحق يدرك ما فى هذين التأويلين من التكلف.


وكذلك يعلّق الفعل إذا وقع بعده «لا» النافية ، نحو «ظننت لا زيد قائم ولا عمرو» أو لام الابتداء ، نحو «ظننت لزيد قائم» أو لام القسم ، نحو «علمت ليقومنّ زيد» ولم يعدّها أحد من النحويين من المعلقات (١) ، أو الاستفهام ، وله صور ثلاث ؛ أن يكون أحد المفعولين اسم استفهام ، نحو «علمت أيّهم أبوك» ؛ الثانية : أن يكون مضافا إلى اسم استفهام ، نحو «علمت غلام أيّهم أبوك» ؛ الثالثة : أن تدخل عليه أداة الاستفهام ، نحو «علمت أزيد عندك أم عمرو»؟ و «علمت هل زيد قائم أم عمرو»؟.

* * *

__________________

(١) قد ذهب إلى أن لام القسم معلقة للفعل عن العمل فى لفظ الجملة ـ مع بقاء الفعل على معناه ـ قوم : منهم الأعلم الشنتمرى ، وتبعه الناظم ، وابنه ، وابن هشام الأنصارى فى أغلب كتبه ، ومثلوا لذلك بقوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) وبقول الشاعر :

ولقد علمت لتأتينّ منيّتى

لا بعدها خوف علىّ ولا عدم

وبقول لبيد بن ربيعة :

ولقد علمت لتأتينّ منيّتى

إنّ المنايا لا تطيش سهامها

وذهب سيبويه ـ رحمه الله! ـ وتبعه المحقق الرضى ، وجمهرة النحاة ، إلى أن «علم» فى هذه الشواهد كلها قد خرجت عن معناها الأصلى ، ونزلت منزلة القسم ، وما بعدها جملة لا محل لها من الإعراب جواب القسم الذى هو علمت ، وحينئذ تخرج عما نحن بصدده ؛ فلا تقتضى معمولا ، ولا تتصف بإلغاء ولا تعليق ولا إعمال ، قال سيبويه (ج ١ ص ٢٥٤ ـ ٢٥٦) «هذا باب الأفعال فى القسم ... وقال لبيد* ولقد علمت لتأتين* كأنه قال : والله لتأتين منيتى ، كما قال : لقد علمت لعبد الله خير منك» اه. وقال المحقق الرضى (ج ٢ ص ٢٦١ : «وأما قوله* ولقد علمت لتأتين* فإنما أجرى لقد علمت معنى التحقيق» اه.


ليعلم عرفان وظنّ تهمه

تعدية لواحد ملتزمه (١)

إذا كانت «علم» بمعنى عرف تعدّت إلى مفعول واحد ، كقولك : «علمت زيدا» أى : عرفته ، ومنه قوله تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً).

وكذلك إذا كانت «ظنّ» بمعنى اتّهم تعدّت إلى مفعول واحد ، كقولك : «ظننت زيدا» أى : اتّهمته ، ومنه قوله تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) أى : بمتّهم.

* * *

ولرأى الرّؤيا انم ما لعلما

طالب مفعولين من قبل انتمى (٢)

إذا كانت رأى حلميّة (٣) ـ أى : للرؤيا فى المنام ـ تعدّت إلى المفعولين كما تتعدّى إليهما «علم» المذكورة من قبل ، وإلى هذا أشار بقوله : «ولرأى

__________________

(١) «لعلم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وعلم مضاف و «عرفان» مضاف إليه «وظن» معطوف على علم ، وظن مضاف و «تهمة» مضاف إليه «تعدية» مبتدأ مؤخر «لواحد» جار ومجرور متعلق بتعدية «ملتزمة» نعت لتعدية.

(٢) «لرأى» جار ومجرور متعلق بانم ، ورأى المقصود لفظه مضاف و «الرؤيا» مضاف إليه «انم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ما» اسم موصول : مفعول به لانم «لعلما» جار ومجرور متعلق بانتمى «طالب» حال من علم ، وطالب مضاف و «مفعولين» مضاف إليه «من قبل» جار ومجرور متعلق بانتمى «انتمى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة من انتمى وفاعله ومتعلقاته لا محل لها صلة الموصول : أى انسب لرأى الرؤيا ما انتسب لعلم حال كونه طالب مفعولين.

(٣) «حلمية» هو بضم الحاء وسكون اللام أو ضمها ـ نسبة إلى الحلم ـ بوزان قفل أو عنق ـ وهو مصدر حلم يحلم ، مثل قتل يقتل ـ إذا رأى فى منامه شيئا.


الرّؤيا انم» أى : انسب لرأى التى مصدرها الرؤيا ما نسب لعلم المتعدية إلى اثنين ؛ فعبّر عن الحلمية بما ذكر ؛ لأن «الرؤيا» وإن كانت تقع مصدرا لغير «رأى» الحلمية ، فالمشهور كونها مصدرا لها (١) ، ومثال استعمال «رأى» الحلمية متعدية إلى اثنين قوله تعالى : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) فالياء مفعول أول ، و «أعصر خمرا» جملة فى موضع المفعول الثانى ، وكذلك قوله :

(١٣١) ـ

أبو حنش يؤرّقنى ، وطلق ،

وعمّار ، وآونة أثالا

أراهم رفقتى ، حتّى إذا ما

تجافى اللّيل وانخزل انخزالا

إذا أنا كالّذى يجرى لورد

إلى آل ؛ فلم يدرك بلالا

فالهاء والميم فى «أراهم» : المفعول الأول ، و «رفقتى» هو المفعول الثانى.

* * *

__________________

(١) المشهور عند علماء اللغة أنك تقول : رأيت رؤيا صالحة ، إذا كنت تريد أنك أبصرت بعينك فى حال يقظتك ، وبعض أهل اللغة يوجبون ذلك ، ولا يجيزون خلافه ، وبعضهم يجيز أن تقول : رأيت رؤيا ـ بالألف ـ وأنت تريد معنى أبصرت فى حال اليقظة ويستشهدون على صحة ذلك بقول الراعى :

فكبّر للرّؤيا وهشّ فؤاده

وبشّر قلبا كان جمّا بلابله

ومع أنهم جوزوا ذلك ، واستدلوا لصحته ، ليس فى مكنتهم أن يدعوا كثرته ، بل الكثير المشهور المتعارف هو ما ذكرناه أولا ؛ ولهذا كان قول الناظم : «ولرأى الرؤيا» إشارة إلى رأى الحلمية.

١٣١ ـ هذه الأبيات لعمرو بن أحمر الباهلى ، من قصيدة له يندب فيها قومه ويبكيهم ، وأولها قوله :

أبت عيناك إلّا أن تلحّا

وتحتالا بما بهما احتيالا

كأنّهما سعينا مستغيث

يرجّى طالعا بهما ثقالا

وهى خرزاهما ؛ فالماء يجرى

خلالهما ، وينسلّ انسلالا


..................................................................................

__________________

على حيّين فى عامين شتّى

فقد عنّى طلابهما وطالا

فأيّة ليلة تأتيك سهوا

فتصبح لا ترى فيهم خيالا

والبيت الأول من ثلاثة الأبيات التى رواها الشارح قد استشهد به سيبويه (ج ١ ص ٢٤٣) فى باب الترخيم فى غير النداء للضرورة ، وستعرف وجه ذلك فيما يلى فى الإعراب.

اللغة : «تلحا» من قولهم «ألح السحاب» إذا دام مطره ، يريد أن تدوما على البكاء «سعينا مستغيث» سعينا : مثنى سعين ، وهو تصغير سعن ـ بوزن قفل ـ وهى القربة تقطع من نصفها لينبذ فيها ، وربما اتخذت دلوا يستقى بها ، والمستغيث : طالب الغيث وهو المطر «على حيين» متعلق بقوله تلحا ، يقول : امتنعت عيناك عن كل شىء إلا أن يدوم بكاؤهما على حيين «وهى» ضعف أو انشق «أبو حنش ، وطلق ، وعمار ، وأثالا» أعلام رجال «تجافى الليل وانخزل انخزالا» كنايتان عن الظهور ، وبيان ما كان مبهما من أمر هؤلاء «آل» هو السراب وما تراه وسط النهار كأنه ماء وليس بماء «بلالا» ـ بزنة ـ كتاب ـ ما تبل به حلقك من الماء وغيره «آونة» جمع أوان ، مثل زمان وأزمنة ومكان وأمكنة ، والأوان والزمان بمعنى واحد «رفقتى» بضم الراء أو كسرها ـ جمع رفيق «لورد» بكسر الواو وسكون الراء ـ إتيان الماء.

الإعراب : «أبو حنش» مبتدأ ، وجملة «يؤرقنى» فى محل رفع خبر المبتدأ «وعمار» وسائر الأعلام معطوفات على «أبو حنش». وقد رخم «أثال» فى غير النداء ضرورة ، وأصله أثالة ولم يكتف بترخيمه بحذف آخره ، بل جعل إعرابه على الحرف المحذوف. وأبقى الحرف الذى قبله على ما كان عليه ؛ فهو مرفوع بضمة ظاهرة على الحرف المحذوف للترخيم «أراهم» أرى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والضمير المتصل البارز مفعول أول «رفقتى» رفقة : مفعول ثان لأرى ، ورفقة مضاف وياء المتكلم مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «أراهم رفقتى» حيث أعمل «أرى» فى مفعولين أحدهما الضمير البارز المتصل به ، والثانى قوله «رفقتى» ورأى بمعنى حلم : أى رأى فى منامه ، وقد أجريت مجرى «علم» ، وإنما عملت مثل عملها لأن بيتهما تشابها ؛ لأن الرؤيا إدراك بالحس الباطن ؛ فلذا أجريت مجراه.


ولا تجز هنا بلا دليل

سقوط مفعولين أو مفعول (١)

لا يجوز فى هذا الباب سقوط المفعولين ، ولا سقوط أحدهما ، إلا إذا دلّ دليل على ذلك.

فمثال حذف المفعولين للدلالة أن يقال : «هل ظننت زيدا قائما»؟ فتقول : «ظننت» ، التقدير : «ظننت زيدا قائما» فحذفت المفعولين لدلالة ما قبلهما عليهما ، ومنه قوله :

(١٣٢) ـ

بأىّ كتاب أم بأيّة سنّة

ترى حبّهم عارا علىّ وتحسب؟

أى : «وتحسب حبّهم عارا علىّ» فحذف المفعولين ـ وهما : «حبّهم» ، و «عارا علىّ» ـ لدلالة ما قبلهما عليهما.

__________________

(١) «ولا» ناهبة «تجز» فعل مضارع مجزوم بلا ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «هتا» ظرف مكان متعلق بتجز «بلا دليل» الباء حرف جر ، ولا : اسم بمعنى غير ظهر إعرابه على ما بعده ، بطريق العارية ، وهو مجرور محلا بالباء ، والجار والمجرور متعلق بتجز ، ولا مضاف و «دليل» مضاف إليه «سقوط» مفعول به لتجز ، وسقوط مضاف و «مفعولين» مضاف إليه «أو مفعول» معطوف على مفعولين.

١٣٢ ـ البيت للكميت بن زيد الأسدى ، من قصيدة هاشمية يمدح فيها آل الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، وأولها قوله :

طربت ، وما شوقا إلى البيض أطرب ،

ولا لعبا منّى ، وذو الشّيب يلعب؟

ولم يلهنى دار ولا رسم منزل

ولم يتطرّبنى بنان مخضّب

اللغة : «ترى حبهم» رأى ههنا من الرأى بمعنى الاعتقاد ، مثل أن تقول : رأى أبو حنيفة حل كذا ، ويمكن أن تكون رأى العلمية بشىء من التكلف «عارا» العار : كل خصلة يلحقك بسببها عيب ومذمة ، وتقول : عيرته كذا ، ولا تقل : عيرته بكذا ، فهو يتعدى إلى المفعولين بنفسه وفى لامية السموأل قوله ، وفيه دلالة غير قاطعة :


ومثال حذف أحدهما للدلالة أن يقال : «هل ظننت أحدا قائما»؟ فتقول : «ظننت زيدا» أى : ظننت زيدا قائما ، فتحذف الثانى للدلالة عليه ، ومنه قوله :

(١٣٣) ـ

ولقد نزلت ـ فلا تظنّى غيره ـ

منّى بمنزلة المحبّ المكرم

أى : «فلا تظنّى غيره واقعا» فـ «غيره» هو المفعول الأول ، و «واقعا» هو المفعول الثانى.

__________________

تعيّرنا أنّا قليل عديدنا

فقلت لها : إنّ الكرام قليل

ومن نقله اللغة من أجاز أن تقول : عيرته بكذا ، ولكنه قليل «وانظر شرح الحماسة ١ ـ ٢٣٢ بتحقيقنا) «وتحسب» أى تظن ، من الحسبان.

الإعراب : «بأى» جار ومجرور متعلق بقوله «ترى» الآتى ، وأى مضاف و «كتاب» مضاف إليه «أم» عاطفة «بأية» جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور الأول ، وأية مضاف ، و «سنة» مضاف إليه «ترى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «حبهم» حب : مفعول أول لترى ، وحب مضاف وهم : مضاف إليه «عارا» مفعول ثان لترى ، سواء أجعلت رأى اعتقادية أم جعلتها علمية ، ويجوز على الأول جعله حالا «على» جار ومجرور متعلق بعار ، أو بمحذوف صفة له «وتحسب» الواو عاطفة ، تحسب : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ومفعولاه محذوفان يدل عليهما الكلام السابق ، والتقدير «وتحسب حبهم عارا على».

الشاهد فيه : قوله «وتحسب» حيث حذف المفعولين لدلاله سابق الكلام عليهما كما أوضحناه فى الإعراب ، وبينه الشارح.

١٣٣ ـ هذا البيت لعنترة بن شداد العبسى ، من معلقته المشهورة التى مطلعها :

هل غادر الشّعراء من متردّم؟

أم هل عرفت الدّار بعد توهّم؟

اللغة : «غادر» ترك «متردم» بزنة اسم المفعول ـ وهو فى الأصل اسم مكان


وهذا الذى ذكره المصنف هو الصحيح من مذاهب النحويين.

فإن لم يدلّ دليل على الحذف لم يجز : لا فيهما ، ولا فى أحدهما ؛ فلا تقول : «ظننت» ، ولا «ظننت زيدا» ، ولا «ظننت قائما» تريد «ظننت زيدا قائما».

* * *

وكتظنّ اجعل «تقول» إن ولى

مستفهما به ولم ينفصل (١)

__________________

من قولك : ردمت الشىء ، إذا أصلحته ، ويروى «مترنم» بالنون ـ وهو صوت خفى ترجعه بينك وبين نفسك ، يربد هل أبقى الشعراء معنى إلا سبقوك إليه؟! وهل يتهيأ لك أو لغيرك أن تجىء بشىء جديد؟ «المحب» اسم مفعول من أحب ، وهو القياس ، ولكنه قليل فى الاستعمال ، والأكثر أن يقال فى اسم المفعول : محبوب ، أو حبيب ، مع أنهم هجروا الفعل الثلاثى ، وفى اسم الفاعل قالوا : محب ، من الفعل المستعمل الذى هو المزيد فيه.

المعنى : أنت عندى بمنزلة المحب المكرم ؛ فلا تظنى غير ذلك حاصلا.

الإعراب : «ولقد» الواو للقسم ، واللام للتأكيد ، وقد : حرف تحقيق «نزلت» فعل وفاعل «فلا» ناهية «تظنى» فعل مضارع مجزوم بحذف النون ، وياء المخاطبة فاعل «غيره» غير : مفعول أول لتظنى ، وغير مضاف وضمير الغائب مضاف إليه ، والمفعول الثانى محذوف «منى» جار ومجرور متعلق بقوله نزلت «بمنزلة» جار ومجرور متعلق أيضا بنزلت ، ومنزلة مضاف ، و «المحب» مضاف إليه «المكرم» نعت للمحب.

الشاهد فيه : قوله «فلا تظنى غيره» حيث حذف المفعول الثانى اختصارا ، وذلك جائز عند جمهرة النحاة ، خلافا لابن ملكون.

(١) «كتظن» جار ومجرور متعلق باجعل «اجعل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «تقول» قصد لفظه : مفعول به لاجعل «إن» شرطية «ولى» فعل ماض ، فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى


بغير ظرف ، أو كظرف ، أو عمل

وإن ببعض ذى فصلت يحتمل (١)

القول شأنه إذا وقعت بعده جملة أن تحكى ، نحو «قال زيد عمرو منطلق» ، و «تقول زيد منطلق» لكن الجملة بعده فى موضع نصب على المفعولية.

ويجوز إجراؤه مجرى الظنّ ؛ فينصب المبتدأ والخبر مفعولين ، كما تنصبهما «ظنّ».

والمشهور أن للعرب فى ذلك مذهبين ؛ أحدهما ـ وهو مذهب عامة العرب ـ أنه لا يجرى القول مجرى الظن إلا بشروط ـ ذكرها المصنف ـ أربعة ، وهى التى ذكرها عامة النحويين ؛ الأول : أن يكون الفعل مضارعا ؛ الثانى : أن يكون للمخاطب ، وإليهما أشار بقوله : «اجعل نقول» فإنّ «تقول» مضارع ، وهو للمخاطب ؛ الشرط الثالث : أن يكون مسبوقا باستفهام ،

__________________

تقول «مستفهما» مفعول به لولى «به» جار ومجرور فى موضع نائب فاعل لمستفهم ؛ لأنه اسم مفعول «ولم ينفصل» الواو للحال ، ولم : حرف نفى وجزم وقلب ، ينفصل : فعل مضارع مجزوم بلم ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر لأجل الروى. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تقول ، وجملة لم ينفصل وفاعله فى محل نصب حال.

(١) «بغير» جار ومجرور متعلق بينفصل فى البيت السابق. وغير مضاف و «ظرف» مضاف إليه «أو» عاطفة «كظرف» الكاف اسم بمعنى مثل معطوف على غير ، والكاف مضاف ، وظرف : مضاف إليه «أو» عاطفة «عمل» معطوف على غير «وإن» شرطية «ببعض» جار ومجرور متعلق بفصلت الآتى. وبعض مضاف ، و «ذى» مضاف إليه «فصلت» فصل : فعل ماض ، فعل الشرط ، والتاء ضمير المخاطب فاعل «يحتمل» فعل مضارع مبنى للمجهول ، مجزوم بالسكون ؛ لأنه جواب الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفصل المفهوم من قوله فصلت.


وإليه أشار بقوله : «إن ولى مستفهما به» ؛ الشرط الرابع : أن لا يفصل بينهما ـ أى بين الاستفهام والفعل ـ بغير ظرف ، ولا مجرور ، ولا معمول الفعل ، فإن فصل بأحدها لم يضر ، وهذا هو المراد بقوله : «ولم ينفصل بغير ظرف ـ إلى آخره».

فمثال ما اجتمعت فيه الشّروط قولك : «أتقول عمرا منطلقا» ؛ فعمرا : مفعول أول ، ومنطلقا : مفعول ثان ، ومنه قوله :

(١٣٤) ـ

متى تقول القلص الرّواسما

يحملن أمّ قاسم وقاسما

__________________

١٣٤ ـ البيت لهدبة بن حشرم العذرى ، من أرجوزة رواها غير واحد من حملة الشعر ، ومنهم التبريزى فى شرح الحماسة (٢ / ٤٦) ولكن رواية التبريزى للبيت المستشهد به على غير الوجه الذى يذكره النحاة ، وروايته :

لقد أرانى والغلام الحازما

نزجى المطىّ ضمّرا سواهما

متى يقود الذّبّل الرّواسما

والجلّة النّاجية العواهما

اللغة : «القلص» بزنة كتب وسرر ـ جمع قلوص ، وهى الشابة الفتية من الإبل ، وهى أول ما يركب من إناث الإبل خاصة «الرواسم» المسرعات فى سيرهن ، مأخوذ من الرسيم ، وهو ضرب من سير الإبل السريع «يحملن» يروى فى مكانه «يدنين» ومعناه يقربن «أم قاسم» هى كنية امرأة ، وهى أخت زيادة بن زيد العذرى.

المعنى : متى تظن النوق المسرعات يقربن منى من أحب أن يحملنه إلى؟

الإعراب : «متى» اسم استفهام مبنى على السكون فى محل نصب على الظرفية الزمانية ، وعامله تقول «تقول» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «القلص» مفعول به أول لتقول «الرواسما» نعت للقلص «يحملن» يحمل : فعل مضارع ، ونون الإناث فاعل ، والجملة فى محل نصب مفعول ثان لتقول «أم» مفعول به ليحملن ، وأم مضاف و «قاسم» مضاف إليه «وقاسما» معطوف على أم قاسم.

الشاهد فيه : قوله «تقول القلص يحملن» حيث أجرى تقول مجرى تظن ، فنصب به مفعولين الأول قوله «القلص» والثانى جملة «يحملن» كما قررناه


فلو كان الفعل غير مضارع ، نحو «قال زيد عمرو منطلق» لم ينصب القول مفعولين عند هؤلاء ، وكذا إن كان مضارعا بغير تاء ، نحو «يقول زيد عمرو منطلق» أو لم يكن مسبوقا باستفهام ، نحو «أنت تقول عمرو منطلق» أو سبق باستفهام ولكن فصل بغير ظرف ، ولا [جارّ و] مجرور ، ولا معمول له ، نحو «أأنت تقول زيد منطلق» فإن فصل بأحدها لم يضرّ ، نحو «أعندك تقول زيدا منطلقا» ، و «أفى الدّار تقول زيدا منطلقا» ، و «أعمرا تقول منطلقا» ، ومنه قوله :

(١٣٥) ـ

أجهّالا تقول بنى لؤىّ

لعمر أبيك أم متجاهلينا

فبنى [لؤىّ] : مفعول أوّل ، وجهّالا : مفعول ثان.

__________________

فى الإعراب ، وذلك لاستيفائه الشروط ، ويرويه بعضهم* متى تظن ... إلخ* فلا شاهد فيه ، ولكنه دليل على أن «تقول» يجرى مجرى تظن ؛ لأنه إذا وردت روايتان فى بيت واحد ، وجاءت كلمة فى إحدى الروايتين مكان كلمة فى الرواية الأخرى ، دل ذلك على أن الكلمتين بمعنى واحد ؛ إذ لو اختلف معناهما لم يسغ لراو ولا لشاعر آخر أن يضع إحداهما مكان الأخرى ؛ لئلا يفسد المعنى الذى قصد إليه قائل البيت ؛ لأن شرط الرواية بالمعنى ألا تغير المراد.

١٣٥ ـ هذا البيت للكميت بن زيد الأسدى.

اللغة : «أجهالا» الجهال : جمع جاهل ، ويروى فى مكانه «أنواما» وهو جمع نائم «بنو لؤى» أراد بهم جمهور قريش وعامتهم ؛ لأن أكثرهم ينتهى نسبه إلى لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، وهو أبو قريش كلها «متجاهلينا» المتجاهل : الذى يتصنع الجهل ويتكلفه وليس به جهل ، والذين رووا فى صدر البيت «أنواما» يروون هنا «متناومينا» والمتناوم : الذى يتصنع النوم ، والمراد تصنع الغفلة عما يجرى حولهم من الأحداث.

المعنى : أتظن قريشا جاهلين حين استعملوا فى ولاياتهم اليمنيين وآثروهم على المصريين أم تظنهم عالمين بحقيقة الأمر مقدرين سوء النتائج غير غافلين عما ينبغى العمل به. ولكنهم يتصنعون الجهل ويتكلفون الغفلة لمآرب لهم فى أنفسهم؟؟.


وإذا اجتمعت الشّروط المذكورة جاز نصب المبتدأ والخبر مفعولين لتقول ، نحو «أتقول زيدا منطلقا» وجاز رفعهما على الحكاية ، نحو «أتقول زيد منطلق».

* * *

وأجرى القول كظنّ مطلقا

عند سليم ، نحو «قل ذا مشفقا» (١)

أشار إلى المذهب الثانى للعرب فى القول ، وهو مذهب سليم ؛ فيجرون القول مجرى الظن فى نصب المفعولين ، مطلقا ، أى : سواء كان مضارعا ، أم غير مضارع ، وجدت فيه الشروط المذكورة ، أم لم توجد ، وذلك

__________________

الإعراب «أجهالا» الهمزة للاستفهام ، جهالا : مفعول ثان مقدم على عامله وعلى المفعول الأول «تقول» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بنى» مفعول أول لتقول ، وبنى مضاف ، و «لؤى» مضاف إليه «لعمر» اللام لام الابتداء ، عمر : مبتدأ ، والخبر محذوف وجوبا ، وعمر مضاف ، وأبى من «أبيك» مضاف إليه ، وأبى مضاف والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه «أم» عاطفة «متجاهلينا» معطوف على قوله «جهالا».

الشاهد فيه : قوله «أجهالا تقول بنى لؤى» حيث أعمل «تقول» عمل «تظن» فنصب به مفعولين ، أحدهما قوله «جهالا» والثانى قوله «بنى لؤى» مع أنه فصل بين أداة الاستفهام ـ وهى الهمزة ـ والفعل. بفاصل ـ وهو قوله «جهالا» ـ وهذا الفصل لا يمنع الإعمال ؛ لأن الفاصل معمول للفعل ؛ إذ هو مفعول ثان له.

(١) «أجرى» فعل ماض مبنى للمجهول «القول» نائب فاعل لأجرى «كظن» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من القول «مطلقا» حال ثان من القول «عند» ظرف متعلق بأجرى ، وعند مضاف و «سليم» مضاف إليه «نحو» خبر لمبتدأ محذوف «قل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ذا» مفعول أول لقل «مشفقا» مفعول ثان.


نحو «قل ذا مشفقا» فـ «ذا» مفعول أوّل ، و «مشفقا» مفعول ثان ، ومن ذلك قوله :

(١٣٦) ـ

قالت وكنت رجلا فطينا :

هذا لعمر الله إسرائينا

فـ «هذا» : مفعول أول لقالت ، و «إسرائينا» : مفعول ثان.

* * *

__________________

١٣٦ ـ البيت لأعرابى صاد ضبا فأتى به أهله ، فقالت له امرأته «هذا لعمر الله إسرائيل» أى : هو ما مسخ من بنى إسرائيل ، ورواه الجواليقى فى كتابه «المعرب» هكذا :

وقال أهل السّوق لمّا جينا :

هذا لعمر الله إسرائينا

اللغة : «فطينا» وصف من الفطنة ، وتقول : فطن الرجل يفطن ـ بوزان علم يعلم. فطنة ـ بكسر فسكون ـ وفطانة ، وفطانية ـ بفتح الفاء فيهما ـ وتقول أيضا : فطن يفطن بوزان قعد يقعد ، والفطنة : الفهم ، والوصف المشهور من هذه المادة فطن ـ بفتح فكسر ـ «جينا» أصله جئنا ـ بالهمزة ـ فلينه بقلب الهمزة الساكنة حرف مد من جنس حركة ما قبلها «إسرائين» لغة فى إسرائيل ، كما قالوا : جبرين ، وإسماعين. يريدون : جبريل ، وإسماعيل.

الإعراب : «قالت» قال : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى «وكنت» الواو واو الحال ، كان : فعل ماض ناقص. والتاء اسمه «رجلا» خبر كان «فطينا» صفة لرجل ، والجملة من كان واسمها وخبرها فى محل نصب حال «هذا» ها : حرف تنبيه ، واسم الإشارة مفعول أول لقالت ، بمعنى ظنت «لعمر» اللام لام الابتداء ، عمر : مبتدأ ، وخبره محذوف وجوبا ، والتقدير لعمر الله يمينى ، وعمر مضاف و «الله» مضاف إليه ، وجملة المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب معترضة بين المفعول الأول والثانى «إسرائينا» مفعول ثان لقالت.

الشاهد فيه : قوله «قالت ... هذا ... إسرائينا» حيث أعمل «قال» عمل «ظن» فنصب به مفعولين ، أحدهما : اسم الإشارة ـ وهو «ذا» من «هذا»


..................................................................................

__________________

والثانى «إسرائينا» هكذا قالوا. والذى حملهم على هذا أنهم وجدوا «إسرائينا» منصوبا.

وأنت لو تأملت بعض التأمل لوجدت أنه يمكن أن يكون «هذا» مبتدأ ، «إسرائينا» مضاف إلى محذوف يقع خبرا ، وتقدير الكلام «هذا ممسوخ إسرائينا» فحذف المضاف وأبقى المضاف إليه على جره بالفتحة نيابة عن السكسرة ؛ لأنه لا ينصرف للعلمية والعجمة.

وحذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على جره جائز ، وإن كان قليلا فى مثل ذلك ، وقد قرىء فى قوله تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) بجر الآخرة على تقدير مضاف محذوف يقع منصوبا مفعولا به ليريد ، والأصل : والله يريد ثواب الآخرة.

وهكذا خرجه ابن عصفور ، وتخريج الجماعة أولى ؛ لأن الأصل عدم الحذف ، لأن حذف المضاف وبقاء المضاف إليه على حاله قليل فى هذه الحالة ، ونصب المفعولين بالقول مطلقا لغة لبعض العرب كما قرره الناظم والشارح.


أعلم وأرى

إلى ثلاثة رأى وعلما

عدّوا ، إذا صارا أرى وأعلما (١)

أشار بهذا الفصل إلى ما يتعدّى من الأفعال إلى ثلاثة مفاعيل ؛ فذكر سبعة أفعال : منها «أعلم ، وأرى» فذكر أن أصلهما «علم ، ورأى» ، وأنهما بالهمزة يتعدّيان إلى ثلاثة مفاعيل ؛ لأنهما قبل دخول الهمزة عليهما كانا يتعدّيان إلى مفعولين ، نحو «علم زيد عمرا منطلقا ، ورأى خالد بكرا أخاك» فلما دخلت عليهما همزة النّقل زادتهما مفعولا ثالثا ، وهو الذى كان فاعلا قبل دخول الهمزة ، وذلك نحو : «أعلمت زيدا عمرا منطلقا» و «أريت خالدا بكرا أخاك» ؛ فزيدا ، وخالدا : مفعول أول ، وهو الذى كان فاعلا حين قلت : «علم زيد ، ورأى خالد».

وهذا هو شأن الهمزة ، وهو : أنها تصيّر ما كان فاعلا مفعولا ، فإن كان الفعل قبل دخولها لازما صار بعد دخولها متعدّيا إلى واحد ، نحو : «خرج زيد ، وأخرجت زيدا» وإن كان متعديا إلى واحد صار بعد دخولها متعديا إلى اثنين ، نحو : «لبس زيد جبّة» فتقول : «ألبست زيدا جبة» وسيأتى الكلام عليه ، وإن كان متعديا إلى اثنين صار متعديا إلى ثلاثة ، كما تقدم فى «أعلم ، وأرى».

* * *

__________________

(١) «إلى ثلاثة» جار ومجرور متعلق بعدوا «رأى» مفعول به مقدم لعدوا «وعلما» معطوف على رأى «عدوا» فعل وفاعل «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «صارا» صار : فعل ماض ناقص. وألف الاثنين اسمه «رأى» قصد لفظه : خبر صار «وأعلما» معطوف على أرى ، والجملة فى محل جر بإضافة إذا إليها ، وهى فعل الشرط ، والجواب محذوف يدل عليه سابق الكلام ، والأصل : إذا صارا أرى وأعلما فقد عدوهما إلى ثلاثة مفاعيل.


وما لمفعولى علمت مطلقا

للثّان والثّالث أيضا حقّقا (١)

أى : يثبت للمفعول الثانى والمفعول الثالث من مفاعيل «أعلم ، وأرى» ما ثبت لمفعولى «علم ، ورأى» : من كونهما مبتدأ وخبرا فى الأصل ، ومن جواز الإلغاء والتعليق بالنسبة إليهما ، ومن جواز حذفهما أو حذف أحدهما إذا دلّ على ذلك دليل ، ومثال ذلك «أعلمت زيدا عمرا قائما» فالثانى والثالث من هذه المفاعيل أصلهما المبتدأ والخبر ـ وهما «عمرو قائم» ـ ويجوز إلغاء العامل بالنسبة إليهما ، نحو : «عمرو أعلمت زيدا قائم» ومنه قولهم : «البركة أعلمنا الله مع الأكابر» فـ «نا» : مفعول أول ، و «البركة» : مبتدأ ، و «مع الأكابر» ظرف فى موضع الخبر ، وهما اللذان كانا مفعولين ، والأصل : «أعلمنا الله البركة مع الأكابر» ، ويجوز التعليق عنهما ؛ فتقول : «أعلمت زيدا لعمرو قائم» ومثال حذفهما للدلالة أن يقال : هل أعلمت أحدا عمرا قائما؟ فتقول : أعلمت زيدا ، ومثال حذف أحدهما للدلالة أن تقول فى هذه الصورة : «أعلمت زيدا عمرا» أى : قائما ، أو «أعلمت زيدا قائما» أى : عمرا قائما.

* * *

وإن تعدّيا لواحد بلا

همز فلاثنين به توصّلا (٢)

__________________

(١) «وما» اسم موصول مبتدأ «لمفعولى» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما ، ومفعولى مضاف و «علمت» قصد لفظه : مضاف إليه «مطلقا» حال من الضمير المستتر فى الصلة «للثان» جار ومجرور متعلق بحقق الآتى «والثالث» معطوف على الثانى «أيضا» مفعول مطلق لفعل محذوف «حققا» حقق : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة الواقعة مبتدأ ، والجملة من حقق ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) «وإن» شرطية «تعديا» فعل ماض فعل الشرط ، وألف الاثنين فاعل ،


والثّان منهما كثانى اثنى كسا

فهو به فى كلّ حكم ذو ائتسا (١)

تقدّم أن «رأى ، وعلم» إذا دخلت عليهما همزة النّقل تعدّيا إلى ثلاثة مفاعيل ، وأشار فى هذين البيتين إلى أنه إنما يثبت لهما هذا الحكم إذا كانا قبل الهمزة يتعدّيان إلى مفعولين ، وأما إذا كانا قبل الهمزة يتعدّيان إلى واحد ـ كما إذا كانت «رأى» بمعنى أبصر ، نحو «رأى زيد عمرا» و «علم» بمعنى عرف نحو «علم زيد الحقّ» ـ فإنهما يتعدّيان بعد الهمزة إلى مفعولين ، نحو : «أريت زيدا عمرا» و «أعلمت زيدا الحقّ» والثانى من هذين المفعولين كالمفعول الثانى من مفعولى «كسا» و «أعطى» نحو «كسوت زيدا جبّة»

__________________

«لواحد» جار ومجرور متعلق بقوله تعديا «بلا همز» الباء حرف جر ، ولا : اسم بمعنى غير مجرور محلا بالباء ، وقد ظهر إعرابه على ما بعده على طريق العارية ، والجار والمجرور متعلق بتعديا أيضا ، ولا مضاف و «همز» مضاف إليه «فلاثنين» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، لاثنين : جار ومجرور متعلق بقوله توصلا الآتى «به» جار ومجرور متعلق بتوصلا أيضا «توصلا» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والألف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة ، ويجوز أن يكون توصلا فعلا ماضيا مبنيا للمعلوم ، والألف ضمير الاثنين عائد إلى رأى وعلم وهو فاعل توصل.

(١) «والثان» مبتدأ «منهما» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه الضمير المستكن فى الخبر الآتى «كثانى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، وثانى مضاف و «اثنى» مضاف إليه ، واثنى مضاف ، و «كسا» قصد لفظه : مضاف إليه «فهو» مبتدأ «به» جار ومجرور متعلق بائتسا الآتى «فى كل» جار ومجرور متعلق بائتسا أيضا ، وكل مضاف و «حكم» مضاف إليه «ذو» خبر المبتدأ ، وذو مضاف ، و «ائتسا» مضاف إليه ، وأصله ممدود فقصره للضرورة ، والائتساء أصله بمعنى الاقتداء ، والمراد به هنا أنه مثله فى كل حكم.


و «أعطيت زيدا درهما» : فى كونه لا يصحّ الإخبار به عن الأول ؛ فلا تقول [زيد الحقّ ، كما لا تقول] «زيد درهم» ، وفى كونه يجوز حذفه مع الأول ، وحذف الثانى وإبقاء الأول ، وحذف الأول وإبقاء الثانى ، وإن لم يدل على ذلك دليل ؛ فمثال حذفهما «أعلمت ، وأعطيت» ، ومنه قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) ومثال حذف الثانى وإبقاء الأول «أعلمت زيدا ، وأعطيت زيدا» ومنه قوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) ومثال حذف الأول وإبقاء الثانى نحو : «أعلمت الحقّ ، وأعطيت درهما» ومنه قوله تعالى : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) وهذا معنى قوله : «والثانى منهما ـ إلى آخر البيت (١)».

* * *

وكأرى السّابق نبّا أخبرا

حدّث ، أنبأ ، كذاك خبّرا (٢)

__________________

(١) عبارة الناظم ـ وهى قوله «فهو به فى كل حكم ذو ائتسا» ـ عامة ، ولم يتعرض الشارح ـ رحمه الله! ـ فى كلامه إلى نقد هذا العموم كعادته ؛ فهذا العموم يعطى أن رأى البصرية وعلم العرفانية إذا اتصلت بهما همزة النقل فصارا يتعديان إلى مفعولين ، فشأن مفعولهما الثانى كشأن المفعول الثانى من مفعولى كسا ، ومن شأن المفعول الثانى من مفعولى كسا أنه لا يعلق عنه العامل ، ولكن المفعول الثانى من مفعولى رأى البصرية وعلم العرفانية يعلق عنه العامل ؛ ومن التعليق عنه قوله تعالى : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) فأرنى هنا بصرية ، لأن إبراهيم عليه السّلام كان يطلب مشاهدة كيفية إحياء الله تعالى الموتى. ومفعولها الأول ياء المتكلم ، ومفعولها الثانى جملة(كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) وقد علق العامل عنها باسم الاستفهام ، ومن التعليق قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ؟).

(٢) «وكأرى» الواو عاطفة ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «السابق» نعت لأرى «نبأ» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «أخبرا ، حدث ، أنبأ»


تقدّم أن المصنف عدّ الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل سبعة ، وسبق ذكر «أعلم ، وأرى» وذكر فى هذا البيت الخمسة الباقية ، وهى : «نبّأ» كقولك : «نبّأت زيدا عمرا قائما» ومنه قوله :

(١٣٧) ـ

نبّئت زرعة ـ والسّفاهة كاسمها ـ

يهدى إلىّ غرائب الأشعار

__________________

معطوفات على نبأ بحرف عطف مقدر «كذاك» الكاف حرف جر ، وذا : اسم إشارة مبنى على السكون فى محل جر بالكاف ، والكاف بعده حرف خطاب ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «خبرا» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر.

١٣٧ ـ هذا البيت للنابغة الذبيانى ، من كلمة له يهجو فيها زرعة بن عمرو بن حويلد ، وكان قد لقيه فى سوق عكاظ ، فأشار زرعة على النابغة الذبيانى بأن يحمل قومه على معاداة بنى أسد وترك محالفتهم ، فأبى النابغة ذلك ؛ لما فيه من الغدر ، فتركه زرعة ومضى ، ثم بلغ النابغة أن زرعة يتوعده ، فقال أبياتا يهجوه فيها ، وهذا البيت الشاهد أولها.

اللغة : «نبئت» أخبرت ، والنبأ كالخبر وزنا ومعنى ، ويقال : النبأ أخص من الخبر ؛ لأن النبأ لا يطلق إلا على كل ما له شأن وخطر من الأخبار «والسفاهة كاسمها» السفاهة : الطيش وخفة الأحلام ، وأراد أن السفاهة فى معناها قبيحة كما أن اسمها قبيح «غرائب الأشعار» الغرائب : جمع غريبة ، وأراد بها ما لا يعهد مثله ، ويروى مكانه «أوابد الأشعار» والأوابد : جمع آبدة ، وأصلها إسم فاعل من «أبدت الوحوش» إذا نفرت ولم تأنس.

الإعراب : «نبئت» نبىء : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء التى للمتكلم نائب فاعل ، وهو المفعول الأول «زرعة» مفعول ثان «والسفاهة كاسمها» الواو واو الحال ، وما بعده جملة من مبتدأ وخبر فى محل نصب حال «يهدى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى زرعة ، والجملة من يهدى وفاعله فى محل نصب مفعول ثالث لنبىء «إلى» جار ومجرور متعلق بيهدى «غرائب» مفعول به ليهدى ، وغرائب مضاف و «الأشعار» مضاف إليه.


و «أخبر» كقولك : «أخبرت زيدا أخاك منطلقا» ومنه قوله :

(١٣٨) ـ

وما عليك ـ إذا أخبرتنى دنفا

وغاب بعلك يوما ـ أن تعودينى؟!

__________________

الشاهد فيه : قوله «نبئت زرعة ... يهدى» حيث أعمل «نبأ» فى مفاعيل ثلاثة ، أحدها النائب عن الفاعل وهو التاء ، والثانى «زرعة» والثالث جملة يهدى مع فاعله ومفعوله.

١٣٨ ـ هذا البيت لرجل من بنى كلاب ، وهو من مختار أبى تمام فى ديوان الحماسة ، ولكن رواية الحماسة هكذا :

وما عليك إذا خبّرتنى دنفا

رهن المنيّة يوما أن تعودينا

أو تجعلى نطفة فى القعب باردة

وتغمسى فاك فيها ثمّ تسقينا

وانظر شرح التبريزى على الحماسة ٣ ـ ٣٥٣ بتحقيقنا.

اللغة : «دنفا» بزنة كتف ـ هو الذى لازمه مرض العشق ، وهو وصف من الدنف ـ بفتح الدال والنون جميعا ـ وهو المرض الملازم الذى ينهك القوى «وغاب بعلك» بعل المرأة : زوجها ، وقد رأيت أن رواية الحماسة فى مكان هذه العبارة «رهن المنية» والمنية : الموت ، وفلان رهن كذا : أى مقيد به ، يريد أنه فى حال من المرض الشديد تجعله فى سياق الموت ، وقوله «أن تعودينى» العيادة : زيارة المريض خاصة ، ولا تقال فى زيارة غيره.

الإعراب : «وما» اسم استفهام مبتدأ «عليك» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «أخبرتنى» أخبر : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء نائب فاعل ، وهو المفعول الأول ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم مفعول ثان لأخبر «دنفا» مفعول ثالث ، والجملة من الفعل وفاعله ومفعولاته الثلاث فى محل جر بإضافة إذا إليها «وغاب بعلك» الواو واو الحال ، وما بعده جملة من فعل وفاعل فى محل نصب حال ، وهى ـ عند أبى العباس المبرد ـ على تقدير «قد» أى : وقد غاب بعلك ، ويجوز أن تكون الواو للعطف ، والجملة فى محل جر بالعطف على جملة «أخبرتنى دنفا» المجرورة محلا بإضافة إذا إليها «أن تعودينى» فى تأويل


و «حدّث» كقولك «حدّثت زيدا بكرا مقيما» ومنه قوله :

(١٣٩) ـ

أو منعتم ما تسألون ، فمن حدّ

ثتموه له علينا الولاء؟

__________________

مصدر مجرور بفى محذوفة ، والتقدير : فى عيادتى ، وحذف حرف الجر ههنا قياس ، والجار والمجرور متعلق بخبر.

الشاهد فيه : قوله «أخبرتنى دنفا» حيث أعمل «أخبر» فى ثلاثة مفاعيل : أحدها نائب الفاعل وهو تاء المخاطبة ، والثانى ياء المتكلم ، والثالث قوله «دنفا».

١٣٩ ـ البيت للحارث بن حلزة اليشكرى ، من معلقته المشهورة التى مطلعها :

آذنتنا ببينها أسماء

ربّ ثاو يملّ منه الثّواء

اللغة : «منعتم ما تسألون» معناه : إن منعتم عنا ما نسألكم أن تعطوه من النصفة والإخاء والمساواة فلأى شىء كان ذلك منكم مع ما تعلمون من عزنا ومنعتنا؟ «فمن حدثتموه له علينا الولاء» يقول : من الذى بلغكم عنه أنه قد صارت له علينا الغلبة فى سالف الدهر ، وأنتم تمنون أنفسكم بأن تكونوا مثله؟ والاستفهام بمعنى النفى ، يريد لم يكن لأحد سلطان فى الزمن الغابر علينا ، ويروى «له علينا العلاء» بالعين المهملة ، من العلو ، وهو الرفعة. ويروى «الغلاء» بالغين المعجمة ، وهو الارتفاع أيضا.

الإعراب : «منعتم» فعل وفاعل «ما» اسم موصول : مفعول به لمنع «تسألون» جملة من فعل ونائب فاعل لا محل لها صلة الموصول «فمن» اسم استفهام مبتدأ «حدثتموه» حدث : فعل ماض مبنى للمجهول ، وتاء المخاطبين نائب فاعل ، وهاء الغائب مفعول ثان ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «له ، علينا» يتعلقان بمحذوف خبر مقدم «الولاء» مبتدأ مؤخر ، والجملة من هذا المبتدأ والخبر فى محل نصب مفعول ثالث لحدث.

الشاهد فيه : قوله «حدثتموه ... له علينا الولاء» حيث أعمل «حدث» فى ثلاثة مفاعيل : أحدها نائب الفاعل ، وهو ضمير المخاطبين ، والثانى هاء الغائب ، والثالث جملة «له علينا الولاء» كما أوضحناه فى الإعراب.


و «أنبأ» كقولك : «أنبأت عبد الله زيدا مسافرا» ومنه قوله :

(١٤٠) ـ

وأنبئت قيسا ولم أبله

كما زعموا خير أهل اليمن

و «خبّر» كقولك : «خبّرت زيدا عمرا غائبا» ومنه قوله :

(١٤١) ـ

وخبّرت سوداء الغميم مريضة

فأقبلت من أهلى بمصر أعودها

__________________

١٤٠ ـ هذا البيت للأعشى ميمون بن قيس ، من كلمه يمدح بها قيس بن قيس بن معديكرب ، وأولها قوله :

لعمرك ما طول هذا الزّمن

على المرء إلّا عناء معنّ

اللغة : «معن» هو اسم فاعل من عناه ـ بتشديد النون ـ إذا أورثه العناء والمشقة «ولم أبله» تقول : بلوته أبلوه ، إذا اختبرته ، ويروى فى مكانه «ولم آته» ويذكر الرواة أن قيسا حين سمع هذا البيت قال : أو شك؟ ثم أمر بحبسه.

الإعراب : «وأنبئت» أنبىء : فعل ماض مبنى للمجهول ، وتاء المتكلم نائب فاعل وهو المفعول الأول «قيسا» مفعول ثان «ولم أبله» الواو واو الحال ، وما بعده جملة من فعل مضارع مجزوم بلم ، وفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا ، ومفعول ، فى محل نصب حال «كما» الكاف جارة ، وما : يحتمل أن تكون موصولة مجرورة المحل بالكاف ، وأن تكون مصدرية ؛ وعلى الأول فجملة «زعموا» لا محل لها صلة ، وعلى الثانى تكون «ما» وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور بالكاف أى كزعمهم «خير» مفعول ثالث لأنبئت ، وخير مضاف و «أهل» مضاف إليه ، وأهل مضاف و «اليمن» مضاف إليه مجرور بالكسرة ، وسكن لأجل الوقف.

الشاهد فيه : قوله «وأنبئت قيسا ... خير أهل اليمن» حيث أعمل أنبأ فى مفاعيل ثلاثة ، الأول تاء المتكلم الواقعة نائب فاعل ، والثانى قوله «قيسا» ، والثالث قوله «خير أهل اليمن».

١٤١ ـ هذا البيت للعوام بن عقبة بن كعب بن زهير ، وكان قد عشق امرأة من بنى عبد الله بن غطفان ، وكلف بها ، وكانت هى تجد به أيضا ، فخرج إلى مصر فى


..................................................................................

__________________

ميرة ، فبلغه أنها مريضة ، فترك ميرته ، وكر نحوها راجعا ، وهو يقول أبياتا أولها بيت الشاهد ، وبعده قوله :

فيا ليت شعرى هل تغيّر بعدنا

ملاحة عينى أمّ يحيى وجيدها؟

وهل أخلقت أثوابها بعد جدّة

ألا حبّذا أخلاقها وجديدها؟

ولم يبق يا سوداء شىء أحبّه

وإن بقيت أعلام أرض وبيدها

(وانظر شرح التبريرى على الحماسة ٣ / ٣٤٤ بتحقيقنا).

اللغة : «الغميم» بفتح الغين المعجمة وكسر الميم ـ اسم موضع فى بلاد الحجاز ، ويقال : هو بضم الغين على زنة التصغير ، ويروى «ونبئت سوداء الغميم» ويروى أيضا «ونبئت سوداء القلوب» فيجوز أن اسمها سوداء ثم أضافها إلى القلوب كما فعل ابن الدمينة فى قوله :

قفى يا أميم القلب نقض لبانة

ونشك الهوى ، ثمّ افعلى ما بدا لك

ويجوز أن يكون أراد أنها تحل من القلوب محل السويداء ، ويجوز أن يكون قد أراد أنها قاسية القلب ، ولكنه جمع لأنه أراد القلب وما حوله ، أو أراد أن لها مع كل محب قلبا. ويروون عجز البيت «فأقبلت من مصر إليها أعودها».

الإعراب : «خبرت» خبر : فعل ماض مبنى للمجهول ، وتاء المتكلم نائب فاعل وهو المفعول الأول «سوداء» مفعول ثان ، وسوداء مضاف و «الغميم» مضاف إليه «مريضة» مفعول ثالث لخبر «فأقبلت» فعل وفاعل «من أهلى» الجار والمجرور متعلق بأقبل ، وأهل مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «بمصر» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة أو حال من أهل المضاف لياء المتكلم «أعودها» أعود : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، وهاء : مفعول به ، والجملة فى محل نصب حال من التاء فى «أقبلت»

الشاهد فيه : قوله «وخبرت سوداء الغميم مريضة» حيث أعمل «خبر» فى ثلاثة مفاعيل ، أحدها تاء المتكلم الواقعة نائب فاعل ، والثانى قوله «سوداء الغميم» ، والثالث قوله «مريضة» كما اتضح لك فى إعراب البيت.

هذا ، وأنت لو تأملت فى جميع هذه الشواهد التى جاء بها الشارح لهذه المسألة


وإنما قال المصنف : «وكأرى السابق» لأنه تقدم فى هذا الباب أن «أرى» تارة تتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل ، وتارة تتعدّى إلى اثنين ، وكان قد ذكر أولا [أرى] المتعدية إلى ثلاثة ؛ فنبّه على أن هذه الأفعال الخمسة مثل «أرى» السابقة ، وهى المتعدية إلى ثلاثة ، لا مثل «أرى» المتأخرة ، وهى المتعدية إلى اثنين.

* * *

__________________

لوجدت الأفعال فيها كلها مبنية للمجهول ، وقد تعدت إلى مفعولين بعد نائب الفاعل ، وبعضها تجد المفعول الثانى والمفعول الثالث فيه مفردين ، وبعضها تجد فيه المفعول الثالث جملة كبيت الحارث بن حازة (رقم ١٣٩) وشأن ما لم يذكره الشارح من الشواهد كشأن ما ذكره منها ، حتى قال شيخ الإسلام زكريا الأنصارى : «ولم يسمع تعديها إلى ثلاثة صريحة» اه.


الفاعل

الفاعل الّذى كمرفوعى «أتى

زيد» «منيرا وجهه» «نعم الفتى» (١)

لما فرغ من الكلام على نواسخ الابتداء شرع فى ذكر ما يطلبه الفعل التامّ من المرفوع ـ وهو الفاعل ، أو نائبه ـ وسيأتى الكلام على نائبه فى الباب الذى يلى هذا الباب.

فأمّا الفاعل فهو : الاسم ، المسند إليه فعل ، على طريقة فعل ، أو شبهه ، وحكمه الرّفع (٢) ، والمراد بالاسم : ما يشمل الصريح ، نحو : «قام زيد» والمؤوّل

__________________

(١) «الفاعل» مبتدأ «الذى» اسم موصول : خبر المبتدأ «كمرفوعى» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول «أتى زيد» فعل وفاعل ، ومرفوعى مضاف ، وجملة الفعل والفاعل بمتعلقاتها فى محل جر مضاف إليه «منيرا» حال ، وهو اسم فاعل «وجهه» وجه : فاعل بمنير ، ووجه مضاف والضمير مضاف إليه «نعم الفتى» فعل وفاعل.

(٢) وقد ينصب الفاعل ويرفع المفعول إذا أمن اللبس ، وقد ورد عن العرب قولهم خرق الثوب المسمار ، وقولهم : كسر الزجاج الحجر. وقال الأخطل :

مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت

نجران أو بلغت سوآتهم هجر

وقال عمر بن أبى ربيعة المخزومى :

ألم تسأل الأطلال والمتربّعا

ببطن حليّات دوارس أربعا

إلى الشّرى من وادى المغمّس بدّلت

معالمه وبلا ونكباء زعزعا

وربما نصبوا الفاعل والمفعول جميعا ، كما قال الراجز :

قد سالم الحيّات منه القدما

الأفعوان والشّجاع الشّجعما

وربما رفعوهما جميعا ، كما قال الشاعر :

إنّ من صاد عقعقا لمشوم

كيف من صاد عقعقان وبوم


به ، نحو : «بعجبنى أن تقوم» أى : قيامك.

فخرج بـ «المسند إليه فعل» ما أسند إليه غيره ، نحو : «زيد أخوك» أو جملة ، نحو : «زيد قام أبوه» أو «زيد قام» أو ما هو فى قوة الجملة ، نحو : «زيد قائم غلامه» أو «زيد قائم» أى : هو ـ وخرج بقولنا «على طريقة فعل» ما أسند إليه فعل على طريقة فعل ، وهو النائب عن الفاعل ، نحو : «ضرب زيد».

__________________

وسيشير الشارح فى مطلع باب المفعول به إلى هذه المسألة. ونتعرض هناك للكلام عليها مرة أخرى ، إن شاء الله تعالى.

والمبيح لذلك كله اعتمادهم على انفهام المعنى ، وهم لا يجعلون ذلك قياسا ، ولا يطردونه فى كلامهم.

وقد يجر لفظ الفاعل بإضافة المصدر ، نحو قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) أو بإضافة اسم المصدر ، نحو قوله عليه الصلاة والسّلام : «من قبلة الرجل امرأته الوضوء».

وقد يجر الفاعل بالباء الزائدة. وذلك واجب فى أفعل الذى على صورة فعل الأمر فى باب التعجب ، نحو قوله تعالى.(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) ونحو قول الشاعر :

أخلق بذى الصّبر أن يحظى بحاجته

ومدمن القرع للابواب أن يلجا

وهو كثير غالب فى فاعل «كفى» نحو قوله تعالى : (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) ومن القليل فى فاعل كفى تجرده من الباء ، كما فى قول سحيم الرياحى :

عميرة ودّع إن تجهّزت غازيا

كفى الشّيب والإسلام للمرء ناهيا

فقد جاء بفاعل «كفى» وهو قوله «الشيب» غير مجرور بالباء.

ويشذ جر الفاعل بالباء فيما عدا أفعل فى التعجب وفاعل كفى ، وذلك نحو قول الشاعر :

ألم ياتيك والأنباء تنمى

بما لاقت لبون بنى زياد

فالباء فى «بما» زائدة ، وما : موصول اسمى فاعل يأتى ، فى بعض تخريجات هذا البيت.

وقد يجر الفاعل بمن الزائدة إذا كان نكرة بعد نفى أو شبهه ، نحو قوله تعالى : (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ) والفاعل حينئذ مرفوع بضمة مقدرة على الراجح ، فاحفظ ذلك كله.


والمراد بشبه الفعل المذكور : اسم الفاعل ، نحو : «أقائم الزّيدان» ، والصفة المشبهة ، نحو : «زيد حسن وجهه» والمصدر ، نحو : «عجبت من ضرب زيد عمرا» واسم الفعل ، نحو : «هيهات العقيق» والظرف والجار والمجرور ، نحو : «زيد عندك أبوه» أو «فى الدار غلاماه» وأفعل التفضيل ، نحو. «مررت بالأفضل أبوه» فأبوه : مرفوع بالأفضل ، وإلى ما ذكر أشار المصنف بقوله : «كمرفوعى أتى ـ إلخ».

والمراد بالمرفوعين ما كان مرفوعا بالفعل أو بما يشبه الفعل ، كما تقدم ذكره ، ومثّل للمرفوع بالفعل بمثالين : أحدهما ما رفع بفعل متصرف ، نحو : «أتى زيد» والثانى ما رفع بفعل غير متصرف ، نحو : «نعم الفتى» ومثل للمرفوع بشبه الفعل بقوله : «منيرا وجهه».

* * *

وبعد فعل فاعل ، فإن ظهر

فهو ، وإلّا فضمير استتر (١)

__________________

(١) «وبعد» ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وبعد مضاف ، و «فعل» مضاف إليه «فاعل» مبتدأ مؤخر «فإن» شرطية «ظهر» فعل ماض ، فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فاعل «فهو» الفاء لربط الجواب بالشرط ، هو : مبتدأ ، وخبره محذوف ، والتقدير «فإن ظهر فهو المطلوب» مثلا ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط «وإلا» الواو عاطفة ، وإن : شرطية ، ولا : نافية ، وفعل الشرط محذوف يدل عليه ما قبله ، والتقدير : وإلا يظهر «فضمير» الفاء لربط الجواب بالشرط ، ضمير : خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : فهو ضمير ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل جزم جواب الشرط ، وجملة «استتر» مع فاعله المستتر فيه فى محل رفع صفة لضمير.

وهذا البيت يشير إلى حكمين من أحكام الفاعل ، أولهما أن الفاعل يجب أن يكون بعد الفعل ، فلا يجوز عنده تقديم الفاعل ، وهذا هو الذى ذكره الشارح


حكم الفاعل التأخّر عن رافعه ـ وهو الفعل أو شبهه ـ نحو «قام الزيدان ، وزيد قائم غلاماه ، وقام زيد» ولا يجوز تقديمه على رافعه ؛ فلا تقول : «الزيدان قام» ، ولا «زيد غلاماه قائم» ، ولا «زيد قام» على أن يكون «زيد» فاعلا مقدّما ، بل على أن يكون مبتدأ ، والفعل بعده رافع لضمير مستتر ، والتقدير «زيد قام هو» وهذا مذهب البصريين ، وأما الكوفيون فأجازوا التقديم فى ذلك كله (١).

__________________

بقوله : «حكم الفاعل التأخر عن رافعه ـ إلخ» وثانى الحكمين أنه لا يجوز حذف الفاعل ، بل إما أن يكون ملفوظا به ، وإما أن يكون ضميرا مستترا ، وهذا هو الذى ذكره الشارح بقوله : «وأشار بقوله فإن ظهر ـ إلخ ، إلى أن الفعل وشبهه لا بد له من مرفوع» وليس هذا الحكم مطردا ، بل له استثناء سنذكره فيما بعد (اقرأ الهامشة ١ ص ٤٦٦).

(٢) استدل الكوفيون على جواز تقديم الفاعل على رافعه ، بوروده عن العرب فى نحو قول الزباء :

ما للجمال مشيها وئيدا

أجندلا يحملن أم حديدا

فى رواية من روى «مشيها» مرفوعا ، قالوا : ما : اسم استفهام مبتدأ ، وللجمال : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، مشى : فاعل تقدم على عامله ـ وهو وئيدا الآتى ـ ومشى مضاف والضمير العائد إلى الجمال مضاف إليه ، ووئيدا : حال من الجمال منصوب بالفتحة الظاهرة ، وتقدير الكلام : أى شىء ثابت للجمال حال كونها وئيدا مشيها

واستدل البصريون على أنه لا يجوز تقديم الفاعل على فعله بوجهين ، أحدهما : أن الفعل وفاعله كجزأين لكلمة واحدة متقدم أحدهما على الآخر وضعا ، فكما لا يجوز تقديم عجز الكلمة على صدرها لا يجوز تقديم الفاعل على فعله ، وثانيهما : أن تقديم الفاعل يوقع فى اللبس بينه وبين المبتدأ ، وذلك أنك إذا قلت «زيد قام «وكان تقديم الفاعل جائزا لم يدر السامع أأردت الابتداء بزيد والإخبار عنه بجملة قام وفاعله المستتر ، أم أردت إسناد قام المذكور إلى زيد على أنه فاعل ، وقام حينئذ خال من الضمير؟ ولا


وتظهر فائدة الخلاف فى غير الصورة الأخيرة ـ وهى صورة الإفراد ـ نحو «زيد قام» ؛ فتقول على مذهب الكوفيين : «الزيدان قام ، والزيدون قام» وعلى مذهب البصريين يجب أن تقول : «الزيدان قاما ، والزيدون قاموا» ، فتأتى بألف وواو فى الفعل ، ويكونان هما الفاعلين ، وهذا معنى قوله : «وبعد فعل فاعل».

وأشار بقوله : «فإن ظهر ـ إلخ» إلى أن الفعل وشبهه لا بدّ له من مرفوع (١) ، فإن ظهر فلا إضمار ، نحو «قام زيد» وإن لم يظهر فهو ضمير ، نحو «زيد قام» أى : هو.

* * *

__________________

شك أن بين الحالتين فرقا ؛ فإن جملة الفعل وفاعله تدل على حدوث القيام بعد أن لم يكن ، وجملة المبتدأ وخبره الفعلى تدل على الثبوت وعلى تأكيد إسناد القيام لزيد ، ولا يجوز إغفال هذا الفرق بادعاء أنه مما لا يتعلق به المقصود من إفادة إسناد القيام لزيد على جهة وقوعه منه ، وأنه مما يتعلق به غرض أهل البلاغة الذين يبحثون عن معان للتراكيب غير المعانى الأولية التى تدل عليها الألفاظ مع قطع النظر عن التقديم والتأخير ونحوهما.

وأجابوا عما استدل به الكوفيون بأن البيت يحتمل غير ما ذكروا من وجوه الإعراب ؛ إذ يجوز أن يكون «مشى ، مبتدأ ، والضمير مضاف إليه ، و «وئيدا» حال من فاعل فعل محذوف ، والتقدير : مشيها يظهر وئيدا ، وجملة الفعل المحذوف وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، ومتى كان البيت محتملا لم يصلح دليلا.

(١) بعض الأفعال لا يحتاج إلى فاعل ؛ فكان على الشارح أن يستثنيه من هذا العموم ، ونحن نذكر لك ثلاثة مواضع من هذه القبيل :

(الأول) الفعل المؤكد فى نحو قول الشاعر :

* أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس*


وجرّد الفعل إذا ما أسندا

لاثنين أو جمع كـ «فاز الشّهدا» (١)

وقد يقال : سعدا ، وسعدوا ،

والفعل للظّاهر ـ بعد ـ مسند (٢)

مذهب جمهور العرب أنه إذا أسند الفعل إلى ظاهر ـ مثنّى ، أو مجموع ـ وجب تجريده من علامة تدل على التثنية أو الجمع ، فيكون كحاله إذا أسند إلى مفرد ؛ فتقول : «قام الزيدان ، وقام الزيدون ، وقامت الهندات» ، كما تقول : «قام زيد» ولا تقول على مذهب هؤلاء : «قاما الزيدان» ،

__________________

(الثانى) «كان» الزائدة فى نحو قول الشاعر ، وقد أنشدناه مع نظائره فى باب كان وأخواتها عند الكلام على مواضع زيادتها.

لله درّ أنو شروان من رجل

ما كان أعرفه بالدّون والسّفل

بناء على الراجح عند المحققين من أن كان الزائدة لا فاعل لها.

(الثالث) الفعل المكفوف بما ، نحو قلما ، وطالما ، وكثر ما ، بناء على ما ذهب إليه سيبويه.

ومن العلماء من يزعم أن «ما» فى نحو «طالما نهيتك» مصدرية سابكة لما بعدها بمصدر هو فاعل طال ، والتقدير : طال نهيى إياك.

(١) «وجرد» الواو عاطفة ، جرد : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «الفعل» مفعول به لجرد «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «ما» زائدة «أسندا» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل ، والجملة من أسند ونائب فاعله فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «لاثنين» جار ومجرور متعلق بأسند «أو جمع» معطوف على اثنين «كفاز الشهدا» الكاف جارة لقول محذوف ، وجملة الفعل والفاعل فى محل نصب بذلك المجرور المحذوف ، وأصل الكلام : وذلك كائن كقولك فاز الشهداء.

(٢) «وقد» حرف تقليل «يقال» فعل مضارع مبنى للمجهول «سعدا وسعدوا» قصد لفظهما : نائب عن الفاعل ومعطوف عليه «والفعل» الواو للحال ، والفعل : مبتدأ «للظاهر ، بعد» متعلقان بمسند الآتى «مسند» خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل نصب حال.


ولا «قاموا الزيدون» ، ولا «قمن الهندات» فتأتى بعلامة فى الفعل الرافع للظاهر ، على أن يكون ما بعد الفعل مرفوعا به ، وما اتصل بالفعل ـ من الألف ، والواو ، والنون. ـ حروف تدلّ على تثنية الفاعل أو جمعه ، بل على أن يكون الاسم الظاهر مبتدأ مؤخرا ، والفعل المتقدم وما اتّصل به اسما فى موضع رفع به ، والجملة فى موضع رفع خبرا عن الاسم المتأخر.

ويحتمل وجها آخر ، وهو أن يكون ما اتصل بالفعل مرفوعا به كما تقدم ، وما بعده بدل مما اتصل بالفعل من الأسماء المضمرة ـ أعنى الألف ، والواو ، والنون ـ

ومذهب طائفة من العرب ـ وهم بنو الحارث بن كعب ، كما نقل الصفّار فى شرح الكتاب ـ أن الفعل إذا أسند إلى ظاهر ـ مثنى ، أو مجموع ـ أتى فيه بعلامة تدلّ على التثنية أو الجمع (١) ؛ فتقول : «قاما الزيدان ، وقاموا الزيدون ، وقمن الهندات» فتكون الألف والواو والنون حروفا تدلّ على التثنية والجمع ، كما كانت التاء فى «قامت هند» حرفا تدلّ على التأنيث عند جميع العرب (٢) ، والاسم الذى بعد الفعل المذكور مرفوع به ، كما ارتفعت «هند» بـ «قامت» ، ومن ذلك قوله :

__________________

(١) وليس الإتيان بعلامة التثنية إذا كان الفاعل مثنى أو بعلامة الجمع إذا كان الفاعل مجموعا واجبا عند هؤلاء ، بل إنهم ربما جاءوا بالعلامة ، وربما تركوها.

(٢) الفرق بين علامة التأنيث وعلامة التثنية والجمع من ثلاثة أوجه :

الأول : أن لحاق علامة التثنية والجمع لغة لجماعة من العرب بأعيانهم ـ يقال : هم طيىء ، ويقال : هم أزدشنوءة ـ وأما إلحاق تاء التأنيث فلغة جميع العرب.

الثانى : أن إلحاق علامة التثنية والجمع عند من يلحقها جائز فى جميع الأحوال ، ولا يكون واجبا أصلا ؛ فأما إلحاق علامة التأنيث فيكون واجبا إذا كان الفاعل


(١٤٢) ـ

تولّى قتال المارقين بنفسه

وقد أسلماه مبعد وحميم

__________________

ضميرا متصلا لمؤنث مطلقا ، وإذا كان الفاعل اسما ظاهرا حقيقى التأنيث ، على ما سيأتى بيانه وتفصيله فى هذا الباب.

الثالث : أن احتياج الفعل إلى علامة التأنيث أقوى من احتياجه إلى علامة التثنية والجمع ؛ لأن الفاعل قد يكون مؤنثا بدون علامة ويكون الاسم مع هذا مشتركا بين المذكر والمؤنث كزيد وهند ؛ فقد سمى بكل من زيد وهند مذكر وسمى بكل منهما مؤنث ، فإذا ذكر الفعل بدون علامة التأنيث لم يعلم أمؤنث فاعله أم مذكر ، فأما المثنى والجمع فإنه لا يمكن فيهما احتمال المفرد.

