
|
اللآلئ العبقرية
في
شرح العينية الحميرية
|
روى المرزباني ، قال : حدثني فضيل بن
عمر الحبال ، قال : دخلت على أبي عبد الله 7
بعد قتل زيد 7 فجعل يبكي ،
ويقول : رحم الله زيداً انّه العالم الصدوق ، ولو ملك أمراً لعرف أين يضعه.
فقلت : أنشدك شعر السيد؟ فقال : امهل
قليلاً ، وأمر بستور ، فسدلت ، وفتحت أبواب غير الأُولى ، ثمّ قال : هات ما عندك
فأنشدته :
لأُم عمرو باللوى مربع
|
|
دارسة أعلامه بلقع
|
( أخبار شهراء الشيعة : ١٥٩ ).
تقديم
بقلم : جعفر السبحاني
بسم الله الرحمن الرحيم
يتميّز الإنسان عن سائر الموجودات
بالتفكير وهو موهبة عظيمة ، كرّمه اللّه بها ، وراح يعكس تفكيره من خلال الكلام
إمّا منثوراً أو منظوماً ، فالكلام المنثور هو ما يتكلّم به ارتجالاً ، والثاني
عبارة عن الكلام الموزون المقفّى الذي لا يحصل إلا بالتروّي والأناة.
ثمّ إنّ للإنسان نزوعاً إلى هذا النوع
من الكلام قد يبلغ به تهييج العواطف والتذاذ الأسماع بمكان أنّه ربما يفقد وعيه.
والشعر في الوقت نفسه سلاح شديد الوقع ، فإن استعمله الشاعر في الحماسة هاجت النفس
لاقتحام الردى والهلكة ، وإن استغله في الاستعطاف والاستعطاء حرك العواطف وهيّجها ،
وإن استعان به في التشبيب أغرى الأفئدة بالهوى والمجون ، إلى غير ذلك من غايات
خاصّة للشعر على وجه الإطلاق ، كما أنّه سلاح ذو حدين ، فالشعر الهادف هو ما يبني
المجتمع ويوقظ الشعب ويسوقه نحو العلم والصلاح والفلاح ، وغير الهادف منه هو ما
يكرّس النزعات الأنانية في المجتمع ويسير به نحو هاوية الانحطاط ، ويبعثه نحو
الانحلال الخلقي ، وللّه در الشيخ محمد رضا الشبيبي شاعر العراق الفحل إذ
يقول :
كفى الشعر ذمّاً إنّ للشعر قائلاً
|
|
وما هو إلاّقائل غير فاعل
|
ولا خير في شعر إذا لم يقم به
|
|
خمولُ نبيه أو بناهةُ خامل
|
إذا قلت انّ الشعر بحر غبنته
|
|
متى يستقيم البحر من غير ساحل
|
قرائحنا منها بحور خضارم
|
|
ومنها إذا جربت رشحُ الجداول
|
وأجمعُ أقوال الرجال أسدُّها
|
|
معان كبار في حروف قلائل
|
فالحقّ كما قال الشبيبي انّ قيمة الشعر
بمعناه وبتأثيره الخطير في إيقاظ المجتمع ، فربَّ قصيدة كثيرة الأبيات لا تجد فيها
كلمة حكيمة تُسعد الإنسان في حياته أو تصدّه عن مزالقه.
ورب بيت واحد يفضَّل على قصيدة ، لأنّه
ينشد إلى حكمة بالغة يأخذ بيد الإنسان في مزالق الحياة ، وقد أشار إلى ذلك الشاعر
المذكور.
__________________
وقد يبلغ البيت البليغ قصيدة
|
|
مطوّلة لكن على غير طائل
|
وقد يبلغ اللفظ القصير رسالة
|
|
إذا عدَّت الألفاظ روحَ الرسائل
|
ويا للأسف انّ الشعراء لم يجروا على
حلبة واحدة ، فهم بين مصلح بنّاء ، ومفسد هدّام مثير للميوعات :
يقول امرؤ القيس في معلّقته :
أفاطم مَهْلاً بَعْضَ هذا التَّدلُّل
|
|
وإن كُنتِ قَدْ ازمَعْتِ صَرْمي
فاجملي
|
أغرَّكِ منّي أنّ حُبَّكِ قاتِلي
|
|
وأنّك مهما تأمرى القَلْبَ يفعل
|
وإن تك قد ساءَتْكِ مِنِّي خليقة
|
|
فسُلِّي ثيابي من ثيابكِ تَنْسُلِ
|
وما زَرَفَتْ عيْناكِ إلاّ لِتَضْربي
|
|
بِسَهميك في أعشار قلب مُقتَّل
|
وبيضةِ خِدْر لا يُرامُ خِباؤها
|
|
تَمتَّعْتُ من لهو بها غير مُعجَلِ
|
__________________
وهناك من يبعث روح الشجاعة والتضحية
والفداء في المجتمع ويحثّه في المضي قُدماً في سلالم العز والكمال ، وهذا ما نلمسه
بوضوح في الأبيات التالية لعميد الدين المعروف بالطغرائي ( المتوفّى عام ٥١٠ هـ )
في لاميته المعروفة بلامية العجم :
حبّ السلامة يُثني همّ صاحبه
|
|
عن المعالي ويُغري المرء بالكسلِ
|
فإن جنحتَ إليه فاتخذ نفقاً
|
|
في الأرض أو سُلّماً في الجوِّ
واعتزلِ
|
لو كان في شرف المأوى بلوغُ منى
|
|
لم تبرح الشمس يوماً دارة الحملِ
|
وشأنَ صدقك عند الناس كذبهم
|
|
وهل يطابق معوجّ بمعتدلِ
|
ملك القناعة لا يُخشى عليه ولا
|
|
يحتاج فيه إلى الأنصار والخولِ
|
ترجو البقاء بدار لا ثبات لها
|
|
فهل سمعت بظل غير منتقلِ
|
وما نرى في الذكر الحكيم من ذم للشعراء
، يقول سبحانه : ( وَالشُّعَراءُ يَتِّبعُهُم الغاوُون * أَلَمْ
تَرَ أنَّهُمْ فِي كُلِّ واد يهيمُون * وَانَّهُمْ يَقُولونَ ما لا يَفْعَلُون )
__________________
فهو راجع إلى
الشعراء الذين لا همّ لهم سوى الحصول على المزيد من حطام الدنيا من خلال مدح ذوي
الجاه والمقام أملاً في نيل عطائهم ، أو إثارة شهواته الجامحة التي تعصف بالمجتمع
في ورطة الانحلال الاخلاقي.
ثمّ إنّه سبحانه لا ينظر إلى الجميع على
حدّ سواء بل يستثني منهم طائفة ، بقوله : ( إِلاّ الّذينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَذَكَروُا اللّه كَثِيراً وَانْتَصروا مِنْ
بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الّذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلب يَنْقَلِبُون ) .
وبذلك يتبين موقف الأحاديث الواردة في
هذا المضمار ، فهي بين مندِّدة بالشعر وبين مادحة له ، كما في قوله :
إنّ من الشعر لحكمة ، وإنّ من البيان
لسحرا.
وقد كان الشعر هو الوسيلة الوحيدة
للإعلام وآثارة العواطف والأحاسيس وبثّ الأفكار من خلاله ، وكان للشعر والشعراء في
عصر النبي 6 وبعده مقام
شامخ ، وكان أئمّة أهل البيت :
يغدقون عليهم بالعطايا والصلات.
قال البراء بن عازب : إنّ رسول اللّه 6 قيل له : إنّ أبا سفيان بن حارث بن عبد
المطلب يهجوك ، فقام عبد اللّه بن رواحة فقال : يا رسول اللّه : ائذن لي فيه ،
فقال : « أنت الذي تقول ثبَّت اللّه » ، قال : نعم ، قلت يا رسول اللّه.
فثبت اللّه ما أعطاك من حسن
|
|
تثبيت موسى ونصراً مثل ما نصروا
|
قال 6
: « وأنت يفعل اللّه بك خيراً مثل ذلك ».
__________________
وقد أنشد كعب بن زهير قصيدته التي قالها
في مدح النبي في مسجده الشريف ، وآلتي مطلعها :
بانت سُعادُ فقلبي اليوم متبول
|
|
متيم إثرَها لم يفد مكْبولُ
|
قال الحاكم : لما أنشد كعب قصيدته هذه
لرسول اللّه ، وبلغ قوله :
إنّ الرسول لسيفٌ يُستضاء به
|
|
وصارمٌ من سيوف اللّه مسلول
|
أشار 6
بكمه إلى الخلق ليسمعوا منه.
ويروى أنّ كعباً أنشد « من سيوف الهند »
فقال النبي 6 : من سيوف
اللّه.
قال المقريزي في حوادث السنة الثامنة من
الهجرة : ففي هذه السنة كان إسلام كعب بن زهير بن أبي سُلمى ، فأسلم وقدم على رسول
اللّه المدينة وأنشده القصيدة فكساه بُردة كانت عليه ، وقال ابن قتيبة : أعطى رسول
اللّه كعب بن زهير راحلة وبُردًا ، فباع البُرد من معاوية بعشرين ألفاً ، فهو عند
الخلفاء إلى اليوم.
وقد تأسّى أئمّة العترة الطاهرة بالنبي 6 في تكريم الشعراء المجاهرين بولائهم ،
المخلصين من الذين كانوا ينظمون القريض لغايات دينيّة ، معرضين عن التردّد على
بلاط الخلفاء الأمويين والعباسيين ، وقد كان لشعرهم يومذاك تأثير بالغ في قلوب
الناس ، وإيقاظ ضمائرهم ، ولهذا الهدف الأسمى كان أئمّة أهل البيت يبجّلون بشعرهم
ويدعون لهم ويغدقون عليهم بالصلات ، ولهذه الغاية راجت بين شيعة أئمّة أهل البيت
ميميّة الفرزدق ، وهاشميّات الكميت ، وعينية الحميري ، وتائية دعبل الخزاعي ،
وميميّة الأمير أبي فراس ، وكانوا يحفظونها
__________________
وينشدونها في
مجالسهم ومحافلهم ، فصارت هذه القصائد كالسيف الصارم بيد الموالين.
ومن هذه الطليعة الشاعر المفلق المكْثر
لثناء أهل البيت السيد الحميري الذي نحن بصدد التقديم له وللشرح الذي قام به نابغة
عصره الشيخ بهاء الدين الاصبهاني المعروف ب « الفاضل الهندي » ، فيلزم علينا
الإلمام بترجمة الشاعر أوّلاً ، ثمّ الشارح ثانياً حسب ما تقتضيه الحال.
السيد الحميري
هو إسماعيل ، وكنيته أبو هاشم ، بن محمد
بن يزيد بن وداع الحِمْيري الملقب بالسيد ، وانّه من بني حدّان تزوّج بها أبوه ،
لأنّه كان نازلاً فيهم ، ولد عام ١٠٥ هـ
، بعُمان ونشأ في البصرة في حضانة والديه الإباضيّين إلى أن عقل وشعر فهاجرهما وآتصل
بالأمير عقبة بن مسلم وتزلّف لديه حتى مات والداه ، فورثهما ـ كما سيوافيك خبره ـ
ثمّ غادر البصرة إلى الكوفة وأخذ فيها الحديث عن الأعمش وعاش متردّداً بينهما. ومات
عام ١٧٣ هـ.
ترجمه غير واحد من رجال الفريقين نذكر
نصوصهم :
١. فقد ذكره الشيخ الطوسي في رجاله في
أصحاب الإمام الصادق 7
، قال : إسماعيل بن محمد الحميري ، السيد الشاعر يكنّى أبا عامر.
٢. وذكر في الفهرست ، وقال : السيد بن
محمد ، أخباره تأليف الصولي ،
__________________
أخبرنا بها ابن
عبدون عن أبي بكر الدوري عن الصولي.
٣. ولم يترجمه النجاشي مستقلاً ، وإنّما
ذكر من جمع أخباره وسيوافيك أسماء من جمع أخبار السيد.
٤. وقال ابن شهر آشوب في المعالم في فصل
الشعراء المجاهدين :
السيد أبو هاشم إسماعيل بن محمد بن يزيد
( بن محمد )
بن وداع بن
مفرغ الحميري.
من أصحاب الصادق 7 ولقي الكاظم 7 وكان في بدء الأمر خارجياً ثمّ
كيسانيّاً ثمّ إمامياً.
٥. وقال العلاّمة في الخلاصة في القسم
الأوّل من الباب الثاني من فصل الهمزة.
إسماعيل بن محمد الحميري : ثقة ، جليل
القدر ، عظيم الشأن والمنزلة ;.
إلى غير ذلك من كلمات الإطراء في حقّه
في معاجم أصحابنا ، وأمّا ما ذكره غيرهم ، فإليك نصوص بعضها :
٦. قال ابن عبد ربّه : السيد الحميري
وهو رأس الشيعة ، وكانت الشيعة من تعظيمها له تلقي له الوسادة في مسجد الكوفة.
٧. وقال أبو الفرج الاصفهاني ( المتوفّى
عام ٣٥٦ هـ ) : كان السيد شاعراً
__________________
متقدماً مطبوعاً ،
يقال له انّ أكثر الناس شعراً في الجاهلية وآلإسلام ثلاثة : بشّار ، أبو العتاهية
، والسيد ، فانّه لا يعلم انّ أحداً قدر على تحصيل شعر أحد منهم أجمع.
كان السيد أسمر ، تامّ القامة ، أشنب ، ذا وفرة ، حسن الألفاظ ، جميل الخطاب
، إذا تحدث في محل قوم أعطى كلّ رجل في المجلس نصيبه من حديثه.
٨. ونقل عن التوزي ، أنّه قال : رأى
الأصمعي جزءاً فيه من شعر السيد ، فسترته عنه لعلمي بما عنده فيه ، فأقسم عليّ ان
أخبره فأخبرته ، فقال : أنشدني قصيدة منه ، فأنشدته قصيدة ثمّ أُُخرى ، وهو
يستزيدني ، ثمّ قال : قبّحه اللّه ما أسلكه لطريق الفحول! لولا مذهبه ، ولولا ما
في شعره ما قدمت عليه أحداً من طبقته.
أقول
: « كلّ إناء بالّذي فيه ينضح » ، انّ الاصمعي ناصبي عنيد يبغض علي بن
أبي طالب 7 والعترة
الطاهرة : فلا غرو في
أن يدعو على السيد بما عرفت ، ولكن مع ذلك لم يستطع أن يُسدل الستار على عظمة
السيد في مجال الشعر ، وانّه سلك طريق الفحول في عالم القريض ، ويتلوه في المذهب
والإطراء أبو عبيدة ، ومع ذلك يقول في حقّ السيد أشعر المُحْدَثِين السيّد الحميري
وبشار.
٩. وروى عمر بن شبّة ، قال : أتيت أبا
عبيدة معمر بن المثنى يوماً وعنده رجل من بني هاشم يقرأ عليه كتاباً ، فلمّا رآني
أطبقه ، فقال له أبو عبيدة : إنّ أبا
__________________
زيد ليس ممن يحتشم
منه فأقرأ ، فأخذ الكتاب وجعل يقرأه ، فإذا هو شعر السيد ، فجعل أبو عبيدة يُعجب
منه ويستحسنه ، قال أبو زيد : وكان أبو عبيدة يرويه ، قال : وسمعت محمد بن أبي بكر
المقدمي ، سمعت جعفر بن سليمان الضُّبعي ينشد شعر السيد.
١٠. وحكى عن الموصلي عن عمِّه ، قال :
جمعت للسيد في بني هاشم الفين وثلاثمائة قصيدة فخِلْتُ أن قد استوعبت شعره حتى جلس
إليّ يوماً رجل ذو أطمار رثّة ، فسمعني أنشد شيئاً من شعره فأنشدني له ثلاث قصائد
لم تكن عندي ، فقلت في نفسي لو كان هذا يعلم ما عندي كلّه ، ثمّ أنشدني بعده ما
ليس عندي ، لكان عجيباً ، فكيف وهو لا يعلم وإنّما أنشد ما حضره ، وعرفت حينئذ انّ
شعره ممّا لا يدرك ولا يمكن جمعه كلّه.
١١. قال غانم الوراق : خرجت إلى بادية
البصرة فصرت إلى عمر بن تميم ، فأثبتني بعضهم ، فقال : هذا الشيخ واللّه راوية ،
فجلسوا إليّ وأنسوا بي وأنشدتهم وبدأت بشعر ذي الرمة ، فعرفوه ، وبشعر جرير
فعرفوهما ثمّ أنشدتهم للسيد.
قال : فجعلوا يمرقون لإنشادي ويطربون ،
وقالوا : لمن هذا ، فأعلمتهم ، فقالوا : هو واللّه أحد المطبوعين ، لا واللّه ما
بقي في هذا الزمان مثله.
١٢. قال الزبير بن بكار : سمعت عمي يقول
: لو انّ قصيدة السيد التي يقول فيها:
انّ يوم التطهير يوم عظيم
|
|
خصَّ بالفضل فيه أهل الكسا
|
__________________
قرأت على منبر ما
كان فيها بأس ولو انّ شعره كله كان مثله لرويناه وما عيّبناه.
١٣. حدث الحسين بن ثابت ، قال : قدم
علينا بدويّ ، وكان أروى الناس لجرير ، فكان ينشدني الشيء من شعره ، فأُنشد في
معناه للسيد حتى أكثرتُ ، فقال لي : ويحك! من هذا؟ هو واللّه ، أشعر من صاحبنا.
وهذه الكلمات التي نقلها ابي الفرج
الاصفهاني تعرب عن تضلّع السيد في الأدب العربي وبلوغه الذروة في القريض بحيث لا يجاريه
فيه أحد ، وقد نال اعجاب عباقرة الشعر وجهابذة الأدب ، ولولا كفاحه ونضاله وتهالكه
في حب أهل البيت ، ومناهضته للجهاز الأموي وآلعباسي ، لحظي بمكانة مرموقة في بلاط
الخلفاء ، وعلى الرغم من ذلك ، فقد شهدت بفضله الأعداء ، والفضل ما شهدت به
الأعداء ، وقد أتاح سبحانه لسان أعدائه على تمجيده وتعظيمه.
أُسرة
السيد
والعجب انّ أُسرة السيد الحميري كانت من
بني حمير الذين قطنوا عمان وكانوا أباضية المذهب يكنُّون العداء لعلي بن أبي طالب 7. وعلى الرغم من كلّ ذلك فقد ظهر من هذا
المنبت السوء ، موال لأهل البيت :
، مخلص في حبهم ، ذابّ عن حريم ولايتهم بشعره وبيانه وجسمه وروحه ، على نحو لم يُر
له مثيل فيمن غبر.
روى سليمان بن أبي شيخ عن أبيه : انّ
أبوي السيد كانا إباضيّين ، وكان منزلهما بالبصرة في غرفة بني ضبّة ، وكان السيد
يقول : طالما سُبّ أمير المؤمنين في
__________________
هذه الغرفة ، فإذا
سئل عن التشيّع من أين وقع له ، قال : غاصت عليَّ الرحمة غوصاً.
وروي عن السيد انّ أبويه لما علما
بمذهبه همّا بقتله ، فأتى عقبة بن سلم الهنائي ، فأخبره بذلك فأجاره وبوأه منزلاً
وهبه له فكان فيه حتى ماتا فورثهما.
وقال إسماعيل بن الساحر راوية السيد :
كنت عنده يوماً في جناح له ، فأجال بصره فيه ، ثم قال : يا إسماعيل طال واللّه ما
شُتم أمير المؤمنين عليّ في هذا الجناح ، قلت ومن كان يفعل؟ قال : أبواي.
وقال المرزباني بسنده عن العباسة بنت
السيد ، قالت : قال لي أبي : كنت وأنا صبيّ أسمع أبويّ يثلبان أمير المؤمنين 7 فأخرج عنهما وأبقى جائعاً ، وأوثر ذلك
على الرجوع إليهما فأبيت في المساجد جائعاً لحبّي فراقهما وبغضي إياهما حتى إذا
أجهدني الجوع رجعت فأكلت ثمّ خرجت ، فلمّا كبرت قليلاً وعقلت وبدأت أقول الشعر.
قلت لأبويّ : إنّ لي عليكما حقاً يصغر
عند حقّكما عليّ فجنِّباني إذا حضرتكما ذكر أمير المؤمنين 7 ، بسوء ، فإنّ ذلك يزعجني وأكره
عقوقكما بمقالتكما ، فتماديا في غيّهما ، فانتقلت عنهما ، وكتبت إليهما شعراً ،
وهو :
خف يا محمّد فالق الاصباح
|
|
وأزل فساد الدين بالإصلاح
|
__________________
أتسبّ صنو محمّد ووصيه
|
|
ترجو بذلك الفوز بالإنجاح
|
هيهات قد بعدت عليك وقرّبا
|
|
منك العذاب وقابض الأرواح
|
أوصى النبي له بخير وصية
|
|
يوم الغدير بأبين الأفصاح
|
فتواعداني بالقتل ، فأتيت الأمير عقبة
بن مسلم فأخبرته خبري ، فقال لي : لا تقربهما ، وأعدّ لي منزلاً أمر لي فيه بما
أحتاج إليه وأجرى عليَّ جراية تفضل عن مؤنتي.
تفانيه في حبّ أهل البيت : ونشر مناقبهم
إنّ الأثر البارز في حياة السيد هو
تفانيه في حبّ أئمّة أهل البيت :
ونشر مناقبهم بقريظه وشعره وبيانه ولسانه ، ونقده اللاذع لأعداء العترة الطاهرة
ومناوئيهم ، على نحو لا يرضى أن يتبوّأ مجلساً ليس فيه ذكر لأحمد ولا لوصيه 7.
روى أبو الفرج الاصبهاني ، عن الحسن بن
علي بن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي : كنا جلوساً عند أبي عمرو بن العلا فتذاكرنا
السيد ، فجاء فجلس
__________________
وخضنا في ذكر الزرع
والنخل ساعة فنهض ، فقلنا : يا أبا هاشم ، مِمّ القيام؟ فقال :
انّي لأكره ان أطيل بمجلس
|
|
لا ذكرَ فيه لفضل آل محمّد
|
لا ذكر فيه لأحمد ووصيه
|
|
وبنيه ذلك مجلس نظف ردئ
|
انّ الذي ينساهم في مجلس
|
|
حتى يفارقه لغير مسدّد
|
وهناك وثائق تاريخية تعرب عن إخلاص
السيد وولائه المنقطع النظير للعترة الطاهرة ، نقتطف منها هذه الشذرات ، فانّ
الاستيعاب يطيل بنا الكلام.
١. ذكر التميمي ـ وهو علي بن إسماعيل ـ
عن أبيه ، قال : كنت عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق 7 إذ استأذنه آذنه للسيد ، فأمر بايصاله
، وأقعد حرمه خلف ستر ، ودخل فسلم وجلس ، فاستنشده ، فأنشده قوله :
أمْرُر على جدث الحسيـ
|
|
ـن فقل لأعظُمه الزكيّه
|
آ أعظُماً لا زلت من
|
|
وَطفَاء ساكبةٍ رَويّه
|
__________________
وإذا مررت بقبره
|
|
فأطل به وَقف المطيّه
|
وأبكِ المطهَّر للمطـ
|
|
ـهّر والمطهَّرة النقيّه
|
كبُكاء مُعولة أتت
|
|
يوماً لواحدها المنيّه
|
قال : فرأيت دموع جعفر بن محمد تنحدر
على خديه ، وارتفع الصراخ والبكاء من داره ، حتى أمره بالإمساك فأمسك.
٢. روى الشيخ ابن قولويه ( المتوفّى عام
٣٦٧ هـ ) بسنده عن أبي هارون المكفوف : قال : دخلت على أبي عبد اللّه 7 ، فقال لي : أنشدني ، فأنشدته ، فقال :
لا ، كما تنشدون ، وكما ترثيه عند قبره ، قال فأنشدته.
امرر على جدث الحسين
|
|
فقل لأعظمه الزكيّه
|
قال : فلما بكى أمسكت أنا ، فقال : مر ،
فمررت ، قال : ثمّ قال : زدني زدني ، قال : فأنشدته :
يا مريم قومي فاندبي مولاك
|
|
وعلى الحسين فاسعدي ببكاك
|
قال : فبكى وتهايج النساء
٣. روى أبو سليمان الناجي ، ومحمد بن
حليم الأعرج ، قالا :
__________________
كان السيد إذا استنشد شيئاً من شعره لم
يبدأ بشيء إلاّبقوله :
أجَدّبآل فاطمةَ البكورُ
|
|
فدمعُ العين منهمر غزير
|
وهناك منام صادق ينمُّ عن أنّ البيت
المزبور حظى بإعجاب الرسول 6.
حدث إبراهيم بن هاشم العبدي البصري ،
قال : رأيت النبي 6
في المنام وبين يديه السيد الشاعر وهو ينشد :
أجدّ بآل فاطمة البكور
|
|
فدمع العين منهمر غزير
|
حتى أنشده إيّاها على آخرها وهو يسمع :
قال : فحدثت هذا الحديث رجلاً جمعتني
وإيّاه طوس عند قبر علي بن موسى الرضا ، فقال لي : واللّه لقد كنت على خلاف فرأيت
النبي 6 في المنام
وبين يديه رجل ينشد :
أجدّ بآل فاطمة البكور
|
|
......................................
|
إلى آخرها ، فاستيقظت من نومي وقد رسخ
في قلبي من حبّ علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ما كنت أعتقده.
قال إسحاق : وسمعت العتبي ، يقول : ليس
في عصرنا هذا أحسن مذهباً في شعره ولا أنقى ألفاظاً من السيد ، ثمّ قال لبعض من
حضر : أنشدنا قصيدته اللامية التي أنشدتناها اليوم ، فأنشده قوله :
هل عند من أحببت تنويل
|
|
أم لا فانّ اللوم تضليل
|
__________________
يقول فيها :
أقسم باللّه وآلائه
|
|
والمرء عمّا قال مسؤول
|
إنّ علي بن أبي طالب
|
|
على التقى والبرِّ مجبول
|
فقال العتبي :
أحسن واللّه ما شاء ، هذا وآللّه الشعر
الذي يهجم على القلب بلا حجاب.
٤. سمع السيد محدّثاً يحدِّث أنّ النبي 6 كان ساجداً فركب الحسن والحسين على
ظهره ، فقال عمر : نعم المطيّ مطّيكما ، فقال النبي 6
: ونعم الراكبان هما.
فانصرف السيد من فوره ، وقال في ذلك :
أتى حسناً والحسين النبي
|
|
وقد جلسا حجرةً يلعبان
|
ففدّاهما ثمّ حيّاهما
|
|
وكانا لديه بذاك المكان
|
فراحا وتحتهما عاتقاه
|
|
فنعم المطيّة والراكبان
|
وليدان أُمّهما برّة
|
|
حَصَان مطهّرة للحَصَان
|
وشيخهما ابن أبي طالب
|
|
فنعم الوليدان والوالدان
|
خليليّ لا تُرجيا وأعلما
|
|
بأنّ الهدى غير ما تزعُمان
|
وأنّ عَمَى الشكّ بعد اليقين
|
|
وضعفَ البصيرة بعد العيان
|
ضلال فلا تَلْجَجا فيهما
|
|
فبئست لعمركُما الخصلتان
|
أيُرجى عليٌّ إمام الهدى
|
|
وعثمانُ ما أعند المُرجيان
|
__________________
ويُرجى ابنُ حربٍ وأشياعه
|
|
وهُوجُ الخوارج بالنَّهروان
|
يكون إمامَهم في المعاد
|
|
خبيثُ الهوى مؤمن الشَّيصَبان
|
إلى غير ذلك من قصائد جمة ذكر فيها
فضائل الإمام علي وأهل بيته :.
ويكفيك في ذلك ما ذكره المعتز في طبقاته
:
كان السيد أحذق الناس بسوق الأحاديث
والأخبار والمناقب في الشعر لم يترك لعلي بن أبي طالب فضيلة معروفة إلاّ نقلها إلى
الشعر ، وكان يملّه الحضور في محتشد لا يذكر فيه آل محمّد صلوات اللّه عليهم ، ولم
يأنس بحفلة تخلو عن ذكرهم.
وممّا تجدر الإشارة إليه انّ أكثر شعراء
العصر الأموي والعباسي قد أنكبّوا على عتبة بلاط الجهاز الحاكم رغبة منهم في الصلة
والعطايا ، ولكن السيد تنزّه عن هذه الوصمة وآناخ راحلته على عتبة أئمّة أهل البيت
: فلم يمدح
شخصاً إلاّ لضرورة ، ولذلك تجد انّه يعيب البشار في شعره لما مدح من ليس أهلاً له
، فأقبل عليه ، وقال :
أيّها المادح العباد ليُعطى
|
|
إنّ للّه ما بأيدي العباد
|
فاسأل اللّه ما طلبت إليهم
|
|
وارجُ نفع المنزِّل العوّاد
|
لا تقُل في الجواد ما ليس فيه
|
|
وتسمّي البخيل باسم الجواد
|
قال بشار : من هذا؟ فعرفَه ، فقال لولا
أنّ هذا الرجل قد شُغل عنّا بمدح
__________________
بني هاشم لشغلنا ،
ولو شاركنا في مذهبنا لأتعبنا.
كما نقل انّ السيد دخل على المهدي لما
بايع لابنيه موسى وهارون ، فانشأ يقول :
ما بال مجرى دمعك الساجم
|
|
أمن قذىً بات بها لازم
|
أم من هوى أنت له ساهر
|
|
صبابة من قلبك الهائم
|
آليت لا أمدح ذا نائل
|
|
من معشر غير بني هاشم
|
أولتهم عندي يد المصطفى
|
|
ذي الفضل والمنّ أبي القاسم
|
فانّها بيضاء محمودة
|
|
جزاؤها الشكر على العالم
|
جزاؤها حفظ أبي جعفر
|
|
خليفة الرحمن والقائم
|
وطاعة المهدي ثمّ ابنه
|
|
موسى على ذي الإربة الحازمِ
|
وللرشيد الرابع المرتضى
|
|
مفترض من حقّه اللاّزم
|
ملكهُم خمسون معدودة
|
|
برَغم أنف الحاسد الرّاغم
|
ليس علينا ما بقُوا غيرهم
|
|
في هذه الأُمّة من حاكم
|
حتى يَردّوها إلى هابط
|
|
عليه عيسى منهم ناجم
|
وقد بلغ السيد في إخلاصه لأهل البيت
انّه كان يجاهر بعقيدته ومودته لهم في مجلس الخلفاء وإن وُشي عليه ما وشي ولم يكن
يتقي في ذلك أبداً.
__________________
روى عبد اللّه بن أبي بكر العتكي انّ
أبا الخلاّل العتكي دخل على عقبة بن مسلم والسيد عنده ، وقد أمر له بجائزة ، وكان
أبو الخلاّل شيخ العشيرة وكبيرها ، فقال له : أيُّها الأمير ، أتعطي هذه العطايا
رجلاً ما يَفتُرُ عن سبّ أبي بكر وعمر! ، فقال له عقبة : ماعلمت ذاك ولا أعطيته
إلاّ على العشرة والمودة القديمة وما يُوجبه حقُّه وجواره مع ما هو عليه من موالاة
قوم يلزمنا حقُّهم ورعايتهم.
فقال له أبو الخلاّل : فمره إن كان
صادقاً أن يمدح أبا بكر وعمر حتى نعرف براءته مما ينسب إليه من الرفض ، فقال : قد
سمعك ، فإن شاء فعل ، فقال السيد :
إذا أنا لم أحفظ وصاة محمد
|
|
ولا عهده يوم الغدير المؤكّدا
|
فإنّي كمن يشري الضّلالة بالهدى
|
|
تنصَّر من بعد التّقى وتهوّدا
|
ومالي وتيم أو عديَّ وانّما
|
|
أُولو نعمتي في اللّه من آل أحمد
|
تتم صلاتي بالصلاة عليهم
|
|
وليست صلاتي بعد أن أتشهدا
|
بكاملة إن لم أصلِّ عليهم
|
|
وأدعُ لهم ربّاً كريماً ممجَّدا
|
بذلت لهم ودّي ونصحي ونصرتي
|
|
مدى الدهر ما سمّيت ياصاح سيداً
|
وإنّ امراً يلحى على صدق ودّهم
|
|
أحقّ وأولى فيهم أن يُفنّدا
|
فإن شئت فاختر عاجل الغم ضِلّةً
|
|
وإلاّ فأمسك كي تصان وتُحمدا
|
ثمّ نهض مغضباً ، فقام أبو الخلاّل إلى
عُقبة ، فقال : أعِذْني من شرِّه ، أعاذك اللّه من السوء أيّها الأمير.
قال : قد فعلت على ألاّ تعْرضَ له
بعدها.
__________________
ارتجاله في إنشاء الشعر
روى أبو الفرج الاصبهاني : كان السيد
يأتي الأعمش فيكتب عنه فضائل علي « رضي اللّه عنه » ويخرج من عنده ، ويقول في تلك
المعاني شعراً ، فخرج ذات يوم من عند بعض أُمراء الكوفة وقد حمله على فرس وخلع
عليه ، فوقف بالكُناسة ، ثمّ قال : يا معشر الكوفيّين ، من جاءني منكم بفضيلة لعلي
بن أبي طالب لم أقل فيها شعراً أعطيته فرسي هذا وما عليَّ. فجعلوا يحدّثونه
وينشدهم ، حتى أتاه رجل منهم ، وقال : إنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب « رضي
اللّه تعالى عنه » عزم على الركوب ، فلبس ثيابه وأراد لُبس الخُفّ فلبس أحد خُفّيه
، ثمّ أهوى إلى الآخر ليأخذه فانقضّ عقاب من السماء فحلّق به ثمّ ألقاه فسقط منه
أسود وانساب فدخل حُجراً ، فلبس عليّ رضي اللّه عنه الخُفّ قال : ولم يكن قال في
ذلك شيئاً ، ففكّر هنيهة ، ثمّ قال :
ألا يا قوم للعجب العجاب
|
|
لخُفّ أبي الحسين وللحُبابِ
|
أتى خُفّاً له وانساب فيه
|
|
لينْهش رجله منه بنابِ
|
فخرّمن السماء له عُقاب
|
|
من العِقْبان أو شبه العقابِ
|
فطار به فحلّق ثمّ أهوى
|
|
به للأرض من دون السّحابِ
|
إلى جُحر له فانساب فيه
|
|
بعيد القعر لم يُرتج ببابِ
|
كريهُ الوجه اسودُ ذو بصيص
|
|
حديدُ النّاب أزرق ذو لُعابِ
|
ودوفِع عن أبي حسن عليٍّ
|
|
نقيعُ سمامه بعد انسيابِ
|
__________________
وزاد المرزباني بعد نقل القصة : ثمّ حرك
فرسه وثناها وآعطى ما كان معه من المال والفرس للذي روى له الخبر ، وقال : إنّي لم
أكن قلت في هذا شيئاً.
صلته الوثيقة بالإمام الصادق
7
إنّ أئمّة أهل البيت كانوا يُثمِّنون
جهود الشعراء المخلصين المجاهرين بالولاء الذين نذروا أنفسهم في هذا السبيل ،
ولبسوا في ذلك جلباب البلايا ، منهم شاعرنا المفلق السيد إسماعيل فكان الإمام
الصادق يتفقده حيناً بعد حين.
روي أنّ أبا عبد اللّه 7 لقي السيد بن محمد الحميري ، وقال :
سمّتك أُمّك سيّداً ، وفِّقت في ذلك ، وأنت سيّد الشعراء ، ثمّ أنشد السيّد في ذلك.
ولقد عجبت لقائل لي مرّة
|
|
علامةٍ فهمٍ من الفقهاء
|
سماك قومك سيِّداً صدقوا به
|
|
أنت الموفّق سيّد الشعراء
|
ما أنت حين تخصُّ آل محمّد
|
|
بالمدح منك وشاعر بسواء
|
مدح الملوك ذوي الغنى لعطائهم
|
|
والمدح منك لهم بغير عطاء
|
فابشر فانّك فايز في حبّهم
|
|
لو قد وردت عليهم بجزاء
|
ما يعدل الدنيا جميعاً كلّها
|
|
من حوض أحمد شربة من ماء
|
مذهبه
كان السيد أباضي المنبت ، ثمّ صار
شيعياً كيسانياً ، يقول بإمامة محمد بن
__________________
الحنفية ، لكنّه عدل
عنه إلى الإمامية على يد الإمام الصادق 7
، وعليه أكثر المؤرّخين.
يقول السيد الحميري عن نفسه : كنت أقول
بالغلو واعتقد غيبة محمد بن علي الملقب بابن الحنفية ، قد ضللت في ذلك زماناً ،
فمنَّ اللّه عليَّ بالصادق جعفر ابن محمد 8
وأنقذني به من النار وهداني إلى سواء الصراط ... وتبت إلى اللّه تعالى ذكره على
يديه وقلت قصيدتي التي أوّلها :
ولمّا رأيت الناس في الدين قد غووا
|
|
تجعفرت باسم اللّه فيمن تجعفروا
|
وناديت باسم اللّه واللّه أكبر
|
|
وأيقنت ان اللّه يعفو ويغفر
|
ودنت بدين غير ما كنت دايناً
|
|
به ونهاني سيد الناس جعفر
|
فقلت : فهبني قد تهوَّدت برهة
|
|
وإلاّ فديني دين من يتنصّر
|
وإنّي إلى الرحمن من ذاك تائب
|
|
وإنّي قد أسلمت واللّه أكبر
|
فلست بغال ما حييت وراجع
|
|
إلى ما عليه كنت أُخفي وأُضمر
|
ولا قائلاً حيٌّ برضوى محمّد
|
|
وإن عاب جُهال مقالي فأكثروا
|
ولكنّه ممّا مضى لسبيله
|
|
على أفضل الحالات يُقفى ويخبر
|
مع الطيبين الطاهرين الأُولى لهم
|
|
من المصطفى فرعٌ زكيٌّ وعنصر
|
وهانحن نذكر بعض الكلمات ، التي أشارت
إلى مذهبه :
١. قال المرزباني : كان السيد بلا شكّ
كيسانياً يذهب إلى أنّ محمد بن الحنفية هو القائم المهدي وانّه مقيم في جبال رضوى
، وشعره في ذلك يدل على أنّه
__________________
كما ذكرنا كيسانياً
فمن قوله :
يا شعب رضوى مالمن بك لا يرى
|
|
وبنا إليه من الصبابة ألوق
|
حتى متى وإلى متى وكم المدى
|
|
يا ابن الوصي وأنت حي ترزق
|
إنّي لآمل أن أراك وانّني
|
|
من أن أموت ولا أراك لأفرق
|
غير انّه ;
رجع عن ذلك وذهب إلى إمامة الصادق 7
وقال :
تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر
|
|
وأيقنت انّ اللّه يعفو ويغفر
|
ويثبت مهما شاء ربي بأمره
|
|
ويمحو ويقضي في الأُمور ويقدر
|
ومن زعم انّ السيد أقام على الكيسانية
فهو بذلك كاذب عليه وطاعن فيه ، ومن أوضح ما دل على بطلان ذلك ، دعاء الصادق 7 وثناؤه عليه.
٢. وقال المعتز في طبقات الشعراء :
حدّثني محمد بن عبد اللّه ، قال : قال السدري راوية السيّد : كان السيّد أوّل
زمانه كيسانياً يقول برجعة محمد الحنفيّة ، وأنشدني في ذلك :
حتى متى؟ وإلى متى؟ ومتى المدى
|
|
يابن الوصيِّ وأنت حيٌّ ترزق
|
__________________
والقصيدة مشهورة ، وحدّثني محمد بن عبد
الله ، قال : قال السدري : ما زال السيّد يقول بذلك حتى لقي الصّادق 7 بمكّة أيّام الحجّ فناظره وألزمه
الحجّة ، فرجع عن ذلك ، فذلك قوله في تركه تلك المقالة ورجوعه كان عليه ويذكر
الصادق :
تجعفرت باسم الله والله أكبر
|
|
وأيقنت انّ الله يعفو ويغفر
|
ويثبت مهما شاء ربي بأمره
|
|
ويمحو ويقضي في الأُمور ويقدر
|
٣. وقال الصدوق : فلم يزل السيد ضالاً في أمر الغيبة يعتقدها في
محمد بن الحنفية ، حتى لقي الصادق جعفر بن محمد 8
ورأى منه علامات الإمامة وشاهد منه دلالات الوصية ، فسأله عن الغيبة ، فذكر له
انّها حقٌّ ، ولكنّها تقع بالثاني عشر من الأئمة :
، وأخبره بموت محمد بن الحنفية وانّ أباه محمد بن علي ابن الحسين بن علي 7 شاهد دفنه ، فرجع السيد عن مقالته ،
واستغفر من اعتقاده ورجع إلى الحقّ عند اتضاحه له ودان بالإمامة.
٤. وقال المفيد : وكان من الكيسانية أبو
هاشم إسماعيل بن محمد الحميري الشاعر ;
، وله في مذهبهم أشعار كثيرة ، ثمّ رجع عن القول بالكيسانية وتبرّأ منه ودان
بالحقّ ، لأنّ أبا عبد اللّه جعفر بن محمد 8
دعاه إلى إمامته ، وأبان له عن فرض طاعته ، فاستجاب له فقال بنظام الإمامة وفارق
ما كان عليه.
__________________
٥. وقال الإربلي : السيد الحميري ; كان كيسانياً يقول برجعة أبي القاسم
محمد بن الحنفية فلما عرّفه الإمام جعفر بن محمد الصادق 7 الحق والقول بمذهب الإمامية الاثني
عشرية ترك ما كان عليه ورجع إلى الحقّ وقال به :
وينبئك عن مذهب الحقّ الصحيح قوله :
على آل الرسول وأقربيه
|
|
سلامٌ كلّما سجع الحمام
|
أليسوا في السماء هم نجوم
|
|
وهم أعلام عزّلا يرام
|
فيا من قد تحيّر في ضلال
|
|
أمير المؤمنين هو الإمام
|
رسول اللّه يوم غدير خمّ
|
|
أناف به وقد حضر الأنام
|
وثاني أمره الحسن المرجّى
|
|
له بيت المشاعر والمقام
|
وثالثه الحسين فليس يخفى
|
|
سنا بدر إذا اختلط الظلام
|
ورابعهم علي ذو المساعي
|
|
به للدين والدنيا قوام
|
وخامسهم محمد ارتضاه
|
|
له في المأثرات إذن مقام
|
وجعفر سادس النجباء بدر
|
|
ببهجته زها البدر التمام
|
وموسى سابع وله مقام
|
|
تقاصر عن أدانيه الكرام
|
علي ثان والقبر منه
|
|
بأرض الطوس إن قحطوا رهام
|
وتاسعهم طريد بني البغايا
|
|
محمّد الزكيّ له حسام
|
وعاشرهم عليّ وهو حصن
|
|
يحنُّ لفقده البلد الحرام
|
وحادى العشر مصباح المعالي
|
|
منير الضوء الحسن الهمام
|
وثاني العشر حان له القيام
|
|
محمد الزكي به اعتصام
|
أُولئك في الجنان بهم مساعي
|
|
وجيرتي الخوامس والسلام
|
__________________
وفاته
أثار نبأ وفاة السيد ضجة كبيرة في
المجتمع الكوفي ، فقد توفّي السيد عام ١٧٣ هـ ، وقيل ١٧٨ هـ .
روى المرزباني باسناده عن ابن أبي حودان
، قال : حضرت السيد ببغداد عند موته ، فقال لغلام له : إذا متُّ فأت مجمع البصريين
وأعلمهم بموتي وما أظنه يجيء منهم إلا ّرجل أو رجلان ، ثمّ اذهب إلى مجمع الكوفيين
فأعلمهم بموتي أنشدهم :
يا أهل كوفان إنّي وامق لكم
|
|
مذ كنت طفلاً إلى السبعين والكبر
|
أهواكم وأواليكم وأمدحكم
|
|
حتماً عليَّ كمحتوم من القدر
|
بحبّكم لوصي المصطفى وكفى
|
|
بالمصطفى وبه من سائر البشر
|
إلى أن قال :
وكفّنوني بياضاً لا يخالطه
|
|
شيء من الوشي أو من فاخر الحبر
|
ولا يشيعني النصّاب إنّهم
|
|
شرُّ البريّة من انثى ومن ذكر
|
__________________
عسى الإله ينجِّيني برحمته
|
|
ومدحي الغرر الزاكين من سقر
|
فانّهم ليسارعون إليَّ ويكبرون ، فلما
مات فعل الغلام ذلك ، فما أتى من البصريين إلاّ ثلاثة معهم ثلاثة أكفان وعطر ،
وأتى من الكوفيين خلق عظيم ومعهم سبعون كفناً ووجّه الرشيد بأخيه علي وبأكفان وطيب
، فردت أكفان العامة عليهم وكفن في أكفان الرشيد ، وصلّى عليه علي بن المهدي وكبّر
خمساً ، ووقف على قبره إلى أن سطح ومضى كلّ ذلك بأمر الرشيد.
ونقل أبو الفرج الاصبهاني ، عن بشير بن
عمّار ، قال : حضرت وفاة السيد في الرُّميلة ببغداد ، فوجه رسولاً إلى صفّّ
الجزّارين الكوفيين يُعلمهم بحاله ووفاته ، فغلط الرسول فذهب إلى صف السموسين
فشتموه ولعنوه ، فعلم أنّه قد غلط ، فعاد إلى الكوفيين يُعلمهم بحاله ووفاته ،
فوافاه سبعون كفناً ، قال : وحضرناه جميعاً ، وانّه ليتحسّر تحسراً شديداً وإن
وجهه لأسود كالقار وما يتكلم ، إلى أن أفاق إفاقة ، وفتح عينيه ، فنظر إلى ناحية
القبلة ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ، أتفعل هذا بوليك! قالها ثلاث مرات ، مرة
بعد أُخرى.
قال : فتجلّى واللّه في جبهته عرق بياض
، فما زال يتسع ويلبس وجهه حتى صار كلّه كالبدر ، وتوفي فأخذناه في جهازه ودفناه
في الجنينة ببغداد ، وذلك في خلافة الرشيد.
نعم ثمة أوهام حيكت حول وفاة السيد نشير
إلى بعضها :
__________________
قال أبو الفرج الاصبهاني : كنت عند جعفر
بن محمد ، فأتاه نعي السيد ، فدعا له وترحّم عليه ، فقال رجل : يابن رسول اللّه ، تدعو
له وهو يشرب الخمر ويؤمن بالرَّجعة ، فقال : حدثني أبي عن جدّي ، انّ محبِّي آل
محمّد لا يموتون إلاّ تائبين وقد تاب ، ورفع مُصلّى كانت تحته ، فأخرج كتاباً من
السيد يعرِّفه فيه انّه قد تاب ويسأله الدعاء له.
أقول : إنّ ما ذكره صاحب الأغاني لا
يوافق التاريخ القطعي ، فانّ الإمام توفي عام ١٤٨ هـ ، وتوفّي السيد عام ١٧٣ هـ
وعلى قول١٧٨ هـ ، فكيف يصحّ ما ذكره؟!
ويقرب من ذلك ما ذكره الكشي بسنده عن
محمد بن النعمان ، قال : دخلت على السيد بن محمد ، وهو لما به قد اسود وجهه وازرقت
عيناه وعطش كبده وسلب الكلام ، وهو يومئذ يقول بمحمد بن الحنفية ، وهو من حشمه ،
وكان ممّن يشرب المسكر فجئت ، وكان قد قدم أبو عبد اللّه 7 الكوفة ، لأنّه كان انصرف من عند أبي
جعفر المنصور ، فدخلت على أبي عبد اللّه ، فقلت : جعلت فداك انّي فارقت السيد بن
محمد الحميري ، وهو لما به قد اسودّ وجهه وازرقت عيناه وعطش كبده وسلب الكلام
فانّه كان يشرب المسكر.
فقال أبو عبد اللّه 7 : اسرجوا حماري ، فاسرج له فركب ومضى ،
ومضيت معه ، حتى دخلنا على السيد وانّ جماعة محدقون به ، فجلس أبو عبد اللّه 7 عند رأسه ، وقال : يا سيد ، ففتح عينه
ينظر إلى أبي عبد اللّه 7
ولا يمكنه الكلام وقد اسودّ وجهه ، فجعل يبكي وعينه إلى أبي عبد اللّه ، ولا يمكنه
الكلام ، وانا لنتبين فيه انّه يريد الكلام ولا يمكنه ، فرأينا أبا عبد اللّه 7 حرك شفتيه فنطق السيد ،
__________________
فقال : جعلني اللّه
فداك ، أبأوليائك يفعل هذا؟
فقال أبو عبد اللّه 7 : يا سيد قل بالحقّ يكشف اللّه ما بك
ويرحمك ويدخلك جنته التي وعد أولياءه ، فقال في ذلك :
تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر
|
|
وأيقنت انّ اللّه يعفو ويغفر
|
فلم يبرح أبو عبد اللّه 7 حتى قعد السيد على أسته.
إنّ المتبادر من الخبر انّ السيد كان في
حالة الاحتضار ، وانّه اعتنق المذهب الإمامي في ذلك الوقت ، مع أنّك عرفت انّ
السيد قد توفّي بعد وفاة الإمام الصادق بسنوات طويلة.
وليس من البعيد أن يُتّهم السيد بشرب
النبيذ للحط من مكانته ، ومن كان محبّاً للوصي 7
ومتفانياً في حبه ، كيف يخالفه ، وانّه ليعلم أنّ شرب النبيذ أبشع منكر عنده.
ويظهر من الحجاج الذي دار بينه وبين
شاعر أهل البيت الكميت الأسدي ، انّ السيد كان عارفاً بالكتاب والسنّة وإقامة
الحجج الدامغة وإفحام الخصم ، فمن تنوّر قلبه بالكتاب والسنّة ، كيف يشرب النبيذ
أواخر عمره ، ونكتفي هنا بسرد هذه الواقعة التاريخية التي تكشف بوضوح عن تضلّعه في
العلم والفقه والتاريخ.
قال المرزباني : قيل إنّ السيد حجّ في
أيّام هشام ، فلقي الكميت فسلّم عليه ، وقال : أنت القائل :
__________________
ولا أقول إذا لم يعطيا فدكا
|
|
بنت الرسول ولا ميراثه كفرا
|
اللّه يعلم ماذا تأتيان به
|
|
يوم القيامة من عذر إذاح ضرا
|
قال : نعم ، قلته تقية من بني أُُميّة ،
وفي مضمون قولي شهادة عليهما إنّهما أخذا ما كان في يدها.
فقال السيد : لولا إقامة الحجّة لوسعني
السكوت لقد ضعفت يا هذا عن الحق ، يقول رسول اللّه 6
: فاطمة بضعة منّي يريبني مارابها ، وانّ اللّه يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ، فخالفت
رسول اللّه 6 وهب لها
فدكاً بأمر اللّه له ، وشهد لها أمير المؤمنين والحسن والحسين وأُُمّ أيمن بأنّ
رسول اللّه أقطع فاطمة فدكاً فلم يحكما لها بذلك ، واللّه تعالى يقول : ( يَرِثُني
وَيَرثُ مِنْ آل يَعْقُوب )
ويقول : ( وَوَرِثَ
سُليمان داود )
. وهم يجعلون
سبب مصير الخلافة إليهم ، الصلاة وشهادة المرأة لأبيها انّه 6 قال : مروا فلاناً بالصلاة بالناس ،
فصدقت المرأة لأبيها ، ولم تصدق فاطمة والحسن والحسين وأُم أيمن في مثل فدك ،
وتطالب مثل فاطمة بالبيّنة على ما ادّعت لأبيها.
وتقول أنت مثل هذا القول وبعد فما تقول
في رجل حلف بالطلاق انّ الذي طلبت فاطمة 3
هو حق وإنّ عليّاً والحسن والحسين وأُمّ أيمن ما شهدوا إلاّ بحق ما تقول في طلاقه؟
قال : ما عليه طلاق.
قال : فإن حلف بالطلاق إنّهم قالوا غير
الحقّ؟
قال : يقع الطلاق ، لأنّهم لا يقولون
إلاّ الحقّ ، قال : فانظر في أمرك ، فقال
__________________
الكميت : أنا تائب
إلى اللّه مما قلت ، وأنت أبا هاشم أعلم وأفقه منّا.
ومن تتبع شعره الطافح بالكتاب والسنّة ،
وثباته على المبدأ وتحمل المصائب والمشاق في سبيل عقيدته ، لوقف على سخافة ما
اتّهم به من شرب الخمر والنبيذ.
وأين الصامد في سبيل الحق من المخمور
الذي لا يبالي بما يدور حوله؟!
هذه نبذة مختصرة من سيرة السيد الحميري
وأخباره وشعره ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى المصادر التي تعرضت لبيان اخبار
السيد وأخص بالذكر منها :
أ : الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني المتوفّى عام ٣٥٦
هـ.
ب : أخبار السيد الحميري ، تأليف أبي
عبد اللّه محمد بن عمران المرزباني الخراساني المتوفّى عام ٣٨٤ هـ ، تحقيق الدكتور
الشيخ محمد هادي الأميني.
مضافاً إلى ما في المعاجم والتراجم حول
السيد ، كأعيان الشيعة للسيد الأمين ، والغدير للشيخ الأميني ، وقد بلغوا الغاية ،
شكر اللّه مساعيهم.
ثمّ إنّ هناك من جمع أخبار السيد في كتب
خاصة من أصحابنا وغيرهم.
فقد ذكر النجاشي من جمع أخبار السيد ،
وقال :
أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز أبو
عبد اللّه شيخنا المعروف بابن عبدون ، له كتب منها اخبار السيد بن محمد.
وقال : إسحاق بن محمد بن أحمد بن أبان
له كتاب أخبار السيد ، وكتاب
__________________
مجالس هشام.
وقال : عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن
عيسى الجلودي ، شيخ البصرة واخباريّها ، ثمّ ذكر تآليفه الكثيرة ، منها : اخبار
السيد بن محمد.
وقد عقد الدكتور الشيخ هادي الأميني
محقق كتاب اخبار السيد للمرزباني عنواناً لمن ألف في أخباره وذكر منهم :
١. أحمد بن محمد بن عبيد اللّه بن الحسن
بن عباس بن إبراهيم بن أيّوب الجوهري ( المتوفّى عام ٤٠١ هـ ).
٢. أحمد بن إبراهيم بن المعلّى بن العمي
ينسب إلى العم ، وهو مرة بن مالك ابن حنظلة بن زيد مناة بني تميم.
٣. صالح بن محمد الصرابي شيخ أبي الحسن
الجندي.
٤. كاظم بن الشيخ باقر بن حسين مظفر له
أخبار وشعر السيد.
قصيدته
العينيّة
لقد نالت قصيدتان من قصائد السيد
أقبالاً واسعاً من قبل الأُدباء والشعراء ، وأكبّ غير واحد من المحقّقين على
شرحهما وهما :
١. القصيدة المذهَّبة التي مستهلها :
__________________
هلا وقعت على المكان المُعْشب
|
|
بين الطويلع فاللوى من كُبكُب
|
وتناهز القصيدة ١١٢ بيتاً ، شرحها السيد
الشريف المرتضى ( المتوفّى عام ٤٣٦ ) وطبع في مصر عام ٣١٣ هـ ، كما شرحها الحافظ
النسابة المعروف بتاج العلى الحسيني ( المتوفّى عام ٦١٠ هـ ).
٢. القصيدة العينية التي مستهلّها :
لأُمّ عمر باللوى مربع
|
|
طامسة أعلامه بلقع
|
التي تناهز ٥٤ بيتاً شرحها غير واحد من
المحقّقين والأُدباء ، كما اعتنى بها أئمّة أهل البيت : بالسماع ، ودعوة الآخرين الى سماعها
وحفظها كما سيوافيك ، وقد شرحها أعلام الطائفة ، وقد ناهزت شروح القصيدة ١٥ شرحاً.
وقد وقفنا على بعضها وذكر قسماً منها شيخنا المجيز الطهراني ، وبعضاً منها شيخنا
المحقّق الأميني وإليك أسماؤهم :
١. الشيخ حسين بن جمال الدين الخوانساري
( المتوفّى عام ١٠٩٩ هـ ).
٢. ميرزا علي خان الكلبايكاني تلميذ
العلاّمة المجلسي.
٣. المولى محمد قاسم الهزار جريبي (
المتوفّى عام ١١١٢ هـ ) وقد صنّف فيها التحفة الأحمدية.
٤. بهاء الدين محمد بن تاج الدين الحسن
الاصبهاني الشهير بالفاضل الهندي ( ١٠٦٢ ـ ١١٣٥ هـ ) وهذا هو الذي يزفّه الطبع إلى
القرّاء الكرام ، وسنقوم بترجمة الشارح عن قريب.
٥. الحاج المولى محمّد حسين القزويني
المتوفّى في القرن الثاني عشر.
٦. الحاج المولى صالح بن محمّد
البرغاني.
٧. الحاج ميرزا محمد رضا القراجة داغي
التبريزي ، فرغ منه سنة ١٢٨٩ هـ وطبع في تبريز سنة ١٣٠١ هـ.
٨. السيّد محمّد عبّاس بن السيِّد علي
أكبر الموسوي ( المتوفّى ١٣٠٦ هـ ) ، أحد شعراء الغدير في القرن الرابع عشر.
٩. الحاج المولى حسن بن الحاج محمّد
إبراهيم بن الحاج محتشم الأردكاني ( المتوفّى عام١٣١٥ هـ ).
١٠. الشيخ بخشعلي اليزدي الحائري (
المتوفّى ١٣٢٠ هـ ).
١١. ميرزا فضل علي بن المولى عبد الكريم
الإرواني التبريزي ( المتوفّى سنة ١٣٣٧ هـ ) مؤلِّف « حدائق العارفين ».
١٢. الشيخ علي بن علي رضا الخوئي (
المتوفّى ١٣٥٠ هـ ).
١٣. السيد أنور حسين الهندي ( المتوفّى
١٣٥٠ هـ ).
١٤. السيّد علي أكبر بن السيِّد رضي
الرضوي القمي.
١٥. الحاج المولى علي التبريزي مؤلِّف (
وقائع الأيّام ) المطبوع.
قد كان لقصيدته العينية التي نحن بصدد
التقديم لها دويّ واسع في المجتمع الإسلامي ، وهذا هو الإمام الصادق 7 يُشيد بهذه القصيدة ويضرب ستراً
لتسمعها النساء.
روى في الأغاني عن فُضيل الرسان ، قال :
دخلت على جعفر بن محمد أُعزيه عن عمّه زيد ، ثمّ قلت له : ألا أنشدك شعر السيد؟
فقال : أنشد ، فأنشدته قصيدة يقول فيها :
__________________
فالناس يوم البعث رايتهم
|
|
خمس فمنها هالك أربع
|
قائدها العجل وفرعونهم
|
|
وسامري الامّة المفظع
|
ومارق من دينه مخرج
|
|
أسود عبدٌ لكعٌ أوكع
|
وراية قائدها وجهه
|
|
كأنّه الشمس إذا تطلع
|
فسمعت مجيباً من وراء الستور ، فقال :
من قائل هذا الشعر؟ فقلت : السيّد! فقال : ;.
روى المرزباني ، قال : حدثني فضيل بن
عمر الحبال ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه 7
بعد قتل زيد 7 فجعل يبكي ،
ويقول : رحم اللّه زيداً انّه العالم الصدوق ، ولو ملك أمراً لعرف أين يضعه.
فقلت : أنشدك شعر السيد؟ فقال : امهل
قليلاً ، وأمر بستور ، فسدلت ، وفتحت أبواب غير الأُولى ، ثمّ قال : هات ما عندك
فأنشدته :
لأُمّ عمرو باللوى مربع
|
|
دارسة أعلامه بلقع
|
__________________
وظاهر هذين النصين انّ المجلس انعقد بعد
وفاة زيد الشهيد بقليل. لأنّ فُضيل الرسان دخل على جعفر بن محمد الصادق ليعزِّيه
عن عمه ، وقد استشهد زيد في صفر عام ١٢٢ هـ أو ١٢٣ هـ وعلى ذلك ، فقد انشأ السيد
القصيدة في هذه السنة أو قريبة منها وبما انّه ولد عام ١٠٥ هـ فقد كان في ريعان
شبابه حين قتل زيد وانشأ القصيدة في تلك الأيّام.
ولا غرو في ذلك ، وقد نقل المرزباني عن
العباسة بنت السيد ، انّها قالت : قال لي أبي : كنت وأنا صبي أسمع أبويَّ يثلبان
أمير المؤمنين 7
فأخرج عنهما وأبقى جائعاً ، واوثر ذلك على الرجوع إليهما ، فأبيت في المساجد
جائعاً لحبّي فراقهما وبغضي إيّاهما حتى إذا أجهدني الجوع رجعت فأكلت ثمّ خرجت ،
فلمّا كبرت قليلاً وعقلت وبدأت أقول الشعر ...
ونقل المرزباني عن أبي إسماعيل إبراهيم
بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن حسن بن طباطبا ، قال : سمعت زيد بن موسى بن جعفر
، يقول : رأيت رسول اللّه 6
في النوم وقدّامه رجل جالس عليه ثياب بيض ، فنظرت إليه فلم أعرفه ، إذ التفت رسول
اللّه 6 ، فقال له :
يا سيد ، أنشدني قولك : « لأُمِّ عمرو في اللِّوى مَرْبَعُ ».
فأنشده إيّاها كلّها ما غادر منها بيتاً
واحداً ، فحفظتها عنه كلّها في النوم. قال أبو إسماعيل : وكان زيد بن موسى لحّاناً
رديّ الانشاد ، فكان إذا أنشد هذه القصيدة لم يتعتع فيها ولم يلحن.
وقد نقل العلاّمة المجلسي مناماً عن علي
بن موسى الرضا ، نقله عنه سهل
__________________
ابن ظبيان يتعلق
بهذه القصيدة وقائلها.
إلى هنا تم ما كنّا نرمي إليه من ترجمة
سيد الشعراء السيد إسماعيل الحميري ، وما يرجع إلى قصيدته العينيّة.
ولا يفوتنا أن نعرج على سيرة شارح هذه
القصيدة ، أعني : الشيخ بهاءالدين محمد بن الحسن الاصفهاني المعروف ب « الفاضل
الهندي » ( ١٠٦٢ ـ ١١٣٧ هـ ).
بما انّه طال بنا الكلام في المقام نذكر
شيئاً مختصراً عن حياته ونحيل التفصيل إلى كتب السير والمعاجم لا سيما الترجمة
الوافية التي قدمت له في مستهل كتابه « كشف اللثام عن قواعد الأحكام ».
ترجمة الشارح
قد قام بشرح القصيدة العينية نابغة عصره
وفريد دهره أبو الفضل بهاء الدين محمد بن الحسن الاصفهاني المشهور بالفاضل الهندي
( ١٠٦٢ ـ ١١٣٧ هـ ) مؤلف الموسوعة الفقهية الضخمة المسماة ب « كشف اللثام عن
قواعد الأحكام » إلى غير ذلك من الآثار العلمية.
يحدّثنا التاريخ انّ لفيفاً من نوابغ
المجتهدين ، قد نالوا درجة الاجتهاد وهم بعدُ في سن مبكر لم يبلغوا الحلم.
منهم على سبيل المثال : العلاّمة
الحلّي.
قال سيدنا الأمين في أعيان الشيعة : برع
في المعقول والمنقول وتقدم وهو في عصر الصبا على العلماء الفحول.
__________________
ومنهم نجله محمد بن الحسن المعروف بفخر
المحقّقين ( ٦٨٣ ـ ٧٧٢ ) وذلك لأنّ والده ألّف كتاب القواعد باستدعاء ولده فخر
المحقّقين.
وقال العلاّمة في خطبة القواعد : فهذا
كتاب « قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام » لخصت فيه لبّ الفتاوى خاصة ،
وبينت فيه قواعد أحكام الخاصة ، إجابة لالتماس أحبّ الناس إليّ وأعزّهم عليّ ، وهو
الولد العزيز محمد الذي أرجو من اللّه طول عمره بعدي.
وذكر ذلك أيضاً نفس فخر المحقّقين في
شرحه لهذا الكتاب ، قال في شرح خطبة القواعد :
إنّي لما اشتغلت على والدي قدّس اللّه
سرّه في المعقول والمنقول وقرأت عليه كثيراً من كتب أصحابنا ، فالتمست منه أن يعمل
لي كتاباً في الفقه جامعاً لقواعده حاوياً لفرائده ، مشتملاً على غوامضه ودقائقه ،
جامعاً لأسراره وحقائقه ، يبني مسائله على علم الأُصولين وعلى علم البرهان.
هذا من جانب ، ومن جانب آخر فانّ
العلاّمة يصرّح في خاتمة كتاب القواعد انّه فرغ منه بعد ان بلغ من العمر الخمسين
ودخل في عشرة الستين.
وبما انّ العلاّمة من مواليد عام ٦٤٨ هـ
فقد فرغ عنه عام ٦٩٨ هـ فيكون عمر ولده فخر المحقّقين عند إتمام الكتاب ١٥ سنة أو
١٦ سنة ، فلو استغرق تأليف هذا الكتاب سنتين فقد ألفه لولده وهو ابن ١٤ سنة.
ويؤيد ذلك انّ العلاّمة فهرس أسماء كتبه
في « خلاصة الأقوال في معرفة
__________________
الرجال » ، وذكر
منها « قواعد الاحكام في معرفة الحلال والحرام » ، وقد ألّف الخلاصة عام ٦٩٣ ، فلولده فخر المحقّقين من العمر
يومذاك ١١ سنة.
ومنهم شيخنا المترجم شارح القصيدة فانّه
بعد ما ذكر قصة تأليف العلاّمة كتابه القواعد لولده ، قال : وقد يستبعد ذلك ، ثمّ
شرع في رفع الاستبعاد ، وقال : وقد فرغت من تحصيل العلوم معقولها ومنقولها ولم
أكمل ثلاث عشرة سنة ، وشرعت في التصنيف ولم أكمل احدى عشرة ، وصنفت « منية الحريص
على فهم شرح التلخيص » ولم أكمل تسع عشرة سنة. وقد كنت عملت قبله من كتبي ما ينيف
على عشرة من متون وشروح وحواشي ، ك « التلخيص في البلاغة » وتوابعها ، و « الزبدة
في أُصول الدين » ، و « الخود البريعة في أُُصول الشريعة » وشروحها و « الكاشف » ،
وحواشي شرح عقائد النسفية ، وكنت ألقي من الدروس وأنا ابن عشر سنين شرحي التلخيص
للتفتازاني مختصره ومطوله.
هذا ولكن الذي يدل على نبوغ مؤلفنا
الشارح هي الآثار العلمية التي تركها للأجيال الآتية ، فانّ كتابه « كشف اللثام »
آية نبوغه في الفقه وبراعته في الاستنباط.
ويكفي في قيمة هذا الكتاب ما نقله
المحدّث القمي ، عن أُستاذه المحدث النوري ، عن شيخه الشيخ عبد الحسين انّ صاحب
الجواهر كان يعتمد على كتاب « كشف اللثام » على نحو لا يكتب شيئاًمن موسوعته إلاّ
بعد الرجوع إلى ذلك الكتاب.
ومن لاحظ كتاب الجواهر أيقن انّه اعتمد
على كشف اللثام في موارد
__________________
كثيرة ، كما اعتمد
هو على موسوعات أُخرى أبرزها كتاب « الرياض » للسيد علي الطباطبائي ، و « مجمع
الفائدة » للأردبيلي و « المسالك » للشهيد الثاني ، وفي الحقيقة كتاب الجواهر يشكل
عصارة هذه الموسوعات مضافاً إلى تحقيقاته الرشيقة.
وقد برز نبوغ الفاضل الهندي وراح يشق
طريقه وسط أجواء سادتها الحركة الاخبارية وهيمنت على معظم الأفكار ، وكان هو أحد
القلائل الذين ظلّوا أو فياء للحركة الفقهية الموروثة من المحقّقين الكبار نظير :
المحقّق الكركي ( المتوفّى عام ٩٤٠ هـ ) ، وزين الدين الشهيد الثاني ( المتوفّى
عام ٩٦٥ هـ ) ، والمحقّق الأردبيلي ( المتوفّى عام ٩٩٣ هـ ) ، وصاحب المدارك السيد
محمد بن علي الموسوي ( المتوفى عام ١٠٠٩ هـ ) ، ونجل الشهيد الثاني الشيخ حسن بن
زين الدين ( المتوفى عام ١١١١ هـ ) ، والمحقّق السبزواري صاحب كفاية الأحكام ( المتوفى
عام ١٠٩٠ هـ ) ، الآقا حسين الخوانساري ( المتوفى عام ١٠٩٨ هـ ) ، وآلمحقّق
الشيرواني ( المتوفى عام ١٠٩٩ هـ ) إلى أن وصلت النوبة إلى الشارح تاج المحقّقين
والفقهاء فخر المدققين والعلماء الفاضل الهندي ، وبكتابه هذا حفظ التراث الفقهي
الاجتهادي.
المرء بأفكاره وآرائه
إنّ الآثار الجلائل التي تركها شيخنا
المؤلف تعرب عن تضلعه في أكثر العلوم الإسلامية ، لا سيما في الفقه والأُصول
والأدب العربي ، وقد امتاز بالتنوع في الموضوع ، وقد برز من قلمه ما يناهز ٨٠
كتاباً.
ولو أضيف إليه ما ألّفه من رسائل
وكتيبات ربما ناهز المائة والخمسين بين
____________
كتاب ورسالة ، وقد
استقصى صديقنا الجليل الشيخ عبد الرسول جعفريان أسماء تآليفه في تقديمه لكتاب كشف
اللثام فوقف منها على ٤٢ كتاباً.
وقد لعب الزمان بآثاره كما لعب بآثار
الآخرين. فاللازم تركيز البحث على كتابه الذي نحن بصدد التقديم له وهو : « اللآلئ
العبقرية في شرح العينية الحميرية » وقبل أن ننوه بهذا الشرح ومميزاته أود أن
أُشير إلى بعض الكلمات التي قيلت في حقّه من قبل العلماء :
١. يقول المحقق الشيخ أسد اللّه التستري
( المتوفّى عام ١٢٣٧ هـ ) :
ومنهم الاصفهاني المحقّق المدقق ،
النحرير الفقيه ، الحكيم المتكلم ، المولى بهاء الدين محمد بن الحسن الاصفهاني
الشهير بالفاضل الهندي ... وكان مولده سنة ٦٢ بعد الألف ونشؤه في بدو حاله وصغره
في بلاد الهند ولذا نسب إليها وجرت له فيها مع المخالفين مناظرة في الإمامة معروفة
على الألسنة.
وصنف من أوائل دخوله في العشر الثاني
كتباً ورسائل وتعليقات في العلوم الأدبية والأُصول الدينيةوالفقهية أيضاً.
منها ملخص التلخيص وشرحه ، كلاهما في
مجلد صغير جداً ، وهو موجود عندي ، ولعلّه أوّل مصنّفاته ، وفرغ من المعقول وآلمنقول
ولم يكمل ثلاث عشرة سنة كما صرح نفسه به ، وهو صاحب المناهج السوية في شرح الروضة
البهية ، رأيت جملة من مجلداتها في العبادات وهي مبسوطة ومشحونة بالفوائد
والتحقيقات وتاريخ ختام كتاب الصلاة منها سنة الثماني وثمانين بعد الألف ، فيكون
عمره خمساً وعشرين سنة.
__________________
وله أيضاً كشف اللثام عن قواعد الأحكام
شرع فيه أوّلاً من النكاح وأنهاه إلى الختام وسلك فيه النمط الأوسط الذي هو أقرب
إلى الاختصار ، ثمّ بدأ من الأوّل مع استيفاء للمهم من الأدلّة والأقوال ولا سيما
أقوال القدماء الأبرار ، ولم يبرز منه قيماً وجدنا ونقل إلاّ الطهارة والحج وكذا
الصلاة إلاّ انّها ناقصة.
وله ملخص الشفاء لابن سينا.
٢. يقول الخوانساري : إنّ المستفاد من
بعض خطوطه التي ألقيناها بالعيان كونه في سنة سبع وسبعين بعد الألف في عداد
فضلائنا الأعيان ، والمشار إليهم بين الطائفة وغيرها بالبنان.
٣. يقول السيد جلال الدين الاشتياني :
إنّي عثرت على عبارة في الماضي منقولة عن شخص كان يعيش في أواخر الدولة الصفوية
كتب : فيها : إنّي رأيت في المدرسة صبياً مراهقاً ، ماهراً في الأبحاث العلمية ،
وحائزاً لمرتبة عالية في العلوم العصرية ، وآثار النبوغ تلوح من ناصيته بوضوح ،
فسألت عن نسبه ، فقالوا : هو ابن الملا تاج الدين ، اسمه محمد بهاء الدين.
وقبل أن أذكر انطباعي عن هذا الكتاب ،
أود أن أشير إلى ما كتبه صاحب الروضات تعليقاً على ذلك الكتاب ، قال : إنّ هذا
الكتاب أقوى دليل على كون الرجل قد وجد من كلّ فن من فنون العربية كنزه.
فرغ منها سنة ١٠٨٩ هـ.
__________________
ملامح الكتاب ومميّزاته
من ألقى نظرة على ذلك الكتاب ، ولو نظرة
عابرة يذعن بأنّ الشارح كاتب قدير له إحاطة تامة بمفردات اللغة العربية ، وقواعدها
، ومعانيها ، ويكفيك في ذلك قراءة خطبة الكتاب ، فانّ النص الموجود فيه وإن كان
على نظام السجع الرائج في القرن الثاني عشر ، لكنّه يستخدم غريب الألفاظ بشكل يعرب
عن إلمامه باللغة العربية بشكل واسع.
هذا هو أوّل ما يظهر للإنسان من قراءة
صفحات من الكتاب ، وأمّا إذا قرأه بدقة وآمعان حينها تنكشف له مميزات الكتاب
وملامحه التي تتلخص في النقاط التالية :
١. بيان معاني المفردات
لما كانت القصيدة الحميرية لشاعر عربي
صميم وقد أخذ بناصية اللغة العربية ، فأودع فيها الاصطلاحات الرائجة في البادية ،
راح الشارح إلى بيان مفردات البيت ومعانيها اللغوية ، وما يشتق منها من الأسماء
والأفعال وفي كلّ ذلك يشبع الموضوع على وجه لا يترك شاردة ولا واردة إلاّ ويخوض
فيها.
ثمّ يشرع ببيان إعرابالكلمات الواردة في
البيت ، فيذكر جميع الوجوه المحتملة مشيراً إلى آراء أكابر العلماء ، ثمّ يذكر
رأيه بعد ذلك مع ذكر الدليل الذي دعاه إلى تبنّي هذا الرأي أو ذاك.
والنكتة الجديرة بالذكر انّه ربما يوافق
رأي القائل الذي لا يتفق معه في العقيدة ، ويرفض قول الآخر وإن كانت ينسجم معه في
المبدأ.
ثمّ بعد أن ينهي اعراب البيت يأخذ ببيان
النكات الأدبية والبلاغية في القصيدة تحت عنوان ( مسائل ) أو البيان ويتمتع كلّ
ذلك بدقة الملاحظة وجودة التفكير.
٢. استعراض التفاسير
المطروحة وتقييمها
ومن المميزات البارزة أيضاً في هذا
الشرح أنّ القارئ يلتقي فيه مع ذهن وقاد وعقلية كبيرة ، قادرة على التحليق في سماء
المعاني وذكر الفروض المحتملة التي يمكن أن تكون مرادة للشاعر ، مما يضفي على
الشرح جمالية أكبر وقعة للقارئ ، فعلى سبيل المثال : نرى انّه يتطرق إلى سبب تسمية
القصيدة بالعينية يذكر لها احتمالات ستة ، ويذكر لكلّ وجهه العلمي والأدبي ،
وبالتالي يعلم انّ المؤلف ليس ناقلاً للآراء ومدوِّناً لها ، بل نراه ناقلاً
ومحقّقاً للآراء المطروحة فلا يختار إلاّ عن حجة ولا يرفض إلاّ كذلك.
٣. الأمانة في النقل
ومن المميزات البارزة هي الأمانة في
النقل ، وهذه ميزة شاخصة عند المؤلف حيث حاول الإشارة إلى جميع المصادر التي
اعتمدها ، ويستنبط منها خاصية أُخرى وهي رجوعه إلى مصادر كثيرة وما يرافقه من جهود
كبيرة ومضنية.
٤. محاولة ربط القصيدة
بالواقع الموضوعي
ومن ميزات هذا الشرح هو محاولة الشارح
الربط بين القصيدة وآلواقع الموضوعي السياسي والاجتماعي الذي عاشه أمير المؤمنين 7 مما يُضفي على
القصيدة صفة كونها
وثيقة تاريخية واجتماعية تحكي عن تلك الفترة التي عاشها الإمام 7 وعن طبيعة المجتمع الذي كان يحيط به 7.
٥. دعم موقفه بآيات الذكر
الحكيم
ومن المميزات الأُُخرى هي قدرة المؤلف
على دعم آرائه بآيات الذكر الحكيم ، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على تبحر
الشارح في فهم القرآن الكريم ، ولذلك تراه في أكثر البحوث التي يوردها يستنجد
بالقرآن الكريم لدعم حجته وتأييد رأيه.
إلى غير ذلك من المميزات التي يقف عليها
القارئ حين مطالعته.
نسخ الكتاب
توجد نسخ خطية من هذا الكتاب في
المكتبات :
١. نسخة مكتبة الجامعة برقم ١٨٧٠ ، وكتب صاحب الروضات عليها تعليقته
التي نقلناه من كتابه.
٢.نسخة مؤلفة من ٢٢٤ ورقة في مكتبة السيد المرعشي تحت رقم
٤٧٩ ، وعلى ظهر النسخة تملكات لأشخاص مختلفين سقط من آخرها سبع ورقات.
٣.نسخة في مكتبة السيد المرعشي تحت رقم
١٨١٤ في ٢٣٢ ورقة كتبها ابن علي محمد علي وفرغ من استنساخها عام ١٢٣٣.
وقد اتخذ محقّق الكتاب هاتين النسختين
الأخيرتين أصلاً ، وراجع في
__________________
استخراج ما نقل فيه
إلى المصادر ، وتحمل في ذلك جهداً كبيراً وذلك لأنّ الشارح عكف على جمع النسخ من
هنا وهناك ، وبذلك صار ذا مكتبة عظيمة نوّه بها صاحب رياض العلماء في مواضع كثيرة
من كتابه.
نحمده سبحانه على إنجاز هذا المشروع
ونشره في الأوساط الإسلامية.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه
ربّ العالمين
|
جعفر السبحاني
قم ـ مؤسسة الإمام الصادق 7
شوال المكرم من شهور عام
١٤٢٠
|
بسم الله الرحمن الرحيم
أمّا على قافية
قفو الأقاويل ،
وقفية مقالة قالة
الأراجيل
، مفتتح ناسخ الأناجيل ، ومختتم
الدعوة في الظلّ الظليل.
أعني : حمد جليل ليس كمثله جليل ، باعث
الرسل الهداة من الأضاليل ، ناصب الخلفاء مُحاة الأباطيل ، متمّم حججه على كلّ
عزيز وذليل ، موضح سواطع براهينه لجملة أُولي الأبصار من حديد وكليل.
وإهداء أشرف التحايا وأتحف الهدايا وهي
ما لا يناله بدهمة
ولا تأميل ، من أفاضل الصلوات الكُمّل الباقية ببقاء الأهاليل ، إلى أشرف أرباب
__________________
الدِّلِّيلي من كلّ نبيّ ، شافي للعليل ، نافي لكلّ
داء عتيل
، منجي من كلّ درجيل ، وأفضل ثُبات الرسل أصحاب الأكاليل من كلّ ربِّ تنويل وتفضيل
، وصاحب تحريم وتحليل ، ودافع تلبيس وتضليل : محمد شافع الأُمم بلا تعلُّل ولا
تهليل ، صاحب رايات الحمد والتكبير والتسبيح والتهليل.
وإلى آله المخدومين لجبرائيل وميكائيل ،
العالمين بكافّة الموازين والمكائيل ، المحتوم طاعتهم على الأُُمم قاطبة بلا ترخيص
ولا تسهيل ، المفروض ولايتهم على كلّ الخلائق من الثقلين والملائكة ومَن عداهم بلا
قيل ، لهاميم
هداة السبيل ، يآفيخ
نُفاة كلّ خُزَعبِيل
، عرانين سادة كلّ جيل ، صناديد قادة كلّ قبيل من دبير وقبيل.
ولا سيّما يعلول اليعاليل ، وبهلول البهاليل ، قائد الغرّ أُولي التحجيل ،
ساقي الكوثر والسلسبيل والزنجيل ، صاحب راية الحمد بالتحقيق لا التجبيل ، المجاهد
في سبيل اللّه على التنزيل والتأويل ، نفس رسول اللّه بنصّ آية البهلة من التنزيل
، المنصوص على خلافته في مواطن لا تحصى على غاية من التفصيل ، صلّى اللّه عليه وعلى
البتول والعثاكيل
، وإتحاف ظلمتهم
__________________
الملاعين الأحقاء
بألوان التلعين ، دقّ اللّه منهم اللّغانين
، وأخذ منهم باليمين ، ثمّ قطع منهم الوتين ، من ضروب اللعن بما يملأ الموازين ،
ويسوّد صفحات المناجين ، ويدوم بدوام الأحايين ، ويفوق على عنانيات الأظانين ،
ويُعفّر خدود شيعتهم ويُرغم منهم العرانين ، خصوصاً اللعنة العجين والفظّ البظّ الّلظّّ اللغمظّ الثخين ، والثقال العتلّ
الطّمليل
الأفين
، نوّله اللّه من اللعن ما يملأ السماوات والأرضين.
فيقول قنّ الأئمّة الأخيار الأبرار الأطهار ،
اللائذ بهم من سطوات الملك الجبار ( محمد بن الحسن بهاء الدين الأصفهاني ) أذاقه
اللّه حلاوة المعاني ، وعرّفه حقائق المثاني ، ورزقه القطوف الدّواني ، وزوّجه في
الجنّة الحور الغواني :
قد انثالت عليَّ لُمّة من إخواني ، وثبة
من كمَّل أخداني ، ممّن أرى إسعافهم من فروض العين ، ولا أرى لبنات شفاههم مأنّة سوى العين ، ملحّين بقثاثتهم عليّ ، واضعين جعالتهم لنفاثتهم بين
يديَّ ، مقترحين أن أشرح لهم
__________________
القصيدة العينيّة
الّتي لأمضغ العرب ؛ للشيخ
والقيصوم
سيّد الشِّعر والأُدباء في التخوم ، القرم الهمام الخُرشوم مدهدم أُطوم الخصوم ،
معفّر الخدود منهم ومُرغم الخرطوم
: « السيّد « إسماعيل بن محمد الحميريّ » شفّع اللّه فيه نبيّه النبيه الأزهريّ ،
ووليّه صاحب الغري ، وآلهما الأيتام من الدراري ، وعترتهما الأنجاد الأمجاد من
الحواري عليهم من السّلام ما هو أطيب من المسك الداري ما الدهر بالناس دواري ، أعني
الّتي مطلعها :
لأُمِّ عَمرو باللِّوى مَربَعُ
|
|
طامسةٌ أعلامُهُ بَلْقَعُ
|
شرحاً يقرع الظنابيب ، ويوسع العراقيب ، ويبرز التعاجيب ، ويرقص رؤوس
اليعاسيب
، ببثّ ما حوته ألفاظها من المعاني ، ويهتك الخدور عمّا قَصُرَت فيها من الغَواني.
وينثّ ما فيها من اللّغات العربية ، وما
أُودِعها من النكات الأدبيّة ، وما يتوقف عليه الإحاطة بها من القواعد النحوية ،
وما يُعلَم به وجوه بلاغتها من
__________________
القوانين البيانيّة.
ويفثّ ما أمكن فيها من المحتملات وإن
كانت بعيدة ، وما يصحّ على رأي وإن كان من الآراء الشريدة. ويلثُّ على ما لابد
ّمنه في فهمها ولا يتعدّاه ، ولا يملّ الناظر بما منه بدّ من الفضول ولا يتحدّاه ،
وقد ألَثُّوا في ذلك غاية الإلثاث ، وأبثُّوا إليه ما لا يطاق من اللهاث لما ورد
في شأنها ، فمازت به عن أقرانها من الرواية عن قطب الأرض وثامن أركانها ، إمام
كافّة إنسها وجانّها ـ صلوات اللّه عليه وعلى أئمّة الأُمّة ، وتيجانها ما دامت
الأفلاك في دورانها ، وما كانت الأُمّهات تتقلّب في أكوانها.
وستطّلع عن قريب على تبيانها ، وكنت ما
نشبت أتلعثم فيه وأُلَثْلِثُ
، وعلى الإحجام عن الإقدام عليه أُغثغث ، وكنت ربّما أحثحثُ شفتي بمضّ وأُمثمث ، وربّما أُعثعث رأسي للإجابة ، وعلى
الامتناع أُعثعث السلام لما رأيته « أثْقَل من مُجْذَى ابن رُكانة » ، وأُولي النفائس والعرائس الضَّنانة ،
مع اشتغالي بما أُحصيه من الأشغال ، وانحصاري فيها بحيث لم يبق لي مجال للتجوال ،
وأعظمها وأهمّها وأشغلها للأوقات وأعمّها ، ما أُعلِّقه على « الروضة البهيّة في
شرح اللمعة
__________________
الدمشقية في فقه
الإمامية »
الذي سمّيته ب « المناهج السويّة ، في شرح الروضة البهيّة » ، وفّقني اللّه
لإتمامه وإحكامه وعصمني عن السهو والغفلة في أحكامه.
ثمّ لما طال منهم الإلحاح واجتهدوا في
إبانة الشحاح حتي سدّوا عليّ سبل الاعتذار ، وحتموا عليّ الإجابة بختم الأقضية
والأقدار ، لم ألف عنها سبيلاً للفرار ، وفرضت على نفسي أن أصرف فيه شطراً من
الليل والنهار ، فشرعت فيه مُبَسْمِلاً مُحَمْدِلاً مُحَوْقِلاً ، على اللّه
متوكّلاً إليه موسّلاً ، بالنبيّ وآله متوسّلاً ، مسمّياً له بـ
« اللآلئ
العبقرية في شرح القصيدة الحميرية ».
__________________
فصل
( العينيّة )
وقد عنيت بقولي : « القصيدة العينيّة »
معانيَ ليست مُبيّنة ولا غيبيّة :
أحدها
: أنّها على قافية العين.
وثانيها
: أنّها لشرفها ممّا ينبغي أن تحمل على
العين ، لا على الرأس أو اليدين ، أو تضمّ على الصدر بالساعدين أو الزندين ، بل
ينبغي أن تُكتب بالأجفان على بياض العين من الإنسان ، لا على القراطيس من الأنقاس بالقصبات والقضبان ، ولا على ألواح
اليواقيت بأقلام الزمرّد من العِقيان .
وثالثها
: أنّها في شأن ما هو فرض العين على
الأعيان ، ليس فيه مجال للكفاية أو التخيير كما لا تُغتفَر فيه غفلة أو نسيان ،
وهو ولاية أمير الإنس والجان ، قاسم النيران والجنان ، عليه الصلاة والسلام
الأتَمّان الأكملان ، ما طلع النجم وآلعَيُّوق والدَّبَران ، وما ناخت الفواخت والقَماري على رؤوس
الأغصان.
__________________
ورابعها
: أنّها من منش آت عين الأعيان ، عليه الرحمة من اللّه والرضوان.
وخامسها
: أنّها في شأن عين أعيان الثقلين ؛ وعين ما وصّى به النبيّ 6 من أحد الثقلين ؛ أو العين التي بها
يهتدي الخلق إلى الصراط المستقيم ، ويُفصلون بين سبل الجنة وطرائق الجحيم ؛ أو
العين التي منها تنبع الحِكَمُ والأحكام ، ومنها يَرتوي الواردون من النفوس
والأحلام.
وسادسها
: أنّها فيما في الظهور بمنزلة المشهود
بالأنظار ، فلا يفتقر فيه إلى تدقيق النظر وإجالة الأفكار ، وهو الولاية المعهودة
لأُولي الأبصار ، والخلافة التي لا شكّ فيها عند أهل الاعتبار.
__________________
فصل
في ذكر شطر من
أحوال الناظم ;
اسمه : إسماعيل. وكنيته : أبو هاشم ،
على ما قاله سيّدنا الأجل الشريف المرتضى علم الهدى سلام اللّه عليه ، في آخر شرح
بائيّته التي مطلعها :
هلاّ وَقَفتَ على المكانِ المُعشبِ
|
|
بين الطّوَيْلِعِ فَاللّوى مِنْ
كُبكُبِ
|
وكذا في كتاب « بشارة المصطفى لشيعة
المرتضى » للشيخ الجليل أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري ;.
وفي كتاب « الرجال » لشيخ الطائفة
المحقّة ورئيسها أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضوان اللّه عليه : أنّ كنيته أبو
عامر.
وأمّا « السيد » فهو ممّا لقّبوه به
للتعظيم ، قيل : إنّ أوّل من لقّبه به : حمّال كان
____________
يسأل عن حمل بعيره
فيقول : ميمات السيّد.
وفي بعض الأخبار أنّه ممّا سمّته به
أُمّه ، فقد قال الشيخ الصدوق أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتابه
« الرجال » : وروي أنّ أبا عبداللّه 7
لقي السيد
ابن محمد الحميري فقال : سمّتك أُمّك سيّداً ووُفّقت في ذلك وأنت سيّد الشعراء ،
ثمّ أنشد السيد في ذلك :
ولَقَدْ عَجبتُ لِقائل لي مَرَّةً
|
|
عَلاّمة فهم منَ الفُهماءِ
|
سَمّاك قَومُكَ سَيّداً صَدقُوا به
|
|
أنتَ الموفَّقُ سيِّدُ الشُّعراءِ
|
ما أنتَ حينَ تخصُّ آل محمّدٍ
|
|
بِالمدحِ منكَ وشاعر بسواءِ
|
مَدحُ الملوكَ ذَوُو الغنا لِعَطائِهم
|
|
والمدحُ مِنْكَ لَهُم لغيرِ عَطاءِ
|
فَأَبْشِرْ فإنّكَ فائزٌ في حُبِّهِم
|
|
لَوْ قَدْ وَردتَ عليهم بِجَزاءِ
|
ما تعدلُ الدُّنيا جَميعاً كُلّها
|
|
مِنْ حَوضِ أحمد شربةً من ماءِ
|
وكان السيّد نظّاماً للوقائع كثير الشعر
مُجيده ، حتى روي أنّه وُجد حمّال وهو
__________________
يمشي بحمل ثقيل ،
فقيل : ما معك؟ فقال : ميمات السيّد.
وعن الأصمعي أنّه قال : لولا أنّه يسبّ
الصحابة في شعره ما قدّمتُ عليه أحداً في طبقته.
وقد كان في بادئ الأمر كيسانياً فرجع إلى الحقّ بهداية الإمام الهمام
أبي عبد اللّه الصادق 7.
وممّا قاله وهو كيسانيّ :
ألا إنّ الأئمّة من قُريشٍ
|
|
وُلاة الأمر أربعة سَواءُ
|
عليٌّ والثلاثة من بَنيهِ
|
|
هُمُ أسْباطُنا والأوصياءُ
|
فسبطٌ سِبطُ إيمان وبِرٍّ
|
|
وسبطٌ غيّبته كربلاءُ
|
وسِبطٌ لا يذوقُ الموتَ حتّى
|
|
يَقودُ الجيش يَقدمه اللِّواءُ
|
__________________
تَغَيَّبَ لا يُرى عنّا زماناً
|
|
برَضوى عنده عسلٌ وماءُ
|
وقد رأيت أخطب خطباء خوارزم أبا المؤيّد
موفق بن أحمد المكي في كتاب « مقتل الحسين صلوات اللّه عليه » نسب هذه الأبيات إلى كثير بن
عبدالرحمن.
وقوله :
يا شعب رَضوى ما لِمَن بكَ لا يُرى
|
|
وبنا إليه من الصبابة أولَق
|
حتى متى وإلى متى وكم المدى
|
|
يا ابن الوصيّ وأنت حيٌّ تُرزق
|
إنّي لآملُ أن أراكَ وإنّني
|
|
مِنْ أن أموت ولا أراك لأفرقُ
|
وقوله :
ألا حيِّ المقيم بشعبِ رَضْوى
|
|
واهدِ لَهُ بمنزله السَّلاما
|
__________________
وقُل يا ابنَ الوصيّ فدتكَ نفسي
|
|
أطلتَ بذلك الجبلِ المقاما
|
أضِر بمعشر والوكَ مِنّا
|
|
وَسَمّوكَ الخليفة والإماما
|
فما ذاقَ ابنُ خولَة طَعمَ مَوت
|
|
ولا وارت له أرض عظاما
|
وقوله :
أياشعب رَضوى ما لمن بك لا يُرى
|
|
فحتّى متى يخفى وأنت قريبُ
|
فلو غاب عنّا عُمر نُوح لأيقَنَتْ
|
|
مِنّا النفوس بأنّه سَيَؤوبُ
|
قال الشيخ الصدوق ثقة الإسلام والمسلمين
أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي 4 في كتاب « كمال الدين وإتمام النعمة »
: حدّثنا عبد الواحد بن محمد العطار ;
قال : حدّثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري ، قال : حدّثنا حمدان بن سليمان ،
عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن
__________________
حيّان السرّاج قال : سمعت السيد ابن محمد الحميري
يقول : كنت أقول بالغلوّ وأعتقد غيبة محمد بن علي ابن الحنفية ، قد ظللت في ذلك
زماناً فمنّ اللّه عليّ بالصادق جعفر بن محمد 8
وأنقذني به من النّار وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صحّ عندي بالدلائل
الّتي شاهدتها منه أنّه حجّة اللّه عليّ وعلى جميع أهل زمانه وأنّه الإمام الّذي
فرض اللّه طاعته وأوجب الاقتداء به ، فقلت له : يا ابن رسول اللّه قد روي لنا أخبار
عن آبائك : في الغيبة
وصحّة كونها فأخبرني بمن تقع؟
قال 7
: إنّ الغيبة ستقع بالسّادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول
اللّه 6 أوّلهم أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحقّ بقيّة اللّه في الأرض وصاحب
الزّمان ، واللّه لو بقي في غيبته ما بقي نوح في الأرض في قومه لم يخرج من الدنيا
حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
قال السيّد : فلمّا سمعت ذلك من مولاي
الصادق جعفر بن محمد 8
تبت إلى اللّه تعالى ذكره على يديه ، وقلت قصيدتي التي أوّلها :
فلمّا رأيتُ الناسَ بالدِّين قَد غووا
|
|
تجعفرتُ باسم اللّهِ واللّه أكبرُ
|
__________________
تجعفرتُ بسم اللّه واللّه أكبر
|
|
وأيقَنْتُ أنّ اللّه يعفو ويَغفرُ
|
ودِنْتُ بدين غيرَ ما كنتُ دائناً
|
|
بهِ ونَهاني واحدُ الناسِ جعفرُ
|
فقلتُ فهبني قد تهوَّدتُ بُرهَةً
|
|
وإلاّ فديني دينُ مَنْ يتنصَّرُ
|
فإنّي إلى الرحمن من ذاك تائبٌ
|
|
وإنّي قد أسلمتُ واللّهُ أكبرُ
|
فلستُ بغال ما حييتُ ، وراجعٌ
|
|
إلى ما عليهِ كنت أُخفي وأُضمرُ
|
ولا قائل حيّ برضوى محمد
|
|
وإن عابَ جُهّالُ مَقالي وأكثرُوا
|
ولكنّه ممّن مَضى لسبيلهِ
|
|
على أفضلِ الحالاتِ يَقْفِي ويخبرُ
|
مع الطيِّبينَ الطاهرين الأُولى
لَهُمْ
|
|
مِنَ المُصْطَفى فرعٌ زكيٌّ وعنصرُ
|
إلى آخر القصيدة وهي طويلة ، وقلت بعد
ذلك قصيدة أُخرى :
أيا راكباً نحو المدينة جَسرةً
|
|
عذافرة يطوى بها كلّ سَبسَبِ
|
إذا ما هَداك اللّه عاينتَ جعفراً
|
|
فقُل لِوليّ اللّه وابن المُهَذَّبِ
|
ألا يا أمين اللّهِ وابن أمينه
|
|
أتوبُ إلى الرحمنِ ثمّ تأوّبي
|
إليك من الأمر الذي كنت مطنباً
|
|
أُحارب فيه جاهداً كلَّ معربِ
|
وما كان قولي في ابن خولة مطنباً
|
|
معاندة منّي لنسل المطيّبِ
|
ولكن روينا عن وصيِّ محمّد
|
|
وما كان فيما قال بالمتكذِّبِ
|
إنّ وليّ اللّه يُفقدُ لا يُرى
|
|
سنين كفعلِ الخائف المترقِّبِ
|
__________________
فيقسم أموال الفقيد كأنّما
|
|
تغيّبه بين الصفيح المنصّبِ
|
فيمكت حيناً ثمّ يشرق شخصه
|
|
مضيئاً بنور العدل إشراق كوكبِ
|
يسير بنصر اللّه من بيت ربّه
|
|
على سؤدد منه وأمر مسبّبِ
|
يسير إلى أعدائه بلوائه
|
|
فيقتلهم قتلاً كحران مغضبِ
|
فلمّا روى أنّ ابن خولة غائب
|
|
صرفنا إليه قولنا لم نكذبِ
|
وقلنا هو المهدي وآلقائم الذي
|
|
يعيش بجدوى عدله كلُّ مجدبِ
|
فإن قلت : لا ، فالحقُّ قولك والّذي
|
|
أمرتَ فحتمٌ غير ما متعقّبِ
|
وأُشهد ربّي أنّ قولك حجّة
|
|
على النّاس طُرّاً من مطيع ومُذنبِ
|
بأنّ ولي اللّه والقائم الّذي
|
|
تطلع نفسي نحوه بتطرّبِ
|
__________________
له غيبة لا بدّ أن سيغيبها
|
|
فصلّى عليه اللّه من متغيّبِ
|
فيمكث حيناً ثم يظهر عينه
|
|
فيملأ عدلاً كلّ مشرق ومغربِ
|
بذاك أدين اللّه سرّاً وجهرةً
|
|
ولستُ وإن عوتبتُ فيه بمعتّبِ
|
وفي المناقب للشيخ الجليل رشيد الدين
محمد بن علي بن شهر اشوب ;
: داود الرقي : بلغ السيد الحميري أنّه ذُكر عند الصادق 7 فقال : السيد كافر ، فأتاه وقال : يا
سيّدي أنا كافر مع شدّة حبّي لكم ومعاداتي الناس فيكم؟! قال : وما ينفعك ذاك وأنت
كافر بحجّة الدهر والزمان ، ثمّ أخذ بيده وأدخله بيتاً فإذا في البيت قبر ، فصلّى
ركعتين ثمّ ضرب بيده على القبر فصار القبر قطعاً ، فخرج شخص من قبره ينفض التراب
عن رأسه ولحيته فقال له الصادق 7
: من أنت؟ قال : أنا محمد بن علي المسمى بابن الحنفية ، فقال : فمن أنا؟ فقال جعفر
بن محمدحجّة الدهر والزمان. فخرج السيد يقول : ( تجعفرت باسم اللّه فيمن تجعفرا ).
ثمّ قال ;
: وفي اخبار
السيد أنّه ناظر معه مؤمن الطاق في ابن الحنفية فغلبه عليه ، فقال :
__________________
تركتُ ابن خولةَ لا عَن قلى
|
|
وإنّي لَكَالْكَلِفِ الوامِقِ
|
وَإنّي لَهُ حافظٌ في المغيبِ
|
|
أدينُ بما دانَ في الصادقِ
|
هوَ الحبرُ حبرُ بني هاشم
|
|
ونورٌ مِنَ المَلكِ الرّازِقِ
|
بِه يُنعِشُ اللّهُ جَمعَ العِبادِ
|
|
ويُجري البَلاغَةَ في النّاطِقِ
|
أتاني بُرهانهُ مُعْلَناً
|
|
فَدُنتُ ولَمْ أكُ كالمائِقِ
|
فَمَنْ صدَّ بعد بَيانِ الهُدى
|
|
إلى حَبْتَر وَأبَى حامِقِ
|
فقال الطاقي : أحسنت ; الآن أتيت رشدك ،
وبلغت أشدّك ، وتبوّأت من الخير موضعاً ومن الجنّة مقعداً. وأنشأ السيد يقول :
تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر
ـ إلى قوله : ـ
__________________
ولَستُ بغال ما حَيِيتُ وراجع
|
|
إلى ما عَليهِ كُنتُ أُخفي وأُظمرُ
|
وقد رويناه فيما مرّ : « وأضمر ».
وحكى أيضاً في القصيدة الأُخرى التي
صدرها :
( أيا راكباً نَحوَ المَدينةِ جَسْرَةً
)
بعض أبياتها ، بمخالفة ما في الألفاظ
والترتيب.
ـ ثم قال : ـ
و أنشد فيه :
امدح أبا عبد الإله
|
|
فتى البريّة في احتمالِهِ
|
سِبطُ النَّبيّ محمَّد
|
|
حَبلٌ تَفرَّعَ مِنْ حِبالِهِ
|
تغْشَى العُيونُ النّاظِراتُ
|
|
إذا سَمَوْنَ إلى جَلالِهِ
|
عَذْبُ المَوارِدِ بَحْرُهُ
|
|
يَروي الخَلائِقَ مِنْ سجالِهِ
|
__________________
بَحرٌ أطلَّ عَلَى البُحورِ
|
|
يَمُدُّهُنَّ نَدَى بلالِهِ
|
سَقَتِ العِبادَ يَمينَُهُ
|
|
وسَقَى البلادَ نَدى شمالِهِ
|
يَحكي السَّحابَ يَمينُهُ
|
|
وَالودق يَخْرجُ مِنْ خلالِهِ
|
الأرضُ مِيراثٌ لَهُ
|
|
والناسُ طُرّاً في عِيالِهِ
|
يا حُجَّةَ اللّهِ الجَليلِ
|
|
وَعَيْنِهِ وزَعيمَ آلِهِ
|
وابن الوَصيّ المُصطفى
|
|
وشَبيهَ أحمدَ في كَمالِهِ
|
أنتَ ابنُ بِنتِ مُحمَّد
|
|
حَذْوَاً خُلقتَ على مِثالِهِ
|
فَضِياءُ نُورِكَ نُورُهُ
|
|
وظِلالُ رُوحِكَ من ظِلالِهِ
|
فيكَ الخَلاصُ مِنَ الرَّدَى
|
|
وبِكَ الهداية مِن ضَلالهِ
|
أَثني ولستُ بِبالغٍ
|
|
عُشْرَ الفَريدة من خِصالِهِ
|
وقال الشيخ أبو عمرو الكشي في كتاب «
الرجال » : وحدّثني نصر بن الصباح قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد
الرحمن بن أبي نجران ، عن عبد اللّه بن بكير ، عن محمد بن النعمان قال : دخلت على
السيّد ابن محمد وهو لما به قد اسودّ وجهه وازرقّت عيناه وعطش كبده ، وهو يومئذ
يقول بمحمد ابن الحنفية وهو من حشمه ، وكان ممّن يشرب المسكر ، فجئت وكان قد قدم
أبو عبد اللّه 7
الى الكوفة لأنّه كان انصرف من عند أبي جعفر المنصور ، فدخلت على أبي عبد اللّه 7 فقلت : جعلت فداك إنّي فارقت السيّد
ابن محمد الحميري لما قد اسودّ وجهه وازرقّت عيناه وعطش كبده وسُلب الكلام ، فإنّه
كان يشرب المسكر.
فقال أبو عبد اللّه 7 : أسرجوا له ، فركب ومضى ومضيت ومعه
حتى دخلنا على السيّد وإنّ جماعة محدقون به ، فقعد أبو عبد اللّه 7 عند رأسه وقال : يا سيّد! ففتح عينه
ينظر إلى أبي عبد اللّه 7
ولا يمكنه الكلام
، وإنّا لنتبيّن فيه أنّه يريد الكلام ولا يمكنه.
فرأينا أبا عبد اللّه 7 حرَّك شفتيه فنظر السيّد فقال أبو عبد اللّه 7 : قل بالحقّ يكشف اللّه ما بك ويرحمك
ويدخلك جنّته التي وعد أولياءه ، فقال في ذلك :
( تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر ). فلم
يبرح أبو عبد اللّه 7
حتى قعد السيّد
__________________
على استه.
وفي كتاب « كشف الغمة في معرفة الأئمّة
» للشيخ الإمام علي بن عيسى الإربلي ;
: روى الحسين بن عون قال : دخلت على السيّد ابن محمد الحميري عايداً في علّته التي
مات فيها فوجدته يساق به ، ووجدت عنده جماعة من جيرانه ، وكانوا عثمانية ، وكان
السيّد جميل الوجه رحب الجبهة عريض مابين السالفين ، فبدَت في وجهه نكتة سوداء مثل
النقطة من المداد ، ثمّ لم تزل تنمو وتزيد حتى طبّقت وجهه بسوادها ، فاغتمّ لذلك
من حضره من الشيعة ، وظهر من الناصبة سرور وشماتة ، فلم يلبث بذلك إلاّ قليلاً
حتّى بدت في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء ، فلم تزل تزيد أيضاً وتنمى حتى اسفر وجهه وأشرق وأفتر السيد ضاحكاً وقال :
كذب الزاعمون أنّ علياً
|
|
لم ينج محبّه من هنات
|
فقد وربّي دخلت جنّة عدن
|
|
وعفا لي الإله عن سيّئاتي
|
فأبشروا اليوم أولياء عليّ
|
|
وتولّوا عليّاً حتى الممات
|
ثمّ من بعده تولّوا بنيه
|
|
واحداً بعد واحد بالصفات
|
__________________
ثمّ أتبع قوله هذا : أشهد أنْ لا إله
إلاّ اللّه حقّاً حقّاً ، أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه حقّاً حقّاً ، أشهد أنّ
عليّاً أمير المؤمنين حقّاً حقّاً ، أشهد أنْ لا إله إلاّ اللّه ، ثم أغمض عينيه
بنفسه فكأنّما كانت روحة ذبالة طفئت أو حصاة سقطت.
وفي كتاب « الرجال » للكشي : حدثني أبو
سعيد محمد بن رشيد الهروي قال : حدّثني السيّد وسمّاه ، وذكر أنّه خيّر قال :
سألته عن الخبر الّذي يروى أنّ السيّد اسودّوجهه عند موته؟ فقال ذلك الشعر الذي
يروى له في ذلك قال : حدثني أبو الحسين المروزي قال : روي أنّ السيد ابن محمد
الشاعر اسودّ وجهه عند الموت فقال : هكذا يفعل بأوليائكم يا أمير المؤمنين؟! قال :
فابيض ّوجهه كأنّه القمر ليلة البدر فأنشأ يقول :
أحبّ الّذي من مات من أهل ودّه
|
|
تلقّاه بالبشرى لدى الموت يضحك
|
ومن مات يَهوى غيره من عدوّه
|
|
فليس له إلاّ إلى النار مسلك
|
أبا حسن تفديك نفسي وأُسرتي
|
|
ومالي وما أصبحت في الأرض أملك
|
أبا حسن إنيّ بفضلك عارف
|
|
( وإنّي بحبل من هواك لممسك
|
__________________
وأنت وصي المصطفى وابن عمّه )
|
|
وإنّا نعادي مبغضيك ونترك
|
ولاحٍ لحاني في عليّ وحزبه
|
|
فقلت لحاك اللّه إنّك أعفك
|
مواليك ناج مؤمن بين الهدى
|
|
وقاليك معروف الضلالة مشرك
|
ومن أشعاره ما رواه الشيخ الجليل أبو
جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري في كتاب « بشارة المصطفى لشيعة المرتضى » قال : أخبرني
الشيخ أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي ;
عن أبيه أبي جعفر الطوسي قال : أخبرنا الشيخ أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن
النعمان قال : أخبرني عبد اللّه بن محمد بن عمران المرزباني قال : أخبرني محمد بن
يحيى قال : حدّثنا جبلة بن محمد بن جبلة الكوفي قال : حدّثني أبي قال : اجتمع
عندنا السيد ابن محمد الحميري وجعفر بن عفان الطائي فقال له السيّد : ويحك أتقول
في آل محمّد : :
ما بال بيتكم يخرب سقفه
|
|
و ثيابكم من أرذل الأثواب
|
فقال جعفر : فما أنكرت من ذلك؟! قال له
السيد : إذا لم تحسن المدح فاسكت ، أيوصف آل محمد :
بمثل هذا؟! ولكنّي أعذرك ، هذا طبعك وعلمك ومنتهاك وقد قلت ما أمحو عنهم عار مدحك
:
أُقسم بالله وآلائه
|
|
والمرء عمّا قال مسؤولُ
|
__________________
إنّ عليّ بن أبي طالب
|
|
على التُّقى والبرّ مَجبولُ
|
وإنّه كانَ الإمام الّذي
|
|
لَهُ على الأُمة تَفضيلُ
|
يقول بالحقّ ويفتي به
|
|
ولا تلهيه الأباطيلُ
|
كان إذا الحرب مرتها القنا
|
|
وأحجمت عنها البهاليل
|
يَمشي إلى القرن وفي كفّه
|
|
أبيض ماضي الحدّ مصقُول
|
مشي العَفرني بين أشباله
|
|
أبرزه للقنص الغيلُ
|
ذاك الذي سلّم في ليلة
|
|
عليه ميكال وجبريلُ
|
ميكال في ألف وجبريل في
|
|
ألفٍ ويتلوهم سرافيلُ
|
ليلة بدرمَدداً اُنزِلوا
|
|
كأنّهم طير أبابيلُ
|
فسلّموا لمّا أتوا نحوه
|
|
وذاك إعظامٌ وتبجيلُ
|
هكذا يقال فيهم يا جعفر وشعرك يقال مثله
لأهل الخصاصة والضعف.
فقبّل جعفر رأسه وقال : أنت واللّه
الرأس يا أبا هاشم ونحن الأذناب.
حكى أبو عمر الزاهد في كتاب « الياقوتة » أنّ بعض الشيعة
أنشد أبا
__________________
مخالد هذه الأبيات
فقال له أبو مخالد : يا هذا إنّ الشاعر لم يمدح صاحبك وإنّما هجاه في موضعين :
أحدهما : أنّ عليّاً مجبول على البرّ
والتُّقى ، ومن جُبل على أمرلم يُمدح عليه لأنّه لم يكسبه بسعيه.
وثانيهما : أنّه ادّعى أنّه أُيِّد في
حروبه بالملائكة ولا فضيلة له حينئذفي الظفر لأنّ حيّة النميري لو أُيِّد بهؤلاء
لقهر الأعداء.
ولا يخفى على كلّ كبير وصغير أنّ ما
ذكره من الإيرادين من السّخافة بمكان ، وآنّهما ممّا تستهجنه الأذهان وتمجّه
الآذان.
أمّا
الأوّل فمن وجوه :
الأوّل : إنّ من المعلوم عند أُولي
الفهوم أنّ أمثال هذه العبارات شائعة في المبالغة على المواظبة على الأمر حتى
كأنّه مجبول عليه ، كما قال تعالى : ( خُلِقَ الإِنْسانُ
مِنْ عَجَل )
وقد اشتهر
أنّ العادة كالطّبيعة الثابتة
، فالمجبوليّة هنا ليست على حقيقتها كما فهمه هذا المورد الأحمق ، بل إنّما هي
نهاية في المبالغة في الوصف بالمواظبة والاعتياد.
والثاني : إنّ من المشهور المسطور أنّ
المدح لا يجب أن يكون على ما يكون بالسعي والاختيار ، إنّما ذلك الحمد على ما هو
المشهور ، فأيّ وجه لما قاله من أنّه 7
إذا كان مجبولاً عليهما لم يستحقّ المدح عليهما؟!
والثالث : إنّ غاية ما ألزمه هذا الأحمق
أن لا يكون الوصف بذلك ممّا يسمى مدحاً ، وهو إنّما نصر السيّد لو صرّح بكونه
مدحاً أو أشار إليه وليس وإن قال إنّه
__________________
لا يمكن الوصف
بأمثاله ، لم يستحق الجواب .
وأمّا
الثاني فمن وجهين :
الأوّل : إنّ السيّد سلام اللّه عليه لم
يتعرّض لتأييد الملائكة له 7
لا تصريحاً ولا تلويحاً وإنّما أفاد أنّهم سلّموا عليه إجلالاً له وتبجيلاً.
والثاني : أنّا لو سلّمنا أنّه تعرّض
لذلك فمنع ، انّه لا فضيلة له في ذلك ، بمنزلة منع أن يكون تأييد الملائكة والنّصر
بالرعب وغير ذلك من جنود اللّه ، من فضائل رسول اللّه 6 ، مع أنّه 6 افتخر بذلك في غير موطن ، نعم لوكان في
مقام مدحه 7 بأنّه هزم
الكفار وظفر عليهم لكان للإيراد توجيه ، ولا شبهة في أنّه لا نصّ عليه ولا إشارة
إليه في الشعر ، مع أنّه على ذلك أيضاً ظاهر الاندفاع ، فإنّ المدح بأنّه هزم
الكفّار وظفر عليهم بتأييد الملائكة ممّا تقبله الطباع ، بل هو أولى بالمدح من
الظفر شدة بأسه وقوّة شجاعته ( فَإِنَّها لا تَعمَى
الأَبصارُ ولكنْ تَعْمى القُلوبُ التي في الصُّدُورِ ) .
ثمّ من العجب العجيب أنّ هذا المغفّل الجهول لم يقتصر على إبطال المدح بل ادّعى
أنّه هجاه بهذين الوصفين!! أترى أحداً من المجانين يفوه بمثل هذا؟!
__________________
فصل
في ذكر ما
يتعلّق بالقصيدة
التي نحن بصدد
شرحها
روى الشيخ أبو عمرو الكشي في كتاب «
الرجال » قال :
حدّثني نصر بن الصباح ، قال : حدثنا
إسحاق بن محمد البصري ، قال : حدّثني علي بن إسماعيل ، قال : أخبرني فضيل الرسّان ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه 7 بعد ما قتل زيد بن علي رحمة اللّه عليه
فأُدخلت بيتاً جوف بيت ، فقال لي : يا فضيل قتل عمّي زيد؟
قلت : نعم جعلت فداك.
قال : ;
أما إنّه كان مؤمناً ، وكان عارفاً ، وكان عالماً ، وكان صادقاً ، أما إنّه لو ظفر
لوفى ، أما إنّه لو ملك لعرف كيف يضعها.
قلت : يا سيّدي ألا أنشدك شعراً؟
قال : أمهل ، ثم أمر بستور فسدلت
وبأبواب ففتحت ، ثمّ قال : أنشد ،
__________________
فأنشدته :
لأُمِّ عَمرو باللِّوى مَرْبَعُ
|
|
طامِسَةٌ أَعْلامُهُ بَلقَعُ
|
لَمّا وقفت العيسُ في رَسْمِهِ
|
|
والعينُ مِنْ عِرفانِهِ تَدمَعُ
|
ذَكرت مَنْ قد كُنتُ ألْهُو بهِ
|
|
فَبِتُّ والقلبُ شَج مُوجَعُ
|
عجبتُ مِنْ قَوم أَتَوا أحمداً
|
|
بِخطبةٍ ليس لَها مدفَعُ
|
قالوا لَهُ لو شِئتَ أَخْبَرتَنا
|
|
إلى مَن الغايةُ والمفزعُ
|
( إذاتُوفِّيت وفارقتنا )
|
|
ومنهم في المُلكِ مَن يَطمَعُ
|
__________________
( و ) قالَ لَو أخبرتُكُمْ مَفْزَعا
|
|
ماذا عَسيتم فيهِ أن تَصنَعُوا
|
صَنيعُ أهلِ العِجل إذ فارقوا
|
|
هارون فالترك له أوْدَعُ
|
فالناسُ يومَ البعث راياتُهُم
|
|
خَمسٌ فمنها هالكٌ أربعُ
|
قائدها العِجل وفِرعَونُها
|
|
وسامِريُّ الأُمّة المفظعُ
|
ومُخدعٌ من دينهِ مارِقٌ
|
|
أخدع عبد لُكَعٌ أوْكَعُ
|
ورايةٌ قائدُها ، وجهُهُ
|
|
كأنّه الشمسُ إذا تَطلَعُ
|
قال : فسمعت نحيباً من وراء الستر وقال
: من قال هذا الشعر؟
__________________
قلت : السيد ابن محمد الحميري.
فقال : ;.
قلت : إنّي رأيته يشرب النبيذ!
فقال : ;.
قلت : إنّي رأيته يشرب النبيذ الرستاق!
قال : تعني الخمر؟ قلت : نعم.
قال : ;
، وما ذلك على اللّه أن يغفر لمحبّ عليّ.
وفي « الأغاني » : قال عباد بن صُهَيب :
كنت عند جعفر بن محمد ، فأتاه نعي السيد
، فدعا له وترحَّم عليه ، فقال له رجل : يابن رسول اللّه ( تدعو له ) وهو يشرب الخمر ويؤمن بالرجعة! فقال :
حدَّثني أبي عن جدّي أنّ مُحِبِّي آل محمد لا يموتون إلاّ تائبين وقد تاب ، ورفع
مُصَلّى كانت تحته ، فأخرج كتاباً من السيد يُعرِّفه فيه أنّه قد تاب ويسأله
الدعاء له.
وروى بعض أصحابنا بسنده عن سهل بن ذبيان
قال : دخلت على الإمام عليّ بن موسى الرضا 7
في بعض الأيّام قبل أن يدخل عليه أحد من الناس فقال لي : مرحباً بك يا ابن ذبيان ،
الساعة أراد رسولي أن يأتيك لتحضر عندنا فقلت : لماذا يا ابن رسول اللّه؟
__________________
فقال : لمنام رأيته البارحة ، وقد
أزعجني وأرَّقني. فقلت : خيراً يكون إن شاء اللّه تعالى؟
فقال : يا ابن ذبيان ، رأيت كأنّي نُصِب
لي سُلَّم فيه مائة مرقاة ، فصعدت إلى أعلاه.
فقلت : يا مولاي أُهنّئك بطول العمر ،
ربّما تعيش مائة سنة ، لكلّ مرقاة سنة ، فقال لي 7
: ما شاء اللّه كان.
ثمّ قال : يا ابن ذبيان ، فلمّا صعدت
إلى أعلى السلّم رأيت كأنّي دخلت قبّة خضراء يُرى ظاهرها من باطنها ، ورأيت جدِّي
رسول اللّه 6 جالساً فيها
وإلى يمينه وشماله غلامان حسنان يُشرق النور من وجههما ، ورأيت امرأة بهيّة الخلقة
، ورأيت بين يديه شخصاً بهيّ الخلقة جالساً عنده ، ورأيت رجلاً واقفاً بين يديه
وهو يقرأ هذه القصيدة : ( لأُمِّ عَمرو بِاللِّوى مَربَعُ ).
فلمّا رآني النبيّ 6 قال لي : مرحباً بك يا ولدي يا عليّ بن
موسى الرضا سلِّم على أبيك عليّ ، فسلّمت عليه.
ثم قال لي : سلّم علي أُمِّك فاطمة
الزهراء ، فسلّمت عليها.
ثمّ قال لي : وسلّم على أبويك الحسن
والحسين ، فسلّمت عليهما.
ثمّ قال لي : وسلّم على شاعرنا ومادحنا
في دار الدنيا السيد إسماعيل الحميري ، فسلمت عليه ؛ وجلست فالتفت النبيُّ 6 إلى السيد إسماعيل وقال : أعد إليّ ما
كنّا فيه من إنشاد القصيدة ، فأنشد يقول :
لأُمِّ عَمرو باللِّوى مَرْبَعُ
|
|
طامِسةٌ أعلامُه بَلْقع
|
فبكى النبيّ 6 ، فلمّا بلغ إلى قوله : ووجهٌ كالشمسِ
إذْ تَطْلَع
بكى النبيّ 6 وفاطمة 3
معه ومن معه ، ولمّا بلغ إلى قوله :
قالُوا لَه لو شِئتَ أعلمْتَنا
|
|
إلى مَن الغاية والمفزَعُ
|
رفع النبيّ 6 يديه وقال : إلهي أنت الشاهد عليّ
وعليهم أنّي أعلمتهم أنّ الغاية والمفزع عليّ بن أبي طالب ، وأشار بيده إليه ، وهو جالس بين يديه
صلوات اللّه عليه.
قال عليّ بن موسي الرضا 8 : فلمّا فرغ السيد إسماعيل الحميري من
إنشاد القصيدة التفت النبيّ 6
إليَّ وقال لي : يا علي بن موسى احفظ هذه القصيدة ومُر شيعتنا بحفظها ، وأعلمهم
أنّ من حفظها وأدمن قراءتها ضمنت له الجنّة على اللّه تعالى.
قال الرضا 7
: ولم يزل يكرّرها عليّ حتّى حفظتها منه.
__________________
[ المختار من
القصيدة ]
وإذا بلغ الكلام هذا المبلغ حان أن
أُعوّض على الدرر مستعيناً باللّه خالق القوى والقدر ، وقد اخترت من نسخ القصيدة
أطولها وأبسطها وأوضحها وأسبطها
، قال ; :
[ ١ ]
لأُمِّ عَمرو باللِّوى مَرْبَعُ
|
|
طامِسةٌ أعلامُه بَلْقَعُ
|
اللغة :
« اللام »
المفرد على وجهين :
حرف هَجْي ، وحرفُ مَعنى.
فلنتكلّم على أحوالها بكلّ اعتبار.
أمّا الكلام عليها بالاعتبار الأوّل ،
فاعلم أنّ مخرجها ـ على ما قاله سيبويه
وغيره ـ : من حافّة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما
__________________
يليها من الحنك
الأعلى ممّا فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية .
قوله : « من أدناها إلى ما دون طرف
اللسان » إلى رأسه ، وقوله : « إلى منتهى طرف اللسان » : أي رأسه.
والضواحك : هي الأسنان الأربعة التي بين
الأضراس والأنياب. وجاء بمعنى : كلّ سن يبدو عند الضحك.
وتخصيص الأوّل لأنّها نهاية ما يظهر من
الأسنان عند الضحك ، ووَصْف السن به وصفٌ مجازي كالشارب.
والضحك : بمعنى الظهور والتلألؤ
والالتماع ، كما يقال : له رأي ضاحك لا لَبس فيه. ويقال لِطَلع النخل : الضاحك
والضُّحك. وضحك البرق. والحوض يضحك في الروضة. وكما قال بأحد المعنيين :
لا تَعْجَبي يا سَلمُ مِنْ رجلٍ
|
|
ضَحِكَ المَشِيبُ بِرأْسِهِ فبَكَى
|
والأنياب من الأسنان : التي بين الضواحك
والرباعيات.
والرباعيات : هي الأسنان التي بين الناب
والثنايا.
والثنايا : هي التي في مقدّم الفم فلكلّ
من الأصناف الأربعة أربع : اثنتان من فوق واثنتان من أسفل.
__________________
وخالف في ذلك الحاجبي فلم يعتبر من الأسنان إلاّ الثنايا ،
قال في الإيضاح : وكان ينبغي أن يقال فوق الثنايا إلاّ أنّ سيبويه قال مثل ذلك ،
فمن أجل ذلك عددوا ، وإلاّ فليس في الحقيقة فوق ذلك ، لأنّ مخرج النون يلي مخرجها
وهو فوق الثنايا فكذلك هذا ، على أنّ الناطق باللام تنبسط جوانب طرفي لسانه ممّا
فوق الضاحك إلى الضاحك الآخر وإن كان المخرج في الحقيقة ليس إلاّ فوق الثنايا ،
هذا وإنّما ذلك يأتي لما فيها من شبه الشدّة ودخول المخرج في ظهر اللسان فينبسط
الجانبان لذلك ، فلذلك عدّد الضاحك والناب والرباعية والثنايا.
وخالف الشاطبي في ظاهره فلم يعتبر إلاّاللسان والحنك
، والشيخ أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوي المعروف بابن الشيخ في كتاب « الف باء »
فلم يعتبر إلاّ اللسان.
وقال الجعبري في « شرح حرز الأماني » : من رأس حافّة
اللسان وطرفه ومحاذيهما من الحنك الأعلى ومن اللثّة في سمت الضاحك لا الثنيّة ،
خلافاً لسيبويه.
واعتبر الشيخ أحمد بن علي الكوفي صاحب «
حل الرّموز » فويق الناب إلى الثنايا.
أقول : أمّا النزاع بين سيبويه والحاجبي
فيشبه أن يكون لفظياً كما هو الظاهر
__________________
ممّا حكينا من كلامه
، فإنّه معترف بأنّ اللسان ينبسط على الضواحك وما بينها جميعاً ، إلاّ أنّه يقول :
إنّ المخرج حقيقة ما فوق الثنايا ، وكأنّه في ذلك صادق ، واعتبر سيبويه جميع ذلك
وإن كان بعضه تابعاً لبعض. وأمّا ابتداء صاحب « حل الرّموز » من الناب ، فلانتهاء
الضعف في الضاحك ، فإنّ نهاية القوة في الوسط الذي هو بازاء الثنايا ولا يزال يضعف
قليلاً قليلاً إلى الضاحك ، وربّما لم يظهر مدخليته لغاية الضعف فيه.
وأمّا عدم اعتبار الجعبري للثّنايا ،
فلا يتمّ إلاّ إذا تلفّظ باللام بشدّة فإنّه حينئذ ينعطف طرف اللّسان إلى الحنك.
وأمّا الشاطبي فلعلّه تسامح إمّا
باستعمال الحنك فيما يشمل اللثَّة تغليباً ، أوبالاكتفاء ببعض أجزاء المخرج.
ثمّ اللام من الحروف الذولقية أو
الذلقية التي تبتدئ من ذولق اللّسان أو ذلقه أي حدّه وهي ثلاثة : الراء واللاّم
والنون ، وفي بعض نسخ « العين » للخليل : إنّ حروف الذلق : الراء واللاّم والنون
والفاء والباء والميم ، ولعلّه إدخال الثلاثة الأخيرة باعتبار طرف الفم إذ لا مدخل
للسان فيها ، والمراد النسبة إلى الذلق ، بمعنى الفصاحة لخفّة النطق بها وسهولته ،
ثمّ هي من المجهورة
أي التي يقوى التصويت بها ؛ لما يمنع النفس من الجبران معها وهي ما عدا حروف « سكت
فحثه شخص ». وهي أيضاً بين الشديدة والرخوة وهي حروف لم ترو عنّا ، فإنّ الشديدة
ما ينحصر الصوت في مواضعها عند الوقف وهي حروف « أجدك قطبت » ، والرخوة مايجري
الصوت معها في الوقف وتلك الأحرف الثمانية ينحصر
__________________
الصوت في مواضعها ،
إلاّ أنّه تعرض لها أعراض توجب خروج الصوت من غير مواضعها ، أمّا اللاّم فلأنّ
مخرجها أعني طرف اللسان ، وإن لم يتجاف عن الحنك عند النطق حتى يجري الصوت بينهما
، إلاّ أنّه لم يسد طريق الصوت بالكلّية كالدال والتاء ، بل انحرف طرف اللسان فخرج
الصّوت من مستدق اللّسان فويق مخرجه.
وأمّا البواقي فنكِل بيانها إلى كتب
التصريف.
ثمّ هي من المنفتحة وهي ما عدا المطبقة
والصّاد والضّاد والطاء والظاء ، والإطباق أن ينطبق الحنك على اللسان عند النطق
بالحرف.
ثمّ هي من المنخفضة وهي ما عدا
المستعلية وهي المطبقة مع الخاء والغين والقاف ، والاستعلاء ارتفاع اللسان إلى
الحنك عند النطق بالحرف.
وهي وحدها تسمّى منحرفة ، لأنّ اللّسان
ينحرف عند النطق بها. وجعل الكوفيون وحكى ابن أبي طالب الراء أيضاً منحرفة.
وأمّا الكلام عليها بالاعتبار الثاني ،
فاعلم أنّهما نوعان : إحداهما غير عاملة ، والأُخرى عاملة.
والكلام هنا في العاملة وهي على قسمين :
الجارة ، والجازمة ، خلاف الكوفيين فقد زادوا الناصبة ، لزعمهم أنّ « لام كي » و «
لام الجحود » بأنفهسما ناصبتان.
والكلام هنا في الجارّة : فاعلم أنّها
في المشهور مكسورة إلاّ المضمر غير الياء فإنّها مفتوحة في الأكثر ، وخزاعة تكسرها
معه أيضاً.
وأمّا مع الياء فكسرها متّفق عليه. هذا
في غير المستغاث ، وأمّا فيه فتفتح إذا لم يكن معطوفاً على غيره ، وحكى يونس وأبو
عبيدة وأبو الحسن وأبو عمرو ، أنّهم
سمعوا العرب بفتحها
مع الظاهر مطلقاً.
وحكى ابن أبي طالب عن بني العنبر أنّهم يفتحونها مع الفعل. وعن أبي زيد
أنّه سمع من يقرأ ( وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ )
بفتح اللاّم.
وحكى المبرّد عن ابن جبير أنّه قرأ ( وَإِنْ
كانَ مَكْرُهُمْ لتَزولَ مِنْهُ الجِبالُ )
بفتح اللاّم
مع فتح لام الفعل.
فإن قلت : على من كسرها أنّ الأصل في
البناء ، لا سيما في الحروف ، أن يبنى على السكون لخفّته ، ولكونه عدماً والعدم
أصل في الحادث ، ولمّا تعذّر هنا السّكون للزوم الابتداء بالساكن ، كان الأصل أن
يبنى على الفتح لكونها أُخت السكون في الخفّة وإن كانت أُخت الكسرة في المخرج ،
كما بنيت الكاف والواو والفاء وغيرها من الحروف المبنية على حرف واحد ، على الفتح.
قلنا : فرقاً بينها وبين لام الابتداء ،
ولم يعكس لياطبق حركة الجارّة ، أثرها الذي هو الكسر وما بحكمه ، ولمّا كان
الافتراق في الضمائر حاصلاً فإنّ لام الابتداء لا يتصل به ضمير جعلت فيها مع الأصل
إلاّ في الياء ، فإن استدعاها كسر ما قبلها قويّ ، وإبقائها في المستغاث على الفتح
، للفرق بين المستغاث والمستغاث له ، وكسرها في المعطوف ، لحصول الفرق بالعطف.
وأمّا معاني اللاّم الجارّة فكثيرة ،
والمناسب هنا ثلاثة معاني :
الاختصاص
: كما في قولك : المنبر للخطيب ، والحصير للمسجد ، والسرج للفرس ، وقوله تعالى : ( فإِنْ
كانَ لَهُ إِخْوَةٌ )
.
__________________
والملك
: كما في قوله ( تعالى ) : ( لَهُ ما
فِي السَّمواتِ وَما في الأَرض )
.
