

مقدمة المركز
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام
على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وآله الطيّبين الطاهرين.. وبعد :
إنّ من أكثر الاُمور وضوحاً في حياة الشعوب
والأمم ، اتفاقها علىٰ جملة من المبادئ الإنسانية لا سيما ذات الصلة المباشرة
بحقوق الناس ، والحفاظ علىٰ توازن المجتمع إزاء التحولات الحتمية في مستقبل تاريخه
، بصيرورة تلك المبادئ إلىٰ سلوك معتاد بعد تحقق الاستجابة الطوعية لها ، والتحرك
علىٰ ضوئها ، حيث لم تترك معلقة في الفضاء ، وإنما اُنْزِلت إلى أرض الواقع ،
وعاشتها البشرية كحقيقة ثابتة جيلاً بعد جيل ، حيث تناغت اصولها مع الفطرة ، وانسجمت
أهدافها مع رغبة الإنسان وطموحه وتطلعاته.
ولعل من أبرز تلك المبادئ التي تحولت إلى
سلوك دائم في حياة الناس جميعاً هو مبدأ الوصيّة الذي كُتب له الخلود ، وهكذا كل مبدء
لا تعرف قيمته ما لم يكن سلوكاً ، فارتكاز الوصية في ضمير الإنسان وشعوره ، وانسجامها
مع رغبة الإنسان في أبقاء نوع علاقة له مع الحياة القائمة بعد مغادرتها ، هي رغبة فطرية
يتساوىٰ فيها السيد والمسود ؛ كل ذلك أدّى إلى انعكاس شعور الإنسان بالحاجة إلى
الوصية علىٰ تنظيم شؤون حياته واستباق الموت باختيار الرجل الكفوء الذي يمكن
أن تُسند إليه المهام التي لم يسمح عمر الموصي بمباشرتها بنفسه.
ولدور الوصية العظيم في حفظ الحقوق وتوازن
المجتمع ، بادرت الشريعة الغراء إلىٰ تنظيمها تنظيماً واعياً ودقيقاً ، وبهذا
لم تعد الوصية حاجة من حاجات الإنسان الضرورية فحسب ، بل مطلباً إسلامياً أكيداً ،
لابدّ من توخي الدقة فيه ، واتخاذ السبل اللازمة لانجاره.
وتبرز حيوية الوصية بإكسابها الموصي نفسه
حياة معنوية بعد وفاته ، بابقاء رأيه سارياً بحيث يمكن استنطاقه كلّما دعت الحاجة إليه
، ويُعرف ثقلها من متعلقها ، وهو عادة ما يكون في تناسب طردي مع شخص الموصي وموقعه
، فالفلاح مثلاً يوصي في أرضه ، والتاجر في تجارته ، والرجل الثري في أمواله ، والملك
في مملكته ، بل كل راع في رعيته ، وهكذا تخرج الوصية عن الأفق الضيق الذي تعيشه أغلب
الوصايا كلما كان موقع الموصي خطيراً ومن خلال هذا المقياس يمكن تقريب صورة الوصي أيضاً
؛ لأن عهد المصلح العظيم لآخر في تنفيذ مشاريعه الكبرىٰ بعد وفاته كافٍ في تصور
حجم الثقة المتبادلة بينهما ، والجزم بأنها لم تكن وليدة في ساعات احتضار المصلح ؛
إذ لابدّ
وأن تكون عن مباشرة ومعاشرة وخبرة طويلة
اطلع عليها ذلك العظيم الراحل علىٰ قدرات وصيه التي استوعبت جهات مشاريعه الكبرىٰ
كلها ، مع وعيه الكامل بطبيعة تلك المشاريع وأهدافها.
ولما كانت مسؤوليات الأنبياء : من أجلّ المسؤوليات وأخطرها على الإطلاق
، بحيث لا يمكن تأهيل أيّ إنسان بالمقاييس البشرية كلّها إلى احتلال مركز النبوّة ؛
لحصره بالاختيار الإلهي للصفوة من عباده. لذا صار القول بأن وصايا الأنبياء : كانت عادية أو أخلاقية لا غير ، كالقول
بتنصّلهم : عن رسالاتهم
وتركهم اُممهم هملاً كالسوائم ! وهو كما ترى .. لا يقوله من عرف دور الأنبياء وأدرك
خطورة موقعهم وثقل وجودهم في الحياة الراجح علىٰ ثقل كل شيء فيها. ناهيك عن سيدهم
وأشرفهم والقيمة الكبرىٰ في هذا الوجود نبينا محمّد 9 ، فهل يعقل مع هذا أن تكون وصيته 9 عادية ؟!
أليس معنى هذا اتهامهُ 9 با همال توازن المجتمع الإنساني برمته في
حين أنه اُرسل لانقاذه ؟
واتهامه 9
كذلك بعدم الحرص على مستقبل رسالته !! إذ لم يعمل علىٰ ترسيخ قناعات المؤمنين
برسالته على منح الثقة للقيادة الرسالية الآتية بعده لتتمكّن بدورها من الحفاظ علىٰ
القواعد الرسالية التي تنظم دور المجتمع في حركة أفراده تجاه الدين الفتي ، مع الوعي
الكامل بأهداف الرسالة وعاياتها.
ثم كيف يكون ذلك ، وليس في تاريخ الأنبياء
: نبي لم يوصِِ
إلىٰ وصي معين ليقوم مقامه في حمل الأمانة وأدائها للناس نقية ناصعة ؟ وفي تاريخنا
الإسلامي ما يدل بوضوح على أن وصية كل نبي سابق ليست كلمة مجردة عن محتواها ، وانما
هي موقف ورسالة ، وعلى الأتباع وعيها والتزامها وتحمّل المسؤولية في ايجاد الأرضية
الصالحة لتطبيقها لا منعها أو تحريفها.
ومع التدرّج في خطورة وصايا الأنبياء : كلّ من موقعه ، نصل بالنتيجة إلى أعظمها
وأخطرها في وصية نبينا 9
باعتبار موقعه بينهم :
ومنزلة رسالته بين رسالاتهم ، مع علمه 9
بأن الأنبياء الذين رحلوا إلى الله قبله لم ينقطع خبر السماء بموتهم ، ولا النبوة بمغادرتهم
، في حين كان رحيله 9
اُفولاً لشمس النبوة ، ووفاة لجميع الأنبياء ، وانقطاعاً لنزول الوحي بخبرالسماء. ولا
شكّ أنه يعلم بكل هذا كما
يعلم بأن الذي أرسله بالهدىٰ ودين
الحق لم يقل له انك ستبقىٰ إلى يوم يُبعثون ، وإنما قال له : (
).
فعلام لا يكون النبي الخاتم إذن من أكثر
الأنبياء حرصاً علىٰ بيان مركز القيادة ـ في وصيته ـ من بعده ؟
إن ابتداء دور الخلافة بعد وفاة الرسول 9 مباشرة ، وانطلاق وصية النبي 9 من النقطة التي تمثل انتهاء مرحلة النبوة
في التاريخ لا يساعد علىٰ تصور اغفال عقل الكون كله للدور الجديد الآتي بعده
، الأمر الذي يؤكد اعطاء وصيته 9
خصوصية زائدة تختلف عن جميع وصايا الأنبياء السابقين :.
ونظرة أمينة لا خائنة في فكر أهل البيت : ـ باعتبارهم المعنيين بوصية النبي 9 دون غيرهم ـ كافية لكشف الحقيقة لمن أرادها
في عدم تنازل هذا الفكر النقي عن الوصية ، ولا التخلّي عن حمايتها ، أو الاستهانة بمركزها
؛ إذ تبنّىٰ مسؤولية الدفاع عنها والدعوة إليها ، وتأكيد ثقلها في حاضر الأمة
ومستقلبها ، كل هذا مع فسح المجال للتفكير بجدية معطياتها ، ودراسة أسبابها وتاريخها
، وكيف صُمّت الآذان يوم الدار عن سماعها ، وكيف منع النبي في رزية يوم الخميس من كتابتها
!
أمن الغرابة إذن لو أنتفضت مُثُل الإسلام
وقيمه العليا ؛ لتحمي تلك الوصية ممّا لحقها ـ في تاريخها ـ من صدٍّ ، ولقلقة ، ومنع
، وتشويه ، وتزوير ، وتحرسها بأشدِّ ما يكون وفاءً للنبي 9 ، وتعبيراً عن الالتزام بخط الوصي عليّ
7 ؟
وأمّا القول بفوات أوان الحديث عن تلك الوصية
؛ إذ قد مضى التاريخ بكل ما فيه عليها ، ولم يعد بالإمكان إعادتها إلى واقع الحياة
، ولا إعطاء صاحب الوصية حقّه وهوفي جوار ربّه. وانها قضية قد انتهت ، ولا معنى لاثارتها
من جديد بما تتركه حساسيتها من تأثيرات سلبية علىٰ واقع المسلمين !! فهوخطأ عظيم
؛ لأن بحث الوصية لا يعني حصرها بإطارها التاريخي ، بل المقصود تعميمها إلى حياتنا
العملية ؛ لأن ارتباطنا بالوصي هو ارتباطنا بالموصي ، والقرآن لم يؤقت زمناً للارتباط
بالنبي 9 وإنما أمر بالتمسّك
به في كل آنٍ وزمان ، ومن ثَمَّ فإن تمسّكنا بالوصي لا يعني تمسكنا بالفترة التي عاشها
الوصي ، بل يعني ذلك تمسكنا بخط الوصي الذي لا يحده زمان دون آخر ، حيث اقتحم القرون
وتجاوز العصور حتىٰ صار مقياساً للصحيح من العقيدة ، وأضحت
العقائد الإسلامية برمتها مضطرة إلىٰ
ترسّم فكره وروحه باعتبار أنه فكر الإسلام وروحه.
وإذا كان على المسيرة الإسلامية المعاصرة
بكل فصائلها أن تستمد مقوماتها الأساسية من فكر الإسلام ومبادئه ، فكيف يمكنها أن تضبط
مواقع خطواتها في مسرح الحياة ، وهي لم تعرف بعدُ قيمة وصية النبي 9 ؟
إن الجهل بأهميتها وضرورتها في تلك المسيرة
، نذير بالابتعاد الكلي عن الخط الرسالي الواضح الذي أراده النبي 9 لأُمته في وصيته.
وأمّا منعها أو تجميدها تمهيداً إلى إلغائها
من الفكر الديني والتطبيق الواقعي بحجة فوات أوانها ! فإنما هو دعوة إلى إلغاء دور
الدين من واقع الحياة ، أو شلّ حركته وتعطيله من أن يأخذ مداه الرحب في حركة الواقع
، وموقعه الكبير في صلب المسيرة الإسلامية المعاصرة. وعلى العكس تكون المحافظة عليها
باستمرار وجودها محافظة على الدين فكراً وشريعة وعقيدة ، وإحياءً للحق ، وإعلاناً بالتزامه
كمنهجٍٍ في الحياة ؛ باعتبار كون الوصية المعبّر الواقعي عن قوة الرسالة فاعليتها في
رسم معالم الطريق. الأمر الذي يتطلب اعادة النظر في تقييم تلك المسيرة وتشخيص أخطائها
باكتشاف نوع العلاقة القائمة بين تأثيرات العهدين الجاهلي والإسلامي الأول في عدم فسحهما
المجال أمام وصية النبي 9
، لتأخذ دورها كما ينبغي ، وتقف الأمة على منابع خيرها ، وتعرف مطالع نورها في حاضرها
ومستقبلها ، وحينئذٍ ستُدرَك قيمة الأساليب التي استخدمها أهل البيت : ومن سار بركبهم من الجيل الطلائعي الأول
في كيفية المقاومة لألوان التحدّي التي جابهتها وصية النبي في ميدان الصراع السياسي
بعد وفاة الرسول 9.
وكتاب « وصية النبي 9 » علىٰ صغر حجمه استطاع أن يضع الوصية
في مكانها الفسيح من الفكر الديني ، مسلّطاً الضوء على تاريخها ، متتبعاً جذورها وحيثياتها
في العهد النبوي الشريف ، وما جرىٰ مجراها على لسان النبي 9 في تأكيد وحصر الأمر بعليّ 7 دون سواه ، مع العناية في وسائل إثبات اُفقها
السياسي ، ومحاولات الالتفاف حولها أو التشكيك في مضمونها وجدواها ، ونحو ذلك مما مرّ
عليها ولها ، حتىٰ جاء بالحقيقة الكاملة ـ لمن أراد معرفتها ـ من القرآن ، والحديث
، والسيرة ، والتاريخ ، والأدب. آملين أن يؤدّي دوره المطلوب في وعي الأمة.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
مركز الرسالة
المُقدَّمةُ
الحمد لله ربّ العالمين ، وسلامه علىٰ
عباده المصطفين محمد وآله الميامين.
وبعد : أكّدت الشريعة على الوصية باعتبارها
حاجة ماسّة من حاجات الإنسان والمجتمع ، وتنطوي على أهمية خاصة ، تتمثّل في سلامة تصرفات
الوصي بعد وفاة الموصي بعيداً عن إثارة المشاكل والنزاعات التي قد تنشأ داخل محيط الأسرة
أو القبيلة أو المجتمع نتيجة التسابق في الاستيلاء على المواريث والحقوق.
وتسهم الوصية في نقل خبرات وتجارب السلف
إلى الخلف ، وتساعد علىٰ ديمومة العلاقات الشخصية والأُسرية والاجتماعية.
ولم تكن الوصية أمراً مستحدثاً من قبل المشرّع
الإسلامي ، إذ مارسها الإنسان علىٰ وفق اُسلوبه الخاص في جميع العصور ، سواء
أكان قريباً من التشريع أو بعيداً عنه ، مؤمناً بالدين أو غير مؤمنٍ به ، وذلك لارتباطها
بالفطرة الإنسانية وسيرة العقلاء التي تنزع إلىٰ وصية الآباء للأبناء ، والماضين
للتالين ، والكبار للصغار ، والراحلين للمقيمين ... .
وقد جرت العادة أن الإنسان إذا شعر بدنو
أجله أو أراد سفراً ، فإنه يعهد لمن يخلفه في تولي شؤون من يخلفهم ، وإذا أراد رئيس
قبيلة أو جماعة السفر فإنه يستخلف من ينوبه حتى يعود.
وفي تاريخ النبوات منذ أبينا آدم 7 إلىٰ نبينا الخاتم 9 لم نجد أحداً من الأنبياء ( صلوات الله
عليهم ) تخلف عن العهد لم يليه في الخلافة على اُمته ؛ ليكون حجةً لله على العباد ،
ووريثاً للنبوة ، وحافظاً لرسالتها وهكذا فعل النبي 9
في وصيته لعلي 7.
وعلىٰ ضوء المهمة الخطيرة الملقاة
علىٰ عاتق الوصي في قيادة الأمة وديمومة حركة الرسالة ، لابدّ أن يكون نسخةً
ناطقة من النبي في علمه ومنزلته وكلّ ما يحمله
من مقومات تميّزة عن
سائر أفراد الأُمة ، وتؤهّله لمثل هذا المنصب الخطير ، فاختيار الوصي لابدّ أن يكون
علىٰ ضوء الاصطفاء الإهلي كما هو الحال في النبوة ، وأن يقترن ذلك بالعناية النبوية
والمؤهلات الذاتية كالعصمة والسابقة والفضل وغيرها.
وهكذا كان شأن نبينا المصطفى 9 في تعيينه لوصيه علي بن أبي طالب 7 منذ تباشير الدعوة الإسلامية في يوم الدار
وحديث الانذار ، عند نزول قوله تعالىٰ : (
وَأَنذِرْ
عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ )
ثمّ لأجل تأصيل هذا المبدأ العقائدي في وجدان الأُمة وحركتها ، بادر إلى التصريح بالنص
على القائد الرسالي بعده في مناسبات عديدة ، كان آخرها في مرض موته 9 حينما أراد أن يثبت ذلك بكتابٍ لا تضلّ
الأُمة بعده أبداً ، فوقع النزاع وكثر اللغط وأخيراً مُنع الكتاب.
ومنذ ذلك الحين تنكر من تنكر لوصية النبي
9 ، ولم يدّخر
الحاكمون وسعاً في تجنيد كل القوى لأجل طمس مفهوم الوصية وكتمانه ، حتى توارث ذلك أجيال
من الناس تعرّض فيها ذلك المفهوم للتحريف والتغيير والحذف والإسقاط ، ومع هذا فقد بقي
الكثير الدال على ان الوصية لعلي 7
تشمل الخلافة والمرجعية الفكرية والسياسية علىٰ حدٍّ سواء.
وبالنظر لما يترتب علىٰ هذا الموضوع
من آثار عقائدية تتجاوز اُطر الزمان والمكان فقد سلطنا الضوء عليه بحوث عدّة ضمن أربعة
فصول : تناولنا في الفصل الأول معنى الوصية وبيان أركانها وأقسامها وتشريعها في الفكر
الديني إسلاماً كان أو غيره. وخصصنا الثاني للأحاديث والآثار والمدونات النقلية بالوصية
مع التأكيد علىٰ خصيصة الاصطفاء في شخص الولي ، وبيان شبيهه من الأوصياء السابقين
:. وجاء الفصل
الثالث بما اخترناه من أشعار الصحابة في الوصية ، وبيّنا في الفصل الرابع موقف الأُمّة
من الوصية متمثلة في فصائلها المختلفة ، مع الاشارة إلى الأساليب المتبعة في إنكار
الوصية وكتمانها والشبهات المثارة حولها.
__________________
الفصل الأوّل
معني
الوصية وتشريعها
المبحث الأوّل : معني الوصية
الوصية في اللغة :
للوصية في اللغة عدّة معانٍ نذكر منها :
١ ـ مصدر وَصَى يصي ، بمعنى الوصل ، وسمّيت
وصية لاتصالها بأمر الميت ، حيث إنّ الموصي يصل تصرّفه بعد الموت بتصرّفه حال الحياة.
ومنه يقال : وَصَى الرجلُ وصياً : وصله ،
ووَصَي الشيءُ يصي : إذا اتصل ، ووَصَى الشيء بغيره وصياً : وصله ، وتواصى النبت :
إذا اتّصل ، وتواصى القومُ : أوصى بعضهم بعضاً ، وتواصوا به : أوصى أولهم آخرهم ، قال
تعالى : ( وَتَوَاصَوْا
بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
) ومنه أيضاً : فَلاة واصية : تتّصل بفَلاة
اُخرىٰ ، وأرض واصية : متّصلة النبات.
٢ ـ اسم مصدر بمعنى العهد وما أوصيت به ،
يقال : أوصى الرجل ووصّاه توصيةً : عَهِدَ إليه ، وأوصيت له وأوصيت إليه : إذا جعلته
وصيك ، والاسم
__________________
الوَصاة والوَصاية والوِصاية.
والوصيّ : الذي يُوصي ، والذي يُوصى له ،
وهو من الأضداد ، قال ابن سيدة : الوصي : المُوصي والمُوصى ، والاُنثى وصيّ ، وجمعها
جميعاً أوصياء.
قال ابن منظور : وقيل لعليّ 7 وصيّ ... ثم استشهد بقول كُثَيِّر في محمد
بن الحنفية لمّا حبسه عبد الله بن الزبير في خمسة عشر رجلاً من أهله في سجن عارم :
تُخَبّر مَن لاقيتَ أنّك عائذٌ
|
|
بل العائذُ المحبوسُ في سجن عارم
|
وصيّ النبيّ المصطفى وابنُ عمّهِ
|
|
وفكّاك أغلالٍ وقاضي مغارم
|
قال المبرّد : أراد ابن وصيّ النبي 9 ، والعرب تقيم المضاف إليه في هذا الباب
مقام المضاف .
وقال الزَّبيدي : والوصي كغني ، لقب علي
رضي الله عنه .
وقال أبو رياش أحمد بن إبراهيم القيسي ،
المتوفّي سنة ٣٣٩ ه في شرحه لهاشميات الكميت عند قوله :
ووصيّ الوصيّ ذي الخطّة الفص
|
|
ل ومُردي الخصوم يوم الخصامِ
|
قال أبو رياش : ووصيّ الوصيّ : يعني الحسن
بن علي 8 ، والوصيّ :
أمير
__________________
المؤمنين علي بن أبي
طالب 7.
وكان هذا اللقب يطلق على أمير المؤمنين علي
7 إطلاق الأسماء
علىٰ مسمياتها ، وقد أكثر الشعراء من ذكره منذ صدر الإسلام وإلى اليوم.