١٤٢ ـ البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات ، يرثى مصعب بن الزبير بن العوام رضى الله عنهما ، وكان عبيد الله بن قيس هذا من شيعة الزبيريين ، وكان مصعب قد خرج على الخلافة الأموية مع أخيه عبد الله بن الزبير ، وعبيد الله بن قيس الرقيات هو الذى يقول :

كيف نومى على الفراش ولمّا

تشمل الشّام غارة شعواء؟

تذهل الشّيخ عن بنيه ، وتبدى

عن براها العقيلة العذراء

ولما قتل مصعب بن الزبير قال كلمة يرثيه بها ، منها بيت الشاهد ، وأول رثائها قوله :

لقد أورث المصرين حزنا وذلّة

قتيل بدير الجاثليق مقيم

اللغة : «المارقين» الخارجين عن الدين كما يخرج السهم من الرمية «مبعد» أراد به الأجنبى «وحميم» الصديق الذى يهتم لأمر صديقه «أسلماه» خذلاه ، ولم يعيناه.

الإعراب : «تولى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على مصعب «قتال» مفعول به لتولى ، وقتال مضاف ، و «المارقين» مضاف إليه «بنفسه» جار ومجرور متعلق بتولى ، أو الباء زائدة ، ونفس : تأكيد للضمير المستتر فى تولى ، ونفس مضاف وضمير الغائب العائد إلى مصعب مضاف إليه «وقد» الواو للحال ، قد : حرف تحقيق «أسلماه» أسلم : فعل ماض ، والألف حرف دال على التثنية ، والهاء ضمير الغائب العائد إلى مصعب مفعول به لأسلم «مبعد» فاعل أسلم «وحميم» الواو حرف عطف ، حميم : معطوف على مبعد.


وقوله :

(١٤٣) ـ

يلوموننى فى اشتراء النّخي

ل أهلى ؛ فكلّهم يعذل

__________________

الشاهد فيه : قوله «وقد أسلماه مبعد وحميم» حيث وصل بالفعل ألف التثنية مع أن الفاعل اسم ظاهر. وكان القياس على الفصحى أن يقول «وقد أسلمه مبعد وحميم». وسيأتى لهذا الشاهد نظائر فى شرح الشاهدين الآتيين رقم ١٤٣ و ١٤٤.

١٤٣ ـ هذا البيت من الشواهد التى لم يعينوا قائلها ، وبعده قوله :

وأهل الّذى باع يلحونه

كما لحى البائع الأوّل

اللغة : «يلوموننى» تقول : لام فلان فلانا على كذا يلومه لوما ـ بوزان قال يقول قولا ـ ولومة ، وملامة ، وإذا أردت المبالغة قلت : لومه ـ بتشديد الواو «يعذل» العذل ـ بفتح فسكون ـ هو اللوم ، وفعله من باب ضرب «يلحونه» تقول : لحا فلان فلانا يلحوه ـ مثل دعاه يدعوه ـ ولحاه يلحاه ـ مثل نهاه ينهاه ـ إذا لامه وعذله.

الإعراب : «يلوموننى» فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والواو حرف دال على الجماعة ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به ليلوم «فى اشتراء» جار ومجرور متعلق بيلوم ، واشتراء مضاف ، و «النخيل» مضاف إليه «أهلى» أهل : فاعل يلوم ، وأهل مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «فكلهم» كل : مبتدأ ، وكل مضاف ، وهم : مضاف إليه «يعذل» فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كل الواقع مبتدأ ، والجملة من يعذل وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.

الشاهد فيه : قوله «يلوموننى ... أهلى» حيث وصل واو الجماعة بالفعل ، مع أن الفاعل اسم ظاهر مذكور بعد الفعل ، وهذه لغة طيىء ، وقيل : لغة أزد شنوءة.

وبذكر النحاة مع هذا الشاهد والذى قبله قول الشاعر (وهو أبو فراس الحمدانى) :

نتج الرّبيع محاسنا

ألقحنها غرّ السّحائب

ومثله قول «تميم» وهو من شعراء اليتيمة :

إلى أن رأيت النّجم وهو مغرّب

وأقبلن رايات الصّباح من الشّرق

فقد وصل كل منهما نون النسوة بالفعل ، مع أن الفاعل اسم ظاهر مذكور بعده ،


وقوله :

(١٤٤) ـ

رأين الغوانى الشّيب لاح بعارضى

فأعرضن عنّى بالخدود النّواضر

__________________

وهو قوله «غر السحائب» فى الأول ، و «رايات الصباح» فى الثانى ، وكذلك قول عمرو بن ملقط :

ألفيتا عيناك عند القفا

أولى فأولى لك ذا واقيه

فقد وصل ألف الاثنين بالفعل فى قوله «ألفيتا» مع كونه مسندا إلى المثنى الذى هو قوله «عيناك» وكذلك قول عروة بن الورد :

وأحقرهم وأهونهم عليه

وإن كانا له نسب وخير

فقد ألحق ألف الاثنين بالفعل فى قوله «كانا» مع كونه مسندا إلى اثنين قد عطف أحدهما على الآخر ، وذلك قوله «نسب وخير» ومثله قول الآخر :

نسيا حاتم وأوس لدن فا

ضت عطاياك يا ابن عبد العزيز

ومحل الاستشهاد فى قوله «نسيا حاتم وأوس» وهذا ـ مع ما أنشدناه من بيت عمرو بن ملقط ـ يدل على أن شأن نائب الفاعل فى هذه المسألة كشأن الفاعل ، وسيأتى لهذه المسألة شواهد أخرى فى شرح الشاهد ١٤٤ الآتى.

١٤٤ ـ البيت لأبى عبد الرحمن محمد بن عبد الله العتبى ، من ولد عتبة بن أبى سفيان.

اللغة : «الغوانى» جمع غانية ، وهى هنا التى استغنت بجمالها عن الزينة «لاح» ظهر «النواضر» الجميلة ، مأخوذ من النضرة ، وهى الحسن والرواء ، والنواضر : جمع ناضر.

الإعراب : «رأين» رأى : فعل ماض ، وهى هنا بصرية ، والنون حرف دال على جماعة الإناث «الغوانى» فاعل رأى «الشيب» مفعول به لرأى «لاح» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الشيب «بعارضى» الباء حرف جر ، وعارض : مجرور بالباء ، والجار والمجرور متعلق بلاح ، وعارض مضاف ،


فـ «مبعد وحميم» مرفوعان بقوله «أسلماه» والألف فى «أسلماه» حرف يدلّ على كون الفاعل اثنين ، وكذلك «أهلى» مرفوع بقوله «يلوموننى» والواو حرف يدلّ على الجمع ، و «الغوانى» مرفوع بـ «رأين» والنون حرف يدلّ على جمع المؤنث ، وإلى هذه اللغة أشار المصنف بقوله : «وقد يقال سعدا وسعدوا ـ إلى آخر البيت».

ومعناه أنه قد يؤتى فى الفعل المسند إلى الظاهر بعلامة تدلّ على التثنية ، أو الجمع ؛ فأشعر قوله «وقد يقال» بأن ذلك قليل ، والأمر كذلك.

وإنما قال : «والفعل للظاهر بعد مسند» لينبه على أن مثل هذا التركيب

__________________

وياء المتكلم مضاف إليه «فأعرضن» فعل وفاعل «عنى ، بالخدود» جاران ومجروران متعلقان بأعرض «النواضر» صفة للخدود.

الشاهد فيه : قوله «رأين الغوانى» فإن الشاعر قد وصل الفعل بنون النسوة فى قوله «رأين» مع ذكر الفاعل الظاهر بعده ، وهو قوله «الغوانى» كما أوضحناه فى الإعراب ، ومثله قول الآخر :

فأدركنه خالاته فخذلنه

ألا إنّ عرق السّوء لا بدّ مدرك

ومن شواهد المسألة الشاهد رقم ٩٩ الذى سبق فى باب إن وأخواتها وقول الشاعر :

نصروك قومى ؛ فاعتززت بنصرهم

ولو أنّهم خذلوك كنت ذليلا

فقد ألحق علامة جمع الذكور ـ وهى الواو ـ بالفعل فى قوله «نصروك» مع أن هذا الفعل مسند إلى فاعل ظاهر بعده ، وهو قوله «قومى».

وقد ورد فى الحديث كثير على هذه اللغة ؛ فمن ذلك ما جاء فى حديث وائل بن حجر «ووقعتا ركبتاه قبل أن تقعا كفاه» وقوله «يخرجن العواتق وذوات الخدود» وقوله «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» وسنتكلم على هذا الحديث الأخير بعد هذا كلاما خاصا (انظر الهامشة ١ فى ص ٤٧٣) ؛ لأن ابن مالك يسمى هذه اللغة «لغة يتعاقبون فيكم ملائكة».


إنما يكون قليلا إذا جعلت الفعل مسندا إلى الظاهر الذى بعده ، وأما إذا جعلته مسندا إلى المتصل به ـ من الألف ، والواو ، والنون ـ وجعلت الظاهر مبتدأ ، أو بدلا من الضمير ؛ فلا يكون ذلك قليلا ، وهذه اللغة القليلة هى التى يعبر عنها النحويون بلغة «أكلونى البراغيث» ، ويعبّر عنها المصنف فى كتبه بلغة «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنّهار» (١) ، فـ «البراغيث» فاعل «أكلونى» و «ملائكة» فاعل «يتعاقبون» هكذا زعم المصنف.

* * *

ويرفع الفاعل فعل أضمرا

كمثل «زيد» فى جواب «من قرا»؟ (٢)

__________________

(١) قد استشهد ابن مالك على هذه اللغة بهذا الحديث ، وذلك على اعتبار أن الواو فى «يتعاقبون» علامة جمع الذكور ، و «ملائكة» وهو الفاعل مذكور بعد الفعل المتصل بالواو ، وقد تكلم على هذا الاستدلال قوم ، من المؤلفين ، وقالوا : إن هذه الجملة قطعة من حديث مطول ، وقد روى هذه القطعة مالك رضى الله عنه فى الموطأ ، وأصله «إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم : ملائكة بالليل ، وملائكة بالنهار» فإذا نظرت إلى الحديث المطول كانت الواو فى «يتعاقبون» ليست علامة على جمع الذكور ، ولكنها ضمير جماعة الذكور ، وهى فاعل ، وجملة الفعل وفاعله صفة لملائكة الوافع اسم إن ، و «ملائكة» المرفوع بعده ليس فاعلا ، ولكنه من جملة مستأنفة القصد منها تفصيل ما أجمل أولا ، فهو خبر مبتدأ محذوف ، ولورود هذا الكلام على هذا الاستدلال تجد الشارح يقول فى آخر تقريره : «هكذا زعم المصنف» يريد أن يبرأ من تبعته ، ولقائل أن يقول : إن الاستدلال بالقطعة التى رواها مالك بن أنس فى الموطأ ، بدون التفات إلى الحديث المطول المروى فى رواية أخرى.

(٢) «ويرفع» فعل مضارع «الفاعل» مفعول به ليرفع «فعل» فاعل يرفع «أضمرا» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل ، والجملة من أضمر ونائب فاعله فى محل رفع صفة لفعل «كمثل» الكاف


إذا دلّ دليل على الفعل جاز حذفه ، وإبقاء فاعله ، كما إذا قيل لك : «من قرأ»؟ فتقول : «زيد» التقدير : «قرأ زيد» وقد يحذف الفعل وجوبا ، كقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) فـ «أحد» فاعل بفعل محذوف وجوبا ، والتقدير «وإن استجارك [أحد استجارك]» ، وكذلك كل اسم مرفوع وقع بعد «إن» أو «إذا» فإنه مرفوع بفعل محذوف وجوبا ، ومثال ذلك فى «إذا» قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) فـ «السماء» فاعل بفعل محذوف ، والتقدير «إذا انشقّت السّماء انشقّت» وهذا مذهب جمهور النحويين (١) ، وسيأتى الكلام على هذه المسألة فى باب الاشتغال ، إن شاء الله تعالى.

* * *

__________________

زائدة ، مثل : خبر لمبتدأ محذوف «زيد» فاعل بفعل محذوف ، والتقدير : قرأ زيد «فى جواب» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من زيد «من» اسم استفهام مبتدأ «قرا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الاستفهامية الواقعة مبتدأ ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

(١) خلاصة القول فى هذه المسألة أن فيها ثلاثة مذاهب :

أولها : مذهب جمهور البصريين ، وحاصله أن الاسم المرفوع بعد إن وإذا الشرطيتين فاعل بفعل محذوف وجوبا يفسره الفعل المذكور بعده ، وهو الذى قرره الشارح.

والمذهب الثانى : مذهب جمهور النحاة الكوفيين ، وحاصله أن هذا الاسم المرفوع بعد إن وإذا الشرطيتين فاعل بنفس الفعل المذكور بعده ، وليس فى الكلام محذوف يفسره.

المذهب الثالث : مذهب أبى الحسن الأخفش ، وحاصله أن الاسم المرفوع بعد إن وإذا الشرطيتين مبتدأ ، وأن الفعل المذكور بعده مسند إلى ضمير عائد على ذلك الاسم ، والجملة من ذلك الفعل وفاعله المضمر فيه فى محل رفع خبر المبتدأ ، فلا حذف ولا تقديم ولا تأخير.


وتاء تأنيث تلى الماضى ، إذا

كان لأنثى ، كـ «أبت هند الأذى» (١)

__________________

فأما سبب هذا الاختلاف فيرجع إلى أمرين :

الأمر الأول : هل يجوز أن تقع الجملة الاسمية بعد أدوات الشرط ؛ فالجمهور من الكوفيين والبصريين على أنه لا يجوز ذلك ، ولو وقع فى الكلام ما ظاهره ذلك فهو مؤول بتقدير الفعل متصلا بالأداة ، غير أن البصريين قالوا : الفعل المقدر اتصاله بالأداة ، فعل محذوف يرشد إليه الفعل المذكور ، وأما الكوفيون فقالوا : الفعل المقدر اتصاله بالأداة هو نفس الفعل المذكور بعد الاسم. وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أنه يجوز فى إن وإذا خاصة ـ من دون سائر أدوات الشرط ـ أن تقع بعدهما الجمل الاسمية ، وعلى هذا لسنا فى حاجة إلى تقدير محذوف ، ولا إلى جعل الكلام على التقديم والتأخير.

والأمر الثانى : هل يجوز أن يتقدم الفاعل على فعله؟ فذهب الكوفيون إلى جواز ذلك ؛ ولهذا جعلوا الاسم المرفوع بعد الأداتين فاعلا بذلك الفعل المتأخر ، وذهب جمهور البصريين إلى أن الفاعل لا يجوز أن يتقدم على رافعه ـ فعلا كان هذا الرافع أو غير فعل ـ فلهذا اضطروا إلى تقدير فعل محذوف يفسره الفعل المذكور ليرتفع به ذلك الاسم.

وقد نسب جماعة من متأخرى المؤلفين ـ كالعلامة الصبان ـ مذهب الأخفش إلى الكوفيين. والصواب ما قدمنا ذكره

وبعد ، فانظر ما يأتى لنا تحقيقه فى شرح الشاهد ١٥٧

(١) «وتاء» مبتدأ ، وتاء مضاف ، و «تأنيث» مضاف إليه «تلى» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى تاء تأنيث ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «الماضى» مفعول به لتلى «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «كان» فعل ماض ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الماضى ، وخبره محذوف «لأنثى» جار ومجرور متعلق بخبر «كان» المحذوف ، أى إذا كان مسندا لأنثى «كأبت هند الأذى» الكاف جارة لقول محذوف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف : أى وذلك كاتن كقولك ؛ وما بعد الكاف فعل وفاعل ومفعول به ، والجملة فى محل نصب بذلك المقول المحذوف.


إذا أسند الفعل الماضى إلى مؤنّث لحقته تاء ساكنة تدلّ على كون الفاعل مؤنثا ، ولا فرق فى ذلك بين الحقيقىّ والمجازىّ ، نحو «قامت هند ، وطلعت الشمس» ، لكن لها حالتان : حالة لزوم ، وحالة جواز ، وسيأتى الكلام على ذلك.

* * *

وإنّما تلزم فعل مضمر

متّصل ، أو مفهم ذات حر (١)

تلزم تاء التأنيث الساكنة الفعل الماضى فى موضعين :

أحدهما : أن يسند الفعل إلى ضمير مؤنث متصل ، ولا فرق فى ذلك بين المؤنث الحقيقىّ والمجازىّ ؛ فتقول : «هند قامت ، والشّمس طلعت» ، ولا تقول : «قام» ولا «طلع» فإن كان الضمير منفصلا لم يؤت بالتاء ، نحو «هند ما قام الّا هى».

الثانى : أن يكون الفاعل ظاهرا حقيقى التأنيث ، نحو «قامت هند» وهو المراد بقوله «أو مفهم ذات حر» وأصل حر حرح ، فحذفت لام الكلمة.

وفهم من كلامه أن التاء لا تلزم فى غير هذين الموضعين ؛ فلا تلزم فى المؤنث

__________________

(١) «وإنما» حرف دال على الحصر «تلزم» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على تاء التأنيث «فعل» مفعول به لتلزم ، وفعل مضاف ، و «مضمر» مضاف إليه «متصل» نعت لمضمر «أو مفهم» معطوف على مضمر ، وفاعل مفهم ضمير مستتر فيه ؛ لأنه اسم فاعل «ذات» مفعول به لمفهم ، وذات مضاف ، و «حر» مضاف إليه.


المجازىّ الظاهر ؛ فتقول : «طلع الشمس ، وطلعت الشمس» ولا فى الجمع ، على ما سيأتى تفصيله.

* * *

وقد يبيح الفصل ترك التّاء ، فى

نحو «أتى القاضى بنت الواقف» (١)

إذا فصل بين الفعل وفاعله المؤنث الحقيقى بغير «إلا» جاز إثبات التاء وحذفها ، والأجود الإثبات ؛ فتقول : «أتى القاضى بنت الواقف» والأجود «أتت» وتقول : «قام اليوم هند» والأجود «قامت».

* * *

والحذف مع فصل بإلّا فضّلا ،

كـ «ما زكا إلّا فتاة ابن العلا» (٢)

وإذا فصل بين الفعل والفاعل المؤنث بـ «إلّا» لم يجز إثبات التاء عند الجمهور ؛ فتقول : «ما قام إلّا هند ، وما طلع إلا الشّمس» ولا يجوز

__________________

(١) «وقد» حرف تقليل «يبيح» فعل مضارع «الفصل» فاعل يبيح «ترك» مفعول به ليبيح ، وترك مضاف ، و «التاء» مضاف إليه «فى نحو» جار ومجرور متعلق بيبيح «أتى» فعل ماض «القاضى» مفعول به مقدم على الفاعل «بنت» فاعل أتى مؤخر عن المفعول ، وبنت مضاف ، «الواقف» مضاف إليه ، وجملة الفعل وفاعله ومفعوله فى محل جر بإضافة نحو إليها.

(٢) «والحذف» مبتدأ «مع» ظرف متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر فى «فضلا» الآتى ، ومع مضاف ، و «فصل» مضاف إليه «بإلا» جار ومجرور متعلق بفصل «فضلا» فضل : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحذف ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «كما» الكاف جارة لقول محذوف ، وما : نافية «ره» فعل ماض «إلا» أداة استثناء ملغاة «فتاة» فاعل زكا وفتاة مضاف و «ابن» مضاف إليه. وابن مضاف ، و «العلا» مضاف إليه.


«ما قامت إلّا هند» ، ولا «ما طلعت إلّا الشّمس» ، وقد جاء فى الشعر كقوله :

(١٤٥) ـ

* وما بقيت إلّا الضّلوع الجراشع*

__________________

١٤٥ ـ هذا عجز بيت لذى الرمة ـ غيلان بن عقبة ـ وصدره :

* طوى النّحز والأجراز ما فى غروضها*

وهذا البيت من قصيدة له طويلة ، أولها قوله :

أمنزلتى مىّ ، سلام عليكما!

هل الأزمن الّلائى مضين رواجع؟

وهل يرجع التّسليم أو يكشف العمى

ثلاث الأثافى والدّيار البلاقع؟

اللغة : «النحز» ـ بفتح فسكون ـ الدفع ، والنخس ، والسوق الشديد «والأجراز» جمع : جرز ـ بزنة سبب أو عنق ـ وهى الأرض اليابسة لا نبات فيها «غروضها» جمع غرض ـ بفتح أوله ـ وهو للرحل بمنزلة الحزام للسرج ، والبطان للقتب ، وأراد هنا ما تحته ، وهو بطن الناقة وما حوله ، بعلاقة المجاورة «الجراشع» جمع جرشع ـ بزنة قنفذ ـ وهو المنتفخ.

المعنى : يصف ناقته بالكلال والضمور والهزال مما أصابها من توالى السوق ، والسير فى الأرض الصلبة ، حتى دق ما تحت غرضها ، ولم يبق إلا ضلوعها المنتفخة ، فكأنه يقول : أصاب هذه الناقة الضمور والهزال والطوى بسبب شيئين : أولهما استحثائى لها على السير بدفعها وتخسها ، والثانى أنها تركض فى أرض يابسة صلبة ليس بها نبات ، وهى مما يشق السير فيه.

الإعراب : «طوى» فعل ماض «النحز» فاعل «والأجراز» معطوف على الفاعل «ما» اسم موصول : مبنى على السكون فى محل نصب مفعول به لطوى «فى غروضها» الجار والمجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول ، وغروض مضاف ، وها :

ضمير عائد إلى الناقة مضاف إليه «فما» نافية «بقيت» بقى : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «إلا» أداة استثناء ملغاة «الضلوع» فاعل بقيت «الجراشع» صفة للضلوع.

الشاهد فيه : قوله «فما بقيت إلا الضلوع» حيث أدخل تاء التأنيث على الفعل ؛


فقول المصنف : «إن الحذف مفضّل على الإثبات» يشعر بأن الإثبات ـ أيضا ـ جائز ، وليس كذلك (١) ؛ لأنه إن أراد به أنه مفضّل عليه باعتبار أنه ثابت فى النثر والنظم ، وأن الإثبات إنما جاء فى الشعر ؛ فصحيح ، وإن أراد أن الحذف أكثر من الإثبات فغير صحيح ؛ لأن الإثبات قليل جدا.

* * *

ولحذف قد يأتى بلا فصل ، ومع

ضمير ذى المجاز فى شعر وقع (٢)

__________________

لأن فاعله مؤنث ، مع كونه قد فصل بين الفعل والفاعل بإلا ، وذلك ـ عند الجمهور ـ مما لا يجوز فى غير الشعر. ومثل هذا الشاهد قول الراجز :

ما برئت من ريبة وذمّ

فى حربنا إلا بنات العمّ

(١) إن الذى ذكره الشارح تجن على الناظم ، وإلزام له بمذهب معين قد لا يكون ذهب إليه فى هذا الكتاب ، وذلك بأن هذه المسألة خلافية بين علماء النحو ، فمنهم من ذهب إلى أن لحاق تاء التأنيث وعدم لحاقها جائزان إذا فصل بين الفعل وفاعله المؤنث بإلا ، ومع جواز الأمرين حذف التاء أفضل. وهذا هو الذى يصح أن يحمل عليه كلام الناظم ؛ لأنه صريح الدلالة عليه. ومن العلماء من ذهب إلى أن حذف التاء فى هذه الحالة أمر واجب لا يجوز العدول عنه إلا فى ضرورة الشعر ؛ من أجل أن الفاعل على التحقيق ليس هو الاسم الواقع بعد إلا ، ولكنه اسم مذكر محذوف ، وهو المستثنى منه ؛ فإذا قلت «لم يزرنى إلا هند» فإن أصل الكلام : لم يزرنى أحد إلا هند ، وأنت لو صرحت بهذا المحذوف على هذا التقدير لم يكن لك إلا حذف التاء ؛ لأن الفاعل مذكر ، وهذا هو الذى يريد الشارح أن يلزم به الناظم ؛ لأنه مذهب الجمهور ، وهو إلزام ما لا يلزم ، على أن لنا فى هذا التعليل وفى ترتيب الحكم عليه كلاما لا تتسع له هذه العجالة.

(٢) «والحذف» مبتدأ ، وجملة «قد يأتى» وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «بلا فصل» جار ومجرور متعلق بيأتى «ومع» الواو عاطفة أو للاستئناف ، مع ظرف متعلق بوقع الآتى ، ومع مضاف ، و «ضمه» مضاف إليه. وضمير مضاف و «ذى» بمعنى صاحب : مضاف إليه ، وذى مضاف و «المجاز» مضاف إليه «فى شعر» جار ومجرور متعلق بوقع الآتى «وقع» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود


قد تحذف التاء من الفعل المسند إلى مؤنث حقيقى من غير فصل ، وهو قليل جدا ، حكى سيبويه : «قال فلانة» ، وقد تحذف التاء من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث المجازىّ ، وهو مخصوص بالشعر ، كقوله :

(١٤٦) ـ

فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها

* * *

__________________

إلى الحذف ، وتقدير البيت : وحذف تاء التأنيث من الفعل المسند إلى مؤنث قد يجىء فى كلام العرب من غير فصل بين الفعل وفاعله ، وقد وقع ذلك الحذف فى الشعر مع كون الفاعل ضميرا عائدا إلى مؤنث مجازى التأنيث.

١٤٦ ـ البيت لعامر بن جوين الطائى ، كما نسب فى كتاب سيبويه (١ ـ ٢٤٠) وفى شرح شواهده للأعلم الشنتمرى.

اللغة : «المزنة» السحابة المثقلة بالماء «الودق» المطر ، وفى القرآن الكريم (فترى الودق يخرج من خلاله) «أبقل» أنبت البقل ، وهو النبات.

الإعراب : «فلا» نافية تعمل عمل ليس «مزنة» اسمها ، وجملة «ودقت» وفاعله المستتر العائد إلى مزنة فى محل نصب خبر لا «ودقها» ودق : منصوب على المفعولية المطلقة ، وودق مضاف وها : مضاف إليه «ولا» الواو عاطفة لجملة على جملة ، ولا : نافية للجنس تعمل عمل إن «أرض» اسم لا ، وجملة «أبقل» وفاعله المستتر فيه فى محل رفع خبرها «إبقالها» إبقال : مفعول مطلق ، وإبقال مضاف وضمير الغائبة فى محل جر مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «ولا أرض أبقل» حيث حذف تاء التأنيث من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث ، وهذا الفعل هو «أبقل» وهو مسند إلى ضمير مستتر يعود إلى الأرض ، وهى مؤنثة مجازية التأنيث ، ويروى :

* ولا أرض أبقلت أبقالها*

بنقل حركة الهمزة من «إبقالها» إلى التاء فى «أبقلت» وحينئذ لا شاهد فيه.

ومثل هذا البيت قول الأعشى ميمون بن قيس :

فإمّا ترينى ولى لمّة

فإنّ الحوادث أودى بها


والتّاء مع جمع ـ سوى السّالم من

مذكّر ـ كالتّاء مع إحدى اللبن (١)

والحذف فى «نعم الفتاة» استحسنوا

لأنّ قصد الجنس فيه بيّن (٢)

__________________

ومحل الاستشهاد منه قوله «أودى بها» حيث لم يلحق تاء التأنيث بالفعل الذى هو قوله «أودى» مع كونه مسندا إلى ضمير مستتر عائد إلى اسم مؤنث وهو الحوادث الذى هو جمع حادثة ، وقد عرفت أن الفعل إذا أسند إلى ضمير راجع إلى مؤنث وجب تأنيثه ، سواء أكان مرجعه حقيقى التأنيث ، أم كان مرجع الضمير مجازى التأنيث ، وترك التاء حينئذ مما لا يجوز ارتكابه إلا فى ضرورة الشعر ، فلما اضطر الشاعر فى بيت الشاهد وفيما أنشدناه من قول الأعشى ـ على الرواية المشهورة ـ حذف علامة التأنيث من الفعل.

(١) «والتاء» مبتدأ «مع» ظرف متعلق بمحذوف حال منه ، أو من الضمير المستتر فى خبره ، ومع مضاف ، و «جمع» مضاف إليه «سوى» نعت لجمع ، وسوى مضاف و «السالم» مضاف إليه «من مذكر» جار ومجرور متعلق بالسالم «كالتاء» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «مع» ظرف متعلق بمحذوف حال من التاء المجرور بالكاف ، ومع مضاف و «إحدى» مضاف إليه ، وإحدى مضاف و «اللبن» مضاف إليه.

(٢) «والحذف» بالنصب : مفعول مقدم لاستحسنوا «فى نعم الفتاة» جار ومجرور بقصد اللفظ متعلق بالحذف أو باستحسنوا «استحسنوا» فعل وفاعل «لأن» اللام حرف جر ، أن : حرف توكيد ونصب «قصد» اسم أن. وقصد مضاف و «الجنس» مضاف إليه «فيه» جار ومجرور متعلق بقوله بين الآتى «بين» خبر «أن» وأن مع ما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور باللام ، والجار والمجرور متعلق بقوله استحسنوا ، وتقدير الكلام : استحسنوا الحذف فى «نعم الفتاة» لظهور قصد الجنس فيه ، ويجوز أن يكون الحذف بالرفع مبتدأ ، وجملة «استحسنوا» خبره ، والرابط محذوف ، والتقدير : الحذف استحسنوه إلخ ، وهذا الوجه ضعيف ؛ لاحتياجه إلى التقدير ، وسيبويه يأبى مثله.


إذا أسند الفعل إلى جمع : فإما أن يكون جمع سلامة لمذكر ، أولا ؛ فإن كان جمع سلامة لمذكر لم يجز اقتران الفعل بالتاء ؛ فتقول : «قام الزيدون» ، ولا يجوز «قامت الزيدون» (١) ، وإن لم يكن جمع سلامة لمذكر ـ بأن كان

__________________

(١) الأشياء التى تدل على معنى الجمع ستة أشياء ، الأول : اسم الجمع نحو قوم ورهط ونسوة ، والثانى : اسم الجنس الجمعى نحو روم وزنج وكلم ، والثالث : جمع التكسير لمذكر نحو رجال وزيود ، والرابع : جمع التكسير لمؤنث نحو هنود وضوارب ، والخامس : جمع المذكر السالم نحو ازيدين والمؤمنين والبنين ، والسادس : جمع المؤنث السالم نحو الهندات والمؤمنات والبنات ، وللعلماء فى الفعل المسند إلى هذه الأشياء ثلاثة مذاهب :

المذهب الأول : مذهب جمهور الكوفيين ، وهو أنه يجوز فى كل فعل أسند إلى شىء من هذه الأشياء الستة أن يؤتى به مؤنثا وأن يؤتى به مذكرا ، والسر فى هذا أن كل واحد من الأشياء الستة يجوز أن يؤول بالجمع فيكون مذكر المعنى ، فيؤتى بفعله خاليا من علامة التأنيث ، وأن يؤول بالجماعة فيكون مؤنث المعنى ، فيؤتى بفعله مقترنا بعلامة التأنيث ؛ فنقول على هذا : جاء القوم ، وجاءت القوم ، وفى الكتاب العزيز (وقال نسوة فى المدينة) وتقول : زحف الروم ، وزحفت الروم ، وفى الكتاب الكريم : (غُلِبَتِ الرُّومُ) وتقول. جاء الرجال ، وجاءت الرجال. وتقول : جاء الهنود ، وجاءت الهنود ، وتقول جاء الزينبات ، وجاءت الزينبات ، وفى التنزيل. (إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ) وقال عبدة بن الطييب من قصيدة له :

فبكى بناتى شجوهنّ وزوجتى

والظّاعنون إلىّ ، ثمّ تصدّعوا

وتقول : جاء الزيدون ، وجاءت الزيدون ، وفى التنزيل. (آمنت أنه لا إله إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل) وقال قريط بن أنيف أحد شعراء الحماسة :

لو كنت من مازن لم تستبح إبلى

بنو اللّقيطة من ذهل بن شيبانا

والمذهب الثانى : مذهب أبى على الفارسى ، وخلاصته أنه يجوز الوجهان فى جميع هذه الأنواع ، إلا نوعا واحدا ، وهو جمع المذكر السالم ؛ فإنه لا يجوز فى الفعل الذى يسند إليه إلا التذكير ، وأنت لو تأملت فى كلام الناظم لوجدته بحسب ظاهره مطابقا لهذا المذهب ، لأنه لم يستثن إلا السالم من جمع المذكر.


جمع تكسير لمذكر كالرّجال ، أو لمؤنث كالهنود ، أو جمع سلامة لمؤنث كالهندات ـ جاز إثبات التاء وحذفها ؛ فتقول : «قام الرجال ، وقامت الرجال ، وقام الهنود ، وقامت الهنود ، وقام الهندات ، وقامت الهندات» ؛ فإثبات التاء لتأوّله بالجماعة ، وحذفها لتأوّله بالجمع.

وأشار بقوله : «كالتاء مع إحدى اللّبن» إلى أن التاء مع جمع التكسير ، وجمع السلامة لمؤنث ، كالتاء مع [الظاهر] المجازىّ التأنيث كلبنة ؛ فكما تقول : «كسرت اللّبنة ، وكسر اللّبنة» تقول : «قام الرجال ، وقامت الرجال» وكذلك باقى ما تقدم.

وأشار بقوله : «والحذف فى نعم الفتاة ـ إلى آخر البيت» إلى أنه يجوز فى «نعم» وأخواتها ـ إذا كان فاعلها مؤنثا ـ إثبات التاء وحذفها ، وإن كان مفردا مؤنثا حقيقيّا ؛ فتقول : «نعم المرأة هند ، ونعمت المرأة هند» وإنما جاز ذلك لأن فاعلها مقصود به استغراق الجنس ، فعومل معاملة جمع التكسير فى جواز إثبات التاء وحذفها ، لشبهه به فى أن المقصود به متعدّد ،

__________________

والمذهب الثالث : مذهب جمهور البصريين ، وخلاصته أنه يجوز الوجهان فى أربعة أنواع ، وهى : اسم الجمع ، واسم الجنس الجمعى ، وجمع التكسير لمذكر ، وجمع التكسير لمؤنث ؛ وأما جمع المذكر السالم فلا يجوز فى فعله إلا التذكير ، وأما جمع المؤنث السالم فلا يجوز فى فعله إلا التأنيث ، وقد حاول جماعة من الشراح كالأشمونى أن يحملوا كلام الناظم عليه ؛ فزعموا أن الكلام على نية حذف الواو والمعطوف بها ، وأن أصل الكلام «سوى السّالم من جمع مذكر ومن جمع مؤنث» ولكن شارحنا رحمه الله لم يتكلف هذا التكلف ؛ لأنه رأى أن لظاهر الكلام محملا حسنا ، وهو أن يوافق مذهب أبى على الفارسى ، فاحفظ هذا التحقيق واحرص عليه ؛ فإنه نفيس دقيق قلما تعثر عليه مشروحا مستدلا له فى يسر وسهولة.


ومعنى قوله «استحسنوا» أن الحذف فى هذا ونحوه حسن ، ولكن الإثبات أحسن منه.

* * *

والأصل فى الفاعل أن يتّصلا

والأصل فى المفعول أن ينفصلا (١)

وقد يجاء بخلاف الأصل ،

وقد يجى المفعول قبل الفعل (٢)

الأصل أن يلى الفاعل الفعل من غير أن يفصل بينه وبين الفعل فاصل ؛ لأنه كالجزء منه ، ولذلك يسكّن له آخر الفعل : إن كان ضمير متكلم ، أو مخاطب ، نحو «ضربت ، وضربت» ، وإنما سكنوه كراهة توالى أربع متحركات ، وهم إنما يكرهون ذلك فى الكلمة الواحدة ؛ فدلّ ذلك على أن الفاعل مع فعله كالكلمة الواحدة.

والأصل فى المفعول أن ينفصل من الفعل : بأن يتأخر عن الفاعل ، ويجوز تقديمه على الفاعل إن خلا مما سيذكره ؛ فتقول «ضرب زيدا عمرو» ، وهذا معنى قوله : «وقد يجاء بخلاف الأصل».

__________________

(١) «والأصل» مبتدأ «فى الفاعل» جار ومجرور متعلق بالأصل «أن» مصدرية «يتصلا» فعل مضارع منصوب بأن ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الفاعل ، و «أن» ومنصوبها فى تأويل مصدر مرفوع خبر المبتدأ «والأصل فى المفعول أن ينفصلا» مثل الشطر السابق تماما ، وتقدير الكلام : والأصل فى الفاعل اتصاله بالفعل ، والأصل فى المفعول انفصاله من الفعل بالفاعل.

(٢) «وقد» حرف تقليل «يجاء» فعل مضارع مبنى للمجهول «بخلاف» جار ومجرور فى موضع نائب فاعل ليجاء ، وخلاف مضاف ، و «الأصل» مضاف إليه «وقد» حرف تقليل «يجى» فعل مضارع «المفعول» فاعل يجى «قبل» ظرف متعلق بمحذوف حال من المفعول ، وقبل مضاف ، و «الفعل» مضاف إليه.


وأشار بقوله : «وقد يجى المفعول قبل الفعل» إلى أن المفعول قد يتقدم على الفعل ، وتحت هذا قسمان :

أحدهما : ما يجب تقديمه ، وذلك (١) كما إذا كان المفعول اسم شرط ، نحو «أيّا تضرب [أضرب]» أو اسم استفهام ، نحو «أىّ رجل ضربت؟» أو ضميرا منفصلا لو تأخر لزم اتّصاله ، نحو (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) فلو أخّر المفعول لزم الاتصال ، وكان يقال : «نعبدك» فيجب التقديم ، بخلاف قولك «الدّرهم إياه أعطيتك» فإنه لا يجب تقديم «إياه» لأنك لو أخرته لجاز اتصاله وانفصاله ، على ما تقدم فى باب المضمرات ؛ فكنت تقول : «الدّرهم أعطيتكه ، وأعطيتك إياه».

__________________

(١) يجب تقديم المفعول به على الفعل العامل فيه فى ثلاثة مواضع ، وقد ذكر الشارح موضعين منها من غير ضبط.

الموضع الأول : أن يكون المفعول واحدا من الأشياء التى يجب لها التصدر ، وذلك بأن يكون اسم شرط أو اسم استفهام ، أو يكون المفعول «كم» الخبرية ، نحو : كم عبيد ملكت ، أو مضافا إلى واحد مما ذكر ، نحو غلام من تضرب أضرب ، ونحو غلام من ضربت؟ ونحو مال كم رجل غصبت.

الموضع الثانى : أن يكون المفعول ضميرا منفصلا فى غير باب «سلنيه» و «خلتنيه» اللذين يجوز فيهما الفصل والوصل مع التأخر ، نحو قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).

الموضع الثالث : أن يكون العامل فى المفعول واقعا فى جواب «أما» وليس معنا ما يفصل بين «أما» والفعل من معمولاته سوى هذا المفعول ، سواء أكانت «أما» مذكورة فى الكلام نحو قوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) أم كانت مقدرة نحو قوله سبحانه (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) فإن وجد ما يكون فاصلا بين «أما» والفعل سوى المفعول لم يجب تقديم المفعول على الفعل ، نحو قولك : أما اليوم فأد واجبك ، والسر فى ذلك أن «أما» يجب أن يفصل بينها وبين الفاء بمفرد ؛ فلا يجوز أن تقع الفاء بعدها مباشرة ، ولا أن يفصل بينها وبين الفاء بجملة ، كما سيأتى بيانه فى بابها.


والثانى : ما يجوز تقديمه وتأخيره ، نحو «ضرب زيد عمرا» ؛ فتقول : «عمرا ضرب زيد» (١).

* * *

وأخّر المفعول إن لبس حذر ،

أو أضمر الفاعل غير منحصر (٢)

__________________

(١) بقيت صورة أخرى ، وهى أنه قد يجب تأخير المفعول عن الفعل ، وذلك فى خمسة مواضع :

الأول : أن يكون المفعول مصدرا مؤولا من أن المؤكدة ومعموليها ، مخففة كانت «أن» أو مشددة ، نحو قولك : عرفت أنك فاضل ، ونحو قوله تعالى (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) إلا أن تتقدم عليه «أما» نحو قولك : أما أنك فاضل فعرفت.

الموضع الثانى : أن يكون الفعل العامل فيه فعل تعجب ، نحو قولك : ما أحسن زيدا ، وما أكرم خالدا.

الموضع الثالث : أن يكون الفعل العامل فيه صلة لحرف مصدرى ناصب ـ وذلك أن وكى ـ نحو قولك : يعجبنى أن تضرب زيدا ، ونحو قولك : جئت كى أضرب زيدا فإن كان الحرف المصدرى غير ناصب لم يجب تأخير المفعول عن العامل فيه ، نحو قولك : وددت لو تضرب زيدا ، يجوز أن تقول : وددت لو زيدا تضرب ، ونحو قولك يعجبنى ما تضرب زيدا ، فيجوز أن تقول : يعجبنى ما زيدا تضرب.

الموضع الرابع : أن يكون الفعل العامل فيه مجزما بجازم ما ، وذلك كقولك لم تضرب زيدا ؛ لا يجوز أن تقول : لم زيدا تضرب ، فإن قدمت المفعول على الجازم ـ فقلت زيدا لم تضرب ـ جاز

الموضع الخامس : أن يكون الفعل العامل منصوبا بلن عند الجمهور أو بإذن عند غير الكسائى ، نحو قولك : لن أضرب زيدا ، ونحو قولك : إذن أكرم المجتهد ؛ فلا يجوز أن تقول. لن زيدا أضرب : كما لا يجوز عند الجمهور أن تقول : إذن المجتهد أكرم ، وأجاز الكسائى أن تقول : إذا المجتهد أكرم.

(٢) «وأخر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «المفعول»


يجب تقديم الفاعل على المفعول ، إذا خيف التباس أحدهما بالآخر ، كما إذا خفى الإعراب فيهما ، ولم توجد قرينة تبيّن الفاعل من المفعول ، وذلك نحو «ضرب موسى عيسى» فيجب كون «موسى» فاعلا ، و «عيسى» مفعولا ، وهذا مذهب الجمهور ؛ وأجاز بعضهم تقديم المفعول فى هذا ونحوه ، قال : لأن العرب لها غرض فى الالتباس كما لها غرض فى التبيين (١).

__________________

مفعول به لأخر «إن» شرطية «لبس» نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده «حذر» فعل ماض مبنى للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى لبس ، والجملة من حذر المذكور ونائب فاعله لا محل لها تفسيرية «أو» عاطفة «أضمر» فعل ماض مبنى للمجهول «الفاعل» نائب فاعل أضمر «غير» حال من قوله الفاعل ، وغير مضاف ، و «منحصر» مضاف إليه ، مجرور بالكسرة الظاهرة ، وسكن لأجل الوقف.

(١) الذى ذكر ذلك هو ابن الحاج ، وقد أخطأ الجادة ؛ فإن العرب لا يمكن أن يكون من أغراضها الإلباس ؛ إذ من شأن الإلباس أن يفهم السامع غير ما يريد المتكلم ولم توضع اللغة إلا للافهام ، وما ذكره ابن الحاج لتدعيم حجته مما جاء عن العرب كله ليس من الإلباس فى شىء ، وإنما هو من باب الإجمال ، فلما التبس عليه الفرق بين الإلباس والإجمال لم يفرق بين حكمهما ، والفرق بينهما أن الإجمال هو احتمال اللفظ لمعنيين أو أكثر من غير أن يسبق أحد المعنيين إلى ذهن السامع ، ألا ترى أنك لو سمعت كلمة «عمير» ـ بزنة التصغير ـ لاحتمل عندك أن يكون تصغير عمر كما يحتمل أن يكون تصغير عمرو ، بدون أن يكون أحدهما أسبق إلى ذهنك من الآخر ، فأما الإلباس فهو احتمال اللفظ لمعنيين أو أكثر مع تبادر غير المقصود منهما إلى ذهن السامع ، وذلك كما فى المثال الذى ذكره الشارح ، ألا ترى أنك لو قلت «ضرب موسى عيسى» لاحتمل هذا الكلام أن يكون موسى مضروبا ولكنه يسبق إلى ذهنك أنه ضارب ، بسبب أن الأصل أن يكون الفاعل واليا لفعله ، ولا يمكن أن يكون هذا من مقاصد البلغاء ، فافهم ذلك وتدبره.


فإذا وجدت قرينة تبيّن الفاعل من المفعول جاز تقديم المفعول وتأخيره ؛ فتقول : «أكل موسى الكمّثرى ، وأكل الكمّثرى موسى (١)» وهذا معنى قوله : «وأخّر المفعول إن لبس حذر».

ومعنى قوله : «أو أضمر الفاعل غير منحصر» أنه يجب ـ أيضا ـ تقديم الفاعل وتأخير المفعول إذا كان الفاعل ضميرا غير محصور ، نحو «ضربت زيدا» فإن كان ضميرا محصورا وجب تأخيره ، نحو «ما ضرب زيدا إلّا أنا» (٢)

* * *

وما بإلّا أو بإنّما انحصر

أخّر ، وقد يسبق إن قصد ظهر (٣)

__________________

(١) قد تكون القرينة الدالة على الفاعل معنوية ، وقد تكون لفظية ، فالقرينة المعنوية كما فى مثال الشارح ، وقولك : أرضعت الصغرى الكبرى ؛ إذ لا يجوز أن يكون الإرضاع قد حصل من الصغرى للكبرى ، كما لا يجوز أن يكون موسى مأكولا والكمثرى هى الآكل ، والقرينة اللفظية ثلاثة أنواع ؛ الأول : أن يكون لأحدهما تابع ظاهر الإعراب كقولك : ضرب موسى الظريف عيسى ، فإن «الظريف» تابع لموسى فلو رفع كان موسى مرفوعا ، ولو نصب كان موسى منصوبا كذلك ، الثانى : أن يتصل بالسابق منهما ضمير يعود على المتأخر نحو قولك : ضرب فتاه موسى ؛ فهنا يتعين أن يكون «فتاه» مفعولا ؛ إذ لو جعلته فاعلا لعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة وهو لا يجوز ، بخلاف ما لو جعلته مفعولا فإن الضمير حينئذ عائد على متأخر لفظا متقدم رتبة وهو جائز الثالث : أن يكون أحدهما مؤنثا وقد اتصلت بالفعل علامة التأنيث ، وذلك كقولك : ضربت موسى سلمى ؛ فإن اقتران التاء بالفعل دال على أن الفاعل مؤنث ؛ فتأخره حينئذ عن المفعول لا يضر.

(٢) ومن ذلك قول عمرو بن معديكرب وأنشدناه فى مباحث الضمير.

قد علمت سلمى وجاراتها

ما قطّر الفارس إلّا أنا

(٣) «وما» اسم موصول : مفعول مقدم لأخر «بإلا» جار ومجرور متعلق


يقول : إذا انحصر الفاعل أو المفعول بـ «إلّا» أو بـ «إنّما» وجب تأخيره ، وقد يتقدم المحصور من الفاعل أو المفعول على غير المحصور ، إذا ظهر المحصور من غيره ، وذلك كما إذا كان الحصر بـ «إلّا» فأما إذا كان الحصر بـ «إنّما» فإنه لا يجوز تقديم المحصور ؛ إذ لا يظهر كونه محصورا إلا بتأخيره ، بخلاف المحصور بـ «إلّا» فإنه يعرف بكونه واقعا بعد «إلا» ؛ فلا فرق بين أن يتقدم أو يتأخر.

فمثال الفاعل المحصور بـ «إنما» قولك : «إنما ضرب عمرا زيد» ومثال المفعول المحصور بإنّما «إنما ضرب زيد عمرا» ومثال الفاعل المحصور بـ «إلّا» «ما ضرب عمرا إلا زيد» ومثال المفعول المحصور بإلّا «ما ضرب زيد إلا عمرا» ومثال تقدم الفاعل المحصور بـ «إلّا» قولك : «ما ضرب إلا عمرو زيدا» ومنه قوله :

(١٤٧) ـ

فلم يدر إلّا الله ما هيّجت لنا

عشيّة آناء الدّيار وشامها

__________________

بانحصر الآتى «أو» عاطفة «بإنما» جار ومجرور معطوف على «بإلا» «انحصر» فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة من الفعل وفاعله لا محل لها صلة ما الموصولة «أخر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وقد» حرف دال على التقليل «يسبق» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما «إن» شرطية «قصد» فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : إن ظهر قصد «ظهر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قصد ، والجملة من ظهر المذكور وفاعله لا محل لها تفسيرية.

١٤٧ ـ هذا البيت من الشواهد التى لم ينسبها أحد ممن احتج به من أئمة النحو ، وهو من شواهد سيبويه (١ ـ ٢٧٠) وقد عثرت بعد طويل البحث على أنه من قصيدة طويلة لذى الرمه غيلان بن عقبة ، وأولها قوله :


..................................................................................

__________________

مررنا على دار لميّة مرّة

وجاراتها ، قد كاد يعفو مقامها

وبعده بيت الشاهد ، ثم بعده قوله :

وقد زوّدت مىّ على النّأى قلبه

علاقات حاجات طويل سقامها

فأصبحت كالهيماء : لا الماء مبرد

صداها ، ولا يقضى عليها هيامها

اللغة : «آناء» من الناس من يرويه بهمزة ممدودة كآبار وآرام ؛ ومنهم من يرويه بهمزة فى أوله غير ممدودة وهمزة بعد النون ممدودة بوزن أعمال ؛ وقد جعله العينى جمع نأى ـ بفتح النون ـ ومعناه البعد ، وعندى أنه جمع نؤى ـ بزنة قفل أو صرد أو ذئب أو كلب ـ وهو الحفيرة تحفر حول الخباء لتمنع عنه المطر. ويجوز أن تكون الهمزة فى أوله ممدودة على أنه قدم الهمزة التى هى العين على النون فاجتمع فى الجمع همزتان متجاورتان وثانيتهما ساكنة فقلبها ألفا من جنس حركة الأولى كما فعلوا بآبار وآرام جمع بئرورئم. كما يجوز أن تكون المدة فى الهمزة الثانية على الأصل. وقد جعله الشيخ خالد بكسر الهمزة الأولى على أنه مصدر بزنة الإبعاد ومعناه ، وهو بعيد فلا تلتفت إليه «وشامها» ضبطه غير واحد بكسر الواو بزنة جبال على أنه جمع وشم ، وهو ما تجعله المرأة على ذراعها ونحوه : تغرز ذراعها بالإيرة ثم تحشوه بدخان الشحم. وليس ذلك بصواب أصلا. وقد تحرف الكلام عليهم فانطلقوا يخرجونه ويتمحلون له والواو مفتوحة ، وهى واو العطف ، والشام : جمع شامة ، وهى العلامة ، وشام : معطوف إما على آناء وإما على عشية على ما سنبينه لك فى الإعراب. هذا ، ورواية الديوان هكذا :

فلم يدر إلّا الله ما هيّجت لنا

أهلّة آناء الدّيار وشامها

المعنى : لا يعلم إلا الله تعالى مقدار ما هيجته فينا من كوامن الشوق هذه العشية التى قضياها بجوار آثار دار المحبوبة. وعلامات هذه الدار ،

الإعراب : «فلم» الفاء حرف عطف ، لم : حرف نفى وجزم وقلب «يدر» فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الياء «إلا» أداة استثناء ملغاة «الله» فاعل يدرى «ما» اسم موصول مفعول به ليدرى ، وجملة «هيجت» مع فاعله الآتى لا محل لها صلة


ومثال تقديم المفعول المحصور بإلّا قولك : «ما ضرب إلّا عمرا زيد» ، ومنه قوله :

(١٤٨) ـ

تزوّدت من ليلى بتكليم ساعة

فما زاد إلّا ضعف ما بى كلامها

__________________

الموصول «لنا» جار ومجرور متعلق بهيجت «عشية» يجوز أن يكون فاعل لهيجت ، وعيشة مضاف و «آناء» مضاف إليه ، وآناء مضاف ، و «الديار» مضاف إليه «وشامها» الواو حرف عطف ، وشام : معطوف على عشية إن جعلته فاعل هيجت ، وشام مضاف وضمير الغائبة العائد على الديار مضاف إليه ، ولا تلتفت لغير هذا من أعاريب ، ويجوز نصب عشية على الظرفية ، ويكون «آناء» فاعلا لهيجت ، ويكون قد حذف تنوين عشية للضرورة أو ألقى حركة الهمزة من آناء على تنوين عشية ثم حذف الهمزة ، ويكون «شامها» معطوفا على آناء الديار.

الشاهد فيه : قوله «فلم يدر إلا الله ما ـ إلخ» حيث قدم الفاعل المحصور بإلا ، على المفعول ، وقد ذهب الكسائى إلى تجويز ذلك استشهادا بمثل هذا البيت ، والجمهور على أنه ممنوع ، وعندهم أن «ما» اسم موصول مفعول به لفعل محذوف. والتقدير : فلم يدر إلا الله ، درى ما هيجت لنا ، وسيذكر ذلك الشارح.

١٤٨ ـ نسب كثير من العلماء هذا البيت لمجنون بنى عامر قيس بن الملوح ، ولم أعثر عليه فى ديوانه ، ولعل السر فى نسبتهم البيت له ذكر «ليلى» فيه.

الإعراب : «تزودت» فعل ماض وفاعل «من ليلى ، بتكليم» متعلقان بتزود وتكليم مضاف ، و «ساعة» مضاف إليه «فما» نافية «زاد» فعل ماض «إلا» أداة استثناء ملغاة «ضعف» مفعول به لزاد ، وضعف مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «بى» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول «كلامها» كلام : فاعل زاد ، وكلام مضاف ، وضمير الغائبة العائد الى ليلى مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «فما زاد إلا ضعف ما بى كلامها» حيث قدم المفعول به ، وهو قوله «ضعف» على الفاعل ، وهو قوله «كلامها» مع كون المفعول منحصرا «بإلا» وهذا جائز عند الكسائى وأكثر البصريين ، وبقية البصريين يتأولون ذلك البيت


هذا معنى كلام المصنف ، واعلم أن المحصور بـ «إنّما» لا خلاف فى أنه لا يجوز تقديمه ، وأما المحصور بإلا ففيه ثلاثة مذاهب :

أحدها ـ وهو مذهب أكثر البصريين ، والفراء ، وابن الأنبارى ـ أنه لا يخلو : إما أن يكون المحصور بها فاعلا ، أو مفعولا ، فإن كان فاعلا امتنع تقديمه ؛ فلا يجوز «ما ضرب إلا زيد عمرا» فأما قوله : * فلم يدر إلا الله ما هيّجت لنا (١) * [١٤٧] فأوّل على أن «ما هيجت» مفعول بفعل محذوف ، والتقدير : «درى ما هيّجت لنا» فلم يتقدم الفاعل المحصور على المفعول ؛ لأن هذا ليس مفعولا للفعل المذكور ، وإن كان المحصور مفعولا جاز تقديمه ؛ نحو «ما ضرب إلا عمرا زيد»

الثانى ـ وهو مذهب الكسائى ـ أنه يجوز تقديم المحصور بـ «إلّا» : فاعلا كان ، أو مفعولا.

الثالث ـ وهو مذهب بعض البصريين ، واختاره الجزولىّ ، والشّلوبين ـ أنه لا يجوز تقديم المحصور بـ «إلّا» : فاعلا كان ، أو مفعولا.

* * *

وشاع نحو «خاف ربّه عمر»

وشذّ نحو «زان نوره الشّجر» (٢)

__________________

ونحوه بأن فى «زاد» ضميرا مستترا يعود على تكليم ساعة ، وهو فاعله ، وقوله «كلامها» فاعل بفعل محذوف ، والتقدير : زاده كلامها ، وهو تأويل مستبعد ؛ ولا مقتضى له.

(١) قدمنا ذكر الكلام على هذا الشاهد ، وهو الشاهد رقم ١٤٧.

(٢) «وشاع» فعل ماض «نحو» فاعل شاع «خاف» فعل ماض «ربه» رب : منصوب على التعظيم ، ورب مضاف وضمير الغائب العائد إلى عمر المتأخر لفظا مضاف إليه «عمر» فاعل خاف ، والجملة من خاف وفاعله ومفعوله فى محل جر بإضافة نحو إليها «وشذ» فعل ماض «نحو» فاعل شذ «زان» فعل ماض «نوره» نور : فاعل زان ، ونور مضاف ، وضمير الغائب العائد إلى الشجر المتأخر لفظا ورتبة مضاف إليه «الشجر» مفعول به لزان ، وجملة زان وفاعله ومفعوله فى محل جر بإضافة


أى : شاع فى لسان العرب تقديم المفعول المشتمل على ضمير يرجع إلى الفاعل المتأخر (١) ، وذلك نحو «خاف ربّه عمر» فـ «ربّه» مفعول ، وقد اشتمل على ضمير يرجع إلى «عمر» وهو الفاعل ، وإنما جاز ذلك ـ وإن كان فيه عود الضمير على متأخر لفظا ـ لأن الفاعل منوىّ التقديم على المفعول ؛ لأن الأصل فى الفاعل أن يتصل بالفعل ؛ فهو متقدم رتبة ، وإن تأخّر لفظا.

فلو اشتمل المفعول على ضمير يرجع إلى ما اتّصل بالفاعل ، فهل يجوز تقديم المفعول على الفاعل؟ فى ذلك خلاف ، وذلك نحو «ضرب غلامها جار هند» فمن أجازها ـ وهو الصحيح ـ وجّه الجواز بأنه لما عاد الضمير على ما اتصل بما رتبته التقديم كان كعوده على ما رتبته التقديم ؛ لأن المتصل بالمتقدم متقدم.

وقوله : «وشذ ـ إلى آخره» أى شذّ عود الضمير من الفاعل المتقدم على المفعول المتأخر ، وذلك نحو «زان نوره الشّجر» فالهاء المتصلة بنور ـ الذى هو الفاعل ـ عائدة على «الشجر» وهو المفعول ، وإنما شذ ذلك لأن فيه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة ؛ لأن «الشجر» مفعول ، وهو متأخّر لفظا ، والأصل فيه أن ينفصل عن الفعل ؛ فهو متأخر رتبة ، وهذه المسألة ممنوعة عند جمهور النحويين وما ورد من ذلك تأوّلوه ، وأجازها أبو عبد الله الطّوال من الكوفيين ، وأبو الفتح بن جنى ، وتابعهما المصنف (٢) ، ومما ورد من ذلك قوله :

__________________

نحو إليها ، والمراد بنحو «خاف ربه عمر» : كل كلام اتصل فيه ضمير الفاعل المتأخر بالمفعول المتقدم ، والمراد بنحو «زان نوره الشجر» : كل كلام اتصل فيه ضمير المفعول المتأخر بالفاعل المتقدم.

(١) من ذلك قول الأعشى ميمون :

كناطح صخرة يوما ليوهنها

فلم يضرها ، وأوهى قرنه الوعل

(٢) ذهب إلى هذا الأخفش أيضا ، وابن حتى تابع فيه له. وقد أيدهما فى ذلك


(١٤٩) ـ

لمّا رأى طالبوه مصعبا ذعروا

وكاد ، لو ساعد المقدور ، ينتصر

__________________

المحقق الرضى ، قال : والأولى تجويز ما ذهبا إليه ، ولكن على قلة ، وليس للبصرية منعه مع قولهم فى باب التنازع بما قالوا ، اه ، وهو يشير إلى رأى البصريين فى التنازع من تجويزهم إعمال العامل الثانى المتأخر فى لفظ المعمول ، وإعمال المتقدم من العاملين فى ضميره ؛ إذ فيه عود الضمير على المتأخر.

١٤٩ ـ البيت لأحد أصحاب مصعب بن الزبير ـ رضى الله عنهما! ـ يرثيه.

اللغة : «طالبوه» الذين قصدوا قتاله «ذعروا» أخذهم الخوف «كاد ينتصر» لأن خوفهم منه أعظم وسيلة لانتصاره عليهم ، وهو مأخوذ من قوله صلّى الله عليه وسلّم «نصرت بالرعب».

الإعراب : «لما» ظرف بمعنى حين مبنى على السكون فى محل نصب بذعر الآتى «رأى» فعل ماض «طالبوه» طالبو : فاعل رأى ، وطالبو مضاف والضمير العائد إلى مصعب مضاف إليه ، والجملة من رأى وفاعله فى محل جر بإضافة لما الظرفية إليها «مصعبا» مفعول به لرأى «ذعروا» فعل ماض مبنى للمجهول ونائب فاعل «وكاد» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مصعب «لو» شرطية غير جازمة «ساعد المقدور» فعل وفاعل ، وهو شرط لو «ينتصر» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مصعب ، والجملة من ينتصر وفاعله فى محل نصب خبر «كاد» وجواب لو محذوف يدل عليه خبر كاد ، وجملة الشرط والجواب لا محل لها اعتراضية بين كاد واسمها وبين خبرها.

الشاهد فيه : قوله «رأى طالبوه مصعبا» حيث أخر المفعول عن الفاعل ، مع أن مع الفاعل ضميرا يعود على المفعول ؛ فعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

ومن شواهد هذه المسألة ـ مما لم يذكره الشارح ـ قول الشاعر :

لمّا عصى أصحابه مصعبا

أدّى إليه الكيل صاعا بصاع

وقول الآخر :

ألا ليت شعرى هل يلومنّ قومه

زهيرا على ما جرّ من كلّ جانب


وقوله :

(١٥٠) ـ

كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد

ورقى نداه ذا النّدى فى ذرى المجد

__________________

وسننشد فى شرح الشاهد رقم ١٥٣ الآتى بعض شواهد لهذه المسألة ، ونذكر لك ما نرجحه من أقوال العلماء.

١٥٠ ـ البيت من الشواهد التى لا يعلم قائلها.

اللغة : «كسا» فعل يتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ، تقول : كسوت محمدا جبة ، كما تقول : ألبست عليا قميصا «حلمه» الحلم : الأناة والعقل ، وهو أيضا تأخير العقوبة وعدم المعاجلة فيها «سؤدد» هو السيادة «ورقى» بتضعيف القاف ـ أصل معناه جعله يرقى : أى يصعد ، والمرقاة : السلم الذى به تصعد من أسفل إلى أعلى ، والمراد رفعه وأعلى منزلته من بين نظرائه «الندى» المراد به الجود والكرم «ذرى» بضم الذال ـ جمع ذروة ، وهى أعلى الشىء.

الإعراب : «كسا» فعل ماض «حلمه» حلم : فاعل كسا ، وحلم مضاف والضمير مضاف إليه «ذا الحلم» ذا : مفعول أول لكسا ، وذا مضاف والحلم مضاف إليه «أثواب سؤدد» أثواب : مفعول ثان لكسا ، وأثواب مضاف وسؤدد مضاف إليه «ورقى» فعل ماض «نداه» فاعل ومضاف إليه «ذا الندى» مفعول به ومضاف إليه «فى ذرى» جار ومجرور متعلق برقى. وذرى مضاف ، و «المجد» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «كسا حلمه ذا الحلم ، ورقى نداء ذا الندى» فإن المفعول فيهما متأخر عن الفاعل مع أن مع الفاعل ضميرا يعود على المفعول ؛ فيكون فيه إعادة الضمير على متأخر فى اللفظ والرتبة جميعا ، وذلك لا يجوز عند جمهور البصريين ، خلافا لابن جنى ـ تبعا للأخفش ـ وللرضى ، وابن مالك فى بعض كتبه

كذا قالوا. ونحن نرى أنه لا يبعد ـ فى هذا البيت ـ أن يكون الضمير فى «حلمه ، ونداه» عائدا على ممدوح ذكر فى أبيات تقدمت البيت الشاهد ؛ فيكون المعنى أن حلم هذا الممدوح هو الذى أثر فيمن تراهم من أصحاب الحلم ؛ إذ ائتسوا به وجعلوه قدوة لهم ، واستمر تأثيره فيهم حتى بلغوا الغاية من هذه الصفة ، وأن ندى هذا الممدوح أثر كذلك فيمن تراهم من أصحاب الجود ؛ فافهم وأنصف.


وقوله :

(١٥١) ـ

ولو أنّ مجدا أخلد الدّهر واحدا

من النّاس أبقى مجده الدّهر مطعما

وقوله.

(١٥٢) ـ

جزى ربّه عنّى عدىّ بن حاتم

جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

__________________

١٥١ ـ البيت لشاعر الأنصار سيدنا حسان بن ثابت ، يرثى مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف بن قصى ، أحد أجواد مكة ، وأول هذه القصيدة قوله :

أعين ألا ابكى سيّد النّاس ، واسفحى

بدمع ، فإن أنزفته فاسكبى الدّما

اللغة : «أعين» أراد يا عينى ، فحذف ياء المتكلم اكتفاء بالكسرة التى قبلها «اسفحى» أسيلى وصبى «أنزفته» أنفدت دمعك فلم يبق منه شىء «أخلد» كتب له الخلود ، ودوام البقاء.

المعنى : يريد أنه لا بقاء لأحد فى هذه الحياة مهما يكن نافعا لمجموع البشر.

الإعراب : «لو» شرطية غير جازمة «أن» حرف توكيد ونصب «مجدا» اسم أن ، وجملة «أخلد» مع فاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر أن. وأن مع دخلت عليه فى تأويل مصدر مرفوع على أنه فاعل لفعل محذوف ، والتقدير : لو ثبت إخلاد محد صاحبه ، وهذا الفعل هو فعل الشرط «الدهر» منصوب على الظرفية الزمانية ، وعامله أخلد «واحدا» مفعول به لأخلد «من الناس» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لواحد «أبقى» فعل ماض «مجده» مجد : فاعل أبقى ، ومجد مضاف وضمير الغائب العائد إلى مطعم المتأخر مضاف إليه ، والجملة من أبقى وفاعله ومفعوله لا محل لها من الإعراب جواب «لو» «مطعما» مفعول به لأبقى.

الشاهد فيه : قوله «أبقى مجده مطعما» حيث أخر المفعول ـ وهو قوله مطعما ـ عن الفاعل ، وهو قوله «مجده» مع أن الفاعل مضاف إلى ضمير يعود على المفعول ، فيقتضى أن يرجع الضمير إلى متأخر لفظا ورتبة.

١٥٢ ـ البيت لأبى الأسود الدؤلى ، يهجو عدى بن حاتم الطائى ، وقد نسبه ابن


وقوله :

(١٥٣) ـ

جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر

وحسن فعل كما يجزى سنمّار

__________________

جنى إلى النابغة الذبيانى ، وهو انتقال ذهن من أبى الفتح ، وسببه أن للنابغة الذبيانى قصيدة على هذا الروى.

اللغة : «جزاء الكلاب العاويات» هذا مصدر تشبيهى ، والمعنى : جزاه الله جزاء مثل جزاء الكلاب العاويات ، ويروى «الكلاب العاديات» ـ بالدال بدال الواو ـ وهو جمع عاد ، والعادى : اسم فاعل من عدا يعدو ، إذا ظلم وتجاوز قدره «وقد فعل» يريد أنه تعالى استجاب فيه دعاءه ، وحقق فيه رجاءه.

المعنى ؛ يدعو على عدى بن حاتم بأن يجزيه الله جزاء الكلاب ، وهو أن يطرده الناس وينبذوه ويقذفوه بالأحجار ، ثم يقول : إنه سبحانه قد استجاب دعاءه عليه.

الإعراب : «جزى» فعل ماض «ربه» فاعل ، ومضاف إليه «عنى» جار ومجرور متعلق بجزى «عدى» مفعول به لجزى «ابن» صفة لعدى ، وابن مضاف و «حاتم» مضاف إليه «جزاء» مفعول مطلق مبين لنوع عامله وهو جزى ، وجزاء مضاف ، و «الكلاب» مضاف إليه «العاويات» صفة للكلاب «وقد» الواو للحال ، قد : حرف تحقيق «فعل» فعل ماض مبنى على الفتح لا محل له ، وسكن لأجل الوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ربه ، والجملة فى محل نصب حال.

الشاهد فيه : قوله «جزى ربه .. عدى» حيث أخر المفعول ، وهو قوله «عدى» وقدم الفاعل ، وهو قوله «ربه» ، مع اتصال الفاعل بضمير يعود على المفعول.

١٥٣ ـ نسبوا هذا البيت لسليط بن سعد ، ولم أقف له على سابق أو لا حق.