والاستحقاق
: كما في : الحمد للّه ، والعزّة للّه ،
والملك للّه ، والنار للكافر ، وغيرها.
وما قيل من اختصاصها بالوقوع بين معنى
وذات ، لم يثبت ، ولو سلّم فليؤوّل هنا بالتمكّن في المَربَع ، كما يُؤوّل في
النار بعذابها.
أُمّ
الشيء : أصله. ومنه الوالدة. وأُمّ النجوم :
المجرّة لأنّها لاجتماع كثير من النجوم فيها كأنّها أصل ينبعث منها النجوم. وأُمّ
القرى ، لمكة ؛ لأنّ الأرض دُحِيَت من تحتها. ويقال للمعدة : أُمّ الطعام ،
وللجلدة التي تشتمل على الدماغ : أُمّ الدماغ ، تشبيهاً لهما بالوالدة.
وعن الخليل والأخفش : كلّ شيء انضمّت
إليه أشياء فهو أُمّ ، وبذلك سمّي رئيس القوم أُمّاً لهم ، وأُمّ مثوى الرجل صاحبه
منزله الذي ينزله.
وقوله سبحانه : ( فَأُمُّهُ
هاوِيَةٌ )
بمعنى :
التي تضمّه وتؤويه.
وأُمّ الكتاب : اللَّوح المحفوظ;
لاشتماله على كلّ عِلم.
ومن العرب من يكسر همزته ، وقرأ (
فَرَدَدْناهُ إلى أُمّه )
بالكسر.
وقد يحذفون الهمزة استخفافاً فيقولون :
« ويل مه » ، وربّما كتبوه « ويلمه » متّصلاً.
وربّما قالوا : « أُمّة » بإلحاق التاء.
واختلف في أصله ، فقيل : أصله «
أُمَّهةٌ » لجمعه على « أُمّهات » ، وقيل :
__________________
« أُمّهتي صدفٌ
والياس أبي ».
وقيل بل هو الأصل ولكن جاء « أُمَّهة »
بمعناه ، ولذا يُجمع على « أُُمّات » أيضاً. وقيل : « الأُمّهات » يخصّ الناس ، و
« الأُمّات » البهائم. وقيل إنما زيدت الهاء في جمعها للتفخيم ، وخُص بها الجمع
لأنّه موضع تخييرمّا.
« العمر »
: بالفتح والضم ، وبضمّتين : الحياة.
وقال أبو حيّان في « ارتشافه » : وفي
معنى عمر قولان :
أحدهما مذهب البصريين : أنّه بمعنى
البقاء ، تقول : طال عمرك وعمرك. والتزموا فتح العين مع اللام في القَسَم فالمجرور
بعده فاعل والمصدر مضاف إليه.
والثاني ما ذهب إليه بعض الكوفيين
والهروي : أنّه مصدر ضدّ الخلو ، مِن : عمّر الرجل منزله ، والمقسم يريد تذكير
القلب بذكر اللّه تأكيداً للصدق. وبه قال السهيلي.
وقال الراغب : اسم لمدّة عمارة البدن
بالحياة ، ـ قال : ـ فهو دون البقاء فإذا قيل : طال عمره ، فمعناه : عمارة بدنه
بروحه. وإذا قيل : بقاؤه ، فليس يقتضي ذلك ، فإنّ « البقاء » ضد « الفناء » ، ـ
قال : ـ ولفضل البقاء على العمر وصف به اللّه تعالى ، وقلّما وصف بالعمر .
أقول : ولذا ورد النهي عن قول : لعمر
اللّه.
والعَمر ، بالفتح وبفتحتين : الدِّين ،
قيل : ومنه لَعَمري.
وبالفتح والضمّ : منابت الأسنان وما
بينها من اللحم المستطيل ، وجمعه بالمعنيين عمور ، وتحملهما قوله 6 : « أوصاني جبرئيل بالسواك حتى خفت على
__________________
عُموري » .
والعَمَر ، بالفتحتين : المنديل تُغطي
به الحرّة رأسها. والعمران : الكمال.
والعَمر بالفتح : ضرب من النخل طويل. و
: القرط.
والعمران : اللحمتان المتدلّيتان على
اللَّهاة.
والعُمر ، بالضم : المسجد والبيعة
والكنيسة.
وعَمرو ، بالفتح : اسم مأخوذ من أحد
المعاني المناسبة من هذه المعاني ، كُتب بالواو فرقاً بينه وبين عُمَر مضموم
الأوّل مفتوح الثاني ، ولذا لم تكتب بها في النصب لحصول الافتراق بالألف.
الباء
: حرف تَهجِّي. وحرف مَعنَى.
أمّا الكلام عليها بالاعتبار الأوّل :
فاعلم أنّها من الحروف الشفويّة ، مخرجها ما بين الشفتين بانطباق بينهما بالاتفاق.
وهي مجهورة شديدة ، منفتحة منخفضة ذلقية على رأي ، وهي من حروف القلقلة وهي حروف «
قطب جد » ، وإنّما سميت قلقلة ، لأنّها يصحبها ضغط اللسان في مخارجها في الوقف مع
شدّة الصوت المتصعّد من الصدر وهذا الضغط يمنع من خروج ذلك الصوت ، فإذا أردت
بيانها احتجت إلى قلقلة اللسان ، أي تحريكه عن موضعه حتى يخرج صوتها فيسمع.
وأمّا الكلام عليها بثاني الاعتبارَين :
فاعلم أنّها مكسورة.
وعن ابن جنّي أنّه حكى عن بعضهم أنّ
حركتها الفتح مع الظاهر ، وإنّما بنيت على الكسر مع أنّ الأصل بناؤها على الفتح
كما علمت ، للزومها الحرفية
__________________
والجرّ ، وكلّ منهما
يناسب الكسر.
أمّا
الحرفية : فلأنّها تقتضي عدم الحركة ، والكسر
يناسب العدم لقلّته ، إذ لا يؤخذ في الفعل ، ولا في غير المنصرف من الأسماء ولا في
الحرف إلاّنادراً ، ولقربه من السكون في المخرج كما مرّت إليه الإشارة ، لأنّ
الواقف على السكون لافظ بكسرة خفيّة.
وأمّا
الجر : فللمناسبة : وهذا بخلاف الكاف فإنّها
وإن لزمت الجرّ لكن لم تلازم الحرفية. وبخلاف الواو فإنّها وإن لزمت الحرفية إلاّ
أنّها لا تلازم الجرّ ، لأنّها تكون عاطفة ومعترضة ونحوهما. وأمّا تاء القسم : فلا
تلازم شيئاً من الحرفية والجرّ.
وقال الزجاج : إنّما كُسرت الباء للفصل
بين ما يجر ، وقد يكون اسماً كالكاف وما يجر ولا يكون إلاّحرفاً كالباء.
وقال المبرّد : العلّة في كسرها ردّها
إلى الأصل ، ألا ترى أنّك إذا أخبرت عن نفسك بأنّك كتبت باءً قلت : « ببيت »
فرددتها إلى الياء ، والياء أُخت الكسرة.
وأمّا
معانيها : فكثيرة إلاّ أنّه يمكن اعتبار الإلصاق
في كلّ منها
، ولذا حصرها سيبوبه في الالزاق والاختلاط.
والمعنى المناسب هنا هو الظرفية ، كقوله
تعالى : ( نَجَّيْناهُمْ بِسَحَر )
ونحو : زيدٌ بالبصرة.
الألف
واللام اللّتان للتعريف ، فيهما أقوال :
أحدها
: إنّ الحرف المعرّف ثنائي الوضع « ال » ك « قد » و « هل » وإنّ الهمزة
__________________
للقطع كما في « أُم
» و « أو » وهو الذي ذهب إليه الخليل وابن كيسان.
وثانيها
: إنّ المعرّف « ال » إلاّ أنّ همزتها
همزة وصل معتدّ بها في الوضع وهو المعزى إلى سيبويه.
وثالثها
: إنّ المعرّف إنّما هو اللام الساكنة
وضعاً ، والهمزة زائدة ؛ للوصل بالساكن ، وعليه الأكثر.
ورابعها
: إنّ المعرّف إنّما هو الهمزة ، واللام
مزيدة ، للفرق بين همزة التعريف وهمزة الاستفهام ، وعُزي إلى المبرّد.
واستدلّ للأوّلَيْن : بأنّ حروف المعاني
ليس فيها ما وضع على حرف واحد ساكن ، وبفتح الهمزة وثبوتها في الاستفهام ، نحو :
أالان ، وفي النداء نحو : يا اللّه ، وفي القسم نحو : ها للّه لأفعلن ، وبأنّهم
يقولون في التذكير « ألي » كما يقولون « قدي » ، وبأنّ الأصل في كلّ كلمة أن تكون
جميع حروفها أصليّة.
وللثالث : بحذف الهمزة في الدّرج ،
وبأنّ حرف التنكر حرف واحد ساكن هو التنوين ، فكان المناسب أن يكون حرف ضدّه كذلك.
وإنّما خالفت التنوين فدخلت أوّل الكلمة
لتحفظ عن الحذف فإنّ الآخر يدخله الحذف كثيراً ، وإنّما كانت لاماً لأنّ اللام
تدغم في ثلاثة عشر حرفاً.
وأمّا إثبات همزتها في الاستفهام ،
فللفرق بينه وبين الإخبار.
وأمّا إثباتها في « يا اللّه » و « ها
للّه » فلأنّ الألف واللام في لفظ « اللّه » عوضان عن همزة « إله » ولازمتان
للكلمة وبذلك صارتا بمنزلة أجزاء الكلمة.
وأمّا قولهم : « ألي » ك « قدي »
فلتنزيلهم لهما ؛ لتلازمهما منزلة « قد » ، ولعلّ سيبويه لمّا رأى تعارض دليلَي
أصالة الهمزة وزيادتها جمع بين الأصالة والوصيلة.
وأمّا
حجّة الرابع : فهو أنّه حرفٌ زيد
لمعنى ، وأولَى الحروف بذلك حروف العلّة وأولاها « الألف » ، لكونها أخفّها ،
ولمّا تعذّر الابتداء بها قُلبت همزة.
ويدلّ على عدم أصالة « اللاّم » أنّها
تُقلب ميماً في لغة حمير إمّا مطلقاً أو فيما لا يُدغم فقط.
ولا يخفى أنّ الدليلين بمكان من الوهن ،
وأنّ هذا الرّأي بمكان من الضعف ، وإنّما الأمر متردّد بين الثلاثة الأُُوَل ، بل
بين الأوّل والثالث والأظهر هو الثالث ، ومعناهما التعريف أي جعل الاسم معرفة ،
وزعم ابن مالك أنّه لا يمكن حدّ المعرفة قال : لأنّ هاهنا ما هو معرفة معنى نكرة
لفظاً نحو : كان ذلك عام أوّل ، وعكسه نحو : أُسامة ، وما فيه الوجهان كذي اللام
الجنسيّة.
والمشهور : إمكان التعريف فقيل : ما وضع
لشيء بعينه ، وقيل : ما وضع ليستعمل في شيء بعينه ، والحقّ ما هو المشهور من إمكان
التعريف.
وأمّا استعمال النكرة لفظاً في معنى
المعرفة وعكسه ، فهما من التوسعات.
وأمّا التعريفان فلكلّ وجه.
والمراد بالتعيين المأخوذ فيهما ، ما
يعمّ الشخصي والنوعي ، والمقصود منها : أن يكون اللفظ إشارة إلى المعنى باعتبار
تعيينه ، فلا يرد أنّ النكرات أيضاً تدل على معان معيّنة ، إذ ما من معنى إلاّ وله
تعيين وامتياز عن غيره لا سيما إذا عمّم التعيين للنوعي ، فإنّ معاني النكرات وإن
كانت كذلك إلاّ أنّها ليست إشارات إليها باعتبار تعيّناتها.
واعلم أنّ اللام لها معاني أربعة.
وتحقيقها أيضاً :
إمّا للإشارة إلى حصّة معيّنة من
الماهية المدلول عليها بمدخولها فرداً أو فردين أو أفراداً ، ولابدّ من أن تكون
الحصّة إمّا مذكورةً قبل ، نحو ( كَما أَرْسَلْنا
إِلى
فِرْعَونَ رَسُولاً * فَعَصى فِرعَوْنُ الرَّسُولَ )
، ( فِيها مِصْباحٌ المِصْباحُ في زُجاجَة
الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوكَبٌ دُرِّيٌّ )
، أو حاضرة
عند المتكلّم نحو : جاءني هذا الرجل ، و : يا أيّها الرجل ، و : خرجتُ فإذا أسد ،
و : الآن ، و : اليوم ، وكما أنّك تقول لرجل يشتم رجُلاً بحضرتك : لا تشتم الرَّجل
، أو معلومة معهودة بين المتكلّم والمخاطب نحو : ( إِذْ هُما فِي الغارِ
) .
وإمّا للإشارة إلى الماهية وهو يتشعّب
إلى ثلاثة ، فإنّها : إمّا إشارة إلى نفس الماهية من حيث هي من غير اعتبار وُجودها
في ضمن الأفراد وتسمّى لام الطبيعة ولام الحقيقة ، نحو : الرَّجل خيرٌ من المرأة ،
أو إليها باعتبار وجودها إمّا مع قرينة البعضية أي الوجود في ضمن بعض الأفراد
ويسمّى لام العهد الذّهني ، نحو : أكلتُ الخُبْزَ ، وشَرِبتُ الماءَ ، ورَكِبتُ
الخَيْلَ ، أو مع قرينة العموم ، أو مع عدم القرينة ، وتحمل على العموم أيضاً في
المقامات الخطابية حذراً من الترجيح بلا مرجِّح ويسمّى لام الاستغراق ، نحو : ( إِنَّ
الإِنْسانَ لَفِي خُسْر * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا )
والّذي يحتمله اللاّم هنا ، العهدان.
«
اللِّو » ى ، كألي : ما
التَوَى من الرَّمْل ، أو مُسْتَرَقُّه ، ومُنْقَطَعُهُ ، ألْوى القَوم : صاروا
إلى لِوى الرَّمْلِ ، يقال : ألوَيتُم فَانزِلُوا.
« المَربَعُ »
: منزل القوم. في الربع خاصّة ، يقال : هذه مَرابِعُنا وَمصايفُنا.
« الطُّمُوسُ »
: الدُّرُوسُ والامِّحاء
، وقد طَمَسَ يَطْمِسُ وَيَطْمُسُ وَطَمَسْتُهُ طَمْساً ، يتعدَّى ولا يتعدَّى ،
وانْطَمَس الشيءُ وَتَطَمَّسَ : أي انْمَحى وَدَرَسَ ، ولفظ
__________________
الطامسة هنا يجوز
جعله من كلّ من اللاّزم والمتعدّي : أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلأنّ اسم المفعول
كثيراً ما يكون على صيغة اسم الفاعل بمعنى ذو كذا ، كراضية في ( عيشَة
راضية )
على وجه.
التاء
: حرف واسم ، والحرف : حرف هجاء ، وحرف
معنى.
أمّا
حرف الهجاء : فمخرجها على ما قاله
سيبويه وغيره : ما بين طرف اللّسان وأُصول الثنايا ، يعني الثنايا العليا.
وزاد في الارتشاف مصعداً إلى جهة الحنك.
وفي « الإيضاح » للحاجبي قوله : وأُصول
الثنايا ليس بحتم ، بل قد يكون ذلك من أُصول الثنايا وقد يكون ممّا بعد أُصولها
قليلاً مع سلامة الطّبع من التكلّف.
وفي « المفتاح » للسكّاكي و « حرز
الأماني » وغيرهما : أنّه ما بين طرف اللّسان والثنايا العليا من غير تقييد
بالأُصول ، وهو موافق لما ذكره الحاجبي.
وفي « شرح حرز الأماني » للجعبري بين
رأس اللّسان وبين أُصول الثنتين العليتين أو وسطهما ، وهو تصريح بموافقته.
وفي « حلّ الرّموز » : بين رأس اللّسان
وما يلي أُصول الثنايا فقد حتم الوسط على عكس الأوّل.
وهي مجهورة شديدة منفتحة منخفضة نطعية ،
أي مبدؤها من نطع الغار الأعلى وهو بالكسر وكعنب ، ما ظهر منه فيه آثار كالتحرير.
والحروف النطعية هي : الطّاء والدال
والتاء ، وهي مصمتة أي ممّا عدا حروف الذلاقة والإصمات ، أنّه لا يكاد يبنى منها
كلمة رباعية أو خماسية مُعراة عن حروف الذلاقة فكأنّه قد صمت عنها.
وأمّا
التاء التي هي حرف معنى ، فعلى قسمين :
ساكنة ومتحركة ، والكلام هنا في المتحركة والتي هنا منها علامة التأنيث مخصوصة
بالاسم تقلب في الوقف هاءً ، أو قيل : بل علامة التأنيث هي الهاء تقلب في الوصل
تاءً ، أو أصلها أن تجيئ لفصل وصف المؤنّث عن وصف المذكّر ، نحو : طامسة وطامس ،
وللفصل بين الآحاد المخلوقة وأجناسها كتمرة وتمر ، وجرادة وجراد.
وقد يكون ذو التاء جنساً وعديمها واحداً
ككَمئَ وكماة عند بعض ، وجبيَ وجباة ، وفقع وفِقعة على ما قيل. وقد يأتي لوحدة
أسماء المصنوعات كسفينة وسفين ، وعمامة وعمام ، ولبنة ولبن ، وجرة وجر ، وقلنسوة
وقلنسو.
وقد تكون علامة لتأنيث الاسم الجامد نحو
: امرئ وامرأة ، ورجل ورجلة ، وغلام وغلامة ، وإنسان وإنسانة ، وحمار وحمارة ،
وِبرَذون وبرذَونَة ، وأسد وأسدة.
وقد تدخل الصفات دلالة على الجمعية ،
نحو : بغال وبغالة ، وحمار وحمارة ، وجمال وجمالة ، ووارد وواردة ، وشارب وشاربة ،
وبصري وبصرية ، وكوفي وكوفية ، وأشعريّ وأشعريّة.
وتجيئ لأغراض اُخر والكل متفرّع على
التأنيث.
« الأعلام »
، مكسّر علم : وهو العلامة وما ينصب ليُهتدى به في الطريق ، والجبل أو الطويل منه
، والراية وما يعقد على الرمح ، وسيّد القوم ، ويقال : فلان علم ، أي مشهور ،
تشبيهاً بالراية أو الجبل.
« الهاء »
: حرف واسم ، والحرف حرف تهجّي وحرف معنى.
أمّا الكلام على حرف التهجّي منها :
فاعلم أنّ مخرجها أقصى الحلق كالهمزة والألف إمّا في رتبة واحدة ، أو الهمزة أوّل
ثمّ الهاء والألف في رتبة ، أو الهمزة أوّل ثمّ الألف ثمّ الهاء ، أو الهاء أوّل ،
أو الألف هوائية لا مخرج لها على اختلاف الآراء.
والحقّ أنّ الألف هوائية وهو المروي عن
الخليل. قال الجعبري في « شرح حرز الأماني » : والتحقيق ما ذكره الخليل ، ومعنى
جعل سيبويه الألف مخرج الهمزة أنّ مبدأه مبدأ الحلق ثمّ يُمدّ ويمرّ على الكلّ.
ثمّ إنّ الظاهر أنّ الهمزة أوّل ثمّ الهاء وهي تسمّى : مهنوناً ، لضعفها وخفائها ،
وهي مهموسة مصمتة رخوة منفتحة منخفضة.
وأمّا الكلام على حرف المعنى منها ،
فليس ممّا يتعلّق بما هنا ، لكونها هنا اسماً. وأمّا الاسم منها : فهو ضمير
المذكّر الغائب الواحد متّصل مشترك بين المجرور والمنصوب. والواو والياء
الملفوظتان بعده إشباع وتقوية للحركة. خلافاً للزجّاج فإنّه يجعل الضمير مجموع
الهاء والواو ، والحجازيون يضمّونه مطلقاً كان قبله ياء أوكسرة أو لا. وغيرهم
يكسرونه بعدهما إلاّ إذا اتّصل به ضمير آخر نحو يعطيهوه ولم يعطهوه.
ثمّ إن كان قبله متحرّك أُشبعت حركته
والإسكان ، والاختلاس ضرورة عند سيبويه ، وحكاهما الكسائي عن بني كلاب وبني عقيل.
وإن كان قبله حرف لين فحذف الواو والياء
أحسن والإشباع بهما عربي ، وإن كان ساكناً غير لين فالإشباع أحسن عند أبي عمرو وسيبويه
، خلافاً للمبرّد إذ الاختلاس عنده أجود ، وتبعه ابن مالك ، وقرأ ابن ذكوان :
أَرْجِهْ
، بكسر الهاء من غير إشباع بعد كسره مفصولاً بينها وبين الهاء بساكن ، وإن كان
مفصولاً بينه وبين متحرّك بساكن حُذف جزماً أو وقفاً جاز الإشباع والإسكان
والاختلاس ، نحو : ( يَرْضَهِ لَكُمْ )
، و ( يُؤدِّه إليكَ )
و : ( فألقه إليهم ) .
__________________
و
« البَلْقَع » : الأرض القفر التي
لا شيء فيها ، يقال : منزل بلقع ، ودار بلقع بغيرها ، إذا جعل نعتاً ، فإن كان
اسماً قيل : انتهينا إلى بلقعة لمساء.
الإعراب :
لأُمِّ
عَمْرو : ظرف عامله عامٌّ واجبُ الحَذفِ إمّا فعل
أو اسم على اختلاف الرأيين ، وهو كائنٌ أو كان ، أو حاصلٌ أو حَصَل ، أو ما يؤدّي
مؤدّاهما.
وعن ابن جنّي تجويز إظهار هذا العامل.
قال نجم الأئمّة : ولا شاهد له قال :
وأمّا قوله : ( فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ )
فمعناه ساكناً غير متحرّك وليس بمعنى كائناً .
واختلف في أنّ الضمير حُذف مع العامل أو
استقرّ في الظرف.
فذهب السيرافي إلى الأوّل وغيره إلى
الثاني ، ويدلّ عليه أنّه قد يؤكد ، كقوله :
فإنْ يَكُ جُثماني بأرضِ سواكم
|
|
فإنّ فؤادي عِندك الدهرُ أجمعُ
|
وانّه قد يعطف عليه كقوله :
أَلا يا نَخْلَةً مِنْ ذاتِ عِرْقٍ
|
|
عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللّهِ السّلامُ
|
إذ لا يجوز تقدّم المعطوف على المعطوف
عليه فلا يمكن أن يجعل « رحمة اللّه » معطوفاً على « السّلام » وينتصب عنه الحال ،
كقوله عزّمن قائل : ( فَفِي الجَنَّةِ
خالِدينَ فِيها ).
__________________
وعندي أنّ الإنصاف أنّ قول السيرافي
أقرب إلى التحقيق ، فإنّ الاسم الجامد لا يصلح شيء منهما لأن يستتر فيه الضمير ،
ولأنّه لو بقي الضمير لكان بين المفرد وأخويه ، والمذكر وأُخته ، فرقاً كما كان في
العامل إلاّ أنّه لمّا كسر حُذِف العامل ، بل وجب لشدّة ظهوره ، حتى كان ذكره
بمنزلة الحشو في الكلام نزل منزلة المذكور فأكّد وعطف عليه وأوقع عنه الحال ولا
بُعد فيه ، على أنّ لقائل أن يقول : إنّ التأكيد في البيت ل « فؤادي » ، والرفع
للحمل على محله ، والعطف على المحذوف لا يحصى كثرة ، وأنّ « رحمة اللّه » معطوف
على « السلام » وإن تأخّر عنه ، كما في قوله :
ثمّ اشتكيت لاشكاني وساكنه
|
|
قبر بسنجبار أو قبر على قهد
|
هذا كلّه إن لم يكن للظرف مرفوع ظاهر
محكوم بكونه فاعلاً له ، وإلاّ فلا خلاف في أنّ لا ضمير لا في العامل المقدّر ولا
في الظرف.
واعلم أنّهم حصروا ما يجب حذف عامله في
ثمانية مواضع :
الأوّل : أن يكون صفة والعامل عامّاً
نحو : ( أَوْ كَصَيِّب مِنَ السَّماءِ ).
والثاني : أن يكون حالاً والعامل كذلك
نحو : ( فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ في زينَتِهِ ).
والثالث : أن يكون صلة والعامل كذلك نحو
: ( مَنْ فِي السَّمواتِ ).
__________________
والرّابع : أن يكون خبراً للمبتدأ قبل
دخول النواسخ أو بعده والعامل كذلك نحو : زيد في الدّار.
والخامس : أن يكون رافعاً للاسم الظّاهر
ولا يكون إلاّ والعامل عام نحو : في الدار زيد.
والسّادس : أن يكون استعماله كذلك فيجب
اتّباعه ، وذلك في الأمثال وأشباهها نحو : حينئذ ، الآن ، وأصله : كان ذلك حينئذ ،
و : اسمع الآن.
والسّابع : أن يضمر العامل على شريطة
التفسير نحو : يوم الجمعة صمت فيه
والثامن : القَسَم بغير الباء.
والثلاثة الأخيرة ليست ظروفاً مستقرّة.
والخمسة الأُوَل كلّها تسمّى مستقرّة ،
إمّا بفتح القاف بمعنى استقرار الضمير فيها على القول بذلك ، أو استقرار معنى
العامل والضمير فيها ، أو استقرار معنى الاستقرار فيها ، أو بكسرها بمعنى الاشتمال
على معنى الاستقرار ، أو بمعنى الاستقلال والاستغناء عن التعلّق بشيء ، أو بمعنى
أنّها لمّا كانت مسندة أو قائمة مقام المسند خرجت عن كونها فضلة فاستقرّت ، فإنّ
الفضلة متزلزلة بين الثبوت والزوال.
ثمّ إنّ الظرف المستقر في الأربعة
الأُول وفيما إذا ولي نفياً أو استفهاماً يعمل في الفاعل والحال والظرف والتمييز
والمستثنى والمفاعيل إلاّ المفعول به ، فإنّ الكون العامل في الظرف قاصر لا يكون
له مفعول به ، فإذا تعقّب أحد هذه الظروف مرفوع كان فيه أقوال :
أحدها
: أنّه يجوز أن يكون المرفوع مبتدأ خبره الظرف ، ويجوز أن يكون فاعلاً
للظرف والأوّل أرجح.
وثانيها
: جوازهما مع رجحان الثاني.
وثالثها
: تعيين الثاني.
واختلف في أنّ العامل في الاسم الذي بعد
هذا الظرف من الفاعل وغيره هل هو العامل المحذوف ، أم الظرف؟ على قولين.
كما اختلفوا في أنّ الخبر أيّهما؟
ويؤيد الثاني أنّ الحال لا يتقدّم عليه
، ولو كان عاملها العامل المقدّر لجاز التقدّم وأنّ الضمير قد استتر فيه لما
تقدّم. ولو لم يكن عاملاً لم يستتر فيه الضمير وقد عرفت ما في الاستدلال على
استتار الضمير فيه.
وأمّا عدم تقدّم الحال ، فيحتمل أن يكون
لالتباسها إن قدّمت بعامل الظّرف إلاّ أن يكون جامداً ، فإن أُوّل بالمشتق جرى فيه
الالتباس وإلاّ احتمل التأويل به لتعلّق الظرف به ، وبالجملة فالالتباس جار في
الكل.
ويمكن أن يؤيّد على تقدير تقدير الفعل ،
بأنّه لو كان العامل هو الفعل لم يشترط بالاعتماد على أحد الأُمور الستّة إذ لا
اشتراط بذلك لعمل الفعل.
وإن لم يكن الظرف في أحد هذه المحال ويعقبه
مرفوع ، فلا يخلو إمّا أن يكون المرفوع حدثاً ، أو أنّ بمعمولها أو غيرهما.
فإن كان غيرهما فأوجب الكوفيون أن يكون
فاعلاً أيضاً ، ولا يشترطون الاعتماد وإنّما أوجبوه ، لأنّهم لا يجيزون تقديم
الخبر على المبتدأ ، للزوم الإضمار قبل الذكر ، ولذا قالوا في قائم زيدٌ : إنّ
زيداً فاعل « قائم » ، ولم يجيزوا أن يكون مبتدأ خبره « قائم ».
وجوّز الأخفش الأمرين وكذا جوزهما في :
قائم زيدٌ ، إذ لا يشترط الاعتماد في شيء من الظرف والصفة ولا يمنع تقديم الخبر
على المبتدأ.
وأمّا سائر البصريين ؛ فعلى وجوب أن
يكون المرفوع مبتدأ خبره الظرف ، لاشتراطهما الاعتماد على أحد الأُمور الستّة.
وأمّا إذا كان المرفوع أحد الباقيين
فعند الخليل لا فرق بينهما وبين غيرهما. وفرق سيبويه فأجاز ارتفاعهما بالفاعلية.
قال الفاضل في التّعليق : ولعلّ السرّ
فيه هو أنّ الحدث ادّعي للحصول والوقوع مع استدعاء الحصول ما يتعلّق هو به فيصرفه
أي يصرف الحدث معناه ، أي معنى الفعل الذي في الظرف إلى نفسه وإن لم يكن ذلك
المعنى قوياً ، بخلاف الخنث فإنّها تستدعي مزيد قوّة فلا يستطيع المعنى الضعيف
الّذي في الظّرف أن يصرفها إلى نفسه.
وذهب الفارسي إلى أنّ « أن » بمعمولها
يرتفع بالفاعلية دون الحدث الصريح ، قيل إنّما عمل في أنّ بلا اعتماد لشبهها
المضمر في أنّها لا توصف.
إذا تقرّر هذا فنقول : على المختار عند
البصريين « لأٌمّ عمرو » خبر لقوله : « مربع » وعند الكوفيين « مربع » فاعل للظرف.
ولابتدائية « مربع » مسوّغان :
أحدهما : الوصف.
والثاني : كون الخبر ظرفاً مخصوصاً أو
تقدّم الخبر عليه على اختلاف الرأيين.
ومنشأ الخلاف : أنّ مدار الابتدائية على
الإفادة أو التخصيص.
فإن كان الأوّل ، كفى كون الخبر ظرفاً
مخصوصاً لحصول الفائدة ، بخلاف ما
لم يكن مخصوصاً ،
نحو : في الدارِ رَجُلٌ ، إذ الزمان لا يخلو عن أن يكون في دارما رجل.
وإن كان الثاني ، فإنّه بالتأخّر عن
الخبر يشبه الفاعل ، فكما يجوز كونه منكراً لتخصيصه بالفعل كذا يجوز الابتداء
بالمنكر المتأخّر.
وقوله : باللِّوى
: يحتمل أن يكون حالاً عن « مَرْبَعُ » وصحّ مع أنّه نكرة لوصفه وتأخّره.
وأن يكون حالاً عن ضمير الظرف المتقدّم
على تقدير الخبرية.
وأن يكون خبراً آخر لمربع.
وأن يكون صفة لأُمّ عمرو إن كان نكرة ،
بل وإن كان معرفة بتقدير اسم الموصول ، كما قيل في قوله :
عدس ما لعباد عليك أمارة
|
|
نجوت وهذا تحملين طليق
|
إنّ التقدير « وهذا الّذي تحملين ».
وأن يكون متعلّقاً بالظرف الأوّل فيكون
لغواً ، وعلى الأربعة الأُول مستقرّاً.
طامسة
: صفة لمربَع بحال المتعلّق ، ويسمّى مجموع النعت ب : « حال المتعلق » ،
والمتعلّق أو النعت وحده ب « النعت السببي » ، وإنّما يشترط مطابقة هذا النعت
لمنعوته في الإعراب والتعريف أو التنكير دون الإفراد أو أخويه ، ودون التذكير أو
أُخته ، إذ لا ضمير فيه يعود إلى المنعوت ولا هو مسند إليه بل إنّما أُسند إلى
المتعلّق ، فإنّما يجب مطابقته له في التذكير وفي التأنيث إن كان مؤنّثاً حقيقياً
غير مفصول.
__________________
أعلامه
: فاعل « طامسة »
بلقع
: صفة أُخرى لمربَع فعلية أي لحال الموصوف.
المعاني
: فيه مسائل :
الأُولى
: في تقديم الظرف الأوّل على « مربع » : أمّا إن جُعل « مربع » فاعلاً له ، فلأنّ
تقديم العامل على معموله الأصل ولا معارض له. وأمّا إن جُعل مبتدأ ، فلازدياد
تخصيصه ومسوّغ ابتدائيّته على القول بأنّ التقديم من المسوّغات ، وللاهتمام بذكر
اسم الحبيبة لكونها نصب عين المحب ، ولتعظيمها ، وللتبرك باسمها ، وللاستلذاذ ،
ولزيادة تمكين المبتدأ في ذهن المخاطب فإنّ في ذكر الخبر تشويقاً إليه والشيء إذا
نِيلَ بعد مُقاسات الشوق كان أوقع في النفس ، ولئلاّ يتلبّس الظرف بالصفة ، ولئلاّ
يطول الفصل بين المبتدأ والخبر فإنّ للمبتدأ صفات كثيرة لابدّ من اتّصالها به
وتقدّمها على الخبر لو أُخّر ، ولإيهام أنّ المتكلّم لا يساعده لسانه على التلفّظ
بالمبتدأ إلاّ بعد تكلّف بليغ لكونه موحشاً منفوراً عنه لاتّصافه بكونه طامس
الأعلام وكذا وكذا ، ولإيهام أنّ المربع لطمس أعلامه صار من النكارة والإبهام بحيث
لا يمكن إخطاره بالبال وتمييزه من الحاضرات في الذهن إلاّ بعد تأمل ومضيّ زمان ،
وللدلالة على أنّ المبتدأ لنكارته وإبهامه من حقّه أن يوضع موضع الخبر ، فإنّ
المجهول عند المخاطب من كلّ جملة هو المحكوم به والمحكوم عليه معلوم عنده ،
وللاهتمام بإثبات هذا المربع لأُمّ عمرو
فإنّ ثبوته لها ممّا يُستنكر ويُستغرب لوجوه :
الأوّل : إنّ المحبّ يستبعد في نفسه موت
المحبوب لعظمه في نفسه.
__________________
والثاني : إنّ التعبير عن شيء بعلمه قد
يكون للكناية كما أنّه يُكنّى ب « أبي لهب » عن الجهنّمي لملاحظة وضعه التركيبي ،
فيحتمل أن يكون كنّى ب « أُمّ عمرو » عن كونها أصل العمر والحياة ، وإذا كانت أصل
العمر فمن الغريب جدّاً أن يموت ، وهذان الوجهان إنّما يتمّان إن كان المراد بيان
موت « أُمّ عمرو » لا هجرها عن ذلك المربع.
والثالث : أن يكون غريباً عند المتكلّم
أن تهجر أُمُّ عمرو هذا المربع ، إمّا لكون المربع ممّا لا ينبغي أن يُهجر لكونه
من أحاسن
المربع نضارةً وصفاءً وهواءً ونحو ذلك ، أو لكون أُمُّ عمرو ممّا لا ينبغي أن
تهجرها ؛ لأنّها من المقصورات في الخيام اللاّئي يُستبعد جدّاً خروجهنّ ومسافرتهنّ
، أو لأنّ من الغريب أن تهجره حتّى تطمس أعلامه ويصير كذا وكذا ، أو لغاية البُعد بين حالتي
المربع ؛ حالته الآن ، وحالته حين كانت فيه أُمّ عمرو.
والرابع : إنّ من الغريب جدّاً أن تطمس
أعلام أرض كانت مربعاً لأُمّ عمرو ويصير
كذا وكذا ، بل كان ينبغي أن يكون ببركة قدومها فيه دائم التفوّق على سائر المرابع ، والوجه
الثالث إنّما يتمّ إن كان المراد بيان هجرها المربع لا موتها والرابع يعمّ الوجهين
، ويحتمل أن لا يريد هجرها ولا موتها ، بل يريد أنّها الآن تربع وتنزل في الربيع
في هذا المكان الموصوف بكذا وكذا ، وحينئذ فوجه الاستغراب ظاهر.
وللإيضاح بعد الإيهام فإنّه لابدّ في
الخبر من ضمير راجع إلى المبتدأ وقبل ذكره يكون مبهم المرجع ، ولتعظيم المبتدأ
فإنّه يُبتدأ بغيره ليتهيّأ المخاطب لاستماعه
__________________
إيهاماً ، لأنّه
لابدّ من التهيّؤ التامّ والاستعداد البليغ لاستماعه وللتعجّب من أحواله على نحو
ذلك ، ولإيهام أنّ مربع الحبيبة ممّا لا يغيب عن الذهن ولذا أُرجع إليه الضمير قبل
ذكره ، ولأنّ المربع لمّا كان اسم مكان لم يعقل معناه قبل تعقّل المتمكّن لتضمّنه
النسبة بينه وبين المكان فينبغي تقديم ذكره ليتمّ فهم معناه.
ولستُ أُريد باسم المكان هنا ما هو
المصطلح العامّ للمكان الحقيقي وغيره ، وإنّما أُريد به ما هو اسمٌ لمكان النّاس
أو غيرهم ممّا يتمكّن حقيقة أي ما يفسّر بمكان جسم باعتبار حال أو زمان ، كما يقال
: إنّ المربع مكان الناس وقت الربيع ، والمشتى مكانهم وقت الشتاء ، والمصيف مكانهم
في الصيف ، ولا يقال مكان الربيع أو الشتاء أو الصيف ، كما يقال في المقتل : مكان
القتل ، وفي المصدر مكان الصدور وهكذا ، وإن أمكن إرجاع هذه إلى المعنى الأوّل
وإنّما لم أرد المعنى العام ، لأنّ ما يفسّر منها بأمكنة الاحداث لا ينظر فيها
أوّلاً إلاّ إلى الأحداث فإنّها التي جعلت ذوات الأمكنة ، هذا كلّه مع الضرورة ،
وهذه الوجوه أكثرها تجتمع ، وبعضها لا يجامع بعضاً كما لا يخفى على الفَطن ، ثمّ
إنّ أكثرها لا يخصّ تقدير كون « مربع » مبتدأ بل يجري على الوجهين.
المسألة
الثانية : في ظرفية المسند : ووجهها أنّ الظّرف
اختصار الجملة الفعلية أو اسم الفاعل مع فاعله فهو مفيد فائدة الجملة الفعلية أو
الاسمية مع الاختصار. هذا هو الوجه العام الجاري في جميع الموارد.
ويمكن أن يكون من الوجه العام أيضاً
أنّه لم يتعلّق غرض مهمّ من المتكلّم ببيان الثبوت أو الحدوث لمضمون الجملة ، فلا
يريد التصريح بالمسند فإنّه يتبيّن فيه الثبوت أو الحدوث ويوهم تعلّق غرض المتكلّم
بإبانته.
ثمّ إنّ لها وجوهاً خاصّة مناسبة
للمقامات فمن وجوه الظرف المتحمل لتقدير الفعل ولتقدير اسم الفاعل كما هنا ؛ جعل
الكلام محتملاً لوجهين ، وتوسيع
مجال الفهم وهو وجه
عامّ لكلّ ظرف محتمل لتقديري الفعل والاسم ، ولكنّه إنّما يجري على رأي من
يجوّزهما.
وممّا يختصّ بهذا المقام من الوجوه :
أنّ المتكلّم استكره التصريح بحصول مربع موصوف بهذه الصفات لحبيبته.
ومنها : أنّه أراد إفادة الاختصاص أو
الاستحقاق أو التملّك أوّل مرة على أخصر وجه ، ولو عبّر بالفعل أو الاسم أمكن
إفادتها لكن كان يفوِّت الاختصار أو كان يفوّت إفادتها أوّل مرّة ، فالأوّل إن
عبّر بنحو : اختصّ أو استحقّ أو ملك ، والثاني إن عبّر بنحو كان أو : استقرّ أو
حصل.
ومنها : أنّه يكون اسم الحبيبة أقرب إلى
الصدر إذ لا يتقدّمه إلاّ حرف مفرد.
المسألة
الثالثة : في ذكر علمها : فنقول : إنّه لتربية
الفائدة ، فإنّه كلّما كان الحكم أكثر اختصاصاً وتقيّداً كانت الفائدة أتمّ ،
وكلّما ازداد جزءاً من أجزاء الجملة تخصيصاً ازداد الحكم تخصيصاً.
وللتبرّك باسمها وللاستلذاذ به ،
ولتمييزها أفضل تمييز لذكرها بالاسم المختصّ بها.
وللكناية عن كونها أصل حياة المتكلّم أو
الناس إن أُخذ الاسم من العمر بمعنى الحياة.
أو عن استقامة قامتها وتماميتها إن أُخذ
من العمر بمعنى النخل.
أو عن كونها منقرطة إن أُخذ من العمر
بمعنى القرط.
أو عن أنّها أصل الدِّين وقوامه إن أُخذ
من العمر بمعنى الدِّين.
أو عن أنّها مجمع الحياة إن كان «
الأُمّ » بمعنى ما يجتمع إليه أشياء ، ولهذا معنيان يصلح كلّ منهما للإرادة ،
أحدهما : أنّ الأحياء كلّهم يجتمعون إليها ويفزعون إلى لقائها ، والثاني : أنّ كلّ
حيّ فهو يفديها بنفسه ويهبها حياته.
أو عن أنّها مجمع الدِّين ، ويصحّ فيه
المعنيان أيضاً : أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلأنّ الدِّين أعزّ من الحياة
، فأراد أنّهم يهبونها أديانهم فضلاً عن أعمارهم.
وأمّا العدول عن الاسم واللقب إلى
الكنية.
فلأنّه يفوت فيهما الكنايات المقصود
أخذها ، ولتعظيمها وتخييل أنّ صريح اسمها ممّا لا يليق المتكلّم لأن يتلفّظ به أو
السامع لأن يسمعه.
وللاستعفاف عن ذكر صريح اسمها.
ولإخفائها عن السامعين خوفاً من
الرُّقباء أو غيرهم ، كما ورد أنّ الحسن البصري كان في الدولة الأموية كلّما حدّث
عن أمير المؤمنين 7
كنّى عنه ب « أبي زينب ».
ولترتبه التحيير ، ولتقوية التوجّع
باعتبار ما كنّى به عنه ، من المعاني الأصلية على ما عرفت.
ولصون صريح اسمها عن أن يسبقه شيء أو
يُخبر بشيء ، ولصونه عن أن يثبت له مربع كذا وكذا من صفته ، ولأنّ النفس لا تساعده
على أن يثبت مثل ذلك المربع لصريح اسمه ، أو يقدم عليه شيئاً أو يجرّه بشيء.
ولأنّه حينئذ يتضمّن الكلام شبه انطباق
إن أراد التحيير من موتها باعتبار بعض الكنايات السابقة ، فإنّها إذا كانت أصل
الأعمار أو مجمعها كان ينبغي أن لا تموت أبداً.
ولأنّه حينئذ يتضمّن التوجيه أي جعل
الكلام محتملاً لمعنيين أو معان ، فإنّه يحمل إرادة المعنى العلمي والمعنى
التركيبي ، وعلى الثاني يحتمل إرادة تلك الشُّخص المعهودة وإرادة غيرها ، وربّما
يضمن الإيهام لأنّ معناه القريب هو الضبع وقد أريد به غيره ، وإن لم يسلم ذلك ففيه
إيهام إن لم يرد به إنسان أو أُريد به
إنسان غير مكنّى به
، فإنّ المعنى القريب هو الإنسان المكنّى لا سيّما إن أُريد رجل.
وسيتبيّن لك عن قريب إن شاء اللّه.
هذا كلّه إن كان أُم عمرو علماً وأراد
به المعنى العلمي سواء كان ممّا وضعه الناظم لعين أو معنى أو كان موضوعاً.
ويجوز أن لا يريد به إلاّ معناه
التركيبي وحينئذ فيكون منكراً ولتنكيره وجوه :
منها : الإبهام على السامعين.
ومنها : التعظيم ، إمّا بتخييل أنّها من
العظم بحيث لا يليق المتكلّم لأن يتفوّه بالاسم المختص بها أو السامع لأن يسمعه ،
وإمّا بتخييل أنّها من العظم بحيث لا يعرف كنهه ولا كنه ذاته.
ومنها : التجاهل ، والغرض من التجاهل
المبالغة في إمحاء أعلام المربع بحيث لا يتعيّن لديه صاحبه.
ومنها : صون الذات المعينة عن أن يسبق
اسمها شيء أو تجرّ بشيء أو يثبت له مربع كذا وكذا.
ومنها : الاستعفاف عن ذكر المرأة باسمها
أو بما يعينها.
ومنها : إظهار أنّ هذا الجنس المعبّر
عنه بهذا الاسم منحصر في الفرد المقصود ظاهر الانحصار فيه ، فلا يسبق الذهن إلى
غيره إذا أُطلق.
المسألة
الرابعة : في ظرفية « باللّوى » إن كان
مستقرّاً ، والوجه فيها بعض ما ذكر من وجوه ظرفية « لأُمّ عمرو ».
المسألة
الخامسة : في العدول عن لفظة « في » إلى «
الباء » فنقول : إنّه للدلالة على الملازمة والملاصقة ، بمعنى أنّه لم يكن ينفكّ
عن اللّوى مربعها.
المسألة
السادسة : في تعريف « اللّوى » والوجه فيه
تربية الفائدة إن كانت « اللام » للعهد الخارجي ، أو تخييل تربيتها وتصويرها بصورة
المرباة إن كانت للعهد الذهني ، فإنّ المعهود بالعهد الذهني وآلنكرة سواء في
المعنى ، وإنّما اعتبار التصريف فيه أمر لفظيّ ، ثمّ إن كان العهد خارجيّاً ولم
يجر ذكر للّوى بين المتكلّم والمخاطب كان فيه إشارة إلى أنّ ذلك الفرد من اللّوى
معهود للكلّ ، بحيث لا حاجة في تعيينه إلى سبق ذكر أو حضور.
المسألة
السابعة : في تقييد المسند أو المسند إليه به
إن لم يكن خبراً آخر ، والوجه فيه أيضاً تربية الفائدة.
المسألة
الثامنة : في تقديمه على « مربع » إن لم يكن
متعلّقاً بما قبله بل كان خبراً أو حالاً عنه ، ووجهه كثير من الوجوه المذكورة
لتقديم الظرف الأوّل.
المسألة
التاسعة : في تنكير المسند إليه أعني مربعاً ،
ويجري فيه كثير ممّا ذكر في تنكير « أُم عمرو » ويخصّه أنّه يتضمّن المبالغة في
وصفه لطمس الأعلام ؛ لدلالته على النكارة.
المسألة
العاشرة : في وصف المسند إليه ووجهه تربية
الفائدة والتعجّب ، والدلالة على التأسّف والتحيير ، وفي تقديم الوصف الأوّل على
الثاني مع رعاية القوافي ، رعاية الترقّي ، فإنّ البلقع ما ليس فيه شيء كما عرفت
وهو أبلغ من طموس الأعلام وأثر طامسة أعلامه على طامس الأعلام ؛ لأنّ المقام مقام
الإطناب ، ولئلاّ يسند ما هو صفة الاعلام إلى غيره ظاهراً ، كما ليس مسنداً إليه
حقيقة ، وللإتيان بالأصل الذي هو عدم الإضافة ، وللهرب من الإبهام الذي تتضمّنه
الإضافة ، فإنّ الطامس كما عرفت مشترك بين اللازم والمتعدّي ، فربّما سبق الوهم
إلى المتعدّي وسبق إلى أنّ الإضافة إلى المفعول ، ولئلاّ تزول أعلامه عن رتبة
العمدة ظاهراً ، فإنّه ما أمكن جعل شيء عمدة في الكلام ، فلا ينبغي العدول عن
ذلك إلى جعله فضلة
إلاّ لداعي ، والمضاف إليه في الإضافة الحقيقية فضلة وفي اللفظيّة في صورة الفضلة.
المعنى :
ظاهره أنّ له محبوبة كنيتها « أُمّ عمرو
» وقد فارقت هذا المربع إمّا بهجر أو بموت ، فهو يتذكّرها ويتذكّر مربعها ، ويتحسر
ويتأسّف على ذلك ويقول : إنّ هذا المكان الذي قد أُمحي أعلامه أي : الأُمور التي
كانت يُعلم ويُتميّز بها عن غيره من الأبنية والمياه والأشجار ونحوها ؛ أو أعلام
الساكنين فيه ؛ أو الأعلام المنصوبة لطرقه للاهتداء إليها وإليه : لأُمّ عمرو.
ويحتمل أن يراد بالأعلام ؛ الرايات التي كانت لساكنيه ، أو ما يعقد على الرماح ،
أو السادات أو المشاهير ، أو الجبال تشبيهاً للأبنية الرفيعة والقصور المنيعة بها.
ويحتمل أن لا يكون كنية المحبوبة « أُمّ
عمرو » ولكنّ الناظم نفسه وضع لها هذه الكنية أو استعملها فيها بالمعنى التركيبي
من غير وضع علمي.
ويحتمل أن يكون المراد ب « أُمّ عمرو »
النبي 6 فإنّه أصل
الدِّين وأصل الحياة الحقيقية والمجازية لكلّ حيّ ، ورئيس الأحياء ورئيس أهل
الدِّين ، والبارّ بهم كالأُمّ البرّة بولدها.
ويحتمل أن يريد به أمير المؤمنين صلوات
اللّه عليه ؛ وروى الشيخ الصدوق ثقة الإسلام والمسلمين أبو جعفر محمد بن يعقوب
الكليني في كتاب الحجّة من « الكافي » عن أبي محمد القاسم بن العلاء رفعه ، عن عبد
العزيز بن مسلم ، عن الإمام الهمام علي بن موسى الرضا صلوات اللّه عليه ، في حديث
طويل : الإمام الأنيس الرفيق ، والوالد الشفيق ، والأخ الشقيق ، والأُمّ البرَّة
بالولد الصغير.
__________________
وروى هذا الخبر بعينه الشيخ الصّدوق أبو
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي في كتاب « عيون أخبار الرضا
» عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيّ
، عن القاسم بن محمد بن علي الهارونيّ ، عن عمران بن موسى بن إبراهيم ، عن الحسن
بن القاسم الرقام ، عن القاسم بن مسلم
، عن أخيه عبدالعزيز بن مسلم عنه صلوات اللّه عليه.
وفي تفسير الإمام الهمام الحسن بن علي
العسكري صلوات اللّه عليه : قال عليّ بن موسى الرضا 8
: أما يكره أحدكم أن ينفى عن أبيه وأُمّه اللّذَين ولداه؟ قالوا : بلى واللّه. قال
: فليجتهد أن لا ينفى عن أبيه وأُمّه اللّذين هما أبواه الأفضل من أبوي نفسه. ـ محمد وعلي ـ.
وقد وردت أخبار تضمن كون النبيّ وأمير
المؤمنين صلوات اللّه عليهما أبوي الأُمّة ؛ منها ما رواه الشيخ الأجل الصدوق أبو
جعفر محمد بن بابويه القمّي ـ رضوان اللّه عليه ـ في كتاب « معاني الأخبار » وغيره
، قال :
حدّثنا أبو محمد عمّار بن الحسين ـ رضي
اللّه عنه ـ قال : حدّثنا علي بن محمد بن عصمة ، قال : حدّثنا أحمد بن محمد الطبري
بمكّة ، قال : حدّثنا محمد بن
__________________
الفضل ، عن محمد بن
عبد الملك بن أبي الشوارب القرشي
، عن ابن سليمان ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : كنت عند عليّ بن أبي
طالب 7 في الشهر
الذي أُصيب فيه وهو شهر رمضان ، فدعا ابنه الحسن 7
ثمّ قال : يا أبا محمد اعل المنبر فاحمد اللّه كثيراً وآثن عليه ، واذكر جدّك رسول
اللّه 6 بأحسن الذكر
، وقل : لعن اللّه ولداً عقّ أبويه ؛ لعن اللّه ولداًعقّ أبويه ؛ لعن اللّه ولداً
عقّ أبويه ؛ لعن اللّه عبداً أبق
من مواليه ؛ لعن اللّه غنماً ضلّت عن الراعي ، وانزل.
فلمّا فرغ من خطبته ونزل ، اجتمع الناس
إليه فقالوا : يا ابن أمير المؤمنين وابن بنت رسول اللّه نبّئنا ( الجواب ) ، فقال
: الجواب على أمير المؤمنين 7.
فقال أمير المؤمنين 7 : إنّي كنت مع النبي 6 في صلاة صلاّها فضرب بيده اليمنى إلى
يدي اليمنى فاجتذبها فضمّها إلى صدره ضمّاً شديداً ثمّ قال لي : ياعلي ، قلت :
لبّيك يا رسول اللّه.
قال : أنا وأنت أبوا هذه الأُمّة ، فلعن
اللّه من عقّنا ، قل : آمين ، قلت : آمين.
ثمّ قال : أنا وأنت موليا هذه الأُمّة
فلعن اللّه من أبق عنّا ، قل : آمين ، قلت : آمين.
ثمّ قال : أنا وأنت راعيا هذه الأُمّة
فلعن اللّه من ضلّ عنّا ، قل : آمين ، قلت : آمين.
قال أمير المؤمنين 7 : وسمعت قائلَين يقولان معي : « آمين »
، فقلت : يا
__________________
رسول اللّه ، ومَن
القائلان معي « آمين »؟ قال : جبرئيل وميكائيل 8.
هذا وإن كان لا يتعيّن أن يكون الأبوان
والوالدان الواردان في الأخبار إلاّمثنّى الأب والوالد ، لا الأب والأُمّ أو
الوالد والوالدة ، إلاّ أنّه لا فرق بين الأب والأُمّ في صحّة الإطلاق بل الأُمّ
أصحّ إطلاقاً باعتبار معناه اللغويّ كما عرفت.
ويحتمل أن يريد به الدِّين الذي هو أصل
الحياة الأبدية أو أصل كلّ دين.
وأن يُريد به أُصول الدين التي نطق بها
الكتاب والأخبار.
وأن يُريد به القرآن.
وأن يُريد به النبوّة ، أو الخلافة ، أو
الإمامة الشاملة لهما ، التي بكلّ منها قوام الحياتَين ، وقيام الدين.
وأن يريد به أُمّ هاشم بن عبد مناف جدّ
النبيّ 6 فإنّ اسمه «
عَمرو » بالاتّفاق ، وإنّما سمي هاشماً لهشمه الثريد للناس في الأيام المجدوبة.
وروى الصدوق أبو جعفر بن بابويه
المتقدّم ذكره ـ رضي اللّه عنه ـ في كتاب « معاني الأخبار » وغيره ، باسناده عن
الحسن البصري قال : صعد عليّ بن أبي طالب 7
المنبر فقال : أيُّها الناس أنسبوني ، من عرفني فلينسبني وإلاّ فأنا أنسب نفسي ؛
أنا زيد بن عبد مناف بن عامر بن عمرو بن المغيرة بن زيد بن كلاب.
فقام إليه ابن الكوّاء ، فقال : يا هذا ما نعرف لك نسباً غير
أنّك عليّ بن
__________________
أبي طالب بن عبد
المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب.
فقال له : يا لكع إنّ أبي سمّاني «
زيداً » باسم جدّه « قصي » وإنّ اسم أبي « عبد مناف » فغلبت الكنية على الاسم ،
وإنّ اسم عبدالمطّلب « عامر » فغلب اللّقب على الاسم ، واسم هاشم « عمرو » فغلب
اللقب على الاسم ، واسم عبد مناف « المغيرة » فغلب اللقب على الاسم ، واسم قصيّ «
زيد » فسمّته العرب مجمعاً لجمعه إيّاها من البلد الأقصى إلى مكّة فغلب اللقب على
الاسم ، قال : ولعبد المطّلب عشرة أسماء ، منها : عبد المطّلب ، وشيبة ، وعامر.
يريد أنّ هذا المربع لهاشم وأولاده.
والمقصود أنّه مربع توارثته بنو هاشم كابر عن كابر وأنّ هاشماً كأنّه ناله عن بطن
أُمّه ؛ فإنّ من المعلوم فضل هاشم على سائر أولاد عبد مناف وفضل أولاده على
أولادهم ، فهو فضلٌ آتاه اللّهُ من فضله ، وإنّما فعل ذلك لإخراج الأغيار ، فإنّما
مراده ذكر بني هاشم والتحيير لأجلهم.
ويحتمل أن يريد ب « أُمّ عمرو » :
فاطمة صلوات اللّه عليها ، لكونها أصل الدين فإنّ من أحبّها وأحبّ أولادها واقتدى
بهم كان مؤمناً وإلاّ كان خارجاً عن ربقة الإيمان ، ولذلك فهي أصل الحياة الأبدية
؛ وأيضاً فإنّ أولادها صلوات اللّه
__________________
عليهم أعمار الخلائق
لأنّهم أسباب لأعمارهم إمّا لحياتهم الدنيوية والأُخروية ، أو لأديانهم ، إذ
لولاهم لخربت الدنيا ، ولولاهم لم يكن دين.
وأيضاً فإنّها صلوات عليها أُمّ السبطين
اللَّذين هما قرطا عرش الرحمن وشنفاه على ما نطقت به الأخبار ، فقد روى ابن
لَهيعةَ عن أبي عوانة
رفعه إلى النبيّ 6
: إنّ الحسن والحسين شنَفا
العرش ، وإنّ الجنّة قالت : يا ربّ أسْكَنْتَني الضعفاء والمساكين ، قال لها
اللّهُ تعالى : ألا تَرضَين أنّي زيّنت أركانكِ بالحسن والحسين ؛ قال : فماست كما تَمِيسُ العروس فرحاً.
وروي أيضاً عن سليمان الأنصاري قال : كنّا جلوساً في مسجد النبيّ 6 إذ أقبل عليّ 7 فتحفّى له النبيّ 6 وضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه ،
وكان
__________________
له عشرة أيّام منذ
دخل بفاطمة 3 فقال له :
ألا أُخبرك في عرسك شيئاً؟ قال : إن شئت فافعل صلى اللّه عليك.
قال : هذا أخي جبرئيل 7 قال : تشاجر آدم وحواء 8 في الجنّة ، فقال آدم : يا حواء ما هذه
المشاجرة؟ فقالت : يقع لي أنّ ما خلق اللّه خلقاً أحسن منّي ومنك ، فأوحى اللّه
تعالى إليه أن يا آدم طف الجنة فانظر ماذا ترى.
قال : فبينا آدم 7 يطوف في الجنّة إذ نظر إلى قبّة بلا
علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها ، داخل القبة شخص على رأسه تاج; في عنقه خناق ؛ وفي أُذنيه قرطان ، فخرّ آدم ساجداً
للّه تعالى. فأوحى اللّه إليه يا آدم ما هذا السجود وليس موضعك موضع سجود.
فقال آدم : يا جبرئيل ما هذه القبّة
التي ما رأيت أحسن منها؟!
فقال : إنّ اللّه عزّ وجلّ قال لها كوني
فكانت.
قال : فمن هذا الشخص الذي داخلها؟
قال : الشخص جارية حوراء إنسيّة تخرج من
ظهر نبيّ يقال له : محمّد.
قال : فما هذا التاج الذي على رأسها؟
قال : هو أبوها محمّد 6.
قال : فما هذا الخناق الذي في عنقها؟
قال : بعلها علي بن أبي طالب 7.
قال : فما هذان القرطان اللّذان في
أُذنيها؟
قال : هما قرطا العرش وريحانتا الجنة
ولداها الحسن والحسين 8.
قال : فكيف ترد يوم القيامة هذه الجارية؟
__________________
قال : إنّ اللّه تعالى يقول : ترد على
ناقة ليست من نوق دار الدنيا ؛ رأسها من بهاء اللّه ، ومؤخرها من عظمة اللّه ،
وعظامها
من رحمة اللّه وقوائمها من خشية اللّه ، ولحمها وجلدها معجونان بماء الحيوان ؛ قال
اللّه تعالى له كن فكان ، يقود زمام الناقة سبعون ألف صفّ من الملائكة كلّهم
ينادون غضّوا أبصاركم يا أهل الموقف حتى تجوز الصديقة سيّدة النساء فاطمة الزهراء 3.
وفي مناقب ابن شهر آشوب ; : سليمان بن أحمد الطبراني ، والقاضي أبوالحسن الجراحي ،
وأبوالفتح الحفار
، والكياشيرويه ، والقاضي النطنزي بأسانيدهم عن عقبة ، عن عمار الجهني ، وأبي
دجانة ، وزيد بن
علي ، عن
__________________
النبيّ 6 قال : الحسن والحسين شنفا العرش. وفي
رواية : وليسا بمعلقين ؛ وأنّ الجنّة قالت : يا ربّ أسكنتني الضعفاء والمساكين ،
فقال اللّه تعالى : ألا ترضين أنّي زيّنت أركانك بالحسن والحسين ، فماست كما تميس
العروس فرحاً. وفي خبر عنه 6
: إذا كان يوم القيامة زيّن عرش الرحمن بكلّ زينة ثمّ يؤتى بمنبرين من نور ،
طولهما مائة ميل ، فيوضع أحدهما عن يمين العرش والآخر عن يسار العرش ، ثمّ يأتي
الحسن والحسين يزيّن الربّ تبارك وتعالى بهما عرشه كما تزيّن المرأة قرطاها.
وقال الصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن
عباد ( رحمه اللّه تعالى ) في ذلك :
وَلَداهُ شَنْفا العرشِ فَقُلْ
|
|
حَبَّذا العرش وَحَبّا اشنفا
|
وقال ابن علويه :
وابْناهُ عقدُ قوى الجِنانِ عَليهِما
|
|
فَهُما لِدارِ مقامهِ رُكْنانِ
|
وهُما مَعاً لَو يَعْلَمُونَ لعرشِهِ
|
|
دُونَ المَلائكِ كُلّها شَنْفانِ
|
__________________
وقال ابن حماد :
تُفّاحَتا الهادي وقِرطا الـ
|
|
ـعرشِ الواحدِ المُتمجَّدِ
|
وفي إفراد عمرو على هذا إشارة إلى أنّها
بمنزلة شخص واحد ، والأمر كذلك ، بل الأئمّة والنبيّ وفاطمة صلوات اللّه عليهم
بمنزلة شخص واحد فإنّهم من نور واحد وإنّ طاعة واحد منهم طاعة الجميع ، ومعصية
واحد منهم معصية الجميع ، وقول واحد منهم قول الجميع.
والمراد ب « المربع »
أمّا على تقدير أن يريد ب « أُمّ عمرو » حبيبته ؛ فمعناه ظاهر ، ويحتمل أن يريد
مطلق المنزل إمّا على التجريد ، أو على تخييل أنّ منزل تنزله المحبوبة فهو مربع ،
أو أنّ أيّامها جملة أيّام الربيع ، أو يريد منزلها أوان شبابها.
وأمّا على سائر المعاني : فالمراد به
مطلق المنزل إمّا بالتجريد أو بتخييل أحد الأمرين الأوّلين.
ويجري الثالث أيضاً فيما إذا أُريد
الدِّين أو القرآن أو النبوّة أو الإمامة أو الخلافة ، أو المراد به مرتبة الرئاسة
والسياسة.
والمراد بطموس أعلامه : أنّ أهله طُردوا
عنه بحيث لم يبق فيه من أعلامهم شيء ، أو لم يبق من العلامات التي بها يهتدي إلى
منزل الدين أو القرآن أو الإمامة أو الخلافة شيء فضلَّ الناسُ الطريق ، فلم ينالوا
الدين ولم يعلموا القرآن ولم يهتدوا إلى الإمام.
__________________
أو المراد به إمحاء سادات هذا المنزل
عنه ، أو إمحاء أبنية الدِّين وقواعده.
وعلى كلّ من هذه التقادير يكون تخييراً
وتأسفاً من غصب غاصبي الخلافة وظلمهم أهل البيت صلوات اللّه عليهم ، فيكون مثل قول
دعبل الخزاعي
رضوان اللّه عليه.
بَكَيتُ لِربع الدّارِ مِنْ عَرَفاتِ
|
|
وَأَذْرَيتُ دَمعَ العَينِ من وجناتي
|
وبانت عُرى صَبْري وهاجَتْ صَبابَتي
|
|
رُسُومُ دِيار قدْ عَفَتْ وَعِراتِ
|
مَدارِسُ آيات خَلَتْ مِنْ تِلاوَةٍ
|
|
ومَهبط وَحي مُقفرُ العَرَصاتِ
|
لآلِ رَسُولِ اللّهِ بِالخيفِ مِنْ
مِنى
|
|
وِبالبَيْتِ وَالتَّعريفِ
وَالجَمَراتِ
|
__________________
مَنازِلُ وَحْي اللّهِ يَنْزلُ
بَينَها
|
|
عَلى أَحْمدَ المذكورِ في السُّوراتِ
|
مَنازِلُ قَوم يُهْتَدى بِِهُداهُمُْ
|
|
ويؤمنُ مِنْهُمْ زَلَّةُ العَثَراتِ
|
مَنازِلُ كانَتْ لِلصَّلاةِ
وَلِلتُّقى
|
|
ولِلصَّومِ والتطهير والحَسَناتِ
|
منازل لاتَيم يَحِلُّ بربعها
|
|
ْولا ابنُ صهاك هاتِكُ الحُرُماتِ
|
ديارُ عليّ والحُسَينِ وجَعْفَر
|
|
وحَمزةَ والسجّادِ ذِي الثَّفناتِ
|
ودار لِعَبدِ اللّهِ وَالفَضلِ صِنوه
|
|
نَجِيّ رَسُوله اللّهِ في الخَلَواتِ
|
وَسِبْطَي رَسُول اللّهِ وَابْنَي
وصِيِّهِ
|
|
ووارِثِ علمِ اللّهِ والتَّرِكاتِ
|
ديارٌ عَفاها جَورُ كُلِّ مُعانِدٍ
|
|
ولم تَعْفُ للأيّامِ وَالسَّنَواتِ
|
__________________
وأمّا المراد ب « اللوى »
على هذه التقادير :
فإمّا منقطع الرمل كما على التقدير
الأوّل ؛ ويكون المعنى به المدينة أو كلّ منها ومن مكّة ، فإنّ كلاًّ منهما مهبط
القرآن ومنزل الأحكام وموطن النبيّ وآله 6.
وإمّا آخر الزمان ؛ فيكون قد شبّه
الدنيا بالرمل إمّا لعدم ثبات أمرها ، أو لتشتت أُمورها واختلافها كما أنّ الرمل
متشتّت لا يُضمّ بعضه إلى بعض ، أو لسرعة انغمار الناس واندفانهم فيها كما ينغمر
النبي 6 في الرمل ،
أو لعسر العدول والتجاوز عنها إلى آخره كما يعسر السير في الرمل.
وإمّا الإمامة أو النبوّة أو الخلافة ؛
على أن يكون شبَّهَ حال النبيّ والخليفة قبل تحمّل أعباء النبوّة أو الخلافة
بالرمل في اللِّين والملاءمة ، لأنّه قبل ذلك يداهن الناس وليس عليه أن يضادّهم
ويقابلهم ويحملهم على ما لا يرضونه فيكون حال لِين له وللناس ، وأمّا إذا تحمّل
النبّوة أو الخلافة فقد انقطع عنه وعن الناس ما كان من اللِّين والرفق والمداهنة.
البيان
: قد تبيّن لك إن أحطت بما سمعته من المعاني ، أنّ الكلام :
يحتمل أن يكون على حقيقته من غير تجوّز
ولا كناية فيه ولا في شيء من إجراءاته.
ويحتمل
أن يكون مشتملاً على الكناية ب « أُمّ عمرو » عن إحدى المعاني التي عرفت وأن يكون
الاعلام مجازاً عن الأبنية الرفيعة ، أو السادات ، أو المشاهير.
ولمّا كانت العلاقة هي المشابهة كان
استعارة.
ولمّا كان اسم المشبه به مذكوراً كانت
استعارة مصرّحاً بها.
ولمّا كان الجامع أمراً متحققاً كانت
تحقيقية.
ولمّا كان أمراً مبتذلاً كانت عامية.
ولمّا كان مقروناً بالطموس الذي لا
يناسب المشبه به كانت مرشحة.
ويحتمل
أن يكون المربع مجازاً عن المنزل إمّا مرسلاً من قبيل تسمية المطلق باسم المقيّد
وهو من تسمية الجزء باسم الكلّ إمّا مجرد ذلك ، أو مضمّناً تشبيه أوان الشباب
بأيّام الربيع ، أو أيّام الحبيب بأيّامه ، أو ادّعاء أنّ أيّامها أيّامه حقيقة ،
وإمّا استعارة لتشبيه منزلها بالمربع ، وأن يكون مستعاراً للمرتبة تشبيهاً للمراتب
الشرفية بالمكانيّة ، والاستعارة على الأخير مرشحة لأنّ الأعلام وطموسها والبلقع
كل منها يلائم المشبه به وعلى الذي قبله مطلقة ، إذ لم يقرن بما يلائم شيئاً من
المشبه والمشبه به ، أعني ما يلائم شيئاً منهما بخصوصه وإلاّ فهذه الأُمور ملائمة
لكلّ منهما ، وكلّ من هاتين الاستعارتين أيضاً مصرَّح بها تحقيقية عاميّة.
ويحتمل
أن يكون « أُمّ عمرو » استعارة مصرحاً بها لما عرفت ، بناءً على تشبيه تلك الأُمور
بأصل الحياة أو الدِّين ؛ لكونها من أسبابهما القويّة ، فإن كان استعارة للقرآن أو
النبوّة أو الخلافة أو الإمامة كانت مرشّحة ؛ لأنّ المربع ممّا يلائم المشبه به ،
وإن كان للباقي كانت مطلقة.
ويحتمل
أن يكون « أُمّ عمرو » علَماً لمعشوقه ويكون قد استعار اسمها للإمامة أو الخلافة
أو النبوّة أو الرئاسة ، لأنّ كلاً منها معشوق لأكثر الخلق كما أنّه كثيراً ما
يستعار « ليلى » ونحوها لما يزداد حبه والميل إليه ، أو استعارة للدّين أو القرآن
؛ لأنّهما معشوقا المؤمنين ، أو استعارة النبيّ 6
أو أمير المؤمنين 7
أو هما وسائر الأئمّة صلوات اللّه عليهم ؛ لأنّهم معشوقو المؤمنين ، ولا بُعد في
ذلك إذ لا يراد
باسم المعشوقة حينئذ
إلاّ ما اشتهرت به من المعشوقية ، كما يقال فلان حاتم ولا يراد إلاّ ما اشتهر به من
معنى الجود ، وعلى الأوّلين مثبت الترشيح دون الأخير.
ويحتمل
أن يكون من المجاز المركّب تمثيلاً لخلو الدِّين عن أئمّته ، والإمامة عن أهلها
بخلو مربع أُمّ عمرو عن أهله.
ويحتمل
أن يكون « اللِّوى » مستعاراً لما عرفت من استعارة مصرّحاً بها مرشّحة.
[ ٢ ]
تروح عنه الطير وَحْشيَّةً
|
|
والأُسدُ مِنْ خِيفَتِهِ تَفْزَعُ
|
اللغة :
الرواح
: الوقت من زوال الشمس إلى اللّيل وهو العشي ، وإنّما سمّي بذلك لراحة الناس فيه
غالباً عن الأعمال. وقد يكون مصدر « راح يَرُوحُ » في مُقابِله « غدا يغدو ».
ويقال : رحت القوم وإليهم وعندهم روحاً ورواحاً : ذَهَبت إليهم في الرواح.
ويقال : سَرَحَتِ الماشِيَةُ
بِالغَداةِ. وراحَتْ بِالعَشِيّ ، أي رجعت. وأرحنا إبلنا رددناها في الرّواح.
ثمّ اتّسع فقيل : راحَ القَومُ
وتَرَوَّحوا ، إذا ساروا إلى وقت كان. ومنه الحديث : من راح إلى الجمعة في السّاعة
الأُولى كأنّما قرب بدنه.
وقال الأزهري إمام اللغويّين في عصره :
يقال : راح إلى المسجد ، أي مضى. قال : ويتوهّم كثير من الناس أنّ الرواح لا يكون
إلاّ في آخر النهار ، وليس ذلك بشيء لأنّ الرواح والغدوّ عند العرب يستعملان في
المسير أيّ وقت كان : من ليل أو نهار ؛ يقال : راح في أوّل النهار وآخره ، وتروّح
وغدا بمعناه .
انتهى بألفاظه.
« عن »
: حرف جرّ وضع للدلالة على المجاورة ، أي مجاورة شيء عن المجرور
__________________
بها بسبب إحداث مصدر
المعدى بها فمعنى : رميت عن القوس : أنّ السهم بعُدَ عن القوس بسبب الرمي. ومعنى :
أطعمه عن الجوع : بعَّده عن الجوع بسبب الإطعام. و : أدّيت الدَّيْن عنه ، بمعنى
بعَّدتُ الدَّيْن عنه بسبب الأداء.
وأمّا نحو : رَوَيتُ عنهُ العِلمَ ، و :
حكيتُ عنه ، و : أخذتُ عنه ، فمجاز ، كأنّك نقلت عنه ما عنده.
وقولك : جلستُ عن يمينه ، أي تراخيت عن
موضع يمينه بالجلوس.
والبصريّون على أنّها ليست إلاّ
للمجاوزة. وذكر الكوفيون لها معاني أُخرى.
ثمّ إنّها تدخل عليها « من » الجارة ،
فالأكثر على أنّها حينئذ اسم.
وزعم الفرّاء أنّها حرف وأن « من » من
الجوار تدخل على حروف الجر كلّها إلاّ « من » و « اللام » و « الباء » و « في » و
« أمّا » ، مثال ذلك نحو قوله :
وَلَقَدْ أَراني للرماحِ دريئة
|
|
من عن يميني مرّة وشمالي
|
وقد يدخلها « على » كما قال :
عَلَى عَنْ يَمِيني مَرَّتِ الطيرُ
سُنَّحاً
|
|
وكَيْفَ سُنُوحٌ واليـَميـنُ قَطيـعُ
|
وفيه الخلاف السابق.
وذهب بعض إلى أنّها اسم ، في قوله :
وَدَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ في
حَجَراتِهِ
|
|
ولَكنْ حَدِيثاً ما حَديثُ
الرَّواحِلِِ
|
__________________
وفي عنعنة تميم « عن » بمعنى « ان »
كقوله :
أَعَنْ تَرَسَّمْتَ من خَرْقاءَ
مَنْزِلَـةً
|
|
ماءُ الصَّبابَةِ مِنْ عَيْنَيْكَ
مَسْجُومُ
|
«
الطير » جمع طائر ، كراكب وركب وصاحب وصحب.
وقال قطرب وأبو عبيدة : إنّه يقع على
الواحد.
وقرئ : ( فيكون طيراً بإذن
اللّه )
.
« الوحش »
: خلاف الإنس ، ويسمّى الحيوان الذي لا أُنس له بالإنس وَحشاً. وجمعه : وحوش.
والوحش : المكان القفر ، يقال : لَقِيه
بِوَحْشِ إصْمِتَ ، أي ببلد قَفْر.
وبلد وحش ، وأرض وحشة وموحشة.
وتوحّشت الأرض : صارت وحشة ، وآوحشت
الأرض : وجدتها وحشة.
وأوحش المنزل : صار وحشاً. وذهب عنه
الناس وبات وحشاً : إذا لم يكن في جوفه طعام.
وأوحش وتوحش : خلا بطنه من الجوع. ويقال
: توحَّش للدواء أي أخلِ جَوفَكَ من الطعام.
والوحشة : الهم والخلوة والخوف ، وقد
أوحشت الرَّجل فاستوحش.
والجانب الوحشي من كلّ شيء : جانبه
الأيمن ، على قول أبي زيد وأبي عمرو.
__________________
قال
:
فمالَتْ على شِقِّ وحْشِيِّها
|
|
وقد رِيعَ جانِبُها الأيسَرُ
|
يقال : ليس من شيء يفزع إلاّ مال إلى
جانبه الأيمن ، ( لأنّ الدابّة لا تؤتى من جانبها الأيمن ) وإنّما تؤتى في الاحتلاب والركوبِ من
جانبها الأيسر ، فإنّما خوفها
منه ، والخائف إنّما يفرّ من موضع المخافة إلى موضع الأمن ، وعن الأصمعي أنّه
الجانب الأيسر.
أقول : ولكلّ جهة مناسبة لأصل المعنى.
أمّا الأوّل فلأنّه لمّا كان أكثر
الأعمال والتصرّفات بالجانب الأيمن فهو أكثر حركة وخروجاً عن ملازمة الجسد من
الأيسر ، والأيسر أكثر سكوناً إلى الحيوان وأقلّ خروجاً عن ملازمة الجسد فصحّ أن
يقال للأوّل : وحشيّ ، وللثاني : إنسيّ.
ويحتمل أن يكون أصله من الدابة التي
تركب فإنّ جانبها المأنوس للركوب إنّما هو اليسار فيمينها وحشي المراكب.
وأمّا الثاني : فلأنّ الحيوان إنس
بجانبه الأيمن منه بالأيسر فإنّ أعماله في الغالب بالأوّل.
ووحشيّ القوس : ظَهرُها ، وإنسيُّها :
ما أقبل عليك منها ، وكذلك وحشيُّ اليد والرجل وإنسيُّهما.
« الياء »
حرف واسم ، والحرف حرف تهجّي ، وحرف معنى.
أمّا الكلام على حرف التهجي منها :
فاعلم أنّ مخرجها ممّا بين وسط اللسان
__________________
ووسط الحنك ، خلافاً
للخليل لزعمه أنّها هوائية كالألف والحق أنّها كذلك إذا كانت مدّة ، وإلاّ فالحقّ
الأوّل وهو الذي خرج به جماعة : منهم ابن الحريري في مقدمته والجعبري في « شرح حرز
الأماني » وهي مجهورة منفتحة منخفضة مصمتة بين الشديدة والرخوة ، ليّنة وغير
ليّنة.
وأمّا إذا كانت حرف معنى : فهي على
نوعين : مخفّفة ، ومشدّدة.
والكلام هنا في المشدّدة : وهي موضوعة
للدلالة على انتساب شيء إلى ما لحقته ، ضرباً من الانتساب.
وإنّما كانت علامة النسبة حرف لين ؛
لخفتّه وكثرة زيادته.
وإنّما لحقت بالآخر لأنّها بمنزلة
الإعراب في العروض ، وإنّما لم تكن « ألفاً » لئلاّ يلزم تقدير الإعراب ، ولا «
واواً » لأنّها أثقل.
وإنّما كانت مشدّدة لئلاّ تلتبس بياء
المتكلم ، ولا تعلّ إعلال ياء قاض.
ومن شأنها أن تحدث بما لحقته ثلاثة
تغيّرات :
أحدها : لفظي : وهو كسر ما قبلها
وانتقال الإعراب إليها.
ثانيها : معنوي : وهو صيرورته اسماً
لغير مسمّاه.
وثالثها : حكمي : وهو رفعه لما بعده
بالفاعلية ظاهراً نحو : مَرَرتُ برَجُل قرشيّ أبوهُ ، أو مضمراً نحو : مَرَرتُ
برَجُل قرشي.
وربّما يراد للمبالغة كالأوحدي والأحمري
والألمعي وكأنّه بمعنى أنّ له اختصاصاً تامّاً بهذه الماهية.
أو مبنيّ على تخييل أنّه قد بلغ في
الكمال في ذلك المعنى إلى حيث خرج عن جنسه فهو ليس فرداً من أفراده بل أمر له نسبة
ما إليه.
أو مبنيّ على نحو التجريد نحو : لَقيتُ
بزيد ، أو : من زيد أسداً ، فكما يدلّ
التجريد هناك على
أنّه بلغ في الأسدية إلى حيث يصحّ أن يجرّد منه أسد فكذا هناك تدل « الياء » على
أنّه بلغ في الأوحدية مثلاً إلى حيث تنزع منه « أوحد » آخر.
أو مبنيّ على القلب ، بمعنى أنّه
المنسوب إليه الأوحد ، مثلاً بمعنى أنّه بلغ في الأوحدية إلى حيث ينبغي أن يجعل
أصلاً تنسب إليه ماهية الأوحد ، أو كلّ أوحد ، وربّما كانت علامة للمصدر نحو
الفاعلية والمفعولية.
وهذا المعنى أيضاً متشعّب عن النسبة
فإنّ للحدث نسبة إلى متصرّفاته :
وربّما جاء للنسبة « فعّال » نحو :
حَمّال ونَبّال وحمّار وقزّار.
و « فاعل » نحو : لابن ولاحم ورامح.
وغيرهما ك « مفعال » نحو : امرأة
مِعْطار ، أي ذات عطر.
و « مفعيل » ك : ناقة محصير.
و « فعل » ك « رجل طعم ».
وكلّ هذه لتنزيل المنسوب إليه لكمال
اختصاص المنسوب به منزلة اعماله التي يفعلها ويوجدها.
« الواو »
: حرف تهجّي ، وحرف معنى.
أمّا الكلام عليها من الجهة الأُولى :
فاعلم أنّ المشهور أنّ مخرجها ما بين الشفتين كالباء والميم إلاّ أنّهما ينطبقان
فيهما دونها.
وذهب الخليل إلى أنّها هوائية لا مخرج
لها.
وعن المهدوي أنّه فصلها عن الباء والميم
فجعل لها مخرجاً على حدتها.
والصواب أنّ الليّنة منها هوائية كما
قال الخليل ، وغير الليّنة ساكنة كانت أو متحركة مخرجها مخرج الفاء ، أعني باطن
الشفة السّفلى وأطراف الثنايا العليا ولكن
الفاء أُدخل في
الباطن منها. وإنّي لشديد التعجّب جدّاً من عدم يقظتهم لما ذكرت مع شدّة وضوحه ،
نعم تفطّن للفرق بين النسبة وغيرها جماعة ، منهم ابن الحريري والجعبري.
ثمّ « الواو » مجهورة منفتحة منخفضة
مصمتة ، ليّنة وغير ليّنة ، بين الشديدة والرخوة.
وأمّا من الجهة الثانية : فاعلم أنّها
حرف مبنيّ على ما هو الأصل في بناء الحروف المفردة من الفتح ، وهي ضربان : عاملة
وغير عاملة.
والعاملة : هي الجارّة حسب ، خلافاً
للكسائي والجرمي وأصحابهما ، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ نصب الفعل بعدها بها.
وغير العاملة : عاطفة ، وغير عاطفة.
والعاطفة : موضوعة لمجرّد التشريك بين
الأمرين في الحكم ، فإن عطفت مفرداً على مفرد شركت بينهما في الحكم الملفوظ ، وإن
عطفت جملة على جملة أُخرى شركت بينهما في الوجود. وقولنا : لمجرّد التشريك : معناه
أنّه لا إشعار فيها بتقدّم أحد المتعاطفين على الآخر بل الكلام محتمل للاجتماع
والترتّب ، وقيل : بل يدلّ على تأخّر عن المعطوف عليه.
وقال ابن مالك : وتنفرد الواو ـ يعني من
حروف العطف ـ بكون متبعها في الحكم محتملاً للمعية برجحان وللتأخّر بكثرة وللتقدّم
بقلّة.
وقال ابن كيسان : لمّا احتملت هذه
الوجوه ولم يكن فيها أكثر من جمع الأشياء كان أغلب أحوالها أن يكون الكلام على
الجمع في كلّ حال حتى يكون في الكلام ما يدلّ على التفرّق.
وذهب هشام وأبو جعفر الدينوري إلى أنّ
الواو لها معنيان :
معنى اجتماع : فلا تبالي بأيّها بدأت ،
نحو : اختصم زيدٌ وعمرو ؛ رأيتُ زيداً وعمراً ، إذا اتّحد زمان رؤيتهما.
ومعنى افتراق : وذلك بأن يختلف الزمان ،
فلابدّ من تقديم المتقدّم زماناً ، ولا يجوز تأخيره ، ومثله نُقل عن قطرب وثعلب
وعلاّمة.
الأُسد
: جمع أسد ، ك « وَثَن » و « وُثْن » وقال الجوهري : إنّه مخفّف « أُسُد » وهو
مقصور « أُسُود ».
« من »
: على ثلاثة أحرف : اسم وفعل وحرف.
فالاسم مخفّف « أيمن » للقسم ، وقيل :
بل هو حرف موضوع للقسم.
والفعل : أمر من « مانَ يَمينُ » إذا
كذب.
والحرف : حرف جرّ ثنائي الوضع ، خلافاً
للكسائي والفرّاء فإنّهما ادّعيا أنّ أصلها « منا » ولها معان كثيرة منها :
ابتداءُ الغاية ، وهو أصل معانيها الذي يمكن إرجاع سائرها إليه.
قال نجم الأئمّة ـ رضي اللّه عنه ـ :
كثيراً ما يجري في كلامهم أنّ « من » لابتداء الغاية و « إلى » لانتهاء الغاية ،
ولفظ الغاية يستعمل بمعنى النهاية وبمعنى المدى ، كما أنّ الأمد والأجل أيضاً
يستعملان بالمعنيين ، والغاية تستعمل في الزمان والمكان بخلاف الأمد والأجل
فإنّهما يستعملان في الزّمان فقط ، والمراد بالغاية في قولهم : ابتداء الغاية
وانتهاء الغاية : جميع المسافة ، إذ لا معنى لابتداء النهاية وانتهاء النهاية .
__________________
ثمّ إنّ الابتداء يستدعي أن يكون هناك
أمر ذو امتداد يبتدئ من شيء ، نحو : سِرتُ مِنَ البَصرةِ ، فإنّ السير ذو امتداد ،
وأمّا نحو : خَرَجْتُ مِنَ الدّارِ ، مع أنّ الخروج ليس له امتداد فلأنّه أصل
السير الممتد ، وربّما يراد به السّير.
ثمّ إنّ مجيئها لابتداء الغاية في
المكان ممّا لا خلاف فيه.
وأمّا في الزّمان ، فجوّزه الكوفيّون
تمسّكاً بقوله تعالى : ( نُودِيَ لِلصَّلاةِ
مِنْ يَوْمِ الجُمُعَة )
وقوله تعالى
: ( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ
أَوَّلِ يَوْم )
.
وبقوله :
لمن الديارُ بِقُنَّةِ الحَجْـرِ
|
|
أقوَيْنَ مِن حِجَج ومِنْ شَهْرِ
|
ومنعه البصريّون وأجابوا عن الشواهد
بأنّ من الظاهر أنّ « من » فيها ليست للابتداء ، إذ ليس النداء والتأسيس حدثين
ممتدّين ولا أصلين لممتدّ والأقواء لم يبتدئ من الحجج ، بل الظاهر أنّها في الكلّ
بمعنى « في » أو في الآيتين بمعنى « في » وفي الأخير بمعنى التعليل ولكن الظاهر
مذهب الكوفيين ، إذ لا امتناع في نحو : نمتُ من أوّل اللَّيلِ ، ومثله كثير في
الكلام.
وليعلم أنّه قد لا يكون المجرور ب « من
» مكاناً ولا زماناً ولكن ينزل منزلة أحدهما.
ومن معانيها : التعليل نحو : ( مِمّا
خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا )
، (
يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ )
وهو المناسب هيهنا.
__________________
« الخيفة »
: الحالة التي عليها الإنسان من الخوف. والخوف : توقّع مكروه عن أمارة قطعيّة أو
ظنيّة.
وربّما استعملت الخيفة بمعنى الخوف ،
قال تعالى : ( وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ )
وقال : ( تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ).
قال الراغب : وتخصيص لفظ « الخيفة »
تنبيه على أنّ الخوف فيهم حالة لازمة لا تفارقهم.
وجعلها الجوهري مرادفة للخوف مصدراً ل
« خاف ».
« الفزع »
: الذُّعْر ، وهو انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف.
ويقال : فَزِعَ إليه ، إذا التجأ إليه
عند الفَزَع ، وفلان مَفْزَع ، أي مَلْجَأ عند الفزع. ومنه في حديث الكسوف :
فافْزَعُوا إلى الصلاة ، أي الجأوا إليها واستعينوا بها على دفع الأمر الحادث.
الإعراب :
تروح
: فعل مضارع فاعله « الطير » يجوز تذكيره
وتأنيثه لأنّ « الطير » تأنيثه غير حقيقي على أنّه مفصول بالظرف.
ثمّ إن كان بمعنى « يرجع » ف « عن »
للتعدية ، كما يقال : « رجع عنه ». وإن كان بمعنى « يذهب » أو « يسير » فقد ضمن
معنى التجاوز فعدّي ب « عن
».
أو يكون « عن » ظرفاً لمقدّر حالاً عن
الفاعل أي : « متجاورة راجعة عنه ».
و : الطير
: يحتمل الاستغراق على ما قيل من أنّ الجمع المعرّف باللاّم ظاهره
__________________
الاستغراق. والمعنى
« كلّ طائر يرد ذلك المربع ».
ويحتمل العهد الذهني على ما قيل أنّه
الظاهر من الجمع المعروف نحو : ركبتُ الجبل ، ونكحتُ النساءَ ، ولبستُ الثيابَ.
ويحتمل العهد الخارجي.
وحشية
: إمّا حال عن الطير ، إمّا منتقلة إن
أُريد به التوحّش عن ذلك المَربَع أو التوحّش الحاصل من رؤيته ، وإمّا ثابتة على
نحو قوله تعالى : ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إلهَ إِلاّ هُوَ
وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا العِلْمِ قائِماً بِالقِسْطِ )
إن أُريد به ما يقابل الإنسيّ ، أي أنّها من طبعها التوحّش وعدم الإنس وحينئذ يكون
في معنى الصفة ، أي : الطير الوحشية ، واحترز به عن الطير التي تأنس بالنّاس.
وإمّا صفة لمصدر مقدّر ، أي « روحه
وحشيّة ».
وإمّا ظرف إن أُريد نسبتها إلى الجانب
الوحشي. وهذه الاحتمالات على أن تكون الياء فيه للنسبة.
ويحتمل أن تكون مصدرية وحينئذ فهو مفعول
له لتروح.
ويحتمل أن يكون مفعولاً مطلقاً له على
تضمين كلّ من « تروح » و « وحشية » بمعنى النفرة والهرب.
وجملة هذا المصراع صفة أُخرى ل « مربع
» أو مستأنف.
وجملة المصراع الثاني عطف عليه ؛ فإن
كان صفة كان من عطف صفة على أُخرى تنزيلاً لتغاير الصفات منزلة تغاير الذوات ، كما
في قوله :
__________________
إلى الملك القرم وابن الهمام
|
|
وليث الكتيبة في المزدحم
|
وكان بمنزلة عطف المفرد على المفرد ،
فإنّ المصراع الأوّل حينئذ في محل الإعراب. وإن كان مستأنفاً كان من عطف الجملة
على الجملة.
وقد وقع الخلاف في تعاطف الجملتين
المتخالفتين بالفعلية والاسمية ؛ فجوّزه قوم مطلقاً وهو الأقوى وظاهر الأكثر ،
وحكي عن ابن جنّي المنع منه مطلقاً وإليه الفخر الرازي في تفسيره وغيره ، وحكي عن
الفارسي أنّه جوّزه في « الواو » دون غيرها ، والقائل الثاني يؤوّل مثل هذا
بالفعليّة بأن يكون « الأسد » فاعلاً لتفزع مقدراً مفسراً بالمذكور ؛ فالحاصل أنّ
« الأسد » إمّا مبتدأ خبره « تفزع » أو فاعل لفعل محذوف يفسّره « تفزع ».
و : من خيفته
: ظرف لغو متعلّق بتفزع ، والإضافة فيه لامية لأدنى ملابسة إن كانت الخيفة بمعنى
الحالة التي للخائف.
وإن كانت بمعنى الخوف كما قاله الجوهري
كانت من إضافة المصدر إلى مفعوله.
المعاني :
فيه مسائل :
__________________
الأُولى : في الوصف بالجملة ، وله وجوه
:
منها
: أنّها الأصل هنا في التعبير عن هذا
المقصود ، وكلّ مفرد يقوم مقامها فإنما يصاغ منها.
ومنها
: الدلالة على التجدّد ؛ فإنّ الفعل هو الذي يدلّ على التجدّد ، ولاشتماله على
الدلالة على الزمان الملزوم للتجدّد ولا يمكن الوصف بالمفرد إلاّ بغير الفعل.
ومنها
: التوجيه ؛ أي جعل الكلام ذا احتمالين ،
فإنّ الجملة تحتمل الاستئناف أيضاً كما عرفت.
ومنها
: أن لا يلزم إجراء الصفة على غير من هي
له.
ومنها
: أنّه أراد استيفاء جميع أقسام النعت
لهذا المربع ، فإنّ النعت إمّا مفرد أو جملة ؛ والجملة إمّا بحال الموصوف أو بحال
متعلقه ؛ والجملة إمّا فعلية أو اسمية وقد استوفى الجميع.
ومنها
: أنّه لو أُتي بهذا الوصف مفرداً لكان
إمّا أن يجعل الطير فاعلاً ل « رايحة » أو مضافاً إليها ، فإنّه إمّا إن كان يقول
: « رايحة عنه الطير » أو « رايح الطير » وعلى كلّ لم يكن له جهة صحة.
أمّا الأوّل ؛ فلأنّ شرط عمل اسم الفاعل
أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال وهو هنا بمعنى الاستمرار.
وأمّا الثاني : ؛ فلأنّه لمّا كان اسم
الفاعل هنا بمعنى الاستمرار كانت إضافته معنوية فكانت مفيدة للتعريف فلا يصلح لأن
يقع صفة لمربع ؛ لنكارته ، وأيضاً فإنّ الطير ليس بسبب للمربع فلا يكون في الصفة
ضمير راجع إلى موصوفها فإنّ نحو : « جاءني رجل ضارب الغلام » إنّما يصحّ إذا كان
أصله « ضارب غلامه » فلمّا
أُضيف « ضارب »
انتقل إليه ضمير « غلامه » وليس الأصل هنا « رايح طيره ».
وقد تناقض في هذا المقام ظاهر كلامين
لصاحب الكشّاف حيث قال في ( مالِكِ يَومِ الدِّين
).
فإن قلت : فإضافة اسم الفاعل إضافة غير
حقيقية فلا تكون معطية معنى التعريف فكيف ساغ وقوعه صفة للمعرفة؟
قلت : إنّما يكون غير حقيقية إذا أُريد باسم الفاعل
الحال أو الاستقبال فكان في تقدير الانفصال كقولك : مالك الساعة ، أو : غداً.
فأمّا إذا قصد معنى الماضي كقولك : هو مالك عبده أمس أو زمان مستمرّ كقولك : زيد
مالك العبيد ، كانت الإضافة حقيقية كقولك : مولى العبيد. وهذا هو المعنى في ( مالِكِ
يَومِ الدِّين ).
وقال في سورة الأنعام في قوله تعالى : ( فالِقُ
الإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً )
على قراءة نصب الشمس والقمر فالنصب على إضمار فعل دلّ عليه جاعل الليل أي « وجعل
الشمس والقمر حسباناً » أو يعطفان على محل الليل.
فإن قلت : كيف يكون للّيل محلّ والإضافة
حقيقية لأنّ اسم الفاعل مضاف إليه في معنى المضيّ ولا نقول زيد ضارب عمراً أمس؟
قلت : ما هو في معنى المضي وإنّما هو
ذاك على جعل مستمرّ في الأزمنة المختلفة وكذلك ( فالقُ الحَبِّ )
و ( فالِقُ الإِصْباح ) كما تقول : اللّه عالم قادر ، فلا يقصد
زماناً دون زمان.
__________________
وقد دفع التناقض بأنّ الاستمرار لمّا
كان مشتملاً على كلّ من الماضي وأخويه جاز اعتبار الماضي واعتبار أخويه ، فلا يعمل
بالاعتبار الأوّل ويجعل إضافة حقيقية ويعمل بالاعتبار الثاني ويجعل الاضافة
لفظيّة.
وردّه صاحب الكشاف بأنّه حين يكون بمعنى
أقرب إلى المشابهة بالفعل ممّا إذا كان للاستمرار فإنّ الفعل يكون بمعنى الماضي
حقيقة ، بخلاف الاستمرار إذ لا فعل يكون حقيقة فيه ، فلو جاز الإعمال وهو بمعنى
الاستمرار لجاز الإعمال وهو بمعنى المضي بطريق أولى ، قال : وكفاك أنّ اسم الفاعل
بهذا المعنى يعني الاستمرار لا تدخله اللام الموصولة وتدخل بمعنى المضي ، ثمّ
ادّعى أنّه غير ملائم لتقرير الزمخشري فإنّه يدلّ على أنّ الجعل المستمر مانع من
كون الإضافة حقيقية ، إذ لو لم يكن مانعاً لا يكون جواباً عن السؤال ثمّ قال :
إنّه غير موافق لنقل الثقات.
ولا يخفى فساد جميع ما ذكره ؛ أمّا ما
قاله أوّلاً ، فيما ذكره فاضل تفتازان من أنّ المعتبر في عمل اسم الفاعل مشابهته
للمضارع لا لمطلق الفعل ، ولا شكّ أنّ المضارع كثيراً ما يستعمل للاستمرار ، بخلاف
الماضي فإذا كان للاستمرار كان أقرب إلى المشابهة من جهتين : من جهة الاشتمال على
الحال والاستقبال ، ومن جهة أنّ المضارع كثيراً ما يستعمل للاستمرار.
وأمّا دخول اللاّم الموصولة على الّذي
بمعنى المضي دون الذي للاستمرار ؛ فلأنّ المعتبر في الكون صلته صلة ، هو محض
الحدوث الذي هو أصل الفعل حتى يقولون إنّه فعل في صورة الاسم ، كما أنّ اللاّم اسم
في صورة الحرف محافظة على كون ما دخلته اللاّم التي في صورة حرف التعريف اسماً
صورةً ، والاستمرار بعيد عن معنى الحدوث الفعلي فيكون محض مفرد ، بخلاف المضي.
فالحاصل أنّ دخول اللام على الذي بمعنى المضي ، دليل على بعده عن مشابهة الفعل لا
قربه.
وأمّا ما قاله ثانياً فظاهر الفساد ؛
لأنّ من البيّن أنّ جواب الزمخشري لا يبتني على كون الاستمرار مانعاً عن حقيقة
الإضافة ، بل يكفي كونه غير مانع.
وأمّا ما قاله ثالثاً ، فلأنّ الزمخشري
من أعظم الثقات ، غاية الأمر مخالفته لغيره من الثقات.
وقد حكى السيد الشريف الجرجاني لدفع
التناقض أنّ الاستمرار لمّا كان مشتملاً على المضي ومقابلته ؛ روعيت الجهتان معاً
، فجُعلت الإضافة حقيقية نظراً إلى الأُولى ، واسم الفاعل عاملاً نظراً إلى
الثانية ، ثمّ قال : وليس بشيء لأنّ مدار كون الإضافة حقيقية أو غيرها على كونه
عاملاً أو غير عامل انتهى.
وفساد ما ذكره بيّن لا يخفى ، فإنّ هذا
القائل لا يخلو إمّا أن يكون مراده عين ما نقلناه أو لا من أنّه يعتبر بإحدى
الجهتين عاملاً ، فتكون الإضافة غير حقيقية ، وبالأُخرى غير عامل فتكون الإضافة
حقيقية.
أو يكون مراده أنّ إضافة « جاعل إلى
الليل » حقيقية بإحدى الجهتين وعمله في سكناً بالجهة الأُخرى.
وعلى كلّ من الاحتمالين لا يتوجّه عليه
ما ذكره ، وكأنّه وهم أنّ مراده أن يعتبر الأمران العمل وكون الإضافة حقيقة
بالنسبة إلى المضاف إليه وحينئذ فورود ما ذكره ظاهر.
ثمّ إنّه أجاب عن التناقض بما كنتُ
ربّما يتراأى لي قبل التأمّل في العبارة وهو أنّ الاستمرار على نوعين : ثبوتي
تجددي فإن كان للأوّل لم يعمل ، لبعده عن مفهوم الفعل. وإن كان للثاني عمل لأنّ
التجدّد إنّما يفهم من الفعل ، و « مالك » في ( مالك يوم الدين ) بالمعنى الأوّل ، و ( جاعل ) بالمعنى الثاني ، فإن جعل ( اللّيل ) من تجدّد كلّ ليلة مستمرّاً ، وهو وجه
وجيه إلاّ أنّه لا يصلح لإصلاح كلام الكشّاف ، فإنّه شبّه ( جاعل ) بنحو « اللّه عالم قادر » ولا شبهة في
أنّهما
للاستمرار الثبوتي.
ويدفع التناقض وجه آخر ، وهو أنّ كلامه
في الفاتحة صريح في أنّه المختار عنده ، وأمّا كلامه في الأنعام فلا يتعيّن لذلك
كما لا يخفى فيجوز أن يكون مبنيّاً على رأي غير مختار له. هذا ما يتعلّق بكلام
الكشاف.
وأمّا تحقيق أصل المسألة وهي عمل اسم
الفاعل إذا كان للاستمرار ، فقد قال فيه نجم الأئمّة ـ رضي اللّه عنه ـ ما هذا
لفظه : وأمّا اسما الفاعل والمفعول فعملهما في مرفوع هو سبب جائز مطلقاً ، سواء كانا بمعنى الماضي
أو بمعنى الحال أو الاستقبال ، أو لم يكونا لأحد الأزمنة الثلاثة بل كانا للإطلاق
المستفاد منه الاستمرار ، نحو : زيد ضامر بطنه ومسودّ وجهه ومؤدّب خدّامه ، وذلك
لأنّ أدنى مشابهة للفعل يكفي في عمل الرفع ، لشدّة اختصاص المرفوع بالفعل وخاصّة
إذا كان سبباً ، ألا ترى إلى رفع الظرف ، والمنسوب ، في نحو : زيد في الدار أبوه ،
على مذهب أبي علي
، ونحو : مررت برجل مصري حماره ؛ وكذا برجل خزّ صُفّةُ سرجه ، وإذا كانا كذا
فإضافتهما إلى سبب هو فاعلهما معنى لفظية دائماً ، هذا من حيث اللفظ.
وأمّا من حيث المعنى : فلأنّ المضاف في
الحقيقة نعت المضاف إليه ، ألا ترى إنّك إذا قلت : زيد قائم الغلام ، فالمعنى : له
غلام قائم ، وكذا مؤدّب الخدام ، وحسن الوجه. والنعت هو المعيّن للموصوف والمخصص
له لا المتعيّن منه والمتخصّص ، فلم يكن تعيّن هذه الثلاثة بما أُضيفت إليه ولا
تخصصها منه ، بخلاف : خاتم فضّة ، و : غلام زيد ، فإنّ المضاف إليه في الحقيقة
هيهنا صفة
__________________
للمضاف ؛ لأنّ
المعنى : خاتم من فضّة ، و : غلام لزيد.
ويعمل أيضاً اسما الفاعل والمفعول :
الرفعَ في غير السبب بمعنى الإطلاق كانا ، أو بمعنى أحد الأزمنة الثلاثة ، نحو :
مررت برجل نائم في داره عمرو ، ومضروب على بابه بكر ، لكن لا يضافان إلى مثل هذا
المرفوع ، إذ لا ضمير فيه يصحّ انتقاله إلى الصفة وارتفاعه بها ، فيبقى بلا مرفوع
في الظاهر ، ولا يجوز ذلك لقوّة شبههما بالفعل كما سيجيئ.
وكذا يعملان في الظرف والجار والمجرور
مطلقاً ، لأنّ الظرف تكفيه رائحة الفعل ، نحو : مررت برجل ضارب أمس في الدار
ومضروب أوّل من أمس السوط ، وكذا ينبغي أن يكون الحال ، لمشابهته للظرف ، وكذا
المفعول المطلق ، لأنّه ليس بأجنبي.
وأمّا عمل اسمي الفاعل والمفعول ، في
المفعول به وغيره من المعمولات الفعلية
، فمحتاج إلى شرط لكونها أجنبية وهو مشابهتهما للفعل معنىً ووزناً ، ويحصل هذا
الشرط لهما إذا كانا بمعنى الحال أو الاستقبال ، أو الإطلاق المفيد للاستمرار ،
لأنّهما إذن يشابهان المضارع الصالح لهذه المعاني الثلاثة ، الموازن على الاطّراد
، لاسم الفاعل والمفعول ، بخلاف الماضي ، أمّا صلاحيّته للحال والاستقبال فظاهرة ،
وأمّا صلاحيّته للإطلاق المفيد للاستمرار فلأنّ العادة جارية منهم إذا قصدوا معنى
الاستمرار ، بأن يعبّروا عنه بلفظ المضارع لمشابهته للاسم الذي أصل وضعه للإطلاق
كقولك : زيد يؤمن باللّه وعمرو يسخو بموجوده ، أي هذه عادته ، فإذا ثبت أنّ اسمي
الفاعل والمفعول يعملان في الأجنبي إذا كانا بأحد هذه المعاني الثلاثة ، فإضافتهما
إذن إلى ذلك الأجنبي لفظيّة ، لأنّ هذا مبنيّ
__________________
على العمل كما تقدم . انتهت عبارته بألفاظها.
وهو تفصيل حسن ، ووجه دقيق تقبله العقول
إلاّ أنّه كان يجب أن يستشهد لكلّ ما ذكره ليصحّ الاعتماد عليه ، فإنّ أمثال ما
ذكره نكت إنّما تقال بعد الوقوع فإذ لم يعلم الوقوع لم يكن لها فائدة ، وإنّما
حكيناه نحن لأنّا أردنا أن لا يخلو كتابنا هذا عن ضابط في هذه المسألة ممّن يوثق
بقوله ويعرج عليه. وللقوم فيها أقاويل شتّى وتفاصيل متباينة لو أردنا الاستقصاء
لأُفضي إلى التطويل في غير مقامه.
ولابدّ من أن يعلم أنّه إذا كان اسم
الفاعل أو المفعول للاستمرار في الحال والاستقبال حسب دون الماضي ، فالظاهر أنّه
لا شبهة في عملهما عمل المضارع.
وقد علم من جملة ذلك أنّ الوجه الذي
ذكرناه للعدول عن « رائحة عنه الطير » لا يتمّ إلاّ على رأي ، وأمّا على الرأي
الآخر فيمكن أن يعتاص هذا
الوجه بأنّ في إعمال اسم الفاعل الذي للاستمرار ولو كان تجد فيها ضعفاً ولو كان في
الفاعل ، لضعف مشابهته المضارع بالنسبة إلى الذي بمعنى الحال والاستقبال.
المسألة
الثانية : في فعلية هذه الجملة
: ووجهها الدلالة على التجدّد ، فإنّ الرّواح لا يكون إلاّ متجدّداً ولأنّه أراد
أنّ الرواح يحصل منها مرّة بعد أُخرى ، فقد أراد التجدّد المستمر ، وذلك لا يفهم
إلاّ من المضارع لا سيما إذا أراد الاستمرار في الحال والاستقبال فقط ، ولأنّ
الفعلية أقرب إلى أن يقع نعتاً لأنّ الاسمية أشدّ استقلالاً فهي إلى الاستئناف
أقرب ، وهذا إنّما يتمّ على تقدير أن لا تكون الجملة مستأنفة.
الثالثة
: في تأخير هذا الوصف وما يليه عن
السابقين ، وله وجوه :
__________________
منها
: رعاية الرقي.
ومنها
: أنّ الأوّلين مفردان والوصف المفرد أعرف
في الوصف والتبعية وعدم الاستقلال وكلّ ذلك يقتضي التقديم.
ومنها
: أنّهما مشتقّان عن الأوّلين أو عن
ثانيهما.
ومنها
: أنّ كلاً منهما لكونه جملة فيه طول لا
ينبغي أن يفصل به بين التابع ومتبوعه.
ومنها
: أنّ المقصود بالذات إنّما هو وصف «
المربع » بالبلقعية وإمحاء الآثار ، وأمّا وصفه بهذين الأمرين فهو من التوابع وآلمبالغات
في ذلك فالأوّلان أهمّ منهما.
الرابعة
: في تقديم هذا الوصف على ما يليه وله
وجهان : أحدهما رعاية الترقي ، وثانيهما أنّه جملة فعلية والأخير اسمية ، وقد عرفت
أنّ الفعلية أقرب إلى الوصفية ، ولذا أتى بالاسميّة معطوفة خصوصاً والفعل مضارع
فإنّ المضارع بمنزلة اسم الفاعل.
الخامسة
: في تأخير الفاعل عن الظرف : ووجهه مع
الضرورة تقريب الضمير من مرجعه والاهتمام ، فإنّ الكلام في أحوال « المربع »
والاخبار عنها والتشويق إلى الفاعل ؛ لزيادة التمكين كما عرفت ، والدلالة على
استعظام هذا الحكم حتى أنّه لا يمكن أن يُنسب هذا الأمر إلى هذا المحكوم عليه ويحكم
عليه إلاّ بعد أن يتمّها ويتأمّل ويرضي نفسه بهذا الاسناد ويتحقّق المسند إليه حقّ
التحقّق والدلالة على زيادة تمكّن « المربع » في ذهنه ، وأنّه يخطر بباله أقدم من
كلّ شيء إمّا لأنّه مربع أُمّ عمرو ، وإمّا للاستغراب والاستعجاب ممّا طراه ،
وإمّا لهما جميعاً ، ولأنّه لو أخّر الظرف سواء أخّره عن وحشية أم لا ، لكان في
معرض أن يتوهّم تعلّقه بوحشية لا سيّما إذا كان وحشية ما لا يأتيه ، فإنّها بمنزلة
الوصف ، فلو
أخّر الظرف لأخّره
عنه أيضاً ، وإن كان معمولاً لمقدّر نحو راجعة أو متجاوزة ، فللتقديم وجه آخر هو
القرب من الفعل الذي يفهم منه ذلك المقدّر.
السادسة
: في التقييد بقوله « وحشية » : ووجهه
ترتيبه الفائدة إن كان حالاً منتقلة أو مفعولاً لأجله أو صفة لمصدر مقدّر ، وإن
كان مفعولاً مطلقاً فهو لبيان النوع ، وإن كان حالاً ثابتة فهو لتخصيص المسند إليه
فإنّه يكون بمنزلة الوصف.
وعلى التقديرين مرتبة الفائدة أيضاً
حاصلة ، وعلى الثاني فتخصيص هذا النوع من الطير البالغة في الاستيحاش حتى أنّ
الطير الوحشية التي تألف القفار تهاب وتتوحّش عنه.
والعدول عن جعله صفة إلى جعله حالاً
لأُمور : منها : الضرورة. ومنها : التوجيه. ومنها : التعجّب ، فإنّ الحال لابدّ
لها من المقارنة للعامل فإيقاعه حالاً يدلّ على أنّ الوحشية مقارنة للرواح وهو
الذي ينبغي أن يتعجّب منه.
وأمّا إن كان ظرفاً ، فإمّا بمعنى جانب
اليمين ، أو اليسار ، فإن كان الأوّل فالمراد يمين « المربع » وهو الذي يحاذي يسار
المتوجّه إليه ، وإن كان الثاني فالمراد يسار الطير ، فالمرجع واحد ووجه تخصيص هذا
الجانب الإشارة إلى أنّها تروح عن ذلك المربع أي ترجع أو تنعطف من غير توقّف ولا
اختيار لجهته لغاية استيحاشهنّ عنه ، فإنّ الجهة الطبيعية للانعطاف عن جهته جهة
يسار المنعطف كما هو معلوم بالتجربة ، والسرّ فيه كما قيل : إنّ جانب اليمين
لقوّته يدفع جانب اليسار ويعطفه.
السابعة
: في جملية الوصف الرابع ، وله وجوه :
منها
: الدلالة على التجدّد المستمرّ الذي لا
يفهم إلاّ من المضارع ، وهذا مبنيّ على أنّ الاسمية التي جزؤها فعلية تفيد التجدّد
دون الثبات كما هو الحقّ ، وقد قيل : إنّها تفيد التجدّد والثبات جميعاً.
ومنها : أنّه لما كان مقتضى قاعدة
الترقي تأخير هذا الوصف عن الثالث ، وقد أتى به جملة لما عرفت من الوجوه لزم أن
يأتي به أيضاً جملة ، لقبح الفصل بالنعت بجملة بين المنعوت والنعت المفرد إلاّ
لداعي لا سيّما وقد عطف عليه ، وعطفُ المفرد على ما له محلّ من الإعراب عن الجمل
وإن كان صحيحاً إلاّ أنّ التوافق أولى.
ومنها : التوجيه : فإنّه لا يتمّ
التوجيه الذي في الوصف الثالث إلاّ بجملية هذا الوصف ، لأنّ من المعلوم أنّه لو
كان مفرداً لم يحتمل ذلك إلاّ الوصفية.
ومنها : أن لا يلزم إجراء الصّفة على
غير من هي له.
ومنها : استيفاء جميع أقسام النّعت.
الثامنة
: في اسمية هذه الجملة : ولها وجوه :
منها : رعاية القافية.
ومنها : الاهتمام بذكر الأسد للتعجّب ،
والتعجّب كما يقال : زيد يقاوم الأسد ، إذا كان زيد ممّن ليس في شأنه ذلك.
ومنها : جعل الكلام ذا وجهين : اسمية ،
وفعلية ، لأنّ خبرها فعل وإن كان لا يفيد إلاّ مفاد الفعلية على الأصح.
ومنها : الاستيفاء الذي مرّغير مرّة.
التاسعة
: في جعلها مقرونة بحرف العطف ، وله وجوه
:
منها : الدلالة على أنّ كلاً من المعطوف
والمعطوف عليه كاف في تمييز الموصوف وتعيينه عند المخاطب حتّى كأنّه باعتبار كلّ
منهما ذات على حدة.
ومنها : أنّ الجملة لمّا كانت مستقلّة
بذاتها كان في ربطها بالموصوف عسر ،
وربط جملتين أعسر من
ربط جملة ، فلمّا ربط الأُولى فكأنّه تعسّر عليه ربط الثانية إلاّ بمعين هو الواو
الموضوع للربط.
ومنها : أنّ الجملة الاسمية أشدّ
استقلالاً من الفعلية فافتقرت إلى زيادة رابط لها بغيرها ، ويؤكّد ما ذكرناه من أنّ
الواو معينة في الربط أنّ جماعة أوّلهم الزمخشري ذهبوا إلى أنّ الواو ربّما يؤتى
بها بين الموصوف وصفته لزيادة الربط وإنّ من ذلك قوله تعالى : ( وَعَسى
أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ )
الآية. وقوله تعالى : ( سَبْعَةٌ وثامِنُهُمْ
كَلْبُهُمْ )
وقوله تعالى
: ( وما أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَة إِلاّ وَلَها
كِتابٌ مَعْلُومٌ ).
هذا كلّه على تقدير أن تكون الجملة
الأُولى نعتاً.
وأمّا إن كانت مستأنفة فوجه العطف يناسب
الجملتين في المسندين وهو ظاهر ، وفي المسند إليهما في الوصف المقصود هنا وهو ائتلاف
القفار واتّحاد العرض المسبوقتين له ، ولأنّ تتالي الجمل المستأنفة أو الجملتين
المستأنفتين يُخرج الكلام عن السّلاسة.
العاشرة
: في تقديم الظرف ، أعني « من خيفته » ووجهه مع رعاية القوافي للتعجّب والتعجيب ،
وجميع ما ذكر في تقديم « عنه » على « الطّير » إلاّالأخيرين ، وتقديم منشئ الشيء
عليه ، فإنّ الخيفة منشأ الفزع.
الحادية
عشرة : في العدول عن الخوف إلى الخيفة ،
أمّا إذا كانت مرادفة له فلأنّها وإن كانت مرادفة إلاّ أنّه لا شبهة في أنّها أبلغ
منه ، لزيادة حروفها على
__________________
حروفه ، وأمّا إذا
كانت بمعنى الحالة التي تعرض الخائف فلإيهام أنّ « المربع » نفسه خائف من نفسه ،
فانّه يتوهّم من الإضافة أنّ الخيفة حالة المضاف إليه ، هذا مع الضرورة.
المعنى
إنّ هذا المربع قد بلغ في الإقفار
وإمحاء الآثار إلى حيث تنفر عنه الطير الوحشيّة التي تألف القفار فتذهب عنه أي
تميل عنه ولا تأتيه ، أو ترجع عنه إذا أتته ، أو يروح عنه كلّ طائر متوحّشة عنه ،
أي متخلّية عنه أي متنفّرة أو خائفة أو مهمومة لما تعرف من حاله الأوّلي حين كان
مربعاً لأُمّ عمرو ، أو تروح عنه لوحشته أي كونه قفراً ، أو لوحشيتها أي تنفرها أو
خوفها أو همها ، أو تروح عنه روحه وحشية أي مستندة إلى التنفّر أو الخوف أو الهم ،
أو تنفر عنه تنفّراً ، أو تنعطف عنه على جانبه الأيمن أو جانبها الأيسر.
واللام في الطّير إن كان للاستغراق
فالمراد استغراق الكلّ إن كان المراد من تروح عنه أنّها لا تأتيه ، فإنّه حينئذ
بمعنى السلب الكلّي ، فالمعنى أنّه لا يأتيه شيء من الطيور ، أو الوحشية منها.
وأمّا إن كان المراد الرجوع منه إذا
أتته فالمراد استغراق التي ترده أو تقرب منه ، بمعنى أنّ كلّ طائر وحشيّ ، أو كلّ
طائر فإنّه يرجع عنه إذا أتاه.
وإن كان للعهد الذهني ، فهو على تقدير
إرادة الرجوع عنه إرادة بعض من الطير ، المطلقة وهو الطير التي ترده ، أي بعض
الطير تروح عنه وهو : التي ترده.
وعلى بعض المعاني التي عرفتها في البيت
الأوّل يحتمل أن يريد بالطير
الملائكة ، فإنّ
الملائكة قد نفرت عن مهابط الوحي ومنازل الرسول وآله صلوات اللّه عليهم لما نزلها
وتمكّن فيها أئمّة الجور وغاصبو الخلافة قبّحهم اللّه ، وحينئذ فاللام للعهد
الخارجي.
ويحتمل على بعض تلك المعاني أن يكون
تمثيلاً لخلوّ منازل الوحي ومواطن الرسول وآله صلوات اللّه عليهم ، أو مرتبة الخلافة
عن أهلها وقفارها عنهم بمكان قد بلغ في الاقفار إلى حيث ينفر عنه الطير ، ثمّ بالغ
في صيرورة المربع مخوفاً لإقفاره فقال إنّ الأُسد تفزع من خيفته مع كونها غاية في
الجرأة.
ويحتمل أن يريد بالأُسد الأئمة ، أو
إيّاهم وخيار المؤمنين وإنّهم يتّقون من أعدائهم الغاصبين للخلافة وأعوانهم ، لما
خلت منازلهم عن أعوان يكفونهم.
ويحتمل أن يكون تمثيلاً على نحو ما مرّ
في المصراع الأوّل.
البيان :
إنّ كان كلّ من المصراعين تمثيلاً ففي
كلّ منهما مجاز تركيبي ، وإن كان المراد بالأُسد الأئمّة أو إيّاهم مع خيار
المؤمنين ، ففيه استعارة تصريحيّة مطلقة إذ لم تقرن بشيء ممّا يلائم المشبّه أو
المشبه به.
[ ٣ و ٤ ]
بِرَسم ِ دارِ ما بهـا مُونِـس
|
|
إلاّ صِلالٌ في الثَّـرى وُقَّعُ
|
رقش يخاف الموت نفثاتِها
|
|
والسمّ في أنيابها منقعُ
|
اللغة :
« الباء »
، إمّا للمصاحبة ، أو الظّرفية.
« الرّسم »
: الأثر. ورسم الدار : ما كان من آثارها لاصقاً بالأرض. ومنه الرسيم : لنوع من
السير سريع يؤثر في الأرض. وناقةٌ رَسُومٌ : للّتي تؤثّر في الأرض لشدّة وطئها.
ورَسَم الغيثُ الدّار : عفاها وأبقى أثرها لاصقاً بالأرض.
وفي القاموس : إنّه الأثر أو بقيّته ،
أو ما لا شخص له من الآثار.
« الدّار »
: المنزل ، اعتباراً بدورانها الّذي لها بالحايط وقيل : دارة. وقد تسمّى البلدة
داراً ، والصقع داراً ، والدنيا كما هي داراً.
وفي الصحاح أنّ الدارة أخصّ من الدار.
والدار أيضاً القبيلة ، ومنه قوله 6 على ما روي عنه : « ألا أُخبركم بخير
دُور الأنصار؟ دور بني النجّار » ، ومن ذلك أيضاً ما روي عنه 6 : « لم تبق دار إلاّ
بني فيها مسجد » .
« ما
» على نوعين : اسم ، وحرف.
والحرف : نافية ، وموصولة وغيرهما.
والنافية إمّا أن تدخل الجملة الفعلية ،
أو الاسمية ، فإن دخلت الفعلية لم تعمل شيئاً.
وإن دخلت على الاسمية ، ففيها لغتان :
إحداهما : رفع الاسم ونصب الخبر ، وهو
لغة الحجاز ، قال الكسائي : وأهل تهامة وقال الفرّاء : لا يكاد أهل الحجاز ينطقون
إلاّ بالباء. انتهى.
ولعلّه أراد إذا لم يكن الخبر ظرفاً أو
جملة ، وجاء النصب في قوله تعالى : ( ما هذا بشراً )
وقوله تعالى : ( ما هُنَّ أُمّهاتِهِمْ ) .
واللغة الأُخرى : رفع الاسمين ، حكاها
سيبويه عن تميم ، والفرّاء والكسائي عن نجد.
والّذين أعملوها ذكروا لذلك شروطاً :
منها : أن لا يتقدّم الخبر على الاسم ،
وعن الفرّاء تجويز النصب مع التقدّم. وعن الجرمي أنّه لغة ، وعليه ظاهر قول
الفرزدق :
فَأصبَحوا قَدْ أعادَ اللّهُ
نِعْمَتَهُمْ
|
|
إذْ هُمْ قُرَيشٌ وإذْ ما مِثْلَهُم
بَشَرُ
|
__________________
على رواية نصب « مثلهم » ، فقد حكى ذلك
سيبويه عن بعض الناس ثمّ قال : هذا لا يكاد يُعرف.
وقيل فيه : إنّ خبر « ما » محذوف ، أي
ما في الدنيا. و « مثلهم » حال عن « بشر » تقدّمت عليه لنكارته ، وجوّز الكوفيون
أن يكون « مثلهم » خبراً على أن يكون نصبه على الظرفية أي : في مثل حالهم ومكانهم
من الرفعة. وفرّق ابن عصفور بين أن يكون الخبر ظرفاً أو غيره فلا يبطل العمل في
الظرف لكثرة التوسّع فيه.
ومنها : أن لا تنتقض نفسها ، فإنّها
إنّما تعمل لمشابهتها ليس في النفي فإذا انتقض لم يكن لعملها وجه ، وعن يونس
إعمالها تمسّكاً بقوله :
ومَا الدهرُ إلاّ مَنْجَنُوناً
بِأهلهِ
|
|
وما طالب الحاجاتِ إلاّ مُعذَّبا
|
وخرج على أنّ كلاً من « منجنوناً » و «
معذّبا » مفعول مطلق لمقدّر ؛ أمّا الأوّل : فبتقدير مضاف أي دوران منجنون. وأمّا
الثاني : فبأن يكون مصدراً ميميّاً ك « ممزق » ، فالتقدير : وما الدهر إلاّ يدور
دوران منجنون بأهله وما طالب الحاجات إلاّ يُعذّب مُعذبا.
ومنها : أن تُزاد بعدها « ان » لوقوع
الفصل بغير الظّرف بينها وبين معمولها ، ولأنّها تشبه « أن » النافية والنفي إذا
دخل على النفي أفاد الإثبات فأشبهت « ما » حينئذ المنقوضة.
وأجاز المبرّد الإعمال معها. وأنشد أبو
علي :
__________________
بني غدانة ما ان أنتم ذهبا
|
|
ولا صريفاً ولكن أنتم الخزف
|
ومنها : أن لا تؤكّد ب « ما » فيجب
الرفع عند الجمهور نحو : ما ما زيد ذاهب ، وأجاز له الكوفيّون النصب.
ومنها : أن لا يتقدّم على اسمه غير
الظرف نحو : ما زيد أو عمرو ضاربان ، فإن تقدّمه ظرف لم يبطل عملها ، نحو : ( فَما
مِنْكُمْ مِنْ أَحَد عَنْهُ حاجِزِينَ )
فهذا حال «
ما » النافية إذا دخلت جملة فعلية أو اسمية.
وأمّا إذا دخلت اسماً رافعاً لظاهر ،
نحو : قائم الزيدان ، فهي أيضاً لا عمل لها ، ونحو : ما قائم زيد ؛ يحتمل الأمرين
:
أن يكون « قائم زيد » جملة اسميّة تقدّم
خبرها على اسمها ولذا لم تعمل « ما » عملها إلاّ على رأي من لم يجوّز تقديم الخبر
على المبتدأ.
وأن يكون « قائم » مدخول « ما » ، و «
زيد » فاعلاً له ، ونحو : ما قائمان الزيدان ، لا يحتمل إلاّ الأوّل إلاّ إذا جعل
« الزيدان » بدلاً من الضمير ، كما أنّ : ما قائم الزّيدان ، لا يحتمل إلاّ
الثاني.
وأمّا إذا دخلت على ظرف بعده مرفوع كما
في البيت فهناك الاحتمالان أيضاً.
« الباء
» في « بها
» بمعنى : في الأُنس ، بالضمّ وبفتحتين ، والأنَسَة بفتحين : ضدّ « الوحشة » وقد
أنس به مثلثة النّون ، و « آنسه » : ضدّ « أوحشه ».
وآنسه : أبصرَهُ وَعَلِمَهُ ، وأحسّ به
، وآنس الصّوت : سمعه.
__________________
والمونس في البيت يجوز أن يكون على صيغة
اسم الفاعل ، وأن يكون على صيغة اسم المفعول.
« إلاّ »
حرف وضع للاستثناء ، أي لإخراج حصّة من جملة حكم عليها بحكم عن ذلك الحكم.
وربّما كانت بمعنى « لكن » وهو في
الاستثناء الّذي يسمّى بالمنقطع ، نحو : جاءني القوم إلاّحماراً.
وربّما كانت بمعنى « غير » فيكون صفة
لما قبلها وذلك في كلّ ما لا يمكن حملها فيه على الاستثناء.
قد تكون بمعنى « الواو » قاله الأخفش
والفرّاء وجعل الأخفش من ذلك قوله تعالى : ( إِلاّ الّذِينَ
ظَلَمُوا مِنْهُمْ )
. وأجازه
الفرّاء في قوله تعالى : ( خالِدِينَ فِيها ...
إلاّ ما شاءَ رَبُّكَ )
.
قيل : وتكون بمعنى « بل » نحو : ( ما
أَنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرآنَ لِتَشْقى * إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى ).
وتكون زائدة نحو :
حَراجيجُ ما تنفََكُّ إلاّ مُناخَةً
|
|
على الخَسْْفِ أَو نَرمِي بها بَلَداً
قَفْرا
|
«
الصلال » : جمع صِل ـ بالكسر ـ وهو الحيّة أو
الدقيقة الصفراء أو التي لا ينفع
__________________
فيها الرُّقي ، وهي
شديدة الفساد تُحرق كلّ ما مرّت عليه ، ولا ينبت حول جحرها شيء من الزرع ، وإذا
حاذى مسكنَها طائرٌ سقط ، ولا يمرّ حيوان بقربها إلاّ هلك ، وتقتل بصفيرها على
غلوة سهم ، ومن وقع عليه بصرها ولو من بعدُ مات ويُحكي أنّ فارساً ضربها برمحه
فمات هو وفرسه ، ويقال إنّها كثيرة ببلاد الترك.
وفي « حياة الحيوان » للشيخ كمال الدين
الدميري : انّها الملائكة.
وفي « عجائب المخلوقات » للقزويني : انّ
الملائكة حيّة طولها شبر وأكثر ، على رأسها خطوط بيض تشبه التاج ، فإذا انسابت على
الأرض أحرقت كلّ شيء مرّت عليه ، وإن طار طائر فوقها سقط عليها ، وإذا بدت تنساب
هربت من بين يديها جميع الدواب ، وإذا صفرت يموت من صفيرها كلّ حيوان يسمع ذلك
بعدما ينتفخ ويسيل منه الصديد ، وإن أكل من تلك الحيّة شيء من السُّباع يموت. قال
: قال جالينوس : إنّها حية شقراء على رأسها ثلاث قنازع مثل التاج وهي قليلة الظهور
للناس.
« في
» : يكون اسماً وفعلاً وحرفاً.
أمّا الأوّل : فهو « فم » إذا أُضيف
وكان مجروراً.
وأمّا الثاني : فهو أمر للواحدة
المخاطبة من « وفا » « يفي ».
وأمّا الثالث : فهو حرف جرّ للظرفية
حقيقة ، نحو : الدراهم في الكيس ، والصوم في يوم الجمعة ، أو مجازاً ، نحو : نظرت
في العلم ، وقال الكوفيّون : إنّها تجيئ لمعان أُخر ، منها : معنى « على » كقوله
تعالى حكاية : ( ولأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ ).
__________________
« الألف واللام »
في « الثرى »
للعهد الخارجي أي ثرى تلك الدار ، أو للجنس أي الأرض.
« الثَّرَى »
: التراب النَّدِيُّ ، أو الذي إذا بُلَّ لم يَصِرْ طيناً ، أو الندى نفسه ، وأرض
ثرْياء : ذات ندى ، ويقال : التقى الثَّريان : إذا رَسخَ المطرُ في الأرض حتى
يلتقي هو وندَى الأرض.
وتقول العرب : شَهْرٌ ثَرى ، وشهرٌ تَرى
، وشهرٌ مَرعى ، أي تُمطِر أوّلاً ثمّ يطلُعُ النبات فيُرى ثمّ يطول فيُرعى.
ويقال : أَثرَت الأرض إذا كَثُرَ ثَراها
وَأَثْرَى المطرُ الأرض : بَلَّ الثَّرى. وثريتُ الموضع تثرية ، أي رششته. وثريت
السويق ، أي بللته.
وقد جاء بمعنى الأرض إمّا حقيقة أو
تجريداً.
« وُقَّع »
: جمع « واقع » كركع وسجد وشهد وعيب وجهل ونزل وصوم وقوم ؛ وهو اسم فاعل من وقع
يقع وقوعاً أي سقط.
« الرَّقْش »
: جمع « أرقَش » وهو أفعل من « الرَّقش » كالنقش لفظاً ومعنى. حيّة رَقْشاء :
منقّطة ، ورقش كلامه : زوّره وزخرفه.
« الألف واللام »
في « الموت »
للجنس.
« النفثات » : جمع نفثة أو نفث. والنفث
: قذف الرِّيق القليل ، وهو أقلّ من التفل ، ومنه : نفث الراقي والساحر في عقده.
ويقال : لو سألته نفاثة سواك ما أعطاك ، أي ما بقي في أسنانه من شظاياه. والحيّة
تنفث السمّ إذا نكزت أي لسعت بفمها .
« الألف واللام »
في « السمّ »
للعهد الذهني ، أو للاستغراق ، بادّعاء أنّ
__________________
كلّ سمّ فهو في
أنيابها.
و « السم »
ـ مثلّث السّين ـ : هذا القَتّال المعروف. ويقال : سَمَّهُ ، أي سَقاهُ السمَّ.
