

بسم الله الرحمن
الرحيم
والصلاة والسلام على
محمد وآله الطاهرين
روى
الشيخ الصدوق في علل الشرائع عن أبي سعيد عقيصا قال : قلت للحسن بن علي ابن أبي
طالب عليهالسلام : يا ابن رسول الله
لم داهنت معاوية وصالحته؟ قال عليهالسلام : علة مصالحتي
لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلىاللهعليهوآله لبني ضمرة وبني أشجع
، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار
بالتأويل.
أقول
: معنى ذلك ان السبب الموجب للصلحين واحد
، وهذا يستلزم وحدة الخلفيات التي سبقت الصلح ثم وحدة الظرف الموجب له ثم وحدة
الموقف ازاءه ثم وحدة النتائج المترتبة وقد تكفلت بحوث الكتاب في تجلية ذلك.
وقد اعترض بعض الباحثين الشيعة على
عنوان كتاب صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين قائلا : ان الحسن عليهالسلام لم يصالح بل هادن ، وهو
اعتراض لا وجه له ، لان (الهدنة) في اللغة تعني (الصلح) ، قال ابن منظور في لسان
العرب مادة (هدن) ويقال للصلح بعد القتال والموادعة بين المسلمين والكفار وبين كل
متحاربين : هُدْنَةٌ ، وربما جعلت للهُدْنة مُدّة معلومة ، فإذا انقضت المدة عادوا
إلى القتال ، وبذلك فان هادن وصالح مترادفان كما ورد في الرواية اعلاه في سؤال ابي
سعيد ثم اجاب الامام عليهالسلام
بقوله علة مصالحتي لمعاوية ...
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين.
استضافتي جماعة العلماء العراقية في
مدينة قم سنة ١٤١٠ هجرية لإلقاء محاضرة في موسم ثقافي أقامته في شهر رمضان واخترت
ليلة الخامس عشر منه ليكون الحديث عن صلح الحسن عليهالسلام
حيث لم أكن سابقا قد بحثته ، وأمضيت أربع عشرة ليلة ابحث في المصادر الأساسية.
ورأيت نفسي :
أمام قضية جديدة لم يشر إليها أحد من
الباحثين قبلي وهي أن كلَّ ما سجّلتْه كتب التاريخ من ترويع وقتل وسجن وتهجير
لشيعة الكوفة من قبل ولاة معاوية لم يكن قد وقع أيام الحسن عليهالسلام بل كان بعد وفاته ، وهذا
يعني ان عشر سنوات من حياة الحسن عليهالسلام
بعد الصلح كانت سنوات أمان تام للشيعة لم يُروَّع فيها شيعي واحد.
استوقفتني هذه الحقيقة ؛ الكبيرة ؛
المغيَّبة ؛ لأكثر من اثني عشر قرنا. وقد علق استاذي العلامة العسكري رحمهالله في حينها لما عرضت
عليه ذلك قائلا : لقد جئت بشيء جديد من أسرار صلح الحسن عليهالسلام.
ورأيت نفسي أيضا أمام معلومات أخرى لم
تأخذ طريقها عند الباحثين في تأسيس الرؤية المناسبة حول موقف العراقيين من الحسن عليهالسلام من قبيل قوله حين
ترك الكوفة :
وما عن قلى فارقت دار معاشري
|
|
هم المانعون حوزتي وذماري
|
ومن قبيل قول عبد الله بن الزبير
لمعاوية لما اشتكى من قلة تردده عليه عند قدومه إلى المدينة : أنَّ مع الحسن مائة
ألف سيف لو شاء لضربك بها ، وقوله : والله ان أهل العراق لأبَرّ بالعراق من أم
الحوار بحوارها.
وأمام رواة عرفوا بوضع الأخبار ؛ أمثال
عوانة بن الحكم الذي روى عنه الطبري قصة الصلح ؛ التي تؤكد : أنَّ هدف الحسن عليهالسلام من الصلح هو مسألة
الحصول على الأموال! وان السبب الذي دعاه للصلح هو خيانة الجيش! وان الذي حصل على
أمان الشيعة هو قيس بن سعد! وليس الحسن عليهالسلام!
وأدركت من خلال ذلك أنني أمام (مشروع
قراءة جديدة للصلح) تستند على معلومات جديدة وليس مجرد رأي وتحليل للمعلومات
القديمة ، ثم فرضت هذه القراءة نفسها عليَّ أن أواصل متابعتها بحثاً ومناقشةً
ومحاضرةً مدة ثلاث وعشرين سنة تقريبا في مناسبات شهر رمضان وغيره من الشهور في
مدينة قم ولندن وسوريا ، وأسبانيا وبغداد واخيرا النجف الأشرف والحلة الفيحاء
ونشرت خلالها ملخصا للبحث في صحيفة الراصد سنة ٢٠٠٣ م التي كانت تصدر في بغداد
وجريدة البقية ومجلة النجف الاشرف التي تصدر في النجف عن مؤسسة المرتضى للثقافة
والإرشاد ثم نشرت ملخصاً في كراس مستقل طبع عدة مرات.
أثارت القراءة الجديدة ردود فعل كان
أكثرها إيجابيا ، ولا زلت أذكر حماسة العلامة الحجة الشيخ محمد مهدي شمس الدين
رحمة الله عليه لطبعه مبكرا وقوله : «إنها قراءة جديدة سوف تهدم أمورا كثيرة تسالم
عليها الباحثون». ولم أكن في حينها عجولا في نشر البحث التفصيلي ؛ رغم أني كنت
أصحر بالقراءة الجديدة في المناسبات كما أسلفت لعلي أفوز بملاحظة أو مناقشة تغير
من وجهة البحث.
ثم حانت الفرصة لمراجعة فصول البحث التي
كتبت في فترات زمنية مختلفة لتقديمه للطبع ، فاضفت فصلا آخر الى الباب الثاني
وبابا آخر بخمسة فصول ولا يفوتني ان اشكر قرة عيني ولدي السيد حسين الذي اشرف على
اخراج الكتاب وتصحيحه وطباعته ، وأخيرا ليس لي إلا أن أقول بقول العلامة المحقق
الشيخ راضي آل ياسين رحمهالله
في مقدمة كتابه :
(وهي ـ بعد ـ بضاعتي المزجاة التي لا
أريد منها إلا أن تكون مفتاح بحوث جديدة ، من شأنها أن تكشف كثيرا من الغموض الذي
دار مع قضية الحسن عليهالسلام
في التاريخ. فان هي وُفِّقَتْ إلى ذلك ، فقد أوتيتُ خيراً كثيرا. وما توفيقي إلا
بالله عليه توكلت واليه أنيب).
|
السيد
سامي البدري
١٤٣٣
هـ / حي الكرامة / النجف الاشرف
|
__________________
الفهرس الاجمالي
المدخل
: التمهيد وسير البحث
تمهيد.................................................................... ١٥
خلاصة الرؤية المشهورة في تعليل الصلح...................................... ١٦
ثلاث ملاحظات أساسية حول الرؤية
المشهورة................................. ٢٣
صلح الحسن عليهالسلام
في الاعلام الاموي والعباسي وروايات أهل البيت عليهمالسلام........ ٢٧
الرؤية الجديدة............................................................. ٣٣
أبواب البحث وفصوله..................................................... ٣٩
الباب
الأول : الرؤية المشهورة : صلح الحسن مع معاوية انهيار مبين
الفصل الأول : المستشرقون : الحسن عليهالسلام شخصية ضعيفة منهارة............... ٤٦
الفصل الثاني : الإسلاميون : الكوفيون
متفرقون متخاذلون...................... ٥١
الباب
الثاني : القراءة الجديدة صلح الحسن عليهالسلام مع معاوية فتح مبين
الفصل الأول : خلفيات الصلح............................................. ٨٠
الفصل الثاني : سنوات الفتح المبين
لمشروع علي عليهالسلام.................. ١١٤
الفصل الثالث : سيرة الامام الحسن عليهالسلام................................... ١٦٣
الفصل الرابع : الغدر المبين لمعاوية في
السنوات العشر الثانية من حكمه......... ١٨٩
الفصل الخامس : تعليقات على موارد من
كتاب صلح الحسن عليهالسلام
للشيخ راضي آل ياسين ٢٣٨
الفصل السادس : مسار الإمامة الإلهية لأربعين
سنة.......................... ٢٥٦
الفصل السابع : مقارنة بين صلح النبي صلىاللهعليهوآله وصلح الحسن عليهالسلام.............. ٢٨١
الفصل الثامن : مقتطفات من تاريخ الكوفة
من سنة ١٤ هـ ـ ١٤٨ هـ.......... ٢٩١
الباب
الثالث : العباسيون يحذون حذوّ الأمويين في تحريف التاريخ
الفصل الأول : تحريف الأمويين للتاريخ..................................... ٣٥١
الفصل الثاني : انشقاق العباسيين عن
الحسنيين والأئمة من أهل البيت عليهمالسلام.... ٣٧١
الفصل الثالث : سياسة الاعلام العباسي................................... ٣٨٠
الفصل الرابع : الروايات الطاعنة في
عقيدة الوصية بعلي عليهالسلام.................. ٤٠١
الفصل الخامس : كتاب أبي مخنف في مقتل
الحسين عليهالسلام..................... ٤٠٥
الفصل السادس : الروايات الطاعنة في أهل
الكوفة على لسان علي والحسن عليهالسلام ٤١٢
الفصل السابع : الروايات الطاعنة في
الحسن عليهالسلام........................... ٤٤١
الفصل الثامن : ملاحظات نقدية حول رواية
البخاري في الصلح وشرح ابن حجر لها ٤٥٣
الفصل التاسع : الروايات التي تطعن في
أهل الكوفة.......................... ٤٩١
الباب
الرابع : الخلاصة والخاتمه
الفصل الأول : شخصية الحسن عليهالسلام بين الافتراء
والواقع..................... ٥٠٧
الفصل الثاني : القراءة السائدة للصلح
والمشكلات التي أمامها................. ٥١٧
الفصل الثالث : صلح الامام الحسن عليهالسلام قراءة جديدة....................... ٥٢٠
الفصل الرابع : مسار ثقافة الامة
المسلمة................................... ٥٧١
الفصل الخامس : خلاصة في المقارنة بين
مراحل سير مشروعين................. ٥٧٩
المدخل
التمهيد
وسير البحث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١٥ تمهيد
١٦ خلاصة الرؤية المشهورة في تعليل
الصلح
٢٣ ثلاث ملاحظات أساسية حول الرؤية
المشهورة
٢٧ صلح الحسن عليهالسلام في الاعلام الاموي
والعباسي وروايات اهل البيت عليهمالسلام
٣٣ الرؤية الجديدة
٣٩ أبواب البحث وفصوله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمهيد
تعد قضية صلح الإمام الحسن عليهالسلام مع معاوية / كما
تصورها لنا المصادر التاريخية الأولى / من أشد القضايا غموضا وتشوها في تاريخ أهل
البيت عليهمالسلام
من جهة ، وفي تاريخ العراق الإسلامي المبكر من جهة أخرى ، وذلك لان القراءة
الأولية للمصادر التاريخية الإسلامية حول الموضوع تفرض على القارئ ان يخرج
بانطباعين سلبيين هما :
الأول
: الانطباع السلبي الشديد عن العراقيين
الأوائل الذين عاصروا عليا والحسن والحسين عليهماالسلام
في الكوفة خاصة ، وهو الانطباع السائد لدى كل من درس الموضوع أو كتب فيه ، وهو : كونهم
متفرقين متخاذلين / طالما تمنى علي عليهالسلام
فراقهم / غير قادرين على النهوض بدولة مستقلة بهم نظير ما صنعه الشاميون مع معاوية
، بل كان بعض العراقيين / كما في بعض الروايات / يفكر بتسليم الحسن عليهالسلام حيا إلى معاوية ، ولذلك
اضطر الحسن عليهالسلام
إلى تسليم الأمر لمعاوية ، وهذا الانطباع يستوي فيه القراءة المسلمون بغض النظر عن
مذاهبهم.
الثاني
: الانطباع السلبي عن شخصية الحسن عليهالسلام لدى القارئ الذي لا
تربطه معه رابطة الاعتقاد بإمامته وعصمته أو رابطة الاعتقاد بوجوب محبته واحترامه
لأنه من أهل البيت عليهمالسلام
الذين أوجب الله تعالى مودتهم ، كالمستشرقين وقد كادوا يجمعون على كون الحسن عليهالسلام شخصية غير جديرة بان
تكون ابنا لعلي عليهالسلام
وانه باع الخلافة بدراهم من اجل شهواته.
أما القارئ المؤمن بعصمة الإمام الحسن عليهالسلام فلم يؤثر عليه ذلك
الركام الهائل من الروايات الطاعنة في شخصيته لإيمانه المسبق ان الحسن عليهالسلام منزَّه عن ذلك وان
تلك الروايات لا بد ان تكون موضوعة من قبل أعدائه لتشويه صورته.
ويعد كتاب صلح الحسن عليهالسلام
للباحث المحقق الشيخ راضي آل ياسين رحمهالله
الذي صدرته الطبعة الأولى منه سنة ١٣٧٢ هـ ـ ١٩٥٢ م افضل واشهر كتاب معاصر في
الموضوع ، وقدم له في وقته الحجة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين رحمهالله صاحب التآليف القيمة
بكلمة تصدرت الكتاب زادت من قيمته وأهميته ، ومن ثَمَّ سادت الرؤية التي قدمها
الكتاب في النقد والتحليل وأخذ بها كلُّ من جاء بعده من الباحثين الشيعة.
ولما كنت في دراستي التي أعرضها بين
يديك أيها القارئ الكريم قد خرجت برؤية مخالفة للرؤية السائدة بل هادمة لمرتكزاتها
، مع نتائج جديدة للصلح وأَلَقٍ كبيرٍ في شخصية الحسن عليهالسلام وإمامتمه الإلهية
رأيت ان ألخص الرؤية القديمة للصلح بقلم علمين كبيرين من أعلامنا ثم اعرض خلاصة
الرؤية الجديدة قبل البدء ببحوث الكتاب.
خلاصة الرؤية المشهورة
في تعليل الصلح
قال
العلامة الحجة السيد عبد الحسين شرف الدين رحمهالله
: «ومن الغريب بقاء الناس في عشواءَ
غمّاءَ من هذا الصلح إلى يومهم هذا ، لا يقوم أحد منهم في بيان وجهة الحسن في صلحه
، بمعالجة موضوعية مستوفاة ببيانها وبيناتها ، عقلية ونقلية ، وكم كنت أحاول ذلك ،
لكن الله عز وجل شاء بحكمته أن يختص بهذه المأثرة من هو أولى بها ، وأحق بكل فضيلة
، ذلك هو مؤلف هذا السفر البكر «صلح الحسن» فإذا هو في موضوعه فصل الخطاب ، ومفصل
الصواب ، والحد الفاصل بين الحق والباطل. أما المؤلف (أي الشيخ راضي آل ياسين) ـ
أعلى الله مقامه ـ فإنك تستطيع أن تستشف ملامحه ، وافر الذهن ، غزير الفهم والعلم
، واسع الرواية ، عليما زاخرا بعلوم آل محمد ، علامة بحاثة ، أمعن
__________________
في التنقيب عن
أسرارهم ، يستجلي غوامضها ، ويستبطن دخائلها ، لا تفوته منها واردة ولا شاردة ، إلى
خصائص في ذاته وسماته يمثلها كتابه هذا بجلاء».
ثم قال رحمهالله
يلخص الرؤية السائدة عن الصلح :
«ومن أمعن فيما اشتمل عليه هذا الكتاب ،
من أحوال الحسن ومعاوية ، علم انهما لم ترتجلهما المعركة ارتجالا ، وإنما كانا في
جبهتيهما خليفتين ، استخلفهما الميراث على خُلُقين متناقضين.
وقد وقف الحسن والحسين من دهاء (معاوية)
ومكره إزاء خطر فظيع ، يهدد الإسلام باسم الإسلام ، ويطغى على نور الحق باسم الحق
، فكانا في دفع هذا الخطر ، أمام أمرين لا ثالث لهما : اما المقاومة ، واما
المسالمة. وقد رأيا أن المقاومة في دور الحسن تؤدي لا محالة إلى فناء هذا الصف
المدافع عن الدين وأهله ، والهادي إلى الله عز وجل ، والى صراطه المستقيم. إذ لو
غامر الحسن يومئذ بنفسه وبالهاشميين وأوليائهم ، فواجه بهم القوة التي لا قِبَل
لهم بها
مصمما على التضحية ، تصميم أخيه يوم «الطف» لانكشفت المعركة عن قتلهم جميعا ، ولانتصرت
«الأموية» بذلك نصرا تعجز عنه إمكانياتها.
ومن هنا رأى الحسن عليهالسلام أن يترك معاوية
لطغيانه ، ويمتحنه بما يصبو إليه من الملك ، لكن أخذ عليه في عقد الصلح ، أن لا
يعدو الكتاب والسنة في شيء من سيرته وسيرة أعوانه ومقوية سلطانه ، وأن لا يطلب
أحدا من الشيعة بذنب أذنبه مع الأموية ، وأن يكون لهم من الكرامة وسائر الحقوق ما
لغيرهم من المسلمين ، وأن ، وأن ، وأن. إلى غير ذلك من الشروط التي كان الحسن
عالما بأن معاوية لا يفي له بشيء منها وأنه سيقوم بنقائضها.
وبالجملة فان هذه الخطة ثورة عاصفة في
سلم لم يكن منه بد ، أملاها ظرف الحسن ، إذ التبس فيه الحق بالباطل ، وتسنى
للطغيان فيه سيطرة مسلحة ضارية. ما كان الحسن ببادئ هذه الخطة ولا بخاتمها ، بل
أخذها فيما أخذه من إرثه ، من صلح «الحديبية» فيما أُثِر من سياسة جده صلىاللهعليهوآلهوسلم
، وله فيه أسوة حسنة ،
__________________
إذ أنكر عليه بعض
الخاصة من أصحابه ، كما أنكر على الحسن صلح «ساباط» بعض الخاصة من أوليائه ، فلم
يهن بذلك عزمه ، ولا ضاق به ذرعه.
تهيأ للحسن بهذا الصلح أن يغرسَ في طريق
معاوية كميناً من نفسه يثور عليه من حيث لا يشعر فيُرديه ، وتسنى له به أن يُلغم
نصرَ الأموية ببارود الأموية نفسها. فيجعل نصرها جفاءا ، وريحا هباءا. لم يطل
الوقت حتى انفجرت أولى القنابل المغروسة في شروط الصلح ، انفجرت من نفس معاوية يوم
نشوته بنصره ، إذ انضم جيش العراق إلى لوائه في النخيلة. فقال ـ وقد قام خطيبا
فيهم ـ : «يا أهل العراق ، إني والله لم أقاتلكم لتصلوا ولا لتصوموا ، ولا لتزكوا
، ولا لتحجوا ، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون!.
ألا وان كل شيء أعطيته للحسن بن علي جعلته تحت قدمي هاتين!» .
فلما تمت له البيعة خطب فذكر عليا فنال
منه ، ونال من الحسن ، فقام الحسين ليرد عليه ، فقال له الحسن : «على رسلك يا أخي». ثم قام عليهالسلام فقال : «أيها الذاكر
عليا! أنا الحسن وأبي علي ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمي فاطمة وأمك هند ، وجدي
رسول الله وجدك عتبة ، وجدتي خديجة وجدتك فتيلة ، فلعن الله أخملنا ذكرا ، وألأمنا
حسبا ، وشرنا قديما ، وأقدمنا كفرا ونفاقا!» فقالت طوائف من أهل المسجد : «آمين».
ثم تتابعت سياسة معاوية ، تنفجر بكل ما
يخالف الكتاب والسنة من كل منكر في الإسلام ، قتلا للأبرار ، وهتكا للإعراض ، وسلبا
للأموال ، وسجنا للأحرار ، وتشريدا للمصلحين ، وتأييدا للمفسدين الذين جعلهم وزراء
دولته ، كابن العاس ، وابن شعبة ، وابن سعيد ، وابن أرطأة ، وابن جندب ، وابن
السمط ، وابن الحكم ، وابن مرجانة ، وابن عقبة ، وابن سمية الذي نفاه عن أبيه الشرعي
عُبيد ، وألحقه بالمسافح أبيه أبي أبناءهم ، ويستحيي نساءهم ، ويفرقهم عباديد ، تحت
كل كوكب ، ويحرق بيوتهم ، ويصطفي أموالهم ، لا يألو جهدا في ظلمهم بكل طريق. ختم
معاوية منكراته هذه
__________________
بحمل خليعة المهتوك
على رقاب المسلمين ، يعيث في دينهم ودنياهم ، فكان من خليعه ما كان يوم الطف ، ويوم
الحَرَّة ، ويوم مكة إذ نصب عليها العرادات والمجانيق!. هذه خاتمة أعمال معاوية ، وانها
لتلائم كل الملاءمة فاتحة أعماله القاتمة. وبين الفاتحة والخاتمة تتضاغط شدائد ، وتدور
خطوب ، وتزدحم محن ، ما أدري كيف اتسعت لها مسافة ذلك الزمن ، وكيف اتسع لها صدر
ذلك المجتمع؟ وهي ـ في الحق ـ لو وزعت على دهر لضاق بها ، وناء بحملها ، ولو وزعت
على عالم لكان جديرا أن يحول جحيما لا يطاق.
ومهما يكن من أمر ، فالمهم أن الحوادث
جاءت تفسر خطة الحسن وتجلوها.
وكان أهم ما يرمي إليه سلام الله عليه ،
أن يرفع اللئام عن هؤلاء الطغاة ، ليحول بينهم وبين ما يبيتون لرسالة جده من
الكيد. وقد تم له كل ما أراد ، حتى برح الخفاء وآذن أمر الأموية بالجلاء والحمد
لله رب العالمين.
الفضل في كشف هذه الحقيقة انما هو
لمولانا ومقتدانا علم الأمة ، والخبير بأسرار الأئمة ، حجة الإسلام والمسلمين ، شيخنا
المقدس الشيخ راضي آل ياسين أعلى الله مقامه. ذلك لان أحدا من الاعلام لم يتفرغ
لهذه المهمة تفرغه لها في هذا الكتاب الفذ الذي لا ثاني له ، وها هو ذا مُشرِف من
القمة على الأمة ، ليسُدَّ في مكتبتها فراغا كانت في فاقة إلى سده ، فجزاه الله عن
الأمة وعن الأئمة ، وعن غوامض العلم التي استجلاها ، ومخبآته التي استخرجها ، ومحص
حقائقها ، خير جزاء المحسنين ، وحشره في أعلى عليين [مع الذين أنعم الله عليهم من
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا].
حرر في صور (جبل عامل). في الخامس عشر
من رجب سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة والف من الهجرة (١٩٥٢ م). انتهى كلام العلامة
المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي.
وقال
العلامة الشيخ راضي آل ياسين رحمهالله في مقدمة كتابه صلح
الامام الحسن عليهالسلام :
«... هأنذا مقدم ـ الآن ـ بين يدي قارئي الكريم ، عصارة بحوث تستملي حقايقها من
صميم الواقع غير مدخول بالشكوك ، ولا خاضع للمؤثرات عن الحقبة المظلومة التاريخ ، التي
لم يحفل في عرضها ، بما
تستحق ـ مؤرخونا القدامى ، ولم يعن في تحليلها ـ كما يجب ـ كتابنا المحدثون.
تلك هي قطعة الزمن التي كانت عهد خلافة
الحسن بن علي في الإسلام والتي جاءت بين دوافع الأولين ، وتساهل الآخرين ، صورة
مشوهة من صور التاريخ.
وتعرضت في مختلف أدوارها لما كان يجب ان
يتعرض له أمثالها من الفترات المطموسة المعالم ، المنسية للحقائق ، المقصودة ـ على
الأكثر ـ بالإهمال أو بالتشويه.
فإذا بالحسن بن علي (عليه وعلى أبيه
أفضل الصلاة والسلام) في عرف الأكثرين من المتسرعين بأحكامهم ـ من شرقيين وغربيين
ـ الخليفة الضعيف السياسة! المتوفر على حب النساء! الذي باع «الخلافة» لمعاوية
بالمال!! ... إلى كثير من هذا الهذر الظالم ، الذي لا يستند في مقاييسه على منطق ،
ولا يرجع في تحكماته إلى دليل ، ولا يعنى في ارتجالياته بتحقيق أو تدقيق.
وعَمَدَتْ هذه الفصول إلى تفلية هذه
الحقبة القصيرة من الزمن بما هي ظرف احداث لا تقل بأهميتها ـ في ذاتها ـ ولا بموقعها
«الاستراتيجي» في التاريخ ـ إذا صح هذا التعبير ـ عن أعظم الفترات التي مر بها
تاريخ الإسلام منذ وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
والى يوم الناس ...
لأنها بداية اقرار القاعدة الجديدة في
التمييز بين السلطات الروحية والسلطات الزمنية في الإسلام.
ولأنها الفترة التي تبلورت فيها
الحزازات الطائفية لأول مرة في تاريخ العقائد الإسلامية.
كانت النقود التي جَرح بها وُقّاح الرأي
سياسةَ الحسن عليهالسلام
، أبعد ما يكونون ـ في تجريحهم ـ عن النَّصَف والعمق والإحاطة بالظرف الخاص ، هي
التي نسجت كيان المشكلة التاريخية في قضية هذا الامام عليهالسلام ، وكان للشهوة
الحزبية من بعض ، ولمسايرة السياسة الحاكمة من آخر ، وللجهل بالواقع من ثالث ، أثره
فيما أسفَّ به المتسرعون إلى أحكامهم. ونظروا إليه نظرتهم إلى زعيم أخفق في
زعامته.
وفاتهم أن ينظروا إلى دوافع هذا الإخفاق
المزعوم ، الذي كان ـ في حقيقته ـ
انعكاسا للحالة
القائمة في الجيل الذي قدر للحسن أن يتزعمه في خلافته ، بما كان قد طغى على هذا
الجيل من المغريات التي طلعت بها الفتوح الجديدة على الناس.
وأي غضاضة على «الزعيم» إذا فَسَدَ
جيلُه ، أو خانته جنودُه ، أو فقد مجتمعُه وجدانه الاجتماعي. وفاتهم ـ بعد ذلك ـ
أن ينظروا إليه كألمع سياسي يدرس نفسيات خصومه ونوازع مجتمعه وعوامل زمنه ، فيضع
الخطط ويقرر النتائج ، ويحفظ بخططه مستقبل أمة بكاملها ، ويحفر ـ بنتائجه ـ قبور
خصومه قبرا قبرا ، ويمر بزوابع الزمن من حوله رسول السلام المضمون النجاح ، المرفوع
الرأس بالدعوة إلى الإصلاح. ثم يموت ولا يرضى أن يهرق في أمره محجمة دم ترى ، فأي
عظمة أجل من هذه العظمة لو أنصف الناقدون المتحذلقون؟.
وان كتابنا هذا ليضع نقاط هذه الحروف
كلها ، مملاة عن دراسة دقيقة سيجدها المطالع ـ كما قلنا ـ أقرب شيء من الواقع ، أو
هي الواقع نفسه ، مدلولا عليه بالمقاييس المنطقية ، وبالدراسات النفسية ، وبالشواهد
الشوارد من هنا وهناك. كل ذلك هو عماد البحث في الكتاب ، والقاعدة التي خرج منها
إلى احكامه بسهولة ويسر ، في سائر ما تناوله من موضوعات أو حاوله من آراء ...
وسيجد القارئ أن الكتاب ليس كتابا في
أحوال الامام الحسن عليهالسلام
، بوجه عام ، وإنما هو كتاب مواقفه السياسية فحسب.
وان موضوعا من العمق والعسر كموضوعنا ، وبحثا
فقير المادة قصير المدة كبحثنا ـ ونحن نتطلع إليه بعد ١٣٢٨ من السنين ـ لحري بأن
لا يدُرُّ على كاتبه بأكثر مما دَرَّت به هذه الفصول ، احرص ما تكون توفرا على
استقصاء المواد ، وتنسيق عناصر الموضوع ، وتهذيبها من الزائف والدخيل.
ونحن إذ نومئ إلى «فقر المادة» وأثره
على البحث ، لا نعني بالمادة الا هذه «الموسوعات» التي كان بإمكاننا التعاون
معها على تجلية موضوعنا بما هي عليه من تشويش للتناسق أو تشويه للحقايق.
اما المؤلفات الكثيرة العدد التي وردت
أسماؤهم في معاجم المؤلفين الأولين ، مما كتب عن قضية الحسن عليهالسلام فقد حيل بيننا وبين
الوقوف عليها. وكانت مع الكثير من تراثنا
القديم قيد المؤثرات
الزمنية ، وطعمة الضياع والانقراض أخيرا. وكان ذلك عصب النكبة في الصحيح الصحيح من
تاريخ الإسلام ، وفي المهم المهم من قضاياه الحساسة أمثال قضيتنا ـ موضوع البحث ـ.
فلم نجد ـ على هذا ـ من مصادر الموضوع : كتاب (صلح الحسن ومعاوية لأحمد بن محمد بن
سعيد بن عبد الرحمن السبيعي الهمداني المتوفى سنة ٣٣٣ هجري) ، ولا كتاب [(صلح
الحسن عليه السالم لعبد الرحمن بن كثير الهاشمي (مولاهم)] ، ولا كتاب (قيام الحسن عليهالسلام لهشام بن محمد بن
السائب) ، ولا كتاب (قيام الحسن عليهالسلام
، لإبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال بن عاصم بن سعد بن مسعود الثقفي المتوفى سنة
٢٨٣ هجري) ولا (كتاب عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري في أمر الحسن عليهالسلام) ، ولا كتاب (اخبار
الحسن عليهالسلام
ووفاته ، للهيثم بن عدي الثعلبي المتوفى سنة ٢٠٧ هجري) ، ولا كتاب (اخبار الحسن بن
علي عليهالسلام
، لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الأصفهاني الثقفي)
، ولا نظائرها.
اما هذه المصادر التي قُدِّرَ لنا ان لا
نجد غيرها سندا ، فيما احتاجت به هذه البحوث إلى سند ما ، فقد كان أعجب ما فيها
انها تتفق جميعها في قضية الحسن عليهالسلام
على ان لا تتفق في عرض حادثة ، أو رواية خطبة ، أو نقل تصريح ، أو الحكم على إحصاء
، بل لا يتفق سندان منها ـ على الأكثر ـ في تأريخ وقت الحادث أو الخطبة من تقديم
أو تأخير ، ولا في تعيين اسم القائد مثلا ، أو ترتيب القيادة بين الاثنين أو
الثلاثة ، ولا في رواية طرق النكاية التي أريدت بالحسن عليهالسلام في ميادينه ، أو في
التعبير عن صلحه ، أو في قتله أخيرا ، ولا في كل صغيرة أو كبيرة من اخبار الملحمة
، من ألفها إلى يائها. وللمؤثرات التي تحكمت في رقبة هذه المصادر ، عند نقاطها
الحساسة اثرها المحسوس في الكثير الكثير من عروضها.
وإذا كان من أصعب مراحل هذا التأليف ، إرجاع
هذه الحقائق إلى تسلسلها
__________________
الصحيح الذي يجب ان
يكون هو واقعها الأول ، فقد كان من أيسر الوسائل إلى تحقيق هذا الغرض ، الاستعانة
عليه بقرائن الأحوال ، وتناسق الأحداث ، اللذين لا يتم بدونهما حكم على وضع. وكان
من حسن الصدف ، ان لا نخرج في اختيار النسق المطلوب عن الشاهد الصريح ، الذي
بعثرته هذه المصادر نفسها ، في اطواء رواياتها الكثيرة المضطربة ، فكانت ـ
بمجموعها ـ وعلى نقص كل منها ، أدلتنا الكاملة على ما اخترناه من تنسيق أو تحقيق ،
وذلك أروع ما نعتز به من التوفيق. ووقفنا في فلسفة الموقف ـ عند مختلف مراحله ـ
وقفاتنا المتأنية المستقرئة الصبور ، التي لا تستلم للنقل أكثر مما تحتكم للعقل.
ورجعنا في كثير مما التمسنا تدقيقه ، إلى التصريحات الشخصية التي جاءت أدل على
الغرض من روايات كثير من المؤرخين».
انتهى كلام العلامة الحجة الشيخ راضي آل ياسين رحمهالله.
ثلاث ملاحظات أساسية
حول الرؤية المشهورة :
أوردتُ من كلمات ذينك العَلَمين
الجليلين ما يغنيني عن ذكر أهمية البحث وصعوبته وضرورته ، وما اودُّ التعليق عليه
من الكلمات التي عبرت عن مفاصل الرؤية السائدة والمشهورة ثلاث تعليقات هي :
الأولى
: انها لم تميز بين سنوات الصلح العشر
زمن حياة الحسن عليهالسلام
التي كانت سنوات أمان وحركة نشيطة لشيعة علي عليهالسلام
في نشر أَخبار سيرته المشرقة وأحاديث النبي صلىاللهعليهوآله
فيه وفي أهل بيته عليهمالسلام
، وسنوات المحنة بعد وفاته ، السنوات التي أَعاد فيها معاوية إِعلامه الكاذب ضد
علي عليهالسلام
بأشد ما يكون ، وفرض على الناس في كل مكان لعنه ، ومعاقبة المخالف وكان اشدُّ
الناس ابتلاءً أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليهالسلام.
وليس من شك فان اكتشاف هذه الحقيقة سوف يفرض على التحليلات التي كانت قد أغفلتها
ان تغير من وجهتها. ومن ابرز هذه التحليلات ان الشروط لم يلتزم بها معاوية منذ
اليوم الأول ، اما الرواية التي تقول ان معاوية خطب في الكوفة في اليوم الأول من
الصلح ونال من علي عليهالسلام
وهو يسمع ، وأَعلن عن ردِّه للشروط فهي
__________________
رواية موضوعة في
العهد العباسي لتشويه العمل العظيم الذي قام به الحسن عليهالسلام نكاية بالحسنيين
الثائرين من ولده عليهالسلام
على العباسيين وقد بحثناها في كتابنا هذا ، وفي تقديرنا ان قول معاوية ان صحت
الرواية قد قاله بعد وفاة الحسن عليهالسلام
وبعد تعقُّبِه شيعةَ علي عليهالسلام
سجنا ونفيا وقتلا.
الثانية
: انطلقت الرؤية المشهورة من فكرة مفادها
: انَّ الموقف المطلوب أساسا هو الحرب ، ولمَّا لم يكن للحسن عليهالسلام / كما تصور لنا
الروايات الموضوعة / جيش كفوء يعتمد عليه لإيقاف خصمه المتستِّر بالإسلام اضطُرَّ
إلى الصلح لفضحه ، ثم جعلت الرؤية السائدة الاستفادة من درس صلح الحديبية هو تأسي
الحسن عليهالسلام
بجده النبي صلىاللهعليهوآله
حين أنكر عليه بعض الخاصة من أصحابه أَمر الصلح ، كما أنكر على الحسن صلح «ساباط» بعض
الخاصة من أوليائه.
وفي تقديرنا ان الاستفادة كانت أَعمق من
ذلك : إذ أَنَّ الموقف الذي أَسَّسه صلح الحديبية هو إِفهام الناس أَنَّ الحرب
ليست هي القاعدة العامة لحل المشكلات والأزمات ، بل قد يكون الموقف المطلوب الذي
يفتح الطريق للهداية أو لحل الأزمة المستعصية هو الصلح والتنازل المحدود المشروط.
وقد استهدف النبي صلىاللهعليهوآله
في صلح الحديبية هذا الموقف لتحقيق الأمان في الجزيرة العربية المقرون بفضح إعلام
قريش التي كانت تدَّعي انها تعمل على احترام البيت الحرام وزوّاره وان محمدا صلىاللهعليهوآله كان لا يحترم البيت
الحرام وما يرتبط به من قوافل أهله التجارية فقد تعرض لها في الطريق وأخافها ، وقد
كانت العرب في ال جاهلية تحترمها وتحرسها احتراما للبيت الحرام ، مضافا إلى هذه
المكسب فقد انطلقت الاخبار الصحيحة عن سيرة النبي صلىاللهعليهوآله
تشق طريقها إلى الناس الذين اكتشفوا انهم كانوا مخدوعين بالإعلام القرشي الكاذب.
ومن هنا رأينا النبي صلىاللهعليهوآله
يخرج في تظاهرة كبيرة هو وأصحابه مُحرِمين يسوقون الهديَ لزيارة البيت وعرض
__________________
النبي صلىاللهعليهوآله على قريش الصلحَ
فقبلت بعد تردد ورفض واشترطت أَنْ يرجع عامَه ذاك وقبل النبي صلىاللهعليهوآله ذلك ، وعرفت العرب
انَّ قريشا هي التي تصدُّ عن البيت الحرام وليس محمدا صلىاللهعليهوآله ، فافتضح إعلامها
الكاذب ، واختلط المسلمون مع الناس ونقلوا اليهم صورا رائعة من سيرة النبي صلىاللهعليهوآله الهادية وبذلك تبدلت
الصورة السيئة التي إشاعتها قريش المشركة عن النبي صلىاللهعليهوآله
ليحي من حيَّ عن بينة ، واستجابت القبائل ودخلت الإسلام أفواجا ومن ثم سمى القرآنُ
الصلحَ مع ما يحفه من التنازل ب (الفتح المبين).
والأمر نفسه تكرر مع (قريش الأبناء) بقيادة
معاوية لما تخندقوا في الشام واستطاعوا ان يعبثوا الشام بإعلام كاذب وإعطاء صورة
سيئة عن علي عليهالسلام
، وكونه يطلب الملك بالحرب وسفك الدماء وانه مفسد في دين محمد صلىاللهعليهوآله ، وغير ذلك من التهم
الباطلة ، ويجئ الصلح بشروط الحسن عليهالسلام
فاضحا لمعاوية وإعلامه وفاتحا الطريق لإمامة علي عليهالسلام
الإلهية يحمل أخبارها ونصوصها النبوية التاسيسية شيعة علي عليهالسلام من الكوفيين وغيرهم
يحدِّثون بها أهلَ الشام مدة عشر سنوات من الأمان. ومن ثم فان صلح الحسن لا تبعد
عنه تسمية (الفتح المبين) لما حققه من فضح معاوية وإعلامه الكاذب وانتشار اخبار
سيرة علي عليهالسلام
المشرقة ومعرفة موقعه من الرسالة عبر حديث الغدير والثقلين والكساء وغيرها التي لم
يكن أهل الشام قد سمعوا بها آنذاك.
وهذا الفهم هو المناسب لقول الحسن عليهالسلام (علة مصالحتي
لمعاوية علة مصالحة النبي لقريش) لان نتائج الصلح هنا هي نتائج الصلح هناك ، توحدت
العلة وتوحد الأثر.
الثالثة
: نجح المؤلف الحجة الشيخ راضي آل ياسين
رحمة الله عليه في تجلية شخصية الحسن عليهالسلام
والدفاع عنه كما يليق به إماما من أئمة الهدى ، ولكنه فيما يتعلق بأهل الكوفة وقع
/ في تقديرنا / تحت ضغط الاخبار الموضوعة التي استهدفت تشويههم كما استهدفت
نظائرها تشويه شخصية الحسن عليهالسلام
، وكان المترقب من دراسة مستوعبة كالتي نهض بها العلم الكبير ان تصنف الاخبار
بخصوص أهل الكوفة إلى مجموعتين ، ثم ترجح احدهما بالمرجحات العلمية المعروفة عند
تعارض الاخبار. وقد شخصنا ثلاثة مرجحات للأخبار المادحة وإسقاط القادحة وهي :
|
١.
ان المصادر التي عرضت الاخبار المادحة ورواتها هي مصادر الخاصة أعني
|
|
المصادر
الشيعية والرواة الشيعة ، اما المصادر التي عرضت الاخبار الطاعنة فهي عامية
ورواتها عُرِف الكثير منهم بممالئتهم لخلفاء الجور من العباسيين.
٢.
ان الاخبار الطاعنة تعارضها حقيقة الأمان في السنوات العشر الأولى من الصلح إذ
لم يروَّع شيعي واحد في هذه الفترة وهي حقيقة كشف عنها بحثنا الجديد هذا.
٣.
ان العباسيين بعد قضائهم على ثورة الأخوين محمد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن
بن الحسن المثنى (رض) اتجهوا في إعلامهم العام وجهة تسقيط الحسنيين بتشويه سيرة
جدهم الحسن المجتبى عليهالسلام فوضعوا اخبارا من قبيل : انه باع
الخلافة بدراهم من اجل شهواته ، ووضعوا اخبارا أخرى تشوه سيرة الكوفيين وانهم
تفرقوا عن الحسن عليهالسلام وتفرقوا عن أبيه من قبل ، ووضعوا على
لسان الحسن أحاديث تؤكد ذلك.
|
صلح الحسن عليهالسلام
في الاعلام الاموي والعباسي
وروايات اهل البيت عليهمالسلام
وجدت من الناحية التاريخية ثلاثة
اطروحات عرَّفت بالحسن عليهالسلام
ودوافع صلحه ونتائجه وهي :
اطروحة الاعلام
الاموي : أنَّ تنازل الحسن عليهالسلام
عن السلطة بخطة من معاوية :
لا نملك مصادر اموية تتحدث عن صلح
الامام الحسن عليهالسلام
، وانما الذي بين ايدينا مصادر عباسية تنقل عن رواة مخضرمين عاشوا العهدين العباسي
والاموي امثال معمر بن راشد اليماني (ت ١٥٤ هـ) ويونس الايلي (ت ١٦٠ هـ) وعبيد
الله بن ابي زياد الرصافي (ت ١٥٨ هـ) وضمرة بن ربيعة القرشي الحمصي الفلسطيني (ت
٢٠٢ هـ) الذين رووا عن الزهري قصة الصلح ، وعوانة بن الحكم (ت ١٥٨ هـ) وعثمان
الطرائفي (ت ٢٠٣ هـ) ومحمد بن عبيد (ت ٢٠٢ هـ) وسفيان بن عيينة (ت ١٩٨ هـ) ، وقد
نصت كتب الرجال في ترجمة عوانة بن الحكم انه كان يضع الاخبار لبني امية. ومن
المؤكد ان الزهري كان يضع الاخبار لبني امية وولاتهم وقد طلب منه والي العراق خالد
القسري ان يكتب السيرة ولا يذكر فيها عليا الا ان يجده في قعر الجحيم! وقد روى
معمر روايات السيرة عن الزهري واوردها كاملة عبد الرزاق الصنعاني وقد جاءت خالية
من ذكر علي عليهالسلام.
وفي ضوء ذلك فان قصة صلح الحسن عليهالسلام
بروايات هؤلاء عن الزهري وغيره تعكس الرؤية الاموية لا محالة. والبادئ للصلح في
روايتهم هو معاوية ، وهي قضية صحيحة اساسا ، ولكن ما الذي طلبه معاوية من الحسن عليهالسلام؟
هل طلب معاوية من الحسن عليهالسلام ان يتنازل عن السلطة
مقابل اموال يغدقها عليه؟ كما في رواية البخاري عن ابن عيينة (اعرضا عليه) اي
المال. واعتمدها المؤرخون
السلفيون الذهبي وابن
كثير وغهما ، والمحدثون ، ابن حجر والعيني وغيرهما في شرحهما للبخاري وقد استنبطوا
منها رافة معاوية بالمسلمين وقدرته في تدبير الملك!
ام طلب معاوية من الحسن عليهالسلام ان توقف الحرب وان
يكون الحسن عليهالسلام
حاكما في العراق والبلاد التي بايعته وان يكون معاوية حاكما في الشام والبلاد التي
بايعه؟ وهو الصحيح فقد طلب معاوية ذلك من علي بعد التحكيم ، ورفضه علي ، لان
معاوية باغ وحكم البغاة هو قتالهم ولا يجوز الصلح معهم الا لمفاوضات املاً بان
يرجع البغاة عن بغيهم. ثم كرر الطلب معاوية بعد علي عليهالسلام
وقد انقسمت الامة باختيارها فبايعت في الشام معاوية وبايعت في العراق الحسن عليهالسلام ، وفي ظل هذه الوضع
الجديد لا يمكن لمعاوية ان يعرض على الحسن عليهالسلام
غير ما عرضه على ابيه علي عليهالسلام
في حياته بان يبقى كل على بلده الذي بايعه واعتقد بامامته ، لانه يعلم حق العلم ان
عليا عليهالسلام
/ ومن بعده الحسن عليهالسلام
/ له مشروعه في احياء سنة النبي صلىاللهعليهوآله
التي عطلها الخلفاء ، وقد تبناه اهل العراق كما تبنى اهل الشام معاوية في السير
على نهج عثمان والشيخين.
وقد رفض الحسن طلب معاوية ذلك لانه يؤدي
الى تكريس الانشقاق في الامة وتكريس جهل اهل الشام بمشروع علي عليهالسلام ، وعرض عليه الحسن عليهالسلام مشروعه الذي لم يخطر
في باله ، ولا بال احد من رجالاته ، عرض عليه توحيد الامة وتوحيد حكومتها بنظام
يحدده الحسن عليهالسلام
وهو الكتاب والسنة دون سيرة الشيخين وبشروط اضافية من قبيل امان شيعة علي عليهالسلام في العراق ، وان
يكون الامر للحسن عليهالسلام
بعد معاوية وان لا يذكر عليا عليهالسلام
الا بخير وغير ذلك وان يكون الحاكم هو معاوية وبعد موته يكون الحسن عليهالسلام وهكذا كان الامر
لعشر سنوات حيث عاشت الامة افضل ايامها من الامان والحرية في العبادة.
لقد غيب الاعلام الاموي الانجاز العظيم
للحسن عليهالسلام
الذي بشر به النبي صلىاللهعليهوآله
، ان ابني هذا سيد سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. وجعلوه صلحا ، كان
الداعي اليه معاوية الذي بذل الاموال لسد دين الحسن عليهالسلام
ومعالجة حالات كانت بحاجة الى المال! ومن هنا كان الحسن عليهالسلام مرضيا لدى المحدثين
والسلفيين قاطبة لانه اثر حقن الدماء على الحرب مستجيبا لمعاوية الرؤوف بالمسلمين!
اطروحة الاعلام
العباسي : أنَّ الحسن عليهالسلام
تنازل عن السلطة رغبة في المال والحياة المترفة :
ثار الحسنيون على العباسيين سنة ١٤٤ هـ
بقيادة محمد بن عبد الله بن الحسن في المدينة ثم قتل وقام من بعده اخوه ابراهيم بن
عبد الله بن الحسن في البصرة ثم قتل بسهم طائش في معركة بين البصرة والكوفة ووجد
العباسيون انفسهم بحاجة الى توجيه الاعلام وجهة تسقيطية للحسنيين من خلال ترويج ما
اسسه الاعلام الاموي في الحسن عليهالسلام
مع تطوير واضافات تقتضيها المرحلة وكانت هذه الاضافات هي تسقيط الكوفة بوصفها قلعة
المؤيدين للحسنيين وللامام الصادق عليهالسلام
وقد وضع الخليفة الدوانيقي ابي جعفر الخطوط العريضة لهذا الاعلام فقال :
... ثمَّ قام بعدَهُ الحسن بن علي عليهالسلام ، فو الله ما كان
برجل ، عرضت عليه الأموال فقبلها ، ودسَّ إليه معاوية إنِّي أجعلك ولي عهدي ، فخلع
نفسه وانسلخ له ممَّا كان فيه ، وسلَّمه إليه وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة
ويطلق غداً أخرى ، فلم يزل كذلك حتّى مات على فراشه.
وفيما يخص الكوفيين قال :
(ثمَّ قام من بعده الحسين بن علي عليهماالسلام ، فخدعه أهل العراق
وأهل الكوفة أهل الشقاق والنِّفاق والإغراق في الفتن ، أهل هذه المدرة السوء ، / وأشار
إلى الكوفة / فو الله ما هي لي بحرب فأُحاربها ، ولا هي لي بسلم فأُسالمها ، فرَّق
الله بيني وبينها فخذلوه وأبرؤوا أنفسهم منه ، فأسلموه حتّى قتل.
ثمَّ قام من بعده زيد بن علي ، فخدعه
أهل الكوفة وغرّوه ، فلمَّا أظهروه وأخرجوه أسلموه ، وقد كان أبي محمد بن علي
ناشده الله في الخروج وقال له : لا تقبل أقاويل أهل الكوفة فإنّا نجد في علمنا
أنَّ بعض أهل بيتنا يصلب بالكناسة ، وأخشى أن تكون ذلك المصلوب ، وناشده الله بذلك
عمّي داود وحذَّره رحمهالله
غدر أهل الكوفة ، فلم يقبل ، وتمَّ على خروجه ، فقتل وصلب بالكناسة).
__________________
ولما قتل ابراهيم بن عبد الله بن الحسن
امر المنصور ان يطاف برأسه بالكوفة سنة ١٤٥ هجرية وخطب قائلا :
(يا أهل الكوفة عليكم لعنة الله وعلى
بلد انتم فيه ... سبئية
، خشبية
، قاتل يقول : جاءت الملائكة وقائل يقول جاء جبريل ...
لَلَعَجَب لبني امية وصبرهم عليكم ، كيف
لم يقتُلوا مقاتلتَكم ويسبوا ذراريكم ، ويخربوا منازلكم.
أما والله يا اهلَ المَدَرَة الخبيثة
لئن بقيت لكم لأذلنكم).
لقد انتج الاعلامان الاموي والعباسي
كمية هائلة من الروايات الكذب في قضية الصلح لم تتسبب في ظلم الامام الحسن عليهالسلام وظلم العراقيين حسب
، بل تسببت في تشويه الرؤية الاسلامية الصحيحة في مسالة (لو بايعت الامة لحاكمين)
، وتغييب اخبار تجربة وعهد هو من اروع العهود الاسلامية بعد عهد النبي صلىاللهعليهوآله وعهد الامام علي عليهالسلام امتاز بالامان التام
والحوار الصادق والتعددية المذهبية المبنية على القناعة وظهور المرجعية الدينية
المستقلة عن السلطة متفرغة الى عمل الخير وتعليم الناس ، وانصراف الدولة الى
وظيفتها الاساسية من تحقيق الامان داخليا وخارجيا وتوزيع الحقوق على اهلها دون
التدخل في الشؤون الدينية للافراد العهد الذي تتوق اليه وتتطلع نحوه كل شعوب
العالم بلا استثناء.
__________________
الحسن عليهالسلام في روايات اهل البيت
عليهمالسلام امام هدى عالج
الانشقاق وفتح الطريق لهداية اهل الشام ان ارادوا الهداية :
لا بد من التمييز بين روايات اهل البيت
والمصادر الشيعية التي الفت للاحتجاج باحاديث العامة عليهم فما ورد في كتاب
الارشاد للشيخ المفيد في قصة اساسه روايات ابي الفرج في كتابه مقاتل الطالبيين ، وما
فيه من اخبار مقتل الحسين اساسه روايات ابي مخنف في كتابه مقتل الحسين الذي رواه
الطبري ، فان هذه الروايات لا يغير من واقعها رواية الشيخ المفيد لها ، فهي تبقى
روايات عامية ، والذي نريده بروايات اهل البيت عليهمالسلام
هو ورودها عنهم وفي مصادر امامية معتبرة ، وفي هذا الصدد فاننا نجد صلح الحسن عليهالسلام وشخصيته واهل الكوفة
في رواياتهم بصورة اخرى تغاير ما عليه الاعلام الاموي والعباسي.
فالحسن عليهالسلام
احد الائمة الهداة المعصومين الاثني عشر الذين عينهم النبي صلىاللهعليهوآله لهداية الامة من
بعده في قصة المباهلة وحديث الكساء وغيرها ، اما سيرته الشخصية فقد تحدث عنها
حفيده الامام الصادق عليهالسلام
يصفه كان أعبد الناس في زمانه ، وأزهدهم وأفضلهم ، وكان إذا حج حج ماشيا ، وربما
مشى حافيا ، وكان إذا ذكر الموت بكى ، وإذا ذكر القبر بكى ، وإذا ذكر البعث والنشور
بكى ، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى ، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق
شهقة يغشى عليه منها. وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل ، وكان
إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم ، ويسأل الله تعالى الجنة ، ويعوذ به من
النار.
اما دوافع الصلح عند الحسن عليهالسلام فقد بينها بوضوح تام
حين ساله ابو سعيد وقد اوردنا الرواية في اول الكتاب مستقلة ، حين قال علة مصالحتي
لمعاوية علة مصالحة النبي لقريش ، وبذلك وضع مقياسا دقيقا لدراسة الصلح ودوافعه
واهدافه وانجازاته.
وقد ذكر الامام الباقر عليهالسلام صلح الحسن فقال فيه
: (والله لَلذي صنعه الحسن بن علي كان خيراً لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس
والقمر).
ان هذه الصيغة من الكلام تشير الى ان : نتائج
الصلح هي من سنخ الهداية التي
يقول فيها النبي صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام : (وأيم الله لأن
يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ولك ولاؤه يا علي).
لقد حفظ الحسن عليهالسلام بصلحه وحدة القبلة
ووحدة الكتاب الى يوم القيامة ، ثم اوصل احاديث النبي صلىاللهعليهوآله في امامة علي واهل
بيته عليهمالسلام
الالهية ، واخبار سيرة علي عليهالسلام
المشرقة مع النبي صلىاللهعليهوآله
وبعده وفي الكوفة ايام حكمه ، وفتح باب الاهتداء بعلي لمن اراد من اهل الشام الى
يوم القيامة فاي خير اعظم من هذا الخير!
وقد انطلق البحث في هذا الكتاب من قول
الامام الحسن عليهالسلام
نفسه وانتهى الى الخير الذي انتجه الصلح واشارت اليه رواية الامام الباقر عليهالسلام.
__________________
الرؤية الجديدة
اما النتائج الجديدة فتتعلق بوضع أهل
الكوفة في السنوات العشر من الصلح حيث كانوا امنين ولم يروع شيعي واحد منهم بسبب
ولائه لعلي بل الفرصة متاحة لهم لينشروا ما وعوه وحملوه عن علي عليهالسلام من علم وسيرة مشرقة
بين أهل الشام ، هذا في قبال الرؤية السائدة التي تقول ان معاوية اعلن عن نقضه
لشروط الحسن منذ اليوم الأول الذي دخل فيه الكوفة وانه بدأ بترويعهم وملاحقتهم.
اما الرؤية الجديدة في مبررات الصلح
فخلاصتها : ان الحسن كان قد صالح عن قوة وليس عن ضعف فهو أشبه بصلح الحديبية بل
امتداد له في الهدف والأسلوب ، وتوضيح ذلك :
ان معاوية بعد ان بايعه أهل الشام بادر
يطلب الصلح من الإمام الحسن الذي بايعه أهل العراق حاكما خلفا لابيه علي وهو ان
يبقى الحسن عليهالسلام
على البلاد التي بايعه أهلها وهو النصف الشرقي للبلاد الإسلامية ، وان يبقى معاوية
على النصف الغربي من البلاد الإسلامية حيث بايعه أهلها على الحكم.
ومبررات هذا الصلح واضحة لدى معاوية فهو
بين ضغط حلقات الخوارج الخفية من الداخل التي تستهدف اغتياله وضغط الروم على
الحدود الشمالية الشرقية وجيشهم على أهبة الاستعداد لغزو الشام ، ولم يكن معاوية
ليجمد شن الغارات على أطراف علي دون مكسب سياسي يسجله لصالحه ، ومن هنا عرض على
الحسن / وقد عبأ جيشه للقتال مضافا إلى تعبئة أبيه علي عليهالسلام / لكي يؤمّن جهته
بالمصالحة ويتفرغ للمشكلتين الآنفتي الذكر.
فكان امام الحسن عليهالسلام احد خيارين :
الأول
: قبول أطروحة الصلح بالصيغة التي عرضها
معاوية واهم مبررات قبولها بالنسبة للحسن عليهالسلام
هو تجميد الصراع مع معاوية ليتفرغ للإرهاب الداخلي هذا هو التفكير الباده لمن يهمه
بناء دولة وحكم خاص به. ولكن هذا الخيار يكرس الانشقاق الأموي مع إعلامه الكاذب في
علي عليهالسلام
إذ يعرضه رأس الفساد والإلحاد في دين محمد صلىاللهعليهوآله
بينما هو رأس مشروع الهداية في المجتمع بعد النبي صلىاللهعليهوآله.
الثاني
: رفض الصلح واللجوء إلى الحرب بصفته
وارث مشروع أبيه علي مشروع إحياء السنة النبوية في مجتمع الفتوح الذي حرم منها ، المشروع
الذي نجح في النصف الشرقي من البلاد الإسلامية وصارت الكوفة مركزا له ، وانغلقت
البلاد الغربية عنه وتحولت الشام إلى مركز يعمل على تطويقه ووأده ، لإحياء المشروع
القرشي بقيادة أموية فكانت معركة الجمل في البصرة بتخطيط أموي وتنفيذ قرشي ومعركة
صفين في الشام التي اعد لها معاوية عدتها منذ سنين ، ثم نتجت عنها معركة النهروان
في العراق ، وهذا نظير تحول مكة في بدء الإسلام إلى مركز يصد عن دعوة محمد صلىاللهعليهوآله بقيادة أموية فكانت
معركة بدر التي قادت إلى معركة احد وهي انتجت معركة الخندق.
ولكن الحسن عليهالسلام وهو العارف بحكمة
الحرب والصلح في دين جده النبي صلىاللهعليهوآله
أدرك ان خيار الحرب ليس بصالح مشروع أبيه علي عليهالسلام
، والسر في ذلك هو ان الحرب بين علي عليهالسلام
ومعاوية قد أفرزت إعلاما أمويا كاذبا في حق علي عليهالسلام
تحول إلى معتقد لدى أهل الشام ومن ثم فان خيار الحرب سوف لن يؤدي إلا إلى مزيد من
الإعلام الكاذب في حق علي عليهالسلام
ثم إلى مزيد من التكريس لمعتقد أهل الشام الخاطئ فيه ، ومن ثم مزيد من الحجب عن
مشروع علي الإحيائي للسنة النبوية.
تماما كما كان الأمر بين النبي وقريش
فلم يكن خيار النبي ان تستمر الحرب مع قريش بعد معركة الخندق مع ان قريشا وحلفاءها
قد انهزموا شر هزيمة ، وذلك لان الحرب بين النبي وقريش قد أفرزت إعلاما قرشيا
كاذبا في حق النبي صلىاللهعليهوآله
تحول إلى معتقد لدى العرب المتحالفة مع قريش ومن ثم فان الحرب سوف لن تزيدهم إلا
تكريسا لإعلامهم الكاذب ثم تكريسا لمعتقدهم الخاطئ في النبي صلىاللهعليهوآله وبالتالي لن تزيدهم
الحرب الا بعدا عن الهداية التي بعث النبي لأجلها.
وكما عدل النبي صلىاللهعليهوآله إلى خيار الصلح
بوصفه الحل الوحيد لقلب المعادلة مع قريش وفتح الطريق أمام مشروع الهداية الذي جاء
به كذلك لا بد للحسن عليهالسلام
ان يعدل من خيار الحرب إلى الصلح بوصفه الأسلوب الوحيد لقلب المعادلة مع معاوية
وفتح الشام لمشروع الهداية الذي نهض به علي عليهالسلام
، ولكنه صلحٌ بصيغة جديدة لا تمت إلى الصيغة التي عرضها معاوية بصلة ، بل هو صلح
يستمد روحه وهدفه وفلسفته من صلح جده النبي صلىاللهعليهوآله
مع قريش حين اوضح للقبائل المتحالفة مع قريش بما لا يقبل الشك ان قريشا هي التي
تصد عن بيت الله وليس محمدا كما كانت تزعم في إعلامها الكاذب ، وان محمدا صلىاللهعليهوآله كان يعظم بيت الله
ودين إبراهيم بما لم يعظمه به احد من العرب ولا من قريش آنذاك.
وكذلك الحسن عليهالسلام في صلحه فانه يريد
ان يوضح لأهل الشام بما لا يقبل التأويل ان معاوية ومن قبل الخلفاء الثلاثة كان
يصدون عن سنة النبي صلىاللهعليهوآله
كما هو واضح في قصة حج التمتع ، بل ان معاوية وأباه كانا على رأس من يصد عن دعوة
النبي ويقاتله وانَّ عليا هو الذي إحيا سنة النبي صلىاللهعليهوآله
كما هو واضح في قصة حج التمتع بل لعلي مواقف وتاريخ يكشف عن اتباعه للنبي ونصرته
له بما لا يضاهيه احد من المسلمين.
وهكذا فاجأ الحسن عليهالسلام خصمَه معاوية بصيغة
صلح لم تدُر في خَلَدِه بل لم يكن تكوينه الجشع ورغبته الجامحة للسلطة وأصوله
الجاهلية لتسمح له ان يفكر بها ، استمد الحسن روح صلحه المبتكر وشروطه من تجربة
جده المصطفى صلىاللهعليهوآله
في صلح الحديبية مع قريش وهي تجربة مبتكرة أيضا إذ لم يكن يدر في خلد قريش / لحميتها
الجاهلية / ان يقدم محمد صلىاللهعليهوآله
لمصالحتها بعد ان سجل انتصارا ساحقا في معركة الخندق ، وحقق الحسن بذلك فتحا مبينا
بكل معنى الكلمة كما حقق النبي (ص) في صلحه فتحا مبينا بكل معنى الكلمة ، وقد تمثل
هذا الفتح المبين لعلي بالصلح الحسني كما تصوره الرؤية الجديدة :
ـ بفضح معاوية أمام أهل الشام / جنده
المطيع له طاعة مطلقة / بانه كان ظالما لعلي في قتاله إياه وانه كان يقاتله من اجل
الملك وليس من اجل مبدأ أو الأخذ بثار دم عثمان كما كان يزعم.
ـ اتضاح حقيقة علي عليهالسلام انه لم يكن الذي كان
منه منازعة في سلطان أو لالتماس
شيء من فضول الحطام
بل كان لأجل المظلومين من عباد الله وإحياء سنة النبي التي عطلتها وحرفتها سلطة
قريش المسلمة قبل علي عليهالسلام.
ـ توحيد شِقَّي البلاد الإسلامية
واختلاط العراقيين مع الشاميين من موقع المحبة والشفافية.
ـ إرجاع هيبة الأمة في قلوب أعداءها / الروم
الشرقيين على الجبهة الشمالية الشرقية / الذين كانوا قد اعدوا العدة للهجوم على
الأمة بعد ان أكلتهم الحروب الداخلية.
ـ إنقاذ الكوفة عاصمة مشروع النهضة
الإحيائية لعلي عليهالسلام
ومركز رجالاتها من إرهاب داخلي كانت على أبوابه يتبنى أسلوب الاغتيال قام به
الخوارج التكفيريون وقد نفذوه أولاً في علي عليهالسلام.
ومن ثم انطلاقة الكوفيين لنشر أخبار هذه النهضة وموضوعها في أهل الشام.
وساد الأَمان في الأُمة كلِّها عشر
سنوات بعد توقيع وثيقة الصلح ، وبرز الحسن عليهالسلام
مرجعا دينيا الهيا ومن قبله أبوه علي عليهالسلام
ومن بعده وأخوه الحسين نصت عليهم الأحاديث النبوية ، ليأخذ عنهم دين الله الذي جاء
به محمد صلىاللهعليهوآله
من شاء ان يتخذ إلى ربه سبيلا ، وعرف الشاميون وغيرهم من عبادة الحسن وعلمه وحسن
خلقه وكرمه واهتمامه بقضاء حوائج الناس ما جعلهم يذكرون به أباه عليه وجده النبي صلىاللهعليهوآله.
ثم غدر معاوية بالحسن عليهالسلام بعد عشر سنوات غدراً
مبيناً حين دشَّ له السم ونقض شروطه ولاحق شيعة العراق بما هو معروف وواضح في كتب
التاريخ.
وخرجت الرؤية الجديدة بحقيقة أخرى وهي
ان الروايات التي تسببت في تكوين الرؤية المشهورة هي روايات أصولها أموية وفروعها
عباسية تبناها الإعلام العباسي ليواجه بها خصمين كبيرين للعباسيين كانا ينغصان
عليهم رغبتهم في استمرار ملكهم وحفظ ولاء الأمة لهم ، هذا الخصمان هما :
|
ـ
الحسنيون
الثائرون الذين
يملكون الشعبية في قبال بني العباس لكونهم ذرية المصلح الكبير الحسن صاحب الفتح
المبين في إنقاذ الأمة من سفك الدماء بطريقة بارعة تكشف عن جدارة خاصة بحكم
الأمة ورعايتها ، ويملكون الشرعية لان العباسيين كانوا قد اعطوا بيعة مسبقة
لزعيم الحسنيين محمد بن
|
|
عبد
الله بن الحسن في مؤتمر عام لبني هاشم وقد انتشر خبر هذا المؤتمر والبيعة في
المجتمع.
ـ
مرجعية
الإمام الصادق عليهالسلام التي تقوم على فكرة إمامة علي عليهالسلام
وأهل بيته المعصومين بوصية من النبي صلىاللهعليهوآله. وهذه المرجعية آخذة بالتوسع والنمو.
ـ
وكانت الكوفة هي القاعدة الشعبية لكلا الخصمين.
|
وفي ضوء ذلك لم يكن أمام العباسيين
الحاكمين / لضمان استمرار ملكهم / الا ان يحذوا حذوَ الأمويين بتحريف تاريخ خصومهم
/ الحسنيين ، الكوفة ، الشيعة / وتحويل حسناتهم وامتيازاتهم إلى عار يلاحقهم ابد
الدهر بروايات كذب يضعونها فيهم ليربو عليها الصغير ويهرم فيها الكبير.
فهل هناك عار في تاريخ الحسنيين كعار
أَبيهم الحسن عليهالسلام
/ كما عرضه الإعلام الأموي والعباسي / تبايعه الأمة على الحكم ثم يبيعه إلى معاوية
بدراهم يُغدِقُها فيما بعد على محظياته يتزوج واحدة ويطلق أخرى؟ وهل تكون ذريةُ
مثل هذا الإنسان جديرة بحكم الأمة؟.
وهل هناك عارٌ كعارِ الكوفة / كما عرضه
الإعلام العباسي / تدعو الحسين عليهالسلام
لنصرته ثم تخذِلُه ثم تقتُله ثم تحمل رأسه ورؤوس أصحابه هدية إلى يزيد مقرونة بسوق
أُسرة الحسين سبايا ، الحال التي يرق لها يزيد فتدمع عيناه ويلعن الكوفة وأَميرَها
ابنَ مرجانة؟ ويقول انه لو كان صاحبه أي الحسين ما صنع به ذلك!.
وهل هناك عارٌ كعارِ الشيعة الأوائل من
صحابة وتابعين / كما عرضه الإعلام العباسي / استجابوا لعبد الله بن سبا يهودي
مزعوم من أهل اليمن اسلم على عهد عثمان ليتلقوا منه عقيدتهم بعلي إماما الهيا
شبيها بإمامة هارون ويوشع بن نون؟
ثم عالجوا مرجعية الإمام الصادق عليهالسلام بأَمرين :
الأول : تبنّي مرجعية مالك بن انس
وفرضها على الناس ، وتبنّي طلابه ليكونوا قضاة وأَئمة جمعة.
الثاني : إِشاعة الشك في مرويات الإمام
الصادق عليهالسلام
وتضعيف شخصيته وسلب الوثاقة عنه.
قال ابن سعد : (جعفر بن محمد كثير
الحديث ويستضعف).
وقال يحيى بن سعيد القطان : (مجالد احب
إلي منه (أي من الصادق) وقال الذهبي يعلق على كلام القطان وهذه زلقة من ابن
القطان.
هذا مع ملاحقة أصحابه وسجن الإمام من
بعده ولده الكاظم عليهالسلام.
وفي ضوء ذلك كله فان ظهور هذا الكم
الهائل من الروايات الطاعنة في الإمام الحسن وفي الكوفة وفي الشيعة يكون طبيعيا
وكما تفرضه طبيعة الأشياء ولا نحتاج معه إلى بحث أسانيد هذه الروايات الطاعنة مع
وجود الروايات المادحة وذلك لان هذا المبرر / وهو حقيقة تاريخية ثابتة / وحده كافٍ
في إسقاطها جملة وتفصيلا. ومع ذلك فإننا لم نغفل بعض الأسانيد لأجل تقديم شاهد آخر
على صحة الأطروحة.
أبواب البحث وفصوله
قسمت البحث إلى أربعة أبواب واربعة وعشرين
فصلا :
تناولت في الباب
الأول :
الرؤية السائدة اليوم في تعليل الصلح
وقد جعلتها في فصلين.
كرست الفصل الأول لأقوال المستشرقين ان
الحسن شخصية منهارة كان هدفه من الصلح هو الحصول على مال يؤمِّن له حاجات حياته
المترفة ويلبي طلبات زوجاته الكثيرات.
وكرست الفصل الثاني لأقوال الإسلاميين
من القدامى والمحدثين ان الكوفيين ضعفاء متخاذلون مع وجود خط في الكوفة يفكر في
تسليم الحسن لمعاوية فاضطر الحسن لمصالحة معاوية وتسليمه الحكم في العراق ليحافظ
على حياته وانتهى البحث في هذا الباب إلى ان وجهة النظر بقسميها تستند إلى روايات
في تاريخ الطبري وانساب الأشراف للبلاذري وطبقات ابن سعد وتاريخ دمشق لابن عساكر
وغيرها من مصادر التاريخ الإسلامي المعتبرة وبعض هذه الروايات ينسب إلى الحسن عليهالسلام نفسه.
وتناولت في الباب
الثاني :
الرؤية الجديدة التي تنبهتُ إليها من
خلال قول الامام الحسن عليهالسلام
نفسه حين قال : (ان علة مصالحته لمعاوية علة مصالحة النبي صلىاللهعليهوآله لقريش) وبالتالي
فإنَّ السبب الوحيد للصلحين هو واحد ، وهذا يستلزم وحدة الخلفيات التي سبقت الصلح
ثم وحدة الظرف الموجبة له ثم وحدة الموقف إزاءه ثم وحدة النتائج المترتبة. ولم
تنطلق الرؤية الجديدة من هذه الرواية حسب بل كانت لها شواهد وروايات كثيرة تؤكدها.
وقد تم بحث ذلك من خلال ثمانية فصول.
كرست الفصل الأول لبحث خلفيات الصلح
وظرفه الموجب للصلح بالصياغة الحسنية.
وكرست الفصل الثاني للسنوات العشر من
الصلح من سنة ٤١ هـ إلى سنة ٥١ هـ لبيان معالم الفتح المبين للصلح حيث عادت للامة
وحدتها واختلط الناس بعضهم ببعض وانطلق العراقيون امنين يحدثون أهل الشام بأحاديث
النبي صلىاللهعليهوآله
في علي عليهالسلام
عن سيرته المشرقة وكيف عرف أهل الشام ان معاوية كان ظالما لعلي وان الحق مع علي في
حروبه وان عليا امتداد للنبي في إمامته الهادية وعرضت نماذج من نشاطات أصحاب الحسن
وحواراتهم مع معاوية.
وعقدت الفصل الثالث بمبحثين الأول تناول
نشاطات الامام الحسن عليهالسلام
في سنوات الصلح والثاني يبحث عن مراحل سير الحسن منذ ولادته والى وفاته لاستكمال
الصورة عن شخصية الحسن عليهالسلام.
وكرست الفصل الرابع لبحث الغدر المبين
الذي قام به معاوية وأهل الشام في السنوات العشر التالية بعد وفاة الحسن عليهالسلام بدءا بدس السم للحسن
عليهالسلام.
وكرست الفصل الخامس لهوامش على موارد من
كتاب صلح الامام الحسن عليهالسلام
للعلامة الحجة الشيخ راضي آل ياسين.
وكرست الفصل السادس لبحث مسار الإمامة
الدينية التي أسس الحسن عليهالسلام
بصلحه فصلها عن السلطة الزمنية وكيف ان الله تعالى قد حصر الإمامة الدينية
بأنبيائه وأوصياءه اما السلطة الزمنية ففي زمن النبي وأوصياءه تكون لهم ، وكيف ان
قريش اغتصبت السلطة الزمنية ممن هي حقه بالنص ومارست إلى جانب ذلك الإمامة الدينية
مما أدى إلى تعطيل السنة وتحريفها وكيف ان عليا عليهالسلام
نهض لإحياء السنة وفتح الطريق لإمامته الدينية التي أمر بها الله ورسوله.
وكرست الفصل السابع لدراسة ظرف صلح
الحديبية ومقارنته مع ظرف صلح الحسن واكتشاف وحدتهما كما أشار الامام الحسن عليهالسلام إلى ذلك ، ثم بيان
وحدة الموقف المترتب على وحدة الظرف ووحدة الآثار التي ينتجها الموقف الموحد ثم
وحدة التسمية بالفتح المبين.
وكرست الفصل الثامن لعرض مقتطفات من سير
الكوفة الفكري من سنة تمصيرها إلى سنة ١٣٦ هجرية وكيف انها حملت مشروع علي وثبتت
عليه رغم محاولات الأمويين والزبيريين والمروانيين لإنهائه واستئصاله.
وتناولت في الباب
الثالث :
تفسير وجود ذلك الكم الهائل من الروايات
الذي انتج رؤية الانهيار المبين وكونه من وضع العباسيين لمواجهة الحسنيين الثائرين
عليهم ، ومرجعية الامام الصادق الديني الآخذة بالتوسع ، والكوفة القلعة التاريخية
لكلا الخطين تمدهما بالقاعدة الشعبية وقد عقدت لذلك ثمانية فصول.
كرست الفصل الأول لبحث : تحريف الأمويين
للسنة النبوية والسيرة العلوية واقتفاء العباسيين اثرهم والاستفادة من تجربتهم.
وكرست الفصل الثاني لدراسة انشقاق
العباسيين عن الحسنيين والأئمة من أهل البيت عليهمالسلام
إذ كانوا في بدء الأمر جزء من حركة العلويين ثم انشقوا عنها.
وكرست الفصل الثالث لعرض وثائق الاعلام
العباسي السلبية ضد الحسن والكوفة والتشيع من خلال خطب أبي العباس السفاح وأبي
جعفر الدوانيقي والشعر والمحاورات.
وكرست الفصل الرابع لترجمة سيف بن عمر
وعبد الرحمن بن مالك بن مغول بوصفهما قد وضعا اخبارا في تفسير التشيع لعلي بما
ينفِّر الناس عنه ويدعوهم للبراءة منه.
وكرست الفصل الخامس لكتاب أبي مخنف الذي
استهدف تحميل أهل الكوفة تبعة قتل الحسين تعبيرا عن خذلانهم وضعف إرادتهم بخلاف ما
بيَّنه أهل البيت فيهم.
وكرست الفصل السادس لعرض الاخبار
الطاعنة في الكوفيين على لسان علي والحسن ودراستها من الناحية السندية والكشف عن
وضعها من إخباريين عباسيين.
وكرست الفصل السابع : الروايات الطاعنة
في شخصية الحسن عليهالسلام
وهي اخبار رفضها الشيعة والسنة على السواء.
الفصل الثامن : الروايات الطاعنة في
الكوفيين وهي من وضع الأخباريين العباسيين أيضا.
ثم انهيت البحث
بالباب الرابع :
وهو خلاصة بحوث الكتاب بترتيب آخر مع
خاتمة ولا بد من تنبيه القارئ الكريم ان بحوث الخلاصة لم تكن مجرد اختصار بل احتوت
على اخبار وأفكار إضافية رأيت ان أضيفها ولم يتيسر لي ان ادرجها في الفصل الذي
يناسبها ولا بد لي من انبه أيضا أنني كررت بعض الوثائق المهمة في اكثر من فصل بسبب
اقتضاء طبيعة البحث ذلك.
وفيما يلي أبواب البحث وفصوله.
الباب
الأول
الرؤية
المشهورة في تعليل الصلح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الأول ٤٦ المستشرقون : الحسن عليهالسلام شخصية ضعيفة منهارة
الفصل الثاني ٥١ الإسلاميون : الكوفيون
متفرقون متخاذلون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتناول هذا الباب بيان الرؤية السائدة
اليوم في تعليل الصلح من خلال فصلين.
الفصل
الأول وهو مكرس لبيان أقوال المستشرقين في
الحسن عليهالسلام
إذ عرضوه شخصية منهارة كان هدفه من الصلح هو الحصول على مال يؤمِّن له حاجات حياته
المترفة ويلبي طلبات زوجاته الكثيرات.
الفصل
الثاني مكرس لبيان أقوال الإسلاميين من
القدامى والمحدثين في الكوفيين زمن الحسن إذ عرضوهم انهم ضعفاء متخاذلون متفرقون
بل كان بعضهم / كالمختار الثقفي / يفكر في تسليم الحسن لمعاوية فاضطر الحسن
لمصالحة معاوية وتسليمه الحكم في العراق ليحافظ على حياته.
وانتهى البحث في كلا الفصلين إلى ان
المستشرقين والإسلاميين كانوا قد استندوا في تحليلاتهم إلى روايات ذكرتها مصادر
التاريخ الإسلامي المبكرة كطبقات ابن سعد وانساب الاشراف للبلاذري وتاريخ الطبري
وتاريخ دمشق لابن عساكر وغيرها.
وقد رفض الشيعة بل السنة أيضا / كما هو
الحق / الروايات الطاعنة في شخصية الحسن انطلاقا من الإيمان بعصمة الحسن أو
الإيمان بانه من الشخصيات المعروفة في المجتمع الإسلامي بعلمه وتقواه.
اما الروايات الطاعنة في الكوفة فقد
قبِلَها أكثر الباحثين الشيعة وكل الباحثين السنة من المؤرخين القدامى والمحدثين
ولكن البحث توصل إلى ان الروايات الطاعنة في الحسن عليهالسلام
أو الكوفيين هي من وضع الامويون ثم تبنى ترويجها والزيادة فيها العباسيون ومن
سايرهم من الأخباريين نكاية بالحسنيين الثائرين وتطويقا لمرجعية الامام الصادق
الآخذة بالتوسع وبالكوفة مركز كلا الحركتين في الثلث الأول من القرن الثاني
الهجري.
الباب
الأول / الفصل الأول
المستشرقون
: الحسن عليهالسلام
شخصية ضعيفة منهارة
أنحى الباحثون المستشرقون باللائمة على
الحسن عليهالسلام
لأنه صالح وتنازل عن الحكم لخصمه معاوية بشروط ولم يف له بشيء منها ، وقد وصفوه
بانه لم يكن رجل الساعة المطلوب ، ولم يكن ابنا جدير لعلي عليهالسلام ، وانه كان شخصية
متخاذلة انصرف إلى ملذاته وشهواته ، وفيما يلي ما عثرنا عليه من كلماتهم في هذا
السبيل :
الدكتور فيليب حتي
اللبناني ١٨٨٦ ـ ١٩٧٨ :
قال : «ولكن الحسن الذي كان يميل إلى
الترف والبذخ لا إلى الحكم والإدارة لم يكن رجل الموقف فانزوى عن الخلافة مكتفيا
بهبة سنوية منحه إياها معاوية».
الراهب اليسوعي
البلجيكي لامنس ١٨٦٢ ـ ١٩٣٧ :
تبنت الموسوعة الإسلامية
تحت عنوان : (الحسن) بن علي بن أبي طالب ما كتبه المستشرق البلجيكي (لامنس) المتخصص
بالتاريخ الإسلامي
عن الحسن عليهالسلام
قال :
__________________
«الحسن اكبر أبناء علي من فاطمة بنت
رسول الله ... ويلوح ان الصفات الجوهرية التي كان يتصف بها الحسن هي الميل إلى
الشهوات والافتقار إلى النشاط والذكاء. ولم يكن الحسن على وفاق مع أبيه وإخوته
عندما ماتت فاطمة ولما تجاوز الشباب.
وقد انفق خير سني شبابه في الزواج
والطلاق ، فأحصي له حوالي المائة زيجة عدّاً. وأَلصقت به هذه الأخلاق السائبة لقب
المِطلاق ، وأوقعت عليّاً في خصومات عنيفة. واثبت الحسن كذلك انه مبذر كثير السرف
فقد اختص كلّاَ من زوجاته بمسكن ذي خدم وحشم. وهكذا نرى كيف كان يبعثر المال أيام
خلافة علي التي اشتد عليها الفقر. وشهد يوم صفين دون ان تكون له فيها مشاركة
إيجابية.
ثم هو إلى ذلك لم يهتم أي اهتمام
بالشؤون العامة في حياة أبيه.
وبويع الحسن بالخلافة في العراق بعد
مقتل عي فحاول أنصاره أَن يقنعوه بالعودة إلى قتال أهل الشام ، وقَلَبَ هذا
الإلحاح من جانبهم خُطط الحسن القعيد الهمة فلم يَعُد يفكر الال في التفاهم مع
معاوية كما أدى إلى وقوع الفرقة بينه وبين أهل العراق. وانتهى بهم الأمر إلى اثخان
إمامهم اسما لا فعلا بالجراح. فتملكت الحسن منذ ذلك
__________________
الوقت فكرة واحدة هي
الوصول إلى اتفاق مع الأمويين. وترك له معاوية ان يحدد ما يطلبه جزاء تنازله عن
الخلافة. ولم يكتف الحسن بالمليوني درهم التي طلبها معاشا لأخيه الحسين بل طلب
لنفسه خمسة ملايين درهم أخرى ودَخَل كورة في فارس طيلة حياته. وعارض أهل العراق
بعد ذلك في تنفيذ الفقرة الأخيرة من هذا الاتفاق ، بَيْدَ انه أُجيب إلى كل ما
سأله حتى ان حفيد النبي اجترأَ فجاهر بالندم على أَنه لم يضاعف طلبه وترك العراق
مشيعا بسخط الناس عليه ليقبع في المدينة.
وهناك عاد إلى حياة اللهو واستسلم للذات
ووافق معاوية على ان يدفع نفقاته ولم يطلب في مقابل ذلك الا أمرا واحدا هو الا
يخِلّ الحسن بأمن الدولة. وكان قد أَجبره من قبل عن الجهر بتنازله عن الخلافة في
اجتماع عُقِدَ في (اذرح).
ولم يعد معاوية يشغل باله به ، ذلك انه
كان واثقا من قعود همته وإيثاره للدعة.
ومع هذا فقد استمر الانقسام في البيت
العلوي ، ولم يكن الحسن على وفاق مع الحسين وان اجتمعا على مناهضة ابن الحنفية
وغيره من أبناء علي.
وتوفي الحسن في المدينة بذات الرئة ولعل
إفراطه في الملذات هو الذي عجل بمنيته. وقد بذلت محاولة لإلقاء تبعة موته على رأس
معاوية.
وكان الغرض من هذا الاتهام وصم الأمويين
بهذا العار ، وتبرير لقب الشهيد أو (سيد الشهداء) الذي خلع على ابن فاطمة هذا
التافه الشأن.
ولم يجرؤ على القول بهذا الاتهام الشنيع
جهرة سوى المؤلفين من الشيعة أو أولئك الذين كان هواهم مع العلوية بنوع خاص. وقد
أعطى هذا الاتهام في الوقت نفسه فرصة للإيقاع بأسرة الأشعث بن قيس المبغضة من
الشيعة ، لما كان لها من شأن في الانقلاب الذي حدث يوم صفين ، وما كان معاوية
بالرجل الذي يقترف إثما لا مبرر له.
كما ان الحسن المستهتر كان قد اصبح
مسالما منذ أمد طويل وكانت حياته عبئاً على بيت المال الذي أَبهظته مطالبه
المتكررة. ومن اليسير ان نعلل ارتياح معاوية وتنفسه الصعداء عندما سمع بمرض الحسن.
وربما كانت وفاته عام ٤٩ هـ بالغا من العمر الخامسة والأربعين».
__________________
جرهارد
كونسلمان الاماني المعاصر :
وكرر (جرهارد كونسلمان) في كتابه (سطوع
نجم الشيعة) (Gerhard Konslman) كلمات لامنس بقوله : لقد باع (الحسن) المنصب الذي تركه محمد صلىاللهعليهوآله لنسله من اجل المال
... ويقال انه مات بالسل والهزال.
وقد حاولت شيعة علي في القرون اللاحقة
تجميل صورة هذا الزعيم الضعيف التعس ، فقد اجتهدت في جعل الحسن ضمن شهداء المذهب
الشيعي ، فنشأت لذلك رواية تقول ان الحسن قتل بتدبير معاوية ... ولكن من المستبعد
ان يكون معاوية ضالعا في موت الحسن ، فمثل هذه الجريمة غير الضرورية لن يقدم بها
الخليفة أدرك تماما أين الرجل المهم وأين الرجل الذي صار في الظل).
بروكلمان
الالماني ١٩٥٦ ـ ١٨٦٨ (Corl Brockelmann) :
وقال (بروكلمان) في كتابه (تاريخ الشعوب
الإسلامية) : ان الحسن لم يكن رجل الساعة الذي تحتاجه الدولة فقد رفض ان يقود جنده
في هجوم على خصمه.
اوكلي
١٨٩٤ (Simon
Ockley) :
يرى في كتابه (HITORY
OF THE SARACENS P٣٤٧) : ان الحسن لم يكن مؤهلا للموقف حيث كان يميل إلى السلم وينظر
إلى دماء المسلمين نظرة رعب يصعب علينا تصورها.
سايكس
١٨٦٧ ـ ١٩٤٥ (Sykes Perly Molesworth Sir) :
ويرى (سايكس) في كتابه (HISTORY OF PERSIA) ان الحسن غير جدير بان يكون ابنا لعلي لأنه شغل بملذاته بين
نسائه واكتفى بإرسال اثني عشر ألف جندي
__________________
كطليعة لجيشه بينما
احتفظ بقلب الجيش في المدائن حيث ظل يبتزه في الحدائق وخاف ان يجرب حظه في ميدان
القتال.
الكاتب العراقي هادي
العلوي :
وكتب هادي العلوي
: ان هذا الرجل (يقصد الحسن عليهالسلام)
يتعذر عليه ان يخوض صراعا سياسيا أو عسكريا وكان من المنتظر والطبيعي ان ينسحب
بمجرد ان يؤول إليه الأمر ، وانه لم يمارس بعد الصلح أي نشاط معارض وقد تفرغ الحسن
لحياته الشخصية وعاش كما قال عنه أبوه بين جَفنة وخِوان كأي فتى من فتيان قريش
المنعمين.
ثم يستطرد العلوي قائلا : ان الدفاع عن
صلح الحسن من نتائج الأيديولوجيا ...
ثم يقول : ومعاوية الذي تراجع الحسن
أمامه كان زعيما عظيما وقد دخل التاريخ كواحد من الأباطرة العظام بجميع لمقاييس
وفي شتى العصور ...
سند المستشرقين في
حكمهم السلبي الآنف الذكر هو روايات في مصادر تاريخية إسلامية مهمة
استند الباحثون المستشرقون في تكوين هذه
الرؤية السلبية عن الحسن عليهالسلام
إلى روايات أوردتها مصادر تاريخية إسلامية أمثال الطبقات الكبرى لابن سعد ت ٢٣٠ هـ
وتاريخ الطبري ت ٣١٠ هـ وتاريخ دمشق لابن عساكر والبداية والنهاية لابن كثير. وقد
أوردنا في الفصل السابع من الباب الثالث من هذا الكتاب نماذج منها.
__________________
الباب
الأول / الفصل الثاني
الإسلاميون
: الكوفيون متفرقون متخاذلون
الإسلاميون القدامى
أبو حنيفة الدينوري ت
٢٨٢ هـ :
قال أبو حنيفة الدينوري : (لما رأى الحسن
من أصحابه الفشل ارسل إلى عبد الله بن عامر بشرائط اشترطها على معاوية).
ابن واضح اليعقوبي
٢٨٤ هـ :
قال اليعقوبي : (فلما رأى الحسن ان
أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له صالَحَ معاوية).
ابن جرير الطبري ٣١٠
هـ :
وقال الطبري في تاريخه : فلما رأى (أي
الحسن عليهالسلام)
تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح.
__________________
ابن الاثير ت ٦٢٠ هـ
:
روى ابن الاثير في الكامل قال : قيل
للحسن عليهالسلام
ما حملك على ما فعلت؟ فقال : كرهتُ الدنيا ، ورأيت أهل الكوفة قوما لا يثق بهم
احدا ابدا الا غُلِب ، ليس احد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى ، مختلفين لا نية
لهم في خير ولا شر.
قال ابن الاثير : وكان الذي طلب الحسن
من معاوية ان يعطيه ما في بيت مال الكوفة ومبلغه خمسة آلاف ألف وخراج دارابجرد من
فارس وان لا يشتم عليا فلم يجبه إلى الكف عن شتم علي ، فطلب ان لا يشتم وهو يسمع
فأجبه إلى ذلك ، ثم لم يفِ له به أيضا ، واما خراج دارابجرد
فان أهل البصرة منعوه منه وقالوا هو فيئنا لا نعطيه أحدا وكان منهم بأمر معاوية
أيضا.
ابن كثير ت ٧٧٤ هـ :
قال ابن كثير : لما مات علي ـ قام أهل
الشام فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين لأنه لم يبق له عندهم منازع ، فعند ذلك
أقام أهل العراق الحسن بن علي رضياللهعنه
ليمانعوا به أهل الشام فلم يتم لهم ما أرادوه وما حاولوه ، وإنما كان خذلانهم من
قبل تدبيرهم وآرائهم المختلفة المخالفة لأمرائهم ، ولو كانوا يعلمون لعظموا ما
أنعم الله به عليهم من مبايعتهم ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، وسيد المسلمين ، وأحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوي آرائهم.
__________________
الشيخ المفيد ٤١٢ هـ
:
قال الشيخ المفيد احد مراجع الشيعة في
أخريات القرن الرابع الهجري وبدايات القرن الخامس في كتابه (الإرشاد) ما خلاصته :
(كتب معاوية إلى الحسن عليهالسلام
في الهدنة والصلح ، وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه
إليه ... ، فلم يثق به الحسن عليهالسلام
وعلم احتياله بذلك واغتياله ، غير انه لم يجد بُدّاً من إجابته إلى ما التمس من
ترك الحرب وإنفاذ الهدنة ، لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه
والفساد عليه والخلف منهم له ، وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه
إلى خصمه ، وما كان من خذلان ابن عمه له ومصيره إلى عدوه ، وميل الجمهور منهم إلى
العاجلة وزهدهم في الآجلة).
أقول
: يتضح من كلام الشيخ المفيد ان الامام
الحسن كان مضطرا إلى الصلح بسبب ضعف البصائر في حقه وفساد الجيش عليه وقد فصل
تلميذه السيد المرتضى رأيه هذا فيما يلي :
السيد المرتضى ٤٣٦ هـ
:
وكتب من بعده تلميذه السيد المرتضى في
كتابه (تنزيه الأنبياء) ما خلاصته : (فإن الذي جرى منه عليهالسلام من أمر الصلح كان
السبب فيه ظاهرا والحامل عليه بيِّنا جليّاً ، لان المجتمعين له من الأصحاب وان
كانوا كثيري العدد وقد كانت قلوب أكثرهم دغلة غير صافية ، وقد كانوا صبَوا إلى
دنيا معاوية ، فأظهروا له عليهالسلام
النصرة وحملوه على المحاربة والاستعداد لها طمعا في أن يورطوه ويسلموه ، وأحس عليهالسلام بهذا منهم قبل
التولج والتلبس ، فتخلى من الأمر وتحرز من المكيدة التي كادت تتم عليه في سعة من
الوقت ...
وقد صرح عليهالسلام
بهذه الجملة وبكثير من تفصيلها في مواقف كثيرة بألفاظ مختلفة ، وقال إنما هادنت
حقناً للدماء وصيانتها وإشفاقا على نفسي وأهل والمخلصين من أصحابي ...
__________________
أوَ ليس أحدهم قد جلس
له في مظلم ساباط وطعنه بمغوَل كان معه أصاب فخذه. فشقه حتى وصل إلى العظم وانتزع
من يده وحمل عليهالسلام
إلى المداين وعليها سعيد بن مسعود عم المختار ، وكان أمير المؤمنين عليهالسلام ولاه إياها فأدخل
منزله ، فأشار المختار على عمه ان يوثقه ويسير به إلى معاوية على أن يطعمه خراج
جوخي سنة. فأبي عليه وقال للمختار : قبح الله رأيك أنا عامل أبيه وقد أئتمنني
وشرفني ، وهبني نسيت بلاء أبيه أأنسى رسول الله صلىاللهعليهوآله
ولا أحفظه في ابنب بنته وحبيبه ثم أن سعد بن مسعود أتاه عليهالسلام بطبيب وقام عليه حتى
برئ وحوله إلى بعض المدائن. فمن ذا الذي يرجو السلامة بالمقام بين أظهر هؤلاء
القوم عن النصرة والمعونة؟.
أقول :
اما الذي ضربه في مظلم ساباط فهو من
الخوارج ممن انتظم في حلقات الإرهاب التي قتلت أباه عليا عليهالسلام ، واما ما نسب إلى
المختار الثقفي فهو مما افتري عليه رحمه الله تعالى.
الشيخ الطبرسي ٥٤٨
هجرية :
وكتب من بعده الشيخ الطبرسي صاحب مجمع
البيان في تفسير القرآن : ووقع الصلح بين الحسن ومعاوية في سنة ٤١ هجرية ، وإنما
هادنه عليهالسلام
خوفا على نفسه إذ كتب إليه جماعة من رؤساء أصحابه في السر بالطاعة وضمنوا له
تسليمه إليه عند دنوهم من عسكره ...
احمد بن علي الطبرسي
ت ٥٦٠ هـ صاحب كتاب الاحتجاج :
روى مرسلا عن زيد بن وهب الجهني قال : «لما
طُعِن الحسن عليهالسلام
بالمدائن أتيته وهو متوجع فقلت ما ترى يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله فان الناس متحيرون ،
فقال الامام الحسن عليهالسلام
أرى والله ان معاوية خير لي من هؤلاء. يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا
ثقلي وأخذوا مالي ، والله لان آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وآمن به في
__________________
أهلي خيرا من أن
يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني
إليه سلما والله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير أويمن علي فتكون
سبة على بني هاشم إلى آخر الدهر ، ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا
والميت.
ابن أبي الفتح
الإربلي ت ٦٩٢ هـ :
وكتب من بعده ابن أبي الفتح الاربلي قال
:
وكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح وبعث
بكتب أصحابه إليه فأجابه إلى ذلك بعد أن شرط عليه شروطا كثيرة (منها) أن يترك سب
أمير المؤمنين عليهالسلام
والقنوت عليه في الصلوات وان يؤمن شيعته ولا يعترض لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كل ذي
حق حقه.
فأجابه معاوية إلى ذلك كله وعاهده على
الوفاء به.
فلما استتمت الهدنة قال في خطبته : إني
مَنّيتُ الحسن ، وأعطيته أشياء جعلتها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له.
ابن طباطبا ت ٧٠١
هجرية :
قال : اما أهل الكوفة والبصرة فكان أهل
البيت مذعورين منهم لما جرى منهم على أمير المؤمنين عليهالسلام
والحسن والحسين عليهماالسلام
من الخذلان والغدر وسفك الدماء.
__________________
مشاهير المتأخرين من الباحثين الشيعة
والكلام الانف الذكر لدى متقدمي
المؤرخين هو المشهور اليوم عند كتّاب الشيعة المحدثين.
العلامة الحجة الشيخ
راضي آل ياسين :
كتب الشيخ راضي آل ياسين من علماء
الشيعة المعاصرين في كتابه (صلح الحسن) المطبوع سنة ١٩٥٢ م ، وهو افضل كتاب في
موضوعه وقد حذا حذو الشيخ المفيد وتلميذه السيد المرتضى في وجهة تحليل دوافع الصلح
:
قال : (وازدادت بصيرة الحسن بخذلان
القوم له) .
(وكان للحسن في مسكن بقية من جيش لا تجد المعنويات سبيلها إليه الا بالمعجزة بعد
النكبة التي أصيب بها هذا العسكر بخيانة قائده وفرار ثمانية آلاف من افراده). (واما
النسبة العددية فقد كان اكبر عدد بلغه جيش الحسن عليهالسلام
حينما زحف به إلى لقاء معاوية عشرين ألفا أو يزيدها قليلا وكان جيش معاوية الذي
عسكر به على حدود العراق ستين ألفا ، فللحسن يومئذ ثلث أعداد جيش معاوية) وجاءت
عملية الفرار التي اجتاحت معسكر مسكن والتي انهزم بها ابن العم (عبيد الله بن عباس)
ورب ابن عم ليس بابن عم كما يقول المثل العربي ـ بثمانية آلاف فتصاعدت النسبة
صعودا مريعا ، وبقي الحسن في معسكريه جميعا على الخمس من معسكر معاوية وإذا
اعتبرنا هنا القاعدة العسكرية الحديثة التي تنسب القوة المعنوية إلى الكثرة
العددية بنسبة ثلاثة إلى واحد رجعنا إلى نتيجة مؤسفة جدا هي نسبة واحد إلى خمسة
عشر. وإذا نظرنا إلى جيش الحسن الذي بقي ينازل معاوية في مسكن وحده على ضوء هذه
القاعدة رأيناه ينازل عدوا يعده خمسة وأربعين ضعفا بالضبط).
ثم قال : وأي غضاضة على «الزعيم» إذا
فسد جيله ، أو خانت جنوده ، أو فقد مجتمعه وجدانه الاجتماعي.
__________________
العلامة المصلح الشيخ
محمد حسين كاشف الغطاء رحمهالله
:
كتب في مقدمته لكتاب حياة الامام الحسن
للشيخ باقر شريف القرشي رحمهالله
(كان من دهاء معاوية عزمه ان يحتفظ
بصورة الإسلام مدة إمرته بالشام عشرين سنة فلا يصطدم بشعيرة من شعائره ولا يتطاول إلى
اعتراض قاعدة من قواعده يتجاهر بشرب الخمر والأغاني ولا يقتل النفس المحترمة ويلعب
بالفهود ولا يضرب المزمار والعود نعم قد يلبس الحرير والديباج وطيلسان الذهي ولا
بأس بلك فانه (كسرى العرب) وما احتفظ بشعائر الإسلام الا لحاجة في نفس يعقوب ...
بقي على ظاهر الإيمان المبطن بالكفر مدة مخالفته ومحاربته لأمير المؤمنين في صفين
فلما استشهد سلام الله عليه تنفس الصعداء وغمرته المسرة وأمكنته الفرصة من اللعب
على ال حبل وتدبير الحيل ولكن بعد ان بويع الحسن عليهالسلام
والتف عليه الأبطال من أصحاب أبيه وشيعته ومواليه ، ومنهم الرؤوس والضروس والانياب
والعديد والعدة والسلاح والكراع فوجد انه وقع في هوة أضيق وأعمق من الأولى فان
الحسن سبط رسول الله وابن بنته وريحانته وهو لوداعته وسلامة ذاته محبوب للنفوس لم
يؤذ أحدا مدة عمره بل كان كله خير وبركة ولم تعلق به تهمة الاشتراك بقتل عثمان بل
قد يقال انه كان من الذابين عنه فكيف يقاس معاوية به وكيف يعدل الناس عن ابن فاطمة
بنت رسول الله إلى ابن هند آكلة الاكباد؟
اقلق معاوية واقض مضجعه التفكير بهذه
النقاط ... ولكن سرعان ما اهتدى بدهائه ومكره إلى حل عقدتها فلجأ إلى عاملين :
أولهما : المال الذي يلوي أعناق الرجال
ويسيل في لعبه لعاب الرجال وبعث إلى اعظم قائد من قادة جيش الحسن الذين بايعوه على
الموت دونه وامسهم رحما به وهو عبيد الله بن العباس الذي جعله اميرا حتى على قيس
بن سعد ... بعث إليه بأكثر من خمسمائة ألف؟ ووعده عنه مجيئه إليه بمثلها .
وصار معاوية يعمل بهذه الخطة مع كل
__________________
بارز من الشيعة
ورجالهم وابطالهم فاستمالهم إليه جميعا ولم يستعص عليه الا عدد قليل لا يتجاوز
العشرة كقيس بن سعد وحجر بن عدي وامثالهم.
الثاني وهي حيلة في تأثيرها الشد من
الأولى استطابها السواد الأعظم وانجرف إليه الرأي العام تلك دعوى معاوية الحسن إلى
الصلح وذلك ان المال كان يستميل به معاوية عيون الرجال اما العامة فلا ينالهم شيء
منه ولكن الناس كانوا قد عضتهم أنياب الحروب حتى أبادت خيارهم وأخربت ديارهم في
اقل من خمس سنين ثلاثة حروب ضروس الجمل وصفين ونهروان فأصبحت الدعوة إلى الحرب
ثقيلة وبيلة والدعوة إلى الصلح والراحة لذيذة مقبولة.
وهنا تأزمت ظروفه سلام الله عليه وحاسب
الموقف حسابا دقيقا حساب الناظر المتدبر في العواقب فوضع الرفض والقبول في كفتي
الميزان ليرى لا يهما الرجحان.
فوجد انه لو رفض الصلح وأصر على الحرب فلا
يخلو اما ان يكون هو الغالب ومعاوية المغلوب ، وهذا وان كانت تلك الأوضاع والظروف
تجعله شبه المستحيل ولكن فليكن بالفرض هو الواقع ولكن هل مغبة ذلك الا تظلم الناس
لبني أمية وظهورهم لهم بأوجع مظاهر المظلومية؟ بالأمس قتلوا عثمان عينَ الأمويين
وأميرَ المؤمنين (كما يقولون) واليوم يقتلون معاوية عين الأمويين وخال المؤمنين (يا
لها من رزية). ويتهيأ لبني أمية قميص ثان فيرفعون قميص عثمان مع قميص معاوية
والناس رعاع ينعقون
__________________
مع كل ناعق لا تفكير
ولا تدبر فما ذا يكون موقف الحسن إذا لو افترضناه هو الغالب؟
اما لو كان هو المغلوب فأول كلمة تقال
من كل متكلم ان الحسن هو الذي ألقى نفسه بالتهلكة فان معاوية طلب منه الصلح الذي
فيه حقن الدماء فأبى وبغى وعلى الباغي تدور الدوائر وحينئذ يتم لمعاوية وأبي سفيان
ما أرادا من الكيد للإسلام وإرجاع الناس إلى جاهليتهم الأولى ولا يبقي معاوية من
أهل البيت نافخ شرمة.
بل كان نظر الحسن عليهالسلام في قبول الصلح ادق
من هذا وذاك ، أراد ان يفتك به ويظهر خبيئة حاله وما ستره في قرارات نفسه قبل ان
يكون غالبا أو مغلوبا وبدون ان يزج الناس في حرب ويحملهم على ما يكرهون من إراقة
الدماء.
وهكذا وفور إبرام الصلح صعد المنبر في
جمع غفير من المسلمين وقال (ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا وإنما قاتلتكم لأتأمر
عليكم وقد أعطيت الحسن شروطا كلها تحت قدمي)
المرجع الشهيد السيد
محمد باقر الصدر رحمهالله
وتلميذه المرجع السيد كاظم الحائري :
وقال المرجع المعاصر السيد كاظم الحائري
يبين رأيه في مبررات إقدام الامام الحسن عليهالسلام
على الصلح مع معاوية ثم يذكر ضمنا رأي أستاذه المرجع الراحل الشهيد محمد باقر
الصدر رحمهالله
في الموضوع.
__________________
قال : (وبالحقيقة هناك تفسيران يفسران
اقدام الامام على إبرام الصلح مع معاوية أحدهما خاص والآخر عام.
أما التفسير الخاص : فهو ما بينه
أستاذنا السيد الشهيد حول المرض الذي كانت الأمة مبتلاة به ، وهو مرض الشك ، حيث
كانت الأمة تشك في طبيعة الصراع الذي كان ناشبا بين الامام الحسن عليهالسلام ومعاوية وتصوره
صراعا من اجل حيازة السلطة ، وليس صراعا بين الحق ممثلا بالإمام الحسن عليهالسلام والباطل ممثلا
بمعاوية.
وليس من سبيل لمعالجة هذا المرض الا
بمصالحة معاوية لأن الصلح وحده هو القادر على كشف حقيقة معاوية وإذا ما كشفت الأمة
حقيقة معاوية سوف تدرك أن حربه على الامام الحسن عليهالسلام
انما هي حرب ظالمة ، وأن الامام الحسن عليهالسلام
انما يدافع عن الحق وعن الرسالة وليس عن السلطان والجاه والرئاسة ، وبالتالي فانه
سوف يصار على تعرية بني أمية وكشف زيفهم وضلالهم ، وبهذا يزال مرض الشك الذي كانت
الأمة مبتلاة به فلا تشك بعدئذ بحقانية الأئمة في دفاعهم عن الرسالة ولا تصدق
بشعارات بني أمية الكاذبة الزائفة.
وأما التفسير العام : فهو الذي يفسر
نهوض الأئمة بالأمر على أساس الأمر الواقع ، فالإمام عليهالسلام
لا ينهض بالأمر الا عندما تتوافر لديه قوة ومقدرة تكفي لإنجاح مهمته وفق المقاييس
المعقولة ، ولا يشترط في هذه القوة أن تكون اكبر من قوة العدو من الناحية المادية
، بل يكفي أن تكون متوافرة على شروط القوة المعنوية الأخرى ، والإمام الحسن عليهالسلام لم يحصل على هذه
القوة حتى بالحد الأدنى الذي يمكن ان تستمر بواسطته المجابهة ، ولهذا اضطر إلى
إيقاع الصلح مع معاوية
:
وقد نقل الشيخ علي الكوراني رؤية الشهيد
الصدر بقوله : قال الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر قدسسره : تصاب المجتمعات بعدة
أمراض كما يصاب الأفراد ، ومن الأمراض التي أصيب بها المجتمع الإسلامي إبان إمامة
الحسن عليهالسلام
هو
__________________
مرض (الشك في القيادة)
وهذا الداء ظهر في أواخر حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام. حيث واجه أيام
خلافته عدة حروب ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الأمة ، فأخذ الناس يشكون هل أن
المعارك التي تخاض معارك رسالية أم أنها معارك قبلية أو شخصية؟ وقد عبر أمير
المؤمنين عليهالسلام
عن ظهور هذا الداء الاجتماعي في عدة مرات منها في خطبته المعروفة بخطبة الجهاد
التي ألقاها على جنوده المنهزمين في مدينة الأنبار حيث قال لهم والألم يعصر قلبه :
(ألا وأني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا ، وسرا وعلانا ، وقلت لكم
أغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم
وتخاذلتم حتى شنت الغارات عليكم ، وملكت عليكم الأوطان). واستفحل (الداء) واشتد في
حياة الإمام الحسن عليهالسلام
، فلم يكن باستطاعته في مثل هذه الظروف والمجتمع المصاب بهذا الداء أن يخوض معركة
مصيرية تنتهي بالنصر على خصمه المتربص به ، فإذا أضفنا إلى هذا شخصية الخصم معاوية
الذي كان بإمكانه أن يبدو أمام الناس بمظهر الحاكم الملتزم بالدين وكذلك تعدد
انتماءات المقاتلين مع الإمام الحسن عليهالسلام
حتى أبدى بعضهم استعداده لمعاوية أن يسلم له الإمام عليهالسلام
حيا ، وطعنه بعضهم طعنة غادرة ، إذا جمعنا هذا وغيره من الظروف عرفنا لماذا صالح
الإمام الحسن عليهالسلام
معاوية).
باحثون آخرون من
الشيعة المعاصرين :
وهناك باحثون وكتاب آخرون من الشيعة
تبنوا الرؤية السائدة نفسها أمثال العلامة الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه حياة
الامام الحسن ، والسيد محمد جواد فضل الله في كتابه حياة الامام الحسن والشيخ مهدي
البيشوائي في كتابه سيرة الأئمة والشيخ احمد زماني في كتابه حقائق بنهان وغيرهم.
__________________
الشيخ مهدي البيشوائي
:
كتب الشيخ البيشوائي رأيه ضمن حديثه عن
الحسن عليهالسلام
في كتابه عن سيرة الأئمة الاثني عشر عليهمالسلام
وهو احدث ما كتب (الطبعة الأولى سنة ١٤٢٣ هجرية) انطلاقا من الرؤية السائدة في
الصلح وقد أفاد من الكتب التي كتبت قبله قال (وينبغي القول عموما ان الامام الحسن عليهالسلام لم يصالح في الواقع
بل فرض عليه الصلح أي تعاونت الظروف المتردية مع العوامل الأخرى بحيث أوجدت وضعا
جعل الصلح أمرا ضروريا مفروضا على الامام ، ولم ير حلا غير ذلك بحيث لو كان أي شخص
يعيش طظروفه لما كان يختار غير الصلح والهدنة ...
فمن ناحية السياسة الخارجية لتلك الفترة
لم تكن الحرب الأهلية الداخلية في صالح العالم الإسلامي لان الروم الشرقية كانت
تتحين الفرصة المناسبة ...
ومن ناحية السياسة الداخلية لم يكن
يتمتع أهل العراق لا سيما الكوفيون منهم بالاستعداد النفسي للقتال ... وكانت حروب
الجمل وصفين والنهروان والحروب الخاطفة ولدت عند أصحاب الامام علي حنينا إلى السلم
والموادعة ... وقد برز ذلك حين دعاهم الحسن للتجهز لحرب الشام كانت الاستجابة
بطيئة جدا مما جعل احد أصحاب أمير المؤمنين يوبخهم على التثاقل والتخاذل.
ثم أورد نص الشيخ المفيد في الإرشاد
الذي أوردناه فيما سبق ...
ثم قل : ولم يكن العراقيون على مرام
واتجاه واحد ، مذبذبين لا يعرفون الوفاء ولا يمكن الاعتماد عليهم والثقة بهم
يرفعون في كل يوم راية من الرايات وشعارا من الشعارات.
ثم ذكر ما أورده صاحب كتاب الاحتجاج من
قولٍ نسبه إلى الحسن عليهالسلام
: والله ما سلمت الأمر إليه (أي معاوية) الا لأني لم أجد أنصارا ولو وجدت أنصارا
لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ولا
يصلح لي منهم من كان فاسدا انهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا في فعل ...).
__________________
أقول
: ورؤية أولئك الاعلام والباحثين
المتأَخرين جميعا تستند إلى ما كتبه الشيخ المفيد رحمهالله
، الذي لخص رواية أبي الفرج الاصفهاني في كتابه مقاتل الطالبيين مع حذف الأسانيد
واسقاط بعض الفقرات.
الشيخ وحيد الخراساني
المرجع الشيعي المعاصر
في مدينة قم المقدسة
:
قال : (وقد ابتلي السبط الأكبر بمصيبة
تظهر عظمتها من مقايسة أصحابه بأصحاب أخيه الحسين عليهالسلام
، ... وأما الحسن عليهالسلام
فخطب بعد وفاة أبيه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : (أما والله ما ثنانا ن قتال
أهل الشام ذلة ولا قلة ، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر ، فشيب السلامة
بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتنم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم
الآن ودنياكم أمام دينكم ، وكنا لكم وكنتم لنا ، وقد صرتم اليوم علينا. ثم أصبحتم
تصدون [تعدون] قتيلين : قتيلا بصفين تبكون عليه ، وقتيلا بالنهروان تطلبون بثأره ،
فأما الباكي فخاذل ، وأما الطالب فثائر. وإن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز ولا
نصفة ، فإن أردتم الحياة قبلنااه منه ، وأغضضنا عن القذى ، وإن أردتم الموت بذلناه
في ذات الله وحاكمناه إلى الله. فنادى القوم بأجمعهم : بل البقية والحياة.
ثم أورد جزءا من رواية قال (ولما وجه
إلى معاوية قائدا في أربعة آلاف ، وكان من كندة ، وأمره أن يعسكر بالأنبار ، كتب
إليه معاوية : إن أقبلت إلي وليتك بعض كور الشام ، أو الجزيرة ، غير منفس عليك ، وأرسل
إليه بخمسمائة ألف درهم ، فقبض الكندي المال وقلب على الحسن عليهالسلام ، وصار إلى معاوية
في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته.
فبلغ ذلك الحسن عليهالسلام فقام خطيبا وقال : هذا
الكندي توجه إلى معاوية وغدر بي وبكم ، وقد أخبرتكم مرة بعد أخرى أنه لا وفاء لكم
، أنتم عبيد الدنيا ، وأنا موجه رجلا آخر مكانه ، وأنا أعلم أنه سيفعل بي وبكم ما
فعل صاحبه ، لا يراقب الله في ولا فيكم.
فبعث إليه رجلا من مراد في أربعة آلاف ،
وتقدم إليه بمشهد من الناس ، وتوكد عليه ، وأخبره أنه سيغدر كما غدر الكندي ، فحلف
له بالأيمان التي لا تقوم لها الجبال أنه لا يفعل. فقال الحسن عليهالسلام : إنه سيغدر. فلما
توجه إلى الأنبار ، أرسل معاوية إليه رسلا ، وكتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه وبعث
إليه بخمسمائة ألف درهم ، ومناه أي ولاية أحب من كور الشام ، أو الجزيرة ، فقلب
على الحسن عليهالسلام
وأخذ طريقه إلى معاوية ، ولم يحفظ ما أخذ عليه من العهود ،
وبلغ الحسن عليهالسلام ما فعل المرادي ...
وكتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية ، فإنا معك ، وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك ،
ثم أغاروا على فسطاطه وضربوه بحربة).
ثم كتب جوابا لمعاوية : إنما هذا الأمر
لي ، والخلافة لي ولأهل بيتي ، وإنها محرمة عليك وعلى أهل بيتك ، سمعته من رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، والله لو وجدت صابرين عارفين بحقي غير منكرين ما سلمت لك ولا أعطيتك ما تريد).
أقول
: وهذه هي رواية الراوندي عن الحارث
الهمداني. وهي بتمامها كما يلي :
قطب الدين الراوندي (ت
٥٧٣ هـ) في كتابه الخرائج والجرائح :
قال روي [عن] الحارث الهمداني قال :
لما مات علي عليهالسلام ، جاء الناس إلى
الحسن بن علي عليهماالسلام
فقالوا له : أنت خليفة أبيك ، ووصيه ، ونحن السامعون المطيعون لك ، فمرنا بأمرك.
قال عليهالسلام
: كذبتم ، والله ما وفيتم لمن كان خيرا مني فكيف تفون لي؟!
إن كنتم صادقين؟ فموعد ما بيني وبينكم
معسكر المدائن ، فوافوني هناك.
فركب ، وركب معه من أراد الخروج ، وتخلف
عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوه ، وبما وعدوه ، وغروه كما غروا أمير المؤمنين عليهالسلام من قبله.
فقام خطيبا وقال : قد غورتموني كما
غررتم من كان قبلي ، مع أي إمام تقاتلون بعدي؟! مع الكافر الظالم ، الذي لا يؤمن
بالله ، ولا برسوله قط ، ولا أظهر الإسلام هو ولا بنو أمية إلا فرقا من السيف؟!
ولو لم يبق لبني أمية إلا عجوز درداء لبغت دين الله
__________________
عوجا ، وهكذا قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله.
ثم وجه إليه قائدا في أربعة آلاف ، وكان
من كندة ، وأمره أن يعسكر بالأنبار ولا يحدث شيئا حتى يأتيه أمره. فلما توجه إلى
الأنبار ، ونزل بها ، وعلم معاوية بذلك بعث إليه رسلا ، وكتب إليه معهم : إنك إن
أقبلت إلي وليتك بعض كور الشام ، أو الجزيرة ، غير منفس عليك ، وأرسل إليه
بخمسمائة ألف درهم ، فقبض الكندي ـ عدو الله ـ المال ، وقلب على الحسن عليهالسلام وصار إلى معاوية ، في
مائتي رجل من خاصته وأهل بيته.
وبلغ الحسن عليهالسلام [ذلك] فقام خطيبا
وقال : هذا الكندي توجه إلى معاوية وغدر بي وبكم ، وقد أخبرتكم مرة بعد أخرى أنه
لا وفاء لكم ، أنتم عبيد الدنيا ، وأنا موجه رجلا آخر مكانه ، وأنا أعلم أنه سيفعل
بي وبكم ما فعل صاحبه ، لا يراقب الله في ولا فيكم.
فبعث إليه رجلا من مراد في أربعة آلاف ،
وتقدم إليه بمشهد من الناس ، وتوكد عليه ، وأخبره أنه سيغدر كما غدر الكندي ، فحلف
له بالإيمان التي لا تقوم لها الجبال أن لا يفعل. فقال الحسن عليهالسلام : إنه سيغدر. فلما
توجه إلى الأنبار ، أرسل معاوية إليك رسلا ، وكتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه وبعث
إليه بخمسمائة ألف درهم ، ومناه أي ولاية أحب من كور الشام ، أو الجزيرة ، فقلب
على الحسن عليهالسلام
، وأخذ طريقة إلى معاوية ، ولم يحفظ ما أخذ عليه من العهود ،
وبلغ الحسن عليهالسلام ما فعل المرادي.
فقام خطيبا وقال : قد أخبرتكم مرة بعد مرة أنكم لا تفون لله بعهود ، وهذا صاحبكم
المرادي غدر بي وبكم ، وصار إلى معاوية.
ثم كتب معاوية إلى الحسن عليهالسلام : يا ابن عم ، لا
تقطع الرحم الذي بيني وبينك ، فان الناس قد غدروا بك وبأبيك من قبلك.
فقالوا : إن خانك الرجلان وغدرا ، فانا
مناصحون لك.
فقال لهم الحسن عليهالسلام : لأعودن هذه المرة
فيما بيني وبينكم ، وإني لأعلم أنكم غادرون ، والموعد ما بيني وبينكم ، إن معسكري
بالنخيلة ، فوافوني هناك ، والله
لا تفون لي بعهد ، ولتنقضن
الميثاق بيني وبينكم.
ثم إن الحسن عليهالسلام أخذ طريق النخيلة ، فعسكر
عشرة أيام ، فلم يحضره إلا أربعة آلاف ، فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر وقال : يا
عجبا من قوم لا حياء لهم ولا دين مرة بعد مرة ، ولو سلمت إلى معاوية الأمر فأيم
الله لا ترون فرجا أبدا مع بني أمية ، والله ليسومنكم سوء العذاب ، حتى تتمنون أن
يلي عليكم حبشيا. ولو وجدت أعوانا ما سلمت له الأمر ، لأنه محرم علي بني أمية ، فأفٍّ
وترحاً يا عبيد الدنيا.
وكتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية بأنا
معك ، وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك.
ثم أغاروا على فسطاطه ، وضربوه بحربة ، فاخذ
مجروحا.
ثم كتب (الحسن) جوابا لمعاوية : «إن هذا
الأمر لي والخلافة لي ولأهل بيتي ، وإنها لمحرمة عليك وعلى أهل بيتك ، سمعته من
رسول الله صلىاللهعليهوآله
،
لو وجدت صابرين عارفين بحقي غير منكرين
، ما سلمت لك ولا أعطيتك ما تريد».
وانصرف إلى الكوفة.
أقول
: وهذه الرواية وردت في كتاب اثبات
الوصية المنسوب
للمسعودي المتوفي سنة ٣٤٦ من دون ذكر راويها.
وقد أوردها الخصيبي في كتابه (الهداية
الكبرى ص ١٨٩ ـ ١٩٤) مسندة عنه عن محمد بن علي ، عن علي بن محمد ، عن الحسن بن علي
، عن ابن فرقد ، عن علي بن الحسن العبدي عن أبي هارون المكفوف عن الحارث الأعور
الهمداني قال :
(لما مضى أمير المؤمنين عليهالسلام جاء الناس للحسن بن
علي عليهماالسلام
فقالوا : يا ابن رسول
__________________
الله نحن السامعون
المطيعون لك أمرنا بأمرك قال : كذبتم والله ما وفيتم لمن كان خيرا مني يعني أمير
المؤمنين عليهالسلام
فكيف توفون لي وكيف اطمئن إليكم وأثق بكم ان كنتم صادقين ، فهو غدا ما بيني وبينكم
أعسكر بالمدائن فوافوني هناك. فركب معه من أراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم
يوفوا له بما قالوا وغروه كما غروا أباه أمير المؤمنين عليهالسلام قبله. فقام خطيبا
فحمد الله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه وقال : يا أيها الناس قد غررتموني كما
غررتم أبي أمير المؤمنين قبلي فلا جزاكم الله عن رسوله خيرا ، (فقد قال أبي انكم) تقاتلون
بعده مع الظالم الكافر اللعين ابن اللعين عبيد الله بن زياد الذي لا يؤمن بالله
ولا برسول الله ولا باليوم الآخر ولا اظهر الإسلام هو ولا أبيه قاطبة الا خوفا من
السيف ، ولو لم يبق من بني أمية الا عجوز درداء لابتغت لدين الله عوجا هكذا قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله.
ثم وجه قائدا في أربعة آلاف رجل وكان من
كندة أمره أن يعسكر بالأنبار ونزل بها ، وعلم بذلك معاوية بعث إليه رسول وكتب إليه
معاوية إنك ان أقبلت إلي وليتك بعض كور الشام والجزيرة غير ما أفيضه من الانعام
عليك ، وحمل إليه خمسمائة ألف درهم وقبضها الكندي لعنه الله من الرسول وانقلب عن
الحسن ومضى إلى معاوية لعنه الله.
فقام الحسن عليهالسلام خطيبا فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس إن صاحبي بعث إليه معاوية خمسمائة ألف درهم ووعده
ومناه وولاه بعض كور الشام والجزيرة وقد توجه إليه وغدر بي وبكم وقد أخبرتكم مرة
بعد مرة إنه لا وفاء لكم ولا خير عندكم أنتم عبيد الدنيا ، وإني موجه مكانه رجلا
إن هو علم به سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه ولا يراقب في ولا فيكم فبعث رجلا من مراد
في أربعة آلاف رجل وتقدم إليه فحلف بالإيمان لا تقوم لها الجبال بأنه لا يفعل كما
فعل صاحبه ، وحلف الحسن عليهالسلام
مثلها إنه يفعل ويغدر به ، فلما توجه وصار إلى الأنبار ونزل بها وعلم ذلك معاوية
بعث إليه رسولا وكتب إليه كما كتب إلى صاحبه وبعث إليه خمسمائة ألف درهم ومناه أن
يوليه خيرا من كور الشام والجزيرة فنكث على الحسن ما فعل وأخذ طريقه إلى معاوية
ولم يراقب ولم يخف ما أخذ عليه من العهد والميثاق.
وبلغ الحسن فعل المرادي لعنه الله فقام
خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا أيها الناس قد أخبرتكم مرة بعد مرة إنكم لا
توفون بعهد الله وإنكم قد أغررتم هذا صاحبكم المرادي وقد غدر بي وصار إلى معاوية.
وكتب معاوية إلى الحسن عليهالسلام يا أبن العم : الله
الله فيما بيني وبينكم ان تقطع الرحم وأن قد غدروا بيني وبينكم وبالله أستعين.
فقرأ عليهم الحسن كتاب معاوية فقالوا : يا
ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله
إن كان الرجلان غدرا بك وغراك من أنفسهما فإنا لك ناصحون متبعون غير غادرين ،
فقال الحسن عليهالسلام والله لأعذرن هذه
المرة فيما بيني وبينكم ان يعسكر بالنخيلة فوافوني هناك إن شاء الله تعالى فوالله
لا توفون ما بيني وبينكم.
ثم إن الحسن عليهالسلام أخذه طريقه إلى
النخيلة عشرة أيام فوافاه عشر آلاف راجل فانصرف إلى الكوفة فدخلها وصعد المنبر
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
وا عجباه من قوم لا حياء لهم ولا دين
يغدرون مرة بعد مرة ،
وأيم الله لو وجدت على ابن هند أعوانا
ما وضعت يدي في يده ولا سلمت إليه بالخلافة وإنها محرمة عليهم ، فإذا أنتم لا يأمن
غدركم وأفعالكم ، فإني واضع يدي في يده.
وأيم الله لا ترون فرجا ابدا مع بني
أمية واني لأعلم عنده أحسن حالا منكم وتالله ليسؤمنكم بنو أمية سوء العذاب ويشنون
عليكم جيشا عظيما من معاوية فأف لكم وترحا يا عبيد الدنيا وأبناء الطمع.
ثم كتب إلى معاوية إني تاركها من يومي
هذا وغير طالب لها وتالله لو وجدت عليكم أعوانا ناصرين عارفين بحقي غير منكرين ما
سلمت إليك هذا الأمر ولا أعطيتك هذا الأمر الذي أنت طالبه أبدا.
ولكن الله عز وجل قد علم وعلمت يا
معاوية وسائر المسلمين إن هذا الأمر لي دونك ولقد سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآله أن الخلافة لي ولأخي
الحسين وأنها لمحرمة عليك وعلى قومك وسماعك وسماع المسلمين ، والصادق والأمين
والمؤدي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وانصرف إلى الكوفة فأقام بها عاتبا على
أهلها مواريا عليهم حتى دخل عليه
حجر بن عدي الطائي ، فقال
له يا أمير المؤمنين كيف يسعك ترك معاوية؟ فغضب الحسن عليهالسلام غضبا شديدا ، حتى
احمرت عيناه ودارت أوداجه وسكبت دموعه وقال : ويحك يا حجر تسميني بإمرة المؤمنين
وما جعلها الله لي ولا لأخي الحسين ولا لأحد ممن مضى ولا لأحد ممن يأتي إلا لأمير
المؤمنين خاصة؟
أو ما سمعت جدي رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قد قال لأبي يا
علي ان الله سماك بأمير المؤمنين ولم يشرك معك في هذا الاسم أحدا فما تسمى به غيره
الا وهو مأفون في عقله ، مأبون في عقبه ،
فانصرف عنه وهو يستغفر الله فمكث أياما
ثم عاد إليه ، فقال له السلام عليك يا مذل المؤمنين فضحك في وجهه وقال والله يا
حجر هذه الكلمة لأسهل علي واسر إلى قلبي من كلمتك الأولى فما شأنك؟ أتريد أن تقول
ان خيل معاوية قد أشرفت على الأنبار وسوادها وأتى في مائة ألف رجل في هذين المصرين
يريد البصرة والكوفة ،
فقال حجر يا مولاي ما أردت أن أقول الا
ما ذكرته ، فقال : والله يا حجر لو أني في ألف رجل لا والله الا مائتي رجل لا
والله إلا في سبع نفر لما وسعني تركه ، ولقد علمتم أن أمير المؤمنين دخل عليه
ثقاته حين بايع أبا بكر فقالوا له مثلما قلتم لي فقال لهم مثلما قلت لكم فقام
سلمان والمقداد وأبو الذر وعمار وحذيفة بن اليمان وخزيمة بن ثابت وأبو الهيثم مالك
بن التيهان فقالوا : نحن لك شيعة ومن قال بنا شيعة لك مصدقون الله في طاعتك فقال
لهم حسبي بكم قالوا وما تأمرنا قال إذا كان غدا فاحلقوا رؤوسكم واشهروا سيوفكم
وضعوها على عواتقكم وبكروا إلي فإني أقوم بأمر الله ولا يسعني القعود عنه فلما كان
من الغد بكر إليه سلمان والمقداد وأبو ذر وقد حلقوا رؤوسهم وأشهروا سيوفهم وجعلوها
على عواتقهم ومعهم عمار بن ياسر وقد حلق نصف رأسه وشر نصف سيفه ، فلما قعدوا بين
يديه عليهالسلام
نظر إليهم ، وقال لعمار يا أبا اليقظان من يشتري نفسه على نصر دينه يبقى ولا يخاف
، قال : يا أمير المؤمنين خشيت وثوبهم علي وسفك دمي فقال اغمدوا سيوفكم فوالله لو
تم عددكم سبعة رجال لما وسعني القعود عنكم.
وتالله يا حجر إني لعلى ما كان عليه أبي
أمير المؤمنين لو أطعتموني ، فخرج حجر
واجتمع إليه وجوه
قبائل الكوفة فقالوا إنا قد امتحنا أهل مصرنا فوجدناهم سامعين مطيعين وهم زهاء
ثلاثين ألف رجل فقم بنا إلى سيدنا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله
حتى نبايعه بيعة مجددة ونخرج بين يديه ولا ندع ابن هند يعبر علينا وقوائم سيوفنا
في أيدينا.
فجاؤوا إلى الحسن عليهالسلام فخاطبوه بما يطول
شرحه فقال لهم والله ما تريدون إلا انقطاع الحبل بي حتى تريحوا معاوية مني ولئن
خرجت معكم بالله حتى أبرز عن هذا المصر ليرغبنكم وليدبر على رجل منكم يرغبه في
قتلي بالمال الكثير ويسأله اغتيالي بطعنة أو ضربة فيضربني ضربة يجرحني بها ولا يصل
إلي.
قالوا بأجمعهم تالله يا أبن رسول الله
لا تقل هذا فنقتل أنفسنا وقد قلدناك دمنا.
فقال أبرزوا إلى المدائن حتى تنظروا
فبرزوا وساروا حتى وردوا المدائن فعسكر بها في ليلة مقمرة وقد كان معاوية كاتب
يزيد بن سنان البجلي ابن أخي جرير بن عبد الله البجلي لعنه الله وبذل له مالا على
اغتيال الحسن وقتله فأخذ له سيفا وأحتمل تحت أثوابه وتوجه نحو الحسن عليهالسلام فخاف على نفسه فرجع
فرمى السيف وأخذ الرمح معه فضاق به صدره فرده خوفا وأخذ حربة مرهفة وأقبل يتوكأ
عليها حتى انتهى إلى الفسطاط المضروب للحسن بن علي عليهماالسلام
فوقف غير بعيد ونظر إليه ساجدا وراكعا والناس نيام فرمى بالحربة فأثبتها فيه وولى
هاربا فتمم صلاته والحربة تهتز في بدنه ثم انتقل من صلاته ونبه من حوله وصاحوا
الناس فجاؤوا حتى نظروا إلى الحربة تهتز في بدنه فقال لهم هل أنا يا أهل الكوفة
أخبرتكم ما تفعلونه وكذبتموني وأخذ الحربة وصاح بالرحيل وانكفأ من المدائن جريحا.
وكان له بالكوفة خطبا وخطابا كثيرا يسب
فيه أهل الكوفة ويلعنهم وقال لهم أن يزيد بن سنان ابن أخي جرير بن عبد الله البجلي
رماني بحربة فاطلبوه فخرج من الكوفة وسلم ولحق بمعاوية ورحل الحسن عليهالسلام من الكوفة وسلم
الأمر إلى معاوية وقلدها معاوية إلى زياد لعنه الله فكان هذا من دلائله عليهالسلام.
وأورد السيد هاشم البحراني
في السند كما يلي : الخصيبي عن محمد بن علي بن
__________________
محمد ، عن الحسن بن
علي ، عن الحسن بن محمد بن فرقد ، عن أبي الحسن العبدي ، عن أبي هارون المكفوف ، عن
الحارث الأعور الهمداني (ت ٦٥ هـ).
أقول
: والظاهر قوله : (عن أبي الحسن العبدي) هو
علي بن الحسن العبدي.
وفي السند مشكلات عديدة :
منها ان أبا هارون المكفوف وهو من أصحاب
الصادق وأضاف البرقي والشيخ الطوسي انه من أصحاب الباقر أيضا
، لم يدرك الحارث الهمداني ت ٦٥ هـ. مضافا إلى ذلك فان الرواية مما تفرد بها
الخصيبي وقد قال عنه النجاشي فاسد المذهب ، والمتأمل في كتابه (الهداية) يجد
الباحث اكثر من شاهد على فساد مذهبه.
هذا مضافا إلى ما في متنها من عبارات
منكرة كقوله ان معاوية يناشد الحسن عليهالسلام
الرحِم ، وان لا يركن إلى أهل الكوفة فانهم غدروا به وبأبيه!
مشاهير من الباحثين من أهل السنة
ابن العربي ت ٥٤٣ هـ
:
(وعمل الحسن رضياللهعنه بمقتضى حاله : فإنه
صالح حين استشرى الأمر عليه :
نمها ما رأى من تشتت آراء من معه.
ومنها أنه طعن حين خرج إلى معاوية فسقط
عن فرسه وداوى جرحه حتى برأ فعلم أن عنده من ينافق عليه ولا يأمنه على نفسه. ومنها
أنه رأى الخوارج أحاطوا بأطرافه وعلم أنه إن اشتغل بحرب معاوية استولى الخوارج على
البلاد وإن اشتغل بالخوارج استولى عليه معاوية).
أقول
: اما قوله (فمنها انه طعن إلى قوله فعلم
ان من عنده من ينافق عليه ولا يامنه على نفسه) فان الذي طعنه هو من الخوارج وقد
نقل عبد الملك بن حسين بن عبد الملك الشافعي العاصمي المكي عن الحافظ الذهبي في
تاريخه دول الإسلام عن جرير بن
__________________
حازم : قال ... وطعنه
رجل من الخوارج بخنجر مسموم في فخذه فوثب الناس على الرجل فقتلوه لا رحمهالله ونزل الحسن القصر
الأبيض بالمدائن وكاتب معاوية في الصلح قال الذهبي وقال نحو هذا ابن إسحاق
والشعبي.
واما قوله (وعلم أنه إن اشتغل بحرب
معاوية استولى الخوارج على البلاد وإن اشتغل بالخوارج استولى عليه معاوية). يمكن
يصدق هذا الكلام قبل حرب النهروان لما اعلن الخوارج عن انفسهم وبدأوا بسفك دماء
الابرياء وكان علي عليهالسلام
قد تجهز لحرب معاوية فانصرف لقتال الخوارج في النهروان كما في رواية عبد العزيز بن
سياه . اما بعد الهنروان
فقد بقي أفراد شكلوا نواة للاغتيال ، في العراق والشام ومصر ،
ومنها أنه تذكّر وعد جدّه الصادق عند كل
أحدٍ في قوله إن ابني هذا سيِّدٌ ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من
المسلمين. هذا القول من المبشرات وليس من الأسباب الداعية للصلح.
ويبقى من تعليله قوله (ما رأى من تشتت
آراء من معه) هو الرأي السائد الذي ناقشناه ورددنا عليه.
الشيخ محمد الخضري :
(كان من رأي جند علي ان يبايعوا الحسن
بالخلافة بعد قتل أبيه فبايعوه ولكن الرجل (أي الحسن) ... رأى جندا لا يركن إليه
وخصما قوي الشكيمة ... فلم ير خيرا لنفسه ولا لأمته من أن يتنازل لمعاوية وصالحه
على شروط رضيها الطرفان).
الدكتور حسن إبراهيم
حسن :
(دعا المسلمون إلى الحسن بن علي بعد
مقتل أبيه واستخلفوه الا ان خلافته لم تثبت
__________________
امام قوة معاوية وما
كان من رواجٍ الإشاعة بانهزام جيوشه امام جند الشام مما أدى إلى تخلي أهل العراق
عنه فلم يجد بدأ من النزول عن الخلافة حقنا لدماء المسلمين ... على ان الدافع
الحقيقي الذي حدا الحسن على النزول يرجع على ما ذكره اليعقوبي إلى انه قد اصبح لا
قبل له بمعاوية وجنده فعقد معه صلحا نزل فيه عن حقه في الخلافة على ان يكون الأمر
بعد معاوية شورى بين المسلمين يولون عليهم من احبوا وبذلك اصبح معاوية صاحب
السلطان المطلق في الولايات الإسلامية كافة).
سند الإسلاميين جميعا
في تحليلهم الآنف الذكر هو الروايات التاريخية أيضا :
استند كل الإسلاميين الآنفي الذكر في
تعليل الصلح والتنازل إلى ضعف الجيش العراقي على روايات كثيرة لا يكاد يخلو منها
كتاب تاريخي وقد أوردنا طرفا منها انفا وسنورد الباقي في الفصل الثامن من الباب
الثالث من هذا الكتاب.
__________________
الباب
الثاني
القراءة
الجديدة
الفتح
المبين لمشروع علي عليهالسلام
الذي
حققه الحسن عليهالسلام بصلحه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الأول ٨٠ خلفيات الصلح
الفصل الثاني ١١٤ سنوات الفتح المبين
لمشروع علي عليهالسلام
الفصل الثالث ١٦٣ سيرة الامام الحسن عليهالسلام
الفصل الرابع ١٨٩ الغدر المبين لمعاوية
في السنوات العشر الثانية من حكمه
الفصل الخامس ٢٣٨ تعليقات على موارد من
كتاب صلح الحسن عليهالسلام
للشيخ راضي آل ياسين
الفصل السادس ٢٥٦ مسار الإمامة الإلهية
لأربعين سنة
الفصل السابع ٢٨١ مقارنة بين صلح النبي صلىاللهعليهوآله وصلح الحسن عليهالسلام
الفصل الثامن ٢٩١ مقتطفات من تاريخ
الكوفة من سنة ١٤ هـ ـ ١٤٨ هـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اشتمل الباب الثاني على ثمانية فصول :
تناول الفصل الأول :
خلفيات الصلح التي تمثلت بنهضة علي عليهالسلام
لتحرير دين محمد صلىاللهعليهوآله
من بدع قريش المسلمة وقصص التوراة المحرفة التي نشرها كعب الأحبار وتميم الداري
وإحياء أحاديث النبي صلىاللهعليهوآله
في أهل بيته عليهمالسلام
التي منعت منها الخلافة ، وكان مدخل نهضته إحياء حج التمتع أيام عثمان حينما انشقت
عليه قريش ولما قتلته بايع المسلمون عليا وتوحد جناحا قريش لحرب علي عليهالسلام ووأد مشروعه ثم
استشهد وهو يعد العدة لحرب معاوية بعد غاراته على أطراف البلاد ثم بيعة أهل الشام
معاوية وبيعة أهل العراق الحسن عليهالسلام
وطلب معاوية الصلح وهنا يجيء الصلح بصيغة الامام الحسن عليهالسلام ولم يكن معاوية ولا
أهل الشام متوقعين له بل ولا أهل العراق ولم يدر في خلدهم جميعا ولكنهم امنوا به
جميعا لما فيه من معالجة للانشقاق وحفظ لحقوق أهل العراق مع عدم المساس بحقوق أهل
الشام واختيارهم ، مع ضمانة لمشروع علي عليهالسلام
ان تشق أخباره طريقها إلى أهل الشام من موقع التشوق إلى استماعها فكان بحق فتحا
مبينا للحسن ولمشروع عليه وكان الحسن على سر أبيه بشكل فهمه الجميع.
وتناول الفصل الثاني
: وضع شيعة علي خلال السنوات العشر الأولى ونشاطهم في جو الأمان التام حيث كانت
بنود الصلح منفذة ، ونشرهم اخبار مشروع علي واخبار سيرته المشرقة واتضح للناس
إمامته الهادية وظلامته مع افتضاح معاوية وسلفه الذين عطلوا سنة النبي صلىاللهعليهوآله واتضح لمن أراد ان
يفهم الحقيقة ان معاوية أراد إحياء سيرة سلفه عثمان وشعاره الذي قام حكمه عليه / العمل
بسيرة الشيخين / وكيف هذه السيرة كانت
إفسادا لسنة النبي ، وكيف
ان عليا وقف في وجهها واحيا سنة النبي ولولاه لما عرف المسلمون سنة نبيهم ،
وتناول الفصل الثالث
: طرفا من اخبار سيرة الامام الحسن في سنوات الصلح خاصة التي برز فيها للمجتمع
الإسلامي إماما هاديا إلى الله تعالى تذكر رؤيته بجده النبي صلىاللهعليهوآله وبأبيه علي عليهالسلام خلقا وعبادة وعلما
وزهدا ورسالية.
وتناول الفصل الرابع
: طرفا من اخبار معاوية في (غدره المبين) بالحسن وبشيعته غدرا وشجت عليه أصول
معاوية غدرا يستهدف الانتقام من شيعة علي عليهالسلام
لنشرهم اخبار مشروعه وسيرته المشرقة والى إرجاع الكوفة إلى ماضيها يوم مصرت على
عهد عمر بن الخطاب.
وتناول الفصل الخامس
: ملاحظات تفصيلية حول بعض موارد كتاب صلح الحسن للعلامة الشيخ راضي آل ياسين رحمهالله. باعتباره يمثل
الرؤية السائدة ولأجل تجلية الفروق بين الرؤية الجديدة والرؤية السائدة في تعليل
الصلح وقراءة بنوده.
وتناول الفصل السادس
: مسار الإمامة الإلهية الهادية في المجتمع الإسلامي التي منحها النبي صلىاللهعليهوآله بأمر الله تعالى
لعلي عليهالسلام
في الغدير وكيف ادعتها قريش المسلمة وعطلت باسمها سنة النبي صلىاللهعليهوآله وكيف أعادها علي عليهالسلام في المجتمع من خلال
نهضته الإحيائية للسنة النبوية وكيف بلورها الحسن في صلحه وعرفها لأهل الشام ليهلك
من هلك من بينه ويحيى من حيَّ عن بينة.
وتناول الفصل السابع
: صلح النبي صلىاللهعليهوآله
مع قريش في الحديبية مقارنا بصلح الحسن عليهالسلام
مع معاوية من اجل ان تتضح وحدة الظرف بين الصلحين ووحدة الهدف ووحدة النتائج. ومنه
يتضح ان الحسن عليهالسلام
امتداد لجده النبي صلىاللهعليهوآله
وأبيه علي في عملهما الرسالي ، وان معاوية امتداد للخليفة عثمان والخليفتين في
عملهم في تطويق علي وإماتة السنة وتعطيلها.
وتناول الفصل الثامن
: الكوفة في مسارها الفكري منذ تمصيرها يوم كانت مركزا يتقيد بسيرة الخلفاء من
قريش ويعتبرها دينا ، ثم احتضانها مشروع علي عليهالسلام
الإحيائي للسنة النبوية ونصرتها له والبراءة من سيرة الشيخين ومواجهة قريش الناكثة
والقاسطة
ثم نصرت حركة الحسن
والحسين وحركة الأئمة من ضرية الحسين وحركة الثوار من ذرية الحسن والحسين عليهماالسلام ومقاومة خطط
الأمويين الرامية إلى إرجاعها إلى ما كانت عليه زمن الخلفاء القرشيين.
الباب
الثاني / الفصل الأول
خلفيات
الصلح
الخلفية المباشرة للصلح هي نهضة علي عليهالسلام
الاحيائية للسنة
الخلفية المباشرة لصلح الامام الحسن مع
معاوية التي ينبغي ان يدرس الصلح في ضوئها هي نهضة أمير المؤمنين الإحيائية للسنة
التي استهدفت تحرير دين محمد صلىاللهعليهوآله
من بدع قريش التي عطلت شريعته وحرفت معالمها ومن قصص التوراة المحرفة التي شقت
طريقها في المجتمع عن طريق أحاديث كعب الأحبار وتميم الداري على عهد عمر وعثمان
هذه القصص التي أساءت إلى الله والى أنبياءه.
اما الشع الذي رفعه علي عليهالسلام في نهضته الإحيائية
للسنة (ما كنت لأدع سنة رسول الله لقول احد من الناس) فتمتد جذوره إلى قصة الشورى
السداسية التي أفرزت حكم عثمان ودولة بني أمية الأولى وكان اهم ما فيها هو اشتراط
العمل بسيرة الشيخين على الحاكم المبايَع إلى جنب كتاب الله وسنة النبي صلىاللهعليهوآله ، وقد رفضه علي عليهالسلام لما عرضه عليه عبد
الرحمن بن عف وتقبله عثمان ،
نهض علي عليهالسلام
سنة ٢٧ هـ لإحياء حج التمتع الذي نهى عنه عمر وعاقب عليه ، ولما قتلت قريش الثائرة
عثمان بايعت الجماهير عليا عليهالسلام
على كتاب الله وسنة النبي صلىاللهعليهوآله
،
ولما قتل علي عليهالسلام بايع العراقيون ابنه
الحسن عليهالسلام
على كتاب وسنة النبي ، ومن الطبيعي ان يبايع الشاميون معاوية على كتاب الله وسيرة
الشيخين وفيما يلي التفصيل.
قصة الشورى وبيعة عثمان
قال عوانة بن الحكم عن الشعبي ورواه
الجوهري أيضا
: لما طُعِن عمر جعل الأمر شورى بين ستة نفر : علي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفان ،
وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن مالك ، وكان
طلحة يومئذ بالشام ، ... قال الشعبي : فحدثني من لا أتهمه من الأنصار ، وقال أحمد
بن عبد العزيز الجوهري : هو سهل بن سعد الأنصاري ، قال : مشيت وراء علي بن أبي
طالب حيث انصرف من عند عمر ، والعباس بن عبد المطلب يمشي في جانبه ، فسمعته يقول
للعباس ... ليجتمعن هؤلاء القوم على أن يصرفوا هذا الأمر عنا ، ولئن فعلوها ـ
وليفعلُنَّ ـ ليرونني حيث يكرهون ، والله ما بي رغبة في السلطان ، ولا حب الدنيا ،
ولكن لإظهار العدل ، والقيام بالكتاب والسنة ..
قال عوانة : فحدثنا إسماعيل ، قال : حدثني
الشعبي ، قال : فلما مات عمر ، وأدرج في أكفانه ... فتقدم صهيب فصلى على عمر. قال
الشعبي : وأدخل أهل الشورى دارا ... واجتمع الناس ، وكثروا على الباب ...
