
الإهداء
إلى
مصباح الهدى وسفينة النجاة ...
إلى
الموعود بشهادته قبل ولادته ...
إلى
الذي بكاه رسول الله حين ولادته ...
إلى
الذي قضى ضمآن بجنب الفرات ...
إلى
الذي بكت عليه ملائكة السماء ...
إلى
خضيب الشيبة بالدماء ...
إلى
ساكن طفوف كربلاء ...
إلى
من تطلب بدمه سيدة النساء بعرصات يوم القيامة ...
« لابدّ ان ترِدَّ القيامةَ فاطمٌ
|
|
وقميصها بدم الحسين ملطخ »
|
إلى
خامس اصحاب حديث الكساء ...
إليك
يا سيدي يا أبا عبد الله الحسين بن علي 7...
أرفع
لك هذا المجهود القليل راجياً من الله القبول ...
والغفران
لي ولوالدي ولمن ينتفع بهذا الكتاب
يوم
لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى بقلب سليم ...
محمد فاضل المسعودي

تقريض
تزيينا لكتابنا وتبيينا لعام الطبع
طلبنا من الخطيب سماحة الشيخ محمد سعيد المنصوري « حفظه الله ورعاه » ان يتفضل
علينا بتوشيح لكتابنا الأسرار الفاطمية وتأريخ يعرف به زمان طبعه فاستجاب لنا
سماحته بهذه المقطوعة الشعرية المشتملة على معاني لطيفة وخفيفة على الطبع والذوق
امد الله في عمره الشريف ووفقنا الله واياه وصالح المؤمنين لخدمة الائمة الأطهار
لا سيما فاطمة الزهراء 3
أنالنا الله شفاعتها يوم القيامة وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
( محمدٌ ) بالاسرارِ جاء ولم يجئ
|
|
الينا بأسرارٍ سِواهُ مؤلفُ
|
على أنّها بالفاطميةِ عُرّفَت
|
|
وكلُّ الذي يُعزى لفاطمة يُعرفُ
|
وهذا كتابٌ في سليلةِ ( احمد )
|
|
ومِن ذُكرُها الذكرَ الجَمِيل
المُشرِّفُ
|
بهِ قَد جَلى بالبحثِ عَن كلّ غامضٍ
|
|
وعرّف عمّا فيهِ حارَ المعرِّفُ
|
ابانَ وفي « مُستودَع السر » ما به
|
|
تُقرطُ اذانُ الورى وتُشنَّفُ
|
فأبوابُهُ باباً فبَاباً وبحثُهُ
|
|
لأبينُ مِن فجرٍ ضحَوُكٍ وألطَفُ
|
كتابٌ بِهِ ما لَيسَ يحوِيه غيرُهُ
|
|
وكلٌّ على قدرٍ من الدوح يَقطفُ
|
وفكرتُهُ فيما نرى من بَيانِه
|
|
يميلُ اليها العبقَرِي المُثقَفُ
|
وفاطمةٌ مهما نقوُل بشأنها
|
|
فتلكَ من الأقوال اسمى واشرفُ
|
فطوبى لمن مالوا اليها بودِّهِم
|
|
وويلٌ لمن قالوا وفي القوَلِ اسرفُوا
|
فظلوا طرِيقا كان فيه نجَاتهم
|
|
اظلّهم عنه الهَوى والتَعجرُفُ
|
فيا نِعمَ ما دبجّتَ يا نَجلَ «
فاضِلٍ »
|
|
بِمَن قد اتى فِيها من « الله » مصحفُ
|
غدا سوف يأتيكَ الجزاءُ مضاعَفاً
|
|
فأرّخهُ « ان نعم التُقى والتعففُ »
|
٥١ + ١٦٠ + ٥٤١ + ٦٦٧
= ١٤١٩ هجرية
تقديم
العلاّمة آية الله
سماحة
السيّد عادل العلوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرّة البهيّة
في الأسرار الفاطميّة
الحمد لله فاطر السماوات والأرضين ،
خالق فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ، والصلاة والسلام على أبيها محمّد الأمين
، سيد الأنبياء والمرسلين ، حبيب الله وخاتم النبيّين ، وعلى بعلها أمير المؤمنين
عليّ سيّد الأوصياء وإمام المتّقين ، وعلى أولادهما الأئمة الميامين أهل البيت
الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم ومنكري فضائلهم من بدء الخلق إلى قيام يوم
الدين.
قال تعالى في محكم كتابه الكريم ومبرم
خطابه العظيم : (
إِنَّمَا
يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرًا ) .
وقال رسول الله 9 : « لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة ،
بل هي أعظم. فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً » .
الحديث عن الزهراء 3 إنّما هو حديث عمّا سوى الله سبحانه ،
فهي الكون
__________________
الجامع بل الحديث
عنها حديث عن الله سبحانه لوحدة الرضا والغضب بينهما ، فإنّه سبحانه يرضى لرضاها
ويغضب لغضبها ، والله المحسن وهو الجميل ومطلق الجمال والحسن ، وإنّه يحبّ الجمال
، ولو كان الحسن والجمال شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم ، فهي جمال الله وحسنه ،
وإنّها الحوراء الإنسيّة ، فهي خير أهل الأرض عنصراً ، فإنّها نور الله جلّ جلاله
اشتُقّت من نور أبيها وبعلها ، وفارقتهما في القوس النزولي ، فكان أبوها وبعلها في
صلب آدم إلى عبد المطلب وأبي طالب ، وبقيت هي في العرش الإلهي في مشكاة تحت ساق
العرش ، ثمّ انتقل إلى الجنّة ، وبقي في رياضها محبوراً ، ثمّ أودعه الله في شجرة
من أشجارها وفي ثمارها وأغصانها ، حتى إذا عرج النبيّ الأعظم 9 إلى السماء ودخل الجنّة ، وأكل من
تفّاحها ورطبها ، فتناول من ثمار الجنّة ومن شجرة فاطمة 3 فتحوّلت نوراً في صلبه ، ثمّ هبط إلى
الأرض ، فواقع خديجة الكبرى لتحمل منه فاطمة الحوراء الإنسيّة ، ومن ثمّ كان
النبيّ يشمّ منها رائحة الجنّة.
ففاطمة 3
من صلب خاتم النّبيّين وأشرف خلق الله أجمعين محمد المصطفى 9 مباشرة ومن دون واسطة ، دون غيرها ،
فكانوا من صلب آدم 7.
فهي خير أهل الأرض عنصراً ، وأشرف بعد أبيها وبعلها مقاماً ، وأكرم منزلاً.
فخلقت من نور محمّدي علويّ قبل خلق آدم
بآلاف من السنين ، خلقت حوريّة في صورة إنسيّة ، ثمّ تكوّنت نطفتها في أعالي
الجنّة ، ونطقت وتحدّثت في بطن أُمّها ، وقال جبرئيل عنها أنّها النسلة الطاهرة
الميمونة ، وسجدت ونطقت بالشهادتين عند ولادتها ، فهي المباركة الطاهرة الصدّيقة
الزكيّة الرضيّة المرضيّة المحدّثة الزهراء البتول الحرّة ، العذراء الحوراء
النوريّة السماويّة الحانية ، اُمّ الحسنين ، أُمّ أبيها ، أُمّ الأئمة النجباء ،
فهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى. ومن عرفها حقيقةً فقد
أدرك ليلة القدر.
والمعرفة أساس الحياة وروحها ، فمن لا
معرفة له ـ كالكافر ـ فلا حياة له ، وكان ميّتاً يمشي بين الأحياء. وبالمعرفة يتمّ
الإيمان ويزداد بزيادتها ، وإنّها تأخذ حيّزاً كبيراً في الحياة الإنسانيّة بكلّ
أبعادها وجوانبها ، حتّى الشريعة المقدّسة التي هي عبارة عن قوانين الحياة
التشريعيّة من أجل السعادة الأبديّة ، فالمعرفة لها الحظّ الأوفر على
مستوى الاُصول
والفروع والأخلاق ، وإنّما يفضّل الناس بعضهم على البعض في المقياس الإلهي
بالمعرفة ولوازمها كالإيمان والتقوى والعلم النافع والعمل الصالح ، كما جاء في
الحديث الشريف : « أفضلكم إيماناً أفضلكم معرفة » .
فلا يمكن من حطّ قيمة المعرفة
والاستهانة بها مطلقاً ، بل جاء عن الإمام الصادق 7
: « لا يقبل الله عملاً إلاّ بمعرفة ، ولا معرفة إلاّ بعمل ، فمن عرف دلّته
المعرفة على العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفة له » .
فأصل كلّ شيء وأساسه هو المعرفة ، حتّى
قال أمير المؤمنين عليّ 7
لكميل ابن زياد :
« يا كميل ، ما من حركة إلاّ وأنت محتاج
فيها إلى معرفة » .
ولا تكون المعرفة تامّة إلاّ بإدراك
القضايا وفهمها ، دركاً صحيحاً وفهماً كاملاً ، بدراسات حقّه ميدانيّة وتحقيقيّة ،
والتي يبتني صرحها الشامخ على ضوء البراهين الساطعة والاستدلالات العقليّة اللامعة
، والحجج العمليّة الواضحة.
فالمعرفة يعني الدراية الكاملة والفهم
العميق والدرك الصحيح ، وقيمة الإنسان بمعرفته.
يقول الإمام الباقر لولده الصادق 7 « يا بني ، إعرف منازل الشيعة على قدر
روايتهم ومعرفتهم ، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية ».
فالرواية نقل الحديث الشريف عن
المعصومين : ، والدراية
تفقّه الحديث وفهمه :
« وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى
أقصى درجات الإيمان ». و « حديث تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه ». و« قيمة كلّ امرئ
وقدره معرفته ».
فالواحب علينا أن نفهم القرآن والروايات
بتفهّم وعمق ، وتدبّر وتفكّر ، وإلاّ فهمّة السفهاء الرواية ، وهمّة العلماء
الدراية.
فلا بدّ لكلّ ذي لبّ أن يعرف الأشياء
على ما هي عليها بحسب الطاقة البشريّة ،
__________________
وأولى شيء بالمعرفة
، وإنّه مقدّم على كلّ المعارف والعلوم هو معرفة اُصول الدين بالبرهان واليقين ،
وبدءاً بالمعرفة الجلاليّة ثمّ الجماليّة ثمّ الكماليّة.
ومن الاُصول معرفة الصدّيقة الكبرى
فاطمة الزهراء 3
، فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر. ألا إنّها
سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها.
فمن يعرفها ؟! وعلى معرفتها دارت القرون
الاُولى ، وما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى اُمر بفضلها ومحبّتها .
ومن الواضح أنّ المعرفة الكاملة
والتامّة لا تكون إلاّ بعد الإحاطة بالشيء ، ومن يقدر على أن يحيط بفاطمة الزهراء 3 إلاّ من كان خالقها ومن كان كفواً لها
، فلا يعرفها ويعرف أسرارها إلاّ أمير المؤمنين عليّ 7
ورسول الله محمد 9
، فإنّ الخلق كلّهم حتّى الأنبياء والملائكة والجنّ والإنس فطموا وقطعوا عن كنه
معرفتها والإحاطة بها ، فلا يعرفها حقّاً إلاّ الله ورسوله ووصيّه 8.
ففاطمة الزهراء وديعة المصطفى وحليلة
المرتضى مظهر النفس الكلّية على أتمّ الوجوه الممكنة فهي الحوراء بتعيّن إنسي ،
مطلع الأنوار البهيّة ، وضياء المشكاة النبويّة ، صندوق الأسرار الإلهيّة ، ورعاء
المعارف الربّانيّة ، عصمة الله الكبرى ، وآية الله العظمى.
لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة أحرزت مقام
العصمة الإلهيّة الكبرى ، كما عليه الإجماع القطعي وذهب إليه الأعاظم من عباقرة
العلم والمعرفة ، كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى.
كما تدلّ الآيات الكريمة والروايات
الشريفة على ذلك ، يكفيك شاهداً آية التطهير ، وما أدراك ما آية التطهير ، فمن
أنكر ذلك فهو كالأعمى الذي ينكر نور الشمس.
والعصمة من اللطف الإلهي الخاصّ ويعني
القوّة النوريّة الملكوتيّة الراسخة في نفس المعصوم 7
، تعصمه وتحفظه من كلّ شين ، كما تزيّنه بكلّ زين ، فيعصم من
__________________
الذنوب والمعاصي
والآثام والسهو والنسيان والغفلة ، وما شابه ذلك ، ومن كان معصوماً في دهره لا
يصدر منه الشين مطلقاً.
وفاطمة الزهراء 3 إنّها المعصومة بعصمة الله سبحانه ،
كما عصم أولادها الأئمة الأطهار ، فإنّ عصمتهم كعصمة القرآن ، فهما الثقلان بعد
رسول الله لن يفترقا في كلّ شيء من البداية وحتّى النهاية ، ومنها العصمة.
مفطومة من زلل الأهواءِ
|
|
معصومةٌ من وصمة الخطاءِ
|
فهذا من عقيدتنا الحقّة في الزهراء 3 ، ولمّا كان الأذان والأقامة للصلوات
اليوميّة إعلان وإعلام في بيان العقيدة ، ولمّا كانت الحياة عقيدة وجهاد ، فلا
مانع ، بل من الراجح أن يعلن الشيعي المخلص عن عقائده الصحيحة في أذانه وإقامته
للصلاة ، فيعلن للعالم في كلّ يوم إنّه يؤمن بتوحيد الله ، كما يؤمن برسول الله
ونبوّته ، ويؤمن بولاية عليّ أمير المؤمنين حجّة الله ويؤمن بإمامته وإمامة أولاده
الطاهرين ، كما يشهد بعصمة الزهراء وطهارتها ، أي في أذانه وإقامته ، يخبر عن
معتقده في المعصومين الأربعة عشر :.
فيقول في أذانه وإقامته بعد الشهادة الثالثة ، الشهادة الرابعة لا بقصد الجزئيّة ،
فنقول فيها ما نقول في الشهادة الثالثة ، ولا أظنّ أن يخالفني في ذلك واحد من
الفقهاء والعلماء إلاّ من يجهل المباني الفقهيّة ، وما جاء وراء الفقه من المعاني
الدقيقة.
فيجوز أن يقول المؤذّن والمقيم بعد
الشهادة الثالثة : ( أشهد أنّ فاطمة الزهراء عصمة الله ) مرّتان أو مرة واحدة أو يلحق ذلك
بالشهادة الثالثة بعد قوله : ( أشهد أنّ عليّاً وليّ الله وأنّ فاطمة الزهراء عصمة
الله ) ، فتدبّر.
وممّا يدلّ على مقامها الشامخ وعصمتها الذاتيّة
الكلّية كما في الأنبياء
__________________
والأوصياء : أنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ـ كما
ورد مستفيضاً عند الفريقين السنّة والشيعة ـ فإنّ الله سبحانه لم يغضب لنبيّ من
أنبيائه : ( وَذَا النُّونِ إِذ
ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ
).
ولكن يغضب لغضب فاطمة 3.
ثمّ لا تجد معصوماً تروّج بمعصومة إلاّ
أمير المؤمنين عليّ 7
، ولولا عليّ لما كان لفاطمة كفوّ آدم ومن دونه ، فإنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ
المعصوم ، فإنّ الرجال قوّامون على النساء ، فلا يكون غير معصوم قوّاماً على
المعصومة ، ومن خصائص أمير المؤمنين التي لا يشاركه فيها أحد حتّى رسول الله محمّد
9 هو زواجه من
المعصومة فاطمة الزهراء 3
، وهو الزواج المبارك في عالمي التكوين والتشريع ، وإنّه من زواج النور من النور ،
كما ورد في الأخبار ، فالمعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم 3.
وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين من
الأوّلين والآخرين في الدنيا والآخرة ، كما تشهد بذلك آية التطهير والمباهلة وحديث
الكساء وأصحابه الخمسة المصطفى والمرتضى وابناهما وفاطمة :.
وربّما قدّم المباهلة النساء والأبناء
على الأنفس للإشارة إلى أنّ الأنفس فداها.
« فداها أبوها ».
وإنّما يعرف هذا وأمثاله بالمعرفة
المعنويّة الذوقيّة التي يحصل عليها العارف بالشهود والكشف بعد صيقلة الروح والقلب
، لا بالمعرفة المفهوميّة الاستدلاليّة من البرهان والكسب وحسب ، وليس العيان
كالبيان.
وما يسطّر القلم في معرفة فاطمة إلاّ رشحات
من بحر معرفتها ، وإنّما عرفناها وعرفنا الأئمة الأطهار بما نطق به الثقلان القرآن
وأهله ، وإلاّ فقد فطم الخلق عن كنه معرفتها ، فمن يعرفها ويعرف أسرارها ؟ وما
يقال في هذا المضمار ليس إلاّ ما عند الكاتب ، لا ما عند المكتوب عنه ، فالأسرار
الفاطميّة ليس إلاّ من سرّ الكاتب وسريرته لا من أسرارها وحقيقتها ، فإنّ حقيقة
فاطمة 3 حقيقة ليلة
القدر ، حقيقة
الكون وما فيه.
والله سبحانه خلق عالم الملك ـ وهو عالم
الناسوت ـ على وزان عالم الملكوت ـ وهو عالم الأرواح ـ ، والملكوت على وزان
الجبروت ـ وهو عالم العقول ـ ، حتّى يستدلّ بالملك على الملكوت ، وبالملكوت على
الجبروت.
ثمّ بين العالم العلوي والعالم السفلي
قوساً نزوليّاً وصعوديّاً ، وقد عبّر عن القوس النزول في نزول فيض الله ورحمته على
الكون بالليل والليالي ، كما عُبّر عن القوس الصعودي باليوم والأيام.
وعصمة الله فاطمة الزهراء 3 كما عبّر عنها بليلة القدر ، كذلك هي
يوم الله. والإنسان الكامل هو القرآن الناطق ، ففي ليلة القدر نزل القرآن ، ونزل
أحد عشر قرآناً ناطقاً في فاطمة الزهراء فهي الكوثر ، وهي الليلة المباركة ، وليلة
القدر خيرٌ من ألف شهر ، أي ألف مؤمن ، فإنّها اُمّ الأئمة الأبرار واُمّ المؤمنين
الأخيار ، والملائكة من المؤمنين الذين حملوا علوم آل محمد : وأسرارهم ، وروح القدس فاطمة يتنزّلون
في ليلة القدر بإذن ربّهم من كلّ أمرٍ سلامٌ هي حتى مطلع الفجر قائم آل محمد 7 .
وليلة القدر قلب الإنسان الكامل الذي هو
عرش الرحمان ، وإنّه أوسع القلوب ، فروح الأمين في ليلة مباركة يتنزّل بالقرآن
فينشرح صدره ، فليلة القدر الصدر النبويّ الوسيع ، ومثله يحمل القرآن العظيم دفعةً
واحدةً في ليلةٍ واحدة ، ثمّ طيلة ثلاث وعشرين عاماً ينزل تدريجاً.
فليلة القدر الذي يحمل القرآن دفعة
واحدة في معارفه وحقائقه ولطائفه هي فاطمة الزهراء 3
، وما من حرف في القرآن إلاّ وله سبعون ألف معنى ، وإنّ فاطمة 3 لتعرف كلّ هذه المعاني فمن عرفها حقّ
معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ، فهي القلب اللامع الذي يتجلّى فيه الغيب الجامع.
فهي درّة التوحيد وحقيقة القرآن المجيد
، بل وحقيقة النبوّة والإمامة ، وما يجمع بينهما وبين التوحيد ، أي حقيقة الولاية.
__________________
فمن يقدر على الإحاطة بمعرفة فاطمة
الزهراء 3 بما هي هي ،
وبما تحمل في ذاتها وصفاتها من الأسرار وسرّ السرّ ، هيهات هيهات ، لا يعرفها حقيقة
إلاّ مصوّرها وبارؤها وأبوها وبعلها 8
، ولمثلها يقوم خاتم الأنبياء 9
إجلالاً ويقبّل صدرها ويدها ، ويشمّ منها رائحة الجنّة ، ولا يخرج من المدينة حتّى
يودّعها ولا يدخل حتّى يسلّم عليها أوّلاً.
وليس كلّ هذا باعتبار العاطفة الأبويّة
، بل لما تحمل من الفضائل النبويّة والأسرار العلويّة.
فمن هي ؟
هي التي كانت مفروضة الطاعة على جميع
الخلق من الجنّ والإنس والطير والوحوش.
هي التي لا يذكر الله الحور العين في
كتابه وفي سورة الدهر عندما يذكر منقبة من مناقبها إجلالاً وتكريماً وتعظيماً لها.
هي الكوثر التي خصّها الله بالخلق
النوري من بين النساء ، وبالمهدي من آل محمّد :
، وبالذرّية المباركة الطاهرة ، بالحسن والحسين و الأئمة المعصومين :.
هي التي اشتقّ اسمها من اسم الله فكان
فاطراً وكانت فاطمة ، وإنّها صاحبة السرّ المستودع ، ولها من المناقب والفضائل ما
لا يمكن للبشر أن يحصيها ، وإذا كانت ضربة عليّ 7
يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين أو أفضل ، فمن يقدر أن يعدّ عبادتهم ؟ وفاطمة كفو
لعليّ 8 ، فلها ما
لعليّ في كلّ شيء إلاّ الإمامة ، كما كان لعليّ ما لرسول الله إلاّ النبوّة.
والمرأة إذا لم تكن نبيّة ، فإنّ لها أن
تصل إلى مقام الولاية العظمى ، فتكون أفضل من الأنبياء كفاطمة الزهراء 3 ، فهي حلقة وصل بين النبوّة والإمامة ،
فهي نور المُهج وحجّة الحجج ...
وهي بضعة المصطفى وبهجة قلبه ، من سرّها
فقد سرّ رسول الله ، ومن آذاها فقد آذى رسول الله ، ومن آذى رسول الله فقد آذى
الله ، ومن آذى الله ورسوله ، فعليه لعنة الله أبد الآبدين ، وكذلك لمن أغضبها
وغضبت عليه ، فارجع إلى التأريخ لتعرف على
من غضبت فاطمة ؟
وماتت وكانت واجدة عليهم ؟
أصفاها الله وطهّرها تطهيراً ، فهي
سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وإنّها أوّل من تدخل الجنّة ، وتمرّ
على الصراط ، ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين.
هي زينة العرش الإلهي كزوجها الوليّ
والوصيّ ، وهي أعبد الناس ، حبّها ينفع في مئة موطن من المواطن ، أيسرها الموت
والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة ، ومن أحبّها فهو في الجنّة ، ومن
أبغضها وآذاها فهو في النار.
فالويل كلّ الويل لمن ظلمها وظلم بعلها
وذرّيتها وشيعتها ، الويل كلّ الويل لمن غصب حقّها وكسر ضلعها وأسقط جنينها ولطم
خدّها وأنكر فضلها ومناقبها ومثالب أعدائها.
ثمّ لو تلونا وقرأنا زيارة الجامعة
الكبيرة
الواردة بسند صحيح عن الإمام الهادي 7
، والتي تعدّ في مضامينها من أفضل وأعظم الزيارات ، لوجدنا أنّها تذكر وتبيّن شؤون
الإمامة بصورة عامّة ، لنعرف الإمام المعصوم 7
بمعرفة مشتركة لكلّ الأئمة الأطهار :
، فكلّ واحد منهم ينطبق عليه ما جاء في فقرات الزيارة ومفرداتها.
إلاّ أنّ فاطمة الزهراء 3 لا تزار بهذه الزيارة ، فلا يقال في
شأنها أنّها موضع سرّ الله وخزانة علمه وعيبته ، فهذا كلّه من شؤون حجّة الله على
الخلق ، وفاطمة الزهراء 3
هي حجّة الله على حجج الله ، كما ورد عن الإمام العسكري 7 :
« نحن حجج الله على الخلائق ، واُمّنا
فاطمة حجّة الله علينا ».
ولهذا يقول صاحب الزمان عجّل الله فرجه
الشريف :
« ولي اُسوةٌ باُمّي فاطمة ».
فالأئمة اُسوة الخلق وقادتهم ، وفاطمة
اُسوة الأئمة :.
إنّها 3
تساوي أبيها في خلقه النوري ، وقال في حقّها : « فاطمة روحي التي بين جنبيّ ».
وربما الجنبان إشارة إلى جنب العلم وجنب
العمل ، فهي تحمل روح النبيّ بعلمه
__________________
وعمله ، وكلّ
كمالاته العلميّة والعمليّة إلاّ النبوّة ، فهي الأحمد الثاني ، وهي روحه التي بين
جنبيه.
ويحتمل أن يكون إشارة الجنبين إلى
النبوّة المطلقة والولاية العامّة ، فقد ورد في الخبر النبويّ الشريف :
« ظاهري النبوّة ، وباطني الولاية ».
مطلقاً التكوينية والتشريعية على كلّ
العوالم العلوية والسفلية ، السماوية والأرضية ، كما ورد :
« ظاهري النبوّة ، وباطني غيبٌ لا يدرك
».
وأنفسنا في آية المباهلة تجلّت وظهرت
وكان مصداقها الخارجي أمير المؤمنين عليّ 7
فالزهراء 3 يعني رسول
الله وأمير المؤمنين ، فهي مظهر النبوّة والولاية ، وهي مجمع النورين : النور
المحمّدي والنور العلويّ ، وكما ورد في تمثيل نور الله في سورة النور وآيته : ( اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ
نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ).
بأنّه كالمشكاة ، وورد في تفسيرها
وتأويلها أنّ المشكاة فاطمة ، وفي هذا المشكاة نور رسول الله وأمير المؤمنين 8 ، ثمّ نور على نور وإمام بعد إمام ،
يهدي الله لنوره من يشاء.
فالنبوّة والإمامة في وجودها النوري ،
وهذا من معاني ( السرّ المستودع فيها )
، فهي تحمل أسرار النبوّة والإمامة ، كما تحمل أسرار الكون وما فيه ، تحمل أسرار
الأئمة الأطهار وعلومهم ، تحمل أسرار الخلقة وفلسفة الحياة ، ولولا مثل هذا
المعلول المقدّس لما خلق الله النبيّ والوصيّ كما ورد في الحديث الشريف المعراجي :
« يا أحمد ، لولاك لما خلقت الأفلاك ،
ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما ».
__________________
ولا فرق بين الأحد والأحمد إلاّ ميم
الممكنات التي غرق فيها كلّ شيء ... والاُمّ تحمل جنينها وولدها ، وفاطمة اُمّ
أبيها ، فهي تحمل النبيّ في أسرار نبوّته وودائعها ، كما تحمل أسرار الممكنات في
جواهرها وأعراضها ، وبنورها الزاهر ازدهرت السماوات والأرض ، فالله الفاطر فطر
الخلائق بفاطمة الزهراء وبنورها الأزهر ...
ولمثل هذه الخصائق القدسيّة كان النبيّ
الأعظم 9 يقول :
فداها أبوها.
مشكاة نور الله جلّ جلاله
|
|
زيتونة عمّ الورى بركاتها
|
هي قطب دائرة الوجود ونقطة
|
|
لمّا تنزّلت أكثر كثراتها
|
هي أحمد الثاني وأحمد عصرها
|
|
هي عنصر التوحيد في عرصاتها
|
ـــــ
فاطمةً خير نساء البشر
|
|
ومن لها وجه كوجه القمرِ
|
فضّلك الله على كلّ الورى
|
|
بفضل من خصّ بآيّ الزمرِ
|
زوّجك الله فتىً فاضلاً
|
|
أعني عليّاً خير من في الحضرِ
|
ـــــ
وأخيراً عن رسول الله 9 ، قال « فاطمة بهجة قلبي ، وابناها
ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها اُمناء ربّي ، وحبله الممدود
بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلّف عنه هوى » .
هذا وقد غمرتني الفرحة والبهجة عندما
لمست أناملي الداثرة ما خطّه يراع فضيلة مروّج الأحكام حجّة الإسلام الكاتب
المعتمد المؤلف السند الخطيب الكامل الشيخ محمّد فاضل المسعودي دام موفّقاً.
وقد أبدع سماحته في سفره هذا القيّم (
الأسرار الفاطميّة ) ، وملأ فراغاً في المكتبة الإسلامية العربية ، من معرفة
نورانية حول السيّدة فاطمة الزهراء 3
، بقلم سلس وبيان جميل ، وتصوير رائع ، وقد حاول أن يؤدّي ما هو الحقّ في كلّ فصل
من فصوله ، فللّه درّه وعليه أجره وكثّر الله من أمثاله.
__________________
كان سماحته يحضر عندي كفاية الاُصول
وأبحاثنا الفقهيّة ـ خارج الفقه ( الاجتهاد والتقليد ) ـ ولا يزال بحمد الله يحضر
حضور تفهّم واستيعاب في جمع من طلبة العلوم الإسلامية في حوزة قم العلمية من جاليات
مختلفة.
وقد سألت الله في سنين من حياتي في
ليالي القدر أن يوفّق جميع أهل العلم ، لا سيّما أولئك الذين حضروا عندي دروسهم
الحوزوية ، أن يوفّقهم لخدمة الدين والمذهب في كلّ المجالات العلمية والعملية ،
بأقلامهم وألسنتهم ، بالتأليف والتصنيف والتدريس والتبليغ والخطابة والإمامة في
المحاريب ، وغير ذلك من المسؤوليات الدينية والاجتماعية الملقاة على عاتق علماء
الدين ورجال العلم ، أعزّهم الله في الدارين.
وأرى اليوم مرّةً اُخرى قد أثمرت الجهود
، ولم تذهب الأتعاب ضياعاً ، بل بين حين وحين تؤتي الشجرة الطيّبة اُكُلها ، بل
الحوزة المباركة هي البركة والخير المستمرّ والمستقرّ ، وإنّها الكوثر العذب
والمنهل الصافي والينبوع المتدفّق ...
والشيخ الكاتب قد أجاد في هذا الكتاب
الرائع بتعريف جملة من أسرار سيّدة النساء فاطمة الزهراء 3 ، وما أروع ما كتب وما أجمل ما اختار ،
لا سيّما وهذه الهجمات المدسوسة بين حين وحين تتغلغل في صفوفنا ، من قبل الاستعمار
والاستكبار العالمي ، ضدّ مقامات أهل البيت :
، وفاطمة الزهراء 3
، والعجب أنّها تصدر تارةً من أبناء المذهب ، وممّن ينتسب إلى الذرّية الطاهرة !!
ليفرّق بيننا ويمزّقنا كي يسود علينا وينهب خيرات بلادنا ومآرب اُخرى.
ألا أنّهم أرادوا أن يطفئوا نور الله ،
والله متمّ نوره ولو كره المشركون والكافرون ، وإنّه يؤيّد دينه برجال تطفح من
أقلامهم الإسلامية عبقات الولاء والإخلاص ، ويتدفّق منها المودّة الخالصة في قربى
الرسول الأعظم 9.
أسأل الله سبحانه أن يسدّد خطاهم ،
ويبارك لهم في حياتهم العلمية والعملية ، ويوفّقهم لما فيه من الخير من طلب العلم
النافع والعمل الصالح وخدمة الدين ونشر معارف الإسلام وحقائق المذهب الناصعة.
عهدي إليهم أن لا أنساهم من الدعاء
وأملي بهم أن لا ينسوني من صالح دعواتهم الطيّبة.
فطوبى لك يا قرّة العين بما كتبت يراعك
المباركة ، وستلقى الأجر من اُمّنا فاطمة الزهراء 3
، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ، إلاّ من أتى الله بقلبٍ سليم ، والسلام عليك وعلى
أعزّائي طلاّب العلوم الدينية ورجال العلم والفضيلة ، وعلى كلّ مؤمن ومؤمنة ،
ودمتم بخير وسعادة ، وتقبّلوا تحيّات .
|
العبد
عادل العلوي
قم المقدّسة ـ الحوزة
العلميّة
|
__________________
المقدمة
بسمه تعالى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على اشرف الأنبياء والمرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين
الطاهرين ، اللهم صلِّ على الصديقة فاطمة الزكية حبيبة حبيبك ونبيك وأمُّ احبائك
وأصفيائك التي انتجبتها وفضلتها واخترتها على نساء العالمين ، اللهم كُن الطالب
لها ممن ظلمها واستخف بحقها وكن الثائر اللهم بدم اولادها اللهم كما جعلتها أمُّ
أئمة الهدى وحليلة صاحب اللواء والكريمة عند الملاء الأعلى فصلِّ عليها وعلى امها
صلاة تكرم بها وجه أبيها محمد 6
وتقر بها اعين ذريتها وأبلغهم عني في هذه الساعة وفي كل ساعة افضل التحية والسلام
واردد عليّ منهم السلام انك جواد كريم.
وبعد فانه لا يخفى على المتتبع لسيرة
وحياة أهل البيت :
انه قد كُتِبَت فيهم الكثير من الكتب وبالخصوص في شخصية فاطمة 3 ومعرفتها حيث دارت في مجمل بحوثها على
طريقة السرد التأريخي او المقارنة الموضعية ـ بين حياتها سلام الله عليها وبين
باقي النساء المؤمنات اللآئي ذكرهن القرآن الكريم ـ أو على طريقة الاستنتاج
والتحليل الواقعي والموضوعي لجميع مواقفها الاسلامية التي اتخذتها خلال مسيرتها
الحياتية والتي كانت مليئة بالدروس والعبر والعظات الإنسانية البليغة.
على أن هذا الكتاب الذي بين يديك أيها
القارئ الكريم قد جاء ليمثل مجموعة السبل التي لابد من الكتاب أو المؤلف أن يجمعها
ويصبها في قالب حسن وهو يعرض شخصية مثل شخصية الصديقة الطاهرة فاطمة 3 ، حيث فيه الأسرار الغامضة التي جاءت
على شكل عناوين لبعض هذه البحوث مثل : حقيقة السر المستودع ، أصل يوم العذاب ،
فاطمة حجة الله الكبرى ، وأيضا فيه المقارنة الموضوعية ، والإستنتاج العلمي ،
والتحليل المثمر ، وكما سيظهر لك من خلال قراءة هذه البحوث والمحاضرات.
على أنني أُنبه
القارئ العزيز أنني قد وضعت في الكتاب بعض المواضيع التي ذكرتها بعض الكتب من باب
اتمام الفائدة في الكتاب على امل ان يكون شاملاً لكثير من القضايا الحساسة
والعقائدية في حياة فاطمة سلام الله عليها ، وليرجع اليها الكاتب والخطيب والباحث
حين تعوزه المصادر والكتب ، وقد توجت كل بحث في بدايته بقصيدة شعرية في حياة فاطمة
3 لتكون محطات
ادبية فاطمية يستفيد منها القارئ اثناء ترحاله من بحث إلى آخر ، لذا جاء هذا
الكتاب ليمثل مصباحاً جديداً في معرفة فاطمة 3
انشاء الله راجياً أن أكون قد أديت بعض الحق الذي عليّ في توضيح بعض القضايا
العقائدية في شخصيتها الاسلامية الفذة ، والحمد لله رب العالمين.
|
محمد فاضل المسعودي
قم المقدسة
١٨ ذي الحجة ـ عيد الغدير
المبارك
١٤١٩ ه
|
__________________
التمهيد
( اللهم أني أسألك بحق فاطمة
وأبيها
وبعلها وبنيها والسر المستودع
فيها ... )
قبل الدخول في مضامين هذا الدعاء لابد
من الإشارة إلى عدة أسئلة مهمة تتعلق بسند هذا الحديث ، وهل ورد فيه سند ؟ وفي أي
كتاب مذكور ؟ وهل جاء هذا الحديث على لسان المعصوم أم لا ؟
كل هذه الأسئلة لابد من الإجابة عليها
قبل الدخول في صميم هذا البحث ، فنقول : أن هذا الحديث لم نرَ له سنداً في أي كتاب
من الكتب المتداولة ولم يروَّ عن أي معصوم من أهل بيت العصمة ، ولكن وجدناه
مكتوباً في كتاب فاطمة بهجة قلب المصطفىٰ تحت عنوان ( دعاء التوسل بها 3 ) حيث رواه مؤلف الكتاب الشيخ الهمداني
بقوله : سمعت شيخي ومعتمدي آية الله المرحوم ملاّ عليّ المعصومي يقول في التوسل
بالزهراء 3 « الهي بحق فاطمة
وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ...
».
وأيضاً وجدنا هذا الدعاء ضمن الوصايا
المهمة التي أوصىٰ بها آية الله المرعشي النجفي أبناءه بالمداومة على قراءته
وبالخصوص ابنه الكبير حيث يقول : ( وأوصيه ـ أي ابنه الأكبر ـ بمداومة قراءة هذا
الدعاء الشريف في قنوتات فرائضه ... اللهم أني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها
وبنيها والسر المستودع فيها أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي ما أنت أهله
ولا تفعل بي ما أنا أهله ... » .
__________________
فما أعظمه من دعاء
بحيث يذكره السيد المرعشي النجفي ;
في ضمن وصاياه المهمة التي أوصى بها ، وأي فضيلة لهذا الدعاء والتوسل بحق الزهراء 3 كي يَكونَ من أهم الأدعية في قنوتات
فرائض السيد المرعشي ;.
لابد له من كرامة عظيمة وأهمية جليلة
بحيث لا يترك من الوقوف معه والإستضاءة من نوره وبيان مضامينهُ وتجليت حقائقه لكي
نعرف فاطمة حق معرفتها وعلى القدر المتيسر منه.
وهذا الحديث وان لم يكتب له سند في كتب
الحديث ، ولكن جاء مضمونه مطابقاً لكثير من الروايات الشريفه المأثورة في حق
الصديقة الكبرى فاطمة 3
، وعلى مضمونه وحقائقه توجد أدلة وشواهد تؤكد حقيقته وان لم يرد في كتب الأدعية ،
ولكن يكفي في نقله على ما استفدناه من الكتابين المذكورين اللذين ذكرا هذا الدعاء
، ومن باب التسامح في أدلّة السنن يهون الخطب في سنده ، وعلى ضوء ما نفهمه من هذا
الدعاء سوف يكون حديثنا حوله في بحثين :
البحث
الأول : التوسل والإستغاثه بالزهراء 3.
البحث
الثاني : حقيقة السر المستودع في فاطمة 3.

التوسل
بفاطمة 3
للخطيب الشيخ محسن الفاضلي
توسَّلت بالحوراء فاطمةَ الزّهرا
|
|
لتلهمني حتى أقولَ بها شِعرا
|
فجاء بحمدِ الله ما كنت أبتغي
|
|
فأبديتُ للمعبودِ خالقي الشّكرا
|
أجل هي روح المصطفى كُفءُ حيدرٍ
|
|
وأمُّ أبيها هل ترى مثلَه فخرا
|
أو المثلِ الأعلى بكلَّ خصالها
|
|
جلالاً كمالاً عفّةً شرفاً قدرا
|
حوت مَكرُماتٍ قطُّ لم يحو غيرُها
|
|
فمن بالثّنا منها ألا قُلْ لَنا أحرىٰ
|
وسيلتُنا والله خيرُ وسيلةٍ
|
|
بحقًّ كما وهي الشفيعةُ في الأخرىٰ
|
أيا قاتل اللهُ الذي راعها وقد
|
|
عليها قسىٰ ظلماً وروّعها عصْرا
|
وسوّد متنيها وأحرقَ بابَها
|
|
وأسقطها ذاكَ الجنينَ على الغبرا
|
أيا مَن تواليها أتنسىٰ
مُصابَها
|
|
وتَسلو وقد أمست ومقلتُها حمرا
|
من الضّربِ ضرِب الرّجس يومِ تمانعت
|
|
بأن يذهبوا بالمرتضىٰ بعلِها
قَسرا
|
وعادت تعاني هظمَها ومصابَها
|
|
بفقدِ أبيها وهي والهفتا عَبرىٰ
|
الى أن قضت روحي فداها ولا تَسل
|
|
عن أحوالها واللهُ من كلِّنا أدرىٰ
|
البحث الأوّل
حقيقة التوسل والاستغاثة
بالزهراء 3
منذ أن خلق الله البشرية وبالتحديد منذ
أن خلق آدم وحواء جعل لهم وسيلة يتوسلون بها إليه لقضاء حوائجهم خصوصا أن أبينا
آدم 7 عندما أذنب
بترك الأولى قد توسَّل إلى الله تعالى بغفران ذنبه « تركه الاولى » وكان من جملة
ما توسل به الكلمات التي تلقاها من الله تعالى وتاب بها عليه تبارك وتعالى ولقد
فسرت هذه الكلمات بأصحاب الكساء الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات
الله وسلامه عليهم اجمعين كما جاء ذلك في تفسير قوله تعالى ( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ
كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
) ، إن آدم رأى مكتوباً على العرش أسماء
معظمة مكرمة ، فسأل عنها فقيل له : هذه أسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى
والأسماء هي : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين :
فتوسل آدم 7 إلى ربه بهم
في قبول توبته ورفع منزلته.
به قد أجاب الله آدم إذ دعا
|
|
ونُجي في بطن سفينة نُوحُ
|
قومُ بهم غفرت خطيئة آدم
|
|
وهُمُ الوسيلة والنجوم الطُلَّع
|
وعلى هذا الأساس كان التوسل بأولياء
الله وأحبائه من الأمور المتعارفة والمتسالمة عليها عند المسلمين بل يتعدى ذلك إلى
غير المسلمين فنحن نجد ان الكثير من الديانات الأخرى غير الإسلامية تتوسل بشيء ما
للتقرب إلى الله تعالى أو إلى الآلهة التي يعتقدون بها وهذا ما وجدنا في مشركي
قريش حيث كانوا يعبدون اللات والعزىٰ ليقربونهم إلى الله زلفى وكما صرح بذلك
القرآن الكريم في بعض آياته ، وعلى كل حال فقد وردت عدة آيات قرآنية تؤكد هذه
المسألة في القرآن الكريم منها قوله تعالى :
__________________
(
وَابْتَغُوا
إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ )
، حيث كان القرآن موافقاً في هذه المسألة للعقلاء أنفسهم وهذا ما نجده في طلب
حوائجهم من الذين هم في موضع القيادة أو المسؤولية فيسألونهم قضاء حوائجهم وهم أما
زعيم أو رئيس أو حتى رجل كريم ... وهذا ليس من الشرك في شيء ، فهذا مما يساعد عليه
العرف العقلائي فنحن عندما نذهب إلى الطبيب نلتمس لديه الشفاء والعلاج وصولاً إلى
الصحة والسلامة ، وما الطبيب الحقيقي إلاَّ الله تعالى فهل هذا يعتبر شركاً بالله
عز وجل ؟ ويدل على هذا الأمر ما روي في قصة أبناء يعقوب على لسان القرآن الكريم
عندما أدركوا انهم قد ارتكبوا ذنوباً كثيرة بحق أخيهم يوسف حيث جاءوا أباهم يعقوب
قائلين : ( يَا أَبَانَا
اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ
) على أساس أن أباهم هو وسيلة الغفران
لهم من قبل رب العالمين (
وَابْتَغُوا
إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ).
وعلى هذا الأساس كان التوسل أمراً
دينياً قد تعارف عليه الناس منذ أن خلق الله البشرية وقد جاء الإسلام ليؤكد على
ضرورة هذا الأمر وذلك من خلال إتخاذ الوسيلة التي نتوسل بها إلى الله تعالى ، ولم
نجد من وقف ضد هذا الأمر ـ أي التوسل ـ إلاّ ما أسسه ابن تيمية وتلاميذه في القرن
الثامن الهجري ، وتلاه في عقائده الباطلة والتي لا تمتلك دليل منطقي برهاني محمد
بن عبد الوهاب الذي أسس أضل واطغى جماعة على الدين الإسلامي ألا وهي الوهابية
العمياء فأعتبر التوسل بأولياء الله تعالى من الأنبياء والأوصياء وعباد الله
الصالحين بدعة ـ تارة ـ وعبادة للأولياء أنفسهم تارة أخرىٰ.
وقد خالفت الوهابية كل المرتكزات
العقلائية في هذا المضمار وخصوصاً نحن نؤمن بأن القرآن الكريم قد أكد على حقيقة
اتخاذ الوسيلة وبأشكال متعددة ، وليس هذا على ما يدعيه محمد بن عبد الوهاب نوعاً
من أنواع الشرك بالله تعالى ، والقرآن الكريم نفسه أكد على ضرورة اتخاذ الوسيلة
إلى الله تعالى.
والتوسل يكون على قسمين أو صورتين :
__________________
١ ـ التوسل بالأولياء أنفسهم ، كأن نقول
: ( اللهم أني أتوسل إليك بنبيك محمد 6
أن تقضي حاجتي ).
٢ ـ التوسل بمنزلة الأولياء وجاههم عند
الله تعالى كأن نقول ( اللهم أني أتوسل إليك بجاه محمد وحرمته وحقه أن تقضي حاجتي
).
أما الوهابية فإنهم يُحرمون الصورتين
معاً ، في حين أن الأحاديث الشريفة وسيرة المسلمين تشهدان بخلاف ما تدعيه الوهابية
وتؤكدان جواز الصورتين معاً .
فلقد جاء الحديث الشريف عن عثمان بن حنيف ليؤكد على هذه الحقيقة حقيقة جواز التوسل
بأولياء الله تعالى حيث يقول : « إن رجلاً ضريراً أتىٰ إلى النبي 6 فقال : أُدُع الله يعافيني.
فقال 6
: إن شئتَ دعوت ، وأن شئت صبرت وهو خير ؟
فقال : فادعُه ـ فأمره ـ ان يتوضأ فيحسن
وضوءه ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء : اللهم أني اسئلك واتوجِّه إليك بنبيك نبي
الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله في حاجتي لتقضى ! ، اللهم شفعه فيَّ.
قال ابن حنيف : فوالله ما تفرقنا وطال
بنا الحديث حتى دخل علينا كأن لم يكن به ضرّ.
ويعتبر هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة
السند وقد أثبتته كتب العامة قبل الخاصة حتى ابن تيمية نفسه اعتبر ناقل هذا الحديث
ثقة .
أن هذا الحديث من خلال التأمل الدقيق في
ألفاظه يظهر معناه واضحاً جلياً. حيث دل على ان الإنسان له أن يتوسل إلى الله
تعالى بالذين جعلهم أدلاء على مرضاته وسبل نجاته ألا وهم الأنبياء وأفضلهم وأحسنهم
خاتمهم نبينا محمد 6
وأهل بيته ، والتوسل يكون بحرمتهم وكرامتهم وحقهم على الله تعالى. أما التوسل
بالأنبياء وبحقهم فهذا ما جاء على لسان الحديث المروي في وفاة فاطمة أُم أمير
المؤمنين حيث يقول الحديث « لما ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول الله 6 فجلس عند رأسها
__________________
فقال : رحمك الله يا
أمي بعد أمِّي ثم دعا رسول الله أسامَة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب
وغلاماً أسود يحفرون ، فحفروا قبرها ، فلما بلغوا اللحد حفر رسول الله 6 بيده وأخرج ترابه فلما فرغ دخل رسول
الله فاضطجع فيه ، ثم قال : والله الذي يُحي ويميت وهو حَيٌّ لا يموت إغفر لأمي
فاطمة بنت أسد ، ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي .
أما ما ورد في التوسل بالنبي نفسه ، فقد
روىٰ جمع من المحدثين ان اعرابياً دخل على رسول الله 6 وقال : « لقد أتيناك وما لنا بعيرٌ يئط
ـ أي مثل صوت البعير ـ ولا صبي يغط ـ وهو صوت النائم ـ ثم أنشأ يقول :
أتيناك والعذراء تدمىٰ لبانُها
|
|
وقد شغلت أم الصبيِّ عن الطفلِ
|
ولا شيء ممِّا يأكل الناس عندنا
|
|
سوى الحنظل العامي والعلهز الفسْلِ
|
وليس لنا إلا إليك فرارُنا
|
|
وأين فرارُ الناس إلا إلى الرسلِ
|
فقام رسول الله 6 يَجُر رداءه ، حتى صعد المنبر فرفع
يديه وقال : اللهم اسقنا غيثاً ... فما ردا النبي حتى ألقت السماء ...
ثم قال : لله دَرُّ أبي طالب لو كان
حياً لقرت عيناه من ينشدنا قولَهُ ؟
فقام علي بن أبي طالب 8 وقال : كأنك تريدُ يا رسول الله ـ
قَولَهُ :
وأبيض يُستسقىٰ الغمامُ بوجهه
|
|
ثِمال اليتامى عصمَةٌ للأراملِ
|
يطوف به الُهلاِّك من آل هاشمٍ
|
|
فهم عنده في نعمةٍ وفواضلِ
|
فقال النبي 6 أجل فانشد علي 7 أبياتاً من القصيدة ، والرسول يستغفر
لأبي طالب على المنبر ، ثُمِّ قام رجل من كنانة وأنشد يقول :
لك الحمد والحمد ممن شكر
|
|
سقينا بوجه النبي المَطَر
|
ولنعم ما قال سواد بن قارب في القصيدة
التي يتوسل بها بالنبي محمد 6
وأشهد أن الله لا ربًّ غيرُه
|
|
وانك مأمون على كل غائبِ
|
وانك أدنى المرسلين وسيلة
|
|
إلى الله يابن الأكرمين الاطائب
|
__________________
فمرنا بما يأتيك يا خير مُرسلٍ
|
|
وان كان فيما فيه شيبُ الدوائِب
|
وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعةٍ
|
|
بِمُضض فتيلاً عن سواد بن قاربِ
|
أما التوسل بأولياء الله تعالى فهذا ما
اثبتته الكتب الكثيرة وخاصة الموجودة في كتب العامة حيث ورد في كيفية استقساء
المسلمون بعم النبي « العباس » واستسقى عمر بن الخطاب بالعباس عام الرمادة ، لما
اشتَدَّ القحط فسقاهم الله تعالى به ، وأخصبت الأرض ـ فقال عمر هذا ـ والله ـ الوسيلة
إلى الله والمكان منه.
وقال حسّان :
سأل الأمام وقد تتابع جد بنا
|
|
فسقى الغمام بغُرّة العَّباسِ
|
عم النبي وصفو والِدهِ الذي
|
|
وَرث النبي بذاك دون الناس
|
أحيى الإله به البلاد فأصبحت
|
|
مخضرة الأجانب بعد اليأس
|
ولما سقي الناس طفقوا يتمسحون بالعباس
ويقولون هنيئاً لك ساقي الحرمين .
أقول : بعد هذا البيان يظهر لنا ان
التوسل بالأولياء الصالحين مما جرت به السنة الشريفة فضلا عن القرآن الكريم نفسه ،
وعلى هذا الأساس جاء هذا الدعاء المروي عن علمائِنا الأفاضل :
« اللهم إني أسألك بحق فاطمة وأبيها
وبعلها وبنيها ... والذي يظهر من خلال استقراء الروايات المأثورة في حق الزهراء أن
هذا الدعاء وارد في حق التوسل بالصديقة الطاهرة الزهراء 3 فتارة نجد بعض الأحاديث تبين كيفية
التوسل بالزهراء وتارة أخرى تبين كيفية الاستغاثة بالصديقة الشهيدة سلام الله
عليها.
فقد ورد عن لسان العلامة المتبحر
المجلسي ما نصه : وجدت نسخة قديمة من مؤلفات بعض أصحابنا رضي الله عنهم ما هذا
لفظه :
هذا الدعاء رواه محمد بن بابويه ; ، عن الأئمة : وقال : ما دعوت في أمر إلاّ رأيت سرعة
الإجابة وهو ...
( يا فاطمة الزهراء يا بنت محمد ، يا قرة عين
الرسول ، يا سيدتنا ومولاتنا ، إنّا
__________________
توجهنا
واستشفعنا ، وتوسلنا بك إلى الله ، وقدمناك بين يدي حاجتنا ، يا وجيهة عند الله
أشفعي لنا عند الله ... ) .
وروي في كيفية التوسل بالزهراء ، أن
تصلي ركعتين ، فاذا سلمت فكبر الله ثلاثاً ، وسبح تسبيح الزهراء 3 واسجد وقل مائة مرة : يا مولاتي ، يا فاطمة
أغيثيني ، ثم ضع خدّك الأيمن ، وقل كذلك ، ثم عد إلى السجود وقل كذلك ، ثم خدك
الأيسر على الأرض وقل كذلك ، ثم عد إلى السجود وقل كذلك مائة مرة وعشر مرات ، أذكر
حاجتك تقضى.
أما صلاة الاستغاثة بالبتول فهو نفس العمل السابق إضافة إلى ذلك تقول في السجود :
( يا آمناً من كلّ شيء وكل شيء منك خائف حذر ،
أسألك بأمنك من كل شيء وخوف كلّ شيء منك ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تعطيني
أماناً لنفسي وأهلي ومالي وولدي حتى لا أخاف أحداً ولا أحذر من شيء أبداً ، إنك
على كل شيء قدير ).
والدعاء الذي افتتحنا به البحث يؤكد على
مسألة مهمة أخرى وهي حق فاطمة 3
والذي يهمنا في هذا المقام هو معرفة حق فاطمة وما المقصود منه ، والذي نراه بعد
تتبع بعض روايات أهل البيت :
أنّ حق أهل البيت عظيم وحقوقهم كثيرة ، ولكن الأهم من هذا كله هو معرفة الحق
الأكبر ، والذي عبرت عنه الروايات حق المعرفة ، وبعبارة أخرى اهم حق هو معرفة
كونهم : مفترضوا
الطاعة وهذا ما أشارت إليه الكثير من الروايات المروية في المقام.
حيث فسرت حق الأئمة تارة بأنهم حجة الله
على الخلق والباب الذي يؤتى منه والمأخوذ عنه ، وأنهم مفترضوا الطاعة ، وهكذا
بالنسبة للأئمة :
، أمّا الصديقة الشهيدة ، فحقها كبير على الناس وخصوصاً الأنبياء ، حيث ورد أنه ما
تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى
معرفتها دارت القرون الأولى ، وكذلك ورد أنها مفترضة الطاعة على جميع البشر وهذا
حقها الأكبر
__________________
على الناس حيث يقول
الحديث :
« ولقد كانت 3 مفروضة الطاعة ، على جميع من خلق الله
من الجن والإنس والطير ، والوحش ، والأنبياء ، والملائكة » . على أنه كلما ثبت من حقوق للأئمة : فهو ثابت للصديقة الطاهرة فاطمة 3 وخصوصا نحن نعلم انه ورد عن الإمام
الحسن العسكري 7
انه قال : ( نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة حجة الله علينا ).
اذن من خلال هذا الموضوع نفهم ان لحقيقة
التوسل بالصديقة الشهيدة 3
لقضاء الحاجات بوجاهتها عند الله دوراً مهماً في ترسيخ عقيدة الإنسان المؤمن بها
حيث بعد قضاء الحاجة على يديها يجد المؤمن ايماناً راسخاً بها هذا من جهة ، وان
حقيقة التوسل بها يضعنا أمام جملة من الحقائق لابد من الوقوف معها والتأمل في
مغزاها من جهة اُخرى.
وأوَّل هذه الحقائق المنزلة العظيمة
والجليلة والفريدة التي كانت تتمتع بها بضعة النبي 6
مما جعلها موئلاً لكل مستغيث ومقصداً لكل طالب حاجة ضاق بحاجته ذرعاً وهو لا يدري
باب من يطرق حتى تقضى حاجته وتجاب استغاثته ، فاذا بالإمام الصادق 7 يقول لنا : عليكم بالزهراء ، استغيثوا
بإسمها ونادوا مولاتكم فاطمة ، وحينئذ تقضى حاجتكم ، وتنالون مطلبكم ويكفي في مقام
بيان منزلتها انها كانت المرجع لأبيها حيث كنّاها النبي 6 باُمّ أبيها ، وانها كانت بضعة منه فمن
أغضبها فقد أغضبه 6
ويكفي في منزلتها أيضاً أنها سيدة نساء أهل الجنة ،بل سيدة نساء العالمين من
الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة ، وأنها أم الأئمة المعصومين وانها حليلة سيد
الأوصياء علي بن أبي طالب 7.
وأما الحقيقة الثانية التي أثبتتها
أحاديث التوسل بالصديقة الشهيدة ، هو مسألة الشفاعة ، ولما لها من الأهمية الكبرى
في حياة الفرد المؤمن ، حيث نجد مسألة الشفاعة لها دور كبير في بعث الأمل في روح
المذنبين وأن لهم أملاً يظهر خلال الدنيا على نحو التوسل وفي الآخرة على نحو
الشفاعة وهذا ما أكده القرآن الكريم في كثير من آياته
__________________
حيث يقول سبحانه
وتعالى : ( يَوْمَئِذٍ لاَّ
تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ
) ، (
وَلا
تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ
) ، (
لا
يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا
) . فإذا كان الله سبحانه وتعالى يأذن
لبعض عباده بأن يشفعوا لغيرهم من الناس فمن أولى من بضعة الرسول الأعظم 6 بهذه الخصوصية.
والحقيقة الأخرى التي كشفت عنها روايات
التوسل والإستغاثة بالصديقة الشهيدة هي مسألة تسبيح الزهراء 3 ، ذلك التسبيح الذي علمه الرسول 6 لابنته بأن تكبر الله سبحانه أربعاً
وثلاثين وتحمده ثلاثاً وثلاثين وتسبحه ثلاثاً وثلاثين ، عندما جاءته والإمام علي
بن أبي طالب 7 تشكو له 6 إجهادها ونصبها ومعاناتها في عمل البيت
، فطلبت منه 6 أن يعينها
بخادمة تكون معواناً لها ، فكان أن علمها هذا التسبيح الذي عملت به سلام الله
عليها وعنها أخذ المؤمنون يسبحون به ويتعبدون بعد كل صلاة ، وكأنه 6 أراد ان تصبح الزهراء 3 حاضرة في كل صلاة يؤديها مؤمن ، إذ
كلما تَعَبَّد بهذا التسبيح متعَبِد تذَكَّر الزهراء ومكانتها من الرسول 6 ومن الله سبحانه وتعالى.
__________________

عبد الحسين صادق العاملي
أنائحة مثلي على العرصةِ القَفرا
|
|
تعالىٰ أُقاسمكِ المناحةَ
والذكرىٰ
|
حديث الجوى يا ورقُ يرويهِ كلُّنا
|
|
عن العَبرةِ الوطفاءِ والكبدِ الحرّىٰ
|
كلانا كئيبٌ يُتبعُ النوحَ أنّةً
|
|
إذا ما وعاها الصخرُ صدّعتِ الصخرا
|
خذي لك شطراً من رسيسٍ مبرّحٍ
|
|
ولي منهُ يا ذاتَ الجناحِ ذري شطرا
|
خلا إنّها تبكي وما فاضَ دمْعُها
|
|
وأرسلتُها من مقلتي أدمعاً حمرا
|
فلا جمرُ أحشائي يجففُ عبرتي
|
|
ولا عبرتي في صوبها تُخمد الجمرا
|
وقائلةٍ وهيَّ الخليةَ من جوىً
|
|
معرّسُهُ أضحىٰ في الحيازَم
والصدرا
|
رويدكَ نهنهْ عن غرامِكَ واتخذْ
|
|
شعاريكَ في الخطبِ التجلدَ والصبرا
|
فقلت ولكنْ فاتني الصبر كلّهُ
|
|
لرزءٍ أُصيبتْ فيهِ فاطمةُ الزهرا
|
غداةَ تبدْت مستباحاً خباؤها
|
|
ومهتوكةً حجُب الخفارةِ والسترا
|
على حينَ لاعينُ النّبي أمامها
|
|
لتُبصرَ ما عانتهُ بضعتهُ قَسرا
|
على حينَ لا سيفُ الرسولِ بمنتضىٰ
|
|
الغرارِ ولم تنظر لرايتهِ نشرا
|
بنحلتها جائتْ تطالبُ معشراً
|
|
بدا كفرهمْ من بعدِ ما أضمروا الكفرا
|
عَموُا عنْ هواها ثمَّ صمّوا كثيرُهم
|
|
كأنّ بسمع القومِ من قولِها وَقرا
|
لقدْ أرعشتْ بالوعظِ صلَّ ضغونِهمْ
|
|
فثاروا لها والصلُّ إنْ يرتعشْ يضرا
|
فلو أنهمْ أوصىٰ النبيُّ
بظلمهمْ
|
|
لها ما استطاعوا غيرَ ما ارتكبوا أمرا
|
وأنّى وهمْ طوراً عليها تراثَها
|
|
أبوا وأبوا منها البُكا تارةً أُخرى
|
وهمْ وشموها تارةً بسياطهمْ
|
|
وآونةً قدْ أوسعوا ضلعَها كسرا
|
وخلي حديثَ البابِ ناحيةً فما
|
|
تمثلتُهُ إلا جرتْ مقلتي نهرا
|
بنفسي التي ليلاً توارتْ بلحدها
|
|
وكان بعينِ الله أنْ دُفنتْ سرّا
|
بنفسي التي أوصتْ باخفاءِ قبرها
|
|
ولولاهُم كانتْ بأظهارِهِ أحرىٰ
|
البحث الثاني
حقيقة السر المستودع
* كتمان الأسرار :
أكد القرآن الكريم في كثير من آياته
المباركة على اطلاع الباري عز وجل على خائنة العين وما تخفي الصدور ، ويعني هذا أن
الله يعلم السر وما أخفى ، وهو ما أضمره الإنسان وأسرّه ثمّ نسيه ( وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ
) ، وأيضاً جاء قوله تعالى ( وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
) . ليؤكد هذه الحقيقة ، حقيقة السر الذي
يكتمه الإنسان على غيره ولكن لا يخفى على الله تعالى أي سرٌ لأنّ الله تعالى خالق
الإنسان في هذا العالم وإلى ذلك أشار القرآن (
قُلْ
أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ
غَفُورًا رَّحِيمًا )
، فيعلم الله تعال حقيقة أسرار الناس وما يكتمون ، إلاّ أنّه هناك اسرار مودعة من
قبل الله تعالى عند كثير من الأولياء وخصوصاً الأنبياء والمرسلين وعباد الله
الصالحين حيث أمرهم بحفظها ولا يظهروها إلا لمن هو أهل لها ، ولنعم ما قيل في
الشعر المنسوب الىٰ مولىٰ الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 حيث قال :
لا تَفْشِ سِرَّا ما استطعت الىٰ
امرىءٍ
|
|
يُفشِي اليك سَرَائراً يُستودَعُ
|
فكما تراه بِسِرِّ غيرك صانعاً
|
|
فكذا بِسِرِّكَ لا محالة يصنع
|
وإلى ذلك أشار الفرزدق :
لا يكْتُم السّرَّ إلا من له شَرفُ
|
|
والسِّرُّ عند كرام الناس مكتُومُ
|
__________________
السِّرُّ عندي في بيت له غلقٌ
|
|
ضلت مفاتيحه والباب مَردُومُ
|
اذن الأسرار المودعة من قبل الله تعالى
عند الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين هي أمانات وكما ورد في المثل الذي
يقول « السر أمانة فانظر عند من تضع أمانتك ».
وقال الله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا
الأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا
) .
وأسرار الله تعالى كلها أماناته في أرضه
وقلوب أوليائه ولا إجازة لهتكها وكشف قناعها إلا بين يدي صاحبها الذي هو أهلٌ لها
وهذا أمرٌ أمر الله تعالى به عباده المخلصين من الأنبياء والأولياء ـ : ـ وبالغ معهم ، وأمرهم ايضاً ان يأمروا
بذلك المؤمنين ويبالغوا فيه ، حتى قالوا « افشاء سر الربوبية كفر وهتك استار
الألوهية زندقة » وقالوا « لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها ، فتظلموها ، ولا
تمنعوها من أهلها فتظلموهم كونوا كالطبيب الشفيق يضع الدواء موضع الداء ».
وقالوا في الشعر المنسوب الفارسي « فمن
منع الجهال علما أضاعه ومن منع المستوجبين فقد ظلم » ، وأقوالهم الشاهدة بذلك
واشاراتهم الدالة عليه أشهر وأظهر من أن تخفى على أحد ، ومع ذلك نحن نذكر بعض ذلك
استظهاراً لك ولغيرك لئلا يهمله أحد ويوقع نفسه في الهلاك الأبدي والشقاء السرمدي
، حيث جاء قوله تعالى تعليماً لعباده وتأكيداً لهم في أداء الأمانة التي هي أسراره
إلى أهلها ( إِنَّا عَرَضْنَا
الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن
يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ
ظَلُومًا جَهُولاً ) .
والمراد انه يقول : الذي هم الملائكة
والجن والحيوانات والوحوش والطيور وغير ذلك ـ أو على استعداد كل واحد من السماوات
والأرض والجبال بنفسها ، لانها عند الأكثرين شاعرة بذاتها ـ لاجل ايداع أمانتنا
التي هي أسرارنا فما وجدنا أهلاً لها ومستعدين لحملها لعدم قابليتهم وضعف
استعدادهم لأن حمل الشيء وقبوله موقوف على قابليه ذلك الشيء واستعداده ووجدنا
الإنسان أهلاً لها ومستعداً لحملها فأمرناه بحملها وأشرنا إليه بقبولها لأنّه كان
« ظلوما جهولاً » أي بسبب أنه كان مستعداً لها ومستحقاً لحملها « بظلوميته
وجهوليته ».
__________________
فكأنه يقول : ان
السبب الأعظم والمُمَد الأعلى في أهليته لهذه الأمانة المعروضة على السماوات
والأرض والجبال وما فيها من المخلوقات كان « ظلوميته وجهوليته » لانه لو لم يكن
مستحقا لحملها ومستعداً لقبولها لكان كغيره من الموجودات لعدم هاتين الصفتين فيه ،
وعلى هذا التقدير تكون صفتا « الظلومية والجهولية » مدحاً له « يعني للإنسان » لا
مذمة كما ذهب إليه أكثر المفسرين
، ولا شك انه كذلك واللام في « لانه » لام التعليل لا غير ، ليعرف به هذا المعنى
والمراد بالإنسان نوعه وبالحمل استعداده للحمل وقابليته له. وهذا هو المعنى
المطابق للامانة والعرض والحمل والقبول والإباء اجمالا لا غير ، وإلاّ الأمانة ما
كانت شيئاً محسوساً معروضاً على كل واحد من الموجوادات حساً وشهادة ولا كان آباؤهم
عنها قولاً وفعلاً ، كما يرسخ في اذهان المحجوبين عنها. اذن بما أنه تعالى مع عظمة
شأنه وجلالة قدره لم يضع ويدع الأمانة إلا عند أهلها ، ولم يأذن بها إلا إلىٰ
صاحبها فلا ينبغي ان يفعل غيره بخلاف ذلك وإلا يكون مخالفاً لأمره سالكاً غيره
طريقه وايضاً لو لم تكن رعاية الأمانة عنده عظيمة ما مدح بنفسه للراغبين أمانته ،
وما سلكهم في سلك المصلين الصلاة الحقيقية ، وما جعلهم من الوارثين ( قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ
* الَّذِينَ
هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ
* وَالَّذِينَ
هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ
* وَالَّذِينَ
هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ) إلى قوله تعالى ( أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ
* الَّذِينَ
يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
) فحيث مدحهم
على ذلك وسلكهم في سلك هؤلاء المعظمين بل قدمهم عليهم وجعلهم من الوارثين « الذين
يرثون الفردوس » فعرفنا ان رعايتها « يعني رعاية الأمانة » معتبرة وقدرها جليل
وشأنها عظيم وبالجملة الخيانة في هذه الأمانة هي إيداعها عند غير أهلها ، وامساكها
عن أهلها ، وكلاهما غير جائز وإليه أشار جل ذكره في قوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا
اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ
) أي « لا
تخونوا الله والرسول » بإيداع أسرارهم عند غير أهلها « وأنتم تعلمون » عاقبة
الخائن وصعوبة عذابه وشدة عقوبته : (
ذَٰلِكُمْ
وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
) اي ذلك
القول « وصاكم به
__________________
لعلكم تتقون » عنها
أي تحترزون عن الخيانة بعد ذلك وتعظمون مكانتها. جعلنا الله من الحاملين أمانته
والراعين عهده ، الموفين به الوارثين جنته ، بمحمد وآله أجمعين.
واذ فرغنا من كلام الله تعالى ، فلنشرع
في كلام الأنبياء :
ومنها قول النبي 6
« من وضع الحكمة في غير أهلها جهل ، ومن منع عن أهلها ظلم » « ان للحكمة حقاً ،
وان لها أهلاً : فأعط كل ذي حق حقه » وقوله 6
« ان من العلم كهيئة المكنون ، لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله ، فاذا نطقوا به لم
يجهله إلا أهل الاغترار بالله » وغير ذلك من الأقوال المعلومة لأهلها.
والغرض انه 6 أمر بذلك وفعل بنفسه ، لأنه إذا أراد
إيداع مثل هذه الأسرار في قلوب أصحابه وخواصه كان يخلو بهم ويقول في آذانهم ، كما
فعل بأمير المؤمنين علي 7
وأخبر عنه أمير المؤمنين بقوله « تعلمت من رسول الله ألف باب من العلم ، وفتح الله
تعالى لي بكل باب ألف باب » وإلى كتمانه واخفائه بنفسه عن الأغيار أشار أيضاً
بقوله « اندمجت على مكنون علم ، لو أبحث به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوى
البعيدة ». والىٰ ثمرة أظهاره ـ أعني من الفساد ـ أشار أيضاً وقال « والله
لو شئت أن أخبر بكل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت ولكني أخاف أن يكفروا
برسول الله » وهذا أمر منه بإخفاء اسرار الله وكتمانها وكناية عن إخفائها ولهذا
لما قال له الخصم « أنت تتكلم بالغيب » قال ويحك ! ان هذا ليس بغيب ، ولكنّه علم
تعلمتُ من ذي علم » أراد به النبي 6.
وكما فعل بسلمان ايضاً ، أي جعله صاحب
سرّ وقال فيه : « سلمان منّا أهل البيت » أي من أهل بيت التوحيد والعلم والمعرفة
والحكمة لا من أهل بيت النسوان والصبيان والاهل والاولاد ، وقال تأكيداً لهذا
المعنى « لو علم أبو ذر ما في بطن سلمان من الحكمة لكفره ! » وروي « لقتله ! »
وكلاهما صحيح فأنظر إلى عظمة السر المودع عند سلمان ، وعلى المبالغة في كتمان
أسرار الله تعالى حيث عرفت أنّ كبار الصحابة كانوا يخفون بعضهم عن بعض حتى النبي 6 ولعظمة أن سلمان وقربه إلى حضرة
الرحمان قال 7 « الجنة
أشوق الىٰ سلمان من سلمان الىٰ الجنة » وكذلك لجلالة قدر أويس القرني ; لاطلاعه على أسرار الله تعالى كشفا
وذوقا ، قال 6 في حقه حيث
كان
يستنشق من طرف اليمن
روائح أنفاسه الشريفة من حيث الباطن أو الظاهر : « أني لأستنشق روح الرحمن من طرف
اليمن » وورد « من ناحية اليمن » و « من قبل اليمن » وقد سأله سلمان عن هذا الشخص
فقال له 7 : « ان
باليمن لشخصاً يقال له : « أويس القرني يحشر يوم القيامة أمة وحده يدخل في شفاعته
مثل ربيعة ومضر ، ألا من رآه منكم فليقرأه عني السلام ، ليأمره أن يدعو لي ».
وإلى غلبة هذه الأسرار بالنسبة إليه في
بعض الأوقات قال :
« لي مع الله وقت لا يسعني فيه مقرب ولا
نبي مرسل » والمراد أنّ لي مع الله حالات وأوقات لا يمكن ان يطلع عليها أحد ، لا
ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا غيرهم من المخلوقات ، وكأنه يشير الىٰ أنه ما
تنكشف عليه هذه الأسرار ولا تتجلى له هذه الأنوار إلاّ عنده تجرده عن جميع
التعلقات الروحانية والجسمانية ـ حتى النبوة والرسالة ـ وعن جبرئيل وابلاغه أيضاً
لقوله 7 : « لو دنوت
أنملة لا حترقت » وبالحقيقة المعراج عبارة عن هذا المقام ، إن اُريد به المعراج
المعنوي ، وإن اُريد به المعراج الصوري فهو ظاهر وقد عبر 7 عن شدة تعلقه بالنبوة والرسالة ومنعهما
من الوصول إلى حضرة الحق جل جلاله وقال حين خلاصه عنهم لحظة « لا يسعني فيه ملك
مقرب أي جبرئيل وابلاغه « ولا نبي مرسل » أي النبوة ورسالتهما لأن الرسالة ابلاغ
ما حصل عن النبوة وإلى هذا المقام أشار ـ جل ذكره ـ « ولن أجد من دونه ملتحداً
إلاّ بلاغاً من الله ورسالاته » وأمثال ذلك كثيرة. والغرض منه أنّ إخفاء أسرار
الله تعالى ـ خصوصاً الأسرار المتعلقة بهم ـ واجب من غير أهلها لأنها لا زالت كذلك
أي مخفية عن غير أهلها ، مودعة عند أهلها ، وإذا عرفت هذا فلنرجع إلى قول الأولياء
: أعني
اكتفينا منهم بأعظمهم وأكملهم الذي هو نبينا 6
ومنها قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7
وأقواله في هذا الباب كثيرة نذكر منها أحسنها وألطفها ، وهو ما جرى بينه وبين كميل
بن زياد النخعي ;
الذي كان من أخص تلامذته وأعظم أصحابه وإليه تنسب خرقة الموحدين وطريقة المتحققين
حين سأله عن « الحقيقة » بقوله « ما الحقيقة ! » فقال له 7 : « مالك والحقيقة ؟ » يعني من أنت
والسؤال عن الحقيقة
ولست بأهلها ! فقال كميل : « أولست بصاحب سرك ؟ » قال : « بلى ولكن يرشح عليك ما
يطفح منّي » يعني أنت صاحب سري ومن أخص تلامذتي ولكن لست بأهل لمثل هذا السر
والإطلاع عليه لأنه « يرشح عليك ما يطفح مني » و « إلاّ كان الأمر » يضرك ويضرني
لأن ظرفك لا يحتمل فوق قدرك ، وأنا مأمور بوضع الشيء في موضعه ، فقال كميل : «
أومثلك يخيب سائلاً ؟ » أي مثلك في العلوم والحقائق والإطلاع على استعداد كل سائل
« يخيب سائلاً » أي يمنعه عن حقه ويجعله محروماً عن مراده ، خائباً عن مقصوده ،
ساكتاً عن جوابه ؟ لا والله بل يجب عليك وعلى مثلك جواب كل واحد منهم بقدر
استعداده وفهمه وادراكه مطاوعة لقوله تعالى : (
أَمَّا
السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ
رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) وأسوة نبيك 6 لقوله « كلموا الناس على قدر عقولهم »
فشرع الإمام 7 بعد ذلك في
بيانه وقال : الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة ، فقال كميل : زدني فيه
بياناً ، قال الإمام 7
: صحو الموهوم مع محو المعلوم.
قال كميل : زدني فيه بياناً ، قال
الإمام 7 : هتك السر
لغلبة الستر. قال كميل : زدني فيه بياناً. قال الإمام 7 : نور يشرق من صبح الأزل ، فيلوج على
هياكل التوحيد آثاره. قال كميل : زدني فيه بياناً ، قال الإمام 7 : أطف السراج ، فقد طلع الصبح.
وهذا الكلام يحتاج إلى شرح طويل وبسط
عظيم ، ولكن معنى الكلام الأخير انه يقول : اسكت بعد ذلك أي بعد هذا البيان التام
والإظهار الكامل والكشف الجلي ، عن السؤال من لسان العقل ومقام القلب ومرتبة
السلوك ، لأنه قد طلع تباشير شمس الحقيقة وظهر شعاعها في الآفاق ، ولست أنت بعد
ذلك ، محتاجاً إلى السؤال من لسان العقل الذي كالسراج بالنسبة للشمس.
والمراد أن الشخص إذا وصل إلى مقام
المشاهدة والكشف فلا ينبغي له أن يطلب المقصود من طريق المجادلة والمباحثة لأنّ
الكشفيات والذوقيات غير قابلة للعبارة والاشارة والسؤال والجواب كما أشار إليه
أولا : « كشف سبحات الجلال من غير اشارة » فكأنه أمره بالسكوت والصمت والتوجه إلى
حضرته تعالى حتى يدرك مقصوده بالذوق الذي هو أعلى مراتب الوصول إلى الله تعالى ،
وعن هذا المقام قال
العارف : « من عرف
الله كلَّ لسانه » أي « من عرف الله » على سبيل المشاهدة والذوق « كلَّ لسانه » عن
العبارة والاشارة والغرض من هذا كله ان الإمام 7
اذا كان بإفشاء الأسرار الإلهية من أعظم خواصه وأكبر تلامذته بهذه المثابة ، فلا
يجوز لغيره افشاؤها مع كل أحد من العوام والجهال ، فاذن عليك بكلتمانها واخفائها
عن غير أهلها اتباعاً لله تعالى ولرسوله ولإمام المسلمين كافة.
ويروىٰ عن كميل 2 مثل ذلك أيضاً وأبلغ في كتمان الأسرار
واخفائها ، كما هو مذكور في نهج البلاغة ، وهو أنه قال 2 : « أخذ بيدي أمير المؤمنين علي 7 فأخرجني الىٰ الجبّانة فلمّا
أصحر ، تنفس الصعداء ، ثم قال لي : يا كميل بن زياد ! « إنّ هذه القلوب أوعية
فخيرها أوعاها فأحفظ عنّي ما أقول لك : الناس ثلاثة : فعالم رباني ومتعلم على سبيل
نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيؤا بنور العلم ، ولم يلجأوا
إلى ركن وثيق.
يا كميل : العلم خير من المال ، العلم
يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق وصنيع
المال يزول بزواله ، يا كميل ! معرفة العلم دين يدان به ، به يكسب الإنسان الطاعة
في حياته وجميل الاحدوثة بعد وفاته ، العلم حاكم والمال محكوم عليه ، يا كميل بن
زياد : هلك خزان الاموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة
وأمثالهم في القلوب موجودة ؟ إنّ ههنا لعلماً جماً ـ وأشار بيده إلى صدره ـ لو
أصبت له حملة ! بلى ! أصبت لقناً غير مأمون عليه ، مستعملاً آلة الدين للدنيا ،
ومستظهراً بنعم الله تعالى على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقاداً لحملة
الحقّ لا بصيرة له في أحنائه ، ينقدح الشك في قلبه لاول عارض من شبهة : ألا ! لاذا
ولاذاك ، أو منهوماً باللذة ـ سلس القيادة للشهوة ، أو مغرماً بالجمع والادخار ليس
من رعاة الدين في شيء أقرب شيء شبهاً بهما الانعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت
حامليه ، اللهم بلى : لا تخلو الأرض من قائم الله بحججه ، إمّا ظاهراً مشهوراً أو
خائفاً مغموراً ، لئلا تبطل حجج الله وبيّناته ، ولم ذا ؟ وأين أُولئك ـ لا والله ـ
الاقلون عدداً. والاعظمون عند الله قدراً ، بهم يحفظ الله تعالى حججه وبيناته ،
حتى يودعوها نظراءهم ، ويزرعوها في قلوب أشباهههم ، هجم بهم العلم على حقيقة
البصيرة ،
وباشروا ردح اليقين
، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وانسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا
الدنيا بأبدانٍ أرواحها معلقة بالمحل الاعلى أولائك خلفاء الله في أرضه ، والدعاة
إلى دينه ، آه ، آه ! شوقاً الىٰ رؤيتهم ».
واذ فرغنا من كلامه في كتمان الأسرار
والمبالغة فيه بقدر هذا المقام ، فلنشرع فيه من كلام الأئمة المعصومين من أولاده : ومبالغة في هذه المقدمة ، وان قيل :
يكفي في هذه المقدمة ما قدمتم من آية أو آيتين ، وخبر أو خبرين لأنّ المقصود يحصل
منهما ، فلا فائدة في التطويل وزيادة في الكلام ؟ أجيب عنه بأن المراد ليس نفس
الاخفاء ولا الكتمان ، بل هناك غرض آخر يفهم من البحث الاتي في آخر هذه العجالة
وهو معرفة حقيقة السر المستودع في فاطمة وهل هو ظاهر أم مستور ستره الله عن جميع
البشر إلا الأولياء الخلص ، وبقية الأغراض سوف تظهر من بعد ذلك.
ومنها قول الأئمة المعصومين من أهل بيت
النبي ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وهو أنّه مرويٌّ برواية صحيحة عن احدهم : قال : « أن أمرنا صعب مستعصب ، لا
يحتمله إلاّ ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان » ، وقال :
« خالطوا الناس بما يعرفون ودعوهم بما ينكرون ،ولا تحملوا على أنفسكم وعلينا ، أنّ
أمرنا صعب مستعصب ، لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل ، أو مؤمن امتحن الله قلبه
للإيمان » .
وروى محمد بن عبد الجبار عن الحسين بن
الحسين اللؤلؤي عن محمد بن الهيثم ، عن أبيه ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : « سمعت
أبا جعفر « يعني الإمام الباقر » ـ يقول : أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك
مقرب ، أو نبي مرسل ، أو مؤمن امتحنه الله قلبه للإيمان. ثم قال : يا أبا حمزة !
ألست تعلم أنّ من الملائكة مقرباً وغير مقرب ؟ ومن النبيين مرسلاً ، وغير مرسل ؟
وفي المؤمنين ممتحناً وغير ممتحن ؟ قال : قلت بلىٰ ؟ ألا ترى صعوبة أمرنا ؟
ان الله تعالى اختار له من الملائكة المقرب ومن النبيين المرسل ومن المؤمنين
الممتحن ».
__________________
وروى محمد بن الحسين
، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن جابر عن أبي عبد الله يعني الإمام جعفر
الصادق 7 ـ أنه قال :
« أمرنا سرٌّ مستور في سرّ ، وسرّ مستسرّ ، وسرّ لا يفيده إلا سرّ وسرّ على سرّ ،
مقنّع بسرّ » وروي ايضاً أنّه قال : « أمرنا سرّ مستور في سرّ ، مقنع بالميثاق :
من هتكه أذله الله » .
وروى ابن محبوب ، عن مرازم ، قال « قال لي أبو عبد الله 7 : « أمرنا هو الحق وحقّ الحقّ ، وهو
الظاهر ، وباطن الباطن ، وهو السرّ ، وسرّ السرّ ، والسر المستتر ، وسرّ مقنع بسرّ
». وإلى كتمان هذا السر ، أشار بقوله 7
: « التقية ديني ودين آبائي ، فمن لا تقية له ، لا دين له » يعني : الإتقاء والإحتراز من افشاء
الأسرار الإلهية ، « ديني ودين آبائي » من الأنبياء والأولياء : « فمن لا تقية له » في إخفائها « لا
دين له » وإلى هذا أشار علماؤنا في كتبهم وقالوا : التقية واجبة لا يجوز رفعها إلى
أن يخرج الإمام القائم الذي يظهر الدين كله ويكون من المشرق إلى المغرب علىٰ
ملّة واحدة كما كان الشأن في زمان آدم 7
، فمن تركها « يعني التقية » قبل خروجه فقد خرج من دين الإمامية ، وخالف الله
تعالى ورسوله والأئمة :
وهذا الكلام منقول من « اعتقادات ابن بابويه ;
».
وروىٰ عمران بن موسىٰ عن
محمد بن علي وغيره ، عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه 8 قال : « ذكر عليّ 7 التقية في يوم عيد ».
« قال والله لو علم أبو ذر ماذا في قلب
سلمان ، لقتله ! » ، ولقد آخي رسول الله 6
بينهما ، فما ظنك بسائر الخلق ؟ « ان علم العلماء صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا ملك
مقرب أو نبي مرسل ، أو عبد مؤمن ، امتحن الله قلبه للإيمان ». قال : « وإنما صار
سلمان من العلماء ، لأنه امرؤ منّا أهل البيت ». فلذلك نسبته الينا . وإلى هذا كله أشار الإمام المعصوم زين
العابدين 7 في أبيات
منسوبة إليه ، وهو قوله :
اني لاكتم من علمي جواهره
|
|
كيلا يرى الحقَّ ذو جهل فيفتتنا
|
وقد تقدمّنا فيها أبو حسن
|
|
مع الحسين ووصّىٰ بها قبلها
الحسنا
|
__________________
يا رب جوهر علم لو أبوح به
|
|
لقيل لي : أنت ممن يعبد الوثنا !
|
ولاستحل رجال مسلمون دمي
|
|
يرون أقبح ما يأتونه حسنا
|
وعلى هذا الاساس نجد ان الأئمة من آل
محمد ـ 6 ـ كانوا
يحملون الأسرار الربانية التي أفاضها الباري عليهم منذ أن خلقهم أنواراً وجعلهم
بعرشه محدقين وإلى أن مَنَّ بهم علينا ، ولكن لا يظهرون هذه الأسرار إلا لمن وجدوه
أهلاً لحمل الأمانة ، ومستودعاً لها ، وإلى هذا الأمر ـ أعني حمل الأسرار ـ ورد في
الزيارة الجامعة الكبيرة لأئمة المؤمنين :
ما نصهُ : ( ... السلام
علىٰ محال معرفة الله ومساكن بركة الله ومعادن حكمة
الله وحفظه سر الله ... اصطفاكم بعلمه ،
وارتضاكم لغيبه ، واختاركم لسره
... وأنصاراً
لدينه ، وحفظة لسره ... ومستودعاً لحكمته
... ).
وغير ذلك من الاقوال والزيارات الواردة
والتي تصفهم : بأنهم
المستودع لسرّ الله ، وان هذه الأسرار لا يعطوها إلا إلى أهلها وإلى ذلك أشار
الحديث المروي عن أبي بصير قال : « قال أبو عبد الله 7
: يا أبا محمد ، إن عندنا والله سراً من سرّ الله وعلماً من علم الله ، والله لا
يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان ، والله ما كلف
الله ذلك ، أحداً غيرنا ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا ، وان عندنا سراً من سر الله
، وعلما من علم الله أمرنا بتبليغه فبلّغنا عن الله عزّ وجل ما أمرنا بتبليغه ،
فلم نجد موضعاً ولا أهلاً ولا حمالة يحتملونه حتى خلق الله لذلك أقواماً ، خلقوا
من طينة خلق منها محمد وآله وذريته :
، ومن نور خلق الله منه محمداً وذريته وضعهم بفضل صنع رحمته التي صنع منها محمداً
وذرّيتَهُ ، فبلّغنا عن الله ما أمرنا بتبليغه فقبلوه واحتملوا ذلك « فبلغهم ذلك
عنا فقبلوه واحتملوه » وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا ، وحديثنا فلولا
أنهم من هذا لما كانوا كذلك ، لا والله ما احتملوه ، ثم قال : إنّ الله خلق
أقواماً لجهنم والنار ، فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم ، وأشمأزوا من ذلك ونفرت
قلوبهم وردوه علينا ولم يحتملوه ، وكذبوا به وقالوا ساحرٌ كذاب ، فطبع الله على
قلوبهم وأنساهم ذلك ، ثم أطلق الله لسانهم ببعض الحق فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة
، ليكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته ، ولو لا ذلك ما عُبدَ الله في أرضه ،
فأمرنا بالكف عنهم والستر والكتمان ، فاكتموا عمّن أمر الله بالكف عنه واستروا عمن
أمر الله
بالستر والكتمان عنه
، قال : ثمّ رفع يده وبكى وقال : اللهم إن هؤلاء لشر ذمة قليلون ، فاجعل محيانا
محياهم ومماتنا مماتهم ولا تسلط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم ، فانك إن أفجعتنا بهم
لم تعبد أبداً في أرضك وصلىٰ الله على محمد وآله وسلم تسليماً ».
أقول : يظهر من هذا الحديث عدة أمور
أهمها :
إنّ أهل البيت : عندهم أسرار قد آمنهم عليها رب العزة
لا يتحملها غيرهم ولا يخرجونها إلى أحد منهم مكلفون بها وبحملها والحفاظ عليها
وهذا هو معنى « حفظة سرّ الله » الوارد في الزيارة الجامعة الكبيرة ، وايضاً قوله 7 ان عندنا ... وعلماً من علم الله يعني
حكمة الله تعالى انهم هم الودائع لها وهذا معنى قوله في الزيارة ومستودعاً لحكمته
، وعلى هذا تكون هذه الأسرار خاصة بهم لا يخرجونها إلى غيرهم فهم أولى بحملها من
غيرهم لانهم فقط الذين يحتملونها. وكذلك عندهم سرّ من أسرار الله تعالى وعلماً من
علم الله تعالى احتمله نبيٌ مرسل وملك مقرب وعبد امتحن الله قلبه للايمان وقد عبرت
الرواية ان هذه الأسرار والعلوم لا يحتملها إلا من هو مخلوق من طينتهم وهم الشيعة
الحقيقيين ، الذي بشرهم هذا الحديث بالدعاء من قبل الإمام 7 لهم بأن تكون حياتهم مثل حياة أهل
البيت :.
إذن يظهر من هذا الحديث وأحاديث مأثورة
عنهم : أنهم كانوا
يحملون أسرار الله تعالى قد أودعها الباري عز وجل فيهم وكما بينت ذلك الفقرات
الواردة في الزيارة الجامعة ، وبما أنهم ذرية الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات
الله وسلامه عليها والتي قد أُقر بفضلها ومحبتها جميع الأنبياء والبشر وانها كانت
مفروضة الطاعة وعلى معرفتها دارت القرون الاولى ، تكون عندئذ ايضاً حاملة للاسرار
الالهية لانه كيف تكون حجة الله على الأئمة وكما ورد ذلك في الحديث المأثور عن
الإمام الحسن العسكري « نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا » وهم
حاملين للاسرار وهي تكون غير حاملة له ؟ ولكن السؤال الذي ينقدح في المقام هو كيف
كانت مستودعاً للسر الالهي وما هو حقيقة هذا السر المستودع ؟ كل هذه الأسئلة لابد
__________________
من ادراكها وعلى ما
تحتمله لكي نعرف فاطمة ولو معشار عُشر المعرفة التي فُطمنا عنها ـ أي عن معرفة
فاطمة 3.
أقول : قبل أن ندخل في تفاصيل السر
المستودع وحقيقة ماهيته لابد أن نرى كيف إقتضت ذات الزهراء لحمل الأمانة الالهية
التي جعلها مستودعاً لها ، وهذا يظهر لنا من خلال مراجعة واستقراء الاحاديث
المأثورة فيها والزيارات الواردة في علو مقامها وشأنها ونستنطقها الحال ونستقرئها
الجواب لكي نفهم كيف اقتضت المشيئة الربانية ذلك ، وان أول ما يظهر من الجواب على
ذلك من خلال الزيارة الواردة في شأنها في يوم الاحد والتي تقول الزيارة : « السلام
عليك يا ممتحنة إمتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك وكنت لما امتحنك صابرة ».
والذي يظهر من هذه الزيارة المخصوصة
للصديقة الشهيدة انها أُمتحنت من قبل الباري عز وجل وقبل خلقها أي عندما كانت
نوراً من الانوار التي خلقها الله تعالى قبل الخلق بالف عام والتي كانت بعرشه
محدقة ، والامتحان كان لها لاجل إظهار مقامها السامي ومنزلتها الحقيقية حيث كانت
نتيجة الامتحان صابرة ، والمعروف عند العرف العقلائي ان الامتحان يمتحن فيه الشخص
ليُعرف مدى استعداداته وقابلياته « عند الامتحان يكرم المرء أو ... » ، لذا نجد من
باب ان الباري عز وجل الذي هو سيد العقلاء بل هو خالق العقل أجرى الامتحان الرباني
للزهراء حيث امتحنها ، ونحن نعرف ان الامتحان يكون للمرء إما لزيادة منزلة ومقام
أو لأجل شيء آخر ، ولكن الزهراء 3
إمتحنها الله تعالى لكي تكون حاملة للأسرار الالهية وذلك ما إقتضته المشيئة
الربانية فيها ، لذا كانت ناجحة في الامتحان الرباني قبل خلقها حيث استحقت لقب
الصابرة ، اما ماهية هذا الامتحان وفي أي موضوع كان ، وكيف أجراه الله تعالى عليها
؟ فهذا ما أشارت إليه بعض الروايات والتي نستفيد من خلال التمعن فيها والتدقيق في
مدلولاتها انها امتحنت في حمل الأمانة الربانية فوجدها الباري عز وجل صابرة على
حمل العلم والأمانة الربانية ، لذا استحقت حمل الأسرار الربانية ، ولكن ينقدح
السؤال المهم في المقام ما هو حقيقة هذا السر المستودع في فاطمة ؟.
أقول : قبل الاجابة على حقيقة هذا السر
، أود أن أشير إلى مسألة مهمة تظهر لنا من
خلال عرض الروايات
التي تقول ان الاسرار التي كان يحملها أهل البيت لا يتحملها إلا نبي مرسل أو ملك
مقرب أو عبد امتحن الله قلبه للايمان ، أي من خلال عرض هذه الروايات الواردة في
حمل أسرار الأئمة وانه لا يحملها إلا الممتحن ومطابقتها مع الزيارة الخاصة
بالصديقة الطاهرة والتي تقول « السلام عليك يا ممتحنة » يظهر لنا من خلال هذه
المطابقة ان العبد الممتحن هو الوحيد الذي يستطيع حمل الأسرار والعلوم الربانية
فأفهم تغنم فان في الأمر اشارات لا يسع المقام أن يُظهرها من خلال القلم أو الكتاب.
أما حقيقة السر المستودع فيظهر لنا من
خلال عدة احتمالات نحتملها في كونها هي مفاد السر المستودع ، ولا نقصد من ان ظهور
هذه الاحتمالات يكون بالقطع اليقيني ، كلا فان الأمر أعلى وأجل من أن يظهره قلم أو
يخطر على ذهن كاتب ، أو عالم ، وانما الأمر يتجاوز المقام ، فان من الأسرار التي
يمتلكها أهل البيت :
مالم يخطر على بال بشر، وكيف لا وهم الذين اصطفاهم الله تعالى ليكونوا الدالين على
مرضاته وهم الصراط الاقوم ، اما هذه الاحتمالات فلها شواهد ولها قرائن تدل عليها
ولا يعني انها هي السر المستودع في فاطمة 3
بل نترك ذلك للمؤمن لكي يتبحر في عرفان الصديقة الطاهرة سلام الله عليها عسى ولعل
يصل الىٰ حقيقة الأمر ، اما هذه الاحتمالات مع بعض القرائن والشواهد عليها :
١ ـ السر المستودع هو المهدي (عج) : قد
يكون السر هو صاحب الزمان عج الذي سوف يُظهِر الله الدين كله على يديه في آخر الزمان
، لكون ان الزهراء 3
جدّته ، وخصوصا نحن نعلم أن الأئمة من ولدها ، فعليه قد يكون السر الذي سوف
يُظهِرهُ الله في وقته هو الإمام الحجة ، ويدل على كون المهدي هو من ولد فاطمة 3 ، في الحديث المروي عن أبي أيوب
الأنصاري والذي من جملته كان الخطاب لفاطمة 3
... عن رسول الله 6
... « ومنا سبطا هذه الأمة وسيّدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين وهما ابناك ،
والذي نفسي بيده منا مهدي هذه الأمة وهو من ولدك » .
__________________
وعن أُم سلمة ، قالت
: سمعت رسول الله 6
يقول : « المهدي من عترتي من ولد فاطمة » .
وقد يرد على هذا الاحتمال بأنه اذا كان
المهدي (عج) سراً من الأسرار المستودعة في فاطمة في ذلك الزمان ولم يعرف ولم يُظهر
لأحدنا فان هذا القول الآن يصبح منتفي لكون مسألة الإمام المهدي والوعد الالهي فيه
أصبحت من المتسالمات عند أكثر المسلمين ، هذا من جهة ، وكون الدعاء يقول اللهم أي
أتوسل بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ... ولفظة بنيها تشمل كل أبناء الزهراء
المعصومين والدعاء في ختامه يقول والسر المستودع ، فانه لا معنى ان يتوسل المؤمن
بالسر المستودع الذي يكون المهدي (عج) وفي نفس الوقت يتوسل ببنيها ، الذي هو منهم
ومشترك معهم ، وربما يجاب أنّه من باب ذكر الخاص بعد العام ليفيد الحصر أو
الإختصاص ؟!!!
٢ ـ وقد يكون السر المستودع إشارة الىٰ
ان ولاية الله تعالى سوف تكون في ولد فاطمة وان الأئمة المعصومين منها سلام الله
عليها ، وقد وردت عدة شواهد روائية تدل على أن الأئمة من ولد فاطمة 3 وان الولاية فيهم والإمامة منحصرة في
وجودهم المبارك وهذا ما اثبته القرآن الكريم والسنة الشريفة ويكفي في اثبات
ولايتهم ما جاء في كتاب الغدير للعلامة الاميني ، ولكن ننقل لك بعض الشواهد في هذا
الأمر المهم والتي كان منها ما جاء عن أمير المؤمنين 7
عن النبي 6 في حديث
طويل قال : « إن الله عز وجل نظر إلى الأرض ثالثة فاختار منها أحد عشر إماماً ... وأمّهم
فاطمة ابنتي » .
وفي حديث آخر عن جابر بن عبد الله الانصاري
قال : « أشهد بالله لقد دخلت على فاطمة بنت رسول الله 6 لأهنئها بولدها الحسين ، فاذا بيدها
لوح أخضر من زبرجدة خضراء فيه كتاب أنور من الشمس ... فقلت : ما هذا يا بنت رسول
الله ؟ فقالت : هذا لوح أهداه الله عز وجل إلىٰ أبي ، فيه اسم ابي واسم بعلي
واسم الاوصياء
__________________
بعدي من ولدي ،
فسألتها ان تدفعه إلي لأنسخه ففعلت ...
».
وهذا الاحتمال يرد عليه بكون الدعاء ،
يقول بفاطمة ... وبنيها والسر المستودع فيكون تكرار للقسم بالأئمة الذين هم بنيها
وكذلك بالسر المستودع الذي هو الأئمة.
٣ ـ السر المستودع هو أمرهم كما في
بصائر الدرجات عن الصادق 7
: « إن أمرنا سرّ مستتر وسرّ لا يفيده إلا سرّ وسرّ على سرّ وسرّ مقنع بسر ».
وعنه 7
أيضاً : « إن أمرنا هذا مستور مقنع بالميثاق من هتكه أذله الله ».
وعنه 7
: « أن أمرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السرّ
وسرّ السرّ وسرّ مستسر وسرّ مقنع بالسر ».
فالزهراء بما أنها أم الأئمة وهي حجة
الله عليهم وانها مفروضة الطاعة على جميع البشر كما ورد ذلك في الاحاديث المأثورة
تكون الأسرار التي مودعة فيها معروفة عند الأئمة وهم يحافظون عليها وقائمون
بمقتضاها ، أو تعلقاتها أو تبليغ دواعيها ومحافظين على هذه الأسرار ولا يظهرونها
لأحد إلا من كان محتمل لعلمهم واسرارهم ولذلك ظهر الشيء القليل منها ، لسلمان
وكميل وأبي ذر وغيرهم من المؤمنين الممتحنين ، فامرهم هو سر الله تعالى المودع في
فاطمة 3 والأئمة
يحافظون على اسرار هذا الأمر وان كان تفسير الأمر في الروايات المأثورة هو أمر
الولاية ، « السلام
على محال معرفة اله ومساكن بركة الله ومعادن حكمة الله وحفظة سر الله »
.
٤ ـ السر المستودع هو العلوم الربانية
المودعة في فاطمة 3
، وهذا ما نستطيع فهمه من خلال الأحاديث المروية في شأنها سلام الله عليها حيث
كانت المحدَّثة من قبل الملائكة وكان لها مصحف يتوارثه الأئمة واحداً بعد واحد
وفيه كل ما يحتاجونه من الذي يجري على البشر وفيه أسماء الحكام الذين يحكمون
وحكموا من زمن آدم الىٰ آخر يوم من الدنيا ، وعليه نحتمل ان يكون المصحف هو
السر المودع في فاطمة وهذا فيه من الأمور التي لم يطلع عليها سوى ابناء الزهراء
الأئمة المعصومين الذين يتوارثون هذا المصحف وينظرون فيه وهو من املاء رسول الله
وربما من املاء الإمام علي بن
__________________
أبي طالب 7 ، وهذا ما أشارت إليه جملة من الروايات
الواردة في المقام ومنها :
* « ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال
سمعت أبا عبد الله 7
يقول عندي الجفر الأبيض قال قلنا وأي شيء فيه ، قال : فقال لي زبور داود ، وتوراة
موسى ، وانجيل عيسى ، وصحف ابراهيم والحلال والحرام ومصحف فاطمة ما أزعم أن فيه
قرآنا وفيه ما يحتاج الناس الينا ولا نحتاج إلى أحد حتىٰ أنّ فيه الجلدة
ونصف الجلدة وثلث الجلدة ... » .
وأيضاً ما رواه أبو بصير بالسند المتصل
قال دخلت على أبي عبد الله 7
فقلت له إني أسئلك جعلت فداك عن مسئلة ليس هيهنا أحد يسمع كلامي فرفع أبو عبد الله
7 ستراً ... «
وساق الحديث » ... حتى أجابه الإمام قائلاً : « وان عندنا لمصحف فاطمة 3 وما يدريهم ما مصحف فاطمة قال مصحف فيه
مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد انما هو شيء املاها
الله وأوحى اليها قال قلت هذا والله هو العلم انه لعلم وليس بذاك قال ثم سكت ساعة
ثم قال : انّ عندنا لعلم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة قال قلت جعلت فداك
هذا والله هو العلم قال انه العلم وما هو بذاك ، قال قلت جعلت فداك ، فأي شيء هو العلم
، قال ما يحدث باللّيل والنهار الأمر بعد الأمر والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة .
* وفي حديثٍ عن حمّاد بن عثمان قال سمعت
أبا عبد الله 7
يقول : « تظهر الزنادقة في سنة ثمانية وعشرين ومائة وذلك لأني نظرت في مصحف فاطمة
قال فقلت : وما مصحف فاطمة 3
؟ فقال : ان الله تبارك وتعالى لما قبض نبيه 6
دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل فأرسل اليها ملكا
يسلّي عنها غمها ويحدثها ، فشكت ذلك الىٰ أمير المؤمنين 7 فقال لها إذا أحسست بذلك فسمعت الصوت
فقولي لي فاعلمته فجعل يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحف قال : ثم قال اما انه
ليس فيه من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون .
أقول : يظهر من هذا
الحديث وأحاديث أخرى مأثورة عن أهل بيت العصمة :
ان مصحف فاطمة متوارث من قبل الأئمة وفيه علم ما كان ويكون إلى آخر الزمان ، وفيه
الحكام الذين يحكمون والفرق التي تظهر وتبتدع في كل زمان ، ويظهر من هذا المصحف
انه من إملاء الإمام علي 7
حيث كانت الملائكة تحدث الصديقة الشهيدة 3
بعد وفاة رسول الله 6
وتملي على عليٍّ 7
ويكتبه ، وعلى هذا الاساس يكون المصحف متأخر رتبة في الوجود والظهور عن الاساس
الذي اسسناه في كون السر المستودع في فاطمة كان بعد امتحانها قبل الخلق وكما
بيّناه في مقدمة البحث ، فعليه يكون هذا الاحتمال في كون المصحف هو السر المستودع
في فاطمة 3 بعيد وعلى
ضوء الاساس الذي بيناه ، لذا تكون العلوم الربانية ليست هي السر المستودع وخصوصا
نحن نعلم ان ورد في الرواية الشريفة عن أبي عبد الله 7
حيث يقول : ( إن عندنا والله سرّاً من سرّ الله ، وعلم من علم الله ، والله ما
يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان والله ما كلّف
الله ذلك أحداً غيرنا ، ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا ... ) .
فيتبين من هذه الرواية ان عند أهل البيت
بما فيهم فاطمة 3
عندهم سراً من سر الله تعالى وهذا غير العلم وإلا لكان الإمام يقول العلم نفسه
السر بل انه فصَّل بين السر والعلم فعليه العلم غير السر المستودع فيهم :.
٥ ـ قد يكون السر هو ما أشارت الرواية
المروية في شأن الحديث القدسي المروي عن لسان جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول
الله 6 عن الله
تبارك وتعالى أنّه قال : « يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك
ولولا فاطمة لما خلقتكما » .
أي إنه العلة الغائيّة لخلقكما كما يظهر
من الحديث القدسي هو وجود فاطمة 3
، أما كيف يكون هذا الأمر فهذا ما سيتبين لنا من خلال بحث هذا الحديث في موضوع
__________________
مستقل انشاء الله.
٦ ـ السر المستودع هو اسم الله الأعظم.
عندما نراجع الروايات الواردة في شأن
أهل البيت : نجد أن مما
حظي به الأئمة :
، دون غيرهم هو أنهم يحملون اسم الله الأعظم وهذا ما صرحت به الاحاديث المأثورة
عنهم ، حيث خصهم الباري عز وجل بهذه الكرامة العظيمة ، وكما تبين لنا من الرواية
المتقدمة ان السر الذي بحوزة أهل البيت هو غير العلم والحكمة التي يتملكها أهل
البيت : ، فقد يكون
السر الذي يملكونه هو نفسه الاسم الاعظم لله تعالى الذي إذا دعي به أجاب ، والذي
يدل على أنهم عندهم اسم الله الاعظم جملة من الروايات الواردة في المقام منها ما
ورد عن جابر عن أبي جعفر 7
قال : « ان اسم الله الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً وانما كان عند آصف منها حرف
واحد فتكلم به فخُسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السير بيده ، ثم
عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين ، ونحن عندنا من الأسم الاعظم اثنان وسبعون
حرفاً ، وحرف واحد عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم .
وعن النوفلي ، عن أبي الحسن صاحب العسكري 7
قال : سمعته يقول « اسم الله الاعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، كان عند آصف حرف فتكلم
به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ ـ أي مملكة سبأ او مدينة سبأ حيث كان عرش
بلقيس ـ فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان ، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة
عين ، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً ، وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب .
أقول : وكثيرةٌ هي الأحاديث المأثور
عنهم : في هذا
الباب حيث خصهم الله تبارك وتعالى بهذه الخصوصية والذي يظهر من هذه الأحاديث انهم
افضل مقاماً ومنزلةً من الأنبياء السابقين ، بدلالة هذه الاحاديث ، وكل ما ثبت
للأئمة : فهو ثابت
للصديقة الشهيدة 3
من حيث كونها أُم الأئمة الاطهار ومن كونها حجة الله على الأئمة وكما
__________________
سيمر بنا ذلك في شرح
هذا الحديث ، وكذلك هناك عدة اشارات في الروايات إلى مسألة اسم الله الأعظم وكيف
ان الإمام علي 7
الذي هو كفؤ الزهراء 3
كان يحمل اسم الله الاعظم الذي اذا دعي به أجاب وهذا ما وجدناه في قضية رده الشمس
التي غابت في أرض بابل حيث سأله أحد أصحابه يا أمير المؤمنين كيف رددت هذه الشمس ،
فقال له سئلت الله تعالى باسمه الاعظم ان يردها عليها فردها ، وكما ورد في سورة
الواقعة ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) .
وعلى هذا الأساس فان كل ما أعطاه الله تبارك وتعالى وخص به أهل البيت : فهو ثابت للزهراء 3 ، فعليه تكون الصديقة الطاهرة حامل
لاسم الله الاعظم الذي خصه الله تبارك وتعالى بأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ،
فيكون وعلى ما احتمله بل أرجحه على بقية الاحتمالات الاخرى ان السر المستودع في
فاطمة هو اسم الله الاعظم ، والذي يدل عليه على ما استفيده من الدعاء الذي بدأنا
به البحث « اللهم اني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
... » حيث يظهر من هذا الدعاء أولا التوسل بحق فاطمة ... وكذلك التوسل إلى الله
تعالىٰ بالسر المستودع ، والتوسل لا يكون إلى الله تعالى إلا بالذي يكون له
شأن عند الله عز وجل ، ونبتغي إليه الوسيلة ، فعليه نحتمل أن يكون السر هو اسم
الله الاعظم المستودع عند فاطمة 3
، وأبناؤها وخصوصا هناك شواهد تدلل على ان هذا الاسم لا يخرجونه أهل البيت : الىٰ أحد وكما ورد في الحديث
المروي في شأن عمر بن حنظلة حيث قال لأبي جعفر 7
: « إني أظنَّ أنَّ لي عندك منزلة ، قال : أجل ، قال : قلت فإنّ لي إليك حاجة قال
وما هي ؟ قال : قلت تعلمني الاسم الأعظم قال وتطيقه قلت نعم قال : فادخل البيت قال
: فدخل البيت فوضع أبو جعفر 7
يده على الأرض فأظلم البيت فارعدت فرايص عمر فقال : ما تقول اعلمك فقال لا قال :
فرفع يده فرجع البيت كما كان » .
ويوجد أيضاً شاهد آخر يدل على كون فاطمة
3 تمتلك الاسم
الاعظم وذلك عندما قادوا علياً 7
في يوم سقيفة بني ساعدة للبيعة فخرجت نفسي لها الفداء تجر أذيالها
__________________
خلف ابن عمها وهي
تقول خلو ابن عمي أو لأكشفن رأسي للدعاء ، حيث يقول سلمان « فخرجت فاطمة 3 فقالت : يا أبابكر أتريد أن ترملني من
زوجي ـ والله ـ لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري ولأشقن جيبي ، ولآتين قبر أبي ،
ولأصيحن الىٰ ربي : فأخذت بيد الحسن والحسين 8
، وخرجت تريد قبر النبي 6
، فقال علي 7 لسلمان :
أدرك ابنة محمد 6
فإني أرىٰ جنبتي المدينة تكفيان ، والله ان نشرت شعرها ، وشقت جيبها ، وأتت
قبر أبيها ، وصاحت الىٰ ربها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها ( وبمن فيها ) ،
فادركها سلمان 2
فقال ، يا بنت محمد ، أن الله بعث أباك رحمة فارجعي فقالت : يا سلمان ، يريدون قتل
علي ، ما على عليَّ صبر ، فدعني حتى آتي أبي فأنشر شعري ، وأشق جيبي ، وأصيح إلى
ربي ، فقال سلمان اني أخاف ان تخسف بالمدينة ، وعلي 7
بعثني إليك ويأمرك ان ترجعي الىٰ بيتك وتنصرفي. فقالت : إذا أرجع وأصبر ،
وأسمع له وأطيع » .
ويظهر من هذه الرواية ان الصديقة
الزهراء 3 لو أنها دعت
الله تعالى لاستجاب الله دعائها ، فان الإمام علي 7
عندما قال : ( فاني أرى جنبتي المدينة تكفيان ) يعني إشارة إلى أنّها كانت عندها
الولاية التكوينية وكما سنقف مع هذا البحث انشاء الله تعالى ، وعلى كل حال فان
الصديقة كانت تحمل الاسم الاعظم ، ولا ضير في ذلك فهي أم أبيها وأم الأئمة الاطهار
الذين يحملون الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وهناك اشارة لطيفة في كون فاطمة
الزهراء 3 لها اسم
مشتق من أسماء الله الحسنى حيث وَرَدَ ذلك في حديث الاشتقاق « هذه فاطمة وأنا فاطر
السموات والأرض ، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي ، وفاطم أوليائي عما يعيرهم
ويشينهم ، فشققت لها اسماً من اسمي ».
وقال رسول الله 6 : « أن الله شق لك يا فاطمة اسماً من
اسمائه وهو الفاطر وأنت فاطمة » وعليه فان فاطمة وديعة المصطفىٰ ، فاطمة
الانسية ، الحوراء مطلع الانوار العلوية ومشكاة الولاية وأم الأئمة وعيبة العلم
ووعاء المعرفة. واختتم هذا البحث في
__________________
أمرٍ قد استفدته
واستنتجته من خلال بعض الروايات الواردة في كتب الحديث كأمثال الكافي والبصائر
وغيرهما ، حيث يظهر من خلال الروايات أن أمر آل محمد 6
أمر جسيم مقنع بالميثاق لا يستطاع فهمه وادراكه وذكره وهذا الأمر هو ( كما عبرت
عنه الرواية ب « أمرنا » سر في سر وسر مستتر في سر ولا يفيده إلا سر وسر على سرّ
وسرّ مقنع بسر وهو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر
وسر السر وكذلك ورد في الحديث الشريف انه لو قد قام قائمنا لتكلم بهذا الأمر وصدقه
القرآن ، وكذلك وجدت ان هذا الأمر ـ وكما ورد في الرواية ـ هو الذي جعل الملائكة
مقربين وغيرُ مقربين والأنبياء مرسلين وغير مرسلين والمؤمنين ممتحنين وغير ممتحنين
، وعليه يكون الأمر هو السر، فما هو السر ؟؟؟...
( إنما أمره إذا أراد شيء ان يقول له كن
فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ).