اللغة : «أبا الغيلان» كنية لرجل لم أقف على تعريف له «سنمار» بكسر السين والنون بعدهما ميم مشددة ـ اسم رجل رومى ، يقال : إنه الذى بنى الخورنق ـ وهو القصر الذى كان بظاهر الكوفة ـ للنعمان بن امرىء القيس ملك الحيرة ، وإنه لما فرغ من بنائه ألقاه النعمان من أعلى القصر ؛ لئلا يعمل مثله لغيره ، فخر ميتا ، وقد ضربت به العرب المثل فى سوء المكافأة ، يقولون : «جزانى جزاء سنمار» قال الشاعر (انظر المثل رقم ٨٢٨ فى مجمع الأمثال ١ / ١٥٩ بتحقيقنا) :

جزتنا بنو سعد بحسن فعالنا

جزاء سنمّار ، وما كان ذانب


فلو كان الضمير المتصل [بالفاعل] المتقدم عائدا على ما اتّصل بالمفعول المتأخر امتنعت المسالة ، وذلك نحو «ضرب بعلها صاحب هند» ، وقد نقل بعضهم فى هذه المسألة أيضا خلافا ، والحقّ فيها المنع.

* * *

__________________

الإعراب : «جزى» فعل ماض «بنوه» فاعل ، ومضاف إليه «أبا الغيلان» مفعول به ومضاف إليه «عن كبر» جار ومجرور متعلق بجزى «وحسن فعل» الواو عاطفة ، وحسن : معطوف على كبر ، وحسن مضاف وفعل مضاف إليه «كما» الكاف للتشبيه ، وما : مصدرية «يجزى» فعل مضارع مبنى للمجهول «سنمار» نائب فاعل يجزى ، و «ما» ومدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف يقع مفعولا مطلقا مبينا لنوع «جزى» ، وتقدير الكلام : جزى بنوه أبا الغيلان جزاء مشابها لجزاء سنمار.

الشاهد فيه : قوله «جزى بنوه أبا الغيلان» حيث أخر المفعول ، وهو قوله «أبا الغيلان» عن الفاعل ، وهو قوله «بنوه» ، مع أن الفاعل متصل بضمير عائد على المفعول.

هذا ، ومن شواهد هذه المسألة مما لم ينشده الشارح ـ زيادة على ما ذكرناه فى شرح الشاهد رقم ١٤٩ ـ قول الشاعر :

وما نفعت أعماله المرء راجيا

جزاء عليها من سوى من له الأمر

حيث قدم الفاعل ـ وهو قوله «أعماله» ـ على المفعول ـ وهو قوله «المرء» مع أنه قد اتصل بالفاعل ضمير يعود إلى المفعول ؛ فجملة ما أنشده الشارح وأنشدناه لهذه المسألة ثمانية شواهد.

ولكثرة شواهد هذه المسألة نرى أن ما ذهب إليه الأخفش ـ وتابعه عليه أبو الفتح ابن جنى ، والإمام عبد القاهر الجرجانى ، وأبو عبد الله الطوال ، وابن مالك ، والمحقق الرضى ـ من جواز تقديم الفاعل المتصل بضمير يعود إلى المفعول ، هو القول الخليق بأن تأخذ به وتعتمد عليه ، ونرى أن الإنصاف واتباع الدليل يوجبان علينا أن نوافق هؤلاء الأئمة على ما ذهبوا إليه وإن كان الجمهور على خلافه ؛ لأن التمسك بالتعليل مع وجود النص على خلافه مما لا يجوز ، وأحكام العربية يقضى فيها على وفق ما ورد عن أهلها.


النّائب عن الفاعل

ينوب مفعول به عن فاعل

فيما له ، كنيل خير نائل (١)

يحذف الفاعل ويقام المفعول به مقامه ، فيعطى ما كان للفاعل : من لزوم الرفع ، ووجوب التأخّر عن رافعه ، وعدم جواز حذفه (٢) ، وذلك نحو «نيل خير نائل»

__________________

(١) «ينوب» فعل مضارع «مفعول» فاعل ينوب «به» جار ومجرور متعلق بمفعول «عن فاعل» جار ومجرور متعلق بينوب أيضا «فيما» مثله ، وما اسم موصول «له» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول «كنيل» الكاف جارة لقول محذوف ، نيل : فعل ماض مبنى للمجهول «خير نائل» نائب فاعل ، ومضاف إليه.

(٢) الأغراض التى تدعو المتكلم إلى حذف الفاعل كثيرة جدا ، ولكنها ـ على كثرتها ـ لا تخلو من أن سببها إما أن يكون شيئا لفظيا أو معنويا.

فأما الأسباب اللفظية فكثيرة : منها القصد إلى الإيجاز فى العبارة نحو قوله تعالى : (فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) ومنها المحافظة على السجع فى الكلام المنثور نحو قولهم : من طابت سريرته حمدت سيرته ؛ إذ لو قيل «حمد الناس سيرته» لاختلف إعراب الفاصلتين ، ومنها المحافظة على الوزن فى الكلام المنظوم ، كما فى قول الأعشى ميمون ابن قيس :

علّقتها عرضا ، وعلّقت رجلا

غيرى ، وعلّق أخرى غيرها الرّجل

فأنت ترى الأعشى قد بنى «علق» فى هذا البيت ثلاث مرات للمجهول ؛ لأنه لو ذكر الفاعل فى كل مرة منها أو فى بعضها لما استقام له وزن البيت ، والتعليق ههنا : المحبة ، وعرضا : أى من غير قصد منى ، ولكن عرضت لى فهويتها.

وأما الأسباب المعنوية فكثيرة : منها كون الفاعل معلوما للمخاطب حتى لا يحتاج إلى ذكره له ، وذلك نحو قوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) ومنها كونه مجهولا للمتكلم فهو لا يستطيع تعيينه للمخاطب وليس فى ذكره بوصف مفهوم من الفعل فائدة وذلك كما تقول : سرق متاعى ؛ لأنك لا تعرف ذات السارق ، وليس فى قولك «سرق اللص متاعى» فائدة زائدة فى الإفهام على قولك «سرق متاعى» ومنها رغبة المتكلم


فخير نائل : مفعول قائم مقام الفاعل ، والأصل : «نال زيد خير نائل» فحذف الفاعل ـ وهو «زيد» ـ وأقيم المفعول به مقامه ـ وهو «خير نائل» ـ ولا يجوز تقديمه ؛ فلا تقول : «خير نائل نيل» على أن يكون مفعولا مقدما ، بل على أن يكون مبتدأ ، وخبره الجملة التى بعده ـ وهى «نيل» ، والمفعول القائم مقام الفاعل ضمير مستتر ـ والتقدير : «[نيل] هو» ، وكذلك لا يجوز حذف «خير نائل» فتقول : «نيل».

* * *

فأوّل الفعل اضممن ، والمتّصل

بالآخر اكسر فى مضى كوصل (١)

__________________

فى الإبهام على السامع ، كقولك : تصدق بألف دينار ، ومنها رغبة المتكلم فى إظهار تعظيمه للفاعل : بصون اسمه عن أن يجرى على لسانه ، أو بصونه عن أن يقترن بالمفعول به فى الذكر ، كقولك : خلق الخنزير ، ومنها رغبة المتكلم فى إظهار تحقير الفاعل بصون لسانه عن أن يجرى بذكره ، ومنها خوف المتكلم من الفاعل فيعرض عن ذكره لئلا يناله منه مكروه ، ومنها خوف المتكلم على الفاعل فيعرض عن اسمه لئلا يمسه أحد بمكروه.

(١) «فأول» مفعول مقدم ، والعامل فيه «اضممن» الآتى ، وأول مضاف و «الفعل» مضاف إليه «اضممن» اضمم : فعل أمر ، مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، ونون التوكيد حرف لا محل له من الإعراب ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «والمتصل» الواو حرف عطف ، المتصل : مفعول مقدم ، والعامل فيه «اكسر» الآتى «بالآخر» جار ومجرور متعلق بالمتصل «اكسر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فى مضى» جار ومجرور يتعلق باكسر أو بمحذوف حال «كوصل» الكاف جارة لقول محذوف ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كقولك ـ إلخ ، ووصل : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة مقول القول المحذوف.


واجعله من مضارع منفتحا

كينتجى المقول فيه : ينتحى (١)

يضمّ أوّل الفعل الذى لم يسمّ فاعله مطلقا ، أى : سواء كان ماضيا ، أو مضارعا ويكسر ما قبل آخر الماضى ، ويفتح ما قبل آخر المضارع.

ومثال ذلك فى الماضى قولك فى وصل : «وصل» وفى المضارع قولك فى «ينتحى» : «ينتحى».

* * *

والثّانى التّالى تا المطاوعه

كالأوّل اجعله بلا منازعه (٢)

وثالث الّذى بهمز الوصل

كالأوّل اجعلنّه كاستحلى (٣)

__________________

(١) «واجعله» اجعل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول أول «من مضارع» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الهاء «منفتحا» مفعول ثان لا جعل «كينتحى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف «المقول» نعت لينتحى الذى قصد لفظه «فيه» جار ومجرور متعلق بالمقول «ينتحى» قصد لفظه : محكى بالقول ، فهو نائب فاعل للمقول.

(٢) «والثانى» مفعول أول لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : واجعل الثانى «التالى» نعت للثانى «تا» قصر للضرورة مفعول به للتالى ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، وتا مضاف ، و «المطاوعة» مضاف إليه «كالأول» جار ومجرور فى موضع المفعول الثانى لا جعل الآتى «اجعله» اجعل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول أول «بلا منازعة» الباء حرف جر ، ولا : اسم بمعنى غير مجرور محلا بالباء ، وقد ظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية ، والجار والمجرور متعلق باجعل ، ولا مضاف ، ومنازعة : مضاف إليه ، مجرور بالكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية ، وسكن لأجل الوقف.

(٣) «وثالث» مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده ، وثالث مضاف و «الذى» مضاف إليه «بهمز» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الذى ، وهمز مضاف ،


إذا كان الفعل المبنىّ للمفعول مفتتحا بتاء المطاوعة ضمّ أوله وثانيه ، وذلك كقولك فى «تدحرج» : «تدحرج» وفى «تكسّر» ؛ «تكسّر» وفى «تغافل» : «تغوفل».

وإن كان مفتتحا بهمزة وصل ضمّ أوله وثالثه ، ذلك كقولك فى «استحلى» : «استحلى» وفى «اقتدر» : «اقتدر» وفى «انطلق» : «انطلق».

* * *

واكسر أواشمم فاثلاثىّ أعل

عينا ، وضمّ جا كـ «بوع» فاحتمل (١)

إذا كان الفعل المبنىّ للمفعول ثلاثيا معتلّ العين سمع فى فائه ثلاثة أوجه :

(١) إخلاص الكسر ، نحو «قيل ، وبيع» ومنه قوله :

(١٥٤) ـ

حيكت على نيرين إذ تحاك

تختبط الشّوك ولا تشاك

__________________

«الوصل» مضاف إليه «كالأول» جار ومجرور فى موضع المفعول الثانى لا جعل مقدما عليه «اجعلنه» اجعل : فعل أمر ، والنون للتوكيد ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول أول «كاستحلى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف على النحو الذى سبق مرارا.

(١) «واكسر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أو اشمم» مثله ، والجملة معطوفة على الجملة السابقة «فا» مفعول به تنازعه العاملان ، وفا مضاف ، و «ثلاثى» مضاف إليه «أعل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ثلاثى ، والجملة فى محل جر نعت لثلاثى «عينا» تمييز «وضم» مبتدأ «جا» أصله جاء ، وقصره للضرورة : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ضم ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «كبوع» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال «فاحتمل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ضم».

(١٥٤) ـ البيت لراجز لم يعينوه.

اللغة : «حيكت» نسجت ، وتقول : حاك الثوب محوكه حوكا وحياكة «نيرين»


(٢) وإخلاص الضم ، نحو «قول ، وبوع» ومنه قوله :

(١٥٥) ـ

ليت ، وهل ينفع شيئا ليت؟

ليت شبابا بوع فاشتريت

وهى لغة بنى دبير وبنى فقعس [وهما من فصحاء بنى أسد].

__________________

تثنية نير ـ بكسر النون بعدها ياء مثناة ـ وهو علم الثوب أو لحمته ، فإذا نسج الثوب على نيرين فذلك أصفق له وأبقى ، وإذا أرادوا أن يصفوا ثوبا بالمتانة والإحكام قالوا : هذا ثوب ذو نيرين ، وقد قالوا من ذلك أيضا : هذا رجل ذو نيرين ، وهذا رأى ذو نيرين ، وهذه حرب ذات نيرين ، يريدون أنها شديدة ، وقالوا : هذا ثوب منير ـ على زنة معظم ـ إذا كان منسوجا على نيرين ، وقد روى فى موضع هذه العبارة «حوكت على نولين» ونولين : مثنى نول ـ بفتح النون وسكون الواو ـ وهو اسم للخشبة التى يلف عليها الحائك الشقة حين يريد نسجها «تختبط الشوك» تضربه بعنف «ولا تشاك» لا يدخل فيها الشوك ولا يضرها.

المعنى : وصف ملفحة أو حلة بأنها محكمة النسج ، تامة الصفاقة ، وأنها إذا اصطدمت بالشواك لم يؤذها ولم يعلق بها.

الإعراب : «حيكت» حيك : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء للتأنيث ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى «على نيرين» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر فى حيكت «إذ» ظرف للزمان الماضى مبنى على السكون فى محل نصب يتعلق بحيك ، وجملة «تحاك» ونائب الفاعل المستتر فيه فى محل جر بإضافة «إذ» إليها «تختبط» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى «الشواك» مفعول به لتختبط «ولا» نافية «تشاك» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى.

الشاهد فيه : قوله «حيكت» حيث إنه فعل ثلاثى معتل العين ، فلما بناه للمجهول أخلص كسر فائه ، ويروى «حوكت على نيرين» بالواو ساكنة ، وعلى هذا يكون شاهدا للوجه الثانى ، وهو إخلاص ضم الفاء.

١٥٥ ـ ينسب هذا البيت لرؤبة بن العجاج ، وقد راجعت ديوان أراجيزه فوجدت فى زياداته أبياتا منها هذا البيت ، وهى قوله :


..................................................................................

__________________

يا قوم قد حوقلت أو دنوت

وبعض حيقال الرّجال الموت

مالى إذا أجذبها صأيت

أكبر قد عالنى أو بيت

ليت ، وهل ينفع شيئا ليت؟

ليت شبابا ...

وقد روى أبو على القالى فى أماليه (١ ـ ٢٠ طبع الدار) البيتين السابقين على بيت الشاهد ، ولم ينسبهما ، وقال أبو عبيد البكرى فى التنبيه (٩٧): «هذا راجز يصف جذبه للدلو» اه ، ولم يعينه أيضا.

اللغة : «حوقلت» ضعفت وأصابنى الكبر «دنوت» قربت «حيقال» هو مصدر حوقل «أجذبها» أراد أنزع الدلو من البئر «صأيت» صحت ، مأخوذ من قولهم : صأى الفرخ ؛ إذا صاح صياحا ضعيفا ، وأراد بذلك أنينه من ثقل الدلو عليه «قد عالنى» غلبنى وقهرنى وأعجزنى ، وفى رواية أبى على القالى* أكبر غيرنى ...* «أم بيت» يريد أم زوجة ، وذلك لأن العزب أقوى وأشد «ينفع شيئا ليت» قد قصد لفظ ليت هذه فصيرها اسما وأعربها وجعلها فاعلا ، ومثل هذا ـ فى «ليت» ـ قول الشاعر :

ليت شعرى ، وأين منّى ليت؟

إنّ ليتا وإنّ لوّا عناء

ومثله قول عمر بن أبى ربيعة المخزومى :

ليت شعرى ، وهل يردّنّ ليت؟

هل لهذا عند الرّباب جزاء؟

وقول الآخر :

ليت شعرى مسافر بن أبى عم

رو ، وليت يقولها المحزون

ونظيره ـ فى «لو» إذ قصد لفظها وجعلت اسما ـ قول الآخر :

ألام على لوّ ، ولو كنت عالما

بأذناب لوّ لم تفتنى أوائله

الإعراب : «ليت» حرف تمن ونصب «وهل» حرف استفهام المقصود منه النفى «ينفع» فعل مضارع «شيئا» مفعول به لينفع «ليت» قصد لفظه : فاعل ينفع ، والجملة لا محل لها معترضة «ليت» حرف تمن مؤكد للأول «شبابا» اسم ليت الأول «بوع» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره


(٣) والإشمام ـ وهو الإتيان بالفاء بحركة بين الضمّ والكسر ـ ولا يظهر ذلك إلا فى اللفظ ، ولا يظهر فى الخطّ ، وقد قرىء فى السبعة قوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ) بالإشمام فى «قيل ، وغيض».

* * *

وإن بشكل خيف لبس يجتنب

وما لباع قد يرى لنحو حبّ (١)

إذا أسند الفعل الثلاثىّ المعتلّ العين ـ بعد بنائه للمفعول ـ إلى ضمير متكلم أو مخاطب أو غائب : فإما أن يكون واويا ، أو يائيا.

فإن كان واويّا ـ نحو «سام» من السّوم ـ وجب ـ عند المصنف ـ كسر الفاء أو الإشمام ؛ فتقول : «سمت» ، [ولا يجوز الضم ؛

__________________

هو يعود على شباب ، والجملة فى محل رفع خبر ليت الأول «فاشتريت» فعل وفاعل ، وجملتهما معطوفة بالفاء على جملة بوع.

الشاهد فيه : قوله «بوع» فإنه فعل ثلاثى معتل العين ، فلما بناه للمجهول أخلص ضم فائه ، وإخلاص ضم الفاء لغة جماعة من العرب منهم من حكى الشارح ، ومنهم بعض بنى تميم ، ومنهم ضبة ، وحكيت عن هذيل.

(١) «وإن» شرطية «بشكل» جار ومجرور متعلق بخيف «خيف» فعل ماض مبنى للمجهول فعل الشرط «لبس» نائب فاعل خيف «يجتنب» فعل مضارع مبنى للمجهول جواب الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى شكل «وما» اسم موصول : مبتدأ «لباع» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما الموصولة «قد» حرف تقليل «يرى» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «لنحو» جار ومجرور متعلق بيرى ، ونحو مضاف ، و «حب» قصد لفظه : مضاف إليه.


فلا تقول : «سمت»] ؛ لئلا يلتبس بفعل الفاعل ، فإنه بالضم ليس إلا ، نحو «سمت العبد».

وإن كان يائيّا ـ نحو «باع» من البيع ـ وجب ـ عند المصنف أيضا ـ ضمّه أو الإشمام ؛ فتقول : «بعت يا عبد» ولا يجوز الكسر ؛ فلا تقول : «بعت» ؛ لئلا يلتبس بفعل الفاعل ؛ فإنه بالكسر فقط ، نحو «بعت الثّوب».

وهذا معنى قوله : «وإن بشكل خيف لبس يجتنب» أى : وإن خيف اللبس فى شكل من الأشكال السابقة ـ أعنى الضمّ ، والكسر ، والإشمام ـ عدل عنه إلى شكل غيره لا لبس معه.

هذا ما ذكره المصنف ، والذى ذكره غيره أن الكسر فى الواوى ، والضم فى اليائى ، والإشمام ، هو المختار ، ولكن لا يجب ذلك ، بل يجوز الضم فى الواوى ، والكسر فى اليائى.

وقوله : «وما لباع قد يرى لنحو حبّ» معناه أن الذى ثبت لفاء «باع» ـ من جواز الضم ، والكسر ، والإشمام ـ يثبت لفاء المضاعف ، نحو «حبّ» ؛ فتقول : «حبّ» ، و «حبّ» وإن شئت أشممت.

* * *

وما لفا باع لما العين تلى

فى اختار وانقاد وشبه ينجلى (١)

__________________

(١) «وما» اسم موصول مبتدأ «لفا» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما الموصولة ، وفا مضاف و «باع» قصد لفظه : مضاف إليه «لما» اللام جارة ، وما : اسم موصول مبنى على السكون فى محل جر باللام ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «العين» مبتدأ ، وجملة «تلى» وفاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة «ما» المجرورة باللام «فى اختار» جار ومجرور متعلق بتلى «وانقاد ، وشبه» معطوفان على اختار «ينجلى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى شبه ، والجملة فى محل جر نعت لشبه.


أى : يثبت ـ عند البناء للمفعول ـ لما تليه العين من كلّ فعل يكون على وزن «افتعل» أو «انفعل» ـ وهو معتلّ العين ـ ما يثبت لفاء «باع» : من جواز الكسر ، والضم ، وذلك نحو «اختار ، وانقاد» وشبههما ؛ فيجوز فى التاء والقاف ثلاثة أوجه : الضمّ ، نحو «اختور» ، و «انقود» والكسر ، نحو «اختير» ، و «انقيد» والإشمام ، وتحرّك الهمزة بمثل حركة التاء والقاف.

* * *

وقابل من ظرف أو من مصدر

أو حرف جرّ بنيابة حرى (١)

تقدّم أن الفعل إذا بنى لما لم يسمّ فاعله أقيم المفعول به مقام الفاعل ، وأشار فى هذا البيت إلى أنه إذا لم يوجد المفعول به أقيم الظرف أو المصدر أو الجارّ والمجرور مقامه ؛ وشرط فى كل [واحد] منها أن يكون قابلا للنيابة ، أى : صالحا لها ، واحترز بذلك مما لا يصلح للنيابة ، كالظرف الذى لا يتصرّف ، والمراد به : ما لزم النّصب على الظرفية (٢) ، نحو «سحر» إذا أريد به سحر

__________________

(١) «وقابل» مبتدأ ، وخبره قوله «حرى» فى آخر البيت «من ظرف» جار ومجرور متعلق بقابل «أو من مصدر» معطوف على الجار والمجرور السابق «أو حرف جر» معطوف على مصدر ومضاف إليه «بنيابة» جار ومجرور متعلق بحر «حر» خبر المبتدأ الذى هو قابل فى أول البيت كما ذكرنا من قبل.

(٢) الظروف على ثلاثة أنواع :

النوع الأول : ما يلزم النصب على الظرفية ، ولا يفارقها أصلا ، ولا إلى الجر بمن ، وذلك مثل قط ، وعوض ، وإذا ، وسحر.

والنوع الثانى : ما يلزم أحد أمرين : النصب على الظرفية ، والجر بمن ، وذلك مثل عند ، وثم ، بفتح الثاء.


يوم بعينه ، ونحو «عندك» فلا تقول : «جلس عندك» ولا «ركب سحر» ؛ لئلا تخرجهما عما استقرّ لهما فى لسان العرب من لزوم النصب ، وكالمصادر التى لا تتصرّف ، نحو «معاذ الله» فلا يجوز رفع «معاذ الله» ؛ لما تقدّم فى الظرف ، وكذلك ما لا فائدة فيه : من الظرف ، والمصدر ، [والجارّ] والمجرور ؛ فلا تقول : «سير وقت» ، ولا «ضرب ضرب» ، ولا «جلس فى دار» لأنه لا فائدة فى ذلك.

ومثال القابل من كل منها قولك : «سير يوم الجمعة ، وضرب ضرب شديد ، ومرّ بزيد» (١).

__________________

وهذان النوعان يقال لكل منهما : «ظرف غير متصرف» ، والفرق بينهما ما علمت.

والنوع الثالث : ما يخرج عن النصب على الظرفية وعن الجر بمن ، إلى التأثر بالعوامل المختلفة : كزمن ، ووقت ، وساعة ، ويوم ، ودهر ، وحين ؛ وهذا هو الظرف المتصرف.

(١) حاصل الذى أومأ إليه الشارح فى هذه المسألة أنه يشترط فى صحة جواز إنابة كل واحد من الظرف والمصدر شرطان ؛ أحدهما : أن يكون كل منهما متصرفا ، وثانيهما : أن يكون كل واحد منهما مختصا ؛ فإن فقد أحدهما واحدا من هذين الشرطين لم تصح نيابته.

فالمتصرف من الظروف هو : ما يخرج عن النصب على الظرفية والجر بمن إلى التأثر بالعوامل ، كما علمت مما أوضحناه لك قريبا.

وأما المتصرف من المصادر فهو : ما يخرج عن النصب على المصدريه إلى التأثر بالعوامل المختلفة ، وذلك كضرب وقتل وما لا يخرج من المصدر عن النصب على المصدرية كمعاذ الله فإنه يصدر غير متصرف لا يقع إلا منصوبا على المفعولية المطلقة.

وأما المختص من الظروف فهو : ما خص بإضافة ، أو وصف ، أو نحوهما.


ولا ينوب بعض هذى ، إن وجد

فى اللّفظ مفعول به وقد يرد (١)

مذهب البصريين ـ إلا الأخفش ـ أنه إذا وجد بعد الفعل المبنى لما لم يسمّ فاعله : مفعول به ، ومصدر ، وظرف ، وجارّ ومجرور ـ نعين إقامة المفعول به مقام الفاعل ؛ فتقول : ضرب زيد ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الأمير فى داره ، ولا يجوز إقامة غيره [مقامه] مع وجوده ، وما ورد من ذلك شاذّ أو مؤوّل.

ومذهب الكوفيين أنه يجوز إقامة غيره وهو موجود : تقدّم ، أو تأخّر ؛ فتقول : «ضرب ضرب شديد زيدا ، وضرب زيدا ضرب شديد» وكذلك فى الباقى ، واستدلّوا لذلك بقراءة أبى جعفر (ليجزى قوما بما كانوا يكسبون) وقول الشاعر :

__________________

وأما المختص من المصادر فهو : ما كان دالا على العدد ، أو على النوع ، أما نحو «ضرب ضرب» فهو غير مختص ، ولا يجوز نيابته عن الفاعل.

ويشترط فى نيابة الجار والمجرور ثلاثة شروط ، أولها : أن يكون مختصا ـ بأن يكون المجرور معرفة أو نحوها ـ وثانيها : ألا يكون حرف الجر ملازما لطريقة واحدة ، كمذ ومنذ الملازمين لجر الزمان ، وكحروف القسم الملازمة لجر المقسم به ، وثالثها : ألا يكون حرف الجر دالا على التعليل كاللام ، والباء ، ومن ، إذا استعملت إحداها فى الدلالة على التعليل ، ولهذا امتنعت نيابة المفعول لأجله.

(١) «ولا» نافية «ينوب» فعل مضارع «بعض» فاعل ينوب ، وبعض مضاف ، واسم الإشارة فى «هذى» مضاف إليه «إن» شرطية «وجد» فعل ماض مبنى للمجهول فعل الشرط «فى اللفظ» جار ومجرور متعلق بوجد «مفعول» نائب فاعل لوجد «به» متعلق بمفعول ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام ، والتقدير : إن وجد فى اللفظ مفعول به فلا ينوب بعض هذه الأشياء «وقد» حرف تقليل «يرد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نيابة بعض هذه الأشياء مناب الفاعل مع وجود المفعول به فى اللفظ المستفاد من قوله «ولا ينوب ـ إلخ».


(١٥٦) ـ

لم يعن بالعلياء إلّا سيّدا

ولا شفى ذا الغىّ إلّا ذو هدى

__________________

١٥٦ ـ نسبوا هذا البيت لرؤبة بن العجاج ، وقد راجعت ديوان أراجيزه فوجدت هذا البيت فى زيادات الديوان ، لا فى أصله ، وقبله قوله :

وقد كفى من بدئه ما قد بدا

وإن ثنى فى العود كان أحمدا

اللغة : «بدئه» مبتدأ أمره وأول شأنه «بدا» ظهر «ثنى» عاد ، تقول : ثنى يثنى ـ بوزن رمى يرمى ـ وأصل معناه جمع طرفى الحبل فصير ما كان واحدا اثنين «كان أحمدا» مأخوذ من قولهم : عود أحمد ، يريدون أنه محمود «يعن» فعل مضارع ماضيه عنى ، وهو من الأفعال الملازمة للبناء للمفعول ، ومعناه على هذا أولع أو اهتم ، تقول : عنى فلان بحاجتى وهو معنى بها ؛ إذا كان قد أولع بقضائها واهتم لها «العلياء» هى خصال المجد التى تورث صاحبها سموا ورفعة قدر «شفى» أبرأ ، وأراد به ههنا هدى ، مجازا «الغى» الجرى مع هوى النفس والتمادى فى الأخذ بما يوبقها ويهلكها «هدى» بضم الهاء ـ وهو الرشاد وإصابة الجادة.

المعنى : لم يشتغل بمعالى الأمور ، ولم يولع بخصال المجد ، إلا أصحاب السيادة والطموح ، ولم يشف ذوى النفوس المريضة والأهواء المتأصلة من دائهم الذى أصيبت به نفوسهم إلا ذوو الهداية والرشد.

الإعراب : «لم» حرف نفى وجزم وقلب «يعن» فعل مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الألف ، والفتحة قبلها دليل عليها «بالعلياء» جار ومجرور نائب عن الفاعل «إلا» أداة استثناء ملغاة «سيدا» مفعول به ليعن «ولا» الواو عاطفة ، ولا نافية «شفى» فعل ماض «ذا» مفعول لشفى مقدم على الفاعل ، وذا مضاف ، و «الغى» مضاف إليه «إلا» أداة استثناء ملغاة «ذو» فاعل شفى ، وذو مضاف ، و «هدى» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «لم يعن بالعلياء إلا سيدا» حيث ناب الجار والمجرور ـ وهو قوله «بالعلياء» ـ عن الفاعل ، مع وجود المفعول به فى الكلام ـ وهو قوله «سيدا».

والدليل على أن الشاعر أناب الجار والمجرور ، ولم ينب المفعول به ، أنه جاء بالمفعول به منصوبا ، ولو أنه أنابه لرفعه ؛ فكان يقول : لم يعن بالعلياء إلا سيد ،


ومذهب الأخفش أنه إذا تقدّم غير المفعول به عليه جاز إقامة كل [واحد] منهما ؛ فتقول : ضرب فى الدار زيد ، وضرب فى الدار زيدا ، وإن لم يتقدم تعين إقامة المفعول به ، نحو «ضرب زيد فى الدّار» ؛ فلا يجوز «ضرب زيدا فى الدّار».

* * *

وباتّفاق قد ينوب الثّان من

باب «كسا» فيما التباسه أمن (١)

__________________

والداعى لذلك أن القوافى كلها منصوبة ، فاضطراره لتوافق القوافى هو الذى دعاه وألجأه إلى ذلك.

ومثل هذا البيت قول الراجز :

وإنّما يرضى المنيب ربّه

ما دام معنيّا بذكر قلبه

ومحل الاستشهاد فى قوله «معنيا بذكر قلبه» حيث أناب الجار والمجرور ـ وهو قوله «بذكر» ـ عن الفاعل ، مع وجود المفعول به فى الكلام ـ وهو قوله «قلبه» ـ بدليل أنه أتى بالمفعول به منصوبا بعد ذلك كما هو ظاهر.

والبيتان حجة للكوفيين والأخفش جميعا ؛ لأن النائب عن الفاعل فى البيتين متقدم فى كل واحد منهما عن المفعول به ، والبصريون يرون ذلك من الضرورة الشعرية.

(١) «وباتفاق» الواو للاستئناف ، باتفاق : جار ومجرور متعلق بينوب الآتى «قد» حرف تقليل «ينوب» فعل مضارع «الثان» فاعل ينوب «من باب» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الثانى ، وباب مضاف ، و «كسا» قصد لفظه : مضاف إليه «فيما» جار ومجرور متعلق بينوب «التباسه» التباس : مبتدأ ، والتباس مضاف والهاء مضاف إليه «أمن» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى التباس ، والجملة من أمن ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها من الإعراب صلة «ما» المجرورة محلا بفى.


إذا بنى الفعل المتعدّى إلى مفعولين لما لم يسمّ فاعله : فإما أن يكون من باب «أعطى» ، أو من باب «ظنّ (١)» ؛ فإن كان من باب «أعطى» ـ وهو المراد بهذا البيت ـ فذكر المصنف أنه يجوز إقامة الأول منهما وكذلك الثانى ، بالاتفاق ؛ فتقول : «كسى زيد جبّة ، وأعطى عمرو درهما» ، وإن شئت أقمت الثانى ؛ فنقول : «أعطى عمرا درهم ، وكسى زيدا جبة».

هذا إن لم يحصل لبس بإقامة الثانى ، فإذا حصل لبس وجب إقامة الأول ، [وذلك نحو «أعطيت زيدا عمرا» فتتعين إقامة الأول] فتقول : «أعطى زيد عمرا» ولا يجوز إقامة الثانى حينئذ : لئلا يحصل لبس ؛ لأن كل واحد منهما يصلح أن يكون آخذا ، بخلاف الأول.

ونقل المصنف الاتفاق على أن الثانى من هذا الباب يجوز إقامته عند أمن

__________________

(١) قد ينصب فعل من الأفعال مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر. نحو ظننت زيدا قائما وعلمت أخاك مسافرا ، ولا ينصب المفعولين اللذين أصلهما المبتدأ والخبر إلا ظن وأخواتها. وهذا هو مراد الشارح هنا بقوله «باب ظن» ، ومراد الناظم بقوله «فى باب ظن وأرى» لأن «أرى» تنصب ثلاثة مفاعيل : أصل الثانى والثالث منها مبتدأ وخبر ، على ما علمت.

وقد ينصب فعل من الأفعال مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ، وهذا النوع على ضربين ؛ لأن نصبه لأحد هذين المفعولين إما أن يكون على نزع الخافض ، كما فى قولك : اخترت الرجال محمدا ، وكما فى قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) الأصل اخترت من الرجال محمدا ، واختار موسى من قومه سبعين رجلا ، وإما أن يكون نصبه للمفعولين لأنه من طبيعته متعد إلى اثنين. وذلك نحو قولك : منحت الفقير درهما ، وأعطيت إبراهيم دينارا ، وكسوت محمدا جبة.

وهذا الضرب الأخير هو مراد الناظم والشارح بباب كسا ، فهو : كل فعل تعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ، وكان تعديه إليهما بنفسه ، لا بواسطة حذف حرف الجر من أحدهما وإيصال الفعل إلى المجرور.


اللّبس ؛ فإن عنى به أنه اتفاق من جهة النحويين كلهم فليس بجيد ؛ لأن مذهب الكوفيين أنه إذا كان الأول معرفة والثانى نكرة تعين إقامة الأول ؛ فتقول : «أعطى زيد درهما» ، ولا يجوز عندهم إقامة الثانى ؛ فلا تقول : «أعطى درهم زيدا».

* * *

فى باب «ظنّ ، وأرى» المنع اشتهر

ولا أرى منعا إذا القصد ظهر (١)

يعنى أنه إذا كان الفعل متعديا إلى مفعولين الثانى منهما خبر فى الأصل ، كظن وأخواتها ، أو كان متعديا إلى ثلاثة مفاعيل كأرى وأخواتها ـ فالأشهر عند النحويين أنه يجب إقامة الأول ، ويمتنع إقامة الثانى فى باب «ظنّ» والثانى والثالث فى باب «أعلم» ؛ فتقول : «ظنّ زيد قائما» ولا يجوز «ظنّ زيدا قائم» وتقول : «أعلم زيد فرسك مسرجا» ولا يجوز إقامة الثانى ؛ فلا تقول : «أعلم زيدا فرسك مسرجا» ولا إقامة الثالث ؛ فتقول : «أعلم زيدا

__________________

(١) «فى باب» جار ومجرور متعلق باشتهر الآتى ، وباب مضاف ، و «ظن» قصد لفظه : مضاف إليه «وأرى» معطوف على ظن «المنع» مبتدأ ، وجملة «اشتهر» وفاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر المبتدأ «ولا» نافية «أرى» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «منعا» مفعول به لأرى «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط «القصد» فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : إذا ظهر القصد ، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله المذكور فى محل جر بإضافة إذا إليها «ظهر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى القصد ، والجملة من ظهر المذكور وفاعله لا محل لها من الإعراب تفسيرية.


فرسك مسرج» ونقل ابن أبى الربيع الاتفاق على منع إقامة الثالث ، ونقل الاتفاق ـ أيضا ـ ابن المصنف.

وذهب قوم ـ منهم المصنف ـ إلى أنه لا يتعيّن إقامة الأول ، لا فى باب «ظنّ» ولا باب «أعلم» لكن يشترط ألّا يحصل لبس ؛ فتقول : «ظنّ زيدا قائم ، وأعلم زيدا فرسك مسرجا».

وأما إقامة الثالث من باب «أعلم» فنقل ابن أبى الربيع وابن المصنف الاتفاق على منعه ، وليس كما زعما ، فقد نقل غيرهما الخلاف فى ذلك (١) ؛ فتقول : «أعلم زيدا فرسك مسرج».

فلو حصل لبس تعيّن إقامة الأول فى باب «ظن ، وأعلم» فلا تقول : «ظنّ زيدا عمرو» على أن «عمرو» هو المفعول الثانى ، ولا «أعلم زيدا خالد منطلقا».

* * *

وما سوى النّائب ممّا علّقا

بالرّافع النّصب له محقّقا (٢)

__________________

(١) حاصل الخلاف الذى نقله غيرهما أن بعض النحاة أجازه بشرط ألا يوقع فى لبس كما مثل الشارح ، وحكاية الخلاف هو ظاهر كلام الناظم فى كتابه التسهيل ، بل يمكن أن يكون مما يشير إليه كلامه فى الألفية لأن ثالث مفاعيل أعلم هو ثانى مفعولى علم ، وقد ذكر اختلاف النحاة فى ثانى مفعولى علم.

(٢) «وما» اسم موصول : مبتدأ أول «سوى النائب ، مما» متعلقان بمحذوف صلة «ما» الواقع مبتدأ «علقا» علق : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود لما ، والجملة لا محل لها صلة ما المجرورة محلا بمن «بالرافع» متعلق بقوله علق «النصب» مبتدأ ثان «له» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ الثانى ، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول ، وهو «ما» فى أول البيت «محققا» حال من الضمير المستكن فى الخبر.


حكم المفعول القائم مقام الفاعل حكم الفاعل ؛ فكما أنه لا يرفع الفعل إلا فاعلا واحدا ، كذلك لا يرفع الفعل إلا مفعولا واحدا (١) ؛ فلو كان للفعل معمولان فأكثر أقمت واحدا منها مقام الفاعل ، ونصبت الباقى ؛ فتقول : «أعطى زيد درهما ، وأعلم زيد عمرا قائما ، وضرب زيد ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الأمير فى داره».

* * *

__________________

(١) يريد لا يرفع على أنه نائب فاعل إلا واحد من المفاعيل التى كان الفعل ناصبا لها وهو مبنى للمعلوم.


اشتغال العامل عن المعمول (١)

__________________

(١) أركان الاشتغال ثلاثة : مشغول عنه ، وهو الاسم المتقدم ، ومشغول ، وهو الفعل المتأخر ، ومشغول به ، وهو الضمير الذى تعدى إليه الفعل بنفسه أو بالواسطة ، ولكل واحد من هذه الأركان الثلاثة شروط لا بد من بيانها.

فأما شروط المشغول عنه ـ وهو الاسم المتقدم فى الكلام ـ فخمسة :

الأول : ألا يكون متعددا لفظا ومعنى : بأن يكون واحدا ، نحو زيدا ضربته ، أو متعددا فى اللفظ دون المعنى ، نحو زيدا وعمرا ضربتهما ؛ لأن العطف جعل الاسمين كالاسم الواحد ؛ فإن تعدد فى اللفظ والمعنى ـ نحو زيدا درهما أعطيته ـ لم يصح.

الثانى : أن يكون متقدما ، فإن تأخر ـ نحو ضربته زيدا ـ لم يكن من باب الاشتغال ، بل إن نصبت زيدا فهو بدل من الضمير ، وإن رفعته فهو مبتدأ خبره الجملة قبله.

الثالث : قبوله الإضمار ؛ فلا يصح الاشتغال عن الحال ، والتمييز ، ولا عن المجرور بحرف يختص بالظاهر كحتى.

الرابع : كونه مفتقرا لما بعده ؛ فنحو «جاءك زيد فأكرمه» ليس من باب الاشتغال لكون الاسم مكتفيا بالعامل المتقدم عليه.

الخامس : كونه صالحا للابتداء به ، بألا يكون نكرة محضة ؛ فنحو قوله تعالى : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) ليس من باب الاشتغال ، بل (رَهْبانِيَّةً) معطوف على ما قبله بالواو ، وجملة (ابتدعوها) صفة.

وأما الشروط التى يجب تحققها فى المشغول ـ وهو الفعل الواقع بعد الاسم ـ فاثنان :

الأول : أن يكون متصلا المشغول عنه ، فإن انفصل منه بفاصل لا يكون لما بعده عمل فيما قبله ـ كأدوات الشرط ، وأدوات الاستفهام ، ونحوهما ـ لم يكن من باب الاشتغال ، وسيأتى توضيح هذا الشرط فى الشرح.

الثانى : كونه صالحا للعمل فيما قبله : بأن يكون فعلا متصرفا ، أو اسم فاعل ، أو اسم مفعول ، فإن كان حرفا ، أو اسم فعل ، أو صفة مشبهة ، أو فعلا جامدا كفعل التعجب ـ وكل هذه العوامل لضعفها لا تعمل فيما تقدم عليها ـ لم يصح.

وأما الذى يجب تحققه فى المشغول به ـ وهو الضمير ـ فشرط واحد ، وهو : ألا يكون أجنبيا من المشغول عنه ؛ فيصح أن يكون ضمير المشغول عنه ، نحو زيدا ضربته ، أو مررت به ،


إن مضمر اسم سابق فعلا شغل

عنه : بنصب لفظه ، أو المحلّ (١)

فالسّابق انصبه بفعل أضمرا

حتما ، موافق لما قد أظهرا (٢)

الاشتغال : أن يتقدم اسم ، ويتأخر عنه فعل ، [قد] عمل فى ضمير ذلك الاسم أو فى سببيّه ـ وهو المضاف إلى ضمير الاسم السابق ـ فمثال المشتغل بالضمير «زيدا ضربته ، وزيدا مررت به» ومثال المشتغل بالسببىّ «زيدا ضربت غلامه» وهذا هو المراد بقوله : «إن مضمر اسم ـ إلى آخره» والتقدير : إن شغل مضمر اسم سابق فعلا عن ذلك الاسم بنصب المضمر لفظا نحو «زيدا ضربته» أو بنصبه محلا ، نحو «زيدا مررت به» فكلّ واحد من «ضربت ، ومررت» اشتغل بضمير «زيد» لكن «ضربت» وصل إلى

__________________

ويصح أن يكون اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير المشغول عنه ، نحو زيدا ضربت أخاه ، أو مررت بغلامه.

(١) «إن» شرطية «مضمر» فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : إن شغل مضمر ، ومضمر مضاف ، و «اسم» مضاف إليه «سابق» نعت لاسم «فعلا» مفعول به لشغل مقدم عليه «شغل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر «عنه ، بنصب» متعلقان بشغل ، ونصب مضاف ، ولفظ من «لفظه» مضاف إليه ، من إضافة المصدر لمفعوله ، ولفظ مضاف ، والهاء مضاف إليه «أو» حرف عطف «المحل» معطوف على لفظ.

(٢) «فالسابق» مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : فانصب السابق «انصبه» انصب : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به «بفعل» جار ومجرور متعلق بانصب ، وجملة «أضمر» ونائب الفاعل المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل ، فى محل جر نعت لفعل «حتما» مفعول مطلق لفعل محذوف ، والتقدير : حتم ذلك ذلك حتما «موافق» نعت ثان لفعل «لما» جار ومجرور متعلق بموافق «قد» حرف تحقيق ، وجملة «أظهرا» ونائب الفاعل المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، لا محل لها من الإعراب صلة «ما» المجرورة محلا باللام.


الضمير بنفسه ، و «مررت» وصل إليه بحرف جر ؛ فهو مجرور لفظا ومنصوب محلا ، وكل من «ضربت ، ومررت» لو لم يشتغل بالضمير لتسلّط على «زيد» كما تسلّط على الضمير ، فكنت تقول : «زيدا ضربت» فتنصب «زيدا» ويصل إليه الفعل بنفسه كما وصل إلى ضميره ، وتقول : «بزيد مررت فيصل الفعل إلى زيد بالباء كما وصل إلى ضميره ، ويكون منصوبا محلا كما كان الضمير.

وقوله «فالسابق انصبه ـ إلى آخره» معناه أنه إذا وجد الاسم والفعل على الهيئة المذكورة ؛ فيجوز لك نصب الاسم السابق ، واختلف النحويون فى ناصبه :

فذهب الجمهور إلى أن ناصبه فعل مضمر وجوبا ؛ [لأنه لا يجمع بين المفسّر والمفسّر] ويكون الفعل المضمر موافقا فى المعنى لذلك المظهر ، وهذا يشمل ما وافق لفظا ومعنى نحو قولك فى «زيدا ضربته» : إن التقدير «ضربت زيدا ضربته» وما وافق معنى دون لفظ كقولك فى «زيدا مررت به» : إن التقدير «جاوزت زيدا مررت به» (١) وهذا هو الذى ذكره المصنف.

__________________

(١) اعلم أن الفعل المشغول قد يكون متعديا ناصبا للمشغول به بلا واسطة ، وقد يكون لازما ناصبا للمشغول به معنى وهو مجرور بحرف جر ، وعلى كل حال إما أن يكون المشغول به ضمير الاسم المتقدم ، وإما أن يكون سببيه ؛ فهذه أربعة أحوال :

فيكون تقدير العامل فى الاسم المتقدم المشغول عنه من لفظ العامل المشغول ومعناه فى صورة واحدة ، وهى أن يجتمع فى العامل المشغول شيئان هما : كونه متعديا بنفسه ، وكونه ناصبا لضمير الاسم المتقدم ـ نحو قولك : زيدا ضربته.

ويكون تقدير العامل فى الاسم المتقدم المشغول عنه من معنى العامل المشغول دون لفظه ، فى ثلاث صور :


والمذهب الثانى : أنه منصوب بالفعل المذكور بعده ، وهذا مذهب كوفىّ ، واختلف هؤلاء ؛ فقال قوم : إنه عامل فى الضمير وفى الاسم معا ؛ فإذا قلت : «زيدا ضربته» كان «ضربت» ناصبا لـ «زيد» وللهاء ، وردّ هذا المذهب بأنه لا يعمل عامل واحد فى ضمير اسم ومظهره ، وقال قوم : هو عامل فى الظاهر ، والضمير ملغى ، وردّ بأن الأسماء لا تلغى بعد اتصالها بالعوامل.

* * *

والنّصب حتم ، إن تلا السّابق ما

يختصّ بالفعل : كإن وحيثما (١)

__________________

الأولى : أن يكون العامل فى المشغول به لازما ، والمشغول به ضمير الاسم المتقدم ، نحو قولك : أزيدا مررت به ، فإن التقدير : أجاوزت زيدا مررت به.

الثانية : أن يكون العامل لازما ، والمشغول به اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير الاسم السابق ، نحو قولك : زيدا مررت بغلامه ؛ فإن التقدير : لابست زيدا مررت بغلامه ، ولا تقدره : «جاوزت زيدا مررت بغلامه» كما قدرت فى الصورة الأولى ؛ لأن المعنى على هذا التقدير هنا غير مستقيم ، لأنك لم تجاوز زيدا ولم تمرر به ، وإنما جاوزت غلامه ومررت به ، وجاوز من معنى مر ، وليس من لفظه كما هو ظاهر.

الثالثة : أن يكون العامل متعديا ، ولكنه نصب اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير عائد إلى الاسم السابق ، نحو قولك : زيدا ضربت أخاه ، فإن التقدير : أهنت زيدا ضربت أخاه.

وهكذا تقدر فى كل صورة من هذه الصور الثلاث فعلا ينصب بنفسه ، ويصح معه المعنى

(١) «والنصب» مبتدأ «حتم» خبر المبتدأ «إن» شرطية «تلا» فعل ماض. فعل الشرط ، وجواب الشرط محذوف ، وتقدير الكلام : إن تلا السابق ما يختص بالفعل فالنصب واجب «السابق» فاعل لتلا «ما» اسم موصول : مفعول به لتلا


ذكر النحويون أن مسائل هذا الباب على خمسة أقسام ؛ أحدها : ما يجب فيه النصب ، والثانى : ما يجب فيه الرفع ، والثالث : ما يجوز فيه الأمران والنصب أرجح ، والرابع : ما يجوز فيه الأمران والرفع أرجح ، والخامس : ما يجوز فيه الأمران على السواء.

فأشار المصنف إلى القسم الأول بقوله : «والنّصب حتم ـ إلى آخره» ومعناه أنه يجب نصب الاسم السابق إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل ، كأدوات الشرط (١) نحو إن ، وحيثما ؛ فتقول : «إن زيدا أكرمته أكرمك ، وحيثما زيدا تلقه فأكرمه» : فيجب نصب «زيدا» فى المثالين وفيما أشبههما ، ولا يجوز الرفع على أنه مبتدأ ؛ إذ لا يقع [الاسم] بعد هذه

__________________

«يختص» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة من يختص وفاعله لا محل لها صلة الموصول «بالفعل» جار ومجرور متعلق بيختص «كإن» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف : أى وذلك كائن كإن ـ إلخ ، «وحيثما» معطوف على «إن» المجرورة محلا بالكاف.

(١) الأدوات التى تختص بالفعل أربعة أنواع :

الأول : أدوات الشرط كإن ، وحيثما ، نحو ما مثل به الشارح ، واعلم أن الاشتغال إنما يقع بعد أدوات الشرط فى ضرورة الشعر ، فأما فى النثر فلا يقع الاشتغال إلا بعد أداتين منهما : الأولى «إن» بشرط أن يكون الفعل المشغول ماضيا ، نحو : إن زيدا لقيته فأكرمه ، والثانية : «إذا» مطلقا ، نحو إذا زيدا لقيته ـ أو تلقاه ـ فأكرمه.

النوع الثانى : أدوات التحضيض ، نحو هلا زيدا أكرمته.

النوع الثالث : أدوات العرض ، نحو ألا زيدا أكرمته.

النوع الرابع : أدوات الاستفهام غير الهمزة ، نحو هل زيدا أكرمته ، فأما الهمزة فلا تختص بالفعل ، بل يجوز أن تدخل على الأسماء كما تدخل على الأفعال ، وإن كان دخولها على الأفعال أكثر.


الأدوات ، وأجاز بعضهم وقوع الاسم بعدها ؛ فلا يمتنع عنده الرفع على الابتداء ، كقول الشاعر :

(١٥٧) ـ

لا تجزعى إن منفس أهلكته

فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعى

__________________

١٥٧ ـ هذا البيت ساقط من أكثر النسخ. ولم نشرحه فى الطبعة الأولى لهذه العلة ، وهو من كلمة للنمر بن تولب يجيب فيها امرأته وقد لامته على التبدير ، وكان من حديثه أن قوما نزلوا به فى الجاهلية ، فنحر لهم أربع قلائص ، واشترى لهم زق خمر ، فلامته امرأته على ذلك ؛ ففى هذا يقول :

قالت لتعذلنى من اللّيل : اسمع ،

سفه تبيّتك الملامة فاهجعى

لا تجزعى لغد ، وأمر غد له ،

أتعجّلين الشّرّ ما لم تمنعى

قامت تبكّى أن سبات لفتية

زقّا وخابية بعود مقطع

اللغة : «لا تجزعى» لا تحزنى ، والجزع هو : ضعف المرء عن تحمل ما ينزل به من بلاء ، وهو أيضا أشد الحزن «منفس» هو المال الكثير ، وهو الشىء النفيس الذى يضن أهله به «أهلكته» أذهبته وأفنيته «هلكت» مت.

الإعراب : «لا» ناهية «تجزعى» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون. وياء المؤنثة المخاطبة فاعل «إن» شرطية «منفس» فاعل لفعل محذوف هو فعل الشرط ، وقوله «أهلكته» جملة من فعل وفاعل ومفعول لا محل لها تفسيرية «فإذا» الفاء عاطفة ، إذا : ظرفية تضمنت معنى الشرط «هلكت» فعل وفاعل ، وجملتهما فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «فبعد» الفاء زائدة ، وبعد : ظرف متعلق بقوله «اجزعى» فى آخر البيت ، وبعد مضاف واسم الإشارة من «ذلك» مضاف إليه ، واللام للبعد ، والكاف حرف خطاب «فاجزعى» الفاء واقعة فى جواب إذا ، وما بعدها فعل أمر ، وياء المخاطبة فاعل ، والجملة جواب إذا لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه : قوله «إن منفس» حيث وقع الاسم المرفوع بعد أداة الشرط التى هى «إن» والأكثر أن يلى هذه الأداة الفعل.


تقديره : «إن هلك منفس» (١) ، والله أعلم.

* * *

__________________

وقيل : أن تقرر لك ما فى هذا البيت نخبرك أنه يروى بنصب «منفس» يروى برفعه.

فأما رواية النصب فهى التى رواها سيبويه وجمهور البصريين (انظر كتاب سيبويه ١ ـ ٦٨ ، ومفصل الزمخشرى ١ ـ ١٤٩ بتحقيقنا) ولا إشكال على هذه الرواية ؛ لأن «منفسا» حينئذ منصوب بفعل محذوف مفسر بفعل من لفظ الفعل المذكور بعده ، والتقدير : إن أهلكت منفسا أهلكته.

والرواية الثانية برفع «منفس» وهى رواية الكوفيين ، وأعربوها على أن «منفس» مبتدأ ، وجملة «أهلكته» خبره ، وهذا هو صريح عبارة الشارح قبل إنشاده البيت ، واستدلوا به وبمثله على جواز وقوع الجملة الاسمية بعد «إن» و «إذا» الشرطيتين ، وقالوا : إن الاسم المرفوع بعد هاتين الأدانين مبتدأ ، والجملة بعده فى محل رفع خبر ، ومنهم من يجعل هذا الاسم المرفوع فاعلا لنفس الفعل المذكور بعده فى نحو «إن زيد يزورك فأكرمه» بناء على مذهبهم من جواز تقديم الفاعل على الفعل الرافع له ، فأما البصريون فلا يسلمون أولا رواية الرفع ، ثم يقولون : إن صحت هذه الرواية فإنها لا تدل على جواز وقوع الجمل الاسمية بعد أداة الشرط ، ولا تدل على جواز تقدم الفاعل على فعله ؛ لأن واحدا من هذين الوجهين غير متعين فى إعراب الاسم المرفوع بعد أداة الشرط ، بل هذا الاسم فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعده ، ويقدر المحذوف من لفظ المذكور إن كان الذى بعده قد رفع الضمير على الفاعلية ، ومن معنى الفعل المتأخر إن كان قد نصب ضمير الاسم كما فى هذا البيت المستشهد به ، ومن الأول قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) وهذا هو الراجح ، وهو الذى قدره الشارح بعد إنشاد البيت ، ثم ارجع إلى ما ذكرناه فى تقدير العامل فى المشغول عنه (فى ص ٥١٨) ، ثم انظر ما ذكرناه فى باب الفاعل

(١) هذا التقدير هو تقدير البصريين ، ولا يتفق ذكره هنا بهذا الشكل مع ما ذكره الشارح قبل إنشاد البيت ، ولو أنه قال : «وتقديره عند البصريين إن هلك منفس» لاستقام الكلام.


وإن تلا السّابق ما بالابتدا

يختصّ فالرّفع التزمه أبدا (١)

كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد

ما قبل معمولا لما بعد وجد (٢)

أشار بهذين البيتين إلى القسم الثانى ، وهو ما يجب فيه الرّفع (٣) ؛ فيجب رفع

__________________

(١) «وإن» شرطية «تلا» فعل ماض ، فعل الشرط «السابق» فاعل تلا «ما» اسم موصول : مفعول به لتلا «بالابتدا» جار ومجرور متعلق بيختص الآتى «يختص» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة لا محل لها صلة «فالرفع» الفاء لربط الجواب بالشرط ، الرفع : مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : فالتزم الرفع التزمه ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط «التزمه» التزم : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به «أبدا» منصوب على الظرفية ، والجملة من فعل الأمر وفاعله المستتر فيه لا محل لها مفسرة.

(٢) «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف يقع نعتا لمصدر محذوف منصوب على المفعولية المطلقة بفعل مدلول عليه بالسابق ، والتقدير : والتزم الرفع التزاما مشابها لذلك الالتزام إذا تلا الفعل ـ إلخ «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «الفعل» فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : إذا تلا الفعل «تلا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب تفسيرية «ما» اسم موصول مفعول به لتلا «لم يرد» مضارع مجزوم بلم «ما» اسم موصول فاعل يرد ، والجملة لا محل لها صلة ما الواقع مفعولا به لتلا «قبل» ظرف متعلق بمحذوف صلة «ما» الواقع فاعلا «معمولا» حال من فاعل يرد «لما» جار ومجرور متعلق بمعمول «بعد» ظرف متعلق بوجد «وجد» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة المجرورة محلا باللام ، والجملة لا محل لها صلة «ما» المجرورة محلا باللام.

(٣) للمؤلفين اختلاف فى اعتبار هذا القسم برمته من باب الاشتغال ؛ فابن الحاجب لم يذكره أصلا ، وابن هشام ينص على أنه ليس من باب الاشتغال ؛ ولا يصدق ضابطه عليه ، وذلك لأننا اشترطنا فى ضابط الاشتغال : أن العامل فى المشغول به لو تفرغ من الضمير وسلط على الاسم السابق المشغول عنه لعمل فيه (انظر كلام الشارح فى ص ٥١٨)


الاسم المشتغل عنه إذا وقع بعد أداة تختصّ بالابتداء ، كإذا الّتى للمفاجأة ؛ فتقول : «خرجت فإذا زيد يضربه عمرو» برفع «زيد» ـ ولا تجوز نصبه ؛ لأن «إذا» هذه لا يقع بعدها الفعل : لا ظاهرا ، ولا مقدرا.

وكذلك يجب رفع الاسم السابق إذا ولى الفعل المشتغل بالضمير أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، كأدوات الشرط ، والاستفهام ، و «ما» النافية ، نحو «زيد إن لقيته فأكرمه ، وزيد هل تضربه ، وزيد ما لقيته» فيجب رفع «زيد» فى هذه الأمثلة ونحوها (١) ، ولا يجوز نصبه ؛ لأن ما لا يصلح أن يعمل

__________________

وفى هذا القسم لا يتم ذلك ، ألا ترى أن نحو قولك : «خرجت فإذا زيد يضربه عمرو» لو حذفت الضمير لم يعمل «يضرب» فى «زيد» المتقدم ؛ لأن المتقدم مرفوع ، والمتأخر يطلب منصوبا لا مرفوعا ، ولأن الفعل المتأخر لا يصح أن يقع بعد «إذا». ومن الناس من عده من باب الاشتغال غير مكترث بهذا الضابط ، والحق هو الأول لما ذكرنا.

(١) الأشياء التى لا يعمل ما بعدها فيما قبلها عشرة أنواع :

(الأول) أدوات الشرط جميعها ، نحو زيد إن لقيته فأكرمه ، وزيد حيثما تلقه فأكرمه.

(الثانى) أدوات الاستفهام جميعها ، نحو زيد هل أكرمته ، وعلى أسلمت عليه.

(الثالث) أدوات التحضيض جميعها ، نحو زيد هلا أكرمته ، وخالد ألا تزوره.

(الرابع) أدوات العرض جميعها ، نحو زيد ألا تكرمه ، وبكر أما تجيبه.

(الخامس) لام الابتداء ، نحو زيد لأنا قد ضربته ، وخالد لأنا أحبه حبا جما.

(السادس) «كم» الخبرية ، نحو زيدكم ضربته ، وإبراهيم كم نصحت له.

(السابع) الحروف الناسخة ، نحو زيد إنى ضربته ، وبكر كأنه السيف مضاء عزيمة.

(الثامن) الأسماء الموصولة ، نحو زيد الذى تضربه ، وهند التى رأيتها.

(التاسع) الأسماء الموصوفة بالعامل المشغول ، نحو زيد رجل ضربته.

(العاشر) بعض حروف النفى ؛ وهى «ما» مطلقا ، نحو زيد رجل ما ضربته ، «لا» بشرط أن تقع فى جواب قسم ، نحو زيد والله لا أضربه ؛ فإن كان حرف


فيما قبله لا يصلح أن يفسّر عاملا فيما قبله ، وإلى هذا أشار بقوله : «كذا إذا الفعل تلا ـ إلى آخره».

أى : كذلك يجب رفع الاسم السابق إذا تلا الفعل شيئا لا يرد ما قبله معمولا لما بعده ، ومن أجاز عمل ما بعد هذه الأدوات فيما قبلها ، فقال : «زيدا ما لقيت» أجاز النصب مع الضمير بعامل مقدّر ؛ فيقول : «زيدا ما لقيته».

* * *

واختير نصب قبل فعل ذى طلب

وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب (١)

وبعد عاطف بلا فصل على

معمول فعل مستقرّ أوّلا (٢)

__________________

النفى غير «ما» و «لا» نحو زيد لم أضربه ـ أو كان حرف النفى هو «لا» وليس فى جواب القسم ، نحو زيد لا أضربه ـ فإنه يترجح الرفع ولا يجب ؛ لأنها حينئذ لا تفصل ما بعدها عما قبلها.

(١) «واختير» فعل ماض مبنى للمجهول «نصب» نائب فاعل لاختير «قبل» ظرف متعلق باختير ، وقبل مضاف و «فعل» مضاف إليه «ذى طلب» نعت لفعل ، ومضاف إليه «وبعد» معطوف على قبل ، وبعد مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «إيلاؤه» إيلاء : مبتدأ ، وإيلاء مضاف والهاء مضاف إليه من إضافة المصدر لأحد مفعوليه «الفعل» مفعول ثان للمصدر «غلب» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى إيلاء ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة ما المجرورة محلا بالإضافة.

(٢) «وبعد» معطوف على بعد فى البيت السابق ، وبعد مضاف و «عاطف» مضاف إليه «بلا فصل» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لعاطف «على معمول» متعلق بعاطف ، ومعمول مضاف و «فعل» مضاف إليه «مستقر» نعت لفعل «أولا» ظرف متعلق بمستقر.


هذا هو القسم الثالث ، وهو ما يختار فيه النصب.

وذلك إذا وقع بعد الاسم فعل دال على طلب ـ كالأمر ، والنهى ، والدعاء ـ نحو «زيدا اضربه ، وزيدا لا تضربه ، وزيدا رحمه الله» ؛ فيجوز رفع «زيد» ونصبه ، والمختار النصب (١).

وكذلك يختار النصب إذا وقع الاسم بعد أداة يغلب أن يليها الفعل (٢) ، كهمزة الاستفهام ، نحو «أزيدا ضربته» بالنصب والرفع ، والمختار النصب.

وكذلك يختار النصب إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدّمته جملة فعليّة ولم يفصل بين العاطف والاسم ، نحو «قام زيد وعمرا أكرمته»؟ فيجوز رفع «عمرو» ونصبه ، والمختار النصب ؛ لتعطف جملة فعلية على جملة فعلية ، فلو فصل بين العاطف والاسم كان الاسم كما لو لم يتقدمه شىء ، نحو «قام زيد وأمّا عمرو فأكرمته» فيجوز رفع «عمرو» ونصبه ، والمختار الرفع كما سيأتى ، وتقول : «قام زيد وأمّا عمرا فأكرمه» فيختار النصب كما تقدم ؛ لأنه وقع قبل فعل دالّ على طلب.

__________________

(١) إنما اختبر نصب الاسم المشغول عنه إذا كان الفعل المشغول طلبيا ـ مع أن الجمهور يجيزون الإخبار عن المبتدأ بالجملة الطلبية ـ لأن الإخبار بها خلاف الأصل ، لكونها لا تحتمل الصدق والكذب.

(٢) الأدوات التى يغلب وقوع الفعل بعدها أربعة (الأولى) همزة الاستفهام (الثانية) «ما» النافية ؛ ففى نحو «ما زيدا لقيته» يترجح النصب (الثالثة) «لا» النافية ؛ ففى نحو «لا زيدا ضربته ولا عمرا» يترجح النصب (الرابعة) «إن» النافية ؛ ففى نحو «إن زيدا ضربته» ـ بمعنى ما زيدا ضربته ـ يترجح النصب أيضا.


وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا

به عن اسم ، فاعطفن مخيّرا (١)

أشار بقوله : «فاعطفن مخيّرا» إلى جواز الأمرين على السواء ، وهذا هو الذى تقدّم أنه القسم الخامس ، وضبط النحويون ذلك بأنه إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدّمته جملة ذات وجهين ، جاز الرفع والنصب على السواء ، وفسّروا الجملة ذات الوجهين بأنها جملة : صدرها اسم ، وعجزها فعل ، نحو «زيد قام وعمرو أكرمته» فيجوز رفع «عمرو» مراعاة للصدر ، ونصبه مراعاة للعجز.

* * *

والرّفع فى غير الّذى مرّ رجح

فما أبيح افعل ، ودع ما لم يبح (٢)

__________________

(١) «إن» شرطية «تلا» فعل ماض ، فعل الشرط «المعطوف» فاعل لتلا «فعلا» مفعول به لتلا «مخبرا» نعت لفعل «به ، عن اسم» متعلقان بمخبر «فاعطفن» الفاء لربط الجواب بالشرط ، اعطف : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مخيرا» حال من الضمير المستتر فى «اعطفن».

(٢) «والرفع» مبتدأ «فى غير» جار ومجرور متعلق برجح الآتى ، وغير مضاف و «الذى» اسم موصول : مضاف إليه «مر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذى ، والجملة من مر وفاعله لا محل لها صلة «رجح» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الرفع الواقع مبتدأ ، والجملة من رجح وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «فما» الفاء للتفريع ، وما : اسم موصول به مقدم لا فعل «أبيح» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة من أبيح ونائب فاعله لا محل لها صلة «افعل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ودع» مثله «ما» اسم موصول مفعول به لدع «لم يبح» مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة لا محل لها صلة الموصول.


هذا هو الذى تقدّم أنه القسم الرابع ، وهو ما يجوز فيه الأمران ويختار الرفع ، وذلك : كلّ اسم لم يوجد معه ما يوجب نصبه ، ولا ما يوجب رفعه ، ولا ما يرجّح نصبه ، ولا ما يجوّز فيه الأمرين على السواء ، وذلك نحو «زيد ضربته» فيجوز رفع «زيد» ونصبه ، والمختار رفعه ؛ لأن عدم الإضمار أرجح من الإضمار ، وزعم بعضهم أنه لا يجوز النصب ؛ لما فيه من كلفة الإضمار ، وليس بشىء ، فقد نقله سيبويه وغيره من أئمة العربية ، وهو كثير ، وأنشد أبو السعادات ابن الشّجرىّ فى أماليه على النصب قوله :

(١٥٨) ـ

فارسا ما غادروه ملحما

غير زمّيل ولا نكس وكل

ومنه قوله تعالى : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) بكسر تاء «جنّات».

* * *

__________________

١٥٨ ـ البيت لامرأة من بنى الحارث بن كعب ، وهو أول ثلاثة أبيات اختارها أبو تمام فى ديوان الحماسة (انظر شرح التبريزى ٣ ـ ١٢١ بتحقيقنا) ونسبها قوم إلى علقمة بن عبدة ، وليس ذلك بشىء ، وبعد بيت الشاهد قولها :

لو يشا طار به ذو ميعة

لاحق الآطال نهد ذو خصل

غير أنّ الباس منه شيمة

وصروف الدّهر تجرى بالاجل

اللغة : «فارسا» هذه الكلمة تروى بالرفع وبالنصب ، وممن رواها بالرفع أبو تمام فى ديوان الحماسة ، وممن رواها بالنصب أبو السعادات ابن الشجرى كما قال الشارح «ما» زائدة «غادروه» تركوه فى مكانه ، وسمى الغدير غديرا لأنه جزء من الماء يتركه السيل ؛ فهو فعيل بمعنى مفعول فى الأصل. ثم نقل إلى الاسمية «ملحم» بزنة المفعول : الذى ينشب فى الحرب فلا يجد له مخلصا «الزميل» بضم أوله وتشديد ثانيه مفتوحا : الضعيف الجبان «النكس» بكسر أوله وسكون ثانيه : الضعيف الذى يقصر عن النجدة وعن غاية المجد والكرم «الوكل» بزنة كتف ـ الذى يكل أمره إلى غيره عجزا «لو يشا ـ إلخ» معناه أنه لو شاء النجاة لأنجاه فرس له نشاط وسرعة جرى وحدة ، والنهد : الغليظ ، والحصل : جمع خصلة ، وهى ما يتدلى من أطراف الشعر


وفصل مشغول بحرف جرّ

أو بإضافة كوصل يجرى (١)

يعنى أنه لا فرق فى الأحوال الخمسة السابقة بين أن يتّصل الضمير بالفعل المشغول به نحو «زيد ضربته» أو ينفصل منه : بحرف جر ، نحو «زيد مررت به» أو بإضافة ، نحو «زيد ضربت غلامه» ، [أو غلام صاحبه] ، أو مررت بغلامه ، [أو بغلام صاحبه]» ؛ فيجب النصب فى نحو «إن زيدا مررت به أكرمك» كما يجب فى «إن زيدا لقيته أكرمك» وكذلك يجب الرفع فى «خرجت فإذا زيد مرّ به عمرو» ويختار النصب فى «أزيدا مررت

__________________

«غير أن البأس ـ إلخ» الشيمة : الطبيعة والسجية والخليقة ، وصروف الدهر : أحواله وأهواله وأحداثه وغيره ونوازله ، واحدها صرف.