وكان هوى قريش كافة ما عدا بني هاشم في
عثمان ،
وهوى طائفة من الأنصار مع علي ...
فأقبل المقداد بن عمرو ، والناس مجتمعون
، فقال : أيها الناس ، اسمعوا ما أقول ، أنا المقداد بن عمرو ، إنكم إن بايعتم
عليا سمعنا وأطعنا ، وإن بايعتم عثمان سمعنا وعصينا.
فقام عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة
المخزومي ، فنادى : أيها الناس ، إنكم إن بايعتم عثمان سمعنا وأطعنا ، وإن بايعتم
عليا سمعنا وعصينا.
فقال له المقداد : يا عدو الله وعدو
رسوله وعدو كتابه ، ومتى كان مثلك يسمع
__________________
له الصالحون! فقال له
عبد الله : يا بن الحليف العسيف ، ومتى كان مثلك يجترئ على الدخول في أمر قريش!.
فقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح : أيها
الملأ ، إن أردتم ألا تختلف قريش فيما بينها ، فبايعوا عثمان ،
فقال عمار بن ياسر : إن أردتم ألا يختلف
المسلمون فيما بينهم فبايعوا عليا ،
ثم أقبل على عبد الله بن سعد بن أبي سرح
، فقال : يا فاسق يا بن الفاسق ، أأنت ممن يستنصحه المسلمون أو يستشيرونه في
أمورهم! وارتفعت الأصوات ...
قال الشعبي : فأقبل عبد الرحمن على علي
بن أبي طالب ، فقال :
عليك عهد الله وميثاقه ، وأشد ما أخذ
الله على النبيين من عهد وميثاق : إن بايعتك لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله ، وسيرة
أبي بكر وعمر!
فقال علي عليهالسلام
: طاقتي ومبلغ علمي وجهد رأيي ، (وفي رواية اليعقوبي : ان كتاب الله وسنة نبيه لا
يحتاج معهما إلى إجِّيرَى احد).
فأقبل على عثمان ، فقال له مثل ذلك ، فقال
: نعم لا أزول عنه ولا أدع شيئا منه. ثم اقبل على علي فقال له ذلك ثلاث مرات
ولعثمان ثلاث مرات في كل ذلك
__________________
يجيب علي مثل ما كان
أجاب به ، ويجيب عثمان بمثل ما أجاب به فقال : ابسط يدك يا عثمان ، فبسط يده
فبايعه.
قال : عوانة وقام القوم فخرجوا وقد
بايعوا الا علي بن أبي طالب فانه لم يبايع
،
أقول
: هذا وهمٌ أو تحريف من عوانة ، إذ كيف
يسمح لعلي بالخروج قبل البيعة وقد رووا عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو
بن ميمون الأودي أن عمر بن الخطاب لما حضر قال : ادعوا لي عليا وطلحة والزبير
وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعدا ، ... ثم قال : ادعوا لي صهيبا ، فقال : صل
بالناس ثلاثا ، وليجتمع هؤلاء الرهط فليخلوا ، فإن اجمعوا على رجل فاضربوا رأس من
خالفهم.
وفي رواية البلاذري : وكان عليّ قائما
فقعد ، فقال له عبد الرحمن : بايع وإلَّا ضربت عنقك ، ولم يكن مع أحد يومئذ سيف
غيره ، فيقال إنّ عليّا خرج مغضبا فلحقه أصحاب الشورى وقالوا : بايع وإلَّا
جاهدناك ، فأقبل معهم يمشي حتى بايع عثمان.
وفي رواية البخاري : قال عبد الرحمن بن
عوف لعلي : فلا تجعلن على نفسك سبيلا.
__________________
أقول
: ليس من شك ان بيعته عليهالسلام لعثمان التي اكره
عليها بالسيف قبل ان يخرج من غرفة الاجتماع لم تكن على العمل بسيرة الشيخين بل
كانت على العمل بالكتاب والسنة أي على ما بايع عليه أبا بكر وعمر سابقا ، وهي أيضا
كانت بيعة قد اكره عليها ، وقد قَبِل أهل الشورى منه ذلك ، ولم يكونوا يتوقعوا منه
ان يقوم على عثمان لإحياء سنة النبي صلىاللهعليهوآله
حينما تؤاتيه الفرصة
، وقد واتته الفرصة سنة ٢٧ هـ حين نهض بالأمر.
ما هي سيرة الشيخين التي رفضها علي عليهالسلام؟
ليس من شك ان سيرة الشيخين التي رفضها
علي عليهالسلام
انما كانت اجتهادا منهما في قبال الكتاب والسنة : والنظرية فيها ان للخليفة بعد
بيعته الحق في الاجتهاد في قبال الكتاب والسنة ، وان اجتهاداته تكون ملزمة للخليفة
من بعده ، وللخليفة الجديد الحق ان يضيف إلى اجتهادات من سبقه ، لا ان ينسخها.
ولم يقف اجتهاد الخليفتين عند مورد واحد
من سنة النبي صلىاللهعليهوآله
بل تجاوزاه إلى موارد ومسائل كثيرة :
منها مسائل اجتماعية : كتحريم متعة
النساء
، وإمضاء التطليقات بلفظ واحد
__________________
ومجلس واحد
، وغير ذلك.
ومنها مسائل ثقافية : من قبيل المنع من
نشر حديث النبي صلىاللهعليهوآله
، وحرق مذكرات الصحابة فيه ، ومنع السؤال عن تفسير القرآن
، وفسح المجال لعلماء أهل الكتاب الذين اسلموا لنشر قصص الخلق وسير الأنبياء
المحرفة التي نهى عنها النبي صلىاللهعليهوآله.
ومنها مسائل سياسية : من قبيل الإعراض
عن بيعة المنصوص عليه وإقامة الحكم الإسلامي ببيعة خاصة قبل البيعة العامة مع
إكراه الآخرين عليها الأمر الذي أشار إليه علي عليهالسلام
حين طلبوا منه البيعة بعد قتل عثمان في بيته قال (لا احب ان تكون بيعتي خفيا) وصرفهم
إلى المسجد لتكون بيعة عامة ولم يكره أحدا عليها.
__________________
ومنها مسائل اقتصادية : من قبيل حبس
الخمس عن أهل البيت عليهمالسلام.
ومنها مسائل عبادية : كتحريم متعة الحج
، وتغيير مقام إبراهيم عن موضعه الذي وضعه النبي صلىاللهعليهوآله
فيه ، والأمر بصلاة
التراويح وقد تركها النبي
__________________
عمدا
، وحذف (حي على خير العمل من الأذان) التكتيف في الصلاة ، وغير ذلك.
وغيرها من المسائل.
انشقاق قريش الحاكمة على نفسها
لم تبق قريش المسلمة كحزب حاكم متماسكة
بل انشقت على نفسها بسبب اجتهاد عثمان بإيثاره اسرته في الولايات والأموال
على بقية بطون قريش خلافا لاجتهاد عمر بتوسعتها في بطون قريش.
فقد بدأ عهده باستقدام عمه الحكم
والد مروان ، وكان النبي صلىاللهعليهوآله
قد نفاه إلى
__________________
الطائف ، ثم جعل
مروان بن الحكم
كاتبه الخاص بعد ان زوجه ابنته ، ثم عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة سنة ٢٥ هجرية
وعيَّن أخاه لأمه الوليد بن عقبة الفاسق بنص القرآن .
وفي سنة ٢٦ هجرية جمع الشام كلها
لمعاوية ،
وفي سنة ٢٧ هجرية جمع مصر كلها لأخيه من
الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وكان النبي قد أهدر دمه في فتح مكة وأجاره
عثمان ،
وفيها أيضا عزل أبا موسى الأشعري عن
البصرة وولى مكانه عبد الله بن عامر بن
__________________
كريز بن حبيب بن عبد
شمس وهو ابن أربع وعشرين سنة وضم إليه ولاية فارس.
وبسبب ذلك شاع التذمر في بطون قريش
الأخرى وصار المتذمرون وهم عبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وعمرو بن العاص وعائشة
حزبا ، وعثمان ومعه بنو أبيه / بنو أمية / حزبا.
واستحكم الخلاف بين الحزبين القرشيين
سنة ٢٧ هجرية حين اعلن عبد الرحمن بن عوف المرشح الأكيد لخلافة عثمان مقاطعته
لعثمان ، وبدأ الجناح المنشق يثير امام عثمان مخالفاته لسيرة النبي صلىاللهعليهوآله وحديثه فيه وفي
رجاله الذين اعتمدهم من اسرته لتوهين مقامه في المجتمع وتثوير الناس عليه.
مشروع علي عليهالسلام
لإحياء السنة النبوية في حج التمتع
في مثل هذا الظرف السياسية المواتي
للنهوض قرَّر علي عليهالسلام
البدء بمشروعه وحركته الإحيائية لسنة النبي في المجتمع ، وأعلن عن عزمه الحج تلك
السنة ، ولبى بحج التمتع الذي أمر به النبي صلىاللهعليهوآله
وحرَّمته الخلافة القرشية ، وأوعز إلى أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله
الذين على رأيه وهم أبو ذر وعمار ومقداد ونظراؤهم ان ينشروا الحديث النبوي في حقه
وحق أهل بيته وكونهم الأئمة الهداة بعد النبي صلىاللهعليهوآله.
روى مالك في الموطأ : «ان المقداد بن
الأسود دخل على علي عليهالسلام
بالسُقْيا وهو يُنجِع بَكرات له دقيقا وخبطا ، فقال هذا عثمان بن عفان ينهى عن ان
يقرن بين الحج والعمرة ، فخرج علي عليهالسلام
وعلى يديه اثر الدقيق والخبط فما أنسى اثر الدقيق والخبط ، على ذراعيه ، حتى دخل
على عثمان فقال : أنت تنهى عن ان يُقْرَنَ بين الحج والعمرة ، فقال : عثمان ذلك
رأيي ، فخرج عليٌّ عليهالسلام
مغضبا وهو يقول : لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا».
وفي سنن النسائي ومستدرك الصحيحين ومسند
احم واللفظ للأول عن سعيد بن
__________________
المسيب قال : «حج علي
وعثمان فلما كنا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع فقال علي إذا رأيته ارتحل
فارتحلوا فلبى علي وأصحابه بالعمرة ...». قال الامام السندي بهامشه : «قال (إذا
رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا) أي ارتحلوا معه ملبين بالعمرة ليعلم أنكم قدمتم السنة
على قوله ، وانه لا طاعة له في مقابل السنة».
وفي صحيح البخاري وسنن النسائي وسنن
الدارمي وسنن البيهقي ومسند احمد ومسند الطيالسي وغيرها عن علي بن الحسين عليهماالسلام عن مروان بن الحكم
قال : «شهدت عثمان وعليا عليهالسلام
وعثمان ينهى عن المتعة وان يجمع بينهما فلما رأى علي أهل بهما لبيك بعمرة وحجة معا
قل ما كنت لأدع سنة النبي صلىاللهعليهوآله
لقول أحد». وفي لفظ النسائي : «فقال عثمان أتفعلها وأنا أنهى عنها فقال علي لم اكن
لادع سنة رسول الله لاحد من الناس».
وكان ابوذر الغفاري رحمهالله احد ابرز رجال هذه
النهضة ، نشر ما سمعه عن النبي في حق أهل بيته واولهم علي حديث الغدير وحديث
السفينة وبسبب ذلك نفاه عثمان إلى الشام ثم استقدمه منها بطلب من معاوية حين اخبره
انه يخاف على أهل الشام من أحاديث أبي ذر فنفاه إلى الربذة.
قريش تقتل عثمان والجماهير تبايع عليا عليهالسلام
أقدمت (قريش المنشقّة)
على قتل الخليفة عثمان
في اليوم الثامن عشر من ذي
__________________
الحجة سنة ٣٥ هجرية
، وتوقعت ان تبايع الجماهير طلحةَ أو الزبيرَ لكنها فوجئت بحركة الجماهير نحو علي عليهالسلام تطلب منه البيعة.
منهج علي عليهالسلام
في بيعته وحكومته
وفوجئت الجماهير أن علياً عليهالسلام يرفض ان يبايعوه
قائلا (دعوني والتمسوا غيري)
وبعد إصرارهم عليه يواعدهم في المسجد لتكون بيعة عامة يشهدها الجميع وكان يقول (لا
تكون بيعتي خَفْياً).
وسُرَّ الناس بهذا الإجراء لأنه كاشف عن
عدم حرص علي عليهالسلام
على الإمرة والسلطان
، وأنه لا يطلبه حثيثا بل لا يقبل به حتى حينما يأتيه إلى بيته ، ومن جهة أخرى
يكشف عن حرصه أن تكون البيعة على مرأى ومشهد من كل الناس ليقول قائل ما يرغب أن
يقوله سلباً أو إيجاباً ويكون الناس أحراراً في إعطاء صوتهم ولا يُؤخذون على حين
غِرَّة ولا تكون البيعة فلتة.
__________________
وأقبل الناس على البيعة في المسجد
مسرورين وازدحموا عليه يتسابقون على مس يده الشريفة وكان في مقدمتهم طلحة والزبير
، قال عليهالسلام
يصف هذا المشهد :
(وبسطتم يدي فكفَفتُها ، ومددتموها
فقبضتُها ، ثم تداككتم علي تداكَّ الإبل الهِيم على حياضِها يوم وِردِها ، حتى
انقطعت النعلُ ، وسقط الرداء ، ووُطِئَ الضعيف وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إيايَ
أن ابتهجَ بها الصغيرُ ، وهدّج إليها الكبير ، وتحاملَ نحوها العليل ، وحسرت إليها
الكعاب).
أقام علي عليهالسلام
أروع تجربة حكم مدني بعد النبي صلىاللهعليهوآله
دامت خمس سنوات إلا ثلاثة شهور تميّزت هذه التجربة :
ـ بحاكم عالم تصرف كالأب الرحيم والأخ
الكريم مع شعبه.
ـ يحكم بينهم بالعدل.
ـ ويعلمهم ما كانوا يجهلونه من سنن
النبي صلىاللهعليهوآله
وتفسير القرآن.
ـ ويحثهم على مراقبة الحاكم ويجرئهم على
محاسبته بكل وسيلة ، ويتحمل أخطاءهم إزاءه.
وأحب الناس علياً عليهالسلام في العراق لهذا ولما
عرفوا من سابقته مع النبي صلىاللهعليهوآله
وما حباه الله ورسوله به من الولاية الإلهية والاصطفاء.
رد فعل قريش المسلمة السلبي من علي عليهالسلام
لم تطب قريش المسلمة نفسا بعهد علي عليهالسلام ووقفت ضده في أخطر محاولتين
لتجريده من العراق والشام / مركزيْ القوة العسكرية والموارد المالية للدولة
الإسلامية / ثم الإجهاز عليه لقتله.
وأحبط الله تعالى مساعيها في المعركة
الأولى لوعي الكوفة ونصرتها لعلي عليهالسلام
في
__________________
حرب الجمل في البصرة
فقد خرج منها كما في رواية أبي الطفيل قال : «قال علي يأتيكم من الكوفة اثنا عشر
ألف رجل ورجل فقعدت على نجفة ذي قار فأحصيتهم فما زادوا رجلا ولا نقصوا رجلا».
ونجحت قريش في المعركة الثانية واستطاعت
أن تحوّل الشام إلى مركز عداء ليس عسكرياً فحسب بل مركز عداء فكري وإعلامي من خلال
الأكاذيب التي اختلقت في حق علي عليهالسلام
، ونجح معاوية بعد أن اصطفَّت قريش خلفه
يسانده أهل الشام في الوقوف بوجه علي عليهالسلام
في حرب طاحنة في صفين دامت ثلاثة اشهر.
وبعد وقوف القتال ومرور سنة على التحكيم
تحول أهل الشام إلى سرايا سلب ونهب تغير على الأطراف التابعة لعلي عليهالسلام
مع إعلام مضاد شوَّه سيرته عليهالسلام
__________________
عند أهل الشام
/ الذين يجهلون أساسا مقامه عليهالسلام
في الإسلام لجهلهم بأحاديث النبي صلىاللهعليهوآله
في حقه وسابقته معه ، مضافا إلى افتراء معاوية أن علياً يتحمل مسؤولية دم عثمان
وأن قتلة عثمان هم شيعته وأكاذيب أخرى / جعل منه رمزاً للفساد وأهلا للعن والبراءة
والقتال.
شهادة علي عليهالسلام
على يد حملة
الفكر التكفيري (الخوارج)
ابتليت تجربة علي عليهالسلام الفتية في الحكم إلى
جانب تمرد قريش في الجمل وصفين ذلك بتمرد أهل النهروان الذين حملوا شعار تكفير علي
ثم جرأتهم على قتل الأبرياء المسالمين.
ونجح العراقيون في اختبارهم الصعب حين
قاتلوهم مع علي عليهالسلام
في النهروان وفيهم إخوانهم وأبناؤهم.
__________________
وتحوَّل بقية الخوارج ممن نجا أو لم
يلتحق بالنهروان إلى خلايا تعمل على الاغتيال ليس فقط في الكوفة بل في الشام ومصر.
لقي علي عليهالسلام
مصرعه على يد حلقة من حلقات هؤلاء التكفيريين في أولى أعمالها وهو يعد العدة لوضع
حد لغارات معاوية المتتالية التي كانت تقوم بالقتل والنهب والسلب وتهرب.
مشروع علي عليهالسلام
إنجازات ومشكلات
كان علي عليهالسلام
يحمل مشروعاً قبل أن تبايعه الأمة على الحكم وهو (إحياء سنة النبي صلىاللهعليهوآله وأحاديثه في أهل
بيته التي تعرِّف المسلمين بإمامتهم الإلهية الهادية) وقد انطلق به سنة ٢٧ هـ بعد
أن توفرت له أسباب النهوض آزرته عليه مجموعة طيبة من الصحابة منهم المقداد وعمار
وحجر بن عدي ونظراؤهم ، وقد اتسعت ثمرة المشروع حين بايعت الأمة علياً على الحكم
بعد قتل عثمان وأتيحت الفرصة لعلي عليهالسلام
أن يحيي سنن النبي صلىاللهعليهوآله
فيه ويقدم سيرة رائدة ونموذجا للحاكم المسلم لم تكن أهل البلاد المفتوحة قد شهدتها
من قبل ولا سمعت بها.
أفرزت حركة علي عليهالسلام في نهاية المطاف
تياراً شعبياً وثلة من العلماء داخل الأمة حمل السنة النبوية عنه وآمن به إماماً
هادياً بعد النبي صلىاللهعليهوآله
، كان قسم من رجال هذا التيار صحابة ، / بعضهم ـ وهو القليل ـ من المهاجرين
وأغلبهم من الأنصار /
قد آمنوا
__________________
بهذا الموقع لعلي عليهالسلام في العهد النبوي
نفسه ، والقسم الآخر من رجال هذا التيار وهو الأغلب من أهل البلاد المفتوحة شرقاً
وبخاصة الكوفيين الذين شهدوا سيرته وسمعوا منه وصارت الكوفة بهم مركزاً علمياً
وشعبياً يحمل ثقافة الولاء لعلي عليهالسلام
وأهل بيته عليهمالسلام.
ولكن مجتمع ثقافة الولاء لعلي أصبح
مهددا داخلياً من التكفيريين الخوارج ، ومطوقا خارجياً بغارات معاوية وأعلامه
الكاذب ضد علي عليهالسلام.
أهل العراق يبايعون الحسن عليهالسلام
على الحكم
كان أول تعبير عن وفاء العراقيين لعلي عليهالسلام وإيمانهم بمشروعه
وبثقافة الولاء لأهل البيت عليهمالسلام
هو أقدامهم على بيعة الحسن عليهالسلام
الذي شخصته النصوص إماماً هادياً معصوماً وارثاً لتراث النبوة الخاتمة ، وتقبل
الحسن بيعتهم لثقته بهم ،
بايعوه حاكماً مدنياً يحكمهم بالعدل بالإضافة إلى نصرتهم له ليواصل مشروع أبيه في
نشر سنة النبي صلى الله عليه وآه والتعريف بإمامة أهل بيته عليهمالسلام الهادية التي وقفت
قريش المسلمة قبالها لتطويقها والتعتيم عليها بل خنقها واستئصالها على عهد معاوية.
العقبات امام انطلاقة مشروع علي عليهالسلام
ليس من شك أنَّ الحسن عليهالسلام كان على منهاج أبيه
علي عليهالسلام
ليس لأنه ولده حسب ، بل لأنه وصي النبي صلىاللهعليهوآله
ووارث إمامته الإبراهيمية بنص منه ، ويهمه أساساً أن ينطلق مشروع علي عليهالسلام في هداية الأمة كلها
ولا يبقى حبيساً في الجانب الشرقي من البلاد الإسلامية ، وكانت أهم عقبتين بل
عقدتين أمام انطلاقة المشروع هما :
العقبة الأولى ؛
انشقاق الشام :
هذا الانشقاق الذي استحكم ببيعة
الشاميين لمعاوية على الحكم على ما بويع عليه
__________________
عثمان ، على كتاب
الله وسنة النبي وسيرة الشيخين ، وهذه العقبة خلقت عدة مشكلات بعضها فَعلي والآخر
تحت الرماد :
الأولى
: مشكلة فقدان الأمان في الطرق الخارجية
بين ولايات الدولة الإسلامية حيث انعدمت بفعل غارات جيش معاوية على الأطراف الآمنة
التابعة لعلي عليهالسلام.
وهذه مشكلة فعلية قائمة.
الثانية
: مشكلة ثقافة العداء لعلي عليهالسلام عند أهل الشام ، فهم
يعتقدون أن علياً عليهالسلام
مشترك في قتل عثمان مفسد في الدين مخالف لسيرة الشيخين ، يستحق أن يُلعن ويُتبرأ
منه ومن شيعته بل يستحقون أن يُستأصَلوا جميعا وهذه المشكلة فعلية أيضا.
الثالثة
: مشكلة تهديد الروم البزنطيين على
الجبهة الشمالية الشرقية للشام وهذه المشكلة فعلية أيضا.
الرابعة
: مشكلة تحت الرماد تتمثل باحتمال أن
يتبنى المنشقُّون إحياء القبلة المنسوخة وهي بيت المقدس لتجريد الحسن عليهالسلام من سلاح الكعبة / القبلة
العامة لكل المسلمين / ولإحكام عُزلة أهل الشام عن العراقيين حتى لا ينفتحوا على
الحقائق التي قد تغيِّر من ولائهم لمعاوية. وقد حصل مثل هذا في عهد بني إسرائيل في
الشام وتعددت القبلة والكتاب الإلهي عندهم وبقيت امتدادات القبلتين والكتابين إلى
زمن معاوية وإلى اليوم ، وقد نفَّذ عبد الملك بن مروان جزءا من هذا المخطط في
زمانه لما كان خصمه عبد الله بن الزبير مسيطراً على مكة.
العقبة الثانية ؛
الخوارج :
حمل الخوارج شعار التكفير لعلي عليهالسلام وتحولوا إلى خلايا
اغتيال ومجموعات تغير على ال ابرياء وتقتلهم لأنهم يسالمون السلطة ، وقد تسببت هذه
النشاطات ان تفتقد الأمة وبخاصة البلاد الشرقية الأمان داخليا.
المفتاح لانطلاق مشروع علي عليهالسلام
في الشام
هو الصلح وليس الحرب
تكشف الدراسة المقارنة بين حال مشروع
علي عليهالسلام
ومشروع النبوة من قبل عن حقيقة مثيرة وهي أن مشروع علي عليهالسلام في إحياء سنة النبي صلىاللهعليهوآله قد أحاطته مشكلات هي
عين المشكلات التي أحاطت بمشروع النبوة في المدينة من قبل لإحياء دين إبراهيم.
فقد استطاعت قريش المشركة أن تطوق النبي
صلىاللهعليهوآله
بطوق إعلامي يبرزه رجلاً انتهك حرمة البيت الحرام وسفك الدم الحرام في الشهر
الحرام
مفسداً في دين إبراهيم ، وأبرزت قريش نفسها أنها على دين إبراهيم تريد السلم وخدمة
بيت الله وزواره.
__________________
واستطاعت بإعلامها
هذا أن تجند عشرة آلاف مقاتل في معركة الأحزاب (الخندق).
وأوحى الله تعالى إلى نبيه ان يغيِّر
خطة الحرب مع قريش بعد قصة الخندق إلى خطة صلح ، لأن مواصلة الحرب سوف لن تزيد
الإعلام الكاذب إلا قوةً وتأثيرا ، وبالتالي سوف تبقى الصورة الصادقة للإسلام
وللنبي صلىاللهعليهوآله
وانه جاء معظماً للبيت ومحرراً له من الأصنام ، وأن قريشا هي التي تصد عن بيت الله
سوف تبقى هذه الصورة حبيسة المدينة لا غير.
وخرج النبي صلىاللهعليهوآله بأصحابه في موسم
الحج قاصداً العمرة معه الهدي رافعاً مشروع الصلح سنة ست من الهجرة ، ولكن قريش
بقيت على عنادها وصدتَّه عن زيارة البيت ووقّعت معه معاهدة صلح مشترطةً عليه ان
يرجع عامه هذا وأن يأتي العام القابل لزيارة البيت ، وافتضحت في دعاواها مع
حلفائها حين صدت النبي صلىاللهعليهوآله
وأصحابه عن زيارة البيت ومعه الهدي.
وانفتح الناس على النبي صلىاللهعليهوآله أيام الصلح ودخلوا
في الإسلام وارتفع عدد المسلمين من ألف وخمسمائة إلى عشرة آلاف خلال سنتين ونصف ، ثم
غدرت قريش بالنبي صلىاللهعليهوآله
وفتح النبي مكة وانهارت دولة قريش سنة ثمان من الهجرة.
__________________
وكذلك كان معاوية ومن معه من (قريش
الأبناء)
في الشام سنة ٣٧ هـ فقد أظهروا لشعوب النصف الغربي من الأمة عبر الإعلام الكاذب : أنّ
عليا قد سفك دماء المسلمين في حروبه لأجل الملك وانه افسد في دين محمد صلىاللهعليهوآله ، وان عثمان قُتل
مظلوماً وأن قَتَلَةَ عثمان عند علي عليهالسلام
بل هو أحدهم
، وأنّ معاوية يدعو إلى دين محمد صلىاللهعليهوآله
وسيرة الشيخين ويريد السلم والاقتصاص ممن قَتَلَ الخليفة المظلوم عثمان.
والحسن عليهالسلام
بين يديه مشروع أبيه (إحياء سنة النبي صلىاللهعليهوآله
واحاديثه في أهل بيته عليهمالسلام
التي تعرف المسلمين بإمامتهم الإلهية الهادية) وهو مشروع يستهدف هداية الأمة كلها
، يحمله العراقيون معه. ولكنه حوصر داخل النصف الشرقي من البلاد الإسلامية من قبل
معاوية وقريش المسلمة الأبناء التي اصطفت خلفه فحالوا دون انطلاقة المشروع إلى
شعوب النصف الغربي من البلاد الإسلامية ، ولم يقف الأمر عند هذا المستوى بل استطاع
معاوية أن يجنِّد من هذه الشعوب وبخاصة الشاميين جيشاً عقائدياً ضد المشروع يعمل
على تطويقه ومقاتلته بكل ما أوتي من قوة ، وقد خاضوا معه أشد حرب وأعظم حرب شهدتها
الأمة في تاريخها ثم تحول الجيش بعد ذلك إلى سرايا تغير على أطراف البلدان المؤمنة
بعلي عليهالسلام
تنهب وتسلب وتقتل وتنهزم لتخويف الناس والحد من انتشار مشروع علي عليهالسلام.
ثم بايعت هذه الشعوب معاوية حاكماً على
طريقة وسيرة سلفه الخلفاء القرشيين الذين فتحوا الدنيا ثم رفع معاوية شعار السلم
والصلح
وإيقاف الحرب بوجه الحسن عليهالسلام.
__________________
وأمامَ وضع معقد كهذا لا يصبح خيار
مواصلة الحرب في صالح مشروع علي عليهالسلام
وبخاصة حين يكون قد طوقه الاعلام الأموي بصفة الإفساد ثم اللعن والبراءة والعمل
على قتله بكل وسيلة.
ثم أن الصلح المحدود وإيقاف القتال
بالطريقة التي طرحها معاوية بان يبقى العراق وما والاه للحسن عليهالسلام والشام وما والاه
لمعاوية كما هي طبيعة الأشياء وطبيعة طريقة تفكير معاوية تكرس الانشقاق والثقافة العدائية
لعلي عليهالسلام
ومن ثم بقاء الطريق مسدوداً أمام انفتاح أهل الشام على مشروع علي عليهالسلام مضافاً إلى ما ينطوي
عليه من خطر محتمل أشرنا إليه آنفاُ.
خصائص أطروحة الصلح المطلوبة
لإن أطروحة الصلح التي يحتاجها مشروع
علي عليهالسلام
لينطلق في الشام لابد لها من أن تكون أطروحة تمتلك أن تحقق ما يلي :
|
١.
تعالج الانشقاق وما ينطوي عليه من مخاطر فكرية وسياسية.
٢.
تعرف الشاميين أنَّهم كانوا ضحية إعلام كاذب ، وأنَّ معاوية كان يطلب الملك وراء
قتاله علياً عليهالسلام
ليس إلا ، وأنَّ قتلة عثمان هم قريش أنفسهم ثارت عليه بقيادة طلحة والزبير
وعائشة لما آثر بني أبيه بالملك وزواه عنهم. وأن علياً عليهالسلام
كان أبعد الناس عن دم عثمان ، وأنه كان مصيباً في رفضه للخلافة المشروطة بالعمل
بسيرة الشيخين يوم عرضها عليه عبد الرحمن بن عوف لاعتقاده أنها مخالفة لسنة
النبي صلىاللهعليهوآله
وكان حج التمتع ابرز مثال على ذلك ، وان حرب الجمل وصفين ونهروان ليست من اجل
الملك بل من اجل إحقاق الحق ومعاقبة المعتدين ، وأن معاوية كان ظالماً لعلي عليهالسلام
حين رفع شعار لعنه وقتاله. وأنَّ العراقيين كانوا مصيبين في نصرتهم علياً عليهالسلام
وفي بيعتهم للحسن بن علي عليهالسلام.
|
__________________
|
٣.
تفرض على معاوية ان يتعامل / ولو ظاهريا ولمدة محدودة / بإيجابية مع ذكر علي عليهالسلام
بخير.
٤.
تضمن اختلاط العراقيين مع الشاميين في أجواء المحبة والأمان ليتمكَّن العراقيون
من نقل أخبار الإمامة الإلهية في علي عليهالسلام وأخبار سيرته المشرقة.
٥.
تحقق أجواء الأمان في الأمة كلها وتطوق الفكر التكفيري حلقات الاغتيال التي نشأت
عنه.
٦.
تدفع التهديد الخارجي الذي يلوح به الروم البزنطيين.
|
وليس من شك أن الصيغة الوحيدة التي تحقق
كل الأمور الآنفة الذكر هي التنازل المشروط عن السلطة المدنية لمعاوية من قبل
الحسن عليهالسلام.
وهي أطروحة ليست صعبة على الحسن عليهالسلام فهو أساساً إمامٌ
هادٍ تهمُّه قضية الهداية والرسالة ومصلحة الأمة العامة قبل كل شيء ، والحكم
القائم على بيعة الناس بالنسبة إليه / على الرغم أنه من حقه ويجب على الأمة أن
تبايعه / لا يزيد من إمامته الإلهية شيئاً ولا ينقص منها شيئا.
وكان النبي صلىاللهعليهوآله قد أعد الحسن عليهالسلام لهذه المهمة الإلهية
بقوله صلىاللهعليهوآله
: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)
، وقوله صلىاللهعليهوآله
: (الحسن والحسين سبطان من الأسباط)
، وقوله صلىاللهعليهوآله
: (إن ابنيي هذا سيد ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين).
__________________
وكذلك هي ليس صعبة على العراقيين شيعة
علي عليهالسلام
المؤمنين بمشروعه ، فهم على نهجه يحملون همَّ هداية الأمة ومؤازرة القائد الإلهي
المذخور لها. وليسوا طلّاب سلطة ودنيا وقد شهد لهم علي عليهالسلام بذلك.
قال عليهالسلام
: (وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة).
وقال عليهالسلام
مخاطبا لهم : أنتم الأنصار على الحق ، والأخوان في الدين والجنن يوم البأس
والبطانة دون الناس.
وقال عليهالسلام
: الكوفة كنز الإيمان وحجة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث شاء ، والذي نفسي
بيده لينتصرنَّ الله بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجار.
ولا زالت الكلمة الرائعة التي تمثل بها
الحسن عليهالسلام
حين رحل عن الكوفة بعد الصلح في حُسن ثقته بالعراقيين يحفظها التاريخ وهي قوله :
__________________
ولا عن قِلىً فارقتُ دارَ معاشري
|
|
همُ المانعونَ حوزتي وذماري
|
وقد عَرَفَ ذلك للعراقيين أيضا خصمهم
عبد الله بن الزبير حين قال له معاوية متشكياً : أنَّ الحسن عليهالسلام لم يزره في المدينة
إلا مرة واحدة ، وكان يتوقع أن يزوره أكثر من مرة ، قال له : والله لو شاء الحسن
أن يضربك بمئة ألف سيف لفعل ، ولأهلُ العراق أبرُّ به من أمِّ الحُوار بحُوارها.
وعَرَفَ هذه الصفة لهم أيضا معاوية نفسه
خلال سنوات الصلح حين انطلق أخيارهم ورموزهم من الرجال والنساء بفقه في الدين
وجرأة في الحوار مع الحاكم ووفاء لعلي عليهالسلام
منقطع النَّظير يروون لأهل الشام ولغيرهم سيرة علي عليهالسلام
المشرقة وسوابقه مع النبي صلىاللهعليهوآله.
وقد شهد لهم معاوية بوفائهم لعلي ومنهجه
حين قال : (هيهات يا أهل العراق لقد فقهكم علي فلن تطاقوا!)
وحين قال : (لقد لمظكم علي الجرأة على
السلطان).
وحين قال : (واللهِ لوفاؤكم له بعد موته
أعجب إلي من حبِّكم له في حياته!).
ان مشروع الهداية وحل المشكلات لا يحتاج
فقط إلى قائد رسالي إلهي تسمح له نفسه بالتنازل عن حق بمستوى ملك العراق والبلاد
التابعة له لأجل الرسالة والهداية والمصلحة العامة للأمة ، بل هو بحاجة أيضا إلى
قناعة العراقيين بذلك وأهليتهم لحمل
__________________
ثقافة الولاء لعلي
إلى غيرهم ، وقد أثبت العراقيون أنهم كذلك حيث استجابوا
للحسن عليهالسلام
وقاموا بمهمة الهداية معه كما سيأتي.
العمق الاستراتيجي للحسن عليهالسلام والتفكير المحدود لمعاوية
المعادلة التي صنعها الحسن عليهالسلام مع معاوية هي أن
يسلم السلطة المدنية في العراق لمعاوية لتكون الحكومة واحدة في البلاد الإسلامية
بشروط يشترطها على معاوية منها : ان يكون الحكم بعد معاوية للحسن وان حدث به حدث
فللحسين لتكافؤ مكانتهما قيمتهما المعنوية في الإسلام وليس له ان يعهد إلى احد من
بعده وأن يتقيد معاوية في حكمه بالكتاب والسنة ، وأن لا يذكر علياً عليهالسلام إلّا بخير ، وأن
يأمن شيعة علي عليهالسلام
أينما كانوا ، وأن يفضل بني هاشم في العطاء على بني شمس وشروط أخرى.
ومن الواضح أن الطرف الأول من المعادلة
/ وهو تسليم الحكم / يسد الباب على معاوية أن يشترط أي شرط ويفتح الباب للحسن عليهالسلام أن يشترط شروطه بكل
حرية. ويجعل معاوية أمام خيارين لا ثالث لهما أما قبول المعادلة كلها وأما رفضها
كلها :
أما قبول شروط الحسن عليهالسلام ليحصل على ملك
العراق الذي لم يكن يحلم به.
أو رفض الملك لأجل مبادئه التي انطلق
منها في حربه مع علي عليهالسلام
التي خلاصتها : أن معاوية كان يقاتل علياً عليهالسلام
من أجل دم الخليفة المظلوم عثمان وأن علياً خالف سيرة الشيخية في حج التمتع وغيره.
ولكن هذا الفرض الأخير غير وارد في طريقة تفكير معاوية لان الملك عنده هو الأَهم
من كل شيء ، وبالتالي فليس لديه مانع من ان يعطي عهدا ثم ينقضه بعد فترة من الزمن
، ولم تغب هذه الحقيقة عن الحسن عليهالسلام
الذي يهمه معالجة الانشقاق وكسر الطوق الاعلامي الكاذب ضد علي في الشام والمعرفة
بحديث الغدير وحديث الثقلين وغيرها من الأحاديث التي تؤسس الإمامة الإلهية الهادية
لأهل البيت ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ، وهذا الأمر يحتاج إلى
سنوات
__________________
لا غير ، وحين ينقض
معاوية عهده بعد ذلك فانها قضية ان حصلت فقد اعد لها المشروع النبوي الحسين قائدها
الإلهي الخاص سلفا لمواجهتها.
ان أطروحة الحسن للصلح تدفع معاوية دفعا
لان يستقبلها ولا يرفضها ولو رفضها لكان الملوم عند شعبه. وفي الوقت نفسه فان
معاوية يعلن ان قبوله للشروط معناه ظهور أمر الإمامة الإلهية لعلي في الشام وانه
امتداد لرسول الله في سيرته ، وأنَّه في مخالفته لسيرة الشيخين في حج التمتع
وغيرها كان مصيبا
وان كل من خالف عليا في صغيرة أو كبيرة كان على الباطل ، ولكنه افتضاح كان معاوية
قد استبطن الخطة لعلاجه كما اشرنا انفا.
إنَّ الحسن عليهالسلام بتنازله المشروط عن
السلطة يكون قد حقق فتحاً عظيماً لقلوب أهل الشام إزاء أبيه علي عليهالسلام ، وهيأها لاستقبال
نصوص ولايته الإلهية التأسيسية من الكتاب والسنة ، كما حقق صلح الحديبية من قبل
فتحاً مبيناً لقلوب سكان أهل الحجاز ونَجْد إزاء النبي صلىاللهعليهوآله وهيأها لاستقبال
الإسلام والاعتراف بنبوته صلىاللهعليهوآله.
ويتبيَّن
بذلك سرُّ قول الإمام الحسن عليهالسلام لأحد أصحابه : (إن
علة مصالحته لمعاوية هي علة مصالحة النبي لقريش).
وسرُّ
قول الإمام الباقر : (والله لَلذي صنعه الحسن بن علي عليهالسلام
كان خيراً لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس والقمر).
وبذلك يتضح أيضا العمق الاستراتيجي عند
الحسن عليهالسلام
إذ أنه كان يفكر أساسا بفتح قلوب أهل الشام لمشروع علي عليهالسلام ، ومعالجة الانشقاق
لتستعيد الأمة قوتها في مواجهة التهديد الخارجي للروم والتهديد الداخلي من حملة
الفكر التكفيري الخوارج.
أما معاوية فهو يفكر بحدود موضع قدميه
أنه يرغب في الملك ولو على أساس يفضحه ، وإن تطلّعت نفسه إلى رغبة أعمق فيما بعد
فإنه يُقيمها على أساس نقض العهد والكذب وليس على أساس الالتزام بالعهود والصدق مع
الله والنفس والمجتمع.
__________________
وفي ضوء هذا البيان
يتضح :
أنَّ مبرر الصلح بشكل تنازل مشروط عن
السلطة الذي تبلور عند الإمام الحسن عليهالسلام
ليس مرده إلى طبيعة التخاذل والضعف في شخصية الحسن كما تبنى المستشرقون ذلك
اعتماداً على روايات موضوعة.
ولا إلى الخيانات والضَّعف والشك الذي
عاشه جيش الحسن عليهالسلام
أو شَعبه كما تصوره لنا روايات أخرى كلها من وضع الإعلام العباسي.
بل مرده إلى تفكير موضوعي في الظرف الذي
تمر به الرسالة والأمة ليحفظ مصالحهما.
اما مصلحة الرسالة فقد نهض بها علي عليهالسلام ليكون الكتاب والسنة
دون إضافة رأي احد هي الدستور الحاكم في البلاد وليكون رأي الحاكم في المسائل
الدينية العملية الشخصية مذهبا من المذاهب يترك فيه الخيار للامة ان شاءت أخذت به
وان شاءت تركته وأخذت براي آخر.
اما مصلحة الأمة في زمن الحسن عليهالسلام فهي معالجة الانشقاق
الذي استحكم فيها ، وملاحقة الارهابيين الذين نغصوا العيش الآمن ، والاستعداد
لمواجهة تهديد الروم على الجبهة الشمالية الشرقية.
__________________
وهكذا عالج الحسن عليهالسلام الانشقاق المستعصي
بأطروحة التنازل المشروط : بان تكون الدولة واحدة وان يكون معاوية أول رئيس
لمبايعة أهل الشام له ثم يكون الحسن بعده لمبايعة أهل العراق بشروط يضعها الحسن
لضمان مصالح شيعته دون المساس بمصالح أهل الشام.
ويتضح من ذلك ان الحسن يهمه ان تتوحد
الأمة على حاكم وان يتقيد هذا الحاكم بشروط تضمن مصلحة شعبه الذي بايعه من دون
المساس بمصلحة أهل الشام ولا يهمه ان يلي الحكم بعد معاوية ، اما معاوية فيهمه ان
يحكم سواء على الشام وحدها بسيرة الشيخين أو على الأمة كلها من دون سيرة الشيخين.
ويتضح من ذلك أيضا ان الحسن يريد المبدأ
وليس الملك فهو مستعد ان يسلم الملك لخصمه بشرط العمل بالكتاب والسنة
فهو على سر أبيه علي حين رفض الملك المشروط بسيرة الشيخين لأنها اجتهاد مخالف
للكتاب والسنة كلاهما لا يهمهما الحصول على الملك كيفما اتفق ولا يهمهما التمسك
بالملك بأي صورة.
وان معاوية يريد الملك وليس المبدأ نظير
سلفه عثمان من قبل حين قبل الملك بشرط العمل بسيرة الشيخين مع انها اجتهاد مخالف
للكتاب والسنة.
والحسن عليهالسلام
بطريقة التفكير هذه كان واثقا كل الثقة أنَّ أهل الشام فضلا عن شيعة أبيه سوف
يستقبلون صيغته للصلح لما يرون فيها من حفظ مصالح واختيارات الجميع ونكران للذات
من الحسن عليهالسلام
يشهده الجميع.
وهكذا كان الأمر.
وطار معاوية فرحاً حين بلغته أطروحة
الحسن عليهالسلام
وهي : ان تكون دولة واحدة
__________________
يحكمها حاكم واحد هو
معاوية ومن بعده الحسن ، وان يتقيد معاوية في حكمه بشروط يمليها الحسن ، وسال
لعابه ولابد انه أدرك بداهة ماذا ستكون شروط الحسن وأولها شرط العمل بالكتاب
والسنة دون إضافة سيرة الشيخين وثانيها ان يترك سب علي وثالثها أمان كل شيعة علي وكلها
حق فلم لا يستجيب للحق حين يدر عليه مصلحته ولكل حادث حديث.
فبعث للحسن عليهالسلام أوراقاً بيضاء موقعة
يكتب فيها الحسن عليهالسلام
ما شاء من الشروط.
وكتب الحسن عليهالسلام
شروطه لأطروحته وهي :
١. أن يعمل معاوية بكتاب الله وسنة
رسوله صلىاللهعليهوآله
الأمر الذي قامت عليه دولة النبي في المدينة.
٢. وأن يترك سب أمير المؤمنين والقنوت
عليه بالصلاة (والسنة تنهى عنه) وأن لا يذكر علياً إلا بخير (وهو مما تامر به
السنة).
٣. وأمان شيعة علي حيث كانوا ما داموا
لم يرتكبوا ما يوجب العقوبة (وهو مما يأمر به الكتاب والسنة).
٤. وأن يفضِّل بني هاشم في العطاء
والصِّلات على بني عبد شمس
(وهي سيرة النبي).
٥. وان يعطي للحسن عليهالسلام مليوني دينار سنويا.
(نحن نشك في هذا الشرط انظر الباب الرابع الفصل الثالث الصفحة ٥٦٥).
٦. وأن لا يسميه أمير المؤمنين (لان هذه
التسمية ابتدعت لعمر في زمنه وهي أساسا لقب خاص لعلي عليهالسلام).
__________________
٧. وان لا يقيم عنده شهادة (وتعني ان
ولايته تنفيذية فقد فليس له صلاحية ان يقضي أو يشرع).
الوفاء بالشروط مدة عشر سنوات
وعادت للأمة إلفتها وودها.
وقُطِع الطريق على الانشقاق أن يستمر
وتستمر معه لوازمه بالظهور.
وتفرغت الدولة لملاحقة التكفيريين
الخوارج.
وعاد الأمان لكل المسلمين في بلادهم
شرقاً وغرباً. كما تفرغت لمواجهة تهديد ملك الروم في الجبهة الشمالية الشرقية
للشام.
وكُسِر الطوق الاعلامي الكاذب ضد علي عليهالسلام. وعرفه أهل الشام
وغيرهم مظلوماً ظلمته قريش المسلمة حقه وهو الإمام الهادي الذي شهدت له آيات
الكتاب وأحاديث النبي صلىاللهعليهوآله
كما شهد له من عاشره بذلك.
ووصلهم قول رسول الله صلىاللهعليهوآله فيه يوم الغدير : من
كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل
من خذله.
وحديث المنزلة.
وحديث الكساء.
ووصلتهم أخبار حج التمتع التي حاولت
السلطات القرشية والإعلام الأموي الكاذب التعتيم عليها ووصف حركة علي عليهالسلام باتجاه إحياء حج
التمتع بالإفساد في الدين ، وعرفوا أنَّ علياً قد أحيا الحج الذي جاء به النبي صلىاللهعليهوآله وهو حج التمتع.
ووصلتهم أخبار أخرى كثيرة تتصل بسنن
النبي صلىاللهعليهوآله
التي عملت قريش المسلمة على تغييرها أو التعتيم عليها.
ووصلهم وصفُ ضرار له بل سمعوه منه في
بلاط معاوية حين طلب منه أن يصفه قائلاً :
__________________
(كان واللهِ بعيدَ المدى ، شديدَ القِوى
، يقول فصلاً ، ويحكم عدلا ، يتفجَّرُ العلمُ من جوانِبِه ، وتنطِقُ الحِكمَةُ من
نواحيه ، يستوحشُ من الدنيا وزَخرتها ، ويأنسُ بالليلِ ووحشتِه ، غزيرَ العَبرة ، طويلَ
الفكرة ، يُعجِبُه من اللِّباس ما قَصُر ، ومن الطعام ما خَشُن. كان فينا كأحَدِنا
، يجيبُنا إذا سألناه ، وينبئُنا إذا استفتيناه ، ونحن واللهِ مع تقريبِه إيانا
وقُربِه منّا لا نكاد نكلِّمه هيبةً له. يعظِّم أهلَ الدين ويُقرِّب المساكين. لا
يطمع القَويُّ في باطله ، ولا ييأَسُ الضعيفُ من عدله ، وأشهدُ لقد رأيتُه في بعض
مواقفه ، وقد أرخى الليلُ سدولَه ، وغارت نجومُه ، قابضاً على لحيته ، يتململُ
تململَ السَّليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا غُرِّي غيري ، أبي
تَعرَّضتِ أمْ إليَّ تَشوَّفتِ.
هيهات هيهات قد باينتُك ثلاثاً لا رجعة
لي فيها ، فعُمرك قصير وخطرك حقير.
آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة
الطريق.
وشهدوا من معاوية بعد هذا الوصف نزف
دموعه على لحيته وقوله : رحم الله أبا حسن كان والله كذلك.
مسمعوا جواب ضرار حين سأله معاوية : عن
حزنه على علي.
قال : حزب من ذبح ولدها في حجرها.
ووصلهم وعي مالك الاشتر ونظرائه من
أبطال العراق مع علي عليهالسلام
للمعركة الأساسية مع قريش في الجمل وصفين وهدفهم من تمردهم ، فقد قال رحمهالله في صفين : (إن هؤلاء
القوم والله لن يقارعوكم إلا عن دينكم ، ليطفئوا السنة ، ويحيوا البدعة ، ويدخلوكم
في أمر قد أخرجكم الله منه بحسن البصيرة)
، وستأتي كلمات أخرى نطق
__________________
بها أصحاب علي عليهالسلام في بلاط معاوية في
سنوات الصلح.
وشهدوا الناس الحسن عليهالسلام في سيرته الشخصية
إماماً أيضا على سمت أبيه.
وشهدوا منه الحج ماشيا خلال هذه السنوات
العشر والنجائب تقاد بين يديه.
قد حج قبل ذلك خمسا او عشرا زمن ابيه عليهالسلام.
وهذا حفيده من ابنته الإمام الصادق عليهالسلام يصف عبادة جده الحسن
عليهالسلام
قال حدثني أبي عن أبيه عليهماالسلام
أن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام
:
كان أعبد الناس في زمانه ، وأزهدهم
وأفضلهم ،
وكان إذا حج حج ماشيا ، وربما يمشي
حافيا ،
وكان إذا ذكر الموت بكى ، وإذا ذكر
القبر بكى ، وإذا ذكر البعث والنشور بكى ، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى ، وإذا
ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها.
وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين
يدي ربه عز وجل ،
وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب
السليم ، ويسأل الله تعالى الجنة ، ويعوذ به من النار ،
وكان لا يقرأ من كتاب الله عز وجل : (يا
أيها الذين آمنوا) إلا قال : لبيك اللهم لبيك ، ولم ير في شيء من أحواله إلا ذاكرا
لله سبحانه ،
وكان أصدق الناس لهجة ، وأفصحهم منطقا.
__________________
انتشار سنة النبي صلىاللهعليهوآله
لدى أهل البلاد المفتوة شرقاً
وغرباً بفضل مشروع علي عليهالسلام
وصلح الحسن عليهالسلام
وهكذا انتشرت ثقافة الولاء لأهل البيت عليهمالسلام التي أسسها الكتاب
والسنة وانفتح أهل البلاد شرقاً وغرباً بعضهم على بعض وصاروا أمة واحدة وعلى مستوى
واحد من المعرفة بحديث الغدير وحديث الثقلين وحديث المنزلة وغيرها من النصوص التي
تؤسس الإمامة الإلهية لأهل البيت عليهمالسلام
وأولهم علي عليهالسلام
أخذ بها من شاء وتركها من شاء ، شأنهم شأن المعاصرين للنبي صلىاللهعليهوآله. عملاً بقاعدة (لَا
إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) البقرة / ٢٥٦ التي أسسها النبي صلىاللهعليهوآله في المعتقد.
وكانت الفترة التي استغرقتها نهضة علي عليهالسلام من أيام الحج سنة ٢٧
هجرية إلى وفاة ولده الحسن عليهالسلام
مسموماً نهاية سنة ٥٠ هـ لإحياء سنة النبي صلىاللهعليهوآله
ونشرها كثقافة في الأمة الإسلامية ثلاث وعشرين سنة ، وهي نظير الفترة التي
استغرقتها مهمة نشر أحكام الإسلام منذ بعثة النبي صلىاللهعليهوآله
إلى يوم الثامن عشر من ذي الحجة يوم بلغ النبي صلىاللهعليهوآله
أمته في غدير خم بولاية علي عليهالسلام
الإلهية.
وفي الفصل الآتي نذكر طرفا من اخبار نشاط
أصحاب علي في الشام أيام الصلح وطرف من أحاديث النبي في حق علي عليهالسلام وطرف من سيرة علي عليهالسلام.
الباب
الثاني / الفصل الثاني
السنوات
العشر الاولى من الصلح (سنوات الفتح المبين لمشروع علي عليهالسلام)
رؤيتان للسنوات العشر قبل وفاة الحسن عليهالسلام
هناك جملة من الروايات التاريخية وهي
التي استندت إليها الرؤية السائدة والمشهورة ، تصور لنا ان معاوية دخل الكوفة وأخذ
البيعة من الناس ثم خطب فيهم بحضور الحسن والحسين ووجوه أصحابهم واعلن لهم ان كل
شرط اشترطه الحسن فهو مردون ، ثم تناول عليا بالطعن وأمر ولاته بذلك ... ثم تتابعت
سياسة ترويع الشيعة وتهجيرهم وسجنهم.
__________________
غير ان هذه الروايات على فرض صحة سندها
تواجهها عدة قضايا :
١. ان تهجير خمس وعشرين ألف من الكوفة
ومثلهم من البصرة انما كان بعد سنة خمسين أي بعد عشر سنوات من الصلح أي بعد وفاة
الحسن عليهالسلام.
٢. قتل حجر بن عدي وأصحابه انما تم بعد
عشر سنوات من الصلح أي بعد وفاة الحسن عليهالسلام.
٣. إعادة لعن علي إلى المجتمع انما تم
بعد عشر سنوات من الصلح أي بعد وفاة الحسن عليهالسلام
كما تفيد روايات امتناع سعد عن لعن علي وتهديده بان يقاطع المسجد إذا لعن علي فيه.
روى ابن عبد ربه قال : لما مات الحسنُ
بن عليّ حَجّ معاوية ، فدخل المدينة وأراد أن يَلْعن عليَّا على مِنبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقيل له : إن هاهنا
سعدَ بن أبي وقاص ، ولا نراه يرضى بهذا ، فابعث إليه وخَذ رأيه. فأرسل إليه وذكر
له ذلك ، فقال : إن فعلت لأخرُجن من المسجد ، ثم لا أعود إليه. فأمسك معاوية عن
لعنه حتى مات سعد.
__________________
فلما مات لَعنه عَلَى المنبر ،
وكتب إلى عماله أن يَلعنوه على المنابر
، ففعلوا.
فكتبتْ أم سَلمة زوج النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى معاوية : إنكم
تلعن الله ورسولَه على منابركم ، وذلك أنكم تلعنون عليّ بن أبي طالب ومن أحبّه ، وأنا
أشهد أن الله أحبَّه ورسولَه ، فلم يلتفت إلى كلامها.
ومن المعلوم ان وفاة سعد كانت بعد وفاة
الامام الحسن عليهالسلام
وفي السنة نفسها سنة ٥١ هـ.
ويؤيد ذلك روية المسعودي ان زيادا جمع
الناس بالكوفة بباب قصره يحرضهم على لعن علي فمن أبى ذلك عرضه على السيف.
ومن المعلوم ان ولاية زيادا على الكوفة كانت سنة ٥١ بعد موت المغيرة بن شعبة.
٤. ان استضافة معاوية للشخصيات العراقية
وحواراته معهم وموضوعه الأساس سيرة علي وقد ترحم عليه مرارا أمر لا ينسجم مع حالة
الاعلام السلبي ضده الا بافتراض انه قد تم في سنوات الصلح قبل وفاة الحسن عليهالسلام ، وان إعادة الاعلام
السلبي انما كان بعد موت الحسن عليهالسلام.
٥. ان معاوية ما كان يحلم ان يتسلم ملك
العراق ، بل كان قصارى ما يفكر فيه هو ان يترك علي عليهالسلام
في زمانه ثم الحسن من بعده الشام له يحكمها كما يرغب ، وحين عرض عليه الحسن كانت
أمامه مهمة قبول العرض وتحقيق طموح جديد باللين وإظهار الانفتاح على علي وشيعته
والوفاء بالعهود ليتم له حكم البلاد كلها ، وبغير ذلك فان مع الحسن كل شيعته وهم
قادرون على عن الدفاع عن انفسهم وإعادة سلطانهم في العراق.
__________________
قال مُعاوية لجارية بن قُدَامة : ما كان
أهْونَك على أهْلِك إذ سَمِّوْك جارية! قال : ما كان أهونَك على أهلك إذ سَمِّوْك
مُعاوية! وهي الأنثى من الكلاب ، قال : لا أمَّ لك! قال : أمِّي وَلَدتْنِي للسيوف
التي لَقِيناكَ بها في أيْدِينا ؛ قال : إنك لتُهَدِّدني ؛ قال : إنك لم
تَفْتَتِحْنا قَسْراً ، ولم تَمْلِكنا عَنْوةً ، ولكنَّك أعْطَيتنا عَهْداً وَمِيثاقاً
، وأعطيناك سَمْعاً وطاعةً ، فإن وَفَّيت لنا وَفَّينا لك ، وإن فَزِعْت إلى غير
ذلك ، فإنّا تَركنا وراءَنا رجالاً شِدَاداً ، وأَلْسِنَةً حِدَاداً قال له
مُعاوية : لا كَثّر الله في النَاس أمثالَك ؛ قال جارية : قُلْ مَعْرُوفاً
ورَاعِنا ، فإن شَرَّ الدّعاء المُحْتَطب.
روى ابن عبد ربه وابن كثير قالا : قدم
معاوية المدينة أول حجة حجها (سنة ٤٤ هجرية) بعد عام الصلح ، فتوجه إلى دار عثمان
، فلمادنا إلى باب الدار. صاحت عائشة بنت عثمان وندبت أباها. فقال لها : يا بنت
أخي ان الناس قد اعطونا سلطاننا ، فاظهرنا لهم حلما تحته غضب ، واظهروا لنا طاعة
تحتها حقد ، فبعناهم هذا بهذا وباعونا هذا بهذا ، فان اعطيناهم غير ما اشتروا منا
شحوا منا شحوا علينا بحقنا وغمطناهم بحقهم ، ومع كل إنسان منهم سيفه وهو يرى مكان
شيعته (وفي الرواية وهو يرى انصاره) ، فان نكثناهم نكثوا بنا ثم لا ندري أتكون لنا
الدائرة أم علينا؟ وان تكوني ابنة عم أمير المؤمنين خير من ان تكوني امرأة من
عُرُوض الناس. (وفي رواية ابن كثير : وان تكوني ابنة عثمان أمير المؤمنين احب إلي
ان تكوني أمة من إماء المسلمين ونعم الخلف أنا لك بعد أبيك.
أقول
: والشاهد في الرواية هو صيحة ابنة عثمان
بوجه معاوية وتذكيرها له بابيها تريد منه ان ينفذ الشعار الذي كان يرفعه وهو الأخذ
بثار عثمان واستطاع معاوية ان يقنع عائشة بجوابه انها ابنة عم رئيس الدولة وهذا لا
يتم الا إذا عطى الأمان للناس بما فيهم قتلة عثمان بزعم الاعلام الأموي.
أقول
: وفي هذه السنة كان مع معاوية في حجه
معاوية بن حديج وكان من أسب
__________________
الناس لعلي فمر في
المدينة في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم
والحسن بن علي جالس في نفر من أصحابه فقيل له هذا معاوية بن حديج الساب لعلي رضي
عنه فقال علي بالرجل فأتاه الرسول فقال أجب قال من قال الحسن بن علي يدعوك فأتاه
فسلم عليه فقال له الحسن بن علي رضياللهعنه
أنت معاوية بن حديج قال نعم فرد عليه ثلاثا فقال له الحسن الساب لعلي فكأنه استحيى
فقال له الحسن رضياللهعنه
أم والله إذا وردت عليه الحوض وما أراك ان ترده لتجدنه مشمر الإزار على ساق يذود
المنافقين ذود غريبة الإبل قول الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم
وقد خاب من افترى.
أقول :
والشاهد في الرواية هو ملاحقة الحسن
لمعاوية بن حديج لسبه عليا فلو كان السب قد مضى عليه اربع سنوات لكان الأجدر هو
محاسبة معاوية بن أبي سفيان الذي أمر بسب علي على المنابر وليس متابعة معاوية بن
حديج.
وكذلك ما رواه البلاذري قال حدثني أبو
مسعود ، عن ابن عون عن أبيه قال : لمّا ادّعى معاوية زيادا وولَّاه ، طلب زياد
رجلا كان دخل في صلح الحسن وأمانه ، فكتب الحسن فيه إلى زياد ، ولم ينسبه إلى أب
فكتب إليه زياد : أما بعد فقد أتاني كتابك في فاسق تؤوي مثله الفسّاق من شيعتك
وشيعة أبيك! فأيم الله لأطلبنّه ولو بين جلدك ولحمك ، فإن أحبّ لحم إليّ أن آكله
للحم أنت منه! فلما قرأ الحسن الكتاب قال : كفر زياد ، وبعث بالكتاب إلى معاوية ، فلما
قرأه غضب فكتب إليه : أما بعد يا زياد ، فإن لك رأيين : رأي من أبي سفيان ، ورأي
من سميّة ، فأمّا رأيك من أبي سفيان فحزم وحلم ، وأما رأيك من سميّة فما يشبهها
فلا تعرض لصاحب الحسن ، فإني لم أجعل لك عليه سبيلا ، وليس الحسن مما يرمى به الرجوان
وقد عجبت من تركك نسبته إلى أبيه أو إلى أمّه فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فالآن حين اخترت له
__________________
والسلام.
__________________
وبرواية الجاحظ قال : حدثني سليمان بن
أحمد الخرشي قال حدثني عبد الله بن محمد بن حبيب قال طلب زياد رجلا كان في الأمان
الذي سأله الحسن بن علي لأصحابه فكتب فيه الحسن رضي الله تعالى عنه إلى زياد مم
الحسن بن علي إلى زياد أما بعد فقد علمت ما كنا أخذنا لأصحابنا وقد ذكر لي فلان
أنك عرضت له فأحب ان لا تعرض له إلا بخير.
فلما أتاه الكتاب ولم ينسب الحسن إلى أبي
سفيان غضب فكتب من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن أما بعد أتاني كتابك في فاسق يؤويه
الفساق من شيعتك وشيعة أبيك وأيم الله لأطلبنهم ولو بين جلدك ولحمك وان أحب لحم
إلي آكله للحم أنت منه ، فلما وصل الكتاب الحسن وجه به ألى معاوية فلما قرأه
معاوية غضب وكتب من معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن أبي سفيان أما بعد فان لك
رأيين رأيا من أبي سفيان ورأيا من سمية فأما رأيك من أبي سفيان فحلم محزم وأما
رأيك من سمية فكما يكون رأي مثلها وقد كتب إلي الحسن بن علي انك عرضت لصاحبه فلا
تعرض له فاني لم أجعل لك إليه سبيلا وان الحسن ابن علي ممن لا يرمي به الرجوان
والعجب من كتابك إليه لا تنسبه إلى أبيه أفإلى أمه وكلته وهو ابن فاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوسلم فالآن حين اخترت له
والسلام.
تحقق الأمان داخل البلاد الإسلامية عشر
سنوات وانفتح الشاميون على العراقيين في جو من الحب والتقدير لتأييدهم الحسن عليهالسلام في تنازله المشروط
عن السلطة المدنية وان تكون في بلاد الشام بدلا من العراق وان يكون العراق تابعا
بدلا من ان يكون متبوعا عن قدرة وليس عن عجز أو تخاذل ، وتهيأت نفوسهم للاستماع من
العراقيين رواياتهم عن علي عليهالسلام
وسيرته المشرقة وعن أحاديث النبي التي لم يسمعوها من قبل في علي وأهل بيته.
وخطط معاوية لكسب ثقة وجوه العراقيين
حين كان يستقدمهم مكرمين معززين يستمع إلى أحاديثهم وفي كثير من الأحيان كان
يستثيرهم ويسألهم عن سيرة علي عليهالسلام
__________________
ثم يرجعهم إلى بلادهم
مع عطاء وفير ليقترب من قلوبهم ، وكان يتحمل منهم خشونة كلامهم أحيانا.
لقد كان معاوية في هذه السنوات العشر
يبدي حلما خاصا تشبُّها بسياسة علي عليهالسلام
وأخلاقه في تحمله جهل الجاهلين الذين استغلوا سماحة علي عليهالسلام.
قال معاوية لصعصعة بن صوحان وزملائه بعد
محاورة جرت بينه وبينهم : لو لا اني أرجع إلى قول أبي طالب حيث يقول :
قابلتُ جهلَهمُ حلماً ومغفرةً
|
|
والعفو عن قدرةِ ضرب من الكرم
|
لقتلتكم.
وعن جعدة بن هبيرة المخزومي ، قال : استأذنت
أم البراء بنت صفوان بن هلال على معاوية ، فأذن لها ، فدخلت في ثلاثة دروع تسحبها
قد كارت على رأسها كورا كهيئة المنسف ، فسلمت ثم جلست ، فقال : كيف أنت يا بنت
صفوان؟ قالت : بخير يا أمير المؤمنين ، قال : فكيف حالك؟ قالت : ضعفت بعد جلد
وكسلت بعد نشاط.
قال : سيان بينك اليوم وحين تقولين :
يا عمرو دونك صارما ذا رونق
|
|
عضب المهزة ليس بالخوار
|
أسرج وادك مسرعا ومشمرا
|
|
للحرب غير معرد لفرار
|
أجب الإمام ودب تحت لوائه
|
|
وافر العدو بصارم بتار
|
يا ليتني أصبحت ليس بعورة
|
|
فأذب عنه عساكر الفجار
|
قالت : قد كان ذاك يا أمير المؤمنين
ومثلك عفا ، والله تعالى يقول : «عفا الله عما سلف» قال : هيهات! أما إنه لو عاد
لعدت ، لكنه اخترم دونك ، ثم ذكر له قولها في رثاء علي عليهالسلام اذكري حاجتك. قالت :
هيهات بعد هذا! والله لا سألتك شيئا. ثم قامت فعثرت ، فقالت : تعس شانئ علي ، فقال
: يا بنت صفوان زعمت إلا ، قالت : هو ما علمت.
فلما كان من الغد بعث إليها بكسوة فاخرة
ودراهم كثيرة وقال : إذا أنا ضيعت الحلم فمن يحفظه؟
__________________
(وكان معاوية يقول : إني لا أضع سيفي
حيث يكفيني سوطي ، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني ، ولو أن بيني وبين الناس شعرة
ما انقطعت. فقيل له : كيف؟ قال : إذا مدوها خليتها ، وإذا خلوها مددتها.
وأغلظ له رجل فحلم عنه ، فقيل له : أتحلم
عن هذا؟ قال : إنا لا نحول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا.
وعن احمد عن علي عن عبد الله وهشام بن سعد عن عبد الملك بن عمير قال : اني لا احول
بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا).
وروى البلاذري قال حدثني أبو مسعود عن
عليّ بن صالح عن عيسى بن يزيد المدني قال ، قالت فاختة بنت قرظة امرأة معاوية : يا
أمير المؤمنين ، لم تصانع الناس وترى أنّهم منصفون منك ، فلو أخذتهم من عل كانوا
الأذلَّين وكنت لهم قاهرا ، فقال : ويحك إنّ في العرب بقيّة بعد ، ولو لا ذلك لجعلت
عاليها سافلها ، فقالت : والله ما بقي أحد إلَّا وأنت عليه قادر ، قال : فهل لك في
أن أريك بعض ذلك منهم؟ قالت : نعم ، فأدخلها بيتا وأسبل عليها ستره ، ثمّ أمر
حاجبه أن يدخل عليه رجلا من أشراف من بالباب ، فأدخل عليه رجلا من قيس يقال له
الحارث ، فقال له معاوية : يا حويرث ، إيه أنت الذي طعنت في الخلافة وتنقّصت أهلها؟
والله لقد هممت أن أجعلك نكالا ، فقال : يا معاوية إنّما دعوتني لهذا؟ والله إنّ
ساعدي لشديد ، وإنّ رمحي لمديد ، وإنّ سيفي لحديد ، وإنّ جوابي لعتيد ، ولئن لم
تأخذ ما أعطيت بشكر لتنزعنّ عمّا نكره بصغر ، فقال : أخرجوه عنّي ، فأخرج ، فقالت
فاختة : ما أجرأ هذا وأقوى قلبه!! فقال معاوية : ما ذاك إلَّا لإدلاله بطاعة قومه
له ، ثمّ أمر الحاجب فأدخل عليه رجلا من ربيعة يقال له جارية ، فقال له معاوية : إيه
يا جويرية ، أنت الذي بلغني عنك تخبيب للجند وقلَّة من الشكر؟ فقال : وعلام نشكر؟
ما تعطي إلَّا مداراة ولا تحلم
__________________
الَّا مصانعة ، فاجهد
جهدك ، فإنّ ورائي من ربيعة ركنا شديدا لم تصدأ أدرعهم مذ جلوها ، ولا كلَّت
سيوفهم مذ شحذوها ، فقال : أخرجوه ، ثمّ أمر معاوية حاجبه فأدخل إليه رجلا من أهل
اليمن يقال له عبد الله ، فقال له : إيه يا عبيد السوء ، ألحقتك بالأقوام وأطلقت
لسانك بالكلام ، ثمّ يبلغني عنك ما يبلغني من سوء الإرجاف؟! لقد هممت أن أخرجك
وأنت عبرة لأهل الشام ، فقال : أيا معاوية ألهذا دعوتني ، ثم صغّرت اسمي ولم
تنسبني إلى أبي؟ وإنّما سمّيت معاوية باسم كلبة عاوت الكلاب ، فأربع على ظلعك فذلك
خير لك ، فقال لحاجبه : أخرجه ، فقالت فاختة : صانع الناس بجهدك ، وسسهم برفقك
وحلمك ، فأخزى الله من لامك.
وروى العُتبي عن أبيه قال قال معاوية
لقريش : الا اخبركم عني وعنكم؟ قالوا بلى قال : فانا أطير إذا وقعتم واقع إذا طرتم
ولو وافق طيراني طيرانكم سقطنا جميعا.
وروى ابو الفرج لما تم الصلح بين الحسن
ومعاوية ارسل إلى قيس بن سعد يدعوه إلى البيعة ، فجاءه وكان رجلا طوالا يركب الفرس
المشرف ورجلاه تخطان في الأرض وما وجهه طاقه شعر ، وكان يسمى خصي الأنصار ، فلما
أرادوا إدخاله إليه قال سعد اني حلفت الا ألقاه الا وبيني وبينه الرمح أو السيف ، فأمر
معاوية برمح وسيف فوضعا بينه وبينه ليبر (قيس) يمينه.
وكان معاوية جالسا على سرير فقال له
معاوية : أتبايع يا قيس؟ قال : نعم ، ووضع يده على فخذه ، ولم يمدها إلى معاوية ، فجاء
معاوية من سريره ، وأكب على قيس حتى مسح يده على يده وما رفع إليه قيس يده.
أقول
: والشاهد في الروايات الآنفة الذكر هو
المرونة التي أبداها معاوية مع قيس بن سعد في الموردين الأخيرين ومع غيره في
الموارد السابقة فانه يكشف عن سياسة معاوية في السنوات العشر أيام الحسن عليهالسلام.
__________________
طرف من اخبار شيعة علي عليهالسلام
في سنوات الصلح
عكرشة بنت الأطش :
دخلت عِكرِشة بنت الأطش على معاوية وهي
متوكئة على عكاز لها فسلمت عليه بالخلافة ، فقال لها معاوية : هية يا عكرشة الآن
صرت أمير المؤمنين؟
قالت : نعم إذ لا عليَّ حيٌّ.
فقال لها معاوية : ألستِ صاحبة الكور
المسدول ، والوسط المشدود والمتقلدة بالسيف ذي الحمائل ، وأنت واقفة بين الصفين
يوم صفين تقولين :
أيها الناس عليكم أنفسكم ، لا يضركم من
ضل إذ اهتديتم ... إنَّ معاوية دلف إليكم بعجم العرب ، غلف القلوب ، لا يعرفون
الإيمان ولا يدرون ما الحكمة ، دعاهم بالدنيا فأجابوه ، واستدعاهم إلى الباطل
فلبوه. فالله ، الله عباد الله في دين الله وإياكم والتواكل فإن ذلك نقض عرى
الإٍلام وإطفاء نور الحق ، وإظهار الباطل ، وذهاب للسنة.
هذه بدر الصغرى ، والعقبة الأخرى ...
ثم قال : ما حملك على ذلك؟
قالت : يا أمير المؤمنين ، يقول الله ، عز
وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا
حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ
غَفُورٌ حَلِيمٌ)
المائدة / ١٠١ ، إنَّ اللبيب إذا كره شيئاً لا يحب إعادته.
قال : صدقت ، اذكري حاجتك.
قالت يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى
جعل صدقاتنا على فقرائنا ومساكيننا ، وردَّ أموالنا فينا إلا بحقها ، وإنّا فقدنا
ذلك ، فما ينتعش لنا فقير ولا ينجبر لنا كسير ، فإن كان ذلك من رأيك فمثلك من
انتبه من الغفلة ، وراجع العقل وإن كان عن غير رأيك فما مثلك من استعان بالخونة ، واستعمل
الظلمة.
قال معاوية : يا هذه ، إنه تنوبنا
النوائب هي أولى بنا منكم ، من بحور تنبثق ، وثغور تنفتق.
قالت : يا سبحان الله ما فرض الله لنا
حقاً جعل فيه ضرراً على غيرنا ولو علم جل ثناؤه أنَّ في ما جعل لنا ضرراً على
غيرنا لما جعله لنا ، هو علام الغيوب.
قال معاوية :
هيهات يا أهل العراق قد فقهكم علي بن
أبي طالب فلن تطاقوا.
ثم أمر لها برد صدقاتها ، وإنصافها ، وضيَّفها
، وأطرفها ، وردها إلى أهلها مكرَّمة.
دارمية الحجونية :
بعث إليها فجيء بها ، فلما رآها قال لها
:
كيف حالك يا بنت حام؟ قالت : بخير ، ولست
لحام ، ولكني ابنة أبيك ، ولن يضر المرء نسب أمه.
قال : صدقت ، فهل تعلمين لِمَ بعثتُ
إليك؟
قالت : يا سبحان الله العظيم ، لا يعلم
الغيب إلا الله.
قال : بعثت إليك أسألك علام أحببت علياً
وأبغضتني ، وعلام واليته وعاديتني؟
قالت : أو تعفيني يا أمير المؤمنين من
ذلك؟!
قال : ما كنت بفاعل ، ولا أعفيك!
قالت : أما إذا أبيتَ عليَّ :
فإني أحببت عليّاً على عدله في الرعية
وقسمته بالسوية ،
وأبغضتك على قتالك من هو أولى بالأمر
منك ، وطلبك ما ليس لك ،
وواليت علياً على حبه المساكين وإعطائه
أهل السبيل وفقهه في الدين وبذله الحق من نفسه ، وما عقد له رسول الله صلىاللهعليهوآله من الولاية ،
__________________
وعاديتك على إرادتك الدنيا ، وسفكك
الدماء ، وشقك العصا ...
ثم قال لها معاوية : هل رأيتِ علياً قط؟
قالت : إي والله لقد رأيتُه.
قال : كيف رأيتِه؟
قالت : رأيته شَثِنَ القدم والكف ، لم
يعبَ بالملك ، ولم تشغله النعمة.
قال : فهل سمعتِ كلامه؟
قالت : نعم.
قال : كيف سمعتِه؟
قالت : كان يجلو القلوب من العمى كما
يجلو الزيت الطست من الصدأ.
قالت : صدقت ، هل لك من حاجة؟
قالت : أو تفعل ذلك إذا سألتك؟
قال : نعم.
قالت : تعطيني مائة ناقة حمراء ، وألف
راعية من رواعي فحولها وغلمانها.
قال لها معاوية : ما تصنعين بها؟
قالت : اغذوا بألبانها الصغار ، وأُتحِف
بها الكبار ، وأُصلح بها بين العرب.
قال : فإن أعطيتِك هل أحلُّ منكِ محلَّ
علي بن أبي طالب عليهالسلام؟
قالت : يا سبحان الله! أو دونه قليلاً؟
فأنشأ معاوية يقول :
إذا لم اجُدْ بالحلم مني عليكم
|
|
فمن ذا الذي بعدي يؤمَّل للحلم
|
خذيها هنيئاً ، واذكري فعل ماجد
|
|
حباكِ على حين العداوةِ بالسلم
|
ثم قال لها : والله لو كان علياً ما
أعطاكِ شيئاً.
قالت : لا والله ، ولا وبرة واحدة من
مال المسلمين يعطيني.
ثم أمر لها بما سألت ، وردها إلى منزلها
مكرمة.
__________________
سودة بنت عمارة
الهمدانية :
لما دخلت على معاوية قال لها :
هيه يا ابنة الأشل ، ألست القائلة لأخيك
يوم صفين :
شمر كفعل أبيك يا بن عمارة
|
|
يم الطعان وملتقى الأقران
|
وانصر علياً والحسين ورهطه
|
|
واقصد لهند وابنها بهوان
|
إن الإمام أخا النبي محمدٍ
|
|
علم الهدى ومنارة الإيمان
|
فَقِهِ الحتوفَ وسِرْ أمام لوائه
|
|
قُدُما بأبيضَ صارم وسنان؟
|
قالت : بلى يا أمير المؤمنين وما مثلي
رغب عن الحق ، واعتذر بالكذب.
قال : فما حملك على ذلك؟
قالت : حب عليّ عليهالسلام ، واتباع الحق.
قال : والله ما أرى عليك من عليِّ أثرا!
قالت : أنشدك الله يا أمير المؤمنين
وإعادة ما مضى وتذكار ما نُسِي.
قال : هيهات ما مثل مقام أخيك يُنسى ، وما
لقيت من أحد ما لقيت من قومك.
قالت : صدق فوكَ يا أمير المؤمنين ، لم
يكن أخي والله ذميم المقام ، ولا خفيَّ المكان هو والله كقول الخنساء :
وإن صخراً لتأتم الهداة به
|
|
كأنه علم في رأسه نار
|
فأطرقت ، ثم قالت : وأنا أسأل يا أمير
المؤمنين إِعفائي مما استعفيته.
قال : قد فعلت ، فما حاجتك؟
قالت : يا أمير المؤمنين ، إنك أصبحت
للناس سيداً ، ولأمورهم متقلداً والله سائلك عن أمرنا ، وما افترض عليك من حقنا ، ولا
يزال يقدم علينا من ينوء بعزك ، يبطش بسلطانك ، فيحصدنا حصاد السنبل ، ويدوسنا
دياس البقر ، ويسومنا الخسف ، ويسألنا الجليلة. هذا ابن أرطاة قدم ، فقتل رجالنا ،
وأخذ أموالنا ، يقول لي. فوهى بما استعصم بالله منه وألجأ إليه فيه ولولا الطاعة
لكان فينا عِز ومِنعَة. فأما عزلته فشكرناك ، وأما لافعرفناك.
فقال معاوية : أبقومك تهددين؟ لقد هممت
أن أحملك على قتب أشرس ، فأدركك إليه فينفد فيك حكمه.
فبكت. ثم رفعت رأسها وهي تقول :
صلى الإله على روح تضمَّنَها
|
|
فبرٌ فأصبح فيها العدل مدفونا
|
قد حالف الحق لا يبغي به بدلا
|
|
فصار بالحق والإيمان مقرونا
|
قال : ومن ذلك؟
قالت : علي ابن أبي طالب.
قال : وما علمك به؟
قالت : أتيته في رجل ولاه صدقاتنا ، لم
يكن بيننا وبينه إلا ما بين الغث والسمين ، فوجدته قائماً يصلي ، فلما نظر إليّ
انفتل من صلاته ثم قال لي برأفة وتعطف : ألك حاجة؟ فأخبرته الخبر. فبكى ثم قال : اللهم
أنت الشاهد عليّ وعليهم ، إني لم آمرهم بظلم خلقك ، ولا بترك حقك.
ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف
الجراب ، ثم كتب فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم
(قد جاءكم بينة من ربكم :
(أَوْفُوا
الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ
وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ
(٨٥) بَقِيَّتُ
اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ
(٨٦))
هود / ٨٥ ـ ٨٦.
إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك
م عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام.
فأخذته والله ، وما خزمه بخزام ، ولا
ختمه بطين.
فقال : رحم الله أبا الحسن. أكتبوا لها
بالعدل.
قالت : لي خاصة ، أم لقومي عامةً.
قال : ما أنتِ وغيركِ؟
قالت : هي والله إذاً الفحشاء واللؤم إن
كان عدلاً شاملاً ، وإلا فأنا كسائر قومي.
فقال :
هيهات يا أهل العراق ، لقد لمظكم علي بن
أبي طالب الجرأة على السلطان فبكيء ما تفطمون.
أكتبوا لها ولقومها.
الزرقاء بنت عدي بنت
غالب بن قيس الهمدانية :
كتب معاوية إلى عامله بالكوفة أن يوفد إليه
الزرقاء بنت عدي الهمدانية مع ثقة من ذوي محارمها وعدة من فرسان قومها ... فلما
دخلت على معاوية قال : مرحبا وأهلا! قدمت خير مقدم قدمه وافد ، كيف حالك؟
قالت : بخير يا أمير المؤمنين أدام الله
لك النعمة ، قال : كيف كنت في مسيرك؟ قالت : ربيبة بيت أو طفلا ممهدا ، قال : بذلك
أمرناهم ، أتدرين فيم بعثت إليك؟
قالت : أنى لي بعلم ما لم أعلم؟ قال : ألست
الراكبة الجمل الأحمر والواقفة بين الصفين [يوم صفين] تحضين على القتال وتوقدين
الحرب؟ فما حملك على ذلك؟ قالت : يا أمير المؤمنين مات الرأس وبتر الذنب ، ولم يعد
ما ذهب ، والدهر ذو غير ، ومن تفكر أبصر ، والأمر يحدث بعد الأمر ،
قال لها معاوية : [صدقتِ] أتحفظين كلامك؟
[يوم صفين] قالت : لا والله! لا أحفظه ، ولقد أنسيته ،
قال : لكني أحفظه ، لله أبوك! حين
تقولين :
أيها الناس! ارعووا وارجعوا ، ... إن
المصباح لا يضئ في الشمس ، ولا تنير الكواكب مع القمر ، ولا يقطع الحديد إلا
الحديد ، إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها ، فصبرا يا معشر المهاجرين [والأنصار] على
الغصص ، ألا وإن خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء ، ولهذا اليوم ما بعده ، والصبر
خير في الأمور عواقبا ، إيها في
__________________
الحرب قدما غير
ناكصين ولا متشاكسين.
ثم قال لها : والله يا زرقاء! لقد شركت
عليا في كل دم سفكه.
قالت : أحسن الله بشارتك وأدام سلامتك!
فمثلك بشر بخير وسر جليسه ،
قال لها : أو يسرك ذلك؟ قالت : نعم
والله لقد سررت بالخير ، فأنى لي بتصديق الفعل؟
فضحك معاوية ،
وقال : والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب
من حبكم له في حياته!
اذكري حاجتك.
قالت : يا أمير المؤمنين آليت على نفسي
أن لا أسأل أميرا أعنت عليه أبدا ، ومثلك أعطى عن غير مسألة وجاد من غير طلبة ،
قال : صدقت! وأمر لها وللذين جاؤوا معها
بجوائز وكُسا.
أم سنان بنت خيثمة :
روى أحمد بن أبي طاهر : أن مروان حبس
غلاما من بني ليث ، فخرجت أم سنان جدته لأبيه إلى معاوية ،
فقال لها : ما أقدمك أرضي وقد عهدتك
تشنأينني وتحضين علي عدوي؟
قالت : إن لبني عبد مناف أخلاقا طاهرة
وأعلاما زاهرة ، لا يجهلون بعد علم ولا يسفهون بعد حلم ولا يتعقبون بعد عفو ، فأولى
الناس باتباع سنن آبائه أنت ،
قال : صدقت نحن كذلك ، فكيف قولك :
عزب الرقاد فمقلتي ما ترقد
والليل يصدر بالهموم ويورد
يا آل مذحج لا مقام فشردوا
إن العدو لآل أحممد يقصد
__________________
هذا علي كالهلال يحفه
|
|
وسط السماء من الكواكب أسعد
|
هير الخلائق وابن عم محمد
|
|
وكفى بذاك لمن شناه تهدد
|
ما زال مذ عرف الحروب مظفرا
|
|
والنصر فوق لوائه ما يفقد
|
قالت : كان ذلك وأنا لنطمع بك خلفا.
فقال رجل من جلسائه : كيف؟ وهي القائلة
:
أما هلكت أبا الحسين فلم تزل
|
|
بالحق تعرف هاديا مهديا
|
فاذهب عليك صلاة ربك ما دعت
|
|
فوق الغصون حمامة قمريا
|
قد كنت بعد محمد خلفا لنا
|
|
أوصى إليك بنا فكنت وفيا
|
قالت يا أمير المؤمنين لسان نطق وقول
صدق ولئن تحقق فيك ما ظنناه لحظك الأوفر والله ما أورثك الشنآن في قلوب المسلمين
إلا هؤلاء فأدحض مقالتهم وأبعد منزلتهم فإنك إن فعلت ذلك تزدد من الله قربا ومن
المؤمنين حبا.
قال وإنك لتقولين ذلك.
قالت يا سبحان الله والله ما مثلك من
مدح بباطل ولا اعتذر إليه بكذب وإنك لتعلم ذلك من رأينا وضمير قلوبنا كان والله
علي أحب إلينا منك وأنت أحب إلينا من غيرك.
قال ممن :
قالت من مروان ابن الحكم وسعيد بن
العاص.
قال وبم استحققت ذلك عندك.
قالت بسعة حلمك وكريم عفوك.
قال وإنهما يطمعان في ذلك.
قالت هما والله لك من الرأي علي مثل ما
كنت عليه لعثمان بن عفان رحمه الله تعالى.
__________________
قال والله لقد قاربت فما حاجتك؟
قالت يا أمير المؤمنين إن مروان تبنَّك
بالمدينة تبنك من لا يريد منهما البراح لا يحكم بعدل ولا يقضي بسنة يتتبع عثرات
المسلمين ويكشف عورات المؤمنين حبس ابن ابني فأتيتته فقال كيت وكيف فألقمه أخشن من
الحجر وألعقته أمر من الصبر ثم رجعت إلي نفسي باللائمة وقلت لم لا أصرف ذلك إلى من
هو أولي بالعفو منه فأتيتك يا أمير المؤمنين لتكون في أمري ناظرا وعليه معديا.
قال صدقت لا أسألك عن ذنبه ولا عن
القيام بحجته اكتبوا لها بإطلاقه.
قالت يا أمير المؤمنين وأنى لي بالرجعة
وقد نفذ زادي وكلت راحلتي فأمر لها براحلة موطأة وخمسة آلاف درهم.
أروى بنت الحارث :
قال ابن أبي طاهر طيفور روى ابن عائشة
عن حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن انس بن مالك قال دخلت أروى بنت الحارث بن عبد
المطلب على معاوية بن أبي سفيان بالموسم وهي عجوز كبيرة.
فلما رآها معاوية قال : مرحبا بك يا
خالة! كيف كنت بعدي؟
قالت : كيف أنت يا ابن أختي؟ لقد كفرت
النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة وتسميت بغير اسمك وأخذت غير حقك ، بلا بلاء كان منك
ولا من آبائك في ديننا ولا سابقة كانت لكم ، بل كفرتم بما جاء به محمد صلىاللهعليهوآله فأتعس الله منكم
الجدود وأصغر منكم الخدود ، ورد الحق إلى أهله ، فكانت كلمتنا هي العليا ، ونبينا
هو المنصور على من ناواه ، فوثبت قريش علينا من بعده حسدا لنا وبغيا ، فكنا بحمد
الله ونعمته أهل بيت فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون ، وكان سيدنا فيكم بعد
نبينا بمنزلة هارون من موسى ، وغايتنا الجنة وغايتكم النار ...
__________________
ثم قال : يا خالة اقصدي لحاجتك ودعي
أساطير النساء عنك.
قالت : تعطيني ألفي دينار وألفي دينار
وألفي دينار. قال : ما تصنعين بألفي دينار؟
قالت : أزوج بها فقراء بني الحارث بن
عبد المطلب.
قال : هي كذلك ، فما تصنعين بألفي دينار؟
قالت : استعين بها على شدة الزمان
وزيارة بيت الله الحرام.
قالت : قد أمرت بها لك ، فما تصنعين
بألفي دينار؟
قالت : أشتري بها عينا خرارة في أرض
حوارة تكون لفقراء بني الحارث بن عبد المطلب.
قال : هي لك يا خالة ، أما والله لو كان
ابن عمك علي ما أمر بها لك!
قالت : تذكر عليا فضل الله فاك وأجهد
بلاك! ثم علا نحيبها وبكاؤها ، وجعلت تقول :
ألا يا عين ويحك فاسعدينا
|
|
ألا فابكي أمير المؤمنينا
|
رزئنا خير من ركب المطايا
|
|
وجال بها ومن ركب السفينا
|
ومن لبس النعال ومن حذاها
|
|
ومن قرأ المثاني والمئينا
|
إذا استقبلت وجه أبي حسين
|
|
رأيت البدر راق الناظرينا
|
...
كأن الناس إذ فقدوا عليا
|
|
نعام جال في بلد سنينا
|
فلا والله لا أنسى عليا
|
|
وحسن صلاته في الراكعينا
|
لقد علمت قريش حيث كانت
|
|
بأنه خيرها حسبا ودينا
|
قال : فبكى معاوية! ثم قال : يا خالة لقد
كان كما قلت وأفضل.
أم الخير بنت الحريش
بن سراقة :
لما قدمت على معاوية قالت : السلام عليك
يا أمير المؤمنين.
__________________
فقال : وعليكِ السلام ، وبالرغم منكِ
والله دعوتِني أمير المؤمنين.
قالت : يام أمير المؤمنين مَهْ ، فإنَّ
بديهة السلطان مدحضة لما يجب علمه.
قال : صدقت. كيف حالك يا خالة؟ وكيف كنت
في مسيرك؟
قالت : بخير لم أزل في عافية ، وسلامة
حتى أدتني إليك الرِّكاب.
قال : أخبريني كيف كان كلامُك يوم قتل
عمار بن ياسر؟
قالت : لم أكن رويته قبل ، ولا درسته
بعد ، وإنها كانت كلمات نفثهن لساني حين الصدمة ، فإن أحببت أن أحدث لك مقالاً
غيره فعلت.
قال : لا.
ثم التفت إلى أصحابه فقال : أيكم يحفظ
كلامها؟
فقال رجل من القوم : يا أمير المؤمنين ،
أنا أحفظه كحفظي سورة الحمد.
قال : هاته. قال : نعم ، كأني بها في
ذلك اليوم وعليها برد زبيدي كثيف الحاشية ، وهي على جمل ، وبيدها سوط ، وهي كالفحل
يهدر في شقشقته ، وهي تقول :
... هلموا ، رحمكم الله إلى الإمام
العدل ، والتقيِّ الوفي ، والصدِّيق الوصي إنها إحَن بدرية ، وضغائن جاهلية ، وأحقاد
أحدية ، وثب بها معاوية عند الغفلة ، ليدرك بها الفرصة من ثارات بني عبد شمس ثم
قالت : (وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن
بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ
إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) التوبة / ١٢.
... أيها الناس أفراراً عن ابن عم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
، وزوج إبنته ، وأبي سبطيه. خُلق والله من طينته ، وتفرع من نبعته ، وخصه بسره
وجعله باب مدينته ، و (علم) بحبه (المؤمنين) ، وأبان ببغضه المنافقين.
__________________
أم البراء بنت صفوان
بن هلال :
عن جعدة بن هبيرة المخزومي ، قال : استأذنت
أم البراء بنت صفوان بن هلال على معاوية ، فأذن لها ، فدخلت في ثلاثة دروع تسحبها
قد كارت على رأسها كورا كهيئة المنسف ، فسلمت ثم جلت ، فقال : كيف أنت يا بنت
صفوان؟ قالت : بخير يا أمير المؤمنين ، قال : فكيف حالك؟ قالت : ضعفت بعد جلد
وكسلت بعد نشاط ،
قال : سيان بينك اليوم وحين تقولين :
يا عمرو دونك صارما ذا رونق
|
|
عضب المهزة ليس بالخوار
|
أسرج جوادك مسرعا ومشمرا
|
|
للحرب غير معرد لفرار
|
أجب الإمام ودب تحت لوائه
|
|
وافر العدو بصارم بتار
|
يا ليتني أصبحت لست بعورة
|
|
فأذب عنه عساكر الفجار
|
قالت : قد كان ذاك يا أمير المؤمنين
ومثلك عفا ، والله تعالى يقول : عفا الله عما سلف.
قال : هيهات! أما إنه لو عاد لعدت ، لكنه
اخترم دونك ، فكيف قولك حين قتل؟
قالت : نسيته يا أمير المؤمنين.
فقال بعض جلسائه : هو والله حين تقول يا
أمير المؤمنين :
يا للرجال لعظم هول مصيبة
|
|
فدحت فليس مصابها بالهازل
|
الشمس كاسفة لفقد إمامنا
|
|
خير الخلائق والإمام العادل
|
يا خير من ركب المطي ومن مشى
|
|
فوق التراب لمحتف أو ناعل
|
حاشا النبي لقد هددت قواءنا
|
|
فالحق أصبح خاضعا للباطل
|
فقال معاوية : قاتلك الله يا بنت صفوان!
ما تركت لقائل فقال مقالا ، اذكري حاجتك.
قالت : هيهات بعد هذا! والله لا سألتك
شيئا. ثم قامت فعثرت ،
__________________
فقالت : تعس شانئ علي ، فقال : يا بنت
صفوان (زعمت ان لا تعودي إلى ما كنت عليه في أيام علي فما هذا الكلام) .
قالت : هو ما علمت.
فلما كان من الغد بعث إليها بكسوة فاخرة
ودراهم كثيرة وقال : إذا أنا ضيعت الحلم فمن يحفظه؟.
ضرار بن ضمرة :
ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب
الاستيعاب
قال : قال معاوية لضرار الصدائي : يا ضرار صف لي عليا ، قال : اعفني يا أمير
المؤمنين ، قال : لتصفنه ، قال : أما إذ لابد من وصفه :
فكان والله بعيد المدى ، شديد القوى ،
يقول فصلا ، ويحكم عدلا ،
يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة
من نواحيه ،
ويستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس
بالليل ووحشته ،
وكان غزير العبرة ، طويل الفكرة ،
يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما
خشن.
كان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، وينبئنا
إذا استنبأناه ، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبه له.
يعظم أهل الدين ويقرب المساكين.
لا يطمع القوي في باطله ولا ييئس الضعيف
من عدله.
وأشهد اني لقد رأيته في بعض مواقفه وقد
أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضا
__________________
على لحيته يتململ
تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول يا دنيا غري غيري أبي تعرضت أم إلي
تشوفت.
هيهات هيهات قد باينتك ثلاثا لا رجعة
فيها ، فعمرك قصير وخطرك قليل.
آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة
الطريق.
فبكى معاوية وقال رحم الله أبا الحسن
كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟
قال حزن من ذبح ولدها وهو في حجرها.
عدي بن حاتم الطائي :
روى ابن عساكر :
قال : دخل عدي بن حاتم على معاوية وكانت
عينه أصيبت يوم الجمل ،
فلما دخل قال له ابن الزبير متى أصيبت
عينك يا أبا طريف ،
قال يوم قتل أبوك وضُرِبتَ على قفاك
وأنت مولي ،
فضحك معاوية ، وقال له ما فعلت الطرفات
يا أبا طريف؟
قال : قُتِلوا.
قال ما أنصفك ابن أبي طالب أن قُتل بنوك
معه وبقي له بنوه؟
قال : إن كان ذلك لقد قتل وبقيت أنا من
بعده.
__________________
وقد روى ابن قتيبة كلام عدي في صفين : قال
قام عدي بن حاتم ، فقال : أيها الناس ، إنه والله لو غير علي دعانا إلى قتال أهل
الصلاة ما أجبناه ، ولا وقع بأمر قط إلا ومعه من الله برهان ، وفي يديه من الله
سبب ...
وقاتل أهل الجمل على النكث ، وأهل الشام
على البغي ،
فانظروا في أموركم وأمره ، فإن كان له
عليكم فضل ، فليس لكم مثله ، فسلموا له ، وإلا فنازعوا عليه ،
والله لئن كان إلى العلم بالكتاب والسنة
إنه لأعلم الناس بهما ،
ولئن كان إلى الإسلام إنه لأخو نبي الله
، والرأس في الإسلام ،
ولئن كان إلى الزهد والعبادة ، إنه لأظهر
الناس زهدا ، وأنهكهم عبادة ،
ولئن كان إلى العقول والنحائز إنه لأشد
الناس عقلا ، وأكرمهم نحيزة ،
ولئن كان إلى الشرف والنجدة إنه لأعظم
الناس شرفا ونجدة.
الأحنف بن قيس :
قال الأحنف بن قيس دخلت على معاوية فقدم
لي من الحار والبارد والحلو والحامض ما كثر تعجبي منه ثم قدم لونا لم اعرف ما هو.
فقلت ما هذا؟
فقال مصارين البط محشوة بالمخ قد قلي
بدهن الفستق وذر عليه بالطبرزد.
فبكيت فقال ما يبكيك؟
قلت ذكرت عليا بينا أنا عنده وحضر وقت
الطعام وإفطاره وسألني المقام فجئ له بجراب مختوم
فقلت ما في هذا الجراب؟
قال سويق شعير.
قلت خفت عليه ان يؤخذ؟ أم بخلت به؟
__________________
فقال لا ولا احدهما ولكني خفت ان يلته
الحسن والحسين بسمن أو زيت.
فقلت محرم هو يا أمير المؤمنين؟
فقال لا ولكن يجب على أئمة الحق ان يعدوا
انفسهم من ضعفة الناس لئلا يطغي الفقير فقره.
فقال معاوية ذكرت ما لا ينكر فضله.
معاوية يطلب من ابن
عباس ان يخبره عن علي عليهالسلام
روى ابن شاذان عن عبد الملك بن عمير ، عن
أبيه ، عن ربعي ، عن خراش قال : سأل معاوية ابن عباس قال : فما تقول في علي بن أبي
طالب عليهالسلام.
قال : أبو الحسن عليهالسلام علي ، كان والله علم
الهدى ، وكهف التقى ، ومحل الحجى ، ومحتد الندا ، وطود النهى ، وعلم الورى ، ونورا
في ظلمة الدجى ، وداعيا إلى المحجة العظمى ، ومستمسكا بالعروة الوثقى ، وساميا إلى
المجد والعلا ، وقائد الدين والتقى وسيد من تقمص وارتدى ، بعل بنت المصطفى ، وأفضل
من صام وصلى ، وأفخر من ضحك وبكى ، صاحب القبلتين ، فهل يساويه مخلوق كان أو يكون.
كان والله كالأسد مقاتلا ولهم في الحروب
حاملا على مبغضيه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إلى يوم التناد.
إيضاح : المحتد بالكسر الأصل ، والندا :
العطاء ، والطود الجبل العظيم.
حوار بين معاوية وقيس
بن سعد بن عبادة
وقال معاوية لقيس بن سعد : رحم الله أبا
حسن ، فلقد كان هشا بشا ، ذا فكاهة.
قال قيس : نعم ، كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يمزح ويبتسم إلى
أصحابه ، وأراك تسر حسوا في ارتغاء ، وتعيبه بذلك!
__________________
أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة
والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى ، تلك هيبة التقوى ، وليس كما يهابك طغام
أهل الشام!
نماذج من أحاديث حملة الحديث من
الكوفيين
الذين دخلوا الشام
يعلى بن مرة الثقفي :
يعلى بن مرة بن وهب بن جابر بن عتاب بن
مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي وهو ثقيف أبو المرازم الثقفي ، له صحبة
عداده في أهل الكوفة وقيل في أهل البصرة وله بها دار شهد مع النبي صلىاللهعليهوسلم الحديبية وخيبر
والفتح وحنينا والطائف وروى عنه أحاديث ت س ق وعن علي بن أبي طالب.
روى عنه أبو قابت أيمن بن ثابت وراشد بن
سعد بخ وسعيد بن راشد ت ق ويقال بن أبي راشد مولى آل معاوية وعبد الله بن حفص بن
أبي عقيل الثقفي س وابناه عبد الله بن يعلى بن مرة وعثمان بن يعلى بن مرة ت وعطاء
بن السائب قد مرسل وعياض أبو أشرس السلمي ومحمد ويقال محمود بن أبي جبيرة والمنهال
بن عمرو الأسدي ق مرسل ويونس بن خباب ق كذلك وأبو البختري قد وأبو حفص بن عمرو ت س
على خلاف فيه ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثالثة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ثقيف وقال أسلم
وشهد مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم
الحديبية وبيعة الرضوان وخيبر وفتح مكة والطائف وحنينا وكان فاضلا.
قال البخاري قال لنا أبو صالح نا معاوية
بن صالح الحضرمي الحمصي قاضي الاندلس ت (١٥٨)
عن راشد بن سعد الحمصي (ت ١١٤) عن يعلى بن مرة قال خرجنا مع النبي صلىاللهعليهوسلم فدعينا لطعام قال
فإذا الحسين يلعب في الطريق فأسرع
__________________
النبي صلىاللهعليهوسلم إمام القوم يعني ثم
بسط يديه فجعل حسين يمر مرة ههنا ومرة ههنا والنبي صلىاللهعليهوسلم
يضاحكه حتى أخذه فجعل النبي صلىاللهعليهوسلم
إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه ثم اعتنقه فقبله وقال : حسين مني وأنا منه (من
حسين) أحب الله من أحب الحسي (حسين) الحسن والحسين سبطان من الأسباط.
أقول
: اما راوي الحديث عن يعلى فهو (راشد بن
سعد المقرائي الحبري الحميري) من أهل حمص قال ابن سعد كان ثقة مات سنة ١٠٨ وذكره
بن حبان في الثقات وقال (مات سنة ١٣ أي بعد المائة وكذا أرخه أبو عبيد وخليفة
والحربي وابن قانع وقد ذكر البخاري أنه شهد صفين مع معاوية).
وشهد المقرائي صفين مع معاوية وهو ابن العشرين ، ومن الطبيعي ان يلتقي المقرائي
الحمصي مع يعلى بن مرة في سنوا الصلح بين سنة ٤٠ وسنة ٥٠ هجرية.
وليعلى بن مرة روايات أخرى لابد انه قد
حدق بها في الشام منها :
ما رواه ابن الاثير عن أبي العباس بن
عقدة حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة حدثنا حسن بن زياد عن عمرة بن سعد النصري
عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه (عبد الله بن يعلى)
عن جده يعلى قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فلما قد عليٌ
الكوفة نشد الناس فانتشد له بضعة عشر رجلا فيهم أبو أيوب صاحب منزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وناجية بن عمرو
الخزاعي أخرجه أبو نعيم وأبو موسى.
وروى هذا الحديث ابن حجر بترجمة ناجية
بن عمرو الخزاعي قال ذرك بن عقدة في كتاب الموالات وأخرج من طريق عمر بن عبد الله
بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول من كنت مولاه فعلي مولاه فلما قدم
__________________
علي الكوفي نشد الناس
فانتشدنا له بضعة عشر رجلا منهم أبو أيوب وناجية بن عمرو الخزاعي.
وما رواه ابن عدي قال ثنا محمد بن جعفر
بن يزيد المطيري ، ثنا إبراهيم بن سليمان النهمي الكوفي ، ثنا عبادة بن زياد ، ثنا
عمر بن سعد ، عن عمر بن عبد الله الثقفي ، عن أبيه ، عن جده يعلى بن مرة الثقفي
قال : سمعت ـ رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول : (من أطاع عليا فقد أطاعني ومن عصى عليا فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله ،
ومن أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن
أبغضني فقد أبغض الله لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا كافر أو منافق).
وما رواه الخطيب البغدادي بسنده عن عمر
بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيهي عن جده. وعن أنس بن مالك قالا : أهدي إلى
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
طير ، ما نراه إلا حبارى. فقال : (اللهم ابعث إلي أحب أصحابي إليك يواكلني هذا
الطير).
وما رواه ابن حبان وأخرجه عن أبي حاتم
بسنده عن أبي يعلى قال : حدثنا سهل بن زنجلة قال : حدثنا الصباح بن محارب عن عمر
بن عبد الله بن أبي يعلى بن مرة ع أبيه عن جده «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم آخى بين الناس وترك
عليا آخرهم لا يرى أن له أخا فقال : يا رسول الله آخيت بين الناس وتركتني قال : ولم
تراني تركتك؟ لنفسي أنت أخي وأنا أخوك فإن حاجك أحد فقل إني أخو عبد الله ورسوله
لا يدعيها أحد بعدك إلا كذاب.
ومنها ما رواه الشوكاني قال وأخرج ابن
أبي حاتم عن يعلي بن مرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «رأيت بني أمية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء. واهتم رسول الله
صلى الله علي هوآله وسلم لذلك.
__________________
وما رواه الحاكم النيسابوري قال : حدثنا
أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج الحجازي بحمص ، ثنا بقية
بن الوليد عن أبي بكر بن مريم ، عن راشد بن سعد عن أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إذا بلغت
بنو أمية أربعين تخذوا عباد الله خولا ومال الله خولا وكتاب الله دخلا».
ومنها : ما رواه عبد الرزاق الصنعاني عن
عطاء بن السائب عن عبد الله بن حفص عن يعلي بن مرة قال اجتمعنا ـ أصحاب علي ـ
فقلنا لو حرسنا أمير المؤمنين فإنه محارب ولا نأمن عليه أن يغتال قال فبتنا عند
باب حجرته حتى خرج لصلاة الصبح قال فقال ما شأنكم؟ فقلنا له حرسناك يا أمير
المؤمنين فإنك محارب وخشينا أن تغتال فحرسناك فقال أفمن أهل السماء تحرسوني أم من
أهل الأرض؟ قال فقلنا بل من أهل الأرض وكيف نستطيع أن نحرسك من أهل السماء قال
فإنه لا يكون في الأرض شيء حتى يقدر في السماء وليس من أحد إلا وقد وكل به ملكان
يدفعان عنه ويكلانه حتى يجئ قدره فإذا جاء قدره خليا بينه وبين قدره.
ورواه ابن عساكر قال ونا أبو داود نا
محمد بن بشار نا عبد الرحمن نا زائدة بن قدامة عن عطاء بن السائب عن أبي البختري
عن يعلى بن مرة قال كان علي يخرج بالليل إلى المسجد ليصلي تطوعا وكان الناس يفعلون
ذلك حتى كان شبث الحروري فقال بعضنا لبعض لو جعلنا علينا عقبا يحضر كل ليلة منا
عشرة فكنت في أول من حضر فألقى درته ثم قام يصلي فلما فرغ أتانا فقال ما يجلسكم
قلنا نحرسك فقال من أهل السماء قال فإنه لا يكون في الأرض شيء حتى يقضى في السماء
وإن علي من الله جنة حصينة فإذا جاء أجلي كشف عني وإنه لا يجد عبد طعم الإيمان حتى
يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه ليكن ليصيبه.
قال وحدثنا أبو داود نا محمد بن كثير نا
همام عن عطاء بن السائب عن يعلى بن مرة قال ائتمرنا أن نحرس عليا كل ليلة عشرة قال
فخرج فصلى كما كان يصلي
__________________
ثم أتانا فقال ما شأن
السلاح وساق نحو حديث قبله قال لا يجد عبد أو يذوق حلاوة الإيمان حتى يستقين يقينا
غير ظان أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، قال وقال قتادة إن
آخر ليلة أتت على علي قال جعل لا يستقر فارتاب به أهله فجعل يدس بعضهم إلى بعض حتى
اجتمعوا قال فناشدوه فقال إنه ليس من عبد إلا ومعه ملكان يدفعان عنه ما لم يقدر أو
قال ما لم يأت القدر فإذا أتى القدر خليا بينه وبين القدر قال وخرج إلى المسجد
يعني فقتل.
زيد بن وهب أبو
سليمان الجهني (٨٤ هـ) :
قال الخطيب في تاريخ بغداد ٨ / ٤٤١ زيد
بن وهب أبو سليمان الهمداني ثم الجهني جاهلي ذُكِر أنه رحل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقبض وهو في الطريق
وأسلم. وكان قد نزل الكوفة وحضر مع علي بن أبي طالب الحرب بالنهروان.
وقال ابن سعد زيد بن وهب الجهني ويكنى
أبا سليمان. شهد مع علي بن أبي طالب مشاهده. في ولاية الحجاج بعد الجماجم وكان ثقة
كثير الحديث.
وقال المزي : قال عبد الرحمن بن يوسف بن
خراض كوفي ثقة دخل الشام.
وقال ابن حجر : اتفقوا على توثيقه مات
سنة ست وتسعين.
وقال الذهبي : وكان ثقة كثير العلم
، وقال أيضا متفق على الاحتجاج به الا ما كان من يعقوب الفسوي فانه قال في حديثه
خلل كثير ولم يصيب الفسوي.
وقال أيضا : ٢٨٧ ع / زيد بن وهب ، تابعي جليل ثبت وإنما أوردته (أي في الضعفاء) لأن
يعقوب الفسوي قال في تاريخه : (في حديثه خلل كثير ثم ذكر له قول عمر بالله يا
حذيفة أنا من المنافقين) قال : وهذا محال أخاف أن يكون كذبا رواه الأعمش عنه ، قال
__________________
ومما يستدل به على
ضعف حديثه روايته عن حذيفة إن خرج الدجال تبعه من كان يحب عثمان) وهذا الذي
استنكره الفسوي ما استنكره أحد ولو فتحنا هذه الوساوس علينا لرددنا السنن بالوهم).
قال الشيخ الطوسي زيد الجهني له كتاب
خطب أمير المؤمنين على المنابر في الجمع والأعياد وغيرها ، أخبرنا به أحمد بن محمد
بن موسى عن أحمد بن سعيد بن عقدة عن يعقوب بن يوسف بن زياد الضبي عن نصر بن مزاحم
المنقري عن عمرو بن ثابت عن عطية بن الحارث عن عمر بن سعد عن أبي مخنف لوط بن يحيى
عن أبي منصور الجهني عن زيد بن وهب قال : خطب أمير المؤمنين وذكر الخطب جميعها».
أقول
: قد نقل نصر بن مزاحم في كتاب صفين
والطبري في تأريخه في موارد عديدة من كتابيهما عن مالك بن أعين الجهني عن زيد بن
وهب الجهني عن علي عليهالسلام.
وروى الخطيب في تاريخ بغداد ٨ / ٤٤١ عن
الأعمش قال كنت إذا سمعت الحديث من زيد بن وهب فكأنك سمعته من الذي يحدث عنه. وفي
رواية : لم يضرك أن لا تسمعه من صاحبه.
روى الخطيب في تاريخ بغداد ٨ / ٤٤١
بسنده عن أبي عن سلمة بن كهيل الجعفي عن زيد بن وهب قال كنت مع علي بن أبي طالب
يوم النهروان فنظر إلى بيت وقنطرة فقال هذا بيت بوران بنت كسرى وهذه قنطرة
الديزجان قاقل حدثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم
أني أسير هذا المسير وأنزل هذا المنزل.
وروى النسائي عن زكريا بن يحيى قال
حدثنا عثمان قال حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا مالك بن مغول عن الحارث بن
حصيرة عن أبي سليمان الجهني قال سمعت عليا على المنبر يقول : أنا عبد الله وأخو
رسوله صلىاللهعليهوسلم
لا يقولها إلا كذاب مفتري.
__________________
قال أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال
حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن زيد وهو بن وهب عن علي بن أبي طالب قال لما كان يوم
النهروان لقي الخوارج فلم يبرحوا حتى شجروا بالرماح فقتلوا جميعا قال علي اطلبوا
ذا الثدية فطلبوه فلم يجدوه ، فقال علي ما كذبت ولا كذبت اطلبوه فطلبوه فوجدوه في
وهدة من الأرض عليه ناس من القتلى فإذا رجل على يده مثل سبلات السنور فكبر علي
والناس وأعجبهم ذلك.
وقال أخبرنا العباس بن عبد العظيم قال
حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل قال حدثنا
زيد بن وهب أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي الذين ساروا إلى الخوارج ،
فقال علي : أيها الناس إني سمعت رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
يقول : سيخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم شيئا ، ولا صلاتكم
إلى صلاتهم شيئا ، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئا ، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو
عليهم ، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لو
يعلمون الجيش الذي يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم صلىاللهعليهوسلم لا تلكوا عن العمل ،
وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ، وليست له ذراع ، على رأس عضده مثل حلمة ثدي المرأة
، عليه شعرات بيض.
فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون
هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم فإنهم
قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا في سرح الناس فسيروا على اسم الله.
قال سلمة فنزلني زيد منزلا منزلا ، (قال)
حتى مررنا على قنطرة فلما التقينا على الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي فقال لهم
ألقوا الرماح وسلوا سيوفكم من جفونها فإني أخاف أن يناشدوكم. قال فسلوا السيوف
وألقوا جفونها وشجرهم الناس يعني برماحهم فقتل بعضهم على بعض وما أصيب من الناس
يومئذ إلا رجلان.
قال علي التمسوا فيهم المخدج فلم يجدوه
، فقام علي بنفسه حتى أتى ناسا قتلى
__________________
بعضهم على بعض. قال
جردوهم فوجدوه مما يلي الأرض. فكبر علي وقال صدق الله وبلغ صلىاللهعليهوسلم.
فقام إليه عبيدة السلماني فقال يا أمير
المؤمنين والله الذي لا إله إلا هو سمعت هذا الحديث من رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال أي والله الذي لا إله إلا هو لسمعته
من رسول الله صلىاللهعليهوسلم
حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له.
وروى احمد في مسنده قال حدثنا عبد الله
ثنا أحمد بن جميل أبو يوسف أخبرنا يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية عن عبد
الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب قال لما خرجت الخوارج
بالنهروان قام علي رضي الله تعالى عنه في أصحابه فقال ان هؤلاء القوم قد سفكوا
الدم الحرام وأغاروا في سرح الناس وهم أقرب العدو إليكم وان تسيروا إلى عدوكم أنا
أخاف ان يخلفكم هؤلاء في أعقابكم إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول تخرج خارجة من أمتي ليس صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء
ولا قراءتكم إلى قراءتهم بشيء يقرؤون القرآن يحسبون انه لهم وهو عليهم لا يجاوز
حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية وآية ذلك ان فيهم رجلا له عضد
وليس لها ذراع عليها مثل حلمة الثدي عليها شعرات بيض لو يعلم الجيش اللذين
يصيبونهم ما لهم على لسان نبيهم لا تكلوا على العمل فسيروا على اسم الله فذكر
الحديث بطوله.
وقال النسائي أخبرنا عبد الأعلى بن واصل
بن عبد الأعلى قال حدثنا الفضل بن دكين عن موسى بن قيس الحضرمي ن سلمة بن كهيل عن
زيد بن وهب قال خطبنا علي بقنطرة الديزجان فقال إنه (أي النبي) قد ذكر لي خارجة
تخرج من قبل المشرق وفيهم ذو الثدية فقاتلهم فقالت الحرورية بعضهم لبعض لا تكلموه
فيردكم كما ردكم يوم حروراء فشجر بعضهم بعضا بالرماح فقال رجل من أصحاب علي اقطعوا
العوالي والعوالي الرماح فداروا واستداروا وقتل من أصحاب علي اثنا عشر رجلا أو
ثلاثة عشر
__________________
رجلا فقال علي التمسو
المخدج وذلك في يوم شات فقالوا ما نقدر عليه فركب علي بغلة النبي صلىاللهعليهوسلم الشهباء فأتى وهدة
من الأرض فقال التمسوه في هؤلاء فأخرج فقال ما كذبت ولا كذبت فقال اعملوا ولا
تتكلوا لو لا أني أخاف أن تتكلوا لأخبرتكم بما قضى الله لكم على لسانه يعني النبي صلىاللهعليهوسلم ولقد شهدنا ناس
باليمن قالوا كيف يا أمير المؤمنين قال كان هواؤهم معنا.
وروى ابن أبي الحديد عن إبراهيم بن
ديزيل في كتاب صفين عن الأعمش عن زيد بن وهب قال لما شجرهم علي عليهالسلام بالرماح قال اطلبوا
ذا الثدية فطلبوه طلبا شديدا حتى وجدوه في وهده من الأرض تحت ناس من القتلى فأتى
به وإذا رجل على ثديه مثل سبلات السنور فكبر علي عليهالسلام
وكبر الناس معه سرورا بذلك.
وفي المعجم الكبير قال حدثنا عبدان بن
أحمد بن ثنا يحيى بن حاتم العسكري ثنا بشر بن مهران ثنا شريك عن عثمان بن المغيرة
عن زيد بن وهب عن ابن مسعود قال أول شيء علمت من أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم قدمت مكة في عمومة
لي فأرشدنا على العباس بن عبد المطلب فانتهينا إليه وهو جالس إلى زمزم فجلسنا إليه
فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا أبيض تعلوه حمرة له وفرة جعد إلى أنصاف
أذنيه أشم أقنى أذلف براق الثنايا أدعج العينين كث اللحية دقيق المسربة شئن الكفين
والقدمين عليه ثوبان أبيضان كأنه القمر ليلة البدر يمشي على يمينه غلام أمرد حسن
الوجه مراهق أو محتلم تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها حتى قصد نحو الحجر فاستلمه ثم
استلم الغلام يديه وكبر وقام الغلام عن يمينه ورفع يديه وقامت المرأة خلفهما فرفعت
يديها وكبرت وأطال القنوت ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه من الركوع فقنت وهو
قائم ثم سجد وسجد الغلام والمرأة معه يصنعان مثل ما يصنع ويتبعانه قال فرأينا شيئا
لم نكن نعرفه فيكم أشيء حدث قال أجل والله أما تعرفون هذا قلنا لا قال هذا بن أخي
محمد بن عبد الله
__________________
والغلام علي بن أبي
طالب والمرأة خديجة بنت خويلد أم والله ما على ظهر الأرض أحد يعبد الله على هذا
الدين إلا هؤلاء الثلاثة.
وقال حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني
ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ثنا أبو إسرائيل الملائي عن الحكم عن أبي سليمان زيد
بن وهب عن زيد بن أرقم قال ناشد علي الناس في الرحبة من سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول الذي قال له
فقام ستة عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال زيد بن
أرقم فكنت فيمن كتم فذهب بصري وكان علي رضي الله تعالى عنه دعا على من كتم.
وفي فتح الباري أخرج البزار من طريق زيد
بن وهب قال بينا نحن حول حذيفة إذ قال كيف أنتم وقد خرج أهل بيت نبيكم فرقتين يضرب
بعضكم وجوه بعض بالسيف قلنا يا أبا عبد الله فكيف نصنع إذا أدركنا ذلك قال انظروا
إلى الفرقة التي تدعو إلى أمر علي بن أبي طالب فانها على الهدى.
وروى الطبري في حوادث سنة ٣٧ قال أبو
مخنف : حجثني مالك بن أعين الجهني عن زيد بن وهب أن عليا قال : حتى متى لا نناهض
هؤلاء القوم بأجمعنا. فقام في الناس عشية الثلاثة ليلة الأربعاء بعد العصر فقال :
الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض ، وما
أبرم لا ينقضه الناقضون ، لو شاء ما اختلف اثنان من خلقه ، ولا تنازعت الأمة في
شيء من أمره ، ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله ، وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار
فلفت بيننا في هذا المكان فنحن من ربنا بمرأى ومسمع فلوشاء عجل النقمة وكان منه
التغيير حتى يكذب الله الظالم ويعلم الحق أين مصيره ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال
وجعل الآخرة عنده هي دار القرار ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا
بالحسنى. إلا أنكم لاقوا القوم غدا فأطيلوا الليلة القيام وأكثروا تلاوة القرآن
وسلوا الله عز وجل النصر والصبر والقوهم بالجد والحزم وكونوا صادقين.
__________________
ثم انصرف.
ووثب الناس إلى سيوفهم ورماحهم ونبالهم
يصلحونها ...
قال : فلما كان من الليل خرج علي فعبى
الناس ليلته كلها حتى إذا أصبح زحف بالناس وخرج إليه معاوية في أهل الشام فأخذ علي
يقول : من هذه القبيلة ومن هذه القبيلة فنسبت له قبائل أهل الشام حتى إذا عرفهم
ورأى مراكزهم قال للأزد : اكفوني الأزد ، وقال لخثعم : اكفوني خثعم. فأمر كل قبيلة
من أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام إلا أن تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد
فيصرفها إلى قبيلة أخرى تكون بالشام ليس منهم بالعراق احد مثل بجيلة لم يكن بالشام
منهم إلا عدد قليل فصرفهم إلى لخم.
قال أبو مخنف : حدثني مالك بن أعين عن
زيد بن وهب الجهني أن عليا خرج إليهم غداة الأربعاء فاستقبلهم فقال :
اللهم رب السقف المرفوع المحفوظ المكفوف
، الذي جعلته مغيضا لليل والنهار ، وجعلت فيه مجرى الشمس والقمر ومنازل النجوم ، وجعلت
سكانه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة.
ورب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام
والهوام والأنعام وما لا يحصى مما لا يرى ومما يرى من خلقك العظيم.
ورب الفلك التي تجري في البحر بما ينفع
الناس ورب السحاب المسخر بين السماء والأرض.
ورب البحر المسجور المحيط بالعالم ورب
الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا وللخلق متاعا.
إن أطهرتنا على عدونا فجنبنا البغي ، سددنا
للحق.
وإن أظهرتهم علينا فارزقني الشهادة
واعصم بقية أصحابي من الفتنة.
وفيه أيضا قال أبو مخنف : حدثني مالك بن
أعين عن زيد بن وهب الجهني أن ابن بديل قام في أصحابه فقال : ألا إن معاوية ادعى
ما ليس أهله ، ونازع هذا الأمر من
__________________
ليس مثله ، وجادل
بالباطل ليدحض به الحق ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب ، قد زين لهم الضلالة ، وزرع
في قلوبهم حب الفتنة ، ولبس عليهم الأمر وزادهم رجسا إلى رجسهم ، وأنتم على نور من
ربكم وبرهان مبين. فقاتلوا الطغاة الجفاة ولا تخشوهم ، فكيف تخشونهم وفي أيديكم
كتاب الله عز وجل طاهرا مبرورا ، أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ، قاتلوهم
يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين وقد قاتلناهم مع
النبي صلىاللهعليهوآله
مرة وهذه ثانية والله ما هم في هذه بأتقى ولا أزكى ولا أرشد قوموا إلى عدوكم بارك
الله عليكم فقاتل قتالا شديدا هو وأصحابه.
وفيه أيضا قال أبو مخنف : حدثني مالك بن
أعين الجهني عن زيد بن وهب أن عليا لما رأى ميمنته قد عادت إلى مواقعها ومصافها
وكشفت من بإزائها من عدوها حتى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم أقبل حتى انتهى إليهم
فقال : إني قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم يحوزكم الطغاة الجفاة وأعراب أهل
الشام وأنتم لهاميم العرب والسنانم الأعظم وعمار الليل بتلاوة القرآن. وأهل دعوة
الحق إذ ضل الخاطئون فلولا إقبالكم بعد أدباركم وكركم بعد انحيازكم وجب عليكم ما
وجب على المولى يوم الزحف دبره وكنتم من الهالكين ولكن هون وجدي وشفى بعض أحاح
نفسي إني رأيتكم بأخرة حزتموهم كما حازوكم وأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم
تحسونهم بالسيوف تركب أولاهم أخراهم كالإبل المطردة الهيم فالآن فاصبروا نزلت
عليكم السكينة. وثبتكم الله عز وجل باليقين ليعلم المنهزم أنه مسخط ربه وموبق نفسه
إن في الفرار موجدة الله عز وجل عليه والذل اللازم والعار الباقي واعتصار الفيء من
يده وفساد العيش عليه. وإن الفار منه لا يزيد في عمره ولا يرضي ربه فموت المرء
محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتأنيس لها الإقرار عليها.
وروى عن هشام بن الكلبي عن أبي مخنف قال
: حدثني مالك بن أعين الجهني عن زيد بنب وهب الجهني أن عمار بن ياسر رحمهالله قال يومئذ : أين من
يبتغي رضوان الله
__________________
عليه ولا يئوب إلى
مال ولا ولد ، فأتته عصابة من الناس فقال : أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين
يبغون دم عثمان ويزعمون أنه قتل مظلوما والله ما طلبتهم بدمه ، ولكن القوم ذاقوا
الدنيا فاستحبوها واستمرءوها ، وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما
يتمرغون فيه من دنياهم ، وليس للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها طاعة الناس
والولاية عليهم فخدعوا أتباعهم أن قالوا : إمامنا قتل مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة
ملوكا ، وتلك مكيدة بلغوا بها ما ترون ، ولو لا هي ما تبعهم من الناس رجلان.
اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت وإن تجعل
لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم.
ثم مضى ومضت تلك العصابة التي أجابته
حتى دنا من عمرو فقال : يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك تبا طالما بغيت في الإسلام
عوجا.
وقال لعبيد الله ابن عمر بن الخطاب : صرعك
الله بعت دينك بالدنيا من عدو الإسلام وابن عدوه.
وروى أيضا عن أبي مخنف : حدثني مالك بن
أعين عن زيد بن وهب أن عليا أتى أهل النهر فوقف عليهم فقال : أيتها العصابة التي
أخرجتها عداوة المراء واللجاجة وصدها عن الحق الهوى ، وطمح بها النزق وأصبحت في
اللبس والخطب العظيم إني نذير لكم أن تصبحوا تلفيكم الأمة غدا صرعى بأثناء هذا
النهر ، وبأهضام هذا الغائط بغير بينة من ربكم ولا برهان بين. ألم تعلموا أني
نهيتكم عن الحكومة وأخبرتكم أن طلب القوم إياها منكم دهن ومكيدة لكم ونبأتكم أن
القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، وإني أعرف بهم منكر عرفتهم أطفالا ورجالا ، فهم
أهل المكر والغدر وإنكم إن فارقتم رأيي جانبتم الحزم فعصيتموني حتى أقررت بأن حكمت
فلما فعلت شرطت واستوثقت فأخذت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن وأن يميتا ما
أمات القرآن ، فاختلفنا وخالفا حكم الكتاب والسنة ، فنبذنا أمرهما ونحن على أمرنا
الأول ، فما الذي بكم ومن أين أتيتم؟
__________________
قالوا : أنا حكمنا فلما حكمنا أثمنا
وكنا بذلك كافرين ، وقد تبنا فإن تبت كما تبنا فنحن منك ومعك ، وإن أبيت فاعتزلنا
فإنا منابذوك على سواء إن الله لا يحب الخائنين.
فقال علي : أصابكم حاصب ، ولا بقي منكم
وابر ، أبعد إيماني برسول الله صلىاللهعليهوآله
وهجرتي معه وجهادي في سبيل الله أشهد على نفسي بالكفر لقد ضللت إذا وما أنا من
المهتدين.
ثم انصرف عنهم.
وروى الحسكاني بسنده عن الأعمش عن زيد
بن وهب ن حذيفة ان أناسا تذاكروا فقالوا : ما نزلت آية في القرآن فيها (يا أيها
الذين آمنوا) إلا في أصحاب محمد فقال حذيفة : ما نزلت في القرآن (يا أيها الذين
آمنوا) إلا كان لعلي لبُّها ولُبابها.
وروى أيضا بسنده عن زيد بن وهب عن حذيفة
في قوله (وصالح المؤمنين) قال هو علي بن أبي طالب.
قال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله
الحضرمي ثنا محمد بن عبد الملك الواسطي ثنا معلى بن عبد الرحمن ثنا منصور بن أبي
الأسود عن الأعمش عن زيد بن وهب قال : سرنا معه يعني عليا حين رجع من صفين حتى إذا
كان عند باب الكوفة إذا نحن بقبور سبعة عن أيماننا فقال علي ما هذه القبور فقالوا
يا أمير المؤمنين إن خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك إلى صفين وأوصى أن يدفن في ظهر
الكوفة ، وكان الناس إنما يدفنون موتاهم في أفنيتهم ، وعلى أبواب دورهم فلما رأوا
خبابا أوصى أن يدفن بالظهر دفن الناس.
فقال علي : رحم الله خباباب لقد أسلم
راغبا ، وهاجر طائعا ، وعاش مجاهدا ، وابتلي في جسمه أحوالا ، ولن يضيع الله أجر
من أحسن عملا.
ثم دنا من القبور فقال : السلام عليكم
يا أهل الديار من المؤمنين والمسلمين أنتم لنا سلف فارط ، ونحن لكم تبع عما قليل
لاحق ، اللهم اغفر لنا ولهم ، وتجاوز بعفوك
__________________
عنا وعنهم ، طوبى لمن
ذكر المعاد وعمل للحساب وقنع بالكفاف ورضي عن الله عز وجل.
وقال : حدثنا ، إسحاق بن إبراهيم عن عبد
الرزاق عن بن عيينة عن الأعمش عن زيد بن وهب قال قيل لابن مسعود هل لك في الوليد
بن عقبة تقطر لحيته خمرا قال قد نهينا عن التجسس فإن يظهر لنا يعني نقيم عليه.
وروى الثقفي قال : حدثنا محمد قال : حدثنا
الحسن قال : حدثنا إبراهيم قال : حدثنا إبراهيم بن عمرو بن المبارك البجلي قال : حدثني
أبي عن بكر بن عيسى قال : حدثني مالك بن أعين عن زيد بن وهب :
أن عليا عليهالسلام
قال للناس وهو أول كلام له بعد النهروان وأمور الخوارج التي كانت فقال : يا أيها
النسا استعدوا إلى عدو في جهادهم القربة من الله وطلب الوسيلة إليه ، حيارى عن
الحق لا يبصرونه ، وموزعين بالكفر والجور لا يعدلون به ، جفاة عن الكتاب ، نكب عن
الدين ، يعمهون في الطغيان ، ويتسكعون في غمرة الضلال ، (وأعدوا لهم ما استطعتم من
قوة ومن رباط الخيل) الأنفال ٦٠ ، وتوكلوا على الله (كفى بالله وكيلا ، وكفى بالله
نصيرا) النساء ٤٥.
وقال : حدثنا محمد قال : حدثنا الحسن
قال : حدثنا إبراهيم ، قال : أخبرنا يوسف بن بهلول السعدي قال : حدثنا شريك بن عبد
الله بن عثمان الاعشى عن زيد بن وهب قال :
قدم على علي عليهالسلام وفد من أهل البصرة
فيهم رجل م نرؤساء الخوارج يقال له : الجعدة بن نعجة فقال له في لباسه : ما يمنعك
أن تلبس؟ ـ فقال : هذا أبعد لي من الكبر وأجدر أن يقتدى بي المسلم ، فقال له : اتق
الله فانك ميت قال : ميت؟! بل والله قتلا ضربة على هذا يخضب هذه ، قضاءا مقضيا
وعهدا معهودا ، وقد خاب من افترى.
__________________
أقول
: وقد رواه احمد ابن حنبل ، في مسنده قال
: حدثنا عبد الله ، حدثني علي بن حكيم الاودي ، أنبأنا شريك ، عن عثمان بن أبي
زرعة ، عن زيد بن وهب قال : قدم على علي عليهالسلام
قوم من أهل البصرة من الخوارج فيهم رجل يقال له : الجعدة بن بعجة فقال له : اتق
الله يا علي فانك ميت ، فقال علي عليهالسلام
بل مقتول ضربة على هذا تخضب هذي يعني لحيته من رأسه عهد معهود وقضاء مقضي وقد خاب
من افترى ، وعاتبه في لباسه فقال : مالكم واللباس؟ ـ هو أبعد من الكبر وأجدر أن
يقتدى بي المسلم. وفي العمدة : وعاتبه قوم في لباسه فقالوا : ما يمنعك أن تلبس ، إلى
آخره».
وعثمان بن أبي زرعة الواقع في سند مسند
ابن حنبل هو عثمان الاعشى المذكور في سند الغارات كما تقدم آنفا.
عبد الرحمن بن أبي
ليلى ت ٨٣ :
قال ابن عبد البر في ترجمة أبي ليلى : أبو
ليلى الأنصاري والد عبد الرحمن بن أبي ليلى. اختلف في اسمه. فقيل يسار بن نمير.
وقيل أوس بن خولى. وقيل داود بن بليل بن بلال بن أحيحة. وقيل يسار بن بلال بن
أحيحة بن الجلاح. وقيل بلال بن بليل. وقال ابن الكبي : أبو ليلى الأنصاري اسمه
داود بن بلال بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبي بن كلفة بن عوف بن عمرو بن
عوف بن مالك بن الأوس ، صحب النبي صلىاللهعليهوسلم
، وشهد معه أحدا وما بعدها من المشاهد ، ثم انتقل إلى الكوفة ، وله بهار دار في
جهينة ، يلقب بالأيسر. روى عنه ابنه عبد الرحمن ، وشهد هو وابنه عبد الرحمن مع علي
بن أبي طالب رضياللهعنه
مشاهده كلها.
وقال في ترجمة أم ليلى الأنصارية ، انها والدة عبد الرحمن بن أبي ليلى ، كانت من
المبايعات حديثها عند أهل بيتها من الكوفيين.
قال المزي : عبد الرحمن بن أبي ليلى ولد
لست بقين من خلافة عمر بن الخطاب ، قال عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
أدركت عشرين ومئة من أصحاب
__________________
النبي صلىاللهعليهوسلم كلهم من الأنصار إذا
سئل أحدهم عن شيء أحب ان يكفيه صاحبه. وقال عبد الملك بن عمير لقد رأيت عبد الرحمن
بن أبي ليلى في حلقة فيها نفر من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم
يستمعون لحديثه وينصتون له فيهم البراء بن عازب ، وقال يزيد بن أبي زياد قال عبد
الله بن الحارث يعني بن نوفل اجمع بيني وبين عبد الرحمن بن أبي ليلى فجمعت بينهما
فقال عبد الله بن الحارث ما ظننت ان النساء ولدت مثل هذا.
قال ابن سعد أخبرنا الفضل بن دكين قال
حدثنا قيس عن أبي حصين قال لما قدم الحجاج أراد أن يستعمل عبد الرحمن بن أبي ليلى
على القضاء فقال له حوشب إن كنت تريد أن تبعث علي بن أبي طالب على القضاء فافعل.
قال أخبرنا قبيصة بن عقبة قال حدثنا همام بن عبد الله التميمي قال رأيت عبد الرحمن
بن أبي ليلى مضروبا عليه سراويل أفواف ضربه الحجاج قال وحوشب كان على شرط الحجاج
وهو أبو العوام بن حوشب. (افواف جمع فوف وهو القطن أي سراويل قطن أو سراويل ابيض) قال
أخبرنا أبو معاوية الضرير قال حدثنا الأعمش قال رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد
أوقفه الحجاج وقال له العن الكذابين علي بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير والمختار
بن أبي عبيد قال فقال عبد الرحمن : لعن الله الكذابين ، ثم ابتدأ فقال عليُّ بن
أبي طالب وعبدُ الله بن الزبير والمختارُ بن أبي عبيد ، قال الأعمش : فعلمت أنه
حين ابتدأ فرفعهم لم يعنِهم. قال أخبرنا أبو معاوية الضرير قال حدثنا الأعمش عن
عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه كان إذا سمعهم يذكرون عليا وما يحدثون
عنه ، قال قد جالسنا عليا وصحبناه فلم نره يقول شيئا مما يقول هؤلا ء ، أولا يكفي
عليا أنه بن عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم
وختنه على ابنته وأبو حسن وحسين شهد بدرا والحديبية. قال وأجمعوا جميعا أن عبد
الرحمن بن أبي ليلى خرج مع من خرج على الحجاج مع عبد الرحمن بن محمد بنب الأشعث
وأنه قتل بدجيل.
وقال الذهبي عبد الرحمن بن أبي ليلى
الإمام أبو عيسى الأنصاري الكوفي الفقيه
__________________
والد القاضي محمد رأى
عمر يمسح على خفيه ، قال بن سيرين جلست إليه وأصحابه يعظمونه كأنه أمير.
روى النسائي في سننه قال أخبرنا أحمد بن
سليمان قال حدثنا عبيد الله قال أخبرنا بن أبي ليلى عن الحكم والمنهال عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه :
أنه قال لعلي وكان يسير معه إن الناس قد
أنكروا منك أنك تخرج في البرد في الملاءتين وتخرج في الحر في الحشو والثوب الغليظ.
قال : أولم تكن معنا بخيبر قال بلى. قال : فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث أبا بكر وعقد له
لواء فرجع. وبعث عمر وعقد له لواء فرجع بالناس. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لأعطين الراية
رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، ليس بفرار فأرسل إلي وأنا أرمد ، قلت : إني
أرمد. فتفل في عيني وقال : اللهم اكفه أذى الحر والبرد فما وجدت حرا بعد ذلك ولا
بردا.
وروى الحاكم في مستدركه قال أخبرني عبد
الله بن محمد الصيدلاني حدثنا محمد بن أيوب أنبأ يحيى بن المغيرة السعدي حدثنا
جرير عن منصور عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال :
قال علي بن أبي طالب رضياللهعنه ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن في كتاب الله
لآية ما عمل بها أحد ولا يعمل بها أحد بعدي ، آية النجوى ، (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ
يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً)
المجادلة / ١٢ ، قال : كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم فناجيت النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم نسخت ، فلم
يعمل بها أحد فنزلت (أَشْفَقْتُمْ أَن
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ
اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المجادلة / ١٣.
__________________
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه.
وروى احمد عن أبي سعيد ثنا إسرائيل
حدثنا أبو اسحاق عن عبد الرحمن بن أبي ليلىعن علي رضي الله تعالى عنه قال قال رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر لك على انه مغفور لك لا إله إلا الله العلي العظيم
لا إله الا هو الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين.
وروى النسائي قال أخبرنا أحمد بن سليمان
قال حدثنا يزيد قال حدثنا العوام قال حدثني عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
: عن علي رضي الله تعالى عنه قال أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم
حتى وضع قدمه بيني وبين فاطمة فعلمنا ما نقول إذ أخذنا مضجعا ثلاثا وثلاثين تسبيحة
وثلاثا وثلاثين تحميدة وأربعا وثلاثين تكبيرة قال علي فما تركتها بعد قال له رجل
ولا ليلة صفين قال ولا ليلة صفين.
وفي مسند احمد قال حدثنا عبد الله حدثني
عبيد الله بن عمر القواريري ثنا يونس بن أرقم ثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن
بن أبي ليلى قال : شهدت عليا رضي الله تعالى عنه في الرحبة ينشد الناس أنشد الله
من سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه لما قام فشهد قال عبد الرحمن فقام اثنا
عشر بدريا كأني أنظر إلى أحدهم فقالوا نشهد أنا سمعنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول يوم غدير خم
ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم فقلنا بلى يا رسول الله قال فمن
كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
وفيه أيضا قال حدثنا عبد الله ثنا أحمد
بن عمر الوكيعي ثنا زيد بن الحباب ثنا الوليد بن عقبة بن نزار العنسي حدثنا سماك
بن عبيد بن الوليد العبسي قال دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدثني انه شهد
عليا رضي الله تعالى عنه في الرحبة قال أنشد الله رجلا سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وشهده يوم غدير خم
الا قام ولا يقوم
__________________
الا من قد رآه فقام
اثنا عشر رجلا فقالوا قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه وانصر من نصروه واخذل من خذلوه فقام إلا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم
فأصابتهم دعوته.
أقول
: وقد روى البلاذري قال حدثني عباس بن
هشام الكلبي عن أبيه عن غياث بن إبراهيم عن المعلى بن عرفان الأسدي عم أبي وائل
شقيق بن سلمة قال قال علي على المنبر نشدت الله رجلا سمع رسول الله يقول يوم غدير
خم : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه الا قام فشهد وتحت المنبر انس بن مالك
والبراء بن عازب وجرير بن عبد الله فأعادها فلم يجبه أحد فقال اللهم من كتم هذه
الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يعرف بها.
قال : فبرص انس وعمي البراء ورجع جرير
أعرابيا بعد هجرته فأتى السراة فمات في بيت امه بالسراة.
وفي المناقب للخوارزمي بالاسناد عن ثوير
بن أبي فاختة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن والده (أبي ليلى قتل بصفين سنة ٣٧) قال
قال أبي : دفع النبي صلىاللهعليهوآله
الراية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالب ففتح الله تعالى على يده ، وأوقفه يوم غدير
خم فأعلم الناس أنه مولى كل مؤمن ومؤمنة.
وروى البخاري في صحيحه قال حدثنا قيس بن
حفص وموسى بن إسماعيل قالا حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أبو قرة مسلم بن سالم
الهمداني قال حدثني عبد الله بن عيسى سمع عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لقيني كعب بن
عجرة فقال ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلىاللهعليهوسلم
فقلت بلى فأهدها لي فقال سألنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليكم
قال قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت
__________________
على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى
آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وروى الترمذي قال : حدثنا محمود بن
غيلان قال : حدثني أبو أسامة عن مسعر والأجلح ومالك بن مغول عن الحكم بن عتيبة عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك قد
علمنا فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على
إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك
حميد مجيد.
قال وفي الباب عن علي وأبي حميد وأبي
مسعود وطلحة وأبي سعيد وبريدة وزيد بن خارجة ويقال بن جارية وأبي هريرة قال أبو
عيسى حديث كعب بن عجرة حديث حسن صحيح وعبد الرحمن بن أبي ليلى كنيته أبو عيسى وأبو
ليلى اسمه يسار.
وفي شرح نهج البلاغة قال أبو مخنف
فحدثني موسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال ... لما دخل الحسن وعمار
الكوفة اجتمع إليهما الناس فقام الحسن فاستنفر الناس فحمد الله وصلى على رسوله ثم
قال ايها الناس أنا جئنا ندعوكم إلى الله وكتابه وسنة رسوله والى افقه من تفقه من
المسلمين واعدل من تعدلون وافضل من تفضلون واوفى من تبايعون من لم يعبه القرآن ولم
تجهله السنة ولم تقعد به السابقة ، إلى من قربه الله تعالى إلى رسوله قرابتين
قرابة الدين وقرابة الرحم إلى من سبق الناس إلى كل مأثرة ، إلى من كفى الله به
رسوله والناس متخاذلون ، فقرب منه وهم متباعدون وصلى معه وهم مشركون وقاتل معه وهم
منهزمون وبارز معه وهم محجمون وصدَّقه وهم يكذِّبون ، إلى من لم ترد له رواية ولا
تكافأ له سابقة ، وهو يسألكم النصر ويدعوكم إلى الحق ويأمركم بالمسير إليه
لتوازروه وتنصروه على قوم نكثوا بيعته وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه ومثلوا بعماله
وانتهبوا بيت ماله فاشخصوا إليه رحمكم الله فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر
واحضروا بما يحضر به الصالحون.
__________________
وفيه أيضا روى ابن جرير الطبري في
تاريخه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه وكان ممن خرج لقتال الحجاج مع ابن الأشعث
انه قال فيما كان يخص به الناس على الجهاد اني سمعت عليا رفع الله درجته في
الصالحين واثابه ثواب الشهداء والصديقين يقول يوم لقينا أهل الشام :
(ايها المؤمنون انه من رأى عدوانا يعمل
به ومنكرا يدعى إليه فانكره بقلبه فقد سلم وبرئ ومن انكره بلسانه فقد اجر وهو افضل
من صاحبه ومن انكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك
الذي أصاب سبيل الهدى وقام على الطريق ونور في قلبه اليقين.
وروى الطبري في تفسيره قال حدثنا محمد
بن بشار قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا سفيان عن هلال الوزان عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى في قوله يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا قال نزلت في الوليد
بن عقبة بن أبي معيط.
وروى ابن عساكر بسنده عن عمرو بن مرة عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمار قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول آخر زادك من الدنيا ضياح
لبن ، وقال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم
تقتلك الفئة الباغية.
أقول :
قال ابن عبد البر وروى الأعمش ، عن أبي
عبد الرحمن السلمي ، قال : شهدنا مع علي رضياللهعنه
صفّين ، فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفّين إلا رأيت
أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم
يتبعونه ، كأنه علم لهم. وسمعت عمارا يقول يومئذ لهاشم بن عقبة : يا هاشم ، تقدم
الجنة تحت الأبارقة اليوم ألقى الأحبة : محمدا وحزبه. والله لو هزمونا حتى يبلغوا
بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل ، ثم قال :
__________________
نحن ضربناكم على تنزيله
|
|
فاليوم نضربكم على تأويله
|
ضربا يزيل الهام عن مقيله
|
|
ويذهل الخليل عن خليله
|
أو يرجع الحقّ إلى سبيله
قال : فلم أر أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم قتلوا في موطن ما
قتلوا يومئذ.
وقال ابن عساكر أخبرنا أبو الحسن علي بن
المسلم أنا أبو العباس أحمد بن منصور أنا أبو محمد بن أبي نصر أنا عمي أنا أبو علي
نا أحمد بن عمر القاضي نا وكيع نا ابن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن
أبي ليلى عن علي بن أبي طالب أنه قال يوم الجمل ادع إلي الزبير لَعلّي أذكِّره
شيئا سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فدعي الزبير فجاء على دابته وجاء علي على دابته حتى اختلف رؤوس دوابهما فلم يزل
علي يذكره ووجه الزبير يتغير ثم انصرفا.