السيد محمد جمال الهاشمي
أي خطبٍ يبكي عليهِ خطابي
|
|
ومصابُ قدْ شابَ شهديْ بصابِ
|
آهِ يومُ الزهراء أيٌّ فؤادٍ
|
|
علويًّ عليك غيرُ مذابِ
|
لكَ في الدهرِ رنّةٌ رددتْها
|
|
بخشوعٍ أجيالُهُ واكتئاب
|
فهي نارٌ تذكي القرونَ ونورٌ
|
|
رفَّ لألأؤُهُ علىٰ الأحقاب
|
وهيَّ للمجدِ فيه للسا
|
|
لكِ تبدوْ الصعابُ غيرَ صعاب
|
غابَ نورُ النبيّ وانقطعَ الوحيُ
|
|
وخارتْ عزائمُ الآراب
|
وارتمىٰ موكبُ الحياةِ وجاشتْ
|
|
نزعاتُ النفاقِ في الاحزاب
|
فانطوىٰ النورُ في ظلامٍ كثيفٍ
|
|
نشرتْهُ جرائمُ الانقلاب
|
وانمحىٰ الحقُّ والصراحةُ لمّا
|
|
سادَ عهدُ الضلالِ والإرتياب
|
موقفٌ أربكَ العصورَ فأخفتْ
|
|
رأيها في القلوبِ والأهداب
|
غضبةُ الحقِّ ثورةٌ تجرفُ الباطلَ
|
|
في موجِ عزمها الوثّاب
|
عجبٌ أمرُها وأعجب منهُ
|
|
أنها تنتمي لذات نقاب
|
واذا اللبوة الجريحة ثارت
|
|
لهث الموت بين ظفر وناب
|
شمرت للجهاد سيدة الاسلام
|
|
عن ذيل عزمها الصخّاب
|
وأتتْ ساحةَ الجهادِ بايمانٍ
|
|
يردُّ السيوفَ وهي نوابي
|
حاكمتْ عهدَها المدمىٰ بقلبٍ
|
|
واغرٍ من شجونها لّهابِ
|
لم تدْع للمهاجرينَ وللانصارِ
|
|
رأياً إلاّ انمحىٰ كالضباب
|
__________________
واستعانتْ بالحقِّ درعٌ
|
|
من أمانٍ وصارمٌ منْ صوابِ
|
رجمتهمْ بالمخزياتِ فآبوا
|
|
وهم يحملونَ سوءَ المآب
|
حججٌ كالنجومِ ينثُرها الحقُّ
|
|
ويرمي الشهابَ إثرَ الشهاب
|
فهي إما عقلٌ وإما حديثٌ
|
|
جاءَ عن نصِ سنةٍ أو كتاب
|
فتهاوتْ احلامُهمْ كصروحٍ
|
|
شادها الوهمُ عالياً في السراب
|
آهِ لولا ضَعْفُ النفوسِ لما
|
|
استرجعَ ركبُ الهدى علىٰ
الأعقاب
|
ولما عادتِ الامارةُ للقومِ
|
|
وحازوا امامةَ المحراب
|
واستقرتْ هوجُ العواصفِ لما
|
|
قابلتها سياسةُ الارهاب
|
لا خطابُ من عاذلٍ لا جوابٌ
|
|
عن سؤالٍ لا هجمةٌ من عتاب
|
ومنذ انهارتْ الرجالُ وعادوا
|
|
بتلولٍ من خزيهم وروابي
|
واختفى النصُّ بالولايةِ لما
|
|
أظهرَ الكيد فكرةَ الانتخاب
|
أوقدَ الغدرُ في السقيفةِ ناراً
|
|
عُلقتْ في مواكبِ الأحقاب
|
وتلاشىٰ الغديرُ إلاّ بقايا
|
|
تترامىٰ بها بطونُ الشِعاب
|
وتوالتْ مناظرٌ مؤلماتٌ
|
|
مثلتها عداوةُ الأصحاب
|
من هجومِ الأرجاسِ بالنارِ كيْ
|
|
تحرقَ بيتَ الاكارمِ الاطياب
|
وانكسارِ الضلعِ المقدس بالضغطِ
|
|
وسقطِ الجنينِ عندَ الباب
|
وانتزاعِ الوصيّ سحباً من الدارِ
|
|
بتيارِ ثورةِ الأعصاب
|
واغتصابِ الحقُ الصريحِ جهاراً
|
|
باختلافِ الأعذارِ للإغتصابِ
|
البحث
الثالث
فاطمة 3
حجة الله الكبرى
عن
الإمام الحسن العسكري 7 أنه قال
«
نَحْنُ حُجج الله على خلقه ، وجدّتنا فاطمة 3 حُجّة الله علينا »
يعتبر هذا الحديث من
الاحاديث المهمة التي وردت عن الإمام الحسن العسكري 7
، لذا ونحن نقف نستلهم الدروس العقائدية من سلالة بيت النبوة ومعدن الرسالة لابد
لنا ان نتأمل في هذا الحديث ونرى مدى مصداقيته في عالم الواقع والثبوت ، وبعبارة
اخرى هل لهذا الحديث وجه للاستدلال به في المحاورات العقائدية التي تخص حياة
الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء 3
ام لا ؟ وهل هناك وجه من الصحة بحيث تكون الصديقة الطاهرة 3 الحجة على الأئمة أم يتجاوز الأمر الىٰ
أبعد من ذلك ؟ وما هي الثمرة لهذا الحديث إذا ثبت له الواقعية والمصداقية ومدى
تأثيره على الجانب العقائدي للفرد المؤمن ؟ كل هذه الأسئلة نحتاج الوقوف عليها
والتأمل فيها واستجلاء حقائقها وادراك مغازي هذا الحديث العقائدي. وهذا ما سيتبين
لنا من خلال البحث الذي سنقسمه الىٰ ثلاث امور اساسية وهي :
الأمر
الأوّل : معنى الحجة ؟
الأمر
الثاني : شرعية الحجة.
الأمر
الثالث : كيف كانت فاطمة 3 حجة الله على الأئمة ؟
__________________
الأمر الأوّل
معنى الحجة ؟
وردت عدة تعاريف للحجة وماهيتها ولها
عدة معاني لابد لنا من الوقوف عليها وعلى المعنى الذي يهمنا في المقام والذي من
شأنه ان يبين معنى الحديث الشريف بحيث لا يبقى فيه أي اجمال وفي كل الجهات المبحوث
عنها في المقام وجرت عادة أهل العلوم عندما يأتون إلى موضوع ما ويريدوا أن يعرفوه
بأي تعريف كان فانهم يعرفونه بالتعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي العلمي ونحن
بمقتضى هذا الأمر نحذوا حذوهم في تعاريف الحجة.
١ ـ الحجة لغة : كل شيء يصلح ان يحتج به
على الغير وذلك بأن يكون به الظفر على الغير عند الخصومة معه والظفر على الغير على
نحوين : « أحدهما » إما باسكاته وقطع عذره وابطاله. « والآخر » واما بأن يلجئه على
عذر صاحب الحجة فتكون الحجة معذرة لدى الغير والحجة هي الدليل والبرهان. وقال
الازهري : انما سميت حجة لانها تُحَج أي تقصد لأن القصد لها واليها وكذلك معنى
المحجة أي محجة الطريق وهي المقصد والمسلك .
٢ ـ واما الحجة في الاصطلاح العلمي فلها
معنيان أو اصطلاحان :
* ما عند المناطقة : ومعناها « كل ما
يتألف من قضايا تنتج مطلوباً » أي مجموع القضايا المترابطة التي يتوصل بتأليفها
وترابطهما إلى العلم بالمجهول سواء كان في مقام الخصومة مع أحد أم لم يكن ، وبحثنا
من جهة هذا التعريف المنطقي سوف يكون بربط مجموعة من القضايا وتأليفها لكي تصل إلى
العلم بالمجهول وهو كيف أصبحت فاطمة حجة على الأئمة بل على الأنبياء فضلاً عن الخلق
كما سيتبين من خلال البحث.
* وهنالك معنىٰ للحجة لدى
الاصوليين وهو « كل شيء يثبت متعلقه ولا يبلغ درجة
__________________
القطع » أي لا يكون
سبباً للقطع بمتعلقه ، وإلاّ فمع القطع يكون القطع هو الحجة ولكن هو حجة بمعناها
اللغوي أو قل بتعبير آخر « الحجة » : « كل شيء يكشف عن شيء آخر ويحكي عنه على وجه
يكون مثبتاً له » .
ونعني بكونه مثبتاً له : ان اثباته يكون بحسب الجعل من الشارع لا بحسب ذاته فيكون
معنى اثباته له حينئذ انه يثبت الحكم الفعلي في حق المكلف بعنوان انه هو الواقع ،
وانما يصح ذلك ويكون مثبتاً له فبضميمة الدليل على اعتبار ذلك الشيء الكاشف الحاكي
وعلى انه حجة من قبل الشارع.
كما تنقسم الحجة في المنطق إلى قياس
وتمثيل واستقراء ، والحجة ما يصح الاحتجاج به وما يحتج به المولى على العبد في
مقام المنجزية ويحتج به العبد على المولى في مقام المعذرية ، ثم الحجة تنقسم
بالتقسيم الاولي إلى عقلية وشرعية ، والاولى هي التي يصح التعويل عليها بصورة عامة
في كل سؤال عن السبب ، والثانية هي التي يصح التعويل عليها بصورة عامة في كل سؤال
عن السبب ، والثانية هي التي يصح الاحتجاج بها في الامور الشرعية ، أي ما يصح
التعويل عليها في الفتاوى للفقيه ، فهي بصورة خاصة وبين الحجتين نسبة العموم
المطلق ، فكل شرعية عقلية ولا عكس فان الحاكم بصحة الحجة هو العقل وكل واحد من
القسمين ينقسم إلى حجة الزامية وإلى حجة ارشادية والاولى بمعنى ما يجب عند العقل
التعويل عليه والالزام بما تقتضيه نفس الحجة والثانية ما يجوز التعويل عليه
والارشاد ويكون من خواصها.
فالحجج الالزامية العقلية كالبراهين
الدالة على المبدأ والمعاد والنبوة الخ والحجج الإرشادية العقلية كاخبار العالم
ورأي المتخصص وقول الخبير وتصير الزامية عند الرجوع اليها والتعويل عليها والحجج
الالزامية الشرعية كالانبياء واوصيائهم المعصومين فانهم حجج الله ويجب الاخذ
باقوالهم وافعالهم وتقريرهم والذي يعبر عنها القول والفعل والتقرير بالسنة ، وفيما نحن فيه من معرفة معنى الحجة
يفيدنا في المقام الحجة لغة ومنطقا لكونهما يوصلان بالقطع بأمر بحيث يصلح ان يحتج
به على الغير سواء في الدنيا أو الآخرة ، وعلى ضوء الاستدلالات العقلية البرهانية.
وعلى
__________________
ضوء التعاريف
المتقدمة يكون قد لاح لنا مفهوم آخر غير الحجة وهو المحجة ، والحجة تبين لك معناها
من التعاريف المتقدمة ، أما المحجة فهي المسلك والطريق الذي يتوصل به إلى الغير
والمحجة هي الطريق السليم الذي لا إعوجاج فيه ، فلقد ورد في هذا المعنى عن الإمام
جعفر الصادق 7 انه قال
وسمع كثيراً يردد هذا القول :
علمُ الحجة واضح لمريده
|
|
وأرى القلوب عن المحجة في عمىٰ
|
وقد عجبت لهالك ونجاته
|
|
موجودة ولقد عجبت لمن نجىٰ
|
الأمر الثاني
شرعية الحجة
هناك عدة احتجاجات وردت في القرآن
الكريم قد اثبتها الله تبارك وتعالىٰ لنبيه محمد 6 ولانبياءه المرسلين من الاولين
والاخرين لكي يحتجوا بها على الناس المشككين أو الناكرين للرسالة أو النبوة أو
النبي ومعاجزه وكراماته ، ولقد بين الله تعالىٰ في كتابه الشريف بعض الايات
التي نستفيد من خلالها ان الله تعالى يحتج يوم القيامة بالانبياء على الناس وهذا
ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى (
إِنَّا
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن
بَعْدِهِ ... إلى قوله تعالى ... رُّسُلاً
مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ
بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
) . ومن جهة اخرى ورد في القرآن الكريم
بعض الاحتجاجات بين الكافرين في ما بينهم في النار حيث جاء قوله تعالى ( وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ
الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ
أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ
) .
وكذلك نجد قوله تعالى ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ
مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا
وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ
اللهِ عَلَى
__________________
الْكَاذِبِينَ
) . جاء ليؤكد حقيقة النصارىٰ
وطلبهم من الرسول الاحتجاج حول مسألة عيسىٰ ابن مريم وكيف واجههم الرسول
الاكرم 6 بقضية
المباهلة التي خسروا فيها والقي ما في أيديهم من الحجة التي كانوا يحتجون بها على
الرسول 6.
وكثيرةٌ هي الاحتجاجات الموجودة في
القرآن الكريم والتي جاءت بعضها لكي تثبت اعجاز القرآن الكريم واخرىٰ لتبين
احتجاجات ابراهيم مع قومه واخرىٰ تثبت احتجاجات الرسول مع قومه وهكذا لئلا
يكون للناس على الرسول المرسل الحجة البالغة ، ولذا نجد أمير المؤمنين علي 7 يقول في معرض بيان ان العباد لابد لهم
ان يتعظوا وينتفعوا بحجج الله تعالىٰ فانه لا ينفع أي شيء يوم القيامة إلا
الإيمان المقرون بالولاية والعمل الصالح.
« انتفعوا ببيان الله واتعظوا بمواعظ
الله واقبلوا نصيحة الله فان الله قد أعذر إليكم بالجلية وأخذ عليكم الحجة وبين
لكم محابّه من الاعمال ومكاره منها لتبتغوا هذه وتجتنبوا هذه ».
ويعني هذا ان العباد لابد لهم من
الانتفاع من العلم المقرون بالعمل الصالح وإلاّ العلم وحده ليس فيه فائدة ولابد
للعباد أن يستفيدوا من المواعظ ليتعظوا بها في مقام العمل ، ومع ذلك نجد في كثير
من الروايات الشريفة مسألة الاحتجاج البالغ من الله تعالىٰ حيث سئل الإمام
الصادق 7 عن قوله
تعالىٰ (
فَلِلَّهِ
الحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) فأجاب 7
: « قال إذا كان يوم القيامه قال الله تعالىٰ للعبد أكنت عالماً ؟ فان قال
نعم. قال : أفلا عملت بما علمت وان قلت كنت جاهلاً قال له : أفلا تعلمت ؟ فتلك
الحجة البالغة لله تعالى ». وهنا ينقدح سؤال مهم قد يرد في ذهن الكثير من المؤمنين
وهو هل كل الناس يحتج عليهم الله تعالىٰ يوم القيامة على ضوء هذا الحديث
الشريف ؟ والجواب على ذلك أنه ليس كل الناس يحتج عليهم الله تبارك وتعالىٰ
يوم القيامة بل هناك عنق من الناس لا يسئلون ولا يحاسبون ومنهم المجنون الفاقد
عقله ، أما الأطفال الذين لم يبلغوا سن التكليف الشرعي وماتوا فانهم يلحقون بآبائهم
وعلى ما ورد في قوله تعالىٰ
__________________
(
وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ
). حيث قال
العلامة المجلسي حول هذه الآية المباركة :
« اعلم انه لا خلاف بين أصحابنا في أن
الأطفال المؤمنين يدخلون الجنة وذهب المتكلمون منا الىٰ أن أطفال الكفار لا
يدخلون النار فهم إما يدخلون الجنة أو يسكنون الاعراف وذهب أكثر المحدثين منا الىٰ
ما دلت عليه بعض الأخبار الصحيحة من تكليفهم في القيامة بدخول النار المؤججة لهم ؟
فيكون من يستجيب يدخل الجنة ومن لا يستجيب يدخل النار ».
وعلى ضوء الإحتجاجات الواردة في الكتب
المعتبرة روي ان هناك احتجاج لطيف بين أمير المؤمنين وأحد اليهود حيث قال للامام
علي 7 ، ما صبرتم
بعد نبيكم إلا خمس وعشرين سنة حتى قتل بعضكم بعضاً.
فقال له 7
: بلى ولكن ما جفَّ ـ جفَّت ـ أقدامكم من البحر حتى قلتم : يا موسى اجعل لنا إلهاً
كما لهم آلهة. وهناك الكثير من الاحتجاجات المهمة التي وردت في القرآن الكريم وفي
الكتب المعتبرة كل ذلك لما للحجة من امر مهم في اثبات المدعى على الخصم الناكر
مثلا او السالب للحق ، والثمرة في ذلك كله من القرآن الكريم ومن الكتب الصحيحة لكي
يستنير البشر بنور الحجة الربانية وليستفيدوا منها ويتعظوا بالمواعظ الربانية هذا
معنى الحجة وماهية الاحتجاجات والتاكيد عليها من قبل الله تعالى.
وعلى هذا الأساس تكون شرعية الحجّة
ثابتة على ضوء القرآن الكريم والسنة والعقل ولا نريد الدخول كثيراً في هذا الأمر
بل اشرنا في بعض موارده فلقد جعل الله تعالى للحجة شرعية ذاتية تلزم الغير على ضوء
مقتضاها العمل بها حيث جاء قوله تعالى (
وَجَعَلْنَاهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا
) أي جعلنا
لهم بالجعل التكويني ان يكونوا ائمة يقصدون في كل شيء والإمام المعصوم هو الذي
يحتج به على الغير فهو حجة على الناس جميعا وإلاّ كيف يكون امام يقصد ويحتج به ومن
هذا المنطلق تكون فاطمة الزهراء 3
حجة على الأئمة :
كحجة الزامية شرعية فيجب من جهة الله تعالى الأخذ باقوالها وافعالها والله تبارك
وتعالى هو الذي جعل لها الحجية على الخلق بما فيهن الأئمة : وهذا القول بصورة اجمالية اما كيف كانت
حجة بالمعنى التفصيلي فهذا
ما يحتاج بيان
مقدمات وامور توصلنا إلى هذه النتيجة وهذا ما سنبحثه في الأمر الثالث انشاء الله.
الأمر الثالث
كيف كانت فاطمة 3
حجة على الأئمة
؟
وهذا يتوقف على بيان أمرين :
الأوّل
: إن من أهم المسائل الأساسية في العقيدة
الاسلامية والتي تؤخذ حيزا كبيراً ، على المستوى الدراسي سواء النظري أو الفكري هي
مسألة ضرورة بعثة الأنبياء ، وهذه المسألة العقائدية المهمة تأخذ ضروريتها من عدة
عوامل تكون الحجر الأساسي لهذه الضرورة ، فالإنسان لم يخلق عبثاً ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا
وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ
) بل خلق الإنسان
لهدف وهو السير في طريق تكامله من خلال ممارسة الأفعال الاختيارية القادر عليها
وكل ذلك لاجل التوصل إلى كماله النهائي هذا الكمال الذي لا يتوصل إليه إلاّ
باختياره وانتخابه. على ان الاختيار الصحيح والواعي بكل ما يمتلكه الإنسان من شعور
وقدرة على ادائه يحتاج أيضاً إلى المعرفة الصحيحة للاعمال الحسنة والاعمال القبيحة
والطرق الصالحة وغير الصالحة ، وانما تمكن الإنسان من اختيار طريق تكامله بكل حرية
ووعي فيما لو كان يعرف الهدف وطريق الوصول إليه ، وكان عارفاً بكل العقبات
والعراقيل والانحرافات والمزالق. اذن فمقتضى الحكمة الالهية ان توفر للبشر الوسائل
والمستلزمات الضرورية للحصول على مثل هذه المعارف والمدركات وإلاّ فيكون حاله مثل
الشخص الذي يدعوا ضيفاً إلى داره ثم لا يدله على موضعه ولا على الطريق المؤدي إليه
ومن البديهي ان مثل هذا العمل مخالف للحكمة. علىٰ ان المعارف والمدركات
البشرية العادية والمتعارفة والتي يحصل عليها الإنسان نتيجة التعارف بين الحس
والعقل وان كان لها الدور الفاعل في توفير ما يحتاج إليه في حياته ولكنها لا تكفي
في التعرف علىٰ طريق الكمال والسعادة
الحقيقية في جميع
المجالات الفردية والاجتماعية والمادية والمعنوية والدنيوية والاخروية ، واذا لم
يوجد طريق آخر لسد النقائص والفجوات فلن يتحقق الهدف الإلهي من خلق الإنسان ،
وبملاحظة هذه الامور المهمة من هدف خلق الإنسان ومعرفته لطريق الخير والشر
ومحدودية مداركه الحسية والعقلية ، نتوصل الىٰ نتيجة مفادها : ان الحكمة
الالهية تقتضي وضع طريق آخر للبشر ـ غير الحس والعقل ـ من أجل التعرف على مسار
الكمال في كل المجالات حتى يستطيع البشر من الاستفادة منه مباشرة أو بواسطة فرد
آخر أو أفراد آخرين وهذا الطريق هو إرسال الأنبياء والمرسلين عبر طريق الوحي الذي
يستفيد منه البشر ويتعلموا منه كل ما يحتاجون إليه من أجل الوصول إلى السعادة
والكمال النهائي. وعلى هذا الاساس شاءت قدرة الباري عز وجل ومن جهة اللطف الرباني
ومن جهة اللاعبثية في خلق البشر أن يرسل الأنبياء والمرسلين الى البشر لهدايتهم
وتوضيح معالم طريق التكامل لهم وعلىٰ ما تتحمله قدرتهم في التكليف الرباني
كل ذلك لئلا يقول الناس يوم القيامة لولا أرسلت الينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل
أن نذل ونخزىٰ.
ولكن قبل إرسال الأنبياء لابد من طريق
لاختيارهم من البشر عامة ، وهذا الاختيار أو ما يعبر عنه بالاصطفاء أو الاستخلاص
لا يكون إلا عن حكمة اقتضت ذلك فان الحكيم لا يفعل إلا ما تقتضي الحكمة لوجود ذلك
الشيء ، فالاصطفاء والاختيار من قبل الله تعالىٰ تارة يكون للانبياء ، واخرى
للأوصياء وللاولياء والصلحاء والعلماء وهكذا اما كيفية الاصطفاء والاختيار ، فذلك
ما يكون عن طريق الاختبار والامتحان الذي يتعرض له الأنبياء لاصطفائهم للنبوة
وتحمل مشاقها ، فالامتحان والاختبار يخرج الطاقات الكامنة في النفس البشرية ،
ونضرب مثال على ذلك من الحياة العرفية للبشر ، فانت عندما تريد أن تختار أو ترسل
من ينوب عنك في قضية معينة فانه يقيناً لا تختار ولا ترسل إلا من كانت له القابلية
والاستعداد على تحمل ما تؤديه إليه وله الاستعداد وايضاً على تمثيلك في تلك القضية
ولا ترسل أياً كان فان المردود يكون عليك سلبياً إذا كان الشخص المختار سلبي في
تصرفاته وايجابياً اذا كان المختار ايجابياً في تصرفاته وأفعاله ما يؤديه عنك ،
اما كيفية هذا الاختيار في الشخص الذي سوف
يمتلك فهذا ما سيكون
عن طريق التجربة والامتحان والاختبار خلال مسيرة حياتك مع ذلك الشخص الذي سينوبك
في المهام والذي تريد ان تؤهله للقيام بأعمالك مثلا أو التبليغ لك فأنت ترىٰ
من خلال معاشرة ذلك الشخص مدىٰ التزامه بتعليماتك وبعد النجاح في هذه الامور
تستخلصه لنفسك وتختاره وكيلا عنك ينوب عنك في هذه الامور المهمة ، كذلك الحال مع
الله تعالى باعتباره سيد العقلاء بل هو خالق العقل والعقلاء فهو عند ما يريد ارسال
رسول أو نبي لابد له من الامتحان قبل الاصطفاء والاختيار وهذا ما نجده من خلال
استقراء آيات القرآن الكريم حيث يوجد عدة شواهد علىٰ هذه المسألة كما في
قضية نبي الله ابراهيم عندما اختاره الله أولا نبياً وبعد ذلك خليلاً وبعد ذلك
اماماً فانه لم ينال الإمامة إلا بعد التعرض للامتحانات والاختبارات من قبل الله
تعالى وفي ذلك يقول الله تعالى في قصة ابراهيم (
وَإِذِ
ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي
جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا
... ) حيث كلف
الله سبحانه وتعالىٰ نبيه ابراهيم 7
بتكاليف شتىٰ فكانت النتيجة ان ابراهيم أتم هذه التكاليف وامتثلها واطاع
الله تعالىٰ ومن هذه التكاليف قضية ذبحه لولده اسماعيل ( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي المَنَامِ
أَنِّي أَذْبَحُكَ ) وقد وصف الله تعالىٰ ابراهيم 7 بالوفاء حيث قال تعالىٰ ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ
). والخلاصة
على ما ورد عن الإمام الصادق 7
انه قال « إن الله ابتلى ابراهيم بذبح ولده اسماعيل فعزم علىٰ ذلك ... اما
معنىٰ قوله فاتمهن ـ فهو يعني الاستجابة والطاعة لأوامر الله تعالى ولذا
استحق الإمامة التي هي منزلة عظيمة ، جزاءً لاخلاصه ونجاحه في الامتحانات التي
تعرض لها.
وهكذا الحال مع جميع الأنبياء حيث
اختبرهم الله تعالى قبل اصطفائهم وكان الباري عز وجل عالماً بالانبياء أنهم أوفياء
له وملتزمين لأوامره وشروطه لذلك اصطفاهم.
الثاني
: إنّ الله تعالىٰ عندما اصطفىٰ
واستخلص الأنبياء كان ذلك بعد أن شرط عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية
وزخرفها وزبرجها فشرطوا لله تعالى ذلك وعلم الله تعالىٰ منهم الوفاء بذلك.
اما السؤال الذي يطرح في ما نحن فيه هو لماذا طلب وشرط الله تعالىٰ من
الأنبياء الزهد في حب الدنيا ؟ والجواب على ذلك : انه من الملازمات العقلية لحب
الدنيا هو إعمال السيئات والذنوب وذلك للارتباط الوثيق بين
حب الدنيا والذنوب
فكلما ازداد حب الإنسان للدنيا إزدادت ذنوبه وكما ورد في الحديث الشريف ان « حب
الدنيا رأس كل خطيئة » فاذا لم يكن حب الدنيا له وجود في حياة الإنسان فسوف تكون
النتيجة مفادها : ان الإنسان سوف يبتعد عن الذنوب بقدر ابتعاده عن حب الدنيا ، وما
نحن فيه فان إعمال الشرط من الله تعالىٰ علىٰ الأنبياء بالزهد في حب
الدنيا سوف تكون من نتائجه ان يتركوا الدنيا والتعلق بها كذلك لا يعملون الذنوب
والمعاصي وبالنتيجة النهائية سيكونون معصومين بالعصمة الذاتية التي تكون ملازمة
لهم من جهة لطف الله تبارك وتعالىٰ اضافة الى الضرورة الربانية اقتضت ذلك
ايضاً. اما لماذا إشترط الزهد في حب الدنيا وما حاجة العصمة للانبياء ، فهذا ما
يكون الاحتياج إليه بصورة ضرورية ومؤكد ولإحتياج الأنبياء العصمة في مقام التبليغ
للرسالة السماوية بل مطلق العصمة لهم ، ولئلا يكون للناس الحجة البالغة على الله
تعالى ، والعصمة لا تأتي مع حب الدنيا. اما الدليل على هذا الكلام فناهيك عن
القرآن الكريم والروايات الواردة في المقام التي تدل على المطلب بل هناك الدليل
العقلي على ذلك ، اما الدليل الذي نقوم بالاستدلال به فهذا ما أثبته دعاء الندبة
الشريف حيث ورد فيه. « اللهم لك الحمد علىٰ ما جرىٰ به قضاؤك في
أولياؤك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك إذ أخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم
الذي لا زوال له ولا اضمحلال بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات الدنية وزخرفها
وزبرجها فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم وقربتهم وقدمت لهم الذكر
العلي والثناء الجلي واهبطت عليهم ملائكتك وكرمتهم بوحيك ورفدتهم بعلمك وجعلتهم الذريعة
اليك والوسيلة الى رضوانك ... الخ ».
اذن بعد الإمتحان والاختبار والمشارطة
من الله تعالىٰ بترك حب الدنيا والزهد فيها وبعد العلم من الله بهم بانهم
أوفياء كانت النتيجة النهائية لهذا الامتحان والإختبار وهي :
١
ـ الاستخلاص والاصطفاء.
٢
ـ القبول من الله تعالىٰ لهم.
٣
ـ الذكر العلي والثناء الجلي للأنبياء « أي قدم اليهم ذلك ».
٤
ـ انزال الوحي عليهم.
٥
ـ كانوا الحجج علىٰ الخلق من قبل الله
تعالىٰ.
اما لماذا الاستخلاص والاصطفاء وتقديم
هذه الامور للانبياء :
؟ فنقول :
ان هذا كله لكي يكون :
*
إقامة للدين « إقامة لدينك » أي تقديم واقامة النظام والاكمل للبشرية.
*
ولئلا يزول الحق عن مقره ويغلب الباطن علىٰ أهله.
*
ولئلا يقول أحد لولا أرسلت الينا رسولا منذراً واقمت لنا علماً هادياً فنتبع آياتك
من قبل ان نذل ونخزى.
هكذا كان الامتحان والاختبار بالنسبة
للانبياء بحيث زهدوا في حب الدنيا فكانوا من المقربين لدى الله تعالىٰ.
أما ما علاقة هذه الامور بكون فاطمة حجة
علىٰ الأئمة ؟
فنقول : نحن عندما نزور الأئمة : بالزيارة الجامعة الكبيرة المروية عن
الإمام الهادي 7
باعتبار انها جامعة لكل الفضائل والدرجات والمقامات للأئمة : لا تزور بها فاطمة 3 ؟ لماذا ؟ لانها لها زيارة مخصوصة وهي
زيارتها يوم الاحد من كل أسبوع حيث تقول هذه الزيارة « السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل
ان يخلقك وكنت لما إمتحنك صابرة ».
اذ نفهم من هذه الزيارة المخصوصة امتحان
الزهراء 3 قبل خلقها ،
لاظهار مقامها حيث امتحنها فكان لها المقام السامي فأصبحت الصابرة ، والمعروف ان
الامتحان يُمتحن به الإنسان ليعرف مدى استعداداته وقابلياته « عند الامتحان يكرم
المرء أو يهان » وكذلك عرف الامتحان ليكون لزيادة منزلة ولاسباب أخرى ، وهذا ما
جرىٰ مع فاطمة الزهراء 3
حيث امتحنها الله تعالىٰ لكي تكون حاملة لشيء إقتضت إرادة السماء وذلك نتيجة
لنجاحها في الامتحان حيث اسحقت لقب الصابرة ، اما ماهية هذا الامتحان وعلىٰ
أي موضوع جرىٰ امتحان الزهراء 3
من قبل الله تعالىٰ فهذا ما نتركه الىٰ بحث آخر انشاء الله.
ولكن المهم فيما نحن فيه هو ان الله
تعالى وجدها صابرة وهذا من المقامات العالية
فنحن نعلم ، ان من
ألقابها الصابرة ، والصبر مقام سامي ، اما معرفة علو شأن هذا المقام فهذا نراه من
خلال القرآن الكريم ، حيث أثبت الله تعالىٰ الثواب لكثير من الفضائل
الموجودة في القرآن أما الصبر والصابر فان اجرهم غير محدود وهذا ما نجده في قوله
تعالىٰ (
إِنَّمَا
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ
) يعني أنه لا
يوجد أجر محدود للصابر وللصبر بل أجره مفتوح وهذا يؤدي الىٰ ان الصبر يكون
في اعلىٰ مقامات الفضائل الاخلاقية ، ومن هنا كان الصبر أم الاخلاق بل هو
أفضلها واحسنها في كل شيء فما من شيء إلاّ ومقرون الصبر معه فالصلاة مقرون بالصبر
عليها والطاعة كذلك والإيمان لابد من الصبر عليه لاثباته على النفس الانسانية
ولذلك جعل الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد كما ورد في الحديث الشريف ذلك ،
فاذا كان الصبر هكذا مقامه فانه سوف يكون الاساس لكثير من الاخلاق ، فلذا كان
الزهد فرع من الاصل والام الذي هو الصبر وليس العكس صحيح فالزاهد لا يكون زاهداً
حتى يصبر ويُصبر نفسه علىٰ ترك الدنيا وزخرفها واموالها وكل شيء يؤدي به الىٰ
الزهد ، ومن هنا كان بيت القصيد وهو ان الزهراء حجة على الأنبياء من جهة صبرها في
عالم الغيب والشهادة وصبرها في الدنيا على ما جرىٰ عليها من المحن والظلم ،
وكذلك كانت الحجة علىٰ الأنبياء كما شهدت الكثير من الروايات الشريفة ، وكما
سيأتي بعد قليل رواية مهمة تثبت هذه الفضيلة للزهراء ، وهذا أيضاً ما أثبتته
الشواهد فنحن نجد ان الكثير من الأنبياء كانوا يدعون الله تعالىٰ أن يطوّل
عمرهم وهذا بخلاف فاطمة الزهراء 3
حيث كانت مستبشرة عندما أخبرها النبي الأعظم محمد 6
انها أول أهله لحوقاً به وهذا ما ذكره العلامة الاردبيلي ; في فضيلتها من جهة كونها تحب الموت ولا
تكرهه حيث قال العلامة الاردبيلي ما نصه :
ان الطباع البشرية مجبولة علىٰ
كراهة الموت مطبوعة علىٰ النفور منه ، محبة للحياة ، مايلة اليها ، حتىٰ
الأنبياء : علىٰ
شرف مقاديرهم وعظم أخطارهم ومكانتهم من الله تعالى ومنازلهم من محال قدسه وعلمهم
بما تؤول إليه أحوالهم وتنتهي إليه أمورهم أحبوا الحياة ومالوا إليها وكرهوا الموت
ونفروا منه. وقصة آدم 7
مع طول عمره وامتداد أيام حياته معلومة.
قيل : انه وهب داود 7 حيث عرضت عليه ذريته أربعين سنة من
عمره فلما استوفىٰ أيّامه وحانت منيّته وانقضت مدة أجله وحمَّ حمامه جاءه
ملك الموت يقبض نفسه التي هي وديعة عنده فلم تطب بذلك نفسه وجزع وقال : أن الله
عرفني مدة عمري وقد بقيت منه أربعون سنة ، فقال : إنك وهبتها ابنك داود فأنكر أن
يكون ذلك ، قال النبي محمد 6
: فجد فجهدت ذرَّيتَّه.
ونوح 7
كان أطول الأنبياء عمراً ، أخبر الله تعالى عنه أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين
عاماً فلما دنا أجله قيل له : كيف رأيت الدنيا ؟ فقال : كدار ذات بابين دخلت في
باب وخرجت من باب. وهذا يدل بمفهومه علىٰ انه لم يرد الموت ولم يؤثر
مفارقته.
وابراهيم 7
: روي أنه سأل الله تعالىٰ أن لا يميتهُ حتىٰ يسأله 7 فلما استكمل ايامه التي قُدِّرت له خرج
فرأى ملكاً على صورة شيخ فانٍ كبير قد أعجزه الضعف وظهر عليه الخراف « أي فساد
العقل من الكبر » ولعابه يجري على لحيته وطعامه وشرابه يخرجان من سبيله عن غير
اختياره ، فقال له : يا شيخ كم عمرك ؟ فأخبره بعمر يزيد علىٰ عمر ابراهيم
بسنة ، فاسترجع وقال : أنا أصير بعد سنة الىٰ هذه الحال فسأل الموت. فهؤلاء
الأنبياء ممن عرفت شرفهم وعَلاء شأنهم وارتفاع مكانهم ومحلهم في الآخرة وقد عرفوا
ذلك وابت طباعهم البشرية إلا الرغبة في الحياة. وفاطمة 3 امرأة حديثة عهد بصبىٰ ذات أولاد
صغار وبعل كريم لم تقض من الدنيا إرباً « أي حاجة » وهي في غضارة عمرها وعنفوان
شبابها يعرّفها أبوها أنها سريعة اللحاق به فتسلوا موت أبيها 6 وتضحك طيّبة نفسها بفراق الدنيا وفراق
بنيها وبعلها ، فرحة بالموت مايلة إليه مستبشرة بهجومه مسترسلة عند قدومه وهذا أمر
عظيم لا تحيطه الالسن بصفته ولا تهتدي القلوب الىٰ معرفته وماذاك إلا لأمر
علّمه الله من أهل البيت الكريم وسراً وجب لهم به مزيّة التقديم فخصهم بباهر
معجزاته وأظهر عليهم آثار علائمه وسماته وايدهم ببراهينه الصادقة ودلالاته ، والله
أعلم حيث يجعل رسالته .
__________________
جوهرةُ القدس من الكنز الخفي
|
|
بدت فأبدَتْ عاليات الأحرف
|
وقد تجلىٰ في سماء العَظَمة
|
|
من عالم الاسماء أسمىٰ كلمة
|
بل هي أمُ الكلمات المحكمة
|
|
في غيب ذاتها نكاتٌ مبهمة
|
أمُّ الأئمة العقول الغُرِّ بل
|
|
أُمُّ أبيها وهو علةُ العللْ
|
أليس ذلك من الفضائل العالية حيث كانت
الزهراء 3 حجة علىٰ
الأنبياء باعتبار صبرها وفضلها. أما كونها 3
حجة على الأئمة كما هي حجة علىٰ الأنبياء فهذا ما يتبين لنا من خلال عدة
أحاديث مأثورة عن أهل بيت العصمة :
، منها ما ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، عن رسول الله 6 ، عن الله تبارك وتعالىٰ انه قال
: « يا أحمد ، لولاك ما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما
خلقتكما
».
أمّا الدليل الثاني : فنقول انه ورد في
الحديث الشريف المأثور عن أهل بيت العصمة :
ما نصه « انه ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتىٰ أقر بفضلها ومحبتها وهي
الصديقة الكبرىٰ وعلىٰ معرفتها دارت القرون الاولىٰ » .
يعني ما تكاملت نبوة نبي ـ والنبوة
خلاصة التوحيد ـ إلا لمن أقر بفضلها ومحبتها والإقرار هو الشهادة على النفس
والاعتراف منها للغير واقرار العقلاء على انفسهم جائز ، فهذه شهادة من الأنبياء
لها بالفضل والمحبة والفضل يعني انها كانت لها زيادة في الفضائل على الأنبياء بل
هي صاحبة الفضل عليهم بانه لم تكتمل نبوة نبي إلا بها 3.
وفي ذيل هذا الحديث اعلاه يقول المحقق
البارع أبو الحسن النجفي ما نصه : ان المراد من القرون هي قرون جميع الأنبياء
والأوصياء وأمم من ادم فمن دونه حتى نفس خاتم الأنبياء 6 أجمعين ، يعني ما بعث الله عز وجل أحداً
من الأنبياء والأوصياء حتى أقروا بفضل الصديقة الكبرىٰ ومحبتها. ويؤيده ما
ذكره السيد هاشم البحراني صاحب تفسير البرهان في مدينة المعاجز عنه 7 ما تكاملت النبوة لنبي حتىٰ أقر
بفضلها
__________________
ومحبتها .
وأيضاً ما ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري
عن ابي عبد الله 7
قال : قلت لم سميت فاطمة الزهراء « زهراء » ؟ فقال : لأنّ الله عز وجل خلقها من
عظمته ... الىٰ ان يقول الله تعالىٰ للملائكة في ماهية نور فاطمة ما نصه
.. فأوحىٰ الله إليهم : هذا نور من نوري اسكنته في سمائي ، خلقته من عظمتي ،
أُخرجه من صلب نبي من انبيائي أفضله علىٰ جميع الأنبياء وأخرج من ذلك النور
أئمة يقومون بأمري يهدون الىٰ حقي واجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحي . وعن أبي عبد الله 7 انه قال : لولا ان أمير المؤمنين 7 تزوجها لما كان لها كفوء الىٰ
يوم القيامة علىٰ وجه الأرض آدم فمن دونه . ولقد علق علىٰ هذا الحديث
الشريف صاحب كتاب البحار العلامة المجلسي ;
حيث قال : يمكن ان يستدل به ـ أي بالحديث أعلاه علىٰ كون علي وفاطمة 8 أشرف من سائر أولي العزم سوى نبينا صلى
الله عليهم أجمعين. لا يقال : لا يدل علىٰ فضلهما علىٰ نوح وابراهيم 8 لاحتمال كون عدم كونهما كفوءين لكونها
من أجدادها 3. لأنا نقول
: ذكر آدم 7 يدل علىٰ
أن المراد عدم كونهم أكفاءها مع قطع النظر عن الموانع الاخر علىٰ انه يمكن
أن يتشبث بعدم القول بالفصل .
وأيضاً هناك حديث يدل علىٰ أفضلية فاطمة الزهراء علىٰ الأنبياء وعلىٰ
جميع البشر حيث ذكر المحدث الكبير العلامة الخبير الطبرسي 2 : عن أبي جعفر 7 : ولقد كانت 3 مفروضة الطاعة علىٰ جميع من خلق
الله من الجن والانس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة . ونقف مع وجه آخر قد يمكن أن نثبت من
خلاله حجية فاطمة 3
علىٰ الأئمة ، وهو ما نستفيده من خلال الحديث المذكور في كون علي 7 كفواً لفاطمة الزهراء 3 ، حيث ورد في الحديث المذكور عن النبي 6 « لولا علي لم يكن لفاطمة
__________________
كفو » .
وأيضاً ورد عن أم سلمة رضي الله عنها عن
النبي 6 : « لولا
يخلق عليّاً لما كان لفاطمة كفو .
وهذا يعني أن أكثر المقامات التي كانت للامام أمير المؤمنين علي 7 هي ثابتة للصديقة الشهيدة فاطمة
الزهراء 3 ، فهما في
منزلة واحدة من الإيمان والتقوى ، وإلاّ لما كان كل منهما كفواً للاخر ؟ وعليه
تكون فاطمة حجة علىٰ الأئمة :
كما كان أمير المؤمنين 7
الحجة علىٰ الأئمة :
، فلقد ورد في عدة أحاديث ان علي 7
سيد الأوصياء وخيرهم وأفضلهم لذا كان النبي 6
يقول : « منا خير الأنبياء وهو أبوك ـ والكلام مع فاطمة 3 ـ ومنا خير الأوصياء وهو بعلك ». وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين أنه
قال : « والله لأتكلمن بكلام لا يتكلم به غيري إلا كذاب : ورثت نبي الرحمة ،
وزوجتي خير نساء الأمة ، وأنا خير الوصيين » .
والذي نريد القول به من هذا الكلام أن الإمام علي 7
كان خير الأوصياء وافضلهم فلقد ورد في شرح نهج البلاغة في أن أمير المؤمنين كان
يصلي في اليوم والليلة الف ركعة. قال ابن أبي الحديد : وما ظنك برجل يبلغ من
محافظته على ورده ان يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده والسهام
تقع بين يديه ، وتمر علىٰ صماخيه يميناً وشمالاً فلا يرتاع لذلك فلا يقوم
حتىٰ يفرغ من وظيفته ، وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة بعير لطول سجوده ،
وإذا تأملت دعواته ومناجاته وقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه واجلاله وما
يتضمنه من الخضوع لهيبته ، والخشوع لعزته والاستخذاء له ، عرفت ما ينطوي عليه من
الاخلاص ، وفهمت من أي قلب خرجت وعلىٰ أي لسان جرت ، وقيل لعلي بن الحسين 8 وكان الغاية في العبادة : أين عبادتك
من عبادة جدك ؟ قال : عبادتي من عبادة جدي كعبادة جدي من عبادة رسول الله 6 .
فيظهر من هذا الحديث وأحاديث أخرى أن الإمام علي بن أبي طالب 7 كان متميز عن باقي
__________________
الأئمة : من ناحية مدىٰ تصديه لشؤون
الإمامة والولاية وتحمل المشاق للدفاع عن حريم الرسالة المحمدية ، وإلاّ فالأئمة : جميعاً من ناحية الانوار متحدين فهم
كلهم نور واحد ولكن الاختلاف كان من جهة تصديهم لشؤون الخلافة والمشاق التي
تحملوها ، وعليه تكون الصديقة الزهراء 3
كفو للامام أمير المؤمنين فهي أم الأوصياء وروح النبوة وبضعة الرسول ، وزوجة خير
الأوصياء. وعلى ضوء هذه الاحاديث وعلى أساس أحاديث أخرىٰ اغمضنا النظر عليها
لئلا يطول المقام بنا ، كانت فاطمة الزهراء وبدليل الاولوية وفحوىٰ الخطاب
الحجة علىٰ الأنبياء والأئمة ، ونقول ليس فقط ما تكاملت نبوة نبي فحسب بل ما
تكاملت الإمامة في امامتها ولا تكامل العلماء في علمهم وإلاّ الادباء في أدبهم
والحكماء في حكمهم والاتقياء في تقواهم وكل كامل في كمال حتىٰ يقر بفضلها
ويؤمن بمحبتها فهي الصديقة الكبرىٰ وعلىٰ معرفتها دارت القرون الاولىٰ
والاخرىٰ .
فاذاً كانت فاطمة حجة وما تزال حجة علىٰ الأئمة :.
وحبها من الصفات العالية
|
|
عليه دارت القرون الخالية
|
بابي فاطم وقد فطمت
|
|
باسمها نار حشرها ولظاها
|
هي والله كوثر قد اعدت
|
|
لبنيها وكل من والاها
|
هي عند الله اعظم خلق
|
|
وبها دار في القرون رحاها
|
وهكذا كانت فاطمة الزهراء 3 بهذه الوجوه وادلة اخرىٰ الحجة
على الأنبياء والأوصياء وبهذا المعنىٰ الذي وضحناه تبين لنا عِظم مقام فاطمة
3 وعلو قدرها
عند الباري عز وجل ونكتفي بهذا البيان حول الوقوف علىٰ قول الإمام الحسن
العسكري « فاطمة حجة علينا ».
__________________

الشيخ حبيب شعبان*
أيا منزلَ الاحباب ما لكَ موحشاً
|
|
بزهرتكَ الأرياحُ أودت بما تسفي
|
تَعفيتَ يا ربعَ الاحبةِ بعدهم
|
|
فذكرتني قبرَ البتولةِ إذ عفَي
|
رمتها سهامُ الدهرِ وهيَ صوائبٌ
|
|
بشجوٍ إلى أن جُرّعت غصصَ الحتفِ
|
شجاها فراقُ المصطفى واحتقارُها
|
|
لدى كلِّ رجسٍ من صحابتهِ جِلفِ
|
لقد بالغوا في هضمِها وتحالفوا
|
|
عليها وخانوا الله في محكمِ الصحفِ
|
فآبت وزندُ الغيظِ يقدحُ في الحشا
|
|
تعثرُ بالأذيالِ مثنية العطف
|
وجائت إلى الكرارِ تشكو اهتضامَها
|
|
ومدت اليهِ الطرفَ خاشعةَ الطرف
|
أبا حسنٍ يا راسخ العلمِ والحجى
|
|
إذا فرت الابطالُ رعباً من الزحف
|
ويا واحداً أفنى الجموعَ ولم يزل
|
|
بصيحته يسومونني ما لا اطيق من الخسف
|
ويلطم وجهي نَصبَ عينيكَ ناصبُ
|
|
العداوةِ لي بالضرب مني يستشفي
|
فتُغضي ولا تُنضي حسامَكَ آخذاً
|
|
بحقي ومنهُ اليومَ قد صفرت كفّي
|
لمن اشتكي إلاّ اليكَ ومَن بهِ
|
|
الوذُ وهل لي بعدَ بيتِكَ من كهف
|
وقد أضرموا النيرانَ فيه وأسقطوا
|
|
جنيني فوا ويلاهُ منهم ويا لهفي
|
وما برحت مهضومةً ذاتَ علةٍ
|
|
تأرقُها البلوى وظالمها مُغفي
|
إلى أن قضت مكسورةَ الضلعِ مسقِطاً
|
|
جنينٌ لها بالضربِ مسودّة الكتف
|
__________________
البحث الرابع
أصل يوم العذاب
في ظلامات فاطمة الزهراء 3
* لماذا هذا البحث (
أصل يوم العذاب ... ).
قال
المفضل للإمام الصادق 7 : يا مولاي ما في
الدموع ثواب ؟ قال : ما لا يحصى إذا كان من محقّ. فبكى المفضل ( بكاءاً ) طويلاً
ويقول : يا ابن رسول الله إنَّ يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم ، فقال له
الصادق 7 : ولا كيوم محنتنا
بكربلاء وإن كان يوم السقيفة واحراق النار على باب أمير المؤمنين والحسن والحسين
وفاطمة وزينب وأم كلثوم وفضة وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمرّ ، لأنّه أصل يوم
العذاب .
من منطلق هذه الرواية التي رواها المفضل
عن الإمام الصادق 7
، واستناداً إلى كلام الإمام المعصوم الذي هو معصوم الكلام ، والذي لا يأتيه
الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه ، حيث يعتبر كلام الإمام المعصوم من الادلة
الشرعية الاربعة : القرآن الكريم والسنة والعقل والاجماع فهو داخل ضمن السنة
النبوية الشريفة ، باعتباره يمثل الامتداد الحية لها كان عنوان هذا البحث مستمداً
من هذه الرواية والتي تروي قصة مظلومية فاطمة الزهراء سلام الله عليها والذي بَيَّن
فيه الإمام الصادق 7
عِظم ومرارة مصيبة أهل البيت :
عند هجوم القوم على دار أمير المؤمنين سلام الله عليه بأعظم تعبير يجعل المؤمن
الباحث عن الحقيقة والعقيدة والصحيحة يقف عنده كثيراً
__________________
ويدقق فيه طويلاً
ليرى لماذا عبَّر عنه الإمام 7
بهذا القول العظيم بأنه أصل يوم العذاب ، لا شك ولا ريب ان كلام الإمام الصادق 7 لا يأتي اعتباطا وعبثاً دون أن تكون
هناك مقدمات أولية يقينية عنده بحيث تؤدي بالأمر إلى أن تصل فيه النتيجة النهائية
وعلى ضوء هذه المقامات المهمة أن تكون المظلومية العظمى لأهل بيت النبوة ومعدن
الرسالة ومختلف الملائكة وبالخصوص اُم أبيها فاطمة الزهراء سلام الله عليها هي
الاساس والأصل ليوم الحسرة أو كما عبر عنه الإمام 7
بيوم العذاب.
لذا جاء هذا البحث أصل يوم العذاب في ظلامات
فاطمة الزهراء سلام الله عليها باعتبارها قطب الرحى الذي تدور حوله محورية أهل
البيت : والذي
اعتمدنا في تسميته هذه على رواية المفضل عن لسان الإمام الصادق 7 لكي لا نخرج حتى في تسميتنا لأي شيء عن
تسميات وتعبيرات أهل البيت :.
وسيكون بحثنا في هذا الموضوع عن مقدمات
مهمة ، وخصوصيات قيمة مرتبطةٌ بصميم البحث وتكون هي المحور والاساس للنتيجة
النهائية للبحث ، وخصوصاً ما يتعلق بمقامات فاطمة الزهراء سلام الله عليها لما لها
من الأثر الكبير على عظم ومرارة مظلوميتها سلام الله عليها فانه كلما كان المقام
سامي وعظيم للانسان المؤمن فانه بالنتيجة والقطع اليقيني سوف تكون ظلامته
ومظلوميته عظيمة وكبيرة وعلى قدر ايمانه ومقامه الرفيع.
وكذلك سوف يكون هناك بحث مهم وعلى ضوء
القرآن والسنة لبيان هذه المقامات وكذلك اظهار مظلومية أهل البيت وبالأخص الزهراء
سلام الله عليها على ضوء السنة الشريفة وآراء ومعتقدات العلماء الأبرار إلى أن نصل
إلى مسألة ارتباط هذه المظلوميات بصميم عقائدنا وبالنتيجة كيفية تعبير الإمام
الصادق 7 بأن مظلومية
أهل البيت : في ذلك
الوقت وحتى وقتنا هذا هي الأصل ليوم العذاب.
ما معنى أصل يوم العذاب ؟
وأصل الشيء الاساس الذي بُنيَ عليه ذلك
الشيء وقد يكون أصل الشيء المنطلق له أو أسفله وحسب التعريفات اللغوية التي وردت في
تعريفه ، ومن هنا نقف مع رواية
المفضل التي رواها
عن الإمام الصادق 7
لكي نفهم كيف يجري الحال مع هذه الرواية ، فالسؤال المطروح فيما نحن فيه يقتضي أن
نفهم أن أصل يوم العذاب هل يقصد به الاساس الذي بني عليه ظلم أهل البيت : من ذلك الحين أو أنه يقتضي ـ الاصل ـ معناه
يوم القيامة الذي سوف يكون فيه الاساس لعذاب الذين ظلموا أهل البيت : فيكون الجزاء جهنم خالدين فيها أبداً ؟
أما الشق الأوّل الذي يقصد به ويقول ان أصل يوم العذاب هو ذلك اليوم الذي سُلبت
فيه الخلافة من أمير المؤمنين 7
ـ يوم السقيفة ـ وإضرام النار على باب بيت أمير المؤمنين وفاطمة 8 ... وقتل محسن بالرفسة ، حيث أسس الظلم
والعذاب على أهل البيت :
ولم يروّ الراحة والاطمئنان من يوم ظلم فاطمة إلى واقعة كربلاء وقتل أهل البيت وتشريدهم
إلى ظهور الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) فان العذاب موجوع والاذى
مبثوث لكل من ولاهم واتبعهم من شيعتهم وعلى هذا الاساس يكون أصل يوم العذاب هو
اليوم الذي أسس الظلم على أهل البيت :
في هذه الحياة الدنيا ، وهذا القول الذي يقول ان يوم العذاب هو يوم الظلم الذي جرى
على أهل بيت النبوة بعيد عن المتفاهم العرفي ولا يساعد عليه الحال لأنّ هناك فرق
بين أن تقول يوم الظلم ويوم العذاب لانه الظلم وارد في الحياة الدنيا أما العذاب
فيكون له يوم خاص وكما عبر عنه القرآن يوم التغابن ويوم القيامة ... فلذا الظاهر
من خلال الرواية ان يوم العذاب ليس هو يوم الظلم الذي جرى على أهل بيت النبوة : لأنّ العذاب لا يطلق على هكذا حالٍ
وانما يطلق على يوم القيامة الذي سوف يكون فيه العذاب للظالمين أما ما الذي يصح ان
يعبر منه فهذا ما يمكن ان نقول به هو يوم المصائب ويوم المحن الابتلاءات والظلامات
اذن يكون هذا القول منتفي في كون يوم العذاب هو اليوم الذي أسس فيه الظلم لأهل بيت
النبوة.
وعلى الشق الثاني من معنى الأصل ليوم
العذاب يكون معناه ان يوم القيامة سوف يكون فيه العذاب والخزي للذين أخذوا الخلافة
من أصحابها الحقيقيين وظلموا الزهراء 3
وأضرموا النار على بيت أمير المؤمنين وقتلوا المحسن بن علي 7 بالرفسة ، فتكون هذه الظلامات هي
الاساس والاصل ليوم العذاب في نار جهنم
للذين فعلوا ذلك
الظلم العظيم وكما عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله تعالى ( إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
).
وعليه الذي على ما احتمله ان الصحيح
عندي هو المعنى الوارد في تفسير الاصل ليوم العذاب يعني ان أساس يوم العذاب في
القيامة سوف يكون بسبب هذا الظلامات من ظلامة يوم السقيفة واحراق النار وقتل محسن
بالرفسة وغير ذلك من الظلامات ذلك لأن هناك عدة أدلة وشواهد تثبت هذه المسئلة
وايضاً نفهم هذا من خلال عدة روايات شريفة وشواهد تاريخية بينت هذه المسألة ،
وهناك قرينة في المقام تثبت هذا المعنى وهي الرواية نفسها حيث نستفيد منها ان
المفضل يسأل الإمام عليه 7
ويقول ان يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم ... حيث عبر عن يوم القيامة بيوم
القصاص الذي سوف تكون فيه جهنم عذاباً للظالمين ، واضافة إلى ذلك قال المفضل ان
يوم محنتكم وهذا يدل على ان هناك فرق بين ان نقول يوم العذاب ويوم المحنة ... وايضاً
هناك قرينة متصلة في الرواية الشريفة نفسها حيث توجد تكملة لهذه الرواية التي
يرويها المفضل حيث تقول : « ويأتي محسن مخضباً محمولاً تحمله خديجة بنت خويلد
وفاطمة بنت أسد أُم أمير المؤمنين علي 7
وهما جدتاه ... وفاطمة تبكي وتصيح وتقول : هذا يومكم الذي كنتم توعدون ... فيأخذ
رسول الله محسناً على يديه رافعاً له إلى السماء وهو يقول : إلهي وسيدي صبرنا في
الدنيا احتساباً وهذا اليوم الذي تجد كل نفس ما عملت من خيراً محضراً وما عملت من
سوءٍ تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ».
فعلى أساس هاتين القرينتين نحتمل
احتمالاً قوياً ان أصل يوم العذاب المقصود به هو يوم القيامة الذي سوف يكون فيه
نار جهنم للظالمين أشد عذاباً وأكبر تنكيلاً.
وربما يرد علينا في ما نحن فيه اشكال
وهو اذا كانت ظلامات أهل البيت :
من السقيفة واحراق بيت فاطمة وقتل محسن ... الخ هو الاساس وأصل يوم العذاب في
القيامة فماذا تقول في الذين كانوا قبل هذه الظلامات وقبل زمن الرسول 6 ـ أي الامم الاخرى ـ فانهم ما كانوا
يعلمون ذلك فكيف توجه هذه المسألة ؟
نقول : انه لا ضيرَ في ذلك ولا يقدح
فيما نحن فيه ذلك لكون عندنا رواية تقول انها ـ
أي الصديقة الطاهرة
فاطمة 3 ـ كانت
مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن والانس والطير والوحش والأنبياء
والملائكة
، فاذا كان هكذا حالها فبالنتيجة تكون الحجة على جميع من خلق الله تعالى وخصوصاً
انه ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى
وعلى معرفتها دارت القرون الاولى ـ أي المتقدمة على هذا الزمان ـ وعليه لو كان
الأنبياء والمؤمنين قبل بعثة الرسول 6
حاضرين في زمن الرسول 6
لكانوا قسمين إما راضين بما فعل القوم من الظلم بحق فاطمة وبعلها وبنيها وإما لم
يكونوا راضين. فان كانوا راضين كانت لهم جهنم مقراً ومقاما وان لم يكونوا راضين
بظلمها كانت لهم الجنة دار سرور ونعيم وعلى هذا الاساس يتضح كيف يكون ظلم أهل البيت
وخصوصا الصديقة الشهيدة فاطمة 3
الاساس ليوم العذاب هذا من جهة. ومن جهة أخرى نحن نعلم ان هناك أحاديث وردت على
لسان أهل بيت العصمة مفادها ان الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها فمن كانت فاطمة
راضية عنه رضا عنه الله تبارك وتعالى ولا شك ولا ريب أن رضا الله يرضاه الأنبياء
والمؤمنين السابقين على زمن الرسول 6
فيكونوا عندئذ راضين عمن رضيت عنه فاطمة وغاضبين على من غضبت عليه لانها مظهر رضا
الله تعالى وغضبه وعليه يكون الاصل ثابت.
اذن ونحن نقف مع هذا البحث ومدى ثبوتيته
لابد لنا من أن نقدم بعض الأمور التي يتوقف عليها عِظَم هذه المسئلة التي نحن
بصددها ، وهذه الامور هي :
الأمر الأول :
مقامات الزهراء 3.
الأمر الثاني :
ظلامات الزهراء 3.
__________________
الأمر
الأول
مقامات
الزهراء 3 وفيه :
|
أ
ـ مقامها عند الله تعالى
ب
ـ مقامها عند الملائكة
ج
ـ مقامها عند الأنبياء والنبي محمد 6
د
ـ مقامها عند الأئمة :
ه
ـ مقامها عند العلماء والمحدثين
ت
ـ مقامها يوم القيامة.
|
١ ـ مقامها 3
عند الله تعالى
إنّ من المقامات التي خصت بها فاطمة
الزهراء 3 هو مقام
الرضا أي ان الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، حيث جاءت الكثير من الروايات الشريفة
المأثورة عن الرسول وأهل بيته :
لتؤكد هذه المنقبة العظيمة للصديقة الشهيدة.
وهذا مما يدل على كونها ذو مقام عالي
وشريف سامي لها عند الله تعالى ، إذ لا معنى ان يرضى الله لشخص من دون أن يكون له
عند الله منزلةً وكرامةً عليه ، وهذا مما يساعد عليه العرف العقلائي إضافة إلى
الشواهد القرآنية الكثيرة على هذه المسألة ، فنحن نجد من خلال الممارسات الحياتية
ان الكثير من الاصدقاء مثلاً يرضون لرضا شخص معين بالحق ويقبلون شفاعته وتوسطه أو
رضاه عن شخص معين لحل مشكلة ما ، وكذلك الحال في الغضب ، وعلى هذا الاساس تكون
فاطمة كريمة عند الله تعالى لعلو شأنها ومنزلتها عنده لذلك يرضى لرضاها ويغضب
لغضبها.
عن النبي 6
قال : « يا فاطمة ان الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك » .
وكذلك ما ورد عنه 6 انه قال : « يا فاطمة أبشري فلك عند
الله مقامٌ محمودٌ تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتُشفعين » .
ويظهر أيضاً مقامها عند الباري عز وجل من
خلال الحديث الطويل الذي يروى عن أهل بيت العصمة عن الله تعالى حيث يقول الباري عز
وجل :
« يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني
لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك
ومحبي عترتك بالنار » .
فأي منزلة ومقام لها عند الله تعالى
بحيث يقسم الله تعالى بعزته وجلاله أن لا يعذب بالنار شيعة الزهراء ومحبيها ، وهذا
الحديث له مقام عالي يثبته حديث آخر
__________________
ورد في شفاعة
الزهراء 3 في يوم
القيامة واعطاء الكرامة العظمى لها آنذاك.
ومن المقامات الأخرى لها 3 هو علة الايجاد أي أنها كانت علة
الموجودات التي خلقها الباري عز وجل وكما ورد في الحديث الذي يقول فيه الباري عز
وجل : « يا أحمد ! لولاك لم خلقت الأفلاك ، ولولا علي لم خلقتك ولولا فاطمة لما
خلقتكما ».
ولا نريد الوقوف مع هذا الحديث الآن بل
نترك بحثه إلى الفصول القادمة من هذا الكتاب ، وكثيرة هي المناقب والمقامات التي
لها عند الله تعالى.
ب ـ مقامها 3
عند الملائكة
في حديث طويل ... « ... فقالت الملائكة
: إلهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر ، الذي قد أشرقت به السموات والأرض ؟ فأوحى
الله إليها : هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة ابنة حبيبي ، وزوجة وليّي
وأخو نبيّي وأبو حججي على عبادي ، أُشهدكم ملائكتي أنّي قد جعلت ثواب تسبيحكم
وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها ومحبيها إلى يوم القيامة ».
وهذا يعني انها 3 لها مقام النور الزاهر عند الملائكة
فهم يعرفونها في السماء بالنور الزاهر الذي أزهرت السماوات والأرض بنورها ولأجل
ذلك سميت بالزهراء.
ج ـ مقامها 3
عند الأنبياء والنبي محمد 6
أما عند الأنبياء فهذا ما يدل عليه الحديث
المأثور عن أهل بيت العصمة :
الذي يقول : ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة
الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الاولى ، حيث يظهر من هذا الحديث ان لها مقام
سامي عند الأنبياء لأنه ما تكاملت نبوتهم حتى أقروا بمنزلتها ومقامها وفضلها
__________________
ومحبتها ، واللطيف
هنا انما الأقرار يكون عند من له الحق على الآخرين ، وعليه يكون الأنبياء أقروا
لله تعالى ـ لأنه هو صاحب الحق عليهم ـ بفضلها ومحبتها ، أما عند النبي 6 فان مقامها رفيع ولو أردنا أن نكتب عن
مقامها عند الرسول لاحتجنا إلى مجلدات في هذا الأمر ولكن على ما يسعنا المقام نقول
: ان مقامها يظهر من خلال أحاديث الرسول 6
نفسه حيث تارة يقول فداك أبوك ومرة أخرى يقول لها اُم أبيها ، وأخرى بضعة مني
ولحمها لحمي ودمها دمي ولكن الأهم من هذا كله فإنها 3
يكفي من مقامها ومنزلتها عند الرسول 6
انه قال في حقها : « من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي
بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله » .
وأيضاً قوله 6 : « ومن أنصفك فقد أنصفني ، ومن ظلمك
فقد ظلمني ، لأنك منّي وأنا منك ، وأنت بضعة منّي وروحي التي بين جنبيّ ثم قال 6 : « إلى الله أشكو ظالميك من امتي » .
د ـ مقامها3
عند الأئمة:
ورد عن الإمام الحسن العسكري 7 أنه قال :
« نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة
حجة الله علينا »
وهذا الحديث من الأحاديث العظيمة الذي أعطى لفاطمة 3
وعلى لسان حفيدها الحسن العسكري 7
أكبر شهادة عظمى بحقها ، وسيأتي مفصلاً البحث حول هذا الحديث الشريف.
ويظهر من خلال حديث اخر عظم منزلة ومقام
فاطمة عند الأئمة :
حيث
__________________
خرج من الناحية
الشريفة عن الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) أنه قال : « وفي ابنة
رسول الله 6 لي أسوة
حسنة ... »
فأي مقام يظهر لنا من خلال هذا التوقيع الشريف والذي بين فيه الإمام ( عجل الله
تعالى فرجه الشريف ) أن له اسوة حسنة بفاطمة أي اتخذها قدوة له يتأسى بها في
المعضلات والمصائب.
وهناك الكثير من المقامات التي اشتركت
الزهراء 3 مع الأئمة
فيها من حيث كونهم الصراط المستقيم واشتراكها معهم فيه وكذلك كونهم الكلمات التي
تلقاها آدم 7 لتوبته
واشتراكها معهم في المباهلة مع وفد نجران والذي تدل على أنها كانت قطب الرحى الذي
دار في المباهلة وكونها الشجرة الطيبة واشتراكها في النور معهم والتطهير في آية
التطهير ... الخ من المناقب والمقامات العالية لها 3
ولقد تظافرت الروايات الشريفة على هذه المقامات.
ه ـ مقامها 3
عند العلماء والمحدثين
١ ـ قال ابن صبّاغ المالكي : ولنذكر
طرفاً من مناقبها التي تشرف هذا النّسب من نسبها ، واكتسى فخراً ظاهراً من حسبها ،
وهي فاطمة الزهراء بنت مَنْ أنزل عليه : سبحان الذي أسرى ، ثالثة الشمس والقمر ،
بنت خير البشر ، الطاهرة الميلاد ، السيّدة بإجماع أهل السَّداد .
٢ ـ قال الاُستاذ عبد الزهراء : ونحن
حين نتناول الحديث عن الزهراء 3
بصفتها غرس النبوَّة ، وشجرة الإمامة ، فإنّما تنكشفُ لنا أبعادُ الرِّسالة
الإسلامية بطابع تجسيدي نلمسه في كل جانب من جوانب شخصيَّتها 3 ونحن نتابعها ، ففي قرانها بعليِّ بن
أبي طالب 7 تنجلي لنا
الصورة الحيَّة التي رسمها الإسلام للقرآن الذي ارتضاه خالق هذا الوجود ، وفي مواقفها
البطولية بعد وفاة أبيها يتكشَّف لنا المدى
__________________
البعيد الذي رسمه
الإسلام للمرأة من حقوق وواجبات ، ومدى فاعليتها في بناء المجتمع الإسلامي. وعلى
هذا الأساس تقاس سائر جوانب شخصية الزهراء 3
.
٣ ـ قال العلامة محمد بن طلحة الشافعي :
اعلم ـ أيّدك الله بروح منه ـ أن الأئمة الأطهار المعدودة مزاياهم في هذا المؤلّف
، والهداة الأبرار المقصودة سجاياهم بهذا الصنف لهم برسول الله زيادةً على اتصالهم
به بواسطة فاطمة 3.
فبواسطتها زادهم الله تعالى فضل شرف وشرف فَضْل ، ونيل قدر وقدر نيل ، ومحلَّ علوّ
وعلوَّ محلٍّ ، وأصل تطهير وتطهير أصل ... فانظر بنُور بصيرتك ـ أمدَّك الله
بهدايتها ـ إلى مدلول هذه الآية
وترتيب مراتب عباراتها وكيفيَّة إشارتها إلى علوّ مقام فاطمة 3 في منازل الشرف وسمو درجتها ، وقد بيّن
ذلك وجعلها بينه وبين عليًّ تنبيهاً على سرّ الآية وحكمتها ، فإن الله عزّ وجل جعلها
مُكتَنفةً من بين يديها ومن خلفها ليظهر بذلك الاعتناء بمكانتها. وحيث كان المراد
من قوله « وأنفسَنا
» نفس عليًّ مع النبي 6 جعلها بينهما إذا الحراسة بالأحاطة
بالأنفس أبلغ منها بالأبْناء في دلالتها .
٤ ـ قال الحافظ أبو نعيم الإصفهاني :
ومن ناسكات الأصفياء وصفيّات الأتقياء فاطمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ السيّدة
البتول ، البضعة الشبيهَة بالرسول ، وأوَّلهم بعد وفاته به لحوقاً ، كانت عن
الدنيا ومُتعتها عازفةً ، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عارفة .
٥ ـ قال عبد الحميد ابن أبي الحديد :
وأكرم رسول الله 6
فاطمة إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنُّونه وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم
، حتى خرج بها عن حدّ حبِّ الآباء للأولاد ، فقال بمحضر الخاصّ والعامّ مراراً لا
مرّة واحدة ، وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد : « انها سيدة نساء العالمين ،
وإنها عديلة مريم بنت عمران ، وإنها إذا مرّت في الموقف نادى مناد من جهة العرش :
يا أهل الموقف غضُّوا أبصاركم
__________________
لتعبر فاطمة بنت
محمد ». وهذا من الأحاديث الصحيحة ، وليس من الأخبار المستضعفة. وإنّ إنكاحه
عليّاً إيّاها ما كان إلا بعد أن أنكحه الله تعالى إيّاها في السماء بشهادة
الملائكة ؛ وكم قال لا مرّة : « يؤذيني ما يؤذيها ، ويغضبني ما يغضبها ، وإنها
بضعة مني ، يريبني ما رابها ».
٦ ـ قال الاُستاذ توفيق أبو علم : كانت ـ
رضي الله عنها ـ كريمة الخليفة ، شريفة الملكة ، نبيلة النفس ، جليلة الحس ، سريعة
الفهم ، مرهفة الذهن ، جزلة المروءَة ، غرّاء المكارم ، فيّاحة نفّاحة ، جرئية
الصدر ، رابطة الجأش ، حميَّة الأنف ، نائية عن مذاهب العجب ... وكانت في الذروة
العالية من العفاف والتصادق ، طاهرة الذيل ، عفيفة المئزر ، عفيفة الطرف ... إنّها
سليلة شرف لا منازع لها فيه من واحدة من بنات حوّاء فمن تراه ... واكتفائها بشرفها
كأنّها في عزلة بين أبناء آدم وحوّاء .
٧ ـ قال الاُستاذ عباس محمود العقاد
المصري : في كل دين صورةُ الاُنوثية الكاملة المُقدّسة يتخشَّع بتقديسها المؤمنون
، كأنّما هي آية الله فيما خلق من ذكر واُنثى ؛ فإذا تقدّست في المسيحية صورة مريم
العذراء ، ففي الإسلام لا جرم تتقدّس صورةُ فاطمة البتول .
٨ ـ قال الدكتور علي إبراهيم حسن :
وحياة فاطمة هي صفحة فذّة من صفحات التاريخ ، نلمس فيها ألوان العظمة ، فهي ليست
كبلقيس أو كليو بطرة ، استمدّت كلٌّ عظمتها من عرش كبير وثروة طائلة وجمال نادر.
وهي ليست كعائشة نالت شهرتها لما اتّصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش ، وتَتحدَّى
الرجال ، ولكنّا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلى العالم وحولها هالة من الحكمة
والجلال ، حكمة ليس مرجعها الكتب والفلاسفة والعلماء ، وإنما تجارب الدهر المليء
بالتقلبات والمفاجأت ، وجلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء ، وانما من صميم النفس ...
.
__________________
٩ ـ قال العلامة الإربلي : فلنبدأ الآن
بذكر فاطمة 3 التي زاد
إشراق هذا النسب بإشراق أنوارها ، واكتسب فخراً ظاهراً من فخارها ، واعتلى على
الأنساب بعلوّ منارها ، وشرف قدره بشرف محلّها ومقدارها ، فهي مشكاة النبوة التي
أضاء لالاؤها ، وتشعشع ضياؤها ، وسحت بسحب الغرِّ أنواؤها ، وعقيلة الرسالة التي
علت السبع الشداد مراتب علا وعلاء ، ومناصب آل وآلاء ، ومناسب سناً وسناء ،
الكريمة الكريمة الأنساب ، الشريفة الشريفة الأحساب ، الطاهرة الطاهرة الميلاد ،
الزهراء الزهراء الأولاد ، السيدة باجماع أهل السداد ، الخيرة من الخير : ثالثة
الشمس والقمر ، بنت خير البشر ، اُم الأئمة الغرر ، الصافية من الشوب والكدر ،
الصفوة على رغم من ججد أو كفر ، الحالية بجواهر الجلال ، الحالّة في أعلى رتب
الكمال ، المختارة على النساء والرجال ، صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبينها
السادة الأنجاب ، وارثي النبوة والكتاب ، وسلَّم وشرَّف وكرَّم وعظَّم .
١٠ ـ وقال أيضاً : إن فاطمة 3 هي سليلة النبوة ورضيعة دَرِّ الكرم
والاُبوّة ، ودرَّة صدف الفخار ، وغرّة شمس النهار ، وذُبالة مشكاة الأنوار ، وصفوة الشرف والجود ،
وواسطة قلادة الوجود ، نقطة دائرة المفاخر ، قمر هالة المآثر ، الزهرة الزهراء ،
والغُرَّة الغرّاء ، العالية المحل ، الحالّة في رتبة آل عُلاء السامية ، المكانة
المكينة في عالم السماء ، المضيئة النور ، المنيرة الضياء ، المستغنية باسمها عن
حدِّها ووَسمها ، قُرّة عين أبيها ، وقرار قلب اُمِّها ، الحالية بجواهر عُلاها ،
العاطلة من زخرف دنياها ، أمة الله وسيدة النساء ، جمال الآباء وشرف الأبناء ، يفخر
آدم بمكانها ، ويبوح نوح بشدّة شأنها ، ويسموا إبراهيم بكونها من نسله ، وينجحُ
إسماعيل على إخوته إذ هي فرع أصله ، وكانت ريحانة محمَّد 6 من بين أهله ، فما يجاريها في مَفْخر
إلا مغلَّب
، ولا يباريها في مجد إلا مؤنَّب
، ولا يجحد حقَّها إلا مأفون
، ولا يصرف عنها وجه
__________________
إخلاصه إلا مغبون .
١١ ـ قال العلامة الخبير ابن شهر آشوب
(ره) : وقلنا الصدّيقة بالأقوال ، والمباركة بالأحوال ، والطاهرة بالأفعال ،
الزكية بالعدالة ، والرضية بالمقالة ، والمرضية بالدلالة ، المحدَّثة بالشفقة ،
والحرّة بالنفقة ، والسيِّدة بالصدقة ، الحصان بالمكان ، والبتول في الزمان ،
والزهراء بالإحسان ، مريم الكبرى في الستر ، وفاطِمُ بالسرِّ. وفاطمة بالبرّ ،
النوريَّة بالشهادة ، والسماوية بالعبادة ، والحانية بالزهادة ، والعذراء بالولادة
، الزاهدة الصفيّة ، العابدة الرضيَّة ، الراضية المرضيّة ، المتهجّدة الشريفة ،
القانتة العفيفة ، سيدة النسوان ، وحبيبة حبيب الرحمن ، المحتجبة عن خزّان الجنان
، وصفيَّة الرحمن ، ابنة خير المرسلين ، وقرّة عين سيّد الخلائق أجمعين ، وواسطة
العِقد بين سيِّدات نساء العالمين ، والمتظلِّمة بين يدي العرش يوم الدين ، ثمرة
النبوّة ، واُم الأئمة وزهْرة فؤاد شفيع الاُمة ، الزهراء المحترمة ، والغرّاء
المحتشمة ، المكرّمة تحت القبّة الخضراء ، والإنسيّة الحوراء ، والبتول العذراء ،
ستّلاً النساء
، وارثة سيد الأنبياء ، وقرينة سيد الأوصياء ، فاطمة الزهراء ، الصدّيقة الكبرى ،
راحة روح المصطفى ، حاملة البلوى من غير فزع ولا شكوى ، وصاحبة شجرة طوبى ، ومن أُنزلِ
في شأنها وشأن زوجها وأولادها سورة هل أتى ، ابنة النبي ، وصاحبة الوصي ، واُم
السبطين ، وجدَّة الأئمة ، وسيدة نساء الدنيا والآخرة ، زوجة المرتضى ، ووالدة
المجتبى ، وابنة المصطفى ، السيدة المفقودة ، الكريمة المظلومة الشهيدة ، السيدة
الرشيدة ، شقيقة مريم ، وابنة محمد الأكرم ، المفطومة من كل شرّ ، المعلومة بكل
خير ، المنعوتة في الإنجيل ، الموصوفة بالبرّ والتبجيل ، درَّة صاحب الوحي
والتنزيل ، جدُّها الخليل ، ومادحها الجليل ، وخاطبها المرتضى بأمر المولى جبرئيل .
١٢ ـ قال المحقق الشهير الحاج مُلاّ
محمد باقر صاحب الخصائص الفاطمية : سبحانك اللهم فاطر السموات العلى ، وفالق الحب
والنَّوى ، أنت الذي فطرت اسماً من
__________________
اسمك ، واشتققته من
نورك ، فوهبت اسمك بنورك حتى يكون هو المظهر لظورك ، فجعلت ذلك الاسم جرثومة لجملة
أسمائك ، وذلك النور اُرومة
لسيِّدة إمائك ، وناديت في الملأ الأعلى : أنا الفاطِرُ وهي فاطمة ، وبنورها ظهرت
الأشياء من الفاتحة إلى الخاتمة. فاسْمُها اسْمك ، ونورها نورك ، وظهورها ظهورك ،
ولا إله غيرك ، وكل كمالٍ ظلّك ، وكل وجودٍ ظلّ وجودك ، فلما فطرتها فطمتها عن
الكدورات البشرية ، واختصصتها بالخصائص الفاطمية ، مَفْطومةً عن الرعونات العُنصريَّة ، ونزَّهتها عن جميع
النقائص ، مجموعةً من الخصائل المرضيَّة بحيث عجزت العقول عن إدراكها ، والناس
فطموا عن كُنْه معرفتها ، فدعا الأملاك في الأفلا ك بالنوريَّة السماوية ، وبفاطمة
المنصورة ... اُم السبطين وأكبرُ حجج الله على الخافقين ، ريحانه سدرة المنتهى ،
وكلمة التقوى ، والعروة الوثقى ، وستر الله المرخى ، والسعيدة العُظمى ، والمريم
الكبرى ، والصلواة الوسطى ، والإنسيَّة الحوراء التيم بمعرفتها دارت القرون الاُولى.
وكيف اُحصي ثناها وإنَّ فضائلها لا تُحصى
، وفواضلها لا تقضى ؟! البتولُ العَذْراء ، والحُرّة البيضاء ، اُم أبيها ، وسيدة
شيعتها وبنيها ، ملكة الأنبياء ، الصدِّيقة فاطمةُ الزهراء ، نعم ما قال :
خجلاً من نور بهجتها تتوارى الشمس في
الاُفق
|
|
|
وحياءً من شمائلها يغطَّى الغصن في
الورق
|
|
|
|
١٣ ـ قال المحقق البارع السيد كاظم القزويني : فاطمة ، وما أدراك
من فاطمة ! شخصية إنسان تحمَّل طابع الاُنوثة لتكون آية على قدرة الله البالغة
واقتداره البديع العجيب ، فإن الله تعالى خلق محمداً 6
ليكون آية قُدْرته في الأنبياء ، ثم خلق منه بضعته وابنته فاطمة الزهراء لتكون
علامةً وآيةً على قُدْرة الله في إيداع مخلوق اُنثى تكون كُتلة من الفضائل ،
ومجموعةً من المواهب فلقد أعطى الله تعالى فاطمة الزهراء أوفر حظ من العظمة ،
وأوفى نصيب من الجلالة بحيث لا يمكن لأيَّة اُنثى أن تبلغ تلك
__________________
المنزلة ، فهي من
فصيلة أولياء الله الذين اعترفت لهم السماء بالعظمة قبل أن يعرفهم أهل الأرض ،
ونزلت في حقّهم آياتٌ محكمات في الذكر الحكيم تتلى آناء الليل وأطراف النهار منذ
نزولها إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم القيامة. شخصية كلما ازداد البشر نضجاً وفهماً
للحقائق واطّلاعاً على الأسرار ظهرت عَظمة تلك الشخصية بصورة أوسع ، وتجلت مَعانيها
ومزاياها بصورٍ أوضح. إنّها فاطمة الزهراء ، الله يثني عليها , ويرضى لرضاها ،
ويغضب لغضبها ، ورسولُ الله 6
ينوَّه بعظمتها وجلالة قدرها ، وأمير المؤمنين 7
ينظر إليها بنظر الإكبار والإعظام ، وأئمة أهل البيت 7
ينظرون إليها بنظر التقديس والإحترام .
ت ـ مقامها 3
يوم القيامة
إن أفضل مقام تعطى فاطمة 3 يوم القيامة هو مقام الشفاعة الكبرى
والذي من خلال هذه المنزلة يظهر قدر ومقام فاطمة عند الله تعالى يوم القيامة وأمام
الخلائق جميعاً ، فلقد ورد في تفسير فرات ... فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول
الله عز وجل : يا بنت حبيبي ، ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي ؟
فتقول : يا رب ! أحببت أن يعرف قدري في
مثل هذا اليوم ، فيقول الله : يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو
لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة.
قال أبو جعفر 7 : ـ والله ـ يا جابر إنها ذلك اليوم
لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء ، فاذا صار
شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا فيقول
الله عز وجل :
يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم
فاطمة بنت حبيبي ؟
فيقولون : يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا
في مثل هذا اليوم ؛ فيقول الله : يا أحبائي
__________________
ارجعوا وانظروا من
أحبكم لحب فاطمة ، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة انظروا من كساكم لحب فاطمة ، انظروا
من سقاكم شربة في حب فاطمة ، انظروا من ردَّ عنكم غيبة في حب فاطمة ، خذوا بيده
وأدخلوه الجنة.
قال أبو جعفر 7 : ـ والله ـ لا يبقى في الناس إلا شاك
أو كافر أو منافق ، فإذا صاروا بين الطبقات ، نادوا كما قال الله تعالى : ( فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ
* وَلا
صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) فيقولون : ( فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ
المُؤْمِنِينَ ).
قال أبو جعفر 7 : هيهات هيهات منعوا ما طلبوا ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ
وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ).
الأمر الثاني
ظلامات فاطمة الزهراء 3
نبذوا العهد والكتاب وما جا
|
|
ءَ به في الوصيّ خلف الظهور
|
عدلوا عن أبي الهداة الميامي
|
|
نِ إلى بيعة الأثيم الكفور
|
قدموا الرجس بالولاية للأمر
|
|
على أهل آية التطهير
|
لستَ تدري لم أحرقوا الباب بالنا
|
|
رِ أرادوا إطفاء ذاك النور
|
لستَ تدري ما صدر فاطم ما المس
|
|
مار ما حال ضلعها المكسور
|
ما سقوط الجنين ما حمره العين
|
|
وما بال قرطها المنثور
|
دخلوا الدار وهي حسرى بمرأى
|
|
من عليّ ذاك الأبي الغيور
|
واستداروا بغياً على أسد الله
|
|
فأضحى يقاد قود البعير
|
ينظر الناس ما بهم من معين
|
|
وينادي وماله من نصير
|
والبتول الزهراء في إثرهم تع
|
|
ثر في ذيل بردها المجرور
|
بأنينٍ يوهيم الصفا بشجاه
|
|
وحنين يذيب صمّ الصخور
|
ودعتهم : خلّوا ابن عمي عليّاً
|
|
أو لأشكو إلى السميع البصير
|
ما رعوها بل روعوها ومرّوا
|
|
بعلي ملبّباً كالأسير
|
بعض هذا يريك ممّن تولّى
|
|
بارز الكفر ليس بالمستور
|
تمهيد :
جاء الدين الإسلامي الحنيف ليمثل عصارة
الأديان السماوية المتعددة وخلال الفترات المتعاقبة حيث قدم النظام الأشمل والأكمل
للحياة وعلى كافة المستويات سواء الإجتماعية أو الإقتصادية أو السياسية وهذا ما
نراه واضحاً جلياً في أدنى تأمل للنظرية الإسلامية المتمثلة في طرفي العقيدة
والشريعة ، وكان من جملة ما أكدت عليه الرسالة السماوية المتمثلة في بعثة نبينا
محمد 6 هو حرمة
الظلم ومعاونة الظالمين ذلك ان الله تبارك وتعالى قد حرم على نفسه الظلم وكما ورد
في الحديث القدسي : « يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا
تظالموا ».
فالإسلام دين المساواة والعدل ولا يرضى
بالظلم والبغي ، حيث أنزل الله تعالى في كتابه الكريم الكثير من الآيات القرآنية
المباركة التي تدل دلالة قطعية واضحة البرهان على ضرورة العدل بين الرعية وعدم
البغاء والظلم فيما بينهم ، حيث اعتبرت هذه الضرورة من الواجبات المهمة على كافة
الأصعدة والمجالات الحياتية ، فنرى من خلال مراجعة الأحكام الشرعية التي أقرتها
الشريعة الإسلامية أن الكثير منها قد لوحظ فيه عدم الظلم للآخرين والتعدي على
حقوقهم ، كل هذه التأكيد لكي تسير الإنسانية في الطريق الذي ارتضاه الله تبارك
وتعالى لها ولكي تصل إلى شاطئ الأمان والكمال وضمن الأهداف المحددة من خلال
الرسالة المحمدية السمحاء.
ونجد من خلال استقراء القرآن الكريم أن
أكثر الآيات القرآنية الواردة في المقام قد تكون صريحة في تحريم الظلم سواء كان
ذلك بذكر لفظة الظلم بصورة مباشرة أو عن طريق ذكر نقيضه الذي هو العدل وكما سيتبين
من خلال مطالعة الآيات القرآنية التالية :
* حيث جاء قوله تعالى ( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
) ليؤكد على حقيقة اختصت لها الشيعة مع
بعض الفرقة الدينية الأخرى ألا وهي مسألة العدل حيث أقرت الشيعة بأن من أصول الدين
هو العدل وهو أن الله ليس بظالم ولا يظلم أحداً فهو العدل لهذا نجد في هذه الآية
القرآنية أن الله قد حرم على نفسه الظلم فلا يظلم عباده بل هو المفيض عليهم رحمته
الربانية ونعمته الإلهية.
* وجاء قوله تعالى ( مَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ
) ليؤكد على مسألة أخرى بحيث انها من
الأهمية قد ذكرها الله تعالى ليذكر بها البشرية بأن الظالمين ليس لهم نصير ولا
تنصرهم السماء وبنفس الوقت قد أكد الله في آية أخرى وطلب من المؤمنين بأن لا
ينصروا الظالمين بأي شكل من الأشكال (
وَلا
تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ
) .
وهكذا جاءت الكثير من الآيات القرآنية
الكريمة حاملة بين طياتها التأكيد على هذا الأمر المهم والضروري لتكامل البشرية.
وقد يرد وينقدح سؤال مهم في ذهن كل
إنسان واعي وفاهم للأمور الإسلامية أنه إذا كان هذا الحال في حرمة الظلم وعدم
معونة الظالمين فما المفهوم من الظلم وأي ضابطة نرجع اليها في معرفة الظلم وتعريفه
معناه ؟
فنقول ان الظلم من الأمور التي يدرك
الذهن ويفهمها بأدنى تأمل ذلك أنه من الأمور الفطرية والعقلية هو قبح الظلم وأنه
يأباه العقل والناس جميعاً مشتركين في هذه المسألة أعني قبح الظلم ، ومع ذلك كله
نعطي بعض التعاريف للظلم لكي لا يرد أي استيضاح حوله في حالة عدم فهم معناه.
* الظلم لغة : أما لغة فقد
جاء في لسان العرب
: الظلم وضع الشيء في غير موضعه. وأصل الظلم الجور ومجاوزة الحد ، ويقال ظلمه
يظلمه ظلماً ومظلمة ، فالظلم
__________________
مصدر حقيقي وهو ظالم
وظلوم والظلمة هم المانعون أهل الحقوق حقوقهم ، والظلامَة ما تُظلمهُ وهي المَظْلمة.
وتظالم القوم : ظلم بعضهم بعضاً وفي المفردات للراغب الاصفهاني : والظلم عند أهل اللغة وكثيرون أهل
العلم : وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة وإما بعدول عن
وقته أو مكانه.
وقال الفيروزآبادي والظلم يقال في مجاوزة الحق ويقال في
الكثير والقليل.
أما عرفاً : فالظلم
معناه بخس النسا أشياءهم وحقوقهم والاعتداء على الغير بأي صورة كانت سواء قولاً أو
عملاً.
وأما شرعاً : الظلم وضع
الشيء في غير موضعه الشرعي
والظلم أصله الجور ومجاوزة الحد ومعناه الشرعي وضع الشيء في غير موضعه الشرعي وهكذا يتبين لمن يقصد السؤال في معرفة
الظلم ويدقق في مقولات علماء اللغة وغيرهم من أهل الشرع واللغة وأهل المعرفة في
هذا المقام ، ولنعم ما قال الحكيم أرسطو في هذا المقام حيث أطلق هذه الكلمات ليعبر
عن طبيعة الفطرة الإنسانية في هذه المسألة ( الظلم من طبع النفوس ، وانما يصدها عن
ذلك إحدى علتين : إما علة دينية لخوف مَعَادِ أو علة سياسية لخوف سيف ). فيكون
مقال القائل أن النفوس لا تظهر هذا الظلم للعلتين المتقدمتين ، ولكن نقول إذا
فقدتا هاتين العلتين فماذا سيكون الحال ، قطعاً عند ذلك يسقط الواعز النفسي
للإنسان فيكون من أعتى الظالمين.
إذن بعد هذه المقدمة التي ارتأينا أن
نقدمها لكي يتضح الحال والمقام في الظلم وقبحه وحرمته ندخل في هذا الفصل لكي نعيش
القصة والحديث التأريخي الذي لا يزال يأكل بنفوس المسلمين وإلى وقتنا الحاضر ألا
وهو حدث ظلامات فاطمة الزهراء بضعة النبي الهادي المختار تلك التي لم يترك في
المسلمين آنذاك من أهله ومن ذريته إلا هذه الميمونة الطاهرة ذو النسل المبارك اُم
الحسنين 8.
__________________
فتعال معي أيها القاري العزيز لنروي لك
تلك الظلامات ونغوص في أعماق التاريخ لنجد ما يطالعنا به القوم من الظلامات التي
أطبقت عليها الخاصة والعامة على ثبوتها وصدورها ولكن اتباع الأهواء والصدود عن
الحق هو الذي جعل الكثير منهم يأخذ هذه الأحداث مأخذاً تاريخياً ليس فيه أي فائدة
وليس له أي علاقة لا بأصول الدين ولا بالعقيدة وانما هو مجرد حدث لا يضر من عرفه
ولا ينفع من جهله ، وأنى لهم بالمعرفة الحقة والنور المستبين ذلك أن ( وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا
لَهُ مِن نُّورٍ ) فهلم بنا لكي نقف مع هذه الدراسة التي
أفاضها لنا التاريخ ونحققها بعمق وتركيز على كل جوانبها وحسب ما تسعنا قابليتنا
المحدودة في معرفة كوامن الأسرار ونزيح ما استتار في ظلم التاريخ عن هذه الظلامات
عن غبار جعل الكثير من أبصار وبصائر الذين يدعون الصلة بالرسول الأكرم محمد 6 من جهة الإسلام انهم يحبون ويوالون
الرسول في كل شيء ولكن ...؟!!
ولنقف بدقة متناهية مع هذه الظلامات
ونعرض جميع الأسئله الواردة في المقام ونعرضها على كتاب الله الغريز باعتباره
المصدر الأول لكل سؤال ولكل استفهام من أي من كان ، ونعرضها على سنة رسول الله 6 ، فهو الذي ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىٰ
... إِلاَّ
وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ
الْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ
فَاسْتَوَىٰ ).
ونستنطق بهذه الأسئلة العقل ليكون
القارئ العزيز على ثقة بما يتطلع إليه ويصل إلى مقام الإطمئنان الذي تصبو إليه
النفس الإنسانية.
وقبل كل شيء ينقدح سؤال مهم ألا وهو هل اُخبر
الرسول 6 بما سيجري
على أهل بيته من بعده أم لم يُخبر ؟
والجواب نجده واضحاً من خلال مطالعة كتب
التأريخ والحديث حيث ورد عن أبي عبد الله 7
في حديث طويل أنه قال في قضية الإسراء والمعراج لرسول الله 6 من قبل الله تعالى « إن الله مختبرك ـ أي
محمد 6 ـ في ثلاث
ينظر كيف جدك ؛ قال : أسلم لأمرك يا رب ولا قوة لي على الصبر إلا بك ، فما هن ؟
إلى أن يقول الإمام الثالثة ...
وأما الثالثة : فما يلقى أهل بيتك من
بعدك من القتل : أما أخوك علي فيلقى من اُمتك
الشتم والتضعيف
والتوبيخ والحرمات والجهد والظلم وآخر ذلك القتل.
فقال : يا رب ، سلمت وقبلت ، ومنك
التوفيق والصبر. وأما ابنتك فتظلم ، وتحرم ، ويؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها ، وتضرب
وهي حاملة ، ويدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن ، ثم يمسها هوان وذل ثم لا تجد
مانعاً وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب ، قلت إنا لله وإنّا إليه
راجعون قبلت يا رب وسلمت ومنك التوفيق والصبر .
إذن الرسول 6 يعلم ما سيجري على بضعته الطاهرة وما
يكون مآل الأمور من بعده ، ويعلم من الذي سوف يكون الظالم لها ولبعلها ولذلك نجده
في أكثر من مرة يوصي الزهراء وأمير المؤمنين بالصبر بما سيجري عليهم من بعده ،
ولقد جاء في المأثور الروائي أنه طالما أخبرهم بذلك وخصوصاً عند قرب وفاته حيث
أخبر الصديقة الشهيدة 3
بأنها ستظلم من بعده وانها أول الناس لحوقاً به من أهل بيته بعد أربعين يوماً من
وفاته وقيل بإثنين وسبعين يوماً ، وهكذا تظافرت الروايات الكثيرة في إثبات هذه
المأساة للزهراء من بعد أبيها ، أما من الذي يظلمها حقها ؟ فهذا ما ترويه قصة
سقيفة بني ساعدة وإليك ما جرى في تلك الواقعة الأليمة لأهل بيت النبوة والتي كانت
مفتاح الظلم الذي سنه الخليفة الأول والثاني على أهل البيت :.
*
عن عبد الله بن عبد الرحمان قال :
ثم إن عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي : ألا إن أبا بكر قد بويع له
فهلموا إلى البيعة ، فينثال الناس يبايعون ، فعرف أن جماعة في بيوت مسترون ، فكان
يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون ، حتى إذا مضت أيام أقبل في
جمع كثير إلى منزل علي 7
فطالبه بالخروج فأبى ، فدعا عمر بحطب ونار وقال : والذي نفس عمر بيده ليخرجنّ ، أو
لأحرقنّه على ما فيه.
فقيل له : إنّ فاطمة بنت رسول الله ، وولد
رسول الله ، وآثار رسول الله 6
فيه ؛ وانكر الناس ذلك من قوله ، فلما عرف إنكارهم قال : ما بالكم أتروني فعلت ذلك
؟!
__________________
إنما أردت التهويل ؛
قال : وخرجت فاطمة بنت رسول الله 6
إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت : « لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم ، تركتم رسول
الله 6 جنازةً بين
أيدينا وقطعتم أمركم فيما بينكم ، ولم تؤمّرونا ، ولم تروا لنا حقّاً ، كأنّكم لم
تعلموا ما قال يوم غدير خم ؛ والله ، لقد عقد له يؤمئذ الولاء ليقطع منكم بذلك
منها الرجاء ولكنّكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيّكم ، والله حسيب بيننا وبينكم
في الدنيا والآخرة .
*
عن سلمان الفارسي 2 أنه قال :
وكان علي بن أبي طالب 7
لما رأى خذلان الناس له ، وتركهم نصرته ، واجتماع كلمة الناس مع أبي بكر ، طاعتهم
له ، وتعظيمهم له ، جلس في بيته ؛ فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه
فيبايع ، فإنّه لم يبق أحد إلا وقد بايع ، غيره وغير هؤلاء الأربعة معه ؛ وكان أبو
بكر أرقّ الرجلين ، وارفقهما ، وادهاهما ، وأبعدهما غوراً ؛ والآخر أفظّهما
وأغلظهما ، وأخشنهما ، وأجفاهما ، فقال : من نرسل إليه؟
فقال عمر : أرسل إليه قنفذاً ـ وكان
رجلاً فظّاً غليظا جافياً من الطلقاء ، أحد بني تيم ـ فأرسله وأرسل معه أعواناً ،
فانطلق فاستأذن ، فأبى عليّ 7
أن يأذن له.
فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر ،
وهما في المسجد والناس حولهما فقالوا : لم يأذن لنا ، فقال عمر : هو إن أذن لكم
وإلا فادخلوا عليه بغير إذنه.
فانطلقوا ، فاستأذنوا ، فقالت فاطمة 3 : أحرّج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير
إذنٍ ؛ فرجعوا ، فثبت قنفذ ، فقالوا : إنّ فاطمة قالت : كذا وكذا ، فحرجتنا أن
ندخل عليه البيت بغير إذن منها ، فغضب عمر ، وقال : ما لنا وللنساء ؛ ثم أمر
أناساً حوله ، فحملوا حطباً وحمل معهم فجعلوه حول منزله ، وفيه علي وفاطمة
وابناهما : ، ثم نادى
عمر حتى اسمع علياً : والله لتخرجنّ ولتبايعنّ خليفة رسول الله ، أو لأضرمنّ عليك
بيتك ناراً ، ثم رجع فقعد إلى أبي بكر ، وهو يخاف أن يخرج علي بسيفه ، لما قد عرف
من بأسه وشدّته.
__________________
ثم قال لقنفذ : إن خرج وإلاّ فاقتحم
عليه ، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم ناراً : فانطلق قنفذ ، فاقتحم هو وأصحابه بغير
إذن ، وبادر علي إلى سفيه ليأخذه ، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثّروا عليه
فضبطوه ، وألقوا في عنقه حبلاً أسود ؛ وحالت فاطمة 3
بين زوجها وبينهم عند باب البيت ، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها ، فبقي أثره في
عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إيّاها ؛ فأرسل أبو بكر إلى قنفذ : اضربها ؛
فالجأها إلى عضادة باب بيتها ، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها ، وألقت جنيناً من
بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها .
*
وفي كتاب سليم بن قيس ، في حديث طويل ، قال :
فلما كان الليل حمل علي فاطمة 8
على حمار وأخذ بيدي إبنيه الحسن والحسين 8
فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله 6
إلا أتاه في منزله ، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب منهم رجل غبرنا
الأربعة ، فإنّا حلقنا رؤوسنا ، وبذلنا له نصرتنا ، وكان الزبير أشدّنا بصيرة في
نصرته ؛ فلما رأى علي 7
خذلان الناس إيّاه وتركهم نصرته ، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر ، وطاعتهم له ،
وتعظيمهم إياه لزم بيته ، فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع ،
فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع ، غيره وغير هؤلاء الاربعة ، وكان أبو بكر أرقّ
الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غوراً ، والآخر أفظّهما وأغلظهما وأجفاهما ؛
فقال [ له ] أبوبكر : من نرسل إليه ؟
فقال عمر : نرسل إليه قنفذاً ، وهو رجل
فظّ غليظ جافّ من الطلقاء ، أحد بني عديّ بن كعب ، فأرسله إليه ، وأرسل معه
أعواناً ، فانطلق فاستأذن على علي 7
، فأبى أن يأذن لهم.
فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر ،
وهما جالسان في المسجد والناس حولهما ، فقالوا : لم يؤذن لنا ؛ فقال عمر : اذهبوا
فإن أذن لكم ، وإلاّ فادخلوا [ عليه ] بغير إذن !!
فانطلقوا فاستأذنوا ؛ فقالت فاطمة 3 : أحرّج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير
__________________
إذن ، فرجعوا ، وثبت
قنفذ الملعون ، فقالوا : إنّ فاطمة قالت : كذا وكذا ، فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير
إذن ، فغضب عمر ، وقال : ما لنا وللنساء !! ثم أمر اُناساً حوله أن يحملوا الحطب ؛
فحملوا الحطب ، وحمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابناها : ثم نادى عمر ـ حتى اسمع علياً وفاطمة 8 : ـ والله ـ لتخرجنّ يا علي ولتبايعنّ
خليفة رسول الله ، وإلا أضرمت عليك [ بيتك ] النار.
فقالت فاطمة 3 : يا عمر ، ما لنا ولك ؟
فقال : افتحي الباب ، وإلاّ أحرقنا
عليكم بيتكم ؛
فقالت : يا عمر ، أما تتقي الله تدخل على
بيتي ؟ فأبى أن ينصرف ، ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ، ثم دفعه فدخل ،
فاستقبلته فاطمة 3
وصاحت : يا أبتاه ، يا رسول الله فرفع عمر السيف ـ وهو في غمده ـ فوجأ به جنبها ، فصرخت
يا أبتاه ! فرفع السوط فضرب به ذراعها ... .
*
وروي عن زيد بن أسلم أنه قال :
كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة ، فقال
عمر لفاطمة : أخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه ، قال : وفي البيت علي وفاطمة
والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي 6
؛
فقالت فاطمة : أتحرق علياً وولدي ؟ قال
: إي ـ والله ـ أو ليخرجنّ وليبايعنّ .
*
وروي عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن جدّه :
ما أتى عليّ يوم قطّ أعظم من يومين أتيا عليّ : فأمّا اليوم الأول : فيوم قبض رسول
الله 6 : وأمّا اليوم
الثاني : فوالله إنّي لجالس في سقيفة بني ساعدة عن يمين أبي بكر والناس يبايعونه ،
إذ قال له عمر : يا هذا ، ليس في يديك شيء مهما لم يبايعك عليّ ؛ فابعث إليه حتى
يأتيك يبايعك ، فإنّما هؤلاء رعاع.
فبعث إليه قنفذ ، فقال له : اذهب فقل
لعليّ : أجب خليفة رسول الله 6
، فذهب قنفذ فما لبث أن رجع ، فقال لأبي بكر : قال لك : ما خلّف رسول الله 6 أحداً
__________________
غيري.
قال : ارجع إليه فقل : أجب فإنّ الناس
قد أجمعوا على بيعتهم إيّاه ، وهؤلاء المهاجرين والأنصار يبايعونه وقريش ، وإنما
أنت رجل من المسلمين ، لك ما لهم ، وعليك ما عليهم ؛ فذهب إليه قنفذ فما لبث أن
رجع ، فقال : قال لك : إنّ رسول الله 6
قال لي وأوصاني أن ـ إذا واريته في حفرته ـ لا أخرج من بيتي حتى اُؤلّف كتاب الله
، فإنّه في جرائد النخل ، وفي أكتاف الإبل ، قال عمر : قوموا بنا إليه.
فقام أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وخالد
بن الوليد ، والمغيرة بن شعبة ، وأبو عبيدة بن الجرّاح ، وسالم مولى أبي حذيفة ،
وقنفذ ، وقمت معهم.
فلمّا انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة (
صلوات الله عليها ) أغلقت الباب في وجوههم ، وهي لا تشكّ أن لا يدخل عليها إلا بإذنها
، فضرب عمر الباب برجله فكسره ـ وكان من سعف ـ ثم دخلوا فأخرجوا عليّاً 7 ملبّباً.
فخرجت فاطمة 3 فقالت : يا أبابكر ، أتريد أن ترمّلني
من زوجي ـ والله ـ لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري ولأشقّنّ جيبي ، ولآتينّ قبر أبي
، ولأصيحنّ إلى ربّي ؛
فأخذت بيد الحسن والحسين 8 وخرجت تريد قبر النبي 6 ؛ فقال علي 7 لسلمان : أدرك ابنه محمد 6 فإنّي أرى جنبتي المدينة تكفيان ؛
والله إن نشرت شعرها ، وشقّت جيبها ، وأتت قبر أبيها ، وصاحت إلى ربّها لا يناظر
بالمدينة أن يخسف بها [ وبمن فيها ] ، فأدركها سلمان 2
، فقال :
يا بنت محمد ، إنّ الله إنّما بعث أباك
رحمة ، فارجعي.
فقالت : يا سلمان ، يريدون قتل عليّ ،
ما على عليّ صبر ، فدعني حتى آتي قبر أبي فأنشر شعري ، وأشقّ جيبي ، وأصيح إلى
ربّي ، فقال سلمان : إنّي أخاف أن تخسف بالمدينة ، وعليّ 7 بعثني إليك ، ويأمرك أن ترجعي إلى بيتك
، وتنصرفي.
فقالت : إذاً أرجع ، وأصبر ، وأسمع له
وأطيع.
قال : فأخرجوه من منزله ملبّا ، ومرّوا
به على قبر النبي 6
قال : فسمعته يقول :
ي ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي
) إلى آخر الآية.
وجلس أبو بكر في سقيفة بني ساعدة ، وقدم
عليّ ، فقال له عمر : بايع.
فقال له عليّ 7 : فإن أنا لم أفعل، فمه ؟ فقال له عمر
: إذاً أضرب والله عنقك.
فقال له عليّ 7 : إذاً ـ والله ـ أكون عبد الله المقتول
، وأخا رسول الله ؛
فقال عمر : أمّا عبد الله المقتول فنعم
، وأمّا أخو رسول الله فلا ـ حتّى قالها ثلاثاً ـ.
فبلغ ذلك العباس بن عبد المطّلب فأقبل
مسرعاً يهرول ، فسمعته يقول :
ارفقوا بابن أخي ، ولكم عليّ أن يبايعكم
، فأقبل العبّاس وأخذ بيد عليّ ، فمسحها على يد أبي بكر، ثم خلّوه مغضباً ، فسمعته
يقول ـ ورفع رأسه إلى السماء ـ :
اللهمّ إنّك تعلم أنّ النبيّ 6 قد قال لي : إن تمّوا عشرين فجاهدهم ،
وهو قولك في كتابك (
إِن يَكُن
مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ
).
قال : وسمعته يقول : اللهمّ وإنّهم لم
يتمّوا عشرين ـ حتّى قالها ثلاثاً ـ ثم انصرف .
*
ولقد ورد عن عبد الرحمان بن عوف
، عن أبيه ، قال : دخلت على أبي بكر أعوده ـ في احتضاره ـ فاستوى جالساً ... فقال
إنّي لا آسى على شيء إلا على ثلاث وددت أنّي لم أفعلهنّ : وددت أنّي لم أكشف بيت
فاطمة وتركته ، وأن اُغلق على الحرب ، وددت أنّي يوم السقيفة كنت قذفت الأمر في
عنق أبي عبيدة أو عمر ، فكان أميراً وكنت وزيراً ... .
ويؤيد هذا المعنى ما روي في حديث احتضار
أبي بكر عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ... حيث يقول :
فلقيت محمد بن أبي بكر فقلت : هل شهد
موت أبيك غير أخيك عبد الرحمان وعائشة وعمر ؟ [ قال : لا. قلت : ] وهل سمعوا منه
ما سمعت ؟!
قال : سمعوا منه طرفاً فبكوا ، وقالوا :
يهجر ! فأمّا كلمّا سمعت أنا فلا.
__________________
قلت : والذي سمعوا منه ما هو ؟ قال :
دعا بالويل والثبور ؟!
فقال له عمر : يا خليفة رسول الله ،
مالك تدعو بالويل والثبور ؟ قال : هذا محمد وعلي يبشّراني بالنار ، بيده الصحيفة
التي تعاهدنا عليها في الكعبة ، وهو يقول « [ لعمري ] لقد وفيت بها فظاهرت على
وليّ الله أنت وأصحابك ، فأبشر بالنار في أسفل السافلين ». فلمّا سمعها عمر خرج
وهو يقول : إنّه ليهجر !
قال : لا ـ والله ـ لا أهجر [ أين تذهب
] قال عمر : أنت ثاني اثنين إذ هما في الغار ! قال : الآن أيضاً ؟!
أولم اُحدثك أنّ محمّداً ـ ولم يقل رسول
الله ـ قال لي وأنا معه في الغار : إنّي أرى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر » ،
قلت : فأرنيها ، فمسح وجهي ، فنظرت إليها ، فاستيقنت عند ذلك أنّه ساحر ! [ فذكرت
لك ذلك بالمدينة فاجتمع رأيي ورأيك على أنّه ساحر ! ].
فقال عمر : يا هؤلاء إنّ أباكم يهجر !
واكتموا ما تسمعون منه ، لا يشمت بكم أهل هذا البلد ثم خرج وخرج أخي [ وخرجت عائشة
] ليتوضأ وللصلاة ، فأسمعني من قوله ما لم يسمعوا. فقلت له ـ لمّا خلوت به ـ : يا
أبه ، قل : لا إله إلاّ الله ، قال : لا أقولها أبداً ، ولا أقدر عليها حتّى [ أرد
النار ] فأدخل التابوت. فلمّا ذكر التابوت ظننت أنه يهجر. فقلت له : أيّ تابوت ؟!
فقال : تابوت من نار ، مقفّل من نار ، فيه اثنا عشر رجلاً : أنا وصاحبي هذا ، قلت
: عمر ؟! قال نعم [ فمن أعني ] ، وعشرة ، في جبّ في جهنّم عليه صخرة ، إذا أراد
الله أن يسعّر جهنّم رفع الصخرة ، قلت : تهذي ؟! قال : لا والله ، ما أهذي ، لعن
الله ابن صهّاك ، هو الذي صدّني عن الذكر بعد إذ جاءني فبئس القرين ، لعنه الله ،
ألصق خدّي بالأرض ، فألصقت خدّه بالأرض فما زال يدعو بالويل والثبور حتّى غمّضته
... .
أما حديث إسقاط الجنين ـ محسن 7 ـ فهناك عدة كتب تروي لنا هذه القصة
إضافة إلى كسر الضلع وإضرام النار فلقد روي عن محمد بن عمار بن ياسر قال :
__________________
سمعت أبي يقول ـ في
حديث ـ :
قال : وحملت بالحسن 7 فلمّا رزقته ، حملت بعد أربعين يوماً
بالحسين 7 ، ثم رزقت
زينب ، واُم كلثوم ، وحملت بمحسن.
فلما قبض رسول الله 6 وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها
دارها ، وإخراج ابن عمّها أمير المؤمنين 7
وما لحقها من الرجل ؛
أسقطت به ولداً تماماً ، وكان ذلك أصل
مرضها ووفاتها ( صلوات الله عليها ) .
وقال المجلسي في البحار ... عن المفضل
بن عمر عن الصادق 7
في حديث طويل :
وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق
بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأُمّ كلثوم وفضّة ، وإضرامهم
النار على الباب ، وخروج فاطمة 3
إليهم ، وخطابها لهم من وراء الباب وقولها : ويحك يا عمر ، ما هذه الجرأة على الله
وعلى رسوله ؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله ؟ والله متمّ
نوره ، وانتهاره لها ، وقوله : كفّي يا فاطمة ، فليس محمد حاضراً ، ولا الملائكة
آتيةً بالأمر والنهي والزجر من عند الله ، وما عليٌّ إلا كأحدٍ من المسلمين ،
فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر ، أو إحراقكم جميعاً.
فقالت وهي باكية : اللهمّ إليك نشكو فقد
نبيّك ورسولك وصفيّك ، وارتداد اُمّته علينا ، ومنعهم إيّانا حقّنا الذي جعلته لنا
في كتابك المنزل على نبيك المرسل :
فقال لها عمر : دعي عنك يا فاطمة ،
حمقات النساء ، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوّة والخلافة وأخذت النار في خشب الباب
، وإدخال قنفذ يده ( لعنه الله ) يروم فتح الباب ؛ وضرب عمر لها بالسوط على عضدها
حتى صار كالدملج الأسود ؛ وركل الباب برجله ، حتى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن
لستّة أشهر ، وإسقاطها إيّاه ، وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد ؛ وصفقه خدّها حتى
بدا قُرطاها تحت خمارها ، وهي تجهر بالبكاء ، وتقول : وا أبتاه ، وارسول الله
ابنتك فاطمة تكذَّب ، وتضرب ، ويقتل جنين في بطنها.
__________________
وخروج أمير المؤمنين 7 من داخل الدار محمرّ العين حاسراً ،
حتى ألقى ملاءته عليها وضمّها إلى صدره وقوله لها : يا بنت رسول الله ، قد علمت
أنّ أباك بعثه الله رحمة للعالمين ، فالله الله أن تكشفي خمارك ، وترفعي ناصيتك ،
فوالله يا فاطمة ، لئن فعلت ذلك لا أبقى الله على الأرض من يشهد أنّ محمداً رسول
الله ، ولا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا نوح ولا آدم ، [ ولا ] دابّة تمشي على
الأرض ، ولا طائراً في السماء إلا أهلكه الله.
ثم قال : يابن الخطّاب ، لك الويل من
يومك هذا وما بعده وما يليه ، اُخرج قبل أن اُشهر سيفي فاُفني غابر الاُمّة ، فخرج
عمر وخالد بن الوليد وقنفذ وعبد الرحمان بن أبي بكر ، فصاروا من خارج الدار.
وصاح أمير المؤمنين بفضّة يا فضّة ،
مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء ، فقد جاءها المخاض من الرفسة ، وردّ الباب ،
فأسقطت محسناً.
فقال أمير المؤمنين 7 : فإنّه لاحقٌ بجدّه رسول الله 6 فيشكو إليه الحديث .
وفي علم اليقين في اُصول الدين : ثم إنّ
عمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين 7 فوافوا بابه مغلقاً ؛
فصاحوا به : اُخرج يا عليّ ، فإنّ خليفة
رسول الله يدعوك ، فلم يفتح لهم الباب ؛ فأتوا بحطب فوضعوه على الباب ، وجاؤوا
بالنار ليضرموه ، فصاح عمر ، وقال : والله ، لئن لم تفتحوا لنضرمنّه بالنار ،
فلمّا عرفت فاطمة 3
أنّهم يحرقون منزلها قامت وفتحت الباب ، فدفعها القوم قبل أن تتوارى عنهم ، فاختبت
فاطمة 3 وراء الباب
والحائط.
ثم إنّهم تواثبوا على أمير المؤمنين 7 وهو جالس على فراشه ، واجتمعوا عليه
حتى أخرجوه سحباً من داره ، ملبّباً بثوبه يجرّونه إلى المسجد.
فحالت فاطمة 3 بينهم وبين بعلها ، وقالت :
والله ، لا أدعكم تجرّون ابن عمّي ظلماً
، ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا
__________________
أهل البيت ، وقد
أوصاكم رسول الله 6
باتّباعنا ومودّتنا والتمسّك بنا !
وقال الله تعالى : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ
المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ
).
قال : فتركه أكثر القوم لأجلها ، فأمر
عمر قنفذ ابن عمّه أن يضربها بسوطه ؛
فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها
إلى أن أنهكها وأثّر في جسمها الشريف وكان ذلك الضرب أقوى ضرراً في إسقاط جنينها ،
وقد كان رسول الله 6
سماّه محسناً ، وجعلوا يقودون أمير المؤمنين 7
إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدى أبي بكر ، فلحقته فاطمة 3 إلى المسجد لتخلّصه ، فلم تتمكّن من
ذلك ؛ فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحزنة ونجيب ، وهي تقول :
نفسي على زفراتها محبوسة
|
|
يا ليتها خرجت من الزفرات
|
لا خير بعدك في الحياة وإنّما
|
|
أبكي مخافة أن تطول حياتي
|
ثم قالت : وا أسفاه عليك يا أبتاه ،
وأثكل حبيبك أبو الحسن المؤتمن ، وأبو سبطيك الحسن والحسين ، ومن ربّيته صغيراً ،
وآخيته كبيراً ، أجلّ أحبّائك لديك وأحبّ أصحابك عليك ، أوّلهم سبقاً إلى الإسلام
، ومهاجرةً إليك يا خير الأنام ؛ فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير.
ثم إنّها أنّت أنّةً وقالت : وا محمّداه
، وا حبيباه ، وا أباه ، وا أبا القاسماه ، وا أحمداه ، وا قلّة ناصراه ، وا غوثاه
، وا طول كربتاه ، وا حزناه ، وا مصيبتاه ، وا سوء صباحاه ؛ وخرّت مغشيّة عليها ،
فضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وصار المسجد مأتماً.
ثم إنّهم أوقفوا أمير المؤمنين 7 بين يدي أبي بكر ، وقالوا له : مدّ يدك
فبايع ، فقال : ـ والله ـ لا اُبايع ، والبيعة لي في رقابكم.
فروي عن عديّ بن حاتم أنّه قال : ـ والله
ـ ما رحمت أحداً قطّ رحمتي عليّ بن أبي طالب 7
حين اُتي به ملبّباً بثوبه ، يقودونه إلى أبي بكر ، وقالوا : بايع.
قال : فإن لم أفعل ؟ قالوا : نضرب الذي
فيه عيناك.
قال : فرفع رأسه إلى السماء وقال :
اللهم إنّي اُشهدك أنّهم أتوا أن يقتلوني ، فإنّي عبد الله وأخو رسول الله ،
فقالوا له : مدّ يدك فبايع ، فأبي عليهم فمدّوا يده كرهاً فقبض عليّ 7 أنامله ، فراموا بأجمعهم فتحها فلم يقدروا
، فمسح عليها أبو بكر ، وهي
مضمومة ، وهو 7 يقول وينظر إلى قبر رسول الله 6 (
ابْنَ
أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي
).
قال الراوي : إنّ علياً 7 خاطب أبا بكر بهذين البيتين :
فإن كنت بالشورى ملكت اُمورهم
|
|
فكيف بهذا والمشيرون غيّب
|
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم
|
|
فغيرك أولى بالنبيّ وأقرب
|
وكان 7
كثيراً ما يقول : وا عجباه تكون الخلافة بالصحابة ، ولا تكون بالقرابة والصحابة ؟!
.
وفي الملل والنحل : إنّ عمر ضرب بطن
فاطمة 3 يوم البيعة
حتى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها.
وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة
والحسن والحسين :
.
وعن الوافي بالوفيات : قال صلاح الدين
الصفدي الشافعي المتوفّى ٧٦٤ في ترجمة « النظام » في ذكر أقواله :
وقال : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم
البيعة ، حتى ألقت المحسن من بطنها .
وعن لسان الميزان : إنّ عمر رفس فاطمة 3 حتى أسقطت بمحسن .
وعن العقد الفريد : الذين تخلّفوا عن
بيعة أبي بكر ، عليّ 7
والعباس والزبير وسعد ابن عبادة ، فأمّا عليّ 7
والعبّاس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة 3
حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة ، وقال له :
إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار
على أن يضرم عليهم الدار ؛ فلقيته فاطمة فقالت : يابن الخطّاب ، أجئت لتحرق دارنا ؟!
قال : نعم ... .
وعن معارف القتيبي : إنّ محسناً فسد من
زخم قنفذ العدوي .
__________________
وعن إثبات الوصية : ... فأقام أمير
المؤمنين 7 ومن معه من
شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله 6
، فوجّهوا إلى منزله ، فهجموا عليه ، وأحرقوا بابه واستخرجوه منه كرهاً ، وضغطوا
سيّدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً ، وأخذوه بالبيعة فامتنع وقال : لا أفعل ،
فقالوا : نقتلك ، فقال : إن تقتلوني فإنّي عبد الله وأخو رسوله ... .
وعن بيت الأحزان : قال المحدّث القمّي
(ره) : وكان سبب وفاتها أنّ قنفذاً مولى عمر نكزها بنعل السيف .
وعن ملتقى البحرين : أخذت فاطمة 3 باب الدار ولزمتها عن ورائها ، فمنعتهم
عن الدخول ، ضرب عمر برجله على الباب ؛ فقلعت فوقعت على بطنها ( سلام الله عليها )
، فسقط جنينها المحسن .
وروي في علة وفاة الصديقة الطاهرة 3 : ان عمر بن الخطاب هجم مع ثلاثمائة
رجلٍ على بيتها سلام الله عليها .
أقول : إنّ هذا الهجوم الشرس الذي قاده
عمر وعصابته الأوباش والطلقاء والمنافقين على بيت الوحي والرسالة وهم الذين قال
الله تعالى في حقهم : (
فِي
بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ
) :
وقال عز ذكره : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
) :
وكان النبي الأكرم 6 لا يدخله حتى يستأذن من أهله ، ولكن
الأوغاد دخلوه عنوة وبغير استئذان وكان عددهم « ٣٠٠ » نفراً كما في الرواية ، وكان
في مقدّمتهم عمر ومعه الفتيلة ، أبو بكر ، عثمان ، خالد بن الوليد ، المغيرة بن
شعبة ، أبو عبيدة بن الجرّاح ، سالم مولى أبي حذيفة ، قنفذ ابن عمّ عمر ـ وكان رجل
فظاً ، غليظا ، جافياً من الطلقاء
__________________
ـ اُسيد بن خضير ،
وسلمة بن سلامة بن وقش وكانا من بني عبد الله الأشل ، ورجل من الأنصار ، زياد بن
لبيد ، وزيد بن أسلم ، وكان ممّن حمل الحطب مع عمر.
وكانت بداية هذا الهجوم كما جمعته من
الروايات : ادخال قنفذ لعنه الله يده يروم فتح الباب ثمّ دعا عمر بالنار فأضرمها
في الباب ، ثمّ دفعها برجله فكسرها ودخل.
أرسل أبو بكر إلى قنفذ : أن اضربها
فألجأها إلى عضادة باب بيتها ، فدفعها فكسر ضلعاً من أضلاعها ونبت مسمار الباب في
صدرها ، ثمّ لطم عمر خدّها حتّى احمرّت عينها ، كما صرّح بهذا نفسه « صفقت خدّها
حتى بدا قرطاها تحت خمارها ». في رواية اُخرى : « قال عمر : فصفقت صفقة على خدّها
من ظاهر الخمار ، فانقطع قرطها وتناثر إلى الأرض ».
ثمّ عمر رفس فاطمة 3 ، ثمّ رفع السيف وهو في غمده فوجأ به
جنبها ، ورفع السوط فضرب بها ذراعها ، ثمّ ضربها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج
الأسود ، ثمّ أخذ من خالد بن الوليد سيفاً فجعل يضرب على كتفها ، ثمّ ضرب المغيرة
بن شعبة فاطمة 3
حتّى أدماها ، ثمّ سلّ خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة 3 ، ثمّ لكزها قنفذ بنعل السيف بأمر عمر
، ثمّ ضرب قنفذ فاطمة بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثّر في جسمها
الشريف ، ثمّ ضرب عمر بطن فاطمة 3
حتّى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها.
وهذا المشهد الدامي الذي تتفطّر منه
السماوات والأرض ، وساعد الله قلب صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه الشريف بما جرى
لاُمّه فاطمة 3
يذكرنا أيضاً بما جرى على ولدها الإمام الشهيد الحسين 7 حين داست خيول بني اُميّة لعنهم الله
على جسده وصدره الشريف يوم عاشوراء.
وأخيراً كما قالت الزهراء 3 الشهيدة المظلومة المضطهدة في ذلك
اليوم : « أخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي ، فالتوى السوط على
عضدي حتى صار كالدملج ، وركل الباب برجله فردّه عليّ وأنا حامل ، فسقطت لوجهي
والنار تسعر وتسفع وجهي ، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من اُذني وجاءني المخاض
فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم ».
هذا ما استطعنا أن نثبته من خلال الكتب
التي روت لنا قصة السقيفة وظلم الزهراء 3
، أما ظلمها في فدك فسوف يأتينا في بحثنا حول فدك وندعوا الله تعالى ونتوسل إليه
عن المظلومة أن يوفقنا لخدمتها ونيل شفاعتها والسير على هداها ، واللعنة الدائمة
على ظالميها وقاتليها.
أمّا مصادر ما جرى على الصديقة فاطمة 3 من الظلامات ، فهي :
١ ـ تاريخ
اليعقوبي :٢ / ١١٦.
|
|
٢ ـ العقد الفريد :
٤ / ٢٥٩، ٥ / ١٣.
|
٣ ـ الإمامة
والسياسة :١ / ١٩ و ٢٠.
|
|
٤ ـ لسان الميزان :
١ / ٢٦٨ ، ٤ / ١٨٩.
|
٥ ـ الملل والنحل
للشهرستاني :١/ ٥٧.
|
|
٦ ـ أنساب الأشراف
: ١ / ٥٨٦.
|
٧ ـ الوافي
بالوفيّات : ٥ / ٣٤٧.
|
|
٨ ـ الكنى
والألقاب : ٣ / ٢١٩.
|
٩ ـ تاريخ أبو
الفداء : ١/١٦٤.
|
|
١٠ ـ تاريخ الطبري
: ٣ / ٢٠٢.
|
١١ ـ أعلام
النساء: ٤ / ١١٤.
|
|
١٢ ـ إثبات
الوصيّة : ١٢٣.
|
١٣ ـ قرّة العين
للدهلوي : ٧٨.
|
|
١٤ ـ السيرة
الحلبيّة : ٣ / ٣٦٢.
|
١٥ ـ ابن خيزران
في غرره: ٢٧١.
|
|
١٦ ـ تلخيص الشافي
: ٣ / ٧٦.
|
١٧ ـ صحيح البخاري
: ٤ / ٩٦ ، ٥ / ١٧٧.
|
١٨ ـ شرح نهج
البلاغة : ٢ / ٤٥ و ٤٦ و ٥٠ و ٥٦ ، ٦ / ١٠ ، ١١ / ١١٣ ، ١٤ / ١٩٣.
|
لقد تفجّرت قرائح شعراء أهل البيت : من خبر المسمار وآلمهم المصاب الجلل ،
على مصيبة الزهراء 3
عامّة ، وفي خبر المسمار خاصّة ، وظلّ خبر المسمار الدامي الذي نبت في صدر الزهراء
البتول تتذاكره الشيعة جيلاً بعد جيل فبقيت ناراً في قلوبهم لا ينطفئ أوارها إلى
يوم القيامة ومن الفقهاء العظام الذين ذكروا خبر المسمار :
السيد
صدرالدين الصدر ; المتوفى سنة ١٣٧٣ ه ق حيث قال ضمن قصيدته :
من سعى في ظلمها من راعها
|
|
من علا فاطمة الزهراء جارا
|
من غدا ظلماً على الدار التي
|
|
اتخذتها الإنس والجنُّ مزارا
|
طالما الأملاكُ فيها أصبحت
|
|
تلثمُ الأعتاب فيها والجدارا
|
ومن النار بها ينجو الورى
|
|
من على أعتابها اُضرَم نارا
|
والنبيّ المصطفى كم جاءها
|
|
يطلب الإذن من الزهراء مرارا
|
وعليها هجم القوم ولم
|
|
تك لاذت لا وعلياها الخمارا
|
لستُ أنساها ويا لهفي لها
|
|
إذ وراء الباب لاذت كي تَوارا
|
فتك الرجسُ على الباب ولا
|
|
تسألن عمّا جرى ثم وصارا
|
لا تسلني كيف رضّوا ضلعها
|
|
واسألنّ الباب عنها والجدارا
|
وسألن لؤلؤ قرطيها لما
|
|
انتثرت والعين لم تشكو إحمرارا
|
وهل المسمار موتور لها
|
|
فغدا في صدرها يطلب ثارا
|
وقال
الشيخ الفقيه المحقّق محمد حسين الاصفهانى الغروي النجفي (ره) المتوفى سنة ١٣٦١ ه
:
أيضرَمُ النار بباب دارها
|
|
وآية النور على منارها
|
وبابها باب نبيّ الرحمة
|
|
وباب أبواب نجاة الاُمّة
|
بل بابها باب العليّ الأعلى
|
|
فثم وجه الله قد تجلّى
|
ما اكتسبوا بالنار غير العار
|
|
ومن ورائه عذاب النار
|
ما أجهل القوم فإنّ النار لا
|
|
تطفئ نور الله جلّ وعلا
|
لكنّ كسر الضلع ليس ينجبر
|
|
إلا بصمصام عزيز مقتدر
|
إذ رضّ تلك الأضلع الزكيّة
|
|
رزيّة لا مثلها رزيّة
|
ومن نبوع الدم من ثدييها
|
|
يعرف عظم ما جرى عليها
|
وجاوزوا الحدّ بلطم الخدّ
|
|
شلّت يد الطغيان والتعدّي
|
فاحمرّت العين وعين المعرفة
|
|
تذرف بالدمع على تلك الصفة
|
ولا تزيل حمرة العين سوى
|
|
بيض السيوف يوم ينشر اللوى
|
وللسياط رنّة صداها
|
|
في مسمع الدهر فما أشجاها
|
والأثر الباقي كمثل الدملج
|
|
في عضد الزهراء أقوى الحجج
|
ومن سواد متنها اسودّ الفضا
|
|
يا ساعد الله الإمام المرتضى
|
ووكز نعل السيف في جنبيها
|
|
أتى بكلّ ما أتى عليها
|
ولستَ أدري خبر المسمار
|
|
سل صدرها خزانة الأسرار
|
وفي جنين المجد ما يدمي الحشى
|
|
وهل لهم اخفاء أمر قد فشى
|
والباب والجدار والدماء
|
|
شهود صدق ما به خفاء
|
لقد جنى الجاني على جنينها
|
|
فاندكّت الجبال من حنينها
|
أهكذا يصنع بابنة النبيّ
|
|
حرصاً على الملك فيا للعجب
|
أتمنع المكروبة المفروحة
|
|
عن البكاء خوفاً من الفضيحة
|
تالله ينبغي لها تبكي دما
|
|
ما دامت الأرض ودارت السما
|
لفقد عزّها أبيها السامي
|
|
لاهتضامها وذل الحامي
|
أتستباح نحلة الصدّيقة
|
|
وارثها من أشرف الخليقة
|
كيف يردّ قولها بالزور
|
|
اذ هو ردّ آية التطهير
|
أيؤخذ الدين من الأعرابي
|
|
وينبذ المنصوص في الكتاب
|
فاستلبوا ما ملكت يداها
|
|
وارتكبوا الخزية منتهاها
|
يا ويلهم قد سألوها البيّنة
|
|
على خلاف السنّة المبيّنة
|
وردّهم شهادة الشهود
|
|
أكبر شاهد على المقصود
|
ولم يكن سدّ الثغور غرضا
|
|
بل سدّ بابها وباب المرتضى
|
صدّوا عن الحقّ وسدّوا بابه
|
|
كأنّهم قد آمنوا عذابه
|
أبضعة الطهر العظيم قدرها
|
|
تدفن ليلاً ويعفى قبرها
|
ما دفنت ليلاً بستر وخفا
|
|
إلا لوجدها على أهل الجفا
|
ما سمع السامع فيما سمعا
|
|
مجهولة بالقدر والقبر معا
|
يا ويلهم من غضب الجبّار
|
|
بظلمهم ريحانة المختار
|
إذن بعد معرفة بعض مقامات الزهراء 3 وظلاماتها ، يأتي بيان قضية أصل يوم
العذاب ، فالذي يرد على ذهن القاري قبل كل شيء كيف كان هذا التعبير من الإمام
الصادق 7 بأن
ظلاماتهم : هي الأصل
ليوم العذاب في الآخرة ؟ ولقد قلنا سابقاً ان الإمام 7
باعتباره يمثل الإمتداد الطبيعي لخلافة الرسول الأكرم فهو إذن لا يتكلم
دون وجود مقدمات
أولية يقينية عنده بحيث على ضوء هذه المقدمات يحكم بهذا الحكم العقائدي المهم.
أما ما ورد من القرآن الكريم وبيان كيف
أن ظلمهم صار الأصل ليوم العذاب فهو على ما جاء في قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ
لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا
) حيث أثبتت هذه الآية المباركة ان كل من
تسول نفسه في أذية رسول الله 6
أو أذية أولياء الله تعالى ( حيث قالت الآية يؤذون الله أي أن الله تعالى لا تصل
إليه الأذية وإنما تكون الأذية لأولياءه فيتأذى لهم ) سوف تكون له اللعنة في
الدنيا وهي الطرد من رحمة الله تعالى وفي الآخرة إعداد العذاب الإلهي له وأذية رسول
الله لها عدة صور فتارة تكون عبر سبه أجارنا الله تعالى وتارة أخرى عن طريق أذية
ذريته وخاصة الصديقة الشهيدة فاطمة 3
، حيث ورد عنه 6
أنه قال : من آذى فاطمة فقد آذاني ومن ظلمها فقد ظلمني ... الخ الأحاديث الواردة
في أذى الزهراء وغضبها ، فلا شك عندئذ يكون كل من ظلمها وآذاها فقد آذى الله تعالى
وآذى رسوله تكون النتيجة في ذلك اللعنة على ذلك الظلم والعذاب الأليم والمهين يوم
القيامة ، وهذا معناه أنه كل من ظلمهم فهو في النار وتكون عندئذ ظلاماتهم الأصل
ليوم العذاب في الآخرة.
وأما ما ورد من السنة الشريفة فلقد قال
رسول الله 6 : « يا
فاطمة ان الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك ».
وهذا يعني أن غضب الله تعالى له عدة صور
فمرة يكون غضبة تعالى على انسان معين في الدنيا فيظهر نقمته عليه ، ومرة أخرى في
الآخرة وهو ما يعبر عنه بيوم العذاب في جهنم ، وعليه كل من غضبت عليه الزهراء 3 فهو خالد في النار لا محالة بدليل
الحديث فعليه تكون ظلامة الزهراء 3
وأذيتها هو نوع من الأعمال التي تؤدي إلى غضبها وبالنتيجة سوف يكون الظالمين لها
في النار فتكون عندئذ ظلامتها الأصل ليوم العذاب ، أما لماذا أن رضاها هو رضا الله
تعالى وغضبها هو غضب الله تعالى
__________________
وكيف أصبحت بهذا
المقام ما تجده عزيزي القارئ في البحث الذي يثبت كيفية أن الزهراء مرتبطة بأصول
الدين وخاصة بالعدل فراجع بحثنا فيه.
ومن هنا انقدح في المقام السؤال المهم
الذي يقول : ماذا تقولون في الأمم السابقة الذين كانوا قبل فترة رسول الله فانه لا
شك أن لهم إما الجنة أو النار فكيف صارت ظلامات الزهراء 3 وأهل بيتها هم الأصل ليوم العذاب ونحن
نعلم أن الأمم السابقة لم تكن موجودة في زمن الرسول وما بعده ؟
الجواب : وبيان ذلك يمكن أن يستفاد من
الذي استنبطه بعض محققي علمائنا من حديث المفضل بن عمر عن الصادق 7 ولننقل ملخص كلامه مع الحديث المذكور
قال ; : إن أحكام الله تعالى إنما تجري على
الحقائق الكلية والمقامات النوعية فحيث ما خوطب قوم بخطاب ونسب اليهم فعلٌ دخل في
ذلك الخطاب وذلك الفعل عند العلماء واُولي الألباب كل من كان من سنخ اُولئك القوم
وطينتهم ، فصفوة الله حيث ما خوطبوا بمكرمة أو نسبوا إلى أنفسهم مكرمة يشمل ذلك كل
من كان من سنخهم وطينتهم من الأنبياء والأولياء وكل من كان من المقربين إلا بمكرمة
خصوا بها دون غيرهم وكذلك إذا خوطبت شيعتهم ومحبوهم بخير أو نسب اليهم خير أو خوطب
أعداؤهم ومخالفوهم بسوء أو نسب اليهم سوء يدخل في الأول كل من كان من سنخ شيعتهم
وطينة محبيهم وفي الثاني كل من كان من سنخ أعدائهم وطينة مبغضيهم من الأولين
والآخرين وذلك لأن كل من أحبه الله ورسوله أحبه كل مؤمن من ابتداء الخلق إلى
انتهائه وكل من أبغضه الله ورسوله أبغضه كل مؤمن كذلك وهو يبغض كل من أحبه الله
ورسوله فكل مؤمن في العالم قديماً أو حديثاً إلى يوم القيامة فهو من شيعتهم
ومحبيهم وكل جاحد في العالم قديماً أو حديثاً إلى يوم القيامة فهو من مخالفيهم
ومبغضيهم ، قال ;
وقد وردت الإشارة إلى ذلك في كلام الإمام الصادق 7
في حديث المفضل بن عمرو وهو الذي رواه الصدوق في كتاب العلل بإسناده عن المفضل ،
قال : قلت لأبي عبد الله 7
: بما صار علي بن أبي طالب صلوات الله عليه
__________________
قسيم الجنة والنار ؟
قال : لأن حبّه إيمان وبغضه كفر وإنما خلقت الجنة لأهل الإيمان وخلقت النار لأهل
الكفر فهو 7 قسيم الجنة
والنار لهذه العلة ، فالجنة لا يدخلها إلا أهل محبته والنار لا يدخلها إلا أهل
بغضه.
قال المفضل : قلت يا بن رسول الله
فالأنبياء والأوصياء هل كانوا يحبونه وأعدائهم يبغضونه ؟
فقال : نعم.
قلت : فكيف ذلك ؟ قال : أما علمت أن
النبي 6 قال يوم
خيبر لأُعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله على يده ؟
قلت : بلى قال : أما علمت أن رسول الله 6
لما أتى بالطائر المشوي قال : اللهم ائتني بأحب خلقك اليك يأكل معي هذ الطير وعنى
به علياً ؟ قلت : بلى قال : أيجوز أن لا يحب أنبياء الله ورسله وأوصيائهم من يحبه
الله ورسوله ويحب الله ورسوله ؟ فقلت : لا. قال : فهل يجوز أن يكون المؤمنون من
أممهم لا يحبون حبيب الله وحبيب رسوله وأنبيائه ؟ قلت : لا. قال : فقد ثبت أن جميع
أنبياء الله ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعلي بن أبي طالب محبين وثبت أن المخالفين
لهم كانوا له ولجميع أهل محبته مبغضين قلت : نعم ، قال : فلا يدخل الجنة إلا ما
أحبه من الأولين والآخرين فهو إذن قسيم الجنة والنار ، قال المفضل : فقلت له : يا
بن رسول الله فعلي بن أبي طالب يُدخل محبه الجنة ومبغضه النار أو رضوان ومالك ؟
فقال : يا مفضل أما علمت أن الله تبارك وتعالى بعث رسوله وهو روح إلى الأنبياء : وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام ؟
قلت : بلى قال : أما علمت أنه دعاهم إلى
توحيد الله وطاعته واتباع أمره ووعدهم الجنة على ذلك وأوعد من خالف ما أجاب إليه
وأنكره النار ؟
قال : بلى. قال : فليس رسول الله 6 ضامناً لما وعد وأوعد عن ربه عز وجل ؟
قلت : بلى قال : أوليس علي بن أبي طالب خليفته وإمام منه ؟ قلت : بلى قال : أوليس
رضوان ومالك من جملة الملائكة والمستغفرين لشيعته الناجين بمحبته ؟ قلت : بلى.
قال : فعلي بن أبي طالب إذن قسيم الجنة
والنار عن رسول الله ورضوان ومالك
صادران عن أمره بأمر
الله تعالى. يا مفضل خذها فإنه من مخزون العلم ومكنونه لا تخرجه إلا إلى أهله.
فعليه كل الذي يجري في حق أمير المؤمنين
يجري في الزهراء 3
لأنهما كل واحد كفو للآخر وأضف إلى ذلك أن هناك الكثير من الروايات تفيد هذا
المضمون ، وأيضاً موجود في الآثار الشريفة أنه لو اجتمع الناس على ولاية علي 7 ـ أو حبه ـ لما خلق الله النار ، فيكون
مضمون هذا الحديث إضافة إلى أحاديث أخرى بهذا المضمون أن أصل يوم العذاب مثلما هو
ثابت في ظلامات فاطمة 3
كذلك هو ثابت في حق غصب الخلافة من أمير المؤمنين ، والذي نريد القول به من خلال
هكذا مبحث أنه الناس منقسمون في قضية الصديقة الشهيدة إلى قسمين إما اشتراكهم في
نصرتها وإما اشتراكهم في ظلمها ، فمن نصرها فهو من الفائزون برضا الله تعالى لأن
نصرتها هو رضاً لها ورضاها رضا الله تبارك وتعالى ، وإما من لم ينصرها فهو مع
الظالمين ومشترك في ظلمهم للصديقة الشهيدة ويكون بالنتيجة خالد في النار.
فكانت ظلاماتها ( سلام الله عليها ) هي
الأصل والأساس الذي جعله الله تعالى في يوم القيامة لورود الظالمين إلى نار جهنم ،
وكما بينا ذلك من خلال الحديث المتقدم ، وكذلك غصب خلافة أمير المؤمنين أيضاً هي
الأصل ليوم العذاب لأنه كما ورد أنه لو اجتمع الناس على ولاية أمير المؤمنين على
بن أبي طالب لما خلق الله النار ، ولكن بما أنه لم يجتمع الناس على ولاية أمير
المؤمنين فالنار موجودة ولها وقود من الناس والحجارة اُعدت للظالمين ومن ولاهم
ونصرهم.