الإعراب : «فارسا» مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده ، وتقدير الكلام : غادروا فارسا «ما» حرف زائد لقصد التفخيم ، ويجوز أن يكون اسما نكرة بمعنى عظيم ؛ فهو حينئذ نعت لفارس «غادروه» فعل وفاعل ومفعول به «ملحما» حال من الضمير المنصوب فى غادروه ، ويقال : مفعول ثان ، وليس بذاك «غير» حال ثان ، وغير مضاف و «زميل» مضاف إليه «ولا نكس» الواو عاطفة ، ولا : زائدة لتأكيد النفى ، ونكس : معطوف على زميل «وكل» صفة لنكس.

الشاهد فيه : قوله «فارسا ما غادروه» حيث نصب الاسم السابق ، وهو قوله «فارسا» المشتغل عنه ، بفعل محذوف يفسره المذكور بعده ، ولا مرجح للنصب فى هذا الموضع ولا موجب له ؛ فلما نصب «فارسا» مع خلو الكلام مما يوجب النصب أو يرجحه ـ دل على أن النصب حينئذ جائز ، وليس ممتنع.

(١) «فصل» مبتدأ ، وفصل مضاف و «مشعول» مضاف إليه «بحرف» جار ومجرور متعلق بفصل ، وحرف مضاف و «جر» مضاف إليه «أو» عاطفة «بإضافة» جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور السابق «كوصل» جار ومجرور متعلق بيجرى الآتى «يجرى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فصل الواقع مبتدأ فى أول البيت ، والجملة من يجرى وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.


به؟» ويختار الرفع فى «زيد مررت به» ويجوز الأمران على السواء فى «زيد قام وعمرو مررت به» وكذلك الحكم فى «زيد [ضربت غلامه ، أو] مررت بغلامه».

* * *

وسوّ فى ذا الباب وصفا ذا عمل

بالفعل ، إن لم يك مانع حصل (١)

يعنى أن الوصف العامل فى هذا الباب يجرى مجرى الفعل فيما تقدم ، والمراد بالوصف العامل : اسم الفاعل ، واسم المفعول.

واحترز بالوصف مما يعمل عمل الفعل وليس بوصف كاسم الفعل ، نحو «زيد دراكه» فلا يجوز نصب «زيد» ؛ لأن أسماء الأفعال لا تعمل فيما قبلها ؛ فلا تفسر عاملا فيه.

واحترز بقوله «ذا عمل» من لوصف الذى لا يعمل ، كاسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضى ، نحو «زيدا أنا ضاربه أمس» ؛ فلا يجوز نصب «زيد» ؛ لأن ما لا يعمل لا يفسر عاملا.

ومثال الوصف العامل «زيد أنا ضاربه : الآن ، أو غدا ، والدرهم أنت معطاه» فيجوز نصب «زيد ، والدرهم» ورفعهما كما كان يجوز ذلك مع الفعل.

__________________

(١) «وسو» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فى ذا» جار ومجرور متعلق بسو «الباب» بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان عليه أو نعت له «وصفا» مفعول به لسو «ذا» بمعنى صاحب : نعت لوصف ، وذا مضاف ، و «عمل» مضاف إليه «بالفعل» جار ومجرور متعلق بسو «إن» شرطية «لم» نافية جازمة «يك» فعل مضارع تام مجزوم بلم ، فعل الشرط ، وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة للتخفيف «مانع» فاعل يك «حصل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مانع ، والجملة فى محل رفع نعت لمانع ، وجواب الشرط محذوف ، وتقديره : إن لم يكن مانع حاصل وموجود فسو وصفا ذا عمل بالفعل.


واحترز بقوله : «إن لم يك مانع حصل» عما إذا دخل على الوصف مانع يمنعه من العمل فيما قبله ، كما إذا دخلت عليه الألف واللام ، نحو «زيد أنا الضّاربه» ؛ فلا يجوز نصب «زيد» ؛ لأن ما بعد الألف واللام لا يعمل فيما قبلهما ؛ فلا يفسّر عاملا فيه ، والله أعلم (١).

* * *

وعلقة حاصلة بتابع

كعلقة بنفس الاسم الواقع (٢)

تقدّم أنه لا فرق فى هذا الباب بين ما اتّصل فيه الضمير بالفعل ، نحو «زيدا ضربته» وبين ما انفصل بحرف جر ، نحو «زيدا مررت به» ؛ أو بإضافة ، نحو «زيدا ضربت غلامه».

__________________

(١) تلخيص ما أشار إليه الناظم والشارح أن العامل المشغول إذا لم يكن فعلا اشترط فيه ثلاثة شروط (الأول) أن يكون وصفا ، وذلك يشمل اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة ، ويخرج به اسم الفعل والمصدر ؛ فإن واحدا منهما لا يسمى وصفا (الثانى) أن يكون هذا الوصف عاملا النصب على المفعولية باطراد ؛ فإن لم يكن بهذه المنزلة لم يصح ، وذلك كاسم الفاعل بمعنى الماضى والصفة المشبهة واسم التفضيل (الثالث ألا يوحد مانع ؛ فإن وجد ما يمنع من عمل الوصف فيما قبله لم يصح فى الاسم السابق نصبه على الاشتغال ، ومن الموانع كون الوصف اسم فاعل مقترنا بأل ؛ لأن «أل» الداخلة على اسم الفاعل موصولة ، وقد عرفت أن الموصولات تقطع ما بعدها عما قبلها ، فيكون العامل غير الفعل فى هذا الباب منحصرا فى ثلاثة أشياء : اسم الفاعل ، واسم المفعول ، وأمثلة المبالغة ، بشرط أن يكون كل واحد منها بمعنى الحال أو الاستقبال ، وألا يقترن بأل.

(٢) «وعلقة» مبتدأ «حاصلة» نعت لعلقة «بتابع» جار ومجرور متعلق بحاصلة «كعلقة» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «بنفس» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لعلقة المجرور بالكاف ، ونفس مضاف ، و «الاسم» مضاف إليه «الواقع» نعت للاسم.


وذكر فى هذا البيت أن الملابسة بالتابع كالملابسة بالسببى ، ومعناه أنه إذ عمل الفعل فى أجنبىّ ، وأتبع بما اشتمل على ضمير الاسم السابق : من صفة ، نحو «زيدا ضربت رجلا يحبه» أو عطف بيان ، نحو «زيدا ضربت عمرا أباه» أو معطوف بالواو خاصّة نحو «زيدا ضربت عمرا وأخاه» حصلت الملابسة بذلك كما تحصل بنفس السببىّ ، فينزّل «زيدا ضربت رجلا يحبه» منزلة «زيدا ضربت غلامه» وكذلك الباقى.

وحاصله أن الأجنبىّ إذا أتبع بما فيه ضمير الاسم السابق جرى مجرى السببى ، والله أعلم.

* * *


تعدّى الفعل ، ولزومه

علامة الفعل المعدّى أن تصل

«ها» غير مصدر به ، نحو عمل (١)

ينقسم الفعل إلى متعدّ ، ولازم ؛ فالمتعدّى : هو الذى يصل إلى مفعوله بغير حرف جر ، [نحو «ضربت زيدا»] واللازم : ما ليس كذلك ، وهو : ما لا يصل إلى مفعوله إلا بحرف جر (٢) نحو «مررت بزيد» أولا مفعول له ،

__________________

(١) «علامة» مبتدأ ، وعلامة مضاف ، و «الفعل» مضاف إليه «المعدى» نعت للفعل «أن» مصدرية «تصل» فعل مضارع منصوب بأن ، وسكن للوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، و «أن» وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مرفوع خبر المبتدأ ، والتقدير : علامة الفعل المعدى وصلك به ها ـ إلخ «ها» مفعول به لتصل ، وها مضاف و «غير» مضاف إليه ، وغير مضاف ، و «مصدر» مضاف إليه «به» جار ومجرور متعلق بتصل «نحو» خبر لمبتدأ محذوف : أى وذلك نحو ، ونحو مضاف ، و «عمل» قصد لفظه : مضاف إليه.

(٢) أكثر النحاة على أن الفعل من حيث التعدى واللزوم ينقسم إلى قسمين : المتعدى ، واللازم ، ولا ثالث لهما ، وعبارة الناظم والشارح تدل على أنهما يذهبان هذا المذهب ، ألا ترى أن الناظم يقول «ولازم غير المعدى» والشارح يقول «واللازم ما ليس كذلك» وذلك يدل على أن كل فعل ليس بمتعد فهو لازم ؛ فيدل على انحصار التقسيم فى القسمين.

ومن العلماء من ذهب إلى أن الفعل من هذه الجهة ينقسم إلى ثلاثة أقسام : الأول المتعدى ، والثانى اللازم ، والثالث ما ليس بمتعد ولا لازم ، وجعلوا من هذا القسم الثالث الأخير «كان» وأخواتها ؛ لأنها لا تنصب المفعول به ولا تتعدى إليه بحرف الجر ، كما مثلوا له ببعض الأفعال التى وردت تارة متعدية إلى المفعول به بنفسها وتارة أخرى متعدية إليه بحرف الجر ، نحو شكرته وشكرت له ونصحته ونصحت له وما أشبههما وقد يقال : إن «كان» ليست خارجة عن القسمين ، بل هى متعدية ، وحينئذ يكون


نحو «قام زيد» ويسمى ما يصل إلى مفعوله بنفسه : فعلا متعدّيا ، وواقعا ، ومجاوزا ، وما ليس كذلك يسمى : لازما ، وقاصرا ، وغير متعدّ ، و [يسمى] متعديا بحرف جر.

وعلامة الفعل المتعدّى أن تتصل به هاء تعود على غير المصدر ، وهى هاء المفعول به ، نحو «الباب أغلقته».

واحترز بهاء غير المصدر من هاء المصدر ؛ فإنها تتصل بالمتعدى واللازم ؛ فلا تدل على تعدّى الفعل ؛ فمثال المتصلة بالمتعدى «الضّرب ضربته زيدا» أى ضربت الضرب [زيدا] ومثال المتصلة باللازم «القيام قمته» أى : قمت القيام.

* * *

فانصب به مفعوله إن لم ينب

عن فاعل ، نحو تدبّرت الكتب (١)

__________________

المراد من المفعول به هو أو ما أشبهه كخبر كان ، أو يقال : إن المقسم هو الأفعال التامة ؛ فليست «كان» وأخواتها من موضع التقسيم حتى يلزم دخولها فى أحد القسمين ، كما انه قد يقال : إن نحو شكرته وشكرت له لم تخرج عن القسمين ، بل هى إما متعدية ، وحرف الجر فى شكرت له زائد ، أو لازمة ، ونصبها للمفعول به فى شكرته على نزع الخافض.

(١) «فانصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «به» جار ومجرور متعلق بانصب «مفعوله» مفعول : مفعول به لانصب ، ومفعول مضاف والهاء مضاف إليه «إن» شرطية «لم» نافية جازمة «ينب» فعل مضارع ، فعل الشرط ، مجزوم بلم ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مفعوله ،؟؟؟ الشرط محذوف ، والتقدير : إن لم ينب مفعوله عن فاعل فانصبه به «عن فاعل»؟؟؟ مجرور متعلق بينب «نحو» خبر لمبتدأ محذوف : أى وذلك نحو «تدبرت»؟؟؟ فاعل «الكتب» مفعول به ، ونحو مضاف ، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله


شأن الفعل المتعدّى أن ينصب مفعوله إن لم ينب عن فاعله ، نحو «تدبّرت الكتب» فإن ناب عنه وجب رفعه كما تقدّم ، نحو «تدبّرت الكتب».

وقد يرفع المفعول وينصب الفاعل عند أمن اللبس ، كقولهم : «خرق الثوب المسمار» ولا ينقاس ذلك ، بل يقتصر فيه على السماع (١).

__________________

فى محل جر مضاف إليه ، والمراد بالمفعول فى قوله «فانصب به مفعوله» هو المفعول به ، لأمرين ؛ أحدهما : أن المفعول عند الإطلاق هو المفعول به ، وأما بقية المفاعيل فلا بد فيها من التقييد ، تقول : المفعول معه ، والمفعول لأجله ، والمفعول فيه. والمفعول المطلق. وثانيهما : أن الذى يختص به الفعل المتعدى هو المفعول به ؛ فأما غيره من المفاعيل فيشترك فى نصبه المتعدى واللازم ، تقول : ضربت ضربا ، وقمت قياما ، وتقول : ذاكرت والمصباح ، وسرت والنيل ، وتقول : ضربت ابنى تأديبا ، وقمت إجلالا للأمير ، وتقول : لعبت الكرة أصيلا. وخرجت من الملعب ليلا.

(١) قال السيوطى فى همع الهوامع (١ / ١٨٦) : وسمع رفع المفعول به ونصب الفاعل ، حكوا : خرق الثوب المسمار ، وكسر الزجاج الحجر ، وقال الشاعر :

مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت

بحران أو بلغت سوآتهم هجر

فإن السوآت هى المبالغة ، وسمع أيضا رفعهما ، قال :

[إن من صاد عقعقا لمشوم]

كيف من صاد عقعقان وبوم

وسمع نصبهما ، قال :

قد سالم الحيّات منه القدما

[الأفعوان والشّجاع الشّجعما]

والمبيح لذلك كله فهم المعنى وعدم الإلباس ، ولا يقاس على شىء من ذلك» اه وقال ابن مالك فى شرح الكافية : «وقد يحملهم ظهور المعنى على إعراب كل واحد من الفاعل والمفعول به بإعراب الآخر ؛ كقولهم : خرق الثوب المسمار ، ومنه قول الأخطل* مثل القنافذ ... البيت» اه.

والظاهر من هذه العبارات كلها أن الاسم المنصوب فى هذه المثل التى ذكروها هو الفاعل ، والاسم المرفوع هو المفعول ، وأن التغير لم يحصل إلا فى حركات الإعراب ، لكن ذهب الجوهرى إلى أن المنصوب هو المفعول به ، والمرفوع هو الفاعل ، والتغيير


والأفعال المتعدية على ثلاثة أقسام :

أحدها : ما يتعدّى إلى مفعولين ، وهى قسمان ؛ أحدهما : ما أصل المفعولين فيه المبتدأ والخبر ، كظنّ وأخواتها ، والثانى : ما ليس أصلهما ذلك ، كأعطى وكسا.

والقسم الثانى : ما يتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل ، كأعلم وأرى.

والقسم الثالث : ما يتعدّى إلى مفعول واحد ، كضرب ، ونحوه.

* * *

ولازم غير المعدّى ، وحتم

لزوم أفعال السّجايا ، كنهم (١)

كذا افعللّ ، والمضاهى اقعنسسا ،

وما اقتضى : نظافة ، أو دنسا (٢)

أو عرضا ، أو طارع المعدّى

لواحد ، كمدّة فامتدّا (٣)

__________________

إنما حصل فى المعنى. وهذا رأى لجماعة من النحاة ، وقد اختاره الشاطى. وانظر ما ذكرناه واستشهدنا له فى مطلع باب الفاعل.

(١) «ولازم» خبر مقدم «غير» مبتدأ مؤخر ، وغير مضاف و «المعدى» مضاف إليه «وحتم» فعل ماض مبنى للمجهول «لزوم» نائب فاعل لحتم ، ولزوم مضاف ، و «أفعال» مضاف إليه ، وأفعال مضاف ، و «السجايا» مضاف إليه «كنهم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف. والتقدير : وذلك كائن كنهم.

(٢) «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «افعلل» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «والمضاهى» معطوف على قوله «افعلل» السابق. وهو اسم فاعل ، وفاعله ضمير مستتر فيه. وقوله «اقعنسسا» مفعوله ، وقد قصد لفظه «وما» اسم موصول : معطوف على المضاهى «اقتضى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة. والجملة لا محل لها صلة الموصول «نظافة» مفعول به لاقتضى «أو دنسا» معطوف على قوله نظافة.

(٣) «أو عرضا» معطوف على قوله نظافة فى البيت السابق «أو طاوع» أو :


اللازم هو : ما ليس بمتعدّ ، وهو : ما لا يتّصل به هاء [ضمير] غير المصدر ، ويتحتّم اللزوم لكل فعل دالّ على سجية ـ وهى الطبيعة ـ نحو : «شرف ، وكرم ، وظرف ، ونهم» وكذا كلّ فعل على وزن افعللّ ، نحو : «اقشعرّ ، واطمأنّ» أو على وزن افعنلل ، نحو : «اقعنسس ، واحرنجم» أو دلّ على نظافة كـ «طهر الثوب ، ونظف» أو على دنس كـ «دنس الثوب ، ووسخ» أو دلّ على عرض نحو : «مرض زيد ، واحمرّ» أو كان مطاوعا لما تعدّى إلى مفعول واحد نحو : «مددت الحديد فامتدّ ، ودحرجت زيدا فتدحرج» واحترز بقوله : «لواحد» مما طاوع المتعدى إلى اثنين ؛ فإنه لا يكون لازما ، بل يكون متعديا إلى مفعول واحد ، نحو : «فهّمت زيدا المسألة ففهمها ، وعلّمته النحو فتعلّمه».

* * *

وعدّ لازما بحرف جرّ

وإن حذف فالنّصب للمنجرّ (١)

__________________

حرف عطف. وطاوع : فعل ماض معطوف على اقتضى ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة «المعدى» مفعول به لطاوع «لواحد» جار ومجرور متعلق بالمعدى «كمده» متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف. والتقدير : وذلك كائن كمده «فاستدا» الفاء عاطفة ، امتد : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جواز تقديره هو.

(١) «وعد» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لازما» مفعول به لعد «بحرف» جار ومجرور متعلق بعد ، وحرف مضاف و «جر» مضاف إليه «وإن» شرطية «حذف» فعل ماض مبنى للمجهول فعل الشرط. ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حرف جر «فالنصب» الفاء لربط الجواب بالشرط. النصب : مبتدأ «للمنجر» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جزم جواب الشرط.


نقلا ، وفى «أنّ» «وأن» يطّرد

مع أمن لبس : كعجبت أن يدوا (١)

تقدّم أن الفعل المتعدّى يصل إلى مفعوله بنفسه ، وذكر هنا أن الفعل اللازم يصل إلى مفعوله بحرف جر ، نحو : «مررت بزيد» وقد يحذف حرف الجر فيصل إلى مفعوله بنفسه ، نحو : «مررت زيدا» قال الشاعر :

(١٥٩) ـ

تمرّون الدّيار ولم تعوجوا

كلامكم علىّ إذا حرام

__________________

(١) «نقلا» مفعول مطلق ، أو حال صاحبه اسم المفعول المفهوم من قوله «حذف» وتقديره منقولا «وفى أن» جار ومجرور متعلق بيطرد الآتى «وأن» معطوف على أن «يطرد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحذف المفهوم من حذف «مع» ظرف متعلق بيطرد ، ومع مضاف و «أمن» مضاف إليه ، وأمن مضاف و «لبس» مضاف إليه «كعجبت» الكاف جارة لقول محذوف ، عجبت : فعل وفاعل «أن» مصدرية «يدوا» فعل مضارع منصوب بأن ، وعلامة نصبه حذف النون ، وواو الجماعة فاعله ، و «أن» ومنصوبها فى تأويل مصدر مجرور بمن المحذوفة ، والتقدير : عجبت من وديهم ـ أى إعطائهم الدبة ـ والجار والمجرور متعلق بعجب.

(١٥٩) ـ البيت لجرير بن عطية بن الخطفى.

اللغة : «تعوجوا» يقال : عاج فلان بالمكان يعوج عوجا ومعاجا ـ كقال يقول قولا ومقالا ـ إذا أقام به ، ويقال : عاج السائر بمكان كذا ، إذا عطف عليه ، أو وقف به ، أو عرج عليه وتحول إليه. ورواية الديوان* أتمضون الرسوم ولا نحيا*.

الإعراب : «تمرون» فعل وفاعل «الديار» منصوب على نزع الخافض ، وأصله : تمرون بالديار «ولم تعوجوا» الواو للحال ، ولم : نافية جازمة ، تعوجوا : فعل مضارع مجزوم بلم ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة فاعل ، والجملة فى محل نصب حال «كلامكم» كلام : مبتدأ ، وكلام مضاف وضمير المخاطبين مضاف إليه «على» جار ومجرور متعلق بحرام «حرام» خبر المبتدأ.

الشاهد فيه : قوله «تمرون الديار» حيث حذف الجار ، وأوصل الفعل اللازم إلى الاسم الذى كان مجرورا ، فنصبه ، وأصل الكلام «تمرون بالديار» ويسمى ذلك :


أى : تمرّون بالديار. ومذهب الجمهور أنه لا ينقاس حذف حرف الجر مع غير «أنّ» و «أن» بل يقتصر فيه على السماع ، وذهب [أبو الحسن علىّ ابن سليمان البغدادىّ وهو] الأخفش الصغير إلى أنه يجوز الحذف مع غيرهما قياسا ، بشرط تعيّن الحرف ، ومكان الحذف ، نحو : «بريت القلم بالسكين» فيجوز عنده حذف الباء ؛ فتقول : «بريت القلم السكين» فإن لم يتعين الحرف لم يجز الحذف ، نحو : «رغبت فى زيد» فلا يجوز حذف «فى» ؛ لأنه لا يدرى حينئذ : هل التقدير «رغبت عن زيد» أو «فى زيد» وكذلك إن لم يتعين مكان الحذف لم يجز ، نحو «اخترت القوم من بنى تميم» فلا يجوز الحذف ؛ فلا تقول : «اخترت القوم بنى تميم» ؛ إذ لا يدرى : هل الأصل «اخترت القوم من بنى تميم» أو «اخترت من القوم بنى تميم».

وأما «أنّ ، وأن» فيجوز حذف حرف الجر معهما قياسا مطّردا ، بشرط أمن اللبس ، كقولك «عجبت أن يدوا» والأصل «عجبت من أن يدوا» أى : من أن يعطوا الدّية ، ومثال ذلك مع أنّ ـ بالتشديد ـ «عجبت من أنّك قائم» فيجوز حذف «من» فتقول : «عجبت أنّك قائم» ؛ فإن حصل لبس لم يجز

__________________

«الحذف والإيصال» وهذا قاصر على السماع ، ولا يجوز ارتكابه فى سعة الكلام ، إلا إذا كان المجرور مصدرا مؤولا من «أن» المؤكدة مع اسمها وخبرها ، أو من «أن» المصدرية مع منصوبها.

ومثل هذا الشاهد قول عمر بن أبى ربيعة المخزومى :

غضبت أن نظرت نحو نساء

ليس يعرفننى مررن الطّريقا

ومحل الاستشهاد قوله «مررن الطريقا» حيث حذف حرف الجر ثم أوصل الفعل اللازم إلى الاسم الذى كان مجرورا فنصبه ، وأصل الكلام : مررن بالطريق ، وفيه شاهد آخر للقياسى من هذا الباب ؛ وذلك فى قوله «غضبت أن نظرت» وأصله : غضبت من أن نظرت.


الحذف ، نحو «رغبت فى أن تقوم» أو «[رغبت] فى أنك قائم» فلا يجوز حذف «فى» لاحتمال أن يكون المحذوف «عن» فيحصل اللّبس.

واختلف فى محل «أنّ ، وأن» ـ عند حذف حرف الجرّ ـ فذهب الأخفش إلى أنهما فى محل جر ، وذهب الكسائى إلى أنهما فى محل نصب (١) ، وذهب سيبويه إلى تجويز الوجهين.

__________________

(١) أما الذين ذهبوا إلى أن المصدر المنسبك من الحرف المصدرى ومعموله فى محل نصب بعد حذف حرف الجر الذى كان يقتضى جره فاستدلوا على ذلك بشيئين :

أولهما : أن حرف الجر عامل ضعيف ، وآية ضعفه أنه مختص بنوع واحد هو الاسم ، والعامل الضعيف لا يقوى على العمل إلا إذا كان مذكورا ، فمتى حذف من الكلام زال عمله.

وثانى الدليلين : أن حرف الجر إذا حذف من الكلام وكان مدخوله غير «أن» و «أن» فنحن متفقون على أن الاسم الذى كان مجرورا به ينصب كما فى بيت عمر وبيت جرير السابق (رقم ١٥٩) وكما فى قول ساعدة بن جؤية الهذلى :

لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه

فيه ، كما عسل الطّريق الثّعلب

وكما فى قول المتلمس جرير بن عبد المسيح يخاطب عمرو بن هند ملك الحيرة :

آليت حبّ العراق الدّهر أطعمه

والحبّ يأكله فى القرية السّوس

أراد الأول : كما عسل فى الطريق ، وأراد الثانى : آليت على حب العراق ، فلما حذفا حرف الجر نصبا الاسم الذى كان مجرورا ؛ فيجب أن يكون هذا هو الحكم مع أن وأن.

وأما الذين ذهبوا إلى أن المصدر فى محل جر بعد حذف حرف الجر فقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بالسماع عن العرب.

فمن ذلك قول الفرزدق من قصيدة يمدح فيها عبد المطلب بن عبد الله المخزومى :

وما زرت ليلى أن تكون حبيبة

إلىّ ، ولا دين بها أنا طالبه

فقوله «ولا دين» مروى بجر دين المعطوف على المصدر المنسبك من «أن تكون ـ إلخ»


وحاصله : أن الفعل اللازم يصل إلى المفعول بحرف الجر ، ثم إن كان المجرور غير «أنّ ، وأن» لم يجز حذف حرف الجر إلا سماعا ، وإن كان «أنّ ، وأن» جاز [ذلك] قياسا عند أمن اللّبس ، وهذا هو الصحيح.

* * *

والأصل سبق فاعل معنى كمن

من «ألبسن من زاركم نسج اليمن» (١)

إذا تعدّى الفعل إلى مفعولين الثانى منهما ليس خبرا فى الأصل ؛ فالأصل تقديم ما هو فاعل فى المعنى ، نحو «أعطيت زيدا درهما» فالأصل تقديم «زيد»

__________________

وذلك يدل على أن هذا المصدر مجرور ؛ لوجوب تطابق المعطوف والمعطوف عليه فى حركات الإعراب.

وقد حذف الفرزدق حرف الجر وأبقى الاسم مجرورا على حاله قبل الحذف. وذلك فى قوله.

إذا قيل : أىّ النّاس شرّ قبيلة؟

أشارت كليب بالأكفّ الأصابع

أصل الكلام : أشارت إلى كليب ، فلما حذف «إلى» أبقى «كليب» على جره.

فلما رأى سيبويه ـ رحمه الله! ـ تكافؤ الأدلة ، وأن السماع ورد بالوجهين ، ولا وجه لترجيح أحدهما على الآخر ، جوز كل واحد منهما.

(١) «والأصل» مبتدأ «سبق» خبر المبتدأ ، وسبق مضاف ، و «فاعل» مضاف إليه «معنى» منصوب على نزع الخافض ، أو تمييز «كمن» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كمن ـ إلخ «من» حرف جر ، ومجرور ، قول محذوف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال «ألبسن» فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «من» اسم موصول : مفعول أول لألبس «زاركم» زار : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، وضمير المخاطبين مفعول به ، والجملة لا محل لها صلة «نسج» مفعول ثان لألبس ، ونسج مضاف و «اليمن» مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة ، وسكن لأجل الوقف.


على «درهم» لأنه فاعل فى المعنى ؛ لأنه الآخذ للدرهم ، وكذا «كسوت زيدا جبّة» و «ألبسن من زاركم نسج اليمن» فـ «من» : مفعول أول ، و «نسج» : مفعول ثان ، والأصل تقديم «من» على «نسج اليمن» لأنه اللّابس ، ويجوز تقديم ما ليس فاعلا معنى ، لكنه خلاف الأصل.

* * *

ويلزم الأصل لموجب عرى

وترك ذاك الأصل حتما قد يرى (١)

أى : يلزم الأصل ـ وهو تقديم الفاعل فى المعنى ـ إذا طرأ ما يوجب ذلك ، وهو خوف اللبس ، نحو «أعطيت زيدا عمرا» فيجب تقديم الآخذ منهما ، ولا يجوز تقديم غيره ؛ لأجل اللّبس ؛ إذ يحتمل أن يكون هو الفاعل.

وقد يجب تقديم ما ليس فاعلا فى المعنى ، وتأخير ما هو فاعل فى المعنى ، نحو «أعطيت الدّرهم صاحبه» فلا يجوز تقديم صاحبه وإن كان فاعلا فى المعنى ؛ فلا تقول : «أعطيت صاحبه الدّرهم» لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة [وهو ممتنع] والله أعلم (٢).

* * *

__________________

(١) «ويلزم الأصل» فعل وفاعل «لموجب» جار ومجرور متعلق بيلزم «عرى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى موجب ، والجملة فى محل جر نعت لموجب «وترك» مبتدأ ، وترك مضاف واسم الإشارة من «ذاك» مضاف إليه ، والكاف حرف خطاب «الأصل» بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة «حتما» حال من نائب الفاعل المستتر فى «يرى» الآتى ، وتقديره باسم مفعول : أى محتوما «قد» حرف تقليل «يرى» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ترك ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) تلخيص ما أشار إليه الشارح والناظم فى هذه المسألة أن للمفعول الأول مع المفعول الثانى ـ اللذين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ـ ثلاثة أحوال ؛ الحالة الأولى يجب


وحذف فضلة أجز ، إن لم يضر

كحذف ما سيق جوابا أو حصر (١)

الفضلة : خلاف العمدة ، والعمدة : ما لا يستغنى عنه كالفاعل والفضلة : ما يمكن الاستغناء عنه كالمفعول به ؛ فيجوز حذف الفضلة إن لم يضر ، كقولك

__________________

فيها تقديم الفاعل فى المعنى ، والحالة الثانية يجب فيها تقديم المفعول فى المعنى ، والحالة الثالثة يجوز فيها تقديم أيهما شئت ، وسنبين لك مواضع كل حالة منها تفصيلا.

أما الحالة الأولى فلها ثلاثة مواضع ؛ أولها : أن يخاف اللبس ، وذلك إذا صلح كل من المفعولين أن يكون فاعلا فى المعنى ، وذلك نحو «أعطيت زيدا عمرا» وثانيهما : أن يكون المفعول فى المعنى محصورا فيه ، نحو قولك «ما كسوت زيدا إلا جبة ، وما أعطيت خالدا إلا درهما» وثالثها : أن يكون الفاعل فى المعنى ضميرا والمفعول فى المعنى اسما ظاهرا نحو «أعطيتك درهما».

وأما الحالة الثانية فلها ثلاثة مواضع أيضا ؛ أولها : أن يكون الفاعل فى المعنى متصلا بضمير يعود على المفعول فى المعنى نحو «أعطيت الدرهم صاحبه» ؛ إذ لو قدم لعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة ، وثانيها : أن يكون الفاعل فى المعنى منهما محصورا فيه ، نحو قولك «ما أعطيت الدرهم إلا زيدا» وثالثها : أن يكون المفعول فى المعنى منهما ضميرا والفاعل فى المعنى اسما ظاهرا ، نحو قولك «الدرهم أعطيته بكرا»

وأما الحالة الثالثة ففيما عداما ذكرناه من مواضع الحالتين ، ومنها قولك «أعطيت زيدا ماله» يجوز أن تقول فيه : أعطيت ماله زيدا ؛ فالضمير إن عاد على متأخر لفظا فقد عاد على متقدم رتبة.

(١) «وحذف» مفعول به مقدم لأجز ، وحذف مضاف و «فضلة» مضاف إليه «أجز» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إن» شرطية «لم» جازمة نافية «يضر» فعل مضارع مجزوم بلم ، وجملته فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذف ، وجواب الشرط محذوف ، وتقدير الكلام : إن لم يضر حذف الفضلة فأجزه «كحذف» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف : أى وذلك كائن كحذف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «سيق» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «جوابا» مفعول ثان لسيق «أو» عاطفة «حصر» فعل ماض مبنى للمجهول معطوف على سيق.


فى «ضربت زيدا» : «ضربت» بحذف المفعول به ، وكقولك فى «أعطيت زيدا درهما» : «أعطيت» ، ومنه قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) و «أعطيت زيدا» ، ومنه قوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) و «أعطيت درهما» قيل : ومنه قوله تعالى : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) التقدير ـ والله أعلم ـ حتى يعطوكم الجزية ، فإن ضرّ حذف الفضلة لم يجز حذفها ، كما إذا وقع المفعول به فى جواب سؤال ، نحو أن يقال : «من ضربت؟» فتقول : «ضربت زيدا» أو وقع محصورا ، نحو «ما ضربت إلّا زيدا» ؛ فلا يجوز حذف «زيدا» فى الموضعين ؛ إذ لا يحصل فى الأول الجواب ، ويبقى الكلام فى الثانى دالّا على نفى الضرب مطلقا ، والمقصود نفيه عن غير «زيد» ؛ فلا يفهم المقصود عند حذفه.

* * *

ويحذف النّاصبها ، إن علما ،

وقد يكون حذفه ملتزما (١)

يجوز حذف ناصب الفضلة إذا دلّ عليه دليل ، نحو أن يقال : «من ضربت؟» فتقول : «زيدا» التقدير : «ضربت زيدا» فحذف «ضربت» ؛ لدلالة ما قبله عليه ، وهذا الحذف جائز ، وقد يكون واجبا كما تقدم فى باب الاشتغال ، نحو «زيدا ضربته» التقدير : «ضربت زيدا ضربته» فحذف «ضربت» وجوبا كما تقدم ، والله أعلم.

__________________

(١) «ويحذف» فعل مضارع مبنى للمجهول «الناصبها» الناصب : نائب فاعل يحذف ، وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، و «ها» ضمير الغائب العائد إلى الفضلة مفعول به «إن» شرطية «علما» فعل ماض مبنى للمجهول. فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الناصب «وقد» حرف تقليل «يكون» فعل مضارع ناقص «حذفه» حذف : اسم يكون وحذف مضاف وضمير الغائب العائد إلى الناصب مضاف إليه «ملتزما» خبر يكون


التّنازع فى العمل

إن عاملان اقتضيا فى اسم عمل

قبل فللواحد منهما العمل (١)

والثّان أولى عند أهل البصره

واختار عكسا غيرهم ذا أسره (٢)

التنازع عبارة عن توجّه عاملين إلى معمول واحد (٣) ، نحو «ضربت

__________________

(١) «إن» شرطية «عاملان» فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : إن اقتضى عاملان «اقتضيا» فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب مفسرة «فى اسم» جار ومجرور متعلق باقتضى «عمل» مفعول به لاقتضى ، وقد وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة «قبل» ظرف متعلق باقتضى ، أو بمحذوف يقع حالا من قوله عاملان : أى حال كون هذين العاملين واقعين قبل الاسم ، وقبل مبنى على الضيم فى محل نصب «فللواحد» الفاء لربط الجواب بالشرط ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «منهما» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الواحد «العمل» مبتدأ مؤخر

(٢) «والثانى» مبتدأ «أولى» خبر المبتدأ «عند» ظرف متعلق بأولى ، وعند مضاف ، و «أهل» مضاف إليه ، وأهل مضاف ، و «البصرة» مضاف إليه «واختار» فعل ماض «عكسا» مفعول به لاختار «غيرهم» غير : فاعل اختار. وغير مضاف ، وضمير الغائبين مضاف إليه «ذا» حال من غيرهم ، وذا مضاف و «أسره» مضاف إليه ، وهو بضم الهمزة والمراد به ذا قوة ، وأصله ـ بضم الهمزة ـ الدرع الحصينة ، أو قوم الرجل ورهطه الأقربون ، ويجوز فتح الهمزة ، والأسرة ـ بالفتح ـ الجماعة القوية.

(٣) قد يكون العاملان المتنازعان فعلين ، ويشترط فيهما حينئذ : أن يكونا متصرفين نحو قوله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) وقد يكونان اسمين ، ويشترط فيهما حينئذ أن يكونا مشبهين للفعل فى العمل ، وذلك بأن يكونا اسمى فاعلين ، نحو قول الشاعر :

*عهدت مغيثا مغنيا من أجرته*

فمن : اسم موصول تنازعه كل من مغيث ومغن ، أو بأن يكونا اسمى مفعول كقول كثير :


..................................................................................

__________________

قضى كلّ ذى دين فوفّى غريمه

وعزّة ممطول معنّى غريمها

أو بأن يكونا مصدرين كقولك : عجبت من حبك وتقديرك زيدا ، أو بأن يكونا اسمى تفضيل كقولك : زيد أضبط الناس وأجمعهم للعلم ، أو بأن يكونا صفتين مشبهتين نحو قولك : زيد حذر وكريم أبوه ، أو بأن يكونا مختلفين ؛ فمثال الفعل واسم الفعل قوله تعالى (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) ومثال الفعل والمصدر قول الشاعر :

لقد علمت أولى المغيرة أنّنى

لقيت فلم أنكل عن الضّرب مسمعا

فقوله «مسمعا» اسم رجل ، وقد تنازعه من حيث العمل كل من «لقيت» و «الضرب»

ومنه تعلم أنه لا تنازع بين حرفين ، ولا بين فعلين جامدين ، ولا بين اسمين غير عاملين ، ولا بين فعل متصرف وآخر جامد ، أو فعل متصرف واسم غير عامل.

ويشترط فى العاملين ـ سوى ما فصلنا ـ شرط ثان ، وهو : أن يكون بينهما ارتباط ؛ فلا يجوز أن تقول «قام قعد أخوك» إذ لا ارتباط بين الفعلين :

والارتباط يحصل بواحد من ثلاثة أمور :

(الأول) أن يعطف ثانيهما على أولهما بحرف من حروف العطف ، كما رأيت

(الثانى) أن يكون أولهما عاملا فى ثانيهما ، نحو قوله تعالى : (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ) العاملان هما ظنوا وظننتم ، والمعمول المتنازع فيه هو (أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ) و (كَما ظَنَنْتُمْ) معمول لظنوا ، لأنه صفة لمصدر يقع مفعولا مطلقا ناصبه ظنوا.

(الثالث) أن يكون جوابا للأول ، نحو قوله تعالى (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) ونحو قوله جل شأنه : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً).

ويشترط فى العاملين أيضا : أن يكون كل واحد منهما موجها إلى المعمول من غير فساد فى اللفظ أو فى المعنى ، فخرج بذلك نحو قول الشاعر :

*أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس*


وأكرمت زيدا» فكلّ واحد من «ضربت» و «أكرمت» يطلب «زيدا» بالمفعولية ، وهذا معنى قوله : «إن عاملان ـ إلى آخره».

وقوله : «قبل» معناه أن العاملين يكونان قبل المعمول كما مثّلنا ، ومقتضاه أنه لو تأخّر العاملان لم تكن المسألة من باب التنازع.

وقوله : «فللواحد منهما العمل» معناه أن أحد العاملين يعمل فى ذلك الاسم الظاهر ، والآخر يهمل عنه ويعمل فى ضميره ، كما سيذكره.

__________________

فليس كل واحد من «أتاك أتاك» موجها إلى قوله «اللاحقون» ؛ إذ لو توجه كل واحد إليه لقال : أتوك أتاك اللاحقون ، أو لقال : أتاك أتوك اللاحقون ، بل المتوجه إليه منهما هو الأول ، والثانى تأكيد له ، وخرج قول امرىء القيس بن حجر الكندى

ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة

كفانى ، ولم أطلب ، قليل من المال

وذلك لأن كلا من «كفانى» و «لم أطلب» ليس متوجها إلى قوله «من المال» إذ لو كان كل منهما متوجها إلى لصار حاصل المعنى : كفانى قليل من المال ولم أطلب هذا القليل ، وكيف يصح ذلك وهو يقول بعد هذا البيت :

ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل

وقد يدرك المجد المؤثل أمثالى

وإنما قوله «قليل من المال» فاعل كفى ، وهو وحده المتوجه إلى العمل فيه ، وأما قوله «ولم أطلب» فله معمول محذوف يفهم من مجموع الكلام ، والتقدير : كفانى قليل من المال ولم أطلب الملك.

ويشترط فى العاملين أيضا : أن يكونا متقدمين على المعمول كالأمثلة التى ذكرناها والتى ذكرها الشارح ، فإن تقدم المعمول فإما أن يكون مرفوعا وإما أن يكون منصوبا فإن تقدم وكان مرفوعا نحو قولك «زيد قام وقعد» فلا عمل لأحد العاملين فيه ، بل كل واحد منهما عامل فى ضميره ، وإن كان منصوبا نحو قولك «زيدا ضربت وأهنت» فالعامل فيه هو أول العاملين ، وللثانى منهما معمول محذوف يدل عليه المذكور ، أولا معمول له أصلا ، وإن توسط المعمول بين العاملين نحو قولك «ضربت زيدا وأهنت» فهو معمول للسابق عليه منهما ، وللمتأخر عنه معمول محذوف بدل عليه المذكور ، وقد أشار الشارح إشارة وجيزة إلى هذا الشرط.


ولا خلاف بين البصريين والكوفيين أنه يجوز إعمال كلّ واحد من العاملين فى ذلك الاسم الظاهر ، ولكن اختلفوا فى الأولى منهما (١).

فذهب البصريّون إلى أنّ الثانى أولى به ؛ لقربه منه ، وذهب الكوفيون إلى أن الأول أولى به ؛ لتقدّمه.

* * *

وأعمل المهمل فى ضمير ما

تنازعاه ، والتزم ما التزما (٢)

__________________

(١) رأى البصريون أن إعمال ثانى العاملين أولى من إعمال الأول منهما ثلاث حجج :

الأولى : أنه أقرب إلى المعمول ، وهى العلة التى ذكرها الشارح.

الثانية : أنه يلزم على إعمال الأول منهما الفصل بين العامل ـ وهو المتقدم ـ ومعموله ـ وهو الاسم الظاهر ـ بأجنبى من العامل ، وهو ذلك العامل الثانى ، ومع أن الفصل بين العامل والمعمول مغتفر فى هذا الباب للضرورة التى ألجات إليه ، فهو خلاف الأصل على الأقل.

الثالثة : أنه يلزم على إعمال العامل الأول فى لفظ المعمول أن تعطف على الجملة الأولى ـ وهى جملة العامل الأول مع معموله ـ قبل تمامها ، والعطف قبل تمام المعطوف عليه خلاف الأصل.

ورأى الكوفيون أن إعمال الأول أولى من إعمال الثانى لعلتين :

الأولى : أنه أسبق وأقدم ذكرا ، وهى التى ذكرها الشارح.

والثانية : أنه يترتب على إعمال العامل الثانى فى لفظ المعمول المذكور أن تضمر ضميرا فى العامل الأول منهما ؛ فيكون فى الكلام الإضمار قبل الذكر ، وهو غير جائز عندهم ، وخلاف الأصل عند البصريين.

ولكل فريق من الفريقين مستند من السماع عن العرب.

ثم إنه قد يوجد فى الكلام ما يوجب إعمال الثانى كما فى قولك : ضربت بل أكرمت زيدا ، وقد يوجد فيه ما يوجب إعمال الأول كما فى قولك : لا أكرمت ولا قدمت زيدا.

(٢) «وأعمل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «المهمل»


كيحسنان ويسىء ابناكا

وقد بغى واعتديا عبداكا (١)

أى : إذا أعملت أحد العاملين فى الظاهر وأهملت الآخر عنه ، فأعمل المهمل فى ضمير الظاهر ، والتزم الإضمار إن كان مطلوب العامل مما يلزم ذكره ولا يجوز حذفه ، كالفاعل ، وذلك كقولك : «يحسن ويسىء ابناك» فكل واحد من «يحسن» و «يسىء» يطلب «ابناك» بالفاعلية ، فإن أعملت الثانى وجب أن تضمر فى الأول فاعله ؛ فتقول «يحسنان ويسىء ابناك» وكذلك إن أعملت الأول وجب الإضمار فى الثانى ؛ فتقول : «يحسن ويسيئان ابناك» ومثله «بغى واعتديا عبداك» وإن أعملت الثانى فى هذا المثال قلت : «بغيا واعتدى عبداك» ولا يجوز ترك الإضمار ؛ فلا تقول «يحسن ويسىء ابناك» ولا «بغى واعتدى عبداك» لأن تركه (٢) يؤدى إلى حذف الفاعل ، والفاعل

__________________

مفعول به لأعمل «فى ضمير» جار ومجرور متعلق بأعمل ، وضمير مضاف ، و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «تنازعاه» فعل ماض وفاعل ومفعول ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «والتزم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقدير أنت «ما» اسم موصول مفعول به لالتزم «التزما» فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة لا محل لها صلة.

(١) «كيحسنان» الكاف جارة لقول محذوف ، يحسنان : فعل وفاعل «ويسىء» فعل مضارع «ابناكا» ابنا : فاعل يسىء مرفوع بالألف لأنه مثنى ، وابنا مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه «وقد» حرف تحقيق «بغى» فعل ماض «واعتديا» فعل وفاعل «عبداكا» فاعل بغى ، ومضاف إليه.

(٢) يريد أن ترك الإضمار يؤدى إلى حذف الفاعل ، وهذا كلام قاصر ، ولا بد من تقدير ليصح ؛ فإن ترك الإضمار لا يؤدى إلى حذف الفاعل فقط ؛ لجواز أن يظهر مع كل عامل معموله ، والكلام التام أن يقال : إن ترك الإضمار يلزم منه أحد أمرين ، الأول التكرار إذا أظهرت مع كل عامل معموله ، والثانى حذف الفاعل ، وكلاهما محظور.


ملتزم الذكر ، وأجاز الكسائى ذلك على الحذف ، بناء على مذهبه فى جواز حذف الفاعل ، وأجازه الفرّاء على توجّه العاملين معا إلى الاسم الظاهر ، وهذا بناء منهما على منع الإضمار فى الأول عند إعمال الثانى ؛ فلا تقول : «يحسنان ويسىء ابناك» وهذا الذى ذكرناه عنهما هو المشهور من مذهبهما فى هذه المسألة.

* * *

ولا تجئ مع أوّل قد أهملا

بمضمر لغير رفع أوهلا (١)

بل حذفه الزم إن يكن غير خبر

وأخّرنه إن يكن هو الخبر (٢)

__________________

(١) «ولا» ناهية «تجىء» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مع» ظرف متعلق بتجىء ، ومع مضاف و «أول» مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «أهملا» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى أول ، والجملة فى محل جر صفة لأول «بمضمر» جار ومجرور متعلق بتجىء «لغير» جار ومجرور متعلق بأوهل الآتى ، وغير مضاف ، و «رفع» مضاف إليه «أوهلا» فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر ، والجملة فى محل جر صفة لمضمر.

(٢) «بل» حرف عطف ، ومعناه ـ هنا ـ الانتقال «حذفه» حذف : مفعول مقدم لالزم ، وحذف مضاف وضمير الغائب مضاف إليه «الزم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إن» شرطية «يكن» فعل مضارع ناقص ، فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر «غير» خبر يكن. وغير مضاف و «خبر» مضاف إليه «وأخرنه» الواو عاطفة ، أخر : فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ونون التوكيد حرف لا محل له من الإعراب ، والهاء مفعول به لأخر «إن» شرطية «يكن» فعل


تقدّم أنه إذا أعمل أحد العاملين فى الظاهر وأهمل الآخر عنه أعمل فى ضميره ، ويلزم الإضمار إن كان مطلوب الفعل مما يلزم ذكره : كالفاعل ، أو نائبه ، ولا فرق فى وجوب الإضمار ـ حينئذ ـ بين أن يكون المهمل الأوّل أو الثانى ، فتقول : «يحسنان ويسىء ابناك ، ويحسن ويسيئان ابناك»

وذكر هنا أنه إذا كان مطلوب الفعل المهمل غير مرفوع فلا يخلو : إما أن يكون عمدة فى الأصل ـ وهو مفعول «ظن» وأخواتها ؛ لأنه مبتدأ فى الأصل أو خبر ، وهو المراد بقوله : «إن يكن هو الخبر» ـ أولا ، فإن لم يكن كذلك : فإما أن يكون الطالب له هو الأول ، أو الثانى ، فإن كان الأول لم يجز الإضمار ؛ فتقول «ضربت وضربنى زيد ، ومررت ومرّ بى زيد» ولا تضمر فلا تقول : «ضربته وضربنى زيد» ولا «مررت به ومرّ بى زيد» وقد جاء فى الشعر ، كقوله :

(١٦٠) ـ

إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب

جهارا فكن فى الغيب أحفظ للعهد

وألغ أحاديث الوشاة ؛ فقلّما

يحاول واش غير هجران ذى ودّ

__________________

مضارع ناقص فعل الشرط. واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر «هو» ضمير فصل لا محل له من الإعراب «الخبر» خبر يكن ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام ، والتقدير : إن يكن مضمر غير الرفع هو الخبر فأخرنه.

١٦٠ ـ البيتان من الشواهد التى لم تقف لأحد على نسبتها لقائل معين.

اللغة : «جهارا» بزنة كتاب ـ أى عيانا ومشاهدة ، وتقول : رأيته جهرا وجهارا وكلمت فلانا جهرا وجهارا. وجهر فلان بالقول جهرا ، كل ذلك فى معنى العلن ، قال الله تعالى : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) وقال الأخفش فى قوله تعالى : (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) أى عيانا يكشف عنا ما بيننا وبينه «الغيب» أصله ما استتر عنك ولم


..................................................................................

__________________

تره ، ويريد به ههنا ما لم يكن الصاحب حاضرا «أحفظ للعهد» يروى فى مكانه «أحفظ للود» والود ـ بضم الواو فى المشهور ، وقد تكسر الواو ، أو تفتح المحبة «ألغ» يريد لا تجعلن لكلام الوشاة سبيلا إلى قلبك «الوشاة» جمع واش. وهو الذى ينقل إليك الكلام عن خلانك وأحبائك بقصد إفساد ما بينكم من أواصر المحبة «يحاول» هو مضارع من المحاولة ، وأصلها إرادة الشىء بحيلة.

المعنى : إذا كانت بينك وبين أحد صداقة ، وكان كل واحد منكما يعمل فى العلن على إرضاء صاحبه ؛ فتمسك بأواصر هذه المحبة فى حال غيبة صديقك عنك ، ولا تقبل فى شأنه أقوال الوشاة ؛ فإنهم إنما يريدون إفساد هذه الصداقة وتعكير صفوها.

الإعراب : «إذا» ظرف زمان تضمن معنى الشرط ، مبنى على السكون فى محل نصب «كنت» كان : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير المخاطب اسمه ، وجملة «ترضيه» من الفعل مع فاعله المستتر ومفعوله فى محل نصب خبر كان ، والجملة من كان ومعموليها فى محل جر بإضافة إذا إليها ، وهى جملة الشرط «ويرضيك» فعل ومفعول به «صاحب» فاعل يرضيك ، وجملة برضيك وفاعله ومفعوله فى محل نصب معطوفة على جملة ترضيه التى قبلها «جهارا» منصوب على الظرفية تنازعه كل من الفعلين السابقين «فكن» الفاء لربط الجواب بالشرط ، كن : فعل أمر ناقص ، وسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فى الغيب» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال «أحفظ» خبر كن «للعهد» جار ومجرور متعلق بأحفظ.

الشاهد فيه : قوله «ترضيه ويرضيك صاحب» فقد تقدم فى هذه العبارة عاملان ـ وهما «ترضى» و «يرضى» ـ وتأخر عنهما معمول واحد ـ وهو قوله «صاحب» ـ وقد تنازع كل من «ترضى» و «يرضى» ذلك الاسم الذى بعدهما وهو «صاحب» والأول يطلبه مفعولا به. والثانى يطلبه فاعلا ، وقد أعمل الشاعر فيه الثانى وأعمل الأول فى ضميره الذى هو الهاء ، والجمهور يرون أنه كان يجب على الشاعر ألا يعمل الأول فى الضمير ؛ لأن هذا الضمير فضلة يستغنى الكلام عنه ، وذكر الضمير مع العامل الأول يترتب عليه الإضمار قبل الذكر. والإضمار قبل الذكر لا يجوز. وقد ارتكبه الشاعر ، من غير ضرورة ملجئة إلى ارتكاب هذا المحظور ؛ فإنهم إنما أجازوا ـ فى


وإن كان الطالب له هو الثانى وجب الإضمار ؛ فتقول : «ضربنى وضربته زيد ، ومرّ بى ومررت به زيد» ولا يجوز الحذف ؛ فلا تقول «ضربنى وضربت زيد» ولا «مرّ بى ومررت زيد» ، وقد جاء فى الشعر ، كقوله :

(١٦١) ـ

بعكاظ يعشى النّاظرين

 ـ إذا هم لمحوا ـ شعاعه

والأصل «لمحوه» فحذف الضمير ضرورة ، وهو شاذ ، كما شذّ عمل المهمل الأول فى المفعول المضمر الذى ليس بعمدة فى الأصل.

__________________

هذا الباب ـ الإضمار قبل الذكر ، إذا كان الضمير فاعلا ، مثلا ؛ لأنه لا يستغنى الكلام عنه ، ولا يجوز حذفه ، والضرورة يجب أن تتقدر بقدرها ، ومنهم من منع الإضمار قبل الذكر مطلقا.

١٦١ ـ البيت لعانكه بنت عبد المطلب عمة النبى صلّى الله عليه وسلّم ، من كلمة رواها أبو تمام حبيب بن أوس فى ديوان الحماسة (انظر شرح التبريزى : ٢ / ٢٥٦ بتحقيقنا) وقبل هذا البيت قولها :

سائل بنا فى قومنا

وليكف من شرّ سماعه

قيسا ، وما جمعوا لنا

فى مجمع باق شناعه

فيه السّنوّر والقنا

والكبش ملتمع قناعه

اللغة : «عكاظ» بزنة غراب ـ موضع كانت فيه سوق مشهورة ، يجتمع فيها العرب للتجارة ، والمفاخرة «يعشى» مضارع من الإعشاء ، وأصله العشا ، وهو ضعف البصر ليلا «لمحوا» ماض من اللمح ، وهو سرعة إبصار الشىء «شعاعه» بضم الشين ـ ما تراه من الضوء مقبلا عليك كأنه الحبال ، والضمير الذى أضيف الشعاع إليه يجوز أن يكون عائدا على عكاظ ؛ لأنه موضع الشعاع ، ويجوز أن يكون عائدا على القناع الذى ذكرته فى البيت السابق على هذا البيت.

المعنى : تريد أن أشعة سلاح قومها مما تضعف أبصار الناظر إليها ، تكنى بذلك عن كثرة السلاح وقوة بريقه ولمعانه.

الإعراب : «بعكاظ» جار ومجرور متعلق بقولها «جمعوا» فى البيت السابق


هذا كلّه إذا كان غير المرفوع ليس بعمدة فى الأصل ، فإن كان عمدة فى الأصل فلا يخلو : إما أن يكون الطالب له هو الأول ، أو الثانى ؛ فإن كان الطالب له هو الأول وجب إضماره مؤخرا ؛ فتقول : «ظنّنى وظننت زيدا قائما إيّاه» وإن كان الطالب له هو الثانى أضمرته : متصلا كان ، أو منفصلا ؛ فتقول : «ظننت وظنّنيه زيدا قائما ، وظننت وظنّنى إيّاه زيدا قائما».

ومعنى البيتين أنك إذا أهملت الأول لم تأت معه بضمير غير مرفوع ـ وهو المنصوب والمجرور ـ فلا تقول : «ضربته وضربنى زيد» ، ولا مررت به ومرّ بى زيد» بل يلزم الحذف ؛ فتقول : «ضربت وضربنى زيد ، ومررت ومرّ بى زيد» إلا إذا كان المفعول خبرا فى الأصل ؛ فإنه لا يجوز حذفه ، بل يجب الإتيان به مؤخّرا ؛ فتقول «ظنّنى وظننت زيدا قائما إيّاه».

__________________

«يعشى» فعل مضارع «الناظرين» مفعول به ليعشى «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «هم» تأكيد لضمير متصل بفعل محذوف ، والتقدير : إذا لمحواهم «لمحوا» فعل ماض وفاعله ، والجملة لا محل لها من الإعراب مفسرة «شعاعه» شعاع : فاعل يعشى مرفوع بالضمة الظاهرة ، وشعاع مضاف وضمير الغائب مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «يعشى ... لمحوا شعاعه» حيث تنازع كل من الفعلين «شعاعه» فالفعل الأول ـ وهو «يعشى» ـ يطلبه فاعلا له ، والفعل الثانى ـ وهو «لمحوا» ـ يطلبه مفعولا ، وقد أعمل فيه الأول ، بدليل أنه مرفوع ، وأعمل الثانى فى ضميره ، ثم حذف ذلك الضمير ضرورة ، وأصل الكلام قبل تقديم العاملين «يعشى الناظرين شعاعه إذا لمحوه» ثم صار بعد تقديمهما «يعشى الناظرين إذا لمحوه شعاعه» ثم حذفت الهاء من «لمحوه» فصار كما ترى فى البيت.

ومذهب الجمهور أن ذلك الحذف لا يجوز لغير الضرورة وذلك من قبل أن ذكره لا يترتب عليه محظور الإضمار قبل الذكر ، وفى حذفه فساد ، وهو تهيئة العامل للعمل ثم قطعه عنه من غير علة ولا سبب موجب له.

وذهب قوم إلى أن حذف الضمير فى مثل هذه الحال جائز فى سعة الكلام ، وذلك لأن هذا الضمير فضلة لا يجب ذكرها.


ومفهوما أن الثانى يؤتى معه بالضمير مطلقا : مرفوعا كان ، أو مجرورا ، أو منصوبا ، عمدة فى الأصل أو غير عمدة.

* * *

وأظهر ان بكن ضمير خيرا

لغير ما يطابق المفسّرا (١)

نحو أظنّ ويظنّانى أخا

زيدا وعمرا أخوين فى الرّخا (٢)

أى : يجب أن يؤتى بمفعول الفعل المهمل ظاهرا إذا لزم من إضماره عدم مطابقته لما يفسره ؛ لكونه خبرا فى الأصل عما لا يطابق المفسّر ، كما إذا كان فى الأصل خبرا عن مفرد ومفسّره مثنّى ، نحو «أظن ويظنانى زيدا وعمرا أخوين» فـ «زيدا» : مفعول أول لأظنّ ، و «عمرا» : معطوف عليه ، و «أخوين» : مفعول ثان لأظن ، والياء : مفعول أول ليظنان ؛ فيحتاج إلى مفعول ثان ؛ فلو أتيت به ضميرا فقلت : «أظن ويظنانى إياه زيدا وعمرا أخوين»

__________________

(١) «أظهر» فعل أمر مبنى على السكون ، وكسر للتخلص من النقاء الساكنين وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إن» شرطية «يكن» فعل مضارع ناقص فعل الشرط «ضمير» اسم يكن «خبرا» خبر يكن «لغير» جار ومجرور متعلق بخبر ، وغير مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «يطابق» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة «المفسرا» مفعول به ليطابق ، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله ، والتقدير : إن يكن ضمير خبرا لغير ما يطابق المفسر فأظهره : أى جىء به اسما ظاهرا.

(٢) «نحو» خبر لمبتدأ محذوف ، أى وذلك نحو «أظن» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «ويظنانى» فعل وفاعل ومفعول أول «أخا» مفعول ثان ليظنانى «زيدا» مفعول أول لأظن «وعمرا» معطوف عليه «أخوين» مفعول ثان لأظن «فى الرخا» تنازع فيه كل من «أظن» و «يظنانى»


لكان «إياه» مطابقا للياء ، فى أنهما مفردان ، ولكن لا يطابق ما يعود عليه وهو «أخوين» ؛ لأنه مفرد ، و «أخوين» مثنى ؛ فتفوت مطابقة المفسّر للمفسّر ، وذلك لا يجوز ، وإن قلت «أظن ويظنانى إياهما زيدا وعمرا أخوين» حصلت مطابقة المفسّر للمفسّر ؛ [وذلك] لكون «إياهما» مثنى ، و «أخوين» كذلك ، ولكن تفوت مطابقة المفعول الثانى ـ الذى هو خبر فى الأصل ـ للمفعول الأول ـ الذى هو مبتدأ فى الأصل ؛ لكون المفعول الأول مفردا ، وهو الياء ، والمفعول الثانى غير مفرد ، وهو «إياهما» ، ولا بد من مطابقة الخبر للمبتدأ ، فلما تعذّرت [المطابقة] مع الإضمار وجب الإظهار ؛ فتقول : «أظن ويظنانى أخا زيدا وعمرا أخوين» ؛ فـ «زيدا وعمرا أخوين» : مفعولا أظن ، والياء مفعول يظنان الأول ، و «أخا» مفعوله الثانى ، ولا تكون المسألة ـ حينئذ ـ من باب (١) التنازع ؛ لأن كلا من العاملين عمل فى ظاهر ، وهذا مذهب البصريين.

وأجاز الكوفيّون الإضمار مراعى به جانب المخبر عنه ؛ فتقول : «أظن ويظنانى إياه زيدا وعمرا أخوين» وأجازوا أيضا الحذف ؛ فتقول : «أظن ويظنانى زيدا وعمرا أخوين».

* * *

__________________

(١) القول بأن هذه المسألة حينئذ ليست من باب التنازع هو الذى ذكره ابن هشام ووجه ذلك بأن العاملين بالنسبة للمفعول الثانى لم يعمل أحدهما فى لفظه والآخر فى ضميره بل لم تتوجه مطالبة كل واحد منهما إليه ، وهو شرط باب التنازع ، وذلك لأن «أخوين» معمول لأظن ، ولم يتوجه إليه يظنانى ؛ لعدم مطابقته لمفعوله الأول ؛ فإنه لا يطلب مفعولا ثانيا إلا بشرط مطابقته لمفعوله الأول. ونازع فى هذا قوم من المتأخرين منهم ابن القاسم وقالوا : إن اشتراط صحة توجه كل من العاملين إلى المعمول إنما هو بالنظر إلى المعنى لا بالنظر إلى الإفراد والتثنية ، ولا بالنظر إلى نوع العمل ، أفلا ترى أنك لو قلت «ضربنى وضربت زيدا» لم يكن ليصح أن يتوجه الأول إلى «زيدا» المنصوب ، ولو قلت «ضربنى وضربته زيد» لم يكن يصح توجه الثانى إليه وهو مرفوع؟


المفعول المطلق

المصدر اسم ما سوى الزّمان من

مدلولى الفعل كأمن من أمن (١)

الفعل يدل على شيئين : الحدث ، والزمان ؛ فـ «قام» يدل على قيام فى فى زمن ماض ، و «يقوم» يدل على قيام فى الحال أو الاستقبال ، و «قم» يدل على قيام فى الاستقبال ، والقيام هو الحدث ـ وهو أحد مدلولى الفعل ـ وهو المصدر ، وهذا معنى قوله : «ما سوى الزمان من مدلولى الفعل» فكأنه قال : المصدر اسم الحدث كأمن ؛ فإنه أحد مدلولى أمن.

والمفعول المطلق هو : المصدر ، المنتصب : توكيدا لعامله ، أو بيانا لنوعه ، أو عدده ، نحو «ضربت ضربا ، وسرت سير زيد ، وضربت ضربتين».

وسمى مفعولا مطلقا لصدق «المفعول» عليه غير مقيّد بحرف جر ونحوه ، بخلاف غيره من المفعولات ؛ فإنه لا يقع عليه اسم المفعول إلا مقيدا ، كالمفعول به ، والمفعول فيه ، والمفعول معه ، والمفعول له.

* * *

بمثله او فعل او وصف نصب

وكونه أصلا لهذين انتخب (٢)

__________________

(١) «المصدر» مبتدأ «اسم» خبر المبتدأ ، واسم مضاف ، و «ما» اسم موصول مضاف إليه «سوى» ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول ، وسوى مضاف ، و «الزمان» مضاف إليه «من مدلولى» جار ومجرور متعلق بما تعلق به سوى ، ومدلولى مضاف ، و «الفعل» مضاف إليه «كأمن» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف ، أى : وذلك كأمن «من أمن» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لأمن المصدر.

(٢) «بمثله» الجار والمجرور متعلق بنصب الآتى ، ومثل مضاف والضمير مضاف إليه «أو فعل ، أو وصف» معطوفان على مثل «نصب» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل


ينتصب المصدر بمثله ، أى بالمصدر ، نحو : عجبت من ضربك زيدا ضربا شديدا» أو بالفعل (١) ، نحو «ضربت زيدا ضربا» أو بالوصف (٢) ، نحو «أنا ضارب زيدا ضربا».

__________________

ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المصدر «وكونه» الواو عاطفة ، كون : مبتدأ ، وكون مضاف والضمير مضاف إليه من إضافة مصدر الفعل الناقص إلى اسمه «أصلا» خبر الكون من جهة النقصان «لهذين» جار ومجرور متعلق بقوله أصلا أو بمحذوف صفة له «انتخب» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كونه أصلا ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو كونه أصلا ، وهذا خبره من جهة الابتداء.

(١) يشترط فى الفعل الذى ينصب المفعول المطلق ثلاثة شروط ؛ الأول : أن يكون متصرفا ، والثانى : أن يكون تاما ، والثالث : ألا يكون ملغى عن العمل ، فإن كان الفعل جامدا كعسى وليس وفعل التعجب ونعم وبئس ، أو كان ناقصا ككان وأخواتها أو كان ملغى كظن وأخواتها إن توسطت بين المفعولين أو تأخرت عنهما ـ فإنه لا ينصب المفعول المطلق.

(٢) يشترط فى الوصف الذى ينصب المفعول المطلق شرطان ؛ أحدهما : أن يكون متصرفا ، وثانيهما أن يكون إما اسم فاعل وإما اسم مفعول وإما صيغة مبالغة ؛ فإن كان اسم تفصيل لم ينصب المفعول المطلق بغير خلاف فيما نعلم ، وأما قول الشاعر :

أمّا الملوك فأنت اليوم ألأمهم

لؤما ، وأبيضهم سر بال طبّاخ

فإن قوله «لؤما» مفعول مطلق ، لكن ناصبه ليس هو قوله «ألأمهم» الذى هو أفعل تفضيل ، ولكن ناصبه محذوف يدل عليه «ألأمهم» وتقدير الكلام ـ على هذا ـ : فأنت اليوم ألأمهم تلؤم لؤما ، واختلفوا فى الصفة المشبهة ؛ فحملها قوم على أفعل التفضيل ومنعوا من نصبها المفعول المطلق ، وذهب ابن هشام إلى جواز نصبها إياه مستدلا بقول النابغة الذبيانى :

وأرانى طربا فى إثرهم

طرب الواله أو كالمختبل

فإن قوله «طرب الواله» مفعول مطلق ، وزعم أن ناصبه قوله «طربا» الذى


ومذهب البصريين أن المصدر أصل ، والفعل والوصف مشتقّان منه ؛ وهذا معنى قوله : «وكونه أصلا لهذين انتخب» أى : المختار أن المصدر أصل لهذين ، أى : الفعل ، والوصف.

ومذهب الكوفيين أن الفعل أصل ، والمصدر مشتقّ منه

وذهب قوم إلى أن المصدر أصل ، والفعل مشتقّ منه ، والوصف مشتقّ من الفعل.

وذهب ابن طلحة إلى أن كلّا من المصدر والفعل أصل برأسه ، وليس أحدهما مشتقّا من الآخر.

والصحيح المذهب الأول ؛ لأن كل فرع يتضمن الأصل وزيادة ، والفعل والوصف بالنسبة إلى المصدر كذلك ؛ لأن كلّا منهما يدلّ على المصدر وزيادة ؛ فالفعل يدلّ على المصدر والزمان ، والوصف يدلّ على المصدر والفاعل.