قال المبرّد عند قول الكميت بن زيد الأسدي
:
والوصيّ الذي أمال التَّجُو
|
|
بيّ به عرشَ اُمَّةٍ لانهدامِ
|
قال : قوله الوصي ، فهذا شيء كانوا يقولونه
ويكثرون فيه ، ثمّ استشهد على ذلك بعدّة أبيات ، منها أبيات كُثيّر المتقدمة ، وقول
عبيداللّه بن قيس الرُّقيّات في أبيات جاء فيها :
وعليّ وجعفرٌ ذوالجناحي
|
|
نِ هُناكَ الوصيّ والشهداءُ
|
وقول
أبي الأسود الدؤلي :
أُحبُّ محمداً حبّاً شديداً
|
|
وعباساً وحمزةَ والوصيّا
|
وتوسّع الأستاذ محمد محمود الرافعي في شرح
بيت الكميت المتقدم ( والوصي الذي أمال التجوبي .. ) حيث قال : والوصي هنا : الذي يوصى
له ، ويقال للذي يوصي أيضاً ، وهو من الأضداد ، والمراد به علي كرم الله وجهه ، سمّي
وصياً لأنّ رسول الله 9
وصّى له ، فمن ذلك ما روي عن أبي بريده ، عن أبيه مرفوعاً أنه قال : « لكلّ نبي وصيّ
، وإنّ علياً وصيي
ووارثي ».
ثمّ أورد الأبيات التي استشهد بها المبرّد
في هذا المقام.
__________________
وقال عند بيت الكميت الذي يقول فيه :
والوصيّ الوليّ والفارسُ المُعلمُ
|
|
تحت العُجاجِ غيرُ الكَهام
|
الولي : يعني وليّ العهد بعد رسول الله 9 ، والمعلم : الذي علّم مكانه في الحرب بعلامةٍ
أعلمها ، والكهام : الكليل من الرجال والسيوف ، يقال : سيف كهام .
٣ ـ ووردت الوصية في القرآن الكريم بمعنى
الفرض أيضاً ، ومنه قوله تعالى : (
يُوصِيكُمُ
اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ )
معناه : يفرض عليكم ؛ لأنّ الوصية من الله تعالى إنّما هي فرض ، والدليل على ذلك قوله
تعالى : ( وَلا تَقْتُلُوا
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ
) وهذا
من الفرض المحكم علينا .
الوصية في الاصطلاح :
للوصية في اصطلاح الفقهاء عدّة تعريفات ذات
علاقة بالمعنى اللغوي المتقدّم ، نذكر منها :
١ ـ تمليك عين أو منفعة أوتسليط علىٰ
تصرف بعد الموت .
__________________
٢ ـ تنفيذ حكم شرعي من مكلّف أو في حكمه
بعد وفاته .
٣ ـ الأمر بالشيء والعهد به في الحياة وبعد
الموت .
٤ ـ الأمر بالتصرف بعد الموت .
ويرىٰ بعض الفقهاء أنّ الجامع بين
التعريفات المتقدمة هوالعهد وإن اختلف متعلّقه باختلاف الخصوصيات.
قال السيد السبزواري 1 : الوصية الشائعة بين الناس على اختلاف
مللهم وأديانهم ، أوضح من أن يعرّفها الفقهاء بهذه التعريفات ، فإيكال بيان مفهومها
إلى مرتكزاتهم أحسن وأولىٰ ؛ لأنّهم يرون قوام الوصية بالعهد في جميع أنحائها
وأقسامها ، وإن اختلف متعلّق العهد إلى اُمور وأقسام ، ففي تمليك العين والمنفعة عهدٌ
من الموصي بتمليكها ، وكذا في الوصاية بالقيمومة والولاية عهد بهما ، واختلاف المتعلّق
لا يوجب الاختلاف في حقيقة الوصية ، فالجامع بين تمام الأقسام هو العهد ، إلاّ أنّ
متعلّقه يختلف باختلاف الخصوصيات .
وبما أن الوصية تنصرف في كافة أقسامها إلىٰ
معنى العهد ، فوصية النبي 9
إلى أمير المؤمنين 7
لا تخرج عن هذا الإطار ، وعليه سنسلط الضوء في هذا البحث لدراسة خصوصيات عهد النبي
9 إلىٰ وصيّه
وبيان متعلّق ذلك العهد ،
__________________
وبكلمة اُخرىٰ
ماذا أراد النبي 9
من تعيين الوصي ، وما هي المهام الملقاة على الوصي بعد رحيل النبي 9 ، وهل هذا أمرٌ مستحدَث في الإسلام أم أن
له جذوراً في الشرائع السماوية السابقة ؟
أركان الوصية
للوصية أربعة أركان إذا توفّرت تحقّقت الوصية
، وهي كما يلي :
١
ـ الموصي : وهو الذي يوصي ، ويعتبر
فيه كمال العقل والحرية والبلوغ والاختيار.
٢
ـ المُوصىٰ به : وهو متعلّق الوصية ،
ويعتبر فيه الملك ، وتصحّ الوصية بكلّ ما يكون فيه غرض عقلائي محلّل من عينٍ أو منفعةٍ
أو حقّ قابل للنقل.
وسنأتي علىٰ بيان متعلّق وصية النبي
9 إلى أمير المؤمنين
7 خلال هذا البحث
ونبين خصوصياته ، وعندها سيتضح لنا هل هو الخلافة والزعامة على الأُمة كما تقتضيه الأدلّة
الصحيحة التي تُعنىٰ بتحديد ذلك المتعلّق عند الفريقين ، أو هو شيء آخر كما يدّعي
بعض من تعرّض لبيان مفهوم وصية النبي 9
إلى أمير المؤمنين 7.
٣
ـ المُوصى له : ويشترط وجوده حين إنشاء
الوصية ، وإلاّ فلا وصية لمعدوم.
٤
ـ الوصيّ : وهو الشخص المعهود إليه
إجراء وتنفيذ وصايا الميت المختلفة وتنجيزها ، وله حقّ التصرف فيما كان الموصي متصرّفاً
فيه ، من إخراج حقّ واستيفائه ، أو ولاية علىٰ طفل أو مجنون يملك الولاية عليه
، إلىٰ آخره. ويعتبر فيه البلوغ والإسلام والعقل.
« ومن ثم يبدو واضحاً أن الوصي مما تختلف
ولايته سعةً وضيقاً بحسب اختلاف ولاية الموصي سعة وضيقاً ، فأوصياء سائر الناس إنما
تكون ولايتهم
مقصورة على الأموال من
الدور والعقار ونحوهما ، أو على الأطفال والمجانين ومن في حكمهم من السفهاء الذين كان
للموصي ولاية عليهم.
وأما أوصياء الأنبياء ، فتكون وصايتهم عامة
علىٰ جميع الأمة ذكرها وأُنثاها ، حرّها وعبدها ، كبيرها وصغيرها ، وعلىٰ
جميع ما في أيديهم من الأموال منقولها وغير منقولها ؛ ذلك لأنّ كلّ نبي إنما هوأولىٰ
بأُمته من أنفسهم ، فيكون أولىٰ بأموالهم بالأولوية القطعية ، وإذا كان النبي
أولىٰ بهم وبأموالهم ، كان الوصي كذلك.
ومن ثمّ فإن الأدلة على أن الإمام علي بن
أبي طالب أنما هو وصي رسول الله 9
إنما هي من الأدلّة القوية والحجج الجليّة على أن لعليّ 7 ما كان ثابتاً للنبي 9 من الولاية العامة على المؤمنين أنفسهم
وأموالهم جميعاً ، وهذا هو معنى الإمام أو الخليفة» .
أقسام الوصية
ذكر الفقهاء أقساماً كثيرة للوصية نذكر منها
:
أولاً
: تقسيمها بلحاظ متعلّقها إلىٰ قسمين
:
١ ـ وصية تمليكية : وتشمل تمليك عين أو منفعة
أو تسليط علىٰ حقّ أو فكّ ملك.
٢ ـ وصية عهدية : وتشمل عهداً متعلّقاً بالغير
، أو عهداً متعلّقاً بنفسه ، كالوصية بما يتعلّق بتجهيزه.
ثانياً
: وتنقسم باعتبار الأحكام التكليفية إلىٰ
خمسة أنواع :
__________________
١ ـ الوصية الواجبة. ٢ ـ الوصية المندوبة.
٣ ـ الوصية المحرمة. ٤ ـ الوصية المكروهة. ٥ ـ الوصية المباحة .
المبحث الثاني : تشريع الوصية
١ ـ تشريعها قبل الإسلام
لقد رافقت الوصية الشرائع الإلهية منذ أبينا
آدم 7 إلىٰ سيدنا
النبي المصطفى الخاتم 9
، وأشارت آيات القرآن الكريم إلى أن الأنبياء كانوا يشدّدون على الوصية بإقامة شعائر
الدين وتقوى الله وتوحيده وطاعته ، قال تعالى : (
وَوَصَّىٰ
بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَىٰ
لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
) .
وأكّدت مصادر الحديث والتاريخ والسيرة وكتب
العهدين علىٰ تواتر عهود الأنبياء والأوصياء إلىٰ مَن يخلفهم في هداية
الناس إلى الحقّ والعمل الصالح وحسن العبادة ، ويكون حجة على العباد وإماماً لهم ووارثاً
للعلم النبوي وأميناً على رسالة ربّه التي اصطفاها لهم.
ولم يشذّ عن هذه القاعدة أحدٌ من الأنبياء
والرسل ، فقد جاء في الحديث عن رسول الله 9
أنه قال : « لكلّ نبي
وصيّ ووارث ، وإن عليّاً وصيي ووارثي »
وذلك لأن
الله تعالىٰ لا يمكن أن يخلي الأرض من قائمٍ له بحجّة على
__________________
الناس يعرف الحلال والحرام
ويُهتدىٰ به إلىٰ سبيل الله ، كما ورد في الصحيح من الأقوال : « أنّ الأرض لا تخلو من
قائمٍ لله بحجّة » .
وعن أمير المؤمنين 7 أنه قال : « اللّهم بلىٰ ،
لا تخلو الأرض من قائمٍ لله بحجة ، إما ظاهراً مشهوراً ، وإمّا خائفاً مغموراً ، لئلا
تبطل حجج الله وبيّناته » .
وعن الإمام الصادق 7 قال : « ما زالت الأرض إلاّ ولله فيها الحجة ، يعرف الحلال
والحرام ، ويدعو الناس إلى سبيل الله »
.
ويظهر من مجموع ما ذكرته كتب الحديث والتاريخ
والعهدين من تاريخ أوصياء الأنبياء :
ان كل واحد منهم قد استخلفه نبي زمانه وعهد إليه بأمر شريعته ورعاية اُمته من بعده
، بحيث تتسع مسؤوليته في خلافة النبوة والزعامة علىٰ جميع من تشمله دعوة تلك
النبوة وتدبير شؤونهم وهدايتهم إلىٰ سواء السبيل.
وصايا الأنبياء : في أسفار العهدين
لم تكن أخبار الوصية مقصورة علىٰ مصادر
التراث الإسلامي وحسب ، بل حظيت بسهمٍ وافرٍ من الأخبار في أسفار التوراة والإنجيل
المتداولين في عصرنا الحاضر ، وفيما يلي إشارة إلىٰ بعضٍ منها :
__________________
١ ـ جاء ذكر الأوصياء في الاصحاح الخامس
من سفر التكوين
مرتّبين من شيث إلىٰ نوح :
وبأسماء مقاربة لما ورد في مصادر التاريخ التي سنذكر لاحقاً بإذن الله.
٢ ـ وجاء في آخر الاصحاح (٢٧) من سفر العدد
خبر تعيين يسوع ( يوشع ابن نون ) وصياً لموسى 7
وفقاً لأمر الله تعالىٰ .
٣ ـ وجاء في الاصحاح الأول من سفر الملوك
الأول ذكر وصية نبي الله داود 7
إلىٰ ولده سليمان 7
بأن يكون رئيساً علىٰ بني إسرائيل ويهوذا .
وذكر في الاصحاح الثاني من السفر المذكور
وصية داود إلىٰ ولده سليمان 7
بأن يعمل بشريعة موسىٰ بن عمران.
٤ ـ جاء في الاصحاح العاشر من إنجيل متّىٰ
ذكر وصية عيسي 7
إلى الحواريين ، وكان أولهم شمعون ( سمعان ) بطرس ، وتكرّر ذلك أيضاً في آخر اصحاح من إنجيل
يوحنا .
وصايا الأنبياء : في كتب الحديث والتاريخ
نقل كثير من المحدّثين والمؤرخين مزيداً
من وصايا الأنبياء إلىٰ من يخلفهم في استكمال مسيرة النبوة لإقامة شعائر الدين
وتدبير شؤون الخلق وهدايتهم
__________________
إلىٰ سواء السبيل
، كما أكدت بعض الأحاديث والأخبار علىٰ تواتر الوصية واتصالها منذ عهد آدم 7 إلىٰ نبينا الخاتم 9 وذكروا بعض التفاصيل المتعلّقة بأسماء الأوصياء
والأحداث التي واكبت حياتهم.
أولاً : وصايا الأنبياء
في كتب الحديث
نقل المحدّثون روايات مستفيضة عن عدد الأوصياء
واستقصاء أخبارهم ومحتوىٰ وصاياهم ، نشير إلىٰ مضمون بعضها مختصراً محيلين
إلى المصادر.
١ ـ عن الإمام الصادق 7 عن رسول الله 9 في حديث طويل يذكر فيه الأوصياء منذ هبة
الله وصي آدم 7
إلى الإمام القائم 7
.
٢ ـ وفي حديث عن سلمان 2 عن رسول الله 9 يذكر فيه الأوصياء منذ آدم 7 إلى الإمام القائم 7 .
٣ ـ وعن أم هاني بنت أبي طالب عن رسول
الله 9 : « ... إنّ الله جعل لكلّ
نبي وصياً ؛ شيث وصي آدم ، وشمعون وصي عيسىٰ ، وعلي وصيي ، وهوخير
الأوصياء في الدنيا والآخرة ... »
.
٤ ـ وفي حديث عن أبي جعفر الباقر 7 ذكر فيه اتصال الوصية منذ هبة الله
__________________
وصيّ آدم 7 إلى سام بن نوح 7 .
٥ ـ وفي حديث آخر عنه 7 جاء فيه : « فلمّا انقضت نبوة آدم
7 واستكمل أيامه ، أوصى الله تعالى إليه ، أن يا
آدم قد قضيت نبوتك ، واستكملت أيامك ، فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الأعظم
وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك ، عند هبة الله ابنك ، فإني لم أقطع
العلم والايمان والاسم الأعظم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك إلىٰ يوم القيامة
، ولن أدع الأرض إلاّ وفيها عالم يُعرَف به ديني ، وتُعرَف به طاعتي ، ويكون نجاةً
لمن يولد بينك وبين نوح ... »
.
٦ ـ وفي حديث آخر عنه 7 ذكر فيه وصية موسىٰ 7 إلىٰ فتاه يوشع بن نون .
وهناك أحاديث اُخرىٰ وردت في مصادر
الحديث تتضمّن ذكر الأوصياء ، فقد أفرد ابن بابويه القمي ( ت / ٣٢٩ ه ) في كتابه (
الإمامة والتبصرة ) باباً تحت عنوان ( الوصية من لدن آدم ) ذكر فيه الأوصياء من لدن
آدم 7 إلى أمير المؤمنين
7 .
وذكر الطبري صاحب ( المسترشد ) المعاصر للطبري
صاحب التاريخ جملة
__________________
احتجاجات في موضوع الوصية
ضمّها عدة أحاديث ، وجاء فيه ذكر الأوصياء من آدم 7
إلىٰ شمعون وصي عيسىٰ 7.
وعقد الشيخ الصدوق باباً في ( الفقيه ) تحت
عنوان ( الوصية من لدن آدم 7
) ذكر فيه عدة أحاديث في هذا المجال ، وجعل في ( إكمال الدين ) باباً تحت عنوان ( اتصال
الوصية من لدن آدم 7
وأن الأرض لا تخلو من حجة لله عزّوجلّ علىٰ خلقه إلىٰ يوم القيامة ).
وذكر العلاّمة المجلسي عدة أحاديث وأخبار
في هذا الخصوص في الباب الثاني من كتاب الإمامة من ( بحار الأنوار ) وعنوانه ( باب
في اتصال الوصية وذكر الأوصياء من لدن آدم 7
إلى آخر الدهر ) .
ثانياً : وصايا الأنبياء
في كتب التاريخ والسيرة والتفسير
فيما يلي نذكر بعض المؤرخين والمفسرين ممن
تناول أخبار الأوصياء مرتّبين حسب التسلسل التاريخي :
١ ـ ابن سعد ( ت / ٢٣٠ ه ) ذكر اتصال الوصية
من آدم إلىٰ نوح 7
في رواية عن ابن عباس ، جاء فيها أولاً ذكر شيث ابن آدم ( وهو هبة الله ) قال : وهو
بالعربية شث ، وبالسريانية ( شاث ) ، وبالعبرانية ( شيث ) وإليه أوصى آدم صلوات الله
عليه ... وولد شيثُ
بن آدم أنوشَ ونفراً كثيراً ، وإليه أوصى شيث ، فولد أنوشُ قينانَ ونفراً كثيراً وإليه
الوصية ، فولد قينانُ مهاليلَ ونفراً
__________________
معه وإليه الوصية ، فولد
مهلاليلُ يرذَ ـ وهو اليارذ ـ ونفراً معه وإليه الوصية ... فولد اليارذُ خنوخَ وهو
إدريس النبي 7 ونفراً معه ،
وهو أول نبي بُعث في الأرض بعد آدم 7
... فولد خنوخُ متوشلخَ ونفراً معه وإليه الوصية ، فولد متوشلخُ لمُكَ ونفراً معه وإليه
الوصية ، فولد لمكُ نوحاً صلّى الله عليه وسلّم .
٢ ـ اليعقوبي ، ( ت / ٢٩٢ ه ) ، ذكر أسماء
الأوصياء منذ عهد آدم 7
إلى الحواريين أوصياء عيسىٰ 7
، وترجم لهم بالتفصيل وشرح الأحداث التي وقعت في أيامهم .
٣ ـ الطبري ، العامي ( ت / ٣١٠ ه ) ، ذكر
تعاقب الأوصياء منذ آدم إلىٰ نوح 8
.
وروىٰ بالاسناد عن محمّد بن إسحاق
، قال : لما حضرت آدم 7
الوفاة دعا ابنه شيثاً فعهد إليه عهده ، وعلّمه ساعات الليل والنهار ، وأعلمه عبادة
الخلق في كل ساعة منهنّ ... وكتب وصيته ، فكان شيث وصيّ أبيه آدم 7 ، وصارت الرياسة من بعد وفاة آدم لشيث ،
فأنزل الله عليه فيما روي عن رسول الله 9
خمسين صحيفة .
وجاء فيه أيضاً رواية عن ابن إسحاق ذكر فيها
وصية عيسىٰ 7
إلى
__________________
الحواريين ، وبثّه إياهم
في الأرض دعاةً إلى الله تعالىٰ .
٤ ـ المسعودي ( ت / ٣٤٦ ه ) ، ذكر أسماء
الأوصياء من شيث ( هبة الله ) وصي آدم 7
إلىٰ سام وصي نوح 7
.
وأفراد كتاباً في هذا الموضوع بعنوان ( إثبات
الوصية ) أثبت فيه إتصال الوصية منذ آدم 7
إلى النبي المصطفى الخاتم 9
ثمّ إلى الأوصياء من بعده وصولاً إلى الإمام المنتظر القائم ( صلوات الله عليه ) واستخلص
ذلك من عدة روايات وأخبار من الحديث والتاريخ.
٥ ـ الثعلبي ( ت / ٤٢٧ ه ) أورد عن سالم
بن أبي الجعد ، قال : لما مضى من عمر آدم 7
مائة وثلاثون سنة ، وذلك بعدما قتل قابيل هابيل بخمس سنين ولد له شيث ، وتفسيره هبة
الله ، يعني أنه خَلَف الله من هابيل ، وعلّمه الله ساعات الليل والنهار وعبادة الخلق
في كل ساعة منها ، وأنزل الله عليه خمسين صحيفة ، وكان وصيّ آدم وولي عهده .
وقال : ذكر أهل التاريخ وأصحاب الأخبار أن
آدم 7 مرض قبل موته
أحد عشر يوماً ، وأوصى إلى ابنه شيث ، وكتب وصيته ودفعها إلىٰ شيث ، وأمره أن
يخفي ذلك عن ولد قابيل.
وذكر وصية عيسىٰ 7 إلى الحواريين ، وقال : كانوا أصفياء عيسىٰ
بن
__________________
مريم 7 وأولياءه وأرضياءه وأنصاره ووزراءه ، وكانوا
اثني عشر رجلاً.
٦ ـ ابن عبد البرّ المالكي ( ت / ٤٦٣ ه
) ، ذكر وصية آدم 7
إلى ابنه شيث ( هبة الله ) .