وسَمَّ الطعام ، أي جعل فيه السمّ.
« الأنياب »
: جمع « ناب » وهو السنّ الّذي خلف الرباعية. والأنياب في كلّ حيوان أربعة. وربّما
أُطلق الناب في بعض الحيوانات على غير ذلك من كلّ ما يشبه هذا السن شكلاً ، كما
يقال : إنّ للتمساح ستّين ناباً في فكّه الأعلى وأربعين في الأسفل.
يقال : « سمٌّ مُنْقَع » أي مُرَبَّى.
وأصله من إنقاع الشيء في الماء أي جعله فيه حتى ينفذ الماء فيه بكلّيته ويأخذ جميع
منافذه ويتربّى فيه ، كالنقوعات التي يُتداوى بها.
الإعراب :
« برسم دار »
: ظرف مستقر معمول لمصحوب أو كائن ، فإنّ « الباء » للمصاحبة ، كان الأوّل وإلاّ
كان الثاني ، وعلى كلّ فله احتمالات :
الأوّل : أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف.
والجملة مستأنفة أي هو ، أي المربع مع رسم دار أو في رسم دار.
والثاني : أن يكون صفة أُخرى لمربع.
والثالث : أن يكون حالاً عنه فإنّه
موصوف يصلح للحالية.
« ما » : إمّا حجازيّة أو تميميّة أو
غيرهما ، فإنّ قوله : « بها مونس » :
يحتمل أن يكون جملة اسمية تقدّم خبرها
على المبتدأ ، وقد عرفت أنّ « ما » إذا دخلت جملة اسمية فعند الحجازيين تعمل
الرّفع في الاسم ، والنصب في الخبر ولا عمل لها عند تميم. وأنّه إذا تقدّم خبرها
الظرف على اسمها كان فيها قولان :
أحدهما : البقاء على
العمل ، والآخر : انتفاؤه ، فإمّا أن يكون الظّرف أعني بها منصوب المحل على اسمية
« ما » ، أو مرفوع المحل على خبرية المبتدأ.
ويحتمل أن لا يكون جملة اسمية بل يكون
المرفوع فاعل الظرف وحينئذ لا تكون « ما » حجازية ولا تميمية بل حرف نفي لا عمل
لها ، فإنّ الحجازيّة والتميمية إنّما تجريان في الدّاخلة على الاسميّة. ثمّ
الجملة على كلّ صفة لدار والضمير في « بها » راجع إلى الدّار ، فإن لم يكن المراد
بها القبيلة فظاهر ، وإلاّ قدّر قبله مضاف أي « بدارها » أو « منزلها » أو نحو
ذلك.
ويحتمل الإرجاع إلى المدار عليه أيضاً
على طريقة الاستخدام.
ويحتمل إرجاع الضمير على كلِّ تقدير إلى
الرسم على قول من لا يرى في اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه اشتراط صحّة أن
يستغنى عن المضاف بالمضاف إليه.
« إلاّ »
حرف استثناء ، و « صلال » مستثنى ، والاستثناء يحتمل الاتّصال والانقطاع جميعاً
على تقدير أن يكون المونس بمعنى ضدّ الموحش. وعلى المعاني الأُخرى فهو متّصل لا
غير.
أمّا الثاني فظاهر وكذا الانقطاع على
الأوّل.
وأمّا الاتّصال عليه فمن باب تأكيد
الشيء بما تضادّه ، كقوله :
ولا عَيْبَ فِيهِمْ غيَرْ َأنْ
سُيُوفَهُم
|
|
بِهنّ فُلولٌ من قِراعِ الكتائِبِ
|
فكأنّه قال : لا يتخيل بها مونس إلاّ
صلال فإن كانت مونسة وإلاّ فلا
__________________
مونس بها. وهو في
أبلغ التأكيد وأمتنه.
ثمّ إنّ رفع « صلال
» إن كان الاستثناء متّصلاً على البدليّة من المستثنى عنه ، أعني « مونس » عند
البصريين ، وعطف النسق عند الكوفيّين فإنّ « إلاّ » في الاستثناء عندهم حرف عطف ،
ك لا بل ، وردّ ثعلب على الأوّل بأنّه كيف يكون بدلاً وهو موجب ومتبوعه منفي
والبدل لابدّ من أن يوافق المبدل منه في الحكم.
وعلى الثاني : بأنّ « إلاّ
» لو كانت حرف عطف لم تباشر العامل في نحو : ما قائم إلاّزيد ، إذ لا شيء من حروف
العطف يصحّ أن يباشر العامل.
والجواب : أمّا عن الثاني : فظاهر
فإنّها لم تباشر العامل حقيقة إذ التقدير : ما قام أحد إلاّ زيد.
وأمّا عن الأوّل : فقد أُجيب بأنّه بدل
بعض ، وبدل البعض يخالف متبوعه في الحكم فإنّك إذا قلت رأيت القوم بعضهم ، فالمرئي
إنّما هو البعض ، ومتبوعه الّذي هو القوم غير مرئي ، وإنّما حكم عليه بالرؤية
مجازاً قال : وإذا جازت المخالفة في الصفة نحو : مررتُ برجل لا كريم ، ففي البدل
بالطريق الأولى.
وعن الفرّاء أنّه يوجب البدل ولا يجيز
النصب على الاستثناء إذا كان المستثنى منه منكراً كما في البيت ، فلا يجيز في : ما
جاءني أحدٌ إلاّ زيد ، إلاّ الرفع.
وقال نجم الأئمّة رضي اللّه عنه :
ولعلّه قاس ذلك على الموجب ، فإنّه لا ينتصب فيه المستثنى إلاّ والمستثنى منه
معرّف باللام ، فلا يجوز : جاءني القوم إلاّ زيداً ، لأنّ دخول « زيد » في قوم
المنكر غير قطعي حتى يخرج بالاستثناء ، ـ قال ـ : وليس بشيء لأنّ امتناع ذلك في
الموجب لعدم القطع بالدخول ، وفي غير الموجب
__________________
المستثنى داخل في
المستثنى منه المنكر ، ولهذا إذا علم في الموجب دخول المستثنى في المستثنى منه
المنكر جاز الاستثناء اتّفاقاً نحو : له عليّ عشرة إلاّ واحد .
« في الثرى »
يحتمل أن يكون ظرفاً لغواً ، لقوله : « وقع
» تقدّم عليه ، وأن يكون مستقراً صفة ل « صلال » وعلى التقديرين ف « وقع » صفة
وعليها فهي تحتمل الظرفية والاستعلاء.
« رقش »
إمّا صفة أُخرى ، أو خبر ل « هي » محذوفاً ، والجملة مستأنفة.
وعلى الأوّل : جملة « يخاف الموت
نفثاتها » صفة أُخرى ل « صلال » أو مستأنفة.
وعلى الثاني : صفة ل « رقش ».
وجملة : « والسمّ في أنيابها منقع » عطف
على تلك الجملة إمّا عطف صفة على أُخرى أو عطف جملة على أُخرى كما عرفت في نظيرتها
سابقاً.
ويحتمل أن يكون حالاً إمّا عن الموت أو
النفثات أو ما أُضيفت إليه أعني ضمير الـ « صلال » فإنّه فاعل النفثات معنى.
والظرف أعني « في أنيابها » إمّا لغو
متعلّق ب « منقع » وهو الظاهر أو مستقر حال عن السمّ ، أو خبر عنه و « منقع » خبر
آخر وعلى هذا لا يحتمل الجملة الحالية كما لا يخفى.
المعنى :
أنّ لأُمّ عمرو مربعاً كذا وكذا مع أثر
أو في أثر دار أي منزل أو بلدة أو صقع أو قبيلة ليس بتلك الدار أو الرسم أو بمنزل
تلك القبيلة للوحشة أو مبصِر ـ بالكسر ـ أو مبصَر ـ بالفتح ـ أو ذو عَلَم أو معلوم
أوحسّاس أو محسوس أو
__________________
سامع صوت أو مسموع ـ
أي مسموع صوته ـ إلاّ حيات أو حيات من تلك الحيات التي عرفتها ساقطته في تلك الأرض
أو في تلك الأرض النديّة أو عليها ، أو إلاّ حيات أوحيات من تلك الحيات كائنة في
الثرى موصوفة بالسقوط ، وكان وصفها بالسقوط للدلالة إمّا على أنّ تلك الأرض لغاية
إقفارها عن أهلها قد استوطنتها الحيّات وآمِنَّ من أن يكون لهنّ ما يعاديهنّ فلا
يتحركن عنها إلى حجرة ولا يهربن عن شيء ، أو على أنّها من التجر عمّا جرى على
المربع والدار من الإقفار وامحاء الآثار لا يتحرّكن بل تولّين وسقطن متدلّيات
حائرات ، أو على أنّها لغاية إقفارها ليس فيها ما تتغذّى به الحيات فهنّ لغاية
الضعف وطول الجوع ساقطات لا يقدرن على التحرّك.
أو أراد أنّها وقفن على الأرض متهيّئات
للوثوب على كلّ من يمرّ أو ما يمرّ عليهنّ ليلسعنه فإنّ من الحيّات نوعاً تثب على
الناس فتقتلهم ، وكلّ شيء إذا أراد الوثوب لصق نفسه بالأرض ساعة ثمّ يثب.
ثمّ وصف الحيّات بأنّها « رقش » فإنّ
الحيّات الرقش أخبث من غيرها ، فإن كانت الصلال أعمّ من الرقش فالوصف بها تقييد
وإلاّ فتوضيح.
ثمّ بالغ بالخبث فقال : إنّ الموت الذي
يخاف منه كلُّ شيء يخاف من نفثات تلك الحيّات فضلاً عن عضّها بأنيابها ، وآنّ
السمّ مربى في أنيابها أي رُبِّي حتى بلغ الكمال فلا سمّ أقوى منه.
أو أراد أنّ كلّ السمّ في أنيابها وهو
منقع أي كان كل سمّ قد ربّي حتى بلغ الكمال والكل أُودع في أنيابها.
أو أنّ السمّ حال كونه في أنيابها
مربّى.
أو أراد أنّ الموت يخاف نفثاتها حال كون
السمّ منقعاً في أنيابها ، أو حال
كون السمّ حال كونه
في أنيابها منقعاً.
ويحتمل أن يكون المراد بالدار دار
الرسول 6 إمّا منزله
أو بلده أو رتبته الظاهرية التي هي السّلطنة والرئاسة الظاهرة.
والمراد بـ « الصلال »
الضلاّل المضلّين من الغاصبين للخلافة وأشياعهم لعنهم اللّه ، فإنّ أعدى عدو
للإنسان من الحيوانات هو الحيّة وهؤلاء أعدى الناس للنّاس ، فإنّهم يضرّون بدينهم
الذي به الحياة الأبدية أو بدينهم ودنياهم ؛ وأعدى الناس للمؤمنين حقيقة وظاهراً.
والمراد ب « الثرى »
إمّا ثرى تلك الدّار حقيقة إن كانت الدار حقيقة ، أو مجازاً إن كانت مجازاً أو
جملة الأرض.
والمراد بوقوعهم في الأرض ، إمّا
اطمئنانهم ، أو وقوعهم ليثبوا على النّاس فيسلبوهم حياتهم الأبدية أو حياتهم
الدنيوية. أو ليثبوا على المؤمنين أو الأئمّة ـ صلوات اللّه عليهم ـ أو عليهم وعلى
المؤمنين ، أو أنّهم وقعوا في الأرض يفعلون ما يشاءُون. أو أنّهم أخلدوا إلى
الأرض. أو أنّهم متحيّرون في الدين لكونهم مذبذبين. أو في أحكام الواقعات الّتي
ترد عليهم ، لجهلهم بالكتاب والسنّة وم آخذ الأحكام.
ثمّ إنّ وصف الصلال بالرقش إمّا لمجرّد
أنّ الحيّات الرقش أخبث الحيّات من غير ملاحظة مثله في المستعار لهم ، أو للدلالة
على أنّهم يحسنون ظواهرهم ويزيّنونها بظواهر الشّرع حتى ينخدع بهم النّاس كالحيّات
الرّقش التي منظرها حسن وفجرها من القبح في أقصى الغاية. وفي استعارة أصل الصلال
لهم إشارة إلى أنّ فيهم مثل ما في الحيّات من لين الملمس مع الخبث المتبالغ ،
ففيهم أيضاً لين وحُسن ظواهر مع ما في بواطنهم من العداوة التي لا يكتنه كنهها ،
والخبث الّذي
لا يمكن أن يصفه
واصف مطري أو الوصف الرقش ، إشارة إلى أنّهم ذوو ألوان في الدّين كما هو صفة
المنافقين.
أو إلى اختلاف أقوالهم في الأحكام
الدينية على حسب اختلاف أهوائهم أو لتحيّرهم وجهلهم بم آخذها.
وعلى هذا الاحتمال يحتمل أن يكون
استعارة الموت للأئمة ـ صلوات اللّه عليهم ـ لكونهم حياة الإيمان والمؤمنين وموت
الضلال والضالين والمضلّين ، أو لشجعان المؤمنين أو للكل ؛ وقد سمّى أمير المؤمنين
صلوات اللّه عليه وآله نفسه بالموت في كتابه إلى أبي بكر حيث قال : أما واللّه لو
قلت ما سبق من اللّه فيكم لتداخلت أضلاعكم في أجوافكم كتداخل الأسنان دوارة الرحى
، ( فإن نطقت يقولون حسداً )
وإن سكتُّ فيقال ابن أبي طالب جزع من الموت ، هيهات هيهات السّاعة يقال لي هذا
وأنا الموت المميت وخواض المنايا في جوف ليل حالك.
وأن يكون استعار السمّ للكفر والضلال
الذي هو نافي للحياة الأبديّة الحقيقية كما أنّ السم ناف للحياة الدنيويّة.
وأن يكون استعار الأنياب لأنصارهم فإنّ
الأنياب سلاح ذواتها.
ويحتمل أن لا يكون تجوّز إلاّ في المركب
بأن يكون مثل خلو مرتبة الخلافة والرئاسة عن أهلها وقيام غيرهم مقامهم ممّن يقتلون
الناس قتلاً دينيّاً ويقتلون المؤمنين قتلاً دنيوياً ، أو يعادون الناس أو
المؤمنين بدار لم يبق لها رسم وليس بها إلاّصلال كذا وكذا.
__________________
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: في العدول عن « في » أو « مع » إلى « الباء » ، وله وجوه :
منها : رعاية الوزن.
ومنها : الإيجاز.
ومنها : التوجيه.
الثانية
: في حذف المسند إليه إن كان قوله «
برسم دار » خبر المبتدأ محذوف وله وجوه :
منها : الوزن.
ومنها : التوجيه.
ومنها : الاحتراز عن العبث في الظاهر من
جهتين : إحداهما وجود القرينة ، والأُخرى تخييل أنّ ذلك المربع إمّا من جهة كونه
مربع أُمّ عمرو ، أو لاتّصافه بتلك الحالة العجيبة الشأن ممّا لا يغيب عن الأذهان
فحضوره في الذّهن مغني عن ذكره في الكلام.
ومنها : إظهار التضجّر عن ذلك المربع
حتى أنّ نفسه لا تساعده على ذكره مرّة ثانية ولو بالضمير.
ومنها : الإشارة إلى أنّه من النكارة
بلغ إلى حيث لا يمكن أن يشار إليه بالضمير فإنّه لو ذكر المسند إليه كان الوجه أن
يذكره بالضمير.
الثالثة
: في ظرفية المسند أو الوصف أو الحال
والوجه فيه ما تقدّم في البيت
الأوّل ، ويزيد هنا
إرادة استيفاء أقسام النعت في الظاهر فإنّ من أقسامه الظرف وإن كان في الحقيقة
إمّا مفرداً أو جملة.
الرابعة
: في حذف متعلّق الظرف ووجهه مع الوزن اتّباع الاستعمال. والتوجيه من وجهين :
أحدهما : احتمال الوصفية والحالية والاستيناف. والثاني : احتمال المصاحبة
والظرفية.
الخامسة
والسادسة : في تنكير دار ووصفها. والوجه فيهما
ما تقدّم في تنكير « مربع » ووصفه.
السّابعة
: في الإتيان بهذا النعت أو الحال. ووجهه ما مرّ في الوصف بالأوصاف السابقة.
الثامنة
: في تأخير هذا النعت عن النعوت السابقة إن كان نعتاً ، وله وجوه :
الأوّل : إنّ تلك نعوتُ له من جهته في
نفسه وهذا نعت له بالمقايسة إلى غيره.
والثاني : إنّه أطول منها ، فيطول الفصل
بها بين النعت ومنعوته حتى لا يشعر السّامع بوصفية البيت الثاني أصلاً ولا يشعر
بوصفيّة الأوّلين أوّل مرّة إن قلنا إنّه يشعر بها بعد التأمّل.
والثالث : إنّه لو قدّمه على سائر
الأوصاف لم يحتمل إلاّ الوصفية فزال التوجيه.
والرّابع : إنّه وصف محتمل للافراد
والجملة الاسميّة والفعلية ، وسائر الأوصاف كلّها أوصاف متعبة فهي أولى بالتقديم ،
وأيضاً الصّورة الظرفية متأخّرة الرتبة عن الصورة الافرادية والجملية فإنّها
مؤوّلة بإحداهما.
التاسعة
: في وصف الدار ووجهه ما تقدم.
العاشرة
: في جملية وصفها إن كان جملة وإلاّ فليقل وصفها بهذا النوع من الوصف ، ولها وجوه
:
منها : التصريح بكون النفي في الحال ،
فإنّه يستفاد من لفظة « ما ».
ومنها : إنّها الأصل هنا فإنّ المقصود
انتفاء المونس فإن أتى بالمفرد كان مفرداً مصاغاً منها.
ومنها : صراحة العموم في المونس لوقوعه
في حيّز النفي صريحاً.
ومنها : ظهور صحّة الاستثناء من المونس
لصراحة عمومه ؛ لعدم جواز الاستثناء من المنكر إلاّ إذا عمّ ، وفي الوصف بمثل هذه
العبارة وجه آخر هو التوجيه من جهتين : احتمال الإفراد والجملية ، واحتمال الاسمية
والفعلية.
الحادية
عشرة : في الإتيان بما دون ليس ، ووجهه مع
الاختصار والوزن التوجيه ، فإنّه لو أتى بليس لم يحتمل إلاّ أن يكون جملة فعلية
فاعلها مونس ، وليكون بصورة الجملة الاسمية إن لم يكن اسمية حقيقة ليكون ذا وجهين
: التجدد والثبات.
الثانية
عشرة : في تقديم الظّرف أعني « بها » والوجه
فيه : أوّلاً : ما تقدّم في تقديم الظرف في « تروح عنه الطير » ، وزيادة تخصيص «
مونس » ، والتوجيه ، وإذا جعل مونس فاعلاً للظرف ، فالوجه أصالة تقديم العامل مع
الوجهين الأوّلين.
الثالثة
عشرة : في تقديم الظرف أعني « في الثرى »
على « وقع » إن كان متعلّقاً به. ووجه التوجيه ورعاية الوزن والقافية.
الرابعة
عشرة : في فائدة الوصف بهذا الظرف إن كان
وصفاً ، أمّا إن كان « في »
بمعنى « على »
ففائدته الدلالة على أنّهنّ لا يأوين إلى حجر لأمنهنّ إذ ما بها غيرهن. وأمّا إن
كانت للظرفيّة فللدلالة على أنّه ليس بها إلاّ الأرض.
الخامسة
عشرة : في الوصف ب « وقع » وقد تبيّن لك
وجهه فيما قدّمنا وكذا الوصف ب « رقش ».
السادسة
عشرة : في تأخير الوصف ب « الرقش » عمّا
تقدّمه. ووجهه أنّ ما تقدّمه سواء كان نعتاً واحداً أو نعتين ، نعت بما يتعلّق
بالدار ، ويعلم منه نعتها بالإقفار وامحاء الرسوم واتّصافها بحالة عجيبة يتحيّر
منها ، فناسب التقديم على ما لا يتعلّق بها من الأوصاف وهذا هو الوجه في تأخير «
وقع » عن الظرف إن كان صفة ، مع ما تقدّم من التوجيه ورعاية الوزن والقافية.
السابعة
عشرة : في تأخير الوصف بالجملتين عن الوصف ب
« الرقش » ، والوجه فيه مع كونهما جملتين : رعاية الترقّي في وصفهما بالخبث ،
التصريح بالخبث المبالغ عمّا هو علامة الخبث.
الثامنة
عشرة : في تأخير الجملة الثانية عن الأُولى.
ووجهه ما تقدّم في البيت الثاني مع التوجيه باحتمال الحالية.
التاسعة
عشرة : في جعلها مقرونة بحرف العطف ووجهه
جميع ما تقدّم في البيت الثاني.
العشرون
: في اسميتها ، ولها وجوه :
منها : التوجيه.
ومنها : رعاية القافية.
ومنها : الدلالة على الثبات بتخييل أنّ
كمال السمّ في أنيابها ليس أمراً محدثاً
بل هو أبداً ثابت
ليس له زمان انتفاء.
الحادية
والعشرون : في تعريف المسند إليه ، أمّا إن كان
للعهد الذهني فيصحّ الابتداء به ، وأمّا إن كان للاستغراق فله وللمبالغة المطلوبة
التي عرفتها.
الثانية
والعشرون : في تقديم الظرف أعني في إتيانها على
« منقع » ووجهه التوجيه ورعاية القافية والوزن وتقريب الضمير من مرجعه والاهتمام ،
لكون الكلام في بيان صفات الصلال وإفادة الاختصاص بادّعاء أن لا سمّ في غيرها ؛
إمّا لحقارة سموم غيرها بالنسبة إلى سمومها في الغاية أو بادّعاء أنّ جميع السموم
قد اجتمعت في أنيابها.
الثالثة
والعشرون : في أنّ هذه الأبيات الأربعة أهي
أخبار أم إنشاءات؟
فنقول : إنّها أخبار من وجه إنشاء من
آخر ، وذلك أنّ كلّ مركّب تام أو غيره فله وضعان : أحدهما شخصي وهو وضع مفرداته ،
والآخر : نوعي وهو وضع الجملة وله بحسب كل ّوضع معنى فنحو : زيد قائم ، مثلاً ،
معناه بحسب الوضع الشخصي : أنّ القيام ثابت لزيد ، ومعناه بحسب الوضع النوعي إخبار
المخاطب بذلك.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّه ربّما يؤتى
بالجملة الخبرية ويراد بها الإنشاء بالنسبة إلى وضعه الشخصي كما يراد بذلك المثال
أمر زيد بالقيام.
وكما أنّه يراد بنحو : رحم اللّه فلاناً
، طلب الرّحمة له من اللّه تعالى.
وقد يؤتى بها ويراد بها الإنشا بالنسبة
إلى وصفه الثاني كقوله تعالى حكاية : ( رَبِّ إِنِّي وَهَنَ
الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً )
فإنّه لم يرد إخبار اللّه
__________________
تعالى بذلك وإنّما
أراد الاستعطاف والاسترحام منه ، وهذه الأبيات الأربعة من هذا القبيل فإنّ المراد
بها إظهار التحسّر والتأسف.
ويحتمل أن لا يكون المراد بها إلاّ
الاخبار وإن تضمّنت إظهار التحسّر.
البيان :
يحتمل أن يكون البيتان الأوّلان على
حقيقتهما بلا تجوز في جزء من أجزائهما ولا في الجملة.
ويحتمل أن يكون الدار استعارة تصريحية مرشّحة
من وجوه :
الأوّل : ذكر الرسم.
والثاني : ذكر الباء التي بمعنى « في »
فإنّ الظرفية الحقيقية إنّما هي للمكان أو الزّمان.
والثالث : ذكر المونس.
والرابع : ذكر الصلال بالنسبة إلى
معناها الحقيقي.
وأن يكون « الصلال » استعارة تصريحية
مرشّحة باعتبار ذكر النفثات والسمّ.
وأن يكون « الثرى » ترشّحاً لاستعارة
الدّار أو بتخييله على تفسير السكّاكي لها.
وأن يكون المراد ب « الوقوع » التهيّؤ
للإيذاء أو الاطمئنان أو الإفساد أو التحيير مجازاً على ما عرفت.
وأن يكون « الرّقش » مجازاً عن حسن الظن
أو النفاق أو اختلاف الأقوال في
الأحكام.
وأن يكون « الموت » استعارة مصرّحاً بها
مجرّدة ، لمقارنتها بالخوف الملائم للمشبه.
وأن يكون « النفثات » ترشيحاً للصلال ،
أو تخييلية على ذلك بالتفسير ، أو استعارة برأسها للقليل من إيذائهم.
وأن يكون المصراع الثاني أيضاً ترشيحاً
أو تخييلية للصلال.
وأن يكون « السمّ » استعارة للصلال
والأنياب للأنصار.
ويحتمل أن يكون البيتان جميعاً تمثيلاً
لحال دار الرسول صلوات عليه وآله ، أو رتبة الرئاسة والخلافة في خلوها عن أهلها
واشتغالها بأئمّة الجور بحال دار ليس بها إلاّ صلال كذا وكذا.
[ ٥ ـ ٧ ]
لمّا وقَفنّ العِيسُ في رَسْمِها
|
|
وَالعَينُ مِنْ عِرفانِهِ تَدْمَعُ
|
ذكرتُ من قَد ْكُنْتُ ألْهُو بهِ
|
|
فَبتُّ وَالقَلْبُ شَج مُوجَعُ
|
كأنّ بِالنّارِ لما شَفَّنِي
|
|
مِنْ حُبِّ أروى كبدي تلذع
|
اللغة :
« لمّا »
على وجوه : اسم ، وحرف مركّب من كلمتين ومركب من ثلاث كلمات.
فالاسم مصدر « لم » إذا وقف عليه نصباً.
والمركّب من كلمتين كما في قوله :
لمّا رأيتُ أبا يَزيدَ مُقاتِلاً
|
|
أَدعَ القِتالَ وأَشْهَدَ الهَيْجاءَ
|
فإنّ أصل « لمّا » فيه « لن ما » قلبت
النون ميماً وأُدغمت
في الميم و « ما »
__________________
ظرفية ، و « ادع »
منصوب ب « لن » والظرف أعني « ما » مع ما أُضيف إليه ظرف لـ « ادع » وأمّا نصب «
اشهد » فبـ « أن » مقدّرة ، والواو عاطفة له على القتال لا على « ادع » كقوله :
وَ لُبْسُ عَباءَة وتَقَرَّ عَيني
|
|
أَحَبُّ إليَّ مِنْ ْ لُبْسِ
الشُّفُوف
|
والمركّب من ثلاث كما قيل في قوله تعالى
: ( وَإِنْ كُلاً لَمّا لَيُوَفِّينّهُم )
على قراءة شدّ نون « ان » وميم « لما » ، إنّ أصله « لمن ما » فأُبدلت النّون
ميماً وأُدغمت ، فلمّا كثرت الميمات حذفت الأُولى.
و « الحرف » قسمان :
عاملة وهي الجازمة المختصة بالمضارع.
وغير عاملة ، وهي قسمان :
حرف استثناء نحو ( إِنْ
كُلُّ نَفْس لَمّا عَلَيْها حافِظ )
فيمن شدّد
الميم ، ونحو : انشدك باللّه لما فعلت.
وحرف وجود لوجود ، وقيل : وجوب لوجوب ،
فيكون نظيره « لو » إلاّ أنّها
__________________
حرف امتناع لامتناع
وهي تقتضي جملتين ولا تدخل إلاّ على الماضي. وزعم ابن السرّاج والفارسي وابن جنّي
وجماعة أنّها ظرف بمعنى « حين » وابن مالك أنّها ظرف بمعنى « إذْ » وأُريد بلزوم
الإضافة إلى الجملة لها واختصاصهما بالماضي.
« وقف »
يقف وقوفاً : دام قائماً ، وقفته وقفاً يتعدّى ولا يتعدّى.
« التاء »
المتحركة المضمومة : ضمير متّصل مرفوع للمتكلّم وحده ، والمذهب المنصور أنّه أعرف
المعارف.
« الألف واللاّم »
في « العيس »
: للعهد الذّهني أو الخارجي باعتبار أنّ مراده « عيسيّ » فعوّض الألف واللام عن
الإضافة.
و « العيس »
ـ بالكسر ـ : الإبل البيض التي يخلط بياضها شي من الشقرة ، واحدها « اعيس »
والأُنثى « عيسا » ، وتعيست الإبل : صارت بياضاً في سواد الظّرفية المدلول عليها ب
« في » إمّا حقيقية أو مجازية ، والمراد : في جنب رسمها فتنزل مجاور الظرف منزلة
الظرف.
« الواو »
للحال ، « الألف
واللام » للعهد الخارجي لأنّها عوض عن الإضافة
أي عيني العين الجارجة المخصوصة من حرف جرّ بمعنى التعليل.
« العرفان »
والمعرفة : إدراك الشيء ، بتفكّر وتدبر لأثره ، وأصله من « عرفت » أي أصبت عرفه ،
أي رائحته ، أو أصبت عُرفه أي حدّه ، ولذا يقال : عرفت اللّه لأنّ إدراكه تعالى
إنّما هو بالتفكّر والتدبّر في آثاره ، ولا يقال : عرف اللّه ، إذ لا تفكّر ولا
تدبّر في شأنه تعالى ويضادّه الإنكار كما يضادّ العلم الجهل ، قال سبحانه : (
يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمَّ يُنْكِرونَها )
وقال تعالى : ( فَعَرَفَهُمْ وهمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ).
__________________
فقد تحقّق أنّ المعرفة أخصّ من العلم ، وقد يقال :
إنّ الفرق بينها وبين العلم أنّها تخصّ البسيط أي التصوّر أو الجزئي. والعلم يخصّ
المركّب أي التصديق أو الكلّي.
ويقال : إنّها العلم الحادث بعد أن لم
يكن أو الأخير من العلمين المتحلّل بينهما غفلة أو نسيان ، أوجهل.
دمعت العين « تدمع »
كمنع وفرح ، أي سال منها الدّمع.
« الذكر »
والذكرى : خلاف النسيان ، واجعله منكم على ذكر ـ بالكسر وبالضم ـ أي لا تنسه.
« مَن »
اسم مبنيّ على السكون يختصّ بذي العقل مفرداً كان أو مثنى أو مجموعاً ، مذكّراً أو
مؤنّثاً ، موجوداً أو معدوماً متوهّماً ، فقد قالت العرب : أصبحت كمن لا يخلق ،
خلافاً لبشر المريسي فإنّه لم يجوّزه ، وربّما أُطلق على ما لا يعقل تنزيلاً له
منزلة من يعقل كقوله تعالى إشارة إلى الأصنام : ( مَنْ لا يَسْتَجِيبُ
لَهُ إِلى يَوْمِ القِيامةِ )
، وعلى ما
يشمل العاقل وغيره تغليباً نحو : ( وَمِنْهُمْ مَنْ
يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ )
، وعلى غير
العاقل وحده إذا وقع في تفصيل جملة يدخل فيها العاقل وغيره نحو : (
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعَ )
وذهب قطرب
وجماعة إلى عدم اختصاصه بالعاقل وجواز استعماله في غيره مطلقاً ، وهو يقع على وجوه
:
منها : الموصولة نحو قوله تعالى : ( وَللّهِ
يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمواتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ ).
__________________
ومنها : الموصوفة إمّا بمفرد نحو : مررت
بمن معجب لك ، وقوله :
فَكَفَى بِنا فَضْلاً على مَن
غَيْرِنا
|
|
حُـبُّ النبـيّ محمّد إيّانـا
|
على رواية جرّ « غيرنا » ، ويُروى
بالرفع فيكون خبراً ل « هو » مقدّراً ، و « من » حينئذ يحتمل الموصولية
والموصوفية جميعاً ، وزعم الكسائي أنّها لا تكون موصوفة إلاّ فيما يخصّ النكرات ،
والاحتمالان جاريان في قول الفرزدق :
إنّي وإيّاك إن بَلَّغْنَ أرحُلَنا
|
|
كَمَن بَواديه بَعَدَ المحل ممطُورِ
|
أي كالذي أو كشخص ممطور بواديه بعد
المحل ، ويجريان هنا أيضاً ، إلاّ على رأي من رأى أنّها لا تكون موصوفة إلاّ فيما
يخصّ النكرات. وخرج البيتين على زيادة وهي غير مسموعة.
« قد » على وجهين : اسم وحرف.
والاسم على وجهين : اسم فعل ، وبمعنى
حسب.
والحرف مختص بالفعل المتصرّف الخبري
المثبت المجرّد من جازم وناصب وحرف تنفيس وله معاني :
منها : التحقيق ، نحو : ( قَدْ
أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها )
ونحو : ( وَلَقَد
عَلِمْتُمُ
الّذينَ اعتَدَوا مِنْكُم فِي السَّبْتِ )
.
ومنها التكثير قاله سيبويه في قول
الهذلي.
قَدْ أترُكُ القِرْنَ مُصْفَرّاً
أنامِلُه
|
|
كأنَّ أثوابَهُ مجّتْْ بِفرْصادِ
|
وقاله صاحب الكشّاف في قوله تعالى : ( قَدْ
نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ).
وهذا معنى مجازي له كما يتحور عنه بربّ
وربّما.
ومنها : تقريب الماضي إلى الحال ، نحو :
قد قام زيدٌ ، أو : كان قيامه عن قريب.
وقال نجم الأئمة ; : هذه الحرف إذا دخلت على الماضي أو
المضارع فلابدّ فيها من معنى التحقيق ، ثمّ إنّه ينضاف في بعض المواضع إلى هذا
المعنى في الماضي : التقريب من الحال مع التوقّع ، أي يكون مصدره متوقّعاً لمن
تخاطبه واقعاً عن قريب ، كما تقول لمن يتوقّع ركوب الأمير : قد ركب ... ، أي حصل
عن قريب ما كنت تتوقّعه ، ومنه قول المؤذّن : قد قامت الصّلاة.
ففيه إذن ثلاثة معان مجتمعة : التحقيق
والتوقّع والتقريب.
وقد يكون مع التحقيق : التقريب فقط ،
ويجوز أن تقول : قد ركب لمن لم يكن يتوقّع ركوبه. قال : ويدخل على المضارع المجرّد
من ناصب وجازم وحرف تنفيس ، فينضاف إلى التحقيق في الأغلب التقليل ، نحو : إنّه
الكَذوبَ قد يصدق ،
__________________
أي بالحقيقة يصدر
منه الصّدق ، وإن كان قليلاً.
وقد يستعمل للتحقيق مجرّداً عن معنى
التقليل نحو : ( قَدْنَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماء ) .
ويستعمل أيضاً للتكثير في موضع التمدّح .
وأنكر أبو حيّان في « الارتشاف »
إفادتها التقليل ، وابن هشام في المغني إفادتها التوقّع قال : أمّا في المضارع ؛
فلأنّ قولك قد يقدم الغائب ، يفيد التوقّع بدون « قد » إذ الظاهر من حال المخبر عن
مستقبل أنّه متوقّع له ، وأمّا في الماضي فلأنّه لو صحّ إثبات التوقع لها بمعنى
أنّها تدخل على ما هو متوقّع لصحّ أن يقال في : لا رجل ـ بالفتح ـ : أنّ « لا »
للاستفهام لأنّها لا تدخل إلاّ جواباً لمن قال : هل من رجل ، ونحوه ، فالّذي بعد «
لا » مستفهم عنه من جهة شخص آخر كما أنّ الماضي بعد « قد » متوقّع كذلك.
وأنكر بعضهم كونها للتوقع في الماضي ،
لأنّ التوقّع إنّما هو انتظار الوقوع والماضي قد وقع.
وقال الراغب : إنّها إنّما تدخل على فعل
متجدّد ، نحو : ( قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا )
، ( قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ )
، ( قَدْ سَمِع َاللّهُ )
، ( لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَن المُؤْمِنِينَ )
، ( لَقَدْ تاب َاللّهُ عَلىَ النَّبِيِّ )
وغير ذلك ـ قال ـ : ولما قلت لا يصحّ أن يستعمل في أوصاف اللّه تعالى الذاتية
فيقال : قد كان اللّه عليماً حكيماً.
« كان » أصله كون بفتح العين ، خلافاً
للكسائي على ما نقل عنه أنّ وزنه فعُل بضم العين. وهو على وجهين :
__________________
ناقص ناسخ للمبتدأ والخبر ؛ رافع للأوّل
ناصب للثاني.
ومنها الشأنية التي يستتر فيها ضمير
الشأن ، خلافاً لمن زعم أنّها قسم برأسها ؛ ولمن زعم أنَّها تامّة ، وتامّ بمعنى
ثبت ، والثبوت مختلف بحسب اختلاف الأشياء ، فمنه ثبوت أزلي نحو : كان اللّه ولا
شيء معه ، ومنه حدوثي نحو : إذا كان الشتاء فأدفئوني ، ومنه بمعنى الحضور نحو :
وإن كان ذو عسرة على وجه ، ومنه بمعنى الوقوع نحو : ما شاء اللّه كان على ما قيل ،
ومنه بمعنى الإقامة نحو : كانوا وكنّا فما ندري على مهل ، وربما جاء بمعنى كفل نحو
: كنت الصبي أي كفلته ، وبمعنى غزل نحو : كنت الصوف ، وقد يكون زائداً نحو :
جِياد بني أبي بَكْر تَسامَـى
|
|
علَى كان َالمُسَوَّّمَةِ العِرابِ
|
ومعنى الناقص : الدلالة على ثبوت خبره
لاسمه في الزمان الماضي ، وزعم بعضهم أنّه يدلّ على الاستمرار في جميع زمن الماضي
، قال نجم الأئمة سلام اللّه عليه : وشبهته قوله تعالى : ( وَكانَ
اللّه سَمِيعاً بَصِيراً )
وذهل أنّ
الاستمرار مستفاد من قرينة وجوب كون اللّه سميعاً بصيراً لا من لفظ « كان » ، ألا
ترى أنّه يجوز : كان زيد نائماً نصف ساعة فاستيقظ ، وإذا قلت : كان زيد ضارباً ،
لم يستفد الاستمرار ، قال : وكان قياس ما قال أن يكون كن ويكون أيضاً للاستمرار.
وقال صاحب « الارتشاف » : أكثر النحاة
ذهبوا إلى أنّ « كان » تقتضي الانقطاع كسائر الأفعال الماضية ، وذهب بعضهم إلى
أنّها لا تقتضيه وجعل من ذلك مثل قوله تعالى : ( وَكانَ اللّهُ
غَفُوراً رَحِيماً ).
أي لم يزل.
والذي تلقّفناه من أفواه الشيوخ إنّ «
كان » يدلّ على الزمان الماضي المنقطع
__________________
كغيرها من الفعل
الماضي.
وقد يكون بمعنى « صار » كقوله :
بتيهاء قفر والمطي كأنّها
|
|
قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها
|
واختلف فيه وفي سائر الأفعال الناقصة
أنّها هل تدلّ على الحدث ، فنفاه كثير من المعربين وجعلوه السبب في تسميتها ناقصة.
والمشهور خلافه ، قال نجم الأئمة رضوان
اللّه عليه : لأنّ « كان » في نحو : كان زيد قائماً ، يدلّ على الكون الذي هو
الحصول المطلق ، وخبره يدلّ على الكون المخصوص وهو كون القيام أي حصوله ، فجيئ
أوّلاً بلفظ دالّ على حصول ما ، ثمّ عُيّن بالخبر ذلك الحاصل ، فكأنّك قلت : حصل
شيء ، ثمّ قلت : حصل القيام ، فالفائدة في إيراد مطلق الحصول أوّلاً ثمّ تخصيصه ،
كالفائدة في ضمير الشأن ، قبل تعيين الشأن ، مع فائدة أُخرى هيهنا ، وهي دلالته
على تعيين زمان ذلك الحصول المفيد ، ولو قلنا : قام زيد ، لم تحصل هاتان الفائدتان
معاً ، ف « كان » يدلّ على حصول حدث مطلق تقييده في خبره ، وخبره يدلّ على حدث
معيّن واقع في زمان مطلق تقييده في « كان ».
لكن دلالة « كان » على الحدث المطلق أي
الكون وضعيّة ، ودلالة الخبر على الزمان المطلق : عقلية ـ وقال ـ : وأمّا سائر
الأفعال الناقصة نحو « صار » الدالّ على الانتقال ، و « أصبح » الدالّ على الكون
في الصبح أو الانتقال ، ومثله
__________________
أخواته ، و « مادام » الدالّ على معنى الكون
الدائم ، و « ما زال » الدالّ على الاستمرار وكذا أخواته ، و « ليس » الدالّ على
الانتفاء : فدلالتها على حدث معيّن لا يدل عليه الخبر في غاية الظهور.
وظنّي أنّ النزاع بين الفريقين لفظي
لأنّه لا شبهة في نحو : إن قام زيد ، يدلّ على كون القيام ، فإذا قيل : كان زيد
قائماً ، لم يكن الغرض من الإتيان ب « كان » إلاّ إفادة أنّ القيام في الزمان
الماضي ، وكذا صار زيد غنياً ، إنّما جيئ فيه ب « صار » للدلالة على أنّ بثبوت
القيام بعد أن لم يكن ، وكذا في البواقي ، فهذه الأفعال وإن كانت دالة على الاحداث
بلا شبهة إلاّ أنّه لا شبهة في أنّ الظاهر أنّه لا يتعلّق غرض المتكلّم باحداثها
وإنّما يتعلق بالأزمنة المفهومة منها ، وإن تعلّق فلا قصد إليها بالذات وإنّما قصد
إليها لتكون رابطة للنسبة ، ولذا عدّها المنطقيون حروفاً وروابط ، وما ادّعاه نجم
الأئمة ; في معانيها يكذّبه
موارد الاستعمال ، إذ لو صحّ لكان استعمالها مخصوصاً بما يقصد فيه التأكيد ويكون
له عظيم من الشأن كما في ضمير الشأن مع أنّه ليس كذلك ، ولذا قالوا : إنّه إذا
أُريد إبقاء معنى الماضي مع أنّ الشرطيّة جُعل الشرط لفظ « كان » نحو : ( إِن
كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ )
، ( إِنْ كانَ
قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُل )
لأنّ الحدث
المطلق الذي هو مدلوله يستفاد من الخبر وإنّما يُذكر للدلالة على الزمان ، وأما «
ليس » فمن الظاهر أنّه لا يراد منه إلاّ « النفي » ، ولذا ذهب جماعة من المعربين
إلى أنّه حرف نفي ، فقد تبيّن أنّ الذين من قالوا إنّ الأفعال الناقصة لا تدل على
الحدث أرادوا أنّ الحدث لا يقصد بها ، والذين قالوا : يدلّ عليه ، أرادوا أنّ ذلك
داخل في معانيها والكل صحيح.
__________________
« اللَّهو »
: ما يشغل الإنسان عمّا يعنيه ويهمّه ، ويعبّر عن كلّ ما به استمتاع باللّهو ، كما
قال تعالى : ( لَوْ أََرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً )
ويقال : لهوت بالشيء ألهو لهواً أو تلهيت إذا لعبت به وتشاغلت وغفلت به عن غيره ،
وألهاه من كذا ، أي شغله ، ولهيت عن الشيء ألهى ، كرضيت أرضى ، لهياً إذا سلوت عنه
وتركت ذكره ، وإذا غفلت عنه واشتغلت بغيره.
وفي الحديث : إذا استأثر اللّه بشيء
فإله عنه
، أي اتركه وأعرض عنه.
وكذا حديث الحسن في البلل بعد الوضوء.
إله عنه ، ولهيت بالشيء أيضاً إذا
أحببته.
« الباء »
في « به »
إمّا للتعدية ، أو للسببية ، أو الاستعانة أو المصاحبة.
« الفاء »
المفردة مشتركة بين الحرف والفعل ، أمّا الفعل فهو « فِ » مكسوراً أمراً من « وفى
».
وأمّا الحرف فحرف هجاء وحرف معنى.
أمّا الكلام عليه من الجهة الأُولى :
فاعلم أنّ مخرجها من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا عند الجمهور وهو
المتصوّر.
وذهب الفرّاء إلى أنّ مخرجها ما بين
الشفتين وليس بشيء ، وهي مهموسة رخوة منفتحة منخفضة ذلقية على رأي.
وأمّا الكلام عليه من الجهة الثانية :
فاعلم أنّها حرف لا عمل لها ، خلافاً لبعض الكوفيين فإنّهم جعلوها ناصبة للفعل.
والمبرّد فإنّه جعلها خافضة ، في نحو
__________________
قوله :
فَمِثْلَكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ
ومُرْضِع
|
|
فَأََلْهَيتُها عَنْ ذِي تَمائِمَ
مُحُولِ
|
في رواية جر المثل.
والمشهور المتصوّر أنّ النصب في الأوّل
ب « أن » مضمرة ، وأنّ الجرّ في الثاني ب « ربّ » مضمرة.
ثمّ « الفاء » ترد على وجوه :
منها : أن تكون عاطفة وحيئنذ تفيد ثلاثة
أُمور :
أوّلها : الترتيب ، فإن عطفت مفرداً على
آخر فإن كان مسنداً أفادت أنّ إسناد المسند الثاني إلى المسند إليه بعد إسناد
المسند الأوّل نحو : زيد قام فقعد ، وكذا إن كان موقعاً على مفعول أو متعلّق أفادت
أنّ وقوع الثاني على المفعول أو تعلّقه بالمتعلق بعد وقوع الأوّل ، أو تعلّقه نحو
: ضرب فأكرم زيداً عمرو ، فإن كان مسنداً إليه أفادت أنّ إسناد المسند إلى الثاني
بعد إسناده إلى الأوّل نحو : قام زيد فعمرو. وكذا إن كان مفعولاً أو متعلّقاً
أفادت أنّ وقوع المسند أو ملابسته بالنسبة إلى الثاني بعد وقوعه أو ملابسته
بالنسبة إلى الأوّل ، وإن كان صفة معطوفة على صفة أُخرى لموصوف واحد أفادت أنّ
اتّصاف الموصوف بمصدر الثانية بعد اتّصافه بمصدر الأُولى نحو : زيد الآكل فالنائم.
وإن عطفت جملة على أُخرى فإن كان لها
محلّ من الإعراب كان الحكم فيها كالحكم في عطف المفردات ، وإلاّ أفادت أنّ حصول
مضمون الثانية بعد حصول مضمون الأُولى ، وعن الفرّاء أنّها لا تفيد الترتيب أصلاً.
قال ابن هشام : وهذا مع
__________________
قوله : إنّ « الواو
» تفيد الترتيب غريب ، واحتجّ بنحو قوله تعالى : ( أَهْلَكْناها
فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُون ).
والجواب عنه من وجهين :
الأوّل : أنّه يجوز أن يكون المراد :
أردنا إهلاكهم فإنّ إطلاق الفعل الاختياري على إرادته كثير.
والثاني : أنّ الترتيب على نوعين :
ترتيب معنوي : وهو الذي مرّ ذكره. وذكري : وهو في نحو عطف المفصل على المجمل نحو :
( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ
فَقالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً )
( وَنادى
نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي )
( ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها
فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرينَ )
وهو كثير.
وذهب الجرمي إلى أنّها للترتيب إلاّ في
الأماكن والأمطار.
فالأوّل لقوله :
قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرى حَبيب
ومَنْزِل
|
|
بِسِقْطِ اللّوى بَيْنَ الدَّخولِ
فَحَومَلِ
|
والثاني : لأنّا نقول : مطرنا مكان كذا
فمكان كذا ، وإن كان وقوع المطر فيهما في وقت واحد.
والأمر الثاني من الثلاثة التي يفيدها «
الفاء » هو للتعقيب ، أي حصول المعطوف ، أو حصول المسند له عُقَيب حصول المعطوف
عليه ، أو حصول المسند له بلا مهلة ، وهو إمّاحقيقي بأن لا يتراخى بينهما حقيقة
زمان ، وحكمي بتنزيل ما بينهما زمان منزلة ما لا زمان بينهما ، إمّا لقصره ، أو
لأنّه لا يمكن حصول الثاني بعد
__________________
الأوّل إلاّ بعد مضي
زمان فلم يتراخ بينهما إلاّ ذلك الزمان ، كما يقال : تزوج فلان فولد له ، إذا لم
يفصل بين التزوّج والولادة إلاّ زمن الحمل.
ونحو قوله تعالى : ( أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِماءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً ) .
وقال نجم الأئمة ـ رضي اللّه عنه ـ :
إنّ « الفاء » في مثل ذلك فإن اخضرار الأرض يبتدئ بعد نزول المطر لكن إنّما يتمّ
في مدة ومهلة ، فجيئ بالفاء ، نظراً إلى أنّه لا فصل بين نزول المطر وابتداء
الاخضرار ، قال : ولو قيل : ثمّ تصبح الأرض مخضرّة ، نظراً إلى تمام الاخضرار جاز .
ونحن نقول : لو قال : ثمّ تصبح الأرض
نظراً إلى حقيقة الأمر جاز. وإذا تأمّلت وجدت مآل الكلامين واحداً ، وكذا مال ما
قيل من أنّ التعقيب في كلّ شيء بحسبه مآلهما ، وبعضهم يقدر لنحو تصبح هنا معطوفاً
عليه نحو : فأنبتنا به وطال النبت فتصبح.
وقيل : إنّ « الفاء » هنا للسببية ،
وفاء السبب لا يدلّ على التعقيب لصحّة أن يقال : إن أسلم فهو يدخل الجنّة ، مع ما
بينهما من المهملة الظاهرة.
وقيل : إنّ الفاء ربّما كانت بمعنى «
ثمّ » كالآية ، وقوله تعالى : ( ثُمَّ خَلَقْنَا
النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ
عِظاماً فَكَسَونَا العِظامَ لَحْماً ).
والأمر الثالث بما يفيده الفاء السببيّة
، وهو غالب في عطف الجملة أو الصفة نحو : ( فَوَكَزَهُ مُوسى
فَقَضى عَلَيْهِ )
( فَتَلَقّى
آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمات فَتابَ
__________________
عَلَيْهِ
). ( لآكِلُونَ مِنْ شَجَر
مِنْ زَقُّوم * فَمالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُون ).
ومن وجوه « الفاء » أن يكون للسببية من
غير عطف ، نحو التي في أجوبة الشروط ، ونحو : جاءك زيد فأكرمه.
قال نجم الأئمة ( رض ) : وتعريفه بأن يصلح تقدير « إذا » الشرطية قبل «
الفاء » وجعل مضمون الكلام السّابق شرطها ، فالمعنى في مثالنا : إذا كان كذا
فأكرمه ، قال تعالى : ( أَمْ لَهُمْ مُلْكُ
السَّمواتِ وَالأَرْض وَما بَيْنَهُما فَلْيَرتَقُوا فِي الأَسْباب ).
وقال تعالى : ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نار
وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِين * قالَ فَاخْرُجْ مِنْها )
أي إذا كان عندك هذا الكبر فاخرج ، وقال : ( رَبِّ فَأَنْظِرْني )
أي إذا كنت لعنتني فأنظرني ، وقال : ( فَإِنَّكَ مِنَ
المُنْظَرِينَ )
أي إذا
اخترت الدنيا على الآخرة فإنّك من المنظرين ، وقال : ( فَبِعِزَّتِكَ )
أي إذا أعطيتني هذا المراد ( فَبِعزَّتِكَ
لأَغْوِيَنَّهُمْ )
.
ومن وجوهها أن يكون بمعنى « الواو » كما
في قوله : بين الدّخول فحومِلَ.
« بات »
الرجل يبيت وبيات بيتاً وبياتاً وبيتوتة : إذا دخل في اللّيل ، ومنه « البيت »
فإنّه في الأصل مأوى الإنسان باللّيل ، وبات يفعل كذا ، إذا فعله ليلاً ، كما يقال
: ظلّ يفعل كذا ، إذا فعله نهاراً.فقد جاء تامّاً وناقصاً.
« الواو »
للحال ، أو زائدة لزيادة الخبر بالاسم إن صحّ مجييُها زائدة ، كما قال الأخفش
والكوفيون وحملوا عليها ( فَلَمّا أَسْلَما
وَتَلَّهُ لِلْجَبينِ * وَنادَيْناهُ ).
__________________
« الألف واللام »
للعهد عوضاً عن المضاف إليه ، أي قلبي شج ، أصله شجي ، على فعل كفرح ، من الشجو ،
وهو الحزن ، يقال : شجاه شجوه شجواً إذا أحزنه ، وأشجاه يشجيه اشجاء إذا أغصه ،
وتقول منهما جميعاً : شجى يشجي شجًى كرضي ، إذا حزن. ومنه اشتقّ شج; يقال : رجل شجي
وامرأة شجيّة ، بتخفيف الياء.
« الوجع »
: المرض ، والأظهر أن يقال : إنّه الألم ، والإيجاع : الإيلام.
« كأنّ »
حرف مركّب عند الخليل وسيبويه وأكثر البصريين وادّعى ابن الخبّاز وابن هشام
الخضراوي عليه الإجماع ، ومن البصريين من ذهب إلى أنّه حرف بسيط وهو الأقوى.
والأوّلون قالوا : إنّ أصله كاف التشبيه و « إن » ، وإنّ أصل كان زيد الأسد ، أنّ
زيداً كالأسد فقدّمت الكاف للاعتناء بالتشبيه.
ثمّ منهم من قال : إنّه فتحت « أنّ »
لفظاً لرعاية لفظ الكاف ، لأنّها لا تدخل إلاّ على المفردات ففتحت لفظاً لتشبه «
أن » التي تقلب ما بعدها إلى معنى المصدر وهي في المعنى باقية على حالها لم تصر
حرفاً مصدرياً.
ومنهم من قال : إنّ فتح « أن » لطول
الحرف بالتركيب.
وعلى هذين الرأيين لا يكون للكاف هنا
عمل فيما بعدها ، ولا محلّ لها من الإعراب ولا تعلّق لها بشيء لما صارت جزء الحرف
ككاف « كأين ».
ومنهم من قال : إنّ « أن » هي تقلب ما
بعدها إلى معنى المصدر ، وإنّ الكاف هنا اسم بمعنى « مثل » وهو مبتدأ مضاف إلى
مابعده محذوف خبره ، والتقدير في المثال مثل كون زيد أسداً ، ثابت.
وعلى كلّ تقدير فهي من الحروف التي
أشبهت الأفعال لفظاً ، ومعنى ، فعملت عملاً شبيهاً بعملها وهو رفع أحد الاسمين
ونصب الآخر كما هو عمل الفعل المتعدّي ، لمشابهتها الأفعال المتعدّية وإنّما قدّم
منصوبها على مرفوعها فرقاً
بينها وبين « ما »
الحجازية فإنّها أيضاً تشبه الفعل ، أعني ليس إلاّأنّ مشابهتها إنّما هي بالفعل
الناقص الغير المتصرّف وإنّما تشبهه معنى ، فكان شبهها بالفعل أضعف فأوجب فيها
تقديم مرفوعها ، وهذه الحروف لما كان شبهها أقوى كانت أقوى في العمل فقدّم
منصوبها.
ورأي الكوفيين أنّها إنّما تعمل في
الاسم ، وأمّا إخبارها فهي مرتفعة بما كانت مرتفعة به.
وقد أجاز بعض أصحاب الفرّاء نصب الاسمين
بها كقوله :
كَأنَّ إِذْنَيْهِ إذا تَشَوّفَا
|
|
قادِمَةً أوْ قَلَماً مُحَرَّفَا
|
وقوله :
إذَا اسْوَدَّ جُنْحُ اللّيلِ
فَلْتَأتِ وَلْتَكُنْ
|
|
خطاكَ خِفافاً إنَّ حُرّاسَنا أُسْدَا
|
ولـ « كأنّ » معان : منها التشبيه : وهو
المعنى الغالب المتّفق عليه. وزعم جماعة أنّها لا تكون للتشبيه إلاّ إن كان خبرها
جامداً نحو : كأنّ زيداً أسد ، فإن كان مشتقّاً كانت بمعنى الظن.
« الباء »
للآلة ، أو السببية ، أو بمعنى « في ».
« الألف واللام »
للعهد الذهني.
« اللام »
للتعليل.
« ما »
إمّا اسمية أو حرفية.
__________________
و « ما » الاسمية على وجوه :
منها : الموصولة وهي عند الجمهور مختصّة
بما لا يعقل ، وعن أبي عبيدة وابن درستويه ومكي بن أبي طالب وابن خروف : أنّها تقع
على من يعقل. وادعى ابن خروف أنه مذهب سيبويه.
قال السهيلي : إنّها لا تقع على أُولي
العلم إلاّ بقرينة وهي قرينة التّعظيم والإبهام كما يطلق على اللّه سبحانه.
وعن المعري في « اللامع » أنّ الشيء إذا
كان لا يدرك وحقيقته يجعل كالشيء المجهول ويطلق عليه « ما » نحو : سبحان ما سبّح
الرّعد بحمده.
وقال ابن مالك : إنّها تقع على ما لا
يعقل مع من يعقل نحو : ( وَللّهِ يَسْجُدُ ما
فِي السَّمواتِ وَما فِي الأَرْضِ مِنْ دابَّة ) .
وعلى صفات من يعقل نحو : ( فَأَنْكِحُوا ما طابَ
لَكُمْ مِنَ النِّساء )
ونحو : (
وَالسَّماء وما بَناها ).
وقدعبّر غيره عن ذلك بأنّها تقع على
أنواع من يعقل.
ومنها : الموصوفة : إمّا بمفرد نحو :
مررت بما معجب لك ، أو بجملة نحو :
ربّما تكره النفوس من الأمر
|
|
له فرجة كحل العقال
|
على وجه.
والحرفية : أيضاً على وجوه :
منها : المصدرية وتسمّى الموصولة ، وهي
نوعان : زمانيّة ، وغير زمانيّة.
__________________
فالزمانيّة : ما يقدّر قبلها فيها لفظ
الزمان وشبهه مضافاً إليها نحو ( ما دمت حيّاً )
أي زمان دوامي ، ونحو : جَلَستُ ما كنتُ جالِساً ، أي زمن جلوسك.
وغير الزمانية : بخلافها نحو : ( ودُّوا ما
عَنِتُّم )
( عَزِيزٌ
عَليهِ ماعَنِتُّم )
( وضاقَتْ
عَلَيْكُمُ الأَرض بِما رَحبت )
إلى غير
ذلك.
« شَفَّ »
جسمه يَشِفُّ شُفُوفاً : نحل ، وشَفَّه الهمُّ يَشُفُّهُ ـ بالضم ـ شفّاً : هزله.
وفي الخلاص للنطنزي : شف : أذاب وأحزن.
« النون »
حرف هجاء ، وحرف معنى.
أمّا الكلام عليها من الجهة الأُولى :
فاعلم أنّ مخرجها إذا كانت ساكنة خفيفة فمخفاة لم يبق منها إلاّ الغنة من الخيشوم.
وأمّا إذا كانت ساكنة غير خفيفة كالتي في « اضربن » ، أو متحرّكة : فمن طرف
اللّسان بينه وبين ما فويق الثنايا. كذا في الكتاب وزاد غيره متّصلاً بالخيشوم تحت
اللاّم قليلاً.
وزعم قطرب والجرمي والفرّاء وابن دريد
أنّ مخرج النون واللام والراء واحد وهو طرف اللسان وأُصول الثنايا ، وهي مجهورة
منفتحة منخفضة ذلقيّة بين الشديدة والرخوة.
وأمّا الكلام عليها من الجهة الثانية :
فاعلم أنّها نوعان : ساكنة ، ومتحركة.
والكلام هنا في المتحرّكة ، وهي أنواع
منها « نون الوقاية » وتسمّى « نون العماد » وهي تتوسط بين ياء المتكلّم وما قبله
وقاية له عن الكسر اللازم لمناسبة الياء كانت الياء منصوبة بفعل متصرّف ك « أكرمني
» ، أو جامد كـ « عساني »
__________________
و : قاموا ما خلاني
، وما عداني ، وحاشاني ، أو باسم فعل نحو : دراكني وتراكني وعليكني ، أوبحرف نحو :
انّني وكأنّني ولكنّني.
أو مجرورة بالحرف نحو : منّي وعنّي ،
وبالاسم نحو : لدنّي وقدني إذا كان اسماً بمعنى حسب.
« الياء »
هنا : ضمير للمتكلّم وحده.
واختلف في أصله أنّه الفتح أو السكون؟
فقيل بالأوّل لأنّ الواضع إنّما ينظر
إلى الكلمة حال إفرادها ، فكلّ كلمة على حرف واحد لزم أن يكون وضعها على الحركة
لامتناع الابتداء بالساكن.
ثمّ الأصل في حركتها الفتحة ، لأنّ
الحرف الواحد لا سيما حرف العلّة ضعيف لا يحتمل حركة ثقيلة.
وقيل بالثاني لأنّ الأصل عدم الحركة
وكون نظر الواضع إلى الكلمة حال إفرادها مطلقاً في محل المنع ، إذ من البيّن أنّه
نظر في المظمرات إلى حال تركّبها ، ولذا وضعها مرفوعة ومنصوبة ، ومجرورة والإعراب
لا يكون إلاّ حالة التركيب ، ولو لم ينظر في شيء من الكلمات إلى حال تركّبها فلِمَ
فرّق بين ما لا تستعمل إلاّ مركّبة وما تستعمل مفردة فأطرد وضع القبيل الثاني على
أزيد من حرفين دون الأوّل ، بل كان ينبغي كما أنّه وضع القسم الأوّل على حرف ك « الياء
» و « الكاف » ونحوهما وعلى حرفين ك « ما » و « من » وضع القسم الثاني أيضاً
كذلك.
هذا ولا خلاف في أنّها جاءت في
الاستعمال ساكنة ومتحركة وأنّه يلزم تحريكها إذا اجتمعت مع ساكن نحو : عصاي ،
وإنّها إذا لم تجتمع مع ساكن كان الإسكان أكثر لعدم الافتقار إلى الحركة من كونها
حرف علّة يثقل عليها التحريك ، وقد جاء إسكانها مع كون ما قبلها ألفاً في قراءة
نافع : ( مَحْيايَ وَمَماتي )
، فإمّا
____________
لإجراء الوصل مجرى
الوقف ، أو لأنّ الألف لما كان أكثر مَدّاً من أخويه قام مقام الحركة ؛ ثمّ إنّها
إذا تحرّكت فبالفتح إلاّ في لغة بني يربوع فإنّهم يكسرونها إذا كانت قبلها ياء نحو
« في » تشبيهاً لها بالهاء في نحو : « فيه » و « لديه » وعليها قراءة حمزة والأعمش
ويحيى بن ثابت ( ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ )
وأقرّهُم عليه الفرّاء وأبو عمرو بن العلاء وقطرب ، وردّه غيرهم ولحقهم طائفة
منهم.
« من »
حرف جرّ : إمّا للبيان ، أو للتعليل ، أو للتبعيض ، أو زائدة.
« الحبّ »
ـ بالضم والكسر ـ والمحبّة ، وآلحباب ـ بالضم والكسر ـ إرادة ما يراه المحبّ خيراً
، أُضيف إلى المعنى ، وإرادة صحبة الشيء أو وجوده إن أُضيف إلى العين لكن الإرادة
في الموضعين شديدة ، أو هو كيفيّة أُخرى للنفس فائقة على الإرادة واصلة على ما قيل
من حبّه القلب ، لأنّ شهوة المحبوب تخلص إلى حبّة القلب فيقال : حبّيت فلاناً ،
بمعنى أصبت حبة قلبه ، كما يقال : شغفته وكبدته وفادته ، وقيل في قوله تعالى : ( حبّب
إليكم الايمان )
المعنى
أوصله إلى حبّة القلب.
« أروى »
اسم امرأة ، والاروى إمّا جمع أو اسم أجمع للأروية للأُنثى من الوعول للأكثر من
العشر ، يقال : ثلاث أراوى ـ على أفاعيل ـ إلى عشر ، فإذا تعدّتها قيل : الأروى.
« الكبد »
ككتف في وجوهه الثلاثة من فتح الأوّل فكسر الثاني ، أو سكونه وكسر الأوّل فسكون
الثاني : العضو المعروف ، وهي مؤنّثة ، وقد تذكّر ، وكبد الشيء معظمه ووسطه ،
وأصلهما من المعنى الأوّل.
لذعته
النار لذعاً : أحرقته.
__________________
الإعراب :
« لمّا »
إن كان ظرفاً كان مضافاً إلى الجملة الأُولى متعلّقاً بالثانية أي ذكرت ، وإلاّ
كان حرف تعليق. والجملتان شرط وجزاء. والمجموع على التقديرين مستأنفة صفة أُخرى
لدار. والمصراع الثاني حال عن فاعل « وقفت » لأنّ الألف واللام في العين بمنزلة
العائد ولا يعود إلاّ على المتكلّم. والأقوى في الجملة الاسمية أن يكون بالواو
والعائد جميعاً ، ولأنّها إنّما تبيّن هيئة الفاعل حين الوقف لا هيئة المفعول.
ويجوز على بعد أن يكون حالاً عن المفعول
فيكون خالياً عن العائد ، نحو : جاء زيد والشمس طالعة ، ومثله جائز واقع. وقد
استشكلوه لما أنّها لا تنحل إلى مفرد ولا تبيّن هيئة فاعل أو مفعول ، ولا هي
مؤكّدة. فأوّلها ابن جنّي بتقدير العائد فيقدّر في المثال والشمس طالعة عند مجيئه
، فيكون كالنعت أو الحال السببيّين نحو : مررت برجل قائم غلمانه ، ومررت بالدار
قائماً سكّانها.
وقال ابن عمرون : إنّها مؤوّلة بنحو : «
مبكرا ». وقال الزمخشري : إنّها من الأحوال التي حكمها حكم الظرف ، فلذلك عريت عن
ضمير ذي الحال. وذهب المطرزي
إلى أنّها مفعول معه.
ففي البيت إذا جعلنا المصراع الثاني حالاً
عن العيس ؛ إمّا أن يؤوّل بتقدير العائد أي : وعيني فوقها من عرفانه تدمع.
__________________
أو يؤوّل إلى مفرد نحو : متكياً عليها
أو فوفها ، أو يقال فيه مقال الزمخشري ، وعلى قول المطرزي يكون مفعولاً معه.
ويحتمل أن يقال على جعله حالاً عن العيس
: إنّ المراد بالعين عين العيس فيكون من الإغراق الشائع بين الشعر ، أو المبالغة
البليغة وحينئذ لا إشكال.
ثمّ إنّ من النّحاة من أوجب في الحال عن
الفاعل التقديم على المفعول إن لم تكن قرينة تدل على ذلك ، فعلى رأيه لا يكون هذا
الحال إلاّ عن المفعول إلاّ أن يكتفي في القرينة بما ذكر من جهتي الرجحان ، وهنا
احتمال آخر ؛ وهو أن يكون حالاً عن مجموع الفاعل والمفعول خصوصاً إذا كان المراد بالعين
عينه وعيون العيس جميعاً ، فإنّه حينئذ في قوة أن يقال : وعيني تدمع وعينها تدمع.
« العين »
: مبتدأ خبره « تدمع » والظرف أعني « من عرفانه » متعلّق ب « تدمع » والضمير فيه
عائد على رسمها ، والإضافة فيه إلى المفعول ذكرت جواب « لمّا ».
« من »
موصولة أو موصوفة مفعول له ، والجملة بعده صلة أو صفة.
« قد »
إمّا للتحقيق ، أو للتكثير ، أو للتقريب إلى الحال استحضاراً للحال الماضية
تلذّذاً أو تنزيلاً لحضورها في الذهن منزلة حضورها في الخارج.
« كنت »
: فعل ناقص مع اسمه ، والإتيان به إمّا للتصريح بالمضي فإنّ « قد » لما كان يقرب
الفعل الماضي إلى الحال ، فلو كان فعلاً آخر غير لفظ « كان » كاد أن يتوهّم منه
إرادة الحال حقيقة فجيئ بلفظ « كان » لبعده عن هذه الإرادة ، لأنّه لتمحّضه للمضي
يتوصل به لإفادة النص عليه فيما لولاه لكان احتمال لعدم إرادته ، ولإفادة المضي في
المضارع وأتى به ليدل على أنّ التقريب إلى الحال المفهوم من « قد » ليس حقيقيّاً ،
بل إنّما المراد استحضار الصورة الماضية ، أو أنّه أراد الاستمرار في الزمان
الماضي فأتى ب « كان » الذي كثيراً ما يجيئ بذلك المعنى حتى توهّم بعضهم أنّ ذلك
معناه كما تقدّم ، وأردفه بالمضارع الدالّ على الاستمرار
التجدّدي فأفاد أنّه
كان لا يزال يلهو به.
« ألهو »
: جملة فعليّة خبر « لكان » والظّرف متعلّق بها.
« الفاء »
إمّا للعطف مع السببيّة ، أو للسببيّة المجرّدة. وعلى التقديرين فالمقصود من السبب
بالذات هو القيد أي الجملة الحالية ، فإنّ الذكر إنّما هو سبب للشج والإيجاع لا
البيتوتة. أو يقدر ظرف ، أي فبتّ هناك أو فيه ، فيصحّ أن يكون المقيّد نفسه أيضاً
مقصوداً في السّبب ، أي لما ذكرت من كنت ألهو به ، وإنّ الدار داره بت هناك.
وأمّا الفاء لمجرّد العطف ، فالمقصود
أيضاً كلّ من المقيّد والقيد.
وأمّا التعقيب المفهوم منها على هذا
التقدير والتقدير الأوّل ؛ فباعتبار حدوث الذكر لأنّه في الاستدامة مجامع
للبيتوتة.
وأمّا « الفاء » بمعنى الواو وحينئذ
فيعتبر وجود الذّكر حدوثاً واستدامة لئلاّ تكون البيوتة عقيبه.
« بات »
إمّا تامّة وهو الظاهر ، وإمّا ناقصة.
فعلى الأوّل يكون الضمير فاعله والواو
للحال والجملة الاسمية حالاً عنه.
وعلى الثاني يكون الضمير اسمه والواو
زائدة والجملة خبره ، أي : شجى القلب موجعة ، أو خبره البيت الذي بعده.
« القلب شج »
اسمية.
« موجع »
خبر بعد خبر ، أو صفة ل « شج ».
ثمّ لفظ « شج » لما جاز أن يكتب بلاياء
وأن يكتب بالياء كقاضي ، اختلفت النسخ في رقمه فجاز أن يكون مراد الناظم ; شجى كعمى مصدراً لا صفة ، وحينئذ يكون
موجع هو الخبر ، وشجى مفعولاً له
أي موجع للشجى ، وأن يكون
__________________
حالاً بمعنى اسم
الفاعل ، أو للمبالغة.
« كان »
اسمه « كبدي » وخبره « تلذع » ، والظرف الأوّل أعني « بالنّار » متعلّق بتلذع ، أي
: كان كبدي تلذع بالنار.
ويحتمل أن يكون « بالنار » خبره ، و «
كبدي » اسمه ، والباء بمعنى « في » و « تلذع » حالاً عن الاسم أو خبراً بعد خبر ،
والظرف الثاني أعني « لما » على التقديرين متعلّق بما يفهم من « كأنّ » من معنى
المشابهة.
وقد اختلف في تعلّق الظرف بأحرف المعاني
، فالمشهور منعه مطلقاً ، وقيل بجوازه مطلقاً ، وقيل : إن كان نائباً عن فعل حذف
جاز على سبيل النيابة وإلاّ فلا ، وهو الذي اختاره أبو علي وأبو الفتح وقالا : إنّ
اللاّم في « يا لزيد » متعلّقة ب « يا ».
والمجوزون مطلقاً قالوا في قول كعب :
وما سُعادُ غَداةَ البَينِ إذ
رَحَلُوا
|
|
إلاّ أغَنُّ غَضيضُ الطَّرْفِ
مَكْحُولُ
|
إنّ الظّرف أعني « إذ » متعلّق ب « ما
» النافية.
وقال ابن الحاجب : إنّ « اليوم » في
قوله : ( وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ اليَوْمَ )
إمّا متعلّق بالنفع المنفي ، أو بلن ، لما فيه من معنى انتفى.
وقال في قوله تعالى : ( ما أَنْتَ
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُون )
: إنّ «
الباء » الأُولى متعلّقة بالنفي.
__________________
وممّا يدلّ على جواز التعلّق بحرف
المعنى خصوصاً :
كَأَنَّ قُلُوب َالطَّيْرِ رَطْباً
ويابِساً
|
|
لَدَى وَكْرَها العُنّابُ والحَشَفُ
البالي
|
فإنّ « كأنّ » هنا قد عمل في الحال
والظرف جميعاً وإذا عمل في الحال فبالطريق الأولى يجوز عمله في الظرف.
وأمّا المانعون من التعلّق بالحرف
فيقدّرون في أمثال ما ذكر فعلاً مناسباً لمعنى ذلك الحرف يتعلّق به الظرف ، فعلى
قولهم يكون الظرف هنا متعلّقاً بأشبه أو شبهت مقدّراً.
و « ما »
إمّا موصولة اسمية أو موصوفة.
و « شَفَّنِي »
صلة أو صفة.
و « من »
في « من حب أروى » : للبيان أو التبعيض ، والظرف مستقر حال عن الضمير في « شفّ »
أو عن « ما » أو صفة أُخرى ل « ما » ، وإمّا موصولة حرفية و « من » زائدة ، فيكون
مجرورها فاعل « شفّ ».
أو للتبعيض ، ويجوز جعلها مع مجرورها
فاعلاً لكونها بمنزلة « بعض » كما وقع مفعولاً في قوله تعالى : ( حتّى
تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّون )
، أو تقدّر
له موصوفاً أي شيء من حبّ أروى كما تقدّر في الآية مثل ذلك.
ومجموع البيت إمّا مستأنف أو خبر « ليت
» كما عرفت ، أو خبر آخر له إن كان « والقلب شج موجع » خبراً له ، أو حال أُخرى إن
كان ذلك حالاً.
__________________
المعنى :
لمّا جعلت إبلي البيض التي يخالط بياضها
شقرة واقعة في رسم تلك الدار أو في جنب رسمها ، والحال أنّ عيني ، أو عين العيس ،
أو عيني وعينها جميعاً ، تدمع لعرفان ذلك الرسم ، أخطرت ببالي ، الذي ـ أو شخصاً ـ
كنت ألعب أو أشتغل به عن غيره ، أو ألعب بسببه أو استعانته ، أي كان لي بسببه ،
سرور وفرح ونشاط حتى كنت ألعب معه وبعد أن تذكّرته وبسببه ، أو بسببه ، أو بعد أن
تذكّرته بتُّ أو وبتُّ والحال أنّ قلبي حزين مؤلم ، أو أنّ قلبي من الحزن مؤلم ،
أو حال كونه حزيناً مؤلم ، أو صرت حزين القلب مؤلم ، أو مؤلم القلب من الحزن ، أو
مؤلم القلب حال كونه حزيناً في الليل بتمامه كأنّ كبدي يحرق في النار ، أو كأنَّ
كبدي في النار ويحرق ، أو حال كونها تحرق ، أو صرت والحال أنّ قلبي كذا كان كبدي
كذا ، أو صرت قلبي كذا كأنّ كبدي كذا.
أوبتّ والحال أنّ قلبي كذا والحال أنّ
كبدي كذا وإنّما صار كبدي كأنّه كذا للّذي أو لشيء أذابني أو أحرقني كائناً أو
كائن ذلك حب أروى ، أي الحبيبة التي اسمها « أروى ».
أو جماعة من إناث الوعول أي النساء
اللاتي يشبهن الوعول في العيون أو في التوحّش أو في عسر الوصول إليها ، لأنّ
الوعول في الغالب في قلل الجبال الوعرة المسالك أو يشبهنها في الجميع ، أو كائناً
أو كائن ذلك بعض حب أروى.
أو لأنّه شفّني حبّ أروى أو بعض منه ،
للذي أو لشيء أحزنني وأذابني من أجل حبّ أروى ، وذلك الشيء هو الفراق أو الحزن.
هذا وإن كان أراد بالدار الرئاسة
والخلافة ، فمراده توقّف العيس في رسمها ، وعرفانه الاهتداء إليها والاطّلاع على
علاماتها والاستدلال بها عليها ، أو
الإيمان بها لمن هو
أهله والإقامة على ذلك ، ومعرفة أربابها على أن يكون وقف العيس مجازاً على الإقامة
، كحط الرحل وإلقاء العصا والإقامة مجازاً عن الإيمان الثّابت بأهلها.
ويحتمل أن يريد بالعيس مطايا العزم
وإثبات المطايا للعزم كإثبات اليد للشمال في قوله : « إذْ أصْبَحَتْ بِيَدِ
الشِّمالِ زِمامُها »
، وتخصيص العيس لكونها كرام المطايا.
ويحتمل أن يريد بها نفسه وقواه وجوارحه
وكنّى به عن أنّ الإيمان قد انثبت في جميع ذلك وشبّهها بالمطايا لأنّها محامل
الأفعال والأخلاق ، وخصّ العيس تنبيهاً على تبرّئها عن شوب مواد الكفر وآلنفاق
والشكّ والارتياب ، ولما تضمّن لفظ العيس مخالطة الشقرة تضمّن التنبيه على أنّها
لارتكابها المعاصي ليست خالصة البياض بل فيها كدرة ، ثمّ في التعبير عن إيمانه
بالجملة الفعلية المقرونة ب « لما » إيماء إلى أنّه تجدّد إيمانه بعد أن لم يكن.
والأمر كذلك لما عرفت من أنّه كان
كيسانياً وحيئنذ فيحتمل أن يكون بكاؤه على زلّته السابقة ومضى ما مضى من عمره في
عدم الإيمان ، أي والعين لما عرفت الحق تدمع تأسّفاً وتحسّراً على ما فاته من
معرفته فيما مضى.
ومراده بمن كان يلهو به : إمّا أئمّة
الحقّ إن كان المراد أنّه كان يشتغل به عن غيره أو يسرّ ويبتهج بسببه أو استعانته
أو في صحبته.
وإمّا أئمّة الكيسانية ورؤساؤهم ، أو
محمد ابن الحنفيّة رضي اللّه عنه إن كان المراد أحد تلك المعاني ، أو أنّه كان
يلعب به فإنّ اعتقاد الإمامة بغير أئمّة الهدى
__________________
صلوات عليهم ـ وإن
كان محمد ابن الحنفيّة وأضرابه ـ فهو مثل اللّعب.
وحينئذ فحزنه على الأوّل لفقد من كان
يلهو به.
وعلى الثاني لارتكابه ذلك الأمر ومضى
شطر من عمره على ذلك الدِّين.
ومراده ب « أروى » : من كان يحبّه من
أئمّة الدِّين ورؤسائه لأنّهم عنده بمنزلة أروى عند عشاقها.
ولا بُعد في التعبير بها عن الأئمّة
المعصومين صلوات اللّه عليهم أيضاً كما عرفت في « أُمّ عمرو » إذ لم يلاحظ المعنى
العلمي ولا الوضعي وإنّما الوصف الذي اشتهر به المسمّى من المعشوقية كما يقال :
حاتم ، ولا يلاحظ إلاّ معنى الجود.
ويحتمل أن يكون مراده بها الرئاسة ؛
والتعبير بها لكونها معشوقة لأهل الدُّنيا ، ولكونها حسنة المنظر كالأروى ،
ولتوحّشها عن الأكثر وعسر الوصول إليها ، ولرفعتها في الرتبة.
ومراده بحبّها حبّها لأهلها الذين هم
الأئمة صلوات اللّه عليهم ، أو ما كان عليه أوّلاً من حبّها لغير أهلها.
فعلى الأوّل كان كبده يحرق بالنار لما
يراها عند غير أهلها من أئمّة الجور.
وعلى الثاني كان كبده يحرق بالنار تأسّفاً
على ما مضى شطر من عمره على حبّها لغير أهلها.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: في الإتيان ب « لمّا » دلالة على عدم انفصال ذكر من كان يلهو به عن الوقف.
فإنّها إمّا حرف وجود لوجود فيدلّ على
أنّ الأوّل علّته الثّاني والمعلول
ينفكّ عن علّته.
وإمّا ظرف فيدلّ على أنّ الثاني موجود
في زمان الأوّل فهو أصرح في عدم التراخي من الأوّل.
الثانية
: الإتيان بالجملة فعلية للدلالة على التجدد والمضي ولمقارنة « لمّا » فإنّها لا
تدخل إلاّ على الماضي.
الثالثة
: إيقاع الوقوف على العيس والعدول عن نسبته إلى نفسه إن كان المراد به الإيمان
أدلّ على ثبوت إيمانه ، فإنّه كإلقاء الرحل أدلّ على الإقامة كما لا يخفى ، وأمّا
على باقي المعاني فلابدّ من ذلك لتوقّف إفادة المراد عليه.
الرابعة
: تعريف العيس لترتبه الفائدة ، ولأنّ الكناية به عن الإقامة والثبات إنّما هي معه
، لأنّ المتعارف في إفادة ذلك المعنى حطّ رحله فكذا مثله وقف عيس لا وقف عيسا.
الخامسة
: في العدول عن تعريف العين بالإضافة إلى تعريفها باللاّم التوجيه والإبهام ،
لإيهام أنّ مطلق العين أي ماهيتها أو كلّ عين تدمع ، والتحقير لنفسه بعدم ذكره.
السادسة
: في إفراد العين التوجيه ، لأنّه لو لم يفرد فإمّا أن كان يثنّيها فيخص نفسه ، أو
يجمعها فيعمّ البتة. والدلالة على كثرة البكاء واتّصال الدموع واتّحادها حتى
كأنّها من عين واحدة والإبهام لإيهام أنّ ماهية العين تدمع.
السابعة
: تقديم الظرف أعني « من عرفانه » على الفعل لرعاية الوزن والقافية وإفادة الحصر
وتقريب الضمير من مرجعه.
الثامنة
: الإتيان بهذه الحالة جملة ، لكونها الأصل فيها ، وللتّوجيه وللدلالة
على الاستمرار
التجددي وللإبهام في العين إذ لو أفرد لقال : دامع العين أو دامعة عيني أو عيننا
أو عينها ، وعلى كلّ لا يكون العين مبهم.
التاسعة
: في التعبير عمّن كان يلهو به بلفظ « من » للإبهام ـ للتعظيم أو للتحقير ـ إن
أراد به رؤساء الكيسانية ، أو الدلالة على أنّه لمعلوميته لا يحتاج إلى البيان ،
أو الاستعفاف عن ذكره إن كان امرأة ، وللاختصار وللتوجيه لتردّد « من » بين
الموصولة والموصوفة.
العاشرة
: التعبير عن لهوه به بالمضارع مع توسيط كنت الدالّة على الماضي للدلالة على
الاستمرار في الزمن الماضي.
الحادية
عشرة : في الإتيان ب « قد » من الفوائد ما
عرفت.
الثانية
عشرة : إبهام القلب للتحقير ، والإبهام
المذكور في إبهام العين.
الثالثة
عشرة : جملية هذه الحال لكونها الأصل هنا ،
ولرعاية القافية ، وليكون صريحاً في الحالية إن لم يجوّز زيادة الواو ، فإنّه لو
أفردها كان محتملاً للخبرية ، وإن جوّزنا زيادة الواو فلتكون الحالية أظهر ،
وللإبهام في القلب إذ لو قال شجى القلب أو شجياً قلبي ، لم يبق إبهام.
الرابعة
عشرة : اسميتها للدلالة على الثبات.
الخامسة
عشرة : تأخير هذه الصّفة للدار إن كان جملة
ل « ما » وجمليتها صفة لطولها بالنسبة إلى الأوّل لا سيّما إذا كان البيت الأخير
خبراً ل « بيت » أو حالاً أُخرى لفاعله ، ولأنّ الأولى وصف لها باعتبار نفسها ،
والثانية وصف لها باعتبار ملابسته بينها وبين وردها.
السّادسة
عشرة : تقديم « بالنّار » على متعلّقه
للقافية والوزن والتوجيه والحصر
والتعجيب ، وتقديمه
على اسم كان ـ إن كان خبراً له ـ للحصر والتعجيب ، وإلاّ فللتعجيب ، وتقديمه على
الظرف الثاني أعني : لما شفّني للتعجيب ، وأمّا « لما شفَّني » فمحلّه إمّا قبل
ذكر شيء ممّا في حيز « كأنّ » أو بعد تمام الكلّ ، فإنّه كما عرفت متعلّق إمّا ب
« كأنّ » أو بما يفهم منه من الفعل.
السابعة
عشرة : جعل المجرور في « لمّا شفّني »
موصولاً للإبهام إمّا مقروناً بالإيضاح بعده إن كان « من » في « من حبّ أروى »
بيانيّة ، أو تبعيضيّة ، أو لا إن كانت تعليلية للتعظيم والدلالة ، على أنّه من
العظم بحيث لا يكتنه كقوله تعالى : ( فَغَشِيَهُمْ مِنَ
اليَمِّ ما غَشِيَهُمْ )
إن لم يكن
ما بعده إيضاحاً ، وإلاّ فالتعظيم من جهة أنّه للاهتمام بشأنه أورده مرّتين :
مبهماً مرّة ، وموضّحاً أُخرى ليتمكّن في ذهن السامع فضل تمكّن من جهتين : إحداهما
ذكره مرّتين ، والأُخرى وقوع إيضاحه بعد التشوّق إليه. ولذكره مرّتين وجه آخر وهو
الالتذاذ بذكره.
الثامنة
عشرة : في الإتيان ب « من » التبعيضيّة في
« من حبّ أروى » إن كانت تبعيضيّة ، إشارة إلى أنّ ما أصاب ، حصة من حبّها فإنّ
المحبّ لها ليس منحصراً فيه. وأمّا إن كانت زائدة ففائدتها التأكيد.
البيان :
إن لم يحمل وقف العيس على حقيقته كان
إمّا تمثيلاً ، أو كان العيس استعارة مصرّحة والوقف ترشيحاً لها.
وإن أراد بمن كان يلهو به رؤساء
الكيسانية كان « ألهو » استعارة تبعته ، فإنّه شبّه أتباعهم باللّعب بهم.
والاستعارة في الفعل تسمّى تبعيّة لأنّها تابعة للاستعارة
__________________
في الحدث ، وأروى إن
لم يكن علماً كان استعارة.
وإسناد « شف » إلى ضمير الموصول مجازي سواء
أُريد بالشف الإذابة أو الاحزان فإنّ الحبّ إنّما هو سبب للحزن الذي هو سبب التحول
، وهو من الأحكام المجازية التي ذهب الشيخ الإمام عبد القاهر إلى أنّه لا حقيقة
لها ، نحو : اقدمني بلدك حق لي على فلان ، لأنّ الموجود إنّما هو القدوم ، وأمّا
الإقدام فهو أمر توهّم المتكلّم فلا فاعل حقيقيّاً له ، لأنّه بنفسه لا حقيقة له
ليكون له فاعل حقيقة. ويمكن أن لا يكون من ذلك القبيل ويكون الحقيقة فيه شفّني
اللّه لحبّ أروى.
البيت الأخير تشبيه إمّا للنحول
والذوبان الذي حصل له بالحزن للحب بالذوبان بالنار ، أو للوجع وآلألم الحاصل
بالحزن للحبّ بالوجع للاحتراق بالنار ، فالأوّل إن كان المراد بالشف الإذابة ،
والثاني إن كان المراد به الأحزان. ووجه الشبه هو الشدّة. ويحتمل على الأوّل أن
يكون السرعة وأن يكون الإيجاع والإيلام.
لمّا فرغ من ذكر الحبيب والدار والمنزل
، والتأسّف على إقفار المنزل ، وبيان ما طراه ، للتذكّر من الحزن والتوجّع شرع في
المقصود واقتضبه اقتضاباً كما هو دأب القدماء. فقال :
[ ٨ ]
عجبتُ مِن قوم أتَوا أحمدا
|
|
بخطبـةٍ ليس لهَا موضِـعُ
|
اللّغة :
« العجب »
بالفتح وبفتحتين ، والتعجّب : انفعال للنّفس من إدراك الأشياء النادرة الخفيّة
الأسباب ، أو كيفيّة تابعة لذلك الانفعال ، وفي القاموس أنّه إنكار ما يرد عليك.
ثمّ لمّا كان المتعجّب منه ممّا يعظم في
نفس المتعجّب ورد في الخبر : عجب ربّك من قوم يساقون إلى الجنة في السلاسل ، أي عظم عنده ، وفيه أيضاً : عجب ربّك
من شاب ليست له صبوة.
« من »
للابتداء ، أي ابتداء عجبي ، ونشأ من قوم.
« القوم »
، اختلف فيه أهل اللغة فقيل : هو الجماعة من الرجال والنساء أو منهما.
وقيل : بل هو الجماعة من الرجال خاصّة ،
وهو المتصوّر ، لقوله تعالى : ( لا يَسْخَرْقَومٌ
مِنْ قَوْم ... ولا نِساءٌ مِنْ
نِساء )
ولقوله :
__________________
وَ ما أَدْرِي وَسَوْفَ إِخالُ أدري
|
|
أقومٌ آلُ حِصْن أَمْ نِساءُ
|
وهو في الأصل مصدر ، وصف به ثمّ غلب على
الرجال لقيامهم بأمور النساء ، كما قال سبحانه : ( الرِّجالُ قَوّامُونَ
عَلَى النِّساء ).
« أتيته »
إتياً وإتياناً وإتيانة وإتياً ، كعنى ـ بضمّ العين أو كسرها ـ : جئته بسهولة ،
ومنه : تأتّى له الأمر ، إذا تسهّل وتهيّأ له ، وأتيت الماء تأتيه وتأتياً : إذا
سهّلت طريقه.
وواتيته مواتاة إذا وافقته ، ثمّ اتّسع
فاستعمل في مطلق المجيئ ، وجاء أتوته أتوه بمعناه ، قال الرّاجز :
يا قَوْمِ ما لي وأباذُؤَيبِ
|
|
كُنْتُ إذا أتوته مِنْ غَيْبِ
|
يَشَمُّ عطفي ويَبَزُّ ثوبي
|
|
كَأَنَّني أَرَبْتُهُ بُريْبِ
|
«
الواو » هنا ضمير جمع المذكر العاقل ، وذهب
المازني إلى أنّها علامة الجمع كما « التاء » علامة التأنيث ، وإنّ الضمير مستكن
كاستكنانه في : زيد قام ، وهند قامت ، وكما يقوله الجمهور في نحو : قاما أخواك ،
وقاموا أخويك ، وقمن الهندات.
ومن النّحاة من قال : إنّ بعض العرب
يقول في الجمع : الزيدون قام ـ بضمّ الميم ـ فيكتفى به عن « الواو » ، والتزموا في
الكتابة أن يريدوا بعد « واو » الجمع المتطرّفة في الفعل : « ألفاً » ، فرقاً بينها
وبين « واو » يكون لام الفعل ، وبينها وبين واو
__________________
العطف في نحو : إن
عبروا ضربتهم ، بخلاف ما إذا لم تكن متطرفة ولذا كتبوا نحو : ضربوهم ، بلا ألف إذا
كان هم مفعولاً ، وبالألف إذا كان تأكيداً.
وأمّا واو الجمع اللاحقة للأسماء نحو :
شاربو الماء ، فالأكثرون لا يكتبون بعدها « ألفاً » لقلّة استعمالها بالنسبة إلى
المتّصلة بالفعل ، فلم يبال بالالتباس بها.
ومنهم من لا يكتب الألف في اسم ولا فعل.
« أحمد »
من أعلام النبي 6
التي نصّ عليها في القرآن المجيد
، وهو منقول من « أفعل » الذي هو اسم تفضيل من الفعل المجهول ، أي أكثر محموديّة
لكثرة خصاله الحميدة ، أو المعلوم أي أكثر حمداً للّه سبحانه ، أو بمعنى اكسب
للحمد ، لكثرة خصاله المحمودة كما يقال في قولهم : العود أحمد ، أنّه بمعنى اكسب للحمد.
و « الألف »
التي بعده لإشباع الفتحة.
« الباء »
إمّا للتعدية ، أو المصاحبة ، أو السببية.
« الخطبة »
ـ بالضم وبالكسر ـ من الخطب والمخاطبة والتخاطب بمعنى المراجعة في الكلام ، إلاّ
أنّ المضمومة اختصّت بالكلام المتضمّن وعظاً وإبلاغاً ، والمكسورة بما تضمّن طلب
نكاح امرأة وأصلها الحالة التي عليها الخاطب حين يخطب ، كالحلة والعقدة. ويقال من
المضمومة : خاطب وخطيب ، ومن المكسورة : خاطب لا غير ، وقد اتّسع فيهما فاستعملت
المضمومة في كلّ كلام كما ورد في الخبر :
__________________
أنّ أعرابياً جاء
النبي 6 فقال : يا
رسول اللّه علّمني عملاً يدخلني الجنّة ، قال 6
: لئن كنت أقصرت الخطبة ، لقد أعرضت المسألة .
والأكثر استعمالها في الكلام الطويل ،
لأنّ الخطب في الأغلب طوال واستعملت المكسورة في طلب كلّ شيء ، يقال : فلان يخطب
عمل كذا أي يطلبه.
« ليس
» عند الجمهور : فعل ناقص أصله « لَيِسَ » كَهَيِبَ فَخفّف ، كما قيل : علم في علم
، وصيّد في صيّد ، ولا يجوز أن يكون مضموم الياء في الأصل ، فإنّ الأجوف اليائي لم
يجئ مضموم العين ؛ ولا أن يكون مفتوحها لأنّ الفتحة لا تسكن فلا يقال في ضرب ضرب ،
وإنّما لم يقلب ياؤه ألفاً مع تحرّكها وانفتاح ما قبلها للدلالة على مفارقته
لأخواته ، لعدم تصرفه.
وعن أبي علي في أحد قوليه : إنّه حرف ، بدليل أنّه لو كان فعلاً لكانت الياء
منه متحرّكة في الأصل ، ولو كانت كذلك لعادت إلى حركتها عند اتّصال الضمير به كما
يقال : صيدت. أو حذفت مع كسر الفاء ك « هبت » ، قال : وأمّا اتصال الضمير به
فلتشبّهه بالفعل لكونه على ثلاثة أحرف ، وكونه بمعنى « ما كان » ، وكونه رافعاً
ناصباً.
والجمهور استدلّوا على فعليّته باتّصال
الضمائر ، وأجابوا عن دليل أبي علي بأنّ ذلك لمفارقته أخواته في عدم التصرّف.
وعن الكوفيين والبغداديّين أنّه قد يكون
حرف عطف يقال : ضربت عبد اللّه ليس زيداً ، وقال عبد اللّه ليس زيد ، ومررتُ بعبد
اللّه ليس بزيد ، ولا يجوّزون نحو : إنّ زيداً ليس عمراً قائم ، لأنّهم يقدّرون
العامل بعد المعطوف فيصير التقدير :
__________________
إنّ زيداً ليس عمراً
ان قائم ، وأن لا يعمل فيما قبلها. وأجازوا ، نحو : ظننت زيداً ليس عمراً قائماً ،
فإنّ « ظنّ » يعمل فيما قبله.
وأمّا غيرهم فإن وقع مثل هذه الأمثلة
قدّروا ل « ليس » اسماً أو خبراً. وأوّل بعضهم كلام الكوفيين بمثل ذلك وجعل قولهم
: إنّه حرف ، بمعنى أنّه جرى مجرى الحرف.
ومن المعربين من ذهب إلى أنّه في باب
الاستثناء حرف بمعنى « إلاّ ».
ثمّ إنّ معنى « ليس » عند سيبويه النفي
مطلقاً ، تقول في الماضي : ليس خلق اللّه مثله ، وقال عزّ قائلاً : ( أَلا
يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ )
في المستقبل ومنهم من جوّز المستقبل فقط.
وعند الجمهور أنّه للنفي في الحال. وذهب
أبو علي إلى أنّه إن لم يقيّد بزمان فهو لنفي الحال وإلاّ فيجب القيد ، واختاره
أبوحيان ونجم الأئمة رضي اللّه عنه.
وادّعى الأندلسي أنّه لا نزاع بين
القبيلين فإنّ الأوّلين إنّما يعممونه بحسب القيود والآخرين يخصّصونه بالحال إذا
لم يكن قيد ، فهم متّفقون على أنّه مع عدم القيد يحمل على الحال ومع القيد يكون
بحسبه.
« اللام
» للاستحقاق.
« الموضع
» ـ بكسر الضاد ـ : اسم مكان أو زمان من وضعه يضعه بفتح الضاد فيهما ، وضعاً
وموضعاً بكسر الضّاد وموضوعاً أي حطه ، وقد يفتح ضاد الموضع : اسم مكان وزمان
ومصدر ، أو الأكثر على كسر مفعل مصدراً ، أو اسم مكان أو زمان من المثال الواوي.
وإن كان مضارعه على يفعل بالفتح قال
سيبويه : إنّما قال الأكثرون
__________________
« موجل » بالكسر ،
لأنّهم ربّما غيّروه في توجل ويوجل فقالوا : ييجل ويأجل ، فلمّا أعلوه بالقلب
شبّهوه بواو « يوعد » المعلّ بالحذف ، فكما قالوا هناك : موعد ـ بالكسر ـ ، قالوا
هيهنا : موجل .
والمراد به هنا إمّا الزّمان أو المكان
حقيقة أو الأمر الداعي إلى المتكلّم فإنّ الأمر الدّاعي قد يشبه عند أهل المعاني
بالزمان فيسمّى الحال ، وقد يشبّه بالمكان فيسمّى بالمقام.
الأعراب :
المراد بالتعجّب من القوم التعجب من
حالهم وصنيعهم إمّا تقديراً أو عناية من مجرّد لفظ القوم ، أو من وصفهم بما بعدهم
على أن يكون المقصود بالإثبات هو القيد ، كما يكون المقصود بالنفي في الأكثر القيد
فكأنّه قال : عجبت من قوم كذا ، من حيث إنّهم كذا ما بعد قوم ، من قوله « أتوا »
إلى ما سيأتي من قوله تبّاً لما كان به أزمعوا ؛ صفة لهم.
و « الباء »
في « بخطبة »
إن كانت للتعدية فمدخولها مفعول « أتوا ».
وإن كانت للسببيّة كانت متعلّقة به.
وإن كانت للمصاحبة كان الظرف مستقراً
حالاً مع عامله المقدّر عن فاعله ، وما بعد خطبة صفة لها.
والبيت مستأنف إمّا خبر ، أو إنشاء
للتعجّب.
المعنى
: حصل لي العجب ، أي الكيفيّة المخصوصة أو الانفعال المخصوص من صنيع ، أو حال قوم
جاءوا إلى النبي 6
بكلام أو بطلب ليس له
__________________
موضع ، أوجاءُوه
بسبب كلام أو طلب ، أو مصحوبين بكلام أو طلب ، أو عجبت من قوم فعلوا كذا من جهة
أنّهم فعلوا كذا لكون هذا الصنيع منهم أمراً نادراً خفي السّبب ، أو أنكرتُ منهم
هذا الصّنيع ، أو عظم عندي لغرابته جدّاً وإنّما لم يكن له موضع لأنّه كان معلوماً
من حال النبي 6
وأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ومن الآيات النازلة في شأنه ومن الأقاويل
النبويّة في حقّه : أنّه الخليفة بعده ، وإن كان المراد بالموضع الداعي فالمراد
نفي الداعي : الحق ، فإنّ الداعي إلى هذا السؤال إنّما كان رجاء أن ينصّ على أحد
منهم أو يفوّض الأمر إليهم.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى : الإتيان بالجملة الفعلية
للإيجاز وللدلالة على التجدّد ، ولكونها أقرب إلى الإنشاء من الاسمية ، وذلك
لتقاربهما من جهة أنّ مضمونها متجدّد حادث بعد أن لم يكن ، كما في مضمون الإنشاء ،
وللتصريح بالزمان المقصود مع الاختصار.
الثانية
: تنكير قوم لتحقيرهم بإيهام أنّهم لحقارتهم لا يعرفون ولا يعهدون ، وللدلالة على
نكارتهم ، لنكارة صنيعهم كأنّهم لمّا صنعوا ما نُكر ولا يعرف ، فكأنّهم ينكرون ولا
يعرفون ، وليتعيّن وصفهم بالنكرة ، إذ لو عرفهم ، لوصفهم بالموصول وصلته ؛ والأصل
في الصلة أن تكون معلومة للمخاطب ؛ والأصل في الصفة أن تكون مجهولة له ، ولذا قيل
: إنّ الأوصاف بعد العلم بها صلات ، والصلات قبل العلم بها صفات ، فأراد أن يدلّ
على أنّ هذا الفعل الشنيع الغريب العجيب ليس ممّا يعرفه المخاطب فإنّه من الغرابة
بحيث ينكره العقلاء ، فنكر القوم ليقع صفته نكرة فيفيد هذه الفائدة.
الثالثة
: في الإتيان بلفظ « أتوا » الدالّ على المجيئ بسهولة ، دلالة على أنّهم إنّما
طلبوا النصّ على الخليفة بأنفسهم من غير إجبار ولا إكراه ، وعلى أنّهم كانوا
يتمكّنون من استفسار المطالب الدينية بسهولة ، وأنّه 6
لم يكن يمنعهم عن ذلك بوجه فيكون أدخل في ذمهم ، فإنّهم إمّا أن استفسروا واستعلموا
الوصي واستيقنوه ثمّ أنكروه ، أو لم يبالغوا في استعلامه.
وعلى كلّ تقدير فهم المفرطون الغاصبون.
الرابعة
: التصريح باسم النبي 6
للتبرّك والاستلذاذ. والتصريح باسم المختصّ به لئلاّ يبقى اشتباه وتردد فإنّه مقام
التسجيل عليهم بعصيانهم الرسول 6
، ولتعظيم عصيانهم فإنّهم عصوا مثل أحمد 6
كما يقال : أمير المؤمنين يأمرك بكذا ، وللكناية باسمه الشريف على أنّه أحمد
الخلائق خصالاً وفعالاً ، فلم يكن من شأنه أن يبهم عليهم أمر الخليفة ، أو ينصّ
عليه لهم بما يبقى لهم فيه شكّ وارتياب ، أو ينصّ على من لم يؤمن بالنص عليه من اللّه
سبحانه ويتبع في ذلك هواه ، أو تكلم به على لسانهم تنبيهاً على أنّهم لم يكونوا
مؤمنين بنبوّته ليدعوه بالنبي أو الرسول وآن دعوه بهما لم يكن ذلك على وفق
اعتقادهم بل اللائق بحالهم أن يدعوه باسمه.
الخامسة
: إنّما عبّر عن مقالهم بالخطبة. أمّا إن كانت بضم الخاء فللدلالة على أنّهم
طوّلوا الكلام وبالغوا في ذلك ، أو أنّهم قالوا ذلك في صورة الوعظ ، وفيه دلالة
على سوء أدبهم مع نبيّ اللّه 6
، وإن كانت بكسر الخاء فلدّلالة على غاية رغبتهم في التنصيص كرغبة الخاطب فيمن
يخطبها لنفسه.
السّادسة
: تقديم الظرف ، أعني : خبر ليس على اسمه للقافية ، وتقريب الضمير من مرجعه وزيادة
تخصيص الاسم.
البيان :
في التعبير عن مقالتهم بالخطبة ،
استعارة مصرّحة ، ثمّّ إن كانت الباء للتعدية أو المصاحبة كانت فيه استعارة أُخرى
مكينة ، فإنّه شبّه مقالهم بجسم ينتقل ويحوّل ويؤتى به أو بشيء يستصحب. أو يكون
إيقاع الإتيان عليها مجازياً تنزيلاً للدّاعي إلى الإتيان منزلة مفعوله وإقامته
لملابسة الداعي به مقام ملابسة المفعول به. أو يكون أتوا استعارة تبعيّة تشبيهاً
لإلقاء هذا الكلام بالإتيان به. أو تكون « الباء » استعارة تبعيّة تنزيلاً لملابسة
غاية الفعل والداعي إليه ، منزلة ملابسة ما يصحب الفاعل وتشبيهاً لها بها.
وإن أراد بالموضع الأمر الداعي إلى
الكلام كان فيه أيضاً استعارة مصرّحة تشبيهاً للملابسة التي بين الداعي والكلام
بالملابسة التي بين الظرف ومظروفه في الملازمة بينهما عند البلغاء ومساواة كلّ
منهما للآخر ، بحيث لا تفصل عنه عندهم ، فإنّ البليغ من الكلام ما كان على وفق
مقتضى المقام من غير زيادة ولا نقصان ثمّ بيّن خطبتهم ، فقال :
[ ٩ ]
قالوا له لو شئت أعلمتنا
|
|
إلى مَنْ الغاية والمَفزعُ
|
اللّغة :
قالَ يَقُولُ قَولاً وقَوْلَةً
وَمَقالاً وَمَقالَةً وقِيلاً وَقالاً : تكلّم بمفرد أو مركّب تامّ أو ناقص ، أو
تكلّم بكلام تامّ. أو القول في الخير ، والقال والقيل والقالة في الشر ، والقيل
والقال اسمان لا مصدران ، أو فعلان أُجريا مجرى الأسماء. وفي الخبر : نُهي عن قيل
وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.
يروى بالكسر والتنوين وبالفتح ، قال
الزمخشري في « الفائق » : بناؤهما على كونهما فعلين محكيّين متضمّنين للضمير ،
والإعراب على إجرائهما مجرى الأسماء خِلْوَين من الضمير ـ قال ـ : ومنه قولهم :
إنّما الدنيا قال وقيل. وإدخال حرف التعريف عليهما لذلك في قولهم : ما يعرف القال
من القيل ـ قال ـ : وعن بعضهم : القال الابتداء ، والقيل الجواب ، ـ قال ـ ونحوه
قولهم : أعيَيتني من شُبّ إلى دُبّ ، ومن شُبّ إلى دُبٍّ .
__________________
وفي حرف ابن مسعود : « ذلك عيسى ابن مريمَ
قال الحقّ الذي فيه يَمْتَرون
» وأصل قال :
قول بفتح العين لا بكسرها ، بدليل يقول ، ولا بضمّها لتعدّيه.
قال ابن جنّي : إنّ معنى قاول أنّى
وُجدت وكيف وقعت مِن تقدّم بعض حروفها على بعض ، وتأخّره عنه إنّما هو للخفوف
والحركة ، وجهات تراكيبها الست مستعملة كلّها لم يهمل شيء منها وهي قاول ، قال ،
وقل ول ق ل ق ، ول وق.
الأصل الأوّل « قاول » وهو القول ، وذلك
أنّ الفم واللسان يخفان له ويقلقلان ويمذلان به ، وهو بضد السكوت الذي هو داعي إلى
السكون ، ألا ترى أنّ الابتداء لمّا كان أخذاً في القول لم يكن الحرف المبدوء به
إلاّ متحرّكاً ، ولمّا كان الانتهاء أخذاً في السّكوت لم يكن الحرف الموقوف عليه
إلاّساكناً. ثمّ ذكر باقي الأُصول على التفصيل.
« اللام »
في « له » لام التبليغ ، وهي الداخلة على اسم السامع ، لقول ، أو ما في معناه وقيل
: إنّها للتعدية.
« لو »
حرف ثنائي الوضع له وجوه :
منها : أن يكون من حروف التعليق ، ويقال
: من حروف الشرط. ويراد أنّه يدلّ على الشرط التقديري ، أي الثاني فيها مرتبط
بالأوّل على تقدير وجودهما وإليه أشار سيبويه حيث قال : إنّها لما كان سيقع لوقوع
غيره ، والمشهود أنّها تدلّ على عدم الجزاء لعدم الشرط ، وذهب الحاجبي إلى أنّها
لعدم الشرط لعدم الجزاء ، والحقّ مجيئها للآخَرين.
__________________
فالأوّل كقولك : لو جئتني لأكرمتك.
والثاني : كقوله تعالى : ( لَوْ كانَ
فِيهِما آلِهَةٌ إِلاّ اللّه لَفَسَدَتا )
فإنّه مسوق
للاستدلال على نفي تعدّد الإله.
والسرّ في ذلك أنّها تدل على علّيّة
الشرط على تقدير وجوده للجزاء ، وكما يصحّ الاستدلال على عدم المعلول بعدم العلّة
يصحّ العكس إذا كانت العلّة منحصرة فيه حقيقة أو ادّعاه.
وقد تؤتى بها فيما الجزاء مستمرّ الوجود
على تقديري وجود الشرط وعدمه ، وذلك في كلّ ما يكون نقيض الجزاء أليق بالشرط ،
ونقيض الشرط أوفق بالجزاء ، كقولك : لو أهنتني لأكرمتك.
ومنه قوله تعالى : ( وَلَوْ
أَنَّما فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرة أَقْلام )
الآية.
وقول النبي 6 فيما روي عنه في بنت أبي سلمة : أنّها
لو لم تكن ربيبتي في حجري
ما حلّت لي ، إنّها لابنة أخي من الرضاعة .
وقول عمر : نعم العبد صهيب لو لم يخف
اللّه لم يعصه .
ومن ذلك ذهب بعض النُّحاة إلى أنّها
إنّما تدل على امتناع الشرط ولا دلالة لها على امتناع الجزاء ، بل إن كان مساوياً
للشرط في العموم لزم انتفاؤه ؛ للزوم انتفاء المسبب من انتفاء سببه المساوي نحو :
لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجوداً ، وإن كان أعمّ لم يلزم ؛ لعدم استلزام
انتفاء السبب الخاص انتفاء المسبّب
__________________
العام نحو : لو كانت
الشمس طالعة كان الضوء موجوداً.
وقسم ما بعد « لو » إلى ثلاثة أقسام :
الأوّل : ما اقتضى العقل أو الشرع
انحصار مسببية الثاني في سببيّة الأوّل نحو : ولو شِئنا لرفعناه بهما ، ونحو : لو
كانت الشمس طالعة كان النهار موجوداً ، وهذا يلزم فيه من امتناع الأوّل امتناع
الثاني.
والثاني : ما يوجب العقل أو الشّرع عدم
الانحصار المذكور نحو : لو نام لا ينقض وضوؤه ، ونحو : لو كانت الشمس طالعة كان
الضوء موجوداً ، وهذا لا يلزم فيه من امتناع الأوّل امتناع الثاني.
والثالث : ما يجوّز العقل فيه كلاً من
الانحصار وعدمه ، نحو : لو جاءني لأكرمته ، وهذا يدلّ على امتناع الثاني دلالة
قطعيّة ، ولكن المتبادر منه في العرف والاستعمال ذلك ، وعندي ليس هذا التحقيق
والتقسيم بشيء ، فإنّه لا شبهة لمن له أدنى استقراء وتتبّع أنّ المتبادر في جميع
هذه الأقسام انتفاء كلّ من الشرط والجزاء ولا يعانده عدم انحصار سبب الجزاء في
الشرط ، فإنّ المتكلّم حين يقول : لو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجوداً ، فرض
أنّه ليس شيء من أسباب الضوء موجوداً ولا مفروض الوجود إلاّ طلوع الشمس ، فإذا
انتفى انتفى الضوء البتة ، وكذا إذا قال : لو نام انتقض وضوؤه ، فرض انتفاء جميع
نواقض الوضوء حقيقة وفرضاً إلاّ النوم ، فانحصار السبب في جميع الأقسام لازم
بادّعاء المتكلّم وإن لم يكن منحصراً في الحقيقة.
ومن الغريب ما ذهب إليه الشلوبين ، وتبعه عليه ابن هشام
__________________
الخضراوي من أنّها لا تدلّ على امتناع شيء من
الشرط والجزاء ، قال ابن هشام المتأخّر : وهذا الذي قالاه كإنكار الضروريات إذ فهم
الامتناع منها كالبديهي ، فإنّ كلّ من سمع لو فعل ، فهم عدم وقوع الفعل ، من غير
تردّد ، ولهذا يصحّ في كلّ موضع استعملت فيه أن تعقبه بحرف الاستدراك داخلاً على
فعل الشّرط منفياً لفظاً أو معنى ، تقول : ( لو جاءني أكرمته لكنّه لم يجئ ).
ومنه قوله :
ولَوْ أنّما أسْعَى لأدْنَى مَعِيشَةٍ
|
|
كفاني ولم أُطْلُبْ قليلٌ مِنَ المالِ
|
و لَكِنَّما أسْعَى لِمَجْد مُؤَثَّلِ
|
|
وقَدْ يُدْرِكُ المَجْدَ المُؤَثَّلَ
أَمثالي
|
وقوله :
فَلَوْ كانَ حَمْدٌ يُخْلِدُ النّاسُ
لَمْ يَمُتْ
|
|
ولكنَّ حَمْدَ النّاسِ لَيْسَ
بِمُخْلِدِ
|
ومنه قوله تعالى : ( وَلَوْ
شِئْنا لآتَيْنا كُلّ نَفس هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَولُ مِنّي لأَمْلأَنَّ
جَهَنَّمَ )
أي ولكن لم
أشأ ذلك فحقّ القول منّي ، وقوله تعالى : ( وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً
لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ )
أي فلم يريكموهم
__________________
كذلك. وقول الخماسي
:
لَو ْ كُنْتُ مِنْ مازِن لَمْ
تَسْتَبِحْ إبِلي
|
|
بَنُو اللَّقِيطَةِ مِنْ ذُهْل بن
شَيْبَانا
|
ثمّ قال :
لكنَّ قَوْمي وإن كانُوا ذَوِي عَدَدٍ
|
|
لَيْسُوا مِنَ الشرِّ في شيَء وإن ْهَانا
|
إذ المعنى : لكنني لست من مازن . بل من قوم ليسوا في شيء من الشر ، وإن
هان وإن كانوا ذوي عدد فهذه المواضع ونحوها بمنزلة قوله تعالى : ( وَما
كَفَرَ سُلَيْمان ُوَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا )
( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ
) ( وَما رَمَيْتَ إِذْ
رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللّهَ رَمى )
.
وفي تعليله صحّة الاستدراك داخلاً على
فعل الشرط منفياً بفهم عدم
__________________
الشرط ، غرابة ،
فإنّه على عدم فهمه أدلّ منه على فهمه ، فإنّ الأصل في الكلام التأسيس وعلى العدم
يكون تأسيساً وعلى الفهم تأكيداً.
ثمّ إنّ من المعلوم أنّ هذا الاستدراك
جار في أن تقول : إن كانت الشمس طالعة كان النهار موجوداً ، لكن الشمس ليست طالعة
، بل الأولى أن تقول : ولهذا لا يصحّ الاستدراك داخلاً على فعل الشّرط كما يجوز
ذلك في « إن » فإنّه يدل على أنّ الشرط لا يحتمل الثبوت كما يحتمله مع « ان »
فيكون الاستدراك بذلك مناقضاً له ، ثمّ جعلها بمنزلة نحو : ( وَما
كَفَرَ سُلَيْمانُ )
وما بعده أغرب ، لأنّها كلّها استثناء للإثبات من النفي ، والمطلوب استثناء النفي
من النفي ، وإن قال إنّ الإثبات فيها بمعنى نفي المنفى سابقاً ، حتى إنّ قوله : ( لكِنَّ
الشَّياطينَ كَفَرُوا )
بمعنى : لكن ما كفر سليمان ، وكذا ما بعده كان عليه منع ظاهر.
نعم نسلّم الاستلزام فيما بعده لا فيه ،
لأنّ كفر الشياطين لا ينافي كفر سليمان ، وما الداعي إلى جعل هذه الجمل بذلك
المعنى مع أنّ عليه يلزم أن تكون تأكيدات والتأسيس راجح.
فإن أجاب عن الاعتراض الأوّل : بأنّ هذا
الاستدراك يدلّ على أنّ المتكلّم يعلم انتفاء الشرط ، فلا يكون لو كان.
وأمّا الاستدراك بعد « ان » فليس على
وفق وضعها وحقيقتها فإنّها موضوعة لما يكون المتكلّم شاكّاً في وقوعه ولا وقوعه ،
ولا يصحّ استدراكه للإيجاب ولا للنفي ، فإن وقع شيء من ذلك لم تكن « ان » على
حقيقتها.
قلنا : غاية ذلك أن لا تكون « لو »
مختصّة بمقام الشكّ ، وأن يكون إذا تعقبها الاستدراك كانت فيما يمنع الشرط ، ولا
يلزم اختصاصها بذلك لجواز أن تكون مشتركة بين المقامين.
وغاية ما يقال في الجواب : أنّه إنّما
ذكره تأييداً وتنبيهاً على البديهي ومثله في
مثله كاف.
ثمّ إنّ الجمهور على أنّها لا يليها
إلاّ ماض لفظاً ومعنًى ، أو معنى فقط ، وأنّه إن وليّها مضارع قلبتها إلى الماضي ،
على عكس « ان » ، كقوله تعالى : ( لَوْ نَشاءُ
أَصَبْناهُمْ )
.
وزعم قوم أنّ استعمالها في المضي هو
الغالب وأنّها قد تستعمل للشرط في المستقبل بمعنى « ان » كقوله :
وَلَوْ تَلتَقي أَصْداؤنا بَعْدَ
مَوْتِنا
|
|
وَمِنْ دُونِ رَمْسَيْنا مِنَ الأرْضِ
سَبْسَبُ
|
لَظلَّ صَدَى صَوْتِي وإنْ كُنْتُ
رِمَّةً
|
|
لِصَوْتِ صَدَى لَيلَى يَهَشُّ
وَيَطْرَبُ
|
وقوله :
وَلَوْ أنَّ لَيلى الأَخْيَلِيّةَ
سَلَّمَتْ
|
|
عَليَّ وَدُونِي جَنْدَلٌ وَصَفائِحُ
|
لَسَلَّمْتُ تَسْلِيمَ البَشاشَةِ
أَوْزَقا
|
|
إلَيها صَدىً مِنْ جانِب ِالقَبْرِ
صائِحُ
|
__________________
وقوله تعالى : ( وليَخْشَ
الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ )
فهنا تناول الماضي بالمستقبل.
ومن أوجه « لو » أن تكون للتمنّي نحو :
لو يأتني فيحدّثني ، قيل : ومنه قوله تعالى : ( فَلَوْ أَنَّ لَنا
كَرَّةً )
ولذا نصب
جوابها.
واختلف في لو هذه فقيل : إنّها قسم
برأسها لا جواب لها ، إلاّ أنّه قد يؤتى لها بجواب منصوب كما يؤتى لليت.
وقيل : إنّها « لو الشرطية » اشتربت
معنى التمني ، بدليل أنّه جمع لها بين جوابين : منصوب بعد الفاء ، وآخر باللام في
قوله :
فَلَوْ نُبِشَ المَقابِرُ عَنْ
كُلَيْب
|
|
فَيُخْبَرَ بِالذّنائِبِ أَيُّ زِيرِ
|
بِيَوْمِ الشَّعْثَمِينَ لَقَرَّ
عَيْناً
|
|
وَ كَيْفَ لِقاءُ مَنْ تَحْتَ
القُبُورِ
|
__________________
وقيل : إنّها « لو » المصدرية أغنت عن
فعل التمنّي ، ومن أوجهها أن يكون للعرض نحو : لو تنزل
عندنا فتصيب خيراً.
« المشيئة »
: الإرادة وقد شئت الشيء أشاؤه ، ويقال : كلّ شيء بمشيئة اللّه ـ بكسر الشين ـ
كشيعة ، أي بإرادته.
وعن الأصمعي : شيأت الرجل على الأمر :
حملته عليه.
قال الراغب : والمشيئة عند أكثر
المتكلّمين كالإرادة سواء ، وعند بعضهم أنّ المشيئة في الأصل إيجاد الشيء وإصابته
، وإن كان قد يستعمل في التعارف موضع الإرادة فالمشيئة من اللّه تعالى هي الإيجاد
، ومن الناس الإصابة ، قال : والمشيئة من اللّه تقضي وجود الشيء ، ولذلك قيل : «
ما شاء اللّه كان ومالم يشأ لم يكن » والإرادة منه لاتقتضي وجود المراد لا محالة ،
ألا ترى أنّه قال : ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ
اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر )
وقال : ( وَمَا
اللّهُ يُريدُ ظُلْماً لِلْعِباد )
. ومعلوم
أنّه قد يحصل العسر والتظالم فيما بين الناس ، قالوا : ومن الفرق بينهما أنّ إرادة
الإنسان قد تحصل من غير أن تتقدّمها إرادة اللّه ، فإنّ الإنسان قد يريد أن لا
يموت ويأبى اللّه ذلك ، ومشيئته لا تكون إلاّ بعد مشيئته ، لقوله تعالى : ( وَما
تَشاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ )
.
وروي أنّه لمّا نزل قوله : ( لِمَنْ
شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيم )
، قال
الكفّار : الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل اللّه تعالى : ( وَما
تَشاءُونَ إِلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ ).
وقال بعضهم : لولا أنّ الأُمور كلّها
موقوفة على مشيئة اللّه وأنّ أفعالنا معلّقة
__________________
بها وموقوفة عليها
لما أجمع الناس على تعليق الاستثناء به في جميع أفعالنا نحو : (
سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ صابِراً )
وقال : (
سَتَجِدُني إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرينَ )
( يَأْتِيكُمْ بهِ اللّهُ إِنْ شاءَ )
( ادخُلوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّه )
( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا
ضَرّاً إِلاّ ما شاءَ اللّهُ )
( وَما
يَكُون لَنا أَنْ نَعُود فِيها إِلاّأَنْ يَشاءَاللّهُ )
( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْء إِنّي فاعِلٌ ذلِكَ
غَداً * إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّه )
. انتهت
مقالة الراغب بألفاظها .
ويؤيّد ما نقله عن البعض ، أخبار شتّى.
منها : ما رواه الشيخ الصدوق ثقة
الإسلام والمسلمين أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني رضوان اللّه عليه في كتاب «
الكافي » عن عدّة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، عن أبيه ، عن محمد
بن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة ، عن محمد بن مسلم . ورواه الشيخ الصّدوق أبوجعفر محمد بن
علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ( رض ) في كتاب « التوحيد » عن أبيه ، عن
سعد ابن عبد اللّه الأشعري ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير
، عن ابن أُذينة ، عن محمد بن مسلم عن الإمام الصادق جعفر بن محمد صلوات اللّه
عليهما قال : المشيئة محدثة .
ومنها : ما رواه ابن بابويه في كتابه
المذكور عن محمد بن الحسن بن أحمد بن
__________________
الوليد ، عن محمد بن
الحسن الصفّار ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : قال
الرضا 7 : المشيئة
من صفات الأفعال ، فمن زعم أنّ اللّه تعالى لم يزل مريداً شائياً ، فليس بموحّد .
ويدلّ على مغايرة المشيئة للإرادة [
مارواه ] ثقة الإسلام الكليني المتقدّم ذكره ، في « الكافي » عن عدّة من أصحابه ،
عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، ومحمد ابن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ،
عن الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد ، جميعاً عن فضالة بن أيّوب ، عن محمد بن عمارة ،
عن حريز بن عبد اللّه وعبد اللّه ابن مسكان ، عن الصادق أبي عبد اللّه 7 أنّه قال : « لا يكون شيء في الأرض ولا
في السماء إلاّ بهذه الخصال السبعة بمشيئة وإرادة وقدر وقضاء وإذن وكتاب وأجل ،
فمن زعم أنّه يقدر على نقص واحدة فقد كفر ».
وروى مثل ذلك بطريق آخر إلاّ أنّ فيه
بعد السبع : فمن زعم غير هذا فقد كذب على اللّه ، أو ردّ على اللّه.
وممّا هو ظاهر في كون المشيئة هي
الإيجاد : ما رواه ثقة الإسلام في « الكافي » عن علي بن محمد بن عبد اللّه ، عن
أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي ، عن أبيه ، عن محمد ابن سليمان الدّيلمي ، عن علي
بن إبراهيم الهاشمي ، قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر 8 يقول : لا يكون شيء إلاّ ما شاء اللّه
وأراد وقدّر وقضى.
قلت : ما معنى « شاء »؟ قال : ابتداء
الفعل.
قلت : ما معنى « قدّر »؟ قال : تقدير
الشيء من طوله وعرضه.
قلت : ما معنى « قضى »؟ قال : إذا قضى
أمضاه فذلك الذي لا مردّله .
__________________
الاعلام
من اللّه : إيجاد العلم في نفس ومن غيره التسبّب لوجود العلم في نفس.
والعلم إدراك الشيء إدراكاً جازماً على
ما هو عليه في الخارج ، هذا هو اللائق بهذه الكتب من تفسيره.
« نا »
: ضمير متّصل موضوع للمتكلّم إذا شرك غيره معه في الفعل مرفوعاً أو منصوباً أو
مجروراً.
« إلى »
: للانتهاء. « من » : اسم استفهام.
« الألف وآللاّم » في كلّ من الغاية
والمفزع ؛ للعهد عوضاً عن المضاف إليه ، أي غايتنا أو غاية الرئاسة ومفزعنا.
« الغاية »
: مدى الشيء ، والجمع « غاي » كساعة وساع.
والغاية : الرّاية ، يقال : غييت غاية
وأغييت ، أي نصبتها.
« المفزع »
: مصدر ميمي بمعنى « الملجأ » وبمعنى : الالتجاء.
الإعراب :
جملة البيت إمّا استئناف بياني ، أي
جواب لسؤال مقدّر ، كأنّه قيل : كيف أتوا بخطبته ، أو : ما تلك الخطبة؟
أو عطف بيان لجملة « أتوا أحمد بخطبة ».
« لو »
إن كانت شرطية فجوابها « أعلمتنا » ، ومفعول شئت محذوف مدلول عليه بالجواب ، أي «
لو شئت إعلامنا » وحذف مفعول المشيئة الواقعة فعلاً للشرط كثير مطّرد ، لدلالة
الجواب عليه كقوله تعالى : ( وَلَوْ شاءَ
لَهَداكُمْ أَجْمَعين )
إلاّ
__________________
أن يكون مفعولاً
غريباً يستبعد وقوعها عليه فإنّه يذكر غالباً كقوله :
وَلَوْ شِئْتُ أنْ أبكي دَماً
لَبَكيْتُهُ
|
|
عَليهِ ولكِنْ ساحةُ الصَّبرِ أوْسَعُ
|
وإن كانت « لو » للتمنّي أو العرض كان «
أعلمتنا » مفعول « شئت » بتقدير « أن » المصدرية أو تأويله بالمصدر ، من غير تقدير
« ان » كما في قولهم : تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه » ، ونحو : ( سَواءٌ عَلَيْهِمْ ءَ
أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ )
ونحو :
يعجبني قام زيدٌ ، كما صوّره هشام وثعلب ، ونحو : ( ثُمَّ بَدا لَهُمْ
مِنْ بَعْدِ ما رَأوا الآيات لَيَسْجُنَنَّهُ )
على ما يقول الفرّاء وجماعة.
وإن كانت « لو » للعرض كان « شئت »
بمعنى المضارع.
« أعلمتنا » يلغى عن العمل في مفعوليه
الثاني والثالث ، وقد أُقيم مقامهما الجملة الاسمية التي بعده.
« إلى من »
خبر للغاية ، وهو متعلّق إمّا بالكون المطلق وهو على رأي من لا يجوّز تقدير الكون
الخاص كأبي حيّان ، أو بالانتهاء أي منتهيان أو ينتهيان ، كما يقدر في قوله تعالى
: ( الحُرُّ بِالحُرّ )
مقتول ، وفي قوله تعالى : ( إِنَّ النَّفْسَ
__________________
بِالنَّفْسِ
) الآية ؛ مقتولة ومفقودة ومجذوع ومصلوبة
ومقلوعة ، وفي قوله تعالى : ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
بِحُسْبان )
يجريان.
فعلى الأوّل يكون الظرف مستقرّاً دون
الثاني ، إذ لا يجب حذف العامل إذا لم يكن كوناً مطلقاً ، ولا ينتقل الضمير منه
إلى الظرف.
المعنى :
الظاهر أنّ « لو » إن كانت للشرط فبمعنى
« ان » يعني أنّهم قالوا لأحمد 6
: إن شئت أن تعلمنا أنّ مدانا أو مدى الرئاسة والتجاؤنا في الدين والدُّنيا
منتهيان إلى أيّ شخص أعلمتنا ذلك.
ويجوز أن يكون بمعناها الحقيقي ، أي لو
كنت تشاء فيما مضى من الزّمان أن تعلّمنا ذلك أعلمتنا ، فيكون سؤالاً عن علّة أنّه
لم يشأ أن يعلمهم أو عتاباً منهم له على عدم إعلامهم ، فكأنّهم قالوا : هلاّ
أعلمتنا ، أو قالوا : إنّا نتمنّى منك أن تشاء أن تعلّمنا ذلك ، أو قالوا : شِئْ
أن تعلّمنا ذلك.
ويحتمل أن يريد بالغاية : الراية ، فإنّ
الراية إنّما تكون للرئيس فهي علامة الرئاسة فيجوز أن يتجوّز بها عنها.
وحينئذ فإمّا المراد بالألف واللام فيها
الجنس.
أو المراد رايتنا أي الراية التي نحن
تحتها.
أو المراد رايتك أو راية الإسلام.
ويجوز أن لا يكون تجوّز بها عن الرئاسة
، بل أراد بها حقيقتها وحيئنذ فالأولى أن يكون « الألف وآللام » فيها عوضاً عن
المضاف إليه ، أي راية الرئاسة ، وإن لم يكن كذلك فالمراد ذلك المعنى.
__________________
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: في إيضاح الخطبة بعد إبهامها ، تعظيم لها وزيادة تعجيب من شأنها ، وتأكيد
لوقوعها.
الثانية
: في التصريح بالقول أيضاً نوع من الإيضاح بعد الإبهام فإنّ الإتيان بالخطبة يعمّ
القول والكتابة والإشارة.
الثالثة
: التصريح بقوله له لأنّه لم يكن ما قبله صريحاً في أنّ تلك الخطبة معه أو منه 6.
الرابعة
: في التعبير ب « لو » إن كان المراد بها « ان » إشارة إلى أنّهم خالفوا وصيته 6 وادّعوا أنّه لم يوص إلى أحد بعينه
وإنّه لم يعلمهم ذلك ، وأنّهم لما كانوا حين السؤال أظمروا الإنكار في أنفسهم
فكأنّهم حين السؤال رأوا الاعلام ممتنعاً ، أو إشارة إلى غاية استحقارهم أنفسهم
حتى أنّهم كانوا يستبعدون وقوع هذا الإعلام بالنسبة إليهم ، لأنّهم لا يليقون به ،
أو إشارة إلى أنّ هذا الإعلام لعسره في الغاية ولذا كان يحجم عنه النبيّ 6 حتى أتته العزيمة من ربّه وجاءه الوعيد
والتهديد كما ستعلم مفصّلاً إن شاء اللّه تعالى ؛ ممّا يليق بأن يحرم بامتناعه ،
أو إلى أنّهم استبعدوا ذلك لأنّهم كانوا يطمعون في ذلك لأنفسهم وكانوا بمعزل عنه ،
وأيضاً كانوا شديدي الرغبة والطماعية فيه ، ومن كان شديد الرغبة في أمر يستبعد ذلك
الأمر لنفسه ، وربما كان بعد حصوله له ينفيه ويستبعده ، لأنّه عظيم لديه جدّاً
فيستبعد وقوعه بنفسه أو بالنظر إليه بتخييل أنّه لا يليق به وقد أضمروا في أنفسهم
الإنكار إن نصّ على غيرهم ، وحينئذ كان الإعلام وجوده كعدمه ، فكأنّ الإعلام كان
ممتنعاً عندهم سواء وصّى إليهم أو إلى غيرهم لكن كلاً باعتبار ، هذا كلّه مع ما في
التعبير ب « لو » من التوجيه كما عرفت.