محمد حسن سميسم
مَنْ مبلغٌ عني الزمانَ عتابا
|
|
ومقرّع مني لهُ أعتابا
|
دهرٌ تعامىٰ عن هداهُ كأنما
|
|
أصحابُ أحمدَ أشركوا مذْ غابا
|
نكصوا علىٰ الأعقابِ بعدَ مماتهِ
|
|
سيرونَ في هذا النكوصِ عقابا
|
سل عنهُم القرآنَ يشهدُ فيهمُ
|
|
إنْ كنتَ لم تفقهْ لذاك جوابا
|
فكأنهم لم يشهدوا خمّاً ولا
|
|
بدراً ولا أحداً ولا الأحزابا
|
وبخيبرٍ مَنْ راحَ يرقلُ باللوا
|
|
مَنْ قدَّ مرحبَ مَنْ أزالَ البابا
|
ومن اشترىٰ إلاهُ نفسَ محمدٍ
|
|
في نفسهِ لما دُعي فأجابا
|
مَنْ في الصلاةِ يرىٰ الصلاة
فريضةً
|
|
من نالَ خاتمُه الشريفُ جوابا
|
من بابُ حطة غيرُ حيدرةٍ ومَنْ
|
|
لمدينةِ المختارِ كانَ البابا
|
أعجبتَ ممنْ أخّروا مقدامهمْ
|
|
بعدَ النبيِّ وقدموا الأذنابا
|
قدْ أضمروها للوصي ضغائناً
|
|
مذْ دحرجوها للنَّبي دبابا
|
لينفّروا العضباءَ عن قطبِ الهدىٰ
|
|
حتىٰ يعود الدينَ بعدُ يبابا
|
نسبوا لهُ هجراً لحذفِ كتابِهِ
|
|
فكأنهم لا يسمهونَ كتابا
|
ما كانَ ينطقُ عن هواهُ وإنما
|
|
وحيُ تلقاهُ النبيُّ خطابا
|
يا بابَ فاطمَ لاطرقَتَ بخيفةٍ
|
|
ويدُ الهدىٰ سدلتْ عليكَ حجابا
|
أو هي عليكَ أما علمتَ بفاطمٍ
|
|
وقفت وراكَ تناشُد الأصحابا
|
لهفي عليكَ أما استطعتَ تصدُّهم
|
|
لما أتاكَ بنو الضلالِ غضابا
|
أو مارققتَ لضلعِها لما انحنىٰ
|
|
كسراً ومنهُ تزجرُ الخطابا
|
أفهل درىٰ المسمارُ حين أصابها
|
|
من قبلها قلبَ النبيِّ أصابا
|
عتبي علىٰ الأعقابِ أُسقطَ محسنٌ
|
|
فيها وما انهالتْ لذاكَ ترابا
|
__________________
البحث الخامس
فاطمة الزهراء 3
وعلاقتها بأصول الدين
تمر الكثير من الأفكار والنظريات علىٰ
ذهن الإنسان ومنها ما يجد طريقاً واضحاً الىٰ فكر الإنسان وعقله فتكون عندئذ
عقائد ثابتة وراسخة وعلىٰ ضوء ما تمليه عليه الاستدلالات العقلية والبراهين
المنطقية ، ومن هنا كانت العقيدة لها معنىٰ في حياة الإنسان فهي مشتقة من
المصدر عقد الذي يعني الاحكام والشد والربط لفكرة معينة في ذهن الإنسان وفكره بعد
عرضها عليه والاستدلال عليها الاستدلال الصحيح المطابق للبراهين السليمة ،
فالعقيدة اذن عبارة عن ذلك الشيء الذي يتصل بذهن الإنسان وروحه وفكره ، فهو يعني
التقبل أي تقبل ، أي نظرية للأنسان وربطها بذهنه واحكام صلتها بروحه وفكره وعليه
يكون عندئذ معنىٰ العقيدة.
وعليه لابد لكل انسان مؤمن من عقائد علىٰ
المستوىٰ النظري ومن ثم يأتي المستوىٰ التطبيقي لهذه العقائد وهو ما
يتم بالتصديقات علىٰ المستوىٰ الخارجي لهذه العقائد ، فالعقائد تحدد
شكل الإنسان وشاكلته « قل كل يعمل علىٰ شاكلته » وتشكل هيئته الباطنية
وحقيقته الواقعية وهذه العقائد هي التي تحفزه علىٰ العمل الصالح وتحدد
إتجاهه في الحياة وعلى ضوء ذلك يأتي العمل الصالح الذي يبرهن علىٰ الإيمان
الذي يعتقده الفرد المؤمن. وعلىٰ هذا الاساس إذا كانت العقيدة صائبة ومطابقة
للواقع كانت عندئذ طريقة الإنسان المؤمن في الحياة طريقة صحيحة وصائبة وعلىٰ
ضوء تلك العقيدة التي يؤمن بها والتي كانت صائبة ومطابقة للواقع ، اما اذا كانت
عقيدته فاسدة باطلة فان ذلك سوف ينعكس علىٰ طبيعة سيرته وطريقة حياته في
الواقع الخارجي سوف يؤدي ذلك الىٰ الضياع والابتعاد عن الطريق الصحيح الذي
خطه الشرع المبين ، ومن هذا المنطلق كان اهتمام الاسلام بتصحيح العقيدة قبل أي شيء
آخر ، أي تصحيح عقيدة كل انسان مسلم ، مؤمن بالله تعالىٰ. والسؤال الذي
ينقدح في المقام اذا
كان الاسلام يهتم
اهتماماً كبيراً بتصحيح العقيدة فهذا يعني ان هناك موانع تمنع من تصحيح العقيدة
وتقف حاجز في طريق استقرارها في النفس الانسانية فعليه فلابد لنا قبل ذكر الامور
التي تصحح العقيدة من ذكر موانع تصحيح هذه العقيدة فما هي هذه الموانع ؟
موانع تصحيح العقيدة
ان في عقيدة كل انسان مؤمن يريد الاجابة
علىٰ سؤال ما يخطر بذهنه ان يرجع الىٰ القرآن الكريم أولاً باعتبارة
المصدر الأول للمسلمين ، ومن بعد ذلك يرجع الىٰ السنة الشريفة للرسول وأهل
بيته الطيبين الطاهرين ، ولذا لنستنطق القرآن ونستخبره عن الآيات التي أثبتت موانع
تصحيح العقيدة الاسلامية فنجد منه أولا هذه الآية المباركة التي أخبرت عن الموانع
التي تقف في طريق تثبيت هذه العقيدة حيث قالت الآية المباركة ( إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا
تَهْوَى الأَنفُسُ ) .
أي هناك عاملين ينشأ عنهما خطأ الإنسان في آرائه وعقائده :
أحدهما
: اتباع الظن.
والآخر
: اتباع الهوىٰ.
كما ان هناك أموراً أخرىٰ
وردت في الروايات الشريفة باعتبار مواضع زلل الفكر ، كالتعصب والتقليد والاستبداد
واللجاجة إلا ان هذه الامور تعود كلها الىٰ
الاهواء النفسية أي : أنَّ كل ما جاء في الروايات الشريفة بهذا الشأن هو في
الحقيقة تفسير وبيان للآية الكريمة الانفة الذكر. فنظراً الىٰ
هذه المقدمة ، نستعرض موانع تصحيح العقيدة على ضوء القرآن الكريم والروايات
الشريفة ، وهذه الموانع كما سبقت الاشارة اليها هي :
__________________
اما الظن فهو من أخطر العوامل التي تؤدي
بأفكار الغالبية في العالم الىٰ
مهاوي العقائد الباطلة الفاسدة ، وأول ما يوصي به القرآن الكريم لتصحيح العقيدة هو
تجنب الاعتماد علىٰ
هذا المنزلق ، ويؤكد علىٰ
اتباعه بعدم بناء عقائدهم وآرائهم علىٰ
دعائم الظن والشك والتسليم بشيء دونما التأكد من صحته وثبوته فيقول سبحانه عز وجل في
صريح كلامه : (
وَلا
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
) . ففي نظر القرآن الكريم أنه لا يحق
لمسلم أن يقضي شيئاً أو يجعله مداراً لعلمه ما لم يثبت له انه قطعي وثابت. فلو
أمعنا النظر في العقائد والآراء المتناقضة بين الناس في المجتمعات المختلفة
وطرحناها على سياق البحث والتحليل الجذري لانتهينا بلا عناء الىٰ أن أغلب
هذه العقائد فاقدة للاسس العلمية جذرياً وإنها لا تستند إلاّ الىٰ الظن أو
الىٰ الشك وأن أهل الدنيا كانوا وما زالوا يقتفون أثر الظن في المسائل
العقائدية وخاصة في أصولها ولهذا نرىٰ القرآن يعلن بصراحة بان من اتبع
الاكثرية فقد ضل ومن ذلك قوله تعالى : (
وَإِن
تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِن يَتَّبِعُونَ
إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ
) .
وهكذا في بقية الموانع الاخرىٰ
لتصحيح العقيدة الاسلامية وفي قبال ذلك ينقدح لنا كيفية الوصول الىٰ شرائط
تصحيح العقيدة الاسلامية كالتأني والتجربة والتمركز وتبادل النظر وكل الامور التي
لها دخل في الحصول علىٰ الاستدلالات الصحيحة للحصول علىٰ العقيدة
الاسلامية الصحيحة وعلىٰ ضوء القرآن الكريم والسنة الشريفة ، فمن هنا كان
لابد لنا ان ندخل في معرفة عقيدتنا في فاطمة الزهراء ومدىٰ ارتباط حياتها
بكل ما تملكه الكلمة من معنىٰ في أصول ديننا وعقائدنا والسؤال الذي يطرح في
المقام وعلىٰ ضوء الاستدلالات هل ان فاطمة 3
وظلاماتها وحياتها الشخصية والغيبية له ارتباط بأصول الدين ، وبحيث هذا الارتباط
يكون ناشئ من وعي وفهم للعقائد التي أمرنا الله تعالىٰ بالإيمان بها ام لا ؟
وعلىٰ هذا الاساس كان لابد لنا من
الوقوف مع الزهراء 3
ونرىٰ مدىٰ ارتباطها بأصول الدين ، وهل هناك ارتباط لها بالتوحيد
والنبوة والإمامة والعدل والمعاد ، أم
__________________
يتجاوز الأمر الىٰ
أبعد من ذلك ؟ أم لا يوجد ارتباط ؟ وما الثمرة في ذلك والفائدة من هذا البحث ؟ كل
هذه الأسئلة سوف نحاول الاجابة عليها خلال هذا البحث الذي له من الاهمية العظمىٰ
في حياة الفرد المؤمن الموالي لأهل بيت العصمة :.
فاطمة 3
وعلاقتها بالتوحيد
توجد عدة أدلة وشواهد تدل بالدلالة
المطابقية أو الالتزامية علىٰ أن فاطمة الزهراء 3 لها ارتباط وثيق بتوحيد الله ، وعلىٰ
ضوء هذه الادلة والشواهد التي سنقدمها بين يدي القارئ العزيز يتبين لنا أن لمعرفة
فاطمة 3 دور كبير في
عقيدة الفرد المؤمن ، وأما اثبات هذا الارتباط وكيفية ثبوته بصميم التوحيد فهذا ما
يتوقف معرفته وثبوته علىٰ مقدمات نرىٰ من الضرورة فيما نحن فيه
التذكير بها والتمعن في مدلولاتها لكي نصل وعلىٰ ضوءها ـ أي المقدمات ـ الىٰ
اثبات هذا الأمر. أما نوعية هذه الادلة والشواهد فتارة تكون عبارة عن نص ورد في
حديث أو ورد في زيارة لأئمة أهل البيت أو من خلال فقرة معينة من الاحاديث التي
تروي لنا ، ادعيتهم :
، وعلىٰ هذا الحال تكون هذه الادلة مبثوثة وموزعة علىٰ كتب الادعية
والزيارات والأحاديث الشريفة لأهل البيت العصمة :.
وعلىٰ هذا الأساس نجد أول الادلة
التي نستطيع اثبات ارتباط فاطمة 3
بصميم التوحيد ما ورد في زيارة ائمة أهل البيت :
بالزيارة المعروفة بالجامعة الكبيرة والمروي سند معتبر عن الإمام علي الهادي 7 حيث تطالعنا هذه الزيارة بالفقرة
التالية « من أراد الله بدأ بكم ، ومن وحّده قبل عنكم » ومحل الشاهد الاستدلال من
هذه الفقرة هو قوله 7
من وحَّده قبل عنكم حيث ورد في تفسير هذه الفقرة أنه من لم يوحد الله لم يقبل عنكم
أو بالعكس من لم يقبل عنكم لم يوحد الله تعالىٰ فهو علىٰ ذلك يكون من
المشركين لأن معرفة الله تعالىٰ حق المعرفة مشروط وعلىٰ ما ورد
في الروايات الشريفة
علىٰ معرفة شروط هذه المعرفة ومن شروط هذه المعرفة هو القبول عن أهل البيت : في كل ما يقولونه من المعارف الربانية
الحقة وفي كل ما يقولونه من الحق فهم حجج الله علىٰ الخلق ، فالراد عليهم
كالراد علىٰ الرسول وعلىٰ الله تعالىٰ ، هذا البيان يظهر لنا ان
معرفة مراتب التوحيد متوقف على المعارف الربانية التي جاء بها أهل البيت في بيان
معنىٰ التوحيد والقبول عنهم في كل شيء يقولون به ، فانه من عرفهم فقد عرف
الله تعالىٰ لانهم هم الادلاء عليه وعلى مرضاته وكل ما ثبت للائمة : فهو ثابت للزهراء 3 فهي مشتركة معهم في كونها نورانية
وكونها الصراط المستقيم وكذلك كونها الكلمات التي تلقاها آدم 7 لتوبته واشتراكها في المباهلة معهم : وأيضاً اشتراكها في كونهم الشجرة
الطيبة ونزول الملائكة عليهم في ليلة القدر واشتراكها معهم في بدء خلقها معهم قبل
خلق آدم وعرض ولايتهم علىٰ الاشياء ... الخ. والاهم من هذا كله هو كونها 3 الحجة علىٰ الأئمة وعلى معرفتها
دارت القرون الاولىٰ وما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتىٰ أقر بفضلها
ومحبتها وعلىٰ هذا الاساس يكون كل من يقبل عنها الحق فهو من الموحدين وكل ما
صدر منها لابد من الإيمان به وإلاّ الراد عليها كالراد علىٰ الله ورسوله.
وعليه تكون فاطمة 3
مرتبطة بتوحيد الله تعالىٰ ونعني بذلك أنه لابد من الإيمان بها والتصديق بكل
ما صدر منها انه الحق وان توحيد أي مسلم أو مؤمن لا يكتمل حتىٰ يقر بفضلها
ومحبتها وولايتها ، فيكون علىٰ هذا الأساس كل من رد عليها ولم يقبل منها
الحق فهو مشرك أو منافق فهي اذن لها ارتباط بالاصل الأوّل من اصول الدين وهو
التوحيد وهذا ثابت لها وللائمة من ولدها :
وهذا ما وجدناه في قول الإمام الحسين 7
عندما خرج في واقعة كربلاء حاملاً الطفل الرضيع وهو ينادي : هل من ذاب يذب عن حرم
رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا ؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا ؟
ومحل الشاهد هو هل من موحد يخاف الله
فينا ، فالذي يكون موحداً لابد ان يخاف الله في كل شيء ويقف عند حدوده التي أمرنا
بالوقوف عندها ، فانه من ملازمات التوحيد مخافة الله تعالى في عدم أذية الناس وخلق
الله تعالى والذي
لا يخاف الله تعالىٰ
فهو ليس موحد فالذين ظلموا آل محمد 6
لم يكونوا موحدين لانهم لم يخافوا الله تعالىٰ في خلقه الذين خلقهم قبل كل
شيء فما بالك ، فيهم 7
حيث كانوا من الذين استخلصهم واصطفاهم الله تبارك وتعالىٰ علىٰ الخلق
فيكون من باب الاولوية انه كل من ظلمهم كان من المشركين وكل من رد عليهم فقد أشرك
بالله تعالىٰ من حيث لا يعلم لأنّ الله تعالى أمر الخلق بالاخذ عنهم
والتسليم لهم وان الراد علهيم راد على الله والراد علىٰ الله مشرك وقد أخبر
الله تعالىٰ عن حكم من أشرك فيهم حيث يقول الله تعالىٰ في كتابه ( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ
لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
* ثُمَّ لَمْ
تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ
). يعني ما
وضعوا أصناماً ظاهرة يعبدونهم من دون الله ويصلون لهم ولكنهم اتخذوا رجالا من دون
ولي الله وحجة الله فأمرهم بخلاف ما أمر الله فأطاعوهم في خلاف أمر الله فعبدوهم
من حيث لا يعلمون فرد عليه سبحانه فقال أنظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما
كانوا يفترون ، وقال الإمام الصادق 7
حكاية عنهم هيهات فات قوم وماتوا قبل ان يهتدوا وظنوا انهم آمنوا واشركوا من حيث
لا يعلمون.
إذن لا يعرف الله احد من الخلق حق
معرفته حتىٰ يأتي بالشروط التي تتوقف عليها المعرفة وهذه الشروط كلها
معرفتهم : بما فيهم
فاطمة الزهراء التي هي قطب الرحىٰ التي تدور عليها معرفة أهل البيت وكما
وصفت لك وفسرت فاذا كان كذلك فكيف لا يقبل عنهم أي فرد ، وقد قبل عنهم لانه قبل
العلم والمعرفة والتوحيد عنهم ولو لم يقبل لم يعلم ولم يعرف اذ لا يكون ذلك منه
غيرهم : ، وعلىٰ
هذا كانت فاطمة 3
من هذه الجهة ومن خلال فقرة الزيارة الجامعة الكبيرة مرتبط بصميم التوحيد وهذا لا
يظهر إلاّ لمن تمعن وتفحص ودقق في مأثورات أهل البيت :
فافهم تغنم أنشاء الله.
اما ثاني الادلة التي نستطيع من خلالها
الورود في مسألة ارتباط فاطمة بصميم التوحيد فهو ما جاءت وتظافرت به الروايات
الشريفة عن رسول الله 6
، وهذه الروايات تنقسم فيما نحن فيه الى أربعة طوائف :
١
ـ الطائفة الاولىٰ : اذاها 3
هو أذىٰ الله تبارك وتعالىٰ.
٢
ـ الطائفة الثانية : رضاها 3 هو رضىٰ الله تبارك وتعالىٰ.
٣
ـ الطائفة الثالثة : حبها 3 هو حب الله تبارك
وتعالىٰ.
٤
ـ الطائفة الرابعة : غضبها 3 هو غضب الله تبارك
وتعالىٰ.
ونستفيد من خلال التأمل والتمعن في
مدلولات هذه الروايات أنه لا معنى لارتباط أذية ورضىٰ فاطمة وغضبها بالله
تعالىٰ اذا لم تكن معصومة بالعصمة المطلقة ، فالله تبارك وتعالىٰ
جعلها معبرة عن غضبه ورضاه لكونها معصومة بالعصمة المطلقة الذاتية وإلاّ فان هكذا
قول يكون في غاية الوهن والعبث وعدم الحكمة. فالله تبارك وتعالىٰ جعل فاطمة 3 المعبرة عن غضبه ورضاه وعلىٰ
لسان نبيه الاكرم محمد 6
وهذا يدل علىٰ انها 3
معصومة وإلا فانه لا داعي ولا حكمة في كونها تمثل غضب ورضا السماء اذا لم تكن
معصومة ولا تفعل إلاّ برضا الله تبارك وتعالىٰ. وعلىٰ كل حال فان جميع
الروايات المروية عن لسان النبي 6
جاءت لتؤكد هذه الحقيقة وهي كون فاطمة لها ارتباط بالله تعالىٰ وتوحيده سواء
كان هذا الارتباط تارة يأتي علىٰ هيئة غضب الله أو رضاه أو علىٰ هيئة
حب الله تبارك وتعالىٰ أو أذاه. وإليك بعض النصوص التي بينت هذه الطوائف
الأربعة من الروايات :
* جاء في تفسير قوله تعالىٰ ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ
لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا
) أنها نزلت
في غصب حق أمير المؤمنين 7
، وأخذ حق فاطمة « أذاها » ، قد قال النبي 6
: من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي ، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي
، ومن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله وهو قول الله عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ
) .
أقول : يظهر من هذا الآية ان الله تبارك
وتعالىٰ يتأذىٰ من فعل بعض القوم ومن المعلوم ان الله لا تصل إليه
اذية أي بشر بالمعنىٰ وانما جعل بعض المؤمنين
__________________
والذين هم أهل بيت
النبوة مظهر من مظاهر أذيته اذا تؤذوا هم :
، وهذا نص صريح في كونهم مرتبطين بالله ، فالغضب الإلهي يتجلّى في غضبهم كما أنّ
غضبهم مرآة غضب الله ، وكذلك الحال في الرضا.
*
وجاء عن النبي 6 انه قال :
« ان فاطمة بضعة مني ... وان الله تبارك وتعالى ليغضب لغضب فاطمة ويرضىٰ
لرضاها » .
* وورد عن تفسير الثعلبي باسناده عن
مجاهد قال : خرج رسول الله 6
وقد أخذ بيد فاطمة 3
وقال :
« من عرف فاطمة فقد عرفها ، ومن لم
يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي ، فمن آذاها فقد
آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله » .
* وروي عن الإمام الصادق 7 عن النبي 6
انه قال :
« يا فاطمة ، ان الله ليغضب لغضبك ،
ويرضىٰ لرضاك » .
وهذا الحديث يعتبر من أهم الاحاديث التي رواها العامة والخاصة ولقد وجدنا لهذا
الحديث عدة أسانيد مختلفة سواء عن النبي 6
مباشرة أو عن ائمة الهدىٰ :
فتارة يكون الحديث عن الإمام الحسين 7
واخرىٰ عن الصادق والباقر أو عن الإمام زين العابدين وهكذا نجده بأسانيد
مختلفه ولكن المحتوى واحد والمضمون لا يختلف وهو ان الله يغضب لغضب فاطمة ويرضىٰ
لرضاها .
* وروي عن الإمام الصادق 7 هذا الحديث حيث قال جده النبي 6 « يا فاطمة ، ان الله تبارك وتعالىٰ
ليغضب لغضبك ويرضىٰ لرضاك » ، وقد أثار هذا
__________________
الحديث بعض الشباب
الذين كانوا في زمن الإمام 7
ومنهم صندل الذي جاء إليه وقال له : يا ابا عبد الله ان هؤلاء الشباب يجيئونا عنك
بأحاديث منكره.
فقال : له جعفر 7 : وماذاك يا صندل ؟
قال : جاء عنك ، انك حدثتهم ان الله
ليغضب لغضب فاطمة ويرضىٰ لرضاها !
قال : فقال جعفر 7 : يا صندل ، ألستم رويتم فيما تروون :
أن الله تبارك وتعالىٰ يغضب لغضب عبده المؤمن ويرضىٰ لرضاه ؟! قال :
بلى.
قال : فما تنكرون ان تكون فاطمة 3 مؤمنة يغضب لغضبها ، ويرضىٰ
لرضها ؟!. قال : فقال : « الله أعلم حيث يجعل رسالته » .
ويظهر من هذا الحديث ان مسألة انكار
أحاديث أهل البيت في قضية فاطمة الزهراء وان رضاها رضا الله ورسوله كانت موجودة من
زمن الأئمة : ، وكذلك
توجد نقطة مهمة ونكتة خافية وهي ان الرسول انما تحدث بهذه الاحاديث في فاطمة 3 ليؤكد علىٰ مسألة مهمة وهو ان
فاطمة 3 سوف تظلم
وتؤذىٰ من بعده ، لذا سوف ترضىٰ عن بعض المسلمين وتغضب على البعض
الاخر فلذلك أعطىٰ الرسول الاعظم محمد 6
ظابطة كلية في مسألة تقييم بعض الشخصيات في زمن فاطمة 3 ألا وهي ضابطة الرضا والغضب بالنسبة
لفاطمة ، فكأنما يشير إلى ما سيجري عليها من الظلم من بعده.
اذن تبين لنا من خلال تفسير الآية
المباركة ( إِنَّ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ اللهَ ... ) وبيان بعض الاحاديث الشريفة حول رضا
فاطمة وغضبها وانهما مقرونان برضا الله وغضبه ، انها 3
مرتبطة بصميم التوحيد وهنا يرد هذا السؤال المهم في ما نحن فيه ألا وهو ما الثمرة
من هذا الارتباط ؟ أو بعبارة أخرىٰ ما الفائدة في ارتباط غضب فاطمة ورضاها
بالله تعالىٰ ؟ والجواب يظهر من خلال متابعة القرآن الكريم والاحاديث التي
__________________
رويناها لك من خلال
الكتب المعتبرة والذي نراه وحسب فهمنا القاصر ان بعض الثمرات هي :
١ ـ أن كل من آذى فاطمة فقد آذى الله
ورسوله لذا سوف يستحق اللعنة بنص القرآن الكريم (
إِنَّ
الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ
... ) هذا في
الدنيا.
٢ ـ اعداد العذاب الالهي للذين يؤذون
الله تعالى في ذرية رسوله (
وَأَعَدَّ
لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ).
٣ ـ ونستفيد من بعض الروايات ان الله
تعالى ليغضب لغضب المؤمن فكيف بإبنة رسول الله 6
؟
٤ ـ اعطاء ضابطة مهمة من الناحية
التأريخية وهي كل من ثبتت أذيته لفاطمة في حياتها لابد من لعنه والبراءة منه وكل
من سار علىٰ منوال الظالمين للزهراء في حقها ورضايتهم علىٰ فعل
الظالمين فهم مع الظالمين يجب لعنهم في الدنيا والبراءة منهم. وكثيرة هي الثمرات
في هذا الارتباط وفي الذي سردناه لك كفاية لمن يرجوا الوصول الىٰ حقيقة
الامور.
فاطمة 3
وعلاقتها بالنبوة
من القضايا المهمة التي يهمنا البحث
عنها هو ارتباط فاطمة الزهراء 3
بمقام النبوة الخاتمية ومن يمثل هذه الخاتمية أعني بذلك شخص رسول الله محمد 6 ، ولابد لنا ونحن نرتوي من الماء العذب
لفاطمة 3 واللآلئ المتناثرة
في حياتها ان نقف مع مقامها والارتباط الوثيق لهذا المقام بالنسبة للنبوة ، والذي
ينقدح في الذهن القاصر لصاحب هذا القلم ان هناك عدة أدلة وشواهد تثبت ان لفاطمة
ارتباط وثيق بالنبوة ، وهذا الارتباط تارة يتمثل علىٰ نحو الابوة لهذه
الصديقة الطاهرة وتارة أخرىٰ على شكل حب لهذه النسمة الطيبة ومرة اخرىٰ
علىٰ الارتباط العقائدي لها 3
، وسوف نعطي عدة شواهد وادلة علىٰ ذلك ، ومن خلال استقراء واستنطاق بعض
الكتب الروائية والتاريخية التي تروي لنا قضية الزهراء وارتباطها بشخص النبي 6 من
جهة وبمقام النبوة
من جهة أخرىٰ ، أما كيف يكون هذا الارتباط بالنبوة ومقامها ، فنقول : وردت
عدة شواهد على هذه المسألة من القرآن الكريم ولكن نكتفي علىٰ شاهد قرآني
واحد وهو الآية ٥٧ من سورة الاحزاب (
إِنَّ
الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا
... ) فهذه الآية
الشريفة وكما تبيّن لنا لها ارتباط بمسألة أذىٰ رسول الله 6 ونحن نعلم انه ورد في الحديث الشريف
عنه 6 انه ما أوذي
نبي بمثل ما أوذيت ، وكذلك قوله 6
من آذىٰ مؤمنا فقد آذاني ، فهذه الأحاديث تثبت مسألة أذى رسول الله ولقد
حدثنا التاريخ كيف ان القوم عندما بعث الرسول 6
بمكة كيف آذوه وطردوه من دياره والأكثر من ذلك نجد ان الكثير من النصوص عند العامة
والخاصة قد بينت ان الرسول 6
قد آذوه القوم بعد مماته في إبنته فاطمة 3
فعلىٰ هذا الاساس ومن هذا المنطلق قد صدرت عدة أحاديث عنه 6 تبين وتؤكد علىٰ حقيقة ثابتة ولا
ينكرها إلا معاند أو منافق وهي أنهم قد آذوا رسول الله 6 في ذريته ، فكانت الاحاديث المروية عنه
تمثل الدعامة العظمىٰ لارتباط أقرب الناس إليه وهي فاطمة الزهراء 3 ، ولا نقصد من ارتباط الصديقة الطاهرة 3 به مجرد لانه والدها كلا بل هناك أمور
غيبية قد ذكرت بعض الروايات اسرارها وكما بينا في بعض أحاديثنا كحديث الاقرار بفضل
فاطمة جميع الأنبياء وانه ما تكاملت نبوة نبي حتّى أقرّ بفضلها ومحبتها ... ممّا
يدل على ارتباطها بالنبوّة العامّة كارتباطها بالنبّوة الخاصّة ... وغير ذلك من
الأحاديث في هذا المضمار ، وان كان رسول الله 6
مال إليها وأحبها فأزداد ما عند فاطمة 6
بحسب زيادة ميله، وأكرمها رسول الله 6
إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنونه وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم حتى خرج
بها عن حد الآباء للأولاد ، فقال بعض الخاص والعام مراراً لا مرة واحدة وفي مقامات
مختلفة لا في مقام واحد : إنها سيدة نساء العالمين ... وإنها إذا مرت في الموقف
نادىٰ منادٍ من جهة العرش : يا أهل الموقف : غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت
محمد 6. وهذا من
الاحاديث الصحيحة .
وعليه لابد من ذكر بعض
__________________
النصوص التي تبين
لنا مقام فاطمة من الرسول الأكرم 6.
* فلقد جاء في حديث طويل عن سعد بن أبي
وقاص انه قال : سمعت رسول الله 6
يقول : فاطمة بضعة مني ، من سرها فقد سرني ومن ساءها فقد ساءني ، فاطمة أعز الناس
عليّ .
* وروي النسائي باسناده عن المسور بن
محزمة ، قال : « سمعت رسول الله 6
وهو علىٰ المنبر يقول « فاطمة هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما
آذاها ، ومن آذىٰ رسول الله فقد حبط عمله » .
* وروىٰ أحمد بأسناده عن المسور ،
قال : قال رسول الله 6
« فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما قبضها وأنه تنقطع يوم القيامة
الانساب والاسباب إلا نسبي وسببي » .
* وروي عن جابر بن عبد الله قال : قال
رسول الله 6 : ان فاطمة
شعرة مني ، فمن آذىٰ شعرة مني فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذىٰ الله ،
ومن آذىٰ الله لعنه الله ملء السماوات والأرض .
* عن عبد الله بن زبير عن النبي 6 في حديث : انها ـ فاطمة ـ بضعة مني ،
يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها .
وكثيرة هي الاحاديث التي تروي لنا ارتباط الزهراء وظلمها وأذيتها برسول الله 6 ، ولئلا يطول المقام بنا ولا نخرج عن
هذا الكتاب نكتفي بهذه الاحاديث ونقول :
إنّ كلام الرسول 6 الذي لا ينطق عن الهوىٰ إن هو
إلا وحي يوحىٰ هذا يدل علىٰ انه ليس غضبه بإعتبار انه والدها ، لا
وانما غضب النبوة ومقامها السامي الذي تمثل السماء ونحن نعلم أيضاً انه أذىٰ
فاطمة ايضاً هو أذىٰ الله تبارك وتعالىٰ ، وإلا
__________________
لا معنىٰ ان
يغضب الرسول ـ 6
ـ لانه أباها الشخصي فقط لانه في مثل هذه الحالة سوف تكون العصبية لها باعتبار القرابة
وانما يؤكد الرسول من خلال هذه الاحاديث علىٰ حقيقة مهمة جداً وهي مسألة
عصمة فاطمة 3 لانها لو
كانت ممن تقارف الذنوب لم يكن مؤذيها مؤذياً له 6
علىٰ كل حال لذا ثبتت لها العصمة من خلال أقوال الرسول 6 في حقها 7.
ويظهر ايضاً من خلال الحديث المروي في حق فاطمة 3
عن أبي جعفر 7 يقول : «
ولقد كانت 3 مفروضة
الطاعة علىٰ جميع من خلق الله من الجن والانس ، والطير والوحوش والأنبياء والملائكة
» الحديث .
وأيضاً الحديث الذي يقول « ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتىٰ أقرَّ بفضل
فاطمة 3 وحجيتها »
حيث نستفيد من هذين الحديثين ان فاطمة 3
كانت مرتبطة بنبوة الأنبياء السابقين قبل نبينا محمد 6
، فهي ـ أي النبوة ـ لم تكتمل في أي نبي من الأنبياء حتى أقر بفضل فاطمة وحجيتها ،
وهذا يدل انها كانت مفروضة الطاعة علىٰ جميع الأنبياء وكما تبين لنا من خلال
البحوث المتقدمة في هذا الأمر.
فاطمة 3
والعدل الإلهي
يعتبر العدل من الأصول الإعتقادية التي
يمتاز بها الشيعة الامامية عن غيرهم من المذاهب الاخرىٰ ، فمسألة العدل
عندهم قد دخلت كل الأصعدة الحياتية المهمة وهذا يعود الىٰ وجود العدل في كل
أفعال الله تعالىٰ فهو ـ أي الله تعالىٰ ـ قد جعله من أسماءه الحسنىٰ
فعندما يأخذ الشيعة الامامية العدل ويعتبرونه من اصول الدين لم يكن هذا جزافاً
وانما كان علىٰ اساس وأصل متين استمدوه من القرآن الكريم هذا الكتاب العظيم
الذي بذر فكرة العدل في قلوب وأرواح الناس ثم سقاها ونماها فكرياً وفلسفياً
وعملياً واجتماعياً انه القرآن الكريم الذي طرح مسألة العدل من حيث مظاهرها
المختلفة العدل التكويني ، والعدل التشريعي ، والعدل الاخلاقي ، والعدل الاجتماعي
... الخ.
__________________
والقرآن الكريم يصرح بان نظام الوجود
مبني علىٰ أساس العدل والتوازن على أساس الاستحقاق والقابلية ، وعلىٰ
هذا الاساس توجد عدة آيات قرآنية تؤكد علىٰ مسالة العدل سواء كان ذلك عن
طريق ذكر المقابل للعدل أي الظلم وتأتي الآية القرآنية تنفي الظلم أي تقر العدل
بالنتيجة أو عن طريق ذكر القرآن ان هناك يوم حساب يحاسبون فيه الناس ليكون العدل
هو الاساس الذي سوف تكون عليه المحاسبة ، وهكذا يذكر القرآن الكريم آيات العدل في
كل مظاهرها الوجودية ، وسنورد هنا بعض الآيات القرآنية التي تعتبر الفاعلية
الالهية والتدبير الالهي قائماً على أساس العدل حيث يقول الباري عز وجل في هذا
المضمار ( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ
لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا
بِالْقِسْطِ ) .
أو أن العدل هو المعيار لله سبحانه في موضوع الخلقة (
وَالسَّمَاءَ
رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَانَ
) . وعلق علىٰ هذه الآية الرسول
الكريم 6 بقوله : «
بالعدل قامت السماوات والأرض » واهتم القرآن الكريم اهتماماً استثنائياً بالعدل
التشريعي أي مراعاة أصل العدل دائماً في النظام الاعتباري والتشريع القانوني ، وقد
صرح ذلك في الكتاب المعجز بان الهدف من ارسال الأنبياء وبعثة الرسل انما هو قيام
النظام البشري وارساء الحياة الانسانية علىٰ أساس العدل والقسط : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ
وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ
) .
واضافة إلىٰ ذلك فان الاصل الكلي
الذي نسبه القرآن إلى كل الأنبياء بخصوص النظام التشريعي ولا سيما في الشريعة الاسلامية
هو ( قُلْ أَمَرَ رَبِّي
بِالْقِسْطِ ) وفي مكان آخر يقول ( ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ
). ويعتبر
القرآن الكريم الإمامة والقيادة عهداً الهياً ينبعث عنه النضال ضد الظلم والتلاؤم
مع العدل ، ويقول القرآن الكريم في موضوع لياقة إبراهيم 7 للامامة والقيادة : ( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ
بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي
__________________
جَاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
) .فعندما أختار الله ابراهيم إماماً ،
إستفهم ابراهيم هل تشمل هذه الموهبة الالهية نسله ؟
فأجيب بأن الإمامة عهد إلهي والظالمون
لا نصيب لهم فيه ، يعني مقتضىٰ العدالة الربانية هكذا تكون مع الظالمين.
وإذا دققنا النظر في القرآن الكريم وجدناه يدور حول محور واحد هو العدل في كل
الافكار القرآنية من التوحيد الىٰ المعاد ومن النبوة الىٰ الإمامة
والزعامة ومن الآمال الفردية الىٰ الاهداف الاجتماعية ، فالعدل في القرآن
قرين التوحيد وركن المعاد وهدف لتشريع النبوة وفلسفة الزعامة والإمامة ومعيار كمال
الفرد ومقياس سلامة المجتمع .
اذن بعد هذه المقدمة في العدل يأتي السؤال في هذا المقام الذي نحن فيه وهو هل ان
الله جل جلاله أعطىٰ الىٰ اولياؤه الكثير من المناصب والمقامات
الروحانية وعلىٰ كل المستويات بالعدل أو جزافاً اعطاهم اياها ؟
فمثلاً مقام فاطمة الزهراء 3 وحجيتها على الأئمة وعلى جميع الأنبياء
والجن والانس ، ومقام شفاعتها يوم القيامة وانها تشفع بالجنة هل أعطىٰ الله
تعالى هذه المقامات بالعدل لها فتكون عندئذ مرتبط بالعدل الالهي أم لا ؟
وهذا السؤال يحتاج الى ذكر مسألة مهمة
وهي تعريف العدل سواء لغوياً أم اصطلاحياً وبعد ذلك نرىٰ مدىٰ انطباق
هذا الموضوع وعلىٰ ضوء التعريف في حياة الصديقة الطاهرة فاطمة 3 ومدىٰ ارتباطها بالعدل الالهي.
العدل في اللغة : العدل من أسماء الله
سبحانه ، العدل هو الذي لا يميل به الهوىٰ فيجور في الحكم ، وهو في الاصل
مصدر سُمّي به فوضع موضع العادل وهو أبلغ منه لانه جعل المسمىٰ نفسه عدلاً
وفلان من أهل المعدلة أي من أهل العدل.
والعدل : الحكم بالحق ، فيقال هو يقضي
بالحق ويعدل وهو حكم عادل : ذو معدلة في حكمه .
اما تعريف العدل في الاصطلاح فلقد وردت فيه عدة تعاريف ولكن الذي يهمنا فيما نحن
فيه التعريف الذي يقول : « هو رعاية الاستحقاق في افاضة الوجود
__________________
وعدم الامتناع عن
الافاضة والرحمة حيث يتوفر امكان الوجود أو امكان الكمال ». وعلىٰ أساس هذا
التعريف يتبين لنا ان الموجودات تتفاوت مع بعضها في النظام الكوني من حيث قابليتها
لاكتساب الفيض الالهي من مبدأ الوجود ، فكل موجود وفي أي رتبة من الوجود يملك
استحقاقاً خاصاً من حيث قابليته لاكتساب الفيض ، ولما كانت الذات الالهية المقدسة
كمالاً مطلقاً وخيراً مطلقاً وفياضة علىٰ الاطلاق فهي تعطي ولا تمسك ولكنها
تعطي لكل موجود ما هو ممكن له من وجود أو كمال وجود ، فالعدل الالهي ـ حسب هذه
النظرية ـ يعني ان أي موجود يأخذ من الوجود ومن كماله المقدار الذي يستحقه وبامكانه
ان يستوفيه .
وعلىٰ هذا الاساس تكون الزهراء 3
مستحقة للعدل الالهي في افاضة الكمال لها وفي كل المقامات المعنوية والروحية ،
فكونها 3 حجة علىٰ
الأنبياء وعلىٰ جميع البشر وانه ما تكاملت نبوة نبي حتىٰ أقر بفضلها
وكذلك كونها صاحبة الشفاعة الكبرىٰ يوم القيامة وغيرها من المقامات التي
أعطاها الله تعالىٰ اياها كل ذلك لانها كانت مستحقة لكل هذا الكمال ، أما
كيف كانت مستحقة لذلك فهذا ما نفهمه من خلال الزيارة الواردة في حقها « السلام
عليك يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك صابرة لما امتحنك » فعلىٰ
أساس هذا الامتحان وكونها صابرة نجد ان الله تعالىٰ وجدها مستحقة للعدل
الالهي وللكمال الذي يليق بحالها ، وعليه تكون الحكمة الالهية للعدل الالهي
وللكمال الذي يليق بحالها ، حيث تكون الحكمة الالهية في وضع الزهراء في مقامها
السامي انما هو بالامكان اللائق لها وبالعدل الالهي استحقت ذلك فتكون 3 حينئذ مرتبطة بالعدل الالهي من حيث
كونها مستحقة للافاضات الربانية وكما تبين لك من خلال الاحاديث الواردة في شأنها 3. هذا من جهة ومن جهة أخرىٰ ان مُوالاتُنا
لفاطمة 3 هل هي من
العدل الالهي أم لا ؟
لا شك ولا ريب عندما يطلب الله تعالى
منا ان نكون مع الزهراء 3
في التولية والتبرئة من اعدائها هو عين العدل الالهي لأنّ الله تعالىٰ وعلىٰ
لسانه في القرآن
__________________
الكريم اعتبر أذىٰ
رسوله 6 من الأسباب
المؤدية الىٰ اللعنة والعذاب الأليم وباعتبار كونها 3 من لحم رسول الله بل هي نساء رسول الله
المعبر عنهم « بنسائنا » في آية المباهلة وأيضاً رضاها رضىٰ رسول الله
وغضبها غضب الله ورسوله وإضافة الىٰ ذلك انها مستحقة حسب وجودها وللفيوضات
الربانية كل ذلك يعتبر من العدل الإلهي فتكون عندئذ 3
مرتبطة بصميم العدل الإلهي وإن موالاتنا لها عين العدل الذي أمرنا الله تعالىٰ
ونكون له ملازمين له في كل الحالات.
فاطمة 3
وعلاقتها بالإمامة
تشكل الإمامة أصلاً مهماً من الأصول
الخمسة الدينية عند الشيعة الإمامية بعد التوحيد والنبوة والعدل ، ولقد تظافرت
الروايات الشريفة علىٰ التأكيد علىٰ هذه المسألة المهمة في الدين
الاسلامي فضلاً عن القرآن الكريم الذي أكد أيضاً علىٰ مسألة إثبات الإمامة من
خلال القرآن الكريم والأحاديث الشريفة بل نقول ان من أراد الإطلاع على هذه القضية
فعليه مراجعة الكتب الكلامية التي أثبتت هذه المسألة المهمة ، ولقد تطرقنا الىٰ
هذه المسألة ـ أي الإمامة ـ في هذا الكتاب باعتبارها لها إرتباط عميق بالصديقة
الطاهرة فاطمة الزهراء 3
، وربما سائل يسأل كيف يمكننا أن نعرف أن الزهراء لها ارتباط بصميم الإمامة ؟ وهذا
سؤال مهم علىٰ ما أتصوره ولابد من خلال استقراء الكتب الروائية وحياة
الصديقة الطاهرة وقراءة بعض النصوص واستنطاقها نجد أن هناك عدة أمور يمكن من
خلالها إثبات هذا الارتباط الوثيق للزهراء بالإمامة التي جعلها الله تبارك وتعالىٰ
أما ماهية هذه القضية من خلال إثباتها عن طريق الروايات أو الزيارات الواردة فهذا
ما يتوقف بيانه علىٰ إبراز بعض الأدلة والشواهد التي تؤيد هذه القضية تارة
وتدعمها تارة أخرىٰ.
أولاً : أما الأدلة التي نستطيع من خلال
اثبات ارتباط فاطمة بصميم الدين فهذا ما يتبين لنا من كونها 3 الحجة علىٰ الأنبياء فضلاً عن
الأئمة :. إما كونها
الحجة علىٰ
الأنبياء فهذا ما
أثبته الحديث المروي الذي يقول فيه الإمامة : « ما تكاملت نبوة نبي حتى أقر بفضلها
ومحبتها وهي الصديقة الكبرىٰ وعلىٰ معرفتها دارت القرون الأولىٰ
» ولا نريد الوقوف مع مفهوم هذا الحديث علىٰ أي شيء يدل فلقد تبين لك كيف
انها لابد من الإقرار بفضلها ومحبتها من قبل الخلق أجمعين فضلاً عن الأنبياء ،
وإما كونها الحجة علىٰ الأئمة فهذا ما تبين لنا من خلال شرح الحديث الوارد
عن الإمام الحسن العسكري الذي يقول فيه « نحن حجج الله علىٰ خلقه وجدتنا
فاطمة 3 حجة الله
علينا » فراجع شرح هذا الحديث في كتابنا هذا وسوف يتبين لك الحال في هذا الأمر
وهذا يكون أفضل شاهد علىٰ كونها مرتبطة بصميم الإمامة ولهذا يحتاج الىٰ
تمعن في هذا الأمر وتدقيق عميق حتىٰ نصل الىٰ مداركه ومدلولاته.
ثانيا : إن الزهراء 3 كانت الرحم الطاهر لحمل الإمامة فهي أُم
الأئمة الأطهار وهي والدة الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة واللذان كانا إمامان
قاما أو قعدا ، فقد حملت بهما من خلال الارتباط السماوي بأمير المؤمنين حيث زوجها
الله تبارك وتعالىٰ من أمير المؤمنين وكما ورد في الحديث الذي يقول « زوج
النور من النور » وهذا يشهد به الموالي والمخالف في قضية زواج الزهراء 3 ، أما كونها رحم طاهرة ، فهذا ما
أثبتته الآية الكريمة (
إِنَّمَا
يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرًا ) فضلاً عن الزيارة الشريفة الواردة في
حق الإمام الحسين 7
والتي يقول فيها الإمام 7
« أشهد إنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لك تنجسك الجاهلية
بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها ... » فهذه الزيارة اضافة الى آية التطهير
تثبت كونها 3 الرحم
الطاهر للأئمة :
ومن جهة شاهد علىٰ كونها مرتبطة بصميم الإمامة بالنكتة التي بيناها لك من
حيث هي أُم الأئمة :.
ثالثاً : نجد من خلال استقراء القرآن
الكريم ومتابعة آياته الشريفة أن الزهراء 3
تكون مشتركة ومرتبطة بالإمامة من خلال عدة آيات قرآنية اثبت اشتراكها مع الأئمة : منها كونها الصراط المستقيم ومشتركة
معهم : فلقد ورد عن
جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال :
« قال رسول الله 6 : أن الله جعل علياً وزوجته وأبناؤه
حجج الله على خلقه ، وهم أبواب العلم في أمتي ، من أهتدىٰ بهم هُدي الىٰ
صراط مستقيم » .
وأيضاً عن رسول الله أنه قال : « اهتدوا بالشمس فإذا غابت الشمس فاهتدوا بالقمر ،
فاذا غاب القمر فاهتدوا بالزهرة ، فاذا غابت الزهرة فاهتدوا بالفرقدين ، فقيل يا
رسول الله ما الشمس وما القمر وما الزهرة وما الفرقدان ؟ قال 6 : الشمس أنا ، والقمر عليّ ، والزهرة
فاطمة ، والفرقدان الحسن والحسين 8
» .
قوله تعالىٰ : ( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ
كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
) .
* أخرج ابن النجّار عن ابن عبّاس قال :
سألت رسولَ الله 6
عن الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ، قال : سأل بحقّ محمَّد وعليّ
وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ ، فتاب عليه .
قوله تعالىٰ : ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا
وَأَبْنَاءَكُمْ ... ) .
* قال محبّ الدّين الطبريّ : لما نزل
قوله تعالى : (
فَقُلْ
تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ
) الآية ، دعا
رسول الله 6 هؤلاء
الأربعة .
* عن أبي سعيد 2 : لمّا نزلت هذه الآية ، دعا رسول الله
6 عليّاً
وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال : « اللّهُمّ هؤلاء أهلي ». أخرجه مسلم والترمذيّ .
قوله تعالىٰ : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً
كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ
... ) .
* عن رسول الله 6 يقول : أنا شجرةٌ ، وفاطمة فرعها ،
وعليٌ لقاحها ، وحسن وحسين ثمرها ، ومحبيّهم
من أمَّتي أوراقها. ثمّ قال : هم في جنّة عدن والّذي بعثني
__________________
بالحقّ .
* وعنه 6
يقول : أنا شجرةٌ ، وعليٌّ القلب ، وفاطمة اللقاح ، والحسن والحسين الثمر ،
وشيعتنا الورق ، وحيث يُنبت الشجر تساقط ورقها ، ثم قال : في جنَّة عدن والّذي
بعثني بالحقّ .
وقوله تعالى : ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ
يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ
... ) .
* عن عكرمة : هم النبيُّ وعليٌّ وفاطمة
والحسن والحسين :
.
قوله تعالى : ( إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا
أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ
) .
* عن عبد الله بن مسعود : يعني جزيتهم
بالجنّة اليوم بصبر عليِّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين في الدنيا علىٰ
الطاعات وعلىٰ الجوع والفقر ، وبما صبروا علىٰ المعاصي وصبروا علىٰ
البلاء لله في الدنيا ، أنَّهم هم الفائزون والناجون من الحساب .
قوله تعالىٰ : ( كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي
زُجَاجَةٍ ... )
.
* عن موسىٰ بن القاسم ، عن عليّ
بن جعفر قال : سألت أبا الحسن 7
عن قوله الله عزّ وجلّ « كمشكاة فيها مصباح » قال : المشكاة فاطمة ، والمصباح
الحسن ، والحسين الزجاجة « كأنَّها كوكبٌ دُرّيّ » قال : كانت فاطمة كوكباً دُرّياً
من نساءِ العالمين « يوقدُ من شجرة مباركةٍ » الشجرة المباركة إبراهيم « لا شرقيَّة
ولا غربيَّة » لا يهوديَّة ولا نصرانيَّة « يكادُ زيتها يضيء » قال : يكاد العلم
أن ينطق منها « ولو لم ـ تمسسه نار ، نور علىٰ نُور » قال : فيها إمام بعد
إمام ( يَهْدِي اللهُ
لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ) قال : يهدي الله عزّ وجلّ لولايتنا من
يشاء .
__________________
قوله تعالىٰ : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ
عَلَيْهَا ... )
.
* عن عبد الله بن الحسن ، عن أبيه ، عن
جدَّه قال : أبو الحمراء خادم النبّي 6
: لمّا نزلت هذه الآية كان النبيُّ 9
يأتي باب عليّ وفاطمة عند كل صلوة فيقول : الصلاة ـ رحمكم الله ـ إِنَّمَا يُرِيدُ
اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
.
قوله تعالىٰ : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرًا
فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا
... ) .
* عن السدّيّ : نزلت في النبيّ 6 وعليّ ، زوّج فاطمة عليّاً ، وهو ابن عمّه
وزوج ابنته ،كان نسباً وكان صهراً .
قول تعالىٰ : ( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا
) .
* قال النّبيُّ 6 قلت : يا جبرئيل من أزواجنا ؟ قال :
خديجة. قال : ومن ذرياتنا ؟ قال : فاطمة. وقرَّة أعين ؟ قال : الحسن والحسين. قال
: واجعلنا للمتّقين إماماً ؟ قال : عليُّ بن أبي طالب .
قوله تعالى ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) .
* عن أبي سعيد الخدريّ 2 قال : نزلت في خمسة : في رسول الله 6 وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، أخرجه
أحمد في المناقب وأخرجه الطبرانيّ .
قوله تعالىٰ : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ
المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ
ـ ) .
* قال الزَّمخشريُّ : إنَّها لمّا نزلت ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ
المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ
) قيل : يا
رسول الله مَنْ قرابتك هؤلاء الَّذين وجبت علينا مودَّتهم ؟ قال : عليّ وفاطمة
__________________
وابناهُما ... وقال
رسول الله 6 من مات علىٰ
حبّ آل مُحمّد مات شهيداً. ألا ومن مات علىٰ حبِّ آل مُحمّد مات مغفوراً له.
ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد مات مغفوراً له. ألا ومن مات علىٰ حبِّ
آل محمّد مات تائباً. ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان.
ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد بشَّره ملك الموت بالجنَّة ثمَّ منكرٌ ونكير. ألا
ومن مات علىٰ حبِّ آل محمَّد يزفُ إلى الجنة كما تزفُّ العروس إلى بيت زوجها.
ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنَّة. ألا ومن مات على
حبِّ آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة. ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد
مات على السنَّة والجماعة. ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب
بين عينيه آيس من رحمة الله. ألا ومن مات على بغض آل محمَّد مات كافراً. ألا ومن
مات على بغض آل محمّد لم يشمَّ رائحة الجنَّة .
* قوله تعالى : ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ
آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَىٰ لَهُمْ
) .
عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس : يعني
وليَّ علي وحمزة وجعفر وفاطمة والحسن والحسين ووليّ محمّد 6 ، ينصرهم بالغلبة على عدوّهم .
* قوله تعالى : ( كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا
يَهْجَعُونَ ) .
عن عبد الله بن عبّاس قال : نزلت في عليّ
بن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمة 7
.
* قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ
ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
) .
عن ابن عبّاس قال : نزلت في النبيِّ
وعليّ وفاطمة والحسن والحسين :
.
__________________
قوله تعالى : ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ
* بَيْنَهُمَا
بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا
اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ) .
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ
) قال : عليٌّ
وفاطمة ، ( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ
لاَّ يَبْغِيَانِ ) قال : النبيّ 6 ، (
يَخْرُجُ
مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ
) قال : الحسن
الحسين .
* قوله تعالى : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ
كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) .
إنَّ رجلاً جاء إلى النبّي 6 فشكا إليه الجوع ، فبعث إلى بيوت أزواجه
فقلن : ما عندنا إلاَّ الماء. فقال 6
: من لهذه الليلة ؟ فقال عليٌّ 7
: أنا يا رسول الله. فأتىٰ فاطمة فأعلمها ، فقالت : ما عندنا إلاّ قوت
الصبية ولكنّا نؤثر به ضيفنا. فقال عليٌّ 7
: نوِّمي الصبية وأنا أُطفئ للضيف السراج. ففعلت وعشَّى الضيف. فلمّا أصبح أنزل
الله عليهم هذه الآية : (
وَيُؤْثِرُونَ
عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) .
عن ابن عباس في قول الله ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ
كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) قال : نزلت في عليٍّ وفاطمة والحسن
والحسين : .
* قوله تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ
مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا
) .
قال أبو الفضل شهاب الدين السيّد محمود
الآلوسيُّ : وماذا عسى يقول امرؤ فيهما يعني عليّاً وفاطمة 8 سوى أنّ عليّاً مولى المؤمنين ووصيُّ
النبيُّ ، وفاطمة البضعة الأحمديَّة والجزء المحمَّديِّ ، وأمَّا الحسنان فالرَّوح
والريحان وسيِّدا شباب أهل الجنان.
وليس هذا من الرفض ، بل ما سواه عندي هو
الغيّ. ومن اللطائف على القول بنزولها فيهم أنَّه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين
، وأنَّما صرَّح عزّ وجلّ بولدان مخلَّدين رعاية
__________________
لحرمة البتول وقرَّة
عين الرسول .
* قوله تعالى : ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
* تَنَزَّلُ
المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا
) .
عن عبد الله بن عجلان السكونيِّ قال : سمعت
أبا جعفر 7 يقول : بيت
عليٍّ وفاطمة من حجرة رسول الله 6
، وسقف بيتهم عرش ربِّ العالمين ، وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوطة إلى العرش معراج
الوحي ، والملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحاً ومساءً وفي كلِّ ساعة وطرفة عين ،
والملائكة لا ينقطع فوجهم ، فوج ينزل وفوج يصعد .
رابعاً : من خلال الروايات الشريفة نجد
ان الزهراء 3 مرتبطة
ومشتركة مع الأئمة الذين يمثلون الدعامة الكبرى للإمامة في كثير من الامور وهذا ما
نجده من خلال الروايات الشريفة التي اثبتت هذه المسألة ومنها :
في خلقتها النورانيّة
* عن النبيِّ 6 إنَّه قال : لمّا خلق الله تعالى آدم
أبو البشر
ونفخ فيه من روحه ، التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سجَّداً وركَّعاً
، قال آدم : يا ربِّ هل خلقت أحداً من طين قبلي ؟ قال : لا ، يا آدم ، قال : فمن
هؤلاء الخمسة الأشباح الَّذين أراهم في هيئتي وصورتي ؟ قال : هؤلاء خمسة من ولدك ،
لولاهم ما خلقتك ، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماءٍ من أسمائي ، لولاهم ما خلقت
الجنّة ولا النار ، ولا العرش ، ولا الكرسي ، ولا السماء ، ولا الأرض ، ولا
الملائكة ، ولا الانس ، ولا الجنَّ. فأنا المحمود وهذا محمّد ، وأنا العالي وهذا
عليٌّ ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الإحسان وهذا الحسن ، وأنا المحسن وهذا
الحسين ، آليت بعزَّتي أنَّه لا يأتيني أحد
__________________
بمثقال ذرَّة من
خردل من بغض أحدهم إلاّ أدخلته ناري ولا أبالي.
يا آدم ، هؤلاء صفوتي من خلقي ، بهم أُنجيهم
وبهم أهلكهم ، فإذا كان لك إليَّ حاجة فبهؤلاء توسَّل. فقال النبيّ 6 : نحن سفينة النجاة ، من تعلَّق بها
نجا ، ومن حاد عنها هلك ، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت .
في بدء خلقتها
* عن النبّي 6 قال : إنّ الله خلقني وخلق عليّاً
وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم 7
، حين لا سماء مبنيَّة ، ولا أرض مدحيَّة ، ولا ظلمة ولا نور ، ولا شمس ولا قمر ،
ولا جنّة ولا نار. فقال العبّاس : فكيف بدء خلقكم يا رسول الله ؟ فقال : يا عمِّ :
لمّا أراد الله أن يخلقنا تكلَّم بكلمة خلق منها نوراً ، ثمَّ تكلَّم بكلمة أخرىٰ
فخلق منها روحاً ، ثمَّ مزج النور بالروح فخلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن
والحسين ، فكنّا نسبِّحه حين لا تسبيح ، ونقدِّسه حين لا تقديس ، فلما أراد الله
تعالى أن ينشئ خلقه فتق نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري ، ونوري من نور الله ،
ونوري أفضل من العرش ، ثمّ فتق نور أخي عليٍّ فخلق منه الملائكة ، فالملائكة من
نور عليٍّ ، ونور عليٍّ من نور الله ، وعلي أفضل من الملائكة ، ثم فتق نور ابنتي
فخلق منه السماوات والأرض ، فالسموات والأرض من نور ابنتي فاطمة ، ونور ابنتي
فاطمة من نور الله ، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض. ثمَّ فتق نور ولدي
الحسن ، ونور الحسن من نور الله ، والحسن أفضل من الشمس والقمر. ثمَّ فتق نور ولدي
الحسين فخلق منه الجنَّة والحور العين ، فالجنّة والحور العين من نور ولدي الحسين
، ونور ولدي الحسين من نور الله ، وولدي الحسين أفضل من الجنّة والحور العين .
__________________
في عرض ولايتها على الأشياء
* في حديث الإسراء : يا محمَّد ! إنِّي
خلقتك وخلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين من نوري ، وعرضت
ولايتكم على أهل السماوات والأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها
كان عندي من الضالّين « الظالمين خ ل ». يا محمَّد ! لو أنَّ عبداً من عبيدي عبدني
حتَّى ينقطع ، أو يصير كالشنِّ البالي ، ثمَّ أتاني جاحداً لولا يتكم ما غفرت له
حتى يقرَّ بولايتكم.
يا محمَّد : أتحبُّ أن تراهم ؟ قلت :
نعم ، يا ربِّ ! قال : التفت ، فالتفتُّ عن يمين العرش ، فإذا أنا باسمي وباسم عليّ
وفاطمة والحسن والحسين وعليّ ومحمَّد وجعفر وموسى وعليّ والحسن ، والمهديّ في
وسطهم كأنَّه كوكب درّيٌّ ، فقال : يا محمَّد ! هؤلاء حججي على خلقي ، وهذا القائم
من ولدك بالسيف والمنتقم من أعدائك .
في سبق دخولها الجنّة
* عن عليّ 7
عن النيّي 6 : إنَّ أوَّل
من يدخل الجنّة أنا وأنت وفاطمة والحسن والحسين. قال عليٌّ : فمحبُّونا ؟ قال : من
ورائكم .
في كونها في حظيرة القدس
* وعنه 9
: إنَّ فاطمة وعليّاً والحسن والحسين في حظيرة القدس في قبَّة بيضاء ، سقفها عرش
الرحمن .
__________________
في جواز دخولها 3
مسجد النبي
وعنه 9
: ألا لا يحلُّ المسجد لجنب ولا حائض إلاّ لرسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين
: .
في سكونتها معهم في الجنّة
* عن النبّي 9 قال : في الجنَّة درجة تدعى الوسيلة ،
فإذا سألتم الله فاسألوا لي الوسيلة. قالوا : يا رسول الله ! من يسكن معك فيها ؟
قال : عليُّ وفاطمة والحسن والحسين :
.
في كونها ركناً لعليّ :
* عن النبيّ 6 إنه قال لعليِّ بن أبي طالب 7 : سلام عليك يا أبا الريحانتين ، فعن
قليل يذهب ركناك ، والله خليفتي عليك. فلمّا قبض رسول الله 6 قال عليُّ 7 : هذا أحد الركنين ، فلمّا ماتت فاطمة 3 قال : هذا الركن الآخر .
أقول : ينبغي إمعان النظر في معنىٰ
الركنيّة ، فأيّ معنى تصوِّر لركنيِّة 6
لعليّ 7 فهو ثابت
لفاطمة الزهراء 3
، ولعمري هذا مقام شامخ لم ينله أحد إلاّ هي ، وهو من مختصّاتها 3.
__________________
في إصابة نور الله لها
* عن النبيّ 6 قال: لمّا خلق الله الجنَّة خلقها من
نور وجهه ، ثمَّ أخذ ذلك النور فقذفه فأصابني ثلث النور ، وأصاب فاطمة ثلث النور ،
وأصاب عليّاً وأهل بيته ثلث النور. فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل
محمَّد 6 ، ومن لم يصبه من ذلك النور ضلّ عن
ولاية آل محمد 6.
أقول : التدبُّر في هذا الحديث يعطي
جلالة شأنها وعلوَّ درجاتها 3
، إذ جعلها الله ـ تعالى شأنه ـ في النور قسيم أبيها وبعلها وبنيها : ، بل هي أكبر حظّاً منهم. وهذا لعمري
شأوٌ لا تنالها أيدي المتناولين ، وبحر لا يدرك قعرها غوص المتعمِّقين.
في كونها خير خلق الله تعالىٰ
* عن النبي 6 في حديث طويل : على ساق العرش مكتوب :
لا إله إلاِّ الله ، محمّد رسول الله ، وعلي وفاطمة والحسن والحسين خير خلق الله .
في اختيار الله تعالىٰ ايّاها على النساء
* قال رسول الله 6 لعليّ 7
: إنَّ الله عزّ وجلّ أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين ، ثمَّ اطَّلع
الثانية فاختارك على رجال العالمين ، ثمَّ اطلع الثالثة فاختار الأئمَّة من ولدك
على رجال العالمين ، ثمَّ اطَّلع الرابعة فاختار فاطمة على نساءِ العالمين .
* قال رسول الله 6 : ليلة عرج بي إلى السماء رأيت على باب
الجنَّة مكتوباً : لا
__________________
إله إلاَّ الله ،
محمَّد رسول الله ، عليٌّ حبيب الله ، والحسن والحسين صفوة الله ، فاطمة خيرة الله
، على باغضهم لعنة الله .
في وجوب إطاعتها على الكائنات
* عن أبي جعفر 7 في حديث طويل : ولقد كانت 3 مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من
الجنِّ والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة ـ الحديث .
* عن محمَّد بن سنان قال : كنت عند أبي
جعفر الثاني 7 فأجريت
اختلاف الشيعة ، فقال : يا محمَّد إنَّ الله تبارك وتعالى لم يزل متفرِّداً
بوحدانيَّته ، ثمَّ خلق محمَّداً وعليّاً وفاطمة ، فمكثوا ألف دهر ، ثُمَّ خلق
جميع الأشياء فأشهدهم خلقها ، وأجرى طاعتهم عليها ، وفوّض أمورها إليهم ، فهم
يحلّوُن ما يشاؤون ، ويحرِّمون ما يشاؤون ، ولن يشاؤوا إلاّ أن يشاء الله تبارك
وتعالى. ثُمَّ قال : يا محمَّد ، هذه الديانة التي من تقدَّمها مرق ، ومن تخلَّف عنها محق ، من لزمها لحق
، خذها إليك يا محمَّد .
قال العلامة المجلسيُّ في شرح هذا
الحديث : « فأشهدهم خلقها » ، أي خلقها بحضرتهم وهم يطّلعون على أطوار الخلق
وأسراره. « وأجرى طاعتهم عليها » أي أوجب على جميع الأشياء طاعتهم حتّى الجمادات
والسماويّات والأرضيات. « وفوّض أمورها إليهم » من التحليل والتحريم والعطاء
والمنع ، وإن كان ظاهره تفويض تدبيرها إليهم من الحركات والسكنات والأرزاق
والأعمار وأشباهها .
* عن أبي سعيد الخدريِّ قال : كنّا
جلوساً عند رسول الله 6
إذا قبل إليه رجل فقال : يا رسول الله أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ لإبليس : «
أستكبرت أم كنت من
__________________
العالمين » ، من هم يا رسول الله الّذين هم أعلى
من الملائكة المقرَّبين ؟ فقال رسول الله 6
: أنا وعليُّ وفاطمة والحسن والحسين ، كنّا في سرادق العرش نسبِّح الله فسبَّحت
الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق الله عزّ وجلّ آدم بألفي عام ، فلمّا خلق الله عزّ
وجلّ آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له ، ولم يؤمروا بالسُّجود إلاّ لأجلنا ، فسجدت
الملائكة كلُّهم أجمعون إلاّ إبليس أبي أن يسجد ، فقال الله تبارك وتعالى : ( يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا
خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ
) أي من هؤلاء
الخمسة المكتوبة أسماؤهم في سرادق العرش. فنحن باب الله الَّذي يؤتى منه ، وبنا
يهتدي المهتدون ، فمن أحبَّنا أحبَّه الله وأسكنه جنَّته ، ومن أبغضنا أبغضه الله
وأسكنه ناره ، ولا يحبُّنا إلاّ من طاب مولده .
في
ركوبها يوم القيامة
* عن النبيّ 6 : يبعث الله الأنبياء يوم القيامة على
الدوابِّ ، ويبعث صالحاً على ناقته كيما يوافي بالمؤمنين من أصحابه المحشر ، وتبعث
فاطمة ، والحسن والحسين :
على ناقتين من نوق الجنَّة ، وعليَّ بن أبي طالب على ناقتي ، وأنا على البراق ،
ويبعث بلالاً على ناقته فينادي بالأذان ـ الحديث .
في تكلُّمها في بطن أُمِّها
* عن بعض الرواة الكرام : إنَّ خديجة
الكبرى ـ رضي الله عنها ـ تمنَّت يوماً من الأيّام على سيِّد الأنام أن تنظر إلى
بعض فاكهة دار السَّلام ، فأتى جبرئيل إلى المفضَّل على الكونين من الجنَّة
بتفّاحتين وقال : يا محمَّد ، يقول لك من جعل لكلِّ شيء قدراً :
__________________
كُلْ واحدة وأطعم
الاُخرى لخديجة الكبرى ، فاغشها ، فإنّي خالق منكما فاطمة الزهراء. ففعل المختار
ما أشار به الأمين وأمر. فلمّا سأله الكفّار أن يريهم انشقاق القمر ـ وقد بان
لخديجة حملها بفاطمة وظهر ـ قالت خديجة : واخيبة من كذَّب محمَّداً وهو خير رسول
ونبيِّ ! فنادت فاطمة من بطنها : يا أمّاه لا تحزني ولا ترهبي فإنَّ الله مع أبي ـ
الخبر .
في كونها تحت قبّة العرش
* قال رسول الله 6 : أنا وعليُّ وفاطمة والحسن والحسين
يوم القيامة في قبَّة تحت العرش. قلت « الحافظ الكنجيُّ » ما كتبناه إلاّ من هذا
الوجه «السند المذكور فيه » وهو حديث حسن عال .
في ثواب السلام عليها
* عن يزيد بن عبد الملك النوفليَّ ، عن
أبيه ، عن جدِّه قال : دخلت على الفاطمة بنت رسول الله 6 ، قال : فبدأتني بالسَّلام ، قال :
وقالت : قال أبي ـ وهو ذا حيُّ ـ من سلَّم عليَّ وعليك ثلاثة أيّام فله الجنَّة.
قلت لها : ذا في حياته وحياتك أو بعد موته وموتك ؟ قالت : في حياتنا وبعد وفاتنا .
* عن ابن عبّاس قال : لمّا ولدت فاطمة
بنت النبيَّ 6 سمّاها
المنصورة ، فنزل جبرئيل 7
فقال : الله يقرئك السَّلام ويقرئ مولودك السَّلام .
__________________
في نزول حنوطها من الجنّة
* عن ابن سنان رفعه قال : السُّنة في
الحنوط ثلاثة عشر درهماً وثلث. قال محمّد بن أحمد : ورووا أنَّ جبرئيل 7 نزل على رسول الله 6 بحنوط ، وكان وزنه أربعين درهماً ،
فقسمه رسول الله 6
ثلاثة أجزاء : جزءاً له ، وجزءاً لعليّ ، وجزءاً لفاطمة صلوات الله عليهم أجمعين .
اشتراكها معهم في الحرب والسلم
* عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : نظر
النبيُّ 6 إلىٰ
الحسن والحسين وفاطمة فقال : أنا حرب لمن حاربكم ، وسلم لمن سالمكم .
أقول : ولمّا جرَّ البحث بنا إلى هنا
ينبغي لنا أن نورد شيئاً من الأخبار ثمَّ من الكلام حول المسألة إتماماً للفائدة
وإيفاءً لبعض حقّها 3
فنقول :
عن مجاهد : خرج النبيُّ 6 وهو آخذ بيد فاطمة ، فقال : « من عرف
هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمَّد ، وهي بضعة منِّي ، وهي قلبي
، وهي روحي الَّتي بين جنبيَّ ، من آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله » .
وعنه 6
إنَّما فاطمة حذيةٌ
منِّي ، يقبضني ما يقبضها.
وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول
الله 6 إنَّ فاطمة
شعرة منِّي ، فمن آذى شعرة منِّي فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى
الله لعنه الله مِلْ السماوات والأرض .
وعن ابن عباس قال : قال 6
: يا عليُّ إنَّ فاطمة بضعة منِّي ، هي نور عيني وثمرة فؤادي ، يسوءني ما ساءَها
ويسرُّني ما سرَّها ، وإنها أوّل من يلحقني من
__________________
أهل بيتي ، فأحسن
إليها من بعدي ، والحسن والحسين فهما ابناي وريحانتاي ، وهما سيدا شباب أهل الجنَّة
، فليكونا عليك كسمعك وبصرك. ثمَّ رفع 6
يديه إلي فقال : اللّهمَّ إنِّي أُشهدك أنّي محبُّ لمن أحبَّهم ، مبغض لمن أبغضهم
، سلم لمن سالمهم ، حرب لم حاربهم ، عدوٌّ لمن عاداهم ، وليٌّ لمن والاهم . وقال رسول الله 6 : إنَّما فاطمة بضعة منّي ، يسوءني ما ساءها
. وعن عليّ 7 إنَّ الله عزّ وجلّ ليغضب لغضب فاطمة ،
ويرضى لرضاها .
وعنه 7
: يا فاطمة إنَّ الله ليغضب لغضبك ، ويرضى لرضاك . وإنَّ رسول الله 6 قال : فاطمة بضعة منِّي ، فمن أغضبها
أغضبني .
وقال 7 : إنّما
فاطمة بضعة منِّي ، يؤذيني ما آذاها .
وعنه 7 : فإنَّما
ابنتي بضعة منِّي ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها وعنه 7
: إنَّ فاطمة بنت محمّد مضغة منّي .
وعنه 7 : « إنّما
فاطمة بضعة منِّي ، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها ». هذا حديث صحيح على شرط
الشيخين ولم ـ يخرجاه .
وعنه 7 : إنَّما
فاطمة مضغة منِّي ، فمن آذاها فقد آذاني .
وعنه 7 : فاطمة
بضعة منّي ، يسعفني ما أسعفها .
وعنه 7 : فاطمة
شجنة منّي ، يبسطني ما يبسطها ، ويقبضني ما يقبضها .
__________________
اشتراكها معهم في تكوّن الميزان
قال رسول الله 6 : أنا ميزان العلم ، وعليّ كفّتاه
والحسن والحسين خيوطه ، وفاطمة علاقته ، والأئمَّة من أمّتي عموده ، يوزن فيها
أعمال المحبّين لنا والمبغضين لنا .
اشتراكها معهم في قصّة سفينة نوح 7
* عن النبيّ 6 أنه قال : لمّا أراد الله عزّ وجلّ أن
يهلك قوم نوح 7
أوحى الله إليه أن شقّ ألواح الساج. فلمّا شقّها لم يدر ما صنع ، فهبط جبرئيل 7 فأراه هيئة السفينة ومعه تابوت فيه
مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار. فسمر المسامير كلّها في السفينة إلى أن
بقيت خمسة مسامير ، فضرب بيده إلى مسمارٍ منها ، فأشرق في يده وأضاء كما يضيء
الكوكب الدرّيّ في أفق السماء ، فتحّير من ذلك نوح ، فأنطق الله ذلك المسمار بلسان
طلقٍ ذلق فقال : أنا على اسم خير الأنبياءِ محمّد بن عبد الله 6.
فهبط جبرئيل 7 فقال له : يا جبرئيل ، ما هذا المسمار
الّذي ما رأيت مثله ؟ قال : هذا باسم خير الأولين والآخرين محمّد بن عبد الله 7 ، أسمره في أوّلها على جانب السفينة
الأيمن. ثمّ ضرب بيده على مسمار ثانٍ ، فأشرق وأنار ، فقال نوح 7 : وما هذا المسمار ؟ قال : مسمار أخيه
وابن عمه عليّ بن أبي طالب ، فأسمره على جانب السفينة اليسار في أوّلها. ثمّ ضرب
بيده على مسمار ثالثٍ ، فزهر وأشرق وأنار ، فقال له جبرئيل 7 : هذا مسمار فاطمة 3 ، فأسمره إلىٰ جانب مسمار أبيها 6. ثمّ ضرب بيده إلىٰ مسمار رابع
فزهر وأنار ، فقال له : هذا مسمار الحسن 7
فأسمره إلى جانب مسمار أبيه 7.
ثمّ ضرب بيده إلىٰ مسمار خامس ، فأشرق وأنار وبكٰى وأظهر النداوة ، فقال : يا جبرئيل ما هذه النداوة ؟
فقال : هذا مسمار الحسين بن عليّ سيّد
__________________
الشهداء ، فأسمره
إلىٰ جانب مسمار أخيه.
ثمّ قال النبيّ 6 قال الله تعالىٰ : ( وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ
وَدُسُرٍ )
، قال
النبيُّ 6 : الألواح
خشب السفينة ، ونحن الدسر ، ولولانا ما سارت السفينة بأهلها .
توسّل زكريّا بها 8
* عن مولانا المهديّ 7 في جواب سعد بن عبد الله في حديث طويل
: إنّ زكريّا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة ، فأهبط عليه جبرئيل 7 فعلّمه إيّاها. فكان زكريّا إذا ذكر
اسم الحسين خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة .
فقال ذات يوم : إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي ،
وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي ؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصَّته
وقال : « كهيعص »
فالكاف اسم كربلاء ، والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد وهو ظالم الحسين ، والعين
عطشه ، والصاد صبره. فلّما سمع ذلك زكريّا 7
لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ، ومنع فيها الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء
والنحيب ، وكانت ندبته : « إلهي ، أتفجع خير خلقك بولده ؟ أتنزل بلوىٰ هذه
الرزيّة بفنائه ؟ إلهي أتلبس عليّاً وفاطمة ثياب هذه المصيبة ؟ أتحلّ كربة هذه
الفجيعة بساحتهما » ؟ ثمّ كان يقول : « إلهي ارزقني ولداً تقرُّ به عيني على الكبر
، اجعله وارثاً وصيّاً ، واجعل محلّه منّي محلّ الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتنّي
بحبّه ، ثمّ افجعني به كما تفجع محمّداً حبيبك بولده » ، فرزقه الله يحيى 7 ، وفجعه به. وكان حمل يحيى 7 ستّة أشهر وحمل الحسين 7 كذلك .
__________________
تحيّة الله تعالى إيّاها معهم بتفّاحة
* عن ابن عبّاس قال : كنت جالساً بين
يدي رسول الله 6
ذات يوم وبين يديه عليُّ وفاطمة والحسن والحسين :
إذ هبط جبرائيل ومعه تفّاحة فيحّى بها النبيّ 6
فتحيّى بها ، وحيّى بها عليّ بن أبي طالب 7
فتحيّى بها وقبّلها وردّها إلى رسول الله 6
فتحيّى بها ، وحيّى بها الحسين فتحيّى بها وقبّلها وردّها إلى رسول الله 6 فتحيّى بها ، وحيّى بها فاطمة 3 فتحيّت بها وقبلتها وردّتها إلى رسول
الله 6 فتحيّى بها
الرابعة وحيّى بها عليّ بن أبي طالب 7
فتحيّى بها ، ولمّا همّ أن يردّها إلى رسول الله 6
سقطت التفّاحة من بين أنامله فانفلقت نصفين فسطع منها نور حتّى بلغ السماء الدنيا
، فاذا عليها سطران مكتوبان : « بسم الله الرحمن الرحيم ، تحيّة من الله تعالى إلى
محمد المصطفى ، وعليّ المرتضى ، وفاطمة الزهراء ، والحسن والحسين سبطي رسول الله ،
وأمان لمحبيّهم يوم القيامة من النار » .
عرض حبّها على البريّة
* قال النبيّ 6 : إنّ الله له الحمد عرض حبّ عليّ
وفاطمة وذرّيتها على البريّة ، فمن بادر منهم بالإجابة جعل منهم الرسل ، ومن أجاب
بعد ذلك جعل منهم الشيعة ، وإن الله جمعهم في الجنّة .
اشتراكها معهم في الصلوات
* عن كعب بن عجرة قال : لمّا نزلت هذه
الآية ( إِنَّ اللهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا
عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
) قلنا : يا رسول الله قد علمنا
__________________
كيف نسلّم عليك ،
كيف نصلّي عليك ؟ فقال : قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ـ إلى آخره.
وفي رواية الحاكم : فقلنا : يا رسول
الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت ؟ قال : قولوا : اللّهم صلِّ على محمّد وعلى آل
محمّد ـ إلى آخره.
ويروىٰ : لا تصلّوا عليّ الصلاة
البتراء ، فقالوا : وما الصلاة البتراء ؟ قال : تقولون : اللّهم صلّ على محمّد ،
وتسكتون ، بل قولوا : اللّهم صلِّ على محمَّد وعلى آل محمَّد ... فقيل له من أهلك يا رسول الله ؟
قال : عليّ وفاطمة والحسن والحسين .
وقال العلاّمة المحقّق المولى أحمد الأردبيليّ : واعلم أنّه قد ادّعى المصنّف «
العلامة الحلّي ـ ره » في « المنتهى » : إجماع علمائنا أيضاً على وجوب الصلاة على
آله : ، وأن
المجزّي من الصلاة على النبيّ 6
أن يقول : « اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ». ويدلُّ عليه أيضاً ما روي عن طريقهم
عن كعب الأحبار في كيفية الصلاة عليه حيث قال : قد عرفنا السلام عليك ، فكيف الصّلاة
؟ قال : اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمّد. والعجب أنّهم يحذفون الآل ويتركون هذا
المنقول حتّى في هذا الخبر. ويقولون : قال : صلّى الله عليه. أفاده بعض السادة 4 وهو سيّد حسن السفطي. ويدلّ على ذلك
غيره أيضاً ، والظاهر أنّ المراد بآله ـ صلوات الله عليه وآله ـ الأئمّة مطلقاً
وفاطمة 3 حقيقة لا
تغليباً ، يدلّ عليه وضع الآل لغة ثمّ عرفاً أيضاً ، وبعض الأخبار أيضاً ، ولا يدل
على الاختصاص بأمير المؤمنين وفاطمة وولديهما ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ الروايات
الواقعة في سبب نزول آية التطهير ، لأنّهم كانوا موجودين في ذلك الزمان ، والحصر
كان إضافيّاً حيث يقول لبعض نسائه : إلى خير. ولهذا أثبت الأصحاب عصمتهم بالآية ،
فلا ينبغي قول المحقّق الثاني والشهيد الثاني .
وقال العلامة الأمينيُّ : أخرج الديلميُّ
أنّه 6 قال :
الدعاء محجوب حتّى يصلّى على محمد وأهل بيته : اللّهمّ صلِّ على محمد وآله. ورواه
عنه ابن حجر في « الصواعق »
__________________
ص ٨٨. وأخرج
الطبراني في « الأوسط » عن عليّ أمير المؤمنين 7
: كلّ دعاء محجوب حتّى يصلّى على محمّد وآل محمّد. وذكره الحافظ الهيثمي في « مجمع
الزوائد » ج ١ ، ص ١٦٠. وقال : رجاله ثقات. وأخرج البيهقيّ وابن عساكر وغيرهما عن
عليّ 7 مرفوعاً ما معناه
: الدعاء والصلاة معلّق بين السماء والأرض لا يصعد إلى الله منه شيء حتّى يصلّي
عليه ـ صلّى الله عليه ـ وعلى آل محمّد. ـ « شرح الشفا » للخفاجي ، ج ٣ ، ص ٥٠٦ .
وقال الرازي في تفسيره الكبير : وأنا
أقول : آل محمّد 9
هم الّذين يؤول أمرهم إليه ، فكلّ من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل. ولا
شكّ أنّ فاطمة وعليّاً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول الله 6 أشدّ التعلّقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل
المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل .
وقال أيضاً : أنّ أهل بيته 6 يساوونه في خمسة أشياء : في السلام ،
قال : السلام عليك أيّها النبيّ ؛ وقال : (
سَلامٌ
عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ ) « الصافّات ، ١٣٠ » ، وفي الصلاة عليه
وعليهم في التشهد ، وفي الطهارة ، قال تعالى : « أي يا طاهر. وقال : ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
) « الأحزاب ،
٣٣ » وفي تحريم الصدقة وفي المحبّة ، قال تعالى : (
فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) « آل عمران ، ٣١ ». وقال : ( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ
المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ
) « الشورىٰ
، ٢٣ ».
وقال ابن حجر : صحّ عن كعب بن عجرة قال
: لمّا نزلت هذه الآية (
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
) قلنا : يا
رسول الله ، قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلّي عليك ؟ فقال : قولوا : اللّهمّ
صلِّ على محمد وآل محمّد ـ إلى آخره. فسؤالهم بعد نزول الآية وإجابتهم باللّهمّ
صلّ على محمّد وعلى آل محمد ـ إلى آخره دليل ظاهر على أنّ الأمر بالصلاة على أهل
بيته وآله عقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر ؛ فلمّا أُجيبوا به دلّ على أنّ الصلاة
عليهم من جملة المأمور به ، وأنّه 6
أقامهم في ذلك مقام نفسه ، لأنّ القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه ، ومنه تعظيمهم.
ومن ثَمَّ لمّا
__________________
أدخل من مرّ في
الكساء قال : اللّهمّ إنّهم منّي وأنا منهم ، فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك عليّ
وعليهم. وقضيّة استجابة هذا الدعاء أنّ الله صلّى عليهم معه ، فحينئذٍ طلب من
المؤمنين صلواتهم عليهم معه.
ويروىٰ : لا تصلّوا عليّ الصلاة
البتراء ، فقالوا : وما الصلاة البتراء ؟ قال تقولون : اللّهم صلّ على محمّد ،
وتمسكون ، بل قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد .
خامساً
: صدر من الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في التوقيع المعروف الذي يقول
فيه.
«
ولولا ما عندنا من محبة صَلاحَكُمْ ورحمتِكم والإشفاق عليكم لكُنا عن مخاطبتكم في
شغل ، مما قد امتحنا من منازعة الظالم الضال المتابع في غيِّه ، المُضاد في لربِّه
، المدعي ما ليس له ، الجاحد حقَّ من إفترض الله طاعته ، الظالم الغاصب ، وفي ابنة
رسول الله 6 لي أسوة حَسَنة وسيروى
الجاهل رداءة عمله ، وسيعلم الكافر لمن عقبىٰ الدار »
.
انظر من خلال فهم مدلول كلمة أسوة حسنة
كيف جعل الإمام المهدي « عج » جدتهُ الزهراء 3
اسوة حسنة في كل اموره وبحيث يجيب أحد شيعته من خلال بعض المسائل ويذكر له في
التوقيع الشريف الصادر منه انه يقتدي بجدته الزهراء 3
وجعلها قدوة له في حياته وله فيها اسوة حسنة كما لنا اسوة حسنة برسول الله وأهل
بيته الطيبين الطاهرين.
فاطمة 3
والمعاد
من الأمور المهمة والقضايا الحساسة في
حياة الفرد المؤمن هو مسألة يوم القيامة ـ المعاد ـ حيث نرىٰ الكثير من
الناس عندما يسمعون المعاد ويوم القيامة واليوم الآخر يأنون من ذكره حيث هناك
تلاقي البشر مع خالقهم والوقوف بين يديه للحساب ،
__________________
ولا شك ولا ريب انّ
الكثير من الناس يخافون عدل الله تعالىٰ ويطلبون منه ان يحاسبهم برحمته لا
بعدله لأنه لو يحاسبهم الله تعالىٰ بعدله لما ترك عليها من دابة ، لذا نجد
من خلال القرآن الكريم والروايات الشريفة إنَّه من ظاهر رحمته الله تعالىٰ
يوم القيامة هو إعطاءه الشفاعة لبعض أولياؤه حيث تعتبر الشفاعة مظهر من ظاهر رحمة
الله لكي يبين الله تعالى قدرة ومنزلة ومقام العبد المؤمن ذلك اليوم ـ أي يوم الحساب
ـ ومن هنا نجد إن من الذين تشملهم العناية الربانية في الشفاعة يوم القيامة هم آل
الرسول 6 وهذا ما
أثبتته الكثير من الآيات والروايات ولا نريد الوقوف الطويل مع هذه الآيات
والروايات بل نقف مع أحد دعائم أهل بيت النبوة والمتمثلة في الصديقة الطاهرة فاطمة
الزهراء 3 تلك هي بضعة
الرسول وريحانته وزوجة الوصي المرتضىٰ وأُم الحسنين ، وهذه الشفاعة التي
نتكلم عنها هي نموذج من يوم المعاد الذي سوف تجتمع به الخلائف ، وبذلك تكون
الشفاعة جزءاً مهماً بل هو الامل الوحيد للخلائق يوم القيامة. اذن الشفاعة مظهر من
مظاهر رحمة الله تعالىٰ ومظهر من مظاهر المعاد ، ونحن نجد من خلال إستقراء
الروايات الشريفة الواردة في مقام الشفاعة يوم القيامة هو الشفاعة التي تعطي
للزهراء 3 ، وعليه
تكون الزهراء مرتبطة إرتباط وثيق بيوم القيامة والمعاد الذي نؤوب إليه ، أما كيف
نثبت أن لها هذا الإرتباط من خلال الروايات الشريفة فهذا ما تبينه بعض النصوص
الواردة عن أهل البيت النبوة :
فهلم معي الىٰ ذكر بعض هذه النصوص الشريفه التي تثبت إرتباط الصديقة الشهيدة
بيوم المعاد :
* عن أبو القاسم العلوي الحسني ـ معنعناً
ـ عن ابن عباس : «
إذا كان يوم القيامة نادىٰ مناد : يا معشر
الخلائق ، غضوا أبصاركم حتىٰ تمر فاطمة بنت محمد 6
... فيجوزون بها الصراط حتىٰ ينتهون بها إلى
الفردوس فيتباشر فيها أهل الجنان ... فتجلس علىٰ كرسي من نور ويجلس
حولها ، ويبعث إليها ملك لم يبعث إلىٰ أحد قبلها ولا يبعث
الىٰ أحد بعدها فيقول : إن ربك يقرئك السلام ويقول
: سليني أعطيك ؛ فتقول قد أتم عليّ نعمته ، وهنأني كرامته وأباحني جنته ، أسأله
ولدي وذريتي ومن ودهم بعدي ، وحفظهم من بعدي ، فيوحي الله إلي الملك من غير أن يزول
من
مكانه
: أن سرّها وبشّرها أنّي قد شفعتها في ولدها ومن ودهم بعدها وحفظهم فيها. فتقول :
الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وأقر عيني ».
قال جعفر : كان أبي يقول : كان إبن عباس
إذا ذكر هذا الحديث تلا هذه الآية (
وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ ) .
* عن الحسن بن سعيد ـ معنعنا ـ عن جعفر
، عن أبيه 7 قال : قال
رسول الله 6 : إذا كان يوم القيامة
نادىٰ مناد من بطنان العرش : يا معشر الخلائق. غضوا أبصاركم حتى تمر بنت
حبيب الله إلىٰ قصرها « فتمر إبنتي فاطمة وعليها » ويطتان خضروان حواليها
سبعون الف حوراء ، فإذا بلغت إلىٰ باب قصرها وجدت الحسن قائماً والحسين
نائماً مقطوع الرأس ، فتقول للحسن : من هذا ؟ فيقول : هذا أخي إنّ أُمة نبيك قتلوه
وقطعوا رأسه. فيأتيها النداء من عند الله : يا بنت حبيب الله إني إنما « » ما فعلت
به أُمة أبيك لأني أدخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه ، إني جعلت تعزيتك اليوم أني
لا أنظر في محاسبة العباد حتى تدخل الجنَّة أنت وذريتك وشيعتك قبل أن أنظر بمحاسبة
العباد ، فتدخل فاطمة ابنتي الجنة وذريتها وشيعتها ومن أولاها معروفاً ممن ليس من
شيعتها ، فهو قول الله عزّ وجلّ : ( لا يَحْزُنُهُمُ
الْفَزَعُ الأَكْبَرُ ) قال : هول يوم القيامة ( وَهُمْ فِي
مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ) هي والله ـ فاطمة
وذريتها وشيعتها ومن أولاهم معروفاً ممن ليس هو من شيعتها
.
* روي عن سلمان قال : أتيت ذات يوم منزل
فاطمة 3 ـ في حديث
إلى أن قال ـ قال 6
: والذي
بعثني بالرسالة وإصطفاني بالنبوه قد حرم الله تعالىٰ النار علىٰ لحم
فاطمة ، ودمها ، وشعرها ، وعصبها وعظمها وذريتها وشيعتها. أن من نسل فاطمة من
تطيعه النار ، والشمس والقمر والنجوم والجبال وقد ضرب الجن بين يديه بالسيف ويوافي
إليه الانبياء بعهودهم وتسلم إليه الأرض كنوزها وينزل عليه من السماء بركات ما
فيها ، الويل لمن شك في فضل فاطمة لعن الله من يبغضها ،
__________________
ويبغض
بعلها ولم يرضىٰ بأمامة ولدها ، إن لفاطمة يوم القيامة موقفاً وإن فاطمة
تدعىٰ وتكسىٰ وتشفع ، فتشفع علىٰ رغم كل راغم .
*
عن علي 7 : دخلت يوماً منزلي
فإذا رسول الله 6 جالس والحسن عن يمينه
، والحسين عن يساره ، وفاطمة بين يديه ، وهو يقول : يا حسن ويا حسين ، أنتما كفتا
الميزان وفاطمة لسانه ، ولا تعدل الكفتان إلا باللسان ولا يقوم اللسان إلا علىٰ
الكفتين ... إنتما الإمامان ولأمّكما الشفاعة .
*
وقد ورد في الخبر أنها لما سمعت بأن أباها زوجها وجعل الدراهم مهراً لها ، قالت يا
رسول الله ، إن بنات الناس يتزوجن بالدراهم فما الفرق بيني وبينهن ، أسألك أن
تردها وتدعوا الله أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أُمتك ؛ فنزل جبريل 7
ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها : جعل الله مهر فاطمة الزهراء 3
شفاعة المذنبين من أُمة أبيها ؛ فلما إحتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها
تحت الكفن فوضعت ، وقالت : إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي ، وشفعت في
عصاة أُمّة أبي .
وكثيرة هي الروايات التي ثبتت شفاعة
فاطمة 3 للشيعة
والمحبين والمذنبين من أمة محمد 6
، هذه تدل دلالة واضحة على ارتباط الزهراء سلام الله عليها بيوم المعاد وان لها
منزلة وكرامة على الله تعالى في ذلك اليوم.
لابد أن ترد القيامة فاطم
|
|
وقميصها بدم الحسين ملطخ
|
ويل لمن شفعاؤه وخصمائه
|
|
والصور في يوم القيامة ينفخ
|
__________________

فاطمة 3
وحديث الكساء الشريف
للسيد محمد مهدي القزويني
الحلي
روت لنا فاطمة خير النسا
|
|
حديث أهل الفضل أصحاب الكسا
|
تقول : أن سيد الانام
|
|
قد جاءني يوما من الايام
|
فقال لي : اني أرى في بدني
|
|
ضعفا اراه اليوم قد أنحلني
|
قومي عليّ بالكسا اليماني
|
|
وفيه غطيني بلا تواني
|
قالت فجئته وقد لبيته
|
|
مشرعة وبالكساء غطيته
|
وكنت أرنو وجهه كالبدر
|
|
في أربع بعد ليال عشر
|
فما مضى إلاّ يسير من زمن
|
|
حتى أتى أبو محمد الحسن
|
فقال : يا أماه اني اجد
|
|
رائحة طيبة أعتقد
|
بأنها رائحة النبي
|
|
أخي الوصي المرتضى علي
|
قلت : نعم ها هو ذا تحت الكسا
|
|
مدثر به ، مغطى واكتسى
|
فجاء نحوه ابنه مسلما
|
|
مستأذنا قال له : ادخل مكرما
|
فما مضى إلاّ القليل الا
|
|
جاء الحسين السبط مستقلا
|
فقال يا أم أشم عندك
|
|
رائحة كأنها المـسك الذكي
|
وحق من اولاك منه شرفا
|
|
أظنها ريح النبي المصطفى
|
قلت : نعم تحت الكسا هذا
|
|
بجنبه أخوك فيه لاذا
|
فأقبل السبط له مستأذنا
|
|
مسلما قال له : ادخل معنا
|
وما مضى من ساعة إلاّ وقد
|
|
جاء أبوهما الغضنفر الاسد
|
أبو الأئمة الهداة النجبا
|
|
المرتضى رابع اصحاب الكسا
|
فقال يا سيدة النساء
|
|
ومن بها زوجت في السماء
|
اني اشم في حماك رائحة
|
|
كأنها الورد الندي فايحة
|
يحكي شذاها عرف سيد البشر
|
|
وخير من لبى وطاف واعتمر
|
قلت نعم : تحت الكساء والتحفا
|
|
وضم شبليك وفيه اكتنفا
|
فجاء يستأذن منه سائلا
|
|
منه الدخول قال : فادخل عاجلا
|
قالت : فجئت نحوهم مسلمة
|
|
قال : ادخلي محبوة مكرمة
|
فعندما بهم أضاء الموضع
|
|
وكلهم تحت الكساء اجتمعوا
|
قال الامين : قلت : يا رب ومن
|
|
تحت الكسا ؟ بحقهم لنا أبن
|
فقال لي : هم فاطمة وبعلها
|
|
والمصطفى والحسنان نسلها
|
قال علي : قلت : يا حبيبي
|
|
ما لجلوسنا من النصيب ؟
|
قال النبي والذي اصطفاني
|
|
وخصني بالوحي واجتباني
|
ما أن جرى ذكرٌ لهذا الخبر
|
|
في محفل الاشياع خير معشر
|
إلاّ وأنزل الاله الرحمة
|
|
وفيهم حفت جنود جمة
|
من الملائك الذين صدقوا
|
|
تحرسهم في الدهر ما تفرقوا
|
كلا وليس فيهم مغموم
|
|
إلاّ وعنه كشفت هموم
|
كلا ولا طالب حاجة يرى
|
|
قضاؤها عليه قد تعسرا
|
إلاّ قضى الله الكريم حاجته
|
|
وانزل الرضوان فضلا ساحته
|
قال علي نحن والاحباب أشياعنا
|
|
الذين قدما طابوا
|
فزنا بما نلنا ورب الكعبة
|
|
فليشكرن كل فردٍ ربه
|
يا عجبا يستأذن الامين
|
|
عليهم ويهجم الخؤون
|
قال سليم قلت : يا سلمان
|
|
هل دخلوا ولم يك استئذان
|
فقال : أي وعزة الجبار
|
|
ليس على الزهراء من خمار
|
لكنها لاذت وراء الباب
|
|
رعاية للستر والحجاب
|
فمذ رأوها عصروها عصرة
|
|
كادت بروحي ان تموت حسرة
|
تصيح : يا فضة اسنديني
|
|
فقد وربي قتلوا جنيني
|
|
فأسقطت بنت الهدى واحزنا
|
|
|
جنينها ذاك المسمى محسنا
|
|
|
|
|
|
|
حديث الكساء الشريف
عَنْ
جابر بن عبد الله الانصاري قال سَمِعتُ فاطِمَةَ 3
أنَّها قالت : ( دَخَلَ عَليَّ أبي رَسُولُ الله في بَعضِ الأيّام فقال السَّلامُ
عليكِ يا فاطِمَةُ فَقُلتُ عليك السَّلامُ قالَ إني أَجدُ في بَدَني ضُعفاً فقُلتُ
له أُعيذكَ باللهِ يا أبتاهُ منَ الضُعفِ فَقالَ يا فاطِمَةُ اتيني بالكِساء اليَماني
فَغَطّيني به فأتَيتُهُ بالكساء اليَماني فَغَطّيتُهُ بِهِ وَصِرْتُ أنظُرُ إليه وَإذا
وَجْهُهُ يَتَلألَؤُ كأنَّهُ البَدْرُ في لَيلَةِ تَمامِهِ وَكماله فَما كانت إلاّ
ساعَةً وإذا بوَلدي الحَسَن قَدْ أقبلَ وقالَ السَّلامُ عليكِ يا أُمّاهُ فَقلتُ
وعليكَ السَّلامُ يا ولدي ويا قُرَّةَ عَيني وثَمرَةَ فُؤادي فَقالَ يا أُمّاهُ
إنّي أشَمُ عِندَكِ رائحةٌ طيّبَةً كأنَّها رائِحةُ جَدّي رَسُولِ الله 6
فقلتُ نَعَم إنَّ جَدَكَ تحت الكساء فأقبلَ الحَسَنُ نحوَ الكِساء وقالَ السّلامُ
عليكَ يا جَدّاه يا رسوُل الله أتأذنُ لي أن أدخُلَ معك تحت الكساء فَقال وعليك
السلام يا ولدي وصاحب حوضي قد اذنت لك فدخل معه تحت الكساء فما كانت إلاّ ساعة
واذا بولدي الحسين 7 قد اقبل وقال السلام
عليك يا اماه فقلت وعليك السلام يا ولدي ويا قرة عيني وثمرة فؤادي فقال لي يا اماه
اني اشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله فقلت نعم ان جدك واخاك تحت
الكساء فدنى الحسين نحو الكساء وقال السلام عليك يا جداه السلام عليك يا من إختاره
الله أتأذن لي أن أكون معكما تحت الكساء فقال وعليك السلام يا ولدي ويا شافع أُمتي
قَدْ أذنت لك فَدَخَلَ مَعَهُمَا تَحْتَ الكساء فأقبَلَ عندَ ذلك أبو الحسن علي بن
أبي طالب 7 وقال السلام عليكِ يا
بنت رسول الله فقلتُ وعليْكَ السلام يا أبا الحسن ويا أمير المؤمنين فقال يا فاطمة
إني أشمُّ عندك رائحة طيبة كأنَها رائحة أخي وابن عَمّي رَسولِ الله فَقُلْتُ نَعَمْ
هاهُوَ مَعَ وَلَدَيْكَ تَحْتَ الكساء فَأقْبَلَ عَلِيٌّ نَحْوَ الكساء وقالَ
السلام عَلَيْكَ يا رسول الله أتأذَنُ لي أن أكونَ مَعَكُمْ تَحتَ الكساء قالَ وعَلَيْكَ
السلام يا أخي وَيا وَصيّي وخَليفَتي وصاحِبَ لِوائي قَد أذِنتُ لَكَ فَدَخَلَ عَليٌّ
تَحْتَ الكساء ثُمَّ أتَيْتُ نَحْوَ الكِساء وَقُلْتُ السلام عليك يا أبَتاه يا رَسول
الله أتَأذن لي أن أكون مَعَكَمْ تَحْتَ الكساء قَالَ وعَلَيكِ السلام يا بنتي ويا
بضعتي قَدْ أذنت لَكِ فَدَخَلتُ تَحْتَ الكساء فَلَما إكتَمَلنا جَميعاً تَحْتَ
الكساء أخَذَ أبي رَسول الله بِطَرفي الكساء وأومئ بيده اليمنىٰ إلى السماء
وقال
اللهم
إنَّ هؤلاء أهلُ بيتي وخاصتي وحامّتي لحمهم لحمي وَدمهم دَمي يؤلمني ما يؤلمهم
ويحزنني ما يحزنهم أنا حربٌ لمن حاربهم وسلمٌ لمن سالمهم وَعَدوٌّ لمن عاداهم ومحب
لمن أحَبَهُم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك علي
وعليهم وأذهب عنهم الرجس وَطَهرهُم تطهيراً فقال الله عز وجل يا ملائكتي ويا سكان
سماواتي إني ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مَدحية وَلا قَمَراً منيراً ولا شمساً
مضيئة لا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فُلكاً يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة
الذين هم تحت الكساء فقال الأمين جبرائيل يا رَبِّ ومن تحت الكساء فقال عزّ وجلّ هم
أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها فقال جبرائيل يارب
أتأذن لي أن أهبط الى الأرض لأكون معهم سادساً فقال الله نعم قد أذنت لك فهبط
الأمين جبرائيل وقال السلام عليك يا رسول الله العلي الأعلىٰ يقرئك السلام
ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك وعزتي وجلالي إني ما خلقتُ سماءً مبنية ولا أرضاً
مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئةً ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً
يسري إلاّ لأجلكم ومحبتكم وقد أذن لي أن أدخل معكم فهل تأذن لي يا رسول الله فقال
رسول الله وعَليك السلام يا أمين وحي الله انه نعم قد أذنت لك فدخل جبرائيل معنا
تحت الكساء فقال لأبي ان الله قد أوحىٰ اليكم يقول إِنَّمَا يُرِيدُ
اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا فقال علي لأبي يا
رسول الله أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله فقال النبي 6
والذي بعثني بالحق نبيا وإصطفاني بالرسالة نجيّا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من
محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا الاّ ونزلت عليهم الرحمة وحفت بهم
الملائكة واستغفرت لهم الىٰ أن يتفرقوا فقال علي 7
إذاً والله فزنا وفاز شيعتنا ورب الكعبة فقال أبي رسول الله
6 يا علي والذي بعثني بالحق نبيا وإصطفاني
بالرسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمعٌ من شيعتنا
ومحبينا وفيهم مهموم إلاّ وفرج الله همه ولا مغموم إلاّ وكشف الله غمه ولا طالب
حاجة إلاّ وقضىٰ الله حاجته فقال علي 7
إذاً والله فزنا وسعدنا وكذلك شيعتنا فازوا وسُعِدُوا في الدُّنيا وَالاخرة ورب
الكعبة ).
البحث السادس
فاطمة 3
وحديث الكساء الشريف
يعتبر حديث الكساء من الأحاديث
النورانية الولائية والذي عَبَّر عن مدىٰ ارتباط أهل البيت : بالسماء وذلك من خلال المضامين العالية
التي وردت في طياته ، فما أدراك ما حديث الكساء وهل أتاك نبأه ! أنه الحديث المتصل
بين الأرض والسماء ، فقد وعته كواكب الكون ونجوم السماوات السبع وما زال الإنسان
في ريب من أمره ذلك إن الإنسان كان جهولا. لقد وعته قلوب المؤمنين وإفتدتهم قبل أن
تعيه أسماعهم لذا سوف نعيش في رحابه ونقف مع حلقاته ونستضيء من نوره ونستجلي
حقائقه ونحيا مع بركاته كي نصل الئ شاطي نور العلم والمعرفة تلكم هي معرفة نورانية
أهل البيت : ، فحديث
الكساء الشريف يعتبر مرسوم رباني قد قلده الله تبارك وتعالىٰ لنبيه الشريف
محمد 6 ولآله
الطيبين الطاهرين حيث جاء موضحاً لإرادة رب العالمين التي وسمت قوله تعالىٰ ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
) كل ذلك
حرصاً ومحبتاً من الله تعالىٰ للرسول ولأهل بيته : ولكي لا يُشرقُ الناس أو يغربوا ولا
تأخذهم الاهواء والميول والرغبات يميناً وشمالاً وحتىٰ لا يحَرّف المغرضون
هذه الآية المباركة العظيمة عن أهلها وأصحابها الحقيقيين الذي أرادهم رب العالمين
أطهاراً مطهرين يتولون قيادة الأُمة ويوضحون معالم طريقها بعد رسوله الكريم محمد 6. إن هذا الحديث يستحق منا أن نقف عنده
وقفة متأمله لكي ننفذ إلىٰ الأبعاد الانسانية والحقائق العلمية والمسائل
العقائدية التي يرمي اليها والنتائج الرائعة التي تترتب عليه فهو ليس مجرد حديث
يروىٰ لأجل أن نأخذ معلومة جامدة تتوقف عند حدود الحديث وظاهر الالفاظ بل
يجب أن نستشف المرامي الحضارية الكامنة خلف ألفاظه وكلماته ، لا سيما أن الله
سبحانه وتعالىٰ
قد ميزنا عن سائر
المخلوقات الاخرىٰ بأن وهب لنا عقلاً والهمنا كيف نستخدمه ونوظفه لخدمة
المجتمع والانسانية جمعاء لا أن نكون مجرد مخلوقات تأكل وتنام وتضاجع دون أن نعي
ما كان ويكون حولها.
وسيكون حديثنا حول هذا الحديث المبارك
في ثلاث وقفات :
الوقفة
الأولىٰ : ارتباط هذا الحديث بآية التطهير.
الوقفةالثانية
: سند هذا الحديث الشريف.
الوقفة
الثالثة : مضامين هذا الحديث المختلفة.
الوقفة الأولى
« حديث الكساء وآية التطهير »
ارتبط حديث الكساء الشريف بنزول آية
التطهير ارتباطاً وثيقاً حيث جاءت هذه الآية المباركة ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
) لتؤكد على
مسألة عصمة أهل البيت :
جميعاً بما فيهم فاطمة الزهراء 3
، والذي يهمنا في المقام هو عصمة فاطمة الزهراء 3
، أمّا مسألة البحث حول هذه الآية المباركة ودلالتها على عصمة أهل البيت : فهذا موكول إلى الكتب الكلامية الخاصة
بهذا الموضوع ، أمّا دلالة هذه الآية على عصمة فاطمة الزهراء 3 فهذا ما تجده من خلال الروايات التي
بينت من هم أهل البيت الذين عنتهم الآية المباركة وكيفية اشتراك الزهراء مع أهل
البيت في طهارتهم وعصمتهم ، أمّا الروايات فسنذكر بعضها بعدما أن نقف مع مفهوم أهل
البيت ، ومن المراد بهم فلربما يقول قائل إنّنا لا نؤمن بالروايات أو لا نقبل هذه
الروايات فنقول له تعال معنا لنقف سوية على مفهوم أهل البيت ومن المراد بهم ؟. إن
التعرف على مفهوم أهل البيت لغة والمقصود منه في هذه الآية المباركة يعد من
الأبحاث الضرورية في فهم مفاد هذه الآية فلقد ضلَّ
الكثير في تفسير هذه
الآية والمراد فيها من أهل البيت ولأجل ذلك نبحث اولا وقبل كل شيء هذا المفهوم لغة
علىٰ وجه يرفع الستار عن وجه الحقيقة.
مفهوم أهل البيت عند أهل اللغة
قد ورد لفظ أهل البيت في القرآن الكريم
مرتين احداهما في هذه الآية المرتبطة بحديث الكساء الشريف والأخرىٰ في قوله
تعالى ( قَالُوا أَتَعْجَبِينَ
مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ
) . ويمكن تحديد مفهوم الأهل من موارد
استعماله فيقال :
وهذه الموارد توقفنا علىٰ أن كلمة
أهل تستعمل مضافاً فيمن كان له علاقة قوية بمن أضيف إليه ، فأهل الأمر والنهىٰ
هم الذين يمارسون الحكم والبعث والزجر ، وأهل الانجيل هم الذين لهم اعتقاد به كأهل
الكتاب وأهل الإسلام.
وقد اتفقت كلمة أهل اللغة علىٰ أن
الأهل والآل كلمتان بمعنىٰ واحد قال ابن منظور : آل الرجل : أهله وآل الله
وآل رسوله : أولياؤه ، أصلها أهل ثم بدلت الهاء همزة فصارت في التقدير أأل فلما
توالت الهمزمان أبدلوا الثانية ألفاً. كما قالوا : آدم وآخر ، وفي الفعل آمن وآزر.
وقد انشأ عبد المطلب عند هجوم ابرهة على مكة المكرمة وقد أخذ حلقة باب الكعبة وقال
:
|
وانصر على آل الصليب
|
|
|
وعابديه اليوم آلك
|
|
وعلىٰ ما ذكرنا فهذا اللفظ إذا
أضيف الىٰ شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة
__________________
خاصة بالمضاف إليه ،
فأهل الرجل مثلاً أخص الناس به ، وأهل المسجد المترددون كثيراً إليه ، وأهل الغابة
القاطنون فيها ... فإذا لاحظنا موارد استعمال هذه الكلمة لا نتردد في شمولها
للزوجة والأولاد وبل غيرهم ممن تربطهم رابطة خاصة بالبيت من غير فرق بين الأولاد
والأزواج ولأجل ذلك ترىٰ أنّه سبحانه يطلقه علىٰ زوجة إبراهيم كما عرفت
في الآية هذا هو حق الكلام في تحديد مفهوم هذه الكلمة ولنأتي ببعض نصوص أئمة اللغة.
قال ابن منظور : أهل البيت سكانه وأهل
الرجل أخص الناس به وأهل البيت أزواجه وبناته وصهره أعني علياً 7 ، وقيل نساء النبي والرجال الذين هم
أهله .
فلقد أحسن الرجل في تحديد المفهوم ،
أولاً ، وتوضيح معناه في القرآن الكريم كما أشار بقوله : قيل : الىٰ ضعف
القول الآخر لأنه نسبه الىٰ القيل.
وقال ابن فارس ناقلاً عن الخليل ابن
أحمد : أهل الرجل زوجه والتأهل التزوج وأهل الرجل أخص الناس به وأهل البيت سكانه
وأهل الاسلام من يدين به .
وعلى ما ذكرنا فهذا اللفظ إذا أضيف الىٰ
شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة خاصة بالمضاف إليه فأهل الرجل مثلاً أخص الناس
به فاذا لاحظنا موارد استعمال هذه الكلمة لا نتردد في شمولها للزوجة والأولاد بل
وغيرهم ممن تربطهم رابطة خاصة بالبيت من غير فرق بين الأولاد والأزواج.
اذن هذه الكلمات ونظائرها بين أعلام
اللغة كلها تعرب عن أن مفهوم أهل البيت في اللغة هم الذين لهم صلة وطيدة بالبيت
وأهل الرجل من له صلة به بنسب أو سبب أو غيرهما ، وهناك إشكال من بعض المفسرين
الذين قالوا ان لفظ أهل البيت يطلق فقط علىٰ الزوجة ويستعمل في الأولاد
والأقارب تجوزاً أي يكون استعماله حقيقة في الزوجة ومجازاً في الأولاد والأقارب
وقد استدل هذا الذي أثار هذا الإشكال علىٰ ذلك عن طريق اثباته ذلك من القرآن
الكريم كما وردت هذه اللفظة ـ أهل البيت ـ في قصة إبراهيم بالبشرىٰ حيث قال
الله تعالى ( وَامْرَأَتُهُ
قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا
__________________
بِإِسْحَاقَ
وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ
* قَالَتْ
يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا
إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ
* قَالُوا
أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ
الْبَيْتِ )
. وفي قصة
موسىٰ 7 أيضاً : ( فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ
بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي
آنَسْتُ نَارًا ) .
فالمستشكل قال : إن الله استعمل هذه اللفظة على لسان ملائكته في زوجة إبراهيم 7 لا غيركما في الآية الأولىٰ
الخاصة بالبشرىٰ واستعمل الأهل في زوجة موسىٰ 7 وهي بنت شعيب كما في الآية ، إذن
فالمستشكل قال إن الأهل تطلق علىٰ الزوجة حقيقة ، وهذا مردود من عدة جهات :
أولاً
: تقدم علىٰ لسان أهل اللغة أن
لفظة أهل تطلق علىٰ أخص الناس بالزوج وهم الأولاد.
ثانياً
: ان كلامه غير صحيح من كون الأهل تطلق
حقيقة علىٰ الزوجة ومجازاً علىٰ الأولاد فنحن نقول له من أين إستظهرت
هذا ، فاذا قلت من آية البشرىٰ وآية موسىٰ فإنه مردود لأنه الاطلاق
هنا علىٰ كلمة الأهل ليس دليلاً على الانحصار ـ أي إنحصار اللفظة علىٰ
الزوجة فقط ..
ثالثاً
: إنَّ الآية في قصة إبراهيم قالت عليكم
أهل البيت ولم تقول الآية المباركة عليكِ لتكون ظاهرة في زوجته فقط كلمة أهل.
أمّا السؤال المهم في هذا المقام هو هل
أنَّ مفهوم ولفظ أهل البيت يطلق علىٰ الزوجة أو علىٰ الزوجة والأولاد ؟
وفيما نحن فيه هل هناك قرائن في آية التطهير أو قبلها أو بعدها تصرف هذا اللفظ
خاصة الىٰ أهل البيت الذين يقصد بهم علي وفاطمة والحسن والحسين : ، أم لا توجد قرائن ؟ والجواب علىٰ
ذلك : إن بعض من وقف مع هذه الآية المباركة ومدلولاتها قال ان المراد من أهل البيت
هم أزواجه ونسائه 6
والبعض الآخر قال إنَّ لفظ أهل البيت خاصة يطلق علىٰ بنت النبي 6 وصهره وولداهما الحسن والحسين :.
__________________
والحق مع من ذهب الىٰ القول
الثاني ـ علي وفاطمة والحسن والحسين ـ بدلالة عدة شواهد وقرائن حفت بالآية
المباركة سواء كانت قرائن حالية أو مقامية وإليك هذه القرائن.
١ ـ القرينة الأولىٰ اللام في أهل
البيت للعهد وبيان ذلك : إنَّ اللام قد يراد منها الجنس المدخول عليه مثل قوله
تعالىٰ (
إِنَّ
الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) ، وقد يراد من اللام الإستغراق مثل
قوله تعالىٰ (
يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ
) وقد يراد
منها باعتبار معهودية مدخولها بين المتكلم والمخاطب ، أمّا الأول والثاني من
الأقوال لا يمكن أن نحمل اللام عليهما أما القول الثالث فهو الحق لأنّ الله تعالى
إنما يريد إذهاب الرجس عن أهل بيت معهودين بين المتكلم والمخاطب ، وفمن هم هؤلاء
أهل البيت ؟!!
٢ ـ القرينة الثانية علىٰ أن
المراد من أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين هو تذكير الضمائر في الآية خلاف
الضمائر الاخرىٰ التي وردة في الآية المباركة حيث جاءت مؤنثة مثل وقلن ،
اتقيتن. فلا تخضعن ... الخ.
٣ ـ القرينة الثالثة : ـ هي ان الإرادة
وكما أثبتتها الكتب الكلامية هي الارادة التكوينية ... إنما يريد الله ـ لا
التشريعية فلا يصح حمل مفهوم أهل البيت على نساء النبي 6 إذ لم يدع أحد من المسلمين كونهن
معصومات من الذنب مطهرات من الزلل فلا مناص من تطبيقه علىٰ جماعة خاصه من
المنتمين إلىٰ البيت النبوي الذين تحقق فيهم تعلقهم بالاسباب والمقتضيات
التي تنتهي بصاحبها إلىٰ العصمة ولا ينطبق هذا إلا علىٰ الإمام علي
وفاطمة والحسن والحسين :.
وأضف الىٰ ذلك الىٰ أن
المراد من أهل البيت :
هم أصحاب الكساء الخمسة هو وقوف النبي 6
ستة أشهر علىٰ باب فاطمة ويناديهم بقوله تعالى ـ ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ
... ) ليوقضهم
للصلاة وليؤكد على حرمة أهل هذا البيت :
، وكذلك نزول آية التطهير في بيت فاطمة 3
حيث قالت دخل علي أبي وفيه دلالة علىٰ أن حديث الكساء كان في بيت فاطمة 3 خلاف ما يدعيه البعض أن حديث الكساء
كان في بيت أُم سلمة وكما سيأتينا هذا البحث.
إذن كان للنبي العناية الوافرة بتعريف
أهل البيت لم يرَ مثلها إلا في أقل الموارد حيث قام بتعريفهم بطرق مختلفة كما كان
المحدثين والمفسرين وأهل السّيَر والتأريخ لهم العناية الكاملة بتعريف أهل البيت : في مواضع مختلفة وحسب المناسبات التي
تقتضي طرح هذه المسألة وكذلك الشعراء المخلصين الاسلاميين الذين كان لهم العناية
البارزة ببيان فضائل أهل البيت وتعريفهم للناس والتصريح بأسمائهم علىٰ وجه
يظهر من الجميع اتفاقهم علىٰ نزول الآية في حق العترة الطاهرة.
أما الروايات الواردة في بيان من هم أهل
البيت : فنروي لك
شاهدين الشاهد الأول : ما روي عن أُم سلمة انها قالت : ان النبي 6 كان في بيتي فاستدعى علياً وفاطمة
والحسن والحسين :
؛ وجللهم بعباءةٍ خيبرية ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم
تطهيراً فقالت أُم سلمة : قلت يا رسول الله أنا من أهل بيتك ؟ قال لا : ولكنك إلىٰ
خير .
أما الشاهد الثاني : ما روي عن أمير
المؤمنين علي 7
في إحتجاجه علىٰ أبي بكر حيث قال له أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
) أفينا نزلت
أو في غيرنا نزلت ؟ قال : فيكم : فأخبرني لو أنّ شاهدين من المسلمين شهداً على
فاطمة 3 بفاحشة ما كنت
صانعاً ؟ قال :
كنت أقيم عليها الحد كما أقيم علىٰ
نساء المسلمين !! قال الإمام 7
كنتَ إذنْ عند الله من الكافرين قال : ولِمَ ؟ قال : لأنك رددت شهادة الله وتقبل
شهادة غير لأنَّ الله عز وجل قد شهد لها بالطهارة فاذا رددت شهادتها وقبلتَ شهادةَ
غيرها كنت عند الله من الكافرين قال : فبكىٰ الناس وتفرقوا ودمدموا .
وعلى هذا يكون الشاهدين فيهما دلالة علىٰ
أن فاطمة كانت من أهل بيت العصمة فهي معصومة من الزلل والخطأ والعصمة هنا لها هي
العصمة الذاتية وليس الفعلية ، ومما يؤكد العصمة فيها كذلك الأقوال والأحاديث
الواردة من خلال استقراء كتب الحديث حيث روت لنا هذه الكتب إن الرسول كان دائماً
يقول : فاطمة بضعة مني
__________________
يغضبني من أغضبها
ويسرني من أسرها وإن الله ليغضب لغضبها ويرضىٰ لرضاها.
فان هذا كاشف عن إناطة رضاها بما فيه
مرضاة الرب جلَّ شأنه وغضبه بغضبها حتىٰ إنها لو غضبت أو رضيت علىٰ
أمر مباح لابد أن تكون له جهة شرعية تدخله في الراجحات لم تكن حالة الرضا والغضب
فيها منبعثة عن جهة نفسانية وهذا مثل العصمة الثابتة لها 3
وقد قال الشيخ المفيد طاب ثراه
في إثبات الحكم بكون فاطمة معصومة من الزلل والخطأ ما نصه : قد ثبت عصمة فاطمة 3 بإجماع الأمة على ذلك فتياً مطلقة ،
وإجماعهم علىٰ إنّه لو شهد شهود بما يوجب إقامة الحد من الفعل المنافي
للعصمة ، لكان الشهود مبطلين في شهادتهم ، ووجب علىٰ الأمة تكذيبهم وعلىٰ
السلطان عقوبتهم ، فإنّ الله تعالىٰ قد دل علىٰ ذلك بقوله : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
).
ولا خلاف بين نقلة الآثار إن فاطمة 3 كانت من أهل هذه الآية ، وقد بيّنا
فيما سلف إنَّ ذهاب الرجس عن أهل البيت الذين عنوا بالخطاب يوجب عصمتهم ولاجماع
الأمة ايضاً علىٰ قول النبي 6
: « من آذىٰ فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذىٰ الله عز وجل ». فلولا
أنّ فاطمة 3 كانت معصومة
من الخطأ ، مبرأة من الزلل ، لجاز منها وقوع ما يجب آذاها بالأدب والعقوبة ولو وجب
ذلك لوجب آذاها ولو جاز وجوب آذاها لجاز آذىٰ رسول الله 6 ، والأذىٰ لله عز وجل فلمّا بطل
ذلك دلَّ علىٰ أنها 3
كانت معصومة حسب ما ذكرناه ، وإذا ثبت عصمة فاطمة 3
وجب القطع بقولها ، واستغنت عن الشهود في دعواها ـ في قضية فدك ـ لأن المدعي إنمّا
افتقر للشهود لارتفاع العصمة عنه وجواز ادعائه الباطل فيستظهر بالشهود وعلى قوله
لئلا يطمع كثير من الناس في أموال غيرهم ، وجحد الحقوق الواجبة عليهم وإذا كانت
العصمة مغنية عن الشهادة وجب القطع علىٰ قول فاطمة 3 وعلىٰ ظلم مانعها فدكاً
ومطالبتها بالبينة عليها.
ويكشف عن صحة ما ذكرناه أن الشاهدين
إنما يقبل قولهما على الظاهر مع جواز
__________________
أن يكونا مبطلين
كاذبين فيما شهدا به ، وليس يصح الإستظهار علىٰ قول من قد أمن من الكذب بقول
من لا يؤمن عليه ، ذلك كيما لا يصح الاستظهار علىٰ قول المؤمن بقول الكافر ،
وعلىٰ قول العدل البر بقول الفاسق الفاجر. ويدل أيضاً على ذلك : إنَّ النبي 6 استشهد علىٰ قوله فشهد خزيمة بن
ثابت في ناقة نازعه فيها منازع ؛ فقال له النبي 6
: من أين علمت يا خزيمة ، أنَّ هذه الناقة لي ؟ أشهدت شرائي لها ؟ فقال : لا ولكني
علمت أنَّها لك من حيث إنَّك رسول الله ، فأجاز النبي 6 شهادته كشهادة رجلين وحكم بقوله فلو لا
أن العصمة دليل الصدق وتغني عن الاستشهاد ، لما حكم النبي 6 بقول خزيمة من ثابت وحده وصوّبه في
الشهادة له على ما لم يره ولم يحضره ، باستدلاله عليه بدليل نبوته وصدقه علىٰ
الله سبحانه فيما أداه الىٰ بريته ، وإذا وجب قبول قول فاطمة 3 بدلائل صدقها ، واستغنت عن الشهود لها
ثبت ان من قطع حقها وأوجب الشهود علىٰ صحة قولها ، قد جار في حكمه وظلم في
فعله ، وآذىٰ الله تعالىٰ ورسوله 6
بايذائه لفاطمة 3
وقد قال الله عزّ وجلّ : (
إِنَّ
الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا
) . اذن لا شك في عصمة فاطمة 3 ، أمّا عندنا فللإجماع القطعي المتواتر
والأخبار المتواترة في فضائلها ومناقبها.
وأمّا الحجة علىٰ المخالفين :
١ ـ فبآية التطهير الدالة علىٰ
عصمتها ، وكما بيّنا في إثبات نزول هذه الآية في جماعة كانت داخلة فيهم بل هي قطب
الرحىٰ الذي يدور فيه أهل البيت :.
٢ ـ وبالأخبار المتواترة الدالّة علىٰ
أنّ إيذائها إيذاء الرسول 6
وإنّ الله تعالىٰ يغضب لغضبها ويرضىٰ لرضاها : ووجه الإستدلال
بالروايات علىٰ عصمتها صلوات الله عليها : أنّه كانت فاطمة 3 ممن تقارق الذنوب وترتكبها ، لجاز
إيذاؤها ، بل إقامة الحد عليها ، لو فعلت معصية ، وارتكبت ما يوجب حداً ، لم يكن
رضاها رضىٰ الله
____________
سبحانه إذا رضيت
بالمعصية ، ولا من سرها في معصية ساراً لله سبحانه ، ومن أغضبها بمنعها عن
ارتكابها مغضباً له جل شأنه ، فإن قيل : لعل المراد ، من آذاها ظلماً فقد آذاني ،
ومن سرّها في طاعة الله فقد سرّني ، وأمثال ذلك ، لشيوع التخصيص في العمومات قلنا
:
أولاً
: التخصيص خلاف الأصل ، ولا يصار إليه
إلا بدليل فمن أراد التخصيص فعليه إقامة الدليل.
ثانياً
: إن فاطمة صلوات الله عليها تكون حينئذ
كسائر المسلمين ، لم تثبت لها خصوصية ومزية في تلك الأخبار ، ولا كان لها فيها
تشريف ومدحة ؛ وذلك باطل بوجوه :
١ ـ إنّه لا معنىٰ حينئذ لتفريع
كون إيذائها إيذاء الرسول 6
على كونها بضعة منه كما يصرح بذلك صحيح البخاري ومسلم في رواياته.
٢ ـ إنّ كثيراً من الأخبار السالفة
المتضمنة لانكاره 6
علىٰ بني هاشم ، في أن ينكحوا إبنتهم علي بن أبي طالب 7 ، أو انكاح بنت أبي جهل ، ليس من
المشتركات بين المسلمين فإنَّ ذلك النكاح كان مما أباحه الله سبحانه ، بل ممّا
رغّب فيه وحث عليه لولا كان كونه إيذاء لسيدة النساء ، وقد علل رسول 6 عدم الإذن بكونها بضعة منه يؤذيها ما
آذاها ويريبه ما يريبها تظهر بطلان القول بعموم الحكم لكافة المسلمين ، علىٰ
إنه لو ثبت هذا القول بأن علي 7
ربما أو أراد أن يتزوج من المتقدمي الذكر.
٣ ـ إنّ القول بذلك يوجب إلقاء كلامه 6 وخلوّه من الفائدة ، إذ مدلوله حينئذ
أنّ بضعته كسائر المسلمين ولا يقول ذلك من أوتي حظاً من الفهم والفطانة ، أو اتصف
بشيء من الانصاف والأمانة ، وقد أطبق محدثوهم على إيراد تلك الروايات في باب
مناقبها صلوات الله عليها.
فإن قيل : أقصىٰ ما تدل عليه
الأخبار ، هو أنَّ إيذاؤها إيذاء الرسول 6
ومن جوّز صدور الذنب عنه 6
، لا يأبىٰ عن إيذائه إذا فعل ما يستحق به الإيذاء.
قلنا : بعد ما مر من الدلائل علىٰ
عصمة الأنبياء :
، قال الله تعالى (
وَالَّذِينَ
يُؤْذُونَ
رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
) . وقال سبحانه : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ
) . وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ
لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا
) . فالقول بجواز ايذائه 6 ردّ لصريح القرآن ، ولا يرضىٰ به
أحد من أهل الإيمان ، فإن قيل : إنّما دلّت الأخبار علىٰ عدم جواز إيذائها ،
وهو إنما ينافي صدور الذنب منها يمكن للناس الاطلاع عليه ، حتىٰ يؤذيها
نهياً عن المنكر ، ولا ينافي صدور معصية عنها خفيّة فلا يدل علىٰ عصمتها
مطلقاً.
قلنا : نتمسك في دفع هذا الاحتمال
بالإجماع المركب أن ما جرى في قصة فدك وصدر عنها من الانكار علىٰ أبي بكر
ومجاهرتها بالحكم بكفره وكفر طائفة من الصحابة وفسقهم تصريحاً وتلويحاً ، وتظلمها
وغضبها علىٰ أبي بكر ، وهجرتها وترك كلامها حتىٰ ماتت ، لو كانت معصية
لكانت من المعاصي الظاهرة التي قد أُعلنت بها علىٰ رؤوس الأشهاد ، وأي ذنب
أظهر وأفحش من مثل هذا الردّ والانكار علىٰ الخليفة المفترض الطاعة علىٰ
العالمين ؟ بزعمهم فلا محيص لهم عن القول ببطلان خلافة خليفتهم العظمىٰ
تحرزاً عن إسناد هذه المعصية الكبرىٰ إلىٰ سيدة النساء.
٣ ـ ونحتج أيضاً في عصمتها 3 بالاخبار الدالة علىٰ وجوب
التمسك بأهل البيت :
وعدم جواز التخلف عنهم ، وما يقرّب هذا المعنىٰ ، ولا ريب في أن ذلك لا يكون
ثابتاً لأحد ، إلاّ إذا كان معصوماً إذ لو كان ممّن يصدر عنه الذنوب لما جاز
إتباعه عند إرتكابها ، بل يجب ردعه ومنعه وايذاؤه واقامة الحد عليه وإنكاره بالقلب
واللسان وكل ذلك ينافي ما حث عليه الرسول 6
وأوصىٰ به الأمة في شأنهم ، ويكفي في ذلك ما رواه المخالفون لنا عن الترمذي
عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله 6
: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا ، أحدهما أعظم من الآخر وهو كتاب الله
حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتّىٰ يردا علي
الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فلا يهولنَّك ما يقرع سمعك من الطنين آخذاً
__________________
من الميول والأهواء
المردية بأن العصمة الثابتة لمن شاركها في الكساء لأجل تحملهم الحجية من رسالة أو
إمامة ، وقد تخلت الزهراء 3
عنها ـ النبوة والإمامة ـ فلا تجب عصمتها ، الجواب إنّا لم نقل بتحقق العصمة فيهم : لاجل تبليغ الاحكام حتىٰ يقال
بعدم عصمة الصديقة لعدم توقف التبليغ عليها ، وإنما تمسّكنا بعصمتهم بعد نص الكتاب
العزيز بإقتضاء الطبيعة المتكونة من النور الالهي المستحيل فيمن اشتقت منه مقارفة
إثم أو تلوث بما لا يلائم ذلك النور الأرفع حتىٰ في ترك الاولىٰ .
وإلى ذلك يشير المرحوم الشيخ الاصفهاني
في ارجوزته :
تبتلت عن دنس الطبيعة
|
|
فيا لها من رتبة رفيعة
|
مرفوعة الهمة والعزيمة
|
|
عن نشأة الزخارف الذميمة
|
في افق المجد هي الزهراء
|
|
للشمس من زهرتها الضياء
|
بل هي نور عالم الأنوار
|
|
ومطلع الشموس والاقمار
|
رضيعة الوحي من الجليل
|
|
حليفة لمحكم التنزيل
|
مفطومة من زلل الأهواء
|
|
معصومة من وصمة الخطاء
|
إذن في النتيجة النهائية نصل إلى أن
حديث الكساء إرتبط إرتباط وثيق بنزول آية التطهير والتي تمثل الأساس المتين لإثبات
عصمة أهل البيت :
وبما فيهم فاطمة الزهراء 3
ولذلك جاءت الآية المباركة للتطهير لتكون نور من أنوار حديث الكساء حيث كلما ذكرت
ذكر حديث الكساء ليكون من الأهمية البارزة في حياتنا العقائدية والروحانية والدُعائية
، ونختم الكلام في عصمة فاطمة 3
فيما قاله الأستاذ العلامة حسن زاده آملي حيث يقول : ـ كانت فاطمة بنت رسول الله 6 ـ ذات عصمة بلا دغدغة ووسوسة ، وقد نص
كبار العلماء كالمفيد والمرتضى وغيرهما بعصمتها 3
بالآيات والروايات والحق معهم والمكابر محجوج مفلوج ، وكانت 3 جوهره قدسية في تعين إنسيّ ، فهي إنسية
حوراء وعصمة الله الكبرىٰ وحقيقة العصمة أنها قوة نوريّة ملكوتية تعصم صاحبها
عن كل ما يشينه من رجس الذنوب
__________________
والأدناس والسهو
والنسيان ونحوها من الرذائل النفسانية ... فاعلم أن العترة وفاطمة منهم معصومة كما
نص به الوصي الإمام علي 7
في النهج : « وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق وأعلام الدين والسنة
الصدق فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطشان ».
ونطق ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه
بالصواب حيث قال : « فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن تحته سرٌّ عظيم وذلك أنه أمر
المكلفين بأن يجرو العترة في إجلالها وإعظامها والإنقياد لها والطاعة لأوامرها
مجرىٰ القرآن ».
ثم قال : « فإن قلت : فهذا القول منه
يشعر بأن العترة معصومة فما قول أصحابكم ـ يعني القائلين بمذهب الإعتزال ـ في ذلك ؟
قلت : نصّ أبو محمّد بن متويه في كتاب
الكفاية علىٰ ان علياً 7
معصوم وأدلّة النصوص قد دلّت على عصمته والقطع على باطنه ومغيبه وأن ذلك أمر إختص
هو به دون غيره من الصحابة » فتدبَّر.
وإذا دريت أن بقية النبوة وعقيلة
الرسالة ووديعة المصطفىٰ وزوجة ولي الله وكلمة الله التامة فاطمة 3 ذات عصمة فلا بأس بأن تشهد في فصول الاذان
والإقامة بعصمتها وتقول مثلاً : « أشهد أن فاطمة بنت رسول الله عصمة الله الكبرىٰ
» أو نحوها .
الوقفة الثانية
سند هذا الحديث
أما سند حديث الكساء الشريف فهو في غاية
المتانة والصحة بل يُعتبر من الأحاديث المتواترة وليس المشهورة بل هو المتواتر القطعي
، ويكفي في ذلك إنّ روايات جمة تزيد علىٰ سبعين رواية من طرق أهل السنة تروي
هذا الحديث المبارك ،
__________________
هذا فضلاً عن الطرق
الخاصة لاهل المذهب الحق الشيعة الامامية ، هذا من جهة ومن جهة أُخرىٰ فيكفي
في رواية هذا الحديث من ناحية السند جابر بن عبد الله الأنصاري الذي روىٰ
الحديث بسند معتبر عن لسان فاطمة الزهراء 3
، حيث يعتبر هذا الصحابي الجليل ـ جابر الانصاري ـ من الذين حملوا سلام رسول الله 6 إلىٰ حفيده الإمام محمد الباقر 7 ، حيث تروي لنا كتب الرجال أن هذا الصحابي
يكفي في وثاقته أنه عاصر الرسول والإمام علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين : حتى أدرك الإمام الباقر 7. فلقد روىٰ لنا التأريخ كيف دخل
جابر الانصاري علىٰ الإمام الباقر 7
قائلاً له : إن جدك رسول الله 6
يقرك السلام والتحية والاكرام وقال لي يا جابر ستدرك واحد من أبنائي : إسمه اسمي
يبقر العلم بقرا فأبلغه عني السلام.
فتعتبر هذه من الكرامات والمعجزات التي
تثبت مدىٰ صدق دعوة النبي وإنه ما ينطق عن الهوىٰ إن هو إلاّ وحي يوحىٰ
وأن له شأن مع الله تعالىٰ. اذن حديث الكساء من الاحاديث المؤكده وسنده صحيح
معتبر وانه من الأحاديث المستفيضة عند العامة والخاصة.
الوقفة الثالثة
مضامين هذا الحديث المختلفة
قبل كل شيء لابد من التأكيد علىٰ
مسألة مهمة ألا وهي مسألة عرض أي موضوع يطرح في عالم الإمكان علىٰ القرآن
والسنة النبوية الشريفة الصحيحة فما كان موافقاً للقرآن الكريم فإنّا نأخذ به وما
كان مخالف للقرآن الكريم نضرب به عرض الحائط وهذا ما أكدته الكثير من الروايات في
هذا المقام ، وعلىٰ ضوء هذا الأساس سيكون استقراءنا لهذا الحديث المبارك
واستجلاء حقائقه على ضوء القرآن الكريم والسنة الشريفة وهذا لا يعني أننّا لابد من
ذكر كل الأمور القرآنية التي توافق هذا
الحديث فان هذا سوف
يكون بحاجة الىٰ كتاب مستقل في هذا الموضوع وأنما يكون الأمر علىٰ ضوء
التمعن والتأمل علىٰ ضوء المرتكزات القرآنية لدىٰ الإنسان المؤمن.
* فالحديث علىٰ كل حال قد رواه
المسلمون كافة وبصورة مختلفة وهيئات متعددة ولكن جوهر الحديث واحد : هو أنَّ
الرسول 6 جمع أهل
بيته وألقى عليهم رداءً وقال : « اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاصَّتي وحامتي لحمهم
لحمي ودمهم دمي يؤلمني مايؤلمهم ... ».
* إنّ حديث الكساء ذو مصداقية كبيرة من
خلال توافقه الكبير مع القرآن الكريم وهذا ما نجده أثناء تطبيق حقائقه التي يدعو
إليها سواء العقائدية أو العلمية أو الروحانية أو المادية مع القرآن الكريم
ومضمونه وحقائقه وعليه بعد إثبات ذلك ـ وكما هو مثبوت في محله ـ فإننّا لابدَّ من
الأخذ به والوقوف معه الوقفة الجلية لنستظهر حقائقه المعصومية.
* هناك مسألة قد أثيرت حول هذا الحديث
الشريف وهي هل أنَّ هذا الحديث وقضيته والتي كان من مضمونها ـ ان الرسول تغطىٰ
بكساء ـ كانت في بيت أم سلمة كما روىٰ ذلك مجموعة من العامة أم في بيت فاطمة
3 ؟
والجواب علىٰ ذلك : إن قضية حديث
الكساء وما له من الأهمية الكبرىٰ كان في بيت فاطمة 3 وبدلالة الحديث نفسه حيث اننا سلمنا
بصحة سند الحديث واستفاضته أيضا فعليه نقول : إنَّ هناك قرينة واضحة ومتصلة لا
منفصلة في نفس الحديث تؤكد علىٰ كون الحديث كان في بيت فاطمة والقرينة هي
إنّ الحديث يبدأ بقوله علىٰ لسان فاطمة 3
« عن فاطمة الزهراء 3
بنت رسول الله 6
قالت دخل عليَّ أبي رسول الله في بعض الأيام ... ».
فقولها 3
دخل عليَّ أبي رسول الله فيه دلالة واضحة على كون دخوله 6 في بيتها لا في بيت ام سلمة أضف الىٰ
ذلك دخول الحسن والحسين وأبيهما الامام علي 7
في بيت أم سلمة لا معنى له ، ثم ما هي الثمرة العملية على هذه المسألة فلربّما
يقول قائل سواء كان الحديث في بيت أم سلمة أم في بيت فاطمة 3 مالفائدة في ذلك ؟ فنقول إنّ الفائدة
تظهر إنه لو كان في بيت أم سلمة لكان البعض ممن يقول بهذا
القول إنّ العصمة
والطهارة والإرادة التكوينية تخص نساء النبي بدلالة بيت أم سلمة ، وان كان عندنا
إنَّه لا ملازمة فيه فتأمل.
* وفي معرض الكلام حول أم سلمة هناك
إشارة لطيفة لمن تمعّن فيها وتأمل حيث تظهر من خلال حديث الرسول 6 وعدم قبوله أم سلمة بالدخول تحت الكساء
وعدم إعطائها الإذن في ذلك حيث الإشارة تدل علىٰ الرسول قال لها إنّك علىٰ
خير ولم يطردها ولم يأذن لها بالدخول تحت الكساء ، وهذا فيه دلالة واضحة من خلال
استظهار كلمة ـ إنَّك علىٰ خير ـ إنّها سوف تكون عاقبة أمرها إلى خير وإنَّك
الآن فعلاً علىٰ خير وإنه سوف يكون مآل حياتك الىٰ العاقبة الحسنة
وهذا بخلاف ما نجده في بعض نساء النبي اللواتي خرجن علىٰ إمام زمانهنّ.
* « دخل عليَّ أبي في بعض الأيام فقال ... »
في الحديث أنَّ فاطمة هي الملجأ لأبيها فاذا شعر بضعف أو ألم أسرع إلىٰ
فاطمة حيث يجد عندها الراحة والطمأنينة والهدوء لأن النظر الىٰ فاطمة يمسح
الهموم والأحزان من قلب النبي كما كان الإمام علي 7
يقول : إذا نظرت الىٰ فاطمة إنجلت عني الهموم والأحزان ... وإلاّ لماذا لم
يذهب النبي الىٰ إحدى زوجاته علما بأن الرجل يشعر بالسكن لدىٰ زوجته
حيث يقول القرآن الكريم (
خَلَقَ
لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم
مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ) ، ويقول الله تعالى : ( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ
لَّهُنَّ )
، فلماذا لم يذهب النبي الىٰ واحدة من زوجاته وإنّما ذهب الىٰ الزهراء
؟ والجواب أنَّ فاطمة كانت أم أبيها ... وكان يشعر بالدفء والراحة عندما يزور
الزهراء ، بل يتزود بالطاقة والحنين حيث يرىٰ فاطمة 3 ولذلك نجد أن التأريخ الإسلامي يروي
لنا أنَّ آخر من يودع النبي في غزواته وسفره هي فاطمة وأول من يمرّ عليه بعد رجوعه
من سفره خارج المدينة هو بيت فاطمة 3.
* « إني أجد في بدني ضُعْفاً فقلت له أعيذك بالله
يا أبتاه من الضعف » ، قال النبي 6 هذا القول ولم يقل أني أجد في روحي
ضعفاً أو فكري وهذا خلاف ما إتهمه بعض المشركين بأنَّه شاعر مجنون ... إنّما هو
ضعف بدني أصابه نتيجة الاجهاد والمثابرة علىٰ العمل فهو يقول لها : أني لأجد
في بدني ضعفاً وهي تقول له : أعيذك بالله
يا أبتاه من الضعف
أي انها أعاذت أباها بالله العلي العظيم من الضعف وإن لا يصيبه الضعف لأن العالم
كله بحاجة الىٰ هذه الطاقة الجبارة الخلاقة التي تنضح رحمة وتتفجر خيراً
وعطاءً.
* « يا فاطمة إيتيني بالكساء فغطيني به فأتيته
بالكساء اليماني فغطيته به وصرت أنظر إليه وإذا وجهه يتلألأ كأنَّه البدر في ليلة تمامه
وكماله ».
والسؤال المطروح حول هذا المضمون من هذه
الفقرة : هو لماذا طلب النبي 6
كساءً يتغطىٰ به ... لماذا لم يطلب شيئاً آخر كالطعام أو الشراب ؟ لماذا طلب
ذلك الكساء ؟ وما هي المناسبة التي جعلت وجهه يتلألأ نوراً كأنه البدر في ليلة
تمامه وكماله ؟
إن المناسبة هي تلقي الوحي فهناك عدة
شواهد تأريخية تنقل لنا كيفية تغير وجه رسول الله 6
أثناء تلقيه الوحي ، أمّا لماذا طلب الكساء اليماني فذلك ليجمع أهل بيته ويركز
عليهم دون غيرهم ، وأنّهم المحور الأساس الذي تدور عليه ولاية الله تعالىٰ ،
وأنهم المرتبطين بشأن نزول الوحي أثناء تغطيتهم بالكساء لتكون آية التطهير النازلة
وإرادة السماء فيهم :
، اذن فالكساء إنّما جاء للحصر ... وليس لشيء آخر كما حديث يوم المباهلة حيث ان
الرسول 6 لم يخرج معه
إلاّ هؤلاء الذين هم تحت الكساء بالإضافة إلىٰ أنه أراد تأكيد الوصية وصية
الغدير.
* « إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي
رسول ... ».
وحديث الكساء فيه تصوير رائع لجمال أهل
البيت وطيبة رائحتهم فإنها رائحة طيبة تعبق الشذىٰ ... وأكثر من ذلك فقد
كانت صبات عرق الرسول تتفوح بالعطر كما كان عطر الزهراء ورائحتها عطر الجنَّه ... والرسول
كان يشم فاطمة ويقول كلما اشتقت إلى رائحة الجنَّة شممت رائحة إبنتي فاطمة ، «
ريحانة أشمها وتشمني ».
* ويُظهِر الحديث أدب الكلام والمحادثة
مع النبي وأدب المعاملة مع أهل البيت بعضهم من بعض في وقوف كل واحد أمام الكساء
وطلب الإذن من النبي 6
ثم جواب النبي له وهكذا تجري فصول هذا الحديث المقدس وفاطمة ترقبه وتسجله ثم تجيئ
به في النهاية لإكمال المشوار.
* وتقول الزهراء لما إكتملنا جميعاً تحت
الكساء أخذ أبي رسول الله بطرفي الكساء ـ وهذا يعني أنهم خمسة أصحاب الكساء لا ينقصون
ولا يزيدون ... بل هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها ... خمسه لا غير أي قبل دخول
فاطمة لم يكتمل النصاب بعد ولم يكتمل العدد بعد والقول « إكتملنا جميعاً » يشير
إلىٰ أنهم خمسة أصحاب الكساء ودعاء الرسول لهم هو تسديد من السماء لأنّ
الرسول لا ينطق عن الهوىٰ إنه إلا وحيٌ يوحىٰ.
* قولها 3
: أوحىٰ الله إلىٰ ملائكته وسكان سماواته ... وهذا الحدث بحد ذاته
يجعل فاطمة في أعلىٰ قمة في الوجود الامكاني وبالاضافة إلىٰ أنه يكشف
لنا عن حقيقة أهل البيت وانه لولاهم لما خلق الله الأكوان والأفلاك.
* وحديث الكساء حينما نعرضه علىٰ
الميزان الفكري للإسلام وأساسياته فإنه نجد ان الحديث يسير تماماً مع القرآن
الكريم وليس فيه خرق ولا تجاوز عن أساسيات القرآن الكريم ، فهم : عدل القرآن وعلىٰ أساس ذلك يكون
عدل القرآن معصوم ومحفوظ كما أنَّ القرآن معصوم ومحفوظ ، اذن يكون كل شيء في حديث
الكساء هو معصوم من الخطأ والزلل وذلك لكون راوي الحديث ومثبته هو معصوم عن الخطأ
والزلل ، وهي فاطمة 3.
* وهناك مسألة مهمة تعرض لها حديث
الكساء وهي أنَّ جبرئيل يسأل من الله تعالى ويقول يا رب ومن تحت الكساء ؟
وربما أراد بذلك ـ جبرئيل ـ وعبر انتقال
هذا الحديث المبارك عبر الأجيال إلينا أن يؤكد على شرافة أصحاب الكساء وأنهم من الله
تعالىٰ يستمدون عصمتهم وقداستهم وتربيتهم. والملفت للنظر عندما يجيب الله
تعالىٰ عن أسماء أصحاب الكساء يقول هم فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ، ولم يقل
مثلاً هم رسول الله وعلي وفاطمة ... كل ذلك للتأكيد علىٰ محورية فاطمة
الزهراء 3 بالنسبة
لأهل بيت النبوة وأنَّها القطب المركزي لدائرة أهل البيت :.
* ويشير حديث الكساء الىٰ نزول
جبرئيل الىٰ الأرض بعد معرفة اصحاب الكساء والتشرف في خدمتهم وطلب الأذن من
الله تعالىٰ في الدخول تحت الكساء
وكذلك يظهر من
الحديث أن الله ورسوله قد أعطوا الاذن لجبرئيل وذلك لكونه معصوم من الخطأ والزلل
بالعصمة الربانية الذاتية فلذلك لا ضير أن يكون معهم تحت الكساء لأنه لا يختلف
عنهم من جهة العصمة وهذا بخلاف أم سلمة رضوان الله عليها.
* وهناك إشارة لطيفة في الحديث حيث قال
الله تعالىٰ هم فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ولم يقل وابنيها ونحن نعلم ان
الذي كان تحت الكساء الحسن والحسين وربما أراد بذلك الصلب والذرية الطاهرة للأئمة : وأنهم سوف يكونون أيضاً معصومون
وامتداد لأصحاب الكساء.
* ويأتي سؤال الإمام علي 7 عن الفضل والأجر لهذا الجلوس تحت
الكساء ؟ وفضل ذكر هذا الحديث وما له من الأهمية ؟ حيث بين هذا الجواب الذي يظهر
من الحديث أنه ـ أي الحديث ـ غذاءاً للروح والعقل والقلب والبدن معاً ، إذ أن
حاجات الإنسان مختلفة ومتعددة ومتبانية علىٰ أن الحاجات المادية فيها محدودة
كالطعام والشراب واللباس فكمية منها معينة تصل بالإنسان إلىٰ حد الاكتفاء
والارتواء والشبع.
أما حاجات الروح والعقل فهي بلا حدود
كالصلاة والعلم والتفقه ، فإنّ الروح تبقىٰ في حالة فهم إليها كلما نهلت
منها شعرت بانها بحاجة إلىٰ المزيد منها.
لذلك سأل الإمام علي ولذلك كان جواب
النبي 6 ففي المرة
الاولىٰ كان جواب الرسول الأعظم تحديد لحاجات العقل والروح والنفس « نزلت
عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة وإستغفرت لهم ». أما في المرة الثانية فقد كان في
جواب النبي 6 تحديداً
لحاجات الجسد « وفيهم مهموم إلاّ وفرج الله همه ولا مغموم إلاّ وكشف الله غمه ولا
طالب حاجة إلاّ وقضىٰ الله حاجته ». فتفريج الهموم وكشف الغموم وقضاء الحاجات
إنما هي حاجات جسدية بينما الرحمة وإحاطة الملائكة والإستغفار إنما هي هموم عقلية
وروحية ونفسية.
* ويكشف الحديث عن السعادة والفوز
والنصر والظفر في الحياة ... لأنّ الذي يمشي في خط أهل البيت لابد أن ينتصر ويظفر
لا محالة ولو بعد حين.
* ويقول الحديث أنه ما ذكر في حفل فيه
جمع ولم يقل علىٰ فرد واحد. وهي إشارة رائعة إلى أهمية تنظيم المجتمع وتكثير
المجالس التي يذكر فيها أهل البيت :.
لأن الإمام الصادق
عليه السلام يقول تجلسون وتتحدثون ... أحيوا أمرنا فإني أحب تلك المجالس ... والمجلس
الذي يذكر فيه هذا الحديث هو قطعاً مجلس في الخير والصلاح ورضوان الله ... لأنّك
تذكر قوماً ما عصوا الله طرفة عين أبداً ، وقد ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي : «
... أو لعلك رأيتني ألف مجالس البطالين فخذلتني » يقول من ترك الإستماع من ذوي
العقول مات عقله لأن الإبتعاد عن مجالس العلم والعلماء يؤدي الىٰ الخذلان ،
« أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني ».
* وحديث الكساء يشير الى الأمور
والمسائل العلمية التي وافقت القرآن الكريم كالأرض المدحية والسماء المبنية والقمر
المنير والشمس المضيئة وهي من الحقائق المطابقة للواقع واللقرآن الكريم. هكذا يقرأ
الحديث وهكذا يفهم جواب الرسول 6
عن الأسئلة التي وردت في الحديث عن لسان الإمام علي عليه فلعل الإمام علي 7 أراد من خلال طرحه وكذلك ربط حديث
الكساء بهموم الناس وحوائجهم حتىٰ لا يبقى مجرد حديث فحسب نقرأه من أجل
معلومة نعلمها أو من أجل حديث نتعرف إليه واذا كان الأمر كذلك فما أجدرنا ونحن نقف
مع هذا الحديث ان نستغل هذه المضامين ونعيشها بعقولنا وأرواحنا ونفوسنا لكي نجعل
من هذا الحديث المبارك حسنة لنا فنصلح به أحوالنا ونقوّم أخلاقنا ونثبت عقائدنا
الصحيحة ونربي أبناءنا تربية صالحة لا سيما أن أهل البيت ليسوا بعيدين عنا وطقوسنا
ليست جامدة أو فارغة بل هي طقوس هادفة الىٰ تربيتنا تربية إسلامية حقة.