٧ ـ المقدسي ( ت / ٥٠٧ ه ) ، ذكر وصي آدم
7 وقال : كان شيث
وصي آدم وولي عهده وخليفته من بعده .
وقال عن يوشع بن نون : كان خليفة موسىٰ
وولي عهده ، ولما مات يوشع ابن نون استخلف كالب بن يوفنا .
٨ ـ البغويّ ( ت / ٥١٦ ه ) ، ذكر في تفسيره
الآية (٣١) من سورة المائدة وصية آدم 7
إلى ابنه شيث ، قال : فلمّا مضىٰ من عمر آدم 7
مائة وثلاثون سنة ـ وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ـ ولدت له حواء شيثاً ، واسمه عبد
الله ، يعني أنه من خَلف هابيل ، وعلّمه الله سبحانه وتعالى ساعات الليل والنهار ،
وعلّمه عبادة الخلق في كلّ ساعة منها ، وأنزل عليه خمسين صحيفة ، فصار وصيّ آدم ووليّ
عهده .
٩ ـ الشهرستاني ( ت / ٥٤٨ ه ) ، ذكر قول
اليهود في وصية موسىٰ 7
وقال : قالوا : كان موسىٰ 7
قد أفضىٰ بأسرار التوراة والألواح إلىٰ يوشع بن نون وصيه وفتاه والقائم
بالأمر من بعده ، ليفضي بها إلى أولاد هارون ؛ لأن الأمر
__________________
كان مشتركاً بينه وبين
أخيه هارون 7 ، إذ قال تعالىٰ
حكاية عن موسىٰ 7
في دعائه حين أُوحي إليه أولاً : (
وَأَشْرِكْهُ
فِي أَمْرِي )
وكان هو الوصي ، فلما مات هارون في حال حياة موسىٰ انتقلت الوصية إلىٰ
يوشع بن نون وديعةً ليوصلها إلىٰ شبير وشبر ابني هارون قراراً ، وذلك أن الوصية
والإمامة بعضها مستقرّ وبعضها مستودع .
١٠ ـ ابن الجوزي ( ت / ٥٩٧ ه ) ، ذكر أسماء
الأوصياء منذ عهد آدم 7
إلىٰ متوشلخ وصيّ إدريس 7
وأخرج رواية
محمّد بن أسحاق التي قدمناها عن الطبري ، وفيها وصية آدم 7 إلى ولده شيث ( هبة الله ) .
ونقل عن علماء السير أن موسىٰ 7 توفي بعد هارون بثلاث سنين ، وأوصى إلىٰ
يوشع 7 .
وعن الزهري أنه قال : لما حضرت يوشع الوفاة
استخلف كالب بن يوفنّا ، وعن القرظي ، قال : فوليهم كالب زماناً يقيم فيهم من طاعة
الله ما كان يقيم يوشع حتىٰ قبضه الله عزّوجلّ علىٰ منهاج يوشع .
ونقل في تفسير الآية (١٤) من سورة يس قوله
تعالى : ( فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ
) عن مقاتل أنه
قال : واسم هذا الثالث شمعون ، وكان من الحواريين ، وهو وصي
__________________
عيسي 7 .
١١ ـ الرازي ( ت / ٦٠٦ ه ) ، أشار في تفسير
الآيتين ( ٢٥ و ٢٦ ) من سورة المائدة إلىٰ كون يوشع بن نون وصي موسىٰ 7 وقال : قال قوم : إنّ هارون مات في التيه
، ثم مات موسىٰ بعده بسنة ، وبقي يوشع بن نون ، وكان ابن اخت موسىٰ ووصيه
بعد موته ، وهوالذي فتح الأرض المقدسة .
١٢ ـ ابن الأثير الجزري ( ت / ٦٣٠ ه ) ،
ذكر تفاصيل وصية آدم 7
إلىٰ ولده شيث ، وذكر الأوصياء من عهد آدم إلى إدريس 7 ، وتوسّع في تفاصيل الأحداث التي كانت في
عهدهم ، ثمّ ذكر الأوصياء من بعد إدريس إلىٰ نوح 8 وبين وصية نوح إلىٰ ولده سام ووصية عيسىٰ إلى الحواريين وانه بثهم
في الأرض رسلاً من الله وأمرهم أن يبلغوا عنه ما أمره الله به ، فتفرقوا حيث أمرهم
.
١٣ ـ ابن كثير ( ت / ٧٧٤ ه ) ، ذكر وفاة
آدم 7 ووصيته إلى ابنه
شيث وقال : ومعنىٰ شيث هبة الله ، وسمّاه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قتل هابيل.
وعن محمّد بن إسحاق قال : لما حضرت آدم الوفاة
عهد إلى ابنه شيث ، وعلّمه ساعات الليل والنهار ، وعلّمه عبادات تلك الساعات ، وأعلمه
بوقوع الطوفان بعد ذلك.
__________________
قال : ولما توفي آدم 7 وكان ذلك يوم الجمعة ، جاءته الملائكة بحنوط
وكفن من عند الله عزّوجلّ ومن الجنة ، وعزّوا ابنه ووصيه شيثاً 7 .
ثمّ قال : فلما مات آدم 7 قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث 7 ... فلما حانت وفاته أوصى إلى ابنه أنوش
فقام بالأمر بعده ، ثمّ بعده ولده قينن
، ثمّ من بعده ابنه مهلاييل... فلمّا مات قام بالأمر بعده ولده يرد ، فلما حضرته الوفاة
أوصى إلىٰ ولده خنوخ وهو إدريس على المشهور .
١٤ ـ السيوطي ( ت / ٩١١ ه ) قال : ذكر أئمة
التاريخ أن آدم عليه الصلاة والسلام أوصى لابنه شيث ، وكان فيه وفي بنيه النبوة والدين
، واُنزل عليه تسع وعشرون صحيفة ، وأنه جاء إلى أرض مصر ، وكانت تُدعىٰ بايلون
فنزلها هو وأولاد أخيه ، فسكن شيث فوق الجبل ، وسكن أولاد قابيل أسفل الوادي ، واستخلف
شيث ابنه أنوش ، واستخلف أنوش ابنه قونان ، واستخلف قونان ابنه مهلائيل ، واستخلف مهلائيل
ابنه يرد ، ودفع الوصية إليه ، وعلّمه جميع العلوم ، وأخبره بما يحدث في العالم ...
إلى أن قال : وولد ليرد أخنوخ ، وهو إدريس عليه الصلاة والسلام ... ودفع إليه أبوه
وصية جده والعلوم التي عنده ... .
__________________
٢ ـ تشريع الوصية في
الإسلام
١ ـ القرآن الكريم
جاء ذكر الوصية في العديد من آيات القرآن
الكريم ، منها قوله تعالى : (
كُتِبَ
عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ
) .
وقوله : (
وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم
) .
وقوله : (
فَلأُمِّهِ
السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا
) .
وقوله : (
شَهَادَةُ
بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ
) وغيرها.
والمشهور بين العلماء أنّ الآية الاُولىٰ
تدلّ علىٰ وجوب الوصية ، وأنّ لسان الآية لسان الوجوب ، ثم قالوا : انها منسوخة
بآية المواريث ، وهي قوله تعالى :
(
يُوصِيكُمُ
اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ
) فانّ الأخيرة نزلت بعد الأولىٰ ،
وبالسُّنّة فقد ورد في الحديث : «
لا وصية لوارث » .
وذكر بعضهم أنها لو كانت منسوخة فالمنسوخ
إنّما هوالفرض دون الندب
__________________
وأصل المحبوبية . وذكر بعض آخر أن الوجوب المذكور في الآية
الشريفة كان في بدء الأمر وأوائل تغيير الشريعة لمواريث الجاهلية ، فالحكمة اقتضت أن
يكون التغيير تدريجياً بنحو الوصية أولاً ثم بأحكام المواريث.
قال السيد السبزواري ; : والحق أن الوصية غير منسوخة بشيء ، لا
بآية المواريث ولا بالسنة الشريفة ، وآية الوصية تدلّ علىٰ محبوبيتها ، والكتابة
يُراد بها هنا مطلق الثبوت الأعمّ من الوجوب والندب ، فقد تكون الوصية واجبة كما في
الوصية بالحقوق الواجبة ، وقد تكون مندوبة كما في الوصية بالتبرعات ، وفي الأخيرة يشترط
أن لا تكون أكثر من ثلث المال ، وفي الاُولىٰ لا يشترط فيها ذلك ، بل لابدّ وأن
تخرج من جميع المال ، ولا ربط لآية الإرث بآية الوصية ، وهما موضوعان مختلفان ، فأين
يتحقّق النسخ ؟ مع أن الإرث متأخّر عن الدين والوصية.
وأمّا الاستدلال بالسنّة علىٰ نسخ
آية الوصية ، ففيه أولاً : عدم ثبوته كما ذكر جمع من علماء الفريقين ، وثانياً : أن
حديث « لا وصية لوارث » يمكن حمله على أنه لا وصية لوارث إذا كان أكثر من الثلث ...
.
أما فيما يتعلّق بخصوص الوصية بالخلافة فانّ
الآيات المتقدمة وغيرها التي تحثّ على الوصية وتأمر بها وتحذّر من إهمالها في اُمور
الدنيا وحطامها الزائل ، تدلّ علي أن النبي 6
لا يمكن أن يترك اُمته بلا وصي يبيّن لهم أحكام الدين ويقتفي أثر سيد المرسلين ، وهو
السبّاق إلى التعبّد بأوامر الوحي ونواهيه وجميع ما فيه ، فكيف يترك الوصية وقد اُوحي
بها إليه وجعلها الله حقّاً على المتقين ؟
__________________
ثمّ أنه نزل في القرآن الكريم ما يجري مجري
الوصية بالخلافة الإسلامية في آية البلاغ ؛ قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ
إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ
) ، فكان تبليغ هذا الأمر بحجم تبليغ الرسالة
، فأيّ أمر خطير هذا الذي أشارت إليه الآية ؟
روى الواحدي من طريق الأعمش باسناده إلى
أبي سعيد الخدري 2
قال : نزلت هذه الآية : (
يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ
) يوم غدير خمّ
في علي بن أبي طالب 2
.
واستقصى الحاكم الحسكاني طرق حدث أبي سعيد
الخدري بأسانيد متصلة ، ثمّ قال : وطرق هذا الحديث مستقصاة في كتاب ( دعاء الهداة إلى
أداء حق الموالاة ) من تصنيفي في عشرة أجزاء .
وعن ابن مسعود ، قال : كنّا نقرأ على عهد
رسول الله 9 : ( يا أيُّها
الرَّسولُ بلِّغ ما أُنزِل إليك من ربِّك أن عليّاً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما
بلَّغتَ رسالته ) .
إذن فإن تنصيب علي 7 للخلافة في جانب وتبليغ الرسالة في جانب
آخر متوازنان ، فإذا لم ينصب علياً 7
فلم يبلغ الرسالة ، باعتبار أنه ترك الكيان
__________________
الإسلامي في مهبّ الريح
، ولم يخلّف أحداً ليرعاه أو يقويه من بعده.
٢ ـ السنّة المطهرة
وردت أحاديث نبوية مستفيضة تدلّ على أن الوصية
فريضة محكمة وسنّة ثابتة ، وتؤكد أن على كلّ مسلم أن يوصي قبل معاينة الموت ، نذكر
منها :
١ ـ قوله 9
: « الوصية حقّ
علىٰ كلّ مسلم » .
٢ ـ قوله 9
: « المحروم من
حُرِم الوصية » .
٣ ـ وقوله 9
: « ما حقّ امرئ
مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه ، يبيت ليلتين إلاّ ووصيته مكتوبة عنده »
.
وحاشا رسول الله 9 أن يأمر بالشيء ويؤكّده ثمّ يتركه ولا يأتمر
به ، بل هو السبّاق إلى الطاعات ومرشد الأُمة ودليلها إلىٰ كلّ برّ وخير.
قال الشوكاني : وكيف يظنّ برسول الله 9 أن يترك الحالة الفضلىٰ ـ أعني تقديم
التنجيز قبل هجوم الموت ، وبلوغها الحلقوم ـ وقد أرشد إلى ذلك وكرّر وحذّر ، وهو أجدر
الناس بالأخذ بما ندب إليه .
أما من حيث وصيته بخصوص الخلافة فانه 9 عيّن وصيه منذ تباشير
__________________
الدعوة الإسلامية حين
نزلت ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ
الأَقْرَبِينَ )
فكان علي ابن أبي طالب 7
دون غيره من أفراد الأمة ، ولم يزل بعد ذلك يكرّر وصيته ويؤكّدها بعهود لفطية كثيرة
سنذكرها في الفصل الثاني من هذا البحث.
وأراد 9
وهو في المحتضر أن يكتب وصيته إلىٰ علي 7
تأكيداً لعهوده اللفظية السابقة ، وتوثيقاً لنصوصه القولية عليه ، فقال 9 : « ائتوني بداوة وقرطاس أكتب لكم كتاباً ، لن تضلوا
بعدي أبداً » فتنازعوا ولا ينبغي
عند نبيّ تنازع فقالوا : ما شأنه أهجر ، أو إن رسول الله غلبه الوجع ، وعندها علم 9 أنه لم يبقَ بعد قولهم هذا أثر لذلك الكتاب
غير الفتنة والاختلاف ، فقال لهم : « قوموا عنّي »
أو « دعوني فالذي
أنا فيه خير » واكتفىٰ بعهوده اللفظية وبلاغاته
السابقة بلفظ الوصية تارة ، والولاية اُخرىٰ ، والخلافة أو الإمامة ثالثة ، وبالنصّ
الصريح على الوصية لأمير المؤمنين 7.
قال الشاعر :
أوصى النبي فقال قائلهم
|
|
قد ظلّ يهجر سيدُ البشرِ
|
ورأى أبا بكر أصاب ولم
|
|
يهجر وقد أوصى إلى عمرِ
|
٣ ـ العقل
من الضرورات العقلية أن يحرص كلّ رسول على
الرسالة التي بُعث بها ،
__________________
فيقيم عليها وصياً وقيماً
بوحي من الله سبحانه حتىٰ لا تضيع الرسالة بموته ، وإلا يلزم نقض الغرض من رسالته
والجهود التي بذلها في دعوة الناس إليها ، ونقض الغرض من أي ذي عقل قبيح فكيف من سيّد
العقلاء والحكماء ؟
إن العقل يحيل علىٰ نبينا الخاتم 9 أن يترك أمر دينه واُمّته هملاً دون أن
يبيّن قوله الفصل في تعيين الوصي الذي يعهد إليه بالخلافة ؛ ذلك لأنّ الدين لم يزل
في تباشير دعوته غضاً طرياً ، فلو ألقى الحبل على الغارب لترتّب على ذلك ما لا يحمد
عقباه بسبب ميول الأهواء ، واختلاف الآراء المؤدية إلى الوقوع في الفتنة والتنازع والفساد.
يقول السيد عبد الله شبّر : إن العقل السليم
يحيل على الله ورسوله الكريم 9
مع كونه المبعوث إلىٰ كافة الأنام ، وشريعته باقية إلىٰ يوم القيامة أن
يهمل اُمّته ، مع نهاية رأفته وغاية شفقته بهم وعليهم ، ويترك فيهم كتاباً في غاية
الاجمال ونهاية الاشكال ، له وجوه عديدة ومحامل كثيرة ، يحمله كلّ منهم علىٰ
هواه ورأيه وأحاديث كثيرة عن صاحب الرسالة 9
فيها الصحيح والمكذوب ، والضعيف والموضوع ، ثم لا يعين لهذا الأمر الخطير رئيساً يرجعون
إليه في هذه المشكلات ، ويركنون إليه في سائر الأمور.
وإن العقل ليحكم باستحالة ذلك في شرع
الله تعالى وحكمته ، ولقد قرّب الله سبحانه ذلك من أفهام الناس ، فأوجب الوصية علىٰ
كلّ مسلم إذا حضره الموت ، لكي لا يدع أهله في اختلاف وتخاصم في إرثه ومتروكاته ، فكان
لابدّ من وصية تضمن فضّ هذا النزاع إن أمكن حصوله.
فكيف تصور الحال إذن مع اُمّة كاملة ، ونبيها
آخر الأنبياء ؟
وهل يستسيغ العقل أن يتركها الله تعالى ورسوله
بلا إمام موصى إليه ،
وحافظ وقيّم ووليّ من
بعده 9 ؟ مع أنّ رأفة
الله سبحانه بعباده ، ورأفة النبي باُمّته لا تقاسان برأفة الفرد إلى أهله وأطفاله
.
وأيضاً : فإن العقل يحكم بضرورة الوصيّة
من النبي بالأولوية القطعية ، وذلك لأنه ( إذا كانت الوصية ثابتة في حطام زائل ، فما
بالها تُنفىٰ في خلافة راشدة وشريعة خالدة متكفّلة بصلاح النفوس والنواميس والأموال
والأحكام والأخلاق والصالح العام والسلام والوئام ، ومن المسلم قصور الفهم البشري العادي
عن غايات تلكم الشؤون ، فلا منتدح والحالة هذه أن يعين الرسول الأمين عن ربّه خليفته
من بعده ليقتصّ أثره في اُمّته ) .
وأيضاً : فمن المستحيل أن يكون النبي نفسه
سبباً لضلال الأمّة ووقوع الفتنة بينها ، ولا شكّ ان السكوت عن الوصية يسبّب ذلك ؛
لأنّ ترك الناس باهمال الوصية في مستقبل قيادتهم هو دليل على التفريط ومثار للفتنة
والتنازع ، وهذا حكم عقلي مسلّم ورد علىٰ لسان بعض الصحابة ، ولا يمكن نسبة التفريط
لكل رجل محترم فكيف ينسب إذن إلى أشرف الأنبياء والمرسلين 9 ؟!
روي أن عائشة قالت لبعد الله بن عمر حينما
أخبرها بأن أباه في المحتضر : يا بني أبلغ عمر سلامي ، وقل له : لا تدع اُمة محمّد
بلا راعٍ ، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملاً ، فاني أخشىٰ عليهم الفتنة .
وقال عبد الله بن عمر لأبيه : لو استخلفت
؟ قال : من ؟ قال : تجتهد فانك لست لهم بربّ ، أرأيت لو أنك بعثت إلى قيم أرضك ، ألم
تكن تحبّ أن يستخلف
__________________
مكانه حتىٰ يرجع
إلى الأرض ؟ قال : بلىٰ ، قال : أرأيت لو بعثت إلىٰ راعي غنمك ، ألم تكن
تحبّ أن يستخلف رجلاً حتىٰ يرجع ؟ قال : بلى .
وليت شعري كيف صارت عائشة وعبد الله بن عمر
أعلم بمآل الأمور ونتائج عدم الاستخلاف من رسول الله 9
؟ وهل هما أحرص على مصلحة الاُمّة وضمان مستقبلها من نبي الرحمة ؟! كلا وحاشا رسول
الله 9 من هذه الأوهام
، فإنّه 9 قد نصّ على خليفته
من بعده وبلّغ اُمّته بأنه علي بن أبي طالب 7
، وفي ذات الوقت عهد إليه أن الأمّة ستغدر به بعده ، وقال له : « أما إنك ستلقى بعدي جهداً
» فقال علي 7 : « في سلامة
من ديني ؟ » قال 9
: « في سلامة من دينك »
وأخذ بيده وقد بكىٰ فقال علي 7
: « ما يبكيك يا رسول الله ؟ » قال 7
: « ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها إلاّ من بعدي » .
ولقد تحقق ما أخبر به النبي الصادق الأمين
9 ، ودُفِع الوصيّ
عن حقّه ، وقد صرح 7
بذلك مراراً ، سيما في خطبته الشقشقية
المعروفة ، وفي غيرها أيضاً حيث قال : « فو الله ما زلت مدفوعاً عن حقّي ، مستأثراً عليَّ
، منذ قبض الله نبيه 9 حتىٰ يوم الناس
هذا » .
وقال 7
: « أما الاستبداد
علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسباً ،
__________________
والأشدون
برسول الله 9 نوطاً ، فانها كانت أَثَرة
، شحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين ، والحكم لله والمَعْوَد إليه القيامة
» .
ومن الاُمور المستفادة من سيرة النبي 9 وغيرها في أثبات الوصية ، والتي لو تأمّلها
المسلم فإنه سيُسلّم بمسألة الوصية دون الرجوع إلىٰ مزيد من الأدلة والبراهين
، ما يأتي :
أولاً
ـ لقد اُمِر النبي 9 أن يقتدي بالأنبياء الذين قبله ، في قوله
تعالى : ( أُولَٰئِكَ
الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ
) وقال تعالى : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ
) ورأينا أن الأنبياء السابقين قد عهدوا إلىٰ
من يخلفهم في تبليغ الشريعة ورعاية الأمة من بعدهم ، ولم يكن خلفاؤهم إلاّ أوصياءهم
، فكيف يخالف نبينا 9
ذلك أو يقصّر في الامتثال ، وهو أشرف الأنبياء وخاتمهم ، وقد اجتمعت فيه خصال الكمال
وصفات الشرف التي تفرّقت فيهم ، ودينه أجمع الأديان ، ورسالته أشمل الرسالات وأكملها
، فكيف يتركها غضّةً طرية تتجاذبها الأهواء والنزاعات ؟!