الخامسة
: في العدول عن نحو « أعلمتنا » إلى هذه الجملة الشرطية تأدب ، وعدول عن صورة الأمر
إلى التفويض إلى مشيئته واختياره كما يقول العبد : إن أراد المولى فعل بي كذا
وكذا.
وإن كانت « لو » للتمنّي أو العرض كان
توسيط المشيئة لبعد أصل المطلوب عن حرف التمنّي أو العرض تأدباً وتفويضاً إلى
المشيئة.
السّادسة
: في الإتيان بالمشيئة ، الإعلام بصيغة الماضي إن لم يكن المراد ب « لو » معناها
الحقيقي ، لموافقة لفظه « لو » ، وللدلالة على غاية حرصهم على الوقوع ، حتى كأنّه
قد وقع تنزيلاً للحضور الذهني منزلة الوقوع الخارجي وتفألاً.
أو للتحريض على فعله بتخييل أنّ المخاطب
قد استجاب لهم وأسعف بمطلوبهم.
أو للمبالغة في إظهار امتناعه بإظهار
أنّ الزمان اللاّئق به هو الماضي وقد انتفى فيه.
السابعة
: إبهام الغاية والمفزغ للوزن والقافية والتعميم فيهما.
البيان :
« لو » استعارة تبعيّة إن كانت بمعنى «
ان » فإنّه شبّه العلاقة التي بين شرطها وجزائها بالعلاقة بين الأمرين المنتفيين
المقدّرين ؛ لأحد الوجوه التي علمتها.
وإن كان المراد بالغاية الراية وكان
المراد بها الرئاسة كان مجازاً مرسلاً تسمية للشيء باسم علامته وتنزيلاً للدال على
الشيء منزلته.
وإن كان المراد بها المدى كان إثباتها
لأنفسهم أو للرئاسة استعارة كاستعارة اليد الشمال تشبيهاً لهم ، أو لها بما يكون
له مدى وغاية.
ثمّ جملة « قولهم » إمّا إخبار أرادوا
به الإنشاء ، أو إنشاء أرادوا به إنشاءً آخر ، وهو إذا كانت « لو » للتمنّي فإنّه
إنشاء تمنّي ، وآلمراد إنشاء الطلب.
[ ١٠ ]
إذا تُوفّيـتَ وفارَقْتَنـا
|
|
وفيهمُ في مُلكِ مَنْ يطمَعُ
|
اللغة :
« إذا »
اسم موضوع للزمان المستقبل متضمّنة لمعنى الشرط غالباً إذا لم يكن بمعنى المفاجأة
، وحيئنذ فلا يقع بعدها إلاّ جملة فعلية إمّا مضاف إليها « إذا » ، أو غير مضاف
إليها ، بل كما يقع بعد « متى » و « كيف » و « أنّى » وسيأتي الخلاف في ذلك.
وجوّز الأخفش إضافتها إلى الاسمية كما
هو ظاهر قوله تعالى : ( إِذا السَّماءُ
انْشَقَّتْ )
ونحوه.
وغيره يُقدّر نـحو « السماء » ـ فاعلاً لفعل محذوف مدلول عليه بالمذكور ، كما
يقدّر في نحو : ( إنِ امْرؤا هَلَكَ )
، ( وآنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ ).
__________________
وذهب بعضهم إلى حرفيّتها إذا كانت
شرطيّة. وقد يخرج عن معنى الشرطية فيكون ظرفاً محضاً كما في قوله تعالى : ( واللّيلِ
إِذا يَغْشى )
فإنّه يجب
أن يجعل ظرفاً مستقرّاً حالاً عن « اللّيل » أي : أقسم باللّيل كائناً في زمان
الغشيان ، ولا يكون من الأحوال المقصود مقارنتها للعامل ، بل بمنزلة الصفات.
أو يكون من الأحوال المقدّرة ، أو
متعلّقاً بالعظمة المفهومة من القسم ، لأنّه لا يقسم بشيء إلاّ لعظمة فيه وكأنّه
قيل : وعظمة اللّيل إذا يغشى ، كما يقال : عجبت من زيدإذا ركب ، بمعنى : عجبت من
عظمة زيد.
وإن جعلت للشرط لزم أن يكون جوابها
مدلولاً عليه بما قبلها وهو : أقسم باللّيل ، فيلزم تعليق القسم بزمان الغشيان.
وإنشاء القسم لا يقبل التعليق ، وكما في قوله تعالى : ( وَإِذا ما
غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُون )
(
وَالّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُون ).
إذ لو كان للشرط لزمت القاؤه في الجواب ، وتقديرها لم يثبت في غير الضرورة ،
وتقدير الجواب ، أو جعل الضمير توكيداً وما بعده جوابان ضعيفان ظاهران لا حاجة
إليهما.
وقد تخرج عن معنى الاستقبال إمّا إلى
الماضي كقوله تعالى : ( وَإِذا رأَوا تِجارة
أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها )
وقوله تعالى
: ( وَلا عَلَى الّذِينَ إِذا ما أَتَوكَ
لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا )
وآمّا إلى الحال ، على ما قيل في نحو : ( واللّيلِ إِذا يَغْشى
) تمسّكاً
بأنّها لو كانت للاستقبال لم يمكن أن يكون ظرفاً للقسم ، لأنّه إنشاء لا إخبار عن
قسم يأتي ، ولا أن يكون ظرفاً ، لكون محذوف حالاً
__________________
عن « الليل » لتنافي
الحال والاستقبال ، فلابدّ من أن يكون لأحدهما ، وآلمراد بها الحال.
وذهب جماعة ، منهم الأخفش وابن جنّي إلى
أنّها قد تخرج عن الظرفية ، نحو قوله تعالى : ( حَتّى إِذا جاءُوها )
فزعم الأخفش أنّها مجرورة ب « حتّى » أي : حتى وقت مجيئهم إيّاها ، وقوله تعالى :
( إِذا وَقَعتِ الواقِعَةُ )
فيمن نصب ( خافضة رافعة )
فقد زعم ابن جنّي أنّ « إذا » الأُولى مبتدأ والثانية خبر والمنصوبين حالان ، وكذا
جملة ( لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ ).
وقيل في نحو : اخطب ما يكون الأمير
قائماً ، إنّ التقدير « اخطب ما يكون الأمير إذا كان قائماً » وإذا مع ما بعدها خبر
المبتدأ ، والمعنى : اخطب أوقات أكوان الأمير وقت كونه قائماً.
وقيل في قول الخماسي :
وَبَعْدَ غَد ، لَهْفَ نَفْسِي مِنْ
غَدٍ
|
|
إذا راحَ أصحابي ولَسْتُ برائحِ
|
إن إذا بدل من غد.
وزعم ابن مالك فيما روي عنه 6 في قوله لعائشة : « إنّي لأعلم إذا كنت
عنّي راضية وإذا كنت عليّ غضبى ».
إن إذا مفعول به لأعلم.
وقيل في نحو : ( واللّيل
إذا يَغشى )
(
والقَمَرَِ إِذا اتَّسَق )
أنّ « إذا »
__________________
بدل عن المقسم به ،
والمعنى : والمعنى : ووقت الغشيان ووقت الاتّساق.
والجمهور لا يجيزون خروج « إذا » عن
الظرفية.
قال نجم الأئمة رضي اللّه عنه : وعن
بعضهم أنّ « إذا » الزمانيّة تقع اسماً صريحاً ، في نحو : إذا يقوم زيد إذا يقعد
عمرو ، أي وقت قيام زيد وقت قعود عمرو ، وأنا لم أعثر له على شاهد من كلام العرب ،
وآمّا قوله تعالى : ( إِذا دَعاكُمْ
دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ )
ف « إذا » الأُولى زمانية ، والثانية للمفاجأة في مكان « الفاء » .
أقول : وهؤلاء يقولون في الآية الأُولى
: إنّ « حتى » ابتدائيّة داخلة على جملة مستقلّة ، وفي الآية الثانية : إنّ « إذا
» الثانية بدل عن الأُولى والجواب محذوف ، أي انقسمتم أقساماً وكنتم أزواجاً
ثلاثة.
وفي المثال أنّ « إذا » ظرف مستقر خبر
للمبتدأ ، إذ لا دليل على تقدير الزمان المضاف إلى ما يكون ، وفي البيت أنّها ظرف
ل « لهف » ، وفي الخبر أنّها ظرف لمحذوف مفعول اعلم ، أي اعلم شأنك.
« توفّيت »
: فعل مبني للمفعول من وفاه حقه وأوفاه ، أي أعطاه كاملاً.
توفّاه واستوفاه توفّاه اللّه ، أي قبض
روحه فكأنّه كان حقّاً له تعالى فاستوفاه ، يقال للميت : « المتوفّـى » اسم مفعول
لا « المتوفي » اسم فاعل ، ويجوز أن يقال له « المتوفي » إذا أُريد أنّه استوفى
أجله أو حظه من الدنيا فبهذا الاعتبار يجوز أن يكون « توفيت » في البيت مبنيّاً
للفاعل.
« التاء » المفتوحة : ضمير متّصل موضوع
للمخاطب الواحد وآنّما فُتحت ،
__________________
فرقاً بينها وبين «
تاء » المتكلّم و « تاء » خطاب المؤنث ، وإنّما لم تكسر وتفتح تاء خطاب المؤنث;
لأنّ خطاب المذكر أكثر فناسب التخفيف ؛ ولأنّ الأصل في الألفاظ الموضوعة على حرف
واحد أن تكون مفتوحة كما عرفت والمذكر أصل فأُعطي الأصل ، وإنّما أُعطي الضم تاء
المتكلّم ؛ لأنّه لمّا كان اعرف المضمرات ، أُريد أن يجعل له نوع من شبه استقلال
فجرت خفته بأن ضمّت ، فإنّ الضمّة حركة ثقيلة تقوم مقام حرف آخر.
« الواو »
إمّا للعطف ، أو لحال.
« المفارقة »
: انفصال أحد الشيئين عن الآخر ، من الفرق بمعنى الفصل.
« الواو »
للحال.
« الألف واللام »
للجنس.
« الملك »
هو التصرّف بالأمر والنهي في الجمهور ، وذلك يختصّ بسياسة الناطقين ، ولذا يقال ( مَلِكِ
النّاس )
ولا يقال :
ملك الأشياء ، أو : ملك الدوابّ ، أو نحو ذلك.
قال الرّاغب : والملك ضربان : ملك هو
التملّك والتولّي ، وملك هو القوّة على ذلك تولّى أو لم يتولّ.
فمن الأوّل قوله تعالى : ( إِنَّ
المُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها ).
ومن الثاني قوله تعالى : ( إِذْ
جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً )
فجعل النبوّة مخصوصة ؛ والملك فيهم عامّاً فإنّ معنى الملك هيهنا هو القوة التي
بها
__________________
يترشح للسياسة ، لا
أنّه جعلهم كلّهم متولّين للأمر فذلك مُناف للحكمة ، كما قيل : لا خير في كثرة
الرؤساء ، ـ قال ـ : قال بعضهم : الملك اسم لكلّ من يملك السياسة إمّا في نفسه
وذلك بالتمكين من زمام قواه وصرفها عن هواها ، وإمّا في غيره سواء تولّى ذلك أو لم
يتولّ ، على ما تقدّم .
« من »
نكرة موصوفة وتحتمل الموصولية.
« الطمع »
نزوع النفس إلى الشيء شهوة له ، طمع فيه كفرح : طمعاً وطماعة وطماعيّة مخففاً فهو
طامع ، وطمع كفرح وندس.
الإعراب :
« إذا »
إن كانت شرطية ، فجوابها محذوف مدلول عليه بما تقدّمها ، أي « إذا توفيت فإلى من
الغاية والمفزع » بناءً على ما ذهب إليه جمهور البصريين من عدم جواز تقديم الجواب
على الشرط.
وذهب الكوفيون وأبو زيد والمبرّد
والأخفش إلى جوازه.
وذهب المازني إلى أنّه إن كان ماضياً لم
يجز تقديمه ، نحو : قمت إن قام زيد ، وإن كان مضارعاً جاز ، نحو : أقوم إن قام
زيد.
وذهب بعض البصريين إلى أنّه يجوز إن كان
فعل الشرط ماضياً أو كانا ماضيين.
واختلف النحويون في عاملها فالأكثرون
على أنّ عاملها الجواب وأنّها مضافة إلى الشرط ، وبعض المحقّقين على أنّ عاملها
الشرط وحينئذ لا تكون
__________________
مضافة إليه بل تكون
مثل « متى » و « حيثما » و « أنّى ».
والدليل على أنّه يجوز أن يكون الجواب
عاملها وجوه :
منها : قوله تعالى : ( أإذا ما
مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً )
فإنّه لو
كان العامل في إذا : « أُخرج » ، لزم أن يكون الإخراج في زمان الموت وليس كذلك.
وأُجيب عنه : بأنّ التقدير : « إذا ما
مت وصرت رميماً » أي إذا اجتمع فيَّ الأمران كما قال تعالى : ( أإذا
كُنّا رفاتاً وعظاماً أئِنّا لَفِي خَلْق جَدِيد ).
أقول : ولا حاجة إلى هذا التقدير ،
فإنّه يجوز أن لا يكون المراد بالموت حدوثه بل حصوله الشامل لاستمراره ، وحينئذ
فلا فرق بينه وبين صيرورتهم رميماً في صحة أن يقال : الإخراج واقع في زمانه بمعنى
وقوعه في زمان مقارن لزمانه ، وأمّا اتّحاد الزمانين فلا يمكن فيها ، كما لا يخفى.
ومنها : أنّه يقال : إذا جئتني اليوم
أكرمتك غداً ، ولو كان العامل في « إذا » : « أكرمتك » لزم أن يكون للإكرام ظرفان
زمانيان متضادّان بخلاف ما إذا كان العامل هو « جئتني » فإنّه وإن لزم عمله في
ظرفين زمانيّين لكنهما ليسا بمتضادّين فهو كقولك : أتيتك يوم الجمعة ظهراً.
ويرد على هذا الوجه : أنّ لهم أن
يؤوّلوا مثل ذلك إلى معنى « إن جئتني اليوم تسبب ذلك لإكرامي إياك غداً » ، كما
يقال في نحو : إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس ، أنّ المعنى : فقد كان جزاءً
لإكرامي إيّاك أمس.
ومنها : أنّه ربّما ورد الجواب مقروناً بـ
« إذا » الفجائية وبالحرف الناسخ ،
__________________
نحو : ( ثُمَّ
إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ )
ونحو : إذا جئتني فإنّي أكرمك. ولا يعمل ما بعد شيء منهما فيما قبله.
ومنها : أنّه ربّما كان الصالح للعمل
فيها الوارد في الجزاء صفة ، كقوله تعالى : ( فَإِذا نُقِرَ فِي
النّاقُورِ * فَذلِكَ يَوْمَئِذ يَوْمٌ عَسِيرٌ )
ولا تعمل الصفة فيما قبل موصوفها.
وربّما يجاب عن هذين الوجهين : بأنّه
يجوز أن يخالف « إذا » غيرها في عدم مانعية هذه الموانع من العمل فيها.
كما أنّ أبا البقاء صرّح بأنّ « الفاء »
في جواب « إذا » لا تمنع من العمل فيها.
وصرّح الزمخشري : بأنّ العامل في ( إِذا جاءَ
نَصْرُ اللّهِ )
: سبّح. على
أنّ الزمخشري جوّز أن يتعلّق قوله : ( في أنفسهم ) بقوله : ( بليغاً ) في قوله تعالى : ( وَقُلْ
لَهُمْ في أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً ).
ومنها : أنّه يمتنع إعمال الجواب في
قوله :
بَدا لِيَ أنّي لَسْتُ مُدْرِكَ ما
مَضَى
|
|
ولا سابقاً شَيئاً إذا كانَ جائِيا
|
فإنّ « إذا » لا تخلو إمّا أن تكون
شرطية ، أو ظرفية محضة.
فإن كان الأوّل كان التقدير « إذا كان
جائياً فلا أسبقه ».
__________________
وإن كان الثاني كانت متعلّقة ب « سابقاً
».
وعلى كلّ تقدير لا يكون له معنى محصّل ؛
لأنّ الشيء إنّما يسبق قبل مجيئه لا إذا جاء.
ويدفع هذا الوجه بجواز أن يكون المراد
بالمجيئ تحتم المجيئ وتقديره من اللّه سبحانه ، وبأنّ السبق يجوز أن يكون بمعنى
الفوت ، أي : لا أفوت شيئاً إذا كان جائياً ، أو بأنّه يجوز أن يكون الجواب
المقدّر لم يكن له مردّ ، ونحو ذلك ، وحينئذ فإمّا أن يقدّر له « شيئاً » صفة أي :
شيئاً مقدّراً ، أو تكون الجملة الشرطية صفة له ، أو يبقى على « شيئاً » على عمومه
ويكون نفى أن يسبقه مبالغة.
ومنها : أنّ الشرط والجزاء عبارة عن
جملتين تربط بينهما الأداة وعلى قولهم تصير الجملتان جملة واحدة ، لأنّ المعمول
داخل في جملة عاملة.
ولهم أن يقولوا : إن أردت بكون الشرط
والجزاء جملتين كونهما في الظاهر. سلّمناه والأمر كذلك هنا.
وإن أردت كونهما كذلك حقيقة فهو ممنوع ،
بل المحقّقون على أنّ الشّرط قيد للجزاء كما عرفت سابقاً. ولو سلّم ففيما يكون
حقيقة أداة الشرط.
وأمّا في « إذا » الموضوعة للزمان
وإنّما تضمن معنى الشرط فكلا.
فهذه وما أشبهها أدلّة القائلين بكون
العامل هو الشرط.
وأمّا دليل الأكثرين ، فهو أنّ « إذا »
موضوعة للوقت المعيّن ولا يتعيّن إلاّ بنسبتها إلاّما يعينها من شرط فتصير مضافة
إلى الشرط ، وإذا صارت مضافة إليه تعذّر عمله فيها لأنّه يؤدي إلى كون الشيء
عاملاً ومعمولاً معاً من وجه واحد فوجب أن يكون العامل فيها الجواب وأمّا « متى »
فليس لوقت معيّن فلا يلزم أن
يكون مضافاً فصحّ
عمل ما بعده فيه.
قال الحاجبي في الإيضاح : فإن قيل : فقد
عملت « متى » فيما بعدها وما بعدها على هذا القول عامل فيها ، فقد صار الشيء
عاملاً معمولاً ، قلت : تعدّدت الوجوه وتعدّد الوجوه كتعدّد أصحابها ، ووجه
التعدّد أنّ « متى » إنّما عملت في فعلها لتضمّنها معنى « أن » ، وما بعدها عمل
فيها لكونها ظرفاً له ، فالوجه الّذي عملت به غير الذي عمل فيها ، قال : فإن قلت :
فقدره كذلك في « إذا ». قلت : لا يستقيم لأنّك إذا جعلت « إذا » مضافة إلى فعلها
كان عملها فيه باعتبار كونها ظرفاً له ، إذ هو الّذي جوّز النسبة ، وإذا جعلت
الفعل عاملاً فيها كان على معنى كونها ظرفاً له ، فصار الوجه واحداً.
ثمّ قال : والحقّ أنّ « إذا » و « متى »
سواء في كون الشرط عاملاً ، وتقدير الإضافة في « إذا » لا معنى له ، وما ذكروه من
كونها لوقت معيّن مسلّم لكنّه حاصل بذكر الفعل بعدها كما يحصل في قولك : زماناً
طلعت فيه الشمس ، فإنّه يحصل التعيين ولا يلزم الإضافة وإذا لم يلزم الإضافة لم
يلزم فساد عمل الشرط.
وردّ عليه نجم الأئمّة سلام اللّه عليه
: أنّه إنّما حصل التخصيص به ـ في المثال المذكور ـ لكونه صفة له لا لمجرد ذكره
بعده ، ـ قال : ـ ولو كان مجرّد ذكر الفعل بعد كلمة « إذا » يكفي لتخصيصها ،
لتخصّص « متى » في : متى قام زيد ، وهو غير مخصّص اتفاقاً منهم .
أقول : ومن هذه الجملة تبيّن لك أنّ
الأقوى قول الأكثرين ، هذا إذا كانت شرطية ، وأمّا إذا كانت ظرفيّة محضة ، فالعامل
فيها هنا الظرف المستقر أعني إلى من ، أو العامل المقدّر له ، أو المعنى النسبي
المفهوم بين المبتدأ والخبر وحينئذٍ فلا
__________________
شبهة في كونها مضافة
إلى الجملة التي بعدها.
« توفّيت »
إن قُرئ مبنيّاً للمفعول كان الضمير مفعوله النائب مناب الفاعل وفاعله متروكاً وهو
« اللّه سبحانه » أي : توفّاك اللّه من الدهر أو الدنيا ، أو الضّمير مضاف إليه
لمحذوف أي توفّى روحك منك.
ويجوز أن يفهم هذا المعنى من الأوّل على
أن يكون المخاطب هو الروح لأنّه المتكلّم والقائل للخطاب فيكون المعنى « توفّاك من
جسدك ».
ويجوز أن يكون فيه حذف واتّصال ، أي : «
توفّى منك » والمتوفّى هو الرّوح.
وإن قرئ مبنيّاً للفاعل كان الضمير
فاعله وكان مفعوله محذوفاً أي « توفّيت أجلك أو حظّك من الدّنيا » أو كان الفعل
منزلاً منزلة اللازم تنزيله ، منزلة قولك : متّ.
و « فارقتنا »
: معطوف على ما قبله عطف اللازم على ملزومه ، أو حال عن ضمير « توفّيت » بتقدير «
قد » إن كانت لازمة كما هو رأي الجمهور ، وعلى رأي الأخفش والكوفيين غير الفرّاء ;
لا حاجة إلى التقدير. والجملة بعده حال عن فاعل « قالوا » والظرف الأوّل منها أعني
« فيهم » مستقر فاعله « من » الموصوفة أو خبر ل « من » الموصوفة ، ومصحح
الابتدائية لمن أُمور :
منها : وصفها بيطمع.
ومنها : ظرفية الخبر أو تقديمه.
ومنها : وقوعها في الجملة الحالية ؛
وذلك لأنّهم عدّوا من المسوّغات أن يكون ثبوت الخبر للمتبدأ من خوارق العادة ، نحو
شجرة سجدت وبقرة تكلّمت ،
وإذا وقع في الجملة
الحالية كان الحكم عليه أيضاً من الخوارق إذ يعتبر المقارنة بين الحال وعاملها ،
وتحقّق المقارنة مما لا توجبه العادة ، فهو كما إذا وقعت النكرة بعد « إذا »
الفجائية نحو : خرجت فإذا رجل بالباب ، إذ لا يوجب العادة أن لا يخلو الحال من أن
يقال : جئتك عند خروجك رجل.
والظرف الثاني أعني في الملك ، ظاهره
أنّه متعلّق بيطمع لكنّه يلزم تقديم معمول الصفة أو الصلة على الموصوف أو الموصول.
ويحتمل أن يجعل متعلّقاً بالظرف الأوّل
أو خبراً بعد خبر ويكون المراد : « في شأن الملك » أو « طامع في الملك ».
أو يجعل حالاً عن ضمير الظرف الأوّل أو
« من » أي « طامعاً في الملك ».
وعلى هذه التقادير يكون « يطمع » منزلاً
منزلة اللاّزم ، أي « من له الطمع ».
المعنى :
قالوا : لو شئت أعلمتنا أنّ الغاية
والالتجاء منتهيان إلى أيّ شخص إذا توفّاك اللّه أو توفّيت أجلك أو حظّك من الدنيا
وانفصلت ، أو وقد انفصلت عنّا بسبب ذلك ، أو إذا توفّيت وفارقتنا فإلى من الغاية
والمفزع؟ والحال أنّه كائن فيهم حين قالوا ذلك من يطمع في الملك أو كائن فيهم في
شأن الملك من له الطمع ، أو كائن فيهم طامع في الملك من له الطمع ، أو من له الطمع
كائن فيهم طامعاً في الملك.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: في الإتيان ب « إذا » إن كانت شرطية دون غيرها من أدوات الشرط دلالة على قطعهم
بوقوع الشرط.
فإن قلت : أمّا القطع بالتوفّي فهو صحيح
، وأمّا القطع بمفارقته لهم بالموت ، فغير ظاهر ؛ لأنّ المفهوم من ذلك أن يموت وهم
أحياء وهو غير معلوم.
قلت : أوّلاً : يجوز أن يكونوا علموا
بإخباره 6 أنّهم
ميّتون بعده.
وثانياً : يجوز أن يكون المراد بضمير
التكلم في « فارقتنا » غير مقصور على القائلين ولا الحاضرين ، بل جميع الأُمّة ،
ومفارقة المجموع تصدق بمفارقة بعض منهم ، ويكون علمهم ببقاء جمع من الأُمّة بعده 6 أيضاً بإخباره.
وثالثاً : إنّ المفارقة كما تصدق بموته 6 تصدق بموت الجميع إذ لا اجتماع حسّياً
بين الموتى وإن كان بينهم نحوٌ آخر من الاجتماع وخصوصاً النبيّ 6 فإنّ له المرتبة العليا التي لا يجتمع
معه فيها إلاّ قليل ، فالاجتماع الباطني أيضاً بينه وبينهم مفقود ، وحينئذ فلابدّ
من أن لا يكون المراد بالغاية والمفزع غايتهم ومفزعهم.
ورابعاً : أنّه يحتمل أن يكونوا قد
قطعوا بذلك من طول آمالهم ، أو يكون الناظم ;
تكلّم بذلك على ألسنتهم تعييراً لهم وتنبيهاً على أنّهم كانوا من طول الأمل كذلك.
وخامساً : أنّه يحتمل أن يقدر « وإن
فارقتنا ».
وسادساً : أنّه ربّما يخالف المعطوف
المعطوف عليه في بعض الأحكام فليكن
هذا من ذاك ، ويكون
العاطف إنّما نقل إلى المعطوف معنى الشرطية من « إذا » دون القطع.
هذا كلّه إن كانت « إذا » شرطية ، وإلاّ
فيجوز أن يكون ينزل على الفرض والتقدير إمّا كِلا الأمرين أو أحدهما ، هذا ، ثمّ
إنّ في الإتيان ب « إذا » : التوجيه.
الثانية
: حذف فاعل التوفّي ، لوجوه :
منها : المعلوميّة.
ومنها : عدم تعلّق الغرض إلاّ بوقوع
الفعل على المفعول.
ومنها : التعظيم.
ومنها : ضيق المقام للوزن.
ومنها : أنّ المقام مقام الإيجاز ،
فإنّه أمر مكروه للمؤمنين فيحبّ المتكلّم أن يطويه سريعاً.
ومنها : أنّ التوفّي على مراتب ، منها :
ما يكون بتوسّط ملك الموت. ومنها : ما يكون بتوسط الأعوان ، ومنها : ما يحتمل أن
يكون بلا واسطة ، فالفاعل البعيد للتوفّي في الأوّلين هو اللّه سبحانه بمعنى أنّه
يتوفّى من ملك الموت ، وهو إمّا أن يتوفّاه بلا واسطة أو من الأعوان ، وهو سبحانه
في الأخير فاعل قريب ، ويشهد بذلك قوله تعالى : ( اللّهُ يَتَوفّى
الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها )
وفي موضع
آخر ( يَتَوفّاكُمْ مَلَكُ المَوتِ الّذِي وُكِّلَ
بِكُمْ )
وفي آخر ( الّذِينَ
تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبينَ ).
وقد روى الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن
بابويه رضوان اللّه عليه في
__________________
كتاب « التوحيد »
بإسناده : إنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فقال : يا أمير المؤمنين
إنّي شككت في كتاب اللّه المنزل. فقال له صلوات اللّه عليه : ثكلتك أُمّك وكيف
شككت في كتاب اللّه المنزل؟! قال : لأنّي وجدت الكتاب يُكذّب بعضُه بعضاً فكيف لا
أشك فيه.
ثمّ ذكر الرجل آيات ; منها ما ذكرناها ،
فأجابه أمير المؤمنين صلوات اللّه وسلامه عليه عن آيات آيات ، إلى أن قال :
وقوله تعالى : ( اللّهُ
يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها )
وقوله تعالى
: ( تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ )
وقوله : ( الّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي
أَنْفُسِهِمْ )
وقوله : ( الَّذِينَ
تَتَوفّاهُمُ المَلائكَةُ طَيِّبينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ )
ـ إلى أن يقول ـ فإنّ اللّه تبارك وتعالى يدبّر الأمر كيف يشاء ويوكّل من خَلقه من
يشاء بما يشاء ، أمّا ملك الموت فإنّ اللّه عزّ وجلّ يوكّله بخاصّة من يشاء من
خلقه ، ويوكّل رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه ، والملائكة الّذين سمّاهم
اللّه عزّ ذكره وكّلهم بخاصّة من يشاء من خلقه ، إنّه تبارك وتعالى يدبّر الأمور
كيف يشاء .
والحديث طويل اقتصرنا منه على موضع الحاجة.
وروى أيضاً في كتاب « من لا يحضره
الفقيه » مرسلاً عن الإمام أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق صلوات اللّه عليهما
: أنّه سئل عن قول اللّه عزّوجلّ : ( اللّهُ يَتَوَفَّى
الأَنْفُسَ حِينَ مَوتِها )
وعن قول اللّه عزّ وجلّ ( قُلْ يَتَوَفّاكُمْ
مَلَكُ المَوْتِ الّذِي وُكِّلَ بِكُمْ )
وعن قول
اللّه عزّوجلّ : ( الّذينَ تَتَوفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبينَ )
__________________
و ( الّذينَ
تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) وعن قول اللّه عزّوجلّ : (
تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا )
وعن قول اللّه عزّوجلّ : ( وَلَو تَرى إِذْ
يَتَوفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ )
، وقد يموت في الساعة الواحدة في جميع الآفاق ما لا يحصيه إلاّ اللّه عزّ وجلّ
فكيف هذا؟ فقال : إنّ اللّه تبارك وتعالى جعل لملك الموت أعواناً من الملائكة يقبضون
الأرواح ـ بمنزلة صاحب الشرطة ، له أعوان من الإنس ويبعثهم في حوائجه ـ فتتوفّاهم
الملائكة ويتوفّاهم ملك الموت من الملائكة مع ما يقبض هو ويتوفّاهم اللّه عزّوجلّ
من ملك الموت .
إلى غير ذلك من الأخبار التي تضاهيها
فأُبهم الفاعل ؛ ليبقى التوفّي على إطلاقه ، أو لعدم علم المتكلّم بأنّ الواقع أيّ
نوع من الأنواع الثلاثة. هذا إن قرئ « توفّيت » على البناء للمفعول.
فإن قرئ مبنيّاً للفاعل ، فترك المفعول
للرابع والخامس من الوجوه ولاتّباع الاستعمال الغالب ، ولتنزيله منزلة « متّ ».
الثالثة
: التعبير عن التوفّي بالماضي ؛ لتنزيله في القطع بحصوله منزلة الماضي ، ولذا نرى
الغالب بعد « إذا » هو الماضي ؛ لما عرفت أنّ « إذا » للقطع بحصول الشرط.
وفيه نكتة أُخرى : هي أنّه لمّا كان
أمراً مكروهاً ثقيلاً على النفوس وأراد المتكلّم توطين نفسه عليه ، أبرزه في صورة
الأمر الواقع ليسرع نفسه في التهيّؤ والتوطّن له أو تسلّى بأنّه كأنّه قد وقع
وانقضى ، أو أنّ الناظم ;
لمّا رأى أنّ من المتكلّمين بذلك من يطمع في الملك ويرغب في توفّي النبيّ 6 عبّر بالماضي على
__________________
لسانهم تنبيهاً على
غاية رغبتهم في ذلك حتّى انّهم ينزلونه منزلة الواقع تنزيلاً للحضور الذهني منزلة
الحضور الخارجي تفاءُلاً على زعمهم لأنفسهم المقبوحة.
الرّابعة
: تقديم جواب الشرط أو ما يدلّ عليه على الشرط ، لكونه أهمّ ، ولكون التوفّي مكروهاً
فناسب التأخير ؛ لعدم مساعدة النفس على التلفّظ به إلاّ بعد توطين تهيّؤ ؛
وللتوجيه باحتمال « إذا » للشرطية وغيرها ؛ وللاختصار لعدم الحاجة إلى الفاء
الجزائية.
الخامسة
: حذف جواب الشرط إن كان محذوفاً للاحتراز عن العبث ، لأنّ مفسره موجود ، وهذا
الحذف واجب كما صرّح به ابن هشام في « الارتشاف » ، ويكثر حذفه إذا دلّ عليه ما
ينوب منابه ، كجواب القسم ، وكتقدم ما يدلّ عليه ، وهو صريح في عدم الوجوب.
السادسة
: زيادة قوله « فارقتنا » ؛ للتصريح بما هو الداعي إلى نصب الخليفة ؛ وللإشارة إلى
أنّه إذا توفّي كان من الأحياء ، وإنّ توفيه إنّما هو مفارقة وهجرة ، ولذا نسب
المفارقة إليه كما ينسب الأفعال الاختيارية إلى الأحياء المختارين ؛ وللإشارة إلى
أنّه 6 لا يُتَوفّى
إلاّ إذا اختار الموت ; ولأنّ التوفّي أعمّ من أن يُتَوفّى وهم باقون أو غير باقين
، وإنّما يفتقرون إلى الخليفة على الأوّل ، فكأنّهم قالوا : إذا توفيت ونحن باقون.
السابعة
: تقديم الظرف الأوّل على المبتدأ إن كان مبتدأً ، لزيادة تخصيصه ، وللقافية ،
ولتقريب العائد إلى ذي الحال منه ، ولأنّه لو أخّر كان موهماً لخلاف المقصود سواء
قدّم على الظرف الثاني أو أخّر ، مع أنّه لو قدّم لزم الفصل بإلاجنبي بين الظرف
وعامله.
أمّا الإبهام على تقدير التقديم ، فظاهر
لأنّه لو قيل : ومن يطمع فيهم في
الملك ، كان الظاهر
المتبادر أن يتعلّق الظرف الأوّل بيطمع ويكون الثاني خبر المبتدأ.
وأمّا على تقدير التأخير ، فلأنّه لو
قيل : ومن يطمع في الملك فيهم أوهم أو لا ان يتعلق فيهم بالملك على أن يكون حالاً
منه ، وإن كان يزول هذا الوهم بعد التأمّل.
وللتوجيه باحتمال الجملة للأسمية
والفعلية ، وبالاحتمال الظاهر ل « يطمع » للتعدي واللزوم ، والاهتمام بكونه فيهم
لأنّه ممّا ينط به التعجّب ولأنّه حال عنهم.
الثامنة
: تقديم الظرف الثاني إن كان متعلّقاً ب « يطمع » للقافية والتوجيه والاهتمام.
التاسعة
: تنزيل « طمع » منزلة اللازم إن كان للدلالة على أنّهم من رسوخ الطمع فيهم كان
الطمع صفة ذاتية ثابتة لهم لا عرضيّة حادثة ، ولإبهام المطموع فيه للتعميم
وللتعظيم.
العاشرة
: التعبير عن الطامعين ب « من » ؛ للاختصار والإبهام على السامعين ، ولأنّه لا
يتيقّن ذلك في حقّ في بعض وإن كان معلوماً في حقّ آخرين ؛ ولتحقيرهم ولعدم تعلّق
غرض بأعيانهم وإنّما تعلّق الغرض بالصلة أو الصفة ، وإن كانت « من » نكرة ففي
التعبير تحقير لهم ، وإن كان معرفة ففيه دلالة على أنّهم معروفون لا حاجة إلى
التصريح بأسمائهم.
البيان :
« توفيت » إن كان مبنيّاً للمفعول كان
استعارة تبعيّة تشبيهاً لقبض الروح بالاستيفاء ، أو تشبيهاً للروح بالحقّ ، وللجسد
بالمستودع ونحوه ، فإذا قبض الروح
فكأنّه استوفى حقّه
من المستودع ، أو تشبيهاً للإنسان بالحقّ ، وللزمان أو الدار الدنيا نحو المستودع
، أو تمثيلاً للموت بتوفّيه.
وإن كان مبنيّاً للفاعل وقدّرت مفعوله
الحظ كان حقيقة ، وإن قدّرت الأجل ففيه استعارة تبعية أيضاً تشبيهاً لتمام الأجل
باستيفاء الحق ، وللأجل بالحق ، وللدنيا بالمستودع ، مثلاً والإنسان بالمستودع ،
أو تمثيلاً لانقضاء الأجل باستيفاء حقّ من نحو مستودع.
[ ١١ و ١٢ ]
فقالَ لَوْ أعْلَمْتُكُمْ مَفْـزَعاً
|
|
كُنْتُمْ عَسَيْتُمْ فيهِ أن تَصنعوا
|
صَنيعُ أهلِ العِجْلِ إذ فارقُوا
|
|
هـارونَ فالتَّـركُ لـهُ أوْدَعُ
|
اللغة :
« الفاء »
للعطف.
« لو »
إمّا بمعنى « إن » أو بمعناها الحقيقي من تعليق مقدّر بمقدّر.
« العلم »
هنا بمعنى المعرفة التي تتعدّى إلى مفعول واحد ، أو بمعناه الحقيقي وقد حذف مفعوله
الأوّل أو الثاني ، فإنّه جائز عند الجمهور ، أي أعلمتكم أحداً مفزعاً أو مفزعاً
لكم أو مفزعاً إلى أحد أو إلى من مفزعاً ، وحذف أحد مفعولي أفعال القلوب ممّا
اختلفت فيه الأقوال.
فمنهم من أطلق المنع.
ومنهم من أطلق الجواز.
ومنهم من صرّح بالامتناع على كلّ حال.
ومنهم من فصّل فأجاز عند قيام القرينة
ومَنَع عند عدم القرينة ولكن لا خلاف في أنّه قليل مطلقاً ، وسبب القلّة أنّ
المفعولين معاً بمنزلة اسم واحد لأنّ
مضمونهما معاً هو
المفعول به في الحقيقة فحذف أحدهما بمنزلة حذف بعض أجزاء الكلمة ، وممّا جاء من
حذف الأوّل قوله تعالى : ( وَلا يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ )
على القراءة بالياء ، أي بخلهم هو خيراً ، ويمكن أن يقال : إنَّ « هو » هو المفعول
الأوّل على أن يكون الضمير المرفوع مقاماً مقام المنصوب ويكون راجعاً إلى البخل
المفهوم من الفعل كقوله تعالى : ( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ
لِلتَّقْوى )
.
وممّا جاء من حذف الثاني قوله :
لا تُخلنا على غَراتِكَ ، إنّا
|
|
طالما قد وشَى بنا الأعداءُ
|
أي لا تخلنا جازعين ، أو أذلاّء على
إغرائك المُلك بنا.
وقوله :
وَ لَقَدْ نَزَلْتِ فَلاَ تَظُنّي
غَيْرَهُ
|
|
مِنّي بِمنزِلَةِ المُحِبِّ
المُكْرَمِ
|
أي لا تظني غيره واقعاً. وقد قام فيهما
الظرف مقام المفعول الثاني ، فلعله يقتصر الجواز على ذلك لأنّه بمنزلة الذكر.
« المفزع »
هنا اسم مكان بمعنى : « الملجأ » أي من يُفزَع ويُلتَجأ إليه على
__________________
التقديرين الأوّلين
ومصدر على الثالث.
« كان »
يحتمل أن تكون زائدة ، وأن تكون بمعنى صار ، وذلك إن كانت « لو » بمعنى « ان » وآلاّ
فمعناها الأصلي وهو محتمل على الأوّل أيضاً. ويحتمل على كلّ أن تكون تامّة بمعنى
ألفيتم.
« عسى »
فعل مطلقاً ، خلافاً لثعلب وابن السرّاج فإنّهما ذهبا إلى أنّه حرف مطلقاً ،
وخلافاً لسيبويه على ما حكاه السيرافي عنه فإنّه ذهب إلى أنّه حرف إذا اتّصل به
ضمير منصوب ، كقول روبه :
تَقُولُ بِنْتِي قَدْ أَنَى أناكا
|
|
يا أبتَا عَلَّكَ أوْ عَساكَا
|
ثمّ إنّ الغالب فيه فتح العين كرَمى ،
وإذا أُسند إلى ضمير لمتكلّم أو حاضر أو نون إناث جاز كسر العين ، والفتح أشهر ،
والكسر لغة الحجاز.
وعن المازني : إذا كان فاعله غير ضمير
المتكلّم أو المخاطب لم يكن إلاّ فعل بفتح العين ، قال الشيخ أبو علي الفارسي :
إنّه يجوز في المسند إلى الظاهر الكسر أيضاً أخذاً بلغة الكسر ، في نحو « عسيتم »
وجعل الفتح هو القياس.
وفي الترشيح في « عسى » لغتان : عسى
بفتح العين مثل « نصر » ، وعِسى بكسرها مثل « رِضى » ، فإن أُضمرت فيه وثنّيت
وجمعت ، فعلى هاتين اللغتين زيد عسى وعسيا وعسوا وعست وعستا وعسين ، هذا في لغة من
فتح ، وعسى وعسيا وعسواً وعسيت وعسيتا وعسين في لغة من كسر ، فإذا خاطبت فيمن فتح
لقد عسيت وعسيتما وعسيتم وعسيت وعسيتنّ ، وفيمن كسر لقد عسيت وعسيتما وعسيتم ولقد
عسيت وعسيتما وعسيتنّ. انتهى.
__________________
ثمّ إنّ المشهور أنّه إذا اتصل به
الضمير المرفوع كان على صورته الأصلية ، ومن العرب من يأتي بصورة المنصوب فيقول :
عساني وعساك وعساه.
واختلفت فيه الأقوال فقيل : إنّ عسى فيه
حرف ، كما عرفت ، وقيل : بل عكس عمله تشبيهاً له ب « لعلّ » لتقارب معنييها وهو
أيضاً محكي عن سيبويه ، والذي رأيته في الكتاب موافق له ، فإنّه قال في باب ما
يكون مضمراً فيه الاسم متحوّلاً عن حاله إذا أُظهر بعده الاسم : وأمّا قولهم «
عساك » فالكاف منصوب. قال الراجز
: « يا أبتا علّك أو عساكا ».
والدليل على أنّها منصوبة أنّك إذا عنيت
نفسك كان علامتك « ني ».
قال عمران بن حِطّان :
و لي نفس أقول لها إذا ما
|
|
تُنازِعُني لَعَلّي أو عَساني
|
فلو كانت الكاف مجرورة لقال : عساي ،
ولكنّهم جعلوها بمنزلة « لعلّ » في هذا الموضع .
انتهى.
وعن المبرّد وأبي علي أنّه قد عكس
الاسناد فجعل المخبر عنه مخبراً به وبالعكس.
وعن الأخفش أنّه يجوز في الضمير فأُقيم
المنصوب مقام المرفوع.
وأمّا معناه ، فقال سيبويه : « عسى »
طمع وإشفاق ، فالطمع في المحبوب والإشفاق في المكروه ، نحو : عسيت أن أموت .
وفي الصحاح : وعسى من اللّه تعالى
واجبةٌ في جميع القرآن إلاّ في قوله :
__________________
( عَسى رَبُّهُ إِنْ
طَلَّقكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ )
ـ قال : ـ
وقال أبو عبيدة : عسى من اللّه إيجابٌ ، فجاءت على إحدى لغتَي العرب لأنّ عسى في
كلامهم رجاءٌ ويقين ، وأنشد لابن مُقْبل :
ظَنِّي بهم كَعَسى وهم بتنُوفةٍ
|
|
يتنازعون جوائز الأمثـال
|
أي ظنّي بهم يقين. انتهى.
وقال نجم الأئمّة رضي اللّه عنه : وأنا
لا أعرف « عسى » في غير كلامه تعالى لليقين ، فقوله : « عسى » لليقين ، فيه نظر ،
ويجوز أن يكون معنى ظنّي بهم كعسى ، أي مع طمع .
وقال الراغب : وكثير من المفسّرين
فسّروا « عسى » و « لعلّ » في القرآن باللاّزم وقالوا : إنّ الطمع والرجاء لا يصحّ
من اللّه ، وفي هذا قصور نظر ، وذاك أنّ اللّه تعالى إذا ذكر ذلك يذكره ليكون
الإنسان منه على رجاء لا أن يكون هو تعالى راجياً ، فقوله تعالى : ( هَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ )
وقوله : ( هَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ )
وقوله ( عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ).
أي كونوا راجين في ذلك .
انتهى.
وزاد في القاموس في معانيه « الشك » ،
وفي المفصل : أنّ لها مذهبين : أحدهما أن يكون بمنزلة قارب فيكون لها مرفوع ومنصوب
، والثاني أن يكون بمنزلة قرب فلا يكون لها إلاّ مرفوع.
__________________
« في »
إمّا ظرفية ، وإمّا بمعنى الباء ، كما في قوله :
ويركب يوم الروع منّا فوارس
|
|
يصيرون في طعن الأباهر والكلى
|
كما قيل وكما في قوله تعالى : ( جَعَلَ
لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الأَنْعامِ أَزْواجاً يدرؤكم فيه )
على ما قيل.
أو بمعنى التعليل كما في قوله تعالى : (
لَمَسَّكُمْ فيما أَفَضْتُمْ )
وقوله 6 فيما روي عنه : أنّ امرأة دخلت النار
في هرّة .
أو للمصاحبة كما في قوله تعالى ( ادْخُلُوا
في أُمَم )
وقوله تعالى
: ( فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينته )
على ما قيل فيهما.
« أن »
على وجهين : اسم وهو الضمير بمعنى « أنا » والذي في أوائل أنت وأخواته على قول
الجمهور ، وحرف وهو على وجوه :
منها : أن تكون مصدرية ، وهي على وجهين
: الأوّل : الناصبة للفعل المضارع ، والثاني : المخفّفة من « أنّ » المثقلة.
والكلام هنا في الأُولى ، وقد تلغى عن
العمل فترفع الفعل بعدها حملاً على أُختها « ما » المصدرية أو « أن » المخففة من
الثقيلة ، كقراءة ابن محيصين
( لِمَنْ أَرادَ
__________________
أَنْ
يُتِمَّ الرَّضاعَةَ )
وقوله :
يا صاحِبَيَّ فَدَتْ نَفْسي
ُنفُوسَكُما
|
|
وحَيْثُما كُنتمُا لاقَيتُما رَشَدا
|
أَنْ تَحْمِلا حاجَةً لِي خَفَّ
مَحْمَلُها
|
|
تَسْتَوْجِبا نِعمَةً عِنْدي بِها ويدا
|
أنْ تَقْرَآنِ على أَسماءَ وَيْحَكُما
|
|
مِنّي السَّلامَ وأَنْ لا تُشْعِرا
أحَدا
|
وذهب الكوفيّون إلى أنّها المخفّفة من
الثقيلة شذّ اتّصالها بالفعل ، وحكى الجزم بها أبو عبيدة واللّحياني. وذكر أنّه لغة
بني صباح من ضبة ، وأنشدوا.
إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا
|
|
تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطب
|
و قوله :
أحاذر أن تعلم بها فتردّها
|
|
فتتركها ثقلاً عليّ كما هيا
|
قال الرواسي : فصحاح العرب ينصبون ب « ان
» وأخواتها الفعل ، ودونهم قوم يرفعون بها ، ودونهم قوم يجزمون بها. انتهى.
وهي ممّا يخلص الفعل للاستقبال كالسين
وسوف في المشهور.
صنع
إليه معروفاً كمنع ، صُنعاً بالضم ، وصنع به صنيعاً قبيحاً أي فعل ، وصنع الشيء
صنعاً بالفتح والضم : عمله.
__________________
وقال الراغب : الصنع : إجادة الفعل ،
فكلّ صنع فعل وليس كلّ فعل صنعاً ، ولا ينسب إلى الحيوانات والجمادات كما ينسب
إليها الفعل ، ثمّ قال : وللإجادة ، يقال للحاذق المجيد : صنع ، وللحاذقة المجيدة
: صناع .انتهى.
والصناعة حرفة الصانع ، وعمله الصنعة ،
وصنعة الفرس حسن القيام عليه ، يقال : صنعت فرسي صنعاً وصنعةً فهو فرس صنيع ،
والصنيعة ما اصطنعته من خير كالصنيع.
الصنيع إمّا المراد به معناه المصدري ،
أو معنى اسم المفعول.
« أهل »
الرّجل في الأصل : من يجمعهم وإيّاه بيت. ثمّ اتّسع فاستعمل فيمن يجمعهم وإيّاه
نسب. وعبّر بأهل الرجل عن زوجته ؛ وبأهل الإسلام عمّن يجمعهم الإسلام ، وكذا قالوا
في كلّ شيء جامع بين جماعة من علم أو عمل أو صناعة أو جوار أو جار إنّهم أهله ،
ولعلّ الإضافة في كلّ منها بأدنى ملابسة فإذا قيل : أهل الإسلام أو البيت أو العلم
، كان معناه الجماعة الذين بعضهم أهلٌ لبعض في الإسلام أو البيت أو العلم ، وعليه
قس.
« الألف وآللام »
للعهد الخارجي ، أو الجنس ، فعلى الأوّل يكون العجل بمعنى الذي صاغه السامري لبني
إسرائيل.
« العِجْل »
والعُجُول كستور : وَلَد البقرة ، والأُنثى عِجْلَة. قال الراغب : لتصوّر عجلته التي
تعدم منه إذا صار ثوراًً .
« إذ »
له وجوه :
منها : أن يكون اسماً للزمن الماضي ،
وإن دخل على المضارع قلَبه ماضياً
__________________
نحو : ( وَإِذْ
يَمْكُرُ بِكَ )
وحينئذ فهو
ظرف غالباً نحو : ( فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْأَخْرَجَهُ
الَّذِينَ كَفَرُوا )
، وقيل : قد
جاء مفعولاً به نحو : ( وَاذْكُروا إِذْ
كُنْتُمْ قَليلاً )
( وَإِذْ
قُلْنا لِلمَلائِكَة )
(
إِذْفَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ )
إلى غير
ذلك.
وقد جاء بدلاً من المفعول به كقوله
تعالى : ( وَاْذكُرْ فِي الكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ
انْتَبَذَتْ )
. وأنت تعلم
أنّ كلّ مثال يمثّل به لهذين الوجهين يمكن فيه التأويل بتقدير العامل في « إذ »
إلاّ أنّه تعسّف لا حاجة إليه.
وقد جاء مضافاً إليه ، نحو : « يومئذ »
و « حينئذ » و : ( بعد إذ نجّانا اللّه )
وبعد « إذ أنتم مهتدون ».
قال نجم الأئمّة رضي اللّه عنه : ولم
يعهد مجروراً باسم إلاّ ب « بعد » .
ولا أفهم هذا الكلام منه ;.
نعم لم يعهد مجروراً باسم غير ظرف وهو
لازم الإضافة إلى الجملة ، لكنّها قد تحذف ويعوّض عنها التنوين ك « يومئذ » و « ساعة
إذ »
ومنها : أن يكون للتعليل كقوله تعالى : ( وَلَنْ
يَنْفَعَكُمُ الْيَومَ إِذْ ظَلَمْتُمْ إِنَّكُمْ فِي العَذابِ مُشْتَرِكُونَ )
ونحو : جئتك إذ كنت كريماً. واختلف في اسميّته وحرفيّته حينئذ ، ولا يخفى أنّ
الآية تقوّي الحرفيّة ، فإنّه على القول بالاسميّة باق على الظرفية وإنّما يُفهم
التعليل عنده من فحوى الكلام وهنا لا مجال للظرفية فإنّه لو
__________________
كان ظرفاً لم يكن
إلاّ بدلاً من اليوم أو ظرفاً آخر ل « ينفع » ، أو ظرفاً ل « مشتركون » والكل
باطل كما لا يخفى.
قال أبو الفتح : راجعت أبا علي مراراً
في قوله تعالى : ( وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَومَ إذْ ظَلَمْتُمْ )
الآية ، مستشكلاً إبدال « إذ » من « اليوم » ، فآخر ما تحصّل منه أنّ الدنيا
والآخرة متّصلتان ، وأنّهما في حكم اللّه تعالى سواء ، فكأن اليوم ماض ، أو كأن «
إذ » مستقبلة. وقيل : التقدير أو المعنى : إذ ثبت ظلمكم ، وقيل : التقدير بعد « إذ
ظلمتم » .
وأمثال هذه التأويلات جارية في جميع
الموارد إلاّ أنّها تكلّفات من غير حاجة إليها.
ومنها : أن تزيد للتوكيد ؛ ذكره أبو
عبيدة وابن قتيبة وحملا عليه ، نحو ( وَإِذْ قال رَبُّكَ ) .
« الفاء »
للسببية المحضة كما في قوله تعالى : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ ) .
« ترك »
الشيء : رفضه اختياراً ، أو اضطراراً.
فمن الأوّل قوله تعالى : (
وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذ يَمُوجُ في بَعْض ) .
ومن الثاني : قوله تعالى : ( كَمْ
تَرَكُوا مِنْ جَنّات وَعُيُون )
.
و « اللام »
إمّا هي اللاّم المزيدة لتقوية العامل ، أو للتعليل ، أو لشبه التمليك الذي يسمّى
بالانتفاع.
« الدَّعَةُ »
: الخَفْضُ والسعة ، والهاء فيها عوضٌ من الواو كما في السعة.
__________________
تقول منه : وَدُعَ الرجُلُ ـ بالضم ـ ،
فهو وَدِيعٌ ، أي ساكنٌ ، ووادعٌ أيضاً ، مثل حَمُضَ فهو حامض ، . يقال : نالَ
فلان المكارمَ وادِعاً من غير كُلْفَة.
ورجلٌ مُتَّدعٌ ، أي صاحب دَعَة وراحة.
الإعراب :
جملة البيتين معطوفة على قوله : « أتوا
أحمدا » لا على قوله : « قالوا » ؛ للزوم أن يكون داخلاً في بيان الإتيان بالخطبة
وليس بالضرورة.
« قال » جملة فعلية فاعلها الضمير
المستتر الراجع إلى « أحمد ».
ما بعدها من تتمّة البيتين مفعولها ، أو
إلاّ قوله « فالترك له أودع » كما سيظهر.
« أعلمتكم » فعل الشرط ، « مفزعاً »
مفعوله أو مفعوله الثاني أو الأوّل ، بما في حيّزه جواب الشرط إن لم تكن زائدة ولا
كانت بمعناها الأصلي مع كون « لو » بمعنى « أن ».
فعلى الأوّل يكون الجواب ما بعده.
وعلى الثاني يكون الجواب محذوفاً
معلولاً للمذكور ، أي « لو أعلمتكم لم ينفعكم أو خالفتم » ونحو ذلك « لأنّكم كنتم
عسيتم » الخ ، فإنّه حينئذ ممحّص للمعنى فلا يصلح أن يكون جواباً لـ « أن » ، فإن
كانت « كان » ناقصة كان الضمير اسمها وما بعده خبرها ، وإلاّ كان الضمير فاعلها
وما بعده حالاً عنه إن لم يكن زائداً.
واعلم أنّ للنحويّين في « عسى » أقوالاً
:
منها : أنّها ناقصة داخلة على المبتدأ
والخبر وآنّها لإنشاء الترجّي ، فإنّ مع الفعل خبرها وما قبل ذلك اسمها ، إلاّ
أنّه لا يكون خبرها إلاّ مضارعاً.
قال سيبويه : فالفعل هيهنا بمنزلة الفعل
في « كان » إذا قلت : « كان يقول » ، وهو في موضع اسم منصوب بمنزلته « ثَمَّ » ،
وهو ثَمَّ خَبَرٌ كما أنّه هيهنا خبر ، إلاّ أنّك لا تستعمل الاسم ، فأخلصوا هذه
الحروف ، ـ يعني أفعال المقاربة ـ للأفعال كما خلصت حروف الاستفهام للأفعال ، نحو
« هلاّ » و « ألاّ » .
انتهى.
ومنها : ما ذهب إليه الكوفيّون من أنّها
تامّة بمعنى « قرب » وما بعدها فاعلها ، و « أن مع الفعل » بدل منه ؛ بدل الاشتمال
، فإذا قلت : عسى زيد أن يقوم ، كان بمعنى : قرب قيام زيد.
ومنها : أنّها تامّة إلاّ أنّها بمعنى
قارب و « أن » مع الفعل : مفعوله ، فمعنى المثال : « قارب زيد القيام ».
ومنها : أنّها تامّة بمعنى تهيّأ و « أن
» مع الفعل منصوب المحل بنزع الخافض وهو اللام ، فمعنى المثال : تهيّأ زيدٌ لأن
يقوم.
ومنها : أنّها تامّة بمعنى « قرب » إلاّ
أنّ « ان » مع الفعل منصوب بنزع من ، فالمعنى : عسى زيدٌ من أن يقوم.
ومنها : أنّها ناقصة إلاّ أنّ « أن »
والفعل بدل ممّا قبله وهو قائم مقام الجزئين أعني الاسم والخبر ، كما سدّمسد
المفعولين في قوله تعالى : ( وَلا يَحْسَبَنَّ
الّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيرٌ )
على قراءة « تحسبنّ » بالفوقانيّة ، ولمّا كان يرد على الأوّل من هذه الأقوال أنّه
لو كان « أن » مع الفعل خبراً ، وجب أن يحمل على الاسم وهو ممّا لا يصلح لذلك ،
أوّلوه بوجوه :
منها : أن يقدّر المضاف إمّا قبل الاسم
بأن يكون التقدير : عسى أمر زيد ، أو
__________________
قيل « أن » بأن يكون
التقدير : عسى زيد صاحب القيام ، كما يحتمل الوجهان في قوله تعالى : ( وَلكِنَّ
البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ )
.
ومنها : أنّه من باب : زيد عدل.
ومنها : أنّ « أن » زائدة لا مصدرية ،
وهذا الوجه غلط من وجهين : الأوّل : أنّها لو كانت زائدة لما نصبت ، والثاني :
أنّها لو كانت زائدة لما لزمت ، وعلى القول بالإنشائية فجعل الجملة التي هي صدرها
خبراً لكنتم أو حالاً مبني على التأويل بالخبر ، بأن يكون الخبر أو الحال ما يفهم
منها من الاخبار بأنّهم متوقع منهم ذلك ، فكأنّه قيل : كنتم متوقعاً منكم كذا ، أو
على تقدير نحو : مقولاً في شأنه.
وقد لا تذكر بعد عسى إلاّ أن مع الفعل ،
وحينئذ ففيه أقوال :
منها : أنّ « عسى » تامّة ليس لها إلاّ
فاعل هو أن مع الفعل.
ومنها : أنّها ناقصة وقد تنازعت هي
والفعل في الاسم بعده ، فعلى اختيار البصريين ينبغي أن يقال في التثنية : عسيا أن
يخرج الزيدان ، وعلى اختيار الكوفيين : عسى أن يخرجا الزيدان.
ومنها : أنّها ناقصة و « أن » مع الفعل
سادّ مسدّ الجزءين.
ومنها : أنّها ناقصة والمذكور اسمها ،
وخبرها محذوف أي : عسى أن يقوم زيدان تقع ، أي قارب قيام زيد الوقوع ، وقد جاء بعد
عسى مكان « أن » مع الفعل اسم مفرد في المثل السائر « عسى الغُوَيْرُ أبْوُساً » .
__________________
وفي قوله :
أكْثَرْتَ في العَدْلِ مُلِحّاً
دائماً
|
|
لا تُكْثِرَنْ إنّي عَسَيْتُ صائِماً
|
فقيل إنّهما شاذّان نزل فيهما « عسى »
منزلة « كان ». وقيل : بل الاسم خبر لـ « يكون » أو لـ « كون » مقدّراً ، أي : عسى
الغوير أن يكون أبوُساً ، وعسيت أن أكون صائماً ، وقد يكون المضارع الذي بعدها
عرياً عن « أن » فقيل : إنّ « أن » مقدّرة قبله وإنّما حذفت لقوة الدلالة عليها
وهو قول الكوفيين ، وقيل بل نزل « عسى » منزلة « كاد » كما قد تنزل « كاد » منزلة
« عسى ».
الظرف ، أعني « فيه » إمّا أن يتعلّق ب
« تصنعوا » ولكن يلزم تقديم معمول الصلة على الموصول ، أو يتعلّق ب « عسى » ، أو
حال عن فاعل « عسى ».
وتفصيل ذلك أنّه يحتمل أن يكون بمعنى
الباء وحينئذ أيضاً يتعلّق به.
أو يحتمل أن يكون للتعليل وحينئذ يحتمل
أن يكون متعلّقاً ب « تصنعوا » وبـ « عسى ».
ويحتمل أن يكون للمصاحبة وحينئذ فليس
إلاّ حالاً عن فاعل « عسى » ، والضمير فيه إمّا على الأوّل فالظاهر أنّه راجع إلى
المفزع إن كان اسم مكان ، أو إلى المفهوم منه من المفزع اسم مكان إن كان مصدراً ،
أو إلى « من » المقدّرة أو « أحد » المقدّر ، فإنّ التقدير حينئذ : أعلمتكم إلى من
مفزعاً أو مفزعاً إلى أحد.
ويحتمل أن يرجع إلى المعلم أي الوصية
التي يوصي بها من كون فلان مفزعاً.
__________________
وأمّا على الثاني : فالأمر أيضاً كذلك ،
أي بالموصى له أو بالوصية.
وأمّا على الثالث : فالظاهر رجوعه إلى
الاعلام أي « عسيتم لأجل هذا الاعلام أن تصيروا مثل أصحاب العجل في صنيعهم » إمّا
لأنّه إذا لم يكن إعلام لم تتحقق مخالفة ، وإمّا لأنّه إن أعلم فإنّما يعلم أنّ
المفزع هو علي بن أبي طالب صلوات اللّه وسلامه عليه وقد علم أنّهم يعادونه ، فلو
أعلم أنّه المفزع ازدادت عداوتهم له.
ويحتمل الرجوع إلى المعلم.
وعلى الرابع أيضاً يحتمل إرجاع الضمير
إلى كلّ من « المفزع » ومن « الاعلام ».
« صنيع »
إمّا مفعول مطلق ل « تصنعوا » ، أي « صنيعاً مثل صنيع أهل العجل » وهو الظاهر.
أو مفعول به على أن يريد به معنى اسم
المفعول أي المصنوع ، وعليه أيضاً يكون المراد « مثل صنيع » إمّا بتقدير المثل ،
أو بمجرد العناية.
الإضافة في أهل العجل كما عرفت لابيه
بأدنى ملابسة.
« إذ »
إمّا ظرف متعلّق ب « الصنيع » وإمّا للتعليل لما يفهم من إسناد الصنيع إليهم ،
فإنّ الصنيع كما عرفت يخصّ الفعل القبيح ، فكأنه قيل : إنّهم فعلوا فعلاً قبيحاً
لأنّهم فارقوا هارون.
وإمّا زائدة وما بعدها بيان للصنيع.
« الترك »
مبتدأ وخبره « أودع ».
و
« له » إمّا أن يتعلّق بالترك ، وإمّا ب « أودع
» فإن كان الأوّل وكانت اللام للتقوية فالضمير إنّما يعود على الإعلام ، وإن كانت
اللاّم للتعليل فالضمير عائد إلى مضمون جواب الشرط أي لأجل ما عسى أن يفعلوا كذا
كان الترك أودع ، وحيئنذ فالألف واللاّم في الترك قائم مقام الإضافة ، أي تركه.
وإن كان الثاني كان اللاّم للتعليل أو
لشبه التمليك وهي المسمّاة ب « لام الانتفاع » والضمير على الأوّل عائداً على
مضمون جواب الشرط ، وعلى الثاني عائداً على المفزع ، والمفضل عليه محذوف ، أي أودع
من الإعلام ، واشتمال المفضل عليه على أصل البيعة تقديري موافقاً لرأي المخاطبين ،
أي إن كان في الإعلام بيعة كما تظنّون فالترك أوسع ، كقول أمير المؤمنين صلوات
وسلامه عليه : « لأن أصوم يوماً من شعبان أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ أفْطُرَ يوماً من
شهر رمضان » .
وقوله 7
« اللّهمّ أبدلني بهم خيراً منهم وأبدلْهُمْ بي شَرّاً منّي » .
وكقوله تعالى : ( أَصْحابُ
الجَنَّةِ يَومَئِذ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً )
.
أو يقال : إنّه لم يرد معنى التفضيل
أصلاً ، فإنّ أبا عبيدة وجماعة ذهبوا إلى أنّ أفعل التي أصلها أن يكون للتفضيل ،
قد تخرج إلى معنى فاعل وفعيل من غير ملاحظة معنى التفضيل.
وذهب جماعة إلى أنّها ربّما تكون بمعنى
الصفة المشبهة ، وعن المبرّد أنّ تأويلها باسم الفاعل أو الصفة المشبّهة قياس
مطّرد.
وقال الشاعر : « ملوك عظام من ملوك
أعاظم » .
__________________
وقال آخر : « الاَُْم قوم أصغراً أو
أكبراً » .
وحملوا عليه قوله تعالى : ( وَهُوَ
أَهْوَنُ عَلَيْه )
إذ ليس شيء
أهونُ عَليه من شيء ، وهذه الجملة كما يحتمل أن تكون داخلة في المحكي يحتمل أن
تكون من كلام الحاكي.
المعنى :
فقال النبيّ 6 لو كنت عرَّفتكم شخصاً يكون ملجأً لكم
، وأعلمتكم أحداً أو فلاناً ملجأ ، أو أعلمتكم ملجأً لكم أو التجاء إلى أحدكم
عستيم أو كنتم عسيتم ، أي أتوقع أمركم أن تصنعوا في شأن ذلك الملجأ أو في الفلان ،
أو الأحد ، أو في شأن المعلم أعني الإيصاء والنصب ، أو لأجله ، أو معه ، أو مع ذلك
الملجأ ، أو الفلان ، أو الأحد ، أو بذلك الملجأ ، أو الأحد ، أو الفلان صنيعاً
مثل صنيع عبدة العجل أو ما صنعه عبدة العجل ، أي مثله في زمان مفارقتهم ، أو
لأنّهم فارقوا هارون الذي جعله أخوه موسى خليفة له وجعله مفزعهم وملجأهم ، أو
أتوقّعكم ذوي أن تصنعوا ، أو أتوقعكم نفس أن تصنعوا مبالغة ، أو قاربتم أن تصنعوا
، أو قربتم أن تصنعوا أي قرب صنيعكم ، أو قربتم من أن تصنعوا ، أو تهيّأتم لأن
تصنعوا ، أو أتوقّعكم أن تصنعوا أي أتوقّع أن تصنعوا ، أو ألفيتم حال كونكم كذلك ،
أو إن عرفتكم ، أو أعلمتكم صرتم ، أو ألفيتم كذلك ، أو خالفتم
__________________
لأنّكم كنتم عسيتم ،
وإذا كان كذلك فترك الإعلام أوسع لكم من الإعلام إن فرض فيه سعة أو واسع ، أو فترك
الإعلام لأجل ما قلته أوسع أو فتركه أوسع لأجل ما قلته ، أو أوسع لذلك المفزع.
وحاصل هذه الأبيات الأربعة : أنّهم
سألوا النبي 6 أن ينصّب
خليفة لنفسه يفزعون إليه بعده ، فقال لهم : إنّي أخاف أن تفارقوه وتخالفوا وصيّتي
فيه فترتدّوا عن الدين ، كما خالفت بنو إسرائيل وصيّة موسى صلوات ( الله ) عليه في
أخيه هارون ففارقوه وعبدوا العجل ، فترك الوصيّة ونصب الخليفة أوسع لكم وأنّي الآن
لا يحضرني خبر يصدق هذا المقال ، وإنّما يحضرني ممّا يتضمّن سؤال الأصحاب منه النص
أخبار أذكر عدّة منها :
فمنها
: ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده عن أنس ـ يعني ابن مالكـ قال : قلنا
لسلمان : سل النبيّ مَن وصيّه؟ فقال له سلمان : يا رسول اللّه مَن وصيّك؟ فقال :
يا سلمان من كان وصيّ موسى؟ فقال : يوشع بن نون ، قال : قال : وصيّي ووارثي ومَنْ
يَقضي دَيني وينجز موعدي علي بن أبي طالب .
ومنها
: ما رواه محمد بن جرير الطبري في كتاب « مناقب أهل البيت صلوات اللّه عليهم »
بإسناده عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال :
قلنا يوماً : يا رسول اللّه من الخليفة بعدك حتى نعلمه؟ قال لي : يا سلمان ادخل
عليَّ أبا ذر والمقداد وأبا أيّوب الأنصاري ـ وأُمّ سلمة زوجة النبيّ 6 من وراء الباب ـ ، ثمّ قال لنا :
اشهدوا وافهموا عنّي أنّ علي بن أبي طالب وصيّي ووارثي وقاضي دَيني وعداتي ، وهو
الفاروق بين الحقّ والباطل
__________________
وهو يعسوب المسلمين
( وإمام المتّقين وقائد الغُرّ المحجّلين )
والحامل غداً لواء ربّ العالمين ؛ وهو ووالداه من بعده ؛ ثمّ من وُلدِ الحسين ابني
أئمّة تسعة هداة مهديّون إلى يوم القيامة ؛ أشكو إلى اللّه جحود أُمّتي لأخي (
وتظاهرهم عليه )
وظلمهم له وأخذهم حقّه.
قال : فقلنا : يا رسول اللّه ويكون ذلك؟
قال : نعم يقتل مظلوماً من بعد أن يُملأ غيظاً ويوجد عند ذلك صابراً ، قال : فلمّا
سمعت فاطمة صلوات اللّه عليها أقبلت حتى دخلت من وراء الحجاب وهي باكية فقال لها
رسول اللّه 6 : ما يبكيك
يا بُنيّه؟ قالت : سمعتك تقول في ابن عمّي وولدي ما تقول ، قال : وأنت تُظلمين وعن
حقّك تُدفَعين ؛ وأنتِ أوّل أهل بيتي لحوقاً بي ، بعد أربعين ؛ يا فاطمة أنا سلمٌ
لمن سالمَكِ وَحربٌ لمَنْ حاربَكِ أستودعك اللّه وجبرئيل وصالح المؤمنين ، قال :
قلت : يا رسول اللّه من صالح المؤمنين؟ قال : علي بن أبي طالب.
ومنها : ما حكاه السيد المرتضى علم
الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوى سلام اللّه عليه في شرح البائية التي
للناظم التي أوّلها :
هلاّ وَقَفْتَ على المَكان المعشبِ
|
|
بين الطُّوَيْلِعِ فاللِّوى من
كَبْكَبِ
|
فقال : وروى الثقفي عن مخول بن إبراهيم
، عن عبدالرحمن بن الأسود اليشكري ، عن محمد بن عبيد اللّه ، عن محمد بن أبي بكر ،
عن سلمان الفارسي ;
، قال : سألت رسول اللّه 6
: مَن وصيّك من أُمّتك فإنّه لم يُبعث نبيّ إلاّ كان له وصيّ من أُمّته؟ فقال 6 : لم يبيّن لي بعدُ ، فمكثتُ ما شاء
اللّه أن أمكث ثم دخلت
__________________
المسجد ، فناداني
رسول اللّه 6 فقال : يا
سلمان سألتني مَنْ وصيّي من أُمّتي فهل تدري من كان وصيّ موسى من أُمّته؟ فقلت :
كان وصيّه يوشع بن نون فتاه ، فقال : فهل تدري لِمَ كان أوصى إليه؟ قلت : اللّه ورسوله
أعلم ، قال : أوصى إليه لأنّه كان أعلم أُمّته بعده ، ووصيّي هو أعلم أُمّتي بعدي
: عليّ بن أبي طالب .
ومنها
: ما رواه أخطب خطباء خوارزم في مناقبه عن أنس عن سلمان ، قال : قلت : يا رسول
اللّه عمّن نأخذ بعدك وبمن نثق؟ قال : فسكت عنّي حتى سألت عشراً ، ثمّ قال : يا
سلمان إنّ وصيّي وخليفتي وأخي ووزيري وخير من أُخلفه بعدي علي بن أبي طالب ، يؤدّي
عنّي وينجز موعدي .
ومنها : ما رواه عن ابن مسعود ، قال :
كنت مع رسول اللّه 6
وقد أصحر فتنفّس الصعداء ، فقلت : يا رسول اللّه ما لك تتنفّس؟ قال : يا ابن مسعود
نعيت إليَّ نفسي ، قلت : استخلف يا رسول اللّه قال : من؟ قلت : أبا بكر ، فسكت ثمّ
تنفّس ، فقلت : ما لي أراك تتنفّس يا رسول اللّه؟ قال : نعيت إليَّ نفسي ، فقلت :
أستخلف يا رسول اللّه؟ قال : من؟ قلت : عمر بن الخطّاب ، فسكت ثمّ تنفّس ، فقلت :
مالي أراك تتنفّس يا رسول اللّه قال : نعيت إليّ نفسي ، فقلت : يا رسول اللّه
استخلف قال : من؟ قلت : علي بن أبي طالب ، قال : اوه لن تفعلوه إذاً أبداً ،
واللّه لئن فعلتموه ليدخلنّكم الجنّة .
ومنها
: ما ذكّرت به أُمّ سلمة رضي اللّه عنها عائشة ، فقالت : أتذكرين مرض رسول اللّه 6 الذي قبض فيه فأتاه أبوكِ يعوده ومعه
عمر ، وقد كان عليّ يتعاهد ثوب رسول اللّه 6
ونعله وخفّه ويصلح ما وَهيَ منها ، فدخل قبل ذلك فأخذ
__________________
نعل رسول اللّه 6 يخصفها ـ وكانت حضرميةـ وجلس خلف الباب
، فاستأذنا عليه فأذن لهما فقالا : يا رسول اللّه كيف أصبحت؟ قال : أصبحت أحمد
اللّه ، قالا : ما بدّ من الموت ، قال : أجل لابدّ منه ، قالا : يا رسول اللّه فهل
استخلفت أحداً؟ فقال : ما خليفتي فيكم إلاّ خاصف النعل ، فخرجا فمرّا بعلي بن أبي
طالب 7 وهو يخصف
نعل رسول اللّه 6.
ومنها
: ما رواه الفقيه ابن المغازلي بإسناده عن حارثة بن زيد أنّه قال : شهدت مع عمر بن
الخطاب حجّته في خلافته فسمعته يقول : اللّهم إنك تعلم محبّتي لنبيّك وكنت مطلعه
من سرّك ممّا صدّقناه عنك اللّهم فحبّبني إلى وصيّه وصاحب سرّه ، فلمّا رآني أمسك
وحفظتُ الكلام منه ، فلمّا انقضى الحج ّوانصرفنا إلى المدينة تعمّدتُ الخلوة به ،
فرأيته يوماً على راحلته يسير وحده فقلت له : يا أمير المؤمنين بالذي هو أقرب إليك
من حبل الوريد إلاّ أخبرتني عمّا أُريد أن أسالك ، فقال : سل عمّا شئت ، فقلت له :
سمعتك يوم كذا تقول كذا وكذا فكأنّما فتّ في وجهه الزمان ، فقلت : فو الّذي
استنقذني من الجهالة وأدخلني الإسلام ما أردت بما سألتك عنه إلاّ اللّه وحده لا شريك
له ، فضحك.
وقال : يا حارثة دخلت على رسول اللّه
وقد اشتدّ وجعه وأحببت الخلوة به وكان عنده الفضل بن العباس ، فجلستُ حتّى نهض وبين رسول اللّه ما
أردت فالتفت إليّ وقال : يا عمر أردت أن تسألني لمَن يصير هذا الأمر بعدي؟ قلت :
نعم يا رسول اللّه.
فقال : هذا وصيّي من بعدي وهو خليفتي
وكاتم سرّي ؛ مَن أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى اللّه
عزّوجلّ ، ألا
__________________
ومبغضه مبغضي ومبغضي
مبغض اللّه ، يا علي والى اللّه من والاك وخذل من يخذلك.
ثمّ علا بكاؤه وانهملت عبرته فجعلت
آخذها بيدي وهي تنحدر على لحيته وعلى خدّه 7
، وأنا أمسح بيدي وجهه.
ثمّ التفت إليّ وقال : يا عمر إذا نكث
الناكثون وقسط القاسطون ومرق المارقون قام هذا مقامي حتى يفتح اللّه عليه وهو خير
الفاتحين.
قال حارثة : فتعاظمني ذلك فقلت : يا عمر
فقد تقدّمتموه وقد سمعت هذا من رسول اللّه 6!
فقال : يا حارثة بأمر كان ذلك ، قلت :
بأمر رسول اللّه أو بأمر علي؟ قال : بأمر علي .
وشيء من هذه الأخبار كما ترى لا يتضمّن
ردّ رسول اللّه 6
لهم عمّا سألوه إلاّ في الثالث ، وهو إنّما تضمّن أنّه لم يبيّن له بعد ، وفي
الخامس إنّما كان السائل ابن مسعود لا غير ، وإنّما تضمّن أنّهم لا يقبلونه ولكن
الناظم ; أعْرَف بما
قال وأعرف بالأخبار لكونه في زمن الأئمّة الأطهار صلوات اللّه عليهم.
ويحتمل أن يكون أراد بالقول الذي نسبه
إليه 6 القول
الباطني أو التقديري ، أي أحجم عن جوابهم لمّا خاف عليهم من أن يخالفوا النص
فيكفروا.
واستعمال القول بمعنى ما في النفس كثير
، يقال : في نفسي قول لم أظهره ، قال جلّ ذكره : ( وَيَقُولُونَ فِي
أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنا اللّهُ )
وعلى هذا
فتصدّقه أخبار
__________________
غدير خم كما ستقف
عليها إن شاء اللّه.
فإن قال قائل : كيف جاز ردّهم عمّا
سألوه وإخفاء هذا الأصل الأصيل من أُصول الدين مع ما تضافرت النصوص على التهديد
على كتمان الشهادة وإخفاء العلم ، قال تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللّهِ )
ثمّ أيّ فائدة في هذا الإخفاء؟ مع أنّ معرفة الإمام واجبة على كلّ مكلّف وأنّ من
لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة ؛ وقد نطقت النصوص المتضافرة باختلاف ألفاظها
بذلك ، فالكفر لازم لهم على تقديري الإعلام وعدمه.
قلنا
: أمّا الجواب عن الأوّل ، فهو أنّه لا يخلو إمّا أن يكون المراد ب « لو » معناها
الحقيقي ، أو معنى « إن ».
فإن كان الأوّل لم يكن يزيد على أنّه
أخبر بأنّه لو أعلمهم ذلك كان يتوقّع منهم الإنكار فيكون مقابله لعناً بهم إيّاه
بعتابه إيّاهم ، فإنّ المفهوم من قولهم كما عرفت ، عتابه 6 على تركه إعلامهم ، فعاتبهم بأنّه لو
أعلمهم لما نفع فيهم بل أضرّ بهم.
وإن كان الثاني لم يكن يزيد على أنّه
أخبر بأنّه يتوقّع منهم الإنكار ، وفيه تهديد لهم ونصيحة بليغة.
وأمّا الإعلام فهو عنه ساكت لا رادّله ،
وسكوته إنّما كان لخوفه على نفسه ووصيّه وعليهم كما تصرّح به أخبار غدير خم كما
ستطّلع عليه إن شاء اللّه ، على أنّه أعلمهم في ضمن هذا الكلام أبلغ إعلام وأكّد
الأمر فيه عليهم أوثق تأكيد كما سيشير إليه الناظم ;
، وليس هذا السكوت من قبيل كتمان الشهادة أو العلم بالنسبة إليه 6 فإنّه كان واثقاً بحياته عالماً بأنّ
اللّه سبحانه سيوفّقه لهذا الأمر
__________________
ويرفع عنه الموانع ،
ومعرفة الوصيّ لم تكن من الواجبات المضيّقة التي لا يجوز تأخيرها بالنسبة إلى
الصحابة ، بل إنّما كان عليهم أن يعرفوه بعد النبيّ 6
فلم يكن إعلامهم أيضاً واجباً مضيّقاً ، فإذا انضافت إلى ذلك موانع ربّما تحرمه لم
يكن بالتأخير من الناس شيء ولو سلّم أنّه من قبيل كتمان الشهادة والعلم ، إلاّ
أنّه إنّما يحرّم إذا لم يكن ما يوجبه ، ولقد كان من الموانع ما يحتّمه عليه 6.
وأمّا الجواب عن الثاني : فيظهر من
الجواب عن الأوّل فإنّه إذا لم يكن إلاّ مجرّد إخبار وعتاب وسكوت عن الإعلام
لمصلحة لم تكن فيه دلالة على أنّهم على تقدير عدم الإعلام لم يكن عليهم شيء في عدم
عرفانهم إمام زمانهم إلاّ ظاهر قوله : فالترك له أودع ، وهو كما عرفت يحتمل أن
يكون من كلام الناظم فيسهل الأمر ، ومع ذلك فيحتمل أن يكون ذلك مقولاً على لسان
حالهم فإنّهم إذا كانوا بحيث يخالفون المنصوص عليه فيهم في سعة من ذلك بزعمهم فإذا
لم ينص ، كان أوسع لهم البتة.
وأيضاً فلا شبهة في أنّ إنكار الإمام مع
النصّ أقبح والعذاب المستحق به أشدّ من إنكاره بدونه ، على أنّه لا شبهة في أنّه
على تقدير عدم النص لم يكن إمام لتكون مخالفته كفراً ، فقد صحّ أنّ الترك أودع لكن
على فرض جوازه. وإن كان المفروض محالاً فكأنّه قيل : إنّه لو جاز ترك الوصاية ولم
يوجبها اللّه إيجاباً حتمياً كان أودع لكم.
وأيضاً يجوز أن يكون 6 ربّما جوّز أن يموت بعض الصحابة في
حياته فلا تكون معرفة الإمام بعده واجبة عليه ، ولو نص لم يذعن وكفر ، فترك النصّ
بالنسبة إليه أودع.
وأيضاً يجوز أن يكون المراد أنّه أودع
لهم في الدنيا ، فإنّه حينئذ لم يكن لهم منازع ولم يعاتبوا على مخالفة الوصي ولم
ينكر عليهم في ذلك.
وأيضاً يجوز أن يكون المراد أنّه أودع
للوصي إذ لا تقوى فيهم عداوته ولم يخف من غوائلهم ، سواء أرجع العائد في له إليه
أو إلى غيره.
وأيضاً يجوز أن يكون أنّه أودع للنبي 6 فإنّه حينئذ لا يكذب ولا يخالف وصيّه
وابن عمّه.
وأيضاً فإنّهم لمّا كانوا ممّن لا ينفع
فيهم الإعلام ، بل كانوا ينكرون النصّ ويرتدّون لم يكن للإعلام فائدة بالنسبة
إليهم إلاّ إتمام الحجّة ، ولا شكّ أنّ عدمه أوسع لهم.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: للتعبير ب « لو » إن أُريد بها معنى « أن » وجوه :
منها : موافقة كلام السائلين.
ومنها : الدلالة على أنّه من الصعوبة
وكثرة الموانع منه بمنزلة الممتنع.
ومنها : الدلالة على أنّهم غير لائقين
به لأنّه لا ينفعهم.
ومنها : الدلالة على أنّه لمّا لم يكن
ممّا ينفعهم ولم يكونوا عاملين بمقتضاه ، كان بمنزلة الممتنع ، فإنّ العلم كثيراً
ما ينزل منزلة الجهل ؛ لعدم العمل بمقتضاه ، قال اللّه عزّ قائلاً : ( وَلَقَدْ
عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ مالَهُ فِي الآخِرَة مِنْ خَلاق وَلَبِئْسَ ما شَرَوا
بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) .
ومنها : التوجيه.
__________________
ومنها : موافقة زعمهم بأحد الوجوه التي
عرفتها في قولهم.
الثانية
: في التعبير بالماضي إن أُريد معنى « أن » ؛ وجوه :
منها : الأوّلان والأخير ممّا مرّت في
تعبيرهم بالماضي.
ومنها : المبالغة في إنكارهم بتخييل
أنّه قد حصل الإعلام وخالفوا.
ومنها : إظهار صعوبة في الغاية حتى
كأنّه يُسلّي نفسه ؛ بأنّ الزمان اللائق به إنّما هو الماضي وقد مضى فلا حاجة إليه
بعد.
ومنها : أنّ جزاء هذا الشرط لمّا كان
غاية في الكراهة وأراد المتكلّم توطين النفس عليه ، أبرزه في صورة الواقع لتتسرّع
في التهيّؤ له ، أو ليسلّي نفسه بأنّه كأنّه قد وقع وانقضى ، نظير ما عرفته في
قوله : إِذا توفيت.
الثالثة
: في التعبير عن التعريف بالإعلام ، وجوه :
منها : التوجيه.
ومنها : الإشارة إلى أنّ معرفته من
الظهور والوضوح ليس ممّا يفتقر إلى تفكّر وتدبّر ، لما عرفت أنّ المعرفة هو إدراك
الشيء ، بتفكّر.
ومنها : التنبّه على أنّ العلم به ليس
ممّا يحصل لهم بعد أن لم يكن ، أو بعد أن غفلوا ونسوا ، فإنّه تكرّرت عليه النصوص
الواضحة التي لا تبقي لسامعها شكّاً إن ( كانَ لَهُ قَلْبٌ
أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهيدٌ )
.
ومنها : أنّك قد عرفت أنّه قيل : إنّ
المعرفة تخصّ البسيط ، أي العلم التصوّري وهذه المعرفة تتضمّن العلم بالمركّب ، أي
العلم التصديقي ، وهو المقصود ، فإنّ تصوّر المفزع من حيث هو لا جدوى فيهم ،
وإنّما يجديهم العلم فإنّ فلاناً مفزع.
__________________
ومنها : التوجيه ، لا يقال : إنّ
التوجيه حاصل على تقدير التعبير بالتعريف أيضاً ، فإنّه كما جاء الإعلام بمعنى
التعريف جاء العكس ؛ لأنّا نقول : وإن كان الأمر كذلك إلاّ أنّه لما لم يكن له في
اللفظ إلاّ مفعول واحد لم يكن داع إلى حمل التعريف على الإعلام ، بل كان حمله على
معناه الحقيقي متعيّناً.
الرابعة
: في حذف أحد مفعولي الإعلام إن لم يكن بمعنى التعريف ؛ وجوه :
منها : الإيجاز.
ومنها : التوجيه في الإعلام وفي المفزع
؛ من جهتين :
إحداهما احتماله المصدريّة والمكانية ،
وأُخراهما احتماله كونه أوّل المفعولين أو ثانيهما.
ومنها : أنّ المقصود بالذات إنّما هو
هذا المفعول.
ومنها : تعظيم المحذوف.
ومنها : المبالغة في إبهامه.
ومنها : المبالغة في تعميمه زيادة في
تقرّبهم ، حتى أنّه إن أوصى إلى أيّ رجل فرض ، فهم بصدد مخالفته ومفارقته.
الخامسة
: تنكير « مفزعاً ».
أمّا إن كان مفعولاً ثانياً ، فلأنّه
الأصل لأنّه مخبر به وفي الأصل خبر المبتدأ ، وخصوصاً إذا قدّر المفعول الأوّل
منكراً فإنّه يصحّ أن يكون المخبر عنه نكرة والمخبر به معرفة.
وأمّا إن كان مفعولاً أوّل ، فللتعظيم
والإبهام ، ويشمل التقديرين رعاية الوزن.
السادسة
: زيادة قوله : « كنتم ».
أمّا إن كان المراد به المعنى الأصلي ،
فللمبالغة في إفادة المعنى كما عرفت سابقاً خصوصاً والجزاء لفظ « عسى » وهو قد
يجرّد عن إفادة المضيّ ، وهذا الجزاء ان يبالغ في مضيّه ، للدلالة على أنّ هذا
التوقع بالنسبة إليهم لم يكن ممّا حدث الآن أو سيحدث ، بل كان النبي 6 أبداً متوقّعاً منهم ذلك ، وأيضاً لأنّ
« عسى » إنشاء للترجّي فهو بنفسه لا يصلح جزاء إلاّبتأويل ، فأتى ب « كنتم »
توصّلاً إلى جعله جزاء أو دلالة على أنّه لا يراد به المعنى الإنشائي ؛ لوقوعه
خبراً ل « كان » ، فإنّه لا يقع خبراً له إلاّ بتأويله بالمعنى الخبري ، فكأنّه
قيل : « كنتم مقولاً في شأنكم كذا » أو « متوقّعاً منكم كذا ».
وأمّا إن كان المراد به معنى صرتم ،
فالإتيان به للتوصّل المذكور ، والتعبير بهذا اللفظ للتوجيه والمبالغة في إفادة
المضي ، فإنّ المتبادر من هذا اللفظ هو المضي ، وإن كان بمعنى « صار » حكمه حكمه ، وكذا الحكم
إذا كان تامّاً بمعنى « وجد » ثمّ في الإتيان ب « كنتم » على كلّ : التوجيه.
السابعة
: في تقديم الظرف أعني « فيه » على متعلّقه إن تعلّق ب « تصنعوا » ؛ وجوه :
منها : رعاية الوزن والقافية.
ومنها : التوجيه.
ومنها : تقريب الضمير من مرجعه لا سيّما
إذا لم يكن مرجعه هو المذكور ، لأنّه أحوج إلى التقريب.
الثامنة
: في التعبير عن معنى التعليل ، أو معنى الباء ب « في » ، مبالغة في العليّة أو
الإلصاق كما لا يخفى ، وتوجيه من جهتين : إحداهما من جهة لفظة « في » والأُخرى من
جهة محل الظرف.
__________________
التاسعة
: في التعبير عن عبدة العِجل بأهل العجل ، ما لا يخفى من المبالغة في إصرارهم على
عبادته ورسوخها في قلوبهم كما قال جلّ من قائل : ( وأُشْرِبُوا في
قُلُوبِهِمُ العِجْلَ )
.
العاشرة
: في إبهام صنيع أهل العجل ثمّ إيضاحه بقوله : « فارقوا » إن كانت « إذ » زائدة ،
أو للتعليل ، أو مجرّد الإبهام إن كانت ظرفية إشارة إلى تعظيمه في الفظاعة
والشناعة. الحادية
عشرة : العدول عن تركه إلى الترك له ،
للتوجيه والوزن.
الثانية
عشرة : تقديم الظرف ، أعني « له » على عامله
إن كان متعلّقاً ب « أودع » للوزن والقافية والتوجيه وتقريب الضمير من مرجعه.
الثالثة
عشرة : التعبير عن معنى اسم الفاعل باسم
التفضيل إن أُريد ب « أودع » معنى « وادع » للدلالة على اشتماله على فضل يسعه أي
ليس ضعيفاً في السعة بل له فيها قوّة وفضل.
الرابعة
عشرة : ترك المفضل عليه للاحتراز عن العبث
في الظاهر ، لأنّ القرينة جليّة جدّاً وللتوجيه.
البيان :
إن أُريد ب « لو » معنى « إن » كانت
استعارة تبعيّة ، وكذا الماضيان اللّذان هما الشرط والجزاء ، وإن كان المراد ب « عسيتم
» متوقّعاً منكم ، كان مجازاً ، ولفظة « في » أيضاً استعارة تبعيّة إن أُريد بها
التعليل أو الإلصاق ، والأهل استعارة مصرّحة ؛ لأنّهم شبّهوا في اجتماعهم على
عبادة العجل وآشتراكهم بما بين أهل بيت واحد من الاجتماع والاشتراك.
__________________
[ ١٣ ]
وفي الّذِي قالَ بَيانٌ لِمَنْ
|
|
كانَ إذا يَعْْقِلُ أوْ يَسْمَعُ
|
اللغة :
« الواو »
: إمّا للعطف أو الحال أو الاعتراض ، أو للاستئناف البياني.
« في »
: إمّا للظرفية المجازيّة ، وإمّا بمعنى الباء للسببية كما قيل في قوله تعالى (
يَذْرَؤكُمْ فِيهِ )
.
وإمّا بمعنى « من » التي للتبعيض كما
قيل في قوله :
ألا عِم صَباحاً أيُّها الطَّللُ
البالي
|
|
وهل يَعِمَن مَنْ كان أحدَث عهده
|
وَهَلْ يَعمَن مَنْ كان في العُصُر
الخالي
|
|
ثلاثين شَهراً في ثلاثة أحوالِ
|
ومن نفى كون « في » بمعنى « من » قال
المعنى في عقب ثلاثة أحوال.
__________________
والحقّ أن « في » فيه بمعناها الحقيقي
من غير شائبة ، تجوز إلاّ في ظرفية الكل للجزء ، ومن غير أن يلزم تكلّف أو خروج عن
الظاهر.
وإمّا زائدة للتوكيد على ما أجازه
الفارسي في الضرورة وأنشد :
أنا أبو سَعد إذا الليلُ دَجَا
|
|
يَخالُ في سوادِهِ يَرَنْدَجا
|
وأجازة بعضهم في قوله تعالى : ( وَقالَ
ارْكَبُوا فِيها )
.
« الذي »
: من الموصولات الاسمية ، أي الأسماء التي لا يصحّ الإخبار عنها أو بها إلاّ إذا
اتّصل بها جملة ، وتسمّى تلك الجملة صلة لها.
والجمهور على أنّها لا تكون إلاّخبرية.
وأجاز الكسائي كونها أمرية أو نهية.
والمازني : أن تكون دعائية لفظها خبر ،
نحو : الذي يرحمه اللّه زيد.
وهشام : أن تكون مصدرة بـ « ليت » أو
لعلّ » أو « عسى ».
ثمّ المشهور أنّها لا تكون تعجبيّة وإن
كانت خبراً. ومن النحاة من أجازه وهو مذهب ابن خروف .
وذهب جماعة إلى أنّها لا تكون قسمية.
وأجازه آخرون إن كان في إحدى جملتي القسم وجوابه عائد إلى الموصول.
__________________
وكذا اختلفوا في الشرطية ، فمنعه قوم
وأجازه آخرون إن كان في إحدى الجملتين عائد.
وفي الإفصاح : أنّ الوصل بـ « نعم » و «
بئس » و « جملة الشرط والجزاء » جائز باتّفاق.
وذهب الفارسي إلى أنّه لا يوصل ب « نعم
» و « بئس » إذا كان فاعلهما ضميراً بخلاف ما فيه الأقوال.
والحقّ أنّ كلّ ما أُريد به الإنشاء لا
يجوز أن يقع صلة ، فإن وقع فلابدّمن التأويل إلى الخبر وكلّ ما يكون خبراً يصحّ أن
يكون صلة فلا وجه للمنع في الشرط والجزاء.
وقد اشترط بعضهم فيها أن لا تكون
مستدعية لفظاً قبل الموصول ، فلا يجوز نحو : جاءني الذي حتى أبوه قائم ، ولا مررتُ
بالّذي لكنّه منطلق ، ولا : مررت بالّذي إذن ينطلق ، والأمر عندي كذلك.
ثمّ إنّ الوصل بجملة مصدّرة ب « كان »
جائز ، إذ لا مانع منه ، وقيل : الأحسن تركه لأنّها غيّرت مقتضى الجملة ، كما
غيّرت « ليت » و « لعل ».
قال نجم الأئمة رضوان اللّه عليه :
إنّما وجب كون الصلة جملة ، لأنّ وضع الموصول على أن يطلقه المتكلّم على ما يعتقد
أنّ المخاطب يعرفه بكونه محكوماً عليه بحكم معلوم الحصول له ، إمّا مستمراً ، نحو
: باسم الذي يبقى ويفنى كلّ شيء ، أو : الذي هو باق ، أو في أحد الأزمنة ، نحو :
الذي ضربني ، أو أضربه ، أو الذي هو ضارب ، أو يكون متعلّقه محكوماً عليه بحكم
معلوم الحصول له مستمراً ، أو في أحد الأزمنة ، نحو : اللّه الذي يبقى ملكه ، أو :
ملكه باق. وزيد الذي ضرب غلامه ، أو غلامه ضارب. أو يعتقد أنّ المخاطب يعرفه بكونه
أو كون سببه حكماً على شيء : دائماً أو في بعض الأزمنة ، نحو : الذي أخوك هو ، أو
الذي أخوك غلامه ،
أو الذي مضروبك هو ،
أو غلامه.
ثمّ قال : فهذا يصلح دليلاً على أشياء :
أوّلها : أنّ الموصولات معارف وضعاً.
وثانيها : أنّ الصلة ينبغي أن تكون
معلومة للسامع في اعتقاد المتكلّم قبل ذكر الموصول.
وثالثها : أنّ الصلة ينبغي أن تكون
جملة.
وخامسها : أنّه لابدّ في الصلة من ضمير عائد .
وبسط الكلام في كلّ من هذه الأُمور
الخمسة مما لا يليق بهذا الكتاب. ثمّ إنّ لزوم العائد في الصلة ممّا لا خلاف فيه.
والمشهور أنّه لا يكون إلاّ ضميراً ، وقد سمع ما ظاهره أنّ العائد ظاهر هو عين
الموصول ، نحو قوله : وأنت الذي في رحمة اللّه أطمع ، وقيل : أبو سعيد الذي رويت
عن الخدري ، والحجاج الذي رأيت ابن يوسف.
فمن النحاة من أبقاه على الظاهر وعمّم
العائد للمضمر والمظهر.
ومنهم من يقدّر الضمير ويجعل الظاهر
بدلاً منه.
ثمّ الضمير العائد إمّا أن يكون مرفوعاً
أو منصوباً أو مجروراً ، فإن كان مرفوعاً لم يجز حذفه إلاّ إذا كان مبتدأً ،
فالبصريّون على أنّه إن كان في صلة أي جاز حذفه بلا شرط كقوله تعالى : ( أَيُّهُمْ
أَشَدُّ عَلى الرَّحْمنِ عِتِيّاً )
وقوله : «
فسلم على أيّهم أفضل » وإلاّ كان الحذف مشروطاً باستطالة الصلة كقوله تعالى : ( وَهُوَ
الّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلهٌ )
والكوفيّون يجوّزون الحذف مطلقاً كما قرئ في
__________________
الشواذ على الذي
أحسن.
وإن كان منصوباً ؛ فإنّ كان مفعولاً
متّصلاً ، جاز حذفه وإلاّ لم يجز.
وإن كان مجروراً ؛ فإن كان جرّه بإضافة
اسم ناصب له تقديراً أو بحرف جرّ متعيّن يعلم عند الحذف ، جاز حذفه ، وقد يحذف مع
الحرف الغير المتعين ، نحو : الذي مررت زيد ، لجواز أن يكون المراد « به » و « معه
» و « له ».
فذهب الكسائي فيه إلى التدريج في الحذف
بأن يكون قد حذف الجار أوّلاً ووصل الضمير بالفعل ونصب به ثمّ حذف لكونه منصوباً.
وذهب سيبويه والأخفش إلى أنّهما حذفا
معاً لأنّ حذف الجار ليس قياسياً في كلّ موضع.
وأجاز الفارسي خلو ّالصلة عن العائد إذا
عطفت عليها بالفاء جملة فيها ضمير الموصول نحو : الذي يطير الذباب فيغضب زيد .
وأجاز الكوفيّون والبغداديّون وابن مالك
؛ أن يتبع الموصول باسم معرف أو ب « مثلك » فيستغني عن الصلة نحو : ضربتُ الذي
أخوكَ ، وضربت الذي مثلك.
وقد تحذف الصلة لدلالة صلة أُخرى عليها
، كقوله :
وعند الذي واللاّت عندك إحنة
|
|
عليك فلا يغررك كيد العوائد
|
أي الذي عادك ، أو دلالة غيرها عليها ،
كقوله :
نَحنُ الأُولى فَاجْمَعْ جُمو
|
|
عَكَ ثُمَّ وَجّهْهُمْ إِلَيْنا
|
__________________
أي نحن الأُولى عرفوا. بالشجاعة
وقوله :
بَعْدَ اللّتَيّا واللّتَيّا والّتي
|
|
إذا عَلَيْها أنفُسٌ تَرَدَّتِ
|
فقيل : إنّ الجملة الشرطية صلة الأخير
وصلة الأوّلين محذوفة من جنس المذكورة.
وقيل : التقدير اللّتيّا دقت وآللّتيّا
دقت ، لدلالة التصغير عليه.
وقيل : بل يقدر : عظمت فيها ، لأنّ
التصغير فيهما للتعظيم.
وقيل : إنّ « التي » إذا كانت عبارة عن
الذاهبة لم يحتج إلى صلة وهنا كذلك.
هذا وإنّما أخّرنا هذه الجملة من أحكام
الموصولات إلى هذا المقام ولم نقدّمها في البيت السادس ، لأنّ لفظ « الذي » أوّل
ما يذكره القوم في تعداد الموصولات لتعيينه للمفرد المذكر ، ولأنّه متعيّن
للموصولية لا يحتمل غيرها إلاّ في شواذ المذاهب كما ستطّلع عليه.
ثمّ إنّ « الذي » وزنه عند البصريّين «
فعل » وأصله « لذي ».
وقال الكوفيون : أصله الذال الساكنة
وحدها ، لما أُريد أن يدخل عليها الألف واللام وكان يلزم اجتماع اللام والذال
الساكنين زادوا قبلها « لاماً » متحرّكة ، ثمّ كسروا الذال وأشبعوا كسرتها بالياء.
وذهب الفرّاء إلى أنّ أصله « ذا » اسم
إشارة.
والسهل إلى أن أصله « ذو » بمعنى صاحب.
ثمّ إنّ اللّغة الفُصحى فيه ، سكون
الياء وقد تشدّد ، وحينئذ فذهب
__________________
« الجرولي » إلى
إعرابه ك « أي » ، وقيل تبنى على الكسر.
وحكى الزمخشري بناءه على الضمّ ، وقيل :
يجوز البناء على الكسر والاعراب ، وقد تحذف الياء مع إبقاء الذال على الكسر ومع
إسكانها ووضعه للمفرد المذكّر من ذوي العلم وغيرهم.
وحكي عن بعضهم أنّه جاء بمعنى الرجل.
وزعم يونس والفرّاء وتبعهما ابن مالك
أنّه يسبك منه ومن صلته مصدر ، وخرجوا عليه قوله تعالى : ( ذلِكَ
الّذِي يُبَشِّر اللّه عِبادَهُ )
وقوله ( خُضْتُمْ
كَالّذِي خاضُوا )
.
« بان »
الشيء بياناً : اتّضح فهو بيّن. والبيان : الفصاحة واللسن ، يقال : فلان أبيَن من
فلان ، أي أفصح ؛ والبيان أيضاً ما يتبيّن به الشيء من الدلالة وغيرها. ويقال لكلّ
كلام أو الواضح منه : بيان ، وفي الحديث : « إنّ من البيان لسحراً » .
« اللاّم »
لتقوية العامل أو للاختصاص أو للانتفاع.
أو بمعنى عندكما في قولهم « كتبته لخمس
خلون » وفي قوله تعالى : ( بَلْ كَذَّبُوا
بِالحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ )
على قراءة
الجحدري بكسر اللام وتخفيف الميم على ما قاله ابن جنّي.
أو للتبليغ بتضمين البيان معنى القول ،
أو تنزيله منزلته.
« من »
موصولة بمعنى « الذي » أو « الذين » أو موصوفة.
__________________
« كان »
إمّا ناقصة أو تامّة.
« إذا »
إمّا شرطية أو ظرفية محضة.
« يعقل
» يجوز أن يقرأ على صيغة الغائب المبني للفاعل ، وآن يُقرأ على صيغة الغائب المبني
للمفعول ، وأن يقرأ على صيغة المخاطب المبني للفاعل ، وكذلك « يسمع ».
والعقل في الأصل الإمساك والاستمساك ،
كعقل البعير وعقل الدواء البطن ، وعقل المرأة شعرها ، ومنه قيل للحصن : معقل.
ثمّ سميت القوّة المدركة للكلّيات :
عقلاً ، لعقلها صاحبها عن القبائح ، كما سميت نهية لنهيها صاحبها عن القبائح ،
وسمّي إدراكها أيضاً عقلاً ، يقال : عقلتُ الشيء ، أي فهمته.
وربّما خُصّ : بالعلم بصفات الأشياء من
الحسن والقبح والكمال والنقصان.
وربّما خصّ : بالعلم بخير الخيرين وشرّ
الشرّين.
وتسمّى القوّة : عقلاً مطبوعاً ، وإدراكها
: عقلاً مسموعاً ؛ قال أمير المؤمنين صلوات اللّه وسلامه عليه :
العقل عقلان
|
|
مطبوع ، ومسموع
|
فلا ينفع مسموع
|
|
إذالم يكن مطبوع
|
كما لا ينفع ضوء الشمس
|
|
وضوء العين ممنوع
|
« أو » حرف عطف لها معان كثيرة.
فمنها
: أن تكون للشك في ثبوت الحكم لأحد الأمرين.
__________________
ومنها : معنى الواو ، أي تشريك المعطوف
والمعطوف عليه في الحكم قاله الكوفيّون والجرمي ، واحتجّوا بقوله تعالى : ( مائة
أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ )
، ويقول
جرير :
جاَء الخِلافَة أوْ كانت لَه قَدَرا
|
|
كما أتَى رَبَّهُ مُوسى علَى قَدَرِ
|
وقال ابن هشام : والذي رأيته في ديوان
جرير : « إذ كانت »
ويقول توبة.
وقد زعمت ليلى بأنّي فاجر
|
|
لنفسي تقاها أو عليها فجورها
|
ويقول آخر :
إنَّ بها أَكْتَلَ أو رِزاماً
|
|
خُوَيْرِيَيْنِ يَنْقِفانِ إِلهاما
|
حيث لم يقل « خُوَيْربا ».
ولا يقال زيد و عمرو لصّان ، إلاّإذا كانت « أو » بمعنى
» الواو » ، ونحو ذلك من الشواهد.
وأجاب غيرهم عنها بأجوبة مذكورة في
مواضعها.
ومنها : الاضراب ك « بل » ، واشترط
سيبويه لمجيئها بهذا المعنى شرطين : الأوّل : تقدّم نفي أو نهي ، والثاني : إعادة
العامل نحو : ما قام زيد أو ما قام عمرو ، أو لا يقم زيد و لا يقم عمرو. ولم يشترطهما الكوفيّون
وابن جنّي والفارسي
__________________
فأثبتوه مطلقاً ،
لقوله :
ماذا تَرى في عِيال قَدْ بَرِمْتُ
بِهِمْ
|
|
لم أُحْصِ عِدّتَهُمْ إلاّ بِعَدّادِ
|
كانُوا ثمانينَ أوْ زادوا ثَمانية
لوَلا
|
|
رِجاؤُك قَدْ قَتَلْتُ أولادي
|
وقوله تعالى : ( أَوَ
كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَريقٌ مِنْهُمْ )
على قراءة أبي السّمال ، بسكون الواو ، وعلى هذا المعنى حمل بعضهم ، « أو » في
قوله تعالى : ( مِائَةُ أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ ).
ومنها : التقسيم ، كقوله تعالى : ( إِنْ
يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً )
( وَقالُوا
كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى )
.
وكقولهم : الكلمة اسم أو فعل أو حرف.
« السمع »
: قوّة مودعة في الصماخ يدرك بها الأصوات وإدراكها كالسماع ، فمن الأوّل : ( خَتَمَ
اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ )
ومن الثاني : ( إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ) .
وربّما أُطلق على الأُذن.
وقد جاء بمعنى الفهم ، وبمعنى الطاعة
لتسبّبهما عن السماع ، قال عزّ قائلاً : ( وَلا تَكُونُوا
كَالّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ )
وقال : ( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّة وَاسْمَعُوا ) .
__________________
الإعراب :
إن كانت الواو للعطف ، فجملة البيت
معطوفة على قال مع ما في خبره.
وإن كانت للحال ، فهي حال عن فاعل قال ،
أو عن مفعوله ؛ وحينئذ فالموصول مع صلته هو العائد على ذي الحال.
وإن كانت للاعتراض ، لم يكن للجملة محلّ
من الإعراب ، وتكون معترضة بين جملتين للتنبيه ، على ما يفهم من قوله 6 لئلا يغفل عنه السامعون.
وإن كانت للاستئناف ، لم يكن أيضاً لها
محلّ من الإعراب ويكون جواباً لسؤال من يقول : « لِمَ أعرض 6 عن بيان الخليفة رأساً وكتم عنهم هذا
الأصل الأصيل من أُصول الدِّين؟ فأجاب بأنّه شافي للخليفة.
ثمّ إن كانت حالاً فالظرف عامل في
المرفوع أعني « بيان » وهو فاعله.
ويحتمل كما عرفت على قول أن يكون
المرفوع مبتدأ والظرف خبره.
وعلى سائر الاحتمالات فالمرفوع مبتدأ
خبره الظرف عند البصريّين ، والظرف عامل عند الكوفيين. ويحتمل الأمران عند الأخفش
وقد عرفت جميع ذلك.
ولابتدائيّته بيان مصحّحات :
أحدها : تقديم الخبر أو ظرفيته.
وثانيها : تخصيصه بما يليه سواء كان
متعلّقاً به أو صفة له.
وثالثها : وقوعه في الحال.
وإن كانت « في » زائدة كان ما في خبرها
مبتدأ.
« الذي
» إن كانت موصولة فـ « قال » صلتها والعائد محذوف ، أي الذي قال.
ويحتمل أن تكون مصدريّة على رأي من رأى
مجيئها كذلك ، وحينئذ لا حاجة إلى تقدير ضمير ، بل يكون المعنى وفي قوله.
و « كان » إن كانت ناقصة كان اسمها
الضمير الراجع إلى « من » وكان خبرها محذوفاً ، أي لمن كان هناك أو حاضراً أو
سائلاً ، أو لمن كان مفزعاً.
وإن كانت تامّة ، لم يكن لها إلاّ فاعل
وهو الضمير.
فإن كان المراد الأوّل وكان « بيان »
مصدراً ، فاللام في « لمن » للانتفاع أو للاختصاص أو للتبليغ ، أو بمعنى « عند » ؛
فعلى الثلاثة الأُول تكون متعلّقة بالبيان ، وعلى الأخير يكون الظرف مستقرّاً صفةً
للبيان ، أو لغواً متعلّقاً بمعنى النسبة المفهومة من الجملة إن كانت اسمية ،
وبالظرف الأوّل إن كان المرفوع فاعلاً له. وإن كان البيان بمعنى ما يبيّن به الشيء
فاللام إمّا للانتفاع أو للاختصاص ، أو بمعنى « عند » والظرف إمّا مستقر صفة له ،
أو لغواً متعلّق بالظرف الأوّل ، أو بمعنى النسبة المفهومة من الجملة.
وإن كان المراد الثاني وكان « البيان »
مصدراً ، وكانت للتقوية أو الاختصاص; ويحتمل بعيداً أن تكون للانتفاع ؛ فعلى
الأوّل يكون الظرف لغواً متعلّقاً بالبيان ، وعلى الأخيرين يكون مستقرّاً صفة
للبيان ، أو لغواً متعلّقاً بالظرف الأوّل ، أو بمعنى النسبة ، وإن كان المراد
الثالث ، جرى فيه ما جرى في الأوّل إلاّ كون اللام للاختصاص ، فإنّه لا يجري فيه.
وليعلم أنّه كلّما كان البيان مصدراً
ولم يكن لامُ « لمن » للتقوية كان مفعول البيان محذوفاً ، أي بيان للمفزع لمن كان.
وإن لم يكن مصدراً ولم يكن المراد ب « من
» ذلك المفزع ، كان مقدّراً أيضاً إمّا
في الكلام وإمّا في
العناية.
ثمّ إن كان المراد بـ « من كان » :
الحاضرين أو المفزع ، فالظاهر أنّ « من » موصولة لا سيّما على الأوّل ، ويحتمل أن
تكون موصوفة مراداً بها التعميم على الأوّل دون الثاني.
وإن كان المراد به « من وجد » فـ « من »
موصوفة مراد بها التعميم. ثمّ إنّ وحدة الضمير العائد عليها في « كان » إن كانت
موصوفة مطابقة للّفظ والمعنى جميعاً وكذا إن كانت موصولة ، مراداً بها « المفزع »
وإلاّ كانت باعتبار اللفظ فإنّ المعنى جمع.
« إذا » إن كانت ظرفاً محضاً كانت
متعلّقة بالبيان إن كان مصدراً ، وإلاّ تعلّقت إمّا بالظرف الأوّل أو الثاني إن
كان مستقرّاً أو بمعنى النسبة.
وإن كانت شرطيّة كان الجواب محذوفاً ،
أي إذا يعقل أو يسمع كان فيه بيان ، أو كان الجواب ما سنذكره عن قريب.
وإذا الشرطية لا تجزم المضارع إلاّ في
الضرورة.
استغن ما أغناك ربُّك بالغنى
|
|
وإذا تصبك خصاصة فتحمّل
|
ثمّ إن كان المراد بـ « مَن »
الحاضرين ، فالظاهر أن يقرأ الفعلان بصيغة المعلوم الغائب وكان الضمير عائداً على
« من » ويحتمل أن يكونا على صيغة المجهول الغائب.
__________________
وإن كان المراد بها المفزع ، وجب أن
تقرأ إمّا بصيغة الغائب المجهول ، أو المخاطب المعلوم.
وإن كان المراد بها من جد ، احتملت
الثلاثة ؛ ثمّ على صيغة الغائب المعلوم احتمل أن يكون مفعولهما مقدّراً ، أي يعقل
أو يسمع ما قاله النبي 6
وأن يكونا منزلين منزلة اللازم أي كان ذا عقل أو ذا سمع ، وأن يكونا متخالفين.
وكذا إن كانا بصيغة الخطاب.
وإن كانا بصيغة المجهول احتمل أن يكون
مفعولهما القائم مقام الفاعل ضميراً عائداً إلى ما قاله النبيّ 6 ، وأن يكون ضميراً عائداً إلى مصدريهما
أي يعقل العقل أو يسمع السمع ، بمعنى يحصل العقل أو السمع ، كما يقال في نحو قوله
تعالى : ( وحيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُون )
، إنّ التقدير حيل الحيلولة ، أي أوقعت الحيلولة ، وعلى صيغة الخطاب فالمراد خطاب
كلّ من يصلح للخطاب لا شخص معيّن ، كما في قوله تعالى : ( وَلَوْ
تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلى النّار )
ونحوه على
وجه.
ثمّ إنّ جواب الشرط على صيغة المجهول أو
الخطاب إن كانت « إذا » شرطيّة غير ما قدّمناه ، بل علم أو علمت ذلك أو صدق مقالي
ونحو ذلك ، إلاّ إذا كان المراد ب « من » الحاضرين أو من وجد ، فإنّ تقدير الجواب
المتقدّم جائز عليهما.
المعنى :
وكائن أو كان أو والحال أنّه كان أو
كائن في الذي قاله النبي 6
، أو
__________________
بسببه ، أو في قوله
ذلك المقال ، أو بسببه بيان المفزع عند الذين كانوا حاضرين ، أو عند أيّ شخص كان
من الحضّار أو خاصّاً به أو لمنفعته ، أو بيان من كان مفزعاً ، أو بيان المفزع لمن
وجد أيّاً من كان أي لمنفعته ، أو عنده ، أو من قوله بيان ، بمعنى أنّ البيان من
أجزاء قوله ؛ وذلك لتضمّن ما قاله إيّاه فإنّ القول متجزّئ بتجزّؤ المقول ، فإذا
كان المقول متضمّناً للبيان بمعنى ما يبيّن به الشيء كان القول متضمّناً للبيان
بالمعنى المصدري ، أو في الذي قاله ، أو بسببه ، أو منه بيان أي ما يبين به المفزع
كأين لمن كان حاضراً أي لمنفعته أو مختصاً به أو عنده ، أو لمن كان مفزعاً أي
مختصّاً به أو لمنفعته ، أو لمن وجد أي لمنفعته ، أو عنده.
أو أنّ ثبوت البيان في الذي قال ، لمن
كان حاضراً أو مفزعاً أو من وجد ، أو في قوله أو بسببه بيان بهذا المعنى أو الذي
قاله بيان أي ما يبيّن به الشيء ، أو قوله بيان بالمعنى المصدري وإنّما فيه بيان
إذا كان من كان حاضراً يعقل ويسمع مقال النبي 6
، أو إذا كان يعقله بل إذا كان يسمعه ، أو إذا كانوا منقسمين إلى من يعقله ومن
يسمعه أي ذلك ظاهر لكلّ من عقله ومن سمعه ، أو إذا كان ذا عَقْل أو سَمع ، أو إذا
كان ذاعقل أو سمعه ، أوإذا كان يعقله أو كان ذا سمع ، أو إذا كان من وجد كذا ، أو
إذا وجد ذو عقل أو سمع ، أو إذا عقل أو سمع مقال النبي 6 ، أوإذا يعقل أو يسمع ، أو يُعقل أو
يُسمع ، كان فيه بيان أو علم ، صدق مقالي ، أو إذا عقلت أو سمعت علمت ، صدق مقالي
، على تقدير إرادة معنى الواو ب « أو » يجوز أن يكون المراد بالسمع الفهم.
والحاصل أنّه 6 ردّهم بما يتضمّن النصّ على ما سألوه
عنه من المفزع بعده ، وذلك لأنّه لمّا قال : إنّي أخاف عليكم أن تصنعوا بخليفتي ما
صنعت عَبَدَة العِجْلِ بهارون. دلّ على أنّ خليفته من هو من النبي 6 بمنزلة هارون من موسى
وما هو إلاّ أمير
المؤمنين صلوات اللّه عليه ، والنصوص عليه من طرق العامّة وحدها بالغة حدّ التواتر
كما لا يخفى على من له أدنى استقراء.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: التعبير عن معنى الباء أو من ب « في » ؛ لما عرفت سابقاً من المبالغة والتوجيه
، وإن كانت زائدة فزيادتها للتجريد المتضمّن لغاية المبالغة كأنّه من غاية كونه
بياناً ، في ضمنه بيان آخر.
الثانية
: تقديم الظرف على المرفوع إن كان مبتدأ ، لازدياد التّخصيص ودفع الالتباس فإنّه
لو أخّر التبس بالصفة ، ولتصدير الحال برابطيها أعني الواو والعائد ، وللتوجيه.
الثالثة
: حذف عائد الموصول للاختصار والوزن والتوجيه إن صحّ مجيئ « الذي » لجعل ما بعده
بتأويل المصدر.
الرابعة
: تنكير « بيان » للتعظيم ، والظاهر تعظيمه من جهة كونه بياناً أي شدّة إيضاحه ،
وللتوجيه فإنّه لو عرفه كان اللائق به تعريفه بالإضافة ، وحينئذ لا يكون فيه من
الاحتمالات ما هي الآن.
الخامسة
: إن كانت « من » عبارة عن الحاضرين فالتعبير عنهم بها للتعميم ، وإن كانت عبارة
عن المفزع فللتعظيم. وفيه على التقديرين التوجيه.
السادسة
: حذف خبر كان إن كانت ناقصة ؛ للاختصار والتوجيه.
السابعة
: حذف جواب الشرط إن كانت « إذا » شرطية ؛ للاختصار والاحتراز عن شبه العبث لكون
ما قبلها مفسّراً له ، وللتوجيه في إذا وفي الفعل في الجواب ،
لأنّه لو ذكر الجواب
تعيّن هو وتعيّنت « إذا » للشرطية ؛ وتعيّن الفعل غيبة أو خطاباً.
الثامنة
: حذف مفعولي الفعلين ؛ للاختصار والتوجيه من جهة التعدّي واللزوم فيهما ، وجهة
الغيبة والخطاب ، وجهة البقاء للفاعل أو المفعول.
التاسعة
: زيادة قوله « أو يسمع » إن كانت « أو » بمعنى « بل » ، أو للتقسيم ؛ للمبالغة في
وضوح البيان ، وإفادة أنّه من الوضوح بحيث يكفي في فهمه السماع ، وإن لم يكن
عاقلاً البيان إن كانت « في » بمعنى « الباء » أو من كانت استعارة تبعية.
[ ١٤ ـ ٢٠ ]
ثمّ أتَتْهُ بَعْدَ ذا عَزْمَةٌ
|
|
مِنْ رَبِّه ليسَ لَها مدفعُ
|
أبْلِغْ وَإلاّ لَمْ تَكُنْ مُبْلِغاً
|
|
واللّهُ مِنْهُمْ عاصِمٌ يَمْنَعُ
|
فَعِنْدَها قام النَبيّ الّذيِ
|
|
كانَ بما يأمرهُ يَصْدَعُ
|
يَخْطبُ مأموراً وفي كَفِّه
|
|
كفُّ علىّ ظاهراً يَلْمعُ
|
رافِعُها أكرِم بكَفِّّ الّذي
|
|
يَرفَعُ والكفِّّ الذي يرفَعُ
|
يقولُ والأملاكُ من حَوْله
|
|
واللّهُ فيهِمْ شاهِدٌ يَسْمَعُ
|
مَنْ كُنْتُ مَولاهُ فهذا لَهُ
|
|
مَوْلًى فَلَم يَرضُوا وَلَمْ
يَقْنَعُوا
|
اللّغة :
« ثُمّ »
مشترك بين
فعل وآسم وحرف.
فالفعل : ماضي مبني للمفعول ، أو أمر من
ثمَّ وطاه وأصلحه وجمعه.
والاسم : ما في قولهم : ماله ثمٌ ولا ذم
، بضمّها ؛ أي لا قماش ولا مرمة بيت.
والحرف : حرف عطف تفيد عند الجمهور :
التشريك في الحكم ، والترتيب
__________________
يكون المعطوف
متأخّراً عن المعطوف عليه ، وآلمهملة بينهما.
وحكي عن الفراء والأخفش وقطرب أنّها
بمعنى « الواو » وجعلوا من ذلك قوله تعالى : ( خَلَقَكُمْ مِنْ
نَفْس واحِدَة ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها ) .
وزعم بعضهم أنّها قد تكون بمعنى « الفاء
» كقوله :
كَهَزِّ الرُّدَيْنِيِّ تحتَ العَجَاج
|
|
جَرَى في الأنابِيبِ ثُمَّ اضْطَربْ
|
وقد تجيئ لمجرّد الترتيب في الذكر كقوله
:
إنّ مَنْ سادَ ثُمّ سادَ أبُوهُ
|
|
ثُمَّ قَدْسادَ قبلَ ذلك جَدُّهُ
|
وقد تجيئ في الجمل خاصة لبعد مضمون
المعطوفة عن مضمون المعطوف عليها ، كقوله تعالى : ( وَجَعَلَ الظُّلُماتِ
وَالنُّورَ ثُمَّ الّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) .
وقد يبدّل ثاؤها فاء في بعض اللّغات
فيقال : فم ، كما قيل في جدث جدف.
وقد يلحق بها التاء الساكنة أو المتحركة
، وهي في البيت يحتمل أن تكون
__________________
بمعنى الّذي قالته
الجمهور فتكون بعد « ذا » تأكيداً لها ، وأن تكون بمعنى « الواو » أو للترتيب في
الذكر أو لبعد مضمون ما بعدها عما قبلها ، لأنّ الشأن بعد إتيان القرينة من اللّه
تعالى بعيد في الغاية عن الشأن قبل ذلك ، فيكون بعد « ذا » تأسيساً.
« التاء »
: الساكنة التي في « أتته » علامة لتأنيث الفاعل وهي من خواص الفعل وإلحاقها
بالفعل غير لازم إذا كان الفاعل مؤنّثاً غير حقيقي ، أو مفصولاً بينه وبين الفعل.
وهنا قد اجتمع الأمران ، وفي مثله نصّ جماعة ، منهم نجم الأئمة رضي اللّه عنه على
أنّ المختار ترك الإلحاق ، كقوله تعالى : ( جاءَهُ مَوْعِظَةٌ ) .
ويحتمل أن لا يكون الناظم قد ألحق التاء
، وإنّما الذي على صورتها ألف « أتى » التي هي لامها كتبت بصورة الياء التحتانيّة
كما هو دأب طائفة من الكتاب ، وحينئذ فقد راعى الأُولى على قول الجماعة من ترك
الإلحاق.
« بعد »
ظرف زمان غالباً وربما كان للمكان كما يقال : دار زيد بعد دار عمرو.
« ذا »
اسم إشارة موضوع للإشارة إلى مفرد مذكّر ، واختلف في وضعه على أقوال : فالبصريون
على أنّه ثلاثي الوضع.
فمنهم من قال : إنّ أصله « ذيَيْ »
بيائين مفتوحة فساكنة حذفت الأخيرة التي هي اللاّم اعتباطاً وقُلبت الأُولى ألفاً
لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، ولم يمنع من ذلك حذف الياء الأخيرة كما منع من مثله
حذف ياء من « تولان » المحذوف اعتباطاً بمنزلة المعدوم.
ومنهم من قال : إنّ الياء الأُولى ساكنة
وهي المحذوفة والثانية مفتوحة وهي التي قلبت ألفاً. ورجّح الأُوّل بأنّ حذف اللام
اعتباطاً أكثر من حذف العين.
ومنهم من قال : إنّ أصله « ذوي » لأنّ
باب طويت أكثر من باب حييت ، ثمّ
__________________
اختلف فقيل : إنّ
المحذوف هو اللام وقيل : العين على مثل المتقدّم
والكوفيّون على أنّ الاسم إنّما هو « الذال
» وحدها ، و « الألف » زائدة ؛ لأنّ مثنّاه « ذان ».
وجماعة ، منهم السيرافي وابن يعيش على
أنّه ثنائي الوضع كماء ، بدليل أنّه إذا سمّي به قيل ذاء ، بإلحاق إلف أُخرى ثمّ
قلبها همزة ، كما يقال « لاء » إذا سمّي بـ « لا » ، ولو كان ثلاثيّاً في الأصل
لردّ إلى أصله فقيل : « ذاي ».
ومن لغاته في الإشارة « ذاء » بالمدّ و
« ذائه » بزيادة هاء مكسورة أو ساكنة بعد همزة مكسورة ، و « ذاؤه » بهاء مضمومة
بعد همزة مضمومة.
« العَزم »
والعزيمة : الإرادة المتأكّدة لفعل ، وعقد للقلب عليه ، يقال : عزمت على كذا إذا
أردت فعله وقطَعتُ عليه ، ويقال : عزمت عليه أن يفعل ، أي أقسمتُ عليه.
والمراد بالعزيمة هنا الكلام المشتمل
عليها أو معناها الحقيقي ويكون المراد بإتيانها إتيان الكلام الدال عليها إمّا
تقديراً أو عنايةً.
أو يكون المراد بالإتيان إتيانها على
المجاز الغير المشهور ، فإنّ إتيان الأقاويل استعمال شائع بخلاف إتيان معانيها.
وفي شرح السيد المرتضى علم الهدى 7 لقول السيّد في قصديته البائية التي
مرّ مطلعها :
وبخم إذ قالَ الإلهَ بعزمه
|
|
قُم يا محمّد في البرية فاخطُبِ
|
__________________
فأمّا قول السيد : « إذ قال الإله بعزمه
» والعزم لا يجوز على اللّه تعالى ، لأنّه اسم لإرادة متقدّمة على الفعل ، وإرادة
القديم تعالى لفعله لا تتقدّم عليه ؛ لأنّ تقدّمها عبث.
فالوجه فيه أنّ السيد إنّما أراد
بالعزمة هاهنا القطع للأمر ، والثبات له ، والإيجاب لفعله ؛ لأنّهم يقولون : عزمت
عليك أن تفعل كذا وكذا أي ألزمتك وأوجبت عليك ، والإرادة إذا تناولت فعل الغير لا
تسمّى عزماً ، ويسمّون الواجبات : « عزائم » ولا يسمّون المندوبات بذلك ، ولهذا
قالوا : عزائم السجود في القرآن وهي السور التي فيها سجود واجب ، فما أخطأ السيّد
في ذكر العزمة ولا وضعها في غير موضعها. انتهى.
قيله طاب مقيله وكلّ ما قاله سديد إلاّ
أنّ في نفيه بقدم إرادة اللّه تعالى على فعله تأمّلاً ليس هنا مقام بسط الكلام
عليه فليطلب من مواضعه.
« من »
للابتداء.
« الربّ »
يكون بمعنى السيّد ، قال عزّ قائلاً : ( اذْكُرْنِي عِنْدَ
رَبِّكَ )
وقال الأعشى
:
واهلكني يوماً رب كندة وابنه
|
|
وربّ معد بني خبت وعرعر
|
ويكون بمعنى « المالك » ، روي عنه 6 أنّه قال لرجل : أربّ إبل أنت أم ربّ
غنم؟
وقال طرفة :
كقنطرة الرومي أقسم ربّها
|
|
لتكتنفن حتّى تشاد بقرمد
|
__________________
ويكون بمعنى الصاحب ، قال أبو ذؤيب :
قد نالهُ ربّ الكِلاب بكفه
|
|
بيض رهاب ريشهنّ مقزع
|
ويكون بمعنى المربّي إمّا على أنّه اسم
موضوع له كبر وطب ، أو على أنّه مصدر أُريد به معنى اسم الفاعل.
وعلى الأوّل فهو من أسماء الفاعلين التي
بمعنى الثبوت لا الحدوث ، فهو صفة مشبّهة ، ولما لم يكن بناء الصفة المشبّهة إلاّ
من فعل لازم قيل إنّه نقل الفعل من التعدّي إلى اللزوم كما فعل ب « رحم » حتّى
بني منه « الرحيم » ، وذلك بتنزيل الفعل منزلة اللازم.
وعلى كلّ فهو من « ربّ » الذي أصله ربه
يربه بمعنى ربّاه ، يقال : ربّيت الصبيّ وربيته أي ربيته ، وكذا ترببته ، وفلان
مربوب أي مربَّى.
ويكون بمعنى الصالح وبمعنى المصلح للشيء
، يقال : ربُّ ضيعته ، أي أصلحها ، وبسقاء مربوب أصلح بالربّ من العنب ، وغيره.
قال :
كانُوا كَسالِئة حَمْقاءَ إِذْ
حَقَنَتْ
|
|
سِلاءَها في أدِيم غير مَرْبُوبِ
|
ويقال : فرس مربوب ، أي مصلح.
قال سلامة :
مِنْ كُلِّ حَثًّ إذا ما ابْتَلَّ
مُلْبَدهُ
|
|
صافي الأديمِ أسِيلِ الحَدِّ
يَعْبُوبِ
|
__________________
ليسَ بأسْفَى ولا أقْنَى ولا سَغِل
|
|
يُسْقَى دَواءَ قِفِيَّ السَّكْنِ
مَرْبُوبِ
|
وقال الثعلبي في تفسيره « الكشف والبيان
» : وقال الحسين بن الفضل ، الربّ : الثابت من غير إثبات أحد يقال : ربّ بالمكان
وأربّ ولبّ وألبّ ؛ إذا أقام.