فاطمة سيدة نساء العالمين
إن قيلَ حَوّا قلت فاطِمُ فـخرُها
|
|
أو قيل مريَم قُلتُ فاطمُ أفضلُ
|
أفهل لحوّا والدٌ كمحمّدٍ
|
|
أم هل لمريمَ مثلُ فاطمَ أشبُلُ
|
كلُّ لها عند الولادةِ حالةٌ
|
|
منها عُقُولُ ذوي البصائر تَذهلُ
|
هذي لنخلتِها التجت فتساقطت
|
|
رُطباً جنيّاً فهي منه تأكلُ
|
وضعت بعيسىٰ وهي غيرُ مروعةٍ
|
|
أنّىٰ وحارِسُها السَّرِيُّ الأبسلُ
|
وإلىٰ الجدارِ وصفحةِ الباب
التجت
|
|
بنتُ النّبيِّ فأسقَطَتْ ما تَحمِلُ
|
سقطت وأسقَطَتِ الجنينَ وحولَها
|
|
من كلِّ ذي حسبٍ لئيم جحفلُ
|
هذا يَعنِّفُها وذاك يَدُعُّها
|
|
وَيَرُدُّها هذا وهذا يَركُلُ
|
وأمامَها أسدُ الأسودِ يقودهُ
|
|
بالحبلِ قنفذُ هل كهذا مُعضَلُ
|
ولسوفَ تأتي في القيامة فاطمٌ
|
|
تشكو الىٰ ربِّ السماء وتُعْولُ
|
ولتعرفنَّ جنينها وحنينَها
|
|
بشكايةٍ منها السَّما تَتَزلزلُ
|
ربّاهُ ميراثي وبعلي حقَّه
|
|
غصبوا وأبناثي جميعاً قُتِّلوا
|
__________________
البحث السابع
فاطمة 3
سيدة نساء العالمين
عن
النبي 6 انه قال : « ان هذا ملك مقرب لم ينزل الأرض قط
قبل هذه الليلة ، استأذن ربّه أن يُسَلّمَ عليَّ ويبشرني بأنَّ فاطمة سيدة نساء
أهل الجنَّة » .
ورد هذا الحديث بسند معتبر في عدة كتب
روائية سواء من العامة أو الخاصة والظاهر من خلال مراجعة هذا الحديث أنَّه ممن
أتفقت عليه العامة والخاصة حيث
__________________
نقلته كتب الفريقين
المعتمدة خصوصاً عند السنة وفي الصحاح الستة وعليه فلا مجال للطعن أو النقاش في
سند هذا الحديث المبارك الذي يُظهر كرامة فاطمة الزهراء 3 علىٰ الله وعلىٰ الرسول
الأكرم محمّد 6
، والحديث يروي لنا قصة مَلكاً لم ينزل إلىٰ أرض سابقاً استأذن الله تعالىٰ
أن يسلم علىٰ رسوله الكريم وإنَّ يبشره بأن فاطمة الزهراء 3 هي سيدة نساء هل الجنَّة ، وعليه نقف
مع هذا الحديث لنرىٰ مدى شموليته وسعته في دلالته على كون فاطمة الزهراء
أفضل من مريم 3
أم لا ؟ باعتبار وجود آية قرآنية ذكرت مريم 3
في كونها سيدة نساء العالمين في قوله تعالى : (
وَإِذْ
قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ
وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ
) فلنقف مع
هذه الآية ومع الحديث المبارك :
١ ـ لنعرف ايهما أفضل فاطمة 3 ام مريم 3
؟
٢ ـ ومن هي سيدة نساء العالمين ؟
٣ ـ وما هي الثمرة العقائدية في ذلك ؟
كل هذه الأسئلة تطرح في المقام الذي نحن
فيه وعليه لابد لنا أن نجيب عليها لكي تكون لنا قدرة خاصة على الفهم العقائدي
لحياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء 3.
فنقول ومن باب مقدمة للبحث في هذا الموضوع المهم إنَّه : ـ
لا شك ولا ريب إنَّه ورد في كتب
الفريقين عدة أحاديث تبين أفضل النساء في الدنيا والآخرة وإنَّه لم يكمل من النساء
إلاّ أربع وإنَّ الجنَّة إشتاقت إلىٰ أربع من النساء وكذلك ورد أيضاً إنَّ
الله اختار من النساء أربع وكثيرة هي الأحاديث التي تظهر هذه المسألة وقد تظافرت
الروايات من العامة والخاصة في ذلك. ونحن نذكر في هذه المقدمة ، بعض هذه الأحاديث
وعلىٰ أثر ذلك ندخل في صلب الموضوع الذي اخترنا البحث عنه والوقوف معه
والاستفاده من دلالته ، أما هذه الاحاديث التي نقلت في طياتها النساء اللواتي
إختارهن الله تعالى فمنها :
* ما ورد عن أبي الحسن الأوّل 7 قال : قال رسول الله 6 إن الله تعالىٰ اختار
من النساء أربعاً :
مريم وآسية وخديجه وفاطمة .
* وروي عن مسلم والترمذي ، عن النبي 6 أنه قال : كمل من الرجال كثير ولم يكمل
من النساء إلاّ مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد
وفاطمة بنت محمد .
* وجاء عن النبي 6 انه قال : اشتاقت الجنة الىٰ
أربع من النساء : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون ، وخديجة بنت خويلد
وفاطمة .
*وعن ابن عباس قال : خط رسول الله 6 في الأرض أربعة خطوط قال : تدرون ما هذا
؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم : فقال رسول 6
: أفضل نساء أهل الجنّة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ، وآسية بنت مزاحم إمرأة فرعون
، ومريم بنت عمران .
إذن يظهر من هذا الأحاديث أن الإيمان كمل
فيهن وإن الله تعالى اختارهن
__________________
وفضلهن على كثير من
نساء الدنيا والآخرة فهلمَّ معي لنقف معهن لنرى خصوصية كل واحدة منهن ـ وهنَّ آسية
ومريم وخديجة وفاطمة ـ بحيث ورد الحديث بأنَّهن خير النساء ، ونقول :
لو نظرنا إلى حياة هؤلاء النسوة صارفين
النظر عن نصوص الكتاب والسنة لألفينا ان كل واحدة منهنَّ تختص بفضيلة دون غيرها من
الصالحات الباقيات.
* فآسية إمرأة فرعون آمنت بالله مخلصة
له لائذة به وحده وهي في بيت شر العباد ، ورأس الكفر والالحاد ، وقد جاهرت بايمانها
منكرة على فرعون كفره وفساده ، متحدية ظلمه وطغيانه ، فأوتد لها الاوتاد ، حتى قضت
شهيدة الحق والإيمان ولم تكن هذه الكرامة لواحدة من الثلاثة.
* أما السيدة مريم فقد كرمها بولادة
السيد المسيح من غير أب وما عرفت هذه الكرامة لامرأة على وجه الأرض.
* أما السيدة خديجة فأنها أول من آمن
وصدّق الرسول محمّد 6
وصلّت هي وعلي بن أبي طالب :
أول صلاة أقيمت في الإسلام ، وهي أول من بذل الأموال لنصرة هذا الدين ... ولولا
أموالها ، وحماية أبي طالب لمحمد 6
لقضي على الإسلام في مهده ، ولم يكن له عين ولا أثر ... ولم تكن هذه الكرامة
لغيرها من نساء العالمين.
أما فاطمة الزهراء 3 فإنها بضعة من رسول الله ، بل هي نفسه
خلقاً وخُلقاً ومنطقاً وصلاحاً وتقىٰ يرضيه ما يرضيها ، ويؤذيها ما يؤذيه ،
وهي أم الحسنين سيدي شباب أهل الجنّة ، وعقيلة سيد الكونين ، بعد رسول الله ولم
تكن هذه الكرامة لأمها خديجة ولا لآسية ولا لمريم . أما التفاضل بينهنَّ فأننا نتركه لئلا
يطول المقام بنا ونقف هنا مع حياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء 3 ، ومريم بنت عمران لاثبات المراد من
هذا البحث.
فمن القضايا العقائدية المهمة لدى
الشيعة الإمامية والتي تأخذ حيزاً كبيراً على الصعيد الفكري والعقائدي هي مسألة
تفضيل سيدة نساء العالمين على مريم وبقية
__________________
النساء المؤمنات
الاخريات ، فنحن باعتبارنا شيعة ونعتقد بأهل البيت :
وبما ورد من مقامهم ومنزلتهم وقداستهم إنَّ هذه مسألة مسلمة لدينا ولكن هناك من
يدعي خلاف ذلك وإن مريم 3
هي سيدة العالمين وهي المفضلة على بقية النساء الأخريات والسبب إلى ذهاب بعض من
يدعي هذه المقولة هو بما ورد من القرآن الكريم حيث جاء قوله تعالى ( وَإِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ
إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ
الْعَالَمِينَ ) .
ليثبت كون مريم 3
رمزاً قرآنياً قد طرحه القرآن في الفكر العقائدي لدى المسيحية ، فكيف اذن تُحل هذه
القضية وخصوصاً نحن الشيعة يجب علينا أن نحمل عقائدنا عن وعي وإستدلال وبرهان صحيح
معتمد على الإستدلالات العقلية المثبوت في محلها ، أما أن نأخذ عقائدنا في هذه
القضية أو في قضايا أخرى اعتماداً على العواطف والمديح والمبالغات فهذا مما لا
يقبله أهل البيت :
وخصوصاً نحن أبناء الدليل حيث ما مال نميل ، وكذلك فإن أهل البيت : ليسوا محتاجين مديحنا وقد مدحهم من هو
أفضل واحسن وهو القرآن الكريم بأعظم ما يكون ويكون من المدح والثناء العلي حيث
وصفهم بأنهم مطهرون (
وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرًا ) وكذلك قال فيهم رسول الله 6 بأنهم عدل القرآن ، فما يكون كلامنا
ومديحنا بعد ذلك ، اذن فالقضية ليست قضية مديح وإطراء مواقف بل هي قضية عقائدية
نعم ، إذا أردنا أن نمدحهم ونقدم لهم الذكر والثناء فذلك من باب التقرب إلى الله
تعالى وليس من باب رفع مقامهم بل مقامهم رفيع وإذا اوتينا علم وفهم إنما لكي نتعرف
على علو مقامهم وشأنهم عند الله تعالى فعليه إذا طرحت هذه الفكرة ، أو القضية بكون
فاطمة 3 أفضل من
مريم يجب أن تكون مدعومة بالدليل العلمي الشرعي والإستدلال المنطقي وخاصة من
القرآن الكريم والسنة لكي تكون عقيدتنا في هذه القضية مبنية على المتانة والصحة ،
اذن فالسؤال المطروح هو كيفية كون فاطمة أفضل من مريم والحال إن مريم يخاطبها
القرآن الكريم (
يَا
مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ
الْعَالَمِينَ ) والظاهر أنَّ نساء العالمين نص قرآني
__________________
بالصراحة يقول مريم
اصطفيت على نساء العالمين فكيف تكون فاطمة أفضل منها ؟ هذا سؤال مطروح فيما نحن
فيه وكيف نحمله مع الحديث الذي قدمناه في أول البحث من أن فاطمة سيدة نساء الجنَّة.
ومن جهة أخرى ينقدح سؤال مهم أيضاً وهو
أنَّ مريم 3 ولدت نبياً
وهو عيسىٰ ، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام وكانت طريقة ولادتها بمعجزة
ربانية حيث حملت به من غير أب ، فهي إذن ليست ولدت شخصاً عادياً بل نبي من
الأنبياء العظماء وهذا الحال لم يحدث لفاطمة 3
لم تولد نبياً من غير زوج فما هو باب التفضيل والحال ان مريم محاطة ومحفوفة
بالمعاجز فهذه الأمور تطرح ولابد أن تعالج واحدة بعد واحدة ، ويجب على ذلك ألاَّ
نحمل العقائد على السذاجة وعلى العواطف والتقليد لأن التقليد يفيد في الأحكام
الشرعية أما في العقائد فيجب على الإنسان أن يحملها عن وعي وإدراك واستدلال وفهم.
لذا أصول الدين لا يجب أن يُقلد فيها الآخرين بل التقليد في الفروع باعتبار إنها
تحتاج إلى تفحص وإفناء عمر في دراستها والبحث فيها وهذا لا يتسنى ولا يتيسر لكافة
الناس فيكون الوجوب الكفائي فيها أما الأصول فيجب على الجميع ان يفهموها بوعي عميق
وإستدلال ولا يكون الإنسان المتدين فيها ساذج وتبعى للآخرين بل لابد من أن يصل
إليها بالتفكر والإستدلال ، وعليه تكون هذه الأسئلة مهمة من الناحية العقائدية ولابد
من فهمها بالدليل القرآني والسنتي فكيف نصل إلى غاية المطلوب وكيف نحصل على الجواب
الصحيح فيها ؟ فنقول :
قبل ان نجيب على هذه الأسئلة وكيفية
بنائها البناء الصحيح العقائدي وعلى ضوء القرآن والسنة نقدم مقدمة بسيطة وهي أن
هذه الأسئلة والإشكالات التي تطرح حول فاطمة الزهراء 3
ليست شبهات ولا إشكالات جديدة بل هي كانت مطروحة من زمن نبينا محمد 6 واللطيفة إن هذه الإشكالات والإثارات
والشبهات هي في الحقيقة تخدمنا جداً ، لأنها تكون مربية ومعمقة لعقائدنا فنحن نجد
الكثير من العقائد في حياتنا نمر عليها مرور الكرام إما عندما تثار الشبهات حول
عقيدة معينة فكما تؤدي إلى زعزعة بعض النفوس الضعيفة كذلك تؤدي إلى أن يكون
أهل الأقلام والفكر
والتحقيق يغوصون في فهم العقائد ودعمها قرآنياً أو روائياً وعلى ضوء الاستدلالات
الصحيحة وبالنتيجة تكون العقيدة معمقة ودقيقة وتقف بوجه الشبهات والإشكالات التي
تطرح عليها ، والأمثله على ذلك كثير جداً مثلما طرحت بعض الإشكالات المغرضة حول
وجود صاحب الزمان « عج » وقضية الزهراء بصورة عامة كل هذه الإشكالات بالنتيجة وكما
قلنا كانت مفيدة بقدر ما هي مضرة ببعض ضعاف النفوس وعلى كل فالذي نريد القول به هو
أن الردود العلمية الدقيقة للاشكالات والشبهات التي تطرح قد أنضجت القضايا
العقائدية بشكل أو آخر.
أما الجواب علىٰ مسألة تفضيل
الزهراء 3 على مريم 3 فيكون علىٰ شكل نقاط نذكرها لكي
يتبين لنا الحق في ذلك :
١) إن الحديث الذي بدأنا به البحث قال
بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة وهذا القول يحمل نفس معنى أن فاطمة سيدة نساء
العالمين لأن الجنّة فيها المؤمنات فقط والقديسات الطاهرات فتكون فاطمة سيدتهنّ
فمن باب الأولوية تكون فاطمة سيدتهنّ في الدنيا كما هي سيدتهنّ في الآخرة فالمعنى
واحد سواء في الدنيا أو في الجنَّة.
٢) أن ما طرحه القرآن الكريم من كون
مريم 3 قد إصطفاها
الله تعالىٰ علىٰ نساء العالمين كان علىٰ لسان النبي الاكرم
محمد 6 فهو الذي
أخبرنا بالقرآن وهو الذي أوحيَ إليه من الله تعالىٰ ، ونقول كذلك بإعتبار الرسول
ما ينطق عن الهوىٰ إن هو إلا وحي يوحىٰ أخبرنا وبلغنا ان فاطمة سيدة
نساء العالمين من الاولين والاخرين ومريم سيدة عالمها فكما بلغنا الرسول القرآن في
الآيات الاولىٰ من اصطفاء مريم كذلك بلغنا بقوله حول ابنته فاطمة الزهراء 3 والشاهد علىٰ قول النبي 6 في هذه القصة هو ما ورد عن سعيد بن
المسيب عن ابن عباس قال : « ان رسول الله 6
كان جالساً ذات يوم ، وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين : » فقال : اللهم إنك تعلم ان هؤلاء أهل
بيتي وأكرم الناس علي فأُحب من أحبهم وأبغض من ابغضهم وأُوالي من والاهم وأُعادي
من عاداهم ... إلىٰ أن يقول الرسول 6
في حق فاطمة ... وإنها لسيدة نساء العالمين. فقيل يا رسول الله ، أهي سيدة نساء
عالمها ؟ فقال 6
: ذاك لمريم بنت عمران ؛ فأما إبنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من
الأولين والآخرين :
وإنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين ،
وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون : يا فاطمة ! ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ
وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ
) ٤٢ ال عمران
. الىٰ
آخر الحديث.
فيكون الحديث بمثابة تحديد لاطلاق كلمة
العالمين التي وردت في الآية القرآنية فتكون النتيجة أن مريم سيدة نساء عالمها
وفاطمة سيدة نساء الاولين والآخرين.
٣) أما القرآن الكريم فلقد وردت كلمة
تفضيل علىٰ العالمين ليست لمريم فقط بل جاءت لبني إسرئيل ولانبياء بني
إسرائيل فمثلاً قوله تعالىٰ (
وَإِسْمَاعِيلَ
وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ
) . فالآية الشريفة بينت أن الله تعالى
فضلهم على العالمين هذا هو الظاهر منها ولكن من منا يقول إن هؤلاء الأنبياء أفضل
من نبينا محمد 6
، ولا يوجد أحد يقول ذلك فنبينا محمد 6
خاتم الأنبياء ، بل هناك فرقاً شاسعاً بينه وبينهم وخاصة نحن نرىٰ أن القرآن
الكريم يقول ( تِلْكَ الرُّسُلُ
فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ
) ... إذن
بلسان القرآن الكريم ان هناك فرقاً بين الأنبياء وهناك تفضيل بينهم ، وهذا دليل
واضح علىٰ أنهم ـ أي هؤلاء الأنبياء ـ أفضل أنبياء زمانهم ، إذ من القرآن
الكريم نستفيد أن هذا الاطلاق يحمل تقييده معه أي يحمل قيده.
وهناك شواهد أُخرىٰ تدل علىٰ
هذه المسألة المطروحة في المقام ، فهذا القرآن الكريم يقول ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ
الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ
). فالمعروف
أن بني إسرائيل هم اليهود والقرآن يقول فضلتكم علىٰ العالمين فهل هناك إنسان
مسلم أو مسيحي يقول أن اليهود أفضل من عليها أو أفضل من المسلمين ؟ لا شك ولا ريب
لا أحد يقول بهذه المقالة إلا من كان منهم إذن ما معنىٰ أني فضلتكم علىٰ
العالمين ؟ هل لانه في زمانهم كثرة الأنبياء ؟ وهذا في الحقيقة لا يدل علىٰ
__________________
الافضلية وإذا كانت
ثمة أفضلية في المقام فهي للانبياء لكثرتهم لا لذلك الشعب المتعجرف فبالعكس أن
كثرة الأنبياء تدل على كثرة الفساد وشدة الانحراف عن طريق الأنبياء والطغيان الذي
ملأهم ، فالانبياء إنما يبعثون لحاجة البشر اليهم ، وهذا ما أخبَرنَا به القرآن
الكريم حيث كان اليهود يقتلون الأنبياء بغير حق فكلما كان يقتل نبي يبعث نبي آخر
وهكذا وفي ذلك يقول القرآن الكريم : (
ذَٰلِكَ
بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ
بِغَيْرِ الحَقِّ ) .
( فَبِمَا نَقْضِهِم
مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ
حَقٍّ )
.
إذن كثرة الأنبياء تدل علىٰ سقوط
ذلك الشعب وكفره وإنتشار الفساد فيه وليس تدل علىٰ أفضلية ذلك الشعب ، وبني
إسرائيل تلك الأُمة المنحرفه والتي لا زال شرها الىٰ الآن علىٰ العالم
الاسلامي بل علىٰ كل العالم كانت في الحقيقة أُمة غير ناجحة وفاشلة جداً
والسبب في ذلك هو تمردها علىٰ انبياءها وعلمائها وقدِّيسيها وقادتها وهذا هو
السبب في فشلهم ، وعلىٰ هذا الاساس تكون كلمة الاصطفاء على العالمين مثل
كلمة التفضيل إذن من نفس مفردات القرآن الكريم نستفيد من كلمة عالمين أي عالم
زمانها سواء كانت كلمة عالمين في قضية تفضيل اليهود أو تفضيل الأنبياء أو تفضيل
مريم 3 ، فتكون
كلمة عالمين يعني عالم زمانها ليس إلاّ.
٤) روي أن زكريا كلما دخل علىٰ
مريم 3 وهي في
محرابها ( وكان آنذاك رئيس الهيكل اليهودي فإهتم بها وتفقد شؤونها ) وجد عندها
طعاماً وعهده بها أن لا يدخل عليها أحد ، فسألها متعجباً : أَنَّىٰ لَكِ
هَٰذَا ! ... قَالَتْ هُوَ مِنْ
عِندِ اللهِ ـ أي لا بواسطة أحد
من الناس ـ إِنَّ
اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
ولا شك ولا ريب أن هذه كرامة لمريم 3
فهل في فاطمة الزهراء 3
موجودة هذه الكرامة أم انها إختصت بمريم فقط فتكون مفضلة علىٰ الصديقة 3 ؟ قلنا : نعم حدثت مثل هذه الكرامة
لسيدة النساء فاطمة بنت رسول الله 6
، فقد جاء في تفسير روح البيان للشيخ اسماعيل حقي عند تفسير قوله تعالىٰ
حكاية عن مريم : (
هُوَ مِنْ
عِندِ اللهِ ) جاء في هذا التفسير ما نصه
__________________
بالحرف : « جاع
النبي 6 في زمن قحط
، فأهدت له فاطمة رغيفين ولحماً .. فأتاها وإذا بطبق عندها مملوء خبزاً ولحماً ،
فقال لها : انىٰ لك هذا ؟ قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير
حساب ، فقال : الحمد لله الذي جعلك شبيهه بسيدة بني اسرائيل ، ثم جمع رسول الله
علياً والحسنين ، وجمع أهل بيته عليه فأكلوا وشبعوا ، وبقي الطعام كما هو فأوزعت
فاطمة علىٰ جيرانها » .
وفي كتاب ذخائر العقبىٰ لمحب الدين الطبري « إن علياً 7 استقرض ديناراً ليشتري به طعاماً لاهله
، فالتقىٰ بالمقداد بن الاسود في حال ازعاج ولما سأله الإمام قال : تركت
أهلي يبكون جوعاً ، فآثره بالدينار على نفسه وأهله وانطلق الىٰ النبي 6 وصلىٰ خلفه وبعد الصلاة قال
النبي لعلي : هل عند شيء تعشينا به ؟ وكأن الله قد أوحى إليه ان يتعشىٰ عند
علي ، فأطرق علي لا يحير جواباً ، فأخذ النبي بيده ، وانطلقا الىٰ بيت فاطمة
، وإذا بحفنه من الطعام فقال لها علي 7
أنّىٰ لك هذا ؟ قال له النبي : هذا ثواب الدينار ، هذا من عند الله يرزق من
يشاء بغير حساب ، الحمد لله الذي أجراك يا علي مجرىٰ زكريا واجراكِ يا فاطمة
مجري مريم ، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً ... » . وعليه قد ثبتت هذه الفضيلة للزهراء 3 مثلما ثبتت لمريم سواء من طرق العامة
أو الخاصة.
٥) واستدل الكثير من العامة والخاصة
بأفضلية فاطمة 3
علىٰ مريم وخصوصا ما تواتر عن أبيها رسول الله 6
من الخاصة والعامة بقوله 6
« فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها أغضبني » فهذا الحديث من المتواترات وفيه دلاله علىٰ
كونها من نور الرسول الاعظم محمد 6
وكونها لحمه ودمه فهو خاتم الرسل فانه تكون ابنته أفضل من ابنت عمران.
أوَما قال خاتَمُ الرسل فيها
|
|
فاطمُ بضعتي وِلايَ وِلاها
|
فاطمُ روحي التي بين جنبي
|
|
وريحانتي التي أَهواها
|
__________________
أيها الناس بابُ فاطِمَ بابي
|
|
مثلَما قد غدا حمايَ حماها
|
أيُّها الناس فأحفظوني فيها
|
|
تاه في الغيِّ من بسوءٍ أتاها
|
٦) إن فاطمة الزهراء 3
أفضل من مريم بل هي سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين وهذا ما أثبته الحديث
المروي عن أبي جعفر 7
في حديث طويل : « ولقد كانت 3
مفروضة الطاعة علىٰ جميع من خلق الله ، من الجن والانس والطير والوحش
والأنبياء والملائكة »
وكذلك ما ورد في الحديث الشريف عن أهل بيت العصمة أنه « ما تكاملت نبوة نبي من
الأنبياء حتىٰ أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرىٰ وعلىٰ
معرفتها دارت القرون الاولىٰ » .
فالذي يظهر من هذين الحديثين ان فاطمة مفروضة الطاعة علىٰ جميع الاولين
والاخرين بما فيهم النساء والأنبياء والخلق كلهم وكذلك لا تتكامل نبوة نبي إلاّ أن
يقر بفضلها ومحبتها ، فاذا كان حال الصديقة الكبرىٰ هكذا مع الأنبياء فكيف
مع مريم 3 ولم تكن
نبية ؟
٧) ويمكن أن نستفيد من الحديث المروي عن
شفاعة فاطمة الزهراء 3
يوم القيامة وان لها الشفاعة الكبرىٰ كما لأبيها رسول الله انها الافضل
وانها سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين بينما لا يوجد عندنا نص في شفاعة
مريم 3 فلذلك يكون
هذا الحديث المروي عن شفاعة فاطمة دليل علىٰ كونها سيدة نساء العالمين من
الاولين والآخرين وإلا كيف يكون لها مقام الشفاعة ؟ واليك الحديث المروي في
شفاعتها لمحبيها وشيعتها يوم القيامة.
* عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر 7 يقول : لفاطمة وقفة علىٰ باب
جهنم فاذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل : مؤمن أو كافر ، فيؤمر بمحب قد
كثرة ذنوبه الىٰ النار ، فتقرأ بين عينيه محباً ، فتقول : إلهي وسيدي سميتني
فاطمة ، وفطمت بي من تولاني وتولىٰ ذريتي من النار ، ووعدك الحقُّ وأنت لا
تخلف الميعاد. فيقول الله عز وجل : صدقتِ يا فاطمة إني سميتكِ فاطمة وفطمت بك من
أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار ، ووعدي الحق وأنا لا أُخلف الميعاد
وإنما
__________________
أمرت بعبدي هذا إلى
النار لتشفعي فيه فأشفعك ، ليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني
ومكانتك عندي فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فجذبت بيده وأدخلته الجنَّة . إذن لا يبقى أي أشكال في كون فاطمة
سيدة نساء الجنّة وسيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ولا تنافي في كون مريم
قد دعمها القرآن الكريم وإن الله قد اصطفاها فإن ذلك كان في زمانها ولا يمتد إلى
زمان الصديقة الطاهرة فاطمة 3
، هذا من جهة اصطفاء مريم وكيفية التوفيق بين ذلك ، أمَّا بالنسبة للمعجزة الربانيِّة
التي خصت بها مريم 3
والكرامة التي أعطاها الله تبارك وتعالى إياها وهي إنها ولدت عيسى من غير أب عيسىٰ
7 ، وإنه نبي
من الأنبياء ، وهذا غير موجود في الصديقة فاطمة 3
ولم يقع لها بل ولدت الحسن والحسين وزينب 3
بالطريقة الطبيعية فتكون مريم مفضلة علىٰ فاطمة فيكون الجواب علىٰ ذلك
:
إننّا لا نتصور ولا نصدق علىٰ أن
يكون هذا دليلاً علىٰ أفضلية مريم 3
لماذا ؟ لأنّه بالنسبة لولادتها لعيسىٰ 7
وحملها به من غير أب يكون وحسب رأينا القاصر لسببين :
١ ـ إن مريم 3 حملت بعيسىٰ بهذه الطريقة لأنَّه
لم يكن في بني إسرائيل كفوء لها فمن من بني إسرائيل يستحق أن يكون زوجاً للقديسة
الطاهرة وأباً لعيسىٰ 7
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى إنَّها نذرت نفسها لخدمة بيت الله آنذاك ولذلك كان
اصطفاءها من قبل الله تعالى والدليل على عدم وجود كفوء لها إنها عندما حملت بعيسىٰ
وولدته فقدوها بني إسرائيل في المحراب فخرجوا في طلبها وخرج زكريا فأقبلت مريم
وعيسىٰ في صدرها وأقبلت مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها فلم تكلمهن حتى
دخلت في محرابها فجاء إليها بنو إسرائيل وزكريا فقالوا لها ( يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا
) أي شيئاً
عظيماً في المناهي (
يَا أُخْتَ
هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا
) ومعنى قولهم
يا أخت هارون إن هارون هل كان رجلا فاسقاً زانياً فشبهوها به يعني أين هذا البلاء
الذي جئت به والعار الذي ألزمته بني
__________________
إسرائيل ؟! فأشارت
الىٰ عيسىٰ في المهد فقالوا لها (
كَيْفَ
نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا
) فأنطق الله
عيسى 7 فقال ( إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ
وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي
مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ
حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي
جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ
يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا
).
إذن عندما جاءت إلى بني إسرائيل تحمل
الطفل الكل شمتوا بها وانقلبوا عليها كما قال القرآن الكريم في ذلك « يا أخت هارون
» يعني شماته ... والقرآن الكريم حكىٰ جانب من شماتتِهم فمريم عرفت انه ليس
في بني إسرائيل لها ناصر ولا يذكر القرآن الكريم إنَّ هناك من وقف مع مريم وانبرى
للدفاع عنها مثلاً حتى يقول إنها كانت إمرأة طاهرة تاريخها نظيف ، هذه كانت صاحبة
معجزات في أحضان نبي فلابد أن نرى القضية قبل أن نحكم عليها بهذه السرعة ، فمن هذا
القبيل لم يوجد رجل دافع عنها فاذاً كان هكذا موقفهم معها فأين يوجد الكفوء لها
حتى تتزوج به وتكون ولادتها طبيعية فاذن لا يوجد كفوء لها يشاركها المعجزة
والكرامة ويتحمل إلى جانبها مسؤولية السماء فالأكثرية بل الكل كانوا أناس غير
ملتزمين والدليل على ذلك إنَّنا نجد أيضاً ، بعض أنصار الأنبياء جرحوا الأنبياء ،
أصحاب موسى 7 مثلا وهكذا
فما كان هناك كفوء. بينما توفر الكفوء لفاطمة 3
ألا وهو سيد الأوصياء وأمير الموحدين علي إبن أبي طالب أي نفس الرسول الاكرم محمد 6 وكما أخبر بذلك القرآن ، فتوفر الكفوء
اذن دلالة علىٰ عدم الحاجة الىٰ المعجزه ، هذا ما نتصوره في الجواب
الأوّل.
بنت النبي الذي لولا هدايتُهُ
|
|
ما كان للحق لاعين ولا أثرُ
|
هي التي وَرِثت حقاً مفاخِرَهُ
|
|
والعِطرُ فيه الذي في الورد مدَّخرُ
|
تزوجت في السما بالمرتضىٰ شرفاً
|
|
والشمسُ يقرنها في الرتبةِ القمرُ
|
٢ ـ أما بالنسبة لمريم وانها ولدت نبياً ولم تلد فاطمة نبياً فهذا
يُرد عليه بأن ولادة الانبياء في بني اسرائيل حتى وان كانت ولادتهم طبيعية أو غير
طبيعية لا يدل ذلك أن الأنبياء من بني اسرائيل أفضل من أهل البيت : فلقد ثبت بالادلة القاطعه ان أهل البيت
لا يدانيهم آل من الآل سواء آل عمران أو آل لوط ... وغيرهم ممن ذكرهم القرآن
الكريم فهؤلاء لا يصلون
ولا يرتقون الىٰ منزلة أهل البيت :
وهذا مسلم به وحتى أن حديث الكساء يشير الىٰ ذلك الأمر ، هذا الحديث الذي
اعترف به أحقد من عليها ـ أي علىٰ الشيعة ـ ألا وهو ابن تيميه في كتابه منهاج
السنة الذي ثنّىٰ ركبتيه وشد الأحزم لنقض كل فضائل أهل البيت : وحتى الرواية التي يجدها تحمل فضيلة
فإنه ينكرها من الأساس فيكون بذلك مخالف لاسلوب العلماء والذين يريدون التخلص
مثلاً من رواية بإسقاط سندها وضعفه عن القيام بالحجية. إذن فحديث الكساء الشريف
أثبت أفضلية أهل البيت :
من بقية الآل وهذا بالحقيقة يجعل هذا الحديث يتألق في سماء العقيدة والمعرفة فإنه
يدل علىٰ أن أهل البيت خُلق الكون لأجلهم ، إذن لمّا ولدت مريم عيسىٰ 7 فإنّ فاطمة ولدت حسناً وحسيناً ولا
يقاس بهم لا نبي من أنبياء بني إسرائيل ولا وصي وقول النبي 6 « علماء أُمتي أفضل من أنبياء بني
إسرائيل » فيه دلالة واضحة علىٰ ذلك لأنه لو أخذنا وفسرنا أن علماء أُمتي هم
الأئمة : بالخصوص
فيكون الأفضلية لفاطمة 3
من هذه الجهة وأضف إلى ذلك أنّ عيسى بن مريم 7
وكما وردت الروايات في ذلك إنَّه سوف يصلي خلف الإمام المهدي « عج » عند ظهوره
الشريف وأضف الىٰ ذلك أنَّه أمير المؤمنين والأئمة : كان يقينهم ثابت ووصل مرحلة لا يصل
إليها أحد من أنبياء بني اسرائيل أليس القرآن الكريم يقول في حق نبي من الأنبياء ( أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ
وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
) يعني لم يصل
الىٰ مرحلة الاطمئنان القلبي الراسخ الذي هو عبارة عن اليقين الحقيقي ، أمّا
علي وأولاد علي :
« لو كشف لي الغطاء ما إزددت يقيناً ».
إذن ولادة مريم لعيسىٰ بالمعجزة
الربانيّة وإنَّه كان نبياً لا يدل أفضليتهما من الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء 3 وعليه كل الأدلة المطروحة حول ذلك
مردودة ، وهذا لا يعني إنَّنا نطعن بشخصية مريم أو نريد أن نقلل من شأنها بل اتخذناها
عظيمة من العظيمات وقسنا عليها عظماء الأمة.
والثمرة في هذا البحث من الناحية
العقائدية وحسب ما نتصوره أنَّه عندما ثبت أنَّها سيدة نساء العالمين وأنها أفضل النساء
من الأولين والآخرين فإنَّه سوف يكون ظلمها وعدم رعاية حقها من قبل الذين ظلموها
والذين رضوا بذلك ذا وبال عليهم
في الدنيا بلعنهم
والبرائة من ظلمهم وأفعالهم بحقِّ سيدة نساء العالمين وفي الآخرة الخزي والعذاب
الأليم ( إِنَّ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا
). وأيضا
الثمرة في ذلك هو أننا بقدر معرفتنا بمقامات أولياء الله تعالىٰ ـ ومنهم
فاطمة 3 ـ والتي ورد
البحث عليها وعلىٰ طلب المزيد منها ، نزداد عند ذلك معرفة بالله تعالىٰ
لأنَّه من عرفكم فقد عرف الله تعالىٰ لأنَّهم هم الدالّين عليه وعلى عظمته ،
وهذا ثابت للزهراء 3
كما ثبت للأئمة :.
وكذلك أنَّه متىٰ ما عرفنا أنَّه
فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين عرفنا عند ذلك انَّ لها مقاماً
سامياً وكرامةً ربانيَّة ، وخاصَّة نحنُ نؤمِن بأنَّها كانت مفروضة الطاعة على
جميع الخلق بما فيهم الملائكة والجنَّ والأنبياء وإنَّه ما تكاملت نبوة نبي حتىٰ
أقر بفضلها ومحبتها وعلى معرفتها دارت القرون الأولى ، كلّ ذلك له الأثر الكبير في
أنَّ يعمق ارتباطنا بفاطمة 3
ويدخل حبها في قلوبنا وفي صميم عقائدنا ونزداد تفاعلاً مع ظلاماتها وما جرىٰ
عليها من الظلم والعدوان وعظيم المحن التي مرت عليها. وأخيراً نختم هذا البحث بما
ورد من كلمات الأعلام حول ثبوت كونها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين
والأمر لا يخلو من فائدة فيما نحن فيه ، وإليك أقوال المحدثين :
* قال ابن أبي الحديد :
إنّ رسول الله 6
مال إليها وأحبّها ، فازاد ما عند فاطمة بحسب زيادة ميله ، وأكرم رسول الله 6 إكراماً عظيماً أكثر ممّا كان الناس
يظنّونه ، وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم ، حتّى خرج بها عن حدّ الآباء للأولاد ؛
فقال بمحضر الخاصّ والعامّ مراراً لا مرّة واحدة ، وفي مقامات مختلفة لا في مقام
واحدٍ « إنها سيّدة نساء العالمين ، وإنّها عديلة مريم بنت عمران ، وإنّها إذا
مرّت في المواقف ناد منادٍ من جهة العرش : « يا أهل الموقف غضوا أبصاركم لتعبر
فاطمة بنت محمّد 9
» ، وهذا من الأحاديث الصحيحة
...
* وقال شهاب الدين الآلوسيُّ :
عن ابن عبّاس ، عن النبيّ 6
أنّه قال : « أربع
__________________
نسوة سادات عالمهنّ
: مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ،
وأفضلهنّ عالماً فاطمة » ... والّذي أميل إليه أنّ فاطمة البتول أفضل النساء
المتقدّمات والمتأخرات من حيث إنّها بضعة رسول 6
، بل ومن حيثيّات أخرى أيضاً ، ولا يعكر على ذلك الأخبار السابقة لجواز أن يراد
بها أفضليّة غيرها عليها من بعض الجهات ، وبحيثيّة من الحيثيّات ...
إذ البضعيّة من روح الوجود وسيّد كلّ
موجود ، لا أراها تقابل بشيء ، وأين الثريّا من يد المتناول ؟ ومن هنا يعلم
أفضليّتها على عائشة رضي الله تعالى عنها الذاهب إلى خلافها الكثير محتجّين بقوله 6 : « خذوا ثلثي دينكم عن الحميراء » ...
وأنت تعلم ما في هذا الإستدلال ، وأنّه
ليس بنصّ على أفضليّة الحميراء على الزهراء ، أمّا أوّلاً ، فلأنّ قصارى ما في
الحديث الأوّل على تقدير ثبوته إثبات أنّها عالمة إلى حيث يؤخذ منها ثلثا الدين ،
وهذا لا يدلُّ على نفي العلم المماثل لعلمها عن بضعته عليه الصلاة والسلام ،
ولعلمه 6 أنّها لا تبقي
بعده زمناً معتدّاً به يمكن أخذ الدين منها فيه لم ـ يقل فيها ذلك ، ولو علم لرُبمّا
قال : خذوا كلّ دينكم عن الزهراء ... على أنّ قوله 6
« إنّي تركت فيكم الثقلين كتاب الله تعالى وعترتي أهل بيتي ، لا يفترقان حتّى يردا
عليّ الحوض » يقوم مقام ذلك الخبر وزيادة كما لا يخفى. كيف لا ، وفاطمة رضي الله
تعالى عنها سيّدة تلك العترة .
* وقال العلاّمة المجاهد السيّد شرف الدين ;
: تفضيلها على مريم 3 أمر مفروغ عنه عند أئمة العترة الطاهرة
وأوليائهم من الإماميّة وغيرهم ، وصرّح بأفضليّتها على سائر النساء حتّى السيّدة
مريم كثير من محقّقي أهل السنّة والجماعة كالتقيّ السبكيّ ، والجلال السيوطيّ ،
والبدر ، والزركشيّ ، والتقّي المقريزيّ ، وابن أبي داود ، والمناوي فيما نقله
عنهم العلاّمة النبهاني في « فضائل الزهراء » ص ٥٩ من كتابه « الشرف المؤبَّد » ،
وهذا هو الّذي صرّح به السيّد أحمد زيني دحلان مفتي الشافعيّة ونقله عن عدّة من
أعلامهم ، وذلك حيث أورد تزويج فاطمة بعليّ في سيرته
__________________
النبويّة حتّى مريم رضي الله عنها ، كما اختاره
المقريزيّ والزركشيّ والحافظ السيوطيّ في كتابه « شرح النقابة » و « شرح جمع الجوامع
» بالأدلّة الواضحة الّتي منها أنّ هذه الأمّة أفضل من غيرها ، والصحيح أنّ مريم
ليست بنبيّة بل حكي الإجماع على أنّه لم يتنبأ امرأة قطّ. وقال 6 « مريم خير نساء عالمها ، وفاطمة خير
نساء عالمها »
رواه الترمذّي. وقال 6
: « يا بنيّة ، ألا ترضين أنّك سيدّة نساء العالمين ؟ قالت : يا أبت فأين مريم ؟
قال : تلك سيدّة نساء عالمها » رواه ابن عبد البرّ. وقد أخرج الطبراني بإسناد على
شرط الشيخين ، قالت عائشة : « ما رأيت أحداً قطّ أفضل من فاطمة غير أبيها » ...
وروي المجلسيُّ « ره » قال : قال النبيُّ
6 : فاطمة سيّدة
نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وإنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون
ألف ملك من المقرّبين ، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم ، فيقولون : يا فاطمة
( إِنَّ اللهَ
اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ
) .
وقال 6
: « حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ،
وآسية امرأة فرعون ». وفي رواية مقاتل والضحّاك وعكرمة عن ابن عباس : « وأفضلهنّ »
. وعن محمد
بن سنان ، عن المفضّل قال : قلت لأبي عبد الله 3
: أخبرني عن قول رسول الله 6
في فاطمة : « إنّها سيّدة نساء العالمين » أهي سيّدة نساء العالمين من الأولين
والآخرين .
وعن الحسن بن زياد العطّار قال : قلت لأبي عبد الله 7
: قول رسول الله 6
: فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ، أسيّدة نساء عالمها ؟ قال : ذاك مريم ، وفاطمة
سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين .
__________________
وقال النبيُّ 6 : الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي
وبعد أبيهما ، وأمّهما أفضل نساء أهل الأرض .
وفي الحديث : إنّ آسية بنت مزاحم ،
ومريم بنت عمران ، وخديجه يمشين أمام فاطمة كالحجاب لها إلى الجنّة .
* وروي السّيد الشبّر ; عن النبّي 6 : « فاطمة خير نساء أمتي إلاّ ما ولدته
مريم ». ثمّ قال : وأحسن توجيهاته على تقدير صحّته أن تكون فيه « إلاّ » بمعنى
الواو كما ذكره أهل العربيّة ، وحمّلوا عليه قوله تعالى ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ
إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا )
، ويكون المعنى أنّها خير نساء أمتّي وخير نساء أمّة ما ولدته مريم وهو عيسى ؛
وخصّص تلك الاُمّة بالذكر لكثرة النساء الصالحات العابدات فيها دون أمم سائر
الأنبياء .
__________________

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي
شجونٌ تستهلُ لها الدموعُ
|
|
وتُحرَقُ من لواعِجها الضلوعُ
|
وقفتُ علىٰ البقيعِ فسالَ طرفي
|
|
وقلبي فالدموعُ هيَّ النجيعُ
|
كأنَّ مصيبةَ الزهراءِ بيتٌ
|
|
بقلبي للأسىٰ وهوَّ البقيعُ
|
أمثلَ البضعةِ الزهراءِ تُجفىٰ
|
|
ويُعفي قبرُها وهوَّ الرفيعُ
|
ويغصُب حقُّها جهراً وتؤذىٰ
|
|
بحيثُ وصيةُ الهادي تضيعُ
|
تُصدُّ عن البكاءِ علىٰ أبيها
|
|
فتُحبسُ في محاجرها الدموعُ
|
وتَقتطِعُ الأراكةَ حين تأوي
|
|
لظلِّ غصونها كفٌ قطيعُ
|
ويُحرقُ بيتُها بالنارِ حقداً
|
|
ويُهتَكُ سترُها وهو المنيعُ
|
ويُكسرُ ضلعها بالبابِ عصراً
|
|
فيسقط حملُها وهو الشفيعُ
|
ويدمي صدرِها المسمارُ كسراً
|
|
فينبعُ بين ثدييها النجيعُ
|
ويُنثرُ قرطُها لطماً ويلوىٰ
|
|
عليها السوطُ والسيفُ الصنيعُ
|
وحمرةُ عينها للحشرِ تبقىٰ
|
|
بها من كفِّ لاطمِها تشيعُ
|
تنوحُ فتسمع الشكوىٰ وتدعو
|
|
وما في المسلمين لها سميعُ
|
مصائبُ بالفظاعةِ قد تناهت
|
|
وكلُّ مصيبةٍ خطبٌ فظيعُ
|
قضت الماً من الزهراءِ فيها
|
|
حشاشةُ قلبِها وهو المروعُ
|
__________________
البحث الثامن
فاطمة الزهراء 3
العلة الغائيّة
(
يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ؛ ولولا فاطمة لما خلقتكما
) .
هذا الحديث من الأحاديث المأثورة التي
رواها جابر بن عبد الله الانصاري عن رسول الله 6
عن الله تبارك وتعالى ومن المعلوم أن كلام الله تعالى جاء على قسمين أحدهما ما ورد
في القرآن الكريم والاخر ما جاء على لسان رسول الله 6
من دون ان يكون له وجود في القرآن الكريم وهو ما يعبر عنه بالاحاديث القدسية التي
خاطب بها الله تعالى رسوله 6
ولقد جمعت كثير من الكتب هذه الاحاديث القدسية مثل كتاب كلمة الله وكتاب الاحاديث
القدسية عند الفريقين وغيرهما من الكتب والذي يهمنا في المقام هذا الحديث القدسي
الذي جاء ليثبت للصديقة فاطمة 3
كرامة أخرى ، ومنقبة عظمى وذلك من خلال التمعن في مدلولات هذا الحديث المبارك.
يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك
والخطاب هنا من الباري عز وجل لرسوله
محمد 6 ومن المعلوم
لدينا أن الرسول 6
له عدة اسماء وردت على لسان القرآن الكريم مثل « محمد » 6 (
مَا كَانَ
مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ
) ومثل أحمد ( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي
اسْمُهُ أَحْمَدُ ) ، وكذلك ياسين ، وغيرها من الأسماء
التي جاءت بتعابير مختلفة ،
__________________
وفيما نحن فيه جاء
الخطاب للرسول باسم أحمد ، حيث توجه إليه الخطاب الالهي ليقول له لولاك يا رسول
الله لما خلقت الموجودات التي هي متيسرة في الافلاك ، والافلاك هنا معناها كل
الموجودت التي تدور حياتها ووجودها في الكون سواء نعلم بوجودها أم لا نعلم ، فعلة
خلق الموجودات هو لأجل رسول الله 6
وأهل بيته : وهذا ما أكدته
كثير من الاحاديث المأثورة في هذا المقام منها عن النبي « لما خلق الله آدم أبو
البشر نفخ فيه من روحه التفت آدم إلى يمنة العرش فاذا في النور خمسة أشباح سُجداً
ورُكّعاً.
قال آدم : يا رب ! هل خلقت أحداً من طين
قبلي ؟ قال : لا ، يا آدم ؛
قال : من هؤلاء الخمسة الأشباح الذين
أراهم في هيئتي وصورتي ؟
قال : هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما
خلقتك ، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من اسمائي لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار
، ولا العرش ولا الكرسي ، ولا السماء ولا الأرض ، ولا الملائكة ولا الأنس ولا الجن
، فأنا المحمود وهذا محمد ، وأنا العالي وهذا علي وانا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا
الاحسان وهذا الحسن ، وانا المحسن وهذا الحسين آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد
بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم الا أدخلته ناري ولا أُبالي يا آدم ، هؤلاء صفوتي
من خلقي بهم أُنجيهم ، وبهم أهلكهم فاذا كان لك الي حاجة فبهؤلاء توسل فقال النبي 6 نحن سفينة النجاة. من تعلق بها نجا ،
ومن حاد عنها هلك ، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت .
أقول : يظهر من هذا الحديث عدة أمور
مهمة تتطابق في مدلولاتها مع الحديث القدسي الذي نحن بشأن توضيحه ، فأنوار رسول
الله 6 وأهل بيته : مخلوقة قبل وجود آدم ، وأكد الحديث على
أن علة خلق آدم هو من أجل هذه الانوار ـ حيث قال الله تعالى لادم : لولاهم ما
خلقتك بل تجاوز الأمر إلى أن كل الموجودات هي مخلوقة بسببهم فالعرش والجنة والنار
والكرسي والسماء والأرض والملائكة والإنس والجن كلهم لن يوجدوا لولا وجود انوار
أهل البيت بما فيهم جدهم رسول
__________________
الله 6 لذلك نجد في حديث الكساء المتقدم الذكر
في كتابنا هذا انه يصف علة ايجاد الأفلاك هو لأجل أهل البيت : حيث يقول الله تعالى «يا ملائكتي ويا
سكان سماواتي إني ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً
مضيئة ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فُلكاً يسري إلا في محبة هؤلاء :
أي إني لأجل حبهم وأنوارهم خلقت هذه الأفلاك ».
اذن يظهر من هذه الامور ومن خلال عدة
احاديث مأثورة ان الأفلاك والموجودات ما خلقت لولا رسول الله 6 : « يا احمد لولاك لما خلقت الافلاك »
وهذه العبارة مطابقة لمضمون كثير من الاحاديث الولائية سواء كانت من كتب الخاصة أو
العامة. وبعبارة أخرى لتوضيح المطلب :
أولاً
: حينما نسأل ، لماذا خلق الله الكون «
الافلاك » ؟ فإن الجواب يأتي من القرآن الكريم وهو أن الله خلق الكون والحياة من
أجل الإنسان ، لأنه قال : (
لِيَبْلُوَكُمْ
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ... ) ، وقال : (
وَسَخَّرَ
لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
... وَسَخَّرَ
لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
) وسخر كل شيء
في السموات ، وكل شيء في الأرض ، وسخرها في خدمة الإنسان ، لأنه حينما يقول :
سخرها ، فإن ذلك يعني أنه جعلها ، في خدمة الإنسان مسخرة له ، يتصرف بها كيف يشاء
... مثل تسخير القمر ، والبحر للانسان ، فمن القمر ، ننتفع بالضوء ، ومن البحر
ننتفع بالماء ... وكما ان القمر يحمل السفن الفضائية على ظهره ، كذلك البحر يحمل
السفن الشراعية على ظهره أيضاً.
إذاً : فالجواب على السؤال المتقدم :
لماذا خلق الله الافلاك والكون ، والحياة ؟
أقول : الجواب ، خلقها من أجل الإنسان ،
كما صرح بذلك القرآن الكريم ، في أكثر من مائة آية كلها تؤكد المعنى ، وتصب
اهتماما في هذا الجانب ، بكلمة : سخر ... وجعل ... الخ.
وثانياً
: نسأل ، لماذا خلق الله الإنسان ؟ ويأتي
الجواب من القرآن أيضاً : إنه للعبادة ، (
وَمَا
خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ
) .
__________________
والعبادة لا تتحقق إلاّ بشروط ، ومن أهم
تلك الشروط :
(أ) معرفة الطريق. وكشف الوسيلة ... ووجود
القائد ، لأنه من دون القائد ، لا يمكن الإنطلاق في اتجاه صحيح ، ولذلك صار القائد
، ملازماً لكل زمان ومكان ، ولكل الناس ، لانه من مات ولم يعرف إمام زمانه ، مات
ميتة جاهلية.
إذاً فالعبادة ، تتوقف على وجود القائد
، الإمام المعصوم ... ومعنى ذلك : أن فقدان القائد ، يعني فقدان العبادة ، وإذا
فقدت العبادة ، انتفت الحكمة من وجود الإنسان ، واذا انتفت الحكمة من وجود الإنسان
، ولم يعد لوجود الافلاك معنىً ، لأن الافلاك انما وجدت بوجود الإنسان الذي يعبد
الله ، ولذلك عندما تقوم الساعة ، وينتهي دور الإنسان في الحياة ، فإن الكواكب ،
والنجوم ، والافلاك كلها تتمزق شذر مذر ، وينتهي دورها : وحملت الأرض والجبال ،
فدكتا ، دكة واحدة ، ويقول : (
وَيَسْأَلُونَكَ
عَنِ الجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا
) ويقول القرآن الكريم : ( إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ
). ( وَإِذَا النُّجُومُ
.. ).
وعليه فمن كل ما تقدم ، نخرج بالنتيجة
التالية : وهي أن الله سبحانه ـ لولا الحبيب المصطفى ـ لم يخلق الكون ، ولا
الافلاك ... ولأنّ هذه الحكمة ، لا تسقط بموت النبي 6
وإنما تستمر الحكمة ، من خلال الأئمة الطاهرين :
أجمعين.
وعلى هذا الأساس كان خلق السماوات
والأرض وما بينهما لاجل الإنسان وليعبد الله تعالى بعد معرفة الإنسان بان الله
تعالى خلقه بقدرته لذلك وانه سيبعثه يوم القيامة لتجزى كل نفس بما كسبت ومن
الضروري الذي ثبت في محله ان الدين الذي رضى به الله تعالى واتمه واكمله لعباده هو
الذي قال فيه تعالى ـ (
الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإِسْلامَ دِينًا ).
هذا هو الدين القيم الذي ارسل به رسوله
محمد 6 ( بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) ، فظهر مما ذكرنا اجمالا معنى قوله «
لولاك ما خلقت الأفلاك » وذلك لكونه سيد المرسلين وخاتم النبيين ، ورسولا إلى
الناس جميعا بهذا
__________________
الدين المبين ، وفي
ذلك يقول سيدنا الأستاذ آية الله السيد عادل العلوي ما نصه :
« فغاية الخلق هو الرسول الاعظم محمد 6 كما هو الصادر الأوّل ـ لقاعدة الأشرف
كما في الفلسفة ـ وقد ورد في الخبر الشريف ـ كما تقدم ذلك ـ أول ما خلق الله نور
محمد فهو العلة التامة بعد علة العلل وهو الله سبحانه .
ولولا عليّ لما خلقتك
أي يا رسول الله 6 لولا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب
لما خلقتك ، وربما يظهر من هذا الكلام بعض التشويه لمن ليس له الباع الطويل لفهم
ودراية احاديث أهل البيت :
، ولكن بأبسط تأمل وتدقيق في معاني هذا الكلام ينحل لنا هذا اللغز المحير ،
فالرواية المتقدمة في علة خلق الموجودات تبين ان لولاهم ما خلقتك يا آدم ، أي ان
الرسول 6 والإمام علي
7 مشتركين في
نفس الأمر لكون الإمام علي هو نفس رسول الله 6
وكما عبرت عنه آية المباهلة « انفسنا » فلا يتوهم المتوهمين في عدم تأويل وبيان
هذا الأمر وتوجد نكته مهمة في هذا المقام متعلقة بأسرار البسملة ليست بقابلة
للتقرير والتحرير ، حيث قيل في هذا المقام ان الوجود ظهر من باء بسم الله الرحمن
الرحيم وكما ورد ذلك في الاحاديث المأثورة عن أهل بيت العصمة وقيل « بالباء ظهر
الوجود وبالنقطة تميز العابد عن المعبود ». وقال أمير المؤمنين ومولى الموحدين علي
7 « والله !
لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من « شرح » باء بسم الله الرحمن الرحيم ». وقال ايضاً
« انا النقطة تحت الباء » لانه كنقطة بالنسبة إلى التعين الأوّل الذي هو النور
الحقيقي المحمدي لقوله ـ أي رسول الله محمد 6
ـ « أول ما خلق الله نوري المسمى بالرحيم » ولقوله « أنا وعلي من نور واحد » لأنّ
النبي 6 كالباء وعلي
7 كالنقطة
تحتها ، لأنّ الباء لا تعين إلا بالنقطة ، كما أن النبي لا يتكمل إلا بالولاية ،
ومن هنا كان لولا علي لما خلقتك يا رسول الله فأفهم تغنم والله الهادي إلى
__________________
الحق ، وعلى هذا
الاساس فانه لابد للرسالة السماوية من حجج وائمة بعد النبي 6 وكما أثبت هذا في محله من علم الكلام.
لأنّ الأرض لا تخلو من حجة وامام في كل زمان ، وأنه « من لم يعرف إمام زمانه مات
ميتة جاهلية » وهذا علي 7
امام واب الأئمة المعصومين :
كلهم خلقوا من أجل هذا الدين الحنيف الذي روحه العبودية لله رب العالمين برسالة
رسوله وخلافة هؤلاء الأئمة الامناء على الدين ، وصفوة الله وخزان علمه ... 7.
اذن العلة التامة كما قلنا في كمالاتها
وصفاتها التي هي مظهر لاسماء الله وصفاته هو رسول الله محمد 6 وهذا الإنسان الكامل والمخلوق الاتم ـ محمد
6 ـ لابد لمثل
هذه العلة النورانية والكلمة الالهية التامة من معلول يشابهه ويناسخه لقانون العلة
والمعلول كما هو ثابت في الفلسفة والحكمة المتعالية ويكون عندئذ هو نفسه وهو أمير
المؤمنين اسد الله الغالب علي بن ابي طالب 7
ومما يدل على ذلك هو آية المباهلة ، فيظهر من هذا كله معنى ولولا علي لما خلقتك.
ولولا فاطمة لما خلقتكما
وذلك لكون فاطمة 3 أم ابيها فهي جمعت الكمالات المحمدية
وكانت مظهراً للصفات الربوبية وهي بقية النبوة ولولاها لما قام بعد النبي 6 للدين عمود ولا أخضر له عود وبنورها
زهرت السماوات العلى.
وكذلك كونها ام الأئمة. وهي الوعاء
الطاهر لذرية النبي 6
، وهي الكوثر الذي لا ينقطع عطاؤه ... ومنها الامتداد العلوي لأئمة أهل البيت : ، فاذا عرفنا ذلك أدركنا عظمة الزهراء
وحكمة وجودها لأنّ صلاح العالم كله انما يكون وينطلق من ابناءها ويكفي دليلا على
ذلك ، ان يكون صلاح العالم ، واصلاح الدنيا اليوم ، بواحد من ابناء فاطمة 3 وهو الإمام المهدي 7 يقول الرسول الاعظم محمد 6 « المهدى من ولد فاطمة ».
اذاً فإن فاطمة الزهراء ، هي الصديقة
الكبرى ، وهي الكوثر المتدفق بالعطاء ، وهي
أم الأئمة الطاهرين
، ولولاها ، لانعدمت الحكمة ، من وجود الإسلام ، وتكوين الحضارة ، لأن الحضارة
إنما قامت بأبناء فاطمة أخذاً من الإمام الحسن والحسين ، وعلي بن الحسين والباقر
والصادق ... ومروراً بالإمام الكاظم ، والرضا والجواد ، وانتهاءً بالإمام الهادي ،
والعسكري والإمام الحجة المنتظر عليهم افضل الصلاة وأزكى السلام.
ومن هنا جاء في تعريف فاطمة ، أنها ليلة
القدر ... وأن الذي يعرف حقها ، وقدرها يدرك ليلة القدر ، ويستوعب مفهوم هذه
الليلة العظيمة التي نزل فيها القرآن هدى للناس ، وبينات من الهدى والفرقان ، ولا
يتحقق هذا المعنى من وجود الهداية ، والبينات إلاّ بوجود الأئمة المعصومين ، من
أبناء فاطمة ... .
والنتيجة هي : أنه لولا فاطمة ، لما كان
هناك حكمة من وجود الاسلام ، وعلى هذا الاساس ، ومن هذا المنطلق ، تنتفي حكمة
البعثة ، وإذا لم يبعث النبي ، لم يوجد الوصي ، وهكذا نجد أن هذه المسألة على
عمقها ، فإنها واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار ، ولذلك جاء هذا الحديث القدسي ،
جامعا ، معبراً ، قال : « يا أحمد ـ لولاك ، لما خلقت الافلاك ، ولولا علي لما
خلقتك ولولا فاطمة ، لما خلقتكما ... ».
__________________

الشيخ علي مديحلي العاملي
أدمت خشاشة فاطم الامها
|
|
مذ ضم والدها العظيم رغامها
|
ودت غداة بفقده قد اثكلت
|
|
لو زادها من قبل ذاك حمامها
|
تبكي وما بكت الفوائد مثلها
|
|
مولى تضن بمثله ايامها
|
كم كابدت محنا تنوء بحملها
|
|
همم الرجال ويشتكي ضرغامها
|
ام الأئمة بنت من بلغ الذرى
|
|
مجدا أظلما تخفى أعلامها
|
بالله كيف تضام زجراً بعدما
|
|
مدح الاله لها وبان مقامها
|
شلت يد مدت إلى حرم الهدى
|
|
كانت تعنفها وخاب مرامها
|
شاءوا مذلتها بظعن محمدٍ
|
|
فعدا على بيت النبي لئامها
|
تباً لمن قاد الهجوم لبيتها
|
|
بعد النبي وما ثناه كلامها
|
تباً لمن أمر اللعين بضربها
|
|
فازداد من الم السياط سقامها
|
تباً لغاصبها وكاسر ضلعها
|
|
حتى يتم له بذاك نظامها
|
وجنينها لا تذكرن جنينها
|
|
فبذكره عيني يزول منامها
|
ولعينيها بكت الملائك فى السما
|
|
وكذا امير المؤمنين امامها
|
لهفي عليها مذ قضت وبجنبها
|
|
أسد الاله وقد ابيح ذمامها
|
قد قيد الصبر الجميل حسامه
|
|
وبحده كل الامور ( حسامها )
|
البحث التاسع
فاطمة 3
والولاية التكوينية
من المواضيع المهمة التي اخذت حيزاً
كبيراً في العقائد الشيعية هي مسألة الولاية التكوينية حيث كانت بين النفي
والاثبات عند بعض علماء الكلام ، وسوف نتطرق إلى اثباتها على ضوء الكتاب الكريم
والسنة الشريفة ، وينبغي أولاً وقبل كل شيء بسط الكلام في معرفتها وبيان معناها
وحدودها الشرعية التي أثبتها الباري عز وجل للانبياء والأوصياء بما فيهم خاتم
الرسل محمد 6 وأهل بيته
الطيبين الطاهرين فالولاية المطلقة التي كانت للرسول 6
وأهل بيته انما كانت على جميع اصناف المخلوقين من الجماد والنبات والحيوان
والإنسان والملائكة ، وبتعبير ادق الولاية هي باطن النبوة المطلقة ، وصاحبها هو
الموسوم بالخليفة الاعظم وقطب الاقطاب والإنسان الكبير ، وآدم الحقيقي المعبر عنه
بالقلم الاعلى والعقل الأوّل والروح الاعظم وإليه اشير في الحديث الشريف الوارد عن
رسول الله 6 : « أول ما
خلق الله نوري وكنت نبياً وآدم بين الماء والطين » وإليه استند كل العلوم والاعمال
، وإليه ينتهي جميع المراتب والمقامات نبياً كان أو ولياً ، ورسولاً كان او وصياً.
وقد قال بعض الأعلام في هذه الولاية : فحقيقة الولاية الرتق والفتق في
المولى عليه ما بإمساكه عما عليه وجربه فيما له.
وبعبارة اُخرى : استحقاق تربية المملوك
: لكونه أولى به من نفسه ، فهو اسم له تعالى باعتبار أولويته بخلقه من أنفسهم ، ثم
إن هذه الولاية منشأها هو احتواء الولي للمولى عليه قادراً على الاستبداد به ، الذي
هو حقيقة الملك فهو الولاية الحقيقية ، وإما منشأها الخلافة من المولى الحقيقي ؛
لكونه متعالياً عن مجانسة مخلوقاته وجليلاً عن ملائمة كيفياتهم ، فينصب الخليفة
لتربية المملوكين ما هو يتسحقه منهم عليه ؛ لحفظ
__________________
علو شأنه وصون ضياع
مماليكه عماله عليهم.
مثلاً من لوازم ولايته تعالى على العباد
بذل مالهم ، ووقف أنفسهم عليه تعالى ، وتفديتهم انفسهم واولادهم فلما كان غنياً عن
ذلك ، ومنزهاً عما هو من صفات المخلوقين ، وكان عباده لا يظهر صدقهم وحقيقة
عبوديتهم إلا بأمثال ذلك من لوازم العبودية ، فنصب الخليفة لمثل هذه اللوازم ؛ لأن
ترتبها عليه والعباد ملتزمون بها فقال : (
إِنَّمَا
وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ
) فالرسول
والمؤمنون إنما هم خلفاؤه تعالى في الولاية لا شركاؤه تعالى أن يكون له ولي من
الذل عواً كبيراً.
اقول : لقد بين من خلال قوله هذا حقيقة
الولاية التكونية بالوجه العقلي ، مع اختصاص الولاية الحقيقية لله تعالى بنحو لا
ينقدح في ذهن أحد فيه غلو والشرك.
وقال بعض العارفين : اعلم أنه لما اقتضت الكلمة الالهية
الجامعة لجميع الكلمات ، المشتملة على الاسماء الحسنى والصفات العليا بسط مملكة
الايجاد والرحمة ، ونشر لواء القدرة والحكمة باظهار المملكات ، وايجاد المكونات ،
وخلق الخلائق ، وتسخير الامور وتدبيرها ، وكانت مباشرة هذا الأمر من الذات القديمة
الأحدية بغير واسطة بعيدة جداً. والاحسن أن يقال : واقتضت الحكمة الازلية عدم
مباشرة الامور بذاته المقدسة ، بل اقتضت الوساطة ؛ كما أُشير إليه في بعض الأخبار
، وذلك لأنّ التعبير المذكور ربما يعطي عدم امكان المباشرة بلا واسطة ، مع أنه لا
ريب في امكان ذلك له تعالى بقدرته ، نعم لا بالمباشرة الحسية بل بالقدر والخلق لكل
شيء حين لزومه بلا واسطة فتدبر تفهم ، لبعد المناسبة بين عزة القدم وذلة الحدوث .
فقضى سبحانه بتخليف نائب عنه في التصرف
والولاية والحفظ والرعاية ، فلا محالة له وجه له إلى القدم يخلف عنه في التصرف ،
وخلع عليه خلع جميع أسمائه وصفاته ، ومكنه في مسند الخلافة بالقاء مقادير الامور
إليه واحالة الجمهور عليه. فالمقصود من وجود العالم أن يوجد الإنسان ، الذي هو
خليفة الله في العالم ، فالغرض من الاركان
__________________
حصول النباتات ، ومن
النباتات حصول الحيوانات ، ومن الحيوان حصول الإنسان ، ومن الإنسان حصول الارواح ،
ومن الارواح الناطقة حصول خليفة الله في الأرض كما قال الله تعالى : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً
). فالنبي
لابد من أن يكون آخذاً من الله ، متعلما من لدنه ، معطيا لعباده ، هاديا لهم ، فهو
واسطة بين العالمين سمعا من جانب ولسانا إلى جانب ، وهكذا حال سفراء الله إلى
عباده وشفعاء يوم تناده ، فلقلب النبي بابان مفتوحان : باب مفتوح إلى عالم الملكوت
، وهو عالم اللوح المحفوظ ، ومنشأ الملائكة العلمية والعملية ، وباب مفتوح إلى
القوى المدركة ؛ ليطلع على سوانح مهمات الخلق ، فهذا النبي يجب ان يلزم الخلائق في
شرعه الطاعات والعبادات ؛ ليسوقهم بالتعويد عن مقام الحيوانية إلى مقام الملكية ،
فان الأنبياء رؤوس القوافل.
وقال في الفرق بين النبوة والولاية :
اعلم أن النبوة وضع الآداب الناموسية والولاية كشف الحقائق الالهية ، فان ظهر من
النبي تبين الحقائق فهو بما هو ولي ، فان كل نبي ولي ولا عكس ، لان النبي كمرآة
لها وجهان : وجه إلى الحق ، ووجه إلى الخلق ، فولايته من وجهه إلى الحق ، ونبوته
من وجهه إلى الخلق.
وقيل : النبوة وضع الحجاب ، والولاية
رفع الحجاب ؛ لأنّ دفع الفساد أهم في نظر النبي ، وهو لا يتأتى إلاّ بوضع الحجاب.
وفي شرح الصحيفة السجادية على منشيها
آلاف الثناء والتحية ما ملخصه : الولي فعيل : بمعنى المفعول ، وهو من يتولى الله
أمره كما قال تعالى : (
وَهُوَ
يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ )
وقيل : بمعنى الفاعل أي الذي يتولى عبادة الله ، ويوالي طاعته من غير تخلل معصية ،
وكلا الوصفين شرط في الولاية.
وقال المتكلمون : الولي من كان آتيا
بالاعتقاد الصحيح المبني على الدليل ، وبالأعمال الشرعية ، والتركيب يدل على القرب
، فكأنه قريب منه تعالى لاستغراقه في أنوار معرفته وجمال جلاله.
وقيل في بيانه : الولي من يتولي الله
تعالى بذاته أمره ، فلا تصرف له اصلا اذ
__________________
لا وجود له ولا ذات
ولا فعل ، ولا وصف ، فهو الفاني بيد المفني يفعل ما يشاء حتى يمحو رسمه واسمه
ويمحق عينه وأثره ، ويحييه بحياته ويبقيه ببقائه ، هذا عام يشمل غير الأئمة :. وقيل : الولي هو المطلع على الحقائق
الالهية ، ومعرفة ذاته تعالى وصفاته وأفعاله كشفاً وشهوداً من الله خاصة من غير
واسطة ملك أو بشر. وقيل : هو من تثبت له الولاية ، التي توجب لصاحبها التصرف في
العالم العنصري ، وتدبيره باصلاح فساده واظهار الكمالات فيه ، لاختصاص صاحبها
بعناية الهية توجب له قوة في نفسه ، لا يمنعها الاشتغال بالبدن عن الاتصال بالعالم
العلوي ، واكتساب العلم الغيبي منه في حال الصحة واليقظة ، بل تجمع بين الأمرين
لما فيها من القوة التي تسع الجانبين ، والولاية بهذا المعنى مرادفة للامامة عند
الامامية. وفي الكلمات المكنونة للمولى العارف الكامل الفيض الكاشاني ( رضوان الله
تعالى عليه ) كلمة فيها اشارة إلى النبوة والولاية : الإنسان الكامل اما نبي او
ولي ولكل من النبوة والولاية اعتباران : اعتبار الإطلاق ، واعتبار التقييد ، أي
العالم والخاص. فالنبوة المطلقة وهي النبوة الحقيقية الحاصلة في الأزل ، الباقية
إلى الابد ، وهو اطلاع النبي المخصوص لها على استعداده من حيث انه الانباء الذاتي
والتعليم الحقيقي الازلي المسمى بالربوبية العظمى والسلطنة الكبرى. وصاحب هذا
المقام هو الموسوم بالخليفة الأعظم ، وقطب الأقطاب ، والإنسان الكبير ، وآدم
الحقيقي المعبر عنه بالقلم الاعلى ، والعقل الأوّل ، والروح الاعظم ، وإليه
الاشارة بقوله 6
: أول ما خلق الله نوري ، وكنت نبياً وآدم بين الماء والطين ونحو ذلك وإليه يستند
كل العلوم والأعمال وإليه ينتهي جميع المراتب والمقامات نبياً كان او وليا ، رسولا
كان او وصيا. وباطن هذه النبوة هي الولاية المطلقة ، وهي عبارة عن حصول هذه
الكمالات بحسب الباطن في الأزل وبقائها إلى الأبد ، ويرجع إلى فناء العبد في الحق
وبقائه به ، وإليه الاشارة بقوله : أنا وعلي من نور واحد ، وخلق روحي وروح علي ابن
ابي طالب قبل أن يخلق الخلق بألفي عام ، وبعث علياً مع كل نبي سراً ومعي جهرا ،
وبقول امير المؤمنين 7
: كنت وليا وآدم بين الماء والطين إلى غير ذلك. والنبوة المقيدة هي الأخبار عن
الحقائق الالهية أي معرفة ذات الحق وأسمائه وصفاته وأحكامه ، فان ضم مع تبليغ
الاحكام والتأديب بالاخلاق
والتعليم ، وبالحكمة
والقيام بالسياسة ، فهي النبوة التشريعية وتختص بالرسالة ، وقس عليها الولاية المقيدة.
فكل من النبوة والولاية من حيث هي صفة الهية مطلقة ، ومن حيث استنادها إلى
الأنبياء والأولياء مقيدة ، والمقيد متقوم بالمطلق ، والمطلق ظاهر في المقيد فنبوة
الأنبياء كلهم جزئيات النبوة المطلقة ، وكذلك ولاية الأولياء جزئيات الولاية
المطلقة ، ولكل من الاقسام الاربعة ختم ، أي مرتبة ليست فوقها مرتبة اخرى ، ومقام
لا نبي على ذلك المقام ولاولي سوى الشخص المخصوص به ، بل الكل يكون راجعا إليه وان
تأخر وجود طينة صاحبه فانه بحقيقته موجودة قبله. وخاتم النبوة المطلقة نبينا 6 وخاتم الولاية المطلقة امير المؤمنين
علي بن أبي طالب 7
والنبوة المقيدة انما كملت وبلغت غايتها بالتدريج ، فأصلها تمهد بآدم 7 ولم تزل تنمو وتكمل حتى بلغ كمالها إلى
نبينا 6 ولهذا كان
خاتم النبيين ، وإليه الاشارة بما روى عنه 6
: مثل النبوة مثل دار معمورة لن يبق فيها إلاّ موضع لبنة ، وكنت انا تلك اللبنة ،
او لفظ هذا معناه. وكذلك الولاية المقيدة انما تدرجت إلى الكمال حتى بلغت غايتها
إلى المهدي الموعود ظهوره ، الذي هو صاحب الأمر في هذا العصر ، وبقية الله اليوم
في بلاده وعباده ( صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه المعصومين ). وقال بعضهم : الولاية هي قيام العبد بالحق عند
الفناء عن نفسه ، وعند ذلك يتولى الحق إيّاه حتى يبلغه مقام القرب والتمكين ،
وشرحه بعضهم بقوله : الولاية مأخوذة من الولي وهو القرب ولذا يسمى الحبيب وليا ،
لكونه قريبا من محبه ، وفي الاصطلاح : هو القرب من الحق وهي عامة وخاصة ، والعامة
حاصلة لكل نبي آمن بالله وعمل صالحا ، والخاصة هي الفناء في الله ذاتا وصفة وفعلا
، فالولي هو الفاني في الله القائم به الظاهر بأسمائه وصفاته. وعن السيد نعمة الله
الجزائري ; قال :
الولاية بقاء العبد بالحق في حال الفناء. وقيل : هي التخلق بأخلاق الله تعالى
والفناء بعد الفناء وصحو بعد المحو. وقال السبزواري في شرحه على الاسماء الحسنى ص
٩ : الولي له معان كثير منها : المتولي لأمور العالم المتصرف فيه ، إلى ان قال :
وهو بما هو ولي أتم
__________________
وأكمل منه بما هو
نبي ، لأن ولايته جنبته الحقانية واشتغاله بالحق ونبوته وجهه الخلقي وتوجيه اليهم.
ولا شك في أن الاولى اشرف لكونها أبدية ، بخلاف الثانية فانها منقطعة. فاذا سمعتم
يقولون : الولاية أفضل من النبوة ، فيعنون ذلك في شخص واحد وهو : ان النبي من حيث
هو ولي افضل من حيث هو نبي لا الولي التابع. هذه بعض التعارف في معنى النبوة
والولاية في كلمات القوم وهناك تعاريف متقاربة اللفظ والمعنى حاصلها يرجع إلى
الولاية الحقيقية التي بيناها ، فما ذكرنا من التعاريف يشير إلى تعريفها الحقيقي
الوجداني الجامع ولكن معلوم لدينا ان احاديثهم :
من الصعب المستصعب ، وان بعص الاحاديث المأثورة تشير إلى حقيقة ولايتهم التي منحها
الله تعالى اياهم وهي من غوامض اسرارهم ومعارفه ، فأصل حقيقتها لم يحتملها احد بل
هي امر مخصوص بهم ، وربما منحوا بعض شؤونها للاولياء الخلص ، اذن فأصل الولاية لم
تظهر حقيقتها لأحد ، وأما ما سمعت من التعاريف لها فهي التي عرضها كل منهم على حسب
دركه وإلاّ فحقيقتها بعد مبهمة علينا والوجه في ذلك عدم قابليتنا لدركها كما أشير
إليه في بعض الاحاديث ، ففي البصائر عن جابر قال 7
« يا جابر ما سترنا عنكم أكثر مما أظهرنا لكم ». وفي حديث مفضل في البصائر قوله 7 : « فأحسن الحديث حديثنا ، لا يحتمل
احد من الخلائق أمره بكماله حتى يجده ، لأنه من حد شيئا فهو اكبر منه ». ولذا ترى
الأئمة : انما بينوا
ولايتهم المطلقة التكوينية ببيان آثارها اما علماً أو عملا اما الأوّل : فكالاحاديث
الواردة في بيان شؤون ولايتهم بالسنة وهي مختلفة التي منها الزيارة الجامعة
الكبيرة.
وأما الثاني : فكالمعجزات التي صدرت
عنهم فانها تحكي حقيقة ولايتهم التكوينية وهي أكثر من أن تحصى وقد ذكر كثيراً منها
السيد السند السيد هاشم البحراني 2
في كتاب مدينة المعاجز ، فراجع.
وهكذا القران الكريم ايضاً فانه سبحانه
وتعالى بين فيه غالباً ولاية أوليائه بأفعالهم الغريبة التي أقدرهم الله عليها ،
وكما سيأتي بيان ذلك.
* الولاية التكوينية يمكن أن تعرف بأنها
: القدرة والقابلية على التصرف في التكوينات مطلقا من قبل النبي والأوصياء : وباذن الله تعالى وليست بالاستقلال
ويمكن اعطاء معنى
آخر لهذه الولاية بان نقول : ان الولاية التكوينية الثابتة بالوجدان للنبي والأئمة
: ومن
الأحاديث الشريفة ومن القرآن نفسه هو انه تعالى لما كانت ذاته المقدسة علم وقدرة
كله ونور كله كما في توحيد الصدوق
، بإسناده عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله 7
يقول : لم يزل الله جل وعز ربنا ، والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع
، والبصر ذاته ولا مبصر ، والقدرة ذاته ولا مقدور فلما أحدث الاشياء وكان المعلوم
وقع العلم على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر على المبصر والقدرة على المقدور.
وأراد أن يخلق لكي يعرف ، فالخلق كلهم مظاهر لعلمه وقدرته و نوره ، أي وجوده ،
فجميع ما في الوجود مظاهر لصفاته وأفعاله ، فالموجودات لها مراتب مختلفة في
اتصافها بالمظهرية حسب اختلافها في القرب إليه تعالى والبعد عنه تعالى ، فكل موجود
كان أقرب إليه تعالى كان أكثر مظهراً لصفاته وأفعاله تعالى.
ومن المعلوم أن المستفاد من الآيات
والاحاديث هو : أن أول الموجودات قرباً حدوثاً وبقاءً بالنسبة إليه تعالى هو أرواح
محمد وآله الطاهرين الأئمة المعصومين :.
فلذا هم المظاهر الاتم لصفاته وافعاله
تعالى ، فكل موجود كان أتم وأكمل في المظهرية فهو أكبر من كونه آية وعلامة ودليلاً
عليه تعالى ، وحيث لا أقرب إليه تعالى ولا أتم في المظهرية منهم : فهم الآية الكبرى.
ولذا قال النبي 6 والوصي 7
: « مالله آية أكبر مني » وجهة كونهم أتم المظاهر ؛ لكونهم أقرب الموجودات إليه
تعالى ، ولأنّ علمه تعالى وقدرته ونوره أكثر ظهوراً فيهم : وذلك لانهم الاسماء الحسنى.
ففي كتاب التوحيد من الكافي ، في باب
النوادر باسناده عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله 7 في قول الله عز وجل : ( وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَىٰ
فَادْعُوهُ بِهَا )
قال : نحن والله الاسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلاّ بمعرفتنا .
__________________
وشرحه الاجمالي ما قاله الصادق 7 ففيه في ذلك الباب باسناده عن مروان
ابن صباح قال : قال أبو عبد الله 7
: ان الله خلقنا فأحسن خلقنا ، وصورنا فأحسن صورنا ، وجعلنا عينه في عباده ، و
لسانه الناطق في خلقه ، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ، ووجهه الذي
يؤتى منه ، وبابه الذي يدل عليه ، وخزانه في سمائه وأرضه ، بنا أثمرت الاشجار ،
وأينعت الثمار ، وجرت الانهار ، وبنا ينزل غيث السماء ، وينبت عشب الأرض ،
وبعبادتنا عبد الله ، ولولا نحن ما عبد الله ، هكذا غيره من الاحاديث الأُخر.
ولازم ذلك هو أن آثار القدرة وآثار
العلم فيهم : أكثر ظهوراً
مما ظهر من غيرهم ، ومن المعلوم أن قدرته تعالى هي النافذة في الاشياء والمتصرفة
فيها ، بل لا وجود لغيره تعالى مطلقا إلاّ بالقدرة ، فحينئذ لازمه أن قدرتهم هي
قدرة الله الظاهرة فيهم :
النافذة في الاشياء بإذنه تعالى ، فهم بهذا المعنى أولياؤه تعالى أي المتصرفون
بإذنه في الوجود ، وهذا معنى الولاية التكوينية .
وعلى أساس هذا البيان الذي قدمناه في
معنى الولاية وتعريف الولاية التكوينية ، وكلام القوم فيها ، سوف يكون بحثنا في
مقامين :
المقام الأوّل
: امكان وقوع الولاية التكوينية.
المقام الثاني : الولاية التكوينية
لفاطمة 3.
المقام
الأوّل : امكان وقوع الولاية التكوينية
اختلف العلماء الاعلام في امكان الولاية
التكوينية ووقوعها في ثلاث أقوال :
١ ـ فمنهم من قال لا وجود للولاية
التكوينية في القرآن ولا يوجد دليل واحد يدل عليها ، واستدل على ذلك بان القرآن
الكريم نفسه يؤكد على ان النبي محمد 6
لا يملك من أمره شيئاً إلاّ ما ملّكه الله بشكل طارئ ... وايضاً الأنبياء لا
يملكون ان
__________________
يقدموا أي شيء فيما
يقترحه الناس ، ولو كانوا يملكون لاستجابوا لاقتراحات الناس.
٢ ـ القول الثاني يقول بامكان هذه
الولاية التكوينية للانبياء والأوصياء ولكن اختلف في وقوعها أو عدم وقوعها.
٣ ـ والقول الاخير يقول بامكان هذه
الولاية وانها وقعت في المحيط الخارجي واستدل هذا الاخير بعدة أدلة قدمها لكي تكون
له برهان على مصداقية هذه المسألة. وقبل أن نختار أي الاقوال هو الصحيح ؟ لابد لنا
من الوقوف مع المصدر الأوّل الذي أمرنا الله تعالى بالرجوع إليه والذي هو ( تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ
) والذي
نعتبره اهم مصادرنا التي نستدل به على كثير من القضايا بل كل الوقائع وهو القران
الكريم.
اقول : لابد لنا من استنطاق القرآن
الكريم ليخبرنا عن امكان هذه المسألة وامكان وقوعها في الخارج ، وعليه لابد من ان
نوضح مسألة مهمة قبل الدخول في بحث القرآن الكريم لاثبات هذه القضية ، وهي ان كل
ما نقوله في شأن هذه الولاية التكوينية ولمن ثبتت له نقول انما تكون بالتبع لا
بالذات ولا بالاستقلال فانه لا يوجد من يقول من العلماء بأنه هذه الولاية انما
تكون بالذات كلا والف كلا فان كل من قال بها انما يقول هي بالذات وبالاصل لله
تعالى وبالتبع وبالتفرع للانبياء والأوصياء :
فلابد لنا ونحن نقف مع هذا البحث المهم أن نتذكر في كل استدلالاتنا هذا الاصل أي
انها بالتبع لا بالذات.
السؤال المطروح الآن هو : هل توجد آيات
قرآنية تدل على امكان هذه الولاية او بتعبير ادق على وقوع هذه الولاية التكوينية ؟
والجواب : جاء في لسان القرآن الكريم عدة آيات مباركة تدل على امكان وقوعها بل
انها وقعت لكثير من الأنبياء ، وليس هذا مجرد قول من دون دليل او برهان علمي يصدق
هذه المسألة بل لتوضيح الأمر لابد لنا ان نقف مع هذه الايات لكي نعرف مدى دلالاتها
على هذه المسألة ومنها :
* قوله تعالى : ( ... أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ
كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا
بِإِذْنِ
اللهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي المَوْتَىٰ بِإِذْنِ
اللهِ )
.
فالمستفاد من هذه الآية هو نسبة الخلق
إلى غير الله تعالى كما يشعر به قوله تعالى (
فَتَبَارَكَ
اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ ) حيث الله هو الخالق الحقيقي ، وفي هذه
الآية نسب الله تبارك وتعالى الخلق إلى عيسى 7
وعليه هذه التصرفات التي صدرت من عيسى 7
واثبتها القرآن الكريم انما هي كانت منصبة على التكوينات مثل خلق الطير أي جمع
اجزاءه وكذلك ابراء الاكمه والابرص الذين هم في خلقتهم خلل تكويني ، والاعظم من
هذا كله هو احياء الموتى ، وهل هذا إلاّ فيه دلالة كبيرة على عظمه الأنبياء وعلى
الولاية العظيمة التي اعطاها الله تبارك وتعالى لهم والتي نعبر عنها بالولاية
التكوينية أي التصرف في التكوينيات ، على ان قوله تعالى ( بِإِذْنِ اللهِ
) الذي تكرر
في الآية المباركة مرتين سيق للدلالة على ان صدور هذا التصرف التكويني عبر الآيات
الباهرات للعقول من عيسى 7
انما كان مستنداً إلى الله تعالى من غير ان يستقل عيسى 7 بشيء من ذلك وانما كرره تكراراً يشعر
بالاصرار منه تعالى بالوهيته استدلالا بالايات المعجزة الصادرة عنه ، ولذا كان
يقيد كل آية يخبر بها عن نفسه مما يمكن ان يضلوا به الخلق والاحياء باذن الله. وفي
ذلك يقول العلامة السيد الطباطبائي في تفسيره الميزان وظاهر قوله : أني أخلق لكم «
الخ » ان هذه الايات كانت تصدر عنه صدوراً خارجيا لا ان الكلام مسوق لمجرد
الاحتجاج والتحدي ، ولو كان مجرد قول لقطع العذر واتمام الحجة لكان من حق الكلام
ان يقيد بقيد يفيد ذلك كقولنا : ان سألتم او اردتم او نحو ذلك. على ان ما يحكيه
الله سبحانه من مشافهته لعيسى يوم القيامة يدل على ان وقوع هذه الايات أتم الدلالة
، قال : ( إِذْ قَالَ اللهُ يَا
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ
ـ إلى ان قال ـ وَإِذْ
تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا
فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ
تُخْرِجُ المَوْتَىٰ ) .
ومن هنا يظهر فساد ما ذكره بعضهم : أن قصارى ما تدل عليه الآية ان الله سبحانه جعل
في عيسى بن مريم هذا السر ، وان احتج على
__________________
الناس بذلك وأتم
الحجة عليهم بحيث لو سألوه شيئاً من ذلك لأتى به ، أما ان كلها او بعضها فلا دلالة
فيها على ذلك .
وعلى اساس هذا البيان يظهر لنا من خلال التمعن والتدقيق في مدلولات هذه الآية
اضافة إلى آيات اخرى الولاية التكوينية لنبي الله عيسى وعلى ضوء الاساس والاصل
الذي اعتمدناه في مقدمة حديثنا الذي نقول فيه ان الولاية التكوينية انما هي بالتبع
لا بالاستقلال لذلك نجد ان الآية المباركة تقول باذن الله أي جعلت الولاية والتصرف
في التكوينات باذن الله تعالى لا بالاستقلال ، وعليه ثبوت هذا القول بهذا البيان ،
تكون هذه الولاية ايضا ثابتة لاهل البيت :
وذلك لأنهم : افضل من
جميع الأنبياء وكيف وقد ثبت لنا بالادلة النقلية ان عيسى 7 يصلي خلف الإمام المهدي عند ظهوره
الشريف هذا ملخص البيان في الآية الاولى التي أثبت الولاية التكوينية وعلى لسان
القرآن الكريم.
* أما الآية الثانية فهي في قصة سليمان
وملكة سبأ : ( قَالَ يَا أَيُّهَا
المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
* قَالَ
عِفْرِيتٌ مِّنَ الجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ
وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ
* قَالَ
الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ
إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن
فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ
... ) . والذي يهمنا في هذه الايات قوله تعالى
( قَالَ الَّذِي عِندَهُ
عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ ) الذي يستفاد منه ان الذي عنده علم من
الكتاب انما قال قوله هذا قبال من كان من الجن وهذا يدل على انه كان من الانس ،
وقد وردت الروايات عن ائمة أهل البيت :
انه كان آصف بن برخيا وزير سليمان وانه كان كما قيل عنده اسم الله الأعظم ، وقد
تصرف آصف بن برخيا في التكوينات عن طريق ولايته ، في ذلك حيث نقل عرش بلقيس بأقل
من طرفة عين ، وهذا فيه دلالة واضحة على ولايته التكوينية على انه لم تقل الآية
المباركة التي جاءت لسياق بيان هذه الولاية انها كانت باذن الله تعالى وانما بينت
القضية عن طريق العلم الذي بحوزته من الكتاب ، والمراد من هذا الكتاب الذي هو مبدأ
هذا العلم العجيب الذي جعله يتصرف هذا التصرف اما جنس
__________________
الكتب السماوية او
اللوح المحفوظ والعلم الذي أخذه هذا العالم منه كان علما يسهل الوصول إلى هذه
البغية ، وهذه كله ليس فيه تنافي من ان تكون ولايته باذن الله تعالى لأنه هو الذي
اعطاها له ، وعليه تكون هذه الولاية مطابقة للاصل الذي يقول بالتبع لا بالإستقلال
وقد ذكر المفسرون انه كان يعلم اسم الله الاعظم اذا سئل به اجاب ذكر بعضهم ان ذلك
الاسم هو الحي القيوم ، وقيل : ذو الجلال والاكرام وقيل : الله الرحمن وقيل : هو
العبرانية آهيا شراهيا ، وقيل : انه دعا بقوله : يا الهنا واله كل شيء الها واحدا
لا اله إلاّ انت اتيني بعرشها إلى غير ذلك مما قيل. على انه من المحال ـ على ما
ذكره المفسرون ـ ان يكون الاسم الاعظم الذي له التصرف في كل شيء من قبيل الالفاظ
ولا المفاهيم التي تدل عليها وتكشف عنها الالفاظ بل ان كان هناك اسم له هذا الشأن
او بعض هذا الشأن فهو حقيقة الاسم الخارجية التي ينطبق عليها مفهوم اللفظ نوعاً من
الانطباق وهي الاسم حقيقة واللفظ الدال عليها اسم الاسم. ولم يرد في لفظ الآية نبأ
من هذا الاسم الذي ذكروه بل الذي تتضمنه الآية انه كان عنده علم من الكتاب وانه
قال : انا آتيك به ، ومن المعلوم مع ذلك ان الفعل فعل الله حقيقة ، وبذلك كله
يتحصل انه كان له من العلم بالله والارتباط به ماذا سأل ربه شيئا بالتوجه إليه لم
يتخلف عن الاستجابة وان وتبين مما تقدم ايضا ان هذا العلم لم يكن من سنخ العلوم
الفكرية التي تقبل الاكتساب والتعلم .
وعلى كل حال فان الآية المباركة اثبتت الولاية التكوينية في التصرف في الاشياء من
خلال اسم الله الاعظم ، فتكون هذه الآية الثانية في اثبات حقيقة الولاية لوصي نبي
من الأنبياء وهو اصف بن برخيا.
* (
وَإِذْ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ
تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ
أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ
كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ
أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .
وهذا الآية من الايات التي استدل بها
على الولاية التكوينية وامكان وقوعها في الواقع الخارجي وعلى ضوء المصدر الأوّل
للمسلمين القرآن الكريم وبيان الحال فيها
__________________
يكون على ضوء
التقرير المستفاد من هذه الآية المباركة وهو كالاتي : ان ابراهيم 7 طلب من الله تعالى الرؤية في قضية
احياء الموتى وانه كيف يحي الله الموتى ، وليس المراد من الله تعالى البيان
الاستدلالي لابراهيم في هذه القضية فان الأنبياء مثل ابراهيم الخليل ارفع قدرا
وشأنا من ان يعتقد البعث ولا حجة له عليه ، والاعتقاد النظري من غير حجة عليه إما
اعتقاد تقليدي أو ناشئ عن اختلال فكري وشيء من هذا القبيل لا ينطبق على ابراهيم 7 ، على أنه سأل بلفظ كيف وانما يستفهم
بكيف عن خصوصية وجود الشيء لا عن اصل وجوده فانك اذا قلت : ارأيت زيداً كان معناه
السؤال عن تحقق اصل الرؤية ، واذا قلت كيف رأيت زيدا كان اصل الرؤية مفروغاً عنه
وانما السؤال عن خصوصيات الرؤية ، فظهر انه انما سأل البيان بالإرائة والإشهاد لا
بالإحتجاج والإستدلال.
على ان إبراهيم إنما سأل أن يشاهد كيفية
الاحياء لا أصل الاحياء كما ان ظاهر قوله : كيف تحي الموتى ، والسؤال بأجزائها
الذي به تلبس الحياة ، ويرجع محصلة اى السؤال عن السبب وكيفية تأثيره ، وهذا بوجه
هو الذي يسميه الله سبحانه بملكوت الاشياء في قوله تعالى عز من قائل : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن
يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي
بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
) ولقد اعطى
الله تبارك وتعالى القدرة على التصرف عن طريق ولاية او عن طريق قوة او شيء آخر في
احياء الطيور الاربعة ، وقضية احيائها انما عن طريق التصرف في التكوينيات بواسطة
قوة مؤثرة فاعلة حقيقية جعلها البارئ على يد ابراهيم 7
وليس مثل ماتوهم بعضهم من دعوة ابراهيم للطيور في احيائها وقول عيسى 7 لميت عند احيائه : قم باذن الله وجريان
الريح بأمر سليمان وغيرهما مما يشتمل عليه الكتاب والسنة انما هو لاثر وضعه الله
تعالى في الفاظهم المؤلفة من حروف الهجاء ، او في ادراكهم التخيلي الذي تدل عليه
الفاظهم نظير النسبة التي بين الفاظنا العادية ومعانيها وقد خفى عليهم ان ذلك انما
هو عن اتصال باطني بقوة الهية غير مغلوبة وقدرة غير متناهية هي المؤثرة الفاعلة
بالحقيقة. وعلى أي حال انما امر الله تعالى نبيه ابراهيم الخليل بأخذ اربعة من
الطير ليعرفها فلا شك فيها عند اعادة الحياة اليها ، ولا ينكرها ، وليرى ما هي
عليه من
الإختلاف والتغير
اولا وزوالها ثانيا ، وقوله تعالى فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا اي
اذبحهن وبدد اجزائهن واخلطها ثم فرقها على الجبال ، الموجودة هناك لتتباعد الاجزاء
وهي غير متميزة ، وقوله ثم ادعهن أي ادع الطيور يأتينك سعيا ، أي يتجسدن واتصفن
بالاتيان والاسراع اليك. والذي نريد القول به من كل هذا البيان ان الله تعالى اجرى
الولاية التكوينية على يد ابراهيم الخليل وباذنه تعالى حيث يقول الباري عز وجل :
فخذ ، فصرهن ، ثم اجعل بصيغة الأمر ويقول ثم ادعهن يأتينك فان الله تعالى جعل
إتياهن سعيا وهو الحياة مرتبطا متفرعا على دعوة ابراهيم نفسه فهذه الدعوة هي السبب
الذي يفيض عنه حياة ما اريد احيائه ، ولا الاحياء إلاّ بامر الله تعالى ، قد كانت
متصلة نحو اتصال بأمر الله الذي منه تترشح حياة الاحياء ، وعند ذلك شاهده ابراهيم
ورأى كيفية فيضان الأمر بالحياة ، ولو كانت دعوة ابراهيم اياهن غير متصلة بأمر
الله الذي هو ان يقول لشيء اراده : كن فيكون ، كمثل اقوالنا غير المتصلة إلا
بالتخيل كان هو ايضا كمثلنا إذ قلنا للشيء كن فلا يكون فلا تأثير جزافي في الوجود
فيظهر من هذا كله ان ابراهيم كان تصرفه تكوينيا أي اعطاه الله الولاية التي نسميها
ولاية تكوينية وباذن الله تعالى. وكذلك قوله تعالى : (
فَسَخَّرْنَا
لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ
) في قضية سليمان حيث اعطاه لله تبارك
وتعالى ولاية وتصرف في الريح وهل هذا إلاّ ولاية وتصرف في التكوينات ؟ ومنها قوله
تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا
سُيِّرَتْ بِهِ الجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ
المَوْتَىٰ بَل للهِ الأَمْرُ جَمِيعًا
... ) عن تفسير علي بن إبراهيم قوله : ولو ان
قرآناً الخ الآية قال : لو كان شيء من القرآن كذلك لكان هذا أقول : يعني لو كان
شيء مما أقدره الله لعباده فيما انزل عليهم من الوحي مما فيه هذه القدرة ، التي
بها تسير الجبال وتقطع الأرض ويحي الموتى لكان هو هذا القرآن المنزل عليه 6. ولا ريب ان هذه الاثار الثلاثة تنبئ
عن ان المنزل عليهم هذا القرآن قد امكنهم الله من هذه الامور ، فما أعطاهم من
القدرة ، التي بها يتصرفون في الموجودات ، وهذه حقيقة الولاية التكوينية الثابتة ،
لهم
__________________
بنص القرآن ، وإليه
يشير ما عن اصول الكافي باسناده عن ابراهيم ، عن ابيه ، عن ابي الحسن الأوّل 7 « قال : قلت له : جعلت فداك ، اخبرني
عن النبي ورث النبيين كلهم قال : نعم ، قلت : من لدن آدم حتى انتهى إلى نفسه ؟ قال
: مابعث الله نبيا إلاّ ومحمد 6
اعلم منه ، قال : قلت ان عيسى بن مريم كان يحيي الموتى باذن الله ، قال : صدقت ،
وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير ، وكان رسول الله 6 يقدر على هذه المنازل ؟ قال فقال : ان
سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وغضب عليه (
لأُعَذِّبَنَّهُ
عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
) ، وانما غضب
لانه كان يدله على الماء فهذا وهو طائر قد اعطي مالم يعط لسليمان وقد كانت الريح
والنمل والانس والجن والشياطين المردة له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء
وكان الطير يعرفه ، وان الله يقول في كتابه : (
وَلَوْ
أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ
كُلِّمَ بِهِ المَوْتَىٰ
). وقد ورثنا
نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال ، وتقطع به البلدان ويحيى به الموتى ،
ونحن نعرف الماء تحت الهواء ، وان في كتاب الله لايات ما يراد بها امر إلاّ باذن
الله به مع ما قد يأذن الله بما كتبه الماضون جعله الله لنا في أم الكتاب ، ان
الله يقول : ( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ
فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
) ثم قال ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ
اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا
) فنحن الذين
اصطفانا الله عز وجل واورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كل شي ». حيث دل هذا الحديث على
انه تعالى اعطى انبياءه والأئمة :
قدرة يتصرفون بها في الامور الغيبية ، التي يعجز عنها غيرهم من احياء الموتى كما
لعيسى ومن تسيير الجبال وتقطيعها وتكليم الموتى وغيرها مما ستأتي الاشارة إليه ،
ثم بين 7 جامعا كليا
في هذا الأمر مما جعله الله لهم في ام الكتاب ، واستدل عليه بان قوله تعالى : ( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ
وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
) يدل على ان
أي امر غائب عن الناس مما هو ثابت في السماء او الأرض يكون في كتاب مبين. ثم بين
قوله تعالى : ثم اورثنا الكتاب ، دل على ان الكتاب الذي ما من غائبة سماوية او
ارضية إلاّ وهي فيه ، هو هذا الكتاب الذي اورثه الله تعالى اياهم فقوله 7 : فنحن اصطفانا الله عز وجل ، اورثنا
هذا الكتاب فيه تبيان كل شيء ، بيان لأن المراد من العباد في الآية المباركة هو
النبي والأئمة :.
ثم ان
المراد من قوله فيه
تبيان كل شيء ، اقتباسا من الآية الشريفة لايراد التبيان العلمي ، بل المراد الاعم
منه ، ومن التبيان الشهودي والعلمي باعمال القدرة وما أقدرهم الله عليه كما لا
يخفى على الناقد البصير ، والله العالم وأولياؤه بكلامه ، وقوله تعالى : ( وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ
لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا
عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ
) . ففي تفسير البرهان عن الإمام العسكري
... إلى ان « قال 7
: ثم قال الله عز وجل : (
وَإِذِ
اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ
) قال :
واذكروا يا بني اسرائيل اذ استسقى موسى لقومه ، طلب لهم السقايا لما لحقهم العطش
في التيه ، وضجوا بالبكاء ، وقالوا : أهلكنا العطش يا موسى. فقال موسى : الهي بحق
محمد سيد الأنبياء ، وبحق علي سيد الأوصياء ، وبحق فاطمة سيدة النساء ، وبحق الحسن
سيد الأولياء ، وبحق الحسين افضل الشهداء ، وبحق عترتهم وخلفاؤهم سادة الازكياء
لما سقيت عبادك هؤلاء ، فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى اضرب بعصاك الحجر ، فضرب
بها ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم ، كل قبيلة من اولاد
يعقوب مشربهم ، فلا يزاحمهم الاخرون في مشربهم » الحديث. فظاهر هذا الحديث ونحوه
اعطاؤه تعالى هذه القدرة لموسى 7
بظهور هذا المعجز منه بواسطة ضرب العصا ، وحقيقته ترجع إلى انه تعالى مكنه من هذا
الأمر المعجز بما منحه من الولاية التكوينية ، التي اثرها التصرف في الموجودات
وسيجيء قريبا توضيحه. ولعصا موسى معاجز اخرى ، منها ما في تفسير نور الثقلين ، عن
تفسير العياشي عن عاصم بن المصري في قضية بعثة موسى إلى فرعون ، إلى ان قال : فمكث
بذلك ما شاء الله يسأله ان يستأذن له قال : فلما أكثر عليه ( أي على الاذن ) قال
له : اما وجد رب العالمين من يرسله غيرك ؟ قال : فغضب موسى 7 فضرب الباب بعصاه ، فلم يبق بينه وبين
فرعون باب إلاّ انفتح حتى انظر إليه فرعون وهو في مجلسه. الخبر. وفيه عن اصول
الكافي باسناده إلى محمد ابن الفيض عن ابي جعفر 7
قال : كانت عصا موسى لادم 7
فصارت إلى شعيب 7
ثم صارت إلى موسى 7
وانها لعندنا ، وان عهدي بها آنفا وهي خضر
__________________
كهيئتها حين انتزعت
من شجرتها ، وانها لتنطق اذا استنطقت ، اعدت لقائمنا يصنع بها ما كان يصنع موسى ،
وانها لتروع ولتلقف ما يأفكون وتصنع ما تؤمر به ، انها حيث اقبلت ، تلقف ما يأفكون
تفتح لها ، شفتان احدهما في الأرض والاخرى في السقف وبينهما اربعون ذراعا تلقف ما
يأفكون بلسانها ، وفي تفسير البرهان عند قوله تعالى : ( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
أَسْبَاطًا ) أي وأوحينا إلى موسى اذا استسقاه ان
اضرب بعصاك الحجر ، حيث جاء محمد بن يعقوب باسناده إلى أبي سعد الخراساني ، قال :
أبو جعفر 7 : ان القائم
اذا قام بمكة واراد ان يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه : ألا لا يحمل احد منكم طعاما
ولا شرابا ، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير ، فلا ينزل منزلاً إلاّ انبعثت
عين منه ، فمن كان جائعا شبع ، ومن كان ظامئا روي ، فهو زادهم حتى ينزلوا النجف من
ظهر الكوفة. وفيه وعنه باسناده عن ابي حمزة الثمالي عن ابي عبد الله 7 قال : سمتعه يقول : الواح موسى عندنا
وعصا موسى عندنا ونحن ورثة النبيين. فهذه الايات تثبت هذا النحو من التصرف
للانبياء وهذه الاحاديث دلت على انها للائمة ايضا.
اذن هذه الادلة القرآنية يظهر منها ان
الله تعالى قد اعطى الولاية التكوينية لكثير من الأنبياء وباذنه يستعملونها وبأمره
يعملون ( بَلْ عِبَادٌ
مُّكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ
بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ
) وعليه لا مانع
من ان يتصرفوا في الكون بالقدرة التي اودعها الله تعالى فيهم لكن ، لا على نحو
الاستقلال بل بارادة الله تعالى فالله تعالى منحهم هذه القدرة فيقولون للشيء كن
فيكون لكن بارادة الله ومع وجود هذه القدرة فيهم فهم لا يتمكنون من اعمالها إلاّ
بامر من الله تعالى وارادته ، اما الذي يقول ان الله تعالى لابد ان يباشر نفسه
ادارة نظام الكون فان قوله هذا مخالف لصريح القران الكريم الذي يقول ( فَالمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا
) حيث جعل
الله تعالى نظام العلية والمعلولية وسيلة لصدور كثير من الاشياء في الكون وكما بينّا
من خلال توضيح الايات المباركة المتقدمة وعلى هذا الاساس فان الولاية التكوينية
ثابتة للانبياء ولاوصيائهم وامكانها متحقق في القرآن الكريم.
المقام الثاني : الولاية التكوينية لفاطمة 3
بعد ان ثبت لدينا امكان وقوع الولاية
التكوينية لكثير من الأنبياء :
من خلال القران الكريم ، نجد ايضا وقوع هذه الولاية من خلال استقرائنا لكثير من
الروايات والحوادث التاريخيه التي قدمت لنا الكثير من النماذج الخارقة للعادة
والتي صدرت من ائمة أهل البيت :
ويكفي في الدلالة على ذلك بعد ثبوت هذه الولاية من خلال القرآن الكريم.
أقول : يكفي ما ورد في متن الزيارة
الجامعة الكبيرة التي أثبتت الولاية التكوينية لأهل البيت : ، وذلك من خلال التدقيق في مدلولاتها «
بكم فتح الله وبكم يختم وبكم ينزل الغيث وبكم ينفس الهم ويكشف الضر وعندكم ما نزلت
به رسله وهبطت به ملائكته » على ان هذه الولاية التكوينية كانت ثابتة لأئمة أهل
البيت : من خلال اسم
الله الاعظم الذي كان عندهم وفي بيان ذلك نقول :
قد تقدم في بداية البحث كيف ان آصف بن
برخيا الذي كان وزيرا لسليمان عنده علما من الكتاب وكان عنده ايضا اسم الله الاعظم
على ما قيل واستطاع من خلال ذلك التصرف في التكوينات أتى بعرش ملكة سبأ في أقل من
طرفت عين ، فاذا كان هذا ثابت لوزير نبي الله سليمان فما ظنك بأهل البيت : الذين هم أفضل من جميع الأنبياء ما خلا
نبينا محمد 6 فانهم افضل
واعظم في هذه الولاية وتوجد عدة أدلة على ذلك ، فان اصف بن برخيا ، استخدم ولايته
بما عنده من اسم الله الاعظم بينما عندنا احاديث مأثورة وشواهد تدل على ان أهل
البيت : كان عندهم
اسم الله الاعظم وخصوصا ان الاحرف التي عندهم من اسم الله الاعظم اكثر من الاحرف
التي كانت عند آصف بن برخيا ، فلقد ورد في الحديث الشريف عن ابي جعفر 7 قال : « ان اسم الله الاعظم على ثلاثة
وسبعين حرفاً ، وانما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه
وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ، ثم عادت الأرض كما كانت ، اسرع من طرفة
عين ، ونحن عندنا من الاسم الاعظم اثنان
وسبعون حرفا ، وحرف
واحد عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي
العظيم
. وايضا عن
ابي عبد الله 7
قال : « ان الله عز وجل جعل اسمه الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفا فاعطى آدم منها
خمسة وعشرين حرفاً واعطى نوحاً منها خمسة عشر حرفاً واعطى منها ابراهيم ثمانية
احرف واعطى موسى منها اربعة احرف واعطى عيسى منها حرفين وكان يحي بهما الموتى ويبرئ
بهما الاكمة والابرص واعطى محمد 6
اثنين وسبعين حرفا و احتجب حرفا لئلا يعلم ما في نفسه ويعلم ما نفس العباد » .
أقول : يظهر من الحديثين ان اسم الله
الاعظم انه قد استفاد منه الأنبياء :
في استخدام ولايتهم التكوينية لاعمال المعجزات والكرامات وقضاء حاجات الناس وحسب
ما ترتضيه المشيئة الالهية وعلى هذا الاساس نفهم ان محمداً 6 وأهل بيته الأطهار مما استأثرهم به
الله تعالى هو اعطاءهم اسمه الاعظم وبقابلية أكبر واكثر من الأنبياء السابقين
وأوصيائهم.
اذن الرسول الأعظم محمد 6 وأهل بيته كانت لديهم هذه الولاية
التكوينية ويستخدمونها بما عندهم من اسم الله الاعظم وبما فيهم الصديقة الطاهرة
فاطمة الزهراء 3
باعتبارها ام الأئمة ووعاء الإمامة وأم ابيها وكونها حجة الله الكبرى على الأنبياء
والأوصياء من ابناءها :
وسيأتينا كيفية اعمال فاطمة لهذه الولاية والشواهد عليها من خلال الاحاديث الشريفة.
الولاية التكوينية إنما تكون باذن الله تعالى
هذه بعض الأحاديث المأثورة تبين إنَّ
إعمال الولاية التكوينية إنما يكون باذن الله تعالى ، وانها وقعت لأهل بيت النبوة
هذه الولاية واستخدموها كما يظهر ذلك من
__________________
الاحاديث الاتية :
١ ـ عن ابي بصير قال دخلت على ابي عبد
الله 7 وابي جعفر 7 وقلت لها : انتما ورثة رسول الله 6. قال نعم. قلت : فرسول الله وارث
الأنبياء علم كلما علموا ؟ فقال لي : نعم. فقلت : انتم تقدرون على ان تحيوا الموتى
وتبرؤا الاكمه والابرص فقال لي : نعم باذن الله ثم قال : ادن مني يا ابا محمد فمسح
يده على عيني ووجهي وابصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكل شيء في الدار. قال :
اتحب ان تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت ولك
الجنة خالصا. قلت : اعود كما كنت قال فمسح عيني فعدت كما كنت. قال علي : فحدثت به
ابن ابي عمير. فقال : اشهد ان هذا حق كما ان النهار حق.
٢ ـ عن محمد بن الفضل عن ابي حمزة
الثمالي عن علي بن الحسين 7
قال : قلت له أسالك فداك عن ثلاث خصال أنفي عني فيه التقية قال : فقال ذلك لك ،
قلت : أسالك عن فلان بن فلان قال : فعليهما لعنة الله بلعناته كلاهما ماتا والله
وهما كافران مشركان بالله العظيم قلت الأئمة يحيون الموتى ويبرؤن الاكمه والابرص
ويمشون على الماء قال : ما اعطى الله نبيا شيئا قط إلاّ وقد اعطاه محمدا 6 واعطاه ما لم يكن عندهم.
قلت : وكل ما كان عند رسول الله 6 فقد اعطاه امير المؤمنين 6 ؟ قال : نعم ثم الحسن والحسين 8 ثم بعد كل امام اماما إلى يوم القيامة
مع الزيادة التي تحدث في كل سنة وفي كل شهر ثم قال : أي والله في كل ساعة.
٣ ـ عن علي بن معيد يرفعه قال : دخلت
حبابة الوالبية على ابي جعفر 7
محمد بن علي : قال : يا
حبابة مالذي ابطاك ، قالت : قلت : بياض عرض لي في مفرق راسي كثرت له همومي ، فقال
: يا حبابة ادنيني به قال : فدنوت منه فوضع يده في مفرق رأسي ، ثم قال : ائتوا لها
بالمرأة فأتيت فنظرت فاذا شعر مفرق راسي قد اسود فسررت بذلك وسر أبو جعفر 7 بسروري.
٤ ـ وعن علي ابن ابي حمزة عن ابي بصير
قال حججت مع ابي عبد الله 7
فلما كنا في الطواف قلت له : جعلت فداك يابن رسول الله يغفر الله لهذا الخلق ؟
فقال : يا ابا بصير ان اكثر من ترى قردة وخنازير ، قال : قلت له ارنيهم قال :
فتكلم بكلمات ثم أمَّر
يده إلى بصري
فرايتهم قردة وخنازير فهالني ذلك ثم أمَّر يده على بصري فرايتهم كما كانوا في
المرة الاولى ثم قال : يا ابا محمد انتم في الجنة تحبرون وبين اطباق النار تطلبون
فلا توجدون والله لا يجتمع في النار منكم ثلاثة لا والله ولا اثنان لا والله ولا
واحد.
٥ ـ وعن أبي بصير قال : قال لي أبو عبد
الله 7 تريد ان
تنظر بعينك إلى السماء. قلت نعم فمسح يده على عيني فنظرت إلى السماء.
٦ ـ وعن ابي عوف عن ابي عبد الله 7 قال : دخلت عليه فالطفني وقال ان رجلا
مكفوف البصر أتى النبي 6
فقال يا رسول الله 6
ادع الله ان يرد علي بصري فدعا الله له فرد عليه بصره ثم أتاه آخر فقال يا رسول
الله 6 ادع الله لي
ان يرد علي بصري قال فقال الجنة احب اليك ام ان يرد عليك بصرك قال يا رسول الله
وان ثوابها الجنة فقال ان الله اكرم من ان يبتلي عبده المؤمن بذهاب بصره لا يثيبه
الجنة.
٧ ـ وعن جميل بن دراج قال : كنت عند ابي
عبد الله 7 فدخلت عليه
امرأة فذكرت انها تركت ابنها بالملحفة على وجهه ميتا قال لها : لعله لم يمت فقومي فاذهبي
إلى بيتك واغتسلي وصلي ركعتين وادعي وقولي يا من وهبه لي ولم يك شيئا جدد لي هبته
ثم حركيه ولا تخبري بذلك احدا قال ففعلت فجائت فحركته فاذا هو قد بكى.حدثنا احمد
بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن المغيرة قال مر العبد الصالح 7 بامرأة بمنى وهي تبكي وصبيانها حولها
يبكون وقد ماتت بقرة لها فدنا منها ثم قال لها ما يبكيك يا امة الله قالت يا عبد
الله ان لي صبيانا ايتاما فكانت لي بقرة معيشتي ومعيشة صبياني كان منها فقد ماتت
وبقيت منقطعة بي وبولدي ولا حيلة لنا فقال لها يا امة الله هل لك ان احييها لك
قالت فالهمت ان قالت نعم يا عبد الله قال فتنحى ناحية فصلى ركعتين ثم رفع يديه
يمينه وحرك شفتيه ثم قام فمر بالبقرة فنخسها نخسا او ضربها برجله فاستوت على الأرض
قائمة فلما نظرت المرأة إلى البقرة قد قامت صاحت عيسى بن مريم ورب الكعبة قال
فخالط الناس وصار بينهم ومضى 7
وعلى آبائه الطاهرين .
__________________
أقول : يظهر من هذه الأحاديث المأثورة
ان أهل البيت :
كانوا يعملون الولاية التكوينية بما اعطاهم من علمه وبأذنه تعالى ، وذلك لكونهم
ورثوا علوم جميع الأنبياء ، بل ان الذي عندهم افضل واعلى رتبة ودرجة في العلم
الرباني ، وعلى هذا الاساس فان الولاية التكوينية لهم ثابتة ولا ينكرها إلاّ معاند
او ليس له حظ من العلم إلاّ قليلا ، فهم :
تارة يستخدمون هذه الولاية عن طريق اسم الله الاعظم فيتصرفون في التكوينات وتارة
من خلال ما عندهم من العلوم الربانية التي ورثوها من الأنبياء والأوصياء السابقين
بل من الذي ورثوه من جدهم رسول الله 6
لذا نرى في الزيارات الواردة في حقهم هذه العبارات الواضحة البيان بل هي مطلقة في
كل شيء يرثونه من الأنبياء حيث تقول هذه الزيارات « السلام عليك يا وارث آدم صفوة
الله تعالى ، السلام عليك يا رواث نوح نبي الله السلام عليك ياوارث موسى كليم الله
السلام عليك يا وارث عيسى روح الله ... » الخ. فدلالة قوله 7 يا وارث أي مطلق الوراثة سواء المادية
او المعنوية ، اذن فهم ورثة الأنبياء في كل ما أعطاهم الله تبارك وتعالى.
وأيضاً استخدم أهل البيت : الولاية التكوينية من خلال كرامات
ومعجزات بل ازدادوا عليهم بأنهم ورثوا كل ما عند نبي عن الاخر زيادة ، وهكذا الحال
في كل أهل البيت الذي عصمهم وامنهم الله من الزلل ، ومن هنا كانت فاطمة الزهراء 3 عندها الولاية التكوينية حيث ثبتت لها
من خلال عدة امور منها :
* انها حليلة سيد الأوصياء امير
المؤمنين علي 7
فهي كفو له وهو كفو لها وهذا يقتضي كونها عندها من المقامات ما لامير المؤمنين علي
7 إلاّ ما خصه
الله تعالى من الولاية التي يتصدي بها لخلافة رسول الله 6 ، ومن المعلوم ان امير المؤمنين عنده
هذه الولاية أعني الولاية التكوينية وقد أعطت الكثير من الكتب الشواهد العديدة على
هذه القضية ويكفي شاهد على ذلك في قضية رده الشمس ، وهل هذا الا تصرف تكويني من
خلال اسم الله الاعظم ، وعليه المقام ثابت للصديقة الطاهرة فاطمة 3.
* انها حجة الله الكبرى على الخلق بما
فيهم الأنبياء والأوصياء ويدل على ذلك الحديث المروي نصه : « ما تكاملت نبوة نبي
حتى أقر بفضلها ومحبتها وعلى معرفتها
دارت القرون الاولى
» ، فاذا كانت النبوة لا تكتمل لنبي من الأنبياء حتى يقر بفضلها ومحبتها ، فمن باب
الاولوية ان كل مقام من المقامات المعنوية والمادية التي كانت ثابتة للأنبياء كانت
ثابته ايضا للصديقة الطاهرة فاطمة 3
إلاّ ما خرج بالدليل مثل النبوة الخاصة بكل نبي ، وايضا بينا في حديث « نحن حجج
الله على الخلق وجدتنا فاطمة 3
حجة الله علينا » قضية انها حجة الله الكبرى فما كان ثابت للائمة من الولاية
التكوينية فهو ثابت لها 3
، هذه بعض الادلة بصورة اجمالية ولو كان لنا تقصي المسألة لاحتجنا إلى كتاب خاص في
هذه المسألة ، واعطى لك شاهدين على ثبوت الولاية التكوينية لفاطمة 3 واترك لك مراجعة المطولات في هذه
القضية ...
* « عن أبي عبد الله 7 عن سلمان الفارسي : انه استخرج أمير
المؤمنين من منزله ، خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر ، فقالت : خلوا عن ابن عمي ،
فوالذي بعث محمداً بالحق لئن لم تخلوا عنه لانشرن شعري ولاضعن قميص رسول الله 6 على رأسي ولاصرخن إلى الله ، فما ناقة
صالح بأكرم على الله من والدي. قال سلمان : فرأيت والله اساس حيطان المسجد تقلعت
من اسفلها ، حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ فدنوت منها فقلت يا سيدتي
ومولاتي إن الله تبارك وتعالى بعث اباك رحمة فلا تكوني نقمة ، فرجعت الحيطان حتى
سطعت الغبرة من اسفلها ، فدخلت في خياشيمنا » .
* وفي مشارق انوار اليقين ص ٨٦ مثل هذا
الحديث ولكن باختلاف وهو : « ثم رفعت جنب قناعها إلى السماء ، وهمت ان تدعو
فارتفعت جدران المسجد عن الأرض وتدل العذاب ...
وأخيرا اختم هذا الموضوع بقول الإمام
الخميني 1 الذي يرى
ثبوت الولاية التكوينية للصديقة الطاهرة فاطمة حيث يقول ما نصه :
« وثبوت الولاية والحاكمية للامام 7 لاتعني تجرده عن منزلته التي هي له عند
الله ، ولا تجعله مثل من عداه من الحاكم فان للامام مقاماً محموداً ودرجة سامية
__________________
وخلافة تكوينية تخضع
لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون ، وان من ضروريات مذهبنا ان لائمتنا مقاما
لا يبلغه ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، وبموجب ما لدينا من الروايات والاحاديث فان
الرسول الاعظم 6
والأئمة : كانوا قبل
هذا العالم انواراً فجعلهم الله بعرشه محدقين ، وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا
يعلمه إلاّ الله وقد قال جبرئيل ، كما ورد في روايات المعراج لو دنوت انملة
لاحترقت ، وقد ورد عنهم :
: ان لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ومثل هذه المنزلة موجودة
لفاطمة الزهراء 3
لا بمعنى انها خليفة أو حاكمة أو قاضية ، فهذه المنزلة شي آخر وراء الولاية
والخلافة والأمرة ، وحين نقول : ان فاطمة 3
لم تكن قاضية أو حاكمة أو خليفة فليس يعني تجردها عن تلك المنزلة المقربة كما لا
يعني ذلك انها امرأة عادية من أمثال ما عندنا » .
__________________