فأما الزبير فمضى فنزل على ناس من بني
سعد فأخبر طلحة أن الزبير قد انصرف.
فقال مروان إن لم أدرك ثأري اليوم لم
أدركه أبدا فرماه بسهم فقتله ، قال وقتل ابن جرموز الزبير. فقال علي أقتله وقد
أمنته ائذنوا له وبشروه بالنار.
قال ابن عبد البر حدثنا عبد الوارث بن
سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أبو بكر أحمد ابن زهير ، قال حدثنا أبو خيثمة
، حدثنا أبو سلمة التّبوذكيّ ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا أبو فروة ، قال :
سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال قال عمر رضياللهعنه
: عليّ أقضانا.
أقول
: وجدنا في روايات هؤلاء المحدثين
الثلاثة وقد دخلوا الشام نماذج من الحديث النبوي واخبار سيرة علي عليهالسلام التي انتشرت في
الشام مما كان أهل الشام قد جهلوه بسبب سياسة منع الحديث ، وسياسة الحرب والاعلام
الكاذب مما يؤكد نجاح الحسن في خطته في مواجهة المخطط الأموي.
__________________
الباب
الثاني / الفصل الثالث
سيرة
الامام الحسن عليهالسلام
(معالم امامته الدينية ومرجعيته في عمل الخير)
المبحث الأول في سنوات الصلح
عالج الامام الحسن عليهالسلام الانشقاق الذي كان
ينطوي على مخاطر جسيمة على الرسالة والأمة تحدثنا عنها في الفصول السابقة ، وفتح
الشام لمشروع علي عليهالسلام
الاحيائي للسنة ليحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة واقام حكومة المجتمع
المدني وقدم اختيار اهل الشام على اهل العراق مؤقتا ، محتفظا لنفسه بموقع الإمامة
الهادية الذي لم يأته ببيعة الناس بل بالوصية من النبي صلىاللهعليهوآله وهو موقع لا يزيده
الحكم شيئا ولا ينقصه شيئا.
وقد سجلت له كتب التاريخ من فعل الخير
وعبادة الله تعالى في هذه السنوات ما يجعله مصداقا لقوله تعالى (وَجَعَلْنَاهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ
وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) الأنبياء / ٧٣ الأمر الذي جعله يرتقي
في الشرف عند الناس ما لم يبلغه احد الا رسول الله صلىاللهعليهوآله
، ويكون يوم وفاته كيوم وفاة النبي صلىاللهعليهوآله
حين حشد أهل المدينة انفسهم جميعا الرجال والنساء والاطفال لكي يحضروا جنازته.
وفيما يلي طرف من أعمال الخير هذه قد اقف عند بعضها بتحليل مختصر ، واترك الباقي
لوضوحها في الإفصاح عن نفسها :
عبادته عليهالسلام وخوفه من الله تعالى
:
عن المفضل بن عمر ، قال : قال الصادق عليهالسلام : حدثني أبي ، عن
أبيه عليهماالسلام
أن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام.
كان أعبد الناس في زمانه ، وأزهدهم
وأفضلهم ،
وكان إذا حج حج ماشيا ، وربما يمشي
حافيا ،
وكان إذا ذكر الموت بكى ، وإذا ذكر
القبر بكى ، وإذا ذكر البعث والنشور بكى ، وإذا ذكر المرر على الصراط بكى ، وإذا
ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها.
وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين
يدي ربه عز وجل ،
وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب
السليم ، ويسأل الله تعالى الجنة ، وتعوذ به من النار ،
وكان عليهالسلام
لا يقرأ من كتاب الله عز وجل : (يا أيها الذين آمنوا) إلا قال : لبيك اللهم لبيك ،
ولم ير في شيء من أحواله إلا ذاكرا لله سبحانه ،
وكان أصدق الناس لهجة ، وأفصحهم منطقا.
وقال لي ابن عساكر عن عبد الله بن
العباس قال : ما ندمت على شيء فاتني في شبابي إلا أني لم أحج ماشيا ، ولقد حج
الحسن بن علي خمسة وعشرين حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد معه.
كرمه وتعامله عليهالسلام مع المال :
روى ابن عساكر عن أبي هشام القناد ، قال
: كنت أحمل المتاع من البصرة إلى الحسن بن علي وكان يماكسني فلعلي لا أقوم من عنده
حتى يهب عمامته ، ويقول : إن أبي حدثني أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال : المغبون لا محمود ولا مأجور.
__________________
وعن سعيد بن عبد العزيز أن الحسن بن علي
بن أبي طالب سمع إلى جنبه رجلا يسأل أن يرزقه الله عشرة آلاف درهم فانصرف فبعث بها
إليه.
قال هشام بن حسان ، عن ابن سيرين : إن
الحسن بن علي كان يجيز الرجل الواحد بمئة ألف.
قاسم الله تعالى ماله ثلاث مرات وخرج من
ماله لله تعالى مرتين.
سأله رجل فأعطاه خمسين ألف درهم
وخمسمائة دينار وقال له ائت بحمال يحمللك ، فأتى بحمال فأعطاه طيلسانة فقال هذا
كرى الحمال.
وجاءه بعض الأعراب فقال : اعطوه ما في
الخزانة ، فوجد فيها عشرون ألف درهم فدفعت إليه ، فقال الأعرابي يا مولاي الا
تركتني ابوح بحاجتي وانشر مدحتي؟ فانشأ الحسن يقول :
نحن أناس نوالنا خضل
|
|
يرتع فيه الرجاء والامل
|
تجود قبل السؤال انفسنا
|
|
خوفا على ماء وجه من يسل
|
أقول :
من الواضح ان هذا التصرف من الحسن عليهالسلام يستهدف الضغط على
معاوية وإثارته ليقتدي بالحسن وليكون اكثر كرما منه وبذلك يتحرك المال الذي اكتنزه
معاوية في خزانته في المجتمع لقضاء حوائج الناس. ومع ذلك كله فان معاوية لا يلحق
بالحسن عليهالسلام
لانه عليهالسلام
قاسم الله عز وجل ثلاث مرات ماله حتى ان كان يعطي نعلا ويمسك نعلا ويعطى خفا ويمسك
خفا. وخرج من ماله مرتين (رواه ابن حبيب).
رأفته عليهالسلام ونبله تقييمه للنفوس
النبيلة :
روي أنه عليهالسلام
كان مارا في بعض حيطان المدينة فرأى أسود بيده رغيف يأكل لقمة ويطعم الكلب لقمة
إلى أن شاطره الرغيف ، فقال له الحسن : ما حملك على أن شاطرته
__________________
فلم تغابنه فيه بشيء؟
فقال : استحت عيناي من عينيه أن أغابنه. فقال له : غلام من أنت؟ قال : غلام أبان
بن عثمان. فقال له : والحائط؟ قال : لابان بن عثمان. فقال له الحسن : أقسمت عليك
لا برحت حتى أعود إليك. فمر فاشترى الغلام والحائط وجاء إلى الغلام فقال : يا غلام
قد اشتريتك. فقام قائما فقال : السمع والطاعة لله لولرسوله ولك يا مولاي. قال : فقد
اشتريت الحائط وأنت حر لوجه الله والحائط هبة مني إليك. قال : فقال الغلام : يا
مولاي قد وهبت الحائط للذي وهبتني له.
سعيه عليهالسلام في قضاء حوائج
المؤمنين :
روى ابن عساكر عن أبي حمزة الثمالي عن
علي بن الحسين قال : خرج الحسن يطوف بالكعبة فقام إليه رجل فقال : يا أبا محمد
اذهب معي في حاجتي إلى فلان. فترك الطواف وذهب معه ، فلما ذهب خرج إليه رجل حاسد
للرجل الذي ذهب معه ، فقال : يا أبا محمد تركت الطواف وذهبت مع فلان إلى حاجته؟
قال : فقال له الحسن : وكيف لا أذهب معه؟ ورسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال : من ذهب في حاجة أخيه المسلم فقضيت حاجته كتبت له حجة وعمرة وإن لم تقض له
كتبت له عمرة. فقد اكتسبت حجة وعمرة ورجعت إلى طوافي.
تربيته عليهالسلام للشباب :
قال محمد بن سعد : أخبرنا مالك بن
إسماعيل أبو غسان النهدي ، قال : حدثنا مسعود ابن سعد ، قال : حدثنا يونس بن عبد
الله بن أبي فروة ، عن شرحبيل أبي سعيد ، قال : دعا الحسن بن علي بنيه وبني أخيه ،
فقال : يا بني وبني أخي ، إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين ، فتعلموا
العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته.
__________________
نشاطه عليهالسلام اليومي :
قال محمد بن سعد : أخبرنا علي بن محمد ،
عن محمد بن عمر العبدي ، عن أبي سعيد : إن معاوية قال لرجل من أهل المدينة من قريش
: أخبرني عن الحسن بن علي.
قال : يا أمير المؤمنين ، إذا صلى
الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس ، ثم يساند ظهره فلا يبقى في مسجد رسول الله ـ
صلىاللهعليهوسلم
ـ رجل له شرف إلا أتاه فيتحثون.
حتى إذا ارتفع النهار صلى ركعتين ، ثم
نهض فيأتي أمهات المؤمنين فيسلم عليهن فربما أتحفنه.
ثم ينصرف إلى منزله ثم يروح فيصنع مثل
ذلك.
فقال : ما نحن معه في شيء.
نشاطه عليهالسلام العلمي :
كان يتتبع ما تفرق من سيرة أبيه ومسائله
وخطبه يجمعها من أصحاب أبيه.
إجابته عليهالسلام على الأسئلة الفقهية
تاكيدا لفتاوى أبيه علي عليهالسلام
:
حدثني أبي قال حدثنا حسين بن حسن قال
حدثنا شريك عن خارجة الصيرفي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال سألت الحسن بن علي عن
قول علي في الخيار فدعا بربعة فأخرج منها صحيفة صفراء مكتوب فيها قول علي في
الخيار.
سفراته عليهالسلام إلى الشام وحواراته
مع معاوية ورجاله :
روى أبو عثمان الجاحظ قال : دخل الحسن
بن علي عليهماالسلام
على معاوية
__________________
وعنده عبد الله بن
الزبير وكان معاوية يحب أن يغري بين قريش فقال يا أبا محمد أيهما كان اكبر سنا علي
أم الزبير؟ فقال الحسن ما اقرب ما بينهما وعلي أسنّ من الزبير ، رحم الله عليا.
فقال ابن الزبير رحم الله الزبير.
وهناك أبو سعيد بن عقيل بن أبي طالب ، فقال
يا عبد الله وما يهيجُك من أن يترحَّم الرجل على أبيه
قال : وأنا أيضا ترحمت على أبي.
قال : أتظنه ندا له وكفؤا.
قل وما يعدِل بهب عن ذلك؟ كلاهما من
قريش ، وكلاهما دعا إلى نفسه ولم يتم له.
قال : دع ذاك عنك يا عبد الله إن عليا
من قريش ، ومن الرسول صلىاللهعليهوآله
حيث تعلم. ولما دعا إلى نفسه أتُّبع فيه وكان رأسا ، ودعا الزبير إلى أمر وكان
الرأس فيه امرأة ، ولما تراءت الفئتان نكصَ على عقبيه وولى مُدبِرا قبل أن يظهر
الحق فيأخذه ، أويدحض الباطل فيتركه ، فأدركه رجلٌ لو قِيسَ ببعض أعضائه لكان اصغر
، فضرب عنقه وأخض سَلَبه وجاء برأسه ، ومضى عليٌّ قُدُما كعادته مع ابن عمه! رحم
الله عليا.
فقال ابن الزبير : اما لو أن غيرك تكلم
بهذا يا أبا سعيد لعلِم.
فقال : إن الذي تُعرِّض به يرغب عنك.
وكفَّه معاوية فسكتوا.
وأخبرت عائشة بمقالتهم. ومر أبو سعيد
بفنائها فنادته يا أبا سعيد انت القائل لابن أختي كذا ، فالتفت أبو سعيد فلم ير
شيئا ، فقال إن الشيطان يرانا ولا نراه ،
فضحكت عائشة وقالت لله أبوك ما اذلق
لسانك.
سؤدده عليهالسلام وهيبته وحلمه :
روى ابن عساكر : عن رجل من أهل الشام
قال : قدمت المدينة فرأيت رجلا
__________________
جُهريا كحالة (أي ذا
منظرا وهيئة حسنة).
فقلت : من هذا؟
قالوا : الحسن بن علي.
قال : فحسدت والله عليا أن يكون له ابن
مثله ،
قال : فأتيته.
فقلت : أنت ابن أبي طالب؟
قال : أني ابنه.
فقلت : بك وبأبيك وبك وبأبيك.
قال : وأزم لا يرد إلي شيئا ،
ثم قال : أراك غريبا فلو استحملتنا
حملناك ، وإن استرفدتنا رفدناك ، وإن استعنت بنا أعناك.
قال فانصرفت والله عنه وما في الأرض أحد
أحب إلي منه.
قال وحدثنا ابن أبي الدنيا حدثني سليمان
بن أبي شيخ حدثني أبي صالح بن سليمان قالا قدم رجل من المدينة وكان يبغض عليا فقطع
به فلم يكن له زاد ولا راحلة فشكا ذلك إلى بعض أهل المدينة فقال له عليك بحسن بن
علي فقال له الرجل ما لقيت هذا إلا في حسن وأبي حسن فقيل له فإنك لا تجد خيرا إلا
منه فأتاه فشكا إليه فأمر له بزاد وراحلة فقال الرجل الله أعلم حيث يجعل رسالاته
وقيل للحسن أتاك رجل يبغضك ويبغض أباك فأمرت له بزاد وراحلة قال أفلا اشتري عرضي
منه بزاد وراحلة.
قصته عليهالسلام مع معاوية بن حديج
سنة ٤٤ هجرية :
عن علي بن أبي طلحة مولى بني أمية قال
حج معاوية بن أبي سفيان وحج معه معاوية بن حديج وكان من أسب الناس لعلي فمر في
المدينة في مسجد رسول الله
__________________
صلىاللهعليهوسلم
والحسن بن علي جالس في نفر من أصحابه فقيل له هذا معاوية بن حديج الساب لعلي رضياللهعنه فقال علي بالرجل
فأتاه الرسول فقال أجب قال من قال الحسن بن علي يدعوك فأتاه فسلم عليه فقال له
الحسن بن علي رضياللهعنه
أنت معاوية بن حديج قال نعم فرد عليه ثلاثا فقال له الحسن الساب لعلي فكأنه استحيى
فقال له الحسن رضياللهعنه
أم والله إذا وردت عليه الحوض وما أراك ان ترده لتجدنه مشمر الإزار على ساق يذود
المنافقين ذود غريبة الإبل قول الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم
وقد خاب من افترى.
وروى ابن عساكر عن عبد الرزاق ، قال : قال
لي عبد الله بن مصعب :
كان رجل عندنا قد انقطع في العبادة ، فإذا
ذكر عبد الله بن الزبير بكى ، وإذا ذكر عليا نال منه!
قال : فقلت : ثكلتك أمك لروحة من علي أو
غدوة منه في سبيل الله خير من عمر عبد الله بن الزبير حتى مات.
وعن عبد الله بن عروة أخبره قال : رأيت
عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي في غداة من الشتاء باردة ، قال : فوالله
ما قام حتى تفسخ جبينه عرقا!. قال : فغاظني ذلك فقمت إليه فقلت : يا عم. قال : ما
تشاء؟ قلت : رأيتك قعدت إلى الحسن بن علي فما قمت من عنده حتى تفسخ جبينك عرقا!
قال : ابن أخي انه ابن فاطمة لا والله ما قامت النساء عن مثله.
وقيل للحسن : فيك عظمة ، فقال عليهالسلام : بل فيَّ عزة قال
الله : «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ».
وقال معاوية لعبد الله بن الزبير سنة ٤٤
حين زار المدينة الا ترى الحسن زارني مرة واحدة ... قال ان مع الحسن مائة ألف سيف
لو شاء ضربك بها.
__________________
قال محمد بن إسحاق : ما بلغ احد من
الشرف بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله
ما بلغ الحسن بن علي. كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق فما
يمر احد من خلق الله الا جلس إجلالا له فاذا علم قام ودخل بيته فيمر الناس. ونزل
عن راحلته في طريق مكة فمشى فما من خلق الله احد الا نزل ومشى حتى سعد بن أبي وقاص
فقد نزل ومشى إلى جنبه.
وقال مدرك بن زياد لابن عباس وقد امسك
للحسن والحسين بالركاب وسوى عليهما ثيابهما (انت اسن منهما تمسك لهما بالركاب؟
فقال يا لكع وما تدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله اوليس مما انعم الله علي بن ان
امسك لهما واسوي عليهما!
قال واصل بن عطاء : كان الحسن بن علي
عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك.
تعليمه عليهالسلام :
روى الكليني عن عليبن محمد بن بندار ، عن
إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن عبد الله بن حماد ، عن أبي مريم الأنصاري ، عن أبي
برزة الأسلمي قال : ولد للحسن بن علي عليهماالسلام
مولود فأتته قريش فقالوا : يهنئك الفارس ، فقال : وما هذا من الكلام؟ قولوا : شكرت
الواهب ، وبورك لك في الموهوب ، وبلغ الله به أشده ، ورزقك بره.
وروى ايضا عن البرقي ، عن بكر بن صالح ،
عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليهالسلام
قال : هنا رجل رجلا أصاب ابنا ، فقال : يهنئك الفارس ، فقال الحسن عليهالسلام له : ما علمك يكون
فارسا أو راجلا؟ قال : جعلت فداك فما أقول؟ قال : تقول : شكرت الواهب ، وبورك لك
في الموهوب ، وبلغ أشده ، ورزقك بره.
__________________
وروى عن محمد بن الحسن وعلي بن محمد بن
بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الرحمن بن حماد ، عن أبي مريم الأنصاري رفعه
قال : إن الحسن بن علي عليهماالسلام
خرج من الحمام فلقيه إنسان فقال : طاب استحمامك ، فقال : يا لكع وما تصنع بالاست
ههنا؟ فقال : طاب حميمك ، فقال : أما تعلم أن الحميم العرق؟ قال : طاب حمامك : فقال
: وإذا طاب حمامي فأي شيء لي؟
قال : طهر ما طاب منك ، وطاب ما طهر
منك.
حسن خلقه عليهالسلام :
عن ابن عون عن عمير بن إسحاق قال ما
تكلم عندي أحد كان احب إلي إذا تكلم ان لا يسكت من الحسن بن علي وما سمعت منه كلمة
فحش قط إلا مرو فإنه كان بين حسين بن علي وعمرو بن عثمان بن عفان خصومة في ارض
فعرض حسين أمرا لهم لم يرضه عمرو فقال الحسن فليس له عندنا إلا ما رغم انفه قال
فهذا اشد كلمة فحش سمعتها منه قط.
روى ابن سعد قال : جلس رجل إلى الحسن بن
علي فقال انك جلست إلينا على حين قيام منا أفتأذن :
__________________
طرف من كلماته عليهالسلام :
قال عليهالسلام
: ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم.
وقال عليهالسلام
: اللؤم أن لا تشكر النعمة.
وقال عليهالسلام
: لبعض ولده : يا بني لا تواخ أحدا حتى تعرف موارده ومصادره فإذا استنبطت الخبرة
ورضيت العشرة فآخه على إقالة العثرة والمواساة في العسرة.
وقال عليهالسلام
: ما أعرف أحدا إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه.
وقال عليهالسلام
: من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب أحدى ثمان : آية محكمة وأخا مستفادا وعلما
مستطرفا ورحمة منتظرة وكلمة تدله على الهدى أو ترده عن ردى وترك الذنوب حياء أو
خشية.
ورزق غلاما فأتته قريش تهنيه فقالوا : يهنيك
الفارس ، فقال عليهالسلام
أي شيء هذا القول؟ ولعله يكون راجلا ، فقال له جابر : كيف نقول يا ابن رسول الله؟
فقال : عليهالسلام
: إذا ولد لاحدكم غلام فأتيتموه فقولوا له : شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب ، بلغ
الله به أشُدَّه ورزقك بِرَّه.
وقال عليهالسلام
: إن أبصر الأبصار ما نفذ في الخير مذهبه ، وأسمع الأسماع ما وعى التذكير وانتفع
به.
قال عليهالسلام
: إن من طلب العبادة تزكى لها. إذا أضرت النوافل بالفريضة فارفضوها.
وقال عليهالسلام
: اتقوا الله عباد الله وجدوا في الطلب وتجاه الهرب ، وبادروا العمل قبل مقطعات
النقمات وهادم اللذات فإن الدنيا لا يدوم نعيمها ولا تؤمن فجيعها ولا تتوقى في
مساويها ، غرور حائل ، وسناد مائل ، فاتعظوا عباد الله بالعبر ، واعتبروا بالأثر ،
وازدجروا بالنعيم. وانتفعوا بالمواعظ ، فكفى بالله معتصما ونصيرا وكفى بالكتاب
حجيجا وخصيما وكفى بالجنة ثوابا وكفى بالنار عقابا ووبالا.
وقال عليهالسلام
: إذا لقي أحدكم أخاه فليقبل موضع النور من جبهته.
ومرَّ عليهالسلام
في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون فوقف على رؤوسهم فقال : إن الله جعل شهر رمضان
مضمارا لخلقه
فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا
__________________
وقصر آخرون فخابوا.
فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون
وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه والمسيء مشغول بإساءته ، ثم
مضى.
قال أبو بكر محمد بن كيسان الأصم : قال
الحسن ذات يوم لأصحابه : إني أخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني ، وكان
عظيم ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه ، كان خارجا عن سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا
يجد ، ولا يكثر إذا وجد ، وكان خارجا عن سلطان فرجه ، فلا يستخف له عقله ولا رأيه
، وكان خارجا عن سلطان جهله فلا يمد يدا إلا على ثقة المنفعة ، ولا يخطو خطوة إلا
لحسنة ، وكان لا يسخط ولا يتبرم ، كان إذا جامع العلماء يكون على أن يسمع أحرص منه
على أن يتكلم ، وكان إذا غلب على الكلام لم يغلب على الصمت ، كان أكثر دهره صامتا
، فإذا قال يذر القائلين ، وكان لا يشارك في دعوى ، ولا يدخل في مراء ، ولا يدلى
بحجة ، حتى يرى قاضيا يقول ما لا يفعل ، ويفعل ما لا يقول ، تفضلا وتكرما ، كان لا
يغفل عن إخوانه ، ولا يستخص بشيء دونهم. كان لا يكرم أحدا فيما يقع العذر بمثله ، كان
إذا ابتدأه أمر ان لا يرى أيهما أقرب إلى الحق نظر فيما هو أقرب إلى هواه فخالفه.
رواه ابن عساكر والخطيب.
وقال أبو الفرج المعافى بن زكريا
الحريري : ثنا بدر بن الهيثم الحضرميّ ثنا علي بن المنذر الطريفي ثنا عثمان ابن
سعيد الدارميّ ثنا محمد بن عبد الله أبو رجاء ـ من أهل تستر ـ ثنا شعبة بن الحجاج
الواسطي عن أبي إسحاق الهمدانيّ عن الحارث الأعور أن عليا سأل ابنه ـ يعني الحسن ـ
عن أشياء من المروءة ،
فقال : يا بني ما السداد؟ قال : يا أبة
السداد دفع المنكر بالمعروف ،
قال : فما الشرف؟ قال : اصطناع العشيرة
وحمل الجريرة.
قال : فما المروءة؟ قال : العفاف وإصلاح
المرء ماله.
قال : فما الدنيئة؟ قال : النظر في
اليسير ومنع الحقير.
__________________
قال : فما اللوم؟ قال : احتراز المرء
نفسه وبذله عرسه.
قال : فما السماحة؟ قال : البذل في
العسر واليسر.
قال : فما الشح؟ قال : أن ترى ما في
يديك سرفا وما أنفقته تلفا.
قال : فما الإخاء؟ قال : الوفاء في
الشدة والرخاء.
قال : فما الجبن؟ قال : الجرأة على
الصديق والنكول عن العدو.
قال : فما الغنيمة؟ قال : الرغبة في
التقوى والزهادة في الدنيا.
قال : فما الحلم؟ قال : كظم الغيظ وملك
النفس.
قال : فما الغنى؟ قال : رضى النفس بما
قسم الله لها وإن قلّ ، فإنما الغنى غنى النفس.
قال : فما الفقر؟ قال : شره النفس في كل
شيء.
قال : فما المنعة؟ قال : شدة البأس
ومقارعة أشد الناس.
قال : فما الذل؟ قال : الفزع عند
المصدوقية.
قال : فما الجرأة؟ قال : موافقة
الأقران.
قال : فما الكلفة؟ قال : كلامك فيما لا
يعنيك.
قال : فما المجد؟ قال : أن تعطى في
الغرم وأن تعفو عن الجرم.
قال : فما العقل؟ قال : حفظ القلب كل ما
استرعيته.
قال : فما الخرق؟ قال : معاداتك إمامك
ورفعك عليه كلامك.
قال : فما الثناء؟ قال : إتيان الجميل
وترك القبيح.
قال : فما الحزم؟ قال : طول الأناة ، والرّفق
بالولاة ، والاحتراس من الناس بسوء الظن هو الحزم.
قال : فما الشرف؟ قال : موافقة الإخوان
، وحفظ الجيران.
قال : فما السفه؟ قال : اتباع الدناة ، ومصاحبة
الغواة.
قال : فما الغفلة؟ قال : تركك المسجد
وطاعتك المفسد.
قال : فما الحرمان؟ قال : تركك حظك وقد
عرض عليك.
قال ثم قال علي : يا بني سمعت رسول الله
صلىاللهعليهوسلم
يقول :
«لا فقر أشد من الجهل ، ولا مال أفضل من
العقل ، ولا وحدة أوحش من العجب ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ، ولا عقل كالتدبير
، ولا حسب كحسن الخلق ، ولا ورع كالكف ، ولا عبادة كالتفكر ، ولا إيمان كالحياء ، ورأس
الإيمان الصبر ، وآفة الحديث الكذب ، وآفة العلم النسيان ، وآفة الحلم السفه ، وآفة
العبادة الفترة ، وآفة الطرف الصلف ، وآفة الشجاعة البغي ، وآفة السماحة المن ، وآفة
الجمال الخيلاء ، وآفة الحب الفخر» ثم قال علي : يا بني لا تستخفن برجل تراه أبدا
، فان كان أكبر منك فعدّه أباك ، وإن كان مثلك فهو أخوك ، وإن كان أصغر منك فاحسب
أنه ابنك. فهذا ما سأل على ابنه عن أشياء من المروءة».
أقول
: ورواه المزي ثم قال بعده قال القاضي
أبو الفرج المعافى بن زكريا : في هذا الخبر من جوابات الحسن أباه عما سائله عنه من
الحكمة وجزيل الفائدة ما ينتفع به من راعاه وحفظه ورعاه ، وعمل به ، وأدب نفسه
بالعمل عليه وهذبها بالرجوع إليه ، وتتوفر فائدته بالوقوف عنده ، وفيما رواه في
أضعافه أمير المؤمنين ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم
مالا غنى لكل لبيب عليم ، ومدره حكيم عن حفظه وتأمله ، والمسعود من هدي لتقبله ، والمجدود
من وفق لامتثاله وتقبله.
قال المزي تابعه أبو عمر خشيش بن أصرم
البصري ، عن أحمد بن عبد الله الحبطي. أخبرنا به أبو الحسن ابن البخاري ، قال : أنبأنا
أبو سعد ابن الصفار ، قال : أخبرنا أبو عبد الله الفزاري ، قال : أخبرنا أبو عثمان
الصابوني ، قال : حدثنا الأستاذ أبو منصور محمد بن عبد الله بن حمشاذ ، قال : حدثنا
أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبيد الله الجرجاني ، قال : حدثنا أبو محمد عبد
الرحمن بن عبد المؤمن الجرجاني بجرجان ، قال : أحسب عليكم هذا الحديث بمئة حديث.
المبحث الثاني مراحل حياته عليهالسلام
ولد الحسن في ١٥ رمضان من السنة الثالثة
من الهجرة وتوفي في صفر أو ربيع الأول
__________________
سنة ٥٠ هـ ، وقيل سنة
٤٩ هـ وقيل سنة ٥١ هـ والأول اشهر وقد اخترناه في هذا البحث وبذلك يكون قد عاش ٤٧
سنة تقريبا تفصيلها كما يلي :
سبع سنوات مع النبي صلىاللهعليهوآله.
خمس وعشرون سنة عاش مع أبيه علي عليهالسلام في محنته مع الخلفاء
في المدينة.
خمس سنوات مع بيعة أبيه في حكمه.
سبعة شهور نم بيعته حاكما.
عشر سنوات في عهد صلحه (سنوات مرجعيته
الدينية المستقلة عن السلطة).
طفولته عليهالسلام مع النبي صلىاللهعليهوآله سبع سنوات :
ولد الحسن بن علي عليهماالسلام في المدينة ليلة
النصف من رمضان وكان يشبه النبي
صلىاللهعليهوآله
وسأل النبي علياً إن كان قد سماه فقال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله فقال صلىاللهعليهوآله : وما كنت لأسبق
ربّي باسمه ، فأوحى الله إليه : أنَّ علياً منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم
ابن هارون قال : وما اسم ابن هارون؟ قال : شُبَّر ، قال : لساني عربي ، قال : سمِّه
الحسن فسمّاه الحسن.
أخذه النبي صلىاللهعليهوآله من فور ولادته فأذن
في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى ثم عق عنه وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره فضة
فكان وزن درهما وشيئا وأمر فطلي راسه طيبا وسنت بذلك سنة العقيقة والتصدق بوزن
الشعر.
روى ابن عساكر عن شعبة ، قال : سمعت
بريد ابن أبي مريم يحدث عن أبي الحوراء قال : قلت للحسن بن علي : ما تذكر من رسول
الله صلىاللهعليهوسلم؟
قال : أذكر من رسول الله صلىاللهعليهوسلم
أني أخذت تمرة من تمر الصدقة فجعلتها في في قال : فنزعها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بلعابها فجعلها في
التمر ، فقيل : يا رسول الله ما كان عليك من هذه التمرة لهذا الصبي؟ قال : إنا آل
محمد لا تحل لنا الصدقة.
__________________
قال : وكان يقول : دع ما يريبك إلى ما
لا يريبك ، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة.
قال : وكان يعلمنا هذا الدعاء : اللهم
اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ،
وقني شر ما قضيت ، إنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت.
وروى الدولابي قال حدثنا أحمد بن يحيى
نا عبد الحميد بن صالح نا أبو شهاب عن مسعر عن أبي مصعب السلمي قال : حدثني ثلاثة
رجال منهم : الحسن بن علي : أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
كان يقول : «اللهم أقلني عثرتي واستر عورتي وآمن روعتي واكفني من بغى علي وانصرني ممن
ظلمني وأرني ثاري منه».
وروى أيضا حدثنا أبو جعفر ـ أحمد بن
يحيى الصوفي نا إسماعيل بن صبيح اليشكري نا صباح بن واقد الأنصاري عن سعد الإسكاف
عن عمير بن مأمون عن الحسن بن علي قال : سمعت جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
يقول : من صلى الفجر فجلس في مصلاه إلى طلوع الشمس ستره الله من النار.
وروى أبو نعيم قال : حدثنا محمد بن أحمد
بن الحسن ، حدثنا يوسف القاضي ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا مبارك بن فضالة
: حدثنا الحسن ، حدثني أبو بكرة قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم
يصلي بنا فيجئ الحسن ـ وهو ساجد ـ صبي صغير حتى يصير على ظهره ـ أو رقبته ـ فيرفعه
رفعا رفيقا فلما صلى صلاته قالوا : يا رسول الله إنك لتصنع بهذا الصبي شيئا لا
تصنعه بأحد؟! فقال : إن هذا ريحانتي وإن ابني هذا سيد وعسى الله أن يصلح به بين
فئتين من المسلمين.
__________________
وروى الحاكم في المستدرك : عن عبد الله
بن شداد بن الهاد ، عن أبيه قال : خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في إحدى صلاتي العشي
الظهر أو العصر وهو حامل أحد ابنيه الحسن أو الحسين فتقدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فوضعه عند قدمه
اليمنى فسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم
سجدة أطالها ، قال أبي : فرفعت رأسي من بين الناس فإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ساجد وإذا الغلام
راكب على ظهره فعدت فسجدت فلما انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال الناس : يا رسول الله لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها أفشيء أمرت به
أو كان يوحى إليك؟ قال : كل ذلك لم يكن إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي
حاجته.
وفي تهذيب الكمال : قد رأيت الحسن بن
علي يأتي النبي صلىاللهعليهوسلم
وهو ساجد فيركب ظهره فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل ، ويأتي وهو راكع فيفرج له
بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر.
روى ابن عساكر بسنده عن نصر بن علي أنا
علي بن جعفر بن محمد حدثني أخي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر عن أبيه محمد بن علي عن
علي بن الحسين عن أبيه عن جده أن النبي أخذ الحسن والحسين فقال من احبني واحب هذين
وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة. قال ابن عساكر : أخرجه الترمذي عن
نصر بن علي.
وروى أيضا بسنده عن سفيان عن زبيد عن
شهر بن حوشب عن أم سلمة أن النبي جلل عليا وحسنا وحسينا وفاطمة كساء ، ثم قال : اللهم
هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فقالت أم سلمة قلت
يا رسول الله أنا ، وأنا منهم؟ قال انك إلي خير.
وروى عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن أم
سلمة قالت نزلت هذه الآية في بيتي (إِنَّمَا يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرًا)
الأحزاب / ٣٣
__________________
قلت : يا رسول الله
الست من أهل البيت؟ قال انك إلى خير ، انك من أزواج رسول الله ، قالت : وأهل البيت
رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين.
وروى عن سالم بن أبي الجعد عن قيس بن
أبي حازم عن حذيفة بن اليمان قال : بت عند رسول الله ليلة فرأيت شخصا فقال لي
النبي هي رأيت قلت نعم ، قال فإن ملكا هبط عليَّ من السماء لم يهبك عليَّ إلا
ليلتي هذه فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. قال الراوي وحدثونا به
انه قال وأبوهما خير منهما.
وروى عن أبي إسحاق عن زيد بن ارقم قال أني
لعند رسول الله إذ مرَّ علي وفاطمة والحسن والحسين.
فقال رسول الله : أنا حربٌ لمن حاربهم
وسلمٌ لمن سالمهم.
وروى عن عبد الرحمن بن أبي ذئاب حدثني
عبد الله بن الحارث بن نوفل حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله دخل على ابنته
فاطمة وابناها إلى جانبها وعلي نائم فاستسقى الحسن فأتى رسول الله ناقة لهم تحلب
فحلب منها ثم جاء به فنازعه الحسين أن يشرب قبله حتى بكى فقال يشرب أخوك ثم تشرب
فقالت فاطمة كأنه آثر عندك منه؟
قال : ما هو بآثر عندي منه وانهما عندي
بمزلة واحدة ، وانك وهما وهذا المضطجع معي في مكان واحد يوم القيامة.
احداث سنوات محنة
أبيه عليهالسلام مع الخلفاء (خمس
وعشرون سنة) :
قال في ينابيع المودة أخرج الدارقطني : إن
الحسن جاء لابي بكر رضياللهعنهما
وهو على المنبر ، فقال : انزل عن مجلس أبي وفي رواية عن منبر أبي. فقال : صدقت ، والله
إنه لمجلس أبيك. ثم أخذه وأجلسه في حجره وبكى. فقال علي رضياللهعنه : أما والله ما كان
عن رأيي. فقال : صدقت ، والله ما اتهمتك.
__________________
انسحبت ظلامة أبيه فلم يرع الخلفاء حقه
وحق أبيه ، وتبنوا تقديم عبد الله بن عباس في المجتمع.
اما الرواية التي تقول انه عليهالسلام كان في جيش الفتوح
زمن عثمان فهي موضوعة.
احداث سنوات حكم أبيه
عليهالسلام خمس سنوات :
حضر الجمل وصفين والنهروان. ولم يسمح
علي عليهالسلام
له ولا لأخيه الحسين ان يشتركا في القتال واثر عنه كلامه فيهما في يوم صفين : أملكوا
عني هذين الفقيين ، أخاف أن ينقطع بهما نسل رسول الله صلىاللهعليهوآله.
عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : أقبلنا مع
الحسن وعمّار بن ياسر من ذي قار
حتى نزلنا القادسيّة ، فنزل الحسن وعمّار ونزلنا معهما ، فاحتبى
عمّار بحمائل سيفه ، ثمّ جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة وعن حالهم ... قال : فلمّا
دخل الحسن وعمّار الكوفة اجتمع إليهما الناس ، فقام الحسن فاستنفر الناس ، فحمد
الله وصلّى على رسوله ، ثمّ قال : أيّها الناس! إنّا جئنا ندعوكم إلى الله ، وإلى
كتابه ، وسنّة رسوله ، وإلى أفقه من تفقّه من المسلمين ، وأعدل من تُعدّلون ، وأفضل
من تُفضّلون ، وأوفى مَن تُبايعون ، من لم يعِبْه القرآن ، ولم تُجَهِّلْه السنّة
، ولم تقعد به السابقة. إلى من قرّبه الله تعالى إلى
__________________
رسوله قرابتين : قرابة
الدين ، وقرابة الرحم. إلى من سبق الناس إلى كلّ مأثره. إلى من كفى الله به رسوله
والناس متخاذلون ، فقرب منه وهم متباعدون ، وصلّى معه وهم مشركون ، وقاتل معه وهم
منهزمون ، وبارز معه وهم مُحجِمون ، وصدّقه وهم يُكذّبون. إلى من لم تُردّ له
رواية ولا تُكافأ له سابقة ، وهو يسألكم النصر ، ويدعوكم إلى الحقّ ، ويأمركم
بالمسير إليه لتوازروه وتنصروه على قوم نكثوا بيعته ، وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه
، ومثّلوا بعمّاله ، وانتهبوا بيت ماله ، فاشخصوا إليه رحمكم الله ، فمُروا بالمعروف
، وانهَوا عن المنكر ، واحضروا بما يحضر به الصالحون.
قال أبو مخنف : حدثني جابر بن يزيد ، قال
: حدثني تميم بن حذيم الناجي ، قال : قدم علينا الحسن بن علي عليهالسلام وعمار بن ياسر ، يستنفران
الناس إلى علي عليهالسلام
، ومعهما كتابه ، فلما فرغا من قراءة كتابه ، قام الحسن ـ وهو فتى حدث ، والله اني
لأرثي له من حداثة سنه وصعوبة مقامه ـ فرماه الناس بأبصارهم وهم يقولون اللهم سدد
منطق ابن بنت نبينا فوضع يده على عمود يتساند إليه ، وكان عليلا من شكوى به ، فقال
: الحمد لله العزيز الجبار ، الواحد القهار ، الكبير المتعال ، (سواء منكم من أسر
القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار). أحمده على حسن البلاء ، وتظاهر
النعماء ، وعلى ما أحببنا وكرهنا من شدة ورخاء. واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أمتن علينا بنبوته ، واختصه برسالته ، وأنزل
عليه وحيه ، واصطفاه على جميع خلقه ، وأرسله إلى الإنس والجن ، حين عبدت الأوثان
وأطيع الشيطان ، وجحد الرحمن ، فصلى الله عليه وعلى آله وجزاه أفضل ما جزى
المسلمين.
أما بعد فإني لا أقول لكم إلا ما تعرفون
، إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ أرشد الله أمره ، وأعز نصره ـ بعثني إليكم
يدعوكم إلى الصواب ، وإلى العمل بالكتاب ، والجهاد في سبيل الله ، وإن كان في عاجل
ذلك ما تكرهون ، فإن في آجله ما تحبون إن شاء الله. ولقد علمتم أن عليا صلى مع
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وحده ، وأنه
__________________
يوم صدق به لفي عاشرة
من سنه ، ثم شهشد مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
جميع مشاهده. وكان من اجتهاده في مرضاة الله وطاعة رسوله وآثاره الحسنة في الإسلام
ما قد بلغكم ، ولم يزل رسول الله صلىاللهعليهوآله
راضيا عنه ، حتى غمضه بيده وغسله وحده ، والملائكة أعوانه ، والفضل ابن عمه ينقل
إليه الماء ، ثم أدخله حفرته ، وأوصاه وحده ، والملائكة أعوانه ، والفضل ابن عمه
ينقل إليه الماء ، ثم أدخله حفرته ، وأوصاه بقضاء دينه وعداته ، وغير ذلك من أموره
، كل ذلك مِنْ مَنِّ الله عليه. ثم والله ما دعا إلى نفسه ، ولقد تداك الناس عليه
تداك الإبل الهيم عند ورودها ، فبايعوه طائعين ، ثم نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه
، ولا خلاف أتاه حسدا له وبغيا عليه. فعليكم عباد الله بتقوى الله وطاعته ، والجد
والصبر والاستعانة بالله والخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين. عصمنا الله
وإياكم بما عصم به أولياءه وأهل طاعته ، وألهمنا وإياكم تقواه ، وأعاننا وإياكم
على جهاد أعدائه. واستغفر الله العظيم لي ولكم. ثم مضى إلى الرحبة ، فهيا منزلا
لابيه أمير المؤمنين. قال جابر : فقلت لتميم كيف أطاق هذا الغلام ما قد قصصته من
كلامه فقال ولما سقط عني من قوله أكثر ، ولقد حفظت بعض ما سمعت.
قال أبو مخنف في كتاب وقعة الجمل : وقال
عمرو بن أحيحة يوم الجمل في خطبة الحسن بن علي عليهالسلام
بعد خطبة عبد الله ابن الزبير :
حسن الخير يا شبيه أبيه
|
|
قمت فينا مقام خير خطيب
|
قمت بالخطبة التي صدع الله بها
|
|
عن أبيك أهل العيوب
|
وكشفت القناع فاتضح الأمر
|
|
وأصلحت فاسدات القلوب
|
لست كابن الزبير لجلج في القول
|
|
وطاطا عنان فسل مريب
|
وأبى الله أن يقوم بما قام به
|
|
ابن الوصي وابن النجيب
|
إن شخصا بين النبي ـ لك الخير
|
|
وبين الوصي غير مشوب
|
بيعته وحكومته عليهالسلام سبعة اشهر :
بويع الحسن عليهالسلام على الحكم الإسلامي
بعد وفاة ابيه عليهالسلام
في الحادي والعشرين من
__________________
شهر رمضان سنة ٤٠
هجرية.
قال الدولابي أخبرني أبو القاسم كهمس بن
معمر : أن أبا محمد إسماعيل بن محمد بن إسحاقبن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن
علي بن أبي طالب حدثهم : حدثني عمي علي بن جعفر بن محمد بن حسين بن زيد عن الحسن
بن زيد بن حسن بن علي عن أبيه قال : خطب الحسن بن علي الناس حين قتل علي فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال :
لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه
الأولون ولا يدركه الآخرون وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
يعطيه رايته ويقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله عليه
وما ترك على ظهر الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن
يبتاع بها خادما لأهله.
ثم قال : أيها الناس من عرفني فقد عرفني
ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي وأنا ابن الوصي وأنا ابن البشير وأنا ابن النذير
وأنا ابن الداعي إلى الله والسراج المنير وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل
فينا ويصعد من عندنا وأنا من أهل البيت الذين «أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا».
وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال لنبيه : «قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا».
فاقتراف الحسنة : مودتنا أهل البيت.
وقال حدثنا أحمد بن يحيى الأودي نا
إسماعيل بن أبان الوراق نا عمرو عن جابر عن أبي الطفيل وزيد بن وهب وعبد الله بن
نجي وعاصم بن ضمرة عن الحسن بن علي قال : لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه أحد
كان قبله ولم يخلف بعده مثله وهو علي بن أبي طالب حبيب رسول الله وأخوه.
وقال أخبرني أحمد بن شعيب أخبرني إسحاق
بن إبراهيم أنا النضر بن شميل نا يونس بن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم قال : خرج
إلينا الحسن بن علي وعليه عمامة سوداء فقال : لقد كان فيكم بالأمس رجل ما سبقه
الأولون ولا يدركه الآخرون وان
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يقاتل جبريل عن
يمينه وميكائيل عن يساره ولا يرد رأسه حتى يفتح الله عليه.
أقول
: صالح معاوية في الخامس عشر من شهر
جمادي الأولى سنة ٤١ هجرية. فكانت مدة حكمه المباشر سبعة اشهر وأربعة وعشرين يوما.
وإذا أضفنا إليها عشر سنوات بعد ذلك حيث كان المؤسس لإطارها العام من الأمان
والحرية الفكرية والحكم بالدستور الكتاب والسنة تكون مدة تأثيره الإيجابي الفاعل
في الساحة الإسلامية والسياسية مدة عشر سنوات وسبعة اشهر وأربعة وعشرين يما. ويكون
وفاته ونقض معاوية للعهد الذي أعطاه للحسن من الأمان والعمل بكتاب الله وسنة نبيه
هو بداية حكم بني أمية الذي استمر مدة ألف شهر تقريبا ، وتساوي ثلاثة وثمانين سنة
، بينما إذا حسبناها من سنة ٤١ للهجرة تكون مدة حكم بني أمية ثلاثة وتسعين سنة أي
ألف ومائة وعشرين شهرا تقريبا.
أولاده عليهالسلام وأمهاتهم :
أولاد الحسن بن علي عليهماالسلام خمسة عشر ولدا ذكرا
وأنثى :
الحسين بن الحسن الملقب بالاثرم وأخوه
طلحة بن الحسن وأختهما فاطمة بنت الحسن ، أمهم أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله
التميمي.
زيد بن الحسن وأختاه أم الحسن وأم
الحسين أمهم أم بشير بنت أبي مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجية.
والحسن بن الحسن أمه خولة بنت منظور
الفزارية.
وعمرو بن الحسن وأخواه القاسم وعبد الله
ابنا الحسن أمهم أم ولد.
وعبد الرحمن بن الحسن أمه أم ولد.
وأم عبد الله وفاطمة وأم سلمة ورقية
بنات الحسن عليهالسلام
لأمهات شتى.
__________________
أوصافه عليهالسلام :
قال الدولابي سمعت أبا عبد الله جعفر بن
علي بن إبراهيم بن صالح بن علي بن عبد الله بن ... يقول : سمعت أحمد بن محمد بن
أيوب المغيري يقول : كان الحسن بن علي بن أبي طالب أبيضا مشرب حمرة أدعج العينين
سهل الخدين دقيق المسربة كث اللحية ذا وفرة وكأن عنقه إبريق فضة عظيم الكراديس
بعيد ما بين المنكبين ربعة ـ ليس بالوطيل ولا القصير ـ مليحا من أحسن الناس وجها
وكان يخضب بالسواد وكان جعد الشعر حسن البدن.
قال الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله
الحضرمي ثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا يزيد بن هارون عن إسماعيل بن أبي خالد
قال قلت لأبي جحيفة رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم
قال نعم وأشبه الناس به الحسن بن علي رضياللهعنهم.
وفاته عليهالسلام :
قال المدائني : سقي الحسن السم اربع
مرات.
قال الامام الصادق عليهالسلام : ان الأشعث بن قيس
شرك في دم أمير المؤمنين عليهالسلام
وابنته جعدة سمت الحسن وابنه محمد شرك في دم الحسين.
عن حنبل بن إسحاق قال سمعت عبيد الله بن
محمد بن عائشة قال مات الحسن بن علي سنة إحدى وخمسين ويقال سنة خمسين. وعن أبي
قتيبة من ولد أبي بكرة قال اخبر أبو بكرة بموت الحسن بن علي فاسترجع وماتا في سنة
إحدى وخمسين. عن شعبة عن أبي بكر بن حفص قال توفي الحسن بن علي بعدما مضى من إمارة
معاوية عشر سنين.
أقول
: وسيأتي في الفصل الآتي تحقيق عن وفاته عليهالسلام بالسم.
__________________
مدفنه عليهالسلام :
روى سبط بن الجوزي بسنده إلى ابن سعد عن
الواقدي لما احتضر الحسن قال : ادفنوني عند أبي يعني رسول الله صلىاللهعليهوآله ... فقامت بنو أمية
ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص وكان واليا على المدينة فمنعوه!! قال ابن سعد
ومنهم عائشة وقالت : لا يدفن مع رسول الله احد.
وروى ابو الفرج الاصفهاني : ان عائشة
ركبت على بغل واستعونت بني أمية ومروان ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو قول
القائل : فيوما على بغل ويوما على جمل. وروا المسعودي ان القاسم بن محمد بن أبي
بكر قال لعائشة : يا عمة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر أتريدين ان يقال يوم
البغلة الشهباء؟ فرجعت.
ومضوا بالحسن فدفنوه بالبقيع عند جدته
فاطمة بنت اسد بن هاشم.
قال الواقدي : عن ثعلبة بن أبي مالك : شهدت
الحسن يوم مات ودفن بالبقيع فلقد رأيت البقيع ولو طرحت فيه إبرة ما وقعت إلى على
راس إنسان.
وروى ابن عساكر أيضا قال : بكى على
الحسن بن علي بمكة والمدينة سبعا النساء والصبيان والرجال.
وفي الطبقات الكبرى : عن أبي جعفر قال :
مكث الناس يبكون على حسن بن علي سبعاما تقوم الأسواق.
روى ابن عساكر عن جهم بن أبي جهم قال : لما
مات الحسن بن علي بعثت بنو هاشم إلى العوالي صائحا يصيح في كل قرية من قرى الأنصار
بموت حسن فنزل أهل العوالي ولم يتخلف أحد عنه.
__________________
وروى ابن كثير قال قال محمد بن عمر
الواقدي : حدثني عبد الله بن جعفر عن أم بكر بنت المسور. قالت : الحسن سقى مرارا
كل ذلك يفلت منه ، حتى كانت المرة الآخرة التي مات فيها فإنه كان يختلف كبده ، فلما
مات أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهرا. قال حدثتنا عبدة بنت نائل عن عائشة قالت
: حد نساء بني هاشم على الحسن بن علي سنة.
__________________
الباب
الثاني / الفصل الرابع
السنوات
العشر بعد وفاة الحسن عليهالسلام
(الغدر المبين لمعاوية)
موت الحسن عليهالسلام
بالسم قضية سياسية وليست شخصية
لم يكن العمر الذي مات فيه الحسن عليهالسلام عمر موت لأمثاله ، ولم
يكن الموت موتا طبيعيا بل كان موتا بالسم بعد عدة محاولات لم تكن مميتة
، وقد عُرِف امرُه عند كل أهل المدينة وعنها انتشر إلى بقية الأمصار.
وليس لاحد ان يفسر ذلك بعداوة شخصية بين
الحسن وبين احد من الناس استغل علاقة خاصة مع خادم أو زوجة من زوجاته لخلقه الكريم
حتى مع أعدائه ، بل لا مفر من القول انه كان بعداوة سياسية وقدرة على الاغراء لا
تملكها الا دولة ، والمفروض ان الحسن بعد تنازله عن الملك لمعاوية ان لا يكون
معاوية هو العدو السياسي الذي يحاول
__________________
اغتياله لأنه كان قد
بوأه الحسن ملكا لا يحلم به وقيده بشروط يتحول بها الحكم المدني إلى خدمة حقيقية
للامة وتهيئ لمعاوية فرصة المراجعة الحقيقية لمسيرته إلى الله لو أراد تصحيحها ، فإلى
من تتجه الانظار في التهمة إذن إذا نفيناها عن معاوية
كما نفاها المستشرق لامنس عنه ومن قبله ابن كثير والذهبي وابن خلدون؟.
أقول
: في مثل قضية وفاة غير طبيعية استغرقت
أربعين يوما
لرجل كالإمام الحسن بلغ من الشرف ما لم يبلغه احد بعد النبي كما قال المؤرخ الأقدم
ابن إسحاق ، وايدت الوقائع التاريخية قوله فيه وفي عمر ليس هو عمر الموت ، وبكون
هذه الشخصية
__________________
هي التي سوف تلي
الحكم بعد موت معاوية بموجب معاهدة تمت بينهما لحل مشكلات كانت قد استعصى حلها ، وكان
الحسن صاحب الفضل فيها بلا منازع.
اصابع الاتهام تتجه
الى معاوية :
في مثل قضية كهذه حين يتجه الاتهام إلى
معاوية ويثبته خصماؤه وينفيه محبوه وأولياءه لابد لنا من تحقيق ، وببساطة متناهية
يثير التحقيق أربعة أسئلة يثبت الجواب عنها التهمة على معاوية أن ينفيها وهي :
الأول : هل سجلت على معاوية سابقا
ولاحقا سلوكات من هذا القبيل مع خصومه الذين يخشى منهم؟
الثاني : ما هو موقف معاوية بصفته راس
الدولة التي كان الحسن وراء ما تمتع به من حرية وأمان ازاء أعداءها من الداخل وعزة
وقوة ازاء أعداءها من الخارج وبصفة الحسن يمثل الحاكم الذي سيلي الأمور بعد الحس
نفهل كان حزينا أم كان مسرورا.
الثالث : ما هو ظرف الدفن وما هي طبيعة
وحجم مشاركة الدولة فيه؟
الرابع : وهو اهم الأسئلة على الإطلاق
هل استمرت سياسة الدولة التي تمثلت بتطبيق شروط تم الاتفاق عليها بعد وفاة الحسن
أم أخذت وجهة أخرى؟.
السؤال الأول : هل
لمعاوية ممارسة مماثلة سابقة ولاحقة مع خصومه؟
فيجبنا التاريخ أيضا بالإيجاب.
فقد دس السم لمالك الاشتر لما بعثه عليه
إلى مصر واليا ، ودس السم إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد لما عرف ان الناس
يميلون إليه دون ولده يزيد ودس السم لسعد بن أبي وقاص لما عرف عنه ان لا يقبل بلعن
علي عليهالسلام.
قصة موت مالك الاشتر
رضوان الله عليه :
روى الطبري عن يزيد بن ظبيان الهمداني
قال : وأتت معاوية عيونه فأخبروه بولاية لأشتر على مصر فعظم عليه وقد كان طمع في
مصر فعلم أن الأشتر إن قدمها
كان أشد عليه من محمد
ابن أبي بكر فبعث معاوية إلى الجايستار رجل من أهل الخراج فقال له ان الأشتر قد
ولى مصر فان أنت كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت فاحتل له بما قدرت عليه فخرج
الجايستار حتى أتى القلزم وأقام به وخرج الأشتر من العراق إلى مصر فلما انتهى إلى
القلزم استقبله الجايستار فقال هذا منزل وهذا طعام وعلف وأنا رجل من أهل الخراج
فنزل به الأشتر فأتاه الدهقان بعلف وطعام حتى إذا طعم أتاه بشربة من عسل قد جعل
فيها سما فسقاه إياه فلما شربها مات وأقبل معاوية يقول لأهل الشام ان عليا وجه
الأشتر وأقبل الذي سقاه إلى معاوية فأخبره بمهلك الأشتر فقام معاوية في الناس
خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال أما بعد فإنه كانت لعلي ابن أبي طالب يدان يمينان
قطعت إحداهما يوم صفين يعني عمار بن ياسر وقطعت الأخرى اليوم يعني الأشتر.
وفي رواية البلاذري قال : وأتت معاوية
عيونُه بشخوص الأشتر واليا على مصر ، فبعث إلى رأس أهل الخراج بالقلزم فقال له : إن
الأشتر قادم عليك ، فإن أنت لطفت لكفايتي إياه لم آخذ منك خراجا ما بقيت. فأتاه
بشربة منه قد جعل فيها سمّا ، فلما شربها قتلته من يومه أو من غده. وبلغت معاوية
وفاته فقال : كانت لعلي يدان ـ يعني قيس بن سعد (بن عبادة) والأشتر ـ فقد قطعت
إحداهما وجعل يقول : إن لله لجندا من عسل.
__________________
وقال ابن عبد البر (١٤٠٢) في ترجمة عبد
الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي ، أدرك النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ولم يحفظ عنه ، ولا
سمع عنه ، وأبوه خالد بن الوليد من كبار الصحابة وجلَّتهم ، وكان عبد الرحمن من
فرسان قريش وشجعانهم ، وكان له فضل وهدى حسن وكرم ، إلا أنه كان منحرفا عن عليّ
وبني هاشم مخالفة لأخيه المهاجر بن خالد ، وكان أخوه المهاجر محبا لعلي ، وشهد معه
الجمل وصفّين ، وشهد عبد الرحمن صفّين مع معاوية
، ثم إنه قد كبرت سنّي ، وقرب أجلي ، وقد أردت أن أعقد لرجل يكون نظاما لكم ، وإنما
أنا رجل منكم فأروا رأيكم ، فأصفقوا واجتمعوا ، وقالوا : رضينا عبد الرحمن بن خالد
، فشقّ ذلك على معاوية ، وأسرّها في نفسه. ثم إن عبد الرحمن مرض فأمر معاوية طبيبا
عنده يهوديا ـ وكان عنده مكينا ـ أن يأتيه فيسقيه سقية يقتله بها ، فأتاه فسقاه
فانحرق بطنه ، فمات ، ثم دخل أخوه المهاجر بن خالد دمشق مستخفيا هو وغلام له ، فرصدا
ذلك اليهوديّ ، فخرج ليلا من عند معاوية ، فهجم عليه ومعه قوم هربوا عنه ، فقتله
المهاجر ، وقصّته هذه مشهورة عند أهل السير والعلم بالآثار والأخبار اختصرناها ، ذكرها
عمر بن شبّة في أخبار المدينة وذكرها غيره.
__________________
قصة موت عبد الرحمن
بن خالد بن الوليد :
روى الطبري في حوادث سنة ٤٦ قال : حدثني
عمر قال : حدثني علي عن مسلمة ابن محارب : أن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد كان قد
عظم شأنه بالشام ومال إليه أهلها لما كان عندهم من آثار أبيه خالد بن الوليد
ولغنائه عن المسلمين في أرض الروم وبأسه ، حتى خافه معاوية وخشي على نفسه منه لميل
الناس إليه ، فأمر ابن أثال أن يحتال في قتله ، وضمن له إن هو فعل ذلك أن يضع عنه
خراجه ما عاش وأن يوليه جباية خراج حمص ، فلما قدم عبد الرحمن بن خالد حمص منصرفا
من بلاد الروم دس إليه ابن أثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه ، فشربها فمات بحمص ، فوفى
له معاوية بما ضمن له وولاه خراج حمص ووضع عنه خراجه.
قال : وقدم خالد بن عبد الرحمن بن خالد
بن الوليد المدينة ، فجلس يوما إلى عروة بن الزبير ، فسلم عليه ، فقال له عروة : من
أنت قال : أنا خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، فقال له عروة : ما فعل ابن
أثال؟
فقام خالد من عنده وشخص متوجها إلى حمص
، ثم رصد بها ابن أثالث فرآه يوما راكبا ، فاعترض له خالد بن عبد الرحمن ، فضربه
بالسيف فقتله ، فرفع إلى معاوية ، فحبسه أياما وأغرمه ديته ولم يقده منه.
ورجع خالد إلى المدينة ، فلما رجع إليها
أتى عروة فسلم عليه ، فقال له عروة : ما فعل ابن أثال ، فقال : قد كفيتك ابن أثالث
ولكن ما فعل ابن جرموز؟ فسكت عروة.
قصة وفاة سعد بن أبي
وقاص :
روى البلاذري أيضا قال حجثنا عبد الله
بن أبي شيبة ، ثنا يحيى بن أبي بكر ، عن شعبة ، عن أبي بكر بن حفص قال : توفى سعد
بن أبي وقاص ، والحسن بن علي بعد ما مضت من إمرة معاوية عشر سنين ، وكانوا يرون
أنه سمهما.
__________________
السؤال الثاني : ما
هو موقف معاوية من خبر موت الحسن عليهالسلام
:
روى الجاحظ ان معاوية لم يظهر حزنا.
أقول
: بل اعترض على المقدام حين اعتبر موت
الحسن مصيبة كما في الرواية التالية :
روى أبو داود في سننه قال حدثنا عمرو بن
عثمان بن سعيد الحمصي ثنا بقية ، عن بحير ، عن خالد ، قال : وفد المقدام بن معد
يكرب وعمرو بن الأسود ورجل من بني أسد من أهل قنسرين إلى معاوية بن أبي سفيان ، فقال
معاوية للمقدام : أعلمت أن الحسن بن علي توفى؟ فرجع المقدام ، فقال له رجل : أتراها
مصيبة؟ قال له : ولم لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حجره فقال : (هذا
مني وحسين من علي)؟!
فقال الأسدي : جمرة أطفأها الله عز وجل
،
قال : فقال المقدام : أما أنا فلا أبرح
اليوم حتى أغيظك وأسمعك ما تكره ، ثم قال : يا معاوية ، إن أنا صدقت فصدقني ، وإن
أنا كذبت فكذبني ، قال : أفعل ،
قال : فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
نهى عن لبس الذهب؟ قال : نعم ، قال : فأنشدك بالله هل سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينهى عن لبس الحرير؟
قال : نعم ، قال : فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نهى عن لبس جلود
السباع والركوب عليها؟ قال : نعم ،
قال : فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك
يا معاوية
،
__________________
قال الذهبي : إسناده قوي. ومعاوية من
خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم ، وما هو ببرئ من الهنات ، والله يعفو عنه.
قال العظيم ابادي فيشرح الحديث :
و (المقدام بن معد يكرب) هو ابن عمرو
الكندي الصحابي المشهور نزل الشام (وعمرو بن الأسود) العنسي حمصي مخضرم ثقة عابد (ورجل
من بني أسد من أهل قنسرين) بكسر القاف وفتح النون المشددة وكسر الراء المهملة كورة
بالشام (إلى معاوية بن أبي سفيان) حين إمارته ... وكان وفاة الحسن رضياللهعنه مسموما سمته زوجته
جعدة بإشارة يزيد بن معاوية سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين أو بعدها ،
قوله (فرجع) من الترجيع أي قال إنا لله
وإنا إليه راجعون.
قوله (فقال له فلان) وفي بعض النسخ وقع
رجل مكان فلان ، والمراد بفلان هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه ، والمؤلف
لم يصرح باسمه وهذا دأبه في مثل ذلك. وقد أخرج أحمد في مسنده من طريق حياة بن شريح
حدثنا بقية حياتنا بحير بن سعد عن خالد بن معدان قال وفد المقدام بن معد يكرب وفيه
فقال له معاوية أيراها مصيبة الحديث.
قوله : (أتعدها) وفي بعض النسخ أتراها
أي أتعد يا أيها المقدام حادثة موت الحسن رضي الله تعالى عنه مصيبة ، والعجب كل
العجب من معاوية فإنه ما عرف قدر أهل البيت حتى قال ما قال ، فإن موت مثل الحسن بن
علي رضياللهعنه
من أعظم المصائب وجزى الله المقدام ورضي عنه فإنه ما سكت عن تكلم الحق حتى أظهره ،
وهكذا شأن المؤمن الكامل المخلص.
قوله (فقال) أي المقدام.
__________________
قوله (له) : أي لذلك الفلان وهو معاوية رضياللهعنه.
قوله : (وقد وضعه) أي الحسن رضياللهعنه والواو للحال
ثوله : (فقال هذا) أي الحسن
قوله (مني وحسين من علي) أي الحسن
يشبهني والحسين يشبه عليا ، وكان الغالب على الحسن الحلم والأناة كالنبي صلىاللهعليهوسلم وعلى الحسين الشدة
كعلي. قاله في شرح الجامع الصغير.
قوله (فقال الأسدي) أي طلبا لرضاء
معاوية وتقربا إليه.
قوله (جمرة) قال في المصباح جمرة النار
القطعة الملتهبة. وفي القاموس النار المتقدة.
قوله (أطفأها الله) أي خمد الله تعالى
تلك الجمرة وأماتها فلم يبق منها شيء ، ومعنى قوله والعياذ بالله أن حياة الحسن رضياللهعنه كانت فتنة فلما
توفاه الله تعالى سكنت الفتنة ، فاستعار من الجمرة بحياة الحسن ومن إطفائها بموته رضياللهعنه ، وإنما قال الأسدي
ذلك القول الشديد السخيف لأن معاوية رضياللهعنه
كان يخاف على نفسه من زوال الخلافة عنه وخروج الحسن رضياللهعنه
عليه.
أقول
: وروى الزمخشري انه سجد هو ومن حوله
شكراً.
ويرى أيضا انه لما بلغ موته سمع تكبير
من الخضراء فكبر أهل الشام لذلك التكبير. فقالت فاختة بنت قرط لمعاوية : أقر الله
عينك يا أمير المؤمنين ما الذي كبرت له قال : مات الحسن قالت : أعلى موت ابن فاطمة
تكبر قال : والله ما كبرت شماتة لموته ولكن استراح قلبي وصفت لي الخلافة.
وفي خبر آخر دخل غلام معاوية ، فقال : يا
أمير المؤمنين بشراي ، قال : وما
__________________
ذلك ، قال : في هذه
الصحيفة ما تحب. قال : لك بشراك ، فدفعها إليه ، ولما قرأها خر ساجدا ، ثم رفع
رأسه ، (قال الراوي) فعرفنا السرور في وجهه ، فنعى الحسن بن علي.
السؤال الثالث : ما
هو ظرف دفن الامام الحسن عليهالسلام
وما هي طبيعة وحجم مشاركة الدولة فيه؟
والجواب هو : ان مصادر التاريخ قد ذكرت
بوضوح ان الدولة ليس فقط لم تشارك العزاء بشكل فعال وهو طبيعي لموقف رئيسها ، وزادت
عليه ان تصدى رهطه وهم بنو أمية بقيادة مروان لمنع بني هاشم من دفن الحسن عند جوار
جده النبي وفي غرفة امه الصديقة.
ففي طبقات ابن سعد قال أخبرنا محمد بن
عمر ، قال : حدثنا عبيد الله بن مرداس ، عن أبيه ، عن الحسن بن محمد بن الحنفية ، قال
: لما مرض حسن بن علي مرض أربعين ليلة ، فلما استعز به وقد حضرت بنو هاشم فكانوا
لا يفارقونه يبيتون عنده بالليل ، فلما استعز به بعث مروان بن الحكم رسولا إلى
معاوية يخبره بثقل الحسن بن علي ، وكان حسن رجلا قد سقي وكان مبطونا إنما كان
يختلف أمعاءه. فلما حضر وكان عنده إخوته عهد أن يدفن مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إن أستطيع ذلك ، فإن
حيل بينه وبينه وخيف أن يهراق فيه محجم من دم دفن مع أمه
بالبقيع. وجعل الحسن يوعز إلى الحسين : يا أخي إياك أن تسفك الدماء فيَّ فإن الناس
سراع إلى الفتنة.
فلما توفي الحسن ارتجت المدينة صياحا
فلا يلقى أحد إلا باكيا ، فانتهى حسين بن علي إلى قبر النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : احفروا
هاهنا ، فنكب عنه سعيد
__________________
بن العاص وهو الأمير
فاعتزل ولم يحل بينه وبينه ، وصاح مروان في بني أمية ولفها وتلبسوا السلاح ، وقال
مروان : لا كان هذا أبدا ، فقال له حسين : [يا بن الزرقاء] ما لك ولهذا ، أوال أنت؟!
قال : لا كان هذا ولا خلص إليه وأنا حي ، فصاح حسين بحلف الفضول ، فاجتمعت هاشم
وتيم وزهرة وأسد وبنو جعونة
بن شعوب من بني ليث قد تلبسوا السلاح ،
وعقد مروان لواء ، وعقد حسين بن علي
لواء ،
فقال الهاشميون : يدفن مع النبي صلىاللهعليهوآله حتى كانت بينهم
المراماة بالنبل ، وابن جعونة بن شعوب
يومئذ شاهر سيفه ، فقام في ذلك رجال من قريش ، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
والمسور بن مخرمة بن نوفل ، وجعل عبد الله بن جعفر يلح على حسين وهو يقول : يا بن
عم ألا تسمع إلى عهد أخيك ، إن خفت أن يهراق في محجم من دم فادفني بالبقيع مع أمي
، أذكرك الله أن تسفك الدماء ، وحسين يأبى دفنه إلا مع النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو يقول : ويعرض
مروان لي؟! ما له ولهذا؟!
قال : فقال المسور بن مخرمة : يا أبا
عبد الله اسمع مني ، قد دعوتنا بحلف الفضول فأجبناك ، تعلم أني سمعت أخاك يقول قبل
أن يموت بيوم : يا بن مخرمة ، إني قد عهدت إلى أخي أن يدفنني مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إن وجد إلى ذلك
سبيلا ، فإن خاف أن يهراق في ذلك محجم من دم فليدفني مع أمي بالبقيع ، وتعلم أني
أذكرك الله في هذه الدماء ، ألا ترى ما هاهنا من السلاح والرجال والناس سراع إلى
الفتنة.
قال : وجعل الحسين يأبى ، وجعلت بنو
هاشم والحلفاء يلغطون ويقولون : لا يدفن أبدا إلا مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم.
قال ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر ، قال
: حدثني محرز بن جعفر ، عن أبيه ،
__________________
قال : سمعت أبا هريرة
يقول يوم دفن الحسن بن علي : قاتل الله مروان ، قال : والله ما كنت لأدع ابن أبي
تراب يدفن مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم
ـ وقد دفن عثمان بالبقيع! فقلت : يا مروان اتق الله ولا تقل لعلي إلا خيرا.
قال ابن عساكر وروى الزبير (ابن بكار) قال
وحدثني محمد بن الضحاك الحرامي قال لما بلغ مروان بن الحكم انهم قد اجمعوا أن
يدفنوا الحسن بن علي مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم
جاء إلى سعيد بن العاص وهو عامل المدينة فذكر ذلك له فقال ما أنت صانع في أمرهم
فقال لست منهم في شيء ولست حائلا بينهم وبين ذلك قال فخلني وإياهم فقال أنت وذاك
فجمع لهم مروان من كان هناك من بني أمية وحشمهم ومواليهم وبلغ ذلك حسينا فجاء هو
ومن معه في السلاح ليدفن حسنا في بيت النبي صلىاللهعليهوسلم
واقبل مروان في أصحابه وهو يقول :
يا رب هيجاء هي خير من دعة.
أيدفن عثمان بالبقيع ويدفن حسن في بيت
النبي صلىاللهعليهوسلم
والله لا يكون ذلك أبدا وأنا احمل السيف فلما صلوا على حسن خشي عبد الله بن جعفر
أن يقع في ذلك ملحمة عظيمة فأخذ بمقدم السرير ثم مضى نحو البقيع فقال له حسين ما
تريد قال عزمت عليك بحقي أن لا تكلمني كلمة واحدة فصار به إلى البقيع فدفنه هناك رحمهالله وانصرف مروان ومن
معه.
وبلغ معاوية ما كانوا أرادوا في دفن حسن
في بيت النبي صلىاللهعليهوسلم
فقال ما أنصفتنا بنو هاشم حين يزعمون أنهم يدفنون حسنا مع النبي صلىاللهعليهوسلم وقد منعوا عثمان أن
يدفن إلا في أقصى البقيع.
إن يك ظني بمروان صادقا لا يخلصون إلى
ذلك وجعل يقول : ويها مروان أنت لها.
قال ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر ، قال
: حدثنا هاشم بن عاصم ، عن المنذر بن جهم ، قال : لما اختلفوا في دفن حسن بن علي [نزل]
سعد بن أبي وقاص وأبو
__________________
هريرة من أرضهما ، فجعل
سعد يكلم حسينا يقول : الله ، الله ، فلم يزل بحسين حتى ترك ما كان يريد.
أقول :
ونستفيد من الروايات الآنفة الذكر ان
الموقف السلبي من بني أمية بقيادة مروان ومنع دفن الحسن عليهالسلام عند جده وهي غرفة
امه السيدة فاطمة عليهاالسلام
لم يكن بعيدا عن مشورة معاوية ورضاه وبخاصة وقد ابرد مروان إليه يخبره بالخبر
ولابد انه ابرد إليه بالموقف ، بل الموقف صريحا منه في رواية الزبير بن بكار.
ونستفيد أيضا :
ان الحسين عليهالسلام
وبني هاشم لم يعدلوا عن دفن الحسن عليهالسلام
في غرفة امه الصديقة عليهاالسلام
عند جده لضعف منهم فقد كان معهم احلافهم في حلف الفضول وهم بنو المطلب وتيم وزهرة
وأسد وبنو جعونة بن شعوب من بني ليث.
ولكنها وصية الامام الحسن عليهالسلام
__________________
ان لا يراق في دفنه
محجمة دم وتدخل الوسطاء.
السؤال الرابع : هل
استمرت سياسة الدولة بعد وفاة الحسن عليهالسلام
على ما كانت عليه أيام حياته؟ وهل عهد معاوية إلى احد؟
وقد أجابت مصادر التاريخ ان معاوية قد
غير سياسة الأمان لشيعة علي إلى رعب وقتل وملاحقة وسياسة ذكر علي بخير إلى لعن
وذكر بسوء ، وعيَّن ابنه يزيد خلفا له من بعده وبذلك أوجد حدثا جديدا في الإسلام
لم يكن له سابقة وهو ان يحصر الحاكم الحكم في اسرته مضافا إلى إحلاله العهد.
فقد روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي
سيف المدايني في كتاب (الاحداث) قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام
الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته.
فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر
يلعنون عليا ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته ...
ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع
البلدان انظروا من قامت عليه البينة انه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان
وأسقطوا عطاءه ورزقه.
وشفع ذلك بنسخة أخرى :
من اتهمتوه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا
به واهدموا داره.
فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه
بالعراق ولا سيما بالكوفة.
وسجلت مصادر التاريخ الأولى قتل حجر
وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابها العابدين المصلين ، وقطع الايدي وسمل الاعين
والنفي الدفن لبعضهم وهو حي ، ثم ختم معاوية سياسته هذه بتعيين ولده يزيد ولي عهده
ليضمن مواصلة سياسته فكان قتله
__________________
للحسين وأهل بيته
وصحبه وسبي نسائه في نهاية هذه السنوات العشر سنوات اشد محنة عرفها أهل البيت
وشيعتهم في التاريخ ثم غزوه المدينة واباحتها لجيشه ثلاثة أيام ورمي الكعبة
بالمنجنيق بما لم يقع مثله في تاريخ الإسلام وليس من شك ان كل أعمال يزيد يتحملها
معاوية ميتا.
وفيما يلي تفصيل اكثر عن نقض معاوية
شروط الحسن بعد موته وقبل ذلك نجد من المفيد ان نحدد سنة وفاة الحسن عليهالسلام.
تسلسل الحوادث بعد
وفاة الحسن سنة ٥٠ هـ :
توفي الحسن عليهالسلام سنة ٥٠ هجري في شهر
ربيع الأول كما نختاره من بين الأقوال وفي ضوئه يكون تسلسل الحوادث كما يلي :
كتب معاوية إلى ولاته ولا يبعد ان يكون
في أواخر ربيع الأول سنة ٥٠ هـ يأمرهم بلعن علي عليهالسلام.
روى النسائي قال
أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى قال حدثنا جعفر بن عون عن شقيق بن أبي
عبد الله قال حدثنا أبو بكر بن خالد بن عرفطة قال رأيت سعد بن مالك بالمدينة فقال
ذُكِر أنكم تسبون عليا قلت قد فعلنا قال لعلك سببته قلت معاذ الله قال لا تسبه فإن
وضع المنشار على مفرقي على أن أسب عليا ما سببته بعدما سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما سمعت الترغيب في
موالاة علي رضي الله تعالى عنه والترهيب في معاداته. والشاهد في الرواية هو ان
خالد بن عرفطة مولى بني زهرة وابن أخت سعد وقد سكن الكوفة هو وولده وكان مع سعد في
القادسية ، وكان يهمه ان يعرف خبر الكوفة بوصفها مركز ولاية علي عليهالسلام هل سب أهلها عليا؟
وهو ينهى ابن أبين أخته ان يسب عليا عليهالسلام
وهذا يؤكد ان سب علي في
__________________
الكوفة وبقية الأمصار
أمر جديد حصل بعد وفاة الحسن عليهالسلام.
حج معاوية في سنة ٥٠ هـ وكان معه سعد بن
أبي وقاص. وكان حواره معه حول لعن علي فلم يرضه سعد. قال المسعودي لمَّا حجَّ
معاوية طاف بالبيت ومعه سعد فلمَّا فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة فأجلسه معه
على سريره ووقع معاوية في علي وشرع في سبَّه فزحف سعد ثم قال : أجلستني معك على
سريرك ثم شرعت في سب علي والله لأن يكون فيَّ خصلة واحدة من خصال علي
...
وقال البلاذري حدثني عباس بن هشام ، عن
أبيه عن جده ، عن أبي صالح قال : قدم معاوية مكة / فلقيه ابن عباس فقال له معاوية
: عجبا للحسن شرب عسلة طائفية بماروحة فمات منها. فقال ابن عباس : لئن هلك الحسن
فلن ينسأ في أجلك ، قال : وأنت اليوم سيد قومك. قال : أما ما بقي أبو عبد الله فلا!.
أقول :
هذه الحجة كانت سنة خمسين هجرية والخبر يشهد ان الحسن عليهالسلام توفي في ربيع الأول
سنة خمسين.
رجع معاوية من الحج إلى المدينة ودس
السم لسعد في بقية ذي الحجة سنة ٥٠ هـ ومن ثم قالوا في الحسن عليهالسلام وسعد بن أبي وقاص
ماتا في سنة واحدة. قال أبو الفرج : حدثني أحمد ، قال : حدثني يحيى بن بكير ، عن
شعبه ، عن أبي بكر بن حفص ، قال : توفى الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص في أيام
متقاربة ، وذلك بعد ما مضى من ولاية إمارة معاوية عشر سنين ، وكانوا يروون أنه
سقاهما السم.
أمر معاوية بعد موت سعد آخر سنة ٥٠
هجرية بلعن علي عليهالسلام
على منبر النبي صلىاللهعليهوآله.
مات المغيرة بن شعبة سنة ٥١ هـ وكان قد
وفد إلى معاوية فيها وحاول ان يثنيه عن لعن علي فقال له لا والله الا دفنا دفنا
وقال المغيرة لولده جئتك من عند اخبت الناس.
ضم معاوية ولاية الكوفة إلى زياد بعد
موت المغيرة سنة ٥١ هـ وتتبع شيعة علي عليهالسلام
بابشع واقسى ما يتصوره المرء.
ولى زياد بن أبي سفيان الربيع بن زياد
الحارثي سنة إحدى وخمسين هـ خراسان ،
__________________
وحول معه من أهل المصرين (الكوفة
والبصرة) زهاء خمسين ألفا بعيالاتهم. وأسكنهم دون النهر. ولما بلغه مقتل حجر بن
عدي الكندي (سنة ٥٣ هـ كما مروج الذهب للمسعودي) غمه ذلك ، فدعا بالموت فسقط من
يومه ، ومات سنة ثلاث وخمسين.
سيَّر زياد حجرا وأصحابه إلى معاوية
فأمر ان يعرضوا على البراءة من علي وامتنعوا
فقتلهم سنة ٥٣ هـ
وهي السنة التي توفي فيها زياد
بالآكلة.
سياسة معاوية بعد
وفاة الحسن عليهالسلام
:
وكانت اهم بنودها ما يلي :
١. لعن علي عليهالسلام وشتمه على منابر
المسلمين ليربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ، ويستهدف هذا البند تهديم موقع علي
كإمام هدى وحجة على الناس معين من الله ورسوله بشكل مباشر.
٢. المنع من رواية فضائل علي وأهل بيته عليهمالسلام ، ويستهدف هذا البند
تغييب الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي أشادت بعلي عليهالسلام وبينت إمامته
الهادية بإذن الله ورسوله.
٣. اختلاق أخبار قبيحة في علي وأهل بيته
عليهمالسلام
، ويستهدف هذا البند بناء قاعدة فكرية تبرر لعن علي عليهالسلام.
٤. اختلاق الفضائل للخلفاء وبني أمية ، ويستهدف
هذا الأساس بنناء القاعدة الفكرية التي تطرح الخلفاء وبني أمية على انهم أئمة هدى
والحجة على الناس بعد الرسول إذ ان القاعدة التي شيد عليها حكم قريش المسلمة في
السقيفة (ان العرب لا
__________________
ترضى ان يكون هذا
الأمر في غير قريش) لم تعد مؤثرة ولا يمكن إحياء الإمامة الدينية لقريش المسلمة
بعد انتشار أحاديث النبي في تأسيس إمامة أهل بيته الا بوضع أحاديث مثلها ومنع
تداول الأحاديث الصحيحة.
٥. ترويع شيعة علي عليهالسلام قتلا وسجنا ونفيا
وتهجيرا ، ويستهدف هذا البند تصفية نخبة الأمة التي حملت أحاديث النبي صلىاللهعليهوآله وأخبار سيرة علي عليهالسلام ونشرها بين الناس ، وكذلك
تصفية الوجود البشري الذي انفتح على علي عليهالسلام
بصدق واخلاص وتعلم منه وجعله الحجة بينه وبين الله تعالى بعد النبي صلىاللهعليهوآله.
ثم خصَّ العراق بسياسة معينة.
وكان قبل ذلك قد اعتمد على رجال ركنوا
إلى الدنيا ، أمثال عمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومروان بن الحكم ، والضحاك
بن قيس الفهري ، وزياد بن عبيد الثقفي الذي الحقه بنفسبه فقيل زياد بن أبي سفيان ،
وسمرة بن جندب ، وعمرو بن حريث ، وغيرهم حيث ولّاهم اهم البلدان والمناصب لكي يضبط
تطبيق هذه السياسة.
ونحن حين ننعم النظر في بنود تلك
السياسة ، نجدها جميعا مما خالف فيه معاوية الكتاب وسنة النبي صلىاللهعليهوآله.
فَلَعْنُ علي عليهالسلام ، وتربيةُ النسا على
بغضه مخالفةٌ صريحة ، لما أَمَرَ به الله ورسوله في إيجاب مودته وولايته.
والنهيُ عن رواية أحاديث النبي في فضل
علي عليهالسلام
ومنزلته ، مخالفةٌ صريحة لأمر النبي بتبليغ سنته إلى من لم يسمعها.
ووضعُ الحديث في ذم علي عليهالسلام ، ومدحُ أناس لم
يمدحهم النبي صلىاللهعليهوآله
، كذبٌ متعمَّدٌ على الرسول صلىاللهعليهوآله
، يستحق فاعله النار لقول النبي صلىاللهعليهوآله
: (من كذب عليَّ متعمدا فليتبوّأْ مقعده من النار).
وترويعٌ المؤمنين ، وإخافتُهم ، وسجنُهم
، وقتلُهم ، لأمرهم بالمعروف ونهيهم عن
__________________
المنكر مخالفةٌ بكتاب
الله ورسوله ، استحق فاعلُها النار بنص القرآن (إِنَّ الَّذِينَ
يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ
وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)
آل عمران / ٢١.
هذا مضافا إلى مخالفات صريحة أخرى لكتاب
الله وسنة نبيه من قبيل : استلحاقِه زياد بن عبيد ، وهو ردٌ صريحٌ لقضاء رسول الله
صلىاللهعليهوآله.
ومن قبيل امرِه بترك التلبية نهارَ عرفة
قبل الزوال
، وهو ردٌ صريحٌ لسنة النبي في التلبية في الحج.
ومن قبيل امرِه بتحريم متعة الحج ، وهو
مخالفةٌ صريحةٌ لكتاب الله وسنة النبي.
ومن قبيل تعطيله حد السرقة في سارق
لتشفّع أم السارق فيه.
ومن قبيل حرمان قربى النبي صلىاللهعليهوآله من خمس الغنائم وهو
مخالفة صريحة للقرآن وسنة النبي صلىاللهعليهوآله.
ومن قبيل أمره لقادة الفتوح بان يستصفوا
له ذهب الغنائم وفضتها قبل القسمة.
وغير ذلك.
وفيما يلي الحديث عن بعض بنود تلك
السياسة
لعن علي عليهالسلام وسبه على المنابر :
أوردت الصحاح كتب الحديث المعتبرة ، أحاديث
نبوية صحيحة تفرض حب علي عليهالسلام
وولايته وتنهى عن إيذائه وبغضه وتصف فاعل ذلك بالنفاق والحرب لله ولرسوله وفيما
يلي بعضها :
__________________
روى الطبراني : عن أبي عبد الله الجدلي
قال : قالت لي أم سلمة : أيسب رسول الله صلىاللهعليهوآله
فيكم على رؤوس الناس؟ فقلت : سبحان الله وأنى يسب رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ فقالت : أليس يسب
علي بن أبي طالب ومن يحبه؟ فأشهد ان رسول الله صلىاللهعليهوآله
كان يحبه.
وفي رواية قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول من سب عليا فقد
سبني.
روى احمد في مسنده : عن عمرو بن شاس
الأسلمي قال : (وكان من أصحاب الحديبية) قال خرجت مع علي إلى اليمن ، فجفاني في
سفري ذلك ، حتى وجدت في نفسي عليه ، فلما تقدمت أظهرت شكايته في المسجد ، حتى بلغ
ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فدخلت المسجد ذات غدوة ورسول الله صلىاللهعليهوآله
في ناس من أصحابه ، فلما رآني أبدَّني عينيه ، يقول : حدَّدَ إلي النظر حتى إذا
جلست ، قال : يا عمرو والله لقد آذيتني ، قلت : أعوذ بالله أو أوذيك يا رسول الله
، قال : بلى! من آذى عليا فقد آذاني.
وروى ابو يعلى : عن مصعب بن سعد بن أبي
وقاص عن أبيه ، قال : كنت جالسا في المسجد أنا ورجلين معي ، فنلنا من علي ، فأقبل
رسول الله صلىاللهعليهوآله
غضبان يعرف في وجهه الغضب ، فتعوذت بالله من غضبه ، فقال : ما لكم وما لي ، من آذى
عليا فقد آذاني.
وروى احمد عن أبي حازم عن أبي هريرة قال
: نظر النبي صلىاللهعليهوآله
إلى علي والحسن والحسين وفاطمة فقال : أنا حرب لمن حاربكم ، وسلم لم نسالمكم.
ورواه الطبراني عن صبيح مولى أم سلمة عن
زيد بن أرقم.
وروى مسلم : عن عدي بن ثابت عن زر قال :
قال علي عليهالسلام
: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إنه لعهد النبي الأمي إليَّ ، أن لا يحبني إلا
مؤمن ولا يبغضني إلا منافق.
__________________
وروى الطبراني : عن فطر بن خليفة عن أبي
الطفيل ، قال سمعت أم سلمة تقول : أشهد أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : من أحب عليه
فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد
أبغض الله.
وروى ابو يعلى عن أبي الجارود عن الحارث
الهمداني قال : رأيت عليا جاء حتى صعد ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : قضاء
قضاه الله على لسان نبيكم صلىاللهعليهوآله
النبي الأمي ، أنه لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق ، وقد خاب من افترى.
قال : قال النضر : وقال علي عليهالسلام : أنا أخو رسول الله
صلىاللهعليهوآله
وابن عمه ، لا يقولها أحد بعدي.
وقد روى البخاري عن أبي هريرة قال : قال
رسول الله : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب.
وروى احمد عن عائشة قالت : قال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: قال الله عز وجل : من أذل لي وليا فقد استحل محاربتي.
أقول
: وإذا ضممنا إلى هذه النصوص ، الأحاديث
التي ترفع من شأن الصحابة ككل ، المنتشرة في كتب الحديث ، لم يكن من السهل على
الكثير من المعاصرين ان يقبل ما يعتقده الشيعة في بني أمية من أمور ، منها انهم
كانوا قد سفُّوا سنة لعن علي عليهالسلام
وسبِّه ، وغفل هؤلاء ، عن حقيقة ان الاخبار والروايات في هذه القضية بالذات من
الكثرة بحيث لم يستطع ان يغفلها أصحاب الصحاح انفسهم.
قال الدكتور عبد الحليم عويس : (لا يعقل
ما يشاع عن بني أمية ، من انهم كانوا يسبون عليا على المنابر)
، وقد وافقه آخرون أمثال محب الدين الخطيب
ومحمود
__________________
شاكر
وإبراهيم شعوط
وغيرهم وزاد بعضهم قوله (ولم يردنا بطريق صحيح).
وقد رد على هؤلاء أناس من غير الشيعة
أيضا بذكر اخبار من كتب
الصحاح وفيما يلي بعضها :
روى البخاري : قال حدثنا عبد الله بن
مسلمة حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه (سلمة بن دينار) أن رجلا جاء إلى سهل
بن سعد فقال : هذا فلان لأمير المدينة يدعو عليا عند المنبر قال : فيقول ماذا؟ قال
يقول له : أبو تراب فضحك ، قال : والله ما سماه إلا النبي وما كان والله له اسم
أحب إليه منه.
وهذه الرواية عند مسلم في صحيحه أكثر
وضوحا ، قال سهل بن سعد : أن رجلا أتاه فقال : هذا فلان ـ لأمير من أمراء المدينة
ـ يدعوك غدا فتسب عليا على المنبر ، قال : فأقول ماذا؟ قال : تقول أبو تراب ، فضحك
سهل ، ثم قال : والله ما سماه إياه الا رسول الله صلىاللهعليهوآله
والله ما كان من اسم أحب إليه منه.
قال في فتح الباري :
قوله (هذا فلان لأمير المدينة) : أي عنى
أمير المدينة ولم أقف على اسمه صريحا.
وروى مسلم قال : حدثنا قتيبة بن سعيد
حدثنا عبد العزيز يعني أبن أبي حازم ، عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال : استعمل على
المدينة رجل من آل مروان قال :
__________________
فدعا سهل بن سعد ، فأمره
أن يشتم عليا ، قال : فأبى سهل ، فقال له : أما إذا أبيت فقل : لعن الله أبا
التراب! فقال سهل : ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب وإن كان ليفرح إذا دعي
بها.
وقال في ارشاد الساري : ان هذا الوالي
هو مروان بن الحكم.
وروى مسلم أيضا قال : حدثنا قتيبة بن
سعيد ومحمد بن عباد ، وتقاربا في اللفظ قالا : حدثنا حاتم وهو بن إسماعيل عن بكير
بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقال عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان
سعدا فقال : ما منعك ان
تسب أبا تراب؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلىاللهعليهوآله فلن اسبه
لان تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول له وقد خلفه في
بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان فقال له رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي وسمعته يقول
يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، قال : فتطاولنا
لها ، فقال : ادعوا لي عليا ، فأتي به ارمد ، فبصق في عينه ودفع الراية إليه ، ففتح
الله عليه.
__________________
ولما نزلت هذه الآية : (تَعَالَوْا
نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ)
دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله
عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي.
وروى احمد بن حنبل قال : حدثنا عبد الله
حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا عشبة عن حصين عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم
قال : خطب المغيرة بن شعبة فنال من علي ، فخرج سعيد بن زيد فقال : ألا تعجب من هذا
يسب عليا؟
وروى النسائي عن شقيق بن أبي عبد الله
قال : حدثنا أبو بكر بن خالد بن عرفطة قال : رأيت سعد بن مالك بالمدينة فقال : ذكر
أنكم تسبون عليا؟ قلت : قد فعلنا ، قال : لعلك سببته ، قلت : معاذ الله ، قال : لا
تسبه ، فإن وضع المنشار على مفرقي على أن أسب عليا ما سببته ، بعد ما سمعت من رسول
الله صلىاللهعليهوآله
ما سمعت.
أقول :
يتضح من هذه الروايات الصحيحة وفق مسلك
أهل السنة في تصحيح الرواية ، وقد وردت في اهم مصادرهم الحديثية ، ان معاوية
وولاته (مروان والمغيرة) كانوا يسبون عليا على المنابر.
وفي المصادر التاريخية تفصيل اكثر نورد
طرفا منه فيما يلي :
«قال ابو عثمان الجاحظ
: ان معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة : اللهم ان أبا تراب ألحد في دينك وصدَّ
عن سبيلك ، فالعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا أليما».
وكتب بذلك إلى الآفاق ، فكانت هذه
الكلمات يشار بها على المنابر ، وصار ذلك سنة في أيام بني أمية ، إلى ان قام عمر
بن عبد العزيز فأزاله.
__________________
وقال أيضا : وما كان عبد الملك مع فضله
وأناته وسداده ورجحانه ، ممن يخفى عليه فضل علي ، وان لعنه على رؤوس الاشهاد ، وفي
اعطاف الخطب ، وعلى صهوات المنابر ، مما يعود عليه نقصه ويرجع إليه وهنه ، لانهما
جميعا من بني عبد مناف ، والأصل واحد ، ولكنه أراد تشييد الملك وتأكيد ما فعله
الأسلاف ، وان يقرر في انفس الناس ان بني هاشم لاحَظّ لهم في هذا الأمر ، وان
سيدهم الذي يصولون به ويجولون ، وبفخره يفخرون ، هذا حاله وهذا مقداره ، فيكون من
انتمى إليه ويدلي به عن الأمر أبعد ، وعن الوصول إليه اشحط.
وقد بلغ الأمر ببني أمية انهم لا
يحتملون لشخص ان يجمع بين اسم علي وكنيته.
روى ابن سعد في ترجمة علي بن عبد الله
بن عباس قال : ويكنى أبا محمد ، ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب رحمة الله عليه في
شهر رمضان سنة أربعين ، فسمي باسمه وكني بكنيته أبي الحسن ، فقال له عبد الملك بن
مروان : لا والله لا أحتمل لك الاسم والكنية جميعا ، فغير أحدهما فغير كنيته
فصيرها أبا محمد.
ثم تمادى بهم الأمر إلى انهم صغَّروا كل
عَلِيّ فقالوا عُلَيّ.
قال ابن حبان في ترجمة علي بن رباح
اللخمي
: وهو الذين يقال له : عُلَيّ بن
__________________
رباح ، وكان يقول : من
قال لي عَلِيّ ليس مني في حل ، وذاك أن أهل الشام كانوا يصغِّرون كل علي ، لما في
قلوبهم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
ونقل العلامة ابن عقيل رحمهالله عن الحافظ السيوطي :
انه كان في أيام بني أمية اكثر من سبعين ألف منبر ، يلعن عليها علي بن أبي طالب
بما سنه لهم معاوية من ذلك.
وقد بقيت أثار هذه التربية عند بعض
اتباع بني أمية من حملة الحديث حتى بعد زوال حكمهم كما يذكر أصحاب التراجم عن حريز
بن عثمان.
قال ابن حجر : حريز بن عثمان أبو عون
الحمصي
(خ ٤ البخاري والأربعة) قال أحمد : حريز صحيح الحديث إلا أنه يحمل على علي عليهالسلام ، وقال المفضل بن
غسان :
__________________
يقال في حريز مع
تثبته أنه كان سفيانيا ، وقال العجلي : شامي ، ثقة وكان يحمل على علي ، وقال عمرو
بن علي كان ينتقص عليا وينال منه ، وقال في موضع آخر : ثبت شديد التحامل على علي ،
وقال ابن عمار : يتهمونه أنه كان ينتقص عليا ويروون عنه ويحتجون به ولا يتركونه ، وقال
أحمد بن سعيد الدارمي عن أحمد بن سليمان المروزي سمعت إسماعيل بن عياش ، قال : عادلت
حريز بن عثمان من مصر إلى مكة فجعل يسب عليا ويلعنه ، قال إسماعيل بن عياش : سمعت
حريز بن عثمان يقول : هذا الذي يرويه الناس عن النبي صلىاللهعليهوآله
أنه قال لعلي : (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) حق ولكن أخطأ السامع ، قلت : فما
هو؟ فقال : إنما هو أنت بمنزلة قارون من موسى ، قلت : عمن ترويه؟ قال : سمعت الوليد
بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر ، وقال ابن عدي : وحريز من الاثبات في الشاميين
ويحدث عن الثقات منهم ، وقد وثقه القطان وغيره ، وإنما وُضَع منه ببغضه لعلي ، قال
يزيد بن عبد ربه
: قال ابن حجر : وحكى الأزدي في الضعفاء : أن حريز بن عثمان روى أن النبي صلىاللهعليهوآله لما أراد أن يركب
بغلته جاء علي بن أبي طالب فحل حزام البغلة ليقع النبي صلىاللهعليهوآله ، قال الأزدي : من
كانت هذه حاله لا يروى عنه ، قال ابن حجر : لعله سمع هذه القصة أيضا من الوليد ، وقال
غنجار قيل ليحيى بن صالح : لم لم تكتب عن حريز؟ فقال : كيف اكتب عن رجل صليت معه
الفجر سبع سنين فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن عليا سبعين مرة ، وقال ابن حبان :
كان يلعن عليا بالغداة سبعين مرة وبالعشي سبعين مرة فقيل له في ذلك ، فقال : هو
القاطع رؤوس آبائي وأجدادي ، وكان داعية إلى مذهبه يتنكب حديثه انتهى. قال ابن حجر
: وإنما أخرج له البخاري لقول أبي اليمان
أنه رجع عن النصب كما مضى نقل ذلك عنه الله أعلم.
__________________
أقول :
وقد بقيت آثار التربية أيضا في بعض
البلدان فلم يعد أهلها يتحملون سماع فضيلة لعلي عليهالسلام
حتى من محدِّثسهم.
روى الذهبي في ترجمة ابن السقاء : الحافظ
الامام محدِّث واسط أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي ، وقال علي بن
محمد الطيب الجلابي في تاريخه ابن السقاء من أئمة الواسطيين والحفاظ المتقنين ، توفي
في جمادي الآخرة سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة ، قال السلفي : سألت الحافظ خميسا
الحوزي عن ابن السقاء؟ فقال : هومن مزينة مضر ولم يكن سقاء بل لقب له من وجوه
الواسطيين وذوي الثروة والحفظ ، رحَل به أبوه فأسمعه من أبي خليفة وأبي يعلى وابن
زيدان البجلي والمفضل بن الجندي ، وبارك الله في سنه وعلمه ، واتفق انه أملى حديث
الطير فلم تحتمله نفوسهم ، فوثبوا به واقاموه وغسلوا موضعه فمضى ولزم بيته ، فكان
لا يحدث أحدا من الواسطيين ، فلهذا قال حديثه عندهم وتوفي سنة إحدى وسبعين وثلاث
مائة. قال الذهبي : حدثني ذلك شيخنا أبو الحسن المغازلي.
وقد بقيت تربية الإنحراف في دمشق عن علي
عليهالسلام
بشكل ظاهر ، بعد اكثر من قرن ونصف من قيام الدولة العباسية ، قال الامام النسائي
(لما سئل عن سبب تصنيف كتابه الخصائص) قال : (دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير
، وصنف كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله).
خطة معاوية لتصفية التشيّع في الكوفة
عقبتان أمام مخطط
معاوية بعد وفاة الحسن عليهالسلام
:
كان للكوفة في نظر معاوية اكثر من جُرم
، فقد انطلقت منها الشرارة الأولى في الاعتراض على سياسة ولاة عثمان ، ثم هي مركز
أنضار علي وشيعته ، وهي القاعدة
__________________
الصلبة التي استند
إليها الحسن عليهالسلام
لتحقيق أهدافه في الصلح ، وجعلت معاوية يعاني جهدا نفسيا كبيرا مدة تسع سنوات ، ليظهر
بمظهر الحليم ، ويتحمل انتشار أحاديث النبي صلىاللهعليهوآله
في حق علي عليهالسلام
، وانتشار سيرته المشرقة في الشام وغيرها ، ويكرم وجوه أصحابه وهم ألدّ أعدائه.
وضع معاوية في حسابه ان يبذل كل جهده
لتغيير وجهة الولاء الفكري والسياسي في الكوفة الذي كان لصالح علي وولده الطاهرين عليهمالسلام ، وتحويلها إلى
مدينة موالية لبني أمية ، وليس من شك انه أمر عسير جدا ، ودونه عقبات كؤود أهمها
عقبتان اثنتان بعد ان تخلص من الحسين عليهالسلام
وهما :
١. الجيش
والشرطة فان النسبة الغالبة منهم ان لم يكونوا كلهم شيعة علي عليهالسلام.
٢. الوجوه البارزة في المجتمع واغلبهم
من الشيعة وفيهم رموز العلم والتقوى أمثال : حجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق
الخزاعي وغيرهما من الصحابة والتابعين.
الجيش والشرطة :
اعتمد معاوية في خطته لغربلة الجيش وقوى
الأمن الداخلي في الكوفة من كل شيعي فيه واستبداله بشيعة بني أمية بمرحلتين
أساسيتين :
المرحلة الأولى في
حياة الحسن عليهالسلام
:
ويبدو ان اهم وسيلة اعتمدها معاوية في
هذه المرحلة ، هي مقاتلة الخوارج وملاحقتهم ، فان المخلصين والواعين من الشيعة
كانوا يمتنعون من مقاتلة الخوارج ، للكلام المأثور عن علي عليهالسلام : (لا تقاتلوا
الخوارج بعدي ، فانه ليس من طلب الحق فاخطأه كمن عرف الباطل وأصابه)
، وقال عليهالسلام
: (إن خرجوا على إمام عادل
__________________
فقاتلوهم ، وإن خرجوا
على إمام جائر فلا تقاتلوهم فان لهم بذلك مقالا).
المرحلة الثانية بعد
وفاة الحسن عليهالسلام
:
وكان أسلوب الغربلة في هذه المرحلة
يعتمد على سياسة الدولة في لعن علي عليهالسلام
والبراءة منه ، فمن يرفض لعن علي عليهالسلام
وسبه كان نصيبه ان يسقط اسمه من ديوان العطاء ، بل كان نصيب كل متهم بحب علي هو ان
يسقط اسمه من ديوان العطاء ، وليس من شك ان المخلصين والواعين من الشيعة لا تطيب
نفوسهم بسب علي عليهالسلام
حتى في حالات الضرورة المسموح بها فضلا عن البراءة وهي غير مسموح بها لأنها أمر
قلبي ، وقد كان هذا الأسلوب الذي استخدمه معاوية اقوى أسلوب لتصفية الجيش وقوى
الأمن الداخلي من الشيعة بل من كل متهم بحب علي.
إجراءات زياد بن عبيد
الثقفي في الكوفة :
كان زياد بن عبيد الثقفي الذي غَيَّرَ
نَسَبَه معاوية في قصة معروفة إلى زياد بن أبي سفيان ، يعتبر بحق باني الجيش
الأموي في العراق وقوى الأمن الداخلي فيه. وكانت من اهم اجراءاته في هذا السبيل (إلى
جنب صرامته في تطبيق السياسة العامة التي اشرنا إليها آنفا) أربعة أمور أساسية هي
:
__________________
الأول
: إحياء الخروج الإلزامي للغزو ، وهو أول
إجراء اتخذه عند قدومه الكوفة ، قال البلاذري : لما استعمل معاوية زيادا حين هلك
المغيرة
على الكوفة جاء حتى دخل المسجد ثم خطب ، فقال : ... وأي رجل مكتبه بعيد فأجله
سنتان ثم هو أمير نفسه ، وأي رجل مكتبه قريب فاجله سنة ثم هو أمير نفسه.
الثاني
: تغيير نظام الأسباع الذي كان على عهد
الامام علي عليهالسلام
إلى نظام الأرباع ، وفي
هذا النظام جعل تعبئة قبيلة همدان مع قبيلة تميم ربعا ، وعليهم خالد بن عرفطة
، وربيعة وكندة ربعا وعليهم قيس بن خالد ، ومذحج واسد ربعا وعليهم
__________________
ابو بردة بن أبي موسى
الاشعري
، وأهل المدينة ربعا ، وعليهم عمرو بن حريث المخزومي ، ومن الواضح ان الهدف من هذا
التغيير هو تطويق القبائل المعروفة بتشيّعها.
الثالث
: تسيير خمسين ألف مقاتل عراقي مع
عوائلهم إلى خراسان
، منهم خمس وعشرون ألف من الكوفة ، عيِّن عليهم عبدالله بن عقيل ، والباقون من
البصرة ، عيِّن عليهم الربيع بن زياد الحارثي .
كما عيّنه على الجميع
، وكان فيهم بريدة بن الحصيب الاسلمي ، وبمرو توفي أيام يزيد بن معاوية ، وكان
فيهم أيضا ابو برزة الاسلمي عبد بن نضلة ، وبها مات واسكنهم
__________________
دون النهر.
الرابع
: اعتماد الحمراء مادة أساسية في قوى
الأمن الداخلي ، والحمراء كانوا يعملون مع الجيش الفارسي وأصلهم من الديلم
، كان منهم مع رستم يوم القادسية أربعة آلاف ، ويسمون جند شاهنشاه ، فاستأمنوا على
ان ينزلوا حيث احبوا ، ويحالفوا من احبوا ، فاعطاهم سعد ذلك ، وحالفوا زهرة بن
حوية السعدي من بني تميم ونزلوا الكوفة.
قال المرحوم آية الله الشيخ راضي آل
ياسين في كتابه صلح الحسن عليهالسلام
: والحمراء شرطة زياد الذين فعلوا الافاعيل بالشيعة سنة ٥١ وحواليها.
ونقل الجاحظ عن زياد قوله : ينبغي ان
يكون صاحب الشرطة زميتا قطوبا ابيض اللحية اقنى احنى ويتكلم بالفارسية.
وذكر الطبري ان الشرطة في عهد زياد في
البصرة قد بلغ عددهم أربعة آلاف.
أقول
: من المؤكد ان عددهم في الكوفة اكثر من
ذلك.
وفي قصة عبد الله بن خليفة الطائي من
أصحاب حجر لما طلبه زياد قال الطبري : (فبعث إليه الشُّرط وهم أهل الحمراء يومئذ
فأخذوه)
، وفي قصة حجر بن عدي الكندي قال ابن سعد : (فأرسل ابن زياد إلى حجر الشُّرط
والبخارية وأتي به إلى زياد وباصحابه).
قال عمر بن شبة : وكان زياد أول من شد
أمر السلطان وأكد الملك لمعاوية وألزم الناس الطاعة وتقدم في العقوبة وجرد السيف
وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة وخافه الناس في سلطانه خوفا شديدا.
__________________
استعان زياد في البصرة بعدة من أصحاب
النبي صلىاللهعليهوآله
منهم سمرة ابن جندب
وأنس بن مالك.
__________________
اما في الكوفة فقد استعان بالصحابي عمرو
بن حريث المخزومي
وغيره.
قال الطبري : وقيل : إن زيادا أول من
سير بين يديه بالحراب ، ومشى بين يديه بالعمد ، واتخذ الحرس رابطة خمسمائة واستعمل
عليهم شيبان صاحب مقبرة شيبان من بني سعد فكانوا لا يبرحون المسجد.
أقول
: مراد من قال ذلك العراق ، والا فان أول
من سير الحراب بين يديه هو معاوية في الشام.
خلاصة بما قام به معاوية وولاته
١. بنى معاوية بشكل عام قوة عسكرية
وأجهزة ضبط داخلي (الشرطة) خالصة الولاء له معادية لعلي وأهل بيته عليهمالسلام.
٢. عني بالكوفة مركز التشيع لعلي عليهالسلام عناية خاصة فغير
نظام الأسباع فيها إلى نظام الأرباع ، وأخلاها من وجوه أصحاب علي البارزين قتلاً
وسجناً
__________________
ونفياً ، وصفّاها من كثافتها الشيعية
بتهجير خمس وعشرين ألف بعوائلهم ، كما صفّا جيشها من كل متهم بحب علي فضلا عن كل
شيعي ، واعتمد الحمراء والبخارية مادة أساسية لجهاز الشرطة فيها.
٣. أوجد حركة دينية فكرية وسياسية
واجتماعية مضادة لعلي وأهل بيته عليهمالسلام
تقوم على أساسين :
الأول
: لعن علي عليهالسلام
والبراءة منه بعد كل صلاة جمعة بصفته ملحدا في الدين (أي محرفا فيه). والمنع من
ذكر أحاديث النبي صلىاللهعليهوآله
في علي وأهل بيته عليهمالسلام
في المدارس والمحافل العامة والمساجد ، والحث على وضع روايات على لسان النبي صلىاللهعليهوآله تمدح معاوية وعثمان
وبني أمية وغيرهم ، ووضع أحاديث كاذبة في علي وأهل بيته عليهمالسلام تسوغ لعنهم والبراءة
منهم.
الثاني
: الحط من مقام شيعة علي عليهالسلام اجتماعيا ، فلا تقبل
شهادة لشيعي ، ويحرم من العطاء ليكون فقيرا ويخمل ذكره ، وفي المقابل تقبل شهادة
المحب لعثمان ويزاد في عطائه ليشرف في المجتمع ويعلو ذكره.
٤. عرض الحاكم الأموي على انه خليفة
الله وان طاعته رأس الدين ومفتاحه ، وكون المطيع له ولي الله والعاصي له عدو الله.
٥. غالى في أمر الجهاد والغزو ، وعرضه
على انه افضل عمل بعد الإيمان بالله ورسوله ، أي جعله المقياس الأعلى للأعمال
الصالحة والدخول للجنة ، وأمات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووضع الأحاديث في
ذلك.
٦. عين ابنه يزيد ولي عهده ، من اجل ان
يواصل رعاية مشروعه التحريفي للإسلام على الأصول التي بناها عليه.
أقول
: لقد كان الامام الحسن عليهالسلام يتوقع هذا الغدر من
معاوية بل كان متيقنا منه ، ولكنه كان يعلم ان ذلك سوف يكون منه الا بعد ان يحقق
الصلح أهدافه الأساسية / معالجة الانشقاق ، افتضاح معاوية وظهور ظلامة علي عند أهل
الشام ، وانتشار أحاديث النبي في حق علي بينهم في الشام ، ووضوح نسق الحكم المدني
الذي أسسه الحسن في الأمة وانتشار أخباره بالشكل الذي لن ينمحي من ذاكرة الجيل
التي عايشها ،
مع ادخار الحسين
لمواجهة هذا الغدر المبين بالبقية الباقية من رجال المشروع ليشق طريقه من جديد في
الأمة.
خلاصة في اسرة معاوية ونسبه ومرض وفاته
اسرة معاوية :
قال ابن ابي الحديد : وكان معاوية على
اس الدّهر مبغضا لعليّ عليهالسلام
شديد الانحراف عنه وكيف لا يبغضه وقد قتل أخاه يوم بدر وخاله الوليد بن عتبة وشرك
في جده وهو عتبة أو في عمّه وهو شيبة على اختلاف الرّواية وقتل من بني عبد شمس
نفرا كثيرا من أعيانهم وأماثلهم ، ثمّ جاءت الطَّامّة الكبرى واقعة عثمان فنسبها
كلها إليه بشبهة إمساكه عنه وانضواء كثير من قتلته إليه عليهالسلام فتأكدت البغضة وثارت
الأحقاد وتذكرت تلك التراث الأولى حتّى أفضى الأمر إلى ما افضى إليه.
ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا يرمى
بالزندقة ، وقد ذكرنا في نقض السّفيانية على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ما رواه
أصحابنا في كتبهم الكلاميّة عنه من الالحاد والتّعرّض لرسول الله وما تظاهر به من
الجبر والارجاء ، ولو لم يكن شيء من ذلك لكان في محاربته الامام عليهالسلام ما يكفي في فساد
حاله.
نسب معاوية :
هو معاوية :
ابن
ابي سفيان ؛ واسمه صخر (مجمع قريش والقبائل خارج
مكة) لقتال النبي صلىاللهعليهوآله
والصد عن دعوته.
ابن
حرب ؛ وهو الذي اجاره عبد المطلب من وُلدِه
حين لحقوه لما اخفر ذمة الزبير بن عبد المطلب في التميمي ولطمه ثم هرب الى عبد
المطلب وقال له اجرني من ولدك الزبير واخوته ، فاكفأ عليه جفنة كانت لهاشم يطبخ
للحجيج بها ، والبسه قباءه الخاص واخرجه.
__________________
وفي قصة مخاصمة بني كلاب وبني رباب من
بني نضر مع عبد المطَّلب في مال قريب من الطائف فقال عبد المطَّلب : المال مالي
فسلوني أعطكم ، قالوا : لا ، قال : فاختاروا حاكما قالوا : ربيعة بن حذار الأسديّ
فتراضوا به وعقلوا مائة ناقة في الوادي وقالوا : الإبل والمال لمن حكم له ، وخرجوا
وخرج مع عبد المطَّلب حرب بن أميّة فلما نزلوا بربيعة وقالوا له احكم لأشدّنا
طعانا ، وأوسعنا مكانا ، قال عبد المطلب : احكم لأولانا بالخيرات ، وأبعدنا عن
السوآت وأكرمنا أمهات ، فقال ربيعة : والغسق والشفق ، والخلق المتّفق ، ما لبني
كلاب وبني رباب من حقّ ، فانصرف يا عبد المطَّلب على الصواب ، ولك فصل الخطاب ؛
فوهب عبد المطَّلب المال لحرب بن أميّة.
__________________
ابن امية الاكبر : الذي نافر عبد المطلب
على عشر سنين يخرج عن مكة فحكم له وخرج من مكة
، وكانت اول عداوة بين بني امية وهاشم.
بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي مؤسس
التجمع القرشي.
جدته لابيه حمامة من ذوات الرايات.
امه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس
بن عبد مناف بن قصي ، قاتلة حمزة واكلة كبده.
عزي معاوية الى
اربعة.
لم يكن معاوية صريح النسب الى ابي سفيان
فقد عزي الى اربعة.
وقد كتب معاوية الى علي عليهالسلام : (أما بعد ، فإنك لو
علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك
__________________
ما بلغت وعلمناه نحن
، لم يجنها بعضنا على بعض. وإن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي منها ما نرم به ما
مضى ونصلح ما بقي. وقد كنت سألتك الشام على أن لا تلزمني لك طاعة ولا بيعة ، فأبيت
ذلك علي فأعطاني الله ما منعت. وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس ، فإنك لا
ترجو من البقاء إلا ما أرجوه ولا تخاف من الفناء إلا ما أخاف ، وقد والله رقت
الأكباد وذهبت الرجال. ونحن بنو عبد مناف ، وليس لبعضنا على بعض فضل يستذل به عزيز
ولا يسترق به ذليل ، والسلام).
قال سليم : فلما قرأ علي عليهالسلام كتابه ضحك وقال : العجب
من معاوية وخديعته لي فدعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع فقال له : أكتب : أما بعد
، فقد جاءني كتابك تذكر فيه (أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك إلى ما
بلغت لم يجنها بعضنا على بعض) ، وإنا وإياك ـ يا معاوية ـ على غاية منها لم نبلغها
بعد. وأما طلبك الشام ، فإني لم أعطك اليوم ما منعتك أمس. وأما استواؤنا في الخوف
والرجاء ، فإنك لست بأمضى على الشك مني على اليقين ، وليس أهل الشام أحرص على
الدنيا من أهل العراق على الآخرة. وأما قولك (إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على
بعض) ، فكذلك نحن ولكن ليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كأبي
طالب ولا الطليق كالمهاجر ولا المنافق كالمؤمن والمبطل كالمحق. في أيدينا فضل
النبوة التي ملكنا بها العرب واستعبدنا بها العجم ، والسلام).
قوله عليهالسلام
(ولكن ليس أمية كهاشم) :
اراد عليهالسلام
بهذه المقارنة الاشارة الى ان بني امية ينتسبون الى امية (الاكبر) بن عبد شمس بن
عبد مناف ولم ينسبهم الى جدهم عبد شمس لانهم ليسوا العقب الوحيدة له ، وبنو هاشم
ينتسبون الى عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وليس لهاشم عقب من غير عبد المطلب.
قوله عليه السالم (ولا
حرب كعبد المطلب) :
مرت علينا قصة اجارة عبد المطلب لحرب ، وقصة
هبته له كمية من المال ، ومن
__________________
هاتين القصتين نعلم
ان حربا من رعايا عبد المطلب فكيف يوازنه معاوية بمن كانت تسميه قريش ب (براهيم
الثاني)؟ بل من هو ابوه امية ازاء عبد المطلب ، قال ابو الفرج : دخل دغفل النسابة
على معاوية فقال له : من رأيت من عِلية قريش قال : رأيت عبد المطلب بن هاشم وأمية
بن عبد شمس. فقال : صفهما لي. فقال : كان عبد المطلب أبيض مديد القامة حسن الوجه ،
في جبينه نور النبوّة وعزّ الملك ، يطيف به عشرة من بنيه كأنهم أسد غاب. قال : فصف
أميّة. فقال : رأيه شيخا قصيرا نحيف الجسم ضريرا يقوده عبد ذكوان. فقال : مه ، ذاك
ابنه أبو عمرو. فقال : هذا شيء قلتموه بعد وأحدثتموه ، وأمّا الذي عرفت فهو الذي
أخبرتك به.
وهكذا فان حربا فضلا عن ابيه (امية) لا يقاسان بعبد المطلب بل لا يقاس بعبد المطلب
كل قريش انذاك.
قوله عليهالسلام
(ولا أبو سفيان كأبي طالب) :
قاد ابو سفيان قريشا والقبائل فيما بعد
ضد النبي ليصد عن دعوته الالهية ويسفك دمه فكيف يقايسه معاوية بابي طالب الذي وظف
كل ما حباه الله من قدرات في نصرة النبي صلىاللهعليهوآله
قال عليهالسلام
يخاطبه صلىاللهعليهوآله
:
والله لن يصلوا اليك بجمعهم
|
|
حتى اوسد في التراب دفينا
|
فأصدع بأمرك ما عليك غضاضة
|
|
ابشر وقر بذاك عيونا
|
وقال ايضا يخاطب قريشا :
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا
|
|
ولما نطاعن دونه ونناضل
|
ونسلمه حتى نصرع دونه
|
|
ونذهل عن ابنائنا والحلائل
|
قوله
عليهالسلام
(ولا
الطليق كالمهاجر ولا المنافق كالمؤمن والمبطل كالمحق)
اراد بـ (المهاجر) و (المؤمن) و (المحق) نفسه الشريفة ، واراد بـ (الطليق) و (المنافق)
و (المبطل) معاوية.
وفي رواية الشريف الرضي في نهج البلاغة
ومصادر اخرى
اضافة لم تكن في رواية مسلم وغيره وهي :
__________________
قوله عليهالسلام
(ولا الصريح كاللصيق) :
وقد اراد عليهالسلام
بقوله (الصريح) الاشارة الى نفسه الشريفة وهو اول هاشمي ولد لهاشمية ، فان اباه
ابو طالب بن عبد المطلب بن هاشم وامه فاطمة بنت اسد بن هاشم وقالوا عنه وهو أول
هاشمي ولده هاشم مرتين.
وبقوله (اللصيق) الاشارة الى شبهة النسب
في معاوية ، غير ان البعض نفى انها تشير الى ذلك.
قال ابن ابي الحديد : «فإن قلت : فما
معنى قوله : «ولا الصريح كاللصيق»س ، وهل كان في نسب معاوية شبهة ليقول له هذا؟
قلت : كلا إنه لم يقصد ذلك ، وإنما أراد الصريح بالإسلام واللصيق في الاسلام ، فالصريح
فيه هو من أسلم اعتقادا وإخلاصا ، واللصيق فيه من أسلم تحت السيف أو رغبة في
الدنيا».
أقول :
بل اراد عليهالسلام
النسب ، لان لفظة (الصريح) صريحة في خالص النسب وكذلك اللصيق والمُلصَق فانها
صريحة في دعي النسب (لسان العرب).
قال الزمخشري : كان معاوية يعزى إلى
أربعة : إلى مسافر بن أبي عمرو ، وإلى عمارة بن الوليد بن المغيرة ، وإلى العباس
بن عبد المطلب ، وإلى الصباح ، مغن كان لعمارة بن الوليد. قال : وقد كان أبو سفيان
دميما قصيرا ، وكان الصباح عسيفا (اجيرا) لأبي سفيان ، شابا وسيما ، فدعته هند إلى
نفسها فغشيها. وقالوا : إن عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضا ، وقالوا : إنها كرهت
أن تدعه في منزلها ، فخرجت إلى أجياد ، فوضعته هناك.
وفي هذا المعنى يقول حسان أيام المهاجاة
بين المسلمين والمشركين في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآله
قبل عام الفتح :
لمن الصبي بجانب البطحاء
|
|
في الترب ملقى غير ذي معه
|
__________________
نجلت به بيضاء آنسة
|
|
من عبد شمس صلتة الخد
|
والعسيف : الأجير. نجلت به ولدته ، وصلتة
الخد ، الصلت : الأملس.
أقول :
لقد كانت امام معاوية فرصة التاريخ
الذهبية حين صالحه الحسن عليهالسلام
على امرة المسلمين جميعا بشروطه المعروفة ، وحين برزت اثار الصلح العظيمة ، غير ان
النشاة الاولى والحضن الخسيس والنطفة المشتبهة ، ودماء الصلحاء والابرياءفي صفين
بل في الجمل لانه المخطط لها ، وحبه ليزيد الذي اعماه عن رشده كما قال هو عن نفسه
كما سياتي / كل ذلك جعله يصر على المأثم ، ويتحول الى مرحلة اسوأ في تاريخه ، حين
حرف تاريخ الاسلام وسفك الدماء الاخيار من شيعة العراقو دسه السم للحسن واخذه
الناس ببيعة ابن يزيد الفاسق ، بما وضحناه بشكل مختصر في الفصل السابق.
مرض اللقوة اول الغضب
الالهي على معاوية :
قال ابن الفقيه : ولمّا حجّ معاوية (الظاهر
انها سنة ٥٦ هـ) حرّك المنبر (منبر النبي) يريد أن يخرج به إلى الشام فانكسفت
الشمس ، فقال جابر بن عبد الله : بئس ما صنع معاوية ببلد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومهاجره الذي اختاره
الله له ، والله ليصيبنّ معاوية شيء في وجهه ، فأصابته اللَّقوة نسأل الله
العافية.
أقول : ان فهم جابر بن عبد الله
الانصاري اعمق من ذلك ، واني اشك ان الرواية له ، ولكني اوردتها لاقرِّب فكرة ان
مرض معاوية باللقوة هي عقوبة الهية ولكنها ليست لاجل منبر النبي صلىاللهعليهوآله بل لاجل ما صنعه
نقضه الشرط مع الحسن عليهالسلام
وإعادته لعن علي عليهالسلام
وبخاصة قد اصيب باللقوة في سنة ٥٦ هـ وهي السنة التي اخذه فيها البيعة ليزيد
نفسها.
__________________
قال ابن اعثم : ثم رحل معاوية (من مكة
بعد ان اخذ البيعة ليزيد) ، فلما صار بالأبواء ونزلها قام في جوف الليل لقضاء
حاجته فاطلع في بئر الأبواء ، فلما اطلع فيها اقشعر جلده وأصابته اللقوة في وجهه
فأصبح لما به ، فدخل عليه الناس يعزونه ويتوجعون له مما قد نزل به ، فقال : أيها
الناس! إن المؤمن ليصاب بالبلاء فإما معاقب بذنب وإما مبتلى ليؤجر ، وإن ابتليت
فقد ابتلى الصالحون من قبلي ، وأنا أرجو أن أكون منهم ، وإن مرض مني عضو فذلك
بأيام صحتي وما عوفيت أكثر ، ولئن أعطيت حكمي فما كان لي على ربي أكثر مما أعطاني
لأني اليوم ابن بضع وسبعين ، فرحم الله عبدا نظر إلي فدعا لي بالعافية ، فإني وإن
كنت غنيا عن خاصتكم لقد كنت فقيرا إلى عامتكم. قال : فدعا الناس له بخير وخرجوا من
عنده. وجعل معاوية يبكي لما قد نزل به ، فقال له مروان بن الحكم : أجزعا يا أمير
المؤمنين؟ فقال : لا يا مروان! ولكني ذكرت ما كنت عنه عزوفا ثم إني بليت في أحسني
وما ظهر للناس مني ، فأخاف أن يكون عقوبة عجلت لي لما كان مني من دفعي بحق علي بن
أبي طالب ، وما فعلت بحجر بن عدي وأصحابه ، ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي وعرفت
قصدي.
وقال ابن عساكر : حج معاوية بن أبي
سفيان عاما حتى إذا كان بالأبواء اطلع في بئر لها عادية فضربته اللَّقوة ، فمضى
حتى أتى مكة فدخل داره وأرخى حجابه ودعا حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد صلىاللهعليهوسلم ثم قال أيها الناس
إن ابن آدم بعرض بلاء إما مبتلى ليؤجر وإما معاقب بذنب وإما مستعتب ليعتب وما
أعتذر من واحدة من ثلاث ... قال فعج الناس يدعون له فبكى معاوية.
فلما خرجوا من عنده قال له مروان بن
الحكم يا أمير المؤمنين لم بكيت قال يا مروان كبر سني ورق عظمي وابتليت في أحسن ما
يبدو مني وخشيت أن تكون عقوبة من ربي ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي.
وقال البلاذري حدثني محمد بن سعد عن
الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال :
__________________
لما صار معاوية
بالأبواء في حجّته اطَّلع في بئر فأصابته اللقوة ، فقال : ... فأنا ابن بضع وستين
، فرحم الله من دعا لي بالعافية ، فوالله لئن عتب علي بعض خاصتكم ... وقد ابتليت
في أحسني ، وخفت أن يكون عقوبة من ربّي ، ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي.
أقول
: وقول معاوية (ولولا هواي في يزيد
لابصرت رشدي) يعلق عليه ابن حجر المكي بقوله : وقوله : ولولا هواي ... الخ ، فيه
غاية التسجيل على نفسه (اي على معاوية) بأن مزيد محبته ليزيدي أعمت عليه طريق
الهدى ، وأوقعت الناس بعده مع ذلك الفاسق المارق في الردى) انتهى كلامه.
ويؤكد هذا القول ان معاوية قد اصابته
اللقوة سنة ٥٦ هـ وهي السنة التي اخذ فيها معاوية البيعة لولده يزيد.
وفي لسان العرب اللقوة : داء يكون في
الوجه يعوج منه الشدق ، والشدق جانب الفم.
قال الذهبي في معاوية (أصابته لقوة ، يعني بطل نصفه) اي تعطل نصف وجهه.
قال الزبيدي : واللَّقْوَةُ ، بالفتح : داءٌ
في الوَجْهِ ؛ زادَ الأزْهرِي : يَعْوَجُّ منه الشِّدْق. وقالتِ الأطبَّاء : اللَّقْوةُ
مَرَضٌ يَنْجذِبُ له شِقّ الوجْهِ إلى جهَةٍ غيْر طَبِيعِيَّة ولا يحسنُ الْتِقاء
الشفَتَيْن ولا تَنْطَبِقُ إحْدَى العَيْنَيْن.
وقال الازهري : اللَّقْوَةُ أنْ
يَتَعَوَّجَ وَجْهُهُ ولا يَقْدِرَ على تَغْمِيضِ إحْدَى عَيْنَيْهِ.
وقال ابن سيدة : اللقوة ، اضطراب شكل
الوجه واعوجاجه ، وقد لقي.
وقال العلامة المجلسي : اللقوة ـ بالفتح
والكسر ـ : علة ينجذب لها شق الوجه إلى جهة غير طبيعية ، فيخرج النفخة والبزقة من
جانب واحد ، ولا يحسن التقاء الشفتين ، ولا تنطبق إحدى العينين.
__________________
وقد ذكر المصادر التي ذكرت لقوة معاوية
انه استمرت معه الى موته.
قال ابن كثير : وكان به النقابة ـ يعني
لوقة ـ فمات من يومه ذلك.
أقول
: النقابة مصحب الناقبة وهي القرحة التي
تخرج بالجنب
، وقد اخطا ابن كثير بقوله هي لوقة ، ومراده (اللِقوة التي اصابته سنة ٥٦ هـ) ، فهما
مرضان لا مرض واحد.
وفي اخريات حياته اصابته قرحة في ظهره
وقُرٌّ جعلته يفقد الراحة التي ينشدها لنفسه وهو يرأس اعظم دولة في العالم انذاك.
قال ابن عساكر : لما كبر معاوية خرجت به
قرحة في ظهره فكان إذا لبس دثارا ثقايلا والشام أرض باردة أثقله ذلك وغمه فقال
اصنعوا لي دثارا خفيفا دفيئا من هذه السخال فصنع له فلما ألقي عليه تسار إليه ساعة
ثم غمه فقال جافُوه عني ثم لبسه ثم غمه فألقاه ففعل ذلك مرارا ثم قال قبحك الله من
دار ملكتك أربعين سنة عشرين خليفة وعشرين إمارة ثم صيرتني إلى ما أرى قبحك الله من
دار.
عن أبي بردة قال دخلت على معاوية بن أبي
سفيان حين أصابته قرحته فقال لهم يا بن أخي تحول فناظر قال فتحولت فنظرت فإذا هي
قد سبرت يعني قرحته فقلت
__________________
ليس عليك بأس يا أمير
المؤمنين.
وقال ابن كثير : (وروى ابن جرير
أن معاوية جعل يغرغر بالموت وهو يقول : إن يومي بك يا حجر بن عدي لطويل ، قالها
ثلاثاً).
وقال ابن اعثم : وكان (معاوية) في مرضه
يرى أشياء لا تسره حتى كأنَّه ليهذي هذيان المُدنَف وهو يقول : اسقوني اسقوني!
فكان يشرب الماء الكثير فلا يروى. وكان ربما غشي علهي اليوم واليومين ، فإذا أفاق
من غشوته ينادي بأعلى صوته : ما لي وما لك يا حجر بن عدي! ما لي وما لك يا عمرو بن
الحمق! ما لي وما لك يا بن أبي طالب!
مضافا الى ذلك اهم المضاعفات لمرض
اللقوة وهو النفث لعدم قدرته على اطباق فمه كليا.
روى الطبري قال حدثني الحارث قال حدثنا
محمد بن سعد قال حدثنا أبو عبيدة عن أبي يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمير قال
لما ثقل معاوية ... قال وكان به النفاثات فمات من يومه ذلك.
قال ابن منظور : النَّفْثُ : أَقلُّ من
التَّفْل ، لأَن التفل لا يكون إِلَّا معه شيء من الريق ؛ والنفثُ : شبيه بالنفخ ؛
وقيل : هو التفل بعينه.
أقول
: المناسب لمرض اللقوة هو ان يكون النفث
هو التفل بعينه.
وهكذا تتضح حالة معاوية التي لا يحسد
عليها منذ اصابته اللقوة (الشلل النصفي في وجهه) واستمرت تلاحقه خمس سنوات اقضت
عليه مضجعه :
ـ عدم قدرة على اغماض احد عينيه.
__________________
ـ عدم القدرة على تقطيب وجهه.
ـ اعوجاج الفم الى احد الجانبين.
ثم اصابته بقرحة الظهر وبالقُرّ ، ثم
بالنفاثات.
وفي ضوء ذلك كان معاوية خلال خمسة سنوات
قد معاوية لذة الكلام وتفاعل الوجه مع الحوادث والعواطف ولذة الطعام وجمال تناسق
الوجه ، وهو يحس بان مبغضيه يتشفون به كلما رأوه. وخمس سنوات من معاناة المرض
جسيما ونفسيا اخرج حب الدنيا من نفسه مع تعلقه بها وهو الغارق فيها الى قمة راسه
وقد عمل لها كل حياته! وقد اقترن هذا العذاب باخذه البيعة لولده يزيد الذي قال فيه
لولا هواي في يزيد لابصرت رشدي.
وبعد فهل يكون مصداق لقوله تعالى (سنسمه
على الخرطوم) اوضح من معاوية الذي اصيب باللقوة في وجهه جزاء لصده عن سبيل الله
قال تعالى في سورة القلم :
(بِسْمِ اللَّـهِ
الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ
(١) مَا
أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ
(٢) وَإِنَّ
لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ
(٣) وَإِنَّكَ
لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ
(٤) فَسَتُبْصِرُ
وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَييِّكُمُ
الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
(٧) فَلَا
تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ
فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلَا تُطِعْ كُلَّ
حَلَّافٍ مَّهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ
بِنَمِيمٍ (١١) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
(١٢) عُتُلٍّ
بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ
(١٣) أَن
كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ
(١٤) إِذَا
تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
(١٥) سَنَسِمُهُ
عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ
كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا
مُصْبِحِينَ (١٧) وَلَا يَسْتَثْنُونَ
(١٨) فَطَافَ
عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ
(١٩) فَأَصْبَحَتْ
كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنَادَوْا
مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا
عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ
(٢٢) فَانطَلَقُوا
وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (٢٣) أَن لَّا
يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ
(٢٤) وَغَدَوْا
عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ
(٢٥) فَلَمَّا
رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ
(٢٦) بَلْ
نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قَالَ أَوْسَطُهُمْ
أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ
(٢٨) قَالُوا
سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا
ظَالِمِينَ
(٢٩) فَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ
(٣٠) قَالُوا
يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ
(٣١) عَسَىٰ
رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا
رَاغِبُونَ (٣٢) كَذَٰلِكَ
الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
(٣٣))
القلم / ١ ـ ٣٣.
وقد ورد في الرواية انها في بني امية.
__________________
الباب
الثاني / الفصل الخامس
تعليقات
على موارد من كتاب صلح الحسن عليهالسلام
للعلامة الحجة الشيخ راضي آل ياسين رحمهالله
لابد لي قبل ذكر هذه التعليقات ان أبين
ان آية الله الشيخ راضي آل ياسين قد كان جريئا ومفكرا لامعا حين طرح ان الحسن عليهالسلام بصلحه قد فصل بين
الإمامة الدينية والسلطة الزمنية في الإسلام ، ومن المؤسف ان لا تأخذ هذه الفكرة
الجريئة طريقها إلى البحث التفصيلي ، كما انه قد جلى صورة شخصية الامام الحسن عليهالسلام بما يناسبه كإمام
هدى وكسياسي. من الطراز الأول فيما اشترط على معاوية من شروط ، ولم تكن مشكلة
الكتاب الا في عدم تمييزه بين سنوات الصلح العشر أيام الحسن عليهالسلام حيث لم يروع فيها
شيعي واحد من أهل العراق وسنوات الغدر المبين بعد وفاة الحسن عليهالسلام وهي مشكلة الرؤية
القديمة والمشهورة وقد اضطلع البحث بالكشف عن ذلك لأول مرة مضافا إلى التعليل
الجديدة في مبررات الصلح التي تنسجم مع الحقيقة المكتشفة.
وكنت قد ذكرت في التمهيد ملاحظاتي
الإجمالية على الرؤية السائدة في تعليل الصلح وفي هذا الفصل اوردت اربعة عشرة
تعليقة على كلامه رحمهالله
حول بنود الصلح وعلى كلامه حول الوفاء بالشروط وما بعدها.
كلامه رحمهالله
على بنود الصلح
قال رحمهالله
:
[وروى فريق من المؤرخين ، فيهم الطبري
وابن الأثير : «أن معاوية أرسل إلى الحسن صحيفة بيضاء مختوما على أسفلها بختمه» ، وكتب
إليه : «أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت ، فهو لك».
«انظر التعليقة رقم ١».
«ثم بتروا الحديث ، فلم يذكروا بعد ذلك
، ماذا كتب الحسن على صحيفة معاوية. وتتبعنا المصادر التي يسر لنا الوقوف عليها ، فلم
نر فيما عرضته من شروط الحسن عليهالسلام
، الا النتف الشوارد التي يعترف رواتها بأنها جزء من كل. وسجل مصدر واحد صورة ذات
بدء وختام ، فرض أنها [النص الكامل لمعاهدة الصلح] ، ولكنها جاءت ـ في كثير من
موادها ـ منقوضة بروايات أخرى تفضلها سندا ، وتزيدها عددا. ولنا لو أردنا الاكتفاء
، أن نكتفي ـ في سبيل التعرف على محتويات المعاهدة ـ برواية (الصحيفة البيضاء) ، كما
فعل رواتها السابقون ، فبتروها اكتفاء باجمالها عن التفصيل ، ذلك لان تنفيذ الصلح
على قاعدة «اشترط ما شئت فهو لك» معناه أن الحسن أغرق الصحيفة المختومة في أسفلها
، بشتى شروطه التي أرادها ، فيما يتصل بمصلحته ، أو يهدف إلى فائدته ، سواء في
نفسه أو في أهل بيته أو في شيعته أو في أهدافه ، ولا شيء يحتمل غير ذلك. وإذا قدر
لنا ـ اليوم ـ أن لا نعرف تلك الشروط بمفرداتها ، فلنعرف أنها كانت من السعة
والسماحة والجنوح إلى الحسن ، بحيث صححت ما يكون من الفقرات المنقولة عن المعاهدة
أقرب إلى صالح الحسن ، ورجحته على ما يكون منها في صالح خصومه ، كنتيجة قطعية
لحرية الحسن عليهالسلام
في أن يكتب من الشروط ما يشاء. ورأينا بدورنا ، وقد أخطأنا التوفيق عن تعرف ما
كتبه الحسن هناك ، أن ننسق ـ هنا ـ الفقرات المنثورة في مختلف المصادر من شروط
الحسن على معاوية في الصلح ، وأن نؤلف من مجموع هذا الشتات صورة تحتفل بالأصح
الأهم ، مما حملته الروايات الكثيرة
__________________
عن هذه المعاهدة ، فوضعنا
الصورة في مواد ، وأضفنا كل فقرة من الفقرات إلى المادة التي تناسبها ، لتكون ـ مع
هذه العناية في الاختيار والتسجيل ـ أقرب إلى واقعها الذي وقعت عليه. واليك هي
صورة المعاهدة التي وقعها الفريقان :
المادة
الأولى : تسليم الأمر إلى معاوية ، على أن يعمل
بكتاب الله وبسنة رسوله صلىاللهعليهوآله
(المدائني ـ فيما رواه عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٤ ص ٨) ، وبسيرة الخلفاء
الصالحين.
«انظر
التعليقة رقم ٢».
المادة
الثانية : أن يكون الأمر للحسن من بعده.
«انظر
التعليقة رقم ٣».
المادة
الثالثة : أن يترك سب أمير المؤمنين والقنوت عليه
بالصلاة
، وأن لا يذكر عليا الا بخير.
المادة
الرابعة : استثناء ما في بيت المال الكوفة ، وهو
خمسة آلاف ألف فلا يشمله تسليم الأمر. وعلى معاوية أن يحمل إلى الحسن كل عام ألفي
ألف درهم ، وأن يفضل بني هاشم في العطاء والصلات على بني عبد شمس ، وأن يفرق في
أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل وأولاد من قتل معه بصفين ألف ألف درهم ، وأن
يجعل ذلك من خراج دار ابجرد.
«انظر
التعليقة رقم ٤».
__________________
المادة
الخامسة : «على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض
الله ، في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم ، وأن يؤمن الأسود والأحمر ، وان يحتمل
معاوية ما يكون من هفواتهم ، وأن لا يتبع أحدا بما مضى ، وأن لا يأخذ أهل العراق
باحنة وعلى أمان أصحاب علي
حيث كانوا ، وأن لا ينال أحدا من شيعة علي بمكروه ، وأن أصحاب علي وشيعته آمنون
على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم ، وان لا يتعقب عليهم شيئا ، ولا يتعرض لاحد
منهم بسوء ، ويوصل إلى كل ذي حق حقه ، وعلى ما أصاب أصحاب علي حيث كانوا
...» وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ، ولا لأخيه الحسين ، ولا لاحد من أهل بيت رسول
الله ، غائلة ، سرا ولا جهرا ، ولا يخيف أحدا منهم ، في أفق من الآفاق.
قال ابن قتيبة : «ثم كتب عبد الله بن
عامر ـ يعني رسول معاوية إلى الحسن عليهالسلام
ـ إلى معاوية شروط الحسن كما أملاها عليه ، فكتب معاوية جميع ذلك بخطه ، وختمه
بخاتمه ، وبذل عليه العهود المؤكدة ، والايمان المغلظة ، وأشهد على ذلك جميع رؤساء
أهل الشام ، ووجه به إلى عبد الله ابن عامر ، فأوصله إلى الحسن.
وذكر غيره نص الصيغة التي كتبها معاوية
في ختام المعاهدة فيما واثق الله عليه من الوفاء بها ، بما لفظه بحرفه : «وعلى
معاوية بن أبي سفيان بذلك ، عهد الله وميثاقه ، وما أخذ الله على أحد من خلقه
بالوفاء ، وبما أعطى الله من نفسه.
__________________
وكان ذلك في النصف من جمادي الأولى سنة
٤١ ـ على أصح الروايات ـ لتكن صيغة المعاهدة بما اشتملت عليه من عناصر موضوعية لها
أهميتها في الناحيتين الدينية والسياسية ، شاهدا جديدا على ما وفق له واضع بنودها
من سمو النظر في الناحيتين جميعا.
ومن الحق ان نعترف للحسن بن علي عليهماالسلام ـ على ضوء ما أثر
عنه من تدابير ودساتير هي خير ما تتوصل إليه اللباقة الدبلوماسية لمثل ظروفه من
زمانه وأهل زمانه ـ بالقابليات السياسية الرائعة التي لو قدر لها أن تلي الحكم في
ظرف غير هذا الظرف ، وفي شعب أو بلاد رتيبة بحوافزها ودوافعها ، لجاءت بصاحبها على
رأس القائمة من السياسيين المحنكين وحكام المسلمين اللامعين ... بما تضعه في هذه
المعاهدة من خطوط ، وبما تستقبل به خصومها من شروط. وانك لتلمح من بلاغة المعاهدة
بموادها الخمس ، أن واضعها لم يعالج موضوعه جزافا ، ولم يتناوله تفاريق وأجزاء ، وإنما
وضع الفكرة وحدة متماسكة الأجزاء متناسقة الاتجاهات. وتوفر فيها على تحري أقرب
المحتملات إلى التنفيذ عمليا ، في سبيل الاحتياط لثبوت حقه الشرعي ، وفي سبيل
صيانة مقامه ومقام أخيه ، وتيسير شؤون أسرته وحفزهم ، واعتصم فيها بالأمان لشيعته
وشيعة أبيه وإنعاش أيتامهم ، ليجزيهم بذلك على ثباتهم معه ووفائهم مع أبيه ، وليحتفظ
بهم أمناء على مبدئه وأنصارا مخلصين لتمكين مركزه ومركز أخيه ، يوم يعود الحق إلى نصابه.
وسلم فيها «الأمر» إلى معاوية مشروطا بالعمل على سنة النبي صلىاللهعليهوآله وسيرة الخلفاء
الصالحين «انظر
التعليقة رقم ٢» فقلص بذلك من
نفوذ عدوه في «الأمر» بما عرضه ـ من وراء هذا الشرط ـ للمخالفات التي لا عد لها
ولا حد لنقمتها ،
... فلم يهدف معاوية في صلحه مع الحسن عليهالسلام ، الا للاستيلاء على
الملك ،
ولم يرض الحسن بتسليم الملك لمعاوية الا
ليصون مبادئه من الانقراض ، وليحفظ شيعته من الإبادة ، وليتأكد السبيل إلى استرجاع
الحق المغصوب يوم موته معاوية.
ومن سداد الرأي أن لا نفهم مغزى هذه
المعاهدة الا على هذا الوجه. «انظر
التعليقة رقم ٥».
المادة
السابعة : ان لا يسميه بأمير المؤمنين وان لا
يقيم عنده شهادة
: وجاء فيما يرويه الكليني رحمهالله
: «ان الحسن اشترط على معاوية أن لا يسميه أمير المؤمنين» «انظر التعليقة رقم
٦».
وجاء فيما يرويه ابن بابويه رحمهالله
، ورووا غيره أيضا : «أن الحسن اشترط على معاوية أن لا يقيم عنده شهادة» «انظر التعليقة رقم
٧». ولا أكثر مما تضمنته هاتان الروايتان تحفظا عن الاعتراف بصحة خلافة معاوية
فضلا عن البيعة له. ولم يكن ثمة الا تسليم الملك الذي عبرت عنه المعاهدة «بتسليم
الأمر» وعبر عنه آخرون بتسليم الحكم.
اما قول الدينوري في «الإمامة والسياسة»
أن الحسن بايع معاوية على الإمامة «انظر التعليقة رقم
٧» ، فهو القول الذي يصطدم قبل كل شيء بقابليات معاوية التي عرفنا قريبا النسبة
بينها وبين الخلافة وصلاحية البيعة على المسلمين ، ويصطدم ثانيا بتصريحات الحسن في
انكار خلافة معاوية. سواء في خطابيه الآنفين ، أو في تحفظاته الواضحة في هاتين
الروايتين.