ثانياً
ـ ( قد جرت عادة الرسول 9 أنه متى سافر عن المدينة أو غاب عنها ،
عيّن خليفته عليها ، فكيف يترك الاستخلاف في غيبة الوفاة ؟ مع علمه أنّه خاتم الأنبياء
والرسل ، وأن التكليف لم يرتفع عن العباد بموته ، بل هو باقٍ إلىٰ يوم القيامة
) .
__________________
وكان من جملة الذين استخلفهم رسول الله على
المدينة خلال المغازي ابن اُمّ مكتوم ، وأبو لبابة رفاعة بن عبد المنذر وسعد بن عبادة ، وسعد بن معاذ ، وزيد بن
حارثة ، وأبو سلمة المخزومي ، وعبد الله بن رواحة ، وأبو رهم الغفاري وغيرهم .
واستخلف علياً 7 في تبوك ، وكانت آخر غزواته.
روي البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص ،
قال : خلف رسول الله 9
علي بن أبي طالب في غزوة تبوك ، فقال : « يا رسول الله ، تخلّفني في النساء والصبيان
؟ » قال 9 : « أما ترضى أنت تكون مني
بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي »
.
إذن لقد كان دأب رسول الله 9 أنه لم يترك المدينة دون أن يستخلف عليها
حتىٰ ولو كانت الغزوة عند أطرافها كالخندق أو على بُعد ميلٍ عنها كاُحد ، فكيف
يمكن أن نتصور أنه يترك أمته أبد الدهر دون أن يستخلف عليها ؟!
هذا ، وللشهيد الصدر 2 ثلاث تصورّات حول مستقبل الرسالة بعد الرسول
9 ، وقد ناقشها
نقاشاً عقلياً مستنيراً بالواقع التاريخي ، وطبيعة الأحداث التي اكتنفت البعثة في صدرها
الأول ، ومعطيات الواقع الفكري لرجالها ، ويمكن تلخيص تلك التصورات بما يلي :
__________________
١ ـ أن يقف الرسول 9 من مستقبل الرسالة موقفاً سلبياً ، ويكتفي
بممارسة دوره في قيادة الأمّة والرسالة وتوجيهها فترة حياته ، ويتركها في مستقبلها
للظروف والصدف ، وهذه السلبية لا يمكن افتراضها في النبي 9 لأنها انما تنشأ من أحد أمرين لا ينطبقان
عليه.
الأول
: الاعتقاد بأن هذه السلبية والاهمال لا يؤثران
علىٰ مستقبل الرسالة ، وأنّ الأمة التي سوف تخلف الدعوة قادرة على التصرف بالشكل
الذي يحيي الدعوة ويضمن عدم الانحراف ، وهذا الاعتقاد لا مبرر له من الواقع اطلاقاً
، بل إن طبيعة الأشياء كانت تدلّ علىٰ خلافه.
الثاني
: انه بالرغم من شعوره بخطر هذه السلبية لا
يحاول تحصين الدعوة ضد ذلك الخطر ، لأنه ينظر إليها نظرة مصلحية ، فلا يهمه إلاّ أن
يحافظ عليها ما دام حياً ليستفيد منها ويستمتع بمكاسبها ولا يُعنىٰ بحماية مستقبلها
بعد وفاته ، وهذا التفسير لا يمكن أن يصدق على النبي 9
لإخلاصه لرسالته وتفانيه فيها وتضحيته من أجلها حتى آخر لحظة من حياته وهو يسيّر جيش
اُسامة ، فهو يعيش هموم مستقبلها ، ويشعر بالخطر المحدق بها ، ويخطط لسلامتها من الأخطار
المرتقبة بعد وفاته ، فأراد أن يكتب لاُمته كتاباً يكون عصمة لها عن الضلالة ، وجنّة
تدرأ عنها عوامل الفرقة والاختلاف ، فحيل بينه وبين ما أراد !!
٢ ـ أن يخطط الرسول القائد 9 للمستقبل ، ويتّخذ موقفاً إيجابياً ، فيجعل
القيمومة على الدعوة وقيادة التجربة للاُمة الممثّلة على أساس نظام الشورىٰ في
جيلها الأول الذي يضمّ مجموع المهاجرين والأنصار.
والملاحظ أن طبيعة الأشياء والوضع العام
الثابت عن الرسول 9
والرسالة والصحابة يدحض هذه الفرضية ، وينفي أن يكون النبي 9 قد انتهج
هذا الطريق ؛ لأنه يتطلب
أن يقوم الرسول 9
بعملية توعية للاُمّة على نظام الشورىٰ وحدوده وتفاصيله ، وأن يعطيه طابعاً دينياً
مقدساً ، وأن يعدّ المجتمع الإسلامي إعداداً فكرياً وروحياً لتقبل هذا النظام.
والملاحظ أن النبي 9 لم يمارس عملية التوعية علىٰ نظام
الشورىٰ وتفاصيله التشريعية أومفاهيمه الفكرية ، لأن هذه العملية لو كانت قد
انجزت ، لانعكست في الأحاديث المأثورة عن النبي 9
، ولتجسّدت في ذهنية أصحابه.
وقد انقسم أصحابه من بعده إلىٰ فئتين
:
الفئة التي انحازت إلىٰ أهل البيت
: ، ومن الواضح
أنهم كانوا يؤمنون بالوصاية والأمامة ويؤكّدون على القرابة ، ولم ينعكس منهم الإيمان
بفكرة الشورىٰ.
والفئة التي تمثّلها السقيفة والخلافة التي
قامت بعد رسول الله 9
، وهؤلاء أيضاً لم يكونوا يؤمنون بالشورىٰ ، فأبوبكر عهد بها إلى عمر ، وعمر
عهد بها إلىٰ ستة أشخاص ، فلم يكن أصحاب هذا الاتجاه ممن يبني ممارسته الفعلية
على أساس الشورىٰ ، ولم يكن لديه فكرة محددة عن هذا النظام فكيف يمكن أن نتصّور
أن النبي 9 مارس عملية توعية
علىٰ هذا النظام تشريعياً وفكرياً ، وأعدّ جيل الصحابة لتسلّم قيادة الاُمّة
على أساسه ، ثمّ لا نجد تطبيقاً واقعياً له أومفهوماً محدداً عنه ؟! وعليه فإنه 9 لم يكن قد طرح الشورىٰ كنظام بديل
على الاُمّة بعد وفاته.
٣ ـ أن يقف النبي 9 من مستقبل الرسالة بعد وفاته موقفاً إيجابياً
، فيختار بأمرٍ من الله سبحانه شخصاً معيَّناً ، فيعدّه اعداداً رسالياً وقيادياً خاصاً
، لتتمثّل فيه المرجعية الفكرية والزعامة السياسية للتجربة ، ويواصل بعده
وبمساندة القاعدة الشعبية
الواعية من المهاجرين والأنصار قيادة الأمة وبناءها عقائدياً وتقويتها باستمرار نحو
المستوى الذي يؤهلها لتحمل المسؤوليات القيادية.
ولم يكن هذا الشخص المنصوب لتسليم مستقبل
الدعوة وتزعمها فكرياً وسياسياً ، إلاّ علي بن أبي طالب 7 الذي أراده لذلك الله تعالىٰ ، ورسوله
الكريم 9 ، هذا فضلاً
عن عمق وجوده في كيان الدعوة ، وانه المسلم الأول والمجاهد الأول في سبيلها عبر كفاحها
المرير ضد كلّ أعدائها ، وعمق وجوده في حياة القائد الرسول 9 وانه ربييه الذي فتح عينيه في حجره ، ونشأ
في كنفه ، وهيّأ له من فرص التفاعل معه والاندماج بخطه ما لم يتوفر لأيّ إنسان آخر
.
* * *
__________________
الفصل الثاني
وصية
النبي 9
في الحديث والأثر
المبحث الأوّل : الأحاديث الصريحة بالوصية
تمهيد :
إن الإمامة رئاسة عامة في اُمور الدين والدنيا
نيابةً عن النبي 9
، ووجوبها في
كل زمان أمرٌ توافقت عليه كلمة الاُمّة بكلّ فصائلها ، لكنهم اختلفوا في السبيل المؤدّي إليها
؛ فذهب أغلب الفرق إلى أن الأمر محصور في قريش ، وللمسلمين أن يختاروا من قريش ما شاءوا
، وذهب الخوارج إلى أن الأمر متروك للمسلمين في أن يختاروا من بينهم مَن يرونه أهلاً
للامامة من قريش أو غيرها.
وتعتقد الإمامية أن الإمامة منصب إلهي لا
يُنال إلاّ بتعيين من السماء ، وبنصّ النبي المرسل ، وأن ذلك من صميم واجب النبي 9 ؛ لأنه بُعِث رحمةً للعالمين ، فلابدّ أن
يعهد إلىٰ من يأتمنه علىٰ دين الله ورسالة ربّه ، ليقوم بأمرهم من بعده
، ويجمع كلمتهم ، وينظم أمرهم ، ويرفع أسباب الخلاف من بينهم.
__________________
وأجمعوا على أن الرسول المصطفى 9 قد بلّغ ما اُنزل إليه من ربّه تمام البلاغ
، وأنه لم يفارق الاُمّة حتىٰ أرشدهم إلىٰ وصيه من بعده ، ونصّ على أخيه
عليّ بن أبي طالب 7
في مناسبات عديدة ومواضع شتىٰ ، لتعميق وعي الاُمّة في هذا الاتجاه ، وتأصيل
هذا المبدأ في حركتها ووجدانها. ولهم في هذا الاتجاه أحاديث وآثار صريحة في هذا المعنىٰ
، نذكر منها :
أولاً ـ الأحاديث النبوية
هناك مزيد من الأحاديث النبوية المصرحة بالوصية
، وقد بلغت من الكثرة بحيث أفردها بعض الأعلام بتصنيف خاص .
وفيما يلي نذكر أهم الأحاديث الصريحة بذكر
الوصية لأمير المؤمنين علي 7
ونحرص على أن تكون من مصادر العامة :
١ ـ روىٰ كثير من المحدثين والمؤرخين
وأصحاب السير حديث الدار الشريف وهو صريح بالايصاء والاستخلاف معاً ، وقصة الحديث :
أنه في بدء الدعوة الإسلامية ، وبعد نزول قوله تعالىٰ : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ
) دعا رسول الله 9 بني عبد المطلب إلىٰ دار عمّه أبي
طالب مرّتين ، وبعد أن أطعمهم وسقاهم توجّه إليهم قائلاً : « يا بني عبد المطلب ،
والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم ، إني جئتكم بخير الدنيا
والآخرة ، وقد أمرني الله تعالىٰ أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني علىٰ
هذا الأمر ، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ »
وفي رواية : « وخليفتي من
بعدي ».
__________________
فأحجم القوم عنها جميعاً ، فقال علي 7 وكان أحدثهم سناً : « أنا يا نبي الله أكون
وزيرك عليه » فأخذ رسول الله 9 برقبته ، ثم قال : « ان هذا أخي ووصيي وخليفتي
فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا » فقام القوم يضحكون
، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع !
٢ ـ وعن أنس بن مالك ، قال : قلنا لسلمان
: سل النبي 9 عن وصيه ، فقال
له سلمان : يا رسول الله ، من وصيك ؟ قال : « يا سلمان من كان وصيّ موسىٰ ؟ »
قال : يوشع بن نون. قال : «
فان وصيي ووارثي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، علي بن أبي طالب »
.
__________________
وفي رواية : « إن وصيي وموضع سري ،
وخير من أترك بعدي ، وينجز عدتي ، ويقضي ديني ، علي بن أبي طالب »
.
٣ ـ وعن بريدة ، قال : قال رسول الله 9 : « لكلّ نبي وصيّ ووارث ، وإنّ علياً وصيي ووارثي
» .
٤ ـ وعن أبي أيوب الأنصاري ، قال : إن رسول
الله 9 مرض مرضةً ،
فدخلت عليه فاطمة صلّى الله عليها تعوده وهو ناقه من مرضه ، فلما رأت ما برسول
الله من الجهد والضعف خنقتها العبرة حتىٰ خرجت دمعتها ، فقال لها : « يا فاطمة ، إن الله عزّوجلّ
اطلع إلى الأرض اطلاعةً فاختار منها أباك ، فبعثه نبياً ، ثم اطلع إليها ثانيةً فاختار
منها بعلك ، فأوحى إليّ فأنكحته واتخذته وصياً ».
إلى أن قال : « يا فاطمة ، إنا أهل بيت
اُعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين ولا الآخرين قبلنا : نبينا أفضل الأنبياء
وهو أبوك ، ووصينا خير
__________________
الأوصياء
وهو بعلك ... » .
وروي نحوه عن أمير المؤمنين 7 ، وابن عباس ، وأبي سعيد الخدري ، وعلي
بن علي الهلالي عن أبيه ، وغيرهم .
٥ ـ وعن أنس بن مالك ، قال : قال لي رسول
الله 9 : « يا أنس ، اسكب لي وضوءاً
» ثم قام فصلّى ركعتين. ثم قال : « يا أنس ، أول من يدخل
عليك من هذا الباب أمير المؤمنين ، وقائد الغرّ المحجلين ، وخاتم الوصيين ».
قال أنس : قلت : اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار ـ وكتمته ـ إذ جاء عليّ. فقال : « من هذا يا أنس ؟ »
فقلت : عليّ. فقام مستبشراً فاعتنقه ، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ، ويمسح عرق علي
بوجهه ، فقال علي : «
يا رسول الله ، لقد رأيتك صنعت شيئاً ما صنعت بي من قبل ؟ »
قال 9 : « وما يمنعني وأنت تؤدّي
عني ، وتسمعهم صوتي ، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي ؟ »
.
__________________
٦ ـ وعن سلمان قال : سمعت حبيبي رسول الله
9 يقول : « كنت أنا وعلي نوراً بين
يدي الله عزوجل قبل أن يخلق آدم بأربعه عشر ألف عام
، فلما خلق
الله آدم قسّم ذلك النور جزءين : فجزءٌ أنا وجزء عليّ »
.
قال ابن أبي الحديد : رواه أحمد في ( المسند
) وفي كتاب ( فضائل علي 7
) ، وذكره صاحب كتاب ( الفردوس ) وزاد فيه : « ثم انتقلنا حتىٰ صرنا في عبد المطلب ، فكان
لي النبوة ، ولعليّ الوصية » .
وفي لفظ آخر : « ففيّ النبوة ، وفي عليّ
الخلافة » .
دلالة الأحاديث
نكتفي بهذا القدر من الأحاديث النبوية المصرحة
بذكر الوصية ، ونبيّن الآن دلالتها ، ونبدأ باستدلال الفاضل المقداد السيوري علىٰ
خلافة علي 7
__________________
بالحديث الأول.
قال : قوله 9 : « أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني »
والاستدلال به من وجهين :
الأول
: « أنت وصيي » وهذا لا ينكره أحد ، فأما
أن يريد بذلك التصرّف في كل ما كان للنبي 9
أن يتصرّف فيه ، أو بعضه. والثاني باطل لاطلاق اللفظ وعدم تقييده وعدم قرينة دالة على
التقييد. فلو اُريد لكان تلبيساً ، وهو غير جائز منه 9
، فتعين الأول ، وهوالمطلوب ؛ لأنا لا نريد بالإمامة إلاّ ذلك.
والثاني
: قوله « قاضي ديني » علىٰ رواية كسر
الدال ، وهو صريح في خلافته 7
.
وفي الأحاديث الستة المتقدمة إضاءات كثيرة
تدلنا علىٰ بيان متعلق وصية النبي 9
إلى أمير المؤمنين 7
يمكن تلخيصها بالنقاط التالية :
١ ـ في الحديث الأول دلالة على أصالة مفهوم
الوصية وامتداده التاريخي إلى أول البعثة النبوية المباركة ، حينما دعا النبي 9 عشيرته الأقربين يوم الأنذار ، مما يعبّر
عن أهمية هذا المفهوم وخطورته وعمقه في مسيرة الرسالة ، ويؤكد ممارسة النبي 9 للاعداد الرسالي لشخص الوصي كي يهيئه لزعامة
الأمة من بعده بأمر من الله ، لما تقدّم من أن الإمامة منصب إلهي ، ويدحض
__________________
حجّة القائلين بأن متعلق
الوصية لا يتجاوز رعاية الأولاد والأهل وقضاء الديون وغيرها من العهود الواردة في الوصايا
العامة.
٢ ـ وفي الحديث الرابع دلالة على أن اختيار
الوصي هو اختيار إلهي لا يتدخل فيه أحد ، فهو تعالىٰ يختار النبي 9 من بين أهل الأرض كافة ، ثم يختار الوصي
على نسق اختيار النبي ، ثم يوحي إلى النبي بتعيينه خليفةً من بعده ، وليس ثمة خليفة
للنبي غير وصيه.
ويدلّ عليه أيضاً ما رواه ابن اسحاق في سيرته
عن سلمان 2 أنه سأل رسول
الله 9 فقال : يا رسول
الله إنه ليس من نبي إلاّ وله وصيّ وسبطان ، فمن وصيك وسبطاك ؟ فلم يجبه 9 ... إلى أن قال : « سألتني عن شيء لم يأتني
فيه أمر ، وقد أتاني أن الله عزّوجل قد بعث أربعة آلاف نبي ، وكان أربعة آلاف وصي ،
وثمانية آلاف سبط ، فوالذي نفسي بيده لأنا خير النبيين ، وإن وصيي لخير الوصيين ، وسبطاي
خير الأسباط » .
وسنأتي علىٰ بيان دليل الاصطفاء الإلهي
في شخص أمير المؤمنين عليّ 7
في مبحث خاص من هذا الفصل.
٣ ـ تشتمل الأحاديث المتقدمة على جملة أدلة
جلية على أن المراد بلفظ الوصي هو القائد الرسالي والخليفة الذي يلي الرسول 9 في اُمته.
منها
: اقتران لفظ الوصي الوارد في الأحاديث بألفاظ
اُخرىٰ تدلّ على المضمون السياسي والقيادي ، كالخليفة والوزير وموضع السرّ وقاضي
الدين ومنجز الوعد وغيرها.
__________________
ومنها
: التأكيد علىٰ وجوب الطاعة للوصي بقوله
9 : « اسمعوا له وأطيعوا »
كما في الحديث الأول ، هذا الوجوب من مقتضيات الإمامة ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ
) .
ويدلّ عليه أيضاً ما رواه أبو ذر عن رسول
الله 9 قال : « من أطاعني فقد أطاع
الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن عصىٰ علياً
فقد عصاني » .
ومنها
: التأكيد على الوظائف القيادية للإمام مثل
« تؤدي عني ، وتسمعهم صوتي ، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي ».
ويدلّ عليه ما جاء في الصحيح عن أنس : أن
النبي 9 قال لعلي : « أنت تبين لأُمتي ما اختلفوا
فيه بعدي» .
ومنها
: التأكيد علي الخصال القيادية للوصي ومنها
كونه موضع سرّ النبي 9
وخير من يترك بعده ، وكونه 7
خير الأوصياء وخاتمهم. وجميع ذلك من الدلالات الالتزامية على أن لفظ الوصي لا ينفك
عن معنى الإمامة والخلافة.
ثانياً : أحاديث أهل
البيت
:
جاءت أحاديث أهل البيت : لتؤكد بأن أمير المؤمنين علياً 7 هو خاتم الوصيين وسيدهم ، وأول المؤمنين
بالله ، ووارث النبوة ، وتصرّح بعمق وجود الوصي في تاريخ الرسالة ، فقد كان يرى مع
رسول الله 9 الضوء قبل
__________________
الرسالة ويسمع الصوت.
كما ركّزت على بيان فضل أهل البيت : وأن لهم حق الوصية والوراثة ، ولهم خصائص
حق الولاية ، ولا يقاس بهم أحد من أفراد الاُمّة ، وأنهم أهل رسول الله 9 وأولياؤه وأوصياؤه وورثته وأحقّ الناس بمقامه
، وفيما يلي بعض نصوصها :
١ ـ عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير
المؤمنين 7 في بعض خطبه
: « أيها الناس
، اسمعوا قولي واعقلوه عني ، فإن الفراق قريب ؛ أنا إمام البرية ، ووصي خير الخليقة
، وزوج سيدة نساء الاُمّة ، وأبو العترة الطاهرة والأئمة الهادية. أنا أخو رسول
الله 9 ووصيه ووليه ووزيره وصاحبه وصفيه وحبيبه وخليله.