ألقاب بنت المصطفى كثيرة
|
|
نظّمت منها نبذة يسيرة
|
سيدة إنسية حوراء
|
|
نوريّة حانية عذراء
|
كريمة رحيمة شهيدة
|
|
عفيفة قانعة رشيدة
|
شريفة حبيبة محترمة
|
|
صابرة سليمة مكرمة
|
صفيّة عالمة علمية
|
|
معصومة مغصوبة مظلومة
|
ميمونة منصورة محتشمة
|
|
جميلة جليلة معظمة
|
حاملة البلوى بغير شكوى
|
|
حليفة العبادة والتقوى
|
حبيبة الله وبنت الصفوة
|
|
ركن الهدى وآية النبوّة
|
شفيعة العصاة أُمُّ الخيرة
|
|
تفّاحة الجنّة والمطهّرة
|
سيِّدة النساء بنت المصطفى
|
|
صفوة ربّها وموطن الهدى
|
قرَّة عين المصطفى وبضعته
|
|
مهجة قلبه كذا بقيّته
|
حكيمة فهيمة عقيلة
|
|
محزونة مكروبة عليلة
|
عابدة زاهدة قوّامة
|
|
باكية صابرة صوّامة
|
عطوفة رؤوفة حنّانة
|
|
البرّة الشفيقة الأنّانة
|
والدة السبطين دوحة النبيّ
|
|
نور سماويّ و زوجة الوصي
|
بدر تمام غرَّة غرّاء
|
|
روح أبيها درَّة بيضاء
|
واسطة قلادة والوجود
|
|
درّة بحر الشرف الجود
|
وليّة الله وسرّ الله
|
|
أمينة الوحي وعين الله
|
مكينة في عالم السماء
|
|
جمال الآباء شرف الأبناء
|
درّة بحر العلم والكمال
|
|
جوهر العزّة والجلال
|
قطب رحى المفاخر السنيّة
|
|
مجموعة المآثر والعليّة
|
مشكاة نور الله والزجاجة
|
|
كعبة الآمال لأهل الحاجة
|
ليلة قدر ليلة مباركة
|
|
ابنة من صلّت به الملائكة
|
قرار قلب أُمِّها المعظّمَة
|
|
عالية المحلّ سرّ العظمة
|
مكسورة الضلع رضيض الصدر
|
|
مغصوبة الحقّ خفيّ القبر
|
__________________
البحث العاشر
فاطمة 3
أم أبيها
عن
الإمام الباقر 7 أنه قال
إن
فاطمة 3 كانت تكنى : أُم
أبيها
نقف مع هذه الحديث لكي نستلهم منه
المعاني الرائعة والجميلة التي تضمنها بين طياته ، فكلمة أُم أبيها كلمة عذبة أفضل
ما تفوهت به حنجرة رسول الله 6
عندما قال مرحباً بأُم أبيها ، فهذه الكلمة رغم أنها صغيرة ولكنها في نفس الوقت
كبيرة مملوءة بالحب والأمل والعطف وكل ما في القلب البشري من الرقة والعذوبة ، لذا
نرى لابد من تسليط الأضواء على هذه الكلمة لكي نستخلص روائع الفكر من هذا الحديث
الشريف الذي قلده رسول الله 6
لابنته فاطمة فجعل جيدها يشع نوراً لمن أراد أن يستضيء من نور معرفته.
ولقد ورد في صحاح اللغة العربية أن معنى
كلمة أُم هو الأصل كما هو معروف في لسان القرآن الكريم حيث عبر عن مكة المكرمة ب ( أُمَّ الْقُرَىٰ
) أي أصل
القرى في الجزيرة العربية ، ومنها انطلقت روح الحياة لكي تغذي القرى ومن حولها
وتقوم برعايتها ، وذلك لما لها من مكان وموقع جغرافي في قلب الجزيرة العربية مما
جعلها قطب الرحى لبقية القرى ... وعلى هذا الأساس نفهم معنى هذا الحديث « أُم
أبيها » حيث نستطيع تفسيره بأن فاطمة 3
كانت مصدر ذرية رسول الله ومنبع نسله وهذا ينطبق ويتماشى مع تفسير الكوثر الذي هو
مصدر ذرية رسول الله 6.
أقول : إن في التأمل في حياة فاطمة 3 واستقراء حياتها في ظل رعاية أبيها
رسول
__________________
الله 6 نجد عدة معاني وتفاسير تجعل هذا الحديث
وهذه الكلمة أُم أبيها كنظرية ولها تطبيقات عديدة في حياة الصديقة الطاهرة 3 وعلى هذا الاساس نرى الوقوف مع هذا
الحديث مما يزيدنا معرفة في فاطمة 3
ويجعلنا نتقرب من الأسرار التي كانت تحيط بحياتها الشخصية وإليك بعض التفاسير
والمعاني الرائعة لهذه الكلمة :
* ان التدقيق في حياة الرسول 6 مع ابنته فاطمة 3 يجعلنا نفهم معنى أُم أبيها حيث أن
الزهراء 3 كانت تقوم
بمداراة أبيها رسول الله ورعايته أفضل ما تكون المراعاة بالنسبة لأم لولدها وفي
قبال ذلك كان الرسول يحترمها كما يحترم الولد أمه ، وهذا تجده جلياً وواضحاً في
سيرته الشريفة وعلاقته بالبضعة الطاهرة 3
حيث كان الرسول 6
ينادي بالزهراء عندما تقبل عليه : مرحباً بأم أبيها ، ويقدم لها ضروب الإحترام
وألوان التعظيم ، حتى وصل الأمر إلى أن يقوم لها إجلالاً وتعظيماً ويأخذ يدها
ويقبلها ثم يجلسها إلى جانبه ويقبل عليها بكليته ، وكان إذا يقبلها يقول : أشم
منها رائحة الجنة.
* إن رسالة نبينا
محمد 6 لابد لها من
امتداد يمثلها في كافة جوانبها ويعطيها التفسير الصحيح ، وهذا لم نجده إلا من خلال
الإمتداد الطبيعي للرسول 6
المتمثل في ذريته من فاطمة 3
، لذا كان الرسول يقول : « حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً » أي
إن الحسين ابني وامتدادي الطبيعي فهو قرة عيني وثمرة فؤادي وفي نفس الوقت أنا من
حسين ، وعليه فإن هذا الحديث يحدد المفهوم الذي أراده من هذا الحديث أي بدقة
متكاملة وبتمعن نرى أن هذا الأمر يعني استمرار الرسالة السماوية وإحياء معالم
الدين والعقيدة انما هو بوجود الحسين وذرية فاطمة من الأئمة المعصومين ، لذلك قيل
ان الدين الإسلامي محمدي الوجود حسيني البقاء وهذا ما نراه في التضحية التي قدمها
الحسين يوم عاشوراء حيث أرخص الغالي والنفيس لإحياء شجرة الرسالة المحمدية في كل
جوانبها فغذاها بدمه ودم عيالاته من الأطفال والشباب والشيوخ والنساء حتى الطفل
الرضيع ، وعلى هذا الأساس يكون معنى أُم أبيها ان استمرار الإسلام وبقاء رسالة
السماء وحفظ القرآن الكريم وعقائده مناهجه إنما يكون بواسطة فاطمة الزهراء 3 ومن خلال ذريتها ، وهذا ما كان يراه
الرسول
في فاطمة من خلال
تطلعه إلى آفاق المستقبل الذي سيكون لولد فاطمة فكان يُكرمها ويحترمها ويقول لها
مرحباً بأُم أبيها.
* ولعل وجه تكنيتها بأُمّ أبيها هو أنه 6 يعاملها 3
معاملة الولد أُمه. وانها تعامله معاملة الأُم ولدها كما ان التاريخ يؤيد ذلك
والأخبار تعضده ، ففي الأخبار الكثيرة أنه 6
يقبل يدها ويخصها بالزيارة عند كل عودة منه إلى المدينة المشرفة ويودعها منطلقاً
عنها في كل أسفاره ورحلاته ، وكأنه يتزود من هذا النبع الصافي عاطفة لسفره كما
يتزود الولد المؤدب من أُمه ، ونلاحظ من جهةٍ أخرى ان فاطمة الزهراء 3 تحتضنه وتضمد جروحه وتخفف من آلامه
كالأم المشفقة لولدها ، وبالجملة كل ما يجده الولد في أُمه من العطف والرقة
والشفقة والأنس فهو 6
يجده في فاطمة وكأنها أُمه .
* ونقل المولى الأنصاري (ره) : إنَّ
النكتة في هذه التكنية إنما هي محض إظهار المحبة ، فإن الإنسان إذا أحبّ ولده أو
غيره وأراد أن يظهر في حقّه غاية المحبَّة قال : « يا أمّاه » في خطاب المؤنّث ،
ويا « أباه » في خطاب المذكَّر ، تنزيلاً لهما بمنزلة الأُمّ والأب في المحبّة
والحرمة على ما هو معروف في العرف والعادة .
أو أنَّ الله عزّ وجلّ لمّا شرّف وكرّم
أزواج النبي 6 بتكنيتهنّ
بأُمَّهات المؤمنين صرن في معرض أن يخطر ببالهنَّ أنَّهن أفضل النساء حتى من بضعة
المصطفى فاطمة الزهراء 3
، ولأجل ذلك كنّاها أبوها بأُمّ أبيها صوناً لهذه الخواطر والوساوس ، يعني يا نساء
النبي إن كنتنّ أمّهات المؤمنين ، ففاطمة 3
أُمُّ النبيّ ، أُمّ المصطفى ، أُمُّ الرسول ، أُمُّ أبيها.
ويمكن أن يراد بهذه التكينة معنىً أدق
وأعمق من الأول والثاني وإن كان الأول هو الأظهر ، وهو : أنَّ أُمّ كلِّ شيء أصله
ومجتمعه كما صرَّح به أهل اللغة كأُم القوم وأُمّ الكتاب وأُم النجوم وأُم الطرق
وأُم القرى وهي مكّة شرّفها الله تعالى ، وأُم الرأس وأُم الدماغ و ... فعليه يمكن
أن يقال : إنّه 6
أراد منها أنَّ ابنتي فاطمة هي أصل شجرة
__________________
الرسالة وعنصر النبوَّة
، كما قال الباقر 7
: الشجرة الطيّبة رسول الله 6
وفرعها عليّ 7 وعنصر
الشجرة فاطمة 3
وثمرتها أولادها ، وأغصانها وأوراقها شيعتها .
وكما أنّه لولا العنصر يبست الشجرة وذهبت نضرتها ، فكذلك لولا فاطمة لما اخضرّت
شجرة الإسلام ، فإنّ الشجرة تسمو وتنمو بتغذيتها من أصلها. وشجرة الشريعة
الحنيفيّة قد سمعت ونمت بمجاهداتها ودفاعها من إمامها وبعلها الشريف المظلوم
ومجاهدات أولادها وتضحيّاتهم ، لا سيّما شبليها الكريمين ، فإنّ الحسن 7 بصلحه أبقى شجرة الإسلام ومنعها من
الاصطدام والحسين 7
بإبائه عن البيعة وبذل مهجته الشريفة سقاها وربّاها ، ولولا صلح الحسن وقيام
الحسين 8 ليبست شجرة
الإسلام وما قام لها عود ولا اخضرّ لها عمود. ولا يخفى أنّ أصل الحسن والحسين 8 أمّهما فاطمة الزهراء 3 ، ولولاها لم يكن أبوها وبعلها وبنوها : كما تقدم في صدر الكتاب.
ولتمام البحث فاستمع لم يتلى من بعض
الأخبار في هذا المعنى : قال رسول الله 6
: أنا شجرة ، وفاطمة أصلها ، وعليٌّ لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها .
وعن المفضَّل بن محمد الجعفيّ قال :
سألت أبا عبد الله 7
عن قول الله عزّ وجلّ : (
حَبَّةٍ
أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ )
قال : الحبَّة فاطمة 3
، والسبع السنابل سبعة من ولدها ، سابعها قائمهم ... .
وقال بعض أهل التحقيق : سرُّ التعبير
عنها 3 بالحبّة
يحتمل وجهين :
الأول : إمّا كناية عن أنها هي المقصود
أولاً وبالذات ، وإما أن تكون مجرى هذه الأمانات الإلهيّة ومظاهر التوحيد الحقيقيّ
صلوات الله عليها ، ووجه التشبيه أنّ من لم يكن من الزرّاع عنده حبّه فهو آيس من
تحصيل الزراعة ، فأصل النظر عنه دائماً إلى الحبّة فقطُّ وإلا فالنتيجة منها غير
حاصلة ، وكذلك وجود الزهراء صلوات الله عليها
__________________
هي المصدر والأصل
لهذه الأنوار الإلهية ، رزقنا الله حبّها وشفاعتها.
الثاني : أنَّ الزراعة أصلاً وحقيقة هي
تلك الحبّة مع إضافات أخرى أعملت فيها ، فتصور بصرة أخرى ، وإنما الفرق بينهما
الإجمال والتفصيل ، وإلا هي مادة وأصلاً. فعلى هذا تكون الأنوار المقدّسة هي
المتشعّبة والمشتقّة من هذه الحبّة الإلهية
...
* إن النبي كان يكشف عن مكانة فاطمة في
الإسلام ، في كل كلمة يقولها لفاطمة ، وكل صنيع يصنعه لها. وهنا أراد النبي الكريم
، أن يبيّن عظمة فاطمة الزهراء ، وأنها تختلف عن نسائه اختلافاً كبيراً ، أي أن
مكانة الزهراء تفوق مكانة نساء النبي لأنها معصومة ... وهنّ لسن بمعصومات ... ولأنها
مطهرة من الرجس ، وهن لسن مطهرات من الرجس ... ففاطمة زعيمة آية التطهير ، بينما
لم تدخل واحدة من نساء النبي في آية التطهير ، حتى أم سلمة على جلالة قدرها ، لما
اقتربت من الكساء والنبي يقرأ قوله تعالى : (
إِنَّمَا
يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرًا ) .
وكان تحت الكساء يومها محمد وعلي وفاطمة
والحسن والحسين ـ عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام ـ أقول : لما اقتربت أم سلمة من
طرف الكساء ، وقالت : وأنا منهم يا رسول الله ـ روحي فداك ـ ؟ قال : لا ... لست
منهم ، ولكنك على خير ، أو إلى خير.
وفي يوم المباهلة نجد النبي لم يخرج معه
من النساء سوى فاطمة في حين أن آية المباهلة واضحة بقولها : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ
مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ
وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ
فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ
).
أقول : ولما خرج النبي إلى مباهلة
النصارى ، لم يخرج معه سوى الحسن والحسين وفاطمة وعلي : فالحسن والحسين يمثلان الأبناء ،
وفاطمة تمثل النساء ، وعلي يمثل نفس النبي ، وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل على أن
فاطمة سيدة النساء ، ولو كانت واحدة من نساء النبي في مستوى فاطمة لأخرجها معه ،
ولكنه ـ أي الرسول ـ لم يجد
__________________
في نسائه ، ولا في نساء
بني هاشم ولا في نساء الخلافة ، واحدة تقوم مقام الزهراء ، فاطمة بنت محمد ـ صلوات
الله وسلامه عليها ـ. والذين يحاولون إدخال زوجات النبي في أهل البيت ، عليهم أن
يتفكروا في أمر آية المباهلة لتستبين لهم جادة الحق والصواب كالشمس الصافية
المشرقة.
ولتأصيل هذا المعنى ، وتأكيده اقرأوا
معي إذا شئتم أول سورة التحريم ، وهو قوله تعالى : (
يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ
أَزْوَاجِكَ )
، والتعبير واضح جداً.
فحينما يقول : تبتغي مرضاة أزواجك ، فإن
معنى ذلك أن رضى زوجات النبي لا قيمة له أمام رضا الله سبحانه وتعالى لأن رضا
أزواج النبي خاضع للهوى ، وليس لموازين الإيمان ، وهذا ليس انتقاصاً لنساء النبي
وإنما هو الواقع ، والحقيقة فنساء النبي لسن معصومات وما فيهن واحدة يمكن أن تصل
إلى مستوى فاطمة ، لذلك يقول القرآن في استنكار شديد (
يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ
أَزْوَاجِكَ ).
علماً بأن النبي لا يحرّم ما أحل الله
له في التشريع الإسلامي الحنيف ، وإنما كانت القضية ، مسألة خاصة تتعلق بشيء من
السمن والعسل أهدي إلى زوجة النبي زينب بنت جحش ، وحدث أن كان النبي عندها ، فقدمت
له من ذلك الطعام شيئاً يسيراً فأكله النبي ، غير أن غيرة عائشة وبعض نسائه أدت
إلى أن تقوم اثنتان من نساء النبي ـ كما ورد في سورة التحريم ـ وهما عائشة وحفصة ،
أن تقوما بمظاهرة ضد الرسول الأعظم محمد 6
وبدأت المظاهرة بقول عائشة وحفصة للنبي إننا نشم من فمك رائحة كريهة ، فتعجب النبي
أن تكون رائحة فمه كريهه وهو الذي كانت حبات عرقه تتضوع عطراً ، بل كان جسمه يفوح
بعطر الجنة كما جاء ذلك في سيرته الذاتية ، وأحواله الشخصية ... ولكن لا بأس ، إذا
كان هذا الطعام الذي أكلته ـ هكذا قال النبي ـ فيه رائحة غير جيدة فقد حرمته على
نفسي أي أن النبي حرّم ذلك الطعام الذي هو
__________________
عند زوجته زينب بنت
جحش ولم يحرم كل أنواع العسل ... ولذلك قلت لكم ـ آنفاً ـ إن التحريم كان خاصاً به
ولم يكن عاماً وشاملاً ، لأن النبي لا يحرم ما أحل الله : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىٰ
* إِنْ هُوَ
إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ ). ومحل الشاهد هنا ، هو قول الحق سبحانه
: ( يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ
أَزْوَاجِكَ ). وهذا يدل بوضوح ، على أن رضا أزواج
النبي لا وزن ولا قيمة له أمام رضا الله سبحانه وتعالى.
هذا بالنسبة لرضا أزواج النبي ونسائه ...
أما بالنسبة لفاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ فالأمر يختلف اختلافاً جذرياً.
يقول النبي : « إن الله ليرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها ».
ويقول : يا فاطمة إن الله ليرضى لرضاك
ويغضب لغضبك.
ويقول في حديث ثالث : « رضا فاطمة من
رضاي وسخطها من سخطي ». والويل لمن غضبت عليه فغضبها يعني غضب الله ، وإذا غضب
الله على أحد أحل به نقمته ، وجنّبه رحمته.
يقول : الله عزّ وجلّ : ( وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ
هَوَىٰ ) .
ونحن نعرف أن فاطمة ماتت وهي غاضبة
وواجدة على أبي بكر وعمر ، كما جاء في صحيح البخاري ، فما أدري كيف تكون المعادلة ...
إذا كان غضب فاطمة ، هو غضب الله ، وأن الله ليرضى لرضا فاطمة ، ويغضب لغضبها ، ثم
تموت الزهراء ، وهي واجدة ـ غاضبة ـ على أبي بكر وعمر ، فالقرآن يقول بصراحة : إن
الذي يحلل عليه غضب الله يكون من الهالكين : (
وَمَن
يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ
).
والعجيب أن هذه الأحاديث كلها موجودة في
صحيح البخاري وفي كتب الصحاح الأخرى ، وكلها تؤكد أن الله ليرضى لرضا فاطمة ويغضب
لغضبها ... وأن فاطمة ماتت وهي واجدة على أبي بكر و عمر ... ماتت ولم تكلمهما كلمة
واحدة ... ماتت ودفنت في الليل ولم يحضر أبو بكر ولا عمر تجهيزها ولا الصلاة عليها
... وهذه قضية معروفة
__________________
لدى المسلمين كافة.
أما لماذا يرضى الله لرضا فاطمة ويغضب لغضبها ، فواضح جداً وذلك أنها طاهرة نقية ،
معصومة لا تتعامل مع الخطأ في قول ولا فعل وهي التي كانت تقول : « أيها الناس
إعلموا أني فاطمة ، وأبي محمد 6
».
أقول : حقاً عوداً وبدءاً ، ولا أقول ما
أقول غلطاً ، ولا أفعل ما أفعل شططاً ... » فلا غلط في قولها ... ولا شطط في فعلها
على الإطلاق.
* حادثتان تكشفان حقيقة حديث النبي :
والذي يهمني هنا هو ذكر حادثتين اثنتين
فقط ، لأنهما تسلطان الضوء على الحديث الذي نحن بصدده ، إضافة إلى كون الحادثتين
اللتين سأذكرهما ، تعكسان صورة واضحة وجلية تكشف لنا عن حقيقة حديث مرحباً بأُم
أبيها.
الحادثة الأولى هي المؤاخاة ، فقد آخى
النبي بين كل أصحابه لينزع الغل من بعض القلوب ، ويجعلهم صفاً واحداً في مواجهة
العدو ، كأنهم بنيان مرصوص ... فقال : هذا أخو هذا ، وفلان أخو فلان ، حتى لم يبق
أحد سوى علي ظل واقفاً إلى جوار النبي فأخذ النبي بعضده وقال له : أنت أخي أو قال
: « وهذا أخي ... » ... وهنا تجدر الملاحظة بدقة متناهية ، حيث أن النبي اختار
علياً من دون أصحابه ليكون أخاً له دون غيره.
إذن اجعلوا هذه الحادثة ، عالقة في
أذهانكم ثم تعالوا معي إلى الحادثة الثانية : وهي لما نزلت آية الحجاب : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا
فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ
) .
قال طلحة : أيريد محمد أن يمنعنا من
النظر إلى بنات عمنا ، أما والله لئن مات محمد لنتزوجن نساءه ، ونجول بين خلاخيلهن
...!! ...
حقاً إنه عجب يثير الهم يجلب الحزن ، أن
نسمع مثل هذا الكلام من طلحة وهو من العشرة المبشرين بالجنة ( ... ) ولا أعتقد أن
بوابة الجنة سوف تنخلع أمامه ليدخل الجنة من أعرض الأبواب. هذا الذي لا يتورع من
إظهار الهوى والغرام لزوجات النبي وهن أمهات المؤمنين. ولم يحفظ حرمة رسول الله.
ولكن ما علينا بطلحة ، لنتركه يعيش مع غرامه الباطل فإن عذاب جهنم كان غراماً.
ولنرجع إلى الحادثة الثانية ،
__________________
وهي حين نزلت آيات
الحجاب ، وظهر من بعض المنافقين مثل الكلام الذي قد مرّ نزلت آية تقول : ( مَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ
وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا
) .
ثم جاء آية ثانية تتحدث عن مكانة زوجات
النبي وأنهن بمثابة الأمهات لكم أيها المؤمنون قالت الآية : ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالمُؤْمِنِينَ
مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ
) .
وهذا يعني أن عائشة أُم المؤمنين وأن
زينب بنت جحش أُم المؤمنين ، ومارية القبطية أُم المؤمنين ، وحفصة أُم المؤمنين ،
وخديجة الكبرى أُم المؤمنين ... فأثارت هذه الآية سؤالاً عريضاً على الشفاه السؤال
هو : إذا كانت كل واحدة من زوجات النبي أُماً للمؤمنين ... فاطمة أُم من ؟ وهنا
جاء الجواب على لسان الرسول الأمين الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى حيث
قال « فاطمة أُم أبيها ... » ومن ذلك الحين أصبحت فاطمة أُم أبيها ، وصار الرسول
يناديها بأُم أبيها ، فيقول : مرحباً بأُم أبيها.
وأورد صاحب كتاب « رياحين الشريعة »
جملة من الألقاب والكنى للسيّدة الكبيرة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها وعلى
بعلها وبنيها ، وهي : ابنة الصفوة ، إحدى الكبر ، أُرومة العناصر ، أعزّ البريّة ؛
أُمّ الأئمّة المعصومين ، أُمّ الأبرار ، أُمّ الأخيار ، أُمّ الأزهار ، أُمّ
الأطهار ؛
أُمّ الأنوار ، أُمّ البدريّين ، أُمّ
البررة ، أُمّ البريّة ، أُمّ البلجة ، أُمّ التقى ، أُمّ الحسن :
أُمّ الحسين ، أُمّ الخيرة ، أُمّ
الرأفة ، أُمّ الرواق الحسيبة ، أُمّ الريحانتين ، أُمّ السبطين ؛
أُمّ العطيّة ، أُمّ العُلا ، أُمّ
العلوم ، أُمّ الفضائل ، أُمّ الكتاب ، أُمّ المحسن ، أُمّ المؤمنين ؛
أُمّ الموانح ، أُم النجباء ، أُمّ
النقى ، أُمّ النورين ، أمة الله ، آية الله ، آية الله العظمى.
باكية العين ، البتول ، برزخ النبوّة
والولاية ، بضعة الرسول 6
، بقيّة النبوّة ، بهجة الفؤاد ، بهجة بيضاء بضّة. تفّاحة الفردوس ، التقيّة ؛
ثالثة الشمس والقمر ، ثمرة النبوّة ، جرثومة المفاخر ، جمال الآباء ، الجميلة
الجلية ، حاملة البلوى ، الحانية ، الحبّة النابتة حبّها خير العمل ، حبيبة
المصطفى 6 ، حجاب الله
المرخى ، حجّة الله الكبرى ،
__________________
الحرّة ، الحصان ،
حظيرة القدس ، الحوراء خامسة أهل العبا ، الخيرة من الخير ، درّة التوحيد ، الدرّة
المنضدة ، الدعوة المستجابة ، الذروة الشامخة ، ذريعة الشيعة ، الراضية ، ربيبة
مكّة ، الرشيدة ، ركن الدين ، روح بين جنبي المصطفى ، ريحانة النبي 6. زجاجة الوحي ، الزكيّة زوجة وليّ الله
الأعظم ، الزهراء ، زين الفواطم ، ستر الله الكبرى ، سفينة النجاة ، سلالة الرضوان
، سلالة الفخر ، سماء الكواكب الدريّة ، السيّدة ، سيّدة بنات آدم 7 ، سيّدة الأوّلين والآخرين ، سيّدة
نساء الجنّة ، سيّدة نساء هذه الأُمّة ، سيدة النسوان ، شرف الأبناء ، شفيعة الأُمّة
، الشفيعة يوم القيامة ، الشمس المضيئة ، الشهيدة ، الصائمة في النهار ، الصابرة
في المحن ، صاحبة الأحزان الطويلة ، صاحبة الجنّة السامية ، صاحبة المصحف ،
الصادقة في السرّ والعلن ، الصدف الفخّار ، الصدّيقة ، الصدّيقة الكبرى ، صفوة
الشرف ، صلوة الوسطى ؛ امن الشفاعة ، الطاهرة ، الطاهرة في الأفعال ، الطاهرة
الميلاد ، ظلّ الله الممدود ، العابدة التقيّة ، العارفة بالأشياء ، العالمة بما
كان وما يكون ، عالية الهمّة ، عديلة مريم الكبرى ، العذراء ، عروة الوثقى ،
العفيفة ، عقيلة الرسالة ، عيبة العلم ، عين الحجّة ، عين الحياة الغرّة الغرّاء ،
الفاضلة الفضلى ، فخر الأئمّة ، فلذّة كبد المصطفى 6
، القائمة في الليل ، القانتة ، القانعة ، والقدوة المسدّدة ، قرار القلب ، قرّة
عين الخلائق ، قلادة الوجود ، الكئيبة ، الكريمة في النفقة ، كلمة الله التامّة ،
كلمة التقوى الكلمة الطيّبة ، الكوثر ، الكوكب الدرّي. ليلة القدر ، المباركة ،
مبشّرة الأولياء ، المتعوبة في الدنيا ، المتهجّدة ، محترقة القلب ، المحدّثة ،
المرضيّة ، مريم الكبرى ، المزوّجه في الملأ الأعلى ، مشكوة الأنوار ، المضطهدة ،
المظلومة ، معدن الحكمة ، المعروفة في السماء ، معصّبة الرأس ، المعصومة ،
المغصوبة حقّها ، مقتولة الجنين ، مكسورة الضلع ، الممتحنة ، الممنوعة إرثها ،
المنصورة ، المنعوتة في الإنجيل ، المنهدّة الركن ، الموصوفة بالبرّ والتبجيل ،
موطن الرحمة ، مهجة العالم ، مهجة قلب المصطفى ، الميمونة ، ناحلة الجسم ، الناطقة
بالشهادتين عند الولادة ، النبيلة ، نجمة إكليل النبوّة ، نخبة أبيها ، النعمة
الجليلة ، نور الأنوار ، النوريّة ، والدة الحجج ، والدة الحسن والحسين 7 ، الوالهة الثكلى ، الوحيدة الفريدة ،
وديعة الرسول ، وعاء المعرفة ، وليّة الله العظمى ، الوليدة في الإسلام ، ينابيع
الحكمة ، ينبوع العلم.

الشيخ صالح كواز الحلي
الواثبين لظلم آل محمد
|
|
ومحمد ملقى بلا تكفين
|
والقائلين لفاطم آذيتنا
|
|
في طول نوح دائم وحنين
|
والقاطعين اراكة كي ما تقيل
|
|
بظل اوراق لها وغصون
|
ومجمعي حطب على البيت الذي
|
|
لم يجتمع لولاه شمل الدين
|
والداخلين على البتولة بيتها
|
|
والمسقطين لها أعز جنين
|
والقائدين امامهم بنجاده
|
|
والطهر تدعو خلفهم برنين
|
خلو ابن عمي او لاكشف للدعا
|
|
رأسي وأشكو للاله شجوني
|
ما كان ناقة صالح وفصيلها
|
|
بالفضل عند الله إلاّ دوني
|
ورنت إلى القبر الشريف بمقلة
|
|
عبرى وقلب مكمد محزون
|
قالت واظفار المصاب بقلبها
|
|
غوثاه قل على العداة معيني
|
أبتاه هذا السامري وعجله
|
|
تبعا ومال الناس عن هارون
|
أي الرزايا اتقي بتجلدي
|
|
هو في النوائب مذ حييت قريني
|
فقدي ابي ام غصب بعلي حقه
|
|
ام كسر ضلعي ام سقوط جنيني
|
ام اخذهم ارثي وفاضل نحلتي
|
|
ام جهلهم حقي وقد عرفوني
|
قهروا يتيميك الحسين وصنوه
|
|
وسئلتهم حقي وقد نهروني
|
__________________
البحث الحادي عشر
فلسفة تسبيح فاطمة الزهراء 3
من الشعائر الإسلامية التي أكد عليها
القرآن الكريم هي شعيرة التسبيح ، تلكم الشعيرة التي تزيد في إيمان الإنسان وتضيف
عليه هالة من النورانية عبر أداء هذه الركيزة الإسلامية التي أكد عليها القرآن
الكريم في كثير من آياته المباركة فقد جاء في قوله تعالى ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ
وَلَٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ
) ليؤكد على
هذه الحقيقة الخالدة التي أثبتها الله تبارك وتعالى لجميع الأشياء ، فالكون يسبح
والنجوم تسبح في مداراتها الغارقة في أعماق الفضاء والشجر والنباتات والحيوانات
بكل صنوفها تشترك في هذا الموكب الرهيب الذي يثير الدهشة ويجتذب القلوب ، وفي ذلك
يقول القرآن الكريم : (
وَالطَّيْرُ
صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ
) .
وأيضاً قوله تعالى : ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ
) ... أي نزّه
الله سبحانه عن السوء ، والشرك وعظمه بحسن الثناء عليه ، ومعناه أيضاً نزه اسمه
عما لا يليق به ... فلا تضف إليه صفة نقص أو عملاً قبيحاً ... ومعناه أيضاً قولوا
سبحان ربي العظيم ... والعظيم في صفة الله تعالى معناه كل شيء سواه يقصر عنه فإنه
القادر العالم الغني الذي لا يساويه شيء ولا يخفى عليه شيء جلت آلاؤه وتقدست
أسماؤه.
وورد في التفسير المروي في هذه الآية
المباركة : أي فبرئ الله تعالى مما يقولون في وصفه ، ونزهه عما لا يليق بصفاته ،
وقيل معناه قل سبحان ( الله ) ربي العظيم ، فقد صح عن النبي 6 أنه لما نزلت هذه الآية قال « اجعلوها
في ركوعكم » وراجع في ذلك تفسير مجمع البيان ليتضح لك الحال والبيان.
ولقد ورد في القرآن الكريم عدة ألفاظ
للتسبيح فتارة يأتي على نحو صيغة الأمر تسبح وتارة أخرى بصيغة الماضي أو الحاضر ...
يسبح ... تسبِّح ... وسبحان الله ... وهذا
__________________
يعني أن التسبيح له
صفة الإستمرارية في كل شيء وكما قلنا فالكون يسبح ... الخ.
وإذا تفحصنا القرآن الكريم نجد زخماً
كبير من الآيات المباركة تصل العشرات تؤكد على مسألة التسبيح ومنها : ( سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
) . (
يُسَبِّحُ
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
) . (
وَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ
) . (
سَبِّحِ
اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ
فَسَوَّىٰ * وَالَّذِي قَدَّرَ
فَهَدَىٰ ) .
إذن رحلة التسبيح في القرآن الكريم
عظيمة وكبيرة جداً كل ذلك ليكون إيمان الإنسان عبر التسبيح أعظم وأفضل ما يكون
عليه الإيمان ، وقد ذكرنا هذه المقدمة لتكون لنا عوناً على استيعاب الموضوع الذي
نحن فيه ـ تسبيح الزهراء 3
ـ ومن الطبيعي جداً نرجع إلى المصدر الأول للمسلمين الذي هو القرآن الكريم لنرى
كيف أكد على هذا التسبيح ، وبعد ننطلق ونسبح في فضاء تسبيح الصديقة الطاهرة فاطمة 3.
فالقرآن الكريم قال ان الكل يسبح ولكن
لا نعرف نحن القاصرون عن إدراك الكثير من الحقائق التي تخصنا نحن كبشر في حياتنا ،
وإلا فالكل يسبح ولكن نحن لا نعرف لغة هذا التسبيح الذي يخص الكائنات الأخرى سواء
النباتية أو الحيوانية أو الجمادية أو الأفلاك المتحركة ، فإن لهذه الوجودات لغات
خارجة عن تصوراتنا وعن حدود معرفتنا ، وليس لنا القابلية في معرفة هوية هذا
التسبيح الخاص بها ، إلا من وفقه الله تعالى في مجاهدة نفسه ووصل إلى مرحلة الكشف
والشهود لكثير من الحقائق الكونية ... وهذا ما نجده متحقق في كثير من الأنبياء : كما في قصة سليمان 7 الذي أعطاه الله تبارك وتعالى معرفة
لغة الحيوانات (
عُلِّمْنَا
مَنطِقَ الطَّيْرِ ) ويقول الله تعالى في ذلك : ( قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ
ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا
يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا
مِّن قَوْلِهَا ) .
__________________
فسليمان يعرف لغة الغير من الحيوانات
كالنمل والطير وإلا لو كان لا يعرف لغة النمل لما تبسم ضاحكاً من قولها ، وعلى هذا
الأساس فإن لكل شيء في هذا الكون لغة ومنطق ولكننا لا نفقه لغته ولا نعرف منطقه
ولا ندرك ذلك إلا لمن أعطاه الله تبارك وتعالى نور البصيرة في كل شيء ( وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا
لَهُ مِن نُّورٍ ).
إذن فكل شيء له لغة وله منطق غير أننا
لا نفقه تلك اللغات اللهم إلا أن يكون الإنسان نبياً أو وصي نبي أو أحد الأئمة
الهداة الذين علمهم الله منطق كل شيء وكما ورد ذلك في كتاب مدينة المعاجز الذي
يعطيك عشرات الشواهد على ذلك ... أما نحن فلا حظّ لنا من ذلك على الإطلاق ، وفي
حديث أن الحصى كانت تسبح في كف النبي والصحيح هو أن النبي كان يسمع صوت الحصى
حينما تسبح الله وتقدسه ... وإلا فالحصى هي مسبحة لله تعالى في يد النبي 6 وفي يد غيره من البشر غاية ما في الأمر
أن الأنبياء لهم القدرة على سماع هذا التسبيح بشكل واضح وملموس. وبعد أن وقفنا بعض
الشيء مع معالم التسبيح في القرآن الكريم نأتي الآن إلى نورانية تسبيح فاطمة 3 الذي يعتبر من الشعائر الدينية لدى
الشيعة والسنّة والذي يعتزون به كأفضل الأعمال عقيب الصلاة المفروضة.
ولقد جاء الحث عليه من قبل الأئمة : في كثير من الأحاديث التي وصلت إلينا
عبر الرواة والمحدثين ومنها ما جاء عن لسان أبي جعفر 7
قال :
« ما عبد الله بشيء من التمجيد أفضل من
تسبيح فاطمة 3 ، ولو كان
شيء أفضل منه لنحله رسول الله 6
فاطمة 3 » .
وعنه 7
قال : « من سبّح تسبيح الزهراء 3
ثم استغفر غفر له وهي مائة باللسان ، وألف في الميزان ، وتطرد الشيطان ، وترضي
الرحمان » .
وجاء عن هارون المكفوف ، عن أبي عبد
الله 7 قال : « يا
أبا هارون ! إنا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة 3
كما نأمرهم بالصلاة فالزمه ، فإنه لم يلزمه عبد فشقي » .
__________________
وأيضاً عن الصادق 7 قال : « من سبح تسبيح فاطمة 3 قبل أن يثني رجله بعد انصرافه من صلاة
الغداة غفر له ويبدأ بالتكبير » ثم قال أبو عبد الله 7
لحمزة بن حمران : « حسبك بها يا حمزة » .
تشريع التسبيح
من منّا لا يعرف كفاح فاطمة 3 وكيف كانت حياتها تجري في بيت زوجها
علي أمير المؤمنين ـ عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ـ فالتاريخ يحدثنا أنها كانت
قليلة الهجوع في لليل ، وكانت تستغفر الله في الأسحار ، فتقف في محرابها للصلاة
حتى تورمت قدماها من كثرة العبادة والدعاء ... وكانت تذوب رقة وخشوعاً في صلاتها
وعند دعائها ، ولدى قراءتها القرآن الكريم ... فإذا مرت بآية فيها وعد أو وعيد
رددتها في بكاء وحزن ودموع ...
هذا كان بعض شأنها في الليل ... أما في
النهار ، فقد كانت فاطمة تطحن بالرحى حتى أثّرت الرحى بيدها ، واستقت بالقربة حتى
أثرت القربة بنحرها ، وكنست البيت حتى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى طبع
الدخان أثره على ملابسها وترك لونه على ثيابها وقت العمل بالطبع وبلغ بها الحال أن دخل عليها النبي 6 ذات صباح ، وهي تطحن بالرحى وعليها
كساء من وبر الإبل ، وطفلها يبكي إلى جانبها ، فبكى النبي ، وقال « تجرعي يا فاطمة
مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة » .
وذات مرة ، وقفت فاطمة الزهراء 3 بين يدي أبيها رسول الله 6 فنظر اليها ، وقد بدت آثار التعب على
وجهها ، من شدة الجوع والكفاح ، فوضع يده الكريمة على صدرها ، ورمق السماء بطرفه ،
وراح يدعو لها ، والدموع تترقرق في عينيه ، وهو يقول : « يا فاطمة تجرعي مرارة
الدنيا ، لحلاوة الآخرة ». وقد تكرر هذا الموقف من رسول الله
__________________
لفاطمة ، وفي كل مرة
يكرر عليها هذه العبارة : يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة ... وفي ذلك
درس عظيم لكل فتاة تبحث عن النجاح في الحياة ... فيه درس عظيم لكل امرأة تفتش عن
السمو ... تفتش عن التكامل في الإسلام.
يقول جابر بن عبد الله الأنصاري ; : رأى النبي 6 ابنته فاطمة ، وعليها كساء من أجلة
الإبل ، وهي تطحن بيدها ، وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول الله 6 وقال : يا بنتاه تجرعي مرارة الدنيا
لحلاوة الآخرة ، فقالت : الحمد لله على نعمائه ، والشكر لله على آلائه .
إن فاطمة الزهراء من خلال سيرتها
الذاتية هذه تعطي الفتاة المسلمة أعظم درس في الحياة ، يؤدي بها إلى سلوك الصراط
المستقيم لتعيش في ظلال رحمة الله سبحانه.
أجل ... إن فاطمة تعلم المرأة كيف تصبح
فتاةً مسؤولة ... ، تتحمل مسؤولية الأسرة ، والمجتمع في ثقة وشجاعة.
ونعلم من سيرة الزهراء أنها لما أرهق
بدنها الكدح والنضال ، وأتعبها الطحن بالرحى ، جاءت أباها تمشي على استحياء ، تطلب
منه خادمةً تساعدها على تخفيف أعباء المنزل ، وثقل الحياة العائلية التي كانت تكابدها
ليلاً نهاراً ، علّها تخفّف عنها بعض همومها. وقفت بين يدي أبيها رسول الله ،
مطرقةً برأسها حياءً بعد أن سلمت عليه ، فرد 6
، وكان من عادته أنه إذا أقبلت عليه فاطمة ، كان يقوم إجلالاً لها ويقبل يدها ثم
يجلسها في مجلسه ، فجلست وهي مطرقة برأسها إلى الأرض ، وما كادت تجلس في مكانها ،
حتى سألها الرسول الأعظم قائلاً : ما جاء بك ... وما حاجتك أي بنية ؟ فغلبها
الحياء ولم تتمكن من سؤال النبي ، فقالت : جئت لأُسلم عليك ... وبعد لحظات قامت
فودعها النبي ، ورجعت إلى دارها دون أن تحقق هدفها الرامي إلى طلب فتاة لخدمة المنزل.
وبعد هذا اللقاء بأيام وجدت فاطمة نفسها
لا تستطيع مواصلة العمل دون وجود فتاة إلى جانبها في البيت ، فقررت أن تشكو حالها
إلى أبيها الحبيب المصطفى لعله هذه
__________________
المرة يلبي نداءها ،
ويستجيب لدعوتها ، خصوصاً وقد انتصر المسلمون في معارك الجهاد ، فاحرزوا غنائم
كثيرة وأموالاً عظيمة ... فقامت فاطمة الزهراء 3
من ساعتها ، وأتت أباها النبي 6
وطلبت منه خادمة ، فقال لها : يا فاطمة أعطيك ما هو خير لك من خادم ومن الدنيا وما
فيها.
قالت : وما ذلك يا رسول الله ؟
قال : « تكبّرين الله بعد كل صلاة
أربعاً وثلاثين تكبيرة ، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة ، وتسبحين الله
ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، ثم تختمين ذلك بلا إله إلاّ الله ، وذلك خير لك من الذي
أردت ومن الدنيا وما فيها » .
وإليك قضيته كما نقله كتاب من لا يحضره
الفقيه :
روي أنّ أمير المؤمنين 7 قال لرجل من بني سعدٍ : ألا أحدّثك
عنّي وعن فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) ؟ إنّها كانت عندي فاستقت بالقربة
حتّى أثّر في صدرها ، وطحنت بالرحى حتّى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرَّت ثيابها ، وأوقدت
تحت القدر حتى دكنت ثيابها
فأصابها من ذلك ضرٌّ شديد ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرّ ما
أنت فيه من هذا العمل.
فأتت النبي 6 فوجدت عنده حُداثاً ، فاستحيت فانصرفت
، فعلم 6 أنها قد
جاءت لحاجة ، فغدا علينا ونحن في لحافنا ، فقال : السلام عليكم ، فسكتنا واستحيينا
لمكاننا ، ثم قال : السلام عليكم ، فسكتنا ، ثمّ قال : السلام عليكم ، فخشينا إن
لم نردّ عليه أن ينصرف ـ وقد كان يفعل ذلك فيسلّم ثلاثاً ، فإن اُذن له وإلا انصرف
ـ فقلنا : وعليك السلام يا رسول الله ادخل ، فدخل وجلس عند رؤوسنا ، ثمّ قال : يا
فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمّد ؟ فخشيت إن لم نجبه أن يقوم ، فأخرجت رأسي فقلت
: أنا والله اُخبرك يا رسول الله ، إنّها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها ، وجرّت
__________________
بالرحى حتى مجلت
يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فقلت
لها : لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل.
قال : أفلا اُعلّمكما ما هو خير لكما من
الخادم ؟ إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعاً وثلاثين تكبيرة ، وسبّحا ثلاثاً
وثلاثين تسبيحة ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين تحميدةً. فأخرجت فاطمة رأسها وقالت : رضيت
عن الله وعن رسوله ، رضيت عن الله وعن رسوله .
وعادت فاطمة إلى دارها تحمل معها أعظم
هدية ربّانية ، وأكبر عطاء تربوي فكري. تلكم كانت قصة حديث تسبيح فاطمة الذي
أطلقوا عليه اسم تسبيح الزهراء ، وشاع صيته في الآفاق وأصبح المسلمون يرددونه في
أعقاب كل صلاة في خشوع ودموع. ولكن هل انتهت قصة هذا التسبيح العظيم ـ تسبيح
الزهراء ـ ؟ كلا ... بالطبع إن تسبيح الزهراء ـ سلام الله عليها يعتبر شعيرة عظيمة
، من شعائر الله التي هي من تقوى القلوب. ونحن نعرف أن فاطمة لها أسلوب خاص ،
وسيرة ذاتية تتعامل بها مع شعائر الله ... إن مفهوم الشعائر عند فاطمة يختلف عن
مفهوم الآخرين للشعائر ... ولكي تأتي الصورة ـ صورة البحث ـ أكثر وضوحاً ، فإنه
لابد من الدخول في الموضوع من أبوابه العريضة ، ولكن باختصار شديد مع الوضوح
الكامل في الفكرة والتعبير.
إن الصفة الملازمة لفاطمة الزهراء ـ هي
أنها تستطيع أن تصور الإسلام في كل خطوة تخطوها ، وفي كل شيء تلمسه بيدها الطاهرة
وهي ـ أي هذه الصفة ـ وإن كانت موجودة في كل أهل البيت ـ : ـ إلا أنها تتألق في شخص الصديقة فاطمة
الزهراء ، بشكل يشد القلوب ، ويبهر الألباب.
إن فاطمة تصوّر الإسلام بكل أبعاده حيث
تجلس إلى الرحى تطحن فيها القمح والشعير ـ لتسد أود أبنائها وبعلها ومن يلوذ بها
في ظل أهل البيت. وإن فاطمة تصور
__________________
الإسلام بكل أبعاده
، حين تخرج مع أبيها رسول الله في ساحات القتال والجهاد ، تضمّد جراحه وجراح بعلها
الوصي ، وتمسح عنهما الآلام والأحزان ، كانت تصور الإسلام ، عندما تستقبل بطل
الإسلام علياً أمير المؤمنين ، وهو عائد من الحرب ، فيدفع السيف لها قائلاً :
أفاطم هاك السيف غير ذميم
|
|
فلست برعديدٍ ولا بمليمِ
|
أجل ... إنها تصور الإسلام عندما تخلع
ثوبها ليلة الزفاف وتدفعه لفتاة فقيرة تبدو عليها رقة الحال ، ويسألها أبوها عن
ثوبها الجديد ، فتجيبه بقولها : أبتاه يا رسول الله لقد طرقت عليّ الباب فتاة
فقيرة تطلب ثوباً فأخذت ثوبي القديم لأدفعه لها ... ولكنني تذكرت قوله تعالى : ( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا
مِمَّا تُحِبُّونَ ) .
وأنا أحب الثوب الجديد فآثرتها به على
نفسي فخلعت ثوبي الجديد وأعطيته لها !
أية عظمة هذه ، وأية نفس كبيرة تطالعنا
بها حياة فاطمة ، وسيرتها العذبة التي تتضوع عطر الجنة ؟! إن فاطمة تخطوها سلام
الله عليها ـ لتصور الإسلام بشكل جذاب وجميل وبكل كلمة تقولها ... إن ذلك يظهر
بوضوح في خطبتها المشهورة المليئة بالفكر ، والعطاء ، والمبادرة ، ان شعائر
الإسلام تتحول إلى سلوك عندها فإذا أنت أمام شعائر تفور بالحركة ، والعطاء ،
وتتفجر بالصور الساخنة ، والمعاني الحية وتتحول في النهاية إلى واقع معيوش أساسه
الإيمان وركائزه الفضائل وهياكله التسامح والرحمة.
ليس عند فاطمة شعائر جامدة ، ولا عبادة
راكدة ، ولا طقوس فارغة من المحتوى ، بل الشعيرة الدينية عند فاطمة متدفقة بالعطاء
، مليئة بالمبادرة والانطلاق الصائب نحو الهدف والغاية إن الشعيرة الدينية ـ أية
شعيرة ـ من دون فاطمة ، تغدو شعيرة جامدة باهتة ، تجري في رتابة مملّة ، فإذا
لمستها فاطمة الزهراء ، لمسة واحدة ، اهتزت ، وربت وأعطت ثمارها ، ان لمسة واحدة
من فاطمة للشعائر ، تكفي لتحويلها إلى سلوك عملي يمشي في الناس مشية النور ... وذلك
أن فاطمة لا تتعامل مع الشعارات الفارغة ، ولا
__________________
تتعاطى مع الأوهام
... وإنما هي تؤمن بالحق ولا تتعامل إلاّ مع الحق والحقيقة.
إن فاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ لتضرب
آباط الإبل بحثاً عن الحق ورواده ... علماً بأن الحق لا يتمثل إلاّ بها ولكن مع
هذه كله ، ففاطمة البتول ، تفتش أبداً عن أهل الحق ، ولا تمشي إلا في طريق الحق ، وان
قلّ سالكوه ، إنها لا تستوحش من طريق الحق لقلة سالكيه ... فإذا كان هناك واحد
يمشي معها في هذا الطريق ، فإن ذلك يدخل السرور في قلبها ، ويجعلها تأنس برفيق
الإيمان ولهذا كانت إذا نظرت إلى وجه الإمام علي ، تدفقت السعادة في وجهها وإذا
نظر علي اليها أشرق وجهه بالبشرى ، حتى كان يقول : إذا رأيت فاطمة انجلت عني
الهموم والأحزان. فهي حين علمها أبوها النبي ، التسبيح المعروف بتسبيح الزهراء ،
أخذته بقوة لتحوله ـ رأساً ـ إلى منهج عملي ، وسلوك يتحرك بنوره في الناس ... فهي
بدل أن تذهب إلى بيتها نراها ذهبت إلى قبر الحمزة بن عبد المطلب لتصنع من تراب
القبر حبات لمسبحتها التي ستدير تسبيح الزهراء فيها ! . ومن هذا القصة والقضية التي حصلت
للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء 3
شُرِّعَ هذا التسبيح المنسوب إليها.
كيفية التسبيح
قد وقع الخلاف بين العامة والخاصة في
كيفية تسبيحها 3
، ومنشأ هذا الإختلاف ناشئ من الأخبار المختلفة في الباب من كلا الفريقين على أن
كلاهما يقول عند البدء به بالتكبير ووقوع الإختلاف إنما كان في تقديم التحميد على
التسبيح أو العكس ، واختلف أصحابنا والمخالفون في ذلك ، مع اتفاقهم جميعاً على
استحبابه.
وإليك الأقوال المختلفة في الأخبار عند
العامة ثم نقدم بعد ذلك أخبار وأقوال الخاصة من الشيعة الإمامية لكي يتضح لنا بعد
ما هو الصحيح.
* عن مسند فاطمة للسيوطي : عن ابن شهاب . سمعت أبا هريرة يقول : سمعت
__________________
النبي 6 يقول : كلّ أُمّتي معافى إلا المجاهرين
، فان من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره ربّه فيقول : يا
فلان ، عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربّه فيبيت يستره ويكشف ستر الله
عنه ... وكان يأمر عند الرقاد ، وخلف الصلاة بأربع وثلاثين تكبيرة ، وثلاث وثلاثين
تسبيحة وثلاث وثلاثين تحميدة ، فتلك مائة و ... ان رسول الله 6 قال ذلك لابنته فاطمة 3 .
* وعن الذريّة الطاهرة المطهرة : (
بإسناده ) عن أبي هريرة ، عن فاطمة ابنة النبي 6
: إنها انطلقت إلى النبي 6
تسأله خادماً ، قال 6
: ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك ؟
إذا اويت إلى فراشك فسبحي ثلاثاً
وثلاثين ، واحمدي ثلاثاً وثلاثين ، وكبّري أربعاً وثلاثين ، فهو خير لك من ذلك ،
أرضيت يا بنيّة ! قالت : قد رضيت .
* وعن شرح السنّة : ( بإسناده ) عن أبي
هريرة قال : جاءت فاطمة 3
إلى النبي 6 تسأله
خادماً ، فقال 6
: ألا أدلّك ما هو خير من خادم ؟ تسبّحين الله ثلاثاً وثلاثين ، وتحمدين الله
ثلاثاً وثلاثين ، وتكبّرين الله أربعاً وثلاثين عند كلّ صلاة ، وعند منامك.
( هذا حديث صحيح ، أخرجه مسلم بن اُميّة
بسطام ، ولم يذكر الصلاة ) .
* وعن مسند أحمد بن حنبل : ( بإسناده )
عن شهر ، قال :
سمعت أُمّ سلمة تحدّث ، زعمت أنّ فاطمة 3 جاءت إلى نبيّ الله 6 تشتكي إليه الخدمة : فقالت : يا رسول
الله ! لقد مجلت يدي من الرحى ، أطحن مرّة ، وأعجن مرّة ؛ فقال لها رسول الله 6 : إن يَرزقك الله شيئاً يأتك ، وسأدلّك
على خير من ذلك.
إذا الزمت مضجعك فسبحي الله ثلاثاً
وثلاثين ، وكبّري ثلاثاً وثلاثين ، واحمدي
__________________
أربعاً وثلاثين ،
فذلك مائة ، فهو خير لك من الخادم ... .
أقول : يظهر من هذه الأخبار التي روتها
العامة ان الإختلاف وقع بينهم في قضية تقديم التكبير على التسبيح وبالعكس فالخبر
الأول يقدم التكبير والخبر الثاني يقدم التسبيح ومنه يظهر التعارض بين أخبارهم على
أنه هناك الكثير من الأخبار التي تنقل لنا هذا الإختلاف فيما بينهم ولا يسعنا
المقام لنقل أخبارهم كلها فنكتفي بهذه.
وأما ما ورد عن الخاصة :
* فعن جامع الأحاديث : عن القاسم مولى
معاوية : أنّه سمع عليّ بن أبي طالب 7
فذكر أنّه أمر فاطمة 3
تستخدم رسول الله 6
، فقالت :
يا رسول الله ، انّه قد شقّ عليَّ الرحى
ـ وأرته أثراً في يديها من أثر الرحى ـ فسألته أن يخدمها خادماً ، فقال : أولا اُعلّمك
خيراً من ذلك ـ أو قال : خيراً من الدنيا وما فيها ؟ ـ
إذا اويت إلى فاشك : فكبّري أربعاً
وثلاثين تكبيرة ، وثلاثاً وثلاثين تحميدة ، وثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، فذلك خير لك
من الدنيا وما فيها .
* وعن مشكاة الأنوار : قال : دخل رجل
على أبي عبد الله 7
وكلّمه فلم يسمع كلام أبي عبد الله 7
وشكى إليه ثقلاً في أذنيه ، فقال له : ما يمنعك ؟ وأين أنت من تسبيح فاطمة 3 ؟ قال : جعلت فداك ، وما تسبيح فاطمة 3 ؟
فقال : تكبّر الله أربعاً وثلاثين ،
وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين ، وتسبّح الله ثلاثاً وثلاثين تمام المائة.
قال : فما فعلت ذلك إلا يسيراً ، حتّى
أذهب عنّي ما كنت أجده .
وعن المحاسن : عن يحيى بن محمد ؛ وعمرو
بن عثمان ، عن محمد بن عذافر ، قال : دخلت مع أبي على أبي عبد الله 7 فسأله أبي عن تسبيح فاطمة 3 ؟
فقال : الله أكبر حتّى أحصاها أربعة
وثلاثين ، ثم قال : الحمد الله حتى بلغ سبعاً
__________________
وستّين ، ثم قال :
سبحان الله حتى بلغ مائة ، يحصيها بيده جملة واحدة.
أقول : هذه الأخبار ظاهرة في تقديم
التكبير أولاً ثم يعقبها بالتحميد وبعد ذلك التسبيح ... أما الطائفة من الأخبار
التي رواها أصحابنا فهي ظاهرة في أن التسبيح مقدم على التحميد وإليك بعضها :
* عن فقه الرضا 7 قال : إذا فرغت من صلاتك فارفع يديك ـ وأنت
جالس ـ فكبّر ثلاثاً وقل : لا إله إلا الله وحده وحده [ لا شريك له ] ، أنجز وعده
، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، وأعزّ جنده وحده ، فله الملك وله الحمد ، يحيي
ويميت ، ويميت ويحيي ، بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير.
وتسبّح بتسبيح فاطمة 3 : وهو أربع وثلاثون تكبيرة ، وثلاث
وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة ؛ ثمّ قل : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ،
ولك السلام ، وإليك يعود السلام ، سبحان ربّك ربّ العزّة عما يصفون ، وسلام على
المرسلين والحمد لله ربّ العالمين.
* وتقول : السلام عليك أيّها النبيُّ
ورحمة الله وبركاته ، السلام على الأئمة الراشدين المهديّين من آل طه ويس ... .
* وعن الإحتجاج : وسأل عن تسبيح فاطمة 3 ، من سهى فجاز التكبير أكثر من أربع
وثلاثين ، هل يرجع إلى أربع وثلاثين أو يستأنف ؟ وإذا سبّح تمام سبعة وستين هل
يرجع إلى ستّة وستّين أو يستأنف ، وما الذي يجب في ذلك ؟
فأجاب 7
: إذا سهى في التكبير حتّى تجاوز أربعاً وثلاثين ، عاد إلى ثلاث وثلاثين ، ويبني
عليها ، واذا سهى في التسبيح فتجاوز سبعاً وستّين تسبيحة عاد إلى ستّ وستّين ،
وبنى عليها ، فإذا جاوز التحميد فلا شيء عليه .
* وعن التهذيب : عليّ بن حاتم ، عن محمد
بن جعفر بن أحمد بن بطّة القمّي ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمد بن
سنان ، وأبو محمد هارون بن موسى ، قال : حدّثنا محمد بن علي بن معمّر ، عن محمد بن
الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد
__________________
بن سنان عن المفضّل
بن عمر ، عن أبي عبد الله 7
ـ في حديث نافلة شهر رمضان ـ قال : سبّح تسبيح فاطمة 3
، وهو « الله أكبر » أربعاً وثلاثين مرّة ، و « سبحان الله » ثلاثاً وثلاثين مرّة
، و« الحمد لله » ثلاثاً وثلاثين مرّة ؛ ـ فوالله ـ لو كان شيء أفضل منه لعلّمه
رسول الله 6 إياها .
اقول : يظهر من هذه الأخبار اختلافها عن
المتقدمة من جهة الحيثية التي استظهرناها ، ومن هنا كان لابد لنا من معالجة
الأخبار لكي نُخرِجَ هذا الاختلاف عن ظاهره وتوجيهه التوجيه الصحيح بحيث لا يبقى
أي اختلاف وتعارض قال في المختلف : المشهور تقديم التكبير ، ثم التحميد ، ثم
التسبيح ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط والمفيد في المقنعة وسلار وابن الصلاح
وابن ادريس. وقال علي بن بابويه ، يسبح تسبيح الزهراء ، وهو أربع وثلاثون تكبيرة ،
وثلاث وثلاثون تسبيحة ، وثلاث وثلاثون تحميدة ، وهو يشعر بتقديم التسبيح على
التحميد وكذا قال ابنه أبو جعفر وابن جنيد ، والشيخ في الاقتصاد واحتجوا برواية
فاطمة 3.
والجواب : انه ليس فيها تصريح بتقديم
التسبيح ، اقصى ما في الباب انه قدمه في الذكر ، وذلك لا يدل على الترتيب ، والعطف
بالواو لا يدل عليه ، انتهى. وقال الشيخ البهائي ;
في مفتاح الفلاح : أعلم ان المشهور استحباب تسبيح الزهراء 3 في وقتين : أحدهما بعد الصلاة ، والآخر
عند النوم ، وظاهر الرواية الواردة به عند نوم يقتضي تقديم التسبيح على التحميده
وظاهر الرواية الصحيحة الواردة في تسبيح الزهراء 3
على الاطلاق يقتضي تاخيره عنه. والمشهور الذي عليه العلماء في التعقيبات : تقديم
التحميد على التسبيح ، وظاهر الروايات المعتبرة الصحيحة ذلك وهي شاملة باطلاقها
لما يفعل بعد الصلاة وما يفعل عند النوم ، وما احتج به بعضهم في كون تقديم التسبيح
على التحميد انما يكون عند النوم مردود بكون الرواية التي استدلوها بها غير صريحة
في تقديم التسبيح على التحميد فان الواو لا تفيد الترتيب وانما هي لمطلق الجمع على
الاصح كما هو مبين في محله من الاصول ، إلاّ اللهم ان يقال ان ظاهر اللفظ يقتضي
ذلك.
__________________
على انه لم يوجد
قائلا بالفرق بين التسبيح عند النوم وبعد الصلاة بل يظهر من خلال تتبع اقوال
الفريقين القائلين بتقديم التحميد على التسبيح مطلقا سواء وقع بعد الصلاة كتعقيب
او قبل النوم وهذا هو الصحيح ، واما من ذهب بالتفصيل فقوله احداث لقول اخر في
مقابل الاجماع الذي عليه الشيعة وهو مخالف كما ترى.
التسبيح من شعائر الدين
فالتسبيح شعار ، او قل : شعيرة من شعائر
الدين ومحتواه الفداء والتضحية والفداء لا يكون إلاّ اذا سبقته تربية ، وهو بعد
ذلك كله يحتاج إلى رمز يدل عليه ، وهنا نستطيع بقليل من التركيز والانتباه ان نلمس
هذين الشرطين في تسبيح الزهراء ...
الشرط الأوّل ، هو الشرط التربوي ... ونلمسه
في تركيبة هذا التسبيح الذي علمه النبي ـ 6
ـ لابنته فاطمة الزهراء والتسبيح يتكون من أربع وثلاثين مرة الله اكبر ... وثلاث
وثلاثين مرة الحمد لله ، وثلاث وثلاثين مرة سبحان الله ... وفي نظرة واعية نلقيها
على هذا الترتيب المتقدم نجد ان التسبيح يبدأ باسم الله وينتهي باسم الله ، فهو لم
يبدأ بالحمد الله ، ولا بدأ بسبحان الله ، وانما بدأ بالله اكبر. وختم بسبحان الله
حتى تكون اول كلمة في التسبيح هي كلمة الله ، واخر كلمة في التسبيح هي كلمة الله.
( الله اكبر ... سبحان الله ... الحمد لله ). انظروا إلى الكلمتين اللتين احاطتا
بالتسبيح كما يحيط الهلال بحفة النجوم في صدره ، هذا هو الشرط الأوّل ، الشرط
التربوي ... حيث ظهرت فيه الاشارة واضحة إلى المبدأ والمعاد ... فنحن من الله
وسنرجع إليه ... انا لله ، وانا إليه راجعون ، وهذا معناه ان القراءة والدعاء ،
والتسبيح وكل حركة في الحياة يجب ان تكون باسم الله ... كما كانت اول كلمة في
القرآن : ( اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ
مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ
الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ
مَا لَمْ يَعْلَمْ ) .
__________________
فجعل القراءة منصبة
في قالب أدبي تربوي ... (
اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ ) أي ان القراءة يجب ان تنصب في اطار
تربوي أدبي ، لأنّ التربية مشتقة من الرب ، او كلمة الرب مشتقة من التربية وهو
الاصح في اللغة. هذا هو الشرط الأوّل ، اما الشرط الثاني والذي يعني ان هناك رمزاً
نتخذ منه قدوة ، واسوة حسنة في تطبيق مضمون التسبيح ، فهو الفداء ، والتضحية ... وهنا
تجد فاطمة الزهراء 3
حين اخذت درس هذا التسبيح من أبيها الرسول الاعظم محمد 6 اقول : حين اخذت من أبيها ، هذا الدرس
انطلقت به إلى قبر سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب 7
وحين وصلت إلى القبر ، جلست تصنع حبات لمسبحتها من تراب قبر الشهيد ، اجل ... فاطمة
تصنع مسبحة من تراب قبر الحمزة من اجل ان تعبق حبات هذه المسبحة برائحة الشهادة ،
وتتضوع بعطر الشهيد الذي أقدم الفداء والتضحية ، من اجل الحق ، من اجل ان يحيا
الإنسان في أمن وطمأنينة ، من اجل ان يعبد الناس رب العالمين في حرية ودون اكراه ...
من اجل اعطاء الناس حرية وحقا وعدالة اجتماعية ... من اجل ان يندحر الظالمون ،
وينهزم المستكبرون ويذل الطغاة في الأرض. وفاطمة الزهراء ، هنا تعطي الصلاة بعدا
جهاديا تربويا ، انها تعطي العبادات ابعادا توعوية تزيد في رشد الأُمة ، وتنقص من
غبائها وبلادتها ، نعم انها مسبحة للصلاة ، ولكنها ليست مسبحة جامدة فيها حبات من
الطين ... كلا ... انما هي مسبحة مصنوعة من تراب ممزوج بدم الشهادة ونور الولاية ...
وهذا هو الذي يجعل للصلاة معنى وقيمة ووزنا. ومن هنا جاءت فكرة السجود على تربة
الحسين 7 في الصلاة
وذلك حتى نتذكر دائما ان الصلاة لا تقوم في الأرض إلاّ بدماء الشهداء حيث :
لا يسلم الشرف الرفيع من الاذى
|
|
حتى يراق على جوانبه الدمُ
|
من كل ذلك نخرج بحصيلة نافعة مفادها : ان
الشعائر الفارغة لا تؤدي دورا نافعا في الحياة ... بخلاف الشعائر المليئة بالمضمون
، والمحتوى فانها تبني الحياة وتسعد القلوب ، وتربي النفوس ، وهي بعد ذلك قائمة
على التقوى ، وملاكها طهارة القلوب وصفاء النفوس. ولهذا نجد الزهراء ، حولت
الشعائر الاسلامية إلى سلوك يتحرك في اعماق الإنسان ، وبين يديه ومن خلفه ... ان
فاطمة حركت الشعائر في القلوب واعطتها قوة
دفع كبيرة يوم
استطاعت ان تحرك العواطف ، وكثيراً من المشاعر ، وتغذي العقول بفصاحتها وبلاغتها
وقوة بيانها. فهي لم تحرك مشاعر الذين عاصروها ، بل وأيضاً استطاعت ان تؤثر في كل
الاجيال ، وفي الشعوب كافة بحيث اصبح اسمها رمزا للفداء والتضحية والبطولة والعظمة.
نعم ، عندما يكون للشعار مضمون ، فهذه كانت نظرة الزهراء الثاقبة في التسبيح.
الشعار وحامله
شعارات كثيرة ارتفعت في الدنيا ، وزعماء
لمعت اسماؤهم فترة من الزمن ، ولكنهم انطفأوا وانطفأت أسماؤهم ، عندما داست
الجماهير شعارتهم تحت الارجل. في حين نجد شعارات انطلقت على أفواه زعماء آخرين
مخلصين فعاش الزعماء والقادة في القلوب ، وظلت الشعارات متوجهة متدفقة لا ينقطع
عطاؤها أبداً ... ولم تستطع قوى الظلام والضلال مجتمعة ان تطفئ شعيرة واحدة من
تلكم الشعائر ... لانها انطلقت من الصدق والحق والحرية فعاشت في القلوب. ومن هنا
نستطيع ان ندرك ـ على الفور ـ السبب المباشر في بقاء شعائر ، واندثار اخرى ... وفي
انطفاء زعيم وعيش زعيم اخر. ان السبب الرئيسي في كل ذلك هو الصدق ... والصدق وحده
هو الذي يستبقي الشعار ويجعله خالداً ... لأنّ معنى ذلك ان ليس هناك تنافر ولا
تنازع بين الشعار وبين المبدأ الذي يحمله هذا القائد او ذلك. ان اول ما يؤدي سقوط
الشعار هو ان يكون الشعار مخالفاً لسلوك الزعيم الذي يرفعه ... اما اذا التقيا :
الشعار والمبدأ فان النتيجة واضحة وستكون حسنة وجيدة ، وهي الخلود الكامل للشعار
وحامله ، ومن هنا فاننا نجد شعارات الاسلام خالدة وباقية لانها تنطلق من فطرة
الإنسان تتغذى بالتقوى ، والإيمان بالله. يقول الحق : ( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا
مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) .
أي ان القلوب المليئة بالتقوى هي وحدها
التي تغذي هذه الشعائر وتحفظها من
__________________
الضياع ، ومن هذا
المنطلق نجد الشعائر حين تلمسها فاطمة الزهراء ـ 3
ـ تحولها إلى حياة ونور ، وواقع ... وآلية تحفظ الحقوق وترعى الزمام ، فمثلا ـ التسبيح
من شعائر الله ، لانه يعيد الإنسان إلى واقعه ، وحقيقته التي خلق من اجلها ، وهي
العبادة المطلقة لله وحده والتوجه إلى الخالق القادر الذي لا اله غيره ... وهو ـ أي
ـ التسبيح بعد كل ذلك رحلة ينسجم المرء فيها مع كل ما يجري في هذا الكون ، لانه ما
من شيء في الأرض ولا في السماء إلاّ وهو يسبح الله ويقدسه ، تقول الارقام العلية
التي نأخذها من القرآن الكريم : ان كل شيء في هذا الكون ساجد يسبح لله ويقدسه ،
اخذا من الذرة والخلية وانتهاء بأكبر سديم في الفضاء ابتداء من الأميبا ، الحيوان
ذي الخلية الواحدة ، وانتهاء باكبر جرم حيواني في الأرض. ابتداء من اصغر عشب نائم
في العراء ، وانتهاء باكبر دوحة في الأرض ، هذه كلها تشترك في تسبيحة واحدة ،
وسجود واحد وتقديس للحق جل وعلا ... ومن هنا جاءت فكرة التسبيح لترد الإنسان إلى
هذه الحقيقة وهي الانسجام الكامل مع ما يجري في هذا الكون. هذا هو كل ما يمكن ان
يقال في التسبيح في مثل هذا المجال ... ولكن تعالوا معي لنرى الصديقة الزهراء كيف
حولت هذا الشعار إلى صهريج مليء بالنور والحركة والعطاء ... انظروا كيف استطاعت
الزهراء ان تجعل من هذه الشعيرة الاسلامية ، منهجا تربوياً ، حضاريا ، يسكب الراحة
والطمأنينة في النفس ، ويجعل المسلم اقوى من الجبال في مواجهة الطغاة الظالمين.
فالتسبيح بتسبيح الزهراء يبدأ ب ٣٤ تكبيرة و ٣٣ تحميدة ، و ٣٣ تسبيحة ، وهو تسبيح
معروف ، ومشهور ، وخصوصا عند أهل البيت :
حيث كانوا يأمرون اولادهم بحفظه وقراءته ، قبل النوم ، وكان الإمام الصادق 7 يقول : كنا نعلم اولادنا ، او قال :
نعلم صبياننا حفظ هذا التسبيح وقرائته بعد الصلاة وفي اول دقائق النوم ، وقد تقدم
ذكر هذا التسبيح والتعليق ، عليه ، ونحن اذا اردنا ان ندرك ما تقول فاطمة ... علنيا
أن نجعل منها قدوة ، واسوة حسنة تفتح أبواب الحياة امامنا ، وتضيء عالمنا الذي
اطبق عليه الظلام ، وذلك في فهمنا لتسبيح الزهراء ... فعندما نسبح بتسبيح فاطمة في
اعقاب الفرائض ... يجب ان نتأثر به ، ونتخلق بآدابه ونسعى إلى ان يترك اثره الطيب
في سلوكنا في الحياة بحيث ان الذي يقرأ هذا التسبيح او يقدم على ان عمل في حياته
اليومية عليه ان
يشعر انه من احبة الزهراء او من انصارها الذين يحملون مبادئها ، وافكارها واهدافها
إلى شعوب الارض وإلى الناس اجعين ، ولم لا ؟ الم تكن فاطمة رحمة للعالمين ، كما
كان أبوها النبي رحمة للعالمين ؟ ... واذا كانت كذلك ، فان رسالتها هي رسائل لكل
شعوب الأرض ، وعلى شيعتها ان يرفعوا صوتها إلى العالم اجمع فانه احب واقرب صوت إلى
القلوب.
الزهراء تعلمت التسبيح من النبي 6
وفي تسبيح الزهراء ، نجد ان الصديقة
الكبرى فاطمة الزهراء 3
قد حولت هذا الشعار إلى سلوك يومي ، وذلك عندما علمها أبوها النبي 6 هذا التسبيح ، ذهبت إلى قبر حمزة بن
عبد المطلب ... وأخذت تصنع من تراب قبره حبات لمسبحتها لتدير بها هذا التسبيح.
ومعنى ذلك انها اعطت الشعار محتوى ومضمونا ، ومعنىً ، أي انها جعلته شعارا حيا ،
وليس مجرد كلمات تتحرك بها الشفاه واللسان ، دون ادراك ولا اسيتعاب. ان التسبيح هو
تنزيه الله عن البعث ، انه تسبيح يؤكد الحكمة التي أقام الله عز وجل عليها الكون
والحياة والإنسان ... والشهادة هي قمة هذه الحكمة ... أي ان الشهيد قد بلغ حداً من
الحكمة والكمال ليس بعده حد ... وهذه هي الفلسفة ، والرشد ، الذي تريده الزهراء ،
انه امتزاج بين التسبيح وبين دماء الشهداء. ان الصلاة من دون دم الشهيد لا تساوي
شيئا. او قل : لولا الشهداء لما قام لهذا الدين عمود ، وحمزة هو سيد الشهداء ،
طبعا قبل واقعة الطف ، وقبل مجيء يوم عاشوراء ، فلما جاء يوم عاشوراء ، يوم الحسين
، اصبح الحسين 7
هو سيد الشهداء ، كما انه سيد شباب أهل الجنة ، وسيد الاحرار في العالم ، انه
احتكاك فكري ، وحضاري بين التسبيح وبين دماء الشهداء ، وهذا هو الفارق الذي تنفرد
به الحضارة الاسلامية عن غيرها من حضارات خاوية فارغة ، ونحن حينما نصلي على تربة
الحسين ، فاننا نقيم هذا المعنى في القلوب ، وهو : ان الصلاة لا تقوم إلاّ
بالشهادة ، ولذلك نخاطب الحسين في الزيارة ؛ اشهد انك قد أقمت الصلاة » أي اشهد
انك بشهادتك قد أقمت الصلاة ، وحفظتها من
الضياع ، وانت قد
أقمت الصلاة بأهدافها ومبادئها قبل مصرعك ، وقبل يوم شهادتك. على ان السجود هو على
التربة الحسينية ، وليس للتربة ، وهناك فرق بين السجود على الشيء والسجود للشيء ،
فالسجود للأشياء قطعا حرام. كأن يسجد احد الناس لصنم أي يسجد له لا عليه. في حين
ان السجود على التربة انما هو سجود لله وليس للتربة. فالتربة ليست اكثر من انها
تحقق مصداق السجود على الأرض لأن النبي 6
كان يقول : جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا ، ونحن نعرف ان المسلمين كانوا يصلون على
تراب المسجد في ايام رسول الله. ثم ان التسبيح جاء في اطار التربية ، فهو يبدأ
بالله ، وينتهي بالله ، وانه ليلخص مسيرة الحضارة الاسلامية ، من منطلقها وإلى
هدفها ... من الله وإلى الله فهو يبدأ بالله اكبر ... وينتهي بسبحان الله ، فيكون
قد بدأ بالله واختتم بالله ، في حين ان هذا المعنى لم يكن ليحصل لو كان البدأ
بالحمد لله مثلاً. اذن : فالتسبيح ـ تسبيح الزهراء ـ قد جاء في اطار تربوي لانه
يستقي نوره من القرآن الكريم ، والقرآن ، قد جاء للتربية ، واول آية ، وسورة نزلت
في القرآن ، نجدها نزلت في اطار تربوي ، فأول كلمة فيه هي : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
). ولم يقل :
اقرأ باسم الله مثلا ، وانما قال : اقرأ باسم ربك وكلمة الرب مأخوذة من التربية ،
بمعنى ان القراءة يجب ان تأتي في اطار تربوي. ونفس الشيء في تسبيح فاطمة الزهراء 3 ، وروي في كتاب مزار المفيد عن الإمام
الصادق 7 انه قال :
ان فاطمة كانت مسبحتها من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات ، فكانت 3 بيدها تديرها تكبر وتسبح إلى ان قتل
حمزة بن عبد المطلب 7
فاستعملت تربته وعملت التسابيح فاستعملها الناس ... . وهنا اود ان اتوقف معكم لحظات نتأمل
من خلالها هذا الحديث العظيم اذ لا شك ان ذهابها إلى قبر سيد الشهداء الحمزة بن
عبد المطلب الذي هدَّ مصرعه قلب النبي فقال في تأبينه : ما وقفت موقفا أغيظ علي من
هذا الموقف حيث كانت هند زوجة ابي سفيان قد قامت بأبشع جريمة يمكن ان تقوم بها
امرأة في مثل وضع هند آكلة الاكباد ، اذ شقت صدر الحمزة واخرجت كبده وارادت ان
تمضغها
__________________
فحولها الله إلى حجر
في فمها فلفظتها ، ثم جدعت انفه ، واذنه ، وقطعت اعضاءه وشوهت صورته النورانية
بوحشية وحقد يظهران نكسة الشر في طبعها ، والدناءة والخباثة القابعة في داخلها ،
والمعروف ان الحمزة بن عبد المطلب ، ويوم شهادته في احد ، كان صائما فأفطر في
الجنة مع الشهداء والصديقين والزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح على روحه الطاهرة
، فهو يومذاك كان يمثل قمة الشهادة ، وسيد الشهداء ، لانه قتل يوم احد ، وأحد قبل
يوم كربلاء بقرابة خمسين عاما من الزمن ، ومعنى ذلك ان الحمزة كان سيد الشهداء بحق
ودون منازع ، فماذا يعني بالنسبة لنا ذهاب فاطمة إلى قبر حمزة سيد الشهداء احد ؟
... ان فاطمة عندما تذهب إلى قبر حمزة ، وتصنع مسبحة من التراب الممزوج بدم
الشهادة ، فانها تعطينا درساً بليغا في ان الشعار وحده لا يبني مجتمعا ، ويقيم امة
، وانما لابد للشعار من محتوى عملي ، ومنهج تطبيقي ، وبكلمة ... لابد للشعار من
ممارسة فعلية وذلك ان الشعار لابد له من هدف يتجه نحوه ، ومن دون هدف ، يغدو تافها
لا يثير دهشة احد ، ولا يشد انتباه احد ، ولا يربط على قلب احد. واقبح ما يكون ان
يرفع الإنسان شعارا يخالفه ، ويعمل ضده ، يقول القرآن الكريم في هذا المضمار : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ
أَنفُسَكُمْ ) .
وفي مكان اخر يقول : (
لِمَ
تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ
* كَبُرَ
مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ
) ولذلك كان ولا يزال ملاك الشعائر
وتطبيقها ... واصبح تعظيمها يعني العمل بها ... ولا يطبقها إلاّ من امتحن الله
قلبه للتقوى ( وَمَن يُعَظِّمْ
شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ
).
وللفائدة أقول : إنه لا فرق بين الشعار
والشعيرة في هذا الموضوع بالذات ... فالشعار جمعه شعارات والشعيرة جمعه شعائر ،
وكلها تصب في نهر واحد ، لأنّ الغاية من ذكرها هنا تحقيق غاية سامية ، وهدف شريف
رباني واذا كان الشعار وحده لا يبني مجتمعا خاصة ، اذا كان خاليا من محتوى ، فان
اهداف الشهادة هي المضمون الجيد للشعار ، وهي المحتوى الراقي لشعائر الله والتسبيح
معناه التنزية لله من كل عبث في الكون
__________________
والحياة والإنسان ،
واذا كان التسبيح معناه التنزيه ومعناه معرفة الله ، فمن ـ يا ترى ـ ينزه الله ،
ويعرف الله اكثر من الشهداء ؟ ان الشهيد يشكل قمة حضارية عالية في معرفة الحق
سبحانه وتعالى ، ولذلك صنعت فاطمة حبات المسبحة من تراب اقدس شهيد هوى إلى الأرض
بين يدي رسول الله 6
ويكفي ان الزهراء حين تصلي وتسبح الله في صلاتها ، تتمثل صورة الشهادة في انصع
اشكالها ، واروع معانيها امام عينيها وكفى بذلك فخراً وتربية وارتفاعا في سماء
الجد ، وآفاق السماحة والشجاعة ، والفصاحة والمحبة في قلوب المؤمنين ، من هنا جاءت
فكرة السجود على تراب كربلاء ، لأن ّ تراب كربلاء تضمن جسد الحسين 7 ... ومن هو الحسين ؟ الحسين بن رسول
الله ... الحسين ابن فاطمة ... الحسين الذي قال فيه النبي 6 : « حسين مني وأنا من حسين احب الله من
احب حسينا » علما بان الرسول قال : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ». فالسجود على
الأرض وترابها سنة شريفة متبعة في سيرة النبي الاكرم ... ونحن عندما نسجد على قطعة
من تراب كربلاء ونحتفظ بها في جيوبنا فان ذلك يرمز إلى شيئين :
الأوّل : اننا نطبق سنة شريفة جارية ،
وهي السجود على الأرض وفقا لتعاليم الحبيب المصطفى.
والثاني : اننا نتذكر الحسين دائما الذي
كان اقرب الناس إلى قلب جده رسول الله ، والذي كان يوم عاشوراء يلبس جبة النبي ،
وعمامته ... والقرآن الكريم يقول : (
وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا
) . وقد أتانا النبي بالحسين وأهل بيته ،
فقال : « حسين مني وانا من حسين احب الله من احب حسينا ». فكما ان الزهراء ، تريد
ان تجعل اهداف الشهداء نصب عينيها حين تصنع سبحة لها من تراب قبر الشهيد ، كذلك
نحن نريد ان نتذكر اهداف الإمام الحسين 7
حين نصلي على قطعة من تراب ارض كربلاء المقدسة. اذن ففاطمة الزهراء بذهابها إلى
قبر الحمزة ، اعطت شعيرة للتسبيح هذه دفقا معنويا ، وحياة ، وعطاء تربويا ، لا
حدود له ، هذا بالاضافة إلى انها علمتنا كيف نتعامل مع شعائر الله ، وكيف نحول
الشعار إلى
__________________
سلوك عملي نمشي به
في الناس ، على ان تسبيح الزهراء ، قد صبه النبي في اطار تربوي عميق حين جعله يبدأ
وينتهي بالله عزوجل. ان نظرة فاحصة نلقيها على هيكل التسبيح المذكور ، ترينا بوضوح
، ان التسبيح مؤلف من اربع وثلاثين تكبيرة وثلاث وثلاثين تحميدة ... وثلاث وثلاثين
تسبيحة وهذا يعني انه بدأ بالله اكبر. فأول كلمة في التسبيح كلمة الله اذ انه لو
بدأ مثلا في التحميد لكانت اول كلمة فيه كلمة الحمد وليس كلمة الله ، وهكذا اراد
النبي لهذا التسبيح ان يصب في قالب تربوي كما هو شأن كل الشعائر الاسلامية ... فجعله
يبدأ بالله اكبر ... وينتهي بسبحان الله انه بدأ بالله وختم بالله ... وهذا هو
المراد من الاطار التربوي في منهج التسبيح ... وهو موافق لسلسلة الفكر الاسلامي في
القرآن الكريم ... فنحن نعرف ان اول كلمة نزلت في القرآن هي : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
... ) والرب كلمة
مشتقة من التربية ، بمعنى ان القراءة المطلوبة يجب ان تكون في اطار التربية
الربانية ... وإلاّ لكان يقول : اقرأ باسم الله الذي خلق ... ولكنه لم يقل باسم
الله الذي خلق ، في هذه السورة بالذات ، وانما قال : (
اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
... ) هذا
بالاضافة إلى ان القراءة معناها تغذية العقل ، لأنّ العقل يتغذى بالعلم ، ومن دون
علم تموت العقول ، وحين يقول الحق سبحانه : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
... فان ذلك يعني غذ عقلك بالتربية العلمية ، حتى يصل عقلك إلى مرحلة الرشد الفكري
، ان لفاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ قدرة عجيبة ، ومدهشة على تصوير المعاني
الجافة واعطائها صورا حية ، ثم منحها ريشا رقيقا فيه المعاني في ارفع درجات الفهم
، والاسيتعاب وان قدرتها كما قلت آنفا ـ على تصوير قضايا الاسلام تصويرا دقيقا ،
لمدهشة جدا ، فما من كلمة تقولها فاطمة ، وما من دمعة تسكبها من عينها ، وما من
خطوة تخطوها فاطمة إلاّ صورت الاسلام بكل ابعاده تصويرا حقيقيا وواضحا ، يبهر
الالباب ويأخذ بمجامع القلوب ، وهذه ميزة في أهل البيت لا يشاركهم فيها احد من
العالمين ... بخلاف غيرهم من الناس ، او بتعبير اكثر دقة بخلاف الآخرين ... فالاسلام
الذي يعرضه الاخرون يبدو اسلاما مزيفا مرقعا مهلهلا يضرب بعضه بعضا في حين ان
الاسلام يعرضه أهل البيت :
يبدوا اسلاما يشد بعضه بعضا ، وله نور وعليه حلاوة وجمال رشيق ، له قوة جذب شديدة
، وبكلمة : الحديث
الذي يأتينا من
النبي وأهل بيته ، وهم فاطمة وعلي والحسن والحسين ، والتسعة المعصومون ، من ذرية
الحسين :.
أقول : الحديث الذي يأتينا من أهل البيت
الذي اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، يأتي حديثا له نور هو من نور القرآن ،
بل اننا نجد حديثهم يتعانق مع القرآن عناقا طويلا ، في مودة واخلاص ... فليس هناك
حديث عن أهل البيت يخالف القرآن ابداً ... ومن هنا جاء حديث الثقلين الشهير الذي
تذكره كل كتب الصحاح والحديث بدءا من صحيح البخاري ومسلم ، مرورا بصحيح الترمذي
والنسائي وابن ماجه وابي داود ، وانتهاء بمسند بن حنبل والصواعق المحرقة لابن حجر
العسقلاني ... كل هذه الكتب قد اجمعت واتفقت على كلمة واحدة وهي : ان النبي 6 قال : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله
وعترتي أهل بيتي ، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي ، وقد نبأني اللطيف الخبير
انهما ، أي الكتاب والعترة لن يفترتا حتى يردا على الحوض ».
والآن وبعد هذه الجولة السريعة في رحاب
التسبيح ، وبعد هذه السباحة في شاطئ تسبيح الصديقة فاطمة الزهراء ـ صلوات الله
وسلامه عليها ـ فانه يجدر بنا ان نرجع إلى معالم هذا التسبيح الذي اصبح شعاراً
يرفعه المناضلون ، والمجاهدون في وجوه الطغاة والجلادين ... بل ان هذا التسبيح ـ أعني
تسبيح الزهراء ـ قد جمع كل مناهج الإنسان المؤمن في ، الحياة فهو يبدأ بالله اكبر ...
ثم الحمد لله وينتهي بسبحان الله. وهذه هي مناهج المؤمن ومعالم الإيمان في الأرض.
ان تبدأ بسم الله ... وتعتقد ان الله اكبر من كل شيء في هذا الوجود ، انه اكبر من
المال ، واكبر من السطان ، واكبر من الاهل ، والنفس ، والحياة ، واذا كان اكبر من
كل هذه الاشياء ، فمعنى ذلك انك تكون على اهبة الإستعداد لأن تضحي بنفسك واهلك ،
ومالك وكل غال ونفيس في سبيل كلمة « الله اكبر » ... ومن هنا ندرك السر المكنون
الذي جعل الصديقة الزهراء تذهب إلى قبر حمزة سيد الشهداء وتصنع من تراب قبره حبات
لمسبحتها ، وكأنها بهذا العمل تلقنا درسا لا ننساه ابدا ، وهو ان كلمة الله اكبر
التي جاءت في أول تسبيح الزهراء ، هذه الكلمة لا يحفظها إلاّ الشهداء ، ولا يحصنها
من غائلة العوادي إلاّ دماء الشهداء ... ان كلمة الله اكبر ... تعني الصدق والوفاء
والاخلاص ، والشجاعة والعفة والزهد ، والشرف
الرفيع ، وهذه لا تسلم
ابدا من ايدي العابثين إلاّ بسفك المهج واراقة الدماء. وصدق الشاعر حين قال :
لا يسلم الشرف الرفيع من الاذى
|
|
حتى يراق على جوانبه الدم
|
ويقول أبو القاسم الشابي
إذا الشعب يوما اراد الحياة
|
|
فلابد ان يستجيب القدر
|
ولابد لليل ان ينجلي
|
|
ولابد للقيد ان ينكسر
|
اجل ... ان فاطمة الزهراء 3 لتدرك جيداً ان هذا الشعار الذي اخذته
من النبي لا يمكن حفظه إلاّ بالتضحية ، والشهادة ولذلك قامت بخطوة تكريمية للشهداء
، وهي انها جعلت من تراب قبر الشهيد حبات لمسبحتها ، لتدير عليها هذا المنهج
الملائكي النوراني الذي سمي : تسبيح الزهراء. ونفس الشيء يقال بالنسبة للحمد ،
فالحمد هو اعلى قمة يمكن ان يصل اليها الإنسان ، ومن هنا كانت سورة الحمد ام
الكتاب ، لانها جمعت التعبير كله ولخصت مسيرة الأنبياء جميعا في مضمونها ، وكما في
التكبير والتحميد كذلك في التسبيح ، وهو سبحان الله وكما قلت سابقا ان هذا التسبيح
جاء مصبوبا في قالب ادبي واخلاقي وتربوي ، وذلك انه بدأ ب « اسم الله » وانتهى ب
« باسم الله » فهو يبدأ ب « الله اكبر » وينتهي ب « سبحان الله » فنجد كلمه الله
في اوله ، والله في اخره ، ولو بدأ ب « الحمد الله » مثلا لما حصل هذا المعنى
وهذا الاطار التربوي الجميل ، وهو مشتق ونابع من قول الله تعالى : ( إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
) اذن تسبيح
فاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ انما جاء ليزرع في أعماقنا شتائل النور ، ويبادر
الحب والعطاء ... لقد جاء هذا التسبيح الجامعي العظيم ، ليشعل في قلوبنا قناديل
الامل والرجاء ويمنحنا الطمأنينة والسلام ، ولكي نتذوق حلاوة التسبيح ، فانه لابد
لنا من المواظبة على قراءته في أعقاب كل صلاة نصليها وذلك لانه يدفع البلاء عنا ،
ويجلب الرزق ويعمنا بسحاب البركة والخير الكثير والله ولي التوفيق . وختاما للموضوع نذكر اهم فوائد وآثار
هذا التسبيح المبارك الذي منه رسول الله علينا من لسان ابنته
__________________
فاطمة علما بان هذه
الاثار والفوائد انما اخذناها واستفدناها من خلال عد كبير من الاحاديث المأثورة عن
لسان أهل البيت :.
١ ـ ان تسبيح فاطمة 3 من الخير الكثير للمؤمن .
٢ ـ من قرأ هذا التسبيح عند النوم بات
وله الف حسنة وعند قيامه من نومه ـ الذي قرأ فيه التسبيح ـ له الف حسنة .
٣ ـ ان هذا التسبيح مائة باللسان وألف
في الميزان وذلك قوله تعالى (
مَن جَاءَ
بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا
) إلى مائة
الف .
٤ ـ انه ما عبد الله تعالى بشيء من
التمجيد افضل من تسبيح فاطمة .
٥ ـ من سبح هذا التسبيح ثم استغفر الله غفر
له وهي مائة باللسان ـ أي التسبيحة ـ وألف في الميزان وتطرد الشيطان وترضي الرحمن .
٦ ـ انه ما يلزمه عند مؤمن فشقي في
حياته .
٧ ـ انه من سبح هذا التسبيح في دبر
الصلاة المكتوبة من قبل ان يبسط رجليه اوجب الله له الجنة ـ وفي رواية غفر له .
٨ ـ من سبح هذا التسبيح قبل ان يثني
رجليه بعد انصرافه من صلاة الغداة غفر له .
٩ ـ ان من قرأه وكان في سمعه ثقل دفع
الله عنه هذا الثقل الذي في أذنيه .
١٠ ـ ان هذا التسبيح افضل شيء علمه رسول
الله لفاطمة 3 .
__________________
١١ ـ ان هذه التسبيح عند الأئمة : دبر كل صلاة احب اليهم من صلاة الف
ركعة في كل يوم .
١٢ ـ انه من الذكر الكثير ـ أي من سبح
هذا التسبيح المبارك كان من الذاكرين من الله كثيرا « واذكروا الله ذكرا كثيرا » «
والذاكرين الله والذاكرات الله » .
١٣ ـ ان من سبح تسبيح الصديقة الطاهرة
فاطمة 3 بسبحة من
طين قبر الحسين 7
كتب الله له اربعمائة حسنة ومحى عنه اربعمائة سيئة وقضيت له اربعمائة حاجة ورفع له
اربعمائة درجة .
__________________