(انتهت كلمات الشيخ راضي آل ياسين رحمهالله التي نريد التعليق
عليها وهي سبع موارد حملت أرقام التعليقات ١ ـ ٧) كما يلي :
تعليقاتنا على كلامه السابق رحمهالله
من رقم ١ الى رقم ٨
التعليقة رقم ١ :
أقول
: فهم بعض المؤرخين والباحثين ان الحسن
هو البادئ بالصلح وانه بعض إلى معاوية اني اسلمك الأمر بشروط وبعث له معاوية
بصحيفة بيضاء مختومة. ولكن روايات أخرى وما تقتضيه طبيعة الأشياء هو ان معاوية كان
المبادر بصلح يكرس الانشقاق إذ عرض على الحسن ان يبقى على بلده العراق الذي بايعه
ويبقى هو على
__________________
بلده الشام الذي
بايعه وتوقف الحرب وتحقن الدماء ولكن الحسن فاجأه بان يتنازل عن ملك العراق له
لقاء شروط والتفصيل في الهامش الرابع.
التعليقة رقم ٢ :
أقول
: المراد بسيرة الخلفاء الصالحين هم
الثلاثة الأول ولا يترقب من الحسن عليهالسلام
ان يشترط على معاوية التزامها لان أباه عليا قد ترك الخلافة المشروطة بالعمل بسيرة
الشيخين مضافا إلى ان نظام الحكم في العراق أيام علي والحسن كان قائما على الكتاب
والسنة دون سيرة الشيخين.
التعليقة رقم ٣ :
ان تسليم حكم العراق لمعاوية من قبل
الحسن هو جزء من صيغة صلح تقدم بها الحسن لعلاج الانشقاق وإقامة حكم مدني يحفظ
للجميع حقوقهم وطريقتهم في التعبد ردا على صيغة معاوية وكانت صيغته تكرس الانشقاق
وصيغة الحسن تعالجه ويقدم الحسن على وضع الشروط بعد ان يوافق معاوية على اصل
الأطروحة وقد وافق عليها وبعث بصحيفة بيضاء وقال له اكتب ما شئت التزمه. ومن ثم
كانت شروط الحسن اولها : ان يعمل معاوية في رئاسة الدولة الجديدة بكتاب الله وسنة
نبيه دون سيرة الشيخين لأنها رأي وليست من الكتاب والسنة ، ثانيها أن يترك سب علي
لأنه ليس من السنة بل السنة تامر بذلك علي بخير ، وتجعل الساب له سابا لله ولرسوله
، الخ الشروط ...
التعليقة رقم ٤ :
نحن نشك في اشتراط المال انظر الباب
الرابع الفصل الثالث من هذا الكتاب صفحة ٥٦٥.
التعليقة رقم ٥ :
أقول
: هناك عدة قضايا ينبغي الانتباه إليها :
القضية الأولى : من البادئ بطلب الصلح
هل الامام الحسن أم معاوية؟
والجواب هو ان طبيعة الأشياء وطريقة
تفكير معاوية تقتضي ان يكون هو المبادر فانه حين بايعه أهل الشام على ما بويع عليه
عثمان من الملك والإمامة الدينية وبذلك
حقق لدى أهل الشام
فكرة مفادها انه امتداد للخلفاء القرشيين الثلاثة وانه الخط الشرعي للنبي وهذا
المكسب بنفسه يستلزم ان يحافظ عليه معاوية بان يكرر ما عرض على علي عليهالسلام سابقا ان تكون له
الشام وان يكون لعلي سائر البلاد ورفض علي آنذاك ،
فان استجاب الحسن لطلب معاوية فهو
المطلوب وبذلك يتفرغ لمواجهة مشكلة الإرهاب الداخلي ومشكلة الخطر الرومي من الشمال
الشرقي لحدوده ،
وان رفض الحسن فان ذلك سوف يزيد أهل
الشام قناعة بصدق اعلامهم بان عليا وولده طلاب فتنة وما عليهم الا الدفاع عن
انفسهم ومحاربتهم.
القضية الثانية : ان الحسن له صفتان
الأول صفة الإمامة الدينية بالنص والوصية من النبي صلىاللهعليهوآله
وهذه الصفة تستلزم العصمة وليست موضوعا للتنازل مطلقا وهي فاعلة سواء كان الحسن
حاكما أو لم يكن ، الثانية صفة الحكومة وهذه لها أهلية ولها فعلية اما الأهلية فمن
الله ورسوله بالتسمية ، اما الفعلية قبيعة أهل الحل والعقد وقد بايع الحسن أهل
العراق على ذلك وهذه الصفة قابلة لان يتنازل عنها الامام عليهالسلام.
القضية الثالثة : لابد ان نسأل عن السبب
الذي دفع الحسن لان يتنازل عن ملك العراق؟ هل هل هو ضعف الجيش الكوفي أو انحصار
علاج الانشقاق المستعصي وما ينطوي عليه من مخاطر على الإسلام والمسلمين وفتح قلوب
اهل الشام لمشروع علي عليهالسلام
بذلك؟
والجواب هو الثاني ؛ كما مر بيانه مفصلا
في الفصول السابقة. وصار الحسن عليهالسلام
فيه نظير المرأتين اللتين تنازعتا ولدا وأصرت كل واحدة انه ولدها فاعلن علي عليهالسلام وقد اسند الحكم إليه
انه سوف يقسمه إلى قسمين لكل واحدة منهن قسم فصاحت الأم الحقيقية انها تهب حصتها
للأخرى ليعيش ولدها ولا يقتل ، هكذا عالج الحسن الانشقاق بان وهب حصته التي اقرّ
معاوية بانها له وصارت البلاد واحدة بشروط ضمن فيها الحسن عليهالسلام أمان شيعته ومصلحته
مع مصالح الآخرين المشروعة.
التعليقة رقم ٦ :
أقول
: شرط الحسن عليهالسلام على معاوية ان لا
يسميه أمير المؤمنين مبني على ان اسم أمير المؤمنين يشير إلى الإمامة الدينية وليس
إلى الملك ، والذي صالح عليه الحسن عليهالسلام
معاوية ليس هو
الإمامة الدينية بل هو الحكم المدني الذي قيده الحسن بالكتاب والسنة وشروط أخرى
فرضها الواقع العراقي ، وتكون طاعته فيما إذا كان أمره بالكتاب والسنة وعدم
مخالفته للشروط الأخرى في حقل ولايته التنفيذية وليس هذا معناه انه عادل في ذاته
نظير القائد في الحرب الدفاعية يطاع أمره في الحرب باعتبار كفاءته وان لم يكن عدلا
في شخصه.
التعليقة رقم ٧ :
أقول
: تفيد المادة ان الحسن عليهالسلام فصل السلطة القضائية
عن السلطة التنفيذية وان راس الدولة الجديدة لا ينبغي له ان يقضي وإنما له الولاية
التنفيذية في شؤون المجتمع في غير القضاء والتشريع.
التعليقة رقم ٨ :
أقول
: ان مصطلح الإمامة يراد به احد معنيين ،
الأول : الحكم والسلطة.
الثاني : يراد به من كنا قوله حجة في
الدين لنصب الهي والشيعة يقصرونه على الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ،
اما عند غيرهم فهم يطلقونه على من كل قوله حجة في أي فن من الفنون فقالوا هذا امام
في النحو وهذا امام في التاريخ وهذا امام في الفقه. وقول الدينوري يحمل على الأول.
يبقى هل ان الحسن بايع معاوية على الحكم؟
الجواب لم يكن موضوع الصلح عند معاوية
حين تقدم به إلى الحسن هو ان يتنازل الحسن لمعاوية ويبايعه بل كان هو أن يبقى
الحسن على بلده الذي بايعه وان يبقى معاوية على الشام ، وكذلك الأمر في الصيغة
التي تقدم بها الحسن لم يكن موضوعها ان يبايع الحسن معاوية ، بل موضوع ان يتنازل
الحسن عن ملك العراق لتأسيس حكم مدني مشروط بالكتاب والسنة وشروط أخرى تحفظ مصالح
الجزء الكبير من الأمة الذي تنازل عن الملك وفي هذه الصيغة لم يتنازل الحسن عن
الملك مطلقا بل اشترط ان يكون الملك له بعد موت معاوية. ان الحسن صالح معاوية على
إقامة حكم مدني
__________________
بشروط شخصت حاكمين
وليس حاكما واحدا وهما من بايعه أهل العراق وأهل الشام ، وقدم الحسن بيعة أهل
الشام على أهل العراق من اجل إيجاد الحكم المدني الجديد وحل أزمة الانشقاق إذن سوف
يكون الحسن بعد التنازل حاكما على الأمة كلها مع وقف التنفيذ لحين موت معاوية ، فلا
مجال لما رواه المؤرخون / وهم ما بين مغرض أو راو لمن هو افقه) من افتراض ان يبايع
الحسن معاوية على الحكم.
كلامه رحمهالله
في دراسة الشروط والوفاء بها
قال رحمهالله
تحت عنوان (الاجتماع في الكوفة) : وكان طبيعيا أن يتفق الفريقان بعد توقيعهما
الصلح ، على مكان يلتقيان فيه على سلام ، ليكون اجتماعهما في مكان واحد تطبيقا
عمليا للصلح الذي يشهده التاريخ ، وليعترف كل منهما على مسمع من الناس بما أعطى
صاحبه من نفسه وبما يلتزم له من الوفاء بعهوده. واختارا الكوفة ، فأقفلا إليها ، وأقفل
معهما سيول من الناس غصت بهم العاصمة الكبرى ، وهم ـ على الأكثر ـ أجناد الفريقين
، تركوا معسكريهما وخفوا لليوم التاريخي الذي كتب على طالع الكوفة النحس أن تشهده
راغمة أو راغبة.
وخطب معاوية في الناس و (على رواية
المدائني) قال : «يا أهل الكوفة ، أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد
علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون؟ ، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وألي رقابكم ، وقد
آتاني الله ذلكو أنتم كارهون! ألا ان كل دم أصيب في هذه الفتنة مطلول ، وكل شرط
شرطته فتحت قدمي هاتين!! .. وروى أبو الفرج الأصفهاني عن حبيب بن أبي ثابت مسندا ،
أنه ذكر في هذه الخطبة عليا فنال منه ، ثم نال من الحسن!
وزاد أبو اسحق السبيعي فيما رواه من
خطبة معاوية قوله : «الا وان كل شيء أعطيت الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به!»
«انظر
التعليقة رقم ٩».
قال أبو اسحق : «وكان والله غدارا».
وتجهز الحسن ـ بعد ذلك ـ للشخوص إلى
المدينة ، فلما صار بدير هند (الحيرة) نظر إلى الكوفة وقال :
وما عن قلى فارقت دار معاشري
|
|
هم المانعون حوزتي وذماري
|
قال الشيخ رحمهالله
: وأي نفس ملائكية هذه التي لقيت من نشوز هذه الحاضرة ومن بوائقها ما لقيت ، ثم هي
تودعها بهذا البيت من الشعر ، فلا تذكر من تاريخها الطويل العريض ، الا وفاء
الأوفياء «المانعين الحوزة والذمار» وهم الذين منعوا عنه من أراده في المدائن ، والذين
ثبتوا على طاعته يوم العسرة في مسكن ، فكانوا إخوان الصدق وخيرة الأنصار ، على
قلتهم.
وصب الله على الكوفة بعد خروج آل محمد
منها ، الطاعون الجارف ، فكان عقوبتها العاجلة على موقفها من هؤلاء البررة
الميامين. وهرب منها واليها الأموي [المغيرة بن شعبة] خوف الطاعون ، ثم عاد إليها
فطعن به فمات «انظر
التعليقة رقم ١٠».
وكان الحسن ـ كما نعلم ـ أعرف الناس
بمعاوية وبحظه من الصدق والوفاء ، وهو إذ يأخذ عليه الصيغ المغلظة في الإيمان
والعهود ، لا يقصد من ذلك إلى التأكد من صدقه أو وفائه ، ولكن ليكشف للأغبياء
قابليات الرجل في دينه وفي ذمامه وفي شرفه بالقول ، وانها للمبادأة الأولى التي
ابتدأ الحسن عليهالسلام
زحفه منها إلى ميدانه الثاني.
ومن هنا وضع أول حجر في البناء الجديد
لقضية أهل البيت عليهمالسلام.
ثم مشى موكب الزمان ، فإذا بالخطوات الموفقة تمشي وثيدا مع الزمان وإذا بطلائع
النجاح كفيالق الجيش التي تتلاحق تباعا لتتعاون على الفتح. وان من الفتوح ما لا
يعتمد في أداته على السلاح ، ومنها ما يكون وسائله الأولية أشبه بالهزيمة ، حتى
ليخاله الناس تسليما محضا ، ولكنه في منطق العقلاء ، ظفر لامع وفتح مبين «انظر التعليقة رقم ١١».
وكان من أبرز الخطوات
التي وفقت إليها خطة الحسن عليهالسلام
عن طريق الصلح ، في سبيل التشهير بمعاوية حيا وميتا ، والنكاية ببني أمية اطلاقا :
١ ـ أنها ألبت على معاوية في بداية عهده
الاستقلالي عددا ضخما من الشخصيات البارزة في المملكة الإسلامية. فلعنه صراحة
بعضهم ، وخبثه آخر ، وقرعه وجاها ثالث بل ثلاثة ، وقاطعه رابع ، وانكر عليه حتى
مات غما من فعاله كبير خامس ، وقال فيه أحدهم : «وكان والله غدارا». وقال الآخر : «اربع
خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن الا واحدة لكانت موبقة».
٢ ـ وخلقت له معارضة الطبقات التي
شملتها بنود المعاهدة ، سواء في الأمان المفروض فيها ، أو في الحقوق المالية
المنصوص عليها. فإذا بعالم عظيم من الناس أصبح ينظر إلى معاوية نظره إلى العدو
الواتر في النفس والمال ، بما نقضه من شروطهم ، في نفوسهم وأموالهم.
٣ ـ وظن معاوية أنه سيجعل من نقضه
معاهدة الحسن وضعا شكليا لبيعة ابنه يزيد ، يتغلب به على عنعنات الإسلام المقررة
بين المسلمين في أمر البيعة وصلاحية الخلافة. ولكنه لم يلبث أن اصطدم بالواقع ، فإذا
بهذه البيعة الجديدة ، مثار النقمة الإسلامية العامة التي أصبحت تتحسس منذ ترشيح
يزيد للخلافة بنوايا بني أمية من الإسلام.
٤ ـ ثم كانت البوائق الدامية التي جهر
بها معاوية بعد نقض الصلح ، في قتله خيار المسلمين ـ من صحابة وتابعين ـ بغير ذنب
، عوامل أخرى للتشهير به ، ولتحطيم معنوياته المزعومة ، تمشيا مع الخطة المكينة ، التي
أراها الامام الحسن عليهالسلام
منذ قرر الاقدام على الصلح.
٥ ـ وقضية الحسين في كربلاء سنة (٦١) هجرية
، كبرى قضايا الحسن فيما مهد له من الزحف على عدوهما المشترك ، وعدو أبيهما من
قبل. ولا ننسى أنه قال له يوم وفاته : «ولا يوم كيومك أبا عبد الله». وهذه الكلمة
على اختزالها ـ المقصود ـ هي الرمز الوحيد الذي سمع من الحسن عليهالسلام ، فيما يشير به إلى
الخطة المقنعة بالسر ، التي اعتورها الغموض من ست جهاتها ، منذ يوم الصلح إلى يوم
صدور هذا الكتاب. وانك لتقرأ من هذه الكلمة لغة «القائد الأعلى» الذي يوزع القواد
لوقائعهم ، ويوزع الأيام لمناسباتها ، ثم يميز أخاه ويوم أخيه فيقول : «ولا يوم
كيومك ..». وكان من طبيعة الحال ان تبعث المناسبات الزمنية حلقات الخطة كلا
ليومها. وكان لابد لكل حلقة أن توقظ الأخرى ، وأن تؤرث السابقة اللاحقة ، وتوقد
الأولى جذورة الثانية ، وهكذا دواليك. وحسب الحسن لكل هذه الخطوات حسابها المناسب
لها ، منذ قاول معاوية على هذا الصلح المعلوم ، ودرس ـ إلى ذلك ـ نفسيات خصومه بما
كانت تشرئب له من النقمة عليه وعلى أخيه وعلى شيعته وعلى أهدافه جميعا. وكانت هذه
المطالعات بنطاقها
الواسع ، الأساس الذي بنى عليه الحسن خطواته المستقبلية فيما مهده لنفسه ولعدوه
معا. وكان من طبيعة الحال ، أن تلقي هذه الخطوات قيادتها إلى الحسين فيما لو حيل
بين الحسن وبين قيادتها بنفسه. وهذا هو ما أردناه في بداية هذا القول. وهكذا كانت
نهضة الحسين الخالدة الخطوة الجبارة في خطة أخيه العبقري العظيم. «انظر التعليقة رقم ١٢».
وقال رحمه الله تعالى تحت عنوان (زعماء
الشيعة المروعون) : وذكر أولهم عبد الله بن هاشم المرقال : كان كبير قريش في
البصرة ، ورأس الشيعة فيها. وكان أبوه هاشم ـ المرقال ـ بن عتبة بن أبي وقاص ، القائد
الجريء المقدام الذي لقي منه معاوية إلى عامله زياد : «اما بعد ، فانظر عبد الله
بن هاشم بن عتبة ، فشد يده على عنقه ، ثم ابعث به إلي». فظرقه زياد في منزله ليلا
، وحمله مقيدا مغلولا إلى دمشق. فأدخل على معاوية ، وعنده عمرو بن العاص ، فقال
معاوية لعمرو : «هل تعرف هذا؟» قال : «هذا الذي يقول أبوه يوم صفين ...» وقرأ رجزه
وكان يحفظه ثم قال متمثلا :
وقد بنبت المرعى على دمن الثرى
وتبقى حزازات النفوس كما هيا
واستمر قائلا : «دونك يا أمير المؤمنين
الضب المضب ، فأشخب أوداجه على أثباجه ، ولا ترده إلى العراق ، فإنه لا يصبر على
النفاق ، وهم أهل الغدر وشقاق وحزب إبليس ليوم هيجانه ، وانه له هوى سيوديه ، ورأيا
سيطغيه ، وبطانة ستقويه ، وجزاء سيئة مثلها». وكان مثل هذا المحضر ومثل هذا
التحامل على العراق وأهله هو شنشنة عمرو بن العاص المعروفة عنه ، ولا نعرف أحدا
وصف أهل العراق هذا الوصف العدو قبله.
أما ابن المرقال فلم يكن الرعديد الذي
يغلق التهويل عليه قريحته ، وهو الشبل الذي تنميه الأسود الضراغم فقال ، وتوجه
بكلامه إلى ابن الاص : «يا عمرو! ان اقتل ، فرجل أسلمه قومه ، وادرك يومه. أفلا
كان هذا منك إذ تحيد عن القتال ، ونحن ندعوك إلى النزال ... فقال عمرو : «أما
والله ... لا أحسبك منفلتا من مخالب أمير المؤمنين». فقال معاوية : «أيها عنكما».
وأمر باطلاق عبد الله لنسيبه «انظر التعليقة رقم ١٣».
ثم ذكر صعصعة بن صوحان وهو سيد من سادات
العرب ، وعظيم من أقطاب الفضل والحسب. أسلم على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، ولكنه لم يلقه لصغره ، وأشكلت على عمر أيام خلافته قضية فخطب الناس وسألهم عما
يقولون ـ فقام صعصعة ، وهو غلام شاب ، فأماط الحجاب ، وأوضح منهاج الصواب ـ ، وعملوا
برأيه ـ ، وكان من أصحاب الخطط في الكوفة ، وشهد مع أمير المؤمنين «الجمل» و «صفين».
قال في الإصابة
«ان المغيرة نفى صعصعة بأمر معاوية من الكوفة إلى الجزيرة أو إلى البحرين ، وقيل
إلى جزيرة ابن كافان فمات بها» «انظر التعليقة رقم ١٤».
(انتهى كلامه رحمهالله وفيما يلي تعليقاتنا
التي تحمل الارقام من ٧ ـ ١٣)
تعليقات على كلامه رحمهالله
من رقم ٩ الى رقم ١٤
التعليقة رقم ٩ :
أقول
: نحن أمام ما ذكروه من قول معاوية عند
دخوله الكوفة (ان شروط الحسن تحت قدميه) بين أمرين اما ان نقول بصحة صدور هذا
القول من معاوية في الأسبوع الأول بعد الصلح ولكن النقض عمليا قد تم بعد عشر سنوات
من الأمان. أو ان القول وتنفيذه قد صدر منه بعد عشر سنوات والذي نراه بعد الاغماض
عن سندها هو الثاني وكان بعد قتل حجر وأصحابه لما سئل كيف قتلتهم وقد أعطيتهم
الأمان قال كل شرط أعطيته للحسن فهو تحت قدمي ، وقد بينا في الفصل الثاني كيف ان
الكوفة عاشت مع بقية البلاد الإسلامية عشر سنوات آمنة عزيزة انطلق منها شيعة علي
لنشر أخبار سيرته المشرقة ، فلا يمكن طرح الروايات الكثيرة والشواهد العديدة التي
تؤكد الأمان لرواية أو روايتين يمكن حملهما على ما بعد موت الحسن وليس قبله ، على
اننا لا نوافق قول القائل ان معاوية اكتفى بها ملكا بل حولها إلى خلافة إلهية ، فلا
يترقب منه ان يقول قاتلتكم لا تامر عليكم بيانا لحقده وهو يخطط لكي يرتقي بالحكم
المدني المحدود الذي فرضه عليه الحسن إلى الخلافة الإلهية ، بل لا نوافق ان يكون
معاوية احمق إلى الدرجة التي يفتح فيها جبهة مع أهل العراق ومع الحسن في الوقت
الذي كان بأمس الحاجة اليهم لمواجهة خطر الروم والخوارج ، ان معاوية من الدهاء
بمكانة عالية حين استطاع
ان يدوس على جراحاته
ويتحد من جديد مع طلحة مع علمه ان دم عثمان عنده من اجل ان يوحد قريشا ضد علي
ودهاؤه هنا هو ان يستوعب أطروحة الحسن ويتقيد بها لخمس سنين أو عشر سنين ريثما
يستقر له الملك ثم يتفرغ لمشروع علي يطوقه ويلاحق رجاله ثم يؤسس الخلافة الإلهية
له ولأسرته بأحاديث كاذبة ، وقد ناقشنا سند الرواية في الباب الرابع الفصل الثاني
، انظر الصفحة رقم ٥١٧ من هذا الكتاب.
التعليقة رقم ١٠ :
الكوفة بما هي كوفة صارت حاضرة تحمل
مشروع علي عليهالسلام
منذ ان استنجد بها علي عليهالسلام
: وهو بذي قار / على قريش حين احتلت البصرة ، وأجابه منها ما يزيد على عشرة آلاف
مقاتل. ثم انجدته في صفين إذ خرجت معه تقاتل معاوية ، وانجدته بقتال ابناءها
وآباءها في النهروان ووفت له حين بايعت / ولم تتردد / ولده الحسن عليهالسلام على كتاب الله وسنة
نبيه بصفته إمام الهدى ، ثم ساندت الحسن في مشروع الصلح حين رضيت ان يسلم أمرها : وهي
مقر أهل الحل والعقد / إلى معاوية وعياً منهم وثقةً بقائدهم ان ذلك في صالح
الرسالة وفي صالح مشروع علي مع حفظ وحدة الأمة.
التعليقة رقم ١١ :
أقول
: ليس الفتح المبين هو ان يعلن معاوية
غدره بشروط الحسن في أول يوم بل هو ان يعلن قبول معاوية الملك بشروط الحسن وهي في
وجهها الآخر تعني الفتح المبين لمشروع علي في الشام. لان معاوية كان قد بايعه أهل
الشام على ما بويع عليه عثمان من العمل بسيرة الشيخين ولعن علي وقتال شيعته الذين
قتلوا عثمان كخط تلتزمه الدولة في اعلامها وسياستها وهو الآن يترحم على علي ، ويترك
شيعته امنين يذكرون فضائله حتى في الشام وهم يزعمه قتلى عثمان ويترك الناس احرارا
بلحاظ سيرة الشيخين في الحج وفي غيره يعمل كل شيخ باختياره.
التعليقة رقم ١٢ :
أقول
: هذه كلها تصدق على معاوية بعد عشر
سنوات الصلح أي بعد وفاة الحسن واعلانه الغدر المبين.
اما قول الشيخ رحمهالله (ان نهضة الحسين
الخالدة الخطوة الجبارة في خطة أخيه
العبقري العظيم) فهي
كلمة صائبة تعبر عن الارتباط بين حدث الغدر المبين الذي شكل طوقا جديدا على مشروع
علي عليهالسلام
ونهضة الحسين المخطط لها ان تكسره وتفتح الطريق إلى الإمامة الهادية من جديد
التعليقة رقم ١٣ :
أقول
: ولي زياد البصرة سنة ٤٤ هجرية. فالقصة
إذن قد وقعت في ضوء هذه الرواية سنة ٤٤ هـ وكان عمرو بن العاص في زيارة للشام.
ولكن الصحيح ان القصة وقعت أثناء حرب صفين وقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق انه جئ
به أسيرا في صفين كما يبين ذلك شعره الذي رواه الرواة في القصة ثم سجنه معاوية ثم
اطلق سراحه أيام التحكيم.
قال ابن عساكر : أخبرنا أبو عبد الله
الحسين بن محمّد بن خسرو ، أنا أبو غالب محمّد بن الحسن بن أحمد ، أنا أبو علي بن
شاذان ، أنا أبو الحسين أحمد بن إسحاق بن نيخاب ، نا إبراهيم بن الحسين بن علي
الكسائي ، نا يحيى بن سليمان ، حدّثني نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد ، عن رجل ، عن
أبي سلمة قال : لما قتل هاشم بن عتبة وثب ابنه عبد الله بن هاشم فأخذ الراية ، فقاتل
مليا ، ثم أسر ، فأتي به معاوية وعنده عمرو بن العاص فقيل : هذا المختال بن
المرقال قال : فقال له ابن هاشم : ما أنا بأول رجل خذله قومه ، وأدركه يومه ، فقال
له معاوية :
تلك أضغان صفين ، وما جنى عليك أبوك ، فقال
عمرو : أيها الأمير ، ادفعه إليّ فأشخب أوداجه على أثباجه ، فقال له ابن هاشم : ألا
كان هذا يا ابن العاص ، حيث أدعوك إلى النّزال ، وقد ابتلت أقدام الرجال ، وتضايقت
بك المسالك ، وأشرفت على المهالك ، ... فأعجب معاوية ما سمع من كلامه ، فأمر به
إلى الحبس ، وأنشأ يقول عمرو بن العاص أبياتا وبعث بها إلى معاوية :
أمر تلك أمرا حازما فعصيني
|
|
وكان من التوفيق قتل ابن هاشم
|
وكان أبوه يا معاوية الذي
|
|
رماك على جد بحز الغلاصم
|
فقتلنا حتى جرت من دمائنا
|
|
بصفّين أمثال البحور الخضارم
|
وهذا ابنه والمرء يشبهه ابنه
|
|
ويوشك أن تقرع به سنّ نادم
|
فبلغ ذلك ابن هاشم وهو في الحبس ، فقال
أبياتا وبعث بها إلى معاوية فقال :
معاوي إنّ المرء عمرا أبت له
|
|
ضغينة صدر غشّها غير نائم
|
يرى لك قتلي يا ابن هند وإنّما
|
|
يرى ما يرى عمرو ملوك الأعاجم
|
على أنهم لا يقتلون أسيرهم
|
|
إذا كان فيه منعة للمسالم
|
وقد كان منا يوم صفّين نقرة
|
|
عليك جناها هاشم وابن هاشم
|
هي الوقعة العظمى التي تعرفونها
|
|
وما مضى إلّا كأحلام نائم
|
مضى من قضاء الله فيها الذي مضى
|
|
وما مضى إلّا كأضغاث حالم
|
فإن تعف عنّي تعف عن ذي قرابة
|
|
وإن تر قتلي تستحل محارمي
|
قال : فعفا عنه معاوية ، وكسّاه ، وخلّى
سبيله وأحسن إليه.
التعليقة رقم ١٤ :
أقول
: ولكن القاضي المغربي روى عن تميم بن
مالك القرشي قال : كتب معاوية بن أبي سفيان إلى زياد : أن ابعث لي خطباء أهل
العراق : وابعث إلي صعصعة بن صوحان. ففعل. فلما قدموا على معاوية خطبهم. فقال : (مرحبا
بكم يا أهل العراق) قدمتم على إمامكم ، وهو جنة لكم يعطيكم مسألتكم ، ولا يعظم في
عينه كبيرا ، ولا يحقر لكم صغيرا ، وقدمتم على أرض المحشر والمنشر والأرض المقدسة
وأرض هجرة الأنبياء. ثم قال في خطبته : ولو أن أبا سفيان ولد الناس كلهم لكانوا
أكياسا. ولما فرغ من خطبته : قال لصعصعة : قم واخطب يا صعصعة. فقام صعصعة : فحمد
الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلىاللهعليهوآله
، ثم قال : إن معاوية ذكر إنا قدمنا على إمامنا وهو جنة لنا فما يكون حالنا إذا
انخرقت الجنة ، وذكر إنا قدمنا على أرض المحشر والمنشر والأرض المقدسة وأرض هجرة
الأنبياء. فالمحشر والمنشر لا يضر بعدهما مؤمنا ولا ينفع قربهما كافرا. والأرض لا
تقدس أحدا ، وإنما يقدس العباس أعمالهم. ولقد وطأها من الفراعنة أكثر مما وطأها من
الأنبياء. وذكر إن أبا سفيان لو ولد الناس كلهم لكانوا أكياسا ، فقد ولدهم من هو
خير من أبي سفيان آدم (صلوات الله عليه) فولد الكيس والأحمق (والجاهل والعالم). ـ
فغضب معاوية ـ وقال : اسكت
__________________
لا أم لك ولا أب ولا
أرض. فقال صعصعة : الأب والأم ولداني ومن الأرض خرجت واليها أعود. فأمر برده إلى
زياد ، ثم كتب إليه : أقمه للناس وأمره أن يلعن عليا عليهالسلام
، فإن لم يفعل ، فاقتله. فأخبره زياد بما أمره بن فيه وأقامه للناس. فصعد المنبر
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلىاللهعليهوآله
، ثم قال : ، أيها الناس إن معاوية أمرني أن ألعن عليا فالعنوه لعنه الله ، ونزل.
فقال زياد لصعصعة : لا أراك لعنت إلا أمير المؤمنين. قال : إن تركتها مبهمة وإلا
بينتها. قال (زياد) : لتلعن عليا ، وإلا أسب عليا عليه السام وقد (قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من سب عليا فقد
سبني ومن سبني فقد سب الله) ، وما كنت بالذي أسب الله ورسوله. فكتب زياد بخبره إلى
معاوية ، فأمره بقطع عدائه وهدم داره. ففعل. بعض الشيعة إلى بعضهم ، فجمعوا له
سبعين ألفا .
أقول
: اما بقية الأسماء التي ذكرها الشيخ رحمهالله كحجر بن عدي وأصحابه
فانه من الثابت تاريخيا ترويعهم وقتله كان بعد وفاة الحسن.
ويتضحم من ذلك ان السنوات العشر الأولى
زمن الحسن كانت سنوات أمان ، وان الغدر بدأ به معاوية بعد وفاة الحسن وقد بدأ غدره
بالحسن عليهالسلام
حين دس له السم واتضح أمره فيه كما بينا أدلته.
__________________
الباب
الثاني / الفصل السادس
مسار
الإمامة الإلهية لأربعين سنة
مرت قضية الإمامة الهادية للامة ومصادر
الثقافة والتشريع بعد النبي خلال الأربعين سنة منذ حجة الوداع وحتى وفاة الحسن سنة
٥٠ هـ بأربعة مراحل وهي :
المرحلة الأولى : على عهد النبي صلىاللهعليهوآله
١.
دعا القرآن بوضوح إلى اتخاذ (القرآن وسنة النبي) مصدرا للتشريع والتثقيف
وشجب (كتب الأنبياء السابقين) ان تكون مصدرا للتثقيف بسبب ما نالها من تحريف معتمد
من قبل كتبتها افقدها قدرتها على استيعاب نمو الإنسان وتفتحه العقلي.
قال تعالى :
(قل أيّ شيء أكبر
شهادةً قل الله شهيد بيني وبينكم ، وأوحي إليّ هذا القرآن لأُنذركم به ومن بلغ) الأنعام / ١٩.
(إنّ علينا جمعه
وقرآنه (١٧) فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه
(١٨) ثمّ
إنّ علينا بيانه (١٩)) القيامة / ١٧ ـ ١٩
(وأنزلنا إليك الذكر
لتبيّن للناس ما نزّل إليهم ولعلّهم يتفكّرون) النحل / ٤٤.
(ولقد أخذ الله ميثاق
بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً وقال الله إنّي معكم لئن أقمتم الصلاة
وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزّرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأُكفّرنّ
عَنكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ
(١٢)
فَبِمَا
نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ
وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
(١٣)
وَمِنَ
الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا
مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا
يَصْنَعُونَ (١٤)
يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا
كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ
اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ
(١٥)
يَهْدِي
بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
(١٦)
المائدة / ١٢ ـ ١٦.
٢. وحث القرآن
المؤمنين له على تبليغ الكتاب والسنة وعدم كتمانها.
قال تعالى : (إِنَّ
الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ
مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ
اللَّاعِنُونَ (١٥٩)
إِلَّا
الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ
وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
(١٦٠))
البقرة / ١٥٩ ـ ١٦٠
وحث النبي امته على نشر حديثه (نضَّرَ
الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ثم أداها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه لا فقه له
ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).
__________________
٣.
اثبت القرآن وجود شهداء من آل إبراهيم بعد النبي أورثهم السنة النبوية ووثائقها
عرضهم أئمة هدى على الناس وكلفهم حفظ الرسالة
وجعلهم مطهرين معصومين وجعلهم مع النبي تحت عنوان واحد وهو (أهل البيت) ولم
يسمِّهم القرآن وسمّاهم النبي.
كما ورد عن أبي سعيد الخدري وأم سلمة
وواثلة بن الاسقع وغيرهم : قالوا نزلت (إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)
الأحزاب / ٣٣ في خمسة في رسول الله صلىاللهعليهوسلم
وعلي وفاطمة والحسن والحسين.
واثبت القرآن ان موقع (الشهيد على الناس)
الذي جعله الله تعالى للنبي صلىاللهعليهوآله
ابتداء (يا أيها النبيّ إنّا أرسلناك شاهداً
ومبشّراً ونذيراً)
الأحزاب / ٤٥ مستمر في الأمة بعد النبي في أهل بيته قال تعالى (أَفَمَن
كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ
كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً)
هود / ١٧.
وهؤلاء الشهداء بعد النبي من ذرية
إبراهيم كما في قوله تعالى : (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ
إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ
الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) الحج / ٧٨.
وهؤلاء هم آل إبراهيم المشار اليهم في
قوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا
آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا
(٥٤) فَمِنْهُم
مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا
(٥٥))
النساء / ٥٤ ـ ٥٥
وآل إبراهيم هنا هم البقية الباقية من
عترته المشار إليها في قوله تعالى (وَإِذْ يَرْفَعُ
إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ
مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
(١٢٧) رَبَّنَا
وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ
وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
(١٢٨) رَبَّنَا
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (١٢٩)) البقرة / ١٢٧ ـ ١٢٩
__________________
وآل إبراهيم هؤلاء قد أورثهم النبي صلىاللهعليهوآله بأمر الله تعالى
الكتاب وبيانه وراثة خاصة قال تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا
الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ
لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ
اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ
(٣٢))
فاطر / ٣٢ فالوارث للكتاب هو السابق بالخيرات. اما المقتصد فهو المتعلم منهم ، اما
الظالم لنفسه فهو التارك لهم الصادّ عنهم. وهذه الوارثة نظير وراثة آل هارون تراث
موسى المشار إليه في قوله تعالى (وَقَالَ لَهُمْ
نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ
مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ
الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) البقرة / ٢٤٨.
وقد كلف الله تعالى هؤلاء الوارثين
السابقين بالخيرات بإذن الله ان يحفظوا الرسالة بعد النبي وعرضهم على الناس أئمة
هدى وفرض الاقتداء بهم (فَإِن
يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا
بِكَافِرِينَ (٨٩) أُولَئِكَ الَّذِينَ
هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ
(٩٠))
الأنعام.
وقد أكد النبي صلىاللهعليهوآله مفاهيم هذه الآيات
بقوله : (اني تارك فيكم أمرين (وفي رواية ثقلين)
لن تضلوا إن اتبعتموهما (وفي رواية ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا) : كتاب
الله وعترتي أهل بيتي فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم
فإنهم أعلم منكم. ثم قال صلىاللهعليهوآله
: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : نعم. فقال صلىاللهعليهوآله : من كنتم مولاه
فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه
__________________
وانصر من نصره واخذل
من خذله) .
وقوله صلىاللهعليهوآله
: (يا علي انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي من بعدي) .
وقوله صلىاللهعليهوآله
: (يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيِّماً لا يضرهم من خذلهم كلهم من قريش).
روى النسائي واحمد عن علي عليهالسلام أنه قال : كان لي من
رسول الله صلىاللهعليهوآله
مُدخلان مُدخل بالليل ومُدخل بالنهار ، فكنت إذا دخلت بالليل تنحنح لي
وفي رواية أخرى قال : كانت لي من رسول الله صلىاللهعليهوآله
منزلة لم تكن لأحد من الخلائق اني كنت آتيه كلَّ سَحَر فأُسلِّم عليه حتى يتنحنح .
فان تنحنح انصرفت إلى أهلي وإلا دخلت عليه.
وروى الصفار عن علي عليهالسلام انه قال : ما دخل
رأسي يوما ... حتى علمت من رسول الله صلىاللهعليهوآله
ما نزل به جبرائيل في ذلك اليوم من حلال أو حرام أو سنة أو أمر أو نهي فيما نزل
فيه وفي من نزل ... قال الراوي : وإذا غاب عنه كان يتحفظ على رسول الله الأيام
التي غاب فيها فإذا التقيا قال له رسول الله : يا علي نزل عليَّ في يوم كذا كذا
__________________
وكذا وفي يوم كذا
وكذا حتى يعدهما عليه إلى آخر اليوم الذي وافى فيه.
وروى الصفار أيضاً عن علي عليهالسلام انه قال : فما نزلت
عليه آية في ليل ولا نهار .. إلا أقرأنيها وأملاها علي وكتبتها بيدي وعلمني
تأويلها وتفسيرها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها وكيف نزلت وأين نزلت وفي من
أنزلت إلى يوم القيامة.
وفي رواية الباقر عليهالسلام قال : قال رسول الله
لعلي : اكتب ما أُملي عليك ، قال : يا نبي الله أتخاف عليَّ النسيان؟ قال : لست
أخاف عليك النسيان وقد دعوت الله أن يحفِّظك ولا يُنسِيَك ولكن اكتب لشركائك ، قال
: قلت ومن شركائي يا نبي الله؟ قال : الأئمة من ولدك ...
قال تعالى : (أفمن
كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شاهدٌ منه)
هود / ١٧.
روى ابن عساكر بسنده عن ضُمرة عن عطاء
عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال : رسول الله علي على بينة من ربه ، وأنا الشاهد
منه.
وروى الحسكاني بسنده عن علي بن أبي
المغيرة عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب قال : رسول الله على بينة من
ربه ، وأنا الشاهد منه أتلوه وأتبعه.
وروى أحمد والطبراني وابن ماجة وغيرهم
أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي.
__________________
ومراده صلىاللهعليهوآله
من ذلك هو التبليغ المساوق لتبليغ النبي عن ربه من حيث عدم احتمال الشك فيه انه صلىاللهعليهوآله نسي أو اشتبه في
قليل أو كثير مما يبلغه. وقد جاء هذا الاختصاص واضحا صريحا في قصة تبليغ براءة لما
بعث النبي بها أبا بكر ليبلغها إلى المشركين في موسم الحج ثم نزل جبرئيل أن يبعث
علياً ويأخذها منه لأنه للا يبلِّغ عنه إلا هو أو رجل منه.
المرحلة الثانية : قريش المسلمة تمارس
الإمامة الدينية
بعد النبي صلىاللهعليهوآله
بدلا من أهل البيت عليهمالسلام
١. الخلافة القرشية
تفسح المجال لنشر ثقافة أهل الكتاب :
على الرغم من ان الخليفة عمر كان صاحب
تجربة مباشرة مع النبي صلىاللهعليهوآله
في شهود موقف الإلغاء هذا رأيناه يفسح المجال لمسلمة أهل الكتاب لنشر أساطيرهم.
روى أحمد بن حنبل بسنده عن الشعبي ، عن
جابر : أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلىاللهعليهوسلم
بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقال يا رسول الله : إني أصبت كتابا حسنا من بعض
أهل الكتاب (وفي رواية عمر نسخ صحيفة من التوراة) (وفي رواية قال : يا رسول الله :
إني مررت بأخ لي من يهود من قريضة فكتب لي جوامع من التوراة قال : أفلا أعرضها
عليك؟) : فغضب وقال : أمتهوكون
فيها يابن الخطاب : فوالذي نفسي بيده! لقد جئتكم بها بيضاء نقية. لا تسألوهم عن
شيء ...
فانهم لن يهدوكم وقد ضلوا.
__________________
ومن مسلمة أهل الكتاب تميم الداري
الذي سمح له عمر ان يقص في المسجد النبوي ساعة قبل خطبة الجمعة. وقد انتشرت
بواسطته أسطورة الجساسة.
ومنهم كعب بن ماتع الحميري (ت سنة ٣٤
هجـ) أحد كبار علماء اليهود الذي لم يدخل في الإسلام زمن النبي على الرغم من ان
همدان كلها قد أسلمت على يد علي ودخل في الإسلام زمن عمر وكان آنذاك قد ناهز
الثمانين ، وكأن الخليفة قد وجد بغيته فيه فقربه إليه واعتمده في تفسير آيات
المبدأ والمعاد وقصص الأنبياء لتملأ الفراغ الثقافي الذي أوجدته سياسة منع نشر
الحديث النبوي ومنع السؤال عن تفسير القرآن ، وارتفعت منزلته لديه حيث كان يطلب
عمر منه ان يعظه ويخوّفه.
وعلى أثر اعتماد الخليفة عليه ركن
الآخرون إلى كعب كما يظهر ذلك مما رواه السيوطي
قال : أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط ... بسند حسن عن عبد الله بن الحارث
قال : كنت عند عائشة رضياللهعنها
وعندها كعب رضياللهعنه
فذكر إسرافيل عليهالسلام
فقالت عائشة : أخبرني عن إسرافيل عليهالسلام؟
... قال : له أربعة أجنحة جناحان في الهواءِ وجناح قد تسربل بهِ وجناح على كاهلهِ
والقلم على أذنه فإذا نزل الوحي كتب القلمِ ثم درست الملائكةِ وملك كالصور جاث على
إحدى ركبتيهِ وقد نصب الأخرىِ فالتقم الصورِ محنى ظهره وقد أمر إذا رأى إسرافيل قد
ضم جناحيه أن ينفخ في الصور.
__________________
أقول
: ومما بثه كعب بين المسلمين قصة داود مع
أوريا وهي كما جاءت في التوراة : «قام داود عن سريره وتمشّى على سطح بيت الملك ، فرأى
من على السطح امرأة تستحم. وكانت المرأة جميلة المنظر جدا. فارسل داود وسأل عن
المرأة ، فقال واحد : أليست هذه بتشبع بنت اليعام امرأة أوريا الحثي؟ فارسل داود
رسلا وأخذها ، فدخلت إليه ، فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها. ثم رجعت إلى بيتها.
وحبلت المرأة ، فأرسلت وأخبرت داود وقالت : اني حبلى. فارسل داود إلى يوآب يقول : أرسل
إلى أوريا الحثي. فأرسل يوآب أوريا إلى داود فأتى أوريا إليه ، فسأل داود عن سلامة
يوآب وسلامة الشعب ونجاح الحرب. وقال داود لأوريا : انزل إلى بيتك واغسل رجليك ، فخرج
أوريا من بيت الملك وخرجت وراءه حصة من عند الملك ، ونام أوريا على باب بيت الملك
مع جميع عبيد سيده ولم ينزل إلى بيته : فاخبروا داود قائلين : لم ينزل أوريا إلى
بيته.
فقال داود لأوريا : أما جئت من السفر ، فلماذا
لم تنزل إلى بيتك؟ فقال أوريا لداود : التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام
وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب
وأضطجع مع امرأتي وحياتك وحياة نفسك لا أفعل هذا الأمر. فقال داود لأوريا : أقم
هنا اليوم أيضاً وغدا أطلقك. فأقام أوريا في أورشليم ذلك اليوم وغده. ودعاه داد
أمامه وشرب واسكره. وخرج عند المساء ليضطجع في مضجعه مع عبيد سيده. وإلى بيته لم
ينزل.
وفي الصباح كتب داود مكتوبا إلى يوآب
وأرسله بيد أوريا. وكتب في المكتوب يقول : اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديد
وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت. وكان في حاصرة يوآب المدينة انه جعل أوريا في
الموضع الذي علم ان رجال البأس فيه. فخرج رجال المدينة وحاربوا يوآب فسقط بعض
الشعب من عبيد داود ومات أوريا الحثي أيضاً .. فلما سمعت امرأة أوريا انه قد مات
أوريا رجلها ندبت بعلها. ولما مضت المناحة أرسل داود وضمها إلى بيته وصارت له
امرأة وولدت له ابنا.
__________________
قال السيوطي : أخرج عبد بن حميد عن كعب
قال : سجد داود نبي الله أربعين يما وأربعين ليلة لا يرفع رأسه حتى قرأ دمعه ويبس
... وإذا جبريل عليهالسلام
قائم على رأسهِ قال : يا داود إن الله قد غفر لك فارفع رأسك فلم يلتفت إليه وناجى
ربه وهو ساجد فقال : يا رب كيف تغفر لي وأنت الحكم العدل؟ قال " إذا كان يوم
القيامة دفعتك إلى أوريا ثم استوهبك منه فيهبك لي وأثيبه الجنة ... فذهب يرفع رأسه
فإذا هو يابس لا يستطيع فمسحه جبريل عليهالسلام
ببعض ريشه فانبسط فأوحى الله تعالى إليه بعد ذلك : يا داود قد أحللت لك امرأة
أوريا فتزوجها فولدت له سليمان.
قال السيوطي : وأخرج عبد الرزاق وعبد بن
حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان
عن كعب رضياللهعنه
أنه قال لابي هريرة ألا أخبرك عن اسحق قال بلى قال رأى إبراهيم أن يذبح اسحق قال
الشيطان والله لئن لم أفتن عند هذه آل إبراهيم لا أفتن أحدا منهم أبدا فتمثل
الشيطان رجلا يعرفونه فاقبل حتى خرج إبراهيم بإسحاق ليذبحه دخل على سارة ، فقال
أين أصبح إبراهيم غاديا بإسحاق قالت لبعض حاجته قال له والله قالت فلم غدا قال
ليذبحه قالت لم يكن ليذبح ابنه قال بلى والله قالت سارة فلم يذبحه؟ قال زعم ان ربه
أمره بذلك قالت قد أحسن أن يطيع ربه ان كان أمره بذلك فخرج الشيطان فأدرك اسحق وهو
يمشي على أثر أبيه قال أين أصبح أبوك غاديا قال لبعض حاجته قال لا والله بل غدا بك
ليذبحك قال ما كان أبي ليذبحني ، قال بلى قال لم قال زعم ان الله أمره بذلك قال
اسحق فوالله لئن أمره ليطيعنه فتركه الشيطان وأسرع إلى إبراهيم فقال أين أصبحت
غاديا بابنك قال لبعض حاجتي ، قال لا والله ما غدوت به الا لتذبحه قال ولم أذبحه
قال زعمت ان الله أمرك بذلك فقال والله لئن كان الله أمرني ، لأفعلن قال فتركه
ويئس أن يطاع فلما أخذ إبراهيم اسحق ليذبحه وسلم اسحق عافاه الله وفداه بذبح عظيم
..
أخذ صحابة أمثال أبي هريرة عن كعب وتشجع
صحابة آخرون أمثال عبد الله بن عمرو بن العاص لنشر أساطير أهل الكتاب في المجتمع
الإسلامي.
__________________
روى أحمد بن حنبل
قال حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن محمد بن
إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قدمت الشام فلقيت كعبا
فكان يحدثني عن التوراة وأحدثه عن رسول الله. وفي رواية النسائي (ص ٢٤٦) عن أبي
سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال أتيت الطور فوجدت ثم كعبا فمكثت أنا وهو يوما
أحدثه عن رسول الله ويحدثني عن التوراة وفي المستدرك (١ / ٤١٤) فحدثته عن رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
وحدث عن التوراة فما اختلفا حتى مررت بيوم الجمعة قال قلت قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في كل يوم جمعة ساعة
لا يوافقها مؤمن وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه قال كعب تلك في كل سنة
فقلت ما كذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فرجع فتلا ثم قال صدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم
في كل جمعة. وروى البيهقي في سننه بسنده عن أبي هريرة ثم لقيت عبد الله بن سلام
فحدثته بمجلسي مع كعب الأحبار وما حدثته في يوم الجمعة فقلت له قال كعب ذلك في كل
سنة يوم فقال عبد الله كذب كعب فقلت نعم. ثم قرأ كعب التوراة فقال بل هي في كل
جمعة فقال عبد الله بن سلام صدق كعب ثم قال عبد الله بن سلام قد علمت أية ساعة هي
قال أبو هريرة فقلت له فأخبرني بها ولا تضن علي فقال عبد الله بن سلام هي آخر ساعة
في يوم الجمعة قال أبو هريرة وكيف تكون آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا يصادفها عبد
مسلم وهو يصلي وتلك ساعة لا يصلي فيها فقال عبد الله بن سلام ألم يقل رسول الله صلىاللهعليهوسلم من جلس في مجلس
ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي قال أبو هريرة قلت بلى قال هو ذلك.
روى ابن عساكر والذهبي وابن كثير عن
بكير بن الاشج. قال : قال أنا بشر بن سعيد : اتقوا الله وتحفظوا من الحديث ، فوالله
لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيتحدث عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم
ويحدثنا عن كعب الأحبار ثم يقوم فأسمع بعض من
__________________
كان معنا يجعل حديث
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
عن كعب ، وحديث كعب بن رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، وفي رواية يجعل ما قاله كعب عن رسول الله ، وما قاله رسول الله عن كعب ، فاتقوا
الله وتحفظوا في الحديث. وقال يزيد بن هارون : سمعت شعبة يقول : أبو هريرة كان
يدلس ـ أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا يميز هذا من
هذا.
أما عبد الله بن عمرو بن العاص فقد كانت
معه راية أبيه يوم اليرموك سنة ١٤ هـ وأصاب حمل جمل من كتب أهل الكتاب فكان ينظر
فيها ويحث منها. قال ابن حجر : أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب
أهل الكتاب فكان ينظر فيها ويحدث منها فتجنب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة
التابعين.
وروى أحمد في مسنده قال حدثنا عبد الله
حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم سمعت سيفا يحدث عن رشيد الهجري عن
أبيه ان رجلا قال لعبد الله بن عمرو حدثني ما سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ودعني وما وجدت في
وسقك يوم اليرموك قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
وقال حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو
الجواب ثنا عمار بن رزيق عن الأعمش عن أبي سعيد قال أتيت عبد الله بن عمرو فقلت
حدثني ما سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول ولا تحدثني عن التوراة والإنجيل فقال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول المسلم من سلم
المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه.
__________________
٢. الخلافة القرشية
تنهى عن نشر حديث النبي صلىاللهعليهوآله
:
اما مسألة النهي فتوضحه الأخبار الآتية
:
روى الذهبي ان أبا بكر جمع الناس بعد
وفاة نبيهم فقال : «إنكم تحدثون عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم اشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا ،
فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه».
وروى أيضا عن قرظة بن كعب انه قال : لما
سيَّرنا عمر إلى العراق مشى معنا عمر وقال : أتدرون لم شيعتكم؟ قالوا نعم تكرمة
لنا ، قال : ومع ذلك إنكم تأتون أهل قرية لهم دويٌّ بالقرآن كدويِّ النحل ، فلا
تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم جردوا القران واقلوا الرواية عن رسول الله وأنا شريككم
، قال قرظة : فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله».
وكان في الصحابة مثل قرظة بن كعب ممن
تابعوا سنة الخلفاء وامتنعوا عن نشر سنة الرسول نظير عبد الله بن عمر وسعد بن أبي
وقاص.
فقد روى الدارمي في باب من هاب الفتيا
بكتاب العلم من سننه.
عن الشعبي قال : جالست ابن عمر سنة فما سمعته يذكر حديثا عن رسول الله ، وفي رواية
أخرى عنه ، قال قعدت مع ابن عمر سنتين أو سنة ونصفا فما سمعته يحدث عن رسول الله
شيئا الا هذا الحديث.
وروي عن السائب بن يزيد ، قال : خرجت مع
سعد ـ ابن أبي وقاص ـ إلى مكة فما سمعت يحدث حديثا عن رسول الله حتى رجعنا إلى
المدينة. وكان في الصحابة من خالف سنة الخلفاء في نهبهم عن نشر الحديث النبوي وأصر
على رواية سنة الرسول وتحمل في سبيل ذلك الإرهاق والأذى.
__________________
وروى الذهبي : ان عمر بن الخطاب حبس
ثلاثة : ابن مسعود ، وأبا الدرداء ، وأبا مسعود الأنصاري ، فقال : قد أكثرتم
الحديث عن رسول الله.
وروى الدارمي : ان أبا ذر كان جالسا عند
الجمرة الوسطى وقد اجتمع الناس يستفتونه فأتاه رجل فوقف عليه ثم قال : الم تُنْهَ
عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه ، فقال أرقيب انت عليَّ؟ لو وضعتم الصَّمامة على هذه
وأشار إلى قفاه ثم ظننت اني انفذ كلمة سمعتها من رسول الله قبل ان تجيزوا عليَّ
لأنفدتها.
اما مسألة إحراق مدونات الصحابة في
الحديث فتوضحه الاخبار التالية :
روى الذهبي في تذكرة الحفاظ عن عائشة
أنَّ أبا بكر جمع خمسمائة من حديث النبي ودعا بنار فاحرقها.
وروى الخطيب البغدادي بسنده إلى القاسم
بن محمد ان عمر بن الخطاب بلغه انه قد ظهر في ايدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها ، وقال
: ايها الناس انه قد بلغني انه قد ظهرت في ايديكم كتب فاحبها إلى الله اعدلها
واقومها فلا يبقين احد عنده كتابا الا أاني به فأرى فيه رأيي ، قال فظنوا انه يريد
ان ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فاتوه بكتبهم فاحرقها بالنار ،
ثم قال : أمنية كأمنية أهل الكتاب.
وروى ابن سعد : قال عبد الله بن العلاء
: سألت القاسم يملي عليَّ أحاديث ، فقال : ان الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب
فانشد الناس ان يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها ثم قال : مثناة كمثناة أهل
الكتاب ، قال فمنعني القاسم يومئذ ان اكتب حديثا.
وروى الخطيب البغدادي : عن سفيان بن
عينة عن عمرو عن يحيى بن جعدة : ان
__________________
عمر بن الخطاب أراد
ان يكتب السنة ثم بدا له ان لا يكتبها ، ثم كتب في الأمصار : من كان عنده منها شيء
فليمحه.
وروى أيضا عن عبد الرحمن بن الأسود عن
أبيه قال : «جاء علقمة بكتاب من مكة أو اليمن صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت بيت
النبي ، فاستأذنا على عبد الله (بن مسعود) فدخلنا عليه ، قال فدفعنا إليه الصحيفة
، قال فدعا الجارية ثم دعا بطست فيها ماء فقلنا له : يا أبا عبد الرحمن انظر فيها
فان فيها أحاديث حِسانا ، قال فجعل يميثها فيها ويقول : القلوب أوعية فاشغلوها
بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه». (وماث يميت مَيْثاً اذاب الملح في الماء). وفي
رواية أخرى عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال : «جاء رجل من أهل الشام إلى عبد
الله بن مسعود ومعه صحيفة ، فيها كلام من كلام أبي الدرداء وقصص من قصصه ، فقال : يا
أبا عبد الرحمن الا تنظر ما في هذه الصحيفة من كلام أخيك أبي الدرداء ، فاخذ
الصحيفة فجعل يقرأ فيها وينظر حتى أتى منزله فقال يا جارية أتيني بالإجّانة مملوءة
ماء ، فجاءت بها فجعل يدلكها ويقول : اقصصا احسن من قصص الله تريدون أو حديثا احسن
من حديث الله تريدون.
٣. قريش المسلمة
والإمامة الدينية :
اما
عرض الخليفة القرشي نفسه إماما
في الدين بدلا من أهل البيت فتوضحه الروايات الآتية :
في صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند احمد
وغيرهم عن أبي موسى الاشعري قال : كنت أفتي الناس بذلك (أي بالحل بعد إتمام أعمال
متعة الحج) في إمارة أبي بكر وإمارة عمر فإني لقائم بالموسم إذ جاءني رجل فقال انك
لا تدري ما احدث أمير المؤمنين في شان النُّسُك فقلت : أيها الناس من كنا أفتيناه
بشيء فليتئد فهذا أمير
__________________
المؤمنين قادم عليكم
فبه ائتموا
.. ثم ذكر أمره بفصل الحج عن العمرة.
وفي حلية الأولياء : ان عمر بن الخطاب
نهى عن المتعة في اشهر الحج وقال : فعلتها مع رسول الله وأنا أنهى عنها. وذلك ان
أحدكم يأتي من أفق من الآفاق شعثا نصبا معتمرا في اشهر الحج وإنما شعثه ونصبه
وتلبيته في عمرته ثم يقدم فيطوف بالبيت ويحل ويلبس ويتطيب ويقع على أهله ان كانوا
معه حتى إذا كان يوم التروية أهَلَّ بالحج وخرج إلى منى يلبي بحجة لا شعث فيها ولا
نصب ولا تلبية إلا يوما ، والحج افضل من العمرة ، لو خلينا بينهم وبين هذا
لعانقوهم تحت الأراكن مع ان أهل هذا البيت (أي أهل مكة) ليس لهم ضرع ولا زرع ، وإنما
ربيعهم بمن يطرأ عليهم.
وفي رواية مسلم : فقال عمر : قد علمت ان
النبي فعله وأصحابه ولكن كرهت ان يضلوا معرَّسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج
تقطر رؤوسهم.
وقد نقل النووي في شرح صحيح مسلم
عن القاضي عياض ان عمر كان يضرب على متعة الحج.
اما
إضافة سيرة الشيخين إلى مصادر التشريع
فتوضحه روايات قصة الشورى وبيعة عثمان وقد مرت ونذكر خلاصتها :
قال عبد الرحمن بن عوف لعلي بن أبيط الب
: عليك عهد الله وميثاقه ، إن بايعتك لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله ، وسيرة أبي
بكر وعمر!
__________________
فقال علي عليهالسلام
: ان كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما إلى إجِّيرَى احد).
فأقبل على عثمان ، فقال له مثل ذلك ، فقال
: نعم لا أزول عنه ولا أدع شيئا منه. فقال : ابسط يدك يا عثمان ، فبسط يده فبايعه.
أقول
: وكان ابرز تشريعات الإمامة القرشية هي
قضية النهي عن حج التمتع وكان عثمان حريصا على السير على هدي الخليفتين فيها وفي
غيرها.
قال ابن حزم
: ان عثمان سمع رجلا يُهِلُّ بعمرة وحج ، فقال : عليَّ بالمُهِل ، فضربه وحلقه.
أي أراد المُهل ان يحج حج التمتع.
وقوله : ضربه وحلقه. أي ضربه تأديبا وحلقه
تشهيرا.
المرحلة الثالثة : الإمامة الهادية على
عهد علي عليهالسلام
١. إحياء العمل
بالكتاب والسنة وشجب الروايات الإسرائيلية :
روى مالك في الموطأ : ان المقداد بن
الأسود دخل على علي عليهالسلام
بالسُقْيا وهو يُنجِع بَكرات له دقيقا وخبطا. فقال هذا عثمان بن عفان ينهى عن ان
يقرن بين الحج والعمر ، فخرج علي عليهالسلام
على يديه اثر الدقيق والخبط فما أنسى اثر الدقيق والخبط ، على ذراعيه ، حتى دخل
على عثمان فقال : أنت تنهى ان يُقْرَنَ بين الحج والعمرة ، فقال : عثمان ذلك رأيي
، فخرج عليٌّ عليهالسلام
مغضبا وهو يقول : لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا.
وفي سنن النسائي ومستدرك الصحيحين ومسند
احمد واللفظ للأول عن سعيد بن
__________________
المسيب قال : حج علي
وعثمان فلما كنا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع فقال علي إذا رأيتموه قد ارتحل
فلبى علي وأصحابه بالعمرة ...
قال الإمام السندي بهامشه : قال (إذا
رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا) أي ارتحلوا معه ملبين بالعمرة ليعلم أنكم قدمتم السنة
على قوله ، وانه لا طاعة له في مقابل السنة.
وفي صحيح البخاري وسنن النسائي وسنن
الدارمي وسنن البيهقي ومسند احمد ومسند الطيالسي وغيرها عن علي بن الحسين عليهماالسلام عن مروان بن الحكم
قال : شهدت عثمان وعليا عليهالسلام
وعثمان ينهى عن المتعة وان يجمع بينهما فلما رأى علي أهل بهما لبيك بعمرة وحجة معا
قال ما كنت لأدع سنة النبي صلىاللهعليهوآله
لقول أحد.
وفي لفظ النسائي : فقال عثمان أتفعلها
وأنا أنهى عنها فقال علي لم اكن لأدع سنة رسول الله لأحد من الناس.
كان هذا في بدء مشروعه الإحيائي سنة ٢٨
هـ اتسع أمر الإحياء لكل السنن غير انه لم يرغم أحدا على ذلك وإنما اكتفى برفع
الحظر الذي فرضته الخلافة القرشية على العمل بالسنن ، وبقي بعض النسا يعمل بما
سنته الخلافة على الرغم من مخالفته للسنة.
٢. الحث على نشر
السنة النبوية وتدوينها :
كان علي يحث على نشر السنة النبوية
وتدوينها سواء فيما يتعلق بفضائله وفضائل أهل بيته أو في الأحكام.
روى احمد بن حنبل حدثني عبيد الله بن
عمر القواريري حدثنا يونس بن ارقم حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى قال شهدت عليا في الرحبة ينشد
__________________
الناس : انشد الله من
سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
يقول يوم غدير خم «من كنت مولاه فعلي مولاه» لما قام فشهد؟ قال عبد الرحمان : فقام
اثنا عشر بدرياً كأني انظر إلى احدهم فقالوا : نشهد أنا سمعنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
يقول يوم غدير خم «الست أولى بالمؤمنين من انفسهم وأزواجي أمهاتهم» فقلنا بلى يا
رسول الله قال : «فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» .
وفي رواية أخرى بسنده عن سماك العبسي
قال : دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدثني انه شهد عليا في الرحبة قال : انشد
الله رجلا سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وشهده يوم غدير خم الا قام ولا يقوم الا من قد رآه؟ فقام اثنا عشر رجلا فقالوا : قد
رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من
نصره واخذل من خذله» فقام الا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته.
وفيه أيضا بسنده عن أبي الطفيل عامر بن
واثلة تـ ١٠٠ هـ
قال :
«جمع علي عليهالسلام
الناس في الرحبة ثم قال لهم : انشد الله كل امرئ سمع من رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول يوم غدير خم ما
سمع لما قام فقام ثلاثون من الناس.
قال أبو واثلة : فخرجت وكأن في نفسي
شيئا فلقيت زيد بن أرقم فقلت له إني سمعت عليا عليهالسلام
يقول كذا وكذا.
قال : فما تنكر قد سمعت رسول الله يقول
ذلك له».
وقوله (فخرجت وكأن في نفسي شيئا) يبدو
منه ان أبا الطفيل استعظم النتائج المترتبة على حديث الغدير وهي هلاك وضلالة من
خالف عليا أو خذله أو قاتله أو قدَّم نفسه عليه لذلك راح يستزيد عن القضية اكثر.
__________________
ومن الجدير ذكره هنا ان حديث الغدير
الذي استنشده علي عليهالسلام
لم يكن يتضمن ذكر علي عليهالسلام
فقط بل تضمن أيضا ذكر أهل بيته.
وقد روى الحاكم النيسابوري الرواية
كاملة عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال :
«خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى انتهينا إلى
غدير خم نزل رسول الله بين مكة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام فكنس الناس ما
تحت الشجرات ثم راح رسول الله صلىاللهعليهوآله
عشية فصلى ثم قام خطيبا فحمد الله واثنى عليه ... ثم قال :
أيها الناس إني تارك فيكم أمرين
لن تضلوا ان اتبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي ثم قال أتعلمون أني أولى
بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مرات قالوا نعم فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله من كنت مولاه فعلي
مولاه ...».
وفي رواية الطبراني بعد قوله عترتي «وان
اللطيف الخبير نَبَّأَني انهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض وسألت ذلك لهما ربي
، فلا تَقدَّموهُما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فانهم اعلم
منكم».
٣. إحياء إمامة أهل
البيت عليهمالسلام ونفي إمامة غيرهم من
قريش :
قال علي عليهالسلام
: (أين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ، أن رَفَعَنا
الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يُستعطى الهدى ، ويُستجلى
العَمى.
__________________
انَّ الأئمةَ من قريش غرسوا في هذا
البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم).
وقال عليهالسلام
في ذكر أهل بيت النبي صلىاللهعليهوآله
: (هم موضعُ سرَّه ، ولجأُ أمره ، وعيبةُ علمه ، وموثلُ حكمه ، وكهوفُ كتبه ، وجبالُ
دينه ، بهم أقام انحناء ظهره ، واذهب ارتعادَ فرائصه.
لا يقاسُ بآل محمد صلىاللهعليهوآله من هذه الأمة ، ولا
يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا.
هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم
يفئ الغالي ، وبهم يلحق التالي.
ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية
والوراثة).
أقول
: والكتب التي ذكرها عليهالسلام في هذا الكلام هي ما
كتبه بيده عن النبي صلىاللهعليهوآله
في لقاءاتهما الخاصة التي يعرفها المسلمون جميعا.
وقال صلىاللهعليهوآله
: (ألا إن أبرار عترتي ، وأطايب أرومتي ، أحلم الناس صغارا ، وأعلم الناس كبارا.
ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا ، وبحكم الله حكمنا ، ومن قول صادق سمعنا ، فإن
تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا ، وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا. ومعنا راية
الحق ، من تبعها لحق ، ومن تأخر عنها غرق ، ألا وبنا يدرك ترة كل مؤمن ، وبنا تخلع
ربقة الذل عن أعناقكم ، وبنا فتح لا بكم ، ومنا يختم لا بكم).
وقال صلىاللهعليهوآله
: (انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم ، واتبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدى ، ولن
يعيدوكم من ردى ، فإن لبدوا فالبدوا وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلوا ، ولا
تتأخروا عنهم فتهلكوا).
وقال صلىاللهعليهوآله
: (فأين تذهبون! وأنى تؤفكون! والاعلام قائمة ، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ،
__________________
فأين يتاه بكم! وكيف تعمهون وبينكم عترة
نبيكم! وهم أزمة الحق ، وأعلام الدين ، والسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل
القرآن ، وردوهم ورود الهيم العطاش.
أيها الناس ، خذوها عن خاتم النبيين صلى
الله عليه! إنه يموت من مات منا وليس بميت ، ويبلى من بلى منا وليس ببال ، فلا
تقولوا بما لا تعرفون ، فإن أكثر الحق فيما تنكرون ، وأعذروا من لا حجة لكم عليه ـ
وهو أنا.
قال ابن ابي الحديد : تؤفكون : تقلبون
وتصرفون. الاعلام : المعجزات هاهنا ، جمع علم ، وأصله الجبل أو الراية والمنارة ، تنصب
في الفلاة ليهتدي بها.
وقوله صلىاللهعليهوآله
: (فأين يتاه بكم!) أي أين يذهب بكم في التيه! وتعمهون : تتحيرون وتضلون.
وعترة رسول الله صلىاللهعليهوآله : أهله الأدنون
ونسله ، وقد بين رسول الله صلىاللهعليهوآله
عترته من هي ، لما قال صلىاللهعليهوآله
: (إني تارك فيكم الثقلين) ، فقال صلىاللهعليهوآله
: (عترتي أهل بيتي) ، وبين في مقام آخر من أهل بيته حيث طرح عليهم كساء. وقال صلىاللهعليهوآله حين نزلت : (إنما
يريد الله ليذهب) : (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم). فإن قلت : فمن هي
العترة التي عناها أمير المؤمنين عليهالسلام
بهذا الكلام؟ قلت : نفسه وولداه.
وقوله صلىاللهعليهوآله
: (وهم أزمة الحق) : جمع زمام ، كأنه جعل الحق دائرا معهم حيثما داروا وذاهبا معهم
حيثما ذهبوا ، كما أن الناقة طوع زمامها ، وقد نبه الرسول صلىاللهعليهوآله على صدق هذه القضية
بقوله : (وأدر الحق معه (أي مع علي) حيث دار).
وقوله صلىاللهعليهوآله
: (وألسنة الصدق) من الألفاظ الشريفة القرآنية ، قال الله تعالى : (واجعل لي لسان
صدق في الآخرين) لما كان يصدر عنهم حكم ولا قول إلا وهو موافق للحق ، والصواب
جعلهم كأنهم ألسنة صدق لا يصدر عنها قول كاذب أصلا ، بل هي كالمطبوعة على الصدق.
وقوله صلىاللهعليهوآله
: (فأنزلوهم منازل القرآن) أمر المكلفين بأن يجروا العترة في إجلالها
__________________
وإعظامها والانقياد
لها ، والطاعة لأوامرها مجرى القرآن. فإن قلت : فهذا القول منه يشعر بأن العترة
معصومة ، فما قول أصحابكم في ذلك؟ قلت : نص أبو محمد بن متّويه رحمه الله تعالى في
كتاب الكفاية على أن عليا عليهالسلام
معصوم ، وإن لم يكن واجب العصمة ، ولا العصمة شرط في الإمامة ، لكن أدلة النصوص قد
دلت على عصمته ، والقطع على باطنه ومغيبه ، وأن ذلك أمر اختص هو به دون غيره من
الصحابة ، والفرق ظاهر بين قولنا : (زيد معصوم) ، وبين قولنا : (زيد واجب العصمة)
، لأنه إمام ، ومن شرط الامام أن يكون معصوما ، فالاعتبار الأول مذهبنا ، والاعتبار
الثاني مذهب الإمامية.
ثم قوله صلىاللهعليهوآله
: (وردوهم ورد الهيم العطاش) ، أي كونوا ذوي حرص وانكماش على أخذ العلم والدين
منهم ، كحرص الهيم الظماء على ورود الماء).
ثم قوله صلىاللهعليهوآله
: (انه يموت من مات منا وليس بميت ويبلى من بلى منا وليس ببال فلا تقولوا بما لا
تعرفون فان أكثر الحق فيما تنكرون واعذروا من لا حجة لكم عليه وانا هو الم اعمل
فيكم بالثقل الأكبر واترك فيكم الثقل الأصغر وركزت فيكم راية الايمان ووقفتكم على
حدود الحلال والحرام وألبستكم العافية من عدلي وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي
وأريتكم كرائم الاخلاق من نفسي فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر ولا
يتغلغل اليه الفكر).
أقول
: أي أئمة الهدى من أهل البيت عليهمالسلام تبقى هدايتهم في
قولهم وفعلهم بعد موتهم فاعلة مؤثرة كما هي في حياته.
وقال صلىاللهعليهوآله
: ألا إن أبرار عترتي ، وأطايب أرومتي ، أحلم الناس صغارا ، وأعلم الناس كبارا.
ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا ، وبحكم الله حكمنا ، ومن قول صادق سمعنا ، فإن
تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا ، وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا. ومعنا راية
الحق ، من تبعها لحق ، ومن تأخر عنها غرق ، ألا وبنا يدرك ترة كل مؤمن ، وبنا تخلع
ربقة الذل عن أعناقكم ، وبنا فتح لا بكم ، ومنا يختم لا بكم
...
__________________
اما كلماته في قريش المسلمة التي ظلمته
فمنها :
(اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم
، فانهم قطعوا رحمي ، وصغرّوا عظيم منزلتي ، واكفأوا إنائي ، واجمعوا على منازعتي
حقا كنت أولى به من غيري ، وقالوا إلا ان في الحق ان تأخذه ، وفي الحق ان تُمنعه ،
فاصبر مغموما ، أو مُت متأسفا ، فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل
بيتي ، فضننت بهم عن المنية ، فاغضيت على القذى ، وجرعت ريقي على الشجا وصبرت من
كظم الغيظ على أمرِّ من العلقم ، وآلم للقلب من حز الشفار).
وقوله عليهالسلام
في رسالته لأخيه عقيل :
(فإن قريشاً قد اجتمعت على حرب أخيك
اجتماعها على حرب رسول الله صلىاللهعليهوآله
قبل اليوم ، وجعلوا حقّي ، وجحدوا فضلي ، ونصبوا لي الحرب ، وجَدُّوا في إطفاء نور
الله ، اللهم فاجزِ قريشاً عني بفعالها ، قد قطعت رحمي وظاهرت عليَّ ...).
المرحلة الرابعة : الامام الحسن عليه
السالم يؤسس
المرجعية الدينية المستقلة عن السلطة
ويتنازل عن السلطة المدنية
ان الامام الحسن عليهالسلام بصلحه وتنازله عن
السلطة مؤقتا لمعاوية وتقييد حكمه بالكتاب والسنة دون سيرة الشيخين يكون قد اكد
للامة منهج علي عليهالسلام
ومن قبل منهج النبي صلىاللهعليهوآله
ان الدين والقانون هو الكتاب والسنة لا غير وان سيرة الشيخين ليستا من الدين في
شيء وإنما هي اجتهادات من عمل بها ينبغي له ان يعرف مسبقا انه يعمل باجتهادات ما
انزل الله فيها من سلطان وليس له ان يرتقب الثواب من الله تعالى عليها ، واكد
للامة ان مهمة الحاكم في المجتمع هو تنفيذ القانون لا تشريعه ، وان التشريع مطلقا
لله تعالى ولرسوله في حدود مساحة معينة بإذن الله تعالى ، وأيضا لأوصياء النبي صلىاللهعليهوآله
__________________
يأذن بها الرسول في
حدود صلاحياته الإلهية. وقد أسست قريش المسلمة مبدأ ان من يأتي بعد الشيخين يتقيد
بسيرتها وفي الوقت نفسه يكون من حقه ان يشرع في طول تشريع الخليفتين الأمر الذي
رفضه علي في الشورى وقبله عثمان وحاول معاوية ان يسير على منهاج عثمان في هذا
المسالة حين بويع على سيرة الشيخين من قبل أهل الشام بعد شهادة علي عليهالسلام ويجئ صلح الحسن ليصحح
بيعة معاوية كحاكم ملزم بكتاب الله وسنة النبي وان القانون الإلهي يؤخذ من العلماء
به المنصوص عليهم المطهرون وهم أهل البيت وفق حديث الثقلين لاذي مرت نصوصه. وهكذا
فان تنازل الحسن عن السلطة الزمنية قد اصلح الانشقاق وهدم خطة معاوية في وأد مشروع
علي وفتح الشام لإخباره وذكرت في بلاط معاوية وترحم معاوية على علي عليهالسلام وذكره مرات بخير مدة
عشر سنوات.
المرحلة الخامسة : معاوية يحيي الإمامة
الدينية
القرشية ويسميها خلافة الله
انقلب معاوية على الحسن عليهالسلام ونقض كل عهوده معه ،
واحيا منهج قريش المسلمة بان يكون الحاكم مشرعا يتحرك وفق تشريع من سبقه وقد يتحرر
منه حين تتوفر أسباب لذلك ومن هنا حرص على سلب موجبات الإمامة الدينية الهادية
لعلي عليهالسلام
وهي أحاديث النبي فيه وفي أهل بيته بالطهارة والعلم والقرب الإلهي ليوصف بالإفساد
في الدين وينتحل فضائله ليوصف بالهدى ، ومن هنا رأيناه يطرح في اعلامه ان الحاكم
خليفة الله وبذلك أسس هذا الأساس لخلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس ويترتب على
ذلك ان الأمة لا يجوز لها ان تقوم في وجه الحاكم لأنه خليفة الله وقائد إلى الجنة
وقد فصلنا في هذا الأمر في كتابنا (الامام الحسين عليهالسلام
في مواجهة الضلال الأموي) ..
الباب
الثاني / الفصل السابع
مقارنة
بين صلح النبي صلىاللهعليهوآله
الحديبية وصلح الحسين عليهالسلام
الخليفة التاريخية
لكلا الصلحين :
كانت الخليفة التاريخية لكل من الصلحين
هي الاعلام الكاذب وتشويه الحقيقة تسويغا للموقف العملي المتمثل بالقتال بهدف
استئصال الطرف الآخر.
فقد شنت قريش المشركة (الآباء) بقياد
أبي سفيان الحرب على النبي في بدر وأحد وكانت تقول في تفسيرها للحرب انها تدافع عن
نفسها وعن بيت إبراهيم ودين إبراهيم وان محمدا كان كاذبا ساحرا افسد في دين
إبراهيم وانه هتك حرمة البيت وسفك الدم الحرام في الشهر الحرام حين اعتدى على
القوافل القرشية وقطع الطرق الآمنة عليها ، مع ان العرب كانت تحترمها وتدافع عنها
لأنه قوافل سدنة البيت وخدمة الحجيج. ولم تكشف قريش الحقيقة من انها كانت البادئ
بالظلم حين عذبت المسلمين الأوائل وفتنتهم عن دينهم ثم صادرت أموالهم بعد هجرتهم
إلى يثرب ، وان النبي بعث سراياه تغير على قوافل قريش مقاصَّةً لها لا غير.
واستمرت قريش في اعلامها الكاذب ونجحت
فيه حين استطاعت ان تحشد قريبا من عشرة آلاف مقاتل في غزوة الخندق في السنة
الخامسة من الهجرة مضافا إلى خيانة يهود المدينة لعهدهم مع النبي صلىاللهعليهوآله ان لا يعينوا عدوه
عليه.
بعد ان باءت خططها في الخندق بالفشل
أوحى الله تعالى إلى نبيه ان يغير الخطة مع قريش بان يذهب إلى مكة معتمرا معه
الهدي ويعرض عليهم الصلح فإذا ما صدوا زيارته للبيت وطلبه للصلح عرفت ان قريشا هي
التي تصر على الحرب وليس محمدا ، وانها هي التي تصد عن البيت وليس محمدا ، وإذا ما
قبلوا الصلح وتعنتوا في الشروط لحميتهم وجاهليتهم فسوف تعرف القبائل ان قريشا هي
التي تصد عن البيت وليس محمدا لأنه ردوه وأصحابه مع انهم جاؤوا محرمين معهم الهدي
تعظيما للبيت ، وبالتالي سوف يفتح النسا على حقيقة جديدة هي ان قريشا كانت كاذبة
في اعلامها ضد محمد وان على الناس ان يتعرفوا عن قرب على محمد ورسالته.
وكذلك كانت قريش المسلمة (الأبناء) بدفعٍ
وتخطيط من معاوية بن أبي سفيان والي الشام ، حيث اقتطعت البصرة بعد ان غدرت
ببيعتها لعلي ثم غدرت بعهدها مع عثمان بن حنيف والي علي عليها ، ثم جاءها علي
ليقاتل الناكثين ويعيد البصرة وأهلها إلى الأمة ، وبعد هزيمتها وخسارتها في
المعركة اصطفت وراء معاوية في الشام ، ليعلن عن فصل الشام عن الأمة وعلي ، ولم يكن
أمام علي عليهالسلام
الا ان يبادر إلى مقاتلة القاسطين البغاة ليرجع الشام وأهلها إلى الأمة ، ولم تنته
المعركة كما انتهت في الجمل بل استطاع معاوية ان يقف على رجليه ويحقق فصل الشام ثم
مصر وافريقيا وكما استطاع ان ينشئ اعلاما كاذبا يفسر حرب الجمل وصفين للجند وللناس
الذين يحكمهم بتفسير كذب خلاصته : ان عليا هو سبب الحروب وانه كان يطلب الملك ، وانه
قتل عثمان ، وانه مفسد في دين النبي ، واستطاع معاوية ان يوزع جيشه على شكل كتائب
وسرايا تغير على أطراف البلاد الخاضعة لحكومة علي عليهالسلام
، وجهز علي جيشه العقائدي ليضع حدا لغارات معاوية وشاء الله تعالى ان يغتاله ابن ملجم
وهو في الكوفة.
وبايع العراقيون الحسن على العمل بكتاب
الله وسنة النبي انطلاقا مما لديهم من النصوص النبوية فيه وفي أبيه من قبل ،
وبايع الشاميون معاوية على العمل بكتاب
الله وسنة النبي وسيرة الشيخين كما بويع عثمان من قبل ، وعرض معاوية الصلح على
الحسن بان يبقى كل طرف على
بلاده التي بايعته ، وجعل
الحسن أمام إحراجين اما قبول الصلح وهذا معناه تكريس الانشقاق وتكريس الاعلام
الكاذب ضد علي ، واما رفضه ومعناه تكريس الاعلام السلبي ضد علي أيضا بان ولده على
خط أبيه في إثارة الحرب ،
وبادره الحسن بأطروحة صلح تستهدف فضحه
وكسر الطوق الاعلامي الكاذب عن علي في الشام مستمدا روحها من صلح الحديبية ، وهي
معادلة قوامها : ان يسلم الحسن ملك العراق بشروط يعينها الحسن ولا مجال للمساومة
عليها ، فاما ان يقبل معاوية الشروط ويتسلم الملك ويتحقق الأمان للناس ووحدتهم
والفتهم وتفهمهم للحقائق واما ان يرفض الشروط فيكون معاوية هو طالب الحرب وطالب
الانشقاق.
الواقع التاريخي
لمجريات صلح الحديبية ونتائجه :
١. خرج النبي في ألف وأربعمائة أو ألف
وثمانمائة وخمسين شخص من أصحابه مُحْرِمين يسوقون الهدي بني أيديهم وكان ذلك سِتّ
من الهجرة وسمعت قريش بذلك ، فخرجوا جميعا يعاهدون الله أن لا يدخل محمد وأصحابه
مكة أبداً وبعث النبي صلىاللهعليهوآله
إليهم أحدَ حُلَفائهم الحُلَيْس بن علقمة الكناني سيِّد الأحابيش وكان قد أثَّر
فيه مشهد النبي صلىاللهعليهوآله
وأصحابه والهدي أمامهم وقال لقريش : «رأيت البُدْنَ
قد قُلِّدت وأُشْعِرت فما أرى أن يُصَدّوا عن البيت».
فقالوا : «اجلس إنَّما أنت أعرابيّ لا
عِلمَ لك».
فغضب وقال : «يا معشر قريش والله ما على
هذا حالفناكم أيُصَدُّ عن بيت الله من جاءه معظِّما له؟ والذي نفسي لَتُخْلُنَّ
بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفِرَنَّ بالأحابيش نَفْرَة رجل واحد».
قالوا : «مه ، كُفّ عنا حتى نأخذ
لأنفسنا ما نرضى به».
٢. وبعثت قريش سُهيْلَ بن عمرو ليصالح
النبي صلىاللهعليهوآله
شريطةَ أن يَرجِع النبي صلىاللهعليهوآله
هذا العام. وفوض النبي عليا في صلحه. وقَبِلَ النبي صلىاللهعليهوآله
شرط قريش وشروطاً أخرى أملتها عليه ظاهرها التنازل من النبي صلىاللهعليهوآله لقريش.
__________________
٣. أثارت شروط قريش حفيظة أصحاب النبي
حيث خفيت عليه حكمة الصلح مما تسبب في شكهم بالنبوة وقام بعضهم بتشويشات. قال عمر
: ارتبت ارتياباً لم ارتبه منذ أسلمت إلّا يومئذ ، وراجعت النبي صلىاللهعليهوآله يومئذ مراجعة ما
راجعته
مثلها قط ، ولو وجدت ذلك اليوم شيعة
، (وفي رواية مائة على مثل رأيي) تخرج عنهم رغبةً عن القضية لخرجت.
٤. ثم أمر رسول الله المسلمين أصحبه أن
يحلِقوا وينحَروا هَدْيَهم في الحِلّ ، فحلق رجال وقصَّرَ آخرون
منهم عثمان بن عفان .
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: يرحم الله المحلِّقين. قالوا : والمقصِّرين يا رسول الله؟ قال : يرحم الله
المحلقين ، قالوا : والمقصرين يا رسول الله؟ قال : يرحم الله المحلقين ، قالوا : والمقصرين
يا رسول الله؟ قال عليهالسلام
: والمقصرين ، قالوا : يا رسول الله فلم ظاهرت الترحم للمحلقين
دون المقصرين؟ قال عليهالسلام
: لأنَّهم لم يشكُّوا .
قال مالك بن ربيعة : وأنا محلوق يومئذ فما سرَّني حمر النَّعم أو خطر عظيم.
٥. انصرف الرسول صلىاللهعليهوآله إلى المدينة وفي
الطريق نزلت سورة الفتح. روى البخاري أنَّ عمر بن الخطاب كان يسير مع النبي صلىاللهعليهوآله ليلاً فسأله عمر بن
الخطاب عن شيء فلم يُجِبْهُ رسول الله صلىاللهعليهوآله
ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه فقال عمر : ثكلتك أُمّك يا عمر نَزَرْتَ
رسول الله صلىاللهعليهوآله
ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبُك ،
قال عمر : فحركت بعيري ثم تقدمتُ أمام
المسلمين وخشيت أن ينزل فيَّ قرآن ،
__________________
فما نَشِبْتُ
أن سمعت صارخاً يصرُخ بي قال : لقد خشيت أن يكون نزل فيَّ قرآن ، فجئت إلى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فسلمت عليه ، فقال : لقد أُنزِلت عليَّ الليلة سورة لَهِيَ أحبُّ إليّ مما طلعت
عليه الشمس ثم قرأ (إنَّا فَتَحْنَا لَكَ
فَتْحاً مُبِيناً).
قال مُجَمَّع بن جارية : شهدت الحديبية
مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
فلما انصرفنا عنها إذ الناس يوجِفون
الأباعر
فقال الناس بعضهم لبعض : ما للناس؟ قالوا : أوحي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال فخرجنا نوجِف
مع الناس حتى وجدنا رسول الله صلىاللهعليهوآله
واقفا عند كُراع الغَميم
، فلما اجتمع إليه بعض من يريد من الناس قرأ عليهم (إنَّا فَتَحْنَا لَكَ
فَتْحاً مُبِيناً)
، قال رجل من أصحاب محمد : يا رسول الله أو فتح هو؟ قال : أي والذي نفسي بيده إنّه
لفتح.
قال ابن عُقْبَة : وأقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله من الحديبية راجعاً
فقال رجل من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله
، ما هذا بفتح ، لقد صُدِدُنا
عن البيت وصُدَّ هّدْيُنا وردَّ رسول الله صلىاللهعليهوآله
، رجلين من المسلمين كانا خرجا إليه ، فبلغ رسول الله صلىاللهعليهوآله قول أولئك فقال : بئس
الكلام بل هو أعظم الفتح ...
٦. قال سَلَمة بن الأكْوَع : بينما نحن
قافِلون
من الحديبية نادى منادي النبي صلىاللهعليهوآله
: أيها الناس البيعة ، البيعة ، قال : فسرنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو تحت شجرة سَمُرة
فبايعناه ، وذلك قول
الله تعالى (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك
تحت الشجرة)
__________________
الفتح / ١٨.
أقول
: من الواضح ان هذه البيعة هي بيعة
لتصحيح إيمان الذين خدشوا إيمانهم بشكهم في النبوة الانف الذكر.
قال علي بن إبراهيم : واشترط عليهم أن
لا ينكروا بعد ذلك على رسول الله صلىاللهعليهوآله
شيئاً يفعله ولا يخالفوه في شيء أمرهم به.
٧. تحقَّق للنبي ما أراد من الصلح حيث
أدركت القبائل أن قريشاً هي التي تصُدُّ عن البيت زواره وليس محمداً ، وفي ظل
الأجواء الآمنة الجديدة تفهمت القبائل حقيقة الأمر في النبي صلىاللهعليهوآله وحقيقة رسالته
وانفتحت على الإسلام أعداد كبيرة من الناس واستطاع النبي ان يحشد عشرة آلاف ممقاتل
لما غزا مكة بعد ان نقضت قريش الصلح بعد سنتين ونصف.
٨. كان صلح الحديبية هو (الفتح المبين) كما
سماه القرآن وهو (اعظم الفتوح) كما سماه النبي لأنه الأساس في فضح قريش وكسر
الاعلام الكاذب ضد النبي ومن ثم اختلاط الناس بعضهم ببعض ليعرفوا حقيقة الرسالة ، وكل
المكاسب التي جاءت بعدع هذا الصلح وكان أبرزها فتح مكة فهي من ثمراته اليانعة.
٩. لم يؤثر على اعظم الفتوح ما حصل بعد
ذلك من انقلاب على الأعقاب
قامت به قريش المسلمة بعد وفاة النبي وغيرت كثيرا من معالم الرسالة باسم الإسلام
كان
__________________
أبرزها حج التمتع حيث
نهت عنه قريش المسلمة بزعامة الخليفة الثاني
، وحرَّمت على أهل البلاد المفتوحة شرقا وغربا فضلا عن الصحابة ان يحجوا حج التمتع
كما نهت عن تداول أحاديث النبي في أهل بيته ، فقد نهض علي الذي اعده الله ورسوله
لمهمة الهداية بعد النبي سنة ٢٧ هجرية مستندا إلى الثروة الفكرية المخزونة في صدور
الصحابة لإحياء حج التمتع وأحاديث النبي في أهل بيته الممنوعة من قبل قريش المسلمة
، وحقق نجاحا كاملا في النصف الشرقي من البلاد المفتوحة.
مجريات صلح الحسن عليهالسلام مع معاوية :
١. استشهد علي عليهالسلام بعد ان بايعه أربعون
ألف على الموت لقتال معاوية ووضع حد لغاراته ، وبايعوا بعده ولده الحسن عليهالسلام ثم بادر معاوية إلى
الصلح على ان يبقى كل على البلاد التي بايعته ، وبادره الحسن بالتنازل المشروط
لتوحيد الأمة وتأسيس حكم مدني يترك للناس اختيارهم في شؤونهم العبادية الفردية
واستجاب معاوية وطار فرحا بذلك.
٢. ذكرت كتب التاريخ ان البعض قد اعترض
على الحسن بعد إبرام الصلح وسلم عليه بقوله يا مذل المؤمنين ، ونسب بعض المؤرخين
ذلك إلى حجر بن عدي ، وهذا لا يصح في حق حجر وهو من خيار أصحاب علي علما وخلقا ، نعم
بالتأكيد صدر من أشخاص لم يؤمنوا أاسا بمشروع علي الإحيائي للسنة.
٣. تحقق للحسن كل ما أراد من توحيد
شِقَّيْ الأمة والأمان ، ونشر المؤمنون بمشروع علي من العراقيين صحابة وتابعين كل
أحاديث النبي في حقه وكذلك سيرة علي المشرقة التي تبرزه إماما هاديا بعد النبي ، وأقيمت
الحجة على أهل الشام بذلك لهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة.
٤. كان صلح الحسن عليهالسلام مع معاوية فتحا
مبينا لمشروع علي عليهالسلام
في الشام ، لأنه الأساس في توحيد أهل القبلة على محبة أهل البيت ومعرفة حديث
الغدير وحديث
__________________
الكساء وحديث المنزلة
وغيرها من الأحاديث التي تؤسس الإمامة الإلهية لأهل البيت إلى آخر الدنيا وكسر
الاعلام الكاذب ضد علي.
٥. وكما اعقب غدر قريش بعهدها مع النبي صلىاللهعليهوآله فتح مكة وإعلاء كلمة
التوحيد والشهادة للنبي صلىاللهعليهوآله
بالرسالة ابد الدهر كذلك حين غدر معاوية بعهده مع الحسن بدس السم له بعد عشر سنوات
من الصلح وملاحقة شيعة علي عليهالسلام
واضطهادهم وإعادة الطوق الاعلامي ضد علي في الأمة كلها وليس في الشام فقط اعقب
نهضة الحسين لكسر هذا الطوق لينطلق مشروع علي وإمامته الهادية وانتهاء لعن علي في
الأمة إلى الأبد.
تحريف الاعلام الأموي
أخبار صلح الحديبية عداوةً لعلي عليهالسلام
:
روى عبد الرزاق عن معمر قال سألت الزهري
عن كاتب كتاب الحديبية فضحك وقال هو علي بن أبيط الب ولو سألت عنه هؤلاء.
وهذه الرواية تشير بشكل واضح إلى سياسة
الأمويين في تحريف الاخبار.
وقد روى ابن أبي الحديد عن علي بن محمد
بن أبي سيف المدائني (ت ٢٢٥ هـ)
في كتابه (الأحداث) قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عُمَّاله بعد عام الجماعة .
(أن برئت الذمَّة ممَّن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته). فقامت الخطباء في كل
كورة وعلى كل منبر يلعنون عليَّاً عليهالسلام
ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته. وكان أشدَّ الناس بلاءً حينئذ أهلُ الكوفة
لكثرة من بها من شيعة علي عليهالسلام.
وكتب إليهم : (أن انظروا من قبلكم من
شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم
وقرِّبوهم وأكرموهم اكتبوا لي بكلَّ ما يروي
__________________
كلَّ رجل منهم واسمه
واسم أبيه وعشيرته). ففعلوا ذلك حتَّى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان
يبعثه إليهم معاوية من الصِّلات والكِساء والحِباء والقَطائع ، ويفيضه في العرب
منهم والموالي ، فكثر ذلك في كل مصر ، وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فليس يجيءُ
أحد مردود من الناس عاملاً من عمَّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلَّا
كتب اسمه وقرَّبه وشفَّعه فلبثوا بذلك حيناً.
ثم كتب إلى عُمَّاله : (إنَّ الحديث في
عثمان قد كَثُر وفَشا في كل مِصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا
الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد
من المسلمين في أبي تراب إلَّا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإنَّ هذا أحبُّ
إليَّ وأقرُّ لعيني وأدحض لِحُجَّة أبي تراب وشيعته وأشدُّ عليهم من مناقب عثمان
وفضله).
فقُرئت كتبه على الناس فرُويت أخبار
كثير في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها.
وجَدَّ الناس في رواية ما يجري هذا
المجرى حتَّى أشادوا بذكر ذلك على المنابر وأُلقِيَ إلى معلِّمي الكتاتيب فعلَّموا
صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتَّى رووه وتعلَّموه كما يتعلمون القرآن ،
وحتى علَّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله).
أقول :
ومن هذه الاخبار الموضوعة : ما اشتهر في
كتب الحديث والتاريخ من ان قريشا فوضت أمر صلحها إلى سهيل بن عمر وانه جاء إلى
النبي يفاوضه مباشرة ، بينما تنص رواية الطبري على ان النبي فوض أمر صلحه إلى علي.
ومنها أيضا : قصة بيعة الرضوان حيث
جعلها الاعلام الأموي من اجل عثمان حيث بعثه النبي صلىاللهعليهوآله
إلى قريش ليفهمهم انه جاء معظما للبيت وانه يريد الصلح معهم ، ثم اشيع ان قريش
قتلت عثمان ، وليس من شك ان ذلك ليس متوقعا من قريش لمكانه
__________________
من بني أمية ، ومكانة
بني أمية من قريش في حروبها مع النبي صلىاللهعليهوآله.
وقد اشتهر ان البيعة تمت قبل الصلح ، بينما
تفيد أخبار أخرى صحيحة ان : بيعة الرضوان قد حصلت بعد ان تم الصلح وقفلوا من الحديبية
راجعين إلى المدينة والغرض منها هو تصحيح الإيمان وليس شيئا آخر وقد مرت المصادر
في ذلك.
الباب
الثاني / الفصل الثامن
مقتطفات
من تاريخ الكوفة من سنة ١٤ هـ ـ ١٤٨ هـ
الكوفة قبل الفتح الإسلامي للعراق وقبل
تمصيرها
الكوفة جغرافيا تتألف من ارض حمراء سهلة
مستوية (٢٣ ـ ٢٤ م عن سطح البحر) قريبة من مستوى نهر فرات الكوفة تبدأ أرضها
بالارتفاع التدريجي باتجاه الغرب والجنوب الغربي والشمال الغربي حتى يصل ارتفاعها
إلى ٨٠ م ـ ١٠٠ م عن سطح البحر ويعرف المرتفع منها ب (ظهر الكوفة) ويمتد هذا الظهر
من منطقة الذكوات البيض موضع قبر أمير المؤمنين عليهالسلام
في الجنوب الشرقي من الهضبة إلى كربلاء موضع قبر ولده الحسين الشهيد عليهالسلام في الشمال الشرقي من
الهضبة.
وقد روي عن الامام علي عليهالسلام انه قال حين ذكر
مقتل الحسين (بأبي هو وأمي المقتول بظهر الكوفة).
وفي معجم البلدان : الف أرض من ضاحية
الكوفة في طريق البرية فيها كان مقتل الحسين بن علي وسمي الطف لأنه مشرف على
العراق من أطف على الشيء بمعنى أطلَّ ، والطف : طف الفرات ، أي الشاطئ.
والطرف المرتفع من (ظهر الكوفة) هذا من
كربلاء إلى النجف طوله مائة وعشرة من
__________________
الكيلومترات يتألف من
قوسين ، القوس الأسفل ويعرب ب (طار النجف) أو (طارات النجف) ، والقوس الأعلى ويعرف
ب (طار كربلاء) أو طارات كربلاء ، يلتقي منتهى طار النجف بمنتهى طار كربلاء للقادم
من بحيرة الرزازة في منطقة تسمى ب (منطقة التقاء الطارين وترتفع ١٥٠ م ـ ٢٠٠ م عن
سطح البحر ، وتشكل هذه الطارات على امتدادهما من الشمال إلى الجنوب الضفة الشرقية
أو الجرف الشرقي لنهر فرات الكوفة قبل مليون سنة ، ثم تبدل مجرى النهر إلى جهة
الشرق ، وهذا الطار بجزئيه يراه القادم من جهة الغرب كأنه الحد الفاصل بين ارض
السواد والصحراء ، وقد سماه بطليموس في خارطته ب (جبال بابل) ، وسماه أمير
المؤمنين عليهالسلام
ب (طورسينين) قال (إذا أنا مت فادفنوني في هذا الظهر وهو أول طور سينين) ، و (سينين)
أو (سيناء) اسم لمدينة بابل قبل ان تعرف سيناء المصرية .
وهكذا تتعدد الأسماء : (ظهر الكوفة) ، (طور
سينين أو طور سيناء) (طف الفرات) (جرف الفرات.
وأيضا (نجف الحيرة) أي المرتفع قرب
الحيرة ، (نجف الكوفة)
والنجف : الأرض المرتفعة التي لا يعلوها
السيل.
وأيضا (بانقيا) وتعني حرفيا الأرض
الحمراء.
وكان إلى جانب هذا الجرف من جهة الغرب
بحر يسمى ببحر (النجف) وهي تسميته منذ ألف سنة أو اكثر وكان يسمى أيضا قبل ذلك ب (بحر
بانقيا) وبانقيا هي (فينقيا) بإبدال الباء إلى فاء والألف إلى ياء وهو كثير في
اللغات السامية أو اللهجات المحلية ، وفينقيا حرفت إلى (فينكس) () في معجم (كتابات
هوميروس) (اللغة ألإغريقه الأقدم) : اللون الأحمر ، وأيضا النخل ، التمر. وقد سماه
من قبل (بيروسس الكلداني) ب (البحر الأحمر) وهو ترجمة لبحر بانقيا. اما البحر
الأحمر اليوم فقد كان اسمه الأقدم كما في خارطة بطليموس (البحر العربي) وكان
الخليج في خارطته اسمه الخليج الفارسي.
__________________
ويبدأ تاريخ الكوفة الحضاري والديني من
زمن ادم وأوصياءه عليهالسلام
، ففيها مسجد الكوفة وهو مسجد ادم ومسجد السهلة وهو بيت إدريس ، وعلى الذكوة
الجنوبية الشرقية من الذكوات البيض التي عليها مسجد الطريحي اليوم رست عليها سفينة
نوح وبقيت السفينة بعد الطوفان قلعة الحياة تحيطها المياه ، ولما انسحبت المياه
باتجاه الشرق بنى نوح مسجد الكوفة وسكن وأولاده عنده ثم تفرقت ذرية نوح فيما بعد
إلى الشمال والجنو وبنوا مدن بابل وسومر وغيرهما من مدن الوسط والجنوب.
ان اسم النجف والحيرة قديم فقد وجد في
وثيقة ملحمة جلجامش باللغة ألأكديه منذ اكثر من أربعة آلاف سنة. كما ان اسم كربلا
قديم أيضا حيث وجد في ملحمة زيوسدرا السومرية بأقدم من ذلك.
قال الحميري في الروض المعطار : الكوفة
: هي أول مدينة اختطها المسلمون بالعراق في سنة أربع عشرة ، وهي على معظم الفرات
ومنه شرب أهلها ، سميت بجبل صغير في وسطها كان يقال له كوفان وعليه اختطت ولها
ضياع ومزارع ونخل كثير ، وأهلها مياسير ، ومياهها عذبة ، وماؤها صحيح ، وأهلها من
صرح العرب لكنهم الآن متحضرون. وقال محمد بن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضياللهعنه : كانت الكوفة منزل
نوح عليهالسلام.
ومن اهم محالّ الكوفة قديما الحيرة
عاصمة ملوك لخم كان يقصدها شعراء العرب قبل البعثة. وتقع على بحر النجف الذي تكون
من بقايا الفرات الأول ومن السيول التي تغزو المنطقة من الهضبة الغربية سنويا
ولولا جرف النجف هذا لما امكن السكن في سهل الكوفة ، وكان هذا السهل أيام الفتح
رملة حمراء خالية من السكان ، بعد الفتح الإسلامي وقع الاختيار عليها ومصرت زمن
الخليفة عمر بن الخطاب وحددت معالم المسجد من قبل سلمان المحمدي أو حذيفة بن
اليمان أخذ ذلك عن علي عليهالسلام
وقد ورد في الكوفة رواية يرويها أمير المؤمنين علي عن النبي قال (كوفان يُرَدُ
اولُها على آخرها) كما ورد فيها انها عاصمة المهدي عند ظهوره.
__________________
الكوفة على عهد الخليفة عمر بن الخطاب
١٤ ـ ٢٣ هجـ (عشر سنوات)
مكرسة لسياسة الخليفتين
قال البلاذري ان عمر بن الخطاب كتب إلى
سعد بن أبي وقاص (لما فتح بالعراق) يأمره أن يتخذ للمسلمين دار هجرة ، وأن يجعل
بينه وبينهم بحرا. فاختط الكوفة أقطع الناس المنازل ، وأنزل القبائل منازلهم ، وبنى
مسجدها وذلك في سنة سبع عشرة.
قال البلاذري قال عمر : بالكوفة وجوه
الناس. وقال : هم رمح الله وكنز الإيمان وجمجمة العرب ، يحرسون ثغورهم ويمدون أهل
الأمصار .
وقالوا : لما هرب يزدجرد من حلوان في سنة تسع عشرة ، تكاتبت الفرس وأهل الري وقومس
وإصبهان وهمذان والماهين وتجمعوا إلى يزدجرد وذلك في سنة عشرين ، فأمر عليهم
مردانشاه ذا الحاجب ، وكانت عدة المشركين يومئذ ستين ألفا ويقال مئة ألف. وقد كان
عمار بن ياسر كتب إلى عمر بن الخطاب بخبرهم ، فهمَّ أن يغزوهم بنفسه ، ثم خاف أن
ينتشر أمر العرب بنجد وغيرها ، وأشير عليه بأن يغزى أهل الشام من شامهم ، وأهل
اليمن من يمنهم ، فخاف إن فعل ذلك أن تعود الروم إلى أوطانها وتغلب الحبشة على ما
يليها. فكتب إلى أهل الكوفة يأمرهم أن يسير ثلثاهم ويبقى ثلثهم لحفظ بلدهم
وديارهم.
ومن ذلك تتضح أهمية الكوفة في الجبهة
الشرقية للبلاد الإسلامية ، فهي مركز البعوث المهمة إلى بلدان المشرق في قبال
الشام مركز البعوث المهمة إلى المغرب.
وقد حرص الخليفة عمر على ان تنضبط
الكوفة ببنود سياسة الدولة القرشية حين انزل بمن يخالف سياسته منهم اعظم العقاب من
اجل ان يكون نكالا لغيره ، ولا نعلم عقوبة في التاريخ الإسلامي أقسى من عقوبة عمر
لصَبيغ التميمي على ذنب كذنبه ، فقد عاقبة الخليفة بنفسه لمدة يومين يضربه بعراجين
النخل على ظهره وراسه حتى تفجرت الدماء منه ، ولم يكن لصبيغ ذنب سوى مخالفته لأمر
عمر بعدم السؤال عن تفسير القرآن! ، وفي اليوم الثالث جاءه الخليفة ليواصل ضربه له
توسل به صبيغ قائلا يا أمير
__________________
المؤمنين ان كنت تريد
قتلى فاقتلني غير هذه القتلة وان كنت تريد شفائي مما بي فقد شفيت ، فعفا عنه (وحمله
على قَتَب ، وكتب إلى أبي موسى الأشعري : امنع الناس من مجالسته) .
وكتب إلى والي الكوفة منطقته مسؤوله العسكري ان يقطع عطاءه وان لا يعاشره احد ، فكان
الناس إذا دخل المسجد يتحامون اللقاء به لان الخليفة قد أمر بعدم السلام عليه فهذه
العقوبة لذلك الذنب مما لم يعرف نظيره في تاريخ الإسلام!
وليس من شك ان هذه العقوبة لأجل أهمية
العسكر الكوفي فكل من يسمع بهذه القصة سوف يرتدع عن مخالفة أي مرسوم تصدره الدولة
فيما بعد.
وهذا السياسة القاسية ليست فقط في
الأمصار المستحدثة بل حتى في المدينة وهي مركز صحابة النبي صلىاللهعليهوآله حيث تذكر لنا كتب
الحديث ان أبا موسى الاشعري طرق باب عمر في إحدى زياراته له ولم يجبه وانصرف أبو
موسى فبعث عمر حاجبه يرفأ خلفه وارجعه ، وساله عمر هلا انتظرت ـ قال اني سمعت رسول
الله «إذا استأذن أحدكم على أخيه ثلاثا فلم يجبه فلينصرف» ، قال له عمر لتأتينِّي
ببيِّنة عليه أو لأُدمِيَنَّ ظهرك.
وكتب عمر إلى ولاته في الأمصار ان
يلاحقوا الصحف المنتشرة لإتلافها كما في الرواية الآتية :
روى الخطيب عن سفيان بن عينة عن عمرو عن
يحيى بن جعدة «ان عمر بن الخطاب أراد ان يكتب السنة ثم بدا له ان لا يكتبها ، ثم
كتب في الأمصار : من كان عنده منها شيء فليمحه».
روى الخطيب أيضا عن عبد الرحمن بن
الأسود عن أبيه قال : «جاء علقمة بكتاب من مكة او اليمن صحيفة فيها أحاديث في أهل
البيت بيت النبي ، فاستأذنها على عبد الله (بن مسعود) فدخلنا عليه ، قال فدفعنا
إليه الصحيفة ، قال فدعا الجارية ثم دعا بطست فيها ماء فقلنا له : يا أبا عبد
الرحمن انظر فيها فان فيها أحاديث حِسانا ، قال
__________________
فجعل يميثها
فيها ويقول : نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا إليك هذا القرآن القلوب أوعية
فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه» .. وفي رواية أخرى
عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال : «جاء رجل من أهل الشام إلى عبد الله بن
مسعود ومعه صحيفة ، فيها كلام من كلام أبي الدرداء وقصص من قصصه ، فقال : يا أبا
عبد الرحمن الا تنظر ما في هذه الصحيفة من كلام أخيك أبي الدرداء وقصص من قصصه ، فاخذ
الصحيفة فجعل يقرأ فيها وينظر حتى أتى منزله فقال يا جارية آتيني بالإجّانة مملوءة
ماء ، فجاءت به فجعل يدلكها ويقول : (الم تلك آيات الكتاب
المبين ... نحن نقص عليك احسن القصص) اقصصنا احسن من قصص الله تريدون أو
حديثا احسن من حديث الله تريدون».
روى الدارمي قال أخبرنا يزيد بن هارون
أنا أضعث بن سوار عن الشعبي عن قُرَظة بن كعب قال : بعث عمر بن الخطاب رهطا من
الأنصار إلى الكوفة فبعثني معهم فجعل يمشي معنا حتى أتى (صرار) وصرار ماء في طريق
المدينة فجعل ينفض الغبار عن رجليه ثم قال : إنكم تأتون الكوفة فتأتون قوما لهم
أزيز بالقرآن فيأتونكم فيقولون قدم أصحاب محمد قدم أصحاب محمد فيأتونكم فيسألونكم
عن الحديث ... فأقلوا الرواية عن رسول الله وأنا شريككم فيه. قال قرظة وان كنت
لأجلس في القوم فيذكرون الحديث عن رسول الله وأني لمن أحفظهم له فإذا ذكرت وصيَّة
عمر سكتُّ.
قال أبو محمد (الدارمي) : معناه عندي
الحديث عن أيام رسول الله.
__________________
وروى الطحاوي عن سفيان ، عن بيان ، عن
عامر الشعبي ، فلما قدم قرظة قالوا : حدَّثنا ، قال : نهانا عمر بن الخطاب رضياللهعنه.
وروى ابن الاثير عن محمد بن إسحاق قال
أخبرني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال : والله ما مات عمر بن
الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم
ـ فجمعهم من الآفاق عبد الله بن حذافة وأبا الدرداء وأبا ذر وعقبة بن عامر فقال : ما
هذه الأحاديث التي قد أفشيتم عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم
ـ في الآفاق قالوا : أتنهانا قال : لا أقيموا عندي لا والله لا تفارقوني ما عشت
فنحن أعلم نأخذ ونرد عليكم فما فارقوه حتى مات.
وبفعل هذه السياسة كان الطابع العام
لأهل الكوفة بل لغيرهم أيضا هو الجل بأحاديث النبي صلىاللهعليهوآله
اما على مستوى الولاء فولاؤهم للخليفتين من قريش الحاكمة ، ولم يكن فيها موالون
لعلي وأهل بيته الا افرادا معدودين مرتبطين بعمار وسلمان وحذيفة. نعم كان بعض بطون
قبيلة همدان في الكوفة لهم ارتباط سابق بعلي عليهالسلام
حيث اسلموا على يده في اليمن سنة ١٠ من الهجرة او قبلها ، ولكن الذي كانت له علاقة
من اغلب هؤلاء هم آباؤهم والقليل منهم ممن التقاه في اليمن مضافا إلى بُعد العهد
وسياسة الدولة القرشية في إهمال علي عليهالسلام.
ثم صار الولاء لعلي عليهالسلام
ظاهرا أيام عثمان حينما حمل لواء التشيع لعلي حجر بن عدي ومالك الاشتر ونظراؤهم
بعد نهضة علي في إحياء حج التمتع كما سيأتي.
الكوفة على عهد عثمان ٢٣ ـ ٢٨ هـ قبل
انشقاق قريش عليه مكرسة لسيرة
الشيخين (ست سنوات)
قال عمرو بن ميمون :
«ان عمر لما طُعِنَ قيل له يا أمير
المؤمنين لو استخلفت! قال : من استخلف؟
__________________
لو كان أبو عبيدة بن
الجراح حيا استخلفته ... ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا استخلفته ... ثم قال
عليكم بهؤلاء الرهط الذين قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
(انهم من أهل الجنة) علي وعثمان وعبد الرحمن وسعد وطلحة والزبير فليختاروا رجلا.
ثم دعا بهم وقال لهم إني نظرت فوجدتكم رؤساء وقادتهم ولا يكون هذا الأمر إلّا فيكم.
وقال لأبي طلحة الأنصاري اختر خمسين
رجلا من الأنصار ، فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم ، فان اجتمع
خمسة ورضوا رجلا وأبى واحد فاشدخ رأسه ، وان اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم وأبى
اثنان فاضرب رؤوسهما ، فان رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله
بن عمر ، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا منهم ، فان لم يرضوا بحكم عبد الله
بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين ان رغبوا عما
اجتمع عليه الناس.
واستشارعبد الرحمن الناس
فقال له عمار بن ياسر ان أردت ان لا يختلف المسلمون فبايع عليا ، فقال المقداد بن
الأسود صدق عمار ان بايعت عليا قلنا سمعنا واطعنا.
وقال ابن أبي سرح ان أردت إلا تختلف
قريش فبايع عثمان ، فقال عبد الله بن أبي ربيعة صدق ان بايعت عثمان قلنا سمعنا
واطعنا.
وقال عمار : أيها الناس ان الله عز وجل
أكرمنا بنبيه وأعزنا بدينه فأنى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم.
__________________
فقال رجل من بني مخزوم لقد عدوت طورك يا
ابن سمية وما أنت وتأمير قريش لأنفسها.
فقال سعد بن أبي وقاص : يا عبد الرحمن
افرغ قبل ان يفتن الناس.
ودعا عبد الرحمن علي فقال له عليك عهد
الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده.
قال أرجو ان افعل واعمل بمبلغ علمي
وطاقتي.
ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي ، فقال
نعم فبايعه.
فقال علي : حبوته حبو دهر ، ليس هذا أول
يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ، والله ما وليت
عثمان إلّا ليرد الأمر إليك.
__________________
فقال عبد الرحمن يا علي لا تجعل على
نفسك سبيلا فأني قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان.
فقال المقداد : ما رأيت مثل ما أتوي إلى
أهل هذا البيت بعد نبيهم ، إني لأعجب من قريش انهم تركوا رجلا لا أقول ان أحداً
اعلم ولا أقضى منه بالعدل أما والله لو أجد عليه أعوانا.
فقال عبد الرحمن يا مقداد اتق الله فإني
خائف عليك الفتنة»
قال عوانة قال إسماعيل قال الشعبي
فحدثني عبد الرحمن بن جندب عن أبيه جندب بن عبد الله الأزدي قال كنت جابسا
بالمدينة حيث بويع عثمان فجئت فجلست إلى المقداد بن عمرو فسمعته يقول ... اما
والله لو ان لي على قريش أعوانا لقاتلتهم قتالي إياهم ببدر وأحد
فقال عبد الرحمن ثكلتك أمك لا يسمعن هذا
الكلام الناس فإني أخاف ان تكون صاحب فتنة وفرقة.
قال المقداد ان من دعا إلى الحق وأهله
وولاة الأمر لا يكون صاحب فتنة ولكن من أقحم الناس في الباطل وآثر الهوى على الحق
فذلك صاحب الفتنة والفرقة.
قال فتربد وجه عبد الرحمن ثم قال لو
اعلم انك إياي تعنى لكان لي ولك شأن.
قال المقداد إياي تهدد يا بن أم عبد
الرحمن ثم قام عن عبد الرحمن فانصرف.
قال جُندُب بن عبد الله فاتبعته وقلت له
يا عبد الله أنا من أعوانك ، فقال رحمك الله ان هذا الأمر لا يغني فيه الرجلان ولا
الثلاثة ، قال فدخلت من فوري ذلك على علي عليهالسلام
فلما جلست إليه قلت يا أبا الحسن والله ما أصاب قومك بصرف هذا الأمر عنك فقال صبر
جميل والله المستعان. فقلت والله انك لصبور قال فان لم اصبر فماذا اصنع ،
__________________
قلت إني جلست إلى المقداد بن عمرو آنفا
وعبد الرحمن بن عوف فقالا كذا وكذا ثم قام المقداد فاتبعته فقلت له كذا فقال لي
كذا فقال علي عليهالسلام
لقد صدق المقداد ، فماذا اصنع؟
فقلت تقوم في الناس فتدعوهم إلى نفسك
وبخبرهم انك أولى بالنبي صلىاللهعليهوآله
، وتسألهم النصر على هؤلاء المتظاهرين عليك فإذا أجابك عشرة من مائة شددت بهم على
الباقين ، فان دانوا لك فذاك وإلا قاتلتهم وكنت أولى بالعذر قتلت أو بقيت ، وكنت
أعلى عند الله حجة ،
فقال عليهالسلام
: أترجو يا جندب ان يبايعني من كل عشرة واحد؟ قلت أرجو ذلك ، قال لكني لا أرجو ذلك
، لا والله ولا من المائة واحد ، وسأخبرك ان الناس ينظرون إلى قريش فيقولون هم قوم
محمد وقبيله ، واما قريش بينها تقول ان آل محمد يرون لهم على الناس بنبوته فضلا
ويرون انهم أولياء هذا الأمر دون قريش ودون غيرهم من الناس وهم ان وَلَوْه لم يخرج
السلطان منهم إلى أحد أبدا ومتى كان في غيرهم تداولته قريش بينها ، لا والله لا
يدفع الناس إلينا هذا الأمر طائعين أبدا.
فقلت جعلت فداك يا بن عم رسول الله لقد
صدعت قلبي بهذا القول أفلا ارجع إلى المصر فأوذن النسا بمقالتك وأدعو الناس إليك
فقال يا جندب ليس هذا زمان ذاك.
قال فانصرفت إلى العراق فكنت اذكر فضل
علي على الناس فلا اعدم رجلا يقول لي ما اكره واحسن ما اسمعه قول من يقول دع عنك
هذا وخذ فيما ينفعك فأقول ان هذا مما ينفعني وينفعك فيقوم عني ويدعني.
وفي الإرشاد قال : فكنتُ كلّما ذكرتُ
للناس شيئاً من فضائل عليّ بن أبي طالب عليهالسلام
ومناقبه وحقوقه زَبرُوني ونَهَرُوني ، حتى رُفِعَ ذلك من قولي إلى الوليد بن عقبة
لياليَ وَلِيَنَا ، فبعث إليّ فحبسني حتى كُلّمَ فيَّ فخلَّى سبيلي.
__________________
ومن هذه الرواية نفهم
عدة أمرو منها :
١. ان الولاء العام للكوفيين هو لقريش
وليس لعلي عليهالسلام
رصيد فيها كما أشار إلى ذلك أمير المؤمنين حين قال لجندب (اترجو يا جندب ان
يبايعني من كل عشرة واحد؟ قلت أرجو ذلك ، قال لكني لا أرجو ذلك ، لا والله ولا من
المائة واحد).
٢. ان الداعي إلى علي وفضائله تسجنه
السلطة كما رأينا في سجن جندب نفسه.
٣. ان أمير المؤمنين نصع جندبا ان لا
يدعو الناس إلى علي فان لازمان ليس ذلك.
٤. ان تصرف جندب وسجنه عمَّق عنده دقة
تشخيص أمير المؤمنين للموقف حين سألف (أفلا ارجع إلى المصر فأوذن الناس بمقالتك
وأدعو الناس إليك) فكان جوابه عليهالسلام
(يا جندب ليس هذا زمان ذاك).
٤. ان أهل البلاد المفتوحة بشكل عام
والكوفة منها كانوا لا يعرفون عليا ومناقبه ، بل حين ذكر جُندب بعض مناقبه زبره
الناس ونهروه وقاموا عنه / لأنه كلام لم يأتِهم بطريق رسمي / ورفع أمره إلى الوليد
فحَبَسَه. فإذا عَرَفنا ان الوليد قد وُلِّي الكوفة سنة ٢٥ هـ أو سنة ٢٦ هـ وعُزِل
عنها سنة ٣٠ هجرية عرفنا ان الجو العام في الكوفة في ذلك الوقت كان لا يسمح بذكر
فضائل علي عليهالسلام
الا سرا.
نهضة علي عليهالسلام
على عهد عثمان سنة ٢٧ هـ لإحياء حج التمتع
استحكم الانشقاق بين عثمان وبطون قريش
سنة ٢٧ هـ عندما استحكم الخلاف بينه وبين عبد الرحمن بن عوف وهو آخر من تذمر من
عثمان من بطون قريش حين بنى قصره طمار الزوراء
في المدينة ، وتكونت جبهة قرشية معارضة لسياسة عثمان
__________________
في تقريب اسرته
وتسليمهم ولاية الأمصار ، فقد عزل عمرو بن العاص عن مصر سنة ٢٥ هـ وعين اخاه من
الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان النبي قد أهدر دمه في فتح مكة وأجاره
عثمان ثم عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة سنة ٢٥ هـ وعيَّن أخاه لامه الوليد بن
عقبة الفاسق بنص القرآن. وفي سنة ٢٦ هـ جمع الشام كلها لمعاوية. وفي سنة ٢٧ هـ عزل
أبا موسى الأشعري عن البصرة وولى مكانه عبد الله بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد
شمس وهو ابن أربع وعشرين سنة وضم إليه ولاية فارس.
قرر علي عليهالسلام
في جو استحكام الخلاف بين بطون قريش وعثمان وتذمر الناس من تصرف ولاته ان يحيي حج
التمتع الذي نهى عنه عمر صار هذا النهي جزءا من السيرة التي التزمها عثمان في
خلافته وكانت مدخلا ميَّز عليا عليهالسلام
في نهضته في قبال المعارضة القرشية لعثمان التي كانت تستهدف الاطاحة بحكم عثمان
وبني أمية وتداول السلطة في بطون قريش كما كان أيام أبي بكر وعمر.
نهض مع علي وجوه من صحابة النبي كما في
رواية البخاري :
روى مالك في الموطأ :
«ان المقداد بن الأسود (ت ٣٣) دخل على
علي عليهالسلام
بالسُقْيا
وهو يُنجِع بَكرات له دقيقا وخبطا ، فقال هذا عثمان بن عفان ينهى ان يقرن بين الحج
والعمرة ، فخرج علي عليهالسلام
وعلى يديه اثر الدقيق والخبط فما أنسى اثر الدقيق والخبط ، على ذراعيه ، حتى دخل
على عثمان فقال : أنت تنهى عن ان يُقْرَنَ بين الحج والعمرة ، فقال : عثمان ذلك
رأيي ، فخرج عليٌّ عليهالسلام
مغضبا وهو يقول : لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا».
__________________
وفي سنن النسائي ومستدرك الصحيحين ومسند
احمد واللفظ للأول عن سعيد بن المسيب قال :
«حج علي وعثمان فلما كنا ببعض الطريق
نهى عثمان عن التمتع فقال علي إذا رأيته (وفي نسخة السندي إذا رأيتموه) ارتحل
فارتحلوا فلبى علي وأصحابه بالعمرة».
قال الإمام السندي بهامشه :
«قال (إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا) أي
ارتحلوا معه ملبين بالعمرة ليعلم أنكم قدمتم السنة على قوله ، وانه لا طاعة له في مقابل
السنة».
موقف عبد الله بن
مسعود من عثمان :
قالوا في ترجمة عبد الله بن مسعود حليف
بني زهرة
: أسلم قديما وهاجر الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد بعدها ، وأخرج البغوي من طريق
القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال عبد الله لقد رأيتني سادس
ستة وما على الأرض مسلم غيرنا وكان يقول أخذت من في رسول الله سبعين سورة أخرجه
البخاري شهد فتوح الشام سيَّره عمر إلى الكوفة ليعلمهم أمور دينهم وبعث عمارا
أميرا وقال إنهما من النجباء من أصحاب محمد فاقتدوا بهما. وعن زيد بن وهب قال أقبل
عبد الله ذات يوم وعمر جالس فلما رآه مقبلا قال كنيف مليء فقها.
__________________
كان عبد الله بن مسعود من الأوفياء
لسياسة عمر وفتاواه
منسجما كل الانسجام مع السلطة الحاكمة وقد روى البلاذري ان ابن مسعود وكان أول
الناس جاء ببيعة عثمان إلى الكوفة وأخذها على الناس
غير انه اصطدم فيما بعد مع عثمان في قصة تغيير المصاحف بسبب عدم إشراكه في اللجنة
الخاصة وتفضيل زيد بن ثابت عليه فدعا الكوفيين إلى عدم تسليم مصاحفهم وامتنع هو من
تسليم مصحفه لمبعوث عثمان مع ملاحظات سابقة له على سيرة الوليد بن عقبة فأمر عثمان
بإشخاصه إلى المدينة وضُرب هناك وكسرت أضلاعه ومنع من العطاء سنتين.
روى ابن شبة قال حدثنا عبد الله بن رجاء
قال ، أنبأنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حمير بن مالك قال : لما أمر بالمصاحف أن
تُغّيَّر ساء ذلك عبد الله بن مسعود رضياللهعنه
فقال : من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليفعل ، فإن من غل شيئا جاء بما غل يوم
القيامة ، ثم قال : لقد قرأت القرآن من في (أي فم) رسول الله سبعين سورة ، وزيد
صبي ، أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وفي رواية أخرى عن محمد بن عبد الله بن
المثنى الانصاري قال ، حدثنا إسرائيل بن يونس ، عن ثوبر بن أبي فاختة ، عن أبيه
قال : بعث عثمان رضياللهعنه
إلى عبد الله أن يدفع المصحف إليه. قال : ولم؟ قال : لأنه كتب القرآن على حرف زيد.
قال : أما أن أعطيه المصحف فلن أعطيكموه ، ومن استطاع أن يغل شيئا فليفعل ، والله
لقد قرأت من في رسول الله صلىاللهعليهوسلم
سبعين سورة ، وإن زيدا لذو ذؤابتين يلعب بالمدينة.
وروى ابن عبد البر عن الأعمش عن شقيق
أبى وائل قال لما أمر عثمان في المصاحف بما أمر قام عبد الله بن مسعود خطيبا فقال
: أيأمروني أن أقرأ القرآن على
__________________
قراءة زيد بن ثابت
نفسى بيده لقد أخذت من في رسول الله صلىاللهعليهوسلم
سبعين سورة وإن زيد بن ثابت لذو ذؤابة يلعب به الغلمان والله ما نزل من القرآن شيء
إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل وما أحد أعلم بكتاب الله مني ولو أعلم أحداً تبلغنيه
الإبل أعلم بكتاب الله منى لأتيته ثم استحيي مما قال فقال وما أنا بخيركم قال شقيق
فقعدت في الحق فيها أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فما سمعت أحدا أنكر ذلك عليه ولا رد ما قال.
قال اليعقوبي كتب عثمان في جمع المصاحف
من الآفاق حتى جمعت ، ثم سلقها بالماء الحار والخل ، وقيل أحرقها ، فلم يبق مصحف
إلا فعل به ذلك خلا مصحف ابن مسعود.
وكان ابن مسعود بالكوفة ، فامتنع أن يدفع مصحفه إلى عبد الله بن عامر ، وكتب إليه
عثمان : أن أشخصه ، إنه لم يكن هذا الدين خبالا وهذه الأمة فسادا .
فدخل المسجد وعثمان يخطب ، فقال عثمان : إنه قد قدمت عليكم دابة سوء ، فكلمه ابن
مسعود بكلام غليظ فأمر به عثمان ، فجُرَّ برجله حتى كسر له ضلعان ، فتكلمت عائشة ،
وقالت قولا كثيرا.
وفي رواية البلاذري : احتمله يحموم غلام
عثمان ورجلاه تختلفان على عنقه حتى
__________________
ضرب به الأرض فدق
ضلعه ... وقام علي بأمر ابن مسعود حتى أتى به منزله فأقام ابن مسعود بالمدينة لا
يأذن له عثمان في الخروج منها إلى ناحية من النواحي وأرااد حين برئ الغزو فمنعه من
ذلك وقال له مروان : إن ابن مسعود أفسد عليك العراق افتريد أن يفسد عليك الشام؟
فلم يبرح من المدينة حتى توفي
بعد ثلاث سنوات من إقامته الجبرية وكان قد استُقدِم من الكوفة سنة ٢٩ هـ.
وروى البلاذري قال : أشخص عثمانُ ابنَ
مسعود إلى ما قِبَله واسمعه ، ولم يأذن له في الخروج من المدينة فأقام بها ثلاث
سنين حتى مات ، وكان موته قبل مقتل عثمان. ولما مرض مرضه الذي مات فيه مرَّضه
أزواح النبي صلىاللهعليهوآله
وأصحابه ، وأتاه عثمان يعوده فقال له : كيف تجدك يا أبا عبد الرحمن؟ قال : بخير.
قال : ما تشتكي؟ قال : ذنوبي. قال : أفلا آمر لك بعطائك ، وكان قد قطعه عنه
لموجدته عليه (وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه قال : وكان قد حرمه عطاءه سنتين)
وفي رواية حرمه عطاءه ثلاث سنين
، فقال : منعتنيه وانا محتاج إليه وتعطينيه وانا مستغن عنه .
وأوصى ان لا يصلي عليه عثمان .
قال أبو نعيم وغيره مات (عبد الله بن مسعود) بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وقيل مات
سنة ثلاث والأول اثبت.
__________________
وروى البخاري قال حدّثنا عمر بن حفص قال
حدّثنا أبي قال حدّثنا الأعمش قال سمعت شقيق بن سلمة قال كنت عند عبد الله وأبي
موسى فقال له أبو مىوسى أرأيت يا أبا عبد الرّحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع
فقال عبد الله لا يصلّي حتّى يجد الماء فقال أبو موسى فكيف تصنع بقول عمّار حين
قال له النّبيّ صلىاللهعليهوسلم
كان يكفيك قال ألم تر عمر لم يقنع بذلك فقال أبو موسى فدعنا من قول عمّار كيف تصنع
بهذه الآية فما درى عبد الله ما يقول فقال إنّا لو رخّصنا لهم في هذا لأوشك إذا
برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمّم فقلت لشقيق فإنّما كره عبد الله لهذا قال
نعم.
صحيح البخاري ـ (ج ٢ / ص ٧٦) حدّثنا
محمّد بن سلام قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق قال كنت جالسا مع عبد الله
وأبي موسى الأشعريّ فقال له أبو موسى لو أنّ رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا أما كان
يتميمّم ويصلّي فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة فقال عبد الله لو رخّص لهم
في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمّموا الصّعيد قلت وإنّما كرهتم هذا لذا
قال نعم فقال أبو موسى ألم تسمع قول عمّار لعمر بعثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حاجة فأجنبت فلم
أجد الماء فتمرّغت في الصّعيد كما تمرّغ الدّابّة فذكرت ذلك للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال إنّما كان يكفيك
أن تصنع هكذا فضرب بكفّه ضربة على الأرض ثمّ نفضها ثمّ مسح بهما ظهر كفّه بشماله
أو ظهر شماله بكفّه ثمّ مسح بهما وجهه فقال عبد الله أفلم تر عمر لم يقنع بقول
عمّار وزاد يعلى عن الأعمش عن شقيق كنت مع عبد الله وأبي موسى فقال أبو موسى ألم
تسمع قول عمّار لعمر إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
بعثني أنا وأنت فأجنبت فتمعّكت بالصّعيد فأتينا رسول الله صلّى الله عليم وسلّم
فأخبرناه فقال إنّما كان يكفيك هكذا ومسح وجهه وكفّيه واحدة.
وروى الحاكم بسنده عن سعيد بن زيد قال
حدثنا الحسن ان رجلا قال لعمران بن الحصين ما هذه الأحاديث التي تحدثوناها وتركتم
القرآن ، قال أرأيت لو أبيتَ أنت واصحابُك إلا القرآن (وفي رواية لو وُكِلت أنتَ
واصحابُك إلى القرآن) من أين كنتَ
__________________
تعلم ان صلاة الظهر
عدتها كذا وكذا ، وصلاة العصر عدتها كذا ، وحين وقتها كذا ، وصلاة المغرب كذا ، والموقف
بعرفة ورمى الجمار كذا ، واليد أين تقع أمن ههنا أم ههنا أم من ههنا ووضع يده على
مفصل الكف ووضع يده عند المرفق ووضع يده عند المنكب ، وقال : اتبعوا حديثنا ما
حدثناكم ، وإلّا واللهِ ضللتم.
وَقَالَ مُسَدَّدٌ : حَدَّثَنَا حماد ، عن
علي بن زيد ، عن الحسن قال : بينما عمران بن حصين وعنده أصحابه يحدثهم فقال رجل : لا
تحدثنا إلَّا بالقرآن ـ أو لا نريد إلَّا القرآن ـ فقال : أرأيت لو وكلت أنت
وأصحابك إلى القرآن؟ أكنت تجد صلاة الظهر أربعاً وصلاة العصر أربعاً وصلاة المغرب
ثلاثا ، تقرأ في الركعتين الأولتين ، حتى عد الصلوات كلها؟! أرأيت لو وكلت أنت
وأصحابك إلى القرآن ، أكنت تجد في كل مائتين خمسة ، ومن الإبل كذا وكذا ، وفي
البقر كذا وكذا؟! أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك ، أكنت تجد الطواف بالبيت وبين الصفا
والمروة كذا وكذا؟!.
الكوفة على عهد علي عليهالسلام
انفتحت الكوفة على مشروع علي عليهالسلام الإحيائي للسنة
النبوية بقيادته وتبنت نصرته وكانت أول نصرتها له حين نكث طلحة والزبير بيعتهما
معه واقتطعا البصرة عنه.
ثم نصروه في صفين وقاتلوا أهل الشام
معه.
ثم نصروه في حرب النهروان حين قاتلوا أبناءهم
وإخوانهم وأساتيذهم لما تحولوا إلى مفسدين.
وكان علي عليهالسلام
خلال ذلك يعلمهم ويبفقههم وصارت الكوفة في أواخر عهده كأنما بُنِيت على حُبِّه
والايمان به لما رأى أهلها من عدله وعلمه وحسن سيرته فيهم إلى جانب ما عرفوا من
سابقته مع النبي صلىاللهعليهوآله
وأحاديث النبي فيه وما نزل من القرآن في حقه وما جرى على يده من الكرامات ،
__________________
انهم شاهدوا في سيرة علي عليهالسلام انه من رسول الله
كالضوء من الضوء أو كالصنو من الصنو ، وكالذراع من العضد.
رأوا فيه ما اخبر عنه النبي صلىاللهعليهوآله (انه منه بمنزلة
هارون من موسى الا انه لا نبي بعده) حين قارنوا ذلك بما قصه القرآن من نصرة هارون
لموسى وتصديقه ومعاونته ونصرته وكون الإمامة بعد موسى في ذريته وكذلك علي عليهالسلام.
لقد بايع عليا عليهالسلام بعد معركة النهروان
أربعون ألف على الموت ليقاتلوا معاوية ولكنه الأجل الذي قدره الله تعالى له.
لقد صارت الكوفة على عهد علي عليهالسلام بلد الأنصار وأهل
الحل والعقد في المشروع الإحيائي للسنة نظير المدينة كانت على عهد النبي بلد
الأنصار وأهل الحل والعقد في مشروع الرسالة.
قاتلت المدينة قريشا المشركة التي
استهدفت محاصرة الرسالة بل قتل النبي وأصحابه. وقاتلت الكوفةُ قريشا المسلمة في
البصرة والشام التي استهدفت محاصرة علي بل قتله وقتل أصحابه.
وكما كان يوجد في المدينة على عهد النبي
صلىاللهعليهوآله
من يكره عليا عليهالسلام
ويبغضه وكانوا يسرونه لما يعلمون من غضب النبي عليهم إذا اظهروه وقد عرفوا
بالمنافقين وقد ورد في
__________________
الرواية : (كنا لا
نعرف المنافقين على عهد النبي الا ببغضهم عليا)
، وقد تآمروا على النبي ليقتلوا في عقبة هرشى بعد عودته من تبوك أو بعد عودته من
حجة الوداع ، كذلك كان الأمر في الكوفة حيث وجد فيها من يبغض عليا ولكنه لا يخفيه
بل يظهره وقد عرفوا بالخوارج الذين مردوا على بغض علي وقاتلوه وقاتلهم ونال
الشهادة على يد شر افرادهم عبد الرحمن بن ملجم.
الكوفة في سنوات الصلح سنوات الفتح
المبين لعلي عليهالسلام
بايعت الكوفة الحسن بن علي بصفته وصي
رسول الله صلىاللهعليهوآله
ووارث علومه وعلوم أبيه واحد أفراد آية المباهلة وآية التطهير وحديث الكساء ووارث
، وامتاز أهل الكوفة عن أهل المدينة بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآله
حين تخلف الأنصار عن نصرة أهل بيت رسول الله وبايعوا غيرهم وتخلفوا عن سنة النبي
وعملوا بسنه غيره ووفى أنضار علي في الكوفة مع بيت رسول الله فبايعوا الحسن وعملوا
بسنة رسول الله التي احياها علي ، وبايعته تبعا لبيعتهم البصرة والبحرين ومكة
والمدينة واليمن وايران وما وراءها.
ونصرت الكوفة الحسنَ في مشروعه الاصلاحي
العظيم حين استجابت لخطوته الاصلاحية الرائدة التي لم تخطر ببال معاوية وأهل الشام
فانهم كانوا يتوقعون احد أمرين لطلبهم الصلح مع الحسن اما الرفض والقتال ، أو
الاستجابة للصلح بان يبقى الحسن على دولته في الشرق ومعاوية على دولته في الغرب
وتنشأ علاقات سلمية بينهم كدولتين مستقلتين ، وإذا بالحسن يفاجئهم بمشروعه
التوحيدي للامة الإسلامية وتقديمه معاوية بشروط يضعها الحسن وهو أمر مهما كانت
الشروط فيه فانه لا يستوعبه الا من كان يفهم مشروع علي الإحيائي للسنة ، ولذلك
رأينا رد فعل الخوارج هو تسفيه هذه الخطوة ومحاولة اغتيال الحسن ، بخلاف حَمَلَةِ
مشروع علي عليهالسلام
فانهم قد فهموا المغزى العميق للخطوة الرائدة التي تحقق أمرين في وقت واحد :
الأول
: فضح معاوية عند أهل الشام
بانه طالب ملك لا غير ، فانه تنازل عن الأساس الذي بويع عليه عثمان وهو العمل
بسيرة الشيخين وقبل ان يتقيد بالكتاب والسنة
__________________
وخلى عن مطلبه الأخذ
بثأر عثمان ، بمجرد انه اعطي حكم العراق ، وفي قبال ذلك تبرز مبدائية علي عليهالسلام حين عرض عليه الحكم
بشرط العمل بسيرة الشيخين فلم يقبل ورفض الملك.
الثاني
: اصلاح الأمة برأب الصدع الكبير
وعودتها إلى سابق عهدها موحدة وكسر الطوق عن مشروع علي واخبار سيرته المشرقة في
الشام.
وليس من شك فان رجال هذين المكسبين هم
شيعة علي الذين حملوا حديث النبي فيه واخبار سيرته المشرقة وكلهم شوق ان ينشروا
ذلك كما كان المسلمون زمن النبي قبل صلح الحديبية كلهم شوق لان ينشروا اخبار سيرة
النبي صلىاللهعليهوآله
المشرقة.
وطار معاوية فرحا بالأطروحة الحسنية
للصلح وانفتحت قلوب أهل الشام لشيعة علي وتحول الكوفيون خلال عشر سنوات إلى دعاة
لعلي ينشرون اخبار سيرته المشرقة داخل الشام وخارجها.
وتأكَّد لأهل الشام حقانية علي في نهضته
وأولويته بكتاب الله وسنة نبيه وحقانية أهل العراق في نصرة مشروع علي في إحياء سنة
النبي وان بيعتهم للحسن كانت موفقة.
الكوفة على عهد الغدر المبين لمعاوية ٥٠
ـ ٦٠ هـ عشر سنوات
لم تطب نفس معاوية بما حققه الحسن وشيعة
أبيه من خدمة حقيقية للامة ، فدفعه حقدُه الأعمى إلى الانتقام من الحسن ومن
العراقيين فتخلص من الحسن عليهالسلام
بالسم بعد عشر سنوات ، وأعاد سياسته في لعن علي والبراءة منه ، وأعاد تداول
الأحاديث الكاذبة التي وضعها اعلامه أيام صفين في تسويغ ذلك ، واستطاع ان يربي
جيلا جديدا من الأمة لا يعرف عليا الا إمام ضلالة مفسدا في الدين يجب لعنه
والبراءة منه ، (روى ابن أبي الحديد عن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني (ت ٢٢٥ هـ)
في كتابه
__________________
(الأحداث) قال : [كتب
معاوية نسخة واحدة إلى عُمَّاله بعد عام الجماعة. (أن برئت الذمَّة ممَّن روى
شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته). فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون
عليَّاً عليهالسلام
ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته. وكان أشدَّ النسا بلاءً حينئذ أهلُ الكوفة
لكثرة من بها من شيعة علي عليهالسلام
فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضمَّ إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف ، لأنه
كان منهم أيام علي عليهالسلام
فقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وأخافهم وقَطَّع الأيدي والأرجل وسَمَّلَ العيون
وصلَّبهم على جذوع النخل وطردهم وشرَّدهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم.
وكتب معاوية إلى عُمَّاله في جميع
الآفاق :
(ألَّا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل
بيته شهادة).
وبعد قتل حجر وأصحابه سنة ٥٣ هـ أمر
الحسين أصحابه في الكوفة ان يكونوا أحلاس بيوتهم بعد ان قضوا ما عليهم من الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر. ادخارا لهم ليوم خروجه عليهالسلام
بعد موت معاوية.
الكوفة هـ على عهد نهضة الحسين عليهالسلام
وشهادته وحركة سليمان بن صرد
ودولة المختار ٦٠ ـ ٦٧
نهضت الكوفة مع الحسين وهم عدته في
التغيير المطلوب في الأمة من الاطاحة ببني أمية الطغمة الضالة الظالمة اليت أحلت
نقض العهد وسفكت الدم الحرام ، نهضت الكوفة مع الحسين وهي متلهفة لإعادة تجربة على
في الأمة بالحكم بكتاب الله وسنة نبيه ، وترك الناس واختيارهم في الاقتداء بمن
شاؤوا في عبادتهم بعلي أو بعمر ، ولكنه القدر الإلهي للحسين ان يستشهد لتكون
شهادته وظلامته الباب الاوسع لتحقيق الاهداف الآنفة الذكر ، وقد استطاع الكوفيون
من خلال نهضة سليمان بن صرد والمختار بن عبيد بعد شهادة الحسين عليهالسلام ان يعيدا تجربة علي
في الكوفة وهي على قصرها (٦٥ هـ ـ ٦٧ هـ استطاعت ان تعيد ثقافة الولاء لعلي إلى
الجيل الذي حرم منها وقد فصلنا ذلك في كتابنا (الامام الحسين في مواجهة الضلال
الأموي).
الكوفة على عهد ابن الزبير ٦٧ ـ ٧٢ هـ
حاول مصعب بن الزبير والي اخيه عبد الله
بن الزبير ان ينتقم من الكوفة العلوية التي نهضت مع المختار ونصرت مشروع علي
وولديه الحسن والحسين وقتل يوم قتل المختار سبعة آلاف صبرا ممن لم يكن قد قاتل
المختار بل لأنهم شيعة.
موقف عبد الملك بن مروان من الكوفة
بعد مرور ثلاث سنوات من انهيار دولة عبد
الله بن الزبير على يد الحجاج بن يوسف الثقفي ولاه عبد الملك سنة ٧٥ هجرية العراق
، وكتب إليه كتابا بخطه : أما بعد ، يا حجاج ، فقد وليتك العراقيين صدقة ، فإذا
قدمت الكوفة فطأها وطأة يتضاءل منها أهل البصرة ، وإياك وهوينا الحجاز ... ، وقد رميت
العرض الاقصى ، فارمه بنفسك ، وأرد ما أردته بك ، والسلام.
فلما قدم الكوفة صعد المنبر متلثما
بعمامته متنكبا قوسه وكنانته ، فجلس على المنبر مليا لا يتكلم ، حتى هموا أن
يحصبوه ، ثم قال : يا أهل العراق ، ويا أهل الشقاق والنفاق والمراق ، ومساوئ
الأخلاق ، إن أمير المؤمنين نثل كنانته ، فعجمها عودا عودا ، فوجدني أمرها عودا
وأصعبها كسرا ، فرماكم بي ، وإنه قلدني عليكم سوطا وسيفا ، فسقط السوط وبقي السيف
... وتكلم بكلام كثير فيه توعد وتهدد.
وذاقت الكوفة في عهده المر ، وثاروا
عليه تحت قيادات مختلفة آخرها تحت قيادة ابن الأشعث ولم يتطع ان يخمد ثورتهم الا
بعد ان استعان بجيش الشام سنة ٨١ هـ ، ثم بنى لهم واسط لكي لا يختلطوا بهم وتتأثر
اخلاقهم بهم.