أنا أمير المؤمنين ، وقائد الغرّ المحجلين ، وسيّد الوصيين »
.
٢ ـ وعن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، قال
: كتب عليُّ 7 إلىٰ
محمد بن أبي بكر وأهل مصر .. وذكر الكتاب ، وممّا جاء فيه موضّحاً الفرق بين نفسه المقدّسة
وبين معاوية الوغد الزنيم : «
وتأمّلوا واعلموا أنه لا سوى إمام الهدى وإمام الردى ، ووصيّ النبيّ وعدوّ النبي ،
جعلنا الله وإياكم ممن يحبّ ويرضىٰ .. »
.
ورواه الشيخ الطوسي بالاسناد عن أبي إسحاق
الهمداني .
٣ ـ وعن حكيم بن جبير ، قال : خطب علي 7 فقال في أثناء خطبته : « أنا عبد الله وأخو رسوله
، لا يقولها أحد قبلي ولا بعدي إلاّ كذب ، ورثت نبي
__________________
الرحمة
، ونكحت سيدة نساء هذه الاُمّة ، وأنا خاتم الوصيين »
.
٤ ـ وحينما ناظر عبد الله بن عباس الخوارج
، كان من جملة قولهم : وزعم أنه وصيّ ، فضيّع الوصية. فأجابهم أمير المؤمنين 7 : « وأمّا قولكم : إني كنت وصياً فضيعت الوصية ، فإن
الله عزّوجلّ يقول : ( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ
الْعَالَمِينَ ) أفرأيتم هذا البيت لو لم يحجُج إليه أحد ، كان
البيت يكفر ؟ إن هذا البيت لو تركه من استطاع إليه سبيلاً كفر ، وأنتم كفرتم بترككم
إياي ، لا أنا كفرتُ بتركي لكم »
.
وممّا يعزّز جواب أمير المؤمنين 7 قول النبي 9 له 7
: « يا علي أنت
بمنزلة الكعبة تؤتىٰ ولا تأتي »
فواجب على الناس
أن يقصدوه ولا يقصد هو أحداً ، وأن يسألوه ولا يسأل أحداً ، ويمتارون منه العلم ولا
يمتار من أحد.
٥ ـ وقال 7
في خطبة له : « لا يقاس بآل
محمد 9 من هذه الاُمّة أحد ، ولا يسوّي بهم من جرت نعمتهم
عليه أبداً هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ،
ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة »
.
٦ ـ وعن زيد بن الحسن وعلي بن الحسين 7 ، قال : خطب الحسن 7
__________________
الناس حين قُتل علي بن
أبي طالب 7 ، فحمد الله
وأثنىٰ
عليه ، وممّا جاء في خطبته : «
أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن علي ، وأنا ابن النبي
، وأنا ابن الوصي ، وأنا ابن البشير ، وأنا ابن النذير ، وأنا أبن الداعي إلى الله
بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ... »
.
وعن أبي الطفيل ، قال : خطبنا الحسن بن علي
بن أبي طالب ، فحمد الله وأثنىٰ
عليه ، وذكر أمير المؤمنين علياً 2
خاتم الأوصياء ووصيّ سيد الأنبياء وأمين الصدّيقين والشهداء ... ثم ذكر الخطبة بطولها
.
٧ ـ وخاطب الإمام الحسين الشهيد 7 في العاشر من المحرم سنة ٦١ ه أهل الكوفة
قائلاً : « أما بعد ،
فانسبوني فانظروا من أنا ، ثمّ ارجعوا إلى انفسكم وعاتبوها ، فانظروا هل يحلّ لكم قتلي
وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن بنت نبيكم 9 ، وابن وصيه ، وابن عمّه
، وأول المؤمنين بالله ، والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربّه ؟ »
.
٨ ـ وعن أبي عثمان النهدي : أن الحسين 7 كتب إلىٰ رؤوس الأخماس بالبصرة وإلى
الأشراف ، كتاباً وأرسله مع سليمان مولاه ، جاء فيه : « أما بعد ، فإنّ الله
اصطفىٰ محمّداً 9 على خلقه ، وأكرمه بنبوته
، واختاره لرسالته ، ثمّ قبضه الله إليه وقد نصح لعباده ، وبلّغ ما أُرسِل به 9
، وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته ، وأحقّ الناس بمقامه في الناس ، فاستأثر علينا
قومنا
__________________
بذلك
، فرضينا وكرهنا الفرقة ، وأحببنا العافية ، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحقّ
علينا ممَن تولاّه ... » .
٩ ـ وأخرج العلاّمة إبراهيم بن محمّد الصنعاني
في كتابه ( إشراق الاصباح ) عن محمد بن علي الباقر ، عن آبائه : ، عنه 9
من حديث طويل ، وفيه : «
وهو ـ يعني علياً ـ وصيي ووليي»
.
١٠ ـ وعن جعفر بن محمد الصادق 7 ، قال : « كان علي 7
يرىٰ مع رسول الله 9 قبل الرسالة الضوء ويسمع
الصوت ، وقال له 9 : لولا أني خاتم الأنبياء
لكنت شريكاً في النبوة ، فإن لا تكن نبياً فإنك وصيّ نبي ووارثه ، بل أنت سيّد الأوصياء
وإمام الأتقياء » .
ثالثاً : أحاديث الصحابة
أكّدت أحاديث وأقوال الصحابة وغيرهم على
أن أمير المؤمنين 7
هو وصي سيد المرسلين وأخوه ووزيره وخليفته من بعده ، والمطّلع علىٰ سرّه ، ووراث
علمه والإمامة من بعده ، وقاضي دينه ومنجز وعده ، وأوّل الناس اتباعاً له ، وأقربهم
عهداً به ، وأنه وصي الأوصياء ، ووارث علم الأنبياء ، والصدّيق الأكبر الذي كملت به
الفضائل والسابقة والقرابة ، وأن أولاده المعصومين هم الأوصياء بعده.
وهي بمجموعها شهادات ضافية من عمق التاريخ
الإسلامي تكشف عن أصالة مبدأ الوصية وشدّة ارتباطه بوجدان الأُمة منذ الرعيل الأول
وحتى
__________________
اليوم ، كما تعكس مدى
اهتمام النبي 9
وحرصه علىٰ تبليغ هذا الأمر الخطير الذي يتعلّق بمستقبل الرسالة وديمومتها ،
وفيما يلي نذكر بعضها :
١ ـ عن عطاء ، قال : سألت جابر بن عبد الله
، ما كانت منزلة علي بن أبي طالب 2
فيكم ؟ قال : منزلة الوصي ... .
٢ ـ وكتب محمّد بن أبي بكر إلىٰ معاوية
بن أبي سفيان في جواب رسالة له : فكيف ـ يا لك الويل ـ تعدل نفسك بعليّ ، وهو وارث
رسول الله 9 ووصيه ، وأبو
ولده ، أول الناس له اتّباعاً ، وأقربهم به عهداً ، يخبره بسرّه ، ويطلعه على أمره
، وأنت عدّوه وابن عدوّه ... .
٣ ـ وكان أبو ذرّ 2 يقعد في مسجد رسول الله 9 أيام عثمان ويخطب الناس ، وكان من جملة
قوله : ( إِنَّ اللهَ
اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى
الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً
بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
) محمّد 9
الصفوة من نوح ، فالأول من إبراهيم ، والسلالة من إسماعيل ، والعترة الهادية من محمّد
9 ... هم فينا
كالسماء المرفوعة ، وكالكعبة المستورة ، أو كالقلبة المنصوبة ، أو كالشمس الضاحية ،
أو كالقمر الساري ، أو كالنجوم الهادية ، أو كالشجر الزيتونة أضاء زيتها ، وبورك زبدها
، ومحمّد 9 وارث علم آدم
وما فُضّل به النبيون ، وعلي بن أبي طالب وصيّ محمّد 9
، ووارث
__________________
علمه ، أيتها الاُمة
المتحيرة بعد نبيها ، أما لو قدّمتم من قدّم الله ، وأخّرتم من أخّر الله ، وأقررتم
الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم ، لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم ... إلى آخر كلامه الذي يدّل على أنه لا
يريد بلفظ الوصي غير الخليفة الذي يلي الأمر بعد الرسول 9.
٤ ـ وعن الفضل بن العباس بن ربيعة ، قال
: كبّر معاوية لما بلغه وفاة الحسن 7
، وكبّر أهل الخضراء ثمّ كبّر أهل المسجد ، فدخل عبد الله بن عباس على معاوية فقال
له : علمت ـ يا بن عباس ـ أن الحسن توفي ؟ قال : ألذلك كبّرت ؟ قال : نعم. قال ابن
عباس : أما والله ما موته بالذي يؤخّر أجلك ، ولا حفرتك بسادّة حفرته ، ولئن أُصبنا
به فقد أُصبنا قبله بسيّد المرسلين وإمام المتقين ورسول ربّ العالمين ، ثمّ بعده بسيّد
الأوصياء ، فجبر الله تلك المصيبة ، ورفع تلك العثرة ... .
٥ ـ وقال عبد الله بن عباس 2 في جوابه لكتاب معاوية : وأما قولك : إني
لو بايعني الناس لأسرعت إلىٰ طاعتي ، فقد بايع الناس علياً ، وهو أخو رسول
الله ، وابن عمّه ، ووصيه ، ووزيره ، وهو خير منّي ، فلم تستقم له ... .
٦ ـ وقال حجر بن عدي وجماعة ممن كان معه
حين خيّروهم بين القتل أو البراءة من أمير المؤمنين 7
: إن الصبر علىٰ حدّ السيف لأيسر علينا مما تدعونا إليه ، ثمّ القدوم على
الله وعلى نبيّه وعلىٰ وصيه أحبّ إلينا من دخول النار .
__________________
٧ ـ وخرج طارق بن شهاب الأحمسي يستقبل علياً 7 وقد صار بالربذة طالباً عائشة وأصحابها
، فقال : أأدعُ علياً ، وهو أول المؤمنين إيماناً بالله ، وابن عمّ رسول الله 9 ووصيه ... .
٨ ـ ولما جمع علي 7 الناس بالكوفة وخاطبهم بشأن المسير إلىٰ
صفين لحرب معاوية ، قام عمرو بن الحمق الخزاعي
وخاطبه بقوله : والله ـ يا أمير المؤمنين ـ إني ما أحببتك ولا بايعتك علىٰ قرابةٍ
بيني وبينك ، ولا إرادة مال تؤتينيه ولا التماس سلطان ترفع ذكري به ، ولكنني أحببتك
بخصال خمس : أنك ابن عم رسول الله 9
، ووصيه ، وأبو الذريّة التي بقيت فينا من رسول الله 9
وأسبق الناس إلى الإسلام ، وأعظم المهاجرين سهماً في الجهاد .
٩ ـ وعن أبي مخنف ، قال : لما بلغ حذيفة
بن اليمان
أن علياً 7 قد قدم ذا قار
واستنفر الناس ، دعا أصحابه فوعظهم ، وذكّرهم الله ، وزهدّهم في الدنيا ، ورغّبهم في
الآخرة ، ثمّ قال : الحقوا بأمير المؤمنين ، ووصيّ سيد المرسلين ، فإنّه من الحقّ أن
تنصروه .
١٠ ـ وجاء في كتاب عمرو بن العاص إلى معاوية
حين دعاه إلىٰ مؤازرته في محاربة إمام الهدىٰ علي 7 : فأمّا ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام
من
__________________
عنقي ، والتهوّر في الضلالة
معك ، وإعانتي إياك على الباطل ، واختراط السيف في وجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
، وهو أخو رسول الله 9
، ووصيه ، ووارثه ، وقاضي دينه ، ومنجز وعده ، وصهره على ابنته سيدة نساء العالمين
، وأبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، فلن يكون ، أمّا ما نسبت أخا رسول
الله 9 ووصيه إلى البغي
والحسد لعثمان ، وسميّت الصحابة فَسقَة ، وزعمت أنه أشلاهم علىٰ قتله ، فهذا
كذب وغواية
.
ولكن لم يلبث ابن النابغة إلاّ وقد ربط مصيره
مع ابن هند في حرب الوصيّ 7.
١١ ـ وقال مالك بن الحارث الأشتر النخعي
2 ، في خطبةٍ له
عند بيعة أمير المؤمنين 7
: أيها الناس ، هذا وصي الأوصياء ، ووارث علم الأنبياء ، العظيم البلاء ، الحسن العناء
، الذي شهد له كتاب الله بالإيمان ، ورسوله بجنة الرضوان ، من كملت فيه الفضائل ، ولم
يشكّ في سابقته وعلمه وفضله الأواخر ولا الأوائل .
رابعاً : الأوصياء اثنا
عشر
بيّن النبي المصطفى 9 خلفاءه من بعده في حديث متفق عليه بين كل
فصائل الاُمة ، حيث قال 9
: « إني تارك
فيكم الثقلين ـ أو خليفتين ـ كتاب الله ، وعترتي أهل بتي ، وانهما لن يفترقا حتىٰ
يردا عليّ الحوض » .
__________________
فهما خليفتان تجمعهما خصلتان : العصمة ،
والبقاء إلىٰ قيام الساعة ، والعترة هم أئمة أهل البيت : دون سواهم ، فقد قال أمير المؤمنين 7 في أحد خطبه : « ألم أعمل فيكم بالثقل
الأكبر ، وأترك فيكم الثقل الأصغر»
.
ثمّ صرّح النبي 9 بعدد خلفائه من عترته فذكر أنهم كعدّة نقباء
بني إسرائيل ، وأكّد علىٰ تواصلهم مع الأُمّة إلىٰ قيام الساعة ، حيث جاء
في الصحيح أنه 9
قال : « لا يزال الدين
قائماً حتىٰ تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة ، كلهم من قريش »
.
كما عيّن أسماءهم ورتّبهم مراتبهم ابتداءً
من أولهم ، وهو أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب 7
، وانتهاءً إلى آخرهم وهو الإمام الحجّة المنتظر صاحب الزمان ( عجل الله تعالىٰ
فرجه ) في عدّة نصوص صحيحة مروية عنه 9.
قال الشيخ الصدوق : قد وردت الأخبار الصحيحة
بالأسانيد القوية أن رسول الله 9
أوصىٰ بأمر الله تعالىٰ إلىٰ علي بن أبي طالب ، وأوصىٰ علي
بن أبي
__________________
طالب إلى الحسن ، وأوصى
الحسن إلى الحسين ، وأوصى الحسين إلىٰ عليّ بن الحسين ، وأوصىٰ علي بن
الحسين إلىٰ محمّد بن علي الباقر ، وأوصىٰ محمّد بن علي الباقر إلىٰ
جعفر بن محمّد الصادق ، وأوصىٰ جعفر بن محمد الصادق إلىٰ موسىٰ بن
جعفر ، وأوصىٰ موسىٰ بن جعفر إلى ابنه علي بن موسى الرضا ، وأوصىٰ
علي بن موسى الرضا إلى ابنه محمّد بن علي ، وأوصىٰ محمّد بن علي إلى ابنه علي
بن محمّد ، وأوصىٰ علي بن محمّد إلى ابنه الحسن بن علي ، وأوصى الحسن بن علي
إلى ابنه حجّة الله القائم بالحق .
وهكذا نصّ كل وصي على اللاحق له ضمن سلسلة
متصلة متتابعة ، وقد صحّت بذلك أحاديث الإمامية وتناقلتها نفائس مصادرهم ، وهي كثيرة
، ومن أهم المصادر التي عنيت بترتيب النصوص على الأئمة : :
١ ـ الكافي ، لثقة الإسلام الكليني ، المتوفى
سنة ٣٢٨ أو ٣٢٩ ه.
٢ ـ الإمامة والتبصرة من الحيرة ، لابن بابويه
القمي ، ، المتوفى سنة ٣٢٩ ه.
٣ ـ إثبات الوصية ، للمسعودي ، المتوفى سنة
٣٤٦ ه.
٤ ـ إثبات النص على الأئمة ، أو نصوص الأئمة
، للشيخ الصدوق ، المتوفى سنة ٣٨١ ه.
٥ ـ كفاية الأثر في النص على الأئمة الأثني
عشر : ، للخزاز ، من
أعلام القرن الرابع.
٦ ـ الارشاد ، للشيخ المفيد ، المتوفى سنة
٤١٣ ه.
٧ ـ الاستبصار في النص على الأئمة ألاطهار
، للكراجكي ، المتوفي سنة ٤٤٩ ه.
__________________
٨ ـ روضة الواعظين ، للفتال النيسابوري ،
المتوفى سنة ٥٠٨ ه.
٩ ـ إعلام الورى بأعلام الهدى ، لأمين الإسلام
أبي علي الطبرسي ، المتوفى سنة ٥٤٨ ه.
١٠ ـ اتفاق صحاح الأثر في إمامة الأئمة الاثني
عشر : ، لابن البطريق
، المتوفى سنة ٦٠٠ ه.
١١ ـ استقصاء النظر في إمامة الأئمة الاثني
عشر ، لابن ميثم البحراني ، المتوفى سنة ٦٧٩ ه.
١٢ ـ كشف الغمة في معرفة الأئمة : ، لأبي الحسن الاربلي ، المتوفى سنة ٦٨٧
ه.
١٣ ـ إثبات الهداة ، للحر العاملي ، المتوفى
سنة ١١٠٤ ه.
١٤ ـ الانصاف في النص على الأئمة الاثني
عشر من آل محمد الأشراف ، للسيد هاشم البحراني ، المتوفي سنة ١١٠٧ ه.
وغيرها كثير أظهرت الحق لسائله وأنارت الطريق
لسابله.
أهل البيت : هم الأوصياء
تقدّم في كلام أمير المؤمنين 7 أنه وصف أهل البيت : بأن « فيهم الوصية والوراثة »
وجاء في كلام الإمام الحسن 7
: « وكنا أهله
وأولياءه وأوصياءه » ونضيف هنا :
١ ـ روىٰ ثقة الإسلام الكليني بالاسناد
عن أمير المؤمنين 7
، قال : قال رسول الله 9
: « من سرّه أن
يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويدخل الجنة التي وعدنيها ربّي ، ويتمسّك بقضيب غرسه ربي
بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب وأوصياءه من بعده ، فإنهم لا يدخلونكم في باب ضلال
، ولا يخرجونكم من باب هدىٰ ، فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ، واني سألت ربّي
ألاّ
يفرق بينهم وبين الكتاب حتّىٰ يردا الحوض »
.
٢ ـ وروى الصدوق بالاسناد عن عبد الله بن
عباس ، قال : قال رسول الله 9
: « أنا سيّد
النبيين ، وعلي بن أبي طالب سيّد الوصيين ، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر ، أوّلهم علي
بن أبي طالب ، وآخرهم القائم »
.
٣ ـ وعن الإمام الصادق 7 ، قال : قال رسول الله 9 : « أنا سيّد النبيين ، ووصيي سيد الوصيين ، وأوصياؤه
سادة الأوصياء ... » .
٤ ـ وعن الإمام الباقر 7 ، قال : « إن أقرب الناس إلى الله عزّوجل ، وأعلمهم به ،
وأرأفهم بالناس محمد 9 والأئمة :
، فادخلوا أين دخلوا ، وفارقوا من فارقوا
ـ عنى بذلك حسيناً وولده :
ـ فإن الحق فيهم
، وهم الأوصياء ، ومنهم الأئمة ، فأينما رأيتموهم فاتبعوهم »
.
٥ ـ وعن الإمام الهادي 7 في ( الزيارة الجامعة ) التي يزار بها الأئمة
الاثني عشر : : « السلام علىٰ محالّ
معرفة الله ، ومساكن بركة الله ، ومعادن حكمة الله ، وحَفَظة سرّ الله ، وحَمَلة كتاب
الله ، وأوصياء نبي الله ، وذرية رسول
__________________
الله
9 ورحمة الله وبركاته »
.
٦ ـ وجاء عن جابر بن يزيد الجعفي ، أنه كان
إذا حدّث عن الإمام محمّد بن علي الباقر 7
يقول : حدّثني وصيّ الأوصياء .
٧ ـ وجاء عن هارون الرشيد أنه وصف الأئمة
: من أمير المؤمنين
إلى الإمام الكاظم 7
بالأوصياء ، فقد دخل عليه علي بن حمزة الكسائي ، فأخبره الرشيد باختلاف الأمين والمامون
، وما يقع بينهما من سفك الدماء وهتك الستور وكثرة القتلىٰ ، فقال له الكسائي
: أيكون ذلك ـ يا أمير المؤمنين ـ لأمرٍ رؤي في أصل مولدهما ، أو لأثرٍ وقع لأمير المؤمنين
في أمرهما ؟ فقال : لا والله إلاّ بأثر واجب حمله العلماء عن الأوصياء عن الأنبياء
.