السيد محمد رضا حيدر شرف
الدين العاملي
يا صاح لا عذل ولا
ارغام
|
|
رفقا بنفسي
فالملام حرام
|
لا غرو خلي ان
بكيت بعبرة
|
|
حرى فقلبي ألهب
وضرام
|
ما كنت أذرف
للصبابة أدمعي
|
|
سفها ولا ادمى
الفؤاد غرام
|
حفت بشخصي
الحادثات ترومني
|
|
فدفعت جيش الحزن
وهو غرام
|
ولكم جرعت من
الحياة حميمها
|
|
لم يُثني منها أذى
وسقام
|
صرعت فرسان
الليالي والابا
|
|
طبعي فأحنت هامها
الايام
|
ما هزني الخطب
المروع بعظه
|
|
حتى ولو هتنت علي
سهام
|
لكن يوم الدار خلف
في الحشى
|
|
ندبا فما بين
الضلوع حطام
|
يوم به اربد
الفضاء وغاض
|
|
نور الخافقين
فحلها الاظلام
|
وتداعت الافلاك في
عليائها
|
|
بالنوح والسبع
الطباق جهام
|
والشمس وارت في
الحجاب ضياءها
|
|
حزنا وصدع البدر
لا يلتام
|
اذ اوزفت بضغائن
معهودة
|
|
والناس في مهد
الخنوع نيام
|
زمر النفاق تروم
اكرم منزل
|
|
فيه البتولة
والفتى الضرغام
|
هجموا على دار
الوصي وحرقوا
|
|
بابا اعز حريمه
العلام
|
وانهال صاحبهم
يلوع فاطما
|
|
بالسوط ضربا رق
منه لئام
|
ثم انبرى عصرا
يهشم ضلعها
|
|
فهوى الجنين وقد
عراه حمام
|
سقطت مضرجة تجود
بنفسها
|
|
لم يرع فيها للنبي
ذمام
|
فاهتز عرش الله من
أناتها
|
|
وبكى دما لمصابها
الإسلام
|
البحث الثاني عشر
معرفة فاطمة 3
«
من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا
عن معرفتها ، ما تكاملت النبوة لنبي حتى أمر بفضلها ومحبّتها وهي الصديقة الكبرى
وعلى معرفتها دارت القرون الأولى » .
تعتبر مسألة المعرفة والبحث عن الحقيقة
من المسائل العقائدية المهمة التي تأخذ وتشغل حيزاً كبيراً في العقيدة الإسلامية
والتي لابد من دراستها وتوجيه العقل نحوها لكي يدركها إدراكاً منطقياً عقلائياً ،
فلقد أقدمت المدرسة الشيعية الحقة على وضع الكثير من القضايا العقائدية على طاولة
البحث والتحقيق للوصول إلى المعرفة الحقيقية التي تتمثل في كافة المستويات
العقائدية ، وحسب ما أعتقده فإن أكثر المدارس وأفضلها في تقديم الشروط الصحيحة
واللازمة للوصول للحقيقة هي مدرسة الشيعة الإمامية ، تلك المدرسة التي دعت الناس
إلى التحقيق والتفكير والتفقه والتعقل في عقائدها ومبادئها لكي يصلوا إلى نور
الحقيقة وفهمها والإستضاءة من نورها في كل جوانب الحياة الإنسانية ، فنحن نرى أن
أبسط حركات الإنسان الإرادية يجب أن تكون مدروسة ومسموحاً بها من جانب العقل ، ففي
وصية أمير المؤمنين علي 7
لكميل قال :
« يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج
فيها إلى معرفة ».
وهذا يعني أن الإسلام لا يسمح للإنسان
بالقيام بعمل من دون التحقيق والعلم بصحته ، لكي تكون النتيجة النهائية هي المعرفة
الحقيقية ، فأكثر المؤمنين أفضلية أكثرهم معرفة وإيماناً ، والمعرفة لا تكون إلا بإدراك
القضايا المطروحة ودراستها
__________________
الدراسة الصحيحة
والتي يكون بناءها على ضوء الإستدلالات العقلية والمنطقية ، من هنا كان لابد لنا
من الوقوف مع بعض الأحاديث المأثورة عن أهل بيت العصمة لكي نفهمها وندركها إدراكاً
عقلياً ونورانياً وحسب ما يمليه علينا المنطق السليم والذوق الرفيع. ومرة أخرى نقف
مع حديث آخر في معرفة الصديقة الطاهرة فاطمة 3
لكي ندركه الإدراك الصحيح الذي جاء المدح عليه ، وخاصة معرفة دراية الرواية وفهمها
، وهذا ما أوصى به الإمام الباقر 7
لولده الإمام الصادق 7
بقوله :
« يا بني اعرف منازل الشيعة على قدر
روايتهم ومعرفتهم فإن المعرفة هي الدراية للرواية ».
و « الرواية » هي عبارة عن كلام منقول
عن النبي 6 أو الإمام 7 أما « الدراية » فهي عبارة عن التحقيق
والدراسة والإجتهاد للمعرفة وإدراك المفهوم الحقيقي للرواية وعين ما يقصده النبي 6 أو الإمام 7 ، وبعبارة أخرى ، الرواية هي حفظ
الحديث ونقله ، والدراية هي تفقه الحديث وفهمه ، والراوي هو ناقل الحديث والفقيه
هو المحقق وعالم الحديث « دَرى درْياً ودراية الشيء بالشيء توصل إلى علمه ... المنجد
».
فالإمام الباقر 7 يوصي ابنه الصادق 7 أولاً بمعرفة منازل الشيعة على قدر
رواياتهم ومعرفتهم ، ثم يوضح بعد ذلك أن ما يعنيه من بالمعرفة. هو دراية الروايات
، حيث يقول : « وبالدّرايات للرّوايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ».
أي أن المهم ، هو التحقيق والمعرفة وفهم
الحديث لأن الرواية إذا لم تصحبها الدراية لا تجدي فتيلاً.
وقال الإمام الصادق 7 في كلام آخر له بشأن قيمة دراية
الرواية ومعرفة الحديث : « حديث تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه » .
فرواية الحديث ونقله ، يمكن أن تكون لها
فائدتها الكبيرة وقيمتها العظيمة ، وتقع موقعها الأفضل لدى من ينقل الحديث اليهم ـ
فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه غير فقيه ـ ولكنها بالنسبة للراوي
تكون مفيدة إذا ما اقترنت
__________________
بالدراية ، ورواية
الحديث دون درايته لا تجدي نفعاً للراوي ـ « وكما قال أمير المؤمنين » « قيمة كل
امرءٍ وقدره معرفته »
ـ بل ربما كانت في بعض الأحيان مضرَّة له ولغيره أيضاً إذ لو لم يكن الراوي على
علم بالحديث فقد يتسبب حتى في تحريفه ولهذا قال أمير المؤمنين : « عليكم بالدرايات
لا بالروايات » .
وجاء في كلام آخر له 7 : « همة السفهاء الرواية ، وهمة العلماء
الدّراية » .
من هذا المنطلق وعلى هذا الأساس كانت
لنا هذه الوقفة الجديدة مع حديث آخر يوضح لنا معرفة الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء
3 وارتباطها
الوثيق بليلة القدر ، وسيأتي إن شاء الله ارتباطها الوثيق بليلة القدر في البحث
الثالث عشر.
معرفة فاطمة 3
إن من القضايا المهمة في عقيدة الفرد
المؤمن هي معرفة الحقيقة التي دعا اليها القرآن الكريم إضافة إلى دعوة أهل البيت : إلى الوقوف عليها ولو على قدر
القابليات والإستعدادات التي يمتلكها الفرد المؤمن (
لا
يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا
) ، فلذا جاء
في الحديث المأثور عن الإمام الصادق 7
الذي يقول فيه « من كانت له حقيقة ثابتة لم يقم على شبهة هامدة حتى يعلم منتهى
الغاية ، ويطلب الحادث من الناطق عن الوارث وبأي شيء جهلتم ما أنكرتم ، وبأي شيء
عرفتم ما أبصرتم إن كنتم مؤمنين » ، أي لابد من أن يكون للمؤمن حقيقة في معرفة ،
والتي من شأنها ( هذه الحقيقة ) أن لا تخرج الإنسان عن الاستقامة عن الجادة التي
أمرنا الله تعالى باتباعها والإلتزام بها ، ومعرفة هذه الحقيقة يحتاج فيها الإنسان
المؤمن إلى وجود عدة أمور لا يستغني عنها في سبيل تحصيل هذه الحقيقة ، ومن هذه
الأمور هو التعقل عن الله تعالى والذي من شأن هذا التعقل أن يؤدي إلى المعرفة
الصحيحة التي لا تزيل قدم الإنسان المؤمن عن
__________________
الصراط المستقيم
فيكون نور هذه الحقيقة يظهر في قلب المؤمن على سبيل الذوق والوجدان فتأخذه هذه
الحقيقة كل كيانه بل تكون هذه الشغل الشاغل في حياته ويسعى إلى الوصول اليها وعلى
قدر القابليات والإستعدادات التي منحها الله تبارك وتعالى إليه هذا ما نجده من
خلال أصحاب الأئمة :
الذين كانوا دائماً يسعون إلى الوصول والحصول على هذه الحقيقة فلذا ترى كميل بن
زياد يسأل أمير المؤمنين علي بن طالب 7
عن هذه الحقيقة في الحديث المروي وهو أنه سأله عن الحقيقة بقوله ما الحقيقة فقال
له 7 مالك
والحقيقة ؟ فقال كميل : « أولست صاحب سرك » قال : « بلى ! ولكن يرشح عليك ما يطفح
مني » فقال كيمل : « أو مثلك يخيب سائلاً ؟ ».
فقال 7
: « الحقيقة كشف سجات الجلال من غير إشارة » فقال كميل : « زدني فيه بياناً ». قال
الإمام 3 : « صحو
الموهوم مع محو المعلوم ». قال كميل : « زدني فيه بياناً » قال الإمام 7 : « هتك السر لغلبة الستر » قال كميل :
« زدني فيه بياناً ». قال الإمام 7
: « نور يشرق من صبح الأزل ، فيلوح على هياكل التوحيد آثاره » قال كميل : « زدني
فيه بياناً ». قال الإمام 7
: « إطف السراج ، فقد طلع الصبح ».
إذن بسؤال المؤمن عن الحقيقة يصل إلى
العلم بها وببعض جوانبها فلربما لا يستطيع معرفة كنُهها كما في قضية كميل بن زياد
التي مرت عليك الآن ، فالعلم أول دليل يؤدي إلى المعرفة التي تنور القلب بحقيقة
الإيمان ، والتي تكون هذه المعرفة برهان صدقٍ على نور الإسلام وحقيقة الإيمان ،
وعليه نجد في كثير من الروايات الشريفة أن الأفضلية فيما بين المؤمنين بغض النظر
عن التقوى التي هي من ملازمات المعرفة ، أقول نجد أن الأفضلية هي بالمعرفة فبعضنا
أكثر حجاً من بعض وبعضنا أكثر صياماً وصلاة وصدقة من البعض ، ولكن الأفضلية
بالمعرفة ، وعليه نجد في الروايات المأثور أن « أفضلكم إيماناً أفضلكم معرفة » .
إذن يظهر من خلال استقراء الأحاديث
المأثورة عن أهل بيت العصمة أن قضية معرفة الحقيقة في حياة الفرد المؤمن مما لا
يكن الإستهانة بها بل لابد من السعي إلى
__________________
الوقوف عليها في كل
جوانبها التي تدعو إلى التعقل بها وهضمها بالصورة الصحيحة ، فلقد جاء في الحديث
الشريف عن الإمام الصادق 7
انه قال : « لا يقبل الله عملاً إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل ، فمن عرف دلّته
المعرفة على العمل ومن لم يعمل فلا معرفة له ... » .
حيث دل هذا الحديث على أن العمل
والمعرفة أحدهما ملازم للآخر وأن من الضروري على أن الذي يعمل لابد له من المعرفة
بحقيقة عمله وإلا فان الله تعالى لا يقبل عملاً إلا بمعرفة ، وعلى هذا الأساس تأخذ
قضية المعرفة حيزاً كبيراً في جميع جوانب الشريعة الإسلامية سواء كان على مستوى
الأصول أو على مستوى الفروع ، فعلى المستوى الأول الذي يتمثل في التوحيد والنبوة
والإمامة والعدل والمعاد لابد من المعرفة التي من شأنها أن تجعل الحقيقة التي سعى
المؤمنون الأوائل في الوقوف عليها ثابتة والراسخة في قلوبهم لكي لا تميل بهم
الأهواء شرقاً ولا غرباً ، والمعرفة التي نسعى الوقوف عليها في الجانب العقائدي
المتمثل في قضيتنا التي نطرحها الآن هي المعرفة الخاصة بالصديقة الطاهرة فاطمة
الزهراء 3 لكي ندرك
بعض الحقيقة الخاصة بها وإلا فالمعرفة الحقيقية لها لا يستطيع الوصول إلى طبيعتها
ومعرفة كنهها إلا من كان في مستواها وهذا لا يكون إلا في الذي كان كفواً لها وهي
كفوٌ له ذلك هو أمير المؤمين علي بن أبي طالب 7
أما نحن فمعرفتنا لها تكون أما بالحواس الخمس أو تكون معرفتنا من خلال معرفة الشيء
بأشباهه ، أما الحواس الخمسة فان لابد لها من دليل يرشدها ويعرفها بالوجدان الأمر
الذي يعرض عليها ، وهذا ما جاء في مناظرة الإمام الصادق 7 للطبيب الهندي حيث قال له : « أما إذ
أبيت إلا الجهالة وزعمت أن الأشياء لا تدرك إلا بالحواس فإني أخبرك أنّه ليس
للحواس دلالة على الأشياء ولا فيها معرفة إلا بالقلب ، فانه دليلها ومعرّفها
الأشياء التي تدعى أن القلب لا يعرف إلاّ بها » .
حيث يظهر من هذا الحديث أن المعرفة
الذوقية الوجدانية تكون نابعة من القلب ،
__________________
لذا فإن معرفة فاطمة
3 تحتاج إلى
ذوق سليم ووجدان حكيم لكي تظهر لنا بعض أنوار هذه المعرفة ، هذا من جهة ومن ناحية
أخرى يمكن معرفة فاطمة من خلال دراسة حياتها دراسة تحليلية مقارنة للقديسات والمؤمنات
على مر العصور وان كان القياس مع الفارق وكما هو مثبوت في محله فإن فاطمة لا تصل
إلى مقامها أي إمرأة مهما كانت في المستوى الإيماني الذي تعلق بحياتها.
وعلى كل حال فإن ما نطرحه في هذا البحث
حول معرفة فاطمة إنما هو معرفة ظاهرية وعلى ما نمتلكه من وسائل المعرفة الظاهرية
وإلا فنحن كما قال أمير المؤمنين في غرر الحكم : « كيف يعرف غيره من جهل نفسه »
فأكثر الناس يجهلون حال انفسهم فكيف بغيرهم ولكن الميسور لا يسقط بالمعسور فمن هذا
الباب لابد لنا ان نلج في هذا الأمر ونقف مع معرفة فاطمة 3 الحقيقية.
مستويات معرفة فاطمة 3
هناك عدة مستويات نستطيع من خلالها
معرفة أي شخصية تاريخية او اسلامية ولابد لنا من الالتفات اليها ونحن نسعى في طريق
معرفة فاطمة ام ابيها فاطمة سلام الله عليها بل كل الأئمة : يتجلى هذا الأمر في معرفتهم المعرفة
الحقيقية اما المستويات فهي :
١
ـ المستوى الأوّل : المعرفة التأريخية لها 3.
٢
ـ المستوى الثاني : المعرفة المناقبية لها 3.
٣
ـ المستوى الثالث : المعرفة العلمية والفكرية لها 3.
٤
ـ المستوى الرابع : المعرفة النورانية لها 3.
محمد جمال الهاشمي
شعت فلا الشمس تحكيها ولا القمر
|
|
زهراء من نورها الأكوان تزدهرُ
|
بنت الخلود لها الأجيال خاشعة
|
|
أُم الزمان اليها تنتمي العصرُ
|
روح الحياة فلولا لطف عنصرها
|
|
لم تأتلف بيننا الارواح والصورُ
|
سمت عن الأفق لا روح ولا ملك
|
|
وفاقت الارض لا جن ولا بشرُ
|
مجبولة من جلال الله طينتها
|
|
يرف لطفاً عليها الصون والخفرُ
|
ما عاب مفخرها التأنيث ان بها
|
|
على الرجال نساء الأرض تفتخرُ
|
خصالها الغرُّ جلت ان تلوك بها
|
|
منا المقاول أو تدنو لها الفكرُ
|
معنى النبوة سر الوحي قد نزلت
|
|
في بيت عصمتها الايات والسورُ
|
حوت خلال رسول الله أجمعها
|
|
لولا الرسالة ساوى أصله الثمرُ
|
تدرجت في مراقي الحقّ عارجة
|
|
لمشرق النور حيث السر مستترُ
|
ثم انثنت تملأ الدنيا معارفها
|
|
تطوى القرون عياءا وهي تنتشرُ
|
قل للذي راح يخفي فضلها حسداً
|
|
وجه الحقيقة عنا كيف ينسترُ
|
أتقرن النور بالظلماء من سفهٍ
|
|
ما أنت في القول إلاّ كاذب أشرُ
|
بنت النبي الذي لولا هدايته
|
|
ما كان للحق لا عين ولا أثرُ
|
هي التي ورثت حقاً مفاخرة
|
|
والعطر فيه الذي في الورد مدخرُ
|
في عيد ميلادها الاملاك حافلة
|
|
والحور في الجنة العليا لها سمرُ
|
تزوجت في السما بالمرتضى شرفا
|
|
والشمس يقرنها في الرتبة القمرُ
|
على النبوة أضفت في مراتبها
|
|
فضل الولاية لا تبقي ولا تذرُ
|
ام الأئمة من طوعها لرغبتهم
|
|
يعلو القضاء بنا او ينزل القدرُ
|
قف يا يراعيَّ عن مدح البتول ففي
|
|
مديحها تهتف الالواح والزبرُ
|
وارجع لنستخبر التاريخ عن نبأٍ
|
|
قد فاجئتنا به الانباء والسيرُ
|
هل اسقط القوم حقا حملها فهوت
|
|
تئن مما بها والضلع منكسرُ
|
وهل كما قيل قادوا بعلها فعدت
|
|
وراه نادبة والدمع منهمرُ
|
ان كان حقا فان القوم قد مرقوا
|
|
عن دينهم وبشرع المصطفى كفروا
|
المستوى الأوّل
المعرفة التاريخية لها 3
وذلك من جهة ولادتها وشهادتها زمانا
ومكانا وما رافق ذلك من ملابسات واحداث مهمة وما عاصرته تغيرات في حياة الأمة
سياسيا وفكريا واجتماعيا وما يرتبط بذلك من سلاطين الجور واتباع الظالمين وفقهاء
الفسق والفجور وغدر المنافقين والمتملقين واتباع اللقمة والراقصين على رنين
الدراهم والدنانير وانصار الوفاء والاخلاص وما سارق ذلك من تفصيلات لها الاهمية في
حياتهم : او في حياة
اتباعهم واولياؤهم.
ولادة فاطمة 3
أما ولادة الصديقة فكان في العشرين من
جمادي الاخرة كما صرح به المفيد في مساره
ونقل عن حدائقه
، وصرح به الشيخ في مصباحه
، ورواه الطبري الامامي
عن الصادق 7 ولم نقف على
مخالف صريح ، وان سكت كثير.
واختلف في سنته فالكليني قال : بعد النبوة بخمس سنين وكذلك
المسعودي في الاثبات
وذهب المفيد في الكتابين
إلى انه بعده باثنتين.
__________________
وفي مصباح الشيخ كان مولدها 3 سنة اثنين من المبعث في بعض الروايات ،
وفي رواية اول سنة والعامة تروي قبل المبعث بخمس. والصحيح الأوّل كما رواه ابن
خشاب على نقل الكشف
عن شيوخه ، مرفوعاً عن الباقر 7
، والطبري الامامي
مسندا عن الصادق ، والكليني
صحيحا عن الباقر 7
وذهب العامة كمحمد بن اسحاق
، وأبي نعيم
وأبي الفرج .
إلى انها كانت قبل النبوة حين تبني قريش الكعبة ، ورواه الاخير باسناده عن الصادق
والتعويل عليه على رواية الخاصة ، ولا يبعد انهم قالوا بكون مولدها قبل النبوة
انكارا لما ورد ان النبي 6
كان يقول اشم من فاطمة رائحة الجنة لأنّ انعقادها كان من فاكهة الجنة ليلة المعراج
.
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد بن علي : ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول
الله 6 : معاشر
الناس ، أتدرون لما خلقت فاطمة ؟ قالوا : الله ورسوله اعلم. قال : خلقت فاطمة
حوراء انسية لا انسية ، وقال : خلقت من عرق جبرئيل ومن زغبه. قالوا : يا رسول الله
، استشكل ذلك علينا ، تقول : حوراء انسية لا انسية ، ثم تقول : من عرق جبرئيل ومن
زغبه ! قال:اذاً انبئكم أهدى إليّ ربي تفاحة من الجنة ، أتاني بها جبرئيل 7، فضمها إلى صدره فعرق جبرئيل ، وعرقت
التفاحة ، فصار عرقهما شيئا واحدا ، ثم قال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله
وبركاته ، قلت : وعليك السلام يا جبرئيل فقال : ان الله اهدى اليك تفاحة من الجنة
، فأخذتها وقبلتها ووضعتها على عيني وضممتها إلى صدري. ثم قال يا محمد ، كلها ،
قلت : يا حبيبي يا جبرئيل ، هدية ربي تؤكل ؟ قال : نعم ، قد امرت بأكلها ،
فأفلقتها فرأيت منها نورا ساطعا ففزعت من ذلك النور ، قال : كل فان ذلك نور
المنصورة قلت : يا جبرئيل ، ومن
__________________
المنصور ؟ قال :
جارية تخرج من صلبك واسمها في السماء منصورة ، وفي الأرض فاطمة ، فقلت : يا جبرئيل
ولم سميت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة ؟ قال : سميت « فاطمة » في الأرض لأنها
فطمت شيعتها من النار ، وفطموا أعداؤها عن حبها ، وذلك قول الله في كتابه : ( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ
* بِنَصْرِ
اللهِ )
بنصر فاطمة 3.
بيان : الزغب : الشعيرات الصغرى على ريش
الفرخ ؛ وكونها من زغب جبرئيل إما لكون التفاحة فيها وعرقت من بينها ، أو لانه
التصق بها بعض ذلك الزغب فأكله النبي 6
.
وعن المفضل بن عمر قال : قلت لابي عبد
الله جعفر بن محمد 3
: كيف كانت ولادة فاطمة 3
؟ قال : نعم ، إن خديجة عليها رضوان الله لما تزوج بها رسول الله 6 هجرتها نسوة مكة ، فكن لا يدخلن عليها
ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها ، فاستوحشت خديجة من ذلك ، فلما حملت
بفاطمة 3 صارت تحدثها
في بطنها وتصبرها ، وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله 6. فدخل يوماً وسمع خديجة تحدث فاطمة ،
فقال لها : يا خديجة ، من يحدثك ؟ قالت : الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني.
فقال : لها : هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى وأنها النسمة الطاهرة الميمونة ، وأن
الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها ، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة يجعلهم خلفاء
في أرضه بعد انقضاء وحيه فلم تزل خديجة رضي الله عنها على ذلك إلى ان حضرت ولادتها
، فوجهت إلى نساء قريش ونساء بني هاشم يجئن ويلين منها ما تلي النساء من النساء ،
فأرسلن اليها : عصيتينا ولم تقبلي قولنا ، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا
مال له ، فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً فاغتمت خديجة لذلك ، فبينا هي كذلك اذ
دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم. ففزعت منهن ، فقالت لها احداهن
: لا تحزني يا خديجة ، فإنا رسل ربك اليك ، ونحن أخواتك ، أنا سارة وهذه آسية بنت
مزاحم وهي رفيقتك في الجنة ، وهذه مريم بنت
__________________
عمران ، وهذه صفراء بنت شعيب ، بعثنا الله تعالى اليك لنلي
من أمرك ما تلي النساء من النساء.
فجلست واحدة عن يمينها ، والاخرى عن
يسارها ، والثالثة من بين يديها ، والرابعة من خلفها ، فوضعت خديجة فاطمة 3 طاهرةً مطهرة. فلما سقطت إلى الأرض
أشرق منها نور حتى دخل بيوتات مكة ، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق
فيه ذلك النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها ، فغسلتها بماء الكوثر ،
وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن واطيب رائحة من المسك والعنبر ، فلفتها
بواحدة ، وقنعتها بالاخر ، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة 3
بشهادة « أن لا إله إلا الله ، وأن أبي رسول الله 6
سيد الأنبياء وأن بعلي سيد الأوصياء ، وأن ولديّ سيدا الاسباط » ، ثم سلمت عيلهن ،
وسمت كل واحدة منهن باسمها ، وضحكن اليها ، وتباشرت الحور العين ، وبشر أهل الجنة
بعضهم بعضاً بولادة فاطمة 3
، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم ، فلذلك سميت « الزهراء
» 3 ، وقالت :
خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة ، زكية ، ميمونة ، بورك فيها وفى نسلها : فتناولتها
خديجة 3 فرحة
مستبشرة فألقمتها ثديها فشربت ، فدر عليها. وكانت 3
تنمي في كل يوم كما ينمي الصبي في الشهر ، وفي شهر كما ينمي الصبي في سنةٍ صلى
الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها .
وقيل : بينما النبي 6 جالس بالأبطح ومعه عمار ابن ياسر
والمنذر بن الضحضاح وأبوبكر وعمر وعلي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وحمزة بن
عبد المطلب ، إذ هبط عليه جبرئيل 7
في صورته العظمى ، قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب ، فناداه : يا
محمد العلي الاعلى يقرئ عليك السلام وهو يأمرك ان تعتزل عن خديخة أربعين صباحاً.
فشق ذلك على النبي 6
وكان لها محباً وبها وامقاً .
قال : فأقام النبي 6
أربعين يوماً يصوم النهار ويقوم الليل ، حتى إذا كان
__________________
في آخر أيامه تلك ،
بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وقال : قل لها : يا خديجة لا تظني أن انقطاعي عنك (
هجرة ) ولاقلى ، ولكن ربي عز وجل أمرني بذلك لينفذ امره ، فلا تظني يا خديجة الاّ
خيراً ، فان الله عز وجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً. فإذا جنك الليل
فأجيفي الباب
وخذي مضجعك من فراشك فإني في منزل فاطمة بنت أسد. فجعلت خديجة تحزن في كل يوم
مراراً لفقد رسول الله 6.
فلما كان في كمال الاربعين هبط جبرئيل 7
فقال : يا محمد ، العلي الاعلى يقرئك السلام وهو يأمرك ، ان تتأهب لتحيته وتحفته ،
قال النبي 6 : يا جبرئيل
، وما تحفه ربِّ العالمين ؟ وما تحيته ؟ قال : لا علم لي. قال : فبينما النبي 6 كذلك اذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى
بمنديل سندس ـ او قال استبرق ـ فوضعه بين يدي البني 6.
حسست بثقل فاطمة في بطني . ولقد علق العلامة الهمداني على هذا
الحديث بقوله : يستفاد من هذا الحديث الشريف امور مهمة وفوائد عظيمة هي دالة على
سمو جلالة بضعة خير المرسلين ، وعلو منزلة زوجة افضل الوصيين وام الأئمة الطاهرين ـ
صلوات الله عليهم اجمعين ـ. منها نزول جبرئيل 7
على صورته الاصلية كنزوله في اول البعثة. ففي « البحار » ج ١٨ / ص ٢٤٧ : « ان
محمدا 6 كان بحراء ،
فطلع له جبرئيل 7
من المشرق ، فسد الافق إلى المغرب ». ومعلوم ان مجيئه 7 على هذه الهيئة لأمر عظيم. ومنها
اعتكافه 6 اربعين يوما
في بيت فاطمة بنت اسد ـ رضي الله عنها ـ قائما ليلة ، صائما نهاره ، واعتزاله عن الناس
وعن زوجته الكريمة خديجة الكبرى سلام الله عليها ، كما كان معتكفا ومعتزلا في اول
البعثة بحراء ، نعم كان اعتكافه 6
يؤمئذ لاجل ان يكون مهيئا للنبوة والرسالة ، وفي هذا الموقف لكونه متأهبا للتحفة
الالهية التي ستكون منشأ الإمامة والولاية ، بل هي عنصر شجرة النبوة كما جاء عن
الباقر 7 . ومنه نزول ترك سنته في افطاره ، من
ادخال كل من يرد للافطار ، واختصاصه 6
بذلك الطعام. ومنها ترك سنته في التطهر عند وروده
__________________
المنزل للصلاة عند
النوم. ولا يخفى ان الترك انما يكون للأهم ، فتفطن.
تحقيق وتبيين
الذي يستفاد من الأخبار والاحاديث التي
وصلت الينا من طريق أهل البيت :
إن فاطمة 3 ولدت على
فطرة الإسلام وبعد نزول الوحي على أبيها 6
خلافا لما في بعض كتب العامة ، فاليك بعض نصوصها :
١ ـ قال علي بن الحسين : في حديث طويل : ولم يولد لرسول الله 6 من خديجة 3
على فطرة الاسلام إلاّ فاطمة 3
، وقد كانت خديجة قبل الهجرة بسنة ، ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة ...
٢ ـ عن حبيب السجستاني قال : سمعت ابا
جعفر 7 يقول : ولدت
فاطمة بنت محمد 6
بعد مبعوث رسول الله 6
بخمس سنين ، وتوفيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما .
٣ ـ عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله 7 قال : ولدت فاطمة في جمادي الآخرة
اليوم العشرين منها سنة خمس وأربعين من مولد النبي 6
، فأقامت بمكة ثمان سنين ، وبالمدينة عشر سنين وبعد وفاة ابيها خمساً وسبعين يوماً
.
٤ ـ قال ابن الخشاب في تاريخ مواليد
ووفاة أهل البيت :
نقله عن شيوخه يرفعه عن أبي جعفر محمد بن علي 8
قال : ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبوة نبيه 6
وانزل عليه الوحي بخمس سنين وقريش تبني البيت ، وتوفيت ولها ثمانية عشر سنة وخمسة
وسبعون يوماً .
أقول : قوله « وقريش تبني البيت » لا تنطبق
على نزول الوحي ، لأنّ بناء البيت منهم
__________________
كان قبل المبعث. ثم
في هذا الموقف أخبار تؤكد وتؤيد مضامين تلك الأخبار ، وهي روايات تدل على انه 6 اُسري به إلى السماء وادخل الجنة
فتناول من ثمار الجنة ، فلما رجع واقع خديجة 3
فتكونت نطفة فاطمة الزهراء 3
من تلك الثمار ، ومعلوم ان قضية الاسراء وقعت بعد البعثة بلا خلاف.
شهادة الصديقة فاطمة 3
إلامَ التواني صاحب الطلعة الغرا
|
|
اما آن من أعداك ان تطلب الوترا
|
فديناك لم أغضيت عمّا جرى على
|
|
بني المصطفى منها وقد صدع الصخرا
|
أتغضي وتنسى امك الطهر فاطما
|
|
غداة عليها القوم قد هجموا جهرا
|
أتغضي وشبوا النار في باب دارها
|
|
وقد اوسعوا في عصرهم ضلعها كسرا
|
أتغضي ومنها أسقطوا الطهر محسنا
|
|
وقادوا علي المرتضى بعلها قسرا
|
أتغضي وسوط العبد وشح متنها
|
|
ومن لطمة الطاغي غدت عينها حمرا
|
أتغضي وقد ماتت وملؤ فوادها
|
|
شجىً وعلي بعد شيعَّها سرا
|
اما كيفية شهادتها 3 فلقد روي عن الإمام الصادق 7 سبب وفاتها 3 : أن قنفذ مولى عمر لكزها بنعل السيف
بأمره فأسقطت محسناً ، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً ، وكان علي 7 يمرضها بنفسه ، وتعينه على ذلك أسماء
بنت عميس ، وفي يوم دخلت نسوة من المهاجرين والانصار على فاطمة بنت رسول الله
يعدنها فقلن : السلام عليك يا بنت رسول الله 6
كيف أصبحت ؟ فقالت : أصبحت والله عائفة لديناكن قالية لرجالكم ، لفظتهم بعد اذ
مججتهم وسئمتهم بعد ان سبرتهم ، فقبحاً لافون الرأي وخطل القول وخور القناة ،
ولبئس ما قدمت لهم انفسهم ان سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون لا جرم والله
لقد قلدتهم ربقتها وشننت عليهم عارها فجدعا ورغما للقوم الظالمين.
__________________
ويحهم أنى زحزحوها عن ابي الحسن ، ما نقموا
والله منه إلاّ نكير سيفه ونكال وقعه ، وتنمره في ذات الله ، وتالله لو تكافوا
عليه عن زمام نبذه إليه رسول الله 6
لأتميله ، ثم لسار بهم سيرة سجحا فانه قواعد الرسالة ورواسي النبوة ، ومهبط الروح
الامين ، والطبيب بأمر الدين والدنيا والاخرة إلاّ ذلك هو الخسران المبين. والله
لا يلتكم خشاشة ، ولا يتعتع راكبه ، ولاوردهم منهلا رويا فضفاضا تطفح ضفته ، ولا
صدرهم بطانا قد خثر بهم الري ، غير متحل بطائل إلاّ تغمر الناهل وردع سورة سغب ،
ولو فتحت عليهم بركات من السماء والأرض وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ، فهلم
فاسمع ، فما عشت اراك الدهر عجبا ، وان تعجب بعد الحادث ، فما بالهم باي سند
استندوا ، ام بأي عروة تمسكوا ، لبئس العشير ، وبئس للظالمين بدلا ، استبدلوا
الذنابى بالقوادم ، والحرون بالقاحم ، والعجز بالكاهل ، فتعسا لقوم يحسبون انهم
يحسنون صنعا ، ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، أفمن يهدي إلى الحق احق ان
يتبع ام من لا يهدي إلاّ ان يهدي فما لكم كيف تحكمون. لقحت قنطرة فنظرة ريثما تنتج
، ثم احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا ، وذعافا ممضا ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف
التالون غب ما أسس الاولون ، ثم طيبوا بعد ذلك بانفسكم لفتنها ، ثم اطمأنوا للفتنة
جأشا وابشروا بسيف صارم ، وهرج دائم شامل ، واستبداد من الظالمين. يدع فيئكم
زهيداً ، وجمعكم حصيدا ، فيا حسرة لهم ، ولقد عميت عليهم الانباء أنلزمكموها وانتم
لها كارهون .
الهموم المتراكمة
ليس المرض لوحده سبب الام الزهراء 3 ، ووجدها وحزنها ، وانما كانت الهموم
تجتاحها من كل حدب وصوب ، فحينما كانت تمد جسدها النحيل المكدور على جلد الكبش
وتتكئ على وسادة الليف ، تنساب الخواطر إلى رأسها الشريف ، وتهجم عليها الهواجس ،
وكأنّ لسان حالها الشريف : آه ... تركوا وصية ابي ... وغصبوا الخلافة
__________________
من زوجي ؟! ولن
تنتهي آثارها إلى يوم القيامة ... فبئس عاقبة الخلافة التي توسلت بالحيلة والجور ...
بماذا سار المسلمون وانتشرت كلمة الاسلام ؟! بوحدة الكلمة ! والاتحاد بين فصائل
المجتمع وصلوا إلى العظمة والرقي ...
آه ... اذهبوا ريحهم ... واوقعوا الخلاف
بينهم ، وبدلوا قوة الاسلام الواحدة وطاقة المسلمين المهيبة إلى قوى وطاقات
متناثرة ، وجروا العالم الاسلامي إلى العجز والضعف والفرقة والذلة ... آه ... انا
فاطمة ـ عزيزة رسول الله ـ ارقد الآن على فراش المرض ؟! لم يخف انيني من ضربات هذه
الأمة المبرحة ... وأقف على اعتاب الموت ؟ ... أين وصايا أبي رسول الله 6 ؟.
... رباه ... أعلي الشجاع القوي أراه ـ اليوم
ـ مضطراً إلى السكوت عن حقه المشروع لحفظ مصلحة الاسلام العليا ؟ ...
اقتربت ساعتي ... وحان أجلي ... وها أنذا
أودع الحياة في ربيع عمري وأيام شبابي ... وسأنجو من الهموم والغصص ...
ولكن ... ماذا عن أيتامي الذين سيبقون
بعدي ؟ ... أولادي ... الحسن ... الحسين ... زينب ... أم كلثوم ...
آه ... يا للمصائب التي تصب عليهم ـ أيتامي
الأعزاء على قلبي ـ. فاني سمعت ابي يقول ـ مراراً ـ : يموت ولدك الحسن مسموماً ،
والحسين مقتولاً بالسيف شهيداً عطشاناً ... وهذه علامات ذلك وامارته تلوح لي
وأراها بعيني ... كان 6
يأخذ صغيري الحسين ـ مرة ـ ويقبل نحره ويبكي لمصيبته ، ويأخذ الحسن ـ اخرى ـ ويلصق
صدره بصدره ويقبله في فمه ، ويذكر مصائب زينب ، وأم كلثوم فيبكي ...
نعم ... كانت تمر هذه الخواطر في ذهن
فاطمة 3 وتؤلمها ،
فتشحب يوما بعد يوم ، وتنحل ساعة بعد ساعة ، وقد ورد في الاثر ان فاطمة لما حضرتها
الوفاة بكت ، فقال لها أمير المؤمنين : يا سيدتي ما يبكيك ؟ قالت : أبكي لما تلقى
بعدي ، فقال لها : لا تبكي ، فوالله ان ذلك لصغير عندي في ذات الله .
__________________
العيادة المبغوضة
كان الصحابة رجالاً ونساءً يعودون فاطمة
3 بين الحين
والحين ، إلاّ عمر وأبا بكر لم يعوداها لأنها قاطعتهم ورفضتهم ولم تأذن لهم بعيادتها
، وحينما ثقل عليها المرض وقاربتها الوفاة لم يجدا بداً من عيادتها لئلا تموت بنت
النبي 6 ، وهي ساخطة
عليهما ، وتبقى وصمة العار تلاحق الخليفة وجهازه الحاكم إلى يوم القيامة.
فجاءا لعيادتها تحت ضغط الرأي العام ،
فسألا عنها ، وقالا لأمير المؤمنين 7
: قد كان بيننا وبينها ما قد علمت فان رأيت ان تأذن لنا لنعتذر اليها من ذنبنا.
قال : ذلك اليكما. فقاما فجلسا الباب.
ودخل علي 7
على فاطمة 3 فقال لها :
أيتها الحرة ، فلان وفلان بالباب ، يريدان ان يسلما عليك فما تريدين ؟ قالت :
البيت بيتك ، والحرة زوجتك ، افعل ما تشاء !
فقال : شدي قناعك ، فشدت قناعها ، وحولت
وجهها إلى الحائط. فدخلا وسلما وقالا : ارضي عنا رضي الله عنك ، فقالت : ما دعا
إلى هذا ؟ فقالا : اعترفنا بالإساءة ورجونا ان تعفي عنا. فقالت : ان كنتما صادقين
فأخبراني عم أسألكما عنه ، فإني لا أسألكما عن أمر إلاّ وانا عارفة ، بانكما
تعلمانه ، فان صدقتماني علمت انكما صادقان في مجيئكما. قالا : سلي عما بدا لك.
قالت : نشدتكما بالله ، هل سمعتما رسول الله 6
يقول : « فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني » ؟ قالا : نعم.
فرفعت يدها إلى السماء ، فقالت : اللهم
انهما قد آذاني ، فأنا اشكوهما اليك وإلى رسولك ، لا والله لا أرضى عنكما أبداً
حتى ألقى أبي رسول الله 6
، وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما.
قال : فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل
والثبور ، فقال عمر : تجزع يا خليفة رسول الله 6
من قول امرأة ؟ .
__________________
وصية فاطمة 3
مرضت فاطمة 3 مرضاً شديداً ، ومكثت اربعين ليلة في
مرضها ، فلما نعيت اليها نفسها قالت لعلي 7
: يابن عم ، انه قد نعيت الي نفسي ، وانني لا أرى ما بي إلاّ انني لاحقه بأبي ساعة
بعد ساعة ، وانا أوصيك بأشياء في قلبي.
قال لها علي 7 : أوصي بما أحببت يا بنت رسول الله 6 فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت
، ثم قالت : يابن عم ، ما عهدتني كاذبة ، ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني.
فقال 7
: معاذ الله ، أنت أعلم بالله وأبر واتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله ، من أن أوبخك
بمخالفة ، وقد عز علي مفارقتك وفقدك إلا انه أمر لابد منه ، والله جددت علي مصيبة
رسول الله 6 ، وقد عظمت
وفاتك وفقدك ، فإنا لله وانا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها
وأحزنها ، هذه الله مصيبة لا عزاء لها ، ورزية لا خلف لها ، ثم بكيا جميعاً ساعة . لخّصت فاطمة 3 في هذا الحوار حياتها الزوجية في هذه
العبارات ، فذكرت الامير 7
باخلاصها وطهارتها واطاعتها لزوجها.
وشكر لها الإمام وفاءها ، وأثنى على
طهارتها وقدسيتها ومعاناتها وتقواها ، وأبدى لها حبه ووده وتعلقه بها. وهاجت بهما
الذكريات وجاشت الخواطر وتذكرا حياتهما السعيدة التي غمرتها الغبطة والدفء ،
والوقوف جنباً إلى جنب في مواجهة الاحداث والمشاكل وتذليل الصعاب ، فانهمرت لذلك
عيناهما بالدموع ، لعلها تطفئ نار القلب التي تقضي على الجسد.
وبعد ان بكيا ساعة أخذ علي 7 رأسها وضمها إلى صدره ثم قال : أوصيني
بما شئت ، فانك تجديني فيها أمضي كما امرتيني به ، واختار أمرك على أمري.
ثم قالت : جزاك الله عني خير الجزاء ،
وأوصته بوصاياها ، وهي :
١ ـ يابن عم ، أوصيك ان تتزوج بعدي
بابنة أختي امامة ، فانها تكون لولدي مثلي ،
__________________
فإنّ الرجال لابد
لهم من النساء .
٢ ـ ان أنت تزوجت إمرأة فاجعل لها يوماً
وليلة واجعل لاولادي يوماً وليلة ، يا أبا الحسن لا تصح في وجوههم فيصبحا يتيمين
غريبين .
٣ ـ أوصيك يابن عم ، ان تتخذ لي نعشا ،
فقد رأيت الملائكة صوروا صورته ، فقال لها : صفيه لي ... فوصفته ، فاتخذه لها .
٤ ـ أوصت لأزواج النبي لكل واحدة منهن
اثنتى عشرة أوقية .
٥ ـ ولنساء بني هاشم مثل ذلك.
٦ ـ وأوصت لأمامة بنت أبي العاص بشيء .
وكانت لها وصية مكتوبة جاء فيها : « هذا
ما أوصت فاطمة بنت رسول الله بحوائطها السبع ؛ ذي الحسنى والساقية ، والدلال ،
والغراف ، والرقمة ، والهيثم ، ومال أم ابراهيم ، إلى علي بن أبي طالب ، ومن بعده
فإلى الحسن ، فإلى الحسين ، ومن بعد الحسين فإلى الاكبر فالاكبر من ولده ، شهد
الله على ذلك وكفى به شهيداً ، وشهد المقداد ابن الاسود ، والزبير بن العوام ،
وكتب علي بن أبي طالب .
وروى ابن عباس وصية مكتوبة اخرى لها 3 جاء فيها : « بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله 6
أوصت وهي تشهد ان لا اله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله ، وان الجنة حق ، والنار
حق ، وان الساعة آتية لا ريب فيها ، وان الله يبعث من في القبور ، يا علي : أنا
فاطمة بنت محمد ، زوجني الله منك لاكون لك في الدنيا والآخرة ، انت اولى بي من
غيري ، حنطني وغسلني وكفني بالليل وصل علي وادفني بالليل ولا تعلم أحدا ، واستودعك
الله وأقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة » .
__________________
لحظات عمرها الأخيرة
ثقل عليها المرض ، والإمام لا يفارقها ،
وأسماء تمرضها ، والحسن والحسين وزينب وام كلثوم عندها ، وهي تفيق مرة ويغشى عليها
اخرى من شدة المرض ، وتجيل بصرها في أولادها ... يقول الإمام على 7 : انها لما حضرتها الوفاة فتحت عينيها
وقالت : السلام عليك يا جبرئيل ، السلام عليك يا رسول الله ، اللهم احشرني مع
رسولك ، اللهم اسكني جنتك وفي جوارك.
ثم قالت : هؤلاء ملائكة ربي ، جبريل
ورسول الله حاضرون عندي ، وأبي يقول : القدوم الينا يقول علي 7
: فلما كانت الليلة التي أراد الله ان يكرمها ويقبضها إليه اخذت تقول : وعليكم
السلام. يابن عم ،هذا جبريل أتاني مسلماً ، وقال : السلام يقرئك السلام يا حبيبة
حبيب الله وثمرة فؤاده ـ اليوم تلحقين بالرفيق الاعلى وجنة المأوى ثم انصرف عني.
ثم اخذت تقول : وعليكم السلام ، وتقول :
يابن عم ، هذا ميكائيل يقول كقول صاحبه. ثم اخذت ثالثاً تقول : وعليك السلام ، ثم
فتحت عينيها شديداً وقالت : يابن عم هذا والله الحق ، عزرائيل نشر جناحه في المشرق
والمغرب ، وقد وصفه لي أبي وهذه صفته.
ثم قالت : يا قابض الارواح عجل بي ولا
تعذبني ، ثم قالت : اليك ربي لا إلى النار ، ثم غمضت عينيها ، ومدت يديها ورجليها
، وكأنها لم تكن حية قط.
أبكني ان بكيت يا خير هادي
|
|
وأسبل الدمع فهو يوم الفراق
|
يا قرين البتول اوصيك بالنسل
|
|
فقد أصبحنا حليف اشتياق
|
أبكني وابك لليتامى ولا تنسى
|
|
قتيل العدى بطف العراق
|
فارقوا فأصبحوا حيارى
|
|
يخلف الله فهو يوم الفراق
|
وروي عن اسماء ان فاطمة لما حضرتها الوفاة
قالت لاسماء : ان جبرئيل أتى
__________________
النبي 6 ـ لما حضرته الوفاة ـ بكافور من الجنة
فقسمه أثلاثاً ، ثلثاً لنفسه ، وثلثا لعلي ، وثلثا لي ، وكان اربعين درهما ، فقالت
يا أسماء اتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا وضعيه عند رأسي ، فوضعته ثم
قالت يا أسماء أتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا وضعيه عند رأسي فوضعته ثم
قالت لاسماء حين توضأت وضوءها للصلاة ، هاتي طيبي الذي أتطيب به ، وهاتي ثيابي
التي أصلي فيها ، فتوضأت ثم تسجت بثوبها ، ثم قالت : انتظريني هنيئة وادعيني ، فان
اجبتك وإلاّ فاعلمي اني قدمت على ابي فأرسلني إلى علي. فانتظرت هنيئة ثم نادتها ،
فلم تجبها ، فكشفت الثوب عن وجهها فاذا بها قد فارقت الدنيا ، فوقعت عليها تقبلها
، فبينا هي كذلك اذ دخل الحسن والحسين فقالا لها : يا أسماء ما ينيم امنا في هذا
الساعة ، قالت : يا ابني رسول الله ليست امكما نائمة ، قد فارقت الدنيا ، فوقع
عليها الحسن يقبلها مرة ويقول : يا اماه كلميني قبل ان تفارق روحي بدني ، وأقبل
الحسين يقبل رجلها ويقول : انا ابنك الحسين كلميني قبل ان يتصدع قلبي فأموت. قالت
لهما اسماء : يا ابني رسول الله ، انطلقا إلى أبيكما علي فاخبراه بموت امكما ،
فخرجا حتى اذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء فقالا : قد ماتت أمنا فاطمة 3 فوقع علي 7
على وجهه يقول : بمن العزاء يا بنت محمد ، كنت بك أتعزى فبمن العزاء من بعدك ؟ .
التشييع والدفن
ارتفعت أصوات البكاء من بيت علي 7 فصاح أهل المدينة صيحة واحدة ، واجتمعت
نساء بني هاشم في دارها ، فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة تتزعزع لها ، وأقبل الناس
مثل عرف الفرس إلى علي 7
، وهو جالس ، والحسن والحسين بين يديه يبكيان ، وخرجت ام كلثوم ، وهي تقول : يا
أبتاه يا رسول الله ، الآن فقدناك حقا لا لقاء بعده ابدا. واجتمع الناس فجلسوا وهم
يضجون ، وينتظرون خروج الجنازة
__________________
ليصلوا عليها ، وخرج
أبو ذر ، وقال : انصرفوا فان ابنة رسول الله قد اخر اخراجها في العشية . وأقبل أبو بكر وعمر يعزيان عليا 7 ، ويقولان له : يا أبا الحسن لا تسبقنا
بالصلاة على ابنة رسول الله 6
. ولكن عليا
غسلها وكفنها هو واسماء في تلك الليلة ثم نادى : يا ام كلثوم ، يا زينب يا حسن ،
يا حسين ، هلموا تزودوا من امكم فهذا الفراق واللقاء في الجنة ، وبعد قليل نحاههم
امير الؤمنين 7
عنها. ثم
صلى علي على الجنازة ، وشيعها والحسن والحسين وعقيل وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار
وبريدة والعباس وابنة الفضل .
فلما هدأت الاصوات ونامت العيون ومضى شطر من الليل أخرجها امير المؤمنين 7 ودفنها سرا وأهال عليها التراب ،
والمشيعون من حوله يترقبون لئلا يعرف القوم ، ويمنعهم المنافقون ، فدفنوها وعفوا
تراب قبرها.
وقوف الإمام 7
على قبرها
انتهت مراسم الدفن بسرعة خوفاً من
انكشاف امرهم وهجوم القوم عليهم ، فلما نفض الإمام يده من تراب القبر هاج به الحزن
لفقد بضعة الرسول التي تذكر به وزوجته الودود التي عاشت معه الصفا والطهارة
والتضحية ، وتحملت من اجله الاهوال والصعاب فوا غوثاه ... من هظمها ... من آلامها
... من تصدع قلبها ... وا غوثاه من كسر ضلعها ... واسوداد عضدها ... واسقاط جنينها
... ولكن.
لكل اجتماع من خليلين فرقة
|
|
وكل الذي دون الممات قليل
|
وان افتقادي فاطم بعد احمد
|
|
دليل على ان لا يدوم خليل
|
فأرسل دموعه على خديه ، وحول وجهه إلى
قبر رسول الله 6
فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك
وزائرتك ، والبائنة
__________________
في الثرى ببقعتك ،
المختار الله لها سرعة اللحاق بك ، قل ـ يا رسول الله عن صفيتك صبري وضعف عن سيدة
النساء تجلدي ، إلاّ ان في التأسي لي بسنتك ، والحزن الذي حل بي لفراقك ، موضع
التعزي ، ولقد وسدتك في ملحودة قبرك ، بعد ان فاضت نفسك على صدري ، وغمضتك بيدي
وتوليت امرك بنفسي ، نعم ، وفي كتاب الله انعم القبول ، انا لله وانا إليه راجعون
، قد استرجعت الوديعة ، واخذت الرهينة ، واختلست الزهراء ، فما اقبح الخضراء
والغبراء ، يا رسول الله ، اما حزني فسرمد ، واما ليلي فمسهد ، لا يبرح الحزن من
قلبي او يختار الله لي دارك التي انت مقيم ، كمد مقيح ، وهم مهيج ، سرعان ما فرق
الله ( بيننا ) ، وإلى الله أشكو ، وستنبئك ابنتك بتظافر امتك علي ، وعلى هضمها
حقها ، فاستخبرها الحال ، فكم من عليل معتلج بصدرها ، لم تجد إلى بثه سبيلا ،
وستقول ، ويحكم الله وهو خير الحاكمين. سلام عليك يا رسول الله ، سلام مودع لا سئم
ولا قال ، فان انصرف فلا عن ملالة وان اقم فلا عن سوء ظني بما وعد الله الصابرين ،
الصبر أيمن واجمل. ولو لا غلبة المستولين علينا ، لجعلت المقام عند خبرك لزاما،
للبثت عنده معكوفا، ولأعولت اعوال الثكلى على جبل الرزية ، فبعين الله تدفن ابنتك
سرا ، ويهتضم حقها قهرا ، ويمنع ارثها جهرا ، ولم يطل العهد ، ولم يخلق منك الذكر
، فالى الله ـ يا رسول الله ـ المشتكى وفيك اجمل العزاء ، فصلوات الله عليها ورحمة
الله وبركاته .
وروي ان عليا 7 سوى قبرها مع الأرض مستويا ، وقيل :
سوى حواليها قبورا مزورة سبعة حتى لا يعرف احد قبرها ، وروي انه رش اربعين قبرا
حتى لا يبين قبرها من غيره من القبور خوفا من الاعداء . فلما اصبح الناس اقبل عمر وأبو بكر
والناس يريدون الصلاة على فاطمة 3.
فقال المقداد : قد دفنا فاطمة 3
البارحة.
فالتفت عمر إلى ابي بكر فقال : الم اقل
لك ، انهم سيفعلون ؟
قال العباس : انها اوصت ان لا تصليا
عليها.
فقال عمر : لا تتركون ـ بني هاشم ـ حسدكم
القديم لنا أبدا ، ان هذه الضغائن التي في
__________________
صدوركم لن تذهب ،
والله لقد هممت ان انبشها فاصلي عليها ، فقال علي 7
: والله لو رمت ذاك لارجحت اليك يمينك ، لئن سللت سيفي لا أغمدته دون ازهاق روحك ،
فانكسر عمر وسكت وعلم ان علياً اذا حلف صدق .
تاريخ وفاتها 3
لا شك ان وفاتها 3 كانت في السنة الحادية عشر من الهجرة ـ
ظاهراً ـ لأنّ النبي 6
حج حجة الوداع في السنة العاشرة وتوفي في اوائل السنة الحادية عشر ، واتفق
المؤرخون والكتاب على ان فاطمة عاشت بعد ابيها اقل من سنة ، الا انهم اختلفوا في
يوم وشهر وفاتها اختلافاً شديداً ، فروى المعروف بالدلائل عن أبي بصير ، عن الصادق 7 قبضت في جمادي الاخرة ، يوم الثلاثاء
لثلاث خلون منه سنة إحدى عشر من الهجرة. وبه صرح المفيد في المسار ، وفي المصباح ، ونسبه الاقبال إلى جماعة ، فقال : روينا عن جماعة من
أصحابنا ذكرناهم في كتاب التعريف للمولد الشريف ، ان وفاة فاطمة 3 كانت يوم ثالث جمادي الآخرة ، وعن ابن
همام ، قال : روى لعشر بقين منه.
وعن الكشف قيل : لثلاث ليال من شهر رمضان.
ونقل عن العاصمي باسناده عن محمد بن عمر.
ونقل المصباح ، عن ابن عياش انه في اليوم الحادي
والعشرين من رجب ، وبعضهم لم يعين يومه ، لكن قالوا بعيشها بعد النبي 6 بمدة واختلفوا.
__________________
قال أبو الفرج فالمكثر يقول : ثمانية اشهر ، والمقلل
، اربعين يوماً. إلاّ ان الثابت في ذلك ما روي عن ابي جعفر محمد بن علي 8 انها توفيت بعده بثلاثة أشهر. حدثني
بذلك الحسن بن علي ، عن الحارث ، عن ابن سعيد ، عن الواقدي ، عن عمرو بن دينار ،
عنه 7. قلت : نقل
الثلاثة اشهر ، الكشف
عن كتاب الذرية للدولابي عن رجاله ، وعن ابن شهاب الزهري ستة اشهر ، وقال ابن
قتيبة : مائة يوم
بعده.
وقال الكشف ، عن الباقر 7 : خمس وتسعين ليلة. وروى الاحتجاج عن كتاب سليم : اربعين يوماً. وقال
الكليني
: خمس وسبعون يوما. ورواه ابن الخشاب
، عن شيوخه ، عن الباقر 7.
وبه قال في عيون المعجزات
، ورواه الكليني
صحيحاً في خبرين عن الصادق 3.
سند أحدهما : أحمد بن محمد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمد ، عن أبي محبوب ، عن ابن رباب ، عن أبي عبيدة ، عنه 7.
والآخر : العدّة ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد
، عن النضر ، عن هشام بن سالم ، عنه 7.
وفي خبر حسن وصحيح سنده علي بن إبراهيم ، عن
أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عنه 7.
ويمكن تأويل خمسة وسبعين في الثلاثة
بكونه محرف خسمة وتسعين ، حتى ينطبق
__________________
على الخبر الدالّ
على كونه في ثالث جمادي الآخره ، مع كون وفاة النبي 6
في الثامن والعشرين من صفر ، وينطبق على خبر ثلاثة أشهر بحمله على التسامح في
الكمية الزائدة.
ويشهد له ما قاله الكشف عن الباقر 7 خمس وتسعين إن صحت النسخة لكن وقوع
التحريف في أخبار ثلاثة مشكل ، مع عدم ثبوت كون وفاته 6 في الثامن والعشرين من صفر ، بل عرفت
قول كثير بكونه الثاني عشر من ربيع الأوّل من أن الخبر الخامس من أربعين أبي نعيم
في أخبار المهدي الذي نقله الكشف
، قال عليّ 7 : لم تبقى
فاطمة بعده إلا خمسة وسبعين يوماً ، حتى ألحقها الله به 6.
لكنّ الكلام في ثبوت عدد صفر ، وإلاّ فالتحريف للتشابه الخطّي ولو
في أكثر غير بعيد .
__________________
المستوى الثاني
المعرفة المناقبية لها 3
وذلك بالإطلاع على معاجزها وكراماتها
المحيرة للعقول والأفكار سواء في حياتها ، أو بعد شهادتها 3 وما انبأت به من غيب وأسرار تعجز أكثر
العقول البشرية عن الإحاطة بها والإلمام بحقائق دقائقها ، وما كانت عليه من أخلاق
عالية وشرف رفيع ، وسمو أدب وكرامة نفس وسخاء طبع لا مثله سخاء وعبادة لا نظير لها
، وعلى هذا الأساس سيكون كلامنا في هذا المقام في أمرين وهما :
(١) ـ معاجزها في حياتها 3.
(٢) ـ أخلاقها 3.
معاجزها في حياتها 3
* روي أنّ سلمان قال : كانت فاطمة 3 جالسة قدّامها رحى تطحن بها الشعير ،
وعلى عمود الرحى دم سائل ، والحسين في ناحية الدار ( يتضوّر من الجوع ).
فقلت : يا بنت رسول الله ، دبرت كفّاك ،
وهذه فضّة ؛
فقالت : أوصاني رسول الله 6 أن تكون الخدمة لها يوماً ، فكان أمس
يوم خدمتها.
قال سلمان : قلت إنّي مولى عناقة ، إمّا
أنا أطحن الشعير أو اُسكّت الحسين لك ؟
فقالت : أنا بتسكيته أرفق ، وأنت تطحن
الشعير.
فطحنت شيئاً من الشعير ، فإذا أنا
بالإقامة ، فمضيت وصلّيت مع رسول الله 6
، فلمّا فرغت قلت لعليّ ما رأيت ، فبكى وخرج ، ثمّ عاد فتبسّم.
فسأله عن ذلك رسول الله 6 قال : دخلت على فاطمة وهي مستلقية
لقفاها ،
والحسين نائم على
صدرها ، وقدّامها رحى تدور من غير يد.
فتبسّم رسول الله 6 وقال : يا عليّ ، أما علمت أنّ لله
ملائكة سيّاره في الأرض يخدمون محمداً وآل محمد إلى أن تقوم الساعة .
* وروي عن اُسامة بن زيد ، قال :
افتقد رسول الله 6 ذات يوم عليّاً ، فقال :
اطلبوا إليّ أخي في الدنيا والآخرة ،
اطلبوا الي فاصل الخطوب اُطلبوا إليّ المحكّم في الجنة في اليوم المشهود ، اُطلبوا
الي حامل لوائي في المقام المحمود.
قال اُسامة : فلمّا سمعت من رسول الله 6 ذلك ، بادرت إلى باب عليّ ، فناداني
رسول الله 6 من خلفي :
يا اُسامة ، عجّل عليّ بخبره وذلك بين الظهر والعصر.
فدخلت فوجدت عليّاً كالثوب الملقى
لاطياً بالأرض ، ساجداً يناجي الله تعالى ، وهو يقول : سبحان الله الدائم ، فكّاك
المغارم ، رزّاق البهائم ، ليس له في ديمومته إبتداء ، ولا زوال ولا انقضاء.
فكرهت أن أقطع عليه ما هو فيه حتى يرفع
رأسه ، وسمعت أزيز الرحى فقصدت نحوها لاُسلّم على فاطمة 3 واخبرها بقول رسول الله 6 في بعلها ، فوجدتها راقدة على شقّها
الأيمن ، مخمرة وجهها بجلبابها ـ وكان من وبر الإبل ـ وإذا الرحى تدور بدقيقها ،
وإذا كفّ يطحن عليها برفق ، وكفّ اُخرى تلهي الرحى ، لها نور لا أقدر أن أملي عيني
منها ، ولا أرى إلا اليدين بغير أبدان ، فامتلأت فرحاً بما رأيت من كرامة الله
لفاطمة 3.
فرجعت إلى رسول الله 6 وتباشير الفرح في وجهي بادية ، وهو في
نفر من أصحابه ، قلت : يا رسول الله ! انطلقت أدعو عليّاً ، فوجدته كذا وكذا ؛
وانطلقت نحو فاطمة 3 فوجدتها راقدة على شقّها الأيمن ،
ورأيت كذا وكذا !
فقال : يا اُسامة ! أتدري من الطاحن ،
ومن الملهي لفاطمة ؟
إنّ الله قد غفر لبعلها بسجدته سبعين
مغفرة ، واحدة منها لذنوبه ما تقدّم منها وما
__________________
تأخّر ، وتسعة وستّين
مذخورة لمحبّيه ، يغفر الله بها ذنوبهم يوم القيامة.
وإن الله تعالى رحم ضعف فاطمة لطول
قنوتها بالليل ، ومكابدتها للرحى والخدمة في النهار ، فأمر الله تعالى وليدين من
الولدان المخلّدين أن يهبطا في أسرع من الطرف ، وإنّ أحدهما ليطحن ، والآخر ليلهي
رحاها.
وإنّما أرسلتك لترى وتخبر بنعمة الله
علينا ، فحدّث يا اُسامة !
لو تبديا لك لذهب عقلك من حسنهما ،
وإنما سألتني خادماً فمنعتها ؛
فأخدمها الله بذلك سبعين ألف ألف وليدة
في الجنّة ، الذين رأيت منهنّ.
وإنّا من أهل بيت اختار الله لنا الآخرة
الباقية على الدنيا الفانية .
* وعن حماد بن سلمة ، عن حميد الطويل ،
عن أنس قال : سألني الحجاج بن يوسف عن حديث عائشة ، وحديث القدر التي رأت في بيت
فاطمة بنت رسول الله 6
وهي تحركها بيدها ، قلت : نعم أصلح الله الأمير دخلت عائشة على فاطمة 3 وهي تعمل للحسن والحسين 8 حريرة بدقيق ولبن وشحم ، في قدر ،
والقدر على النار يغلي ( وفاطمة صلوات الله عليها ) تحرّك ما في القدر بإصبعها ،
والقدر على النار يبقبق .
فخرجت عائشة فزعة مذعورة ، حتى دخلت على
أبيها ، فقالت : يا أبه ، إني رأيت من فاطمة الزهراء أمراً عجيباً [ عُجباً ] ،
رأيتها وهي تعمل في القدر ، والقدر على النار يغلي ، وهي تحرّك ما في القدر بيدها !
فقال لها : يا بنيّة ! اكتمي ، فإنّ هذا أمر عظيم.
فبلغ رسول الله 6 ، فصعد المنبر ، وحمد الله وأثنى عليه
، ثمّ قال : إنّ الناس يستعظمون ويستكثرون ما رأوا من القدر والنار ؛ والذي بعثني
بالرسالة ، واصطفاني بالنبوّة ، لقد حرّم الله تعالى النار على لحم فاطمة ، ودمها
، وشعرها ، وعصبها ، [ وعظمها ] وفطم من النار ذريّتها وشيعتها. إنّ من نسل فاطمة
من تطيعه النار ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، والجبال ، وتضرب الجنّ بين يديه
بالسيف ، وتوافي إليه الأنبياء بعهودها ، وتسلّم إليه الأرض كنوزها ، تنزّل عليه
من السماء بركات ما فيها
__________________
الويل لمن شك في فضل
فاطمة.
[ لعن الله من يبغضها ] لعن الله من يبغض
بعلها ، ولم يرض بإمامة ولدها.
إنّ لفاطمة يوم القيامة موقفاً ،
ولشيعتها موقفاً.
وإنّ فاطمة تُدعى فتكسى ، وتشفع فتشفّع
، على رغم كلّ راغم .
* روي عن جابر بن عبد الله قال : إنّ
رسول الله 6 أقام
أيّاماً ولم يطعم طعاماً حتّى شقّ ذلك عليه ، فطاف في ديار أزواجه فلم يصب عند
إحداهنّ شيئاً ، فأتى فاطمة فقال : يا بنيّة ! هل عندك شيء آكله ، فإنّي جائع ؟
قالت : لا ـ والله ـ بنفسي وأمّي. فلمّا
خرج عنها ، بعثت جارية لها رغيفين وبضعة لحم ، فأخذته ووضعته في جفنة وغطّت عليها
، وقال : لأوثرنّ بهذا رسول الله 6
، فرجع إليها فقالت : قد أتانا الله بشيء فخبّأته لك ، فقال : هلمّي يا بنيّة ،
فكشفت الجفنة ، هي مملوءة خبزاً ولحماً ، فلمّا نظرت إليه بهتت وعرفت أنّه من عند
الله ، فحمدت الله ، وصلّت على نبيّه أبيها ، وقدّمته إليه فلمّا رآه حمد الله.
وقال : من أين لك هذا ؟
قالت : هو من عند الله ، ( إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ
حِسَابٍ )
. فبعث رسول
الله 6 إلى علي ،
فدعاه وأحضره ، وأكل رسول الله 6
وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وجميع أزواج النبّي حتى شبعوا. قالت فاطمة 3 : وبقيت الجفنة كما هي ، فأوسعت منها
على جميع جيراني ، جعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً .
* وعن أبي الفرج محمد بن المكّي ، عن
المظفر بن أحمد بن عبد الواحد ، عن محمد بن علي الحلواني ، عن كريمة بنت أحمد بن
محمد الروندي :
وأخبرني أيضاً به عالياً قاضي القضاة
محمد بن الحسين البغدادي ، عن الحسين ابن
__________________
محمد بن علي الزينبي
، عن الكريمة فاطمة بنت أحمد بن محمد المروزيّة بمكّة حرسها الله تعالى ، عن أبي
علي زاهر بن أحد ، عن معاذ بن يوسف الجرجاني ، عن أحمد بن محمد ابن غالب ، عن
عثمان بن أبي شيبة ، عن نمير ، عن مجالد ، عن ابن عبّاس ، قال :
خرج أعرابي من بني سليم يتبدّى في
البريّة ، فإذا هو بضبّ قد نفر من بين يديه ، فسعى وراءه ، حتى اصطاده ، ثمّ جعله
في كمّه ، وأقبل يزدلف نحو النبي 6
ـ إلى أن قال ـ فقال : من يزوّد الأعرابي ، وأضمن له على الله عز وجل زاد التقوى.
قال : فوثب إليه سلمان الفارسي فقال :
فداك أبي وأمّي وما زاد التقوى ؟
قال : يا سلمان ، إذا كان آخر يوم من
الدنيا ، لقّنك الله عزّ وجلّ قول : شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول
الله ؛ فإن أنت قلتها لقيتني ولقيتك ، وإن أنت لم تقلها لم تلقني ولم ألقك أبداً.
قال : فمضى سلمان حتى طاف تسعة أبيات من
بيوت رسول الله 6
فلم ، يجد عندهنّ شيئاً ، فلمّا أن ولّى راجعاً نظر إلى حجرة فاطمة 3.
فقال : إن يكن خير فمن منزل فاطمة بنت
محمّد 6 ، فقرع الباب
:
فأجابتة من رواه الباب : من بالباب ؟
فقال لها : أنا سلمان الفارسي.
فقالت له : يا سلمان ! وما تشاء ؟ فشرح
قصّة الأعرابي والضبِّ مع النبي 6.
قالت له : يا سلمان ! والذي بعث محمداً 6 بالحقّ نبيّاً إنّ لنا ثلاثاً ما طعمنا
، وإنّ الحسن والحسين قد اضطربا عليّ من شدّة الجوع، ثمّ رقدا كأنّهما فرخان
منتوفان ؛ ولكن لا أردّ الخير [ إذا نزل الخير ببابي ] يا سلمان ؛ خذ درعي هذا ،
ثمّ امض به إلى شمعون اليهودي ، وقل له : تقول فاطمة بنت محمد : أقرضني عليه صاعاً
من تمر وصاعاً من شعير أردّه عليك إن شاء الله تعالى.
قال : فأخذ سلمان الدرع ، ثمّ أتى به
إلى شمعون اليهودي ؛
قال : فأخذ شمعون الدرع ، ثمّ جعل
يقلّبه في كفه وعيناه تذرفان بالدموع وهو يقول : يا سلمان! هذا هو الزهد في الدنيا
، هذا الذي أخبرنا به موسى بن عمران في التوراة ، أنا أشهد أن لا إله إلا الله ،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فأسلم وحسن إسلامه.
ثمّ دفع إلى سلمان صاعاً من تمر ،
وصاعاً من شعير ، فأتى به سلمان إلى فاطمة 3
،
فطحنته بيدها ، وأختبزته
، ثمّ أتت به إلى سلمان ؛
فقالت له : خذه وامض به إلى النبي 6. قال : فقال لها سلمان : يا فاطمة ،
خذي منه قرصاً تعلّلين به الحسن والحسين. فقالت : يا سلمان ، هذا شيء أمضيناه لله
عز وجل لسنا نأخذ منه شيئاً. قال : فأخذه سلمان ، فأتى به النبي 6 ، فلمّا نظر النبي 6 إلى سلمان قال له : يا سلمان ، من أين
لك هذا ؟ قال : من منزل بنتك فاطمة. قال : وكان النبي 6 لم يطعم طعاماً منذ ثلاث. قال : فوثب
النبي 6 حتى ورد إلى
حجرة فاطمة ، فقرع الباب ، وكان إذا قرع النبي 6
الباب لا يفتح له الباب إلا فاطمة ؛ فلمّا أن فتحت له الباب ، نظر النبي 6 إلى صفار وجهها وتغيّر حدقتيها ، فقال
لها : يا بنيّة ، ما الذي أراه من صفار وجهك وتغيّر حدقتيك ؟ فقالت : يا أبة ، إن
لنا ثلاثاً ما طعمنا طعاماً ؛ وإن الحسن والحسين قد اضطربا عليَّ من شدّة الجوع ،
ثمّ رقدا كأنّهما فرخان منتوفان.
قال : فأنبههما النبي 6 فأخذ واحداً على فخذه الأيمن ، والآخر
على فخذه الأيسر ، وأجلس فاطمة 3
بين يديه واعتنقها النبي 6
، ودخل عليّ بن أبي طالب 7
، فاعتنق النبي 6
من ورائه ، ثم رفع النبي 6
طرفه نحو السماء فقال : إلهي وسيّدي ومولاي ، هؤلاء أهل بيتي ، اللهمّ أذهب عنهم
الرجس وطهّرهم تطهيراً !
قال : ثمّ وثبت فاطمة بنت محمد 6 حتى دخلت إلى مخدع لها ، فصفّت قدميها
، فصلّت ركعتين ثمّ رفعت باطن كفّيها إلى السماء وقالت :
إلهي وسيدي ، هذا محمد نبيُّك ، وهذا
عليُّ ابن عمّ نبيّك ، وهذان الحسن والحسين سبطا نبيّك ، إلهي أنزل علينا مائدة [
من السماء ] كما أنزلتها على بني إسرائيل ، أكلوا منها وكفروا بها ، اللهم أنزلها
علينا فإنّا بها مؤمنون.
قال ابن عباس : ـ والله ـ ما استتمّت
الدعوة ، فإذا هي بصحفة من ورائها يفور قتارها ، وإذا قُتارها أزكى من المسك الأذفر ، فاحتضنتها.
ثمّ أتت بها إلى النبي 6 وعلي والحسن والحسين ، فلمّا أن نظر
إليها علي بن أبي
__________________
طالب 7 قال لها : يا فاطمة ، من أين لك هذا ؟
ولم يكن أجد عندك شيئاً !
فقال له النبي 6 : كل يا أبا الحسن ، ولا تسأل ، الحمد
لله الذي لم يمتني حتى رزقني ولداً ، مَثَلُها مثل مريم بنت عمران ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ
وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا
قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
) .
قال : فأكل النبي 6 وعليُّ والحسن والحسين ، وخرج النبي 6 ، الحديث .
وعن عبيد بن كثير ـ معنعنا ـ عن أبي
سعيد الخدري قال : أصبح علي بن أبي طالب 7
ذات يوم فقال : يا فاطمة ! هل عندك شيء تغذينه ؟ قالت : لا ، والذي اكرم أبي
بالنبوة ، وأكرمك بالوصية ، ما أصبح الغداة عندي شيء وما كان شيء أطعمنا مذ يومين
إلاّ شيء كنت أوثرك به على نفسي وعلى ابني هذين الحسن والحسين 8. فقال علي 7 : يا فاطمة ! إلاّ كنت أعلمتيني
فأبغيكم شيئاً ؟ فقالت : يا أبا الحسن ! أني لأستحي من الهي ان اكلف نفسك ما لا
تقدر عليه. فخرج علي بن ابي طالب 7
من عند فاطمة 3
واثقا بالله بحسن الظن بالله فاستقرض دينارا ، فبينا الدينار في يد علي بن ابي
طالب 7 يريد ان
يبتاع لعياله ما يصلحهم ، فتعرض له المقداد بن الاسود في يوم شديد الحر ، قد لوحته
الشمس من فوقه وآذته من تحته ، فلما رآه علي بن أبي طالب 7 انكر شأنه ، فقال : يا مقداد ! ما
ازعجك هذه الساعة من رحلك ! قال : يا أبا الحسن خلي سبيلي ولا تسألني عما ورائي. فقال
: يا اخي انه لا يسعني ان تجاوزني حتى اعلم علمك.
فقال : يا أبا الحسن ! رغبة إلى الله
واليك ان تخلي سبيلي ولا تكشفني عن حالي. فقال
__________________
له : يا اخي انه لا
يسعك ان تكتمني حالك.
فقال : يا أبا الحسن ! اما اذا ابيت فو
الذي اكرم محمدا بالنبوة ، واكرمك بالوصية ، ما ازعجني من رحلي ، إلاّ الجهد ، وقد
تركت عيالي يتضرعون جوعا ، فلما سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض ، فخرجت مهموما
راكبا رأسي ، هذه حالي وقصتي ، فانهملت عينا ، علي 7
بالبكاء حتى بلت دمعته لحيته ، فقال له : احلف بالذي حلفت ، ما ازعجني إلاّ الذي ازعجك
من رحلك ، فقد استقرضت ديناراً ، فقد آثرتك على نفسي ، فدفع الدينار إليه ، ورجع
حتى دخل مسجد النبي 6
فصلى فيه يوم الظهر والعصر والمغرب. فلما قضى رسول الله 6 المغرب مر بعلي بن ابي طالب 7 وهو في الصف الأوّل ، فغمزه برجله ،
فقام علي 7 متعقبا خلف
رسول الله 6 حتى لحقه
على باب من أبواب المسجد ، فسلم عليه فرد رسول الله 6.
فقال : يا أبا الحسن ! هل عندك شيء نتعشاه فنميل معك ؟ فمكث مطرقا لا يحير جوابا ،
حياء من رسول الله 6
، وهو يعلم ما كان من امر الدينار ومن اين اخذه ، واين وجهه ، وقد كان اوحى الله
تعالى إلى نبيه محمد 6
ان يتعشى الليلة عند علي ابن أبي طالب 7.
فلما نظر رسول الله 6
إلى سكوته ، فقال : يا أبا الحسن ! ما لك لا تقول : لا ، فانصرف ، أو تقول : نعم ،
فأمضي معك ؟ فقال ـ حياء وتكرما ـ : فاذهب بنا ؟ فاخذ رسول الله 6 يد علي بن ابي طالب 7 فانطلقا حتى دخلا على فاطمة الزهراء 3 وهي في مصلاها قد قضت صلاتها ، وخلفها
جفنة تفور دخانا ، فلما سمعت كلام رسول الله 6
في رحلها ، خرجت من مصلاها ، فسلمت عليه ، وكانت اعز الناس إليه ، فرد 6 ، ومسح على رأسها ، وقال لها : يا
بنتاه ! كيف امسيت رحمك الله.
قالت : بخير ، قال عشينا غفر الله لك ،
وقد فعل ، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي النبي وعلي بن ابي طالب عليهما الصلاة
والسلام.
فلما نظر علي بن أبي طالب 7 إلى الجفنة والطعام وشم ريحه ، رمى
فاطمة ببصره رميا شحيحا
قالت : له فاطمة سبحان الله ، ما اشح نظرك واشده ! هل اذنبت فيما بيني
__________________
وبينك ذنبا استوجبت
به السخطة ؟! قال : وأي ذنب أعظم من ذنب اصبته ، اليس عهدي اليك اليوم الماضي وانت
تحلفين بالله مجتهدة ، ما طعمت طعاما مذ يومين ؟ قال : فنظرت إلى السماء ، فقالت :
الهي يعلم في سمائه ويعلم في ارضه اني لم أقل إلاّ حقاً.
فقال لها : يا فاطمة ! انى لك هذا
الطعام الذي لم انظر إلى مثل لونه قط ، ولم اشم مثل ريحه قط ، وما لم آكل اطيب منه
قط ؟ قال : فوضع رسول الله 6
كفه الطيبة المباركة بين كتفي علي بن ابي طالب 7
، فغمزها ، ثم قال : يا علي ! هذا بدل دينارك ، وهذا جزاء دينارك من عند الله ان
الله يرزق من يشاء بغير حساب.
ثم استعبر النبي 6 باكيا ، ثم قال : الحمد لله الذي هو أبى
لكم ان تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما ، ويجزيك يا علي ، مجزى زكريا ، ويجزى فاطمة
مجزى مريم بنت عمران (
كُلَّمَا
دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا
) .
* وروي عن يوسف بن يحيى ، عن ابيه ، عن
جده ، قال : رأيت رجلا بمكة شديد السواد له بدن ، وخلق غابر ، وهو ينادي ، أيها
الناس ، دلوني على اولاد محمد ، فأشار إليه بعضهم وقال : ما لك ؟ قال : انا فلان
بن فلان. قالوا : كذبت ان فلانا كان صحيح البدن صبيح الوجه ، وانت شديد السواد
غابر الخلق. قال : وحق محمد اني لفلان ، اسمعوا حديثي.
اعلموا اني كنت جمال الحسين ، فلما ان
صرنا إلى بعض المنازل برز للحاجة وانا معه فرأيت تكة لباسه وكان اهداها ملك فارس
حين تزوج بنت اخيه شاه زنان بنت يزدجرد ، فمنعني هيبة أسألها اياه ، فدرت حوله
لعلي اسرقها ، فلم اقدر عليها.
فلما صار القوم بكربلاء ، وجرى ما جرى ،
وصارت ابدانهم ملقاة تحت سنابك
__________________
الخيل ، اقبلنا نحو
الكوفة راجعين ، فلما ان صرت إلى بعض الطريق ذكرت التكة ، فقلت في نفسي : قد خلا
ما عنده ، فصرت إلى موضع المعركة ، فقربت منه فاذا هو مرمل بالدماء ، قد حز رأسه
من القفا وعليه جراحات كثيرة من السهام والرماح ، فمددت يدي إلى التكة وهممت ان
احل عقدها ، فرفع يده وضرب بها يدي ، فكادت اوصالي وعروقي تتقطع ، ثم اخذ التكة من
يدي ، فوضعت رجلي على صدره وجهدت جهدي لازيل اصبعا من اصابعه ، فلم اقدر ، فأخرجت
سكينا كان معي ، فقطعت اصابعه ثم مددت يدي إلى التكة ، وهممت بحلها ثانيا ، فرأيت
خيلا اقبلت من نحو الفرات ، وشممت رائحة لم اشم رائحة اطيب منها ، فلما رأيتهم قلت
: انا الله وانا إليه راجعون ، انما اقبلوا هؤلاء لينظروا إلى كل انسان به رمق «
فيجهزوا عليه ».
فصرت بين القتلى ، وغاب عني عقلي من شدة
الجزع ، فاذا رجل يقدمهم ـ كان وجهه الشمس ـ وهو ينادي : انا محمد رسول الله ،
والثاني ينادي : انا حمزة اسد الله ، والثالث ينادي : انا جعفر الطيار ، والرابع
ينادي : انا الحسن بن علي. وأقبلت فاطمة وهي تبكي وتقول : حبيبي ، وقرة عيني ،
ابكي على رأسك المقطوع ، ام على يديك المقطوعتين ، ام على بدنك المطروح ، ام على
اولادك الاسارى. ثم قال النبي 6
: اين رأس حبيبي وقرة عيني الحسين ، فرأيت الرأس في كف النبي ، فوضعه على بدن
الحسين ، فاستوى جالسا ، فاعتنقه النبي وبكى ـ فذكر الحديث ـ إلى أن قال ـ : فقال
: يا عدو الله ! ما حملك على قطع اصابع حبيبي وقرة عيني الحسين ـ إلى ان قال : ـ ثم
قال النبي 6 : اخسأ يا عدوا
الله ! غير الله لونك ، فقمت ، فاذا انا بهذه الحالة .
* وروي ان رجلا كان محبوسا بالشام مدة
طويلة مضيقاً عليه ، فرأى في منامه كأن الزهراء صلوات الله عليها أتته فقالت : ادع
بهذا الدعاء ، فتعلمه ودعا به فتخلص ورجع إلى منزله وهو : اللهم بحق العرش ومن
علاه ، وبحق الوحي ومن اوحاه ، وبحق النبي ومن نباه ، وبحق البيت ومن بناه ، ويا سامع
كل صوت ، ويا جامع كل فوت ،
__________________
يا بارئ النفوس بعد
الموت ، صل على محمد وأهل بيته ، وآتنا وجميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض
ومغاربها فرجا من عندك ، عاجلا بشهادة ان لا إله إلاّ الله ، وان محمدا عبدك ورسولك
، صلى الله عليه وعلى ذريته الطيبين الطاهرين وسلم تسليما .
وفي جواهر العقدين للشريف السمهودي
المصري من العجائب ان ابا الحسن نصر بن عيين الشاعر توجه إلى مكة المعظمة ومعه
متاع ومال ، فخرج عليه بعض الاشراف من بني داود المقيمين بوادي الصغرى فأخذوا ما كان
معه وجرحوه فكتب قصيدة إلى الملك ، الناصر ان يذهب بالساحل ويفتحه من ايدي الافرنج
القصيدة هذه :
أغنت صفاتك ذاك المصقع اللسنا
|
|
جزت بالجود حد الحسن والمحسنا
|
ولا تقل ساحل الافرنج اقتحمه
|
|
فما يساوي اذا قاسيته عدنا
|
طهر سيفك بيت الله من دنس
|
|
وما احاط به من خسة وخنا
|
ولا تقل انهم اولاد فاطمة
|
|
لو ادركوا آل حرب حاربوا الحسنا
|
فلما اتم هذه القصيدة رأى في النوم
فاطمة 3 وهي تطوف
بالبيت فسلم عليها فلم تجبه ، فتضرع اليها وتذلل عندها وسألها عن ذنبه الذي أوجب
ذلك ، فانشدت فاطمة 3
هذه القصيدة :
__________________
حاشا بني فاطمة كلهم
|
|
من خسة يعرض او من خنا
|
وانما ايام في غدرها
|
|
وفعلها السوء اساءت بنا لئن جنا
|
من ولدي واحد
|
|
تجعل كل السب عمدا لنا
|
فتب إلى الله فمن يقترف
|
|
اثما بنا لا يأمن مما جنا
|
فاصفح لاجل المصطفى احمد
|
|
ولا تثر من آله اعينا
|
فكل ما نالك منهم غدا
|
|
تلقى به في الحشر منامنا
|
ثم صب بيدها المباركة المكرمة المقدسة
شيئا شبه الماء على جرحه ، ثم ايقظ من منامه فرأى ان جراحته التي كانت في بدنه
صارت ملتئمة صحيحة ، فكتب فورا قصيدة فاطمة 3
التي انشدتها في رؤياه ، ثم قال معتذرا :
عذر إلى بنت نبي الهدى
|
|
تصفح عن ذنب محب جنا
|
وتوبة تقبلها عن اخي
|
|
مقالة توقعها في العنا
|
والله لو قطعني واحد
|
|
منهم بسيف البغي او بالقنا
|
لم اره بفعله ظالما
|
|
بل انه في فعله احسنا
|
فكتب هذه الحكاية إلى ملك اليمن فارسل
الملك الهدايا الكثيرة لهذه الاشراف وأهل مكة وهذه القصيدة مشهورة بين الناس
ومسطورة في ديوان ابن عيين .
* وروي أن عليا 7 أستقرض من يهودي شعيرا ، فاسترهنه شيئا
فدفع إليه ملاءة
فاطمة ، رهنا ، وكانت من الصوف فأدخلها اليهودي إلى داره ووضعها في البيت. فلما
كانت الليلة دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة بشغل ، فرأت نوراً ساطعاً في البيت
أضاء به كله فانصرفت إلى زوجها ، فأخبرته بأنها رأت في ذلك البيت ضوءاً عظيماً
فتعجب اليهودي من ذلك وقد نسي ان في بيته ملاءة فاطمة. فنهض مسرعاً ودخل البيت
فاذا ضياء الملاءة ينشر شعاعها كأنه يشتعل من بدر منير ، يلمع من قريب فتعجب من
ذلك ، فأنعم النظر في موضع الملاءة ، فعلم ان ذلك النور من ملاءة فاطمة 3 ، فخرج اليهودي يعدو إلى أقربائه
وزوجته تعدوا إلى أقربائها
__________________
فاجتمع ثمانون من
اليهود فرأوا ذلك فأسلموا كلهم .
* وعن سلمان الفارسي : انه لما استخرج
امير المؤمنين من منزله ، خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر ، فقالت خلوا عن ابن عمي
فوالذي بعث محمدا بالحق لئن لم تخلوا عنه لانشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله 6 على رأسي ، ولأصرخن إلى الله ، فما
ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي. قال سلمان : فرأيت والله اساس حيطان المسجد
تقلعت من اسفلها ، حتى لو اراد الرجل ان ينفذ من تحتها نفذ فدنوت منها وقلت : يا
سيدتي ومولاتي : ان الله تبارك وتعالى بعث اباك رحمة فلا تكوني نقمة ، فرجعت
الحيطان حتى صعدت الغبرة من أسفلها فدخلت في غياشيمنا .
اخلاقها 3
تجدست في شخصية فاطمة 3 مختلف ابعاد الاخلاق الاسلامية التي
دعت واكدت عليها التعاليم القرآنية ، ولقد ضربت المثل الاعلى للمرأة المؤمنة
الكاملة ، وهذا ما نراه واضحا ، وجليا من خلال استقراء سيرتها 3 وفي مختلف الابعاد الانسانية ، فقد ورد
عن علي 7 قال : كنا
جلوسا عند رسول الله 6
فقال : اخبروني أي شيء خير للنساء ؟ فعيينا بذلك حتى تفرقنا ، فرجعت إلى فاطمة ،
فأخبرتها الذي قال لنا رسول الله 6
وليس أحد منا علمه ، ولا عرفه.
قالت : ولكني أعرفه : خير للنساء ان لا
يرين الرجال ولا يراهن الرجال فرجعت إلى رسول الله 6
فقلت يا رسول الله ، سألتنا : أي شيء خير للنساء ؟ وخيرهن ان لا يرين الرجال ولا يراهن
الرجال. قال : من اخبرك ، فلم تعلمه وأنت عندي ؟ قلت فاطمة فأعجب ذلك رسول الله 6 وقال ان فاطمة بضعة مني .
__________________
أقول : والذي يظهر من هذه الاحاديث ان
فاطمة حددت الضابطة الكلية التي فيها خير المرأة والصلاح لها في الحياة الدنيا
والاخرة ذلك هو ان لا يرى المراة رجل ولا ترى رجل ، وفي أمر ورد ايضا عن الإمام
موسى بن جعفر 7
استأذن أعمى على فاطمة 3
فحجبته.
فقال رسول الله 6 لها : لم حجبته وهو لا يراك ؟
فقالت 3
: ان لم يكن يراني فأني أراه ، وهو يشم الريح ، فقال رسول الله 6 أشهد انك بضعة مني . وسأل رسول الله 6 أصحابه عن المرأة ، ما هي ؟ قالوا :
عورة : قال فمتى تكون أدنى من ربها ؟ فلم يدروا ، فلما سمعت فاطمة 3 ذلك قالت : أدنى ما تكون من ربها أن
تلزم قعر بيتها ، فقال رسول الله 6
: إن فاطمة بضعة مني .
أقول : يظهر من هذا الحديث ان الرسول
سأل اصحابه ولم يكن فيهم علي 7
، وهذا معارض للحديث الأوّل من حيثية وجود علي 7
، فالحديث الأوّل بين ان الإمام علي لم يعرف جواب السؤال الذي سأله الرسول 6 وهذا مخالف لكثير من الاحاديث التي
تبين مقام علي 7
العلمية ولذا سيكون من حيث الدلالة الحديث الاخير الذي قدمناه وهو الاصح ، وإلاّ
لو كان علي 7 حاضرا لأجاب
على سؤال الرسول 6
وخاصة نحن نعلم ان علي 7
وفاطمة احدهما كفوا للاخر في كل الأمور التي أقرأتها الاحاديث التي وردت عن لسان
المعصومين :.
وأعطي لك شاهداً واحداً من خلال استقراء
احاديث العلماء والصالحين في قضية اخلاق فاطمة الزهراء 3 تاركا لك مراجعة أقوال الاخرين فضلا عن
احاديث أهل البيت الذي هي بحر عميق لمن اراد الغوص فيه واستخراج الدرر المتناثرة
فيه ، ومن هذه الاقوال .
لم تكن الزهراء امرأة عادية كانت امرأة روحانية امرأة ملكوتية ... كانت انسانا
بتمام معنى الكلمة نسخة انسانية متكاملة ... امرأة حقيقية كاملة ... حقيقة الإنسان
الكامل ، لم تكن امرأة عادية ، بل هي كائن ملكوتي تحلى في الوجود بصورة
__________________
انسان ... بل كائن
الهي جبروتي ظهر على هيئة امرأة ... فقد اجتمعت في هذه المرأة جميع الخصال
الكمالية المتصورة للانسان وللمرأة. انها المرأة التي تتحلى بجميع خصال الانبياء
... المرأة التي لو كانت رجلا لكانت نبيا ... لو كانت رجلا لكانت بمقام رسول الله 6. غدا يوم المرأة حيث ولدت جميع ابعاد
منزلتها وشخصيتها ، غدا ذكرى مولد الكائن الذي اجتمعت فيه المعنويات ، والمظاهر
الملكوتية ، والالهية والجبروتية والملكية والانسية ، غدا ميلاد الإنسان لجميع
الانسانية من معنى ، غدا ميلاد امرأة بكل ما تحمله كلمة « المرأة » من معنى ايجابي.
ان المرأة تتسم بأبعاد مختلفة كما هو الرجل ، وان هذا المظهر الصوروي الطبيعي يمثل
ادنى مراتب الإنسان ادنى مراتب المرأة ، وادنى مراتب الرجل ، بيد ان الإنسان يسمو
في مدارج الكمال انطلاقا من هذه المرتبة المتدنية ، فهو في حركة دؤوبة من مرتبة
الطبيعة إلى مرتبة الغيب ، إلى الفناء في الالهية وان هذا المعنى متحقق في الصديقة
الزهراء ، التي انطلقت في حركتها من مرتبة الطبيعة وطوت مسيرتها التكاملية بالقدرة
الالهية ، بالمدد الغيبي وبتربية رسول الله 6
لتصل إلى مرتبة دونها الجميع. امرأة هي مغفرة بيت النبوة وتسطع كما تسطع الشمس في
جبين الاسلام العزيز ، امرأة تماثل فضائلها الرسول الاكرم والعترة الطاهرة غير
متناهية ... امرأة لا يفي حقها من الثناء كل من يعرفها مهما كانت نظرته ، ومهما
ذكر لأن الاحاديث التي وصلتنا عن بيت النبوة هي على قدر أفهام المخاطبين ،
واستيعابهم فمن غير الممكن صب البحر في جرة ، ومهما تحدث عنها الاخرون فهو على قدر
فهمهم ولا يضاهي منزلتها. اذن فمن الاولى ان نمر سريعا من هذا الوادي العجيب.
وكانت الصديقة فاطمة 3 عابدة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى
، فمتى ما كانت تقوم في محرابها بين يدي الله تعالى ، زهر عند ذلك نورها لملائكة
السماوات والأرض كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ، وروت هي سلام الله عليها انها قالت :
سمعت النبي 6 يقول : ان
في الجمعة لساعة لا يراقبها رجل مسلم يسأل الله عز وجل فيها خيرا إلاّ اعطاه اياه.
فقلت : يا رسول الله أي ساعة هي ؟ قال اذا تدلى
__________________
نصف عين الشمس
للغروب. لذا نجدها سلام الله عليها كانت تقول لغلامها اصعد على الظراب فاذا رأيت
نصف عين الشمس قد تدلى للغروب فاعلمني حتى ادعوا ولذلك نجد في كتب الادعية
والزيارة استحباب قراءة دعاء السمات اخر ساعة من يوم الجمعة تأسيا بما ورد عن لسان
فاطمة عن أبيها رسول الله 6.
وورد عن الإمام الحسن 7
انه قال : رأيت أمي فاطمة 3
قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى انصع عمود الصبح وسمعتها
تدعو للمؤمنين وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء فقلت لم لهذا يا
اماه ، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت : يا بني الجار ثم الدار ، واخيرا قول الحسن البصري الذي قال في
حقها 3 : « ما كان
في هذه الأمة اعبد من فاطمة 3
كانت تقوم حتى تتورم قدماها » .
__________________
المستوى الثالث
المعرفة العلمية والفكرية لها 3
ألا هل إلى طول الحياة سبيل
|
|
وأنى وهذا الموت ليس يحول
|
واني وان اصبحت بالموت موقنا
|
|
فلي املٌ من دون ذاك طويل
|
وللدهر الوان تروح وتغتدي
|
|
وان نفوسا بينهن تسيل
|
ومنزل حقَّ لا معرج دونه
|
|
لكل امرئ منها إليه سبيل
|
قطعت بأيام التعزز ذكره
|
|
وكل عزيز ما هناك ذليل
|
ارى علل الدنيا علي كثيرة
|
|
وصاحبها حتى الممات عليل
|
واني وان شطت بي الدار نازحا
|
|
وقد مات قبلي بالفراق جميل
|
وقد قال في الامثال في البين قائل
|
|
اضرَّ به يوم الفراق رحيل
|
لكلِّ اجتماع من خليلين فرقة
|
|
وكل الذي دون الفراق قليل
|
وان افتقادي فاطما بعد احمد
|
|
دليل على ان لا يدوم خليل
|
وكيف هناك العيش من بعد فقدهم
|
|
لعمرك شيء ما إليه سبيل
|
وليس جليلا رزء مالٍ وفقده
|
|
ولكن رزء الاكرمين جليل
|
يتساوى الناس في الحقوق والواجبات من
جهة التشريع الاسلامي ومنطلقاته الاصلية ، فهم سواسية كأسنان المشط في المظهر
الخارجي ، ولكن من حيث حقيقة وجوهر كل انسان تختلف من شخصية إلى اخرى ، وقديما قيل
: الناس مخابر ، وليسوا بمناظر أي الإنسان بجوهره وحقيقته ، وذلك ان المخبر يكشف
عن سلوك الإنسان ويبدو على سيرته الذاتية بشكل واضح لا لبس فيه ... فما أضمر ابن
ادم شيئا الا وظهر
__________________
على فلتات لسانه
وصفحات وجهه ، كما قال أمير المؤمنين 7
ذلك في نهج البلاغة « تكملوا تعرفوا فان المرء مخبوء تحت طيات لسانه » فالكلمة
تعرف حقيقة الإنسان وطبيعة شخصيته ، حيث اثبت العلم النفسي الحديث ان معرفة أي
حقيقة لاي شخصيته يكون عبر توجيه بعض الاسئلة إليه ومن خلال الجواب عليها يظهر طبع
شخصيتها وحقيقتها ومدى سعتها واستيعابها ، وهل هي شخصية عالية ذا همة كبيرة ام لا ؟
وغير ذلك من الامور المعمة ، ذلك ان الكلمة التي تخرج من الفم تحمل معها صورة
قائلها ونبضات قلبه ، وخلجات نفسه ودخائل شخصيته ، وهذه حقيقة معروفة لدى علماء
النفس والتربية والاجتماع ، كل ذلك نقوله لكي نهتدي إلى سواء السبيل.
وعلى هذا الاساس اننا نهتدي إلى معرفة
الشخصية العلمية والفكرية لها سلام الله عليها من خلال عدة امور مهمة ومن خلالها
نعبر إلى شخصيتها وندخل في فهم حقيقتها وهذه الامور هي :
الأمر الأوّل :
يمكن معرفة شخصيتها من خلال سيرتها
الذاتية التي يرويها لنا أهل البيت :
والاقربون من ذويها ، ذلك لأنّ أهل البيت ادرى بما فيه وأهل مكة ادرى بشعابها كما
يقول المثل.
إذ ان هناك امور في الحياة صحيحة وثابته
وفق مقاييس العقل والبرهان ولا تحتاج إلى اثبات احقيتها واصحيتها إلى دليل من
الخارج ولا تحتاج إلى اثبات صحة دعواها ايضا إلى شاهد فدليلها مستمد منها ، ومن
هذه الامور الثابتة في حيات الإنسان الكامل « فاطمة الزهراء » هي سيرتها الذاتية
التي تثبت من خلالها معرفتها الحقيقية فهذه السيرة هي السبيل الصحيح للوقوف على
حياتها 3. فهي الضابط
والمعيار الصحيح للحكم عليها من خلالها. فالإنسان لا يعرف المعرفة الصحيحة إلاّ من
خلال هذه السيرة على وجه الدقة اما بقية المسائل الاخرى في حياة الإنسان من
الشعارات والاطروحات والادلة والشواهد وغير ذلك لا تمثل سوى الجانب النظري من حياة
الإنسان الشخصية ، ومدى صدق هذه الدعوى
فهي متروكة للجانب
التطبيقي في حياته ، اذن السيرة الذاتية للصديقة الطاهرة تمثل جانب تطبيقي من
حياتها الشخصية على كافة المستويات ، ولا نريد الوقوف مع السيرة الذاتية لفاطمة 3 في هذا الكتاب بصورة تفصيلية حيث قد
اعطينا بعض النماذج للسيرة الذاتية لها في نفس هذا الكتاب هذه النماذج ، على شكل
امور متناثرة في طيات البحوث فلا نقف تفصيليا معها هنا.
*الأمر الثاني :
يمكن ان نعرف شخصيتها من خلال مواقفها
لأنّ الموقف عمل والعمل ما هو إلاّ انعكاس لطبيعة شخصية الفرد وهذا ما اثبته
التاريخ الاسلامي لفاطمة 3
حيث اخبرنا بمواقفها الفذة في جميع الحالات التي مرت بها. فعندما كانت قريش تؤذي
رسول الله 6 وتتعرض له
بأنواع المواجهة كانت الزهراء 3
تقف إلى جانبه صابرة محتسبة ، فيدخل إلى البيت وقد حثى الكافرون التراب على رأسه
الشريف ، فتستقبله الزهراء 3
وتغسل التراب عن رأسه وهي باكية ، فيقول لها الرسول 6
: لا تبكي فان الله ناصر أباك ، وعندما رمى أبو لهب رسول الله 6 بروث البقر اندفعت فاطمة 3 لتذب عن أبيها الرسول 6 ، وتسمع ابا لهب من الكلام ما يتوقف
خلاله من الاندفاع بالسخرية برسول الله 6.
كما انها 3 التحقت
بأبيها 6 بعد هجرته
إلى المدينة مجازفة بحياته ومضحية بروحها في سبيل نصر الاسلام واعزاز مبادئه
المثلى ، ولا يمكن ان يغفل دورها في الوقوف إلى جانب رسول الله 6 أيام دعوته المباركة ، تؤنسه وتزيح عنه
الهموم والآلام ، وتعيد البسمة إلى وجهه المبارك اذا اشتدت عليه الخطوب.
اضف إلى مواقفها الرسالية ايام الحروب
وهي صغيرة السن بعد ، ففي معركة أحد تكسر رباعية رسول الله 6 ويشج جبينه ، فتقبل الزهراء 3 لتغسل وجهه ، وتزيل الدماء عن محياه
،وتعالج نزيف جراحاته ، فقد جاء في صحيح مسلم : « قال سهل بن سعد : جرح وجه رسول
الله 6 وكسرت
رباعيته ، وهشمت البيضة عن رأسه ، فكانت فاطمة بنت رسول الله 6 تغسل الدم ، وكان علي بن أبي طالب
يسكب عليها بالمحن ،
فلما رأت فاطمة ان الماء لا يزيد الدم إلاّ كثرة ، اخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار
رمادا ثم الصقته بالجرح فاستمسك الدم ». ونقل ابي نعيم في ( حلية الأولياء ) عن
أبي ثعلبة انه قال : « قدم رسول الله من غزاة له ، فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين ،
ثم خرج فأتى فاطمة 3
فبدأ به قبل بيوت ازواجه ، فاستقبلته فاطمة 3
وجعلت تقبل عينيه ووجهه وتبكي » والاعجب من ذلك ان فاطمة 3 كانت تهيء لابيها 6 السلاح في المعركة التي جرت في اليوم
القادم. وفي معركة الخندق تقبل على ابيها بأقراص من الخبز معدودة بعد ان بقى اياما
بلا طعام ، فجاء في ذخائر العقبى : « روي عن علي 7
في حفر الخندق عن رسول الله 6
ان فاطمة 3 جاءت إليه
بكسرة من خبزٍ فرفعتها إليه فقال : ما هذه يا فاطمة ؟ قالت : من قرص اختبزته
لابنتي جئتك منه بهذه الكسرة. فقال : يابنية اما انها لاول طعام دخل في فم أبيك
منذ ثلاث ».
وفي الفتح المبين نرى الزهراء 3 تضرب لابيها 6 خيمة وتهيء له طعاما ليستحم ويغتسل حتى
يزول عن جسده المبارك غبار الطريق ، ويرتدي ثيابا نظيفة يخرج بها إلى المسجد
الحرام ، ومن موقع الامومة وكونها زوجة وفية مخلصة لعلي 7 نرى انها 3
زهدت في الدنيا وترفعت عن الدنيا ، ولم يكن لها من هم إلاّ تحمل المسؤولية الالهية
بجدارة واستحقاق وتجسيد الصفات الالهية كأمثل ما يكون. فيروى ان علياً 7 قد اشترى لها عقدا 3 من اموال الفيء ، وتقلدته الزهراء 3 وتقبلت هذه الهدية من زوجها بسرور ،
وبينما هي متقلدة ذلك واذا برسول الله 6
يأتي لزيارتها ، فسلمت عليه وسلم عليها ، إلاّ انها وعلى غير المعتاد رأت مسحة من
الحزن يقولون ابنة محمد تلبس لباس الجبابرة ، ويوصيها ان تذخر ذلك لاخرتها لتكون
اسوة في الزهد ومثالا للايثار والقناعة ، فتنزع الزهراء 3 ذلك العقد وتتصدق بثمنه في سبيل الله
وهي مليئة بالرضا والقناعة. ويروى ان رسول الله 6
يدخل يوما على فاطمة 3
فيراها قد علقت سترا على احد الأبواب لتزين الدار ، فيتألم رسول الله 3 لذلك ويقول لابنته : « اني لا احب ان
يأكل أهل بيتي طيباتهم في حياتهم الدنيا ».
فتبادر الزهراء 3 من حينها للقيام ونزع الستر ممتثلة
اوامر أبيها ، ومن اروع امثلة
للايثار ما طفحت به
كتب الحديث والتفسير من تقديم الزهراء 3
وزوجها وولديها لطعامهم لثلاثة ايام متوالية لمسكين ويتيم واسير وبقائهم جياعا
طيلة هذه المدة قربة لوجه الله الكريم ، فنزل بشأنهم : ( إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ
كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ
بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا
* يُوفُونَ
بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا
* وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا
* إِنَّمَا
نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا
). ومن
المواقف التي خلدت من خلالها الزهراء 3
الزهد والايثار والقناعة انها 3
قد طلبت من ابيها 6
ان يكون مهرها الشفاعة للمذنبين من امته يوم القيامة ، فنزل جبرئيل على رسول الله 6 مخبرا اياه بتلبية الله تعالى لطلب
فاطمة 3 وبما ان درع
علي 7 كان المهر
التقليدي لفاطمة 3
فان اغلى قيمة ذكرت لذلك الدرع هي خمسمائة درهم .
* الأمر الثالث
وتستطيع معرفة فاطمة وشخصيتها الربانية
من خلال نور كلامها الشريف الذي هو عبارة عن صورة حقيقية وانعكاس صادق لشخصيتها
الالهية ، فمن خلال اقوالها وكلماتها نستطيع ان نستدل عليها ، ونكتشف حقيقتها في
سهولة ويسر وبساطة. ولقد تجلت انوار كلماتها المضيئة في مختلف أبواب العلوم
والفنون كعلم الفقه والاخلاق وسائر العلوم الاخرى التي تكلمت فيها ، او روى عنها
على اختلاف انواعها من علوم رتيبة او غريبة ، ظاهرة او باطنة ، نقلية او عقلية ،
علمية او ادبية ، انسانية او طبيعية ، الهية او دنيوية فانها سلام الله عليها قد
كشفت القناع عن الكثير من الأسرار التي تخص هذا الوجود وبينت الكثير من عجائبه وفي
كل ذلك نستطيع ان نلتمس منه وفيه شيئا يسيرا من معرفتها سلام الله عليها اما انوار
كلامها فهذا ما بينته الكثير من الكتب الروائية التي نقلت لنا بين طياتها احاديثها
وعد ذاتها احرازها وادعيتها وولايتها وغير ذلك فراجع المطويات للاطلاع والوقوف على
هذه الأنوار الفاطمية.
__________________
قصيدة للشيخ المنصوري
لك ذكرى تمر في كل عام
|
|
وعليها تمر مر الكرام
|
هي ذكرى لها نقيم احتفالا
|
|
بابتهاج وفرحة وابتسام
|
هي ذكرى ولادة سرِّ فيها
|
|
سيد المرسلين خير الانام
|
بصبوح يشع في الكون شمسا
|
|
لا كشمس الضحى وبدر التمام
|
هي شمس والشمس يا صاح فيها
|
|
ان تقسمها فما لها من مقام
|
هي شمس الهدى وشمس المعالي
|
|
وهي احرى بالذكر والاحترام
|
من سواها فخلني وسروري
|
|
لحظات بعد الدموع السجام
|
ان قلبي من الهموم مليء
|
|
ومليء من الخطوب الجسام
|
ثم أمسى خلي بال طروبا
|
|
راقدا بين ، نايه ، والمدام
|
ان ضرب الامثال في مثل هذا
|
|
هو ضرب ، ومن فضول الكلام
|
فالتزامي بحب آل رسول الله
|
|
يغني عن البيان التزامي
|
فمصاب الزهراء روحي فداها
|
|
هو في وسط قلبي المستظام
|
والحسين الشهيد في الطف ليلا
|
|
يتراءى لمقلتي في المنام
|
فكأن السيوف تنهل منه
|
|
نصب عيني والظالمون امامي
|
هو مرمى فوق الصعيد ومرمى
|
|
بعد وخز الضبا لرشق السهام
|
فسماحا ام الحسين اذا ما
|
|
شط بى مزبرُ الشجا عن مرامي
|
وطأةُ الرزء أثقلتني فراحت
|
|
دون قصد تخطه أقلامي
|
علمتها اناملي ان تطيل
|
|
القول في وذم اللئام
|
فعليك السلام مني يترى
|
|
ان تفضلت في قبول سلامي
|
يا ابنة المصطفى ويا خير ام
|
|
لبني المرتضى الهداة الكرام
|
امنحينا بنظرة منك فضلا
|
|
فسماها ملبد بالظلام
|
انت باب النجاة من كل سوء
|
|
فادفعي السوء عن ربى الاسلام
|
واحرسينا من خصنا بدعاء
|
|
هو امضى من الف الف حسام
|
المستوى الرابع
المعرفة النورانية لها 3
وذلك بالاطلاع على حقيقة نورها سلام
الله عليها والمبدأ الذي منه انحدر وفيه علا ذلك النور ، ويمكن مراجعة الكثير من
الروايات الواردة في المقام لكي تعرف هذه المعرفة النورانية لها والتي هي كفوا
لعلي 7 والذي يقول
هو نفسه 7 عندما سأله
أبوذر الغفاري وسلمان رضوان الله عليهما عن معرفته بالنورانية فقال 7 :
« انه لا يستكمل احد الإيمان حتى يعرفني
كنه معرفتي بالنورانية فاذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للايمان وشرح
صدره للاسلام وصار عارفاً مستبصرا ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاك مرتاب. يا سلمان
ويا جندب ، قالا : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال 7
: معرفتي بالنورانية معرفة الله عز وجل ، ومعرفة الله عز وجل معرفتي بالنورانية
وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالى : (
وَمَا
أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ
وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ
). إلى ان
يقول 7 : ( يا
سلمان ويا جندب ، قالا : لبيك صلوات الله عليك ، قال 7
: أنا أمير كل مؤمن ومؤمنة ممن مضى وممن بقي ، وايدت بروح العظمة ، وانما انا عبد
من عبيد الله لا تسمونا اربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فانكم لن تبلغوا من فضلنا
كنه ما جعله الله لنا ، ولا معشار العشر ». وهذا يؤيده ما ورد في الزيارة الجامعة
الكبيرة « من عرفكم فقد عرف الله » اى ان معرفتكم من شأنها ان تؤدي إلى معرفة الله
تعالى لانهم هم الدالين عليه تعالى لذا ورد في الحديث عن جابر عن عبد الله الأنصاري
يقول : « سمعت ابا جعفر 7
يقول : انما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرفه وعرف امامه منا أهل البيت ومن لا
يعرف الله عز وجل ولا يعرف الإمام منا أهل البيت فانما يعرف ويعبد غير الله هكذا
والله ضلالا » .
اذن معرفة فاطمة بالنورانية
__________________
كمعرفة علي 7 بالنورانية « نحن أهل البيت عجنت
طينتنا بيد العناية بعد رش علينا فيض الهداية ثم خمرت بخميرة النبوة وسقيت بماء
الوحي ونفخ فيها روح الأمر فلا أقدامنا تنزل ، ولا أبصارنا تضل ، ولا أنوارنا تفل
، واذا ضللنا فمن بالقوم يدل ». الناس من شجرة شتى وشجرة النبوة واحدة محمد رسول
الله 6 اصلها وانا
فرعها وفاطمة الزهراء ثمرها ، والحسن والحسين اغصانها ، أصلها نور وفرعها نور
وثمرها نور ، وغصنها نور ، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ، نور على نور » .
على ان هناك مراتب عديدة للمعرفة فهي كلي
مشكك له مراتب طولية وعرضية وقد قسموها إلى :
١
ـ المعرفة البرهانية : والتي تكون بالدليل العقلي
٢
ـ المعرفة الإيمانية : والتي تكون بالدليل النقلي من الكتاب والسنة.
٣
ـ المعرفة الشهودية : والتي تكون بالاشراف والكشف والشهود بالقلب. ولقد أضاف اليها
سيدنا الاستاذ آية الله السيد عادل العلوي ( دام ظله ) تقسيماً آخر كما يلي :
١
ـ المعرفة الجلالية : وهي تعني معرفة الشيء في حدوده وشكله الهندسي كمعرفة الجبل
من بعيد.
٢
ـ المعرفة الجمالية : وهي تعني معرفة الشيء من باطنه وجوهره.
٣
ـ المعرفة الكمالية : وهي تعني الوقف على هدف الشيء وغايته.
__________________

للشيخ محمد علي اليعقوبي
ولقد يعز على رسول
|
|
الله ما جنت
الصحابة
|
قد مات فانقلبوا
على
|
|
الاعقاب لم يخشوا
عقابه
|
منعوا البتولة ان
تنوح
|
|
عليه او تبكي
مصابه
|
نعش النبي أمامَهم
|
|
ووراءهم نبذوا
كتابه
|
لم يحفظوا للمرتضى
|
|
رحمَ النبوة
والقرابة
|
لو لم يكن خير
الورى
|
|
بعد النبي لما
استنابه
|
قد اطفأوا نور
الهدى
|
|
مذ أضرموا بالنار
بابه
|
وعَدوا على بنت
الهدى
|
|
ضرباً بحضرته
المهابة
|
في أي حكمٍ قد
أباحوا
|
|
ارث فاطمَ
واغتصابه
|
بيت النبوة بيتها
|
|
شادت يد الباري
قبابه
|
اذن الاله برفعه
|
|
والقوم قد هتكوا
حجابه
|
بأبي وديعة احمد
|
|
جرعاً سقاها الظلم
صابه
|
عاشت معصبة الجبين
|
|
تئن من تلك
العصابة
|
حتى قضت وعيونها
|
|
عبرى ومهجتها مذابة
|
وأمضَّ خطب في حشا
|
|
الاسلام قد اورى
التهابة
|
بالليل واراها
الوصي
|
|
وقبرها عفى ترابه
|
__________________
البحث الثالث عشر
فاطمة 3
وليلة القدر
«
من عرف فاطمة حق معرفتها فقد ادرك ليلة القدر وانما سميت فاطمة لأنّ الخلق فطموا
عن معرفتها ... ».
في فاطمة الزهراء 3 سر مستودع كما تقدم ذلك في حديثنا حول
هذا الموضوع ـ أي السر الستودع ـ وايضا في ليلة القدر سر عظيم لا يعرفه إلاّ
المقربون الذين امتحن الله قلوبهم للايمان والتقوى ، فليلة القدر رفعها الباري عز
وجل وجعلها خيراً من الف شهر وفيها تشويق لذيذ لمعرفة ذلكم السر المكنون في
اعماقها، ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا
لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) حيث خاطب الله تعالى المؤمنين في
ضمائرهم لكي يحرك فيهم أمواج المعرفة عبر وسائل العلم والوعي ولتنفتح لهم اسرار
ليلة القدر بالتمعن والتدقيق فيها ، على ان معرفة ليلة القدر تفوق الادراك البشري
العادي أي انها تفوق ادراك سائر الناس من السواد الاعظم فانه لابد ان يكون فيها سر
عظيم ، والسر تقتضي معرفته استيعابا كاملا لمعنى ليلة القدر والغاية التي نزلت
ليلة القدر من اجلها ولاجل تحقيقها في الأرض.
وعلى هذا الاساس لابد من معرفة الاساس
الذي بنى عليه الحديث الذي ذكرناه في أول بحثنا حول علاقة معرفة فاطمة 3 بليلة القدر فانه لابد من وجود الترابط
في هذا الموضوع المهم ، ففاطمة فيها سر مستودع وكذلك ليلة القدر فيها سر مكنون ،
فمن عرف فاطمة والسر المستودع فيها عرف سر ليلة القدر وعظمتها ، فليلة القدر عظيمة
كعظمة فاطمة 3 لذا كانت
مجهولة في اثباتها ودقتها من حيث الزمان المختص بليالي شهر رمضان.
على ان عرف فاطمة فقد ادرك ليلة القدر
هذا كونه ناتج عن معرفة فاطمة التي
تجعلنا ندرك الاسلام
ونستوعب اهمية ليلة القدر من خلال هذه المعرفة ، ولقد طرح الكثير من العلماء أوجه
للشبه بين ليلة القدر وفاطمة 3
ومنها :
* ليلة القدر وعاء وظرف زماني لنزول كل
القرآن الكريم (
إِنَّا
أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
) ، ( ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ
هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ، وفيه
كل شيء ، وتبيان كل شيء ، وسعادة الدارين. وكذلك الحوراء الانسية فاطمة الزكية ،
فان قلبها ظرف مكاني وروحاني ، وصدرها وعاء الهي للقرآن الكريم والمصحف الشريف ،
وانها كانت محدثة تحدثها الملائكة ، فهي وعاء للامامة وللمصحف الشريف.
* وفي ليلة القدر يفرق كل أمرٍ أحكمه
الله خلال السنة ، فيفرق ما يحدث فيها من الامور الحتمية وغيرها ، وينزل بها روح
القدس على ولي العصر والزمان وحجة الله على الخلق الذي بيمنه رزق الورى وبوجوده
ثبتت الأرض والسماء ، وان الإيمان بليلة القدر فارق بين المؤمن والكافر. كذلك
بفاطمة الزهراء الطيبة الطاهرة المطهرة يفرق بين الحق والباطل ، والخير والشر ،
والمؤمن والكافر ، وقد ارتد الناس في العمل وفي الولاية بعد رحلة رسول الله 6 إلا ثلاث.
أو خمس أو سبع ، وفيهم سيدة النساء فهم
على حق ، وغيرهم استحوذ عليهم الشيطان فاغرهم وأضلهم فكانوا أئمة الضلال.
* وفي ليلة القدر معراج الأنبياء
والأولياء إلى الله سبحانه فيزاد في علمهم اللدني والرباني ويكسبوا من الفيض
الاقدس الالهي. كذلك ولاية فاطمة المعصومة النقية التقية ، فهي مرقاة لوصولهم إلى
النبوة ومقام الرسالة والعظمة الشموخ الانساني والروحاني ، فما تكاملت النبوة لنبي
حتى أقر بفضلها ومحبتها وذلك في عالم (
أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ ) أو في عالم الذر أو عالم الانوار أو
الارواح أو النشأة الإنسانية التي وراء نشأتنا هذه ، وهذه انما هي صورة لتلك كما
عند بعض الاعلام.
ففاطمة ، الزهراء قطب الأولياء والعرفاء
ومعراج الأنبياء والأوصياء ، صدرها خزانة
__________________
الأسرار ، ووجودها
ملتقى الانوار ، فهي حلقة الوصل بين أنوار النبوة وأنوار الإمامة ، فأبوها محمد
رسول الله ، وبعلها علي وصيه وخليفته امام المتقين وامير المؤمنين ، ومنها أئمة
الحق والرشاد وأركان التوحيد وساسة العباد.
* وليلة القدر خيرٌ من الف شهر فيضاعف
فيها العمل والثواب كل واحدٍ بألف ، فالتسبيح والتمجيد والتهليل والتكبير والصلاة
وكل عمل كل واحد بالف ، فكذلك محبة الزهراء وولايتها يوجب مضاعفة الاعمال فان
تسبيحها ( ٣٤ مرة الله اكبر و٣٣ مرة الحمد الله و٣٣ مرة سبحان الله ) بعد كل صلاة
واجبة او نافلة يجعل كل ركعة بألف ركعة كما ورد في الخبر الشريف. فمودتها هي
الاكسير الاعظم ، يجعل من كان معدنه الحديد ذهباً ، وان الناس معادن كمعادن الذهب
والفضة ، فمن والاها واحبها وأطاعها واطاع ابنائها الاطهار ، وعادى عدوها واعداء
ذريتها ، فانه يكون كالذهب المصفى وباقي الناس كلهم التراب ، وان الله يضاعف
الاعمال بحبها كما تضاعف في ليلة القدر ، وامتازت ليلة القدر عن كل ليالي السنة
بالخير والبركة والشرافة والعظمة وعلو الشأن والرفعة ، كذلك خير نساء الاولين
والاخرين فاطمة الزهراء 3
فهي خير أهل الأرض والسماء عنصرا وشرفا وكرامة بعد ابيها الرسول المصطفى وبعلها
الوصي المرتضى.
* وليلة القدر ليلة مباركة ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
) ، والبركة
بمعنى النماء والزيادة والخير المستمر والمستقر الدائم والثابت وما يأتي من قبله
الخير الكثير ، ومن ألقاب فاطمة الزهراء انها ( المباركة ) ففيها كل بركات
السماوات والأرض ، فهي الكوثر في الدنيا والاخرة ، وهي المنهل العذب والمعين الصافي
لكل من اراد البركة ، فما ادراك ما فاطمة ، خير من الوجود بعد أبيها وبعها.
ولو كن النساء كمثل هذه
|
|
لفضلت النساء على الرجال
|
ولا التأنيث لاسم الشمس عار
|
|
ولا التذكير فخر للهلال
|
وقال آخر :
هي مشكاة نور الله جل جلاله
|
|
زيتونة عم الورى بركاتها
|
فهي الكوثر ، والكوثر ، الخير الكثير ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ
) ، ومنها
ذرية الرسول
الاكرم ، وعدم
انقطاع نسله إلى يوم القيامة ، وفي وصف النبي ، انما نسله من مباركة لها بيت في
الجنة لا صخب فيه ولا نصب ، والعبادة في ليلة القدر تكون منشأ للفيوضات الالهية ،
والكمالات الربانية والفيوضات القدسية ، والبركات السماوية ، كذلك التوسل بفاطمة
الزهراء فهي منشأ البركات والخيرات ، ونزل القرآن الكريم وهو النور والفرقان
والبيان والتبيان في ليلة القدر ، فليلة القدر نزول النور الالهي ، وفاطمة الزهراء
3 هي نور الله
، وهي الكوكب الدري ، كما جاء ذلك في تفسير آية النور في قوله تعالى : ( اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ
نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ
كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ
شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ
نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ
) . عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر قال
: سألت ابا الحسن ـ الإمام الكاظم 7
ـ عن قول الله عز وجل (
كَمِشْكَاةٍ
فِيهَا مِصْبَاحٌ ) ، قال : المشكاة فاطمة والمصباح الحسن
والحسين. ( كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ
دُرِّيٌّ )
قال : كانت فاطمة كوكباً دريا من نساء العالمين. (
يُوقَدُ
مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) ، الشجرة المباركة ابراهيم ( لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ
) ، لا يهودية
ولا نصرانية ( يَكَادُ زَيْتُهَا
يُضِيءُ )
قال : يكاد العلم ان ينطق (
وَلَوْ
لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ
) ، قال :
يهدي الله عز وجل لولايتنا من يشاء .
عن فاطمة الزهراء سلام الله عليها :
اعلم يا أبا الحسن ان الله تعالى خلق نوري وكان يسبح الله جل جلاله ، ثم أودعه
شجرة من شجر الجنة فأضاءت ، فلما دخل ابي الجنة اوحى الله إليه الهاما ان اقتطف
الثمرة من تلك الشجرة وادرها في لهواتك ، ففعل ، فأوعني الله سبحانه صلب ابي 6 ثم اودعني خديجة بنت خويلد فوضعتني ،
وانا من ذلك النور اعلم ما كان وما يكون وما لم يكن ، يا أبا الحسن المؤمن ينظر
بنور الله تعالى .
وما أروع ما يقوله الشاعر :
__________________
مشكاة نور الله جل جلاله
|
|
زيتونة عم الورى بركاتها
|
هي قطب دائرة الوجود ونقطة
|
|
لما تنزلت اكثرت كثراتها
|
هي أحمد الثاني واحمد عصرها
|
|
هي عنصر التوحيد في عرصاتها
|
ويقول المحقق العلامة الشيخ محمد باقر
صاحب ( الخصائص الفاطمية ) في كتابه : سبحانك اللهم يا فاطر السماوات العلى وفالق
الحب والنوى ، انت الذي فطرت اسما من اسمك واشتقته من نورك ، فوهبت اسمك بنورك حتى
يكون هو المظهر لظهورك ، فجعلت ذلك الاسم اصل لجملة اسمائك وذلك النور ارومة لسيدة
امائك ، وناديت بالملا الاعلى : أنا الفاطر وهي فاطمة ، وبنورها ظهرت الاشياء من
الفاتحة إلى الخاتمة ، فاسمها اسمك ونورها نورك وظهورك ظهورها ، ولا اله غيرك ،
وكل كمالٍ ظلك وكل وجود ظل وجودك ، فلما فطرتها فطمتها عن الكدورات البشرية
واختصصتها بالخصائص الفاطمية ، مفطومة عن الرعونات العنصرية ، ونزهتها عن جميع
النقائص مجموعة من الخصائل المرضية بحيث عجزت العقول عن ادراكها ، والناس فطموا عن
كنه معرفتها ، فدعا الاملاك في الافلاك بالنورية السماوية وبفاطمة المنصورة ... ام
السبطين واكبر حجج الله على الخافقين ، ريحانة سدرة المنتهى وكلمة التقوى والعروة
الوثقى وستر الله المرخى والسعيدة العظمى والمريم الكبرى والصلاة الوسطى والانسية
الحوراء التي بمعرفتها دارت القرون الاولى. وكيف احصي ثناها وان فضائلها لا تحصى
وفواضلها لا تقضى ، البتول العذراء الحرة البيضاء ام ابيها وسيدة شيعتها وبنيها ،
ملكة الأنبياء الصديقة فاطمة الزهراء عليها سلام الله .
* وكثير من الناس ادركتهم السعادة في
ليلة القدر ، فهي ليلة السعادة ، وكذلك السيدة فاطمة الزهراء فهي سر السعادة ،
ومحبتها ومعرفتها والاقتداء بها واطاعتها ونصرتها يوجب السعادة الابدية ، ويحلق
الإنسان في آفاق الكمال ويسبح في يم الجلال. وكم من شاهد وقصة تدل على ان هناك من
ادركتهم السعادة ببركة فاطمة الزهراء 3
، كما ان الله هدى ذلك المجوسي وأهل بيته إلى الاسلام فأسلموا جميعا لما
__________________
اكرم العلوية التي
جاءت إليه تشكو حالها ، كما يحدثنا بذلك العلامة المجلسي 1 في كتابه القيم ( بحار الانوار ٩٣ :
٢٢٥ ـ ٢٣٦ ) ، فراجع.
* ان الله سبحانه جعل حريماً لكل امر
مقدس ومعظم ، فانه لا صلاة إلاّ بطهور وتكبيرة الاحرام ، وان الحجر الاسود ومكة
المكرمة جعل لها حرما ، فلا يدخلها إلاّ من كان محرما ، وقد حرم على نفسه الملاذ ،
كالنساء واستعمال الطيب ولبس المخيط وطلب الراحة كالاستظلال ، فكان الحجر الاسود
مواقيت ، وتقدست بقعة من الأرض لاجله ، ولأنّ مكة المكرمة والكعبة المعظمة مهبط
الوحي ونزول الرسالة المحمدية السمحاء المتمثلة بالقرآن الكريم ، فمكة المكرمة
مكان نزول القرآن وليلة القدر زمان نزوله ، وصار للكعبة حرما اثر عظمة الوحي ،
وكذلك شهر رمضان ، فانه نزل القرآن كله في ليلة قدره ، ولكن سرت القداسة والتكريم
والتعظيم إلى كل ايام وليالي الشهر ، بل تشرف ذلك العصر الذي نزل فيه القرآن فأقسم
به الله في سورة العصر ، كما أقسم بالمكان الذي نزل فيه الوحي ( لا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ
) فشعاع الوحي
والقرآن الكريم قد نور ميدانا وسيعا في الزمان والمكان. فما تقدس عند ربك الاكرم
الذي علم الإنسان ما لم يعلم ، فانه يكون له حريم مقدس وتوابع مقدسة ، كليلة القدر
بشرفها تشرفت ليالي شهر رمضان وايامه ، وكذلك فاطمة الزهراء تقدست عند ربها ، فوجب
اجلالها واكرامها ، بل وينبغي تعظيم ذريتها ومودتهم وتكريمهم ، فانه الف عين لاجل
عين تكرم ، فوجب على كل مسلم اكرام السادة والذرية الطيبة ، من ولد فاطمة الزهراء
وعلي المرتضى 8
، فالصالح منهم يكرم الله والطالح منهم لرسوله وعترته. ان الله سبحانه وتعالى قد
دعا عباده لضيافتهم العامة في شهر رمضان المبارك ، فالصائم وافد على الله وضيفه
ولكل ضيف قرى ، وقرى الله الاعتاق من النار ودخول الجنة ، وان الله ليغفر لعباده
الصائمين ويعتق الرقاب من جهنم في الشهر كله ، فانها خير من الف شهر ، كما جاء نص
ذلك في الأخبار ، وفاطمة الزهراء 3
سميت فاطمة ، لانها تفطم شيعتها من النار ، وتعتق رقابهم وتدخلهم الجنة ( فَمَن زُحْزِحَ عَنِ
النَّارِ
وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ
) . عن الإمام الرضا 7 ، عن آبائه : ، قال : قال رسول الله 6 : انما سميت ابنتي فاطمة لأنّ الله
فطمها وفطم محبيها عن النار .
قال النبي : انما سميت فاطمة ابنتي لأنّ الله فطمها ومحبيها عن النار . وانفردت ليلة القدر بعظمتها وشموخها
من بين ليالي السنة ، فليس لها مثيل ولا نظير ، فهي سيدة الليالي والأيام. وفاطمة
الزهراء 3 لا مثيل لها
بين النساء ، فهي سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين في الدنيا والاخرة ،
ولولا امير المؤمنين علي المرتضى 3
لما كان لها كفؤ من الرجال آدم ومن دونه ، وهذا ما نصت عليه الأخبار الشريفة عند
الفريقين السنة والشيعة ، ذات الله سبحانه سر لا يعلمه إلاّ هو ، وله في خلقه
اسرار لا يعلمها إلاّ هو ورسوله والراسخون في العلم من عترة النبي الهادي المختار :.
* وليلة القدر سر من اسرار الله ،
وفاطمة الزهراء 3
عصمة الله وسر من اسراره العظمى ، لا يعرف حقيقتها ومقامها الرفيع وآياتها الباهرة
إلاّ الله ورسوله وأهل بيته الاطهار :
، فهي سر في وجودها وفي ولادتها وحياتها ورحلتها إلى جوار ربها.
* وليلة القدر قد جهلها الناس من حيث
الليالي ومن حيث القدر والمنزلة فقطعوا وفطموا عن معرفتها ، كذلك البضعة الاحمدية
والجزء المحمدي فهي مجهولة القدر ( وانما سميت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها
) ، كما جهل قدرها اولئك الكفرة احرقوا بابها وكسروا ضلعها واسقطوا جنينها وغصبوا
فدكها وحقها ، ولم ينصروها فخفى على الناس مقامها وقدرها حتى قبرها الشريف وتأريخ
وفاتها ، ليكون شاهدا في التأريخ على مظلوميتها وشهادتها ومظلومية بعلها ( اللهم
العن اول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلك ).
عن مجاهد : خرج النبي 6 وهو آخذ بيد فاطمة فقال : من عرف هذه
فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد ، وهي بضعة مني وهي قلبي وهي روحي
التي
__________________
بين جنبي من آذاها
فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله .
ومن اذى الله لعنه الله ملأ السماوت والأرض
ومن طرق العامة ، عن نصر بن مزاحم ، عن زياد بن المنذر ، عن زادان ، عن سلمان ،
قال : قال النبي : يا سلمان ، من احب فاطمة بنتي فهو في الجنة معي ومن ابغضها فهو
في النار ، يا سلمان ، حب فاطمة ينفع في مائة من المواطن ، ايسر ذلك المواطن الموت
والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة ، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه
ومن رضيت عنه رضي الله عنه ، ومن غضبت عليه غضبت عليه ، ومن غضبت عليه غضب الله
عليه ، يا سلمان ، ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها امير المؤمنين عليا وويل لمن يظلم
ذريتها وشيعتها .
وأخيراً نختم هذا الموضوع بحديث ورد في
معرفة ليلة القدر وما الذي يفرق في هذه الليلة حيث جاء عن زرارة عن حمران قال : «
سألت ابا عبد الله عما يفرق في ليلة القدر هل هو ما يقدر سبحانه وتعالى فيها ؟ قال
: لا توصف قدرة الله تعالى إلاّ انه قال فيها يفرق كل امر حكيم فكيف يكون حكيما
إلاّ ما فرق ولا توصف قدرة الله سبحانه لانه يحدث ما يشاء واما قوله « خير من ألف
شهر » يعني فاطمة في قوله تعالى (
تَنَزَّلُ
المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا
) والملائكة
في هذا الموضع المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد 6
والروح روح القدس وهي فاطمة 3
« من كل امر سلام » يقول كل امر سلمه حتى يطلع الفجر يعني حتى يقوم القائم « عج » .
__________________