* * *

توكيدا أو نوعا يبين أو عدد

كسرت سيرتين سير ذى رشد (١)

__________________

هو صفة مشبهة ، وغيره يجعل هذه الصفة المشبهة دليلا على العامل ، وليست هى العامل ، والتقدير : أرانى طربا فى إثرهم أطرب طرب الواله ـ إلخ ، على نحو ما قالوه فى أفعل التفصيل.

(١) «توكيدا» مفعول به مقدم ليبين «أو نوعا» معطوف عليه «يبين» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المصدر «أو عدد» معطوف على قوله «نوعا» السابق ، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة «كسرت» الكاف جارة لقول محذوف كما سبق مرارا ، سرت : فعل وفاعل «سيرتين» مفعول مطلق يبين العدد «سير» مفعول مطلق يبين النوع ، وسير مضاف ، و «ذى» بمعنى صاحب مضاف إليه ، وذى مضاف ، و «رشد» مضاف إليه ، مجرور بالكسرة الظاهرة ، وسكنه للوقف


المفعول المطلق يقع على ثلاثة أحوال كما تقدم :

أحدها : أن يكون مؤكدا ، نحو «ضربت ضربا».

الثانى : أن يكون مبينا للنوع (١) ، نحو «سرت سير ذى رشد» ، و «سرت سيرا حسنا».

الثالث : أن يكون مبينا للعدد ، نحو «ضربت ضربة ، وضربتين ، وضربات».

* * *

وقد ينوب عنه ما عليه دلّ

كجدّ كلّ الجدّ ، وافرح الجذل (٢)

__________________

(١) المفعول المطلق الذى يبين نوع عامله هو : ما يكون على واحد من ثلاثة أحوال

الأول : أن يكون مصافا ، نحو قولك : اعمل عمل الصالحين ، وجد جد الحريص على بلوغ الغاية ، وهذا النوع من باب النيابة عن مصدر الفعل نفسه ؛ لاستحالة أن يفعل إنسان فعل غيره ، وإنما يفعل فعلا مماثلا لفعل غيره ؛ فالحقيقة فى هذين المثالين أن تقول : اعمل عملا مشابها لعمل الصالحين ، وجد جدا مماثلا لجد الحريص.

الثانى : أن يكون موصوفا ، نحو قولك : اعمل عملا صالحا ، وسرت سيرا وئيدا ، وليس هذا من باب النيابة قطعا.

الثالث : أن يكون مقرونا بأل العهدية ، نحو قولك : اجتهدت الاجتهاد ، وجددت الجد ، وهذا يحتمل الأمرين جميعا ، فإذا كان المعهود بين المتكلم والمخاطب فعل شخص آخر كان من باب النيابة. وكأن المتكلم يقول : اجتهدت اجتهادا مثل ذلك الاجتهاد الذى تعلم أن فلانا قد اجتهده ، وإن كان المعهود بينهما هو اجتهاد المتكلم نفسه ، وأنه قصد بدخول أل عليه استحضار صورته لم يكن من باب النيابة ؛ لأنه فعله.

(٢) «وقد» هنا حرف تحقيق «ينوب» فعل مضارع «عنه» جار ومجرور متعلق بينوب «ما» اسم موصول : فاعل ينوب «عليه» جار ومجرور متعلق بدل الآتى «دل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ،


قد ينوب عن المصدر ما يدلّ عليه ، ككل وبعض ، مضافين إلى المصدر ، نحو «جدّ كلّ الجدّ» (١) ، وكقوله تعالى : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) و «ضربته بعض الضّرب».

وكالمصدر المرادف لمصدر الفعل المذكور (٢) ، نحو «قعدت جلوسا ، وافرح الجذل» فالجلوس : نائب مناب القعود لمرادفته له ، والجذل : نائب مناب الفرح لمرادفته له.

__________________

والجملة لا محل لها صلة ما «كجد» الكاف جارة لقول محذوف ، جد : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «كل» مفعول مطلق ، نائب عن المصدر ، منصوب بالفتحة الظاهرة ، وكل مضاف و «الجد» مضاف إليه «وافرح» الواو حرف عطف ، افرح : فعل أمر ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «الجذل» مفعول مطلق.

(١) ومنه قول مجنون بنى عامر قيس بن الملوح :

وقد يجمع الله الشّتيتين بعد ما

يظنّان كلّ الظّنّ أن لا تلاقيا

(٢) اعلم أنه إذا وقع المصدر المنصوب بعد فعل من معناه لا من لفظه فلك فى إعرابه ثلاثة أوجه :

الأول : أن تجعله مفعولا مطلقا ؛ والنحاة فى هذا الوجه من الإعراب على مذهبين فذهب المازنى والسيرافى والمبرد إلى أن العامل فيه هو نفس الفعل السابق عليه ؛ واختار ابن مالك هذا القول ، وذهب سيبويه والجمهور إلى أن العامل فيه فعل آخر من لفظ المصدر ، وهذا الفعل المذكور دليل على المحذوف.

الثانى : أن تجعل المصدر مفعولا لأجله إن كان مستكملا لشروط المفعول لأجله ،

الثالث : أن تجعل المصدر حالا بتأويل المشتق ،

فإذا قلت «فرحت جذلا» فجذلا : عند المازنى ومن معه مفعول مطلق منصوب بفرحت ، وعند سيبويه مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف ، وتقدير الكلام على هذا : فرحت وجذلت جذلا ، وعلى الوجه الثانى هو مفعول لأجله بتقدير فرحت لأجل الجذل ، وعلى الوجه الثالث حال بتقدير : فرحت حال كونى جذلان.


وكذلك ينوب مناب المصدر اسم الإشارة ، نحو «ضربته ذلك الضّرب» وزعم بعضهم أنه إذا ناب اسم الإشارة مناب المصدر فلا بدّ من وصفه بالمصدر ، كما مثّلنا ، وفيه نظر ؛ فمن أمثلة سيبويه «ظننت ذاك» أى : ظننت ذاك الظن ، فذاك إشارة إلى الظن ، ولم يوصف به.

وينوب عن المصدر ـ أيضا ـ ضميره ، نحو «ضربته زيدا» أى : ضربت الضّرب ، ومنه قوله تعالى : (لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) أى : لا أعذب العذاب.

وعدده ، نحو «ضربته [عشرين] ضربة» ومنه قوله تعالى : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً).

والآلة ، نحو «ضربته سوطا» والأصل : ضربته ضرب سوط ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، والله تعالى أعلم.

* * *

وما لتوكيد فوحّد أبدا

وثنّ واجمع غيره وأفردا (١)

لا يجوز تثنية المصدر المؤكّد لعامله ، ولا جمعه ، بل يجب إفراده ؛ فتقول : «ضربت ضربا» ، وذلك لأنه بمثابة تكرر الفعل ، والفعل لا يثنّى ولا يجمع.

__________________

(١) «وما» اسم موصول مفعول مقدم على عامله وهو وحد الآتى «لتوكيد» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما «فوحد» الفاء زائدة ، ووحد : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أبدا» منصوب على الظرفية «وثن» فعل أمر ، وفيه ضمير مستتر وجوبا هو فاعله «واجمع» معطوف على ثن «غيره» تنازعه كل من بن واجمع «وأفردا» الواو حرف عطف ، وأفرد : فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة ، وقلبت نون التوكيد ألفا للوقف ، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت هو فاعله.


وأما غير المؤكد ـ وهو المبين للعدد ، والنوع ـ فذكر المصنف أنه يجوز تثنيته وجمعه.

فأما المبين للعدد فلا خلاف فى جواز تثنيته وجمعه ، نحو : ضربت ضربتين ، وضربات.

[وأما المبين للنوع فالمشهور أنه يجوز تثنيته وجمعه ، إذا اختلفت أنواعه ، نحو «سرت سيرى زيد الحسن والقبيح]».

وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز تثنيته ولا جمعه قياسا ، بل يقتصر فيه على السماع ، وهذا اختيار الشّلوبين.

* * *

وحذف عامل المؤكّد امتنع

وفى سواه لدليل متّسع (١)

المصدر المؤكد لا يجوز حذف عامله ؛ لأنه مسوق لتقرير عامله وتقويته ، والحذف مناف لذلك.

وأما غير المؤكد فيحذف عامله للدلالة عليه : جوازا ، ووجوبا.

فالمحذوف جوازا ، كقولك : «سير زيد» لمن قال : «أىّ سير سرت» و «ضربتين» لمن قال : «كم ضربت زيدا؟» والتقدير : سرت سير زيد ، وضربته ضربتين.

وقول ابن المصنف : إن قوله «وحذف عامل المؤكد امتنع» سهو منه ؛ لأن

__________________

(١) «وحذف» مبتدأ ، وحذف مضاف ، و «عامل» مضاف إليه ، وعامل مضاف ، و «المؤكد» مضاف إليه «امتنع» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذف ، والجملة من امتنع وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «وفى سواه» الواو حرف عطف ، وما بعدها جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وسوى مضاف والضمير مضاف إليه «لدليل» جار ومجرور متعلق بمتسع «متسع» مبتدأ مؤخر.


قولك «ضربا زيدا» مصدر مؤكد ، وعامله محذوف وجوبا ، كما سيأتى ـ ليس بصحيح (١) ، وما استدلّ به على دعواه من وجوب حذف عامل المؤكد [بما سيأتى] ليس منه ، وذلك لأن «ضربا زيدا» ليس من التأكيد فى شىء ، بل هو أمر خال من التأكيد ، بمثابة «اضرب زيدا» لأنه واقع موقعه ، فكما أن «اضرب زيدا» لا تأكيد فيه كذلك «ضربا زيدا» وكذلك جميع الأمثلة التى ذكرها ليست من باب التأكيد فى شىء ؛ لأن المصدر فيها نائب مناب العامل ، دالّ على ما يدلّ عليه ، وهو عوض منه ، ويدلّ على ذلك عدم جواز الجمع بينهما ، ولا شىء من المؤكدات يمتنع الجمع بينها وبين المؤكّد.

ومما يدلّ أيضا على أن «ضربا زيدا» ونحوه ليس من المصدر المؤكّد لعامله أن المصدر المؤكّد لا خلاف فى أنه لا يعمل ، واختلفوا فى المصدر الواقع موقع الفعل : هل يعمل أو لا؟ والصحيح أنه يعمل ؛ فـ «زيدا» فى قولك «ضربا زيدا» منصوب بـ «ضربا» على الأصح ، وقيل : إنه منصوب بالفعل المحذوف ، وهو «اضرب» ؛ فعلى القول الأول ناب «ضربا» عن «اضرب» فى الدلالة على معناه وفى العمل ، وعلى القول الثانى ناب عنه فى الدلالة على المعنى دون العمل.

* * *

والحذف حتم مع آت بدلا

من فعله ، كندلا اللّذ كاندلا (٢)

__________________

(١) جملة «ليس بصحيح» خبر المبتدأ الذى هو قوله «وقول ابن المصنف».

(٢) «والحذف حتم» مبتدأ وخبر «مع» ظرف منصوب على الظرفية. وهو متعلق بالخبر ، ومع مضاف ، و «آت» مضاف إليه «بدلا» حال من الضمير المستتر فى آت «من فعله» الجار والمجرور متعلق بقوله بدلا ، وفعل مضاف والضمير مضاف


يحذف عامل المصدر وجوبا فى مواضع :

منها : إذا وقع المصدر بدلا من فعله ، وهو مقيس فى الأمر والنهى ، نحو «قياما لا قعودا» أى : قم [قياما] ولا تقعد [قعودا] ، والدعاء ، نحو «سقيا لك» أى : سقاك الله.

وكذلك يحذف عامل المصدر وجوبا إذا وقع المصدر بعد الاستفهام المقصود به التوبيخ ، نحو «أتوانيا وقد علاك المشيب؟» أى : أتتوانى وقد علاك (١).

ويقلّ حذف عامل المصدر وإقامة المصدر مقامه فى الفعل المقصود به الخبر ، نحو «أفعل وكرامة» أى : وأكرمك.

فالمصدر فى هذه الأمثلة ونحوها منصوب بفعل محذوف وجوبا ، والمصدر نائب منابه فى الدلالة على معناه.

__________________

إليه «كندلا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أو حال من الضمير المستتر فى آت «اللذ» اسم موصول صفة لندلا «كاندلا» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول ، والكاف فى «كندلا» وفى «كاندلا» داخلة على مقصود لفظه ؛ فكل منهما مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية.

(١) اعلم أن المصدر الآتى بدلا من فعل على ضربين ؛ أحدهما : المراد به طلب ، وثانيهما : المراد به خبر ؛ فأما المراد به طلب فأربعة أنواع ؛ الأول : ما كان المراد به الأمر كبيت الشاهد الآتى (رقم ١٦٢) ، والثانى ما كان المراد به النهى كقولك : قياما لا قعودا ، والثالث : ما كان المراد به الدعاء نحو : سقيالك. والرابع ما كان المراد به التوبيخ كقولهم «أتوانيا وقد جد الجد». وأما المراد به خبر فعلى ضربين : سماعى ، ومقيس ؛ فأما لسماعى فنحو قولهم : لا أفعل ولا كرامة ، وأما المقيس فهو أنواع كثيرة : منها ما ذكر تفصيلا لعاقبة جملة قبله. ومنها ما كان مكررا. أو محصورا ، ومنها ما جاء مؤكدا لنفسه ، أو لغيره ، وقد تكفل الشارح ببيان ذلك النوع بيانا وافيا.


وأشار بقوله : «كندلا» إلى ما أنشده سيبويه ، وهو قول الشاعر :

(١٦٢) ـ

يمرّون بالدّهنا خفافا عيابهم

ويرجعن من دارين بجر الحقائب

على حين ألهى النّاس جلّ أمورهم

فندلا زريق المال ندل الثّعالب

__________________

١٦٢ ـ البيتان لأعشى همدان. من كلمة يهجو فيها لصوصا.

اللغة : «الدهنا» يقصر ويمد ـ موضع معروف لبنى تميم «عيابهم» العياب : جمع عيبة ، وهى وعاء الثياب «دارين» قرية بالبحرين مشهورة بالمسك. وفيها سوق «بجر» بضم فسكون ـ جمع بجراء ، وهى الممتلئة ، والحقائب : جمع حقيبة ، وهى ـ هنا ـ العيبة أيضا «ألهى الناس» شغلهم وأورثهم الغفلة «جل أمورهم» بضم الجيم وتشديد اللام ـ معظمها وأكثرها «ندلا» خطفا فى خفة وسرعة.

المعنى : هؤلاء اللصوص يمرون بالدهناء فى حين ذهابهم إلى دارين ؛ وقد صفرت عيابهم من المتاع فلا شىء فيها. ولكنهم عند ما يعودون من دارين يكونون قد ملأوا هذه العياب حتى انتفخت وعظمت. وذلك ناشىء من أنهم يختلسون غفلة الناس بمهامهم وبمعظم أمورهم فيسطون على ما غفلوا عنه من المتاع وينادى بعضهم بعضا : اخطف خطفا سريعا ، وكن خفيف اليد سريع الروغان.

الإعراب : «يمرون» فعل وفاعل «بالدهنا» جار ومجرور متعلق بيمر «خفافا» حال من الفاعل «عيابهم» عياب فاعل لخفاف. وعياب مضاف وضمير الغائبين مضاف إليه «ويرجعن» فعل وفاعل ، والتعبير بنون الإناث لتأويلهم بالجماعات. أو لقصد تحقيرهم «من دارين» جار ومجرور متعلق بيرجع «بجر» حال من الفاعل. وبجر مضاف و «الحقائب» مضاف إليه «على» حرف جر «حين» ظرف زمان مبنى على الفتح فى محل جر ، أو مجرور بالكسرة الظاهرة «ألهى» فعل ماض «الناس» مفعول به لألهى تقدم على فاعله «جل» فاعل ألهى ، وجل مضاف. وأمور من «أمورهم» مضاف إليه ، وأمور مضاف وضمير الغائبين مضاف إليه «فندلا» مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف «زريق» منادى بحرف نداء محذوف «المال» مفعول به


فـ «ندلا» نائب مناب فعل الأمر ، وهو اندل ، والنّدل : خطف الشىء بسرعة ، و «زريق» منادى ، والتقدير : ندلا يا زريق [المال] ، وزريق اسم رجل ، وأجاز المصنف أن يكون مرفوعا بندلا ، وفيه نظر (١) ؛ لأنه إن جعل ، ندلا» نائبا مناب فعل الأمر للمخاطب ، والتقدير «اندل» لم يصح أن يكون مرفوعا به ؛ لأن فعل الأمر إذا كان للمخاطب لا يرفع ظاهرا ؛ فكذلك ما ناب منابه ، وإن جعل نائبا مناب فعل الأمر للغائب ، والتقدير «ليندل» صحّ أن يكون مرفوعا به ؛ لكن المنقول أنّ المصدر لا ينوب مناب فعل الأمر للغائب ، وإنما ينوب مناب فعل الأمر للمخاطب ، نحو «ضربا زيدا» أى : اضرب زيدا ، والله أعلم.

* * *

وما لتفصيل كإمّا منّا

عامله يحذف حيث عنّا (٢)

__________________

لقوله ندلا السابق «ندل» مفعول مطلق ، مبين للنوع ، وندل مضاف ، و «الثعالب» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «فندلا» حيث ناب مناب فعله ، وهو مصدر ، وعامله محذوف وجوبا ، على ما تبين لك فى الإعراب.

(١) ولو كان «زريق» فاعلا لجاء به منونا ؛ لأنه اسم رجل كما علمت ، فلما جاء به غير منون علمنا أنه منادى بحرف نداء محذوف ، ومن هنا تعلم أنه لا داعى لمناقشة الشارح التى رد بها على المصنف زعمه أن «زريق» فاعل.

(٢) «ما» اسم موصول : مبتدأ أول «لتفصيل» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة «كإما» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لتفصيل «منا» مفعول مطلق حذف عامله وجوبا «عامله» عامل : مبتدأ ثان ، وعامل مضاف والضمير مضاف إليه «يحذف» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى


يحذف أيضا عامل المصدر وجوبا إذا وقع تفصيلا لعاقبة ما تقدّمه (١) ، كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ ؛ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ ، وَإِمَّا فِداءً) فمنّا ، وفداء : مصدران منصوبان بفعل محذوف وجوبا ، والتقدير ـ والله أعلم ـ فإمّا تمنّون منّا ، وإمّا تفدون فداء ، وهذا معنى قوله : «وما لتفصيل ـ إلى آخره» أى : يحذف عامل المصدر المسوق للتفصيل ، حيث عنّ ، أى : عرض.

* * *

كذا مكرّر وذو حصر ورد

نائب فعل لاسم عين استند (٢)

__________________

عامل ، والجملة من يحذف ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول «حيث» ظرف متعلق بيحذف مبنى على الضم فى محل نصب «عنا» فعل ماض ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عامل ، والجملة من عن وفاعله فى محل جر بإضافة حيث إليها.

(١) يشترط لوجوب حذف العامل من هذا النوع ثلاثة شروط ؛ الأول : أن يكون المقصود به تفصيل عاقبة ، أى بيان الفائدة المترتبة على ما قبله والحاصلة بعده ، والشرط الثانى : أن يكون ما يراد تفصيل عاقبته جملة ، سواء أكانت طلبية كالآية الكريمة التى تلاها الشارح ، أم كانت الجملة خبرية كقول الشاعر :

لاجهدنّ : فإمّا ردّ واقعة

تخشى ، وإمّا بلوغ السّؤل والأمل

فإن كان ما يراد بيان الفائدة المترتبة عليه مفردا ـ نحو أن تقول : لزيد سفر فإما صحة وإما اغتنام مال ـ لم يجب حذف العامل ، بل يجوز حذفه ويجوز ذكره ؛ والشرط الثالث : أن تكون الجملة المراد بيان عاقبتها متقدمة عليه ، فإن تأخرت مثل أن تقول : إما إهلاكا وإما تأديبا فاضرب زيدا ـ لم يجب حذف العامل أيضا.

(٢) «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «مكرر» مبتدأ مؤخر «وذو» معطوف على «مكرر» وذو مضاف ، و «حصر» مضاف إليه ، وجملة


أى : كذلك يحذف عامل المصدر وجوبا ، إذا ناب المصدر عن فعل استند لاسم عين ، أى : أخبر به عنه ، وكان المصدر مكررا أو محصورا (١) ؛ فمثال المكرر : «زيد سيرا سيرا» والتقدير : زيد يسير سيرا ، فحذف «يسير» وجوبا لقيام التكرير مقامه ، ومثال المحصور «ما زيد إلّا سيرا» ، و «إنّما زيد سيرا» والتقدير : ما زيد إلا يسير سيرا ، وإنما زيد يسير سيرا ، فحذف «يسير» وجوبا لما فى الحصر من التأكيد القائم مقام التكرير ، فإن لم يكرر ولم يحصر لم يجب الحذف ، نحو «زيد سيرا» التقدير : زيد يسير سيرا ؛ فإن شئت حذفت «يسير» ، وإن شئت صرّحت به ، والله أعلم.

* * *

ومنه ما يدعونه مؤكّدا

لنفسه ، أو غيره ؛ فالمبتدا (٢)

__________________

«ورد» وفاعله المستتر فيه فى محل رفع نعت للمبتدأ وما عطف عليه «نائب» حال من الضمير المستتر فى ورد ، ونائب مضاف. و «فعل» مضاف إليه «لاسم» جار ومجرور متعلق باستند الآتى ، واسم مضاف ، و «عين» مضاف إليه «استند» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل ، والجملة من استند وفاعله فى محل جر نعت لفعل.

(١) يشترط لوجوب حذف العامل من هذا النوع أربعة شروط ؛ الأول : أن يكون العامل فيه خبرا لمبتدأ أو لما أصله المبتدأ ، والثانى : أن يكون المخبر عنه اسم عين ؛ والثالث : أن يكون الفعل متصلا إلى وقت التكلم ، لا منقطعا ، ولا مستقبلا ، والرابع أحد أمرين : أولهما أن يكون المصدر مكررا أو محصورا ، كما مثل الشارح ، أو معطوفا عليه ، نحو : أنت أكلا وشربا ، وثانيهما : أن يكون المخبر عنه مقترنا بهمزة الاستفهام نحو : أأنت سيرا؟.

(٢) «ومنه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «ما» اسم وصول : مبتدأ مؤخر «يدعونه» فعل وفاعل ومفعول أول «مؤكدا» مفعول ثان


نحو «له علىّ ألف عرفا»

والثّان كـ «ابنى أنت حقّا صرفا» (١)

أى : من المصدر المحذوف عامله وجوبا ما يسمّى : المؤكّد لنفسه ، والمؤكّد لغيره.

فالمؤكد لنفسه هو : الواقع بعد جملة لا تحتمل غيره ، نحو «له علىّ ألف [عرفا» أى :] اعترافا ، فاعترافا : مصدر منصوب بفعل محذوف وجوبا ، والتقدير : «أعترف اعترافا» ويسمى مؤكدا لنفسه ؛ لأنه مؤكد للجملة قبله ، وهى نفس المصدر ، بمعنى أنها لا تحتمل سواه ، وهذا هو المراد بقوله : «فالمبتدا» أى : فالأول من القسمين المذكورين فى البيت الأول.

والمؤكد لغيره هو : الواقع بعد جملة تحتمله وتحتمل غيره ؛ فتصير بذكره نصّا فيه ، نحو «أنت ابنى حقّا» فحقّا : مصدر منصوب بفعل محذوف وجوبا ، والتقدير : «أحقّه حقّا» وسمّى مؤكدا لغيره ؛ لأن الجملة قبله تصلح له ولغيره ؛ لأن قولك «أنت ابنى» يحتمل أن يكون حقيقة ، وأن يكون مجازا

__________________

والجملة من يدعو وفاعله ومفعوليه لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «لنفسه» الجار والمجرور متعلق بيدعو ، ونفس مضاف والهاء ضمير الغائب مضاف إليه «أو غيره» أو : حرف عطف ، غير : معطوف على نفسه ، وغير مضاف وضمير الغائب مضاف إليه «فالمبتدأ» مبتدأ.

(١) «نحو» خبر للمبتدأ فى آخر البيت السابق «له» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «على» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن فى الجار والمجرور السابق «ألف» مبتدأ مؤخر «عرفا» مفعول مطلق ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جر بإضافة نحو إليها «والثان» مبتدأ «كابنى» الكاف جارة لقول محذوف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف «ابنى» ابن خبر مقدم ، وابن مضاف ، وياء المتكلم مضاف إليه «أنت» مبتدأ مؤخر ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب مقول لذلك القول المحذوف «حقا» مفعول مطلق «صرفا» نعت لقوله حقا.


على معنى أنت عندى فى الحنوّ بمنزلة ابنى ، فلما قال «حقّا» صارت الجملة نصّا فى أن المراد البنوّة حقيقة ، فتأثرت الجملة بالمصدر ؛ لأنها صارت به نصّا ؛ فكان مؤكدا لغيره ؛ لوجوب مغايرة المؤثر للمؤثّر فيه.

* * *

كذاك ذو التّشبيه بعد جمله

ك «لى بكا بكاء ذات عضله» (١)

أى : كذلك يجب حذف عامل المصدر إذا قصد به التّشبيه بعد جملة مشتملة على فاعل المصدر فى المعنى (٢) ، نحو «لزيد صوت صوت حمار ،

__________________

(١) «كذاك» كذا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، والكاف حرف خطاب «ذو» اسم بمعنى صاحب : مبتدأ مؤخر ، وذو مضاف و «التشبيه» مضاف إليه «بعد» ظرف متعلق بمحذوف حال ، وبعد مضاف ، و «جملة» مضاف إليه «كلى» الكاف جارة لقول محذوف. لى : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «بكا» قصر للضرورة مبتدأ مؤخر «بكاء» مفعول مطلق ، وبكاء مضاف و «ذات» مضاف إليه ، وذات مضاف و «عضلة» مضاف إليه.

(٢) الشروط التى تشترط فى هذا الموضوع سبعة شروط ثلاثة منها تشترط فى المفعول المطلق نفسه ، والأربعة الباقية فى الكلام الذى يسبقه :

فأما الثلاثة التى يجب أن تتحقق فى المفعول المطلق فهى : أن يكون مصدرا ، وأن يكون مشعرا بالحدوث ، وأن يكون المراد به التشبيه.

وأما الأربعة التى يجب أن تتحقق فيما يتقدمه فهى : أن يكون السابق عليه جملة ، وأن تكون هذه الجملة مشتملة على فاعل المصدر ، وأن تكون أيضا مشتملة على معنى المصدر ، وأن يكون فى هذه الجملة ما يصلح للعمل فى المصدر.

فإن لم يكن المصدر مشعرا بالحدوث نحو قولك : لفلان ذكاء ذكاء الحكماء ، أو لم تتقدمه جملة ، بل تقدمه مفرد ، كقولك : صوت فلان صوت حمار ، أو تقدمته جملة ولكنها لم تشتمل على فاعل المصدر ، كقولك : دخلت الدار فإذا فيها نوح نوح الحمام ـ ففى كل هذا المثل وما أشبهها لا يكون المصدر مفعولا مطلقا والعامل فيه محذوف وجوبا. بل هو فيما ذكرنا ـ مما تقدمته جملة ـ من الأمثلة بدل مما قبله.


وله بكاء بكاء الثّكلى» فـ «صوت حمار» مصدر تشبيهى ، وهو منصوب بفعل محذوف وجوبا ، والتقدير : يصوّت صوت حمار ، وقبله جملة وهى «لزيد صوت» وهى مشتملة على الفاعل فى المعنى ، وهو «زيد» وكذلك «بكاء الثّكلى» منصوب بفعل محذوف وجوبا ، والتقدير : يبكى بكاء الثّكلى.

فلو لم يكن قبل هذا المصدر جملة وجب الرّفع ، نحو «صوته صوت حمار ، وبكاؤه بكاء الثّكلى» ، وكذا لو كان قبله جملة [و] ليست مشتملة على الفاعل فى المعنى ، نحو «هذا بكاء بكاء الثّكلى ، وهذا صوت صوت حمار».

ولم يتعرض المصنف لهذا الشرط ، ولكنه مفهوم من تمثيله.

* * *


المفعول له

ينصب مفعولا له المصدر ، إن

أبان تعليلا ، كـ «جد شكرا ، ودن» (١)

وهو بما يعمل فيه متّحد

: وقتا وفاعلا ، وإن شرط فقد (٢)

فاجرره بالحرف ، وليس يمتنع

مع الشّروط : كلزهد ذا قنع (٣)

__________________

(١) «ينصب» فعل مضارع مبنى للمجهول «مفعولا» حال من نائب الفاعل «له» جار ومجرور متعلق بقوله مفعولا «المصدر» ناتب فاعل لينصب «إن» شرطية «أبان» فعل ماض فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المصدر «تعليلا» مفعول به لأبان «كجد» الكاف جارة لقول محذوف ، جد : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «شكرا» مفعول لأجله «ودن» الواو عاطفة ، دن : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ويحتمل أن يكون له مفعول مطلق محذوف لدلالة الأول عليه.

(٢) «وهو» مبتدأ «بما» جار ومجرور متعلق بمتحد الآتى «يعمل» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة «فيه» جار ومجرور متعلق بيعمل «متحد» خبر المبتدأ «وقتا» تمييز ، أو منصوب بنزع الخافض «وفاعلا» معطوف على قوله وقتا «وإن» شرطية «شرط» نائب فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : وإن فقد شرط ، والفعل المحذوف هو فعل الشرط «فقد» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى شرط ، والجملة من فقد المذكور وفاعله لا محل لها من الإعراب تفسيرية ، وجواب الشرط فى البيت التالى.

(٣) «فاجرره» الفاء لربط الجواب بالشرط ، اجرر : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط فى البيت السابق «بالحرف» جار ومجرور متعلق باجرر «وليس» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الجر بالحرف «يمتنع» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الجر بالحرف. والجملة فى محل نصب


المفعول له هو : المصدر ، المفهم علة ، المشارك لعامله : فى الوقت ، والفاعل ، نحو «جد شكرا» فشكرا : مصدر ، وهو مفهم للتعليل ؛ لأن المعنى جد لأجل الشكر ، ومشارك لعامله وهو «جد» : فى الوقت ؛ لأن زمن الشكر هو زمن الجود ، وفى الفاعل ؛ لأن فاعل الجود هو المخاطب وهو فاعل الشكر.

وكذلك «ضربت ابنى تأديبا» فتأديبا : مصدر ، وهو مفهم للتعليل ؛ إذ يصح أن يقع فى جواب «لم فعلت الضّرب؟» وهو مشارك لضربت : فى الوقت ، والفاعل.

وحكمه جواز النصب إن وجدت فيه هذه الشروط الثلاثة ـ أعنى المصدرية ، وإبانة التعليل ، واتحاده مع عامله فى الوقت والفاعل.

فإن فقد شرط من هذه الشروط تعين جرّه بحرف التعليل ، وهو اللام ، أو «من» أو «فى» أو الباء ؛ فمثال ما عدمت فيه المصدرية قولك «جئتك للسمن» ومثال ما لم يتّحد مع عامله فى الوقت «جئتك اليوم للإكرام غدا» ومثال ما لم يتحد مع عامله فى الفاعل «جاء زيد لإكرام عمرو له».

ولا يمتنع الجرّ بالحرف مع استكمال الشروط ، نحو «هذا قنع لزهد».

وزعم قوم أنه لا يشترط فى نصبه إلا كونه مصدرا ، ولا يشترط اتحاده مع عامله فى الوقت ولا فى الفاعل ، فجوزوا نصب «إكرام» فى المثالين السابقين ، والله أعلم.

* * *

__________________

خبر ليس «مع» ظرف متعلق بيمتنع ومع مضاف ، و «الشروط» مضاف إليه «كلزهد» الكاف جارة لقول محذوف. لزهد : جار ومجرور متعلق بقنع الآتى «دا» اسم إشارة مبتدأ «قنع» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم الإشارة ، والجملة من قنع وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.


وقلّ أن يصحبها المجرّد

والعكس فى مصحوب «أل» وأنشدوا (١)

لا أقعد الجبن عن الهيجاء

ولو توالت زمر الأعداء (٢)

المفعول له المستكمل للشروط المتقدمة له ثلاثة أحوال ؛ أحدها : أن يكون مجردا عن الألف واللام والإضافة ، والثانى : أن يكون محلّى بالألف واللام ، والثالث : أن يكون مضافا ، وكلّها يجوز أن تجرّ بحرف التعليل ، لكن الأكثر فيما تجرّد عن الألف واللام والإضافة النصب ، نحو «ضربت ابنى تأديبا» ، ويجوز جرّه ؛ فتقول : «ضربت ابنى لتأديب» ، وزعم الجزولى أنه لا يجوز جرّه ، وهو خلاف ما صرّح به النحويون ، وما صحب الألف واللام بعكس المجرد ؛ فالأكثر جرّه ، ويجوز النصب ؛ فـ «ضربت ابنى للتأديب» أكثر من «ضربت ابنى التأديب» ، ومما جاء فيه منصوبا ما أنشده المصنف :

(١٦٣) ـ

*لا أقعد الجبن عن الهيجاء*

__________________

(١) «وقل» فعل ماض «أن» مصدرية «يصحبها» يصحب : فعل مضارع منصوب بأن ، وها : مفعول به ليصحب «المجرد» فاعل يصحب ، و «أن» ومدخولها فى تأويل مصدر فاعل قل ، «والعكس» مبتدأ «فى مصحوب» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، ومصحوب مضاف و «أل» قصد لفظه : مضاف إليه «وأنشدوا» فعل وفاعل.

(٢) «لا» نافية «أقعد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، «الجبن» مفعول لأجله «عن الهيجاء» جار ومجرور متعلق بأقعد «ولو» شرطية غير جازمة «توالت» توالى : فعل ماض ، والتاء تاء التأنيث «زمر» فاعل توالت ، وزمر مضاف و «الأعداء» مضاف إليه.

١٦٣ ـ لم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين ، والبيت كما ورد فى كلام الناظم ؛ فهذا صدره ، وعجزه قوله :


..................................................................................

__________________

*ولو توالت زمر الأعداء*

اللغة : «أقعد» أراد لا أنكل ولا أتوانى عن اقتحام المعارك ، وتقول : قعد فلان عن الحرب ، إذا تأخر عنها ولم يباشرها «الجبن» بضم فسكون ـ هو الهيبة والفزع وضعف القلب والخوف من العاقبة «الهيجاء» الحرب ، وهى تقصر وتمد ، فمن قصرها قول لبيد :

*يا ربّ هيجا هى خير من دعه*

ومن مدها قول الآخر :

إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا

فحسبك والضّحاك سيف مهنّد

«توالت» تتابعت وتكاثرت وأتى بعضها تلو بعض وتبعه «زمر» جمع زمرة ، وهى الجماعة «الأعداء» جمع عدو.

الإعراب : «لا» نافية «أقعد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «الجبن» مفعول لأجله «عن الهيجاء» جار ومجرور متعلق بقوله أقعد «ولو» الواو عاطفة ، والمعطوف عليه محذوف ، والتقدير : لو لم تتوال زمر الأعداء ، ولو توالت زمر الأعداء ، لو : حرف شرط غير جازم «توالت» نوالى : فعل ماض ، والتاء حرف دال على تأنيث الفاعل «زمر» فاعل توالت ، وزمر مضاف ، و «الأعداء» مضاف إليه ، مجرور بالكسرة الظاهرة.

الشاهد فيه : قوله «الجبن» حيث وقع مفعولا لأجله ، ونصبه مع كونه محلى بأل

وقد اختلف النحاة فى جواز مجىء المفعول لأجله معرفا ؛ فذهب سيبويه ـ وتبعه الزمخشرى ـ إلى جواز ذلك ، مستدلين على هذا بمجيئه عن العرب فى نحو بيت الشاهد الذى نحن بصدد شرحه والبيتين (رقم ١٦٤ و ١٦٥) وقول شاعر الحماسة :

كريم يغضّ الطّرف فضل حيائه

ويدنو وأطراف الرّماح دوانى

فقوله «فضل حيائه» مفعول لأجله ، وهو معرف بالإضافة ؛ إذ هو مضاف إلى مضاف إلى الضمير.

وذهب الجرمى إلى أن المفعول لأجله يجب أن يكون نكرة ؛ لأنه ـ فيما زعم


البيت ، فـ «الجبن» مفعول له ، أى : لا أقعد لأجل الجبن ، ومثله قوله :

(١٦٤) ـ

فليت لى بهم قوما إذا ركبوا

شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا

__________________

كالحال والتمييز ، وكل منهما لا يكون إلا نكرة ، فإن جاء المفعول لأجله مقترنا بأل ، فأل هذه زائدة لا معرفة ، وإن جاء مضافا إلى معرفة فإضافته لفظية لا تفيد تعريفا.

والصحيح ما ذهب إليه سيبويه رحمه الله فى هذه المسألة ؛ لورود الشواهد الكثيرة فى النظم والنثر ، ومما يدل على صحته وروده فى قول الله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) والقول بزيادة الحرف أو بأن الإضافة لفظية خلاف الأصل ؛ فلا يصار إليه.

١٦٤ ـ البيت من مختار أبى تمام فى أوائل ديوان الحماسة ، وهو من كلمة لقريط ابن أنيف أحد بنى العنبر.

اللغة : «شنوا» أراد : فرقوا أنفسهم لأجل الإغارة «الإغارة» الهجوم على على العدو والإيقاع به «فرسانا» جمع فارس ، وهو راكب الفرس «ركبانا» جمع راكب ، وهو أعم من الفارس ، وقيل : هو خاص براكى الإبل.

المعنى : يتمنى بدل قومه قوما آخرين من صفتهم أنهم إذا ركبوا للحرب تفرقوا لأجل الهجوم على الأعداء والإيقاع بهم ، ما بين فارس وراكب.

الإعراب : «فليت» حرف تمن ونصب «لى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليت مقدم «قوما» اسم ليت مؤخر «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «ركبوا» فعل وفاعل ، والجملة فى محل جر بإضافة إذا إليها «شنوا» فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب جواب إذا ، وله مفعول به محذوف ، والتقدير : شنوا أنفسهم ـ أى فرقوها ـ لأجل الإغارة «الإغارة» مفعول لأجله «فرسانا» حال من الواو فى «شنوا» «وركبانا» معطوف عليه.

الشاهد فيه : قوله «الإغارة» حيث وقع مفعولا لأجله منصوبا مع اقترانه بأل ، وهو يرد على الجرمى الذى زعم أن المفعول لأجله لا يكون إلا نكرة ؛ وادعاؤه أن أل فى «الإغارة» ونحوها زائدة لا معرفة خلاف الأصل فلا يلتفت إليه.

وربما قيل : إنه لا شاهد فى البيت ؛ لأن الإغارة مفعول به : أى فرقوا إغارتهم على عدوهم ، وليست مفعولا لأجله.


وأما المضاف فيجوز فيه الأمران ـ النصب ، والجرّ ـ على السواء ؛ فتقول : «ضربت ابنى تأديبه ، ولتأديبه» وهذا [قد] يفهم من كلام المصنف ؛ لأنه لما ذكر أنه يقل جرّ المجرد ونصب المصاحب للألف واللام علم أن المضاف لا يقلّ فيه واحد منهما ، بل يكثر فيه الأمران ، ومما جاء منصوبا [قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) ومنه] قوله :

(١٦٥) ـ

وأغفر عوراء الكريم ادّخاره

وأعرض عن شتم اللّثيم تكرّما

* * *

__________________

١٦٥ ـ البيت لحاتم الطائى ، الجواد المشهور.

اللغة : «العوراء» الكلمة القبيحة «ادخاره» استبقاء لمودته «وأعرض» وأصفح.

الإعراب : «وأغفر» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «عوراء» مفعول به لأغفر ، وعوراء مضاف و «الكريم» مضاف إليه «ادخاره» ادخار : مفعول لأجله ، وادخار مضاف وضمير الغائب مضاف إليه «وأعرض» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «عن شتم» جار ومجرور متعلق بأعرض ، وشتم مضاف و «اللئيم» مضاف إليه «تكرما» مفعول لأجله.

الشاهد فيه : قوله «ادخاره» حيث وقع مفعولا لأجله منصوبا مع أنه مضاف للضمير ولو جره باللام فقال «لادخاره» لكان سائغا مقبولا ، وهو يرد على الجرمى الذى زعم أن المفعول لأجله لا يكون معرفة لا بإضافة ولا بأل ، وما زعمه من أن إضافة المفعول لأجله لفظية لا تفيد التعريف غير صحيح.

وفى قوله «تكرما» شاهد آخر لهذا الباب ، فإن قوله «تكرما» مفعول لأجله ، وهو منكر غير معرف لا بإضافة ولا بأل ، وقد جاء به منصوبا لاستيفائه الشروط ، ولا يختلف أحد من النحاة فى صحة ذلك.

* * *


المفعول فيه ، وهو المسمّى ظرفا

الظرف : وقت ، أو مكان ، ضمّنا

«فى» باطّراد ، كهنا امكث أزمنا (١)

عرّف المصنف الظرف بأنه : زمان ـ أو مكان ـ ضمّن معنى «فى» باطّراد ، نحو «امكث هنا أزمنا» فهنا : ظرف مكان ، وأزمنا : ظرف زمان ، وكل منهما تضمن معنى «فى» ؛ لأن المعنى : امكث فى هذا الموضع [و] فى أزمن.

واحترز بقوله : «ضمن معنى فى» مما لم يتضمن من أسماء الزمان أو المكان معنى «فى» كما إذا جعل اسم الزمان أو المكان مبتدأ ، أو خبرا ، نحو : «يوم الجمعة يوم مبارك ، ويوم عرفة يوم مبارك ، والدّار لزيد» فإنه لا يسمى ظرفا والحالة هذه ، وكذلك ما وقع منهما مجرورا ، نحو : «سرت فى يوم الجمعة» و «جلست فى الدّار» على أن فى هذا ونحوه خلافا فى تسميته ظرفا فى الاصطلاح ، وكذلك ما نصب منهما مفعولا به ، نحو : «بنيت الدار ، وشهدت يوم الجمل».

واحترز بقوله : «باطّراد» من نحو : «دخلت البيت ، وسكنت الدّار ، وذهبت الشأم» فإن كل واحد من «البيت ، ولدار ، والشأم» متضمن معنى «فى» ولكن تضمّنه معنى «فى» ليس مطّردا ؛ لأن أسماء المكان المختصّة لا يجوز حذف «فى» معها ؛ فليس «البيت ، والدار ، والشأم» فى المثل

__________________

(١) «الظرف» مبتدأ «وقت» خبر المبتدأ «أو مكان» معطوف على وقت «ضمنا» فعل ماض مبنى للمجهول ، وألف الاثنين نائب فاعل ، وهو المقعول الأول «فى» قصد لفظه : مفعول ثان لضمن «باطراد» جار ومجرور متعلق بضمن «كهنا» الكاف جارة لقول محذوف ، هنا : ظرف مكان متعلق بامكث «امكث» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أزمنا» ظرف زمان متعلق بامكث أيضا.


منصوبة على الظرفية ، وإنما هى منصوبة على التشبيه بالمفعول به ؛ لأن الظرف هو : ما تضمن معنى «فى» باطّراد ، وهذه متضمنة معنى «فى» لا باطراد.

هذا تقرير كلام المصنف ، وفيه نظر ؛ لأنه إذا جعلت هذه الثلاثة ونحوها منصوبة على التشبيه بالمفعول به لم تكن متضمنة معنى «فى» ؛ لأن المفعول به غير متضمن معنى «فى» ؛ فكذلك ما شبّه به ؛ فلا يحتاج إلى قوله : «باطّراد» ليخرجها ؛ فإنها خرجت بقوله «ما ضمن معنى فى» ، والله تعالى أعلم.

* * *

فانصبه بالواقع فيه : مظهرا

كان ، وإلّا فانوه مقدّرا (١)

حكم ما تضمّن معنى «فى» من أسماء الزمان والمكان النصب ، والناصب له ما وقع فيه ، وهو المصدر ، نحو : «عجبت من ضربك زيدا ، يوم الجمعة ، عند الأمير» أو الفعل ، نحو : «ضربت زيدا ، يوم الجمعة ، أمام الأمير» أو الوصف ، نحو : «أنا ضارب زيدا ، اليوم ، عندك».

وظاهر كلام المصنف أنه لا ينصبه إلا الواقع فيه فقط ، وهو المصدر ، وليس كذلك ، بل ينصبه هو وغيره : كالفعل ، والوصف (٢).

__________________

(١) «فانصبه» انصب : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به «بالواقع» جار ومجرور متعلق بانصب «فيه» جار ومجرور متعلق بالواقع «مظهرا» خبر لكان الآتى مقدم عليه «كان» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الواقع «وإلا» إن : شرطية ، ولا : نافية ، وفعل الشرط محذوف : أى وإلا يظهر «فانوه» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، انو : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط «مقدرا» حال من الهاء فى «انوه».

(٢) اعلم أن الذى يقع فى الظرف هو الحدث ، فاذا قلت «جلست أمامك»


والناصب له إما مذكور كما مثّل ، أو محذوف : جوازا ، نحو أن يقال : «متى جئت؟» فتقول : «يوم الجمعة» ، و «كم سرت؟» فنقول : «فرسخين» ، والتقدير «جئت يوم الجمعة ، وسرت فرسخين» أو وجوبا ، كما إذا وقع الظرف صفة ، نحو : «مررت برجل عندك» أو صلة ، نحو : «جاء الذى عندك» أو حالا ، نحو : «مررت بزيد عندك» أو خبرا فى الحال أو فى الأصل ، نحو «زيد عندك ، وظننت زيدا عندك» ؛ فالعامل فى هذه الظروف محذوف وجوبا فى هذه المواضع كلها ، والتقدير فى غير الصلة «استقرّ» أو «مستقر» وفى الصلة «استقرّ» ؛ لأن الصلة لا تكون إلا جملة ، والفعل مع فاعله جملة ، واسم الفاعل مع فاعله ليس بجملة (١) ، والله أعلم.

* * *

__________________

فالجلوس ـ وهو الحدث ـ هو الذى وقع أمامك ، وكذلك إذا قلت «أنا جالس أمامك» وكذلك إذا قلت «كان جلوسى أمامك» واعلم أيضا أن المصدر يدل على الحدث بدلالة المطابقة ؛ لأن كل معناه هو الحدث ، والفعل والصفة يدلان على الحدث بدلالة التضمن ؛ لأن الفعل معناه الحدث والزمان ، والصفة معناها الذات والحدث القائم بها أو الواقع منها أو عليها أو الثابت لها ، والناظم لم يصرح بأنه أراد أن الذى ينصب الظرف هو اللفظ الدال على الحدث بالمطابقة ، بل كلامه يصح أن يحمل على ما يدل بالمطابقة أو بالتضمن ، فيكون شاملا للمصدر والفعل والوصف ، وعلى هذا لا يرد اعتراض الشارح أصلا.

(١) ذكر الشارح أربعة مواضع يجب فيها حذف العامل فى الظرف ، وهى : أن يكون صفة ، أو صلة ، أو خبرا ، أو حالا ؛ وبقى عليه موضعان آخران : (الأول) أن يكون الظرف مشغولا عنه ، كقولك : يوم الجمعة سافرت فيه. والتقدير : سافرت يوم الجمعة سافرت فيه ، ولا يجوز إظهار هذا العامل ؛ لأن المتأخر عوض عنه ، ولا يجمع بين العوض والمعوض فى الكلام (الثانى) أن يكون الكلام قد سمع بحذف العامل ، نحو


وكلّ وقت قابل ذاك ، وما

يقبله المكان إلّا مبهما (١)

نحو الجهات ، والمقادير ، وما

صيغ من الفعل كمرمى من رمى (٢)

يعنى أن اسم الزمان يقبل النصب على الظرفية (٣) : مبهما كان ، نحو «سرت

__________________

قولك لمن يذكر أمرا قد قدم عليه العهد : حينئذ الآن ، وتقدير الكلام : قد حدث ما تذكر حين إذ كان كذا واسمع الآن ؛ فناصب «حين» عامل ، وناصب «الآن» عامل آخر ؛ فهما من جملتين لا من جملة واحدة ، والمقصود نهى المخاطب عن الخوض فيما يذكره ، وأمره بالاستماع إلى جديد.

(١) «وكل» مبتدأ ، وكل مضاف ، و «وقت» مضاف إليه «قابل» خبر المبتدأ ، وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل ، وفاعله ضمير مستتر فيه «ذاك» ذا : اسم إشارة مفعول به لقابل ، والكاف حرف خطاب «وما» نافية «يقبله» يقبل : فعل مضارع ، والهاء مفعول به ليقبل «المكان» فاعل يقبل «إلا» حرف استثناء دال على الحصر «مبهما» حال ، والتقدير : لا يقبل النصب على الظرفية اسم المكان فى حال من الأحوال إلا فى حال كونه مبهما.

(٢) «نحو» خبر لمبتدأ محذوف ، أى وذلك نحو ، ونحو مضاف ، و «الجهات» مضاف إليه «والمقادير» معطوف على الجهات «وما» الواو عاطفة ، ما : اسم موصول معطوف على الجهات «صيغ» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها صلة «من الفعل» جار ومجرور متعلق بصيغ «كمرمى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف «من رمى» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من مرمى ، وتقدير الكلام : وذلك كائن كمرمى حال كونه مأخوذا من مصدر رمى.

(٣) أنت تعلم أن الفعل يدل بالوضع على شيئين ، أحدهما الحدث ، وثانيهما الزمن ، ويدل على المكان بدلالة الالتزام ؛ لأن كل حدث يقع فى الخارج لا بد أن يكون وقوعه فى مكان ما ، فلما كانت دلالة الفعل على الزمان لأنه أحد جزءى معناه الوضعى قوى على نصب ظرف الزمان بنوعيه المبهم والمختص ، ولما كانت دلالته على المكان بالالتزام لا بالوضع لم يقو على نصب جميع الأسماء الدالة على المكان ، بل تعدى إلى المبهم منه لكونه دالا عليه فى الجملة ، وإلى اسم المكان المأخوذ من مادته ، لكونه بالنظر إلى المادة قوى الدلالة على هذا النوع.


لحظة ، وساعة» أو مختصا : إما بإضافة ، نحو «سرت يوم الجمعة» ، أو بوصف نحو «سرت يوما طويلا» أو بعدد ، نحو «سرت يومين».

وأما اسم المكان فلا يقبل النصب منه إلا نوعان ؛ أحدهما : المبهم ، والثانى : ما صيغ من المصدر بشرطه الذى سنذكره ، والمبهم كالجهات [السّتّ] ، نحو : «فوق ، وتحت ، [ويمين ، وشمال] وأمام ، وخلف» ونحو هذا ، كالمقادير ، نحو «غلوة ، وميل ، وفرسخ ، وبريد» (١) تقول : «جلست فوق الدّار ، وسرت غلوة» فتنصبهما على الظرفية.

وأما ما صيغ من المصدر ، نحو «مجلس زيد ، ومقعده» فشرط نصبه ـ قياسا ـ أن يكون عامله من لفظه ، نحو «قعدت مقعد زيد ، وجلست مجلس عمرو» فلو كان عامله من غير لفظه تعين جرّه بفى ، نحو : «جلست فى مرمى زيد» ؛ فلا تقول : «جلست مرمى زيد» إلا شذوذا.

ومما ورد من ذلك قولهم : «هو منّى مقعد القابلة ، ومزجر الكلب ، ومناط الثريّا» (٢) أى : كائن مقعد القابلة ، وفى مزجر الكلب ، ومناط الثريا ، والقياس «هو منّى فى مقعد القابلة ، وفى مزجر الكلب ، وفى مناط الثريا» ولكن نصب شذوذا ، ولا يقاس عليه ، خلافا للكسائى ، وإلى هذا أشار بقوله :

__________________

(١) الغلوة ـ بفتح الغين المعجمة وسكون اللام ـ فسرها المتقدمون بالباع مائة باع ، والباع : مقدار ما بين أصابع يديك إذا مددتهما محاذيتين لصدرك ، ومنهم من قدر الغلوة برمية سهم ، ومنهم من قدرها بثلثمائة ذراع ، والميل : عشر غلوات ، فهو ألف باع ، والفرسخ : ثلاثة أميال ، والبريد : أربعة فراسخ.

(٢) يقول العرب «فلان منى مقعد القابلة» يريدون أنه قريب كقرب مكان قعود القابلة عند ولادة المرأة من المرأة. ويقولون «فلان منى مزجر الكلب» يريدون أنه بعيد كبعد المكان الذى تزجر إليه الكلب. ويراد بهذا الذم ، ويقولون «فلان منى مناط الثريا» يريدون أنه فى مكان بعيد كبعد الثريا عمن يروم أن يتصل بها ، وهذا كناية عن عدم إدراكه فى الشرف والرفعة ، يعنى أنه فريد فى شرفه ورفعة قدره.


وشرط كون ذا مقيسا أن يقع

ظرفا لما فى أصله معه اجتمع (١)

أى : وشرط كون نصب ما اشتقّ من المصدر مقيسا : أن يقع ظرفا لما اجتمع معه فى أصله ، أى : أن ينتصب بما يجامعه فى الاشتقاق من أصل واحد ، كمجامعة «جلست» بـ «مجلس» فى الاشتقاق من الجلوس ؛ فأصلهما واحد ، وهو «الجلوس».

وظاهر كلام المصنف أن المقادير وما صيغ من المصدر مبهمان ؛ أما المقادير فمذهب الجمهور أنها من الظروف المبهمة ؛ لأنها ـ وإن كانت معلومة المقدار ـ فهى مجهولة الصفة ، وذهب الأستاذ أبو على الشلوبين إلى أنها ليست من [الظروف] المبهمة ؛ لأنها معلومة المقدار ، وأما ما صيغ من المصدر فيكون مبهما ، نحو «جلست مجلسا» ومختصّا ، نحو «جلست مجلس زيد».

وظاهر كلامه أيضا أن «مرمى» مشتق من رمى ، وليس هذا على مذهب البصريين ؛ فإن مذهبهم أنه مشتق من المصدر ، لا من الفعل.

وإذا تقرر أن المكان المختص ـ وهو : ما له أقطار تحويه ـ لا ينتصب ظرفا ، فاعلم أنّه سمع نصب كلّ مكان مختص مع «دخل ، وسكن» ونصب

__________________

(١) «وشرط» مبتدأ ، وشرط مضاف ، و «كون» مضاف إليه ، وكون مضاف ، و «ذا» مضاف إليه ، من إضافة المصدر الناقص إلى اسمه «مقيسا» خبر الكون الناقص «أن» مصدرية «يقع» فعل مضارع منصوب بأن ، وسكنه للوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذا الذى هو إشارة للمأخوذ من مصدر الفعل ، و «أن» ومنصوبها فى تأويل مصدر خبر المبتدأ «ظرفا» حال من فاعل يقع المستتر فيه «لما» جار ومجرور متعلق بقوله «ظرفا» أو بمحذوف صفة له «فى أصله ، معه» جار ومجرور وظرف ، متعلقان باجتمع الآتى «اجتمع» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة من اجتمع وفاعله لا محل لها صلة «ما» المجرور محلا باللام.


«الشأم» مع «ذهب» ، نحو «دخلت البيت ، وسكنت الدار ، وذهبت الشأم» واختلف الناس فى ذلك ؛ فقيل : هى منصوبة على الظرفية شذوذا ، وقيل : منصوبة على إسقاط حرف الجر ، والأصل «دخلت فى الدار» فحذف حرف الجر ؛ فانتصب الدار ، نحو «مررت زيدا» وقيل : منصوبة على التشبيه بالمفعول به (١).

* * *

__________________

(١) فى هذه المسألة أربعة أقوال للنحاة ذكر الشارح منها ثلاثة :

(الأول) أن هذه الظروف المختصة منصوبة على الظرفية كما انتصب الظرف المكانى المبهم عليها ، إلا أن ذلك شاذ لا يقاس عليه ، وهو مذهب المحققين من النحاة ، ونسبه الشلوبين للجمهور ، وصححه ابن الحاجب

(الثانى) أن هذه الأسماء منصوبة على إسقاط حرف الجر ، يعنى على الحذف والإيصال ، كما انتصب «الطريق» فى قول الشاعر (وانظر الشاهد رقم ١٥٩) :

لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه

فيه كما عسل الطّريق الثّعلب

وهذا مذهب الفارسى ، ومن العلماء من ينسبه إلى سيبويه ، وقد اختاره ابن مالك.

(الثالث) أن هذه الأسماء منصوبة على التشبيه بالمفعول به ، وذلك لأنهم شبهوا الفعل القاصر بالفعل المتعدى ، كما نصبوا الاسم بعد الصفة المشبهة التى لا تؤخذ إلا من مصدر الفعل القاصر ، وهذا إنما يتم لو أن الأفعال التى تنصب بعدها هذه الأسماء كانت كلها قاصرة.

(الرابع) أن هذه الأسماء منصوبة على أنها مفعول به حقيقة ، وعللوا هذا القول بأن نحو «دخل» يتعدى بنفسه تارة وبحرف الجر تارة أخرى ، وكثرة الأمرين فيه تدل على أن كل واحد منهما أصل ، وهذا أيضا يتجه لو أن جميع الأفعال التى تنصب بعدها هذه الأسماء كانت من هذا النوع ؛ إلا أن يخص هذا القول بنحو «دخل» مما له حالتان تساوتا فى كثرة الورود ، بخلاف نحو «ذهب».


وما يرى ظرفا وغير ظرف

فذاك ذو تصرّف فى العرف (١)

وغير ذى التّصرّف : الّذى لزم

ظرفيّة أو شبهها من الكلم (٢)

ينقسم اسم الزمان واسم المكان إلى : متصرف ، وغير متصرف ؛ فالمتصرف من ظرف الزمان أو المكان : ما استعمل ظرفا وغير ظرف ، كـ «يوم ، ومكان»

__________________

(١) «وما» اسم موصول مبتدأ أول «يرى» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، وهو المفعول الأول «ظرفا» مفعول ثان ليرى ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «وغير» معطوف على قوله «ظرفا» «السابق» وغير مضاف ، و «ظرف» مضاف إليه «فذاك» الفاء زائدة ، واسم الإشارة مبتدأ ثان «ذو» خبر المبتدأ الثانى ، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول ، وزيدت الفاء فى جملة الخبر لأن المبتدأ موصول يشبه الشرط فى عمومه ، وذو مضاف ، و «تصرف» مضاف إليه «فى العرف» جار ومجرور متعلق بتصرف.

(٢) «وغير» مبتدأ ، وغير مضاف ، و «ذى» مضاف إليه ، وذى مضاف ، و «التصرف» مضاف إليه «الذى» اسم موصول : خبر المبتدأ «لزم» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذى ، والجملة من لزم وفاعله لا محل لها صلة الذى «ظرفية» مفعول به للزم «أو شبهها» معطوف على مفعول لفعل محذوف تقديره : أو لزم ظرفية أو شبهها ، وليس يجوز أن يكون معطوفا على قوله «ظرفية» المذكور فى البيت ؛ إذ يصير حاصل المعنى أن من الظرف ما يلزم الظرفية وحدها ، ومنه الذى لزم شبه الظرفية وحدها ، والقسم الأول صحيح ، والقسم الثانى على هذا الذى يفيده ظاهر البيت غير صحيح ، وإنما الصحيح أن الظرف ينقسم إلى قسمين ؛ أحدهما : الذى يلزم الظرفية وحدها ولا يفارقها ؛ وهو نوع من غير المتصرف ، وثانيهما : الذى يلزم الأمرين الظرفية وشبهها ، نعنى أنه إذا فارق الظرفية لم يفارق شبهها ، وهو النوع الآخر من غير المتصرف «من الكلم» جار ومجرور متعلق بلزم أو بشبه أو بمحذوف حال من «غير ذى التصرف».


فإن كل واحد منهما يستعمل ظرفا ، نحو «سرت يوما وجلست مكانا» ، ويستعمل مبتدأ ، نحو «يوم الجمعة يوم مبارك ، ومكانك حسن» وفاعلا ، نحو «جاء يوم الجمعة ، وارتفع مكانك».

وغير المتصرف هو : ما لا يستعمل إلا ظرفا أو شبهه نحو «سحر» إذا أردته من يوم بعينه (١) ، فإن لم ترده من يوم بعينه فهو متصرّف ، كقوله تعالى : (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) و «فوق» نحو «جلست فوق الدار» فكل واحد من «سحر : وفوق» لا يكون إلا ظرفا (٢).

والذى لزم الظرفية أو شبهها «عند [ولدن]» والمراد بشبه الظرفية أنه لا يخرج عن الظرفية إلا باستعماله مجرورا بـ «من» ، نحو «خرجت من عند زيد» ولا تجرّ «عند» إلا بـ «من» فلا يقال «خرجت إلى عنده» ، وقول العامة : «خرجت إلى عنده» خطأ (٣).

__________________

(١) مثل الشارح للظرف الذى لا يفارق النصب على الظرفية بمثالين : أحدهما «سحر» إذا أردت به سحر يوم معين ، وهذا صحيح ، وثانيهما «فوق» والتمثيل به لهذا النوع من الظرف غير صحيح ، بل الصواب أنه من النوع الثانى الذى لزم الظرفية أو شبهها ، بدليل مجيئه مجرورا بمن فى قوله تعالى : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) وفى آيات أخر.

ومن الظروف التى لا تفارق النصب على الظرفية «قط» و «عوض» ظرفين للزمان أولهما للماضى وثانيهما للمستقبل ، وهما خاصان بالوقوع بعد النفى أو شبهه ، ومنها أيضا «بدل» إذا استعملته بمعنى مكان ، كما تقول : خذ هذا بدل هذا ، ومنها أيضا الظروف المركبة كقولك : أنا أزورك صباح مساء ، ومنزلتك عندنا بين بين ، ومنها أيضا «بينا» و «بينما» ومنها «مذ ، ومنذ» إذا رفعت ما بعدهما وجعلتهما خبرين عنه ، فهما مبنيان على الضم أو السكون فى محل نصب كقط وعوض.

(٢) قد قال العرب الموثوق بعربيتهم : «حتى متى» فأدخلوا حتى على ظرف


وقد ينوب عن مكان مصدر

وذاك فى ظرف الزّمان يكثر (١)

ينوب المصدر عن ظرف المكان قليلا ، كقولك «جلست قرب زيد» أى : مكان قرب زيد ، فحذف المضاف وهو «مكان» وأقيم المضاف إليه مقامه ، فأعرب بإعرابه ، وهو النّصب على الظرفية ، ولا ينقاس ذلك ؛ فلا تقول «آتيك جلوس زيد» تريد مكان جلوسه.

ويكثر إقامة المصدر مقام ظرف الزمان ، نحو «آتيك طلوع الشمس ، وقدوم الحاجّ ، وخروج زيد» والأصل : وقت طلوع الشمس ، ووقت قدوم الحاج ، ووقت خروج زيد ؛ فحذف المضاف ، وأعرب المضاف إليه بإعرابه وهو مقيس فى كل مصدر (٢).

__________________

الزمان وقالوا : «إلى أين» و «إلى متى» فأدخلوا «إلى» الجارة على ظرف الزمان والمكان ، وهذا شاذ من جهة القياس ، ومعنى هذا أنه يصح لنا إدخال «حتى» الجارة على لفظ «متى» من بين أسماء الزمان ، وإدخال «إلى» الجارة على لفظ «متى» ولفظ «أين» من بين جميع الظروف ، اتباعا لهم ، ولا يجوز القياس على شىء من ذلك.

(١) «وقد» حرف تقليل «ينوب» فعل مضارع «عن مكان» جار ومجرور متعلق بينوب «مصدر» فاعل ينوب «وذاك» الواو للاستئناف ، واسم الإشارة مبتدأ ، والكاف حرف خطاب «فى ظرف» جار ومجرور متعلق بيكثر الآتى ، وظرف مضاف ، و «الزمان» مضاف إليه «يكثر» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذاك ، الجملة من يكثر وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) ذكر الشارح ـ تبعا للناظم ـ واحدا مما ينوب عن الظرف ، وهو المصدر ، بين أن نيابة المصدر عن ظرف الزمان مقيسة ـ بحيث يجوز لك أن تنيب ما شئت من المصادر عن ظرف الزمان ـ وأن نيابته عن ظرف المكان سماعية يجب ألا تستعمل منه إلا ورد عن العرب ، وقد بقى عليه أشياء تنوب عن الظرف زمانيا أو مكانيا :


..................................................................................

__________________

الأول : لفظ «بعض» ولفظ «كل» مضافين إلى الظرف ، نحو «بحثت عنك كل مكان ، وسرت كل اليوم» وذلك من جهة أن كلمتى بعض وكل بحسب ما تضافان إليه ، وقد مضى ـ فى باب المفعول المطلق ـ أنهما ينوبان عن المصدر فى المفعولية المطلقة.

الثانى : صفة الظرف ، نحو «سرت طويلا شرقى القاهرة».

الثالث : اسم العدد المميز بالظرف ، نحو «صمت ثلاثة أيام ، وسرت ثلاثة عشر فرسخا».

الرابع : ألفاظ معينة تنوب عن اسم الزمان ، نحو «أحقا» فى قول الشاعر :

أحقّا عباد الله أن لست صادرا

ولا واردا إلّا علىّ رقيب

وفى نحو قول الآخر :

أحقّا أن جيرتنا استقلّوا

فنيّتنا ونيّتهم فريق

وفى نحو قول الآخر :

أحقّا بنى أبناء سلمى بن جندل

تهدّدكم إيّاى وسط المجالس

وفى نحو قول الآخر :

أحقّا أن أخطلكم هجانى

* * *


المفعول معه

ينصب تالى الواو مفعولا معه

فى نحو «سيرى والطّريق مسرعه» (١)

بما من الفعل وشبهه سبق

ذا النّصب ، لا بالواو فى القول الأحقّ (٢)

المفعول معه هو : الاسم ، المنتصب ، بعد واو بمعنى مع.

والناصب له ما تقدمه : من الفعل ، أو شبهه.

فمثال الفعل «سيرى والطريق مسرعة» أى : سيرى مع الطريق ، فالطريق منصوب بسيرى.

ومثال شبه الفعل «زيد سائر والطريق» ، و «أعجبنى سيرك والطّريق» فالطريق : منصوب بسائر وسيرك.

وزعم قوم أن الناصب للمفعول معه الواو ، وهو غير صحيح ؛ لأن كل حرف اختصّ

__________________

(١) «ينصب» فعل مضارع مبنى للمجهول «تالى» نائب فاعل ينصب ، وتالى مضاف و «الواو» مضاف إليه «مفعولا» حال من نائب الفاعل «معه» مع : ظرف متعلق بقوله «مفعولا» ومع مضاف والضمير مضاف إليه «فى نحو» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كائن فى نحو «سيرى» فعل أمر ، وياء المخاطبة فاعل ، والجملة فى محل جر بإضافة نحو إليها «والطريق» مفعول معه «مسرعة» حال من ياء المخاطبة فى قوله سيرى.

(٢) «بما» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «من الفعل» جار ومجرور متعلق بقوله سبق الآتى «وشبهه» الواو عاطفة ، وشبه : معطوف على الفعل ، وشبه مضاف والضمير مضاف إليه «سبق» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة «ما» المجرورة محلا بالباء «ذا» اسم إشارة مبتدأ مؤخر «النصب» بدل أو عطف بيان أو نعت لاسم الإشارة «لا» حرف عطف «بالواو» جار ومجرور معطوف على بما «فى القول» جار ومجرور متعلق بقوله النصب السابق «الأحق» نعت للقول.


بالاسم ولم يكن كالجزء منه ؛ لم يعمل إلا الجرّ ، كحروف الجر ، وإنما قيل «ولم يكن كالجزء منه» احترازا من الألف واللام ؛ فإنها اختصت بالاسم ولم تعمل فيه شيئا ؛ لكونها كالجزء منه ، بدليل تخطّى العامل لها ، نحو «مررت بالغلام»

ويستفاد من قول المصنف «فى نحو سيرى والطريق مسرعة» أن المفعول معه مقيس فيما كان مثل ذلك ، وهو : كل اسم وقع بعد واو بمعنى مع ، وتقدّمه فعل أو شبهه ، و [هذا] هو الصحيح من قول النحويين (١).

وكذلك بفهم من قوله : «بما من الفعل وشبهه سبق» أن عامله لا بدّ أن يتقدّم عليه ؛ فلا تقول : «والنيل سرت» وهذا باتفاق ، أمّا تقدّمه على مصاحبه ـ نحو «سار والنيل زيد» ـ ففيه خلاف ، والصحيح منعه (٢).