__________________
الوليد بن عبد الملك يأمر بإخراج الشيعة
العراقيين من الحجاز
وإرجاعهم إلى الكوفة
وكتب الوليد إلى خالد بن عبد الله
القسري ، عامله على الحجاز ، يأمره بإخراج من بالحجاز من أهل العراقين ، وحملهم إلى
الحجاج بن يوسف ، فبعث خالد إلى المدينة عثمان بن حيان المري لإخراج من بها من أهل
العراقين ، فأخرجهم جميعا ، وجماعاتهم في الجوامع ، إلى الحجاج ، ولم يترك تاجرا
ولا غير تاجر ، ونادى : ألا برئت الذمة ممن آوى عراقيا ، وكان لا يبلغه أن أحدا من
أهل العراق في دار أحد من أهل المدينة إلا أخرجه.
من قتلهم أو روَّعهم الحجاج من شيعة علي
عليهالسلام
كان ممن قتلهم الحجاج من شيعة علي :
كميل بن زياد النخعي
المذحجي (٨٢ هـ) رحمهالله
:
قال الذهبي في ترجمة كميل : قدم دمشق
زمن عثمان ، وشهد صفين مع علي ، وكان شريفاً مطاعاً ثقةً عابداً على تشيعه ، قليل
الحديث ، قتله الحجاج. قاله ابن سعد. وقال محمد بن عبد الله بن عمار : كميل رافضي
ثقة.
وقال ابن حجر : كميل بن زياد بن نهيك
ويقال بن عبد الله النخعي التابعي الشهير له إدراك ، أدرك من الحياة النبوية ثماني
عشرة سنة ، وروى عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم روى عنه عبد الرحمن بن عابس وأبو
إسحاق السبيعي والأعمش وغيرهم قال بن سعد شهد صفين مع علي وكان شريفا مطاعا ثقة
قليل الحديث من رؤساء الشيعة.
وقال هشام بن عمار : ثنا أيوب بن حسان ،
ثنا محمد بن عبد الرحمن قال : منع الحجاج النخع أعطياتهم حتى يأتوه بكميل بن زياد
، فلما رأى ذلك كميل أقبل على
__________________
قومه فقال : أبلغوني
الحجاج فأبلغوه ، فقال الحجاج : يا أهل الشام ، هذا كميل الذي قال لعثمان أقدني من
نفسك ، فقال كميل : فعرف حقي ، فقلت : أما إذ أقدتني فهو لك هبة (وفي رواية : لطمني
فطلبت القصاص فأقادني فعفوت) ، فمن كان أحسن قولاً أنا أو هو ، فذكر الحجاج علياً
، فصلى عليه كميل ، فقال الحجاج : والله لأبعثن إليك إنساناً أشد بغضاً لعلي من
حبك له ، فبعث إليه ابن أدهم الحمصي فضرب عنقه. وقال المدائني : مات كميل سنة
اثنتين وثمانين ، وهو ابن تسعين سنة .
وقال جرير عن مغيرة طلب الحجاج كميل بن
زياد فهرب منه فحرم قومه عطاءهم فلما رأى كميل ذلك قال أنا شيخ كبير قد نفذ عمري
لا ينبغي ان حرم قومي عطاءهم فخرج إلى الحجاج فلما رآه قال له لقد أحببت ان أجد
عليك جميلا فقال له كميل ان ما بقي من عمري الا القليل فاقض ما أنت قاض فان الموعد
الله وقد أخبرني أمير المؤمنين على انك قاتلي قال بلى قد كنت فيمن قتل عثمان
اضربوا عنقه فضربت عنقه .
قال ابن حجر : كميل بن زياد بن نهيك بن
الهيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صبهان بن سعد بن مالك بن النخع وقيل كميل بن
عبد الله وقيل بن عبد الرحمن روى عن عمر وعلي وعثمان وابن مسعود وأبي مسعود وأبي
هريرة روى عنه أبو إسحاق السبيعي والعباس بن ذريح وعبد الله بن يزيد الصهباني وعبد
الرحمن بن عابس والأعمش وغيرهم.
وذكره بن حبان في الثقات وذكره المدائني
في عباد أهل الكوفة وقال خليفة قتله الحجاج سنة ٨٢ قلت وحكى بن أبي خثيمة أنه سمع
يحيى بن معين يقول مات كميل سنة ثمان وثمانين وهو بن سبعين سنة وقال بن حبان في
الضعفاء لا يحتج به.
وقال محمد بن عبد الله بن عمار كميل بن
زياد رافضي وهو ثقة من أصحاب علي وقال في موضع آخر كميل بن زياد من رؤساء الشيعة
وكان بلاء من البلاء
وذكره بن حبان في كتاب الثقات وقال أبو
الحسن المدائني وفيهم يعني أهل الكوفة من العباد أويس القرني وعمرو بن عتبة بن
فرقد ويزيد بن معاوية النخعي وربيع بن
__________________
خثيم وهمام بن الحارث
ومعضد الشيباني وجندب بن عبد الله وكميل بن زياد النخعي.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام
التميمي وأبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد قالا أنبأنا أبو روح عبد المعز بن
محمد الهروي قال أخبرنا تميم بن أبي سعيد الجرجاني قال أخبرنا أبو سعد الكنجروذي
قال أخبرنا الحاكم أبو أحمد الحافظ قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن الحسين الخثعمي
بالكوفة قال حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قال أخبرنا عاصم بن حميد الحناط أو رجل
عنه قال حدثنا ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي عن عبد الرحمن بن جندب عن كميل
بن زياد النخعي قال أخذ علي بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما أصحرنا جلس ثم
تنفس ثم قال يا كميل بن زياد القلوب أربعة فخيرها أوعاها إحفظ ما أقول لك الناس
ثلاثة فعالم رباني وعالم متعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع
كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق العلم خير من المال العلم
يحرسك وأنت تحرس المال العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة وصحبة العالم دين
يدان بها باكتساب الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد موته وصنيعه يفنى المال
بزوال صاحبه مات خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم
مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ها إن ها هنا وأشار بيده إلى صدره علما لو أصبت
له حملة بلى أصبته لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا يستظهر بحجج الله
على كتابه وبنعمه على عباده أو منقاد لأهل الحق لا بصيرة له في أحنائه يقتدح الشك
في قلبه بأول عارض من شبهة لا ذا ولا ذاك أو منهوم باللذة سلس القياد للشهوات أو
مغري بجمع الأموال والإدخار ليسا من دعاة الدين أقرب شبههما بهما الأنعام السائمة
كذلك يموت العلم بموت حامليه اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكي لا
تبطل حجج الله وبيناته أولئك الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا بهم يدفع الله
من حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم فيزرعوها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة
الأمر تلك أبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء الله في بلاده والدعاة
إلى دينه هاه هاه شوقا إلى رؤيتهم وأستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم.
ورواه أبو نعيم ضرار بن صرد عن عاصم بن
حميد فزاد فيه ألفاظا أخبرنا به أحمد
بن هبة الله بن أحمد
قال أخبرنا عمي أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن قال أخبرنا عمي الحافظ أبو
القاسم علي بن الحسن قال أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني قال أخبرنا عمي
الشريف الأمير عماد الدولة أبو البركات عقيل بن العباس الحسيني قال أخبرنا الحسين
بن عبد الله بن محمد بن أبي كامل الأطرابلسي قراءة عليه بدمشق قال أخبرنا خال أبي
خيثمة ضرار بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي قال حدثنا نجيح بن إبراهيم الزهري قال
حدثنا ضرار بن صرد قال حدثنا عاصم بن حميد الحناط بإسناده نحوه وقال ومحبة العالم
دين يدان بها فتكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد موته العلم حاكم والمال محكوم
عليه وصنيعة المال تزول بزواله وقال هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما
استوعر منه المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون .
ورواه الذهبي قال قرأت على أبي الفضل بن
عساكر عن عبد المعز بن محمد أنا تميم بن أبي سعيد المقرئ أنا أبو سعيد محمد بن عبد
الرحمن سنة تسع وأربعين وأربع مائة أنا محمد بن محمد الحافظ أنا أبو جعفر محمد بن
الحسين الخثعمي بالكوفة أنا إسماعيل بن موسى الفزاري أنا عاصم بن حميد الحناط أو
رجل عنه قال ثنا ثابت بنأبي صفية أبو حمزة الثمالي عن عبد الرحمن بن جندب عن كميل
بن زياد النخعي قال أخذ علي رضي الله تعالى عنه بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان
فلما أصحرنا جلس ثم تنفس فقال يا كميل القلوب أوعية فخيرها أوعاها احفظ ما أقول لك
الناس ثلاثة ... وأستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم رواه ضرار بن صرد عن عاصم بن
حميد ويروى من وجه آخر عن كميل .
ورواه البغدادي قال حدثنا بن مرزوق نا
أبو بكر الشافعي ثنا بشر بن موسى ثنا عبيد بن الهيثم ثنا إسحاق بن محمد بن أبو
يعقوب النخعي ثنا عبد الله بن الفضل بن عبد الله بن أبي الهياج حدثنا هشام بن محمد
بن السائب أبو منذر الكلبي عن أبي مخنف لوط بن يحيى عن فضيل بن خديج عن كميل بن
زياد النخعي قال أخذ بيدي أمير المؤمنين
__________________
علي بن أبي طالب
بالكوفة فخرجنا حتى انتهينا إلى الجبانة فلما اصحر تنفس الصعداء ثم قال لي يا كميل
بن زياد ان هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها للعلم احفظ عني ما أقول لك الناس ثلاثة
عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم
يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق يا كميل بن زياد العلم خير من المال
العلم يحرسك وأنت تحرس المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال المال تنقصه النفقة
والعلم يزكو على الإنفاق يا كميل بن زياد محبة العالم دين يدان تكسبه الطاعة في
حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته ومنفعة المال تزول بزواله العلم حاكم والمال محكوم
عليه يا كميل مات خزان الأموال وهم إحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم
مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ألا أن ههنا وأشار إلى صدره لعلما جما لو أصبت
له حملة بلى أصبت لقنا غير مأمون يستعمل آلة الدين للدنيا وذكر الحديث .
قيس بن عُباد (٨٢ هـ)
رحمهالله :
الاصابة : قيس بن عباد بضم أوله وتخفيف
الموحدة القيسي الضبعي نزيل البصرة له إدراك ذكره بن قانع في الصحابة وأورد له
حديثا مرسلا وقال بن أبي حاتم وغيره قدم المدينة في خلافة عمر فروى عنه وعن أبي ذر
وعلي وأبي سعد وعمار وعبد الله بن سلام وغيرهم.
روى عنه ابنه عبد الله والحسن وابن
سيرين وأبو مجلز وغيرهم قال بن سعد كان ثقة قليلة الحديث وذكره العجلي في التابعين
وقال ثقثة من كبار الصالحين ووثقه النسائي وغيره وذكره بن حبان في ثقات التابعين
وذكر أبو مخنف انه من جملة من قتلهم الحجاج ممن خرج مع بن الأشعث.
قال المزي : قيس بن عباد : ذكره محمد بن
سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل البصرة قال : وكان ثقة ، قليلالحديث. زاد
العجلي : من كبار الصالحين.
وقال يعقوب بن شيبة : حدثنا يونس بن
محمد ، قال : حدثنا عبيد الله بن النضر ،
__________________
عن أبيه ، عن قيس بن
عباد ، قال : كان يركب الخيل ويرتبطها ، وكانت له فرس عربية ، فكلما نتجت مهرا
فأدرك حمل عليه في سبيل الله.
وقال أيضا : يونس بن محمد ، قال : حدثنا
عبيد الله بن النضر ، عن أبيه ، عن قيس بن عباد أنه كان إمامهم ، فإذا صلى الغداة
لم يزل يذكر الله حتى يرى السقائين قد مروا بالماء مخافة أن يصير الماء أجاجا أو
يصير غورا ، وحتى يرى الشمس قد طلعت من مطلعها مخافة أن تطلع من مغربها.
وقال أيضا : حدثنا يونس بن محمد المؤدب
، قال : حدثنا عبيد الله بن النضر ، قال : حدثني أبي ، عن قيس بن عباد أنه إذا كان
بين الرجلين من الحي كلام فرأى أن أحدهما ظالما ، لم يمنعه شرفه ولا حسبه أن يأتيه
فيكلمه ويوبخه ويأمره أن يرجع إلى الحق ويقلع عن الظلم.
وقال عبد الله بن المبارك : أخبرنا
الحكم بن عطية ، قال : حدثنا النضر بن عبد الله ، عن قيس بن عباد ، قال : إن الصدفة
لتطفئ الخطايا والذنوب كما يطفئ الماء النار.
وقال أحمد بن عمران الأخنسي : سألت محمد
بن الفضيل بن غزوان ، فحدثني ، قال : قال لي : أخذ رجل لجام قيس بن عباد فجعل
يذكره ويسبه ، فلما بلغ إلى منزله ، قال : خل عن لجام الدابة يغفر الله لي ولك.
وقال محمد بن جرير الطبري فيما حكى عن
أبي مخنف ، عن شيوخه ، قال : فعاش قيس بن عباد حتى قاتل مع ابن الأشعث في مواطنه.
وقال حوشب ، يعني : ابن يزيد بنب الحارث
بن يزيد ابن رويم الشيباني ، للحجاج بن يوسف : إن منا مراء صاحب فتق ووثوب على
السلطان لم تكن فتنة بالعراق قط إلا وثب فيها وهو ترابي
يلعن عثمان رضياللهعنه
، وقد خرج مع ابن الأشعث ، فشهد معه مواطنه كلها يحرض الناس حتى إذا أهلكهم الله
جلس في بيته ، فبعث إليه الحجاج فضرب عنقه. روى له الجماعة سوى الترمذي .
__________________
قال البخاري : حدثني محمد بن عبد الله
الرقاشي حدثنا معتمر قال سمعت أبي يقول حدثنا أبو مجلز عن قيس بن عباد عن علي بن
أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم
القيامة ، وقال قيس بن عباد وفيهم أنزلت (هذان خصمان اختصموا في ربهم) قال هم
الذين تبارزوا يوم بدر حمزة وعلي وعبيدة أو أبو عبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة
وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة .
سعيد بن جبير (٩٥ هـ)
رحمهالله :
قال السيوطي : سعيد بن جبير بن هشام
الوالبي مولاهم أبو محمد ويقال أبو عبد الله الكوفي أحد الأئمة الأعلام روى عن ابن
عباس وابن عمر وابن الزبير ، وطائفة وعنه الأعمش وسلمة بن كهيل وخلائق وكان يختم
القرآن في كل ليلتين وكان بن عباس إذ أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول أليس فيكم
سعيد بن جبير ، قتله الحجاج شهيدا في شعبان سنة خمس وتسعين وهو بن سبع وخمسين وقيل
تسع وأربعين قال ميمون بن مهران ولقد مات وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى
علمه .
قال ابن حبان سعيد بن جبير بن هشام مولى
بنى والبة بن الحارث من بني أسد بن خزيمة يروى عن بن عمر وابن عباس وجماعة من
أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وكان فقيها عابدا ورعا فاضلا وكان يكتب لعبد الله بن عتبة بن مسعود حيث كان على
قضاء الكوفة ثم كتب لأبي بردة بن أبي موسى حيث كان على قضائها ثم خرج مع بن الأشعث
في جملة القراء فلما هزم بن الأشعث بدير الجماجم هرب سعيد بن جبير إلى مكة فاخذه
خالد بن عبد الله القسري بعد مدة وكان واليا لعبد الملك على مكة وبعث به إلى
الحجاج فقال له الحجاج اختر لنفسك أي قتلة شئت فقال اختره أنت فان القصاص أمامك
فقتله الحجاج بن يوسف سنة خمس وتسعين وهو بن تسع وأربعين سنة ثم مات الحجاج بعده
بأيام وكان مولد الحجاج سنة أربعين .
__________________
قال المزي : سعيد بن جبير بن هشام
الأسدي الوالبي مولاهم أبو محمد ويقال أبو عبد الله الكوفي ، حدثنا أبو حامد بن
جبلة قال حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا زياد بن أيوب قال حدثنا عباد بن العوام
أبو سهل قال أخبرني هلال بن خباب قال خرجنا مع سعيد بن جبير في جنازة قال فكان
يحدثنا في الطريق ويذكرنا حتى بلغ فلما بلغ جلس فلم يزل يحدثنا حتى قمنا فرجعنا
وكان كثير الذكر لله عز وجل وبه قال حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن قال حدثنا محمد
بن عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا عباد بن يعقوب قال حدثنا عمرو بن ثابت عن أبيه عن
سعيد بن جبير قال وددت أن الناس أخذوا ما عندي فإنه مما يهمني .
قال الطحاوي حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو
داود قال ثنا أبو عوانة قال لا أعلمه الا عن أبي بشر أن سعيد بن جبير كان يصلي في
رمضان في المسجد وحده والإمام يصلي بهم فيه.
أقول
: أي ان سعيد بن جبير كان لا يصلي صلاة
التراويح لأنها بدعة عمر وليست سنة النبي صلىاللهعليهوآله.
قال الدارمي أخبرنا يزيد بن هارون أنا
أصبغ عن القاسم بن أبي أيوب عن سعيد عن بن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال ما من عمل أزكى
عند الله عز وجل ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى قيل ولا الجهاد في سبيل
الله قال ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل الا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك
بشيء قال وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد
يقدر عليه ،
وقال أخبرنا محمد بن سعيد أنا شريك عن
طارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير قال كنت أسمع من بن عمر وإبن عباس الحديث
بالليل فاكتبه في واسطة الرحل.
__________________
وقال أيضا : أخبرنا أبو النعمان ثنا عبد
الواحد ثنا عثمان بن حكيم قال سمعت سعيد بن جبير يقول كنت أسير مع بن عباس في طريق
مكة ليلا وكان يحدثني بالحديث فاكتبه في واسطة الرحل حتى أصبح فاكتبه.
وقال أيضا : أخبرنا إسماعيل بن أبان عن
يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال كنت اكتب عند بن عباس في
صحيفة واكتب في نعلي.
وقال أيضا أخبرنا مالك بن إسماعيل ثنا
مندل بن علي العنزي حدثني جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال كنت أجلس إلى
بن عباس فاكتب في الصحيفة حتى تمتلئ ثم أقلب نعلي فاكتب في ظهورهما .
قال ابن سعد : قال أخبرنا عبد الوهاب بن
عطاء قال أخبرنا عمرو بن أبي المقدام عن مؤذن بني وداعة قال دخلت على عبد الله بن
عباس وهو متكيء على مرفقة من حرير وسعيد بن جبير عند رجليه وهو يقول له انظر كيف
تحدث عني فإنك قد حفظت عني حديثا كثيرا.
وقال أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي
وقبيصة بن عقبة قالا حدثنا سفيان عن أسلم المنقري عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى
بن عمر فسأله عن فريضة فقال ائت سعيد بن جبير فإنه أعلم بالحساب مني وهو يفرض منها
ما أفرض.
وقال أخبرنا أبو معاوية الضرير قال
حدثنا الأعمش عن مسعود بن مالك قال قال لي علي بن حسين عليهماالسلام ما فعل سعيد بن جبير
قال قلت صالح قال ذاك رجل كان يمر بنا فنسائله عن الفرائض وأشياء مما ينفعنا الله
بها وإنه ليس عندنا ما يرمينا به هؤلاء وأشار بيده إلى العراق .
أقول
: هذه الرواية مكذوبة على علي بن الحسين عليهالسلام ، والبلاء من أبي
معاوية الضرير فانه كان يضع الحديث لهارون الخليفة العباسي.
وقال أيضا أخبرنا عفان بن مسلم وموسى بن
إسماعيل قالا حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا أبو شهاب قال كان سعيد بن جبير
يقص لنا كل يوم مرتين بعد
__________________
صلاة الفجر وبعد
العصر.
وقال أخبرنا مالك بن إسماعيل قال حدثنا
إسماعيل عن أبي الجحاف عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير أنه كان لا يدع أحدا يغتاب
عنده أحدا يقول إن أردت ذلك ففي وجهه.
قال محمد بن سعد : وكان سعيد لما انهزم
أصحاب بن الأشعث من دير الجماجم هرب فلحق بمكة قال أخبرنا عارم بن الفضل وسليمان
بن حرب قالا حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين قال كان سعيد بن
جبير حائنا إنه فعل ما فعل ثم أتى مكة يفتي الناس قال أخبرنا سليمان بن حرب قال
حدثنا حماد بن زيد قال حدثني حفص بن خالد قال حدثني من سمع سعيد بن جبير يقول يوم
أخذ وشي بي واش في بلد الله الحرام أكله إلى الله. وقال وكان الذي أخذ سعيد بن
جبير خالد بن عبد الله القسري وكان والي الوليد بن عبد الملك على مكة فبعث به إلى
الحجاج.
قال أخبرنا موسى بن إسماعيل قال حدثني
عبد الله بن مروان عن شريك عن هشام الدستوائي قال رأيت سعيد بن جبير يطوف بالبيت
مقيدا ورأيته دخل الكعبة عاشر عشرة مقيدين قال أخبرنا يزيد بن هارون عن عبد الملك
بن أبي سليمان قال سمع خالد بن عبد الله صوت القيود فقال ما هذا فقيل له سعيد بن
جبير وطلق بن حبيب وأصحابهما يطوفون بالبيت فقال اقطعوا عليهم الطواف.
وقال أخبرنا علي بن محمد عن أبي اليقظان
قال كان سعيد بن جبير يقول يوم دير الجماجم وهم يقاتلون قاتلوهم على جورهم في
الحكم وخروجهم من الدين وتجبرهم على عباد الله وإمانتهم الصلاة واستذلالهم
المسلمين. فلما انهزم أهل دير الجماجم لحق سعيد بن جبير بمكة فأخذه خالد بن عبد
الله فحمله إلى الحجاج .
روايات في فضائل أهل
البيت عليهمالسلام عن ابن عباس كثيرة
منها
فيي مسند احمد حدثنا عبد الله حدثني أبي
ثنا الفضل بن دكين ثنا بن أبي عيينة عن الحسن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن
بريدة قال غزوت مع علي اليمن
__________________
فرأيت منه جفوة فلما
قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم
ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يتغير فقال يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت بلى يا رسول الله قال من
كنت مولاه فعلي مولاه .
وفي المستدرك للحاكم : حدثنا محمد بن
صالح بن هانئ ثنا أحمد بن نصر أخبرنا محد بن علي الشيباني بالكوفة ثنا أحمد بن
حازم الغفاري وأنبأ محمد بن عبد الله العمري ثنا محمد بن إسحاق ثنا محمد بن يحيى
وأحمد بن يوسف قالوا ثنا أبو نعيم ثنا بن أبي غنية عن الحكم عن سعيد بن جبير عن بن
عباس عن بريدة الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال غزوت مع علي إلى اليمن فرأيت منه
جفوة فقدمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يتغير فقال يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت بلى يا رسول الله فقال من
كنت مولاه فعلي مولاه وذكر الحديث هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
وروى الطبراني في المعجم الكبير عن ابن
أبي عاصم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة نا الفضل بن دكين عين بن أبي غنية عن سعيد
بن جبير عن ابن عباس عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال مررت مع علي رضي الله تعالى
عنه إلى اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على النبي صلىاللهعليهوسلم
ذكرت عليا فتنقصته فجعل وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يتغير فقال ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه
فعلي مولاه
وفي المعجم الكبير قال الطبراني حدثنا
علي بن عبد العزيز حدثنا مسلم بن إبراهيم ثنا الحسن بن أبي جعفر عن أبي الصهباء عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم مثل أهل بيتي مثل
سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق .
__________________
وفيه أيضا قال حدثنا محمد بن عبد الله
ثنا حرب بن الحسن الطحان ثنا حسين الأشقر عن قيس بن الربيع عن الأعمش عن سعيد بن
جبير عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال لما نزلت قل لا أسألكم عليه أجرا إلا
المودة في القربى قالوا يا رسول الله ومن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم
قال علي وفاطمة وابناهما .
وقال أيضا حدثنا محمد بن عبد الله
الحضرمي ثنا حرب بن الحسن الطحان ثنا حسين الأشقر عن قيس عن الأعمش عن سعيد بن
جبير عن بن عباس قال لما نزلت قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قالوا
يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي وفاطمة وابناهما
رضي الله تعالى عنهم .
وقال أيضا حدثنا علي بن العباس البجلي
الكوفة ثنا محمد بن تسنيم ثنا حسن بن حسين العربي ثنا يحيى بن عيسى الرملي عن
الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأم سلمة هذا علي بن
أبي طالب لحمه لحمي ودمه دمي هو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .
وقال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي
ثنا محمد بن مرزوق ثنا حسين الأشقر ثنا نصير بن زياد عن عثمان أبي اليقظان عن سعيد
بن جبير عن ابن عباس قال قالت الأنصار فيما بينهم لو جمعنا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم مالا فبسط يده لا
يحول بينه وبينه أحد فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فقالوا يا رسول الله إنا أردنا أن نجمع لك من أموالنا فأنزل الله عز وجل فخرجوا
مختلفين فقال بعضهم ألم تروا ما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقال بعضهم إنما قال هذا لنقاتل عن أهل
بيته وننصرهم ، فأنزل الله عز وجل (أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ
وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي
يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ
__________________
مَا
تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ
وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
(٢٦))
الشورى / ٢٤ ـ ٢٦.
فعرض لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالتوبة.
وفي الكامل لابن عدي روى ابن عدي في
الكامل ٣ / ٤٣١ عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن أبي جبير عن ابن عباس عن النبي قال
: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة من احبهما فقد احبني ومن ابغضهما فقد ابغضني.
وفي تذكرة الحفاظ للذهبي قال حدثنا محمد
بن شداد أخبرنا أبو نعيم أنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال أوحى الله إلى محمد صلىاللهعليهوسلم
اني قتلت بيحيى سبعين ألفا واني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا غريب وعبد
الله خرج له مسلم .
وفي كشف الاستار للبزار عن حكيم بن جبير
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال بعث رسول الله إلى خيبر ـ احسبه قال أبا بكر فرجع
منهزما يجبن أصحابه ويحبنه أصحابه فقال رسول الله لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله
رسوله ويحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله عليه فثار الناس فقال أين علي.
فإذا هو يشتكي عينيه فتفل في عينيه فدفع إليه الراية فهزها ففتح الله عليه .
__________________
وفي رواية البخاري عن محمد حدثنا بن
عيينة عن سليمان الأحول سمع سعيد بن جبير سمع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول
يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى قلت يا أبا عباس ما يوم
الخميس قال اشتد برسول الله صلىاللهعليهوسلم
وجعه فقال ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند
نبي تنازع فقالوا ما له أهجر استفهموه فقال ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني
إليه فأمرهم بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت
أجيزهم والثالثة خير إما أن سكت عنها وإما أن قالها فنسيتها قال سفيان هذا من قول
سليمان .
وروى أيضا قال حدثنا محمد بن كثير
أخبرنا سفيان حدثنا المغيرة بن النعمان قال حدثني سعيد بن جبير عن بن عباس رضي
الله تعالى عنهما عن النبي إن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي
أصحابي فيقول إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد
الصالح.
وروى الحاكم قال أخبرنا أحمد بن جعفر
القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا سيار بن حاتم ثنا جعفر بن
سليمان ثنا مالك بن دينار قال سألت سعيد بن جبير فقلت يا أبا عبد الله من كان حامل
راية رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال فنظر إلي وقال كأنك رخيَّ البال فغضبت وشكوته إلى إخوانه من القراء فقلت ألا
تعجبون من سعيد أني سألته من كان حامل راية رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنظر إلي وقال إنك
لرخي البال ، قالوا إنك سألته وهو خائف من الحجاج وقد لاذ لابيت فسله الآن فسألته
فقال كان حاملها علي رضي الله تعالى عنه هكذا سمعته من عبد الله بن عباس هذا حديث
صحيح الإسناد ولم يخرجاه ولهذا الحديث شاهد من حديث زنفل العرفي وفيه طول فلم
أخرجه .
وروى النسائي قال أنبأ أحمد بن عثمان بن
حكيم الكوفي الأودي عن خالد بن
__________________
مخلد قال حدثنا علي
بن صالح عن ميسرة عن حبيب عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال كنا مع ابن عباس
بعرفات فقال مالي لا أسمع الناس يلبون فقلت يخافون من معاوية فخرج بن عباس من
فسطاطه فقال لبيك اللهم لبيك فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي .
وروى المزي عن عباد بن زياد عن عمرو بن
أبي المقدام عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن أبي الحمراء قال سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول لما أسري بي
إلى السماء دخلت الجنة فرأيت عن يمين العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله
ايدته بعلي ونصرته .
عطية العوفي (١١٠ هـ)
رحمهالله :
قال أبو جعفر الطبري في كتاب ذيل المذيل
: عطية بن سعد بن جنادة العوفي من جديلة قيس يكنى أبا الحسن ، قال ابن سعد : أخبرنا
سعد بن محمد بن الحسن بن عطية قال جاء سعد بن جنادة إلى علي بن أبي طالب عليهالسلام وهو بالكوفة فقال يا
أمير المؤمنين انه قد ولد لي غلام فسمه فقال هذا عطية الله فسمي عطية وكانت أمه
رومية وخرد عطية مع ابن الأشعث ، هرب عطية إلى فارس وكتب الحجاج إلى محمد ابن قاسم
الثقفي ان ادع عطية فان لعن علي بن أبي طالب وإلا فاضربه أربعمائة سوط وحلق رأسه
ولحيته فلما ولي قتيبة بن مسلم خراسان خرج إليه عطية فلم يزل بخراسان حتى ولي عمر
بن هبيرة العراق فكتب إليه عطية يسأله الإذن له في القدوم فأذن له فقدم الكوفة فلم
يزل بها إلى أن توفي سنة ١١١ وكان كثير الحديث ثقة ان شاء الله .
أقول
: وفي الطبقات ٦ / ٣٠٥ ، تنهي الترجمة
بقول ابن سعد : وله أحاديث صالحة ومن الناس من لا يحتج به ولم يوردها الطبري في
المنتخب.
__________________
قال الشيخ القمي رحمهالله : وحكي عن ملحقات
الصراح قال : عطية العوفي ابن سعيد له تفسير في خمسة اجزاء قال عطية عرضت القرآن
على ابن عباس ثلاث عرضات على وجه التفسير واما على وجه القراءة فقرأت عليه سبعين
مرة .
قال المزي : ولعطية عن أبي سعيدا أحاديث
عدد ، وكان يعد مع شيعة أهل الكوفة قال محمد بن عبد الله الحضرمي توفي سنة إحدى
عشرة ومئة .
أقول
: وكان عطية العوفي على راس ثمانمائة
طليعة اربعة آلاف مقاتل في الجيش الذي بعثه المختار إلى مكة ليخلص بني هاشم من
حصار ابن الزبير لهم من اجل ان يبايعوه.
قال ابن سعد في الطبقات ٥ / ١٠٣ : أخبرنا
محمد بن عمر قال حدثنا ربيعة بن عثمان ومحمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وإسحاق
بن يحيى بن طلحة وهشام بن عمارة عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم والحسين بن الحسن
بن عطية العوفي عن أبيه عن جده وغيرهم أيضا قد حدثني قالوا : ... قطع المختار بعثا
إلى مكة فانتدب منهم أربعة آلاف فعقد لأبي عبد الله الجدلي عليهم وقال له سر فإن
وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم أنت ومن معك عضدا وانفذ لما أمروك به وإن وجدت بن
الزبير قد قتلهم فاعترض أهل مكة حتى تصل إلى بن الزبير ثم لا تدع من آل الزبير
شفرا ولا ظفرا وقال يا شرطة الله لقد أكرمكم الله بهذا المسير ولكم بهذا الوجه عشر
حجج وعشر عمر فسار القوم ومعهم السلاح حتى أشرفوا على مكة فجاء المستغيث اعجلوا
فما أراكم تدركونهم فقال الناس لو أن أهل القوة عجلوا فانتدب منهم ثمانمائة رأسهم
عطية بن سعد بن جنادة العوفي حتى دخلوا مكة فكبروا تكبيرة سمعها بن الزبير فانطلق
هاربا حتى دخل دار الندوة ويقال بل تعلق بأستار الكعبة وقال أنا عائذ الله ،
قال عطية : ثم ملنا إلى ابن عباس وابن
الحنفية وأصحابهما في دور قد جمع لهم الحطب فأحيط بهم حتى بلغ رؤوس الجدر لو أن
نارا تقع فيه ما رئي منهم أحد حتى تقوم الساعة أخرناه عن الأبواب وعجل علي بن عبد
الله بن عباس وهو يومئذ رجل
__________________
فأسرع في الحطب يريد
الخروج فأدمى ساقيه وأقبل أصحاب بن الزبير فكنا صفين نحن وهم في المسجد نهارنا
ونهاره لا ننصرف إلا إلى صلاة حتى أصبحنا ، وقدم أبو عبد الله الجدلي في الناس
فقلنا لابن عباس وابن الحنفية ذرونا نريح الناس من ابن الزبير ، فقالا هذا بلد
حرمه الله ما أحله لاحد إلا للنبي عليهالسلام
ساعة ما أحله لاحد قبله ولا يحله لاحد بعده فامنعونا وأجيرونا قال فتحملوا وإن
مناديا لينادي في الجبل ما غنمت سرية بعد نبيها ما غنمت هذه السرية إن السرايا
تغنم الذهب والفضة وإنما غنمتم دماءنا فخرجوا بهم حتى أنزلوهم منى فأقاموا بها ما
شاء الله أن يقيموا ، ثم خرجوا إلى الطائف فأقاموا ما أقاموا وتوفي عبد الله بن
عباس بالطائف سنة ثمان وستين وصلى عليه محمد بن الحنفية ، وبقينا مع بن الحنفية
فلما كان الحج وحج بن الزبير من مكة فوافى عرفة في أصحابه ووافى محمد بن الحنفية
من الطائف في أصحابه فوقف بعرفة ووافى نجدة بن عامر الحنفي تلك السن في أصحابه من
الخوارج فوقف ناحية وحجت بنو أمية على لواء فوقفوا بعرفة فيمن معهم.
أقول
: ومن رواياته في فضائل أهل البيت عليهمالسلام :
روى الطبراني قال حدثنا علي بن عبد
العزيز ثنا أبو نعيم ثنا فضيل بن مرزوق (ت في حدود ال ١٦٠ هـ)
ثنا عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن أم سلمة قالت نزلت
__________________
هذه الآية في بيتي) (إنما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وهي جالسة على الباب فقلت يا رسول الله
ألست من أهل البيت قال أنت إلى خير .
وقال حدثنا الحسن بن أمد بن حبيب
الكرمتنني بطرسوس حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا عمار بن محمد عن سفيان الثوري
عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف (ت ١٤٥) عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي
الله تعالى عنه في قول عز وجل (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) قال نزلت في خمسة في رسول الله صلىاللهعليهوسلم
وعلي فاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم لم يروه عن سفيان إلا عمار بن محمد
بن أخت سفيان تفرد به أبو الربيع .
وقال حدثنا محمد بن عبد العزيز بن ربيعة
الكلابي أبو مليل الكوفي حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد المقري عن أبي
سلمة الصائغ
عن عطية عن أبي سعيد الخدري سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
وآله وسلم يقول إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها
غرق وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له لم يروه
عن أبي سلمة إلا بن أبي حماد تفرد به عبد العزيز بن محمد .
روى ابن عساكر قال أخبرنا أبو القاسم
علي بن إبراهيم قال قرأت على عمي الشريف الأمير نقيب الطالبيين أبي البركات عقيل
بن العباس الحسيني قلت أخبركم أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن محمد بن أبي
كامل الأطرابلسي قراءة عليه بدمشق أنا
__________________
أبو الحسن خيثمة بن
سليمان بن حيدرة القرشي نا جعفر بن محمد بن عنبسة اليشكري بالكوفة نا يحيى بن عبد
الحميد الجماني نا قيس بن الربيع عن سعد الخفاف عن عطية العوفي عن محدوج بن زيد
الذهلي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم
لما آخى بين المسلمين أخذ بيد علي فوضعها على صدره ثم قال يا علي أنت أخي وأنت مني
بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي أما تعلم تعلم أن أول» «من يدعى به يوم
القيامة يدعى بي فأقام عن يمين العرش في ظله فأكسى حلة خضراء من حلل الجنة ثم يدعى
بأبيك إبراهيم عليهالسلام
فيقام عن يمين العرش فيكسى حلة خضراء من حلل الجنة ثم يدعى بالنبيين والمرسلين بعضهم
على إثر بعض فيقومون سماطين فيكسون حللا خضرا من حلل الجنة وأنا أخبرك يا علي أنه
أول من يدعى بي من أمتي يدعى بك لقرابتك مني ومنزلتك عندي فيدفع إليك لوائي وهو
لواء الحمد يستبشر به ادم وجميع من خلق الله عز وجل من الأنبياء والمرسلين
فيستظلون بظل لوائي فتسير باللواء بين السماطين الحسن بن علي عن يمينك والحسين عن
يسارك حتى تقف بيني وبين إبراهيم في ظل العرش فتكسى حلة خضراء من حلل الجنة فينادي
مناد من عند العرش يا محمد نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك وهو علي يا علي
إنك تدعى إذا دعيت وتحيا إذا حييت وتكسى إذا كسيت» .
وروى احمد قال حدثنا محمد بن عبد الله
الحضرمي ثنا عمار بن خالد ثنا إسحاق بن الأزرق عن عبد الملك بن أبي سليمان (ت ١٤٥)
عن عطية عن زيد بن
أرقم قال
__________________
خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالجحفة يوم غدير خم
وهو آخذ بعضد علي فقال يا أيها الناس ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم
قالوا بلى يا رسول الله قال فمن كنت مولاه فعذا مولاه .
وروى الطبراني قال حدثنا محمد بن عبد
الله الحضرمي ثنا سويد بن سعيد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد قال
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .
وروى احمد قال حدثنا عبد الله حدثني أبي
حدثنا أسود بن عامر أخبرنا أبو إسرائيل يعني إسماعيل بن أبي إسحاق الملائي
عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
اني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى
الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض .
أقول
: رواه عن عطية أيضا : الأعمش وكثير
النوى وطلحة بن مصرف وأبو الجحاف وعبد الملك بن سليمان العرزمي وهارون بن سعيد
واسرائيل وفضيل بن مرزوق.
يحيى بن يعمر البصري
الفقيه قاضي مرو :
قال الذهبي يحيى بن يعمر القاضي أبو
سليمان ويقال أبو عدي العدواني البصري
__________________
الفقيه قاضي مرو روى
عن أبي ذر وعمار وعائشة وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وأبي الأسود الديلي وغيرهم
وعنه عبد الله بن بريدة وقتادة ويحيى بن عقيل وعطاء الخراساني وسليمان التيمي
وإسحاق بن سويد العدوي قال أبو داود لم يسمع من عائشة قلت فما الظن بالذين قبلها
وقيل أنه أول من نقط المصحف وكان أحد الفصحاء الفقهاء أخذ العربية عن أبي الأسود
وكان الحجاج قد نفاه فقبله قتيبة بن مسلم وولاه قضاء خراسان وكان له عدة نواب ثم
عزله قتيبة لما بلغه عنه شرب المنصف متفق على حديثه وثقته .
قال ابن حجر قال قال الحاكم : وقال
الحاكم يحيى بن يعمر فقيه أديب نحوي مروزي تابعي وأكثر روايته عن التابعين وأخذ
النحو عن أبي الأسود الديلي نفاه الحجاج إلى مرو فقبله قتيبة بن مسلم وقد قضى في
أكبر مدن خراسان وكان إذا انتقل من بلد استخلف على القضاء بها وقال أبو الحسن علي
بن الأثيرالجزري في الكامل مات سنة تسع وعشرين ومائة كذا قال وفيه نظر وقال غيره
مات في حدود العشرين .
قال السيوطي : وأخرج أبو الشيخ ابن أبي
حاتم عن أبي حرب بن أبي الأسود قال أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر فقال بلغني انك
تزعم ان الحسن والحسين من ذرية النبي صلىاللهعليهوسلم
تجده في كتاب الله وقد قرأته من أوله إلى آخره فلما أجده قال ألست تقرأ سورة
الانعام (ومن ذريته داود وسليمان) حتى بلغ (ويحيى وعيسى) قال بلى قال أليس عيسى من
ذرية إبراهيم وليس له أب قال صدقت.
قال الرازي في تفسير قوله تعالى (وعلم
آدم الأسمء كلها) عن الشعبي قال كنت عند الحجاج فاتي بيحيى بن يعمر فقيه خراسان من
بلخ مكبلا بالحديد فقال له انت زعمت ان الحسن والحسين من ذرية رسول الله فقال بلى
فقال الحجاج لتاتيني بها بينة واضحة من كتاب الله أو لاقطعنك عضوا عضوا ... (وتلا
عليه) قوله تعالى (ومن ذريته داود وسليمان ..) فاطرق ملياهم رفع راسه فقال كأني لم
أقرأ هذه الاية من كتاب
__________________
الله حلوا وثاقه
وأعطوه من المال كذا وكذا .
دور الامام السجاد والباقر والصادق عليهمالسلام
في الكوفة بعد نهضة الحسين عليهالسلام
كانت إمامة السجاد عليهالسلام من سنة ٦١ هـ إلى
موته سنة ٩٤ هـ ثم إمامة ولده الباقر عليهالسلام
إلى سنة ١١٤ هـ ثم إمامة ولده الصادق عليهالسلام
إلى سنة ١٤٨ هـ وقد استهدف هؤلاء الأئمة الثلاثة مهمتين أساسيتين :
الأول
: تربية الشيعة على الحزن والبكاء
والزيارة للحسين كصفة دائمية في شخصيتهم واحياء العشرة الأولى من المحرم بذكر
مصيبة الحسين وبخاصة يوم العاشر ثم الأربعين التي بدأها علي بن الحسين وجابر بن
يزيد الانصاري ثم إقامة مجالس العزاء وانشاد الشعر فيه وقد بدأ ذلك علي بن الحسين
بنفسه الشريفة حين بكى أباه قريبا من أربعين سنة ، ونمت الظاهرة وترعرعت برعاية
الامامين الباقر والصادق عليهماالسلام
حتى برزت كظاهرة اجتماعية.
الثانية
: تربية نوعين من العلماء الأول علماء
بكتب علي عليهالسلام
في الفقه والسيرة والتفسير ليثقفوا الشيعة بثقافة كتاب علي عليهالسلام أمثال محمد بن مسلم
الطائفي وزرارة بن اعين وحمران بن اعين وأبان بن تغلب وغيرهم. الثاني علماء من
ذرية علي عليهالسلام
ينهضون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على نهج الحسين والثورة على الأمويين
لللإطاحة بهم وإقامة حكم على نهج علي عليهالسلام.
كزيد بن علي بن الحسين وولده يحيى وعيسى ومحمد وإبراهيم ولدا عبد الله بن الحسن
وآخرين من ولده أيضا ومنهم إدريس مؤسس ملك الادارسة في المغرب.
الكوفة على عهد هشام وثورة زيد رحمهالله
١١٢ هـ
قال البلاذري وهو يترجم لزيد بن علي رضياللهعنه : وقرأت في كتب سالم
كاتب هشام كتاباً نسخته :
__________________
(أمّا بعد فقد عرفت حال أهل الكوفة في
حبِّهم أهل البيت ووضعهم إيّاهم في غير مواضعهم لافتراضهم على أنفسهم طاعتهم
ووظَّفوا عليهم شرائع دينهم ونحلتهم إيّاهم عظيم ما هو كائن ممَّا استأثر الله
بعلمه دونهم حتّى حملوهم على تفريق الجماعة والخروج على الأئمة ..
قال البلاذري : وبعث يوسف بن عمر إلى أم
امرأة لزيد أزدية ، فهدم دارها وحملت إليه ، فقال لها : أزوَّجتِ زيدا؟ قالت : نعم
زوجته وهو سامع مطيع ، ولو خطب إليك إذ كان كذلك لزوَّجته. فقال شُقّوا عليها
ثيابها ، فجلدها بالسياط وهي تشتمه وتقول : ما أنت بعربي تعرِّيني وتضربني لعنك
الله ، فماتت تحت السياط ، ثم أمر بها فأُلقيت في العراء ، فسرقها قومها ودفنوها
في مقابرهم.
وأخذ امرأة قوَّت زيدا على أمره ، فأمر
بها أن تقطع يدها ورجلها ... وضرب عنق زوجها.
وضرب امرأة أشارت على أمها أن تؤوي ابنة
لزيد خمسمائة سوط. وهدم دورا كثيرة.
وأُتِيَيوسف بعبد الله بن يعقوب السلمي
من ولد عتبة بن فرقد (وكان زوَّجَ ابنته من يحيى بن زيد) فقال له يوسف : ائتني
بابنتك ، قال : وما تصنع بها جارية عاتق
في البيت؟ قال : أقسم لتأتيني بها أو لأضربنَّ عنقك ، (وقد كان كتب إلى هشام يصف
طاعته) فأبى أن يأتيه بابنته فضرب عنقه ، وأمر العريف أن يأتيه بابنة عبد الله بن
يعقوب فأبى ، فأمر به فدُقَّت.
قال البلاذري : ولما فرغ يوسف من أمر
زيد صعد منبر الكوفة فشتم أهلها وقال : يا أهل المِدْرَة الخبيثة! (والله ما يقعقع
لي بالشِّنان ولا تقرن بي الصعبة) لقد هممت أن أخرب بلدكم وأن أحربكم بأموالكم ، والله
ما أطلت منبري إلا لأسمعكم عليه ما تكرهون ، فإنكم أهل بغي وخلاف ، ولقد سألت أمير
المؤمنين (هشام بن عبد الملك) أن
__________________
يأذن لي فيكم ولو فعل
لقتلت مقاتلتكم وسبيت نساءكم. إن يحيى بن زيد
ليتنقل في حجال نسائكم كما كان أبوه ، يفعل ، وما فيكم مطيع إلا حكيم بن شريك
المحاربي ، والله لو ظفرت بيحياكم لعرقت خصييه كما عرقت خصيتي أبيه.
الكوفة مركز مرجعية الامام الصادق عليهالسلام
تحرك الأئمة السجاد والباقر ثم الصادق عليهالسلام في المدينة بصفتهم
رواة حديث يأخذون عن الصحابة والتابعين في الجو الذي سمحت به السلطة الأموية على
عهد بني مروان امتدادا للسياسة التي وضعها معاوية لإحياء معالم الدولة الأموية
الأولى في إطار سيرة الشيخين كخط في قبال الثقافة التي احياها علي عليهالسلام ومنعت منها الدولة
الأموية الثانية ، ثم كونوا لهم بمقدار ما يسمح لهم الظرف السياسي وسطهم الخاص بهم
وانفتحوا تدريجيا على الثقاة من اصحابهم يدعونهم إلى ولايتهم ويعرفونهم بكتاب علي عليهالسلام الذي املاه النبي
عليه في السنة ، وكان الجيل الجديد من الشيعة الذي ولد أيام الحجاج لا يعرف من
احكام الإسلام الا الذي تبنته الدولة الأموية الثانية وقد اشارت الى ذلك رواية
الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيسى بن السري
أبي اليسع قال :
قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أخبرني بدعائم
الإسلام التي لا يسع أحدا التقصير عن معرفة شيء منها ، الذي من قصر عن معرفة شيء
منها فسد دينه ولم يقبل [الله] منه عمله ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه
عمله ...
فقال : شهادة أن لا إله إلا الله
والايمان بأن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوآله
والاقرار بما جاء به من عند الله وحق في الأموال الزكاة ، والولاية التي أمر الله
عز وجل بها : ولاية آل محمد صلىاللهعليهوآله
،.
قال : فقلت له : هل في الولاية فضل يعرف
لمن أخذ به؟ قال : نعم قال الله عز
__________________
وجل : (يا
أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأُولي الأمر منكم) وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من مات ولا يعرف
إمامه مات ميتة جاهلية.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله
وكان عليا عليهالسلام
وقال الآخرون : كان معاوية ،
ثم كان الحسن عليهالسلام
ثم كان الحسين عليهالسلام وقال الآخرون : يزيد
بن معاوية ولا سواء ولا سواء
قال : ثم سكت ثم قال : أزيدك؟
فقال له حكم الأعور : نعم جعلت فداك.
قال : ثم كان علي بن الحسين ثم كان محمد
بن علي أبا جعفر.
وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم
لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك
حجهم وحلالهم وحرامهم حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى
الناس.
وكان الفرد الشيعي آنذاك لا يفاتح بكتاب
علي عليهالسلام
وفتاواه الخاصة التي تخالف المشهور عند الناس آنذاك ، حتى تؤخذ منه العهود ان لا
يحدث به حتى يأتيه الإذن كما في رواية زرارة قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الجد فقال «ما
أجد أحدا قال : فيه إلا برأيه إلا أمير المؤمنين عليهالسلام»
قلت : أصلحك الله فما قال فيه أمير المؤمنين عليهالسلام؟
فقال «إذا كان غدا فالقني حتى أقرئكه في
كتاب علي»
قلت : أصلحك الله حدثني فإن حديثك أحب
إلي من أن تقرأينه في كتاب ،
فقال لي الثانية «أسمع ما أقول لك إذا
كان غدا فالقني حتى أقرئكه في كتاب ، فأتيته من الغد بعد الظهر وكانت ساعتي التي
كنت أخلو به فيها بين الظهر والعصر وكنت أكره أن أسأله إلا خاليا خشية أن يفتيني
من أجل من يحضرني بالتقية فلما دخلت عليه أقبل علي ابنه جعفر ، فقال «أقرئ زرارة
صحيفة الفرائض» ثم قام لينام فبقيت أنا وجعفر في البيت فقام فأخرج إلي صحيفة مثل
فخذ البعير.
__________________
فقال «لست أقرئكها حتى تجعل لي عليك
الله أن لا تحدث بما تقرأ فيها أحدا أبدا حتى آذن لك» ولم يقل : حتى يأذن لك أبي ،
فقلت : أصلحك الله ولم تضيق علي ولم
يأمرك أبوك بذلك؟
فقال لي : ما أنت بناظر فيها إلا على ما
قلت لك»
فقلت : فذاك لك ، وكنت رجلا عالما
بالفرائض والوصايا ، بصيرا بها ، حاسبا لها ، ألبث الزمان اطلب شيئا يلقيي علي من
الفرائض والوصايا لا أعلمه فلا أقدر عليه ، فلما ألقى إلي طرف الصحيفة إذا كتاب
غليظ يعرف أنه من كتب الأولين فنظرت فيها فإذا فيها خلاف ما بأيدي الناس من الصلة
والأمر بالمعروف الذي ليس فيه اختلاف وإذا عامته كذلك فقرأته حتى أتيت على آخره
بخبث نفس وقلة تحفظ وسقام رأي وقلت وأنا أقرأوه باطل حتى أتيت على آخره ثم أدرجتها
ودفعتها إليه فلما أصبحت لقيت أبا جعفر عليهالسلام.
فقال لي «أقرأت صحيفة الفرائض؟»
فقلت : نعم ، فقال «كيف رأيت ما قرأت؟»
قال : قلت : باطل ليس بشيء هو خلاف ما
الناس عليه ،
قال «فإن الذي رأيت والله يا زرارة هو
الحق ، الذي رأيت إملاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وخط علي عليهالسلام
بيده».
وقد استغل الامام الباقر عليهالسلام تغير السياسية
الأموية من الشدة إلى السماحة النسبية أيام عمر بن عبد العزيز (٩٩ ـ ١٠١ هـ) وكذلك
الامام الصادق استغل أخريات العهد الأموي وبدايات العهد العباسي ان يربيا فقهاء
الشيعة أمثال محمد بن مسلم وزرارة بن اعين وأبان بن تغلب
وكان الامام الباقر يقول لهذا الأخير : (اجلس في مجلس المدينة
__________________
وأفت الناس فإني أحب
أن يرى في شيعتي مثلك).
وعن سليمان ابن خالد قال : سمعت أبا عبد
الله عليهالسلام
يقول : ما أجد أحدا أحيا ذكرنا وأحاديث أبي عليهالسلام
إلا زرارة ، وأبو بصير ليث المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلي ، ولولا
هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا ، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي عليهالسلام على حلال الله
وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا ، والسابقون إلينا في الآخرة.
روى ابن عدي عن إبراهيم بن محمد الرماني
أبو نجيح قال سمعت حسن بن زياد يقول سمعت أبا حنيفة وسئل من أفقه من رأيت فقال ما
رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمد لما أقدمه المنصور الحيرة بعث إلي فقال يا أبا
حنيفة ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له من مسائلك تلك الصعاب فقال فهيأت
له أربعين مسألة ثم بعث إلي أبو جعفر فأتيته بالحيرة فدخلت عليه وجعفر جالس عن
يمينه فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر فسلمت وأذن لي
أبو جعفر فجلست ثم التفت إلى جعفر فقال يا أبا عبد الله تعرف هذا قال نعم هذا أبو
حنيفة ثم أتبعها قد أتانا ثم قال يا أبا حنيفة هات من مسائلك سل أبا عبد الله
فابتدأت أسأله قال فكان يقول في المسألة أنتم تقولون فيها كذا وكذا وأهل المدينة
يقولون كذا ونحن نقول كذا فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة وربما خالفنا جميعا
حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرج منها مسألة ثم قال أبو حنيفة أليس قد روينا أن
أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.
__________________
وقال الحسن بن علي بن زياد الوشاء لابن
عيسى القمي : إني أدركت في هذا المسجد : يعني مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كل يقول : حدثني
جعفر بن محمد عليهالسلام.
قال البراقي وقد صنف الافظ أبو العباس
بن عقدة الهمداني الكوفي المتوفى سنة ٣٣٣ كتابا في أسماء الرجال الذين رووا الحديث
عن (الإمام الصادق) عليهالسلام
فذكر ترجمة (٤٠٠٠) رجل.
الكوفة على عهد حركة ولدي عبد الله بن
الحسن المثنى رضياللهعنه
قال الطبراني حدثني سعيد بن تسنيم بن
الحواري بن زياد بن عمرو بن الأشرف قال سمعت من لا أحصى من أصحابنا يذكرون أن أبا
جعفر (الخليفة) شاور في أمر إبراهيم فقيل له إن أهل الكوفة له شيعة ، والكوفة قدر
يفور أنت طبقها فاخرج حتى تنزلها ففعل.
قال وحدثني عبد الملك ابن سليمان عن
حبيب بن مرزوق قال حدثني تسليم بن الحواري قال لما ظهر محمد وإبراهيم ابنا عبد
الله أرسل أبو جعفر إلى عبد الله بن علي وهو محبوس عنده ان هذا الرجل قد خرج فإن
كان عندك رأى فأشربه علينا وكان ذا رأي عندهم فقال إن المحبوس محبوس الرأي فأخرجني
حتى يخرج رأيي فأرسل إليه أبو جعفر ، لو جاءني حتى يضرب بابي ما أخرجتك وأنا خير
لك منه وهو ملك أهل بيتك ، فأرسل إليه عبد الله ارتحل الساعة حتى تأتى الكوفة
فاجثم على أكبادهم فإنهم شيعة أهل هذا البيت وأنصارهم ثم احففها بالمسالح فمن خرج
منها إلى وجه من الوجوه أو أتاها من وجه من الوجوه فاضرب عنقه ، وابعث إلى سلم بن
قتيبة ينحدر عليك وكان بالري واكتب إلى أهل الشام فمرهم أن يحملوا إليك من أهل البأس
والنجدة ما يحمل البريد فأحسن جوائزهم ووجههم مع سلم ففعل .
__________________
قال الطبري حدثني مسلم الخصي مولى محمد
بن سليمان قال كان أمر إبراهيم وأنا ابن بضع عشرة سنة وأنا يومئذ لأبي جعفر
فأنزلنا الهاشمية بالكوفة ونزل هو بالرصافة في ظهر الكوفة وكان جميع جنده الذين في
عسكره نحوا من ألف وخمسمائة فكان يطوف الكوفة كلها في كل ليلة وأمر مناديا فنادى
من أخذناه بعد عتمة فقد أحل بنفسه فكان إذا أخذ رجلا بعد عتمة لفه في عباءة وحمله
فبيَّتَه عنده فإذا أصبح سأل عنه فان علم براءته أطلقه وإلا حبسه.
وحدثني جواد ابن غالب قال حدثني العباس
بن مسلم مولى قحطبة قال كان أمير المؤمنين أبو جعفر إذا اتهم أحدا من أهل الكوفة
بالميل إلى إبراهيم أمر أبى سلما بطلبه فكان يمهل حتى إذا غسق الليل وهدأ الناس
نصب سلما على منزل الرجل فطرقه في بيته حتى يخرجه فيقتله ويأخذ خاتمه قال أبو سهل
جواد فسمعت جميلا مولى محمد بن أبي العباس يقول للعباس بن سلم والله لو لم يورثك
أبوك إلا خواتيم من قتل أهل الكوفة كنت أيسر الأبناء.
قال الطبري : وحدثني يحيى بن ميمون من
أهل القادسية قال سمعت عدة من أهل القادسية يذكرون أن رجلا من أهل خراسان يكنى أبا
الفضل ويسمى فلان ابن معقل ولى القادسية ليمنع أهل الكوفة من اتيان إبراهيم وكان
الناس قد صُدُّوا في طريق البصرة فكانوا يأتون القادسية ثم العذيب ثم وادى السباع
ثم يعدلون ذات اليسار في البر حتى قدموا البصرة قال فخرج نفر من الكوفة اثنا عشر
رجلا حتى إذا كانوا بوادي السباع لقيهم رجل من موالى بني أسد يسمى بكرا من أهل
شراف دون واقصة بميلين من أهل المسجد الذي يدعى الموالى فأتى ابن معقل فأخبره
فأدركهم بخفان وهي على أربعة فراسخ من القادسية فقتلهم أجمعين.
وقال حدثني عبد الله بن راشد بن يزيد
قال سمعت إسماعيل بن موسى البجلي وعيسى بن النضر السمانين وغيرهما يخبرون أن غزوان
كان لآل القعقاع بن ضرار
__________________
فاشتراه أبو جعفر
فقال له يوما يا أمير المؤمنين هذه سفن منحدرة من الموصل فيها مبيضة تريد إبراهيم
بالبصرة قال فضم إليه جندا فلقيهم بباحمشا بين بغداد والموصل فقتلهم أجمعين وكانوا
تجارا فيهم جماعة من العباد من أهل الخير وغيرهم وفيهم رجل يدعى أبا العرفان جارك
إنما شخصت برقيق لي فبعتهم فلم يقبل وقتلهم أجمعين وبث برؤوسهم إلى الكوفة فنصبت
ما بين دار إسحاق الأزرق إلى جانب دار عيسى بن موسى إلى مدينة ابن هبيرة قال أبو
أحمد عبد الله بن راشد فأنا رأيتها منصوبة على كوم التراب.
قال وحدثنا أبو علي القداح قال حدثني
داود بن سليمانونيبخت وجماعة من القداحين قالوا كنا بالموصل وبها حرب الراوندي
رابطة في ألفين لمكان الخوارج بالجزيرة فأتاه كتاب أبي جعفر يأمره بالقفل إليه
فشخص فلما كان بباحمشا اعترض له أهلها وقالوا لا ندعك تجوزنا لتنصر أبا جعفر على
إبراهيم فقال لهم ويحكم إني لا أريد بكم سوءا انما أنا مار دعوني قالوا لا والله
لا تجوزنا أبدا فقاتلهم فأبارهم وحمل منهم خمسمائة رأس فقدم بها على أبي جعفر وقض
عليه قصتهم قال أبو جعفر هذا أول الفتح.
قال جعفر بن ربيعة قال الحجاج بن قتيبة
لقد دخلت على أمير المؤمنين المنصور في ذلك اليوم مسلما وما أظنه يقدر على رد
السلام لتتابع الفتوق والخروق عليه والعساكر المحيطة به ولمائة ألف سيف كامنة له
بالكوفة بإزاء عسكره ينتظرون به صيحة واحدة فيثبون.
الخلاصة :
مصِّرت الكوفة على عهد الخليفة عمر بن
الخطاب وكان طابعها العام هو العمل بسيرة الشيخين شانها شان بلدان الفتوح ثم تبنت
نهضة علي والحسن والحسين عليهالسلام
ولم تتخلف عن نصرة مشروعهم الإحيائي للسنة النبوية ودفعت الثمن غاليا حين حاول
الأمويون والمروانيون والزبيريون محو ولاية علي وأهل بيته عليهمالسلام والأحاديث النبوية
التي
__________________
تدعو إلى ولايتهم من
ساحتها فلم يفلحوا ، ثم برزت مرة أخرى في الثلث الأول من القرن الثاني الهجري قلعة
لمشروع علي عليهالسلام
الإحيائي للسنة النبوية بخطين الأول خط مرجعية الأئمة من ذرية الامام الصادق عليهالسلام والثاني خط الثوار
بقيادة زيد وولده والثوار من ولد عبد الله بن الحسن المثنى.
الباب
الثالث
العباسيون
يحذون حذو الأمويين
في
تحريف التاريخ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الأول ٣٥١ تحريف الأمويين للتاريخ
الفصال الثاني ٣٧١ انشقاق العباسيين عن
المحسنيين والأئمة من أهل البيت عليهمالسلام
الفصل الثالث ٣٨٠ سياسة الاعلام العباسي
الفصل الرابع ٤٠١ الروايات الطاعنة في
عقيدة الوصية بعلي عليهالسلام
الفصل الخامس ٤٠٥ كتاب أبي مخنف في مقتل
الحسين عليهالسلام
الفصل السادس ٤١٢ الروايات الطاعنة في
أهل الكوفة على لسان علي والحسن عليهالسلام
الفصل السابع ٤٤١ الروايات الطاعنة في
الحسن عليهالسلام
الفصل الثامن ٤٥٣ ملاحظات نقدية حول
رواية البخاري في الصلح وشرح ابن حجر لها
الفصل التاسع ٤٩١ الروايات التي تطعن في
أهل الكوفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استهدف الباب الثالث في تسعة فصول تفسير
وجود ذلك الكم الهائل من الروايات الذي انتج رؤية الانهيار المبين للحسن وللكوفيين
، وكونها من وضع الامويين والعباسيين لمواجهة اخطر ثلاثي متعاون واجهه الحكم
العباسي وهم الحسنيون الثائرون عليهم ـ مرجعية الامام الصادق الدينية الآخذة
بالتوسع ـ الكوفة القلعة التاريخية التي تمد كلا الخطين بالقاعدة الشعبية.
ففي الفصل الأول
عرضٌ مختصر في تحريف الأمويين لتاريخ خصومهم بوصفه التجربة الأقدم التي شهدها
العباسيون الآباء ثم استفاد منها الأبناء لتحريف خصومهم ، وقد انتزعنا هذا الفصل
من كتابنا المدخل إلى دراسة مصادر السيرة والتاريخ.
وفي الفصل الثاني
عرض مختصر لانشقاق العباسيين عن الحسنيين والأئمة من أهل البيت عليهمالسلام فكريا وسياسيا إذ
كانوا في بدء الأمر جزء من حركة العلويين ثم انشقوا عنها.
وفي الفصل الثالث
عرض وثائق الاعلام العباسي ضد الحسن والكوفة والتشيع من خلال خطب أبي العباس
السفاح وأبي جعفر الدوانيقي والشعر ومحاورات الدوانيقي مع مالك بن انيس وغيره.
وفي الفصل الرابع
عرض لشخصيتين مارستا الوضع في العهد العباسي المبكر لمواجهة حركة التشيع اليت
يقودها الامام الصادق حين وضعتا اخبارا وصفت التشيع لعلي بانه من وضع شخص يهودي من
صنعاء اسلم على عهد عثمان اظهر القول بالوصية لعلي
وقرنه بالطعن على
الخلفاء وبالتالي فان الشيعة من تأسيس يهودي حاقد على الإسلام ، وهاتان الشخصيتان
هما سيف بن عمر وعبد الرحمن بن مالك بن مغول وقد عُرفا في كتب الرجال بانهما
وضّاعان للاخبار.
وفي الفصل الخامس
عرض لكتاب أبي مخنف الذي استهدف تحميل أهل الكوفة تبعة قتل الحسين تعبيرا عن
خذلانهم وضعف إرادتهم بخلاف ما بينه أهل البيت عليهمالسلام
من قتلة الحسين هم من أهل الشام وان أهل الكوفة انصارهم الاوفياء.
وفي الفصل السادس
عرض للاخبار الطاعنة في أهل الكوفة على لسان علي والحسن ، وانها من وضع الأخباريين
العباسيين من خلال ترجمة الكثير من رواة تلك الاخبار.
وفي الفصل السابع
عرض للاخبارالطاعنة في الحسن عليهالسلام
وترجمة لرواتها ممن كان يعمل مع العباسيين.
وفي الفصل الثامن مناقشة لرواية البخاري
في الصلح وشرح ابن حجر العسقلاني لها.
وفي الفصل الثامن
عرض للروايات الطاعنة في الكوفيين على لسان الرواة الآخرين وذكر المنبهات على انها
من وضع الأخباريين العباسيين أيضا.
الباب
الثالث / الفصل الأول
تحريف
الأمويين للتاريخ
أوردنا في كتابنا «المدخل إلى دراسة
مصادر السيرة والتاريخ» اربع وثائق تتحدث عن تحريف بني أمية للحديث والتاريخ
ننقلها بتمامها لكفايتها :
١. ما رواه الزبير بن بكار في كتابه
الموفقيات
قال الزبير بن بكار : حدثنا أحمد بن
سعيد قال : حدثني الزبير قال : حدثني عمي مصعب بن عبد الله عن الواقدي قال : حدثني
ابن أبي سبرة عن عبد الرحمن بن زيد قال :
وفد علينا سليمان بن عبد الملك حاجّاً
سنة اثنتين وثمانين ، وهو ولي عهد ، فمرَّ بالمدينة ، فدخل عليه الناس ، فسلَّموا
علهي ، وركب إلى مشاهد النبي صلىاللهعليهوآله
التي صلَّى فيها وحيث أُصيب أصحابه في أحد ، ومعه أبان بن عثمان ، وعمرو بن عثمان
، وأبو بكر بن عبد الله بن أبي أحمد ، فأتوا به قُباء ، ومسجد الفضيخ ، ومشربة أم
إبراهيم ، وأحد ، وكل ذلك يسألهم ، ويخبرونه عمَّا كان.
ثم أمر أبان بن عثمان أن يكتب له سِيَر
النبي صلىاللهعليهوآله
ومغازيه.
فقال أبان : هي عندي قد أخذتها مصححة
ممن أتق به ، فأمر بنسخها ، وألقى فيها إلى عشرة من الكُتَّاب ، فكتبوها في رقّ.
فلما صارت إليه ، نظر فإذا فيها ذكر
الأنصار في العقبتين وذكر الأنصار في بدر ، فقال : ما كنت أرى لهؤلاء القوم هذا
الفضل فإمَّا أن يكون أهل بيتي غمصوا عليهم وإمَّا أن يكونوا ليس هكذا.
فقال أبان بن عثمنا : أيها الأمير لا
يمنعنا ما صنعوا بالشهيد المظلوم من خذلانه من القول بالحق : هم على ما وصفنا لك
في كتابنا هذا ، قال : ما حاجتي إلى أن أنسخ ذاك حتَّى أذكره لأمير المؤمنين لعله
يخالفه ، فأمر بذلك الكتاب فحُرِّق ، وقال : أسأل أمير المؤمنين إذا رجعت ، فإن
يوافقه فما أيسر نسخه.
فرجع سليمان بن عبد الملك فأخبر أباه
بالذي كان من قول أبان.
فقال عبد الملك : وما حاجتك أن تقدم
بكتاب ليس لنا فيه فضل ، تُعرِّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها!
قال سليمان : فلذلك يا أمير المؤمنين
أمرت بتخريق ما كنتُ نسخته حتَّى أستطلع رأي أمير المؤمنين ، فصوّب رأيه ، وكان
عبد الملك يثقل عليه ذلك.
ثم إنَّ سليمان جلس مع قبيصة بن ذؤيب ، فأخبره
خبر أبان بن عثمان وما نسخ من تلك الكتب وما خالف أمير المؤمنين فيها.
فقال قبيصة : لولا ما كرهه أمير
المؤمنين لكان من الحظِّ أنْ تَعْلَمها وتُعلِّمَها ولدك وأعقابهم ، إنَّ حظَّ
أمير المؤمنين فيها لوافر ، إنَّ أهل بيت أمير المؤمنين لأكثر من شهد بدراً فشهدها
من بني عبد شمس ستة عشر رجلاً من أنفسهم وحلفائهم ومواليهم وحليف القوم منهم ومولى
القوم منهم. وتوفي رسول الله صلىاللهعليهوآله
وعمَّاله من بني أمية أربعة : عتاب بن أُسيد على مكة ، وأبان بن سعيد على البحرين
، وخالد بن سعيد على اليمن ، وأبو سفيان بن حرب على نجران ، عاملاً لرسول الله صلىاللهعليهوآله ولكنِّي رأيت أمير
المؤمنين كره من ذلك شيئاً فما كره فلا تخالفه.
ثم قال قبيصة : لقد رأيتني وأنا وهو ـ
يعني عبد الملك ـ وعدةً من أبناء المهاجرين ما لنا علم غير ذلك حتَّى أحكمناه ، ثم
نظرنا بعد في الحلال والحرام ، فقال سليمان : يا أبا إسحاق ألا تخبرني عن هذا
البغض من أمير المؤمنين وأهل بيته لهذا الحيَّ من الأنصار وحرمانهم إيَّاهم لِمَ
كان؟ فقال : يا ابن أخي أوّل من أحدث ذلك معاوية بن
أبي سفيان ، ثم أحدثه
أبو عبد الملك (يريد مروان) ثم أحدثه أبوك.
فقال : علامَ ذلك؟
قال : فوالله ما أريد به إلَّا لأعلمه
وأعرفه.
قال : لأنَّهم قتلوا قوماً من قومهم ، وما
كان من خذلانهم عثمان فحقدوه عليهم ، وحنقوه وتوارثوه ، وكنت أحب لأمير المؤمنين
أن يكون على غير ذلك لهم وأن أخرج من مالي فكلَّمه.
فقال سليمان : أفعل والله. فكلَّمه
وقبيصة حاضر ، فأخبر قبيصة بما كان من محاورتهم.
فقال عبد الملك : والله ما أقدر على غير
ذلك فدعونا من ذكرهم فأسكت القوم.
وحكى الزهري
: (أن عبد الملك رأى عند بعض ولده حديث المغازي فأمر به فأحرق ، وقال : عليك بكتاب
الله فاقرأه والسنة فاعرفها واعمل بها).
قال الدكتور حسين عطوان : (ولم يزل الخلفاء
الأمويون يحظرون رواية المغازي والسير إلى نهاية القرن الأول فلما استخلف عمر بن
عبد العزيز ، أقرَّ بأنَّ من سبقه من الخلفاء الأمويين حاربوا رواية المغازي
والسير ، ومنعوا أهل الشام من معرفتها ، ودفعوهم عن الإطلاع عليها ، وردعوهم عن
الاشتغال بها وأنكر صنيعهم ، وشهَّر به تشهيراً قوياً).
قال ابن عساكر في ترجمة عاصم بن عمر بن
قتادة : ووفد عاصم عيل عمر بن عبد العزيز في خلافته في دين لزمه فقضاه عنه عمر
وأمر له بعد ذلك بمعونة وأمره أنْ يجلس في مسجد دمشق فيحدِّث الناس بمغازي رسول
الله صلىاللهعليهوآله
ومناقب أصحابه وقال إنَّ بني مروان كانوا يكرهون هذا وينهون عنه فاجلس فحدِّث
الناس بذلك ففعل.
أقول
: ومن الجدير ذكره ، ان عمر بن عبد
العزيز حين رفع الحظر عن رواية
__________________
المغازي والحديث لم
يكن قد رفعه بشكل كامل ، لذلك فإن من عُرِف بروايته لفضائل علي وسيرته وأُمِرَ
بلزوم الإقامة الجبرية في بلده كعامر بن وائلة ، لم يرفع الحظر عنه ، وقد روى ابن
عساكر في ترجمة عامر بن واثلة أبي الطفيل أنَّه أدركته إمرة عمر بن عبد العزيز
فكتب يستأذنه في القدوم عليه ، فقال عمر : ألم تؤمر بلزوم البلد ؟
ومن الثابت أنَّ أبا الطفيل كان صحابياً
من شيعة علي عليهالسلام
وقد ترك البخاري حديثه لأنّه كان (بزعمه) يفرط في التشيع.
٢. ما رواه أبو الفرج في كتابه الأغاني
روى أبو الفرج بسنده عن ابن شهاب
قال : قال لي خالد بن عبد الله القسري : اكتب لي النسب فبدأت بنسب مضر فمضيت فيه
أياماً ثم أتيته ، فقال لي ما صنعت؟ فقلت بدأت بنسب مضر وما أتممته ، فقال : اقطعه
قطعه الله مع أصولهم ، واكتب لي السيرة ، فقلت له : فإنَّه يمر بي الشيء من سيرة
علي بن أبي طالب افأذكره؟
فقال : لا إلَّا أنْ تراه في قعر
الجحيم.
وهذا الحديث يفسِّر لنا بوضوح لماذا
جاءت روايات الزهري للسيرة التي رواها عنه عبد الرزاق الصنعاني بواسطة معمر خالية
من ذكر علي عليهالسلام
وفيما يلي نماذج من روايات الزهري بواية عبد الرزاق الصنعاني في كتابه المصنّف :
١. روى عبد الرزاق في المصنف عن معمر
قال سألت الزهري : (عن أوّل من أسلم)؟ قال : ما علمنا أحداً أَسلم قبل زيد بن
حارثة.
__________________
٢. وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
في حديث عن عروة قال : كانت وقعة أحد في شوال ، على رأس ستة أشهر من وقعة بني
النضير.
قال الزهري عن عروة في قوله (وعصيتم من
بعد ما أراكم ما تحبون) : إنَّ النبي صلىاللهعليهوآله
قال يوم أحد حين غزا أبو سفيان وكفّار قريش : إنَّي رأيت كأنِّي لبست درعاً حصينة
، فأوّلتها المدينة ، فاجلسوا في ضيعتكم وقاتلوا من ورائها ، وكانت المدينة قد
شبكت بالبنيان ، فهي كالحِصن ، فقال رجلٌ مسنٌ لم يشهد بدراً : يا رسول الله ، اخرج
بنا إليهم فلنقاتلهم ، وقال عبد الله بن أبي سلول : نعم ، والله ، يا نبي الله ، ما
رأيت إنّا والله ما نزل بنا عدو قط فخرجنا إليه ، إلَّا أصاب فينا ، ولا يأتينا في
المدينة ، وقاتلنا من ورائها إلَّا هَزَمنا عدوُّنا.
فكلَّمه أُناس من المسلمين ، فقالوا : بلى
، يا رسول الله ، أخرج بنا إليهم ، فدعا بلأمته فلبسها ، ثم قال : أظنُّ الصرعى
إلَّا ستكثر منكم ومنهم ، إنِّي أرى في النوم منحورة ، فأقول بقر ، والله بخير
فقال رجل : يا رسول الله ، بأبي أنت وأُمي فاجلس بنا ، فقال : إنَّه لا ينبغي لنبي
إذا لبس لامته أن يضعها حتَّى يلقى الناس ، فهل من رجل يدلنا الطريق على القوم من
كثب؟ فانطلقت به الأدلاء بين يديه ، حتَّى إذا كان بالشوط من الجبانة انخذل عبد
الله بن أبي بثلث الجيش ، أو قريب من ثلث الجيش ، فانطلق النبي صلىاللهعليهوآله حتَّى لقوهم بأحد ، وصافوهم
، وقد كان النبي صلىاللهعليهوآله
عهد إلى أصحابه
__________________
أنَّهم هزموهم ، أنْ
لا يدخلوا لهم عسكراً ، ولا يتَّبعوهم ، فلمَّا التقوا هزموا
، وعصوا النبي صلىاللهعليهوآله
، وتنازعوا ، واختلفوا ، ثم صرفهم الله عنهم ليبتليهم ، كما قال الله وأقبل
المشركون ، وعلى خيلهم خالد بن الوليد بن المغيرة ، فقتل من المسلمين سبعين رجلاً
وأصابهم جراح شديدة ، وكسرت رباعية رسول الله صلىاللهعليهوآله
، ودمي وجهه ، حتَّى صاح الشيطان بأعلى صوته : قتل محمد.
قال ابن إسحاق حدَّثني ابن شهاب الزهري
عن عبد الله بن كعب بن مالك أخو بني سلمة قال : قال كعب : عرفت عينيه تزهران من
تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين ابشروا هذا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأشار إليَّ أنْ
أنصت ، فلما عرف المسلمون رسول الله صلىاللهعليهوآله
نهضوا به ، ونهض معهم نحو الشعب ، معه : أبو بكر بن أبي قحافة ، وعمر بن الخطاب
وعلي بن أبي طالب ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، والحارث بن الصمة ، في
رهط من المسلمين ، فلما أسند رسول الله صلىاللهعليهوآله
في الشعب ، أدركه أبي بن خلف وهو يقول : أين يا محمد أين يا محمد لا نجوت إنْ نجوت
، فقال القوم : أيعطف عليه يا رسول الله رجل منّا؟ فقال : دعوه فلمَّا دنا تناول
رسول الله صلىاللهعليهوآله
الحربة من الحارث بن الصمة ، يقول بعض القوم فيما ذكر لي ، فلمَّا أخذها رسول الله
صلىاللهعليهوآله
انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعر من ظهر البعير إذا أنتفض بها ، ثم
استقبله فطعنه بها طعنة تردّى بها عن فرسه مراراً.
__________________
قال عبد الرزاق قال معمر حدثني الزهري :
فنادى أبو سفيان بعدما مُثِّل ببعض أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وجُدِعوا ، ومنهم من بُقِرَ بطنُه.
فقال أبو سفيان : إنَّكم ستجدون في
قتلاكم بعض المثل ، فإنَّ ذلك لم يكن عن ذوي رأينا ولا سادتنا
، ثم قال أبو سفيان : أعلُ هُبَل. فقال عمر بن الخطاب : الله أعلى وأجل.
فقال : أنعمت عيناً
، قتلى بقتلى بدر.
فقال عمر : لا يستوي القتلى ، قتلانا في
الجنة ، وقتلاكم في النار.
فقال أبو سفيان : لقد خِبنا إذا ، ثم
انصرفوا راجعين.
وندب النبي صلىاللهعليهوآله أصحابه في طلبهم ، حتَّى
إذا بلغوا قريباً من حمراء الأسد ، وكان
__________________
فيمن طلبهم يومئذ عبد
الله بن مسعود ، وذلك حين قال الله (الذين قال لهم الناس
إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) آل عمران / ١٧٣.
٣. قال عبد الرزاق قال معمر قال الزهري
في حديثه عن المسيب : وذكر قصَّة نعيم بن مسعود الأشجعي وسعيه في الوقعية بين أبي
سفيان وبني قريضة وما أرسل الله تعالى من الريح على المشركين وإنهزامهم بغير قتال
، ثم قال : فذلك حين يقول (وكفى الله المؤمنين
القتال وكان الله عزيزاً)
الأحزاب / ٢٥.
٤. عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، قال
: لمَّا انصرف رسول الله صلىاللهعليهوآله
حتَّى أتى المدينة ، فغزا خيبر من الحديبية فأنزل الله عليه (وعدكم
الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه)
إلى (ويهديكم صراطاً مستقيماً) فلمَّا فتحت خيبر جعلها لمن غزا معه
الحديبية ، وبايع تحت الشجرة ، ممَّن كان غائباً أو شاهداً ، من أجل أنَّ الله كان
وعدهم إيَّاها ، وخمَّس رسول الله صلىاللهعليهوآله
خيبر ، ثم قسم سائرها مغانم بين من شهدها من المسلمين ، ومن غاب عنها من أهل
الحديبية.
__________________
٥. عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : أخبرني
كُثّير بن العباس بن عبد المطلب عن أبيه العباس قال : شهدت مع رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم حنين ، قال : فلقد
رأيت النبي صلىاللهعليهوآله
وما معه إلَّا أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، فلزمنا رسول الله صلىاللهعليهوآله فلم نفارقه ، وهو
على بغلة شهباء وربما قال معمر : بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي.
قال : فلمَّا التقى المسلمون والكفَّار
ولَّى المسلمون مدبرين
، وطفق رسول الله صلىاللهعليهوآله
__________________
يُركِض بغلتَه نحو
الكفار قال العباس : وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلىاللهعليهوآله
ألقفها ، وهو لا يألو ما أسرع نحو المشركين ، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بغرز
رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فقال : يا عباس ، ناد أصحاب السمرة ، قال : وكنت رجلاً صيتاً ، فناديت بأعلى
صوتي : أي أصحاب السمرة؟ قال : فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على
أولادها ، يقولون : يا لبيك ، يا لبيك ، يا لبيك.
وأقبل المسلمون ، فاقتتلوهم والكفار.
فنادت الأنصار : يا معشر الأنصار ، ثم
قصر الداعون على بني الحارث بن الخزرج ، فنادوا : يا بني الحارث بن الخزرج.
قال : فنظر رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو على بغلته
كالمتطاول عليها إلى قتالهم.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : هذا حين حمي
الوطيس.
قال ثم أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله حصيات فرمى بهن وجوه
الكفَّار ، ثم قال : انهزموا وربِّ الكعبة.
قال : فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته
فيما أرى.
قال : فوالله ما هو إلَّا أن رماهم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
بحصياته ، فما زلت أرى حدَّهم كليلاً وأمرهم مدبراً حتَّى هزَّمهم الله تعالى ، قال
: وكأنِّي أنظر إلى النبي صلىاللهعليهوآله
يركض خلفهم على بغلة له.
٣. رواية المدائني في كتابه الأحداث
روى ابن أبي الحديد عن علي بن محمد بن
أبي سيف المدائني (ت ٢٢٥ هـ)
في
__________________
كتابه (الأحداث) قال
:
[كتب معاوية نسخة واحدة إلى عُمَّاله
بعد عام الجماعة.
(أن برئت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من
فضل أب تراب وأهل بيته).
فقالمت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر
يلعنون عليَّاً عليهالسلام
ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته.
وكان أشدَّ الناس بلاءً حينئذ أهلُ
الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليهالسلام
فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضمَّ إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف ، لأنه
كان منهم أيام علي عليهالسلام
فقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وأخافهم وقَطَّع الأيدي والأرجل وسَمَّلَ العيون
وصلَّبهم على جذوع النخل وطردهم وشرَّدهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم.
وكتب معاوية إلى عُمَّاله في جميع
الآفاق :
(ألَّا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل
بيته شهادة).
وكتب إليهم : (أن انظروا من قبلكم من
شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم
وقرِّبوهم وأكرموهم واكتبوا لي بكلِّ ما يروي كلَّ رجل منهم واسمه واسم أبيه
وعشيرته).
ففعلوا ذلك حتَّى أكثروا في فضائل عثمان
ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصِّلات والكِساء والحِباء والقَطائع ، ويفيضه
في العرب مهم والموالي ، فكثر ذلك في كل مصر ، وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فليس
يجيءُ أحد مردود من الناس عاملاً من عمَّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة
إلَّا كتب اسمه وقرَّبه وشفَّعه فلبثوا بذلك حيناً.
ثم كتب إلى عُمَّاله :
(إنَّ الحديث في عثمان قد كَثُر وفَشا
في كل مِصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في
فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي
تراب إلَّا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإنَّ هذا أحبُّ إليَّ وأقرُّ لعيني
وأدحض لِحُجَّة أبي تراب وشيعته وأشدُّ عليهم من مناقب عثمان وفضله).
فقُرئت كتبه على الناس فرُويت أخبار
كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها.
وجَدَّ الناس في رواية ما يجري هذا
المجرى حتَّى أشادوا بذكر ذلك على المنابر وأُلقِيَ إلى معلِّمي الكتاتيب فعلَّموا
صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتَّى رووه وتعلَّموه كما يتعلمون القرآن ،
وحتى علَّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله.
ثم كتب إلى عُمَّاله نسخة واحدة إلى
جميع البلدان :
(انظروا من قامت عليه البيِّنة أنَّه
يحبُّ عليَّاً وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه).
وشفع ذلك بنسخة أُخرى :
(من اتهمتوه بموالاة هؤلاء القوم
فنكِّلوا به واهدموا داره).
فلم يكن البلاء أشدُّ ولا أكثر منه
بالعراق ولا سيَّما بالكوفة ، حتَّى إنَّ الرجل من شيعة علي عليهالسلام ليأتيه من يثق به
فيدخل بيته فيلقي إليه سرَّه ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتَّى يأخذ عليه
الأيمان الغليظة لَيَكْتُمَنَّ عليه).
قال ابن ابي الحديد :
فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر.
ومضى على ذلك الفقهاء والقضا والولاة.
وكان أعظم الناس في ذلك بليَّةً
القُرّاء المُراؤون ، والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث
ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقرِّبوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل.
حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى
أيدي الديّانين الذين لا يستحلُّون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها وهم يظنون
أنَّها حق ولو علموا أنَّها باطلة لما رووها ولا تديَّنوا بها.
__________________
قال ابن أبي الحديد : وقد روي أنَّ أبا
جعفر محمد بن علي الباقر عليهالسلام
قال لبعض أصحابه : يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيَّانا وتظاهرهم علينا وما
لَقِيَ شيعتنا ومحبونا من الناس ...
وكان عُظْمُ ذلك وكُبْرهُ زمنَ معاوية
بعد موت الحسن عليهالسلام.
فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطِّعت الأيدي
والأرجل على الظِّنة.
وكان من يُذْكَر بحبِّنا والانقطاع إليه
سُجِنَ أو نُهِب مالُه ، أو هُدِمَت دارهُ ، ثمَّ لم يزل البلاء يشتدُّ ويزداد إلى
زمان عبيد الله قاتل الحسين عليهالسلام.
ثم جاء الحجَّاج فقتلهم كلَّقتلة وأخذهم
بكلَّ ظنَّة وتهمة ، حتَّى إنَّ الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحبُّ إليه من أن
يقال له شيعة علي.
وحتَّى صار الرجل الذي يذكر بالخير
ولعله يكون ورعاً صدوقاً يحدِّث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من سلف من الولاة
ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب أنَّها حقٌّ لكثرة من
قد رواها ممَّن لم يُعرَف بكذب ولا بقلة ورع.
أقول :
ومن الغريب أنَّ ابن أبي الحديد بعد أن
يورد ذلك كله يعقِّب عليه بقوله :
(واعلم أنَّ أصل الأكاذيب في أحاديث
الفضائل كان من جهة الشيعة. فإنَّهم وضعوا في مبدأ الأمر أحاديث مختلفة في صاحبهم
، حملهم على وضعها عداوة خصومهم ، نحو :
حديث (السطل). وحديث (الرمانة). وحديث (غزوة
البئر) التي كان فيها
__________________
الشاطين وتعرف كما
زعموا بـ (ذات العلم). وحديث (غسل سلمان الفارسي وطي الأرض). وحديث (الجمجمة) ، ونحو
ذلك.
فلمَّا رأت البكرية ما صنعت الشيعة ، وضعت
لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث :
نحو (لو كنتُ متخذاً خليلاً) ، فإنَّهم
وضعوه في مقابلة حديث الإخاء.
ونحو (سد الأبواب) فإنَّه كان لعلي عليهالسلام فنقلته البكرية إلى
أبي بكر.
ونحو (ائتوني بدواة وبياض أكتب فيه لأبي
بكر كتاباً لا يختلف عليه اثنان). ثم قال : (يأبى الله تعالى والمسلمون إلَّا أبا
بكر) ، فإنَّهم وضعوه في مقابلة الحديث المروي عنه في مرضه : (آئتوني بدواة وبياض
أكتب لكم ما لا تضلُّون بعده أبداً) ، فاختلفوا عنده. وقال قوم منهم ، لقد غلبه
الوجع ، حسبنا كتاب الله.
ونحو حديث : (أنا راض عنك فهل أنت عنِّي
راض!). ونحو ذلك ...
فلمَّا رأت الشيعة ما قد وضعت البكرية
أوسعوا في وضع الأحاديث ، فوضعوا :
حديث (الطوق) ، الحديث الذي زعموا أنَّه
جعله في عنق خالد.
وحديث (اللَّوح) ، الذي زعموا أنَّه كان
في غدائر الحنفيَّة أُمِّ محمد.
وحديث (لا يفعلن خالد ما آمر به).
وحديث (الصحيفة) ، الَّتي علِّقت عام
الفتح بالكعبة.
وحديث (الشيخ) ، الَّذي صعد المنبر يوم
بويع أبو بكر ، فسبق الناس إلى بيعته.
وأحاديث مكذوبة كثيرة تقتضي نفاق قوم من
أكابر الصحابة والتابعين الأوَّلين وكفرهم.
فقابلتهم البكرية بمطاعن كثيرة في عليّ عليهالسلام وفي ولديه.
ونسبوه تارةً إلى ضعف العقل ، وتارةً
إلى ضعف السياسة ، وتارةً إلى حبِّ الدُّنيا والحرص عليها.
ولقد كان الفريقان في غنية عمَّا
اكتسباه واجترحاه.
ولقد كان في فضائل علي عليهالسلام الثابتة الصحيحة ، وفضائل
أبي بكر المحقَّقة المعلومة ما يغني عن تكلُّف العصبية لهما ، فإنَّ العصبية لهما
أخرجت الفريقين من ذكر الفضائل
إلى ذكر الرذائل ، ومن
تعديد المحاسن إلى تعديد المساوي والمقابح. ونسأل الله تعالى أن يعصمنا من الميل
إلى الهوى وحبِّ العصبيَّة ، وأن يجرينا على ما عوَّدنا من حبِّ الحقِّ أين وجد
وحيث كان ، سخط ذلك من سخط ، ورضى به من رضى بمنَّه ولطفه.
أقول :
ليس من شك أنَّ قول ابن أبي الحديد هذا
مجانب للصواب ، إذ أنَّ البادئ بوضع الحديث وتشجيع الناس عليه هو معاوية كما مرَّت
الأخبار التي رويناها عن ابن أبي الحديد نفسه. وذلك لما انتشر عند أهل الشام في
السنوات العشر من صلح الحسن عليهالسلام
من حديث الغدير ، وحديث الثقلين ، والمباهلة ، والدار ، والكساء ، والمنزلة ، والمؤآخاة
، وخيبر ، وأُحد ، وحديث بريدة بن الحصيب لمَّا جاء برسالة خالد بن الوليد من
اليمن ، يقع فيها في علي عليهالسلام
، وغيرها وأيضا ما ورد في حقِّه من القرآن.
قال ابن أبي الحديد : قد روى ابن عرفة
المعروف بابنِ (نفطويه)
، وهو من أكابر المحدِّثين وأعلامهم في تاريخه ، قال : إنَّ أكثر الأحاديث
الموضوعة في فضائل الصحابة أُفتعلت في أيّام بني أُمية ، تقرُّباً إليهم بما
يظنُّون أنَّهم يرغمون به أُنوف بني هاشم.
وقال أبو جعفر الإسكافي (ت ٢٢٠ هـ)
:
إنَّ معاوية وضع قوماً من الصحابة
وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليّ عليهالسلام
تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جُعَلّا يُرغب في مثله فاختلقوا ما
أرضاه ، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن
الزبير.
__________________
نموذجان من حديث عروة
في ذم عليّ عليهالسلام
:
روى الزهري أنَّ عروة بن الزبير حدَّثه
قال : حدثتني عائشة قالت : كنت عند رسول الله صلىاللهعليهوآله
إذ أقبل العباسو علي فقال : يا عائشة إنَّ هذين يموتان على غير ملَّتي أو قال
ديني.
وروى عبد الرزاق عن معمَّر قال : كان
عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي عليهالسلام
فسألته عنهما يوماً ، فقال : ما تصنع بهما وبحديثهما الله أعلم بهما إنِّي
لأتهمهما في بني هاشم.
قال ابن أبي الحديد : فأمَّا الحديث
الأوّل فقد ذكرناه.
وأمَّا الحديث الثاني فهو : أنَّ عروة
زعم أنَّ عائشة حدَّثته ، قالت : كنت عند النبي صلىاللهعليهوآله
إذ أقبل العباس وعلي ، فقال صلىاللهعليهوآله
: يا عائشة إن سَرَّكِ أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا ،
فنظرتُ فإذا العباس وعلي بن أبي طالب. نموذج من حديث عمرو بن العاص في علي عليهالسلام :
وأمَّا عمرو بن العاص فروى عنه الحديث
الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مسنداً متصلاً بعمرو بن العاص قال : سمعت
رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول : (إنَّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنَّما وليي الله وصالح المؤمنين).
__________________
نموذج من حديث أبي
هريرة في ذم عليّ عليهالسلام
:
وأمَّا أبو هريرة فروي عنه الحديث الذي
معناه أنَّ عليَّاً عليهالسلام
خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فأسخطه ، فخطب على المنبر وقال : لاها الله لا تجتمع ابنة ولي الله وابنة عدو
الله أبي جهل ، إنَّ فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها فإنْ كان علي يريد ابنة أبي
جهل فليفارق ابنتي وليفعل ما يريد أو كلاماً هذا معناه.
قال ابن أبي الحديد : هذا الحديث مخرَّج
في صحيحي مسلم والبخاري عن المسور بن مخرمة الزهري.
٤. ما رواه سليم بن قيس في كتابه
قال سليم بن قيس :
إنَّ معاوية مرَّ بحلقة من قريش ، فلمَّا
رأوه قاموا إليه غير عبد الله بن عباس فقال له : يا ابن عباس ما منعك من القيام
كما قام أصحابك إلَّا لموجدة عليَّ بقتالي إيَّاكم
__________________
يوم صفين ، يا ابن
عباس إنَّ ابن عمِّي عثمان قُتل مظلوماً.
قال ابن عباس : فعمر بن الخطَّاب قد قتل
مظلوماً فَسَلِّم الأمر إلى ولده ، وهذا أبنه؟!.
قال : أنَّ عمر قتله مشرك.
قال ابن عباس : فمن قتل عثمان؟
قال : قتله المسلمون!
قال : فذلك أدحض لحُجَّتك ، إنْ كان
المسلمون قتلوه وخذلوه فليس إلَّا بحث.
قال : فإنَّا قد كتبنا إلى الآفاق ننهى
عن ذكر مناقب عليَّ وأهل بيته ، فكُفّ لسانك يا ابن عباس واربَع على نفسك.
قال : أفتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال : لا.
قال : أفتنهانا عن تأويله؟ قال : نعم.
قال : فنقرأه ولا نسأل عمَّا عنى الله
به؟ قال : نعم.
قال : فأيهما أوجب علينا قراءته أو
العمل به؟ قال : العمل به.
قال : فكيف نعمل به حتَّى نعلم ما عنى
الله بما أنزل علينا؟
قال سل عن ذلك من يتأوَّله على غير ما
تتأوَّله أنت وأهل بيتك.
قال : إنَّما أنزل القرآن على أهل بيتي
فأسأل عنه آل أبي سفيان وآل أبي معيط؟! ...
قال : فارقؤوا القرآن ولا ترووا شيئا
ممَّا أنزل الله فيكم وممَّا قال رسول الله فيكم وارووا ما سوى ذلك!
قال ابن عباس : قال الله في قرآنه : (يُرِيدُونَ
أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن
يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
(٣٢))
التوبة / ٣٢.
قال معاوية : يا ابن عباس اكفني نفسك
وكُفَّ عنّي لسانك ، وإنْ كنت لابدَّ فاعلاً فليكن ذلك سرَّاً ولا يسمعه أحدٌ منك
علانية !
أقول
: إنَّ هذه المحاورة قد جرت في المدينة
سنة (٥٥ هجـ) بعد رجوع معاوية من
__________________
الحج الذي أقامه لتلك
السنة؟
وقد جرت قبل ذلك في مكة محاورة أخرى
بينه وبين سعد بن أبي وقاص رواها النسائي (ت ٣٠٣ هـ) صاحب السنن قال :
أخبرنا محمد بن المثنى قال : أخبرنا أبو
بكر الحنفي قال : حدثنا بكر بن مسمار قال : سمعت عامربن سعد يقول :
قال معاوية لسعد بن أبي وقاص : ما يمنعك
أنْ تسب ابن أبي طالب؟
قال : لا أسبُّه ما ذكرت ثلاثاً قالهن
رسول الله صلىاللهعليهوآله
لأن يكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إليَّ من حمر النعم.
ما أسبُّه : ما ذكرتُ حين نزلت (انما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله عليّاً وابنيه
وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه ثم قال : رب هؤلاء أهل بيتي وأهلي.
ولا أسبُّه : ما ذكرت حين خلَّفه في
غزوة غزاها قال علي : خلفتني مع الصبيان والنساء؟ قال : أولا ترضى أنْ تكون مني
بمنزلة هارون من موسى إلَّا أنَّه لا نبوة بعدي.
وما أسبُّه : ما ذكرت يوم خيبر حين قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: لأعطينَّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله ، ويفتح الله بيده ، فتطاولنا ، فقال : أي
علي؟ فقالوا : هو أرمد ، قال : ادعوه ، فبصق في عينيه ثم أعطاه الراية ، ففتح الله
عليه.
فوالله ما ذكره معاوية بحرف حتَّى خرج
من المدينة.
أقول
: وقد كانت هذه المحاورة قبل صدور قرار
معاوية إلى ولاته بسبب علي على المنابر ، وكان هدفه من هذا الحوار حبس نبض سعد
ولمَّا عرف موقفه دس له السم كما
__________________
دس السم للحسن عليهالسلام.
قال أبو الفرج الاصفهاني (ت ٣٥٦ هـ) : حدثني
أحمد بن عبيد الله قال حدثني عيسى بن مهران قال حدثنا يحيى بن أبي بكر قال حدثنا
شعبة عن أبي بكر بن حفص قال : توفي الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص في أيام بعد ما
مضى من إمارة معاوية عشر سنين.
وقال أبو الفرج : كانوا يرون أنَّه
سقاهما سُمّاً.
__________________
الباب
الثالث / الفص الثاني
انشقاق
العباسيين عن العلويين
العباسيون وأطروحتهم الفكرية والسياسية
العباسيون هم ذرية عبد الله بن العباس
بن عبد المطلب بن هاشم. وعبد الله بن عباس وإخوانه عبيد الله بن العباس وقثم
وغيرهم كانوا منظوين تحت قيادة علي عليهالسلام
وكان جدهم عبد الله بن عباس واخوانه قد رباهم واعتمد عليهم في حكمه حيث ولى عبد
الله البصرة وعبيد الله اليمن وقثم مكة.
وكان عميد اسرة العباس مخلصا لعلي عليهالسلام وقد نهض لنشر العلم
خاصة بعد شهادة الحسين عليهالسلام
ووقف في وجه حركة ابن الزبير التي استهدفت استرجاع المدرسة الفكرية التي اسستها
قريش في حكمها وبخاصة تحريم المتعتين. وكان ابن عباس معظما للحسن والحسين تعظيما
خاصا لما يعرف من فضلهما.
وقد روى ان مدرك بن زياد قال لابن عباس
وقد امسك للحسن والحسين بالركاب وسوى عليهما ثيابهما (انت اسن منهما تمسك لهما
بالركاب؟ فقال يا لكع وما تدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله اوليس مما انعم الله
علي بن ان امسك لهما واسوي عليهما!.
كان وجه وُلد عبد الله بن عباس هو علي
بن عبد الله بن عباس.
ثم وَلَدَ علي بن عبد الله ، محمدا بن
علي بن عبد الله وقد عرف بالعبادة كابيه وجده ، وكان بينه وبين أبيه اربع عشر سنة
واشهر ، فلما شابا خضب علي بالسواد وخضب محمد بن علي بالحنا فلم يكن يفرق بينهما
الا بخضابهما لتشابهما وقرب سن بعضهما من بعض.
وكان علي بن عبد الله اثيرا عند عبد
الملك حتى طلق عبد الملك أم ابيها بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فتزوجها علي
فتغير له وثقل عليه ، فلما ولي ولده الوليد اقصاه وتحبنى عليه حتى ضربه وسيَّره.
توفي سنة ١١٧ هجرية وله ثمان وسبعون أيام هشام بن عبد الملك.
ولد علي بن عبد الله بن عباس
وهم تسعة : محمد بن علي ، وداود بن علي
، وعيسى بن علي ، وسليمان بن علي ، وصالح بن علي ، وإسماعيل بن علي ، وعبد الصمد
بن علي ، ويعقوب بن علي ، وعبد الله بن علي الاصغر.
فاما محمد بن علي
فقد مات سنة ١٢٥ هجرية وكان عمره سبعون سنة. وهو مؤسس الدعوة العباسية ، وقد اختار
مدينة خراسان لتكون مركزا لنشاط دعاته كما سيأتي.
واما داود بن علي : فكان لسِناً خطيبا
ولي مكة والمدينة لابي العباس السفاح وكان المتكلم يوم استخلف ابو العباس.
واما عيسى بن علي
فان أبا العباس ولاه فارس ، ونهر عيسى ينسب إليه.
واما سليمان بن علي
فقد ولي البصرة وكور دجلة والاهواز والبحرين وعمان للمنصور بعد أبي العباس.
واما صالح بن علي
فهو المتوجه إلى مصر لملاحقة مروان بن محمد فقتل مروان وفتح مصر.
واما عبد الله بن علي الاصغر
فقد ولاه ابو العباس محاربة مروان وضم إليه وجوه قواد خراسان فلقي مروان بالزاب
نحو الموصل ومروان في مائة ألف فقاتله وهزمه.
واما عبد الصمد بن علي
فكان مع عبد الله بن علي بالشام. وولي للمنصور وغيره وتوفي ببغداد سنة ١٨٥ هجرية.
ولد محمد بن علي بن عبد الله بن عباس
وهم : إبراهيم الامام وامه جان أم ولد ،
وعبد الله أبو العباس السفاح وامه ريطة الحارثية ، وعبد الله أبا جعفر المنصور
وامه سلامة البربرية ، وهؤلاء الثلاثة هم الذين اعتمدهم ابوهم فامسكوا بقيادة
الدعوة والدولة العباسية ، وموسى لام ولد ، ويحيى امه أم الحكم بنت عبد الله بن
الحارث من ولد نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وهوبيَّة ، والعباس لام ولد.
اما إبراهيم الامام
فقد سجنه مروان لما وصلته معلومات عن نشاطه ثم مات في السجن بعد ان وضع راسه في
جراب نورة. وكان قد أوصي إلى اخيه ابي العباس السفاح.
اما ابو العباس السفاح
فقد بويع في الكوفة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر سنة ١٣٢ هجرية.
واما أبو جعفر المنصور
فقد وجهه أبوه إلى البصرة ليزورها ويدعو الى (الرضا من آل محمد) وقد تولى الخلافة
بعد اخيه سنة ١٣٦ هجرية.
تغير ولاء العباسيين وتبدل أطروحتهم
الفكرية
تغير موقف العباسيين بشكل واضح منذ ان
أوصي ابو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ت سنة ٩٨ هجرية بقيادة التنظيم إلى
محمد بن علي بن عبد الله بن عباس.
__________________
وفي مرحلة لاحقة
بدلوا الأطروحة الفكرية التي شيد عليها ابو هاشم تنظيمه السياسي من تبني إمامة علي
ووراثته للنبي إلى أطروحة أخرى مفادها ان الاحق بالإمامة بعد النبي صلىاللهعليهوآله هو العباس وليس عليا
عليهالسلام.
وقد أشار محمد بن عبد الله بن الحسن في
رسالته إلى أبي جعفر المنصور إلى هذه الحقيقة قائلا : (فان الحق حقنا وإنما ادعيتم
هذا الأمر بنا وخرجتم له بشيعتنا وحظيتم بفضلنا وان ابانا عليا كان الوصي وكان
الامام فكيف ورثتم ولايته وولده إحياء؟ ،
وكتب المنصور يفنِّد هذه الدعوى قائلا :
واما قولك انكم بنو رسول الله فان الله تعالى يقولفي كتابه (ما
كان محمّد أبا أحد من رجالكم)
الأحزاب / ٤٠ ولكنكم بنو ابنته وانها لقرابة قريبة ولكنها لا تحوز الميراث ولا ترث
الولاية ولا تجوز لها الإمامة فكيف تورث بها ...
جدَّ محمد بن علي في أمره وأعاد بناء
التنظيم وشهدت بداية القرن الثاني الهجري وبخاصة أيام الخليفة عمر بن عبد العزيز /
حيث غَّرَ سياسة الحكم الاعلامية فيما يخص لعن علي عليهالسلام
/ نشاطا ملحوظا ، وكرَّس جهده على منطقة خراسان بوصفها منطقة يحن أهلها إلى بلد
ابائهم / الكوفة / منذ ان سيَّرهم زياد ، وأَمر الدعاة ان يحافظوا على الشعار
العام الدعوة إلى الرضا من آل محمد دون ان يسموا أحدا.
روى المدائني ان محمد بن علي بعث رجلا
إلى خراسان فامره ان يدعو الى (الرضا من آل محمد) ولا يسمي أحدا ، ومثَّل له مثالا
يعمل به ، فأجابه ناس فلما صاروا سبعين جعل منهم اثني عشر نقيبا.
قال محمد بن علي يوصي دعاته :
لا أرى بلدا الا واهله يميلون عنا إلى
غيرنا.
اما أهل الكوفة فميلهم إلى ولد علي بن
أبي طالب ،
واما أهل البصرة فعثمانية.
واما أهل الشام فسفيانية مروانية.
__________________
واما أهل الجزيرة فخوارج.
واما أهل المدينة فقد غلب عليهم حب أبي
بكر وعمر ومنهم من يميل إلى الطالبيين ، ولكن أهل خراسان قوم فيهم الكثرة والقوة
والجلَد وفراغ القلوب من الاهواء فبعث إلى خراسان.
وفي كلام له أيضا في حضور الدعاة
لحلنزاع بينهم قال :
ان أهل الشام أعوان الظالمين ، وآفة هذا
الدين ، وقد ابتعثوا بنصرة بني أمية ، وأغري أكثر أهل العراق بمشايعة بني أبي طالب
،
وقد خصنا الله بأهل خراسان ، فهم
أنصارنا وأعواننا وذخائرنا ، وقد حلت عليهم من الله رحمة قد غشيتهم ، ويوشك أن
تتبعهم ريح الحياة فتعز ذليلهم ، وتقوي ضعيفهم ، وتقتل من قاتلهم حتى يعز دين الله
ويظهر الحق وأهله ، يقول الله عز وجل : (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) فكأنكم
بالاودية قد سالت برجل خراسان أشد في طاعتنا من زبر الحديد ، أسماؤهم الكنى ، وأنسابهم
القرى ، يقدمهم النصر ، ويحوطهم العز ، فاله عن غير أهل خراسان ، فإنه ليس لكم
بغيرها دعوة ولا من غير أهلها مجيب ...
وكشفت كلمات السفاح والمنصور والخلفاء
من ذريته انهم كانوا يعتقدون ان المراد ب (آل محمد) هم ذرية العباس عم النبي صلىاللهعليهوآله.
روى الطبري عن علي بن محمد أن جبلة بن
فروخ وأبا السري وغيرهما قالا أن أبا العباس لما صعد المنبر حين بويع له بالخلافة
قام في أعلاه وصعد داود بن علي فقام دونه فتكلم أبو العباس فقال :
(الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه
تكرمة وشرفه وعظمه واختاره لنا وأيده بنا وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوام به
والذابين عنه والناصرين له وألزمنا كلمة التقوى وجعلنا أحق بها وأهلها وخصنا برحم
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
وقرابته وأنشأنا من آبائه وأنبتنا من شجرته واشتقنا من نبعته.
__________________
جعله من أنفسنا عزيزا عليه ما عنتنا
حريصا علينا بالمؤمنين رؤفا رحيما ووضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع وأنزل
بذلك على أهل الإسلام كتابا يتلى عليهم فقال عز من قائل فيما أنزل من محكم القرآن
(إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيراً)
وقال
: (قل لا أسألكم عليه
أجراً إلّا المودة في القربى)
وقال
: (وأنذر عشيرتك
الاقربين)
وقال
: (ما أفاء الله على
رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى) وقال : فأعلمهم جل ثناؤه فضلنا وأوجب عليهم
حقنا ومودتنا وأجزل من الفيء والغنيمةنصيبا تكرمة لنا وفضلا علينا والله ذو الفضل
العظيم.
وزعمت
السبائية
الضُّلّال
أن غيرنا أحق بالرئاسة والسياسة والخلافة منا فشاهت وجوههم ، بمَ ولمَ أيها الناس
وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم؟
وبصرهم بعد جهالتهم وأنقذهم بعد هلكتهم وأظهر بنا الحق وأدحض بنا الباطل وأصلح بنا
منهم ما كان فاسدا ورفع بنا الخسيسة وتم بنا النقيصة وجمع الفرقة حتى عاد الناس
بعد العداوة أهل تعاطف وبر ومواساة في دينهم ودنياهم وإخوانا على سرر متقابلين في
آخرتهم فتح الله ذلك منة ومنحة لمحمد صلىاللهعليهوسلم.
فلما
قبضه الله إليه قام بذلك الأمر من بعده أصحابه وأمرهم شورى بينهم فحووا مواريث
الامم فعدلوا فيها ووضعوها مواضعها وأعطوها أهلها وخرجوا خماصا منها.
ثم
وثب بنو حرب ومروان فابتزوها وتداولوها بينهم فجاروا فيها واستأثروا بها وظلموا
أهلها فأملى الله لهم حينا حتى آسفوه فلما
آسفوه انتقم منهم بأيدينا ورد علينا حقنا وتدارك بنا أمتنا وولى نصرنا والقيام
بأمرنا ليمنَّ بنا على الذين استضعفوا في الأرض وختم بنا كما افتتح بنا.
وإني لأرجو ان لا يأتيكم الجور من حيث
أتاكم الخير ولا الفساد من حيث
__________________
جاءكم الصلاح وما
توفيقنا أهل البيت إلا بالله.
يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا ومنزل
مودتنا أنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك ولم يثنكم عن ذلك تحامل أهل الجور عليكم حتى
أدركتم زماننا وأتاكم الله بدولتنا فأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا وقد زدتكم
في أعطياتكم مائة درهم فاستعدوا.
فأنا السفاح المبيح والثائر المبير.
وكان موعوكا فاشتد به الوعك فجلس على
المنبر.
وصعد داود بن علي فقام دونه على مراقي
المنبر فقال :
الحمد لله شكرا شكرا شكرا الذي أهلك
عدونا وأصار إلينا ميراثنا من نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم.
أيها الناس الآن أقشعت حنادس الدنيا
وانكشف غطاؤها وأشرقت أرضها وسماؤها وطلعت الشمس من مطلعها وبزغ القمر من مبزغه
وأخذ القوس باريها وعاد السهم إلى منزعه ورجع الحق ونصابه في أهل بيت نبيكم أهل
الرأفة والرحمة بكم والعطف عليكم.
أيها الناس إنا والله ما خرجنا في طلب
هذا الأمر لنكثرلجيناً ولا عقياناً ولا نحفر نهراً ولا نبني قصراً وإنما أخرجنا
الآنفة من ابتزازهم حقنا والغضب لبني عمنا وما كَرَثَنا من أموركم وبهظنا من
شؤونكم ، ولقد كانت أموركم ترمضنا ونحن على فرشنا ويشتد علينا سوء سيرة بني أمية
فيكم وخرقهم بكم واستذلالهم لكم واستئثارهم وبفيئكم وصدقاتكم ومغانمكم عليكم.
لكم
ذمة الله تبارك وتعالى وذمة رسوله صلىاللهعليهوآله وذمة العباس رحمهالله
أن نحكم فيكم بما أنزل الله ونعمل فيكم بكتاب الله ونسير في العامة منكم والخاصة
بسيرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
تباً تباً لبني حرب بن أمية وبني مروان
آثروا في مدتهم وعصرهم العاجلة على الآجلة والدار الفانية على الدار الباقية
فركبوا الآثام وظلموا الانام وانتهكوا المحارم وغشوا الجرائم وجاروا في سيرتهم في
العباد وسنتهم في البلاد التي بها استلذوا تسربل الاوزار وتجلبب الآصار ومرحوا في
أعنة المعاصي وركضوا في ميادين الغي جهلا
باستدراج الله وأمناً
لمكر الله فأتاهم الله بياتا وهم نائمون فأصبحوا أحاديث ، ومزقوا كل ممزق فبعدا
للقوم الظالمين ، وأدالنا الله من مروان وقد غرَّه بالله الغرور ، ومحق ضلاله وجعل
دائرة السوء به وأحيا وشرفنا وعزنا ورد إلينا حقنا وإرثنا.
ثم قال : يا أهل الكوفة إنا والله ما
زلنا مظلومين مقهورين على حقنا ، حتى أتاح الله لنا شيعتنا أهل خراسان فأحيا بهم
حقنا ، وأفلج بهم حجتنا ، وأظهر بهم دولتنا ، وأراكم الله ما كنت به تنتظرون وإليه
تشوفون ، فأظهر فيكم الخليفة من هاشم ، وبيض به وجوهكم ، وأدالكم على أهل الشام ، ونقل
إليكم السلطان وعز الإسلام ومن عليكم بإمام منحه العدالة وأعطاه حسن الايالة فخذوا
ما آتاكم الله بشكر والزموا طاعتنا ولا تخدعوا عن أنفسكم فان الأمر أمركم فان لكل
أهل بيت مصرا وإنكم مصرنا.
ألا وإنه ما صعد منبركم هذا خليفة بعد
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
الا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأمير المؤمنين عبد الله بن محمد وأشار بيده
إلى أبي العباس فاعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منا حق نسلمه إلى عيسى ابن
مريم صلىاللهعليهوسلم
والحمد لله رب العالمين على ما أبلانا وأولانا.
محمد بن عبد الله بن
الحسن رحمهالله :
لم تكن الساحة خالية لمحمد بن علي
وإخوته وولده وابناء عمومته إذ كان أمامهم بيت عبد الله بن الحسن وولداه محمد
وإبراهيم وإخوته. وبيت الامام الصادق عليهالسلام.
ولكل شيعته وانصاره.
فمحمد بن عبد الله بن الحسن صاحب حركة
سياسية واسعة النطاق هي امتداد لحركة زيد بن علي الذي استشهد في صفر سنة ١٢٢ هجرية
وحركة ولده يحيى واستشهاده سنة ١٢٥ هجرية كما يفهم ذلك من توريثهما نسخة الصحيفة
السجادية .
__________________
وكانت القيادة السياسية البارزة
للهاشميين في المجتمع بيد الحسنيين ، روى أبو الفرج الاصفهاني ان اجتماع بني هاشم
في الابواء
انتهى ببيعة من حضر لمحمد بن عبد الله بن الحسن وكان ممن بايع آنذاك ابو العباس
وابو جعفر المنصور وصالح بن علي عمهم .
ولم يسلم بنو العباس بعد اسقاطهم بني
أمية الحكم إلى الحسنيين وفاء ببيعتهم لهم بل احتكروا الأمر لانفسهم واختفى محمد بن
عبد الله بن الحسن حين بويع لابي العباس السفاح واستمر على خفائه حى اعلن عن نفسه
سنة ١٤٤ في عهد المنصور ، بقي يتحرك سرا ويعد العدة للثورة على العباسيين حيث يرى
انهم خانوه وغدروا به.
وفشلت حركة الحسنيين حين قتل محمد في
المدينة من قبل قائد الجيش العباسي وحين قتل إبراهيم القادم من البصرة مع جيشه في
سهم طائش وانتهت اكبر عقبة كؤود وخصم يتمتع بشرعية اكبر.
__________________
الباب
الثالث / الفصل الثالث
سياسة
الاعلام العباسي
يمكننا ان نتعرف على بنود السياسة
الاعلامية لبني العباس من بعد فشل ثورة الحنسين من خلال عدة وثائق ونصوص شعرية او
محاورات وهي كما يلي :
اولا رسالة المنصور الجوابية إلى محمد
ذي النفس الزكية قتل سنة ١٤٤ :
ثانيا : خطبة المنصور في الكوفة سنة ١٤٤
هجرية
ثالثا : حوار المنصور مع مالك بن انس :
رابعا : شعر مروان بن أبي حفصة
خامسا : منصور النمري :
سادسا : أبان بن عبد الحميد اللاحقي.
سابعا : شعر ابن المعتز ٢٤٧ ـ ٢٩٦ هجرية
:
اولا : رسالة المنصور الجوابية إلى محمد
ذي النفس الزكية قتل سنة ١٤٤
جاء فيها :
١. اما بعد ، فقد بلغني كلامك ، وقرأت
كتابك ، فإذا جلُّ فخرك بقرابة النساء ، لتضل به الجفاة والغوغاء ، ولم يجعل الله
النساء كالعمومة والآباء ، ولا كالعصبة
والأولياء ، لان الله
جعل العم أبا ، ... واما قولك : انكم بنو رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فإن الله تعالى يقول في كتابه : (ما كان محمد أبا احد من رجالكم) سورة الاحزاب /
٤٠ ، ولكنكم بنو ابنته ، وانها لقرابة قريبة ، ولكنها لا تحوز الميراث ، ولا ترث
الولاية ، ولا تجوز لها الإمامة ، فكيف تورث بها!.
٢. ولقد طلبها ابوك بكل وجه فأخرجها
نهاراً ، ومرَّضها سرّاً ، ودفنها ليلا ، فأبى الناس إلَّا الشيخين وتفضيلهما ، ولقد
جاءت السنة التي لا اختلاف فيها بين المسلمين ان الجد أبا الام والخال والخالة لا
يرثون.
واما ما فخرت به من علي وسابقته ،
فقد حضرت رسول الله صلىاللهعليهوآله الوفاة فأمر غيره
بالصلاة ،
ثمَّ أخذ الناس رجلا بعد رجل فلم يأخذوه
،
وكان في الستة فتركوه كلهم دفعاً له
عنها ، ولم يروا له حقا فيها ، اما عبد الرحمن فقدم عليه عثمان ، وقتل عثمان وهوله
متهم ، وقاتله طلحة والزبير ، وأبى سعد بيعته واغلق دونه بابه ، ثمَّ بايع معاوية
بعده.
ثمَّ طلبها بكل وجه وقاتل عليها ، وتفرق
عنه أصحابه ، وشك فيه شيعته قبل الحكومة ، ثمَّ حكم حكمين رضي بهما ، واعطاهما
عهده وميثاقه ، فاجتمعا على خلعه.
٣. ثمَّ كان حسن فباعها من معاوية
بِخِرَق ودراهم ولحق بالحجاز ، واسلم شيعته بيد معاوية ودفع الأمر إلى غيره أهله ،
وأخذ مالاً من غير ولائه ولا حله ، فإن كان لكم فيها شيء فقد بعتموه واخذتم ثمنه.
٤. ثمَّ خرج عمك حسين بن علي على ابن
مرجانة ، فكان الناس معه عليه حتّى قتلوه ، واتوا برأسه إليه. ثمَّ خرجتم على بني
أمية ، فقتلوكم وصلَّبوكم على جذوع النخل ، واحرقوكم بالنيران ، ونفولكم من
البلدان ، حتّى قتل يحيى بن زيد بخراسان ، وقتلوا رجالكم واسروا الصّبية والنساء ،
وحملوهم بلا وطاء في المحافل كالسبي المجلوب إلى الشام ، حتّى خرجنا عليهم فطلبنا
بثأركم ، وادركنا بدمائكم واورثناكم ارضهم وديارهم ، وسنَّينا سلفكم وفضَّلناه ، فاتخذتّ
ذلك علينا حجة. وظننتَ أنا انما ذكرنا اباك وفضلناه للتقدمة منَّا له على حمزة
والعباس وجعفر ، وليس ذلك كما ظننت.
٥. ولقد علمتَ ان مكرمتنا في الجاهلية
سقاية الحجيج الأعظم ، وولاية زمزم ، فصارت للعباس من بين اخوته ، فنازعنا فيها
ابوك ، فقضى لنا عليه عمر ، فلم نزل نليها في الجاهلية والإسلام ، ولقد قحط أهل
المدينة فلم يتوسل عمر إلى ربه ولم يتقرب إليه إلَّا بأبينا ، حتّى نَعَشَهم الله
وسقاهم الغيث ، وابوك حاضر لم يتوسل به ، ولقد علمتَ انه لم يبق احد من بني عبد
المطلب بعد النبي صلىاللهعليهوآله
غيره ، فكان وارثه من عمومته ، ثمَّ طلب هذا الأمر غير واحد من بني هاشم فلم ينله
إلَّا وِلدُه ، فالسقاية سقايته وميراث النبي له ، والخلافة في ولده ، فلم يبق شرف
ولا فضل في جاهلية ولا اسلام في دنيا ولا آخرة إلَّا والعباس وارثه ومورثه.
واما ما ذكرت من بدر ، فإن الإسلام جاء
والعباس يموت أبا طالب وعياله ، وينفق عليهم للأزمة التي اصابته ، ولولا ان العباس
أُخرج إلى بدر كارهاً لمات طالب وعقيل جوعاً ، ولَلَحَسا جِفان عُتبة وشيبة ، ولكنه
كان من المطعِمين ، فأذهبَ عنك العار والسُّبَّة ، وكفاكم النفقة والمؤونة ، ثمَّ
فدى عقيلا يوم بدر ،
فكيف تفخر علينا وقد عُلْناكم في الكفر
، وفديناكم من الاسر ، وحُزْنا عليكم مكارم الآباء ، وورثنا دونك خاتم الأنبياء ، وطلبنا
بثأركم فأدركنا منه ما عجزتم عنه ، ولم تدركوا لأنفسكم! والسلام عليك كورحمة الله.).
ثانيا : خطبة المنصور في الكوفة
سنة ١٤٤ هجرية
قال المسعودي : ولمّا أخذ المنصور عبد
الله بن الحسن وإخوته والنفر الذين كانوا معه من أهل بيته صعد المنبر بالهاشمية ، فحمد
الله وأثنى عليه ، وصلى على محمد صلىاللهعليهوآله
، ثمَّ قال :
١. (يا أهل خراسان ، أنتم شيعتنا
وأنصارنا ، وأهل دعوتنا ، ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا خيراً منّا. إنَّ ولد أبي
طالب تركناهم والذي لا إله إلَّا هو والخلافة فلم نعرض لهم لا بقليل ولا بكثير.
__________________
٢. فقام فيها علي بن أبي طالب عليهالسلام فما أفلح ، وحكَّم
الحكمين ، فاختلفت عليه الأمّة وافترقت الكلمة ، ثمَّ وثب عليه شيعته وأنصاره
وثقاته فقتلوه.
٣. ثمَّ قام بعدَهُ الحسن بن علي عليهالسلام ، فوالله ما كان
برجل ، عرضت عليه الأموال فقبلها ، ودسَّ إليه معاوية إنِّي أجعلك ولي عهدي ، فخلع
نفسه وانسلخ له ممَّا كان فيه ، وسلَّمه إليه وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة
ويطلق غداً أخرى ، فلم يزل كذلك حتّى مات على فراشه.
٣. ثمَّ قام من بعده الحسين بن علي عليهالسلام ، فخدعه أهل العراق
وأهل الكوفة أهل الشقاق والنِّفاق والإغراق في الفتن ، أهل هذه المِدرة السوء ، / وأشار
إلى الكوفة / فوالله ما هي لي بحرب فأُحاربها ، ولا هي لي بسلم فأُسالمها ، فرَّق
الله بيني وبينها / فخذلوه وأبرؤوا أنفسهم منه ، فأسلموه حتّى قتل.
٤. ثمَّ قام من بعده زيد بن علي ، فخدعه
أهل الكوفة وغرّوه ، فلمَّا أظهروه وأخرجوه أسلموه ، وقد كان أبي محمد بن علي
ناشده الله في الخروج وقال له : لا تقبل أقاويل أهل الكوفة فإنّا نجد في علمنا
أنَّ بعض أهل بيتنا يصلب بالكناسة ، وأخشى أن تكون ذلك المصلوب ، وناشده الله بذلك
عمّ داود وحذَّره رحمهالله
غدر أهل الكوفة ، فلم يقبل ، وتمَّ على خروجه ، فقتل وصلب بالكناسة).
ولما قتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن
أمر المنصور ان يطاف برأسه بالكوفة سنة ١٤٥ هجرية وخطب قائلا :
(يا أهل الكوفة عليكم لعنة الله وعلى
بلد انتم فيه ... سبئية
،
__________________
خشبية
، قائل يقول : جاءت الملائكة وقائل يقول جاء جبريل ...
لَلَعَجَب لبني أمية وصبرهم عليكم ، كيف
لم يقتُلوا مقاتلتَكم ويسبوا ذراريكم ، ويخرجوا منازلكم.
أما والله يا اهلَ المَدَرَة الخبيثة
لئن بقيت لكم لأذلنكم.).
ان القارئ اللبيب لهذه الكلمات لا يفوته
غرضها ولا دورها في توجيه الاعلام ووضع الحديث حين تصدر من رئيس الدولة نفسه وحين
تكون مناسبة صدورها فشل حركة تمرد عليه.
ثالثا : حوار الخليفة المنصور مع مالك
بن انس
قال القاضي عياض : روى أبو مصعب ان أبا
جعفر قال لمالك ضع للناس كتاباً احملهم عليه ...
قال مالك يا أمير المؤمنين : ... ان
لأهل هذه البلاد قولاً ولأهل المدينة قولا ولأهل العراق قولاً تعدوا فيه طورهم.
فقال : اما أهل العراق فلست اقبل منهم
صرفاً ولا عدا ، وإنما العلم علم أهل المدينة فضع للناس العلم ،
وفي رواية أخرى قال مالك فقلت له ان أهل
العراق لا يرضون علمنا.
فقال أبو جعفر يضرب عليه عامتهم بالسيف
وتقطع عليه ظهورهم بالسياط.
وفي كتاب الإمامة والسياسة : ان أبا
جعفر أمير المؤمنين لما استقامت له الأمور ، واستولى على السلطان خرج حاجاً إلى
مكة ، وذلك في سنة ثمان وأربعين ومئة. فلما كان بمنى ، اتاه الناس يسلمون عليه ، ويهيئونه
بما اتم الله عليهم ، وجاءه رجال الحجاز من قريش وغيرهم ، وفقهائهم وعلمائهم ، ممن
صاحبه وجامعه على طلب
__________________
العلم ومذاكرة الفقه
ورواية الحديث. فكان فيمن دخل عليه منهم : مالك بن انس فقال له أبو جعفر : رأيت
اني اجلسك في هذا البيت ، فتكون من عمّار بيت الله الحرام ، واحمل الناس على علمك
، واعهد إلى أهل الأمصار يوفدون إليه وفدهم ويرسلون إليك رسلهم في أيّام حجهم ، لتحملهم
من أمر دينهم على الصواب والحق ان شاء الله ، وإنما العلم علم أهل المدينة وانت
اعلمهم.
فقال مالك : يا أمير المؤمنين ان أهل
العراق قد قالوا قولا تعدوا فيه طورهم ، ورأيت اني خاطرت بقولي لأنهم أهل ناحية ، واما
أهل مكة فليس بها أحد ، وإنما العلم علم أهل المدينة ، كما قال الأمير ، وان لكل
قوم سلفاً وائمة. فإن رأى أمير المؤمنين اعز الله نصره إقرارهم على حالهم فليفعل.
فقال أبو جعفر : اما أهل العراق فلا
يقبل أمير المؤمنين منهم صرفاً ولا عدلا ، وإنما العلم علم أهل المدينة.
وفيه أيضاً : قال أبو جعفر : يا أبا عبد
الله ضع هذا العلم ودونه ودون منه كتباً ، وتجنب شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد
الله بن عباس ، وشواذ ابن مسعود ، واقصد إلى اواسط الأمور ، وما اجتمع عليه الأئمة
والصحابة رضياللهعنهم
، لنحمل الناس ان شاء الله على عملك وكتبك ، ونبثها في الأمصار ، ونعهد اليهم ان
لا يخالفوها ، ولا يقضوا بسواها.
فقلت له : اصلح الله الأمير ، ان أهل
العراق لا يرضون علمنا ، ولا يرون في عملهم رأينا. فقال أبو جعفر : يُحمَلون عليه
، ونضرب عليهه هاماتهم بالسيف ، ونقطع طيَّ ظهورهم بالسِّياط ، فتعجل بذلك وضعها.
مالك ينهى عن الأخذ
عن أهل العراق :
روى الفخر الرازي عن محمد بن إسحاق
المسيبي (ت ٢٣٦ هـ) قال حدثني أبي انه لما صلى بالناس بالمدينة جهر ببسم الله
الرحمن الرحيم. قال فأتاني الأعشى أبو بكر
بن
__________________
أخت مالك ان أبا عبد
الله يعني مالك بن انس يقرأ عليك السلام ويقول لك من خفته على خلاف أهل المدينة
فانك ممن لم اخف ، وقد كان منك شيء ،
فقلت ما هو؟ قال الجهر ببسم الله الرحمن
الرحيم.
قلت فأبلغه عني السلام كما أبلغتني وقل
له ان كثيرا ما سمعتك تقول لا تأخذوا عن أهل العراق فاني لم أدرك أحدا من اصحابنا
يأخذ عنهم ، وإنما جئت في تركها عن حميد الطويل فإن احببت أخذنا عن أهل العراق
أخذا وغيرهم من قولهم والا تركنا حميدا مع غيره فلم يكن له علي بن حجة.
وقد سمعتك كثيرا ما تقول خذوا كل علم عن
أهله وعلم القرآن بالمدينة عن ابن نعيم فسألته عن قراءة بسم الله الرحمن الرحيم
فأمرني بها وقال اشهد انها من السبع المثاني وان الله انزلها وحدثني نافع مولى ابن
عمر ابن عمر أنه كان يبتدئ بها ويفتتح بها كل سورة.
أقول :
عاش شيعة الإمام الصادق بعد وفاته سنة
١٤٨ أيّام المنصور وذريته الخلفاء وبخاصة أيّام الرشيد (ت ١٩٣) محنة شديدة فكانوا
بين سجين كمحمد بن أبي عمير
(ت ٢١٧) (وقد دفنت أخته كتبه فتلفت وكان قد صنف أربعة وتسعين كتابا منها المغازي
فلما افرج عنه كان يحدِّث من حفظه) أو مطارد كهشام حيث مات وهو مختف عن انظار
__________________
السلطة. اما الإمام
الكاظم عليهالسلام
بن الإمام الصادق عليهالسلام
، فقد قضى سنوات طويلة في سجن الرشيد ثمَّ دس له السم سنة ١٨٣ هجـ. وقد رافقت حملة
الاضطهاد هذه محاولة رفع وثاقة شيعة الإمام الصادق وأولاده كالإمام موسى بن جعفر
بل شملت المحاولة الإمام الصادق عليهالسلام
نفسه كما نجد ذلك واضحاً في ترجمته عند ابن حبان (ت ٣٥٤) قال : جعفر بن محمد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم ، كنيته أبو عبد الله ، يروي
عن أبيه ، وكان من سادات أهل البيت فقها وعلما وفضلا روى عنه الثوري ومالك وشعبة
والناس ، يحتج بروايته ما كان من غير رواية اولاده عنه لأن في حديث ولده عنه
مناكير كثيرة ، وإنما مرَّض القول فيه (أي في الإمام الصادق) من مرض من ائمتنا لما
رأوا في حديثه من رواية اولاده ، وقد اعتبرتُ حديثه من الثقات عنه مثل ابن جريج
والثوري ومالك وشعبة وابن عيينة ووهب بن خالد ودونهم ، فرأيت احاديثه مستقيمة ليس
فيها شيء يخالف حديث الأثبات ، ورأيت في رواية ولده عنه اشياء ليس من حديثه ولا من
حديث أبيه ولا من حديث جده ، ومن المحال ان يلزق به ما جنت يدا غيره.
أقول :
وقوله (انما مرض القول فيه من مرض من
ائمتنا ...) يريد بأئمته نظراء البخاري ويحيى بن سعيد القطان ومالك بن انس وأبي
بكر بن عياش وعبد الرحمن بن مهدي.
قال الذهبي في ترجمة جعفر عليهالسلام : أحد الأئمة
الاعلام برٌّ صادق كبير الشأن ، لم يحتج به البخاري. وقال يحيى بن سعيد (أي القطان
ت ١٩٨) : مجالد احب إلي منه (أي من الامام الصادق) ، في نفسي منه شيء .
وعن الدراوردي قال : لم يرو مالك عن
جعفر حتّى ظهر أمر بن العباس.
وقال مصعب بن عبد الله : كان مالك لا
يروي عن جعفر حتّى يضمه إلى أحد.
__________________
وقال سعيد بن أبي مريم قيل لابي بكر بن
عياش (ت ١٩٢) مالك لم تسمع من جعفر وقد ادركته؟ قال سألنا عما يحدث به من الأحاديث
شيء سمعته قال لا ولكن رواية رويناها عن آبائنا.
وقال أبو موسى كان عبد الرحمن بن مهدي (ت
١٩٨) لا يحدث عن سفيان عنه (أي عن الامام الصادق عليهالسلام.
وقال ابن حجر : قال ابن سعد (٢٣٠) كان (جعفر)
كثير الحديث ولا يحتج به ويستضعف ، سئل مرة سمعت هذه الأحاديث من أبيك فقال نعم ، وسئل
مرة فقال انما وجدتها في كتبه).
رابعا : شعر مروان ابن أبي حفصة
ولد مروان سنة ١٠٥ هجرية شاعر وكان جده
ابو حفصة مولى لمروان بن الحكم اعتقه يوم الدار ، أدرك زمناً من العهد العباسي
فقدم بغداد ومدح المهدي والرشيد توفي ببغداد سنة ١٨١ وقيل سنة ١٨٢ هجرية. كان
يتقرب إلى الرشيد بهجاء العلويين .
انشد قصيدة يمدح بها الرشيد ويذكر فيها
ولد فاطمة عليهاالسلام
وينحى عليهم ويذمهم وقد بالغ حين ذم علياً عليهالسلام
ونال منه وأولها :
سلام على جَمَل وهيهات من جملِ
|
|
ويا حبذا جملٌ وإنْ صُرمِتْ حبلي
|
ويقول فيها :
عليٌّ أبوكم كان أفضلَ منكم أباه
|
|
ذوو الشورى وكانوا ذوي الفضل
|
ساء رسولَ الله إذْ ساء بنتَه
|
|
بخطبته بنتَ اللعين أبي جهل
|
فذمَّ رسول الله صهرَ أبيكمُ
|
|
على منبر بالمنطق الصادع الفضل
|
وحكَّمَ فيها حاكمين أبوكمُ
|
|
هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل
|
وخلَّيتموها وهي في غير أهلها
|
|
فقد أُبطلت دعواكمُ الرثة الحبلِ
|
__________________
وقد باعها من بعده الحسن ابنه
|
|
وطالبتموه حين صارت إلى أهل
|
ومن شعره أيضا :
خلوا الطريق لمعشر عاداتهم
|
|
حطم المناكب كل يوم زحام
|
ارضوا بما قسم الاله لكم به
|
|
ودعوا وراثة كل اصيد حام
|
اني يكون وليس ذاك بكائن
|
|
لبني البنات وراثة الاعمام
|
__________________
خامسا : شعر منصور النَّمِري
منصور بن الزبرقان بن سلمة النَّمِري : قال
الخطيب البغدادي من أهل الجزيرة قدم بغداد ومدح بها هارون الرشيد
، : وعرف مذهب الرشيد في الشعر وارادته ان يصل مدحه اياه بنفي الإمامة عن ولد علي
بن أبي طالب والطعن عليهم وعلم مغزاه في ذلك مما كان يبلغه من تقديم مروان بن أبي
حفصة وتفضيله اياه على الشعراء في الجوائز فسلك مذهب مروان في ذلك ونحا نحوه ولم
يصرح بالهجاء والسب ، كما كان يفعل مروان ولكنه حام ولم يقع واومأ ولم يحقق لأنه
كان يتشيع ، وكان مروان شديد العداوة لال أبي طالب وكان ينطق عن نية قوية يقصد بها
طلب الدنيا فلا يبقي ولا يذر.
ومن شعره :
بني حسن ورهط بني حسين
|
|
عليكم بالسداد من الأمور
|
فقد ذقتم قراع بني ابيكم
|
|
غداة الروع بالبيض الذكور
|
احين شفوكمُ من كل وِتر
|
|
وضموكمُ إلى كنف وثير
|
وجادوكم على ضمإ شديد
|
|
سقيتم من نوالهمُ الغزير
|
فما كان العقوق لهم جزاءً
|
|
بفعلهمُ وأذى الثؤور
|
وانك حين تُبلِغهم اذاةً
|
|
وإن ظلموا لمحزون الضمير
|
سادسا : شعر أبان بن عبد الحميد اللاحقي
هو أبان بن عبد الحميد بن لاحق بن عفير
مولى بني رقاش ، قال أبو عبيدة : بنو رقاش ثلاثة نفر ينسبون إلى أمهم ، واسمها
رقاش ، وهم : مالك ، وزيد مناة ، وعامر ، بنو شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن
صعب بن علي بن بكر بن وائل.
صنيعة البرامكة : أخبرني عمي : قال : حدّثنا
الحسين بن عليل العنزي ؛ قال : حدّثني أحمد بن مهران مولى البرامكة : قال : شكا
مروان بن أبي حفصة إلى بعض إخوانه تغيّر الرشيد عليه وإمساك يده عنه ، فقال له : ويحك!
أتشكو الرشيد بعد ما
__________________
أعطاك؟ قال : أو تعجب
من ذلك؟ هذا أبان اللا حقيّ ، قد أخذ من البرامكة بقصيدة قالها واحدة مثل ما أخذته
من الرشيد في دهري كله ، سوى ما أخذه منهم ومن أشباههم بعدها
،
أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبي : قال : حدّثني
عليّ بن محمد النوفليّ :
أنّ أبان بن عبد الحميد عاتب البرامكة
على تركهم إيصاله إلى الرشيد وإيصال مديحه إليه ، فقالوا له : وما تريد من ذلك؟
فقال : أريد أن أحظى منه بمثل ما يحظى به مروان بن أبي حفصة ، فقالوا له : إن
لمروان مذهبا في هجاء آل أبي طالب وذمّهم ، به يحظى / وعليه يعطى ، فاسلكه حتى
نفعل ، قال : لا أستحلّ ذلك ، قالوا : فما تصنع؟ لا يجيء طلب الدنيا إلا بما لا
يحلّ ، فقال أبان :
نشدت بحقّ الله من كان مسلما
|
|
أعمّ بما قد قلته العجم والعرب
|
أعمّ رسول الله أقربب زلفة
|
|
لديه أم ابن العمّ في رتبة النسب
|
وأيّهما أولى به وبعهده
|
|
ومن ذا له حقّ التّراث بما وجب!
|
فإن كان عبّاس أحقّ بتلكم
|
|
وكان عليّ بعد ذاك على سبب
|
فأبناء عباس هم يرثونه
|
|
كما العمّ لابن العمّ في الإرث قد حجب
|
وهي طويلة ، قد تركت ذكرها لما فيه ، فقال
له الفضل : ما يرد على أمير المؤمنين اليوم شيء أعجب إليه من أبياتك ، فركب
فأنشدها الرّشيد ، فأمر لأبان بعشرين ألف درهم ، ثم اتصلت بعد ذلك خدمته الرشيد ، وخصّ
به .
ومن أخباره ما ذكره الصولي : قال : حدّثنا
محمد بن زياد : قال : حدّثني أبان بن سعيد الحميدي بن أبان بن عبد الحميد :
قال : اشترى جار لجدّي أبان غلاما
تركيّا بألف دينار ، وكان أبان يهواه ويخفي ذلك عن مولاة ، فقال فيه :
ليتني ـ والجاهل المغرور من غرّ بليت
نلت ممّن لا أسمّي وهو جاري بيت بيت
__________________
قبلة تنعش ميتا إنّني حيّ كميت
نتساقى الريق بعد الشرب من راح كميت
لا أسمّيه ولكن هو في كيت وكيت
وكان اسمه يتك .
أقول
: وهذا سلوك من يقع في بغض أهل البيت عليهمالسلام فهو لا يتورع بعد
ذلك عن ممارسة الحرام أيا كان شكله ، قال ابن الخطيب وكان أبان حسن السريرة ، حافظا
للقرآن عالما بالفقه. وقال عند وفاته : أنا أرجو الله وأسأله رحمته ، ما مضت على
ليلة قط لم أصل فيها تطوعا كثيرا .
سابعا : شعر ابن المعتز ٢٤٧ ـ ٢٩٦ هجرية
أورد الصفدي ترجمة له قال :
الأمير ابن المعتز عبد الله بن محمد بن
المعتز ابن المتوكل ابن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور ، الأديب صاحب
الشعر البديع والنثر الفائق.
أخذ الأدب والعربية عن المبرد وثعلب عن
مؤدبه أحمد بن سعيد الدمشقي مولده في شعبان سنة تسع وأربعين ومائتين قتل سرا في
ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين قامت الدولة ووثبوا على المقتدر وأقاموا ابن
المعتز فقال بشرط أن لا يقتل بسببي مسلم ولقبوه المرتضى بالله وقيل المنصف بالله
وقيل الغالب بالله وقيل الراضي بالله وأقام يوما وليلة ثم إن أصحاب المقتر تحزبوا
واجتمعوا وتحاربوا هم وأعوان ابن المعتز وشتتوهم وأعادوا المقتدر إلى دسته واختفى
ابن المعتز في دار ابن الجصاص الجوهري فأخذه المقتدر وسلمه إلى مؤنس الخادم الخاذن
فقتله وسلمه إلى أهله ملفوفا في كساء ودفن في خرابة إزاء داره وله من التصانيف
كتاب الزهر والرياض وكتاب البديع وكتاب مكاتبات الإخوان بالشعر وكتاب الجوارح
والصيد وكتاب السرقات وكتاب أشعار الملوك وكتاب الآذاب وكتاب حلى الأخبار وكتاب
طبقات الشعراء وكتاب الجامع في
__________________
الغناء. وكان سني
العقيدة منحرفا عن العلوين ولهذا قال في قصيدته البائية التي أولها :
ونحن ورثنا ثياب النبي
|
|
فلِمْ تجذبون بأهدابها
|
لكم رحم يا بني بنته ،
|
|
ولكن بنو العم أولى بها
|
قال الصفدي : أخذ هذا من قول منصور
النمري وقول مروان ابن أبي حفصة وسيأتي ذلك في ترجمة منصور النمري.