وجاء في ( الأخبار الطوال ) أن الداخل عليه
كان الأصمعي ، وأنه قال للرشيد : يا أمير المؤمنين ، هذا شيء قضىٰ به المنجمون
عن مولدهم ، أو شيء آثرته العلماء في أمرهما ؟ قال الرشيد : بل شيء آثرته العلماء عن
الأوصياء عن الأنبياء في أمرهما.
قالوا : فكان المأمون يقول في خلافته : قد
كان الرشيد سمع جميع ما جرىٰ بيننا من موسىٰ بن جعفر بن محمّد ، فلذلك
قال ما قال .
__________________
خامساً : مدونات في الوصية
حظيت الوصية كغيرها من المفردات والمفاهيم
المهمة في ثقافتنا الإسلامية بالتأليف والتصنيف ، لتأكيد هذا المفهوم النبوي وتعميق
وجوده في أذهان الاُمة عبر العصور ، وفيما يلي بعض تلك المصنفات مرتبة حسب الحروف مع
بيان المصادر التي ذَكَرتْها :
١ ـ إثبات الوصية ـ لمحمّد بن النعمان الأحول
، المعروف بمؤمن الطاق ، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق 8 .
٢ ـ إثبات الوصية ـ منسوب إلى العلاّمة الحلي
( ت / ٧٢٦ ه ) ، وقد سمّاه المؤلف ( الحجج القوية في بيان الوصية ) .
٣ ـ إثبات الوصية لأمير المؤمنين 7 ـ لأبي سعيد أحمد بن رُميح المروزي .
٤ ـ إثبات الوصية لعلي 7 ـ للشيخ الصدوق ( ت / ٣٨١ ه ) .
٥ ـ إثبات الوصية لعلي بن أبي طالب 7 ـ لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي (
ت / ٣٤٦ ه ) .
٦ ـ التحفة البهية في إثبات الوصية ـ للسيد
هاشم البحراني
__________________
( ت / ١١٠٧ ه ) ، الذي
قال عنه : ذكرت فيه ما يزيد على أربعمائة وخمسين حديثاً من طرق الخاصة والعامة ، وذكرت
في مقدمة هذا الكتاب المصنفين الذين صنفوا في إثبات الوصية والأوصياء ، وهم اثنان وعشرون
مصنّفاً من الرجال المعتبرين والمشايخ المشهورين ، ولكلّ رجلٍ منهم مصنف .
٧ ـ الرسالة في إثبات الوصاية ـ للشهيد زيد
بن علي بن الحسين 7
( ت / ١٢٢ ه ) .
ولعلّه الآتي تحت عنوان ( الوصية والإمامة ).
٨ ـ العقد الثمين في إثبات وصاية أمير المؤمنين
7 ـ للقاضي المحدث
محمّد ابن علي الشوكاني ( ت / ١٢٥٠ ه ) .
٩ ـ علي 7
والوصية ـ للشيخ نجم الدين العسكري ، الذي ذكر فيه (١٨٢) حديثاً تنصّ على أن علياً
7 وصيّ رسول
الله 9 وخليفته وإمام
اُمته من بعده .
١٠ ـ الوصيّ ـ للسيد علي نقي الحيدري ، الذي
جمع فيه (١٠٠) حديث نبوي صريحة بالوصية .
١١ ـ الوصية ـ لأكثر من مؤلف ، منهم : أبو
العباس أحمد بن يحيىٰ بن قافة
__________________
الكوفي ، وعيسىٰ
بن المستفاد البجلي ، ومحمد بن سنان الزاهري ، والمفضل بن عمر .
١٢ ـ الوصية في الإمامة ـ لإبراهيم بن محمّد
بن سعيد بن هلال الثقفي ، ( ت / ٢٨٣ ه ) .
١٣ ـ الوصية والإمامة ـ لزيد بن علي 7 الشهيد سنة ١٢٢ ه .
١٤ ـ الوصية والإمامة ـ لأبي الحسن علي بن
رئاب الكوفي ، من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم 8
.
١٥ ـ الوصية والردّ على من أنكرها ـ لهشام
بن الحكم ، ( ت / ١٩٩ ه ) ، من أصحاب الامامين الصادق والكاظم 8 .
وغيرما ذكرناه كثير .
وأفردها جمع آخر من المصنفين في أبواب أو
فصول من مصنفاتهم ، منهم : ابن شهر آشوب ، والعلاّمة المجلسي ، والسيد الهاشم البحراني
، والشهيد
__________________
التستري وغيرهم كثير.
وتوسّع السيد هاشم البحراني في ذكر أحاديث
الوصية ، فقد جعلها في بابين من كتابه ( غاية المرام ) كليهما تحت عنوان : في أن علياً
7 وصي رسول
الله 9 وبنيه الأحد
عشر هم الأوصياء والأئمة :
بنص رسول الله 9.
الأول : من طريق العامة ، وضمّنه سبعين حديثاً
، والثاني : من طريق الخاصة ، وفيه مائة وعشرة أحاديث (٢).
المبحث الثاني : الأحاديث الجارية مجرى الوصية
هناك مزيد من النصوص الصحيحة المتعاضدة التي
تجري مجرى الوصية في كونها تؤكّد وتبين جملة مفاهيم تنسجم مع معنى الوصية كالخللافة
والوزارة والولاية والقيادة والسيادة والإمامة والإمرة وغيرها ممّا يؤكد أن الوصية
تعني المرجعية السياسية والروحية والفكرية الثابتة من الله جلّ وعلا للوصي دون غيره
من أفراد الأُمة ، وفيما يلي نذكر بعض تلك المفاهيم مدعمة بالنصوص :
أولاً : الخلافة
عن ابن عباس ، قال : قال النبي 9 لعليّ 7
: « أما ترضى
أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنك لست بنبيّ ، إنه لا ينبغي ان أذهب إلاّ
وأنت
__________________
خليفتي
» .
ثانياً : الإمامة
١ ـ عن زيد بن ارقم ، قال : قال رسول الله
9 : « ألا أدلكم علىٰ
ما إن تسالمتم عليه لم تهلكوا ؟ إن وليكم الله ، وإن إمامكم علي بن أبي طالب ، فناصحوه
وصدّقوه ، فإن جبرئيل أخبرني بذلك »
.
٢ ـ وعن أسعد بن زرارة ، قال : قال رسول
الله 9 : « اُوحي إليّ في عليّ ثلاث
: إنه سيّد المسلمين ، وإمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجّلين »
.
٣ ـ وعن أنس بن مالك وأبي برزة الأسلمي :
أن رسول الله 9
قال : « إن ربّ العالمين
عهد إليّ عهداً في علي بن أبي طالب فقال : إنه راية الهدىٰ ، ومنار الايمان وإمام
أوليائي ، ونور جميع من أطاعني »
.
ثالثاً : الولاية
١ ـ ما تواتر نقله عند الفريقين من قوله
9 في خطبة الغدير
الشهيرة وهو أخذ بيد عليّ 7
: « ألستم تعلمون
أني أولىٰ بالمؤمنين من أنفسهم ؟ »
قالوا : بلىٰ. قال : «
من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره
، واخذل من خذله » . واشتهر عن عمر ابن الخطاب أنه لقىٰ
__________________
علياً 7 فقال له : هنيئاً لك يابن أبي طالب ، أصبحت
مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة .
والمراد بالمولىٰ في الحديث الأولى
بالتصرّف ، وهو الذي فهمه الصحابة المعاصرون لصدور النصّ ، ومنهم حسان بن ثابت حيث
أنشد :
يناديهم يوم الغدير نبيهم
|
|
بُخمّ وأسمع بالرسول مناديا
|
إلى أن يقول :
فقال له قم يا علي فانني
|
|
رضيتك من بعدي إماماً وهادياً
|
__________________
فمن كنت مولاه فهذا وليه
|
|
فكونوا لهُ أنصار صدق مواليا
|
ومنهم قيس بن سعد بن عبادة حيث قال :
وعلي إمامنا وإمام
|
|
لسوانا أتىٰ به التنزيلُ
|
يوم قال النبي : من كنت مولا
|
|
ه فها مولاه ، خطب جليلُ
|
إن ما قاله النبي على الأُمّ
|
|
ةِ حتمُ ما فيه قالٌ وقيلُ
|
ومنهم عمرو بن العاص حيث قال :
وكم قد سمعنا من المصطفى
|
|
وصايا مخصصة في علي
|
وفي يوم خمّ رقى منبراً
|
|
يبلّغ والركبُ لم يرحلِ
|
وفي كفّهُ معلناً
|
|
ينادي بأمر العزيز العلي
|
ألستُ بكم منكم في النفوس
|
|
بأولى فقالوا بلى فافعلِ
|
فأنحله إمرة المؤمنين
|
|
من الله مُستخلف المُنحِلِ
|
٢ ـ وعن عمران بن حصين ، قال : قال رسول الله 9 : « إنّ عليّاً منّي وأنا
__________________
منه
، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي » .
٣ ـ وعن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول
الله 9 : « من يريد أن يحيا حياتي
، ويموت موتي ، ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، فانه
لن يخرجكم من هدىٰ ، ولن يدخلكم في ضلالة »
.
وهو صريح بأمر التمسّك بولايته.
٤ ـ وعن عمار بن ياسر ، قال : قال رسول
الله 9 : « اُوصي من آمن بي وصدّقني
بولاية علي بن أبي طالب ، فمن تولاّه فقد تولاّني ، ومن أحبّه فقد أحبّني ، ومن أحبّني
فقد أحبّ الله ، ومن أبغضه فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله عزّوجلّ »
.
وهذا الحديث يدل على أن المراد بالولاية
هنا أولوية التصرّف ، لا المحبّة كما قيل ، لأنه 9
ذكر الولاية أولاً ، ثمّ عطف عليها بذكر المحبة ، وذلك يقتضي المغايرة.
رابعاً : الوراثة
١ ـ عن ابن أبي أوفىٰ ـ في حديث المؤاخاة
ـ قال : قال رسول الله 9
لعليّ 7 : « والذي بعثني بالحق ،
ما أخّرتك إلاّ لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسىٰ غير أنه لا نبي بعدي
، وأنت أخي ووارثي » قال : « ما أرث منك يا نبي الله
؟ » قال : « ما ورثت الأنبياء من قبلي »
قال :
__________________
«
وما ورثت الأنبياء من قبلك ؟ »
قال :
« كتاب ربّهم
، وسنّة نبيهم » الحديث .
٢ ـ عن أبي إسحاق ، قال : سألت قثم بن العباس
: كيف ورث علي رسول الله 9
دونكم ؟ قال : لأنه كان أولنا به لحوقاً ، وأشدّنا به لزوقاً .
وواضح أن السبق إلى الإسلام وشدّة القرب
من النبيّ 9 لا يقتضيان حجب
الأقرب في النسب عن حقّه في الإرث ، فلابدّ أنه يعني به الارث المتعلق بالخلافة النبوية
ومقتضياتها من الكتاب والعلم كما في الحديث الأول ، والاعداد النبوي والسابقة كما في
هذا الحديث ، وليس الإرث بالمدلول الفقهي المتعارف.
ومن هنا كان أمير المؤمنين 7 يقول في حياة رسول الله 9 : « ... والله إني لأخوه ووليه وابن عمّه ووارث علمه
، فمن أحقّ به منّي ؟ » أي في خلافته.
خامساً : الوزارة
١ ـ عن أسماء بنت عميس ، قالت : قال رسول
الله 9 : « اللهمّ إني أقول كما
قال أخي موسىٰ : اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي ، أخي علياً ، اشدد به أزري ،
وأشركه في أمري ، كي نسبّحك كثيراً ، ونذكرك كثيراً ، إنك كنت بنا بصيراً »
.
__________________
والأمر في قوله 9 : « وأشركه في أمري »
يتعلّق بالمهام التبليغية في حركة الرسالة والأداء عن النبي 9 وغير ذلك من مواقع الإمامة والقيادة.
٢ ـ وعن ابن عمر ، قال : قال رسول الله 9 لعلي 7
: « ألا اُرضيك
يا علي ؟ » قال : « بلى يارسول الله »
قال : « أنت أخي ووزيري
، تقضي ديني ، وتنجز موعدي ، وتبرئ ذمّتي ... »
.
٣ ـ قال ابن أبي الحديد : ويدلّ على أنه
وزير رسول الله 9
من نص الكتاب والسنة ، قول الله تعالىٰ : (
وَاجْعَل
لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ
أَخِي * اشْدُدْ
بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ
فِي أَمْرِي )
وقال النبي 9 في الخبر المجمع
علىٰ روايته بين سائر فرق الإسلام : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسىٰ ، إلاّ
أنه لا نبي بعدي » فأثبت له جميع مراتب هارون من موسىٰ
، فاذن هو وزير رسول الله 9
، وشادّ أزره ، ولولا أنه خاتم النبيين لكان شريكاً في أمره .
سادساً : الإمرة
١ ـ عن جابر بن عبد الله ، قال : سمعت رسول
الله 9 وهو أخذ بضبع
علي ابن أبي طالب 2
وهو يقول : « هذا أمير
ـ إمام ـ البَرَرة ، وقاتل الفَجَرة ،
__________________
منصور
من نصره ، مخذول من خذله » .
٢ ـ عن بريدة الأسلمي ، قال : أمرنا رسول
الله 9 أن نسلّم علىٰ
عليّ بإمرة المؤمنين .
وإمرة المؤمنين لا يمكن تأويلها بغير معنى الخلافة والقيادة.
المبحث الثالث : مظاهر الاصطفاء
ذكرنا في دلالة أحاديث الوصية أن اختيار
الوصي هو اختيار إلهي لا يتدخّل فيه أحد ، ذلك لأن الوصية امتداد لحركة النبوة والقيام
بأعباء استكمال المسيرة النبوية في قيادة الأُمّة وحفظ رسالتها ، والوصي خليفة النبي
ووارث علمه وحامل أسراره ، فلابدّ أن يمتلك مؤهلات ومزايا خاصة ليست في غيره من سائر
الناس تؤهّله لتسنّم الخلافة ونيل شرف الوصاية ، وتلك المزايا هي مظاهر للاصطفاء الإلهي
تتجسّد في شخص الوصيّ دون غيره من أفراد الأُمّة.
ومن يتعمّق في دراسة خصائص أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب 7
يجد
__________________
مظاهر الاصطفاء والعناية
الإلهية واضحة فيه معدومة في غيره ، وكلّها تشهد له بالخلافة والولاية بعد ابن عمّه
المصطفى 9 ، وفيما يلي
نذكر بعضها :
أولاً ـ الولادة في البيت
فقد تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ـ رضي
الله عنها ـ ولدت أمير المؤمنين 7
في جوف الكعبة .
وتلك فضيلة باهرة ومنقبة عظيمة اختصّ بها دون سواه ، ونال بها شرف الاصطفاء في خصوصية
الزمان ، والتفرّد في شرف المكان. أما من حيث تجليات الاصطفاء في زمان الولادة ، فقد
شاءت الارادة الإلهية أن يطلّ الوصيّ على الدنيا في وقت ارهاصات النبوة ، وتباشير الرحمة
، حيث كان المصطفىٰ 9
يسمع الهتاف من السماء ، ويسلّم عليه الحجر والشجر ، وهو في ربيعه الثلاثين ، وكان
منقطعاً إلىٰ عبادة ربه ( ففي خارج البيت العتيق كانت الارادة الإلهية تهيء للناس
رسولاً كريماً يتحدّىٰ عالم الأوثان ، وفي داخل البيت كانت الارادة الإلهية قد
هيأت للمصطفىٰ خليلاً أدار ظهره للأصنام منذ
__________________
اللحظة الأولىٰ
للولادة ) .
أما تجليات الاصطفاء في اختيار الكعبة المشرفة
مكاناً لولادة الوصيّ 7
، فلا ريب أن الله تعالىٰ قد طهره بأن جعل مولده في أعظم بيوت عبادته ، ومعلوم
أن ولادته 7 في بيت العبادة
بما يكتنفها من ظواهر إعجازية خارجة عن المألوف وعن موارد المصادفة ، كانشقاق جدار
البيت ، وخروج الوليد شاخصاً بوجهه إلى السماء ، مستقبلاً الأرض بكفيه ، ناطقاً باسم
الله ، مديراً ظهره للأصنام ، كل ذلك دليل على أن تلك الولادة في مكانها وكيفيتها وزمانها
، كانت اصطفاءً تتجلّىٰ فيه المشيئة الإلهية ، وأن الوصي كان محل العناية الربانية
منذ يوم ولادته (
وَاللهُ
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
) .
ثانياً ـ التربية النبوية
ومن مظاهر الاصطفاء في شخص علي 7 هو حصوله علىٰ شرف التربية النبوية
منذ نعومة أظفاره حتىٰ رحيل المصطفىٰ 9
إلىٰ رحمة ربّه حيث كان آخر الناس عهداً به.
تربّىٰ عليّ في حجر النبي 9 بعيداً عن أباطيل الجاهلية ، ودون أن تُلبسه
من مدلهمات ثيابها ، أو تنجسه بأنجاسها ، فقد ولد في الجاهلية مسلماً وأحزر قصب السبق
إلى الإيمان بالإسلام ، مكرماً وجهه عن الشرك وعبادة الأوثان ، وتلقّته يد النبوة لتحنو
عليه منذ الصغر ، فكان النبي 9
يلي تربيته ويراعيه في نومه ويقظته ويحمله علىٰ صدره وعاتقه ، ويحبوه بألطافه
وتحفه ،
__________________
ويقول : « هذا أخي وناصري ، وصفيي
وصيي ، وذخيرتي وكهفي » .
وكان علي 7
يتبعه اتباع الظلّ ، مقتدياً بمكارم أخلاق معلّمه العظيم ، وعظمة نفسه ، وطهره ونقائه
، وحسن سيرته ، وبذلك تهيّأت له فرص التفاعل مع النبي 9 والاندماج بخط رسالته ما لم يتهيأ لغيره
، قال 7 : « قد علمتم موضعي من رسول
الله 9 بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة ، وضعني في
حجره وأنا وليد ، يضمني إلىٰ صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويُمسني جسده ، ويُشمني
عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ، ... ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمّه
، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ، ويأمرني بالاقتداء به ... »
.
ومن مظاهر شرف الاصطفاء ، هو أنتقال الوصي
منذ السادسة من عمره إلىٰ بيت النبي 9
، ذكر البلاذري وعلي بن الحسين الأصفهاني : أن قريشاً أصابها أزمة وقحط ، فقال رسول
الله 9 لعمّيه حمزة
والعباس « ألا نحمل
ثقل أبي طالب في هذا المَحْل ؟ »
فجاءوا إليه ، وسألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفوه أمرهم ، فقال : دعوا لي عقيلاً ، وخذوا
من شئتم ، فأخذ العباس طالباً ، وأخذ حمزة جعفراً ، وأخذ محمّد 9 علياً 7
وقال لهم : « قد أخذت ـ
من اختاره الله لي عليكم ـ
علياً » .
إذن فقد شاءت عناية الربّ أن يعيش الوصيّ
7 في كنف النبي
9 ، وأن يمتاز
من دون سائر أفراد الأُمّة بعمق وجوده في حياة النبيّ القائد 9 ، فهو
__________________
ربيبه ، تأدّب علىٰ
يديه ، وتعلّم خصال نفسه الزكية ، وكان من ثمار تلك العناية الإلهية والتربية النبوية
إن صارت شخصية الوصي 7
نسخة ناطقة بشمائل النبي 9
وسيرته وعبادته وعلمه وشجاعته وكرمه وزهده وصبره وهديه ، وأن ينال الذروة العليا من
مبادئ الاستقامة والشرف والعظمة والسيادة ، وأن يتحلّىٰ بخصائص فريدة ومناقب
فذّة ومزايا عجيبة. قال 9
لعلي 7 : « أنت مني ، وأنا منك »
وقال 9 : « ما من نبيّ إلاّ وله نظير في أُمته ، وعلي نظيري
». .
ثالثاً ـ السبق إلى الإسلام
والتقدّم إلى الإيمان
ليس في حياة علي 7 يوم للشرك أو الوثنية ، بل ولد في الإسلام
دفعة واحدة وإلى الأبد ، فكان مثار أُعجوبة ودهشة أبدية ، أن يولد علي 7 مسلماً في زمن الجاهلية ، وذلك شرف عظيم
لا يدانىٰ ، ومظهر من مظاهر الاصطفاء لا يضاهىٰ.