__________________

(١) يريد الشارح بالمماثلة فى قوله «مقيس فيما كان مثل ذلك ـ إلخ» المشابهة فيما ذكر ، وفى كون الاسم الذى بعد الواو مما لا يصح عطفه على ما قبل الواو.

وقد اختلف النحاة فى هذه المسألة ؛ فذهب الجمهور إلى أن كل اسم وقع بعد واو المعية وسبقته جملة ذات فعل أو شبهه ، ولم يصح عطفه على ما قبله ، فإنه يكون مفعولا معه ، وذهب ابن جنى إلى أنه لا يجوز أن يكون مفعولا معه إلا إذا كان بحيث يصح عطفه على ما قبله من جهه المعنى ، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور ؛ لأنه قد ورد عنهم ما لا يحصى من الشواهد نثرا ونظما ، وقولهم : سرت والطريق ، واستوى الماء والخشبة ـ بمعنى ارتفع الماء حتى صار الماء مع الخشبة فى مستوى واحد ـ من غير ضرورة ولا ملجىء ما ، يقطع بذلك.

(٢) اختلف النحاة فى تقديم المفعول معه على مصاحبه : أيجوز أم لا يجوز؟ فذهب ابن جنى إلى أن ذلك جائز ، والذى يؤخذ من كلامه فى كتابه «الخصائص» وغيره أنه استدل على جوازه بأمرين ، أولهما أن المفعول معه يشبه المعطوف بالواو ، والمعطوف بالواو يجوز تقديمه على المعطوف عليه ؛ فتقول : جاء وزيد عمرو ، كما قال الشاعر :

ألا يا نخلة من ذات عرق

عليك ـ ورحمة الله ـ السّلام


وبعد «ما» استفهام أو «كيف» نصب

بفعل كون مضمر بعض العرب (١)

حقّ المفعول [معه] أن يسبقه فعل أو شبهه ، كما تقدّم تمثيله ، وسمع من كلام العرب نصبه بعد «ما» و «كيف» الاستفهاميتين من غير أن يلفظ بفعل ،

__________________

والشىء إذا أشبه الشىء أخذ حكمه ، وثانى الاستدلالين أنه ورد عن العرب المحتج بكلامهم تقديم المفعول معه على مصاحبه كما فى قول يزيد بن الحكم الثقفى من قصيدة يعاتب فيها ابن عمه :

جمعت وفحشا غيبة ونميمة

ثلاث خصال لست عنها بمرعوى

فزعم أن الواو فى قوله «وفحشا» واو المعية ، والاسم بعده منصوب على أنه مفعول معه ، ومن ذلك أيضا قول بعض الفزاريين ، وهو من شعراء الحماسة :

أكنيه حين أناديه لأكرمه

ولا ألقّبه والسّوءة اللّقبا

فزعم أن الواو فى قوله «والسوءة» واو المعية ، والاسم بعدها منصوب على أنه مفعول معه تقدم على مصاحبه وهو قوله «اللقبا» وأصل الكلام عنده : ولا ألقبه اللقبا والسوءة.

وليس ما ذهب إليه ابن جنى بسديد ، ولا ما استدل به صحيح ، أما تشبيه المفعول معه بالمعطوف فلئن سلمنا له شبهه به لم نسلم أن المعطوف يجوز أن يتقدم على المعطوف عليه ، بل كونه تابعا ينادى بأن ذلك ممتنع ، فأما البيت الذى أنشده شاهدا على تقديم المعطوف فضرورة أو مؤول ، وأما البيتان اللذان أنشدهما على جواز تقديم المفعول معه على مصاحبه فبعد تسليم صحة الرواية يجوز أن تكون الواو فيهما للعطف وقدم المعطوف ضرورة.

(١) «وبعد» ظرف متعلق بقوله «نصب» الآتى ، وبعد مضاف ، و «ما» قصد لفظه : مضاف إليه ، وما مضاف و «استفهام» مضاف إليه من إضافة الدال إلى المدلول «أو» عاطفة «كيف» معطوف على «ما» السابق «نصب» فعل ماض بفعل» جار ومجرور متعلق بنصب ، وفعل مضاف ، و «كون» مضاف إليه مضمر» نعت لفعل «بعض» فاعل نصب ، وبعض مضاف ، و «العرب» مضاف إليه.


نحو «ما أنت وزيدا (١)» و «كيف أنت وقصعة من ثريد» فخرجه النحويون على أنه منصوب بفعل مضمر مشتقّ من الكون ، والتقدير : ما تكون وزيدا ، وكيف تكون وقصعة من ثريد ، فزيدا وقصعة : منصوبان بـ «تكون» المضمرة.

* * *

والعطف إن يمكن بلا ضعف أحقّ

والنّصب مختار لدى ضعف النّسق (٢)

__________________

(١) ومن ذلك قول أسامة بن الحارث بن حبيب الهذلى :

ما أنت والسّبر فى متلف

يبرّح بالذّكر الضّابط

الشاهد فى قوله «ما أنت والسير» حيث نصب «السير» على أنه مفعول معه من غير أن يتقدمه فعل ، ومن ذلك قول الآخر ، وهو من شواهد سيبويه :

أتوعدنى بقومك يابن حجل

أشابات يخالون العبادا

بما جمّعت من حضن وعمرو

وما حضن وعمرو والجيادا؟

الشاهد فى قوله «وما حضن والجيادا» حيث نصب «الجياد» على أنه مفعول معه من غير أن يتقدم عليه فعل أو شبهه.

ومع ورود ذلك فى كلام العرب المحتج به فإنه قليل ، والكثير فى مثل ذلك رفع ما بعد الواو على أنه معطوف على ما قبله ، كما قال زياد الأعجم :

تكلّفنى سويق التّمر جرم

وما جرم وما ذاك السّويق؟

وكما قال أوس بن حجر :

عددت رجالا من قعين تفجّسا

فما ابن لبينى والتّفجّس والفخر؟

وكما قال المخبل يهجو الزبرقان بن بدر :

يا زبرقان أخابنى خلف

ما أنت ـ ويب أبيك ـ والفخر؟

(٢) «والعطف» مبتدأ «إن» شرطية «يمكن» فعل مضارع فعل الشرط ،


والنّصب إن لم يجز العطف يجب

أو اعتقد إضمار عامل تصب (١)

الاسم الواقع بعد هذه الواو : إما أن يمكن عطفه على ما قبله ، أولا ، فإن أمكن عطفه فإما أن يكون بضعف ، أو بلا ضعف.

فإن أمكن عطفه بلا ضعف فهو أحقّ من النصب ، نحو «كنت أنا وزيد كالأخوين» فرفع «زيد» عطفا على المضمر المتصل أولى من نصبه مفعولا معه ؛ لأن العطف ممكن للفصل ، والتشريك أولى من عدم التشريك ، ومثله «سار زيد وعمرو» فرفع «عمرو» أولى من نصبه.

وإن أمكن العطف بضعف فالنصب على المعية أولى من التشريك (٢) ؛

__________________

وجواب الشرط محذوف «بلا ضعف» الباء حرف جر ، ولا : اسم بمعنى غير مجرور بالباء ، وقد ظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية ، ولا مضاف وضعف : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية ، والجار والمجرور متعلق بيمكن «أحق» خبر المبتدأ ، وجملة الشرط وجوابه معترضة بين المبتدأ وخبره «والنصب مختار» مبتدأ وخبره «لدى» ظرف متعلق بمختار ، ولدى مضاف و «ضعف» مضاف إليه ، وضعف مضاف ، و «النسق» مضاف إليه.

(١) «النصب» مبتدأ «إن» شرطية «لم» نافية جازمة «يجز» فعل مضارع فعل الشرط «العطف» فاعل يجز ، وجواب الشرط محذوف «يجب» فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى النصب. والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «أو اعتقد» أو : عاطفة ، اعتقد : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إضمار» مفعول به لاعتقد ، وإضمار مضاف و «عامل» مضاف إليه «تصب» فعل مضارع مجزوم فى جواب الأمر الذى هو اعتقد ، ويجوز أن يكون يجب جواب الشرط ، وتكون جملة الشرط وجوابه ـ على هذا ـ فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) الضعف الذى لا يتأتى معه العطف إما أن يكون لفظيا : أى عائدا إلى اللفظ بحسب ما تقتضيه صناعة الإعراب ، وإما أن يكون معنويا. وقد مثل الشارح للضعف اللفظى ، ولم يمثل للضعف المعنوى : أى الذى يرجع إلى ما يريد المتكلم من المعنى ، ومن أمثلته قولهم «لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها» وبيانه أنك لو عطفت الفصيل


لسلامته من الضعف ، نحو «سرت وزيدا» ؛ فنصب «زيد» أولى من رفعه ؛ لضعف العطف على المضمر المرفوع المتصل بلا فاصل.

وإن لم يمكن عطفه تعيّن النصب : على المعيّة ، أو على إضمار فعل [يليق به] ، كقوله :

(١٦٦) ـ

*علفتها تبنا وماء باردا*

__________________

على الناقة لصار المعنى أن رضاع الفصيل للناقة متسبب عن مجرد تركك إياهما ، وليس كذلك ، فيلزمك أن تجعل التقدير على العطف : لو تركت الناقة وتركت فصيلها يرضعها ـ تعنى يتمكن من رضاعها ـ لرضعها ، فأما نصب هذا على أنه مفعول معه فيصير به المعنى : لو تركت الناقة مع فصيلها لرضعها ، وهذا صحيح مؤد إلى المقصود ؛ لأن المعية يراد بها المعبة حسا ومعنى ؛ فالتكلف الذى استوجبه العطف لتصحيح المعنى هو الذى جعله ضعيفا ، ومثله قول الشاعر :

إذا أعجبتك الدّهر حال من امرىء

فدعه وواكل أمره واللّياليا

إذ لو عطفت «الليالى» على «أمره» لكنت محتاجا إلى تقدير : واكل أمره لليالى وواكل الليالى لأمره ، فأما جعل الواو بمعنى مع ونصب الاسم على أنه مفعول معه فلا يحوج إلى شىء.

١٦٦ ـ هذا البيت من الشواهد التى لم يذكر العلماء نسبتها إلى قائل معين ، وقد اختلفوا فى تتمته ؛ فيذكر بعضهم أن الشاهد صدر بيت ، وأن تمامه :

*حتّى شتت همّالة عيناها*

ويرويه العلامة الشيرازى عجز بيت ، ويروى له صدرا هكذا :

*لمّا حططت الرّحل عنها واردا*

اللغة : «شتت» يروى فى مكانه «بدت» وهما بمعنى واحد «همالة» اسم مبالغة من هملت العين ؛ إذا انهمرت بالدموع.

الإعراب : «علفتها» فعل وفاعل ومفعول أول «تبنا» مفعول ثان «وماء» ظاهره أنه معطوف على ما قبله ، وستعرف ما فيه «باردا» صفة للمعطوف.


فماء : منصوب على المعية ، أو على إضمار فعل يليق به ، والتقدير «وسقيتها ماء باردا» وكقوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) فقوله «وشركاءكم» لا يجوز عطفه على «أمركم» ؛ لأن العطف على نية تكرار العامل ؛ إذ لا يصح أن يقال «أجمعت شركائى» وإنما يقال «أجمعت أمرى ، وجمعت شركائى» فشركائى : منصوب على المعية ، والتقدير ـ والله أعلم ـ فأجمعوا أمركم مع شركائكم ، أو منصوب بفعل يليق به ، والتقدير «فأجمعوا أمركم ، واجمعوا شركاءكم».

* * *

__________________

الشاهد فيه : قوله «وماء» فإنه لا يمكن عطفه على ما قبله ، لكون العامل فى المعطوف عليه لا يتسلط على المعطوف ، إذ لا يقال «علفتها ماء» ومن أجل ذلك كان نصبه على أحد ثلاثه أوجه : إما بالنصب على المعية ، وإما على تقدير فعل يعطف على «علفتها» والتقدير : علفتها تبنا وسقيتها ماء ، وإما على أن تضمن «علفتها» معنى «أنلتها» أو «قدمت لها» ونحو ذلك ليستقيم الكلام ، وقد ذكر الشارح فى البيت والآية الكريمة وجهين من هذه الثلاثة.

وسيأتى لهذا نظائر نذكرها مع شرح الشاهد (رقم ٢٩٩) فى مباحث عطف النسق ، إن شاء الله تعالى.


الاستثناء

ما استثنت «الّا» مع تمام ينتصب

وبعد نفى أو كنفى انتخب (١)

إتباع ما اتّصل ، وانصب ما انقطع

وعن تميم فيه إبدال وقع (٢)

حكم المستثنى بـ «إلّا» النّصب ، إن وقع بعد تمام الكلام لموجب ، سواء كان متصلا أو منقطعا ، نحو «قام القوم إلا زيدا ، وضربت القوم إلا زيدا ، ومررت بالقوم إلا زيدا ، وقام القوم إلا حمارا ، وضربت القوم إلا حمارا ،

__________________

(١) «ما» اسم موصول مبتدأ «استثتت» استثنى : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «إلا» قصد لفظه : فاعل استثنت ، والجملة من استثنت وفاعله لا محل لها صلة ، والعائد إلى الموصول محذوف ، والتقدير : ما استثنته إلا «مع» ظرف متعلق باستثنت ، ومع مضاف و «تمام» مضاف إليه «ينتصب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة الواقعة مبتدأ ، والجملة من ينتصب وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «وبعد» ظرف متعلق بقوله «انتخب» الآتى ، وبعد مضاف ، و «نفى» مضاف إليه «أو» حرف عطف «كنفى» الكاف اسم بمعنى مثل معطوف على نفى ، والكاف مضاف ونفى مضاف إليه «انتخب» فعل ماض مبنى للمجهول.

(٢) «إتباع» نائب فاعل لانتخب فى آخر البيت السابق ، وإتباع مضاف ، و «ما» اسم موصول : مضاف إليه ، وجملة «اتصل» وفاعله المستتر العائد إلى ما لا محل لها صلة «وانصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ما» اسم موصول : مفعول به لا نصب ، وجملة «انقطع» وفاعله المستتر فيه العائد إلى ما لا محل لها صلة «وعن تميم» جار ومجرور متعلق بقوله «وقع» الآتى «فيه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «إبدال» مبتدأ مؤخر ، وجملة «وقع» من الفعل الماضى وفاعله المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى إبدال فى محل رفع نعت لإبدال ، والتقدير : إبدال كائن فى المنقطع وقع عن تميم ، ويجوز أن تجعل جملة «وقع» وفاعله المستتر فيه العائد إلى إبدال خبرا عن المبتدأ ، وعلى هذا يكون قوله «عن تميم» وقوله «فيه» جار بن ومجرورين يتعلق كل منهما بوقع ، والتقدير : وإبدال واقع فى المنقطع عن تميم.


ومررت بالقوم إلا حمارا» فـ «زيدا» فى هذه المثل منصوب على الاستثناء ، وكذلك «حمارا».

والصحيح من مذاهب النحويين أن الناصب له ما قبله بواسطة «إلا» ، واختار المصنف ـ فى غير هذا الكتاب ـ أن الناصب له «إلّا» وزعم أنه مذهب سيبويه (١) وهذا معنى قوله «ما استثنت إلا مع تمام ينتصب» أى : أنه ينتصب الذى استثنته «إلا» مع تمام الكلام ، إذا كان موجبا.

__________________

(١) للنحاة فى ناصب الاسم الواقع بعد «إلا» خلاف طويل ، غير أن أشهر مذاهبهم فى ذلك تتلخص فى أربعة أقوال :

الأول : أن الناصب له هو الفعل الواقع فى الكلام السابق على «إلا» بواسطتها ، فيكون عمل «إلا» هو تعدية ما قبلها إلى ما بعدها ، كحرف الجر الذى يعدى الفعل إلى الاسم ، غير أن هذه التعدية بالنظر إلى المعنى ، وهذا مذهب السيرافى ، ونسبه قوم منهم ابن عصفور وغيره إلى سيبويه ، وقال الشلوبين : إنه مذهب المحققين.

الثانى : أن الناصب له هو نفس «إلا» وهو مذهب ابن مالك الذى صرح به فى غير هذا الكتاب ، وعبارته فى الألفية تشير إليه ، أفلا ترى أنه يقول فى مطلع الباب «ما استئنت إلا» ثم يقول بعد أبيات «وألغ إلا» وهى عبارة يدل ظاهرها على أن لمراد إلغاؤها عن العمل

الثالث : أن الناصب له هو الفعل الواقع قبل «إلا» باستقلاله ، لا بواسطتها كالمذهب الأول

الرابع : أن الناصب له فعل محذوف تدل عليه «إلا» والتقدير : أستثنى زيدا ، مثلا

ويرد على المذهبين الأول والثالث أنه قد لا يكون فى الكلام المتقدم على «إلا» ما يصلح لعمل النصب من فعل أو نحوه ، تقول : إن القوم إخوتك إلا زيدا ، فكيف تقول : إن العامل الذى قبل «إلا» هو الناصب لما بعدها؟ سواء أقلنا : إنه ناصبه على الاستقلال أم قلنا : إنه ناصبه بواسطة «إلا».

ويمكن أن يجاب على ذلك بأننا فى هذا المثال وما أشبهه نلتزم تأويل ما قبل «إلا» بما يصلح لعمل النصب ، وهذا الجواب ـ مع إمكانه ـ ضعيف ، للتكلف الذى يلزمه.


فإن وقع بعد تمام الكلام الذى ليس بموجب ـ وهو المشتمل على النفى ، أو شبهه ، والمراد بشبه النفى : النهى ، والاستفهام ـ فإما أن يكون الاستثناء متصلا ، أو منقطعا ، والمراد بالمتصل : أن يكون المستثنى بعضا مما قبله ، وبالمنقطع : ألا يكون بعضا مما قبله.

فإن كان متصلا ، جاز نصبه على الاستثناء ، وجاز إتباعه لما قبله فى الإعراب ، وهو المختار (١) ، والمشهور أنه بدل من متبوعه ، وذلك نحو «ما قام أحد إلا زيد ، وإلّا زيدا ، ولا يقم أحد إلا زيد وإلّا زيدا ، وهل قام أحد إلا زيد؟ وإلا زيدا ، وما ضربت أحدا إلا زيدا ، ولا تضرب أحدا إلا زيدا ، وهل ضربت أحدا إلا زيدا؟» ؛ فيجوز فى «زيدا» أن يكون منصوبا على الاستثناء ، وأن يكون منصوبا على البدلية من «أحد» ، وهذا هو المختار ،

__________________

(١) أطلق الشارح ـ رحمه الله! ـ اختيار إتباع المستثنى منه إذا كان الكلام تاما منفيا ، وليس هذا الإطلاق بسديد ؛ بل قد يختار النصب على الاستثناء ، ولذلك ثلاثة مواضع :

الأول ، وسيأتى فى كلامه : أن يتقدم المستثنى على المستثنى منه ، نحو قولك : مازارنى إلا زيدا أحد ؛ فالنصب على الاستثناء هنا أرجح من الرفع على البدلية ؛ لئلا يلزم تقدم التابع على المتبوع ، أو تغير الحال ؛ فيصير التابع متبوعا ، والمتبوع تابعا.

الثانى : أن يفصل بين المستثنى والمستثنى منه بفاصل طويل ، نحو أن تقول : لم يزرنى أحد أثناء مرضى مع انقضاء زمن طويل إلا زيدا ، واختيار النصب على الاستثناء فى هذا الموضع لأن الإتباع إنما يختار للتشاكل بين التابع والمتبوع ، وهذا التشاكل لا يظهر مع طول الفصل بينهما ، ونازع فى هذا أبو حيان.

الثالث : أن يكون الكلام جوابا لمن أتى بكلام آخر يجب فيه نصب المستثنى ، وذلك كأن يقول لك قائل : نجح التلاميذ إلا عليا ، فتقول له «ما نجحوا إلا عليا» وإنما اختير النصب على الاستثناء ههنا ليتم به التشاكل بين الكلام الأول وما يراد الجواب به عنه.


وتقول : «ما مررت بأحد إلّا زيد ، وإلا زيدا ، ولا تمرر بأحد إلا زيد ، وإلّا زيدا ، وهل مررت بأحد إلا زيد؟ وإلا زيدا».

وهذا معنى قوله : «وبعد نفى أو كنفى انتخب إتباع ما اتصل» أى : اختير إتباع الاستثناء المتصل ، إن وقع بعد نفى أو شبه نفى.

وإن كان الاستثناء منقطعا تعيّن النصب عند جمهور العرب ؛ فتقول : «ما قام القوم إلا حمارا» ، ولا يجوز الإتباع ، وأجازه بنو تميم ؛ فتقول : «ما قام القوم إلا حمار ، وما ضربت القوم إلا حمارا ، وما مررت بالقوم إلا حمار».

وهذا هو المراد بقوله : «وانصب ما انقطع» أى : انصب الاستثناء المنقطع إذا وقع بعد نفى أو شبهه عند غير بنى تميم ، وأما بنو تميم فيجيزون إتباعه.

فمعنى البيتين أن الذى استثنى بـ «إلّا» ينتصب ، إن كان الكلام موجبا ووقع بعد تمامه ، وقد نبّه على هذا التقييد بذكره حكم النفى بعد ذلك ، وإطلاق كلامه يدلّ على أنه ينتصب ، سواء كان متصلا أو منقطعا.

وإن كان غير موجب ـ وهو الذى فيه نفى أو شبه نفى ـ انتخب ـ أى : اختير ـ إتباع ما اتصل ، ووجب نصب ما انقطع عند غير بنى تميم ، وأما بنو تميم فيجيزون إتباع المنقطع.

* * *

وغير نصب سابق فى النّفى قد

يأتى ، ولكن نصبه اختر إن ورد (١)

__________________

(١) «وغير» مبتدأ ، وغير مضاف و «نصب» مضاف إليه ، ونصب مضاف و «سابق» مضاف إليه «فى النفى» جار ومجرور متعلق بقوله «يأتى» الآتى «قد» حرف دال على التقليل ، وجملة «يأتى» وفاعله المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى


إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه فإما أن يكون الكلام موجبا أو غير موجب فإن كان موجبا وجب نصب المستثنى ، نحو «قام إلا زيدا القوم» وإن كان غير موجب فالمختار نصبه ؛ فتقول : «ما قام إلا زيدا القوم» ، ومنه قوله :

(١٦٧) ـ

فمالى إلّا آل أحمد شيعة

ومالى إلا مذهب الحقّ مذهب

وقد روى رفعه ؛ فتقول «ما قام إلا زيد القوم» قال سيبويه : «حدثنى

__________________

«غير نصب» فى محل رفع خبر المبتدأ «ولكن» حرف استدراك «نصبه» نصب : مفعول مقدم لاحتر ، ونصب مضاف والهاء مضاف إليه «اختر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إن» شرطية «ورد» فعل ماض فى محل جزم فعل الشرط ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام ، وتقديره : إن ورد فاختر نصبه.

١٦٧ ـ البيت للكميت بن زيد الأسدى. من قصيدة هاشمية ، يمدح فيها آل النبى صلّى الله عليه وسلّم ، وأولها قوله :

طربت ، وما شوقا إلى البيض أطرب

ولا لعبا منّى ، وذو الشّيب يلعب؟

اللغة : «طربت» الطرب : استخفاف القلب من حزن أو فرح أو لهو «البيض» جمع بيضاء ، وهى المرأة النقية «وذو الشيب يلعب» جعله بعض النحاة ـ ومنهم ابن هشام فى المغنى ـ على تقدير همزة الاستفهام ، وكأنه قد قال : أو ذو الشيب يلعب؟ ودليل صحته أنه يروى فى مكانه «أذو الشيب يلعب» «شيعة» أشياع وأنصار «مذهب الحق» يروى فى مكانه «مشعب الحق» والمراد : أنه لا قصد له إلا طريق الحق.

الإعراب : «وما» نافية «لى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «إلا» أداة استثناء «آل» مستثنى ، وآل مضاف ، و «أحمد» مضاف إليه «شيعة» مبتدأ مؤخر ، وهو المستثنى منه ، «ومالى إلا مذهب الحق مذهب» مثل الشطر الأول فى الإعراب تماما.

الشاهد فيه : قوله «إلا آل أحمد» وقوله «إلا مذهب الحق» حيث نصب المستثنى بإلا فى الموضعين ؛ لأنه متقدم على المستثنى منه ، والكلام منفى ، وهذا هو المختار.


يونس أن قوما يوثق بعربيتهم يقولون : مالى إلا أخوك ناصر» وأعربوا الثانى بدلا من الأول [على القلب] [لهذا السبب] ومنه قوله :

(١٦٨) ـ

فإنّهم يرجون منه شفاعة

إذا لم يكن إلّا النّبيّون شافع

فمعنى البيت : إنه قد ورد فى المستثنى السابق غير النصب ـ وهو الرّفع ـ

__________________

١٦٨ ـ البيت لحسان بن ثابت شاعر النبى صلّى الله عليه وسلّم ، من قصيدة يقولها فى يوم بدر ، وأولها قوله :

ألا يا لقومى هل لما حمّ دافع؟

وهل ما مضى من صالح العيش راجع؟

اللغة : «حم» تقول : حم الأمر ـ بالبناء للمجهول ـ ومعناه قدر ، وتقول : قد حمه الله ، وأحمه ، تريد قدره وهيأ أسبابه «يرجون» يترقبون ويأملون ، والمراد بالشفاعة شفاعته صلّى الله عليه وسلّم ، وهى المقام المحمود الذى ذكره الله تعالى فى قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً).

الإعراب : «فإنهم» إن : حرف توكيد ونصب ، هم : اسمه «يرجون» فعل وفاعل ، والجملة فى محل رفع خير إن «منك» جار ومجرور متعلق بيرجون «شفاعة» مفعول به ليرجون «إذا» ظرفية «لم» نافية جازمة «يكن» فعل مضارع تام مجزوم بلم «إلا» أداة استثناء «النبيون» مستثنى ، وستعرف ما فيه «شافع» فاعل يكن ، وهو المستثنى منه.

الشاهد فيه : قوله «إلا النبيون» حيث رفع المستثنى مع تقدمه على المستثنى منه ، والكلام منفى ، والرفع فى مثل ذلك غير المختار ، وإنما المختار نصبه ، هذا هو الظاهر.

وقد خرجه بعض النحاة على غير ظاهره ؛ ليطابق المختار عندهم ؛ فذهبوا إلى أن قوله «النبيون» معمول لما قبل إلا ، أى أنه فاعل يكن ، فيكون الكلام استثناء مفرغا : أى لم يذكر فيه المستثنى منه ، وقوله «شافع» بدل كل مما قبله ، ويكون الأمر على عكس الأصل ؛ فالذى كان بدلا صار مبدلا منه ، والذى كان مبدلا منه قد صار بدلا ، وتغير نوع البدل فصار بدل كل بعد أن كان بدل بعض.


وذلك إذا كان الكلام غير موجب ، نحو «ما قام إلا زيد القوم» ولكن المختار نصبه.

وعلم من تخصيصه ورود غير النصب بالنفى أن الموجب يتعين فيه النصب ، نحو «قام إلا زيدا القوم».

* * *

وإن يفرّغ سابق «إلّا» لما

بعد يكن كما لو «الّا» عدما (١)

إذا تفرّغ سابق «إلا» لما بعدها ـ أى : لم يشتغل بما يطلبه ـ كان الاسم الواقع بعد «إلا» معربا بإعراب ما يقتضيه ما قبل «إلا» قبل دخولها ، وذلك نحو «ما قام إلا زيد ، وما ضربت إلا زيدا ، وما مررت إلا بزيد» فـ «زيد» : فاعل مرفوع بقام ، و «زيدا» : منصوب بضربت ، و «بزيد» : متعلق بمررت ، كما لو لم تذكر «إلا».

__________________

(١) «وإن» شرطية «يفرغ» فعل مضارع مبنى للمجهول فعل الشرط «سابق» نائب فاعل ليفرغ ، وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل ، وفاعله ضمير مستتر فيه «إلا» قصد لفظه : جعله الشيخ خالد مضافا إليه ، وليس هذا الإعراب بشىء ، بل هو مفعول به لسابق ؛ لأنه اسم فاعل منون وترك تنوينه يخل بوزن البيت «لما» جار ومجرور متعلق بيفرغ «بعد» ظرف مبنى على الضم لانقطاعه عن الإضافة لفظا فى محل نصب ، وهو متعلق بمحذوف صلة «ما» المحرورة محلا باللام «يكن» فعل مضارع ناقص مجزوم لأنه جواب الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا «كما» الكاف جارة ، ما زائدة «لو» مصدرية «الا» قصد لفظه : نائب فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده «عدما» فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على إلا ، و «لو» ومدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر «يكن» ، وتقدير الكلام : يكن هو كائنا كعدم إلا فى الكلام.


وهذا هو الاستثناء المفرّغ (١) ولا يقع فى كلام موجب (٢) فلا تقول «ضربت إلا زيدا».

وألغ «إلّا» ذات توكيد : كلا

: تمرر بهم إلّا الفتى إلّا العلا (٣)

إذا كررت «إلّا» لقصد التوكيد تؤثّر فيما دخلت عليه شيئا ، ولم نفد

__________________

(١) يجوز تفريغ العامل المتقدم على إلا بالنظر إلى جميع المعمولات كالفاعل ونائبه والمفعول به ، ويستثنى من ذلك : المفعول معه ، والمصدر المؤكد لعامله ، والحال المؤكدة ؛ فلا يجوز أن تقول : ما سرت إلا والنيل ، ولا أن تقول : ما ضربت إلا ضربا ، ولا أن تقول : لا تعث إلا مفسدا ، وذلك لأن الكلام مع هذه المثل ونحوها يتناقض صدره مع عجزه.

(٢) أطلق الشارح القول بعدم وقوع الاستثناء المفرغ فى الكلام الموجب ، ولم يفرق بين أن يكون ما بعد إلا فضلة وأن يكون عمدة ، وللنحاة فى هذا الموضوع مذهبان :

أحدهما : أنه لا يقع بعد الإيجاب مطلقا كما يقتضيه إطلاق الشارح ، وهو مذهب الجمهور ، واختاره الناظم ، والسر فى ذلك أنك لو كنت تقول «ضربت إلا زيدا» لكان المعنى أنك ضربت جميع الناس إلا زيدا ، وهذا مستحيل ، وقيام قرينة تدل على أنك تريد بالناس جماعة مخصوصة ، أو أنك قصدت إلى المبالغة ـ بجعل الفعل الواقع على بعض الناس واقعا على كلهم ، تنزيلا لهذا البعض منزلة الكل ، لعدم الاعتداد بما عدا هذا البعض ـ أمر نادر ، فلا يجعل له حكم.

والمذهب الثانى لابن الحاجب ، وخلاصته أنه يجوز وقوع الاستثناء بعد الإيجاب بشرطين ، الأول : أن يكون ما بعد إلا فضلة ، والثانى : أن تحصل فائدة ، وذلك كقولك : قرأت إلا يوم الجمعة ، فإن كان عمدة أو لم تحصل فائدة لم يجز.

(٣) «وألغ» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إلا» قصد لفظه : مفعول به لألغ «ذات» حال من «إلا» ، وذات مضاف ، و «توكيد» مضاف إليه «كلا» الكاف جارة لقول محذوف ، لا : ناهية «تمرر» فعل مضارع مجزوم بلا ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بهم» جار ومجرور متعلق بتمرر «إلا» حرف استثناء «الفتى» مستثنى ، والمستثنى منه الضمير المجرور محلا بالباء «إلا» توكيد لإ لا السابقة «العلا» بدل من «الفتى» ، بدل كل من كل.


غير توكيد الأولى ، وهذا معنى إلغائها ، وذلك فى البدل والعطف ، نحو «ما مررت بأحد إلا زيد إلا أخيك» فـ «أخيك» بدل من «زيد» ولم تؤثر فيه «إلا» شيئا ، أى لم تفد فيه استثناء مستقلا ، وكأنك قلت : ما مررت بأحد إلا زيد أخيك ، ومثله «لا تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا» [والأصل : لا تمرر بهم إلا الفتى العلا] فـ «العلا» بدل من الفتى ، وكررت «إلّا» توكيدا ، ومثال العطف «قام القوم إلا زيدا وإلا عمرا» والأصل : إلا زيدا وعمرا ، ثم كررت «إلا» توكيدا ، ومنه قوله :

(١٦٩) ـ

هل الدّهر إلّا ليلة ونهارها

وإلّا طلوع الشمس ثمّ غيارها

والأصل : وطلوع الشمس ، وكررت «إلا» توكيدا.

__________________

١٦٩ ـ البيت لأبى ذؤيب الهذلى ، واسمه خويلد بن خالد ، والبيت مطلع قصيدة له ، وبعده قوله :

أبى القلب إلّا أمّ عمرو ، وأصبحت

تحرّق نارى بالشّكاة ونارها

وعيّرها الواشون أنى أحبّها

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

اللغة : «غيارها» بزنة قيام ـ هو مصدر بمعنى الغياب «تحرق» بالبناء للمجهول ـ توقد ، وتذكى ، وتشعل «بالشكاة» بفتح الشين ـ أراد ما يكون من كلام الواشين من النمائم «عيرها الواشون» نسبوها إلى العار ، وهو كل ما يوجب الذم.

الإعراب : «هل» حرف استفهام بمعنى النفى «الدهر» مبتدأ «إلا» أداة استثناء ملغاة «ليلة» خبر المبتدأ «ونهارها» الواو عاطفة ، نهار : معطوف على ليلة ، ونهار مضاف والضمير مضاف إليه «وإلا» الواو عاطفة ، وإلا زائدة للتوكيد «طلوع» معطوف على ما قبله ، وطلوع مضاف و «الشمس» مضاف إليه «ثم» عاطفة «غيارها» غيار : معطوف على طلوع ، وغيار مضاف وها مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «وإلا طلوع الشمس» حيث تكررت «إلا» ولم تفد غير مجرد التوكيد ، فألغيت ، وعطف ما بعدها على ما قبلها ، ونظير زيادة «إلا» فى هذا


وقد اجتمع تكرارها فى البدل والعطف فى قوله :

(١٧٠) ـ

مالك من شيخك إلا عمله

إلّا رسيمه وإلّا رمله

__________________

الموضع زيادة «لا» فى نحو قولك : مررت برجل لا كريم ولا شجاع ؛ فالواو عاطفة لما بعد «لا» الثانية على ما بعد «لا» الأولى ، وليست «لا» الثانية إلا زائدة لمجرد تأكيد أن ما بعدها معطوف على مدخول الأولى.

١٧٠ ـ البيت لراجز لم يسمه أحد ممن اطلعنا على أقوالهم ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ٣٧٤).

اللغة : «شيخك» هكذا يقرأه الناس قديما وحديثا بالياء المثناة بعدها خاء معجمة ، ويشتهر على ألسنة الجميع أنه الجمل ، ولكنا لم نقف على هذا المعنى لهذا اللفظ فى كتب اللغة الموثوق بها ، والمنصوص عليه أن الشيخ هو الرجل المسن ، وعلى هذا يفسر الرسيم كما قال الأعلم بالسعى بين الصفا والمروة ، ويفسر الرمل بالسعى فى الطواف ، وكأنه قال : لا منفعة فى ولا عمل عندى أفوق فيه غيرى إلا هذان ، وزعم بعض الناس أن الصواب فى رواية هذه الكلمة «شنجك» بالنون والجيم الموحدتين ، وهو الجمل ، وأصل نونه متحركة فسكنها لإقامة الوزن ، وكأن الذى دعاه إلى ادعاء التصحيف ثم إلى هذا التفسير ذكر الرسيم والرمل. ولكن الذى عليه الرواة الأثبات من المتقدمين أولى بالاتباع ؛ إذ كانت اللغة لا تثبت إلا بالنقل ، و «رسيمه ورمله» على هذه الرواية الأخيرة ضربان من السير.

المعنى : المراد على الوجه الأخير : لا منفعة لك من جملك إلا فى نوعين من سيره ، وهما الرسيم والرمل وقد بينا لك المعنى على الرواية الأصيلة التى اخترناها وصوبناها.

الإعراب : «ما» نافية «لك» جار ومجرور ، ومثله «من شيخك» ويتعلقان بمحذوف خبر مقدم ، وشيخ مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه «إلا» أداة استثناء «عمله» عمل : مبتدأ مؤخر ، وعمل مضاف والضمير مضاف إليه «إلا» زائدة للتوكيد «رسيمه» رسيم : بدل من عمل ، بدل بعض من كل ، ورسيم مضاف والضمير مضاف إليه «وإلا» الواو عاطفة ، إلا : زائدة للتوكيد «رمله» رمل : معطوف على رسيمه ، ورمل مضاف وضمير الغائب العائد إلى شيخك مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «إلا رسيمه وإلا رمله» حيث تكررت «إلا» فى البدل والعطف ، ولم تفد غير مجرد التوكيد ، وقد ألغيت.


والأصل : إلا عمله رسيمه ورمله ، فـ «رسيمه» : بدل من عمله ، «ورمله» معطوف على «رسيمه» ، وكررت «إلا» فيهما توكيدا.

* * *

وإن تكرّر لا لتوكيد فمع

تفريغ التّأثير بالعامل دع (١)

فى واحد ممّا بإلّا استثنى

وليس عن نصب سواه مغنى (٢)

إذا كرّرت «إلا» لغير التوكيد ـ وهى : التى يقصد بها ما يقصد بما قبلها من الاستثناء ، ولو أسقطت لما فهم ذلك ـ فلا يخلو : إما أن يكون الاستثناء مفرّغا ، أو غير مفرّغ.

__________________

(١) «وإن» شرطية «تكرر» فعل مضارع مبنى للمجهول ، فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على إلا «لا» عاطفة «لتوكيد» معطوف على جار ومجرور محذوف ، والتقدير : وإن تكرر إلا لتأسيس لا لتوكيد «فمع» الفاء لربط الجواب بالشرط ، مع : ظرف متعلق بدع الآتى ، ومع مضاف ، و «تفريغ» مضاف إليه «التأثير» مفعول به لدع مقدم عليه «بالعامل» جار ومجرور متعلق بالتأثير «دع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

(٢) «فى واحد» جار ومجرور متعلق بدع فى البيت السابق «مما» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لواحد «بإلا» جار ومجرور متعلق باستثنى الآتى «استثنى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما الموصولة المجرورة محلا بمن ، والجملة من استثنى ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول «وليس» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى واحد «عن نصب» جار ومجرور متعلق بمغنى الآتى ، ونصب مضاف وسوى من «سواه» مضاف إليه ، وسوى مضاف وضمير الغائب مضاف إليه. «مغنى» خبر ليس ، ووقف عليه كلغة ربيعة ، ويجوز أن يكون مغنى اسم ليس ، وخبرها محذوف ، أى وليس مغن عن نصب سواه موجودا.


فإن كان مفرّغا شغلت العامل بواحد ونصبت الباقى ؛ فتقول : «ما قام إلّا زيد إلّا عمرا إلّا بكرا» ولا يتعين واحد منها لشغل العامل ، بل أيها شئت شغلت العامل به ، ونصبت الباقى ، وهذا معنى قوله : «فمع تفريغ ـ إلى آخره» أى : مع الاستثناء المفرغ اجعل تأثير العامل فى واحد مما استثنيته بإلا ، وانصب الباقى.

وإن كان الاستثناء غير مفرغ ـ وهذا هو المراد بقوله ـ :

ودون نفريغ : مع التّقدّم

نصب الجميع احكم به والتزم (١)

وانصب لتأخير ، وجىء بواحد

منها كما لو كان دون زائد (٢)

كلم يفوا إلّا امرؤ إلّا على

وحكمها فى القصد حكم الأول (٣)

__________________

(١) «ودون» ظرف متعلق باحكم ، ودون مضاف و «تفريغ» مضاف إليه «مع التقدم» مثله «نصب» مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده ، ونصب مضاف و «الجميع» مضاف إليه «احكم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «به» جار ومجرور متعلق باحكم «والتزم» الواو عاطفة ، التزم : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ومفعوله محذوف : أى التزم ذلك الحكم.

(٢) «وانصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لتأخير» جار ومجرور متعلق بانصب «وجىء» الواو عاطفة ، جىء : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بواحد» جار ومجرور متعلق بجىء «منها» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لواحد «كما» الكاف جارة ، وما : زائده «لو» مصدرية «كان» فعل ماض تام. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى واحد «دون» ظرف متعلق بمحذوف حال من فاعل «كان» و «لو» ومدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل جر صفة ثانية لواحد ، أو فى محل نصب حال منه ؛ لأنه تخصص بالوصف.

(٣) «كلم» الكاف جارة لقول محذوف ، لم : نافية جازمة «يفوا» فعل مضارع مجزوم بلم ، وواو الجماعة فاعله «إلا» أداة استثناء «امرؤ» بدل من واو الجماعة


فلا يخلو : إما أن تتقدم المستثنيات على المستثنى منه ، أو تتأخّر.

فإن تقدمت المستثنيات وجب نصب الجميع ، سواء كان الكلام موجبا أو غير موجب ، نحو «قام إلّا زيدا إلا عمرا إلا بكرا القوم ، وما قام إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا القوم» وهذا معنى قوله : «ودون تفريغ ـ البيت».

وإن تأخرت فلا يخلو : إما أن يكون الكلام موجبا ، أو غير موجب ، فإن كان موجبا وجب نصب الجميع ؛ فتقول : «قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا» وإن كان غير موجب عومل واحد منها بما كان يعامل به لو لم يتكرر الاستثناء : فيبدل مما قبله ـ وهو المختار ـ أو ينصب ـ وهو قليل ـ كما تقدم ، وأما باقيها فيجب نصبه ؛ وذلك نحو «ما قام أحد إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا» فـ «زيد» بدل من أحد ، وإن شئت أبدلت غيره من الباقين ، ومثله قول المصنف «لم يفوا إلا امرؤ إلا علىّ» فـ «امرؤ» بدل من الواو فى «يفوا» وهذا معنى قوله «وانصب لتأخير ـ إلى آخره» أى : وانصب المستثنيات كلّها إذا تأخرت عن المستثنى منه إن كان الكلام موجبا ، وإن كان غير موجب فجىء بواحد منها معربا بما كان يعرب به لو لم يتكرر المستثنى ، وانصب الباقى.

ومعنى قوله «وحكمها فى القصد حكم الأوّل» أن ما يتكرر من المستثنيات حكمه فى المعنى حكم المستثنى الأول ؛ فيثبت له ما يثبت للأول : من الدخول والخروج ؛ ففى قولك «قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا» الجميع

__________________

بدل بعض من كل «إلا» حرف دال على الاستثناء «على» مستثنى منصوب ، ووقف عليه بالسكون كلغة ربيعة «وحكمها» الواو عاطفة أو للاستئناف ، حكم : مبتدأ ، وحكم مضاف والضمير مضاف إليه «فى القصد» جار ومجرور متعلق بحكم «حكم» خبر المبتدأ ، وحكم مضاف ، و «الأول» مضاف إليه.


مخرجون ، وفى قولك «ما قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا» الجميع داخلون ، وكذا فى قولك : «ما قام أحد إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا» [الجميع داخلون].

* * *

واستثن مجرورا بغير معربا

بما لمستثنى بإلّا نسبا (١)

استعمل بمعنى «إلا» ـ فى الدلالة على الاستثناء ـ ألفاظ : منها ما هو اسم ، وهو «غير ، وسوى ، وسوى ، وسواء» ومنها ما هو فعل ، وهو «ليس ، ولا يكون» ومنها ما يكون فعلا وحرفا ، وهو «عدا ، وخلا ، وحاشا» وقد ذكرها المصنف كلها.

فأما «غير ، وسوى ، وسوى ، وسواء» فحكم المستثنى بها الجرّ ؛ لإضافتها إليه وتعرب «غير» بما كان يعرب به المستثنى مع «إلا» ؛ فتقول : «قام القوم غير زيد» بنصب «غير» كما تقول «قام القوم إلا زيدا» بنصب «زيد» ، وتقول «ما قام أحد غير زيد ، وغير زيد» بالإتباع والنصب ، والمختار الإتباع ، كما تقول «ما قام أحد إلا زيد ، وإلا زيدا» وتقول : «ما قام غير زيد» فترفع «غير» وجوبا كما تقول : «ما قام إلا زيد» برفعه

__________________

(١) «استثن» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مجرورا» مفعول به لاستثن «بغير» جار ومجرور متعلق باستثن «معربا» حال من غير «بما» جار ومجرور متعلق بمعرب «لمستثنى» جار ومجرور متعلق بنسب الآتى «بإلا» جار ومجرور متعلق بمستثنى «نسبا» نسب : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة «ما» المجرورة محلا بالباء ، وتقدير البيت : استثن بلفظ غير اسما مجرورا بإضافة غير إليه حال كون لفظ غير معربا بالإعراب الذى نسب للمستثنى بإلا.


وجوبا ، وتقول : «ما قام أحد غير حمار» بنصب «غير» عند غير بنى تميم ، وبالإتباع عند بنى تميم ، كما تفعل فى قولك «ما قام أحد إلّا حمار ، وإلا حمارا».

وأما «سوى» فالمشهور فيها كسر السين والقصر ، ومن العرب من يفتح سينها ويمدّ ، ومنهم من يضم سينها ويقصر ، ومنهم من يكسر سينها ويمدّ ، وهذه اللغة لم يذكرها المصنف ، وقلّ من ذكرها ، وممن ذكرها الفاسى فى شرحه للشاطبية.

ومذهب سيبويه والفرّاء وغيرهما أنها لا تكون إلا ظرفا ، فإذا قلت «قام القوم سوى زيد» فـ «سوى» عندهم منصوبة على الظرفية ، وهى مشعرة بالاستثناء ، ولا تخرج عندهم عن الظرفية إلا فى ضرورة الشعر.

واختار المصنف أنها كـ «غير» فتعامل بما تعامل به «غير» : من الرمع ، والنصب ، والجر ، وإلى هذا أشار بقوله :

ولسوى سوى سواء اجعلا

على الأصحّ ما لغير جعلا (١)

فمن استعمالها مجرورة قوله صلّى الله عليه وسلّم : «دعوت ربّى ألا يسلّط على أمّتى عدوّا من سوى أنفسها» وقوله صلّى الله عليه وسلّم : «ما أنتم فى سواكم من الأمم إلا كالشّعرة البيضاء فى الثّور الأسود ، أو كالشعرة السّوداء فى الثّور الأبيض» وقول الشاعر :

__________________

(١) «لسوى» جار ومجرور متعلق باجعل على أنه مفعول ثان له «سوى ، سواء» معطوفان على سوى بعاطف مقدر فى كل منهما «اجعلا» اجعل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والألف منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة «على الأصح» جار ومجرور متعلق بجعل «ما» اسم موصول : مفعول أول لا جعل «لغير» جار ومجرور متعلق بجعل الآتى على أنه المفعول الثانى «جعلا» جعل : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، وهو المفعول الأول ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة ، والألف لاطلاق.


(١٧١) ـ

ولا ينطق الفحشاء من كان منهم

إذا جلسوا منّا ولا من سوائنا

__________________

١٧١ ـ البيت للمرار بن سلامة العقيلى ، وهو من شواهد سيبويه ، وقد أنشده فى كتابه مرتين : إحداهما فى (١ / ٣) ونسبه للمرار بن سلامة ، والثانية فى (١ / ٣٠٢) ونسبه لرجل من الأنصار ، ولم يعينه.

اللغة : «الفحشاء» الشىء القبيح ، وتقول : أفحش الرجل فى كلامه ، وفحش تفحيشا ، وتفحش ، إذا أردت أنه يتكلم بقبيح الكلام.

الإعراب : «لا» نافية «ينطق» فعل مضارع «الفحشاء» منصوب على نزع الخافض «من» اسم موصول فاعل ينطق «كان» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة «منهم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان ، والجملة من كان ومعموليها لا محل لها من الإعراب صلة «إذا» ظرفية «جلسوا» فعل وفاعل. والجملة فى محل جر بإضافة إذا إليها «منا» جار ومجرور متعلق بجلسوا ، ومن الجارة هنا بمعنى مع «ولا» الواو عاطفة ، لا : نافية «من سوائنا» الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور السابق ، وسواء مضاف والضمير مضاف إليه ، وقيل : منا ومن سوائنا يتعلقان بقوله ينطق ، وجواب إذا محذوف يدل عليه سابق الكلام ، والتقدير : إذا جلسوا فلا ينطق الفحشاء ـ إلخ.

الشاهد فيه : قوله «من سوائنا» حيث خرجت فيه سواء عن الظرفية ، واستعملت مجرورة بمن ، متأثرة به ، وهو عند سيبويه وأتباعه من ضرورات الشعر.

قال الأعلم فى شرح شواهد سيبويه عند الكلام على هذا البيت : «أراد غيرنا ، فوضع سواء موضع غير ضرورة ، وكان ينبغى ألا يدخل من عليها ؛ لأنها لا تستعمل فى الكلام إلا ظرفا ، ولكنه جعلها بمنزلة غير فى دخول من عليها ؛ لأن معناها كمعناها» اه

ومثل هذا البيت ـ فى استعمال سوى مجروره للضروره ـ قول الأعشى ميمون بن قيس :

تجانف عن جوّ اليمامة ناقتى

وما عدلت عن أهلها لسوائكا

وقول عثمان بن صمصامة الجعدى :

على نعمنا ، لا نعم قوم سوائنا ،

هى الهمّ والأحلام لو يقع الحلم


ومن استعمالها مرفوعة قوله :

(١٧٢) ـ

وإذا تباع كريمة أو تشترى

فسواك بائعها وأنت المشترى

وقوله :

(١٧٣) ـ

ولم يبق سوى العدوا

ن دنّاهم كما دانوا

__________________

١٧٢ ـ البيت لمحمد بن عبد الله المدنى ، يخاطب يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب ، وقد روى أبو تمام فى الحماسة عدة أبيات من هذه الكلمة ، أولها بيت الشاهد (انظر شرح التبريزى ٤ / ٢٧٤ بتحقيقنا) وبعده قوله :

وإذا توعّرت المسالك لم يكن

منها السّبيل إلى نداك بأوعر

اللغة : «تباع» أراد بالبيع ههنا الزهد فى الشىء ، والانصراف عنه ، وذهاب الرغبة فى تحصيله ، كما أراد بالشراء الحرص على الشىء ، والكلف به ، وشدة الرغبة فى الحصول عليه ، و «أو» ههنا بمعنى الواو «كريمة» أى خصلة كريمة ، أى نفيسة حسنة يتسابق الكرام إليها.

المعنى : إذا رغب قوم فى تحصيل المكارم وتأثيل المجد وانصرف آخرون عن ذلك ، فأنت الراغب فى المجد المحصل للمكارم ، وغيرك المنصرف عنه الزاهد فيه.

الإعراب : «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «تباع» فعل مضارع مبنى للمجهول «كريمة» نائب فاعل تباع ، والجملة من تباع ونائب فاعله فى محل جر بإضافة إذا إليها «أو» عاطفة «تشترى» فعل مضارع مبنى للمجهول معطوف على تباع ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى كريمة «فسواك» الفاء لربط الجواب بالشرط ، سوى : مبتدأ ، وسوى مضاف والكاف مضاف إليه «بائعها» بائع : خبر المبتدأ ، وبائع مضاف ، وها : مضاف إليه ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها من الإعراب جواب إذا «وأنت» مبتدأ «المشترى» خبر المبتدأ ، والجملة معطوفة على الجملة السابقة.

الشاهد فيه : قوله «فسواك» فإن «سوى» قد خرجت عن الظرفية ، ووقعت مبتدأ متأثرا بالعامل ، وهذا العامل معنوى ، وهو الابتداء ، وهو يرد على ما ذهب إليه سيبويه والجمهور من أن «سوى» لا تخرج عن النصب على الظرفية.

١٧٣ ـ البيت للفند الزمانى من كلمة يقولها فى حرب البسوس ، واسم الفند شهل ابن شيبان بن ربيعة ، وقد روى أبو تمام فى مطلع ديوان الحماسة أبياتا من هذه الكلمة


فـ «سواك» مرفوع بالابتداء ، و «سوى العدوان» مرفوع بالفاعلية.

ومن استعمالها منصوبة على غير الظرفية قوله :

(١٧٤) ـ

لديك كفيل بالمنى لمؤمّل

وإنّ سواك من يؤمّله يشقى

__________________

يقع بيت الشاهد رابعها ، وقبله وقوله :

صفحنا عن بنى ذهل

وقلنا : القوم إخوان

عسى الأيّام أن يرجعن

قوما كالذى كانوا

فلمّا صرّح الشّرّ

وأمسى وهو عريان

اللغة : «صفحنا» عفونا ، والصفح : العفو ، وأصله من قولهم : أعرضت صفحا عن هذا الأمر ، إذا تركته ووليته جانبك «بنى ذهل» يروى فى مكانه «بنى هند» وهى هند بنت مر ابن أخت تميم ، وهى أم بكر وتغلب ابنى وائل «العدوان» الظلم الصريح «دناهم» جازيناهم وفعلنا بهم مثل الذى فعلوا بنا من الإساءة ، وجملة «دناهم» هذه جواب «لما» فى قوله «فلما صرح الشر».

الإعراب : «ولم» نافية جازمة «يبق» فعل مضارع مجزوم بحذف الألف «سوى» فاعل يبق ، وسوى مضاف ، و «العدوان» مضاف إليه «دناهم» فعل ومفعول به «كما» الكاف جارة ، وما : يجوز أن تكون موصولا اسميا ، وأن تكون حرفا مصدريا «دانوا» فعل وفاعل ، فإذا كانت «ما» موصولا اسميا فالجملة لا محل لها من الإعراب صلة ، والعائد محذوف ، والتقدير : دناهم كالدين الذى دانوه ، وإذا كانت ما مصدرية فهى ومدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف ، وعلى كل حال فإن الكاف ومجرورها متعلقان بمحذوف صفة لمصدر محذوف يدل عليه قوله دناهم ، والتقدير : دناهم دينا كائنا كالدين الذى دانوه ، أو دناهم دينا مثل دينهم إيانا.

الشاهد فيه : قوله «سوى العدوان» حيث وقعت «سوى» فاعلا ، وخرجت عن الظرفية.

١٧٤ ـ البيت من الشواهد التى لم ينسبوها لقائل معين ، ولم أقف له على سابق أو لا حق.


فـ «سواك» اسم «إنّ» ، هذا تقرير كلام المصنف.

ومذهب سيبويه والجمهور أنها لا تخرج عن الظرفية ، إلا فى ضرورة الشعر ، وما استشهد به على خلاف ذلك يحتمل التأويل.

* * *

__________________

اللغة : «كفيلى» ضامن «المنى» الرغبات والآمال ، واحدها منية بوزان مدية وغرفة «لمؤمل» اسم فاعل من أمل فلان فلانا تأميلا ، إذا رجاه «يشقى» مضارع من الشقاء وهو العناء والشدة.

المعنى : إن عندك من مكارم الأخلاق وشريف السجايا ما يضمن لمن يرجو نداك أن يبلغ قصده وينال عندك ما يؤمل ، فأما غيرك ممن بظن بهم الناس الخير فإن آمال الراجين فيهم تنقلب خيبة وشقاء

الإعراب : «لديك» لدى : ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ، ولدى مضاف والكاف مضاف إليه «كفيل» مبتدأ مؤخر «بالمنى ، لمؤمل» جاران ومجروران يتعلقان بكفيل «إن» حرف توكيد ونصب «سواك» سوى : اسم إن ، وسوى مضاف والكاف مضاف إليه «من» اسم موصول مبتدأ «يؤمله» يؤمل : فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة ، والهاء مفعول به ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «يشقى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو من الموصولة ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل رفع خبر إن.

الشاهد فيه : قوله «وإن سواك» حيث فارقت «سوى» الظرفية ووقعت اسما لإن فتأثرت بالعامل الذى هو إن المؤكدة.

ومثل هذا البيت ـ فى وقوع سوى منصوبة بالعامل ـ الشاهد رقم ١٧٥ الآتى (ص ٦١٨) وقول عمر بن أبى ربيعة المخزومى (البيت ١٧ من الكلمة ١١٤) :

وصرمت حبلك إذ صرمت ؛ لأنّنى

أخبرت أنّك قد هويت سوانا


واستثن ناصبا بليس وخلا

وبعدا ، وبيكون بعد «لا» (١)

أى : استثن بـ «ليس» وما بعدها ناصبا المستثنى ؛ فتقول : «قام القوم ليس زيدا ، وخلا زيدا ، وعدا زيدا ، ولا يكون زيدا» فـ «زيدا» فى قولك : «ليس زيدا ، ولا يكون زيدا» منصوب على أنه خبر «ليس ، ولا يكون» ، واسمهما ضمير مستتر ، والمشهور أنه عائد على البعض المفهوم من القوم (٢) ،

__________________

وكل هذه الشواهد دالة على أن هذه الكلمة ليست ملازمة للنصب على الظرفية كما ذهب إليه سيبويه ، والخليل ، وجمهور البصريين ، وادعاؤهم أن ذلك خاص بضرورة الشعر ـ مع كثرة ما ورد منه ـ مما لا يجوز أن يلتفت إليه أو يؤخذ به ، وتأويل هذه الشواهد الكثيرة مما لا تدعو إليه ضرورة ، ولا يمكن ارتكابه إلا مع النمحل والتكلف ، ولئن ذهبنا إلى ارتكابه لم يبق تأصيل قواعد النحو ممكنا.

(١) «واستثن» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ناصبا» حال من الفاعل المستتر فى استثن «بليس» جار ومجرور متعلق باستثن «وخلا» معطوف على ليس «وبعدا ، وبيكون» جاران ومجروران معطوفان على بليس «بعد» ظرف متعلق بمحذوف حال من يكون ، وبعد مضاف ، و «لا» قصد لفظه : مضاف إليه.

(٢) للنحاة فى مرجع الضمير المستكن فى يكون من قولك «قام القوم لا يكون زيدا» والمستكن فى ليس من قولك «قام القوم ليس زيدا» ثلاثة أقوال معروفة :

(الأول) أن مرجعه هو البعض المفهوم من الكل السابق الذى هو المستثنى منه ؛ فتقدير الكلام : قام القوم لا يكون هو (أى بعض القوم) زيدا ؛ فهو مثل قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً) وهذا أشهر المذاهب فى هذه المسألة.

(الثانى) أن مرجعه اسم فاعل مأخوذ من الفعل العامل فى المستثنى منه ؛ فتقدير الكلام : قام القوم لا يكون هو (أى القائم) زيدا.

(الثالث) أن مرجعه هو مصدر الفعل السابق العامل فى المستثنى منه ، والمستثنى نفسه على تقدير مضاف ، وتقدير الكلام على هذا : قام القوم لا يكون هو (أى القيام) قيام زيد.


والتقدير : «ليس بعضهم زيدا [ولا يكون بعضهم زيدا]» ، وهو مستتر وجوبا ، وفى قولك : «خلا زيدا ، وعدا زيدا» منصوب على المفعولية ، و «خلا ، وعدا» فعلان فاعلهما ـ فى المشهور ـ ضمير عائد على البعض المفهوم من القوم كما تقدّم ، وهو مستتر وجوبا ، والتقدير : خلا بعضهم زيدا ، وعدا بعضهم زيدا.

ونبّه بقوله : «ويكون بعد لا» ـ وهو قيد فى «يكون» فقط ـ على أنه لا يستعمل فى الاستثناء من لفظ الكون غير «يكون» وأنها لا تستعمل فيه إلا بعد «لا» فلا تستعمل فيه بعد غيرها من أدوات النفى ، نحو : لم ، وإن ، ولن ، ولمّا ، وما.

* * *

واجرر بسابقى يكون إن ترد

وبعد «ما» انصب ، وانجرار قد يرد (١)

__________________

ويضعف الوجهين ـ الثانى والثالث ـ أن الكلام قد لا يكون مشتملا على فعل ، نحو قولك : القوم إخوتك لا يكون زيدا.

(١) «واجرر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بسابقى» جار ومجرور متعلق باجرر ، وسابقى مضاف ، و «يكون» قصد لفظه : مضاف إليه «إن» شرطية «ترد» فعل مضارع فعل الشرط ، مجزوم بإن ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام ، والتقدير : إن ترد فاجرر ـ إلخ «وبعد» الواو عاطفة ، بعد : ظرف متعلق بانصب الآتى ، وبعد مضاف ، و «ما» قصد لفظه : مضاف إليه «انصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وانجرار» مبتدأ «قد» حرف تقليل «يرد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى انجرار ، والجملة من يرد وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.


أى : إذا لم تتقدّم «ما» على ، «خلا ، وعدا» فاجرر بهما إن شئت ؛ فتقول : «قام القوم خلا زيد ، وعدا زيد» فخلا ، وعدا : حرفا جرّ ، ولم يحفظ سيبويه الجرّ بهما ، وإنما حكاه الأخفش ؛ فمن الجرّ بـ «خلا» قوله :

(١٧٥) ـ

خلا الله لا أرجو سواك ، وإنّما

أعدّ عيالى شعبة من عيالكا

__________________

١٧٥ ـ البيت من الشواهد التى لم يعينوا قائلها ، ولم أقف له على سابق أو لاحق.

اللغة : «أرجو» مضارع من الرجاء ، وهو ضد اليأس من الشىء الذى هو قطع الطماعية فى الوصول إليه ، وتقول : رجا الإنسان الشىء يرجوه رجاء ، إذا أمله وتوقع حصوله «سواك» غيرك ، وهو دليل على أن هذه الكلمة تستعمل غير ظرف ؛ لوقوعها مفعولا به ، وتقدمت هذه المسألة مشروحة مستدلا لها (ص ٦١١ وما بعدها) «أعد» أى أحسب «عيالى» العيال : هم أهل بيت الإنسان ومن يمونهم «شعبة» طائفة.

المعنى : إننى لا أؤمل أن يصلنى الخير من أحد إلا منك ، وأنا واثق كل الثقة من أنك لا تدخر وسعا فى التفضل على والإحسان إلى ؛ لأن أهلى ومن تلزمنى مؤنهم ـ فى اعتبارى ـ فريق من أهلك ومن تلزمك مؤنهم.

الإعراب : «خلا» حرف جر «الله» مجرور بخلا ، والجار والمجرور متعلق بأرجو الآتى «لا» نافية «أرجو» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «سواك» سوى : مفعول به لأرجو ، وسوى مضاف والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه «إنما» أداة حصر «أعد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «عيالى» عيال : مفعول أول لأعد ، وعيال مضاف وياء المتكلم مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر «شعبة» مفعول ثان لأعد «من عيالكا» من عيال : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لشعبة ، وعيال مضاف والكاف مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «خلا الله» وفى هذه الكلمة وحدها شاهدان للنحاة :

أما الأول فحيث استعمل الشاعر «خلا» حرف جر ، فجربه لفظ الجلاله ، وذكر الشارح


ومن الجرّ بـ «عدا» قوله :

(١٧٦) ـ

تركنا فى الحضيض بنات عوج

عواكف قد خضعن إلى النّسور

أبحنا حيّهم قتلا وأسرا

عدا الشّمطاء والطّفل الصّغير

__________________

أن هذا مما نقله الأخفش ، وأن سيبويه لم يحفظ من العرب الجر بخلا ، وهذا نقل غير صحيح ، بل نقله سيبويه فى كتابه صريحا (١ / ٣٧٧) حيث يقول «أما حاش فليس باسم ، ولكنه حرف يجر ما بعده كما تجر حتى ما بعدها ، وفيه معنى الاستثناء ، وبعض العرب يقول : ما أنا من القوم خلا عبد الله (بالجر) فجعلوا خلا بمنزلة حاشا ، فإذا قلت : ما خلا فليس فيه إلا النصب ؛ لأن ما اسم ، ولا تكون صلتها إلا للفعل هنا» اه ،

وأما الشاهد الثانى فحيث قدم الاستثناء فجعله أول الكلام قبل المستثنى منه وقبل العامل فيه ، وذلك جائز عند الكوفيين ، نص عليه الكسائى ، وإليه ذهب أبو إسحاق الزجاج ، وذهب البصريون إلى أن ذلك لا يجوز ، وأجاز الفريقان جميعا تقديم المستثنى على المستثنى منه ، بشرط أن يتقدم العامل فى المستثنى منه أو بعض جملة المستثنى منه.

وفى قوله «لا أرجو سواك» شاهد ثالث ، وحاصله أن «سوى» قد تفارق النصب على الظرفية فتتأثر بالعوامل ، وقد وقعت هنا مفعولا به ، وهذا هو الذى نبهناك إليه فى ص ٦١١.

١٧٦ ـ وهذان البيتان من الأبيات التى لم نقف على نسبتها إلى قائل معين.

اللغة : «الحضيض» قرار الأرض عند منقطع الجبل «بنات عوج» أراد بها الخيل التى ينسبونها إلى فرس مشهور يسمونه «أعوج» ويقال : خيل أعوجيات «عواكف» جمع عاكفة ، والعكوف : ملازمة الشىء والمواظبة عليه «خضعن» ذللن وخشعن «أبحناحيهم» أراد أهلكنا واستأصلنا ، والحى : القبيلة «أسرا» الأسر : أن يأخذ الرجل الرجل فى الحرب ملقيا بيديه معترفا بالعجز عن الدفاع عن نفسه «الشمطاء» هى العجوز التى يخالط سواد شعرها بياض ،

الإعراب : «تركنا» فعل وفاعل «فى الحضيض» جار ومجرور متعلق بتركنا «بنات» مفعول به لتركنا ، وبنات مضاف ، و «عوج» مضاف إليه «عواكف» حال من بنات عوج «قد» حرف تحقيق «خضعن» فعل وفاعل ، والجملة فى محل


فإن تقدّمت عليهما «ما» وجب النصب بهما ؛ فتقول : «قام القوم ما خلا زيدا ، وما عدا زيدا» فـ «ما» : مصدرية ، و «خلا ، وعدا» : صلتها ، وفاعلهما ضمير مستتر يعود على البعض كما تقدم تقريره ، و «زيدا» : مفعول ، وهذا معنى قوله : «وبعد ما انصب» هذا هو المشهور.

وأجاز الكسائىّ الجرّ بهما بعد «ما» على جعل «ما» زائدة ، وجعل «خلا ، وعدا» حرفى جرّ ؛ فتقول : «قام القوم ما خلا زيد ، وما عدا زيد» وهذا معنى قوله : «وانجرار قد يرد» وقد حكى الجرمىّ فى الشرح الجرّ بعد «ما» عن بعض العرب.

* * *

وحيث جرّا فهما حرفان

كما هما إن نصبا فعلان (١)

__________________

نصب صفة لعواكف «إلى النسور» جار ومجرور متعلق بخضعن «أبحنا» فعل وفاعل «حيهم» حى : مفعول به لأباح ، وحى مضاف والضمير مضاف إليه «قتلا» تمييز «وأسرا» معطوف على قوله قتلا «عدا» حرف جر «الشمطاء» مجرور بعدا «والطفل» معطوف على الشمطاء «الصغير» صفة للطفل.

الشاهد فيه : قوله «عدا الشمطاء» حيث استعمل «عدا» حرف جر ، فجر الشمطاء به ، ولم يحفظ سيبويه الجر بعدا ، ولا ذكره أبو العباس المبرد ، أما الجر بخلا فقد عرفت أن الصحيح فى النقل عن سيبويه أنه قد رواه عن بعض العرب (انظر شرح الشاهد رقم ١٧٥ السابق) فقد نقلنا لك فيه نص عبارة سيبويه ، ودللناك على موضعه من كتابه.

(١) «وحيث» اسم شرط عند الفراء الذى لا يشترط فى المجازاة به اقترانه بما ، وعند غيره هو ظرف يتعلق بقوله «حرفان» الآتى ؛ لأنه فى قوة المشتق «جرا» فعل ماض ، وهو فعل الشرط على القول الأول ، وألف الاثنين فاعل «فهما حرفان»


أى : إن جررت بـ «خلا ، وعدا» فهما حرفا جرّ ، وإن نصبت بها فهما فعلان ، وهذا مما لا خلاف فيه.