فمهلا بني عمنا انها
|
|
عطية رب حبانا بها
|
وأقسم انكم تعلمون
|
|
بأنا لها خير أربابها
|
قال الصفدي : وقد أجابه عن ذلك صفي
الدين الحلي في وزنها ورويها أنشدني ذلك لنفسه إجازة من المتقارب :
ألا قل لشر عبيد الإله
|
|
وطاغي قريش وكذابها
|
وباقي العباد وباغي العناد
|
|
وهاجي الكرام ومغتابها
|
أأنت تفاخر آل النبي
|
|
وتجحدها فضل أحسابها
|
بكم بأهل المصتطفى أم بهم
|
|
فرد العداة بأوصابها
|
أعنكم نفى الرجس أم عنهم
|
|
لطهر النفوس وألبابها
|
أما الرجس والخمر من دأبكم
|
|
وفرط العبادة من دابها
|
وقلت ورثنا ثياب النبي
|
|
فكم تجذبون بأهدابها
|
وعندك لا تورث الأنبياء
|
|
فكيف حظيتم بأثوابها
|
فكذبت نفسك في الحالتين
|
|
ولم تعلم الشهد من صابها
|
وقولك أنتم بنو بنته
|
|
ولكن بنو العم أولى بها
|
بنو البنت أيضا بنو عمه
|
|
وذلك أدنى لأنسابها
|
فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف
|
|
وجاءوا الخلافة من بابها
|
هم الزاهدون هم العابدون
|
|
هم العالمون بآدابها
|
هم الصائمون هم القائمون
|
|
هم الساجدون بمحرابها
|
هم قطب ملة دين الإله
|
|
ودور الرحي بأقطابها
|
عليك بلهوك بالغانيات
|
|
وخل المعالي لأصحابها
|
أقول :
حفل ديوان ابن المعتز بقصائد في عتاب
الطالبيين والطعن فيهم وفي أهل الكوفة وفيما يلي نماذج من شعره فيهم :
بني عمنا الأدنين :
بني عمنا الأدنين من آل طالب ، تعالوا
|
|
إلى الأدنى ، وعودوا إلى الحسنى
|
أليس بنو العباس صنو أبيكم ،
|
|
وموضع نجواه ، وصاحبه الأدنى
|
فمات الرضى ، من بعد ما قد علمتم ،
|
|
لنا حقها لكنه جاد بالدنيا
|
ليعلمكم ان التي قد حرصتم عليها
|
|
وغودرتم على إثرها صرعى
|
يسير عليه فقدها ، غير مكترث ،
|
|
كما ينبغي للصالحين ذوي التقوى
|
وأعطاكم المأمون عهد خلافة ،
|
|
ولاذت بنا من بعده مرة أخرى
|
وعادت إلينا ، مثل ما عاد عاشق
|
|
إلى وطن ، فيه له كل ما يهوى
|
دعونا ودنيانا التي كلفت بنا ،
|
|
كما قد تركناكم ، ودنياكم الأولى
|
نصحت بني رحمي :
نصحت بني رحمي ، لو وعوا
|
|
نصيحة بر بأنسابها
|
وقد ركبوا بغيهم ، وارتقوا
|
|
بزلاء تردي بركابها
|
دعوا الاسد تفرس ، ثم اشبعوا
|
|
وقد نشبت بين انيابها
|
قتلنا أمية في دارها ،
|
|
بما تدع الاسد في غابها
|
وكم عصبة قد سقت منكم الـ
|
|
نحن أحق بأسلابها
|
إذا ما دنوتم تلقتكم
|
|
خلافة صابا بأكوابها
|
ورموا فرائس أسد الشرى ،
|
|
زبونا ، وقرت بحَلّا بها
|
__________________
وما رد حُجّابها وافدا
|
|
لنا ، إذ وقفنا بأبوابها
|
كقطب الرَّحى وافقت اختها
|
|
دعونا بها ، وغلبنا بها
|
ونحن ورثنا ثياب النبي
|
|
فلِمْ تجذبون بأهدابها
|
لكم رحم يا بني بنته ،
|
|
ولكن بنو العم أولى بها
|
به غسل الله مَحْلَ الحجاز
|
|
وأبرأها بعد أوصابها
|
ويوم حنين تداعيتم ،
|
|
وقد أبدت الحرب عن نابها
|
ولما علا الحبر أكفانه ،
|
|
هوى ملك بين أثوابها
|
فمهلا بني عمنا انها
|
|
عطية رب حبانا بها
|
وكانت تزلزل في العالمين ،
|
|
فشدت إلينا بأطنابها
|
وأقسم انكم تعلمون
|
|
بأنا لها خير أربابها
|
مالكم عتاب :
أبى الله ، الا ما ترون ، فما لكم
|
|
عتاب على الأقدار يا آل طالب
|
تركناكم حينا فهلا أخذتم
|
|
تراث النبي بالقنا والقواضب
|
زمان بني حرب ومروان ممسكو
|
|
أعنة ملك جائر الحم غاصب
|
الا رب يوم قد كسوكم عمائما
|
|
من الضرب في الهامات حمر الذوائب
|
فلما أراقوا بالسيوف دماءكم
|
|
أبينا ، ولم نملك حنين الأقارب
|
فحين أخذنا ثاركم من عدوكم
|
|
قعدتم لنا تورون نار الحباحب
|
وحزنا التي أعيتكم ، قد علمتم
|
|
فما ذنبنا؟ هل قاتل مثل سالب
|
عطية ملك قد حبانا بفصله ،
|
|
وقدره رب جزيل المواهب
|
وليس يريد الناس أن تملكوهم
|
|
فلا تثبوا فيهم ، وثوب الجنادب
|
وإياكم إياكم ، وحذار من
|
|
ضراغمة في الغاب حمر المخالب
|
__________________
ألا إنها الحرب التي علمتم
|
|
وجربتم ، والعلم عند التجارب
|
وله في الفخر وانهم
آل الرسول والعترة الحق :
أيها السائلي عن الحسب الأطـ
|
|
ـيب ما فوقه لخلق مزيد
|
ولنا ما أضاء صبح عليه
|
|
وأتته آيات ليل سود
|
وملكنا رق الإمامة ميرا
|
|
ثاً ، فمن ذا عنا بفخر يحيد
|
وأبونا حامي النبي ، وقد أد
|
|
بر من تعلمون ، وهو يذود
|
ذاك يومَ استطار بالجمع ردع
|
|
في حنين ، وللوطيس وقود
|
كان فيهم منا المكاتم إيما
|
|
نا ، وفرعون غافل والجنود
|
رسل القوم حين لدوا جميعا ،
|
|
غيره ، كيف فضل الملدود
|
بنو العم لا بل بنو
الغم :
بنو العم لا بل هو بنو الغم والأذى
|
|
وأعوان دهري إن تظلمت من دهري
|
وغاضهم المجد الذي لا يناله
|
|
لئيم ولا وانٍ ضعيف عن الوتر
|
فدونكم الفعل الذي أنا فاعل
|
|
فإنكم مثلي ، إذا ولكم فخري
|
نمتني إلى عم النبيخلائق
|
|
علوا فرق أفلاك الكواكب والبدر
|
بنو الحبر والسجاد والكامل الذي
|
|
وفي الملك حتى قر عند ذوي الأمر
|
ونحن رفعنا سيف مروان عنكم
|
|
فهل لكم ، يا آل احمد ، في الشكر
|
أبو الفضل أولى الناس بالفضل كلهم
|
|
تعالوا نحاكمكم إلى البيت والحجر
|
أ أبو طالب كمثل أبي
الفضل :
وملي بصمتة الحلم إن طا
|
|
رب سريعا مثل الفراش الحلوم
|
يا بني عمنا إلى كم وحتى ،
|
|
ليس ما تطلبونه يستقيم
|
__________________
أبدا فارغين ان تطعموا الملـ
|
|
ك ، كما ذيد عن رضاع فطيم
|
أأبو طالب كمثل أبي الفضـ
|
|
ل أما منكم بهذا عليم
|
سائلوا مالكا ورضوان عن ذا
|
|
أين هذا ، وأين هذا مقيم
|
وعلي ، فكابنه ، غير شك ،
|
|
واجب حقه علينا عظيم
|
ارجوزته في أهل
الكوفة :
باسم الإله الملك الرحمن
|
|
ذي العز والقدرة والسلطان
|
الحمد لله على آلائه ،
|
|
أحمده ، والخمد من نعمائه
|
وجعل الخاتم للنبوه ،
|
|
وأظهر الحجة والبيانا
|
أبدع خلقا لم يكن ، فكانا
|
|
أحمد ، ذا الشفاعة المرجوه
|
الصادق ، المهذب ، المطهرا ،
|
|
صلى عليه ربنا ، فأكثرا
|
برغم كل حاسد يبغيه ،
|
|
ميراث ملك ثابت الأساس
|
مضى ، وأبقى لبني العباس ،
|
|
يهدمه ، كأنه يبنيه
|
والعلوي قائد الفساق ،
|
|
وبائع الأحرار في الأسواق
|
والدُّلَفّي العود ، والصفار
|
|
ومنهم إسحق البيطار
|
أعلم خلق الله بالماخور ،
|
|
وعدد مثلث وزير
|
وأعشق الناس لمن لا ينصره
|
|
حتى يطيل ليله ويسهره
|
ومنهم عيسى بن شيخ وابنه
|
|
كلاهما لص حلال لعنه
|
يدعون للإمام كل جمعه
|
|
ولا يردون إليه قطعه
|
وهم يحورون على الرعيه
|
|
فساد دين وفساد نيه
|
ويأخذون مالهم صراحا
|
|
ويخضبون منهم السلاحا
|
ولم يزل ذلك دأب الناس ،
|
|
حتى اغيثوا بأبي العباس
|
__________________
الساهر العزم إذا العزم رقد
|
|
الحاسم الداء إذا الداء ورد
|
فجمع الرأي الذي تفرقا ،
|
|
وأبرأ الداء الذي أعيا لارقى
|
كم عزمة بنفسه امضاها
|
|
لم يكل الأمر إلى سواها
|
كان لنا كأزدشير فارس ،
|
|
إذ جد في تجديد ملك دارس
|
حتى اتقوه كلهم بالطاعه ،
|
|
وصار فيهم ملك الجماعه
|
فلم يزل بالعلوي الخائن ،
|
|
المهلك المخرب المدائن
|
والبائع الأحرار في الأسواق ،
|
|
وصاحب الفجار والمراق
|
وقاتل الشيوخ والأطفال ،
|
|
وناهب الأرواح والأموال
|
ومالك القصور والمساجد
|
|
ورأس كل بدعة ، وقائد
|
حتى علا رأس القناة رأسه
|
|
وزال عنه كيده وبأسه
|
شيخ ضلال شر من فرعون ،
|
|
لحيته كذنب البرذون
|
إمام كل رافضي كافر ،
|
|
من مظهر مقالة وساتر
|
يلعن أصحاب النبي المهتدي
|
|
إلا قليلا ، عصبة لم تزدد
|
وهل رضا إلى أبو العباس
|
|
الواسع الحلم الشديد البأس
|
ما زال يأتي لك ما تريد ،
|
|
حتى أتى برأسه البريد
|
وابتهج الحق وأهل السنة
|
|
وشكروا ، والله ، تلك المنه
|
واصبح الروافض الفجار
|
|
يخفون حزنا فوقه استبشار
|
واستمع الآن حديث
الكوفة :
واستمع الآن حديث الكوفة ،
|
|
مدينة بعينها معروفة
|
كثيرة الأديان والأئمة ،
|
|
وهمها تشتيت أمر الأمة
|
مصنوعة بكفر بخت نصر ،
|
|
وكفر نمرود امام الكفر
|
وعشش الشر بها وفرخا ،
|
|
ثم بنى بأرضها ورسخا
|
وغرق العالم من تنورها ،
|
|
جزاء شر كان من شرورها
|
__________________
وهربت سفينة الطوفان
|
|
منها إلى الجودي والأركان
|
وهم بنوا للجور صرحا محكما
|
|
فاتخذوا إلى السماء سلما
|
ولم يزل سكانها فجارا ،
|
|
مستبصرا في الشرك أو سحارا
|
تفرقوا وبلبلوا بلبالا ،
|
|
وبدلوا من بعد حال حالا
|
وهم رموا في البئر إبراهيما ،
|
|
لما رأوا أصنامهم رميما
|
ودانيال طرحوا في الحب ،
|
|
كفرا وشكا منهم في الرب
|
واخذوا وقتلوا عليا ،
|
|
العادل ، البر ، التقي الزكيا
|
وقتلوا الحسين ، بعد ذاكا ،
|
|
فأهلكوا أنفسهم إهلاكا
|
وجحدوا كتابهم إليه ،
|
|
وحرفوا قرآنهم عليه
|
ثم بكوا من بعده ، وناحوا
|
|
جهلا ، كذاك يفعل التمساح
|
فقد بقوا في دينهم حيارى ،
|
|
فلا يهود هم ، ولا نصارى
|
والمسلمون منهم براء ،
|
|
رافضة ودينهم هباء
|
فبعضهم قالوا : علي ربنا ،
|
|
وحسبنا ذلك دينا ، حسبنا
|
وبعضهم قالوا : علي ربنا ،
|
|
وحسبنا ذلك دينا ، حسبنا
|
ومنهم الشراة والحراب ،
|
|
ان سمعوا ببيعة أجابوا
|
كم أسلموا من طالبي مغرور ،
|
|
وهربوا في يوم حرب مشهور
|
خاتمة الفصل الثالث من الباب الثالث
يتضح من خلال هذه النصوص طبيعة الجو
الاعلامي العباسي في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري والقرن الثالث الهجري
فهو جو مشحون بالعداء ضد الحسن والإمام الصادق عليهالسلام
وشيعته وضد الكوفة بشكل عام مضافا إلى حملة الاعتقالات التي كانت تتحرك في هذه
الفترة أو تلك.
وفي هذا الجو :
__________________
ظهر سيف بن عمر التميمي واخباره
التشويهية للتاريخ وتفسير ظهور التشيع والوصية لعلي عليهالسلام
على انه من تأسيس عبد الله بن سبأ يهودي اسلم على عهد عثمان وكان ابن سبأ بزعمه
السبب في حرب الجمل واقتتال الصحابة فيما بينهم؟ وقد اختلق سيف هذا مئات الاخبار
في حروب الردة التي لم يقع اكثرها وحرف مئات الأسماء واختلق اكثر من مائة وستين
صحابي وغير ذلك دعما لأفكاره.
وظهر أبو مخنف وكتابه مقتل الحسين ليضع
مسؤولية قتله على الكوفيين الذين دعوه وغروه بزعمه وحملوا أهل بيته سبايا معهم
رؤوس القتلى حتى دمعت عينا يزيد وقال لهم كنت ارضى من طاعتكم بدون هذا.
وظهرت أحاديث تشوه من سيرة الكوفيين مع
علي عليهالسلام
وانهم ملأوا صدر علي قيحا حتى تمنى فراقهم ، وودَّ لو انَّ معاوية صارفه بهم صرفَ
الدينار بالدرهم.
وفيه روج الرواة الموالين لبني أمية
والمصانعين للخلفاء بشكل خاص روايات الزهري في تشويه صلح الامام الحسن عليهالسلام مع معاوية لتبرزه
رجلا اغراه معاوية فباع الخلافة بالمال ، وكون العراقيين قد قاموا عليه في المدائن
ونهبوا حتى البساط من تحته!
وفي الفصول التالية طرف من ذلك :
الباب
الثالث / الفصل الرابع
الروايات
الطاعنة في عقيدة الوصية بعلي عليهالسلام
أ. رواية سيف بن عمر (ت ١٧٠ ـ ١٩٣)
وضع سيف بن عمر
كتابين هما (كتاب الفتوح الكبير والردة) و (الجميل ومسير عائشة وعلي) وشحنهما
بالاخبار الموضوعة وقد تبنى روايتهما الطبري ومن جاء بعده إلى اليوم من المؤرخين
السنة ، لتحقيق هدفين :
الأول
: تشويه حقيقة الإمامة الإلهية لعلي التي
أسستها الأحاديث النبوية كحديث الغدير وحديث الثقلين وحديث المنزلة وحديث الكساء
وغيرها ، وافتعال قصة عبد الله بن سبأ يهودي اظهر اسلامه أيام عثمان ، وانه أول من
قال بفكرة الوصية لعلي وانه كسب إليها عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر مالك الاشتر
وكميل بن زياد وعمرو بن الحمق وغيرهم من وجوه شيعة علي ممن امن بمشروعه الإحيائي
للسنة ومعنى ذلك ان الشيعة تأسيس سبائي.
الثاني
: تحريف وقائع تاريخ صراع قريش المسلمة
مع علي حول الإمامة الإلهية.
ففي قصة السقيفة حرَّف سيف امتناع علي
عن البيعة لابي بكر مدة حياة فاطمة
__________________
وما جرى من حوادث حرق
باب بيت فاطمة إلى واقع ان عليا لما سمع ان أبا بكر قد جلس للبيعة هرع إليه تاركا
رداءه خلفه لا تفوته البيعة
، وليس من شك ان ذلك مخالف لوايات غير سيف من المحدثين والمؤرخين .
وكذلك حرف سيف قصة عثمان من قبل قريش
المنشقة بقيادة طلحة والزبير إلى ان قتلة عثمان هم عبد الله بن سبأ المزعوم ورجال
علي المؤمنين بمشروعه الإحيائي للسنة أمثال أبي ذر ومالك الاشتر ومحمد بن أبي بكر
وكميل بن زياد تعتيما على مشروع علي عليهالسلام
وعلى دورهم فيه.
وقد قام العلامة المحقق الاميني رحمهالله في موسوعته القيمة
الغدير بجهد تحقيقي قيم حول روايات سيف للكشف عن زيفها.
وكذلك العلامة المحقق العسكري في كتابيه
عبد الله بن سبأ بثلاث مجلدات وخمسون ومائة صحابي مختلق بثلاث مجلدات روايات سيف
قام بجهد تحقيقي مقارن قيم جدا لم يسبق لاحد قبله ان قام به كشف عن التحريف الهائل
للاخبار التاريخية.
وقد استظهر العلامة العسكري ان الدافع
الذي دفع سيفا لذلك هو الزندقة والتعصب القبلي والدفاع عن الصحابة القرشيين الذين
حكموا ، وانه ألف كتابيه في عصر انتشرت فيه العصبية القبلية والزندقة وهو الربع
الأول من القرن الثاني الهجري أي انه ألّفه في عصر الأمويين.
وقد استظهرنا ان الدافع هو تطويق حركة
الحسنيين ومدرسة الامام الصادق عليهالسلام
لقرائن وشواهد عديدة في روايات سيف وتجئ الفترة التي قدرها المؤرخون لوفاة سيف بين
سنة ١٧٠ هـ وسنة ١٩١ هـ عن تسعين سنة مؤيدة لهذا الاستظهار لان هذا التقدير لوفاته
معناه انه عاصر فترة الانقلاب الفكري المضاد لأهل البيت عليهمالسلام ولأهل الكوفة الذي
قام به الخليفة المنصور ضد الامام الصادق عليهالسلام
والحسنيين وسار عليه الخلفاء من
__________________
ذريته من سنة ١٤٤
هجرية لتغييرثقافة الولاء المنتشرة التي تدعو إلى الإمامة الإلهية لأهل البيت عليهمالسلام والى محبة ذرية
فاطمة عليهاالسلام
هذه المحبة التي تجعل حركاتهم السياسية موضع تأييد وترجيح بشكل عام ،
ان سيف بن عمر ألف كتابيه تلبية لرغبة
الاعلام العباسي ، ولتحقيق الهدفين الآنفي الذكر اللذين اشرنا إليهما ، ولا ينافي
ذلك كونه متهم بالزندقة بل هذا الاتهام هو المناسب لمن يقدم على تشويه روايات
التاريخ والعقائد.
أقول : ولم يكن سيف بن عمر هو الوحيد
الذي خدم العباسيين في تحقيق أهدافهم الماكرة فقد كان له نظراء أمثال عبد الرحمن
بن مالك بن مغول وأبي مخنف وشبابة بن سوار ونظرائهم
ممن روى وكتب في القرن الأول من العهد العباسي لتشويه تاريخ علي والحسن والحسين عليهمالسلام وتاريخ الكوفيين
معهم الذين امنوا بمشروعهم الإحيائي للسنة النبوية ، وتأتي قراءتنا الجديدة لصلح
الامام الحسن عليهالسلام
من اجل تسليط الدراسة المقارنة لروايات الحادثة المعينة لكشف الحقيقة الضائعة.
ب. رواية عبد الرحمن بن مالك بن مغول تـ
١٩٥
اما النموذج الثاني فهو رواية عبد
الرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه عن الشعبي أنَّه قال : قال لي الشعبي : وأحذِّركم
هذه الأهواء المظلة وشرُّها الرافضة لم يدخلوا في الإسلام رغبةً ولا رهبةً ولكن
مقتاً لأهل الإسلام وبغياً عليهم قد حرَّقهم علي عليهالسلام
بالنَّار ونفاهم إلى البلدان منهم عبد الله بن سبأ يهودي من صنعاء نفاه إلى ساباط
، وعبد الله بن يسار نفاه إلى خازر ، وآية ذلك محنة الرافضة محنة اليهود قالت
اليهود : لا يصلح الملك إلَّا في آل داود ، وقالت الرافضة : لا تصلح الإمامة إلَّا
في ولد علي ، وقالت : لا جهاد في سبيل الله حتَّى يخرج المهدي وينادي منادي من
السماء ...
__________________
وهذه الرواية ينفرد بها عبد الرحمن بن
مالك بن مغول وهو كذَّاب وضَّاع.
أقول :
وإلى هاتين الروايتين وأمثالهما استند
ابن تيمية (ت ٧٢٨ هـ) ومن كان قبله ومن جاء بعده ممن أخذ عنه ليقول إنَّ التشيُّع
أصله عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسلم على عهد عثمان.
قال ابن تيمية : " وقد علم أهل
العلم أنَّ أوّل ما ظهرت الشيعة الإمامية المدعية للنَّص في أواخر أيام الخلفاء
الراشدين وأفترى ذلك عبد الله بن سبأ ".
وقال الدكتور سليمان العودة من
المعاصرين من أهل الحجاز : إنَّ عبد الله بن سبأ هو أصل التشيع.
__________________
الباب
الثالث / الفصل الخامس
كتاب
أبي مخنف في مقتل الحسين عليهالسلام
تُعدُّ كتب أبي مخنف لوط بن يحي الازدي
ت ما قبل ١٧٠ هجرية في مقتل الحسين عليهالسلام
وحركة التوابين وحركة المختار ، من اقدم واشهر المصادر في موضوعه ، الطبري في
التاريخ ، وابن اعثم في الفتوح ، والبلاذري في انساب الاشراف ، وروى المسعودي طرفا
منها في مروج الذهب ، ثم أخذ ابن الاثير في كتابه الكامل ، وابن كثير ، وابن خلدون
، والذهبي ، برواية الطبري ، لأنه اوردها كاملة ، وعن هؤلاء أخذ المعنيون بالتاريخ
الإسلامي ، من القدامى والمعاصرين شيعة كانوا او سنّة.
لم يكن أبو مخنف من القائلين بإمامة علي
عليهالسلام
والنص عليه من النبي فهو ليس شيعيا بالمعنى الخاص للتشيع.
قال ابن أبي الحددي : وأبو مخنف من
المحدثين وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار ، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها.
وأكَّد ذلك الشيخ المفيد في كتابه عن
حرب الجمل وقد أورد اخبار حرب الجمل عن أبي مخنف والواقدي وغيرهما قال بعدها : فهذه
جملة من اخبار البصرة ، وسبب فتنتها ، ومقالات أصحاب الآراء في حكم الفتنة بها ، قد
اوردنا على سبيل الاختصار ، واثبتنا ما أثبتنا من الاخبار عن رجال العامة دون
الخاصة ، ولم نثبت في
__________________
ذلك ما روته كتب
الشيعة).
هذا وقد عاصر أبو مخنف أربعة من الأئمة
، وهم السجاد والباقر والصادق والكاظم عليهمالسلام
، ولم يروِ عن واحد منهم بشكل مباشر ، نعم روى عن بعض اصحابهم بعض الروايات.
وقد وثَّقَ أبا مخنف في النقل عددٌ من
اعلام الشيعة
، الا ان ذلك قابل للمناقشة ، ونحن نتئِد على الأقل بل نرفض قبول فقرات مبثوثة في
رواياته التي ترتبط بسيرة بعض الأئمة عليهمالسلام
او سيرة شيعتهم في الكوفة او علاقة الأئمة بهم في الفترة الواقعة من سنة حكم علي عليهالسلام سنة ٣٥ هجرية وحروبه
إلى مقتل المختار سنة ٦٧ هجرية ، وذلك لأنها تعطي رؤية تخالف الثابت عن أهل البيت عليهمالسلام ، او الثابت من
التاريخ عن شيعتهم في الكوفة وعلاقتهم بهم.
من قبيل : ان الحسين عليهالسلام ندم على أخذ نسائه
وبناته معه ، وأنه تذكَّر نصيحة ابن عباس يوم العاشر لما ارتفعت اصواتهن يوم
العاشر من المحرم عند احتدام القتال وسقوط القتلى.
أو أن يزيد بن معاوية قال لعلي بن
الحسين عليهالسلام
لما أمر بإرجاعه والسبايا إلى المدينة : لعن الله ابن مرجانه ، أما والله لو أني
صاحبه ما سألني خصلة أبدا الا أعطيتها إياه ، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ، ولو
بهلاك بعض ولدي ، ولكن الله قضى ما رأيت.
__________________
وهناك من الرواة من أسفَّ إلى اكثر من
هذا ، كما فعل يزيد بن روح بن زنباغ الجذامي المعاصر لابي مخنف ، روى عن الغاز بن
ربيعة الجرشى من حمير قال : والله إنا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زُحَر بن
قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية.
فقال له يزيد : ويلك ما وراءك وما عندك؟
فقال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ، ورد علينا الحسين بن علي في
ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته ، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا
وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد ، أو القتال ، فاختاروا القتال على
الاستسلام ، فَعَدَوْنا عليهم مع شروق الشمس ، فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا
أخذت السيوف مأخذها من هام القوم ، أخذوا يهربون إلى غير وَزَر ، ويلوذون منا
بالآكام والحفر ، لواذا كما لاذ الحمائم من صقر.
فوالله يا أمير المؤمنين ما كان إلا
جَز~رَ جَزور ، أو نومةَ قائل حتى أتينا على آخرهم ، فهاتيك أجسادهم مجردة ، وثيابهم
مرملة ، وخدودهم معفرة ، تصهرهم الشمس ، وتسفي عليهم الريح ، زوارهم العقبان
والرخم ...
قال : فدمعت عين يزيد وقال : قد كنت
أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ، لعن الله ابن سمية أما والله لو أني صاحبه لعفوت
عنه فرحم الله الحسين.
أو أن شيعة علي في الكوفة أمثال سليمان
بن صرد والمسيب بن نجبة وغيرهم كتبوا للحسين بالقدوم ثم خذلوه حتى قُتل ، ثم ندموا
بعد ذلك ونهضوا للاخذ بثأره.
أقول :
وفي ضوء ذلك كان من الضروري التحقيق في
الرواية التاريخية التي ظهرت في فترة الخمسين سنة من حكم المنصور وولده وما بعدها
سواء كانت رواية أبي مخنف او رواية غيره وتجزئة الرواية إلى اجزاء واستبعاد الجزء
الذي يلتقي مع الهدف الاعلامي للعباسيين ان لم يكن لدينا غيرها.
ان كتابا وباحثين معاصرين أمثال الشيخ
محمود شاكر
والدكتور احمد شلبي
__________________
والشيخ الخضري
ونظرائهم قد يكونون معذورين حين يعتمدون على رواية أبي مخنف دون ان يحققوا فيها
بسبب خلفيتهم العقائدية التي تسوغ لهم قبول ذلك أو الانس به ،
اما ان يعتمد الكاتب الشيعي الامامي
على رواية أبي مخنف دون تحقيق او دون تجزئة فليس معذورا.
لقد شحن كتاب أبي مخنف باخبار تشوه
الكوفيين وتجعلهم المسؤلين عن دعوة الحسين إلى الكوفة وعن خذلانه وقتله ،
وكذلك تشوه من سيرة المختار والثوار معه
وتسميهم التوابين ليكفِّروا عن خذلانهم للحسين ، عليهالسلام
في الوقت الذي كان هؤلاء في السجون ، قبل مجيء الحسين إلى العراق.
الرواية عن الأئمة من ذرية الحسين عليهالسلام
: أهل الشام
هم قتلة الحسين عليهالسلام
وتأتي روايات الأئمة من ذرية الحسين عليهالسلام لتؤكد ان قتلة
الحسين عليهالسلام
هم أهل الشام ، وان أهل الكوفة اوفياء في نصرتهم لأهل البيت عليهمالسلام.
في الكافي (ج ٤ ص ١٤٧) سئل أبو عبد الله
الصادق عليهالسلام
عن صوم يوم تاسوعاء فقال :
تاسوعا يومٌ حوصِرَ فيه الحسين عليهالسلام وأصحابه بكربلاء ، واجتمع
عليه خيلُ أهلِ الشام وأناخوا عليه ، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل
وكثرتها ، واستضعفوا فيه الحسين عليهالسلام
وأصحابه وأيقنوا أنه لا يأتي الحسين ناصر ولا يمده أهل العراق
، بأبي المستضعف الغريب.
وفي أمالي الطوسي (٦٦٧) : أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن صوم
يوم
__________________
عاشورا فقال : ذاك
يومُ قُتِلَ الحسين عليهالسلام
فان كنت شامتا فصم.
ثم قال :
إن آل أمية لعنهم الله ومن أعانهم على
قتل الحسين من أهل الشام نذرا إن قتل الحسين عليهالسلام
وسلِم من خرج إلى الحسين ، وصارت الخلافة في آل أبي سفيان أن يتخذوا ذلك اليوم
عيدا لهم يصومون فيه شكرا ، فصارت في آل أبي سفيان سنة إلى اليوم في الناس ، واقتدى
بهم الناس جميعا لذلك ، فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح في ذلك
اليوم.
ونصوص التاريخ تؤيد ذلك
قال الطبري : وكان معاوية حين أجمع عليه
أهل العراق بعد علي عليهالسلام
يخرج من الكوفة المستغرب في أمر على وينزل داره المستغرب في أمر نفسه من أهل الشام
وأهل البصرة وأهل الجزيرة وهم الذين يقال لهم النواقل في الأمصار.
أقول
: روى البلاذري قال : سيَّر زياد بأمر
معاوية خمسا وعشرين ألف من الكوفة ومن البصرة مثلهم إلى خراسان.
ومن ذلك يتبين ان أهل الكوفة قد خلطهم
معاوية بعدد لا يستهان بها من أهل الشام الموالين له. وكان هؤلاء وأهل الجزيرة
وأهل البصرة هم مادة الجيش الذي خرج إلى قتال الحسين مضافا إلى الحمراء مرتزقة
الجيش الفارسي الذين اعتمدهم زياد في بناء جهاز شرطته الداخلية في الكوفة.
وفي رواية الشيخ الصدوق قال (وحال بنو
كلاب بين الحسين وبين الماء ... واقبل عدو الله سنان بن انس الايادي وشمر بن ذي
الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من أهل الشام حتى وقفوا على راس الحسين عليهالسلام ...).
قال ابن خلدون : (وأما بنو كلاب بن
ربيعة فمنهم بنو لاضباب الذين منهم شمر بن ذي الجوشن بن الأعور بن معاوية قاتل
الحسين بن علي وكانت بلاد بني كلاب حمى
__________________
ضريَّة والربذة في
جهات المدينة وفدك والعوالي ، ثم انتقل بنو كلاب إلى الشام فكان لهم في الجزيرة
الفراتية صيتٌ وملكٌ وملكوا حلب وكثيرا من مدن الشام).
طرف من كلمات أهل البيت عليهمالسلام
في الكوفيين
كان علي عليهالسلام
يخاطب الكوفيين : انتم الأنصار على الحق ، والاخوان في الدين.
وكان يقول : الكوفة كنز الإيمان وحجة
الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء ، والذي نفسي بيده لينتصرَنَّ الله بأهلها
في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز.
وقال أيضا وهو بالكوفة : ما أشد بلايا
الكوفة لا تسبوا أهل الكوفة فوالله إن فيهم لمصابيح الهدى وأوتاد ذكر ... والله
ليدقن الله بهم جناح كفر لا ينجبر أبدا ، إن مكة ، حرم إبراهيم والمدينة حرم رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
والكوفة حرمي ما من مؤمن إلا وهو من أهل الكوفة أو هواه لينزع إليها.
وروى حنان بن سدير عن أبيه قال : دخلت
أنا وأبي وجدي وعمي حمَّاما بالمدينة فإذا رجل في بيت المسلخ فقال لنا من القوم؟
فقلنا من أهل العراق ، فقال وأي العراق؟ قلنا كوفيون ، فقال مرحبا بكم يأهل الكوفة
أنتم الشعار دون الدثار ، فسألنا عنه فإذا هو علي بن الحسين.
وعن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام انه قال : ان الله
عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها الا أهل الكوفة.
وعن عبد الله بن الوليد قال : دخلنا على
أبي عبد الله عليهالسلام
فسلمنا عليه وجلسنا بين يديه.
فسألنا : من انتم؟
__________________
فقلنا : من أهل الكوفة.
فقال : أما إنه ليس بلد من البلدان اكثر
محبا لنا من أهل الكوفة.
إن الله هداكم لأمر جهله الناس ، أحببتمونا
وأبغضنا الناس ، وصدقتمونا وكذبنا الناس ، واتبعتمونا وخالفنا الناس. فجعل الله محياكم
محيانا ومماتكم مماتنا.
وقال أيضا وقد جاءه رجل قال بعت ضياعي
وضربت على كل شيء لي ذهبا وفضة وقلت انزل مكة فقال لا تفعل فان أهل مكة يكفرون
بالله جهرة ، فقلت ففي حرم رسول الله فقال هم شر منهم قلت فأين انزل قال عليك
بالعراق الكوفة فان البركة منها على اثني عشر ميلا هكذا هكذا والى جانبها قبر ما
اتاه مكروب قط ولا ملهوف قط الا فرج الله عنه.
__________________
الباب
الثالث / الفصل السادس
الروايات
الطاعنة في أهل الكوفة على لسان علي والحسن عليهماالسلام
النموذج الأول : ما نسبه الرواة إلى علي
عليهالسلام
قوله :
(وددت أني أبيع عشرة منكم برجل من أهل
الشام)
الرواية
الأولى : قال ابن عساكر أخبرنا أبو البركات
محفوظ بن الحسن بن محمد بن صرصري التغلبي بدمشق نا أبو القاسم نضر بن أحمد
الهمداني نا أبو بكر الخلي بن هبة الله بن الخليل نا أبو علي الحسن بن محمد بن
القاسم بن درستويه نا أحمد بن محمد بن إسماعيل أبو الدحداح نا إبراهيم بن يعقوب
الجوزجاني نا يحيى بن بكير نا الليث قال بلغني أن عليا قال : يا أهل العراق وددت
أني أبيع عشرة منكم برجل من أهل الشام يصرف الدراهم عشرة بدينار.
فقيل له نحن وأنت كما قال الأعشى :
علِّقتُها وعلِّقتْ رجلا غيري
|
|
وعُلِّق أخرى غيرَها الرجلُ
|
علقناك ، وعلقتَ أهلَ الشام وعلق أهل
الشام معاوية
الرواية
الثانية : وروى ابن عساكر أيضا قال أخبرنا أبو
عبد الله الحسين بن محمد بن خسروا البلخي أنا أبو الحسن علي بن الحسين بن أيوب أنا
أبو علي بن شاذان أنا
__________________
أبو الحسن أحمد بن
إسحاق بن نيخاب الطيبي نا أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين بن علي الكسائي (ابن ديزل) نا
أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفي حدثني أبو داود (سليمان الطيالسي البصري ـ ٢٠٣ هـ)
أنا أبو معاوية (ت
١٩٥ هـ) عن عمر بن حسان البرجمي
عن خباب بن عبد الله : أن معاوية بعث خيلا فأغارت على هيت والأنبار فاستنفر علي
الناس فأبطئوا وتثاقلوا فخطبهم فقال
أيها الناس المجتمعة أبدانهم المتفرقة
أهواؤهم ما عزت دعوة من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم.
كلامكم يوهي الصم الصلاب وفعلكم يطمع
فيكم عدوكم فإذا دعوتكم إلى المسير أبطأتم وتثاقلتم وثلتم كيت وكيت أعاليل أباطيل
سألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول حيدي حياد لا يمنع الضيم الذليل ولا يدرك
الحق إلا بالجد والصدق فأي دار بعد داركم تمنعون ومع أي إمام بعدي تقاتلون!
المغرور والله من غررتموه ومن قاربكم
فازز بالسهم الأخيب أصبحتم والله لا أصدق قولكم ولا أطمع في نصركم.
__________________
فرق الله بيني وبينكم وأعقبني بكم من هو
خير لي منكم وأعقبكم مني من هو شر لكم مني.
أما إنكم ستلقون بعدي ثلاثا ذلا شاملا
وسيفا قاطعا وأثرة قبيحة يتخذها فيكم الظالمون سنة فتبكي لذلك أعينكم ويدخل الفقر
بيوتكم وستذكرون عند تلك المواطن فتودون أنكم رأيتموني وهرقتم دماءكم دوني ولا
يبعد الله إلا من ظلم ،
والله لوددت أني أقدر أن أصرفكم صرف
الدينار بالدراهم عشرة منكم برجل من أهل الشام ،
فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين
إنا وإياك كما قال الأعشى :
علقتها عرضا وعلقت رجلا
|
|
غيري وعلق أخرى غيرها الرجل
|
علقنا بحبك ، وعلقت أنت بأهل الشام ، وعلق
أهل الشام معاوية.
تعليقنا على
الروايتين :
١ : في سند الرواية الأولى إبراهيم
الجوزجاني وهو متهم في الكوفيين وقد اشتهرت التهمة عنه عند علماء الجرح والتعديل.
ترجمة ابراهيم
الجوزجاني :
قال علاء الدين مغلطاي : إبراهيم بن
يعقوب الجوزجاني ، أبو إسحاق السعدي ، سكن دمشق. قال ابن حبان لما ذكره في كتاب (الثقات)
كان حروري المذهب (وقال ابن حجر انه رأى نسخة فيها حريزي المذهب أي على مذهب حريز
في النصب) ، وكان صلبا في السنة حافظا للحديث ، إلا أنه من صلابته ربما كان يتعدى
طوره.
وقال ابن عدي : كان شديد الميل إلى مذهب
أهل دمشق في الميل على علي رضياللهعنه.
وقال السلمي عن الدارقطني : كان من
الحفاظ المصنفين والمخرجين الثقات ، لكن كان فيه انحراف عن علي بن أبي طالب ، اجتمع
على بابه أصحاب الحديث فأخرجت
__________________
جارية له فروجة
ليذبحها ، فلم يجد من يذبحها فقال : سبحان الله! فروجة لا يوجد من يذبحها؟! وقد
ذبح علي في ضحوة نيفا وعشرين ألفا.
وقال النسائي : ثقة حافظ للحديث.
توفي بعد سنة أربع وأربعين ومائتين وقال
غيره توفي سنة ٢٥٦ هـ.
٢ : وفي سند الرواية الثانية أبو معاوية
وهو محمد بن خازم صاحب الأعمش ، وهو من شيوخ الخليفة هارون يقرأ عليه الحديث ويضع
له الروايات في الطعن على الرافضة.
ترجمة محمد بن خازم
ابي معاوية :
قال الخطيب البغدادي : محمد بن خازم ، أبو
معاوية التميمي السعدي ، من أهل الكوفة. وكان ضريرا ، يقال أنه عمي وهو ابن أربع ،
وقيل : ثمان سنين ، وقدم بغداد ، وحدث بها عن : سليمان الأعمش وهشام بن عروة
وغيرهم. روى عنه : أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وأبو خيثمة زهير بن حرب ، وغيرهم.
وروى المزي بسنده عن أبي داود : أبو
معاوية رئيس المرجئة بالكوفة. وقال ابن حبان في الثقات : كان حافظا متقنا ، ولكنه
كان مرجئا خبيثا ، ولد سنة ١١٣ هـ وتوفي سنة ١٩٥ هـ
،
وذكر الخطيب أخباره مع الرشيد قال : حججت
مع جدي أبي أمي وأنا غلام ، فرآني أعرابي فقال لجدي : ما يكون هذا الغلام منك؟ قال
: ابني. قال : ليس بابنك قال : ابن ابنتي. قال : ابن ابنتك وليكونن له شأن ، وليطأن
برجليه هاتين بسط الملوك. قال : فلما قدم الرشيد بعث إلي ، فلما دخلت عليه ذكرت
حديث الأعرابي ، فأقبلت التمس برجلي البساط. قال : يا أبا معاوية لم تلتمس؟ قلت : يا
أمير المؤمنين حججت مع جدي ، وحدثته بالحديث فأعجب به. قال أبو معاوية : وحركني
شيء فقلت : يا أمير المؤمنين ، أحتاج إلى موضع الخلاء ، فقال للأمين والمأمون خذا
بيد عمكما فأرياه الموضع ، فأخذا بيدي فأدخلاني إلى الموضع ، فشممت منه رائحة
طيبة. فقالا : يا أبا
__________________
معاوية ، هذا الموضع
فشأنك. فقضيت حاجتي فحدثته أن النبي صلىاللهعليهوسلم
قال : «يكون في آخر الزمان قوم لهم نبز يقال لهم الرافضة ، من لقيهم فليقتلهم
فإنهم مشركون».
٣ : مضافا إلى ما في السند من علل فان
اساس الخبر كما نقدِّر هو ما ذكره ابن قتيبة ونسج على منواله رجال الاعلام
العباسي.
قال ابن قتيبة : قدم مصعب على اخيه عبد
الله بن الزبير في سنة إحدى وسبعين ومعه رؤساء أهل العراق ووجوههم واشرافهم فقال :
يا أمير المؤمنين : قد جئتك برؤساء أهل العراق واشرافهم كل مطاع في قومه ، وهم
الذين سارعوا إلى بيعتك وقاموا باحياء دعوتك ، ونابذوا أهل معصيتك ، وسعوا في قطع
عدوك ...
فقال له عبد الله بن الزبير اسكت : فوالله
لوددت ان لي بكل عشرة من أهل العراق واحدا من أهل الشام صرف الدينار بالدراهم.
فقال أبو حاضر الأسدي : يا أمير
المؤمنين ان لنا ولك مثلا أفتأذن في ذكره.
قال نعم.
قال : مَثَلُنا ومثَلُك ومَثَل أهل
الشام كقول الأعشى :
عُلِّقْتُها عَرَضاً ، وعُلِّقت رجلاً
غيري وعُلِّقَ أخرى غيرَها الرَّجُلُ.
__________________
احبَّك اهلُ العراق واحببتَ أهل الشام ،
واحبَّ أهل الشام عبدَ الملك ، فما تصنع.
أقول :
يريد بأهل العراق في حديثه : هم أهل
البصرة ، ورؤوس الجيش الكوفي الذين قاتلوا الحسين وهم شبث بن ربعي وحجار بن ابجر
بن الأشعث ، ونظراؤهم الذين بايعوا لدحروجة الجعل واليا لعبد الله بن الزبير بعد
موت يزيد ، ثم فروا من المختار إلى البصرة معهم جندهم واستعان بهم مصعب في القضاء
على المختار.
٤ : مضافا إلى ذلك فانه ليس من طريقة
تفكير علي عليهالسلام
ان يرغب بأهل الشام وقد وصفهم بقلة المعرفة والدين ومدح أهل العراق على علمهم ودينهم.
فهو القائل في رسالة إلى معاوية : (وليس
أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة).
والقائل في أهل الشام : (جفاة طغام ، عبيد
أقزام ، جمعوا من كل أوب ، وتلقطوا من كل شوب ، ممن ينبغي أن يفقه ويؤدب ، ويعلم
ويدرب ، ويولي عليه ، ويؤخذ على يديه ، ليسوا من المهاجرين والأنصار ، ولا من
الذين تبوؤوا الدار والايمان).
اما الجزء الآخر من الرواية الثانية وهو
الطعن في أهل الكوفة بما وصفهم فيه فيكفي ان راويها أبو معاوية الذي مرت ترجمته.
٥ : وقد روى الخطبة الشيخ الطوسي قال : أخبرني
جماعة ، عن أبي عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال : حدثنا محمد بن موسى ، قال
: حدثنا محمد بن سهل ، قال :
__________________
أخبرنا هشام ، قال : حدثني
أبو مخنف ، قال : حدثني الحارث بن حصيرة ، عن أبي صادق ، عن جندب بن عبد الله
الأزدي ، قال : قام علي بن أبي طالب عليهالسلام
في الناس ليستنفرهم إلى أهل الشام ، وذلك بعد انقضاء المدة التي كانت بينه وبينهم
، وقد شن معاوية على بلاد المسلمين الغارات ، فاستنفرهم بالرغبة في الجهاد والرهبة
فلم ينفروا ، فأضجره ذلك فقال :
أيها الناس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة
أهواؤهم ، ما عزت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم ، كلامكم يوهن الصم
الصلاب ، وتثاقلكم عن طاعتي يطمع فيكم عدوكم ، إذا أمرتكم قلتم : كيت وكيت ، وليت
وعسى ، أعاليل أباطيل ، وتسألوني التأخير دفاع ذي الدين المطول ، هيهات هيهات ، لا
يدفع الضيم الذليل ، ولا يدرك الحق إلا بالجد والصبر. أي دار بعد داركم تمتعون ، ومع
أي إمام بعدي تقاتلون؟! المغرور والله من غررتموه ، ومن فاز لكم فاز بالسهم الأخيب
، أصبحت لا أطمع في نصرتكم ، ولا أصدق قولكم ، فرق الله بيني وبينكم ، وأعقبني بكم
من هو خير لي منكم.
أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا ، وسيفا
قاطعا ، وأثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة ، تفرق جماعتكم ، وتبكي عيونكم ، وتمنون
عما قليل أنكم رأيتموني فنصرتموني ، وستعرفون ما أقول لكم عما قليل ، ولا يبعد
الله إلا من ظلم. قال : فكان جندب لا يذكر هذا الحديث إلا بكى ، وقال : صدق والله
أمير المؤمنين عليهالسلام
، قد شملنا الذل ، ورأينا الأثرة ، ولا يبعد الله إلا من ظلم.
ولا يوجد فيها تمنية ان يصارف عشرة من
اهل الكوفة بواحد من اهل الشام ولا شعر الاعشى.
ومع ذلك فان الرواية محرفة ايضا.
والصحيح منها هو قوله عليهالسلام
(أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا ، وسيفا قاطعا ، وأثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة
، تفرق جماعتكم ، وتبكي عيونكم).
__________________
٦ : وقد رواها ايضا الشريف الرضي في نهج
البلاغة : قال وقد تواترت عليه الأخبار ـ بالاستيلاء أصحاب معاوية على البلاد وقدم
عليه عاملاه على اليمن وهما عبيد الله بن عباس وسعيد بن نمران لما غلب عليهما بسر
بن أبي أرطاة فقام عليهالسلام
على المنبر ضجراً بتثاقل أصحابه عن الجهاد ومخالفتهم له في الرأي فقال مَا هِيَ
إلَّا الْكُوفَةُ أَقْبِضُهَا وأَبْسُطُهَا ـ إِنْ لَمْ تَكُونِي إِلَّا أَنْتِ
تَهُبُّأَعَاصِيرُكِ فَقَبَّحَكِ الله ـ وتَمَثَّلَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ :
لَعَمْرُ أَبِيكَ الْخَيْرِ يَا
عَمْرُو إِنَّنِي
|
|
عَلَى وَضَرٍ مِنْ ذَا الإِنَاءِ
قَلِيلِ
|
ثُمَّ قَالَ عليهالسلام أُنْبِئْتُ بُسْراً
قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ ـ وإِنِّي والله لأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ
سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ وتَفَرُّقِكُمْ عَنْ
حَقَّكُمْ ، وبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي الْحَقِّ وطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ
فِي الْبَاطِلِ ، وبِأَدَائِهِمُ الأَمَانَةَ إِلَى صَحِبِهِمْ وخِيَانَتِكُمْ ، وبِصَلَاحِهِمْ
فِي بِلَادِهِمْ وفَسَادِكُمْ ، فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ ، لَخَشِيتُ
أَنْ يَذْهَبَ بِعِلَاقَتِه ، اللهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ ومِلُّونِي
وسَئِمْتُهُمْ وسَئِمُونِي ، فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وأَبْدِلْهُمُ
بِي شَرّاً مِنِّي ، اللهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمِلْحُ فِي
الْمَاءِ ، أَمَا والله لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِسٍ ، مِنْ بَنِي
فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ ، هُنَالِكَ لَوْ دَعَوْتَ أَتَاكَ مِنْهُمْ فَوَارِسُ مِثْلُ
أَرْمِيَةِ الحَمِيمِ ، ثم نزل عليهالسلام
من المنبر.
قال السيد الشريف : أقول الأرمية جمع
رميّ وهو السحاب والحميم ها هنا وقت الصيف وإنما خص الشاعر سحاب الصيف بالذكر لأنه
أشد جفولا وأسرع خفوفا لأنه لا ماء فيه وإنما يكون الصحاب ثقيل السير لامتلائه
بالماء وذلك لا يكون في الأكثر إلا زمان الشتاء وإنما أراد الشاعر وصفهم بالسرعة
إذا دعوا والإغاثة إذا استغيثوا.
وهذه الخطبة موضوعة ايضا على لسانه عليهالسلام فقد رواها المسعودي
قال حدثنا المنقري ، قال : حدثنا عبد العزيز بن الخطاب الكوفي ، قال : حدثنا فضيل
بن مرزوق ، قال : لما غلب بُسر بن ارطاة على اليمن ، وكان من قبله لابني عبيد الله
بن عباس ـ وكان لأهل مكة والمدينة واليمن ـ ما كان ، قام علي بن أبي طالب رضياللهعنه خطيباً فحمد الله
واثنى عليه ، وصلى على نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم
، ثم قال : ان بسر بن ارطاة قد غلب على اليمن ، والله ما أرى هؤلاء القوم الا
سيغلبون على ما في
__________________
أيديكم ، وما ذلك بحق
في أيديهم ، ولكن بطاعتهم واستقامتهم لصاحبهم ، ومعصيتكم لي ، وتناصرهم وتخاذلكم ،
واصلاح بلادهم وافساد بلادكم ، وتا لله يا أهل الكوفة لوددت اني صرفتكم صرف
الدنيانير العشرة بواحد ، ثم رفع يديه فقال : اللهم اني قد مللتهم وملوني ، وسئمتهم
وسئموني ، فابدلني بهم خيراً منهم ، وابدلهم بي شراً مني ، اللهم عجل عليهم بالغلام
الثقفي الذيال الميال ، يأكل خضرتها ، ويلبس فروتها ، ويحكم فيها بحكم الجاهلية : لا
يقبل من محسنها ، ولا يتجاوز عن مسيئها.
وآفة الرواية هو فضيل بن مرزوق :
قال ابن حجر : فضيل بن مرزوق الأغر
بالعجمة والراء الرقاشي الكوفي أبو عبد الرحمن صدوق يهم ورمي بالتشيع من السابعة
مات في حدود سنة ستين.
وقال الذهبي : فضيل بن مرزوق الكوفي.
وثقه سفيان بن عيينة ، وقال النسائي ، ضعيف ، وكذا ضعفه عثمان بن سعيد ، قلت : وكان
معروفا بالتشيع من غير سب.
قال المزي : وذكره ابن حبان في (الثقات)
وقال : كان ممن يخطئ. وذكره في (المجروحين) أيضا وقال : منكر الحديث جدا ، كان ممن
يخطئ على الثقات ، ويروي عن عطية الموضوعات ، وعن الثقات الأشياء المستقيمة فاشتبه
أمره ، والذي عنده أن كل ما روى عن عطية المناكير يلزق ذلك كله بعطية ويبرأ فضيل
منها ، وفيما وافق الثقات من الروايات عن الاثبات يكون محتجا به.
أقول
: لنا تعليقتان على ما ذكروه في ترجمته :
الاولى
: حول ما ذكره ابن حبان (ان ما رواه فضيل
عن عطية من مناكير تلزق بعطية) ، أقول
ان هذه المناكير من قبيل :
ما رواه ابن عساكر قال : أخبرنا أبو بكر
محمد بن الحسين أنا أبو الحسين بن المهتدي أنا علي بن عمر بن محمد الحربي نا أبو
حبيب العباس بن محمد بن أحمد بن
__________________
محمد البري نا ابنت
بنت السدي يعني إسماعيل بن موسى أنا عمرو بن سعيد البصري عن فضيل بن مرزوق عن أبي
سخيلة عن سلمان وأبي ذر قالا أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
بيد علي فقال إلا إن هذا أول من امن بي وهذا أول من يصافحني يوم القيامة وهذا
الصديق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل وهذا يعسوب المؤمنين
والمال يعسوب الظالمين.
وما رواه عن أبي القاسم بن السمرقندي
قال : أنا أبو الحسين عاصم بن الحسن أنا أبو عمر بن مهدي أنا أبو العباس بن عقدة
نا محمد بن أحمد بن الحسن القطواني نا مخلد بن شداد نا محمد بن عبيد الله عن أبي
سخيلة قال حججت أنا وسلمان فنزلنا بأبي ذر فكنا عنده ما شاء الله فلما حان منا
حفوف قلت يا أبا ذر إني أرى أمورا قد حدثت واني خائف أن يكون في الناس اختلاف فإن
كان ذلك فما تأمرني قال الزم كتاب الله عز وجل وعلي بن أبي طالب فأشهد أني سمعت
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول علي أول من امن بي وأول من يصافحني يوم القيامة وهو الصديق الأكبر وهو
الفاروق يفرق بين الحق والباطل.
وما رواه عن عبد الله بن الحسن الخلال
أنا أبو محمد الحسن بن الحسين نا علي بن عبد الله بن مبشر نا محمد بن حرب نا علي
بن يزيد الصدائي عن فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال انقطع
شسع رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فتخلف عليه علي يخصفها لشسع فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
إن منكم من يقاتل على تأويل القران كما قاتلت على تنزيله فاستشرف الناس أبا بكر
وعمر فقال ليس بهما ولكن خاصف النعل فذهبنا إلى علي فبشرناه بما قال فلم يرفع
بقولنا رأسا كأنه شئ قد سمعه.
الثانية
: حول توثيقه ، فان الاصل فيهي هو سفيان
بن عيينة سيد الناس برأي الخليفة هارون العباسي وهو امام مكة على عهده وعهد ابيه
المهدي ، وابن عيينة لا
__________________
يوثق احدا من الشيعة
الا ان يكون على نهجه في معاداتهم ، وقد كان فضيل من الشيعة بالمعنى العام للتشيع
بمعنى انه يفضل عليا على غيره من دون سب ، ثم اخذ يروى ضد شيعة الامام الصادق ما
يوافق هوى العباسيين وقد روى ابن عساكر نماذج منها :
قال ابن عساكر : أخبرنا أبو بكر محمد بن
عبد الباقي نا أبو محمد الحسن بن علي إملاء أنا علي بن عمر بن أحمد الحافظ نا أحمد
بن محمد بن إسماعيل الأدمي نا الفضل بن سهل نا أبو أحمد الزبيري نا فضيل بن مرزوق
قال سمعت حسن يقول لرجل من الرافضة والله لئن أمكن الله منكم لنقطعن أيديكم
وأرجلكم من خلاف ولا تقبل لكم توبة.
وقال : أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن
أنا الحسن بن علي أنا أبو الفضل عبيد الله بن عبدالرحمن بن محمد الزهري نا عبد
الله بنإسحاق المدائني نا الحسن نا يزيد بن هارون عن فضيل قال سمعت الحسن بن الحسن
يقول لرجل من الرافضة إن قتلك لقربة إلى الله عز وجل فقال له الرجل إنك تمزح فقال
والله ما هذا بمزاح ولكنه مني الجد.
وقال : أخبرنا أبو الحسن بن الفراء وأبو
غالب وأبو عبد الله ابنا البنا قالوا أنا أبو جعفر بن المسلمة أنا أبو طاهر المخلص
نا أحمد بن سليمان نا الزبير قال وحدثني عمي مصعب بن عبد الله ، قال كان الفضيل بن
مرزوق يقول سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل يغلو فيهم ويحكم أحبونا الله فإن أطعنا
الله فأحبونا فإن عصينا فابغضوا فلو كان الله نافعا أحدا بقرابته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم بغير طاعة الله لنفع
بذلك أباه وأمه قولوا فينا الحق فإنه أبلغ فيما تريدون ونحن نرضى به منكم.
وقال : أخبرنا أبو عبد الله الفراوي أنا
أبو بكر البيهقي أنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى أنا أبو عبد الله محمد بن
يعقوب نا محمد بن عبد الوهاب نا جعفر بن عون أنا فضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن بن
الحسن وسأله رجل ألم يقل رسول الله صلىاللهعليهوسلم
من كنت مولاه فعلي مولاه ، قال لي بلى والله لو يعني بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم الإمارة والسلطان
لأفصح لهم بذلك فإن رسول الله (صلى الله
__________________
عليه وسلم) كان أنصح
للمسلمين لقال يا أيها الناس هذا ولي أمركم والقائم عليكم من بعدي فاسمعوا له
وأطيعوا والله لئن كان الله ورسوله اختار عليا لهذا الأمر وجعله القائم للمسلمين
من بعده ثم ترك علي أمر الله ورسوله لكان علي أول من ترك أمر الله وأمر رسوله قال
البيهقي ورواه شبابة بن سوار عن الفضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن بن الحسن أخا عبد
الله بن الحسن وهو يقول لرجل ممن يتولاهم فذكر قصة ثم قال ولو كان الأمر كما يقولون
إن الله ورسوله اختار عليا لهذا الأمر وللقيام على الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم إن كان علي لأعظم
الناس خطيئة وجرما في ذلك إذ ترك أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يعني فلم يمض لما أمره أو يعذر فيه إلى الناس قال فقال له الرافضي ألم يقل رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
من كنت مولاه فعلي مولاه فقال أما والله إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لو كان يعني ب ذلك
الإمرة والسلطان والقيام على الناس بعده لأفصح لهم بذلك كما أفصح لهم بالصلاة
والزكاة وصيام رمضان وحج البيت ولقال لهم إن هذا ولي أمركم من بعدي فاسمعوا له
وأطيعوا فما كان من وراء هذا شئ فإن أفصح الناس كان للمسلمين رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
ومما وضعه في فضائل الخلفاء :
قال ابن عساكر ، أخبرنا أبو الفضل
الفضيلي نا أبو القاسم الخليلي أنا أبو القاسم الخزاعي أنا الهيثم بن كليب الشاشي
نا الحسن بن علي بن عفان العامري نا زيد بن الحباب نا فضيل بن مرزوق الأغر الرقاشي
أنا أبو إسحاق عن زيد بن يثيع عن علي قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إن تولوا أبا بكر
تجدوه زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة وإنتولوا عمر تجدوه قويا أمينا لا يأخذه في
الله لومة لائم وإن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق.
قال ابن عساكر اخبرنا زكريا يحيى بن
إسماعيل بن يحيى بن زكريا نا عبد الله بن محمد بن الحسن نا عبد الله ابن هاشم بن
حيان العبدي نا وكيع نا فضيل بن مرزوق
__________________
عن رجل من الأنصار عن
أنس ابن مالك قال قال النبي صلىاللهعليهوسلم
دعوا لي أصحابي وأصهاري.
اما بنو فراس بن
غَنْم :
فقد قال ابن أبي الحديد في شرح الفقرة :
(وبنو فراس بن غنم بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وهم بنو فراس بن غنم بن
ثعلبة بن مالك بن كنانة
حي مشهور بالشجاعة منهم علقمة بن فراس وهو جذل الطعان ، ومنهم ربيعة بن مكدم بن
حدثنا بن جذيمة بن علقمة بنفراس الشجاع المشهور حامي الظعن حيا وميتا ولم يحم
الحريم وهو ميت أحد غيره. عرض له فرسان من بني سليم ومعه ظعائن من أهله يحميهم
وحده فطاعنهم فرماه نبيشة بن حبيب بسهم أصاب قلبه فنصب رمحه في الأرض واعتمد عليه
وهو ثابت في سرجه لم يزل ولم يمل وأشار إلى الظعائن بالرواح ، فسرن حتى بلغن بيوت
الحي وبنو سليم قيام إزاءه لا يقدمون عليه ويظنونه حيا حتى قال قائل منهم : إني لا
أراه إلا ميتا ولو كان حيا لتحرك ، إنه والله لماثل راتب على هيئة واحدة لا يرفع
يده ولا يحرك رأسه ، فلم يقدمأحد منهم على الدنو منه حتى رموا فرسه بسهم فشب من
تحته [أي رفع يديه] فوقع وهو ميت وفاتتهم الظعائن.
قال ابن ابي الحديد : قال القطب
الراوندي : بنو فراس بن غنم هم الروم ، وليس بجيد والصحيح ما ذكرناه.
ونظير هذا الطعن نجده في خطب أخرى كما
في الخطبة الآتية.
__________________
النموذج الثاني : خطبة يرويها الشيخي
المفيد تنسب
إلى علي عليهالسلام
فيها طعن على أهل الكوفة
روى الشيخ المفيد خطبة لأمير المؤمنين
علي عليهالسلام
حذف السند وهي :
أيها الناس ، إني استنفرتكم لجهاد هؤلاء
القوم فلم تنفروا ، وأسمعتكم فلم تجيبوا ، ونصحت لكم فلم تقبلوا ، شهود كالغُيَّب
، أتلو عليكم الحكمة فتعرضون عنها ، وأعظكم بالموعظة البالغة فتتفرقون عنها ، كأنكم
حمر مستنفرة فرت من قسورة ، وأحثكم على جهاد أهل الجور فما أتي على آخر قولي حتى
أراكم متفرقين أيادي سبأ ، ترجعون إلى مجالسكم تتربعون حلقا ، تضربون الأمثال ، وتناشدون
الأشعار ، وتجسسون الأخبار ، حتى إذا تفرقتم تسألون عن الأسعار ، جهلة من غير علم
، وغفلة من غير ورع ، وتتبعا في غير خوف ، نسيتم الحرب والاستعداد لها ، فأصبحت
قلوبكم فارغة من ذكرها ، شغلتموها بالأعاليل والأباطيل.
العجب كل العجب وما لي لا أعجب من
اجتماع قوم على باطلهم ، وتخاذلكم عن حقكم!
يا أهل الكوفة ، أنتم كأم مجالد ، حملت
فأملصت ، فمات قيمها ، وطال تأيمها ، وورثها أبعدها.
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إن من
ورائكم للأعور الأدبر جهنم الدنيا لا يبقي ولا يذر ، ومن بعده النهاس الفراس
الجموع المنوع ، ثم ليتوارثنكم من بني أمية عدة ، ما الآخر بأرأف بكم من الأول ، ما
خلا رجلا واحدا ، (بلاء قضاه الله) على هذه الأمة لا محالة كائن ، يقتلون خياركم ،
ويستعبدون أراذلكم ، ويستخرجون كنوزكم وذخائركم من جوف حجالكم ، نقمة بما ضيعتم من
أموركم وصلاح أنفسكم ودينكم.
يا
أهل الكوفة ، أخبركم بما يكون قبل أن يكون ، لتكونوا منه على حذر ، ولتنذروا به من
اتعظ واعتبر.
كأني بكم تقولون : إن عليا يكذب ، كما
قالت قريش لنبيها ـ صلىاللهعليهوآله
ـ وسيدها نبي الرحمة محمد بن عبد الله حبيب الله ، فيا ويلكم ، أفعلى من أكذب؟!
أعلى الله ، فأنا أول
من عبده ووحده ، أم على رسوله ، فأنا أول من آمن به وصدقهونصره! كلا ، ولكنها لهجة
خدعة كنتم عنها أغبياء. والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لتعلمن نبأه بعد حين ، وذلك
إذا صيركم إليها جهلكم ، ولا ينفعكم عندها علمكم.
فقبحا لكم يا أشباه الرجال ولا رجال ، حلوم
الأطفال وعقول ربات الحجال
، أم والله أيها الشاهدة أبدانهم ، الغائبة عنهم عقولهم ، المختلفة أهواؤهم ، ما
أعز الله نصر من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم ، ولا قرت عين من آواكم ، كلامكم
يوهي الصم ، الصلاب ، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم المرتاب. يا ويحكم ، أي دار بعد
داركم تمنعون! ومع أي إمام بعدي تقاتلون!
المغرور ـ والله ـ من غررتموه ـ من فاز
بكم بالسهم الأخيب ، أصبحت لا أطمع في نصركم ، ولا أصدق قولكم ، فرق الله بيني
وبينكم ، وأعقبني بكم من هو خير لي منكم ، وأعقبكم من هو شر لكم مني. إمامكم يطيع
الله وأنتم تعصونه ، وإمام أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه ،
والله لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف
الدينار بالدرهم ، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني واحدا منهم.
والله لوددت أني لم أعرفكم ولم تعرفوني
، فإنها معرفة جرت ندما.
لقد وريتم صدري غيظا ، وأفسدتم علي أمري
بالخذلان والعصيان ، حتى لقد قالت قريش : إن عليا رجل شجاع لكن لا علم له بالحروب
، لله درهم ، هل كان فيهم أحد أطول لها مراسا مني! وأشهد لها مقاساة! لقد نهضت
فيها وما بلغت العشرين ، ثم ها أنا ذا قد ذرفت على الستين ، لكن لا أمر لمن لا
يطاع.
أم والله ، لوددت أن ربي قد أخرجني من
بين أظهركم إلى رضوانه ، وإن المنية لترصدني فما يمنع أشقاها أن يخضبها ـ وترك يده
على رأسه ولحيته ـ عهد عهده إلي النبي الأمي وقد خاب من افترى ، ونجا من اتقى وصدق
بالحسنى.
يا أهل الكوفة ، دعوتكم إلى جهاد هؤلاء
ليلا ونهارا وسرا وإعلانا ، وقلت لكم اغزوهم ، فإنه ما غزي قوم في عقر دارهم إلا
ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم ، وثقل
__________________
عليكم قولي ، واستصعب
عليكم أمري ، واتخذتموه وراءكم ظهريا ، حتى شنت عليكم الغارات ، وظهرت فيكم
الفواحش والمنكرات تمسيكم وتصبحكم ، كما فعل بأهل المثلات من قبلكم ، حيث أخبر
الله تعالى عن الجبابرة والعتاة الطغاة ، والمستضعفين الغواة ، في قوله تعالى (يذبحون
أبناءكم ، ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) " أم والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة ، لقد حل بكم الذي توعدون ، عاتبتكم ـ يا أهل الكوفة ـ بمواعظ القرآن
فلم أنتفع بكم ، وأدبتكم بالدرة فلم تستقيموا ، وعاقبتكم بالسوط الذي يقام به
الحدود فلم ترعووا
، ولقد علمت أن الذي يصلحكم هو السيف ، وما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي ، ولكن
سيسلط عليكم من بعدي سلطان صعب ، لا يوقر كبيركم ، ولا يرحم صغيركم ، ولا يكرم
عالمكم ، ولا يقسم الفيء بالسوية بينكم ، وليضربنكم ويذلنكم ويجمرنكم
في المغازي ويقطعن سبيلكم ، وليحجبنكم على بابه ، حتى يأكل قويكم ضعيفكم ، ثم لا
يبعد الله إلا من ظلم منكم ، ولقلما أدبر شيء ثم أقبل ، وإني لأظنكم في فترة ، وما
في إلا النصح لكم.
يا أهل الكوفة ، منيت منكم بثلاث
واثنتين صم ذووا أسماع ، ولكم ذوو ألسن ، وعمي ذوو أبصار ، لا إخوان صدق عند
اللقاء ، ولا إخوان ثقة عند البلاء.
اللهم إني قد مللتهم وملوني ، وسئمتهم
وسئموني. اللهم لا ترض عنهم أميرا ولا ترضهم عن أمير ، وأمث قلوبهم كما يماث الملح
في الماء.
أم والله ، لو أجد بدا من كلامكم
ومراسلتكم ما فعلت ، ولقد عاتبتكم في رشدكم حتى لقد سئمت الحياة ، كل ذلك تراجعون
بالهزء من القول فرارا من الحق ، وإلحادا
إلى الباطل الذي لا يعز الله بأهله الدين ، وإني لأعلم أنكم لا تزيدونني غير تخسير
، كلما أمرتكم بجهاد عدوكم اثاقلتم إلى الأرض ، وسألتموني التأخير دفاع ذي الدين
المطول. إن قلت لكم في القيظ : سيروا ، قلتم : الحر شديد ، وإن قلت لكم في البرد :
سيروا ، قلتم : القر شديد ، كل ذلك فرارا عن الجنة. إذا كنتم عن الحر والبرد
__________________
تعجزون ، فأنتم عن
حرارة السيف أعجز ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
يا أهل الكوفة ، قد أتاني الصريخ يخبرني
أن أخا غامد
قد نزل الأنبار على أهلها ليلا في أربعة آلاف ، فأغار عليهم كما يغار على الروم
والخزر ، فقتل بها عاملي ابن حسان وقتل معه رجالا صالحين ذوي فضل وعبادة ونجدة ، بوأ
الله لهم جنات النعيم ، وإنه أباحها ، ولقد بلغني أن العصبة من أهل الشام كانوا
يدخلون على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة ، فيه تكون سترها ، ويأخذون القناع من
رأسها ، والخرص
من أذنها ، والأوضاح
من يديها ورجليها وعضديها ، والخلخال والمئزر من سوقها ، فما تمتنع إلا بالاسترجاع
والنداء : يا للمسلمين ، فلا يغيثها مغيث ، ولا ينصرها ناصر. فلو أن مؤمنا مات من
دون هذا أسفا ما كان عندي ملوما ، بل كان عندي بارا محسنا.
واعجبا كل العجب ، من تضافر هؤلاء القوم
على باطلهم وفشلكم عن حقكم! قد صرتم غرضا يرمى ولا ترمون ، وتغزون ولا تغزون ، ويعصى
الله وترضون ، تربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها ، كلما اجتمعت من جانب
تفرقت من جانب " .
أقول
: والتأمل في فقرات هذه الخطبة يكشف عن
تجميعها من روايات مختلفة ، وقد ورد كثير من فقراتها مسندا في مصادر أخرى وفي
اسانيدها رجال غير مؤتمنين على أهل الكوفة كما بينا.
أورد قسما منها الشريف الرضي في المختار
من خطب الإمام علي ولم يكن همه رحمهالله
حين اختار من الخطب والرسائل التحقيق ، ومن المؤسف انه لم يورد مصادر ولا أسانيد
مختاراته ، ولكن الباحث لا يعسر عليه ان يجد اسانيدها في هذا المصدر أو ذاك
، ومن خلال مقارنتها بعضها مع بعض يستطيع الباحث ان يحكم على الاصيل
__________________
من الدخيل من كلامه عليهالسلام وبخاصة عندما
يستريبه فقرة أو اكثر من الخطبة لمخالفتها المعروف والثابت من سيرته عليهالسلام.
وفيما يلي بعض روايات مسندة أخرى تضمنت
الفقرات الآنفة الذكر :
منها ما رواه البلاذري عن حدثني يحيى بن
معين ، حدثنا سليمان أبو داود الطيالسي أنبأنا شعبة ابن الحجاج ، أنبأنا محمد بن
عبيد الله الثقفي ، قال : سمعت أبا صالح يقول : شهدت عليا ووضع المصحف على رأسه
حتى سمعت تقعقع الورق! فقال : اللهم إني سألتهم ما فيه فمنعوني ذلك! اللهم إني قد
مللتهم وملوني ، وأبغضتهم وأبغضوني وحملوني على غير خلقي وعلى أخلاق لم تكن تعرف
لي! فأبدلني بهم خيرا لي منهم ، وأبدلهم بي شرا مني ، ومث قلوبهم ميث الملح في
الماء.
وفي سند الرواية أبو داود الطيالسي
البصري وشيخه شعبة وكلاهما بصريان متهمان في أهل الكوفة.
مضافا إلى انها تخالف المعروف عن أهل
الكوفة ، فانهم لم يبغضوا عليا ، كيف وقد شهد معاوية بحبهم له ووفائهم له بقوله : هيهات
يا أهل العراق والله لوفاؤكم له اعجب إلي من حبكم له في حياته ، فضلا عن دفعهم
الثمن غاليا واثروا قطع الايدي والقتل والسجن على البراءة منه.
ومنها أيضا رواية أبي الفرج في كتابه
الاغاني قال فحدثني العباس بن علي بن العباس النسائي ، قال : حدثنا محمد بن حسان
الأزرق ، قال : حدثنا شبابة بن سوار
، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن عمرو بن قيس ، عن أبي صادق قال :
__________________
أغارت خيل لمعاوية
على الأنبار ، فقتلوا عاملا لعلي عليهالسلام
يقال له حسن بن حسان ، وقتلوا رجالا كثيرا ونساءا ، فبلغ ذلك علي بن أبي طالب
صلوات الله عليه ، فخرج حتى أتى المنبر ، فرقيه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على
النبي صلىاللهعليهوسلم
ثم قال :
إن الجهاد باب من أبواب الجنة ، فمن
تركه ألبسه الله ثوب الذلة ، وشمله البلاء وديث بالصغار ، وسيم الخسف! وقد قلت لكم
اغزوهم قبل أن يغزو بكم ، فإنه لم يغز قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا! فتواكلتم
وتخاذلتم وتركتم قولي وراءكم ظهريا حتى شنت عليكم الغارات ، هذا أخو غامد قد جاء
الأنبار فقتل عاملي عليها حسان بن حسان ، وقتل رجالا كثيرا ونساء ، والله لقد
بلغني أنه كان يأتي المرأة المسلمة ، والأخرى المعاهدة فينزع حجلها ورعائها ثم
ينصرفون موفورين لم يكلم أحد منهم كلما فلو أن امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا لم
يكن عليه ملوما ، بل كان به جديرا! يا عجبا ـ عجبا يميت القلب ويشعل الأحزان؟! ـ
من اجتماع هؤلاء القوم على ضلالتهم وباطلهم وفشلكم عن حقكم! حتى صرتم غرضا ، ترمون
ولا ترمون وتغزون ولا تغزون ، ويعصى الله وترضون! إذا قلت لكم اغزوهم في الحر قلتم
: هذه حمارة القيظ فأمهلنا وإذا قلت لكم اغزوهم في البرد قلتم : هذا أوان قر وصر
فأمهلنا فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون فأنتم والله من السيف أشد فرارا! يا أشباه
الرجال ـ ولا رجال ـ ويا طغام الأحلام وعقول ربات الحجال.
وددت والله أني لم أعرفكم ، بل وددت أني
لم أركم! معرفة والله جرعت بلاء وندما؟! وملأتم جوفي غيظا بالعصيان والخذلان ، حتى
لقد قالت قريش : إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب! ويحهم! هل فيهم [أحد])
أشد مراسا لها
__________________
مني ، والله لقد دخلت
فيها وأنا ابن عشرين ، وأنا الآن قد نيفت على الستين ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع.
فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين
أنا كما قال الله تعالى (لا أملك إلا لنفسي وأخي) [٢٥ / المائدة] فمرنا بأمرك
فوالله لنعطينك ولو حال بيننا وبينك جمر الغضى وشوك القتاد ، قال : وأين تبلغان
مما أريد؟ ـ [قال لهما] : هذا أو نحوه ـ ثم نزل [عليهالسلام].
قال العلامة المحقق المحمودي بعد ان
أورد الخطبة بالسند السابق يذكر المصادر :
ذكرها ابو الفرج تحت عنوان : (أخبار أم
حكيم ومقتل ابني عبيد الله بن العباس) من كتاب الأغاني : ج ١٥ ، ص ٢٦٦ ط تراثنا.
وذكرها أيضا السيد الرضي رحمهالله في المختار : (٢٧) من
خطب النهج ،
وذكرها قبله المبرد ، في كتاب الكامل : ج
١ ، ص ١٩.
وذكرها جماعة آخرون كقالضي النعمان في
دعائم الإسلام : ج ١ ، ص ٣٩٠ وغيره.
وذكره البلاذري أيضا في الحديث : (٤٩٠) من
ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف : ج ١ ص ٤١٨. وفي الطبعة الأولى : ج ٢ ص
٤٤٢.
ورواه ابن عبد ربه أيضا في العقد الفريد
: ج ٢ ص ٣٥٣ وفي ط : ج ٤ ص ١٣٦.
وذكره الدينوري أيضا قبيل مقتله عليهالسلام من كتاب الأخبار
الطوال ص ٢١١.
ولها مصادر أخر ...
والقاري الكريم يلاحظ في السند شبابة
وقد أوردنا ترجمته في هذا الكتاب انظر هامش الصفحة رقم ٤٢٩ ، وهو معروف بعدائه
لأهل البيت فضلا عن شيعتهم.
أقول :
نحن لا ننفي ان تكون هناك كلمات عتب
وتوبيخ لقسم من الكوفيين وبخاصة
__________________
في الفترة ما قبل
معركة النهروان حيث استطاع الخوارج ان يوجدوا نوعا من الشلل العام في المجتمع ولم
تكن سياسة علي عليهالسلام
استعمال القوة في قمع المناقشات التي كان يصيرها الخوارج ضده املا منه ان يثوب إلى
رشده من يثوب منهم ، وهذه الأحاديث والتوبيخات تخلوا من الطعن الذي اشتملت عليه
الخطب السابقة ونموذجه ما أورده صاحب كتاب الغارات بسنده : ورواه المحمودي في
كتابه نهج السعادة
: عن إبراهيم بن محمد الثقفي رحمهالله
عن إسماعيل بن أبان الأزدي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن رفيع بن فرقد البجلي
قال : سمعت عليا عليهالسلام
يقول :
ألا ترون يا معاشر أهل الكوفة؟ والله
لقد ضربتكم بالدرة التي أعظ بها السفهاء فما أراكم تنتهون ، ولقد ضربتكم بالسياط
التي أقيم بها الحدود فما أراكم ترعوون فما بقي إلا [أن أضربكم] بسيفي وإني لأعلم
الذي يقومكم بإذن الله ، ولكني لا أحب أن آتي ذلك منكم.
والعجب منكم ومن أهل الشام؟ إن أميرهم
يعصي الله وهم يطيعونه ، وإن أميركم يطيع الله وأنتم تعصونه!
إن قلت لكم : انفروا إلى عدوكم [في أيام
الصيف قلتم : هذه حمارة القيظ أمهلنا يسلخ عنا الحر ، وإذا قلت لكم : انفروا إليهم
في الشتاء] قلتم : القر يمنعنا. أفترون [أن] عدوكم لا يجدون [الحر] والقر كما
تجدونه؟! ولكنكم أشبهتم قوما قال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله
: انفروا في سبيل الله. فقال [لهم] كبراؤهم : لا تنفروا في الحر. فقال الله لنبيه
: (قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون) [٨١ / التوبة].
والله لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا
على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بحذافيرها على الكافر ما أحبني! وذلك
إنه قضى ما قضى على لسان النبي الأمي : أنه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك كافر
وقد خاب من حمل ظلما وافترى.
يا معاشر أهل الكوفة والله لتصبرن على
قتال عدوكم أو ليسلطن الله عليكم قوما أنتم أولى بالحق منهم فليعذبنكم ، أفمن قتلة
بالسيف تحيدون إلى موتة على الفراش؟
__________________
فأشهد أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله [يقول : والله] لموتة
على الفراش أشد من ضربة ألف سيف! ، أخبرني به جبرئيل. فهذا جبرئيل يخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله بما تسمعون .
أقول :
والقارئ الكريم يجد الخطبة خالية من
كلمات الطعن الآنفة الذكر ، ونسق التوبيخ ينسجم مع حالة الشلل اوجدها الخوارج في
المجتمع وقد تربوا على منهج الخلفاء ولم ينفتحوا على منهج علي عليهالسلام على الرغم من
معرفتهم ان منهجه هو منهج النبي صلىاللهعليهوآله
وان منهج الخلفاء هو منهج انفسهم مخالفين فيه سنة النبي صلىاللهعليهوآله والدولة التي منحتهم
حرية التعبير عن آرائهم.
النموذج الثالث : ما رواه ابن عساكر في
تاريخ مدينة دمشق ج ١٢ ص ١٦٩
قال وأنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ
أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الصنعاني بمكة أنبأنا إسحاق بن إبراهيم نبأنا عبد
الرزاق أخبرنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار عن الحسن قال : قال علي لأهل
الكوفة اللهم كما ائتمنتهم فخانوني ونصحت لهم فغشوني فسلط عليهم فتى ثقيف الذيال
الميال يأكل خضرتها ويلبس فروتها ويحكم فيها بحكم الجاهلية ، قال يقول الحسن وما
خلق الله الحجاج يومئذ انتهى
أقول :
والرواية التي يرويها القاضي النعمان
الذي اشار اليه المحمودي رحمهالله
تشير إلى ان هذه الكلمات في أهل البصرة وليس أهل الكوفة كما في الخبر الآتي :
روى القاضي النعمان عن رجل من أهل
البصرة قال : قال علي عليهالسلام
ـ على المنبر ـ : يا أهل البصرة ، إن كنت قد أديت لكم الأمانة ونصحت لكم بالغيب ،
__________________
واتهمتموني ، وكذبتموني
، فسلط الله عليكم فتى ثقيف.
فقام رجل ، فقال له : يا أمير المؤمنين
، وما فتى ثقيف؟ قال : رجل لا يدع الله حرمة إلا انتهكها ، به داء يعتري الملوك ، لو
لم تكن إلا النار لدخلها.
وفي رواية أخرى عن الدغشي ، باسناده عن
الأصبغ بن نباتة ، قال : لما انهزم أهل البصرة قام فتى إلى علي صلوات الله عليه ، فقال
: ما بال ما في الأخبية لا تقسم؟ فقال علي عليهالسلام
: لا حاجة لي في فتوى المتعلمين. قال : ثم قام إليه فتى آخر. فقال مثل ذلك. فرد
عليه مثل ما ردَّ أولا». فقال له الفتى : أما والله ما عدلت. فقال له علي عليهالسلام : إن كنت كاذبا»
فبلغ الله بك سلطان فتى ثقيف.
ثم قال علي عليهالسلام : اللهم إني قد
مللتهم وملوني ، فأبدلني بهم ما هو خير منهم ، وأبدلهم بي ما هو شر لهم. قال
الأصبغ بن نباتة : فبلغ ذلك الفتى سلطان الحجاج ، فقتله.
أقول :
وليس من شك ان الفقرة ما قبل الأخيرة ان
صدق الراوي في ايرادها ، فهي دعوة على كثير من أهل البصرة حين نكثوا بيعته
واستجابوا لقريش الناكثة وقاتلوا عليا. ولا تصدق على أهل الكوفة لانه نصروه
وقاتلوا معه أهل البصرة ولولا نصرتهم له لكانت الأمور تتجه اتجاها آخر.
وقد ذكرهم علي أيضا بقوله :
(كنتم جند المرأة ، وأتباع البهيمة ، رغا
فأجبتم ، وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق ،
والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه ، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه ، كأني
بمسجدكم كجؤجؤ سفينة ، قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها ، وغرق من في
ضمنها. وفي رواية : وأيم الله ، لتغرقن بلدتكم ، حتى كأني أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ
سفينة ، أو نعامة جاثمة.
__________________
النموذج الرابع : رواية أبي مخنف وغيره
في تفرق الكوفيين
بعد النهروان بخلاف رواية أبي عوانة
التي تؤكد
اجتماع كلمة الكوفيين على علي عليهالسلام
قال البلاذري : وحدثني عباس بن هشام ، عن
أبيه ، عن لوط بن يحيى أبي مخنف : أن عمارة بن عقبة بن أبي معيط كتب إلى معاوية من
كوفة يعلمه أنه خرج على علي قراء أصحابه ونساكهم فسار إليهم فقتلهم فقد فسد عليه
جنده وأهل مصره ، ووقعت بينهم العداوة ، وترقوا أشد الفرقة.
أقول :
وقد روى الثقفي في الغارات قال : قال : أبو
مخنف عمن ذكره عن زيد بن وهب ان عليا قال للناس وهو أول كلام قال لهم بعد النهر :
أيها الناس استعدوا للمسير إلى عدو في
جهاده القربة إلى الله ودرك الوسيلة عنده ، حيارى في الحق ، جفاة عن الكتاب نكب عن
الدين ، يعمهون في الطغيان ويعكسون في غمرة الضلال ، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
ومن رباط الخيل ، وتوكلوا على الله وكفى بالله وكيلا وكفى بالله نصيرا.
قال : فلا هم نفروا ولا تيسروا فتركهم
أياما حتى إذا أيس من أن يفعلوا دعا رؤساءهم ووجوههم ، فسألهم عن رأيهم وما الذي
ينظرهم فمنهم المعتل ومنهم المكره وأقلهم من نشط.
فقام فيهم خطيبا فقال : عبد الله مالكم
إذا أمرتكم أن تنفروا اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة وبالذل
والهوان من العز؟! أو كلما ندبتكم إلى الجهاد دارت أعينكم كأنكم من الموت في سكرة
، وكأن قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون ، وكأن أبصاركم كمه فأنتم لا تبصرون لله
أنتم ما أنتم ..! الا أسود الشرى في الدعة وثعالب رواغة حين تدعون إلى البأس ، ما
أنتم لي بثقة لي بثقة سجيس الليالي ، ما أنتم يركب يُصال بكم ولا ذوي عز يعتصم
إليه ، لعمرو الله لبئس حشاش الحرب أنتم ، انكم تكادون ولا تكيدون ويتنقص أطرافكم
ولا تتحاشون ، ولا ينام عنكم وأنتم
في غفلة ساهون ، ان
أخا ـ الحرب اليقظان ذو عقل ، وبات لذل من وادع ، وغلب المتجادلون والمغلوب مقهور
ومسلوب.
ثم قال : أما بعد فان لي عليكم حقا ، وان
لكم علي حقا ، فأما حقكم علي فالنصيحة لكم ما صحبتكم ، وتوفير فيئكم عليكم ، وتعليمكم
كيما لا تجهلوا ، وتأديبكم كي تعلموا ، وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصح لي
في المغيب والمشهد ، والاجابة حين أدعوكم ، والطاعة حين آمركم ، فان يرد الله بكم
خيرا تنتزعوا عما أكره ، وتراجعوا إلى ما احب تنالوا ما تطلبون وتدركوا ما تأملون.
قال البلاذري : وحدثني هشام بن عمار
الدمشقي أبو الوليد [قال] : حدثني صدقة بن خالد ، عن زيد بن واقد ، عن أبيه ، عن
أشياخهم أن معاوية لما بويع وبلغه قتال علي أهل النهروان ، كاتب وجوه من معه
مثلالأشعث ابن قيس وغيره ووعدهم ومناهم وبذل لهم حتى مالوا إليه وتثاقلوا عن
المسيرمع علي عليهالسلام
، فكان يقول فلا يلتفت إلى قوله ، ويدعو فلا يسمع لدعوته!
فكان معاوية يقول : لقد حاربت عليا بعد
صفين بغير جيش ولا عناء ـ أو قال : ولا عتاد.
أقول :
في سند الرواية الأولى أبو مخنف وهو
متهم في أهل الكوفة من خلال كتابه مقتل الحسين ،
وفي سند الرواية الثانية هشام بن عمار
الدمشقي وأهل دمشق متهمون في أهل الكوفة وقال ابن حجر حدث باربعمائة حديث ليس لها
اصل.
مضافا إلى ذلك فهي معارضة بروايات أخرى
رواها البلاذري في ترجمة علي عليهالسلام
في رسالته إلى قيس بن سعد واليه على آذربايجان : ان الناس قد اجتمعت كلمتهم وليس
لنا شغل الا انتظارك.
قال البلاذري وحدثني أبو مسعود الكوفي ،
عن عوانة : أن عليا [عليهالسلام]
__________________
كتب إلى قيس ابن سعد [بن
عبادة] وهو عامله على آذربيجان : «أما بعد فاستعمل على عملك عبيد الله ابن شبيل
الأحمسي وأقبل فإنه قد اجتمع ملأ المسلمين وحسنت طاعتهم ، وانقادت لي جماعتهم ولا يكن
لك عرجة ولا لبث ، فإنا جادون معدون ، ونحن شاخصون إلى المحلين ، ولم أؤخر المسير
إلا انتظارا لقدومك علينا إن شاء الله والسلام.
وروى أيضا عن أبي مسعود قال : قال عوانة
: قال عمرو بن العاص ـ حين بلغه ما عليه على من الشخوص إلى الشام وأن أهل الكوفة
قد انقادوا له :
لا تحسبني يا علي غافلا
|
|
لأوردن الكوفة القبائلا
|
ستين ألفا فارسا وراجلا
فقال : علي :
لأبلغن العاصي بن العاصي
|
|
ستين ألفا عاقدي النواصي
|
مستحقبين حلق الدلاص
ويؤكد ذلك ما رواه سليم في كتابه من ان
الناس قد ازدادت بصيرتهم بعلي واستبصر عامة من كان يشك في ضلالة من خالفه.
النموذج الخامس : رواياتموضوعة على لسان
الحسن عليهالسلام
ضد الكوفيين نذكر منها
ما رواه الطبري قال : حدثني عبد الله بن
أحمد المروذي قال أخبرني أبي قال حدثنا سليمان قال حدثني عبد الله عن يونس (الايلي)
عن الزهري قال بايع أهل العراق الحسن بن علي بالخلافة فطفق يشترط عليهم الحسن إنكم
سامعون مطيعون تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت فارتاب أهل العراق في أمرهم حين
اشترط عليهم هذا الشرط وقالوا ما هذا لكم بصاحب وما يريد هذا القتال فلم يلبث
الحسن عليهالسلام
بعدما بايعوه إلا قليلا حتى طعن طعنة أشوته فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعرا
فكاتب
__________________
معاوية وأرسل إليه
بشروط قال إن أعطيتني هذا فأنا سامع مطيع وعليك أن تفي لي به ووقعت صحيفة الحسن في
يد معاوية وقد أرسل معاوية قبل هذا إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على أسفلها وكتب
إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك فلما أتت الحسن
اشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك وأمسكها عنده وأمسك معاوية صحيفة
الحسن عليهالسلام
التي كتب إليه يسأله ما فيها فلما التقى معاوية والحسن عليهالسلام سأله الحسن أن يعطيه
الشروط التي شرط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله فأبى معاوية أن يعطيه ذلك فقال
لك ما كنت كتبت إلى أولا تسألني أن أعطيكه فاني قد أعطيتك حين جاءني كتابك قال
الحسن عليهالسلام
وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه فاختلفا في ذلك
فلم ينفذ للحسن عليهالسلام
من الشروط شيئا.
وروى بالسند نفسه قال : جعل علي عليهالسلام قيس ابن سعد على
مقدمته من أهل العراق إلى قبل آذربيجان وعلى أرضها وشرطة الخميس التي ابتدعتها
العرب وكانوا أربعين ألفا بايعوا عليا عليهالسلام
على الموت ولم يزل قيس يدارئ ذلك البعث حتى قتل علي عليهالسلام
واستخلف أهل العراق الحسن بن علي عليهالسلام
على الخلافة وكان الحسن لا يرى القتال ولكنه يريد أن يأخذ لنفسه ما استطاع من
معاوية ثم يدخل في الجماعة وعرف الحسن أن قيس بن سعد لا يوافقه على رأيه فنزعه
وأمر عبد الله بن عباس فلما علم عبد الله بن عباس بالذي يريد الحسن عليهالسلام أن يأخذه لنفسه كتب
إلى معاوية يسأله الأمان ويشترط لنفسه على الأموال التي أصابها فشرط ذلك له
معاوية.
أقول :
وفي سند الرواية الزهري وهو فقيه ورواية
البلاط الأموي الرسمي ، ثم تلميذه الاثير يونس الايلي
مولى معاوية بن أبي سفيان رافقه اثنتا عشرة سنة في أخريات عمره
__________________
ولذلك اعتبروه الأثبت
فيه من أصحابه.
وما رواه الطبري أيضا قائلا : وحدثني
موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال حدثنا عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن
الخزاعي أبو عبد الرحمن قال حدثنا إسماعيل بن راشد قال بايع الناس الحسن بن علي عليهالسلام بالخلافة ثم خرج
بالناس حتى نزل المدائن وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثنى عشر ألفا وأقبل معاوية
في أهل الشام حتى نزل مسكن فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد في العسكر ألا إن
قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا ونهبوا سرادق الحسن عليهالسلام حتى نازعوه بساطا
كان تحته وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن وكان عم المختار بن أبي
عبيد عاملا على المدائن وكان اسمه سع دبن مسعود فقال له المختار وهو غلام شاب هل
لك في الغنى والشرف قال وما ذاك قال توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية فقال له سعد
عليك لعنة الله أثب على ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأوثقه بئس الرجل أنت فلما رأى الحسن عليهالسلام
تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر وعبد
الرحمن ابن سمرة بن حبيب بن عبد شمس فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد
وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها ثم قام
الحسن في أهل العراق فقال يا أهل العراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث قتلكم أبى وطعنكم
إياي وانتهابكم متاعي ودخل الناس في طاعة معاوية ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس.
وفي سند الرواية موسى المسروقي كوفي
عامي سنة ٢٥٨ هـ.
ثم : عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد
الرحمن الخزاعي أبو عبد الرحمن.
أقول :
هو عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم الحراني
الطرائفي ت سنة ٢٠٣ هـ والخزاعي
__________________
تصحيف الحراني .
قال ابن حجر : عثمان بن عبد الرحمن بن
مسلم الحراني أبو عبد الرحمن ويقال أبو عبد الله ويقال أبو محمد ويقال أبو هاشم
المكتب المعروف بالطرائفي اخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة ، مولى منصور بن
محمد بن مروان وقيل مولى بني تيم ..
قال البخارييروي عن قوم ضعاف ،
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه إسحاق بن
منصور عن ابن معين عثمان بن عبد الرحمن التيمي ثقة. قال وسألت أبي عنه فقال صدوق
وأنكر على البخاري إدخاله في الضعفاء يشبه بقية في روايته عن الضعفاء.
وقال أبو أحمد الحاكم إنما لقب
بالطرائفي لأنه كان يتبع طرائف الحديث يرويعن ثم ضعاف حديثه ليس بالقائم.
وقال ابن عدي سمعت أبا عروبة ينسبه إلى
الصدق وقال لا بأس به متعبد ويحدث عن قوم مجهولين بالمناكير وعنده عجائب وهو في
الجزريين كبقية في الشاميين.
قال أبو أحمد وصوبه عثمان انه لابأس به
وتلك العجائب من جهة المجهولين وما يقع في حديثه من الانكار فإنما يقع من جهة من
يروي عنه.
قال ابن حجر : وقال ابن أبي عاصم صدوق
اللسان
وقال الساجي عنده مناكير.
وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه لا أجيزه
وقال الأزدي متروك ،
وقال ابن نمير كذاب ،
وقال ابن حبان يروي عن قوم ضعاف أشياء
يدلسها لا يجوز الاحتجاج به.
ووثقه ابن شاهين
مات سنة (٢٠٣) وقيل سنة (٢٠٢).
__________________
الباب
الثالث / الفصل السابع
الروايات
الطاعنة في الحسن عليهالسلام
روايات الواقدي (٢٠٧ هـ)
روى ابن سعد عن محمد بن عمر الواقدي
عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قال علي : يا أهل الكوفة لا
تزوجوا الحسن بن علي فانه رجل مطلاق ، فقال رجل من همدان : والله لنزوجنَّه فما
رضي امسك وما كره طلَّق.
وروى ابن سعد أيضا عن محمد بن عمر عن
علي بن عمر عن أبيه
عن علي بن حسين قال كان الحسن بن علي مطلاقا للنساء وكان لا يفارق امرأة الا وهي
تحبه.
وروى أيضا قال اخبرنا محمد بن عمر قال
حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن
__________________
محمد عن أبيه قال قال
علي : ما زال الحسن بن علي يتزوج ويطلق حتى خشيت ان يورثنا عدواة في القبائل.
روايات جرير بن حازم (١٧٥ هـ)
روى ابن سعد عن وهب بن جرير بن حازم عن
أبيه قال اخبرنا شعبة عن أبي إسحاق عن معدي كرب ان عليا مر على قوم مجتمعين ورجل
يحدثهم فقال من هذا قالوا الحسن فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا. ان لكل قوم صداد وان
صدادنا الحسن.
رواية سحيم بن حفص الأنصاري احد شيوخ
المدائني (٢٣٨ هـ) وابن سعد
روى ابن سعد عن علي بن محمد عن سحيم بن
حفص الأنصاري. عن عيسى بن أبيه ارون المزني. قال : تزوج الحسن بن علي حفصة بنت عبد
الرحمن بن أبي بكر. وكان المنذر بن الزبير هويها. فأبلغ الحسن عنها شيئافطلقها
الحسن. فخطبها المنذر فأبت أن تزوجه وقالت : شهرني. فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب
فتزوجها فرقي إليه المنذر أيضا شيئا ، فطلقها. ثم خطبها المنذر. فقيل لها : تزوجيه
فيعلم الناس أنه كان يَعْضَهُكِ (أي يبهتك) فتزوجته فعلم الناس أنه كذب عليها. فقال
الحسن لعاصم بن عمر : انطلق بنا حتى نستأذن المنذر فندخل على حفصة فاستأذناه.
فشاور أخاه عبد الله بن الزبير فقال دعهما يدخلان عليها. فدخلا فكانت إلى عاصم
أكثر نظرا منها إلى الحسن وكانت إليه أبسط في الحديث. فقال الحسن للمنذر خذ بيدها
فأخذ بيدها. وقام الحسن وعاصم فخرجا وكان الحسن يهواها وإنما طلقها لما رقا إليه
المنذر. فقال الحسن يوما لابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن وحفصة
عمته هل لك في العقيق؟ قال : نعم. فخرجا فمرا على منزل حفصة. فدخل إليها الحسن
فتحدثا
__________________
طويلا ثم خرج. ثم قال
أيضا بعد ذلك بأيام لابن أبي عتيق : هل لك في العقيق؟ قال : نعم. فخرجا فمرا بمنزل
حفصة. فدخل الحسن فتحدثا طويلا. ثم خرج ثم قال الحسن مرة أخرى لابن أبي عتيق : هل
لك في العقيق؟ فقال : يا ابن أم ألا تقول هل لك في حفصة؟.
روايات الوضاح اليشكري الواسطي البصري
ابو عوانة (١٧٦ هـ)
روى ابن سعد عن يحيى بن حماد قال اخبرنا
أبو عوانة
عن سليمان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي إدريس عن المسيب بن نجبة قال سمعت عليا يقول
الا احدثكم عني وعن أهل بيتي؟ اما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو ، واما الحسن بن علي
فصاحب جفنة وخوان فتى من فتيان قريش لوقد التقتا حلقتا البطان لم يغن في الحرب
عنكم شيئا ، واما أنا وحسين فنحن منكم وانتم منا.
وروى أيضا موسى بن إسماعيل قال حدثنا
ابو عوانة عن المغيرة عن ثابت بن هرمز قال لما أتى الحسن بن علي قصر المدائن قال
المختار لعمه هل لك في أمر تسود به العرب؟ قال وما هو؟ قال تدعني ان اضرب عنق هذا
واذهب برأسه إلى معاوية قال : ما ذاك بلاهم عندنا أهل البيت.
__________________
رويات إسرائيل بن يونس (١٦٠ هـ)
روى ابن سعد عن محمد بن عبد الله الأسدي
(٢٠٣ هـ) قال حدثنا إسرائيل
عن أبي إصحاق عن هبيرة بن يريم قال قيل لعلي هذا الحسن بن علي في المسجد يحدث
الناس فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا ، وما طحن ابل يومئذ.
روايات محمد بن المهلب الحراني الملقب ب
غندر (ت قبل المائتين)
روى ابن عساكر عن غندر
عن شعبة قال سمعت أبا إسحاق يحدث ان عليا مرَّ على قوم مجتمعين ورجل يحدثهم فقال
من هذا قالوا الحسن فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا.
روايات قيس بن الربيع (١٦٨ هـ)
روى ابو الفرج عن احمد عن عمر بن شبة عن
المدائني عن قيس بن الربيع
عن
__________________
الاجلح عن الشعبي عن
جندب : ان الحسن قال لابيه حين طلب ان يجلد الوليد بن عقبة : مالك ولهذا؟ ...
روايات إسماعيل بن إبراهيم بن عُليَّة
البصري (١٩٣ هـ)
وروى أبو الفرج أيضا : عن عمر بن شبة
وسعيد بن محمد المخزومي كلاهما عن محمد بن حاتم عن إسماعيل بن إبراهيم بن علية
البصرة عن سعيد بن عروبة البصرة عن عبد الله بن الداناج عن حضين بن المنذر أبي
ساسان قال : لما جيء بالوليد بن عقبة
__________________
إلى عثمان بن عفان
وقد شهدوا عليه بشرب الخمر قال لعلي دونك ابن عمك فاقم عليه الحد فأوعز علي إلى
ابنه الحسن أنْ يقوم بجلد الوليد ، فرفض الحسن وقال له : مالك ولهذا؟ فقال له علي
: بل ضعفت ووهنت وعجزت ، ثم أمر عبد الله بن جعفر فقام فجلده وعلي يعد حتى بلغ
أربعين فقال علي امسك جلد رسول الله صلىاللهعليهوآله
أربعين وجلد ابو بكر أربعين واتمها عمر ثمانين وكل سنة.
روايات محمد بن أبي أيوب ت قبل
المائتين هجرية
البلاذري عن احمد بن إبراهيم الدورقي عن
أبي نعيم عن محمد بن أبي أيوب عن قيس بن مسلم (ت ١٢٠ هـ) عن طارق بن شهاب ان الحسن
بن علي قال لعلي يا أمير المؤمنين اني لا استطيع ان اكلمك وبكى فقال علي : تكلم
ولا تحن حنين الجارية. فقال ان الناس حصروا عثمان فأمرتك ان تعتزلهم وتلحق بمكة
حتى تؤوب إلى العرب عوازب احلامها فأبيت ثم قتله الناس فأمرتك ان تعتزل الناس فلو
كنت في جحر ضب لضربت إليك العرب آباط الإبل حتى يستخرجوك فغلبتني وانا امرك اليوم
ان لا تقدم العراق فاني اخاف عليك ان تقتل بمضيعة ... ٢ / ٢١٧.
روايات عبد الأعلى بن عبد الاعلى الشامي
البصري (١٨٩ هـ)
روى ابن عساكر بسنده عن عبيد بن عمر بن
ميسرة أبو سعيد القواريري (٢٣٥ هـ) البصري
نا عبد الأعلى
عن هشام بن حسان (ت ١٤٨ هـ) عن محمد بن سيرين قال
__________________
تزوج الحسن بن علي
امرأة فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم.
روايات عبد الله بن عون (١٥١ هـ)
روى ابن عساكر عن شيران الرامهرمزينا
محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي ت ٢٥٢ هـ نا قريش بن انس
(ت ٢٠٨ هـ) نا عبد الله بن عون (ت ١٥١ هـ) عن محمد قال خطب الحسن بن علي إلى منظور
بن سيار بن (١) زبان الفزاري ابنته فقال والله أني لأنكحك واني لا علم انك على طلق
ملق غير انك اكرم العرب بيتا واكرمه نسبا.
روايات محمد بن عبيد (٢٠٤ هـ)
وقال محمد بن سعد أخبرنا محمد بن عبيد (٢٠٤
هـ) :
__________________
عن مجالد (ت ١٤٤ هـ) عن الشعبي ،
وعن يونس بن أبي إسحاق (ت ١٥٩ هـ) عن
أبيه
وعن أبي السفر (سعيد بن عمرو الهمداني)
(مات زمن بني أمية في امارة خالد) وغيرهم.
قالوا : بايع أهل العراق الحسن بن علي
بعدقتل علي بن أبي طالب ثم قالوا له سر إلى هؤلاء القوم الذين عصوا الله ورسوله
وارتكبوا العظيم وابتزوا الناس أمورهم فإنا نرجو أن يمكن الله منهم فسار الحسن إلى
أهل الشام وجعل على مقدمته قيس بن سعد بن عبادة في اثني عشر ألفا وكانوا يسمون
شرطة الخميس.
قال : وقال غيره وجه إلى الشام عبيد
الله بن العباس ومعه قيس بن سعد فسار فيهم قيسحتى نزل مسكن والأنبار وناحيتها.
وسار الحسن حتى نزل المدائن وأقبل
معاوية في أهل الشام يريد الحسن حتى نزل جسر منبج.
__________________
فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناد في
عسكره ألا إن قيس بن سعد قد قتل قال فشدالناس على حجرة الحسن فانتهبوها حتى انتهبت
بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره وطعنه رجل من بني أسد يقال له بن اقيصر بخنجر
مسموم في أليته فتحول من مكانه الذي انتهبت فيه متاعه ونزل الأبيض قصر كسرى.
وقال عليكم لعنة من أهل قرية فقد علمت
أن لا خير فيكم قتلتم أبي بالأمس واليوم تفعلون بي هذا.
ثم دعا عمرو بن سلمة الارحبي فأرسله
وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصلح ويسلم له الأمر على أن يسلم له ثلاث
خصال يسلم له بيت المال فيقضي منه دينه ومواعيده التي عليه ويتحمل منه هو ومن معه
من عيال أبيه وولده وأهل بيته ولا يسب علي وهو يسمع وأن يحمل إليه خراج فسا
ودرابجرد من أرض فارس كل عام إلى المدينة ما بقي فأجابه معاوية إلى ذلك وأعطاه ما
سأل.
قال (ابن سعد) : ووفي معاوية للحسن ببيت
المال وكان فيه يومئذ سبعة آلاف ألف درهم فاحتملها الحسن وتجهز بها هو وأهل بيته
إلى المدينة. وكف معاوية عن سب علي والحسن يسمع ودس معاوية إلى أهل البصرة فطردوا
وكيل الحسن وقالوا لا نحمل فيئنا إلى غيرنا يعنون خراج فسا ودرابجرد.
فأجرى معاوية على الحسن كل سنة ألف ألف
درهم.
وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين.
روايات عبد الله بن بكر السهمي البصري (٢٠٨
هـ)
قال محمد بن سعد وأخبرنا عبد الله بن
بكر السهمي
قال حدثنا حاتم بن أبي
__________________
صغيرة (البصري) عن
عمرو بن دينار أن معاوية كان يعلم أن الحسن كان أكره الناس للفتنة فلما توفي علي
بعث إلى الحسن فأصلح الذي بينه وبينه سرا وأعطاه معاوية عهدا إن حدث به حدث والحسن
حي ليسمينه وليجعلن هذا الأمر إليه فلما توقف منه الحسن ، قال عبد الله بن جعفر
والله إني لجالس عند الحسن إذ أخذت لأقوم فجذب ثوبي وقال يا هناه اجلس فجلست قال
إني قد رأيت رأيا وإني أحب أن تتابعني عليه قال قلت ما هو قال قد رأيت أن أعمد إلى
المدينة فأنزلها وأخلي بين معاوية وبين هذا الحديث فقد طالت الفتنة وسفككت فيها
الدماء وقطعت فيها الأرحام وقطعت السبل وعطلت الفروج يعني الثغور فقال بن جعفر
جزاك الله عن أمة محمد خيرا فأنا معك وعلى هذا الحديث فقال الحسن ادع لي الحسين
فبعث إلى حسين فأتاه فقال أي أخي إني قد رأيت رأيا وإني أحب أن تتابعني عليه قال :
ما هو؟ فقص عليه الذي قال لابن جعفر :
قال الحسين أعيذك بالله أن تكذب عليا في
قبره وتصدق معاوية فقال الحسن والله ما أردت أمرا قط إلا خالفتني إلى غيره والله
لقد هممت أن أقذفك في بيت فاطينه عليك حتى أقضي أمري فلما رأى الحسين غضبه قال أنت
أكبر ولد علي وأنت خليفته وأمرنا لأمرك تبع فافعل ما بدا لك.
وتلحق بهذه الروايات الموضوعة :
روايات جميع بن عمر توفي بحدود المائتين
قال المزي قال جميع بن عمر عن مجالد بن
سعيد عن طحرب العجلي عن
الحسن
__________________
قال : لا أقاتل بعد رؤيا رأتها رأيت
النبي صلىاللهعليهوآله
واضعا يده على العرض ورأيت أبا بكر واضعا يده على النبي صلىاللهعليهوآله ورأيت عمر واضعا يده
على أبي بكر ورأيت عثمان واضعا يده على عمر ورأيت دماء دونهم فقيل ذا دم عثمان
يطلب الله به.
رواية المقدسي في البدء والتاريخ ت ٥٠٧
هـ
وقال المقدسي في البدء والتاريخ : «أنَّه
عليهالسلام
كان أرخى ستره على مائتي حرة».
روايات ابن كثير في البداية والنهاية
روى ابن كثير عن أبي بكر الخرائطي
الشامي ت ٣٢٥ هـ في كتابه مكارم الأخلاق عن القواريري (٣٢٥ هـ) نا عبد الأعلى عن
هشام بن حسان (ت ١٤٨ هـ) عن محمد بن سيرين قال تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها
بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم.
وروى أيضا عن أبي علي الحداد أنا أبو
نعيم ، نا سليمان بن احمد نا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرازق عن سفيان الثوري عن
عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن الحسن بن سعد عن أبيه قال متع الحسن بن علي
امرأتين بعشرين ألف درهم وزقاق من عسل فقالت إحداهما / واراها الحنفية / متاع قليل
من حبيب مفارق ... فأخبر الرسول الحسن بن علي فبكى وقال لولا أني سمعت أبي يحدث عن
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
جدي انه قال من طلق امرأته ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره لراجعتها.
__________________
وروى أيضا عن غندر نا شعبة قال سمعت أبا
إسحاق يحدث انه سمع معد كرب يحدث ان عليا مرَّ على قوم مجتمعين ورجل يحدثهم فقال
من هذا قالوا الحسن فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا.
وروى ابن عساكر عن عمرو بن أبي قيس عن
إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي
فلما قتل علي قالت لتهنئك الخلافة قال لقتل علي تظهرين الشماتة اذهبي فأنت طالق
ثلاثا قال فتلفعت بثيابها فلما جاءها الرسول قالت متاع قليل من حبيب مفارق فلما
بلغه قولها بكى ثم قال لولا أني سمعت جدي أو حدثني أبي أنه سمع جدي يقول : ايما
رجل طلق امرأته ثلاثا عند الاقراء أو ثلاثا مبهمة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره
لراجعتها.
وروى أيضا عن محمد بن عمر نا عبد الرحمن
بن أبي الموال (ت ١٧٣ هـ) قال سمعت عبد الله بن حسن يقول كان حسن بن علي قل ما
يفارقه اربه حرائر وكان صاحب ضرائر وكانت عنده ابنة منظور بن سيارالفزاري وعنده
امرأة من بني أسد من آل حزيمفطلقهما وبعث إلى كل واحدة منهما بعشرة آلاف درهم
وزقاق من عسل متعة وقال لرسوله يسار بن سعيد بن يسار وهو مولاه احفظ ما يقولان لك
فقالت الفزارية : بارك الله فيه وجزاه خيرا وقالت الاسدية متاع قليل من حبيب مفارق
فرجع فأخبره فراجع الاسدية وترك الفزارية.
أقول
: ليس من شك ان الشيعة انطلاقا من
ايمانهم بعصمة الامام الحسن لا يسلمون بصحة هذه الروايات ، وهي بميزان الرؤية
الجديدة نموذج للاعلام العباسي ضد الحسن نكاية بذريته الثائرة ضد الحكم العباسي.
__________________
الباب
الثالث / الفصل الثامن
ملاحظات
نقدية حول رواية البخاري في الصلح وشرح ابن حجر لها
رواية البخاري في قصة صلح الحسن عليهالسلام
حدثنا عبد الله بن محمّد (المسندي) حدثنا
سفيان (بن عيينة) عن أبي موسى (إسرائيل بن موسى البصري) قال سمعت الحسن (البصري) يقول
: استقبل والله الحسن بن عليّ معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص إني
لأرى كتائب لا تولّي حتى تقتل أقرانها فقال له معاوية وكان والله خير الرّجلين أي
عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء من لي بأمور الناس من لي بنسائهم من لي
بضيعتهم (في نسخة أخرى بصبيتهم) فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد
الرحمن بن سمرة (بن حبيب بن عبد شمس) وعبد الله بن عامر بن كريز (بن عبد شمس) فقال
اذهبا إلى هذا الرّجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه فدخلا عليه فتكلّما
وقالا له فطلبا إليه فقال لهما الحسن بن عليّ إنّا بنو عبد المطّلب قد أصبنا من
هذا المال وإنّ هذه الأمّة قد عاثت في دمائها قالا فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب
إليك ويسألك قال فمن لي بهذا قالا نحن لك به فما سألهما شيئا إلا قالا نحن لك به
فصالحه.
فقال الحسن (البصري) ولقد سمعت أبا بكرة
يقول رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله
على المنبر والحسن بن عليّ إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرّة وعليه أخرى ويقول إنّ
ابني هذا
سيّد ولعلّ الله أن
يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين قال لي عليّ بن عبد الله إنما ثبت لنا سماع
الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث .
البخاري حدثنا عليّ بن عبد الله حدثنا
سفيان حدثنا إسرائيل أبو موسى ولقيته بالكوفة جاء إليّ بن شبرمة فقال أدخلني على
عيسى فأعظه فكأنّ بن شبرمة خاف عليه فلم يفعل.
قال حدثنا الحسن قال لمّا سار الحسن بن
عليّ رضياللهعنهما
إلى معاوية بالكتائب قال عمرو بن العاص لمعاوية أرى كتيبة لا تولّي حتى تدبر
أخراها قال معاوية من لذراريّ المسلمين فقال أنا فقال عبد الله بن عمر وعبد الرحمن
بن سمرة نلقاه فنقول له الصّلح.
قال الحسن : ولقد سمعت أبا بكرة قال
بينا النبي صلىاللهعليهوآله
يخطب جاء الحسن فقال النبي صلىاللهعليهوآله
ابني هذا سيّد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين .
شرح ابن حجر لرواية البخاري مع
ملاحظاتنا عليه
قال ابن حجر :
قوله (باب قول النبي صلىاللهعليهوسلم للحسن بن علي ان
ابني هذا لسيد)
في رواية المروزي والكشميهني سيد
بغيرلام وكذا لهم في مثل هذه الجمة في كتاب الصلح وبحذف (ان) وساق المتن هناك بلفظ
ان ابني هذا سيد وساقه هنا بحذفها وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية سبعة أنفس عن
سفيان بن عيينة وبيَّن اختلاف ألفاظهم.
قوله (حدثنا إسرائيل أبو موسى) هي كنية
إسرائيل واسم أبيه موسى فهو ممن وافقت كنيته اسأبيه فيؤمَن فيه من التصحيف وهو
بصري كان يسافر في التجارة إلى الهند وأقام بها مدة.
قوله (ولقيته بالكوفة) قائل ذلك هو
سفيان بن عيينة والجملة حالية.
__________________
قوله (وجاء إلى ابن شبرمة) هو عبد الله
قاضي الكوفة في خلافة أبي جعفر المنصور ومات في خلافته سنة أربع وأربعين ومائة
وكان صارما عفيفا ثقة فقيها.
قوله (فقال أدخلني علعيسى فأعظه) بفتح
الهمزة وكسر العين المهملة وفتح الظاء المشالة من الوعظ ، وعيسىهو ابن موسى بن
محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن أخي المنصور وكان أميرا على الكوفة إذ ذاك.
(قوله فكأنَّ) بالتشديد (ابن شبرمة خاف
عليه) أي على إسرائيل (فلم يفعل) أي فلم يدخله على عيسى بن موسى ولعل سبب خوفه
عليه انه كان صادعا بالحق فخشى انه لا يتلطف بعيسى فيبطش به لما عنده من غِرة
الشباب وغرة الملك. وكانت وفاة عيسى المذكور في خلافة المهدي سنة ثمان وستين
ومائة.
قوله (لما سار الحسن بن علي إلى معاوية
بالكتائب) ، في رواية عبد الله ابن محمد عن سفيان في كتاب الصلح استقبل والله
الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال ، والكتائب بمثناة وآخره موحدة جمع كتيبة
بوزن عظيمة وهي طائفة من الجيش تجتمع وهي فعلية بمعنى مفعولة لان أمير الجيش إذا
رتبهم وجعل كل طائفة على حدة كتبهم في ديوانه كذلك ذكر ذلك ابن التين عن الداودي
ومنه قيل مكتب بني فلان ، قال وقوله (أمثال الجبال) أي لا يُرى لها طرف لكثرتها كما
لا يرى من قابل الجبل طرفه ، ويحتمل ان يريد شدة البأس.
وأشار الحسن البصري بهذه القصة إلى : ما
اتفق بعد قتل علي رضياللهعنه
، وكان علي لما انقضى أمر التحكيم ورجع إلى الكوفة تجهز لقتال أهل الشام مرة بعد
أخرى فشغله أمر الخوارج بالنهروان ، وذلك في سنة ثمان وثلاثين ثم تجهز في سنة تسع
وثلاثين فلم يتهيأ ذلك ، لافتراق آراء أهل العراق عليه ، ثم وقع الجِدّ منه في ذلك
في سنة أربعين فأخرج إسحاق من طريق عبد العزيز بن سياه (بكسر المهملة وتخفيف الياء
آخر الحروف) قال لما خرج الخوارج قام علي فقال أتسيرون إلى الشام أو ترجعون إلى
هؤلاء الذين خلفوكم في دياركم قالوا بل نرجع إليهم فذكر قصة الخوارج قال فرجع علي
إلى الكوفة فلما قتل واستخلف الحسن وصالح معاوية كتب إلى قيس بن سعد بذلك فرجع عن
قتال معاوية.
قال البدري :
قوله (افتراق آراء أهل العراق عليه) يريد
انقسام جيش علي بعد رجوعهم من صفين إلى فرقتين فرقة تخطئ عليا وهم الذين انتهوا
إلى تكفير علي وطلبهم ان يعترف بكفره ويتوب منه وأخرى تصوبه ، وقد تحملهم علي في
بادئ الأمر لان مجرد تخطئة الحاكم ونقده لا يوجب قتالهم ولا عقوبتهم حتى رفعوا
السلاح وافسدوا وقتلوا عبد الله بن خباب رضياللهعنه
، اقدم على قتالهم بعد ان وعظهم ورجع منهم ألفان أو اكثر.
قال ابن حجر :
وأخرج الطبري بسند صحيح عن يونس بن يزيد
عن الزهري قال جعل علي على مقدمة أهل العراق قيس بن سعد بن عبادة وكانوا أربعين
ألفا بايعوه على الموت ، فقتل علي فبايعوا الحسن بن علي بالخلافة وكان لا يحب
القتال ولكن كان يريد أن يشترط على معاوية لنفسه فعرف ان قيس بن سعد لا يطاوعه على
الصلح فنزعه وأمر عبد الله بن عباس فاشترط لنفسه كما اشترط الحسن.
قال البدري :
الجزء الأول من الرواية صحيح على انه
توجد رواية أخرى انه بايعه ستون الفا وان معه مائة ألف سيف ، اما الجزء الآخر فيما
يرتبط بالحسن عليهالسلام
فهو كذب ولم يعزل قيسا ، والخلل في الرواية منحصر بالزهري وتلميذيه الاول يونس بن
يزيد الايلي ت ١٥٩ ـ ١٦٠ هـ ، قال محمد بن سعد حديثه حلو ربما جاء بالشيء المنكر.
الثاني معمر الصنعاني وسيأتي الحديث عنه.
قال ابن حجر :
وأخرج الطبري والطبراني من طريق إسماعيل
بن راشد قال بعث الحسن قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفا يعني من الأربعين
فسار قيس إلى جهة الشام وكان معاوية لما بلغه قتل علي خرج في عساكر من الشام وخرج
الحسن بن علي حتى نزل المدائن فوصل معاوية إلى مسكن.
وقال ابن بطال ذكر أهل العلم بالاخبار
ان عليا لما قتل سار معاوية يريد العراق
وسار الحسن يريد
الشام فالتقيا بمنزل من ارض الكوفة فنظر الحسن إلى كثرة من معه فنادى يا معاوية
اني اخترت ما عند الله فان يكن هذا الأمر لك فلا ينبغي لي ان أنازعك فيه وان يكن
لي فقد تركته لك فكبر أصحاب معاوية وقال المغيرة عند ذلك أشهد اني سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول إن ابني هذا
سيد الحديث وقال في آخره فجزاك الله عن المسلمين خيرا انتهى.
قال ابن حجر وفي صحة هذا نظر من أوجه :
الأول ان المحفوظ ان معاوية هو الذي بدأ
بطلب الصلح كما في حديث الباب.
الثاني ان الحسن ومعاوية لم يتلاقيا
بالعسكرين حتى يمكن ان يتخاطبا وإنما تراسلا ، فيحمل قوله فنادى يا معاوية على
المراسلة ويجمع بأن الحسن راسل معاوية بذلك سرا فراسله معاوية جهرا.
والمحفوظ ان كلام الحسن الأخير انما وقع
بعد الصلح والاجتماع كما أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي في الدلائل من طريقه ومن
طريق غيره بسندهما إلى الشعبي قال لما صالح الحسن بن علي معاوية قال له معاوية قم
فتكلم فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اما بعد فان أكيس الكيس التقى وان أعجز
العجز الفجور الا وان هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق لامرئ كان أحق به
مني أو حق لي تركته لإرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم وان أدري لعله فتنة لكم
ومتاع إلى حين ثم استغفر ونزل.
وأخرج يعقوب بن سفيان ومن طريقه أيضا
البيهقي في الدلائل من طريق الزهري فذكر القصة وفيها فخطب معاوية ثم قال قم يا حسن
فكلم الناس فتشهد ثم قال أيها الناس ان الله هداكم بأولنا وحقن دمائكم بآخرنا وان
لهذا الأمر مدة والدنيا دول وذكر بقية الحديث
الثالث ان الحديث لأبي بكرة لا للمغيرة
لكن الجمع ممكن بأن يكون المغيرة حدث به عندما سمع مراسلة الحسن بالصلح وحدث به
أبو بكرة بعد ذلك وقد روى أصل الحديث جابر أورده الطبراني والبيهقي في الدلائل من
فوائد يحيى بن معين بسند صحيح إلى جابر وأورده الضياء في الأحاديث المختارة مما
ليس في الصحيحين وعجبت للحاكم في عدم استدراكه مع شدة حرصه على مثله.
قال البدري :
مناقشة ابن حجر لما ذكره ابن بطال صحيحة
، الا فيما يتعلق بطلب معاوية من الحسن عليهالسلام
ان يخطب وما ذكره من كلام الحسن عليهالسلام
، فان جزءا منه وهو قوله (ان الله هداكم بأولنا) ويريد به محمد صلىاللهعليهوآله ، هداهم من ضلاله
الكفر ، اما قوله حقن دماءكم باخرنا ، فان الحسن ليس آخر أهل البيت ، مضافا إلى ما
نسب إليه من قوله عليهالسلام
: (وان هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق لامرئ كان أحق به مني أو حق لي) فان
هذا الترديد من الحسن إذا حملنا على قوله تعالى سبأ / ٢٤ ، فهو صحيح ، والا فهو
ليس صادقا في حق الحسن لأنه على يقين من أمره ومن مشروعية حكمه في قبال بطلان بيعة
أهل الشام لمعاوية ، ومهما يكن من أمر فان الذيتذكره الروايات من طلب معاوية ان
يخطب في أهل الكوفة بعد ما ابرم الصلح أمر غير وارد تماما ، لان قضية الصلح
والشروط قد وضحها الحسن لشعبه قبل ان يوضحها لمعاوية وهو من طبيعة الأشياء لان
الحسن ليس ديكتاتورا مع شعبه والقضية تتعلق بمصيرهم كشعب وبمشروععلي الإحيائي لسنة
النبي صلىاللهعليهوآله
الذي تحملوا نصرته.
قال ابن حجر :
قال ابن بطال : سلم الحسن لمعاوية الأمر
وبايعه على إقامة كتاب الله وسنة نبيه. ودخل معاوية الكوفة وبايعه الناس فسميت سنة
الجماعة لاجتماع الناس وانقطاع الحرب وبايع معاوية كل من كان معتزلا للقتال كابن
عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وأجاز معاوية الحسن بثلاثمائة ألف وألف ثوب
وثلاثين عبدا ومائة جمل وانصرف إلى المدينة وولى معاوية الكوفة المغيرة بن شعبة
والبصرة عبد الله بن عامر ورجع إلى دشق.
قال البدري :
قوله (واجاز معاوية الحسن بثلاثمائة ألف
.. الخ) هي صيغة أخرى من رواية سفيان بن عيينة موضع البحث ، قال الحاكم النيسابوري
حدثنا أبو بكرمحمد بن
إسحاق وعلي بن حمشاد
قالا ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا أبو موسى قال سمعت الحسن يقول
استقبل الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص والله إني
لأرى كتائب لا تولى أو تقتل أقرانها فقال معاوية وكان خير الرجلين أرأيت إن قتل
هؤلاء هؤلاء من لي بدمائهم من لي بأمورهم من لي بنسائهم قال فبعث معاوية عبد
الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس قال سفيان وكانت له صحبة فصالح الحسن معاوية
وسلم الأمر له وبايعه بالخلافة على شروط ووثائق وحمل معاوية إلى الحسن مالا عظيما
يقال خمس مائة ألف ألف درهم وذلك في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وإنما كان ولي
قبل أن يسلم الأمر لمعاوية سبعة أشهر وأحد عشر يوما .
رجع الكلام إلى ابن
حجر في شرح الرواية :
قوله (قال عمرو بن العاص لمعاوية أرى
كتيبة لا تولى) بالتشديد أي لا تدبر (قوله حتى تدبر أخراها) وفي رواية عبد الله بن
محمد في الصلح اني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها.
قوله (قال معاوية من لذراري المسلمين) أي
من يكفلهم إذا قتل آباؤهم. زاد في (كتاب) الصلح (فقال له معاوية وكان والله خير
الرجلين يعني معاوية أي عمروان قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس من
لي بنسائهم من لي بضيعتهم) يشير إلى أن رجال العسكرين معظم من في الإقليمين فإذا
قتلوا ضاع أمر الناس وفسد حال أهلهم بعدهم وذراريهم والمراد بقوله ضيعتهم الأطفال
والضعفاء سموا باسم ما يؤول إليه أمرهم لأنهم إذا تركوا ضاعوا لعدم استقلالهم بأمر
المعاش ، وفي رواية الحميدي عن سفيان في هذه القصة من لي بأمورهم من لي بدمائهم من
لي بنسائهم واما قوله هنا في جواب قول معاوية من لذراري المسلمين فقال أنا فظاهره
يومهم ان المجيب بذلك هو عمرو بن العاص ولم أر في طرق الخبر ما يدل على ذلك فإن
كانت محفوظة فلعلها كانت فقال اني بتشديد النون المفتوحة قالها عمرو على سبيل
الاستبعاد.
__________________
قال ابن حجر :
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن معمرعن
الزهري قال : وكان قيس بن سعد بن عبادة على مقدمة الحسن بن علي فأرسل إليه معاوية
سجلا قد ختم في أسفله فقال أكتب فيه ما تريد فهو لك فقال له عمرو بن العاص بل
نقاتله فقال معاوية وكان خير الرجلين على رسلك يا أبا عبد الله لا تخلص إلى قتل
هؤلاء حتى يقتل عددهم من أهل الشام فما خير الحياة بعد ذلك واني والله لا أقاتل
حتى لا أجد من القتال بدا).
قال البدري :
قوله (فأرسل إليه معاوية سجلا قد ختم في
أسفله فقال أكتب فيه ما تريد فهو لك) هذا القول من معاوية إلى قيس بن سعد ،
ونحن نورد المقطع كاملا من رواية معمر
عن الزهري فيما يخص الصلح هو قوله : (واستخلف أهل العراق الحسن بن علي على الخلافة
وكان الحسن لا يريد القتال ولكنه كان يريد أن يأخذ لنفسه ما استطاع من معاوية ثم
يدخل في الجماعة ويبايع ، فعرف الحسن أن قيس بن سعد لا يوافقه على ذلك فنزعه وأمر
مكانه عبيد الله بن العباس فلما عرف عبيد الله بن العباس الذي يريد الحسن أن يأخذ
لنفسه كتب عبيد الله إلى معاوية يسأله الآمان ويشترط لنفسه على الاموال التي أصاب
فشرط ذلك معاوية له وبعث إليه ابن عامر في خيل عظيمة فخرج إليهم عبيد الله ليلا
حتى لحق بهم وترك جنده الذين هو عليهم لا أمير لهم ومعهم قيس بن سعد فأمرت شرطة
الخمسين قيس بن سعد وتعاهدوا وتعاقدوا على قتال معاوية وعمرو بن العاص حتى يشترط
لشيعة علي ولمن كان اتبعه على أموالهم ودمائهم وما أصابوا من الفتنة فخلص معاوية حين
فرغ من عبيد الله والحسن إلى مكايدة رجل هو أهم الناس عنده مكيدة وعنده أربعون
ألفا فنزل بهم معاوية وعمرو وأهل الشام أربعين ليلة يرسل معاوية إلى قيس ويذكره
الله ويقول على طاعة من تقاتلني ويقول قد بايعني الذي تقاتل على طاعته فأبى قيس أن
يقر له حتى أرسل معاوية بسجل قد ختم له في اسفله فقال أكتب في هذا السجل فما كتبت
فهو لك فقال عمرو لمعاوية لا تعطه هذا وقاتله فقال معاوية وكان خير الرجلين على
رسلك يا أبا عبد الله فإنا لن نخلص إلى قتل هؤلاء حتى يقتل عددهم من
أهل الشام فما خير
الحياة بعد ذلك وأني والله لا أقاتله حتى لا أجد من ذلك بدا فلما بعث إليه معاوية
بذلك السجل اشترط قيسبن سعد لنفسه ولشيعة علي الأمان على ما أصابوا من الدماء
والأموال ولم يسأل معاوية في ذلك مالا فأعطاه معاوية ما اشترط عليه ودخل قيس ومن
معه في الجماعة) .
أقول
: هذه الرواية رواها أيضا الطبري
عن يونس الايلي عن الزهري. والزهري غير مأمون في الحديث أساسا عن تاريخ مع بني
أمية والذي انفردت به رواية الزهري برواية من لا يتهم في روايته عنه ، هو : ان
الذي طلب الأمان للشيعة قيس بن سعد وليس الحسن عليهالسلام
الذي طلب الاموال لنفسه!!! وبالتالي فان بلاءها منحصر بالزهري عالم البلاط الأموي
وتبنى تلميذاه معمر بن راشد
ويونس الايلي روايتها تلبية لرغبة
__________________
خلفاء بني العباس في
تشويه الحسن عليهالسلام.
رجع الحديث إلى شرح
ابن حجر :
قوله (فقال عبد الله بن عامر) هو بن كريز
بن عبد شمس).
(وعبد الرحمن بن سمرة) هو ابن حبيب بن
عبد شمس).
قوله (نلقاه فنقول له الصلح) أي نشير
عليه بالصلح وهذا ظاهره انهما بدآ بذلك والذي تقدم في كتاب الصلح ان معاوية هو
الذي بعثهما فيمكن الجمع بأنهما عرضا أنفسهما فوافقهما ولفطه هناك. (فبعث إليه رجلين
من قريش من بني عبد شمس) أي ابن عبد مناف بن قصي (عبد الرحمن بن سمرة) زاد الحميدي
في مسنده عن سفيان (بن حبيب بن عبد شمس) قال سفيان وكانت له صحبة.
(وبنو حبيب بن عبد شمس بنو عم بني أمية
بن عبد شمس ومعاوية هو ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية)
(فقال معاوية اذهبا إلى هذا الرجل
فأعرضا عليه) أي ما شاء من المال.
(وقولا له) أي في حقن دماء المسلمين
بالصلح.
(واطلبا إليه) أي اطلبا منه خلعه نفسه
من الخلافة وتسليم الأمر لمعاوية وابذلا له في مقابله ذلك ما شاء.
(قال فقال لهما الحسن بن علي إنّا بنو
عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وان هذه الأمة قد عاثت في دمائها ، قالا فإنه
يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك قال فمن لي بهذا قالا نحن لك به فما سألهما
شيئا الا قالا نحن لك به فصالحه).
قال ابن بطال : هذا يدل على أن معاوية
كان هو الراغب في الصلح وأنه عرض على الحسن المال ورغَّبه فيه وحثَّه على رفع
السيف وذكره ما وعده به جده صلىاللهعليهوسلم
من سيادته في الإصلاح به ، فقال له الحسن إنّا بنو عبد المطلب (أصبنا من هذا المال)
أي أنا جُبِلنا على الكرم والتوسعة على اتباعنا من الأهل والموالي وكنا
__________________
نتمكن من ذلك
بالخلافة حتى صار ذلك لنا عادة.
وقوله (أن هذه الأمة) أي العسكرين
الشامي والعراقي.
قوله (قد عاثت) بالمثلثة أي قتل بعضها
بعضا فلا يكفون عن ذلك الال بالصفح عما مضى منهم والتألف بالمال وأراد الحسن بذلك
كله تسكين الفتنة وتفرقة المال على من لا يرضيه الا المال فوافقاه على ما شرط من
جميع ذلك والتزما له من المال في كل عام والثياب والأقوات ما يحتاج إليه لكل من
ذكر.
قال البدري :
كلام ابن بطال في تفرقة المال على من لا
يرضيه الا المال كلام باطل ، لأنه الذين قتلوا زمن أبيه علي كانوا شهداء وكانت
اسرهم قد اجرى لها راتبا ، وقد اكد الحسن هذا الراتب في شروطه على معاوية بقوله ان
يجرى في اسر قتلى صفين والجمل ،
وقوله (من لي بهذا) أي من يضمن لي
الوفاء من معاوية فقالا نحن نضمن لان معاوية كان فوض لهما ذلك ويحتمل ان يكون قوله
(أصبنا من هذا المال) أي فرقنا منه في حياة علي وبعده ما رأينا في ذلك صلاحا فنبه
على ذلك خشية ان يرجع عليه بما تصرف فيه.
قال
البدري : وهذا الكلام من ابن حجر اسوأ من كلام
ابن بطال.
قال ابن حجر :
وفي رواية إسماعيل بن راشد عند الطبري
فبعث إليه معاوية عبد الله بن عامر وعبد الله بن سمرة بن حبيب كذا قال عبد الله
وكذا وقع عند الطبراني والذي في الصحيح (البخاري) أصح ولعل عبد الله كان مع أخيه
عبد الرحمن قال فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من
بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء أشترطها.
ومن طريق عوانة بن الحكم نحوه وزاد وكان
الحسن صالح معاوية على أن يجعل له ما في بيت مال الكوفة وأن يكون له خراج دار
أبجرد.
قال البدري :
اما رواية إسماعيل بن راشد :
فقد رواها الطبري عن موسى بن عبد الرحمن
المسروقي قال حدثنا عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن الخزاعي أبو عبد الرحمن
قال حدثنا إسماعيل بن راشد قال : بايع الناس الحسن بن علي عليهالسلام بالخلافة ثم خرج
بالناس حتى نزل المدائن وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفاوأقبل معاوية
في أهل الشام حتى نزل مسكن فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد في العسكر ألا إن
قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا ونهبوا سرادق الحسن عليهالسلام حتى نازعوه بساطا
كان تحته وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن وكان عم المختار بن أبي
عبيد عاملا على المدائن وكان اسمه سعد بن مسعود فقال له المختار وهو غلام شاب هل
لك في الغنى والشرف قال وما ذاك قال توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية فقال له سعد
عليك لعنة الله أثبعلى ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فأوثقه بئس الرجل أنت فلما رأى الحسن عليهالسلام
تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر وعبد
الرحمن ابن سمرة بن حبيب بن عبد شمس فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد
وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها ثم قام
الحسن في أهل العراق فقال يا أهل العراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث قتلكم أبي وطعنكم
إياي وانتهابكم متاعي ودخل الناس في طاعة معاوية ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس.
قال البدري :
وفي سند الرواية عثمان بن عبد الحميد أو
ابن عبد الرحمن الخزاعي أبو عبد الرحمن. وهو : عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم
الحراني الطرائفي ت سنة ٢٠٣ هـ والخزاعي تصحيف الحراني
، وقد قال البخاري انه يروي عن قوم ضعاف ، وقال أبو
__________________
أحمد الحاكم إنما لقب
بالطرائفي لأنه كان يتبع طرائف الحديث يروي عن قوم ضعاف حديثه ليس بالقائم. وقال
ابن عدي سمعت أبا عروبة ينسبه إلى الصدق وقال لا بأس به متعبد ويحدث عن قوم
مجهولين بالمناكير وعنده عجائب وهو في الجزريين كبقية في الشاميين. قال أبو أحمد
وصوبه عثمان انه لا بأس به وتلك العجائب من جهة المجهولين وما يقع في حديثه من
الانكار فإنما يقع من جهة من يروي عنه. وقال الساجي عنده مناكير. وقال عبد الله بن
أحمد عن أبيه لا أجيزه وقال الأزدي متروك ، وقال ابن نمير كذاب ، مات سنة (٢٠٣) وقيل
سنة (٢٠٢).
اما إسماعيل بن راشد فهو مجهول الحال : قال
الألباني إن إسماعيل بن راشد هذا وهو السلمي الكوفي من أتباع التابعين ، مجهول
الحال ، أورده أبن أبي حاتم (١ / ١ / ١٦٩) وقال : «وهو إسماعيل بن أبي إسماعيل أخو
محمد بن أبي إسماعيل روى عن سعيد بن جبير ـ روى عنه حصين بن عبد الرحمن السلمي ، يعد
في الكوفيين». ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا .
أقول
: ونكارة المتن واضحة وفيها افتراء على
المختار رحمهالله
في حق الحسن عليهالسلام
وفيها قول زور نسب إلى الحسن بحق أهل الكوفة.
قال ابن حجر :
وذكر محمد بن قدامة في كتاب الخوارج
بسند قوي إلى أبي بصرة انه سمع الحسن بن علي يقول في خطبته عند معاوية اني اشترطت
على معاوية لنفسي الخلافة بعده.
قال البدري :
وهل يعقل ان الحسن عليهالسلام لم يتذاكر أمر الصلح
وشروطه مع نخبة أصحابه واصحاب أبيه ، انه أمر لا يترقب من الحسن وبخاصة وان الحسن
يقرر أمرا يخصهم ، صحيح ان للحسن ولاية الإمامة الإلهية ولكنه لا يمارسها معهم من
دون اعدادهم ليتقبلوا ذلك. اما
__________________
قوله اشترطت لنفسي
الخلافة فمراد الراوي الحكم ، وليس من شك هو جزء من شروط لتتم بها المصالحة
ومعالجة الانشقاق وتأسيس حالة الحكم الجديد في المجتمع ، وبالتالي فان خطبة الحسن
عند معاوية بالطريقة التي رواها الرواة أمر غير صحيح.
قال ابن حجر :
وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح إلى
الزهري قال كاتب الحسن بن علي معاوية واشترط لنفسه فوصلت الصحيفة لمعاوية وقد أرسل
إلى الحسن يسأله الصلح ومع الرسول صحيفة بيضاء مختوم على أسفلها وكتب إليه ان
اشترط ما شئت فهو لك فاشترط الحسن أضعاف ما كان سأل أولا فلما التقيا وبايعه الحسن
سأله ان يعطيه ما اشترط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله فتمسك معاوية الا ما
كان الحسن سأله أولا واحتج بأنه أجاب سؤاله أول ما وقف عليه فاختلفا في ذلك فلم ينفذ
للحسن من الشرطين شيء.
قال البدري :
ما رواه يعقوب بن سفيان البسوي بسند
صحيح بزعمه عن الزهري هو روايته عن الحجاج بن أبي منيع (يوسف) عن جده (عبيد الله
بن أبي زياد ت ١٥٨ هـ)
عن
__________________
الزهري قال : قتل علي
وبايع أهل العراق الحسن بن علي على الخلافة فطفق يشترط عليهم حين بايعوه إنكم لي
سامعون مطيعون تسالمون وتحاربون من حاربت فارتاب أهل العراق في أمره حين اشترط هذا
الشرط قالوا ما هذا لكم بصاحب وما يريد هذا القتال فلم يلبث حسن بعدما بايعوه إلا
قليلا حتى طعن طعنة أشوته فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعراً.
وروى يعقوب بن سفيان عن حجاج أيضا قال
حدثني جدي عن الزهري ، قال فكاتب الحسن لما طعن معاوية وارسل يشرط شرطه فقال ان
اعطتني هذا فاني سامع مطيع وعليك ان تفي به ، فوقعت صحيفة الحسن في يد معاوية وقد
ارسل معاوية إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على اسفلها وكتب إليه ان اشترط في هذه
ما شئت فما اشترطت فهولك ، فلما اتت حسنا جعل يشترط اضعاف الشروط التي سأل ما
فيها. فلما التقيا وبايعه الحسن سأل حسن معاوية أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل
الذي ختم معاوية في أسفله فأبى معاوية أن يعطيه ذلك ، وقال لك ما كنت كتبت إلى
تسألني أن أعطيك ، فاني قد أعطيتك حين جاءني كتابك. فقال له الحسن وانا قد اشترطت
عليك حين جاءني سجل واعطيتني العهد على الوفاء ما فيه ، فاختلفا في ذلك فلم ينفذ
معاوية للحسن من الشروط شيئا.
قال البدري :
اما أبو منيع فهو يوسف بن عبيد الله بن
أبي زياد مولى عبدة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وكان عبيد الله
بن أبي زياد أخا امرأة هشام بن عبد الملك من الرضاعة وهي عبدة بنت عبد الله بن
يزيد بن معاوية ، هو عبيد الله بن أبي زياد الرصافي مولى بني أمية
، ويهمنا ترجمته وهي كما يلي :
__________________
عبيد
الله بن أبي زياد الرصافي
(١٥٨ هـ) : قال الذهلي : عبيد الله بن أبي زياد من أهل الرصافة لم أعلم له راويا
غير ابن ابنه ، أخرج إلي جزءا من أحاديث الزهري فنظرت فيها فوجدتها صحاحا فلم اكتب
منها إلا يسيرا قال الذهبي فهذان رجلان مجهولان من أصحاب الزهري مقاربا الحديث .
وقال ابن عساكر : كان الزهري لما قدم على هشام بالرصافة لزق عبيد الله بن أبي زياد
به فسمع علمه وكتبه فسمعها منه ابنه يوسف بن عبيد الله وسمعها منه ابن ابنه الحجاج
بن يوسف أبي منيع في آخر خلافة أبي جعفر (المنصور) وقال أنا كنت احمل الكتب إليه
فيقرأها على الناس ، قال حجاج ومات (جدي) عبيد الله بن أبي زياد سنة ثمان أو تسع
وخمسين ومائة وهو يومئذ ابن نيف وثمانين سنة أسود شعر الرأس أبيض وكان ذا جمة وكان
الحجاج يكنى أبا محمد وقال الحجاج في جمادي الأولى سنة ست عشرة ومائتين أنا اليوم
ابن ست وسبعين سنة .
قال البدري :
وهكذا فإنّ سند الرواية كاف في ردها
ولست ادري من أين جاء ابن حجر بالسند الصحيح :
قال ابن حجر :
واخرج ابن أبي خيثمة من طريق عبد الله
بن شوذب قال لما قتل علي سار الحسن بن علي في أهل العراق ومعاوية في أهل الشام
فالتقوا فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده فكان
أصحاب الحسن يقولون له يا عار المؤمنين فيقول العار خير من النار.
قال البدري :
ذكر ابن عبد البر رواية عبد الله بن
شوذب قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا ضمرة ، عن ابن
شوذب ، قال : (لما قتل عليّ سار الحسن فيمن معه من أهل الحجاز والعراق ، وسار
معاوية في أهل الشام ، فالتقوا ،
__________________
فكره الحسن القتال ، وبايع
معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده ، قال : فكان أصحاب الحسن يقولون له يا
عار المؤمنين. فيقول : العار خير من النار) .
أقول
: قوله (فبايع معاوية) ليس صحيحا اذ لم
تقع بيعة من الحسن عليهالسلام
لمعاوية في الصلح بينهما ولم يكن يخطر ببال معاوية ان يطلب من الحسن عليهالسلام ان يبايعه كما بينا
ذلك سابقا ، وقوله عن أصحاب الحسن عليهالسلام
يا عار المؤمنين إذا حملنا على موقف الخوارج فهو صحيح ، ولكن الخوارج ليسوا في جيش
الحسن عليهالسلام
، مضافا إلى عدم الاعتماد على ضمرة كما يتضح من ترجمته.
ترجمة
ضمرة بن ربيعة (٢٠٢ هـ) :
هو ضمرة بن ربيعة أبو عبد الله القرشي من أهل دمشق نزل الرملة (لذلك قيل الفلسطيني
، الرملي) وهو مولى علي بن أبي حملة وعلي مولى آل عتبة بن ربيعة (بن عبد شمس) روى
عن عبد الله بن شوذب وغيره روى عنه هارون بن معروف وغيره. قال عبد الله بن احمد بن
حنبل : كتب إلي غالب أبي عن ضمرة بن ربيعة فقال من الثقات المأمونين رج صالح مليح
الحدث لم يكن بالشام رجل يشبهه. قال يحيى بن معين يقول توفي ضمرة بن ربيعة سنة
اثنين ومائتين.
أقول
: وأهل الرملة لا يؤمَنون على أهل العراق
، قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ : سمعت علي بن عمر يقول : كان أبو عبد الرحمان
النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره ، وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار ، وأعلمهم
بالرجال ، فلما بلغ هذا المبلغ حصدوه فخرج إلى الرملة ، فسئل عن فضائل معاوية ، فأمسك
عنه ، فضربوه في الجامع. فقال : أخرجوني إلى مكة ، فأخرجوه إلى مكة وهو عليل ، وتوفي
بها مقتولا شهيدا .
قال ابن حجر :
قوله (قال الحسن) هو البصريوهو موصول
بالسند المتقدم ووقع في رجال البخاري لأبي الوليد الباجي في ترجمة الحسن بن علي بن
أبي طالب ما نصه اخرج البخاري قول الحسن سمعت أبا بكرة فتأوله الدارقطني وغيره على
أنه الحسن ابن علي
__________________
لان الحسن البصري
عندهم لم يسمع من أبي بكرة وحمله ابن المديني والبخاري على أنه الحسن البصري قال
الباجي وعندي ان الحسن الذي قال سمعت هذا من أبي بكرة انما هو الحسن بن علي انتهى
وهو عجيب منه ، فان البخاري قد أخرج متن هذا الحديث في علامات النبوة مجردا عن
القصة من طريق حسين بن علي الجعفي عن أبي موسى وهو إسرائيل بن موسى عن الحسن عن
أبي بكرة ، وأخرجه البيهقي في الدلائل من رواية مبارك بن فضالة ومن رواية علي بن
زيد كلاهما عن الحسن عن أبي بكرة وزاد في آخره قال الحسن فلما ولى ما أهريق في
سببه محجمة دم فالحسن القائل هو البصري والذي ولي هو الحسن بن علي وليس للحسن بن
علي في هذا رواية ، وهؤلاء الثلاثة إسرائيل بن موسى ومبارك بن فضالة وعلي بن زيد
لم يدرك واحد منهم الحسن بن علي.