وفي الحديث : إنّه كان يتعوّذ باللّه من
فقر مُرِبّ أو مُلِبّ
، فقال الشاعر : « ربّ بأرض ما تخطّاها الغنم » . يعني لكثرة رعيها لا يجاوزها إلى
غيرها من الأراضي.
قال : وهو الاختبار لأنّ المتكلّمين
أجمعوا على أنّ اللّه عزّوجلّ لم يزل ربّاً.
قال : وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول :
سمعت أبي يقول : سئل أبو بكر محمد بن موسى الواسطي عن معنى الرب ، فقال : هو
الخالق ابتداءً ، أو المربّي عناء ، أو الغافر انتهاء.
ثمّ لا يطلق الربّ على غيره تعالى
إلاّمضافاً إلى شيء ، ولا يطلق معرّفاً باللام إلاّعليه تعالى ؛ لإفادته العموم
ولا تعمّ ربوبية غيره تعالى.
« اللام »
في « لها » للاختصاص.
« المدفع »
إمّا اسم مكان ، أو زمان ، أو مصدر.
« الإبلاغ »
: الإيصال ، يقال : أبلغ عنّي السلام إلى فلان ، أي أوصله إليه.
« الواو »
للاستئناف البياني فإنّ ما قبلها مؤد إلى أن يُسئل عن السبب في
__________________
وجوب الإبلاغ أو
للاعتراض.
« إلاّ »
مركّبة من « ان » الشرطيّة و « لا » النافية كما في نحو قوله تعالى : ( إِلاّ
تنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّه )
.
فلنتكلّم في كلّ من « أن » و « لا » على
ما يقتضيه المقام : فاعلم أنّ « أن » يكون فعلاً ويكون حرفاً.
أمّا الفعل : فهو أمر من أنّ أينك ، أي
حان حينك.
وأمّا الحرف : فعلى وجوه :
منها : أن يكون حرف شرط ، وهي أُم حروف
الشرط ، ولذا قد يحذف منها جملتا الشرط والجواب في الشعر إذا قامت قرينة ، كقوله :
قالَتْ بناتُ العم يا سلمى وإن
|
|
كان فقِيراً مُعدَماً قالت وإن
|
ويحذف شرطها مع لا في السعة كثيراً ،
وهي موضوعة لما لا يقطع المتكلّم بوقوعه ولا بلا وقوعه ، وإذا رأيتها في كلام
اللّه عزّ وجلّ ، فإمّا التنزيل المقطوع به منزلة المشكوك فيه لاعتبار مناسب ،
أولعدم قطع المخاطب فنزل شكّه منزلة شك المتكلّم ، أو لأنّ أكثر كلامه تعالى جار
على ألسنة عباده.
وأمّا « لا » فهي حرف ، تأتي على وجوه :
تكون عاملة وغير عاملة ، والعاملة تكون عاملة للجزم وعاملة عمل « إن » وعاملة عمل
ليس. والتي هنا غير عاملة وهي لا تختص بشيء دون شيء.
« لم » حرف نفي مخصوص بنفي المضارع
وقلبه إلى معنى الماضي ، فهي تدلّ على انتفاء معناه في الزمن الماضي ، ولا دلالة
لها على انقطاع الانتفاء في الحال ولا على الاتّصال إلى زمن الحال ، بل يرد على
الوجهين : فمن الأوّل قوله تعالى : ( لَمْ
__________________
يَكُنْ
شَيْئاً مَذْكُوراً )
، ومن
الثاني قوله تعالى حكاية : ( وَلَمْ أَكُنْ
بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيّاً )
.
« الواو
» إمّا للاستئناف ، أو الحال ، أو الاعتراض إن جاز الاعراض في آخر الكلام.
« اللّه
» اسم لا خلاف في اختصاصه بالذات الأحديّة تعالى وتقدّس ، لا يُطلق على غيره
وإلاّلم يكن « لا إله إلاّ اللّه » توحيد ، إلاّ أنّهم اختلفوا في أنّ هذا
الاختصاص لكونه علماً موضوعاً له في الأصل ، أو لكونه من الأسماء الغالبة في فرد
من أفراد مفهومه غلبة بالغة إلى حد العلميّة ، حتى صار من الأعلام الغالبة كالنجم
، أو لا إلى حدّ العلمية بل إنّما صار من الأسماء الغالبة.
ثمّ اختلفوا في كونه اسماً جامداً ، أو
صفة مشتقّة ، فالأوّلون قالوا : إنّ أصله « لاها » بالسيريانيّة ، وذلك لأنّ في
أواخر أسمائهم مَدّة ، كقولهم للروح : « روحا » ، وللقدس : « قدسا » ، وللمسيح «
مسيحا » وللابن : « أودا » فلمّا طرحوا المدّة بقي « لاه » فعرّبته العرب وعرّفته
بالألف واللام.
والآخرون اختلفوا فيما اشتقّ منه ، فقيل
: إنّه في الأصل « لاه » مصدر لاه يليه ليها ولاها إذا احتجب أو ارتفع. ومنه الآلهة
للشمس ، لارتفاعها. وأنشدوا.
كَحَلْفَة من أبي رياح
|
|
يََسْمَعُها لاهه الكُبارُ
|
وقيل إنّه في الأصل « إله » فحذفت همزته
وعوّض عنها لام التعريف وأُدغم اللاّم في اللاّم ، ولذا لزمته فلا يعرى عنها في
السعة.
__________________
ثمّ قيل : إنّه من « أله » ، أي تحيّر
لتحيّر العقول فيه ، قال :
وبيدائية تأله العين وسطها
|
|
محقّقة غبراء هرماء سملق
|
وقيل : من ألهت إلى فلان ، أي فزعت إليه
واعتمدت عليه ، قال : « ألهت إليها والركائب وقف » .
وقيل
: من ألهت إليه أي سكنتُ إليه ، لأنّ النفوس تسكن إلى معرفته والقلوب تطمئن بذكره.
قال : ألهت إليها والحوادث جمّة.
وقيل : إنّه من الوله ، وهو ذهاب العقل
فأصله « ولاه » قلبت الواو همزة كأشاح وأكاف ، وأرّخت الكتاب واقتت لأنّ العقول
تتولّه في معرفته.
وقيل : من لاهت العروس تلوه لوهاً إذا
احتجبت قال :
لاهت فما عرفت يوماً بخارجة
|
|
يا ليتها خرجت حتى رأيناها
|
وقيل : من ألهت بالمكان أي أقمت به ،
لأنّه الدائم الثابت الذي لا يزول ، قال :
ألهنا بدار ما تبيد رسومها
|
|
كأنّ بقاياها وشام على اليد
|
وقيل : من ألّههم أي أحوجهم إليه فإن
العباد محتاجون مضطرّون إليه فهذا ما يليق بهذا الكتاب ، والتفصيل محوج إلى إفراد
رسالة له وفّقنا اللّه لذلك. وقد حضرني من الأخبار التي تدل على اشتقاقه ، وما
اشتقّ منه من طريق الخاصّة عدة :
__________________
فمنها
: ما في تفسير الإمام الهمام الحسن بن علي العسكري صلوات اللّه وسلامه عليهما قال
: اللّه هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج والشدائد كلُّ مخلوق ، وعند انقطاع
الرجاء من كلّ من دونه ، وتقطّع الأسباب من جميع من سواه. وقد روي مثل ذلك عن علي
بن الحسين صلوات اللّه عليهما.
ومنها : ما رواه الشيخ الصدوق أبو جعفر
محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رضوان اللّه عليه في كتاب «
التوحيد » بإسناده عن أمير المؤمنين صلوات عليه قال : « اللّه » معناه : المعبود
الذي يأله فيه الخلق ويولّه إليه ؛ واللّه هو المستور عن درك الأبصار ، المحجوب عن
الأوهام والخطرات.
وقال : قال الباقر 7 : اللّه معناه المعبود الذي أله الخلق
عن درك ماهيته والإحاطة بكيفيّته.
ومنها
: ما رواه الشيخ الصدوق ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني في كتاب « التوحيد من
كتاب « الكافي » بإسناده عن أبي الحسن موسى بن جعفر 8
قال : سئل عن معنى « اللّه »؟ فقال : استولى على ما دق وجل.
ومنها
: ما رواه أيضاً بإسناده عن هشام بن الحكم ، أنّه سأل أبا عبد اللّه 7 عن أسماء اللّه واشتقاقها : اللّه ممّا
هو مشتق؟ قال : فقال لي : يا هشام ، اللّه مشتقٌّ من إله ؛ والإله يقتضي مألوهاً.
إلى آخر الحديث.
« من
» للتعدية.
« العصمة »
المنع ، يقال : عصمه الطعام ، أي منعه من الجوع والحفظ يقال :
__________________
عصمته فانعصم.
« منعه »
يمنعه عن كذا وعنه كذا : إذا لم يعطه ؛ وعن فعل كذا : نهاه عنه ، ومن فلان : إذا
كفّ أذاه عنه وهو في عز.
ومنعه : محرّكة وتسكّن ، أي له من يمنعه
عمّن يؤديه ، وهو منيع أي عزيز. وقد منع ككرم : صار منيعاً.
« الفاء »
عاطفة تفيد السببية أو لمجرّد السببية.
« عند »
مثلثة : الأوّل اسم للحضور الحسّي ، أو المعنوي ، وللقرب الحسّي أو المعنوي.
فمن الأوّل : قوله تعالى : ( فَلَمّا
رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ )
.
ومن الثاني : قوله تعالى : ( قالَ
الّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ )
.
ومن الثالث : قوله : ( عِنْدَ
سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنّةُ الْمَأْوى ) .
ومن الرابع : قوله : (
وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيارِ ) .
وإذا استعمل في الزمان فقد يراد به
الحضور المعنوي ؛ وقد يراد به القرب المعنوي ، فإذا قيل : ائتني عند الظهر ، جاز
أن يراد به وقت الظهر وأن يراد به قريباً منه.
والمراد به في البيت : الحضور المعنوي
العرفي أوالقرب المعنوي الحقيقي ، فإنّه لا شبهة في أنّ القيام ليس في عين وقت
إتيان العزمة بل بعده ولكن ربّما يكون للوقت الواحد العرفي امتداد فيسع الإتيان
والقيام.
« قام »
يقوم قوماً وقومة وقياماً : انتصب ، وقامت المرأة تنوح ، طفقت ، وقامت الدابّة :
وقفت.
__________________
« الألف واللام »
للعهد الخارجي.
« النبيّ »
إمّا من النبأ بمعنى الخبر لأنّه يأتي بالأنباء من اللّه سبحانه. وأصله الهمز قال
سيبويه : ليس أحد من العرب إلاّ ويقول : تنبّأ مُسَيْلِمَةُ بالهمز ، غير أنّهم
تركوا الهمز في النبيّ كما تركوه في الذُرِّية والبَريَّة والخابية ، إلاّ أهل
مكّة فإنّهم يهمزون هذه الأحرف الثلاثة ولا يهمزون غيرها ويخالفون العرب في ذلك.
وإمّا من النبوّة والنباوة وهي الارتفاع.
وربّما أطلقنا على الأرض المرتفعة ،
ويقال « النبي » أيضاً للأرض المرتفعة ، قال الزمخشري في الفائق : وهو غير متقبّل
عند محققة أصحابنا ولا مُعرج عليه.
أقول
: ولكن يؤيده ما رواه الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويه في كتاب « معاني الأخبار »
بسنده عن ابن عباس قال : قال أعرابيّ لرسول اللّه 6
: السلام عليك يا نبيء اللّه. قال : لستُ نبيء اللّه ولكنّي نبيّ اللّه.
ومن طريق العامّة : أنّ رجلاً قال له يا
نبيء اللّه ، فقال : لا تنبز باسمي فإنّما أنا نبيّ اللّه. وأوّله الأوّلون بأنّه 6 إنّما أنكر عليه لأنّ الهمز فيه ليس من
لغة قريش.
ثمّ إنّه على الأوّل بمعنى فاعل بمعنى
ذي كذا ك « تامر » و « لابن ».
أو بمعنى مُفْعِلْ كـ « بديع » بمعنى
مُبْدِعْ.
أو بمعنى مُفْعَلْ كـ « بديع » أيضاً
بمعنى مُبْدَعْ.
وعلى الثاني : بمعنى فاعل ك « رفيع »
لا بمعنى مفعول كما قاله الجوهري.
__________________
وقيل : إنّه النبيّ مهموزاً أو غير
مهموز بمعنى الطريق الواضح أو الطريق ، لأنّ الأنبياء صلوات اللّه عليهم طرقٌ إلى
معرفة اللّه تعالى وإلى الجنان.
ثمّ إنّ المشهور أنّ النبيّ أعمّ من
الرسول وإنّ الرسول هو من كان صاحب شريعة وكتاب والنبيّ أعمّ من ذلك.
وقد روى ثقة الإسلام محمد بن يعقوب
الكليني في كتاب الحجّة من « الكافي » ، بإسناده عن زرارة قال : سألت أبا جعفر 7 عن قول اللّه عزّوجلّ ( وَكان
رَسُولاً نَبِيّاً )
ما الرسول
وما النبيّ؟
قال : النبيّ : الذي يرى في منامه ويسمع
الصوت ولا يعاين الملك ؛ والرسول : الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك.
قلت : الإمام ما منزلته؟ قال : يسمع
الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك ثمّ تلا هذه الآية : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ
قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَلا نَبِىٍّ )
ولا
مُحَدِّث.
وروى أيضاً بإسناده عن إسماعيل بن مرار
، قال : كتب الحسن بن العبّاس المعروفي إلى الرضا 7
: جعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبيّ والإمام؟
قال : فكتب ، أو قال : الفرق بين الرسول
والنبيّ والإمام : أنّ الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه
الوحي ، وربّما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم 7.
والنبيّ ربّما سمع الكلام وربّما رأى
الشخص ولم يسمع.
والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى
الشخص.
__________________
وروي نحو ذلك عدّة روايات .
و أمّا قوله تعالى أنّه ( كانَ
رَسُولاً نَبِيّاً )
، فله وجوه من التأويل :
منها
: أن يكون النبيّ هنا بمعناه اللغويّ ، أي رفيعاً.
ومنها
: أنّ الرسول من الأنبياء رسالته متقدّمة على نبوّته فإنّه يُرسل لإنباء الخلق.
ومنها : أنّ « نبيّاً » خبر بعد خبر لـ
« كان » لا صفة لـ « رسولاً » ليكون قيداً له ، وإنّما أُخر عنه تنبيهاً على أنّ
كلاً من الوصفين ممّا يستقلّ في استحقاق المدح به.
« الباء »
إمّا للتعدية ، أو السببية ، أو الاستعانة.
« ما »
إمّا موصولة ، أو موصوفة ، أو مصدريّة.
« الأسر »
: إلقاء كلام يدلّ على طلب فعل على سبيل الاستعلاء ، وربّما أُطلق على ذلك الطلب
وإن لم يكن بإلقاء كلام.
« الصدع »
في الأصل : الشق في شيء صلب من زجاج ونحوه ، ولمّا كان هذا الشقّ بيّناً لا يمكن
إخفاؤه ، قيل : صدعت الشيء بمعنى بيّنته وأظهرته إذا بولغ في تبيينه وإظهاره ،
ويقال : صدعت بالحق ، إذا تكلمت به جهاراً.
وقوله تعالى : ( فَاصْدَعْ
بِما تُؤْمَر )
إمّا بمعنى
أظهر ما تؤمر ، أو بمعنى أفرق بين الحقّ والباطل بسبب ما تؤمر ، أو باستعانته ، أو
شقّ جماعتهم بما تؤمر ، أو أجهر بالقرآن.
وهذه المعاني وإن أمكن إجراؤها في البيت
أيضاً لكن لا سترة بأنّ المناسب
__________________
للمقام إنّما هو غير
الآخرين.
« خطب »
يخطب ، كنصر ينصر ، خُطبة ـ بالضم ـ أتى بالخطبة ؛ وهي الكلام المؤلّف المتضمّن
وعظاً وإبلاغاً ، وكذلك خطابه ـ بالفتح ـ وقيل بالكسر.
وفي الصحاح : خُطب ـ بالضم ـ خطابة ـ
بالفتح ـ صار خطيباً.
« الواو »
للحال.
« الكف »
: من رؤوس الأصابع إلى الكوع ، قيل : سمّي بها لكفّها البدن عمّا يؤذيه. وربّما
أُريد جملة اليد ، وهو مؤنث لازم التأنيث كما نصّ عليه الحاجبي والمالكي وغيرهما.
« عليّ »
اسم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وهو اسم شقّه اللّه تعالى من اسمه.
روى الصدوق أبو جعفر ابن بابويه رضوان
اللّه عليه في كتاب « معاني الأخبار » بسنده عن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي ، عن
جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جدّه صلوات اللّه عليهم قال : كان رسول اللّه 6 ذات يوم جالساً وعنده عليّ وفاطمة
والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم فقال : والّذي بَعَثني بالحقّ بَشيراً ما على
وجه الأرض خلقٌ أحبّ إلى اللّه عزّ وجلّ ولا أكرم عليه منّا ؛ إنّ اللّه تبارك
وتعالى شقَّ لي اسماً من أسمائه فهو محمود وأنا محمّد ؛ وشقّ لك يا عليّ اسماً من
أسمائه ، فهو العليّ الأعلى وأنت عليّ ؛ وشقّ لك يا حسن اسماً من أسمائه ، فهو
المحسن وأنت حسن ؛ وشقَّ لك يا حسين اسماً من أسمائه ، فهو ذو الإحسان وأنت حسين ؛
وشقَّ لكِ يا فاطمة اسماً من أسمائه ، فهو الفاطر وأنتِ فاطمة ، ثمّ قال 6 : الّلهمّ إنّي أُشهدك أنّي سلمٌ لمن
سالمهم ، وحرب لمن حاربهم ، ومحبٌّ لمن أحبّهم ، ومبغضٌ لمن أبغضهم ، وعدوٌّ لمن
عاداهم ، ووليٌّ لمن والاهم لأنّهم منّي
وأنا منهم.
وروى أيضاً فيه وفي « علل الشرائع »
بإسناده عن أبي ذر رضي اللّه عنه ، عن رسول اللّه 6
ـ في حديث طويل ـ : وجعل فيَّ النبوّة والبركة ، وجعل في عليّ الفصاحة والفروسيّة
؛ وشقّ لنا اسمين من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمّد ؛ واللّه الأعلى وهذا عليّ.
وروى أيضاً فيهما بإسناده عن ابن مسعود
قال : قال رسول اللّه 6
لعلي بن أبي طالب 7
: لمّا خلق اللّه ـ عزّ وجلّ ذكره ـ آدم ونفخ فيه من روحه ؛ وأسْجَدَ له ملائكته ؛
وأسكنه جنّته ؛ وزوّجه حوّاء أمته فرفع طرفه نحو العرش ، فإذا هو بخمسة سطور
مكتوبات ، قال آدم : يا ربّ مَن هؤلاء؟ قال اللّه عزّ وجلّ له : هؤلاء الذين إذا
شُفّع بهم إلى خلقي شفّعتهم. فقال آدم : يا ربّ بقدرهم عندك ما اسمهم؟ قال : أمّا
الأوّل فأنا المحمود وهو محمّد ؛ والثاني : فأنا العالي وهو عليّ ؛ والثالث : فأنا
الفاطر وهي فاطمة ؛ والرّابع : فأنا المحسن وهو الحسن ؛ والخامس : فأنا ذو الإحسان
وهذا الحسين ، كلّ محمد اللّه عزّوجلّ.
إلى غير ذلك من الأخبار الناطقة بهذا ،
الاشتقاق وهي من الكثرة بمكان.
ثمّ إنّ الصدوق روى في الكتابين عن جابر
بن يزيد الجعفي ;
أنّه قال : اختلف النّاس من أهل المعرفة لِمَ سُمِّي عليّ علياً ، فقالت طائفة :
لَم يُسمّ أحد من ولد آدم قبله بهذا الاسم في العرب ولا في العجم إلاّ أن يكون
الرجل من العرب يقول ابني هذا ، عليّ يريد من العلو لا أنّه اسمه وآنّما سمّى به
الناس بعده
__________________
وفي وقته.
وقالت طائفة : سمّي عليّ عليّاً لعلوّه
على كلّ من بارزه.
وقالت طائفة : سمّي عليٌّ عليّاً ؛ لأنّ
داره في الجنان تعلو حتى تحاذي منازل الأنبياء ، ( وليس نبي تعلو منزلته منزلة
غيره ) .
وقالت طائفة : سمّي عليّ عليّاً ؛ لأنّه
علا ظهر رسول اللّه 6
بقدميه طاعة للّه عزّ وجلّ ولم يَعْل أحد على ظهر نبيّ غيره عند حطّ الأصنام من
سطح مكة.
وقالت طائفة : إنّما سمّي عليّ علياً ؛
لأنّه زُوّج في أعلى السّموات ولم يُزَوَّج أحد من خلق اللّه في ذلك الموضع غيره.
وقال طائفة : إنّما سمّي علي عليّاً ؛
لأنّه كان أعلى الناس علماً بعد رسول اللّه 6.
قال الراغب : ظهر الشيء ، أصله أن يحصل
شيء على ظهر الأرض فلا يخفى ، وبطن إذا حصل في بطنان الأرض فيخفى ثمّ صار مستعملاً
في كلّ بارز للبصر والبصيرة ، وتقول : ظهرت على الرجل وبه إذا غلبته ، وظهرت البيت
وعلى البيت إذا علوت عليه. وأصلها أيضاً أن تعلو على ظهر الرجل أو البيت وظهر فلان
إذا أعلنت به.
« لمع »
البرق كمنع ، لمعاً ولمعاناً ـ محرّكة ـ : أضاء كالتمع ، ولمع بيده : أشار ، ولمع
فلان الباب : برز منه.
« رفع »
الشيء : أعلاء عن مقرّه ، خلاف وضعه إمّا حقيقة وذلك في الأجسام
__________________
أو مجازاً وذلك في
الذكر ، أو المنزلة كقوله تعالى : ( وَرَفَعْنا لَكَ
ذِكْرَكَ )
وقوله تعالى
: ( نَرْفَعُ دَرَجات مَنْ نَشاءُ ) .
« الكرم »
ضدّ اللّؤم ، وقد كرم ـ بالضمّ ـ فهو كريم ، وقوم كرام وكرماء ونسوة كرايم ، ويقال
رجلٌ كَرَمٌ أيضاً وامرأة كرم ونسوة كرم. وحقيقته كون الشخص جميل الأخلاق حميد
الأفعال ، قال بعض العلماء : الكرم كالحرّية إلاّ أنّ الحرّية قد تقال في المحاسن
الصغيرة والكبيرة ، والكرم لا يقال إلاّ في المحاسن الكبيرة كما ينفق مالاً في
تجهيز جيش في سبيل اللّه ، وتحمل حمالة ترتو به دماء قوم.
ومعنى جملة أكرم بما في حيّزه التعجّب
من كرم الكفّين لبلوغه حداً تعجب منه.
ومعنى « الباء » في « بكفّ » يُعلم في
قسم الإعراب إن شاء اللّه.
« الواو »
في « والأملاك »
للحال أو الاعتراض و «
الألف واللاّم » للجنس ، أي للعهد
الذهني كما في الخيل. والأملاك جمع ملك ، وهم عند أكثر الأُمّة نحو أجسام نورانيّة
الهيئة سعيدة قادرة على التصرّفات الشريفة والأفعال الشاقّة ، ذوات عقول وأفهام ؛
وهم أنواع كثيرة ومراتب شتّى بعضهم أقرب عند اللّه من بعض كما قال تعالى حكاية
عنهم : ( وَما مِنّا إلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ).
وقد حصر بعضهم مراتبهم في تسعة :
فالأُولى : المقرّبون.
والثانية : الحاملون للعرش.
والثالثة : الحافّون حول العرش.
__________________
والرابعة : ملائكة الكرسي والسماوات.
والخامسة : ملائكة العناصر.
والسادسة : الموكّلون بالمركبات.
والسابعة : الحفظة الكرام الكاتبون.
والثامنة : خزنة الجنّة
والتاسعة : ملائكة النار.
واختلف في لفظ « ملك » ، فعن الكسائي
أنّ أصله « مَأْلَكْ » بتقديم الهمزة من ألك ألوكاً ألوكة ومألكاً ، ومألكة ، بضم
اللاّم ، وقد يفتح وهي الرسالة ، ويقال للرسول : ألوك ، ويقال امتالك مالكته ، إذا
حمل رسالته ، قيل : وإنّما سميت الرسالة ، ألوكاً لأنّها تولك في الفم ، أي تمضغ ،
قلبت فقدّمت اللام على الهمزة ثمّ تركت همزته لكثرة الاستعمال.
وأنشد أبو عبيدة لجاهلي من عبد القيس.
فَلَست لإنْسي ولكن لَملَأكٍ
|
|
تَنَزَّلَ من جَوِّ السّماءِ يَصُوبُ
|
وعلى هذا فإمّا اسم مكان بمعنى موضع
الرّسالة ، أو مصدر ميميّ ، وإنّما سمّوا بذلك لأنّهم وسائط بين اللّه وخلقه ،
فمنهم رسله إليهم ، ومنهم كالرّسل.
وذهب أبو عبيدة إلى أنّه من لاك بمعنى
أرسل ملأكاً ، وملأكة ، وحينئذ فلا قلب.
وقيل : بل الملك هو الأصل وملاك فرع له
زيدت فيه الهمزة كشمال ؛ وهو من ملكت العجين إذا شددت عجنه.
__________________
وبالجملة فهو بمعنى الشدّة والقوّة
سمّوا بذلك لقوّتهم وقدرتهم على الأفعال الشّاقّة.
وقال الراغب : وقال بعض المحقّقين : هو
من الملك قال : والمتولى من الملائكة شيئاً من السياسات يقال له : ملك ـ بالفتح ـ
ومن البشر يقال له : ملِك ـ الكسر ـ قال : فكلّ ملك ملائكة وليس كلّ ملائكة ملكاً
، بل الملك هو هم المشار إليه بقوله تعالى ( فَالمدبّرات ) و ( المقسمات ) ( والنّازعات ) ونحو ذلك.
ومنه ملك الموت ، قال عزّ وجلّ : ( وَالملك
على أرجائها )
وقال : ( وَما
أُنْزِلَ عَلى المَلَكَيْنِ ببابِلَ )
وقال : ( قُلْ
يَتَوفّاكُمْ مَلَكُ المَوتِ الّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) .
انتهى كلام الراغب بألفاظه.
فقد ظهر أنّ فيه مذاهب أربعة.
وأنّه على أوّلها على وزن معل ، وأصله
على وزن مفعل ، والملائك على مفاعل ويكون جمعه على املاك مخالفاً للقياس ، فإنّ
القياس أن يرد اللفظ في الجمع إلى أصله ولم يفعل فيه ، فقد نزل الفرع لكثرة
استعماله بمنزلة الأصل كقنابر في جمع قنبراء التي أصلها قنبراء.
وعلى الثاني على وزن مفل وأصله على مفعل
من غير قلب ، والملائك على مفاعل ، وأملاك على غير قياس أيضاً ، وعلى الأخيرين على
وزن فعل وجمعه على أملاك هو القياس.
__________________
إلاّ أنّه على الثالث قد يقال فيه ملاك
ويجمع على ملائك.
وعلى الرابع : ملك أصل ، وجمعه أملاك
وملاك أصل آخر وجمعه ملايك ، وعلى الأوّل ملاك على فعأل وملايك على فعايل دون
الأخير.
ويحتمل بعيداً أن يكون الأملاك في البيت
جمعاً لملِك ـ بالكسر ـ بمعنى ذي الملك وبمعناه الملك ـ بالسكون ـ والمليك.
فيكون المراد أنّ الرؤساء والملوك من
العرب والعجم من حوله ، وربّما تأيّد هذا المعنى بما روي عنه من قوله :
يا بائع الدِّين بدنياه
|
|
ليس بهذا أمر اللّه
|
من أين أبغضت علي الرضا
|
|
وأحمد قد كان يرضاه
|
من الّذي أحمد من بينهم
|
|
يوم غدير الخم ناداه
|
أقامه من بين أصحابه
|
|
وهم حواليه فسمّاه
|
هذا علي بن أبي طالب
|
|
مولى لمن قد كنت مولاه
|
فوال من والاه يا ذا العلى
|
|
وعاد من قد كان عاداه
|
«
من » إمّا للابتداء ، أو زائدة ، أو بمعنى
« في » كما في قوله تعالى : ( إِذا نُودِيَ
للصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَة )
على ما قيل
، أو بمعنى « عند » كما في قوله تعالى : ( لَنْ تُغْنيَ
عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَولادُهُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئاً )
أو للتبعيض إن حمل حوله على من حوله تسمّيه للحال باسم المحل ، فكأنّه قال ممّن
حوله.
__________________
« حول »
الشيء : جانبه الذي يحول إليه إذا أراد ، وبمعناه حوليه وحواليه وحواله وأحواله.
« الواو »
للحال ، أو الاعتراض ، أو العطف.
« في »
للظرفية ، أو المصاحبة ، أو الاستعلاء.
قال الراغب : الشهود والشهادة : الحضور
مع المشاهدة إمّا بالبصر ، أو بالبصيرة ، وقد يقال للحضور مفرداً ، قال تعالى : ( عالِمُ
الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ )
إلاّ أنّ
الشهود بالحضور المجرّد أولى ، والشهادة مع المشاهدة أولى .
وقال غيره : الشّهود هو الحضور ،
والشّهادة إخبار بما علم قطعاً ، وأصلها الإخبار بما شوهد أي عُويِن ، ثمّ نزل ما
علم قطعاً منزلة ما عوين فاستعمل فيه الشهادة. ثمّ الشاهد ربّما يطلق على من تحمّل
الشهادة وآن لم يقمها. وشاهد في البيت يحتمل أن يكون بمعنى حاضر وأن يكون بمعنى
متحمل للشهادة. وأن يكون بمعنى عالم.
« من »
موصولة أو موصوفة.
« المولى »
له معان :
منها : الأولى ، وهو أصل المعاني وعمادها
، وجعله بمعناه أبو عبيدة في قوله تعالى : ( فَالْيَومَ لا
يُؤخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الّذِينَ كَفَروا مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ
مَولاكُمْ )
.
واستشهد بقول لبيد :
__________________
فَعَدَتْ كلا الفَرجَيْن تَحسبُ أنّه
|
|
مَولَى المَخافةِ خَلفها وأمامها
|
وقول الأخطل في عبد الملك بن مروان :
فأصْبَحْتَ مَولاها مِنَ النّاسِ
بَعْدهُ
|
|
وأحرى قُريش أنْ يُهابَ ويحْمدا
|
وكذلك ابن قتيبة والفرّاء وغيرهما.
ومنها : مالك الرق.
ومنها : المعتق.
ومنها : ابن العم ، كما في قوله تعالى
حكاية : ( وَإِنّي خِفْتُ المَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) .
وقوله :
مهلاً بَني عَمِّنا مَهلاً مَوالينا
|
|
لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا
|
ومنها : الناصر ، كما في قوله تعالى : ( فَإِنَّ
اللّهَ هُوَ مَولاهُ وَجِبْرِيل وَصالِحُ الْمُؤْمِنينَ ) .
ومنها : ضامن الجريرة.
ومنها : الحليف.
__________________
كما قال : « موالي حلف لا موالي قرابة »
.
ومنها : الجار ، كقوله : « مولى اليمين
ومولى الجار والنسب » .
ومنها : الإمام السيّد المطاع.
ومنها : العاقبة ، وعليه حمل بعضهم قوله
تعالى : ( مَأْواكُمُ النّارُ هِي مَولاكُمْ ) .
ومنها : العبد.
ومنها : الصاحب.
ومنها : القريب.
ومنها : الابن.
ومنها : العم.
ومنها : النزيل.
ومنها : الشّريك.
ومنها : ابن الأُخت.
ومنها : الربّ.
ومنها : المنعم.
ومنها : المنعم عليه.
__________________
ومنها : المحبّ
ومنها : التابع.
ومنها : الصهر.
ومنها : ما يلي الشيء مثل : خلفه وقدّامه
، وعليه حمله بعضهم في شعر لبيد ، وسيتّضح لك المراد هنا من معانيه إن شاء اللّه
عند ذكره.
« الفاء »
هي التي يؤتى بها في جزاء الشرط ، وإنّما أُتي بها هنا لتضمن المبتدئ معنى الشرط.
« ها »
على وجهين : اسم ، وحرف.
والاسم منه على وجهين : اسم فعل بمعنى «
خذ » و « يمد » ويلحق بهما كاف الخطاب ، وضمير للمؤنّث الغائب.
والحرف منه ؛ موضوع للتنبيه ، وهي في
الأكثر لا تدخل إلاّ في أحد مواضع أربعة :
أحدها اسم الإشارة إذا لم يكن مختصّاً
بالبعيد نحو : هذا وهؤلاء وهاهنا بتخفيف النون ، بخلاف هنا بتشديد النون و « ثم »
و « ذلك ».
والثاني : مضمر منفصل وقع مبتدأ خبره
اسم إشارة ، نحو : ها أنتم أُولاء.
والثالث : بعد أي في نداء المعرف وهو
فيه لازم ، فتارة يكون مع اسم الإشارة نحو : يا أهذا الرجل ، وقد يكون لا معها نحو
: يا أيّها الرجل ، وفي الارتشاف ولا يحفظ يا أيهذان الرجلان ، ولا يا أيّها ولاء
الرجال ، والقياس يقتضي جوازه.
والرابع : قبل لفظ « اللّه » إذا كان
مقسماً به وحرف القسم محذوف نحو : ها اللّه لأفعلن ، بقطع همزة « اللّه » ووصلها ،
وكلاهما مع إثبات ألفها وحذفها.
وذهب الخليل إلى أنّ « ها » الداخلة على
اسم الإشارة يفصل بينها وبينه
كثيراً إمّا بضمير
المرفوع المنفصل نحو : ها أنتم أُولاء ، وإمّا بالقسم نحو : ها اللّه ذا. وقوله :
وتَعَلَّمَنْ ها ، لَعَمْرُ اللّهِ ذا
قَسماً
|
|
فاقدِر بذَرْعِكَ وانظرْ أيْنَ
تَنْسلِكُ
|
وقليلاً ، بغيرهما ، كقول النابغة
الذبياني :
ها إن تاعذرة إن لم تكن قبلت
|
|
فإنّ صاحبها قد تاه في البلد
|
وقول الآخر : فقلت لهم هذا لها ، ها ،
وذا ليا .
فالأصل عنده في هذه الأمثلة أنتم هؤلاء
، واللّه هذا ، ولعمر اللّه هذا ، وإنّ هاتا وهذا ليا.
قال نجم الأئمة ( رضوان اللّه عليه ) :
والدّليل على أنّه فصل حرف التنبيه عن اسم الإشارة ما حكى أبو الخطّاب عمّن يوثق به : هذا أنا أفعل ، و : أنا
هذا أفعل في موضع : ها أنا ذا أفعل.
__________________
وحدّث يونس : هذا أنت تقول كذا .
واستدلّ من خالف الخليل فذهب إلى أنّ
حرف التنبيه في موضعه غير مفصول بينه وبين ما يتّصل به بنحو قوله تعالى ( ها
أَنْتُمْ هؤلاء )
فإنّ « ها »
الأُولى لو كانت هي الداخلة على اسم الإشارة لم تعد بعد أنتم.
قال نجم الأئمة : ويجوز أن يعتذر للخليل
بأنّ تلك الإعادة للبعد بينهما ، كما أعيد ( فَلا تَحسبنَّهم )
، لبعد قوله : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُون ).
ـ قال : ـ وأيضاً قوله تعالى : ( ثُمَّ
أَنْتُمْ هؤلاءِ تَقْتُلُونَ )
دليل على
أنّ المقصود في ( ها أنتم أولاء ) ، هو الذي كان مع اسم الإشارة ، ولو كان في صدر
الجملة من الأصل لجاز من غير اسم الإشارة نحو : ها أنت زيد ، وما حكى الزمخشريّ من
قولهم : ها انّ زيداً منطلق ، وها أفعل كذا
، ممّا لم أعثر له على شاهد ، فالأولى أن نقول : إنّ « هاء التنبيه » مختصّ باسم
الإشارة ، وقد يفصل منه كما مرّ ، ولم يثبت دخولها في غيره من الجمل والمفردات . انتهى بألفاظه.
وفي كتاب : « ألف با » لابن الشيخ :
أنّها للتنبيه في قولك : ها زيد إذا ناديته ، وأُختها الهمزة لأنّك تقول في النداء
: أزيد ، وكثيراً ما تفعل العرب هذا يقولون : أرقت الماء وهرقت ، وأم واللّه ، وهم
واللّه. حولوا الهمزة هاءً لقرب المخرج قال : والمراد بالهاء التي للتنبيه إيقاظ
الغافل وتنبيهه لسماع الكلام الوكيد.
« اللام »
للاستحقاق ، أو شبه الملك.
__________________
« الفاء »
للعطف.
« رضي »
عن فلان وعليه وبفعله : يرضى رضى ورضواناً بكسر أوّلهما وقد يضمّ ومرضاة : ضدّ سخط
، والاسم الرضاء ، وأرضيته عنّي أو رضيته ـ بالتشديد ـ فرضي وترضيته أرضيته بعد
جهد.
« قنع »
يقنع كفرح : قناعة اجتزأ
باليسير ، وكمنع قنوعاً : سأل وتذلّل ورضي باليسير ، قال تعالى : (
وَأَطْعِمُوا القانِعَ وَالمُعْتَرَّ )
أي السائل.
وقيل : إنّ القانع هو السائل الذي لا
يلحّ في السؤال ، ويرضى بما يأتيه عفواً فيرجع إلى الأوّل. قال الشاعر :
لمال المرء يصلحه فيغني
|
|
مفاقره أعفّ من القنوع
|
وقد روى الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن
بابويه في كتاب « معاني الأخبار » بإسناده عن الإمام أبي عبد اللّه جعفر بن محمد
الصادق صلوات اللّه عليه في قول اللّه عزّ وجلّ : ( فَإِذا وَجَبَتْ
جُنُوبَها )
.
قال : إذا وقعت على الأرض ( فَكُلُوا
مِنْها وَأَطْعِمُوا القانِعَ وَالْمُعْتَرَّ )
قال : القانع الذي يرضى بما أعطيته ولا يسخط ولا يكلح ولا يزبد شدقه غضباً ،
والمعتر المار بك تطعمه.
وروى أيضاً بسنده عن سيف التمّار قال :
قال لي أبو عبد اللّه 7
: إنّ
__________________
سعيد بن عبد الملك
قدم حاجا فلقي أبي 7
: إنّي سقت هدياً فكيف أصنع؟ فقال : أطعم أهلك ثلثاً وأطعم القانع ثلثاً وأطعم
المسكين ثلثاً ، قلت : المسكين هو السائل؟ قال : نعم ، والقانع يقنع بما أرسلت
إليه من البضعة فما فوقها ، والمعتر يعتريك لا يسألك . ثمّ قال الصدوق ; : وأصل القنوع الرجل يكون مع الرجل
يطلب فضله ويسأله معروفه ، قال : ويقال : من هذا القنوع قنع يقنع قنوعاً.
وأمّا القانع الراضي بما أعطاه الله عزّ
وجلّ فليس من ذلك ، يقال منه قنعت أقنع قناعة ، وهذا بكسر النون وذلك بفتحها ،
وذاك من القنوع ، وهذا من القناعة. انتهى لفظه.
الإعراب :
جملة البيتين الأوّلين عطف على جملة :
فقال لو أعلمتكم ، إلى تمام البيتين ، أو على جملة : أتوا أحمدا ، الى الخمسة
الأبيات.
« أتته »
: فعل ومفعول وهو الضمير العائد الى أحمد ، وقد عرفت أنّ الفعل يحتمل التأنيث
والتذكير بعد « ذا » مركب إضافي منصوب على الضرفية ولا يخرج بعد عن الضرفيّة إلّا
إذا جرّ ، ولا يجرّ إلاّ بـ « من » وله حالتان ؛ لأنّه إمّا أن يكون مضافاً أو لا.
وعلى الأول إمّا أن يكون ما أُضيف إليه
مذكوراً أو لا ، فإن لم يكن مضافاً أو كان وقد ذكر المضاف إليه ، كان معرباً
منصوباً على الظرفيّة أو مجروراً بـ « من ».
__________________
أمّا الثاني فظاهر. أمّا الأول فكما قيل
في قوله :
ونحن قتلنا الأزد أزد شنوءة
|
|
فما شربوا بعداً على لذّة خمرا
|
وقيل : بل هو أيضا مضاف. والتنوين عوض
عن المضاف إليه ، ومثله قبلاً في قوله :
فساغ لي الشراب وكنت قبلاً
|
|
أكاد أغص بالماء الفرات
|
وقد قرئ شاذّاً قوله تعالى : ( للهِ
الأمرُ من قبل ومن بعد )
بالكسر
والتنوين.
وإن لم يكن المضاف إليه مذكوراً ولكن
كان منوباً ، بًني على الضمّ لمشابهته الحرف في الاحتياج إلى معنى المضاف إليه.
قال نجم الأئمة ( رض ) : فإن قلت : هذا
الاحتياج حاصل مع وجود المضاف إليه فهلا بني معه كالموصلات تبنى مع وجود ما تحتاج
إليه ( من صلتها ) ؟
قلت : لأنّ ظهور الإضافة يرجّح جانب
الاسمية ، لاختصاصها بالأسماء .
وإنّما بني على الضّم.
قيل : ليصلح عوضاً عن المحذوف فإنّه أمر
معتدّ به والحاجة إليه شديدة فناسب أن تعوّض عنه الضمّة التي هي أثقل الحركات.
__________________
وقيل : ليكون علماً في البناء فإنه إذا
أُعرب لم يقبل من الحركات إلا الفتح والكسر.
وقيل : ليكمل له جميع الحركات ، فإنّه
لا يقبل معرباً إلاّ حركتين.
وقيل : في وجه إيثار البناء فيه على
تعويض التنوين من المضاف إليه أنّه قليل التصرّف ، والبناء يناسب عدم التصرّف إذ
معناه عدم التصرّف الإعرابي.
وجميع ما قيل هنا جاري في جميع الظروف
المقطوعة عن الإضافة المسماة بالغايات.
وقد حكى الفرّاء عن بعض العرب من قبل
بالكسر من غير تنوين وقبل بالفتح من غير تنوين.
وقد قريء قوله تعالى : ( للهِ الأَمْرُ
مِن قَبلُ وَمِن بَعد )
بالكسر من
غير تنوين ، ولعلّه على نيّة ثبوت المضاف إليه كما قيل ليس غير بالفتح من غير
تنوين فنية المضاف إليه على وجهين : أحدهما أن يقرب شديداً من الذّكر فيكون المضاف
حينئذٍ بحكمه حين الذّكر ، والآخر أن يقرب من الحذف نسياً فحينئذٍ يبنى المضاف.
« عزمة »
فاعل أو مضاف إليه لفاعل محذوف حتى يكون الأصل كلام عزمة ، أو أمر عزمة ، أو مقالة
عزمة أو ما أشبه ذلك ، والإضافة بأدنى ملابسة فإنّك قد عرفت أنّ الإتيان في
المتعارف إنّما ينسب الى الكلام لا الى معناه ، وحينئذٍ يكون من المجاز بالنقصان
وهو المسمّى عند القدماء بالمجاز في حكم الكلمة وهو الكلمة التي جوّز بها عن حكمها
الأصلي بحسب الإعراب ، بحذف شيء من الكلام إمّا بحذف مضاف إليها وإقامتها مقامه
وإعرابها بإعرابه كقوله تعالى : ( وَاسأَلِ القَريَة )
لكونه في الأصل « واسأل أهل القرية » فخرجت القرية عن
__________________
الجرّ الذي كان لها
في الأصل إلى النصب.
أو بحذف حرف جرّ كقوله تعالى : ( وَاختارَ
مُوسى قَومَهُ )
فإنّه في
الأصل « من قومه » أو « لقومه » فهو أيضاً خرج عن الإعراب الأصلي له ، أعني :
الجرّ الى النصب.
وقد لا يكون بين ما خرجت عنه الكلمة وما
خرجت إليه افتراق في الصورة كأن يقال : عليك بسؤال القرية ، فإنّ القرية مجاز مع
أنّها في الحالين مجرورة إلاّ أن الجرّ عند ذكر أهل بكونها مضافاً إليها الأهل ،
وعند الحذف بكونها مضافاً إليها السؤال.
أو نقول قد اختلف الحالان بالمحلّ ،
فإنّ محلّها النصب الآن وعند ذكر أهل محلّها الجر وهو أولى من الأول كما لا يخفى ،
والوجهان لا يجريان اذا جعل الجر فيها هو الذي كان ، فبقي بعد حذف الجار كقوله
تعالى : ( وَاللهُ يُريدُ الآخرة )
بالجر ، وقولهم : « الله لأفعلنّ » ، وقوله : « أشارت كُليبٌ بالأكفّ الأصابع » .
قال الرازي في نهاية الايجاز : واعلم
أنّه لا ينبغي أن يجعل وجه المجاز في ذلك مجرّد الحذف ، لأنّ الحذف إذا تجّرد عن
تغيّر حكم من أحكام ما بقي بعد الحذف لم يسمَّ مجازاً ، ألا ترى أنّهم يقولون :
زيد منطلق وعمرو فيحذف الخبر ،
__________________
ثمّ لا يوصف جملة
الكلام من أجل ذلك بأنّها مجاز؛ لأنّه لم يؤد الى تغير حكم فيما بقي ، وأيضاً
فالمجاز اذا كان معناه أن يجوّز بالشيء أصله ، فالحذف بمجرده لا يستحق الوصف بذلك
؛ لأنّ ترك الكلمة وإسقاطها من الكلام لا يكون نقلاً لها عن اصلها ، لأن النقل
إنما يتصور فيما يدخل تحت النطق وإذا امتنع وصف المحذوف بالمجاز بقي القول فيما لم
يحذف ، وما لم يحذف ودخل تحت الذّكر لا يكون زائلاّ عن موضعه حتى يتغير أحكامه.
انتهى مقاله بلفظه.
وقال السكاكي : ورأيي في هذا النوع أن
يعد ملحقاً بالمجاز ومشبهاً به لما بينهما من الشّبه ، وهو اشتراكهما في التعدي عن
الاصل الى غير الاصل ، لا أن يعد مجازاً ، قال : وبسبب لم أذكر الحدّ يعني حد المجازً
ًًًًًشاملاً له ولكن العهدة في ذلك على السلف.
ثم تأنيث الفعل ان كان مؤنثا إما علىً
تقدير عدم الحذف فوجهه ظاهر ، وكذا إذا كان المضاف المحذوف مؤنثاً كمقالة.
وأما اذا كان المضاف المحذوف مذكرا فلأن
من القواعد المقررة أنه اذا كان المضاف المحذوف مؤنثا وكان مضافاً الى مذكر ، أو
مذكراً وكان مضافاً الى مؤنث فيجوز اعتبار التذكير والتأنيث ، يقال : فقيء زيد ،
بتقدير « عين زيد » ، وجدعت هند وجدع هند ، على تقدير « أنف هند ».
« من ربّه »
: ظرف مستقرّ صفة ل « عزمة » أي عزمة كائنة من ربه أي مبتدئة منه آتية من جنابه ،
والإضافة في ربه إن كن الرب مصدراً أو أسماً موضوعاً بمعنى اسم الفاعل ؛ فلفظية ،
فإنّها الى المفعول.
وإن كان صفة مشبّهة فمعنوية لامية حمله
ليس لها مدفع إما صفة أخرى ل « عزمة » أو حال عنها.
جملة المصراع الذي بعد ذلك عطف بيان ل
« عزمة » ، او خبر لمبتدأ محذوف
والتقدير هي : أبلغ.
الخ.
ثم إن كان المراد من العزمة الكلام
المشتمل عليها كان لفظ الجملة البيانية بياناً لها ولكن على سبيل الحكاية بالمعنى
، فكأنه قيل إنّها كلام معناه معنى هذا الكلام.
وكذلك إن قدر مضاف الى عزمة كانت هذه
الجملة بياناً لذلك المضاف بذلك الاعتبار.
وإن لم يكن شيء من الامرين كان البيان
معنى تلك الجملة ، فكأنه قال : هي طلب الإبلاغ والوعيد بأنه ان لم يبلغ لم يكن
مبلغاً ، وهذا الاحتمال جاري على تقدير المضاف أيضا ، بأن تكون الجملة بياناً
للمضاف إليه لا المضاف.
« أبلغ »
جملة فعلية مفعولها محذوف أي أبلغ ما انزل إليك من أن غايتهم ومفزعهم بعدك وخليفتك
عليهم من هو.
الجملة الشرطية استئناف أو اعتراض ،
وفعل الشرط محذوف أي إلا تبلغ ذلك. وجملة الجواب إما استقبالية أو ماضية ، فإن
مبلغاً إما أن يكون منزلا منزلة اللازم والمعنى لم يكن موصوفاً بصفة الإبلاغ أي
الرسالة فكأنه قيل : وإن لم تبلغ ذلك لم تكن رسولاً أي خرجت عن الرسالة ، وحينئذٍ
فالجملة استقبالية.
وإما أن يكون مفعوله مقدرا والتقدير :
وإلا لم تكن مبلغاً لما أبلغته من الرسالات ، وحينئذ فالجملة ماضية ويكون المراد
بها :لم يتعد بما أبلغته من الرسالات لتصير مستقبلة ، كما يؤول نحو : لم يعتد بما
أبلغته من الرسالات لتصير مستقبلة ، كما يؤول نحو : إن اكرمتني الآن فقد أكرمتك
أمس.
وإما أن يكون التقدير : وإلا لم تكن
مبلغا لما يجب عليك ان تبلغه ، اي ان لم تبلغ هذا الامر العظيم فلا تبلغ غيره ،
وحينئذٍ فالجملة مستقبلة ، ولكنها محتملة لوجهين :
أحدهما : ما هو الظاهر المتبادر منها :
من أنك ان لم تهتم بهذا فأولى أن لا
تهتم بغيره.
والآخر : نظير معنى متلوه : من أنك إن
لم تبلغ هذا لم يعتد بما تبلغه من غيره.
وإما أن يكون التقدير : وإلا لم تكن
مبلغا لشيء ، بمعنى لم يعتد بإبلاغك لشيء مما مضى ومما سيأتي.
المصراع الآخر استئناف آخر ، كأنه قال :
كيف أُبلغ ذلك وإني من الخوف منهم على الحد الذي تعلم ، او اعتراض ، او حال عن
فاعل أبلغ ، وهذا على تقدير كون الشرطية معترضة.
« الله »
مبتدأ خبره « عاصم ».
« منهم »
متعلق به .
« يمنع »
إما بفتح النون ؛ ومفعولاه مقدران ، أي : يمنعهم منك ، أو منزل منزلة اللازم ، أي
: من شأنه منه الأذى ، أو بضم النون ، أي : يمنع.
فعلى الأول : جملة « يمنع » إما خبر أخر
، او حال عن « الله » ، أو عن ضميره الذي في « عاصم » ، أو بيان للجملة الاسمية؛
كأنه قال : اي يمنع أذاهم منك ، أو صفة مؤكدة ل « عاصم ».
وعلى الثاني : تجري تلك الوجوه إلا
كونها بياناً وإلا كونها مؤكدة ، بل إن كانت صفة كانت مقيدة.
وكذا على الثالث.
« فعندها »
الى تمام ثلاثة أبيات : عطف على جملة « أتته بعد ذا عزمة » ان كانت الفاء للعطف والظرف
متعلق ب « عزمة » ، فإن كان المراد منها الايجاب الحتمي فالامر ظاهر ، وان كان
المراد بها الكلام الدال على ذلك فالمراد عند اتيانها اما بتقدير المضاف ، أو
بعنايته ، أو الضمير عائد اليها ، بمعنى الايجاب على طريق الاستخدام. ويحتمل إرجاع
الضمير الى الساعة
المفهومة من الكلام
، أي « في تلك الساعة » ، والاتيان بهذا الظرف لمجرد التوكيد لما يفهم من الفاء من
معنى التعقيب بلا إمهال أن كانت الفاء عاطفة وإلا فهو تأسيس.
« قام »
ان كان بمعنى انتصب أو وقف ، كان « النبي » فاعلاً له ، وجملة « يخطب » حالا عنه.
وان كان بمعنى طفق كان « النبي » اسمه
والجملة خبره ، أو الجملة ايضا حال والخبر جملة « يقول » الخ.
الموصول بصلته صفة مدح للنبي إن كانت «
ما » في « بما يأمره » موصولة كان العائد عليه محذوفا ، أي « بما يأمره به ».
وان كانت مصدرية ، فلا تقدير وهذا الجار
والمجرور أعني : بما يأمره ، متعلق ب « يصدع » ان كانت الباء للتعدية ، وان كانت
للسببية أو الاستعانة كان الظاهر ذلك.
واحتمل التعلق بكان على مذهب من جوز ذلك
وجملة « يصدع » خبر كان.
ثم ان كانت الباء للسببية أو الاستعانة
كان ل « يصدع » مفعول محذوف ، أي : يصدع الحق والباطل ، اي كلا منهما عن الآخر ،
أو جماعاتهم. « مأموراً » حال عن فاعل « يخطب » ، أو قام ومفعوله الثاني المقرون
بالباء محذوف ، أي مأموراً بالخطبة أو القيام أو بهما أو بالإبلاع أو بالجميع ،
والجملة بعده حال أخرى عنه والظرف مستقر رافع ل « كف علي ».
ويحتمل اسمية الجملة على رأي كما عرفت.
« ظاهراً »
حالاً عن « كفّ علي » ان كان فاعلا للظرف ، وان كان مبتدأ فإما حال عنه أو عن
ضميره الذي في الظرف.
وإن كان بمعنى « عالياً » لزم تقدير
متعلق له ، أي عالياً على كفه أو على
سائر الأكف ،
وتذكيره مع تأنيث الكف مبني على تأويلها بالعضو ، ومما وقع فيه تذكير الكف بخصوصها
للتأويل المذكور ، قوله :
أرى رَجُلاً منْكُم أسيفاً كأنّما
|
|
يَضُمُّ الى كَشْحِيْةِ كَفّا
مُخَضَّباً
|
«
يلمع » إمّا حال أُخرى ، أو حال عن الضمير
الذي في « ظاهراً » أو صفة لـ « ظاهر » أو إن كان بمعنى بشير فهو حال عن « كفه »
أو عن ضمير أو عن فاعل يخطب وحينئذٍ فله متعلّقان مقدّران ، أي يلمع بيده الى عليّ
، أو الى كفه وهذا إن لم يكن حالاً عن كفه ، وإلا فيقدّر له المتعلق الثاني فقط
ويكون إسناد اللمع الى كفه مجازيّاً.
ويجوز أن يُقرأ « يلمع » مبنيّاً
للمفعول ، وحينئذٍ فإما حال عن « كفه » أو عن : « كف علي » فإن كان الأول كان
المعنى يلمع بها ، وإن كان الثاني كان المعنى يلمع إليها.
وعلى التقديرين ففيه حذف وإيصال.
وعلى الأول فمفعوله الثاني مقدر.
وعلى الثاني يقدر مفعوله الأول.
أو حال عن علي ، أي بلغ إليه ، وحكمه حكم
الثاني.
« رافعها »
منصوب حال أخرى عن فاعل « يخطب » ، أو « عن كفه » او عن ضمير كفه ، ولما كانت
الإضافة فيه لفظية جاز أن يقع حالأ.
لا يقال : كيف تكون لفظية واسم الفاعل
بمعنى الماضي.
لأنّا نقول : إمّا على مذهب الكسائي
فإنّه يجوز العمدة مطلقاً ، تمسّكاً بقوله
__________________
تعالى : ( جعََلَ
اللَّيل سكناً )
. ( وكلبهم
باسط ذراعيه بالوصيد )
ونحوهما.
وإما على حكاية الحال الماضية ، ومعنى
حكاية الحال أن يقدر ان ذلك الفعل الماضي واقع في الحال ، كما في قوله تعالى : ( فلم تقتلون
أنبياء الله )
وقد أجاز
يونس والبغداديون وقوع الحال معرفة على أنه ربما وقعت الحال بصورة المعرفة فيأولها
الذين يشترطون التنكير الى النكرة كفعلته جهدي ، وأرسلها العراك ونحوهما ، فيجوز هنا
أيضا أن يقال انه معرفة قائم مقام النكرة.
ثم ان ما احتملناه من وقوع الحال عن
ضمير « كفهّ » ، أوعن « علي » مبنيّ على ماذهب إليه المالكي من جواز وقوع الحال
اذاكان المضاف اليه المضاف جزءاً له كقوله تعالى : ( َوَنزعنا ما ِفي
ُُصدوِِرهم من ِغّل إخواناً )
أو كجزء ،
كقوله تعالى : ( واتَّبَعَ مِلّةَ إِبراهيمَ حَنيفاً ) .
وجوز بعضهم الحال عنده مطلقاً كقولك :
جاءني غلام هند ضاحكة.
[
أكرم ]
صيغة افعل به ، صيغة تعجب ، واتفقوا على أنه فعل الا ابن الانباري فقد نص على انه
اسم.
ثم اختلفوا فذهب جمهور البصريين الى ان
صورته صورة الامر ومعناه خبر ، والهمزة للصيرورة ، فمعنى احسن بزيد : احسن زيدٌ ،
اي صار حسناً ، والباء زائدة وما بعدها فاعل ، وزيادة هذه الباء لازمة الا قبل «
إن » أو « أن » كما قال الشريف الرضي الموسوي رضي الله عنه :
__________________
أهوِن عليك إذا امتَلاَتَ مِنَ الكَرى
|
|
أنّي أبيتُ بليلة المَلسُوعِ
|
وكما قال الآخر:
وقالَ أميرُ المسلمينَ تَقَدّموا
|
|
وأحبب إلينا أن نكونَ المُقدّما
|
وقال آخر :
تردّد فيها ضوؤها وشعاعها
|
|
فأحسن وأزين لامرئ أن تسربلا
|
ومنع بعضهم من اسقاطها قبل ان و « أن »
و « ايضا » وذهب الزجاج والفراء وابن خروف وجماعة الى أنه امر حقيقة ، كما انه امر
صورة.
والباء زائدة وما بعدها مفعول. واختلفو
في فاعله فقال ابن كيسان وتبعه ابن الطرواة أنه ضمير عائد الى المصدر ، كأنه قيل
يا حسن أحسن بزيد ، أي ألزمه ودم به.
وقيل : بل الفاعل ضمير المخاطب ، ولم
يختلف بأختلافه إفراداً وتثنية وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً ، لأنه جرى مجرى المثل ،
فمعنى أحسن بزيد : اجعل زيداً حسناً ، أي صفه بالحسن كيف شئت فإن فيه من الحسن كل
ما يمكن ان يكون في شخص ، كما قال :
وَقَد وَجدتَ مَجالَ القَولِ ذا سَعَةٍ
|
|
فَإِن وَجَدتَ لِساناً قائلاً فَقُلِ
|
__________________
وقد يؤكّد بالنون فيقال : أحسنن بزيد.
وقد يحذف معموله اذا علم ، كقوله تعالى
: ( أَسمِع بِهِم وَأَبصِر ) .
والجملة التعجبية في البيت اعتراض او
حال عن فاعل « رافعها » ومفعوله ، أو عن « الكفين » ان كان رافعها حالا عن كفه ،
وذلك بالتأويل الى الاخبار ، اي مقولا في شانهما كذا ، أو متعجبا من شأنهما.
« يقول »
اما خبر ل « قام » او حال اخرى عن فاعل يخطب ، او بيان ل « يخطب » على ان يكون
المراد بالخطبة مطلق الكلام ، او حال اخرى عن فاعل « قام » ان كان فعلا تامّاً و «
يخطب » حالا عن فاعله ، أو حالا أولى عنه ان كان ناقصاً و « يخطب » خبره او خبر
بعد خبر ل « قام » او معطوف على « يخطب » وقد حذف العاطف.
وقد حكى ابو زيد : اكلت خبزاً لحماً
تمراً ، وأبو الحسن : أعطه درهماً درهمين ثلاثة.
وقد خرج على نحو ذلك ( وُجُوهٌ
يَومَئِذٍ ناعِمَةٌ )
، و ( إِنَّ
الدَّينَ عِندَ الله الإسلام )
على قراءة
فتح « أن » ، ( ولا على الذّيِنَ إذا أتوكَ لِتَحمِلَهُم قلت
لا أَجِدُ )
أي وقلت.
وقوله :
إِنَّ امرَأَ رَهطُهُ بالشامِ
مَنزِلُهُ
|
|
بِرَملِ يَبرِينَ جاراً شَدَّ ما اغتَربا
|
وقد نصّ جماعة منهم الفارسي وابنا مالك
وعصفور على جواز ذلك ،
__________________
وعن ابن جنّي
والسهيلي المنع من ذلك. وللمانعين تأويلات لامثال تلك الأمثلة مناسبة للمقام ؛
فيحملون المحكيين على الأضراب والآية الأولى على الفصل والثانية على البدل ، ومن
أن الأولى مع صلتها أو من القسط.
والثالثة على أن « قلت » هو الجواب
وقوله « تولوا » استئناف بياني ، والبيت على أن الجملة الثانية صفة.
« الأملاك »
مبتدأ.
« من حوله »
ظرف مستقر خبره ، والجملة حال من فاعل « يقول ».
جملة : « والله فيهم شاهد »
إما حال أخرى عن فاعل « يقول » او حال عن ضمير « الأملاك » المستكن في « من حوله »
أو معترضة أو معطوفه على الجملة الأولى الحالية.
« الله »
مبتدأ و « فيهم »
إما خبر و « شاهد »
خبر أخر ، أو « شاهد » خبر و « فيهم » متعلق به ، أو حال عن الله أو عن ضمير الذي
في « شاهد » وعلى الثاني لا يكون « شاهد » إلاّ بمعنى حاضر. وعلى البواقي تحمله
وأن يكون ، بمعنى متحمّل للشهادة ؛ وعلى هذا الاحتمال يكون له متعلّق مقدّر ، أي
شاهد عليهم أو شاهد بما قاله ، وان كان الجملة معترضة يحتمل أن يكون « شاهد »
نازلا منزلة اللازم بمعنى « عالم » أي من شأنه العلم ، أو بمعنى متحمل للشاهدة ،
وعلى هذا يكون كل منه ومن فيهم خبراً.
« يسمع »
ان أُبقي على التعدي كان مفعوله مقدراً ، أي : يسمع ما قاله ، وان نزل منزلة
اللازم كان بمعنى « سميع » اي ذو العلم بالمسموعات ، وهو على التقديرين خبر آخر
للمبتدأ أو صفة لشاهد.
وعلى الأول يحتمل ان يكون حالا عن ضمير
« شاهد » أو عن « الله ».
وعلى الثاني أيضا يحتمل الحالية لكنها
تكون من الاحوال الثابتة.
جملة : « مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا لَهُ
مَولى » مقول القول ، وفي الحكاية أدنى تغيير لضرورة الوزن كما سيظهر ان شاء الله.
« من »
مبتدأ « كنت مولاه
» صلته أو صفته.
« هذا »
مبتدأ آخر « له مولى »
: خبره. والجملة خبر « من له » إما متعلق بمولى ؛ لكونه في الاصل مصدرا ويجوز
تقديم معمول المصدر عليه اذا كان ظرفا لشدة الاتساع فيه والاكتفاء فيه برائحة من
الفعل ، او لكونه اسماً موضوعا لمن قامت به الولاية ، فانه حينئذٍ بمعنى اسم
الفاعل او الصفة المشبهة او ظرف مستقر و « مولى » خبر للعامل المقدر للظرف ان قدر
كائن او يكون ، او حال عن الضمير المستقر في الظرف من ذلك العامل ، اي موجود ، او
حاصل له مولى كما يقال : فلان موجود شاعراً ، أو ظرف مستقرّ حال عن مولى ان جاز
وقوع الحال عن الخبر ، أو صفة لمولى تقّدمت عليه ان جاز تقدم الصفة على الموصوف
فإنّ منهم من جوّزه على ضعف وهذا أوفق معنى من الكل ، فانه لا شبهة في أنّ اصل
الكلام : فهذا ؛ لما اراد تقديم المضاف اليه على المضاف ولم يمكن مع بقاء الاضافة
ردّ المضاف اليه إلى أصله الذي كان مقروناً بلام الاختصاص وكان صفة للمضاف.
جملة « فلم يرضوا »
عطف على جملة : «
قام » إلخ ، ومعمول الرضا مقدر ، اي فلم
يرضوا بذلك ، وكذا « لم يقنعوا ».
المعنى :
ثم جاء النبي 6 بعد ما ردّهم بما مرّ ما يتضمن ايجاباً
محتوماً ، أو جاء ايجاب محتوم كائن مبتدئ من جانب ربّه من صفته أنّه ليس له دفع ،
أو مكان دفع ، أو زمان دفع ، أو حال كونه لا مدفع له وذلك الايجاب المحتوم ، او
الكلام الدال عليه أبلغ إليهم أنّ مفزعهم بعدك من هو وإلاّ تبلّغ إليهم ذلك فلا
تبلّغ شيًئاً ممّا يُوحى
إليك ، أو فلا
تعتد بما تبلغه بما بلغته ، او فلا تكون مرسلا اي تخرج عن مرتبة الرسالة ، وإن خفت
منهم فألله حافظٌ منهم مانعٌ منك أذاهم وشرورَهم ، أو من شأنه منع الاذى أو منيع
عزيز ، فعند ذلك الايجاب أو إتيانه أو إتيان الكلام المشتمل عليه انتصب أو وقف
النبيّ الذي كان يصدع بما يأمره به ربّه أو يأمر ربه إيّاه.
ومناسبة الوقوف لكونه في أثناء سيره من
مكة الى المدينة شرفهما الله تعالى ، والحال أنّه كان يخطب أو طفق يخطب حال كونه
مأموراً بذلك ؛ والحال أنّ في كفّه كفّ عليّ 7
ظاهرة أو عالية على كفّه أو سائر الأكف ؛ والحال أنّها تضيء أو بارزة ، أو أنها
يشار إليها ؛ أو والحال أن علّياً يشار إليه ؛ أو أنّه 6 يشير بكفّه الى عليّ ، او أنّ كفه يشير
إليه ؛ والحال أنه 6
أو أنّ كفّه رافع لكفّ عليّ 7.
ثمّ اعترض بالتعّجب عن كرم الكفّين كف
الرافع وهو النبيّ 6
والكف المرفوعة وهو كفّ علي 7.
ثمّ قال : والحال حين خطبته أو حين
قيامه أنّه كان يقول أو بيّن خطبته بأنّه كان يقول أو ويقول ، أو طفق حال كونه
يخطب يقول ؛ والحال أنّ الملائكة أو الملوك مبتدئون من حوله ، أي مبدأ صفوفهم حوله
، أو أنّهم حوله أو في حواليه أو عند حواليه أو ممّن حوله والله حاضر فيهم ، أو
كائن فيهم وحاضر عندهم أو وشاهد عليهم ، أو بما قاله ، أو ومن شأنه الحضور أو
الشهادة ، أو وعالم بما قاله ، أو ومن شأنه العلم ، أو والله حال كونه فيهم شاهد ،
أو شاهد حال كونه فيهم وحال كونه يسمع ما قاله أو سميعا ، أو والله يسمع ما قاله ،
أو سميعٌ أو والله شاهد يسمع أو سميع.
ثم بيّن المقول وهو « من كنت مولاه فهذا
له مولى » أي الذي أو شخص أي :
كلّ من كنت أولى به
من كلّ أحد ومن نفسه فهذا ـ أي عليّ ـ أولى به من كلّ أحد غيري ومن نفسه ، فلم يرض
الأصحاب الذين هم بدأوه بالسؤال عن المفزع ، بما قاله ولم يقنعوا بذلك ، فإن كلاً
منهم أراد أن ينص النبي 6
على كونه الخليفة والمفزع.
وتفصيل هذا الإجمال : أنه روى صاحب
الاحتجاج فقال : حدّثني السّيّد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب العلوي
الحسيني
( رض ) قال : أخبرنا أبو عليّ الحسن بن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن
الطوسي ( رض ) قال : أخبرنا الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر قدس الله روحه ، قال :
أخبرني جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري قال : أخبرنا أبو عليّ محمد بن
همام ، قال : أخبرنا عليّ السيوري قال : أخبرنا أبو محمد العلوي من ولد الأفطس ـ وكان من عباد الله
الصالحين ـ قال : حدّثنا محمد بن موسى الهمداني ، قال : حدّثنا محمد بن خالد
الطيالسي ، قال : حدّثنا سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعاً عن قيس بن سمعان ، عن
علقمة بن محمد الحضرمي ، عن أبي جعفر محمد بن علي 8
أنه قال :
حجّ رسول الله 6 من المدينة وقد بلَّغ جميع الشرائع
قومه غير الحج والولاية ، فأتاه جبرئيل 7
فقال : يا محمد إن الله عزّ وجّل يقرؤك السلام ويقول
__________________
لك إنيّ لم أقبض
نبيا من أنبيائي ولا رسولاً من رسلي إلاّ بعد إكمال ديني وتأكيد حجّتي ، وقد بقي
عليك من ذاك فريضتان ممّا يحتاج الى أن تبلّغهما قومك : فريضة الحجّ ؛ وفريضة
الولاية والخلافة من بعدك ، فإنّي لم أخل ارضي من حجة ولن أخليها أبداً ، فإن الله
جلّ ثناؤه يأمرك ان تبلِّغ قومك الحجّ ، تحج ويحج معك كلّ من استطاع اليه سبيلاً
من أهل الحضر والأطراف والأعراب ، وتُعلِّمهم من حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم
وصيامهم ، وتوقّفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من
الشرائع.
قال : فنادى منادي رسول الله 6 في الناس : ألا إنَّ رسول الله يريد
الحجّ وان يعلِّمكم من ذلك مثل الذي علَّمكم من شرائع دينكم ويوقفكم من ذاك على
مثل ما أوقفكم عليه من غيره.
فخرج رسول الله 6 وخرج معه الناس وأصغوا اليه لينظروا ما
يصنع فيصنعوا مثله ، فحج بهم وبلغ من حجّ مع رسول الله 6 من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب
سبعين ألف إنسان ، أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى 7
السبعين ألفاً الذين أخذ عليهم بيعة هارون 7
فنكثوا البيعة واتبعوا العجل والسامريّ ، وكذلك رسول الله أخذ البيعة لعلي بن ابي
طالب 7 بالخلافة
على عدد اصحاب موسى 7
فنكثوا البيعة واتّبعوا العجل سنة بسنة ومثلا بمثل. واتصلت التلبية ما بين مكّة
والمدينة.
فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيل 7 عن الله تعالى فقال :
يا محمد ان الله عزّ وجلّ يقرؤك السلام
ويقول لك : انه قد دنا أجلك وحانت مدحتك وأنا مستقدمك على ما لابد منه ولا عنه
محيص ، فاعهد عهدك وقدم وصيّتك واعمد الى ما عندك من العلم ، وميراث علوم الانبياء
من قبلك
والسلاح والتابوت
وجميع ما عندك من آيات الأنبياء فسلّمها الى وصيك وخليفتك من بعدك حجّتي البالغة
على خلقي علي بن أبي طالب ؛ فأقمه للّناس علماً وجدِّد عهده وميثاقه وبيعته ،
وذكّرهم ما أخذت علهيم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم به وعهدي الذي عهدت اليهم من
ولاية وليّي ومولاهم ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة علي بن ابي طالب ، فإّني لم اقبض
نبيّاً من الأنبياء إلا من بعد إكمال ديني واتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة
أعدائي ، وذلك كمال توحيدي وديني واتمام نعمتي على خلقي باتّباع وليي وطاعته ،
وذلك أنّي لا أترك ارضي بغير قيّم ليكون حجّة لي على خلقي ؛ فاليوم أكملت لكم
دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً بولاية وليِّي ومولى كل مؤمن
ومؤمنة عليّ عبدي ووصي نبيي والخليفة من بعده ؛ وحجتي البالغة على خلقي مقرون
طاعته بطاعة محمد نبيي ، ومقرون طاعته مع طاعة محمد بطاعتي ؛ من أطاعه فقد أطاعني
، ومن عصاه فقد عصاني ، وإني جعلته علماً بيني وبين خلقي ، من عرفه كان مؤمناً ،
ومن أنكره كان كافراً ، ومن أشرك ببيعته كان مشركاً ، ومن لقيني بولايته دخل الجنة
، ومن لقيني بعداوته دخل النار.
فأقم يا محمّد علياً علماً وخذ عليهم
البيعة ، وجدّد عهدي وميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه ، فإنّي قابضك إلي ومستقدمك
علي.
قال : فخشي رسول الله 6 قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرّقوا
ويرجعوا جاهليّة ؛ لما عرف من عداوتهم ، ولما تنطوي عليه أنفسهم لعلي 7 من العداوة والبغضاء ، وسأل جبرئيل 7 أن يسأل رّبه عزّ وجلّ العصمة من الناس
، وانتظر أن يأتيه جبرئيل 7
بالعصمة من الناس عن الله جلّ اسمه فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف فأتاه جبرئيل 7 في مسجد الخيف ، فأمره بأن يعهد عهده
__________________
ويقيم عليّاً على
الناس يهتدون به ، ولم يأته بالعصمة من الله جلّ جلاله بالذي أراد حتى أتيى « كراع
الغميم »
، موضع بين مكة والمدينة ، فأتاه جبرئيل 7
وأمره بالذي اتاه به من قبل الله سبحانه ، ولم يأته أيضا بالعصمة.
فقال : يا جبرائيل إنّي أخشى قومي أن
يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي أخي وابن عمّي.
قال : فرحل النبي 6 فلمّا بلغ غدير خم وهو قبل الجُحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل 7 على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر
والانتهار والعصمة من الناس ، فقال : يا محمد ان الله عزّ وجلّ يقرؤك السلام ويقول
لك : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إلَيكَ
مِن رَبِّكَ )
في عليّ ( وَإن لَم تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ
يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ )
وكان
أوائلهم قريباً من الجحفة ، فأمره بأن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخّر عنهم في
ذلك المكان ، ليقيم علياً للناس عَلَماً ويبلِّغهم ما أنزل الله تعالى في علي ،
وأخبره ان الله عزّ وجلّ قد عصمه من الناس.
فأمر رسول الله 6 عندما جاءته العصمة منادياً ينادي في
الناس الصلاة جامعة ويردّ من تقدم منهم ويحبس من تأخر ، وتنحى عن يمين الطريق ونزل
الى جنب مسجد الغدير ، أمره بذلك جبرئيل 7
عن الله عز وجل ، وكان في الموضع سلمات .
__________________
فأمر رسول الله 6 أن يُقَمَّ ما تحتهن وينصب له أحجار كهيئة المنبر
ليشرف على الناس ، فتراجع الناس واحتبس أوائلهم على أواخرهم في ذلك المكان لا
يزولون.
فقام رسول الله 6 فوق تلك الأحجار ، ثمّ حمد الله تعالى
وأثنى عليه فقال :
الحمد لله الّذي على في توحده ، ودنا في
تفرّده ، وجل في سلطانه ، وعظم في أركانه ، وأحاط بكل شيء وهو في مكانه ، وقهر
جميع الخلق بقدرته وبرهانه ؛ مجيداً لم يزل ، ومحموداً لا يزال ؛ بارئ المسموكات ، وداحي المدحوات ، وجبار الأرض والسماوات ؛ قدوس سبّوح ربّ الملائكة
والروح ؛ متفضّل على جميع من برأه ، متطوّل على جميع ما أدناه ، يلحظ كلّ عين
والعيون لا تراه ، كريم حليم ذو أناة قد وسع كلّ شيء رحمتُه ، ومن عليهم بنعمته ،
لا يعجل بانتقامه ، ولا يبادر عليهم بما استحقّوا من عذابه ؛ قد فهم السرائر وعلم
الضمائر ، ولم تخف عليه المكنونات ولا اشتبهت عليه الخفيّات ، له الإحاطة بكل شيء
، والغلبة على كل شيء والقوّة في كلّ شيء والقدرة على كلّ شيء لا مثله شيء وهو
منشئ الشيء حين لا شيء ، دائم قائم بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، جل ان
تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللّطيف الخبير ، لا يلحق أحدٌ وصفه من معاينة
، ولا يجده أحد ولا يقال فيه كيف هو من سر وعلانية إلاّ بما دل عزّ وجلّ على نفسه.
وأشهد بأنّه الله الذي ملأ الدهر قدسُه
، والذي يغشى الأبد نوره ، والذي نفذ
__________________
أمره بلا مشاروة
مشير ، ولا معهه شريكٌ في تقدير ، ولا تفاوت في تدبير ، صوّر ما أبدع على غير مثال
، وخلق بلا معونة من أحد ولا تلكّف ولا احتيال ، أنشأها فكانت ، وبرأها فبانت ،
فهو الله الذي لا إله الا هو المتقن الصنعة ، الحسن الصنيعة ، العدل الذي لا يجوز
، والاكرم الذي ترجع إليه الأمور.
وأشهد أنه الذي تواضع كلَّ شيء لقدرته ،
وخضع كلَّ شيء لهيبته ، مالك الاملاك ومفلك الافلاك ومسخّر الشمس والقمر كلٌّ يجري
لأجل مسمّى ، يكوّر الليل على النهار ويكور النهار على الليل يطلبه حثيثاً ، قاصم
كل جبار عنيد ومهلك كل شيطان مريد ، لم يكن معه ضد ولا ند ، أحد صمد ، لم يلد ولم
يولد ولم يكن له كفواً أحد ، إله واحد ورب ماجد ، يشاء فيمضي ، ويريد فيقضي ، ويعلم
ويحصي ، ويميت ويحي ، ويفقر ويغني ، ويضحك ويبكي ، ويدني ويقصي ، ويمنع ويعطي ، له
الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
يولج الليل في النهار ويولج النهار في
الليل لا إله إلا هو العزيز الغفار مجيب الدعاء ومجزل العطاء ، محصي الأنفاس ، ورب
الجنة والناس ، لا يشكل عليه شيء ، ولا يضجره صراخ المستصرخين ، ولا يبرمه الحاح
الملحين ، العاصم للصالحين والموفق للمفلحين ، ومولى العالمين الذي استحق من كل من
خلق أن يشكره ويحمده.
أحمده على السراء والضراء والشدة والرخاء ،
وأؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله ، أسمع أمره وأطيع ، وأبادر الى كل ما يرضاه
وأستسلم لقضائه رغبة في طاعته ، وخوفاً من عقوبته ، لأنه الله الذي لا يؤمن مكره ،
ولا يخاف جوره ، أقر له على نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية ، وأؤدي ما أوحي
الي حذاراً من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة لا يدفعها عني احد وإن عظمت حيلته.
__________________
لا إله إلا هو لأنه قد أعلمني أني إن لم
أُبلّغ ما أُنزل إليَّ فما بلغت رسالته ، وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة وهو الله
الكافي الكريم ؛ فأوحى إلي :
( بِسمِ اللهِ الرّحمن
الرَّحيم * يا أَيهَا الرَّسُولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ وَإن لَم
تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) .
معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما أنزل
الله تعالى إلي ، وأنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية : إن جبرئيل 7 هبط إلي مراراً ثلاثاً يأمرني عن
السلام ربي وهو السلام ؛ أن اقوم في هذا المشهد فأعلم كل ابيض وأسود ان علي بن ابي
طالب اخي ووصيي وخليفتي والامام من بعدي ؛ الذي محله مني محل هارون من موسى إلا
أنه لا نبي بعدي ؛ وهو وليّكم بعد الله ورسوله وقد أنزل الله تبارك وتعالى بذلك
آية من كتابه : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ
آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاة وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ وَهُم راكِعُونَ ) .
وعلي بن ابي طالب اقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال.
وإنّي سألت جبرئيل 7 أن يستعفي لي ربّي عزّ وجلّ عن تبليغ
ذلك إليكم أيها الناس ؛ لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين وإدغال الآثمين وختل
المستهزئين بالإسلام ، الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في
قلوبهم ويحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم
، وقد كثر أذاهم لي غير مرة حتى سموني أذنا ، وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي
وإقبالي عليه ، حتى أنزل الله عز وجل علي في ذلك :
__________________
( وَمِنهُمُ الَّذِينَ
يُؤذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُل أُذُنٌ خَيرٌ لَكُم )
الآية.
ولو شئت أن أسمي القائلين بأسمائهم
لسميت ، أو أن أومئ إليهم بأعيانهم لأومأت أو أن أدل عليهم لدللت ، ولكني والله في
أمورهم قد تكرمت وكل ذلك لا يرضي الله مني إلىّ أن بلغ ما أنزل إلي في علي بن ابي
طالب. ثم تلى 6
: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ
مِن رَبِّكَ )
في عليٍّ ( وَإِن لَم تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتهُ وَاللهُ
يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ )
.
فاعلموا معاشر الناس إن الله نصب لكم
علي بن ابي طالب وليا واماما مفترضا طاعته على المهاجرين والانصار ، وعلى التابعين
لهم باحسان ، وعلى البادي والحاضر ، وعلى الاعجمي والعربي ، وعلى الحر والمملوك ،
وعلى الصغير والكبير ، وعلى الابيض والاسود ، وعلى كل موحد ، ماض حكمه ، جائز قوله
، نافذ أمره ملعون من خالفه مرحوم من تبعه ، ومن صدقه فقد غفر الله له ولمن سمع
منه وأطاع.
معاشر الناس إنه آخر مقام أقومه في هذا
المشهد فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربكم فان الله عز وجل هو مولاكم وإلهكم ، ثم
من دونه رسوله محمد وليكم القائم المخاطب لكم ، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر
من ربكم ، ثم الامامة في ذريتي من ولده الى يوم القيامة ، تلقون الله ورسوله لا
حلال إلا ما احله الله ، ولا حرام إلا ما حرمه الله ، وقد عرفني الحلال والحرام
وأنا افضيت بما علمني ربي من كتابه وحلاله وحرامه اليه.
معاشر الناس ما من علم الا وقد احصاه
الله في ، وكل علم علمت فقد احصيته في امام المتقين ، وما من علم إلا علمته علياً
وهو الامام المبين.
__________________
معاشر الناس لا تضلوا عنه ولا تنفروا
منه ولا تستنكفوا من ولايته فهو الذي يهدي الى الحق ويعمل به ، ويزهق الباطل وينهى
عنه ولا تأخذه في الله لومة لائم ، ثم إنه أول من آمن بالله ورسوله ، وهو الذي فدى
رسول الله بنفسه ، وهو الذي كان مع رسول الله ولا أحد يعبدُ الله مع رسوله من
الرجال والنساء غيره.
معاشر الناس فضّلوه فقد فّله الله ،
واقبلوه فقد نصبه الله.
معاشر الناس إنه إمام من الله ولمن يتوب
الله على احد انكر ولايته ولن يغفر الله له ، حتما على الله ان يفعل ذلك بمن خالف
أمره فيه وأن يعذّبه عذاباً نكراً أبد الابد ودهر الدهور ، فاحذروا أن تخالفوه
فتصلوا نارا وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين.
أيها الناس بي والله بشر الاولون من
النبيين والمرسلين ، وأنا خاتم الانبياء والمرسلين والحجة على جميع المخلوقين من
اهل السماوات والارضين ، فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى ، ومن شك في
شيء من
قولي هذا فقد شك في الكل منه ، والشاك في ذلك فله النار.
معاشر الناس حباني الله بهذه الفضيلة
منّاً منه علي وإحسانا منه الي ولا اله الا هو له الحمد مني ابد الابدين ودهر
الداهرين على كل حال.
معاشر الناس فضلوا عليا فإنه افضل الناس
بعدي من ذكر وانثى ، بنا انزل الله الرزق وبقي الخلق ، ملعون ملعون مغضوب من رد
علي قولي هذا ولم يوافقه ، ألا إن جبرئيل خبرني عن الله تعالى بذلك ويقول : من
عادى عليا ولم يتوله فعليه لعنتي وغضبي فلتنظر نفسٌ ما قدمت لغد » ) واتقوا الله ان تخالفوه فتزل قدم بعد
ثبوتها ان الله خبير بما تعملون.
__________________
معاشر الناس إنه جنب الله الذي ذكره
الله في كتابه فقال تعالى : ( أَن تَقُولَ نَفسٌ يا
حَسرَتي عَلى ما فَرَّطت فِي جَنبِ اللهِ )
.
معاشر الناس تدبروا القران وافهموا
اياته وانظروا الى محكماته ولا تتبعوا متشابهه ، فو الله لن يبين لكم زواجره ولا
يوضح لكم تفسيره الا الذي أنا آخذ بيده ومصعده الي وشائل بعضده ، ومعلمكم أن من
كنت مولاه فهذا علي مولاه وهو علي بن ابي طالب اخي ووصيي ، وموالاته من الله عز
وجل أنزلها عليّ.
معاشر الناس ان علياً والطيبين من ولدي
هم الثقل الاصغر ، والقران الثقل الاكبر ، وكل واحد منبئ عن صاحبه وموافق له لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض ، أمناء الله في خلقه ، وحكماؤه في أرضه ألا وقد أديت ،
ألا وقد بلغت ، ألا وقد أسمعت ، ألا وقد أوضحت ، ألا وإن الله عز وجل قال وأنا قلت
عن الله عزّ وجلّ ، ألا إنه ليس أمير للمؤمنين بعدي لأحد غيره.
قال : ثم ضرب بيده الى عضده فرفقه وكان
منذ اول ما صعد رسول اله 6
منبره على درجة
دون مقامه فبسط يده نحو وجه رسول الله 6
كأنهما في مقام واحد فرفعه رسول الله 6
بيده وبسطها الى السماء ، فشال عليا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله 6 ثم قال :
معاشر الناس هذا علي اخي ووصيي ووارثي
وواعي علمي وخليفتي على أمتي وعلى تفسير كتاب الله عز وجل والداعي اليه ، والعامل
بما يرضاه ، والمحارب لأعدائه ، والموالي على طاعته ، والناهي عن معصيته خليفة
رسول الله وأمير المؤمنين
__________________
والإمام الهادي ،
وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله ، أقول وما يبدل القول لدي بأمر ربي
، أقول : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والعن من انكره ، واغضب على من جحد حقه
، اللهم انك انزلت علي ان الامامة بعدي لعلي وليك عند تبياني ذلك ونصبي اياه علماً
للناس بما أكملت لعبادك من دينهم ، وأتممت عليهم بنعمتك ورضيت لهم الاسلام ديناً
فقلت عز من قائل : ( وَمَن يَبتَغِ غَيرَ
الإسلامِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرِينَ ) .
إني أشهدك أني قد بلغت.
معاشر الناس انما اكمل الله عز وجل
دينكم بإمامته فمن لم يأتم به وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه الى يوم القيامة
والعرض على الله عز وجل ، فأولئك الذين حبطت اعمالهم وفي النار هم خالدون لا يخفف
عنهم العذاب ولا هم ينظرون .
معاشر الناس هذا علي انصركم لي واحقكم
بي واقربكم الي واعزكم علي والله عز وجل وانا عنه راضيان ، وما نزلت آية رضى إلا
فيه ، وما خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به ، ولا نزلت آية مدح في القران إلا فيه
، ولا شهد الله بالجنة في ( هَل أَتى عَلى الإِنسان
) إلا له ، ولا أنزلها في سواه ولا مدح
بها غيره.
معاشر الناس هو ناصر دين الله والمجادل
عن رسول الله ، وهو التقي النقي الهادي المهدي ، نبيكم خير نبي ووصيكم خير وصي
وبنوه خير الاوصياء.
معاشر الناس ذرية كل نبي من صلبه وذريتي
من صلب عليّ.
__________________
معاشر الناس إن ابليس اخرج ادم من الجنة
بالحسد فلا تحسدوه فتحبط اعمالكم ، وتزل أقدامكم ، فان ادم 7 اهبط الى الارض بخطيئة واحدة وهو صفوة
الله عز وجل ، فكيف بكم وانتم انتم ومنكم أعداء الله ، ألا إنه لا يبغض عليا الا
شقي ، ولا يتوالى عليا الا نقي ، ولا يؤمن به ، الا مؤمن مخلص ، في علي والله نزلت
سورة العصر : ( بسم الله الرحمن الرحيم * والعصر ... ) الخ.
معاشر الناس قد استشهدت الله وبلّغتكم
رسالتي ( وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلّا البَلاغُ المُبينُ
) .
معاشر الناس ( اتَّقُوا
الله حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمُونَ * واعتَصِمُوا بِحَبلِ
اللهِ جَميعاً ولا تَفَرَّقُوا )
فحبل الله
هو علي بن أبي طالب.
معاشر الناس امنوا بالله ورسوله والنور
الذي انزل معه من قبل ان نطمس وجوها فنردها على ادبارها.
معاشر الناس النور من الله عز وجل في ،
ثم هو مسلوك في علي ، ثم في النسل منه الى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل
حق هو لنا ، لأن الله عز وجل قد جعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين
والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين.
معاشر الناس أنذركم أني رسول الله قد
خلت من قبلي الرسل أفإن مت او قتلت انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن
يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين
، ألا وإن عليا الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعده ولدي من
__________________
صلبه.
معاشر الناس لا تمنوا على الله تعالى
اسلامكم فيسخط عليكم فيصيبكم بعذاب من عنده انه لبالمرصاد.
معاشر الناس سيكون من بعدي أئمة يدعون
الى النار ويوم القيامة لا ينصرون معاشر الناس ان الله تعالى وانا بريئان منهم ؛
معاشر الناس انهم واشياعهم واتباعهم وانصارهم في الدرك الاسفل من النار ولبئس مصوى
المتكبرين ، ألا انهم اصحاب الصحيفة فلينظر احدكم في صحيفته ، قال : فذهب على
الناس الا شرذمة منهم امر الصحيفة.
معاشر الناس إني أدعها امامة ووراثة في
عقبي الى يوم القيامة ، وقد بلغت ما امرت بتبليغه حجة على كل حاضر وغائب ، وعلى كل
احد ممن شهد أو لم يشهد ولد او لم يولد
، فليبلغ الحاضر الغائب والوالد الولد الى يوم القيامة ، وسيجعلونها ملكاً
واغتصاباً ، ألا لعن الله الغاصبين والمغتصبين وعندها سنفرغ لكم ايها الثقلان ،
فيرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران .
معاشر الناس ان الله عز وجل لم يكن
ليذركم على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ؛ وما كان ليطلعكم على الغيب.
معاشر الناس إنه ما من قرية إلا والله
مهلكها بتكذيبها ، وكذلك يهلك القرى وهي ظالمة كما ذكر الله تعالى في كتابه : ( وَإن مِن
قَريَةٍ إِلّا نَحنُ مُهلِكُوهُا قَبلَ يَومِ القِيامَة أَو مُعَذِّبُوها عَذاباً
شَديداً كانَ ذلكَ فِي الكِتابِ مَسطُوراً )
وهذا علي
__________________
بن أبي طالب إمامكم
ووليكم بعدي ، وهو مواعيد الله والله يصدق ما وعده.
معاشر الناس قد ضل قبلكم أكثر الأولين
والله لقد أهلك الأولين وهو مهلك الآخرين ، قال الله تعالى : ( أَلَم
نهلك الأوّلين * ثمّ نُتبعهُم الآخرين * كَذلِكَ نَفعلُ بالمُجرمين * وَيلٌ يَومئذٍ
للمُكَذِّبين )
.
معاشر الناس إن الله قد أمرني ونهاني ؛
وقد أمرت عليا ونهيته فعلم الامر والنهي من ربه عز وجل فاسمعوا لأمره تسلموا ،
وأطيعوا تهتدوا ، وانتهوا لنهيه ترشدوا ، وصيروا الى مراده ولا تفرق بكم السبل عن
سبيله.
معاشر الناس أنا صراط الله المستقيم
الذي أمركم باتباعه ، ثم علي من بعدي ، ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون بالحق وبه
يعدلون.
ثم قرأ 6
: ( بِسم الله الرّحمن الرحيم * الحَمدُ للهِ رَبِّ
العالمين )
الى آخرها ، وقال : هي والله فيّ نزلت وفيهم نزلت ، ولي ولهم عمت ، وإياهم خصت ؛
أولئك أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؛ ألا إنهم حزب الله وحزب الله هم
الغالبون.
ألا إن اعداء علي هم أهل الشقاق والنفاق
والعادون وإخوان الشياطين الذين يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غروراً.
ألا إن أولياء هم الذين ذكرهم الله في
كتابه إنهم المؤمنون ، فقال عز وجل : ( لا تَجدُ قَوماً يُؤمِنُونَ
بِاللهِ وَاليَومِ الآخر يُوادُّونَ مَن حادَّ الله ورَسُولَهُ )
الى اخر الآية.
الا وإن أولياءهم الذين وصفهم الله عز
وجل فقال : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَم
__________________
يَلبِسُوا
إِيمانَهُم بِظُلمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدُونَ ) .
ألا إن أولياءهم الذي يدخلون الجنة
آمنين وتتلقاهم الملائكة بالتسليم يقولون سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين.
ألا إن أوليائهم الذين قال لهم الله عز
وجل ( يَدخُلُونَ الجنّة بغير حساب ) .
ألا إن أعداءهم يصلون سعيراً.
ألا إن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم
شهيقاً وهي تفور ولها زفير.
ألا إن اعداءهم الذين قال الله فيهم : ( كُلَّما دَخَلَت
أُمَّةٌ لَعَنَت أُختَها )
الآية.
الا إن أعداءهم الذين قال عز وجل : ( كُلَّما أُلقِيَ
فِيها فَوجٌ سَأَلَهُم خَزَنَتُها أَلَم يَأتِكُم نَذِير )
الآية.
ألا إن أولياءهم الذين يخشون ربهم
بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير.
معاشر الناس شتان ما بين السعير والجنة
؛ عدونا من ذمه الله ولعنه وولينا من أحبه الله ومدحه.
معاشر الناس ألا وإني منذر وعلي هاد
وذلك قوله تعالى : ( إِنَّما أَنتَ مُنذِرٌ
وَلِكُلِّ قَومٍ هادٍ )
.
معاشر الناس إني نبي وعلي وصيي ، ألا إن
خاتم الائمة منا القائم المهدي
__________________
ألا إنّه الظاهر على
الدين ، ألا إنه المنتقم من الظالمين ، ألا إنه فاتح الحصون وهادمها ، ألا إنه
قاتل كل قبيلة من أهل الشرك ، ألا إنه المدرك بكل ثار لأولياء الله عز وجل ، الا
إنه الناصر لدين الله ، ألا إنه الغراف في بحر عميق ، ألا إنه يسم كل ذي فضل بفضله
ولك ذي جهل بجهله ، ألا إنه خيرة الله ومختاره ، ألا إنه وارث كل علم والمحيط به ،
ألا إنه المخبر عن ربه عز وجل والمنبه بأمر إيمانه ، ألا إنه الرشيد الشديد ، ألا
إنه المفوض إليه ، ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه ، الا إنه الباقي حجة ولا
حجة بعده ولا حق إلا معه ولا نور إلا عنده ، ألا إنه لا غالب له ولا منصور عليه ،
ألا وإنه ولي الله في ارضه وحكمه في خلقه وأمينه في سره وعلانيته.
معاشر الناس قد بينت لكم وافهمتكم وهذا
علي يفهمكم بعدي ، ألا وإني عند انقضاء خطبتي أدعوكم الى مصافقتي على بيعته
والإقرار به ثم مصافقته بعدي ، ألا وإني قد بايعت الله وعلي قد بايعني وأنا آخذكم
بالبيعة له عن الله عز وجل ( فَمَن نَكَثَ فَإِنَّما
يَنكُثُ عَلى نَفسِهِ )
الآية.
معاشر الناس ان الحج والعمرة من شعائر
الله ( فمن حجّ أو اعتمر )
الآية.
معاشر الناس حجوا البيت فما ورده أهل
بيت إلا استغنوا ، وما تخلفوا عنه إلا افتقروا.
معاشر الناس ما وقف بالموقف مؤمن إلا
غفر الله له ما سلف من ذنبه الى وقته ذلك ، فإذا انقضت حجته استؤنف عمله.
معاشر الناس : الحجاج معانون ونفقاتهم
مخلفة ، والله لا يضيع أجر
__________________
المحسنين.
معاشر الناس حجّوا البيت بكمال الدين
والتفقّه ولا تنصرفوا عن المشاهد ، إلاّ بتوبة وإقلاع.
معاشر الناس أقيموا الصّلاة وآتو الزكاة
كما أمركم اللّه عزّوجلّ ولئن طال عليكم الأمد فقصّرتم أو نسيتم فعليّ وليّكم
والمبيّن لكم الذي نصبه اللّه عزّ وجلّ بعدي ومن خلّفه اللّه منّي وأنا منه ،
يخبركم بما تسألون عنه ويبيّن لكم ما لا تعلمون.
ألا إنّ الحلال والحرام أكثر من أن
أُحصيهما أو أُعرّفهما فآمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد ، فأُمرت أن آخذ
البيعة منكم والصفقة لكم بقبول ما جئت به عن اللّه عزّ وجلّ في عليّ أمير المؤمنين
والأئمة من بعده الذين هم منّي ومنه أئمّة قائمة منهم المهدي إلى يوم القيامة الذي
يقضي بالحق.
معاشر النّاس وكلّ حلال دللتكم عليه أو
حرام نهيتكم عنه فإنّي لم أرجع عن ذلك ولم أُبدل ألا فاذكروا ذلك واحفظوه وعوه
وافهموه وتواصوا به ولا تبدلوه ولا تغيّروه.
ألا وإنّي أُجدّد القول ألا فأقيموا
الصّلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، ألا وإنّ رأس الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنتهوا إلى قولي وتبلّغوه من لم يحضر وتأمروه بقبوله
وتنهوه عن مخالفته فإنّه أمر من اللّه عزّ وجلّ ومنّي ، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن
منكر إلاّ مع إمام.
معاشر الناس القرآن يعرّفكم أنّ الأئمّة
من بعده ولده وعرّفتكم أنّهم منّي ومنه حيث يقول اللّه عزّ وجلّ في كتابه : (
وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِهِ )
وقلت :
__________________
لن تضلّوا ما إن
تمسّكتم بهما.
معاشر الناس التقوى التقوى ، احذروا
الساعة ، كما قال اللّه تعالى : ( إِنَّ زَلْزَلَةَ
السّاعَة شَيءٌ عَظِيمٌ )
.
معاشر الناس اذكروا الممات والحساب
والموازين والمحاسبة بين يدي ربّ العالمين ، والثواب والعقاب فمن جاء بالحسنة
أُثيب ، ومن جاء بالسَّيئة فليس له في الجنان نصيب.
معاشر الناس إنّكم أكثر من أن تصافقوني
بكفّ واحدة وقد أمرني اللّه عزّ وجلّ أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقّدت لعليّ
من إمرة المؤمنين ومن جاء بعده من الأئمة منّي ومنه على ما أعلمتكم أنّ ذرِّيّتي
من صلبه.
فقولوا بأجمعكم : إنّا سامعون مطيعون
راضون منقادون لما بلّغت عن ربّنا وربّك في أمر عليّ وأمر ولده من صلبه من الأئمّة
؛ نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا ، على ذلك نحيى ونموت ونبعث لا
نغيّر ولا نبدّل ولا نشكّ ولا نرتاب ولا نرجع عن عهد ولا ننقض الميثاق ، ونطيع
اللّه ونطيعك وعليّاً أمير المؤمنين وولده الأئمة الذين ذكرتهم من ذرّيتك من صلبه
بعد الحسن والحسين ، اللّذين قد عرّفتكم مكانهما منّي ومحلّهما عندي ومنزلتهما من
ربّي عزّ وجلّ ، فقد أدّيت ذلك إليكم وإنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة وإنّهما
الإمامان بعد أبيهما عليّ وأنا أبوهما قبله.
وقولوا : أطعنا اللّه بذلك وإيّاك
وعليّاً والحسن والحسين والأئمّة الذين ذكرت عهداً وميثاقاً مأخوذاً لأمير
المؤمنين من قلوبنا وأنفسنا وألسنتنا ومصافقة أيدينا ، من أدركهما بيده وأقرّ بهما
بلسانه ، لا نبتغي بذلك بدلاً ولا نرى من أنفسنا
__________________
عنه حولاً أبداً ،
أشهدنا وكفى باللّه شهيداً وأنت علينا به شهيد ، وكلّ من أطاع ممّن ظهر واستتر ،
وملائكة اللّه وجنوده وعبيده ، واللّه أكبر من كلّ شهيد.
معاشر الناس ما تقولون فإنّ اللّه يعلم
كلّ صوت وخافية كلّ نفس ( فَمَنِ اهْتَدى
فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها )
ومن بايع فإنّما يبايع اللّه ( يَدُ اللّه فَوقَ
أَيْدِيهِمْ )
.
معاشر الناس فاتّقوا اللّه وبايعوا
عليّاً أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمّة من ولده كلمة باقية ، يهلك اللّه من
غدر ، ويرحم من وفى : ( وَمَنْ نَكَثَ
فَإِنَّما يَنْكُثُ )
الآية.
معاشر الناس قولوا الذي قلت لكم ،
وسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين وقولوا : ( سَمِعْنا وَأَطَعْنا
غُفرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصير )
وقولوا : ( الحَمْدُ
للّهِ الّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَولا أَنْ هَدانَا اللّهُ ) .
معاشر الناس إنّ فضائل عليّ بن أبي طالب
عند اللّه عزّوجلّ وقد أنزلها في القرآن أكثر من أن أُحصيها في مكان واحد ، فمن
أنبأكم بها وعرّفكم إيّاها فصدّقوه.
معاشر الناس من يطع اللّه ورسوله
وعليّاً والأئمّة الذين ذكرتهم فقد فاز فوزاً عظيماً.
معاشر الناس السابقون السابقون إلى
مبايعته وموالاته ، والتسليم عليه بإمرة المؤمنين ، أُولئك الفائزون في جنّات
النعيم.
__________________
معاشر الناس قولوا ما يرضى اللّه به عنكم من القول ، فإن تكفروا أنتم ومن
في الأرض جميعاً فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين فلن تضرّوا اللّه شيئاً ، اللّهمّ
اغفر للمؤمنين واغضب على الكافرين ، والحمد للّه ربّ العالمين.
فناداه القوم بأجمعهم : نعم سمعنا
وأطعنا على أمر اللّه وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا ، وتداكّوا على رسول
اللّه 6 وعلى عليّ 7 وصافقوهما بأيديهم ، فكان أوّل من صافق
رسول اللّه 6 : الأوّل
والثاني والثالث والرابع والخامس وباقي المهاجرين والأنصار ، وباقي الناس على
طبقاتهم وقدر منازلهم منذ الظهيرة إلى أن غاب الشفق الأحمر ، إلى أن صلّيت العشاء
والعتمة في وقت واحد ، وواصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً ورسول اللّه 6 يقول كلّما بايع قومٌ : الحمد للّه
الذي فضّلنا على جميع العالمين ، وصارت المصافقة سنّة ورسماً يستعملها من ليس له
حقّ فيها.
روي عن الصادق 7 أنّه قال : لمّا فرغ رسول اللّه 6 من هذه الخطبة رُئي في الناس رجل جميل
بهيّ طيّب
الرائحة فقال : تاللّه ما رأيت محمداً
كاليوم ، ما أشد ما يؤكّد لابن عمّه! وإنّه يعقد له عقداً لا يحلّه إلاّ كافر
باللّه العظيم وبرسوله ، ويل طويل لمن حلّ عقده.
قال : فالتفت إليه عمر حين سمع كلامه
فأعجبته هيئته ، ثمّ التفت إلى النبيّ 6
وقال : أما سمعت ما قال هذا الرجل قال كذا وكذا؟ فقال النبي 6 : يا عمر أتدري من ذاك الرجل؟ قال : لا
، قال : ذلك الروح الأمين جبرئيل فإيّاك أن تحلّه ، فإنّك إن فعلت فاللّه ورسوله
وملائكته والمؤمنون منك براء .
هذا تمام لفظ ما رواه الطبرسي ; في الاحتجاج.
__________________
وقد روى الشيخ الإمام الشهيد محمد بن
أحمد الفارسي رضوان اللّه عليه في كتاب « روضة الواعظين » هذه الحكاية بتمامها مرسلة كما هو دأبه
، من الخطبة وما قبلها وما بعدها إلاّ أنّ في الألفاظ اختلافاً في موارد كثيرة من
الخطبة وغيرها لا يضرّ بالمعنى.
وكذلك رواها السيد الإمام العلاّمة رضي
الملّة والحق والدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووسي العلوي الفاطمي
في كتاب « اليقين باختصاص مولانا عليّ 7
بإمرة المؤمنين » عن كتاب أحمد بن محمد الطبري المعروف بالخليل ؛ بأجمعها من
الخطبة وما قبلها وما بعدها ، إلاّ أنّ في الألفاظ اختلافاً في موارد كثيرة لا
يضرّ بالمعنى.
وهذا لفظ كتاب الطبري على ما حكاه عنه ; : حدّثنا أحمد بن محمد الطبريّ ، قال :
أخبرني محمد بن أبي بكر بن عبدالرحمن ، قال : حدّثني الحسن بن علي أبو محمد الدينوري
، قال : حدثنا محمد بن موسى الهمداني ، قال : حدثنا محمد بن خالد الطيالسيّ ، قال
: حدثنا سيف بن عميرة ، عن عقبة ، عن قيس بن سمعان ، عن علقمة بن محمد الحضرمي ،
عن أبي جعفر محمد بن علي 8
قال : حجّ رسول اللّه 6.
ثم ساق الحديث إلخ .
وروى ;
في كتاب « التحصين لأسرار ما زاد من أخبار كتاب اليقين » عن كتاب « نور الهدى والمنجي من الردى
» تأليف الحسن بن أبي طاهر أحمد بن محمد بن الحسين الجاواني ، خطبة رسول اللّه 6 وحدها بمضمون ما رواه صاحب الاحتجاج
إلاّ أنّ بينهما اختلافاً ما في الألفاظ والزيادة والنقصان والتقدّم
__________________
والتأخّر من غير
اختلاف في أصل المقصود ولا في المعنى غالباً.
ولفظ كتاب « نور الهدى » على ما حكاه ; هكذا : أبو الفضل محمد بن عبد اللّه
الشيباني ، قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وهارون بن عيسى بن السكين
البلدي ، قالا : حدثنا حميد بن الربيع الخزاز ، قال : حدثنا علي بن حماد ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال :
حدّثنا نوح بن مبشر ، قال : حدثنا الوليد بن صالح عن ابن امرأة زيد بن أرقم ، عن زيد بن
أرقم ، قال :
لمّا أقبل رسول اللّه 6 من حجّة الوداع جاء حتى نزل بغدير خم
بالجحفة بين مكّة وآلمدينة ، ثمّ أمر بالدوحات يقمّ ما تحتهنّ من شوك ، ثمّ نودي
بالصلاة جامعة ، فخرجنا إلى رسول اللّه 6
في يوم شديد الحرّ ، وإنّ منّا من يضع رداءه تحت قدميه من شدّة الحرّ والرمضاء ،
ومنّا من يضعه فوق رأسه ، فصلّى بنا 6
ثمّ التفت إلينا فقال : الحمد للّه
إلى تمام الخطبة.
وقال ;
في « ربيع الشيعة »
في الفصل الّذي عقده لحجّة الوداع : فلمّا
__________________
قضى نسكه وقفل إلى
المدينة ، وانتهى إلى الموضع المعروف بغدير خم ، وليس بموضع يصلح للنزول ؛ لعدم
الماء فيه والمرعى ، نزل عليه جبرئيل 7
وأمره أن يقيم عليّاً 7
وينصّبه إماماً للناس ، فقال : « ربّ إنّي حديث عهد بالجاهلية » فنزل عليه : أنّها
عزيمة لا رخصة فيها ، فنزلت الآية : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ
بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ
رِسالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) .
فنزل رسول اللّه 6 بالمكان الذي ذكرناه ونزل المسلمون
حوله ، وكان يوماً شديد الحرّ ، فأمر رسول اللّه 6
بدوحات هناك فقمّ ما تحتها ، وأمر بجمع الرحال في المكان ، ووضع بعضها على بعض ،
ثمّ أمر مناديه فنادى في الناس بالصلاة ، فاجتمعوا إليه وإنّ أكثرهم ليلفّ رداءه
على قدميه من شدّة الرمضاء ، وصعد رسول اللّه 6
على تلك الرحال حتى صار في ذروتها ودعا علياً 7
فرقى حتى قام عن يمينه ثمّ خطب الناس فحمد اللّه وأثنى عليه ، ووعظ ونعى إلى
الأُمّة نفسه فقال : « إنّي دعيت ويوشك أن أُجيب ، وقد حان منّي خفوقٌ من بين
أظهركم ، وإنّي مخلف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب اللّه وعترتي أهل
بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ».
ثمّ نادى بأعلى صوته : ألست أولى بكم من
أنفسكم؟
فقالوا : اللّهمّ بلى.
فقال لهم على النسق وقد أخذ بضبعي علي 7
فرفعهما حتى رُئي بياض إبطيهما وقال : فمن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللّهمّ
وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
__________________
ثمّ نزل 7
وكان وقت الظهيرة فصلى ركعتين ، ثمّ زالت الشمس فأذّن مؤذّنه لصلاة الظهر فصلّى
بالنّاس وجلس في خيمته ، وأمر عليّاً 7
أن يجلس في خيمة له بازائه ، ثمّ أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فيهنّوه
بالإمامة ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، ففعل الناس ذلك كلّهم.
ثمّ أمر أزواجه وجميع نساء المؤمنين معه
أن يدخلن معه ويسلّمن عليه بإمرة المؤمنين ففعلن ، وكان ممّن أطنب في تهنئته في
ذلك المقام عمر بن الخطاب وقال فيما قال : بخ بخ يا علي ، أصبحت مولاي ومولى كلّ
مؤمن ومؤمنة.
وأنشأ حسّان يقول :
يناديهم يَومَ الغديرِ نبيّهم
|
|
بخم وأكرم بالنبيّ مناديا
|
وقال فمن مَولاكُمُ ووليُّكُمْ
|
|
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا
|
إلهك مولانا وأنتَ وليّنا
|
|
ولن تَجِدَن منّا لك اليوم عاصيا
|
فقالَ له قُمْ يا عليّ فإنّني
|
|
رَضِيتُكَ من بَعدي إماماً وهاديا
|
فََمنْ كُنتُ مولاه فهذا وليُّهُ
|
|
فَكُونوا له أنصارَ صِدق مَواليا
|
هناكَ دَعا اللّهمّ والِ ولَيَّهُ
|
|
وَكُنْ لِلّذي عادى علِيّاً مُعاديا
|
فقال رسول اللّه 6 : « لا تزال يا حسان مؤيّداً بروح القدس
ما نصرتنا بلسانك ويدك ».
ولم يبرح رسول اللّه 6 من المكان حتى نزل ( الْيَومَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإِسْلامَ دِيناً ).
فقال : «
الحمد للّه على كمال الدين وتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ من
بعدي » .
وقد روي حديث يوم الغدير من طرق العامة
خاصة بما يزيد على التواتر ، فقد أفرد له محمد بن جرير الطبري صاحب « التاريخ »
كتاباً سمّاه : كتاب الولاية ، وقد طرقه من نيف وسبعين طريقاً.
وأفرد له أبو العباس أحمد بن محمد بن
سعيد بن عقدة كتاباً وطرقه من مائة وخمس طرق.
وطرقه أبو بكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقاً.
وقد صنف علي بن هلال المهلبي كتاب الغدير.
__________________
وأحمد بن محمد بن سعد كتاب « من روى
غدير خم ».
ومسعود الشّجري كتاباً فيه روا ة هذا
الخبر ، وطرقها.
واستخرج منصور الرازي في كتابه أسماء
رواته على حروف المعجم.
ونقل عن أبي المعالي الجويني المعروف
عندهم بإمام الحرمين ، أنّه كان يقول : شاهدت مجلّداً ببغداد في يد صحّاف فيه
روايات هذا الحديث مكتوباً عليه : المجلّد الثامن والعشرون من طرق قوله : « من كنت
مولاه فعليّ مولاه » ويتلوه المجلّد التّاسع والعشرون .
وقال ابن كثير الشامي المؤرّخ في ترجمة
محمد بن جرير الطبري : إنّي رأيت كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلّدين ضخمين .
وبالجملة فهذا النصّ من النبيّ 6 ممّا لا يمكن إنكاره.
قال الفقيه ابن المغازلي الشافعي : هذا
حديث صحيح عن رسول اللّه 6
وقد روى حديث غدير خم نحو مائة نفر ، منهم العشرة ، وهو حديث ثابت لا أعرف له علّة
تفرّد عليّ بهذه الفضيلة لم يشركه فيها أحد.
قلت : ولكن الأكثر اختصروا على جملة
النصّ على الولاية اقتصروا أو ذكروا غيره ممّا اشتملت عليه القصة على سبيل الإجمال
، أو ذكروا بعضاً من القصة وتركوا بعضاً ، والتفصيل ما نقلته ، عن الاحتجاج.
إلاّ أنّ الصدوق أبا جعفر بن بابويه
القمي قال في آخر المجلس السّادس والخمسين من أماليه : حدّثنا أبي ; قال : حدثنا سعد بن عبد اللّه قال :
حدثنا
__________________
أحمد بن أبي عبد
اللّه البرقي ، عن أبيه ، عن خلف بن حمّاد الأسدي ، عن أبي الحسن العبدي ، عن
الأعمش ، عن عباية بن ربعي عن عبد اللّه بن عباس قال :
إنّ رسول اللّه 6 لمّا أُسري به إلى السّماء انتهى به
جبرائيل إلى نهر يقال له « النور » ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ « خَلَقَ الظُّلُمات
وَالنُّور »
فلمّا انتهى به إلى النهر قال له جبرئيل : يا محمد اعبر على بركة اللّه فقد نوّر
اللّه لك بصرك ومدّ لك امامك ، فإنّ هذا نهرٌ لم يعبره أحد ولا ملك مقرّب ولا نبيّ
مرسل ، غير أنّ لي في كلّ يوم اغتماسة فيه ثمّ أخرج منه فأنفض أجنحتي ، فليس من
قطرة تقطر من أجنحتي إلاّ خلق اللّه تبارك وتعالى منها ملكاً مقرّباً ، له عشرون
ألف وجه وأربعون ألف لسان ، كلّ لسان يلفظ بلغة لا يفقهها اللّسان الآخر.
فعبر رسول اللّه 6 حتى انتهى إلى الحجب والحجب خمسمائة
حجاب ، من الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام ، ثمّ قال : تقدّم يا محمد ، فقال
له يا جبرئيل : ولم لا تكون معي؟ قال : ليس لي أن أجوز هذا لمكان ، فتقدم رسول
اللّه 6 ما شاء
اللّه أن يتقدّم حتى سمع ما قال الرب تبارك وتعالى : أنا المحمود وأنت محمّد ،
شققت اسمك من اسمي ، فمن وصلك وصلتُه ، ومن قطعك بَتَكته ، إنزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي
إيّاك وإنّي لم أبعث نبيّاً إلاّ جعلت له وزيراً وإنّك رسولي وإنّ عليّاً وزيرك.
فهبط رسول اللّه 6 فكره أن يحدّث الناس بشيء كراهيّة أن
يتّهموه ، لأنّهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية ، حتى مضى لذلك ستة أيّام ، فأنزل
اللّه تبارك وتعالى
__________________
( فَلَعَلَّكَ تارِكٌ
بَعْضَ ما يُوحَى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ )
فاحتمل
رسول اللّه 6 ذلك حتى كان
يوم الثامن فأنزل اللّه تبارك وتعالى عليه : ( يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما
بَلَّغْتَ رِسالتهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ )
فقال رسول اللّه 6
: تهديد بعد وعيد لأمضينَّ أمر اللّه عزّوجلّ فإن يتّهموني ويكذّبوني فهو أهون
عليّ من أن يعاقبني اللّه العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة ، قال : وسلَّم
جبرائيل على عليّ بإمرة المؤمنين فقال علي 7
: يا رسول اللّه أسمع الكلام ولا أُحس الرؤية! فقال : يا عليّ هذا أخي جبرائيل
أتاني من قبل ربّي بتصديق ما وعدني ، ثمّ أمر رسول اللّه 6 رجلاً فرجلاً من أصحابه حتى سلّموا
عليه بإمرة المؤمنين ثمّ قال : يا بلال ناد في الناس أن لا يبقى غداً أحدٌ إلاّ
خرج إلى غدير خم.
فلمّا كان من الغد خرج رسول اللّه 6 بجماعة من أصحابه ، فحمد اللّه وأثنى
عليه ثمّ قال : يا أيّها الناس إنّ اللّه تبارك وتعالى أرسلني إليكم برسالة وإنّي
ضقت بها ذرعاً ؛ مخافة أن تتّهموني وتكذّبوني حتى أنزل اللّه عليّ وعيداً بعد وعيد
، فكان تكذيبكم إيّاي أيسر عليّ من عقوبة اللّه إيّاي ؛ إنّ اللّه تبارك وتعالى
أسرى بي وأسمعني وقال : يا محمد أنا المحمود وأنت محمّد ، شققت اسمك من اسمي فمن
وصلك وصلته ، ومن قطعك بتكته ؛ إنزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إيّاك ، وأنّي لم
أبعث نبيّاً إلاّ جعلت له وزيراً وإنّك رسولي ، وإنّ عليّاً وزيرك. ثمّ أخذ عليه
الصلاة والسّلام بيدَي علي بن أبي طالب 7
فرفعهما حتى
نظر الناس إلى
__________________
بياض إبطيهما ولم ير
قبل ذلك ، ثمّ قال :
أيّها الناس ، إنّ اللّه تبارك وتعالى
مولاي وأنا مولى المؤمنين فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهمّ وال من والاه ،
وعاد من عاداه وانصر من نصره ، واخذل من خذله.
فقال الشُّكّاك والمنافقون والذين في
قلوبهم مرض وزيغ : نبرأ إلى اللّه من مقالة ليس بحتم ، ولا نرضى أن يكون عليّ
وزيره ، هذه منه عصبيّة.
فقال سلمان والمقداد وأبو ذر ، وعمّار
بن ياسر : واللّه ما برحنا العرصة حتى نزلت هذه الآية ( اليَوم
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإِسْلامَ دِيناً )
فكرّر رسول
اللّه 6 ذلك ثلاثاً
ثمّ قال : إنّ كمال الدّين وتمام النعمة ورضا الربّ بإرسالي إليكم بالولاية بعدي
لعليّ بن أبي طالب.
ولنتفرغ الآن لبيان دلالة هذا الكلام
المتّفق على صدوره عن سيّد الأنام صلوات اللّه عليه وآله الغر الكرام على كون عليّ
صلوات اللّه عليه إماماً وخليفة :
أمّا إذا نظرت إلى تمام الخطبة على ما
حكيناه عن الاحتجاج ، فلا شكّ أنّه لا نصّ أقوى من هذا النصّ على ذلك.
وأمّا إذا نظرت إلى مجرّد الجملة
المشتملة على الولاية لما قد اقتصرت عليه الأكثر ، فنقول : قد عرفت ما ذكروه من
معاني المولى ، ومن البيّن لديك أنّه لا صحّة لأن يكون المراد به إلاّ الأولى بهم
، أو الإمام السيّد المطاع ، أو الناصر ، أو المنعم ، أوالمنعَم عليه ، أو المحبّ.
__________________
ثمّ إذا نظرت إلى مكان تلك الخطبة
وزمانها ، وذلك الاهتمام الذي كان للنبيّ 6 بذلك حتى أنّه وقف في وسط الطريق وجمع
النّاس وحبس أوائلهم على أواخرهم في اليوم الشديد الحر ، الذي كان بعضهم يلفّ
رداءه على رجليه وبعضهم يضعه على رأسه ، لم يشكّ أنّه لم يكن إلاّ لأمر عظيم لم
يجز إهماله ولا تأخيره بوجه ، وما ذلك إلاّ لأمر لا يسع الناس جهله وليس ذلك إلاّ
الإمامة ، التي من مات ولم يعرفها مات ميتة جاهليّة ، وذلك يعني أن يكون المراد به
الأولى بهم أو الإمام السيّد المطاع.
ثمّ إذا نظرت إلى تفريع ذلك على ما قاله
أوّلاً من قوله : « ألست أولى بكم من أنفسكم » ، وما أجابوا به عنه من قولهم : «
بلى » ، تعيّن لديك أن يكون بمعنى الأولى بهم ، ولا تشكّ في ذلك إن كنت ممّن له
أدنى تتبّع لأساليب الأقاويل عربية كانت أو غيرها ، فإنّه طريق مستمرّ بين جميع
المتكلّمين من آية أنّه كانوا كما لا يرتاب في أنّه إذا أقبل رجل على جماعة فقال :
ألستم عارفين بعبدي زيد. ثمّ قال : فاشهدوا أنّ عبدي حرّ لوجه اللّه انصرف إلى ذلك
العبد الذي أشهدهم عليه أوّلاً لا غير ، وإلاّ كان سفيهاً ملغزاً معمياً.
ولا شبهة أيضاً أنّه يفهم من غير توقّف
أنّ كلّ ما به يكون الرسول 6
أولى بالمؤمنين من أنفسهم يكون عليّ صلوات اللّه عليه أولى به بهم منهم ، من غير افتقار إلى إثبات عموم
للأولوية.
وكلّ ما ذكرناه ممّا لا شبهة فيه عند من
له أدنى رؤية في الكلام إذا أنصف ولم يتعنّت.
__________________
فما أورده المخالفون من منع كون المولى
هنا بمعنى الأولى بهم ، لجواز أن يكون بمعنى الناصر أو المحبّ أو السيّد ، وعلى
تقدير الترك من منع عموم الأولوية إلى غير ذلك من الوجوه الركيكة لم يصدر إلاّ عن
جهل بمعاني الأقاويل ، أو عن تعنّت وعناد وانهماك في الأضاليل ، والاستقصاء في ذلك
لا يناسب هذا الكتاب فلنكله إلى الكتب المبسوطة لأصحابنا في الإمامة.
إلاّ أنّنا لا نرى بأساً بأن نورد في
كتابنا هذا شيئاً من عبارة الشافي ؛ لسيّدنا المرتضى رضي اللّه عنه ، ممّا ذكره
لتقرير أصل الاستدلال بهذا الخبر ، على الإمامة ، تبرّكاً وتيمّناً ، قال سلام
عليه :
إنّ النبيّ 6 استخرج من أُمّته في ذلك المقام
الإقرار بفرض طاعته ووجوب التصرّف بين أمره ونهيه بقوله 7 : « ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟ »
وهذا القول وإن كان مخرجه مخرج الاستفهام ، فالمراد به التقرير وهو جار مجرى قوله
تعالى : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ )
فلمّا أجابوه بالاعتراف والإقرار رفع بيد أميرالمؤمنين7 وقال عاطفاً على ما تقدّم : « فَمَنْ
كُنْتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ » وفي روايات أُخر : « فهذا مولاه ، اللّهمّ وال من والاه
وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله » فأتى 7
بجملة يحتمل لفظها معنى الجملة الّتي قدّمها وإن كان محتملاً لغيره ، فوجب أن يريد
بها المعنى المتقدّم الّذي قرّرهم به على مقتضى الاستعمال من أهل اللغة ، وعرفهم
وخطابهم.
وإذا ثبت أنّه 7 أراد ما ذكرناه من إيجابه كون أمير
المؤمنين 7 أولى
بالأُمّة من أنفسهم ؛ فقد أوجب الأحكام لأنّه لا يكون أولى بهم من أنفسهم
__________________
إلاّ فيما يقتضي فرض
الطاعة له عليهم ونفوذ أمره ونهيه فيهم ، ولن يكون كذلك إلاّ من كان إماماً.
فإن قال : دلّوا على صحّة الخبر ثمّ على
أنّ لفظ « مولى » محتملة لأولى وأنّه أحد أقسام ما يحتمله ، ثمّ على أنّ المراد
بهذه اللفظة في الخبر هو الأولى دون سائر الأقسام ، ثمّ على أنّ الأولى يفيد معنى
الإمامة.
قيل له : أمّا الدلالة على صحّة الخبر ،
فما يطالب بها إلاّ متعنّت لظهوره وانتشاره وحصول العلم لكلّ من سمع الإخبار به ،
وما المطالب بتصحيح خبر الغدير والدلالة عليه إلاّ كالمطالب بتصحيح غزوات النبيّ 6 الظاهرة المنشورة ؛ وأحواله المعروفة ؛
وحجّة الوداع نفسها ، لأنّ ظهور الجميع وعموم العلم به بمنزلة واحدة.
وبعد ، فإنّ الشيعة قاطبة تنقله وتتواتر
به ، وأكثر رواة أصحاب الحديث ترويه بالأسانيد المتّصلة ، وجميع أصحاب السير
ينقلونه عن أسلافهم خلفاً عن سلف نقلاً بغير اسناد مخصوص كما نقلوا الوقائع
والحوادث الظاهرة وقد أورده مصنّفو الحديث في جملة الصحيح ، وقد استدل هذا الخبر
بما لا يشركه فيه سائر الأخبار ، لأنّ الأخبار على ضربين :
أحدهما لا يعتبر في نقله الأسانيد
المتّصلة ، كالخبر عن وقعة بدر وخيبر والجمل وصفّين ، وما جرى مجرى ذلك من الأُمور
الظاهرة التي يعلمها الناس قرناً بعد قرن بغير اسناد وطريق مخصوص.
والضرب الآخر يعتبر فيه اتّصال الأسانيد
كأخبار الشريعة.
وقد اجتمع في خبر الغدير الطريقان مع
تفرّقهما في غيره من الأخبار ، على
أنّ ما اعتبر في
نقله من أخبار الشريعة اتّصال الأسانيد ، لو فتشت عن جميعه لم تجد رواية إلاّ
الآحاد ، وخبر الغدير قد رواه بالأسانيد الكثيرة المتّصلة الجمع الكثير ، فمزيّته
ظاهرة.
وممّا يدلّ على صحّة الخبر : إطباق
علماء الأُمّة على قبوله ولا شبهة فيما ادّعيناه من الإطباق ؛ لأنّ الشيعة جعلته
الحجّة في النصّ على أمير المؤمنين 7
بالإمامة ومخالفو الشيعة تأوّلوه على خلاف الإمامة على اختلاف تأويلاتهم!
فمنهم من يقول : إنّه يقتضي كونه 7 الأفضل.
ومنهم من يقول : إنّه يقتضي موالاته على
الظاهر والباطن.
وآخرون يذهبون فيه إلى ولاة العتق
ويجعلون سببه ما وقع عن زيد بن حارثة أو ابنه أُسامة بن زيد من المشاجرة. إلى غير
ما ذكرناه من ضروب التأويلات والاعتقادات.
وما نعلم أنّ فرقة من فرق الأُمّة ردّت
هذا الخبر ، أو اعتقدت بطلانه ، أو امتنعت من قبوله.
وما يجمع الأُمّة عليه لا يكون إلاّ
حقّاً عندنا وعند مخالفينا وإن اختلفنا في العلّة والاستدلال.
فإن قال : وما في تأويل مخالفيكم للخبر
ممّا يدلّ على قبولهم له أو ليس قد يتأول المتكلّمون كثيراً ممّا لا يقبلونه ؛
كأخبار المشبّهة وأصحاب الرؤية وما المانع من أن يكون في الأُمّة من يعتقد بطلانه
أو يشكّ في صحّته؟
قيل له : ليس يجوز أن يتأوّل أحد من
المتكلّمين خبراً يعتقد بطلانه أو يشكّ في صحّته إلاّ بعد أن يبيّن ذلك من حاله
ويدلّ على بطلان الخبر أو على فقد ما
يقتضي صحّته ، ولم
نجد مخالفي الشيعة في ماض ولا مستقبل يستعملون في تأويل خبر الغدير إلاّ ما
يستعمله المتقبّل ، لأنّا لا نعلم أحداً منهم يعتدّ به قدّم الكلام في إبطاله
والدفع له أمام تأويله ، فإن كانوا أو بعضهم يعتقدون بطلانه أو يشكّون في صحّته ،
لوجب مع ما نعلمه من توفّر دواعيهم إلى ردّ احتجاج الشيعة به وحرصهم على دفع ما
يجعلونه الذريعة إلى تثبيته أن يظهر عنهم دفعه سالفاً وآنفاً ويشيع الكلام منهم في
تصحيح الخبر كما شاع كلامهم في تأويله ، لأنّ دفعه أسهل من تأويله وأقوى في إبطال
المتعلّق به وأنفى للشبهة.
فإن قال : أليس قد حكي عن ابن أبي داود
السجستاني في دفع الخبر وحكي عن الخوارج مثله ، وطعن الجاحظ في كتاب العثمانية فيه؟
قيل له : أوّل ما نقول : إنّه لا يعتبر
في باب الإجماع بشذوذ كلّ شاذّ عنه ، بل الواجب أن يعلم أنّ الذي خرج عنه ممّن
يعتبر قوله في الإجماع ، ثمّ يعلم أنّ الإجماع لم يتقدّم خلافه فإنّ ابن أبي داود
والجاحظ لو صرّحا بالخلاف لسقط خلافهما ؛ بما ذكرناه من الإجماع خصوصاً بالذي لا
شبهة فيه من تقدّم الإجماع وفقد الخلاف وقد سبقهما ثمّ تأخّر عنهما ، على أنّه قد
قيل : إنّ ابن أبي داود لم ينكر الخبر وإنّما أنكر كون المسجد الذي بغدير خم
متقدّماً ، وقد حكي عنه التنصّل من القدح في الخبر والتبرّؤ ممّا قذفه به محمد بن
جرير.
وأمّا الجاحظ فلم يتجاسر أيضاً على
التصريح بدفع الخبر ، وإنّما طعن على بعض روايته ، وادّعى اختلاف ما نقل من لفظه ،
ولو صرّح الجاحظ والسجستاني وأمثالهما بالخلاف لم يكن قادحاً لما قدّمناه.
فأمّا الخوارج ، فما يقدر أحد على أن
يحكي عنهم دفعاً لهذا الخبر وامتناعاً من قبوله ، وهذه كتبهم ومقالاتهم موجودة
معروفة وهي خالية ممّا ادّعي ، والظاهر من
أثرهم حملهم الخبر
على التفضيل أو ما جرى مجراه من صنوف تأويل مخالفي الشيعة ، وإنّما أنس بعض الجهلة
بهذه الدعوى على الخوارج ، ما ظهر عنهم من القول الخبيث في أمير المؤمنين 7 وظنّ أنّ خلافهم له ورجوعهم عن ولايته
يقتضي أن يكونوا جحدوا فضائله ومناقبه ، وقد أبعد هذا المدّعى غاية البعد ؛ لأنّ
انحراف الخوارج إنّما كان بعد التحكيم للسبب المعروف وإلاّ فاعتقادهم لأمير
المؤمنين 7 وفضله
وتقدّمه قد كان ظاهراً ، وهم على كلّ حال بعض أنصاره وأعوانه ومن جاهد مع الأعداء
وكان في عداد الأولياء إلى أن كان من أمرهم ما كان.