* * *

وكخلا حاشا ، ولا تصحب «ما»

وقيل «حاش ، وحشا» فاحفظهما (١)

المشهور أن «حاشا» لا تكون إلا حرف جرّ ؛ فتقول : «قام القوم حاشا زيد» بجر «زيد» وذهب الأخفش والجرمىّ والمازنىّ والمبرد وجماعة ـ منهم المصنف ـ إلى أنها مثل «خلا» : تستعمل فعلا فتنصب ما بعدها ، وحرفا فتجر ما بعدها ؛ فنقول : «قام القوم حاشا زيدا ، وحاشا زيد» وحكى جماعة ـ منهم الفراء ، وأبو زيد الأنصارى ، والشيبانىّ ـ النّصب بها ، ومنه : «اللهم اغفر لى ولمن يسمع ، حاشا الشيطان وأبا الإصبع» وقوله :

__________________

لفاء لربط الجواب بالشرط ، وهى زائدة على القول الثانى ، وما بعدها جملة من مبتدأ وخبر فى محل جزم جواب الشرط «كما» جار ومجرور متعلق بقوله «فعلان» الآتى ؛ لأنه فى قوة المشتق «هما» ضمير منفصل مبتدأ «إن» شرطية «نصبا» فعل ماض ، فعل الشرط ، وألف الاثنين فاعل ، وجواب الشرط محذوف ، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها معترضة بين المبتدأ وخبره «فعلان» خبر المبتدأ.

(١) «كحلا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «حاشا» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «ولا» نافية «تصحب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى حاشا «ما» قصد لفظه : مفعول به لتصحب «وقيل» فعل ماض مبنى للمجهول «حاش» قصد لفظه : نائب فاعل قيل «وحشا» معطوف عليه «فاحفظهما» احفظ : فعل أمر. وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وهما : مفعول به لاحفظ.


(١٧٧) ـ

حاشا قريشا ؛ فإنّ الله فضّلهم

على البريّة بالإسلام والدّين

وقول المصنف : «ولا تصحب ما» معناه أن «حاشا» مثل «خلا» فى أنها تنصب ما بعدها أو تجرّه ، ولكن لا تتقدم عليها «ما» كما تتقدم على «خلا» ؛ فلا تقول : «قام القوم ما حاشا زيدا» ، وهذا الذى ذكره هو الكثير ، وقد صحبتها «ما» قليلا ؛ ففى مسند أبى أمية الطرسوسى عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : «أسامة أحبّ النّاس إلىّ ما حاشا فاطمة» (٢).

__________________

١٧٧ ـ هذا البيت من كلام الفرزدق همام بن غالب.

الإعراب : «حاشا» فعل ماض دال على الاستثناء ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو يعود على البعض المفهوم من الكل السابق «قريشا» مفعول به لحاشا «فإن» الفاء للتعليل ، إن : حرف توكيد ونصب «الله» اسم إن «فضلهم» فضل : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الله ، هم : مفعول به لفضل ، والجملة من فضل وفاعله ومفعوله فى محل رفع خبر «إن» «على البرية ، بالإسلام» جاران ومجروران متعلقان بفضل «والدين» عطف على الإسلام.

الشاهد فيه : قوله «حاشا قريشا» فإنه استعمل «حاشا» فعلا ، ونصب به ما بعده.

(١) توهم النحاة أن قوله «ما حاشا فاطمة» من كلام النبى صلّى الله عليه وسلّم ، فجعلوا «حاشا» استثنائية ، واستدلوا به على أن حاشا الاستثنائية يجوز أن تدخل عليها ما ، وذلك غير متعين ، بل يجوز أن يكون هذا الكلام من كلام الراوى يعقب به على قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم «أسامة أحب الناس إلى» يريد الراوى بذلك أن يبين أنه عليه الصلاة والسّلام لم يستثن أحدا من أهل بيته لا فاطمة ولا غيرها ، فما : نافية ، وحاشى : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى النبى ، وفاطمة : مفعول به ، وليست حاشا هذه هى الاستثنائية ، بل هى فعل متصرف تام تكتب ألفه ياء لكونها رابعة ، ومضارعه هو الذى ورد فى قول النابغة الذبيانى :


وقوله :

(١٧٨) ـ

رأيت النّاس ما حاشا قريشا

فإنّا نحن أفضلهم فعالا

ويقال فى «حاشا» : «حاش ، وحشا».

* * *

__________________

ولا أرى فاعلا فى النّاس شبهه

وما أحاشى من لأقوام من أحد

والفرق بين حاشا الاستثنائية وهذا الفعل من ستة أوجه ، الأول : أن الاستثنائية تكون حرفا وتكون فعلا ، وهذه لا تكون إلا فعلا ، والثانى أن الاستثنائية ـ إن كانت فعلا ـ غير متصرفة ، وهذه متصرفة ، الثالث أن فاعل الاستثنائية مستتر وجوبا ، وهذه كغيرها من الأفعال ماضيها فاعله مستتر جوازا ، والرابع أن ألف الاستثنائية تكتب ألفا ، وهذه تكتب ألفها ياء ، والخامس : أن الاستثنائية يتعين فيها أن تكون من كلام صاحب الكلام الأول السابق عليها ، وهذه ليست كذلك ، بل لو تكلم بها صاحب الكلام الأول لقال : ما أحاشى ، أو قال : ما حاشيت ، كما قال النابغة الذبيانى «وما أحاشى» السادس : أن «ما» التى تسبق الاستثنائية مصدرية أو زائدة ، وأما التى تسبق هذه فهى نافية ، فاعرف ذلك وكن حريصا عليه ، والله ينفعك به.

١٧٨ ـ نسب العينى هذا البيت للأخطل غوث بن غياث ، وقد راجعت ديوان شعره فوجدت له قطعة على هذا الوزن والروى يهجو فيها جرير بن عطية ، وليس فيها بيت الشاهد.

اللغة : «رأيت» زعم العينى أن «رأى» ههنا من الرأى ، مثل التى فى قولهم : رأى أبو حنيفة حرمة كذا ، وعلى هذا تكون متعدية إلى مفعول واحد ، وليس الذى زعمه بسديد ، بل هى بمعنى العلم ، وتتعدى إلى مفعولين ، وقد ذكر الشاعر مفعولها الأول وحذف الثانى ، وتقديره : رأيت الناس دوننا أو أقل منا فى المنزلة ، ونحو ذلك ويجوز أن تكون جملة «فإنا نحن أكثرهم فعالا» فى محل نصب مفعولا ثانيا لرأى ، وزيدت الفاء فها كما زيدت فى خبر المبتدأ فى نحو قولهم. الذى يزورنى فله جائزة


..................................................................................

__________________

سنية «فعالا» هو بفتح الفاء ـ الكرم ، ويجوز أن تكون الفاء مكسورة على أنه جمع فعل.

الإعراب : «رأيت» فعل وفاعل «الناس» مفعول أول ، والمفعول الثانى محذوف لدلالة الكلام عليه ، وتقدير الكلام : رأيت الناس أقل منا ، أو دوننا ، مثلا «ما حاشا» ما : مصدرية ، حاشا : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو يعود على البعض المفهوم من الكل السابق «قريشا» مفعول به لحاشا «فإنا» الفاء للتعليل ، إن : حرف توكيد ونصب ، نا : اسمه «نحن» توكيد للضمير المتصل الواقع اسما لإن «أفضلهم» أفضل : خبر إن ، وأفضل مضاف وهم مضاف إليه «فعالا» تمييز ، ويجوز أن تكون الفاء زائدة ، وتكون جملة «إن» واسمها وخبرها فى محل نصب مفعولا ثانيا لرأى ، ولا عجب أن تزاد الفاء فى المفعول الثانى ؛ فإن أصله خبر ، والفاء تزاد فى خبر المبتدأ كثيرا.

الشاهد فيه : قوله «ما حاشا قريشا» حيث دخلت «ما» المصدرية على «حاشا» وذلك قليل ، والأكثر أن تتجرد منها.

* * *


الحال

الحال وصف ، فضلة ، منتصب ،

مفهم فى حال كفردا أذهب (١)

عرّف الحال (٢) بأنه ، الوصف ، الفضلة ، المنتصب ، للدلالة على هيئة ، نحو : «فردا أذهب» فـ «فردا» : حال ؛ لوجود القيود المذكورة فيه.

وخرج بقوله : «فضلة» الوصف الواقع عمدة ، نحو : «زيد قائم» وبقوله «للدلالة على الهيئة» التمييز المشتقّ ، نحو : «لله درّه فارسا» فإنه تمييز لا حال على الصحيح ؛ إذ لم يقصد به الدلالة على الهيئة ، بل التعجب من فروسيّته ؛ فهو لبيان المتعجّب منه ، لا لبيان هيئته ، وكذلك «رأيت رجلا راكبا» فإنّ «راكبا» لم يسق للدلالة على الهيئة ، بل لتخصيص الرجل ، وقول المصنف «مفهم فى حال» هو معنى قولنا «للدلالة على الهيئة».

* * *

__________________

(١) «الحال» مبتدأ «وصف» خبره «فضلة ، منتصب ، مفهم» نعوت لوصف «فى حال» جار ومجرور متعلق بمفهم «كفردا» الكاف جارة لقول محذوف كما سبق غير مرة ، فردا : حال من فاعل أذهب الآتى «أذهب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا.

(٢) الحال فى اللغة : ما عليه الإنسان من خير أو شر ، وهو فى اصطلاح علماء العربية ما ذكره الشارح العلامة ، ويقال : حال ، وحالة ، فيذكر لفظه ويؤنث ، ومن شواهد تأنيث لفظه قول الشاعر :

على حالة لو أنّ فى القوم حاتما

على جوده ضنّت به نفس حاتم

ومن شواهد تذكير لفظه قول الشاعر :

إذا أعجبتك الدّهر حال من امرىء

فدعه ، وواكل أمره واللّياليا


وكونه منتقلا مشتقّا

يغلب ، لكن ليس مستحقّا (١)

الأكثر فى الحال أن تكون : منتقلة ، مشتقة.

ومعنى الانتقال : ألا تكون ملازمة للمتّصف بها ، نحو «جاء زيد راكبا» فـ «راكبا» : وصف منتقل ؛ لجواز انفكاكه عن «زيد» بأن يجىء ماشيا.

وقد تجىء الحال غير منتقلة (٢) ، أى وصفا لازما ، نحو «دعوت الله سميعا» و «خلق الله الزّرافة يديها أطول من رجليها» ، وقوله :

(١٧٩) ـ

فجاءت به سبط العظام ، كأنّما

عمامته بين الرّجال لواء

فـ «سميعا ، وأطول ، وسبط» أحوال ، وهى أوصاف لازمة.

__________________

(١) «وكونه» الواو للاستئناف ، وكون : مبتدأ ، وكون مضاف والهاء مضاف إليه ، من إضافة المصدر الناقص إلى اسمه «منتقلا» خبر المصدر الناقص «مشتقا» خبر ثان «يغلب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كونه منتقلا ، والجملة من يغلب وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «لكن» حرف استدراك «ليس» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كونه منتقلا ـ إلخ «مستحقا» خبر ليس.

(٢) تجىء الحال غير منتقلة فى ثلاث مسائل :

الأولى : أن يكون العامل فيها مشعرا بتجدد صاحبها ، نحو قوله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) ونحو قولهم : خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها ، ونحو قول الشاعر *فجاءت به سبط العظام* البيت الذى أنشده الشارح رحمه الله (رقم ١٧٩).

الثانية : أن تكون الحال مؤكدة : إما لعاملها نحو قوله تعالى : (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً) وقوله سبحانه : (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) وإما مؤكدة لصاحبها ، نحو قوله سبحانه : (لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) وإما مؤكدة لمضمون جملة قبلها ، نحو قولهم : زيد أبوك عطوفا

الثالثة : فى أمثلة مسموعة لا ضابط لها ، كقولهم : دعوت الله سميعا ، وقوله تعالى : (أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً) وكقوله جل ذكره : (قائِماً بِالْقِسْطِ).

١٧٩ ـ البيت لرجل من بنى جناب لم أقف على اسمه.


وقد تأتى الحال جامدة ، ويكثر ذلك فى مواضع ذكر المصنف بعضها بقوله :

ويكثر الجمود : فى سعر ، وفى

مبدى تأوّل بلا تكلّف (١)

كبعه مدّا بكذا ، يدا بيد ،

وكرّ زيد أسدا ، أى كأسد (٢)

__________________

اللغة : «سبط العظام» أراد أنه سوى الخلق حسن القامة «لواء» هو ما دون العلم ، وأراد أنه تام الخلق طويل ؛ فكنى بهذه العبارة عن هذا المعنى.

الإعراب : «فجاءت» جاء : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى «به» جار ومجرور متعلق بجاءت «سبط» حال من الضمير المجرور محلا بالباء ، وسبط مضاف و «العظام» مضاف إليه «كأنما» كأن : حرف تشبيه ونصب ، وما : كافة «عمامته» عمامة : مبتدأ ، وعمامة مضاف والضمير مضاف إليه «بين» منصوب على الظرفية ، وبين مضاف ، و «الرجال» مضاف إليه «لواء» خبر المبتدأ.

الشاهد فيه : قوله «سبط العظام» حيث ورد الحال وصفا ملازما ، على خلاف الغالب فيه من كونه وصفا منتقلا ، وإضافة سبط لا تفيده تعريفا ولا تخصيصا ؛ لأنه صفة مشبهة ، وإضافة الصفة المشبهة إلى معمولها لا تفيد التعريف ولا التخصيص ، وإنما تفيد رفع القبح على ما سيأتى بيانه فى باب الإضافة إن شاء الله تعالى

(١) «يكثر» فعل مضارع «الجمود» فاعل يكثر «فى سعر» جار ومجرور متعلق بيكثر «وفى مبدى» جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور الأول ، ومبدى مضاف و «تأول» مضاف إليه «بلا تكلف» جار ومجرور متعلق بتأول ، ولا اسم بمعنى غير مضاف وتكلف : مضاف إليه.

(٢) «كبعه» الكاف جارة لقول محذوف ، بع : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به «مدا» حال من المفعول «بكذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لمد ، وقال سيبويه : هو بيان لمد «وكر زيد» فعل وفاعل «أسدا» حال من الفاعل «أى» حرف تفسير «كأسد» الكاف اسم بمعنى مثل عطف بيان على قوله «أسدا» الواقع حالا ، والكاف الاسمية مضاف وأسد مضاف إليه.


يكثر مجىء الحال جامدة إن دلّت على سعر ، نحو «بعه مدّا بدرهم (١)» فمدا : حال جامدة ، وهى فى معنى المشتق ؛ إذ المعنى «بعه مسعّرا كل مد بدرهم» ويكثر جمودها ـ أيضا ـ فيما دلّ على تفاعل ، نحو «بعته يدا بيد (٢)» أى : مناجزة ، أو على تشبيه ، نحو «كرّ زيد أسدا» : أى مشبها الأسد ، فـ «يدا ، وأسدا» جامدان ، وصحّ وقوعهما حالا لظهور تأوّلهما بمشتق ، كما تقدم ، وإلى هذا أشار بقوله : «وفى مبدى تأوّل» أى : يكثر مجىء الحال جامدة حيث ظهر تأوّلها بمشتق.

وعلم بهذا وما قبله أن قول النحويين «إن الحال يجب أن تكون منتقلة مشتقة» معناه أن ذلك هو الغالب ، لا أنه لازم ، وهذا معنى قوله فيما تقدم «لكن ليس مستحقّا» (٣).

__________________

(١) يجوز فى هذا المثال وجهان : أحدهما رفع ما ، وثانيهما نصبه ، فأما رفع مد فعلى أن يكون مبتدأ ، والجار والمجرور بعده متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ ، وجاز الابتداء بالنكرة لأن لها وصفا محذوفا ، وتقدير الكلام : بع البر (مثلا) مد منه بدرهم ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب حال ، والرابط هو الضمير المجرور محلا بمن ، ولا يكون المثال ـ على هذا الوجه ـ مما نحن بصدده ؛ لأن الحال جملة لا مفرد جامد ، أما نصب مد فعلى أن يكون حالا ، والجار والمجرور بعده متعلق بمحذوف صفة له ، ويكون المثال حينئذ مما نحن بصدده ، والمشتق المؤول به ذلك الحال يكون مأخوذا من الحال وصفته جميعا ، وتقديره : مسعرا.

ويجوز أن يكون هذا الحال حالا من فاعل بعه ؛ فيكون لفظ «مسعرا» الذى تؤوله به بكسر العين مشددة اسم فاعل ، ويجوز أن يكون حالا من المفعول ؛ فيكون قولك «مسعرا» بفتح العين مشددة اسم مفعول

(٢) هذا المثال كالذى قبله ، يجوز فيه رفع «يد» ونصبه ، وإعراب الوجهين هنا كإعرابهما فى المثال السابق ، والتقدير على الرفع : يد منه على يد منى ، والتقدير على النصب : يدا كائنة مع يد.

(٣) ذكر الشارح ثلاثة مواضع تجىء فيها الحال جامدة وهى فى تأويل المشتق ، ـ ـ


..................................................................................

__________________

وهى : أن تدل الحال على سعر ، أو على تفاعل ـ ومنه دلالتها على مناجزة ـ أو على تشبيه ، وقد بقيت خمسة مواضع أخرى :

الأول : أن تدل الحال على ترتيب ، كقولك : ادخلوا الدار رجلا رجلا ، وقولك : سار الجند رجلين رجلين ، تريد مرتبين ، وضابط هذا النوع : أن يذكر المجموع أولا ثم يفصل هذا المجموع بذكر بعضه مكررا ، فالمجموع فى المثال الأول هو الذى تدل الواو عليه ، وفى المثال الثانى هو الجند ، والحال عند التحقيق هو مجموع اللفظين ، ولكنه لما تعذر أن يكون المجموع حالا جعل كل واحد منهما حالا ، كما فى الخبر المتعدد بغير عاطف فى نحو قولك : الرمان حلو حامض ، وذهب ابن جنى إلى أن الحال هو الأول ، والثانى معطوف عليه بعاطف مقدر.

الموضع الثانى : أن تكون الحال موصوفة ، نحو قوله تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) وقوله : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) وتسمى هذه الحال : «الحال الموطئة».

الموضع الثالث : أن تكون الحال دالة على عدد ، نحو قوله تعالى (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً).

الموضع الرابع : أن تدل الحال على طور فيه تفصيل ، نحو قولهم : هذا بسرا أطيب منه رطبا.

الموضع الخامس : أن تكون الحال نوعا من صاحبها ، كقولك : هذا مالك ذهبا ، أو تكون الحال فرعا لصاحبها ، كقولك : هذا حديدك خاتما ، وكقوله تعالى : (وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) أو تكون الحال أصلا لصاحبها ، كقولك : هذا خاتمك حديدا ، وكقوله تعالى : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً).

وقد أجمع النحاة على أن المواضع الأربعة الأولى ـ وهى الثلاثة التى ذكرها الشارح والموضع الأول مما ذكرناه ـ يجب تأويلها بمشتق ، ليسر ذلك ، وعدم التكلف فيه ، ثم اختلفوا فى المواضع الأربعة الباقية ؛ فذهب قوم منهم ابن الناظم إلى وجوب تأويلها أيضا ؛ ليكون الحال على ما هو الأصل فيها ، وذهب قوم إلى أنه لا يجب تأويلها بمشتق لأن فى تأويلها بالمشتق تكلفا ، وفى ذلك من التحكم ما ليس يخفى.


والحال إن عرّف لفظا فاعتقد

تنكيره معنى ، كوحدك اجتهد (١)

مذهب جمهور النحويين أن الحال لا تكون إلا نكرة ، وأن ما ورد منها معرّفا لفظا فهو منكّر معنى ، كقولهم : جاءوا الجمّاء الغفير.

(١٨٠) ـ

و *أرسلها العراك ...*

__________________

(١) «الحال» مبتدأ «إن» شرطية «عرف» فعل ماض مبنى للمجهول فعل الشرط «لفظا» تمييز محول عن نائب الفاعل «فاعتقد» الفاء لربط الجواب بالشرط ، اعتقد : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «تنكيره» تنكير : مفعول به لاعتقد ، وتنكير مضاف والهاء مضاف إليه «معنى» تمييز «كوحدك» الكاف جارة لقول محذوف ، وحد : حال من الضمير المستتر فى «اجتهد» الآتى ، ووحد مضاف والكاف مضاف إليه «اجتهد» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل نصب مقول لقول محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كقولك اجتهد وحدك ، والحال فى تأويل «منفردا».

١٨٠ ـ هذه قطعة من بيت للبيد بن ربيعة العامرى يصف حمارا وحشيا أورد أتنه الماء لتشرب ، وهو بتمامه :

فأرسلها العراك ، ولم يذدها ،

ولم يشفق على نغص الدّخال

اللغة : «العراك» ازدحام الإبل أو غيرها حين ورود الماء «يذدها» يطردها «يشفق» يرحم «نغص» مصدر نغص الرجل ـ بكسر الغين ـ إذا لم يتم مراده ، ونغص البعير إذا لم يتم شربه «الدخال» أن يداخل بعيره الذى شرب مرة مع الإبل التى لم تشرب حتى يشرب معها ثانية ، وذلك إذا كان البعير كريما ، أو شديد العطش ، أو ضعيفا.

الإعراب : «فأرسلها» أرسل : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحمار الوحشى المذكور فى أبيات سابقة ، والضمير البارز المتصل الذى يرجع إلى الأبن مفعول به لأرسل «العراك» حال «ولم يذدها» الواو عاطفة ، لم نافية جازمة ، يذذ : فعل مضارع مجزوم بلم ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فاعل أرسل ، وها : مفعول به ، والجملة معطوفة على جملة فأرسلها.


واجتهد وحدك ، وكلمته فاه إلى فىّ ؛ فـ «الجمّاء ، والعراك ، ووحدك ، وفاه» : أحوال ، وهى معرفة ، لكنها مؤوّلة بنكرة ، والتقدير : جاءوا جميعا ، وأرسلها معتركة ، واجتهد منفردا ، وكلمته مشافهة.

وزعم البغداديّون ويونس أنه يجوز تعريف الحال مطلقا ، بلا تأويل ؛ فأجازوا «جاء زيد الرّاكب».

وفصّل الكوفيون ، فقالوا : إن تضمّنت الحال معنى الشرط صحّ تعريفها ، وإلّا فلا ؛ فمثال ما تضمن معنى الشرط «زيد الرّاكب أحسن منه الماشى» فـ «الراكب والماشى» : حالان ، وصح تعريفهما لتأولهما بالشرط ؛ إذ التقدير : زيد إذا ركب أحسن منه إذا مشى ، فإن لم تتقدر بالشرط لم يصح تعريفها ؛ فلا تقول : «جاء زيد الرّاكب» إذ لا يصح «جاء زيد إن ركب».

* * *

ومصدر منكّر حالا مقع

بكثرة كبغتة زيد طلع (١)

__________________

ومثلها جملة «ولم يشفق» وقوله «على نغص» جار ومجرور متعلق بيشفق ، ونغص مضاف ، و «الدخال» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «العراك» حيث وقع حالا مع كونه معرفة ـ والحال لا يكون إلا نكرة ـ وإنما ساغ ذلك لأنه مؤول بالنكرة ، أى : أرسلها معتركة ، يعنى مزدحمة

(١) «مصدر» مبتدأ «منكر» نعت «حالا» منصوب على الحال ، وصاحبه الضمير المستتر فى «يقع» الآتى «يقع» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مصدر منكر. والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «بكثرة» جار ومجرور متعلق بيقع «كبغتة» الكاف جارة لقول محذوف ، بغتة : حال من الضمير المستتر فى «طلع» الآتى «زيد» مبتدأ «طلع» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى زيد ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.


حقّ الحال أن يكون وصفا ـ وهو : ما دلّ على معنى وصاحبه : كقائم ، وحسن ، ومضروب ـ فوقوعها مصدرا على خلاف الأصل ؛ إذ لا دلالة فيه على صاحب المعنى.

وقد كثر مجىء الحال مصدرا نكرة ، ولكنه ليس بمقيس ؛ لمجيئه على خلاف الأصل ، ومنه «زيد طلع بغتة» فـ «بغتة» : مصدر نكرة ، وهو منصوب على الحال ، والتقدير : زيد طلع باغتا ؛ هذا مذهب سيبويه والجمهور.

وذهب الأخفش والمبرد إلى أنه منصوب على المصدرية ، والعامل فيه محذوف ، والتقدير : طلع زيد يبغت بغتة ، فـ «يبغت» عندهما هو الحال ، لا «بغتة».

وذهب الكوفيون إلى أنه منصوب على المصدرية كما ذهبا إليه ، ولكن الناصب له عندهم الفعل المذكور [وهو طلع] لتأويله بفعل من لفظ المصدر ، والتقدير فى قولك : «زيد طلع بغتة» «زيد بغت بغتة» ؛ فيؤولون «طلع» ببغت ، وينصبون به «بغتة».

* * *

ولم ينكّر غالبا ذو الحال ، إن

لم يتأخّر ، أو يخصّص ، أو يبن (١)

__________________

(١) «ولم» نافية جازمة «ينكر» فعل مضارع مبنى للمجهول ، مجزوم بلم «غالبا» حال من نائب الفاعل «ذو» نائب فاعل ينكر ، وذو مضاف ، و «الحال» مضاف إليه «إن» شرطية «لم» نافية جازمة «يتأخر» فعل مضارع مجزوم بلم فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذو الحال ، وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : إن لم يتأخر ذو الحال ـ إلخ فلا ينكر «أو يخصص ، أو يبن» معطوفان على يتأخر.


من بعد نفى أو مضاهيه ، كـ «لا

ببغ امرؤ على امرىء مستسهلا» (١)

حقّ صاحب الحال أن يكون معرفة ، ولا ينكر فى الغالب إلا عند وجود مسوّغ ، وهو أحد أمور (٢) :

__________________

(١) «من بعد» جار ومجرور متعلق بيبن فى البيت السابق ، وبعد مضاف ، و «نفى» مضاف إليه «أو» عاطفة «مضاهيه» مضاهى : معطوف على نفى ، ومضاهى مضاف وضمير الغائب العائد إلى نفى مضاف إليه «كلا» الكاف جارة لقول محذوف ، لا : ناهية «يبغ» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية «امرؤ» فاعل يبغ «على امرىء» جار ومجرور متعلق بيبغ «مستسهلا» حال من قوله «امرؤ» الفاعل

(٢) ذكر الشارح ـ تبعا للناظم ـ من مسوغات مجىء الحال من النكرة ثلاثة مسوغات : أولها تقدم الحال ، وثانيها تخصص صاحبها بوصف أو بإضافة ، وثالثها وقوع النكرة بعد النفى أو شبهه ، وبقى من المسوغات ثلاثة أخرى لم يصرح بها.

الأول : أن تكون الحال جملة مقترنة بالواو ، كما فى قولك : زارنا رجل والشمس طالعة ، والسر فى ذلك أن وجود الواو فى صدر الجملة يرفع توهم أن هذه الجملة نعت للنكرة ؛ إذ النعت لا يفصل بينه وبين المنعوت بالواو ؛ ففى قوله تعالى.(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) مسوغان ، بل ثلاثة ، وهى تقدم النفى ، ووقوع الواو فى صدر جملة الحال ، والثالث اقتران الجملة بإلا ، لأن الاستثناء المفرغ لا يقع فى النعوت (انظر ص ٦٠٤ السابقة و ٦٣٨ الآتية) وأما قوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) فالمسوغ وقوع الواو فى صدر جملة الحال.

الثانى : أن تكون الحال جامدة ، نحو قولك : هذا خاتم حديدا ، والسر فى ذلك أن الوصف بالجامد على خلاف الأصل ؛ فلا يذهب إليه ذاهب ، وقد ساغ فى مثل هذا أن تكون الحال جامدة كما علمت (انظر ص ٦٢٨ وما بعدها).

الثالث : أن تكون النكرة مشتركة مع معرفة أو مع نكرة يصح أن تجىء الحال منها ، كقولك : زارنى خالد ورجل راكبين ، أو قولك : زارنى رجل صالح وامرأة مسكرين.


منها : أن يتقدم الحال على النكرة ، نحو «فيها قائما رجل» ، وكقول الشاعر ، وأنشده سيبويه :

(١٨١) ـ

وبالجسم منّى بيّنا لو علمته

شحوب ، وإن تستشهدى العين تشهد

وكقوله :

(١٨٢) ـ

وما لام نفسى مثلها لى لائم

ولا سدّ فقرى مثل ما ملكت يدى

__________________

١٨١ ـ البيت من الشواهد التى لا يعلم قائلها.

اللغة : «شحوب» هو مصدر شحب جسمه يشحب شحوبا ـ بوزن قعد يقعد قعودا ـ وقد جاء على لغة أخرى ، شحب يشحب شحوبة ـ مثل سهل الأمر يسهل سهولة ـ إذا تغير لونه «بينا» ظاهرا ، وهو فيعل من بان يبين ، إذا ظهر ووضح.

المعنى : إن بجسمى من آثار حبك لشحوبا ظاهرا ، لو أنك علمته لأخذتك الشفقة على ، وإذا أحببت أن ترى الشاهد فانظرى إلى عينى فإنهما تحدثانك حديثه.

الإعراب : وبالجسم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «منى» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الجسم «بينا» حال من شحوب الآتى على رأى سيبويه الذى يجيز مجىء الحال من المبتدأ ، وهو عند الجمهور حال من الضمير المستكن فى الجار والمجرور الواقع خبرا «لو» شرطية غير جازمة «علمته» فعل وفاعل ومفعول به ، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله شرط لو ، وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : لو علمته لأشفقت على ، والجملة من الشرط وجوابه لا محل لها معترضة بين الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر «شحوب» مبتدأ مؤخر «وإن» شرطية «تستشهدى» فعل مضارع فعل الشرط ، وياء المخاطبة فاعل «العين» مفعول به «تشهد» جواب الشرط.

الشاهد فيه : قوله «بينا» حيث وقعت الحال من النكرة ، التى هى قوله «شحوب» على ما هو مذهب سيبويه ، كما قررناه فى الإعراب ، والمسوغ لذلك تقدم الحال على صاحبها ، فإذا جريت على ما ذهب الجمهور إليه خلا البيت من الشاهد.

١٨٢ ـ وهذا البيت ـ أيضا ـ من الشواهد التى لا يعلم قائلها ،


فـ «قائما» : حال من «رجل» ، و «بيّنا» حال من «شحوب» ، و «مثلها» حال من «لائم».

ومنها : أن تخصّص النكرة بوصف ، أو بإضافة ؛ فمثال ما تخصّص بوصف قوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا)(١).

__________________

اللغة : «لام» عذل ، وتقول : لام فلان فلانا لوما وملاما وملامة ، إذا عاتبه ووبخه «سد فقرى» أراد أغنانى عن الحاجة إلى الناس وسؤالهم ، شبه الفقر بباب مفتوح يأتيه من ناحيته ما لا يجب ؛ فهو فى حاجه لإيصاده.

المعنى : إن اللوم الذى يكون له الأثر الناجع فى رجوع الإنسان عما استوجب اللوم عليه هو لوم الإنسان نفسه ؛ لأن ذلك يدل على شعوره بالخطأ ، وإن ما فى يد الإنسان من المال لأقرب منالا له مما فى أيدى الناس.

الإعراب : «وما» نافية «لام» فعل ماض «نفسى» نفس : مفعول به تقدم على الفاعل ، ونفس مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «مثلها» مثل : حال من «لائم» الآتى ، ومثل مضاف وها مضاف إليه ، و «مثل» من الألفاظ التى لا تستفيد بالإضافة تعريفا «لى» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من لائم الآتى «لائم» فاعل لام «ولا» الواو عاطفة ، لا زائدة لتأكيد النفى «سد» فعل ماض ، «فقرى» فقر : مفعول به لسد تقدم على الفاعل ، وفقر مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «مثل» فاعل لسد ، ومثل مضاف ، و «ما» اسم موصول مضاف إليه «ملكت» ملك : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «يدى» يد : فاعل ملكت ، ويد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه. والجملة من ملك وفاعله لا محل لها صلة الموصول ، والعائد محذوف ، والتقدير : مثل الذى ملكته يدى

الشاهد فيه : قوله «مثلها لى لائم» حيث جاءت الحال ـ وهى قوله «مثلها» ، و «لى» ـ من النكرة ـ وهى قوله «لائم» ـ والذى سوغ ذلك تأخر النكرة عن الحال.

(١) الأمر الأول الوارد فى هذه الآية واحد الأمور ، والأمر الثانى واحد الأوامر وقد أعرب الناظم وابنه «أمرا» على أنه حال من أمر الأول ، وسوغ مجىء الحال منه تخصيصه بحكيم بمعنى محكم ، أى حال كونه مأمورا به من عندنا.

واعترض قوم على هذا الإعراب بأن الحال لا يجىء من المضاف إليه إلا إذا وجد


وكقول الشاعر :

(١٨٣) ـ

نجّيت يا ربّ نوحا ، واستجبت له

فى فلك ماخر فى اليمّ مشحونا

وعاش يدعو بآيات مبيّنة

فى قومه ألف عام غير خمسينا

__________________

واحد من الأمور الثلاثة التى يأتى بيانها فى هذا الباب ، وليس واحد منها بموجود هنا.

وأجيب بأنا لا نسلم أن الأمور الثلاثة غير موجودة فى هذا المثال ، بل المضاف الذى هو لفظ «كل» كالجزء من المضاف إليه الذى هو لفظ «أمر» فى صحة الاستغناء به عنه ؛ وذلك لأن لفظ كل بمعنى الأمر ؛ إذ المعلوم أن لفظ كل بحسب ما يضاف إليه.

ومن العلماء من جعل أمرا الثانى حالا من كل ، وتصلح الآية للاستدلال بها لما نحن بصدده ؛ لأن «كل أمر» نكرة ؛ إذ المضاف إليه نكرة ، ومنهم من جعل أمرا حالا من الضمير المستتر فى حكيم ، ومنهم من جعله حالا من الضمير الواقع مفعولا ، أى مأمورا به.

١٨٣ ـ البيتان من الشواهد التى لم يذكروها منسوبة إلى قائل معين.

اللغة : «الفلك» أصله بضم فسكون ـ السفينة ، ولفظه للواحد والجمع سواء ، وقد تتبع حركة عينه التى هى اللام حركة الفاء كما فى بيت الشاهد «ماخر» اسم فاعل من مخرت السفينة ـ من بابى قطع ودخل ـ إذا جرت تشق الماء مع صوت «اليم» البحر ، أو الماء «مشحونا» اسم مفعول من شحن السفينة : أى ملأها «آيات مبينة» ظاهرة واضحة ، أو أنها تبين حاله وتدل على صدق دعواه.

الإعراب : «نجيت» فعل وفاعل «يا رب» يا : حرف نداء ، رب : منادى ، وجملة النداء لا محل لها معترضة بين الفعل مع فاعله ومفعوله «نوحا» مفعول به لنجيت «واستجبت» الواو عاطفة ، وما بعدها فعل وفاعل «له» جار ومجرور متعلق باستجبت «فى فلك» جار ومجرور متعلق بنجيت «ماخر» صفة لفلك «فى اليم» جار ومجرور متعلق بماخر «مشحونا» حال من فلك «وعاش» الواو


ومثال ما نخصّص بالإضافة قوله تعالى : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ).

ومنها : أن تقع النكرة بعد نفى أو شبهه ، وشبه النفى هو الاستفهام والنهى ، وهو المراد بقوله : «أو يبن من بعد نفى أو مضاهيه» فمثال ما وقع بعد النفى قوله :

(١٨٤) ـ

ما حمّ من موت حمى واقيا

ولا ترى من أحد باقيا

__________________

عاطفة ، عاش : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نوح «يدعو» فعل مضارع ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى نوح فاعل ، والجملة فى محل نصب حال «بآيات» جار ومجرور متعلق بيدعو «مبينة» صفة لآيات «فى قومه» الجار والمجرور متعلق بعاش ، وقوم مضاف والضمير العائد إلى نوح مضاف إليه «ألف» مفعول فيه ناصبه عاش ، وألف مضاف و «عام» مضاف إليه «غير» منصوب على الاستثناء أو على الحال ، وغير مضاف و «خمسينا» مضاف إليه ، مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ، والألف فى آخره للاطلاق.

الشاهد فيه : قوله «مشحونا» حيث وقع حالا من النكرة ، وهى قوله «فلك» والذى سوغ مجىء الحال من النكرة أنها وصفت بقوله «ماخر» فقربت من المعرفه.

١٨٤ ـ البيت لراجز لم يعينه أحد ممن استشهد به.

اللغة : «حم» بالبناء للمجهول ـ أى قدر ، وهيىء ، وتقول : أحم الله تعالى هذا الأمر وحمه ، إذا قدر وقوعه ، وهيأ له أسبابه (انظر ص ٦٠٢ و ٦٣٨) «واقيا» اسم فاعل من «وقى يقى» بمعنى حفظ يحفظ.

المعنى : إن الله تعالى لم يقدر شيئا يحمى من الموت ، كما أنه سبحانه لم يجعل لأحد من خلقه الخلود ، فاستعد للموت دائما.

الإعراب : «ما» نافية «حم» فعل ماض مبنى للمجهول «من موت» جار ومجرور متعلق بقوله «واقيا» الآتى «حمى» نائب فاعل لحم «واقيا» حل من حمى «ولا» الواو عاطفة ، ولا : زائدة لتأكيد النفى «ترى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «من» زائدة «أحد» مفعول به لترى «باقيا» حال من أحد ، وهذا مبنى على أن «ترى» بصرية ، فإذا جريت على أن ترى علمية كان قوله «باقيا» مفعولا ثانيا لترى.


ومنه قوله تعالى (١) : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) فـ «لها كتاب» جملة فى موضع الحال من «قرية» ، وصحّ مجىء الحال من النكرة لتقدّم النفى عليها ، ولا يصح كون الجملة صفة لقرية ، خلافا للزمخشرى ؛ لأن الواو لا تفصل بين الصفة والموصوف ، وأيضا وجود «إلّا» مانع من ذلك ؛ إذ لا يعترض بـ «إلّا» بين الصفة والموصوف ، وممن صرّح بمنع ذلك : أبو الحسن الأخفش فى المسائل ، وأبو على الفارسى فى التذكرة.

ومثال ما وقع بعد الاستفهام قوله :

(١٨٥) ـ

يا صاح هل حمّ عيش باقيا فترى

لنفسك العذر فى إبعادها الأملا؟

__________________

الشاهد فيه : قوله «واقيا» و «باقيا» حيث وقع كل منهما حالا من النكرة ، وهى «حمى» بالنسبة لـ «واقيا» و «أحد» بالنسبة لـ «باقيا» والذى سوغ ذلك أن النكرة مسبوقة بالنفى فى الموضعين.

وإنما يكون الاستشهاد بقوله باقيا إذا جعلنا «ترى» بصرية ؛ لأنها تحتاج حينئذ إلى مفعول واحد ، وقد استوفته ؛ فالمنصوب الآخر يكون حالا ، أما إذا جعلت «ترى» علمية فإن قوله «باقيا» يكون مفعولا ثانيا ، كما بيناه فى الإعراب.

(١) انظر ما كتبناه عن هذه الآية فى ص ٦٣٣.

١٨٥ ـ أكثر ما قيل فى نسبة هذا البيت إنه لرجل من طيىء ، ولم يعينه أحد ممن استشهد بالبيت أو تكلم عليه.

اللغة : «صاح» أصله صاحبى ، فرخم بحذف آخره ترخيما غير قياسى ؛ إذ هو فى غير علم ، وقياس الترخيم أن يكون فى الأعلام ، وهو أيضا مركب إضافى «هل حم عيش» (انظر ص ٦٠٢ و ٦٣٧) والاستفهام ههنا إنكارى بمعنى النفى ؛ فكأنه قال : ما قدر الله عيشا باقيا «العذر» هو كل ما تذكره لتقطع عنك ألسنة العتاب واللوم.

الإعراب : «يا» حرف نداء «صاح» منادى مرخم «هل» حرف استفهام


ومثال ما وقع بعد النهى قول المصنف : «لا يبغ امرؤ على امرىء مستسهلا» وقول قطرىّ بن الفجاءة :

(١٨٦) ـ

لا يركنن أحد إلى الإحجام

يوم الوغى متخوّفا لحمام

__________________

«حم» فعل ماض مبنى للمجهول «عيش» نائب فاعل حم «باقيا» حال من عيش «فترى» الفاء فاء السببية ، ترى : فعل مضارع منصوب تقديرا بأن مضمرة بعد الفاء ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لنفسك» الجار والمجرور متعلق بترى وهو المفعول الثانى قدم على المفعول الأول ، ونفس مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه «العذر» مفعول أول لترى «فى إبعادها» الجار والمجرور متعلق بالعذر. وإبعاد مضاف ، وها : مضاف إليه ، وهى من إضافة المصدر إلى فاعله «الأملا» مفعول به للمصدر.

الشاهد فيه : قوله «باقيا» حيث وقع حالا من النكرة ـ وهى قوله «عيش» ـ والذى سوغ مجىء الحال منها وقوعها بعد الاستفهام الإنكارى الذى يؤدى معنى النفى.

١٨٦ ـ البيت ـ كما قال الشارح العلامة ـ لأبى نعامة قطرى بن الفجاءة ، التميمى ، الخارجى ، وقد نسبه ابن الناظم إلى الطرماح بن حكيم ، ولهذا صرح الشارح بنسبته إلى قطرى ، قصدا إلى الرد عليه ، وقطرى : بفتح القاف والطاء جميعا ، والفجاءة : بضم الفاء.

اللغة : «الإحجام» التأخر والنكول عن لقاء العدو ، والركون إليه : الميل إليه ، والاعتماد عليه «الوغى» الحرب «الحمام» بكسر الحاء ـ الموت.

المعنى : لا ينبغى لأحد أن يميل إلى الإعراض عن اقتحام الحرب ، ويركن إلى التوانى خوفا من الموت.

الإعراب : «لا» ناهية «يركنن» يركن : فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة فى محل جزم بلا الناهية «أحد» فاعل يركن «إلى الإحجام» جار ومجرور متعلق بيركن «يوم» ظرف زمان متعلق بيركن أيضا ، ويوم مضاف ، و «الوغى» مضاف إليه «متخوفا» حال من أحد «لحمام» جار ومجرور متعلق بمتخوف.

الشاهد فيه : قوله «متخوفا» حيث وقع حالا من النكرة التى هى قوله «أحد» ، والذى سوغ مجىء الحال من النكرة هنا هو وقوعها فى حيز النهى بلا ، ألا ترى أن قوله «أحد» فاعل يركن المجزوم بلا الناهية؟


واحترز بقوله : «غالبا» مما قلّ مجىء الحال فيه من النكرة بلا مسوّغ من المسوغات المذكورة ، ومنه قولهم : «مررت بماء قعدة رجل (١)» ، وقولهم : «عليه مائة بيضا» (٢) ، وأجاز سيبويه «فيها رجل قائما» ، وفى الحديث : «صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعدا ، وصلى وراءه رجال قياما» (٣).

* * *

وسبق حال ما بحرف جرّ قد

أبوا ، ولا أمنعه ؛ فقد ورد (٤)

__________________

(١) قعدة رجل ـ بكسر القاف وسكون العين المهملة ـ أى مقدار قعدته.

(٢) بيضا ـ بكسر الباء الموحدة ـ جمع بيضاء ، وهو حال من مائة ، ولا يجوز أن يكون تمييزا ؛ إذ لو كان تمييزا لوجب أن يكون مفردا لا جمعا ، وأن يكون مجرورا لا منصوبا ، لأن تمييز المائة يكون كذلك.

(٣) اختلف النحاة فى مجىء الحال من النكرة إذا لم يكن للنكرة مسوغ من المسوغات التى سبق بيانها فى كلام الشارح وفى زياداتنا عليه ؛ فذهب سيبويه ـ رحمه الله إلى أن ذلك مقيس لا يوقف فيه على ما ورد به السماع ، وذهب الخليل بن أحمد ويونس ابن حبيب ـ وهما شيخا سيبويه ـ إلى أن ذلك مما لا يجوز أن يقاس عليه ، وإنما يحفظ ما ورد منه. ووجه ما ذهب إليه سيبويه أن الحال إنما يؤتى بها لتقييد العامل ؛ فلا معنى لاشتراط المسوغ فى صاحبها.

(٤) «وسبق» مفعول به مقدم على عامله ، وهو أبوا الآتى ، وسبق مضاف ، و «حال» مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله «ما» اسم موصول : مفعول به للمصدر «بحرف» جار ومجرور متعلق بقوله جر الآتى «جر» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة من جر ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول «قد» حرف تحقيق «أبوا» فعل وفاعل «ولا» الواو عاطفة ، لا : نافية «أمنعه» أمنع : فعل مضارع ، وفاعله


مذهب جمهور النحويين أنه لا يجوز تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف (١) فلا تقول فى «مررت بهند جالسة» مررت جالسة بهند.

وذهب الفارسىّ ، وابن كيسان ، وابن برهان ، إلى جواز ذلك ، وتابعهم المصنف ؛ لورود السماع بذلك ، ومنه قوله :

(١٨٧) ـ

لئن كان برد الماء هيمان صاديا

إلىّ حبيبا ، إنّها لحبيب

__________________

ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا والهاء مفعول به «فقد» الفاء للتعليل. وقد : حرف تحقيق «ورد» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى سبق حال ، وتقدير البيت : وقد أبى النحاة أن يسبق الحال صاحبه الذى جر بالحرف ، ولا أمنع ذلك ، لأنه وارد فى كلام العرب.

(١) اعلم أن صاحب الحال قد يكون محرورا بحرف جر غير زائد ، كقولك : مررت بهند جالسة ، وقد يكون مجرورا بحرف جر زائد ، كقولك : ما جاء من أحد راكبا ؛ فراكبا : حال من أحد المجرور لفظا بمن الزائدة.

ولا خلاف بين أحد من النحاة فى أن صاحب الحال إذا كان مجرورا بحرف جر زائد جاز تقديم الحال عليه وتأخيره عنه ؛ فيصح أن تقول : ما جاء من أحد راكبا ، وأن تقول : ما جاء راكبا من أحد.

والخلاف بينهم منحصر فى تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف جر أصلى.

١٨٧ ـ البيت لعروة بن حزام العذرى ، وقبله :

حلفت بربّ الرّاكعين لربّهم

خشوعا ، وفوق الرّاكعين رقيب

وبعده بيت الشاهد ، وبعده قوله :

وقلت لعرّاف اليمامة : داونى

فإنّك ـ إن أبرأتنى ـ لطبيب

اللغة : «هيمان» مأخوذ من الهيام ـ بضم الهاء ـ وهو فى الأصل : أشد العطش «صاديا» اسم فاعل فعله «صدى» من باب تعب ـ إذا عطش.

الإعراب : «لئن» اللام موطئة للقسم ، إن : شرطية «كان» فعل ماض ناقص. فعل الشرط «برد» اسم كان ، وبرد مضاف ، و «الماء» مضاف إليه «هيمان ، صاديا»


فـ «هيمان ، وصاديا» : حالان من الضمير المجرور بإلى ، وهو الياء ، وقوله :

(١٨٨) ـ

فإن تك أذواد أصبن ونسوة

فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال

فـ «فرغا» حال من قتل.

__________________

حالان من ياء المتكلم المجرورة محلا بإلى «إلى» جار ومجرور متعلق بقوله حبيبا الآتى «حبيبا» خبر كان «إنها» إن : حرف توكيد ونصب ، وها : اسمه «لحبيب» اللام لام الابتداء ، حبيب : خبر إن ، والجملة من إن واسمها وخبرها جواب القسم ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه جواب القسم.

الشاهد فيه : قوله «هيمان صاديا» حيث وقعا حالين من الياء المجرورة محلا بإلى ، وتقدما عليها كما أوضحناه فى الإعراب.

١٨٨ ـ البيت لطليحة بن خويلد الأسدى المتنبى ، وبعد البيت المستشهد به قوله :

وما ظنّكم بالقوم إذ تقتلونهم

أليسوا ـ وإن لم يسلموا ـ برجال؟

عشيّة غادرت ابن أرقم ثاويا

وعكّاشة الغنمىّ عنه بحال

اللغة : «أذواد» جمع ذود ، وهو من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر «فرغا» أى هدرا لم يطلب به «حبال» بزنة كتاب ـ وهو ابن الشاعر ، وقيل : ابن أخيه ، وكان المسلمون قد قتلوه فى حرب الردة ، فقتل به منهم عكاشة بن محصن وثابت بن أرقم ، كما ذكر هو فى البيت الثانى من البيتين اللذين أنشدناهما.

المعنى : يقول : لئن كنتم قد ذهبتم ببعض إبل أصبتموها وبجماعة من النساء سبيتموهن فلم أقابل صنيعكم هذا بمثله فى ذلك ؛ فالأمر فيه هين والخطب يسير ، والذى يعنينى أنكم لم تذهبوا بقتل حبال كما ذهبتم بالإبل والنساء ، ولكنى شفيت نفسى ونلت ثأرى منكم ، فلم يضع دمه هدرا.

الإعراب : «فإن» شرطية «تك» فعل مضارع ناقص فعل الشرط ، مجزوم بسكون النون المحذوفة للتخفيف «أذواد» اسم تك «أصبن» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونون النسوة نائب فاعل ، والجملة من أصيب ونائب فاعله فى محل نصب خبر تك «ونسوة» معطوف على أذواد «فلن» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، لن : نافية


وأما تقديم الحال على صاحبها المرفوع والمنصوب فجائز ، نحو «جاء ضاحكا زيد ، وضربت مجرّدة هندا»

* * *

ولا تجز حالا من المضاف له

إلّا إذا اقتضى المضاف عمله (١)

أو كان جزء ما له أضيفا

أو مثل جزئه ؛ فلا تحيفا (٢)

__________________

ناصبة «يذهبوا» فعل مضارع منصوب بلن ، وعلامة نصبه حذف النون ، وواو الجماعة فاعل «فرغا» حال من «قتل» الآتى «بقتل» جار ومجرور متعلق بيذهب ، وقتل مضاف ، و «حبال» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «فرغا» حيث وقع حالا من «قتل» المجرور بالباء وتقدم عليه.

(١) «ولا» ناهية «تجز» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «حالا» مفعول به لتجز «من المضاف» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقوله «حالا» وقوله «له» جار ومجرور متعلق بالمضاف «إلا» أداة استثناء «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط «اقتضى» فعل ماض «المضاف» فاعل اقتضى «عمله» عمل : مفعول به لاقتضى ، وعمل مضاف ، والهاء مضاف إليه ، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول فى محل جر بإضافة «إذا» إليها ، والجواب محذوف يدل عليه سابق الكلام.

(٢) «أو» عاطفة «كان» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المضاف له «جزء» خبر كان ، وجزء مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «له» جار ومجرور متعلق بأضيف الآتى «أضيف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة من أضيف ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول «أو» عاطفة «مثل» معطوف على جزء السابق ، ومثل مضاف ، وجزء من «جزئه» مضاف إليه ، وجزء مضاف والهاء مضاف إليه «فلا» ناهية «تحيفا» فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا لأجل الوقف فى محل جزم ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.


لا يجوز مجىء الحال من المضاف إليه (١) ، إلا إذا كان المضاف مما يصحّ عمله فى الحال : كاسم الفاعل ، والمصدر ، ونحوهما مما تضمّن معنى الفعل ؛ فتقول : هذا ضارب هند مجردة ، وأعجبنى قيام زيد مسرعا ، ومنه قوله تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) ومنه قول الشاعر :

(١٨٩) ـ

تقول ابنتى : إنّ انطلاقك واحدا

إلى الرّوع يوما تاركى لا أباليا

__________________

(١) اختلف النحاة فى مجىء الحال من المضاف إليه ؛ فذهب سيبويه ـ رحمه الله! ـ إلى أنه يجوز أن يجىء الحال من المضاف إليه مطلقا : أى سواء أتوفر له واحد من الأمور الثلاثة المذكورة أم لم يتوفر ، وذهب غيره من النحاة إلى أنه إذا توفر له واحد من الأمور الثلاثة جاز ، وإلا لم يجز ، والسر فى هذا الخلاف أنهم اختلفوا فى : هل يجب أن يكون العامل فى الحال هو نفس العامل فى صاحب الحال ، أم لا يجب ذلك؟ فذهب سيبويه إلى أنه لا يجب أن يكون العامل فى الحال هو العامل فى صاحبها ، بل يجوز أن يكون العامل فيهما واحدا وأن يكون مختلفا ، وعلى ذلك أجاز أن يجىء الحال من المضاف إليه مطلقا ، وذهب غيره إلى أنه لا بد من أن يكون العامل فى الحال هو نفس العامل فى صاحبها ، وترتب على ذلك ألا يجوزوا مجىء الحال من المضاف إليه إلا إذا توفر له واحد من الأمور الثلاثة التى ذكرها الناظم والشارح ، وذلك لأن المضاف إن كان عاملا فى المضاف إليه بسبب شبهه للفعل لكونه مصدرا أو اسم فاعل كان كذلك عاملا فى الحال فيتحد العامل فى الحال والعامل فى صاحبه الذى هو المضاف إليه ، وإن كان المضاف جزء المضاف إليه أو مثل جزئه كان المضاف والمضاف إليه جميعا كالشىء الواحد ؛ فيصير فى هاتين الحالتين كأن صاحب الحال هو نفس المضاف ؛ فالعامل فيه هو العامل فى الحال ؛ فاحفظ هذا التحقيق النفيس ، واحرص عليه.

١٨٩ ـ البيت لمالك بن الريب ، أحد بنى مازن بن مالك ، من قصيدة له ، وأولها قوله :

ألا ليت شعرى هل أبيتنّ ليلة

بجنب الغضى أزحى القلاص النّواجيا

فليت الغضى لم يقطع الرّكب عرضه

وليت الغضى ماشى الرّكاب لياليا


وكذلك يجوز مجىء الحال من المضاف إليه : إذا كان المضاف جزءا من المضاف إليه ، أو مثل جزئه فى صحة الاستغناء بالمضاف إليه عنه ؛ فمثال ما هو جزء من المضاف إليه قوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) فـ «إخوانا» : حال من الضمير المضاف إليه «صدور» ، والصدور : جزء من المضاف إليه ، ومثال ما هو مثل جزء المضاف إليه ـ فى صحة الاستغناء بالمضاف إليه عنه ـ قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ

__________________

اللغة : «الروع» الفزع ، والمخافة ، وأراد به ههنا لحرب ؛ لأن الخوف يتسبب عنها ، فهو من باب إطلاق اسم المسبب وإرادة السبب «تاركى» اسم فاعل من ترك بمعنى صير.

المعنى : إن ابنتى تقول لى : إن ذهابك إلى القتال منفردا يصيرنى لا محالة بلا أب ، لأنك تقتحم لظاها فتموت.

الإعراب : «تقول» فعل مضارع «ابنتى» ابنة : فاعل تقول ، وابنة مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «إن» حرف توكيد ونصب «انطلاقك» انطلاق : اسم إن ، وانطلاق مضاف والكاف مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله «واحدا» حال من الكاف التى هى ضمير المخاطب «إلى الحرب» جار ومجرور متعلق بانطلاق «تاركى» تارك : خبر إن ، وتارك مضاف وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى أحد مفعوليه ، وفيه ضمير مستتر فاعل «لا» نافية للجنس «أبا» اسمها «ليا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا ، والجملة من لا ومعموليها فى محل نصب مفعول ثان لتارك ، ويجوز أن يكون «أبا» اسم لا منصوبا بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، واللام فى «ليا» زائدة ، وياء المتكلم مضاف إليه ، وخبر لا محذوف ، وكأنه قال : لا أبى موجود.

الشاهد فيه : قوله «وحدا» حيث وقع حالا من المضاف إليه ـ وهو الكاف فى قوله «انطلاقك» ـ والذى سوغ هذا أن المضاف إلى الكاف مصدر يعمل عمل الفعل ؛ فهو يتطلب فاعلا كما يتطلبه فعله الذى هو انطلق. وهذه الكاف هى الفاعل ، فكان المضاف عاملا فى المضاف إليه ، ويصح أن يعمل فى الحال لأنه مصدر على ما علمت.


حَنِيفاً) فـ «حنيفا» : حال من «إبراهيم» والملة كالجزء من المضاف إليه ؛ إذ يصح الاستغناء بالمضاف إليه عنها ؛ فلو قيل فى غير القرآن : «أن اتّبع إبراهيم حنيفا» لصحّ.

فإن لم يكن المضاف مما يصح أن يعمل فى الحال ، ولا هو جزء من المضاف إليه ، ولا مثل جزئه ـ لم يجز أن يجىء الحال منه ؛ فلا تقول : «جاء غلام هند ضاحكة» خلافا للفارسىّ ، وقول ابن المصنف رحمه الله تعالى : «إن هذه الصورة ممنوعة بلا خلاف» ليس بجيد ، فإن مذهب الفارسى جوازها ، كما تقدم ، وممن نقله عنه الشريف أبو السعادات ابن الشّجرىّ فى أماليه.

* * *

والحال إن ينصب بفعل صرّفا

أو صفة أشبهت المصرّفا (١)

فجائز تقديمه : كـ «مسرعا

ذا راحل ، ومخلصا زيد دعا (٢)

__________________

(١) «الحال» مبتدأ «إن» شرطية «ينصب» فعل مضارع مبنى للمجهول فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحال «بفعل» جار ومجرور متعلق بينصب «صرفا» صرف : فعل ماض مبنى للمجهول ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى فعل نائب فاعل ، والجملة من صرف ونائب فاعله فى محل جر نعت لفعل «أو» عاطفة «صفة» معطوف على فعل «أشبهت» أشبه : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى صفة «المصرفا» مفعول به لأشبه ، والجملة من أشبهت وفاعله ومفعوله فى محل جر صفة لقوله «صفة».

(٢) «فجائز» الفاء لربط الجواب بالشرط ، جائز : خبر مقدم «تقديمه» تقديم. مبتدأ مؤخر ، وتقديم مضاف والهاء مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله ، والجملة


يجوز تقديم الحال على ناصبها إن كان فعلا متصرفا ، أو صفة تشبه الفعل المتصرف ، والمراد بها : ما تضمّن معنى الفعل وحروفه ، وقبل التأنيث ، والتثنية والجمع : كاسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة (١) ؛ فمثال تقديمها على الفعل المتصرف «مخلصا زيد دعا» [فدعا : فعل متصرف ، وتقدمت عليه الحال] ، ومثال تقديمها على الصفة المشبهة له : «مسرعا ذا راحل».

فإن كان الناصب لها فعلا غير متصرف لم يجز تقديمها عليه ، فتقول : «ما أحسن زيدا ضاحكا» ولا تقول : «ضاحكا ما أحسن زيدا» ؛ لأن فعل التعجب غير متصرّف فى نفسه ؛ فلا يتصرّف فى معموله ، وكذلك إن كان

__________________

فى محل جزم جواب الشرط ، وجملة الشرط وجوابه فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو «الحال» فى أول البيت السابق «كمسرعا» الكاف جارة لقول محذوف ، مسرعا : حال مقدم على عامله وهو «راحل» الآتى «ذا» مبتدأ «راحل» خبر المبتدأ ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو فاعل ، وهو صاحب الحال «ومخلصا» حال مقدم على عامله ، وهو «دعا» الآتى «زيد» مبتدأ ، وجملة «دعا» وفاعله المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى زيد فى محل رفع خبر.

(١) أطلق الشارح كالناظم القول إطلاقا فى أنه يجوز تقديم الحال على عاملها إذا كان هذا العامل فعلا متصرفا أو صفة تشبه الفعل المتصرف ، وليس هذا الإطلاق بسديد بل قد يعرض أمر يوجب تأخير الحال على عاملها ولو كان فعلا متصرفا أو صفة تشبه الفعل المتصرف ، وذلك فى أربعة مواضع :

الأول : أن يكون العامل مقترنا بلام الابتداء ، كقولك : إنى لأزورك مبتهجا.

الثانى : أن يقترن العامل بلام القسم ، كقولك : لأصومن معتكفا ، وقولهم : لأصبرن محتسبا.

الثالث : أن يكون العامل صلة لحرف مصدرى ، كقولك : إن لك أن تسافر راجلا ، وإن عليك أن تنصح مخلصا.

الرابع : أن يكون العامل صلة لأل الموصولة ، كقولك : أنت المصلى فذا ، وعلى المذاكر متفهما.


الناصب لها صفة لا تشبه الفعل المتصرف كأفعل التفضيل لم يجز تقديمها عليه ، وذلك لأنه لا يثنّى ، ولا يجمع ، ولا يؤنث ، فلم يتصرف فى نفسه ؛ فلا يتصرف فى معموله ، فلا تقول : «زيد ضاحكا أحسن من عمرو» ؛ بل يجب تأخير الحال ؛ فتقول : «زيد أحسن من عمرو ضاحكا» (١).

* * *

وعامل ضمّن معنى الفعل لا

حروفه مؤخّرا لن يعملا (٢)

ك «تلك ، ليت ، وكأنّ» وندر

نحو «سعيد مستقرّا فى هجر» (٣)

لا يجوز تقديم الحال على عاملها المعنوىّ ؛ وهو : ما تضمن معنى الفعل دون حروفه : كأسماء الإشارة ، وحروف التمنى ، والتشبيه ، والظرف ، والجار

__________________

(١) سيأتى للمصنف فى هذا الباب والشارح الاستثناء من عدم عمل أفعل التفضيل فى حال متقدمة ، وذلك المستثنى نحو قوله «زيد مفردا أنفع من عمرو معانا» وسيذكر هناك (ص ٦٥٠) ضابط هذا المثال.

(٢) «وعامل» مبتدأ «ضمن» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة من ضمن ونائب فاعله فى محل رفع صفة لعامل «معنى» مفعول ثان لضمن ، ومعنى مضاف ، و «الفعل» مضاف إليه «لا» عاطفة «حروفه» حروف : معطوف على «معنى الفعل» وحروف مضاف وضمير الغائب مضاف إليه «مؤخرا» حال من الضمير المستتر فى «يعمل» الآتى «لن» نافية ناصبة «يعملا» يعمل : فعل مضارع منصوب بلن ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عامل الواقع مبتدأ ، والألف للاطلاق ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٣) «كتلك» الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كتلك «ليت ، وكأن» معطوفان على تلك «وندر» فعل ماض «نحو» فاعل ندر «سعيد» مبتدأ «مستقرا» حال من الضمير المستكن فى الجار والمجرور الآتى «فى هجر» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ.


والمجرور (١) نحو «تلك هند مجردة ، وليت زيدا أميرا أخوك ، وكأنّ زيدا راكبا أسد ، وزيد فى الدار ـ أو عندك ـ قائما» ؛ فلا يجوز تقديم الحال على عاملها المعنوىّ فى هذه المثل ونحوها ؛ فلا تقول «مجردة تلك هند» ولا «أميرا ليت زيدا أخوك» ولا «راكبا كأنّ زيدا أسد».

وقد ندر تقديمها على عاملها الظرف [نحو زيد قائما عندك] والجارّ والمجرور

__________________

(١) اعلم أن ههنا أمرين لا بد من بيانهما حتى تكون على ثبت من الأمر :

الأول : أن العامل المعنوى قد يطلق ويراد به ما يقابل اللفظى ، وهو شيئان : الابتداء العامل فى المبتدأ ، والتجرد من الناصب والجازم العامل فى الفعل المضارع ، وليس هذا المعنى مرادا فى هذا الموضع ؛ لأن العامل المعنوى بهذا المعنى لا يعمل غير الرفع ، فالابتداء يعمل فى المبتدأ الرفع ، والتجرد يعمل فى الفعل المضارع الرفع أيضا ، وحينئذ فالمراد بالعامل المعنوى ههنا : اللفظ الذى يعمل بسبب ما يتضمنه من معنى الفعل أفلا ترى أن «تلك» وغيرها من ألفاظ الإشارة إنما عملت فى الحال لأنها متضمنة معنى أشير؟ وهكذا.

الثانى : العوامل المعنوية بالمعنى المراد هنا كثيرة ، وقد ذكر الشارح منها خمسة ، وهى : أسماء الإشارة ، وحروف التمنى ، وأدوات التشبيه ، والظروف ، والجار والمجرور ، وقد بقى خمسة أخرى ، أولها : حرف الترجى كلعل ، نحو قولك : لعل زيدا أميرا قادم ، وثانيها : حروف التنبيه مثل «ها» فى قولك : ها أنت زيد راكبا ؛ فراكبا : حال من زيد ، والعامل فى الحال هو «ها» ، وثالثها : أدوات الاستفهام الذى يقصد به التعجب كقول الأعشى : *يا جارتا ما أنت جاره* ، عند من جعل «جاره» الأخرى حالا لا تمييزا ، رابعها : أدوات النداء نحو «يا» فى قولك : يأيها الرجل قائما ، وخامسها : «أما» نحو قولهم : أما علما فعالم ، عند من جعل تقدير الكلام : مهما يذكر أحد فى حال علم فالمذكور عالم ، فعلما ـ على هذا التقدير ـ حال من المرفوع بفعل الشرط الذى نابت عنه أما.


نحو «سعيد مستقرا فى هجر» ومنه قوله تعالى : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(١) فى قراءة من كسر التاء ، وأجازه الأخفش قياسا.

* * *

ونحو «زيد مفردا أنفع من

عمرو معانا» مستجاز لن يهن (٢)

تقدّم أن أفعل التفضيل لا يعمل فى الحال متقدمة ، واستثنى من ذلك هذه المسألة ، وهى : ما إذا فضّل شىء فى حال على نفسه أو غيره فى حال أخرى ، فإنه يعمل فى حالين إحداهما متقدمة عليه ، والأخرى متأخرة عنه ، وذلك نحو : «زيد قائما أحسن منه قاعدا» و «زيد مفردا أنفع من عمرو معانا» فـ «قائما ، ومفردا» منصوبان بأحسن وأنفع ، وهما حالان ، وكذا «قاعدا ، ومعانا» وهذا مذهب الجمهور.

__________________

(١) القراءة المشهورة برفع السموات على الابتداء ورفع «مطويات» على أنه خبر المبتدأ ، والجار والمجرور ـ وهو «بيمينه» ـ متعلق بمطويات ، والقراءة التى يستدل بها الشارح برفع السموات على أنه مبتدأ ، ونصب مطويات بالكسرة نيابة عن الفتحة على أنه حال صاحبه الضمير المستكن فى الجار والمجرور ، والجار والمجرور ـ وهو قوله (بيمينه) ـ متعلق بمحذوف خبر المبتدأ.

(٢) «ونحو» مبتدأ «زيد» مبتدأ «مفردا» حال من الضمير المستتر فى «أنفع» الآتى «أنفع» خبر المبتدأ الذى هو زيد «من عمرو» جار ومجرور متعلق بأنفع «معانا» حال من عمرو ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل جر بإضافة نحو إليها «مستجاز» خبر المبتدأ الذى هو «نحو» فى أول البيت «لن» نافية ناصبة «يهن» بمعنى يضعف : فعل مضارع منصوب بلن ، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة ، وسكن لأجل الوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى «نحو» وجملة يهن وفاعله فى محل رفع خبر ثان ، أو صفحة للخبر السابق.


وزعم السيرافىّ أنهما خبران منصوبان بكان المحذوفة ، والتقدير : «زيد إذا كان قائما أحسن منه إذا كان قاعدا ، وزيد إذا كان مفردا أنفع من عمرو إذا كان معانا».

ولا يجوز تقديم هذين الحالين على أفعل التفضيل ، ولا تأخير هما عنه ؛ فلا تقول «زيد قائما قاعدا أحسن منه» ولا [تقول] «زيد أحسن منه قائما قاعدا».

* * *

والحال قد يجىء ذا تعدّد

لمفرد ـ فاعلم ـ وغير مفرد (١)

يجوز تعدد الحال وصاحبها مفرد (٢) ، أو متعدد.

فمثال الأول «جاء زيد راكبا ضاحكا» فـ «راكبا ، وضاحكا» : حالان من «زيد» والعامل فيهما «جاء».