وقد صرح إسرائيل بقوله سمعت الحسن وذلك
فيما أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن الصلت بن مسعود عن سفيان بن عيينة عن
أبي موسى هو إسرائيل سمعت الحسن سمعت أبا بكرة وهؤلاء كلهم من رجال الصحيح.
والصلت من شيوخ مسلم وقد استشعر ابن
التين خطأ الباجي فقال قال الداودي الحسن مع قربه من النبي صلىاللهعليهوسلم بحيث توفي النبي صلىاللهعليهوسلم وهو ابن سبع سنين لا
يشك في سماعه منه وله مع ذلك صحبة قال ابن التين الذي في البخاري انما أراد سماع
الحسن بن أبي الحسن البصري من أبي بكرة (قال ابن حجر) ولعل الداودي انما أراد رد
توهم من يتوهم انه الحسن بن علي فدفعه بما ذكر وهو ظاهر وإنما قال ابن المديني ذلك
لان الحسن كان يرسل كثيرا عن من لم يلقهم بصيغة عن فخشى أن تكون روايته عن أبي
بكرة مرسلة فلما جاءت هذه الرواية مصرحة بسماعه من أبي بكرة ثبت عنده انه سمعه منه
ولم أر ما نقله الباجي عن الدارقطني من أن الحسن هنا هو ابن علي في شيء من تصانيفه
وإنما قال في التتبع لما في الصحيحين أخرج البخاري أحاديث عن الحسن عن أبي بكرة
والحسن انما روى عن الأحنف عن أبي بكرة وهذا يقتضي انه عنده لم يسمع من أبي بكرة
لكن لم أر من صرح بذلك ممن تكلم في مراسيل الحسن كابن المديني وأبي حاتم وأحمد
والبزار وغيرهم نعم كلام ابن
المديني يشعر بأنهم
كانوا يحملونه على الارسال حتى وقع هذا التصريح.
قوله (بينما النبي صلىاللهعليهوسلم يخطب جاء الحسن فقال)
وقع في رواية علي بن زيد عن الحسن في الدلائل للبيهقي يخطب أصحابه يوما إذ جاء
الحسن بن علي فصعد إليه المنبر وفي رواية عبد الله بن محمد المذكورة رأيت رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول ومثله
في رواية ابن أبي عمر عن سفيان لكن قال وهو يلتفت إلى الناس مرة واليه أخرى (قوله
ابني هذا سيد) في رواية عبد الله بن محمد ان ابني هذا سيد وفي رواية مبارك بن
فضالة رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
ضم الحسن بن علي إليه وقال إن ابني هذا سيد وفي رواية علي بن زيد فضمه إليه وقال
الا ان ابني هذا سيد (قوله ولعل الله ان يصلح به) كذا استعمل لعل استعمال عسى
لاشتراكهما في الرجاء والأشهر في خبر لعل بغير ان كقوله تعالى لعل الله يحدث (قوله
بين فئتين من المسلمين) زد عبد الله بن محمد في روايته عظيمتين وكذا في رواية
مبارك بن فضالة وفي رواية علي بن زيد كلاهما عن الحسن عند البيهقي واخرج من طريق
أضعث ابن عبد الملك عن الحسن كالأول لكنه قال واني لأرجو ان يصلح الله به وجزم في
حديث جابر ولفظه عند الطبراني والبيهقي قال للحسن ان ابني هذا سيد يصلح الله به
بين فئتين من المسلمين. قال البزار روى هذا الحديث عن أبي بكرة وعن جابر وحديث أبي
بكرة أشهر وأحسن إسنادا وحديث جابر غريب وقال الدارقطني اختلف على الحسن فقيل عنه
عن أم سلمة وقيل عن ابن عيينة عن أيوب عن الحسن وكل منهما وهم ورواه داود بن أبي
هند وعوف الأعرابي عن الحسن مرسلا.
قال ابن حجر وفي هذه
القصة من الفوائد :
(اولا :) علم من أعلام النبوة ومنبقة
للحسن بن علي فإنه ترك الملك لا لقلة ولا لذلة ولا لعلة بل لرغبته فيما عند الله
لما رآه من حقن دماء المسلمين فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة.
قال البدري :
بل قدم اختيار اهل الشام على اختيار اهل
العراق من اجل معالجة الانشقاق
الاموي وفتح قلوب اهل
الشام بما فيهم معاوية لمشروع علي عليهالسلام
الاحيائي للسنة يتعرفون عليه من موقع الشفافية لتكون الحجة عليهم ابلغ.
قال ابن حجر :
(ثانيا :) وفيها رد على الخوارد الذين
كانوا يكفرون عليا ومن معه ومعاوية ومن معه بشهادة النبي صلىاللهعليهوسلم للطائفتين بأنهم من
المسلمين ومن ثم كان سفيان بن عيينة يقول عقب عقب هذا الحديث قوله من المسلمين
يعجبنا جدا أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه عن الحميدي وسعيد بن منصور عنه وفيه
فضيلة الإصلاح بين الناس ولا سيما في حقن دماء المسلمين.
(ثالثا :) ودلالة على رأفة معاوية
بالرعية وشفقته على المسلمين وقوة نظره في تدبير الملك ونظره في العواقب.
قال البدري :
أين كانت رأفة معاوية لما انشق عن علي عليهالسلام وهل يجهل قدر علي عليهالسلام مثله وكلاهما من بيت
عبد مناف؟
، وتسبب في سفك دماء عشرات الآلاف من المسلمين وفيهم ابرار الصحابة في صفين وفي
ارعاب الآلاف من النساء والاطفال لأنهم شيعة علي في غاراته بعد النهروان ، ثم حين
غدر بشروط الحسنبائدا بالحسن عليهالسلام
نفسه حين دس له السم سنة (٥٠ هـ) واستضعف شيعة علي تهجيرا وسجنا ونفياوقتلا والدفن
لبعضهم وهم إحياء!!!.
قال ابن حجر :
(رابعا :) وفيه ولاية المفضول الخلافة
مع وجود الأفضل لان الحسن ومعاوية ولي كل منهما الخلافة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن
زيد في الحياة وهما بدريان قاله ابن التين وفيه جواز خلع نفسه إذا رأى في ذلك
صلاحا للمسلمين والنزول عن الوظائف الدينية والدنيوية بالمال وجواز أخذ المال على
ذلك واعطائه بعد استيفاء
__________________
شرائطه بأن يكون
المنزول له أولى من النازل وأن يكون المبذول من ماله الباذل فإن كان في ولاية عامة
وكان المبذول من بيت المال اشترط أن تكون المصلحة في ذلك عامة أشار إلى ذلك ابن
بطال قال يشترط ان يكون لكل من الباذل والمبذول له سبب في الولاية يستند إليه وعقد
من الأمور يعول عليه.
قال البدري :
قلنا في الفصل الخامس من الباب الثاني
من هذا الكتاب ان الحسن عليهالسلام
ما كان بحاجة إلى مال ليشترطه لنفسه من معاوية ويأخذ معه من بيت مال الكوفة فقد
اغنته صدقات أبيه علي عليهالسلام.
وسيأتي تفصيل اكثر.
قال ابن حجر :
(خامسا :) وفيه إطلاق الابن على ابن
البنت وقد انعقد الاجماع على أن امرأة الجد والد الام محرمة علي ابن بنته وان
امرأة ابن البنت محرمة على جده وان اختلفوا في التوارث.
(سادسا :) واستُدِلَّ به على تصويب رأي
من قعد عن القتال مع معاوية وعلي وإن كن علي أحق بالخلافة وأقرب إلى الحق وهو قول
سعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وسائر من اعتزل تلك الحروب.
قال البدري :
ولكن معاوية لم يرضَ صحة اعتزال سعد بن
ابي وقاص فقد روى المسعودي قال وحدث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، عن محمد بن حميد
الرازي ، أبي مجاهد ، عن محمد بن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح ، قال : لما حج معاوية
طاف بالبيت ومعه سعد ، فلما فرغ انصرف معاوية إلى دار النَّدْوَة ، فأجلسه معه على
سريره ، ووقع معاوية في علي وشرع في سَبَّه ، فزحف سعد ثم قال :
أجلستني مك على سريرك ثم شرعت في سب علي
، والله لأن يكون في خصلة واحدة من خصال كانت لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت
عليه الشمس : والله لأن أكون صهراً لرسول الله صلىاللهعليهوسلم
وأن لي من الولد ما لعلي أحب
إلى من أن يكون لي ما
طلعت عليه الشمس ، والله لأن يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال لي ما قاله يوم خيبر : «لأعطيَنَّ الراية غداً رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحب
الله ورسوله ، ليس بِفَرَّار يفتح الله على يديه» أحبُّ إلي من أن يكون لي ما طلعت
عليه الشمس ، والله لأن يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال لي ما قال له في غزوة تبوك : «ألا ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا
أنه لا نبي بدي» أحبُّ إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، وأيم الله لا دخلت
لك داراً ما بقيت ، ثم نهض.
قال المسعودي : ووجدت في وجه آخر من
الروايات ، وذلك في كتاب علي بن محمد بن سليمان النوفلي الأخبار ، عن ابن عائشة
وغيره ، أن سعداً لما قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضَرَطَ له معاوية ، وقال
له : اقعد حتى تسمع جواب ما قلت ، ما كُنْتَ عندي قط ألأم منك الآن ، فهلا نصرته ،
ولم قعدت عن بيعته؟ فاني لو سمعت من النبي صلىاللهعليهوسلم
مثل الذي سمعت فيه لكنت خادماً لعلي ما عشت.
قال البدري :
لقد كذب معاوية في كلامه الاخير فهو
يعلم حق العلم ان النبي صلىاللهعليهوآله
قد قال ذلك في حق علي عليهالسلام.
قال ابن حجر :
وذهب جمهور أهل السنة إلى تصويب من قاتل
مع علي لامتثال قوله تعالى (وان طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا)
الآية ففيها الأمر بقتال الفئة الباغية وقد ثبتان من قاتل عليا كانوا بغاة
، وهؤلاء مع هذا التصويب متفقون على انه لا يذم واحد من هؤلاء بل يقولون اجتهدوا
فأخطئوا. وذهب طائفة قليلة من أهل السنة وهو قول كثير من
__________________
المعتزلة إلى ان كلا
من الطائفتين مصيب ، وطائفة إلى ان المصيب طائفة لا بعينها .
قال البدري :
وفي هذا المقطع مطالب نكتفي بما رد
علماؤنا وغيرهم في كتبهم تفصيلا.
واختتم الفصل بكلام ابن حجر الذي قاله
في أول شرحه للرواية :
قال ابن حجر :
قوله : (قال حدثنا الحسن) يعني البصري
والقائل حدثنا هو إسرائيل المذكور. قال البزار في مسنده بعد أن أخرج هذا الحديث عن
خلف بن خليفة عن سفيان بن عيينة لا نعلم رواه عن إسرائيل غير سفيان. وتعقبة مغلطاي
بأن البخاري أخرجه في علامات النبوة من طريق حسين بن علي الجعفي عن أبي موسى وهو
إسرائيل هذا.
قال ابن حجر :
وهو تعقب جيد ولكن لم أر فيه القصة
وإنما اخرج فيه الحديث المرفوع فقط.
قال البدري :
وهذا معناه ان قصة صلح الامام الحسن عليهالسلام التي يرويها البخاري
ينفرد بها سفيان بن عيينة. وهي من صياغته وقد أخذ فكرتها من معمر على الأكثر ولم
يشأ ان يرويها عن معمر عن الزهري بل اسندها إلى إسرائيل أبي موسى البصري عن الحسن
البصري
ليعزز بها رواية الزهري ويؤكد بها قول أبي جعفر الدوانيقي (ان الحسن ما
__________________
هوبرجل باع الخلافة
بدراهم) ، وبهذه الرواية صعد نجم سفيان عند المهدي العباسي وعيَّنه إماما في مكة ،
واقره الخليفة هارون حفيد الدوانيقي وسماه (سيد الناس). كما كان جدهم أبو جعفر قد
عين مالكا إماما في المدينة.
وفيما يلي ترجمة سفيان بن عيينة ، ثم
ترجمة البخاري الذي تبنى ترويج الرواية وعنه انتشرت في كتب الحديث والتاريخ بعده.
سفيان بن عيينة
ترجمة سفيان بن عيينة
(الاعور) (١٩٨ هـ) :
قال الذهبي : هو أبو محمد الهلالي
الكوفي ثم الملكي ، الامام الكبير حافظ العصر شيخ الإسلام مولده بالكوفة سنة (١٠٧
هـ) وطلب الحديث وهو حدث ولقي الكبار وحمل عنهم علما جماً. سمع في سنة تسع عشرة
ومأة من عمر وبن دينار ، فاكثر عنه ، ومن ابن شهاب الزهري وايوب السختياني وأبي
اسحق السيعي والاعمش وغيرهم وتفرد بالرواية عن خلق من الكبار. حدث عنه شعبة وابن
حريج والاعمش وهم
__________________
من شيوخه ، وابو اسحق
الفراري وعبد الله بن المبارك وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان والشافعي ويحيى بن
معين وعلي بن المديني واحمد بن حنبل ومحمد بن عبد الله بن نمير وغيرهم .
قال الخطيب ولد بالكوفة وسكن مكة وقدم
بغداد .
وقال أبو محمد الرامهرمزي عن زياد بن
عبد الله الخزاعي قال سمعت سفيان بن عينية يقول : كان أبي صيرفيا بالكوفة فركبه
دين فحملنا إلى مكة .
قال الشافعي : لولا مالك وسفيان بن عيية
لذهب علم الحجاز ، وقال وجدت أحاديث الاحكام كلها عند ابن عيينة سوى ست أحاديث
ووجدتها كلها عند مالك سوى ثلاثين حديثا.
ثال الذهبي : فهذا يوضح لك سعة دائرة
علم سفيان في العلم وذلك لأنه فم أحاديث العراقيين إلى أحاديث الحجازيين.
وقال احمد بن عبد الله العجلي : كان ابن
عيينة ثبتا في الحديث وكان حديثه نحواً من سبعة آلاف ولم تكن له كتب.
قال احمد : دخل سفيان على معن بن زائد
، يعني أمير اليمن ولم يكن سفيان تلطخ بعد بشيء من أمر السلطان فجعل يعضله .
اقول :
وقول احمد : ولم يكن سفيان قد تلطخ بعد
شيء من أمر السلطان نستفيد منه ان سفيان قد صانع السلطان العباسي فيما بعد كما
صانعه مالك ولا نملك معلومات مفصلة
__________________
عن زمن ذلك ، الا ان
الخطيب البغدادي روى عن أبي الربيع النخاس قال تلقيت هارون امير المؤمنين فسألني
عن علية الهاشميين ، ثم قال لي ما فعل سيد الناس؟ قال قلت يا أمير المؤمنين ومن
سيد الناس غيرك؟ قال سيد الناس سفيان بن عيينة. والرواية تفيد ان سفيان له حظوة
خاصة عند بني العباس وهذه الحظوة لم تكن لولا المصانعة كما كان الأمر في مالك ، ويبدو
انهم عيونه مرجعاً في مكة. ومن هنا كان يقصده طلبة العلم كما كانوا يقصدون مالك بن
انس في المدينة وكان قرينه. (قال الشافعي : مالك وسفيان قرينان).
أقول
: ولا يبعد ان منزلته قد كبرت عند الرشيد
عند كان يعرِّض بآل اعين عبد الملك وحمران وزرارة اعلام الرواية عن الباقر والصادق
عليهماالسلام
ولم يعرف التعريض بهم عن غيره وسيأتي تفصيل الكلام عن ذلك.
قال ابن المديني : قال لي يحيى القطان ت
١٩٨ : ما بقي احد من معلميَّ احد غير سفيان بن عيينة هو امام منذ أربعين سنة.
أقول
: أي ان إمامة سفيان الدينية بدأت من سنة
١٥٨ هـ وكان انتقاله من الكوفة إلى مكة سنة (١٦٣ هـ) زمن الخليفة المهدي العباسي
واستمر بها إلى أن مات ، وعظمها في عهد المهدي العباسي وولديه الهادي والرشيد.
وليس من شك ان انتقاله إلى مكة لإمامتها في الحديث والفتوى كما كان مالك إمام
المدينة في الحديث والفتوى.
قال الذهبي وكان سفيانمشهوراً بالتدليس
، عمد إلى أحاديث رفعت إليه من حديث الزهري فيحذف اسم من حدثه ويدلسها الا انه لا
يدلس الا عن ثقة عنده .
__________________
قال الذهبي : فاما ما بلغنا عن يحيى بن
سعيد القطان انه قال اشهدوا ان ابن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين ومائة فهذا منكر
القول ولا يصح فان يحيى بن القطان مات في صفر سنة ثمان وتسعين مع قدوم الوفد من
الحج فمن الذي اخبره باختلاط سفيان ومتى لحق ان يقول هذا القول وق بلغت التراقي؟
وسفيان حجة مطلقاً وحديثه في جميع دواوني الإسلام.
قال ابن حجر : هذا لا يتجه لان ابن عمار
راوي الخبر عن القطان من الاثبات المتقنين ، وما المانع ان يكون يحيى بن سعد سمعه
من جماعة من حج في تلك السنة واعتمد قولهم وكانوا كثيرا فشهد على استفاضتهم ، وقد
وحدت عن يحيى بن سعيد شيئاً يصلح ان يكون سببا لما نقله عنه ابن عمار في حق ابن
عيينة وذلك ما أورده أبو سعد بن السمعاني في ترجمة إسماعيل بن أبي صالح المؤذن من
ذيل تاريخ بغداد بسند له قوي إلى عبد الرحمن بن نشر بن الحكم قال سمعت يحيى بن
سعيد بقول قلت لابن عيينة كنت تكتب الحديث وتحدث واليوم تزيد في اسناده أو تنقص
منه فقال عليك بالمساع الأول فاني قد سمنت ، وقد ذكر أبو معين الرازي في زيادة
كتبا الإيمان لأحمد ان هارون بن معروف قال له ان ابن عيينة تغيرأمره بآخره وان
سليمان بن حرب قال له ان ابن عيينة اخطأ في عامة حديثه عن أيوب.
كلام ابن عيينة في
جابر الجعفي :
قال ابن حجر تهذيب التهذيب ٢ / ٤٣ وقال
الشافعي سمعت سفيان بن عيينة يقول سمعت من جابر الجعفي كلاما فبادرت خفت أن يقع
علينا السقف. قال سفيان كان يؤمن بالرجعة.
وقال الحميدي عن سفيان سمعت رجلا سأل
جابر الجعفي عن قوله فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي قال لم يجيء تأويلها بعد ، قال
سفيان كذب ، قلت ما أراد بهذا ، قال : الرافضة تقول أن عليا في السماء لا يخرج من
ولده حتى ينادي من السماء اخرجوا مع فلان يقول جابر هذا تأويل هذا. وقال الحميدي
أيضا سمعت رجلا يسأل سفيان أرأيت يا أبا محمد الذين عابوا على جابر الجعفي قوله
حدثني وصي الأوصياء فقال سفيان هذا أهونه.
حوله نسبة ابن عيينة
إلى التشيع :
قال ابن حجر : ونسبه ابن عدي إلى شيء من
التشيع فقال في ترجمة عبد الرزاق ذكر ابن عيينة حديثا فقيل له هل فيه ذكر عثمان
قال نعم لكني سكت لأني غلام كوفي.
أقول
: لم ينسبه ابن عدي إلى التشيع صراحه بل
روى في ترجمة عبد الرزاق قال اخبرنا الحسن بن سفيان الفسوي حدثنا اسحق بن إبراهيم
الحنظلي اخبرنا عن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن أي
نظرة عن أبي سعيد الخدري قال : قال : رسول الله (ص) (إذا رأيتم معاوية على منبري
فاقتلوه).
وقال ابن عدي وهذا حديث يعرف بعبد
الرزاق عن ابن عيينة وقد روى عن عبد الرزاق عن ابن عيينة. وقد رواه سليمان بن أيوب
الصريفيني عن ابن عيينة. وقد رواه علي بن المديني عن ابن عيينة.
وجعفر بن سليمان هذا هو يعد في الشيعة
من أهل البصرة وعبد الرزاق يعد في الشيعة وهذا الحديث بجعفر بن سليمان اشبه من ابن
عيينة على ان ابن عيينة كوفي وقد قال ابن عيينة في حديث له قيل له فيه ذكر عثمان
قال نعم ولكني سكت لأني غلام كوفي .
وقد ذكره الشيخ الطوسي في رجاله في
اصحاب الصادق عليهالسلام
قائلا مولاهم أبو محمد الكوفي سكن مكة وعنونه النجاشي قائلا : كان جده أبو عمران
عاملاً من عمال خالد القسري له نسخة عن جعفر بن محمد عليهالسلام.
وقال الشيخ الصدوق فيه : لقي الصادق عليهالسلام وروى عن وبقي إلى
أيام الرضا عليهالسلام.
وروى الكشي عن علي بن الحسن عن محمد بن
الوليد عن العباسي بن هلال قال ذكر أبو الحسن الرضا عليهالسلام
ان سفيان بن عيينة لقى أبا عبد الله عليهالسلام
فقال له يا أبا عبد الله إلى متى هذه التقية؟ وقد بلغت هذا السن؟ فقال والذي بعث
محمداً لو ان رجلا صلى ما بين الركن والمقام عمره ثم لقي الله بغير ولايتنا أهل
البيت لقي الله بميتة جاهلية .
أقول
: لا يبعد ان سفيان كان في أول أمره على
رأي الكوفيين في التشيع لعلي
__________________
بشكل عام
في قبال عثمان ومعاوية ثم حضر عند الصادق عليهالسلام
كحضور مالك بن انس وأبي حنيفة في الايان الأولى بني العباس ولما قلب هؤلاء ظهر
المجن لجعفر عليهالسلام
وشيعته تخلى عن ذلك وساير السلطة العباسية ومنحه هارون لقب سيد الناس.
كلام ابن عيينة في
قطر بن خليفة :
قال ابن حجر : فطر بن خليفة القرشي
المخزومي مولاهم أبو بكر الحناط الكوفي روى عن أبيه ومولاه عمرو بن حريث وأبي
الطفيل عامر بن وائلة وغيرهم. قال محمد بن عبد الله الحضرمي مات سنة خمس ويقال سنة
ثلاث وخمسية ومائة.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه
ثقة صالح الحديث قال وقال أبي كان عند يحيى بن سعيد ثقة وقال بن أبي خيثمة عن بن
معين ثقاة وقال العجلي كوفي ثقة حسن الحديث وكان فيه تشيع قليل وثال أبو حاتم أبو
صالح الحديث كان يحيى بن سعيد القطان يرضاه ويحسن القول فيه ويحدث عنه قال أبو
حاتم صالح الحديث كان يحيى بن سعيد القطان يرضاه ويحسن القول فيه ويحدث عنه.
وقال النسائي لا بأس به وقال في موضع
آخر ثقة حافظ كيسو قال أبو زرعة الدمشقي سمعت أبا نعيم يرفع من فطر ويوثقه ويذكر
أنه كان ثبتا في الحديث.
وذكره بن حبان في الثقات وقال وقد قيل
أنه سمع من أبي الطفيل فإن صح فهو من التابعين وقال في مشاهير علماء الأمصار : من
متقني أهل الكوفة. وقال النسائي في الكنى حدثنا يعقوب بن سفيان بن نمير قال فطر
حافظ كيس.
قال ابن حجر : روى له البخاري مقرونا
والباقون سوى مسلم.
وقال بن سعد كان ثقة إن شاء الله تعالى
ومن الناس من يستضعفه وكن لا يدع أحدا يكتب عنه وكانت له سن عالية ولقاء.
__________________
كان أحمد بن حنبل يقول هو خشبي مفرط ، وفي
رواية قال : كان يغالي في التشيع.
وقال الساجي صدوق ثقة ليس بمتقن قال
الساجي وكان يقدم عليا على عثمان.
قال أبو عبد الله غمزه علي بن المديني
وحكى فيه عن ابن عيينة.
كلام ابن عيينة في آل
أعين :
قال صالح بن احمد بن حنبل حدثنا علي بن
المديني قال سمعت سفيان يعني بن عيينة روى زرارة بن اعين عن أبي جعفر كتاباً ، فقال
سفيان ما هو رأي أبا جعفر ولكنه كان يتتبع حديثه.
قال سفيان : كانوا ثلاثة اخوة عبد الملك
بن اعين وحمران بن اعين وزرارة بن اعين وكانكوا شيعة .
وفي رواية أبي عبيد الاجري عن أبي داود
عن حامد عن سفيان : كلهم أي الاخوة الثلاثة روافض واخبثهم قولاً عبد الملك. وقال
محمد بن عباد المكي : عن سفيان : حدثنا عبد الملك بن اعين وكان رافضياً .
قال أبو حاتم : عبد الملك من عتق الشيعة
محله الصدق صالح الحديث يكتب حديث .
وقال العجلي كوفي تابعي ثقة. وقال ابن حجر : صدوق شيعي.
أقول
: وقول ابن عيينة (اخبثهم قولا عبد الملك)
لعله اشارة إلى كونه اكبرهم أو كونه أول من عرف هذا الأمر. فقد ورد في رسالة أبي
غالب الزراري بسنده إلى أبي عبد الله عليهالسلام
قال أول من عرف هذا الأمر عبد الملك عرفه من صالح بن ميثم التمار ثم عرفه حمران عن
أبي خالد الكابلي ، ولعله للرواية الاتية التي عرفت عنه.
روى العقيلي عن إبراهيم بن الحسين
القومسي قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن اسحق عن عبد الملك بن
اعين عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي قال بعثني أبي إلى جندب بن عبد الله البجلي
قال سله ما حضرت من أمر أبي
__________________
بكر وعلي عليهالسلام ، قال : جيئ بعلي
حتى اقعد بين يديه فقيل له بايع قال : فإن لم افعل فذكر كلاما قال إذن اكون عبد
الله واخو رسوله وذكر الحديث .
وقوله : فذكر كلاما : أي أبو بكر أجاب
عليا حين قال له فإن لم افعل ولم يذكرها القول على عادة الكثير من الرواة يحذفون
ما يسوؤهم ذكره والخبر يرويه السيد المرتضى (رح) عن إبراهيم الثقفي عن يحيى بن
الحسن عن عاصم بن عامر عن نوح بن دراج عن داود بن يزيد الاودي عن عدي بن حاتم قال
ما رحمت أحدا رحمتي عليا حين أتى به ملبيا بايع قال فقيل له فان لم افعل؟ قالوا
إذن نقتلك قال إذن تقتلون عبد الله وأخا رسول الله ثم بايع هكذا وختم يده اليمنى .
وقوله عليهالسلام
: (إذن اكون عبد الله ...) محرف والصحيح كما في رواية الثقفي : إذن تقتلون عبد
الله اخا رسوله.
اما زرارة : فقد قال الذهبي : قلت قلما
روى ، لم يذكر ابن أبي حاتم في ترجمته سوى ان قال روى عن أبي جعفر يعني الباقر
وقال سفيان الثوري : ما رأى أبا جعفر عليهالسلام.
أقول :
قول الذهبي (وقال سفيان الثوري ما رأى
أبا جعفر) مما اثبته فيه الذهبي أو النساخ فان الذي رواه الرازي في مقدمة الجرح
والتعديل هو سفيان ابن عيينة وليس الثوري.
قال ابن النديم في الفهرست : زرارة اكبر
رجال الشيعة فقهاً وحديثاً ومعرفة بالكلام والتشيع.
اما قول ابن عيينة في زرارة (وقد قيل له
روى زرارة عن أبي جعفر كتاباً قال ما رأى أبا جعفر ولكنه كان يتبع حديثه).
فهو شهادة في أمرين ومحاولة لنفي أمر
ثالث في حق زرارة هو أبين من الشمس في رائعة النهار وهو كونه رحمهالله من أصحاب أبي جعفر
الباقر عليهالسلام
بل من خواص أصحابه وفقهائهم ، والروايات في كتب الرجال والحديث عنه الشيعة كثيرة
جداً.
وقبل ان نذكر نماذج من هذه الروايات
تردُّ على قول ابن عينة في زرارة فان
__________________
سفيان بن عيينه كان
قد ولد سنة ١٠٧ هـ وكان عمره يوم توفي الباقر عليهالسلام
سنة ١١٤ سبع سنوات ، اما زرارة فقد كان عمره آنذاك اربعا وثلاثين سنة ، ولم ينقل
لنا الرواة عن ابن عيينة انه نقل قوله فيه ذاك في زرارة عن آخرين. وبذلك يسقط قوله
ويكون هو المتهم به محاولة منه في تطويق عَلَم من اعلام الرواية عن أهل البيت عليهمالسلام.
قال بعض الباحثين المعاصرين وقع بعنوان
(زرارة) في اسناد كثير من الروايات تبلغ ألفين وأربعة وتسعين مورداً وقد جمعها في
كتاب سماه مسند زرارة بن اعين ورتبها على أبواب العقائد والفقه.
وبلغت رواته عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام ألف ومائتين وستة
وثلاثين مورداً بل تزيد.
قال ابن حزم فهذا يدل على انه (أي زرارة)
رجع عن التشيع.
أقول
: لقد اخطأ ابن حزم خطأين.
الأول : في عبد الله الافطح حسبه بن
محمد الباقر عليهالسلام
بينما هو ابن جعفر الصادق عليهالسلام.
والثاني : ان زرارة كان ممن قدم إلى
المدينة ولقي الافطح فان الذي قدم المدينة هو عبيد بن زرارة وكان قدمها ليسأل من
الامام الكاظم هل يجوز لزرارة ان يظهر أمر الكاظم عليهالسلام
أم يعمل بالتقية .
روى البسوي قال حدثنا سفيان قال : قال :
ابن السماك : اردت الحج فقال لي زرارة بن اعين اخو عبد الملك بن اعين : إذا لقيت
جعفر بن محمد فأقرئه مني السلام وقل له : اخبرني في الجنة أنا أم في النار؟ قال : فلقيت
جعفر بن محمد فقلت له : يا ابن رسول الله اتعرف زرارة بن اعين؟ قال : نعم رافضي
خبيث. قال : قلت : انه يقرئك السلام ويقول : اخبرني في الجنة أنا أم في النار؟ قال
: فأخبره انه في النار. ثم قال : وتعلم من أين عملت انه رافضي انه يزعم اني اعلم
الغيب ، ومن زعم ان احداً يعلم الغيب لا الله عز وجل فهو كافر ، والكافر في النار.
قال : فلما قدمت الكوفة جاءني مع الناس
يسلمون عليَّ ، فقال ما فعلت في
__________________
حجتي؟ فأخبرته بما
قال. فقال : فان ابن رسول الله اتقي .
أقول :
وليس من شك ان هذه الرواية موضوعة على
زرارة ، ومحمد بن السماك كوفي احد وعاظ السلاطين ترجم له الذهبي في سير اعلامه وان
هارون الرشيد كان يحضر مجالس وعظه وكان الرشيد يبكي لوعظه! .
ونقل ابن نعيم في حليته بعض احاديثه بحضور الرشيد.
توفي ابن السماك سنة ١٨٣ وقد اسن فهو من
اقران ابن عينة ومن معاصريه. قال ابن نمير عنه : صدق :
قال الذهبي ما وقع له شيء في الكتب
الستة.
أقول :
اما روايات لقائه بأبي جعفر عليهالسلام فقد مرت رواية الكشي
عن زرارة انه قدم المدينة وهو شاب امرد ودخل سرادق أبي جعفر عليهالسلام بمنى ويبدو ان ذلك
أول لقائه به ومعناه انه ارتبط بالباقر عليهالسلام
اكثر من خمس عشرة سنة.
ومنها ما رواه البرقي عن بكير عن زرارة
قال تغديت مع أبي جعفر عليهالسلام
خمسة عشر يوما بلحم.
ومنها رواية الكليني عن زرارة قوله : قلت
لابي جعفر عليهالسلام
اني ظاهرت من أم ولد لي ثم واقعت عليها ثم كفَّرت فقال : هكذا يصنع الرجل الفقيه
إذا وقع كفَّر.
ومنها رواية الكليني أيضا عن زرارة ، قال
: سألت أبا جعفر عليهالسلام
عن الحَدّ؟ فقال : ما احد؟ قال : فيه الا برأيه لا أمير المؤمنين عليهالسلام ، قلت : اصلحك الله
فما قال فيه أمير
__________________
المؤمنين عليهالسلام؟ فقال إذا كان غداً
فالقني حقتى اقرئكه في كتاب علي عليهالسلام
...
ومنها رواية الكليني عني زرارة قال رأيت
قميص علي عليهالسلام
الذي قتل فيه عند ابي جعفر عليهالسلام
فإذا اسفله ثني عشر شبرهاً وبدنه ثلاثة اشبار ورأية فيه نضح دم.
وغير ذلك كثير جداً مما يزيد على ألف
ومائتين وستة وثلاثين مورداً.
اما قول ابن عيينة : ولكنه كان يتتبع
حديثه : فهي شهادة منه على ان زرارة كان احد اوعية علم أبي جعفر الباقر عليهالسلام وممن عرفه حق معرفته
ولم يكن قد استوطن المدينة ليسجل عن الباقر عليهالسلام
كل صغيرة وكبيرة من قوله وفعله وتقريره فلماذا لا يتتبع احاديثه وسيرته مما غاب عنه
ووعاه الآخرون من الشيعة؟
ولهذه الصفة في زرارة قال الصادق عليهالسلام لولا زرارة لظننت ان
أحاديث أبي ستذهب
.. وفي رواية أخرى قال الصادق عليهالسلام
: ان أصحاب ابي كانوا زينا احياءً وامواتا اعين زرارة ومحمد بن سلم ومنهم ليث
المرادي وبريد العجلي ، هؤلاء القوامون بالقسط. هؤلاء القوامون بالصدق.
وفي رواية ثالثة : ما أحدا حين ذكرنا
وأحاديث أبي الا زرارة وابو بصير ليث المرادي ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية
العجلي ولولا هؤلاء ما كان احد يستنبط هذا ، هؤلاء حفاظ الجين وامناء ابي عليهالسلام على حلال الله
وحرامه وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة.
وفي رواية رابعة : كان ابي عليهالسلام ائتمنهم على حلال
الله وحرامه وكانوا عيبة علمه وكذلك اليوم هم عندي مستودع سري .. هم نجوم شيعتي
إحياء وامواتا يحيون ذكر أبي عليهالسلام
، بهم يكشف الله كل بدعة ، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأول الغالين ثم
بكى.
كلام ابن عيينة في
أهل العراق :
واخيرا نذكر عنه موقفه من حديث أهل
العراق : فقد روى ابن عساكر ، تاريخ
__________________
مدينة دمشق ج ١ ص ٣٣٠
عن الأصمعي عن سفيان بن عيينة قال من أراد الإسناد والحديث الذي يسكن إليه فعليه
بأهل المدينة ومن أراد المناسك والعلم بها والمواقيت فعليه بأهل مكة ومن أراد المقاسم
وأمر الغزو فعليه بأهل الشام ومن أراد شيئا لا يعرف حقه من باطله فعليه بأهل
العراق.
محمد بن إسماعيل البخاري (تـ ٢٥٦ هـ)
قال الذهبي : البخاري شيخ الإسلام وامام
الحفاظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي
مولاهم البخاري صاحب الصحيح والتصانيف مولده في شوال سنة أربع وتسعين ومائة وأول
سماعه للحديث سنة خمس ومائتين وحفظ تصانيف بن المبارك وهو صبي ، وتوفي سنة ٢٥٦ هـ
وله من المصنفات : الجامع الصحيح وكتاب التاريخ في تراجم رواة الحديث وغيرها.
قال الذهبي : البخاري يتجنب الرافضة
كثيرا ، كأنه يخاف من تدينهم بالتقية ولا نراه يتجنب القدرية ولا الخوارج ولا
الجهمية ، فإنهم على بدعهم يلزمون الصدق.
أقول :
ان البخاري قد تجنب الرواية عن الرافضة
مسايرة للعباسيين في موقفهم من الامام الحسن عليهالسلام
وموقفهم من الامام الصادق عليهالسلام.
بل هو لا يحتج برواية الامام الصادق عظيم أهل بيت النبي صلىاللهعليهوآله في وقته ، كما ترك
الرواية عن ولده الامام موسى بن جعفر عليهالسلام
، كما ترك الرواية عن الامام الرضا وولده الجواد وولده الهادي عليهالسلام وقد كان معاصرا لهم.
قال الذهبي في ترجمة جعفر بن محمد عليهالسلام : احد الأئمة
الأعلام بر صادق كبير الشأن لم يحتج به البخاري.
أقول :
ولم يقف البخاري عند ذلك بل امتد إلى
الصحابة الذين عرفوا بتشيعهم فقد ترك
__________________
أحاديث أبي الطفيل
عامر بن واثلة وهو من صغر الصحابة توفي النبي صلىاللهعليهوآله
وله ثماني سنوات ، روى ابن عساكر قال سئل محمد بن يعقوب الاخرم : لم ترك البخاري
حديث أبي الطفيل : قال كان يفرط في التشيع.
خاتمةالفصل الثامن في وضع الاخبار على
عهد
الأمويين والعباسيين
تبنى الاعلام الأموي منذ سنة ٥٠ هجرية
وهي سنة وفاة الحسن عليهالسلام
وضع روايات في تشويه الحقائق عن تاريخ الإسلام ورموزه / النبي صلىاللهعليهوآله وعلي عليهالسلام والحسن عليهالسلام وبعد نهضة الحسين عليهالسلام وشهادته اضيف الحسين
عليهالسلام
/ وكانت الدائرة الأولى التي اهتم بها الاعلام هي شخصية علي وموقعه من الإسلام
لتسويع لعنه ، ثم سيرة النبي الذاتية لتسويغ سيرة خلفائه من بني أمية ، وتشويه صلح
الحسن بالدرجة الثانية ، اما في العهد العباسي فصار تشويه صلح الحسن عليهالسلام والسيرة الذاتية له
، وتاريخ الكوفيين زمن علي والحسن والحسين ، واصل التشيع في الدائرة الأولى. وصار
تشويه علي الشخصية في الدائرة الثانية ، نعم تاريخ علاقة مع الخلفاء ووصفه بانه
رابعهم ، وانه كان يعتقد بانه افضلهم كان جزءا من الدائرة الأولى.
يهمنا من هذا التقديم فهم تطور وضع
الاخبار السيئة في تشويه صلح الامام الحسن ،
كان الزهري عالم البلاط الأموي قريبا من
أربعين سنة / منذ عهد عبد الملك وولده إلى زمن هشام وفي عهده كان مربيا لأولاده
إلى وفاته سنة ١٢٤ هـ / ، وقد كتب في سيرة النبي صلىاللهعليهوآله
خالية من موقع علي عليهالسلام
وامتيازاته فيها ورواها عنه تلميذه معمر بن راشد وقد مرت علينا في الفصل الأول من
هذا الباب ،
واشهر ما نجده في مصادر الحديث والرجال
والتاريخ المهمة كالمصنف لعبد الرزاق الصنعاني ت ٢١١ هـ) والمعرفة والتاريخ للبسوي
والتاريخ للطبري هو حديث الزهري في الصلح برواية من لا يتهم في روايته عنه :
__________________
ـ معمر بن راشد (ت ١٥٤ هـ) (في اليمن) ،
ـ ويونس الايلي (ت ١٦٠ هـ) (في مصر)
ـ وعبيد الله بن أبي زياد الرصافي (ت
١٥٨ هـ). (في الشام)
ورواية ضمرة بن ربيعة القرشي الحمصي
الفلسطيني ٢٠٢ هـ (في فلسطين) ،
ثم حذا حذو رواية الزهري آخرون بالرزون
ولم ينسبوها إلى الزهري بل نسبوها إلى آخرين :
ـ عوانة بن الحكم ت ١٥٨ هـ ولم ينسبها
إلى الزهري رواها له الطبري عن زياد البكائي ت ١٨٣ هـ. في بغداد
ـ عثمان الطرائفي الجزري ت ٢٠٣ هـ (في
الجزيرة) رواها له الطبري في تاريخه والطبراني في معجمه الكبير ،
ـ محمد بن عبيد ت ٢٠٢ هـ رواها له ابن
سعد في طبقاته عن يونس بن أبي إسحاق ت ١٦١ هـ عن أبيه. وعن مجالد ت ١٤٤ هـ عن
الشعبي ت ١٠٢ هـ) والشعبي. (في بغداد)؟
ـ سفيان بن عيينة ت ١٩٨ هـ (في بغداد
ومكة) لم يروها عن الزهري مع تلمذته له وقد عرفه البعض ب (غُلَيم الزهري) تعبيرا
عن قصر المدة معه ، بل تفرد بروايتها عن إسرائيل أبي موسى البصري عن الحسن البصري
رواها له البخاري. روى البلاذري قريبا منها عن جرير بن حازم عن أبي الحسن البصري
بتخمين ولده وهب.
ـ ثم جاء الشراح الكبار للبخاري أمثال
ابن حجر والعيني وغيرهما وجعلوا رواية ابن عيينة المحور في بيان قصة صلح الحسن عليهالسلام مع معاوية واضافوا
إليها الروايات الآنفة الذكر مقطعة بحسب حاجة النص إلى الشاهد الاوصال من سنخها عن
تلاميذ الزهري أيضا أمثال معمر بن راشد.
يبقى السؤال المهم عن مقدار الاضافات في
العهد العباسي لأصل رواية الزهري ، والذي نطرحه كرأي أولي في هذه المسالة هو انابن
عيينة كان له النصيب الاكبر في تطوير فكرة قضية اغراء معاوية للحسن عليهالسلام بالمال تأييدا لكلام
الخليفة الدوانيقي
ان الحسن عليهالسلام باع الخلافة بدراهم
وقد لقبه الخليفة هارون حفيد المنصور بكونه سيد الناس ، واحسب ان هذه الروايات
تحتاج إلى مقارنات تفصيلية مع استقصاء للاسانيد ورجالها ومهما يكن من أمر فان
الثابت هو مسؤولية بني العباس في خلق جو يساعد على نمو الاعلام الأموي الكاذب في
حق الحسن سواء كان قليلا أو كثيرا ليأخذ صيغته المستقرة في صحيح البخاري وتاريخ
الطبري وطبقات ابن سعد وانساب الاشراف للبلاذري وكتاب المعرفة والتاريخ للبسوي
وغيرها وهي مصادر أساسية في الرواية والتاريخ لكل من جاء بعدها كتاريخ ابن خلدون
وتاريخ ابن الاثير وتاريخ المقريزي وتاريخ ابن عساكر ومن ثم اعتمدها المستشرقون
وغيرهم في الكتابة عن الحسن ومما يؤسف هو اعتماد الباحثين الشيعة عليها في قليل أو
كثير وقد عصمهم من الوقوع في الخطأ ازاء الامام الحسن هو ايمانهم بعصمته ، ومن ثم
التساهل فيما عداه.
الباب
الثالث / الفصل التاسع
الروايات
التي تطعن في أهل الكوفة
رواية عبيد الله بن أبي زياد الرصافي ت
١٥٨ هـ
روى يعقوب بن سفيان عن الحجاج بن أبي
منيع (يوسف) عن جده (عبيد الله بن أبي زياد ت ١٥٨ هـ) عن الزهري قتل علي وبايع أهل
العراق الحسن بن علي على الخلافة فطفق يشترط عليهم حين بايعوه إنكم لي سامعون
مطيعون تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت فارتاب أهل العراق في أمره حين اشترط
هذا الشرط قالوا ما هذا لكم بصاحب وما يريد هذا القتال فلم يلبث حسن بعدما بايعوه
إلا قليلا حتى طعن طعنة أشوته فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعراً.
وروى يعقوب بن سفيان عن حجاج أيضا قال
حدثني جدي عن الزهري : قال فكاتب الحسن لما طعن معاوية وارسل يشترط شرطه فقال ان
اعطتني هذا فاني سامع مطيع وعليك ان تفي به ، فوقعت صحيفة الحسن في يد معاوية وقد
ارسل معاوية إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على اسفلها وكتب إليه ان اشترط في هذه
ما شئتفما اشترطت فهو لك ، فلما اتت حسنا جعل يشترك اضعاف الشروط التي سأل معاوية
قبل ذلك وأمسكها عنده وامسك معاوية صحيفة حسن التي كتب إليه يسأله ما فيها.
__________________
فلما التقيا وبايعه الحسن سأل حسن
معاوية أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله فأبى معاوية
أن يعطيه ذلك ، وقال لك ما كنت كتبت إلي تسالني أن أعطيك ، فاني قد أعطيتك حين
جاءني كتابك. فقال له الحسن وانا قد اشترطت عليك حين جاءني سجلك واعطيتني العهد
على الوفاء ما فيه ، فاختلفا في ذلك فلم ينفذ معاوية للحسن من الشروط شيئا.
رواية يونس الايلي (ت ١٥٢ ـ ١٥٩ ـ ١٦٠
هـ)
ورواية النعمان بن راشد (ت في حدود ١٥٠
هـ)
روى الطبري قال حدثني عبد الله بن أحمد
المروذي قال أخبرني أبي قال حدثنا سليمان قال حدثني عبد الله عن يونس الأيلي
قال :
بايع أهل العراق الحسن بن علي بالخلافة
فطفق يشترط عليهم الحسن إنكم سامعون مطيعون تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت
فارتاب أهل العراق في أمرهم حين اشترط عليهم هذا الشرط ، وقالوا ما هذا لكم بصاحب
وما يريد هذا القتال ، فلم يلبث الحسن عليهالسلام
بعدما بايعوه إلا قليلا حتى طعن طعنة أشوته ، فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعرا.
فكاتب معاوية وأرسل إليه بشروط قال إن
أعطيتني هذا فأنا سامع مطيع وعليك
__________________
أن تفي لي به ووقعت
صحيفة الحسن في يد معاوية وقد أرسل معاوية قبل هذا إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم
على أسفلها وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك.
فلما أتت الحسن اشترط أضعاف الشروط التي
سأل معاوية قبل ذلك وأمسكها عنده وأمسك معاوية صحيفة الحسن عليهالسلام التي كتب إليه يسأله
ما فيها.
فلما التقى معاوية والحسن عليهالسلام ، سأله الحسن أن
يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله فأبى معاوية أن يعطيه
ذلك ، فقال لك ما كنت كتبت إلي أولا تسألني أن أعطيكه ، فاني قد أعطيتك حين جاءني
كتابك.
قال الحسن عليهالسلام
وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه فاختلفافي ذلك
فلم ينفذ للحسن عليهالسلام
من الشروط شيئا.
وروى البلاذري ٣ / ٦٧ هذا الخبر بسند
آخر عن جرير بن حازم (ت ١٧٥ هـ) عن النعمان بن راشد
(توفي في حدود سنة ١٥٠) عن الزهري.
وروى الطبري ٤ / ١٢١ أيضا بسنده عن يونس
الايلي قال :
(وكان الحسن لا يرى القتال ولكنه يريد
أن يأخذ لنفسه ما استطاع من معاوية ثم يدخل في الجماعة. وعرف الحسن أن قيس بن سعد
لا يوافقه على رأيه فنزعه وأمر عبد الله بن عباس. فلما علم عبد الله بن عباس بالذي
يريد الحسن عليهالسلام
أن يأخذه لنفسه كتب إلى معاوية يسأله الأمان ويشترط لنفسه على الاموال التي أصابها
فشرط ذلك له معاوية. وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة بن
حبيب بن عبد شمس فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من
بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها.
ثم قام الحسن في أهل العراق فقال يا أهل
العراق إنه سخى بنفسى عنكم ثلاث قتلكم أبى وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي ودخل الناس
في طاعة معاوية ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس).
__________________
رواية عوانة بن الحكم (١٥٨ هـ)
قال الطبري : قال زياد بن عبد الله عن
عوانة ت ١٥٨ هـ : وذكر نحو حديث المسروقي عن عثمان بن عبد الحميد او ابن عبد
الرحمن قال حدثنا إسماعيل بن راشد.
أقول
: اما حديث المسروقي الانف الذكر فهو
رواية عثمان عن إسماعيل بن راشد وهي قوله :
قال بايع الناس الحسن بن علي عليهالسلام بالخلافة ثم خرج
بالناس حتى نزل المدائن وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفا وأقبل معاوية
في أهل الشام حتى نزل مسكن فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد في العسكر ألا إن
قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا ونهبوا سرادق الحسن عليهالسلام حتى نازعوه بساطا
كان تحته وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن
وكان عم المختار بن أبي عبيد عاملا على
المدائن وكان اسمه سعد بن مسعود فقال له المختار وهو غلام شاب هل لك في الغنى
والشرف قال وما ذاك قال توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية فقال له سعد عليك لعنة
الله أثب على ابنب بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فأوثقه بئس الرجل أنت
فلما رأى الحسن عليهالسلام تفرق الأمر عنه بعث
إلى معاوية يطلب الصلح وبعث معاوية إليه عبد الرحمن بن عامر وعبد الرحمن ابن سمرة
بن حبيب بن عبد شمس فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ
من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها
ثم قام الحسن في أهل العراق فقال يا أهل
العراق إنه سخى بنفسى عنكم ثلاث قتلكم أبى وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي ودخل الناس
في طاعة معاوية ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس.
قال زياد بن عبد الله عن عوانة وذكر نحو
حديث المسروقي عن عثمان بن عبد الرحمن هذا وزاد فيه (عوانه) : وكتب الحسن إلى
معاوية في الصلح وطلب الأمان وقال الحسن للحسين ولعبد الله بن جعفر إني قد كتبت
إلى معاوية في الصلح وطلب الأمان
فقال له الحسين نشدتك
الله أن تصدق أحدوثة معاوية وتكذب أحدوثة علي فقال له الحسن اسكت فأنا أعلم بالأمر
منك فلما انتهى كتاب الحسن بن علي عليهالسلام
إلى معاوية أرسل معاوية عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة فقدما المدائن
وأعطيا الحسن ما أراد فكتب الحسن إلى قيس بن سعد وهو على مقدمته في اثني عشر ألفا
يأمره بالدخول في طاعة معاوية فقام قيس بن سعد في الناس فقال يا أيها الناس
اختاروا الدخول في طاعة إمام ضلالة أو القتال مع غير إمام قالوا لا بل نختار أن
ندخل في طاعة إمام ضلاضة فبايعوا لمعاوية وانصرف عنهم قيس بن سعد وقد كان صالح
الحسن معاوية على أن جعل له ما في بيت ماله وخراج دار ابجرد على أن لا يشتم علي
وهو يسمع فأخذ ما في بيت ماله بالكوفة وكان فيه خمسة آلاف ألف.
وعن زياد بن عبد الله (ت ١٨٢ هـ) عن
عوانة بن الحكم (ت ١٥٨ هـ)
: بايع أهل العراق الحسن بن علي فسار حتى نزل المدائن وبعث قيس بن سعد بن عبادة
الأنصاري على المقدمات وهم اثنا عشر ألفا وكانوا يسمون شرطة الخميس قال فبينا
الحسن بالمدائن إذ نادى مناد في عسكر الحسن ألا إن قيس بن سعد بن عبادة قد قتل
فانتهب الناس سرادق الحسن حتى نازعوه بساطا تحته ووثب على الحسن رجل من الخوارج من
بني أسد فطعنه بالخنجر ووثب الناس على الأسدي فقتلوه ثم خرج الحسن حتى نزل القصر
الأبيض بالمدائن وكتب إلى معاوية في الصلح قال ثم قام الحسن فيما بلغني الناس فقال
: يا أهل العراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث في قتلكم أبي وطعنكم إياي وانتهابكم
متاعي.
__________________
رواية عثمان بن عبد الرحمن الحراني (٢٠٣
هـ)
وقال الطبري وحدثني موسى بن عبد الرحمن
المسروقي (ت ٢٥٨ هـ)
قال حدثنا عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن المجازي الخزاعي أبو عبد الرحمن
قال حدثنا إسماعيل بن راشد
قال : بايع الناس الحسن بن علي عليهالسلام
بالخلافة ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر
ألفا وأقبل معاوية في أهل الشام حتى نزل مسكن فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد
في العسكر ألا إن
__________________
قيس بن سعد قد قتل
فانفروا فنفروا ونهبوا سرداق الحسن عليهالسلام
حتى نازعوه بساطا كان تحته.
وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء
بالمدائن وكان عم المختار بن أبي عبيد عاملا على المدائن وكان اسمه سعد بن مسعود ،
فقال له المختار وهو غلام شاب هل لك في الغنى والشرف ، قال وما ذاك قال توثق الحسن
وتستأمن به إلى معاوية ، فقال له سعد عليك لعنة الله أثب على ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأوثقه بئس الرجل
أنت.
فلما رأى الحسن عليهالسلام تفرق الأمر عنه بعث
إلى معاوية يطلب الصلح وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر وعبد الرحمن ابن سمرة بن
حبيب بن عبد شمس فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من
بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها ثم قام الحسن في أهل العراق فقال
يا أهل العراق إنه سخى بنفسه عنكم ثلاث قتلكم أبي وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي
ودخل الناس في طاعة معاوية ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس.
رواية ابن جُعدبة (توفي زمن المهدي ١٥٦
ـ ١٦٩ هـ)
عن وهب بن جرير
(٢٠٦ هـ) عن يزيد بن عياض بن جعدبة
عن صالح بن
__________________
كيسان
قال : لما قتل علي بن أبي طالب وبايع أهل الشام معاوية بالخلافة سار معاوية بالناس
إلى العراق وسار الحسن بن علي بمن معه من أهل الكوفة ووجه عبيد الله بن العباس
وقيس بن سعد بن عبادة في جيش عظيم حتى نزلوا مسكن من ارض العراق وقد رق أمر الحسن
وتواكل فيه أهل العراق فوثبوا عليه فانتزع رداؤه عن ظهره وأخذ بساطه من تحته ومزق
سرادقه فارسل عبيد الله بن العباس إلى عبد الله بن عامر يأمره أن يأتيه إذا أمسى
بأفراس حتى يصير معه إلى معاوية فيصالحه ففعل ابن عامر فلحق
__________________
عبيد الله بمعاوية
وترك جنده لا أمير لهم ...
رواية جرير بن حازم (١٧٥ هـ)
روى البلاذري قال حدثنا خلف بن سالم ، حدثنا
وهب (بن جرير) (ت ٢٠٦) قال : قال أبي (جرير بن حازم
ـ وأحسبه رواه عن الحسن البصري ـ قال :
لما بلغ أهل الكوفة (بيعة) الحسن أطاعوه
وأحبوه أشد من حبهم لأبيه ، واجتمع له خمسون ألفا ، فخرج بهم حتى أتى المدائن ، وسرح
بين يديه قيس ابن سعد بن عبادة الأنصاري في عشرين ألفا ، فنزل بمسكن ، وأقبل
معاوية من الشام في جيش.
ثم إن الحسن خلا بأخيه الحسين فقال (له
: يا) هذا إني نظرت في أمري [٢] فوجدتني لا أصل إلى الأمر ، حتى تقتل من أهل
العراق والشام من لا أحب أن أحتمل دمه ، وقد رأيت أن أسلم الأمر إلى معاوية
فأشاركه في إحسانه [٣] ويكون عليه إساءته (ظ). فقال الحسين : إني لا أرى ما تقول
ووالله لئن لم تتابعني لأسندتك في الحديد فلا تزال فيه حتى أفرغ من أمري. قال : فشأنك.
فقام الحسن خطيبا فذكر رأيه في الصلح
والسلم لما كره من سفك الدماء وإقامة
__________________
الحرب. فوثب عليه أهل
الكوفة وانتهبوا ماله وخرقوا سرادقه وشتموه وعجّزوه ثم انصرفوا عنه ولحقوا بالكوفة!
فبلغ الخبر قيسا فخرج إلى أصحابه فقال :
يا قوم إن هؤلاء القوم كذّبوا محمد وكفروا به ما وجدوا إلى ذلك سبيلا! فلمّا
أخذتهم الملائكة من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم دخلوا في
الإسلام كرها ، وفي أنفسهم ما فيها من النفاق! فلمّا وجدوا السبيل إلى خلافه ، أظهروا
ما في أنفسهم! وإن الحسن عجز وضعف وركن إلى صلح معاوية ، فإن شئتم أن تقاتلوا بغير
إمام فعلتم؟! وإن شئتم ان تدخلوا في الفتنة دخلتم؟ قالوا : فإنّا ندخل في الفتنة!
فأعطى معاوية حسنا ما أراد ، في صحيفة بهث بها إليه مختومة ، اشترط الحسن فيها
شروطا ، فلما بايع معاوية لم يعطه مما كتب شيئا (ظ)! فانصرف الحسن إلى المدينة
ومعاوية إلى الشام.
رواية زهير بن معاوية (١٦٤ ـ ١٧٣ هـ)
وقال أسود بن عامر حدثنا زهير بن معاوية
قال حدثنا أبو روق الهمداني قال حدثنا أبو الغريف قال كنا مقدمة الحسن بن علي اثنا
عشر ألفا بمسكن مستميتين تقطر أسيافنا من الحد على قتال أهل الشام وعلينا أبو
العَمَرّطة
فلما جاءنا صلح الحسن بن علي ، كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ :
فلما قدم الحسن بن علي الكوفة ، قال له
رجل منا يقال له أبو عامر سفيان بن الليل السلام عليك يا مذل المؤمنين ، فقال لا
تقل ذلك يا أبا عامر لست بمذل المؤمنين ، ولكن كرهت أن اقتلهم على الملك.
رواية عون بن موسى الليثي : (توفي قبل
المائتين)
وروى ابن سعد أيضا عن موسى بن اسماعيل (ت
٢٢٣ هـ) قال حدثنا (عون بن موسى الليثي البصري) قال سمعت هلال بن خباب يقول جمع
الحسن بن علي رؤوس
__________________
أصحابه في قصر
المدائن فقال : يا أهل العراق لو لم تذهل نفسي عنكم الا لثلاث خصال لذهلت ، مقتلكم
أبي ومطعنكم بغلتي وانتهابكم ثقلي او قال ردائي عن عاتقي وانكم بايعتموني على
تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت واني قد بايعت معاوية فاسموا له واطيعوا ثم
نزل فدخل القصر.
سكين بن عبد العزيز القطان البصري (ت
قبل المائتين)
وروى يعقوب البسوي الخبر الانف الذكر
بسند آخر قال حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي ت ٢١٣ عن سكين بن عبد العزيز
عن هلال بن خباب قال قال الحسن يا أهل العراق ...
شريك بن عبد الله النخعي القاضي (ت ١٧٧
هـ)
وقد رواه احمد بن حنبل في الفضائل بسند
آخر : قال حدثنا عبد الله حدثنيعثمان بن أبي شيبة ثنا شريك
(بن عبد الله النخعي القاضي) عن أبي إسحاق عن عاصم بن
__________________
ضمرة قال قلت للحسن
بن علي ان الشيعة يزعمون ان عليا رضي الله تعالى عنه يرجع قال كذب أولئك الكذابون
لو علمنا ذاك ما تزوج نساؤه ولا قسمنا ميراثه.
الاحتجاج مرسلا عن زيد بن وهب الجهني
قال : «لما طُعِن الحسن عليهالسلام
بالمدائن أتيته وهو متوجع وقلت ما ترى يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله فان الناس متحيرون ،
فقال الامام الحسن عليهالسلام
أرى والله معاوية خيرا لي من هؤلاء. يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا
ثقلي وأخذوا مالي ، والله لان آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وآمن به في أهلي
خيرا من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأنهم والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى
يدفعوني إليه سلما في الله ، لان أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير
أويمن علي فتكون سبة على بني هاشم إلى آخر الدهر ، ومعاوية لا يزال يمن بها وعقبه
على الحي منا والميت.».
أقول :
مر علينا في الفصل الرابع نموذج من
الروايات الموضوعة في الطعن بالعقيدة بالوصية لعلي عليهالسلام.
وفي الفصل الخامس روايات أبي مخنف في
القاء تبعة قتل الحسين على أهل الكوفة بخلاف أحاديث الأئمة من ذرية الحسين إذ
يلقون التبعة على جيش أهل الشام.
وفي الفصل السادس نموذج من الروايات
الموضوعة الطاعنة في الكوفيين على لسان علي عليهالسلام
والحسن وفي الفصل السابع نموذج من الروايات الموضوعة الطاعنة في الحسن عليهالسلام.
__________________
وفي الفصل الثامن ايضا.
فلِمَ لا تكون الروايات الطاعنة في
الكوفيين التي اوردناها انفا موضوعة أيضا وبخاصة وان رواتها قد ظهروا في النصف
الثاني من القرن الثاني الهجري وما بعده وهي فترة قمة مواجهة الاعلام العباسي
لخصومهم الحسنيين والشيعة والتشيع الذي كان يتزعمه الامام الصادق والأئمة من ولده
والكوفة كما مر علينا كانت قلعتهم الحصينة وقد استهدفها الخليفة الدوانيقي وابناؤه
إلى ابن المعتز الذي نظم سياسة آبائه في ارجوزته المعروفة؟.
أقول :
ان الحلكم بالوضع على هذه الروايات لا
يحتاج إلى دراسة تفصيلية للاسانيد ما دامت تلتقي هذه الروايات مع سياسة الاعلام
العباسي في مواجهة المدينة التي تشكل قلعة خصومهم ، وتشويه شخصية الحسن عليهالسلام وصلحه وانه كان من
اجل المال لتجريد الحسنيين من تاريخ ابيهم المشرق وغيره ذلك مما لا يخفى على
القارئ سقمه وكذبه.
ولكني تناولت ترجمة بعض رواتها ليكون
القارئ في الصورة من كون بعث رواية الزهري التي شوهت صورة الصلح ثم وضع روايات إلى
جنبها تؤيدها شاهد لايُردّ على صحة النظرية التي قدمتها في قراءتي الجديدة من ان
هذا الكم الهائل من الروايات قد جاء تلبية لرغبة العباسيين في تطويق خصومهم
الحسنيين ، ولعل الله تعالى يهيء باحثين يجدوا في البحث متعة واهمية ان يكملوا
المشروع بدراسة أسانيد كل الروايات فان في ذلك نتائج أخرى جديدة لا تقل أهمية عن
النتائج التي عرضناها في الكتاب.
الباب
الرابع
خلاصة
وخاتمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الأول ٥٠٧ شخصية الحسن عليهالسلام بين الافتراء
والواقع
الفصل الثاني ٥١٧ القراءة السائدة للصلح
والمشكلات التي امامها
الفصل الثالث ٥٢٠ صلح الامام الحسن عليهالسلام قراءة جديدة
الفصل الرابع ٥٧١ مسار ثقافة الامة
المسلمة
الفصل الخامس ٥٧٩ خلاصة في المقارنة بين
مراحل سير مشروعين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الباب
الرابع / الفصل الاول
شخصية
الحسن عليهالسلام
بين الافتراء والواقع
اجمع الباحثون المستشرقون على وصف الحسن
عليهالسلام
بانه كان شخصية متخاذلة ليس جديرا ان يكون ابنا لعلي عليهالسلام
، ولا رجل الساعة المطلوب سلم الحكم لقاء منحة سنوية يقدمها له معاوية ثم انصرف
الى ملذاته وشهواته ثم مات بسبب اسرافه فيها ، وكانت مصادرهم في ذلك روايات مبثوثة
هنا وهناك في مصادر التاريخ الاسلامي الاولى ، وضعها العباسيون لمواجهة خصومهم
الحسنيين الثائرين لتجريدهم منسلاح الشعبية التي كانوا يتمتعون بها في الكوفة
لمكانة ابائهم الحسن المثنى
والحسن السبط وامير المؤمنين علي عليهالسلام
وقد اقاما تجربتي حكم رائدتين اتسمتا بتقديم مصلحة الرسالة والامة على المصالح
الشخصية.
وفيما يلي خلاصة كلماتهم فيه ، وبعض
الروايات التاريخية الطاعنة في الحسن التي
__________________
وضعها الاعلام
العباسي مع بعض كلمات الخليفة العباسي في الحسن وابيه علي عليهالسلام ، ثم شواهد تاريخيه
على عظمة شخصية الامام الحسن عليهالسلام
في العبادة والسلوك والمكانة الدينية والاجتماعية.
شخصية الامام الحسن عليهالسلام
عند المستشرقين
قال
الدكتور فيليب حتي : «ولكن الحسن الذي كان
يميل الى الترف والبذخ لا الى الحكم والارادة لم يكن رجل الموقف فانزوى عن الخلافة
مكتفيا بهبة سنوية منحه اياها معاوية».
وقال
الراهب اليسوعي لامنس (البلجيكي) المتخصص
بالتاريخ الاسلامي
: «الحسن اكبر ابناء علي من فاطمة بنت رسول الله ... ويلوح ان الصفات الجوهرية
التي كان يتصف بها الحسن هي الميل الى الشهوات والافتقار الى النشاط والذكاء. ولم
يكن الحسن على وفاق مع ابيه واخوته عندما ماتت فاطمة ولما تجاوز الشباب. وتوفي
الحسن في المدينة بذات الرئة ولعل افراطه في الملذات هو الذي عجل بمنيته.
وقال
جرهارد كونسلمان : لقد باع (الحسن) المنصب
الذي تركه محمد صلىاللهعليهوآله
لنسله من اجل المال ... ويقال انه مات بالسل والهزال.
وقال
سايكس : في كتابه () ان الحسن غير جدير بان
يكون ابنا لعلي لانه شغل بملذاته بين نسائه واكتفى بارسال اثني عشر الف جندي
كطليعة لجيشه بينما احتفظ بقلب الجيش في المدائن حيث ظل يتنزه في الحدائق وخاف ان
يجرب حظه في ميدان القتال.
__________________
وقال
الكاتب العراقي هادي العلوي
: «ان هذا الرجل (يقصد
الحسن عليهالسلام)
يتعذر عليه ان يخوض صراعا سياسيا او عسكريا وكان من المنتظر والطبيعي ان ينسحب
بمجرد ان يؤول اليه الامر ، وانه لم يمارس بعد الصلح أي نشاط معارض وقد تفرغ الحسن
لحياته الشخصية وعاش كما قال عنه ابوه بين جَفنة وخِوان كأي فتى من فتيان قريش
المنعمين.
ثم يستطرد العلوي قائلا : ان الدفاع عن
صلح الحسن من نتائج الايديولوجيا ...
ثم يقول : ومعاوية الذي تراجع الحسن
امامه كان زعيما عظيما وقد دخل التاريخ كواحد من الاباطرة العظام بجميع لمقاييس
وفي شتى العصور ...
مصادر المستشرقين روايات الإعلام
العباسي
استند الباحثون المستشرقون في تكوين
الرؤية السلبية الانفة الذكر عن الحسن عليهالسلام
الى رويات اوردتها مصادر تاريخية اسلامية امثال الطبقات الكبرى لابن سعد ت ٢٣٠ هـ
واغاني ابي الفرج الاصبهاني ، وتاريخ محمد بن طاهر المقدسي ت ٥٠٧ هـ.
روى ابن سعد عن وهب بن جرير بن حازم ت
١٧٥ هـ عن ابيه قال اخبرنا شعبة عن ابي اسحاق عن معدي كرب ان عليا مر على قوم
مجتمعين ورجل يحدثهم فقال من هذا قالوا الحسن فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا. ان لكل
قوم صداد وان صدادنا الحسن.
وروى عن علي بن محمد عن سحيم بن حفص
الأنصاري (ت ١٧٠ هـ). عن عيسى
__________________
بن أبي هارون المزني.
قال : تزوج الحسن بن علي حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. وكان المنذر بن الزبير
هويها. فأبلغ الحسن عنها شيئا فطلقها الحسن. فخطبها المنذر فأبت أن تزوجه وقالت : شهرني.
فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب فتزوجها فرقي إليه المنذر أيضا شيئا ، فطلقها. ثم
خطبها المنذر. فقيل لها : تزوجيه فيعلم الناس أنه كان يَعْضَهُكِ (أي بيهتك) فتزوجته
فعلم الناس أنه كذب عليها. فقال الحسن لعاصم بن عمر : انطلق بنا حتى نستأذن المنذر
فندخل على حفصة فستأذناه. فشاور أخاه عبد الله بن الزبير فقال دعهما يدخلان عليها.
فدخلا فكانت إلى عاصم أكثر نظرا منها إلى الحسن وكانت إليه أبسط في الحديث. فقال
الحسن للمنذر خذ بيدها فأخذ بيدها. وقام الحسن وعاصم فخرجا وكان الحسن يهواها
وإنما طلقها لما رقا إليه المنذر. فقال الحسن يوما لابن أبي عتيق وهو عبد الله بن
محمد بن عبد الرحمن وحفصة عمته هل لك في العقيق؟ قال : نعم. فخرجا فمرا على منزل
حفصة. فدخل إليها الحسن فتحدثا طويلا ثم خرج. ثم قال أيضا بعد ذلك بأيام لابن أبي
عتيق : هل لك في العقيق؟ قال : نعم. فخرجا فمرا بمنزل حفصة. فدخل الحسن فتحدثا
طويلا. ثم خرج ثم قال الحسن مرة أخرى لابن أبي عتيق : هل لك في العقيق؟ فقال : يا
ابن أم ألا تقول هل لك في حفصة؟.
وروى عن يحيى بن حماد قال اخبرنا أبو
عوانة (١٧٦ هـ)
عن سليمان عن حبيب بن ابي ثابت عن ابي ادريس عن المسيب بن نجبة قال سمعت عليا يقول
الا احدثكم عني وعن أهل بيتي؟ اما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو ، واما الحسن بن علي
فصاحب جفنة وخوان فتى من فتيان قريش لوقد التقتا حلقتا البطان لم يغن في الحرب
عنكم شيئا ، واما انا وحسين فنحن منكم وانتم منا.
__________________
وروى عن محمد بن عبد الله الاسدي (٢٠٣
هـ) قال حدثنا اسرائيل (١٦٠ هـ)
عن ابي اسحاق عن هبيرة بن يريم قال قيل لعلي هذا الحسن بن علي في المسجد يحدث
الناس فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا ، وما طحن ابل يومئذ.
وروى ابو الفرج الاسفهاني عن احمد عن
عمر بن شبة عن المدائني عن قيس بن الربيع (١٦٨ هـ)
عن الاجلح عن الشعبي عن جندب : ان الحسن قال لابيه حين طلب ان يجلد الوليد بن عقبة
: مالك ولهذا؟ ...
وروى عن عمر بن شبة وسعيد بن محمد
المخزومي كلاهما عن محمد بن حاتم عن اسماعيل بن ابراهيم علية البصري (١٩٣ هـ) عن
سعيد بن عروبة البصري عن عبد الله بن الداناج عن حضين بن المنذر ابي سلسان قال : لما
جيء بالوليد بن عقبة الى عثمان بن عفان وقد شهدوا عليه بشرب الخمرقال لعلي دونك
ابن عمك فاقم عليهالحد فأوعز علي إلى ابنه الحسن أنْ يقوم بجلد الوليد ، فرفض
الحسن وقال له : مالك ولهذا؟ فقال له علي : بل ضعفت ووهنت وعجزت.
وقال المقدسي في البدء والتاريخ : «أنَّه
عليهالسلام
كان أرخى ستره على مأتي حرة».
__________________
الروايات الطاعنة في شخصية الحسن عليهالسلام
من وضع الامويين والعباسيين
الروايات الانفة الذكر مما وضعه الاعلام
العباسي بأمر الخليفة العباسي ابي جعفر الدوانيقي لمواجهة الحسنيين الثائرين ضد
العباسيين لتجريدهم من سلاح قوي بيدهم وهو التاريخ المشرق لأبيهم الحسن عليهالسلام وجدِّهم علي عليهالسلام انهم يقاتلون ليس
لأجل السلطة بل لأجل المحرومين ، قال محمد بن عبد الله بن الحسن في رسالته الى ابي
جعفر الوانيقي (وإنما ادعيتم هذا الامر بنا وخرجتم له بشيعتنا وحظيتم بفضلنا وإن
أبانا عليا كان الوصي وكان الامام فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء ثم قد علمت أنه
لم يطلب هذا الامر أحد له مثل نسبنا وشرفنا وحالنا وشرف آبائنا).
قال علي عليهالسلام
«اللّهم إِنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان ، ولا التماس شيء
من فضول الحطام ، ولكن لنردّ المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك فيأمن
المظلومون من عبادك وتقام المعطّلة من حدودك.».
وقد سلم الحسين عليهالسلام ملك العراق بهدف
الاصلاح وامان الناس لما عرض عليه معاوية ان يبقى عليه ويبقى هو على الشام. ولما
اطلع معاوية على الشروط وقف عند شرط امان الناس وذكر قيس بن سعد انه لا بد ان
يقتله وموقف الحسن كان واضحا ان الشروط ومنها الامان صفقة كاملة اما ان يقبلها
معاوية كلها او يرفضها معاوية كلها.
ومن اهم الشواهد على انها تبينت من قبل
العباسيين قول المنصور بعد ان سجن عبد الله بن الحسن واخوته :
(فقام فيها علي بن أبي طالب عليهالسلام فما أفلح ، وحكَّم
الحكمين ، فاختلفت عليه الأمّة وافترقت الكلمة ، ثمَّ وثب عليه شيعته وأنصاره
وثقاته فقتلوه.
ثمَّ قام بعدَهُ الحسن بن علي عليهالسلام ، فوالله ما كان
برجل ، عرضت عليه الأموال فقبلها ، ودسَّ إليه معايوة إنِّي أجعلك ولي عهدي ، فخلع
نفسه وانسلخ له ممَّا كان
__________________
فيه ، وسلَّمه إليه
وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ويطلق غداً أخرى ، فلم يزل كذلك حتّى مات على
فراشه).
وكذلك شعر مروان بن ابي حفصة ت ١٨٢ هـ :
كان يتقرب الى الخليفة هارون بهجاء العلويين. انشد قصيدة يمدح بها الرشيد ويذكر
فيها ولد فاطمة عليهاالسلام
وينحى عليهم ويذمهم وقد بالغ حين ذم علياً عليهالسلام
ونال منه وأولها :
عليٌّ أبوكم كان أفضلَ منكم اباه
|
|
ذوو الشورى كانوا ذوي الفضل
|
ساء رسولَ الله إذْ ساء بنتَه
|
|
بخطبته بنتَ اللعين أبي جهل
|
فذمَّ رسول الله صهرَ أبيكمُ
|
|
على منبر بالمنطق الصادق الفضل
|
وحكَّمَ فيها حاكمين أبوكمُ
|
|
هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل
|
وخلَّيتموها وهي في غير أهلها
|
|
فقد أُبطلت دعواكمُ الرثة الحبلِ
|
وقد باعها من بعده الحسن ابنه
|
|
وطالبتموها حين صارت إلى أهل
|
شخصية الامام الحسن عليهالسلام
في
الروايات الصحيحة
روى الشيخ الصدوق عن المفضل بن عمر قال
قال الامام الصادق عليهالسلام
(ت ١٤٨ هـ) حدثني أبي عن أبيه عليهماالسلام
أن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام
:
كان أعبد الناس في زمانه ، وأزهدهم
وأفضلهم ،
وكان إذا حج حج ماشيا ، وربما مشى حافيا
،
وكان إذا ذكر الموت بكى ، وإذا ذكر
القبر بكى ، وإذا ذكر البعث والنشور بكى ، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى ، وإذا
ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها.
__________________
وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين
يدي ربه عز وجل ،
وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب
السليم ، ويسأل الله تعالى الجنة ، ويعوذ به من النار ،
وكان لا يقرأ من كتاب الله عز وجل : (يا
أيها الذين آمنوا) إلا قال : لبيك اللهم لبيك ، ولم ير في شيء من أحواله إذا ذاكرا
لله سبحانه ،
وكان أصدق الناس لهجة ، وأفصحهم منطقا.
وقال ابن عساكر عن عبد الله بن العباس
قال : ما ندمت على شيء فاتني في شبابي إلا أني لم أحج ماشيا ، ولقد حج الحسن بن
علي خمسة وعشرين حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد معه.
قال واصل بن عطاء : كان الحسن بن علي
عليه سيماء الانبياء وبهاء الملوك.
عن ابن عون عن عمير بن إسحاق قال ما
تكلم عندي أحد كان احب الي إذا تكلم أن لا يسكت من الحسن بن علي وما سمعت منه كلمة
فحش قط إلا مرة فإنه تكلم بين حسين بن علي وعمرو بن عثمان بن عفان خصومة في ارض
فعرض حسين امرا لهم لم يرضه عمرو فقال الحسن فليس له عندنا إلا ما رغم انفه قال
فهذا اشد كلمة فحش سمعتها منه قط.
قال الواقدي : عن ثعلبة بن ابي مالك : شهدت
الحسن يوم مات ودفن بالبقيع فلقد رأيت البقيع ولو طرحت فيه ابرة ما وقعت الال على
راس انسان.
وروى ابن عساكر ايضا قال : بكى على
الحسن بن علي بمكة والمدينة سبعا النساء والصبيان والرجال.
__________________
وفي الطبقات الكبرى : عن أبي جعفر قال :
مكث الناس يبكون على حسن بن علي سبعا ما تقوم الاسواق.
وعن عبد الله بن عروة بن الزبير قال : رأيت
عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي في غداة من الشتاء باردة ، قال : فوالله
ما قام حتى تفسخ جبينه عرقا!. قال : فغاظني ذلك فقمت إليه فقلت : يا عم. قال : ما
تشاء؟ قلت : رأيتك قعدت إلى الحسن بن علي فما قمت من عنده حتى تفسخ جبينك عرقا!
قال : يا ابن أخي انه ابن فاطمة لا والله ما قامت النساء عن مثله.
وفيه يقول النجاشي الشاعر وكان من شيعة
علي ، يرثيه عند وفاته :
لم يُسْبِلِ السترُ على مثله
|
|
في الأرض من حافٍ ومن ناعل
|
وقيل للحسن : فيك عظمة ، فقال عليهالسلام : بل فيَّ عزة قال
الله : «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين».
قال محمد بن اسحاق : ما بلغ احد من
الشرف بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله
ما بلغ الحسن بن علي. كان يبسط له على باب داره فاذا خرج وجلس انقطع الطريق فما
يمر احد من خلق الله الا جلس اجلالا له فاذ اعلم قام ودخل بيته فيمر الناس. ونزل
عن راحلته في طريق مكة فمشى فما من خلق الله احد الا نزل ومشى حتى سعد بن ابي وقاص
فقد نزل ومشى الى جنبه.
وقال معاوية لعبد الله بن الزبير سنة ٤٤
حين زار المدينة الا ترى الحسن زارني مرة واحدة ... قال ان مع الحسن ماة الف سيف
لو شاء ضربك بها.
قال محمد بن سعد : أخبرنا علي بن محمد ،
عن محمد بن عمر العبدي ، عن أبي سعيد : إن معاوية قال لرجل من أهل المدينة من قريش
: أخبرني عن الحسن بن علي. قال : يا أمير المؤمنين ، إذا صلى الغداة جلس في مصلاه
حتى تطلع الشمس ، ثم يساند
__________________
ظهره فلا يبقى في
مسجد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم
ـ رجل له شرف إلا أتاه فيتحدثون. حتى إذا ارتفع النهرا صلى ركعتين ، ثم نهض فيأتي
أمهات المؤمنين فيسلم عليهن فربما أتحفنه. ثم ينصرف إلى منزله ثم يروح فيصنع مثل
ذلك. فقال : ما نحن معه في شيء.
أقول :
يتضح من هذه الروايات أي جناية جناها
فنسنك وزملائه مؤلفو (ECYCLOPEDIA OF ISLAM) (الموسوعة
الاسلامية) التي صدرت باللغة الانكليزية والفرنسية والالمانية حين قدموا الامام
الحسن عليهالسلام
الى العالم انه رجل شهوات وملذات في قبال ما تعرضه الروايات الصحيحة انه شخصية
رائدة عبادةً وسلوكاً ومكانةً في الدين وانه بلغ في الشرف ما لم يبلغه احد بعد
رسول الله صلىاللهعليهوآله.
__________________
الباب
الرابع / الفصل الثاني
القراءة
السائدة للصلح والمشكلات امامها
يكاد يجمع الباحثون الشيعة في تعليلهم
لصلح الامام الحسن وتسليمه الامر لمعاوية انه انطلق من واقع منهار للكوفيين وعدم
قدرتهم على الاحتفاظ بالدولة التي انشاها في قبال معاوية بل عدم القدرة على توفير
الامان للحسن نفسه اذ تعرض لمحاولة اغتيال جرح فيها جرحا بليغا ونهبمتاعه. ومن ثم
كاتب معاوية في الصلح ليحقق الامان له ولشيعته وليفضح معاوية.
الروايات التي استندوا إليها
وقد اعتمدوا في هذا التحليل على روايات
في مصادر التاريخ منها رواية ابن سعد عن يونس بن ابي اسحاق ت ١٥٩ هـ فشد الناس على
حجرة الحسن فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره وطعنه رجل من
بني أسد يقال له بن اقيصر بخنجر مسموم في أليته فتحول من مكانه الذي انتهب فيه
متاعه ونزل الأبيض قصر كسرى. وقال عليكم لعنة من أهل قرية فقد علمت أن لا خير فيكم
قتلتم أبي بالأمس واليوم تفعلون بي هذا. ثم دعا عمرو بن سلمة الارحبي فأرسله وكتب
معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصلح ويسلم له الأمر ...).
__________________
ومنها رواية زياد بن عبد الله ، عن
عوانة بن الحكم : بايع أهل العراق الحسن بن علي فسار حتى نزل المدائن ، وبعث قيس
بن سعد بن عبادة الأنصاري على المقدمات ، وهم اثنا عشر ألفا ، وكانوا يسمون شرطة
الخميس ، قال : فبينا الحسن بالمدائن ، إذ نادى مناد في عسكر الحسن : ألا إن قيس
بن سعد بن عبادة قد قتل ، فانتهب الناس سرادق الحسن حتى نازعوه بساطا تحته ، ووثب
على الحسن رجل من الخوارج من بني أسد ، فطعنه بالخنجر ، ووثب الناس على الأسدي
فقتلوه ، ثم خرج الحسن حتى نزل القصر الأبيض بالمدائن ، وكتب إلى معاوية في الصلح.
قال : ثم قام الحسن ـ فيما بلغني ـ الناس ، فقال : يا أهل العراق إنه سخى بنفسي
عنكم ثلاث : في قتلكم أبي ، وطعنكم إياي ، وانتهابكم متاعي.
ومنها رواية ابن الاثير قال : قيل للحسن
عليهالسلام
ما حملك على ما فعلت؟ فقال : كرهتُ الدنيا ، ورأيت اهل الكوفة قوما لا يثق بهم احد
ابدا الا غُلِب ، ليس احد منهم يوافق اخر في رأي ولا هوى ، مختلفين لا نية لهم في
خير ولا شر.
ومنها رواية احمد بن علي الطبرسي نسبت
الى الحسن قوله : أرى والله ان معاوية خير لي من هؤلاء. يزعمون أنهم لي شيعة
ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي ، والله لان آخذ من معاوية عهدا أحقن به
دمي وآمن به في أهلي خيرا من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي واهلي والله لو قاتلت
معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني اليه سلما والله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن
يقتلني وأنا أسير أو يمن علي فتكون سبة على بني هاشم الى آخر الدهر ، ولمعاوية لا
يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت.
__________________
رواية ابي الفرج في
مقاتل الطالبيين :
كما اجمعوا على ان معاوية اعلن عن نقضه
للشروط لما دخل الكوفة سنة ٤١ هـ واخذ البيعة من اهلها والحسن بينهم. قال العلامة
المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين اعلى الله مقامه : فلما تمت البيعة لمعاوية في
الكوفة خطب فذكر عليا قنال منه ، ونال من الحسن ، فقام الحسين ليرد عليه ، فقال له
الحسن : على رسلك يا أخي. ثم قام عليهالسلام
فقال : أيها الذاكر عليا! أنا الحسن وأبي علي ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمي
فاطمة وأمك هند ، وجدي رسول الله وجدك عتبة ، وجدتي خديجة وجدتك فتيلة ، فلعن الله
أخملنا ذكرا ، وألأمنا حسبا ، وشرنا قديما ، وأقدمنا كفرا ونفاقا! فقالت طوائف من
أهل المسجد : آمين. ثم تتابعت سياسة معاوية ، تتفجر بكل ما يخالف الكتاب والسنة من
كل منكر في الاسلام ، قتلا للأبرار ، وهتكا للإعراض ، وسلبا للأموال ، وسجنا
للأحرار ، وتشريدا للمصلحين).
رواية المدايني :
ورواية أبي الحسن علي بن محمد بن أبي
سيف المدايني في كتابه (الاحداث) : قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام
الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته فقامت الخطباء في
كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته وكان أشد
الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليهالسلام فاستعمل عليهم زياد
بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي عليهالسلام فقتلهم تحت كل حجر
ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطرفهم
وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم ... فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن
علي عليهالسلام
فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل الا وهو خائف على دمه أو طريق في
الأرض. ثم تفاقم الامر بعد قتل الحسين عليهالسلام
وولى عبد الملك بن مروان فاشتد على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف).
__________________
تحليل المرجع الراحل الشهيد محمد باقر
الصدر
ومنذ عهد العلامة المحقق الشيخ راضي ال
ياسين في كتابه صلح الامام الحسن ، والعلامة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين في
تقديمه له سادت فكرة تحليلية حول الصلح مفادها : ان الامام الحسن عليهالسلام بصلحه وشروطه / مع
علمه ان معاوية سوف لا يفي بواحدة منها / استهدف فضحه امام المسلمين والحفاظ على
الثلة الطيبة من شيعة علي ، وقد اخذت صيغتها التامة على يد المرجع الراحل الشهيد
محمد باقر الصدر رحمهالله
قال (أصيب المجتمع الإسلامي إبان إمامة الحسن عليهالسلام
بمرض (الشك في القيادة) وهذا الداء ظهر في أواخر حياة أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليهالسلام.
حيث واجه أيام خلافته عدة حروب ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الأمة ، فأخذ
الناس يشكون هل أن المعارك التي تخاض معارك رسالية أم أنها معارك قبلية أو شخصية؟
وقد عبر أمير المؤمنين عليهالسلام
عن ظهور هذا الداء الاجتماعي في عدة مرات منها في خطبته المعروفة بخطبة الجهاد
التي ألقاها على جنوده المنهزمين في مدينة الأنبار حيث قال لهم والألم يعصر قلبه :
(ألا وأني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا ، وسرا وعلانا ، وقلت لكم
أغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم
وتخاذلتم حتى شنت الغارات عليكم ، وملكت عليكم الأوطان). واستفحل (الداء) واشتد في
حياة الإمام الحسن عليهالسلام
، فلم يكن باستطاعته في مثل هذه الظروف والمجتمع المصاب بهذا الداء أن يخوض معركة
مصيرية تنتهي بالنصر على خصمه المتربص به ، فإذا أضفنا إلى هذا شخصية الخصم معاوية
الذيكان بإمكانه أن يبدو أمام الناس بمظهر الحاكم الملتزم بالدين وكذلك تعدد
انتماءات المقاتلين مع الإمام الحسن عليهالسلام
حتى أبدى بعضهم استعداده لمعاوية أن يسلم له لا إمام عليهالسلام
حيا ، وطعنه بعضهم طعنة غادرة ، إذا جمعنا هذا وغيره من الظروف عرفنا لماذا صالح
الإمام الحسن عليهالسلام
معاوية).
__________________
المشكلات امام القراءة السائدة
يرد على القراءة السائدة للصلح ان
الروايات اليت اعتمدت عليها معارضة بروايات اخرى ولكن الباحثين اغفلوها عند
التحليل ،
ففي قبال ما رواه ابن الاثير واعتمده
الباحثون في التحليل ان الحسن قال : رأيت اهل الكوفة قوما لا يثق بهم احد ابدا الا
غُلِب ، مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر) ونظيراتها. توجد روايات تعطي رؤية اخرى
عن اهل الكوفة
منها : ما رواه هشام بن محمد بن السائب
الكلبي قال : أخبرني أبي وعوانة بن الحكم والشرقي بن القطامي قالوا : لما قدم
معاوية المدينة أتاه وجوه الناس ، ودخل عليه عبد الله بن الزبير ، فقال له معاوية
: ألا تعجب للحسن بن علي ، أنه لم يدخل علي (وفي رواية : ألا تعجب من الحسن
وتثاقله عنّي :) منذ قدمت المدينة ، وأنا بها منذ ثلاث ، قال : يا أمير المؤمنين!
دع عنك حسنا فإن مثلك ومثله كما قال «الشماخ» :
أجامل أقواما حياء وقد أرى
|
|
صدورهم تغلي علي مراضها
|
والله لو شاء الحسن أن يضربك بمئة ألف
سيف لفعل ، ولأهل العراق أبر (وفي رواية ارأف وفي اخرى ارأم) به من أم الحُوار
بحُوارها. قال معاوية : أردت أن تغريني به ، والله لأصلنّ رحمه ولأقبلنّ عليه.
وفي رواية المدائني قال ، قال معاوية
لابن الزبير : ألا تعجب من الحسن وتثاقله عنّي؟ فقال ابن الزبير : مثلك ومثل الحسن
كما قال الشاعر :
أجامل أقواما حياء وقد أرى
|
|
قلوبهم تأرى عليّ مِراضها
|
__________________
فقال معاوية : والله ما جامل ولقد أعلن
، قال : بلى والله لقد جامل ، ولو شاء أن يطلق عليك عقال حرب زبون لفعل ،
فقال : أراك يا ابن الزبير تجول في
ضلالتك.
أقول
: وقول ابن الزبير (ولأهل العراق أبر (وفي
رواية ارأف وفي اخرى ارأم) بهمن أم الحوار بحوارها).
يشهد له قول الحسن حين خرج من الكوفة
الى المدينة إذ تمثل بقول الشاعر :
وما عن قِلى فارقتُ دارَ معاشري
|
|
هم المانعون حوزتي وذماري
|
__________________
ويشهد لهايضا قول معاوية للزرقاء بنت
عدي وقد استضافها وحاورها (والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته!).
وفي قبال الجزءالاخرمن رواية ابن الاثير
وهو قوله (مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر) :
ما رواه البلاذري عن عوانة : أن عليا عليهالسلام كتب إلى قيس ابن سعد
بن عبادة وهو عامله على آذربيجان : «أما بعد فاستعمل على عملك عبيد الله بن شبيل
الأحمسي وأقبل فإنه قد اجتمع ملأ المسلمين وحسنت طاعتهم ، وانقادت لي جماعتهم ولا
يكن لك عرجة ولا لبث ، فإنا جادّون معدّون ، ونحن شاخصون إلى المحلين ، ولم أؤخر
المسير إلا انتظارا لقدومك علينا إن شاء الله والسلام.
وعن قال عوانة : قال عمرو بن العاص ـ حين
بلغه ما عليه عليّ من الشخوص إلى الشام وأن أهل الكوفة قد انقادوا له :
لا تحسبني يا عليّ غافلا
|
|
لأوردن الكوفة القبائلا
|
ستين ألفا فارسا وراجلا
فقال : عليّ :
لأبلغن العاصي بن العاصي
|
|
ستين ألفا عاقدي النواصي
|
مستحقبين حلق الدلاص.
ويشهد له ايضا : ما رواه سليم قال : (ولم
يبق أحد من القراء ممن كان يشك في الماضين ويكف عنهم ويدع البراءة منهم ورعا
وتأثما إلا استيقن واستبصر وحسن رأيه وترك الشك يومئذ والوقوف وكثرت الشيعة
بعد ذلك المجلس من ذلكاليوم وتكلموا ، وقد كانوا أقل أهل عسكره وسائر الناس يقاتلون
معه على غير علم بمكانه
__________________
من الله ورسوله
، وصارت الشيعة بعد ذلك المجلس أجل الناس وأعظمهم).
قال ابن حجر : وأخرج الطبري بسند صحيح عن
يونس بن يزيد عن الزهري قال جعل علي على مقدمة أهل العراق قيس بن سعد بن عبادة
وكانوا أربعين ألفا بايعوه على الموت فقتل علي فبايعوا الحسن بن علي بالخلافة.
٣. وفي قبال ما رواه ابو الفرج
الاصفهاني بإسناده الى ابي اسحاق ت ١٢٧ هـ وهي المشهورة عند الباحثين الشيعة ، ان
معاوية بالنخيلة. ألا إن كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به.
__________________
توجد روايات اخرى تفيد ان نقض الشروط
تأخر الى وفاة الحسن عليهالسلام.
فقد روى ابن عبد ربه وابن كثير قالا : قدم
معاوية المدينة اول حجة حجها (سنة ٤٤ هجرية) بعد عام الصلح ، فتوجه الى دار عثمان
،
فلما دنا الى باب الدار. صاحت عائشة بنت
عثمان وندبت اباها.
فقال لها : يا بنت اخي ان الناس قد
اعطونا سلطاننا ، فاظهرنا لهم حلما تحته غضب ،
واظهروا لنا طاعة تحتها حقد ، فبعناهم
هذا بهذا وباعونا هذا بهذا ، فان اعطيناهم غير ما اشتروا منا شحوا علينا بحقنا
وغمطناهم بحقهم ،
ومع كل انسان منهم شيعته وهو يرى مكان
شيعته ، فان نكثناهم نكثوا بنا ثم لا ندري اتكون لنا الدائرة ام علينا؟
وان تكوني ابنة عم امير المؤمنين خير من
ان تكوني امرأة عُرُض الناس. (وفي رواية ابن كثير : وان تكوني ابنة عثمان امير
المؤمنين احب الي ان تكوني امة من اماء المسلمين ونعم الخلف انا لك بعد ابيك.
وفي ضوء هذه الرواية فان معاوية الى سنة
٤٤ هجرية لم يكن قد غدر بشروطه لمكان الحسن عليهالسلام
وشيعته وللتكتيك الذي تقيَّد به.
ويشهد لذلك ايضا :
__________________
ما رواه البلاذري قال حدثني أبو مسعود ،
عن ابن عون عن أبيه قال : لمّا ادّعى معاوية زيادا وولَّاه ، طلب زياد رجلا كان
دخل في صلح الحسن وأمانه ، فكتب الحسن فيه إلى زياد ، ولم ينسبه إلى أب فكتب إليه
زياد : أما بعد فقد أتاني كتابك في فاسق تؤوي مثله الفسّاق من شيعتك وشيعة أبيك!
فأيم الله لأطلبنّه ولو بين جلدك ولحمك ، فإن أحبّ إليّ أن آكله للحم أنت منه!
فلما قرأ الحسن الكتاب قال : كفر زياد ،
وبعث بالكتاب إلى معاوية.
فلما قرأه غضب فكتب إليه : أما بعد يا
زياد ، فإن لك رأيين : رأي من أبي سفيان ، ورأي من سميّة ، فأمّا رأيك من أبي
سفيان فحزم وحلم ، وأما رأيك من سميّة فما يشبهها فلا تعرض لصاحب الحسن ، فإني لم
أجعل لك عليه سبيلا ، وليس الحسن مما يرمى به الرجوان وقد عجبت من تركك نسبته إلى
أبيه أو إلى أمّه فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فالآن حين اخترت له والسلام .
وبرواية الجاحظ وهي اكثر دقة ، قال : حدثني
سليمان بن أحمد الخرشي قال حدثني عبد الله بن محمد بن حبيب قال طلب زياد رجلا كان
في الأمان الذي سأله الحسن بن علي لأصحابه فكتب فيه الحسن رضي الله تعالى عنه إلى
زياد من الحسن بن علي إلى زياد أما بعد فقد علمت ما كنا أخذنا لأصحابنا وقد ذكر لي
فلان أنك عرضت له فأحب ان لا تعرض له إلا بخير
فلما أتاه الكتاب ولم ينسب الحسن إلى
أبي سفيان غضب فكتب من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن أما بعد أتاني كتابك في فاسق
يؤويه الفساق من شيعتك وشيعة أبيك وايم الله لأطلبنهم ولو بين جلدك ولحمك وان أحب
لحم إلي آكله للحم أنت منه ، فلما وصل الكتاب الحسن وجه به إلى معاوية فلما قرأه
معاوية غضب وكتب من معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن أبي سفيان أما بعد فان لك
رأيين رأيا من أبي سفيان ورأيا من سمية فأما رأيك من أبي سفيان فحلم وحزم وأما
رأيك من سمية فكما يكون رأي مثلها وقد كتب إلي الحسن بن علي انك عرضت لصاحبه فلا
تعرض له فاني لم أجعل لك إليه سبيلا وان الحسن ابن علي ممن لا يرمي به الرجوان
والعجب من كتابك إليه لا
__________________
تنسبه إلى أبيه أفإلى
أمه وكلته وهو ابن افطمة بنت محمد صلىاللهعليهوسلم
فالآن حين اخترت له والسلام .
ويشهد لذلك ايضا : ما رواه ابن عبد ربه
قال : لما مات الحسنُ بن عليّ حَجّ معاوية ، فدخل المدينة وأراد أن يَلْعن عليَّا
على مِنبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فقيل له : إن هاهنا سعدَ بن أبي وقاص ، ولا نراه يرضى بهذا ، فابعث إليه وخُذ
رأيه. فأرسل إليه وذكر له ذلك. فقال : إن فعلت لأخرُجن من المسجد ، ثم لا أعود
إليه. فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد.
فلما مات لَعنه عَلَى المنبر ، وكتب إلى عماله أن يَلعنوه على المنابر ، ففعلوا.
ومن المعلوم ان وفاة سعد كانت بعد وفاة
الامام الحسن عليهالسلام
وفي السنة نفسها سنة ٥١ هـ.
ويشهد لذلك ايضا واقع استضافة معاوية
لعدد من الشخصيات العراقية من الرجال والنساء وسؤاله لهم عن سيرة علي عليهالسلام وترحمه عليه مرات
عديدة فان هذا الواقع وهو ثابت لا ينسجم مع ما ادعته روايات ابي الفرج من ان
معاوية اعلن عن نقض الشروط في النخيلة او عند دخوله الكوفة.
وفي ضوء ذلك يتضح :
ان المدائني لم يكن معنيا في روايته ان
يشخص بدقة وقت نقض الشروط بل ذكرها على الاجمال ان ذلك كان بعد عام الجماعة اما
متى فلم يكن معنيا به قال :
(كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد
عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته فقامت الخطباء
في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته).
ولكنه يشير على الاجمال انه قد اشتد
الامر حينما استعمل زيادا على الكوفة قال (وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة
لكثيرة من بها من شيعة علي عليهالسلام
__________________
فاستعمل عليهم زياد
بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي عليهالسلام فقتلهم تحت كل حجر
ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطرفهم
وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم ... فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن
علي عليهالسلام
فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل الا وهو خائف على دمه أو طريد في
الأرض).
فان زيادا ولاه معاوية الكوفة بعد وفاة
المغيرة بن شعبة في شعبان سنة ٥٠ هـ ـ ٥١ هـ ، وقد توفي الحسن عليهالسلام في صفر وفي رواية في
ربيع الاول سنة ٥٠ ـ ٥١ هـ أي قبل وفاة المغيرة بن شعبة.
ومما يؤكد ان الغدر بالشروط واهمها
الامان ولعن علي قد تم بعد وفاة الامام الحسن أي سنة ٥٠ ـ ٥١ هـ اننا حين تتبعنا
تاريخ من قتلهم زياد بامر معاوية او دفنهم احياء او نفاهم او شردهم من شيعة علي
كحجر واصحابه وعبد الرحمن بن حسان الذي دفنه حيا ، وعمرو الحمق الخزاعي وزوجته
امنة بنت الشريد وصعصعة بن صوحان وتسيير خمسين الف من الكوفة والبصرة بعيالاتهم
وجدنا ذلك كله بعد وفاة الحسن عليهالسلام
أي في سنة ٥١ هـ وهو اكتشاف تاريخي لم يسبق ان انتبه اليه الباحثون.
وفي ضوء ذلك فان رواية سليم بن قيس
لقضية كتابة معاوية الى عماله نسخة في نهيهم لذكر فضائل علي اكثر دقة على انها قد
اصابها تحريف ايضا ،
فان سليم يذكر ان معاوية كتب كتابه الى عماله وهو في المدينة ولا يمكن ان يكون قد
كتبه في سنة ٤٤ هجرية لما ذكرناه انفا من جوابه لعائشة بنت عثمان لما تلقته وهي
تندب اباها ، بل كتبه لما ززار المدينة بعد رجوعه من الحج سنة ٥٠ ـ ٥١ هـ ..
قال سليم : وكان معاوية يومئذ بالمدينة
، فعند ذلك نادى مناديه وكتب بذلك نسخة إلى جميع البلدان إلى عماله
: (ألا برئت الذمة ممن روى حديثا في مناقب علي بن أبي طالب أو فضائل أهل بيته وقد
أحل بنفسه العقوبة ... ثم إن معاوية مر بحلقة
__________________
من قريش ، فلما رأوه
قاموا له غير عبد الله بن عباس. فقال له : يا بن عباس ، فإنا قد كتبنا في الآفاق
ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته ، فكف لسانك ـ يا بن عباس ـ وأربع على نفسك. وإن
كنت لا بد فاعلا فليكن ذلك سرا ولا يسمعه أحد منك علانية. ثم اشتد البلاء بالأمصار
كلها على شيعة علي وأهل بيته عليهمالسلام
، وكان أشد الناس بلية أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة. واستعمل عليهم زيادا
أخاه وضم إليه البصرة
والكوفة وجميع العراقين. فلما مات الحسن بن علي عليهالسلام
لم يزل الفتنة
والبلاء يعظمان ويشتدان ..).
والتحريف الذي اصابها هو الجملة الاخيرة
فان مكانها قبل كتابة معاوية الى ولاته وليس بعدها وهو التحريف نفسه الذي اصاب
رواية المدائني.
وفي ضوء ذلك كله :
ينهار التحليل السائد المبني على تفرق
الكوفيين وان معاوية نقض شروطه سنة ٤١ هجرية ، ونحتاج بعد ذلك الى تحليل اخر يفسر
لنا تاخر ملاحقة معاوية للشيعة عشر سنوات مع شدة غضبه وحقده ، تحليل مبني على
اجتماع الكوفيين للحسن عليهالسلام
والتفافهم حوله الذي يفيد استقرار العراق للحسن الامر الذي ادركه معاوية فعرضه على
الحسن ان يبقى كل واحد على بلده ، فلماذا يسلم الحسن ملكا مستقرا له الى معاوية
ويشترط عليه شروطا خاصة؟ وهو ما نبحثه في الفصل التالي :
__________________
الباب
الرابع / الفصل الثالث
صلح
الامام الحسن عليهالسلام
قراءة جديدة
روى الشيخ الصدوق في علل الشرائع / ١ / ٢١١
عن أبي سعيد عقيصا قال :
قلت للحسن بن علي ابن أبي طالب عليهماالسلام : يا ابن رسول الله
لم داهنت معاوية وصالحته ،؟ ...
قال : يا أبا سعيد : علة مصالحتي
لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلىاللهعليهوآله
لبني ضمرة وبني أشجع ، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك كفار بالتنزيل
ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل).
أقول
: معنى ذلك ان السبب الموجب للصلحين واحد
، وهذا يستلزم وحدة الخلفيات التي سبقت الصلح ثم وحدة الظرف الموجب له ثم وحدة
الموقف ازاءه ثم وحدة النتائج المترتبة على الموقف وفيما يلي بيانها.
خلفية الصلحين
كان النبي صلىاللهعليهوآله
صاحب مشروع رسالي يستهدف تحرير دين ابراهيم من بدع قريش مما يخالف تنزيه الله
تعالى حين عبدت الاصنام ، وتنزيه نبيه ابراهيم والحج الابراهيمي من البدع التي
ادخلتها اليه قريش من تحريم الجمع بين العمرة والحج في اشهر الحج وتأخير مقام
ابراهيم عن البيت وغيره لتكريس امامتها الدينية التي دانت بها
العرب وعملت بأحكامها
وكذلك تحرير كتاب الله وسيرة انبيائه منتحريفات اليهود والمسيحيين.
وكان علي عليهالسلام
صاحب مشروع رسالي يستهدف تحرير دين محمد صلىاللهعليهوآله
من ثقافة اهل الكتاب التي نشرها كعب الاحبار وتميم الداري مما يخالف تنزيه الله
وتنزيه الانبياء بأمر قريش المسلمة ومن تحريمهم متعة الحج وارجاع مقام ابراهيم الى
ما كان عليه في الجاهلية وامضاء التطليقات الثلاث بتطليقة واحدة وابتداع صلاة
التراويح وغيرها من البدع التي ابتدعتها بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآله لتكريس امامتها
الدينية التي دان بها مسلمة الفتوح وغيرهم.
وفيما يلي تفصيل ذلك :
مفردات خلفية صلح النبي صلىاللهعليهوآله
مع قريش
١. انقلاب قريش بعد
عبد المطلب وتحريفهم دين ابراهيم :
كان عبد المطلب زعيم قريش بلا منازع
منزها لله تعالى متقيدا بدين ابراهيم جاءته الزعامة الدينية والسياسية من قصي عن
طريق ابويه هاشم وعبد مناف ، ولا يختلف اثنان ان قصيا مؤسس التجمع القرشي حول مكة
كان على دين ابراهيم وكان ينتظر النبي الموعود ، وان هاشما قد سنَّ لهذا التجمع
رحلة الشتاء والصيف ، وصارت مكة وقريش ذات مكانة دولية مرموقة ، ولا يختلف اثنان
على ان قصيا كان اعلم قريش بدين ابراهيم ثم توارث العلم اوصياؤه من ابنائه عبد
مناف ثم هاشم ثم عبد المطلب ثم ولده ابو طالب ، والى جانب ذلك تميز عبد المطلب
بحفر زمزم التي كانت مطمومة منذ الحرب بين خزاعة وجهرم أي لأكثر من ثلاث قرون خلت
، وقد أُخبر بمكانها في المنام ودعا بني عبد مناف وبقية بطون قريش ان تساعده في
حفرها فلم تستجب له احد منهم
فانفرد بمكرمة حفرها واحيائها لسقي الحجيج ، وكذلك انفرد دون بطون قريش بمهمة
الدفاع عن البيت ومواجهة جيش ابرهة هو وولده وولد عمه المطلب ثم نصره الله
__________________
على جيش ابرهة وكان
يقول :
نحن (آل الله) فيما قد مضى
|
|
لم يزل ذاك على عهد أبْرَهمْ
|
نعبدُ الله وفينا سُنَّةٌ
|
|
صِلَةُ القربى وإيفاء الذِّمم
|
لم تزل لله فينا حجةٌ
|
|
دفعُ اللهُ بها النِّقَمْ
|
وهكذا ادركت بطون قريش كلها ان زعيمها
عبد المطلب قد اصطفاه الله عليهم فهو الاولى بالبيت وبزمزم وبابراهيم وبدينه ومن
ثم هو الاول بالله أي هو الاقرب الى الله تعالى وصارت تسميه ابراهيم الثاني ، وصار
يلقب هو ووِلْدُه ب (ال الله)
، وتعلمت منهم شريعة ابراهيم.
حسد بنو عبد شمس وبنو نوفل اولاد عمهم
بني هاشم ان ينفردوا بهذا المجد دونهمثم انتشر الحسد الى بطون قريش الاخرى وقد برز
هذا الحسد اول ما برز بشكل منافرة بين امية وعبد المطلب ثم تطورت اشكاله فيما بعد.
واوصى عبد المطلب الى ابي طالب اعلم
اولاده بدين ابراهيم.
ثم انقلبت قريش بعد وفاة عبد المطلب على
بني هاشم فادعت ان لقب (ال الله) يعم بطون قريش وليس بني عبد المطلب حسب ، فقد
دافع الله تعالى عن قريش لانهم سكان بيته
، وابتدعت قريش بدعة الحمس في دين ابراهيم وادخلت طقوس عبادة الاصنام مع طقوس
عبادة الله لتكريس امامتها الدينية وصارت الامامة الابراهيمية وتعليم احكام الحج
في كل بيوتات قريش. وهكذا حوصرت امامة وزعامة ابي طالب
__________________
في دين ابراهيم. وقد
اشار ابو طالب في قصيدته اللامية المشهورة الى افتراء قريش في الدين :
اعوذ بالله من كل طاعن
|
|
علينا بشرٍّ او ملحِّقِ باطل
|
من كاشح يسعى لنا بمعيبة
|
|
ومن مفتر في الدين ما لم نحاول
|
وقوله (مفتر في الدين ما لم نحاول) أي
مبتدع في دين ابراهيم ما لم نوافقهم عليه ، ويشير قوله تعالى في سورة الجمعة (هُوَ
الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا
مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ
(٢) وَآخَرِينَ
مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الجمعة / ٢ ـ ٣ وقوله (في الاميين) أي
في أهل مكة ، وقوله (في ظلال مبين) أي عبادة الاصنام وبدعة الحمس ، وقوله (وآخرين
منهم) اي من اهل مكة ، وقوله (لما يلحقوا بهم) أي ما شاركوا قومهم في ضلالهم.
٢. هدف البعثة
النبوية لتحرير دين ابراهيم من بدع قريش :
وبعث الله نبيه محمداً صلىاللهعليهوآله سنة ١٣ ق. هـ مؤيدا
بالبينات الالهية بدين ابراهيم واسس المجتمع الاسلامي على ولاية الله وولاية رسوله
والامامة الدينية والسياسية لعلي بن ابي طالب وولديه الحسن والحسين والتسعة من
ذريته (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ
الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ
(٥٥))
المائدة / ٥٥ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)
النساء / ٥٩ وهدم الامامة الدينية لقريش
والامامة الدينية لاهل الكتاب ونسخ التوراة وما الحق بها واستبدلها بالقرآن مصدقا
بالذي بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه (وَأَنزَلْنَا
إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)
المائدة / ٤٨.
٣. حروب قريش مع
النبي صلىاللهعليهوآله واعلامها الكاذب :
حينما نهض النبي صلىاللهعليهوآله ليبلغ مشروعه
الرسالي وقف ابو طالب وبنو هاشم الى جانبه واستضعفت قريش المشركة بني هاشم ومن امن
به وقاطعتهم حتى يسلموا محمدا صلىاللهعليهوآله.
واعلن ابو طالب نصرته للنبي وايمانه
بمستقبلها في قصيدته اللامية المشهورة قائلا :
فأبلغ قصيّاً أنْ سينشر أمرُنا
|
|
وبشّر قصيّاً بعدنا بالتخاذل
|
كذِبتم وبيتِ الله نبزى محمداً
|
|
ولما نطاعن دونه ونناضلِ
|
ونسلمه حتى نصرَّع دونه
|
|
ونذهل عن أبنائنا والحلائل
|
ومنها يفهم ان ابا طالب يعتبر ان رسالة
محمد صلىاللهعليهوآله
قد جاءت لتحرير دين ابراهيم من بدع قريش واسلافهم هذا الدين الذي انتهت مواريثه
ومهمة الحفاظ عليه الى ابي طالب ولإرجاع الامامة الابراهيمية المغتصبة الى اهلها
الشرعيين.
ثم قيض الله تعالى اهل المدينة على
النصرة وهاجر الى المدينة ، وفرضت قريش المشركة على النبي صلىاللهعليهوآله حربين ظالمتين ، الاولى
في بدر وكان النصر المؤزر له فيها ، الثانية في احد وقد خسر النصر فيها بسبب معصية
نفر من اصحابه لأمره حين تركوا مواقعهم طمعا في الغنيمة.
طورت قريش في هذين الحربين اعلامها
الكاذب الذي بدأت به
في مواجهة دعوة
__________________
النبي صلىاللهعليهوآله عند حلفائها من
القبائل فاتهمته بتهمة انتهاك حرمة البيت الحرام والاعتداء على القوافل التجارية
الامنة لقريش وسفك الدم الحرام في الشهر الحرام .
واستطاعت بقيادة ابي سفيان ان تحشد عشرة آلاف مقاتل / الاحزاب / قصدوا المدينة
لإرعاب اهلها ليتخلوا عن محمد صلىاللهعليهوآله
وصمد اهل المدينة وهزمت الاحزاب شر هزيمة وجعلها الله تعالى للنبي صلىاللهعليهوآله اية وازدادت ثقة
المسلمين به.
٤. تحصين القبائل من
التأثر بمحمد صلىاللهعليهوآله
بالحرب والاعلام الكاذب :
ليس للنبي ازاء هذا الاعلام القريش
الكاذب الذي شوه مشروعه عند القبائل لصيانتها من التأثر به والانفتاح عليه الا ان
يقوم بعمل غير الحرب به يؤدي الى كسر الطوق عنها وعنه وفضح قريش لديها بانها هي
المعتدية وان محمدا صلىاللهعليهوآله
يعظم البيت ويطلب السلم وانه نبي قد بعث لإحياء دين ابراهيم وتحرير الحج من بدع
قريش.
ولا يوجد الا عمل واحد يحقق له ذلك وهو
المبادرة بالعمرة في اشهر الحج هو واصحابه والهدي معهم حيث تتوافد القبائل نحو مكة
للحج ،
__________________
ولأشهر الحرم دلالة لدى كل العرب هي
المسالمة واما الطرف الآخر من اعتداء المحرم عليه.
وللإحرام دلالة اخرى في ذلك ، وللهدي
الذي يسوقه المحرم دلالة اخرى وهي ان هذا المحرم لا يحل من احرامه الا عند البيت ،
والبيت تحيطه قريش وهذا يعني ان المبادرة تفصح عن نفسها ان محمدا جاء مسالما يطلب
الصلح مع قريش.
وهذه المبادرة تحمل في طياتها فضح قريش
عند حلفائها واظهار حقانية محمد صلىاللهعليهوآله
اذا رفضت قريش الصلح مع محمد وصدته عن البيت ، واذا قبلت الصلح معه وسمحت له ان
يقضي ماسكه عند البيت فهي مفضوحة ايضا لظهور كذبها فيه انه لا يعظم البيت.
٥. صلح الحديبية
والفتح المؤقت بظهور كذب قريش وحقانية محمد صلىاللهعليهوآله لدى حلفاء قريش
وغيرهم :
روى الطبري عن ابن إسحاق قال ان قريشا
بعثوا إلى النبي صلىاللهعليهوآله
الحُلَيس بن علقمة
وكان يومئذ سيد الأحابيش وهو أحد بلحارث
بن عبد مناة بن كنانة فلما رآه رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال إن هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدى يسيل
عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أو باره من طول الحبس رجع إلى قريش ولم يصل
إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم
إعظاما لما رأى ، فقال يا معشر قريش : إني قد رأيت مالا يحل ، صُدَّ الهديُ في
قلائده قد
__________________
أكل أوباره من طول
الحبس عن محله ، ... والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم أن تصدوا عن
بيت الله من جاءه معظما له والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له
أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد قال فقالوا له مه كف عنا يا حليس حتى نأخذ
لأنفسنا ما نرضى به.
ثم وافقت قريش على الصلح واشترطت متعسفة
ان يرجع محمد صلىاللهعليهوآله
تلك السنة ، ووافق صلىاللهعليهوآله
على شروطها التعسفية ، وعرفت القبائل من حلفاء قريش ومن غيرهم لما اختلطوا مع
المسلمين انها كانت تكذب على محمد صلىاللهعليهوآله
وانه نبي حق ودعوته حق تدعو كل عاقل الى تصديقه .
وازداد عدد المسلمين الى اضعاف / الفتح المبين /.
__________________
قريش المشركة
وحلفاؤها ينقضون عهدهم مع النبي صلىاللهعليهوآله
:
نقضت قريش عهودها مع النبي بع سنتين حين
نصرت بني نفاثة ورئيسهم نوفل بن معاوية احد بطون بني بكر من كنانة على خزاعة حليفة
النبي في حرب وقعت بينهما بسبب هجاء كناني للنبي امام رحل خزاعي وثارت حمية
الخزاعي فكسر يد النفاثي الكناني ، ووقع القتل في نساء خزاعة واطفالهم وضعفاء
رجالهم حيث بيوتهم وهم امنون في الوتير موضع اسفل مكة وجاء عمرو بن سالم راس خزاعة
الى النبي صلىاللهعليهوآله
يستنصره قائلا :
يا رب إني ناشد محمدا
|
|
حلف أبينا وأبيه الأتلدا
|
قد كنتم ولداً وكنا والدا
|
|
ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
|
إن قريشاً أخلفوك الموعدا
|
|
ونقضوا ميثاقك المؤكدا
|
هم بيّتونا بالوتير هجدا
|
|
وقتلونا ركعا وسجدا.
|
وتأثر النبي لذلك جدا ودمعت عيناه ، وبعث
ضمرة ليخير قريشا بين ثلاث ان يدوا قتلى زخزاعة او يبرأوا من بطن نفاثة الذي قام
بالمجزرة او ينبذ اليهم على سواء واختارت قريش الثالثة.
فتح مكة لمشروع النبي
صلىاللهعليهوآله الى الابد :
نهض النبي بجيش قوامه عشرة الاف مسلم
ودخل مكة فاتحا وحرر بيت ابراهيم
__________________
من الاصنام ومن بدعة
الحمس ليعلن فيها التوحيد والشهدة لمحمد بالرسالة ابد الدهر.
هدم بدعة قريش في
الحج واعلان امامة اهل البيت عليهمالسلام
واولهم علي عليهالسلام
في الغدير :
وفي السنة العاشرة اعلن النبي صلىاللهعليهوآله عن حجة الوداع هدم
فيها بدعة قريش بتحريم الجمع بين العمرة والحج في اشهر الحج حيث شرع حج التمتع
الذي يتألف من عمرة وحج بينهما حِل ،
ثم اعلن في رجوعه عند مفترق الطرق عند
غدير خم وامام مائة الف بل يزيدون ، اوصى بالتمسك بإمامه اهل بيته الدينية وقرنهم
بالكتاب ، هذه الامامة التي تنعكس عنها ولايته الحكمية (التنفيذية) لكل المسلمين.
روى الحاكم النيسابوري بسنده عن أبي
الطفيل عن زيد بن أرقم قال :
«خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى انتهينا إلى
غدير خم عند شجيرات خمس ودوحات عظام فكنس الناس ما تحت الشجيرات ثم استراح رسول
الله صلىاللهعليهوآله
عشية فصلى ثم قام خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال :
أيها الناس إني تارك فيكم أمرين
لن تضلوا ان اتبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي ثم قال أتعلمون أني أولى
الناس بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مرات قالوا نعم فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله من كنت مولاه فعلي
مولاه ...».
وفي رواية الطبراني بعد قوله عترتي «وان
اللطيف الخبيرنَبَّأَني انهما لن يفترقا
__________________
حتى يردا عليَّ الحوض
وسألت ذلك لهما ، فلا تَقدَّموهُما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا
تعلموهم فانهم اعلم منكم».
فئات المجتمع
الاسلامي في السنة العاشرة من الهجرة :
كان المجتمع الاسلامي الإسلامي في السنة
العاشرة من الهجرة يحتوي على ثلاث فئات من المسلمين :
الاولى : فئة العلماء الربانيين وهؤلاء
شعارهم التسليم المطلق والتقيد الحرفي لإمر الله ورسوله وهم اهل بيت النبي وعظيمهم
بعلي عليهالسلام.
الثاني : فئة محبي علي الراسخون في
العلم مثل مقداد وعمار وسلمان ابي ذر ونظرائهموهؤلاء وطنوا انفسهم على حب اهل
البيت واخذ معارف الدين عنهم.
الثالثة : فئة قريش المسلمة ومن اخذ
بمنهجهم ويحملون شعار حسبنا كتاب الله والاجتهاد في قبال السنة. وهم الذين قُدِّرَ
لهم ان يحكموا بعد النبي مدة اربع وعشرين سنة ، ويفتحوا البلاد ويكونوا مجتمع
مسلمة الفتوح على اجتهاداتهم واغلب هؤلاء كانوا في جيش اسامة (وخالفوا النبي في
قوله جهزوا جيش اسامة ولعنهم حين قال لعن الله من تخلف عن جيش اسامة).
خليفة مشروع علي عليهالسلام
الاحيائي للسنة النبوية
١. انقلاب قريش
المسلمة :
كان النبي صلىاللهعليهوآله
على قمة هرم المجتمع الاسلامي دينيا وسياسيا وقد ايده الله تعالى ببيناته في حركته
التبليغية والتأسيسية وهذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان.
وقد اعلن النبي منذ بداية المشروع / ١٠
ق. هـ / لبني هاشم وبني المطلب فيما عرف بحديث الدار : ان وزيره ووصيه وخليفته فيه
هو علي ، ثم اعلن للمسلمين جميعا / ١٠ هـ / الامامة الدينية والسياسية فيما عرف
بحديث الغدير في غدير خم / مفرق طرق الحاج
__________________
من مكة الى المدينة /
امام مائة الف او يزيدون وهم عظم المسلمين الذين استنفرهم للحج معه. وقد امتلأت
الفترة الزمنية بين حديث الدار وحديث الغدير وهي فترة عشرين سنة باحاديث في هذه
المناسبة او تلك تؤكد ذلك بشكل واخر ،
وقد اقترن ذلك بتربي علي في حجر النبي صلىاللهعليهوآله منذ ولادته في بيت
ابيه يوم كان النبي يعيش هناك بكفالة عمه ، ثم اصطحبه معه في بيته بعمر ست سنوات
لما تزوج واستقل عن عمه ثم اصحبه في هذا العمر الى غار حراء يرفع له في كل يوم من
اخلاقه علما ، وعندما كلفه الله نبيه بارسالة كان علي الى جنبه وقد سمع رنة
الشيطان وسأل النبي عنها فأجابه انه الشيطان قد يئس من عبادته واخبره انه منه
بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعده ،
وكان علي في مكة يكتب عن النبي صلىاللهعليهوآله القرآن وبهامشه
تفسيره وفي المدينة كان بيته مع امه فاطمة بنت اسد في المسجد بجوار بيت النبي صلىاللهعليهوآله مع ابنته فاطمة عليهاالسلام ، وله مع النبي
لقاءان يوميا احدهما بعد صلاة الفجر والاخر بعد المغرب يواصل فيه املاءه في تفسير
القرآن ويضيف اليه املاءه في الاحكام والسيرة والملاحم وقد عرف المسلمون جميعا خبر
هذه اللقاءات يوم عقد النبي بعضها مع علي في ايام حصار الطائف وعرفت يومذاك
بالمناجاة قال جابر : انتجى رسول الله صلىاللهعليهوآله
علياً يوم الطائف فطالت مناجاتُه إيّاه. فقيل له : لقد طالت مناجاتك اليوم عليّاً؟
فقال : ما أنا ناجيتُه ولكنّ الله انتجاه
أي الله تعالى امرني ان انتجيه وليس هو عمل من تلقاء نفسي والمعنى امرني الله
تعالى ان انفرد بعلي واسر اليه بالحديث امامكم.
وقد كتب علي في هذه اللقاءات : الصحيفة
الجامعة طولها سبعون ذراعا فيها كل شيء مما يحتاج اليه من الاحكام وصحفا اخرى كتب
فيها الملاحم والتفسير ثم صارت ميراثا له وللائمة من ولده عليهالسلام.
وهذا اللصوق لعلي بالنبي صلىاللهعليهوآله جعل سيرة علي عليهالسلام مدمجة مع سيرة النبي
صلىاللهعليهوآله
فلا يذكر النبي صلىاللهعليهوآله
الا والى جانبه علي كما هو حال سيرة موسى لا يذكر فيها موسى الا
__________________
والى جانبه هارون وقد
تواتر الحديث عن النبي صلىاللهعليهوآله
انه قال لعلي (انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي).
وانقلبت قريش المسلمة بعد وفاة النبي
على علي عليهالسلام
وكاندوا يقتلونه ، نظير انقلاب امة موسى على هارون بعد طول غيبة موسى وكادوا
يقتلونه. وادعت قريش المسلمة الامامة الدينية واقصت عليا عليهالسلام عن موقعه الذي عينه
النبي فيه بأمر الله ، وابتدعت في دين محمد صلىاللهعليهوآله
فحرمت متعة الحج واخرت مقام ابراهيم عن البيت الى المكان الذي كان علي في الجاهلية
، لتكرس امامتها الدينية وفسحت المجال لكعب الاحبار عالم يهود اليمن وتميم الداري
راهب النصارى في الحجاز ان ينشرا اساطيرهم حول الخلق والانبياء وغاب تنزيه التوحيد
وتنزيه الانبياء الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوآله
وفتحت البلدان على ذلك وانتهى الامر الى قيام حكم بني امية زمن عثمان على تكريس
تلك السيرة فصاروا ائمة الدين وولاته.
حالة المسلمين
الفكرية والدينية والسياسية زمن خلافة عثمان سنة ٢٦ هجرية :
اما
الحالة السياسية فتعرف من شخصية رئيس
الدولة وولاته على الامصار :
١. كان رئيس الدولة عثمان بن عفان بن ين
ابي العاصي بن امية بن عبد شمس.
٢. وكان سكرتيره الخاص مروان بن الحكم
بن العاص بن امية بن عبد شمس (ابن عم عثمان).
٣. وكنا والي الشام الكبرى معاوية بن
ابي سفيان بن حرب بن امية بن عبد شمس. (ابن عم عثمان)
٤. وكان والي الكوفة الوليد بن عقبة بن
ابي معيط بن عمرو بن امية بن عبد شمس ، ثم خالد بن سعيد بن العاصي بن سعيد بن
العاصي بن امية بن عبد شمس والد عمرو بن سعيد الاشدق. (اولاد عمه)
٥. وكان والي البصرة : عامار بن ربيعة
من حبيب بن عبد شمس وهو ابن خال عثمان وحبيب بن عبد شمس هو اخو امية بن عبد شمس. (فهو
ابن عمه)
٦. وكان والي مصر عبد الله بن ابي سرح
اخو عثمان من الرضاعة وهو من بني عامر احدى بطون قريش.
وفي ضوء ذلك فان دولة عثمان هي الدولة
الاموية الاولى. وقد تذمرت منها بطون قريش حيث حرمت من امتيازات السلطة التي كانت
لهم ايام ابي بكر وعمر ، واخذوا يحثون الناس على العمل للاطاحة بالخليفة عثمان.
اما
الحالة الفكرية والدينية :
فهي ما تبنته الدولة من اعتبار سيرة الشيخية جزءا اساسيا من قانون الدولة وتتمثل
هذه السيرة بامور هي :
١. المنع من نشر احاديث النبي صلىاللهعليهوآله في حق اهل بيته
واولهم علي عليهالسلام.
كحديث الثقلين وحديث الغدير وحديث المنزلة وغيرها.
٢. تحريم متعة الحج التمتع / وقد جعلها
الاسلام رخصة للحاج / وعقوبة المخالف.
٣. تحريم متعة النساء / وقد جعلها
الاسلام علاجا للزنا /.
٤. اسناد الوعظ وبيان قصص الانبياء الى
كعب الاحبار ومصدره فيها التوراة المحرفة التي طرحت في المجتمع بصفتها كتاب الله
الاول ، الامر الذي افقد عقيدة التوحيدَ وسيرةَالانبياء التنزيهَ الذي جاء به
القرآن فيها ..
٥. ايجاد الطبقية في المجتمع ، على
مستوى العطاء الذي توزعه الدولة في قبال التسوية التي سنها النبي صلىاللهعليهوآله بتفضيل ازواج النبي
على المسلمين ثم اهل بدر على غيرهم ثم اهل الحديبية على غيرهم ، وفي الفروج في
قبال كفاءة المؤمن للمؤمنة بمنع غير العربي من التزوج بالعربية ،
٦. ارجاع مقام ابراهيم الى مكانه في
الجاهلية.
٧. ارجاع لقب (ال الله) التي انتحلته
قريش في الجاهلية اليها ومعاقبة صحابي فاضل لانه عين مولاه عليها في غيابه.
__________________
ان المسلمين في الحجاز واليمن والجزيرة
العربية من عمر ١٥ سنة الى عمر ٣٠ سنة ومن غيرهم ممن دخل الاسلام من اهل العراق
والبلاد الشرقية واهل الشام وافريقيا والبلاد الغربية لا يعرفون خلفاء للنبي
وامامة دينية تقودهم الى الله تعالى الا الخلفاء من قريش وقد انتهت الى بني امية
ولا يعرفون من الاسلام الا سيرة الشيخين التي رفعها الحاكمون شعارا الى جانب كتاب
الله وصار دين الله الذي بعث به محمدا هو كتاب الله وسيرة الشيخين ، بل سيرة
الخليفة من قريش.
اما علي عليهالسلام
وموقعه من النبي صلىاللهعليهوآله
وولايته التي امر بها الله تعالى وولاية اهل بيته الذي قال عنهم النبي صلىاللهعليهوآله (اني تركت فيكم ما ان
تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله وعترتي اهل بيتي) ، فانهم جاهلون بها الا
اذا سمعها احدهم من ابي ذر او سلمان او حذيفة سرا.
وهكذا فان بني امية قد كرسوا جهل مسلمة
الفتوح بسنة النبي وامامة اهل بيته وفتحت اعينهم على امامة العمل بالرأي الممزوج
برواسب الجاهلية وثقافة اهل الكتاب المحرفة قدمت اليهم باسم الاسلام وخلافة
الرسول.
٢. هدف نهضة علي عليهالسلام اعادة التنزيه الى
التوحيد وسيرة الانبياء وتحرير دين محمد صلىاللهعليهوآله من بدع قريش :
حذَّر النبي امَّته من الفتن المقبلة
عليهم بعد موته (اقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع اولها اخرهم) واخبرهم انه
ادخر صلىاللهعليهوآله
اهل بيته وعليٌّ اولهم لإنقاذهم منها وارجاعهم الى المحجة التي تركهم عليها (يا
علي انت الهادي بك يهتدي المؤمنون بعدي)
(علي
__________________
مع الحق والحق مع علي
يدور معه حيثما دار)
فما هو مشروع علي لإحياء سنة النبي وانقاذ الامة من ضلالة بني امية ايام عثمان؟
كان علي عليهالسلام
يترقب الفرصة السانحة لنهضته ولم تكن هناك فرصة افضل من فرصة انشقاق بطون من قريش
على الحكم الاموي الاول / عثمان وولاته من بني امية / ، اذ رات هذه البطون انها
حرمت من امتيازات السلطة وصارت حكرا على بني امية فأخذت تبدي تذمرها من عثمان
وتحرِّش عليه اهل الامصار مستغلة اخطاء
ولاته من شباب بني امية وتاريخهم السيء مع النبي صلىاللهعليهوآله
، واستحكم انشقاق قريش على عثمان سنة ٢٧ هـ حين كان اخر من سجلتهم المصادر
التاريخية من المتمذمرين والمنشقين على عثمان هو عبد الرحمن بن عوف وكان اول من شد
الملك لعثمان في الشورى السداسية.
وقرر علي عليهالسلام
في موسم حج سنة ٢٧ هـ ان يعلن عن احيائه لحج التمتع بصفته افضل مدخل لتعريف مسلمة
الفتوح وصغار الصحابة الذين لم يسمعوا من النبي بمخالفة الحكم الاموي لسنة النبي
ثم يتحرك اصحابه في موسم الحج لنشر حديث النبي في اهل بيته كحديث الثقلين وحديث
الغدير وغيرهما.
وهكذا كان الامر وانطلق ابو ذر والمقداد
واخرون من اصحاب النبي ازروا عليا عليهالسلام
__________________
في نهضته يحدِّثون
باحاديث النبي فيه وفي اهل بيته ، واضطهدتهم السلطة نفيا وسجنا.
وفوجئ المتذمرون من قريش بنهضة علي عليهالسلام ، ولكنهم آثروا
السكوت لانهم مشغولون بالتحريش ضد عثمان ،
ثم استطاع الثائرون من قريش ان يقتلوا
عثمان بعد حصاره ، ولكن الجماهير المسلمة بدلا من ان تبايع احد ابرز قادة الثورة
على عثمان وهما طلحة او الزبير هرعت الى بيت علي عليهالسلام
تطلب منه ان تبايعه ، ورفض علي عليهالسلام
في بادئ الامر ثم استجاب لهم في المسجد وبويع في اروع مشهد يصفه : قال عليهالسلام :
(وبسطتم يدي فكففتُها ، ومددتموها
فقبضتُها ، ثم تداككتم علي تداكَّ الإبل الهِيم على حياضها يوم وِردِها ، حتى
انقطعت النعلُ ، وسقط الرداء ، ووُطِئَ الضعيف ...).
ثمقال في كلام آخر : (وبلغ من سرور
الناس ببيعتهم إيايَ أن ابتهجَ بها الصغيرُ ، وهدَج إليها الكبير ، وتحاملَ نحوها
العليل ، وحسرت إليها الكعاب)
، انه سرور كسرور دخول النبي الى المدينة.
وانطلق علي عليهالسلام يواصل مشروعه
الاحيائي لسنة النبي وقد ازره ثلة من الانصار والمهاجرين من اصحابالنبي والتابعين
عبر الاجراءات التالية.
١. الغى الطبقية في العطاء ، والتفضيل
في المناكحات وارجعهما الى ما كان على عهد رسول الله.
٢. الغي سيرة الشيخين كقانون تحكم به
الدولة وحوَّلها الى مذهب / بعد بيان بطلانه / وترك الخيار للمجتمع ان يعمل بها مع
وضوح بطلانها او يتركها.
٣. منع من تداول القصص الاسرائيلي التي
تشوه سيرة الانبياء وتسئ الى تنزيههم
وتنزيه التوحيد.
__________________
٤. رفد المجتمع بخطب احيت تنزيه الله
تعالى وانبيائه كما احيا مواعظ الله ورسوله في قبال كعب الاحبار واحاديثه في
التجسيم وتشويه سيرة الانبياء وخرافية مواعظه.
٥. شجع المسلمين على نشر حديث النبي صلىاللهعليهوآله.
٦. شجع الناس على السؤال عن تفسير
القرآن.
٧. شجع المسلمين على تدوين العلم.
وفي ضوء ذلك :
صار المسلمون في النصف الشرقي من البلاد
الاسلامية ومركزهم الكوفة سواء من مسلمة الفتوح او من غيرهم على فئتين في الفكر
والتعبد :
فئة تتعبد بسيرة الشيخين في صلاتها
وحجها وصلاة التراويح على الرغم من معرفتها ان صلاة التراويح وغيرها كانت رايا
واجتهادا للخليفة وليست سنة من النبي صلىاللهعليهوآله.
فئة تتعبد بسنة النبي صلىاللهعليهوآله في صلاتها وحجها
يقودهم قدوتهم وقيادتهم علي عليهالسلام
واهل بيته وهم اهل بيت النبي.
مشروع معاوية :
رأى معاوية في مشروع علي عليهالسلام لو استمر انهاء
لدولة بني امية بل استئصال لمشروعيتها وتأسيس دولة بني هاشم وال محمد صلىاللهعليهوآله وتعميق لمشروعيتها ،
ومن هنا خطط للوقوف امام مشروع علي عليهالسلام ووأده واعادة دولة
بني امية الاولى التي مهَّد لها واسس مضمونها الفكري الخليفتان ابو بكر وعمر. وليس
له الا أن يدوس على جراحه فيغض الطرف عن قَتَلَة عثمان من قريش ويجمع بطونها على
موقف موحد لمواجهة علي عليهالسلام
على ثلاث مراحل :
__________________
الاولى
: اقناع طلحة والزبير على نكث البيعة
والذهاب الى البصرة ثم الى الكوفة واقتطاعها عن علي عليهالسلام
وبذلك يضمن قطع الموارد العسكرية والمالية العراقية عن علي عليهالسلام.
الثانية
: قطع الطريق على علي عليهالسلام ان يعين واليا جديدا
على الشام من خلال اعلان شعار الطلب بدم عثمان قبل بيعة علي عليهالسلام وبذلك تقطع الموارد
العسكرية والمالية الشامية عن علي عليهالسلام.
الثالثة
: الحركة من العراق والشام الى المدينة
لقتال علي عليهالسلام
فيها ولن يصمد جيش المدينة طويلا امام اهل العراق والشام ، وليس لعلي عليهالسلام آنذاك الا القتل او
الاستسلام ، ولا يترقب منه ان يستسلم فيقتل ولن يقتل حتى يقتل ولده واهل بيته وكل
بني هاشم وهو المطلوب.
اقتنعت وجوه قريش المسلمة بالخطة واقدم
طلحة والزبير وعائشة على تنفيذ المرحلة الاولى واستلما البصرة بعد ان غدرا بسهل بن
حنيف والي علي عليهالسلام
عليها.
موقف علي عليهالسلام من خطة قريش :
ادرك علي عليهالسلام
خطة قريش واعلن عنها في كلامه لاخيه عقيل (دع عنك قريشاً وتَرْكاضَهم في الضلال ، وتَجوالهم
في الشقاق ، وجِماحَهم في التِّيْه ؛ فإنّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب
رسول الله صلىاللهعليهوآله
قبلي).
وكان موقفه من خطة قريش هو الخروج من
المدينة ودعوة اهل الكوفة الى نصرته واسترداد البصرة من قريش ثم اتخاذ الكوفة
مركزا لمواجهة معاوية في الشام وهكذا كان الامر واستجابت الكوفة لعلي عليهالسلام وارتبطت مصيريا
بنصرة اهل بيت النبي كما ارتبط اهل الشام مصيريا بنصرة بني امية
خرج اكثر من عشرة الاف من اهل الكوفة مع
علي واسترد البصرة من عائشة وطلحة والزبير بساعات في اول معركة بين المسلمين
انفسهم طرف تقوده قريش المسلمة وطرق يقوده علي عليهالسلام
وكان نصرا مؤزرا كما كانت بدر نصرا مؤزرا للنبي صلىاللهعليهوآله
،
__________________
ورجع علي عليهالسلام
الى الكوفة واتخذها مقرا لمشروعه ودولته ، وانطلق منها الى الشام ليستردها من
معاوية وكادت المعركة في صفين وهي اعظم معركة في تاريخ الاسلام ان تحسم الامور
لصالح علي عليهالسلام
لولا اعلان نصف جيش علي تجاوبهم مع الشعار الذي اعلنه معاوية بالاحتكام الى القرآن
وكان هذا النصف لم يستجب لمشروع علي ولم يقاتل معه على اساس العقيدة بإمامته
المنصوصة ولا البصيرة بمعاوية ومكرة ودهائه.
بخلاف النصف الاخر الذي كان يقوده مالك
الاشتر ونظراؤه ممن كانوا على بصيرة بخطة معاوية وايمان بعلي وصيا للنبي ، فقد كان
مالك يخطب في اصحابه ويقول :
(إن هؤلاء القوم لن يقارعوكم إلا عن
دينكم ، ليطفئوا السنة ، ويحيوا البدعة ، ويدخلوكم في أمر قد أخرجكم الله منه بحسن
البصيرة).
واسترد معاوية بشعار (الاحتكام الى
القرآن)
انفاسه وحافظ على وجوده ورجع الى الشام وقد قوي امله بتأسيس الدولة الاموية
الثانية امتدادا للدولة الاموية الاولى واطروحتها الفكرية واستطاع ان ينطلق من
امرين الاول جهل اهل الشام بموقع علي عليهالسلام
من النبي وتاريخ معاوية وابيه في بدر واحد والخندق ضد النبي صلىاللهعليهوآله الثاني : ثقتهم
التفصيلية بمعاوية بصفته وليا عليهم وممثلا للخلافة القرشية مدة ثلاثين سنة ، ومن
ثم اسس اعلاما كاذبا في حق علي عليهالسلام
اعطى خطوطه للقصاصين الذين اصطحبهم معه يقصون بعد كل صلاة ، تمثل هذا الاعلام
الكاذب بإلقاء التبعة في قتل عثمان على علي واصحابه وهو الذي اعلنه قادة قريش في
الجمل ، وان عليا يقاتل من اجل الملك الذي كان يطمع به بعد وفاة النبي ولم يوله
المسلمون اياه وانتهاء بوصفه ملحدا في الدين وكونه نهض لتغيير سنن الخليفة عمر في
الصلاة والحج وفي ضوء ذلك فانه يجب البراءة منه
__________________
والعمل على قتله وارجاع الامور الى ما
كانت عليه زمن الخليفة عمر وبين ايديهم قيادة وثق بها عمر خلفته عثمان ثلاثون سنة.
٣. حروب قريش مع علي عليهالسلام واعلامها الكاذب :
وكما ان قريشا المشركة بقيادة ابي سفيان
فرضت على النبيحربين ظالمتين
هما بدر وأحد كذلك فرضت قريش المسلمة بتخطيط بني امية اشعلت حربين ظالمتين على علي
عليهالسلام
:
كانت الحرب الاولى ضد علي عليهالسلام في البصرة بقيادة
طلحة والزبير وعائشة وكان النصر المؤزر فيها لعلي عليهالسلام
وكان حجر بن عدي يقول في هذه الحرب :
وقال حج بن عدي الكندي في يوم الجميل أيضاً
:
يا ربنا سلم لنا عليا
|
|
سلم لنا المهذب التقيا
|
المؤمن المسترشد الرضيّا
|
|
واجعله هادي أمة مهدياً
|
احفظه رب حفظك النبيّا
|
|
لا خطل الرأي ولا غبياً
|
فإنه كان لنا ولياً
|
|
ثم ارتضاه بعده وصياً
|
وكانت الحرب الثانية ضد علي عليهالسلام في الشام بقيادة
معاوية بن ابي سفيان وقد خسر علي عليهالسلام
فيها لانصر بسبب مخالفة قسم من جيشه لأمره في استمرار القتال حين رفع معاوية
المصاحف وطلب توقيف القتال.
٤. تحصين الشام من
التأثر بعلي عليهالسلام
بالحرب والاعلام الكاذب :
افرزت الحربان اعلاما امويا طوَّق عليا عليهالسلام بتهمة طلب الملك من
وراء تلك الحربين وانه اوى قتلة عثمان واستعان بهم وانه افسد في الدين وانه لا
يصلي وغير ذلك من
__________________
الشبهات التي كان
قصاصوه يقصونها على الناس بعد الصلاة. واستطاع بذلك ان يحصن اهل الشام من التأثر
بمشروع علي عليهالسلام.
كما استطاع معاوية بن ابي سفيان انيحول
جيش الشام الى سرايا تغيرعلى اطرفا علي لتنهب وتقتل شيعة علي ليتخلوا عنه كما
استطاع ان يقتطع مصر عن علي عليهالسلام
وصمد اهل العراق مع علي عليهالسلام.
واقترن ذلك / ولا يبعد انه كان ذلك بدفع منه من خلال بعض رؤوس النفاق كالأشعث بن
قيس / بحركة الخوارج من داخل الكوفة.
كيانان فكريا
وسياسيان في الامة الاسلامية سنة ٣٩ هجرية :
انقسمت الامة الاسلامية سنة ٣٩ هجرية
الى كيانين فكريين وسياسيين :
الاول
: يمثل مشروع النبوة ما عدى ان شخص محمد صلىاللهعليهوآله غير موجود وانما
بديله شخص هو كنفسه وهو علي عليهالسلام
وهو وصيه.
مركز هذا المشروع العراق ـ الكوفة ويدين
بهذا المشروع اغلب سكان النصف الشرقي من مسلمة الفتوح والانصار مع خمسة افراد من
قريش فقط .
شعاره العمل
__________________
بكتاب الله وسنة
النبي صلىاللهعليهوآله
، ودعوة النصف الغربي للعودة اليها. يقود هذا المشروع اهل بيت النبي اولهم وعظيمهم
علي عليهالسلام
ومعه ولداه الحسن عليهالسلام
والحسين عليهالسلام.
الثاني
: يمثل مشروع قريش المسلمة التي حكمت اربعا وعشرين سنة
وانتجت مضمونا فكريا وتشريعيا خليطا من الاسلام ورواسب الجاهلية والإسرائيليات في
قصص الخلق والانبياء ، ارتبط بعنوان سيرة الشيخين
راس المشروع ووريثه هو معاوية ومركزه
الشام ويتدين بهذا المشروع اغلب سكان النصف الغربي من مسلمة الفتوح وقبائل قريش
كلها الا خمسة نفر. شعاره العمل بسيرة الشيخين المؤسسين وقتال علي وشيعته بتهمة دم
عثمان وهو برئ منه براءة الذئب من دم يوسف.