وقد استدلّ قوم على صحّة الخبر بما
تظاهرت به الروايات من احتجاج أمير المؤمنين 7
به في الشورى على الحاضرين في جملة ما عدّده من فضائله ومناقبه وما خصّه اللّه
تعالى به ، حيث قال : أُنشدكم اللّه هل فيكم أحد أخذ رسول اللّه 6 بيده فقال : « من كنت مولاه فهذا مولاه
اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه » غيري؟ فقال القوم : اللّهمّ لا ، وإذا اعترف به من حضر الشورى من
الوجوه واتّصل أيضاً بغيرهم من الصّحابة ممّن لم يحضر الموضع كما اتّصل بهم سائر
ما جرى ولم يكن من أحد نكير له ولا إظهار الشكّ فيه ، مع علمنا بتوفر الدّواعي إلى
إظهار ذلك لو كان الخبر بخلاف ما حكمنا به من الصحّة ، فقد وجب القطع على صحّته ،
على أنّ الخبر لو لم يكن في الوضوح كالشمس لما جاز أن يدّعيه أمير المؤمنين 7 سيما في مثل المقام الذي ذكرناه لأنّه 7 كان أنزه وأجلّ قدراً من ذلك ، قالوا :
وبمثل هذه الطريقة يحتجّ خصومنا في تصحيح ما ذكره أبوبكر يوم السقيفة وأسنده إلى
الرّسول 6 من قوله :
الأئمّة من قريش ، وما جرى مجراه من
__________________
الأخبار.
فإن قال : كيف يصحّ احتجاجكم بهذه
الطريقة ، وغاية ما فيها أن يكون الحاضرون في الشورى صدّقوا خبر الغدير وشهدوا
بصحّته ، وأن يكون من عداهم من الصحابة الذين لم يحضروا وبلغهم ما جرى أمسكوا عن
ردّه وإظهار الشكّ فيه على سبيل التصديق أيضاً وليس في جميع ذلك حجّة عندكم ،
لأنّكم قد رددتم فيما مضى من الكتاب على من جعل تصديق الصحابة بخبر الإجماع
وإمساكهم عن ردّه حجّة في صحّته.
قيل له : إنّما رددنا على من ذكرت من
حيث يصحّ عندنا لولا إطباق الصحابة على الخبر المدّعى في الإجماع ، ثمّ لما سلّمنا
للخصوم ما يدّعونه من إطباق الصحابة ، أريناهم أنّه لا حجّة فيه على مذاهبهم
وأُصولهم ؛ لأنّهم يجيزون على كلّ واحد منهم الخطأ عقلاً واعتقاد الباطل بالشبهة ،
فلا أمان قبل صحّة ما يدّعونه بالسّمع من وقوع ما جاز عليهم ، وأبطلنا ما يتعلّقون
به من عادة الصحابة من قبول الصحيح من الأخبار وردّ السقيم ، وبيّنا أنّهم لم
يقولوا ذلك إلاّ عن دعوى لا يعضدها برهان ، وأنّهم رجعوا في أنّ الخطأ لا يجوز
عليهم إلى قولهم أو ما يجري مجرى قولهم ، وهذا لا يمنعنا من القطع على صحّة ما
يجمع عليه الأُمّة على مذهبنا ، لأنّا لا نجيز على كلّ واحد منهم الخطأ والضلال
كما اختاروه من طريق العقل ، وإنّما نجيزهما على من عدا الإمام ، لأنّ العقل قد
دلّنا على وجود المعصوم في كلّ زمان ، ومنعنا من اجتماع الأُمّة على باطل إنّما هو
لأجله ، فمن لم يسلك طريقتنا يجب أن يمنعه من الثقة بالإجماع وتمسكه به.
فإن قال : جميع ما ذكرتموه إنّما يصحّ
في متن الخبر الّذي هو قوله 7
: « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه » دون المقدمة المتضمّنة للتقرير ، لأنّ أكثر من
روى الخبر لم
يروها ، والإطباق من
العلماء على القبول واستعمال التأويل غير موجود فيها ، لأنّكم تعلمون خلاف خصومكم
فيها ، وإنشاد أمير المؤمنين 7
أهل الشورى لم يتضمنها في شيء من الروايات ، ودليلكم على إيجاب الإمامة في الخبر
ممّا يتعلّق بها فدلّوا على صحّتها.
قيل له : ليس ينكر أن يكون بعض من روى
خبر الغدير لم يذكر المقدّمة ، إلاّ أنّ من أغفلها ليس لأكثر ممّن ذكرها ولا
يقاربه ، وإنّما حصل الإخلال بها من آحاد من الرواة ، والشيعة كلّهم ينقلون الخبر
ومقدّمته ، وأكثر من شاركهم من رواة أصحاب الحديث أيضاً ينقلون المقدّمة ، ومن
تأمّل الخبر وتصفّحه علم صحّة ما ذكرناه. وإذا صحّ فلا نكرة في إغفال من أغفل
المقدّمة لأنّ الحجّة تقوم بنقل من نقلها بل بعضهم.
فأمّا إنشاد أمير المؤمنين 7 أهل الشورى وخلّوه من ذكر المقدمة فلا
يدلّ على نفيها أو الشكّ في صحّتها ؛ لأنّه 7
قرّرهم بالخبر بما يقتضي الإقرار بجميعه على سبيل الاختصار ، ولا حاجة إلى ذكر
القصّة من أوّلها إلى آخرها وجميع ما جرى فيها لظهوره ، لأنّ الاعتراف بما اعترف
به منها هو اعتراف بالكلّ وهذه عادة الناس فيما يقرّرون به ، ألا ترى أنّ أمير
المؤمنين 7 لمّا أن
قرّرهم في ذلك المقام بخبر الطائر في حمل الفضائل والمناقب اقتصر على أن قال 7 : أفيكم رجل قال له النبيّ 6 : « اللّهمّ ابعث إليّ أحبّ خلقك إليك
يأكل معي » غيري. ولم يذكر إهداء الطائر وما تأخّر عن هذا القول من كلام الرسول 6.
وكذلك لمّا أن قرّرهم بقول الرسول 6 فيه لمّا ندبه لفتح خيبر ، ذكر بعض
الكلام دون بعض ولم يشرح القصة وجميع ما جرى فيها ، وإنّما اقتصر 7 على القدر المذكور اتّكالاً على شهرة
الأمر ، وإنّ في الاعتراف ببعضه اعترافاً بكلّه ، فلا
ينكر أن يكون هذا
علّة من أغفل رواية المقدّمة من الرواة ، فإنّ أصحاب الحديث كثيراً ما يقولون :
فلان يروي عن الرسول 6
كذا. ويذكرون بعض لفظ الخبر والمشهور منه على سبيل الاختصار ، والتعويل على الظهور
في الباقي وإنّ الجميع يجري مجرى واحداً ، ويستبين فيما بعد بعون اللّه ما يقتصر
من الأدلّة على إثبات الإمامة من خبر الغدير إلى المقدمة وما لا يقتصر إليها إن
شاء اللّه.
وأمّا الدلالة على أنّ لفظة « مولى »
تفيد في اللّغة « أولى » ، فظاهر ؛ لأنّ من كان له أدنى اختلاط باللغة وأهلها يعرف
أنّهم يضعون هذه اللفظة مكان « أولى » ، كما أنّهم يستعملونها في ابن العم.
وما المنكر لاستعمالها في « الأولى »
إلاّ كالمنكر لاستعمالها في غيره من أقسامها. ومعلوم أنّهم لا يمتنعون من أن
يقولوا في كلّ شيء كان أولى بالشيء ، أنّه مولاه. ومتى شئت أن تفحم المطالب بهذه
المطالبة فاعكسها عليه ثمّ طالبه بأن يدلّ على أنّ لفظة « مولى » تفيد ابن عم ، أو
الجار أو غيرهما من الأقسام ، فإنّه لا يتمكّن من ذلك إلاّ بإيراد بيت شعر ، أو
مقاصاة إلى كتاب ، أو عرف لأهل اللّغة وكلّ ذلك موجود ممكن لمن ذهب إلى أنّها تفيد
« الأولى » على أنّا نتبرع بإيراد جملة تدلّ على ما ذهبنا إليه فنقول :
قد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى ،
ومنزلته في اللّغة منزلته في كتابه المعروف ب « المجاز في القرآن » لمّا انتهى
إلى قوله تعالى : ( مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَوليكُمْ ) أنّ معنى « مولاكم » : أولى بكم ،
وأنشد بيت لبيد شاهداً له :
فغدت كلا الفرجين يحسِب أنّه
|
|
مَولى المخافة خلفها وآمامها
|
وليس أبو عبيدة ممّن يغلط في اللّغة ،
ولو غلط فيها أو وهم لما جاز أن
__________________
يمسك عن النكير عليه
، والردّ لتأويله غيره من أهل اللّغة ممّن أصاب ما غلط فيه ، على عادتهم المعروفة
في تتبّع بعضهم لبعض وردّ بعضهم على بعض ، فصار قول أبي عبيدة الذي حكيناه مع أنّه
لم يظهر من أحد من أهل اللغة ردّله ، كأنّه قول الجميع.
ولا خلاف بين المفسّرين في أنّ قوله
تعالى : ( وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ
الوالِدانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَ آتُوهُمْ
نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْء شَهِيداً )
أنّ المراد بالأولياء من كان أملك بالميراث وأولى بحيازته وأحقّ به. وقال الأخطل :
فأصبَحْتَ مَولاها مِنَ النّاسِ
بَعْدَهُ
|
|
وأحرى قُريش أن يُهابَ ويُحمدا
|
وقال أيضاً يخاطب بني أُميّة :
أعطاكُمُ اللّهُ جداً لتنصرون به
|
|
لا جد إلاّ صغير بعد محتقر
|
لم يأشَروا فيه إذ كُنْتُمْ مَواليه
|
|
ولو يكون لقوم غيركم أشِروا
|
وقال غيره :
كان موالي حقّ يطلبون به
|
|
فأدركوه وما ملّوا ولا تعبوا
|
__________________
وقال العجاج :
الحمدُ للّه الّذي أعطى الخير
|
|
موالِيَ الحقِّ إن المَولى شكَر
|
وروي في الحديث : « أيّما امرأة تزوّجت
بغير إذن مولاها ، فنكاحها باطل » .
وكلّ ما استشهدنا به لم يرد بلفظ « مولى
» فيه إلاّ معنى « أولى » دون غيره. وقد تقدّمت حكايتنا عن المبرّد قوله : إنّ أصل
تأويل الولي الذي هو أولى ، أي أحقّ ، ومثله المولى ، وقال في هذا الموضع بعد أن
ذكر تأويل قوله تعالى : « إنّ اللّه موليالذين آمنوا » والولي والمولى معناهما
سواء ، وهو الحقيق بخلقه المتولي لأُمورهم.
وقال الفرّاء في كتاب « معاني القرآن »
: الولي والمولى في كلام العرب واحد ، وفي قراءة عبد اللّه بن مسعود أنّها «
مولاكم اللّه ورسوله » مكان « وليّكم ».
وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري
في كتابه في القرآن المعروف ب « المشكل » : والمولى في اللّغة ينقسم إلى ثمانية
أقسام : أوّلهنّ المولى المنعم ، ثمّ المنعَم عليه المعتق ، والمولى الولي ، والمولى
الأولى بالشيء وذكر شاهداً عليه الآية التي قدّمنا ذكرها وبيت لبيد ، والمولى
الجار ، والمولى ابن العم ، والمولى الصهر ، والمولى الحليف. واستشهد على كلّ واحد
من أقسام مولى بشيء من الشعر لم نذكره ، لأنّ غرضنا سواه.
وقال أبو عمر غلام ثعلب في تفسير بيت
الحارث بن حَلّزة الذي هو :
__________________
زعموا أنّ كلّ من ضرب العير
|
|
موالٍ لنا وأنّا الولاء
|
أقسام المولى ، وذكر في جملة الأقسام
أنّ المولى السيّد وإن لم يكن مالكاً ، والمولى الولي.
وقد ذكر جماعة ممّن يرجع إلى أمثاله في
اللّغة أنّ من جملة أقسام مولى السيّد الذي ليس هو بمالك ولا معتق. ولو ذهبنا إلى
ذكر جميع ما يمكن أن يكون شاهداً فيما قصدناه لأكثرنا وفيما قد أوردناه كفاية
ومقنع.
فإن قال : أليس ابن الأنباري قد أورد
أبيات الأخطل التي استشهدتم بها ، وشعر العجاج والحديث الّذي رويتموه وتأوّل لفظ «
مولى » في جميع ذلك على « ولي » دون « أولى » فكيف ذكرتم أنّ المراد بها « الأولى
»؟
قيل له : الأمر على ما ذكرته عن ابن
الأنباري غير أنّه معلوم في اللغة أنّ لفظة « ولي » تفيد معنى « أولى » وقد دللنا
على ذلك فيما تقدّم من الكلام في تأويل
__________________
قوله تعالى : ( إِنَّما
وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ).
وجميع ما استشهدنا به من الشعر والخبر
لا يجوز أن يكون المراد ب « مولى » فيه إلاّ « الأولى » ومن كان مختصّاً بالتدبير
ومتولّياً للقيام بأمر ممّا قيل إنّه مولاه ؛ لأنّه متى لم يحمل على ما قلناه ، لم
يفد ، وكيف يحمل قوله بغير إذن مولّها إذا قيل : إنّ المراد به وليّها على غير من
يملك تدبير أمرها وإليه العقد عليها؟
فإن قال : قد دللتم على استعمال لفظة «
مولى » في « أولى » فما الدليل على أنّ استعمالهم جرى على سبيل الحقيقة؟ لأنّ
المجاز قد يدخل في الاستعمال كما تدخل الحقيقة.
قيل له : إنّما يحكم في اللغة بأنّه
يستعمل في اللغة على وجه الحقيقة ، بأن يظهر استعماله فيها من غير أن يثبت ما
يقتضي كونه مجازاً من توقيف أهل اللغة ، أو ما يجري مجرى التوقيف ، فأصل الاستعمال
يقتضي الحقيقة ، وإنّما يحكم في بعض الألفاظ المستعملة بالمجاز لأمر يوجب علينا
الانتقال عن الأصل.
فأمّا الدلالة على أنّ المراد بلفظة «
مولى » في خبر الغدير : « الأولى » ، فهو أنّ من عادة أهل اللسان في خطابهم إذا
أوردوا جملة مصرّحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدّم التصريح به ولغيره ، لم
يجز أن يريدوا بالمحتمل إلاّ المعنى الأوّل ، فيُبيّن صحّة ما ذكرناه ، أنّ أحدهم
إذا قال ـ مقبلاً على جماعة مفهماً لهم وله عدّة عبيد ـ : ألستم عارفين بعبدي فلان
، ثمّ قال عاطفاً على كلامه : فاشهدوا أنّ عبدي حرّ لوجه اللّه. لم يجز أن يريد
بقوله : « عبدي » بعد أن قدّم ما قدّمه ، إلاّ العبد الذي سمّاه في أوّل كلامه دون
من سائر عبيده ومتى أراد سواه كان عندهم ملغوّاً خارجاً عن طريق البيان ، ويجري
قوله « فاشهدوا أنّ عبدي حرّ » إذا كرّر مجرى تسميته وتعيينه. هذه حالة كلّ لفظ
محتمل عطف على لفظ مفسّر على الوجه الذي
__________________
صوّرناه ، فلا حاجة
بنا إلى تكرير الأمثلة فيه.
فإن قال : وكيف يشبه المثال الذي
ذكرتموه خبر الغدير وإنّما تكرّرت فيه لفظة واحدة وإنّما وردت لفظة « مولى »
فادّعيتم أنّها تقوم مقام لفظ « أولى » المتقدّم؟!
قيل له : إنّك لم تفهم بموضع التشبيه من
المثال وخبر الغدير وكيفيّة الاستشهاد به ، لأنّ لفظة « عبدي » وإن كانت متكرّرة
فيه ، فإنّها لما وردت أوّلاً موصولة ب « فلان » جرى مجرى المفسّر المصرّح الذي
هو ما تضمنته المقدمة في خبر الغدير من لفظ « أولى » ، ثمّ لما وردت من بعد غير
موصولة حصل فيها احتمال واشتباه لم يكن في الأوّل ، فصارت كأنّها لفظة أُخرى يحتمل
ما تقدم ويحتمل غيره ، وجرت مجرى لفظة « مولى » من خبر الغدير في احتمالها ، لما
تقدّم ولغيره.
على أنّا لوجعلنا مكان قوله « فاشهدوا
أنّ عبدي حرّ » « اشهدوا أنّ غلامي أو مملوكي حرّ » لزالت الشبهة في مطابقة المثال
للخبر ، وإن كان لا فرق في الحقيقة بين لفظة « عبدي » إذا تكرّرت ، وبين ما يقوم
مقامها من الألفاظ في المعنى الذي قصدناه.
فإنّ ما تنكرون أن يكون إنّما قبح إن
يريد القائل الذي حكيتم قوله بلفظة « عبدي » الثانية والتي تقوم مقامها ، من عدا
المذكور الأوّل الذي قرّرهم بمعرفته من حيث تكون المقدمة إذا أراد ذلك ، لا معنى
لها ولا فائدة فيها ، ولأنّه أيضاً لا تعلّق لها بما عطف عليها بالفاء التي تقتضي
التعلّق بين الكلامين وليس هذا في خبر الغدير ، لأنّه إذا لم يرد بلفظة « مولى » :
« أولى » وأراد أحد ما يحتمله من الأقسام ، لم تخرج المقدّمة من أن تكون مفيدة
ومتعلّقة بالكلام الثاني ، لأنّها تفيد التذكير ، لوجوب الطاعة ، وأخذ الاقرار بها
ليتأكد لزوم ما أوجبه في الكلام الثاني
لهم ، ويصير معنى
الكلام : إذا كنت أولى بكم وكانت طاعتي واجبة عليكم فافعلوا كذا وكذا فإنّه من
جملة ما آمركم بطاعتي فيه ، وهذه عادة الحكماء فيما يلزمونه من يجب عليه طاعتهم ،
فافترق الأمران وبطل أن يجعل حكمهما واحداً ، قيل : لو كان الأمر على ما ذكرت لوجب
أن يكون متى حصل في المثال الذي أوردناه فائدة لمقدمته ، وإن قلت وتعلّق بين
المعطوف والمعطوف عليه أن يحسن ما حكمنا بقبحه ووافقنا عليه ونحن نعلم أنّ القائل
إذا أقبل على جماعة فقال : ألستم تعرفون صديقي زيداً الذي كنت ابتعت منه عبدي
فلاناً الّذي صفته كذا وأشهدناكم على أنفسنا بالمبايعة؟ ثمّ قال عقيب قوله «
فاشهدوا إنّي قد وهبت له عبدي » : « أو قد رددت إليه عبدي » لم يجز أن يريد
بالكلام الثّاني إلاّ العبد الذي سمّاه وعيّنه في صلب الكلام ، وإن كان متى لم يرد
ذلك يصحّ أن يحصل فيما قدّمه فائدة ، ولبعض كلامه تعلّق ببعض لأنّه لا يمنع أن
يريد بما قدّمه من ذكر العبد تعريف الصديق ، ويكون وجه التعلّق بين الكلام أنّكم
إذا كنتم قد شهدتم
بكذا وعرفتموه فاشهدوا أيضاً بكذا ، وهو لو صرّح بما قدّمناه حتى يقول بعد
المقدّمة : فاشهدوا أنّي قد وهبت له أو رددت إليه عبدي فلاناً الذي كنت ملكته منه
، ويذكر من عبيده غير من تقدّم ذكره ، لَحَسُن وكان وجهُ حسن ما ذكرناه ، فثبت أنّ
الوجه في قبح حمل الكلام الثاني على غير معنى الأوّل مع احتماله له ، خلاف ما
ادّعاه السائل وأنّه الذي ذهبنا إليه.
فأمّا الدليل على أنّ لفظة « أولى »
يفيد معنى الإمامة ، فهو أنّا نجد أهل اللغة لا يضعون هذا اللفظ إلاّ فيمن كان
يملك ما وصف بأنّه أولى بتدبيره وتصريفه وينفذ فيه أمره ونهيه ، ألا تراهم يقولون
: السّلطان أولى بإقامة الحدود من
__________________
الرعية ، وولد
الميّت أولى بميراثه من كثير من أقاربه ، والزوج أولى بها قرابة ، والمولى بعبده.
ومرادهم في جميع ذلك ما ذكرناه.
ولا خلاف بين المفسّرين في أنّ قوله :
بعد النبي 6 أولى
بالمؤمنين من أنفسهم ، المراد بتدبيرهم والقيام بأمرهم حيث وجبت طاعته عليهم ،
ونحن نعلم أنّه لا يكون أولى بتدبير الخلق وأمرهم ونهيهم من كلّ أحد إلاّ من كان
إماماً لهم مفترض الطاعة عليهم.
فإن قال : اعملوا على أنّ المراد بلفظة
« مولى » في الخبر : ما تقدّم من معنى « أولى » ، من أين لكم أنّه أراد كونه أولى
بهم في تدبيرهم وأمرهم ونهيهم ، دون أن يكون أراد : أولى بأن يوالوه ويحبّوه
ويعظّموه ويفضّلوه ، لأنّه ليس يكون أولى بذواتهم بل بحالهم وأمر يرجع إليهم ،
فأيّ فرق في ظاهر اللفظ بين أن يريد ما يرجع إليهم في تدبيرهم وتصريفهم ، وبين أن
يريد أحد ما ذكرناه؟
قيل له : سؤالك يبطل من وجهين :
أحدهما : أنّ الظاهر من قول القائل : «
فلان أولى بفلان » أنّه أولى بتدبيره وأحقّ بأمره ونهيه ، فإذا انضاف إلى ذلك
القول « أولى به من نفسه » زالت الشبهة في أنّ المراد ما ذكرناه ، ألا تراهم
يستعملون هذه اللفظة مطلقة في كلّ موضع حصل فيه تحقّق بالتدبير واختصاص الأمر
والنهي ، كاستعمالهم لها في السّلطان ورعيّته ، والوالد وولده ، والسيّد وعبده وإن
جاز أن يستعملوها مقيّدة في غير هذا الموضع إذا قالوا : فلان أولى بمحبة فلان أو
بنصرته أو بكذا أو بكذا منه ، إلاّ أنّ مع الإطلاق لا يعقل منهم إلاّ معنى الأوّل
، وكذلك نجدهم يمتنعون من أن يقولوا في المؤمنين : إنّ بعضهم أولى ببعض ويريدوا ما
يرجع إلى المحبّة والنصرة وما أشبههما ، ولا يمتنعون من القول بأنّ النبيّ أو
الإمام أو من اعتقدوا أنّ له فرض طاعة عليهم
أولى بهم من أنفسهم
ويريدون أنّه أحقّ بتدبيرهم وأمرهم ونهيهم.
والوجه الآخر : أنّه إذا ثبت أنّ النبيّ
6 أراد بما
قدّمه من كونه أولى بالخلق من نفوسهم أنّه أولى بتدبيرهم وتصريفهم من حيث وجبت
طاعته عليهم بلا خلاف ، وجب أن يكون ما أوجبه لأمير المؤمنين 7 في الكلام الثاني جارياً ذلك المجرى ،
لأنّه 7 بتقديم ما
قدّمه يستغني عن أن يقول : فمن كنت أولى به في كذا وكذا فعليّ أولى به فيه ، كما
أنّه بتقديم ما قدّمه استغنى عن أن يصرّح بلفظة « أولى » إذا قام مقامها لفظة «
مولى » يشهد بصحّة ما قلناه أنّ القائل من أهل اللسان إذا قال : فلان وفلان ـ وذكر
جماعة ـ شركائي في المتاع الذي من صفته كذا وكذا ، ثمّ قال عاطفاً على كلامه : فمن
كنت شريكه فعبد اللّه شريكه ، اقتضى ظاهر لفظه أنّ عبد اللّه شريكه في المتاع الذي
قدّم ذكره وأخبر أنّ الجماعة شركاؤه فيه ، ومتى أراد أنّ عبد اللّه شريكه في عين
الأمر الأوّل كان سفيهاً غاشّاً ملغزاً.
فإن قيل : إذا سلّم لكم أنّه 7 أولى بهم بمعنى التدبير ووجوب الطاعة ،
من أين لكم عموم وجوب الطاعة في جميع الأُمور التي يقوم بها الأئمّة ولعلّه أراد
به أولى بأن يطيعوه في بعض الأشياء دون بعض؟
قيل له : الوجه الثاني الّذي ذكرناه في
جواب سؤالك المتقدّم يسقط هذا السؤال. وممّا يبطله أيضاً أنّه إذا ثبت أنّه 7 مفترض الطاعة على جميع الخلق في بعض
الأُمور دون بعض ، وجبت إمامته وعموم فرض طاعته وامتثال تدبيره ، لأنّه لا يكون
إلاّ الإمام ، ولأنّ الأُمّة مجمعة على أنّ من هذه صفته هو الإمام ، ولأنّ كلّ من
أوجب لأمير المؤمنين 7
من خبر الغدير فرض الطاعة على الخلق أوجبها عامّة في الأُمور كلّها على الوجه
الّذي يجب للأئمّة ولم يخص شيئاً دون شيء ، وبمثل هذا الوجه بحث من قال : كيف
علمهم عموم القول لجميع الخلق مضافاً إلى عموم إيجاب الطاعة لسائر الأُمور ، ولستم
ممّن يثبت للعموم صيغة في
اللّغة فيتعلّقون
بلفظه من عمومها ، وما الذي يمنع على أُصولكم من أن يكون أوجب طاعته على واحد من
النّاس ، أو جماعة من الأُمّة قليلة العدد ، لأنّه لا خلاف في عموم تقرير النبيّ 6 السلام للأُمّة ، وعموم قوله 7 من بعد : « فمن كنت مولاه » وإن لم يكن
للعموم صورة ، وقد بيّنا أنّ الذي أوجبه ثانياً يجب مطابقته لما قدّمه في وجهه
وعمومه في الأُمور ، وكذلك يجب عمومه في المخاطبين بمثل تلك الطريقة لأنّ كلّ من
أوجب من الخبر فرض الطاعة وما يرجع إلى معنى الإمامة ، ذهب إلى عمومه لجميع
المكلّفين كما ذهب إلى عمومه في جميع الأفعال.
فهذا ما أردنا أن نحكيه من ألفاظه قدّس
اللّه روحه ونوّر ضريحه ، ليتشرّف به كتابنا هذا ولا يخلو من بيان طريق ثمين
للاستدلال بخبر الغدير على الإمامة.
وأمّا بسط الكلام فيه وبلوغ الغاية ووجوه
التفصّي عمّا أورده أرباب المقاصد والغواية خذلهم اللّه ولعنهم بلا نهاية ، فليس
ممّا يليق بهذا الكتاب وأمثاله ، فمن أراد ذلك فعليه بما وضع لمثله من كتب أصحابنا
رضوان اللّه عليهم.
ثمّ إنّ ما أورده ; أخيراً ودفعه إنّما يردّ على ما ذُهب
إليه من أنّه ليس للعموم صيغة وضعاً ، وأمّا على المشهور فلا ورود عليه إلاّ على
رأي من لم يعد من صيغ العموم ، ثمّ لا يخفى أنّ قول الناظم ; : « رافعها » وقوله : « أكرم بكفّ الذي
يرفع والكفّ الذي يرفع » ، يُفهم منه مبالغته في أنّه 6 إنّما رفع كفّه 7 لا نفسه ، كما يفهم من أكثر الروايات
وهو أعلم بما قال.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: في الإتيان ب « ثمّ » توجيه ومبادرة إلى الدلالة على التراخي ، أو بعد ما بين
الحالتين.
الثانية
: في التعبير بالإتيان ، دلالة على سهولة مجيئها وأنّه لم يكن عن سؤال وإلحاح ، بل
كان ذلك ممّا أراده اللّه عزّ وجلّ بلا توسّط مسألة أو تعليق بشيء.
الثالثـة
: تقديم المفعول لإيثار اتّصال الضمير الذي هو الأصل على انفصاله ، ولتقريبه إلى
المرجع ، ولكونه أهمّ لشرفه ، لرجوعه إلى النبيّ 6
، ولطول الفاصل مع ما يتّصل به ، وللوزن.
الرابعة
: التصريح ببعدية الإتيان تأسيساً أو تأكيداً ، لأنّها لما كانت دالّة على براءة
ساحة النبيّ 6 عن التفريط
في الإبلاغ كان الاهتمام بها شديداً ، وبهذا يحسن حمل الكلام على التأكيد مع أنّه
ما أمكن الحمل على التأسيس كان الحمل على التأكيد ضعيفاً ، وللاهتمام ، ولطول
الفاصل بما يتّصل به قدمه على الفاعل.
الخامسة
: في التعبير عن الكلام المشتمل على العزمة بالعزمة أو اسناد الإتيان إليها مع
الإيجاز ، دلالة على أنّ ذلك الكلام صريح الدلالة على العزمة ، فكأنّه هي وإتيانه
إتيان لها لا محالة ، أو كأنّها قد أتت من غير احتجاب تحت الألفاظ ، بل لوضوحها كأنّها
تجسّمت وأتت كما يأتي الإنسان ، وإن كان الاسناد حقيقة إلى الكلام وقد حذف ،
فالحذف للاختصار ولإيهام ما ذكر وللاختصار مع ما ذكر من تخييل أنّ العزمة قد
تجسّمت وأتت كما يأتي الإنسان ، لم يتعرّض لذكره من أتى بها ، أعني : جبرائيل 7 مع أنّه لم يكن ممّا يتعلّق غرض بذكره.
السادسة
: تنكير « عزمة » للتعظيم.
السابعة
: إلحاق تاء الوحدة بها ، للدلالة على توحّدها من بين العزمات ، كأنّها لشدتها
وعظمها لا يمكن أن تكون إلاّ واحدة.
الثامنة
: وصف « عزمة » بكونها من ربّه ، لزيادة تعظيمها والدلالة على أنّها ممّا لا يسوغ فيه
الإهمال ، ولذا أثّر لفظ الربّ الذي هو أدلّ على وجوب الامتثال
بأيّ معنى أُخذ كما
لا يخفى على البصير ، وفي إيثاره إن كان من « ربّه » بمعنى « ربّاه » إشارة إلى
أنّ هذا الأمر من تربية اللّه نبيّه 6
والأمر كذلك ، لأنّ تمام النبوّة بالولاية وكمال الدّين بالإمامة ، وأيضاً تربية
أخيه وابن عمّه وحبيبه تربية له ، وإن كان بمعنى المصلح إشارة إلى أنّ ذلك من
إصلاحه لأُموره أو لنبوّته والأمر كذلك لذلك.
التاسعة
: وصفها بجملة ليس لها مدفع ، لتأكيد التشديد ، وتعبير عن النفي ب « ليس » إن
كانت لنفي الحال لاستحضار الحال الماضية ، مبالغة في التشديد وتعجيباً من شدّتها.
العاشرة
: التعبير بالمصدر الميمي إن كان يدفع مصدراً للتوجيه والوزن.
الحادية
عشرة : تقديم الظرف عليه لتقريب الضمير من
مرجعه والاهتمام ، فإنّه بصدد بيان أحوال « العزمة » والوزن والقافية.
الثانية
عشرة : تنكير مدفع للتعميم أو التقليل أو
التحقير ، وعلى الآخيرين أيضاً يفيد التعميم.
الثالثة
عشرة : في إبهام « العزمة » ثمّ إيضاحها
بعطف البيان زيادة تعظيم لها.
الرابعة
عشرة : حذف مفعول « أبلغ » لدلالة السابق
عليه والتعظيم ، والإشارة إلى أنّ من المعلوم أنّ الذي يليق بهذا التشديد
والاهتمام إنّما هو هذا الأمر فيتبادر إليه الذهن من غير افتقار إلى ذكره.
الخامسة
عشرة : العدول عن « بلّغ » الذي هو لفظ
القرآن إلى « أبلغ » لمناسبة « مبلغاً ».
السّادسة
عشرة : حذف مفعول « مبلغاً » للتوجيه
والتعميم مع الاختصار ، وإفادته التعميم من جهتين :
إحداهما : أنّه يذهب الوهم حينئذ كلّ
مذهب ممكن.
وثانيتهما : أنّ الواقع في سياق النفي
كان أعرى عن القيود كان أولى بالعموم.
السابعة
عشرة : جملة الحال إن كانت جملة « واللّه
منهم عاصم » حالاً للتوجيه ، ولأنّها لو كانت مفردة فإمّا أن كان يقول : « معصوماً
منهم » فلا يكون فيه تصريح بالعاصم إلاّ أن يذكره بعد ذلك فيطول الكلام ، أو كان
يقول : « عاصماً لك اللّه منهم » ، وقد عرفت في مثله أنّ الأصل فيه الجملة.
الثامنة
عشرة : اسميّة الجملة للدلالة على الدوام
والتوجيه ، فإنّه لو أتى بالفعلية فإمّا ان كانت مصدرة بالماضي أو بالمضارع.
فإن كان الأوّل فإمّا أن كانت مع « قد »
أو لا معها ، فعلى الأوّل ، كانت ظاهرة في الحال ، والثاني كانت ظاهرة في غيرها.
وإن كان الثاني ، فإن كانت مع الواو
تعيّنت لغير الحالية ، وإن كانت لا معها كانت ظاهرة في الحال.
التاسعة
عشرة : تقديم الظرف أعني منهم للوزن ،
ولأنّه لو أُخّر لزم أن يكون قد فصل به بين الصفة وموصوفها ، أو بين الخبرين
المترادفين ، أو الحالين المترادفين ، أو بين الحال وصاحبها الموفية.
العشرون
: العدول عن « مانع » إلى « يمنع » ، للتوجيه ، ولئلاّ يتوهّم تعلّق « منهم » بكلّ
منه ومن عاصم.
الحادية
والعشرون : الإتيان بالفاء وعندها ، للدلالة على
أمرين :
أحدهما : السببية ، ليعلم أنّ مجرد
العزمة من اللّه سبحانه تسبّب لهذا الأمر لا
أنّه كان ذلك عن هوى
منه واجتهاد من قبله ، وأنّه لولا العزمة لم يقدم على ذلك ، لما فيه من الصعوبة
وعدم ارتضاء أكثر الأُمّة له.
وثانيهما : عدم المهلة بين إتيان العزمة
وامتثاله 6 إمّا مرّتين
إن كانت الفاء عاطفة والظرف مؤكّداً لها ، أو مرّة ليدل على مبادرته 6 إلى الامتثال من غير إهمال ولا تكاسل ،
ولمّا كان هذا المعنى من الاعراض المهمة ساغ لنا حمل الكلام على التأكيد مع رجحان
التأسيس. وللاهتمام بذلك قدّم الظرف على الفعل.
الثانية
والعشرون : في الإتيان ب « قام » إن كان بمعنى
« وقف » دلالة على ما تحقّق منه 6
من الوقوف في أثناء الطريق ، وهو يدلّ على شدّة الاهتمام بالأمر وعدم الإغفال
يسيراً من الزّمان ، وإن كان بمعنى « شرع » دلالة على طول الخطبة ، فإنّما وقع
عندها الشروع فيها ، وأمّا تمامها ، فلطولها لا يصحّ أن يقال أنّه وقع عندها ، وإن
كان بمعنى انتصب ، دلالة على انتفاء التكاسل رأساً وعلى الإشادة به وإظهاره عند
الناس.
الثالثة
والعشرون : عدم التصريح بالاسم الشريف ، للتعظيم
والتحرّز عن التكرار ، والاختصار مع المدح ، فإنّ الذي أقامه مقامه ، صفة مدح له ،
فلو ذكره بدونه انتفى المدح ، ولو ذكره معه انتفى الاختصار والدلالة على أنّه ممّن
لا يسبق الذهن ممّا ذكره من الصفات إلاّ إليه.
الرابعة
والعشرون : التعبير عنه 6 بالنبيّ دون الرسول ، لكونه باعتبار
معناه اللغوي أدلّ على المدح والتعظيم ، وللإيماء إلى أنّه لعظم شأنه بحيث لا
يتبادر الذهن من النبيّ إلاّ إليه فضلاً عن الرسول ، كأنّه لا نبيّ في جنسه ولا
نبوّة في جنب نبوّته ، أو إلى أنّه لا معهود عنده من الأنبياء سواه فضلاً عن
الرسل.
الخامسة
والعشرون : تقديم الجار والمجرور ، أعني « بما
يأمره » ، للوزن والقافية ، وللحصر أي إنّما كان يصدع بما يأمره لا بما يهواه.
السادسة
والعشرون : حذف عائد الموصول إن كانت « ما »
موصولة ، للتوجيه والوزن والإيجاز.
السابعة
والعشرون : الإتيان بالفعل المضارع في خبر كان ،
للدلالة على أنّ ذلك كان من عادته المستمرّة عند تجدّد كلّ أمر.
الثامنة
والعشرون : الإتيان بيخطب الذي هو مضارع. أمّا
إن كان « قام » من أفعال المقاربة ، فلأنّ ذلك الأصل في إخبارها وقلّما يخالف فيها
ذلك الأصل ، وأمّا إن لم يكن كذلك فلاستحضار الحال الماضية تعجيباً وتهويلاً
وتعظيماً ، ودلالة على أنّه ينبغي أن يكون نصب عين المؤمنين ، وللدلالة على أنّ
الخطبة كانت تصدر عنه شيئاً بعد شيء ، وفيه إيماء إلى طولها.
التاسعة
والعشرون : قوله « مأموراً » تكرير لما ذكره
أوّلاً ، للتأكيد إن كان المراد بالأمر فيه ما مرّذكره من الأمر بالإبلاغ. وأمّا
إن كان المراد به الأمر بالقيام أو الخطبة أو بهما ، فهو تأسيس ، فإن كان تأكيداً
، دلّ على اهتمام الناظم ببيان أنّ ذلك لم يكن إلاّ عن الأمر الالهي وهو حقيق
بالاهتمام ، وإن كان تأسيساً ، دلّ على غاية اهتمام اللّه تعالى حتى أمره بالوقوف
في وسط الطريق أو بالانتصاب لأجله أو أمره بالخطبة ، وليكون الإبلاغ على غاية من
البسط والإيضاح فإنّ الخطب حرية بالبسط والإطناب ، وليؤدّي النبي 6 ما يجب عليه أن يؤدّيه من الشكر للّه
على هذه النعمة العظيمة التي هي كمال الدّين وتمام النعمة ، وفيه من الدلالة على
تعظيم الأمر المبلّغ ما لا يخفى ، وإن كان المراد الأمر بالجميع كان مشتملاً على
تأكيد وتأسيس
المعرفة.
الثلاثون
: تأخير « مأموراً » إن كان حالاً عن فاعل قام ، عن « يخطب » ، أمّا إن كان « قام
» فعلاً ناقصاً خبره « يخطب » فلأنّه الأصل فإنّ الخبر متقدّم رتبة على الحال
ونحوها ، وأمّا إن كان « يخطب » حالاً فيجوز تعليق الأمر بالخطبة ، ولأنّ الخطبة
مقصودة بالذات والوجهان جاريان في الأوّل أيضاً.
الحادية
والثلاثون : الإتيان بقوله : « وفي كفّه الخ ».
للدلالة على أنّه بالغ في التنصيص والتعيين حتى أنّه أخذ بكفّه ورفعها حتى رآه كل
أحد ، ولم يشكّ في أنّه المنصوص عليه ، ولا يخفى ما في كلّ من الظهور واللمعان
والرفع من الدلالة على ذلك ، فقد أكّده بوجوه من التأكيد.
الثانية
والثلاثون : تذكير « ظاهراً » للضرورة وتعظيم
الكفّ بتبعيدها عن وصمة التأنيث والتوجيه ، ولعلّه إنّما أنّث ضميرها في رفعها
لئلاّ يتوهّم عود الضمير إلى عليّ لو ذكره.
الثالثة
والثلاثون : إن كانت الجملة التعجّبية اعتراضاً ،
فالتعبير عن الرفع بالمضارع لاستحضار الحال الماضية تلذّذاً وتعجيباً وبينهما ،
على أنّه لا ينبغي أن يغفل المؤمن عن تلك الحالة بل لا يزال يكون نصب عينيه.
الرّابعة
والثلاثون : إن كان المراد بالأملاك الملائكة ،
فالإتيان بهذه الجملة لفائدتين :
أُولاهما : أنّ الملائكة نزلوا وحضروا
هذا الأمر لعِظَمِه وليكونوا شهداء على الناس ، فدلّ بذلك على عِظَم شأن الأمر.
وثانيهما : زيادة التعجّب من حال أُولئك
القوم الذين نقضوا مثل هذا العهد
الذي أشهد اللّه
سبحانه به عليهم الملائكة ، وإن كان المراد أشراف الناس فهي تفيد قلّة استحيائهم
جداً ، فإنّهم نقضوا الأمر الذي قد شهده اللّه سبحانه وأشراف الناس ، ولا شبهة في
أنّ الناس أشدّ استحياء من أشراف الناس منهم من أوساطهم وأراذلهم.
الخامسة
والثلاثون : إن كانت « من » في « من حوله »
ابتدائيّة أفادت كثرة الأملاك كما لا يخفى.
السادسة
والثلاثون : فصل مولاه الثاني وإخراجه عمّا كان
له من التركيب الإضافي ، للضرورة وإفادة تعظيم المولى.
ـ البيان :
« ثم »
إن كانت موضوعة لمجموع التشريك مع التعقيب بمهلة وأُريد بها هنا معنى الواو أو
الفاء ، كانت مجازاً من استعمال لفظ الكلّ في الجزء ، وإن أُريد بها التّرتب
الذكري أو تباعد مضمونَي ما قبلها وما بعدها ، كانت استعارة تبعيّة فإنّه شبّه
الترتب الذكري بالخارجي ، أو التباعد الرتبي بالتباعد الزماني.
إذا أُسند الإتيان إلى الكلام ؛ فإمّا
أن يتضمّن المجاز في الإسناد ، فإنّ الرسول الحامل للكلام هو الآتي فأسند فعله إلى
المسبب الحامل له على الفعل وهو الغاية ، أو في لفظ الإتيان تشبيهاً لفيضان أثر
الكلام على السامع وهو الفهم والإحاطة بمضمونه بإتيان ذلك الأثر من المتكلّم ، ثمّ
تشبيه إتيانه بإتيان نفس المؤثّر أعني الكلام ، فيكون الإتيان استعارة.
لفظة « ذا »
الموضوعة للإشارة الحسّية استعارة ، لأنّه قد أُشير بها إلى معقول تشبيهاً له
بالمحسوس في الظهور.
إن أراد بـ « العزمة »
الإيجاب ، كانت استعارة تشبيهاً للطلب على وجه التحتّم بالإرادة على ذلك الوجه.
وإن أراد بها الكلام المشتمل عليها ، كان فيها تجوّز آخر لإطلاق اسم المدلول على
الدال إذا أُسند الإبلاغ إلى كلام لم يكن فيه تجوّز ، وإذا أُسند إلى معنى اشتمل
على التجوّز إمّا في المعنى بإطلاق المدلول ، أو في الإبلاغ بأن يراد به التسبب
لفيضان ذلك المعنى على السامع تشبيهاً للتسبب للبلوغ بالإبلاغ فيكون استعارة ، أو
في إيقاع الإبلاغ على المعنى ، أو في إسناده إلى المتكلّم ، فإنّه سبب لإبلاغ
اللّه أي إيصاله ذلك المعنى إلى فهمه ، والناظم لما حذف المفعول احتمل كلامه
الأمرين.
قوله : « لم تكن مبلّغاً »
فجاز على بعض الوجوه وهو أن يراد : لم يعتد بإبلاغه ، تمثيلاً لعدم الاعتداد بعدم
الوجود ، أو المجاز في لفظ « مبلّغاً » وحده ، بأن يراد به من يعتدّ بإبلاغه.
« عند » : استعارة ، لأنّها في الأصل
للحضور أو القرب الحقيقي فاستعملت هنا في المعنوي ، ثمّ إن كان المراد بها هنا
الحضور ولم يجعل زمان العزمة مع زمان الخطبة زماناً واحداً ، كان مجازاً من تسمية
الشيء باسم مجاوره.
« النبيّ »
: إذا أُطلق على المعنى المعروف كان حقيقة عرفيّة مجازاً لغوياً.
وكذلك « الصدع »
إذا استعمل بالمعنى الذي عرفته استعارة لغوية حقيقة عرفية.
إن كان المراد ب « حوله »
: مَن حوله ، كان مجازاً من تسمية الحال باسم محلّه.
وكلّ من « شاهد »
و « يسمع »
استعارة تشبيهاً للعلم بالحضور وللعلم بالمسموعات بالسماع في وضوح المعلوم.
[ ٢١ ]
فاتّهمُوهُ وخَبَتْ فيهِم
|
|
على خلاِفِ الصّادق الأضلُعُ
|
اللغة :
« الفاء »
إمّا للعطف المتضمّن للسببية ، أو المجرّدة.
« اتّهم »
فلاناً بكذا : أدخل عليه التهمة كهمزه ، أي ما يتّهم عليه ، وأصل التهمة الوهمة.
ومعناه في الأصل ما يتوهم فيه خلاف ما عليه الأمر في نفسه.
« الواو »
: إمّا للعطف ، أو الحال.
« الخبوّ »
سكون لهب النهار ، وخبت النار تخبو ، وأخبأها صاحبها ، وخبت الناقة إذا كانت جديدة
فسكنت.
ويحتمل أن يكون ما في البيت : « حنّت »
بالحاء المهملة فالنّون من حنوت عليه أي عطفت ، ويقال : فلان أحنى الناس ضلوعاً
عليك ، أي أشفقهم عليك.
وأن يكون مخفّف خبأت ، أي سترت كما قيل
: الخب في الخبئ.
« الخلاف »
والاختلاف والمخالفة أن يأخذ كلّ واحد طريقاً غير طريق الآخر في حاله أو فعله ،
وكأنّه من الخلف ضدّ القدّام ، وأنّه أن يكون كلّ واحد منها خلف الآخر.
« الألف واللام »
للعهد الخارجي.
« الصدق »
في الأصل إنّما هو مطابقة القول الخبري للواقع كما هو المشهور ، أو الاعتقاد كما
قيل ، أو كليهما كما قيل. وتحقيق القول في ذلك وتمييز الحقّ من غيره موكول إلى ما
يليق به من الكتب إلاّ أنّ الحقّ هو الأوّل ، إلاّ أنّه ربّما ينبغي الصدق إذا
انتفى الاعتقاد ، وربما يثبت إذا ثبت الاعتقاد وإن خالف الواقع ، ومعنى ذلك حقيقة
أنّه ليس بصادق أو صادق في اعتقاده. وربّما ينسب الصدق إلى الكلام الإنشائي
لتضمّنه معنى كلام خبري.
« الأضلعُ »
جمع ضلع كجذع وعنب ، ويجمع أيضاً على أضلاع وضلوع ، ويجمع أضلاع على أضالع ، ويقال
منه ضلع الشيء ضلعاً إذا اعوجّ فصار كالضلع ، ورمح ضلع ، وحمل مضلِع أي ثقيل على
الأضلاع ، وأكل وشرب حتى تضلّع أي تملا ما بين ضلوعه وهو ممّا يتعيّن تأنيثه ،
والألف واللام فيه للعهد ، أي أضلعهم.
الإعراب :
جملة « فاتّهموه » : عطف على جملة « لم
يرضوا ولم يقنعوا » إن كانت الفاء عاطفة ، والجملة التي بعدها إمّا عطف عليها أو
حال عن فاعلها ، بتقدير « قد » أو لا بتقديرها ، كلٌّ من الظرفين لغو متعلّق ب « خبت
» ، والأضلع فاعل له.
و « الصادق » إمّا منزل منزلة اللازم ،
أو التقدير الصادق فيما قال في الخطب.
المعنى :
لما لم يرضوا ولم يقنعوا بما قاله النبي
6 اتّهموه في
ذلك وقالوا : ليس ذلك عن وحي من اللّه سبحانه بل إنّما كان عن هوى من النبيّ 6 ـ والعياذ باللّه ـ
وسكنت أي قامت وثبتت
عليمخالفة الصادق فيما قاله أو من شأنه الصدق أبداً.
« أضلعهم »
أي عزموا في قلوبهم على الخلاف أو عطف أضلعهم على الخلاف فبوّأته وآوته في جوفها
أو سترت عليه فأضمرته في جوفها.
روى الثعلبي وغيره في تفسير قول اللّه
تعالى : ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب واقِع )
: سئل سفيان بن عيينة عن قول اللّه عزّوجلّ : ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب
واقِع )
في من نزلت؟
فقال : لقد سألتني عن مسألة ما سألني
عنها أحد قبلك : حدّثني جعفر بن محمّد ، عن آبائه :
قال : لمّا كان رسول اللّه 6
بغدير خُم نادي الناس ، فاجتمعوا ، فأخذ بيد عليّ 7
فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه. فشاع ذلك وطار في البلاد فبلغ ذلك الحارث بن
النعمان ، فأتى رسول اللّه 6
على ناقته حتّى أتى الأبطح ، فنزل عن ناقته فأناخها وعقلها ، ثمّ أتى النبيّ 6 ـ وهو في ملأ من أصحابه ـ ، فقال : يا
محمّد أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّك رسول اللّه فقبلنا منك
، وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلناه منك ،
وأمرتنا أن نحجّ البيت فقبلناه ، ثمّ لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضّلته
علينا وقلت : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، وهذا شيء منك أم من اللّه؟
فقال : والّذي لا إله إلاّ هو إنّه من
أمر اللّه.
فولّى الحارث بن النعمان يريد راحلته
وهو يقول : اللّهمّ إن كان ما يقوله محمّد حقّاً فأمطر علينا حجّارة من السماء أو
ائتنا بعذاب أليم. فما وصل إليها حتى رماه اللّه بحجر فسقط على هامته وخرج من
دبره. وأنزل اللّه سبحانه وتعالى :
__________________
( سَأَلَ سائِلٌ
بِعَذاب واقِع * لِلكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) .
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: حذف المفعول الثاني ل « الاتّهام » ، للاختصار والتنبيه على أنّ من اتّهمه في
هذا الأمر فقد اتّهم في كلّ ما جاء به ، لأنّ المانع من الاتّـهام مشترك بين الجميع
وهو النبوّة الموجبة للصدق في جميع الأقوال ، ولأنّ الكفر بشيء ممّا جاء به النبيّ
6 كفرٌ
بالجميع ، ولأنّ هذا الأمر لعِظَمِه وكونه العمدة في الدين بحيث إذا لم يصدّق به
لم يفد معه تصديق غيره ، فالكافر به في حكم الكافر بالكلّ.
الثانية
: حذف « قد » من الجملة الحالية ، للإيجاز والوزن والتوجيه.
الثالثـة
: تقديم الظرفين على الفاعل ، للوزن والقافية والاهتمام.
الرابعة
: تقديم الظرف الأوّل على الثاني لتقريب الضمير من مرجعه ، والاهتمام للتعجّب
والتعجيب والوزن والقافية ، ولئلاّ يتوهّم تعلّقه بالخلاف أو الصادق إن أُخّر عن
الظرف الثاني دون الفاعل ، ولئلاّ يفصل به بين معمولي الفعل.
الخامسة
: حذف معمول الصادق للإيجاز والوزن والتوجيه ، والدلالة على أنّه 6 لكماله في الصدق بحيث لا ينصرف الذهن
من إطلاق الصادق إلاّ إليه.
__________________
السادسة
: إيثار الأضلع على الضلوع والأضلاع ، للدلالة على قلّتهم بالنسبة إلى من لم يضمر
الخلاف ، فإنّه جمع قلّة وكان الأمر كذلك ، أو نزّل حقارتهم منزلة قلّتهم ، وللوزن.
البيان :
إمّا أن يكون مثل إضمارهم الخلاف في
قلوبهم التي هي أضلعهم بثبوت أضلعهم وسكونها على الاحتواء والانطواء عليه ، أو
بعطفها عليه فيكون استعارة في المركّب أو شبه مجرد الاشتمال عليه بعطفها عليه
فيكون استعارة تبعيّة ، أو أسند الستر إلى الأضلع مجازاً وهو في الحقيقة فعل
أصحابها.
[ ٢٢ ]
وظلّ قومٌ غاظَهُمْ فِعلُهُ
|
|
كأنّما آنافُهُمْ تُجْدَعُ
|
اللّغة :
الواو : للعطف.
« ظلّ »
فلان نهاره يفعل كذا ، يظلُّ ـ بالفتح ـ ظَلاًّ وظلُولاً ، أي كان جميع النهار
يفعل ، ويقال : منه ظَلِلْت ـ بالكسر ـ كلَمِسْت ، وظلت كملت : مخفّفين من ظللت.
وقد سمع في الشعر : ظلَّ ليلَه ، يفعل كذا.
وقد جاء بمعنى الصيرورة المجرّدة عن
الزمان ، قال تعالى : ( ظَلَّ وَجْهُهُ
مُسْوَدّاً )
قالوا ولا
تكون إلاّ ناقصة. وقال ابن مالك : تكون تامّة بمعنى طال ، أو دام. قال نجم الأئمّة
رضي اللّه عنه والعهدة عليه .
ونقل أبو حيّان عن جماعة : مجيئها تامّة
بمعنى : طال ، أو أقام نهاراً.
« الغيظ »
: الغّضب أو أشدّه أو سَوْرَتُه ، أو أوّله يقال : غاظه بغيظه فاغتاظ ،
__________________
وغيَّظه فتغيّظ ،
وأغاظه وغايظه. وفي الصحاح إنّه غضبٌ كامنٌ للعاجز.
« الفعل »
ـ بالفتح ـ : هو التأثير ، و ـ بالكسر ـ هو الأثر ، وكلّ منهما عام لما كان عن علم
، أو لا عن قصد ، أو لا عن إنسان أو حيوان أو نبات أو جماد أو غير ذلك.
« ما »
حرف يؤتى به لكفّ ما قلبها عن العمل فيما بعدها. وأمّا بحسب المعنى فهي زائدة ،
وزعم ابن درستويه وبعض الكوفيين أنّها نكرة مبهمة بمنزلة الضمير في نحو : ربه
رجلاً. وهي اسم لمكان ونحوها. والجملة بعدها مفسّرة لها وخبر كان ، ولم تحتج
الجملة إلى رابط ، كما لم تحتج مفسّراً لضمير الشأن والقصة لأنّها هي ما في
المعنى.
وذهب جماعة ، منهم : الزجّاجي والزمخشري
، إلى جواز الإعمال مع « ما » هذه في جميع الحروف المشبّهة بالفعل ، وعن الزجاج
تجويز ذلك في غير « إن » و « أن » و « لكن ».
« الآناف »
: جمع « أنف » وهو العضو المعروف ، ويُجمع على أُنُوف وآنف أيضاً.
« الجدع »
قطع الأنف أو الأُذن أو اليد أو الشفة. جدعه : كمنعه فهو أجدع ، والأُنثى جدعاء.
الإعراب :
« ظلّ » إمّا ناقصة اسمها « قوم »
والجملة بعده صفة له ، والمصراع الثاني خبر ، أو الجملة الأُولى خبر ، والمصراع
الثاني صفة لمصدر مقدّر ، أي « غاظهم غيظاً كأنّما آنافهم تجدع » أي شبيهاً بغيظهم
إذا جدعت آنافهم. فقد ولي حرف التشبيه غير
المشبه به ممّا يدلّ
عليه وذلك كثير ، كقوله تعالى : ( كُونُوا أَنْصارَ
اللّهِ كَما قالَ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى
اللّهِ )
الآية.
أو « ظلّ » تامّة بمعنى أقام نهاره ، وحينئذ
فالجملة الأُولى صفة « قوم » والثانية حال عنه.
ثم إن كانت « ما » كافّة كما هو الشائع
المشهور ؛ ف آنافهم مبتدأ خبره « تجدع ».
وإن كانت « كان » باقية على عملها فهما
اسمها وخبرها.
المعنى :
المراد ب « ظلّ » إمّا مجرّد الصيرورة
، أو عنى بالنهار المفهوم منه مدّة أعمارهم ، فإنّ مدّة العمر بل مدّة الدنيا ،
بمنزلة نهار واحد ؛ لقصرها وزوالها ، أو لتشابه أجزائها في أكثر الأحكام ، أو عنى
ذلك النهار الذي وقع فيه النصب حسب ، وتخصيصه مع دوام ذلك في سائر الأيّام ، لأنّ
الغيظ في أوّل وقوع المكروه أشدّ وأقوى كما لا يخفى ، يعني : وصار قوم أغضبهم ـ أو
أغضبهم في الغاية ـ فعل النبيّ 6
وهو نصبه الخليفة ، مشبّهين بهم إذا جدعت آنافهم في شدّة الغيظ والألم ، أو الذلّ
والحقارة وذهاب البهاء ، أو صاروا كذلك في تمام عمرهم أو في يومهم ذلك ، أو صار
قوم منهم مغيظين بفعله غيظاً شبيهاً بغيظهم إذا جدعت آنافهم ، أو أقام نهارهم قوم
غاظهم فعله حال كونهم مشبّهين بهم إذا جدعت آنافهم.
__________________
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: العدول عن « صار » إلى « ظلّ » إن كان بمعناه للتوجيه.
الثانية
: تنكير قوم لإبهامهم وإن كان بعضهم مما يعلم منهم ذلك ، فإنّ إبهام البعض كاف في
إبهام الجميع ، ولتحقيرهم أو لتقليلهم كما فهم ذلك من الأضلع والآناف.
الثالثة
: تقديم مفعول الغيظ لكونه ضميراً وأصله الاتّصال ، ولا داعي إلى الانفصال ،
وللوزن وللقريب إلى المرجع ، وتقريب عائد الموصوف إليه للاهتمام بربط الصفة به.
الرابعة
: كفّ « كان » عن العمل ممّا للوزن ، ولتبعيد الجملة التي بعدها صورة عن أن يدخلها
« كان » إبهاماً لكون مضمونها محقّقاً ، وتبعيد الـ « ما » ليس في الحقيقة مشبّهاً
به عن موضع المشبّه به ، أعني ما يلي « كان » ، وإن كانت « ما » زائدة لا كافّة
فهي لتأكيد الشبه مع الاشتمال على نوع تبعيد « ما » من التبعيدين المقصودين.
الخامسة
: إيثار الآناف على الأُنوف والأنف ، للوزن والتقليل كما في إيثار الأضلع.
السادسة
: إيثار الجملة الاسمية على الفعلية ، لأنّ مراده بجدع الآناف : التألّم والتوجّع
أو الذلّ والمهانة وزوال البهاء ، فأراد الدلالة على ثبات ذلك ودوامه ، وللوزن
والقافية.
السابعة
: تخصيص الجدع ب « آنافهم » ، لأنّ الأنف أدخل في الذّلّ وفي إزالة البهاء ،
وبذلك يزداد التألّم فإنّه ينضاف إلى الجمساني منه الروحاني.
الثامنة
: الإتيان بالمضارع لئلاّ يتوهّم انقضاء المراد بجدع الآناف ، ولاستحضار تلك الحال
العجيبة الشأن ، وإبهام أنّهم كافّة يتحدّد لهم جدع الآناف زماناً فزماناً ، ويطرأ
ذلك فيهم وهو يقوي شدّة الألم الحاصل به وأنّه لا سلو لهم ولا مجال لاستراحتهم.
البيان :
إسناد الغيظ إلى فعله 6 مجاز وحقيقة ، غاظهم النبيّ 6
بفعله التشبيه ، الذي فيه تشبيه مفرد بمفرد ، فإنّه إمّا تشبيههم وهم غائظون بفعله
بهم وهم مجدوع آنافهم أو تشبيه حالهم بحال أُخرى لهم. ثمّ إن كان المصراع الثاني
خبر « ظل » كان جميع أركان التشبيه مذكورة سوى الوجه ، فهو باعتبار إهمال الوجه
ممّا يسمى مجملاً. وكذلك إن كان حالاً أو كان الخبر هو الجملة الأُولى فإنّ
المشبّه وإن لم يكن ملفوظاً إلاّ أنّه في حكم الملفوظ. وكذا المشبّه به على كلّ
حال ليس ملفوظاً وإنّما هو في حكم الملفوظ.
[ ٢٣ ـ ٢٦ ]
حَتّى إذا وارَوهُ في قَبْرِهِ
|
|
وانْصَرَفُوا عَنْ دَفْنِهِ ضَيّعُوا
|
ما قالَ بالأمسِ وأوصى بهِ
|
|
واشتََرَوا الضرَّ بما ينفعُ
|
وقطَّعوا أرحامَهُ بَعدَهُ
|
|
فسوفَ يُجزَون َبما قَطَّعوا
|
و أزمَعُوا غدراً بمولاهُمُ
|
|
تَبّاً لما كان بِه أزمَعُوا
|
اللغة :
« حتى »
حرف له ثلاثة أوجه :
منها : أن يكون حرف جر.
ومنها : أن يكون عاطفة.
ومنها : أن يكون حرف ابتداء وهو المقصود
هنا ، والمراد بكونها حرف ابتداء : أنّها حرف يُبتدأُ ويستأنف بما بعدها ، إلاّ
أنّه يلزم أن يكون بعدها مبتدأ.
وقيل : بل معناه أنّها تصلح أن يقع
بعدها مبتدأ.
وتوهّم بعضهم أنّ معناه أنّ ما بعدها
مبتدأ فيقدّرون ، نحو : « سرت حتى أدخلها » : حتّى أنا أدخلها.
ولا يخفى عدم اطّراده في كثير من
الموارد ، كقوله تعالى : ( وَزُلْزِلُوا حَتّى
يَقُولَ الرَّسُولُ )
.
وإن التزموا في نحو ذلك نحو الشأن
والأمر أو ضمير الشأن ، فقد تكلّفوا لما لا داعي إليه.
وهي تفيد الترقّي ، إمّا في التعظيم ،
أو التحقير ، والأوّل هو المراد هنا.
وزعم الأخفش وابن مالك وجماعة أنّ «
حتّى » الداخلة على « إذا » حرف جرّ ، بتقدير « أن » بعدها ، ثمّ إنّ الجملة التي
بعد « حتى الابتدائية » لا محلّ لها من الإعراب ، خلافاً للزجّاج وابن درستويه ،
حيث زعما أنّها في محلّ جرّ.
ويردّه أنّ حروف الجرّ لا تعلّق عن
العمل ، بل لابدّ من أن تدخل إمّا على مفرد ، أو ما هو بتأويل المفرد.
وأيضاً فإنّهم يكسرون بعدها « إن »
فيقولون : مرض فلان ، حتى انّهم يرجونه ، مع أنّ القاعدة أنّ الواقع بعد حرف الجرّ
« أنّ » المفتوحة.
« إذا »
إمّا شرطية ، أو ظرفيّة محضة ، وعلى كلّ فالمراد بها الزمان الماضي.
« وارَوه »
ووراه ، أي أخفاه وستره ، وأصله أن يجعل الشيء وراءه ، وهو ملزوم للإخفاء غالباً.
« الصرف »
: ردّ الشيء من مكان إلى مكان ، أو حالة إلى حالة يقال : صرفته عن كذا وإلى كذا
فانصرف.
« دفنه »
وأدفنه على « افتعله » : ستره فاندفن وتدفّن. واشتهر في العرف في ستر الميّت في
قبره.
__________________
« ضاع
» الشيء يضيع ضيعاً ـ بالفتح أو الكسر ـ وضيَّعة وضياعاً ـ بالفتح ـ : هلك ، وأضاع
الشيء وضيّعه : أهمله أو أهلكه.
« ما »
موصولة أو مصدرية.
« الباء »
بمعنى « في ».
« أمس »
اسم معرفة متصرّف ، أي يستعمل في موضع الرفع والنصب والجرّ : موضوع لليوم الذي يلي
اليوم الذي أنت فيه ممّا قبله ، فإن استعمل ظرفاً بُني على الكسر كما هو الأصل في
البناء على الحركة. خلافاً للزجّاج والزجاجي فإنّهما جوّزا بناءه على الفتح. قيل :
وسُمع : رأيته أمس ـ بالتنوين مع الكسر ـ وهو شاذ.
وأجاز الخليل في لقيته « أمس » أن يكون
التقدير : لقيته بالأمس ، فحذفت الباء والألف واللام ، فتكون الكسرة كسرة إعراب.
وزعم قوم منهم الكسائي : أنّه ليس
مبنياً ولا معرباً ، بل هو فعل أمر متضمّن للضمير محكي من الإمساء ، كما لو سمى
بأصبح من الإصباح. فإذا قلت : جئتك أمس ، كان معناه : جئتك اليوم الذي كنت تقول
فيه أمس ، ثم كثرت هذه الجملة على ألسنتهم حتى صارت اسماً لذلك اليوم.
وإن استعمل غير ظرف ، فالحجازيون يبنونه
على الكسر أيضاً فيقولون : ذهب أمس بما فيه ، وكرهت أمس ، وما رأيته مذ أمس.
وقال سيبويه : إنّه جاء في الضرورة مذ
أمس ـ بالفتح ـ وأنشد :
لَقَدْ رأيتُ عَجَباً مُذ أمسا
|
|
عجائزاً مثلَ السَّعالي خَمسا
|
وتميم تعربه وتمنعه من الصرف حال الرفع
وتبنيه حالتي النصب والجرّ. وقيل : بل يمنعونه الصرف في الأحوال كلّها. وقيل : بل
ينوّنونه تنوين الصرف في
__________________
غير النصب على الظرف
وإذا انكر ، كقولك : مضى لنا أمس حسن ، لا يريد به اليوم الذي قبل يومك هذا. أو
أُضيف نحو : إنّ أمسنا يوم طيّب ، أو أُدخلت عليه الألف واللاّم كما في البيت. أو
ثنّي كقولك : مضت لنا أمسان. أو جمع نحو : مرّت لنا أُموس أو أمس أو أماس. ويمكن
إدخال الأخيرين في التنكير ، أُعرب اتّفاقاً ، قال ابن مالك : وكذا إذا صغّر أُعرب
اتّفاقاً.
وفيه أنّ سيبويه وغيره نصّوا على أنّه
لا يصغّر ، ولكن حكي عن المبرّد تصغيره.
وقد جاء مع « أل » مبنيّاً على الكسر ،
كما أنشدوا قوله :
« وإنّي حسمتُ اليوم والأمسِ قَبلَهُ ».
وحكي : لقيته الأمس الأحدث وأول ،
بزيادة « أل » أو حذف حرف الجرّ مع إبقاء أثره.
ومراد الناظم ب « الأمس » : للزمان
الماضي القريب ، وإنّما عبّر بالأمس ، مبالغة في التقريب.
« الواو »
للعطف ، أو الحال.
« أوصى به »
ووصّى ، أي عهد به ، وآلاسم ، الوصاء والوصاية والوصيّة.
وقال الراغب : « الوصية » : التقدّم إلى
الغير بما يعمل به مقترناً بوعظ
، ثمّ اشتهر في العرف في العهد بما يفعل بعد الموت.
قال الأزهري وغيره : إنّ أصلها من قولهم
: وصّى الشيء بكذا يصيه ، إذا وصله به ، وأرض واصية ، متّصلة النبات ، فسمّي هذا
التصرف المتضمّن لما بعد الموت وصيّة ، لما فيه من وصل القربة الواقعة بعد الموت
بالقرابات المنجرّة في
__________________
الحياة ، أو وصل
التصرّف بعد الموت بالتصرّف قبله.
أقول
: أو لأنّه أمر للوصي بأن يصله ولا ينقطع عنه ، أي يفعله ولا يتركه ، وهو عام لما
بعد الموت وغيره ، وأنسب بالإيصاء أو التوصية ، فإنّهما يفيدان زيادة تعدّيه عمّا
كان عليه وصى ـ مخفّفاً ـ وتصاريفه.
« الباء »
للتعدية ، أو الظرفيّة.
« الشراء »
ـ بالمدّ والقصر ـ : البيع والاشتراء ضدّ. قال الراغب : الشراء والبيع يتلازمان ،
فالمشتري دافع الثمن وآخذ المثمن ، والبائع دافع المثمن وآخذ الثمن. هذا إذا كانت
المبايعة والمشاراة بناض وسلعة.
فأمّا إذا كانت بيع سلعة بسلعة ، فيصحّ
أن يتصوّر كلّ واحد منهما مشترياً وبائعاً ، ومن هذا الوجه صار لفظ البيع والشراء
يستعمل لكلّ واحد منهما في موضع الآخر ـ قال ـ : وشريت ، بمعنى : بعت أكثر ،
وابتعت ، بمعنى : اشتريت أكثر
انتهى.
ثمّ لما كان كلّ من البيع والشرى
مستلزماً للاستبدال استعمل كلّ واحد منهما في كلّ استبدال ، قال سبحانه : ( أُولئِكَ
الّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدى )
( يَشْرون الحَياةَ الدُّنيا بالآخِرَة )
( وَلا تَشْتَرُوا بآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً )
إلى غير ذلك.
« الضرّ »
إمّا بالفتح : مصدر « ضرّه » خلاف نفعه ، مراداً به معنى اسم الفاعل ، أي ما يضرّ
، أو المعنى المصدري.
أو بالضمّ : مصدر أيضاً. أو اسم مرادف
للألم والأذى.
__________________
وقال الراغب : الضرّ : سوء الحال إمّا
في نفسه لقلّة العلم والفضل والعفّة ، وإمّا في بدنه لعدم جارحة ونقص ، وإمّا في
حالة ظاهرة من قلّة مال وجاه ـ قال ـ : يقال : ضرّه ضرّاً : جلب إليه ضرّاً .
و « الألف واللام »
فيه إمّا للحقيقة ، أو العهد الذّهني ، أو الاستغراق.
« الباء »
للمقابلة.
« ما »
موصولة اسمية ، أو حرفية ، أو موصوفة.
« النفع »
ضدّ « الضرّ » ، نفعه بكذا فانتفع به ، والاسم : المنفعة والنفاع والنفعة.
وقال الراغب : النّفع ما يستعان به في
الوصول إلى الخيرات .
« القطع » : الإبانة ، والتقطيع :
مبالغة فيه أو تكثير.
« الأرحام
» جمع الرحم ـ بكسر الحاء ـ وهي القرابة ، قيل : وأصله من رحم المرأة وإنّما سميت
القرابة بها لكونها منشأها وسببها ؛ قيل : ورحم المرأة من الرحمة ، بمعنى العطف
والرقّة ، لأنّها تعطف على ما فيها من الجنين ولا تؤلمها بشيء ، بل تلائمه وترتّبه
إلى غاية النشء. وقطع الرحم يكون إمّا بالهجران ، أو بترك البرّ ، فإنّ المراد
بالرحم نفس القرابة ، فيبنى على تشبيهها بحبل واصل بين القريبين ، فإذا هجر أو ترك
البرّ فكأنّه قطع ذلك الحبل وزال ما كان بينهما من القرابة.
وإن كان المراد به ذا الرحم ، أي القريب
، فهو من : قطع فلاناً عنه ، إذا منعه عن الاختلاف إليه.
والمراد بأرحامه في البيت : إمّا أُولو
أرحامه من أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء وأولادهما صلوات اللّه عليهم بل سائر
الهاشميين ؛ إمّا بتقدير المضاف أو إطلاقها
__________________
عليهم مبالغة ،
وإمّا نفس قراباته صلوات اللّه عليه وآله بالنسبة إلى أُولئك الذين ذكرناهم ، أو
قراباته بالنسبة إلى المقطعين فإنّ له 6
بالنسبة إليهم أيضاً قرابة وإن كانت بعيدة ، أو المراد بقرابته بالنسبة إليهم
القرب من جهة كونه رسولاً إليهم وطول صحبتهم إيّاه.
« الفاء »
إمّا لمجرّد السببية أو للعطف ؛ مراداً بها التعقيب في الذكر.
« سوف »
: حرف تنفيس أي استقبال ، فإنّ التنفيس هو التوسيع وإنّها تنقل المضارع عن الزمن
الضيّق الذي هو الحال إلى الزمن الواسع. وعند البصريّين أنّها أوسع من السين. وقيل
بالمرادفة ، وتنفصل عن السين بأنّها قد تدخلها اللاّم ، كقوله تعالى : (
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ )
وبأنّه قد يفصل بينها وبين فعلها بالفعل الملغى ، كقوله :
وما أدري وسوفَ إخالُ أدري
|
|
أقومٌ آلُ حِصن أم نِساءُ
|
وفيه لغات أُخر : « سَفْ » بحذف الواو
وإسكان الفاء أو إبقائها على الفتحة ، و « سَوْ » بحذف الأخير وإسكان الواو أو
فتحها. و « سَيْ » بقلب الواو ياءً ، وفي القاموس معناه الاستئناف أو كلمة تنفيس
فيما لم يكن بعد ، قال : وتستعمل في التهديد والوعيد .
« الجزاء »
: الغناء والكفاية ، ثمّ غلب فيما فيه الكفاية من المقابلة للخير بالخير أو الشرّ
بالشرّ ، يقال : جزيته بكذا وجزيته كذا. هذا إذا أُشير بكذا إلى الجزاء. ويقال :
جزيته بكذا أو عن كذا وكذا أو بكذا إذا أُشير بكذا الأُولى إلى الفعل الّذي يقابله
الجزاء.
__________________
« الباء »
للمقابلة.
« ما »
مصدرية ، أوموصولة.
قال الخليل : أزمعت على أمر فأنا مزمع
عليه إذا ثبت عزمه عليه .
وقال الكسائي : يقال : أزمعت الأمر ،
ولا يقال أزمعت عليه.
قال الأعشى : « أأزمَعْتَ مِنْ آلِ
لَيلى ابْتِكارا » .
و قال الفرّاء : ازمعته وأزمعت عليه مثل
: أجمعته وأجمعت عليه .
« الغدر »
ترك الوفاء بالعهد ، غدره وبه ، كنصر وضرب وسمع ، غدراً وغدراناً ـ محرّكة ـ وهو
غادر وغدّار وغدور وغدير كسكيت وغدر ، كصرد. وأكثر ما يستعمل الأخير في النداء.
ويظهر من كلام الراغب أنّ أصله الإخلال
بالشيء وتركه أيّاً ما كان.
« التب »
والتبب والتباب والتبيب : الهلاك والخسار ، وقال الراغب : الاستمرار في الخسران ـ
قال ـ : ولتضمن الاستمرار ، قيل : استتب لفلان كذا ، أي استمرّ .
« اللام »
للتبيين ، وأصله الاختصاص أو الاستحقاق أو تقوية العامل أو للاختصاص أو الاستحقاق
أو التعليل. وتفصيل ذلك يأتيك في قسم الإعراب إن شاء اللّه.
« ما »
موصولة اسمية أو حرفية.
__________________
« كان »
إمّا ناقصة ، أو زائدة.
« الباء »
للتعدية أو السببيّة ، أو الاستعلاء ، أو زائدة.
الإعراب :
« إذا »
إن كانت ظرفيّة تعلّقت بـ « ضيعوا » وإن كانت شرطية فقد مضى الخلاف فيها.
« ما »
في « ما قال » إن كانت موصولة كان عائدها محذوفاً ، أي « ما قاله » وأوصى عطف على
« قال ».
« به » ، متعلّق فإن كانت « ما » موصولة
عاد الضمير فيه عليها وكانت «
الباء » للتعدية ، وإن كانت مصدرية عاد الضمير
على الأمس وكانت «
الباء » للظرفية ، أي وإيصاءه فيه.
« أرحامه »
: مفعول ل « قطعوا » إمّا على مجاز الحذف إن كان التقدير أُولي أرحامه فحذف
المضاف وأُقيم مقامه المضاف إليه ، أو لا عليه على التقديرين الأُخريين ، أعني
إرادة أُولي الأرحام بلفظ أرحامه ، أو إرادة معناه الحقيقي من غير حذف.
« بعده »
: ظرف للتقطيع ، والجملة إمّا عطف على مجموع الجملة الشرطية ، أي : وحتى قطعوا ،
أو على الجزاء حسب ، فيكون « بعده » تأكيداً ، أو على ما وقع حتى بما خيّرها غاية
له. وستأتي الاحتمالات فيه.
« ما »
في « بما قطعوا » إن كانت مصدريّة فلا تقدير ولا إشكال ، وإن كانت موصولة كانت
عبارة عن التقطيع وكان عائدها محذوفاً ، أي بالتقطيع الّذي قطعوه ، أي فعلوه
وأوقعوه.
« غدراً »
مفعول « أزمعوا ».
« بمولاهم »
مفعول « غدراً ».
« تبّاً »
مفعول مطلق لفعل مقدّر أي تبّ تباً فحذف الفعل وأُقيم المصدر مقامه ، وهذا الحذف
واجب لأنّه لم يسمع منهم اثباته في نثر ولا نظم مع افتقارهم كثيراً إلى تغيير
الأُسلوب وتبديله.
ثمّ إنّ « اللام » التي بعده وبعد
أمثاله من نحو : بهراً له ووثباً له ومن نحو سقياً له ورعياً له ، ممّا كان الضمير
عائداً على المفعول للتبيين على ما نصّ عليه سيبويه ، إمّا لتبيين الفاعل أو
المفعول ، وبحسب الإعراب هي مع مجرورها ظرف مستقرّ خبر لمبتدأ محذوف ، أي دعائي
هذا له أو إرادتي له. وهذه الجملة مستأنفة ومبتدأها واجب الحذف ليلي الفاعل أو
المفعول ما قام مقام الفعل.
ومن هذا ظهر لك أنّها في الحقيقة « لام
» الاختصاص أو الاستحقاق.
وقال بعض من جعلها للتبيين : إنّ
التقدير له أعني.
واعترض عليه ابن هشام في المغني ؛ بأنّ
أعني متعدّي بنفسه ، وهو مردود بأنّه لا يأتي أن تكون اللام لتقوية العامل ،
وإنّما دخلت لكونه مؤخراً. وقال الكوفيون : إنّ أصل سقيا لك مثلاً : يسقيك ، فهذه
اللاّم هي لام الاختصاص المضمرة في الإضافة.
أقول
: ويحتمل أن تكون للاختصاص أو الاستحقاق ، ويكون الظرف مستقرّاً صفة للمصدر ،
فكأنّه قال : تب تبّاً مختصاً به أو مستحقّاً له ، وكذا سقياً له ونحوه.
وردّ ابن هشام في المغني ذلك ، بأنّ
الفعل لا يوصف ، فكذا ما قام مقامه دعوى لا برهان عليها.
واللاّم الّتي في البيت محتمل مع ذلك أن
تكون للتعليل ، بأن يكون التقدير تبّاً لهم لما كان ، ثمّ إن كان « كان » ناقصة ،
كان اسمها الضمير العائد على القوم ،
وجاز إفراده بناءً
على لفظ « القوم » ، أو العائد إلى « ما » إن كانت موصولة.
أو يقرأ « كانُ » بضمّ النون على أنّ
الأصل « كانوا » فحذف الواو للضرورة ، كقوله : « فلو أنَّ الأطباء كانُ حولي ».
أو يكون الاسم « أزمعوا » على تأويله
بالمفرد ، أي ازماعهم.
وإن كانت زائدة فلا إشكال.
« به »
فيه احتمالات : أحدها أن يكون « باؤه » بمعنى « على » ويكون متعلّقاً بـ « أزمعوا
» أي : لما كان أزمعوا عليه ، فإن كانت « ما » موصولة اسمية عاد الضمير إليها ،
وإن كانت موصولة حرفيّة عاد على الغدر المتقدم ذكره.
والثاني : أن يكون « الباء » للتعدية
ويكون متعلّقاً بالغدر مقدّراً مفعولاً لأزمعوا ، وحينئذ فالضمير فيه لا يعود إلاّ
إلى مولاهم ولا يكون « ما » إلاّ مصدرية إلاّ أن يقدّر عائد عليها نحو : « به » أو
« له » ، أو يكون متعلّقاً بفعله مقدراً ، أي ما كان أزمعوا فعله به ، وحينئذ يكون
عائد « ما » في فعله ، أو فعلاً مقدّراً ، أي ما كان أزمعوا فعلاً به ، وحينئذ
فلابدّ من تقدير العائد كما سبق.
والثالث : أن يكون « الباء » للسببيّة
وحينئذ لا يرجع الضمير إلاّ إلى « ما » ولا تكون « ما » إلاّ موصولة اسمية ويكون
مفعول أزمعوا مقدّراً ، أي لما بسببه أزمعوا غدراً بمولاهم ، وحينئذ فإن كانت «
كان » ناقصة ، جاز تعلّق « به » بها على قول ، وجاز تعلّقه بأزمعوا أيضاً ، وإن
كانت زائدة لم يتعلّق إلاّ بأزمعوا.
والرابع : أن تكون « الباء » زائدة
ويكون الضمير مفعولاً لأزمعوا ، أي أزمعوه ، فإن كانت « ما » موصولة عاد إليها
وإلاّ فإلى الغدر.
والخامس : أن تكون الباء للتعدية ويكون
به متعلقاً بأزمعوا ، وإنّما عدي
بالباء لأنّه إزماع
على الغدر والغدر يتعدّى بالباء فأعطى الإزماع عليه حكمه. أو أراد بالإزماع على
الغدر نفس الغدر.
فعلى الأوّل يكون الضمير عائداً على «
ما » أو الغدر.
وعلى الثاني يكون عائداً على مولاهم ،
فإن كانت موصولة قدّر لها ضمير ، أي « به » أو « له » ثمّ إنّ « حتّى » بما في
حيزها إما غاية ل « ظلّ » بما في حيزها ، أو لما في حيزها حتى يكون أيضاً ممّا في
حيزه ، أو لذلك ولما قبله من قوله : فاتّهموه إلى تمام البيت.
أو غاية ل « ظلّ » وحده إن كان فعلاً
تامّاً ويكون مجموع ما بعد قوم صفة لهم ، أي : أقاموا حتّى إذا واروه. الخ.
أو قائم مقام خبر « ظلّ » إن كان ناقصاً
، أي : وظلّ قوم من صفتهم كذا عازمين على الخلاف مخفين له مقيمين عليه حتّى إذا
واروه أبدوا ذلك وفعلوا ما فعلوا.
المعنى :
ظلّوا كذا حتّى ، أو ظلّوا غائظين لفعله
حتّى ، أو ظلّوا مشبهين بهم إذا جدعت آنافهم حتّى ، أو فاتّهموه وكذا وكذا حتى ،
أو أقاموا حتى ، أو ظلّوا غارمين على الخلاف مخفين له مقيمين على النفاق حتّى لما
ستروه.
أو حتّى أنّهم لمّا ستروه في قبره
ورجعوا عن دفنه أهملوا أو أهلكوا ما قاله يوم الغدير أو قوله يوم الغدير وما أوصى
به من التمسّك بأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه والاقتداء والإئتمام به ، أو
إيصاءه بذلك في ذلك اليوم أو ضيّعوا ذلك في زمان ستروه في قبره ورجعوا عن دفنه
واستبدلوا حالة السوء ، أو ما يضرّهم أو
الإضرار بهم بما
ينفعهم أو ينفعهم وبالغوا أو أكثروا في قطع أُولي قراباته ، أو قطع قراباته
بالنسبة إليهم ، أو إلى أُولي القرابات ، فسوف يقابلون بما يكفيهم يوم القيامة
بتقطيعهم أو بالتقطيع الذي أوقعوه وأثبتوا عزمهم على الغدر بمولاهم خسراناً
وهلاكاً ؛ لإزماعهم ذلك أو على ذلك أو لما أزمعوه وأزمعوا عليه من الغدر ، أو لما
بسببه أزمعوا على الغدر وهو الكفر والنفاق.
أو غلبة الهوى وآيثار الدنيا على العقبى
، أو الغيظ لأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وعداوته ، أو لما أزمعوا أو إزماعهم
غدراً بمولاهم ، أو هلاكاً وخسراناً لهم لأجل ما كان به أزمعوا.
ثمّ إنّ من الظاهر عند المتتبّع أنّ
المذكور في كتب الأصحاب وغيرهم أنّهم بادروا إلى الخلاف واجتذاب الخلافة بعضهم من
بعض قبل دفن النبيّ 6
، والّذي ينصّ عليه النظم أنّ ذلك وقع بعد الفراغ عن الدفن.
وأيضاً فلم يذكر في شيء من الكتب أنّ
أُولئك الغاصبين ومن تبعهم كانوا حاضرين في دفنه حتى يتحقّق منهم انصراف عنه ،
فلعلّه أراد أنّ تمام ذلك وكماله إنّما حصل بعد الدّفن وانصراف قوم منهم عن الدفن
فإنّ كثيراً من النّاس لم يبايعوا أبا بكر إلاّ بعد الانصراف عن الدفن ، وأيضاً
إنّما حصلت البيعة الفاسدة بعد طول مشاجرة ومقاولة لم تنته إلاّ بعد حصول الفراغ
عن دفنه 6.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: التعبير عن الزمان الماضي ب « إذا » الموضوعة للمستقبل ، لإظهار كراهة ما وقع
فيه من التضييع أو الدفن أو كليهما والدّلالة على شدّة فظاعته
وغرابته حتّى أنّه
لا يجوز أن يكون قد وقع ، وللدلالة على أنّ التضييع وإن كان أثراً قد مضى وانقرض
لكن أثره باقي لا يزول إلى يوم القيامة وثبوت الشيء وظهوره بثبوت أثره وظهوره ،
فكأنّه نفسه باقي لا يزول.
الثانية
: تقديم الظرف أعني « إذا » بما في حيّزها على عامله ، أعني « ضيعوا » إن كانت «
إذا » ظرفية محضة ، للتوجيه والدلالة على الحصر ، أي أنّهم إنّما ضيعوا في ذلك
الزمان لا في زمان بعده ، أي لم يؤخّروا أو التضييع عن ذلك.
الثالثة
: حذف عائد الموصول إن كانت « ما » موصولة اسمية ، للاختصار والوزن والتّوجيه.
الرابعة
: في التعبيرعن يوم الغدير بالأمس ما لا يخفى من الدلالة على قرب زمان النقض من
زمان العهد.
الخامسة
: التعبير عن على بالباء إن كانت الباء في « تبّاً لما كان به أزمعوا » بمعنى «
على » للدلالة على لزومهم لذلك والتصاقهم به وعدم انفكاكهم عنه ، أو على أنّه لم
يكن مجرّد إزماع بل إزماعاً ترتّب عليه أثره الّذي هو الغدر ، حتى كأنّه نفس الغدر
، وللوزن والتوجيه ، وهي الوجوه في زيادتها إن كانت زائدة.
السّادسة
: تقديم « به » على متعلّقه إن تعلّق ب « أزمعوا » للوزن والقافية وتقريب الضمير
من مرجعه والتوجيه.
البيان :
استعمال « إذا » في الزمان الماضي إمّا
مجاز مرسل ، بأن استعمل في الزمان المطلق ، فيكون استعمالاً لاسم الكلّ في الجزء
ثمّ يكون تحقّق المطلق في ضمن ذلك الفرد ، أو استعارة تبعية بناءً على تشبيه
الواقع بما لم يقع وزمانه الماضي بالذي لم
يمض في بعد الوقوع ،
واستعمال الاشتراء في الاستبدال إمّا مجاز مرسل من إطلاق اسم الملزوم على اللاّزم
، أو استعارة تبعية على تشبيه الاستبدال بالاستبدال المشترى.
وفي قوله : « قطعوا أرحامه » إمّا
استعارة تبعيّة تشبيهاً للهجر وترك البر ، بالتقطيع أو الأرحام ، استعارة بالكناية
تشبيهاً لها بالحبل ونحوه ممّا يقبل القطع.
والتقطيع استعارة تخييلية ، بمعنى أنّه
ثبت لها شيء شبيه بالقطع للحبل ونحوه.
وفي الأرحام استعارة أُخرى إن أُريد بها
ما بينهم وبين النبيّ 6
من القرب دون القرابة نسبة التب إلى ما كان به أزمعوا ، مجازية فإنّ الحقيقة نسبته
إليهم.
« الباء » في « به » إن كانت بمعنى «
على » كانت استعارة تبعية ، وإن كان المراد بأزمعوا « غدروا » كان مجازاً من إطلاق
اسم مبدأ الشيء وملزومه عليه.
[ ٢٧ ]
لا هُمْ عَلَيْهِ يَرِدُوا حَوضَهُ
|
|
غداً ولا هُوفِيهِم يشفعُ
|
اللغة :
« لا »
هي الموضوعة لنفي الجنس ، ويلزمها إذا وليتها معرفة أن ترفع وأن تتكرّر.
أمّا الرفع ، فلأنّ « لا » هذه إنّما
كانت تعمل لمشابهتها بـ « أن » لما أنّ « ان » متوغلة في الإثبات فإنّها للمبالغة
فيه ، و « لا » متوغلة في النفي لأنّها نفي الجنس فلمّا دخلت المعرفة زال عنها
التوغل في النفي فزالت المشابهة.
وأمّا التكرار ، فلتقرب من نفي الجنس
الذي هو الأصل في « لا » فإنّ نفي الجنس في الحقيقة نفي متكرّر.
وجوّز الكوفيون بناء الاسم العلم مفرداً
نحو : لا زيد ولا عمرو ، أو مضافاً كنيته نحو : لا أبا محمد ولا أبازيد ، فإن كان
علماً مضافاً إلى اللّه أو الرحمن أو العزيز أو الرحيم أو نحوها أجازوا أن تعمل
فيه « لا » ، فتقول : لا عبد اللّه ولا عبد الرحمن ولا عبد العزيز ، وبعضهم حتموا
إسقاط الألف واللاّم من الرحمن والعزيز فيقولون : لا أبا عبد رحمن ، ولا أبا عبد
عزيز.
قال الفرّاء : إنّما أُجيز « لا عبد
اللّه » لك لأنّه حرف مستعمل يقال لكلّ أحد ، يعني أنّه كثر استعماله فأُجيز فيه
ما لا يجوز في الرحمن والعزيز ونحوهما.
وخالف المبرّد وابن كيسان في وجوب
التكرير فأجازا عدمه ، وعند الجمهور لا يجوز إلاّ في الضرورة ولكن إذا كان الاسم
الواقع بعدها بمعنى الفعل لم يلزم التكرار نحو : لا سلام على زيد ، فإنّه بمعنى :
لا سلام اللّه عليه. ونحو : لا نولك أن تفعل كذا ، فإنّه بمعنى : لا ينبغي لك أن
تفعل.
« على »
على أوجه : فعل واسم وحرف.
فالفعل : ماضي « يعلوه » أو « يعليه » ،
فهو « علا » أي صعده.
والاسم : بمعنى « فوق » وذلك إذا جرّ بـ
« من » كقوله :
غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها
|
|
تصل وعن قيض بزيزاء مجهل
|
وخالف الفرّاء ومن وافقه من الكوفيّين ،
فزعموا أنّ « على » حرف وإن دخلت عليها « من » ، وإنّ « من » تدخل على حروف الجرّ
كلّها سوى « من » و « الباء » و « اللام » و « في » ، وزاد الأخفش موضعاً آخر
لاسميّتها وهو ما إذا كان مجرورها وفاعل متعلّقها ضميرين لشيء واحد ، نحو : سويت
على قوتي ، وقوله تعالى : ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ
زَوْجَكَ )
.
وقول الشاعر :
هوِّنْ عليكَ فإنّ الأُمورَ
|
|
بِكَفِّ الإلهِ مَقادِيرُها
|
__________________
لأنّه لا يجوز أن يكون فاعل فعل من غير
أفعال القلوب ومفعوله ضميرين لشيء واحد ، ولا يقال ضربتني ولا فرحت لي بل ضربت
نفسي وفرحت بنفسي.
وردّ عليه بأمرين :
أحدهما أنّها لو كانت اسماً في هذه
المواضع لصحّ إقامة « فوق » مقامها ، وأنت خبير بأنّه يصحّ ولكن بتكلّف في
الأخيرين.
وثانيهما : أنّه لو تمّ الدّليل على
اسميّتها لكانت « إلى » في قوله تعالى : ( فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ
) وقوله : ( وَاضْمُمْ إِلَيْكَ
جَناحَكَ )
وقوله : ( هُزِّي
إِلَيْكِ )
اسماً ، ولم
يقل به أحد ، بل إنّما أوّلوها بأحد أمرين : أحدهما أن يقدّر مضاف ، أي إلى نفسك ،
أو يقدّر تعلّقها بمقدّر ، كما في نحو : سقيا لك.
وكلّ من هذين الوجهين من التأويل جاري
في أمثلة « على » فلا حاجة إلى القول باسميتها. وله أن يقول : إنّهم إنّما ارتكبوا
التأويلين في « إلى » لمّا لم يثبت اسميتها ، و « على » بخلاف ذلك فقد ثبت
اسميّتها في الجملة فلا حاجة فيها إلى شيء من التأويلين.
ثمّ اختلف في « على » الاسمية أنّها
معربة أو مبنية. والحقّ أنّها مبنيّة ؛ لمشابهتها الحرفية صورة ومعنى ، ويخالف عن
الاسمية في أنّه لا يلزمها الإضافة كما يلزم « عن » ، قال :
باتَتْ تَنُوشُ الحوضَ نوشاً من علا
|
|
نوشاً به تقطع أجواز الفلا
|
وأمّا الحرف فقد اختلف في وجوده
فالجمهور عليه ، وقيل : بل لا يكون إلاّ
__________________
اسماً.
ولـ « على »
الحرفية معان ، منها : الاستعلاء إمّا حقيقة وهو الّذي على المجرور حسّاً أوعقلاً
، أو مجازاً ، وهو الّذي على ما يجاوره كقوله تعالى : ( أَوْ
أَجِدُ عَلى النّارِ هُدىً )
وهذا المعنى
هو أصل معانيها.
ومنها المصاحبة ، كقوله تعالى : ( وَآتَى
المالَ عَلى حُبِّهِ )
وهما
المحتملان هنا ، والأوّل هو الأظهر ، إلاّ أنّ المراد المجازي منه أي الورود على
ما تقرب منه. وإن أراد الثّاني ، فلا يريد المصاحبة في ابتداء الورود ، بل مجرد
المصاحبة بقرب الحوض وإن كانت بعد ورده بأُلوف الأعوام.
أصل الورود : قصد الماء أو حضوره أو
الإشراف عليه للشرب سواء تحقّق الشرب أم لا ، وكثيراً يقصد به الحضور المقرون
بالشرب بل الشرب.
ثمّ عمّم الدخول في كلّ شيء وعلى كلّ
شيء ، أو الوصول إليه أو الإشراف عليه ، فيقال : ورد بلد كذا ، وورد علي من الأمر
كذا.
« الحوض »
واحد الأحواض وآلحياض ، من حاض الماء أي جمعه.
« الغد »
أصله « غدو » حذفوا اللاّم من غير تعويض ، والنسبة إليه غديّ وغدويّ ، وجاء على
الأصل قول السيد :
وما الناسُ إلاّ كالديارِ وأهلُها
|
|
بها يَومَ حَلُّوها وغدْواً بَلاقِعُ
|
ومعناه اليوم الذي يلي يومك من الأيّام
الآتية ، والمراد به هنا يوم القيامة
__________________
استقصاراً الأيّام
الدنيا وتنزيلها منزلة يوم واحد ، وتنزيلاً لها منزلة يوم واحد في تشابه أجزائها
في كثير من الأحوال.
« في » إمّا للظرفيّة أو التعليل ، كما
في قوله تعالى : ( فَذلِكُنَّ الّذي لُمْتُنّني فيهِ )
وقوله تعالى : ( فَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ
عَظِيمٌ )
، أو زائدة
كما قيل في قوله تعالى : ( وَقالَ ارْكَبُوا
فيها ).
وفي قوله :
أنا أبو سَعد إذَا الليلُ دَجَا
|
|
يَخالُ في سوادِهِ يَرَنْدَجا
|
«
الشفاعة » : أن تسأل العفو عن أحد ، شفع له ،
كمنع ، شفاعة وشفعة في فلان تشفيعاً : إذا قبل شفاعته ، وكأنّها مأخوذة من الشفع
خلاف الوتر ، لما أنّ الشفيع كأنّه يضمّ نفسه إلى من يشفع له لينصره أو يدفع عنه
المكروه.
الإعراب :
« هم » مبتدأ وخبره « عليه يردوا حوضه
غداً ».
« عليه » متعلّق بـ « يردوا » كلّ من
حوضه.
و « غداً » ظرف ليردوا ، ولو لم يتعلّق
بالورود عليه لحكمنا بأنّ حوضه مفعول به له ، لأنّ « ورد » بمعنى « وصل » أو « حضر
» أو « دخل » ، أو ورده بمعنى أشرف عليه.
ويحتمل أن يكون حوضه مفعولاً به و « عليه
» متعلّقاً بـ « يردوا » ، لتضمّنه
__________________
معنى الثقل ، نظير «
على » في قوله :
كَمْ خالةٌ لكَ يا جَريرُ وعمّةٌ
|
|
فَدْعاء قَدْ حَبَلَتْ عليَّ عِشارِي
|
أو يكون « عليه » متعلّقاً بمقبلين
مقدّراً حالاً عنهم ، أي لا هم مقبلين عليه يردوا حوضه ، أو متعلّقاً بكرام حالاً
أيضاً ، أو خبراً لهم أي لا هم كرام عليه ، وحذف نون يردوا على ما عدا الأخير
للضرورة ، كما في قوله : « واد يغصبوا الناس أموالهم ».
وعليه للجزم لوقوعه جواباً للنفي أي :
لا هم كرام لو كانوا كذلك يردوا حوضه.
ثمّ إنّ « يردوا حوضه » إمّا أن يكون من
قبيل مجاز الحذف حتّى يكون المراد يردوا قرب حوضه ، أو المراد بالحوض ما قرب منه
أو بوروده ورود ما قرب منه.
« هو »
: مبتدأ ومابعده خبره.
« فيهم »
: إمّا ظرف لتشفع بتقدير « في شأنهم » أو « في حقّهم » ، أو بمعنى يوجِد الشفاعة
فيهم حتى يصيروا موصوفين بأنّهم مشفوع لهم أو فيهم ، بمعنى لهم متعلّق يشفع ، أي
يشفع لأجلهم ، و « هم » مفعول به ليشفع و « في » زائدة.
المعنى :
لا أُولئك القوم يردون على النّبي 6 حوضه أو قرب حوضه أو في حوضه أو في قرب
حوضه ، أو لا هم مقبلين أو كراماً عليه يردون حوضه ، أو لا هم كرام عليه حتّى
يردوا حوضه يوم القيامة ولا النبيّ 6
في حقّهم أو شأنهم يشفع أو فيهم يوقع الشفاعة أو يشفع لهم أو شفّعهم.
__________________
ثمّ إن كان « عليه » حالاً فالمراد
بالنفي : نفي القيد والمقيّد جميعاً لا القيد وحده.
ويحتمل على الأخير أعني تقدير كراماً ،
أن يريد نفي القيد وحده إذا كان المراد بورود الحوض مجرّد الإشراف عليه أو قصده أو
حضوره أو الوصول إليه غير أن يتحقّق شرب كما هو الأصل في معناه ، فإنّ غايتهم أن
يحضروا الحوض ويصلوا لكن لا يكونون كراماً على النبيّ 6 حتى يسقيهم منه ، بل يطردهم أو تطردهم
الملائكة عنه.
ويؤيده أنّه روى البخاري فيما أخرجه من
حديث الزهري عن سعيد بن المسيب أنّه كان يحدّث عن بعض أصحاب النبيّ 6 قال : يرد علي الحوض رجال من أُمّتي
فيحلؤون عنه فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ؛
إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى.
وأخرج أيضاً من حديث الزهري عن سعيد بن
المسيّب ، عن أبي هريرة أنّه كان يحدّث أنّ رسول اللّه 6 قال : يرد علي الحوض يوم القيامة رهط
من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيقول إنّه لا علم لك بما
أحدثوا بعدك ؛ إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى.
ثمّ إنّ ما قال به الناظم ; من حرمانهم الحوض والشفاعة من الظهور
وتواتر الاخبار به من الخاصّة والعامة ودلالة البراهين القاطعة عليه ، ممّا لا
حاجة إلى الإطناب فيه ، مع أنّه لا يسعه ولا شطراً منه مثل هذا الكتاب ، ثمّ إنّ
الظاهر من البيت أنّه اخبار.
__________________
ويحتمل أن تكون جملتين دعائيتين أي ولا
وردوا عليه الحوض ، أو لا كانوا عليه كراماً حتى يردوا الحوض ولا نالهم شفاعته.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: تقديم « عليه » على « يردوا » إن تعلّق به ، للتوجيه وتقريب الضمير من مرجعه ،
وتعظيم الضمير باعتبار مرجعه والتشرّف والتبرّك به لرجوعه إلى النبيّ 6.
الثانية
: التعبير بالغد عن يوم القيامة ، للدلالة على قصر زمان الدنيا. وفيه دلالة على
انهماك القوم في الغفلة والضلال حيث آثروا العاجل على الآجل ؛ والدّلالة على
مخالفة شأن يوم القيامة لأيّام الدنيا وأنّهم لا يهملون ولا يتركون فيها كما تركوا
في الدنيا.
الثالثة
: التعبير عن اللام بفي فيمن يشفع له حتّى يتمكّن أثرها فيه ويقوم به ، وكذا إن
كانت زائدة.
الرابعة
: تقديم « فيهم » على « يشفع » ؛ للوزن والقافية والتوجيه ، وتقريب الضمير من
مرجعه ، وإفادة الحصر ، وزيادة التطبيق بين الجملتين المتعاطفتين.
البيان :
« لا »
الموضوعة لنفي الجنس إذا استعملت في نفي المعارف الّتي لا يراد بها النكرة ، كانت
استعارة تشبيهاً للنفي المتكرّر فيها بالنفي المتعلّق بالجنس المتكرر حقيقة.
إن كان المراد بالحوض : ما قرب منه ،
كان الحوض مجازاً من إطلاق اسم
أحد المتجاورين على
الآخر.
وإن كان المراد بوروده الورود بقرب منه
، كان إمّا تمثيلاً للورود بقرب منه بوروده ، أو إطلاقاً لاسم أحد المتجاورين ،
أعني : وروده على الآخر ، أعني : المورود قربه ، أو تجوزاً في إيقاع الورود عليه.
« غدا »
استعارة ليوم القيامة.
« في »
إن كانت بمعنى اللاّم كانت استعارة.
جملة البيت إن أُريد بها الدعاء كانت
مجازاً باعتبار وضعها النوعي ، فإنّ للمركّبات وضعاً نوعيّاً كما للمفردات وضع
شخصي ولبعضها أيضاً نوعي.
ثمّ شرع في وصف الحوض بما وردت عليه
النّصوص فقال :
[ ٢٨ ـ ٣٧ ]
حوضٌ لَهُ ما بينَ صَنعاء إلى
|
|
أيلةَ والعرض به أوسَعُ
|
يُنْصَبُ فيهِم عَلمٌ للهُدى
|
|
والحوضُ مِن ماء لَهُ مُتْرَعُ
|
يفيضُ من رحمتِهِ كَوثَرٌ
|
|
أبيَضُ كالفِضَّةِ أو انصعُ
|
حصاهُ ياقُوتٌ ومَرْجانَةٌ
|
|
ولؤلؤٌ لم تَجْنِهِ إصبَعُ
|
بطحاؤه مسكٌ وحافاتهُ
|
|
يَهْتَزُّ مِنها مُونِقٌ مَرْبَعُ
|
أخْضَرُ ما دونَ الوَرى ناظرٌ
|
|
وفاقِعٌ أصفرُ أو أنصَعُ
|
فِيهِ أباريقُ وقِدْحانَه
|
|
يَذبُّ عنها الرَّجُلُ الأصلَعُ
|
يذبُّ عنها ابنُ أبي طالب
|
|
ذَبَّكَ جُربى إبل تشرعُ
|
والعِطْرُ والرَّيحانُ أنواعُهُ
|
|
ذاك وقَدْ هَبّتْ بِهِ زَعْزَعُ
|
رِيحٌ مِنَ الجَنَّةِ مأمورةٌ
|
|
ذاهبةٌ ليسَ لهَا مَرْجِعُ
|
اللغة :
« اللام »
للاختصاص ، أو الاستحقاق ، أو الملكية ، أو شبه الملكيّة ، أو الظرفيّة.
« ما »
موصولة ، أو موصوفة ، والمراد بها المقدار أو المسافة أو نحوهما.
« بين » اسمٌ وضع للخلالة بين شيئين أو
أشياء ، وأصله من بان كذا : إذا انفصل فظهر منه ما كان كامناً. قال الراغب : ولمّا
اعتُبر فيه معنى الانفصال والظهور استُعمل في كلّ واحد منفرداً حتّى قيل للبئر
البعيدة القعر : بَيُونٌ ، لبعد ما بين َالشفير والقعر لانفصال حبلها من يد
صاحبها. وبان الصبح : ظهر .
ثمّ إنّ الغالب في « بين » أن يكون
ظرفاً. وقد يتصرّف فيه ، فيقال : بعيد بين المنكبين ، ونقي بين الحاجبين ، وقال
تعالى : ( مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ )
وقال : ( لَقَدْتَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ).
وزعم الفرّاء أنّه لا يستعمل
إلاّمفتوحاً وإن تصرّف فيه برفع المحل أو جرّه ، ولذلك سوّغ في قوله : « فأدبرن
كالجذع المفصل بينه » أن يكون بينه صلة ل « ما » محذوفة ، وأن يكون قائماً مقام
الفاعل للمفصل ، ولا يجوز حذفه إذا كان بعد « ما » خلافاً لبعض الكوفيين فإنّهم يجوّزون
أن يقال : « مطرنا ما زبالة فالثعلبية »
بمعنى ما بين زبالة ، وعليه
حملوا قوله :
يا أحسنَ الناسِ ما قَرناً إلى قدمِ
|
|
ولا حِبالَ مُحِبّ واصِل تَصِلِ
|
وقوله تعالى : ( مَثلاً ما
بَعُوضَة فَما فَوقها ).
__________________
و قوله :
قِفا نَبكِ من ذِكرى حَبيب ومنزل
|
|
بسِقْطِ اللِّوى بينَ الدَّخُولِ
فَحَوْملِ
|
ثمّ إنّه لا يضاف إلاّ إلى متعدّد إمّا
لفظاً ومعنى نحو : بين زيد وعمرو. أو معنى فقط نحو : بين النّاس ، ولذا قيل : إنّ
الفاء في « فحومل » بمعنى الواو ، وقيل : إنّ التقدير بين مواضع الدخول فمواضع
حومل. وأما تأويل ما في البيت ونحوه ، فلا يصحّ بنحو ذلك كما لا يخفى إلاّ أن يجعل
المضاف إليه مجموع « صنعاء إلى أيلة » ، بمعنى ما بين المواضع المبتدئة من « صنعاء
» إلى « أيلة » بمعنى أنّ له مقدار كلّ ما بينهما من المواضع.
ويمكن أن يقال : إنّ أصل الكلام فيه :
ما بين صنعاء وأيلة : مبتدئاً من صنعاء منتهياً إلى أيلة ، ثمّ استغنى عن الابتداء
بذكر الانتهاء ، ثمّ استغنى عن الانتهاء بذكر المنتهى مقروناً ب « إلى » الدالّة
عليه صار ما بين صنعاء وأيلة إلى أيلة ثمّ حذف « وأيلة » لدلالة المذكور عليه.
أو يقال : إنّه ضمن بين معنى الابتداء
والانتهاء فأبدل الواو في خبره ب « إلى ».
« صنعاء »
ـ بالمدّ ـ قصبة اليمن.
« أيلة »
قال في القاموس : جبل بين مكّة والمدينة قرب ينبع وموضع بين ينبع ومصر. وإيلة ـ
بالكسر ـ : قرية بباخرز ، وموضعان آخران.
__________________
وفي شرح التوربشتي لكتاب المصابيح للفرّاء البغوي الملقّب
عند العامة ب « محيي السنّة » أنّ أيلة بالياء المجزومة : بلدة على الساحل من آخر
بلاد الشام ممّا يلي بحر اليمن.
وفي النهاية لابن الأثير فيه ذكر أيلة
وهو بفتح الهمزة وسكون الياء : البلد المعروف فيما بين مصر والشام.
وفي المعجم أيلة ـ بالفتح ـ : مدينة على
ساحل بحر القلزم ممّا يلي الشام ، وقيل : هي آخر الحجاز وأوّل الشام ، ـ قال ـ :
قال أبو زيد : أيلة مدينة صغيرة عامرة ، بها زرع يسير ، وهي مدينة اليهود الذين
حرّم عليهم صيد السمك يوم السبت فخالفوا فمسخوا قردة وخنازير ، وبها في يد اليهود
عهد لرسول اللّه 6 قال : وقال أبو المنذر : سميت بأيلة بنت مدين
بن إبراهيم صلوات اللّه عليه. وقال أبو عبيدة : أيلة مدينة بين الفسطاط ومكّة على
شاطئ القلزم تعدّ في بلاد الشام .
انتهى كلام المعجم بألفاظه.
وما في هذه الكتب الثلاثة هو الموافق
لما ورد في بعض الروايات التي في بيان عرض الحوض من أنّه ما بين صنعاء إلى بصرى ،
فإنّ بصرى كحبلى : بلد بالشام .
« الواو »
للعطف ، أو الحال.
« الألف واللاّم »
للجنس.
__________________
« العرض »
هو الامتداد الذي هو أقصر من الطول.
« الباء »
للظرفية أو للمصاحبة.
« السعة »
كالدعة والمقة : خلاف الضِيق.
« نصبه »
ينصبه نصباً أي أقامه.
« العلم »
ما ينصب في الطريق ليُهتدى به ، والجبل أو الطّويل منه ، والراية وما يعقد على
الرمح ، وسيّد القوم.
« اللاّم »
للاختصاص أو التعليل.
« الهدى »
مصدر كالسرى والبكا ، هو فعل قليل في المصادر يختصّ بالمعتلّ ؛ هداه يهديه هدى
وهدياً وهداية ، وهدية بكسرهما ، وكثر استعمال هدى بمعنى ما يُهتدى به ، ومعنى هذا
التركيب : الإرشاد والدلالة على الشيء إمّا مطلقاً أو بشرط الإيصال والإفضاء إلى
المقصود على الاختلاف المشهور.
واستدلّ الأوّلون بنحو قوله تعالى : ( وأمّا
ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الهُدى ).
وأُجيب بأنّه مجاز عن إفاضة أسباب
الهداية والتقريب من الاهتداء حتّى كأنّه هداهم ، أي دلّهم وأوصلهم إلى المقصود.
وردّ بأنّ الأصل الحقيقة.
واستدلّ الآخرون بوجوه : منها : أنّ
الضلالة تقع في مقابلة الهداية وعدم الوصول إلى المطلوب معتبر فيها.
ومنها : أنّه يمدح الإنسان بكونه مهدياً
ولو كانت الهداية عبارة عن مجرّد الدلالة لم يصلح لأن تكون منشأ للمدح ، بل ربّما
كانت منشأ للذمّ.
__________________
ومنها : أنّ « اهتدى » مطاوع « هدى »
والمطاوعة : حصول الأثر عن تعلّق الفعل بالمفعول ، فإنّما الفرق بين الأصل
والمطاوع أنّ الأصل تأثير والمطاوع تأثّر والوصول هنا معتبر في المطاوع ، فلابدّ
من أن يكون معتبراً في الأصل.
ومنها : نحو قوله تعالى : ( إِنَّكَ
لا تَهْدي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراط
مُسْتَقيم ).
والحقّ أنّ الاستعمال وارد على كلّ من
المعنيين ، فيحتمل أن يكون المعنى الحقيقي هو مجرّد الدلالة إلاّ أنّ التأثير لما
لم يعتدّ به إلاّ إذا حصل أثره ، شاع استعماله في التأثير المقارن لحصول الأثر.
ويحتمل أن يكون المعنى الحقيقي هو
التأثير المقرون بالأثر إلاّ أنّه استعمل في مجرّد التأثير من باب استعمال لفظ
الكلّ في جزئه ، أو تنزيلاً لتأثير الحاصل في ذلك المقام منزلة المقرون بالأثر
لقوّته إلاّ أنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة إلاّ أن يمنع من ذلك مانع ، فالظاهر
أن يكون مشتركاً بين المعنيين.
ثمّ إنّه ربما يستعمل متعدّياً إلى
المفعول الثاني ب « إلى » ، كقوله سبحانه : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي
إِلى صِراط مُسْتَقيم ).
وقد يستعمل متعدّياً إليه باللاّم كقوله
تعالى : ( إِنَّ هذا القُرآن يَهْدِي للَّتِي هِيَ
أَقْوَمُ ).
وقد يستعمل بلا حرف جرّ ، فقيل : إنّه
محذوف كما حذف في نحو قوله تعالى : ( وَاخْتارَ مُوسى
قَومَهُ )
فإنّه بمعنى
من قوله أو لقومه.
وقيل : بل هو أيضاً أصل وقد يفرّق بينه
وبين الأوّلين في المعنى بأنّه بمعنى
__________________
الإيصال والأوّلين
بمعنى مجرّد الدلالة. ولكن يدفعه ما مرّ من قوله تعالى : ( مَن
يَشاءُ إِلى صِراط مُسْتَقيم ).
« الواو »
للحال. « الألف
واللاّم » للعهد الخارجي من الابتداء.
« الماء »
معروف ، وأصله موه ، قلبت الواو لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ألفاً ، ثمّ شبّه الهاء
بحرف اللين لخفائها ، فكأنّها واواً وياءً واقعة طرفاً بعد الألف الزائدة فقلبت
ألفاً ثمّ همزة. والدّليل على هذا الأصل : تصغيره على مويه ، وتكبيره على مياه وأمواه
، وقد جاء في تكبيره « أمواء » قال :
وبلدة قالصة أمواؤها
|
|
تستن في رأد الضحى أفياؤها
|
«
اللاّم » للاختصاص ، أو الاستحقاق ، أو التملّك
، أو شبه التملّك ، أو التعليل.
« حوض »
ترع بفتحتين ، أي ممتلئ وقد ترع يترع كعلم يعلم ، وأترعته أي ملأته.
« فاض »
الماء يفيض فيضاً وفيوضاً بالضم والكسر وفيضاناً وفيضوضة : كثر حتى سال ، كالوادي
، وأرض ذات فيوض إذا كانت فيها مياه تفيض.
« من »
إمّا للابتداء ، أو التبعيض ، أو التعليل ، أو بمعنى « على » كقوله تعالى : (
وَنَصَرْناهُ مِنَ القَوم )
على ما قيل.
« الرّحمة »
إذا نسب إلى اللّه سبحانه كانت بمعنى لازم الرّحمة ، وهو الإنعام والإفضال لامتناع
نسبة معناها الحقيقي إليه فإنّه انفعال وتأثّر. وربما أُريد بها
__________________
النعمة.
والمراد بها في البيت إمّا المعنى
الأوّل أو المعنى الثاني.
وعلى الثاني فإمّا المراد بها جنس
النعمة وذلك إذا كانت « من » للتبعيض ، أي يفيض من جملة نعمه الكوثر أو الحوض ،
وذلك إذا كانت « من » بمعنى « على » على الحوض ، أي يفيض الكوثر.
« الكوثر »
فوعل من الكثرة ، يطلق على معان : منها : الكثير من كلّ شيء. ومنها : الكثير
الملتف من الغبار. ومنها : الإسلام. ومنها : النبوّة. ومنها : الرّجل الخيّر
الكثير العطاء. ومنها : السيد. ومنها : النّهر.
والمراد به هنا نهر في الجنّة ، وهو
المشار إليه بقوله تعالى : ( إِنّا أَعْطَيْناكَ
الكَوثَر )
.
روى الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد
بن الحسن الطوسي في أماليه بإسناده عن عبد اللّه بن العباس قال : لمّا نزل على
رسول اللّه 6 : ( إِنّا
أَعْطَيْناكَ الكَوْثر )
قال له عليّ بن أبي طالب : ما هو الكوثر يا رسول اللّه؟ قال : نهر أكرمني اللّه به
، قال عليّ 7 : هذا النهر
شريف فانعته لنا يا رسول اللّه ، قال : نعم يا عليّ ، الكوثر نهر يجري تحت عرش
اللّه تعالى ، ماؤه أشدّ بياضاً من اللّبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ، حصاه
الزبرجد والياقوت والمرجان ، حشيشه الزعفران ، ترابه المسك الاذفر ، قواعده تحت
عرش اللّه عزّوجلّ.
ثمّ ضرب رسول اللّه 6 يده على جنب أمير المؤمنين 7 وقال : يا عليّ إنّ هذا النهر لي ولك
ولمحبّيك من بعدي.
إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في نعته
من طرق الخاصّة والعامّة ، وهي
__________________
كثيرة متقاربة
المضامين.
ويحتمل أن يراد به الماء الكثير.
« الكاف »
المفردة المفتوحة ، مشتركة بين الحرف والاسم ، والحرف منها حرف هجاء وحرف معنى ،
فلنتكلّم عليها بالاعتبارين.
أمّا بالاعتبار الأوّل ، فنقول : إنّ
مخرجها ممّا يلي مخرج القاف من اللسان والحنك الأعلى ممّا يقرب إلى الخارج ، وهي
مهموسة شديدة منفتحة منخفضة مصمتة.
وأمّا بالاعتبار الثاني ، فهي على وجهين
: عاملة جارّة ، وغير عاملة.
والكلام هنا في العاملة ، ولها عدّة
معان ، والمراد هنا من معانيها التشبيه ، وهو المعنى الغالب فيها.
وأمّا الكاف الاسمية ، فهي مرادفة ل « مثل
» فالجمهور على أنّها لا تقع كذلك إلاّ في الضرورة ، كقوله : « يضحكن عن كالبرد
المنهم ».
وذهب كثير ، منهم الأخفش والفارسي إلى
أنّه يجوز في الاختيار ، فجوّزوا في نحو : زيد كالأسد ، أن تكون الكاف اسماً في
موضع رفع ، وما بعدها مخفوضاً بالإضافة ، قال : ابن هشام في المغني : ولو كان كما
زعموا لسمع في الكلام مثل : مررت بكالأسد .
وإمّا للشك ، أو بمعنا « بل » بناء على
ما ذهب إليه الكوفيون ، وأبو علي ، وأبو
__________________
الفتح ، وابن برهان
من أنّها تأتي بمعنى « بل » مطلقاً احتجاجاً بقراءة أبي السمال ( أَو كلّما
عاهَدُوا )
بسكون
الواو. ويقول جرير :
ما ذا ترَى في عيال قَدْ بَرِمْتُ
بهِم
|
|
لَمْ أُحصِ عِدَّتَهُمْ إلاّ
بِعَدّادِ
|
كانوا ثمانينَ أو زادو ا ثَمانيةً
|
|
وَلا رَجاؤُكَ قَدْ قَتَلْت أولادي
|
وعن سيبويه اشتراط ذلك بشرطين : أحدهما
: يقدم نفي أو نهي. والثاني : إعادة العامل نحو : ما قام زيد ، أو ما قام عمرو ، و
: لا يقم زيد أو لا يقم عمرو.
يحتمل أن يكون بمعنى التخيير على معنى
أن من رآه تخيّر بين أن يقول : انّه كالفضّة ، أو يقول : إنّه أنصع ، كما قيل مثله
في قوله تعالى : ( وَأَرْسَلْناهُ إِلى مائة أَلْف أَوْ
يَزِيدُونَ )
وقوله تعالى
: ( فَهِيَ كَالحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَة ).
الناصع
: الخالص من كلّ شيء ، يقال : أبيض ناصع وأصفر ناصع ، قال الأصمعي : كلّ ثوب خالص
البياض أو الصفرة أو الحمرة فهو ناصع. ونصع لونه نصوعاً إذا اشتدّ بياضه وخلص .
« الحصى »
صغار الحجارة ، الواحدة : حصاة ، والجمع : حصيات.
« المرجان »
الخرزة الحمراء التي يقال لها البُسَّذُ كسكّر ، وصغار الدر ، وكما اللؤلؤ كبارها.
وعن مقاتل عكس ذلك. وقيل : اللؤلؤ الأبيض والمرجان الأحمر. والظاهر أنّ المراد هنا
هو الدرر.
__________________
« اللؤلؤ »
فيه لغات أربع ، قرئ بهنّ في السّبع بهمزتين وبغير همز ، وبهمز الأُولى دون
الثانية ، وبالعكس.
« لم تجنه »
من جنى الثمرة يجنيها جنياً وجنى ، ويقال ذلك في العسل أيضاً بمعنى شاره. والمراد
هنا إخراج اللؤلؤ من الصدف.
« الأصبع »
: الجارحة المعروفة ، وفيها عشر لغات بتثليث الهمزة ، ومع كلّ من حركاتها ، فالباء
مثلثّة ، والعاشرة اصبوع كاسبوع ، وهو يذكّر ويؤنّث.
« البطحاء »
مسيل واسع فيه دقاق الحصى ، كالبطيحة والأبطح ، ومنه تبطّح السيل ، أي اتّسع في
البطحا.
المسك
: من الطيب معروف ، فارسي معرّب ، وكانت العرب تسمّيه المشموم.
« حافتا »
الوادي وغيره : جانباه ، والجمع حافّات.
« الهَزّ »
: التحريك الشديد ، يقال : هززت الرمح فاهتزّ ، واهتزّ النبات إذا تحرك لغضارته ،
واهتزّت الأرض إمّا بمعنى اهتز نباتها ، على حذف المضاف ، أو التجوّز في الاسناد ،
أو بمعنى أنّها بنفسها تتحرك وترتفع بالنبات.
« من »
للابتداء ، أو بمعنى « في » كما أو بمعنى « على » كما قيل في قوله تعالى : (
وَنَصَرْناهُ مِنَ القَومِ )
، أو بمعنى « عند » كما قيل في قوله تعالى : ( لَنْ تغنِيَ عَنْهُمْ
أَمْوالُهُمْ وَلا أَولادُهُمْ مِنَ اللّهِ شَيئاً ) .
« أنق »
بالشيء كفرح : أُعجب به ، وأنقة الشيء إيناقاً وينقاً ـ بالكسر ـ أعجبه.
« ربع »
فلان إذا أخصب ، أي نال الخصب ، فالمربع منول الخصب.
« ما »
موصولة أو موصوفة.
__________________
هذا « دون »
فلان : أي أدنى مكاناً منه ، و « دون » بمعنى تحت ووراء وقدّام وفوق ، قال الراغب
: هو مقلوب من الدنو .
وإذا استعمل في الدنى فهو باعتبار عدم بلوغه رتبة من فوقه فقد يلمح القرب منها ،
وقد لا يلمح.
« الورى »
كالفتى : الخلق ، يقال : ما أدري أيّ الورى هو ، أي أيّ الخلق.
قال الخليل : الورى : الأنام الّذين على
وجه الأرض في الوقت ، ليس من مضى ولا من يتناسل بعدهم ، فكأنّهم الّذين يسترون
الأرض بأشخاصهم .
« النضرة »
والنضر ـ بالتحريك ـ : والنضارة والنضور : الحسن والرونق ، نضر الشجر والوجه
واللّون كنصر وفرح وكرم فهو ناضر ونضير ، وأنضر ونضر اللّه وجهه ، ونضره وأنضره.
وأخضر ناضر : أي غضّ حسن ، أو شديد الخضرة.
وفي القاموس أنّه يبالغ به في كلّ لون
أخضر ناضر وأحمر ناضر وأصفر ناضر.
« الفقوع »
: شدّة الصفرة أو صفاؤه ، يقال : أصفر فاقع ووارس ، كما يقال : أخضر ناضر ومدهام ،
وقد فقع لونه كمنع ونصر فقعاً وفقوعاً.
وفي القاموس : أصفر أو أحمر فاقع وفقاعي
ـ بالضمّ ـ قال : أو كلّ ناصع اللّون فاقع من بياض وغيره.
« الصفرة »
اللون معروف ، وقد يقال على السواد كقوله :
وكُلُّ أُناس سَوفَ يَدخُلُ
بَيْنَهُمْ
|
|
دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرُّ مِنها
الأنامِلُ
|
__________________
وقوله :
تلك خيلي منها وتلك ركابي
|
|
هنَّ صفرٌ أولادها كالزبيب
|
وقال القتيبي : إنّ ذلك مخصوص بالإبل ،
لأنّ السود منها يشوب سوادها صفرة.
وقال الراغب : الصفرة لون من الألوان
الّتي بين السواد والبياض ، وهي إلى السواد أقرب ولذلك قد يعبّر بها عن السّواد .
« في »
أو وهذه ما في الأولى من المحتملات.
« الأباريق »
جمع إبريق ، وهي الآنية المعروفة ذات العروة والخرطوم ، قيل : سمّيت بذلك لأنّها
تبرق لصفاء لونها ، والظاهر أنّه معرب « آب ريز » أي صابّ الماء.
« القدحان »
والأقداح جمع القدح ـ بالتحريك ـ : وهو آنية تروي رجلين غالباً ، أو اسم يجمع
الصغار والكبار.
« الذبّ »
المنع والدفع ، وقال الراغب : وذبيت عن فلان : طردت عنه الذباب ، والمذبّة ما يطرد
به ، ثمّ استعير الذب لمجرّد الدفع .
أقول
: وهذا عكس قول من قال : إنّ الذباب أصله « ذب أب » سمّي به الطائر المعروف لما
أنّه كلّما ذبّ أبّ.
« الألف واللاّم »
للعهد الخارجي.
« الرجّل »
: ـ بضم الجيم وسكونها ـ : الذَّكَر من الإنسان إذا شبّ واحتلم ، أو مطلقاً
والكامل.
__________________
« الصّلع »
محرّكة : انحسار شعر مقدّم الرأس ، وهو أصلع بين الصّلع ، وهي صلعاء ، وموضع الصلع
الصلعة محرّكة وبالضمّ.
والمراد بالرّجل الأصلع : أمير المؤمنين
صلوات اللّه عليه ، وقد ذكر الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن
بابويه القمّي ;
في كتاب « علل الشرائع والأحكام » في علّة الصلع في رأسه 7 ما هذا لفظه :
حدّثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي اللّه
عنهما قالا : حدّثنا أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى العطّار جميعاً عن محمد بن أحمد
بن يحيى بن عمران الأشعري باسناد متّصل لم أحفظه : أنّ أمير المؤمنين 7 قال : إذا أراد اللّه بعبد خيراً رماه
بالصلع فتحات الشعر عن رأسه وها أنا ذا .
وروى ثقة الإسلام الإمام أبو علي
الطبرسي ; في صحيفة
الرضا بإسناده عن الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما قال : قال علي 7 : لا تجد في أربعين أصلعاً رجل سوء ،
ولا تجد في أربعين كوسجاً رجلاً صالحاً ، وأصلع سوء أحب إليّ من كوسج صالح .
وفي كتاب « روضة الواعظين » لابن
الفارسي ، عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : وآمّا صلع رأسي فمن إدمان لبس
البيض ومجالدة الأقران .
« الابن »
من الأسماء العشرة التي بنوا أوائلها على السكون فالتزموا أن يزيدوا في أوائلها
همزة ؛ ليتوصّلوا بها إلى الابتداء بها. وأصله بنو أو بني ، قال الرّاغب : وسمّي
بذلك لكونه بناء للأب ، فإنّ الأب هو الّذي بناه وجعله اللّه بناء في إيجاده .
__________________
« أبو طالب »
كنيته ، واسمه كما عرفت في أوائل الكتاب : عبد مناف.
« الكاف »
ضمير متّصل موضوع لخطاب الواحد المذكّر منصوب أو مجرور ، وهو هنا مجرور بما أُريد
به الخطاب كلّ من يصلح للخطاب ، وهو الظاهر هنا.
« الجرب »
ـ بالتحريك ـ معروف ، جرب كفرح فهو جرب وجربان وأجرب ، والجمع جرب وجربى وجراب.
« الإبل »
بكسرتين وقد يسكّن باؤه : اسم جمع البعير ، لا واحد له من لفظه ، وقيل : لا هو جمع
ولا اسم جمع وهو لازم التأنيث كسائر أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا
كانت لغير الآدميين.
« شرعت »
الدوابّ في الماء تشرع كمنع شرعاً وشروعاً ، أي دخلت وهي إبل شروع وشرع كركع.
« الواو »
للعطف أو الحال.
« العطر »
ـ بالكسر ـ : الطيب ، تقول منه : عطرت المرأة تعطر ـ كعلم ـ عطراً بالفتح فهي عطرة
ومتعطّرة.
« الواو »
عاطفة أو حاليّة.
« الريحان »
، نبت معروف طيّب الرائحة ، أو كلّ نبت كذلك أو ورقة أو أطرافه ، من الريح بمعنى
الرائحة ، أو النبت الطيّب.
« النوع »
: كلّ ضرب وكلّ صنف من كلّ شيء ، وهو أخصّ من الجنس ، فانّ نحو الإبل مثلاً : جنس
من البهائم وليست نوعاً منها.
« ذاك »
: إمّا اسم فاعل من قولهم : مسك ذاك ، وذكي وذكية : ساطع ريحه ، فيكون حذف تنوينه للضرورة
، كقول عباس بن مرداس :
ما كان حصن ولا حابس
|
|
يفوقان مرداس في المجمع
|
__________________
وقول أبي نؤاس :
عباسُ عباسٌ إذا احتدم الوغى
|
|
والفضلُ فضلٌ والربيعُ ربيعُ
|
وقول الكميت :
يرى الراؤون بالشفرات منا
|
|
كنار أبي حباحب والظبينا
|
أو مركّب من « ذا » اسم إشارة و « الكاف
» وهذه الكاف حرف خطاب كالكاف في « إيّاك » على رأي.
« الواو »
للعطف أو الحال.
« الهب »
والهبوب والهبيب : ثوران الريح.
« الباء »
بمعنى « في » أو « على ».
« الزعزعة »
: تحريك الريح الشجرة ونحوها ، أو كلّ تحريك شديد ، وريح زعزع وزعزعان وزعزاع ـ
بالفتح وآلضّم ـ : أي شديدة تزعزع الأشياء.
« الريح »
هو الهواء المتحرّك ، ويجمع على رياح وأرواح وأرياح وريح كعنب ، وهو لازم التأنيث
، وباؤه منقلبة عن الواو ، ولذا يجمع على أرواح.
« من »
للابتداء.
« الألف واللام »
للعهد أو الجنس ، أو العهد الذهني أي جنة من الجنان فإنّ الجنان سبع : جنّة
الفردوس ، وعدن ، وجنّة النعيم ، ودار الخلد ، وجنّة المأوى ، ودار السّلام ،
وعلّيين ، على ما روي عن ابن عبّاس .
« الجنّة »
في الأصل البستان ذو الأشجار الساتر بأشجاره الأرض ، فإنّها من الجن بمعنى ستر
الشيء.