الشيخ صالح الكواز
هلْ بعدَ موقفِنا علىٰ يبرينِ
|
|
أحبي بطرفٍ بالدموعِ ضنينِ
|
وادٍ إذا عاينتُ بينَ طلولِهِ
|
|
أجريتُ عيني للظباءِ العينِ
|
لم تخبُ نارُ قطينةٍ حتى ذكت
|
|
نارُ الفراقِ بقلبيَ المحزونِ
|
وابتاعَ جدّته الزمانُ بمخلقٍ
|
|
ورمىٰ حماهُ بصفقةٍ المغبونِ
|
قال الحداةُ وقدْ حبستُ مطيهم
|
|
من بعدما أطلقتُ ماءَ شؤوني
|
ماذا وقوفُكَ في ملاعبِ خرّدٍ
|
|
جدَّ العفاءُ بربعِها المسكونِ
|
وقفوا معي حتى إذا ما استيأسوا
|
|
خَلصوا نجيباً بعدَما تركوني
|
فكأنّ يوسفَ في الديارِ محكمٌ
|
|
وكأنني بصواعِهِ اتهموني
|
ويلاهُ من قومٍ أساؤوا صحبتي
|
|
من بعدِ إحساني لكلِّ قرينِ
|
قد كدتُ لولا الحلمُ من جزعي لما
|
|
ألقاهُ أصفقُ بالشمالِ ويميني
|
لكنَّما والدهر يعلمُ أنني
|
|
ألقىٰ حوادثهُ بحلمِ رزينِ
|
قلبي يقلُّ من الهمومِ جبالَها
|
|
وتسيخُ عن حملِ الرداءِ متوني
|
وأنا الذي لا أجزعن لرزيةٍ
|
|
لولا رزاياكمْ بني ياسينِ
|
تلكَ الرزايا الباعثاتُ لمهجتي
|
|
ما ليسَ يبعثُهُ لظىٰ سجّينِ
|
كيفَ العزاءُ لها وكلُّ عشيةٍ
|
|
دمُكمْ بحُمرتها السماءُ تُريني
|
والبرقُ يذكرني وميضَ صوارمٍ
|
|
أردتكمُ في كفِّ كلِّ لعينِ
|
والرعدُ يُعربُ عن حنينِ نسائكم
|
|
في كلِّ لحنٍ للشجون مبينِ
|
يندبنَ قوماً ما هتفنَ بذكرهمْ
|
|
إلاّ تضعضعَ كلُّ ليثِ عرينِ
|
السالبينَ النفسَ أولَ ضربةٍ
|
|
والمبلسينَ الموتَ كلِّ طعينِ
|
لا عيبَ فيهمْ غير قبضهمُ اللّوا
|
|
عندَ اصطكاكَ السمرِ قبضَ ضنينِ
|
سلكوا بحاراً من دماءِ أميةٍ
|
|
بظهور خيلٍ لا بطونِ سفينِ
|
ما ساهموا الموت الزؤامَ ولا اشتكوا
|
|
نَصَباً بيومٍ بالردىٰ مقرونِ
|
حتىٰ إذا التقمتهمُ حوتُ القنا
|
|
وهي الأماني دونَ خيرِ أمينِ
|
نبذتهمُ الهيجاء فوقَ تلاعِها
|
|
كالنونِ يَنبذُ بالعرا ذا النونِ
|
خُذ في ثناثِهمُ الجميلِ مقرضاً
|
|
فالقومُ قدْ جَلّوا عن التأبينِِ
|
هم أفضلُ الشهداءِ والقتلىٰ
الأولىٰ
|
|
مُدحوا بوحيٍ في الكتابِ مبينِ
|
ليتَ الكواكبَ والوصيُ زعيمُها
|
|
وقفوا كموقِفهم علىٰ صفينِ
|
بالطفِّ كيْ يروا الأولىٰ فوقَ
القنا
|
|
رَفَعَتْ مصاحفها إتقاءَ منونِ
|
جعلتْ رؤوسَ بني النّبي مكانَها
|
|
وشفتْ قديمَ لواعجٍ وضغونِ
|
الواثبينَ لظلمِ آلِ محمدٍ
|
|
ومحمدٌ ملقىً بلا تكفينِ
|
والقائلين لفاطمٍ آذيتنا
|
|
في طولِ نوحٍ دائمٍ وحنينِ
|
والقاطعينَ اراكةً كيْ لا تقيلُ
|
|
بظلِّ أوراقٍ لها وغصونِ
|
ومجمعي حَطَبٍ على البيت الذي
|
|
لمْ يجتمعْ لولا شملُ الدينِ
|
والداخلينَ على البتولةِ بيتهَا
|
|
والمسقطينَ لها أعزَّ جنينِ
|
والقائدين إمامهمْ بنجادِهِ
|
|
والطهرُ تدعو خلفهمْ برنينِ
|
خلوا ابن عمى أو لأكشفَ للدعا
|
|
رأسي وأشكو للإلهِ شجوني
|
ما كانَ ناقةُ صالحٍ وفصيلُها
|
|
بالفضلِ عندَ الله إلا دوني
|
ورنتْ الىٰ القبر الشريفِ
بمقلةٍ
|
|
عبرىٰ وقلبٍ مكمدٍ محزونِ
|
نادتْ وأظفارُ المصابِ بقلبها
|
|
أبتاهُ عزَّ على العداةِ معيني
|
أبتاهُ هذا السامريُّ وعجلُهُ
|
|
تُبعا ومالَ الناسُ عنْ هرونِ
|
أيَّ الرزايا أتقي بتجلدٍ
|
|
هو في النوائبِ مذ حييتُ قريني
|
فقدي أبي أم غصبَ بعلي حقهُ
|
|
أمْ كسرَ ضلعي أم سقوطَ جنيني
|
أمْ أخذهمْ إرثي وفاضلَ نحلتي
|
|
أمْ جهلِهمْ حقي وقدْ عرفوني
|
قهروا يتميكَ الحسينَ وصنوَهُ
|
|
وسألتهُمْ حقي وقدْ نهروني
|
البحث الرابع عشر
فلسفة أسماء فاطمة الزهراء 3
عن
يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبد الله 7 : لفاطمة 3
تسعة أسماء عند الله عزّ وجل : فاطمة والصدّيقة والمباركة والطاهرة والزكيّة
والراضية والمرضيّة والمحدّثة والزهراء .
من الأمور المهمة التي أخذت جانباً
وحيزاً واضحاً في الشريعة الإسلامية وأكد عليها الرسول الاعظم محمد 6 والأئمة من خلال أحاديثهم المباركة
مسألة تسمية المولود بإسم مبارك يدل على معنى لائق وجميل وحسب ما ترتضيه النفس
المؤمنة ويميل إليه الوجدان الانساني ذلك لأنّ الإسم الذي يمنحه الأب أو الأم
للمولود يكون ذو أثر كبير ومهم في النفس الإنسانية حيث أثبتت البحوث العلمية
المتأخرة التي قام بها علماء النفس والإجتماع أن للإسم أثراً بالغاً على منشأ
تصرفات وسلوك الأفراد الذين يحملون ذلك الإسم ، وان كانت هذه المسألة تتفاوت في
مدى تأثيرها على السلوك الفردي للإنسان من فرد إلى آخر إلا أنه في النتيجة
النهائية يترك بعض الآثار المعينة الواضحة البرهان لذلك المعنى الذي يحمله الإسم ،
على أن هذه الأمور الواضحة تدرك بأدنى تأمل لدى الإنسان الواعي الفطن الذي يدرك
الكثير من الحقائق المعنوية قبل أن تطرق ذهنه وسمعه.
وعلى هذا الأساس نجد أن هناك تمايزاً
واضحاً في الأسماء التي تطرح وتعطى لأي فرد ، حيث نجد أن الكثير من الأسماء التي
حملها بعض الأفراد وان كانت ذات مغزى
__________________
لطيف وأصيل وحسن إلا
أنه المسمى بها غير متزه بل أنه مثلاً يدل على خلاف اسمه ، وهذا بخلاف ما نجده في
بعض الأسماء التي تحمل معنى قبيح وصاحبها ذو أصالة وأخلاق حسنة وأفعال جميلة.
وهكذا نجد من خلال استقراء سيرة التاريخ
في هذا المجال أن هناك الكثير من الأسماء اللامعة والتي يشير اليها المسلمون
بالبنان مثل عبد الملك وهارون الرشيد والمتوكل على الله والواثق بالله أن بينهم
وبين أسماءهم وألقابهم البون الشاسع ، فأسمائهم تدل على أنهم عاشوا في ملكوت
التوكل والرشد والتقوى والوثوق بالله والإعتصام به بينما السيرة الذاتية لحياتهم
وشخصياتهم تدل على خلاف ذلك ، فمثلاً لو طالعنا حياة هارون الرشيد ذلك الخليفة
العباسي وكيف تصرف برعونة وحماقة مع الأحرار والسادة العلويين من ذرية رسول الله 6 ، وخصوصا وخاصة اجرامه بحق الإمام موسى بن جعفر 8 نجد ان هذا الأمر واضح وبصورة جلية ،
ولنعم ما قال الشاعر الكبير أبو فراس الحمداني في رائعته التي يقول فيها :
الدين مخترم والحق مهتضم
|
|
وفي آل رسول الله مقتسم
|
إلى أن يقول ...
ليس الرشيد كموسى في القياس ولا
|
|
مأمونكم كالرضا ان أنصف الحكم
|
إذا تلوا أية غنى خطيبكم
|
|
قف بالديار التي لم يعفها القدم
|
بينما إذا نظرنا إلى أهل بيت النبوة : نجد أن أسماءهم تدل على المعاني
العالية المنال وفي نفس الوقت نرى أن السيرة الذاتية لحياتهم ومواقفهم وتصرفاتهم
ذات دلالة واضحة على أسماءهم وألقابهم.
فحين نقرأ سيرة أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب 7 نجد كل
ألقابه وكناه منطلقة من صفاته الأصيلة الثابتة في أعماقه وفي جذوره المشرقة
المضيئة بنور الله تعالى فهو الإمام العابد الزاهد الصادق القائد إمام المتقين
وقائد الغر المحجلين ، وهكذا في الحسن المجتبى والحسين الشهيد والساجد والباقر : أجمعين.
__________________
ومن هذا المنطلق نرى أن الرسول وأهل
بيته : قد أكدوا
ومن خلال الكثير من الروايات على ضرورة تسمية المولود بخير الاسماء وافضلها وذلك
لما يتركه الاسم من البصمات الواضحة والاثار الجميلة على طبيعة تصرف الفرد وعلى
ضوء ذلك المعنى الذي يحمله الإسم ، ولذلك جاءت الأحاديث لتؤكد على هذه المسألة
وللفلسفة الرائعة لها ، حيث ورد الإستحباب المؤكد على ضرورة تسمية المولود بأحسن
الأسماء حيث روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق 7
أنه قال : « لا يولد
لنا ولد إلا سميناه محمد فإذا مضى لنا سبعة أيام فإن شئنا غيرنا وإن شئنا تركنا »
.
وقد أكد الرسول 6 على هذه التسمية بقوله : « من ولد له أربعة
أولاد ولم يسمّ أحدهم بإسمي فقد جفاني »
.
وكان الديدن العام لأئمة أهل البيت : على هذا الأمر والاهتمام به كل
الإهتمام فهم :
كانوا يحثوا المسلمين على تسمية أبناءهم وبناتهم بالأسماء التالية ( عبد الرحمن ـ وباقي
أسماء العبودية ـ محمد ، أحمد ، علي ، حسن ، حسين ، جعفر ، طالب ، فاطمة ) .
وجاء التأكيد على هذه الأسماء من خلال
عدة روايات أثبتت هذه المسألة المهمة كل ذلك لأجل تحصين الطفل من السخرية
والإستهزاء من قبل الآخرين في حالة تسميته بأسماء ورد فيها الكراهة مثل الحكم ،
خالد ، مالك ، حارث ، ولئلا تكون سبباً للشعور بالنقص كما هو الحال في الأسماء
المستهجنة.
وبعد هذه المقدمة المهمة في مضمونها نصل
إلى موضوع البحث الذي نريد الدخول فيه وهو أسماء فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها
) وفلسفتها ، فان اسمها من الباري عز وجل وهو الواضع لهذه المعصومة الشهيدة اسمها
وكما سيتبين من خلال البحث ، وهنا في هذا المقام ينقدح لدينا عدة أسئلة مهمة مرتبطة
بصميم بحث أسماءها ألا وهي :
١
ـ لماذا الباري عز وجل وضع الأسماء لفاطمة الزهراء 3
؟
٢
ـ وما فلسفة أسماءها ؟
__________________
٣
ـ وماهية المعاني لها ؟ ولِمَ التأكيد من قبل الله تعالى على أهمية أسماء الزهراء 3
؟
كل هذه الأسئلة لابد لنا من التوقف عندها
والإلمام بمعرفتها من خلال مراجعة أحاديث أهل البيت :
واستظهارها وكيفية بيان معاني أسماء فاطمة الزهراء 3.
أما كون أسماءها من الله تعالى وهو الذي
سماها بفاطمة فيوجد في هذا المضار أحاديث كثيرة تبين هذه المنقبة لفاطمة ( سلام
الله عليها ) ، فلقد ورد عن رسول الله 6
أنه قال لفاطمة 3
: « شقّ الله
لك يا فاطمة اسماً من أسمائه ، فهو الفاطر وأنت فاطمة ».
وجاء في حديث عن يونس بن ظبيان قال :
قال أبو عبد الله 7
« لفاطمة 3
تسعة أسماء عند الله عز وجل : فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية
والمرضية والمحدّثة والزهراء »
.
وفي حديث آخر قال أبو الحسن 7 : « ... فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى
فاطمة ».
أقول : فيتبين من خلال هذه الأحاديث
وأحاديث أخرى أغفلنا من ذكرها لئلا يطول المقام بها إن أكثر أسماء فاطمة الزهراء 3 هي من وضع الله تعالى وهو الذي سماها
بهذه الأسماء المباركة ، ففي رواية يثبت الإمام 7
أن للزهراء 3 اسم واحد
سماها به الله تعالى وفي رواية أخرى يثبت معصوم آخر أن للزهراء 3 تسعة أسماء عند الله تبارك وتعالى ، كل
ذلك نتيجة المقام السامي لفاطمة الزهراء عند الله تعالى ، وربما يوحي هذا الكلام
أن هناك تعارض في عدد أسماء الزهراء 3
ولكن بأدنى تأمل للروايات يظهر لنا أن هذا ناشئ من طبيعة حال السائل ، وعلى هذا
الأساس انقدح في ذهننا الأسئلة المتقدمة الذكر وهو لماذا الباري عز وجل هو الذي
سمى فاطمة بهذه الأسماء ؟ وما هي فلسفتها ؟ وما هي المناسبة بين ذات الزهراء
وأسماءها التي أعطاها الله تبارك إياها ؟ وعليه كل الأسئلة المتقدمة سوف نجيب
عليها من خلال
__________________
هذا البحث بإجماله.
فنقول : إنما وضع الله أسماء فاطمة
الزهراء 3 منه لتكون
علامة لشيء ما ، وهذا الشيء سوف يتضح لنا من خلال الأبحاث القادمة ، وربما تسأل
أيها القارئ العزيز كيف يكون الإسم علامة للمسمى والمفهوم من العلامة هو الوسم
والذي يظهر هذا من خلال مراجعة أفراد اللغة العربية ؟
والجواب على ذلك : أن بين الأسماء
والمعاني الموضوع لها مناسبة ذاتية ، والواضع عندما يضع الإسم المعين للمسمى
المعين يكون عالماً بالمناسبة وقادراً عليها ولوجود الحكمة والإتقان في وضع
الأسماء لتلك المعاني ، ومن هنا كان الواضع لأسماء فاطمة الزهراء هو الله تعالى
وذلك لوجود المناسبة والحكمة في ذات الزهراء 3
، وكذلك اقتضت حكمة الباري عز وجل ان تكون العلامة فيها مناسبة لها وهي ذات
الزهراء في مادتها وصورتها حيث كانت دلالة فاطمة الزهراء ذاتية ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً
مع اسمها فكان التعبير من الله تعالى أدق في التعريف لذات الزهراء 3 وأظهر في تميز ذاتها عن بقية الذوات.
فالله سبحانه وتعالى لم يهمل الحكمة ولم
يظلمها ولم يضعها في غير ما جعلها مقتضية لها فمن شاء أن يطلعه على علل الأشياء
وأسبابها علمه ذلك بتفهيمه أو بوضع القرائن له والامارات على ذلك وكما فعل ذلك مع
أهل البيت : حيث هو الذي
وضع أسماءهم وهذا ما نجده من خلال المأثور الروائي لأهل البيت : ، فالله تبارك وتعالى يحب أن تكون
أسماء أهل البيت 3
منه تعالى وكما قال الله تعالى : (
لا
يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ
).
وأما إن قال شخص ما إن الواضع لأسماء
فاطمة هو غير الله تعالى وبغض النظر عن الرواية الواردة في المقام والشواهد
والقرائن الأخرى ؟
فالجواب عليه : أنه لو قلنا بأن الواضع
غير الله تعالى لم يكن هناك محذور في أن الألفاظ بينها وبين المعاني مناسبة ذاتية
لأن الوضع لا يمكن إلا ممّن له قوة المعرفة التي تنقص عن المعرفة بالمناسبة
واعتبارها ، ويدل على هذا إنّا وجدنا في اللغة واشتقاق الألفاظ بعضها من بعض
ونظمها على ما يوافق الحكمة ما يبصر العقول مع ما عرفنا
من قصورنا عن أكثر
أسرارها ولا يكون ذلك إلا ممن يقدر على المناسبة ويعرف كمال حسنها وشرفها على
عدمها وإذا كان قادراً على العلم بها وعلى معرفتها بأنّها أكمل وأدلّ على المطلوب
وأوفق بالحكمة كان العدول عن ذلك نقصاً في الكمال وعدولاً إلى الإهمال عن الحكمة
لأن الأسماء في الحقيقة صفات المسمّيات فلو لم يكن بين الصفة وموصوفها مناسبة
ذاتية ومطابقة حقيقة لكانت صفة فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) التي تطلب بها
تمييزها تصلح أن تكون لغيرها وإذا صلحت لغيرها كان تميزها بها مما يزيد في
الإلتباس وعدم المعرفة.
وعلى كل حالٍ فإن البحث في هذا المقام
لطويل وشائك فالذي نريد القول به والنتيجة التي نريد استعراضها وإظهارها هو أن
الواضع هو الله تبارك وتعالى لأسماء فاطمة الزهراء 3
، وانما وضعها لتكون العلامات المميزات والصفات المعينات لفاطمة الزهراء 3 ، ولكي يتبين معرفة الحال في المقام
أكثر نقول : ان المراد من هذه الأسماء الأعم من اللفظية والمعنوية لأن العلامة
والتمييز يحصل بكل منهما ، والحاصل أن أسماءها ( سلام الله عليها ) التي اشير
اليها في الرواية المتقدمة الذكر سواءً كانت من الاسماء الصفاتية او اللفظية فإنها
مشتقة من أسمائه تعالى يعني اشتقها سبحانه وتعالى من أسمائه وهذا معنى ما روي عن
علي بن الحسين 7
حيث قال : حدثني أبي عن أبيه عن رسول الله 6
إلى أن قال : « قال الله
يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي هذا محمد وأنا الحميد المحمود في فعالي شققت
له اسماً من اسمي وهذا علي وأنا العلي العظيم شققت له اسماً من اسمي وهذه فاطمة
وأنا فاطر السموات والأرض فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم أوليائي عمّا
يعّرهم ويشينهم شققتُ لها اسماً من اسمي ... ».
وهذا يعني أنها فيض وجودها ونورها من
فيض نور الله تبارك وتعالى ونسبتها إلى الله تعالى من حيث وجودها ومبدأ نورها
وصفاتها ( سلام الله عليها ) وبأبسط تأمل لهذا الحديث يظهر أنه سبحانه وتعالى يريد
بالإسم ما هو أعم من اللفظ ولو أراد خصوص اللفظ فقط يعني اسم فاطمة لما قال تعالى
وهذه فاطمة وأنا فاطر السموات والأرض ولو أراد خصوص المعنى لما علقه بالألفاظ
ولكنه تعالى يريد الأسماء
المعنوية والأسماء
اللفظية وهو المفهوم من أحاديثهم الكثيرة وكما سيتبين لنا من خلال اظهار معاني
أسماء فاطمة ( سلام الله عليها ) فافهم تغنم .
معاني أسماء فاطمة الزهراء 3
عن
يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبد الله 7 لفاطمة 3
تسعة أسماء عند الله عزّ وجل : فاطمة والصدّيقة والمباركة والطاهرة والزكيّة
والراضية والمرضيّة والمحدّثة والزهراء .
على ضوء هذا الحديث سوف يكون كلامنا حول
أسماء فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) حيث نأخذ كل اسم من اسماءها وحسب تسلسله
ووروده في الحديث المبارك ومن خلال ذلك نقف مع أقوال أهل البيت : في ذلك وبيان أقوال العلماء في هذه
الأسماء المباركة.
١ ـ فاطمة 3
إن الظاهر من خلال استقراء أحاديث أهل
بيت العصمة ( سلام الله عليهم ) أن أول اسم سميت به بضعة الرسول 6 هو فاطمة ، وهذا على القطع اليقيني
ثابت ولا يعتريه الشك ولا الشبهة ولذا ورد في كثير من أحاديث أهل البيت التأكيد
على هذا الإسم وإكرامه وإعطائه الهيبة اللائقة به حيث كان لاسم فاطمة ( سلام الله
عليها ) وقع كبير في نفوس ومحبي أهل البيت وخصوصا في نفوس أهل البيت : وكان له المنزلة العظمى كما يظهر من
الروايات والأخبار الصحيحة المسندة.
__________________
فلقد روي عن فضالة بن أيوب ، عن السكوني
قال : دخلت على أبي عبد الله 7
وأنا مغموم مكروب ، فقال لي : يا
سكونيّ ما غمّك ؟ فقلت : ولدت لي ابنة ، فقال : يا سكونيُّ على الأرض ثقلها ، وعلى
الله رزقها ، تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك ، فسري والله عني ، فقال : ما
سميتها ؟ قلت : فاطمة. قال : آه آه آه ثمّ وضع يده على جبهته ـ إلى أن قال ـ ثم
قال : أمّا إذا سمَّيتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها .
وعن بشار المكاري قال : دخلت على أبي
عبد الله 7 بالكوفة وقد
قدم له طبق طبرزد
وهو يأكل ، فقال : يا
بشار أدن فكل. فقلت : هنّاك الله وجعلني فداك ، قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في
طريق ! أوجع قلبي وبلغ منّي ، فقال لي : بحقي لما دنوت فأكلت.
قال
: فدنوت فأكلت ، فقال لي : حديثك ، قلت : رأيت جلوازاً
يضرب رأس إمرأة ويسوقها إلى الحبس وهي تنادي بأعلى صوتها : « المستغاث بالله
ورسوله » ولا يغيثها أحد. قال : ولم فعل بها ذلك ؟ قال : سمعت الناس يقولون إنها
عثرت فقالت : « لعن الله ظالميك يا فاطمة » فارتكب منها ما ارتكب.
قال
: فقطع الأكل ولم يزل يبكي حتى ابتل منديله ولحيته وصدره بالدموع. ثم قال : يا
بشار ، قم بنا إلى مسجد السهلة فندعوا الله عز وجل ونسأله خلاص هذه المرأة. قال :
ووجّه بعض الشيعة إلى باب السلطان وتقدم إليه بأن لا يبرح إلى أن يأتيه رسوله ،
فان حدث بالمرأة حدث صار إلينا حيث كنّا. قال : فصرنا إلى مسجد السهلة ، وصلى كل
واحد منّا ركعتين ، ثم رفع الصادق 7 يده إلى السماء وقال
: أنت الله ـ إلى آخر الدعاء ـ قال : فخر ساجداً لا أسمع منه إلا النفس ثم رفع
رأسه فقال : قم فقد أطلقت المرأة.
قال
: فخرجنا جميعاً ، فبينما نحن في بعض الطريق إذ لحق بنا الرجل الذي وجهناه
__________________
إلى
باب السلطان ، فقال له 7
: ما الخبر ؟ قال : قد اُطلق عنها ، قال : كيف كان اخراجها ؟ قال : لا أدري ولكنني
كنت واقفاً على باب السلطان ، إذ خرج حاجب فدعاها وقال لها : ما الذي تكلمت ؟ قالت
: عثرت فقلت « لعن الله ظالميك يا فاطمة » ففعل بي ما فعل. قال : فأخرج مائتي درهم
وقال : خذي هذه واجعلي الأمير في حل : فأبت أن تأخذها ، فلما رأى ذلك منها دخل
وأعلم صاحبه بذلك ثم خرج فقال : انصرفي إلى بيتك فذهبت إلى منزلها.
فقال
أبو عبد الله 7
: أبت أن تأخذ المائتي درهم ؟ قال : نعم ، وهي والله محتاجة اليها ، قال : فأخرج
من جيبه صرة فيها سبعة دنانير وقال : اذهب أنت بهذه إلى منزلها فأقرئها مني السلام
، وادفع إليها هذه الدنانير ، قال : فذهبنا جميعاً ، فأقرأناها منه السلام ، فقالت
: بالله أقرأني جعفر بن محمد السلام ، فشقت جيبها ووقعت مغشية عليها قال : فصبرنا حتى
أفاقت ، وقال : أعدها عليَّ ، فأعدناها عليها حتى فعلت ذلك ثلاثاً ، ثم قلنا لها :
خذي ، هذا ما أرسل به إليك ، وأبشري بذلك ، فأخذته منا وقالت : سلوه أن يستوهب
أمته من الله ، فما أعرف أحداً توسّل به إلى الله أكثر منه ومن آبائه وأجداده
: .
أقول : الذي يظهر من خلال التأمل في هذه
الرواية أن أئمة أهل البيت :
كانوا يتأثرون أشد التأثر عندما يسمعون اسم فاطمة وخصوصا ما جرى عليها من الظلم
والعدوان بعد وفاة أبيها رسول الله 6
، وكذلك نرى كيف أن الإمام ألقى اهتمامه البالغ بهذه المرأة التي لعنت ظالمي فاطمة
الزهراء ودعى له الدعاء الذي على أثره أطلق الله سراحها ، وكذلك كيف أكرمها
بالسبعة دنانير لأنها موالية ومؤمنة بالتولي لأهل البيت والتبري من أعدائهم.
وورد عن سليمان الجعفري أنه قال : سمعت
أبا الحسن 7 يقول : لا يدخل الفقر بيتاً
فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن والحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو
فاطمة من النساء .
__________________
وأيضاً عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه 7 في حديث طويل عن رسول الله 6 عند قرب وفاته : « ألا ان فاطمة بابها
بابي ، وبيتها بيتي ، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله » قال عيسى ( الراوي للحديث ) :
فبكى أبو الحسن 7 طويلاً وقطع بقية
كلامه وقال : هُتك والله حجاب الله ، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله يا
أمّه ـ صلوات الله عليها .
هذه هي بعض الأحاديث التي بينت كرامة
اسم فاطمة عند الأئمة : أما معنى فاطمة وتسميتها بهذا الإسم المبارك فلا يخلو من
أسباب ومناسبات فهلم معي إلى طائفة كبيرة من الأحاديث التي تذكر اسم سيدتنا فاطمة
الزهراء ووجه التسمية وبيان معاني اسمها المبارك وأقوال العلماء فيه.
وعن يونس بن ظبيان انه قال له الإمام
أبو عبد الله 7
: أتدري أيّ
شيء تفسير فاطمة ؟ قلت : أخبرني يا سيدي ، قال : فطمت من الشرّ.قال : ثم قال :
لولا أنّ أمير المؤمنين 7 تزوّجها لما كان لها
كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه .
وعن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني ، عن
محمد بن زياد مولى بني هاشم قال : حدّثنا شيخ لنا ثقة يقال له نجيّة بن إسحاق
الفزاريَّ قال : حدّثنا عبد الله بن الحسن بن حسن قال : قال أبو الحسن 7 : لم سميّت فاطمة فاطمة ؟ قلت : فرقاً بينه وبين
الأسماء. قال : إنّ ذلك لمن الأسماء ، ولكنّ الاسم الذي سميّت به ، أنّ الله تبارك
وتعالى علم ما كان قبل كونه ، فعلم من رسول الله 6
يتزوَّج في الأحياء وأنّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله ، فلمّا ولدت فاطمة
سمّاها الله تبارك وتعالى « فاطمة » لما أخرج منها وجعل في ولدها ، ففطمهم عمّا
طمعوا ؛ فبهذا سمّيت فاطمة « فاطمة » لأنّها فطمت طمعهم. ومعنى فطمت : قطعت
.
وعن أبي عبد الله 7 أنّه قال : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
) الليلة :
فاطمة ، والقدر :
__________________
الله
، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر. وإنّما سمّيت « فاطمة » لأنّ
الخلق فطموا عن معرفتها .
وقال النبيُّ 6 لفاطمة : شقّ الله لك يا فاطمة اسماً من أسمائه ، فهو
الفاطر وأنت فاطمة .
وقال عليّ 7
: إنّما
سمّيت فاطمة لأنّ الله فطم من أحبّها عن النار .
وقال النبي 6 : إنّما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم
محبّيها عن النار.
وقال الصادق 7 : تدري أيّ شيء تفسير فاطمة ؟ قال : فطمت من
الشرّ. ويقال : إنّما سمّيت فاطمة لأنّها فطمت عن الطمث .
وعن محمد بن مسلم الثقفي ، قال : سمعت
أبا جعفر 7 يقول : لفاطمة 3
وقفة على باب جهنّم ، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل : مؤمن أو كافر ،
فيؤمر بمحبّ قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ فاطمة بين عينيه محبّاً فتقول : إلهي
وسيّدي سمّيتني فاطمة وفطمت بي من تولاّني وتولّى ذرّيتي من النار ، ووعدك الحقُّ
وأنت لا تخلف الميعاد ، فيقول الله عزّ وجلّ : صدقت يا فاطمة ، إنيّ سمَّيتك فاطمة
، وفطمت بك من أحبّك وتولاّك وأحبّ ذرّيتك وتولاّهم من النار ، ووعدي الحقُّ وأنا
لا أُخلف الميعاد ـ الحديث .
وعن أبي جعفر 7 قال : لمّا ولدت فاطمة 3
أوحى الله عزّ وجل إلى ملك فانطلق به لسان محمّد 6
فسمّاها فاطمة ، ثم قال : إنّي فطمتك بالعلم ، وفطمتك عن الطمث. ثم قال أبو جعفر 7
: والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق .
أقول : أما معنى قوله « فطمتك بالعلم »
يعني أرضعتك بالعلم أو قطعتك عن الجهل
__________________
بسبب العلم ، وهذا
كناية عن كونها في بدو فطرتها عالماً بالعلوم الربانية.
وقال المولى محمد عليّ الأنصاري ; : وقد تلخّص منها ( أي الأخبار ) وجوهٌ
متعدّدة لتسميتها 3
بتلك التسمية : مثل فطم نفسها بالعلم ، وفطمها عن الشرّ ، وفطمها عن الطمث ، وفطم
ذرّيَّتها وشيعتها من النار ، وكذلك فطم من تولاّها وأحبّها منها ، وفطم الأعداء
عن طمع الوارثة في الملك ، وعن حبّها ، ونحو ذلك. ولا منافاة بين الأخبار ، لأنّ
الفطم معنى يصدق مع كلّ من الوجوه المذكورة ؛ واختلاف الأخبار من جهة اختلاف حال
الرواة والحضّار من حيث الاستعدادات الذاتيّة ، واختلاف المصالح في الأزمنة
والأمكنة ؛ وكلّ هذه المعاني مرادة من اللفظ عند التسمية ، ولا يلزم من ذلك
استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، الذي هو مخالف للقواعد الظاهريّة اللفظيّة ،
لأنَّ فاطمة مشتقٌّ من الفطم بمعنى الفصل ، ومنه الفطام في الطفل بمعنى فصله عن
اللبن والارتضاع ، يقال : فطمت المرضع الرضيع فطماً ، من باب ضرب ، فصلته عن
الرضاع ، فهي فاطمة ، والصغير فطم بمعنى المفطوم. وأفطم الرجل : دخل في وقت الفطام
، مثل أحصد الزرع ، إذا حان حصاده. وفطمت الحبل : قطعته. وفطمت الرجل عن عادته :
إذا منعته عنها. وليس الفطم مخصوصاً بالفصل عن اللبن وإن كثر استعماله فيه ، بل هو
مطلق الفصل عن الشيء ، ومعنى القطع والمنع راجع إليه أو متفرّغ منه ، فيكون معنى «
فاطمة » فاصلة أو قاطعة أو مانعة ، وكلُّ منها معنى كلّيٌّ وماهيّة مطلقة يصدق مع
القيود الكثيرة ، فسمّيت من عند الله بها.
ويلزم في تحقّق معنى الفصل أن يكون هناك
فاصل ومفصول له ، مثلاً إذا كانت الاُمُّ فاطمة لطفلها ، فهي فاصلة ، والطفل مفصول
، واللبن مفصول عنه ، والغذاء مفصول به. فيكون معنى فاطمة أنّها تفطم نفسها ولو
بسبب قابليّتها الذاتيّة عن الجهل بالعلم ، وعن الشرّ بالخير ، وعن الطمث بالطهارة
عن الحمرة ، وتفطم ذرّيّتها وشيعتها ومن تولّيها وأحبّها من النار بالجنّة ، وتفطم
أعداءَها عن طمع الوراثة باليأس عنها ، وعن حبّها ببغضها. فلوحظ في وجه تسميتها
بهذا الاسم وجوهٌ متعدّدة وهي غير داخلة في مفهوم الاسم حتّى توجب تعدّد معاني
اللفظ. بل هي لحاظات خارجيّة باعتبارها وقعت التسمية.
مثلاً لو كان مجيء زيد من جهة أغراض
مخلتفة وأسباب متعدّدة ، فقيل : « جاء زيد » ، لم يوجب ذلك كون المجيء مستعملاً في
المعاني التعدّدة. نعم لو جعل فاطمة بالنسبة إلى فطم الأعداء أو الأحبّاء بمعنى
كونها ذات فطم من المبنيّ للفاعل ـ كما هو كذلك ـ أي ذات فاطميّة ، وفي فطمها عن
الشرّ بمعنى ذات فطم من المبنيّ للمفعول أي ذات مفطومية لزم المحذور المذكور ، ،
ولكن على التقرير المسطور لا يلزم ذلك المحذور. ويمكن جعلها بمعنى ذات الفطم
مطلقاً من باب النسبة فيكون جامداً يستوي فيه المذكّر والمؤنثّ ... نعم ، يمكن جعل
فاطمة في جميع الوجوه بمعنى المفعول ، أي المفطومة ، من باب الصفة بحال المتعلّق
بلحاظ المآل والحقيقة ؛ أو جعله بمعنى ذات الفطم ، من المصدر المبنيّ للفاعل أو
المفعول لكن على سبيل القضيّة الكلّيّة لا الجزئيّة ، كما لا يخفى.
وبالجملة فاختلاف الأخبار في بيان وجه
التسمية إشارة إلى عدم انحصاره في شيء ؛ أو كون معناها معنىً كلّيّاً يشمل على
وجوه كثيرة ، فيحتمل احتمالاً ظاهراً أن يكون ملحوظاً في وجه التسمية اُمور على
حدة أيضاً كفطمها على الأخلاق الرذيلة بالأخلاق الفاضلة ، وعن الأحوال الخبيثة
بالأحوال الطيّبة الزكيّة ، وعن الأفعال القبيحة بالأفعال الحسنة ، وعن الظلمانيّة
بالنورانيّة ، وعن السهو والغفلة بالذكر والمعرفة ، وعن عدم العصمة بالمعصوميّة ،
وبالجملة عن جميع جهات النقيصة بالكمالات العقلانيّة والروحانيّة والنفسانيّة ولوازمها
الظاهرّية والباطنيّة ، فيلزم حينئذٍ أن تكون لها العصمة الكبرى في الدنيا والآخرة
والاُولى. فتكون حينئذ معصومة تقيّة نقيّة وليّة صدّيقة مباركة طاهرة إلى آخر
الأسماء المذكورة في الرواية وغير الرواية. وتخصيص أسمائها بالتسعة في الخبر
الصادقيّ 7 إمّا من جهة
اشتمالها من حيث المعنى على سائر الأسماء أيضاً ؛ أو من جهة صدور التسمية بها من
جانب الله سبحانه بلا واسطةٍ كما يشعر به قوله 7
: لفاطمة تسعة أسماء عند الله
...
وقال العلامة الهمداني في بيان اسم فاطمة ( صلوات الله وسلامه
عليها ) ما نصه : هذا الإسم سواء كان من عند الله عزّ وجل أو بإلهام من الله تعالى
كما لاحظت في
__________________
الأخبار الماضية ،
لم يكن للعلامة تمييز المسمّاة به عن غيرها فحسب ، كما في أسامي سائر الناس التي
لم تراع المناسبة غالباً بينها وبين الأعيان والذوات ، بل في هذا الجعل وهذه
التسمية الإلهيّة حكمةٌ وسرٌّ وتناسب عميق بين الإسم والمسماة به. وإنّ مادّة «
فطم » على أيّ وجه فرضت فيها فاعلاً أو مفعولاً ، كانت بمعنى القطع والفصل على نحو
الإطلاق ، ولا يختصّ بأحد الوجوه السابقة من الشرّ والطمث والجهل والخطأ وسوء
الخلق والحمرة والحيض وما أشبه ذلك ، لأنّها ( سلام الله عليها ) متَّصفة بجميع
المكارم ، منفطمة عن جميع العيوب والنقائص ، فتناسب الاسم لها ـ فاعلاً ـ لكونها (
سلام الله عليها ) فطمت نفسها وذرّيّتها وشيعتها من النار وما يوجب الشنار والعار
، وتناسبه لها ـ مفعولا ـ لأنَّها ( سلام الله عليها ) مفطومة عن معرفتها الناس
فهو وصف المتعلّق.
فمن الذي يبلغ معرفتها ؟! هيهات ! ضلّت
العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت العيون ، وتصاغرت العلماء ، وحصرت
الخطباء ، وتحيّرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وجهلت الألبّاء ، وكلّت الشعراء ،
وعجزت الاُدباء ، وعييت البلغاء عن وصف شأنٍ من شأنها ، ودرك درجة من سموّ رفعتها.
هي قطب دائرة الوجود ونقطةٌ
|
|
لمّا تنزّلت اُكثرت كثراتها
|
هي أحمد الثاني وأحمد عصرها
|
|
هي عنصر التوحيد في عرصاتها
|
ومن عرف فاطمة 3 حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر . والتشابه من وجوه :
الأول : إنّ ليلة القدر مجهولة للناس من
حيث القدر والمنزلة والعظمة ، والناس فطموا وقطعوا عن معرفتها ، وكذلك البضعة
الأحمديّة والجزء المحمّديّة 3
مجهولة قدرها ، محفيّة قبرها.
والثاني : كما أنّ ليلة القدر يفرق فيها
كلُّ أمر حكيم ، كذلك بفاطمة يفرق بين الحقّ والباطل ، والمؤمن والكفار.
والثالث : كما صارت ليلة القدر ظرفاً
لنزول الآيات والسور ، فهي ( سلام الله عليها )
__________________
صارت وعاءً للإمامة
والمصحف.
الرابع : إنّ ليلة القدر معراج الأنبياء
والأولياء ، وكذلك ولايتها مرقاةٌ لوصولهم إلى النبوَّة الرسالة والعظمة .
والخامس : إنّ ليلة القدر منشأ للفيوضات
والكمالات ، وكذلك التوسّل بها وسيلة للخيرات والبركات ودفع البليّات .
والسادس : إنّ ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر
، وكذلك هي ( سلام الله عليها ) خير نساء الأولين والآخرين ، بل إنّ فاطمة خير أهل
الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً.
هي مشكاة نور الله جلّ جلاله
|
|
زيتونة عمَّ الورى بركاتها
|
وهي ( سلام الله عليها ) كما قال الباقر
7 عنصر الشجرة
الطيّبة التي هي رسول الله 6
اصلها وفرعها عليُّ 7.
فلاحظ هذا الحديث وتدبّر فيه ، ثم ارجع
البصر كرَّتين حتى يظهر لك المعارف والحكم وسرّ « لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا
عليٌّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما » وسرّ قول رسول الله 6 : « يا عليُّ ، أنفذ ما أمرتْك به
الزهراء 3 » وسرُّ قول
عليّ 7 : « يا بقيَّة
النبوّة » ، فوالله لولا فاطمة ما قام بعد النبي 6
عمود ، ولا اخضرَّ له عود. ولنعم ما قال الازُريُّ ;
:
نحن من باري السماوات سرٌّ
|
|
لو كرهنا وجودها ما براها
|
بل بآثارنا ولطف رضانا
|
|
سطح الأرض والسماء بناها
|
وبأضوائنا التي ليس تخبو
|
|
حوت الشمس ما حوت من سناها
|
وممّا ينبغي لفت النظر إليه هو أنَّ
المعصومين يهتمون بهذا الإسم الشريف اهتماماً شديداً ، ويكرمونه إكراماً عظيماً ،
وإذا سمعوا به يبكون ويتأسّفون ، ويحبّون التي سمّيت به ، ويحبُّون بيتاً كان فيه
اسم فاطمة ، وهم يتوسّلون به. فلاحظ الحديث الذي نقلناه عن أبي جعفر 7 فإنّه ذيّله بالقسم والتأكيد بقوله :
والله فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق.
__________________
وأيضاً إنّه 7 ـ إذا وعكه الحمّى ( وقبل وجعها آلمها
) استعان بالماء البارد ، ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار : فاطمة بنت محمد 6.
قال العلاّمة المجلسي ; : لعلّ النداء كان استشفاعاً بها صلوات
الله عليها للشفاء. قال المحدِّث القمّي : إنّي أحتمل قويّاً كما أنّه أثّر الحمّى
في جسده اللطيف كذلك أثّر كتمان حزنه على اُمّه المظلومة في قلبه الشريف ، فكما
أنّه يطفي حرارة جسده بالماء ، يطفي لوعة وجده بذكر اسم فاطمة سيّدة النساء ، وذلك
مثل ما يظهر من الحزين المهموم من تنفُّس الصعداء ، فإنَّ تأثير مصيبتها صلوات
الله عليها على قلوب أولادها الأئمة الأطهار آلم من حزّ الشفار ، وأحرّ من جمرة
النار .
٢ ـ الصِّدِّيقَة
وهو ثاني الأسماء المباركة لفاطمة
الزهراء الذي هو معروف على لسان أهل البيت : ، وقد سماها به الله تبارك وتعالى إجلالاً
وإكراماً لمقامها السامي ولما وصلت إليه من التصديق بكل ما اتاه الله ورسوله 6 ، والصديقة صيغة مبالغة في الصدق
والتصديق أي انها سلام الله عليها كثيرة الصدق ، ولقد ورد في كتاب تاج العروس معنى
التصديق والصدق حيث قيل ان الصِدِّيق أبلغ من الصدوق ، وقيل : انه الكامل في الصدق
الذي يصدق قوله بالعمل ، البار ، الدائم التصديق ، وقيل : انه من لم يكذب قط ،
وقيل : من صدق بقوله واعتقاده ، وحقق صدقه بفعله ، وأياً كان منها معنى الصديق فان
فاطمة الزهراء سلام الله عليها تنطبق عليها جميع الأقوال فهي سلام الله عليها كانت
المداومة على التصديق بما يوجبه الحق جلّ وعلا حيث كانت المصدقة بكل ما أمر الله
به وبأنبيائه ولا يدخلها في أي شيء من ذلك أي شكٍ كان وكانت المصداق الأفضل ـ مع
أوليائه المعصومين ـ لقوله تعالى : (
وَالَّذِينَ
آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ
) . وقوله تعالى : ( مَّا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ
__________________
الرُّسُلُ
وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ )
، حيث فسرت كلمة صديقة في هذا الآية المباركة بأنها تصدق بآيات ربها ، ومنزلة
ولدها وتصدقه فيما أخبرها به ، بدلالة قوله تعالى : (
وَصَدَّقَتْ
بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا ) ، وقيل : لكثيرة صدقها وعظم منزلتها
فيما تصدق به من أمرها.
وعلى كل حال فإن فاطمة الزهراء سلام
الله عليها كانت الصديقة الطيبة التي صَدَّقَتْ بالله ورسوله وبما جاء به من عند
الله تعالى وكانت المؤمنة بكل عقائدها الربانية والتي كانت تعمل على ضوء تلك
العقائد والمعتقدات ولقد جاءت الروايات الكثيرة لكي تؤكد على هذه الحقيقة الواضحة
للزهراء 3 فلقد ورد عن
النبي 6 في حديث
طويل : يا عليُّ ، إنّي قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك ، فأنفذها
، فهي الصادقة الصدوقة ، ثم ضمّها إليه وقبَّل رأسها ، وقال : فداك أبوك يا فاطمة .
وعن مفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبد
الله 7 : من غسَّل
فاطمة 3 ؟ قال : ذاك
أمير المؤمنين 7
، فكأنّما استضقت ( استفظعت ) ذلك من قوله ، فقال لي : كأنَّك ضقت ممّا أخبرتك به
، فقلت : قد كان ذلك جعلت فداك ، فقال : لا يضيقنَّ فإنّها صدّيقة لم يكن يغسّلها
إلا صدّيق ، أما علمت أنّ مريم لم يغسّلها إلاّ عيسى ؟ ـ الحديث.
وكذلك قول رسول الله 6 إنّه قال لعليّ 7 : أوتيت ثلاثاً لم يؤتيهنَّ أحد ولا
أنا : أوتيت صهراً مثلي ولم اُوت أنا مثلي ، واُوتيت زوجةً صدّيقةً مثل ابنتي ولم
اُوت مثلها زوجة ، واُوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم اُوت من صلبي مثلهما ،
ولكنّكم منّي وأنا منكم .
وجاء عن علي بن جعفر ، عن أخيه ، عن أبي
الحسن 7 قال : « إنَّ
فاطمة 3 صدّيقة
شهيدة ». والصدّيقة فعّيلة للمبالغة في الصدق والتصديق ، أي كانت كثيرة التصديق
لما
__________________
جاء به أبوها 6 ، وكانت صادقةً في جميع أقوالها ،
مصدّقةً أقوالها بأفعالها ، وهي معنى العصمة ، ولا ريب في عصمتها صلوات الله عليها
لدخولها في الذين نزلت فيهم آية التطهير بإجماع الخاصّة والعامّة ، والروايات
المتواترة من الجانبين .
وقال الصادق 7 : وهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها
دارت القرون الاُولى .
٣ ـ المباركة
وهو ثالث الأسماء التي وردت عن لسان
المعصوم 7 لفاطمة
الزهراء سلام الله عليها عند الباري عز وجلّ : والظاهر من خلال سيرتها 3 وما تركت من ذرية طيبة من بعدها أن
مسألة البركة واضحة البرهان في حياتها الواقعية ، حيث نجد أن ذرية كل رسول من ولده
وخصوصاً الذكور إلا نبينا محمد 6
حيث كانت ذريته من ابنته المباركة فاطمة سلام الله عليها ، وهذا ما نجده من خلال
المأثور الروائي في حياة الرسول وأهل بيته :.
وقبل الدخول في أحاديث أهل البيت : ومدى دلالات هذه الأحاديث على هذا
الإسم لفاطمة سلام الله عليها نراجع كتب اللغة لنرى مدى انطباق معنى المباركة أو
البركة على حياتها الشخصية وما تركته في هذه الدنيا.
فلقد ورد في معنى كلمة البركة هي النماء
والزيادة ، وعن الزجاج المبارك ما يأتي من قبله الخير الكثير .
وقيل : ان البركة : هي النماء والسعادة
والزيادة .
وقال الراغب : ولما كان الخير الإلهي
يصدر من حيث لا يحبس ، وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر قيل ـ لكل ما يشاهد منه زيادة
محسوسة هو مبارك فيه وفيه بركة.
__________________
ولا شك ولا ريب ومن خلال استقراء حياة
فاطمة 3 قبل وبعد
وفاتها هي الخير الكثير الذي ورد فيه قوله تعالى : (
إِنَّا
أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) ، ولقد انطبقت عليها هذه المعاني لكثرة
بركتها على رسول الله 6
وعلى أهل بيته وعلى شيعة أمير المؤمنين ، فأي بركة بعد رسول الله 6 مثل فاطمة والتي على معرفتها دارت
القرون الاولى ، وأي بركة أكبر وأفضل من بركة فاطمة سلام الله عليها على الشيعة
وخاصة في هذه الحياة الدنيا حيث كانت الوعاء الأكبر للإمامة التي مثلت أفضل مصاديق
الولاية الكبرى وأي بركة أفضل منها عندما تأتي يوم القيامة وتخلص شيعتها ومحبيها
من عذاب النار.
ولقد طفحت كتب السيرة والتاريخ دلالة
على كثرة بركة فاطمة الزهراء سلام الله عليها وكذلك الكتب الروائية والكلامية
والتفسيرية حيث أظهرت من خلال طيات صفحاتها هذه الصفة الواردة فيها ، فاقرأ معي ما
كُتب حول بركة الزهراء سلام الله عليها فيما ورد عن عبد الله بن سليمان قائلاً ...
( قرأت في الإنجيل في وصف النبي 6
: نكّاح النساء ذو النسل القليل ، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صغب
فيه ولا نصب ، يكفلها في آخر زمان كما كفل زكريا أمك ، لها فرخان مستشهدان ) .
ولقد ورد في تفسير سورة الكوثر ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ
) أن الكوثر
هي فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، والكوثر معناه الخير الكثير.
ويعني ذلك أن لكثرة ذرية رسول الله من
جهة إبنته فاطمة الزهراء سلام الله عليها خاطب القرآن الرسول الأكرم محمد 6 بأنه له الكوثر كرامة من الله تعالى له.
قال العلامة الطباطبائي ; : إنّ كثرة ذرّيّته هي المراده وحدها
بالكوثر الذي اُعطيه النبيُّ 6
أو المراد بها الخير الكثير ، وكثرة الذرّيّة مرادة في ضمن الخير الكثير ، ولولا
ذلك لكان تحقيق الكلام بقوله : (
إِنَّ
شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ) خالياً عن الفائدة.
وقد استفاضت الروايات أنّ السورة إنّما
نزلت فيمن عابه 6
بالأبتر بعد ما مات ابنه القاسم وعبد الله ، وبذلك يندفع ما قيل : إنّ مراد الشانئ
بقوله ( أبتر ) المنقطع عن
__________________
قومه أو المنقطع عن
الخير ، فردّ الله عليه بأنّه هو المنقطع من كلّ خير. ولما فيه قوله ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ
) من الامتنان
عليه 6 جيء بلفظ
المتكلّم مع الغير الدالّ على العظمة ، ولما فيه من تطبيب نفسه الشريفة أكّدت
الجملة بانّ ، وعبّر بلفظ الإعطاء الظاهر في التمليك.
وبالجملة لا تخلو من دلالة على أنَّ ولد
فاطمة 3 ذرّيَّته 6 ، وهذا في نفسه من ملامح القرآن الكريم
، فقد كثّر الله تعالى نسله بعد كثرة لا يعادلهم فيها أيُّ نسل آخر ، مع ما نزل
عليهم من النوائب ، وأفنى جموعهم من المقاتل الذريعة .
وقال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى
: ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ
الْكَوْثَرَ ) ، والقول الثالث : الكوثر أولاده.
قالوا : لأنّ هذه السورة إنما نزلت ردّاً على من عابه 7 بعدم الأولاد ، فالمعنى أنّه يعطيه
نسلاً يبقون على مرّ الزمان ، فانظر كم قتل من أهل البيت ، ثم العالم ممتليٌّ منهم
ولم يبق من بني اُميّة في الدنيا أحدٌ يعبأ به ! ثمّ انظر كم كان فيهم من الأكابر
من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا :
والنفس الزكيّة وأمثالهم .
وقال أيضاً : إنّا إذا حملنا الكوثر على
كثرة الأتباع أو على كثرة الأولاد وعدم انقطاع النسل كال هذا اخباراً عن الغيب ،
وقد وقع مطابقاً له ، فكان معجز .
وقال الآلوسيُّ في تفسير : ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ
) ، الأبتر :
الذي لا عقب له حيث لا يبقى منه نسل ولا حسن ذكر ، وأمّا أنت فتبقى ذرّيّتك ... عليه
دلالة على أنّ أولاد البنات من الذرّيّة .
وقال العلامة القزوينيّ : ووجه المناسبة
أنّ الكافر شمت بالنبّي 6
حين مات أحد أولاده وقال : إنّ محمداً أبتر ، فإن مات مات ذكره. فأنزل الله هذه
السورة على نبيّه 7
تسلية له ، كأنّه تعالى يقول : إن كان ابنك قد مات فإنّا أعطيناك فاطمة ، وهي وإن
كانت واحدة وقليلة ولكنَّ الله سيجعل هذا الواحد كثيراً.
__________________
وتصديقاً لهذا الكلام ترى في العالم ـ اليوم
ـ ذرّيّة فاطمة الزهراء 7
الذين هم ذرّيّة رسول الله 7
منتشرين في بقاع العالم ، ففي العراق حوالي مليون ، وفي إيران حوالي ثلاث ملايين ،
وفي مصر خمس ملايين ، وفي المغرب ، الأقصى خمس ملايين ، وفي الجزائر وتونس وليبيا
عدد كثير ، وكذلك في الاُردن وسوريا ولبنان والسودان وبلاد الخليج والسعوديّة
ملايين ، وفي اليمن والهند وباكستان والأفغان وجزر أندونيسيا حوالي عشرين مليون ،
وقلّ أن تجد في البلاد الإسلاميّة بلدة ليس فيها أحدٌ من نسل السيّدة فاطمة
الزهراء 3 ، ويقدّر
مجموعهم بخمسة وثلاثين مليوناً ، ولو اجريت إحصائيّات دقيقة وصحيحة فلعلّ العدد
يتجاوز هذا المقدار .
ويؤيّد ما استفادة العلاّمة (ره) وغيره
أخبار كثيرة وردت من الفريقين العامّة والخاصّة ، كما روى الحافظ الكنجيُّ
الشافعيُّ عن النبيّ 6
قال : « إنّ الله عزّ وجلّ جعل ذرِّية كلِّ نبيٍّ في صلبه ، وإنَّ الله عزّ وجلّ
جعل ذرّيَّتي في صلب علي بن أبي طالب ».
قلت : رواه الطبراني في معجمه الكبير ،
في ترجمة الحسن. فإن قيل : لا اتِّصال لذرِّيَّة النبيّ 6 بعليٍّ 7
إلا من جهة فاطمة 3
، وأولاد البنات لا تكون ذرِّيَّة لقول الشاعر :
بنونا بنو وبناتنا
|
|
بنوهنَّ أبناء الرجال الأباعد
|
قلت : في التنزيل حجَّة واضحة تشهد
بصحّة هذه الدعوى ، وهو قوله عزَّ وجلَّ في سورة الأنعام : ( وَوَهَبْنَا لَهُ
( أي لإبراهيم ) إِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ
( أي ذرِّيَّة نوح ) دَاوُودَ
وَسُلَيْمَانَ ( إلى أن قال ) وَزَكَرِيَّا
وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ
) . فعدَّ عيسى 7 من جملة الذرِّيَّة الذين نسبهم إلى
نوح 7 وهو ابن بنت
لا اتّصال له إلا من جهة امِّه مريم. وفي هذا أكدُّ دليل [ على ] أنَّ أولاد فاطمة
3 ذرِّيَّة
للنبّي 6 ولا عقب له
إلا من جهتها ... وقد قال عطاء ومن شايعه من المفسِّرين : الهاء من قوله ( ومن ذرِّيَّته
) راجعة إلى إبراهيم. ويحصل في هذا فائدة
__________________
اُخرى لطيفة وهو أنَّه
عدّ من جملة الذرّيّة الذين نسبهم إلى إبراهيم لوطاً ولم يكن من صلبه ، لأنَّ
لوطاً ابن أخي إبراهيم ، والعرب تجعل العمّ أباً كما أخبر عزّ وجلّ عن ولد يعقوب
حيث قال : ( نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) ومعلوم أنّ إسماعيل
عمّ يعقوب ولكن نزّله منزلة الأب ، فيحصل من هذا جواز انتساب أولاد عليّ 7 إلى النبيّ 6 على الإطلاق ، لأنّه أخوه وهو منه
بمنزلة هارون من موسى ، كما نسب الله لوطاً إلى إبراهيم ، ولوط إنّما هو ابن أخيه
، وكذلك هنا ... ابن حصين عن عمر قال : سمعت رسول الله يقول : كلّ بني اُنثى فإنّ
عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة ، فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم .
وقال رسول الله 6 في حديث طويل : يا فاطمة ، ما بعث الله
نبيّاً إلا جعل له ذرِّيَّةً من صلبه ، وجعل ذرّيّتي من صلب عليّ ، ولولا عليٌّ ما
كانت لي ذرّيّة .
قال ابن أبي الحديد في ذيل كلام عليّ 7 : « املكوا عنّي هذا الغلام لا يهدَّني
، فإنّني أنفس بهذين ـ يعني الحسن والحسين 8
ـ على الموت لئلاّ ينقطع بهما نسل رسول الله 6
» .
فإن قلت : أيجوز أن يقال للحسن والحسين
وولدهما أبناء رسول الله وولد رسول الله وذرّيّة رسول الله ونسل رسول الله ؟
قلت : نعم ، لأنّ الله سماهم أبنائه في
قوله تعالى : (
نَدْعُ
أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ
) ، وإنما عنى الحسن والحسين ... وسمّى
الله تعالى عيسى ذرّيَّة إبراهيم في قوله : (وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ
وَسُلَيْمَانَ ـ إلى أن قال ـ وَيَحْيَىٰ
وَعِيسَىٰ )
...
فإن قلت : فما تصنع بقوله تعالى : ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن
رِّجَالِكُمْ )
؟
قلت : أسألك عن اُبوَّته لأبراهيم بن
مارية ، فكلُّ ما تجيب به عن ذلك فهو جوابي عن الحسن والحسين 8. والجواب الشامل للجميع أنّه عنى زيد
بن حارثة ، لأنّ
__________________
العرب كانت تقول :
زيد بن محمّد ، على عادتهم في تبنّي العبيد ، فأبطل الله ذلك ونهى عن سنّة
الجاهليّة ...
قيل لمحمّد ابن الحنفيّة : لِم يغرّر بك
أبوك في الحرب ولم لا يغرّر بالحسن والحسين ؟ فقال : لأنّهما عيناه ، وأنا يمينه ،
وهو يذبُّ عن عينيه بيمينه .
وروى الخطيب عن عبد الله بن عبّاس قال :
كنت أنا وأبي العبّاسُ بن عبد المطّلب جالسين عند رسول الله 6 إذ دخل عليُّ بن أبي طالب ، فسلّم فردّ
عليه رسول الله : وبشَّ به وقام إليه واعتنقه وقبّل بين عينيه وأجلسه عن يمينه ،
فقال العبّاس : يا رسول الله ، أتحبُّ هذا ؟ فقال النبيّ 6 : يا عمَّ رسول الله ، والله لله أشدُّ
حباً له منّي ، إنّ الله جعل ذرّيّة كلّ نبيّ في صلبه ، وجعل ذرّيّتي في صلب هذا .
وجرت مناظرة طويلة بين الإمام موسى بن
جعفر 8 وبين هارون
الرشيد ، وفيه قال له هارون : لم جوَّزتم للعامّة والخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول
الله 6 ويقولون لكم
: يا بني رسول الله ، وأنتم بنو عليّ ؟ وإنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما
هي وعاء ، والنبيّ 6
جدُّكم من قبل اُمّكم ! فقلت : يا أمير المؤمنين ، لو أن النبيّ 6 نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟
فقال : سبحان الله ! ولم لا اُجيبه بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك. فقلت :
لكنّه 7 لا يخطب
إليّ ولا اُزوِّجه. فقال : ولم ؟ فقلت : لأنّه ولدني ولم يلدك. فقال : أحسنت يا
موسى.
ثم قال : كيف قلتم إنّا ذرّيَّة النبي ،
والنبيُّ 6 لم يعقب ،
وإنّما العقب للذكر لا للاُنثى ، وأنتم ولد الابنة ولا يكون لها عقب ؟ فقلت :
أسألك بحقّ القرابة والقبر ومن فيه إلا ما أعفيتني عن هذه المسألة ، فقال : أو لا
تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد عليّ ، وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم ؟ كذا اُنهي
إليَّ ، ولست أغفيك في كلّ ما أسألك عنه حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله ،
فأنتم تدّعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واوٌ إلا وتأويله
عندكم ، واحتججتم بقوله عزّ وجلّ : (
مَّا
فَرَّطْنَا فِي
__________________
الْكِتَابِ
مِن شَيْءٍ )
. وقد
استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.
فقلت : تأذن لي في الجواب ؟ قال : هات.
فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ
وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي
المُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا
وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ
) ، من أبو عيسى ، يا أمير المؤمنين ؟
فقال : ليس لعيسى أب ، فقلت : إنّما الحقناه بذراري الأنبياء : من طريق مريم 3 ، وكذلك اُلحقنا بذراري النبّي 6 من قبل اُمّنا فاطمة 3.
أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال : هات.
قلت : قول الله عزّ وجلّ : (
فَمَنْ
حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ
أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا
وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ
) ، ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبيّ 6 تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلا
عليَّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين :
، وكان تأويل قوله عزّ وجلّ (
أَبْنَاءَنَا
) الحسن
والحسين ( وَنِسَاءَنَا
) فاطمة ( وَأَنفُسَنَا
) عليّ بن أبي
طالب. إنّ العلماء قد أجمعوا على أنّ جبرئيل قال يوم اُحد : « يا محمّد ، إنَّ هذه
لهي المواساة من عليّ. قال : لأنّه منّي وأنا منه. فقال : جبرئيل : وأنا منكما يا
رسول الله. ثمّ قال : لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ عليّ » فكان كما مدح
الله عزّ وجلّ به خليله 7
إذ يقول : ( فَتًى يَذْكُرُهُمْ
يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ )
، إنّا معشر بني عمّك نفتخر بقول جبرئيل إنّه منّا. فقال : أحسنت يا موسى ـ الحديث
.
عن عبد الصمد بن بشير ، عن أبي الجارود
، عن أبي جعفر 7
، قال : قال لي أبو جعفر 7
: يا أبا الجارود ، ما يقولون في الحسن والحسين 3
؟ قلت : ينكرون علينا أنّهما ابنا رسول الله 6
، قال : فبأيّ شيء احتججتم عليهم ؟ قلت : بقول الله عزّ وجلّ في عيسى بن مريم : ( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ
( إلى قوله ) وَكَذَٰلِكَ
نَجْزِي
__________________
المُحْسِنِينَ
) ، وجعل عيسى
من ذرّيّة إبراهيم ، قال : فأيّ شيء قالوا لكم ؟ قلت : قالوا : قد يكون ولد الابنة
من الولد ولا يكون من الصلب. قال : فبأيّ شيء احتججتم عليهم ؟ قال : قلت : احتججنا
عليهم بقول الله تعالى : (
قُلْ
تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ
) الآية : قال
: فأيّ شيء قالوا لكم ؟ قلت : قالوا قد يكون في كلام العرب ابني رجل واحد ، فيقول
: أبنائنا ، وإنّما هما ابنُ واحدٍ. قال : فقال أبو جعفر 7 : والله يا أبا الجارود لاُعطينَّكها
من كتاب الله تسمّى لصلب رسول الله 6
لا يردُّها إلاّ كافر. قال : قلت : جعلت فداك ، وأين ؟ قال : حيث قال الله ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ
وَبَنَاتُكُمْ ( إلى أن ينتهي إلى
قوله ) وَحَلائِلُ
أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ
) ، فسلهم يا أبا الجارود ، هل حلّ لرسول
الله 6 نكاح
حليلتهما ؟ فإن قالوا : نعم ، فكذبوا والله وفجروا ، وإن قالوا : لا ، فهما والله
ابناه لصلبه ، وما حرمتا عليه إلاّ للصلب .
وعن عامر الشعبيّ إنّه قال : بعث إليّ
الحجّاج ذات ليلة ، فخشيت ، فقمت وتوضّأت وأوصيت ، ثم دخلت عليه فنظرت فإذا نطع
منشور وسيف مسلول ، فسلّمت عليه ، فردّ السلام فقال : لا تخف ، فقد أمنتك الليلة
وغداً إلى الظهر. وأجلسني عنده ، ثمّ أشار فأتي برجل مقيّد بالكبول والأغلال ،
فوضعوه بين يديه فقال : إنّ هذا الشيخ يقول : إنّ الحسن والحسين كانا ابني رسول
الله 6 ؛ ليأتينّي
بحجّة من القرآن وإلا لأضربنّ عنقه.
فقلت : يجب أن تحلّ قيده فإنّه إذا
أحتجّ فإنّه لا محالة يذهب ، وإن لم يحتجّ فإنّ السيف لا يقطع هذا الحديد. فحلّوا
قيوده وكبوله ، فنظرت فإذا هو سعيد بن جبير ، فحزنت بذلك وقلت : كيف يجد حجّة على
ذلك من القرآن ؟ فقال له الحجّاج : ائتني بحجّة من القرآن على ما ادّعيت وإلا أضرب
عنقك. فقال له : انتظر. فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك ، فقال : انتظر. فسكت ساعة ثم
قال له مثل ذلك ، فقال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ،
ثم قال : ( وَوَهَبْنَا لَهُ
إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ( إلى
__________________
قوله ) وَكَذَٰلِكَ
نَجْزِي المُحْسِنِينَ ). ثم سكت. وقال للحجّاج : اقرأ ما بعده
، فقرأ : ( وَزَكَرِيَّا
وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ
) ، فقال سعيد
: كيف يليق ههنا عيسى ؟ قال : إنّه كان من ذرّيّته ، قال : اين كان عيسى من ذرّيّة
إبراهيم ولم يكن له أب بل كان ابن ابنة فنسب إليه مع بُعده ، فاحسن والحسين أولى
أن ينسبا رسول الله 6
مع قربهما منه. فأمر له بعشرة آلاف دينار وأمر بأن يحملوها معه إلى داره ، وأذن له
في الرجوع.
قال الشعبيُّ : فلما أصبحت قلت في نفسي
: قد وجب عليّ أن آتي هذا الشيخ فأتعلَّم منه معاني القرآن ، لأنّي كنت أظنّ أنّي
أعرفها فإذا أنا لا أعرفها ، فأتيته فإذا هو في المسجد وتلك الدنانير بين يديه
يفرّقها عشراً عشراً ويتصدّق بها ، ثم قال : هذا كلّه ببركة الحسن والحسين 8 ، لئن كنّا أغممنا واحداً لقد أفرحنا
ألفاً وأرضينا الله ورسوله .
٤ ـ الطاهرة
من الأسماء الجميلة والتي تدل على معنى
يصبو إليه كل مؤمن هو الطهارة الباطنية والظاهرية ، حيث سميت به فاطمة سلام الله
عليها ، وقد دلت عدة روايات مهمة في هذا الباب على مدى طهارتها 3 هذا بالإضافة إلى الشواهد الأخرى التي
أيدت هذه المسألة عنها 3
من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة بل هي المحور الذي يدور عليه أهل
البيت : ، وأفضل
دليل على طهارتها هو آية التطهير ، فهي سلام الله عليها مطهرة نقية مبرءة من كل
الأرجاس الظاهرية والباطنية وإليك بعض الأحاديث والشواهد التي تدل على أنها طاهرة
سواء الطهارة الظاهرية أو الباطنية.
فلقد ورد عن أبي جعفر ، عن آبائه : قال
: إنّما سمّيت فاطمة بنت محمّد 6
« الطاهرة » لطهارتها من كلّ دنس ، وطهارتها من كلِّ رفث ، وما رأت قطّ يوماً حمرة
__________________
ولا نفاساً .
وعن الصادق 7 قال : إنَّ الله حرَّم النساء على عليّ
ما دامت فاطمة حيَّة ، لأنَّها طاهرة لا تحيض .
ولقد بيّن العلامة المولى محمد علي
الأنصاري وجه الطهارة عن أهل البيت : بما فيهم فاطمة سلام الله عليها حيث قال :
ووجه الطهارة في جميع ما ذكر منهم من حيث الحكمة أنّ منشأ النجاسة ونحوها إنّما هو
جهة النفسانيّة ، وليس في تلك الأنوار الإسفهبديّة جهة النفسانيّة بالمرّة ولو
مثقال ذرّة. وما ورد في طهارة أجسادهم الشريفة إنّما هو محمول على أجزائها
الظاهريّة والباطنيّة من كلِّ حيثيّة ، وإلا فظواهر الأجساد طاهرة من كلِّ مسلم
أيضاً فلا يكون لهم حينئذ فضل من هذه الجهة ... .
أما قضية سد الأبواب بالنسبة للمسجد
النبوي الشريف إلاّ لأهل البيت :
في زمن النبي محمد 6
فهي أفضل شاهد على طهارتهم الظاهرية والباطنية.
وقال العلامة الأميني ;
إشارة إلى هذا المسألة : إنَّ سدَّ الأبواب الشارعة في المسجد كان لتطهيره عن
الأدناس الظاهريّة والمعنويّة ، فلا يمرُّ به أحد جنباً ، ولا يجنب فيه أحد. وأمّا
ترك بابه 6 وباب أمير
المؤمنين 7 فلطهارتهما
عن كلِّ رجس ودنس بنصِّ آية التطهير ، حتّى إنَّ الجنابة لا تحدث فيهما من الخبث
المعنوي ما تحدث في غيرهما ...
وقوله 6
: ألا إنّ مسجدي حرام على كلّ حائض من النساء وكلّ جنب من الرجال إلاّ على محمد
وأهل بيته : علي وفاطمة
والحسن والحسين
( صلوات الله عليهم أجمعين ). وقوله 6
: ألا لا يحلُّ هذا المسجد لجنب ولا لحائض إلاّ لرسول الله وعليّ وفاطمة والحسن
والحسين ، ألا قد بيّنت لكم الأسماء أن لا تضلُّوا ...
__________________
فزبدة المخض من هذه كلّها أنّ إبقاء ذلك
الباب والإذن لأهله بما أذن الله لرسوله ممّا خصّ به مبتنٍ على نزول آية التطهير
النافية عنهم كلّ نوع من الرجاسة.
وقال العلامة الشيخ السعيد جمال الدين
الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني ;
: وروي الصدوق في كتاب « من لا يحضره الفقيه » عن النبيّ 6 مرسلاً أنّه قال : « إنّ فاطمة ( صلوات
الله عليها ) ليست كأحد منكنّ ، إنّها لا ترى دماً في حيض ولا نفاس كالحوريّة ... »
ولا يخفى ما في هذه الروايات من المنافاة لما سبق في حديث قضاء الحائض للصوم دون
الصلاة من أنّ رسول الله 6
كان يأمر فاطمة 3
بذلك. ووجه الجمع حمل أمره 6
لها 3 على إرادة
تعليم المؤمنات ، وهو نوع من التجوُّز في الخطاب شائع ، ولعلَّ المقتضي له في هذا
الموضع رعاية خفاء هذه الكرامة كغيرها ممّا ينافي ظهوره بلاء التكليف .
وفي ختام هذا البحث ينبغي أن تلاحظ ما
جاء في غسلها ووصيّتها 3
قبل الوفاة ، وهو أدلّ دليل وأقوى حجّة على أنّها كانت طاهرة ميمونة في حياتها
وبعد مماتها ، ولم يحدث الموت فيها رجاسة ولا دناسة ، مع أنك تعلم أنَّه ممّا لا
خلاف فيه تنجُّس البدن بعد الموت وبعد خروج النفس عنه ، ولأجل ذلك لابد أن يغسَّل
الميّت حتّى يطهَّر بدنه وينظَّف جسمه ، إلا أنَّ سيِّدة النساء 7 أوصت أن لا يكشفها أحد ، وأن تدفن
بغسلها قبل الوفاة.
روى أحمد في مسنده عن اُمِّ سلمى ( زوجة
أبي رافع ) قالت : اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيه ، فكنت اُمرِّضها ، فأصبحت
يوماً كأمثل من رأيتها في شكواها تلك ، قالت : وخرج عليٌّ لبعض حاجته ، فقالت : يا
اُمَّه اسكبي لي غسلاً. فسكبت لها غسلاً ، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغسل ، ثم قالت
: يا اُمَّه أعطيني ثيابي الجدد ، فأعطيتها ، فلبستها ، ثم قالت : يا أمّه قدّي لي
فراشي وسط البيت ، ففعلت ؛ واضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدّها ، ثم
قالت : يا امّه إنّي مقبوضة الآن وقد تطهّرت ، فلا يكشفني أحد ، فقبُضت مكانها ،
قالت : فجاء عليٌّ فأخبرنه .
__________________
وقال في « كشف الغمّة » : واتفاقهما من
طرق الشيعة والسنة على نقله مع كون الحكم على خلافة عجيب ، فإنَّ الفقهاء من
الطرفين لا يجيزون الدفن إلا بعد الغسل إلا في موضع ليس هذا منه ... ولعلَّ هذا
أمر يخصُّها 3. نعم إنّها 3 كأبيها في طهراتها كما تقدّم عن الصادق
7 إنّه لمّا
سئل : هل اغتسل عليٌّ حين غسل رسول الله 6
؟ قال : النبّي طاهر مطهّر ولكن اغتسل عليٌّ 7
وجرت به السنة.
٥ ـ الزكية
ومعنى هذا الاسم مماثل ومرادف للمباركة
، والذي يقتضي الحال ان الزكاة هي النمو والزيادة في الشيء على وجه ما بحيث يكون
ذا أثر واضح نتيجة تلك الزيادة التي تطرأ عليه ، فالزهراء زكية من جهة أن الله
تعالى قد جعل ذرية الرسول الله 6
قد ازدادت ونمت عن طريق الرحم الطاهر للزهراء سلام الله عليها فلقد كثر وبانت ذرية
الرسول من جهتها سلام الله عليها وهذا يقتضي أن تكون الزهراء هي المنبع الذي عن
طريقه كثرة ذرية رسول الله ، فهي الزكية بكثرة بركتها على شيعتها ويمن المراجعة في
هذا الموضوع في باب اسمها المباركة فإنه كما هي مباركة فهي زكية بسبب اخلاصها
وحبها لله تعالى وتفانيها في ذات الله.
٦ ـ الراضية
من الأمور المهمة والتي تكون ذا أهمية
كبيرة في معرفة درجة ايمان الفرد المسلم مسألة الرضا عن الله تعالى ، فمقام الرضا
يحتاج إلى معرفة ويقين حتى يصل إليه الإنسان ويكون من الراضين بما قسم الله تعالى
حتى يصل في النهاية إلى مرحلة إيمانية
__________________
عالية جداً ، وكما
ورد في دعاء كميل « وتجعلني بقسمك راضياً قانعاً » أي أن الإنسان المؤمن يطلب من
الله تعالى أن يوصله إلى مقام الرضا منه جل وعلا في كل ما يقسمه له سواء من خير أو
غير ذلك ، ومع هذا كله فلقد ورّد في عدة أحاديث مروية عن أهل بيت العصمة : أن رأس طاعة الله تعالى الصبر والرضا
عن الله تبارك وتعالى.
فلقد جاء في الحديث الشريف عن علي بن
الحسين 7 أنه قال : « الصبر والرضا عن
الله رأس طاعة الله ، ومن صبر ورضي عن الله فيما قضى عليه فيما أحب أو كره ، لم
يقض الله عز وجل له فيما أحب أو كره إلا ما هو خير له »
لأنه سبحانه
وتعالى كما ورد في بعض الأخبار ـ عند حسن ظن عبده المؤمن به ، إضافة إلى أن الله
سبحانه لا يختار لعبده إلا ما فيه خيره ومصلحته ، وان خفيت تلك المصلحة على العبد
لمحدوديته وقصوره عن الإحاطة بمصالحه ومفاسده.
وجاء في حديث آخر عن أبي عبد الله 7 قال : إنّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عز وجل
.
فمن خلال هذا الحديث وأحاديث أخرى يظهر
مقام الزهراء سلام الله عليها العلي حيث أنها كانت راضية عن الله تعالى بكل ما قدر
لها من خير وبلاء ، وهذا ينم عن الحالة الإيمانية عند فاطمة سلام الله عليها ، فبملاحظة
اسمها هذا ـ الراضية ـ باعتبار أنه اسم معروفة به عند الله تعالى والله لا يعطي
هذا الإسم إلا لمن حاز على مرتبة شريفة وسامية ، فبملاحظة أمور أخرى في حياتها
سلام الله عليها يتضح ويظهر انها 3
كانت ذا مرتبة علمية وعرفانية بلغت أوج عظمتها ، وكما ورد على لسان المعصوم 7 « نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة حجة
الله علينا » والحجة لا يكون على
الآخرين إلا إذا كان ذو مقام علمي وسامي على الآخرين وإلا لا يكون حجة على غيره.
إذن فاطمة كانت راضية وهذا يظهر من خلال
أبسط تأمل لحياتها وما جرى عليها
__________________
من الظلم والأذى ،
وبما قدّر لها من مرارة الدنيا ومشقاتها ومصائبها وبلاياها.
وبمراجعة بعض الروايات في المقام يظهر
ان هناك حالة ترابط بين اسم الصديقة لفاطمة سلام الله عليها وبين اسمها الراضية ،
فهناك حالة تلازم كما يظهر من الحديث الذي سوف أنقله إليك بين حالة الرضا بقضاء
الله تعالى وبين الصدّيق الذي يكون عند الله بهذا المقام ، فلقد روي عن أبي عبد
الله 7 أنه قال : «
قال الله عز وجل : عبدي المؤمن لا أصرفه في شيء إلا جعلته خيراً له ، فليرض بقضائي
، وليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي أكتبه ، أكتبه يا محمد من الصدّيقين عندي » .
وتمام هذا الحديث منطبق على سيرتها
الذاتية 3 فهي كانت
راضية بقضاء الله تعالى وصابرة على ما جرى عليها من الظلم والهوان ، وكانت شاكرة
لله تعالى فالشكر يدل على الرضا ، وبملاحظة أسماء الزهراء في الرواية المتقدمة في
أول الفصل نجد أن من أسماءها الصديقة وأن من الأسماء الأخرى لها هو الراضية ، إذن
الرضا يؤدي بالعبد إلى درجة الصديقين ، والزهراء من خلال استقراء حياتها وسيرتها
الذاتية نجد أنها كانت راضية بكل ما قدر الله لها ، فهي إذن صديقة وهذا من أفضل
البراهين على أنها كانت صديقة سلام الله عليها.
أما من خلال الأحاديث والأقوال الواردة
في المقام فهي كثيرة والتي من خلالها بينت أن فاطمة سلام الله عليها كانت الراضية
، وكما قلنا أن سيرتها الذاتية طافحة بالأحداث الكثيرة التي أثبت أنها كانت راضية
بما قدر الله لها ، فعن علي بن أعبد قال : قال لي عليٌّ 2 : ألا أُحدّثك عنّي وعن فاطمة بنت رسول الله 6
وكانت من أحبَّ أهله إليه ؟ قلت : بلى. قال : إنَّها جرَّت بالرحى حتّى أثّر في
يدها ، واستقت بالقربة حتّى أثّر في نحرها ، وكنست البيت حتّى اغبرَّت ثيابها ،
وأوقدت القدر حتّى دكنت ثيابها ، وأصابها من ذلك ضرٌّ ، فأتي النبيَّ 7
خدم ، فقلت : لو أتيت أباك فسألته خادماً. فأتته فوجدت عنده حدّاثاً ، فاستحيت
فرجعت ، فأتاها من الغد ، فقال : ما كان حاجتك ؟ فسكتت ، فقالت : أُحدِّثك يا رسول
6 ، جرّت عندي
__________________
بالرحى
حتّى أثَّر في يدها ، وحملت القربة حتّى أثّر في نحرها وكسحت البيت حتّى اغبرّت
ثيابها ، [ و ] أوقدت القدر حتّى دكنت ثيابها ، فلمّا جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك
فستخدمك خادماً يقيها حرّ ما هي فيه.
قال : اتّقي الله يا فاطمة ، وأدّي
فريضة ربِّك ، واعملي عمل أهلك ، إن أخذت مضجعلك فسبِّحي ثلاثاً وثلاثين ، واحمدي
ثلاثاً وثلاثين ، وكبِّري أربعاً وثلاثين ، فتلك مائة ، فهي خير لك من خادم. فقالت
: رضيت عن الله وعن رسوله ؛ ولم يخدمها .
ولقد ذكر المولى محمد علي الأنصاري شارح
الخطبة ، في مسألة رضاها سلام الله عليها ومسألة من وجوه اقتضاها حال الرواية حيث
قال : وإطلاق الرضيّة لرضاها عن الله ورسوله حين ذهبت على النبي 6 فطلبت منه خادمة وقالت : لا اُطيق على
شدائد أشغال البيت ، فعلَّمها النبيُّ 6
تسبيح فاطمة وبشَّر لها بثوابه : فقالت ثلاثاً : رضيت عن الله ورسوله. فرجعت إلى
بيتها فقالت : طلبت من أبي خير الدنيا ، فأعطاني خير الآخرة. أو لرضاها عن الله
تعالى فيما أعطاها من القرب والمنزلة وطهارة الطينة وغير ذلك من المراتب والعالية
في الدنيا والبرزخ والآخرة من حيث الجاه والمنزلة النعمة الشرف والفضيلة. أو
لرضاها عنه تعالى في جعل الشفاعة الكبرى بيدها من الإنتقام من قتلة ولدها في
الدنيا والآخرة .
٧ ـ المرضية
وهذا اسم آخر لفاطمة الزهراء سلام الله
عليها ، والذي يظهر من خلال التأمل والتدبر في السيرة الذاتية لها أنه هناك
احتمالان ، في معنى كونها مرضية ، أحدهما هو كون جميع أعمالها وأفعالها وأقوالها
وما صدر منها خلال مسيرة حياتها مرضية عند الله تبارك وتعالى فهي رضي الله عنها
ورضت عنه ، فهي راضية مرضية راضية عن
__________________
الباري عز وجل
ومرضية بما وعد الله تبارك وتعالى عباده بالرضوان الأكبر.
والإحتمال الآخر أنها سلام الله عليها
كانت مرضية ، من جهة ما أعطاها الله تبارك وتعالى من المقامات النورانية التي بها
فضلها على غيرها وكذلك ، ومن خلال ما أعطاها تبارك وتعالى من الذرية الكثيرة حيث
جعل منها الأئمة الهاديين ، وكذلك هي مرضية سلام الله عليها من جهة أن لها مقام
الشفاعة الكبرى وكما ورد في أحاديث مجيئها يوم القيامة وكيفية شفاعتها لشيعتها
ومحبيها ، وهذا ما بحثناه في الفصل الخاص الذي بيناه فيه مقاماتها سلام الله عليها
، وأياً كان تفسير معنى المرضية سواء كان الاحتمال الأولى أو الثاني ، فعن فاطمة
سلام الله عليها قد حازت وفازت بهذه المنزلة الرفيعة والدرجة الراقية فهي راضية
مرضية أعمالها عند الله عز وجل (
يَا
أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ
* ارْجِعِي
إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً
* فَادْخُلِي
فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي
).
٨ ـ المحَدَّثة
ونقف هنا في هذا الصفحات مع اسم آخر
لفاطمة سلام الله عليها والذي نستفيده من خلال مراجعة مصادر اللغة إن هذا الإسم
ومن دون تحريك حرف الدال نحتمل فيه اما أن تكون الدال المشدّدة مكسورة واما أن
تكون الدال المشددة فيه مفتوحة. وعلى الاحتمال الأول يكون معنى هذا الإسم أنها
سلام الله عليها كانت تُحدث امها خديجة 7
وهذا ما يظهر من خلال مراجعة بعض الروايات ، حيث أنها سلام الله عليها كانت تحدث
أمها وهي في بطنها ، وكما ورد عندما سئل رسول الله من زوجته خديجة اثناء دخوله
عليها قائلاً لها من تتحدثين قالت : الجنين الذي في بطني يؤنسني ويحدثني.
وعلى الإحتمال الثاني وهو الأصح على ما
يظهر من بعض الأحاديث في المقام ( وسوف تأتينا خلال البحث ) يكون معنى المُحدّثة
هو أنها سلام الله عليها كانت تحدثها الملائكة وتؤنسها وخصوصا بعد فقد أبيها رسول
الله 6.
وهنا سؤال يطرح نفسه في المقام وينقدح
في ذهن القارئ وهو هل من الممكن أن
تكون الملائكة تحدث
بعض الناس مع أن المعلوم أن الوحي انقطع بعد وفاة الرسول 6 ، وفي حالة تكون تحديث الملائكة وامكان
وقوعه ولو على غير نحو الوحي هل يقع هذا مع فاطمة سلام الله عليها ؟
وللإجابة على هذا السؤال لابد لنا من
مراجعة القرآن الكريم ونستقرأه في هذه المسألة وامكان وقوعها في الأمم السابقة
باعتبار أن القرآن الكريم المصدر الأول للمسلمين في عرض الأشياء عليه.
فنجد من خلال عدة آيات قرآنية كثيرة
جداً ثبتت هذه الحقيقة وهي أن الملائكة يمكن أن تتحدث مع البشر ، فهذا صريح القرآن
يثبت هذه الحقيقة الواضحة البرهان والتي لا يبقى معها شك وإليك بعض هذه الآيات
القرآنية التي ثبتت هذه المسألة :
١
ـ قال الله تعالى (
وَاذْكُرْ
فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا
* فَاتَّخَذَتْ
مِن دُونِهِمْ حِجَابًا ... ) .
٢ ـ (
وَإِذْ
قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ
... ) .
ان الظاهر من خلال التأمل في الآتين
المباركتين أن مريم سلام الله عليها تحدثت مع الملائكة ، وهذا من أفضل الأدلة على
مسألة تحدث الملائكة مع أُناس ليسوا بأنبياء فإن مريم سلام الله عليها لم تكن بنبي
ولم تكن إمام بل هي أُم نبي من أنبياء الله تعالى ، ومع ذلك فالملائكة تحدثت معها.
٣ ـ قوله تعالى : ( وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ
... ) .
٤ ـ وقوله تعالى : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ
مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ
) . وقوله تعالى : ( فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ
المِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا
) . (
فَقَضَاهُنَّ
سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا
) . (
وَإِذْ
أَوْحَيْتُ
__________________
إِلَى
الحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي
) . (
إِذْ
يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا
) . (
وَأَوْحَىٰ
رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا
) . (
وَأَوْحَيْنَا
إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ
) . (
إِذْ
أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ
) .
اذن يظهر من خلال هذه الآيات القرآنية وآيات
أخرى أن الوحي ليس مختص بالأنبياء والرسل فقط بل هو يتعدى إلى أولياء الله تعالى ،
نعم الوحي هنا في هذه الآيات المفهوم منه غير الوحي في إبلاغ الرسالات إلى
الأنبياء بل هو شأن آخر من الوحي.
فالوحي لغة الإعلام الخفي السريع ،
واصطلاحاً الطريقة الخاصة التي يتصل بها الله تعالى برسله وأنبيائه لاعلامهم ألوان
الهداية والعلم ، وانما جاء تعبير الوحي عن هذه الطريقة باعتبارها خفية عن الآخرين
ولذا عبر الله تعالى عن اتصاله برسوله الكريم بالوحي .
قال سبحانه ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا
إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ
... ) .
وقال الله تعالى ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ
إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ
بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ
) .
وهذه الآية الأخيره حددت معنى الوحي
الذي يختص بالأنبياء والمرسلين أما الآيات الاخرى المتقدمة الذكر فلها معاني أُخر
للوحي ، والذي نقول به أن فاطمة الزهراء إنما كانت محدّثة من قبل الملائكة بنحو من
أنحاء الوحي الذي بينته الآيات
__________________
الآنفة الذكر ، فلا
محالة أن تكون قد حُدثت من قبل الملائكة كما دل القرآن على إمكان وقوع ذلك كما حدث
مع أُم موسى وكيفية إيحاء الله تعالى لها.
وثمة شواهد أخرى تدل على أنها كانت
محدثة من قبل الملائكة ، وهذا ما نجده في المأثور الروائي الذي نقل إلينا عبر
الرواة والمحدثون.
فعن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن
زيد بن علي قال : سمعت أبا عبد الله 7
يقول : إنّما
سمّيت فاطمة محدَّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم
بنت عمران فتقول : يا فاطمة ، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين ،
يا فاطمة اقنتي لربِّك واسجدي واركعي مع الراكعين . فتحدّثهم ويحدّثونها ، فقالت لهم ذات
ليلة : أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا : إنّ مريم كانت
سيّدة نساء عالمها ، وإنّ الله جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأولين
والآخرين .
وعن عبد الله بن الحسن المؤدّب ، عن
أحمد بن علي الاصفهاني ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن اسماعيل بن بشّار قال :
حدّثنا عليُّ بن جعفر الحضرميّ بمصر منذ ثلاثين سنة قال : حدّثنا سليمان قال :
محمد بن أبي بكر لمّا قرأ : (
وَمَا
أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ
) ولا محدَّث ، قلت : وهل يحدِّث
الملائكة إلاّ الأنبياء ؟ قال : إنّ مريم لم تكن نبيّة وكانت محدّثة ، وأُمُّ موسى
بن عمران كانت محدَّثة ولم تكن نبيّة ، وساره امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة
فبشّروها بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، ولم تكن نبيّة ، وفاطمة بنت رسول الله 6 كانت محدَّثة ولم تكن نبيّة .
وجاء في الكتاب القيم ( الغدير الذي
يعتبر من أهم الكتب التي ألفت في حق ولاية أهل البيت :
) حول مسألة الأناس المحدثون حيث قال : « أصفقت الاُمّة الإسلامية على أنّ في هذه
الاُمّة كما لدى الاُمم السابقة اُناسٌ محدَّثون ـ على صيغة المفعول ـ
__________________
وقد أخبر بذلك النبيُّ
الأعظم كما ورد في الصّحاح والمسانيد من طريق الفريقين العامة والخاصّة ، والمحدَّث
من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة ، أو يُلهَم له ويُلقى في روعه شيء من
العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، أو ينكت له في قلبه من حقايق
تخفى على غيره ، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه. فوجود من هذا شأنه
من رجالات هذه الاُمّة مطبق عليه بين فرق الإسلام ، بيد أنَّ الخلاف في تشخيصه.
فالشيعة ترى عليّاً أمير المؤمنين وأولاده الأئمة صلوات الله عليهم من المحدَّثين
... ».
وقال ;
: « إنّ في هذه الاُمّة اُناسٌ محدَّثون كما كان في الاُمم الماضية ، وأمير
المؤمنين وأولاده الأئمة الطاهرون علماء محدَّثون وليسوا بأنبياء. وهذا الوصف ليس
من خاصّة منصبهم ولا ينحصر بهم بل كانت الصدّيقة كريمة النبي الأعظم 6 محدّثة ، وسلمان الفارسيّ محدَّثاً ،
نعم كلُّ الأئمّة من العترة الطاهرة محدَّثون ، وليس كلّ محدَّث بإمام ، ومعنى
المحدَّث هو العالم بالأشياء بإحدى الطرق الثلاث المفصّلة في الأحاديث. هذا ما عند
الشيعة ليس إلا » .
وورد عن العلامة المناوي في ذيل الحديث
الذي جاء عن النبي 6
حول مسألة تحديث الملائكة مع الناس ما نصه : « قد كان فيما مضى قبلكم من الاُمم اُناس
محدَّثون ». قال القرطبيُّ : الرواية بفتح الدال ، اسم مفعول جمع محدَّث بالفتح أي
ملهم ، أو صادق الظنّ ، وهو من اُلقي في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من
الملأ الأعلى ، أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد ، أو تكلّمه الملائكة بلا
نبوّة ، أو من إذا رأى رأياً أو ظنّ ظنّاً أصاب ، كأنّه حدَّث به واُلقي في روعه
من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له. وهذه كرامةٌ يكرم الله بها من شاء من
صالح عباده ، وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء .
إذن يظهر من الأحاديث والأقوال المأثورة
عن الخاصة والعامة أن مسألة تحديث
__________________
الملائكة لأناس
ليسوا بأنبياء متسالمة وما شذ عنها إلا من يدعي الزور والبهتان ضد الشيعة ، فالأُمم
الماضية وقع فيها هذا الأمر وهذا ما ظهر لنا من خلال القرآن الكريم حيث أوحى الله
إلى الحواريين وإلى الملائكة وإلى النحل وإلى أم موسى ...
مُصحف فاطمة
وعلى هذا الأساس كان مصحف فاطمة سلام
الله عليها ، هذا المصحف الذي أثاروا عليه الأقويل الباطلة التي ليس لها أي حقيقة
وأي برهان سوى أنهم اعتبروا إطلاق هذا المصحف على أنه قرآناً غير القرآن الموجودة
حالياً وأنه عند الشيعة يخفونه تقية ، وأمثال هذا الدعاوي الباطلة والتي لا تمت
إلى الدين بصلةٍ وكل دليلهم الذي اعتمدوا عليه هو أن لفظ المصحف يطلق على القرآن
لذلك قالوا بأن مصحف فاطمة قرآن غير هذا القرآن الكريم المتداول الآن.
أما القول الصحيح في هذا المقام فبعد
معرفة أن فاطمة سلام الله عليها كانت محدّثة دون أن تكون نبية وحسب ما ورد من
الإستدلال على هذه المسألة ، فإن حديث الملائكة لها كان يكتب من قبل الإمام علي 7 أو من قبل فاطمة نفسها سلام الله عليها
وهذا ما يظهر من الأحاديث الآتية ، أما مضمون هذا المصحف وماهيته وكيف نعطي القول
الفصل فيه فهذا ما سيتبين من خلال بيان معنى لفظ المصحف ، وماهية مضمون هذا المصحف
وما فيه من العلم والأحاديث والأمور الغيبية.
أما لفظ المصحف في صحاح اللغة :
ورد في كتاب لسان العرب : المُصحف
والمصحف الجامع للصُّحف المكتوبة بين الدفتين كأنه أُصحِف والكسر والفتح فيه لغة.
وفي المصباح المنير : والصحيفة قطعة من
جلد أو قرطاس كتب فيه ... والجمع صُحُف بضمتين وصحائف ... والمصحف بضم الميم أشهر
من كسرها.
وفي أقرب الموارد : المصحف اسم مفعول
... وحقيقتها مجمع الصحف أو ما جمع منها بين دفتي الكتاب المشدود ... وفيه لغتان
أخريات وهما المِصحف والمصَحف جمع
مصاحف.
إذن يظهر من هذه المعاني التي وردت في
صحاح اللغة أن المصحف ما جمعت فيه الصحف وليس كما يدعى أنه قرآن غير هذا القرآن
الموجود.
وهناك شواهد أخرى تثبت هذه الحقيقة حيث
ورد في حديث عن الإمام أبي عبد الله 7
أنه قال : وأن عندنا لمصحف فاطمة 3
، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما
فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنما هو شيء أملاها الله وأوحي إليها. قال : قلت : هذا
والله العلم .
إن هذا الحديث يعطي دلالة واضحة على أن
مصحف فاطمة سلام الله عليها يختلف اختلافاً كبيراً عن ما موجود في القرآن من جهة
مضمونه ، وقد علق العلامة السيد محسن العاملي (ره) على هذه المسألة بقوله : « لا
يخفى أنه قد تكرر نفي أن يكون فيه شيء من القرآن والظاهر أنه لكون تسميته بمصحف
فاطمة يوهم أنه أحد قد نسخ المصاحف الشريفة ، فنفى هذا الإيهام وفي بعض الأحاديث
أن فيه وصيتها ، ولعل أحد محتوياته ، ثم إن بعضها دال على أنه من إملاء رسول الله 6 وخط علي 7
» .
وعلق العلامة الخطيب محمد كاظم القزويني
(ره) على هذه الرواية بقوله : « وليس معناه أن القرآن الموجود بين أيدينا ناقص ،
وأن مصحف فاطمة مكمل له ، كلا وألف كلا ، وليس معناه أن الله أنزل على فاطمة 3 قرآناً وكل من ادعى غير هذا فهو إما
جاهل أو معاند مفتر كذاب » .
أقول : يظهر من أقوال علماء الشيعة
الإمامية وعلى ما ورد في أحاديث أهل البيت أن مسألة مصحف فاطمة قد تسالمت عليه
الشيعة ، ويؤمنون به ، ويعتبرونه من المواريث التي تركتها فاطمة سلام الله عليها
لابناءها الأئمة المعصومين ، ولا يظهر هذا المصحف إلا بظهور الحجة بن الحسن العسكري
عجل الله تعالى فرجه باعتباره الوريث الشرعي لجدته الزهراء سلام الله عليها.
__________________
مصحف فاطمة في الأحاديث الشريفة
في حديث عن أبي عبد الله 7 : « ومصحف فاطمة ما أزعم أنّ فيه قرآناً وفيه ما
يحتاج الناس إلينا ، ولا نحتاج إلى أحد حتّى إنّ فيه الجلده ونصف الجلده وثلث
الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش »
.
وفي حديث طويل عن أبي عبد الله 7 : « وإنّ عندنا لمصحف فاطمة 3
، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث ، مرّات ، والله
ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنّما هو شيء أملاها الله وأوحى إليها. قال : قلت :
هذا والله العالم ... ».
وفي حديث آخر : « وخلَّفت فاطمة
مصحفاً ما هو قرآن ، ولكنَّه كلام من كلام الله أنزل عليها ، إملاء رسول الله 6
وخطُّ علي » .
وعن أبي عبد الله 7 ، قيل له : إنّ عبد الله بن الحسن يزعم
أنّه ليس عنده من العلم إلا ما عند الناس ، فقال : « صدق والله ما عنده من العلم إلا ما عند الناس
، ولكن عندنا والله الجامعة فيها الحلال والحرام ، وعندنا الجفر ، أفيدري عبد الله
أمسك بعير أو مسك شاة ؟ وعندنا مصحف فاطمة ، أما والله ما فيه حرف من القرآن ،
ولكنّه إملاء رسول الله 6 وخطّ علي 7
، كيف يصنع عبد الله إذا جاءه الناس من كلّ فنّ يسألونه ، أما ترضون أن تكونوا يوم
القيامة آخذين بحجزتنا ، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا ، ونبيّنا آخذ بحجزة ربّه »
؟ .
وعن حمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد
الله 7 يقول : « تظهر زنادقة سنة
ثمانية وعشرين ومائة ، وذلك لأنّي نظرت في مصحف فاطمة. قال : فقلت : وما مصحف
فاطمة ؟ فقال : إنَّ الله تبارك وتعالى لمّا قبض نبيّه 6
دخل على فاطمة من وفاته
__________________
من
الحزن ما لا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ ، فأرسل اليها ملكاً يسلّي عنها غمّها
ويحدّثها ، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين 7 فقال لها : إذا أحسست
بذلك وسمعت الصوت قولي لي. فأعلمتْه ، فجعل يكتب كلّ ما سمع حتّى أثبت من ذلك
مصحفاً. قال : ثم قال : أما إنّه ليس الحلال والحرام ، ولكن فيه علم ما يكون »
.
وفي حديث آخر قال له الراوي : فمصحف
فاطمة ؟ فسكت طويلاً ثمّ قال : «
إنّكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون ، إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله 6
خمسة وسبعين يوماً وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرئيل يأتيها فيحسن
عزاءها على أبيها ، ويطيّب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون
بعدها في ذرّيتها وكان علي 7 يكتب ذلك فهذا مصحف
فاطمة 3 »
.
وعن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر محمد
بن علي 8 عن مصحف
فاطمة ، فقال : « اُنزل
عليها بعد موت أبيها. قلت : ففيه شيء من القرآن ؟ فقال : ما فيه شيء من القرآن.
قلت فصفه لي ، قال : له دفّتان من زبرجدتين على طول الورق ، وعرضه حمراوين. قلت :
جعلت فداك فصف لي ورقه ، قال : وروقه من درّ أبيض ، قيل له : كن فكان. قلت : جعلت
فداك فما فيه ؟ قال : في خبر ما كان وخبر ما يكون إلى يوم القيامة ، وفيه خبر
سماءٍ سماءٍ ، وعدد ما في السموات من الملائكة ، وغير ذلك ، وعدد كلّ من خلق الله
مرسلاً وغير مرسل وأسماؤهم ، وأسماء من اُرسل إليهم ، وأسماء من كذّب ومن أجاب ،
وأسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين من الأولّين والآخرين ، وأسماء
البلدان ، وصفة كلّ بلد في شرق الأرض وغربها ، وعدد ما فيها من المؤمنين ، وعدد ما
فيها من الكافرين ، وصفة كلّ من كذّب ، وصفة القرون الاُولى وقصصهم ، ومن ولي من
الطواغيت ومدَّة ملكهم وعددهم. وأسماء الأئمّة وصفتهم ، وما يملك كلّ واحدٍ واحدٍ
، وصفة كبرائهم ، وجميع من ترددّ في الأدوار.
قلت
: جعلت فداك وكم الأدوار ؟ قال : خمسون ألف عام. وهي سبعة أدوار ، فيه
__________________
أسماء
جميع ما خلق الله وآجالهم ، وصفة أهل الجنّة ، وعدد من يدخلها ، وعدد من يدخل
النار ، وأسماء هؤلاء وهؤلاء ، وفيه علم القرآن كما اُنزل ، وعلم التوراة كما اُنزلت
، وعلم الإنجيل كما اُنزل ، وعلم الزبور ، وعدد كلّ شجرة ومدرة في جميع البلاد ».
قال أبو جعفر 7 : « ولمّا أراد الله تعالى أن ينزل عليها جبرئيل
وميكائيل وإسرافيل أن يحملوه فينزلون به عليها ، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث
الثاني من الليل ، فهبطوا به وهي قائمة تصلّي ، فما زالوا قُيّاماً حتّى قعدت ،
ولمّا فرغت من صلاتها سلّموا عليها وقالوا : السلام يقرئك السلام ؛ ووضعوا المصحف
في حجرها ، فقالت : لله السلام ومنه السلام وإليه السلام وعليكم يا رسل الله
السلام ، ثمّ عرجوا إلى السماء. فما زالت من بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرأه
حتّى أتت على آخره. ولقد كانت 3 مفروضة الطاعة على
جميع من خلق الله من الجنّ والإنس ، والطير والوحش ، والأنبياء والملائكة ».
قلت
: جعلت فداك فلمن صار ذلك المصحف بعد مضيِّها ؟ قال : « دفعته إلى أمير المؤمنين 7
، فلمّا مضى صار إلى الحسن ثم إلى الحسين 8 ، ثم عند أهله حتّى
يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر. فقلت : إنَّ هذا العلم كثير ! قال : يا أبا محمد ، إنَّ
هذا الذي وصفته لك لفي ورقتين من أوَّله ، وما وصفت لك بعد ما في الورقة الثانية
ولا تكلّمت بحرف منه » .
وختاماً للبحث حول اسم المحدثة نذكر ما
قاله العلامة الهمداني تعليقاً حول الروايات الواردة في هذا المقام حيث قال تحت
عنوان فائدتان : إنَّ ما يستفاد من هذا الأخبار في شأن مصحف فاطمة سلام الله عليها
في وجوه مختلفة :
منها : ما يدلُّ على أنَّ الله تعالى
أرسل ملكاً أو يأتيها جبرئيل بعد قبض نبيّه 6
يحدّها 7 ويكتب عليٌّ
7 ، كما في
الحديث الأوَّل والثاني من البحار.
ومنها : ما يدلّ على أنّ مصحف فاطمة 7 كان موجوداً في حياة رسول الله 6 كما
__________________
لاحظت في حديث «
البصائر » بقوله 7
: ولكنّه إملاء رسول الله 6
وخطُّ عليّ 7.
ومنها : ما يدلُّ على أنّ الله عزّ وجلّ
أوحى إليها كما لاحظت في الحديث الثالث من « البصائر » بقوله 7 : « إنّما هو شيء أملاها الله وأوحى
إليها ». ويستفاد أيضاً أنّ مصحفها سلام الله عليها يشتمل على جميع الأحكام
الشرعيّة من نصف الجلدة أو جلدة واحدة حتى أرش الخدش ، وأنّ فيه أسماء جميع الناس
والكائنات جميعها من الشجر والمدر وغير ذلك كما في حديث « دلائل الإمامة » ، وفيه
ذكر الحوادث المهمّة إلى يوم القيامة. ويستفاد أيضاً أنّه من مصادر علوم أهل البيت
: وكانوا
يرجعون إليه .
٩ ـ الزهراء
وهو من أشهر أسماءها وأشهرها شيوعاً عند
الشيعة ، فنراهم كثيراً ما يسمون أسماء مواليدهم من الاناث بهذا الاسم المبارك
اضافة إلى اسمها فاطمة ، وقد تقدم بنا الحديث في كيفية تطابق الإسم على المسمى
وبيان فلسفته ، وكذلك الحال في هذا المقام ، ففاطمة سلام الله عليها سُميت بهذا
الإسم ( زهراء ) لأن نورها الذي زهرت به السموات والأرض ولم يأت هذا الإسم
اعتباطاً وإنما جاء ليعبر عن طبيعة ذاتها ، فنجد ومن خلال مطابقة الكثير من
الروايات التي تروي مبدء نور فاطمة وخلقته ان لها نوراً يسطع من جبينها ومن وجهها
المتلألئ بنور الله تعالى والذي كان من شأنه أن زهرت به السموات والأرض كرامةً من
الله تعالى لها ولمقامها السامي عنده ، أما بيان هذا الاسم فانه لا يحتاج إلى كثير
تأمل وخاصة بالنسبة للمطلع على الأسماء العربية ، فانها بسيطة ومفهومةً عندما تطرق
الأذهان ، ومع ذلك نقف مع هذه الروايات التي تبين علة تسميتها الزهراء ففي حديث
طويل عن النبي 6
انه قال :
__________________
«
ثم أظلمت المشارق والمغارب ، فشكت الملائكة إلى الله تعالى أن يكشف عنهم تلك
الظلمة ، فتكّلم الله جلّ جلاله كلمة فخلق منها روحاً ، ثمّ تكلّم بكلمة فخلق من
تلك الكلمة نوراً ، فأضاف النور إلى تلك الروح وأقامها مقام العرش ، فزهرت المشارق
والمغارب فهي فاطمة الزهراء ، ولذلك سمّيت « الزهراء » لأنّ نورها زهرت به السموات
»
، الحديث.
وعن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد
الله 7 : يا ابن
رسول الله ، لم سمّيت الزهراء « زهراء » ؟ فقال : « لأنّها تزهر لأمير المؤمنين 7
في النهار ثلاث مرّات بالنور ، كان يزهر نور وجهها الغداة والناس في فراشهم ،
فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة ، فتبيضُّ حيطانهم ، فيعجبون من ذلك ،
فيأتون النبيّ 6 فيسألونه عمّا رأوا ،
فيرسلهم إلى منزل فاطمة 3 فيأتون منزلها
فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي والنور يسطع من محرابها من وجهها ، فيعلمون أنّ
الذي رأوه كان من نور فاطمة ، فإذا انتصف النهار وترتّبت للصلاة ، زهر نور وجهها 3
بالصفرة فتدخل الصفرة في حجرات الناس ، فتصفرُّ ثيابهم وألوانهم ، فيأتون النبيَّ 6
فيسألونه عمّا رأوا ، فيرسلهم إلى منزل فاطمة 3
فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها 3
بالصفرة ، فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجهها ، فإذا كان آخر النهار وغربت
الشمس ، أحمرّ وجه فاطمة ، فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً لله عزّ وجلّ ، فكان
تدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمرّ حيطانهم ، فيعجبون من ذلك ويأتون النبيّ 6
ويسألونه عن ذلك ، فيرسلهم إلى منزل فاطمة ، فيرونها جالسة تسبّح وتمجّده ونور
وجهها يزهر بالحمرة ، فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة 3
، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتّى ولد
__________________
الحسين
7 ، فهو يتقلّب في وجوهنا إلى يوم القيامة في
الأئمة منّا أهل البيت إمام بعد إمام »
.
وعن أبي هاشم العسكري قال : سألت صاحب
العسكر 7 : لم سمّيت
فاطمة « الزهراء » 7
؟ فقال : « كان
وجهها يزهر لأمير المؤمنين 7 من أوّل النهار
كالشمس الضاحية ، وعند الزوال كالقمر المنير ، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّيِّ »
.
وعن الحسن بن يزيد قال : قلت لأبي عبد
الله 7 : لم سمّيت فاطمة « الزهراء » ؟ قال : « لأنّ لها في الجنّة
قبّة من ياقوت حمراء ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة ، معلّقة بقدرة الجبّار ، لا
علاقة لها من فوقها فتمسكها ، ولا دعامة لها من تحتها فتلزمها ، لها مائة ألف باب
، على كلّ باب ألف من الملائكة ، يراها أهل الجنة كما يرى أحدكم الكوكب الدرّيّ
الزاهر في افق السماء ، فيقولون : هذه الزهراء لفاطمة »
.
وعن ابن عمارة ، عن أبيه قال : سألت أبا
عبد الله 7 عن فاطمة لم
سمّيت « زهراء » ؟ فقال : «
لأنّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل
الأرض » .
وعن جابر ، عن أبي عبد الله 7 قال : قلت : لم سمّيت فاطمة الزهراء
زهراءَ ؟ فقال : «
لأنّ الله عزّ وجلّ خلقها من نور عظمته ، فلمّا أشرقت أضاءت السموات والأرض بنورها
، و غشيت أبصار الملائكة ، وخرّت الملائكة لله ساجدين ، وقالوا : إلهنا وسيّدنا ،
ما هذا النور ؟ فأوحى الله إليهم : هذا نور من نوري ، وأسكنته في سمائي ، خلقته من
عظمتي ، اُخرجه من صلب نبيّ من أنبيائي ، اُفضّله على جميع الأنبياء ، واخرج من
ذلك النور أئمّة يقومون بأمري ، ويهدون إلى حقّي ، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد
انقضاء وحيي » .
__________________
وعن النبيّ 6 : « لمّا خلق الله آدم وحوّاء تبخترا في الجنّة ،
فقال آدم لحوّاء : ما خلق الله خلقاً هو أحسن منّا. فأوحى الله إلى جبرئيل 7
: ائت بعبديّ الفردوس الأعلى. فلمّا دخلا الفردوس نظرا إلى جارية على درنوك من
درانيك الجنّة ، وعلى رأسها تاج من نور ، وفي اُذنيها قرطان من نور قد أشرقت
الجنان من حسن وجهها ، فقال آدم : حبيبي جبرئيل ! من هذه الجارية التي قد أشرقت
الجنان من حسن وجهها ؟ فقال : هذه فاطمة بنت محمد نبيّ من ولدك يكون في آخر الزمان
، قال : فما هذا التاج الذي على رأسها ؟ قال : بعلها عليّ بن أبي طالب 7
... قال : فما القرطان اللذان في اُذنيها؟ قال : ولداها الحسن والحسين. قال آدم : حبيبي
جبرئيل ! أخُلقوا قبلي ؟ قال : هم موجودون في غامض علم الله قبل أن تخلق بأربعة
آلاف سنة » .
في الدّرّ كوَّنها الباري وصوَّرها
|
|
من قبل إيجاد خلق اللوح والقلم
|
وتوِّجت تاج نور حوله دررٌ
|
|
يضي كالشمس أو كالنجم في الظلم
|
لله أشباح نور طالما سكنوا
|
|
سرَّ الغيوب فسادوا سائر الاُمم
|
قال العلامة المقرَّم : اشتهرت الصدّيقة
بالزهراء لجمال هيئتها والنور الساطع في غرّتها ، حتّى إذا قامت في محرابها زهر
نورها لأهل السماء كما يزهر الكوكب لأهل الأرض ، وإن حضرت للإستهلال أوَّل الشهر
لا يرى نور الهلال لغلبة نور وجهها على ضيائه
...
وعن سلمان الفارسّي (ره) مرفوعاً قال :
كنت جالساً عند النبيّ 6
في المسجد إذا دخل العبّاس بن عبد المطّلب ، فسلّم ، فردّ النبيُّ 6 ورحّب به ، فقال : يا رسول الله بما
فضّل الله علينا أهل البيت عليّ بن أبي طالب والمعادن واحدة ؟ فقال النبيُّ 6 : « إذن أُخبرك يا عمّ ، إنّ الله خلقني وخلق
عليّاً ولا سماء ولا أرض ولا جنّة ولا نار ولا لوح ولا قلم. فلمّاً أراد الله عزّ
وجلّ بدو خلقنا تكلمّ بكلمة فكانت نوراً ، ثمّ تكلمّ بكلمة ثانية فكانت روحاً ،
فمزج فيما بينهما واعتدلا ، فخلقني وعليّاً منهما.
__________________
ثمّ
فتق من نوري نور العرش ، فأنا أجلّ من العرش. ثمّ فتق من نور عليّ نور السماوات ،
فعليٌّ أجلّ من السماوات. ثمّ فتق من نور الحسن نور الشمس ، ومن نور الحسين نور
القمر ، فهما أجلّ من الشمس والقمر. وكانت الملائكة تسبّح الله تعالى وتقول في
تسبيحها : « سبّوح قدّوس من أنوارها ما أكرمها على الله تعالى » ! فلمّا أراد الله
تعالى أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة ، وكانت الملائكة لا تنظر
أوّلها من آخرها ولا آخرها من أوّلها ، فقالت الملائكة ، إلهنا وسيّدنا منذ خلقتنا
ما رأينا مثل ما نحن فيه ، فنسألك بحقّ هذه الأنوار إلا ما كشفت عنّا. فقال الله
عزّ وجلّ : وعزّتي وجلالي لأفعلنّ ؛ فخلق نور فاطمة الزهراء 3 يومئذ كالقنديل ، وعلّقه في قرط العرش ، فزهرت
السماوات السبع والأرضون السبع ، من أجل ذلك سمّيت فاطمة « الزهراء ». وكانت
الملائكة تسبّح الله وتقدّسه ، فقال الله : وعزّتي وجلالي ، لأجعلنّ ثواب تسبيحكم
وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبّي هذه المرأة وأبيها ... ».
إذن قد تبين من هذه الأخبار والأحاديث
الشريفة الوجه من تسميتها بالزهراء فتارة لاشراق نورها للإمام علي 7 وأخرى لأن الأرض والسموات العلى زهرت
من نورها ، وتارة أخرى نتيجة عبادتها ودخول نورها إلى بيوتات المدينة وإشعاع هذا
النور على جميع الناس آنذاك.
خجلاً
من نور بهجتها
|
|
تتوارى الشمس بالشفق
|
وحياءً من شمائلها
|
|
يتغطى الغصن بالورق
|
١٠ ـ البتول
جرت عادة الباحثين والكاتبين حول حياة
السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها عند التعرض لاسمها المبارك ( البتول ) البحث
حول قانون العلية والمعلولية كقانون وسنة ربانية جعلها البارئ عز وجل منذ الخلقة
الاولى ، فنجد أنه لا يوجد معلول دون علة مؤثرة فيه أو لا توجد أسباب إلا ولها
مسبب حقيقي ، وبعبارة أخرى لا
يوجد أي شيء دون أن
تكون له علة مؤثرة فيه ، وعلى هذا الأساس نجد أن الكثير قد طعنوا في اسمها الذي
نحن بصدد الوقوف معه في هذه الصفحات حيث يقتضي اسم البتول مخالفة قانون العلية كل
ذلك لما لهذا الإسم ( البتول ) من معنى مؤثر وفاعل على طبيعة الحياة البشرية ، ولو
أن هؤلاء الذين وقفوا موقف التعنت لهذه الكرامة ولهذا المقام السامي وتأملوا في
مراجعة القوانين الكونية والسنن الإلهية لوجدوا أن هناك الكثير من هذه القوانين قد
خُرقت وبتأييد من الله تعالى وهذا ما نجده من خلال مراجعة القرآن الكريم باعتباره
المصدر الأول للتشريع الإسلامي ولقضايا المهمة التي ربما لا يوجد لها حل ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا
لِّكُلِّ شَيْءٍ ) أي لا يوجد شيء من الأمور التي تعرض
لنا في الحياة إلا وله أساس ومعرفة وبيان من القرآن الكريم ، أما مَنْ الذي يستطيع
إدراك هذا البيان ومعرفته المعرفة الحقة فهذا ما نراه واضحاً بالرسول 6 والأئمة من بعده : ثم من بعد ذلك نرجع
إلى الذين أوصى بهم الأئمة بالعودة اليهم بعد غيبة القائم عجل الله تعالى فرجه «
وأما الحوادث الواقعة في زمن الغيبة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي
عليكم وأنا حجة الله عليهم » ، إذن لابد بالنتيجة النهائية أن نرجع إلى القرآن
الكريم ونرى هل ان هناك قوانين شذ عنها الكثير من الناس وحسب ما ارتضاه تبارك
وتعالى ؟
( نعم ) بهذا القول سوف يجيبنا القرآن
الكريم فثمة هناك شواهد واضحة البرهان جلية البيان ، صريحة في معناها متقدة في
مغزاها أثبتت من خلال واقعيتها مدى صحة مدركيتها فهذه النار التي جعلت لإبراهيم 7 برداً وسلاماً وخالفت قوانين الطبيعة
في سلوكها وخاصيتها المحرقة وهذه شجرةٌ من يقطين أنبتت ليونس 7 بعد أن نبذه الحوت بالعراء وهو سقيم ،
مع العلم بأن حبة اليقطين تحتاج إلى مدة غير قصيرة ، حتى تثبت وتورق وتستر بورقها
جسم إنسان أو غير إنسان ، وهكذا نجد في شذوذ الكثير من المسائل عن القوانين والسنن
الإلهية ، فهذه مريم مخالفة في ولادة عيسى 7
من غير أب مسألة قانون التناسل البشري الطبيعي ، وكذلك هناك طوائف عديدة وأمثلة
واضحة تدل دلالة صريحة على أنه هناك الكثير من القوانين قد خرقت بقدرة الله تعالى
باعتباره هو مسبب الأسباب الطبيعي بل هو الجاعل لهذه السنن القدرة بهذه
الكيفية كل هذا
المقال الذي قلنا به وبيّنا الشيء اليسير منه لكي نرجع إلى قضية فاطمة سلام الله
عليها في كونها بتول منقطعة عن الحيض ، فهل هذا اختلاف وتغير في قانون الطبيعة أم
هي كرامة من الله تعالى لها ؟
وهل لهذه مسألة وجه يخرج عنه المتحير
فكره إلى الصحيح من البيان ؟ نعم نقول في فاطمة 3
كانت بتول بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وسبق أن قلنا أن هذه المسألة لم تكن
الفريدة من نوعها ، بل توجد شواهد قرآنية عليها ومن خلال أبسط استقراء للقرآن
الكريم نرى هذا الشيء الواضح.
أما بيان البتول والوقوف عليها ، وبيان
الوجه في ذلك فهذا ما سيظهر لنا من خلال مراجعة كتب اللغة والحديث والتاريخ لنرى
كيف كانت فاطمة سلام الله عليها بتول بكل ما تحمل هذه الكلمة من مدلولات واضحة.
أما بيان معنى هذه الكلمة من خلال
مراجعة كتب اللغة فيظهر من خلال هذه الكتب أنه سئل أحمد بن يحيى عن فاطمة رضوان
الله عليها بنت سيدّنا رسول الله 6
: لم قيل لها : البتول ؟ فقال : لا نقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الاُمّة
عفافاً وفضلاً وديناً وحسباً. وقيل : لانقطاعها عن الدنيا إلى الله عزّ وجلّ ... وقيل
: تبتيل خلقها انفراد كلِّ شيء عنها بحسنه لا يتّكل بعضه على بعض. قال ابن
الأعرابيّ : المبتّلة من النساء : الحسنة الخلق ، لا يقصر شيء عن شيء لا تكون حسنة
العين سمجة الأنف ، ولا حسنة الأنف سمجة العين ، ولكن تكون تامّة .
وقال ابن الأثير : وامرأة بتول : منقطعة
عن الرجال لا شهوة لها فيهم : وبها سمّيت مريم اُمُّ المسيح 8. وسمّيت فاطمة « البتول » لانقطاعها من
نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً. وقيل : لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى .
وقال الطريحي : والبتول فاطمة الزهراء
بنت رسول الله 6
، قيل : سمّيت بذلك لانقطاعها إلى الله وعن نساء زمانها فضلاً ، وعن نساء الاُمّة
فضلاً وحسباً وديناً .
__________________
وَورد عن النبي 6 أنه قال : « سمّيت فاطمة بتولاً
لأنّها تبتّلت وتقطّعت عمّا هو معتاد العورات في كلِّ شهر ، ولأنّها ترجع كلّ ليلة
بكراً. وسمّيت مريم بتولاً لأنّها ولدت عيسى بكراً »
.
وعنه 6
: « وإنّما
سمّيت فاطمة « البتول » لأنّها تبتّلت من الحيض والنفاس ... »
.
وعن عليّ 7
قال : « إن النبي
6 سئل : ما البتول ؟ فإنّا سمعناك يا رسول الله
تقول : إنَّ مريم بتول ، وفاطمة بتول ؟ فقال : البتول التي لن تر حمرةً قطّ ، أي
لم تحض ، فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء »
.
وعن عائشة قال : إذا اقبلت فاطمة كانت
مشيتها مشية رسول الله 6
، وكانت لا تحيض قطُّ ، لأنّها خلقت من تفّاحة الجنّة ، ولقد وضعت الحسن بعد العصر
، وطهرت من نفاسها ، فاغتسلت وصلّت المغرب
...
وقال رسول الله 6 : « إنّ ابنتي فاطمة حوراء ، إذ لم تحض ولم تطمث
» .
وروى الحافظ أبو بكر الشافعي عن ابن
عباس قال : قال رسول الله 6
: « إبنتي
حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث ... »
... الخ.
وروى ابن عساكر عن أنس بن مالك عن ام
سليم قالت : لم تر فاطمة ( رضي الله عنها ) دماً في حيض ولا في نفاس .
وروى الطبري عن أسماء بنت عُميس قالت :
قبلت : ( أي ولدت ) فاطمة بالحسن فلم أرَ لها دماً في حيض ولا نفاس ، فقال النبي 6 : « أما علمت أن ابنتي طاهرة ، لا يرى لها دمٌ في
طمث ولا ولادة » .
__________________
وعن أبي عبد الله 7 قال : « حرّم الله النساء على عليّ ما دامت فاطمة
حيّة ، لأنها طاهرة لا تحيض »
.
وفي كتاب « مولد فاطمة 3 » لابن بابويه ، يرفعه إلى أسماء بنت
عميس قالت : قال لي رسول الله 6
وقد كنت شهدت فاطمة إنَّ فاطمة خلقت حوريّة في صورة إنسيّة .
وعن أبي جعفر 7 ، عن آبائه : قال : « إنّما سمّيت فاطمة
بنت محمّد « الطاهرة » لطهارتها من كلِّ دنس ، وطهارتها من كلّ رفث ، وما رأت قطّ
يوماً حمرةً ولا نفاساً » .
أقول : يظهر من التأمل في كلمات أصحاب
الصحاح من أهل اللغة والبيان أنهم حملوا معنى الانقطاع بالنسبة للفظ البتول محملاً
جيداً وفسروه بأنه انقطاع عن نساء زمان فاطمة سلام الله عليها من ناحية العفة
والفضل والدين والحسب ، وكذلك حملوه على الزهد عن الدنيا وانقطاعها سلام الله
عليها عن الدنيا وهذه المعاني التي حملوا اسم البتول عليها وان كانت جيدة ومفيدة
وواضح من خلال السليقة العربية ومفاهيمها إلا واقع الحال والمقام لا يساعد على هذا
الحمل ولا يظهر فيه نتيجة وجود مرجحات وشواهد وقرائن واضحة لمن أراد استقصاءها في
معنى اسم البتول ، وخير شاهد على هذه القرائن هو ما قدمناه من الروايات الواردة في
المقام من الخاصة والعامة ، فهي أفضل دليل على أن المراد من كلمة واسم البتول هو
ما أطلقت وبينت الروايات الشريفة ، فالمقول الذي نقول به ونرجحه على كلمات أهل
اللغة في معنى البتول في انه هذا الاسم ظاهر في التي لم تر حمرة قط ولم تحض أبداً
وهو الذي يساعد عليه المقام فتأمل في هذه الروايات المباركة.
أما ما يظهر من كلمات بعض الذين وقفوا
موقف المتحير ولا يجد أي طريق لحل هذه المعضلة والتي حسب آرائهم انها مخالفة لنظام
العلل والمعاليل والأسباب ، وان
__________________
قضية أن فاطمة سلام
الله عليها لا ترى الدم ولا الحيض وأمثال هذه القذارة ، فحسب قولهم انها مخالفة
لحديث الإمام الصادق 7
حيث قال : « أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسبابها فجعل لكل شيء سبباً » وذلك من
جهة خروجها عن هذا النظام الأكمل في الطبيعة فنقول : قد تبين الحال من خلال مراجعة
القرآن الكريم وان الكثير من الشواهد القرآنية تدل دلالة قطعية على أن الله تعالى
قد تصرف في ملكه وقهر الكثير من القواعد المطردة في الطبيعة الكونية « ذلت لقدرتك
الصعاب وتسببت بلطفك الأسباب » « ويا مسبب الأسباب من غير سبب ».
وقد علق المحقق الهمداني على هذه المسألة ببيان واضح ذو فائدة
جلية ومضامين عالية وغير مخالفة لما هو الأساس من هذه المسألة حيث قال :
توجد في القرآن الكريم طائفة من القصص
والوقائع والحوادث لا يساعد عليها جريان العادة المشهورة في عالم الطبيعة على نظام
العلّة والمعلول المعهودة ، كحمل مريم سلام الله عليها ، فإنّها مع أنّه لم تمسسها
بشر حملت بولدها عيسى 7
، وكحمل سارة بإسحاق 7
مع أنّها كانت عجوزاً ، وكحمل امرأة زكريّا بيحيى مع أنّها كانت عاقراً ، وأمثال
ذلك في المعجزات وخوارق العادات التي يثبتها القرآن لعدّة من الأنبياء الكرام
كمعجزات نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وداود وسليمان وموسى وعيسى ومحمد : ، فإنّ كلَّ ذلك امور خارقة للعادة.
فبعد هذا البيان يظهر للقارئ الكريم
بطلان ما يقال : إنّ الحيض في النساء من لوازم الخلقة ، فخلوّ المرأة عنه نقص ،
وإنّ العادة الشهريّة علامة وسبب للولادة ؛ لأنّا نقول : ليس الخروج من مضايق
الطبيعة نقصاً بل ربما يكون كرامة يا لها من كرامة ! على أنّ الحيض بنفسه قذارة
ورجس ، كما قال الله عزّ وجلّ (
قُلْ هُوَ
أَذًى )
أي قذارة يتأذّى منها ، فإنّ المرأة حين حدثت لها العادة الشهريّة تنفعل وتخجل
وتنكسر ولا ترضى أن تصرّح بها لكلّ أحد وإن كان أمسَّ الناس إليها من الرجال
والنساء ، وقد تحدث فيها ضعف ، ومن ذلك سقطت عنها في هذه الأيّام الصلاة والصوم ،
وحرم عليها اللبث في
__________________
المساجد ، وغير ذلك
من الأحكام المذكورة في كتب الفقه ، حتّى حين حاضت صارت ناقصة الإيمان كما نبّه
عليه الإمام عليٌّ 7
بقوله : « فأمّا نقصان إيمانهنَّ فقعودهنّ عن الصلاة والصيام في أيّام حيضهنَّ » .
فعلى هذا : إنّ الله عزّ وجلّ تفضّل على
سيّدة النساء فاطمة البتول العذراء سلام الله علهيا بالولادة الكاملة من دون رؤية
هذه القذارة. وهذا فضيلة سامية لها ، وتطهير زائد في ذاتها سلام الله عليها. وإنّ
الله عزّ وجلّ لا يرضى أن تتلوّث سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين بهذه
القذارة أو غيرها ظاهرة كانت أو باطنة ، كما قال في حقّها : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
) ؛ وعن
النبيّ 6 : يا حميراء
، إنّ فاطمة ليست كنساء الآدميّين ، لا تعتلّ كما يعتللن .
__________________