شهادة علي عليهالسلام وبيعة اهل العراق
الحسن عليهالسلام
وبيعة اهل الشام معاوية :
استشهد امير المؤمنين هو يعبئ جيشه
لمحاربة معاوية ،
وبايع العراقيون الحسن عليهالسلام حاكما وهو قبل ذلك
رأس في مشروع ابيه ووصيه عليه اماما هاديا بنص من جده النبي صلىاللهعليهوآله.
وبايع اهل الشام معاوية حاكما وهو من
الرؤوس في مشروع قريش المسلمة وقد عُني به الخليفة الثاني عناية خاصة وكان يحاسب
عماله الا معاوية فانه كان يقول فيه هذا كسرى العرب فكان زعيما في الشام عشرين
عاما منذ وفاة اخيه يزيد بن ابي سفيان في الشام فعينه عمر مكانه ثم ضم اليه عثمان
في خلافته بقية بلاد الشام. ومن هنا فان جيلين من الشاميين فتحا اعينهم على امارة
معاوية التي اسسها عمر وعثمان بصفته ممثلا للإسلام الامر الذي جعلهم يثقون بتقديره
للأمور ويقبلون منه وقوفه ضد
__________________
علي عليهالسلام ، ساعده على ذلك
جهلهم بموقع علي في الاسلام.
مبادرة معاوية بالصلح
واهدافها :
١. كان معاوية يطمح الى ان يستقل بملك
الشام وقد نجح وانتهى نجاحه بإقدام اهل الشام على بيعته حاكما على نهج سلفه عثمان
، وبيده ورقة ضغط على الحسن عليهالسلام
وهي الغارات التي كان يشنها على اطراف الكوفة ، وفي الوقت نفسه يتخوف من خطرين
قائمين الاول حلقات الخوارج الارهابية الثاني جيش الروم الذي يتحين فرصة الهجوم
على الشام لاستردادها ومن هنا بادر بطلب الصلح من الامام الحسن عليهالسلام : ليحقق احد امرين :
٢. ربح المعركة الاعلامية عند موافقة
الحسن عليهالسلام
على الصلح فان الحسن عليهالسلام
سيكون ملوما لمخالفته الآية الكريمة (وان جنحوا للسلم فاجنح لها) عند قسم من جيشه
فضلا عن المنافقين في الكوفة فضلا عن تأكيد العقيدة عند اهل الشام ان معاوية يرغب
في الصلح وان الطرف الاخر هو طالب الحرب.
ـ تحقيق عدة مكاسب عند استجابة الحسن
للطلب ، منها :
ـ راحة جيشه المتعب.
ـ ملاحقة الحلقات الارهابية الوافدة
عليه من العراق ،
ـ دفع خطر الروم بالمصالحة ايضا ،
ـ واخيرا رد الكرَّة على العراق بعد ذلك
لتصفية الحساب مع مشروع علي وحملته.
المفاجأة الكبرى في
جواب الحسن عليهالسلام
على مبادرة معاوية :
من الضروري جدا ان نتعرف على طريقة
تفكير الحسن عليهالسلام
بقضية الصلح التي عرضها معاوية فما هي الاصول التي يستحضرها الحسن في فكره بل
ويستحضرها ايضا أي رجل مخلص من رجالات جيشه وهم كثر.
الحسن بعبارة موجزة هو احد منظومة
الامامة الهادية بعد النبي صلىاللهعليهوآله
مهمتها
المحافظة على الشريعة
وهداية الناس (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها
قوماً ليسوا بها بكافرين
(٨٩) أُولئك
الّذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا اسئلكم عليه أجراً إن هو إلّا ذكرى للعالمين
(٩٠))
الأنعام / ٨٩ ـ ٩٠ ، وقد نهض ابوه علي عليهالسلام
بمشروع الهداية بعد النبي واسسه في قبال قريش المسلمة التي اضلت الامة وكفرت
بالتأويل. كما كفرت قريش المشركة بالتنزيل. وهو الان على راس هذا المشروع ، ان
مهمة الحسن الاساسية هي كيف يوصل مشروع ابيه الى النصف الثاني من الامة التي لم
تقف عند حالة كونها جاهلة بعلي وهو الهادي بعد النبي بل تعتقد به في ضوء اعلام
معاوية انه مفسد في الدين تجب البراءة منه ، ولم تقف عند العقيدة فقط بل تحولت الى
جيش يهمه قتل من هو على دين علي بل من يتصل بعلي بنسب الم يقتل بسر طفلين لعبيد
الله بن عباس!
يفكر الحسن كيف يفتح قلوب اهل الشام على
الحقيقة ليعرفوا معاوية على حقيقته مفسدا في الدين ويعرفوا عليا هاديا الى دين
الله بأمر الله ورسوله ،
وكانت أهم عقبتين بل عقدتين أمام
انطلاقة المشروع هما :
العقبة
الاولى انشقاق الشام : هذا الانشقاق الذي
استحكم ببيعة الشاميين لمعاوية على الحكم على ما بويع عليه عثمان ، على كتاب الله
وسنة النبي وسيرة الشيخية ، وهذه العقبة خلقت عدة مشكلات بعضها فِعلي والآخر تحت
الرماد :
الأولى
: مشكلة فقدان الأمان في الطرق الخارجية
بني ولايات الدولة الإسلامية حيث انعدمت بفعل غارات جيش معاوية على الأطراف الآمنة
التابعة لعلي عليهالسلام.
وهذه مشكلة فعلية قائمة.
الثانية
: مشكلة ثقافة العداء لعلي عليهالسلام عند أهل الشام ، فهم
يعتقدون أن علياً عليهالسلام
مشترك في قتل عثمان مفسد في الدين مخالف لسيرة الشيخين ، يستحق أن يُلعن ويُتبرأ
منه ومن شيعته بل يستحقون أن يُستأصَلوا جميعا وهذه المشكلة فعلية ايضا.
الثالثة
: مشكلة تهديد الروم البزنطيين على
الجبهة الشمالية الشرقية للشام وهذه المشكلة فعلية ايضا.
الرابعة
: مشكلة تحت الرماد تتمثل باحتمال أن
يتبنى المنشقُّون الامويون إحياء
القبلة المنسوخة وهي
بيت المقدس لتجريد الحسن عليهالسلام
من سلاح الكعبة / القبلة العامة لكل المسلمين / ولإحكام عُزلة أهل الشام عن
العراقيين حتى لا ينفتحوا على الحقائق التي قد تغيِّر من ولائهم لمعاوية. وقد حصل
مثل هذا في عهد بني إسرائيل في الاشم وتعددت القبلة والكتاب الإلهي عندهم وبقيت
امتدادات القبلتين والكتابين إلى زمن معاوية وإلى اليوم ، وقد نفَّذ عبد الملك بن
مروان جزءا من هذا المخطط في زمانه لما كان خصمه عبد الله بن الزبير مسيطراً على
مكة.
العقبة
الثانية الخوارج : حمل الخوارج شعار
التكفير لعلي عليهالسلام
ومعاوية وتحولوا بعد معركة النهروان الى خلايا اغتيال ومجموعات تغير على الابرياء
وتقتلهم لانهم يسالمون السلطة ، وقد تسببت هذه النشاطات ان تفتقد الامة وبخاصة
البلاد الشرقية الأمان داخليا. وهي وان كانت مشكلة مشتركة بين الشام والعراق
ولكنها في الكوفة اكثر خطورة لانها مركز الخوارج.
وأمامَ وضع معقد كهذا لا يصبح خيار
الحرب في صالح مشروع علي عليهالسلام.
إذ هو بحاجة الى انفتاح القلوب عليه باختيارها والحرب ليست اداة صالحة لذلك.
ثم أن الصلح المحدود وإيقاف القتال
بالطريقة التي اقترحها معاوية بان يبقى العراق وما والاه للحسن عليهالسلام والشام وما والاه
لمعاوية كما هي طبيعة الاشياء وطبيعة طريقة تفكير معاوية تكرس الانشقاق والثقافة
العدائية لعلي عليهالسلام
ومن ثم بقاء الطريق مسدوداً أمام انفتاح أهل الشام على مشروع علي عليهالسلام مضافاً إلى ما ينطوي
عليه من خطر محتمل أشرنا إليه آنفاً.
خصائص أطروحة الصلح
المطلوبة :
إن أطروحة الصلح التي يحتاجها مشروع علي
عليهالسلام
لينطلق في الشام لابد لها من أن تكون أطروحة تمتلك أن تحقق ما يلي :
١. تعالج الانشقاق وما ينطوي عليه من
مخاطر فكرية وسياسية.
٢. تحفظ لاهل العراق واهل الشام
اختيارهم وبيعتهم.
٣. تعرِّف الشاميين أنَّهم كانوا ضحية
إعلام كاذب.
٤. تفرض على معاوية ان يتعامل / ولو
ظاهريا ولمدة محدودة / بإيجابية مع ذكر علي عليهالسلام
بخير.
٥. تضمن اختلاط العراقيين مع الشاميين
في أجواء الشفافية والمحبة والأمان ليتمكَّن العراقيون من نقل أخبار الإمامة
الإلهية في علي عليهالسلام
وأخبار سيرته المشرقة وليستقبلها الشاميون دون تحسس منها مسبقا ..
٦. تحقق أجواء الأمان في الامة كلها
وتطوق الفكر التكفيري وتلاحق حلقات الاغتيال التي نشات عنه.
٧. تدفع التهديد الخارجي الذي يلوح به
الروم البزنطيين.
وليس من شك أن الصيغة الوحيدة للصلح
التي تحقق كل الأمور الآنفة الذكر هي التنازل المشروط عن السلطة المدنية من قبل
الحسن عليهالسلام
وتكوين الدولة الموحدة.
وهي أطروحة ليست صعبة على الحسن عليهالسلام فهو أساساً إمامٌ
هادٍ تهمُّه قضية الهداية والرسالة ومصلحة الأمة العامة قبل كل شيء ، والحكم
القائم على بيعة الناس بالنسبة إليه / على الرغم أنه من حقه ويجبعلى الأمة أن
تبايعه / لا يزيد من إمامته الإلهية شيئاً ولا ينقص منها شيئا /.
وكان النبي صلىاللهعليهوآله قد أعد الحسن عليهالسلام لهذه المهمة الإلهية
بقوله صلىاللهعليهوآله
: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)
، وقوله صلىاللهعليهوآله
: (الحسن والحسين سبطان من الأسباط)
، وقوله صلىاللهعليهوآله
(إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين).
__________________
وكذلك هي ليس صعبة على العراقيين شيعة
علي عليهالسلام
المؤمنين بمشروعه ، فهم على نهجه يحملون همَّ هداية الأمة ومؤازرة القائد الإلهي
المذخور لها. وليسوا طلّاب سلطة ودنيا وقد شهد لهم علي عليهالسلام بذلك.
قال عليهالسلام
: (وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الاخرة).
وقال عليهالسلام
مخاطبا لهم : أنتم الأنصار على الحق ، والإخوان في الدين والجنن يوم الباس
والبطانة دون الناس.
وقال عليهالسلام
: الكوفة كنز الإيمان وحجة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث شاء ، والذي نفسي
بيده لينتصرنَّ الله بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز.
ولا زالت الكلمة الرائعة التي تمثل بها
الحسن عليهالسلام
حينرحل عن الكوفة بعد الصلح في حُسن ثقته بالعراقيين يحفظها التاريخ وهي قوله :
__________________
ولا عن قِلىً فارقتُ دارَ معاشري
|
|
همُ المانعونَ حوزتي وذماري
|
وقد عَرَفَ ذلك للعراقيين ايضا خصمهم
عبد الله بن الزبير حين قال له معاوية متشكياً : أنَّ الحسن عليهالسلام لم يزره في المدينة
إلا مرة واحدة ، وكان يتوقع أن يزوره أكثر من مرة ، قال له : والله لو شاء الحسن
أن يضربك بمئة ألف سيف لفعل ، ولأهلُ العراق أبرُّ به من أمِّ الحُوار بحُوارها.
وعَرَفَ هذه الصفة لهم أيضا معاوية نفسه
خلال سنوات الصلح حين انطلق أخيارهم ورموزهم من الرجال والنساء بفقه في الدين
وجرأة في الحوار مع الحاكم ووفاء لعلي عليهالسلام
منقطع النَّظير يروون لأهل الشام ولغيرهم سيرة علي عليهالسلام
المشرقة وسوابقه مع النبي صلىاللهعليهوآله.
وقد شهد لهم معاوية بوفائهم لعلي ومنهجه
حين قال : (هيهات يا أهل لاعراق لقد فقهكم علي فلن تطاقوا!)
وحين قال : (لقد لمظكم علي الجرأة على
السلطان).
وحين قال : (واللهِ لوفاؤكم له بعد موته
أعجب إلي من حبِّكم له في حياته!).
ان مشروع الهداية وحل المشكلات لا يحتاج
فقط إلى قائد رسالي إلهي تسمح له نفسه بالتنازل عن حقه في الملك بمستوى ملك العراق
والبلاد التابعة له لأجل الرسالة والهداية والمصلحة العامة للأمة ، بل هو بحاجة
أيضا الى قناعة العراقيين بذلك واهليتهم لحمل ثقافة الولاء لعلي الى غيرهم ، وقد
أثبت العراقيون أنهم كذلك حيث استجابوا
__________________
للحسن عليهالسلام وقاموا بمهمة
الهداية معه كما سيأتي.
العمق الاستراتيجي
للحسن عليهالسلام والتفكير المحدود
لمعاوية :
وفي ضوء ذلك يتضح الفرق الكبير بين
طريقتين في التفكير :
الاولى تربط نفسها مصيريا بالسلطة ولا
يهمها مصلحة الرسالة والامة في شيء ،
الثاني تربط نفسها مصيريا بمصلحة
الرسالة والامة في كل شيء.
وفي قضية معالجة الانشقاق فان مثل الحسن
عليهالسلام
ومعاوية ازاء ملك الامة مثل تينك المرأتين اللتين تنازعتا في ولد واصرتا فدعا علي عليهالسلام بمنشار وقال لهما
اقسمه نصفين بينكما فسكتت إحداهما قالت الأخرى : الله الله يا بالحسن إن كان لا بد
من ذلك فقد سمحت به لها. فقال : الله أكبر هذا ابنك دونها ، ولو كان ابنها لرقت
عليه وأشفقت. فاعترفت المرأة الأخرى بأن الحق مع صاحبتها والولد لها دونها
،
لقد اراد معاوية بطلبه للصلح ان يكرس
انشقاق الامة لرغبته في الملك وهو غير مشروع له ،
واراد الحسن عليهالسلام بالصيغة التي
اختارها ان يعالج الانشقاق بالتنازل عن الملك وهو مشروع له ، ومنه يتضح للناس ان
الحريص على مصلحة الامة هو الحسن وليس معاوية.
ومنه يتضح ايضا :
__________________
أنَّ مبرر الصلح بشكل تنازل مشروط عن
السلطة الذي تبلور عند الإمام الحسن عليهالسلام
ليس مرده إلى طبيعة التخاذل والضعف في شخصية الحسن عليهالسلام
كما تبنى المستشرقون ذلك اعتماداً على روايات موضوعة.
ولا إلى الخيانات والضَّعف والشك الذي
عاشه جيش الحسن عليهالسلام
أو شَعبه كما تصوره لنا روايات أخرى كلها من وضع الإعلام العباسي.
بل مرده إلى تفكير موضوعي في الظرف الذي
تمر به الرسالة والامة ليحفظ مصالحهما ،
اما مصلحة الرسالة فقد نهض بها علي عليهالسلام ليكون الكتاب والسنة
دون اضافة راي احد هي الدستور الحاكم في البلاد وليكون راي الحاكم في المسائل
الدينية العملية الشخصية مذهبا من المذاهب يترك فيه الخيار للامة ان شاءت اخذت به
وان شاءت تركته واخذت براي اخر ،
اما مصلحة الامة في زمن الحسن عليهالسلام فهي معالجة الانشقاق
الذي استحكم فيها ، وملاحقة الارهابيين الذين نغصوا العيش الامن للناس ، ومواجهة
تهديد الروم على الجبهة الشمالية الشرقية.
مضافا الى ذلك ان التنازل من الحسن عليهالسلام كان بحدود (السلطة
المدنية) التي كانت له في العراق وقد جاءته ببيعة مشروعة ، اما (الامامة الدينية) التي
جعلها الله تعالى له فهي غير قابلة للتنازل لانها لم تأته على اساس بيعة الناس بل
جاءته بالوصية من النبي قبل ان يبايعه الناس على الحكم هذه الامامة الدينية التي
يشترط فيها عصمة صاحبها لانها تترتب عليها مسؤولية حفظ الرسالة وقيادة الناس الى
الله تعالى كما في قوله تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا
هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ
(٨٩) أُولَئِكَ
الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ
أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ
(٩٠))
الأنعام / ٨٩ ـ ٩٠. ويترتب على الناس ان ينصروه ليقوم بمهمة حفظ الرسالة واحيائها
المهمة التي نهض بها امير المؤمنين ، نظير بيعة اهل المدينة للنبي نصروه ليبلغ
رسالة الله التي منعته من تبليغها قريش ، والصلح الذي قام به الحسن انما هو معالجة
الانشقاق وفضح قريش معاوية الذي صد عليا عليهالسلام
عن مشروع احياء السنة في الشام ، نظير الصلح الذي قام به
النبي صلىاللهعليهوآله لفضح قريش المشركة
التي شوهت الحركة الرسالية للنبي عند القبائل بإعلام كاذب لكي لا تتأثر به.
مضافا الى ذلك فان هذا الصيغة تتيح
للحسن ان يشترط ما يريد من الشروط وليس للطرف الاخر الا ان يقبل الصفقة كلها او
يرفضها كلها.
ان اطروحة الحسن للصلح تدفع معاوية دفعا
لان يستقبلها ولا يرفضها ولو رفضها لكان الملوم عند شعبه. وفي الوقت نفسه فان
معاوية يعلم ان قبوله للشروط معناه ظهور امر الامامة الالهية لعلي في الشام وانه
امتداد لرسول الله في سيرته ، وأنّه في مخالفته لسيرة الشيخين في حج التمتع وغيرها
كان مصيبا
وان كل من خالف عليا في صغيرة او كبيرة ان على الباطل ، ولكنه افتضاح كان معاوية
قد استبطن الخطة لعلاجه كما اشرنا انفا.
إنَّ الحسن عليهالسلام بتنازله المشروط عن
السلطة سوف يحقق فتحاً عظيماً لقلوب اهل الشام إزاء أبيه علي عليهالسلام ، ويهيؤها لاستقبال
نصوص ولايته الالهية التأسيسية من الكتاب والسنة ، كما حقق صلح الحديبية من قبل
فتحاً مبيناً لقلوب سكان أهل الحجاز ونَجْد إزاء النبي صلىاللهعليهوآله وهيأها لاستقبال
الإسلام والاعتراف بنبوته صلىاللهعليهوآله.
ويتبيَّن
بذلك سرُّ قول الإمام الحسن عليهالسلام لأحد أصحابه :
(إن علة مصالحته لمعاوية هي علة مصالحة النبي لقريش)
،
وسرُّ
قول الإمام الباقر : (والله لَلذي صنعه
الحسن بن علي عليهالسلام
كان خيراً لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس والقمر).
__________________
وبذلك يتضح ايضا عمق الضربة
الاستراتيجية التي وجهها الحسن عليهالسلام
الى معاوية ولم يدعه يقوم بعدها ابدا حتى حين يغدر بعهده ، اذ استجاب لمعاوية
بصيغة من الصلح تحقق له معالجة الانشقاق وتقوي الامة ازاء الخطرين اللذين يهددانها
الخوارج من الداخل والروم من الخارج ، كما تحقق له افتضاحه وافتضاح تجربة قريش
المسلمة التي ورثها معاوية وتحقق له ظهور حق ابيه علي في الشام وكونه وارث النبي صلىاللهعليهوآله ووصيه كل ذلك في ان
واحد.
واخيرا فانه مما لا شك فيه ان الحسن كان
قد وضع في حسابه ان معاوية سوف يستجيب مؤقتا ، والغدر بعدها في الوقت المناسب ليس
تخمينا بل علما قاطعا من خلال معرفته بأصول معاوية التي تربى عليها.
ولكنه في الوقت نفسه يعتقد الحسن ان
معاوية سوف لن يكون غبيا في تعامله مع هذه الصفقة المفاجئة التي اسالت لعابه بل
سيظهر كل دهائه ليضرب ضربته بعد ان يستقر له الملك ولن يستقر في اقل من خمس سنوات
الى عشر سنوات ، ان معاوية مهما اختلف في دينه
فان دهاءه وشيطنته في التخطيط وتقدير اولويات الصراع لأجل الدنيا امر لا خلاف فيه
، واولويات الصراع هنا تقتضي بعد تسليم الحسن الملك له مداراة
__________________
اهل العراق وكسب
جانبهم ، والانصراف الى ملاحقة الخوارج في الكوفة اولا ومداراة اهل الروم في ان
واحد. وبالتالي فسوف يكون غدر معاوية بعد ان حقق الحسن اهدافه كاملة من الصلح ، اما
ان يتسلم الملك بعد معاوية فلم يكن الحسن يتوقعه ولم يكن ليرغب فيه بما هو ملك
وامرة .
اما معالجة تبعة الغدر وفتح الطريق من
جديد للإمامة الالهية ومشروع علي عليهالسلام
فقد تركها الحسن عليهالسلام
الى اخيه الحسين عليهالسلام
الذي اعده الله ورسوله لها.
ليس من شك ان معاوية قد اعمى بصيرته
الملك وسال لعابه له وقرر ان يستجيب للحسن ثم يغدر به بعد حين وما درى ان في هذا
الغدر حتفه الى الابد
ان الحسن بطريقة التفكير هذه كان واثقا
كل الثقة أنَّ اهل الشام فضلا عن شيعة أبيه سوف يستقبلون صيغته للصلح لما يرون
فيها من حفظ مصالح واختيارات الجميع ونكران للذات من الحسن يشهده الجميع.
وهكذا
كانت المفاجأة الكبرى من الحسن للجميع
هي تنازله الشمروط عن الملك ، فان كل الذي كان يتوقعه معاوية ورجاله هو ان يرفض
الحسن او يستجيب لطلبه بإيقاف الحرب وان يكون كلٌ على بلده الذي بايعه ، اما ان
يكون الجواب هو التنازل عن العراق وما والاه بشروط ، فهو مما لم يكن يتوقعه معاوية
ولا احد من رجاله على الاطلاق الا ان يككون الحسن ليس على سر ابيه ومنهجه
وهذا ما لا يتوقع من الحسن الزكي المطهر.
وحاول معاوية ان يعدل بعض الشروط ولكن
الحسن كان حاسما في موقفه :
__________________
روى ابن عبد البر في الاستيعاب قال (فكتب
إلى معاوية يخبره أنه يصيّر الأمر إليه على أن يشترط عليه ألا يطلب أحدا من أهل
المدينة والحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أبيه ، فأجابه معاوية ، وكاد
يطير فرحا ، إلا أنه قال : أمّا عشرة أنفس فلا أؤمّنهم) .
فرفض الحسن ذلك ، (فبعث إليه معاوية حينئذ برقّ أبيض وقال : اكتب ما شئت فيه وأنا
ألتزمه. فاصطلحا على ذلك) ،
وكانت شروط الحسن عليهالسلام على معاوية :
|
١.
ان يعمل بالكتاب والسنة فقط. أي ليس له ان يفرض على احد من المسلمين سيرة
الشيخين لانها ليست من الكتاب والسنة في شيء بل هي راي ارتآه الخليفتان وللمسلمين
الخيار في العمل بها او عدمه.
٢.
ان يترك لعن علي وسبه (وهو مما نهت عنه السنة وان يذكره بخير وهو مما امرت به
السنة).
٣.
امان شيعة علي حيثما كانوا. وحريتهم بالاقتداء بعلي والتعبير عن رايهم فيه
والحديث عن سيرته كما هو لغيرهم من اهل الشام وحريتهم بالاقتداء بالخلفاء
والتعبير عن رايهم فيهم والحديث عن سيرتهم. وان لا يكيد للحسن واهل بيته.
٤.
ان يوزع في شهداء الجمل وصفين عطاء خاصا بهم ، كما يوزع لشهداء صفين في الشام.
٥.
وان يفضل بني هاشم في العطاء على بني عبد شمس وهو سنة نبوية تمثلت بالخمس وهذا
التفضيل كان جزاء لهم على دعمهم واسنادهم كمجموع لدعوة النبي صلىاللهعليهوآله
في قبال مقاطة بقية بطون قريش ومواجتهم السلبية لها.
|
__________________
|
٦.
وان يستثني ما في بيت مال الكوفة للحسن ، وان يوصل له الفي دينار سنويا من
خراج داراب جرد. ونحن نشك في اشتراط استثناء ما في بيت مال الكوفة لان المعروف
من سيرة علي انه كان لا يأخذ من بيت المال الا بمقدار ما هو حقه مما يساوي عطاء
الاخرين ، وقد اغنى الله تعالى الحسن عن اخذ ما في بيت مال الكوفة بصدقات ابيه
علي
عليهالسلام
مضافا الى ما اشترطه من الفي دينار سنويا وهي ليست لاحتياجاته شخصيا بل يقضي به
حاجات المؤمنين وسياتي تصرفه عليهالسلام في المال.
|
__________________
|
٧.
وان لا يسميه بأمير المؤمنين لأنها خاصة بمن جعل الله تعالى اميرا لهم يوم
الغدير وهو علي عليهالسلام.
٨.
وان لا يقيم عنده شهادة لأنه ليس مواطنا عنده ، وهناك فهم عمق وهو ان فكرة الصلح
عند الحسن عليهالسلام
تقوم على اساس فصل السلطات الثلاث بعضها عن بعض ، سلطة التشريع وسلطة القضاء
وسلطة التنفيذ ، والذي منحه لمعاوية بصفته حاكما هو السلطة التنفيذية المقيدة
بالكتاب والسنة لا غير.
|
وهنا لابد من الاشارة الى ان فصل
السلطات الثلاث كان امرا يقتضيه الواقع الذي عاشه الامام الحسن عليهالسلام واي واقع اخر تكون
فيه السلطة لشخص غير مستوف للشروط الشرعية كما هو الحال في اغلب الدولة الاسلامية
اليوم ، والا فان الحاكم حين يكون النبي او الوصي او الفقيه الجامع للشرائط فانهم
اهل للقضاء بل القضاء من شؤونهم ولهم ان يوكلوه الى نظرائهم او من يطمئنون به انه
يحكم باحكامهم ، وللنبي فوق ذلك صلاحية التشريع بما لا يتعارض مع تشريع القرآن ، وللوصي
بما لا يتعارض مع تشريع النبي صلىاللهعليهوآله.
ولابد من الاشارة ايضا الى ان الحسن عليهالسلام حين سلم لمعاوية
السلطة التنفيذية وقيدها بشروط احتفظ لنفسه بالامامة الدينية الهادية التي جعلها
الله تعالى له هذه الامامة التي تكون طاعتها طاعة الله ومعصيتها معصية الله ولا
تقبل الاعمال الا بها ، وهي شاهدة ورقيبة على الامة والحاكم معا يبحث عنها المسلم
من خلال كتاب الله وسنة نبيه.
اما الامامة السياسية بصفتها مؤسسة
مدنية تدير البلاد وتحافظ على امن المسلمين وحقوقهم ، فهي مؤسسة تتقيد بالقانون.
والقانون هنا هو كتاب الله وسنة نبيه التي امنت بها الامة منهاجا وقانونا في
الحكم. ومن هنا كانت الامة رقيبة على الحاكم دون الامامة الالهية الهادية.
__________________
ان هذا الفصل بين السلطات كان ضروريا
حين تفرض الظروف السيئة حاكما مثل معاوية وما اكثرهم في تاريخ الامة في قبال الحكم
الجائر الذي يعرض الحاكم فيه نفسه قائدا الى الله تعالى وخليفة عند طاعته طاعة
الله ومعصيته معصية الله ، وان التدين هو طاعة الخليفة ، وهو الذي قامت دولة عثمان
عليه ودولة سلفيه وحاول معاوية ان يستعيدها في الشام وطلب المصالحة لتكريسه الصلح
عليه يكون فيه الحاكم بما هو حاكم مشرعا في الدين وطاعته طاعة الله ومعصيته معصية
الله.
٥. الفتح المبين
بظهور باطل معاوية وكذبه وحق علي عليهالسلام
وصدقه لدى اهل الشام :
اعلن معاوية عن قبوله لشروط الحسن عليهالسلام ومن ثم كان الفتح
المبين في الشام بظهور بطلان معاوية وكذب اعلامه وظهور ظلامة علي وحقانيته واختلاط
العراقيين بالشاميين في الشام وموسم الحج ليشهدوا حقائق غيبها الاعلام القرشي
عنهم.
فها هو معاوية بنفسه يترحم على علي عليهالسلام حين يسمع وصفه من
شيعة علي ويقرهم عليها ،
وها هم يسمعون من اصحاب النبي احاديثه
في اهل بيته التي تؤسس امامتهم الدينية ،
وها هو تاريخ معاوية وابيه في حرب
الاسلام عشرين سنة يصدون عنه ،
وها هي سيرة الشيخين في متعة الحج ومتعة
النساء وفي غيرها تخالف ما امر به الله ورسوله ،
وها هو علي يحيي سنة النبي ولا يسمع
لقول الخليفة عثمان ينهى عنها وفق سيرة الشيخين وما بدا له فيها من راي جديد ،
وها هي حربا الجمل وصفين قد اضرمتها
قريش المسلمة ضد مشروعه الاحيائي للسنة طلبا للملك وتكريسا لامامة قريش.
__________________
وها هو علي يرفض الملك حين يشترط عليه
العمل بخلاف سنة النبي ،
وها هو الحسن يسلم الملك بشرط عدم تبني
الحاكم العمل بسيرة الشيخين مضافا الى ذكر علي بخير.
وها هو الحسن يحيي سيرة ابيه علما
وعبادة وزهدا وسلوكا ، تبين للناس خلال السنوات العشر التي عاشروه فيها كما وصفه
حفيده الامام الصادق عليهالسلام.
وصلهم وصف ضرار لعلي بل سمعوه منه في
بلاط معاوية حين طلب منه أن يصف عليا عليهالسلام
واصر عليه فنهض قائلاً :
(كان ـ علي ـ واللهِ بعيدَ المدى ، شديدَ
القِوى ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلا ، يتفجَّرُ العلمُ من جوانِبِه ، وتنطِقُ
الحِكمةُ من نواحيه ، يستوحشُ من الدنيا وزَهرتها ، ويأنسُ بالليلِ ووحشتِه ، غزيرَ
العَبرة ، طويلَ الفكرة ، يُعجِبُه من اللِّباس ما قَصُر ، ومن الطعام ما خَشُن.
كان فينا كأحدِنا ، يجيبُنا إذا سألناه ، وينبئُنا إذا استفتيناه ، ونحن واللهِ مع
تقريبِه إيانا وقُربِه منّا لا نكاد نكلِّمه هيبةً له. يعظِّم أهلَ الدين ويُقرِّب
المساكين. لا يطمع القَويُّ في باطله ، ولا ييئَسُ الضعيفُ من عدله ، وأشهدُ لقد
رأيتُه في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليلُ سدولَه ، وغارت نجومَه ، قابضاً على لحيته
، يتململُ تململَ السَّليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا غُرِّي غيري ، أبي
تَعرَّضتِ أمْ إليَّ تَشوَّقتِ.
هيهات هيهات قد باينتُك ثلاثاً لا رجعة
لي فيها ، فعُمرك قصير وخطرك حقير.
آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة
الطريق.
وشهدوا من معاوية بعد هذا الوصف نزف
دموعه على لحيته وقوله : رحم الله أبا حسن كان والله كذلك.
وسمعوا جواب ضرار حين سأله معاوية : عن
مدى حزنه على علي.
قال : حزن من ذبح ولدها في حجرها.
__________________
وشهد الناس من الحسن عليهالسلام في سيرته الشخصية
إماماً أيضا على سمت أبيه :
قد حج خلال هذه السنوات العشر والنجائب
تقاد بين يديه.
وكان قد حج قبل ذلك خمس عشرة حجة ايضا زمن ابيه عليهالسلام.
وهذا حفيده من ابنته الإمام الصادق عليهالسلام يصف عبادة جده الحسن
عليهالسلام
قال حدثني أبي عن أبيه عليهماالسلام
أن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام
:
كان أعبد الناس في زمانه ، وأزهدهم
وأفضلهم ،
وكان إذا حج حج ماشيا ، وربما مشى حافيا
،
وكان إذا ذكر الموت بكى ، وإذا ذكر
القبر بكى ، وإذا ذكر البعث والنشور بكى ، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى ، وإذا
ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها.
وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين
يدي ربه عز وجل ،
وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب
السليم ، وسأل الله تعالى الجنة ، وتعوذ به من النار ،
وكان لا يقرأ من كتاب الله عز وجل : (يا
أيها الذين آمنوا) إلا قال : لبيك اللهم لبيك ، ولم ير في شيء من أحواله إلا ذاكرا
لله سبحانه ،
وكان أصدق الناس لهجة ، وأفصحهم منطقا.
انتشار سنة النبي صلىاللهعليهوآله لدى أهل البلاد
المفتوحة شرقاً وغرباً بفضل مشروع علي عليهالسلام وصلح الحسن عليهالسلام :
وهكذا انتشرت ثقافة الولاء لأهل البيت
التي أسسها الكتاب والسنة في مسلمة
__________________
الفتوح في اهل الشام
، ومن ثم تجانست ثقافتهم مع مسلمة الفتوح في الشرق وعادوا أمة واحدة في الواقع
السياسي تحكمهم دولة واحدة هي دولة الكتاب والسنة فقط من دون اجتهادات الخليفتين
وعلى مستوى واحد من المعرفة بحديث الغدير وحديث الثقلين وحديث المنزلة وغيرها من
النصوص التي تؤسس الإمامة الإلهية لأهل البيت عليهمالسلام
وأولهم علي عليهالسلام
أخذ بها من شاء وتركها من شاء ، شأنهم شأن المعاصرين للنبي صلىاللهعليهوآله. عملاً بقاعدة (لا
إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) البقرة / ٢٥٦ التي أسسها النبي صلىاللهعليهوآله في المعتقد.
وكانت الفترة التي استغرقتها نهضة علي عليهالسلام من أيام الحج سنة ٢٧
هجرية إلى وفاة ولده الحسن عليهالسلام
مسموماً نهاية سنة ٥٠ هـ لإحياء سنة النبي صلىاللهعليهوآله
ونشرها كثقافة في الأمة الإسلامية ثلاث وعشرون سنة ، وهي نظير الفترة التي
استغرقتها مهمة نشر احكام الاسلام بما فيها ولاية علي عليهالسلام منذ بعثة النبي صلىاللهعليهوآله إلى يوم الثامن عشر
من ذي الحجة يوم بلغ النبي صلىاللهعليهوآله
أمته في غدير خم بولاية علي عليهالسلام
الإلهية.
وكانت السنوات من سنة ٤١ هجرية الى سنة
٥٠ هجرية من اروع سنوات الامة الاسلامية على الاطلاق بعد سنوات النبي في المدينة
وسنوات علي حين بويع حيث الامان والحرية في التعبد والتعبير عن المعتقد.
اما اهل العراق فقد تأكد لديهم من تجربة
الصلح لعشر سنوات عمق حكمة الحسن حين راوا اثارها وحين راوا منه ما لم يشهدوا
نظيره من اتباع ولد لأبويه بإحسان فقد وظف الحسن الملك الذي بيده لخدمة مشروع ابيه
وجده وهما بعضهما من بعض فصار بذلك هو منهما وعلى نهجهما ، ان صلح الحسن بتسليمه
الملك المستقر لمعاوية وقد اقره عليه هو اكبر شهادة على رسالية الحسن وانه من
ابويه وهو منهما رساليا (ذرية بعضها من بعض).
الباب
الرابع / الفصل الرابع
مسار
ثقافة الامة المسلمة
١. ثقافة المجتمع الاسلامي من سنة
١٣ ق. م الى سنة ١٠ هجرية
اسس النبي صلىاللهعليهوآله
المجتمع الاسلامي على نفي عبادة الاصنام وهدم امامة قريش الدينية ونسخ قراءة
التوراة للثواب وهدم امامة اهل الكتاب الدينية وقبول قصصهم عن الانبياء دون عرضها
على القرآن والسنة ، ، واثبات عبادة الله تعالى والتعبد بتلاوة القرآن واطاعة فيما
يبينه من سنته واطاعة اهل بيته واولهم علي عليهالسلام
فيما يبينونه من سنة نبيه.
ارجع مقام ابراهيم الى مكانه الاول
ملاصقا لجدار الكعبة ،
وضع من امر الحج في الجاهلية ، وادخل
العمرة في الحج الى الابد.
ساوى بين الناس في العطاء وكافاهم في
الفروج.
نهاهم عن الجماعة في صلاة التطوع في شهر
رمضان.
جاءهم بالأذان وفيه فصل حي على خير
العمل.
امرهم بتدوين الحديث لما سألوه وقال لهم
ما يخرج من فيه (فمه) الا الحق.
امرهم بنشر سنته بقوله (رحم الله من بلغ
عني فرب حامل فقه الى من هو افقه).
نهاهم عن قراءة التوراة واسفارها
للتثقيف بها وقال لهم امتهوكون انتم (المتحيرون)
والله لو كان موسى
حيا لما وسعه الا ان يتبعني.
اوصاهم بالقرآن وباهل بيته وامرهم بتولي
عليا كتوليهم له.
٢. ثقافة الانقلاب القرشي الاول
١١ الى ٣٥ هجرية
انقلبت قريش المسلمة على علي عليهالسلام واحيت شعار ان العرب
لا ترضى ان يكون هذا الامر في غير قريش واقصت عليا ، وادعت لنفسها خلافة النبي صلىاللهعليهوآله في الامامة الدينية.
فنهت عن رواية سنة النبي واحرقت ما كتبه
الحصابة منها زمن النبي وبعده ،
ونهت عن عمرة التمتع (متعة الحج) التي
شرعها الله في كتابه وبين النبي احكامها
ونهت عن سنن اخرى ،
وارجعت مقام ابراهيم الى مكانه في
الجاهلية
وابتدعت بدعا في الدين فامرت بصلاة
النافلة (صلاة التراويح) وقد نهى النبي عنها ،
وامروا بالتكتف في الصلاة ،
واسقطوا «حي على خير العمل» من الاذان
ووضع محلها الصلاة خير من النوم ،
وفاضلوا في العطاء
وفاضلوا في الفروج ،
ففضل قريشا على غيرهم والعرب على العجم.
وفسحوا المجال لمسلمة اهل الكتاب كعب
الاحبار وتميم الداري وعبد الله بن سلام ان ينشروا قصص التوراة المحرفة في الخلق
كخلق ادم على صورة الله جل وعلا ، وسير الانبياء كقصة ملك الموت مع موسى ، وقصة
داود مع اوريا. وغيرها مما ادخل عقيدة التجسيم في الله وشوهت تنزيه الانبياء.
٣. ثقافة مشروع نهضة علي عليهالسلام
في ذي القعدة سنة ٢٧ هـ الى رمضان
سنة ٤٠ هـ تحت شعار (ما كنت لأدع سنة
رسول الله لقول احد من
الناس). العودة الى الكتاب والسنة
والتعددية المذهبية في النصف
الشرقي من البلاد الاسلامية
نهض علي عليهالسلام
في ذي القعدة سنة ٢٧ هجرية تحت شعار «ما كنت لادع سنة رسول الله لقول احد من الناس»
بادئا بمتعة الحج التي منعت منها الخلافة القرشية ونشر احاديث النبي فيه وفي اهل
بيته ، ونصره في مشروعه ابو ذر وعمار ومقداد والانصار وجندب ومالك الاشتر واستضعفت
دولة عثمان الناهضين مع علي نفيا وسجنا ، ولما قتلت قريش المنشقة عثمان بايعت
الجماهير عليا ليواصل مشروعه الاحيائي للسنة ،
ومنع من تداول روايات كعب الاحبار في
قصة داود وغيرها ،
وشجع الناس على تداول احاديث النبي
وكتابتها عنه وعن غيره من حملتها
واحيا التسوية في العطاء والتكافؤ في
الفروج.
وحاول منع الناس في الكوفة في ايامه
الاولى من اقامة صلاة التراويح فلم يستجيبوا له فكان الامر يدور بين ان يستعمل
سلطة الحكم كما استخدمها الخلفاء من قريش في فرض آرائهم او يترك الناس واختيارهم
وهذا هو الذي اختاره ، فأحيا ظاهرة التعددية في العبادة التي اسسها رسول الله فانه
صلىاللهعليهوآله
حين قصد مكة ليفتحها في شهر رمضان افطر في المسير وبقي بعض اصحابه صائمين وقد
اجهدهم العطش فقال اولئك هم العصاة ولم يستخدم سلطته كحاكم ليجبرهم على الافطار.
وترك مقام ابراهيم على حاله لانه يعلم ان
اهل مكة قاطبة سوف لن يطيعوه ، فتركه لولده المهدي عليهالسلام
عند ظهوره في اخر الزمان.
٤. ثقافة اهل الشام ايام علي عليهالسلام
٣٥ ـ ٤٠ هـ
حجز معاوية اهل الشام عن التأثر بمشروع
علي عليهالسلام
الاحيائي للسنة او التعرف على اخبار سيرته الصحيحة من خلال الحرب والاعلام الكاذب
، فازدادوا جهلا
بعلي عليهالسلام ، فهم ليسوا فقط لا
يعرفون موقع علي عليهالسلام
في الاسلام ولا احاديث النبي صلىاللهعليهوآله
فيه بل هم في هذه السنوات ومن خلال قصص القصاصين كانوا يتلقون قصصا كاذبة في حق
علي عليهالسلام
، فهو لا يصلي ، وانه سرق والنبي قطع يده ، وان النبي قال فيه وفي ابيه (ان ال بي
طالب ليسوا لي بأولياء) ، وان دم عثمان عنده وانه افسد في دين محمد صلىاللهعليهوآله ، من ثم فهم يلعنونه
ويستحلون قتله. ويبغضون اهل العراق لانهم انصار علي على افساده في الدين ، والى
جانب ذلك فهو يدينون بإمامة قريش المسلمة وان دين محمد صلىاللهعليهوآله يؤخذ منها ، وان
طاعة الخليفة تقرب الى الله تعالى وان معصيته تبعد عنه. وان ثقافة الاسلام عن
الانبياء السابقين هو ما بثه كعب الاحبار وتميم الداري.
٥. ثقافة اهل الشام في السنوات
٤١ الى ٥٠ هجرية
تغيرت رؤية اهل الشام عن الحسن وابيه
علي والعراقيين فانهم ما كانوا يتوقعون هذه الشفافية التي يتمتع بها الحسن واهل
العراق حين قدموا اختيار اهل الشام على اهل العراق لمعالجة اكبر ازمة عاشتها الامة
المسلمة ،
وحين عرفوا الشروط التي اشترطها الحسن
قد ضمنت مصالح اهل العراق ولم تمس مصالح اهل الشام بشيء ،
ثم حصلت المفاجأة الكبرى لهم حين عرفوا
ان معاوية وافق على الحكم بكتاب الله وسنة النبي من دون سيرة الشيخين لأنها
اجتهادات شخصية ،
وان عليا كان قد عرض عليه الملك في
الشورى السداسية قبل عثمان ورفضها لانها ليست من الدين ، وقبلها عثمان ،
وحين عرفوا ان الذي ثار على عثمان هم
قريش المسلمة طلحة والزبير وعائشة وعبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص وان عليا برئ
من دم عثمان ، فادركوا ان عليا قد ظلمه معاوية وانهم ظلموا اهل العراق بقتالهم
اياهم ،
وكانت المفاجأة اكبر حين عرفوا ان النبي
قد اوصى الى علي عليهالسلام
، وانه الامام الهادي بعد النبي صلىاللهعليهوآله
، ولم يكن ذلك قائما على مجرد اخبار من العراقيين بل هم يشهدون
ذلك في حوارات يومية
او ينقلها لهم رؤساؤهم عند معاوية.
لقد اتضح لأهل الشام بما لا يكون معه شك
سواء من خلال وفود العراقيين الى الشام اللذين كان معاوية يستضيفهم ويكرمهم او من
خلال اختلاطهم معهم في موسم الحج والعمرة ، ان الحج له صيغتان والصلاة لها صيغتان
والوضوء له صيغتان ، صيغة جاء بها النبي وصيغة اجتهادية من الخلفاء ، ولكن الالفة
جعلتهم يبقون على ما تربوا عليه سابقا وقاعدة (الناس على دين ملوكهم) .
فان معاوية كشخص بقي يتعبد على طريقة سلفه عثمان ،
وقد استمرت هذه اللقاءات والمعايشة مدة
عشر سنوات ثم انتهت كحلم ليعودوا الى ثقافتهم السابقة في لعن علي عليهالسلام وتولي معاوية وبني
امية واسلافهم.
٦. ثقافة الامة كلها على عهد الدولة
الاموية
(٥١ ـ ١٣٢ هـ) (٨١ سنة)
لم يَرُق لمعاوية انيتعرف اهل الشام على
علي عليهالسلام
وعظيم موقعه في دين ابراهيم في الجاهلية والاسلام ، وعلى تاريخه وتاريخ اهل بيته
في الجاهلية والاسلام قبل الفتح ، وانهم طلقاء رسول الله ، وكيف لطليق ان يساوي
عليا وله من النبي موقع ومنزلة هارون من موسىالتي يقرؤونها في القرآن ويسمعون ما
يصدقها من الصحابة الذين يروون تاريخ علي عليهالسلام
، فقرر دفن ذلك وتأسيس تاريخ جديد له ولأهل بيته ولعلي واهل بيته قوامه الكذب
وانتحال ما لعلي من سابقة وجعلها له ولأهل بيته وللخلفاء من قريش مما يسوغ ولايتهم
والترحم عليهم والافتراء على علي واهل بيته ما يسوغ لعنهم ومعاداتهم ليس فقط في
الشام بل في الامة كلها. وشعاره في ذلك لا والله الا دفنا
__________________
دفنا .
وهكذا كان امره حين كتب الى عماله في الامصار.
قال المدائني : كتب معاوية الى قضاته
وولاته في الامصار ان لا يجيزوا لاحد من شيعة علي الذين يروون فضله ويتحدثون بمناقبه
شهادة. ثم كتب ايضاً : انظروا من قامت عليه البينة انه يحب علياً واهل بيته فامحوه
من الديوان. ثم كتب كتابا آخر من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة فأقتلوه!. ثم كتب : (أن
برئت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته) ثم كتب إلى عُمَّاله : (إنَّ
الحديث في عثمان قد كَثُر وفَشا في كل مِصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي
هذا فأدعوا الناس إلى الرواية
__________________
في فضائل الصحابة
والخلفاء الأوّلين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلَّا
وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإنَّ هذا أحبُّ إليَّ وأقرُّ لعيني وأدحض لِحُجَّة
أبي تراب وشيعته وأشدُّ عليهم من مناقب عثمان وفضله). فقُرئت كتبه على الناس
فرُويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها. حتى انتقلت تلك الأخبار
والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوه ورووها وهم
يظنون إنها حق ، ولو علموا إنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها .
وتربى على ذلك الجيل الجديد من المسلمين شرق الارض وغربها الا من رحم ربك.
٧. شهادة الحسين عليهالسلام
وظلامته تفتح الطريق لثقافة
مشروع علي عليهالسلام
(٦١ هـ إلى ظهور المهدي)
اقام الحسين عليهالسلام سنة ٥٨ هـ قبل موت
معاوية بسنتين واقام مؤتمرا فكريا سريا لشيعة علي عليهالسلام
من الصحابة والتابعين وحثهم على العمل خفية لنشر ثقافة مشروع علي في الكوفة
والبصرة ، ثم نهض بعد موت معاوية ليعلن عنها ويحث الامة على القيام ضد بني امية
واستشهد في سبيل ذلك ، ثم استطاع سليمان بن صرد والمختاران يؤسسا دولة في الكوفة
على نهج علي ومن ثم عادت ثقافة مشروع علي في الكوفة وحاول الزبيريون بعد قتل
المختار ومن بعدهم الحجاج والي عبد الملك ان يستأصل هذه الثقافة وحملتها من الكوفة
فلم يستطيعا وفي عهد عمر بن العزيز وبعده اتيح المجال للإمام الباقر ثم الامام
الصادق ان ينهضا بتربية الجيل الجديد من الشيعة على ثقافة مشروع علي من خلال ما
لديهم من المواريث النبوية التي كتبها علي بخط يده سرا ثم انطلق المشروع علنا بعد
سقوط الامويين وجيء بني العباس وعمل العباسيون على محاصرة الكوفة بصفتها مركزا
لنشر ثقافة مشروع علي الاحيائي للسنة وبعد انتهائهم انطلقت بالمشروع الى تحقيق
الله وعده بظهور وليه واستقراره فيها ..
__________________
٨. بقيت الشام بعد شهادة الحسين عليهالسلام
مركزا لثقافة المشروع الاموي :
بقيت الشام بعد شهادة الحسين عليهالسلام مركزا لمشروع
الثقافة الاموية شعارها الاساس تولي معاوية وعداوة علي حتى بعد سقوط الدولة الاموية
وقيام الدولة العباسية يتضح ذلك من خلال محاولة الامام النسائي (ت ٣٠٣ هـ) هدايتهم
(لما سئل عن سبب تصنيف كتابه الخصائص) في فضائل الامام علي عليهالسلام قال : (دخلت دمشق
والمنحرف بها عن علي كثير ، وصنفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله) .
ويبدو ان طابعها العام هذا سوف يعلن عن نفسه زمن السفياني في اخر الزمان حين يبعث
بغاراته لغزو الكوفة احياء لامر السفياني الاول ولكنه في هذه المرة تبوء كل
محاولاته بالفشل ويأبى الله الا ان يتم نوره ويظهر مشروع علي في احياء الكتاب
والسنة على المشاريع كلها ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
__________________
الباب
الرابع / الفصل الخامس
خلاصة
في المقارنة بين مراحل سير مشروعين
ان مشروع علي والحسن والحسين عليهمالسلام امتداد لمشروع النبي
صلىاللهعليهوآله
وكلا المشروعين بعضهما من بعض.
كان مشروع النبي بتكليف الهي لإحياء دين
ابراهيم عليهالسلام
الذي تصرفت فيه قريش المشركة بتعديل وتبديل بعد وفاة عبد المطلب.
وكان مشروع علي وولديه الحسنين بتكليف
من الله
بواسطة رسوله لإحياء سنة
__________________
النبي التي تصرفت
فيها قريش المسلمة بتعديل وتبديل بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآله.
وقد مر مشروع تبليغ
الرسالة على يد النبي صلىاللهعليهوآله
بمراحل سبعة هي هي :
الاولى مرحلة الصدع والاعلان عن المشروع
الرسالة.
الثانية مرحلة استضعاف قريش المشركة لمن
امن بالرسالة.
الثالثة مرحلة بيعة الانصار للنبي صلىاللهعليهوآله على النصرة.
الرابعة مرحلة مبادرة قريش بالحرب في
بدر واحد ، امتدادها حرب الخندق ودخول طرف اخر هم اليهود في اطراف المدينة.
الخامسة مرحلة الصلح مع قريش لإنهاء
الوضع المتشنج في المنطقة والفتح المحدود لمشروع النبوة في مكة ..
السادسة مرحلة غدر قريش ونقضها للعهود.
السابعة مرحلة فتح مكة لمشروع النبي الى
الابد.
وكذلك مشروع علي وولديه
الحسن والحسين عليهماالسلام
بمراحل سبعة هي :
الاولى مرحلة الصدع والاعلان عن احياء
حج التمتع.
الثانية مرحلة استضعاف دولة عثمان لمن
ازر عليا على مشروعه الاحيائي للسنة.
الثالثة مرحلة بيعة الانصار على النصرة
بعد ان قتلت قريش المنشقة الخليفة عثمان.
الرابعة مرحلة مبادرة قريش المسلمة
الحرب ضد علي عليهالسلام
في الجمل وصفين ثم امتدادها الغارات ودخول طرف ثالث وهم الخوارج في اطراف الكوفة (واستشهاد
امير المؤمنين وقيام ولده الحسن مكانه).
الخامسة مرحلة صلح الحسن عليهالسلام مع معاوية لإنهاء
الانشقاق والفتح المحدود لمشروع علي في الشام.
السادسة مرحلة نقض العهود من معاوية.
السابعة مرحلة فتح الطريق لمشروع علي في
الامة ابد الدهر. وهذا الفتح على
__________________
مرحلتين الاولى : الفتح
الفكري وظهور سنة النبي التي كتبها علي عن النبي في قبال التطويق في المجتمع
بالكذبواللعن وقد انتهى الى غير رجعة بسقوط دولة بني امية وظهور كذبها في علي
وانطلق الائمة الثمانية من ذرية الحسين ينشرون علم علي ويثقفون شيعته به ، الثانية
الفتح المادي لإقامة دولة علي في الدنيا كلها وهي موكولة الى ولده المهدي في اخر
الزمان.
جدول مقارن بهذا الخلاصة
|
مشروع
النبي صلىاللهعليهوآله
الرسالي
|
مشروع
علي وولديه الحسن والحسين عليهمالسلام
|
١.
الخلفية
|
بعد وفاة عبد المطلب انتحلت قريش موقع
الخلافة السياسية والامامة الدينية لقصي ولقب ال الله الذي اختص به عبد المطلب
تكوينيا بعد حفر زمزم وحادثة الفيل ، واقرت العرب لها بذلك ، وابتدعت في دين
ابراهيم عبادة الاصنام وسدانتها وبدعة الحمس في الحج واحكامه وحرمة الاتيان
بالعمرة في اشهر الحج والطواف بثيابقرشي التي تؤكد الامامة الدينية لقريش ودانت
لها العرب بذلك.
|
بعد وفاة النبي انتحلت قريش المسلمة
لقب (خلافة النبي السياسية والامامة الدينية التي خصها القرآن والنبي باهل بيت
النبي واولهم علي ، واقرت الانصار لهم بذلك ، وابتدعت في دين محمد بدعا منها
تحريم متعة الحج التي امر بها النبي صلىاللهعليهوآله والتمييز بالعطاء وجعل التطليقات
الثلاث تحصل بمرة واحدة وتغيير مقام ابراهيم ومنعت من تداول تفسير القرآن
والاحاديث التبوية التي تؤسس الخلافة السياسية والامامة الدينية لأهل بيته وفسح
المجال لنشر قصص ومواعظ التوراة المحرفة التي نهى عنها النبي صلىاللهعليهوآله
وفتحت البلدان وتربى مسلمة الفتوح على ذلك.
|
٢.
الهدف
|
بعث الله نبيه محمدا صلىاللهعليهوآله
سنة ١٣ ق. هـ لإحياء توحيد ابراهيم وتحرير بيته من الاصنام ودينه منبدعة الحمس
التي ابتدعتها قريش المشركة في الحج واحكامه وحرمة الاتيانبالعمرة في اشهر الحج
وغير ذلك بعد وفاة عبد المطلب وتبليغ القرآن الذي اسس الامامة الدينية لاهل بيت
النبيونشر احاديث النبي التي اسست الخلافة السياسية لعلي فضلا عن امامته
الدينية.
|
نهض علي بوصية من النبي في ذي القعدة
سنة ٢٧ هـ زمن الخليفة عثمان لإحياء حج التمتع ونشر احاديث النبي صلىاللهعليهوآله
التي تؤسسلإمامة اهل بيته ، كحديث الثقلين وحديث الغدير وحديث السفينة وحديث
المنزلة وحديث الكساء وغيرها مما كانت الخلافة القرشية قد منعت من نشرها
وتداولها علنا بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآله.
|
٣.
مراحل السير
|
|
|
المرحلة
الاولى
|
المرحلة السرية لإعداد الكادر الذي
يحمي النبي عند اعلان المشروع في مكة وهم بنو هاشم.
|
المرحلة السرية لإعداد الكادر وهم
الصحابة المخلصون الذي اعدهم النبي صلىاللهعليهوآله لعلي وقد عرفوا زمن النبي بشيعة علي
كابي ذر وعمار ونظرائهم.
|
المرحلة
الثانية
|
اعلان المشروع في المجتمع واستضعاف
بني هاشم والمسلمين.
|
اعلان المشروع في المجتمع ونفي ابي ذر
الى الشام ثم الى الربذة ، ونفي غيره وضرب عمار وغيره.
|
المرحلة
الثالثة
|
البيعة والنصرة والهجرة الى المدينة.
|
البيعة والنصرة والهجرة الى العراق.
|
المرحلة
الرابعة
|
فرضت قريش المشركة على النبي صلىاللهعليهوآله
بعد بيعة اهل المدينة له حربين ظالمتين ، الاولى في بدر وكان النصر فيها للنبي ،
الثانية في احد وقد خسر النصر فيها بسبب معصية نفر من اصحابه لأمره حين
تركوامواقعهم طمعا في الغنيمة. افرزت الحربان اعلاما كاذبا من قريش طوقت النبي صلىاللهعليهوآله
بتهمة انتهاك حرمة البيت الحرام والاعتداءعلى القوافل التجارية الامنة لقريش
وسفك الدم الحرام في الشهر الحرام.
استطاعت قريش المشركة بقيادة ابي
سفيان ان تحشد عشرة الاف مقاتل / الاحزاب / قصدوا المدينة لارعاب اهلها ليتخلوا
عن محمد صلىاللهعليهوآله
وصمد اهل المدينة وهزمت الاحزاب شر هزيمة وعلها الله تعالى للنبي صلىاللهعليهوآله
اية وازدادت ثقة المسلمين به.
|
فرضت قريش المسلمة على علي عليهالسلام
بعد بيعة اهل المدينة له حربين ظالمتين الاولى في البصرة وكان النصر المؤزر فيها
له ، الثانية في صفين وقد خسر النصر فيها بسبب معصية قسم من جيشه لأمره في
استمرار القتال حين رفع معاوية المصاحف وطلب توقيف القتال.
افرزت الحربان اعلاما امويا كاذبا
طوَّق عليا بتهمة طلب الملك بتلك الحربين وانه اوى قتلة عثمان واستعان بهم وانه
افسد في الدين.
استطاعت قريش المسلمة بقيادة معاوية
بن ابي سفيان ان يحول جيش الشام الى سرايا تغيرعلى اطراف علي لتنهب وتقتل لارعاب
شيعة علي ليتخلوا عنه كما استطاعت ان تقتطع مصر عن علي عليهالسلام
وصمد اهل العراق مع علي عليهالسلام.
وخرج الخوارجعلى علي وانتصر عليهم في
النهروان وجعلها الله تعالى اية له وازدادت بصيرة اصحابه به.
|
المرحلة
الخامسة الصلح
|
كانت القبائل العربية في الجزيرة قد
تعاقدت مع هاشم على تامين قوافل قريش بصفتهم سكان البيت الحرام ثم شهدت قصة
الفيل وصدقت اعلام قريش بعد عبد المطلب انها ال الله ، ثم تابع اغلبها قريشا على
بدعة الحمس وما احدثته في احكام الحج واهمها الطواف بثياب قرشي مما يدل على
طهارته وقربه من الله وبظهور النبي وحرب بدر واحد نجحت في عزل هذه القبائل عن
التاثر بمحمد بكونه قد انتهك حرمة البيت واعتدى على قريش ومن ثم وجب معاونتها في
قتاله وكانت حرب الاحزاب كل ذلك ادى الى تحجيم مشروعه التبليغي في المدينة وما
حولها.
|
كان اهل الشام بصفتهم مسلمة الفتوح
يعتقدون ان معاوية وسلفه الخلفاء ورثة النبوة وانهم حملوا راية الاسلام للشعوب
ودانت هذه الشعوب بسيرة الشيخين ثم تولت عثمان الذي التزم سيرة الشيخين ، ثم جاء
الاعلام الاموي ضد علي وعبأهم ضده وعزلهم عن الاختلاط باهل العراق بالحروب ،
وبعد شهادة علي بايع اهل الشام معاوية على نهج عثمان وبذلك صار معاوية وارثا لخط
الخلافة القرشية التي ورثت النبوة في قبال مشروع علي عليهالسلام
الذي عرضه الاعلام الاموي انه مفسد في الدين قد اوى قتلة عثمان ليستعين بهم في
تحقيق الملك الذي يطلبه ومن ثم وجب قتاله ، ما ادى الى تحجيم مشروعه التبليغي في
العراق والبلاد التابعة له مثل مكة اليمن وايران.
استشهد علي عليهالسلام
وهو يجهز اصحابه لقتال اهل الشام لو وضع حد لغاراتهم بايع اهل العراق الحسن على
الكتاب والسنة على نهج ابيه وبايع اهل الشام معاوية على العمل بسيرة الشيخين على
نهج عثمان وبادر معاوية يطلب الصلح من الحسن ان يبقى كل على بلده الذي بايعه
وحقن الدماء ليؤكد المكاسب التي حققها في الشام ويأخذ نفسه ليعيد الكرة فيما بعد
للإجهاز على تجربة علي.
|
|
ان النبي صلىاللهعليهوآله
ازاء هذا المعتقد والتعبئة والتطويق للقبائل لصيانتها من التأثر بمشروعه الالهي
كان لابد له من عمل يقوم به يؤدي كسر الطوق عن القبائل وفضح قريش لديها بانها هي
المعتدية وان محمدا صلىاللهعليهوآله يعظم البيت ويطلب السلم وانه نبي قد
بعث لإحياء دين ابراهيم وتحرير الحج من بدع قريش.
ولا يوجد الا عمل واحد يحقق له ذلك
وهو المبادرة بالعمرة في اشهرالحج حيث تتوافد القبائل نحو مكة للحج ، وتلبس محمد
واصحابه بالإحرام يعني ان محمدا ومن معه جاءوا مسالمين ، كما ان سرق الهدي معهم
يفرض ان يكون النحر في مكة وهو يستلزم الصلح مع اهل مكة لانها دارهم.
وهذه المبادرة تفضح قريشا المشركة
وعلى راسها ابو سفيان عند حلفائها وتظهر حقانية محمد صلىاللهعليهوآله
سواء وافقت على الصلح وسمحت لمحمد ان يؤدي نسكه او رفضت الصلح ورفضت ان يدخل
النبي مكة ليؤدي مناسكه
|
ان الحسن عليهالسلام
ازاء مبادرة معاوية في الصلح التي تكرس الانشقاق وتحافظ على جهل اهل الشام
بحقيقة الخلافة القرشية وبحقيقة نهضة علي ، لابد له من مبادرة في قبالها تؤدي
الى معالجة الانشقاق وتفضح معاوية لدى اهل الشام وتكشف عن حقانية علي وظلامته
وامامته الالهية بعد الرسول صلىاللهعليهوآله وان سيرته هي عين سيرة النبي صلىاللهعليهوآله
وان الخلفاء الذين استند اليهم معاوية كانوا قد منعوا نشر سنة النبي والعمل بها
وان عليا قد احياها بنهضته.
ولا توجد الا صياغة واحدة تحقق للحسن
ذلك وهي ان يبادر الحسن بالتنازل المشروط عن ملك العراق لمعاوية لتكون الامة
واحدة ويختلط اهل العراق باهل الشام من موقع المحبة والاحترام ، لان هذه الصيغة
سوف تكشف رغبة متناهية عند الحسن في تحقيق الصلح ومعالجة الانشقاق حين قدم
اختيار اهل الشام على اختبار اهل العراق وحين ربط الحكم والشروط بالكتاب والسنة
فقط وحين وافق اهل العراق على صياغة امامهم.
وهذه المبادرة الحسنية تفضح قريشا
الاموية وعلى راسها معاوية بن ابي سفيان عند اهل الشام ، وتظهر حقانية علي ، فهو
ان رفضها صار ملوما عند اصحابه وعرفوا انه لم يكن جديا في عرضه الصلح على الحسن
وانه مصر على الحرب ، وان وافق عليها فانه سوف يفتضح حين يختلط اهل الشام باهل
العراق ويسمعون الحقيقة من اصحاب النبي فيه وفي علي وفي الخلفاء.
|
|
وافقت قريش على الصلح واشترطت متعسفة
ان يرجع محمد تلك السنة ، ووافق محمد صلىاللهعليهوآله على شروطها التعسفية وكشف لحلفاء
قريش انه مصر على تحقيق الصلح والامان ، وتحقق لحلفائها انها كانت تكذب عليهم في
محمد صلىاللهعليهوآله
وانه نبي حق ودعوته حق تدعو كل عاقل الى تصديقه. وازداد عدد المسلمين الى اضعاف
/ الفتح المبين.
|
وافق معاوية على اطروحة الحسن وعرف
اهل الشام الحقيقة في معاوية وفي علي. ان معاوية يطلب الملك بدليل موافقته عليه
بشرط الامن لمن ادعى فيهم انهم قتلة عثمان ، وان عليا لم يكن طالب ملك بدليل انه
رفضه لما عرض عليه بشروط تخالف سنة النبي وعرفوا لما انتشرت فيه احاديث النبي في
حق علي انه الامام الهادي بعده وان قد لعنه النبي ولعن اباه ، وعرفوا وان عليا
احيا السنة ولم يفسد في دين محمد صلىاللهعليهوآله وان الخلفاء قد اخطأوا في سيرتهم وان
عليا كان محقا في حروبه الثلاثة وانتشرت احاديث النبي فيه وفيه معاوية في الشام
كلها وهو الفتح المبين لعلي في الشام.
|
المرحلة
السادسة : الغدر
المبين
|
نقضت قريش عهودها مع النبي بععد سنتين
ونصرت قبيلة بكر من حلفائها على خزاعة من حلفاء النبي صلىاللهعليهوآله.
وسفكت الدم الحرام.
|
نقض معاية عهوده مع الحسن بعد عشر
سنوات وغدر به حي دس له السم وحين اعاد الاعلام الكاذب في علي ومنه من ذكر
احاديث النبي فيه ووضع احاديث في ذمه لتسوِّغ لعنه والبراءة منه ووضع احاديث في
مدح بني امية لتسوغ ولايتهم ، وعاقب اهل العراق على ولائهم لعلي ومحبته لهم
عقوبة لم يجر مثيلها في تاريخ الاسلام ثم عين ولده يزيد خليفة من بعده واخذ
البيعة بالقهر والقوة.
|
المرحلة
السابعة : الفتح ابد الدهر
|
فتح النبي صلىاللهعليهوآله
مكة الى الابد لمشروعه حين دخل مكة فاتحا وحرر بيت ابراهيم من الاصنام ومن بدعة
الحمس ليعلن فيها التوحيد والشهادة لمحمد بالرسالة ابد الدهر وخلف من بعده في
امته الكتاب والعترة لا يفترقان ابد الدهر من تمسك بهما عصم من الضلالة.
|
فتح الحسين عليهالسلام
الطريق الى امامة علي عليهالسلام في الامة الى الابد بنهضته وشهادته
واهل بيته واصحابه حين فتح الطريق للثورة على الامويين سقوطهم بعد سبعين سنة
وسقطت بسقوطهم سياسة لعن علي عليهالسلام واستقرت احاديث النبي صلىاللهعليهوآله
فيه في المجتمع وانطلق مشروعه الاحيائي لسنة النبي وخلف فيهم التسعة من ذريته من
اخذ عنهم هدي وعصم من الضلالة.
|
مقتطفات من الزيارة
الجامعة الكبيرة :
[السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَهْلَ بَيْتِ
النُّبُوَّةِ وَمَوْضِعَ الرِّسالَةِ وَمُخْتَلَفِ المَلائِكَةِ وَمَهْبِطَ
الوَحْي وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ وَخُزَّانَ العِلْمِ وَمُنْتَهى الحِلْمِ
وَأُصُولَ الكَرَمِ وَقادَةَ الاُمَمِ وَأَوْلِياءِ النِّعَمِ وَعَناصِرَ
الاَبْرارِ وَدَعائِمَ الاَخْيارِ وَساسَةَ العِبادِ وَأَرْكانَ البِلادِ
وَأَبْوابَ الإيْمانِ وَاُمَناءَ الرَّحْمنِ وَسُلالَةَ النَّبِيِّينَ وَصَفْوَةَ
المُرْسَلِينَ وَعُتْرَةَ خِيرَةِ رَبِّ العالَمِينَ.
وَأَشْهَدُ أَنَّكُمْ الأَئِمَّةِ
الرَّاشِدُونَ المَهْدِيُّونَ المَعْصُومُونَ المُكَرَّمُونَ المُقَرَّبُونَ
المُتَّقُونَ الصَّادِقُونَ المُصْطَفَوْنَ المُطِيعُونَ للهِ القَوَّامُونَ
بِأَمْرِهِ العامِلُونَ بِإِرادَتِهِ الفائِزُونَ بِكَرامَتِهِ ، اصْطَفاكُمْ
بِعِلْمِهِ وَارْتَضاكُمْ لِغَيْبِهِ وَاخْتارَكُمْ لِسِرِّهِ وَاجْتَباكُمْ
بِقُدْرَتِهِ وَأَعَزَّكُمْ بِهُداهُ وَخَصَّكُمْ بِبُرْهانِهِ وَانْتَجَبَكُمْ
لِنُورِهِ وَأَيَّدَكُمْ بِرُوحِهِ ، وَرَضِيَكُمْ خُلَفاءً فِي أَرْضِهِ
وَحُجَجاً عَلى بَرِيَّتِهِ وَأَنْصاراً لِدِينِهِ وَحَفَظَةً لِسِرِّهِ
وَخَزَنَةً لِعِلْمِهِ وَمُسْتَوْدَعاً لِحِكْمَتِهِ وَتَراجِمَةً لِوَحْيِهِ
وَأرْكاناً لِتَوْحِيدِهِ وَشُّهَداء عَلى خَلْقِهِ وَأَعْلاماً لِعِبادِهِ
وَمَناراً فِي بِلادِهِ وَأدِلاَءً عَلى صِراطِهِ ، عَصَمَكُمْ الله مِنَ
الزَّلَلِ وَآمَنَكُمْ مِنَ الفِتَنِ وَطَهَّرَكُمْ مِنَ الدَّنَسِ وَأَذْهَبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَكُمْ تَطْهِيراً ،
فَعَظَّمْتُمْ جَلالَهُ وَأَكْبَرْتُمْ
شَأْنَهُ وَمَجَّدْتُمْ كَرَمَهُ وَأَدَمْتُمْ ذِكْرَهُ وَوَكَّدْتُمْ مِيثاقَهُ
وَأَحْكَمْتُمْ عَقْدَ طاعَتِهِ وَنَصَحْتُمْ لَهُ فِي السِّرِّ وَالعَلانِيَّةِ
وَدَعَوْتُمْ إِلى سَبِيلِهِ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَبَذَلْتُمْ
أَنْفُسَكُمْ فِي مَرْضاتِهِ وَصَبَرْتُمْ عَلى ما أَصابَكُمْ فِي جَنْبِهِ ، وَأَقَمْتُمْ
الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكاةَ وَأَمَرْتُمْ بِالمَعْرُوفِ وَنَهَيْتُمْ عَنِ
المُنْكَرِ وَجاهَدْتُمْ فِي الله حَقَّ جِهادِهِ ، حَتّى أَعْلَنْتُمْ دَعْوَتَهُ
وَبَيَّنْتُمْ فَرائِضَهُ وَأَقَمْتُمْ حُدُودَهُ وَنَشَرْتُمْ شَرائِعَ أَحْكامِهِ
وَسَنَنْتُمْ سُنَّتَهُ وَصِرْتُمْ فِي ذلِكَ مِنْهُ إِلى الرُّضا وَسَلَّمْتُمْ
لَهُ القَضاء وَصَدَّقْتُمْ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ مَضى ؛
فَالرَّاغِبُ عَنْكُمْ مارِقٌ
وَاللازِمُ لَكُمْ لاحِقٌ وَالمُقَصِّرُ فِي حَقِّكُمْ زاهِقٌ وَالحَقُّ مَعكُمْ
وَفِيكُمْ وَمِنْكُمْ وَإِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ أَهْلُهُ وَمَعْدِنُهُ ،
مَنْ وَالاكُمْ فَقَدْ وَالى الله
وَمَنْ عاداكُمْ فَقَدْ عادى الله وَمَنْ أَحَبَّكُمْ فَقَدْ أَحَبَّ الله وَمَنْ
أَبْغَضَكُمْ فَقَدْ أَبْغَضَ الله وَمَنْ اعْتَصَمَ بِكُمْ فَقَدْ اعْتَصَمَ
بِاللهِ ، أَنْتُمُ الصِّراطُ الاَقْوَمُ وَشُهَداءُ دارِ الفَناءِ وَشُفَعاءُ
دارِ البَقاءِ وَالرَّحْمَةُ المَوْصُولَةُ وَالايَةُ المَخْزُونَةُ وَالاَمانَةُ
المَحْفُوظَةُ
وَالبابُ المُبْتَلى
بِهِ النَّاسُ ،
مَنْ أَتاكُمْ نَجا وَمَنْ لَمْ
يَأْتِكُمْ هَلَكَ إِلى الله تَدْعُونَ وَعَلَيْهِ تُدُلُّونَ وَبِهِ تُؤْمِنُونَ
وَلَهُ تُسَلِّمُونَ وَبِأَمْرِهِ تَعْمَلُونَ وَإِلى سَبِيلِهِ تُرْشِدُونَ
وَبِقَوْلِهِ تَحْكُمُونَ ، سَعَدَ مَنْ وَالاكُمْ وَهَلَكَ مَنْ عاداكُمْ وَخابَ
مَنْ جَحَدَكُمْ وَضَلَّ مَنْ فارَقَكُمْ وَفازَ مَنْ تَمَسَّكَ بِكُمْ وَأمِنَ
مَنْ لَجَأَ إِلَيْكُمْ وَسَلِمَ مَنْ صَدَّقَكُمْ وَهُدِيَ مَنْ اعْتَصَمَ
بِكُمْ.
مَنِ اتَّبَعَكُمْ فَالجَنَّةُ مَأْواهُ
وَمَنْ خالَفَكُمْ فَالنَّارُ مَثْواهُ ،
أَشْهَدُ أَنَّ هذا سابِقٌ لَكُمْ فِيما
مَضى وَجارٍ لَكُمْ فِيما بَقِيَ وَأَنَّ أَرْواحَكُمْ وَنُورَكُمْ وَطِينَتَكُمْ
وَاحِدَةٌ طابَتْ وَطَهُرَتْ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ.
خاتمة الكتاب
ابتدأت بتوفيق الله بهذا البحث في اليوم
الاول من شهر رمضان سنة ١٤١٠ هـ وانا في سن السادسة والاربعين من عمري وفي ارض
المهجر / قم عش ال محمد
صلىاللهعليهوآله
/ والقيت اول محاضرة في نتائجه ليلة الخامس عشرمنه بمناسبة ولادة الامام الحسن عليهالسلام في حينية اهل البيت عليهمالسلام التي كان يصلي فيها
الشهيد الشيخ مهدي العطار رحمهالله
في مدينة قم المشرفة بدعوة من جماعة العلماء العراقية التي تأسست آنذاك ، والقيت
اخر محاضرتين فيه في الليلة الرابعة والليلة الخامسة منه سنة ١٤٣٣ هـ في مجمع
البحوث العقائدية بقم المشرفة بدعوة من رئيسه الشيخ محمد الحسون حفظه الله ، ثم
تمت كتابة الفصل السادس من الباب الرابع بجوار ثامن الائمة وشبيه زكريا في / محنته
الامام ابن الحسن علي الرضا عليهالسلام
بطوس / ، ثم تمت كتابة الفصل الثامن من الباب الثالث في مدينة قم المشرفة ، ثم
انتهيت من مراجعته النهاية في التاسع والعشرين من شوال في قم المشرفة بجوار السيدة
فاطمة اخت الرضا عليهالسلام
وقد نيفت على الثامنة والستين (اللهم عمرني ما كان عمري بذلة في طاعتك فان كان
عمري مرتعا للشيطان فاقبضني اليك قبل ان يسبق مقتك الي او يستحكم غضبك عليّ).
لقد كان ملف هذا البحث مفتوحا خلال ثلاث
وعشرين سنة وبخاصة في مناسبات ولادة الامام الحسن عليهالسلام
ووفاته جمعا لمادته ومراجعة لأفكاره وحوارا بنتائجه واهتماما بجواب الاعتراضات على
الكشف التاريخي الجديد والقراءة الجديدة للصلح التي خرج بها ولا زلت اشعر ان البحث
يحتاج الى تنظيم اكثر وعمل اوسع وبخاصة الفصول الثلاثة
__________________
والاخيرة من الباب
الثالث وتنظيم اكثر لخلاصات البحث ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله ارجو ان يجعله
ربي في صحيفة عملي وقد خدمت به سادتي وائمتي اهل بيت النبوة الذين عرفت بهم
الفقرات اعلاه من زيارة الجامعة ،
اللهم اني اسالك بحق ظلاماتهم ان تجعلني
سعيدا بهم في الدنيا ونيل شفاعتهم يوم الورود عليك انك سميع مجيب.
|
وانا
عُبَيدك الفقير المحتاج الى رحمتك
سامي
البدري
قم
عش آل محمد
٢٩
/ شوال / ١٤٣٣ هـ
|
فهرس المصادر
١. القرآن الكريم.
٢. نهج البلاغة ، جمع الشريف الرضي ، تحقيق
الشيخ محمد عبده ، دار الذخائر ـ قم ١٤١٢ هـ
٣. الصحيفة السجادية.
ابن
ابي الحديد المعتزلي :
٤. شرح نهج البلاغة ، دار احياء الكتب
العربية ١٩٥٩ م. ابن الاثير ، اسد الغابة ، دار احياء التراث العربي بيروت.
ابن
الاثير ، عزّ الدّين ابن الاثير الجزري :
٥. الكامل في التاريخ ، دار صادر بيروت
١٩٦٦ م.
٦. جامع الاصول ، مكتبةالحلواني ـ مطبعة
الملاح ـ مكتبة دار البيان ١٩٧٢ م.
٧. ـ ابن الجعد ، علي :
٨. مسند ابن الجعد تحقيق رواية وجمع أبي
القاسم عبد الله بن محمد البغوي (ت ٣١٧) ومراجعة وتعليق وفهرسة الشيخ عامر أحمد
حيدر ، ١٤١٧ هـ ـ ١٩٩٦ م.
ابن
الجوزي ، أبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد القرشي ت ٥٩٧ هـ :
٩. زاد المسير في علم التفسير ، دار
الفكر ١٤٠٧ هـ
ابن
الشِّخنَة ، احمد بن محمد لسان الدين الثقفي (ت ٨٨٢ هـ) :
١٠. روضة المناظر في علم الأوائل
والأواخر.
ابن
الصباغ المالكي :
١١. الفصول المهمة في معرفة الأئمّة ، تحقيق
سامي الغريري دار الحديث للطباعة والنشر ١٤٢٢ هـ
ابن
العجمي ، برهان الدين الحلبي (ت ٨٤١ هـ) :
١٢. الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث ،
حققه وعلق عليه صبحي السامرائي ، عالم الكتب مكتبة النهضة العربية ١٤٠٧ هـ ١٩٨٧ م.
ابن
العديم :
١٣. بغيةالطلب في تاريخ حلب ، تحقيق
الدكتور سهيل زكار ، مؤسسة البلاغ ـ بيروت ١٤٠٨ هـ
ابن
المهنا :
١٤. عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب ،
طبعة لكهنو.
ابن
النديم ، أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب اسحق المعروف بالوراق :
١٥. الفهرست ، تحقيق رضا تجدد.
ابن
تيمية ، الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفي : ٧٢٨ هـ) :
١٦. منهاج السنة ، تحقيق محمد رشاد سالم
، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ١٤٠٦ هـ ـ ١٩٨٦ م.
ابننحبان
، علاء الدين علي بن بلبان الفارسي :
١٧. الثقات ، دائرة المعارف العثمانية
١٣٩٣ هـ
١٨. المجروحين ، تتحقيق محمود ابراهيم
زايد ، دار الوعي حلب ، ١٣٩٦ هـ
١٩. صحيح ابن حبان ، تحقيق شعيب
الأرنؤوط ، مؤسسة الرسالة ١٩٩٣ م.
ابن
حجر ، شهاب الدين العسقلاني ،
٢٠. الاصابة ، دار الكتب العلمية بيروت
١٤١٥ هـ.
٢١. تهذيب التهذيب ، دار الفكر بيروت
١٩٨٤ م.
٢٢. فتح الباري ، دار احياء التراث
العربي بيروت.
٢٣. لسان الميزان ، مؤسسةالأعلمي
للمطبوعات بيروت ١٩٧١ م ١٣٩٠ هـ
ابن
حزم ، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد :
٢٤. المحلى ، تحقيق احمد محمود شاكر ، دار
الفكر بيروت.
ابن
حمدون :
٢٥. التذكرة الحمدونية ، تحقيق احسان
عبّاس وبكر عبّاس ، دار صادر للطباعة والنشر ١٩٩٦ م ، ج ٩ ص ٢٩٤.
ابن
خلدون ، عبد الرحمن :
٢٦. تاريخ ابن خلدون (ت ٨٠٨) ، دار
احياء التراث العربي بيروت.
ابن
خلطان :
٢٧. وفيات الاعيان ، تحقيق إحسان عباس ،
دار الثقافة بيروت.
ابن
سعد ، محمد :
٢٨. ترجمة الإمام الحسن (ع) (من طبقات
ابن سعد) ، تهذيب وتحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي ، مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء
التراث ـ قم ١٤١٦ هـ
ابن
سعد ، محمد :
٢٩. الطبقات الكبرى ، دار صادر بيروت.
ابن
سيد الناس ، محمد بن عبد الله بن يحيى :
٣٠. عيون الاثر في فنون المغازي
والشمائل والسير ، مؤسسة عز الدين بيروت ١٤٠٦ ـ ١٩٨٦ م.
ابن
طيفور :
٣١. بلاغات النساء ، بصيرتي قم.
ابن
عبد البر :
٣٢. الاستيعاب ، دار الجيل بيروت ١٩٩٢.
٣٣. جامع بيان العلم وفضله ، دار الكتب
العلمية بيروت ١٣٩٨ هـ
ابن
عبد ربه الاندلسي :
٣٤. العقد الفريد ، دار الكتب العلمية ـ
بيروت ١٤٠٤.
ابن
عدي ، أبي أحمد عبد الله الجرجاني :
٣٥. الكامل في لضعفاء الرجال ، دار
الفكر بيروت ١٩٨٨ م.
ابن
عساكر :
٣٦. تاريخ مدينة دمشق ، دار الفكر بيروت
١٤١٥ هـ.
ابن
كثير ، أبو الفداء إسماعيل بن عمر القرشيالبصريثم الدمشقي (المتوفى : ٧٧٤ هـ) :
٣٧. البداية والنهاية ، دار إحياء
التراث العربي بيروت ١٩٨٨ م.
٣٨. تفسير القران العظيم ، تقديم يوسف
عبد الرحمن المرعشلي ، دار المعرفة بيروت ١٩٩٢ م.
٣٩. جامع المسانيد والسُّنَن الهادي
لأقوم سَنَن ، تحقيق د عبد الملك بن عبد الله الدهيش ، دار خضر للطباعة والنشر
والتووزيع بيروت ١٤١٩ هـ ـ ١٩٩٨ م.
ابن
ماجة :
٤٠. سنن ابن ماجة ، دار الفكر بيروت.
ابن
مسكويه :
٤١. تجارب الامم ، دار سروش للطباعة
طهرن ٢٠٠١ م.
ابن
معين ، عثمان بن سعيد الدارمي (ت ٢٨٠ هـ) :
٤٢. تاريخ ابن معين ، دار المأمون للتراث
دمشق.
ابن
منظور ، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الإفريقي المصري :
٤٣. لسان العرب ، نشر ادب الحوزة ١٤٠٥
هـ
أبو
بكر بن أبي عاصم الشيباني (المتوفي : ٢٨٧ هـ) :
٤٤. السنة لابي عاصم ، تحقيق محمد ناصر
الدين الألباني ، المكتب الإسلامي ـ بيروت الطبعة : الأولى ، ١٤٠٠.
ابو
الفداء :
٤٥. المختصر في اخبار البشر ـ تاريخ أبي
الفداء ، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت.
ابو
نعيم :
٤٦. حلية الاولياء وطبقات الاصفياء ، دار
الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت.
احمد
بن حنبل :
٤٧. العلل ومعرفة الرجال تحقيق : الدكتور
وصي الله بن محمود عباس ، دار الخاني الرياض ١٤٠٨ هـ
٤٨. مسند احمد ، دار صادر بيروت.
أحمد
زكي صفوت :
٤٩. جمهرة خطب العرب في عصور العربية
الزاهرة ، مطبعة المصطفى البابي الحلبي وأولاده ط ١ ، ١٣٥٢ هـ / ١٩٢٣ م.
الإربلي
، ابن أبي الفتح :
٥٠. كشف الغمة ، دار الاضواء بيروت ١٩٨٥
م.
إسحاق
بن راهويه :
٥١. مسند ابن راهويه ، تحقيق الدكتور
عبد الغفور عبد الحق حسين برد البلوسي ، مكتبة الإيمان ـ المدينة المنورة ١٤١٢.
الاسفهاني
، ابو الفرج :
٥٢. الاغاني ، دار احياء التراث العربي.
الأصفهاني
، ابو الفرج :
٥٣. مقاتل الطالبيين ، المكتبة الحيدرية
النجف ١٩٦٥ م.
آل
ياسين ، الشيخ راضي :
٥٤. صلح الحسن (ع) ، الطبعة الثالثة
بيروت.
الآلوسي
، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني (ت ١٢٧٠ هـ) :
٥٥. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم
والسبع المثاني ، تحقيق علي عبد الباري عطية ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١٥ هـ.
الامام
الشافعي ، أبي عبد الله محمد بن إدريس :
٥٦. المسند ، دار الكتب العلمية.
الاميني
:
٥٧. الغدير ، دار الكتاب العربي ١٩٧٧ م.
الأندلسي
، أبو حيان محمد بن يوسف ت ٧٤٥ :
٥٨. تفسير البحر المحيط ، دار الكتب
العلمية بيروت ١٤٢٢ ـ ٢٠٠١ م.
الباعوني
الشافعي ، احمد بن علي الدمشقي :
٥٩. جواهر المطالب في فضائل الامام علي
(ع) ، دانش قم ١٤١٥ هـ
البخاري
، ابن عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة بن بردزبة :
٦٠. الأدب المفرد ، مؤسسة الكتب
الثقافية بيروت ١٩٨٦ م.
٦١. التاريخ الكبير ، المكتبة الإسلامية
ـ ديار بكر ـ تركيا.
٦٢. صحيح البخاري ، دار الفكر للطباعة
والنشر والتوزيع ١٤٠١ هـ ـ ١٩٨١ م.
البدري
، السيد سامي بن جابر بن عباس :
٦٣. الامام الحسين (ع) في مواجهة الضلال
الاموي ، دار الفقه قم ١٤٣٠ هـ ـ ٢٠٠٩ م.
٦٤. السيرة النبوية تدوين مختصر دار
الفقه قم ١٤٢٦ هـ
٦٥. شبهات وردود ، دار الفقه قم ١٤٢٢ هـ
٦٦. المدخل الى دراسة مصادر السيرة
النبوية والتاريخ الاسلامي
البراقي
النجفي ، حسين ابن السيد أحمد (ت ١٣٣٢ هـ) :
٦٧. تاريخ الكوفة ، تحقيق ماجد بن أحمد
العطية ، شريعت قم ١٤٢٤ هـ.
البرقي
، أبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد :
٦٨. المحاسن ، دار الكتب الإسلامية ـ
طهران ، ١٣٧٠ ـ ١٣٣٠ ش.
البزار
، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق :
٦٩. مسند البزار ، مكتبة العلوم والحكم
ـ المدينة المنورة ، ١٩٨٨ م الى ٢٠٠٩ م.
بشير
المحمدي :
٧٠. مسند زرارة.
البلاذري
:
٧١. انساب الاشراف ، دار المعارف مصر.
٧٢. فتوح البلدان ، مكتبة النهضة
المصرية ١٩٥٦ م.
البوصيري
، للحافظ أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل :
٧٣. إتحاف الخيرة المهرة بزوائد
المسانيد العشرة ، موافق لطبعة دار الوطن ١٤٢٠ هـ ـ ١٩٩٩ م.
البيشوائي
، مهدي :
٧٤. سيرة الائمة ، ترجمه من الفارسية الى
العربية حسين الواسطي ١٤٢٣ هجرية.
البيهقي
، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني ، أبو بكر (ت ٤٥٨ هـ)
:
٧٥. السنن الصغرى ، مكتبة الرشد الرياض
١٤٢٢ هـ ـ ٢٠٠١ م.
٧٦. السنن الكبرى ، دار الفكر.
٧٧. سنن البيهقي.
٧٨. معرفة السنن والاثار ، تحقيق سيد
كسروي حسن ، الناشر : دار الكتب العلمية.
الترمذي
:
٧٩. سنن الترمذي ، تحقيق وتصحيح : عبد
الوهاب عبد اللطيف ، دار الفكر بيروت ١٩٨٣ م.
٨٠. الثقفي ، ابراهيم بن محمد ، الغارات
، السيد جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث.
الجاحظ
:
٨١. البيان والتبيين ، المكتبة التجارية
الكبرى ١٩٢٦ م.
الجرجاني
، أبو القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي القرشي :
٨٢. سؤالات حمزة بن يوسف السهمي (ت ٤٢٧
هـ) ، تحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر ، مكتبة المعارف ـ الرياض ١٤٠٤ هـ ـ
١٩٨٤ م.
جرهارد
كونسلمان :
٨٣. سطوع نجم الشيعة ، ترجمه من
الالمانية محمد ابو رحمة ، طبع مكتبة مدبولي القاهرةط ٢ : ١٤١٤ هـ ١٩٩٣ م.
الجوهري
البصري ، أبو بكر أحمد بن عبد العزيز :
٨٤. السقيفة ، شركة الكتبي ١٩٩٣ م.
الحاكم
النيسابوري :
٨٥. المستدرك على الصحيحين ، تحقيق
المرعشلي.
الحائري
، السيد كاظم :
٨٦. القيادة الاسلامية.
حتي
، فليب :
٨٧. العرب تاريخ موجز :
الحر
العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن :
٨٨. وسائل الشيعة ، تحقيق الشيخ عبد
الرحيم الرباني الشيرازي ، دار احياء التراث العربي بيروت ـ لبنان ١٩٨٣ م.
الحراني
، ابن شعبة :
٨٩. تحف العقول ، مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
٩٠. ١٤١٤ هـ
الحربي
، إبراهيم بن إسحاق :
٩١. غريب الحديث ، دار المدينة للطباعة
والنشر والتوزيع جدة ١٤٠٥ هـ
الحسكاني
:
٩٢. شواهد التنزيل ، تحقيق محمد باقر
المحمودي ، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ـ مجمع
إحياء الثقافة الإسلامية ١٩٩٠ م.
حسين
عطوان :
٩٣. رواية الشاميين للمغازي والسير في
القرنين الأول والثاني الهجري ، ط / ١٩٨٦.
الحموي
، ياقوت :
٩٤. معجم البلدان ، دار احياء التراث
١٩٧٩ م.
٩٥. معجم الأدباء ، دار الفكر بيروت
١٤٠٠ هـ ١٩٨٠ م.
الحميدي
، عبد الله بن الزبير :
٩٦. مسند الحميدي ، تحقيق حبيب الرحمن
الأعظمي ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤٠٩ ـ ١٩٨٨ م.
٩٧. الحميري ، محمد بن عبد المنعم :
٩٨. الروض المعطار في خبر الاقطار ، تحقيق
الدكتور إحسان عباس ، مكتبة لبنان ١٩٨٤ م.
الشيخ
وحيد الخراساني :
٩٩. منهاج الصالحين.
الخربوطلي
:
١٠٠. العراق في ظل الحكم الاموي ، دار
المعارف ، ١٩٥٩ م.
الخرسان
، السيد محمد مهدي :
١٠١. موسوعة عبد الله بن عباس ، مركز
الأبحاث العقائدية ٢٠٠٠ م.
الخضري
، الشيخ محمد :
١٠٢. الدولة الاموية ، دار المعرفة
للطباعة والنشر ٢٠٠٥.
الخطيب
البغدادي ، احمد بن علي بن ثابت :
١٠٣. تقييد العلم ، تحقيق يوسف العش ، دار
إحياء السنة النبوية.
١٠٤. الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، دار
الكتب العلمية ١٩٩٧ م.
خليفة
بن خياط :
١٠٥. تاريخ خليفة بن خياط ، تحقيق د.
سهيل زكار ، دار الفكر بيروت.
خماش
، نجدت :
١٠٦. الإدارة في العصر الأموي ، ط ١ ، دار
الفكر دمشق ١٩٨٠ م.
الخوارزمي
:
١٠٧. المناقب ، تحقيق الشيخ مالك
المحمودي ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ١٤١٤ هـ.
الخوئي
، السيد ابو القاسم الموسوي :
١٠٨. معجم رجال الحديث ، سنة الطبع : ١٤١٣
هـ ـ ١٩٩٢ م.
الخيرة
، رمزية عبد الوهاب :
١٠٩. إدارة العراق في صدر الإسلام ، دار
الحرية للطباعة والنشر ، بغداد ، ١٩٧٨ م.
الدارمي
:
١١٠. سنن الدارمي ، الاعتدال دمشق ١٣٤٩
هـ.
الدميري
:
١١١. حياة الحيوان الكبرى ، دار الكتب
العلمية ، بيروت ١٤٢٤ هـ.
الدينوري
، ابن قتيبة ، أبي محمد عبد الله بن مسلم :
١١٢. الامامة والسياسة ، الشريف الرضي
قم ١٤١٣.
١١٣. عيون الاخبار ، دار الكتب العلمية
٢٠٠٣ م.
١١٤. الشعر والشعراء ، تحقيق الشيخ أحمد
محمد شاكر ، دار الحديث القاهرة ١٤٢٧ هـ ـ ٢٠٠٦ م.
١١٥. المعارف ، الناشر دار المعارف بمصر
١٩٦٩ م.
الدينوري
، أحمد بن داوود :
١١٦. الاخبار الطوال ، دار احياء الكتب
العربي القاهرة ١٩٦٠ م.
الذهبي
، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد ت ٧٤٨ :
١١٧. تاريخ الاسلام ، تحقيق د. عمر
السلام تدمري ، دار الكتاب العربي بيروت ١٩٨٧.
١١٨. تذكرة الحفاظ ، دار الكتب العلمية
بيروت ١٩٩٨ م.
١١٩. سير أعلام النبلاء ، مؤسسة الرسالة
١٩٩٣ م.
١٢٠. الكاشف في معرفة من له رواية في
كتب الستة ، تقديم وتعليق محمد عوامة ، (دار القبلة للثقافة الاسلامية ـ جدة) ، (مؤسسة
علوم القرآن ـ جدة) ١٤١٣ ـ ١٩٩٢.
١٢١. ميزان الاعتدال ، تحقيق علي محمد
البجاوي ، دار المعرفة بيروت ١٩٦٣ م.
١٢٢. المغني ، تحقيق ابي الزهراء حازم
القاضي الضعفاء ، دار الكتب العلمية بيروت ١٩٩٧ م.
الرازي
، أبي محمد بن عبد الرحمن بن أبي حاتم التميمي الحنظلي :
١٢٣. الجرح والتعديل ، دار إحياء التراث
العربي بيروت ١٩٥٢ م.
الراوندي
، قطب الدين :
١٢٤. الخرائج والجرائج ، مؤسسة الامام
المهدي (ع) المطبعة العلمية قم ١٤٠٩ هـ :
الراوي
، ثابت اسماعيل :
١٢٥. العراق في العصر الاموي ، مطبعة
النعمان ، ط ٢ ، بغداد ١٩٧٠ م.
الزبير
بن بكار :
١٢٦. جمهرة نسب قريش وأخبارها.
الزمخشري
:
١٢٧. ربيع الأبرار ونصوص الأخبار ، تحقيق
عبد الأمير مهنا ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت ١٩٩٢ م.
الزيلعي
:
١٢٨. نصب الراية ، دار الحديث ، القاهرة
١٩٩٥ م.
السجستاني
، أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث بن إسحاق (٣١٦ هـ) :
١٢٩. المصاحف ، دار الكتب العلمية ـ
بيروت ، سنة ١٩٩٥ م.
سليم
بن قيس الهلالي الكوفي :
١٣٠. كتاب سليم بن قيس ، تحقيق محمد
باقر الأنصاري الزنجاني ، دليل ما قم ١٤٢٢ هـ
السمعاني
، ابي سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي :
١٣١. أدب الإملاء والاستملاء ، شرحومراجعه
سعيد مجمد اللحام ، دار ومكتبة الهلال ١٤٠٩ هـ ـ ١٩٨٩ م.
السيد
محسن الامين :
١٣٢. أعيان الشيعة ، تحقيق السيد حسن
الامين ، دار التعارف بيروت.
سيد
محمد بن عقيل العلوي :
١٣٣. النصائح الكافية ، دار الثقافة قم
١٤١٢ هـ.
السيوطي
، جلال الدين عبد الرحمن بن أبيبكر (ت ٩١) :
١٣٤. تاريخ الخلفاء ، معتوق اخوان بيروت.
١٣٥. الجامع الصحيح المختصر ، دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ١٩٨١ م.
١٣٦. الدر المنثور في التفسير بالمأثور
، دار المعرفة بيروت.
شرف
الدين الموسوي :
١٣٧. الفصول المهمة ، مؤسسة البعثة.
الشريف
الرضي :
١٣٨. ديوان الشريف الرضي ، دار صادر
١٩٦١ م.
شعوط
، ابراهيم :
١٣٩. أباطيل يجب ان تمحى من التاريخ ، المكتب
الاسلامي ، الطبعة السادسة ١٤٠٨ هـ ١٩٨٨ م. ص ٢٠٤.
الشهرستاني
، السيد علي :
١٤٠. منع تدوين الحديث ، مركز الابحاث
العقائدية قم ١٤٢٠ هـ
١٤١. وضوء النبي (ص) ، الناشر المؤلف
١٤١٥ هـ ـ ١٩٩٤ م.
الشوكاني
:
١٤٢. فتح القدير ، عالم الكتب.
الشيباني
، أبو بكر أحمد بن عمرو بن الضحاك :
١٤٣. الاحاد والمثاني ، دار الدراية
للطباعة والنشر والتوزيع ١٩٩١ م.
الشيخ
الصدوق ، ابو بابويه :
١٤٤. وعلل الشرائع ، تحقيق وتقديم السيد
محمد صادق بحر العلوم ، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها ـ النجف الأشرف ١٣٨٥ ـ
١٩٦٦ م.
الشيرازي
، ناصر مكارم :
١٤٥. تفسير الامثل ، مدرسة الامام علي
بن ابي طالب قم ١٤٢١ هـ
الصدوق
:
١٤٦. الأمالي ، مركز الطباعة والنشر في
مؤسسة البعثة ١٤١٧ هـ ، ص ١٤٠.
الصفار
، محمد بن الحسن بن فروخ ، ت ٢٩٠ :
١٤٧. بصائر الدرجات ، تصحيح وتعليق
وتقديم : الحاج ميرزا حسن كوچه باغي ، منشورات الأعلمي ـ طهران ١٤٠٤ ـ ١٣٦٢ م.
الصفدي
، صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله (المتوفي : ٧٦٤ هـ) :
١٤٨. الوافي بالوفيات ، أحمد الأرناؤوط
وتركي مصطفى دار إحياء التراث بيروت ١٤٢٠ ـ ٢٠٠٠ م.
صفوت
، احمد زكي :
١٤٩. جمهرة رسائل العرب في العصور
العربية الزاهرة ، المكتبة العلمية ١٩٣٧ م.
الصنعاني
:
١٥٠. المصنف ، المكتب الإسلامي بيروت
١٤٠٣ هـ
الضبي
، ابن بكار :
١٥١. اخبار الوافدات من النساء ، مؤسسة
الرسالة ١٩٨٣ م.
الطبراني
، أبي القاسم سليمان بن أحمد :
١٥٢. المعجم الكبير ، دار احياء التراث
العربي بيروت.
١٥٣. مسند الشاميين ، تحقيق حمدي عبد
المجيد السلفي ، مؤسسة الرسالة بيروت ١٤١٧ ـ ١٩٩٦ م.
١٥٤. كتاب الاوائل ، تحقيق محمد شكور بن
محمود الحاجي أمرير ، مؤسسة الرسالة ١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٧ م.
الطبرسي
، الفضل بن الحسن :
١٥٥. إعلام الورى بأعلام الهدى ، ترجمة
الحسن (ع) ، ص ٢١٣ ، مؤسسة آل البيت لاحياء التراث قم ١٤١٧ هـ
الطبرسي
، أمين الاسلام أبي علي الفضل بن الحسن :
١٥٦. مجمع البيان في تفسير القران ، مؤسسة
الأعلمي للمطبوعات بيروت ١٤١٥ هـ ١٩٩٥ م.
الطبري
، أبي جعفر محمد بن جرير :
١٥٧. تاريخ الطبري ، مؤسسة الأعلمي
بيروت ١٩٨.
١٥٨. تفسير الطبري ، تحقيق أحمد محمد
شاكر ، مؤسسة الرسالة ٢٠٠٠ م.
١٥٩. المنتخب من ذيل المذيل ، مؤسسة
الاعلمي بيروت.
الطحاوي،
أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري (ت ٣٢١
هـ) :
١٦٠. شرح معاني الاثار ، تحقيق محمد
زهري النجار ـ محمد سيد جاد الحق ، عالم الكتب ، ١٤١٤ هـ ١٩٩٤ م.
١٦١. شرح مشكل الآثار ، تحقيق شعيب
الأرنؤوط ، مؤسسة الرسالة ١٤١٥ هـ ١٩٩٤ م.
الطوسي
، ابو جعفر محمد بن الحسن (ت ٤٦٠ هـ) :
١٦٢. اختيار معرفة الرجال الشيخ ، مؤسسة
آل البيت قم ١٤٠٤ هـ
١٦٣. الأمالي ، دار الثقافة قم ١٤١٤ هـ
١٦٤. التبيان في تفسير القرآن ، دار
احياء التراث العربي ١٤٠٩ هـ
١٦٥. الفهرست ، تحقيق الشيخ جواد
القيومي ، الفقاهة قم ١٤١٧ هـ ، ص ٧٢.
الطيالسي
، سليمان بن داود :
١٦٦. مسند ابي داود الطيالسي ، دار المعرفة
بيروت.
العاملي
، علي الكوراني :
١٦٧. الانتصار ، دار السيرة لبنان ١٤٢٢
م.
١٦٨. جواهر التاريخ ، باقيات ١٤٣٠ هـ
العاملي
، جعفر مرتضى :
١٦٩. الصحيح من سيرة الامام علي (ع).
١٧٠. الصحيح من سيرة النبي الاعظم (ص).
العجلي
، أحمد بن عبد الله بن صالح أبو الحسن الكوفي :
١٧١. معرفة الثقات ، مكتبة الدار
بالمدينة المنورة ١٤٠٥ هـ ١٩٨٥ م.
العسكري
، السيد مرتضى :
١٧٢. أحاديث أم المؤمنين عائشة ، التوحيد
للنشر ١٤١٤ هـ ١٩٩٤ م.
١٧٣. القرآن وروايات المدرستين.
١٧٤. معالم المدرستين ، مؤسسة النعمان
للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ١٩٩٠ م.
١٧٥. عبد الله بن سبأ.
العظيم
آبادي ، أبي الطيب محمد شمس الحق :
١٧٦. عون المعبود شرحسنن أبي داود ، دار
الكتب العلمية بيروت ١٤١٥ هـ ١٩٩٥ م.
العقيلي
، أبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد المكي :
١٧٧. الضعفاء الكبير (ضعفاء العقيلي) ، حققه
ووثقه الدكتور عبد المعطى أمين قلعجي ، دار الكتب العلمية بيروت ١٤١٨ هـ ١٩٩٨ م.
١٧٨. العودة ، سليمان ، عبد الله بن سبأ
ودوره في احداث الفتنة ، الطبعة الاولى.
العيني
:
١٧٩. عمدة القاري ، دار احياء التراث
العربي بيروت.
الفاكهي
:
١٨٠. أخبار مكة.
الفتلاوي
، كاظم عبّود :
١٨١. الكشّاف المُنتقى لفضائل عليّ
المرتضى عليهالسلام
، مكتبة الروضة الحيدريّة ـ العراق ، النجف الأشرف ١٤٢٦ هـ / ٢٠٠٥ م.
الفسوي
، يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي أبو يوسف (ت ٢٧٧ هـ) :
١٨٢. المعرفة والتاريخ ، تحقيق أكرم
ضياء العمري ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ١٤٠١ هـ ـ ١٩٨١ م.
فوزي
، فاروق عمر :
١٨٣. بحوث في التاريخ العباسي ، دار
مجدلاوي للنشر والتوزيع ٢٠٠٣ م.
١٨٤. الفيض الكاشاني ، محمد حسن ، الوافي
، مكتبة الامام أمير المؤمنين علي (ع) العامة ـ أصفهان ١٤٠٦ هـ
القاضي
عياض ، أبو الفضل بن موسى اليحصبي (المتوفي : ٥٤٤ هـ) :
١٨٥. ترتيب المدارك وتقريب المسالك ، مطبعة
فضالة ـ المحمدية المغرب.
القرشي
، الشيخ باقر شريف :
١٨٦. حياة الامام الحسن (ع) ، ١٩٥٢ م.
القسطلاني
، شهاب الدين :
١٨٧. ارشاد الساري الى شرح صحيح البخاري
، الأميرية ـ بولاق ١٣٢٣ هـ
القشلندي
:
١٨٨. صبح الاعشى في صناعة الانشا ، دار
الكتب العلمية بيروت.
القضاعي
، محمد بن سلامة :
١٨٩. مسند الشهاب ، تحقيق حمدي عبد
المجيد السلفي ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت ١٤٠٥ ـ ١٩٨٥ م.
القمي
، الشيخ عباس :
١٩٠. الكنى والالقاب ، مكتبة الصدر ـ
طهران.
القمي
، شاذان بن جبرئيل :
١٩١. الروضة في فضائل امير المؤمنين ، ١٤٢٣
هـ
القمي
، علي بن ابراهيم :
١٩٢. تفسير القمي ، تصحيح وتعليق وتقديم
: السيد طيب الموسوي الجزائري ، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر ـ قم ـ ايران
١٤٠٤ هـ
القندوزي
:
١٩٣. ينابيع المودة ، تحقيق سيد علي
جمال أشرف الحسيني ، دار الأسوة للطباعة والنشر ١٤١٦ هـ
الكليني
:
١٩٤. الكافي ، دار الكتب الاسلامية
طهران ١٣٦٣ ش.
الكوفي
:
١٩٥. ابن ابي شيبة ، المصنف ، دار الفكر
بيروت ١٩٨٩ م.
مالك
بن انس :
١٩٦. الموطا ، دار التراث العربي بيروت
١٩٨٥ م.
المالكي
، حسن فرحان :
١٩٧. نحو انقاذ التاريخ الاسلامي ، مؤسسة
اليمامة الصحفية ١٤١٨ هـ
المتقي
الهندي :
١٩٨. كنز العمال ، مؤسسة الرسالة ـ
بيروت ١٩٨٩ م.
المجلسي
:
١٩٩. بحار الانوار ، مؤسسة الوفاء بيروت
١٩٨٣ م.
المحب
الطبري :
٢٠٠. الرياض النضرة في مناقب العشرة ، دار
الكتب العلمية بيروت.
محمد
بن أحمد الدولابي :
٢٠١. الذرية الطاهرة النبوية ، تحقيق
سعد المبارك الحسن ، الدار السلفية ـ الكويت ١٤٠٧ هـ
محمد
بن إسحاق بن يسار المطلبي بالولاء المدني (ت ١٥١ هـ) :
٢٠٢. سيرة ابن اسحاق (كتاب السير
والمغازي) ، تحقيق : سهيل زكار دار الفكر ـ بيروت ١٣٩٨ هـ / ١٩٧٨ م.
محمد
بن حبيب البغدادي :
٢٠٣. المنمق ، صححه وعلق عليه خورشيد
أحمد فاروق.
محمد
بن علي بن طباطبا المعروف بابن المقطقي :
٢٠٤. الفخري في الاداب السلطانية ، دار
القلم العربي ١٩٩٧ م.
محمد
تقي التستري :
٢٠٥. قاموس الرجال ، مؤسسة النشر
الاسلامي جامعة مدرسين قم ١٤١٩ هـ
محمود
احمد شاكر :
٢٠٦. موسوعة التاريخ الاسلامي ، المكتب
الإسلامي بيروت ١٤٠٠ هـ.
المحمودي
، الشيخ محمد باقر :
٢٠٧. نهج البلاغة نهج السعادة في مستدرك
نهج البلاغة ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.
المرعشي
:
٢٠٨. شرح احقاق الحق ، مكتبة المرعشي
النجفي قم.
المزي
:
٢٠٩. تهذيب الكمال ، مؤسسة الرسالة
بيروت ١٩٨٥ م.
المسعودي
:
٢١٠. مروج الذهب ، دار الهجرة ايران
١٩٨٤ م ، ج ٣ ص ٢٠.
المغربي
، القاضي النعمان :
٢١١. شرح الاخبار في فضائل الأئمة
الأطهار ، تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة
المدرسين بقم المشرفة ١٤١٤ هـ
مغلطاء
، علاء الدين ابن قليج بن عبد الله البكري الحنفي (٧٦٢ هـ) :
٢١٢. إكمال تهذيب الكمال في أسماء
الرجال ، تحقيق أبي عبد الرحمن ، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر ٢٠٠١ م.
المفيد
، محمد بن محمد النعمان ابن المعلم ت (٤١٣ هـ) :
٢١٣. الاختصاص ، دار المفيد بيروت ١٩٩٣
م.
٢١٤. الارشاد في معرفة حجج الله على
العباد ، دار المفيد بيروت ١٩٩٣ م.
٢١٥. الجمل ، مكتبة الداوري قم.
المقدسي
، المطهر بن طاهر (ت ٣٥٥ هـ) :
٢١٦. البدء والتاريخ ، مكتبة الثقافة
الدينية بور سعيد.
المقريزي
، تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد :
٢١٧. امتاع الاسماع بما للنبي صلىاللهعليهوسلم من الأحوال والأموال
والحفدة والمتاع ، تحقيق وتعليق : محمد عبد الحميد النميسي ، منشورات محمد علي
بيضون ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان ١٤٢٠ هـ ١٩٩٩ م.
الموصلي
، أبي يعلى :
٢١٨. مسند ابي يعلى ، تحقيق حسين سليم ،
دار المأمون للتراث.
النجاشي
، أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس الأسدي الكوفي ت ٤٥٠ هـ :
٢١٩. فهرست أسماء مصنفي الشيعة المشتهر
برجال النجاشي ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ١٤١٦
هـ
النسائي
، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر :
٢٢٠. خصائص امير المؤمنين علي بن ابي
طالب ، تحقيق وتصحيح الأسانيد ووضع الفهارس : محمد هادي الأميني ، مكتبة نينوى
الحديثة ـ طهران.
٢٢١. السنن الكبرى ، دار الكتب العلمية
١٩٩١ م.
٢٢٢. سنن النسائي ، دار الفكر للطباعة
والنشر والتوزيع ـ بيروت ١٩٣٠ م.
٢٢٣. فضائل الصحابة ، دار الكتب العلمية
بيروت.
نصر
بن مزاحم المنقري :
٢٢٤. وقعة صفين ، مكتبة المرعشي النجفي
١٤٠٣ هـ
النميري
، عمر بن شبة :
٢٢٥. تاريخ المدينة المنورة ، دار الفكر
١٤١٠ هـ
النووي
، أبي زكريا محيي الدين بن شرف (ت ٦٧٦) :
٢٢٦. المجموع ، دار الفكر.
النيسابوري
، الفضل بن شاذان الأزدي (ت ٢٦٠ هـ) :
٢٢٧. الايضاح ، جامعة طهران ١٣٦٣ ش.
النيسابوري
، مسلم بن الحجاج :
٢٢٨. صحيح مسلم ، دار الفكر بيروت.
الهاشمي
الخوئي ، العلامة المحقق الحاج ميرزا حبيب :
٢٢٩. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة
، بنياد فرهنگ امام المهدي (عج) ١٣٦٠.
الهيثمي
، نور الدين علي بن أبي بكر :
٢٣٠. مجمع الزوائد ، دار الكتب العلمية
١٩٨٨ م.
محمد
بن عمر الواقدي :
٢٣١. المغازي ، دانش اسلامي ١٤٠٥ هـ
تحقيق مارسدن جونس.
وجدي
، فريد :
٢٣٢. دائرة المعارف الاسلامية ، دار
الشعب في مصر.
اليعقوبي
:
٢٣٣. تاريخ اليعقوبي ، دار صادر بيروت.
فهرس المحتويات
المقدمة.................................................................... ٧
الفهرس الاجمالي........................................................... ١١
المدخل : التمهيد وسير
البحث
تمهيد.................................................................... ١٥
خلاصة الرؤية المشهورة
في تعليل الصلح...................................... ١٦
ثلاث ملاحظات أساسية
حول الرؤية المشهورة.............................. ٢٣
صلح الحسن عليهالسلام في
الاعلام الاموي والعباسي وروايات اهل البيت عليهمالسلام........ ٢٧
اطروحة الاعلام الاموي
: أنَّ تنازل الحسن عليهالسلام عن السلطة بخطة من معاوية... ٢٧
اطروحة الاعلام
العباسي : أنَّ الحسن ع تنازل عن السلطة رغبة في المال والحياة المترفة ٢٩
الحسن عليهالسلام في
روايات اهل البيت عليهمالسلام امام هدى عالج الانشقاق وفتح الطريق لهداية اهل الشام ان
ارادوا الهداية ٣١
الرؤية الجديدة............................................................. ٣٣
أبواب البحث وفصوله..................................................... ٣٩
الباب الأول : الرؤية
المشهورة في تعليل الصلح
الباب الأول / الفصل الأول................................................. ٤٦
المستشرقون : الحسن عليهالسلام شخصية ضعيفة منهارة........................... ٤٦
الدكتور فيليب حتي
اللبناني ١٨٨٦ ـ ١٩٧٨.............................. ٤٦
الراهب اليسوعي
البلجيكي لامنس ١٨٦٢ ـ ١٩٣٧....................... ٤٦
جرهارد كونسلمان
الاماني المعاصر........................................ ٤٩
بروكلمان الالماني
١٩٥٦ ـ ١٨٦٨ (Corl Brockelmann).................. ٤٩
اوكلي ١٨٩٤ (Simon Ockley)........................................ ٤٩
سايكس ١٨٦٧ ـ ١٩٤٥ (Sykes Perly Molesworth Sir).............. ٤٩
الكاتب العراقي هادي
العلوي............................................ ٥٠
سند المستشرقين في
حكمهم السلبي الآنف الذكر هو روايات في مصادر تاريخية إسلامية مهمة ٥٠
الباب الأول / الفصل الثاني : الإسلاميون : الكوفيون متفرقون
متخاذلون....... ٥١
الإسلاميون القدامى....................................................... ٥١
أبو حنيفة الدينوري ت
٢٨٢ هـ.......................................... ٥١
ابن واضح اليعقوبي ٢٨٤
هـ.............................................. ٥١
ابن جرير الطبري ٣١٠
هـ............................................... ٥١
ابن الاثير ت ٦٢٠ هـ.................................................. ٥٢
ابن كثير ت ٧٧٤ هـ................................................... ٥٢
الشيخ المفيد ٤١٢ هـ................................................... ٥٣
السيد المرتضى ٤٣٦ هـ................................................. ٥٣
الشيخ الطبرسي ٥٤٨
هجرية............................................ ٥٤
احمد بن علي الطبرسي ت
٥٦٠ هـ صاحب كتاب الاحتجاج................ ٥٤
ابن أبي الفتح الإربلي
ت ٦٩٢ هـ........................................ ٥٥
ابن طباطبا ت ٧٠١
هجرية............................................. ٥٥
مشاهير المتأخرين من
الباحثين الشيعة........................................ ٥٦
العلامة الحجة الشيخ
راضي آل ياسين..................................... ٥٦
العلامة المصلح الشيخ
محمد حسين كاشف الغطاء رحمهالله...................... ٥٧
المرجع الشهيد السيد
محمد باقر الصدر رحمهالله وتلميذه المرجع السيد كاظم الحائري. ٥٩
باحثون آخرون من
الشيعة المعاصرين...................................... ٦١
الشيخ مهدي البيشوائي................................................. ٦٢
الشيخ وحيد الخراساني
المرجع الشيعي المعاصر............................... ٦٣
في مدينة قم المقدسة.................................................... ٦٣
قطب الدين الراوندي (ت
٥٧٣ هـ) في كتابه الخرائج والجرائح................ ٦٤
مشاهير من الباحثين من
أهل السنة.......................................... ٧١
ابن العربي ت ٥٤٣ هـ.................................................. ٧١
الشيخ محمد الخضري................................................... ٧٢
الدكتور حسن إبراهيم
حسن............................................. ٧٢
سند الإسلاميين جميعا
في تحليلهم الآنف الذكر هو الروايات التاريخية أيضا..... ٧٣
الباب الثاني : القراءة
الجديدة
الفتح المبين لمشروع
علي عليهالسلام الذي حققه الحسن عليهالسلام بصلحه
الباب الثاني / الفصل الأول : خلفيات الصلح................................ ٨٠
الخلفية المباشرة
للصلح هي نهضة علي عليهالسلام الاحيائية للسنة..................... ٨٠
قصة الشورى وبيعة
عثمان (١).............................................. ٨١
ما هي سيرة الشيخين
التي رفضها علي عليهالسلام؟................................. ٨٤
انشقاق قريش الحاكمة
على نفسها.......................................... ٨٧
مشروع علي عليهالسلام
لإحياء السنة النبوية في حج التمتع.......................... ٨٩
قريش تقتل عثمان
والجماهير تبايع عليا عليهالسلام.................................. ٩٠
منهج علي عليهالسلام في
بيعته وحكومته.......................................... ٩١
رد فعل قريش المسلمة
السلبي من علي عليهالسلام................................... ٩٢
شهادة علي عليهالسلام
على يد حملة الفكر التكفيري (الخوارج)...................... ٩٤
مشروع علي عليهالسلام
إنجازات ومشكلات....................................... ٩٥
أهل العراق يبايعون
الحسن عليهالسلام على الحكم.................................. ٩٦
العقبات امام انطلاقة
مشروع علي عليهالسلام...................................... ٩٦
العقبة الأولى ؛
انشقاق الشام............................................. ٩٦
العقبة الثانية ؛
الخوارج................................................... ٩٧
المفتاح لانطلاق مشروع
علي عليهالسلام في الشام.................................. ٩٨
هو الصلح وليس الحرب.................................................... ٩٨
خصائص أطروحة الصلح
المطلوبة.......................................... ١٠١
العمق الاستراتيجي
للحسن عليهالسلام والتفكير المحدود لمعاوية...................... ١٠٥
وفي ضوء هذا البيان
يتضح............................................. ١٠٧
الوفاء بالشروط مدة
عشر سنوات.......................................... ١١٠
انتشار سنة النبي صلىاللهعليهوآله
لدى أهل البلاد المفتوة شرقاً.......................... ١١٣
وغرباً بفضل مشروع علي
عليهالسلام وصلح الحسن عليهالسلام.......................... ١١٣
الباب الثاني / الفصل الثاني : السنوات العشر الاولى من الصلح
(سنوات الفتح المبين لمشروع علي عليهالسلام) ١١٤
رؤيتان للسنوات العشر
قبل وفاة الحسن عليهالسلام................................ ١١٤
طرف من اخبار شيعة علي
عليهالسلام في سنوات الصلح.......................... ١٢٤
عكرشة بنت الأطش.................................................. ١٢٤
دارمية الحجونية....................................................... ١٢٥
سودة بنت عمارة
الهمدانية............................................. ١٢٧
الزرقاء بنت عدي بنت
غالب بن قيس الهمدانية.......................... ١٢٩
أم سنان بنت خيثمة.................................................. ١٣٠
أروى بنت الحارث.................................................... ١٣٢
أم الخير بنت الحريش
بن سراقة.......................................... ١٣٣
أم البراء بنت صفوان
بن هلال.......................................... ١٣٥
ضرار بن ضمرة....................................................... ١٣٦
عدي بن حاتم الطائي................................................. ١٣٧
الأحنف بن قيس..................................................... ١٣٨
معاوية يطلب من ابن
عباس ان يخبره عن علي عليهالسلام....................... ١٣٩
حوار بين معاوية وقيس
بن سعد بن عبادة................................ ١٣٩
نماذج من أحاديث حملة
الحديث من الكوفيين الذين دخلوا الشام.............. ١٤٠
يعلى بن مرة الثقفي................................................... ١٤٠
زيد بن وهب أبو سليمان
الجهني (٨٤ هـ)................................ ١٤٤
عبد الرحمن بن أبي
ليلى ت ٨٣........................................ ١٥٥
الباب الثاني / الفصل الثالث : سيرة الامام الحسن عليهالسلام
(معالم امامته الدينية ومرجعيته في عمل الخير) ١٦٣
المبحث الأول في سنوات
الصلح........................................... ١٦٣
عبادته عليهالسلام
وخوفه من الله تعالى........................................ ١٦٤
كرمه وتعامله عليهالسلام مع
المال............................................ ١٦٤
رأفته عليهالسلام
ونبله تقييمه للنفوس النبيلة................................... ١٦٥
سعيه عليهالسلام في
قضاء حوائج المؤمنين..................................... ١٦٦
تربيته عليهالسلام
للشباب................................................... ١٦٦
نشاطه عليهالسلام
اليومي................................................... ١٦٧
نشاطه عليهالسلام
العلمي................................................... ١٦٧
إجابته عليهالسلام
على الأسئلة الفقهية تاكيدا لفتاوى أبيه علي عليهالسلام............. ١٦٧
سفراته عليهالسلام
إلى الشام وحواراته مع معاوية ورجاله.......................... ١٦٧
سؤدده عليهالسلام
وهيبته وحلمه............................................. ١٦٨
قصته عليهالسلام مع
معاوية بن حديج سنة ٤٤ هجرية......................... ١٦٩
تعليمه عليهالسلام.......................................................... ١٧١
حسن خلقه عليهالسلام..................................................... ١٧٢
طرف من كلماته عليهالسلام................................................ ١٧٣
المبحث الثاني مراحل
حياته عليهالسلام.......................................... ١٧٦
طفولته عليهالسلام مع
النبي صلىاللهعليهوآله سبع سنوات................................. ١٧٧
احداث سنوات محنة أبيه
عليهالسلام مع الخلفاء (خمس وعشرون سنة)............ ١٨٠
احداث سنوات حكم أبيه عليهالسلام
خمس سنوات............................ ١٨١
بيعته وحكومته عليهالسلام
سبعة اشهر........................................ ١٨٣
أولاده عليهالسلام
وأمهاتهم.................................................. ١٨٥
أوصافه عليهالسلام......................................................... ١٨٦
وفاته عليهالسلام........................................................... ١٨٦
مدفنه عليهالسلام.......................................................... ١٨٧
الباب الثاني / الفصل الرابع : السنوات العشر بعد وفاة الحسن ع
(الغدر المبين لمعاوية) ١٨٩
موت الحسن عليهالسلام
بالسم قضية سياسية وليست شخصية..................... ١٨٩
اصابع الاتهام تتجه
الى معاوية........................................... ١٩١
السؤال الأول : هل
لمعاوية ممارسة مماثلة سابقة ولاحقة مع خصومه؟.......... ١٩١
قصة موت مالك الاشتر
رضوان الله عليه................................. ١٩١
السؤال الثاني : ما هو
موقف معاوية من خبر موت الحسن عليهالسلام............. ١٩٥
السؤال الثالث: ما هو
ظرف دفن الامام الحسن ع وما هي طبيعة وحجم مشاركة الدولة فيه؟ ١٩٨
السؤال الرابع : هل
استمرت سياسة الدولة بعد وفاة الحسن عليهالسلام على ما كانت عليه أيام حياته؟ وهل عهد معاوية إلى احد؟.................................................................... ٢٠٢
تسلسل الحوادث بعد
وفاة الحسن سنة ٥٠ هـ............................. ٢٠٣
سياسة معاوية بعد وفاة
الحسن عليهالسلام..................................... ٢٠٥
لعن علي عليهالسلام
وسبه على المنابر........................................ ٢٠٧
خطة معاوية لتصفية
التشيّع في الكوفة...................................... ٢١٦
عقبتان أمام مخطط
معاوية بعد وفاة الحسن عليهالسلام.......................... ٢١٦
المرحلة الأولى في
حياة الحسن عليهالسلام...................................... ٢١٧
المرحلة الثانية بعد
وفاة الحسن عليهالسلام...................................... ٢١٨
إجراءات زياد بن عبيد
الثقفي في الكوفة................................. ٢١٨
خلاصة بما قام به
معاوية وولاته............................................ ٢٢٣
خلاصة في اسرة معاوية
ونسبه ومرض وفاته................................. ٢٢٥
اسرة معاوية.......................................................... ٢٢٥
نسب معاوية......................................................... ٢٢٥
مرض اللقوة اول الغضب
الالهي على معاوية.............................. ٢٣١
الباب الثاني / الفصل الخامس............................................. ٢٣٨
تعليقات على موارد من كتاب صلح الحسن عليهالسلام
للعلامة الحجة الشيخ راضي آل ياسين رحمهالله ٢٣٨
كلامه رحمهالله
على بنود الصلح.............................................. ٢٣٩
تعليقاتنا على كلامه
السابق رحمهالله من رقم ١ الى رقم ٨........................ ٢٤٣
كلامه رحمهالله في
دراسة الشروط والوفاء بها.................................... ٢٤٧
تعليقات على كلامه رحمهالله من
رقم ٩ الى رقم ١٤............................. ٢٥١
الباب الثاني / الفصل السادس : مسار الإمامة الإلهية لأربعين
سنة............ ٢٥٦
المرحلة الأولى : على
عهد النبي صلىاللهعليهوآله....................................... ٢٥٦
المرحلة الثانية :
قريش المسلمة تمارس الإمامة الدينية........................... ٢٦٢
بعد النبي صلىاللهعليهوآله
بدلا من أهل البيت عليهمالسلام.................................. ٢٦٢
١. الخلافة القرشية
تفسح المجال لنشر ثقافة أهل الكتاب................... ٢٦٢
٢. الخلافة القرشية
تنهى عن نشر حديث النبي صلىاللهعليهوآله...................... ٢٦٨
٣. قريش المسلمة
والإمامة الدينية....................................... ٢٧٠
المرحلة الثالثة :
الإمامة الهادية على عهد علي عليهالسلام.......................... ٢٧٢
١. إحياء العمل
بالكتاب والسنة وشجب الروايات الإسرائيلية.............. ٢٧٢
٢. الحث على نشر السنة
النبوية وتدوينها............................... ٢٧٣
٣. إحياء إمامة أهل
البيت عليهمالسلام ونفي إمامة غيرهم من قريش............. ٢٧٥
المرحلة الرابعة :
الامام الحسن عليه السالم يؤسس............................. ٢٧٩
المرجعية الدينية
المستقلة عن السلطة........................................ ٢٧٩
ويتنازل عن السلطة
المدنية................................................ ٢٧٩
المرحلة الخامسة :
معاوية يحيي الإمامة الدينية................................ ٢٨٠
القرشية ويسميها خلافة
الله............................................... ٢٨٠
الباب الثاني / الفصل السابع : مقارنة
بين صلح النبي صلىاللهعليهوآله
الحديبية وصلح الحسين عليهالسلام ٢٨١
الخليفة التاريخية
لكلا الصلحين......................................... ٢٨١
الواقع التاريخي
لمجريات صلح الحديبية ونتائجه............................. ٢٨٣
مجريات صلح الحسن عليهالسلام مع
معاوية.................................... ٢٨٧
تحريف الاعلام الأموي
أخبار صلح الحديبية عداوةً لعلي عليهالسلام............... ٢٨٨
الباب الثاني/ الفصل الثامن: مقتطفات من تاريخ الكوفة من سنة ١٤
هـ ـ ١٤٨ هـ ٢٩١
الكوفة قبل الفتح
الإسلامي للعراق وقبل تمصيرها............................ ٢٩١
الكوفة على عهد
الخليفة عمر بن الخطاب ١٤ ـ ٢٣ هجـ (عشر سنوات)....... ٢٩٤
مكرسة لسياسة الخليفتين................................................. ٢٩٤
الكوفة على عهد عثمان
٢٣ ـ ٢٨ هـ قبل انشقاق قريش عليه مكرسة لسيرة.... ٢٩٧
الشيخين (ست سنوات)................................................. ٢٩٧
نهضة علي عليهالسلام
على عهد عثمان سنة ٢٧ هـ لإحياء حج التمتع.............. ٣٠٢
موقف عبد الله بن
مسعود من عثمان.................................... ٣٠٤
الكوفة على عهد علي عليهالسلام.............................................. ٣٠٩
الكوفة في سنوات الصلح
سنوات الفتح المبين لعلي عليهالسلام...................... ٣١١
الكوفة على عهد الغدر
المبين لمعاوية ٥٠ ـ ٦٠ هـ عشر سنوات................ ٣١٢
الكوفة هـ على عهد
نهضة الحسين عليهالسلام وشهادته وحركة سليمان بن صرد....... ٣١٣
ودولة المختار ٦٠ ـ ٦٧.................................................. ٣١٣
الكوفة على عهد ابن
الزبير ٦٧ ـ ٧٢ هـ.................................... ٣١٤
موقف عبد الملك بن
مروان من الكوفة...................................... ٣١٤
الوليد بن عبد الملك
يأمر بإخراج الشيعة العراقيين من الحجاز.................. ٣١٥
وإرجاعهم إلى الكوفة.................................................... ٣١٥
من قتلهم أو روَّعهم
الحجاج من شيعة علي عليهالسلام............................ ٣١٥
كميل بن زياد النخعي
المذحجي (٨٢ هـ) رحمهالله............................ ٣١٥
قيس بن عُباد (٨٢ هـ) رحمهالله............................................ ٣١٩
سعيد بن جبير (٩٥ هـ) رحمهالله........................................... ٣٢١
عطية العوفي (١١٠ هـ) رحمهالله............................................ ٣٢٩
يحيى بن يعمر البصري
الفقيه قاضي مرو.................................. ٣٣٤
دور الامام السجاد
والباقر والصادق عليهمالسلام.................................. ٣٣٦
في الكوفة بعد نهضة
الحسين عليهالسلام......................................... ٣٣٦
الكوفة على عهد هشام
وثورة زيد رحمهالله ١١٢ هـ.............................. ٣٣٦
الكوفة مركز مرجعية
الامام الصادق عليهالسلام................................... ٣٣٨
الكوفة على عهد حركة
ولدي عبد الله بن الحسن المثنى رضياللهعنه.................. ٣٤٢
الخلاصة............................................................. ٣٤٤
الباب الثالث : العباسيون
يحذون حذو الأمويين في تحريف التاريخ.............. ٣٤٧
الباب الثالث / الفصل الأول : تحريف الأمويين للتاريخ...................... ٣٥١
١. ما رواه الزبير بن
بكار في كتابه الموفقيات................................ ٣٥١
٢. ما رواه أبو الفرج
في كتابه الأغاني....................................... ٣٥٤
٣. رواية المدائني في
كتابه الأحداث........................................ ٣٦٠
نموذجان من حديث عروة
في ذم عليّ عليهالسلام............................... ٣٦٦
نموذج من حديث أبي
هريرة في ذم عليّ عليهالسلام............................. ٣٦٧
٤. ما رواه سليم بن
قيس في كتابه......................................... ٣٦٧
الباب الثالث / الفص الثاني : انشقاق العباسيين عن العلويين................. ٣٧١
العباسيون وأطروحتهم
الفكرية والسياسية.................................... ٣٧١
ولد علي بن عبد الله
بن عباس............................................ ٣٧٢
ولد محمد بن علي بن
عبد الله بن عباس.................................... ٣٧٣
تغير ولاء العباسيين
وتبدل أطروحتهم الفكرية................................ ٣٧٣
محمد بن عبد الله بن
الحسن رحمهالله........................................ ٣٧٨
الباب الثالث / الفصل الثالث : سياسة الاعلام العباسي...................... ٣٨٠
اولا : رسالة المنصور
الجوابية إلى محمد...................................... ٣٨٠
ذي النفس الزكية قتل
سنة ١٤٤.......................................... ٣٨٠
ثانيا : خطبة المنصور
في الكوفة............................................ ٣٨٢
سنة ١٤٤ هجرية....................................................... ٣٨٢
ثالثا : حوار الخليفة
المنصور مع مالك بن انس............................... ٣٨٤
رابعا : شعر مروان ابن
أبي حفصة.......................................... ٣٨٨
خامسا : شعر منصور
النَّمِري............................................. ٣٩٠
سادسا : شعر أبان بن عبد
الحميد اللاحقي................................ ٣٩٠
سابعا : شعر ابن
المعتز ٢٤٧ ـ ٢٩٦ هجرية................................ ٣٩٢
خاتمة الفصل الثالث من
الباب الثالث...................................... ٣٩٩
الباب الثالث / الفصل الرابع : الروايات الطاعنة في عقيدة
الوصية بعلي عليهالسلام. ٤٠١
أ. رواية سيف بن عمر
(ت ١٧٠ ـ ١٩٣)................................. ٤٠١
ب. رواية عبد الرحمن
بن مالك بن مغول تـ ١٩٥............................ ٤٠٣
الباب الثالث / الفصل الخامس : كتاب أبي مخنف في مقتل الحسين عليهالسلام... ٤٠٥
الرواية عن الأئمة من
ذرية الحسين عليهالسلام : أهل الشام......................... ٤٠٨
هم قتلة الحسين عليهالسلام.................................................... ٤٠٨
ونصوص التاريخ تؤيد
ذلك............................................... ٤٠٩
طرف من كلمات أهل
البيت عليهمالسلام في الكوفيين............................. ٤١٠
الباب الثالث / الفصل السادس : الروايات الطاعنة في أهل الكوفة
على لسان علي والحسن عليهماالسلام ٤١٢
النموذج الأول : ما
نسبه الرواة إلى علي عليهالسلام قوله : (وددت أني أبيع عشرة منكم برجل من أهل الشام) ٤١٢
تعليقنا على الروايتين................................................... ٤١٤
النموذج الثاني : خطبة
يرويها الشيخي المفيد تنسب إلى علي عليهالسلام فيها طعن على أهل الكوفة ٤٢٥
النموذج الثالث : ما
رواه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ج ١٢ ص ١٦٩.. ٤٣٣
النموذج الرابع :
رواية أبي مخنف وغيره في تفرق الكوفيين بعد النهروان بخلاف رواية أبي عوانة التي
تؤكد ٤٣٥
اجتماع كلمة الكوفيين
على علي عليهالسلام..................................... ٤٣٥
النموذج الخامس:
رواياتموضوعة على لسان الحسن عليهالسلام ضد الكوفيين نذكر منها ٤٣٧
الباب الثالث / الفصل السابع : الروايات الطاعنة في الحسن عليهالسلام........... ٤٤١
روايات الواقدي (٢٠٧
هـ)............................................... ٤٤١
روايات جرير بن حازم
(١٧٥ هـ).......................................... ٤٤٢
رواية سحيم بن حفص
الأنصاري احد شيوخ المدائني (٢٣٨ هـ) وابن سعد...... ٤٤٢
روايات الوضاح اليشكري
الواسطي البصري ابو عوانة (١٧٦ هـ)............... ٤٤٣
رويات إسرائيل بن يونس
(١٦٠ هـ)....................................... ٤٤٤
روايات محمد بن المهلب
الحراني الملقب ب غندر (ت قبل المائتين).............. ٤٤٤
روايات قيس بن الربيع
(١٦٨ هـ).......................................... ٤٤٤
روايات إسماعيل بن
إبراهيم بن عُليَّة البصري (١٩٣ هـ)....................... ٤٤٥
روايات محمد بن أبي
أيوب ت قبل المائتين هجرية............................ ٤٤٦
روايات عبد الأعلى بن
عبد الاعلى الشامي................................. ٤٤٦
البصري (١٨٩ هـ)...................................................... ٤٤٦
روايات عبد الله بن
عون (١٥١ هـ)........................................ ٤٤٧
روايات محمد بن عبيد
(٢٠٤ هـ).......................................... ٤٤٧
روايات عبد الله بن
بكر السهمي البصري (٢٠٨ هـ)......................... ٤٤٩
روايات جميع بن عمر
توفي بحدود المائتين.................................... ٤٥٠
رواية المقدسي في
البدء والتاريخ ت ٥٠٧ هـ................................. ٤٥١
روايات ابن كثير في
البداية والنهاية......................................... ٤٥١
الباب الثالث / الفصل الثامن ملاحظات نقدية حول رواية البخاري
في الصلح وشرح ابن حجر لها ٤٥٣
رواية البخاري في قصة
صلح الحسن عليهالسلام................................... ٤٥٣
شرح ابن حجر لرواية
البخاري مع ملاحظاتنا عليه........................... ٤٥٤
سفيان بن عيينة......................................................... ٤٧٦
محمد بن إسماعيل
البخاري (تـ ٢٥٦ هـ).................................... ٤٨٧
خاتمةالفصل الثامن في
وضع الاخبار على عهد الأمويين والعباسيين............. ٤٨٨
الباب الثالث / الفصل التاسع : الروايات التي تطعن في أهل
الكوفة.......... ٤٩١
رواية عبيد الله بن
أبي زياد الرصافي ت ١٥٨ هـ.............................. ٤٩١
رواية يونس الايلي (ت
١٥٢ ـ ١٥٩ ـ ١٦٠ هـ) ورواية النعمان بن راشد (ت في حدود ١٥٠ هـ) ٤٩٢
رواية عوانة بن الحكم
(١٥٨ هـ)........................................... ٤٩٤
رواية عثمان بن عبد
الرحمن الحراني (٢٠٣ هـ)............................... ٤٩٦
رواية ابن جُعدبة
(توفي زمن المهدي ١٥٦ ـ ١٦٩ هـ)......................... ٤٩٧
رواية جرير بن حازم (١٧٥
هـ)............................................ ٤٩٩
رواية زهير بن معاوية
(١٦٤ ـ ١٧٣ هـ).................................... ٥٠٠
رواية عون بن موسى
الليثي : (توفي قبل المائتين)............................. ٥٠٠
سكين بن عبد العزيز
القطان البصري (ت قبل المائتين)....................... ٥٠١
شريك بن عبد الله
النخعي القاضي (ت ١٧٧ هـ)........................... ٥٠١
الباب الرابع : خلاصة
وخاتمة................................................ ٥٠٥
الباب الرابع / الفصل الاول : شخصية الحسن عليهالسلام
بين الافتراء والواقع..... ٥٠٧
شخصية الامام الحسن عليهالسلام
عند المستشرقين................................ ٥٠٨
مصادر المستشرقين
روايات الإعلام العباسي................................. ٥٠٩
الروايات الطاعنة في
شخصية الحسن عليهالسلام من وضع الامويين والعباسيين........ ٥١٢
شخصية الامام الحسن عليهالسلام في
الروايات الصحيحة.......................... ٥١٣
الباب الرابع / الفصل الثاني : القراءة السائدة للصلح والمشكلات
امامها..... ٥١٧
الروايات التي استندوا
إليها................................................ ٥١٧
رواية ابي الفرج في
مقاتل الطالبيين....................................... ٥١٩
رواية المدايني.......................................................... ٥١٩
تحليل المرجع الراحل
الشهيد محمد باقر الصدر............................... ٥٢٠
المشكلات امام القراءة
السائدة............................................ ٥٢١
الباب الرابع / الفصل الثالث : صلح الامام الحسن عليهالسلام
قراءة جديدة....... ٥٣٠
خلفية الصلحين......................................................... ٥٣٠
مفردات خلفية صلح
النبي صلىاللهعليهوآله مع قريش.................................. ٥٣١
١. انقلاب قريش بعد
عبد المطلب وتحريفهم دين ابراهيم................... ٥٣١
٢. هدف البعثة النبوية
لتحرير دين ابراهيم من بدع قريش.................. ٥٣٣
٣. حروب قريش مع النبي
صلىاللهعليهوآله واعلامها الكاذب........................ ٥٣٣
٤. تحصين القبائل من
التأثر بمحمد صلىاللهعليهوآله بالحرب والاعلام الكاذب......... ٥٣٥
٥. صلح الحديبية
والفتح المؤقت بظهور كذب قريش وحقانية محمد صلىاللهعليهوآله لدى حلفاء قريش وغيرهم ٥٣٦
قريش المشركة وحلفاؤها
ينقضون عهدهم مع النبي صلىاللهعليهوآله.................... ٥٣٨
فتح مكة لمشروع النبي صلىاللهعليهوآله
الى الابد.................................... ٥٣٨
هدم بدعة قريش في الحج
واعلان امامة اهل البيت عليهمالسلام واولهم علي عليهالسلام في الغدير ٥٣٩
فئات المجتمع الاسلامي
في السنة العاشرة من الهجرة........................ ٥٤٠
خليفة مشروع علي عليهالسلام
الاحيائي للسنة النبوية............................. ٥٤٠
١. انقلاب قريش
المسلمة.............................................. ٥٤٠
حالة المسلمين الفكرية
والدينية والسياسية زمن خلافة عثمان سنة ٢٦ هجرية. ٥٤٢
٢. هدف نهضة علي عليهالسلام
اعادة التنزيه الى التوحيد وسيرة الانبياء وتحرير دين محمد صلىاللهعليهوآله من
بدع قريش ٥٤٤
مشروع معاوية........................................................ ٥٤٧
موقف علي عليهالسلام من
خطة قريش....................................... ٥٤٨
٣. حروب قريش مع علي عليهالسلام
واعلامها الكاذب........................ ٥٥٠
٤. تحصين الشام من
التأثر بعلي عليهالسلام بالحرب والاعلام الكاذب............ ٥٥٠
كيانان فكريا وسياسيان
في الامة الاسلامية سنة ٣٩ هجرية................ ٥٥١
شهادة علي عليهالسلام
وبيعة اهل العراق الحسن عليهالسلام وبيعة اهل الشام معاوية..... ٥٥٢
مبادرة معاوية بالصلح
واهدافها.......................................... ٥٥٣
المفاجأة الكبرى في
جواب الحسن عليهالسلام على مبادرة معاوية.................. ٥٥٣
خصائص أطروحة الصلح
المطلوبة....................................... ٥٥٥
العمق الاستراتيجي
للحسن عليهالسلام والتفكير المحدود لمعاوية................... ٥٥٩
٥. الفتح المبين بظهور
باطل معاوية وكذبه وحق علي عليهالسلام وصدقه لدى اهل الشام ٥٦٧
وشهد الناس من الحسن عليهالسلام في
سيرته الشخصية إماماً أيضا على سمت أبيه.. ٥٦٩
انتشار سنة النبي صلىاللهعليهوآله
لدى أهل البلاد المفتوحة شرقاً وغرباً بفضل مشروع علي عليهالسلام
وصلح الحسن عليهالسلام ٥٦٩
الباب الرابع / الفصل الرابع : مسار ثقافة الامة المسلمة..................... ٥٧١
١. ثقافة المجتمع
الاسلامي من سنة ١٣ ق. م الى سنة ١٠ هجرية............. ٥٧١
٢. ثقافة الانقلاب
القرشي الاول ١١ الى ٣٥ هجرية........................ ٥٧٢
٣. ثقافة مشروع نهضة
علي عليهالسلام في ذي القعدة سنة ٢٧ هـ الى رمضان سنة ٤٠ هـ تحت شعار (ما كنت
لأدع سنة رسول الله لقول احد من الناس). العودة الى
الكتاب والسنة والتعددية المذهبية في النصف الشرقي من البلاد الاسلامية ٥٧٣
٤. ثقافة اهل الشام
ايام علي عليهالسلام ٣٥ ـ ٤٠ هـ............................ ٥٧٣
٥. ثقافة اهل الشام في
السنوات ٤١ الى ٥٠ هجرية......................... ٥٧٤
٦. ثقافة الامة كلها
على عهد الدولة الاموية (٥١ ـ ١٣٢ هـ) (٨١ سنة)...... ٥٧٥
٧. شهادة الحسين عليهالسلام
وظلامته تفتح الطريق لثقافة مشروع علي عليهالسلام (٦١ هـ إلى ظهور المهدي) ٥٧٧
٨. بقيت الشام بعد
شهادة الحسين عليهالسلام مركزا لثقافة المشروع الاموي.......... ٥٧٨
الباب الرابع / الفصل الخامس............................................. ٥٧٩
خلاصة في المقارنة بين مراحل سير مشروعين............................... ٥٧٩
جدول مقارن بهذا
الخلاصة................................................ ٥٨٢
خاتمة الكتاب............................................................ ٥٨٩
فهرس المصادر........................................................... ٥٩١
فهرس المحتويات......................................................... ٦٠٥
|