__________________
وربّما تسمّى الأشجار السّاترة بوفور
أغصانها والتفافها جنّة ، بل قيل إنّه الأصل في معناها ، وإنّما يسمّى البستان بها
لاشتماله عليها.
وقيل في تسمية البستان جنّة وجوه أُخر :
منها : أنّ مغارس الأشجار بسترها
أُصولها عن الأنظار.
منها : أنّ ثمارها تستتر حيناً ثم تبرز.
ومنها : أنّها تستر عن الناس بالحيطان.
ومنها : أنّ صاحب البستان يصون به عرضه
ويستره.
وأمّا تسمية جنّة الآخرة بالجنة ، فإمّا
لكونها كبساتين الدّنيا بساتين مشتملة على الأشجار ، وإمّا لاستتار ما فيها من
النعم عنّا ، كما قال سبحانه : ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ
ما أُخفيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُن ).
« الأمر »
طلب المستعلي فعلاً سواء كان بإفعل وليفعل أو بغيرهما ممّا يفيد مفادهما ، وإن كان
بصورة الخبر كقوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقاتُ
يَترَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ )
أو كان
إشارة أو غيرها ، ولذا سمّي ما رآه إبراهيم صلوات اللّه عليه وعلى آله في منامه من
ذبح ابنه أمراً حيث قال : ( يا أَبَتِ افْعَلْ ما
تُؤْمَر )
.
وكثيراً ما يراد بالأمر المنسوب إلى
اللّه سبحانه الإرادة والقضاء الحتم ، كما قال : ( إِنّما قولُنا لشيء
إذا أردناهُ أن نقولَ لُه كُنْ فَيكُون )
فليس هناك
إلاّ إرادة وقضاء ، وليس فيه لفظ يكن ونحوه ، وإنّما يعبّر بالأمر دلالة على نفود
إرادته وقضائه كما ينفد الأمر في المأمور المطيع ، وهذا المعنى هو المراد في
البيت.
__________________
ويحتمل أن يكون ما في البيت من أمر ،
بمعنى أمّر وآمر بمعنى كثر ، كما قيل في قوله تعالى : ( أَمْرنا
مُُترَفيها )
أنّه بمعنى
كثّرناهم ، ولكن ردّ ذلك بأنّ « أمر » لم يجئ متعدّياً ، وعلى هذا فيجوز أن يكون
اسم المفعول بمعنى اسم الفاعل كما في قوله تعالى : ( إِنَّهُ كانَ
وَعْدُهُ مأتِيّاً )
وقوله تعالى
: ( حجاباً مستوراً )
وكما قيل في قوله تعالى : ( إِنْ تَتبعُونَ إِلاّ
رَجُلاً مَسْحُوراً ).
وفي قوله 6
: « خير المال سكة مأبورة. ومهرة مأمورة » .
« ذهب »
كمنع ذهاباً وذهوباً ومذهباً : مضى فهو ذاهب وذهوب.
« المرجع »
إمّا مصدر ميميّ ، أو اسم زمان أو مكان : من الرجوع وهو العود إلى ما كان منه
البدء ، وتحقيقاً أو تقديراً ، وهو على كلّ تقدير بكسر العين مع أنّ القياس المصدر
الميميّ من غير معتلّ الفاء فتح العين فهو كالمهلك والميسر والمطلع.
الإعراب :
« حوض »
خبر مبتدأ محذوف ، أي هو حوض.
الضمير في « له »
عائد عليه ، وله عامل في مابعده ، أو خبر له على رأي تقدّم. والجملة صفة حوض.
« ما »
إن كانت موصولة فما بعدها صلتها ، وإن كانت موصوفة كان ما بعدها صفة لها ومابعدها
ـ أعني الظرف ـ :. مستقر ، ثمّ إنّ المراد مثل ما بين
__________________
صنعاء إلى أيلة ،
فإمّا أن يكون لفظ المثل مقدّراً في نظم الكلام ، أو لا ، بل مقصوداً من تقدير ،
وعلى الأوّل فإمّا أن يكون محلّ « ما » باقياً على ما كان عليه من الجزاء وقامت «
ما » مقام المحذوف وأُعربت في المحل بإعرابه على طريقة مجاز الحذف.
ويحتمل أن يكون الضمير في « له » عائداً
إلى النبيّ 6 والجملة صفة
لـ « حوض » و « ما » مع ما في حيّزها صفة أُخرى له ، أي حوض مخصوص به أو ملك له أو
حقّ له مثل ما بين كذا وكذا ، أو خبر لمحذوف أي هو.
« إلى أيلة »
إمّا متعلّق ببين بالتضمين الذي عرفته ، أو حال عن الضمير المستتر في « بين » أي
منتهياً إلى أيلة ، أو عن صنعاء ، أو صفة له إن جوّزنا تقدير العامل معرفة ، أي
المنتهية إلى أيلة.
جملة « والعرض به أوسع »
عطف على جملة « له ما بين صنعاء إلى أيلة » إن كانت جملة وإلاّ فعلى ما بعد « له »
أو الجملة : حال عن « ما » إن كانت فاعلاً ل « له » أو عن الضمير في « له » إن
كان راجعاً إلى الحوض.
« العرض »
مبتدأ وخبره « أوسع ».
و « به »
ظرف مستقرّ حال عنه. وأصل الكلام : عرضه أوسع ، والمفضل عليه لأوسع مقدّر ، أي
أوسع ممّا بين صنعاء وأيلة.
جملة المصراع الذي بعد ذلك كلام مستأنف.
« ينصب »
فعل مبنيّ للمفعول.
« فيهم »
ظرف لغو متعلّق به ، وضميره إمّا أن يعود على من تقدّم ذكرهم وهو الظاهر ، أو على
الخلائق أجمعين ، وإن لم يتقدم لهم ذكرٌ.
« علم »
مفعوله القائم مقام الفاعل.
« للهدى »
إمّا ظرف مستقرّ صفة للعلم وهو على بعض الاحتمالات في علم مضاف إليه لمقدّر ، أي
لأهل الهدى ، وكما ستعرف ذلك في فصل المعنى ، أو أطلق
الهدى على أهله
مبالغة ، أو لغو متعلّق بـ « ينصب ».
جملة المصراع الثاني حال عن « علم »
سواء كان « للهدى » صفة له ، أو لا. أمّا على الأوّل فظاهر ، وأمّا على الثاني
فلأنّه لا يشترط في الحال المصدّرة بالواو أن يكون صاحبها معرّفاً أو مخصّصاً ،
كقوله تعالى : ( أَو كَالّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَة وَهِيَ
خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها )
على أنّه
ربّما وقع الحال عن النكرة المُخِصّة وإن لم يصدر بالواو كقولهم « عليه مائة بيضا
» وكما في الحديث : صلّى رسول اللّه 6
قاعداً ، وصلّى وراءه رجال قياماً » .
وعلى أنّه يمكن أن يقال بتخصيص ذي الحال
هنا بما يفهم من تنكيره من التعظيم فكأنّه قال : « علم عظيم ».
« الحوض
» مبتدأ خبره منزع ، وما قبله متعلّق به ، أي منزع من ماء له.
و « له »
إمّا ظرف مستقرّ صفة لماء ، أو لغو متعلّق ب « منزع » ، وضميره على الأوّل إمّا
للحوض أو لـ « علم » ، وعلى الثاني ل « علم ».
جملة المصراع الّذي بعد ذلك ، إمّا كلام
مستأنف لصفة أُخرى للحوض ، أو خبر آخر للحوض. وعلى التقديرين فـ « كوثر » فاعل «
يفيض » ويكون للفعل أعني « يفيض » متعلَّق مقدّر ، أي « يفيض فيه » والعائد هو
رحمته ، على تقدير أن يكون المراد بالرحمة « الحوض » ومن معنى على أو في والظرف ،
أعني « من رحمته » على هذا التقدير لغو ، وكذا إذا كانت « من » للتعليل أو
الابتداء ، وإذا كانت للتبعيض فهو مستقرّ حال عن كوثر أي يفيض كوثر جملة نعمه
تعالى.
ويحتمله أيضاً إذا كانت للابتداء ، أي :
كوثر ناشئ من رحمته ، أي انعامه.
ويحتمل أن يكون « يفيض من رحمته » جملة
تامّة بأن يكون فاعل الفعل
__________________
ضميراً راجعاً إلى
الحوض.
وباعتبار الإعراب في المحل وعدمه يحتمل
الاحتمالين الماضيين ، ويكون الظّرف إمّا لغواً إن كانت « من » للتعليل أو
الابتداء ، أو مستقرّاً حالاً عن الضمير إن كانت للتبعيض.
ويحتمله أيضاً إذا كانت للابتداء وكونها
بمعنى على غير محتمل هنا ، وحينئذ فقوله : « كوثر » خبر مبتدأ محذوف ، أي « هو »
أي الحوض كوثر.
وهذه الجملة أيضاً لها الاحتمالان
المذكوران ، واحتمال هذين الوجهين ، أعني كون المصراع جملة واحدة أو جملتين ؛
لاحتمال كون الحوض هو الكوثر.
واحتمال أن يكون غيره ، فإنّ النّاس قد
اختلفوا في ذلك ، أمّا دليل الاتّحاد : فبعض الأخبار.
فقد روي عن أنس بن مالك قال : بينا رسول
اللّه 6 ذات يوم بين
أظهرنا إذ اغفى إغفاءة ، ثمّ رفع رأسه متبسماً ، فقلنا : ما يضحكك يا رسول اللّه؟
قال : أنزلت عليّ آنفاً سورة ، فقرأ : ( بِسْمِ اللّهِ
الرَّحْمنِ الرَّحيم * إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثَر * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر
* إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الأَبْتَر )
ثمّ قال :
أتدرون ما الكوثر؟ قلنا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإنّه نهرٌ وعدنيه رَبّي عزّ
وجلّ عليه خيرٌ كثير ؛ هو حوضٌ ترد عليه أُمّتي يوم القيامة آنيتة عدد نجوم
السّماء فيختلج العبد منهم فأقول : ربّ إنّه من أُمّتي ، فيقول ما تدري ما أحدث
بعدك.
وقد روى فرات بن إبراهيم الكوفي في
تفسيره قال : حدّثني عبيد بن كثير معنعناً عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات
اللّه عليه. والصّدوق أبو جعفر ابن بابويه ;
في « الخصال » مسنداً عنه صلوات اللّه عليه قال : أنا مع
__________________
رسول اللّه 6 ومعي عترتي على الحوض ، فمن أراد
فليأخذ بقولنا وليعمل بعملنا فإنّ لكلّ أهل بيت منجياً ، ولنا شفاعة ، ولأهل
مودّتنا شفاعة فتنافسوا في لقائنا على الحوض ، فإنّا نذود عنه أعداءنا ونسقي منه
أحبّاءنا وأولياءنا ، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً ، حوضنا مترع فيه
شعبان ينصبّان من الجنة أحدهما من تسنيم والآخر من معين ، على حافّتيه الزّعفران
وحصاه اللؤلؤ والياقوت وهو الكوثر » إلاّ أنّ لفظ « وهو الكوثر » ليس في بعض نسخ
تفسير فرات.
وأمّا دليل الاختلاف ، فلعلّه أنّ
المتبادر من النّهر غير ما يتبادر من الحوض.
وقد فسّر الكوثر في جميع الأخبار بالنهر
، وقد رأيت في بعض طرق العامّة عن النبيّ 6
: إنّ ماء الكوثر ينصب في الحوض وانّ الحوض ، على ظهر ملك في عرضه القيامة يتبع
النبيّ 6 أينما ذهب
فهو يؤيد المغايرة.
وليعلم أنّه يجوز على تقدير اتحاد الحوض
والكوثر أن يكون المصراع جملة واحدة ، على أن يكون « كوثر » نائباً مناب العائد ،
فإنّه بمنزلة أن يقال : يفيض ذلك الحوض من رحمته.
« أبيض »
إمّا صفة لكوثر ، أو خبر له مقدّراً راجعاً إليه أو إلى الحوض ، أو خبر بعد خبر لـ
« هو » المقدّر مبتدأ لكوثر ، وعلى تقدير الوصفية فإن كان المراد بالكوثر النهر
المعروف ، كان الوصف لمجرّد المدح والوصف بالنكرة لتنكيره بتأويله بمسمّى بالكوثر
، وإن كان المراد به الماء الكثير كان الوصف قيداً.
وعلى تقدير كونه خبراً لهو الراجع إلى
كوثر ؛ فالجملة استئناف جواب لمن يسأل عن الكوثر.
وعلى تقدير إرادة النهر المعروف من
الكوثر من غير تنكير ف « أبيض » حال
__________________
عنه ، ويحتمل أن
يكون حالاً عن « رحمته » إن أُريد بها الحوض ، أو عن ضمير فيه المقدّر العائد إليه
إن قدّر.
« كالفضّة »
: صفة ل « أبيض ».
و « الكاف »
من حروف الجرّ لا يتعلّق بشيء عند الأخفش وابن عصفور ، مستدلّين بأنّه إذا قيل :
زيد كعمرو ، فإن كان المتعلّق استقرّ فالكاف لا يدلّ عليه ، بخلاف نحو : زيد في
الدّار ، وإن كان فعلاً مناسباً للكاف وهو أشبه ، فهو متعد بنفسه لا بالحروف.
قال ابن هشام في المغني : والحقّ أنّ
جميع الحروف الجارّة الواقعة في موضع الخبر ونحوه تدلّ على الاستقرار.
« أو أنصع »
معطوف على « كالفضّة » مرفوع المحل ، بأن يكون « أبيض » مرفوعاً ، وأمّا إن كان
منصوب المحلّ لنصب « أبيض » على الحالية فهو خبر لمبتدأ محذوف ، أي « هو أنصع » وآلجملة
تكون معطوفة على « كالفضة » وإلاّلزم الإصراف في القافية ، وهو أن يختلف وصل الروى
أي الحرف الحادث من الإشباع ، بأن يكون في بعض القوافي واواً أو ياءً أو في بعضها
ألفاً ، كما قال :
لا تنحكنّ عجوزاً أو مطلّقة
|
|
ولا يسوقنها في حبلك القدر
|
وإن أتوك وقالوا إنّها نصف
|
|
فإن أطيب نصفيها الّذي غبرا
|
«
حصاه » مبتدأ وخبره « ياقوت »
، وما عطف عليه والضمير عائد إمّا على
__________________
« كوثر » أو على «
الحوض » ، وضمير « مرجانه » تابع لذلك الضمير فهو يرجع إلى ما يرجع إليه ، وكذا
الضمير في « بطحاؤه » و « حافاته ».
ثمّ إن كانت ألفاظ : الياقوت والمرجان
واللؤلؤ والمسك حقائق في هذه الحقائق المعروفة ، فيكون إطلاقها على المعاني
المرادة هنا مجازياً ، أو يقدّر قبل كلّ منها لفظة « الكاف » أو « مثل » فيكون من
باب مجاز الحذف.
« حافاته »
مبتدأ وخبره المصراع الّذي بعده أو محذوف أي « مسك » أو معطوف على بطحاء وعطف
المفرد على المفرد أو خبره منها مونق ، ويهتز حال أو خبره.
« مربع »
وما قبله حال ، أو « أخضر » وجملة المصراع حال ، أو خبره « مونق » و « يهتز منها »
بصيغة المبني للمفعول ، حال.
وعلى الثاني والثالث فجملة هذا المصراع
إمّا خبر بعد خبر ، أو حال عن الحافات ، أو مستأنفة.
« مونق »
إمّا فاعل « يهتز » أو « منها » ، أو مبتدأ خبره « منها ».
« مربع »
صفة له أو خبر المبتدأ.
« أخضر »
صفة أُخرى لـ « مونق » أو صفة ل « مربع » ، أو هو الخبر.
« ما دون الورى »
تأكيد للضمير المستكن في « أخضر » فإنّه بمعنى كلّه.
« دون الورى »
ظرف مستقرّ صلة أو صفة لـ « ما » و « ما » إن كانت موصوفة كانت في التقدير مضافاً
إليها لـ « كل » ونحوه ، أي : كلّ شيء يكون دون الورى. وعلى كلّ تقدير فلابدّ من
تقدير ضمير يرجع إلى ما رجع إليه ضمير أخضر ، أي ما دون الورى منه ، إذ لابدّ في
التأكيد ممّا يرجع إلى المؤكّد.
« ناضر »
صفة لـ « أخضر ».
« فاقع »
معطوفاً إمّا على « أخضر » سواء كان صفة ل « مربع » أو « مونق » ، أو خبراً
لحافّاته ، وإمّا على « مربع » سواء كان صفة ل « مونق » أو خبراً لـ « حافاته » ،
وإمّا على مونق سواء كان فاعل « يهتز » أو فاعل « منها » أو مبتدأ وخبره « منها »
وعلى هذين فالتقدير : ومنها فاقع ، أو تكون هذه الجملة معطوفة على جملة « منها
مونق ».
« أصفر »
إمّا صفة لـ « فاقع » إن كان الفاقع بمعنى خالص اللّون أيّ لون كان ، وإن كان
مخصوصاً بالأصفر فهو عطف بيان له ، لما تقرّر من أنّ الصفة إذا قدمت على موصوفها
صار الموصوف عطف بيان لها كقوله :
والمؤمن العائذات الطّير تمسحها
|
|
ركبان مكّة بين الغيل والسّند
|
«
أنصع » معطوف على « أصفر » أو على « فاقع ».
« فيه »
خبر لأباريق فاعل له ، والضمير فيه إمّا عائد على الحوض أو على الكوثر وكذا الضمير
في قدحانة وهو معطوف على الأباريق.
جملة المصاريع الثلاثة بعد ذلك اعتراض.
جملة « يذبّ عنها ابن أبي طالب » بيان
لجملة « عنها الرّجل الأصلع » والضمير في « عنها » هذه والأُولى عائد على الأباريق
والقدحان.
« ذبّك »
مفعول مطلق للنوع ، وفي الحقيقة صفة لمفعول مطلق محذوف ، أي ذباً كذبك ، فنصبه
يحتمل أن يكون لنزع الخافض وأن يكون قد انتقل عن النصب لذلك إلى النّصب لقيامه
مقام المفعول المطلق ، والإضافة فيه إلى الفاعل والمفعول « جربى إبل » والإضافة
فيه بيانيّة ، وللذب متعلّق محذوف أي ذبك إيّاها عن الماء.
__________________
جملة « تشرع » صفة لـ « جربى إبل » ، أو
ل « إبل » ولـ « تـشرع » متعلّق محذوف ، أي تشرع في الماء.
البيت الذي بعد ذلك يحتمل أن يكون كلّ
من العطر والرّيحان معطوفاً على الأباريق ، أي : فيه العطر والريحان. وعلى هذا «
ذاك » اسم إشارة مبتدأ محذوف الخبر ، أي ذاك كذلك ، أو ذاك كما ذكرته والإشارة إلى
ما ذكر من أوصاف الحوض أو الكوثر أوإلى الحوض أو الكوثر ، أو خبر مبتدأ محذوف أي
هو ، أي الحوض ، أو الكوثر ذاك الّذي وصفته ، أو مفعول فعل محذوف ، أي افهم ذاك أو
احفظه.
ويحتمل بعيداً أن يكون ذاك اسم فاعل من
« ذكا » خبر مبتدأ محذوف ، أي كلّ من العطر والرّيحان ذاك.
ويحتمل أن يكون العطر مبتدأ والرّيحان
معطوفاً عليه وذاك اسم فاعل خبر عنهما ، أي عن كلّ منهما ، أو خبراً عن الأوّل
وخبر الثّاني محذوف أو بالعكس ، أي العطر ذاك والريحان ذاك ، كما في نحو قوله :
نَحْنُ بِما عِندَنا وأنْتَ بِما
|
|
عِندَكَ رَاض والرّأيُ مُخْتَلفُ
|
وقوله :
فَمَنْ يَكُ أمْسَى بِالمدينَةِ
رَحْلُه
|
|
فَانّي وَقَيّار بِهِما لَغَرِيبُ
|
وعلى هذا فالواو في و « العطر » إمّا
للعطف أو للحال ، وعلى كلّ فيقدّر في هذه الجملة عائد إلى الحوض أو الكوثر ، أي
وفيه أو عنده العطر والرّيحان ذاك.
__________________
ويحتمل أن يكون العطر معطوفاً على ما
تقدّم ، والرّيحان وحده مبتدأ وحينئذ فواوه يحتمل الوجهين المقولين في واو «
والعطر ».
« أنواعه »
تأكيد إمّا للرّيحان وحده ، أو لكلّ منه ومن العطر بمعنى أنواع كلّ منهما ، وذلك
لكونه بمعنى كلّه ، أو مبتدأ وخبره « ذاك ».
ثمّ إن كان الرّيحان أو هو مع العطر
مبتدأ كانت هذه الجملة خبراً للمبتدأ الأوّل وإلاّ فهي جملة مستأنفة أو حالية
وتذكير « ذاك » على بنائه على « أنواعه » باعتبار تأويله بكلّه أو المذكور أوكلّ
نوع منه.
« الواو »
إن كانت للعطف فإمّا أن يكون ما بعدها معطوفة على « ذاك » سواء جعلت جملة خبرية أو
إنشائية ، فإنّها إن كانت إنشائية جاز عطف الخبريّة عليها كما جاز نحو « لا وأيّدك
اللّه » فإنّه وإن كان بين الجملتين كمال الانقطاع ، إلاّ أنّه لو لم يعطف لتوهّم
خلاف المقصود وهو اتّصال « لا » في المثال و « ذاك » هنا بما بعده ، فجاز العطف
لدفع التوهّم.
أو معطوفة على « فيه أباريق » أو على
جملة العطر مع خبره ، أو الريحان مع خبره ، أو « أنواعه » مع خبره على الاحتمالات
التي عرفتها ، وإن كانت الواو للحال كانت حالاً عن ضمير فيه وحينئذ ، فإن كانت «
ذاك » جملة كانت معترضة بين الحال وذي الحال ، وكذا إن كانت « أنواعه ذاك » جملة
أو كانت حالاً عن العطر والريحان أو عن الريحان وحده إن كانا مبتدأين ، أو كان
الرّيحان وحده مبتدأ ، أو عن ضمير « فيه » المقدّر في هذه الجملة ، أو عن « ذاك »
إن كان مبتدأ أو عن المبتدأ المقدّر له ، أو عن ضميره الّذي في « ذكرته » المقدّر
وحينئذ فالحال مقدّرة.
الضّمير في « به »
عائد على الحوض أو الكوثر.
« ريح »
خبر مبتدأ محذوف أي هي ريح ، أو عطف بيان لزعزع.
« من الجنّة »
ظرف مستقرّ صفة لريح أو لزعزع إن كان ريح عطف بيان لها.
« مأمورة »
صفة أُخرى ، فإن كانت من الأمر بمعنى طلب الفعل ، قدّر لها متعلّق ، أي مأمورة
بالهبوب.
« ذاهبة »
صفة أُخرى.
« ليس لها مرجع »
إمّا صفة أُخرى لها أو صفة لذاهبة.
المعنى :
معنى
البيت الأوّل : أنّ ذلك الحوض حوض
له من المقدار أو المسافة أو المساحة ونحو ذلك ما بين صنعاء وأيلة من ذلك ، أو ما
هي المواضع التي من صنعاء إلى أيلة ، أو ما من صنعاء إلى أيلة ، أو ما بين صنعاء
وأيله وأيلة مبتدأ من صنعاء منتهياً إلى أيلة ، أو له من المقدار ونحو ذلك مثل ما
بين صنعاء! إلخ.
أو فيه من المقدار ما بين أو مثل ما بين
والعرض الذي فيه أو معه ، أي عرضه أوسع من ذلك ، أي ممّا بين صنعاء وأيلة.
فالحاصل أنّه حوض له من العرض مثل ما
بين صنعاء وأيلة وزيادة على ذلك ، أو معناه أنّ ذلك حوض للنبيّ 6 ومن صفته أنّه أو وهو مثل ما بين كذا وكذا وأوسع.
لا يقال إنّ الحكم بالمماثلة ينافي
الحكم بأنّه أوسع.
لأنّا نقول : إنّما يلزم ذلك لو كان
المثل وحده خبراً و « أوسع » خبراً آخر وليس كذلك ، بل مجموع المعطوف والمعطوف
عليه خبر ، فكأنّه قيل : إنّه مجموع المثل والزيادة ، كما في نحو قولك : هو ذراع
ونصف.
ومعنى
البيت الثاني : أنّه يقام في
أُولئك القوم أو في الخلائق من هو علم للهدى أي يهتدى به ، أو حبل الهدى أي حبل من
الهدى ، كأنّه مجسّم عظيم منه أو
__________________
يعرف به الهدى كما
يعرف ما يوضع على الحبل من النّار ونحوها ، أو حبل أهل الهدى أي عظيمهم ، أو راية
الهدى أي علامة يعرف بها الهدى ، فإنّ الراية علامة العسكر أو راية أهل الهدى ، أي
أهل الهدى كلّهم أتباعه ، فإنّ العسكر تحت الرايات.
وكذا المعنى إن أُريد بالعلم ما يعقد
على الرمح ، أو سيّد أهل الهدى ، أو ينصب فيهم لأجل الهدى علم ، والحال أنّ الحوض
مترع من ماء له أي من مائه ، أو مترع من ماء لأجل ذلك العلم فإنّه لا يشرب من مائه
إلاّ هو وشيعته ، أو مترع من ماء هو ملك لذلك العلم أو مخصوص به أو حقّه.
ومعنى
البيت الثالث : أنّ الحوض يسيل
فيه ناشئاً من رحمة اللّه تعالى أو لرحمته كوثر ، أي النّهر المعروف حال كونه ، أي
الكوثر أو الحوض أبيض كالفضّة بل أخلص بياضاً وأشدّ ، أو أشك في أنّه كالفضّة أو
أنصع ، أو أنّ الرائي يتحيّر بين أن يقول إنّه كالفضّة ، وأن يقول إنّه أنصع.
أو مسمّى بالكوثر موصوف بأنّه أبيض ، أو
ماء كثير أبيض وهو أي الكوثر أو الحوض أبيض ، أو أنّه يسيل على رحمة اللّه أي
الحوض كوثر حال كونه أبيض أو موصوف بأنّه أبيض أو هو أي الكوثر أو الحوض أبيض ، أو
حال كون رحمة اللّه أي الحوض أبيض أو أبيض أو يفيض كوثر حال كونه من جملة رحمة
اللّه.
أو يفيض الحوض أي يسيل من جوانبه من
رحمة اللّه تعالى ، أي ناشئاً منها أو لرحمة ، أو حال كونه من جملة رحمته ، وهو أي
الحوض كوثر أي ذلك النّهر حال كونه أبيض أو مسمّى بالكوثر موصوف بأنّه أبيض ، أو
ماء كثير أبيض أو هو كثير وهو أبيض.
ومعنى
البيت الرّابع : أنّ صغار حجارات
الكوثر أو الحوض ياقوت ، وصغار من الدّر وكبار منه لم يستخرجها أصبع من الأصداف ، بل
إنّما خلقها اللّه تعالى
وأبدعها فيه كذلك
بلا أصداف ، أو كبار من الدرّ وصغار منه ، أو حمر منه وبيض أو بسند ولؤلؤ.
ومعنى
البيت الخامس والسّادس : مسيله مسك
وأطرافه كذلك حال كونها تتحرك من الغضارة مبتدئاً منها أو فيها أو عليها أو عندها
نبات ، أو مكان ، معجب موقع للخلق في الخصب ، أي خصيب أخضر كلّه غضّ حسن أو شديد
الخضرة وشديد الصفرة ، أو خالص اللّون أصفر ، بل أشدّ صفرة ، أو أخلص صفرة ، أو
أشدّ من أن يقال له إنّه أصفر فاقع ، أي أنّه من الخلوص أو الشدّة بحيث لا يشبه
الصفر من الأشياء ، بل ربّما يتوهّم أنّه من جنس آخر ، ومعنى « أو » : « بل » أو «
الشكّ » أو « التحيير » كما في السابقة.
يعني أنّ النبات هناك على قسمين : أخضر
ناضر ، وأصفر فاقع. والمراد به الزعفران كما مرّ فيما رويناه من حديث الكوثر ،
وسيأتي إن شاء اللّه تعالى فيما سنرويه ، أو المعنى : وأطرافه يهتزّ منها مونق.
الخ. أو وأطرافه حال كونها يهتزّ منها مونق ، أو حال كونها يهتزّ منها مونق مربع ،
أو حال كونها يهتزّ منها مونق مربع أخضر ، أو حال كونها يهتزّ منها مونق إلخ.
ومنها فاقع الخ.
ومعنى
الأبيات الأربعة الباقية : في الكوثر
أو الحوض أباريق وأقداح يدفع عنها الناس الرّجل الأصلع المعهود ، أو الكامل من
الرجال الأصلح ، والنّاس المدفوعون هم الّذين خالفوه ولم يتّبعوه ، ثمّ بين ذلك
الرجل الأصلع فقال : يدفع عنها علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه دفعاً كدفعك
إبلاً جربى تدخل في الماء عن الماء لئلاّ يسري جربها إلى سائر الإبل.
وفيه الطيبة والريحان جميع أنواعه أو
أنواعهما ذاك كذلك ، أو كما ذكر ، أو الأمر ذاك أو الحوض أو الكوثر ذاك ، الذي
وصفته لك أو أحفظ ذاك.
ويهب عليه أو فيه ، أو والحال أنّه قد
هبّت فيه أو عليه محرّكة لما يمرّ عليه من شدّتها ريح ناشئة من الجنّة مأمورة
بالهبوب ، أو كثيرة ذاهبة في الهبوب ليس لها رجوع أو زمان رجوع أو مكانه ، أي لا
ترجع عمّا أُمرت به ولا تعصي اللّه تعالى.
أو إشارة إلى سعة المكان فإنّه إذا ضاق
المكان الّذي تهبّ فيه الرّيح رجعت إذا وصلت إلى منتهاها ، إلاّ إذا سكنت ، فكأنّه
قال : إنّه لا منتهى لذلك المكان فإنّها مع أنّها ذاهبة لا يعرض لها سكون ، لا
ترجع.
أو إشارة إلى سرعتها ، أو إشارة إلى
دوامها لكنّي لا يحضرني الآن ما تدلّ الأخبار على دوام الرّيح وإنّما يحضرني ممّا
يدلّ على هبوبها خبر واحد ستعرفه عن قريب ، وإنّما يدلّ على أنّها تهب زماناً دون
زمان.
أو والعطر والرّيحان أنواعه أو أنواعهما
ذاكية فيه أو بقربه أو عنده ، أو والحال أنّ العطر إلى آخره. أو فيه العطر والحال
أنّ الريحان ، أو والريحان أنواعه ذاكية ، أو وفيه العطر والريحان.
ثم ابتدأ فقال : أنواعه أو أنواعهما
ذاكية ، أو والحال أنّ أنواعه أو أنواعهما ذاكية. ولنذكر هنا بعض ما حضرنا ممّا
رأيناه في كتب أصحابنا رضوان اللّه عليهم من أخبار الحوض والكوثر تصديقاً لمقال
النّاظم سلام اللّه عليه ، فنقول :
روى الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي
بن الحسين بن موسى بن بابويه 4
في « أماليه » ، بإسناده عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه 6 : أنا سيّد الأنبياء والمرسلين وأفضل
من الملائكة المقرّبين ، وأوصيائي سادة أوصياء النبيّين والمرسلين ، وذرّيتي أفضل
ذرّيات النبيّين والمرسلين ، وأصحابي الّذين سلكوا منهاجي أفضل من أصحاب النبيّين
والمرسلين ، وابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين ، والطاهرات من أزواجي أُمّهات
المؤمنين ، وأُمّتي خير أُمّة أُخرجت للناس ، وأنا أكثر النبيّين تبعاً يوم
القيامة ولي حوض عرضه مابين بصرى وصنعاء ،
فيه من الأباريق عدد
نجوم السماء ، وخليفتي على الحوض يومئذ خليفتي في الدّنيا.
فقيل : ومن ذاك يا رسول اللّه؟ قال :
إمام المسلمين وأمير المؤمنين ومولاهم بعدي عليّ بن أبي طالب ، يسقي منه أولياءه
ويذود عنه أعداءه كما يذود أحدكم الغريبة من الإبل عن الماء.
وروى الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن
محمد بن الحسن الطّوسي رضوان اللّه عليهما في « أماليه » ، باسناده عن الأصبغ بن
نباته ، عن أبي أيّوب الأنصاري : أنّ رسول اللّه 6
سئل عن الحوض.
فقال : أمّا إذ سألتموني عنه فسأخبركم :
إنّ الحوض أكرمني اللّه به ، وفضلني على كلّ من كان قبلي من الأنبياء وهو ما بين
أيلة وصنعاء ، فيه من الآنية عدد نجوم السماء ، يسيل فيه خليجان من الماء ، ماؤه
أشدّبياضاً من اللبن وأحلى من العسل ، حصاه الزمرّد والياقوت ، بطحاؤه مسك إذفر ،
شرط مشروط من ربي لا يرده أحد من أُمّتي إلا النقية قلوبهم ، الصحيحة نيّاتهم ،
المسلمون للوصي من بعدي ، الّذين يعطون ما عليهم في يسر ويأخذون ما عليهم في عسر ،
يذود عنه يوم القيامة من ليس من شيعته كما يذود الرّجل البعير الأجرب من إبله ، من
شرب منه لم يظمأ أبداً.
وروى أيضاً فيه بسند عن أبي الورد قال :
سمعت أبا جعفر محمد بن عليّ الباقر 8
يقول : إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الناس في صعيد واحد من الأوّلين والآخرين
عراة حفاة ، فيوقفون على طريق المحشر حتى يعرقوا عرقاً شديداً وتشتدّ أنفاسهم
فيمكثون بذلك ما شاء اللّه ، وذلك قوله : ( فَلا تَسْمَعُ إلاّ
__________________
هَمْساً
) . ثمّ قال : ثمّ ينادي مناد من تلقاء
العرش : أين النبيّ الأُمّي؟ قال : فيقول الناس : قد أسمعت كُلاًّ فسمّ باسمه ،
فقال : فينادي أين نبيّ الرحمة محمّد ابن عبد اللّه؟ قال : فيقوم رسول اللّه 6 فيتقدّم أمام النّاس كلّهم حتى ينتهي
إلى حوض طوله مابين أيلة وصنعاء فيقف عليه ، ثمّ ينادي بصاحبكم فيقوم أمام النّاس
فيقف معه ، ثمّ يؤذن للنّاس فيمرّون.
قال أبو جعفر 7 : فبين وارد يومئذ وبين مصروف ، فإذا
رأى رسول اللّه 6
من يصرف عنه من محبّينا أهل البيت بكى وقال : يا ربّ شيعة علي يا ربّ شيعة علي ،
قال : فيبعث اللّه إليه ملكاً فيقول له : ما يبكيك يا محمّد؟ قال : فيقول : وكيف
لا أبكي لأُناس من شيعة أخي علي بن أبي طالب أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النّار
ومُنعوا من ورود حوضي ، قال : فيقول اللّه عزّوجلّ يا محمّد قد وهبتهم لك وصفحت لك
عن ذنوبهم وألحقتهم بك وبمن كانوا يتولّون من ذرّيتك ، وجعلتهم في زمرتك وأوردتهم
حوضك وقبلت شفاعتك فيهم وأكرمتك بذلك.
ثمّ قال أبو جعفر محمّد بن علي بن
الحسين : : فكم من
باك يومئذ وباكية ينادون : يا محمداه! إذا رأوا ذلك قال : فلا يبقى أحد يومئذ كان
يتولاّنا ويحبّنا إلاّ كان في حزبنا ومعنا وورد حوضنا.
وروى مثل ذلك فرات بن إبراهيم الكوفي في
« تفسيره » عن جعفر بن محمد الفزاري عن أبي جعفر صلوات اللّه عليه.
وروى الشيخ الصّدوق أبو القاسم جعفر بن
محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه في كتاب « كامل الزيارات » بإسناده عن مسمع كردين
، عن أبي عبد اللّه
__________________
جعفر بن محمّد
الصادق صلوات اللّه عليه قال : إنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة
لا تزال في قلبه حتى يرد علينا الحوض ، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه حتى
أنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.
يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها
أبداً ، ولم يستق بعدها أبداً وهو في برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل ، أحلى
من العسل ، وألين من الزبد ، وأصفى من الدّمع ، وأذكى من العنبر ، يخرج من تسنيم
ويمرّ بأنهار الجنان يجري على رضراض الدر ّوالياقوت ، فيه من القدحان أكثر من عدد
نجوم السماء ، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام ، قدحانه من الذّهب والفضّة وألوان
الجوهر يفوح في وجه الشارب منه كلّ فائحة حتى يقول الشارب منه : يا ليتني تُركتُ
هاهنا لا أبغي بهذا بدلاً ولا عنه تحويلاً.
أما أنّك يا كردين ممّن تروى منه ، وما
من عين بكت لنا إلاّ نعمت بالنظر إلى الكوثر وسقيت منه من أحبّنا ، وآنّ الشّارب
منه ليعطى من اللذّة والطعم والشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا ،
وإنّ على الكوثر أمير المؤمنين وفي يده عصا من عوسج يحطّم بها أعداءنا فيقول الرجل
منهم : إنّي أشهد الشهادتين ، فيقول : انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك ،
فيقول : تبرّأ منّي إمامي الذي تذكره ، فيقول ارجع وراءك فقل للّذي كنت تتولاّه
وتقدّمه على الخلق فاسأله إذا كان عندك خير الخلق أن يشفع لك فإنّ خير الخلق حقيق
أن لا يردّإذا شفع ، فيقول : إنّي أهلك عطشاً ، فيقول : زادك اللّه ظمأ وزادك
اللّه عطشاً.
قلت : جعلت فداك وكيف يقدر على الدنو من
الحوض ولم يقدر عليه غيره؟
قال : ورع عن أشياء قبيحة وكفّ عن شتمنا
إذا ذُكرنا وترك أشياء اجترأ
عليها غيره ، وليس
ذلك لحبّنا ولا لهوى منه لنا ولكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته وتديّنه ولما قد
شغَل به نفسه عن ذكر الناس ، فأمّا قلبه ؛ فمنافقٌ ودينه النصب وأتباعه أهل النّصب
وولاية الماضين وتقديمه لهما على كلّ واحد.
أقول
: والظاهر من هذا الخبر أيضاً اتّحاد الحوض والكوثر كما لا يخفى.
وفي « الاحتجاج » للطبرسي عن ابن عباس
قال : قال النبيّ 6
: إنّ اللّه عزّوجلّ أعطاني نهراً في السماء مجراه تحت العرش ، وعليه ألف ألف قصر
، لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ، حشيشها الزعفران ، ورضراضها الدرّ والياقوت ، وأرضها المسك الأبيض
، فذلك خير لي ولأُمّتي وذلك قوله تعالى : ( إِنّا أَعْطَيْناكَ
الكَوثَر )
.
وروى عن ابن عباس في قوله تعالى : ( إِنّا
أَعْطَيْناكَ الكَوثر )
قال : نهر في الجنّة عمقه في الأرض سبعون ألف فرسخ ، ماؤه أشدّ بياضاً من اللبن ،
وأحلى من العسل ، شاطئاه من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت ، خصّ اللّه به نبيّه وأهل
بيته : دون
الأنبياء.
وعن حمران بن أعين عن أبي عبد اللّه
الصادق صلوات اللّه عليه قال : إنّ رسول اللّه 6
صلّى الغداة ثمّ التفت إلى عليّ 7
فقال : يا عليّ ما هذا النور الذي أراه قد غشيك؟
قال : يا رسول اللّه أصابتني جنابة في
هذه الليلة فأخذت بطن الوادي ولم أصب الماء فلمّا وليت ناداني منادي : يا أمير
المؤمنين! فالتفتُّ فإذا إبريق مملوء من ماء فاغتسلت.
__________________
فقال رسول اللّه 6 : يا علي أمّا المنادي فجبرئيل ،
والماء من نهر يقال له : « الكوثر » عليه اثنا عشر ألف شجرة كلّ شجرة لها ثلاثمائة
وستون غصناً ، فإذا أراد أهل الجنّة الطرب هبّت ريح ، فما من شجرة ولا غصن إلاّ
وهو أحلى صوتاً من الآخر ، ولو أنّ اللّه تبارك وتعالى كتب على أهل الجنّة أن لا
يموتوا لماتوا فرحاً من شدّة حلاوة تلك الأصوات ، وهذا النّهر في جنّة عدن وهو لي
ولك ولفاطمة والحسن والحسين ، وليس لأحد فيه شيء.
أقول : فهذه الريح هي الّتي أشار إليها
الناظم ;.
وفي المناقب للشيخ الإمام رشيد الدّين
أبي جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ;
، عن أنس قال : دخلت على رسول اللّه 6 فقال : قد أُعطيت الكوثر ، فقلت : يا
رسول اللّه وما الكوثر؟ قال : نهر في الجنّة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب لا
يشرب أحدٌ منه فيظمأ ولا يتوضأ أحد منه فيشعث ، لا يشربه إنسان أخفر ذمتي ولا قتل
أهل بيتي ، النبي يذود عليّ عنه يوم القيامة من ليس من شيعته ، ومن شرب منه لم
يظمأ أبداً.
فلنكتف بهذا القدر فإنّ ذكر الجميع لا
يفي به المقام.
بقي الكلام في التقديرات المختلفة
الواقعة في الأخبار على تقدير الحكم بصحّة الجميع. وللجمع بينها وجوه :
منها : أنّ هذه التقديرات كلّها راجعة
إلى معنى واحد هو المبالغة في السعة كما أنّ « السبعين » مبالغة في الكثرة ، في
نحو قوله تعالى : ( إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ).
__________________
ومنها : انّه يجوز أن يختلف عروضه
باختلاف الأمكنة كما يشاهد في أنهار الدّنيا وحياضها فيكون عرضه في بعض المواضع
كذا وفي بعضها كذا.
ومنها : أنّه يجوز أن يكون المراد
بالعرض في بعضها أقصر الامتدادات المفروزة وفي بعض آخر امتداد آخر أكبر من ذلك
وهكذا.
ومنها : أنّ لكلّ من المؤمنين فيه
نصيباً مفروضاً فيجوز أن يكون المراد عرض ما لكلّ منهم وهو يختلف باختلاف مراتبهم
في الفضل.
ومنها : أنّه يجوز أن يكون المراد
بالعرض الجانب ، ويكون له جوانب شتى متفاوتة.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى : حذف ما بنى عليه حوض ،
للاختصار وللوزن ولشدّة الاهتمام بذكر الحوض ووصفه.
الثانية : تنكير « حوض » للتعظيم
والدلالة على أنّه ليس من جنس ما يمكن أن يعرف ، والأمر كذلك لأنّه ليس من جنس
حياض الدنيا.
الثالثة
: العدول عن « في » إلى « اللاّم » إن كانت بمعنى « في » ؛ للدلالة على مزيد
الاختصاص أو الاستحقاق والتوجيه والوزن.
الرابعة
: تقديم الظرف إن كان ما بعده مبتدأ للوزن وتقريب الضمير من مرجعه ، والعائد الّذي
هو وصلة إلى الوصف من الموصوف وأهميّته ، لأنّ الكلام في ذكر ما للعرض والدلالة
على الاختصاص من بين الحياض.
الخامسة
: حذف المضاف من ما بين صنعاء ، للإيجاز والوزن والاحتراز عن
صورة التمثيل المؤذن
بانحطاط مرتبة المشبه عن مرتبة المشبه به.
السادسة
: حذف المبتدأ إن كان ما خبراً لمبتدأ محذوف لجميع ما ذكر في مبتدأ حوض مع
التوجيه.
السّابعة
: أبهم أوّلاً أنّ ما هو مثل ما بين صنعاء وأيلة من ذلك الحوض أي امتداد له طوله
أو عرضه ، ثمّ بيّن أنّه العرض بقوله : « والعرض به أوسع » على طريق الكناية لا
التصريح فقد أتى بطريقين في بيان المطلوب بليغين في الغاية.
الثامنة
: في إبهام ما بين الموضوعين للتعبير عنه بها دلالة على التفخيم والتعميم وتوجيه
لاحتمال « ما » الموصولة والموصوفة.
التاسعة
: العدول عن « الواو » في أيلة إلى « إلى » للتبنيه على شرافة صنعاء بالنسبة إلى
أيلة ، فينبغي أن يبتدى الماسح منها ، لما روي في الأخبار من فضل اليمن ، وقد روي
أنّ الكعبة يمانية والإيمان يماني.
وروى الشيخ الجليل أبو الفتح محمد بن
علي بن عثمان الكراجكي في كتاب « كنز الفوائد » عن الشريف أبي محمد الحسن بن محمد
الحسيني ، عن علي بن عثمان المعمر الأشبح قال : حدثني أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب 7 قال : قال
رسول اللّه 6 : من أحبّ
أهل اليمن فقد أحبّني ومن أبغضهم فقد أبغضني .
والتنبيه على أنّها أقرب إلى الناظم ;
وذلك لأنّه يماني واليمن أقرب إلى ذهنه وإن كان في غيره.
والوجهان جاريان فيما إذا كان إلى ايلة
حالاً وكان معادل صنعاء محذوفاً ، وحينئذ ففي حذف المعادل مع الإيجاز توجيه.
العاشرة
: في التعبير عن عرضه بقوله : « العرض به أوسع » ما لا يخفى من
__________________
الإيضاح بعد الإبهام
للتفخيم.
الحادية
عشرة : العدول عن « له » إلى « به » مع أنّه
الظاهر ، فإنّ عرضه بمعنى عرض له ، فإذا فكت الإضافة صار العرض له للمبالغة في
الوصف بالسعة ، فإنّه إذا قيل : إنّ عرضه أو العرض له أوسع ، دلّ على أنّ تمام
عرضه أوسع ، وأمّا الآن فيدلّ على أنّ فيه أو معه من العرض ما هو أوسع ، وفيه
دلالة على أنّ تمام عرضه أوسع ممّا حكم عليه بأنّه أوسع.
الثانية
عشرة : تقديم الظرف ، أعني : فيهم ، على
الفاعل لتقريب الضمير من مرجعه والوزن ، ولأنّه لو أُخّر عنه لتوهّم أنّه من صفاته
وأنّ ذلك العلم من جملتهم وليس كذلك.
الثالثة
عشرة : تنكير « علَم » للتفخيم والإيضاح بعد
الإبهام وآلتوجيه.
الرابعة
عشرة : حذف المضاف إلى الهدى إن كان مضافاً
إليه لمقدّر ، للوزن والاختصار والتوجيه ، وإن لم يكن له مضاف محذوف وآريد به أهل
الهدى مجازاً كان لجميع ما ذكر مع المبالغة المتضمّنة للمبالغة في وصف العلَم.
الخامسة
عشرة : تقديم « من ماء » على « مترع » ،
للوزن والقافية.
السادسة
عشرة : تنكير « ماء » للتعظيم والتوجيه
والإبهام ثمّ التفسير إن كان « له » صفة له وهو أيضاً للتعظيم.
السابعة
عشرة : تقديم « من ماء » على « له » إن كان
« له » ظرفاً ل « مترع » والضمير عائداً على « علَم » للوزن والتوجيه.
الثامنة
عشرة : تقديم « له » على « مترع » إن كان
متعلّقاً به ، للتوجيه والوزن والقافية وإفادة الحصر.
التاسعة
عشرة : تقديم « من رحمته » على « كوثر » إن
كان فاعلاً ل « يفيض » ، أمّا
إن كان حالاً منه
فلزيادة التخصيص لذي الحال والتوجيه والوزن وزيادة الاهتمام بذكر الرحمة ، وإن
تعلّق ب « يفيض » فلجميع ذلك عدا الأوّل ، ولتقريب العائد إلى المعود عليه إن كان
رحمته اسماً ظاهراً قائماً مقام المضمر المكمل.
العشرون
: لا يخفى ما في إقامته المظهر مقام المضمر في قوله « من رحمته » إن كان ، وكذا في
« كوثر » إن كان ، من الدلالة على صفة أو اسم له بأخصر وجه والتوجيه.
الحادية
والعشرون : تنكير كوثر إن كان منكراً للتفخيم
إمّا تفخيم ذاته ، أو من جهة كثرته ، أو للتكثير ، أو لهما معاً ، كما قيل في قوله
تعالى : ( وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ
مِنْ قَبْلِكَ )
، أو
لنكارته عنده لأنّه ليس من قبيل مياه الدنيا.
الثانية
والعشرون : التعبير عن « بل » ب « أو » إن كانت
بمعناه للتوجيه.
الثالثة
والعشرون : تنكير « ياقوت » للتعظيم أو التكثير
أو لهما معاً ، أو لنكارته عنده لأنّ من المعلوم أنّه ليس من جنس يواقيت الدنيا ،
وكذا الكلام في لؤلؤ ومسك وأباريق وريح.
الرّابعة
والعشرون : إضافة « المرجان » إليه لأنّه لمّا
كان المرجان عبارة عن صغار الدرّ ، دلّ على أنّ المراد به صغار الدرر التي فيه ،
وإن كان أكثر بكثير من كبار درر الدنيا ، وكذا إن كان المرجان عبارة عن كبار الدرر
، فقد دلّ على أنّ المراد كبار الدرر التي فيه لا الكبار من نحو درر الدنيا ، وإن
كان عبارة عن السند فقد دلّ على أنّه ليس بهذا الماء والصّفاء الذي عليه بسند
الدنيا ، إذ ليس له كثير ماء ودواء.
__________________
وللإضافة وجهان آخران يعمّان جميع
الاحتمالات في المرجان :
أحدهما : الدلالة على أنّه ممّا يكون
فيه.
والآخر : الدلالة على أنّه جنس مخصوص به
ليس في غيره مثله وليس من جنس ما في الدنيا.
الخامسة
والعشرون : العدول عن كله ونحوه بقوله : « ما
دون الورى » لأنّ المبالغة فيه أكثر وللدلالة على سعة المكان جدّاً.
السادسة
العشرون : توسيط التأكيد بين « أخضر » و « ناضر
» لزيادة الاهتمام به.
السابعة
والعشرون : إنّ إضافة « القدحان » إلى ضمير «
الحوض » ، أو « الكوثر » لمثل ماله أُضيف المرجان إلى ضميره من الدلالة على أنّها
ليست من قبيل قدحان الدنيا لا ذاتاً ولا صفة ولا عدداً فإنّها كما عرفت من الأخبار
بعدد نجوم السماء أو أكثر.
الثامنة
والعشرون : تقديم « عنها » على فاعل يذبّ ،
للوزن والقافية وتقريب الضمير من مرجعه ، ولطول الفاعل بالصفة.
التاسعة
والعشرون : تعريف الرّجل باللام العهدية للدلالة
على أنّه معروف عند كلّ أحد المتمم .
الثلاثون
: وصفه بالأصلع لزيادة التعريف والإيضاح وللمدح ، لما عرفت من الخبر ولما أنّه
صلوات اللّه عليه قد أُثبت في كتب الأوّلين بأصلع قريش كما يظهر من الأخبار
والآثار ، ففيه إيماء إلى هذا الفضل أيضاً.
__________________
الحادية
والثلاثون : لا يخفى ما أثره من الإبهام ثمّ
التفسير ثمّ ما أثره في التفسير من تفسير جملة يذبّ عنها الرّجل الأصلع ليتكرر ذكر
« الذبّ » فيفيد التأكيد.
الثانية
والثلاثون : عدم التصريح باسمه صلوات اللّه عليه
للتعظيم والدلالة على معلوميّته من غير حاجة إلى الذكر.
الثالثة
والثلاثون : نسبة ذبّه صلوات اللّه عليه إلى
الأباريق والقدحان للمبالغة فإنّه إذا ذبّ عنها فهو بالطريق الأولى يذبّ عن أصل
الحوض والكوثر.
الرابعة
والثلاثون : تذكير « ذاك » إن كان اسم فاعل من «
ذكا » للإشارة إلى أنّ كلّ فرد من أفراده ذاكي وإن لم ينضم إليه غيره ، فإنّه لو
قيل : ذاكية لربّما احتمل أن يكون ذكا الرائحة من اجتماع الكل.
الخامسة
والثلاثون : التعبير عن هبوب الزعزع بلفظ الماضي
، للدلالة على تحقّق وقوعه.
السادسة
والثلاثون : لا يذهب عليك ما فعله من إبهام
الزعزع ثمّ تفسيره.
السابعة
والثلاثون : تقديم النعت الأوّل ، أعني « من
الجنة » على الثاني أعني « مأمورة » للاهتمام والوزن ولأنّه لو أُخر لتوهّم تعلّقه
بالأمر ولطول الثانية ، لأنّ المصراع الأخير بمنزلة التأكيد لها.
البيان :
إن أُريد ب « اللاّم » في « له » معنى
« في » كانت استعارة تبعية وكذا إن كانت لشبه الملكية ، وإن أُريد بما بين
الموضعين مثله كان استعارة النصب يحتمل أن يراد به معناه الحقيقي ، وأن يراد رفع
الرتبة أو الجعل فيما بأُمورهم تشبيهاً لارتفاع الرتبة
بالارتفاع الوضعي
الذي للقائم على القعود ، أو لحال القيّم بأُمور الناس من التسلّط عليهم والقدرة
على الأفعال بحال القائم ، ولحالهم من العجز والضعف عن التصرّف بحال القعود ،
فيكون على التقديرين استعارة تبعية.
التحقيق :
إنّ « العَلَم » حقيقة العلامة ،
والمعاني الأُخر كلّها مجازيات ، وإطلاقه عليها إطلاق لاسم اللازم على الملزوم
فإنّها لزمها عادة أن تكون علامات وإطلاقه على السيّد استعارة ، تشبيهاً بالجبل في
العظم والاشتهار ، أو بالراية ، أو الذي يعقد على الرمح في الظهور ، أو في اتّباع
النّاس له.
إن أُريد بالهدى أهل الهدى كان مجازاً
من إطلاق اسم ملابس الشيء على الشيء.
« من » في « من رحمته » إن لم يرد بها
معناها الأصلي كانت استعارة ، وكذا التي في منها.
إطلاق الرّحمة على النّعمة مجاز ، من
قبيل إطلاق الهدى على أهله.
إن كان « يهتزّ » مسنداً إلى الحافّات
أو كان المراد ب « المونق » المكان المونق ؛ كان الإسناد مجازياً على أحد الوجهين
كما عرفت.
الياقوت والمرجان واللؤلؤ وآلمسك ،
استعارات على وجه كما عرفت.
استعمال الحصى في استخراج اللؤلؤ من
الصدف ، استعارة.
إطلاق الأمر على إرادة اللّه تعالى
وقضائه على شيء أن يخلقه ، استعارة.
إطلاق الذهاب على الامتثال والرجوع على
تركه ، استعارتان تشبيهاً للمأمور به ، بمكان يمكن فيه الذهاب وعنه الرجوع
ولامتثاله بالذّهاب فيه ولتركه بالرجوع عنه.
[ ٣٨ ـ ٤٠ ]
إذا دَنََوا منه لِكَيْ يَشْرَبُوا
|
|
قيلَ لَهُمْ تَبّاً لَكُمْ
فَارْجِعُوا
|
دُونَكُمْ فالْتَمِسُوا مَنْهلاً
|
|
يرويكُمُ أو مَطْعَماً يُشبعُ
|
هذا لمَنْ والى بني أحمدا
|
|
و لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمُ يُتْبَعُ
|
اللّغة :
« إذا »
إمّا ظرفية محضة ، أو متضمّنة لمعنى الشرط.
« دنا »
دنواً ودناوة : قرب كأدنى وحقيقة القرب في المكان ، ثمّ استعمل في الزمان وفي
الرّتبة.
« من »
للتعدية.
« اللام »
للتعليل.
« كي »
على وجهين : اسم مخفف « كيف » قال :
كي تجنحون إلى سلم وماثئرت
|
|
قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم
|
وحرف ينتصب بعده المضارع فسيبويه على
أنّه النّاصب والخليل والأخفش على أنّ الناصب « أن » مقدّرة.
__________________
ثمّ إنّ سيبويه والأكثرين على أنّه قد
يكون حرفاً جارّاً للاسم والكوفيّون على أنّه يختص بالفعل فلا يكون جارّاً أبداً ،
وقيل : إنّه لا يكون إلاّ جارّاً وهو رأي الأخفش ، فالذين قالوا : إنّها قد تكون
ناصبة وقد تكون جارّة قالوا : إنّه قد تتقدّم « اللاّم » نحو ( لِكَيْلا
تَأسَوْا )
فحينئذ
لابدّ من أن تكون ناصبة ، بمعنى أن « لا » جارّة بمعنى « لام » التعليل والاسم
يدخل عليها « لام » التعليل وما في البيت من هذا القبيل ، وقد يكون بعدها « أن »
المصدرية الناصبة فلابدّ من أن تكون بمعنى « لام » التعليل.
وكذلك إذا انتصب بعدها الفعل وليس هناك
« لام » ولا « أن » وكذلك إذا كان بعدها « ما » الاستفهامية فيقال : « كيمه »
بمعنى « لمه » ولا يجرّ الاسم الصريح إلاّهنا وأمّا نحو : « كي لتقضيني ، فاللام
عندهم زائدة مؤكّدة ل « كي » ، أو بدل منها ، كما أنّ « أن » في نحو قولهم :
لكنّما أو كيما أن أفعل تأكيد أو بدل ، لكون « كي » هنا بمعنى « أن » وآبدال الحرف
من الموافق له في المعنى واقع ، كما قيل في قوله : « فثمّ إذا أصبحت أصبحت عادياً
».
إنّ ثمّ بدل من الفاء ، والّذين قالوا
إنّها لا تكون إلاّ جارّة يعتذرون في نحو ما في البيت بزيادة اللام. واعتذر
الكوفيّون النافون لكونها جارّة عن نحو « كيمه » بأنّها ناصبة لمقدّر ، كأنّه قال
القائل فعل كذا لكذا ، فقال : كيمه؟ أي : كي تفعل ماذا؟ ولا تتصرّف تصرّف « أن »
فلا تقع مبتدأ ، ولا فاعلاً ، ولا مفعولاً ، ولا مجروراً إلاّ باللام ، ويجوز
تأخير معلول ما بعدها عنها فتقول : كي أزورك جئتك.
__________________
« الشّرب »
: بالحركات الثلاث والضمّ أشهر : تناول كلّ مائع ماءً كان أو غيره. شرب يشرب كعلم
يعلم وأشربته أنا.
« اللام »
: للتبليغ ، وقيل : للتعدية ، كما عرفت.
« الفاء »
إمّا زائدة على القول بجواز زيادتها كما في قوله :
لا تَجْزعي إن مُنْفِسٌ أَهْلَكْتُهُ
|
|
فإذا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذَلِكِ
فَاجْزِعِي
|
أو فصيحة ، أي هي بما في حيزها جواب
لشرط مقدّر ، أي إذا طردتم عن الحوض فارجعوا.
أو للاستئناف على ما قيل من إتيانه لذلك
كقوله : « ألم تسأل الربع القواء فينطق ».
أو للعطف على مقدّر ، أي ارجعوا فارجعوا
، كما قيل في قوله : « أنت فانظر لأي ذاك تصير » إنّ التقدير انظر فانظر.
« دونكم »
إمّا اسم فعل وهذه الصيغة من اسم الفعل جاء متعدّياً ، يقال : دونك زيداً ، أي خذه
، وجاء لازماً أي تأخّر ، والأمران هنا محتملان ، أو ظرف متعلّق ب « التمسوا »
المذكور بعده وتكون الفاء زائدة كما في « فعند ذلك فاجزعي » أو متعلّق ب « التمسوا
» مقدّراً ، أي
دونكم التمسوا فالتمسوا.
« التمس »
الشيء طلبه ، وأصله طلب الشيء والفحص عنه باللّمس.
« النهل »
ـ محرّكة ـ : الشرب الأوّل ، نهلت الإبل كفرحت نهلاً ومنهلاً ، والمنهل : المورد
والموضع الّذي فيه المورد.
__________________
« روي »
كرضي ريّاً ، وروي أي شرب ما يكفيه ، وكذلك ارتوى وتروّى وهو ريّان وهي رياء ،
وارويته ورويته ، أي جعلته ريّان.
« الطعم »
والطعام : تناول الغذاء ، طعمه كسمعه ، والمطعم اسم مكان له قيل : وقد يستعمل في
الشرب ، كما في قوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ
يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنّي ).
« الشبع »
كعنب ضدّالجوع ، شبع خبزاً أو من الخبز كسمن وأشبعته أنا.
« اللام »
للاختصاص أو الاستحقاق أو الملكية.
« من »
موصولة أو موصوفة.
« تولّى »
فلاناً وتوالاه ووالاه ، أي اتّخذه وليّاً أي محباً أو قيّماً بأُموره وأولى به من
غيره أو أحبّه أو أتبعه.
« غير »
اسم لازم الإضافة وربّما حذف ما أُضيف إليه لفظاً وهو منوي إذا تقدمه « لا » أو «
ليس » فيقال : عندي درهم لا غير أو ليس غير ، بالضم فيهما تشبيهاً له بالغايات ،
خلافاً للأخفش فإنّه يقول : إنّها ضمة إعراب ، وقد يقال : ليس غيراً وليس غيرٌ
بالتنوين ، وقد يقال : ليس غيرَ ـ بالفتح من غير تنوين ـ بجعله خبر ليس منوياً معه
المضاف إليه ، وله معاني :
أحدها : أن يكون بمعنى مغاير وحينئذ
يكون صفة غالباً ، نقول : جاءني رجل غير زيد.
ومنها : أن يكون بمعنى « إلاّ » كقولك :
جاءني القوم غير زيد.
ومنها : أن يكون بمعنى « لا » كقوله
تعالى : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغ )
وقولك : عندي زيد غير عمرو ، وعليك بالحركة غير السكون ، وأنا زيداً غير
__________________
ضارب. والمراد هنا
هو المعنى الأوّل أو الثاني.
« تبعه »
كعلمه تبعاً وتباعة : مشى خلفه واقتدى به في أعماله وامتثل أوامره ، وانتهى عن
مناهيه ، وهذان المعنيان مأخوذان من الأوّل.
الإعراب :
« إذا »
إن كانت ظرفية كانت مضافة إلى الجملة بعدها وتعلّقت ب « قيل » ، وإن كانت شرطية
ففيها الخلاف الذي عرفته.
ضمير « دنوا » يرجع إلى القوم السابق
ذكرهم ، وهم الّذين لم يرضوا بالوصي وخالفوا ما أوصاهم به النبيّ 6 ، والضمير في « منه » عائد إلى الحوض
أو الكوثر.
« لكي يشربوا »
متعلّق ب « دنوا » والشّرب متعلّق مقدّر ، أي يشربوا منه.
« تبّاً لكم »
إلى آخر البيت الثالث ، مرفوع المحل على أنّه قام مقام فاعل القول ، وإعراب «
تبّاً لكم » قد مضى فيما سبق.
« فارجعوا »
إمّا عطف على « ارجعوا » مقدّراً أو مستأنف وله متعلّق مقدّر ، أي ارجعوا عنه.
« دونكم »
إن كان ظرفاً تعلّق ب « التمسوا » المذكور أو المقدّر إن كان المذكور عطفاً على
المقدّر ، وإن كان اسم فعل فإن كان بمعنى خذوا كان له مفعول مقدّر ، أي دونكم
منهلاً ، فحذف بقرينة المذكور أو تنازع « هو » و « التمسوا » في المذكور ، وإن كان
بمعنى تأخّروا ، فلا مفعول له وأصل اسم الفعل هذا ظرف ، فأصل « دونك زيداً » :
دونك زيد فخذه ، ثمّ حذف « فخذه » واستغنى بالباقي ، ثمّ لما قام الباقي مقام
المحذوف تضمّن معنى خذ فنصب « زيد » وقيل : دونك زيداً ،
بمعنى خذه ، ثمّ
الكاف التي فيه مجرور المحل كما كانت كذلك ، وقيل إنّه لا محلّ لها بل إنّما هي
حرف خطاب كالتي في جهلك ، والكسائي على أنّها في موضع نصب ، والفراء على أنّها في
موضع رفع.
ثمّ إنّهم اختلفوا في أسماء الأفعال ،
فالأخفش على أنّه لا محل لها من الإعراب ، ونسب ذلك إلى الجمهور وسيبويه والمازني
وأبو علي الدينوري على أنّها في موضع نصب فما كان منها منقولاً عن المصادر فعلى
المصدرية ، وما كان منها منقولاً عن الظروف فعلى الظرفية استصحاباً لحالتها
السابقة.
وقيل : إنّها مرفوعة المحال على
الابتداء واستغنت بالضمير المستكن فيها عن الخبر كما استغنى نحو : « قائم » في :
أقائم الزيدان؟ بالفاعل عن الخبر. ثمّ إنّها عند جماعة معارف ؛ لكونها أعلام جناس.
وفصل جماعة فقالوا : إنّ ما لزمه التنوين منها كونها نكرة ولم يدخله التنوين ألبتة
كبله معرفة ، وما يدخله تارة ولا يدخله أُخرى كمه ، نكرة إذا نوّن ومعرفة إذا لم
ينوّن.
« فالتمسوا »
إمّا مستأنف وهو إذا كان فاؤه الاستئناف وكان « دونكم » اسم فعل ، أو كانت الفاء
زائدة و « دونكم » ظرفاً متعلّقاً به أو عطف على « التمسوا » مقدّراً ، أو على «
دونكم » إذا كان بمعنى تأخّروا أو خذوا ، فإنّه في قوّة أن يقال : تأخّروا
فالتمسوا منهلاً أو خذوا منه منهلاً فالتمسوا منهلاً.
« يرويكم »
صفة لـ « منهلاً ».
« يشبع »
صفة ل « مطعماً » بمعنى يشبعكم ، فحذف المفعول أو نزل منزلة اللازم ، أي يحصل
الشبع.
جملة البيت الأخير استئناف ، كأنّهم
قالوا : لم تطردنا عنه ، فقيل : لأنّ هذا. الخ.
« هذا » مبتدأ خبره ما بعده.
« غيرهم » إمّا مفعول ل « يتبع » من
غير تفريع ، أو مفعوله الذي فرع له الفعل ، وهو إذا كان « غير » بمعنى « إلاّ »
فانّ الاستثناء ، حينئذ يكون مفرغاً ، أي يتبع النّاس أو أحداً أو نحو ذلك إلاّ إيّاهم.
المعنى :
إنّ أُولئك القوم إذا قربوا من الحوض أو
الكوثر لأن يشربوا منه قيل لهم : هلاكاً وخسراناً لكم ارجعوا عن هذا المنهل ،
اطلبوا عندكم مورداً يرويكم أو مطعماً يشبعكم أو يحصل به الشبع ، أو تأخّروا
فاطلبوا أو خذوا منهلاً آخر فاطلبوا أو اطلبوا فاطلبوا ، أي اطلبوا مرّة بعد
أُخرى.
وفي قوله « مطعماً يشبع » : إشارة إلى
أنّ الحوض أو الكوثر كما يروي يشبع أيضاً ، والأمر كذلك كما عرفت من الأخبار ، ثمّ
يعلّل لهم ذلك ويجاب عن سؤالهم عن علة ذلك ؛ بأنّ المنهل ـ أي الحوض أو الكوثر ـ
ملك من أحبّ أو اتّبع بني أحمد المصطفى 6
من الأئمّة الهداة صلوات اللّه عليهم ولم يكن يتبع من غايرهم ، أو لم يكن يتبع
أحداً إلاّ إيّاهم. وهذا الحصر إضافي بالنسبة إلى من ضادّهم.
أو يقال : إنّ اتّباع أتباعهم داخل في
اتّباعهم وموافقهم أو مخصوص لهم أو حقّهم ، وموالاة بنيه يستلزم موالاة أمير
المؤمنين صلوات اللّه عليه ، ولذا اكتفى بذلك عن الإفصاح به ، وقد عرفت من الأخبار
ما يفصح بهذا المضمون وبه أخبار لا تحصى كثرة من طرق الخاصة والعامّة مذكورة في
مواضعها.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: بُني القول للمجهول تعظيماً للقائل ولعدم تعيّنه ، فإنّه كما يكون أمير المؤمنين
صلوات اللّه عليه يجوز أن يكون الملائكة والمؤمنين أيضاً ، ولأنّه لو نسبه إلى
أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لتوهّم ربطه بما تقدّم من حديث الذبّ وليس كذلك ،
بل إنّما يتعلّق بما سبق من قوله « لا هم عليه يردوا حوضه » والأبيات العشرة معترضة
في البين ، لبيان الحوض وصفاته.
الثانية
: تقديم « دونكم » على « فالتمسوا » إن كان متعلّقاً به ، أو على « التمسوا »
المقدّر إن تعلّق به الحصر بالإضافة إلى الحوض ، أو الكوثر والتوجيه.
الثالثة : تقديم « غيرهم » على « يتبع »
للوزن والقافية وتقريب الضمير من مرجعه ولشرافتهم المقتضية لتقديمهم وهذا على
تقدير أن يكون « غير » بمعنى « إلاّ ».
[ ٤١ ]
فالفوز للشّاربِ من حوضِهِ
|
|
وَالويلُ والذلّ لِمَنْ يُمْنَعُ
|
اللغة :
« الفاء »
للعطف ويفيد الترتيب في الكلام لا في الوجود ، فإنّه متفرّع على ما تقدم وبمنزلة
الفذلكة والنتيجة له أو فصيحه بمعنى أنّك إذا عرفت أنّ الناس يفترقون فرقتين شاربة
وممنوعة فاعلم كذا.
« الألف واللام »
إمّا للحقيقة أو الاستغراق ولا يتفاوتان في المعنى هنا ، فإنّه إذا اختصّت حقيقة
الفوز به اختصّت جميع أفراده به ، إذ لو وجد في غيره لوجدت في ضمنه الحقيقة ، وكذا
ما في الويل والذلّ إلاّ أن يكون الويل اسماً لموضع في جهنّم كما ستعرف ، فحينئذ
لا تكون الألف واللاّم فيه إلاّلمجرّد التزيين.
« الفوز »
النجاة والظفر بالخير. وقال الراغب : هو الظفر بالخير مع حصول السلامة . يقال : فاز به ، أي ظفر ، و : فاز منه
، أي نجا.
« اللام »
للاختصاص أو الاستحقاق أو شبه الملكيّة.
__________________
« الألف واللاّم »
الداخلان على اسم الفاعل أو اسم المفعول عند الجمهور : اسم موصول ، وعند الزمخشري
: منقوصة من « الذي » وأخواته ، وعند المازني : حرف تعريف كما في نحو : الرّجل.
« من »
إمّا للتبعيض أو الابتداء.
« الويل »
كلمة يستعملها كلّ واقع في هلكة ، وأصله العذاب والهلاك. وقال الأصمعي : هو
التقبيح ، وقيل : هو الهوان والخزي. وفي الفائق : وأمّا ويل فَشتمٌ ودعاء بالهلكة.
وعن الفرّاء : إنّ الوَيْل كلمة شتم ودعاء سوء ; وقد استعملتها العرب استعمال «
قاتله اللّه » في موضع الاستعجاب ، ثمّ استعظموها وكنّوا عنها ب « ويح » و « ويب
» و « ويس » ، كما كنّوا عن « قاتله اللّه » بقولهم « قانعه اللّه » و « كانعه
اللّه » ، وكما كنّوا عن جوعاً له بجُوساً له وجوداً. انتهى كلام الفائق.
وفي النهاية للجزري : « الويل » :
الحُزن والهلاك والمشقّة من العذاب.
وعن ابن عباس أنّه شدّة العذاب ، وهو
المروي عن الإمام الهمام الحسن بن علي العسكري صلوات اللّه عليهما في « تفسيره » ،
وقال الشيخ الجليل الصدوق أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ; في « تفسيره » : وأمّا الويل فبلغنا
واللّه أعلم أنّها بئر في جهنّم.
وعن أبي سعيد الخدري عن النبيّ 6
قال : الويل واد في جهنّم يهوى فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره ،
والصعود حبل من نار
__________________
يتصعّد فيه أربعين
خريفاً ثمّ يهوى فيه كذلك أبداً.
وعن سعيد بن المسيّب : « ويل » وادفي
جهنّم لو سيّرت فيه جبال الدّنيا لانماعت من شدّة حرّها.
قال الراغب : ومن قال : ويل وادفي جهنّم
فإنّه لم يُرِدْ أنّ ويلاً في اللّغة هو موضوعٌ لهذا ، وإنّما أراد من قال اللّه
تعالى فيه ذلك فقد استحقّ مقرّاً من النار وثبت ذلك له.
« الذلّ »
ـ بالضم ـ : ضدّ العزّ يقال : رجل ذليل بيّن الذل والذلالة ـ بالضم ـ والذلة ـ
بالكسر ـ والمذلّة والذلّ ـ بالكسر ـ : اللين ضدّ الصعوبة ، ومنه يقال : دابّة
ذلول بيِّن الذلّ ، وقولهم : بعض الذل أبقى للأهل والمال.
وفي القاموس : والذلّ ـ بالضم والكسر ـ
: ضدّ الصّعوبة.
وقال الراغب : الذّلّ يعني ـ بالضمّ ـ :
ما كان عن قهر ، يقال : ذَلَّ يَذِلُّ ذُلاّ. والذِّلُّ يعني ـ بالكسر ـ : ما كان
بعدَ تَصَعُّب وشِماس مِنْ غير قَهْر ، يقال : ذَلَّ يَذِلُّ ذُلاًّ ـ قال : ـ
وقوله تعالى : ( وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ
الرَّحْمَةِ )
أي كُنْ
كالمقهور لهما ، وقُرئ : « جَناحَ الذِّلّ » ، والمعنى لِنْ وانقَد لَهما ، هذه اللام كالأُولى في المعنى.
__________________
الإعراب :
« الفوز »
مبتدأ ، ما بعده خبره « من حوضه » متعلّق بالشارب.
« الألف واللام »
إن كان اسم موصول فاسم الفاعل صلته ، وهو اسم بصورة فعل معنىً ، وإنّما عدل به عن
الصورة الفعلية إلى الاسميّة استكراهاً لدخول ما يشبه « الألف واللاّم » اللتين
هما حرف تعريف على الفعل.
« الويل والذلّ »
مبتدأن متعاطفان خبرهما لمن يمنع ، فالضمير المستقرّ فيه ضمير مثنى ليمنع متعلّق
مقدّر ، أي يمنع منه ، أي من الحوض أو من الشرب منه.
المعنى :
الظفر بالخير أو النجاة ، أو الأمران
مخصوص بالذي يشرب من حوض النبيّ 6
أو حقّ له أو ملك له والهلاك والعذاب أو شدة العذاب أو الخزي والهوان أو القبيح أو
ذلك المكان من جهنّم مخصوص بالذي يمنع منه ، أو حقّ له أو ملك له وكذا الهوان.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: أفرد الشارب تنصيصاً على أنّ الفوز ثابت ولكلّ واحد من الشاربين.
الثانية
: عبّر عن الشرب بالاسم ، وعن المنع بالفعل دلالة على أنّ الشارب يكفيه الشرب مرّة
واحدة ، لما عرفت من أنّ من شرب منه شربة لم يضمأ بعدها أبداً ،
وأنّه يكفي في الفوز
حصول مسمّى الشرب ، وعلى أنّ الممنوعين يمنعون مرّة بعد أُخرى ، فإنّ المضارع يدلّ
على الاستمرار التجددي كما في قوله :
أوَ كُلَّما وَرَدت عُكاظَ قَبيلةٌ
|
|
بَعَثُوا إليَّ عَريفَهُمْ
يَتَوَسَّمُ
|
الثالثة
: في حذف متعلّق المنع مع الاختصار ، دلالة على أنّ من يمنع من الحوض فهو ممنوع من
كلّ خير.
البيان :
ليس فيه التجوّز إلاّ في اللامين إن
أُريد بهما شبه التملك.
__________________
[ ٤٢ ـ ٤٨ ]
والناسُ يومَ الحشرِ راياتُهُم
|
|
خمسٌ فمنها هالِكٌ أربَعُ
|
فرايَةُ العِجْلِ وفِرعَونُها
|
|
وسامريُّ الأُمّةِ المُشنَعُ
|
ورايةٌ يَقدِمُها أدلَمُ
|
|
عَبدٌ لَئيمٌ لُكَعٌ أكوَعُ
|
ورايةٌ يقدِمُها حَبتَرٌ
|
|
للزُّورِ والبُهتانِ قَدْ أبدَعُوا
|
ورايةٌ يَقْدِمُها نَعْثَلٌ
|
|
لا بَرَّدَ اللّهُ لَهُ مَضْجَعُ
|
أربعةٌ في سَقَر أُودِعُوا
|
|
ليسَ لَهُمْ مِنْ قعرِها مَطْلَعُ
|
ورايةٌ يَقْدِمُها حَيدَرٌ
|
|
وَوَجُهُهُ كالشَّمس إذ تَطْلَعُ
|
اللغة :
« الواو »
للاستئناف.
« الألف واللاّم »
للاستغراق أو الحقيقة كما نحو : ركبت الخيل.
« الناس »
: قيل أصله أُناس حُذفت همزته تخفيفاً كما قيل لوقت في الوقت ، وهو اسم جمع كرخال وحذف الهمزة مع لام التعريف كاللازم لا
يكادون يقولون
__________________
في السعة الاناس ،
وقيل : بل قلت من نسي لأنّهم نسّاءُون ، وقال تعالى : ( وَلَقَدْ
عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ).
وقال الشّاعر :
لا تَنْسَينْ تلك العهود َفإنّما
|
|
سُمِّيتَ إنساناً لأنّك ناسي
|
وقيل من ناسَ يَنُوسُ إذا اضطرب.
ونُسْتُ الإبل : سُقتُها. وذُو نُواس مَلك كان تنوس على ظهره ذُؤابة.
وأمّا على الأوّل ، فهو إمّا من الإنس
لأنّهم خلقوا خلقة لا يمكنهم التعيّش إلاّ بأن يستأنس بعضهم ببعض ، ولذا قيل : إنّ
الإنسان مدنيّ بالطبع. أو لأنّهم ناسون لكلّ ما يألفونه.
وأمّا من آنستُهُ ببصري بمعنى أبصرته ،
قال تعالى : ( آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّور ناراً )
لأنّهم ظاهرون مبصرون ، بخلاف الجن فإنّهم مستترون عن الأبصار ولذا سمّوا جنّاً.
وقيل : بل عليه أيضاً من النسيان وإنّ
الإنسان أيضاً أصله إنسيان ، بدليل تصغيره على إنسان.
وروى الشيخ الصدوق أبو جعفر بن بابوية ; في كتاب « علل الشرائع والأحكام » عن
أبي عبد اللّه الصادق صلوات اللّه عليه قال : سمّي الإنسان إنساناً لأنّه ينسى ،
وقال اللّه عزّوجلّ ( وَلَقَدْعَهِدْنا
إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسي ).
__________________
وأمّا معنى الناس فهو ظاهر معروف. وقد
روى الصدوق أبو جعفر ابن بابويه في كتاب « العلل » المتقدّم ذكره ، بإسناده عن أبي
خالد قال : سئل أبو عبد اللّه 7
: الناس أكثر أم بني آدم؟ فقال : الناس ، قيل : وكيف ذلك؟ قال : لأنّك إذا قلت «
الناس » دخل آدم فيهم ، وإذا قلت « بنو آدم » فقد تركت آدم لم تُدخله مع بنيه ،
فلذلك صار الناس أكثر من بني آدم وإدخالك إيّاه معهم ، ولمّا قلت بنو آدم نقص آدم
من النّاس.
« اليوم »
معروف وقد يراد به مدّة من الزمان أيّة مدّة كانت وهو الظاهر هنا.
وفي نحو ( يوم الدِّين )
و ( يومَ التَّنادِ )
وأمثال ذلك ممّا يتعلّق بالأُخرى.
« الحشر »
الجمع والإجلاء ، وقال الراغب : إنّه إخراج الجماعة عن مقرّهم وإزعاجهم عنه إلى
الحرب ونحوها.
وهذا المعنى هو مجموع المعنيين الأوّلين ، فإنّه إجلاء ثمّ جمع ، والحشر الذي في
القيامة مشتمل على الإزعاج عن القبور والجمع في المحشر للحساب وغيره.
و « الألف واللام »
فيه للعهد الخارجي ، أي ما يعرفه كلّ أحد من الواقع يوم القيامة.
« الراية »
العَلَمْ ، وهي واحدة الراي ، ويجمع على رايات.
« الخمس »
مرتبة معروفة من العدد ، وهي مع أخواتها من الثلاثة إلى العشرة
__________________
قد خولف بها فعُريَت
عن التاء للمؤنّث وحليت بها للمذكّر ، وقد قيل في ذلك وجوه.
وقال نجم الأئمّة : والأقرب عندي أن
يقال : إنّ ما فوق الاثنين من العدد موضوع على التأنيث في أصل وضعه ، وأعني بأصل
وضعه ، أن يعبّر به عن مطلق العدد ، نحو : ستة ضعف ثلاثة ، وأربعه نصف ثمانية ،
قبل أن يستعمل بمعنى المعدود كما في : جاءني ثلاثة رجال ، فلا يقال في مطلق العدد
: ستّ ضعف ثلاث ، وإنّما وضع على التأنيث في الأصل ، لأنّ كلّ جمع إنّما يصير
مؤنّثاً في كلامهم بسبب كونه على عدد فوق الاثنين ، فإذا صار المذكر في نحو : «
رجال » مؤنّثاً بسبب عروض هذا العرض ; فتأنيث العرض في نفسه أولى ، وأمّا كون
العدد عرضاً ، فلأنّه من باب الكم وهو عرض على ما ذكر في موضعه .
ثمّ إنّه غلب على ألفاظ العدد التعبير
بها عن المعدود ، فطرأ عليها إذن معنى الوصف الذي هو معنى الأسماء المشتقة ، إذ
صار معنى قولك : جاءني رجال ثلاثة ، رجال معدودة بهذا العدد ، لكنّه مع غلبة معنى
الوصف عليها ، كان استعمالها غير تابعة لموصوفها أغلب ، فاستعمال نحو « ثلاثة رجال
» أغلب من استعمال « رجال ثلاثة » وإن كان الثاني أيضاً كثير الاستعمال ؛ وذلك
لأجل مراعاة أصل هذه الألفاظ في الجمود ، ولقصد التخفيف أيضاً ، إذ بإضافتها إلى
معدوداتها يحصل التخفيف بحذف التنوين.
ثمّ قال : فنقول : بَقِيَت الأعداد إذا
كانت صفة لجمع المذكّر على تأنيثها الموضوعة هي عليه وذلك من الثلاثة إلى العشرة ؛
لكونها صفة الجمع والجمع مؤنث ، بخلاف لفظ الواحد والاثنين فإنّهما لا يقعان صفة
للجمع فقيل : رجال
__________________
ثلاثة ، كرجال
ضاربة.
وهو جيد ، وتكميله أن يقال : ثم لمّا
أرادوا الفرق بين المذكّر والمؤنّث حذفوا التاء في المؤنّث ، ونظير ذلك أنّهم
جمعوا « فُعالاً » في المذكر على « أفعلة » بالتاء كجراب وأجربة ، وغلام وأغلمة ،
وفي المؤنث على « أفعل » كذراع وأذرع ، وعقاب وأعقب.
« الفاء »
لعطف التفصيل على الإجمال ، فهي للترتيب في الذكر.
التنوين
: في خمس عوض عن المضاف إليه ، فإنّ التقدير خمس رايات ، إلاّ أن يقدّر الموصوف أي
رايات خمس ، ولكنّ الأوّل أظهر ، أو يقال : لا حاجة إلى تقدير فإنّه قد حمل على
الروايات ، فكأنّه قيل : راياتهم معدودة بهذا العدد.
« من »
للتبعيض.
« الهلاك »
على ثلاثة أوجه : الموت ، ومنه قوله تعالى : ( إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ )
( وَما يُهْلِكُنا إِلاّ الدَّهر ) .
وافتقاد الشيء بالفساد ، ومنه قوله
تعالى : ( وَيُهْلِكُ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لا
يُحِبُّ الفَساد ).
وكون الشيء باطلاً في نفسه ، ومنه : ( كُلُّ
شَيء هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ )
على قول.
وربّما يقال : على الخوف والفقر والعذاب
، وهو المراد هنا. ويحتمل أن يراد
__________________
الخوف.
« أربع »
مثل « خمس » في جميع ما ذكر إلاّ أنّه لا بدّله من التقدير إمّا تقدير مميّز أو
موصوف.
« الفاء »
هذه كالسابقة في كونها لعطف المفصّل على المجمل.
« الألف وآللام »
للعهد الخارجي.
والمراد بالعجل : الأوّل لأنّه كما وصّى
موسى ـ صلوات اللّه على نبيّنا وآله وعليه ـ قومه باتّباع أخيه هارون واستخلفه على
قومه فلم يقبلوا وصيّته ورفضوا اتّباع وصيّه وخليفته وعبدوا العجل ، كذلك أُمّة
نبيّنا صلوات اللّه عليه وآله رفضوا اتّباع أخيه ووصيّه وخليفته عليهم واتّبعوا
أبا بكر ، وقد مضى الدلالة عليه في خبر غدير خم فتذكر.
وروى الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويه
في كتاب « عقاب الأعمال » عن محمد بن الحسن الصفّار عن عبّاد بن سليمان ، عن محمد
بن سليمان الديلمي ، عن إسحاق بن عمّار الصيرفي ، عن أبي الحسن الماضي 7 قال : قلت : جعلت فداك حدّثني فيهما
بحديث فقد سمعت عن أبيك فيهما أحاديث عدّة ، فقال لي : يا إسحاق الأوّل بمنزلة
العجل ، والثاني بمنزلة السامريّ.
إلى آخر الحديث وهو طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
ثمّ إنّ الأوّل مشابهة خاصّة بالعجل في
الحمق والبلادة وغاية البعد عن المنصب والذي زعموه له ولكن سيأتي في فصل المعاني
خبر ينصّ على أنّ العجل هو عثمان.
وفي تفسير الإمام أبي محمد الحسن بن علي
العسكري 7 في تفسير
قوله
__________________
تعالى : ( يا
أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرنا )
عن موسى بن جعفر صلوات اللّه عليهما أنّ العجل في زمن النبيّ 6 أبو عامر الراهب. وقصّته طويلة من أرادها فليراجعه.
وفيه أيضاً في تفسير قوله تعالى : ( وَلَقَدْ
جاءَكُمْ مُوسى بِالبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ العِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ
وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ )
عن رسول
اللّه 6 في خبر طويل
: يا عليّ إنّ أصحاب موسى اتَّخذوا بعده عِجلاً وخالفوا خليفته وستتّخذ أُمّتي
بعدي عجلاً ثمّ عجلاً ثمّ عجلاً ، ويخالفونك وأنت خليفتي. ففيه تسمية للثلاثة الملاعين كلّ منهم
بالعجل.
« فرعون »
كبرذون وزنبور ، وبضمّ الأوّل وفتح الثالث : اسم أعجميّ كان في الأصل لقباً لمن
مَلَك مصر ككسرى لِمُلْكِ الفُرس ، وقيصر لمُلْكِ الروم ، وتُبَّع لِمُلْكِ
اليَمَن ، والنجاشي لمُلكِ الحبشة. ثمّ لمّا بالغت الفراعنة في التجبّـر والعتو
والبغي والطغيان خصوصاً فرعون موسى سمّي كلّ عاتي متجبّر فرعون.
__________________
واشتقّ منه « تفرعن
» إذا تعاطى فعل فرعون ، كما يقال من إبليس أبلس وتبلّس.
والمراد بالفرعون هنا كما الظاهر أبابكر
أيضاً لعتوّه وتغلّبه على الوصي وادّعائه منصبه لنفسه كما ادّعى فرعون موسى لنفسه
الإلهية ، إلاّ أنّه سيأتي من الخبر ما ينصّ على أنّ فرعون هذه الأُمّة هو معاوية
بن أبي سفيان.
« السامري »
: رجلٌ منافق كان في بني إسرائيل أغواهم بعبادة العجل كما حُكيت قصته في التنزيل
والأخبار والآثار ، قيل : هو منسوب إلى سامرة ؛ قومٌ من اليهود يخالفونهم في بعض
من أحكامهم ، وقيل : منسوب إلى موضع لهم. ومن الجائز أن يكون القرية التي بين
الحرمين المسمّاة ب « سامرة ».
وقيل : كان عِلْجاً من كرمان اسمه موسى
بن ظفر ، وعن ابن عباس أنّه كان من أهل اجرمي وقع بأرض مصر ، وكان من قوم يعبدون
البقر وكان حبُّ عبادة البقر في نفسه.
والمراد به هنا عمر بن الخطاب على ما
نطق به الخبر الماضي ، لأنّه أغوى أُمّة نبيّنا ـ صلوات اللّه عليه وآله ـ ودعاهم
إلى اتّباع العجل أي أبي بكر وسيأتي من الخبر ما ينصّ على أنّ سامري الأُمّة هو
أبو موسى الأشعري لأنّه قال : لا قتال ، كما كان يقول السامريّ : لا مساس.
وفي الاحتجاج للطبرسي ، عن سليم بن قيس
الهلالي ، عن سلمان سلام اللّه عليه قال : إنّ القوم ارتدّوا بعد رسول اللّه 6 إلاّمن عصمه اللّه بآل محمّد 6 ، إنّ الناس بعد رسول اللّه 6 بمنزلة هارون ومن تبعه وبمنزلة العجل
ومن تبعه ، فأمير المؤمنين عليّ 7
في سنة هارون وعتيق في سنة السامريّ.
__________________
وفيه عن أبي يحيى الواسطي قال : لمّا فتح أمير المؤمنين عليّ 7 البصرة اجتمع الناس عليه وفيهم الحسن
البصري ومعه الألواح ، فكان كلّما لفظ أمير المؤمنين عليّ 7 بكلمة كتبها ، فقال له أمير المؤمنين
عليّ 7 : ... إنّ
لكلّ قوم سامرياً وهذا سامريّ هذه الأُمّة ، أما انّه لا يقول لا مساس ولكن يقول
لا قتال.
واعلم أنّه لا تناقض بين هذه الأخبار
ولا بين أخبار العِجل ، فإنّ هذا التلقيب ليس إلاّ من قبيل التشبيه فكلّ من يكون
له شبيه بالمسمى جاز أن يسمّى باسمه ، على أنّ هذه الأُمّة في حديث الحسن ، يجوز
أن يكون إشارة إلى الجماعة الحاضرين أو غيرهم من أهل البصرة ، ويجوز أن يكون أبو
موسى سامريّ الذين كانوا في عهد أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وآبو بكر ، أو عمر
سامريّاً لجميع الأُمّة.
وقد ظهر لك أنّه يجوز أن يريد الناظم
بالثلاثة واحداً وأن يريد بكلّ منها غير المراد بالآخر ، وأن يريد بالاثنين واحداً
وبالباقي غيره ، ثمّ إنّ من الجائز أن يكون السامريّ هنا منسوباً إلى السامريّ ،
أي من فعله فعلُ السامريّ المعروف من بني إسرائيل ، كما أنّ اللوطي منسوب إلى
اللوطي بمعنى المنسوب إلى لوط 7
بكونه من قومه ، إلاّ أنّ إضافته إلى الأُمّة يؤيّد الأوّل كما لا يخفى.
« الألف واللام »
للعهد ، أي أُمّة نبيّنا صلوات اللّه عليه وآله.
« الأُمّة »
: الجماعة من الناس وغيرهم من أصناف الحيوان ، قال تعالى : ( وَما مِنْ
دابَّة فِي الأَرْضِ ولا طائِر يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاّأُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ).
__________________
وفي الخبر : « لولا أنّ الكلاب أُمّة من
الأُمم لأمرتُ بقتلها »
أو جماعة أُرسل إليهم رسولٌ ، أو الجيل من كلّ حيّ ، أو كلّ جماعة يجمعهم أمرٌ ما
من دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد كان ذلك الجامع تسخيراً أو اختياراً.
« الشناعة »
: الفضاعة والقبح ، شنع ككرم فهو شنع وشنيع ، وشنعت عليه هذا الأمر كمنعت قبحته
عليه ، وشنعت عليه أيضاً شتمته وفضحته ، وشنعته ـ بالتشديد ـ للمبالغة ، وأنا
أستشنع فلعلّك استقبحته.
والمشنع في البيت ، إمّا اسم فاعل من
أشنعت الناقة إذا أسرعت ، ويكون المراد هنا أنّه مسرع في الفتن والشرور ، أو الكفر
والنفاق ، أو في نقض العهد والخلاف على الوصيّ إن كان وصفاً للسامريّ ، أو له ولما
قبله.
وإن كان وصفاً للراية فيجوز إرادة ذلك
وأنّها أوّل ما ترفع يوم القيامة من رايات الضلال. أو من : أشنع بمعنى صار ذا شنع
كأثمر وأزهر ، أو دخل في الشنيع كأصبح وأظهر وأنجد واتّهم ، أو أتى بشنيع كأكثر
وأجمل.
أو اسم مفعول بمعنى المشنّع ـ بالتشديد
ـ إلاّ أنّي لم أر « أشنع » في شيء ممّا حضرني من كتب اللغة إلاّ بالمعنى الأوّل ،
أو مخفّف من المشنع للضرورة ، أو من المشنوع. وحينئذ فهو بفتح الميم وضمّ النون.
أو مصدر ميميّ حمل عليه مبالغة.
أو اسم مكان وعليها فيفتح الميم والنون
جميعاً.
__________________
أو اسم فاعل من اشنع عبده ـ بالمهملة
فالموحّدة ـ أي أهمله ، والمراد إهمال الحقّ أو الوصيّة.
أو اسم مفعول بمعنى الداعي ، أو ولد
الزنا ، أو من أُهمل مع السباع فصار خبيثاً مثلها ، أو مستع كمنبر ـ بالمهملة
فالتاء الفوقانية ـ بمعنى السريع الماضي في أمره ، والمراد حينئذ ما أُريد
بالأوّل.
أو اسم فاعل من أشنع ـ بالمعجمة
فالموحّدة ـ بمعنى وفّر ، فإن كان وصفاً للراية كان المراد أنّها كثيرة الأصحاب ،
وإلاّ فالمراد التوفير من الضلال والفتن والشرور ونحوها ، ويجوز إرادته على الأوّل
أيضاً.
أو اسم مفعول من ذلك بمعنى موفر الأصحاب
أو الضلال ونحوه ، أي المشنع له ، ففيه حذف وإيصال ، أو الاسناد مجازي ، أو الفاعل
محذوف أي المشنع أصحابها ، أو ضلاله ونحوه.
أو اسم مفعول بمعنى أنّه صار شبعان من
الدنيا ، لوفورها لديه ، أي أكل من الدنيا حتى شبع.
« قدم »
فلان القوم كنصر قدماً وقدوماً وقدمهم واستقدمهم وتقدّمهم بمعنى ، قال عزّ قائلاً
: ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَومَ القِيامَةِ
فَأَورَدَهُمُ النّارَ ).
« دلم »
كفرح : اشتدّ سواده ، وقيل : في ملوسه كإدلام ، ودلمت شفاهه تهدّلت وهو أدلم وهي
دلماء. وفي المجمل لابن فارس : الأدلم : الطويل الأسود من الرجال ، وكذا في
النهاية.
« العبد »
: الإنسان الذكر المملوك الذي يباع ويُشترى ، وإذا أُضيف إلى اللّه
__________________
سبحانه فقد يُراد
مخلوقه ومملوكه الذي يتصرّف فيه كيف يشاء من ذكور الناس ، وقد يراد به العائد له
تعالى ، يقال : وأصل الكلّ من قولهم طريق معبّد ، أي مذلّل موطوء بالأقدام.
والعبد بالمعنى الأوّل إنّما يجمع على
عبيد وعبّداء. وبالمعنى الأخير جمعه عباد. وبالمعنى الثاني يجمع على عبيد وعباد.
« اللؤم »
ضدّ الكرم ، لؤم ككرم فهو لئيم وهم لئام ولؤماء ولؤمان.
« اللكع »
كصرد : اللئيم والصغير والعبد وآلأحمق ومن لا يتّجه لمنطق ولا غيره.
« الأكوع »
: المعوج الكوع ، وهو والكاع طرف الزند ممّا يلي الإبهام.
ولعلّ المراد بهذا زياد بن سميّة الذي
ذكره مولانا الحسين صلوات اللّه وسلامه عليه في كتاب له إلى معاوية فقال : أوَ
لستَ المدّعي زياد بن سميّة المولود على فراش عُبيد ثقيف فزعمت أنّه ابن أبيك ،
وقد قال رسول اللّه 6
: « الولد للفراش وللعاهر الحجر » فتركت سنّة رسول اللّه 6 واتّبعت هواك بغير هدىً من اللّه ، ثمّ
سلّطته على أهل العراق فقطع أيدي المسلمين وأرجلهم وسمل أعينهم ، وصلبهم على جذوع
النخل ، كأنّك لست من هذه الأُمّة وليسوا منك.
وإنّما حملناه على هذا لما سيأتي من الخبر الناص على أنّ إحدى الرايات راية زياد.
« الحبتر »
: الثعلب ، ولمّا كان الثعلب معروفاً بالمكر والكيد والجبن استعمل اسمه كثيراً في
من يغلب عليه المكر والغدر أو الجبن.
والحبتر أيضاً القصير ، والظاهر أنّ
المراد به هنا أبو موسى الأشعري لما سيأتي
__________________
من الخبر الناص على
أنّ إحدى الرايات رايته.
« اللاّم »
زائدة لتقوية العامل كما في قوله تعالى : ( إِنْ كُنْتُمْ
لِلرّؤيا تَعْبُرُونَ )
وقوله تعالى
( هُدًى وَرَحْمَةً لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ
يَرْهَبُونَ )
، أو للغاية
المجازية كما في قوله تعالى : ( فَالْتَقَطَهُ آلُ
فِرْعَونَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ).
« الزور »
كالشور : الكذب من الزور ، وهو الميل لكونه مائلاً عن جهة الصواب ، ومنه يقال :
بئر زوراء إذا كانت مائلة الحفر ، والزور أيضاً الباطل ، والشرك باللّه تعالى ، وم
آخذ الكلّ واحد.
« بهت »
فلان أي دهش وحيّر ، قال تعالى ( فَبُهِتَ الّذِي
كَفَرَ )
. البهتان :
الكذب العظيم الذي يبهت السامع لفظاعته ، وكذا كلّ فعل شنيع ، بهت من اطّلع عليه
لفظاعته ، قال تعالى : ( ولا يَأْتينَ
بِبُهْتان يَفْتَرينَهُ بَيْنَ أَيْديهِنَّ وَأَرْجُلِهنَّ )
أراد به الزنا ، أو كل فعل شنيع.
« قد »
للتأكيد والتحقيق.
« الإبداع »
: إنشاء شيء لا على حدّ ومثال ، ومنه إحداث شيء لا يطابق السنّة والشريعة.
ولفظ « أبدع » يحتمل أن يكون مبنيّاً
للفاعل فتكون اللام في « للزور » للتعدية ، وأن يكون مبنيّاً للمفعول فتكون اللام
للغاية المجازية.
« النعثل »
: الذَّكَر من الضباع ، والشيخ الأحمق ، واسمُ يهوديّ كان بالمدينة
__________________
فأسلم وحسن إسلامه
وقد ذكر قصّة إسلامه مفصلة في « كفاية الأثر في النصوص على الأئمّة الاثني عشر » من أرادها فلينظر إليها. ورجل طويل
اللحية من أهل مصر أو إصبهان.
والمراد به في البيت عثمان بن عفّان ،
لأنّه كان يقال له ذلك إذا نيل منه ، كانت عائشة كثيراً ما تقول : اقتلوا نعثلاً
لعن اللّه نعثلاً
، والمشهور في سببه أنّه كان يشبّه بالرجل المصري أو الاصبهاني لطول لحيته. وأمّا
الناظم وأضرابه 4
فيجوز أن يريدوا بذلك كونه أحمق ، وأن يريدوا تشبيهه بالضبعان لحمقه أو لعظم بطنه
لأنّه كان لا يشبع من حُطام الدنيا وأسحاتها.
« البرد »
والبرودة ضدّ الحرارة ، والتبريد جعل الشيء بارداً.أو المراد هنا الإخلاء من نار
العذاب ، فإنّ مقصوده الدعاء عليه بإدامة العذاب.
« اللام »
للبيان ، كما في قوله تعالى : ( رَبِّ اشْرَحْ لي
صَدْري )
، أو
للاختصاص إن كان له ظرفاً مستقرّاً حالاً عن مضجعاً.
« المضجع »
: اسم مكان من الضجعة وهي الرقدة. والمراد هنا القبر تشبيهاً للموت بالرقدة ، كما
يقال له المرقد ، ويقال : أضجعته بمعنى وضعت جنبه على الأرض ، فيجوز أن يكون
المضجع بضمّ الميم وفتح الجيم : اسم مكان منه ، أو يكون مجرد ، بمعنى كون الجنب
على الأرض وحينئذ يكون إطلاقه على القبر حقيقة.
__________________
« سَقَر »
قيل : اسم لجهنّم ، وقيل : اسم النار ، ثمّ قيل : إنّه اسم أعجميّ فلم يصرف للعجمة
والعلمية ، وقيل : بل عربيّ من سَقَرتهُ النار وصقرته إذا لوّحته أو أذابته ، فعدم
الانصراف للتأنيث والعلمية.
وروى الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويه
في كتاب « عقاب الأعمال » بإسناده عن أبي عبد اللّه الصادق صلوات اللّه عليه قال :
إنّ في جهنّم لوادياً للمتكبّرين يقال له « سقر » شكا إلى اللّه شدّة حرِّه وسأله
أن يأذن له أن يتنفّس ، فتنفّس فأحرق جهنّم.
وروى أيضاً بسنده عن أبي جعفر الباقر
صلوات اللّه عليه قال : إنّ في جهنّم لجبلاً يقال له : « الصعدى » وإنّ في صعدى
لوادياً يقال له : « سقر » وإنّ في سقر لجُبّاً يقال له « هبهب » ، كلّما كشف غطاء
ذلك الجبِّ ضجَّ أهل النار من حرِّه ، وذلك منازل الجبّارين.
« أودعته »
كذا إذا دفعته إليه ليكون عنده وديعة ، والوديعة مأخوذة من ودع الشيء يدع إذا سكن
واستقرّ ، لاستقرارها عند المودع ، وأودع المال في الصندوق : صانه فيه وجعله فيه
مستقرّاً ساكناً.
« من »
للابتداء.
« قعر »
البئر وغيرها : عمقها وآقصى عمقها ، وقعر كلّ شيء أيضاً أقصاه.
« المَطْلَع »
بفتح اللاّم وكسرها : مصدرٌ ، أو اسم زمان أو مكان من طلع الجبل
__________________
إذا علاه ، أو طلع
من بيته إذا خرج ، وأصل الكلّ من طلع الكوكب والنجم إذا ظهر ، أو لما كان الظهور
المتعقّب للخفاء مستلزماً للخروج عن شيء اختفى فيه ، أو لاعتلاء على شيء استعمل في
كلّ منهما.
« الحيدر »
والحيدرة : الأسد ، وهو هنا من أسماء أمير المؤمنين 7
، وفي معاني الأخبار في معناه أنّه الحازم الرأي ، الخبير النقاب ، النظّار في
دقائق الأشياء.
« الواو »
للحال.
« الوجه »
: الجارحة المعروفة ، قال الراغب : ولمّا كان الوَجْه أوّل ما يستقبلُك وأشرف ما
في ظاهر البَدن استعمل في مُستقبل كلّ شيء ومبدئه فقيل : وجه كذا ووجه النهار.
« الكاف »
حرف للتشبيه ، ويجوز أن يكون اسماً على رأي تقدّم.
« الشمس »
معروف وهو مشترك بين الجرم وضوئه المنتشر عنه ، والمراد هنا الأوّل.
« إذ » إمّا للزمان المستقبل ، أو لمطلق
الزمان.
الإعراب :
« الناس »
: مبتدأ.
« راياتهم »
مبتدأ ثاني.
__________________
« خمس »
خبره ، والجملة خبر الأول.
« يوم الحشر »
إمّا ظرف مستقرّ حال عن النّاس ، أو لغو متعلّق ب « خمس » لكونه صفة ، أو بمضمون
الجملة ، أعني انتساب راياتهم خمس إلى النّاس أو انتساب خمس إلى راياتهم.
« منها »
خبر ل « هالك » وإفراد « هالك » وتذكيره ، لأنّ المراد شيء أو بعض أو نحوهما ، من
غير نظر إلى تعدّده ولا تأنيثه ، على أنّ لترك التأنيث وجهاً آخر هو أنّ الهلاك في
الحقيقة إنّما هو صفة ذي الراية ، ثمّ إنّ منها يحتمل الاستخدام وعدمه فإنّه يحتمل
أن يرجع إلى الرايات مراداً بها أصحابها وأتباعها ، فيكون فيه استخدام ويكون إسناد
الهلاك إليها حقيقة.
أو يحتمل أن يرجع إليها مراداً بها
معناها الحقيقي ، فلا استخدام ويكون إسناد الهلاك إليها مجازياً إلاّ أن يراد به
هالك أصحابها يحذف الفاعل ، أو ذو الهلاك ، أي الذي يصحبه الهلاك.
« أربع »
إمّا بيان ل « هالك » ، أو خبر لمبتدأ محذوف أي هو أو هي. والجملة استئناف.
« فراية العجل »
مع ما عطف عليها إمّا خبر لمبتدأ محذوف ، أي هي راية العجل وراية وراية إلخ.
والجملة استئناف إمّا جواب السؤال عن الأربع فيكون حال الراية الخامسة كلاماً
برأسه ، أو للسؤال عن الخمس فيدخل الراية الخامسة ، وإمّا مبتدأ ، وخبر الجميع «
أربعة في سقر أُودعوا » أو « في سقر أُودعوا » أو كلّ من « في سقر » و « أُودعوا »
أو « أربعة » أو جملة « ليس لهم من قعرها مطلع » ، أو « منها » مقدّراً أي « فمنها
راية العجل ».
ثمّ إن كان التفصيل للخمس فالظاهر أن
يقدّر لكلّ راية منها مرة أي فمنها راية العجل. إلخ. ومنها راية كذا. الخ.
ويجوز أن يقدّر للأربع الأُول مرّة ،
وللخامسة مرّة. وإن كان التفصيل للأربع ، فلابدّ من التعدّد أربعاً.
أو راية العجل مبتدأ خبره المشنع ، وكلّ
من الرايات الباقية مبتدأ خبره ما يليه.
ويسوغ كونها مبتدآت وإن لم يجوز نكارة
المبتدأ لكونها لتفصيل الإجمال ، فإنّه يجوز أن يقال : رأيتُ في الدار ناساً فرجل
قائم ورجلٌ قاعد ورجل نائم ، والسرّ في ذلك أنّه حينئذ يتخصّص المبتدأ تقديراً ،
فإنّ المعنى رجل منهم ، وكذا هنا راية منهم.
« راية »
: مضافة إلى العجل و «
فرعونها » معطوف عليه ، والضمير فيه عائد إلى
الأُمّة وإن لم يتقدّم لها ذكر ، أو إلى الراية مراداً بها أصحابها ، فإن لم يرد
ذلك من المرجع كان فيه استخدام.
ويجوز أن يراد بالراية معناها الحقيقي
وتكون الإضافة لأدنى ملابسة. ثمّ إن كان المراد بالمعطوف غير المراد بالمعطوف عليه
، كان بينهما اختلاف الذات وإلاّ كان العطف لمجرّد الاختلاف بالصفات أو الألقاب ،
وكذا الكلام في عطف السامري.
الإضافة في سامري الأُمّة إمّا « لامية
» وهو الظاهر ، أو « لفظية » من قبيل إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله بناءً على جعل
السامريّ بمعنى المضل.
« المُشنع »
خبر مبتدأ محذوف لئلاّ يلزم الاقواء ، وهو أن يختلف وصل الروي ،
بأن يكون في بعض
القوافي واواً وفي بعضها ياءً ، كقوله :
سَقَطَ النَّصيفُ ولم تُرِدْ إسقاطَهُ
|
|
فتناوَلَتْهُ واتّقَتْنا باليَدِ
|
بِمُخضَّب رَخْص كأنَّ بنانَهُ
|
|
عَنَم يَكادُ منَ اللَّطافَةِ يُعْقَدِ
|
وهو عندهم عيب.
ثمّ المبتدأ المقدّر إمّا « هو » راجعاً
إلى سامري الأُمّة ، أو « هي » راجعاً إلى الراية ، أو « هم » راجعاً إلى العجل
والفرعون والسامريّ إن كانوا متغايرين.
ويحتمل أن يكون خبر الراية جزاء الشرط
هنا محذوف لظهوره ، ثمّ إن كان مصدراً أو اسم زمان أو مكان.
وأمّا إن كان اسم فاعل أو مفعول
فالتذكير إمّا لكون المراد بالراية صاحبها ، أو تأويلها بالعلم أو الشيء ، وعلى
تقدير كونه خبراً لهم مقدّراً ، فالإفراد لإرادة الحمل على كلّ منهم.
ثمّ « المُشنع » إن كان جملة فإمّا
معترضة أو حال عن الراية أو السامريّ ، أو عنه مع ما قبله.
الكلام في إعراب « راية » قد مضى ، ثمّ
إن كان يقدمها خبراً لها وإلاّ فهو
__________________
صفة لها ، ثمّ إن
كان المراد بالراية أربابها فلا حذف ولا استخدام وإلاّ فإمّا فيه حذف أي يقدم
أربابها ، أو استخدام.
« أدلم »
فاعل تقدّم وقد نوّن مع امتناع صرفه ، للضرورة.
« عبد »
إمّا صفة ل « أدلم » أو عطف بيان له فإنّه في الأصل صفة وفي العرف اسم ، فإن روعي
أصله كان نعتاً ل « أدلم » ، وإن روعي العرف كان عطف بيان له ، ويجوز حينئذ أن
يكون خبر المبتدأ أي « هو » والجملة نعتاً ل « أدلم » وما بعده أوصاف ثلاثة له.
ثمّ « اللكع »
إن كان بمعنى اللئيم أو العبد ، كان تأكيداً لما قبله.
« للزور »
مفعول « أبدع » أو متعلّق به ، وجملة « للزور والبهتان قد أبدعوا » صفة ل « حبتر
» إن لم يجعل لقباً وإلاّ فهي حال أو معترضة ، ثمّ إنّ فيه إصرافاً كما لا يخفى
كما في مضجعاً.
جملة « لا برد اللّه له مضجعاً » دعائية
معترضة ، أو صفة إن لم يكن لقباً ، أو حال عنه إن كان لقباً ، وعليهما فلابدّ من
التأويل بالخبرية ، أي مقول أو مقولاً في شأنه كذا.
ثمّ إن كان « اللام » في « له » للبيان
كان الظرف لغواً متعلّقاً ب « برَّد » وكان التنوين في « مضجعاً » عوضاً عن
المضاف إليه أي مضجعه. وإن كانت للاختصاص فالظرف مستقرّ حال عن مضجعاً والتنوين
فيه للتنكير ، وأصله مضجعه ثمّ مضجعاً له ثمّ صار له مضجعاً.
« أربعة »
إمّا مبتدأ والتنوين فيه عوض عن الإضافة أي أربعتها ، وخبره « في سقر أودعوا » أو
كلّ من « في سقر » و « اودعوا » أو توكيد للرايات والتنوين أيضاً
عوض فإنّه بمنزلة
كلّها ، أو خبر لمبتدأ محذوف أي « هي » أو « هذه » ، أي الرايات أربعة ، أو خبر
للرايات المتقدّمة ، أو حال عنها ، وإنّما أتى فيها بعلامة التأنيث لأنّ المراد
بالرايات أصحابها ، أو لتأويلها بالأعلام أو الأشياء.
« في سقر » إمّا لغو متعلّق ب « أودعوا
» أو « مستقر ».
و « لأودعوا » متعلّق مقدّر أي أُودعوا
فيها ، فإن كان الأوّل وكان « أربعة » مبتدأ كان مجموع « في سقر أُودعوا » خبراً
واحداً له وحالاً عنه.
وإن كان « أربعة » تأكيداً للرايات
فالمجموع خبر واحد للرايات أو حال عنها.
وإن كان خبراً لمحذوف كان المجموع صفة
له ، أو خبراً آخر واحداً ، وكذا إن كان خبراً للرايات.
وإن كان حالاً عنها فالمجموع إمّا صفة
أو حال أُخرى أو خبر للرايات ، وإن كان الثاني أعني كون الظرف ومستقرّاً كان « في
سقر » خبراً أو حالاً و « أُودعوا » خبراً آخر وحالاً أُخرى لأربعة على الأوّل ،
وللرايات على الثاني ، وصفتين أو خبرين آخرين على الثالث والرابع ، وصفتين أو حالين
أو خبرين على الأخير.
جملة المصراع الذي بعد ذلك تأكيد لقوله
« في سقر أُودعوا » أو ل « أُودعوا » وحده ، أو حال أُخرى ، أو نعت آخر ، أو خبر
آخر ، أو هو الخبر وما قبله كلّه حال.
ثمّ إن كان « مطلع » مصدراً فقوله : «
من قعرها » متعلّق به إن جاز تقديم متعلّق المصدر إذا كان ظرفاً ، وإلاّ فهو
متعلّق بمطلع مقدّراً مفسّراً بالمذكور ، وإن كان اسم زمان أو مكان فإن جوّزنا
تعلّق الظرف بهما وإلاّ كان ظرفاً مستقرّاً حالاً عنه.
جملة المصراع الأخير حال عن « حيدر ».
« تطلع »
يجوز أن يقرأ بالتاء الفوقانية على أن يرجع الضمير إلى « الشمس » وأن يُقرأ بالياء
التحتانية على أن يرجع الضمير إلى « حيدر » أو « وجهه ».
فعلى الأوّل الظرف أعني « إذ » مع ما
أُضيف إليه مستقرّ حال عن الشمس.
وعلى الثاني لغو متعلّق بمعنى التشبيه
المفهوم من الكاف ، يعني أنّه وقت الظهور يشبه الشمس.
المعنى :
وللناس يوم يزعجهم اللّه من القبور أو
يجمعهم في عرصة القيامة أو يزعجهم ويجمعهم : خمسة أعلام : فمنها شطر هالك أو هالك
الأصحاب ، أو ذو هلاك أي هالك الأصحاب ، أو خمس فرق ذوي أعلام.
فمنها : شطر هالك. ثمّ بيّن الشطر
الهالك بأنّه أربع رايات ، فراية الذي هو عجل هذه الأُمّة وفرعونها أو فرعونها أو
فرعون الراية أي أصحابها وسامريّ الأُمّة ، أو راية العجل والفرعون والسامريّ هي
المسرعة يوم الحشر ، أو في الضلال والكفر والنفاق ومخالفة الوصية ، أو هي ذات
الشنع أو الداخلة في الشنع ، أو الآتية بالشنع ، أو المشنع عليها أي التي يشتمها
الناس يوم الحشر أو يفضحها اللّه تعالى أو التي تستحقّ الشتم والفضيحة ، أو هي
الشناعة أي الفضاعة والقبح ، أو هي محل الشناعة أو محل الشنع أي الشتم والفضيحة ،
أو هي المهملة للحقّ أو لوصية النبيّ 6
، أو هي الخبيثة كالشناع ، أو هي أدعياء أولاد زنا ، وذلك لأنّه قد تواترت الأخبار
أنّ من أبغض آل الرسول صلوات اللّه عليه وعليهم وخالفهم فهو ولد زنا أو ولد حيض ،
وهو أيضاً بمنزلة ولد الزنا في الخبث ، ولذا نرى كثيراً من الأخبار
خالية عن ذكره
مقتصرة على ذكر ولد الزنا ، أو هي كثيرة الأصحاب أو وافرة الضلال والفتن والشرور
ونحوها ، أو هي الشبعى من الدنيا المتضلّعة منها ، أو أصحاب راية العجل. الخ.
وراية منها يتقدّمها أي أربابها ، أو
أصحاب راية يتقدّمهم رجل أسود شديد السواد ، أو طويل أسود عبد أو هو عبد لئيم لئم
أي متأكّد اللؤم ، أو عبد أو أحمق أو صغير أي حقير غير ذي شرف وعزّ ، أو من لا
يتّجه لمنطق ولا غيره أعوج الكوع.
وراية منها أو أرباب راية يتقدّمها أو
يتقدّمهم من هو كالثعلب في المكيدة والغدر ، أو في الجبن وهو قد أنشأ من الكذب
والفعل الشنيع أو الكذب العظيم ما ليس على حذو شيء من الكذب والفعل الشنيع ، أو
أبدعه اللّه تعالى لأجل ذلك أي لما لم يصدر منه إلاّ ذلك ، فكأنّه خلق لأجله ، كما
قال اللّه تعالى : ( خُلِقَ الإِنْسانُ
مِنْ عَجَل )
على وجه ،
أو من صفة ذلك أو والحال ذلك.
وراية منها أو أصحاب راية يتقدّمها أو
يتقدّمهم عثمان الذي هو كالنعثل أو كنعثل لا برّد اللّه ضجعاً له أو له ضجعة.
أو فمنها راية العجل وكذا وكذا.
أو فمنها راية العجل ومنها كذا ومنها
كذا.
ثمّ ابتدأ فقال : هذه أعلام أربعة قد
أُسكنوا في سقر ليس لهم من أقصى عمقها طلوع أي خروج وظهور ، أو مكان طلوع أو زمانه
، أو أربعة في سقر أُسكنوا فيها ، أو أربعتها كذا ، أو هذه الرايات كذلك حال كونها
أربعة. إلى آخره. أو
__________________
المعنى راية العجل
وكذا وكذا أربعة الخ. أو حال كونها أربعة في سقر ، أو حال كونها أربعة وحال كونها
في سقر أُودعوا فيها ، أو أربعتها في سقر ، أو أربعتها حال كونها في سقر أُودعوا
فيها ، أو حال كونها أربعة في سقر أُودعوا ليس لهم. إلى آخره. أو أربعتها حال
كونها في سقر أُودعوا ليس لهم. الخ.
وراية منها أو أصحاب راية يتقدّمها أو
يتقدّمهم حيدر ، والحال أنّ وجهه كالشمس وقت طلوعها أو وقت طلوعه.
أو ومنها راية كذا ، ولنذكر هنا ما
حضرنا من أخبار الرايات فنقول :
قال السيد الأجل رضي الملّة والحق
والدين ، أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس العلوي الفاطمي
رضي اللّه عنه في كتاب « اليقين باختصاص مولانا عليّ 7
بإمرة المؤمنين » ما هذا لفظه : الباب السادس والتسعون فيما نذكره من كتاب المعرفة
تأليف عباد بن يعقوب الرواجني برجالهم في تسمية النبي 6 لعلي 7
أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين ، نذكر منه بلفظه ما يحتمله هذا الكتاب ويليق
ذكره بالصواب من حديث الخمس رايات : فيقول عباد :
قد حدّثنا أبو عبد الرحمن المسعودي قال
: حدّثنا الحارث بن حصيرة ، عن صخر بن الحكم الفزاري ، عن حيّان بن الحارث الأزدي
، عن الربيع بن جميل الضبي ، عن مالك بن ضمرة الرواسي ، قال : لمّا سير أبو ذر ـ
رضي اللّه عنه ـ اجتمع هو وعليّ 7
والمقداد بن الأسود قال : ألستم تشهدون أنّ رسول اللّه 6 قال : أُمّتي ترد عليّ الحوض على خمس
رايات :
أوّلها راية العجل ، فأقوم فآخذه بيده ،
فإذا أخذت بيده اسودّ وجهه ورجفت قدماه وخفقت أحشاؤه ، ومن فعل ذلك يتبعه. فأقول :
ماذا خلّفتموني في الثقلين
بعدي؟ فيقولون :
كذّبنا الأكبر فمزّقناه واضطهدنا الأصغر وابتزيناه حقّه. فأقول : اسلكوا ذات
الشمال ، فينصرفون ظماء مظمئين مسودّة وجوههم لا يطعمون منه قطرة.
ثمّ ترد عليّ راية فرعون أُمّتي ، فمنهم
أكثر الناس وهم المبهرجون.
قلت : يا رسول اللّه وما المبهرجون؟
أبهرجوا الطريق؟
قال : لا ولكنّهم بهرجوا دينهم ، وهم
الذين يغضبون للدنيا ولها يرضون ولها يسخطون ولها ينصبون فآخُذُ بيد صاحبهم فإذا
أخذتُ بيده اسودّ وجهه ورجفت قدماه وخفقت أحشاؤه ، ومن فعل ذلك تبعه. فأقول لهم :
ما خلّفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون : كذبنا الأكبر ومزقناه وقاتلنا الأصغر
وقتلناه. فأقول : اسلكوا طريق أصحابكم ، فينصرفون ظماء مظمئين مسودّة وجوههم لا
يطعمون منه قطرة.
ثم ترد عليّ راية فلان وهو أمام خمسين ألفاً ، فأقوم فآخذ
بيده فإذا أخذت بيده اسودّ وجهه ورجفت قدماه وخفقت أحشاؤه ، ومن فعل ذلك تبعه.
فأقول لهم : ما خلّفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون : كذبنا الأكبر وعصيناه وخذلنا
الأصغر وخذلنا عنه. فأقول : اسلكوا سبيل أصحابكم ، فينصرفون ظماء مظمئين مسودّة
وجوههم لا يطعمون منه قطرة.
ثمّ يرد عليّ المخدج برايته وهو أمام
سبعين ألفاً من أُمّتي فإذا أخذت بيده اسودّ وجهه ورجفت قدماه وخفقت أحشاؤه ، ومن
فعل ذلك تبعه. فأقول : ماذا خلفتموني في الثقلين بعدي؟
__________________
فيقولون : كذبنا الأكبر وعصيناه وقاتلنا
الأصغر وقتلناه.
فأقول : اسلكوا سبيل أصحابكم ، فينصرفون
ظماء مظمئين مسودّة وجوههم لا يطعمون منه قطرة.
ثمّ يرد راية أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين
فأقوم فآخذه بيده فيبيضّ وجهه ووجوه أصحابه فأقول : ماذا خلّفتموني في الثقلين
بعدي؟ فيقولون : اتّبعنا الأكبر وصدّقناه ووازرنا الأصغر ونصرناه وقُتلنا معه.
فأقول لهم : ردوا رواءً مرويّين ، فيشربون
شربة لا يظمأون بعدها أبداً ، وجه إمامهم كالشمس الطالعة ووجوههم كالقمر ليلة البدر ،
وكأضوأ نجم في السماء.
قال : ألستم تشهدون على ذلك؟ قالوا بلى.
قال : وأنا على ذلكم من الشاهدين.
قال الحارث : اشهدوا عليّ بهذا عند
اللّه أنّ صخر بن الحكم حدّثني به.
وقال صخر : اشهدوا عليّ بهذا عند اللّه
أنّ حيان بن الحارث حدّثني به.
وقال حيان : اشهدوا عليّ بهذا عند اللّه
أنّ الربيع بن جميل حدّثني به.
وقال الربيع بن جميل : اشهدوا عليّ بهذا
عند اللّه أنّ أبا ذر حدّثني به.
وقال أبو ذر رضي اللّه عنه : اشهدوا
عليّ بهذا عند اللّه أنّ رسول اللّه 6
__________________
حدّثني به.
وقال رسول اللّه 6 لأبي ذر : اشهد أنّ جبرئيل حدّثني به
عن اللّه تعالى.
وقال أبو عبد الرحمان : اشهدوا عليّ
بهذا عند اللّه أنّ الحارث حدّثني به.
وقال عباد : اشهدوا عليّ بهذا عند اللّه
أنّ أبا عبد الرحمان حدّثني به. وقال عباد : واسم أبي عبد الرحمان عبد اللّه بن
عبد الملك بن أبي عبيدة بن عبد اللّه بن مسعود.
قال علي بن العبّاس : واشهدوا عليّ بهذا
عند اللّه أنّ عبّاداً حدّثني به.
قال أبو علي عمر : واشهدوا عليّ بهذا
عند اللّه أنّ عليّ بن العباس حدّثني به. هذا لفظ الباب بتمامه.
ثمّ قال ما هذا لفظه : الثامن والتسعون
: فيما نذكره من كتاب « تأويل ما نزل من القرآن الكريم في النبيّ 6 » من المجلّد الأوّل منه ، تأليف الشيخ
العالم محمد بن العباس بن علي بن مروان ، في تسمية النبي 6 مولانا عليّاً 7 « أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين
» :
اعلم أنّ هذا محمد بن العباس قد تقدّم
ممّا ذكرناه عن أبي العباس أحمد بن علي النجاشي أنّه ذكر عنه : « إنّه ثقة ثقة عين
» وذكر أيضاً أنّ جماعة من أصحابه ذكروا : « إنّ هذا الكتاب الذي ننقل منه ونروي
عنه لم يُصنَّف في معناه مثله ». وقيل : « إنّه ألف ورقة ». وقد روى أحاديثه عن
رجال العامة ليكون أبلغ في الحجّة وأوضح في المحجّة ، وهو عشرة أجزاء.
والنسخة التي عندنا الآن قالب ونصف
الورقة مجلّدان ضخمان ، قد نسخت
__________________
من أصلٍ عليه خطّ
أحمد بن الحاجب الخراساني ، في إجازة تاريخها ، في صفر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة
، وإجازة بخط الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي وتاريخها في جمادى الآخرة سنة
ثلاث وثلاثين وأربعمائة.
وهذا الكتاب أرويه بعدّة طرق ، منها عن
الشيخ الفاضل أسعد بن عبد القاهر المعروف جدّه بسفرويه الاصفهاني ، حدثني بذلك
لمّا ورد إلى بغداد في صفر سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة بداري بالجانب الشرقي من
بغداد التي أنعم بها علينا الخليفة المستنصر ـ جزاه اللّه خير الجزاء ـ عند
المأمونية في الدرب المعروف بدرب الحوبة ، عن الشيخ العالم أبي الفرج علي بن العبد
أبي الحسين الراوندي ، عن الشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن المحسن الحلبي ، عن
السعيد أبي جعفر الطوسي رضي اللّه عنهم.
وأخبرني بذلك الشيخ الصالح حسين بن أحمد
السوراوي إجازةً في جمادى الآخرة سنة سبع وستمائة ، عن الشيخ السعيد محمد بن
القاسم الطبري ، عن الشيخ المفيد أبي علي الحسن بن محمد الطوسي ، عن والده السعيد
محمد بن الحسن الطوسيّ.
وأخبرني بذلك أيضاً الشيخ علي بن يحيى
الحافظ إجازة ، تاريخها شهر ربيع الأوّل سنة تسع وستمائة ، عن الشيخ السعيد عربي
بن مسافر العبادي ، عن الشيخ محمد بن القاسم الطبري ، عن الشيخ المفيد أبي علي
الحسن بن محمد الطوسي ، وغير هؤلاء ـ يطول ذكرهم ـ عن السعيد الفاضل المطّلع على
علوم كثيرة من علوم الإسلام والده أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي قال : « أخبرنا
بكتب هذا الشيخ العالم أبي عبد اللّه محمد
بن العبّاس بن مروان ، ورواياته جماعة من أصحابنا عن
__________________
أبي محمد بن هارون بن موسى التلعكبري ، عن أبي عبد
اللّه محمد بن العباس بن مروان المذكور ».
فقال في كتابه الذي قدّمنا ذكره في
تفسير قوله جلّ جلاله : ( يَومَ تَبْيَضّ
وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ )
ما هذا لفظه
:
حدّثنا محمد بن القاسم المحاربي ، قال :
حدّثنا عبّاد بن يعقوب ، قال : أخبرنا أبو عبد الرحمن المسعودي عبد اللّه بن عبد
الملك بن أبي عبيدة بن عبد اللّه بن مسعود ، عن الحارث بن حصيرة عن ابن الحكم الفزاري ، عن حنان بن الحارث الأزدي ، عن الربيع بن جميل
الضبّي ، عن مالك بن ضمرة الرواسي
، عن أبي ذر الغفاري : إنّ رسول اللّه 6
قال : ترد عليّ أُمّتي بخمس رايات. فذكر الحديث ـ إلى أن قال : ـ ثمّ ترد عليّ
راية أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين ، فأقوم فآخذ بيده فيبيضّ وجهه ووجوه
أصحابه ، فأقول : بما خلّفتموني في الثقلين؟ فيقولون : تبعنا الأكبر وصدّقناه
ووازرنا الأصغر ونصرناه وقتلنا معه.
فأقول : ردوا رواءً مرويّين ، فيشربون شربةً لا يَظمأون بعدها ،
وجه إمامهم كالشمس الطالعة ووجههم كالقمر ليلة البدر ، أو كأضوأ نجم في السماء.
قال أبو ذر لعليّوالمقداد وعمّار وحذيفة
وابن مسعود ـ وكانوا شيّعوه لمّا سير ـ : ألستم تشهدون عليّ ذلك؟ قالوا : بلى ،
قال : وأنا على ذلك من الشاهدين.
انتهى هذا الباب بتمامه بألفاظه.
__________________
ثمّ قال ما هذه عبارته : الباب الرابع
والعشرون بعد المائة : فيما نذكره عن هذا أحمد بن محمد الطبري من كتابه برجالهم في
حديث الخمس رايات ، وذكر فيها تسمية مولانا علي 7
أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين ، فقال :
حدّثنا محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي
العدل ، وعلي بن أحمد بن حاتم التميمي ، وعلي بن العباس البجلي ، وعلي بن الحسين
العجلي ، وجعفر بن محمد بن مالك الفزاري ، والحسن بن السكن الأسدي الكوفيون ،
قالوا : حدّثنا عباد بن يعقوب ، قال : أخبرنا علي بن هاشم بن زيد ، عن أبي الجارود
، زياد بن المنذر ، عن عمران بن ميثم الكيّال ، عن مالك بن ضمرة الرؤاسي ، عن أبي
ذرّ الغفاري ، قال : لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه 6 : ( يَومَ تَبْيَضُّ
وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ )
قال رسول
اللّه 6 : ترد
أُمّتي يوم القيامة على خمس رايات :
فأوّلها مع عجل هذه الأُمّة ، فآخذ بيده
فترجف قدماه ويسودّ وجهه ووجوه أصحابه ، فأقول : ما فعلتم بالثقلين؟ فيقولون :
أمّا الأكبر فخرقنا ومزّقنا ، وأمّا الأصغر فعادينا وأبغضنا. فأقول : ردّوا ضماءً
مظمئين مسودّة وجوهكم ، فيؤخذ بهم ذات الشمال لا يسقون قطرة.
ثمّ ترد عليّ راية فرعون هذه الأُمّة ،
فأقوم فآخذ بيده ثمّ ترجف قدماه ويسودّ وجهه ووجوه أصحابه ، فأقول : ما فعلتم
بالثقلين؟ فيقولون : أمّا الأكبر فمرقنا منه ، وأمّا الأصغر فبرئنا منه
ولعنّاه.فأقول : ردّوا ظماءً مظمئين مسودّة وجوهكم ، فيؤخذ بهم ذات الشمال لا
يسقون قطرة.