لبعض أشراف مكة
ما لعيْني قدْ غابَ عنها كراها
|
|
وعراها من عبرةٍ ما عراها
|
ألدارٍ نعمتُ فيها زماناً
|
|
ثم فارقتُها فلا أغشاها
|
أمْ لحيٍّ بانوا باقمارِ ثمِّ
|
|
يتجلّىٰ الدُجىٰ بضوءِ
سناها
|
حاشَ لله لستَ أُطمعُ نفسي
|
|
آخرَ العمرِ في اتّباع هواها
|
بل بكائي لذكرِ مَنْ خصَّها الله
|
|
تعالىٰ بلطفهِ واجتباها
|
ختمَ الله رسلَهُ بأبيها
|
|
واصطفاهُ لوحيهِ واصطفاها
|
وحباها بالسيّدينِ الزكيين
|
|
الامامينِ منهُ حينَ حباها
|
ولَفكريْ في الصاحبينِ الّلذينِ
|
|
استحسنا ظلمَها وما راعياها
|
منعا بعلَها مِنَ العهدِ والعقدِ
|
|
وكانَ المنيبَ والأوّاها
|
واستبدّا بأمرةٍ دبّراها
|
|
قبلَ دفن النبيِّ وانتهزاها
|
وأتتْ فاطمٌ تطالبُ بالأرثِ
|
|
من المصطفىٰ فما ورثاها
|
ليتَ شعري لِم خولفت سننُ
|
|
القرآنِ فيها والله قد أبداها
|
نُسختْ آيةُ المواريثِ منها
|
|
أمْ هما بعد فرضها بدّلاها
|
قالا أبوكِ جاءَ بهذا
|
|
حجةً من عنداهمْ نصباها
|
قالَ للأنبياءِ حكمٌ بأن لا
|
|
يورثوا في القديم وانتهراها
|
أفبنتُ النبىِّ لم تدرِ إنْ كا
|
|
ن نبيُّ الهدىٰ بذلك فاها
|
بضعةٌ من محمدٍ خالفتْ ما قالَ
|
|
حاشا مولاتِنا حاشاها
|
سمعتْهُ يقولُ ذاكَ وجاءت
|
|
تطلبُ الارثَ ضلة وسفاها
|
هيَ كانتْ لله أتقىٰ وكانتْ
|
|
افضلُ الخلقِ عفّةً ونزاها
|
أو تقولُ النبيّ قدْ خالفَ القر
|
|
آنَ ويحَ الأخبارِ ممن رواها
|
سلْ بإبطالِ قولهم سورةَ النمل
|
|
وسلْ مريمَ التي قبلَ طهَ
|
__________________
فهما ينبئان عنْ إرث يحيىٰ
|
|
وسليمانَ مَن أراد انتباها
|
فَدعتْ واشتكت إلى الله من ذا
|
|
كَ وفاضتْ بدمعِها مقلتاها
|
ثمَّ قالتْ فنحلةٌ ليَ من والديْ
|
|
المصطفىٰ فلمْ يُنحلاها
|
فأقامت بها شهوداً فقالوا
|
|
بعلُها شاهدٌ لها وابناها
|
لم يجيزوا شهادةَ ابنيْ رسولِ الله
|
|
هادي الأنام إذ ناصباها
|
لم يكن صادقاً عليٌ ولا فا
|
|
طمةٌ عندَهمْ ولا ولداها
|
كانَ أتقىٰ لله منهمْ فلانٌ
|
|
قَبُحَ القائلُ المحالَ وشاها
|
جرّعاها من بعدِ والدِها
|
|
الغيض مراراً فبئسَ ما جرعاها
|
ليتَ شعري ما كانَ ضرَّهما
|
|
الحفظُ لعهدِ النبيِّ لو حفظاها
|
كانَ إكرامُ خاتمِ الرُّسل الها
|
|
ديْ البشيرِ النذيرِ لو اكرماها
|
ولو ابتيعَ ذاك بالثمنِ الغا
|
|
لي لما ضاعَ في اتّباعِ هواها
|
ولكان الجميلُ أنْ يُقطعاها
|
|
فدكاً لا الجميلُ أنْ يقطعاها
|
أترىٰ المسلمينَ كانوا يلومو
|
|
نَهما في العطاء لو أعطياها
|
كانَ تحتَ الخضراء بنتُ نبيٍّ
|
|
صادقٍ ناطقٍ أمينٍ سواها
|
بنتُ مَنْ أُمُّ مَنْ حليلةُ مَنْ
|
|
ويلٌ لمن سنَّ ظلمها وأذاها
|
قل لنا أيها المجادلُ في القولِ
|
|
عن الغاصبين إذْ غصباها
|
أهما ما تعمّداها كما قلتَ
|
|
بظلمٍ كلاّ ولا اهتضماها
|
فلماذا إذْ جُهزّتْ للقاءِ
|
|
لله عند المماتِ لم يحضراها
|
شيعتْ نعشها ملائكةُ الرحمن
|
|
رفقاً بها وما شيّعاها
|
كان زهداً في أجرها أم عناداً
|
|
لأبيها النبيِّ لم يتبعاها
|
أم لأنَّ البتولَ أوصتْ بألا
|
|
يشهدا دفنها فما شهداها
|
أغضباها وأغضبا عندَ ذاك الله
|
|
ربِّ السماء إذ أغضباها
|
وكذا أخبر النبي بأنَّ
|
|
الله يرضىٰ سبحانه لرضاها
|
لا نبيّ الهدىٰ أُطيعَ ولا
|
|
فاطمة أكرمت ولا حسناها
|
ولأيِّ الاُمور تدفن سراً
|
|
بضعة المصطفىٰ ويعفىٰ
ثراها
|
البحث الخامس عشر
فدك عنوان الولاية
قد تعرض الكثير من الباحثين والمحققّين
لقضية فدك وكتبت أقلامهم الشريفة في ما يتعلق بها من أمور عقائدية وولائية أفضل
وأروع الكتب والتحقيقات سواء كانت هذه المؤلفات من الأفذاذ من العلماء الدينيين
وكتّاب الشيعة المخلصين أو الذين تنورت بصيرتهم بنور الإيمان من جمهور العامة ،
حيث تعتبر هذه الكتب من روائع التراث الاسلامي عبر مرّ السنين والدهور ، وفي خضم
الأحداث إلى وقتنا الحاضر ولا زال الجهّال بحقائق الأمور يتغافلون ويتناسون هذه
الحقيقة الواضحة البرهان في ارث الزهراء 3
خاصة والولاية لعلي 7
بعد النبي 6 عامة ،
ويدافعون عن الباطل ويمدهم الشيطان بطغيانهم لحرف المسلمين عن الطريق المستقيم ،
والمحجة البيضاء بولاية عليّ و أولاده الأئمة الاطهار :.
فمن هذا المنطلق كان لابدلنا من وقفة
يسيرة من عنوان الولاية والحق السليب من أهل بيت النبوة : تلك هي فدك التي جاءت لتعبر عن معاني
الولاء أو البراءة بالنسبة للذين يقفون في سدة الحكم الإسلامي إذ إبان رحلة النبي
الأكرم 6 ، وفدك قرية
بالحجاز ، بينهما وبين المدينة يومان ، وقيل : ثلاثة ، أفاءها الله إلى رسوله 6 في سنة « سبع » صلحاً ، وذلك أن النبي 6 لما نزل خيبر وفتح حصونها ، ولم يبق
إلا ثلاث واشتد بهم الحصار ، راسلوا رسول الله يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل
، وبلغ ذلك من أهل فدك ، فأرسلوا الىٰ رسول الله 6 أن يصالحهم على النصف من ثمارهم
وأموالهم فأجابهم إلى ذلك ، فهي مما لم يوجف عليه بِخيل ولا ركاب ، فكانت خالصة
لرسول الله 6 ، فيها عين
خوارة ونخيل كثير ، وهي التي أقطعها رسول الله فاطمة صلوات الله عليها ولقد نزلت الآيات القرآنية الكريمة على
قلب الرسول الأكرم كي تثبت حقيقة خالدة على مر العصور ألا وهي منح فاطمة الزهراء
فدكا
__________________
وعلى لسان القرآن
الكريم ، لذلك تعتبر فدك منحة ربانية قبل أن تكون هدية نبوية ، حيث جاء قوله تعالى
: ( وَمَا أَفَاءَ اللهُ
عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا
رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ
وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
* مَّا
أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينِ
وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا
اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
) . ليكون دليلاً على أنّ قوله تعالى ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ
) هو كون فدك
للصديقة الطاهرة فاطمة 3
، ولقد أيدت هذا القول الكثير من الكتب الواردة في تفسير قوله تعالى ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ
) منها كشف
الغمة وتفسير
العياشي
وكتاب تأويل الآيات
وتفسير مجمع البيان
وتفسير فرات
، حيث أجمعت جميع هذه الكتب أنّ فدك هبة من الله تعالى في القرآن الكريم وعلى لسان
الرسول لفاطمة 3
، والذي يظهر من جميع هذه الكتب ان فدك لفاطمة ولعقبها من بعدها أي للائمة : ، ولقد غصبت فدك ظلماً وعدواناً بعد
وفاة النبي 6 ، أما
الشاهد على كونها هبة من الله تعالى ما روي في تفسير الإمام الرضا 7 ، في مسألة اصطفاء أهل البيت في الكتاب
العزيز في اثني عشر موطناً ... قال 7
: والآية الخامسة : قول الله عز وجل : (
وَآتِ ذَا
الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) ؛ خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها
، واصطفاهم على الأمة ؛ فلما نزلت هذه الآية على رسول الله 6 قال أدعوا إليَّ فاطمة ، فدعيت له : « فقال ، قالت : لبيك
يا رسول الله. فقال : هذه فدك ، هي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وهي لي خاصة ،
دون المسلمين ، قد جعلتها لك لما أمرني الله تعالى به ، فخذيها لك ولولدك »
.
__________________
ولكن القوم لم يتحملوا أن تكون فدك
خالصة لأهل بيت النبوة بل شحت عليها أنفس القوم ، وإلى ذلك أشار الإمام علي 7 في رسالته لابن حنيف : « بلى كانت في أيدينا
فدك من كل ما أضلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين ونعم
الحكم الله » ، والذي يظهر من جميع الروايات الواردة
في المقام : إن فدك كانت فيئاً أفاءها الله على نبيه خاصة دون المسلمين لانه لم
يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فأنزل الله تعالى : (
وَآتِ ذَا
الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) فقال 6
لجبرائيل 7 ومن ذا
القربى ؟ وما حقه ؟ : أعط فاطمة فدكاً ، فأعطاها حوائط فدك ، وما لله ولرسوله فيها
فدعا حسناً وحسيناً وفاطمة :
وقال لها 3 : إن الله
قد أفاء على أبيك فدكاً ، واختصه بها ، فهي لي خاصة دون المسلمين ، أفعل بها ما
أشاء. وقال : كان لأمك خديجة على أبيك مهر وأنّ أباك قد جعل فدك لك بذلك.
أقول : يظهر من هذا الكلام أنَّ مسألة
المهر الحاضر للزوجة يكون في ذمة الرجل في حالة عدم دفعه بعد وفاة الزوجة ولابد من
أعطاءه للورثة الذين هم أبناء الزوجة لذا كانت فاطمة وريثة أمها خديجة في مهرها
فأعطاها فدك في قبال ذلك ، هذا ما نستفيده من خلال الرواية وقال 6 : نحلتكها لتكون لك ولولدك من بعدك
فخذيها ، وقال 6
: أكتب لفاطمة نحلة من رسول الله.
وبالجملة فرسول الله 6 أعطاها حقها بأمر الله فدكاً ، فكانت
لها من الله تعالى وقد جعلها في حياته لها نحلة ، وأشهد على ذلك أمير المؤمنين وأم
أيمن. وقالت فاطمة 3
: لست أحدث فيها حدثاً وأنت حي ، أنت أولىٰ بي من نفسي ومالي لك ثم قالت في
احتجاجها 3 في مسجد
النبي 6 : هذا كتاب
رسول الله أوجبها لي ولولدي دون المؤمنين ، وعلىٰ كلٍ فليس في الروايات في
تعيين من له فدك ، ذكر علي أو ما يشعر بأن فدكاً له وهو أول الأئمة ، أو لخصوص
الأئمة من ولد الحسين 7
، أو للامامة ومن يتصدىٰ لها ، بل هي عطية ونحلة وهبها وأعطاها النبي 6 فاطمة 3
لذي قربىٰ رسول الله 6
في اليوم ، وهم فاطمة وولديها الحسن والحسين :
كما
__________________
دعاهم واعطاها لتكون
لفاطمة والحسن والحسين :
ولا إختصاص في عقب فاطمة 3
بالأئمة من ولد الحسين دون الحسن :
، وبعد فاطمة والحسن والحسين :
تكون ميراثاً لعقب الحسن والحسين :.
ثمَّ
قالت فنحلةٌ لي من والدي
|
|
المصطفىٰ فلم ينحلاها
|
فأقامت بها شهوداً فقالوا
|
|
بعلُها شاهدٌ لها وابناها
|
لم يجيزوا شهادة ابني رسولِ
|
|
الله هادي الانام إذ ناصباها
|
إخراج عمال فاطمة 3
من فدك
وردت عدة أحاديث وروايات أثبتت حقيقة
واضحة البرهان
جليلة البيان وهي أنه لما بويع أبو بكر ، واستقام له الأمر على جميع المهاجرين
والأنصار ، بعث إلى فدك وأخرج وكيل فاطمة 3
بنت رسول الله 6
منها ، فجاءت فاطمة 3
مستعدية فطالبها بالبينة ؛ فجاءت بعلي والحسنين صلوات الله عليهم وأُم أيمن
المشهود لها بالجنة ، فرد شهادة أهل البيت :
بجرّ النفع وشهادة أُم أيمن بقصورها عن نصاب الشهادة ثم أدعتها على وجه الميراث ،
فغضبت عليه وعلىٰ عمر فهجرتهما ، واوصت بدفنها ليلاً ، لئلا يصلّيا عليها
فاسخطا بذلك ربّهما ورسوله ، واستحقا اليم النكال ، وشديد الوبال. ثم لما انتهت
الإمارة إلىٰ عمر بن عبد العزيز ردّها علىٰ بني فاطمة : ، ثم انتزعها منهم يزيد بن عبد الملك ،
ثم دفعها السفاح الى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب 8 ، ثم أخذها المنصور ، ثم اعادها المهدي
، ثم قبضها الهادي ، ثم ردها المأمون لما جاءه رسول بني فاطمة ، فنصب وكيلاً من
قبلهم وجلس محاكماً فردها عليهم ، وفي ذلك يقول دعبل الخزاعي :
أصبح وجه الزمان قد ضحكا
|
|
بردّ مأمون هاشماً فدكا
|
__________________
خطأ الخليفة الأوّل
ولنبين خطأ أبي بكر في تلك القضية مع
وضوحها بوجوه :
أما أن فدكاً كانت لرسول الله 6 فمما لا نزاع فيه ، وقد أوردنا من
رواياتنا وأخبارنا للمخالفين ما فيه كفاية ونزيده وضوحاً بما رواه في جامع الأصول
: مما أخرجه من صحيح « أبي داود » عن عمر ، قال :
إنّ أموال بني النضير مما أفاء الله علىٰ
رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت لرسول الله 6 خاصة قرىٰ عرينة وفدك وكذا وكذا
ينفق علىٰ أهله منها نفقة سنتهم ، ثم يجعل ما بقى في السلاح والكراع عدة في
سبيل الله وتلا : (
مَّا
أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ ) الآية.
وروي أيضاً : عن مالك بن أوس قال : كان
فيما احتج به عمر أن قال : كانت لرسول الله 6
ثلاث صفايا : بنو النضير ، وخيبر ، وفدك ، إلىٰ آخر الخبر.
وروى ابن أبي الحديد : قال أبو بكر :
حدّثني أبو زيد عمر بن شبّه ، قال : حدثنا حيان ابن بشير ، قال : حدثنا يحيىٰ
بن آدم ، قال : أخبرنا ابن أبي زائدة
، عن محمد ابن إسحاق ، عن الزهري ، قال : بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا ؛ فسألوا
رسول الله 6 أن يحقن
دماءهم ويسيرهم ، ففعل ، فسمع ذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك ، وكانت للنبي 6 خاصة ، لانه لم يوجف عليها بخيل ولا
ركاب « قال » : قال أبو بكر : وروىٰ محمد بن اسحاق أيضاً : إن رسول الله 6 لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب في
قلوب أهل فدك ، فبعثوا إلىٰ رسول الله 6
فصالحوه على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق ، أو بعد ما قدم
المدينة
، فقبل ذلك منهم وكانت فدك لرسول الله 6
خالصة له ، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، قال : وقد روي انه صالحهم عليها
كلّها ، الله أعلم أيّ الأمرين كان ، انتهى.
وسيأتي اعتراف عمر بذلك في تنازع عليّ 7 والعباس ؛ وأما أنّه وهبها لفاطمة 3
__________________
فلأنّه لا خلاف في
أنّها صلوات الله عليها ادّعت النحلة مع عصمتها بالأدلة المتقدمة ، وشهد لها من
ثبت عصمته بالأدلة الماضية والآتية والمعصوم لا يدّعي ، إلاّ الحقّ ولا يشهد إلاّ
بالحقّ ويدور الحقّ معه ، حيثما دار ؛ وأمّا انها كانت في يدها صلوات الله عليها
فلأنّها ادعتها بعد الوفاة 6
على وجه الاستحقاق وشهد المعصوم بذلك لها ، فإن كانت الهبة قبل الموت تبطل بموت
الواهب ، كما هو المشهود ، ثبت القبض وإلاّ فلا حاجة إليه في إثبات المدّعى.
قد مرّ من الأخبار الدالّة على نحلتها
وانّها كانت في يدها 3
ما يزيد على كفاية المنصف بل يسدّ طريق إنكار المتعسف ، ويدلّ على أنها كانت في
يدها صلوات الله عليها ما ذكر أمير المؤمنين 7
في كتابه إلى عثمان بن حنيف ، حيث قال : « بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته
السماء فشعت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين ، ونعم الحكم الله « وما أصنع
بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غير جدث ! »
.
وأمّا أنَّ أبا بكر وعمر أغضبا فاطمة 3 فقد اتضح بالاخبار المتقدمة ، ثم اعلم انا
لم نجد أحداً من المخالفين أنكر كون فدك خالصة لرسول الله 6 في حياته ، ولا أحداً من الأصحاب طعن
على أبي بكر بإنكاره ذلك ، إلاّ ما تفطّن به بعض الافاضل من الاشارف ، من أنه يظهر
من أخبار المؤالف والمخالف ذلك. وقد تقدم ما رواه ابن ابي الحديد في ذلك ، عن أحمد
بن عبد العزيز الجوهري وغيرها من الأخبار ،
__________________
ولا يخفى ، ان ذلك
يتضمن إنكار الآية وإجماع المسلمين : إذ القائل :
إن رسول الله 6 كان يصرف شيئاً من غلّة فدك وغيره من
الصفايا في بعض مصالح المسلمين ، لم يقل بأنها لم تكن لرسول الله 6 ، بل قال : بأنه فعل ذلك علىٰ
وجه التفضّل وابتغاء مرضاة الله تعالىٰ ؛ وظاهر الحال أنه أنكر ذلك دفعاً
لصحة النحلة ، فكيف كان يسمع الشهود علىٰ النحلة مع ادّعائه أنها كانت من
أموال المسلمين.
واعتذر المخالفون من قبل أبي بكر بوجوه
سخيفة :
الأول
: منع عصمتها صلوات الله عليها ، وقد
تقدمت الدلائل المثبتة لها.
الثاني
: أنه لو سلم عصمتها ، فليس للحاكم أن
يحكم بمجرد دعواها ، وإن تيقن صدقها ، وأجاب أصحابنا بالادلة الدالة على أن الحاكم
يحكم بعلمه ؛ وأيضاً اتّفقت الخاصة والعامة على رواية قصة خزيمة بن ثابت وتسميته
بذي الشهادتين لما شهد للنبي 6
بدعواه ، ولو كان المعصوم كغيره لما جاز النبي 6
قبول شاهد واحد والحكم لنفسه ، بل كان يجب عليه الترافع إلىٰ غيره ، وقد روىٰ
أصحابنا :
أن أمير المؤمنين 7 خطّا شريحاً في طلب البيّنة ، وقال :
إن إمام المسلمين يؤتمن من امور علىٰ ما هو أعظم من ذلك ، وأخذ ما ادّعاه من
درع طلحة بغير حكم شريح ، والمخالفون حرّفوا هذا الخبر وجعلوه حجة لهم ، واعتذروا
بوجوه اخرىٰ سخيفة لا يخفىٰ علىٰ عاقل بعد ما أوردنا في تلك
الفصول ضعفها ووهنها ، فلا نطيل الكلام بذكرها.
بطلان دعوى عدم توريث الأنبياء :
استدل أصحابنا علىٰ بطلان ذلك بآي
من القرآن الكريم منها : قوله تعالىٰ مخبراً عن زكريا 7 : (
وَإِنِّي
خِفْتُ المَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن
لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ
مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا
) قوله تعالىٰ
: ( وَلِيًّا
) أي : ولداً
يكون أولىٰ بميراثي ، وليس المراد بالولي من يقوم مقامه ولداً كان أو غيره ،
لقوله
تعالىٰ حكاية
عن زكريّا ( رَبِّ هَبْ لِي مِن
لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً
).وقوله ( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ
الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ
) ، والقرآن
يفسّر بعضه بعضاً ، واختلف المفسرون في أن المراد بالميراث العلم أو المال فقال
ابن عباس والحسن والضحاك : أن المراد به في قوله تعالىٰ : ( يَرِثُنِي
) وقوله
سبحانه : ( وَيَرِثُ مِنْ آلِ
يَعْقُوبَ )
ميراث المال. وقال أبو صالح : المراد به في الموضعين ميراث النبوة.
وقال السدي ومجاهد والشعبي : المراد في
الأول : ميراث المال ، وفي الثاني : ميراث النبوة ، وحكىٰ هذا القول عن ابن
عباس والحسن والضحاك.
وحكي عن مجاهد ، أنه قال : المراد من
الأول : العلم ، ومن الثاني : النبوة.
وأما وجه دلالة الآية علىٰ المراد
فهو أن لفظ الميراث في اللغة والشريعة والعرف إذا اطلق ولم يقيد ، لا يفهم منه
إلاّ الأموال وما في معناها ، ولا يستعمل في غيرها إلاّ مجازاً ، وكذا لا يفهم من
قول القائل : « لا وارث لفلان » إلاّ من ينتقل إليه أمواله وما يضاهيها دون العلوم
وما يشاكلها ، ولا يجوز العدول ، عن ظاهر اللفظ وحقيقته إلاّ لدليل ، فلو لم يكن
في الكلام قرينة توجب حمل اللفظ على أحد المعنيين ، لكفى في مطلوبنا ، كيف
والقرائن الدالة على المقصود موجودة في اللفظ.
أما
أوّلاً : فلأنّ زكريا 7 اشترط في وارثه أن يكون رضياً ، وإذا
حمل الميراث على العلم والنبوّة لم يكن للإشتراط معنى ، بل كان لغواً عبثاً ،
لأنّه إذا سأل من يقوم مقامه في العلم والنبوة فقد دخل في سؤاله الرضا ، وما هو
أعظم منه ، فلا معنىٰ لاشتراطها ، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول أحد : اللهم
ابعث إلينا نبياً واجعله مكلفاً عاقلاً.
وأما
ثانياً : فلأن الخوف من بني العمّ ومن يحذو
حذوهم يناسب المال دون النبوة والعلم ، وكيف يخاف مثل زكريا 7 من أن يبعث الله تعالىٰ إلىٰ
خلقه نبياً يقيمه مقام زكرياً ولم يكن أهلاً للنبوة والعلم سواء كان من موالي
زكرياً أو من غيرهم ؛
علىٰ أن زكريّا 7 كان إنما بعث لإذاعة العلم ونشره في
الناس ، فلا يجوز أن يخاف من الأمر الذي هو الغرض من بعثته ؛ فإن قيل : كيف يجوز
على مثل زكريّا 7
الخوف من أن يرث الموالي ماله ، وهل هذا إلاّ الشحّ والبخل ؟
قلنا : لمّا علم زكريّا 7 من حال الموالي أنهم من أهل الفساد ،
خاف أن ينفقوا أمواله
في المعاصي ،
ويصرفوه في غير الوجوه المحبوبة ، مع أنّ في وراثتهم ماله كان يقوي فسادهم وفجورهم
، فكان خوفه خوفاً من قوة الفسّاق ، وتمكنهم في سلوك الطرائق المذمومة وانتهاك
محارم الله عزّ وجلّ ، وليس مثل ذلك من الشحّ والبخل ؛
فإن قيل : كما جاز الخوف علىٰ
المال جاز الخوف علىٰ وراثتهم العلم ، لئلاّ يفسدوا به الناس ويضلّوهم ، ولا
ريب في أنّ ظهور آثار العلم كان فيهم من دواعي إتباع الناس وإياهم وانقيادهم لهم ؟
قلنا : لا يخلو هذا العلم الذي ذكرتموه
من أن يكون هو كتب علمية وصحف حكمية ، لأنّه قد يسمى علما مجازاً ، أو يكون هو
العلم الذي يملأ القلوب وتعيه الصدور ؛
فإن
كل الأوّل ، فقد رجع إلىٰ
معنىٰ المال ، وصحّ أن الأنبياء :
يورثون الاموال وكان حاصل خوف زكريّا 7
أنه خاف من أن ينتفعوا ببعض أمواله نوعاً خاصاً من الإنتفاع ، فسأل ربّه ان يرزقه
الولد حذراً من ذلك ؛
وإن
كان الثاني : فلا يخل أيضاً من
أن يكون هو العلم ، الّذي بعث النبي لنشره وأدائه إلىٰ الخلق ، أو أن يكون
علماً مخصوصاً لا يتعلق بشريعة ، ولا يجب إطّلاع الأمة عليه كعلم العواقب وما يجري
في مستقبل الأوقات ونحو ذلك. والقسم الأول : لا يجوز أن يخاف النبي من وصوله إلىٰ
بني عمّه ، وهم من جملة اُمته المبعوث إليهم لأن يهديهم ويعلمهم وكان خوفه من ذلك
خوفاً من غرض البعثة.
والقسم
الثاني : لا معنىٰ للخوف من أن يرثوه إذ
أمره بيده ، ويقدر علىٰ أن يلقيه اليم ولو صحّ الخوف على القسم الأوّل لجرىٰ
ذلك فيه أيضاً فتأمل.
هذا خلاصة ما ذكره السيّد المرتضى 2 في الشافي عند تقرير هذا الدليل وما
أورده عليه من تأخّر عنه يندفع بنفس التقرير ، كما لا يخفىٰ على الناقد
البصير فلذا لا نسوّد بإيرادها الطوامير.
الآية
الثانية : قوله تعالى : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ
) وقال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ
الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ
المُبِينُ )
وجه الدلالة هو أنّ المتبادر من قوله تعالىٰ ورث : أنّه ورث ماله كما سبق في
الآية المتقدمة ، فلا يعدل عنه إلاّ لدليل ؛
وأجاب قاضي القضاة
في المغني : بأن في ما يدل علىٰ أن المراد وراثة العلم دون المال ، وهو قوله
تعالىٰ : وقال : (
يَا
أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ
) ، فإنه يدل
علىٰ أنّ الّذي ورث هو هذا العلم وهذا الفضل ، وإلاّ لم يكن لهذا تعلّق
بالاول ؛
وقال الرازي في تفسيره : لو قال تعالى
ورث سليمان داود ماله لم يكن لقوله تعالىٰ : (
يَا
أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ
) معنىٰ
، وإذا قلنا : ورث مقامه من النبوّة والملك حسن ذلك ، لانّ علم منطق الطير يكون
داخلاً في جملة ما ورثه ، وكذلك قوله : (
وَأُوتِينَا
مِن كُلِّ شَيْءٍ ) لأن وارث العلم يجمع ذلك ، ووارث المال
لا يجمعه ، وقوله : (
إِنَّ
هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ المُبِينُ
) يليق أيضاً
بما ذكر دون المال ، الّذي يحصل للكامل والناقص. وما ذكره الله تعالىٰ من
جنود سليمان بعده ، لا يليق إلاّ بما ذكرنا فبطل بما ذكرنا قول من زعم أنّه لا
يورث إلاّ المال فأما إذا ورث المال والملك معاً ؛ فهذا لا يبطل بالوجوه الّذي
ذكرنا بل بظاهر قوله 6
: « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث » ؛
وردّ السيّد المرتضىٰ 2 في الشافي كلام المغني بأنّه : لا
يمتنع أن يريد ميراث المال خاصّة ، ثمّ يقول مع ذلك إنّا علّمنا منطق الطير ويشير
بالفضل المبين إلى العلم والمال جميعاً ، فله في الأمرين جميعاً فضل على من لم يكن
كذلك ؛ وقوله : (
وَأُوتِينَا
مِن كُلِّ شَيْءٍ ) يحتمل المال كما يحتمل العلم ، فليس
بخالص لما ظنه ولو سلّم دلالة الكلام لما ذكره ، فلا يمتنع ، أن يريد أنه ورث
المال بالظاهر والعلم بهذا النوع من الإستدلال ، فليس يجب إذا دلّت الدلالة في بعض
الألفاظ على المجاز أن نقتصر بها عليه ، بل يجب ان نحملها على الحقيقة التي هي
الأصل ، إذا لم يمنع من ذلك مانع ؛ وقد ظهر بما ذكره السيد 1 ، بطلان قول الرازي أيضاً ، وكان
القاضي يزعم أنّ العطف لو لم يكن للتفسير لم يكن للمعطوف تعلق بما عطف عليه ،
وانقطع نظام الكلام وما اشتهر من أن التأسيس أولى من التأكيد ، من الأغلاظ
المشهورة ، وكان الرازي يذهب إلى أنّه لا معنى للعطف ، إلاّ إذا كان المعطوف
داخلاً في المعطوف عليه ، فعلى أي شيء يعطف حينئذ قوله تعالى : ( وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ
) فتدبروا :
أمّا قوله : أنّ المال يحصل للكامل والناقص ، فلو حمل الميراث على المال لم يناسب
قوله : ( إِنَّ هَٰذَا
لَهُوَ الْفَضْلُ المُبِينُ ) فيرّد عليه :
أنّه إنما يستقيم إذا كانت الإشارة إلىٰ
أوّل الكلام فقط ، وهو وراثة المال وبعده ظاهر ،
ولو كانت الإشارة
إلىٰ مجموعة الكلام كما هو الظاهر أو إلىٰ أقرب الفقرات ؛ أعني قوله :
( وَأُوتِينَا مِن كُلِّ
شَيْءٍ )
لم يبق لهذا الكلام مجال ؛ وكيف لا يليق الإشارة دخول المال في جملة المشار إليه
وقد منّ الله تعالىٰ علىٰ عباده ، وفي غير موضع من كلامه المجيد بما
أعطاهم في الدنيا من صنوف الأموال وأوجب علىٰ عباده الشكر عليه ، فلا دلالة
فيه علىٰ عدم إرادة وراثة المال سواء كان من كلام سليمان أو من كلام المالك
المنّان ؛ وقد ظهر بذلك بطلان قوله أخيراً إنّ ما ذكره الله من جنود سليمان لا
يليق إلاّ بما ذكرنا ، بل الاظهر أنّ حشر الجنود من الجن والإنس والطير قرينة علىٰ
عدم إرادة الملك من قوله : (
وَوَرِثَ
سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) فإنّ تلك الجنود لم تكن لداود حتّىٰ
يرثها سليمان ، بل كانت عطية مبتدأة من الله تعالىٰ لسليمان 7 ، وقد أجرى الله تعالى على لسانه أنّه
أخبر الإعتراف بأنّ ما ذكره لا يبطل قول من حمل الآية على وراثة الملك والمال معاً
فإنّه يكفينا في إثبات المدّعى ؛
وسيأتي الكلام في الحديث الّذي تمسّك به.
الآية
الثالثة : ما يدّل على وارثة الاولاد والأقارب ،
كقوله تعالى : (
لِّلرِّجَالِ
نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ
مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا
مَّفْرُوضًا ) وقوله تعالى : ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) وقد اجتمعت الأمّة على عمومها إلاّ من
أخرجه الدليل ، فيجب أن يتمسك بعمومها إلاّ إذا قامت دلالة قاطعة ؛ وقد قال سبحانه
عقيب آيات الميراث : (
تِلْكَ
حُدُودُ اللهِ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن
تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
* وَمَن
يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا
فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
) ؛ ولم يقم
دليل على خروج النبي 6
من قوله : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة ؛
قال صاحب المغني : لم يقتصر أبو بكر على
رواية حتّى استشهد عليه عمر وعثمان وطلحة والزبير وسعداً وعبد الرحمن بن عوف ،
فشهدوا به فكان لا يحل لأبي بكر ، وقد صار الأمر إليه أن يقسم التركة ميراثاً ،
وقد أخبر الرسول 6
بأنّها صدقة وليس بميراث ؛ وأقلّ ما في الباب أن يكون الخبر من أخبار الآحاد ، فلو
أنّ شاهدين شهدا
في التركة أنّ فيها
حقّاً ، أليس كان يجب أن يصرفه عن الإرث ؟ فعلمه بما قال الرسول 6 مع شهادة غيره أقوى ، ولسنا نجعله
مدعياً ، لأنّه لم يدّع ذلك لنفسه وإنّما بين أنه ليس بميراث ، وأنه صدقة ولا
يمتنع تخصيص القرآن بذلك كما يخص في العبد والقاتل وغيرهما.
ويرد عليه : أنّ الإعتماد في تخصيص
الآيات ، إمّا على سماع أبي بكر ذلك الخبر من رسول الله 6 ويجب على الحاكم ان يحكم بعمله ؛ وإما
على شهادة من زعموهم شهوداً على الرواية ، أو على مجموع الأمرين ، أو على سماعه من
حيث الرواية مع انضمام الباقين إليه ؛ فإن كان الأول فيرد عليه بوجوه من الايراد عليه
:
الأول
: ما ذكره السيّد 2 في « الشافي » من أنّ أبا بكر في حكم
المدّعي لنفسه والجار إليها نفعاً في حكمه ، لأن أبابكر وسائر المسلمين سوى أهل
البيت 7 تحل لهم
الصدقة ، ويجوز أن يصيبوا منها ، وهذه تهمة في الحكم والشهادة ثمّ قال 2 : وليس له أن يقول يقتضي أن لا تقبل
شهادة شاهدين في تركة فيها صدقة بمثل ما ذكرتم ، وذلك لأن الشاهدين إذا شهدا بالصدقة
فحظهما منها كحظّ صاحب الميراث ، بل سائر المسلمين ، وليس كذلك حال تركة الرسول 6 لأنّ كونها صدقة يحرّمها على ورثته ،
ويبيحها لسائر المسلمين ، انتهى.
ولعلّ مراده 4 أنّ لحرمان الورثة في خصوص تلك المادة
شواهد على التهمة بأن كان غرضهم إضعاف جانب أهل البيت : ، لئلاّ يتمكنوا عن المنازعة في
الخلافة ، ولا يميل الناس لنيل الزخارف الدنيوية ، فيكثر أعوانهم وأنصارهم ويظفروا
بإخراج الخلافة والإمارة من أيدي المتغلّبين ، اذ لا يشك أحد ممن نظر في أخبار
العامة والخاصة ، في أن أمير المؤمنين 7
كان في ذلك الوقت طالباً للخلافة ، مدّعياً لإستحقاقه لها ، وأنّه لم يكن إنصراف
الاعيان والاشراف عنه ، وميلهم إلى غيره إلا لعلمهم بأنه لا يفضّل أحداً منهم على
ضعفاء المسلمين ، وأنه يسوّى بينهم في العطاء والتقريب ، ولم يكن إنصراف سائر
الناس عنه إلا لقلة ذات يده ، وكون المال والجاه مع غيره.
والأولى أن يقال في الجواب : أنه لم تكن
التهمة لأجل أن له حصة في التركة ، بل لأنه
كان يريد أن يكون
تحت يده ، ويكون حاكماً فيه يعطيه من يشاء ، ويمنعه من يشاء ويؤيده : قول أبي بكر
فيما رواه في جامع الاصول من سنن أبي داود ، عن أبي الطفيل ، قال : جاءت فاطمة 3 إلى أبي بكر تطلب ميراثها من أبيها ،
فقال لها ، سمعت رسول الله 6
: إنّ الله إذا أطعم نبياً طعمة فهو للذي يقوم من بعده ؛ ولا ريب في أنّ ذلك ممّا
يتعلق به الأغراض ، ويعد من جلب المنافع ، ولذا لا تقبل شهادة الوكيل فيما هو وكيل
فيه والوصي فيما هو وصي فيه ؛ وقد ذهب قوم إلى عدم جواز الحكم بالعلم مطلقاً لأنّه
مظنة التهمة ، فكيف إذا قامت القرائن عليه من عداوة ومنازعة ، وإضعاف جانب ونحو
ذلك ، والعجب أنّ بعضهم في باب النحلة منعوا بعد تسليم عصمة فاطمة 3 جواز الحكم بمجرد الدعوى وعلم الحاكم
بصدقها ، وجوزوا الحكم بأن التركة صدقة ، للعلم بالخبر مع معارضته للقرآن وقيام
الدليل على كذبه.
الثاني
: أنّ الخبر معارض للقرآن لدلالة الآية
في شأن زكريّا وداود :
على الوراثة وليست الآية عامّة حتّى تخصص بالخبر فيجب طرح الخبر ، لا يقال : إذا
كانت الآية خاصّة فينبغي تخصيص الخبر بها ، وحمله على غير زكريا وداود 8 لأنّا نقول : الحكم بخروجهما عن حكم
الأنبياء مخالف لإجماع الأمة ، لإنحصارها بالإيراث مطلقاً ، وعدمه مطلقاً ، فلا
محيص عن الحكم بكذب الخبر ، وطرحه.
الثالث
: أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان
يرى الخبر موضوعاً باطلاً ، وكان 7
لا يرى إلاّ الحق والصدق ، فلابد من القول بأنّ من زعم أنّه سمع الخبر كاذب.
أما الأولى : فلما رواه مسلم ، في «
صحيحة » وأورده في « جامع الأصول » أيضاً عن مالك بن أوس ـ في رواية طويلة ـ قال :
عمر لعليّ 7 والعبّاس ،
قال أبو بكر : قال رسول الله 6
: لا نورث ، ما تركناه صدقة ، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً ، والله يعلم
أنّه لصادق بار راشد تابع للحق ، ثمّ توفي أبو بكر ، فقلت : أنا وليّ رسول الله 6 وولي أبي بكر ، فرأيتماني كاذباً
غادراً آثماً خائناً ، والله يعلم أنّي لصادق بار تابع للحقّ فولّيتها.
وعن البخاري : في منازعة علي والعباس
فيما أفاء الله على رسوله 6
من بني
النضير ، أنه قال
عمر بن الخطاب : قال أبو بكر : أنا ولي رسول الله 6
، فقبضها فعمل فيها بما عمل رسول الله 6
ـ وأنتما حينئذ ـ وأقبل علىٰ علي 7
والعباس تزعمان أن أبابكر فيها كذا. والله يعلم أنّه فيها صادق بار راشد تابع للحق
وكذلك زاد في حق ، نفسه ، قال : والله يعلم أنّي فيها صادق بار راشد تابع للحق ،
إلى آخر الخبر ، وقد روىٰ ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، : من كتاب «
السقيفة » عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري « مثله » بأسانيد. وأما المقدمة الثانية
: فلما مر وسيأتي من الأخبار المتواترة ، في أنّ عليّاً 7 لا يفارق الحق والحق لا يفرقه ، بل
يدور معه حيث ما دار ، ويؤيده روايات السفينة والثقلين وأضرابهما.
الرابع
: أنّ فاطمة 3 أنكرت رواية أبي بكر ، وحكمت بكذبه
فيها ، ولا يجوز الكذب عليها ، فوجب الرواية وراويها.
أما المقدمة الاولىٰ : فلما مر في
خطبتها وغيرها ، وسيأتي من شكايتها في مرضها وغيرها ، وقد رووا في صحاحهم : أنها 3 انصرفت من عند أبي بكر ساخطة ، وماتت
عليه واجدة ، وقد اعترف بذلك ابن أبي الحديد ؛ وأما الثانية : فلما مرّ من عصمتها
وجلالتها 3.
الخامس
: أنّه لو كانت تركة رسول الله 6 صدقة ، ولم يكن لها صلوات الله عليها
حظّ فيها ، لبيّن النبي 6
الحكم لها إذا التكليف في تحريم أخذها ، يتعلق بها ولو بينه لها لما طلبتها
لعصمتها ، ولا يرتاب عاقل في أنّه لو كان بين رسول الله 6 لأهل بيته أن تركتي صدقة لا تحل لما
خرجت ابنته وبضعته من بيتها مستعدية ساخطة صارخة في معشر المهاجرين ، والانصار ،
تعاتب إمام زمانها بزعمكم ، وتنسبه إلى الجور والظلم في غصب تراثها ، وتستنصر
المهاجر ، والانصار ، في الوثوب عليه ، وإثارة الفتنة بين المسلمين ، وتهيّج الشرّ
، ولم تستقر بعد أمر الامارة والخلافة ، وقد أيقنت بذلك طائفة من المؤمنين ، أن
الخليفة غاصب للخلافة ناصب لأهل الإمامة ، فصبّوا عليه اللعن والطعن إلى نفخ الصور
وقيام النشور ؛ وكان ذلك من أكد الدواعي إلىٰ شقّ عصا المسلمين ، وافتراق
كلمتهم ، وتشتت اُلفتهم ، وقد كانت تلك النيران يخمدها بيان الحكم لها ولامير
المؤمنين 7 ، ولعله لا
يجسر من اوتي حظاً من الاسلام على القول
بان فاطمة 3 مع علمها بأن ليس لها في التركة بأمر
الله نصيب ، كانت تقدم علىٰ مثل ذلك الصنيع ، أو كان أمير المؤمنين 7 مع علمه بحكم الله ، لم يزجرها عن
التظلم والإستعداء ، ولم بالقعود في بيتها ، راضية بأمر الله فيها ، وكان ينازع
العباس ، بعد موتها ويتحاكم إلىٰ عمر ابن الخطاب ؛ فليت شعري هل كان ذلك
الترك والإهمال لعدم الإعتناء بشأن بضعته الّتي كانت تؤذيه ما آذاها ، ويريبه ما رابها
، أو بأمر زوجها وابن عمّه وأخيه المساوي لنفسه ومواسيه بنفسه ، أو لقلة المبالاة
بتبليغ أحكام الله وأمر امته ، وقد أرسله الله بالحق بشيراً ونذيراً للعالمين.
السادس
: أنّا مع قطع النظر عن جميع ما تقدم ،
نحكم قطعاً بأن مدلول هذا الخبر كاذب باطل ومن اسند إليه هذا الخبر ، لا يجوز عليه
الكذب ، فلابدّ من القول بكذب من رواه ، والقطع بأنه وضعه وافتراه ؛ وأما المقدمة
الثانية فغنية عن البيان.
وأما الاولىٰ : فبيانها أنّه قد
جرت عادة الناس قديماً وحديثاً بالإخبار عن كل ما جرى ، بخلاف المعهود بين كافة
الناس ، وخرج عن سنن عاداتهم ، سيمّا إذا وقع في كل عصر وزمان ، وتوفرت الدواعي ،
إلى نقله وروايته ؛ ومن المعلوم لكل أحد ، أن جميع الامم علىٰ اختلافهم في
مذاهبهم يهتمون بضبط أحوال الأنبياء وسيرتهم ، وأحوال أولادهم ، ومن المعلوم أيضاً
أنّ العادة قد جرت من يوم خلق الله الدنيا واهلها ، إلىٰ زمان انقضاء مدتها
وفنائها ، بأن يرث الاقربون من الاولاد ، وغيرهم أقاربهم وذوي أرحامهم ، وينتفعون باموالهم
وما خلفوه بعد موتهم ؛ ولا شك لأحد في أنّ عامة الناس ، عالمهم وجاهلهم ، وغنيهم
وفقيرهم وملوكهم ، ورعاياهم يرغبون إلىٰ كل ما نسب إلىٰ ذي شرف وفضيلة
، ويتبركون به ويحرزه الملوك في خزائنهم ، ويوصون به لاحب أهلهم ، فكيف بسلاح الأنبياء
في ثيابهم وأمتعتهم ، ألا ترى إلىٰ الاعمىٰ إذ أبصر في مشهد من
المشاهد المشرفة ، أو توهمت العامة أنّه أبصر اقتطعوا ثيابه وتبركوا بها وجعلوها
حرزاً من كل بلاء ؛ إذا تمهّدت المقدمات فنقول :
لو كان ما تركه الأنبياء من لدن آدم 7 إلىٰ الخاتم 6 صدقة ، لقسمت بين الناس ، بخلاف
المعهود من توارث الآباء والاولاد وسائر الاقارب ، ولا يخلو الحال : إمّا أن
يكون كلّ نبي يبين
الحكم لورثته بخلاف نبينا 6
، أو يتركون البيان كما تركه 6
فجرىٰ علىٰ سنّة الذين خلوا من قبله ، من أنبياء الله : ؛
فإن كان الأوّل ، فمع أنّه خلاف الظاهر
، كيف خفي هذا الحكم علىٰ جميع أهل الملل والأديان ، ولم يسمعه أحد إلاّ أبو
بكر ، ومن يحذو حذوه ، ولم ينقل أحد أنّ عصا موسىٰ 7 فجرىٰ علىٰ وجه الصدقة إلى
فلان ، وسيف سليمان 7
صار إلى فلان ، وكذا ثياب سائر الأنبياء وأسلحتهم وأدواتهم فرّقت بين الناس ، ولم
يكن في ورثة أكثر من مائة الف نبي ، قوم ينازعون في ذلك ، وإن كان بخلاف حكم الله
عز وجل ؛ وقد كان أولاد يعقوب 7
مع علوّ قدرهم يحسدون علىٰ أخيهم ، ويلقونه في الجبّ لما رأوه أحبّهم إليه ،
أو وقعت تلك المنازعة كثيراً ، ولم ينقلها أحد في الملل السابقة وأرباب السير ، مع
شدّة اعتنائهم بضبط أحوال الأنبياء وخصائهم ، وما جرىٰ بعدهم كما تقدم ؛ وإن
كان الثاني ، فكيف كانت حال ورثة الأنبياء أكانوا يرضون بذلك ولا ينكرون ؟ فكيف
صارت ورثة الأنبياء جميعاً يرضون بقول القائمين بالأمر مقام الأنبياء ، ولم ترض به
سيّده النساء ؟ أو كانت سنة المنازعة جارية في جميع الامم ، ولم ينقلها أحد ممّن
تقدّم ، ولا ذكر من انتقلت تركات الأنبياء إليهم ؛ إنّ هذا لشيء عجاب ، وأعجب من
ذلك ، أنّهم ينازعون في وجود النص علىٰ أمير المؤمنين 7 ، مع كثرة الناقلين له من يوم السقيفة
إلىٰ الآن ؛ ووجوه الأخبار في صحاحهم ، وادّعائهم الشيعة تواتر ذلك ، من أول
الأمر إلىٰ الآن ويستندون في ذلك إلىٰ أنه لو كان حقاً ، لما خفي ذلك
لتوفر الدواعي إلى نقله وروايته ، فانظر بعين الإنصاف أن الدواعي لشهرة أمر خاص ،
ليس الشاهد له إلاّ قوم مخصوص من أهل قرن معين أكثر ، أم لشهرة أمر قل زمان من
الأزمنة من لدن آدم 7
إلىٰ الخاتم 6
عن وقوعه فيه ؟ مع أنّه ليس يدعو إلى كتمانه وإخفائه في الامم السالفة داع ، ولم
يذكره رجل في كتاب ، ولم يسمعه أحد من أهل ملّة ؛ ولعمري لا أشك في أن من لزم
الإنصاف وجانب المكابرة ، والإعتساف ، وتأمل في مدلول الخبر وأمعن النظر ، يجزم
قطعاً بكذبه وبطلانه ؛ وإن كان القسم الثاني ،وهو أن يكون إعتماد أبي بكر في تخصيص
الآيات بالخبر من حيث رواية الرواة له دون علمه بأنه من كلام الرسول 6 ، لسماعه باذنه فيرد عليه أيضاً
وجوه من النظر :
الأوّل
: أن ما ذكره قاضي القضاة ، من أنه شهد
بصدق الرواية في أيام أبي بكر : عثمان وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمان ،
باطل غير مذكور في سيرة ورواية من طرقهم وطرق أصحابنا ؛ وإنما المذكور في رواية
مالك بن أوس التي رووها في صحاحهم : أنّ عمر بن الخطاب لمّا تنازع عنده أمير
المؤمنين 7 والعبّاس
استشهد نفراً فشهدوا بصدق الرواية :
ولنذكر ألفاظ صحاحهم في رواية مالك بن
أوس على اختلافها ، حتّى يتضح حقيقة الحال : روي البخاري ومسلم وأخرجه الحميدي ،
وحكاه في جامع « الأصول » في الفرع الرابع من كتاب الجهاد من حرف الجيم ، عن مالك
أنّه قال : أرسل إليّ عمر فَجِئتَهُ حين تعالى النهار ، قال : فوجدته في بيته
جالساً على سرير مفضياً
، إلى رماله ، متكئاً على وسادة
من أدم ، فقال لي : يا مالك ، أنّه قد دفّ أهل أبيات من قومك وقد أمرت فيهم برضخ فخذه فأقسم بينهم قال : قلت : لو أمرت
بهذا غيري ، قال : خذه يا مالك ، قال : فجاء يرفأ فقال : هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن
عوف والزبير وسعد ؛ فقال عمر : نعم فأذن لهم فدخلوا ؛ ثمّ جاء فقال : هل لك في
عباس وعلي 7 قال : نعم
فأذن لهما : فقال العباس : اقض بيني وبين هذا ، فقال القوم أجل ! فاقض بينهم وارحهم
، قال مالك بن أوس : فخيل إليّ أنهم قد كانوا قدموهم لذلك ، فقال عمر اتّئدوا : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء
والأرض ، أتعلمون أن رسول الله 6
قال : لا نوّرث ما تركنا صدقة ؟ قالوا : نعم ؛ ثم أقبل على العبّاس وعليّ 7 فقال : أنشدكما بالله الذي باذنه تقوم
السماء والأرض ، أتعلمان أنّ رسول
__________________
الله 6 قال : لا نورث ، ما تركنا صدقة ؟ قالا
: نعم ، إلى آخر الخبر ؛ ثمّ حكى في جامع الأصول ، عن البخاري ومسلم ، أنّه قال
عمر لعلي 7 : قال أبو بكر
: قال رسول الله 6
: لا نورث ، ما تركناه صدقة ، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً ، خائناً ، وتزعمان
أنّه فيها كذا كما نقلنا سابقاً ؛ وحكي في جامع الاصول ، عن أبي دواد ، أنّه قال
أبو البختري : سمعت حديثاً من رجل فأعجبني ، فقلت : اكتبه لي ، فاتي به مكتوباً
مدبراً
، دخل العباس وعلي 7
على عمر ، وعنده طلحة والزبير وعبد الرحمان وسعد وهما يختصمان ، فقال عمر لطلحة
والزبير وعبد الرحمان وسعد : ألم تعلموا أن رسول الله 6 قال : كل مال النبي 6 صدقة ، إلاّ ما اطعمه أهله ، أو كساهم
، إنا لا نورث ؟ قالوا : بلى .
توضيح
: ولا يذهب علىٰ ذي فطنة أن شهادة
الاربعة التي تضمنتها الرواية الاولى والثانية علىٰ اختلافهما ، لم يكن من
حيث الرواية والسماع عن الرسول 6
، بل لثبوت الرواية عندهم بقول أبي بكر ، بقرينة أن عمر ناشد علياً 7 والعباس : أتعلمان أن الرسول الله 6 قال : لا نورث ، ما تركناه صدقة ؟
فقالا : نعم ؛ وذلك لانه لا يقدر أحد في ذلك الزمان على تكذيب تلك الرواية ، وقد
قال عمر في آخر الرواية : رأيتماه ، يعني أبا بكر كاذباً آثماً غادراً خائناً ،
وكذا في حق نفسه ؛ والعجب أن القاضي لم يجعل علياً 7
والعباس شاهدين على الرواية مع تصديقهما كما صدّق الباقون ، بل جميع الصحابة لأنهم
يشهدون بصدقهما.
وقال ابن أبي الحديد بعد حكاية كلام
السيد 2 في أن
الاستشهاد كان في خلافة عمر دون أبي بكر ، وأن معول المخالفين علىٰ إمساك
الأمة عن النكير علىٰ أبي بكر دون الاستشهاد ما هذا لفظه : قلت : صدق
المرتضى فيما قال ، أما عقيب وفاة النبي 6
ومطالبة فاطمة 3
بالإرث فلم يرو الخبر إلاّ أبا بكر وحده ، وقيل : إنّه رواه معه مالك بن أوس ابن
الحدثان ؛ وأما المهاجرين الذين ذكرهم قاضي القضاة فقد شهدوا بالخبر في خلافة عمر
، وتقدم ذكر ذلك ، وقال في الموضع المتقدم الذي أشار إليه ،
__________________
وهو الفضل الذي ذكر
فيه روايات أبي البختري على ما رواه أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، بإسناده عنه :
قال جاء عليّ والعباس إلى عمر ، وهما يختصمان ، فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمان
وسعد : أنشدكم الله ، أسمعتم رسول الله 6
يقول : كل مال نبي فهو صدقة إلاّ ما أطعمه أهله ، إنّا لا نورّث ! فقالوا : نعم ؛
قال : وكان رسول الله 6
يتصدّق به ، ويقسم فضله ، ثمّ توفّي ، فولّيه أبو بكر سنتين يصنع فيه ما كان يصنع
رسول الله 6 ، وأنتما
تقولان : إنه كان بذلك خاطئاً ، وكان بذلك ظالماً وما كان بذلك إلاّ راشداً ، ثم
ولّيته بعد أبي بكر فقلت لكما : إن شئتما قبلتماه علىٰ عمل رسول الله 6 وعهده الذي عهد فيه ، فقلتما : نعم ،
وجئتماني الآن تختصمان ؛ يقول هذا : اريد نصيبي من ابن أخي ، ويقول هذا : اريد نصيبي
من امرأتي ! والله لا أقضي بينكما إلاّ بذلك.
قال ابن ابي الحديد : قلت : وهذا أيضاً
مشكل ، لأن أكثر الروايات أنّه لم يروِ هذا الخبر إلاّ أبا بكر وحده ، ذكر ذلك
معظم المحدثين ، حتى أن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا علىٰ ذلك في إحتجاجهم
في الخبر برواية الصحابي الواحد. وقال شيخنا أبو علي : لا يقبل في الرواية إلاّ
رواية إثنين كالشهادة ، فخالفه المتكلمون والفقهاء كلّهم ، واحتجّوا عليه بقبول
الصحابة رواية أبي بكر وحده ، قال : « نحن معاشر الأنبياء لا نورث » ؛ حتّىٰ
أن أصحاب أبي علي تكلف لذلك جواباً ، فقال : قد روي أن أبا بكر يوم حاجّ فاطمة 3 قال : انشد الله امرءً سمع من رسول
الله 6 في هذا
شيئاً ! فروى مالك بن أوس بن الحدثان : أنه سمع من رسول الله 6 ، وهذا الحديث ينطق بأنه استشهد عمر
وطلحة والزبير وعبد الرحمان وسعداً ، فقالوا : سمعناه من رسول الله 6 فأين كانت هذه الرواية أيّام أبي بكر !
ما نقل أنّ أحداً من هؤلاء يوم خصومة فاطمة 3
وأبي بكر روى من هذا شيئاً. انتهىٰ. فظهر أنّ قول القاضي ليس إلا شهادة زور
، ولو كان لما ذكره من إستشهاد أبي بكر مستند لاشار إليه كما هو الدأب في مقام
الإحتجاج ، وأما هذه الرواية التي رواها ابن أبي الحديد فمع أنّها لا تدل علىٰ
الإستشهاد في خلافة أبي بكر ، فلا تخلو من تحريف ، لما عرفت من أن لفظ رواية
أبي البختري علىٰ
ما رواه أبو داود ، وحكاه في جامع الاصول
: ألم تعلموا أنّ رسول الله 6
قال : كلّ مال النبي صدقة أسمعتم
رسول الله 6 ، كما رواه
الجوهري ، علىٰ أنّه لا يقوم فيما تفرّدوا به من الأخبار حجّة علينا ،
وأنّما الإحتجاج بالمتفق عليه ، أو ما اعترف به الخصم والإستشهاد علىٰ
الرواية لم يثبت عندنا لا في أيّام أبي بكر ولا في زمن عمر ثمّ أورد السيد ; علىٰ كلام صاحب المغني بأنا لو
سلّمنا إستشهاد من ذكر علىٰ الخبر لم يكن فيه حجة ، لأن الخبر على كلٰ
حال لا يخرج من أن يكون غير موجب للعلم ، وهو في حكم أخبار الآحاد ، وليس يجوز أن
يرجع عن ظاهر القرآن بما يجري هذا المجرى ، لأن المعلوم لا يخص إلاّ بمعلوم ؛ قال
: علىٰ أنّه لو سلم لهم أنّ الخبر الواحد يعمل به في الشرع لاحتاجوا إلىٰ
دليل مستأنف علىٰ انّه يقبل في تخصيص القرآن لأن ما دل علىٰ العمل به
في الجملة لا يتناول هذا الموضع كما لا يتناول جواز النسخ به ، وتحقيق هاتين
المسئلتين من وظيفة اصول الفقه.
والثاني
: أنّ رواة الخبر كانوا متّهمين في
الرواية بجلب النفع من حيث حلّ الصدقة وما أجاب به شارح كشف الحق من الفرق بين
الرواية والشهادة ، وأنّ التهمة إنّما تضر في الشهادة دون الرواية ، فسخيف جداً
ولم يقل أحد بهذا الفرق غيره.
الثالث
و الرابع : ما تقدم في الإيراد
الثالث والرابع من القسم الأوّل.
الخامس
: ما تقدم من وجوب البيان للورثة.
أما
القسم الثالث : وهو أن يكون مناط
الحكم علىٰ علم أبي بكر مع شهادة النفر ؛ وكذلك الرابع : وهو أن يكون
الإعتماد علىٰ روايته معهم ، فقد ظهر بطلانها مما سبق ، فإن المجموع وإن كان
أقوىٰ من كل واحد من الجزئين ، إلاّ أنه لا يدفع التهمة ولا مناقضة الآيات
الخاصة ولا باقي الوجوه السابقة ؛ وقد ظهر بما تقدم أن الجواب عن قول أبي علي : «
أتعلمون كذب أبي بكر أم تجوزون صدقة ، وقد علم أنّه لا شيء يعلم به كذبه قطعاً
فلابد من تجويز كونه صادقاً كما حكاه في المغني » هو أنا نعلم كذبه قطعاً والدليل
عليه :
__________________
ما تقدم من الوجوه الستّة المفصلة ، وأن
تخصيص الآيات من هذا الخبر ليس من قبيل تخصيصها في القاتل والعبد كما ذكره قاضي
القضاة. إذ مناط الثاني روايات معلومة الصدق ، والأول خبر معلوم الكذب. وقد سبق في
خطبة فاطمة 3 إستدلالها
بقوله تعالى : (
وَأُولُو
الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ
) وبثلاث من
الآيات السابقة ، وهو يدل مجملاً ، علىٰ بطلان ما فصّلوه من الأجوبة ؛ ثمّ
إن بعض الاصحاب حمل الرواية علىٰ وجه لا يدل على ما فهم منها الجمهور وهو أن
يكون ما تركناه صدقة مفعولاً ثانياً للفعل أعني « نورث » سواء كان بفتح الراء علىٰ
صيغة المجهول من قولهم : ورثت أبي شيئاً ، أو بكسرها من قولهم : أورثه الشيء أبوه.
وأما بتشديد الراء فالظاهر أنه لحن ، فإن التوريث إدخال أحد في المال على الورثة
كما ذكره الجوهري وهو لا يناسب شيئاً من المحامل ويكون صدقة منصوباً علىٰ أن
يكون مفعولاً لتركنا ، والإعراب لا تضبط في أكثر الروايات ؛ ويجوز أن يكون النبي 6 وقف علىٰ الصدقة فتوهّم أبو بكر
أنه بالرفع وحينئذ يدل علىٰ أن ما جعلوه صدقة في حال حياتهم لا ينتقل بموتهم
إلى الورثة أي ما نووا فيه الصدقة من غير أن يخرجوه من أيديهم لا يناله الورثة حتىٰ
يكون للحكم إختصاص بالانبياء :
ولا يدل على حرمان الورثة مما تركوه مطلقاً ؛ والحق أنه لا يخلو عن بعد ، ولا حاجة
لنا إليه لما سبق ، وأما الناصرون لأبي بكر فلم يرضوا به وحكموا ببطلانه ، وإن كان
لهم فيه التخلص عن القول بكذب أبي بكر ، فهو إصلاح لم يرض به أحد المتخاصمين ، ولا
يجري في بعض رواياتهم.
واعلم أن بعض المخالفين استدلوا ـ على
صحّة الرواية وما حكم به أبو بكر ـ بترك الاُمة النكير عليه ، وقد ذكر السيد الأجل
2 في الشافي
كلامهم ذلك على وجه السؤال ، وأجاب عنه بقوله فإن قيل : إذا كان أبو بكر قد حكم
بخطأ في دفع فاطمة 3
من الميراث واحتج بخبر لا حجة فيه ، فما بال الاُمة اقرته على هذا الحكم ولم تنكر
عليه وفي رضاها وإمساكها دليل على صوابه ؛ قلنا قد مضى أن ترك النكير لا يكون دليل
الرضا ، إلاّ في الموضع الّذي لا يكون له وجه سوى الرضا وبينا في الكلام على إمامة
أبي بكر هذه الموضع بياناً شافياً.
وقد أجاب أبو عثمان الجاحظ في كتاب
العباسية عن هذا السؤال جواباً جيّد المعنى واللفظ ، نحن نذكره على وجهه ليقابل
بينه وبين كلامه في العثمانية وغيرها. قال : وقد زعم ناس أن الدليل على صدق خبرهما
يعني أبا بكر وعمر في منع الميراث وبراءة ساحتهما ترك أصحاب رسول الله 6 النكير عليهما ؛ ثمّ قال : فيقال لهم :
لئن كان ترك النكير دليلاً على صدقهما ليكونن ترك النكير على المتظلمين منهما
والمحتجين عليهما والمطالبين لهما بدليل دليلاً على صدق دعواهم وإستحسان مقالتهم
لا سيما وقد طالت المشاحات ، وكثرت المراجعة والملاحات ، وظهرت الشكيمة ، واشتدت
الموجدة ، وقد بلغ ذلك من فاطمة 3
حتى أنّها أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر وقد كانت ؛ قالت له حين أتته طالبة بحقها
ومحتجة برهطها : من يرثك يا أبا بكر ، إذا مت ؟ قال : أهلي وولدي ، قالت : فما
بالنا لا نرث النبي 6
، فلما منعها ميراثها وبخسها حقها ، واعتل عليها ، ولج في أمرها ، وعاينت التهضم ،
وآيست من النزوع ، ووجدت مس الضعف وقلة الناصر ؛ قالت :
والله لأدعونّ الله عليك ، قال : والله
لادعون الله لك. قالت : ـ والله ـ لا اُكلمك أبداً ، قال : والله لا أهجرك أبداً ؛
فإن يكن ترك النكير على أبي بكر دليلاً على صواب منعه إنّ في ترك النكير على فاطمة
3 دليلاً على
صواب طلبها ؛ وأت ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت وتذكيرها ما نسيت
وصرفها عن الخطأ ورفع قدرها عن البذاء وأن تقول هجراً أو تجوز عادلاً ، أو تقطع
واصلاً ، فإذا لم نجدهم أنكروا على الخصمين جميعاً فقد تكافأت الاُمور واستوت
الاسباب والرجوع إلى أصل حكم الله في المواريث أولى بنا وبكم ، وأوجب علينا وعليكم
، وإن قالوا كيف يظن ظلمها والتعدي عليها ؟ وكلما ، ازدادت فاطمة 3 غلظة ازداد عليها ليناً ورقّة حيث تقول
: ـ والله ـ لا اُكلّمك أبداً فيقول : والله لا أهجرك أبداً ، ثم تقول : والله
لأدعونّ الله عليك فيقول : والله لأدعون الله لك ؛ ثم يحتمل هذا الكلام الغليظ
والقول الشديد في دار الخلافة وبحضرة قريش والصحابة مع حاجة الخلافة إلى البهاء
والرفعة وما يجب لها من التنويه والهيبة ، ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذراً أو
متقرباً كلام المعظم لحقها ، المكبر لقيامها والصائن لوجهها ، والمتحنن عليها : ما
أحد أعزّ عليّ منك فقراً ولا حبّ إليّ منك غنىً
ولكن سمعت رسول الله
6 يقول : إنّا
معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه فهو صدقة ؛
قيل لهم : ليس ذلك بدليل على البرائة من
الظلم والسلامة من الجور ، وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريباً
وللخصومة معتاداً أن يظهر كلام المظلوم وذلّة المنتصف ، وجدة الوامق ، ومقة المحق
؛ وكيف جعلتم ترك النكير حجّة قاطعة ودلالة واضحة ؟ وقد زعمتم أنّ عمر قال على
منبره : متعتان كانتا على عهد رسول الله 6
متعة النساء ومتعة الحجّ ، أنا أنهى عنهما واُعاقب عليهما ، فما وجدتم أحداً أنكر
قوله ، ولا استشنع مخرج نهيه ، ولا خطأه في معناه ، ولا تعجب منه ولا استفهمه ،
وكيف تقضون بترك النكير ، وقد شهد عمر يوم السقيفة ، وبعد ذلك أن النبي 6 قال :
الأئمة من قريش ثم قال في مكانه : لو
كان سالم حيّاً ما يخالجني فيه شك حين أظهر الشك في استحقاق كل واحد من الستة
الذين جعلهم شورى وسالم عبد لأمراة من الأنصار وهي اعتقته وحازت ميراثه ، ثم لم
ينكر ذلك من قريش قوله منكر ولا قابل إنسان بين قوليه ولا تعجب منه ؛ وإنما يكون
ترك النكير على من لا رغبة ولا رهبة عنده دليلاً على صدق قوله وثواب عمله ، فأما
ترك النكير على من يملك الضعة والرفعة والأمر والنهي والقتل والإستحياء والحبس
والإطلاق فليس بحجة تشفي ولا دليل يغني ؛
قال : وقال آخرون : بل الدليل على صدق
قولهما وصواب عملهما إمساك الصحابة عن خلعهما والخروج عليهما وهم الذين وثبوا على
عثمان في أيسر من جحد التنزيل وردّ النصوص ، ولو كانوا يقولون ويصفون ما كان سبيل
الاُمة فيهما إلاّ كسبيلهم فيه وعثمان كان أعزّ نفراً وأشرف رهطاً وأكثر عدداً
وثروة وأقوى عدة. قلنا : إنهما لم يجحدا التنزيل ولم ينكرا المنصوص ولكنهما بعد
إقرارهما بحكم الميراث وما عليه الظاهر من الشريعة ادّعيا رواية وتحدثا بحديث لم
يكن محالاً كونه ولا يمتنع في حجج العقول مجيئه وشهد لهما عليه من علته مثل علتهما
فيه ؛ ولعل بعضهم كان يرى التصديق للرجل إذا كان عدلاً في رهطه مأموناً في ظاهره ،
ولم يكن قبل ذلك عرفه بفجرة ، ولا جرّب عليه غدرة ، فيكون تصديقه له على جهة حسن
الظن وتعديل الشاهد ؛ ولأنه لم يكن كثير منهم يعرف حقائق الحجج والذي يقطع بشهادته
على
الغيب ، وكان ذلك
شبهة على أكثرهم ، فلذلك قلّ النكير وتواكل الناس واشتبه الأمر ، فصار لا يتخلص إلى
معرفة حق ذلك من باطله إلاّ العالم المتقدم والمؤيد المرشد ؛ ولأنه لم يكن لعثمان
في صدور العوام ، وفي قلوب السفلة والطغات ما كان لهما من الهيبة والمحبة ،
ولأنهما كانا أقل استيثاراً بالفيء واقل تفكهاً بمال الله منه ، ومن شأن الناس
إهمال السلطان ما وفر عليهم أموالهم ولا يستأثر بخراجهم ولم يعطل ثغورهم ؛ ولأن
الذي صنع أبو بكر من منع العترة حظها والعمومة ميراثها قد كان موافقاً لجلة قريش
ولكبراء العرب ، ولأن عثمان أيضاً كان مضعوفاً في نفسه مستخفاً بقدره لا يمنع
ضيماً ولا يقمع عدواً ؛ ولقد وثب ناس على عثمان بالشتم والقذف والتشنيع والنكير لاُمور
لو أتى عمر أضعافها وبلغ أقصاها لما اجترؤا على اغتيابه فضلاً عن مباداته والإغراء
به ومواجهته كما أغلظ عيينة بن حصين له :
فقال : أما إنّه لو كان عمر لقمعك ومنعك
؛ فقال عيينة : إنّ عمر كان خيراً إلي منك أرهبني فابقاني ، ثم قال : والعجب أنّا
وجدنا جميع من خالفنا في الميراث على اختلافهم في التشبيه والقدر والوعيد يرد كل
صنف منهم من أحاديث مخالفيه وخصومه ، ما هو أقرب استناداً وأوضح رجالاً وأحسن
اتّصالاً حتّى إذا صاروا إلى القول في ميراث النبي 6
نسخوا الكتاب وخصوا الخبر العام بما لا يداني بعض ما رووه وأكذبوا ناقليه وذلك أنّ
كل إنسان منهم إنما يجري إلى هواه ويصدق ما وافق وضاه ، هذا آخر كلام الجاحظ ؛ ثم
قال السيد 2 : فإن قيل :
ليس ما عارض به الجاحظ من الإستدلال بترك النكير ، وقوله كما لم ينكروا على أبي
بكر فلم ينكروا أيضاً على فاطمة 3
ولا غيرها من المطالبين بالميراث كالازواج وغيرهن معارضته صحيحة ؛ وذلك أن نكير
أبي بكر لذلك ودفعه والإحتجاج عليه يكفيهم ويغنيهم عن تكلف نكير ولم ينكر على أبي
بكر ما رواه منكر فيستغنوا بإنكاره ؛ قلنا : أوّل ما يبطل هذا السؤال أن أبا بكر لم
ينكر عليها ما أقامت عليه بعد إحتجاجها بالخبر من التظلم والتألم والتعنيف
والتبكيت وقولها على ما روي : والله لأدعون الله عليك ، ولا كلّمتك أبداً ، وما
جرى هذا المجرى فقد كان يجب أن ينكره غيره فمن المنكر الغضب على المنصف وبعد فإن
كان إنكار أبي بكر مقنعاً أو مغنياً عن إنكار غيره من المسلمين ،
فإنكار فاطمة 3 حكمه ومقامها على التظلم منه يغني عن
نكير غيرها ، وهذا واضح لمن أنصف من نفسه ، انتهى كلامه « رفع الله مقامه ».
الخامس
: قال ابن أبي الحديد : اعلم أن الناس
يظنون أن نزاع فاطمة 3
أبا بكر كان في أمرين في الميراث والنحلة ، وقد وجدت في الحديث أنّها نازعت في أمر
ثالث ومنعها أبو بكر إيّاها أيضاً وهو سهم ذي القربى ؛ روى أحمد بن عبد العزيز
الجوهري عن أنس ، أن فاطمة 3
أتت أبا بكر فقالت : قد علمت الذي حرم علينا أهل البيت من الصدقات وما أفاء الله
علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى ، ثم قرأت عليه قوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ
فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ
) الآية :
فقال لها أبو بكر : بأبي أنت وأمّي وولدي وولدك ، السمع والطاعة لكتاب الله ولحقّ
رسوله وحقّ قرابته وأنا أقرأ من كتاب الله الّذي تقرأين ، ولم يبلغ علمي منه أنّ
هذا السهم من الخمس مسلّم إليكم كاملاً ، قالت : أم لك هو لك ولاقربائك ؟ قال : لا
، بل أنفق عليكم منه وأصرف الباقي في مصالح المسلمين.
قالت : ليس هذا بحكم الله تعالى ، فقال
: هذا حكم الله فإن كان رسول الله 6
عهد إليك في هذا عهداً صدّقتك وسلّمته كلّه إليك وإلى أهلك.
قالت : إنّ رسول الله 6 لم يعهد إليّ في ذلك بشيء إلاّ أنّي
سمعته يقول لمّا أنزلت هذه الآية : ابشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى ، قال أبوبكر :
لم يبلغ من هذه الآية أن أسلم اليكم هذا السهم كلّه كاملاً ولكن لكم الغنى الّذي
يغنيكم ويفضل عنكم ، هذا عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهما فاسأليهم عن
ذلك وأنظري هل يوافقك على ما طلبت أحد منهم ؟ فانصرفت إلى عمر فقالت له مثل ما
قالت لأبي بكر ، فقال لها مثل ما قال لها أبو بكر فتعجبت فاطمة 3 من ذلك وتظنّت قد تذاكرا ذلك واجتمعا
عليه. ثم قال : قال أحمد بن عبد العزيز :
حدثّنا أبو زيد بإسناده إلى عروة قال :
أرادت فاطمة 3 أبا بكر على
فدك وسهم ذي القربى تأبى عليها وجعلهما في مال الله تعالى.
ثمّ روي عن الحسن بن عليّ 7 : أنّ أبا بكر منع فاطمة 3 وبني هاشم سهم ذي القربى وجعلها في
سبيل الله في السلاح والكراع. ثمّ روي بإسناده عن محمّد بن
إسحاق قال : سألت
أبا جعفر محمد بن علي 7
قلت : أرأيت علياً 7
حين ولّى العراق وما ولّى من أمر الناس ، كيف صنع في سهم ذي القربى ؟ قال : سلك
بهم طريق أبي بكر وعمر ، قلت : كيف ولم وأنتم تقولون ، ما تقولون : أما والله ما
كان أهله يصدرون إلاّ عن رأيه ، فقلت : فما منعه ، قال : يكره أن يدعى عليه من
مخالفة أبي بكر وعمر. انتهى ما أخرجه ابن أبي الحديد بن كتاب أحمد بن عبد العزيز.
وروي في جامع الأصول : من سنن أبي داود
، عن جبير بن مطعم : أنّ رسول الله 6
لم يكن يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئاً كما قسم لبني هاشم قال :
وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله 6
غير أنه لم يكن يعطي منه قربى رسول الله 6
كما يعطيهم رسول الله 6
وكان عمر يعطيهم ومن كان بعده منه. وروى مثله بسند آخر ، عن جبير بن مطعم ؛
ثمّ قال : وفي اُخرى له والنسائي : لمّا
كان يوم خيبر وضع رسول الله 6
سهم ذي القربى في بني هاشم وبني عبد المطلب.
ثمّ قال : وأخرج النسائي أيضاً بنحو من
هذه الروايات من طرق متعددة بتغيير بعض ألفاظها وإتفاق المعنى.
وروي أيضاً ، عن أبي داود بإسناده ، عن
يزيد بن هرمز : أنّ ابن الزبير أرسل إلى ابن العباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن
يراه ؟
فقال له : لقربى رسول الله 6 ، قسّمه رسول الله 6 لهم ، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك
عرضاً رأيناه دون حقّنا ورددناه عليه وأبينا أن نقبله. وروي مثله عن النسائي أيضاً
وقال : وفي اُخرى له مثل أبي داود ، وفيه : وكان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم
ويقضي عن غارمهم ويعطي فقيرهم وأبي أن يزيدهم على ذلك. وروى العياشي في تفسيره :
رواية ابن عبّاس ورويناه في موضع آخر.
وروى أيضاً : عن أبي جميلة ، عن بعض
أصحابه ، عن أحدهما :
، قال : قد فرض الله الخمس نصيباً لآل محمد :
فأبى أبو بكر أن يعطيهم نصيبهم ، حسداً وعداوة ، وقد قال الله : ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ
فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
) ؛ والأخبار
من طريق أهل البيت :
في ذلك أكثر من أن تحصى ؛ وسيأتي
بعضها في أبواب الخمس
والانفال إن شاء الله تعالى ؛
فإذا اطّلعت على ما نقلناه من الأخبار
من صحاحهم ، نقول : لا ريب في دلالة الآية ، على اختصاص ذي القربى بسهم خاص ؛ سواء
كان هو سدس الخمس كما ذهب إليه أبو العالية ، وأصحابنا ، ورووه عن أئمتنا : وهو الظاهر من الآية كما اعترف به البيضاوي
وغيره ؛ أو خمس الخمس لإتّحاد سهم الله وسهم رسوله 6
وذكر الله للتعظيم كما زعم ابن عباس ، وقتادة وعطا ؛
أو ربع الخمس ، والأرباع الثلاثة
الباقية للثلاثة الاخيرة ، كما زعمه الشافعي ؛
وسواء كان المراد بذي القربى أهل بيت
النبي 6 في حياته ،
وبعده الإمام من أهل البيت كما ذهب إليه أكثر أصحابنا ، أو جميع بني هاشم كما ذهب
إليه بعضهم وعلى ما ذهب إليه الاكثر يكون دعوى فاطمة 3
نيابة عن أمير المؤمنين 7
تقيّة أو كان المراد بني هاشم وبني المطلب كما زعمه الشافعي ، أو آل عليّ ، وعقيل
وآل عبّاس ، وولد الحارث بن عبد المطلب ، كما قال أبو حنيفة. وعلى أي حال فلا ريب
أيضاً في أن الظاهر من الآية تساوي الستّة في السهم ، ولم يختلف الفقهاء في أنّ
إطلاق الوصيّة والإقرار لجماعة معدودين يقتضي التسوية لتساوي السنة ، ولم يشترط
الله عزّ وجلّ في ذي القربى فقراً أو مسكنة بل قرنه بنفسه وبرسوله 6 للدلالة على عدم الإشتراط ؛ وأما
التقييد إجتهاداً فمع بطلان الإجتهاد الغير المستند إلى حجة فعل النبي 6 يدفع التقييد لدلالة خبر جبير وغيره
على أنّه لم يعطيها ما كان رسول الله 6
يعطيهم ، وقد قال أبو بكر في رواية أنس : لكم الغنى الّذي يغنيكم ويفضل عنكم ؛ فما
زعمه أبو بكر من عدم دلالة الآية على أنّ السهم مسلم لذي القربى ووجوب صرف الفاضل
من السهم عن حاجتهم في مصالح المسلمين مخالف للآية والأخبار المتفق على صحّتها ؛
وقد قال سبحانه في آخر الآية : (
إِن
كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا
) ؛ واعترف
الفخر الرازي في تفسيره بأن من لم يحكم بهذه القسمة فقد خرج عن الإيمان ، وقال
تعالى : ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم
بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
) ؛ وقال : هم
الفاسقون ، وقال هم الظالمون ، فاستحق بما صنع ما يستحقه الراد على الله وعلى
رسوله 6.
السادسة
: ما دلت عليه الروايات السالفة وما
سيأتي في باب شهادة فاطمة 3
، من أنّها أوصت أن تدفن سراً ، وأن لا يصلي عليها أبو بكر وعمر لغضبها عليهما في
منع فدك وغيره من أعظم الطعون عليهما ؛ وأجاب عنه قاضي القضاة في « المغني » بأنه
قد روي أنّ أبا بكر هو الذي صلى على فاطمة 3
وكبر أربعاً ، وهذا أحد ما استدل به كثير من الفقهاء في التكبير على الميّت ولا يصح
أنّها دفنت ليلاً ؛ وإن صحّ ذلك فقد دُفن رسول الله 6
ليلاً وعمر دُفن ليلاً ، وقد كان أصحاب رسول الله 6
يدفنون بالنهار ويدفنون بالليل ؛ فما في هذا ما يطعن به بل الاقرب في النساء أنّ
دفنهنّ ليلاً أستر وأولى بالسنة.
وردّ عليه السيّد الأجلّ في الثاني :
بأن ما ادّعيت من أنّ أبا بكر هو الذي صلّى على فاطمة 3 وكبر أربعاً ، وإنّ كثيراً من الفقهاء
يستدلون به في التكبير على الميت فهو شيءٌ ما سمع إلاّ منك وإن كنت تلقّيته عن
غيرك فممن يجري مجراك في العصبيّة وإلاً فالروايات المشهورة وكتب الآثار والسير
خالية من ذلك ، ولم يختلف أهل النقل في أنّ أمير المؤمنين 7 صلّى على فاطمة 3 إلاّ رواية شاذّة نادرة وردت بأن
العباس صلّى عليها.
روى الواقدي : بإسناده ، عن عكرمة ، قال
: سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة 3
؟ قال : دفناها بليلٍ بعد هدأة. قال : قلت : فمن صلّى عليها ؟ قال : عليّ 7.
وروى الطبرسي ، عن الحرث بن أبي أسامة ،
عن المدايني ، عن أبي زكريا العجلاني أن فاطمة 3
عُمِل لها نعش قبل وفاتها فنظرت وقالت : سترتموني ستركم الله. قال أبو جعفر محمد
بن جرير : والثبت في ذلك أنّها زينب ؛ لأن فاطمة 3
دفنت ليلاً ولم يحضرها إلاّ العباس وعليّ 7
، والمقداد والزبير.
وروى القاضي أبو بكر أحمد بن كامل
بإسناده في تاريخه : عن الزهري ، قال : حدّثني عروة بن الزبير ، أنّ عائشة أخبرته
: أنّ فاطمة بنت رسول الله 6
عاشت بعد رسول الله 6
ستّة أشهر فلما توفيت دفنها علي 7
ليلاً وصلّى عليها عليّ بن أبي طالب 7
، وذكر في كتابه هذا أنّ أمير المؤمنين والحسن والحسين 8 دفنوها ليلاً وغيّبوا قبرها.
وروى سفيان بن عيينة ، عن عمرو عن الحسن
بن محمد : أنّ فاطمة 3
دفنت ليلاً وروى عبد الله بن أبي شيبة ، عن يحيى بن سعيد العطار ، عن معمر ، عن
الزهري : مثل ذلك ؛ وقال البلاذري في تاريخه : إن فاطمة 3 لم ترَ مبتسمة بعد وفاة رسول الله 6 ولم يعلم أبو بكر وعمر بموتها ؛ والأمر
في هذا أوضح وأظهر من أن يطنب في الإستشهاد عليه ، وبذكر الروايات فيه ، فأما قوله
ولا يصح ، أنّها دفنت ليلاً ، وإن صحّ فقد دفن فلان وفلان ليلاً فقد بينّا أنّ
دفنها ليلاً في الصحّة كالشمس الطالعة ، وأن منكر ذلك كدافع المشاهدات ولم نجعل
دفنها ليلاً بمجرد ، وهو الحجّة.
فيقال : فقد دفن فلان وفلان ليلاً بل مع
الإحتجاج بذلك على ما وردت به الروايات المستفيضة الظاهرة الّتي هي كالمتواتر أنها
3 أوصت بأن
تدفن ليلاً حتى لا يصلي عليها الرجلان ، وصرّحت بذلك وعهدت فيه عهداً بعد أن كانا
استاذنا عليها في مرضها ليعوداها فأبت أن تأذن لهما فلمّا طال عليهما المدافعة
رغبا إلى أمير المؤمنين 7
، في أن يستأذن لهما وجعلاها حاجة إليه فكلّما أمير المؤمنين 7 في ذلك وألحّ عليها فأذنت لهما في
الدخول ثمّ أعرضت عنهما عند دخولهما ولم تكلمهما ؛ فلمّا خرجا قالت لأمير المؤمنين
7 : قد صنعت
ما أردت ، قال : نعم ؛ قالت : فهل أنت صانع ما آمرك ؟ قال : نعم ؛ قالت : فإنّي
أنشدك الله لا يصليا على جنازتي ، ولا يقوما على قبري ، وروي أنه 7 عمى على قبرها ، ورشّ أربعين قبراً في
البقيع ولم يرش على قبرها حتى لا يهتديا إليه ، وأنهما عاتباه على ترك إعلامهما
بشأنها وإحضارهما للصلاة عليها ، فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلاً ، ولو كان ليس
غير الدفن بالليل من غير ما تقدم عليه وتأخر عنه ، لم يكن فيه حجّة ، انتهى كلامه
رفع الله مقامه.
ومما يدل من صحاح أخبارهم على دفنها
ليلاً ، وأن أبا بكر لم يصلّ عليها ، وعلى غضبها عليه وهجرتها إيّاه :
ما رواه مسلم في « صحيحة » وأورده في «
جامع الاصول » في الباب الثاني من كتاب الخلافة والإمارة من حرف الخاء عن عائشة ـ في
حديث طويل ـ بعد ذكر مطالبة فاطمة 3
أبا بكر في ميراث رسول الله 6
وفدك وسهمه من خيبر ؛ قالت : فهجرته فاطمة 3
، فلم تكلّمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها علي 7
ولم يؤذن بها
أبابكر ؛ قالت :
فكان لعلّي وجه من الناس حياة فاطمة 3
فلمّا توفيت فاطمة 3
انصرفت وجوه الناس عن عليّ ، ومكثت فاطمة 3
بعد رسول الله ستة أشهر ثم توفيت ، وروى ابن أبي الحديد : عن أحمد بن عبد العزيز
الجوهري ، عن هشام بن محمد ، عن أبيه ، قال : قالت فاطمة 3 لأبي بكر : إنّ اُمّ أيمن تشهد لي أنّ
رسول الله 6 أعطاني فدك
، فقال : يا بنت رسول الله 6
، والله ما خلق الله خلقاً أحب إلي من رسول الله 6
أبيك ولوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك ، والله لئن تفتقر عائشة أحب
إلي من أن تفتقري ، أتراني اُعطي الأسود والأحمر حقّه وأظلمك حقّك وأنت بنت رسول
الله 6 إنّ هذا
المال لم يكن للنبيّ 6
ولّيته كما كان يليه ، قالت : والله لا كلمتك أبداً قال : والله لا هجرتك أبداً
قالت : والله لادعون الله عليك قال : والله لأدعون الله لكِ ؛ فلّما حضرتها الوفاة
أوصت أن لا يصلي عليها ، فدفنت ليلاً وصلى عليها العباس بن عبد المطلب ، وكان بين
وفاتها ووفاة أبيها 6
إثنتان وسبعون ليلة ، ومما يؤيّد إخفاء دفنها ، جهالة قبرها والإختلاف فيه بين
الناس إلى يومنا هذا ، ولو كان بمحضر من الناس لما اشتبه على الخلق ولا اختلف فيه.
السابعة
: ممّا يرد على الطعون على أبي بكر في
تلك الواقعة.
أنّه مكّن ازواج النبيّ التصرّف في
حجراتهنّ بغير خلاف ولم يحكم فيها بأنّها صدقة ، وذلك يناقض ما منعه في أمر فدك
وميراث الرسول 6
فإن انتقالها إليهنّ إمّا على جهة الإرث أو النحلة والأوّل مناقض لروايته في
الميراث ؛ والثاني يحتاج إلى الثبوت ببيّنة ونحوها ولم يطالبهنّ بشيء منها كما طلب
فاطمة 3 في دعواها
وهذا من أعظم الشواهد لمن له أدنى بصيرة على أنّه لم يفعل إلاّ عداوة لأهل بيت
الرسالة ولم يقل ما قال إلاّ إفتراء على الله وعلى رسوله !!
ولنكتف بما ذكرنا ، فإن بسط الكلام في
تلك المباحث ممّا يوجب كثرة حجم الكتاب وتعسّر تحصيله على الطلاّب ؛ فانظر أيّها
العاقل المنصف بعين البصيرة فيما اشتمل عليه الأخبار الكثيرة التي أوردوها في
كتبهم المعتبرة عندهم ، من حكم سيدة النساء صلوات الله عليها مع عصمتها وطهارتها
باغتصابهم للخلافة ، وأنّهم اتباع الشيطان وأنّه ظهر فيه حسيكة النفاق ، وأنّهم
أرادوا إطفاء نور الدين وإهماد سنن سيد
المرسلين صلوات الله
عليه وآله وأنّهم آذوا أهل بيته واضمروا لهم العداوة وغير ذلك ممّا اشتملت عليه
الخطبة الجليلة فهل يبقى بعد ذلك شك في بطلان خلافة أبي بكر ونفاقه ونفاق أهل بيته
؟!
ثمّ أنّها 3
حكمت بظلم أبي بكر في منعها الميراث صريحاً بقولها 3
لقد جئت شيئاً فريّاً ، ودعت الأنصار إلى قتاله فثبت جواز قتله ، ولو كان إماماً
لم يجز قتله. ثمّ انظر إلى هذا المنافق كيف شبّه أمير المؤمنين وسيّد الوصيين وأخا
سيد المرسلين وزوجته الطاهرة بثعالة شهيده ذنبه وجعله مريّاً لكل فتنة !
ثمّ إلى موت فاطمة صلوات الله عليها
ساخطة على أبي بكر ، مغضبة عليه منكرة لإمامته وإلى انكار أبي بكر كون فدك خالصة
لرسول الله 6 مع كونه
مخالفاً للآية والإجماع وأخبارهم وإلى أنّه انتزع فدك من يد وكلاء فاطمة 3 وطلب منها الشهود مع أنّها لم تكن مدعية
، فحكم بغير حكم الله وحكم الرسول وصار بذلك من الكافرين بنص القرآن وإلى طلب
الشاهد من المعصومة وردّ شهادة المعصومين الذين أنزل الله تعالى فيهم ما أنزل وقال
فيهم النبي 6 ما قال ،
ومنعها الميراث خلافاً لحكم الكتاب وافترائه على الرسول 6 بما شهد الكتاب والسنة بكذبه فتبوء
مقعده من النار وظلمه عليها صلوات الله عليها في منع سهم ذي القربى خلافاً لله
تعالى ومناقضة لما رواه حيث مكن الازواج من التصرف في الحجر وغيرهما ممّا يستنبط
من فحاوي ما ذكر من الأخبار ولا يخفى طريق استنباطها على أولي الابصار.
احتجاج فاطمة الزهراء
3
على القوم لمّا منعوها فدك
روى عبدُ الله بن الحسن 7 بإسناده عن آبائه : أنَّه لمّا أجْمع أبو بكر علىٰ مَنْع فاطمة 3 فَدَكَ ، وبَلَغَها ذلك ، لاثت خمارها
على رأسها
، واشتملت بجلبابها
، وأقبلت في لُمَةٍ
مِن حَفَدَتِها
ونساء قومها ، تَطَأ ذُيوُلهَا
، ما تَخرِمُ مِشْيَتهُا مِشية رَسول الله 6
، حَتَّىٰ
دَخَلَتْ علىٰ أبي بكرٍ ـ وهو في حَشْدٍ
من المهاجرين
__________________
والأنصار وغيرهم فَنيطَتْ
دونها مُلاءَةٌ
، فجلست ، ثُم أنَّت أنَّه أجهش القوم
لها بالبكاء. فارتج المجلس
ثم أمهلت هَنيّةً
حتى اذا سكن نشيج القوم
، وهدَأت فورتهم
، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله ، فعاد القوم في
بكائهم ، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها ، فقالت 3
:
الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على
ما ألهم ، والثناء بما قدَّم ، من عموم نعم ابتدأها ، وسبوغ آلاءٍ أسداها ،وتمام مننٍ والاها ، جمَّ عن الاحصاء عددها ، ونأىٰ عن الجزاء أمَدُها ، وتفاوت عن الإدراك أبدها ، ونَدَبهم
__________________
لاستزادتها بالشكر
لا تصالها
، واستحمد إلى الخلايق بإجزالها
، وثنّى بالندب إلى أمثالها .
وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الإخلاص تأويلها ، وضمن القلوب موصولها ، وأنار في الفكر معقولها . الممتنع من
__________________
الأبصار رؤيته ، ومن الألسن صفته ، ومن الأوهام كيفيته ، ابتدع الأشياء
لا من شيء كان قبلها
، وأنشأها بلا احتذاء أمثلةٍ امتثلها
، كونها بقدرته ، وذرأها بمشيتهِ ، من غير حاجةٍ منه إلى تكوينها ، ولا فائدة له
في تصويرها إلاّ تثبيتاً لحكمته ، وتنبيهاً على طاعته ، وإظهاراً لقدرته ، وتعبداً لبريته ، وإعزازاً لدعوته . ثمَّ جعل الثواب على طاعته ، ووضع
العقاب على معصيته ، ذيادةً لعباده عن نقمته
، وحياشةً منه إلى جنته .
أشهد أن أبي محمداً 6
عبده ورسوله ، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله ، وسماه قبل أن اجتَبَلَهُ ، واصطفاه قبل أن ابتَعَثَهُ ، اذ
الخلائق بالغيب مكنونة وبستر الأهاويل مصونة
، وبنهاية العدم مقرونة ، علما من الله تعالى بمآيل
__________________
الأمور ، وإحاطةً بحوادث الدهور ، ومعرفة
بمواقع المقدور
، ابتعثه الله تعالى إماماً لأمره
وعزيمةً على إمضاء حكمه ، وإنفاذاً لمقادير حتمه . فرأى الامم فرقاً في أديانها ، عكَّفاً
على نيرانها
عابدةً لأوثانها منكرةً لله مع عرفانها .
فأنار الله بمحمد 6
ظلمها وكشف عن القلوب
بُهَمها
، وجلى عن الابصار غُممها
وقام في الناس بالهداية ، وأنقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم
إلى الطريق المستقيم ، ثمَّ قبضه الله إليه قبض رأفةٍ واختيار ورغبةٍ وايثار بمحمدٍ 6
عن تعب هذه الدار في راحةٍ ، قدْ حفَّ بالملائكة
__________________
الأبرار ورضوان الرَّبِّ
الغفار ، ومجاورة الملك الجبار. صلى الله على أبي نبيِّه وأمينه على الوحي ، وصفيه
وخيرته من الخلق ورضيه ، والسلام عليه رحمة الله وبركاته.
ثمَّ التفت إلى أهل المجلس وقالت : أنتم
عباد الله نصب أمره ونهيه
وحملة دينه ووحيه ، واُمناء الله على أنفسكم ، وبلغاؤه إلى الاُمم ، وزعمتم حقٌ لكم لله فيكم ، عهد قدمه اليكم ، وبقيةٌ
استخلفها عليكم
: كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بينةٌ
بصائرُهُ
، منكشفة سرائره
، متجليةٌ ظواهره ، مغتبطةٌ به أشياعه
، قائد إلى الرضوان اتباعه ، مؤدٍ إلى النجاة إسماعه . به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه
المفسرة ، ومحارمه المحذرة ، وبيناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله
المندوبة ، ورخصه الموهوبة
، وشرايعه المكتوبة.
__________________
فجل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك
، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر ، والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق ، والصيام تثبيتاً للإخلاص ، والحجّ تشييداً للدين ، والعدل تنسيقاً للقلوب ، واطاعتنا نظاماً للملة ، وإمامتنا
أمانا من الفرقة ، والجهاد عزاً للإسلام ، والصبر معونةً على استيجاب الأجر ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامّة ، وبر
الوالدين وقايةً من السخط
، وصلة الارحام منماةً للعدد
، والقصاص حصناً للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة ، وتوفية المكاييل
والموازين
__________________
تغييراً للبخس ، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن
الرجس ، واجتناب
القذف حجاباً عن اللَّعنة
، وترك السرقة إيجاباً للعفة
، وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية ، (
اتَّقُوا
اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
) وأطيعوا
الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فإنه (
إِنَّمَا
يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ
).
ثمَّ قالت : أيّها الناس ! اعلموا أنّي
فاطمة ، وأبي محمَّد 6
، أقول عوداً وبدءاً
، ولا أقول ما أقول غلطاً ، ولا أفعل ما أفعل شططاً : (
لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم
بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
) فإنَّ تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم وأخا ابن
عمي دون رجالكم ، ولنعم المعزِّي إليه 6.
فبلَّغ الرسالة صادعاً بالنذارة
مائلاً عن مدرجة
__________________
المشركين ، ضارباً ثبجهم ، آخذاً بأكظامهم ، داعياً إلى سبيل
ربه بالحكمة والموعظة الحسنة
، يكسر الأصنام وينكت الهام
حتى انهزم الجمع وولوا الدبر ، حتى تفرَّى اللَّيل عن صبحه وأسفر الحق عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين ، طاح وشيظ النفاق ، انحلَّت عقد الكفر والشقاق ، وفهتم
بكلمة الإخلاص
في نفر من البيض الخماص
، وكنتم على شفا
__________________
حفرةٍ من النار ، مُذقة الشارب ، ونهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطئَ الاقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون الورق ، أذلةً خاسئين ، « تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم
» . فأنقذكم
الله تبارك وتعالى بمحمدٍ 6
بعد اللتيا والتي
، وبعد أن مني بِبُهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب ، « كلما
__________________
أوقدوا ناراً للحرب
أطفأها الله » ، أو نجم قرن للشيطان
، وفغرت فاغرةٌ من المشركين
قذف أخاه في لهواتها
، فلا ينكفئُ
حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه
، مكدوداً في ذات الله
، مجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله سيد أولياء الله ، مشمِّراً ناصحاً ، مجداً كادحاً ، وأنتم في رفاهية من العيش ، وادعون فاكهون
آمنون ، تتربصون
بنا الدوائر
، وتتوكَّفون
__________________
الأخبار ، وتنكصون عند النزال ، وتفرون عند القتال.
فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه
ومأوى أصفيائه ، ظهر فيكم حسيكة النفاق
، وسمل جلبات الدين
، ونطق كاظم الغاوين
، ونبغ خامل الأقلِّين
، وهدر فنيق المبطلين .
فخطر في عَرَصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه ،
هاتفاً بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين
، وللغرَّة فيه ملاحظين .
ثم استنهضكم
فوجدكم
__________________
خفافاً ، وأحمشكم فألفاكم غضاباً ، فوسمتم غير ابلكم ، وأوردتم غير شربكم ؛ هذا والعهد قريب ، والكَلْمُ رحيب ،
والجرح لمّا يندملْ
، والرسول لمّا يُقبرْ
زعمتم خوف الفتنة
، « ألا في الفتنة سقطوا وإنَّ جهنم لمحيطة بالكافرين ».
فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وأنّى تؤفكون ؟
وكتاب الله بين أظهركم
، اُموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة
، وأعلامه باهرة ، وزواجره لائحة ، وأوامره واضحة ، قد خلَّفتموه وراء ظهوركم ،
أرغبةً عنه تريدون ، أم بغيره تحكمون ، (
بِئْسَ
لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً )
( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن
يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ
__________________
الخَاسِرِينَ
) . ثم لم تلبثوا إلا ريْثَ أن تسكن نفرتُها
، ويسلس قيادُها
ثم أخذتم تورون وَقْدَتها
، وتُهيِّجون جمرتها
، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي
، وإطفاء أنوار الدين الجلي ، وإهماد سُنن النبي الصفي ، تُسِرُّون حَسْواً في ارْتِغاء ، وتمشون لأهله ووله في الخمر والضراء ، ونصبر منكم على مثل حزِّ المُدى ، ووخز السِّنان في الحشا ، وأنتم تزعمون ألاّ إرث لنا ، ( أَفَحُكْمَ
__________________
الجَاهِلِيَّةِ
يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
) أفلا تعلمون ؟ بلى تجلّى لكم كالشمس
الضاحية
أنِّي ابنته.
أيها المسلمون أاُغلبُ على إرثيَهْ يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث
أباك ، ولا أرث أبي ؟ ( لَقَدْ جِئْتِ
شَيْئًا فَرِيًّا )
، أفعلى عمْدٍ
تركتم كتاب الله ، ونبذتمونه وراء ظهوركم ، إذ يقول : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ
) , وقال فيما اقتصَّ من خبر يحيى بن
زكريا 3 إذ قال ربِّ
( هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ
وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ
) وقال : (
وَأُولُو
الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ
) وقال : (
يُوصِيكُمُ
اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ
) وقال : (
إِن تَرَكَ
خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى
المُتَّقِينَ )
، وزعمتم ألاّ حظوةَ لي
، ولا إرث من أبي لا رحم بيننا !
__________________
أفخصّكم الله بآيةٍ أخْرَجَ منها أبي ؟
أم هل تقولون أهل ملَّتين لا يتوارثان ، ولست أنا وأبي من أهل ملَّةٍ واحدة ؟! أم
أنتم أعلم بخُصُوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي ؟ فدونكها مخطمةً مرحولةً تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ،
والزَّعيم محمّدٌ
، والموعد القيامة ، وعند الساعة ما تخسرون
، ولا ينفعكم إذ تندَمون ، « ولكل نبأٍ مستقرٌّ وسوف تعلمون من يأتيه عذابٌ يخزيه ويحِلُّ عليه عذاب مُقيمٌ » . ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت : يا معاشر الفتية ، وأعضاد الملَّة ، وأنصار الإسلام ! ما هذه الغَميزَةُ
في حقّي
؟ والسّنَةُ عن
__________________
ظُلامتي ، أما كان 6 أبي يقول : « المرءُ يُحفظ في وُلده » ؟
سَرْعان ما أحدثتم ، وعَجْلان ذا إهالةً
، ولكم طاقةٌ بما اُحاول ، وقُوَّةٌ على ما أطلب واُزاول ! أتقولون مات محمد 6 ؟! فَخَطْبٌ جليلٌ استوسَعَ وَهْيُهُ ، واستَنْهرَ فتْقُه ، وانفتَقَ رتْقُهُ
، وأظلمت
الأرض لغيبته ، وكُسفت النجوم لمصيبته
، وأكْدَت الآمال
، وخشعت
__________________
الجبال ، واُضيع
الحريم
، واُزيلت الحرمة عند مماته .
فتلك والله النّازلة الكبرى
، والمصيبة العظمى ، لا مثلها نازلةٌ ولا بائقةٌ عاجلةٌ أعلن بها كتاب الله ـ جل ثناؤه ـ في
أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم
هِتافاً وصُراخاً وتلاوة وإلحاناً
، وَلقَبْلَهُ ما حلَّ بأنبياء الله ورسله ، حكم فصل وقضاءٌ حتم : (
وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ
مِن قَبْلِهِ
الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ
وَمَن يَنقَلِبْ
عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ
الشَّاكِرِينَ » .
__________________
أيها بني قَيْلَة ! أاُهضم تُراثَ أبِيَهْ وأنتم بمرأى منّي ومسمع ، ومبتدأ
__________________
ومجمع ؟! تلْبَسُكُم الدَّعوة ، وتشملكم الخَبْرَة
، وأنتم ذوو
العدد والعُدَّة ، والأداة والقوَّة ، وعندكم السلاح والجُنّةَ ؛ توافيكم الدعوة
فلا تُجيبون ، وتأتيكم الصَّرخة فلا تُغيثون ، وأنتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصَّلاح ، والنُّجَبَة
التي انتُجِبتْ
، والخِيَرَة التي اختيرت !
قاتلتم العرب ، وتحمَّلتم الكَدَّ والتعب ، وناطحتم الاُمم ، وكافحتم البُهم ، فلا نبرح أو تبرحون ، نأمركم فتأتمرون حتى دارت بنا رَحَى الإسلام ،
__________________
ودرَّ حَلَبُ الأيام
، وخضعت نُعَرَة
الشرك ، وسكنْت فَوَرة
الإفك ، وخمدت
نيران الكفر
، وهدأت دعوة الهرج
، واستوسق نظام الدين
، فأنّى جُرتم بعد البيان
، وأسررتم بعد الإعلان ، ونكصتم بعد الإقدام
، وأشركتم بعد الإيمان ؟ « ألا تُقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهمُّوا بإخراج الرسول
وهم بدأُوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق ان تخشوه إن كنتم مؤمنين » .
__________________
ألا قد أرى أن قد
أخلدتم إلى الخفض
، وأبعدتم مَن هو أحقُّ بالبَسْطِ والقبض
، وخلوتم بالدعة
، ونجوتم من الضيق بالسَّعة ، فمجَجْتم ما وعيتم ، ودَسَعْتُمُ الذي تَسَوَّغتْم ، ( فإِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا
فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ
__________________
حَمِيدٌ ) ألا وقد قلت ما قلت على معرفة منّي
بالخذْلَة التي خامَرَتكم
، والغَدْرة التي استشْعَرَتْها قلوبُكم
، ولكنها فيضة النفس
، ونفْثة الغيظ
، وخَوَرُ القَنا
، وبثََّة الصدور
، وتقْدِمة الحُجّة .
فدونكموها فاحتقِبوها دَبِرَةَ الظَّهر ، نَقِبَةَ الخُفِّ ، باقية العار ، موسومة بغضب الله وشنار الأبد ، موصولة بنار الله المُوقدة التي تطلع على
__________________
الأفئدة. فبعين الله
ما تفعلون
( وَسَيَعْلَمُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ
يَنقَلِبُونَ
) . وأنا ابنةُ نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، ، « فاعملوا إنّا عاملون وانتظروا إنّا منتظرون .
فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان ،
فقال : يا ابنة رسول الله ، لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً ، رؤوفاً رحيماً
، وعلى الكافرين عذاباً أليماً وعقاباً عظيماً : فإنْ عزوناه وجدناه أباكِ دون
النساء ، وأخاً لبعلكِ دون الأخلاّء ، آثره على كل حميم ، وساعده في كل أمر جسيم ،
لا يُحِبُّكم إلا كل سعيد ، ولا يبغضكم إلا كل شقي : فأنتم عترة رسول الله 9 الطيبون ، والخِيَرَة المنتجبون ، على
الخير أدلَّتُنا ، وإلى الجنَّة مسالكنا ، وأنتِ ـ يا خَيْرَةَ النساء وابنة خير
الأنبياء ـ صادقة في قولك ، سابقة في وُفور عقلكِ ، غير مرْدودةٍ عن حقك ، ولا
مصدودةٍ عن صدقك ، ووالله ، ما عدوتُ رأيَ رسول الله 9
يقول : « نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقاراً ،
وإنما نورِّث الكتب والحكمة ، والعلم والنبوة ، وما كان لنا من طُعْمة فلِوَليِّ
الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه ».
وقد جعلْنا ما حاوَلْتِهِ في الكراع
والسِّلاح يُقاتل به المسلمون ، ويُجاهدون الكفار ، ويُجالدون المَرَدَة ثم الفجّار. وذلك بإجماع من المسلمين
لم أتفرَّدْ به وحْدي ، ولم
__________________
أستبد بما كان الرأي فيه عندي ، وهذه حالي ،
ومالي هي لك وبين يديكِ ، لا نزوي عنكِ
ولا ندَّخر دونكِ. وأنت سيدة أمَّة أبيكِ ، والشجرة الطيبة لبنيكِ ، لا يُدفع ما
لكِ من فضلكِ ، ولا يوضع من فرعِكِ وأصلكِ ؛
حكمك نافذٌ فيما ملكت يداي ، فهل ترين
أن اُخالف في ذلك أباكِ 9
؟
فقالت 3
: سُبحان الله ! ما كان رسول الله 6
عن كتاب الله صادِفاً
، ولا لأحكامه مخالفاً ، بل كان يتَّبع أثره
، ويقفو سُورَه
، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور
، وهذا بعد وفاته شبيهٌ بما بغي له من الغوائل في حياته . هذا كتاب الله حكماً عدلاً ، وناطقاً
فصلاً ، يقول : (
يَرِثُنِي
وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) ، (
وَوَرِثَ
سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) فبيّن عزَّ وجلَّ فيما وزَّع عليه من
الأقساط ، وشرَّع من الفرايض والميراث ، وأباح من حظِّ الذُّكران والإناث ما أزاح
عِلَّة المبطلين
، وأزال التَّظنّي والشبهات في الغابرين
، كلا ( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ
أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ
وَاللهُ
الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ
__________________
مَا
تَصِفُونَ )
.
فقال أبو بكر صدق الله ورسوله ، وصدقتِ
ابنتُهُ ؛ أنتِ معدِنُ الحكمة ، وموطن الهدى والرحمة ، وركن الدين وعين الحجَّة ،
لا اُبْعِدُ صوابِك ، ولا اُنكر خطابكِ
هؤلاء المسلمون بيني وبينكِ ، قلَّدوني ما تقلَّدْتُ ، وباتّفاق منهم أخذت ما أخذت
غير مُكابر
ولا مستبد ولا مُستأثر
، وهم بذلك شهود.
فالتفتتْ فاطمة 3 وقالت : معاشر الناس المسرعة إلى قيل
الباطل
، المُغضِيَةِ
على الفعل القبيح الخاسر « أَفَلا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
» كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم ، فأخذ بسمعكم
وأبصاركم ، ولبئسَ ما تأوَّلتم
، وساء ما به أشرتم
، وشرَّ ما عنه اعتضتم
، لتجدنَّ ـ والله ـ مَحْمِلَهُ ثقيلاً
، وغِبَّهُ وبيلاً
إذا كُشِفَ لكم الغطاء ، وبان ما وراءه
__________________
الضراءُ .« بدا لكم من ربكم ما لم تكونوا
تحتسبون
» و ( خَسِرَ هُنَالِكَ المُبْطِلُونَ
) .
ثم عطفت على قبر النبي 6 وقالت :
قد كان بعدك أنباءٌ وهنْبثَةٌ
|
|
لو كنت شاهدها لم تَكبُرِ الخطبُ
|
إنّا فقدناك فَقْدَ الأرض وابِلهَا
|
|
واخْتلَّ قومُك فاشْهَدْهم وقد نكِبوا
|
وكل أهل له قربى ومنزلة
|
|
عند الإله على الأدنين مقتربُ
|
__________________
أبْدَتْ رجال لنا نجوى صدورهم
|
|
لمّا مضيتَ وحالت دونك التُّرَبُ
|
تجَهَّمَتْنا رجال واسْتُخفَّ بنا
|
|
لمّا فقدتَ وكل الأرض مُغتصبُ
|
وكنت بدراً وقوراً يُستضاء به
|
|
عليك تُنزَلُ من ذي العزة الكتبُ
|
وكان جبريل بالآيات يونِسُنا
|
|
فقد فُقدْتَ فكل الخير مُحتجبُ
|
فليتَ قبلك كان الموت صادَفَنا
|
|
لمّا مضيت وحالت دونك الكتبُ
|
إنّا رُزِئنا بما لم يُرْزَ ذو شَجَنٍ
|
|
من البريَّة لا عُجمٌ ولا عربُ
|
ثم انكفأت 3
وأمير المؤمنين 7
يتوقع رجوعها إليه ، ويتطلع طلوعها عليه .
فلما استقرت بها الدار
قالت لأمير المؤمنين 7
: يابن أبي طالب ! اشتملت شِملة الجنين .
__________________
وقعدت حُجرة الظنين ! نقضت قادمة الأجدل ، فخانك ريش الاعزل ؛ هذا ابن أبي قحافة يبتزني نُحيلة أبي وبُلغة ابني ، لقد أجهر في خصامي ، وألفيتُه ألدَّ في كلامي ، حتى حبستْني قيلةُ نَصْرَها ،
والمهاجرة وَصْلها
، وغضَّتِ الجماعة
__________________
دوني طرفها ؛ فلا دافع ولا مانع ، خرجت كاظمةً ،
وعدت راغمةً
، أضرعتَ خدَّكَ
يوم أضعتَ حدَّكَ
، افترست الذئاب ، افترشْتَ التراب
، ما كففتُ قائلاً ، ولا أغنيتُ باطلاً
، ولا خيارَ لي. ليتني مِتُّ قبل هنيتي
ودون زلّتي .
عذيريَ الله منكَ عادياً ومنك حامياً .
__________________
ويلايَ في كل شارقٍ ، مات العَمَدُ ، ووهتِ العَضُدُ. شكواي إلى أبي ،
وعدواي إلى ربِّي .
اللهم أنت أشدُّ قوة وحولاً ، وأحدُّ بأساً وتنكيلاً .
فقال أمير المؤمنين 7 : لا ويلَ عليكِ ، الويلُ لشانئكِ ، نَهْنِهي عن وَجْدِكِ يا ابنةَ الصَّفوة
وبقيَّةَ
النبوة ، فما ونيتُ عن ديني ، ولا أخطأتُ مقدوري ، فإنْ كنتِ تريدين البُلغة فرزقكِ
مضمونٌ ، كفيلك مأمون ، وما أعد لكِ أفضلُ مما قُطع عنكِ .
__________________
فاحتسبي الله ؛ فقالت : حسبي الله ؛ وأمسَكَتْ .
كلامها 3
مع نساء المهاجرين والأنصار عندما يعدنها
روى العلامة المجلسي ; عن الشيخ الثقة الصدوق ; : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، قال
: حدثنا عبد الرحمان بن محمد الحسيني ، قال : حدثنا أبو الطيب محمد بن الحسين بن
حميد اللخمي ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا ، قال : حدثنا محمد بن عبد
الرحمان المهلّبي ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن عبد
الله بن الحسن ، عن اُمه فاطمة بنت الحسين 7
قالت : لما اشتدت علة فاطمة بنت رسول الله 6
وغلبها الوجع ، اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار ، فقلن لها ، يا بنت رسول
الله : كيف أصبحت عن علّتك ؟ فقالت 3
: أصبحت والله عائفة لدنياكم
، قالية رجالكم
، لفظتهم قبل أن عجمتهم
، وشنئتهم بعد أن سبرتهم
، فقبحاً
__________________
لفلول الحد ، وخور القناة ، وخطل الرأي ، (
بِئْسَ مَا
قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ
خَالِدُونَ )
لا جرم لقد قلدتهم ربقتها ، وشننت عليهم غارها
، فجدعاً وعقراً وسحقاً للقوم الظالمين .
ويحهم أنّى زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة ، ومهبط الوحي الأمين
، والطبين بأمر الدنيا والدين
، ألا ذلك هو الخسران المبين ، وما نقموا من أبي الحسن ، نقموا والله منه نكير سيفه ، وشدَّةَ وطئه ، ونكال وقعته ، وتنمّره في ذات الله عزّ وجلّ .
__________________
والله لو تكافوا عن
زمام نبذه رسول الله 6
إليه لاعتلقه
، ولسار بهم سيراً سُجُحاً
، لا يكلم خشاشه
، ولا يتعتع راكبه
، ولأوزدهم منهلاً نميراً فضفاضاً
تطفح ضفّتاه
ولأصدرهم بطاناً
، قد تحيرّ بهم الريّ
غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء
وردعة شررة الساغب
، ولفتحت عليهم بركات من
السماء والأرض ،
وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.
ألا هلمّ فاسمع وما عشت أراك الدهر العجب
، وإن تعجب
فقد أعجبك الحادث ! إلى أيّ سناد استندوا ، وبأيّ عروة تمسّكوا ، استبدلوا
الذّنابى والله بالقوادم
، والعجز بالكاهل
، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا
يشعرون
، ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى
الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ
فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
) . أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريث ما
__________________
تنتج ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً ، وذعافاً ممقراً ، هناك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون
غب ما سنّ الأولون
، ثم طيبوا عن أنفسكم نفساً .
وطأمنوا للفتنة جأشاً
، وأبشروا بسيف صارم
، وهرج شامل
، واستبداد من الظالمين
، يدع فيئكم زهيداً
، وزرعكم حصيداً
فياحسرتى لكم وأنّى بكم
، وقد عمِّيت [ قلوبكم ] عليكم أنلزمكموها
وأنتم لها كارهون .
__________________
إن هذه الخطبة الفاطمية والدرة البيضاء
لفي غاية الفصاحة ونهاية البلاغة من ناحية عذوبة ألفاظها وجميل محتواها وعظيم
مضمونها الذي لابد للموالي والمخالف من الوقوف على مضمونها وطبيعة أهدافها التي
أنشدتها الصديقة الطاهرة فاطمة 3
والتي لم تخرج فيها عن حد الشرع المقدس بل سارت مع كل ما دعى إليه الرسول وأهل
بيته الأطهار ، ففيها من الجلالة والنور بحيث لابد من الإستضاءة من نورها الذي لو
عُرض على الظلمات لأضاءت منه ، ولو خوطب بها الجبال الشامخات لرأيتها خاشعة من
بهاءها وجلالها ، وان كانت لم تترك الأثر الواضح على القلوب القاسية التي لم تمل
إلى هداية بل كانت كالحجارة بل أن من الحجارة لما يتفجر منها الماء الذي فيه حياة
القلوب والنفوس ، فكانت سلام الله عليها في هذه الخطبة مظهرة لنور ثمار النبوة
وعبق أرج الرسالة فهي غصن الدوحة المحمدية وحليلة العصمة العلوية ومجمع الأنوار
الولائية فهي كلمة الله التامة وأم أبيها التي يفرغ لسانها عنه 6 ، وهي الصديقة الكبرى التي فطمت الخلق
عن معرفتها فضلاً عن معرفة أنوارها وكلامها الذي لابد من الوقوف معه وتجلية أنواره
، ومعرفة أركانه وأهدافه فلذا لابد من التعرض لأهداف هذه الخطبة لكي يتضح لنا
برهانها الظاهر ، وكلامها المؤثر الذي ينبع من مشكاة النبوة المحمدية وظهر على
لسان الأسرار الفاطمية.
__________________
أهداف خطبة الزهراء 3
هناك مجموعة أهداف لتصلّب الزهراء في
مواقفها :
أوّلاً ـ أرادت الزهراء استرجاع حقها
المغصوب ، وهذا أمر طبيعي لكل إنسان غصب حقّه أن يطالب به بالطرق المشروعة.
ثانياً ـ كان الحزب الحاكم قد استولى
على جميع الحقوق السياسية والإقتصادية لبني هاشم ، وألغى جميع امتيازاتهم المادية
والمعنوية ، فهذا عمر بن الخطاب يقول لابن عباس : أتدري ما منع قومكم ( أي قريش )
منكم بعد محمد 6
؟ كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحاً ، فاختارت قريش
لأنفسها فأصابت ووُفّقت
، هذا بالنسبة للخلافة ، وبالنسبة للأموال فقد منعوا بني هاشم فدك والميراث والخمس
ـ أي سهم ذوي القربى ـ واعتبروهم كسائر الناس.
وكان بنو هاشم وفي مقدّمتهم علي 7 لا يقدرون على المطالبة بحقوقهم
المغصوبة بأنفسهم ، فجعلت الزهراء من نفسها مطالبة بحق بني هاشم وحقها ، ومدافعة
عنهم اعتماداً على فضلها وشرفها وقربها من رسول الله ، واستناداً إلى أنوثتها حيث
النساء أقدر من الرجال في بعض المواقف. ومعلوم أن الزهراء إذا استردّت حقوقها
استردّت حينئذ حقوق بني هاشم معها.
ثالثاً ـ استهدفت الزهراء من مطالبتها
الحثيثة بفدك فسح المجل أمامها للمطالبة بحق زوجها المغلوب على أمره ، والواقع أنّ
فدك صارت تتمشّى مع الخلافة جنباً إلى جنب ، كما صار لها عنوان كبير وسعة في
المعنى ، فلم تبق فدك قرية زراعية محدودة بحدودها في عصر الرسول ، بل صار معانها
الخلافة والرقعة الإسلامية بكاملها.
ومما يدل على هذا تحديد الأئمة لفدك ،
فقد حدها علي 7
في زمانه بقوله : حدٌّ منها جبل أحد ، وحدٌّ منها عريش مصر ، وحدٌّ منها سيف البحر
، وحدٌّ منها دومة الجندل .
وهذه الحدود التقريبية للعالم الإسلامي آنذاك.
__________________
أما الإمام الكاظم 7 فقد حدها للرشيد بعد أن ألحّ عليه
الرشيد أن يأخذ فدكاً ، فقال له الإمام : ما آخذها إلا بحدودها ، قال الرشيد : وما
حدودها ؟ قال : الحدُّ الأول عدن ، والحدُّ الثاني سمرقند ، والحدُّ الثالث
أفريقيّة ، والحدُّ الرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية ، فقال له الرشيد :
فلم يبق لنا شيء فتحوَّل في مجلسي
، أي أنّك طالبت بالرقعة الإسلامية في العصر العباسي بكاملها.
فقال الإمام : قد أعلمتك أني إن حدّدتها
لم تردّها.
ففدك تعبير ثانٍ عن الخلافة الإسلامية ،
والزهراء جعلت فدكاً مقدمة للوصول إلى الخلافة ، فأرادت استرداد الخلافة عن طريق
استرداد فدك.
ومما يدل على هذا تصريحات الزهراء في
خطبتها بحق علي وكفاءته وجهاده ، فهي القائلة في خطبتها الكبيرة التي ألقتها في
مسجد رسول الله : « فأنقذكم الله بأبي محمد بعد اللّتيّا والّتي ، وبعد أن مني ببهم
الرجال وذؤبان العرب ومرده أهل الكتاب ، كُلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله أو
نجم قرن للشيطان ، أو فغرت فاغرة من المشركين ، قذف أخاه ( أي عليّاً ) في لهواتها
، فلا ينكفي حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله ،
مجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله ، سيد أولياء الله ، مُشمِّراً ناصحاً
، مجدّاً كادحاً ، وأنتم في رفاهيةٍ من العيش وادعون فاكهون آمنون ، تتربّصون بنا
الدوائر وتوكّفون الأخبار ، وتنكصون عن النزال ، وتفرُّون من القتال ».
وتقول أيضاً : « ألا وقد أرى والله أن
قد أخلدتم إلى الخفض ، وبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض ». وهو أمير المؤمنين.
وكان لإشادة الزهراء بفضل علي 7 في خطبتها أثر بالغ في نفوس الأنصار
حتى هتف قسم منهم باسمه ، فاستشعر أبوبكر الخطر من هذه البادرة ، وشقّ عليه
مقالتها ، فصعد المنبر وقال : «
أيها الناس ما هذه الرعة إلى كلّ قالة ، أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله 6
؟ ألا من سمع فليقل ، ومن شهد فليتكلّم ، إنّما هو ثعالة :
__________________
شهيده
ذَنَبه ، مربٍّ لكلِّ فتنة. هو الذي يقول كرُّوها جذعة بعدما هرمت ، يستعينون
بالضعفة ، ويستنصرون بالنساء كأمّ طحال أحبُّ أهلها اليها البغي ، ألا إنّي لو
أشاء أن أقول لقلت ، ولو قلت لحبت ، إنّي ساكت ما تُركت ».
ثم التفت إلى الأنصار فقال : « قد بلغني يا معشر الأنصار
مقالة سفهائكم ، وأحقُّ من لزم عهد رسول الله أنتم ، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم ،
ألا إنّي لست باسطاً يداً ولا لساناً على من لم يستحقَّ ذلك منّا ».
ثم نزل .
قال ابن ابي الحديد : قرأت هذا الكلام
على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصريّ وقلت له : بمن يعرّض ؟ فقال
: بل يصرّح ، قلت : لو صرّح لم أسألك ، فضحك وقال : بعليّ بن أبي طالب 7. قلت : هذا الكلام كلّه لعليّ يقوله ؟
قال : نعم إنّه الملك يا بنيَّ ، قلت : فما مقالة الأنصار ؟ قال : هتفوا بذكر عليّ
، فخاف من اضطراب الأمر عليهم ـ انتهى.
لهذا قلت : إن الزهراء اتّخذت من فدك
ذريعةً للوصول إلى استرداد خلافة علي 7
، وإلا فما الذي حداها وهي تطالب بميراثها أن تشيّد بمواقف الإمام وأحقّيته بالخلافة
حتى أثارث الأنصار ، فهتفوا بذكر علي ؟ وما الذي حدا أبا بكر أن يذكر عليّاً بسوء
في خطبته كقوله : إنّما هو ثعالة شهيده ذَنَبه ، مربٍّ لكل فتنة.
رابعاً : أرادت الزهراء 3 بمنازعة أبي بكر إظهار حاله وحال
أصحابه للناس ، وكشفهم على حقيقتهم ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حيّ عن
بيّنة ، وإلاّ فبضعة الرسول أجل قدراً وأعلى شأناً من أن تقلب الدنيا على أبي بكر
حرصاً على الدنيا ، ولا سيّما أن النبي 6
أخبرها بقرب موتها وسرعة لحاقها به ، ولذا لم ينهها عليٌّ 7 عن منازعة أبي بكر في فدك وهو القائل :
« وما أصنع بفدك وغير فدك ،
__________________
والنفس مكانها في غد
جدث » ، ولم تكن
الزهراء أقلّ من علي تُقىً وزهداً في الدنيا. ثم إنّ عليّاً 7 كان بإمكانه أن يعوّض الزهراء عن ما
غصب منها بما يملكه من الأموال ، ويمنعها من الهوان ، فإنّ ممّا يملك إرثي
البغيبغة وأبي نيزر ، وهما أكثر قيمة من فدك ، وقد جعلهما 7 قبل وفاته وقفاً على الفقراء ، وكان
واردهما السنويّ ٤٧٠ ألف درهم.
وأيضاً هذا هو السبب في حمل عليّ
الزهراء على بغلة ، والمرور بها على دور المهاجرين والأنصار ، ومطالبتهم بنصرتها
مع علمها بخذلانهم ، كلّ ذلك لاطّلاع الناس أبد الدهر على حقيقة الأمر ، وإظهار
حال الغاصبين وحال أصحابهم ...
قال ابن أبي الحديد : قلت لمتكلّم من متكلّمي
الإماميّة يعرف بعليّ ابن تقي من بلدة النيل : وهل كان فدك إلا نخلاً يسيراً
وعقاراً ليس بذلك الخطير ؟ فقال لي : ليس الأمر كذلك ، بل كانت جليلةً جدّاً ،
وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن. ( أي في القرن السادس الهجري ) ، وما قصد
أبوبكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلا ألاّ يتقوّى بحاصلها وغلّتها على المنازعة في
الخلافة ، ولهذا أتبعا ذلك بمنع فاطمة وعلي وسائر بني هاشم وبني المطّلب حقّهم في
الخمس ، فإنّ الفقير الذي لا مال له تضعف همّته ، ويتصاغر عند نفسه ، ويكون
مشغولاً بالاحتراف والاكتساب عن طلب الملك والرئاسة .
وقال الإمام الصادق 7 للمفضّل بن عمر : « لمّا بويع أبو بكر
أشار عليه عمر أن يمنع علياً وأهل بيته الخمس والفيء وفدكاً ، فإنّ شيعته إذا علموا
ذلك تركوه ، وأقبلوا إليك رغبة في الدنيا ، فصرفهم أبو بكر عن جميع ما هو لهم ».
وثمّة سبب اخر وهو إرادة التظاهر
بالقوّة أمام أهل البيت ، وسدّ الطريق أمامهم ، وقطع أيّ أملٍ في نفوسهم للوصول
إلى غايتهم .
قال العلامة المجلسي ; : إنّ طلب الحقّ والمبالغة فيه وإن لم
يكن منافياً للعصمة لكنّ زهدها صلوات الله عليها وتركها للدنيا ، وعدم اعتدادها
بنعيمها ولذّتها ، وكمال عرفانا
__________________
ويقينها بفناء
الدنيا ، وتوجّه نفسها القدسيّة وانصراف همّتها العالية دائماً إلى اللذات
المعنويّة والدرجات الاُخروية ، لا تناسب مثل هذا الاهتمام في أمر فدك ، والخروج
إلى مجمع الناس ، والمنازعة مع المنافقين في تحصيله.
والجواب عنه من وجهين ، الأوّل : أن ذلك
لم يك حقّاً مخصوصاً لها ، بل كان أولادها البررة الكرام مشاركين لها فيه ، فلم
يكن يجوز لها المداهنة والمساهلة والمحاباة وعدم المبالاة في ذلك ليصير سبباً
لتضييع حقوق جماعة من الأئمة الأعلام والأشراف الكرام. نعم لو كان مختصاً بها كان
لها تركه والزهد فيه وعدم التأثّر من فوته.
والثاني : إنّ تلك الاُمور لم تكن
لمحبّة فدك وحبّ الدنيا ، بل كان الغرض إظهار ظلمهم وجورهم وكفرهم ونفاقهم ، وهذا
كان من أهمّ اُمور الدين وأعظم الحقوق على المسلمين ، ويؤيّده أنّها صلوات الله
عليها صرَّحت في آخر الكلام حيث قال : « قلت ما قلت على معرفةٍ منّي بالخذلة ... »
، وكفى بهذه الخطبة بيّنة على كفرهم ونفاقهم ... .
قال المحقق الفاضل الألمعي عبدالزهراء
عثمان محمد : ربما يعترض البعض على موقف فاطمة فيقول : لماذا إذن تقف فاطمة هذا
الموقف الصلب في مطالبتها بفدك ، فلو لم يكن هناك هدف آخر تبتغيه من ورائه ، لما
طالبت هذه المطالبة الحقيقيّة به.
ولأجل أن نبرز الحقائق التي دفعت
الصديقة فاطمة الزهراء 3
للمطالبة بفدك نضع أمامنا النقاط الآتية :
١ ـ إنّها 3
رأت أنّ تأميم فدك قد هيّأ لها فرصةً ذهبيّةً في الإدلاء برأيها حول الحكومة
القائمة ، وكان لابدَّ لها أن تدلي بتصريحاتها أمام الجماهير ، وقد هيّأت لها
قضيّة فدك هذه الملابسات المناسبة ، فحضرت دار الحكومة في المسجد النبوي 6 ، وألقت بتصريحاتها التي لا تنطوي على
أيّ لبس أو غموض.
٢ ـ تبيان أحقيّة عليّ في قيادة الاُمة
بعد الرسول 6 ، وقد تجلّى
ذلك في خطبتها التي ألقتها في مسجد
__________________
أبيها 6 على مسمع ومرأى من المسلمين ، وبضمنهم
الحكومة الجديدة ، فكان من بعض أقوالها : « أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من
أبي وابن عمي ؟ » وقولها : « وأبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض ». حيث أو ضحت أنّ
عليّاً 7 أعلم الناس
بعد محمّد 6 بمعرفة
الرسالة وأحكامها وقوانينها ، وهو ذلك أحقّ برعاية شئون الاُمّة التي صنعها الوحي
المقدّس.
٣ ـ كشف ألاعيب الحكومة الجديدة على
الشرع المقدّس ، واجتهاداتهم التي لا علاقة لها بأهداف الرسالة ... وهذه النقاط
الثلاث هي التي استهدفتها فاطمة 3
في مطالبتها الحثيثة بفدك ، ليس غير ، وليس لها وراء ذلك هدف ماديٌّ رخيص ، كما
يعتقد البعض من مورّخي حياتها ، فهي ـ لعمر الحقّ ـ قد تصرَّفت ما من شأنه أن يحفظ
الرسالة من شبح الإنحراف الذي تنبّأت بوقوعه بعد انتخاب الحكومة الجديدة ، فاتّخذت
من فدك خير فرصةٍ لخدمة المبدأ ، وإلقاء الحجّة على الاُمّة تأديةً للمسؤوليّة ،
ونصراً للرسالة ، وحفظاً لبيضة الإسلام .
قال المحقق المتتبع السيد كاظم القزويني
: من الممكن أن يقال : إنَّ السيدة فاطمة الزهراء 3
الزاهدة عن الدنيا وزخارفها ، والتي كانت بمعزل عن الدنيا ومغريات الحياة ، ما
الذي دعاها إلى هذه النهضة وإلى هذا السعي المتواصل ، والجهود المستمرّة في طلب
حقوقها ؟ وما سبب هذا الإصرار والمتابعة بطلب فدك والاهتمام بتلك الأراضي والنخيل
، مع ما كانت تتمتّع به السيّدة فاطمة من علوّ النفس وسموِّ المقام ؟ وما الداعي
إلى طلب الدنيا التي كانت أزهد عندهم من عفطة عنز ، وأحقر من عظم خنزير في فم
مجذوم ، وأهون من جناح بعوضة ؟ وما الدافع بسيّدة نساء العالمين أن تتكلّف هذا
التكليف وتتجشّم هذه الصعوبات المجهدة للمطالبة بأراضيها ، وهي تعلم أنّ مساعيها
تبوء بالفشل ، وأنّها لا تستطيع التغلُّب على الموقف ، ولا تتمكَّن من انتزاع تلك
الأراضي من المغتصبين ؟ هذه تصوّرات يمكن أن تتبادر إلى الأذهان حول الموضوع.
__________________
أوّلاً
: إنّ السلطة حينما صادرت أموال السيدة
فاطمة الزهراء ، وجعلتها في ميزانيّة الدولة ( بالاصطلاح الحديث ) كان هدفهم تضعيف
جانب أهل البيت ، أرادوا أن يحاربوا عليّاً محاربة اقتصاديّة ، أرادوا أن يكون علي
فقيراً حتّى لا يلتفَّ الناس حوله ، ولا يكون له شأن على الصعيد الاقتصادي .
وهذه سياسة أراد المنافقون تنفيذها في
حقّ رسول الله 6
حين قالوا : ( لا تُنفِقُوا
عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا
) .
ثانياً
: لم تكن أراضي فدك قليلة الإنتاج ، ضئيلة
الغلاّت ، بل كان لها وارد كثير يعبأ به ، بل ذكر ابن أبي الحديد أنّ نخيلها كانت
تمثل نخيل الكوفة في زمان ابن أبي الحديد ؛ وذكر الشيخ المجلسي عن « كشف المحجّة »
أنّ وارد فدك كان أربعة وعشرين ألف دينار في كلّ سنة ؛ وفي رواية اُخرى : سبعين
ألف دينار ، ولعلّ هذا الاختلاف في واردها بسبب اختلاف السنين. وعلى كلّ تقدير
فهذه ثروة طائلة واسعة لا يصحّ التغاضي عنها.
ثالثاً
: إنّها كانت تطالب من وراء المطالبة
بفدك الخلافة والسلطة لزوجها عليّ بن أبي طالب ، تلك السلطة العامّة والولاية
الكبرى التي كانت لأبيها رسول الله 6
؛ فقد ذكر ابن أبي الحديد في شرحه ، قال : سألت عليم بن الفارقي مدّرس مدرسة
الغربيّة ببغداد ، فقلت له : أكانت فاطمة صادقة ؟ قال : نعم قلت : فلِمَ لم يدفع
إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة ؟ فتبسّم ، ثمّ قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع
ناموسه وحرمته وقلّة دعابته ، قال : لو أعطاها اليوم فدك بمجرَّد دعواها ، لجاءت
إليه غداً وادّعت لزوجها الخلافة ، وزحزحته عن مقامه ؛ ولم يكن يمكنه الاعتذار
والموافقة بشيء ، لأنّه يكون قد أسجل على نفسه بأنّها صادقة فيما تدّعي كائناً ما
كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا
__________________
شهود. وهذا كلام
صحيح وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل .
... لهذه الأسباب قامت السيدة فاطمة
الزهراء 3 ، وتوجَّهت
نحو مسجد أبيها رسول الله 6
لأجل المطالبة بحقّها. إنّها لم تذهب إلى دار أبي بكر ليقع الحوار بينها وبينه
فقطُّ ، بل اختارت المكان الأنسب وهو المركز الإسلامي يومذاك ، ومجمع المسلمين
حينذاك ، وهو مسجد رسول الله 6
، كما وأنّها اختارت الزمان المناسب أيضاً ليكون المسجد غاصّاً بالناس على اختلاف
طبقاتهم من المهاجرين والأنصار ؛ ولم تخرج وحدها إلى المسجد بل خرجت في جماعة من
النساء ، وكأنّها في مسيرة نسائية ، وقبل ذلك تقرر اختيار موضع من المسجد لجلوس
بضعة رسول الله وحبيبته ، وعلّقوا ستراً لتجلس السيدة فاطمة خلف الستر ، إذ هي فخر
المخدّرات ، وسيدة المحجّبات. كانت هذه النقاط مهمّة جدّاً واستعدّ أبو بكر
لاستماع احتجاج سيدة نساء العالمين ، وابنة أفصح من نطق بالضاد ، وأعلم امرأة في
العالم كلّه.
خطبت السيدة فاطمة الزهراء خطبة
ارتجاليّة منظَّمة منسَّقة بعيدة عن الاضطراب في الكلام ، ومنزَّهة عن المغالطة
والمراوغة والتهريج والتشنيع ، بل وعن كلِّ ما لا يلائم عظمتها وشخصيّتها الفذّة ،
ومكانتها السامية ، وتعتبر هذه الخطبة معجزة خالدة للسيدة فاطمة الزهراء 3 ، وآية باهرة تدلُّ على جانب عظيم من
الثقافة الدينيّة التي كانت تتمتّع بها الصدّيقة فاطمة الزهراء.
وأمّا الفصاحة والبلاغة ، وحلاوة البيان
، وعذوبة المنطق ، وقوة الحجة ، ومتانة الدليل ، وتنسيق الكلام ، وإيراد أنواع
الإستعارة بالكناية ، وعلوّ المستوى ، والتركيز على الهدف ، وتنوّع البحث ... .
__________________

الشيخ محمد علي اليعقوبي
أى برق حزوى
فاستهلت دموعه
|
|
وهاج بمن يهواه
فيها ولوعه
|
خليليَّ مالي
كلّما صُنْتُ في الحشا
|
|
هوايَّ بدا دمعُ
الشوونَ يذيعه
|
أحنُّ لعهدٍ قدْ
خلا بعدَما حلىٰ هيهاتَ
|
|
يرجىٰ عودُهُ
ورجوعُهُ
|
ليَّ الله كمْ
نهنهتُ قلبيَّ عن هوىً
|
|
تحمّلَ منهُ فوقَ
ما يستطيعُهُ
|
وكفكفتُ من طرفي
الدموعَ فلمْ تكنْ
|
|
لغيرِ بني الزهراءِ
تُهمي دموعُهُ
|
وخطبُ جرىٰ
بالطفِّ لم يُنسَ وقعُهُ
|
|
ولم تلتئمْ طولَ
الزمانِ صدوعُهُ
|
عشيةَ أمسىٰ
منزلُ البغيِّ اهلاً
|
|
ومنزلُ وحيِّ الله
أقوتْ ربوعُهُ
|
لقدْ كانَ من يومَ
السقيفةِ أصلُهُ
|
|
وكلُّ الرزايا
الحادثاتِ فروعُهُ
|
فما عذرُهمْ عند
النبيِّ ولمْ يزلْ
|
|
يرىٰ كلَّ
آنِ منهمُ ما يروعُهُ
|
أفي غصبهمْ حقَّ
الوصيِّ وظلمهمْ
|
|
لبضعتهِ الزهراءِ
يُجزىٰ صنيعُهُ
|
لو أنَّ رسولَ
الله ينظرُ فاطماً
|
|
تنوحُ ولمْ تهجعْ
لعزّ هجوعُهُ
|
فلولا جنينٌ
أسقطوهُ لما هوىٰ
|
|
صريعاً علىٰ
صدرِ الحسينِ رضيعُهُ
|
ومنْ رضّهمْ ضلعَ
البتولةِ قدْ غدتْ
|
|
تُرضٌّ بجري
الصافناتِ ضلوعُهُ
|
البحث السادس عشر
فاطمة 3
وعلاقتها بالحسين 7
للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء 3 عدة أولاد منهم الحسن والحسين : ، علما ان علاقتها كانت بهذين الولدين
تفوق علاقة أكثر الامهات في تاريخ البشرية وذلك نابع من كونهم ذرية رسول الله 6 اضافة إلى كونهم النسل الطاهر لها ،
وبمقتضى علاقة الام بأبنائها ولقد حدثنا التاريخ عن نشوء هذه العلاقة بين الام من
جهة وبين ابنائها ومن خلال الاحاديث المروية عن أهل البيت : من جهة اخرى ، والذي نريد التركيز عليه
هنا في هذا الموضوع الختامي لكتابنا هذا هو علاقة الصديقة الطاهرة فاطمة 3 بولدها الحسين 3 ريحانة رسول الله 6 ، الذي كان يلقمه حباً وحجراً دافأ
خلال حياته الشريفة ، كيف لا وكان الرسول 6
ينظر إلى الحسين بأنه حامل فكره على مدى الزمن حياةً وشهادةً لكي يضيء من خلال ذلك
للناس حياتهم الفكرية والاجتماعية والسياسية عبرَ مرَّ العصور ، وعلى أي حال فان
رسول الله 6 استمد من
وراء الغيب علمه بأن بضعته الطاهرة فاطمة الزهراء 3
سوف يتفرع منها الغصن والثمرة الطيبة لأئمة أهل البيت : والذين يحملون اعباء الإمامة ويدعون
الناس عبر مرَّ السنين والاعوام إلى طريق الهداية والتقوى والصلاح في الدين
والدنيا والاخرة لذا كان الرسول يولي اهتماماً بالغاً ببضعته الطاهرة 3 وبولديها الحسن والحسين : ، وفي الموضوع وعلى هذا الاساس سوف
نولي اهتماما بارزاً من خلال النصوص بحياة الصديقة الشهيدة وعلاقتها انذاك بولدها
الحسين 7 مستمدين ذلك
من آثار الرسول وأهل بيته وكلماتهم النورانية التي نشروها خلال سيرة حياتهم
الشريفة والتي كلها دروس وعبر للمؤمنين على مر العصور والازمان.
الولادة الميمونة
مضت عدة ايام على ولادة الإمام الحسن 7 وامتلأ البيت النبوي سروراً وفرحاً ولم
تمض الايام القليلة حددها المؤرخين باثنين وخمسين يوماً حتى علقت سيدة النساء بحمل
جديد ظل يتطلع إليه الرسول 6
وسائر المسلمين بفارغ الصبر وكلهم رجاء وأمل في أن يشفع الله ذلك الكوكب بكوكب آخر
ليضيء في سماء الأمة الاسلامية ويكون امتداداً لحياة المنقذ العظيم . ورأت السيدة ام الفضل بنت الحارث في منامها رؤية غريبة لم تهتد إلى
تأويلها ، فهرعت إلى رسول الله 6
قائلة له : « إني رأيت حلماً منكراً كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري ؟ ... »
فأزاح النبي مخاوفها وبشرها بخير قائلاً : « خيراً رأيت ، تلد فاطمة ان شاء الله
غلاماً فيكون في حجرك ... » ومضت الايام سريعاً فوضعت سيدة النساء فاطمة ولدها
الحسين فكان في حجر أم الفضل كما أخبرها النبي 6
.
إخبار فاطمة بقتل الحسين 7
عن ابي عبد الله 7 : ان جبرئيل 7 نزل على محمد 6 فقال : يا محمد إن الله يقرأ عليك
السلام ، ويبشرك بمولود يولد من فاطمة 3
تقتله أُمتك من بعدك.
فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربي السلام ،
لا حاجة لي في مولود تقتله امتي من بعدي ، قال : فعرج جبرئيل إلى السماء ، ثم هبط
فقال له مثل ذلك.
فقال : يا جبرئيل وعلى ربي السلام ، لا حاجة
لي في مولود تقتله أمتي من بعدي ، فعرج جبرئيل إلى السماء ، ثم هبط فقال له : يا
محمد إن ربك يقرؤك السلام ، ويبشرك انه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية ،
فقال : قد رضيت ، ثم أرسل إلى
__________________
فاطمة 3 أن الله « تبارك وتعالى » يبشرك بمولود
يولد منك تقتله أُمتي من بعدي ، فأرسلت إليه : أن لا حاجة لي في مولود يولد مني
تقتله أمتك ، من بعدك. فأرسل اليها ان الله جاعل في ذريته الإمامة والولاية
والوصية فأرسلت : أني قد رضيت ، « حملته أمه كرها ووضعته كرهاً وحمله وفصاله
ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي
أنعمت علي وعلى والدي وان أعمل صالحاً ترضيه وأصلح لي في ذريتي إني تبت اليك واني
من المسلمين » .
وايضا عن ابي عبد الله 7 قال : كان الحسين مع أمه 6 تحمله ، فأخذه النبي 6 ، وقال : لعن الله قاتلك ، ولعن الله
سالبك واهلك الله المتوازرين عليك ، وحكم الله بيني وبين من اعان عليك.
قالت فاطمة الزهراء 3 : يا أبة ، أيّ شيء تقول ؟
قال : يا بنتاه ، ذكرت ما يصيبه بعدي
وبعدك من الاذى والظلم والغدر والبغي وهو يومئذ في عصبة ، كأنهم نجوم السماء
يتهاوون إلى القتل ، وكأني أنظر بالى معسكرهم وإلى موضع رحالهم ، وتربتهم ، قالت
يا أبة ، واين الوضع الذي تصف ؟
قال الموضع يقال له : « كربلاء » وهي
دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة.
يخرج عليهم شرار امتي ، ولو أن أحدهم
شفع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه وهم المخلدون في النار.
قالت يا أبة ، فيقتل ؟ قال : نعم يا
بنتاه ، وما قُتِلَ قتلته أحدٌ كان قبله ، وتبكيه السماوات والأرضين والملائكة
والوحش والنباتات والبحار والجبال ، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض منقذ ، ويأتيه
من محبينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقنا منهم ، وليس على ظهر الأرض أحد
يلتفت إليه غيرهم ، اُولئك مصابيح في ظلمات الجور ، وهم الشفعاء وهم واردون حوضي
غداً ، أعرفهم ـ إذا وردوا علي ـ بسيماهم. وكل أهل دين يطلبون ائمتهم وهم يطلبوننا
ولا يطلبون غيرنا ، وهم قوّام الأرض وبهم ينزل الغيث.
__________________
فقالت فاطمة الزهراء 3 : يا أبة إنا لله ، وبكت.
فقال لها : يا بنتاه ، إن أفضل أهل
الجنان هم الشهداء في الدنيا بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل
الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً ، فما عند الله خير من الدنيا وما فيها ،
قتلة أهون من ميتة ومن كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه ومن لم يقتل سوف يموت.
يا فاطمة بنت محمد ، أما تحبين أن
تأمرين غداً بأمر ، فتُطاعين في هذا الخلق عند الحساب ؟ أما ترضين أن يكون ابنك من
حملة العرش ؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة ؟ أما ترضين أن يكون
بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض ، فيسقي منه أوليائه ويذود عنه أعدائه ؟ ..
أما ترضين أن يكون بعلك مشيم النار بأمر
النار ، فتطيعه يخرج منها من يشاء ، ويترك من يشاء. أما ترضين أن تنظرين إلى
الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وما تأمرين به وينظرون إلى بعلك ، قد حضر
الخلائق وهو يخاصمهم عند الله ، فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتلك وقاتل بعلك
إذا أفلجت حجته على الخلائق واُمرت النار أن تطيعه ؟
اما ترضين ان تكون الملائكة تبكي لابنك
ويأسف عليه كل شيء ؟
اما ترضين ان يكون من أتاه زائراً في
ضمان الله ، ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله واعتمر ولم يخل من الرحمة
طرفة عين ، وإذا مات مات شهيداً ، وأن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ولم يزل
في حفظ الله وأمنه ، حتى يفارق الدنيا.
قالت يا أبة ، سلمت ورضيت وتوكلت على
الله فمسح على قلبها ومسح على عينيها وقال : إنّي وبعلك وانت وابنيك في مكان تقرّ
عيناك ويفرح قلبك .
__________________
أول مأتم للحسين 7
عندما بشر جبرئيل النبي 6 بولادة الحسين من ابنته الزهراء 3 فرح فرحاً شديداً ولكن سرعان ما تبدد
هذا الفرح وتحول إلى حزن وذلك عندما أخبر جبرئيل الرسول محمد 6 بأن ولده هذا سوف يقتل من قبل امته في
أرض تسمى كربلاء في العراق ، ولكن الله سبحانه وتعالى على أثر شهادته وكرامةً له
يجعل من صلبه تسعة من الأئمة الطاهرون المطهرون آخرهم قائمهم « عج » يملأ الله به
الأرض عدلا وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، ولذلك كان أول مأتم عزاء حقيقي في
تأريخ هذه الأمة عندما ولد الحسين 7
حيث بكته أمه الزهراء وأباه أمير المؤمنين 7
وكذلك رسول الله 6
وإلى ذلك أشار التأريخ عبر رواياته وتاريخه الحافل ، حيث يقول الشيخ التستري في
كتابه الخصائص الحسينية « ان أول مأتم للحسين اقيم في عهد هذه الأمة في زمن رسول
الله 6 » فلو نظرنا
إلى قوله هذا نجد هناك قرينة واضحة البيان وهي « في عهد هذه الأمة » دالة على انه
كانت هناك مآتم في غير عهد هذه الأمة.
اذن كانت هناك مآتم عزاء على الحسين 7 من قبل الأنبياء والرسل الذين سبقوا
خاتم الأنبياء محمد 6
ولكن كيف اقاموا هؤلاء الأنبياء المآتم على الحسين ، وكيف بكوا عليه ؟ هذا ما نجده
واضحاً من خلال استقراء التاريخ حيث يخبرنا التاريخ أن ذلك كان ناتج من أخبار الله
تعالى لهم بما يجري على الحسين وان يجعلوه وسيلة لقربة وان يدعوا على قاتليه
باللعنة وسوء العذاب وهذا ما تراه في كتاب عوالم الإمام الحسين واضحاً وجلياً ،
اذن كان أول مأتم في عهد امه الزهراء حيث بكت عليه وناحت لأجله لذا لابد لنا ان
نقوي علاقتنا مع الحسين لما له من تأثير كبير في زيادة علاقتنا بالصديقة الطاهرة
فاطمة 3.
حب فاطمة 3
للحسين 7
روي أنه دخل الحسن والحسين 8 على النبي 6 يوماً فشم الحسن في فمه الشريف وشم
الحسين في نحره فقام الحسين واقبل إلى أمه فقال لها : اماه شمي فمي هل تجدين فيه
رائحة يكرهها جدي رسول الله 6
فشمته في فمه فإذا هو أطيب من المسك ثم جاءت به إلى ابيها فقالت له : ابه لم كسرت
قلب ولدي الحسين فقال 6
مم ؟ قالت : تشم اخاه في فمه وتشمه في نحره فلما سمع بكى وقال : بنيه اما ولدي
الحسن فإني شممته في فمه لأنه يسقى السم فيموت مسموماً واما الحسين 7 فإني شممته في نحره لأنه يذبح من الوريد
إلى الوريد فلما سمعت فاطمة بكت بكاء شديداً وقالت : أبه متى يكون ذلك ؟ فقال :
بنية في زمان خال مني ومنك ومن أبيه وأخيه فأشتد بكاؤها ثم قالت : ابه فمن يبكي
عليه ومن يلتزم باقامة العزاء عليه ؟ فقال لها : بنية فاطمة أن نساء أمتي يبكين على
نساء أهل بيتي ورجالهم يبكون على ولدي الحسين وأهل بيته ويجددون عليه العزاء جيلاً
بعد جيل فاذا كان يوم القيامة انت تشفعين للنساء وانا اشفع للرجال وكل من يبكي على
ولدي الحسين أخذنا بيده وادخلناه الجنة.
الحسين 7
وحجر فاطمة 3
وعنت سيدة نساء 3 بتربية وليدها الحسين فغمرته بالحنان
والعطف لتكون له بذلك شخصيته الإستقلالية والشعور بذاتياته كما غذته بالآداب
الإسلامية ، وعودته على الإستقامة والإتجاه المطلق نحو الخير والصلاح ، كيف لا ،
وهي ربيبة الوحي وسليلة التقوى فهي أم أبيها ، وزوجة أمير المؤمنين ، كيف لا ونحن
نعلم ان الأم الطاهرة هي المدرسة الأولى للطفل فيها ينشأ وإليها يغدوا وعليها
يربوا ، وكما قيل :
الأم مدرسة إذا اعددتها
|
|
اعددت شعباً طيب الأعراق
|
الأم روضُ تعهده الحيا
|
|
بالري أورق ايما ايراق
|
الأم استاذ الأساتذة الاُلى
|
|
شغلت مآثرهم مدى الآفاق
|
هكذا هي الام فهي شمعة مقدسة تضيء ليل
الحياة بتواضع ورقة وفائدة ، فهي التي تصنع الحياة وهي الكنز الحقيقي الذي لا
اضمحلال له ، وكما قيل : مدرستي الأُولى على صدر امي ، وإني مدين بكل ما وصلت إليه
وما أرجوا أن أصل إليه من الرفعة إلى أُمي الملاك فالأم التي تهز السرير بيمينها
تهز العالم بيسارها ، وهكذا كانت الزهراء الاُم المثالية التي تربى في حجرها
الحسين 7 وغذته
بالاخلاق الحميدة والخصال الرفيعة وإلى ذلك يقول العلائلي في كتابه الإمام الحسين
ص ٢٨٩ : « والذي انتهى إلينا من مجموعة أخبار الحسين ان اُمه عنيت ببث المثل
الإسلامية الإعتقادية لتشييع في نفسه فكره الفضيلة على أتم معانيها ، وأصح أوضاعها
ولا بِدعَ فأن النبي 6
أشرف على توجيهه أيضاً في هذا الدور الذي يشعر الطفل فيه بالإستقلال ، فالسيدة
فاطمة نمت في نفسها فكرة الخير ، والحب المطلق والواجب ومددت في جوانحه وخوالجه
افكار الفضائل العليا بأن وجهت المبادئ الأدبية في طبيعته الوليدة ، من أن تكون هي
نقطة دائرتها إلى الله الذي هو فكرة يشترك فيها الجميع ، وبذلك يكون الطفل قد رسم
بنفسه دائرة محدودة قصيرة حين أدار هذه المبادئ الأدبية على شخص والدته وقصرها عليها
وما تجاوز بها إلى سواها من الكوائن ، ورسمت له والدته دائرة غير متناهية حين جعلت
فكرة الله نقطة الارتكاز ، ثم أدارت المبادئ الأدبية والفضائل عليها فاتسعت نفسه
لتشمل وتستغرق العالم بعواطفها المهذبة ، وتأخذه بالمثل الأعلى للخير والجمال ... »
لقد نشأ الحسين في تلك الأسرة الطبيعية الأعراف الطاهرة من الأدناس وفي حجر سيدة
نساء العالمين من الأولين والآخرين ، وقد صار بهذه التربية المثل الأعلى للأجيال
حيث رسم الشهادة في جبين الإسلام كتضحية من أجل الأهداف التربوية التي تغذاها من
حجر امه ومن ضمير جده ورعاية أبيه المرتضى ، أجل إنّه الحسين الكبير ذلك الفذ من
الأفذاذ الذي علموا البشرية وعلموا الأجيال كل طرق الخير والصلاح لا خير في أن
يقول غاندي محرر الهند « تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فانتصر ».
« فاطمة 3
يوم القيامة »
للصديقة فاطمة 3 يوم القيامة مواقف عديدة تقف فيها ضد
قتلة الحسين وأنصارهم ، فمنها عندما تأتي يوم القيامة وتقف في عرصات المحشر ،
فيأتيها الخطاب من الباري عز وجل ... يا فاطمي : سلي حاجتك ، فتقول يا رب ... يا رب
أرني الحسين ... فيأتيها الحسين 7
وأوداجه تشخب دماً ، وهو يقول : يا رب ، خذ لي اليوم حقي ممن ظلمني ، عند ذلك تقف
سلام الله عليها مؤقتا موقفا شريفا من مواقف يوم القيامة ، ثم تنزل عن نجيبها
فتأخذ قميص الحسين 7
بيدها ملطخا بدمه :
لابد ان ترد القيامة فاطم
|
|
وقميصها بدم الحسين ملطخ
|
ويل لمن شفعاؤه خصمائه
|
|
والصور في القيامة ينفخ
|
وتقول يا رب ، هذا قميص ولدي ، وقد علمت
ما صنع به ، يا عدل ، احكم بيني وبين قاتل ولدي ... أنت الجبار العدل اقضي بيني
وبين من قتل ولدي ... فيغضب عند ذلك الجليل ، وتغضب لغضبه جهنم والملائكة اجمعون
... فيأتيها النداء من قبل الله عز وجل : يا فاطمة ! لك عندي الرضا فتقول يا رب انتصر
لي من قاتله ، فيأمر الله تعالى عنقا من النار فتخرج من جهنم ، فتلتقط قتلة الحسين
بن علي 7 كما يلتقط
الطير الجيد من الحب الرديء ، ثم يعود العنق بهم إلى النار فيعذبون فيها بأنواع
العذاب ، ولها مواقف آخر مع انصار الحسين واصحابه وشيعته وفيمن بكى عليه في الدنيا
وأقام العزاء لمصابه الجليل حيث ورد في الأخبار الشريفة ، انها تأتي يوم القيامة ،
فتقول يا رب حاجتي أن تغفر لي ، ولمن نصر ولدي الحسين 7.
اللهم اشفعني فيمن بكى على مصيبته ... الهي
أنت المنى وفوق المنى ، أسألك أن لا تعذب محبي ومحب عترتي بالنار ... إلهي وسيدي
ذريتي من النار ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد ... فيأتيها الخطاب ... يا فاطمة
قد غفرت لشيعتك ... وشيعة ولدك الحسين ... يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني
لقد آليت على نفسي من قبل أن اخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك
ومحبي عترتك بالنار ... فعند ذلك يود الخلائق أنهم كانوا فاطميين ، فتسير فاطمة
ومعها شيعتها ، وشيعة ولدها
الحسين 7 وشيعة أمير المؤمنين 7 آمنة روعاتهم ، مستورة عوراتهم ، قد
ذهبت عنهم الشدائد ، وسهلت لهم الموارد ، يخاف الناس وهم لا يخافون ، ويظمأ الناس
وهم لا يظمأون ... عند ذلك تصر فاطمة 3
وتسير إلى الجنة ... فتكون أول من تكسى ويستقبلها من الفردوس ، اثنتا عشر ألف
حوراء لم يستقبل أحداً قبلها ولا أحد بعدها على نجائب من ياقوتة اجنحتها وأزمتها
اللؤلؤ عليها ، حائل من درِّ ... فيجوزون بها الصراط حتى ينتهون بها إلى الفردوس
... فيتباشر بها أهل الجنان ... فتجلسي على كرسي من نور ويجلس حولها ، ويبعث إليها
ملك لم يبعث إلى أحد بعد فتقول : قد أتم علي نعمته ، وهنأني كرامته ، وأباحني جنته
، أسأله ولدي وذريتي ومن ودهم بعدي ، وحفظهم من بعدي ، فيوحي الله إلى الملك من
غير أن يزول من مكانه : أن سرّها وبشرها أني قد شفعتها في ولدها ومن ودّهم بعدها
وحفظهم فيها ... فتقول 3
: الحمد لله الذي أذهب عني الحزن وأقر عيني (
وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ ) .
__________________
يابن العسكري
لا صبر يابن العسكري فشرعة ال
|
|
هادي النبي استنصرت أنصارها
|
هدمت قواعدها وطاح منارها
|
|
فأقم بسيفك ذي الفقار منارها
|
فالام تغضي والطغاة تحكمت
|
|
في المسلمين وحكمت أشرارها
|
مولاي ما سن الضلال سوى الالى
|
|
هجموا على الطهر البتولة دارها
|
منعوا البتولَ عن النياحةِ اذ غدت
|
|
تبكي أباها ليلَها ونهارها
|
قالوا لها قري فقد آذيتنا
|
|
انّا وقد سلب المصاب قرارها
|
قطعوا اراكتها ومن أبنائها
|
|
قطعت اميٌّ يمينها ويسارها
|
جمعوا على بيت النبي محمدٍ
|
|
حطباً وأوقدت الضغائن نارها
|
رضوا سليلة أحمد بالباب
|
|
حتى أنبتوا في صدرها مسمارها
|
عصروا ابنة الهادي الامين واسقطوا
|
|
منها الجنين وأخرجوا كرارها
|
قادوه والزهراء تعدو خلفهم
|
|
عبرى فليتك تنظر استعبارها
|
والعبد سود متنها فاستنصرت
|
|
أسفاً فليتك تسمع استنصارها
|
فقضت وآثار الصياد بمتنها
|
|
يا ليت عينكَ عاينت آثارها
|
تم الإنتهاء من تأليف ووضع اللمسات الأخيرة
لهذا الكتاب في ذكرى تنصيب أمير المؤمنين 7
في يوم الغدير المبارك ، نسأل الله تعالى أن يتقبله منّا بأحسن القبول ويجعله في
الباقيات الصالحات ، وأن ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون.
محمّد فاضل المسعودي
الفهرس
الإهداء ......................................................................... ٥
تقريض في عام طبع الكتاب ....................................................... ٧
تقديم ........................................................................... ٩
مقدمة المؤلّف .................................................................. ٢٣
تمهيد .......................................................................... ٢٥
البحث الأول
التوسل والإستغاثة بالزهراء 3 ............................................. ٣١
البحث الثاني
حقيقة السر المستودع ........................................................ ٤٣
كتمان الأسرار ............................................................ ٤٣
البحث الثالث
فاطمة 3
حجة الله الكبرى ................................................ ٦٩
الأمر الأوّل : معنى
الحجة ؟ ................................................. ٧٠
الأمر الثاني : شرعية
الحجة ................................................. ٧٢
الأمر الثالث : كيف
كانت فاطمة 3 حجة على الأئمة : ؟ ............. ٧٥
البحث الرابع
أصل يوم العذاب ........................................................... ٩١
في ظلامات فاطمة الزهراء 3 .............................................. ٩١
لماذا هذا البحث ( أصل
يوم العذاب ... ) .................................... ٩١
ما معنى أصل يوم العذاب
؟ ................................................. ٩٢
الأمر الأول : مقامات
الزهراء 3 ......................................... ٩٦
أ ـ مقامها 3 عند الله تعالى ........................................... ٩٧
ب ـ مقامها 3 عند الملائكة .......................................... ٩٨
ج ـ مقامها 3 عند الأنبياء والنبي
محمد 6 ......................... ٩٨
د ـ مقامها 3 عند الأئمة : ....................................... ٩٩
ه ـ مقامها 3 عند العلماء
والمحدثين .................................. ١٠٠
ت ـ مقامها 3 يوم القيامة .......................................... ١٠٦
الأمر الثاني : ظلامات
فاطمة الزهراء 3 ................................. ١٠٨
تمهيد : ............................................................... ١٠٩
الظلم لغةً ............................................................. ١١٠
الظلم عرفاً ............................................................ ١١١
الظلم شرعاً ........................................................... ١١١
البحث الخامس
فاطمة الزهراء 3 وعلاقتها بأصول الدين ................................. ١٣٧
موانع تصحيح العقيدة .................................................... ١٣٨
فاطمة 3 وعلاقتها بالتوحيد ............................................ ١٤٠
فاطمة 3 وعلاقتها بالنبوة .............................................. ١٤٦
فاطمة 3 والعدل الإلهي ................................................ ١٤٩
فاطمة 3 وعلاقتها بالإمامة ............................................. ١٥٣
في خلقتها النورانيِّة
....................................................... ١٦٠
في بدء خلقتها ........................................................... ١٦١
في عرض ولايتها على
الأشياء ............................................. ١٦٢
في سبق دخولها الجنّة ...................................................... ١٦٢
في كونها 3 في حظيرة القدس ........................................... ١٦٢
في جواز دخولها 3 مسجد النبيّ ......................................... ١٦٣
في سكونتها معهم في
الجنَّة ................................................ ١٦٣
في كونها ركناً لعلي : ................................................ ١٦٣
في إصابة نور الله لها
...................................................... ١٦٤
في كونها خير خلق الله
تعالىٰ ............................................... ١٦٤
في اختيار الله تعالىٰ
ايّاها على النساء ........................................ ١٦٤
في وجوب إطاعتها على
الكائنات .......................................... ١٦٥
في ركوبها يوم القيامة
..................................................... ١٦٦
في تكلُّمها في بطن أُمِّها
................................................... ١٦٦
في كونها تحت قبَّة
العرش ................................................. ١٦٧
في ثواب السلام عليها .................................................... ١٦٧
في نزول حنوطها من
الجنّة ................................................. ١٦٨
اشتراكها معهم في
الحرب والسلم .......................................... ١٦٨
اشتراكها معهم في
تكوّن الميزان ............................................ ١٧٠
اشتراكها معهم في قصَّة
سفينة نوح 7 ................................... ١٧٠
توسّل زكريّا بها 8 ................................................... ١٧١
تحّية الله تعالى
إيّاها معهم بتفّاحة ........................................... ١٧٢
عرض حبّها على البريّة
................................................... ١٧٢
اشتراكها معهم في
الصلوات ............................................... ١٧٢
فاطمة 3
والمعاد ........................................................ ١٧٥
البحث السادس
فاطمة 3
وحديث الكساء الشريف ...................................... ١٧٩
حديث الكساء الشريف ................................................... ١٨٣
فاطمة 3 وحديث
الكساء الشريف ...................................... ١٨٥
الوقفة الأولى : حديث
الكساء وآية التطهير ................................. ١٨٦
مفهوم أهل البيت عند
أهل اللغة ........................................ ١٨٧
الوقفة الثانية : سند
هذا الحديث ........................................... ١٩٧
الوقفة الثالثة : مضامين
هذا الحديث المختلفة ................................ ١٩٨
البحث السابع
فاطمة 3
سيدة نساء العالمين ............................................. ٢٠٩
البحث الثامن
فاطمة الزهراء 3 العلة الغائيّة ............................................ ٢٣١
يا أحمد لولاك لما خلقت
الأفلاك ........................................... ٢٣١
ولولا علي لما خلقتك ..................................................... ٢٣٥
ولولا فاطمة لما
خلقتكما .................................................. ٢٣٦
البحث التاسع
فاطمة 3 والولاية التكوينية ............................................. ٢٤٣
المقام الأوّل : امكان
وقوع الولاية التكوينية ................................. ٢٥٠
المقام الثاني :
الولاية التكوينية لفاطمة 3 ................................. ٢٦٠
الولاية التكوينيّة بإذن
الله تعالى .......................................... ٢٦١
البحث العاشر
فاطمة 3
أم أبيها ....................................................... ٢٧١
البحث الحادي عشر
فلسفة تسبيح فاطمة الزهراء 3 .......................................... ٢٨٥
تشريع التسبيح .......................................................... ٢٨٨
كيفية التسبيح ........................................................... ٢٩٣
التسبيح من شعائر
الدين .................................................. ٢٩٨
الشعار وحامله ........................................................... ٣٠٠
الزهراء 3 تعلمت التسبيح من
النبي 6 .............................. ٣٠٢
البحث الثاني عشر
معرفة فاطمة 3 ......................................................... ٣١٥
مستويات معرفة فاطمة 3 .............................................. ٣٢٠
المستوى الأوّل :
المعرفة التاريخية لها 3 ................................... ٣٢٢
ولادة فاطمة 3 ..................................................... ٣٢٢
تحقيق وتبيين .......................................................... ٣٢٧
شهادة الصديقة فاطمة 3 ............................................ ٣٢٨
الهموم المتراكمة ....................................................... ٣٢٩
العيادة المبغوضة ........................................................ ٣٣١
وصية فاطمة 3 ..................................................... ٣٣٢
لحظات عمرها الأخيرة ................................................. ٣٣٤
التشييع والدفن ........................................................ ٣٣٥
وقوف الإمام 7 على قبرها ........................................... ٣٣٦
تاريخ وفاتها 3 ..................................................... ٣٣٨
المستوى الثاني : المعرفة
المناقبية لها 3 ..................................... ٣٤١
معاجزها في حياتها 3 ................................................ ٣٤١
اخلاقها 3 ......................................................... ٣٥٣
المستوى الثالث : المعرفة
العلمية والفكرية لها 3 ........................... ٣٥٧
* الأمر الأوّل ......................................................... ٣٥٨
* الأمر الثاني .......................................................... ٣٥٩
* الأمر الثالث ........................................................ ٣٦١
المستوى الرابع : المعرفة
النورانية لها 3 ................................... ٣٦٣
البحث الثالث عشر
فاطمة 3
وليلة القدر .................................................... ٣٦٩
البحث الرابع عشر
فلسفة أسماء فاطمة الزهراء 3 ........................................... ٣٨١
معاني أسماء فاطمة الزهراء 3 ............................................. ٣٨٧
١ ـ فاطمة 3 ....................................................... ٣٨٧
٢ ـ الصِّدِّيقةَ ........................................................... ٣٩٦
٣ ـ المباركة ............................................................ ٣٩٨
٤ ـ الطاهرة ........................................................... ٤٠٦
٥ ـ الزكية ............................................................ ٤٠٩
٦ ـ الراضية ............................................................ ٤٠٩
٧ ـ المرضية ............................................................ ٤١٢
٨ ـ المحَدَّثة ............................................................. ٤١٣
مُصحف فاطمة ....................................................... ٤١٨
مصحف فاطمة في
الأحاديث الشريفة ................................... ٤٢٠
٩ ـ الزهراء ............................................................ ٤٢٣
١٠ ـ البتول ........................................................... ٤٢٧
البحث الخامس عشر
فدك عنوان الولاية ......................................................... ٤٣٩
إخراج عمال فاطمة 3 من فدك ........................................ ٤٤٢
خطأ الخليفة الأوّل ....................................................... ٤٤٣
بطلان دعوى عدم توريث
الأنبياء : .................................... ٤٤٥
الخطبة الفدكيّة
احتجاج فاطمة الزهراء 3 على القوم لمّا منعوها فدك ...................... ٤٧٠
كلامها 3 مع نساء المهاجرين
والأنصار .................................. ٥٠١
أهداف خطبة الزهراء 3 ............................................... ٥٠٧
البحث السادس عشر
فاطمة 3
وعلاقتها بالحسين 7 ......................................... ٥١٩
الولادة الميمونة ........................................................... ٥٢٠
إخبار فاطمة ٣ بقتل الحسين 7 ...................................... ٥٢٠
أول مأتم عقد للحسين 7 .............................................. ٥٢٣
حب فاطمة 3 للحسين 7 ........................................... ٥٢٤
الحسين 7 وحجر فاطمة 3 .......................................... ٥٢٤
فاطمة 3 يوم القيامة ................................................... ٥٢٦
الفهرس
..................................................................... ٥٢٩
|