وحينما بلغ علي 7 العاشرة ، كان الوحي قد أمر الرسول 9 بالدعوة ، فكان عليّ 7 ربيب الوحي وغرسة النبوة ، يرىٰ نور
الوحي والرسالة : ويشمّ عبق النبوة ، ويسبق الناس إلى الإيمان بالواحد الأحد ، والتصديق
بالنبي الخاتم 9
، والتقدّم إلىٰ محراب الصلاة مع ابن عمّه المبعوث رحمةً للعالمين.
قال أمير المؤمنين 7 : « ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء ، فأراه ولا
يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله
9
__________________
وخديجة
، وأنا ثالثهما ، أرىٰ نور الوحي والرسالة ، وأشمّ ريح النبوه ، ولقد سمعت رنة
الشيطان حين نزل الوحي عليه 9 ، فقلت : يا رسول
الله ، ما هذه الرنة ؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته ، إنك تسمع ما أسمع ، وترىٰ
ما أرىٰ ، إلاّ أنك لست بنبي ، ولكنك لوزير ، وإنّك لعلىٰ خير ... »
.
وقال 7
: « أنا عبد الله
وأخو رسول الله ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب ، صلّيت قبل الناس
بسبع سنين قبل أن يعبده أحدٌ من هذه الأُمة »
.
رابعاً ـ السبق في العلم
ومن مظاهر الاصطفاء سبق عليّ 7 لكلّ من عاصره من الصحابة وغيرهم في العلم
، فلقد أودع رسول الله 9
عليّاً 7 سنَّتَه كاملةً
وكان أعلم الناس بها ، كما في حديث عائشة
، وعلّمه ألف بابٍ من العلم ، يُفتح له من كل باب ألف باب ، وكان يخصّه بمفاهيم الرسالة وخصائصها
، ويختلي به ويناجيه لساعات طويلة من الليل والنهار ، فكان له من رسول الله 9 مدخلان : مدخل بالليل ومدخل بالنهار ، ويأتيه كل سحر وكلّ غداة ، وكان 7
يقول : « إذا سألت
رسول الله أنبأني ـ أو أعطاني ـ وإذا سكّت
__________________
ابتدأني
» .
وفي كلّ ذلك كان 9 يمارس دور الاعداد الفكري والقيادي لأمير
المؤمنين 7 ، ويبلغ أصحابه
في هذا الاتجاه ، حيث قال 9
: « أنا مدينة
العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب »
.
وقال 9
: « قسمت الحكمة
عشرة أجزاء ، فاُعطي علي تسعة أجزاء ، والناس جزءاً واحداً »
.
وقال ابن عباس 2 : والله لقد اُعطي علي بن أبي طالب تسعة
أعشار العلم ، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر .
ومن هنا تميّز من بين الصحابة بقوله 7 على المنبر : « سلوني قبل أن تفقدوني
، فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض »
. قال سعيد بن
المسيب وابن شبرمة وغيرهما : لم يكن أحد من أصحاب النبي 9 يقول سلوني إلاّ علي ، وذلك لأنه لا يجترئ علىٰ هذه الدعوىٰ
إلاّ من يثق بنفسه بأن عنده
__________________
جواباً لكلّ ما يُسأل
عنه ، وفي ذلك كفاية في الدلالة علىٰ سبقة وأرجحيّته في العلم.
ومن هنا أيضاً صار علي 7 ملجأً ومفزعاً لكل من يعضل عليه شيء من
شؤون العلم ، ولم يرجع هو ولا مرة واحدة إلى أحدٍ منهم ، حتى أن عمر قال : لا أبقاني
الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن . وقال : لولا علي لهلك عمر .
قال العقاد : كانت فتاواه مرجعاً للخلفاء
والصحابة في عهود أبي بكر وعمر وعثمان ، وندرت مسألة من مسائل الشريعة لم يكن له رأي
فيها يُؤخذ به ، أو تنهض له الحجة بين أفضل الآراء ، إلى أن قال : وقيل لابن عباس :
أين علمك من علم ابن عمك ؟ فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط .
خامساً ـ العصمة
ومن مظاهر الاصطفاء في شخص عليّ 7 هوأنه نظير النبي 9 في الطهارة والعصمة ، وذلك أمر اختصّ به
أهل البيت : دون أفراد الأُمّة
، قال تعالىٰ : (
إِنَّمَا
يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرًا )
والمراد بأهل البيت الذين نزلت فيهم هذه الآية هم : النبي 9 وعلي والحسن والحسين وفاطمة الزهراء : .
__________________
وإنما جعل الله سبحانه هذه المَلَكَة في
الأوصياء مثلما جعلها في الأنبياء ، لأنه جعل مقامهم في الأُمّة مقام الأنبياء في وجوب
الاقتداء بأفعالهم وأقوالهم ، وبما أن الحكيم لا يجوز منه أن يوجب علىٰ عباده
الاقتداء بما هو قبيح أو غير مأمون منه فعل القبيح ، فلا بدّ أن يكون الوصي معصوماً
كالنبي من جميع القبائح ، منزّهاً من الخطايا والآثام ، مسدّداً من الله ، مصوناً من
هفوات الآراء وخطرات الأهواء ، ولذلك نفىٰ تعالىٰ أن ينال هذا العهد من
كان ظالماً ، قال تعالىٰ : (
لا يَنَالُ
عَهْدِي الظَّالِمِينَ )
ومن مصاديق الظلم عبادة الأصنام ، قال تعالى : (
إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) .
قال الإمام الصادق 7 في الآية الاُولىٰ : « أبطلت هذه الآية إمامة
كلّ ظالم إلىٰ يوم القيامة ، فصارت في الصفوة »
.
وقال أمير المؤمنين 7 : « لمّا علم إبراهيم 7
أن عهد الله ـ تبارك وتعالى اسمه ـ بالإمامة لا ينال عَبَدة الأصنام قال : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ
الأَصْنَامَ )
» .
وعن عبد الله بن مسعود في حديث عن رسول الله
9 قال : « أنا دعوة أبي إبراهيم
، وكان من دعاء إبراهيم 7 (وَاجْنُبْنِي
وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ
__________________
الأَصْنَامَ
) ... فانتهت الدعوة إليّ وإلى أخي علي ، لم يسجد
أحدٌ منّا لصنم قطّ ، فاتخذني نبياً ، وعلياً وصياً »
.
سادساً ـ مزايا فريدة
خصّ رسول الله 9 علياً 7
بمزايا جمّة لم تكن في غيره ، والنبي 9
( مَا يَنطِقُ عَنِ
الهَوَىٰ * إِنْ هُوَ
إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ )
فلا يمكن تفسير تلك المزايا والخصائص إلاّ بكونها من مظاهر الاصطفاء الإلهي والعناية
الربانية ، وفيما يلي نذكر بعضها :
١ ـ خصّه النبي 9 ليلة الهجرة بالمبيت علىٰ فراشه ليؤدي
الأمانات عنه 9.
ويتجشم الهجرة بمن بقي من نساء بني هاشم والمستضعفين من المؤمنين.
٢ ـ وخصّه بالمصاهرة من سيدة نساء العالمين
فاطمة 3 ، بعد أن تقدّم
لخطبتها غيره فردّهم ، ومنهم أبو بكر وعمر
، وقال 9 : « إنّ الله تبارك وتعالى
أمرني أن أزوّج فاطمة من علي »
.
٣ ـ واختص علي 7 بكون ذرية النبي 9 من صلبه ، وقال 9 : « إن الله عزّوجلّ جعل ذرية كلّ نبي في صلبه ، وإن
الله عزّوجلّ جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب »
.
__________________
٤ ـ وخصّه النبي 9 بالمؤاخاة ، وقال له : « أنت أخي في الدنيا والآخرة
» .
٥ ـ وخصّه بالراية في ساحة الجهاد ، فدفع
إليه رايته في بدر وهو ابن عشرين سنة
، وكان علي 7 صاحب راية المهاجرين
في المواطن كلّها .
ودفع إليه رايتين ، تطلّع إليهما كل من حضر
من الصحابة ، فكان لعلي 7
شرف الاختصاص بهما دون غيره ، وهما : راية الفتح في مكة ، وراية الفتح في خيبر.
وفي راية خيبر بعث 9 أبا بكر ، فعاد ولم يصنع شيئاً ، وبعث بعده
عمر ، فعاد يجبّن أصحابه ويحبّنونه .
فقال رسول الله 9
: « لأُعطين الراية
غداً رجلاً يفتح الله علىٰ يديه ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، كراراً
غير فرار » فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها ، فلما أصبح الناس
غدوا علىٰ رسول الله 9
، كلّهم يرجو أن يعطاها ، فأعطاها علياً 7
.
٦ ـ وخصّه بالتبليغ عنه 9 ، فقد أرسل أبو بكر ليبلّغ براءة في الموسم
،
__________________
فسار بها ثلاثاً ، ثم
أردفه بعلي 7 ، فأخذها منه
وسار ، ورجع أبو بكر وهو يقول : يا رسول الله ، أحدث فيّ شيء ؟ قال 9 : « لا ، ولكن أُمرت أن لا يبلغها إلاّ أنا أو رجل
مني » وفي رواية : « لا يبلّغ عنّي إلاّ أنا
أو رجل مني » .
٧ ـ وخصّه بفتح بابه إلى المسجد بعد أن أمر
بسدّ الأبواب الشارعة إلى المسجد ، فكان يحلّ له 7
ولأهل بيته ما يحلّ النبي 9
دون أفراد الأُمّة.
وتكلّم بذلك الناس ، فقال 9 : « أما بعد ، فاني اُمرت بسدّ هذه الأبواب إلاّ باب
علي ، وقال فيه قائلكم ، وإنّي والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكني اُمرت بشيء فاتبعته
» .
٨ ـ وخصّه بالمناجاة يوم الطائف بأمر
الله تعالىٰ ، فقال الناس : لقد طال نجواه مع ابن عمه ! فقال 9 : « ما أنا انتجيته ، ولكن الله انتجاه »
.
٩ ـ وفي فتح مكّة اختصه رسول الله 9 بأن أصعده علىٰ منكبيه ، وألقىٰ
صنم قريش الأكبر ، والنبي 9
يقول : « جاء الحق
وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقاً »
.
١٠ ـ وفي مناظرة النبي 9 لنصارىٰ نجران اختصّ النبي 9 علياً وفاطمة والحسن والحسين 8 بالمباهلة ، فكانوا المعنيين بقوله تعالىٰ
: ( فَقُلْ تَعَالَوْا
نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا
وَأَنفُسَكُمْ )
فجعل
__________________
علياً كنفسه 9
، فكان أمير المؤمنين 7
هو الذي تفرّد من بين رجال الأُمة بشرف الاصطفاء الإلهي لهذه المنزلة العظيمة.
١١ ـ وخصّه بالقتال علىٰ تأويل القرآن
، وقال 9 : « إن منكم من يقاتل علىٰ
تأويل القرآن كما قاتلت علىٰ تنزيله »
فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر ، فقال أبو بكر : أنا هو ؟ قال 9 : « لا »
. قال عمر : أنا هو ؟ قال 9
: « لا ، ولكن
خاصف النعل » يعني علياً 7 وكان يخصف نعل رسول الله 9.
١٢ ـ وخصّه بكونه الهادي للأُمّة من بعده
، قال علي 7 في قوله تعالىٰ
: ( إِنَّمَا أَنتَ
مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ
)
: رسول الله 9 المنذر ، وأنا
الهادي .
وعن ابن عباس : وضع رسول الله 9 يده علىٰ صدره فقال : « أنا المنذر »
ثم أومأ إلىٰ منكب علي 7
وقال : « أنت الهادي
يا علي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي »
.
١٣ ـ واختص 7 بكونه أحبّ الخلق إلى الله تعالىٰ
وإلىٰ رسوله 9
، كما
__________________
في حديث الطائر المشوي
وغيره .
١٤ ـ واختص 7 بكونه قسيم الجنة والنار يوم القيامة .
١٥ ـ واختص 7 بكون حبّه حباً لله تعالىٰ ورسوله
9 ، فقد جاء في
الصحيح عنه 9 أنه قال : « من أحبّ علياً فقد أحبني
، ومن أبغض علياً فقد أبغضني »
.
وقال 9
« حبيبك حبيبي
، وحبيبي حبيب الله ، وعدوّك عدوّي ، وعدوي عدوّ الله ، والويل لمن أبغضك بعدي »
.
١٦ ـ وعهد إليه النبي 9 بأُمورٍ لم يعهدها إلىٰ غيره ، وهذا
هو معنى الوصية علىٰ ما تقدّم في أوّل البحث ، قال ابن عباس : كنا نتحدّث أن
رسول الله 9 عهد إلىٰ
علي سبعين عهداً لم يعهدها إلىٰ غيره .
١٧ ـ وجعله مع القرآن في كفّة واحدة حيث
قال 9 : « علي مع القرآن ، والقرآن
مع علي ، لا يفترقان حتىٰ يردا على الحوض »
.
إلىٰ غير ذلك من المزايا الفريدة التي
لو أتينا عليها جميعاً لطال بنا المقام ، وكلّها تحكي أن الوصية ليست المظهر الوحيد
الذي اختص الله تعالىٰ به وليه ، بل له 7
خصائص اُخرىٰ كانت مثار إعجاب وغبطة المؤمنين وحسد المنافقين
__________________
والذين في قلوبهم مرض
له 7 ، بل وتمنّىٰ
بعضهم ولو واحدة منها ، لتكون أحبّ إليه من حمر النعم ، أو من الدنيا وما فيها.
قال عمر بن الخطاب : لقد أُعطي علي بن أبي
طالب ثلاث خصال ، لأن تكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أُعطي حمر النعم. قيل : وما
هنّ ؟ قال : تزويجه فاطمة بنت رسول الله 9
، وسكناه المسجد مع رسول الله 9
يحلّ له ما يحلّ له ، والراية يوم خيبر .
وقال معاوية لسعد بن أبي وقاص : ما يمنعك
أن تسبّ ابن أبي طالب ؟ فقال : لا أسبّه ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله 9 ، لأن تكون لي واحدة أحبّ إليّ من حمر النعم
، وذكر حديث الكساء ، وحديث المنزلة ، والراية يوم خيبر .
وقال سعد في حديث آخر : إن علي بن أبي طالب
أُعطي ثلاثة لأن أكون اُعطيت إحداهنّ أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها ، ثم ذكر حديث الغدير
، والراية يوم خيبر ، وسدّ الأبواب دون بابه .
( وَاللهُ يَخْتَصُّ
بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
) .
* * *
__________________
المبحث الرابع : أوجه التشابه
بين وصي موسىٰ 7
ووصي محمّد 9
تقدّم في أحاديث الوصية أنه حينما سأل سلمان
2 رسول الله 9 عن وصيه ، قال له 9 : « من كان وصي موسىٰ ؟ »
فأجاب سلمان : يوشع بن نون ، ثمّ عقّب 9
بذكر وصيه علي بن أبي طالب 7.
ولم تكن هذه المقارنة عبثاً ، بل إنها تحكي
عن مزيدٍ من أوجه التشابه والتماثل بين وصيّ موسىٰ 7 ووصي محمّد 9 ، وفيما يلي نذكر بعض الأوجه المستقاة من
الحديث والسنّة :
١ ـ السبق إلى الإيمان
يتميّز أمير المؤمنين 7 من بين سائر أفراد الاُمّة بعمق وجوده في
كيان الرسالة ، فهو المسلم الأول ، والمصلّى الأول ، والمجاهد الأول في تاريخ الإسلام
، وهكذا كان يوشع 7
، فقد جاء في الحديث عن ابن عباس : قال : قال رسول الله 9 : « السبّاق ـ أو السُّبّق ـ ثلاثة : فالسابق إلىٰ
موسىٰ يوشع بن نون ، والسابق إلىٰ عيسىٰ ياسين ، والسابق إلىٰ
محمّد 9 علي ابن أبي طالب »
.
__________________
وقال المفجّع البصري في هذه الخصلة من التشابه
:
وله من صفات يوشع عندي
|
|
رُتبٌ لم أكن لهنّ نسيّا
|
كان هذا لمّا دعا الناس موسىٰ
|
|
سابقاً قادحاً زناداً وريّا
|
وعليّ قبل البريّة صلّى
|
|
خائفاً حيث لا يعاين ريّا
|
كان سبقاً مع النبي يصلّي
|
|
ثاني اثني ليس يخشىٰ ثويّا
|
٢ ـ ردّ الشمس
ردّت الشمس لأمير المؤمنين 7 مرتين ؛ مرة في حياة النبي 9 ، وذلك حينما تغشى الوحي رسول الله 9 ، فتوسّد فخذ أمير المؤمنين 7 ، ففاتته صلاة العصر . ومرّة اُخرىٰ في زمان خلافته ، لمّا
أراد أن يعبر الفرات ببابل حينما عاد من قتال الخوارج ، فاشتغل كثير من أصحابه بتعبير
دوابّهم ورحالهم ، ففاتتهم الصلاة معه 7
، فشكوا ذلك إليه ، فسأل الله تعالىٰ أن يردّ الشمس ، فأجابه الله تعالىٰ
إلىٰ ذلك .
ورُدّت الشمس ليوشع بن نون وصي موسى 7 حينما فاتته الصلاة في وقتها ، وقيل : بل ردّت له حينما خرج لقتال الجبّارين
في مدائن الشام ، فأدركه
__________________
المساء وقد بقيت منهم
بقية ، فدعا الله تعالىٰ ، فردّ عليه الشمس ، وزاد في النهار ساعة حتى استأصلهم
ودخل مدينتهم وجمع غنائمهم .
وذكر كثير من الشعراء هذه الفضيلة مقارنين
بين عليّ ويوشع 8
، منهم : السيد الحميري حيث قال :
ردّت عليه الشمس لمّا فاته
|
|
وقت الصلاة وقد دنت للمغربِ
|
حتّىٰ تبلّج نورها في وقتها
|
|
للعصر ثم هوت هويّ الكوكبِ
|
وعليه قد رُدّت ببابل مرّة
|
|
اُخرىٰ وما رُدّت لخلق معربِ
|
إلاّ ليوشع أو له ولردّها
|
|
ولحبسها تأويل أمر معجبِ
|
وقال ابن أبي الحديد :
يا من له رُدّت ذُكاء ولم يَفُز
|
|
بنظيرها من قبلُ إلاّ يوشعُ
|
٣ ـ قتال الجبّارين
عهد موسىٰ 7 إلىٰ يوشع بأنه يقاتل الجبارين في
بلاد الشام ، فقاتلهم في
__________________
بيت المقدس وأريحا والبلقاء
حتىٰ مكّنه الله منهم
، وعهد رسول الله 9
لأمير المؤمنين 7
بأنه يقاتل المارقين والناكثين والقاسطين
، فقاتل الجبّارين وأئمّة الضلال من هذه الأمّة.
وجاء في الرواية عن أمير المؤمنين 7 أنه قرأ هذه الآية في يوم الجمل ( وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ
عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ
لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ
) ثمّ قال : « والذي فلق الحبّة وبرأ
النسمة واصطفىٰ محمّداً 9 بالنبوة إنهم لأصحاب هذه
الآية ، وما قوتلوا مذ نزلت »
.
٤ ـ خروج الصفراء علىٰ
يوشع ، والحميراء علىٰ عليّ 7 !
حينما قام يوشع بالأمر بعد موسىٰ 7 خرجت عليه صفراء ـ أو صفوراء ـ بنت شعيب
، زوجه موسى 7 فقالت : أنا
أحقّ منك بالأمر ، وتبعها بعض منافقي بني إسرائيل ، فقاتلهم يوشع ، وظفر بهم ، وقتل
مقاتليهم وهزم الباقين ، وأسر صفراء وعفا عنها ، وأحسن صونها حتى أوصلها مع حرسٍ من
النساء إلىٰ قومها
، وهكذا كان الأمر مع عائشة حينما خرجت على أمير المؤمنين عليّ 7.
__________________
وإذا كانت بنت شعيب الخارجة على إمام زمانها
صفراء ، فإن بنت أبي بكر التي خرجت على إمام زمانها كانت حمراء ، فانظر كيف أصبح اللون
علامة لهما ، وهو وجه من التشابه العجيب بينهما ! وهذا من مصاديق قوله 9 : « يكون في هذه الاُمة كل ما كان في بني إسرائيل
حذو النعل بالنعل وحذوالقذّة بالقذّة »
.
٥ ـ الفتوّة
كان يوشع فتىٰ موسىٰ 7 ، وقد جاء في الذكر العزيز ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ
) وجاء أيضاً ( فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ
) قيل : إن المراد به يوشع بن نون وصي موسىٰ
7 ، وبه وردت الرواية
، وقيل : سمّي فتىً لأنه كان يلازمه سفراً وحضراً ، أو لأنه كان يخدمه .