__________________
ثمّ ترد عليّ راية ذي الثدية معها أوّل
خارجة وآخرها ، فأقوم فآخذ بيده فترجف قدماه ويسودّ وجهه ووجوه أصحابه ، فأقول :
ما فعلتم بالثقلين بعدي؟ فيقولون : أمّا الأكبر فمرقنا منه ، وأمّا الأصغر فبرئنا
منه ولعنّاه. فأقول : ردّوا ظماءً مظمئين مسودّة وجوهكم فيؤخذ بهم ذات الشمال لا
يسقون قطرة.
ثمّ ترد عليّ راية أمير المؤمنين وسيّد
المسلمين وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين فأقوم ، فآخذ بيده فيبيضّ وجهه
ووجوه أصحابه فأقول : ما فعلتم بالثقلين بعدي؟ فيقولون : أمّا الأكبر فاتّبعناه
وأطعناه ، وأمّا الأصغر فقاتلنا معه حتى قُتلنا. فأقول : ردوا رواء مرويّين مبيضّة
وجوهكم فيؤخذ بهم ذات اليمين وهو قول اللّه عزّوجلّ ( يَومَ تَبْيَضُّ
وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمّا الّذينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ
بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا العَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمّا
الّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيها خالِدُون ).
انتهى الباب بألفاظه على ما فيما عندنا من النسخ.
والظاهر أنّه سقط من أقلام الكُتّاب ذكر
راية من الخمس.
وفي تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم في
تفسير سورة آل عمران مثل هذا الخبر ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الجارود
، عن عمران بن هيثم ، عن مالك بن ضمرة ، عن أبي ذر رضي اللّه عنه ، وزيادة راية
أُخرى بها يكمل الخمس ، فقال بعد راية فرعون الأمّة :
ثمّ ترد علي راية مع سامري هذه الأُمّة
فأقول لهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون : أمّا الأكبر فعصيناه وتركناه ،
وأمّا الأصغر فضيّعناه وصنعنا به
__________________
كلّ قبيح ، ، فأقول ردوا إلى النار ظماءً مظمئين مسودّة وجوهكم . وباقي الخبر مطابق لما حكي عن «
اليقين » إلاّ في قليل من الألفاظ.
ثمّ قال ابن طاووس ; في كتاب اليقين ما هذا لفظه : الباب
التاسع والعشرون بعد المائة : فيما نذكره عن المظفر بن جعفر بن الحسين المذكور من
كتابه الذي أشرنا إليه ـ يعني كتاب « الرسالة الموضّحة ـ بالخزانة العتيقة بالنظامية
» ، من حديث الخمس رايات ، وتسمية سيّدنا رسول اللّه 6
لمولانا علي 7 بأمير
المؤمنين وإمام الغرّ المحجّلين ، فقال ما هذا لفظه :
وعنه قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن
محمد بن سعيد الهمداني قال : حدّثني أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد بن نوح بن
درّاج من أصل كتابه قال : حدثني أبي قال : حدّثني محمد بن أيّوب بن درّاج ، عن نوح
بن أبي النعمان الأزدي ، عن صخر بن الحكم الفزاري ، عن حنان بن الحارث الأزدي ، عن ربيع ابن جميل الضبي ، عن
مالك بن ضمرة الرواسي ، عن أبي ذر الغفاري قال :
لمّا سير أبو ذر اجتمع هو وعليّ بن أبي
طالب 7 ، وسلمان
الفارسي ، وعبد اللّه بن مسعود ، والمقداد بن الأسود ، وحذيفة بن اليمان ، وعمّار
بن ياسر ، فقال أبوذر : حدّثوا بحديث نذكر فيه رسول اللّه 6 فنشهد له وندعوا له ونصدّقه.
قالوا : حدّثنا يا علي ، قال : لقد
علمتم ما هذا زمان حديثي ، قالوا :
__________________
صدقت ، حدّثنا أبي
حذيفة ، قال : لقد علمتم أنّي سئلت عن المعضلات فحدّثتهنّ ، قالوا : حدثنا يا ابن
مسعود ، قال : لقد علمتم أنّي قرأت القرآن لم أسأل عن غيره ، قالوا : حدِّثنا يا
عمّار ، قال : لقد علمتم أنّي نسي ، إلاّ أن أُذكَّر.
قال : فقال أبو ذر : أنا أُحدِّثكم
بحديث سمعتموه ، أو من سمعه منكم تشهدون أنّه حقّ ؛ ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ
اللّه وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ اللّه يبعث
من في القبور ، وأنّ البعث حقّ ، وأنّ الجنّة حقّ والنار حقّ؟
قالوا : نشهد على ذلك قال : وأنا معكم
من الشاهدين.
قال : ألستم تشهدون أنّ رسول اللّه 6 حدّثنا أنّ شرار الأوّلين والآخرين
اثنا عشر : ستّة من الأوّلين وستّة من الآخرين؟
ثمّ سمّى الأوّلين : ابن آدم الذي قتل
أخاه ، وفرعون ، وهامان ، وقارون ، والسامريّ ، والدجّال ـ اسمه في الأوّلين ويخرج
في الآخرين ـ وسمّى الآخرين ستّة : العجل ، وفرعون ، وهامان ، وقارون ، والسامريّ
، والأبتر.
قالوا : نشهد على ذلك. قال : وأنا على
ذلك من الشاهدين.
قال : ألستم تشهدون أنّ رسول اللّه 6 قال : إنّ أُمّتي ترد عليّ الحوض على
خمس رايات ، وهي : راية العجل فأقوم إليه فآخذ بيده ، فإذا أخذت بيده اسودّ وجهه
ورَجَفَتْ قدماه وخفقت أحشاؤه وفُعل ذلك بمن تبعه. فأقول : ماذا خلفتموني في
الثقلين بعدي؟ فيقولون : كذّبنا الأكبر ومزّقناه واضطهدنا الأصغر وابتززناه. فأقول
: اسلكوا ذات الشمال فينصرفون ظماءً مظمئين مسودّة وجوههم ، لا يطعمون منه قطرة.
ثمّ ترد علي راية فرعون أُمّتي وهم أكثر
الناس ومنهم البهارجيّون.
قال أبو ذر : قلت : يا رسول اللّه وما
البهارجيون أبهرجوا الطريق؟ قال : لا ولكن بهرجوا دينهم وهم الذين يصنعون للدنيا
ولها يرضون ولها يسخطون ولها ينصبون. فأقوم فآخذ بيد صاحبكم ؛ وذكر مثل الأوّل
فيقولون : كذّبنا الأكبر ومزقناه ، وقاتلنا الأصغر وقتلناه. فأقول : اسلكوا طريق
أصحابكم فينصرفون ظماءً مظمئين مسودّة وجوهُهم لا يطعمون منه قطرة.
ثمّ ترد عليّ راية فلان ـ وسمّاه ـ وهو
إمام خمسين ألفاً من أُمّتي فآخذ بيده وذكر مثل الأوّل ، فيقولون : كذّبنا الأكبر
وخذلنا الأصغر وعدلنا عنه ، فيكون سبيلهم سبيل من تقدّمهم.
ثمّ ترد عليّ راية فلان ـ وسمّاه ـ وهو
إمام سبعين ألفاً من أُمّتي فأقوم فآخذ بيده وذكر مثل ذلك ، فيقولون : كذّبنا
الأكبر وعصيناه وقاتلنا الأصغر وقتلناه فيكون سبيلهم سبيل من تقدّمهم.
ثمّ ترد عليّ راية أمير المؤمنين وآمام
الغرّ المحجّلين ، فأقوم فآخذ بيده فيبيضّ وجهه ووجوه أصحابه ، فأقول : ما
خلّفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون : تبعنا الأكبر وصدّقناه ووازرنا الأصغر
ونصرناه وقتلنا معه ، فأقول : ردوا فيشربون شربة لا يظمأُون بعدها أبداً ولا
ينصبون ولا يفزعون ، وجه إمامهم كالشمس الطالعة ووجوهم كالقمر ليلة البدر أو كأضوأ
نجم في السماء. فقال أبو ذر : وهو أنت يا عليّ. قال أبو النعمان : قال لي صخر إشهد
بهذا عليّ عند اللّه أنّي حدَّثتك به عن حنان. وقال حنان لصخر : اشهد بهذا عليّ
عند اللّه أنّي حدّثتك به عن ربيع بن جميل.
__________________
قال : وقال ربيع لحنان : اشهد بهذا علي
عند اللّه أنّي حدّثتك بهذا عن مالك بن ضمرة. وقال مالك بن ضمرة لربيع : اشهد بهذا
عليّ عند اللّه أنّي حدّثتك به عن أبي ذر عن رسول اللّه 6. وقال رسول اللّه 6 لأبي ذر : اشهد بهذا عليّ عند اللّه
أنّي حدثتك بهذا ليس بيني وبين أبي ذر وبين اللّه أحد. انتهى الباب بتمام ألفاظه.
ثمّ قال : الباب التاسع والستّون بعد
المائة : فيما نذكره من جزء عتيق عليه مكتوب : « في هذا الجزء : حديث الرايات
وخطبة أُبي بن كعب » وعليه سماع تاريخه : في جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعمائة في
تسمية رسول اللّه 6
مولانا عليّاً 7
أمير المؤمنين وإمام الغرّ المحجّلين ، فقد تقدّم هذا الحديث بغير هذا الاسناد
فقال ما هذا لفظه :
حدّثنا القاضي أبو عبد اللّه محمد بن
عبد اللّه بن الحسين الجعفي قراءة عليه فأقرّ به ، قال : أخبرنا أبو عبد اللّه
الحسين بن محمد بن الفرزدق القطعي الفزاري ، قال : حدّثنا الحسين بن علي بن بزيع ،
قال : حدّثنا يحيى بن الحسن بن الفرات الفزاري ، قال : حدثنا أبو عبد الرحمن
المسعودي ، عن
عبد اللّه بن عبد الملك ، عن الحارث بن حصيرة ، عن صخر بن الحكم الفزاري ، عن حيان
بن الحارث الأزدي يكنّى أبا عقيل ، عن الربيع بن جميل الضبّي ، عن مالك بن ضمرة
الرواسي ، عن أبي ذر الغفاري ، أنّه اجتمع هو وعلي بن أبي طالب وعبد اللّه بن
مسعود والمقداد بن الأسود ، وعمار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان.
قال : فقال أبو ذر : حدّثونا حديثاً
نذكر به رسول اللّه 6
فنشهد له وندعو له
__________________
ونصدّقه ، فقالوا :
حدِّثنا يا عليّ ، قال : فقال عليّ 7
: لقد علمتم ما هذا زمان حديثي ، قالوا : صدقت.
قال : فقالوا : حدّثنا يا حذيفة ، قال :
لقد علمتم أنّي سئلت عن المعضلات فحذرتهنّ قالوا : صدقت.
قال : فقالوا : حدّثنا يا ابن مسعود ،
قال : لقد علمتم أنّي قرأت القرآن لم أسأل عن غيره قالوا : صدقت.
قال : فقالوا : حدّثنا يا مقداد ، قال :
لقد علمتم إنّما كنت فارساً بين يدي رسول اللّه 6
أُقاتل ولكن أنتم أصحاب الحديث ، فقالوا : صدقت.
قال : فقالوا : حدِّثنا يا عمّار ، قال
: لقد علمتم أنّي إنسان نسّاء إلاّ أن أُذكَّر فأذكر ، قالوا : صدقت.
قال : فقال أبو ذر رحمة اللّه عليه :
أنا أُحدّثكم بحديث سمعتموه أومن سمعه منكم بلغ : ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ
اللّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ اللّه يبعث
من في القبور ، وأنّ البعث حقّ ، وأنّ الجنّة حقّ ، وأنّ النّار حقّ؟ قالوا : نشهد
، قال : وأنا من الشاهدين.
قال : ألستم تشهدون أنّ رسول اللّه 6 حدّثنا أنّ شرّ الأوّلين والآخرين اثنا
عشر : ستّة من الأوّلين وستّة من الآخرين.
ثمّ سمّى من الأوّلين : ابن آدم النبيّ
؛ الذي قتل أخاه ، وفرعون ، وهامان ، وقارون ، والسامري ، والدجّال اسمه في
الأوّلين ويخرج في الآخرين.
وسمّى من الآخرين ستّة : العجل وهو
عثمان ، وفرعون وهو معاوية ، وهامان وهو زياد بن أبي سفيان ، وقارون وهو سعد بن
أبي وقّاص ، والسامري وهو
عبداللّه بن قيس أبو
موسى. قيل : وما السامريّ؟ قال : لا مساس. قال : يقولون : لاقتال ، والأبتر وهو
عمرو بن العاص ، أفتشهدون على ذلك .
فقالوا : نشهد على ذلك ، قال : وأنا على
ذلك من الشاهدين.
ثمّ قال : ألستم تشهدون أنّ رسول اللّه 6 قال : إنّ أُمّتي ترد عليّ الحوض على
خمس رايات. أُولاهنّ راية العجل فأقوم فآخذ بيده فإذا أخذت بيده اسودّ وجهه ورجفت
قدماه وخفقت أحشاؤه وفعل ذلك بمن
تبعه ، فأقول : ما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون : كذّبنا الأكبر ومزّقناه
واضطهدناه ، والأصغر فابتززناه حقّه. فأقول : اسلكوا ذات الشمال ، فينصرفون ظماء
مظمئين مسودّة وجوههم لا يطعمون منه قطرة.
ثمّ ترد عليّ راية فرعون أُمتي وهم أكثر
الناس البهرجيون ، فقلت : يا رسول اللّه وما البهرجيون أبهرجوا الطريق؟ قال : لا
ولكن بهرجوا دينهم وهم الذين يغضبون للدنيا ، ولها يرضون ، ولها يسخطون ، ولها
ينصبون فأقوم فآخذ بيد صاحبهم فإذا أخذت بيده اسودّ وجهه ، ورجفت قدماه ، وخفقت
أحشاؤه وفعل ذلك بمن تبعه ، فأقول : ماخلّفتموني في الثقلين؟ فيقولون : كذّبنا
الأكبر ومزّقناه ، وقاتلنا الأصغر وقتلناه. فأقول : اسلكوا طريق أصحابكم فينصرفون
ظماء مظمئين مسودّة وجوههم لا يطعمون منه قطرة.
ثمّ ترد عليّ راية عبد اللّه بن قيس وهو
إمام خمسين ألفاً من أُمّتي ، فأقوم فآخذ بيده فإذا أخذت بيده اسودّ وجهه ورجفت
قدماه وخفقت أحشاؤه وفعل ذلك بمن تبعه ، فأقول : ما خلفتموني في الثقلين بعدي؟
فيقولون : كذّبنا الأكبر
__________________
وعصيناه ، وخذلنا
الأصغر وخذلنا عنه ، فأقول : اسلكوا سبيل أصحابكم فينصرفون ظماء مظمئين مسودّة
وجوههم لا يطعمون منه قطرة.
ثمّ ترد عليّ راية المخدج وهو إمام
سبعين ألفاًمن أُمّتي فأقوم فآخذ بيده فإذا أخذت بيده اسودّ وجهه ورجفت قدماه
وخفقت أحشاؤه وفعل ذلك بمن تبعه فأقول : ما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون :
كذّبنا الأكبر وعصيناه ، وقاتلنا الأصغر وقتلناه ، فأقول : اسلكوا سبيل أصحابكم
فينصرفون ظماء مظمئين مسودّة وجوههم لا يطعمون منه قطرة.
ثمّ ترد عليّ راية عليّ بن أبي طالب
أمير المؤمنين وإمام الغرّ المحجّلين فأقوم فآخذ بيده فيبيضّ وجهه ووجوه أصحابه
فأقول : ما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون : تبعنا الأكبر وصدّقناه ، ووازرنا
الأصغر ونصرناه وقاتلنا معه ، فأقول : ردوا رواءً مرويّين ، فيشربون شربة لا
يظمأون بعدها أبداً ، وجه إمامهم كالشمس الطالعة ووجوههم كالقمر ليلة البدر أو
كأضوأ نجم
في السماء.
ثمّ قال : ألستم تشهدون على ذلك قالوا :
بلى ، قال : وأنا على ذلك من الشاهدين.
قال لنا القاضي محمد بن عبد اللّه :
اشهدوا عليّ عند اللّه أنّ الحسين بن محمد بن الفرزدق حدّثني بهذا. وقال الحسين بن
محمد : اشهدوا عليّ بهذا عند اللّه أنّ الحسين بن علي بن بزيع حدّثني به.
وقال الحسين بن علي بن بزيع : اشهدوا
عليّ بهذا عند اللّه أنّ يحيى بن حسن حدّثني بهذا.
__________________
وقال يحيى بن حسن : اشهدوا عليّ بهذا
عند اللّه أنّ أبا عبد الرحمن حدّثني بهذا عن الحارث بن حصيرة.
وقال أبو عبد الرحمن : اشهدوا بهذا عند اللّه أنّ الحارث بن
حصيرة حدّثني بهذا عن صخر بن الحكم.
وقال الحارث بن حصيرة : اشهدوا عليّ
بهذا عند اللّه أنّ صخر بن الحكم حدّثني بهذا عن حنان بن الحارث.
وقال صخر بن الحكم : اشهدوا عليّ بهذا
عند اللّه أنّ حنان بن الحارث حدّثني بهذا عن الربيع بن جميل الضبّي.
وقال الربيع بن جميل الضبّي : اشهدوا
عليّ بهذا عند اللّه أنّ مالك بن حمزة حدّثني بهذا عن أبي ذرّ الغفاري.
وقال مالك بن ضمرة : اشهدوا عليّ بهذا
عند اللّه أنّ أبا ذرّالغفاري حدّثني بهذا عن رسول اللّه 6.
وقال أبو ذر : اشهدوا عليّ بهذا عند
اللّه أنّ رسول اللّه 6
حدّثني بهذا عن جبرئيل.
وقال رسول اللّه 6 : اشهدوا عليّ بهذا عند اللّه أنّ
جبرئيل حدّثني بهذا عن اللّه جلّ وجهه وتقدّست أسماؤه.
وقال يوسف بن كليب ومحمد بن حنبل : إنّ
أبا عبد الرحمن حدّثه بهذا الحديث وبهذا الاسناد ، وبهذا الكلام.
قال الحسن بن عليّ بن بزيع : وزعم
إسماعيل بن أبان أنّه سمع هذا
__________________
الحديث ، حديث
الرايات ، من أبي عبد الرحمن المسعودي .
انتهى الباب بألفاظه.
وهذه الأبواب هي جميع ما تضمّن حديث
الرايات من هذا الكتاب إلاّ باباً واحداً هو الباب الخمسون بعد المائة تركته لكونه
عين بعض ما ذكرناه معنى ، ولما اختلفت الألفاظ وكانت النسخ التي عندنا سقيمة
متروكاً فيها ذكر بعض الرايات.
وروى الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويه ; في باب الاثني عشر من كتاب « الخصال »
، عن الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي الكوفي
، عن فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي ، عن عبيد بن كثير ، عن يحيى بن الحسن ؛
وعباد بن يعقوب ؛ ومحمد بن الجنيد ، عن أبي عبد الرّحمن المسعودي ، عن أبي ذرّ
الغفاري بالاسناد المحكي عن كتاب « اليقين » هذا الخبر الذي حكيناه أخيراً بعينه ،
إلاّ أنّ في بعض الألفاظ مفاوتة لا يضرّ بالمعنى ، وفيه زيادة راية أُخرى في تفصيل
الرايات مع الاتفاق في الإجمال على الخمس ، فقال بعد راية فرعون الأُمّة : ثمّ ترد
عليّ راية هامان أُمّتي فأقوم فآخذ بيده ، فإذا أخذت بيده اسودّوجهه ورجفت قدماه
وخفقت أحشاؤه ومن فعل فعله تبعه ، فأقول : بما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون
: كذّبنا الأكبر ومزّقناه ، وخذلنا الأصغر وعصيناه ، فأقول : اسلكوا سبيل أصحابكم
فينصرفون ظماء مظمئين مسودّة وجوههم لا يطعمون منه قطرة.
__________________
وروى علي بن إبراهيم بن هاشم ; في تفسير سورة المائدة من تفسيره ، عن
أبيه ، عن مسلم بن خالد ، عن محمد بن جابر ، عن ابن مسعود قال : قال لي رسول اللّه
6 لمّا رجع من
حجّة الوداع : يا ابن مسعود قد قرب الأجل ونعيت إليّ نفسي فمن لذلك بعدي؟ فأقبلتُ
أعد عليه رجلاً رجلاً ، فبكى 6
ثمّ قال : ثكلتك الثواكل فأين أنت عن علي بن أبي طالب لم لا تقدّمه على الخلق
أجمعين؟ يا ابن مسعود إنّه إذا كان يوم القيامة رفعت لهذه الأُمّة أعلام فأوّل
الأعلام لوائي الأعظم مع علي بن أبي طالب ، والنّاس جميعاً تحت لوائه ينادي مناد :
هذا الفضل يا ابن أبي طالب.
هذه هي التي حضرتني من روايات الخمس
رايات على التفصيل.
وأمّا المجملة منها ، فهي أيضاً كثيرة
لا نطوّل الكتاب بذكرها ففيما نقلناه كفاية.
وفي كتاب « مقتل الحسين » صلوات اللّه
عليه للشيخ موفق بن أحمد المكي أخطب خطباء خوارزم في خبر طويل عن رسول اللّه 6 : ألا وأنّه سترد عليّ في القيامة ثلاث
رايات من هذه الأُمّة : راية سوداء مظلمة فتقف عليّ فأقول : من أنتم؟ فينسون ذكري
ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب.
فأقول : أنا أحمد نبيّ العرب والعجم.
فيقولون : نحن من أُمّتك يا أحمد.
فأقول لهم : كيف خلفتموني من بعدي في
أهلي وعترتي وكتاب ربّي؟
فيقولون : أمّا الكتاب فضيّعنا ومزّقنا
، وأمّا عترتك فحرصنا على أن نبيدهم
__________________
عن جديد الأرض
فأولّي وجهي عنهم فيصدرون ظماء عطاشا مسودّة وجوههم.
ثمّ ترد عليّ راية أُخرى أشدّ سواداً من
الأُولى فأقول لهم : من أنتم؟ فيقولون كالقول الأوّل بأنّهم من أهل التوحيد ، فإذا
ذكرت لهم اسمي عرفوني وقالوا : نحن أُمّتك.
فأقول لهم : كيف خلفتموني في الثقلين
الأكبر والأصغر؟
فيقولون : أمّاالأكبر فخالفنا ، وأمّا
الأصغر فخذلنا ومزقناهم كلّ ممزّق.
فأقول لهم : إليكم عنّي ، فيصدرون ظماء
عطاشا مسودّة وجوههم.
ثمّ ترد عليّ راية أُخرى تلمع نوراً
فأقول لهم : من أنتم؟
فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى
، نحن أُمّة محمّد ونحن بقيّة أهل الحقّ الذين حملنا كتاب ربّنا فأحللنا حلاله
وحرّمنا حرامه وأحببنا ذرّيته فنصرناهم من كلّ ما نصرنا منه أنفسنا ، وقاتلنا معهم
وقتلنا من ناوأهم.
فأقول لهم : أبشروا فأنا نبيّكم محمّد
ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ؛ ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون رواء .
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: عدل عن أن يجعل المحكوم عليه ابتداء هو الرايات ، لأنّ مقصوده بالذات بيان حال
الناس والحكم عليهم بالافتراق خمس فرق ، ولأنّ المقام مقام إطناب ومقام إبهام ثمّ
تفسير ، ولا شكّ أنّ في ذكر الناس أوّلاً ثمّ ذكر الرايات ،
__________________
إبهاماً بعده تفسير.
الثانية
: تذكير هالك وإفراده ، للإبهام.
الثالثة
: في تعريف كلّ من العجل وأخويه دلالة على كونهم معروفين معهودين بهذه الألقاب.
الرابعة
: قطع المشنع عن موصوفه للمبالغة في الذم والتوجيه والقافية.
الخامسة
: تقديم المفعول في « للزور والبهتان قد أبدعوا » للوزن والقافية والحصر والاهتمام
والإيضاح بعد الإبهام.
السادسة
: العدول عن مضجعه إلى له مضجعاً إن كان له حالاً عن « مضجعاً » للإبهام ثمّ
الإيضاح والوزن والتقفية ، وتعميم المضجع لتعميم الدعاء والتوجيه. وإن كان التنوين
في « مضجعاً » عوضاً عن المضاف إليه فالعدول عن الإضافة إلى التنوين في مضجعاً
للاختصار والوزن والقافية والاستغناء عن المضاف إليه بما تقدّم من قوله « له »
والتوجيه والتصوير بصورة النكرة المفيدة للعموم.
السابعة
: حذف ما أُضيف إليه أربعة ، إن كان تنوينه عوضاً عن الإضافة ، للوزن والاختصار
والاستغناء عنها بالقرينة والتوجيه من وجوه.
الثامنة
: تقديم الظرف أعني « في سقر » على « وأودعوا » إن كان متعلّقاً به للتوجيه والوزن
والتقفية والحصر والاهتمام.
__________________
البيان :
إطلاق الراية على ذي الراية مجاز مرسل
من باب إطلاق اسم أحد المتجاورين على الآخر.
إسناد « الهلاك » إلى « الراية » إن لم
يرد بها ذو الراية ولم يرد بالهالك المصاحب للهلاك مجازي.
كلّ من العجل والفرعون والسامري والحبتر
والنعثل إن لم تكن ألقاباً ، استعارة مصرّحة ، إلاّ السامري إن كان منسوباً إلى
السامري ، فإنّ النسبة فيه بمعنى المشابهة ففيه حينئذٍ تشبيه.
[ ٤٩ ]
غداً يُلاقي المُصطَفى حيدرٌ
|
|
ورايةُ الحَمْدِ لَهُ تُرْفَعُ
|
اللغة :
لاقاه ملاقاة ولقاءً ولقيه لقاءً ولقاءة
ولقاية ولقياً ولقياناً ولقيانة بكسرهنّ ، ولقياناً ولقياً ولقى ولقية بضمّهنّ ،
ولقاءة ـ بالفتح ـ : صادفه.
« الألف واللام »
للتزيين إن كان المراد به اللقب المخصوص بالنبيّ 6
كما هو الظاهر. ويحتمل أن تكون الألف واللام داخلتين في الوضع العلمي ، وللعهد إن
كان المراد به المعنى الوضعي.
« الاصطفاء »
: تناول صفو الشيء أي خالصه ، كما الاختيار تناول خيرة الشيء ، واصطفاء اللّه بعض
عباده بمعنى تمييزه منهم بمزيد إكرام وتفضيل وتشريف. وقد يكون بمعنى خلقه صافياً
عن الشوب الموجود في غيره ونبيّنا 6
صافي عن كلّ شوب ، مختار على كلّ خلق فلذلك سمي دون غيره ب « المصطفى ».
« الواو »
للحال.
« الحمد »
: هو الثناء على فضل اختياري أو أعمّ من الاختياري وغيره ، على اختلاف في ذلك.
« راية الحمد »
راية ، وردت كثير من الأخبار بأنّها راية لرسول اللّه 6 يوم
القيامة وبأنّ
حاملها أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه.
روى فرات بن إبراهيم بن فرات في تفسيره
قال : حدّثني القاسم بن الحسين بن حازم
القرشي معنعناً ، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه ، قال : اكتنفنا رسول اللّه 6 ذات يوم فاطّلع أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب 7 ، فقال
النبي 6 : تريدون أن
أُريكم أوّل من يدخل الجنّة؟ قال فقالوا : نعم. قال : هذا.
فقام أبو دجانة الأنصاري فقال : يا رسول
اللّه سمعتك وأنت تقول : إنّ الجنّة محرّمة على النبيّين وسائر الأُمم حتى تدخلها
أنت!
قال : يا أبا دجانة أما علمت أنّ للّه
لواء من نور عموده من ياقوت مكتوب على ذلك اللواء : لا إله إلاّ اللّه محمّدٌ رسول
اللّه أيّدته بعليّ.
« اللام »
للاختصاص أو الاستحقاق أو التعليل ، كما في قوله : « ويومَ عقرتُ للعذارى مطيّتي »
.
الإعراب :
« غداً »
ظرف ل « يلاقي ». وهو فعل مفعوله « المصطفى » وفاعله « حيدر ».
« راية الحمد »
مبتدأ خبره مابعده ، ويحتمل أن يكون مفعول « ترفع ».
فعلى الأوّل يكون « ترفع » مبنيّاً
للمفعول مؤنثاً ويكون الضمير في « له » عائداً على حيدر.
وعلى الثاني يكون « يرفع » مبنيّاً
للفاعل مذكّراً فاعله الضمير العائد على
__________________
حيدر والضمير في «
له » للمصطفى ، لكن لابدّ على هذا أن يقدّر مبتدأ تكون هذه الجملة خبره ، أي « وهو
يرفع راية الحمد » لئلاّ يلزم دخول الواو على الجملة الحالية الفعلية التي فعلها
مضارع كما يقال في نحو : « قمت وأصك وجهه » .
وعلى كلّ فالجملة حال عن حيدر.
المعنى :
يوم القيامة يصادف أمير المؤمنين رسول
اللّه صلى اللّه عليهما وآلهما ، والحال أنّ راية الحمد ترفع لأمير المؤمنين صلوات
اللّه عليه أو والحال أنّه يرفع راية الحمد لرسول اللّه 6 ، والروايات الناطقة بذلك أكثر من أن
تُحصى من طرق الخاصة والعامة.
روى الشيخ الجليل محمد بن علي بن شهر
اشوب في « مناقبه » قال : أخبرني أبو الرضا الحسيني الراوندي بإسناده عن النبي 6 : إذا كان يوم القيامة يأتيني جبرئيل
ومعه لواء الحمد وهو سبعون شقّة ، الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر ، وأنا على
كرسيّ من كراسي الرضوان فوق منبر من منابر القدس فآخذه وأدفعه إلى علي بن أبي
طالب.
فوثب عمر فقال : يا رسول اللّه وكيف
يطيق عليٌّ حمل اللّواء؟
فقال 6
: إذا كان يوم القيامة يعطي اللّه عليّاً من القوّة مثل قوّة جبرئيل ، ومن النور
مثل نور آدم ، ومن الحلم مثل حلم رضوان ، ومن الجمال مثل جمال
__________________
يوسف.
وروى أخطب خطباء خوارزم موفق بن أحمد
المكّي الخوارزمي في « مناقبه » ، بإسناده عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال :
كان رسول اللّه 6
في بيته فغدا عليه عليّ بن أبي طالب 7
الغداة وكان يحبُّ أن لا يسبقه إليه أحد ، فدخل فإذا النبيّ 6 في صحن الدار وإذا رأسه في حجر دحية بن
خليفة الكلبي فقال : كيف أصبح رسول اللّه 6؟
فقال : بخير يا أخا رسول اللّه.
قال : فقال له علي : جزاك اللّه عنّا
أهل بيت خيراً. قال له دحية : إنّي أُحبّك وإنّ لك عندي مدحة أزفّها إليك : أنت
أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين ، أنت سيّد وُلد آدم ما خلا النبيّين
والمرسلين ، لواء الحمد بيدك يوم القيامة ، تُزَفُّ أنت وشيعتك مع محمد وحزبه إلى
الجنان زفّاً ، قد أفلح من تولاّك وخسر من عاداك ، محبّ محمد محبّك ، ومبغض محمد
مبغضك لن تناله شفاعة محمد ؛ اُدن منّي صفوة اللّه ؛ فأخذ رأس النبي 6 فوضعه في حجره فانتبه النبيّ 6 فقال : ما هذه الهمهمة؟ فأخبره الحديث
فقال : لم يكن هو الكلبي كان جبرئيل سمّاك باسم سمّاك اللّه به وهو الذي ألقى
محبّتك في صدور المؤمنين ، ورهبتك في صدور الكافرين.
وروى الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن أبي
القاسم الطبري في كتاب « بشارة المصطفى لشيعة المرتضى » مسنداً عن إسماعيل بن رزين
ابن أخي دعبل
__________________
بن علي الخزاعي ، عن
أبيه ، عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي صلوات اللّه عليهم ، عن رسول اللّه 6 في خبر طويل يخاطب به أمير المؤمنين
صلوات اللّه عليه : وأنت أوّل من يدخل الجنّة وبيدك لوائي لواء الحمد ، وهو سبعون
شقّة ، الشقّة أوسع من الشمس والقمر.
وفي مسند أحمد بن حنبل مسنداً : إنّ
رسول اللّه 6 آخى بين
المسلمين ثمّ قال : يا عليّ أنت أخي منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ
بعدي ، أما علمت يا عليّ انّي أوّل من يُدعى به يوم القيامة ، يُدعى بي فأقوم عن
يمين العرش فأُكسى حُلّة خضراء من حُلل الجنّة ، ثمّ يُدعى بالنبيّين بعضهم على
اثر بعض فيقومون سماطين على يمين العرش ويكسون حللاً خضراء من حُلل الجنّة.
ألا وإنّي أُخبرك يا علي أنّ أُمّتي
أوّل الأُمم يُحاسَبون يوم القيامة ، ثمّ أنت أوّل من يُدعى بك لقرابتك ومنزلتك
عندي ، ويدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد فتسير به بين السماطين ، آدم وجميع خلق
اللّه يستظلّون بظلّ لوائي ، وطوله مسيرة ألف سنة ، سنانه ياقوتة حمراء قصبة فضّة
بيضاء زجة درّة خضراء له ثلاث ذوائب من نور : ذؤابة في المشرق ، وذؤابة في المغرب
، والثالثة وسط الدنيا ، مكتوب عليه ثلاثة أسطر :
الأوّل : « بسم اللّه الرحمن الرحيم ».
الثاني : « الحمد للّه ربّ العالمين ».
الثالث : « لا إله إلاّ اللّه محمّد
رسول اللّه ». طول كلّ سطر ألف سنة ، فتسير باللواء والحسن عن يمينك والحسين عن
يسارك حتى تقف بيني وبين إبراهيم في
__________________
ظلّ العرش ثمّ
تُكسَى حُلَّة خضراء من الجنّة ، ثمّ ينادي مناد من تحت العرش : نِعمَ الأب أبوك
إبراهيم ونِعم الأخ أخوك عليّ ؛ أبشر يا عليّ أنّك تُكسى إذا كُسيت وتُدعى إذا
دُعيت وتحبى إذا حبت.
ولكن روى فرات بن إبراهيم في تفسيره عن
أبي القاسم الحسين قال : حدّثني معنعناً ، عن معاذ بن جبل ، عن النبيّ 6 في حديث طويل ، أنّه قال : وأعطاني في
علي لآخرتي أنّي أُعطى يوم القيامة أربعة ألوية فلواء الحمد بيدي وآدفع لواء
التهليل لعلي وأُوجهه في أوّل فوج ، وهم الذي يحاسبون حساباً يسيراً ويدخلون
الجنّة بغير حساب عليهم.
وأدفع لواء التكبير إلى حمزة وأُوجهه في
الفوج الثاني.
وأدفع لواء التسبيح إلى جعفر وأُوجهه في
الفوج الثالث .
أقول
: ولا مدافعة بين هذا الخبر وغيره ، فإنّ ليوم القيامة مواطن كثيرة فيمكن أن يكون
هذا في بعض مواطنه وذلك في بعض آخر ويجوز أن يجمع لأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه
لواء الحمد مع التهليل في البعض الآخر.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: التعبير عن يوم القيامة بالغد ، لما عرفت سابقاً.
الثانية
: تقديم الظرف ، أعني : « غداً » لتشويق السامع إلى عامله.
__________________
الثالثة
: تقديم المفعول ، أعني : « المصطفى » للتشريف والتبرّك والتشويق إلى ذكر الفاعل ،
وتقريب ذي الحال من الحال والوزن.
الرابعة
: التعبير بالمصطفى دون اسمه الشريف ، للتعظيم ولأنّه أيضاً من أسمائه الشريفة
وألقابه المعروفة ، ولما فيه من الدلالة على كونه خير الخلق أجمعين.
الخامسة
: تقديم « راية الحمد » إن كان مفعولاً ، للوزن والقافية والتشويق والتبرّك
والتوجيه والاهتمام.
السادسة
: تقديم « له » إن كان « راية » مبتدأ ، للحصر والوزن والقافية وتقريب الضمير من
مرجعه ، وإن كان مفعولاً فللثلاثة الأخيرة ، لا يقال على الأخير إنّه وإن تضمّن
تقريب ضمير من مرجعه فقد يضمن تبعيد ضمير آخر من مرجعه ؛ فقد يضمن وهو ما في « يرفع » من مرجعه.
لأنّا نقول : وإن كان الأمر كذلك إلاّ
أنّ مرجع الأوّل أبعد من مرجع الثاني فناسب التقريب أكثر من مرجع الثاني.
البيان :
« غداً » استعارة مصرّحة ، لابتنائها
على تشبيه يوم القيامة بالغد في قرب الوقوع ، أو في الانقطاع بالكلّية عن أيّام
الدنيا ، وانفصاله عنها في الأحكام.
__________________
[ ٥٠ ]
موْلّىً لَهُ الجَنَّةُ مَأْمُورَةٌ
|
|
والنّارُ من إجلالهِِ تَفزَعُ
|
اللغة :
« اللام »
للاختصاص أو الاستحقاق أو شبه التملّك.
« الألف واللام »
للعهد أو الاستغراق ، وكذلك الألف واللام في « النار » فإنّ لجهنّم أيضاً منازل
ودركات كما للجنّة درجات ومساكن لا تحصى.
« من »
للتعليل.
« الإجلال »
التعظيم ، أي العد جليلاً.
المراد ب « النار » إمّا معناها
الحقيقي ، أو أهلها ، أو المراد بالفزع ليس معناها الحقيقي ، بل يكون مجازاً عن
مطواعيتها له ، والمطواعية مجازاً عن تحقّق مراده 6
فيها ، بأن يدخلها من شاء ولا يدخلها من شاء ، أو النار مضاف محذوف أي أهل النار.
الإعراب :
« مولى »
خبر « هو » مقدراً.
« له »
متعلّق بـ « مأمورة ».
« الجنّة »
مبتدأ « مأمورة » والجملة صفة ل « مولى » ، ويحتمل أن يكون « له » ظرفاً مستقرّاً
و « الجنة » فاعله ، والجملة صفة ل « مولى » و « مأمورة » تمييزاً ، ك : «
فارساً » في : للّه دره فارساً ، وحينئذ فاللاّم تحتمل غير الاختصاص.
ثمّ إنّ « مأمورة »
إمّا أن يكون نزل بالنسبة إلى المفعول الثاني الذي يتعدّى إليه بالباء منزلة
اللازم ، أو يقدّر باتّباعه أو امتثال أمره.
جملة المصراع الثاني إمّا عطف على جملة
الصفة فيكون من عطف إحدى الصفتين على الأُخرى ، أو يكون العطف قبل الوصفية حتى
تكون الصفة مجموع الجملتين فإنّ المجموع بمعنى مطاع الجنّة والنار.
وإمّا عطف على جملة المصراع الأوّل
فيكون من عطف أحد الخبرين على الآخر.
« النار »
مبتدأ خبره « تفزع » ، وعلى تقدير مجاز الحذف في التقدير مضاف إليه مقدّر.
« من إجلاله » متعلّق ب « تفزع »
ومفعوله الذي يتعدّى إليه بمن محذوف ، أي منه أو منزل منزلة اللازم ، أي يحصل لها
الفزع والذعر من جهة إجلاله.
المعنى :
« هو »
أي حيدر ـ صلوات اللّه عليه ـ مولى الجنّة المعهودة ، أي جنّة الآخرة أو الجنان
كلّها مأمورة له بإطاعته ، أو الجنّة مخصوصة به أوحقّ له أو ملك له من حيث
المأمورية ، أي مأموريته مخصوصة به أو حقّ له أو ملك له ، وآلنار المعهودة أي نار
جهنم أو نيران جهنّم كلّها تخاف وتذعر منه لإجلاله وتعظيمه.
والحاصل أنّ كلاًّ من الجنّة والنار
مطيع له وأنّه قسيمها. والأخبار الناصّة بذلك لا تحصى كثرة من طرق العامّة
والخاصّة ، ولا بأس بالتبرّك بذكر بعض من
ذلك :
فقد روى الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن
أبي القاسم الطبري في « بشارة المصطفى لشيعة المرتضى » بإسناده إلى ابن عبّاس :
لمّا فتح اللّه على نبيّه مدينة خيبر قدم جعفر 7
من الحبشة ، فقال النبي 6
: لا أدري أنا بأيّهما أُسرّ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر. وكانت مع جعفر 7 جارية فأهداها إلى عليّ 7 ، فدخلت فاطمة 3 بيتها فإذا رأس عليّ 7 في حجر الجارية ، فلحقها من الغيرة ما
يلحق المرأة على زوجها ، فتبرقعت برقعتها ووضعت خمارها على رأسها تريد النبيّ 6 تشكو إليه عليّاً 7.
فنزل جبرئيل 7 على النبي 6 فقال له : « يا محمد إن ّاللّه يقرؤك
السّلام ويقول لك : هذه فاطمة أتتك تشكو عليّاً فلا تقبلنَّ منها. فلمّا دخلت فاطمة
3 قال لها
النبي 6 : ارجعي إلى
بعلك وقولي له رغم أنفي لرضاك.
فرجعت فاطمة فقالت : يا ابن عم رغم أنفي
لرضاك. فقال عليّ 7
: يا فاطمة شكوتيني إلى النبيّ 6
واحياءاه من رسول اللّه 6
، أُشهدك يا فاطمة أنّ هذه الجارية حرّة لوجه اللّه في مرضاتك ، وكان مع عليّ 7 خمسمائة درهم فقال : وهذه الخمسمائة
درهم صدقة على فقراء المهاجرين وآلأنصار في مرضاتك.
فنزل جبرئيل 7 على النبي 6 فقال : يا محمد اللّه يقرؤك السّلام
ويقول : بشّر علي بن أبي طالب بأنّي قد وهبت له الجنّة بحذافيرها لعتقه الجارية في
مرضاة فاطمة ، فإذا كان يوم القيامة يقف على باب الجنّة فيُدخل من يشاء الجنة
برحمتي ويمنع منها من يشاء بغضبي ، وقد وهبتُ له النّار بحذافيرها لصدقته
الخمسمائة
__________________
درهم على الفقراء في
مرضاة فاطمة فإذا كان يوم القيامة يقف على باب النّار فيدخل من يشاء النار بغضبي
ويمنع من يشاء منها برحمتي.
فقال النبيّ 6 : بخ بخ مَن مثلك يا عليّ وأنت قسيم
الجنّة والنار.
وروى ابن شيرويه الديلمي في « الفردوس »
عن كتاب الاحسن والمحسن للصفواني ، في خبر طويل ، عن إسحاق بن موسى بن جعفر ، عن
أبيه ، عن جدّه ، عن آبائه صلوات اللّه عليهم قال : قال النبيّ 6 : وينزل الملكان ، يعني : رضوان ومالك
، فيقول مالك : إنّ اللّه أمرني بلطفه ومنّه أن أسعر النيران فسعرتها ، وأن أغلق
أبوابها فغلقتها ، وأن آتيك بمفاتيحها فَخُذْها يا محمد ، فأقول : قد قبلت ذلك من
ربّي فله الحمد على ما منّ به عليّ ، ثمّ أدفعها إلى عليّ.
ثمّ يقول رضوان : إنّ اللّه أمرني بمنّه
ولطفه أن أُزخرف الجنان فزخرفتها ، وأن أغلق أبوابها فغلّقتها ، وأن آتيك
بمفاتيحها فخذها يا محمّد ، فأقول : قد قبلت ذلك من ربّي فله الحمد على ما منّ به
عليّ ، ثمّ أدفعها إلى علي ، فيتنزل عليّ وبيده مفاتيح الجنة ومقاليد النار فيقف
علي بحجزتها ويأخذ بزمامها وقد تطاير شررها وعلا زفيرها وتلاطمت أمواجها فتناديه
النار : جزني يا عليّ فقد أطفأ نورك لهبي ، فيقول لها عليّ : أُتركي هذا وَلِيّي ،
وخُذي هذا عدوّي ، وإنّ جهنم يومئذ لأطوع لعلي من غلام أحدكم لصاحبه.
وروى الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويه ; في كتاب « علل الشرائع والأحكام »
بإسناده عن سماعة بن مهران قال : قال أبو عبد اللّه 7
: إذا كان يوم القيامة وضع منبر يراه جميع الخلائق ، يقف عليه رجل يقوم ملك عن
يمينه وملك
__________________
عن يساره ، فينادي
الذي عن يمينه : يا معشر الخلائق هذا عليّ بن أبي طالب صاحب الجنّة يدخل الجنّة من
شاء ، وينادي الذي عن يساره : يا معشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب صاحب النار
يدخلها من شاء.
وروى في « عيون أخبار الرضا » باسناده
عن أبي الصلت الهروي قال : قال المأمون للرضا 7
: يا أبا الحسن أخبرني عن جدّك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 بأيّوجه هو قسيم الجنّة والنار وبأيّ
معنى فقد كثر فكري في ذلك؟ فقال له الرضا 7
: يا أمير المؤمنين ألم ترو عن أبيك ، عن آبائه ، عن عبد اللّه بن عباس أنّه قال :
سمعت رسول اللّه 6
يقول : حُبّ عليّ إيمان وبغضه كفر؟ فقال : بلى ، فقال الرّضا 7 : فقسمة الجنة والنار إذا كانت على
حبّه وبغضه فهو قسيم الجنّة والنّار.
فقال المأمون : لا أبقاني اللّه بعدك يا
أبا الحسن أشهدك أنّك وارث علم رسول اللّه 6.
قال أبو الصلت الهروي : فلمّا انصرف الرضا 7
إلى منزله أتيته فقلت له : يابن رسول اللّه ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين ،
فقال لي الرّضا 7
: إنّما كلّمته من حيث هو ، ولقد سمعت أبي يحدّث عن آبائه عن عليّ : أنّه قال : قال لي رسول اللّه 6 : يا عليّ أنت قسيم الجنّة والنّار يوم
القيامة تقول للنار هذا لي وهذا لكِ.
وروي في العلل باسناده عن المفضل بن عمر
قال : قلت لأبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق 7
: لمَ صار أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب قسيم الجنّة والنّار؟ قال : لأنّ حبّه
إيمان وبغضه كفر ، وإنّما خلقت الجنة لأهل الإيمان ،
__________________
وخلقت النار لأهل الكفر
، فهو 7 قسيم الجنّة
والنار ، لهذه العلّة فالجنة لا يدخلها إلاّ أهل محبّته ، والنار لا يدخلها إلاّ
أهل بغضه.
قال المفضل : فقلت : يابن رسول اللّه
فالأنبياء والأوصياء :
كانوا يحبّونه وأعداؤهم كانوا يبغضونه؟
قال : نعم.
قلت : فكيف ذلك؟ قال : أما علمت أنّ
النبيّ 6 قال يوم
خيبر : لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله ما
يرجع حتى يفتح اللّه على يديه ، فدفع الراية إلى عليّ 7 ففتح اللّه عزّ وجلّ على يديه؟
قلت : بلى. قال : أما علمت أنّ رسول
اللّه 6 لمّا أتى
بالطائر المشوي قال : اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا
الطائر ، وعنى به عليّاً 7؟
قلتُ : بلى. قال : فهل يجوز أن لا يحبّ
أنبياء اللّه ورُسُله وأوصياؤهم :
رجلاً يحبّه اللّه ورسوله ويحبّ اللّه ورسوله؟
فقلت له : لا ، قال : فهل يجوز أن يكون
المؤمنون من أُممهم لا يحبّون حبيب اللّه وحبيب رسوله وأنبيائه :؟
قلت : لا ، قال : فقد ثبت أن جميع
أنبياء اللّه ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعليّ بن أبي طالب 7 محبّين ، وثبت أنّ أعداءهم والمخالفين
لهم كانوا لهم ولجميع أهل محبّتهم مبغضين؟
قلت : نعم. قال : فلا يدخل الجنّة إلاّ
من أحبّه من الأوّلين والآخرين ولا يدخل النار إلاّ من أبغضه من الأوّلين والآخرين
، فهو إذن قسيم الجنة والنار.
قال المفضّل بن عمر : فقلت له : يا بن
رسول اللّه فرّجت عني فرّج اللّه عليك فزدني ممّا علّمك اللّه.قال : سل يا مفضّل.
فقلت له : يا ابن رسول اللّه فعليّ بن
أبي طالب 7 يُدخل محبّه
الجنّة ومبغضه النار؟ أو رضوان ومالك؟.
فقال : يا مفضّل أما علمت أنّ اللّه
تبارك وتعالى بعث رسول اللّه 6
وهو روح إلى الأنبياء :
وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام؟ قلت : بلى.
قال : أما علمت أنّه دعاهم إلى توحيد
اللّه وطاعته واتّباع أمره ووعدهم الجنّة على ذلك ، وأوعد مَن خالف ما أجابوا إليه
وأنكره النار؟ قلت : بلى.
قال : أفليس النبي 6 ضامناً لما وعد وأوعد من ربّه عزّوجلّ؟
قلت : بلى.
قال : أو ليس علي بن أبي طالب 7 خليفته وإمام أُمّته؟ قلت : بلى.
قال : أو ليس رضوان ومالك من جملة الملائكة
المستغفرين لشيعته الناجين بمحبّته؟ قلت : بلى.
قال : فعلي بن أبي طالب إذن قسيم الجنّة
والنار عن رسول اللّه 6
، ورضوان ومالك صادران عن أمره بأمر اللّه تبارك وتعالى.
يا مفضّل خذ هذا فإنّه من مخزون العلم
ومكنونه لا تخرجه إلاّ إلى أهله.
__________________
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: تنكير « مولى » للتعظيم.
الثانية
: تقديم « له » على مابعده إن كان متعلّقاً ب « مأمورة » ، للحصر والوزن والتوجيه
وتقريب الضمير من مرجع والابتداء بالعائد في الصفة والتبرّك ، لرجوع الضمير إلى من
تبرّك باسمه وصفاته ، وكذا تقديم « مِن إجلاله » على « تفزع » وفيه رعاية القافية
أيضاً.
الثالثة
: إن كان « مأمورة » تمييزاً ففيه إيضاح بعد إبهام.
البيان :
إن كان « مأمورة » تمييزاً فإسناد « له
» إلى « الجنّة » مجازي فإنّ فاعله حقيقة هو المأمورية : مأموريّة الجنة ، إمّا
بمعناه الحقيقي ، لجواز أن يجعلها اللّه قابلة للخطاب والأمر ، وإمّا بمعنى تعلّق
التقدير الإلهي كماعرفت سابقاً ، وكذا نسبة الفزع إلى النار إمّا بمعناها الحقيقي
، أو النّار مجاز عن أهلها ، أو فيه مجاز الحذف أو الاسناد مجازي ، أو الفزع مجاز
عن المطواعية المراد بها تحقيق ما أراده 7
فيها.
[ ٥١ ]
إمامُ صِدق ولَهُ شيعةٌ
|
|
يُروَوا مِنَ الحَوضِ ولَمْ
يُمْنَعُوا
|
اللغة :
« الإمام »
من يؤتم به ، أي يُقتدى به في أقواله وأفعاله ، من أمَّهُ ، بمعنى قصده لأنّ
المؤتمّين يقصدونه.
المراد بالصدق إمّا معناه الحقيقي أو
الحق ، فإنّ الصدق كما عرفت إنّما يكون في الخبر إذا طابق مضمونه الواقع.
« شيعة »
الرجل : أتباعه وأنصاره ، من شيع فلاناً إذا تبعه ليودّعه ، وشيع الجنازة وشايع
فلاناً إذا تابعه على أمر ، أو من شاع بمعنى انتشر لأنّهم منتشرون عنه في أُمورهم
أي يصدورن عنه ، وشيعة عليّ صلوات اللّه عليه له معنيان :
الأوّل : وهو المعروف : من والاه واعتقد
أنّه الإمام المفترض الطاعة بعد رسول اللّه 6.
والثاني : وهو الذي ورد في عدّة أخبار :
مَن تابَعَهُ في الأقوال والأفعال وسائر سيرته ، ولم يخالفه فيما أمره به ولم
يقترف ما نهاه عنه ، ففي تفسير الإمام الهمام ، أبي محمد الحسن بن علي العسكري
صلوات اللّه عليه عن رسول اللّه 6
في حديث
طويل يذكر فيه
محبّيه ومحبّي عليّ صلوات اللّه عليهما مَن يدخل جهنّم ، قال في آخره : ليس هؤلاء
يسمّون بشيعتنا ، ولكنّهم يسمّون بمحبينا والموالين لأوليائنا والمعادين لأعدائنا
، إنّ شيعتنا من شيعنا واتّبع آثارنا واقتدى بأعمالنا.
وفيه أيضاً قال الإمام 7 : قال رجل لرسول اللّه 6 : فلان ينظر إلى حرم جاره فإن أمكنه
مواقعة لم يرع عنه ، فغضب رسول اللّه 6
وقال : ائتوني به ، فقال رجل آخر : يا رسول اللّه إنّه من شيعتكم ممّن يعتقد
موالاتك وموالاة عليّ ويتبرأ من أعدائكما.
فقال رسول اللّه 6 : لا تقل إنّه من شيعتنا فإنّه كذب ؛
إنّ شيعتنا من شَيعنا وتبعنا في أعمالنا وليس هذا الذي ذكرتَه في هذا الرجل من
أعمالنا.
والأخبار بهذا المضمون في التفسير
المذكور في تفسير قوله تعالى : ( لَنْ تَمَسَّنَا
النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودةً )
الآية ، من
أرادها فليراجعه.
« الألف وآللام »
في « الحوض » للعهد.
الإعراب :
« إمام صدق » : إمّا خبر بعد خبر لما
قدّر مبتدأً لمولى ، أو خبر مبتدإ آخر مقدّر ، والإضافة لامية ، فإن أُريد بالصدق
معناه المصدري من غير تقدير ، كانت الإضافة بأدنى ملابسة بمعنى أنّه الإمام
المنسوب إلى الصدق ، أي صادق الإمامة ، وإن كان المراد به أهل الصدق والمراد
بالصدق الإيمان والإخلاص في الدّين ، كانت الملابسة ظاهرة ، وكذا إن قدّر قبله مضاف
حتى يكون من باب مجاز
__________________
الحذف ، أي أهل صدق.
ويحتمل أن تكون الإضافة بيانية ويكون
الصدق بمعنى الصادق أي إمام هو صادق في الإمامة ، ويجوز على جميع هذه التقادير أن
يكون الصدق بمعنى الحقّ.
جملة « له شيعة » إمّا معطوفة على خبر
المبتدأ ، أو على جملة المبتدأ والخبر ، سواء قدّر لـ « إمام صدق » مبتدأ آخر أو
كان مبتدؤه الأوّل.
جملة المصراع الثاني صفة لشيعة ، وحذف
النون من يرووا للضرورة ، كما في قوله :
وإذ يغصبوا النّاس أموالهم
|
|
إذا مَلَكُوهُمْ ولَمْ يغصبُوا
|
وقوله :
أبيت أسري وتبيتي تدْلُكي
|
|
وَجْهَك بالعنبر والمسكِ الذكي
|
ويجوز أن يكون الفعل مجزوماً بلام
مقدّرة ، كما في قوله :
قلت لبوّاب لديه دارها
|
|
تأذن فإنّي حمؤها وجارها
|
فإنّ الأصل « لتأذن » فحذفت اللام ونقلت
كسرتها إلى حرف المضارعة. وقوله :
مُحمّدٌ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْس
|
|
إذا ما خِفْتَ مِنْ شَيء تَبَالا
|
__________________
وقوله :
فلا يستطل منّي بقائي ومدّتي
|
|
ولكن يكن للخير منك نصيب
|
وكما قيل في قوله تعالى : ( قُلْ
لِعَبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاة )
إنّ التقدير « ليقيموا » وحينئذ أيضاً صفة على التأويل المعروف أي مقول في حقّهم
ليرووا ، والأمر هنا للإباحة ، فيكون المعنى : يباح لهم أن يرووا من الحوض ، ومنه
ظهر أنّه يجوز التأويل إلى الخبر من غير تقدير بأن يكون المعنى يباح لهم أن يرووا
، وللتأويل إلى الخبر جاز عطف « لم يمنعوا » وهي جملة خبرية ، عليه وللمنع متعلّق
مقدّر ، أي لم يمنعوا منه.
المعنى :
إنّه 7
إمام صادق في الإمامة أو إماميّته حقة ، أو إمام الصادقين أو المحقّين أو أهل
الصّدق في الإيمان أو أهل الحقّ وله أتباع وأنصار يروون من الحوض ، أو يقال لهم
ليرووا منه ، أو يباح لهم أن يرووا منه ، ولا يمنعون منه فلم يمنعوا بصورة الماضي
ويراد به الاستقبال.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: تنكير إمام صدق للتعظيم ، وكذا تنكير صدق إذا أُريد به أهل الصدق تقديراً أو
عناية ، وكذا تنكير شيعة.
الثانية
: التعبير عن الحق بالصّدق للدلالة على الظهور فإنّ الصّدق في
__________________
الكلام ، فكأنّه قيل
: إنّه نطق بذلك وصدق فيه.
الثالثة
: التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي لما مرّ في نظائره.
البيان :
إن أُريد ب « الصدق » معنى الحق ، كان
استعارة تشبيهاً لمطابقة غير الكلام للواقع بمطابقته له ، بناءً على تشبيه غير
الكلام بالكلام في الظهور والإبانة.
ثمّ إن أُريد به أهل الصدق كان مجازاً
آخر ، وإن قدّر الأهل كان مجاز الحذف ، إن كان « يرووا » جملة إنشائية وأُريد بها
معنى الإخبار ، من غير تقدير كان مجازاً في المركّب من قبيل إطلاق اسم الملزوم على
اللازم.
« لم يمنعوا »
استعارة للاستقبال تشبيهاً له بالماضي في تحقّق الوقوع.
[ ٥٢ ]
بِذاكَ جاءَ الوحيُ من رَبِّنا
|
|
يا شيعةَ الحقِّ فلا تَجْزَعُوا
|
اللغة :
« الباء »
للتعدية ، أو بمعنى « في » أو للسببية.
« ذاك »
إشارة إمّا إلى المصراع الذي قبله ، أو إلى ما ذكره من أحوال الشيعة وإمامهم
وأضدادهم. « الكاف » فيه حرف خطاب لا محلّ له من الإعراب.
« جاء »
يجيئ جيئاً وَجَيْئَةً ومجيئاً : أتى. قال الرّاغب : لكن المجيئ أعمّ ـ يعني من
وجه ـ لأنّ الإتيان مجيئٌٌ بسهولة والإتيانُ قد يقال باعتبار القصد وإن لم يكن منه
الحصول ، والمجيئ يقال اعتباراً بالحصول ـ قال : ـ ويقال : جاء في الأعيان
والمعاني ولما يكون مجيئه بذاته وبأمره ولمن قصد مكاناً أو عملاً أو زماناً ، قال
اللّه تعالى : ( وَجاءَ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ رَجُلٌ
يَسْعى )
( وَلَقَدْ
جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْل بِالْبَيِّناتِ )
و ( وَلَمّا جاءتْ رُسُلُنا لوطاً سيءَ بِهِمْ )
( فَإِذا جاءَ الخوف )
__________________
وقال تعالى : ( إِذا جاءَ
أَجَلُهُمْ )
( بَلى قَدْ
جاءَتْكَ آياتِي )
(
فَقَدْجاءُوا ظُلْماً وَزُوراً )
أي قصدوا
الكلام وتعمّدوه ، فاستُعمل فيه المجيئ كما استُعمل فيه القصد ـ وأصل العمد هو
القصد ـ ( إِذْ جاءُوكُمْ مِنْ فَوقِكُمْ وَمِنْ
أَسْفَلَ مِنْكُمْ )
( وَجاءَ
رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً )
فهذا بالأمر
لا بالذات وهو قول ابن عباس.
انتهى.
أقول : وهذه كلّها مجازات المعنى الأوّل.
« الألف واللام »
للجنس أو للعهد إن كان المراد بالوحي القرآن. قال الراغب : أصل الوحي : الإشارة
السريعة ولتضمّن السّرعة قيل : أمرٌ وحيٌ ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز
والتعريض ، وقد يكون بصوت مجرّد عن التركيب ، وبإشارة ببعض الجوارح ، وبالكتابة ،
وقد حُمِلَ على ذلك قوله تعالى عن زكريا 7
: ( فَخَرَجَ عَلى قَومِهِ مِنَ الْمِحْرابِ
فَأَوحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً )
فقد قيل : رَمَزَ ، وقيل : اعتبارٌ ، وقيل : كَتَبَ.
ثمّ قال : ويقال للكلمة الإلهيّة التي
تُلقَى إلى أنبيائه وأوليائه : « وحيٌ » وذلك أضرُبٌ حسب ما دلّ عليه قوله : ( وَما كانَ
لِبَشَر أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّه إِلاّ وَحياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجاب أَوْ
يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحي بِإِذْنِهِ مايَشاء ).
وذلك إمّا برسول مُشاهد تُرى ذاتهُ ويُسمَعُ كلامهُ كتبليغ جبرئيل 7 للنبيّ في صورة معيّنة.
__________________
وإمّا بسماع كلام من غير معاينة ، كسماع
موسى كلام اللّه تعالى.
وإمّا بإلقاء في الرّوع كما ذَكرَ
عليهالصلاة والسلام : « إنّ روح القدس نفث في روعي ».
وإمّا بإلهام ، نحو : (
وَأَوحَيْنا إِلى أُمّ مُوسى أَن أَرْضِعيه ).
وإمّا بتسخير ، نحو قوله : ( وَأَوحى
رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ).
أو بمنام ، كما قال عليه الصلاة والسلام
: « انقطع الوحيُ وبقِيَتِ المُبَشِّراتُ رؤيا المؤمن ».
فالإلهام والتسخير والمنام ، دَلّ عليه
قوله : ( إلاّ وَحْياً )
، وسماع الكلام مُعاينةً دلّ عليه قوله : ( أَوْ مِنْ وَراءِ
حِجاب )
.
وتبليغُ جبرئيلَ في صورة معيّنة دلّ
عليه قوله : ( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ) .
انتهى.
وفي الصحاح : الوَحي : الكتاب ، وجمعه
وحيٌّ ، مثل حَلي وَحُلي. قال لبيد : « كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها ». والوحيُ أيضاً : الإشارة ، والكتابة ،
والرّسالة ، والإلهام ، والكلام الخفيّ ، وكلُّ ما ألقيتَه إلى غيرك. يقال :
وَحَيْتُ إليهِ الكلامَ وأوحَيْتُ ، وهو أن تكلِّمة بكلام تخفيه. قال العجاج : «
وَحَى لها القرار فاستقرّت ».
__________________
ويروى : « أوحى لها » ووحَى وأوحى أيضاً
كتب. وقال : « لِقَدَر كانَ وحاهُ الواحي ». وأوحى اللّه إلى أنبيائه. وأوحى ، أي
أشار. قال اللّه تعالى : ( فَأَوحى إِلَيْهِمْ
أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً )
.
ووحيتُ له بِخَبَر كذا ، أي أشرتُ
وصوَّتُّ به رويداً.
انتهى.
وقد روى الصدوق أبو جعفر ابن بابويه
رضوان اللّه عليه في باب الردّ على الثنويّة والزنادقة من كتاب « التوحيد » عن
أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في حديث طويل ، أجاب فيه عن عدّة مسائل لرجل في
كتاب اللّه قال :
فأمّا قوله : ( وَما كانَ
لِبَشر أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجاب )
: ما ينبغي لبشر أن يكلّمه اللّه إلاّ وحياً وليس بكائن إلاّ من وراء حجاب أو يرسل
رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء كذلك قال اللّه تبارك وتعالى : ( عُلُوّاً
كَبيراً )
، قد كان
الرسول يوحى إليه من رسل السماء فيبلغ رسلُ السماء رسلَ الأرض ، وقد كان الكلام
بين رسل أهل الأرض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السّماء.
وقد قال رسول اللّه 6 : يا جبرئيل هل رأيت ربّك؟ فقال جبرئيل
: إنّ ربّي لا يُرى. فقال رسول اللّه 6
: من أين تأخذ الوحي؟ فقال : آخذه من إسرافيل ، فقال : ومن أين يأخذ إسرافيل؟ قال
: يأخذ من ملك فوقه من الرّوحانيين ، قال : فمن أين يأخذه ذلك الملك؟ قال : يقذف
في قلبه قذفاً. فهذا وحيٌ وهو كلام اللّه عزّ وجلّ وكلام اللّه ليس بنحو واحد ؛
منه ما كلّم اللّه به الرّسل ، ومنه ما قذفه في قلوبهم ، ومنه رؤيا يُريها الرّسل
، ومنه وحيّ وتنزيل يُتلى ويُقرأ ، فهو كلام اللّه
__________________
فاكتف بما وصفت لك
من كلام اللّه ، فإنّ معنى كلام اللّه ليس بنحو واحد ، فإنّ منه ما يبلِّغ رسلُ
السّماء رسلَ الأرض .
انتهى ما أردنا حكايته.
وروى في باب معاني الحروف المقطّعة في
أوائل السّور من القرآن من كتاب « معاني الأخبار » بإسناده عن سفيان بن سعيد
الثوري ، عن الإمام الهمام أبي عبد اللّه الصادق صلوات اللّه عليه ، في خبر طويل :
قال :
وأمّا « ن »
، فهو نهر في الجنة ، قال اللّه عزّ وجلّ : إجمد فجمد فصار مداداً ، ثمّ قال
عزّوجلّ : للقلم : اُكتب فسطّر القلم في اللّوح المحفوظ ما كان وما هو كائن إلى
يوم القيامة ، فالمداد مداد من نور ، والقلم قلم من نور ، واللّوح لوح من نور.
قال سفيان : فقلت له : يا ابن رسول
اللّه بيّن لي أمر اللّوح والقلم والمداد فضل بيان ، وعلّمني ممّا علّمك اللّه.
فقال : يا ابن سعيد لولا أنّك أهل
للجواب ما أجبتك ف « نون » ملك يؤدي إلى القلم وهو ملك ، والقلم يؤدي إلى اللّوح
وهو ملك ، واللّوح يؤدي إلى إسرافيل ، وإسرافيل يؤدي إلى ميكائيل ، وميكائيل يؤدي
إلى جبرئيل ، وجبرئيل يؤدي إلى الأنبياء والرسل صلوات اللّه عليهم.
قال : ثمّ قال لي : قم يا سفيان فلا آمن
عليك.
فهذا شطر كافي في هذا الكتاب ممّا ورد
في الوحي ، والاستقصاء في ذلك ـ مع أنّه لا يناسب المقام ـ يستدعي كتاباً مخصوصاً
به ، والمراد بالوحي هنا إمّا الكلام الموحى به أو إنزال الكلام أو الرسول الآتي
بالوحي.
__________________
فعلى الأوّلين نسبة المجيئ إليه مجازية
إلاّ أن يقدّر له مضاف ، أو جعل المجيئ مجازاً عن التنصيص والبيان.
وعلى الثاني لا يجوز إلاّ في الوحي.
« من »
للابتداء.
« يا »
حرف موضوع للنداء وهو الدعاء لطلب الاقبال ، حقيقة أو مجازاً ، بالوجه أو القلب.
ثمّ اختلفوا فقيل : إنّه لنداء البعيد
حقيقة ، أو حكماً ومعنى البعد حكماً ، أن يكون المنادى مع قربه : غافلاً أو ساهياً
عمّا ينادى له ، أو متعالياً عن رتبة المنادى ، نحو : يا للّه ، أو متنازلاً عنها
، نحو : يا هذا ، أو يكون الاهتمام بالإقبال على ما ينادى له عظيماً ، حتى إنّه
ينزل المنادى مع تهالكه عليه بعيداً عنه ، نحو : ( يا أَيُّهَا
الرَّسُول بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ).
وقيل : بل مشتركة بين نداء القريب
والبعيد ، وقيل : بينهما وبين المتوسّط.
وقيل : إنّها وأخواتها أسماء أفعال
متضمّنة الضمير المتكلّم وأنّها بمعنى « أُدعوا ».
« الألف واللام »
للجنس ، أو العهد ، أو الاستغراق.
« الحق » : الموجود الثّابت ، وخلاف
الباطل ، أي المطابق لما في نفس الأمر.
قال الرّاغب : أصل الحقّ : المطابقة
والموافقة كمطابقة رجل الباب في حقّه لدورانه على استقامة.
والحقّ يقال على اللّه تعالى ، إمّا
لكونه موجوداً ثابتاً ، أو لأنّه فعل ما فعل على
__________________
وفق الحكمة ، وكذا
يقال على الفعل المطابق للحكمة ، وكذا على الفعل المطابق لما ينبغي أو يجب.
والمراد هنا إمّا الاعتقاد الحقّ ، أو
الدِّين الحقّ ، أو أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لكونه الإمام الحقّ ، أو اللّه
سبحانه ، أو الثابت ، أو المطلق لما يجب.
« الفاء »
للعطف أو فصيحة أو زائدة.
« لا »
حرف موضوع للنهي ، أي طلب ترك الفعل ، أو الكفّ عن الفعل على اختلاف في ذلك.
« الجزع » ضدّ الصبر. وقال الراغب :
الجزع أبلغ من الحزن ، فإنّ الحزن عامّ ، والجزع هو حزن يَصرِفُ الإنسانَ عمّا هو
بصدده ويقطَعُهُ عنه ، وأصل الجزع قطع الحبل من نصفه ، يقال : جَزَعتُهُ فانجزع ،
ولتَصوُّر الانقطاع منه. قيل : جَزعٌ الوادي لِمُنْقَطَعِهِِ ، ولانقطاع اللّون
بتغيّره ، . قيل للخَرَز المتلوّن : جَزْعُ ، وعنه استعير قولهم : « لَحْمٌ
مُجَزَّع » إذا كان ذا لونين. وقيل للبسرة إذا بلغ الإرطاب نصفَها : مُجَزَّعَةٌ . انتهى.
الإعراب :
« بذاك »
إمّا مفعول به ل « جاء » ، أو متعلّق به ، وهو إن كانت الباء للسببية ، أو بمعنى
« في ».
« من ربّنا »
إمّا لغو متعلّق ب « جاء » ، أو مستقرّ حال عن الوحي.
« شيعة الحقّ »
منادى مضاف منصوب إمّا ب « يا » لقيامها مقام « ادعو » ، أو لكونها اسم فعل ، أو
ب « ادعو » مقدّراً لازم الحذف ، على اختلاف في ذلك ، والإضافة لامية أو بيانيّة
، بمعنى الشيعة الّذين هم الحقّ أي الثابتون في التشيّع ، أو
__________________
المطابقون أي
المطابق اعتقادهم لما يجب ، أو أهل الحقّ تسمية لهم باسم ما يتلبّسون به من الحقّ.
أو « شيعة » منادى مفرد مبني على الضم
لإفراده وتعريفه ، وإنّما بني لوقوعه موقع الكاف الاسمية المشابهة للكاف الحرفية
لفظاً ومعنى ، فإنّ : يا زيد ، بمعنى : أدعوك ، وهذه الكاف ككاف ذلك ، ولم يبن
المضاف لأنّ المضاف إليه بمنزلة التنوين في الاختصاص بالاسم ، فلا يؤثّر معه
مناسبة المبنيُّ الأصل ، ولأنّه بالتركيب لا يشبه الكاف المفردة ، ولم يبن المنكر
لعدم المشابهة من جهة النكارة.
وإنّما بني على الحركة ، لأنّه لو بني
على السكون لأوهم الوقف والانقطاع عمّا بعده ، مع أنّه إنّما ينادى للمصلحة التي
بعده.
وإنّما بني على الضمّ لأنّه لو بني على
الكسر لتوهّم أنّه مضاف إلى ياء المتكلّم فحذفت ياؤه واقتصرت على الكسرة.
وأمّا الفتح ، فقد كان له قبل البناء ،
فلو بني على الفتح لتوهّم أنّه الإعراب. هذا رأي الجمهور.
وعند الكسائي أنّه معرب مرفوع لتجرّده
عن العوامل اللفظية ، لا أنّ التجرّد عامل فيه ، بل بمعنى أنّه لما لم يكن فيه سبب
للبناء أُعرب.
ثمّ لو جرّ لالتبس بالمضاف إلى ياء
المتكلّم.
ولو نصب لالتبس بغير المنصرف ، فرفع ولم
ينوّن ، للفرق بينه وبين ما رفع بعامل رافع ، وإنّما نصب المضاف وشبهه للطول ،
ولأنّ المنصوب في كلام العرب أكثر.
وقال الفرّاء : أصل : يا زيد ، مثلاً يا
زيداً ، بالألف ليكون المنادى بين صوتين ثمّ اكتفي بالصوت الأوّل وحُذف الثاني
فصار كالغايات فبني على الضم ، وإنّما نصب المضاف لقيام المضاف إليه مقام الألف.
وقد ينوّن المنادى المفرد المعرفة
للضرورة ، كقوله :
سلامُ اللّهِ يا مَطَرٌ عَلَيها
|
|
ولَيْسَ عَليكَ يا مَطَرُ السلاَّمُ
|
واعلم أنّ المراد بالمفرد هنا ما لا
يكون مضافاً ولا مشابهاً له ، سواء كان مفرداً أو مثنّى أو مجموعاً ، إلاّ أنّ
المثنّى والمجموع لا يبنيان على الضمّ ، بل على الألف والواو.
وذهب بعض الكوفيين إلى تشبيههما بالمضاف
فنادوهما بالياء ، نحو : يا زيدَين ويا زيدِين.
هذا في الجمع بالواو والنّون ، وأمّا
غيره من الجموع ، ك « الشيعة » فلا شبهة في كونها كالواحد ، وعلى هذا ف « الحقّ
» صفة للمنادى يجوز فيه الرفع حملاً على لفظ المتبوع ؛ والنّصب على محلّه.
قال نجم الأئمّة رضي اللّه عنه : فإن
قلت : فَلِمَ لَمْ يجز بناء التوابع المفردة ولا سيّما الوصف منها كما جاز في : لا
رجل ظريف ، فكتب يقول : يا زيد الظريف ، واللاّم لا تمنع البناء كما لم تمنع في
الخمسة عشر.
قلت : إنّما جاز ذلك في « لا » لأنّ
المنفي في الحقيقة هو الوصف لا الموصوف فكان لا باشرت الوصف ، وذلك لأنّ معنى لا
رجل ظريف فيها : لا ظرافة في الرّجال الّذين فيها ، فالمنفي مضمون الصفة ، فهي
لنفي الظرفاء لا نفي الرجال ، فكأنّه قيل : لا ظريف فيها ، بخلاف يا زيد الظريف ،
فإنّ المنادى لفظاً ومعنى هو المتبوع. فبان الفرق.
على أنّه أورد الأخفش في مسائله الكبير
أنّ بعضهم يقول في الوصف وعطف البيان ، نحو : يا زيد الطويل ، ويا عالم زيد :
إنّهما مبنيان على الضمّ كما في
__________________
البدل. انتهى.
وعن الأصمعي : أنّه لا يوصف المنادى
المضموم ، لشبهه بالمضمر الذي لا يجوز وصفه ، فنحو « الظريف » في : يا زيد الظريف
، إذا ارتفع ، خبر أنت مقدراً ، وإذا انتصب مفعول أعني مقدّراً.
وفيه أنّه لا يلزم من شبهه بالمضمر كونه
مثله في جميع أحكامه ، ثمّ إفراد « الحق » على هذا التقدير لكونه في الأصل مصدراً
يستوي فيه الواحد وغيره ، أو لكونه وصفاً بحال المتعلّق وفاعله مقدّر أي : الحقّ
تشيعهم أو اعتقادهم.
ويجوز أن يكون « الحقّ » خبر مبتدأ
محذوف أي أنتم الحقّ ، أو دينكم الحقّ ، أو مبتدأ خبره محذوف ، أي : الحقّ معكم ،
وأن يكون مفعولاً لمقدّر ، أي الزموا الحقّ أو لزمتم الحق ، أو خبر كان محذوفاً ،
أي : كنتم الحق.
وعلى كلّ تقدير يحتمل فيه الحقّ عليهم
فإمّا المراد به أهل الحقّ ، أو يكون « الأهل » مقدراً مضافاً ففيه مجاز حذف ، أو
لا تقدير ولا عناية ، وذلك ظاهر عند ملاحظة معاني « الحق ».
ثمّ إنّ المنادى له قد يتقدّم على
النداء وقد يتأخّر ، تقول : قم يا زيد ، وتقول : يا زيد قم.
والوجهان هنا محتملان ، فإنّه يجوز أن
يكون المنادى له قوله : « بذاك جاء الوحي من ربّنا ».
ويجوز أن يكون قوله : « فلا تجزعوا »
وأن يكون قوله : « الحق » إذا كان جملة برأسها.
فعلى الأوّل يكون « الفاء » في « فلا
تجزعوا » للعطف على المنادى له.
وعلى الثاني يجوز أن تكون فصيحة
والتقدير : إذا كان الأمر كذلك فلا تجزعوا ، وأن تكون زائدة ، وأن تكون للعطف على
مقدّر ، أي أبشروا فلا تجزعوا ، أو
لا تجزعوا فلا
تجزعوا ، فيكون مبالغة في النهي عن الجزع.
والثّالث يكون للعطف على جملة « الحق ».
المعنى :
يا أتباع الدِّين الحقّ وأنصاره أو
أنصار اللّه ، أو أتباع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وأنصاره ، أو أيّتها
الشيعة من الثابتين في التشيّع أو المطابق اعتقادهم لما يجب أو من أهل الحقّ ، أو
يا شيعة أي المسمَّون بهذا الاسم الذين هم الحقّ أي أهله ، أو الثابتون في التشيّع
، أو المطابق اعتقادهم لما يجب ؛ أتى من ربّنا الوحي ، أي القرآن أو كلام اللّه
غيره ، أو انزاله تعالى الكلام بالّذي ذكر ، من أنّ شيعة أمير المؤمنين صلوات
اللّه عليه يُروَوْن من الحوض ولا يُمنعون ، أو بجميع ما ذكر من أحوال الشيعة
وإمامهم واصدادهم ، أو أتى به الوحي حال كونه من ربّنا ، أي الوحي الّذي من ربّنا
، أو أتى فيه الوحي أو بسببه : فلا تجزعوا ، أو : « بذاك جاء الوحي من ربّنا يا شيعة
الحق » إذا كان الأمر كذلك فلا تجزعوا ، أو أبشروا فلا تجزعوا ، أو لا تجزعوا فلا
تجزعوا ، أو يا شيعة أنتم الحقّ أو أهل الحقّ أو معكم الحق أو دينكم الحق أو
الزموا الحقّ أو لزمتم الحق أو كنتم الحق أو أهل الحق فلا تحزنوا.
ثمّ إن كان المراد بالوحي هو القرآن فمعنى
إتيانه بذلك أنّ الآيات الناصّة بوجوب اتّباع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه
وهلاك من خالفه ولم يتواله ، كثيرة ، فهي تدل على نجاتهم وهلاك مَن عداهم.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: التعبير عن « في » بالباء إن كانت بمعناها ، للإيجاز والوزن والتوجيه.
الثانية
: الإشارة بما وضع للقريب لتنزيل القرب الذكري منزلة المكاني وللتنبيه تنبيه على
أنّ ما ذكر ينبغي أن يكون نصب عين المؤمن حاضراً في ذهنه ليستبشر به ويقوى في
دينه.
الثالثة
: تقديم « بذاك » على « جاء » للاعتناء بشأن المشار إليه ، ولتقريب اسم الإشارة من
المشار إليه ، ولا سيما واسم الإشارة موضوع للقريب وللوزن. ويجوز أن يكون للحصر
خصوصاً ، إذا كانت الباء للسببيّة ، فإنّ غاية الغايات للبعث والإنزال والتبليغ
إنّما هو الإيمان وإثابة المؤمنين ، فما ذكر هو السّبب حقيقة للوحي ، وغيره وسائل
إليه وأسباب له. وإن كان
الباء للتعدية أو الظّرفية صحّ الحصر أيضاً بهذا الاعتبار ، فإنّه لما كان العمدة
فكأنّه ما أتى إلاّ به أو في شأنه.
الرابعة
: العدول عن : وحي ربّنا إلى « الوحي من ربّنا » إن كان « من ربّنا » حالاً عن «
الوحي » للإيضاح بعد الإبهام.
الخامسة
: زيادة « من ربّنا » لزيادة التنصيص مزيد التقرير والتثبيت لما ذكر والتعظيم له.
السادسة
: إفراد الحق : إذا كان محمولاً عليهم مع ما ذكر من الوجه ، للإيماء إلى أنّهم
بمنزلة شخص واحد ، أو ينبغي أن يكونوا كذلك في الاجتماع على الحقّ وفي انتصار
بعضهم ببعض ، وكونهم يداً على من سواهم.
البيان :
« الباء »
إن كانت بمعنى « في » كانت استعارة ، واستعمال اسم الإشارة الموضوع للإشارة
الحسّية في المعاني استعارة تشبيهاً للحضور الذهني ، أو الذكري بواسطة ذكر ألفاظها
بالحضور الخارجي اسناداً لمجيئ إلى الوحي مجازي أو الوحي
__________________
مجاز ، أو المجيئ
استعارة تبعيّة ، أو في الوحي مجاز في الحذف إن كان المراد بالحق الباري سبحانه
كان نسبة الشيعة إليه مجازية ، فإنّ أنصار اللّه بمعنى أنصار دينه أو أوليائه ، أو
فيه مجاز في الحذف.
وإن كان الحقّ صفة للشيعة أو كان
الإضافة بيانية احتمل أن يكون « الحقّ » مجازاً عن أهله ، وأن يكون فيه مجاز
الحذف.
ثمّ نصّ الناظم ; على نفسه واستعطف واستشفع ضمناً وافتخر
صريحاً ؛ بأنّه مادح أهل البيت صلوات اللّه وسلامه عليهم أو مادح شيعتهم على
اختلاف احتمال فقال :
[ ٥٣ ]
الحِمْيَريُّ مادِحُكُمْ لَمْ يَزَل
|
|
وَلَوْ يُقَطَّع اصبع اصبعُ
|
اللّغة :
« الألف واللام »
للعهد.
« الحميريّ »
نسبة إلى حِمْيَر كدرهم ، وهو ابن سبأ بن يشحب بن يعرب بن قحطان وهو من ملوك اليمن
وأوّل ملوكه سبأ ، وقيل : يعرب. قيل : وإنّما سمي حميراً لكثرة لبسه الثياب الحمر.
وهو أوّل من وضع من ملوك اليمن على رأسه
التاج تاج الذّهب.
وحميَر أيضاً موضع غربي صنعاء.
ولعلّه سمّي باسم حمير الملك.
ويحتمل أن تكون النسبة إليه وقد خفّفت
ياء النسبة للضرورة ، وقد كرهوا تخفيف المشدّد إذا كان في غير القافية إلاّ أنّه
جائز.
« المدح »
هو الثناء على الجميل اختياريّاً كان أو غيره ، وقيل : يختصّ بالاختياري.
الخطاب يحتمل أن يكون إلى أهل البيت
صلوات اللّه عليهم وإن لم يجر لهم ذكر ؛ لحضورهم بالبال ، وذكر أوّلهم وسيّدهم
أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، وأن يكون إلى الشيعة وهو الأظهر لفظاً.
« زال »
من الأفعال الناقصة وهو : زال يزال ، فالماضي أصله « زَوِل » كعلم ، فأمّا زال
يزول وزاله يزيله أي فرقه ، فتامّان. وقيل : إنّ الناقصة أيضاً يائية.
وحكى سيبويه وأبو الخطاب عن بعض العرب :
ما زيل يفعل كذا ، فنقل كسرة الواو إلى ماقبلها ثمّ قلبها ياء لسكونها وانكسار ما
قبلها كقيل المبني للمفعول ، وهو ملزوم للنفي إلاّ نادراً ، فقد يقال شاذّاً : زلت
أفعل كذا ، بحذف حرف النفي ، كما في ( تَفْتَؤُا تَذْكُرُ
يُوسُفَ )
ومعناه
الاستمرار والدوام ، فإنّ الزّوال نفي ، فإذا نفي تأكّد الإثبات.
ويحتمل أن يكون ما في البيت تامّة
فحينئذ يكون بضمّ الزاي من زال عن الشيء ، أي ذهب.
وعلى التقديرين فالمراد الاستمرار في
جميع الأزمنة ، أو تخصيص الماضي لأنّ غرضه الاستعطاف والاستشفاع.
والأنسب بهما ما حصل منه من المدح ، أو
لعدم الوثوق بالحياة والتوفيق للمدح فيما بعد ، ولا يأتي هذا صحة الأوّل ، فإنّ
مثل هذه العبارة شائع ، بمعنى أنّه إن يفي ويوفّق له ، كان كذا.
« الواو »
حالية ، أو للاعتراض ، أو للعطف على اختلاف في كلّ واو قبل « لو » أو « ان »
الوصليتين. والحقّ أنّ « لو » و « إن » باقيتان على الشرطيّة وعلى اقتضاء
__________________
الجواب ، وأمّا
الواو فيحتمل أن تكون للحال على أن يكون ما بعدها من الجملة الشرطية بتمامها حالاً
، وهذا مذهب الزمخشري.
وأن تكون للاعتراض ، وهذا مذهب مختار نجم
الأئمّة ; بناءً على
ما ذهب إليه من جواز الاعتراض في آخر الكلام.
وأن تكون للعطف على مقدّر ، وهو مذهب
الشيخ عفيف الدين أبي حفص عمر بن عثمان الخبزي في المسائل العشرين ، والمقدّر جملة
شرطية أُخرى شرطها نقيض المذكور وقد بسطنا الكلام في ذلك في كتابنا « منية الحريص
على فهم شرح التلخيص » وفّقنا اللّه سبحانه لإتمامه.
ثمّ إنّ « لو » كما عرفت أصلها المضي وإن دخلت على المضارع.
ولكن المراد ب « لم يزل » إن كان
الاستمرار في جميع الأزمنة ، فلا بدّ من أن يكون المراد ب « لو يقطع » أيضاً إمّا
الاستمرار أو الاستقبال كما لا يخفى.
الإعراب :
« الحميري »
: مبتدأ « مادحكم
» خبره ، أو صفة ، ولمّا كان اسم الفاعل هنا للاستمرار كانت إضافته معنويّة مفيدة
للتعريف فجاز وصف المعرفة به.
« لم يزل »
خبر آخر ، أو هو الخبر ، فإن كان ناقصاً كان خبره مقدّراً ، أي « لم يزل كذلك » أي
: مادحاً لكم ، وإن كان تامّاً قدّر له متعلّق ، أي « لم يزل عن مدحكم ».
ويحتمل على رأي من جوّز تقديم خبر مازال
وأخواتها عليها وهم الكوفيون وابن كيسان : أن يكون « مادحكم » منصوباً خبر « لم
يزل » ، والجملة
__________________
خبر « الحميري ».
المصراع الأخير : إن كان اعتراضاً لم
يقدّر إلاّ جواب الشرط أي « يقطع لمدحكم » إن كان « لم يزل » ناقصاً ، أو « لم يزل
عن مدحكم » إن كان تامّاً ، وذلك لأنّه على الأوّل يكون قرينة الجواب « مادحكم »
إن كان خبر « لم يزل » وإلاّ فمادحكم المقدّر خبراً له.
وعلى الثاني يكون قرينة « لم يزل » و «
لو » هذه بمنزلة « لو » في نحو قوله : « لو لم يخف اللّه لم يعصه » بمعنى استمرار
الجزاء على تقديري الشرط وجر نقيضه ، بل على تقدير النقيض أولى ، وإن كان حالاً
قدّر مع ذلك مبتدأ تكون الجملة الشرطية بتمامها خبراً له ، أي : وهو لو يقطع
لمدحكم ؛ وذو الحال إمّا الحميري أو الضمير في « لم يزل ».
وإن كان معطوفاً قدّر مع الجواب شرطية
أُخرى : لو لم يُقَطَّع لمَدحكم ولو يُقَطَّع لمدحكم.
وأمّا الجزم ب « لو » ، فقيل : إنّه
لغة وقيل بجوازه في الشعر ، كقوله :
لَوْ يَشَأ طارَ بِهِ ذُو مَيْعَة
|
|
لاحِق ُ الآطالِ نَهْدٌ ذُو خُصَلْ
|
وقوله :
نامت فؤادك لم يحزنك ماصنعت
|
|
إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا
|
وقد خرج الأوّل على لغة من يقول شا يشا
بألف ثمّ أُبدلت الألف همزة ساكنة كما قيل : العالم والحاتم ، وكما وجّه به قراءة
ابن ذكوان منسأته بهمزة ساكنة.
والثاني على أنّ ضمة الإعراب سلب
تخفيفاً كقراءة أبي عمير ، وينصركم
__________________
ويأمركم ويشعركم.
« اصبع »
: فاعل « يقطع » أي مفعوله القائم مقام الفاعل ، وفيه مجاز حذف ، أي مثل اصبع ، أي
ما يكون بقدرها في الصغر ، أو يجوز بالأصبع نفسه عن مثله فالمجاز في اللفظ.
و « اصبع »
الثاني معطوف على الأوّل بحذف حرف العطف ، وهنا ظرف مقدّر ، أي يقطع منه اصبع اصبع
، أو يقطع اصبع اصبع منه ، فالمحذوف على الأوّل متعلّق بالتقطيع ، وعلى الثاني صفة
الفاعل وفيه تقدير آخر في اللفظ ، أو العناية ، وهو قوله على المدح ولو لم يلزم
الاصرار لكان الظاهر اصبعاً اصبعاً على التمييز أو الحال كما لا يخفى.
المعنى :
إنّي مادحكم أهل البيت أو أيّتها الشيعة
ولم أزل كذلك ، أو لم أزل ولاأزال كذلك ، أو لم أزل عن مدحكم أو لم أزل ولا أزول ،
أو الحميري الذي هو مادحكم لم يزل الخ ، ولو قطّع منّي مثل اصبع واصبع حتى قطّع
كلّي كذلك لم أزل عن مدحكم أو لمدحتكم ، أو وآلحال أنّي لو قطع مني الخ. أو وأنا
لو قطّع منّي. إلخ.
والحاصل أنّه لو قطع اصبعاً اصبعاً على
المدح لم يزل عنه.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: عدم التصريح باسمه للتحقير والوزن.
الثانية
: تقديم « مادحكم » على « لم يزل » إن كان خبراً له ، للاهتمام والوزن
والتوجيه والتأكيد ،
فإنّ لم يزل يتضمّن ذكره مرّة أُخرى تقديراً.
الثالثة
: الوصف بمادحكم إن كان صفة للافتخار والاستعطاف والاستشفاع والتنبيه على اشتهاره
بأنّه مادحهم ، حتى أنّه يوضّحه نفسه بهذا الوصف ، لأنّ الغالب في وصف المعرفة
التوضيح ، وليكون قرينة على المحذوف ، وللتأكيد المستفاد من التكرير الذي عرفته.
الرابعة
: حذف خبر « لم يزل » أو متعلّقه ؛ للإيجاز والتوجيه من جهة نفسه ومن جهة « مادحكم
».
الخامسة
: الإتيان بالمضارع بعد « لو » للتنصيص على إرادة الاستقبال ، أو ليكون قرينة على
إرادة الاستمرار ، فإنّ المضارع أقرب إليه من الماضي والاستمرار ، للاستمرار فيما
علّق عليه وهو المدح ، وإن أراد الزّمان الماضي فالإتيان به لاستحضار تلك الحالة
وجعلها نصب عينه.
البيان :
في « لم يزل » تجوز إن كان تامّاً فإنّ
الزوال عن الشيء بمعنى الذهاب والمدح ليس ممّا يتحقّق عنه ذهاب حقيقي ، ويجوز آخر
إن أُريد به الاستمرار ، وكذا لو يقطع إن أُريد به الاستمرار.
وفي « اصبع » إمّا يجوز في اللفظ ، أي
استعارة مصرّحة ، أو يجاز حذف كما عرفت.
[ ٥٤ ]
وبعْدَها صَلُّوا عَلى المصطَفى
|
|
وصِنوه حَيدَرة الأَصْلَعُ
|
اللغة :
« الواو »
للاستئناف أو العطف.
« الصلاة »
من اللّه تعالى هي الرحمة ، ومن غيره طلبها.
قال الراغب : قال كثير من أهل اللّغة :
هي الدعاء والتبريك والتمجيد ، يقال : صلّيت عليه ، أي دعوت له وزكيت. وقال 7 : إذا دُعي أحدكم إلى طعام فليجب ، وإن
كان صائماً فليصلّ ، أي ليدع لأهله. قال : وصلاة اللّه على المسلمين هو في التحقيق
تزكيته إيّاهم. وقال : ( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمةٌ )
.
ومن الملائكة هي الدعاء والاستغفار كما
هي من النّاس .
انتهى.
قيل : ولكون الصلاة متضمّنة لمعنى
النزول لأنّها إذا نسبت إلى غيره تعالى كانت بمعنى طلب نزول الرحمة ، وهو معنى
الدعاء ، وإذا نسب إليه كانت بمعنى إنزال الرحمة عديت بعلى.
__________________
وروى الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويه ; في كتاب « معاني الأخبار » بسنده عن
الإمام الصّادق صلوات اللّه عليه أنّه قال : من صلى على النبيّ 9 فمعناه أنّي على الميثاق الّذي قبلت
حين قوله ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) .
« الصنو »
الغصن الخارج من أصل الشجرة ، يقال : هما صنوا دوحة ، وكذا يقال : الصنوان لشجرتين
من أصل واحد ، ومن ذلك الصّنو بمعنى الأخ ، لأنّ الأخوين كغصنين من شجرة أو شجرتين
من أصل.
وربما وسع فأُطلق على المنتسبين إلى أب
أعلى ولو بعده طبقات ، كما يقال لواحد من قوم : « إنّه أخوهم » فيقال لتيميّ : يا
أخا تيم ، فالمراد به هنا إمّا الأخ وإمّا ابن العمّ.
« الحيدر »
والحيدرة : الأسد ، وكما أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يسمّى حيدراً ، سمّي
حيدرة أيضاً كما نصّ عليه فيما اشتهر عنه صلوات اللّه عليه من قوله :
أنا الذي سمّتني أُمّي حيدره
|
|
أضربُ بالسَّيْف وجوه الكَفَرَه
|
ويحتمل أن يكون حيدره بالضمير العائد
على المصطفى ، وحينئذ فلا يكون «
حيدر » علماً بل المراد به معناه اللّغوي ،
أي أسد رسول اللّه 6
، أو يكون علماً والإضافة فيه كما في قوله : علا زيدنا يوم التقى رأس زيدكم.
__________________
الإعراب :
جملة البيت إمّا مستأنفة ، أو معطوفة
على مقدّر ، أي احفظوا هذه الأبيات أو افهموها ، أو نحو ذلك ، وبعدها صلّوا الخ.
أو على ما مرّ في الأبيات من قبيل عطف
الجملة على القصة ، أي المطلوب بالعطف ما يتحصل من إحدى الجملتين على ما يتحصل من
الأُخرى من غير ملاحظة للخبرية والإنشائية ، وحينئذ لا يشترط توافقهما والخبرية أو
الإنشائية فيجوز أن يقال : زيد يعاقب بالقيد والإرهاق وابشر عمراً بالعفو
والإطلاق. فكأنّه قال : وبعدها يجب الصلاة عليه وعلى صنوه.
أو تقدّر ما يجعله خبراً فيقال للتقدير
وأقول بعدها :
« بعدها » ظرف « لصلّوا » أو ل « أقول »
المقدّر ضميره ، عائد على ما سبق من الأبيات ، أو على القصيدة. وإن كان هذا البيت
منها تسمية لمعظم الشيء باسمه.
ثمّ المراد « ببعدها » : بعد قولها إن
تعلّق ب « أقول » المقدّر ، و : بعد فهمها أو تلقّيها ، ونحو ذلك إن تعلق بصلّوا.
« صنوه »
معطوف على المصطفى.
« حيدرة »
إمّا خبر مبتدأ محذوف ، والجملة استئناف ، كأنّه سئل : مَن صنوه؟ فقيل : حيدرة.
و « الأصلع »
صفة موضّحة ، أو مادحة لحيدرة ، أوحيدرة بيان لصنوه ، والأصلع وصف مقطوع عنه ، أي
جعل خبراً لمبتدأ محذوف ، أي هو الأصلع.
وإن كان « حيدره » بالضمير ، فهو مركّب
إضافي والإضافة لامية.
المعنى :
صلّوا بها النّاس بعد ما عُرّفتم على
المصطفى وأخيه أو ابن عمّه وهو حيدرة الأصلع ، أو أسده الأصلع ، أو حيدر المخصوص
به ، أو أخيه أو ابن عمّه حيدرة ، أو أسده وهو الأصلع المعروف في كتب الأوّلين ،
أو أقيموا ما ذكرته لكم وعوها وصلّوا بعدها ، أو ويجب عليكم أن تصلّوا ، أو وأقول
بعد هذه الأبيات صلّوا ، أو وأقول : صلّوا بعدها.
المعاني :
فيه مسائل :
الأُولى
: تقديم « بعدها » على « صلّوا » لكونه فصل الخطاب بمنزلة أمّا بعد ، وأوائل الكتب
والوزن وتقريب الضمير من مرجعه.
الثانية
: عدم التعبير باسمه الشّريف 6
، لماعرفت سابقاً.
الثالثة
: لا يخفى ما في المصراع الأخير من الإيضاح بعد الإبهام.
الرابعة
: عرفت أنّ الوصف بالأصلع للمدح.
البيان :
إن كان الإنشاء بمعنى الإخبار من غير
تقدير ، كان فيه تجوّز في الجملة باعتبار معناها الجملي ، الصنو بمعنى الأخ أو ابن
العم إمّا مجاز مشهور ، أو حقيقة عرفية.
***
صورة خطّ المؤلف
وقد وقع الابتداء به في مولود الرسول
الأمين عليه وآله ، الهادين للعمين ، من الصلوات ما هو بهم قمين.
وهذا آخر ما بكى القلم متبسماً ، فعاد
النادي بدموعه متنسماً في كتاب « اللآلئ العبقرية في شرح القصيدة الحميرية » وقد
اتّفق الفراغ منه يوم الخميس سابع صفر مولد إمام الحقّ والبشر أبي الحسن موسى
الكاظم صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطهر الغررة ، وعلى أبنائه الأئمة المعصومين
أولي الأيد والبصر ، من عام تسع وثمانين بعد الألف من هجرة خير من هجر مسجود الشجر والحجر
صلوات اللّه عليه وآله الأئمة المعصومين وعترته الأخيار الطهر الميامين. فليهنأ
كتابي بمشرق الطّرفين وحيازة الشرفين.
وكتبه بأنامله الجانية الفانية مؤلّفه
العائذ بربّه من الزبانية محمّد بن الحسن الاصفهاني المعروف ببهاء الدين شفّع
اللّه فيه نبيّه وآله يوم الدّين.
__________________
فهرس مصادر
التّحقيق
حرف الألف
١
ـ الآل : أبن خالويه اللغوي.
٢
ـ الاحتجاج : أبو منصور أحمد بن
علي بن أبي طالب الطبرسي ( من أعلام القرن السادس الهجري ) انتشارات أُسوة ، قم ـ
١٤١٣ هـ.
٣
ـ اخبار النحويين والبصريين :
السيرافي.
٤
ـ الإرشاد : الشيخ المفيد :
محمد بن محمد بن النعمان ( ٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ ) طبع قم ـ ١٤٠٢ هـ.
٥
ـ الاستيعاب : أبو عمر يوسف بن
عبد الله بن عبد البر ( المتوفّى ٤٥٦ هـ ) دار نهضة مصر ، القاهرة.
٦
ـ أُصول السرخسي : محمد بن أحمد بن
أبي سهل السرخسي ( المتوفّى ٤٩٠ هـ ) تحقيق أبو الوفاء الأفغاني ، نشر لجنة إحياء
المعارف النعمانية ، حيدر آباد الدكان ، الهند.
٧
ـ الأعلام : الزركلي ؛ خير
الدين ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ١٩٩٠ م.
٨
ـ إعلام الورى بأعلام الهدى :
أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي ( ٤٧١ ـ ٥٤٨ هـ ) طبع إيران.
٩
ـ أعيان الشيعة : السيد محسن الأمين
العاملي ( المتوفّي ١٣٧١ هـ ) دار التعارف ، بيروت.
١٠
ـ الأغاني : أبو الفرج علي بن
الحسين الأصبهاني ( ٢٨٤ ـ ٣٥٦ هـ ) دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
١١
ـ الأُمّ : محمد بن إدريس
الشافعي ( ١٥٠ ـ ٢٠٤ هـ ) ، دار المعرفة ، بيروت ١٤٠٨ هـ.
١٢
ـ أمالي الصدوق : محمد بن علي بن
الحسين بن بابويه القمي ( ٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة
المدرسين ، قم.
١٣
ـ أمالي الطوسي : محمد بن الحسن الطوسي
( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي ، قم.
١٤
ـ أمل الآمل : الحرّ العاملي :
محمد بن الحسن ( ١٠٣٣ ـ ١١٠٤ هـ ) مكتبة الأندلس ، بغداد ، أُفسيت قم.
١٥
ـ أنساب الأشراف : أحمد بن يحيى ( من
أعلام القرن الثالث الهجري ) دار الجنان ، بيروت ـ ١٤٠٨ هـ.
حرف الباء
١٦
ـ بحار الأنوار : العلاّمة محمد باقر
المجلسي ( المتوفّى ١١١٠ هـ ) مؤسسة الوفاء ، بيروت ـ ١٤٠٣ هـ.
١٧
ـ بحوث في الملل والنحل : العلامة
جعفر السبحاني ( المتولد ١٣٤٧ هـ ) منشورات لجنة إدارة الحوزة العلمية ، قم.
١٨
ـ بدء الخلق : البخاري : محمد بن
إسماعيل ( المتوّفى ٢٥٦ هـ ).
١٩
ـ البداية والنهاية : ابن كثير الشامي (
المتوفّى ٧٧٤ هـ ) دار إحياء التراث العربي ؛ بيروت ـ ١٤٠٨ هـ.
٢٠
ـ البرهان في علوم القرآن :محمد بن عبد
الله الزركشي ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ـ ١٣٧٧ هـ.
٢١
ـ بشارة المصطفى لشيعة المرتضى :
أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري ، المطبعة الحيدرية ، النجف الاشرف.
٢٢
ـ بغية الوعاة : عبد الرحمن السيوطي
( المتوفّي ٩١١ هـ ) المكتبة العصرية ، بيروت.
حرف التاء
٢٣
ـ تاج العروس من جواهر القاموس :
الزبيدي : السيد محمد مرتضى الحسيني ، مكتبة الحياة ، بيروت.
٢٤
ـ تاريخ بغداد : أبو بكر أحمد بن
علي الخطيب البغدادي ( ٣٩٢ ـ ٤٦٣ هـ ) المكتبة السلفية ، المدينة المنورة.
٢٥
ـ تاريخ الطبري : محمد بن جرير
الطبري ( المتوفّى ٣١٠ هـ ) مؤسسة الأعلمي ، بيروت.
٢٦
ـ تاريخ مواليد الأئمّة : ووفياتهم :
أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب البغدادي ( المتوفّى ٥٦٧ هـ ) المطبوع ضمن مجموعة
نفيسة ، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي ، قم ـ ١٤٠٦ هـ.
٢٧
ـ تأويل الآيات : شرف الدين الحسيني
( من أعلام القرن العاشر الهجري ) مؤسسة الإمام المهدي ، قم ـ ١٤٠٧ هـ.
٢٨
ـ تأويل مشكل القرآن : أبو محمد عبد الله
بن مسلم ابن قتيبة الدينوري ( المتوفّى ٢٧٦ هـ ) المكتبة العلمية ، شرح أحمد صقر.
٢٩
ـ التبيان في تفسير القرآن : الشيخ
الطوسي محمد بن الحسن ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ ) دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
٣٠
ـ التحصين : السيد رضي الدين
علي بن طاووس الحلي ( ٥٨٩ ـ ٦٦٤ هـ ) دار العلوم ، بيروت ـ ١٤١٠ هـ.
٣١
ـ تفسير ابن كثير ( تفسير القرآن العظيم ) :
إسماعيل بن كثير الدمشقي ( ٧٠٠ ـ ٧٧٤ هـ ) دار الفكر ، بيروت ـ ١٤٠٣ هـ.
٣٢
ـ تفسير الطبري ( جامع البيان ) :
محمد بن جرير الطبري ( المتوفّى ٣١٠ هـ ) دار المعرفة ، بيروت ـ ١٤٠٠ هـ.
٣٣
ـ تفسير فرات : فرات بن إبراهيم
الكوفي ، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، إيران ، طهران ـ ١٤١٠ هـ.
٣٤
ـ تفسير القرطبي ( جامع أحكام القرآن ) :
محمد بن أحمد الأنصاري ( المتوفّى ٦٧١ هـ ) دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ
١٤٠٥ هـ.
٣٥
ـ تفسير القمي : أبو الحسن علي بن
إبراهيم القمي ( من أعلام القرن الثالث والرابع الهجري ) مؤسسة دار الكتاب للطباعة
والنشر ، قم المقدسة ـ ١٤٠٤ هـ.
٣٦
ـ تفسير كنز الدقائق : الميرزا محمد
المشهدي ابن محمد رضا بن إسماعيل القمي ( المتوفى حدود ١١٢٥ هـ ) مؤسسة النشر
الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم ـ ١٤٠٧ هـ.
٣٧
ـ تفسير مجمع البيان : الفضل بن الحسن
الطبرسي ( ٤٧١ ـ ٥٤٨ هـ ) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ـ ١٤١٥ هـ.
٣٨
ـ التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكري 7
: تحقيق ونشر مؤسسة الإمام المهدي ( عج )
، قم ـ ١٤٠٩ هـ.
٣٩
ـ تفسير نور الثقلين : الشيخ عبد علي بن
جمعة العروسي الحويزي ، مؤسسة إسماعيليان ، قم ـ ١٤١٢ هـ.
٤٠
ـ تهذيب الأحكام : الشيخ الطوسي :
محمد بن الحسن ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ )
دار الكتب الاسلامية
طهران ـ ١٣٩٠ هـ.
٤١
ـ تهذيب التهذيب : العسقلاني : احمد بن
علي بن حجر ( ٧٧٣ ـ ٨٥٢ هـ ) دار الفكر ، بيروت ـ ١٤٠٤ هـ.
٤٢
ـ تنقيح المقال : عبد الله المامقاني
( ١٢٩٠ ـ ١٣٥١ هـ ) النجف الأشرف ـ١٣٥٠ هـ.
٤٣
ـ التوحيد : الصدوق : محمد بن
علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة
لجماعة المدرسين ، قم ـ ١٣٨٧ هـ.
حرف الجيم
٤٤
ـ جمهرة الأمثال : أبو الهلال العسكري
، دار الجيل ودار الفكر ، بيروت ١٤٠٨ هـ.
حرف الحاء
٤٥
ـ حقائق التأويل : الشريف الرضي (
المتوفّى ٤٠٦ هـ ) مؤسسة البعثة ، طهران ـ ١٤٠٦ هـ.
٤٦
ـ حلية الأبرار : السيد هاشم
البحراني ( المتوفى ١٠٧١ هـ ) قم ـ ١٤٠٧ هـ.
٤٧
ـ حلية الأولياء : أبو نعيم أحمد بن
عبد الله الاصبهاني ( المتوفى ٤٣٠ هـ ) دار الكتاب العربي ، بيروت ـ ١٣٧٨ هـ.
حرف الخاء
٤٨
ـ خصائص الوحي المبين : ابن البطريق : يحيى
بن الحسن الحلي ( المتوفى ٦٠٠ هـ ) تحقيق محمد باقر المحمودي ، منشورات مطبعة
وزارة الإرشاد الإسلامي ، إيران ـ ١٤٠٦ هـ.
٤٩
ـ الخصال : الشيخ الصدوق ( ٣٠٦
ـ ٣٨١ هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم ـ ١٤٠٣ هـ.
حرف الدال
٥٠
ـ دائرة المعارف : فريد وجدي ، مطبعة
دائرة معارف القرن العشرين ـ ١٣٨٦ هـ.
٥١
ـ الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم :
جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي ، مخطوط ، قم ، مكتبة السيد عبد العزيز
الطباطبائي.
٥٢
ـ ديوان أبي تمام : أبو تمام حبيب بن
اوس الطائي ؛ شرح وتعليق د. شاهين عطية ، دار صعب ، بيروت.
٥٣
ـ ديوان أبي نؤاس : مؤسسة الأعلمي
للمطبوعات ، بيروت ـ ١٤١٧ هـ.
٥٤
ـ ديوان الأخطل : غياث بن غوث بن
الصلت بن طارقة ( ١٩ ـ ٩٠ هـ ) ، شرح راجي الأسمر ، دار الكتاب العربي ، بيروت ـ
١٤١٣ هـ.
٥٥
ـ ديوان الأعشى : ميمون بن قيس
الأعشى ( المتوفى ٧ هـ ) المكتبة الثقافية ، بيروت.
٥٦
ـ ديوان امرئ القيس : امرؤ القيس بن حجر
الكندي ( المتوفّى ٥٦٥ م ) ، دار صادر ، بيروت.
٥٧
ـ ديوان حسان : حسان بن ثابت
الأنصاري ( المتوفى ٥٠ هـ ) ، دار بيروت للطباعة والنشر ، بيروت.
٥٨
ـ ديوان الحطيئة : الحطيئة جرول بن
أوس بن جؤبة ، المكتبة الثقافية ، بيروت.
٥٩
ـ ديوان دعبل الخزاعي : دعبل بن علي بن
رزين ( ١٤٨ ـ ٢٤٨ هـ ) ، شرحه وضبطه وقدم له : ضياء حسين الأعلمي ، مؤسسة الأعلمي
، بيروت ـ ١٤١٧ هـ.
٦٠
ـ ديوان الرضي : الشريف الرضي أبو
الحسن محمد بن الحسين ( المتوفى ٤٠٦ هـ ) منشورات وزارة الإرشاد الإسلامي ، طهران
١٤٠٦ هـ.
٦١
ـ ديوان زهير : زهير بن أبي سُلمى
ربيعة بن رباح المزني ( القرن السادس الميلادي ) دار صادر ، بيروت.
٦٢
ـ ديوان الفرزدق : همام بن غالب بن
صعصعة التميمي الدارمي ( المتوفى نحو ١١٠ هـ ) شرحه وضبطه : الأستاذ علي خريس ،
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ـ ١٤١٦ هـ.
٦٣
ـ ديوان المتنبي : أحمد بن الحسن
الكندي الكوفي ( ٣٠٣ هـ ـ ٣٥٤ هـ ) ، شرحه عبد الرحمن البرقوقي ، مطبعة الاستقامة
، القاهرة ـ ١٣٥٧ هـ.
٦٤
ـ ديوان النابغة الذبياني : الذبياني
زياد بن معاوية بن ضباب ( المتوفى
٦٠٢ م ) تقديم كرم
البستاني ، المكتبة الثقافية ، بيروت.
حرف الذال
٦٥
ـ الذريعة الى تصانيف الشيعة :
آقا بزرگ الطهراني ( المتوفي ١٣٨٩ هـ ) دار الأضواء ، بيروت.
حرف الراء
٦٦
ـ رجال ابن داود : الحسن بن علي الحلي
( ٦٤٧ ـ ٧٠٧ هـ ) منشورات المبطعة الحيدرية ، النجف الاشرف ـ ١٣٩٢ هـ.
٦٧
ـ رجال الطوسي : محمد بن الحسن
الطوسي ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ ) النجف الأشرف ـ ١٣٨١ هـ.
٦٨
ـ رجال الكشي : أبو عمر الكشي ( من
أعلام القرن الرابع الهجري ) مؤسسة الأعلمي ، كربلاء.
٦٩
ـ الرجال : النجاشي : أحمد بن
علي ( ٣٧٢ ـ ٤٥٠ هـ ) بيروت ـ ١٤٠٩ هـ.
٧٠
ـ الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية :
زين الدين علي بن أحمد بن تقي بن صالح بن مشرف العاملي ( الشهيد سنة ٩٦٦ هـ )
المطبعة العلمية ، قم.
٧١
ـ روضة الواعظين : الفتال النيسابوري
: محمد بن علي ( من علماء القرن السادس الهجري ) منشورات الرضي ـ قم.
حرف السين
٧٢
ـ سماء المقال في علم الرجال :
أبو الهدى الكلباسي ( المتوفى ١٣٥٦ هـ ) مؤسسة ولي العصر للدراسات الإسلامية ، قم
ـ ١٤١٩ هـ.
٧٣
ـ السنن الكبرى : البيهقي : أبو بكر
أحمد بن الحسين ( المتوفى ٤٥٨ هـ ) دار الفكر ، بيروت.
٧٤
ـ كتاب سيبويه : أبو بشر عمرو بن
عثمان بن قنبر ( المتوفّى ١٦١ هـ ) تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون ، عالم الكتب
ـ ١٤٠٣ هـ.
٧٥
ـ سير أعلام النبلاء : محمد بن أحمد ابن
قايماز الذهبي ( المتوفى ٨٤٨ هـ ) مؤسسة الرسالة ، بيروت ـ ١٤٠٩ هـ.
٧٦
ـ السيرة النبوية : ابن هشام عبد الملك
بن ايوب الحميري ( المتوفّى ٢١٣ أو ٢١٨ هـ ) دار التراث العربي ، بيروت.
حرف الشين
٧٧
ـ شرح ابن عقيل : عبد الله بن عقيل
الهمداني ( ٦٩٨ ـ ٧٦٩ هـ ) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.
٧٨
ـ شرح تائية دعبل : العلامة المجلسي (
المتوفى ١١١٠ هـ ) تصحيح علي محدث ( بالفارسية ) ، طهران ـ ١٤٠١ هـ.
٧٩
ـ شرح ديوان زهير بن أبي سلمي :
المكتبة الثقافية ، بيروت ـ ١٩٦٨ م.
٨٠
ـ شرح شافية ابن الحاجب : الرضي
الاسترابادي دار الكتب العلمية ، بيروت ـ ١٣٩٥ هـ.
٨١
ـ شرح شواهد المغني : جلال الدين عبد
الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( المتوفى ٩١١ هـ ) ، نشر أدب الحوزة.
٨٢
ـ شرح القصيدة الذهبية : ( شرح
البائية ) : الشريف المرتضى علم الهدى علي بن الحسين بن موسى بن محمد ( المتوفى
٤٣٦ ) ، مطبعة العباسية ، مصر ـ ١٣١٣ هـ.
٨٣
ـ شرح الرضي على الكافية : الشريف
الرضي ( المتوفى ٤٠٦ هـ ) مؤسسة الصادق 7
، طهران.
٨٤
ـ شرح المعلقات السبع : الحسين بن أحمد بن
احمد بن الحسين الزوزني ، مكتبة القاهرة ، مصر ـ ١٣٨١ هـ.
٨٥
ـ شرح المعلقات العشر : قدم له وشرحه د.
مفيد قميحة ، منشورات دار مكتبة الهلال ، بيروت.
٨٦
ـ شرح نهج البلاغة : ابن ابي الحديد
المعتزلي ( المتوفى ٦٥٥ هـ ) ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
٨٧
ـ شرح النووي على مسلم : أبو زكريا
يحيى بن شرف ( ٦٣١ ـ ٦٧٦ هـ ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ ١٣٩٢ هـ.
٨٨
ـ شرح شواهد التنزيل : الحاكم الحسكاني :
عبيد الله بن عبد الله ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية ـ ١٤١١ هـ.
حرف الصاد
٨٩
ـ صحاح اللغة : الجوهري : إسماعيل
بن حّماد ( المتوفى ٣٩٣ هـ ) طبع دار العلم للملايين ، بيروت ـ ١٤٠٧ هـ.
٩٠
ـ صحيح البخاري : البخاري محمد بن
اسماعيل ( المتوفى ٢٥٦ هـ ) دار الفكر ، بيروت ـ ١٤٠١ هـ.
٩١
ـ صحيفة الإمام الرضا 7 :
تحقيق ونشر مؤسسة الامام المهدي 7
، قم ـ ١٤٠٨ هـ.
حرف العين
٩٢
ـ عقاب الاعمال : الصدوق ( ٣٠٦ ـ ٣٨١
هـ ) مكتبة الصدوق ، طهران.
٩٣
ـ علل الشرائع : الصدوق محمد بن علي
بن الحسين بن بابويه ( ٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ ) المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ـ ١٣٨٥ هـ.
٩٤
ـ عوالي اللآلئ : ابن ابي جمهور
الأحسائي : محمد بن علي ( المتوفى ٩٤٠ هـ ) مطبعة الشهداء ، قم ـ ١٤٣٠ هـ.
٩٥
ـ عون المعبود شرح سنن أبي داود :
محمد شمس الحق العظيم آبادي ، ضبط وتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان ، دار الفكر ،
بيروت.
٩٦
ـ كتاب العين : الخليل بن أحمد بن
أحمد الفراهيدي ( ١٠٠ ـ ١٧٥ هـ ) مؤسسة الأعلمي ، بيروت ـ ١٤٠٨ هـ.
٩٧
ـ عيون أخبار الرضا 7 :
الشيخ الصدوق ( ٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ ) ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت ـ ١٤٠٤ هـ.
حرف الغين
٩٨
ـ الغدير العلامة الأميني : عبد الحسين
أحمد ( ١٣٢٠ ـ ١٣٩٠ هـ ) دار الكتاب العربي ، بيروت ـ ١٣٨٧ هـ.
٩٩
ـ غريب الحديث : القاسم بن سلام
الهروي ( المتوفى ٢٢٤ هـ ) دار الكتاب العربي ، بيروت ـ ١٣٩٦ هـ.
حرف الفاء
١٠٠
ـ الفائق في غريب الحديث : الزمخشري
جار الله ، محمود بن عمر ( المتوفى ٥٣٨ هـ ) دار الفكر ، دمشق ـ ١٣٩٩ هـ.
١٠١
ـ فرائد السمطين : الجويني : إبراهيم
بن محمد الخراساني ( ٦٤٤ ـ ٧٣٠ هـ ) مؤسسة المحمودي ، بيروت ـ ١٣٩٨ هـ.
١٠٢
ـ الفصول المختارة من العيون والمحاسن للمفيد :
الشريف المرتضى : علي بن الحسين الموسوي ( ٣٥٥ ـ ٤٣٦ هـ ) دار المفيد ، بيروت ،
المطبعة الثانية.
١٠٣
ـ فضائل الصحابة : أحمد بن حنبل ( ١٦٤
ـ ٢٤١ هـ ) جامعة أُمّ القرى ، المملكة العربية السعودية ـ ١٤٠٣ هـ.
١٠٤
ـ الفوائد الرجالية : السيد محمد مهدي
بحر العلوم ( ١١٥٥ ـ ١٢١٢ هـ ) منشورات مكتبة الصادق ، طهران.
١٠٥
ـ الفهرست : الشيخ الطوسي ( ٣٨٥
ـ ٤٦٠ هـ ) جامعة مشهد ، إيران ـ ١٣٥١ هـ.
حرف القاف
١٠٦
ـ القاموس المحيد : الفيروز آبادي مجد
الدين محمد بن يعقوب ( ٧٢٩ ـ ٨١٧ هـ ) دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ ١٤١٢ هـ.
حرف الكاف
١٠٧
ـ الكافي : الكليني محمد بن
يعقوب ( المتوفى ٣٢٩ هـ ) دار الكتب الإسلامية ، طهران ـ ١٣٩٧ هـ.
١٠٨
ـ الكامل : المبرد النحوي :
محمد بن يزيد ( المتوفى ٢٨٥ هـ ) مكتبة المعارف ، بيروت.
١٠٩
ـ كامل الزيارات : جعفر بن محمد بن
جعفر بن موسى بن قولويه ( المتوفى ٣٦٧ هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة
المدرسين ، قم.
١١٠
ـ كشف الظنون : حاجي خليفة : مصطفى
بن عبد الله ( المتوفى ١٠٦٧ هـ ) دار الفكر ، بيروت ـ ١٤١٠ هـ.
١١١
ـ كشف الغمة في معرفة الأئمة :
الاربلي أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي رافع ( المتوفى ٦٩٣ هـ ) دار الأضواء ،
بيروت ١٤٠٥ هـ.
١١٢
ـ كشف اليقين : الحسن بن يوسف
الحلي ( المتوفى ٧٢٦ هـ ) طهران ـ ١٤١١ هـ.
١١٣
ـ كفاية الأثر : علي بن محمد الخزاز
القمي ( من أعلام القرن الرابع الهجري ) منشورات بيدار ، قم ـ ١٤٠١ هـ.
١١٤
ـ كمال الدين وتمام النعمة : الصدوق محمد
بن علي بن الحسين بن بابويه ( المتوفى ٣٨١ هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة
لجماعة المدرسين ، قم ـ ١٤١٦ هـ.
١١٥
الكنى والألقاب : الشيخ عباس القمي (
المتوفى ١٣٥٩ هـ ) المطبعة الحيدرية ، النجف ـ ١٣٧٦ هـ.
١١٦
ـ كنز العمال : المتقي الهندي (
المتوفى ٩٧٥ هـ ) مؤسسة الرسالة ، بيروت ١٤٠٥ هـ.
١١٧
ـ كنز الفوائد : محمد بن علي بن
عثمان الكراجي ( المتوفى ٤٤ هـ ) مكتبة المصطفوي ، قم ـ ١٤١٠ هـ.
حرف اللام
١١٨
ـ لسان العرب : ابن منظور ، محمد
بن مكرم ( المتوفى ٧١١ هـ ) قم ـ ١٤٠٥ هـ.
١١٩
ـ اللمعة الدمشقية : أبو عبد الله محمد
بن مكي العاملي ( الشهيد سنة ٧٨٦ هـ ) المطبعة العلمية ، قم.
حرف الميم
١٢٠
ـ مثير الأحزان : ابن نما الحلّي (
٥٦٧ ـ ٦٤٥ هـ ) المطبعة الحيدرية النجف الأشرف ـ ١٣٦٩ هـ.
١٢١
ـ مجمع البحرين : الطريحي فخر الدين
( المتوفى ١٠٨٥ هـ ) المكتبة الرضوية ، قم.
١٢٢
ـ مجمع الزوائد : الهيثمي : علي بن
ابي بكر ( ٧٣٥ ـ ٨٠٧ هـ ) دار الكتاب العربي ، بيروت ـ ١٤٠٢ هـ.
١٢٣
ـ مختار الصحاح : محمد بن أبي بكر بن
عبد القادر ، دار الكتب العلمية ، بيروت ـ ١٤١٥ هـ.
١٢٤
ـ مختصر المعاني : سعد الدين
التفتازاني ( المتوفى ٧٩٢ هـ ) دار الفكر ، قم ـ ١٤١١ هـ.
١٢٥
ـ مراصد الاطّلاع : أبو عبد الله ياقوت
بن عبد الله الحموي الرومي ( المتوفى ٦٢٦ هـ ).
١٢٦
ـ مروج الذهب : علي بن الحسين
المسعودي ( المتوفى ٣٤٥ هـ ) منشورات الجامعة اللبنانية ، بيروت ـ ١٩٦٥ م.
١٢٧
ـ المستدرك على الصحيحين : محمد بن عبد
الله الحاكم النيسابوري ( المتوفى ٤٠٥ هـ ) دار المعرفة ، بيروت ـ ١٤٠٦ هـ.
١٢٨
ـ المسند : أحمد بن حنبل (
المتوفى ٢٤١ هـ ) دار الفكر ، بيروت.
١٢٩
ـ المسند : الشافعي : محمد بن
إدريس ( ١٥٠ ـ ٢٠٤ هـ ) دار الكتب العلمية ، بيروت.
١٣٠
ـ مسند زيد بن علي : زيد بن علي بن
الحسين ( ٧٦ ـ ٢٠٤ هـ ) دار الكتب العلمية ، بيروت.
١٣١
ـ المعارف : ابن قتيبة الدينوري
: عبد الله بن مسلم ( المتوفى ٢٧٦ هـ ) دار الكتب العلمية ، بيروت ـ ١٤٠٧ هـ.
١٣٢
ـ معالم الفتن : سعيد أيوب ، دار
الكرام ، بيروت ـ ١٤١٤ هـ.
١٣٣
ـ معاني الأخبار : الصدوق محمد بن علي
بن الحسين ( المتوفى ٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ ) دار المعرفة ، بيروت ـ ١٣٩٩ هـ.
١٣٤
ـ معجم البلدان : ياقوت بن عبد الله
الحموي ( المتوفى ٦٢٦ هـ ) دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
١٣٥
ـ معجم رجال الحديث : السيد أبو القاسم
الخوئي ( ١٣١٧ ـ ١٤١٣ هـ ) منشورات مدينة العلم قم ـ ١٤٠٣ هـ.
١٣٦
ـ معجم ما استعجم : البكري الأندلسي :
عبد الله بن عبد العزيز ( المتوفى ٤٨٧ هـ ) عالم الكتب ، بيروت ـ ١٤٠٣ هـ.
١٣٧
ـ معجم المؤلفين : عمر رضا كحالة ،
دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
١٣٨
ـ معجم مقاييس اللغة : أحمد بن فارس بن
زكريا ( المتوفى ٣٩٥ هـ ) تحقيق عبد السلام محمد هارون ، القاهرة ـ ١٣٦٦ هـ.
١٣٩
ـ المعلقات العشر : بشروح الزوني ،
الزنقيطي ، ابن النحاس التبريزي ، دار الرشيد ، دمشق ؛ بيروت ـ ١٤٠٨ هـ.
١٤٠
ـ مغني اللبيب : ابن هشام : عبد الله بن
يوسف بن هشام الأنصاري ( المتوفى ٧٦١ هـ ) بيروت ـ ١٩٧٩ م.
١٤١
ـ مفاهيم القرآن : السبحاني : جعفر بن
محمد حسين ( المتولد ١٣٤٧ هـ ) ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ،
قم ـ ١٤٠٥ هـ.
١٤٢
ـ مفردات ألفاظ القرآن الكريم في غريب الحديث :
الراغب الإصبهاني أبو القاسم الحسين بن محمد ( المتوفى ٥٠٢ هـ ) المكتبة المرتضوية
، طهران.
١٤٣
ـ مقتل الحسين 7 :
الخوارزمي : موفق بن أحمد المكي ( المتوفى ٥٦٨ هـ ) مطبعة الزهراء ، النجف الأشرف
ـ ١٣٦٧ هـ.
١٤٤
ـ المناقب : الخوارزمي : موفق
بن احمد ( المتوفى ٥٦٨ هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم ـ
١٤١١ هـ.
١٤٥
ـ مناقب آل أبي طالب : محمد بن علي بن شهر
آشوب المازندراني ( ٤٨٨ ـ ٥٨٨ هـ ) دار الأضواء ، بيروت ـ ١٤٠٥ هـ.
١٤٦
ـ مناقب أهل البيت : :
محمد بن جرير الطبري.
١٤٧
ـ من لا يحضره الفقيه : الصدوق : محمد بن
علي بن الحسين بن بابويه ( ٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة
المدرسين ، قم ـ ١٤٠٤ هـ.
١٤٨
ـ الموضوعات : عبد الرحمن بن علي
بن الجوزي ( ٥١٠ ـ ٥٩٧ هـ ) دار الفكر ، بيروت ـ ١٣٨٦ هـ.
حرف النون
١٤٩
ـ النهاية في غريب الحديث : ابن الأثير
الجزري : مبارك بن محمد ( المتوفى ٦٠٦ هـ ) مؤسسة إسماعيليان ، قم ـ ١٣٦٤ هـ.
١٥٠
ـ نهج الإيمان : زين الدين علي بن
يوسف بن جبر ، مجتمع الإمام الهادي 7
، مشهد المقدسة ـ ١٤١٨ هـ.
١٥١
ـ نهج البلاغة : جمع الشريف الرضي (
المتوفى ٤٠٦ هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم ـ ١٤٠٨ هـ.
حرف الهاء
١٥٢
ـ هدية العارفين : إسماعيل باشا
البغدادي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
١٥٣
ـ هدية العباد في شرح حال صاحب بن عباد :
عباس الأديب ( بالفارسية ).
حرف الياء
١٥٤
ـ اليقين باختصاص مولانا علي 7 بإمرة المؤمنين :
علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن الطاووس ( ٥٨٩ ـ ٦٦٤ ) مؤسسة الثقلين ، بيروت ـ
١٤١٠ هـ.
فهرس المواضيع
تقديم........................................................................... ٥
مقدمة المؤلف.................................................................. ٥٣
فصل في معنى العينيّة............................................................ ٥٩
فصل في ذكر شطر من
أحوال الناظم............................................. ٦١
فصل في ذكر ما يتعلّق
بالقصيدة................................................. ٨١
المختار من القصيدة............................................................. ٨٧
شرح البيت الأوّل.............................................................. ٨٧
شرح البيت الثاني............................................................ ١٣١
شرح البيتين الثالث
والرابع.................................................... ١٥٦
شرح البيت الخامس إلى
السابع................................................ ١٧٧
شرح البيت الثامن............................................................ ٢١٠
شرح البيت التاسع........................................................... ٢١٩
شرح البيت العاشر........................................................... ٢٣٦
شرح البيتين الحادي
عشر والثاني عشر.......................................... ٢٥٥
شرح البيت الثالث عشر...................................................... ٢٨٤
شرح الأبيات الرابع
عشر إلى العشرين.......................................... ٣٠١
تفصيل تنصيب الإمام
علي وحادثة الغدير....................................... ٣٤٤
شرح البيت الحادي
والعشرين................................................. ٤٠٠
شرح البيت الثاني
والعشرين................................................... ٤٠٥
شرح الأبيات الثالث
والعشرين إلى السادس والعشرين............................ ٤١٠
شرح البيت السابع
والعشرين.................................................. ٤٢٥
شرح الأبيات : الثامن
والعشرين إلى السابع والثلاثين............................. ٤٣٤
شرح الأبيات الثامن
والثلاثين إلى الأربعين...................................... ٤٧٧
شرح البيت الحادي
والأربعين................................................. ٤٨٥
شرح الأبيات الثاني
والأربعين إلى الثامن والأربعين............................... ٤٩٠
شرح البيت التاسع
والأربعين.................................................. ٥٣٤
شرح البيت الخمسين......................................................... ٥٤١
شرح البيت الحادي
والخمسين................................................. ٥٤٩
شرح البيت الثاني
والخمسين................................................... ٥٥٤
شرح البيت الثالث
والخمسين................................................. ٥٦٧
شرح البيت الرابع
والخمسين.................................................. ٥٧٣
فهرس المصادر............................................................... ٥٧٩
فهرس المواضيع............................................................... ٥٩٩
|