ومثال الثانى «لقيت هندا مصعدا منحدرة» فـ «مصعدا» : حال من التاء ، و «منحدرة» : حال من «هند» والعامل فيهما «لقيت» ومنه قوله :

(١٩٠) ـ

لقى ابنى أخويه خائفا

منجديه ؛ فأصابوا مغنما

__________________

(١) «الحال» مبتدأ ، وجملة «يجىء» وفاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر «ذا» حال من الضمير المستتر فى يجىء ، وذا مضاف و «تعدد» مضاف إليه «لمفرد» جار ومجرور متعلق يتعدد أو بمحذوف نعت لتعدد «فاعلم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة لا محل لها اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه ، «وغير» الواو عاطفة ، غير : معطوف على مفرد ، وغير مضاف ، و «مفرد» مضاف إليه.

(٢) ترك الشارح بيان المواضع التى يجب فيها تعدد الحال ، ولوجوب ذلك موضعان ؛ أولهما أن يقع بعد «إما» نحو قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) وثانيهما : أن يقع بعد «لا» النافية كقولك : رأيت بكرا لا مستبشرا ولا جذلان.

١٩٠ ـ البيت من الشواهد التى لا يعلم قائلها


فـ «خائفا» حال من «ابنى» ، و «منجديه» حال من «أخويه» والعامل فيهما «لقى».

فعند ظهور المعنى تردّ كلّ حال إلى ما تليق به ، وعند عدم ظهوره يجعل أول الحالين لثانى الاسمين ، وثانيهما لأول الاسمين ؛ ففى قولك : «لقيت زيدا مصعدا منحدرا» يكون «مصعدا» حالا من زيد ، و «منحدرا» حالا من التاء.

* * *

وعامل الحال بها قد أكّدا

فى نحو : «لا تعث فى الأرض مفسدا» (١)

__________________

اللغة : «منجديه» مغيثيه ، وهو مثنى منجد ، ومنجد : اسم فاعل ماضيه أنجد ، وتقول : أنجد فلان فلانا ، إذا أغاثه وعاونه ودفع عنه المكروه «أصابوا» نالوا وأدركوا «مغنما» غنيمة.

الإعراب : «لقى» فعل ماض «ابنى» ابن : فاعل لقى ، وابن مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «أخويه» مفعول به للقى ، والهاء مضاف إليه «خائفا» حال من ابنى «منجديه» حال من أخويه «فأصابوا» الفاء عاطفة ، أصابوا : فعل وفاعل «مغنما» مفعول به لأصابوا ، والجملة من أصاب وفاعله ومفعوله معطوفة بالفاء على جملة لقى ومعمولاته.

الشاهد فيه : قوله «خائفا منجديه» فإن الحال متعددة لمتعدد ، والنظرة الأولى تدل على صاحب كل حال قترده إليه ؛ فإن واحدا من الحالين مفرد والآخر مثنى ، وكذلك صاحباهما ، فلا لبس عليك فى أن تجعل المفرد للمفرد والمثنى للمثنى.

(١) «وعامل» مبتدأ ، وعامل مضاف ، و «الحال» مضاف إليه «بها» جار ومجرور متعلق بأكد الآتى «قد» حرف تحقيق «أكذا» أكد : فعل ماض مبنى للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عامل الحال ، والألف للاطلاق. والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «فى نحو» جار ومجرور متعلق بأكد «لا» ناهية «تعث» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، والفاعل ضمير مستتر فيه


تنقسم الحال إلى مؤكدة ، وغير مؤكدة ؛ فالمؤكدة على قسمين ، وغير المؤكدة ما سوى القسمين.

فالقسم الأول من المؤكدة : ما أكّدت عاملها ، وهى المراد بهذا البيت ، وهى : كلّ وصف دلّ على معنى عامله ، وخالفه لفظا ، وهو الأكثر ، أو وافقه لفظا ، وهو دون الأول فى الكثرة ؛ فمثال الأول «لا تعث فى الأرض مفسدا» ومنه قوله تعالى : (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) وقوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ومن الثانى قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) وقوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ)

* * *

وإن تؤكّد جملة فمضمر

عاملها ، ولفظها يؤخّر (١)

هذا هو القسم الثانى من الحال المؤكدة ، وهى : ما أكّدت مضمون الجملة ،

__________________

وجوبا تقديره أنت «فى الأرض» جار ومجرور متعلق بتعث «مفسدا» حال من الضمير المستتر فى «تعث» وهو حال مؤكدة للعامل وهو «تعث» وجملة «تعث فى الأرض مفسدا» فى محل جر بإضافة نحو إليها.

(١) «وإن» شرطية «تؤكد» فعل مضارع ، فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى الحال «جملة» مفعول به لتؤكد «فمضمر» الفاء لربط الجواب بالشرط ، مضمر : خبر مقدم «عاملها» عامل : مبتدأ مؤخر ، وعامل مضاف وها : مضاف إليه ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط «ولفظها» الواو عاطفة ، لفظ : مبتدأ ، ولفظ مضاف وها : مضاف إليه ، وجملة «يؤخر» من الفعل المضارع المبنى للمجهول ونائب الفاعل المستتر فيه فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جزم معطوفة بالواو على جملة جواب الشرط.


وشرط الجملة : أن تكون اسمية ، وجزآها معرفتان ، جامدان ، نحو : «زيد أخوك عطوفا ، وأنا زيد معروفا» ومنه قوله :

(١٩١) ـ

أنا ابن دارة معروفا بها نسبى

وهل بدارة يا للنّاس من عار؟

فـ «معطوفا ، ومعروفا» حالان ، وهما منصوبان بفعل محذوف وجوبا ، والتقدير فى الأول «أحقّه عطوفا» وفى الثانى «أحقّ معروفا».

ولا يجوز تقديم هذه الحال على هذه الجملة ؛ فلا تقول «عطوفا زيد أخوك» ولا «معروفا أنا زيد» ولا توسّطها بين المبتدأ والخبر ؛ فلا تقول «زيد عطوفا أخوك».

* * *

__________________

١٩١ ـ البيت لسالم بن دارة ، من قصيدة طويلة يهجو فيها فزارة ؛ وقد أوردها التبريزى فى شرحه على الحماسة ، وذكر لهذه القصيدة قصة ، فارجع إليها هناك ،

اللغة : «دارة» الأكثرون على أنه اسم أمه ، وقال أبو رياش : هو لقب جده ، واسمه يربوع ، ويجاب ـ هلى هذا القول ـ عن تأنيث الضمير الراجع إلى دارة فى قوله «معروفا بها نسبى» بأنه عنى به القبيلة.

المعنى : أنا ابن هذه المرأة ، ونسبى معروف بها ، وليس فيها من المعرة ما بوجب القدح فى النسب ، أو الطعن فى الشرف.

الإعراب : «أنا» ضمير منفصل مبتدأ «ابن» خبر المبتدأ ، وابن مضاف ، و «دارة» مضاف إليه «معروفا» حال «بها» جار ومجرور متعلق بمعروف «نسبى» نائب فاعل لمعروف لأنه اسم مفعول «وهل» حرف دال على الاستفهام الإنكارى «بدارة» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «من» زائدة «عار» مبتدأ مؤخر ، مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، وقوله «يا للناس» اعتراض بين المبتدأ والخبر ، وياء : للنداء ، واللام للاستغاثة.

الشاهد فيه : قوله «معروفا» فإنه حال أكدت مضمون الجملة التى قبلها.


وموضع الحال تجىء جمله

ك «جاء زيد وهو ناو رحله» (١)

الأصل فى الحال والخبر والصفة الإفراد ، وتقع الجملة موقع الحال ، كما تقع موقع الخبر والصفة ، ولا بدّ فيها من رابط ، وهو فى الحالية : إما ضمير ، نحو «جاء زيد يده على رأسه» أو واو ـ وتسمى واو الحال ، وواو الابتداء ، وعلامتها صحة وقوع «إذ» موقعها ـ نحو «جاء زيد وعمرو قائم» التقدير : إذ عمرو قائم ، أو الضمير والواو معا ، نحو «جاء زيد وهو ناو رحلة».

* * *

__________________

(١) «موضع» ظرف مكان متعلق بتجىء ، وموضع مضاف و «الحال» مضاف إليه «تجىء» فعل مضارع «جملة» فاعل تجىء «كجاء زيد» الكاف جارة لقول محذوف ، كما سبق مرارا ، وما بعدها فعل وفاعل «وهو» الواو واو الحال ، وهو : ضمير منفصل مبتدأ «ناو» خبر المبتدأ ، وفيه ضمير مستتر فاعل «رحله» مفعول به لناو ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل نصب حال.

(٢) يشترط فى الجملة التى تقع حالا أربعة شروط ، وقد ذكر الشارح تبعا للناظم من هذه الشروط واحدا ، وهو : أن تكون الجملة مشتملة على رابط يربطها بالحال ـ إما الواو ، وإما الضمير ، وإما هما معا ـ والشرط الثانى. أن تكون الجملة خبرية ؛ فلا يجوز أن تكون الحال جملة إنشائية ، والشرط الثالث : ألا تكون جملة الحال تعجبية ، والشرط الرابع : ألا تكون مصدرة بعلم استقبال ، وذلك نحو «سوف» و «لن» وأدوات الشرط ؛ فلا يصح أن تقول : جاء محمد إن يسأل يعط ، فإن أردت تصحيح ذلك فقل : جاء زيد وهو إن يسأل يعط ؛ فتكون الحال جملة اسمية خبرية.

ومن هذا الكلام ـ مع ما سبق فى مبحث مجىء خبر المبتدأ جملة ـ تعرف أن الخبر والحال جميعا اشتركا فى ضرورة وجود رابط يربط كلا منهما بصاحبه ، واختلفا فى الشروط الثلاثة الباقية ؛ فجملة الخبر تقع إنشائية وتعجبية على الاصح عند النحاة ، وتصدر بعلم الاستقبال ، وقد رأيت أن تصحيح المثال يكون بجعل جملة الشرط وجوابه خبرا ، فتنبه لذلك كله ، والله يوفقك ويرشدك.


وذات بدء بمضارع ثبت

حوت ضميرا ، ومن الواو خلت (١)

وذات واو بعدها انو مبتدا

له المضارع اجعلنّ مسندا (٢)

الجملة الواقعة حالا : إن صدّرت بمضارع مثبت لم يجز أن تقترن بالواو ، بل لا تربط إلا بالضمير ، نحو «جاء زيد يضحك ، وجاء عمرو تقاد الجنائب بين يديه» ولا يجوز دخول الواو ؛ فلا تقول «جاء زيد ويضحك» فإن جاء من لسان العرب ما ظاهره ذلك أوّل على إضمار مبتدأ بعد الواو ؛ ويكون المضارع خبرا عن [ذلك] المبتدأ ؛ وذلك نحو قولهم «قمت وأصكّ عينه» وقوله :

(١٩٢) ـ

فلمّا خشيت أظافيرهم

نجوت وأرهنهم مالكا

__________________

(١) «وذات» مبتدأ ، وذات مضاف ، و «بدء» مضاف إليه «بمضارع» جار ومجرور متعلق ببدء «ثبت» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضارع ، والجملة فى محل جر صفة لمضارع «حوت» حوى : فعل ماض ، والتاء للتأنيث وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى ذات بدء ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «ضميرا» مفعول به لحوت «ومن الواو» الواو عاطفة ، وما بعدها جار ومجرور متعلق بخلت «خلت» خلا : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى ذات بدء بمضارع ، والجملة معطوفة على جملة الخبر.

(٢) «وذات» مبتدأ ، وذات مضاف و «واو» مضاف إليه «بعدها» بعد : ظرف متعلق بانو الآتى ، وبعد مضاف ، وها : مضاف إليه «انو» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مبتدا» مفعول به لانو «له» جار ومجرور متعلق باجعل الآتى «المضارع» مفعول أول لا جعل تقدم عليه ، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة «اجعلن» اجعل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والنون نون التوكيد الثقيلة «مسندا» مفعول ثان لا جعل.

١٩٢ ـ البيت لعبد الله بن همام السلولى.


فـ «أصكّ ، وأرهنهم» خبران لمبتدأ محذوف ؛ والتقدير : وأنا أصكّ ، وأنا أرهنهم.

* * *

وجملة الحال سوى ما قدّما

بواو ، أو بمضمر ، أو بهما (١)

__________________

اللغة : «أظافيرهم» جمع أظفور ـ بزنة عصفور ـ والمراد هنا منه الأسلحة «نجوت» أراد تخلصت منهم.

الإعراب. «فلما» الفاء للعطف على ما قبله ، لما : ظرف بمعنى حين متعلق بنجوت الآتى ، وهو متضمن معنى الشرط «خشيت» فعل وفاعل «أظافيرهم» أظافير : مفعول به لخشيت ، وأظافير مضاف وهم : مضاف إليه ، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله فى محل جر بإضافة «لما» الظرفية إليها «نجوت» فعل وفاعل ، والجملة جواب «لما» الظرفية بما تضمنته من معنى الشرط «وأرهنهم» الواو واو الحال ، أرهن : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، هم : مفعول أول لأرهن ، والجملة فى محل رفع خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وأنا أرهنهم ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل نصب حال «مالكا» مفعول ثان لأرهن.

الشاهد فيه : قوله «وأرهنهم» حيث إن ظاهره ينبىء عن أن المضارع المثبت تقع جملته حالا ، وتسبق بالواو ، وذلك الظاهر غير صحيح ؛ ولهذا قدرت جملة المضارع خبرا لمبتدأ محذوف كما فصلناه فى الإعراب.

(١) «وجملة» مبتدأ ، وجملة مضاف ، و «الحال» مضاف إليه «سوى» منصوب على الاستثناء أو على الظرفية ، وسوى مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «قدما» قدم : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والألف للاطلاق ، والجملة من قدم ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول «بواو» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ وهو قوله «جملة الحال» فى أول البيت ، وقوله «أو بمضمر ، أو بهما» معطوفان على قوله بواو.


الجملة الحالية : إما أن تكون اسمية ، أو فعلية ، والفعل [إما] مضارع ، أو ماض ، وكل واحدة من الاسمية والفعلية : إما مثبتة ، أو منفيّة ، وقد تقدم أنه إذا صدّرت الجملة بمضارع مثبت لا تصحبها الواو ، بل لا تربط إلا بالضمير فقط (١) ، وذكر فى هذا البيت أنّ ما عدا ذلك يجوز فيه أن يربط بالواو

__________________

(١) قد ذكر الشارح أن الجملة الحالية إذا كانت فعلية فعلها مضارع مثبت وجب أن تخلو هذه الجملة من الواو ، وأن يكون رابطها الضمير ، وقد بقى عليه بعض شروط يجب تحققها فى هذه الجملة : منها ألا يتقدم بعض معمولات المضارع عليه ؛ فلو تقدم معموله عليه اقترنت الجملة بالواو ، ولهذا جوز القاضى البيضاوى فى قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أن تكون جملة(وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) حالا من الضمير المستتر وجوبا فى (نعبد) ومن الشروط أيضا : ألا تكون جملة المضارع المذكور مقترنة بقد ، فإن اقترنت بها وجب أن تقترن بالواو ، نحو قوله تعالى (لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) فجملة ما يشترط لخلو هذه الجملة من الواو أربعة شروط : أن تكون مضارعية ، وأن تكون مثبتة ، وأن يتقدم المضارع على كل ما يذكر معه من معمولاته ، وألا يقترن بقد.

وقد ذكر الشارح بعد قليل أن الجملة المضارعية المنفية بلا تمتنع معها الواو ، كما فى قوله تعالى : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) وبقى بعد ذلك خمس جمل يجب ألا تقترن بالواو ، فيصبر مجموع ما لا يجوز اقترانه بالواو من الحال الواقعة جملة سبعا ذكرنا لك اثنتين منها ،

(والثالثة) أن تكون مضارعية منفية بما ، كقول الشاعر :

عهدتك ما تصبو ، وفيك شبيبة

فما لك بعد الشّيب صبّا متيّما؟

(الرابعة) الجملة المعطوفة على حال قبلها ، نحو قوله تعالى : (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) فجملة «هم قائلون» معطوفة على «بياتا».

(الخامسة) الجملة المؤكدة لمضمون جملة قبلها ، نحو قولك : هو الحق لا شك فيه ، وقوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) فجملة «لا ريب فيه» حال مؤكدة لمضمون جملة «ذلك الكتاب» فى بعض أعاريب يحتملها هذا الكلام.


وحدها ، أو بالضمير وحده ، أو بهما ؛ فيدخل فى ذلك الجملة الاسميّة : مثبتة ، أو منفيّة ، والمضارع المنفىّ ، والماضى : المثبت ، والمنفىّ.

فتقول : «جاء زيد وعمرو قائم ، وجاء زيد يده على رأسه ، وجاء زيد ويده على رأسه» وكذلك المنفىّ ، وتقول : «جاء زيد لم يضحك ، أو ولم يصحك ، أو ولم يقم عمرو ، وجاء زيد وقد قام عمرو ، وجاء زيد قد قام أبوه ، وجاء زيد وقد قام أبوه» وكذلك المنفىّ ، نحو «جاء زيد وما قام عمرو ، وجاء زيد ما قام أبوه ، أو وما قام أبوه».

ويدخل تحت هذا أيضا المضارع المنفىّ بلا ؛ فعلى هذا تقول : «جاء زيد ولا يضرب عمرا» بالواو.

وقد ذكر المصنف فى غير هذا الكتاب أنه لا يجوز اقترانه بالواو كالمضارع المثبت ، وأن ما ورد مما ظاهره ذلك يؤوّل على إضمار مبتدأ ، كقراءة

__________________

(السادسة) الجملة التى تقع بعد «إلا» سواء أكانت الجملة اسمية نحو قولك : ما صاحبت أحدا إلا زيد خير منه ، أم كانت فعلية فعلها ماض نحو قولك : ما أرى رأيا إلا رأيت صوابا ، ونحو قوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وقد ورد فى الشعر اقتران الفعلية التى فعلها ماض والواقعة بعد «إلا» بالواو كما فى قوله.

نعم امرأ هرم لم تعر نائبة

إلا وكان لمرتاع لها وزرا

فقيل : هو شاذ والقياس أن تخلو من الواو ، وقيل : هو قليل لا شاذ.

(السابعة) الجملة الفعلية التى فعلها ماض مسبوق بأو العاطفة ، نحو قولك : لأضربنه حضر أو غاب ، وقول الشاعر :

كن للخليل نصيرا جار أو عدلا

ولا تشحّ عليه جاد أو بخلا


ابن ذكوان : (فاستقيما ولا تتّبعان) بتخفيف النون ، والتقدير : وأنتما لا تتّبعان ؛ فـ «لا تتبعان» خبر لمبتدأ محذوف.

* * *

والحال قد يحذف ما فيها عمل

وبعض ما يحذف ذكره حظل (١)

يحذف عامل الحال : جوازا ، أو وجوبا.

فمثال ما حذف جوازا أن يقال : «كيف جئت» فتقول : «راكبا» ، [تقديره «جئت راكبا»] ، وكقولك : «بلى مسرعا» لمن قال لك : «لم تسر» والتقدير : «بلى سرت مسرعا» ، ومنه قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ؟ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) التقدير ـ والله أعلم ـ : بلى نجمعها قادرين.

ومثال ما حذف وجوبا قولك : «زيد أخوك عطوفا» ونحوه من الحال المؤكدة لمضمون الجملة ، وقد تقدم ذلك ، وكالحال النائبة مناب الخبر ،

__________________

(١) «والحال» مبتدأ «قد» حرف تحقيق «يحذف» فعل مضارع مبنى للمجهول «ما» اسم موصول نائب فاعل ليحذف ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ «فيها» جار ومجرور متعلق بعمل الآتى «عمل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «وبعض» مبتدأ أول ، وبعض مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «يحذف» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «ذكره» ذكر : مبتدأ ثان ، وذكر مضاف والهاء مضاف إليه «حظل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا ، والجملة من حظل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول.


نحو «ضربى زيدا قائما» التقدير : إذا كان قائما ، وقد سبق تقرير ذلك فى باب المبتدأ والخبر (١).

ومما حذف فيه عامل الحال وجوبا قولهم : «اشتريته بدرهم فصاعدا ، وتصدقت بدينار فسافلا» فـ «صاعدا ، وسافلا» : حالان ، عاملهما محذوف

__________________

(١) هنا أمران نحب أن ننبهك إليهما :

الأول : أن عامل الحال على ثلاثة أنواع : نوع يجب ذكره ولا يجوز حذفه ، ونوع يجب حذفه ولا يجوز ذكره ، ونوع يجوز لك ذكره ويجوز لك حذفه.

فأما النوع الذى يجب ذكره ولا يجوز حذفه فهو العامل المعنوى كالظرف واسم الإشارة ؛ فلا يحذف شىء من هذه العوامل ، سواء أعلمت أم لم تعلم ؛ لأن العامل المعنوى ضعيف ؛ فلا يقوى على أن يعمل وهو محذوف.

وأما النوع الذى يجب حذفه فقد بين الشارح ثلاثة مواضع من مواضعه ـ وهى الحال المؤكدة لمضمون جملة ، والحال النائبة مناب الخبر ، والحال الدالة على زيادة أو نقص بتدريج ـ وبقى موضعان آخران ، أولهما : أن ينوب عنه الحال كقولك لمن شرب : هنيئا ، ومن ذلك قول كثير :

هنيئا مريئا غير داء مخامر

لعزّة من أعراضنا ما استحلّت

وثانيهما : أن تدل الحال على توبيخ ، كقولك : أقاعدا وقد جد الناس؟.

وأما النوع الذى يجوز ذكره وحذفه فهو ما عدا هذين النوعين.

الأمر الثانى : أن الأصل فى الحال نفسه ـ بسبب كونه فضلة ـ أنه يجوز حذفه ، وقد يجب ذكره ، وذلك فى خمسة مواضع ؛ أولها : أن يكون الحال مقصورا عليه ، نحو قولك : ما سافرت إلا راكبا ، وما ضربت عليا إلا مذنبا ، وثانيها : أن يكون الحال نائبا عن عامله كقولك : هنيئا مريئا تريد كل ذلك هنيئا مريئا ، وثالثها : أن تتوقف عليه صحة الكلام كقوله سبحانه وتعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) أو يتوقف عليه مراد المتكلم ، نحو قوله تعالى : (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) ورابعها : أن يكون الحال جوابا ، كقولك : بلى مسرعا ، جوابا لمن قال لك : لم تسر ، وخامسها : أن يكون الحال نائبا عن الخبر ، نحو قولك : ضربى زيدا مسيئا.


وجوبا ، والتقدير : «فذهب الثمن صاعدا ، وذهب المتصدّق به سافلا» وهذا معنى قوله : «وبعض ما يحذف ذكره حظل» أى بعض ما يحذف من عامل الحال منع ذكره (١).

* * *

__________________

(١) قد بقى الكلام على صاحب الحال من ناحية الذكر والحذف ـ بعد أن أتينا على ما بتعلق بالحال ، وبالفامل فيها من هذه الناحية ـ فنقول :

الأصل فى صاحب الحال أن يكون مذكورا ، وقد يحذف جوازا ، وقد يحذف وجوبا بحيث لا يجوز ذكره.

فيحذف جوازا إذا حذف عامله ، نحو قولك : راشدا ، أى تسافر راشدا. ويجوز أن تقول تسافر راشدا.

ويحذف وجوبا مع الحال التى تفهم ازديادا أو نقصا بتدريج ، نحو قولهم : اشتريت بدينار فصاعدا ، أى : فذهب الثمن صاعدا ؛ فقى هذا حذف صاحب الحال وعامله.


التّمييز

اسم ، بمعنى «من» مبين ، نكره ،

ينصب تمييزا بما قد فسّره (١)

كشبر ارضا ، وقفيز برّا ،

ومنوين عسلا وتمرا (٢)

تقدم من الفضلات : المفعول به ، والمفعول المطلق ، والمفعول له ، والمفعول فيه ، والمفعول معه ، والمستثنى ، والحال ، وبقى التمييز ـ وهو المذكور فى هذا الباب ـ ويسمى مفسّرا ، وتفسيرا ، ومبيّنا ، وتبيينا ، ومميّزا ، وتمييزا.

وهو : كل اسم ، نكرة ، متضمن معنى «من» ؛ لبيان ما قبله من إجمال ، نحو «طاب زيد نفسا ، وعندى شبر أرضا».

واحترز بقوله : «متضمن معنى من» من الحال ؛ فإنها متضمنة معنى «فى».

وقوله : «لبيان ما قبله» احتراز مما تضمن معنى «من» وليس فيه بيان لما قبله : كاسم «لا» التى لنفى الجنس ، نحو «لا رجل قائم» فإنّ التقدير : «لا من رجل قائم».

__________________

(١) «اسم» خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : هو اسم «بمعنى» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لاسم ، ومعنى مضاف و «من» قصد لفظه : مضاف إليه «مبين» نعت آخر لاسم «نكرة» نعت ثالث لاسم «ينصب» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب «تمييزا» حال من نائب الفاعل المستتر فى قوله ينصب «بما» جار ومجرور متعلق بينصب ، و «قد فسره» فسر : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، وضمير الغائب مفعوله ، والجملة لا محل لها صلة ما المجرورة محلا بالباء.

(٢) «كشبر» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ما الموصولة «أرضا» تمييز لشبر «وقفيز» معطوف على شبر «برا» تمييز لقفيز «ومنوين عسلا» مثله «وبرا» معطوف على قوله عسلا.


وقوله : «لبيان ما قبله من إجمال» يشمل نوعى التمييز ، وهما : المبين إجمال ذات ، والمبين إجمال نسبة.

فالمبين إجمال الذات هو : الواقع بعد المقادير ـ وهى الممسوحات ، نحو «له شبر أرضا» والمكيلات ، نحو «له قفيز برّا» والموزونات ، نحو «له منوان عسلا وتمرا» ـ والأعداد (١) ، نحو «عندى عشرون درهما».

وهو منصوب بما فسّره ، وهو : شبر ، وقفيز ، ومنوان ، وعشرون.

والمبيّن إجمال النسبة هو : المسوق لبيان ما تعلّق به العامل : من فاعل ، أو مفعول ، نحو «طاب زيد نفسا» ، ومثله : (اشتعل الرّأس شيبا) ، و «غرست الأرض شجرا» ، ومثله (وفجّرنا الأرض عيونا).

فـ «نفسا» تمييز منقول من الفاعل ، والأصل «طابت نفس زيد» ، و «شجرا» منقول من المفعول ، والأصل «غرست شجر الأرض» فبيّن

__________________

(١) قول الشارح «والأعداد» عطف على قوله «المقادير» فأما ما بينهما فهو بيان لأنواع المقادير ، وعلى هذا يكون الشارح قد ذكر شيئين يكون تمييز إجمال الذات بعدهما ـ وهما المقادير ، والأعداد ـ وبقى عليه شيئان آخران.

أولها : ما يشبه المقادير ، مما أجرته العرب مجراها لشبهه بها فى مطلق المقدار ، وإن لم يكن منها ، كقولك : قد صببت عليه ذنوبا ماء ، واشتريت نحيا سمنا ، وقولهم : على التمرة مثلها زبدا.

وثانيهما : ما كان فرعا للتمييز ، نحو قولك : أهديته خاتما فضة ، على ما هو مذهب الناظم تبعا للمبرد فى هذا المثال من أن فضة ليس حالا ؛ لكونه جامدا ، وكون صاحبه نكرة وكونه لازما ، مع أن الغالب فى الحال أن تكون منتقلة. وذهب سيبويه إلى أن فضة فى المثال المذكور حال ، وليس تمييزا ؛ لأنه خص التمييز بما يقع بعد المقادير وما يشبهها.


«نفسا» الفاعل الذى تعلّق به الفعل ، وبيّن «شجرا» المفعول الذى تعلّق به الفعل.

والنّاصب له فى هذا النوع [هو] العامل الذى قبله.

* * *

وبعد ذى وشبهها اجرره إذا

أضفتها ، كـ «مدّ حنطة غذا» (١)

والنّصب بعد ما أضيف وجبا

إن كان مثل «ملء الأرض ذهبا» (٢)

أشار بـ «ذى» إلى ما تقدّم ذكره فى البيت من المقدّرات ـ وهو : ما دلّ على مساحة ، أو كيل ، أو وزن ـ فيجوز جر التمييز بعد هذه

__________________

(١) «بعد» ظرف متعلق باجرر ، وبعد مضاف و «ذى» اسم إشارة مضاف إليه «وشبهها» الواو عاطفة ، شبه : معطوف على ذى ، وشبه مضاف ، وها : مضاف إليه «اجرره» اجرر : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به «إذا» ظرف أشرب معنى الشرط «أضفتها» فعل وفاعل ومفعول به ، والجملة فى محل جر بإضافة إذا الظرفية إليها «كمد» الكاف جارة لقول محذوف ، مد : مبتدأ ، ومد مضاف و «حنطة» مضاف إليه «غذا» خبر المبتدأ.

(٢) «والنصب» مبتدأ «بعد» ظرف متعلق به ، وبعد مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «أضيف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة من أضيف ونائب فاعله لا محل لها صلة «وجبا» فعل ماض ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى النصب ، والجملة من وجب وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «إن» شرطية «كان» فعل ماض ناقص فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما أضيف «مثل» خبر كان «ملء» مبتدأ ، وملء مضاف و «الأرض» مضاف إليه ، والخبر محذوف تقديره : لى ، مثلا ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل جر بإضافة مثل إليها «ذهبا» تمييز.


بالإضافة إن لم يضف إلى غيره ، نحو «عندى شبر أرض ، وقفيز برّ ، ومنوا عسل وتمر».

فإن أضيف الدّالّ على مقدار إلى غير التمييز وجب نصب التمييز ، نحو «ما فى السماء قدر راحة سحابا» ، ومنه قوله تعالى : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً).

وأما تمييز العدد فسيأتى حكمه فى باب العدد.

* * *

والفاعل المعنى انصبن بأفعلا

مفضّلا : كـ «أنت أعلى منزلا» (١)

التمييز الواقع بعد أفعل التفضيل : إن كان فاعلا فى المعنى وجب نصبه ، وإن لم يكن كذلك وجب جرّه بالإضافة.

وعلامة ما هو فاعل فى المعنى : أن يصلح جعله فاعلا بعد جعل أفعل التفضيل فعلا ، نحو «أنت أعلى منزلا ، وأكثر مالا» فـ «منزلا ، ومالا» يجب نصبهما ؛ إذ يصح جعلهما فاعلين بعد جعل أفعل التفضيل فعلا ؛ فتقول : أنت علا منزلك ، وكثر مالك.

ومثال ما ليس بفاعل فى المعنى (٢) «زيد أفضل رجل ، وهند أفضل امرأة»

__________________

(١) «والفاعل» مفعول مقدم على عامله ـ وهو قوله انصبن الآتى ـ «المعنى» منصوب على نزع الخافض ، أو مفعول به للفاعل ، أو مجرور تقديرا بإضافة الفاعل إليه «انصبن» انصب : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، ونون التوكيد حرف لا محل له من الإعراب «بأفعلا» جار ومجرور متعلق بانصبن «مفضلا» حال من الفاعل المستتر وجوبا فى انصبن «كأنت» الكاف جارة لقول محذوف ، أنت : مبتدأ «أعلى» خبر المبتدأ «منزلا» تمييز.

(٢) ضابط ما ليس بفاعل فى المعنى : أن يكون أفعل التفضيل بعضا من جنس التمييز ،


[فيجب جرّه بالإضافة ، إلا إذا أضيف «أفعل» إلى غيره ؛ فإنه ينصب حينئذ ، نحو «أنت أفضل النّاس رجلا»](١).

* * *

وبعد كلّ ما اقتضى تعجّبا

ميّز ، كـ «أكرم بأبى بكر أبا» (٢)

يقع التمييز بعد كلّ ما دلّ على تعجب ، نحو «ما أحسن زيدا رجلا ،

__________________

ويعرف ذلك بصحة حذف أفعل التفضيل ، ووضع لفظ بعض موضعه ؛ فنحو «زيد أفضل رجل» تجد أفعل التفضيل ـ وهو أفضل ـ باعتبار الفرد الذى يتحقق فيه ـ واحدا من جنس الرجل ، وكذلك نحو «هند أفضل امرأة» تجد أفعل التفضيل بعض الجنس ، ويمكن أن تحذف أفعل التفضيل فى المثالين وتضع مكانه لفظ «بعض» فتقول : زيد بعض جنس الرجل ، أى بعض الرجال ، وهند بعض جنس المرأة ، أى بعض النساء.

(١) من تقرير هذه المسألة تعلم أن تمييز أفعل التفضيل يجب جره فى صورة واحدة ، وهى : أن يكون التمييز غير فاعل فى المعنى ، وأفعل التفضيل ليس مضافا لغير تمييزه ، ويجب نصبه فى صورتين اثنتين ؛ أولاهما : أن يكون التمييز فاعلا فى المعنى ـ سواء أضيف أفعل التفضيل إلى غير التمييز ، نحو أنت أعلى الناس منزلا ، أم لم يضف إلى غير التمييز ، نحو أنت أعلى منزلا ـ وثانيتهما : أن يكون التمييز غير فاعل فى المعنى ، بشرط أن يكون أفعل مضافا إلى غير التمييز ، نحو أنت أفضل الناس بيتا ؛ لأنه يتعذر حينئذ إضافة أفعل التفضيل مرة أخرى.

(٢) «وبعد» ظرف متعلق بقوله «ميز» الآتى ، وبعد مضاف ، و «كل» مضاف إليه ، وكل مضاف ، و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «اقتضى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة «تعجبا» مفعول به لاقتضى ، والجملة من اقتضى وفاعله ومفعوله لا محل لها صلة الموصول «ميز» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «كأكرم» الكاف جارة لقول محذوف ، أكرم : فعل ماض جاء على صورة الأمر «بأبى» الباء زائدة ، أبى : فاعل أكرم ، وأبى مضاف ، و «بكر» مضاف إليه «أبا» تمييز.


وأكرم بأبى بكر أبا ، ولله درّك عالما ، وحسبك بزيد رجلا ، وكفى به عالما» (١).

(١٩٣) ـ

و *يا جارتا ما أنت جاره*

* * *

__________________

(١) ذهب ابن هشام إلى أن التمييز فى كل هذه الأمثلة من تمييز النسبة ، وليس بسديد ، بل فى الكلام تفصيل ، وتلخيصه أنه إن كان فى الكلام ضمير غائب ، ولم يبين مرجعه ، كما فى قولهم «لله دره فارسا» كان من تمييز المفرد ؛ لأن افتقاره إلى بيان عينه فى هذه الحال أشد من افتقاره لبيان نسبة التعجب إليه ، فإن لم يكن ضمير أصلا ، نحو لله در زيد فارسا ، أو كان ضمير خطاب ، نحو لله درك فارسا ، أو كان ضمير غائب علم مرجعه نحو زيد لله دره فارسا ـ فهو من تمييز النسبة ، وتلخيص هذا أنه يكون تمييز مفرد فى صورة واحدة ، ويكون تمييز نسبة فى ثلاث صور.

١٩٣ ـ هذا عجز بيت للأعشى ميمون بن قيس ، وصدره قوله :

*بانت لتحزننا عفاره*

اللغة : «بانت» بعدت ، وفارقت «لتحزننا» لتدخل الحزن إلى قلوبنا ، وتقول : حزننى هذا الأمر يحزننى ، من باب نصر ، وأحزننى أيضا ، وفى التنزيل العزيز : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) «عفارة» اسم امرأة.

الإعراب : «يا» حرف نداء مبنى على السكون لا محل له من الإعراب «جارتا» منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفا ، وجارة مضاف ، وياء المتكلم المنقلبة ألفا مضاف إليه «ما» اسم استفهام مقصود به التعظيم مبتدأ ، مبنى على السكون فى محل رفع «أنت» خبر المبتدأ «جاره» تمييز يقصد به بيان جنس ما وقع عليه التعجب وهو الجوار.

الشاهد فيه : قوله «جاره» حيث وقع تمييزا بعد ما اقتضى التعجب ، وهو قوله : «ما أنت».

فإن قلت : أهو تمييز نسبة أم تمييز ذات؟


واجرر بمن إن شئت غير ذى العدد

والفاعل المعنى : كـ «طب نفسا تفد» (١)

يجوز جرّ التمييز بمن إن لم يكن فاعلا فى المعنى ، ولا مميزا لعدد ؛ فتقول : «عندى شبر من أرض ، وقفيز من برّ ، ومنوان من عسل وتمر ، وغرست الأرض من شجر» ولا تقول : «طاب زيد من نفس» ولا «عندى عشرون من درهم».

* * *

وعامل التّمييز قدّم مطلقا

والفعل ذو التّصريف نزرا سبقا (٢)

__________________

قلت : لا خلاف بين أحد من العلماء الذين جعلوا «جاره» تمييزا فى أنه من قبيل تمييز النسبة ، أما ابن هشام فالأمر عنده ظاهر ؛ لأنه جعل هذا النوع كله من تمييز النسبة ، وأما على ما ذكرناه قريبا من الفرق بين بعض المثل وبعضها الآخر فهو أيضا من تمييز النسبة ؛ لأن الضمير المذكور فى الكلام ضمير مخاطب ، فهو معلوم ما يراد به.

فإن قلت : فهل يجوز أن أجعل «جارة» شيئا غير التمييز؟

قلت : قد ذهب جمهرة عظيمة من العلماء إلى أنه حال ، وأرى لك أن تأخذ به.

(١) «واجرر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بمن» جار ومجرور متعلق باجرر «إن» شرطية «شئت» فعل ماض فعل الشرط ، وضمير المخاطب فاعله «غير» مفعول به لا جرر ، وغير مضاف و «ذى» مضاف إليه ، وذى مضاف ، «العدد» مضاف إليه «والفاعل» معطوف على ذى «المعنى» منصوب بنزع الخافض أو مضاف إليه ، أو مفعول به للفاعل ، وهو مجرور تقديرا بالإضافة أو منصوب تقديرا على المفعولية أو على نزع الخافض «كطب» الكاف جارة لقول محذوف ، طب : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «نفسا» تمييز «تفد» فعل مضارع مبنى للمجهول مجزوم فى جواب الأمر ، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

(٢) «وعامل» مفعول به مقدم لقوله «قدم» الآتى ، وعامل مضاف ، و «التمييز»


مذهب سيبويه ـ رحمه الله! ـ أنه لا يجوز تقديم التمييز على عامله ، سواء كان متصرفا أو غير متصرف ؛ فلا تقول : «نفسا طاب زيد» ، ولا «عندى درهما عشرون».

وأجاز الكسائى ، والمازنى ، والمبرد ، تقديمه على عامله المتصرف ؛ فتقول : «نفسا طاب زيد ، وشيبا اشتعل رأسى» ومنه قوله :

(١٩٤) ـ

أتهجر ليلى بالفراق حبيبها؟

وما كان نفسا بالفراق تطيب

__________________

مضاف إليه «قدم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مطلقا» منصوب على الحال من «عامل التمييز» «والفعل» مبتدأ «ذو» نعت للفعل ، وذو مضاف ، و «التصريف» مضاف إليه «نزرا» حال من الضمير المستتر فى قوله سبق الآتى «سبقا» سبق : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل ، والألف للاطلاق ، والجملة من سبق ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.

١٩٤ ـ ينسب هذا البيت للمخبل السعدى ، وقيل : هو لأعشى همدان ، وقيل : هو لقيس بن الملوح العامرى.

المعنى : ما ينبغى لليلى أن تهجر محبها وتتباعد عنه ، وعهدى بها والشأن أن نفسها لا تطيب بالفراق ولا ترضى عنه.

الإعراب : «أتهجر» الهمزة للاستفهام الإنكارى ، تهجر : فعل مضارع «ليلى» فاعل «بالفراق» جار ومجرور متعلق بتهجر «حبيبها» حبيب : مفعول به لتهجر ، وحبيب مضاف وها : مضاف إليه «وما» الواو واو الحال ، ما : نافية «كان» فعل ماض ناقص ، واسمها ضمير الشأن «نفسا» تمييز متقدم على العامل فيه ، وهو قوله «تطيب» الآتى «بالفراق» جار ومجرور متعلق بتطيب «تطيب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى ليلى ، والجملة من نطيب وفاعله فى محل نصب خبر «كان».


وقوله :

(١٩٥) ـ

ضيّعت حزمى فى إبعادى الأملا ،

وما ارعويت ، وشيبا رأسى اشتعلا

ووافقهم المصنف فى غير هذا الكتاب على ذلك ، وجعله فى هذا الكتاب قليلا ،

__________________

الشاهد فيه : قوله «نفسا» فإنه تمييز ، وعامله قوله «تطيب». وقد تقدم عليه والأصل «تطيب نفسا» وقد جوز ذلك التقدم الكوفيون والمازنى والمبرد ، وتبعهم ابن مالك فى بعض كتبه ، وهو ـ فى هذا البيت ونحوه ـ عند الجمهور ضرورة ؛ قلا يقاس عليه.

وذهب أبو إسحاق الزجاج إلى أن الرواية فى بيت الشاهد :

*وما كان نفسى بالفراق تطيب*

ونقل أبو الحسن أن الرواية فى ديوان الأعشى هكذا :

أتؤذن سلمى بالفراق حبيبها

ولم تك نفسى بالفراق تطيب

وعلى هاتين الروايتين لا شاهد فى البيت.

وقال أبو رجاء عفا الله تعالى عنه : والذى وجدته فى ديوان أعشى همدان رواية البيت كما رواه الشارح وأكثر النحاة ؛ ففيه الشاهد الذى يساق من أجله.

١٩٥ ـ البيت من الشواهد التى لا يعلم قائلها.

اللغة : «الحزم» ضبط الرجل أمره ، وأخذه بالثقة «ارعويت» رجعت إلى ما ينبغى لى ، والارعواء : الرجوع الحسن

الإعراب : «ضيعت» فعل وفاعل «حزمى» حزم : مفعول به لضيع ، وحزم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «فى إبعادى» الجار والمجرور متعلق بضيع ، وإبعاد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله «الأملا» مفعول به للمصدر «وما» الواو عاطفة ، ما : نافية «ارعويت» فعل وفاعل «وشيبا» تمييز متقدم على عامله وهو قوله «اشتملا» الآتى «رأسى» رأس : مبتدأ ، وياء المتكلم مضاف إليه «اشتملا» فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الرأس ، والألف للاطلاق ، والجملة من اشتعل وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.


فإن كان العامل غير متصرف ؛ فقد منعوا التقديم (١) : سواء كان فعلا ، نحو «ما أحسن زيدا رجلا» أو غيره ، نحو «عندى عشرون درهما».

وقد يكون العامل متصرفا ، ويمتنع تقديم التمييز عليه عند الجميع ، وذلك نحو «كفى بزيد رجلا» ؛ فلا يجوز تقديم «رجلا» على «كفى» وإن كان

__________________

الشاهد فيه : قوله «شيبا» حيث تقدم ـ وهو تمييز ـ على عامله المتصرف ، وهو قوله اشتعل ، وقد احتج به من أجاز ذلك كالمبرد ، والكسائى ، والمازنى ، وابن مالك فى غير الألفية ، ولكنه فى الألفية قد نص على ندرة هذا ، ومثله قول الشاعر :

أنفسا تطيب بنيل المنى

وداعى المنون ينادى جهارا؟

وقول الآخر.

ولست ، إذا ذرعا أضيق ، بضارع

ولا يائس ـ عند التّعسّر ـ من يسر

وقول ربيعة بن مقروم الضبى :

رددت بمثل السّيد نهد مقلّص

كميش إذا عطفاه ماء تحلّبا

وجعل بعض النحاة من شواهد هذه المسألة قول الشاعر :

إذا المرء عينا قرّ بالعيش مثريا

ولم يعن بالإحسان كان مذمّما

والاستشهاد بهذا البيت الأخير إنما يتم على مذهب بعض الكوفيين الذين يجعلون «المرء» مبتدأ وجملة «قر عينا» فى محل رفع خبره ، فأما على مذهب جمهور البصريين الذين يجعلون «المرء» فاعلا لفعل محذوف يفسره ما بعده فلا شاهد فيه ؛ لأن التقدير على هذا المذهب : إذا قر المرء عينا بالعيش ؛ فالعامل فى التمييز متقدم عليه وهو الفعل المقدر ، إلا أن يدعى هؤلاء أن تأخير مفسر العامل بمنزلة تأخير العامل نفسه.

(١) وربما تقدم على عامله وهو اسم جامد ، وذلك ضرورة من ضرورات الشعر اتفاقا ، كقول الراجز :

ونارنا لم ير نارا مثلها

قد علمت ذاك معدّ كلّها


فعلا متصرفا ؛ لأنه بمعنى فعل غير متصرف ، وهو فعل التعجب ؛ فمعنى قولك : «كفى بزيد رجلا» ما أكفاه رجلا (١)!

* * *

__________________

(١) من القواعد المقررة أن الشىء إذا أشبه الشىء أخذ حكمه ، ويجرى ذلك فى كثير من الأبواب ، ونحن نذكر لك ههنا بعض هذه المتشابهات لتعرف كيف كان العرب يجرون فى كلامهم ، ثم لتعرف كيف ضبط أئمة هذه الصناعة قواعدها ، ثم لتعود بذاكرتك إلى ما سبق لك أن قرأته فى هذا الكتاب وغيره من كتب الفن لجمع أشباه ما نذكره لك.

ا ـ المشتقات كلها ـ من اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة ـ أشبهت الفعل فى مادته ومعناه ؛ فأخذت حكمه فرفعت الفاعل ، ونصب المتعدى منها المفعول.

ب ـ ما ، ولا ، وإن ، ولات ، هذه الحروف أشبهت ليس فى المعنى ، فأخذت حكمها ، فرفعت الاسم ونصبت الخبر

ج ـ إن وأخواتها ، أشبهت الفعل فى معناه ، فرفعت ونصبت ، وقدم منصوبها وجوبا على مرفوعها ، بعكس الفعل ، ليظهر من أول وهلة أنها عملت هذا العمل لكونها فرعا ، وجاز أن تنصب الحال لهذه المشابهة.

* * *


قد تم ـ بعون الله تعالى ، وحسن تأييده ـ الجزء الأول من شرح العلامة «ابن عقيل» على ألفية ابن مالك ، وحواشينا عليه التى سميناها «منحة الجليل ، بتحقيق شرح ابن عقيل» ويليه ـ إن شاء الله تعالى ـ الجزء الثانى ، مفتتحا بحروف الجر.

هذا ، وقد عنينا بتحقيق مباحث الكتاب فى هذه الطبعة ؛ فجاء ـ بحمد الله جلت قدرته! ـ على خير ما يرجى من الإتقان ، وتلاقت فيه جميع شروح الكتاب وحواشيه على كثرتها ، فصار بحيث يغنى عن جميعها ، ولا يغنى عنه شىء منها.

كتبه المفتقر إلى عفو الله تعالى

محمد محيى الدين عبد الحميد


فهرس الموضوعات

الواردة فى الجزء الأول من «شرح ابن عقيل» على ألفية ابن مالك

وحواشينا عليه المسماة «منحة الجليل ، بتحقيق شرح ابن عقيل»



فهرس الموضوعات

الواردة فى الجزء الأول من «شرح ابن عقيل» على ألفية ابن مالك

وحواشينا عليه المسماة «منحة الجليل ، بتحقيق شرح ابن عقيل»

ص

الموضوع

ص

الموضوع

٣

مقدمة الطبعة الثانية

٣٦

المعرب والمبنى من الأفعال

٥

مقدمة الطبعة الأولى

٤٠

الحروف كلها مبنية

١٠

خطبة الناظم ، وإعرابها

٤٠

الأصل فى البناء السكون ، ومن المبنى ما هو غير ساكن

الكلام وما يتألف منه

٤١

أنواع الإعراب ، وما يختص بنوع منها ، وما يشترك فيه النوعان

١٤

تعريف الكلام اصطلاحا

٤٣

إعراب الأسماء الستة ، وما فيها من اللغات

١٤

ما يصح أن يتركب الكلام منه

٥٢

شروط إعراب الأسماء الستة بالحروف

١٥

الكلم وأنواعه

٥٥

إعراب المثنى وما يلق به

١٦

القول ، والنسبة بينه وبين غيره

٥٩

إعراب جمع المذكر السالم وما يلحق به

١٦

قد يقصد بالكلمة الكلام

٦٦

لغات العرب فى نون جمع المذكر السالم ، ونون المثنى

١٦

علامات الاسم

٧٣

إعراب جمع المؤنث السالم وما يلحق به

٢٢

علامات الفعل

٧٧

إعراب الاسم الذى لا ينصرف

٢٣

يمتاز الحرف بعدم قبوله علامات النوعين

٧٨

إعراب الأفعال الخمسة

٢٤

الفعل ثلاثة أنواع ، وعلامة كل نوع

٨٠

إعراب المعتل من الأسماء

٢٥

إن دلت كلمة على معنى الفعل ولم تقبل علامته فهى اسم فعل

٨٣

بيان المعتل من الأفعال

المبنى والمعرب

٢٨

الاسم ضربان : معرب ، ومبنى ، وبيان كل منهما

٣٠

أنواع شبه الحرف أربعة

٣٥

المعرب ، وانقسامه إلى صحيح ومعتل


٨٤

إعراب المعتل من الأفعال

١٢٤

ينقسم العلم إلى منقول ومرتجل

النكرة والمعرفة

١٢٦

ينقسم العلم إلى علم شخصى ، وعلم جنس

٨٦

معنى النكرة

١٢٧

علم الجنس ، والفرق بينه وبين علم الشخص

٨٧

معنى المعرفة ، وأنواعها

اسم الإشارة

٨٨

الضمير ، ومعناه

١٣٠

ما يشار به إلى المفرد مذكرا ومؤنثا

٨٩

ينقسم الضمير البارز إلى متصل ومنفصل

١٣١

ما يشار به إلى المثنى

٩٢

المضمرات كلها مبنية

١٣١

 ما يشار به إلى الجمع

٩٤

ما يصلح من الضمائر لأكثر من موضع

١٣٣

مراتب المشار إليه ، وما يستعمل لكل مرتبة

٩٥

ينقسم الضمير إلى مستتر وبارز

١٣٦

الإشارة إلى المكان

٩٧

ينقسم البارز المنفصل إلى مرفوع ومنصوب

الموصول

٩٩

لا يعدل عن المتصل إلى المنفصل إلا إذا تعذر المتصل

١٣٩

الموصول قسمان : اسمى ، وحرفى

١٠٢

المواضع التى يجوز فيها وصل الضمير وفصله

١٣٩

 الموصولات الحرفية ، وما يوصل به كل منها

١٠٨

تلزم نون الوقاية قبل ياء المتكلم فى الفعل

١٤٦

الموصول الاسمى العام

١١٠

نون الوقاية قبل ياء المتكلم مع الحرف

١٥٢

كل الموصولات الاسميه تحتاج إلى صلة وعائد

١١٥

نون الوقاية قبل ياء المتكلم مع لدن وقد

١٥٣

لا تكون صلة الموصول إلا جملة أو شبهها

العلم

١٥٤

شروط الجملة التى تقع صلة

١١٨

معنى العلم

١٥٥

ما يشترط فى شبه الجملة الذى يقع صلة

١١٩

ينقسم العلم إلى اسم وكنية ولقب إذا اجتمع الاسم واللقب فما وجوه الإعراب التى تجوز فيهما؟

١٥٥

يشترط فى صلة «أل» أن تكون صفة صريحة


١٦٠

«أى» الموصولة ، ومتى تبنى؟ ومتى تعرب؟

١٩٦

أحوال المبتدأ ذى المرفوع مع مرفوعه ، وما يجوز من وجوه الإعراب فى كل حال

١٦٣

بعض العرب يعرب «أيا» الموصولة فى كل حال

٢٠٠

الرافع للمبتدأ ، وللخبر ، واختلاف العلماء فى ذلك

١٦٥

تفصيل الموضع الذى يحذف فيه العائد على الموصول إذا كان مرفوعا

٢٠١

تعريف الخبر

١٦٦

ه‍ قف على ما يجوز من وجوه الإعراب فى الاسم الواقع بعد «لا سيما»

٢٠٢

الخبر يكون مفردا ، ويكون جملة ، والجملة على ضربين

١٦٩

الكلام على حذف العائد المنصوب

٢٠٥

الخبر المفرد على ضربين : جامد ، ومشتق

١٧٢

الكلام على حذف العائد المخفوض وشروطه

٢٠٦

إذا جرى الخبر المشتق على غير مبتدئه برز معه ضميره وجوبا

المعرف بأداة التعريف

٢٠٩

يجىء الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا

١٧٧

حرف التعريف هو «أل» برمتها ، أو اللام وحدها؟

٢١٣

ظرف الزمان لا يقع خبرا عن اسم دال على جثة إلا إن أفاد

١٧٨

المعانى التى ترد لها «أل» ثلاثة

٢١٥

لا تقع النكرة مبتدأ إلا بمسوغ

١٧٨

تزاد «أل» زيادة لازمة ، أو اضطرارا

٢٢٧

الأصل فى الخبر أن يتأخر عن المبتدأ ، وقد يتقدم عليه

١٨٣

تدخل «أل» على بعض الأعلام للمح الأصل

٢٢٨

ه‍ قف على خلاف الكوفيين فى جواز تقديم خبر المبتدأ وسندهم فى ذلك

١٨٥

قد يصير الاسم المقترن بأل أو المضاف علما بالغلبة

٢٣١

المواضع التى يجب فيها تأخير الخبر

الابتداء

٢٣٩

المواضع التى يجب فيها تقديم الخبر

١٨٨

المبتدأ قسمان : مبتدأ له خبر ، ومبتدأ له مرفوع أغنى عن الخبر

٢٤٣

يجوز حذف المبتدأ أو الخبر ، إن دل على المحذوف دليل

٢٤٨

المواضع التى يجب فيها حذف الخبر

٢٥٤

المواضع التى يجب فيها حذف المبتدأ


٢٥٦

قد يكون الخبر متعددا لمبتدأ واحد

٢٨٨

تأتى «كان» زائدة ، وبيان مواضع زيادتها ، وشروطها

كان وأخواتها

٢٩٣

تحذف «كان» : إما وحدها ، وإما مع اسمها ، وإما مع خبرها

٢٦١

عمل هذه الأفعال ، وألفاظها

٢٩٨

قد يخفف المضارع المجزوم من كان يحذف نونه ، وشروط جواز ذلك الحروف المشبهة بليس

٢٦٢

ه‍ قف على اختلاف العلماء فى «ليس» أحرف هو أم فعل؟

ما ، ولا ، ولات ، وإن المشبهات بليس

٢٦٣

بعض هذه الأفعال يعمل بلا شرط ، وبعضها لا يعمل إلا بشرط

٣٠١

الحرف الأول «ما» ، وشروط إعماله عمل ليس ستة

٢٦٨

معانى هذه الألفاظ

٣٠٧

حكم المعطوف على خبر «ما» النافية

٢٦٨

غير الماضى منها يعمل عمل الماضى وبيان ما يتصرف منها وما لا يتصرف

٣٠٨

زيادة الباء فى خبر «ما» و «ليس» وغيرهما

٢٧١

يجوز توسط خبر هذه الأفعال بينها وبين اسمها ، خلافا لبعضهم فى ليس ، ولابن معط فى دام

٣١١

الحرف الثانى «لا» وشروط إعماله عمل ليس ثلاثة

٢٧٥

تقديم الخبر على دام وحدها ، أو عليها وعلى «ما» المصدرية الظرفية

٣١٧

الحرف الثالث «إن» وبيان اختلاف النحاة فى إعماله

٢٧٦

تقديم الخبر على الفعل المنفى بما أو غيرها من أدوات النفى

٣١٩

الحرف الرابع «لات» وإعماله هو مذهب الجمهور

٢٧٧

يختار امتناع تقديم الخبر على ليس

أفعال المقاربة

٢٧٩

من أفعال هذا الباب ما لا يكون إلا ناقصا ، ومنها ما يكون تاما ويكون ناقصا

٣٢٢

أجمع العلماء على أن أدوات هذا الباب أفعال ، إلا «عسى» فقيل : فعل ، وقيل : حرف

٢٧٩

لا يفصل بين العامل واسمه بمعمول خبره ، إلا إذا كان المعمول ظرفا أو مجرورا

٣٢٣

أفعال هذا الباب على ثلاثة أقسام

٢٨٠

إذا ورد فى كلام العرب ما ظاهره إبلاء العامل معمول خبره وجب تأويله

٣٢٣

عملها ، وبيان ما يشترط فى خبرها


٣٢٦

الأكثر فى خبر «عسى» أن يقترن بأن المصدرية ، ويقل تجرده منها

إن وأخواتها

٣٢٩

و «كاد» على عكس ذلك

٣٤٥

هذه الأدوات كلها حروف وعددها ستة

٣٣١

يجب اقتران خبر حرى واخلولق بأن

٣٤٦

معانى هذه الأحرف

٣٣٢

يكثر اقتران خبر «أوشك» بأن

٣٤٦

 عمل هذه الأحرف ، واختلاف النحاة فى عملها فى الخبر.

٣٣٤

مما يكثر تجرد خبره من أن «كرب»

٣٤٨

لا يجوز تقديم خبر هذه الحروف على اسمها ، إلا إذا كان الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا

٣٣٧

يمتنع اقتران خبر ما دل على الشروع بأن

٣٤٩

لا يجوز تقديم معمول الخبر على الاسم ، ولو كان ظرفا أو جارا ومجرورا

٣٣٨

أكثر أفعال هذا الباب لا يتصرف والمتصرف منها أوشك وكاد

٣٥٠

همزة «إن» لها ثلاثة أحوال : وجوب الفتح ، ووجوب الكسر ، وجوازهما

٣٤٠

حكى بعض العلماء مجىء المضارع من عسى ، ومن طفق ، ومن جعل

٣٥٠

المواضع التى يجب فيها فتح همز أن

٣٤١

اختصت عسى وأوشك واخلولق من بين أفعال هذا الباب بأنه يجوز أن تستعمل تامة ، كما جاز استعمالها ناقصة.

٣٥٢

المواضع التى يجب فيها كسر همزة إن

٣٤٢

إذا ذكر اسم قبل عسى جار أن تتحمل «عسى» ضمير ذلك الاسم

٣٥٥

المواضع التي يجوز فيها كسر همز إن وفتحها

٣٤٣

إذا اتصل بعسى ضمير رفع متحرك جاز فى سينها الفتح والكسر

٣٦٢

متى يجوز دخول لام الابتداء على خبر إن؟

٣٧٠

تدخل لام الابتداء أيضا على معمول الخبر ، وعلى ضمير الفصل ، وعلى اسم «إن» ولكل ذلك شروط


٣٧٣

تقترن «ما» بهذه الحروف فيبطل عملها ، وربما بقى معها العمل

٤٣١

التعليق والإلغاء

٣٧٥

العطف على اسم إن بعد استيفاء خبرها ، وقيل استيفائه

٤٣٥

يجوز إلغاء العامل المتوسط والمتأخر دون المتقدم

٣٧٧

تخفف «إن» المكسورة فيقل عملها

٤٤٠

علم بمعنى عرف ، وظن بمعنى اتهم ، ورأى بمعنى حلم

٣٨٣

تخفف أن المفتوحة فيحذف اسمها ، ويجب أن يكون خبرها جملة

٤٣٣

متى يجوز حذف المفعولين أو أحدهما؟ ومنى لا يجوز؟

٣٨٩

تخفف «كأن» فيحذف اسمها ، وربما ذكر

٤٤٥

يستعمل القول بمعنى الظن

لا التى لنفى الجنس

أعلم وأرى

٣٩٣

تعمل «لا» عمل إن بشروط

٤٥٢

ذكر الأفعال التى تنصب ثلاثة مفاعيل

٣٩٤

أنواع اسم «لا» النافية ، وحكم كل نوع

٤٥٣

ما ثبت لمفعولى علم يثبت للثانى والثالث من مفاعيل هذه الأفعال

٣٩٩

حكم المعطوف على اسم «لا» إذا تكرت لا

٤٥٤

ما يتعدى لواحد من الأفعال يتعدى لاثنين بالهمزة ، ويثبت لثانيهما ما يثبت للمفعول الثانى من مفعولى «كسا»

٤٠٤

نعت اسم لا

٤٥٥

تتمة أفعال هذا الباب والاستشهاد لها

٤٠٧

العطف على اسم لا إذا لم تكرر لا

الفاعل

٤٠٨

تأخذ «لا» مع همزة الاستفهام ، مثل ما تأخذه بدونها من الأحكام

٤٦٢

تعريف الفاعل

٤١٢

إذا دل دليل على خبر «لا» حذف

٤٦٤

حكم الفاعل التأخر عن فعله

ظن وأخواتها

٤٦٧

إذا كان الفاعل مثنى أو مجموعا تجرد الفعل عند جمهرة العرب من علامة التثنية والجمع

٤١٦

ألفاظ هذه الأفعال ، وأنواعها. ومعانى كل منها ، والاستشهاد على ذلك

٤٧٣

إذا دل دليل على الفعل جاز حذفه


٤٧٤

ه‍ قف على اختلاف العلماء فى الاسم المرفوع بعد أداة الشرط

٥٠٩

متى وجد المفعول لم ينب عن الفاعل غيره

٤٧٥

يؤنث الفعل إذا كان الفاعل مؤنثا

٥١١

إذا كان الفعل متعديا إلى مفعولين فأيهما ينوب عن الفاعل؟

٤٧٦

يجب تأنيث الفعل فى موضعين

الاشتغال

٤٧٧

الفصل بين الفعل وفاعله المؤنث

٥١٦

ه‍ أركان الاشتغال ، وشروط كل ركن

٤٧٩

قد تحذف تاء التأنيث من الفعل المسند لفاعل مؤنث من غير فصل بينهما

٥١٧

ضابط الاشتغال

٤٨٢

ه‍ إسناد الفعل إلى ما يدل على جمع

٥١٩

المواضع التى يجب فيها نصب الاسم المشتغل عنه

٤٨٤

الأصل فى الفاعل أن يلى الفعل ويعقبه المفعول ، وقد يخالف ذلك الأصل

٥٢٢

المواضع التى يجب فيها رفعه

٤٨٦

قد يجب تأخير المفعول وتقديم الفاعل عليه

٥٢٥

المواضع التى يترجح فيها نصبه

٤٩٢

المفعول المتصل بضمير الفاعل ، والفاعل المتصل بضمير المفعول

٥٢٧

متى يجوز الوجهان على السواء؟

النائب عن الفاعل

٥٢٧

 متى يترجح الرفع على النصب؟

٤٩٩

إذا حذف الفاعل قام المفعول مقامه ، وأخذ أحكامه

٥٢٩

الفعل المتصل بضمير الاسم والمنفصل منه بحرف جر أو بإضافة سواء

٥٠٠

تغيير صورة الفعل عند إسناده للمفعول

٥٣٠

الوصف العامل كالفعل

٥٠٢

لك فى الفعل الأجوف الثلاثى إذا أسند إلى المفعول ثلاثة أوجه

تعدى الفعل ولزومه

٥٠٥

إذا خيف لبس فى أحد هذه الأوجه وجب تركه

٥٣٣

تعريف الفعل المتعدى ، وعلامته

٥٠٧

يقوم مقام الفاعل : المصدر ، والظرف ، والجار والمجرور

٥٣٦

الفعل المتعدى على ثلاثة أقسام

٥٣٧

يتعدى الفعل اللازم بحرف الجر ، فإن حذف حرف الجر انتصب المجرور

٥٤١

إذا كان للفعل مفعولان تقدم منهما ما هو فاعل فى المعنى ، وقد يجب ذلك ، وقد يمتنع


٥٤٣

يجوز حذف الفضلة إن لم يضر حذفها

٥٦٣

حذف العامل فى المفعول المطلق إما ممتنع ، وإما جائز ، وإما واجب

٥٤٤

يجوز حذف ناصب الفضلة إذا دل عليه دليل

المفعول من أجله

التنازع فى العمل

٥٧٤

تعريف المفعول له ، وحكمه

٥٤٥

ضابط التنازع

٥٧٥

المفعول له على ثلاثة أنواع ، وحكم كل نوع

٥٤٥

ه‍ قف على أنواع العاملين ، وما يشترط فيهما

المفعول فيه

٥٤٨

ه‍ قف على خلاف النحاة فى ترجح أى العالمين ، ووجه دلك

٥٧٩

تعريف الظرف

٥٤٨

العامل المهمل يعمل فى ضمير الاسم ، وإذا كان العامل فى الظاهر هو ثانى العاملين لم يضمر مع أولهما إلا المرفوع

٥٨٠

حكم الظرف ، وبيان ما يعمل فيه

المفعول المطلق

٥٨١

العامل فى الظرف إما مذكور ، وإما محذوف جوازا أو وجوبا

٥٥٧

تعريف المفعول المطلق

٥٨٢

كل أسماء الزمان تقبل النصب على الظرفية ، وإنما يقبل ذلك من أسماء المكان نوعان : المبهم ، وما اشتق من مصدر فعله العامل فيه

٥٥٧

يعمل فيه الفعل، أو الوصف ، أو المصدر

٥٨٦

الظرف على قسمين : متصرف ، وغير متصرف

٥٥٨

ه‍ قف على شروط الفعل والوصف اللذين يعملان فى المفعول المطلق

٥٨٨

ينوب المصدر عن ظرف الزمان كثيرا ، وعن ظرف المكان قليلا

٥٥٩

أيهما أصل للآخر : الفعل أو المصدر؟

المفعول معه

٥٥٩

المفعول المطلق على ثلاثة أنواع

٥٩٠

تعريف المفعول معه ، وبيان العامل فيه

٥٦٠

ينوب عن المصدر فى الانتصاب على المفعولية المطلقة عدة أشياء

٥٩١

ه‍ قف على اختلاف العلماء فيما يجوز أن يكون مفعولا معه

٥٦٢

ما يجب إفراده من المصادر ، وما يجوز تثنيته وجمعه


٥٩٢

قد ينصب المفعول معه ولم يتقدمه فى اللفظ فعل

٦٣٠

لا تكون الحال إلا نكرة. وقد تجىء معرفة على التأويل بنكرة

٥٩٤

الاسم الواقع بعد الواو على ثلاثة أضرب

٦٣١

قد تقع الحال مصدرا منكرا

الاستثناء

٦٣٢

حق صاحب الحال أن يكون معرفة ، وقد يكون نكرة بشرط أن يكون معه مسوغ ، وبيان مسوغات ذلك

٥٩٧

حكم المستثنى الواقع بعد «إلا»

٦٤٠

لا يتقدم الحال على صاحبه المجرور بالحرف ، ويتقدم على غيره

٦٠١

حكم المستثنى إذا تقدم على المستثنى منه

٦٤٣

لا يجىء الحال من المضاف إليه ، إلا فى ثلاثة أحوال

٦٠٣

حكم الاستثناء المفرغ

٦٤٦

متى يجوز تقديم الحال على العامل فيه؟ ومتى يمتنع ذلك؟

٦٠٤

حكم «إلا» إذا تكررت للتوكيد

٦٥١

قد يتعدد الحال وصاحبه واحد أو متعدد

٦٠٧

حكم «إلا» إذا تكررت لغير توكيد

٦٥٣

الحال على صربين : مؤسسة ، ومؤكدة

٦١٠

حكم المستثنى بغير وسوى ، وحكم «غير» نفسها

٦٥٥

الحال قد تكون جملة ، بشرط أن يكون لها رابط

٦١٦

حكم المستثنى بليس ولا يكون ، وبخلا وعدا

٦٥٦

ه‍ قد يجب أن يكون الرابط الضمير ، ومواضع ذلك

٦٢١

حكم المستثنى بحاشا

٦٥٧

قد يجوز الربط بالضمير ، وبالواو ، وبهما

الحال

٦٦٠

يحذف عامل الحال جوازا ، أو وجوبا

٦٢٥

تعريف الحال

٦٢٦

الأكثر فى الحال أن يكون مشتقا وأن يكون منتقلا

٦٢٧

المواضع التى تأتى فيها الحال جامدة


التمييز

٦٦٩

ما يجوز جره بمن من التمييز ، وما لا يجوز

٦٦٣

تعريفه ، وبيان أنواعه ، وحكمه

٦٦٩

لا يجوز تقديم التمييز على العامل فيه ، واختلاف العلماء فى بعض مسائل من ذلك

٦٦٦

ه‍ حكم التمييز الواقع بعد أفعل التفضيل

٦٦٧

يقع التمييز بعد كل ما يقتضى التعجب

تمت الفهرس ، والحمد لله أولا وآخرا

وصلاته وسلامه على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه

شرح ابن عقيل - ١

المؤلف:
الصفحات: 686