وهكذا كان أمير المؤمنين 7 فتىٰ محمّد المصطفىٰ 9 ، وقد جاء في الرواية أن جبرئيل نادىٰ
يوم اُحد مراراً :
لا سيف إلاّ ذو الفقا
|
|
ر ولا فتىٰ إلاّ علي
|
وذلك حينما قتل علي 7 أصحاب الألوية يوم فرّ الجمع عن رسول
الله 9 ، فقال جبرئيل
لرسول الله 9 : « إنّ هذه للمواساة »
، فقال 9 : « وما يمنعه وهو منّي وأنا
منه » فقال جبرئيل : وأنا منكما .
__________________
٦ ـ السبق في العلم
ورد في الحديث أن موسىٰ 7 أوصى إلىٰ يوشع ؛ لأنه كان أعلم اُمّته
بعده ، وأن النبي 9
أوصىٰ إلىٰ علي 7
لأنه أعلم اُمته بعده.
فقد روي الطبراني عن سلمان 2 قال : قلت يا رسول الله ، لكل نبي وصيّ
، فمن وصيك ، فسكت عنّي ، فلما كان بعدُ رآني ، فقال : « يا سلمان »
فأسرعت إليه ، قلت : لبيك. قال : « تعلم من وصي موسى ؟ »
قلت : نعم ، يوشع ابن نون. قال : « لِم ؟ »
قلت : لأنه كان أعلمهم. قال : «
فإن وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب »
.
وقد ثبت أن علياً 7 أعلم الأُمّة وأقضاها بعد رسول الله 9 ، ولم يسبقه أحد في هذا المضمار ، وقد قدّمنا
ذلك في المبحث الثالث ( مظاهر الاصطفاء ).
٧ ـ أتباعه هُم الفرقة
الناجية
ورد في الحديث عن علي 7 : « افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة ، سبعون منها
في النار وواحدة ناجية في الجنة ، وهي التي اتبعت يوشع بن نون وصي موسىٰ 7
... وتفترق هذه الأمة علىٰ ثلاث وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة
في الجنة ، وهي التي اتبعت وصي محمّد 9 وضرب بيده علىٰ
صدره » .
__________________
٨ ـ ليلة الشهادة وأحداثها
قام الحسن 7
خطيباً في الليلة التي قتل بها أمير المؤمنين 7
، فكان مما قال : «
لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، ولقد توفي في الليلة
التي عرج فيها بعيسىٰ بن مريم ، والتي توفي فيها يوشع ابن نون .. »
.
ومن حوادث ليلة الشهادة ما رواه ابو بصير
عن أبي عبد الله عن أبيه الباقر 8
، قال : « لما كانت
الليلة التي قتل فيها علي 7 لم يرفع عن وجه الأرض
حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط حتىٰ طلع الفجر ، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها
يوشع بن نون » .
وروي ابن شهاب عن عبد الملك : أنه لم يرفع
حجر من بيت المقدس إلاّ وجد تحته دم ، وذلك في الصبيحة التي قُتِل فيها علي 7 .
٩ ـ مدّة بقائه بعد النبي 9
روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن عبد الله بن
مسعود ، قال : قلت للنبي 9
: يا رسول الله ، من يغسّلك إذا متّ ؟ قال : « يغسّل كل نبي وصيه »
قلت : فمن وصيك يا رسول الله ؟ قال : « علي بن أبي طالب »
قلت : كم يعيش بعدك يا رسول الله ؟ قال : « ثلاثين سنة ، فإن يوشع بن نون وصي موسىٰ
عاش بعد موسى ثلاثين سنة ... »
.
__________________
١٠ ـ عدد الأئمة بعده
روى الشيخ الصدوق بالاسناد عن الإمام الصادق
7 ـ في حديث ـ
قال : « استتر الأئمة
بعد يوشع بن نون إلى زمان داود 7 أربعمائة سنة ، وكانوا
أحد عشر ، وكان قوم كلّ واحد منهم يختلفون إليه في وقته ، ويأخذون عنه معالم دينهم
حتى انتهى الأمر إلى آخرهم ، فغاب عنهم ، ثم ظهر لهم فبشّرهم بداود 7
، وأخبرهم أن داود 7 هو الذي يطهّر الأرض من
جالوت وجنوده ، ويكون فرجهم في ظهوره »
.
وكذلك كان عدد الأئمة بعد أمير المؤمنين
7 أحد عشر إماماً
، وقد مارست الأُمّة في شأنهم شتى أنواع التغييب القسري عن ممارسة دورهم القيادي الذي
جعله الله لهم ، فكان نصيبهم السجن أو القتل أو السمّ ، لكن مع ذلك فرضوا مرجعيتهم
الفكرية حتى على فقهاء البلاطات في كثير من الحالات المدونة في مصادر الحديث والتاريخ
، وتربّى على أيديهم أجيالاً من أصحابهم المتقين الذين كانوا يختلفون إليهم. ويأخذون
عنهم معالم دينهم حتى انتهى الأمر إلى اخرهم ، وهو الإمام الحجة بن الحسن 7. المنتظر لإقامة دولة الحق والعدل والسلام
، ومحق اُسس الجور والظلم والباطل ، و (
للهِ
الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ
) .
١١ ـ مظاهر اُخرىٰ
من التشابه بينهما 8
جاء في الرواية عن الصادق 7 أن يوشع بن نون اُتي بقوم بعد وفاة موسىٰ
7 ، شهدوا أن لا
إله إلاّ الله ولم يقرّوا أن موسىٰ رسول الله ، فجعلهم في
__________________
حفيرة وأوقد لهم في حفيرة
ثانية ، ثم استتابهم مرّة بعد اُخرىٰ ، فلم يتوبوا فقتلهم بالدخان ، وهكذا فعل
بمثلهم أمير المؤمنين 7
في الكوفة .
فهذه بعض أوجه التشابه بين يوشع وأمير المؤمنين
8 ، ويستطيع المتتبّع
أن يجد المزيد ، ولو لم يكن ثمة دليل آخر على الوصية لأمير المؤمنين 7 غير هذه الأوجه التي ذكرناها لكانت كافية
في إثبات المراد.
(
إِنَّ فِي
ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ
وَهُوَ شَهِيدٌ ) .
* * *
__________________
الفصل الثالث :
الوصية في الشعر
العربي
إنّ الشعر العربي يعدّ ديوان العرب وسجّل
مآثرهم وأيامهم ، وقد دوّن الرعيل الأول من شعراء صدر الإسلام الأحداث الكبرىٰ
والوقائع العظمى التي مرت بها الدعوة الإسلامية منذ تباشير نشأتها الاُولى ، وعكسوا
في أشعارهم مفاهيم الإسلام ومصطلحاته التي ألفوها من خلال صحبتهم للنبي المصطفى 9 وسماعهم كلام الوحي على لسانه.
وكانت الوصية من المفاهيم المهمة التي حظيت
بنصيب وافر في ديوان الشعر العربي منذ فجر الرسالة وإلى اليوم ، وقد تسالم على نقلها
أهل العلم ورواة الأخبار على الاتفاق والتواطؤ جيلاً بعد جيل بشكل لا يمكن لأحدٍ إنكاره
أو دفعه إلاّ مكابرة أو عناداً.
وقد عبّر أبو العباس المبرّد عن كثرة النصوص
الشعرية الواردة في الوصية بقوله : فهذا شيء كانوا يقولونه ويكثرون فيه .
وذكر ابن أبي الحديد في معرض شرحه لقول أمير
المؤمنين 7 عن أهل البيت
: : « وفيهم الوصية والوراثة
» اثنين وعشرين نصاً من الشعر المقول في
__________________
صدر الإسلام ، المتضمن
كونه 7 وصي رسول
الله 9 ، وقد نقلها
جميعاً عن كتابين
فقط ، ثم قال في آخرها : والأشعار التي تتضمن هذه اللفظة كثيرة جداً ولكنّا ذكرنا منها
هاهنا بعض ما قيل في هذين الحزبين ، فأما ما عداهما فانه يجلّ عن الحصر ، ويعظم عن
الإحصاء والعدّ ، ولولا خوف الملالة والإضجار لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقاً كثيرة
.
وقد اقتصرت في هذا الفصل على الأشعار التي
أنشدها الصحابة دون غيرهم لتكون شواهد تاريخية دامغة ، بالغة في الحجة ، قاطعة لذرائع
المتذرّعين والمؤوّلين ، لما تضمّنته من نصوص صريحة في الدلالة على أن الوصية أمرٌ
معروف في صدر الإسلام ، وأنها تعني الاستخلاف وولاية الأمر بعد الرسول 9 ، وقد رتّبت أسماء الشعراء على حروف الهجاء
:
١ ـ الأشعث بن قيس الكندي
مما قيل على لسان الأشعث في صفّين :
أتانا الرسول الوصيّ
|
|
عليّ المهذّب من هاشمِ
|
رسول الوصيِّ وصيِّ النبي
|
|
وخير البرية من قائمِ
|
__________________
وزير النبيّ وذو صهره
|
|
وخير البرية في العالمِ
|
ومما قيل على لسانه أيضاً :
أتانا الرسول رسول عليّ
|
|
فسرّ بمقدمه المسلمونا
|
رسول الوصيِّ وصيِّ النبيّ
|
|
له السبق والفضل في المؤمنينا
|
وزير النبيّ وذو صهره
|
|
وسيف المنية في الظالمينا
|
٢ ـ جرير بن عبد
الله البجلي
قال حينما ورده كتاب علي 7 بعد البيعة :
فصلى الاله على أحمدٍ
|
|
رسول المليك تمام النِّعمْ
|
وصلى على الطهر من بعده
|
|
خليفتنا القائم المدّعمْ
|
علياً عنيت وصيّ النبيّ
|
|
يجالد عنه غواة الأممْ
|
له الفضل السبق والمكرما
|
|
ت وبيت النبوة لا يُهتضمْ
|
__________________
وكان فيما كتب إلىٰ شرحبيل بن السمط
الكندي رئيس اليمانية ، وكان من أصحاب معاوية :
شرحبيل يا بن السمط لا تتبع الهوى
|
|
فمالك في الدنيا من الدين من بدلْ
|
إلى أن يقول :
وما لعليّ في ابن عفان سقطةٌ
|
|
بأمرٍ ولا جلبٌ عليه ولا قَتَلْ
|
وصيّ رسول الله من دون أهله
|
|
وفارسه الحامي به يُضرَب المَثَلْ
|
٣ ـ حجر بن عدي
الكندي
أنشد في يوم الجمل :
يا ربّنا سلّم لنا عليا
|
|
سلّم لنا المهذّب النقيا
|
المؤمن المسترشد المرضيا
|
|
واجعله هادي اُمةٍ مهديا
|
لا أخطل الرأي ولا غبيا
|
|
واحفظه ربّ حفظك النبيا
|
فانه كان له وليا
|
|
ثمّ ارتضاه بعده وصيا
|
وفي البيت الأخير دلالة واضحة على أن معنى
الوصية الخلافة ولا يمكن
__________________
صرفه أوتأويله إلى معنى
آخر.
٤ ـ حسان بن ثابت الأنصاري
قال يمدح علياً 7 على لسان الأنصار :
جزى الله عنا والجزاء بكفّه
|
|
أبا حسنٍ عنّا ومن كأبي حسن
|
سبقت قريشاً بالذي أنت أهله
|
|
فصدرك مشروح وقلبك ممتحنْ
|
غضبت لنا إذ قام عمروٌ بخطبة
|
|
أمات بها التقوى وأحيا بها الإحنْ
|
حفظت رسول الله فينا وعهده
|
|
إليك فمن أولى به منك مَن ومَنْ
|
ألست أخاه في الهدى ووصيّه
|
|
وأعلم منهم بالكتاب وبالسنن
|
٥ ـ خزيمة بن
ثابت الأنصاري
قال في أمير المؤمنين 7 :
فديت علياً إمام الورى
|
|
سراج البرية مأوى التقى
|
وصيّ الرسول وزوج البتول
|
|
إمام البرية شمس الضحىٰ
|
وقال في بيعة أمير المؤمنين 7 :
__________________
إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا
|
|
أبو حسنٍ مما نخاف من الفتنْ
|
وصي رسول الله من دون أهله
|
|
وفارسه قد كان في سالف الزمنْ
|
وقال في أبيات يخاطب بها عائشة يوم
الجمل :
أعائش خلّي عن عليّ وعيبه
|
|
بما ليس فيه إنّما أنت والدهْ
|
وصيّ رسول الله من دون أهله
|
|
وأنت على ما كان من ذاك شاهدهْ
|
وقال في يوم الجمل أيضاً :
يا وصيّ النبي قد أجلتِ الحر
|
|
ب الأعادي وسارت الأظعانُ
|
وأستقامت لك الاُمور سوى الشا
|
|
م وفي الشام يظهر الاذعانُ
|
٦ ـ زحر بن
قيس بن مالك الجعفي
أضربكم حتى تقرّوا لعلي
|
|
خير قريش كلّها بعد النبي
|
من زانه الله وسماه الوصي
|
|
ان الولي حافظ ظهر الولي
|
|
كما الغوي تابع أمر الغوي
|
|
|
|
|
|
|
__________________
٧ ـ زُفَر بن زيد الأسدي
وقال حينما رأىٰ تنكّب الناس عن وصية
النبي 9 :
فحوطوا علياً واحفظوه فإنه
|
|
وصيّ وفي الإسلام أول أولُ
|
وأن تخذلوه والحوادث جمّةٌ
|
|
فليس لكم عن أرضكم متحولُ
|
٨ ـ زياد بن
لبيد الأنصاري
قال يوم الجمل وقد شهدها مع علي 7 :
كيف ترى الأنصار في يوم الكلبْ
|
|
إنا اُناس لا نبالي من عطبْ
|
ولا نبالي في الوصيّ من غضبْ
|
|
وأنّما الأنصار جدّ لا لعبْ
|
هذا عليّ وابن عبد المطلبْ
|
|
ننصره اليوم علىٰ من قد كذبْ
|
يعني : علىٰ عائشة وطلحة والزبير
وجندهم الكذّابين الناكثين.
٩ ـ عبادة بن الصامت الأنصاري
يا للرجال أخّروا علياً
|
|
عن رتبة كان لها مرضيا
|
__________________
وفي الشطر الأخير يحتج الشاعر على الذين
أخّروا عليّاً 7
عن رتبته في الخلافة التي ارتضاها له الله تعالىٰ ورسوله 9 ، بكونه وصياً من دونهم ، والوصية تقتضي
التقديم ؛ لأنها لا تعني شيئاً غير الخلافة.
١٠ ـ عبد الرحمن بن حنبل
لعمري لئن بايعتم ذا حفيظة
|
|
على الدين معروف العفاف موفّقا
|
أبا حسن فارضوا به وتمسّكوا
|
|
فليس لمن فيه يري العيب منطقا
|
عليّاً وصي المصطفىٰ ووزيره
|
|
وأول من صلّى لذي العرش واتّقىٰ
|
١١ ـ عبد الله
بن أبي سفيان الهاشمي
قال في جواب الوليد بن عقبة بن أبي مُعيط
:
وكان ولي الأمر بعد محمدٍ
|
|
عليٌّ وفي كل المواطن صاحبه
|
__________________
وصي رسول الله حقاً وصنوه
|
|
وأول من صلّى ومن لان جانبه
|
وله أيضاً ولعلّه من نفس القصيدة :
ومنّا علي ذاك صاحب خيبرٍ
|
|
وصاحب بدرٍ يوم سالت كتائبه
|
وصيّ النبي المصطفى وابن عمّه
|
|
فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه
|
١٢ ـ عبد الله
بن بديل بن ورقاء الخزاعي
قال في يوم الجمل :
يا قوم للخطّة العظمى التي حدثت
|
|
حرب الوصي وما للحرب من آسي
|
الفاصل الحُكم بالتقوى إذا ضربت
|
|
تلك القبائل أخماساً لأسداسِ
|
١٣ ـ عبد الله
بن عباس بن عبد المطلب
قال في صفّين يصف أمير المؤمنين عليّاً 7 :
وصيّ رسول الله من دون أهله
|
|
وفارسه إن قيل هل من منازل
|
فدونكه إن كنت تبغي مهاجراً
|
|
أشمُّ كنصل السيف غير حلاحل
|
__________________
١٤ ـ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه
عليه
أنشد 7
في صفين جواباً لعمرو بن العاص ومعاوية من قصيدة طويلة جاء فيها :
يا عجباً لقد سمعت منكراً
|
|
كذباً على الله يشيب الشعرا
|
يسترقّ السمع ويغشي البصرا
|
|
ما كان يرضي أحمدٌ لو خُبّرا
|
أن يقرنوا وصيّه والأبترا
|
|
شاني الرسول واللعين الأخزرا
|
١٥ ـ عمرو بن
العاص السهمي
من قصيدة له طويلة كتبها إلى معاوية
حينما امتنع عن إرسال خراج مصر :
معاوية الحال لا تجهل
|
|
وعن سبل الحقّ لا تعدلِ
|
فبي حاربوا سيد الأوصياء
|
|
بقولي دمٌ طُلّ من نعثلِ
|
١٦ ـ قيس بن
سعد بن عبادة
أنشد في الكوفة لمّا نزل الإمام الحسن 7 وعمار 2
يستحثّان أهل الكوفة علىٰ نصرة أمير المؤمنين 7
في حرب الجمل :
رضينا بقَسم الله إذكان قَسمنا
|
|
علياً وأبناء الرسول محمّدِ
|
__________________
وقلنا لهم أهلاً وسهلاً ومرحباً
|
|
نمدّ يدينا من هَوَىً وتودّد
|
أتاكم سليلُ المصطفىٰ ووصيُّه
|
|
وأنتم بحمد الله عارٍ عن الهَدِّ
|
١٧ ـ المغيرة
بن الحارث بن عبد المطلب
يا عصبة الموت صبراً لا يهولكم
|
|
جيش ابن حربٍ فإنّ الحقّ قد ظهرا
|
فيكم وصيّ رسول الله قائدكم
|
|
وصهره وكتاب الله قد نشرا
|
١٨ ـ المنذر
بن أبي حميصة الوادعي
قال في قصيدة أنشدها أمير المؤمنين 7 :
ليس منّا من لم يكن لك في الل
|
|
ه وليّاً ياذا الولا والوصيّهْ
|
١٩ ـ النعمان
بن عجلان الأنصاري
قال في أمر السقيفة رادّاً علىٰ
عمرو بن العاص :
وكان هواناً في عليّ وإنّه
|
|
لأهلٌ لها يا عمرو من حيث لا تدري
|
فذاك بعون الله يدعو إلى الهدى
|
|
وينهي عن الفحشاء والنكرِ
|
وصيّ النبي المصطفىٰ وابن عمّه
|
|
وقاتل فرسان الضلالة والكفرِ
|
__________________
وأنشد في صفين :
كيف التفرّق والوصيّ إمامنا
|
|
لا كيف إلاّ حيرة وتخاذلا
|
وذروا معاوية الغوي وتابعوا
|
|
دين الوصيّ لتحمدوه آجلا
|
٢٠ ـ أبو الهيثم
بن التيّهان
قال حين مسير أمير المؤمنين 7 لحرب البصرة :
يا وصيّ النبيّ نحن من الحقّ
|
|
على مثل بهجةٍ الإصباحِ
|
ليس منّا من لم يكن لك في اللّ
|
|
ه وليّاً على الهدى والفلاحِ
|
وأنشد في الجمل قصيدة منها :
قل للزبير وقل لطلحةَ إنّنا
|
|
نحن الذين شعارنا الأنصارُ
|
إنّ الوصيّ إمامنا وولينا
|
|
برح الخفاء وباحت الأسرارُ
|
فهذه عشرون شهادة على الوصية من عمق
تاريخ الإسلام ، وكلّها علىٰ لسان الصحابة ، وقد رأينا في جملة منها ربط
مفهوم الوصية بالخلافة والإمامة وولاية الأمر بعد الرسول 9 ، بلا فصل ، ولا يمكن اتهامهم بقلّة
الفهم أو
__________________
السذاجة ، سيّما وقد
عاصروا الرسول 9
فكانوا أولىٰ من غيرهم في فهم مراده 9.
ولقد كان من بين الذين ذكروا الوصية في أشعارهم
من أعداء علي 9
الذين شهروا السيف في وجهه ، والفضل ما شهدت به الأعداء ، ومنهم : عاصم ابن الدلف الذي
أنشد في حرب البصرة وهو أخذ بخطام جمل عائشة :
نحن بني ضبّة أعداء علي
|
|
ذاك الذي يُعرف قدماً بالوصي
|
وهو يشير إلى قدم هذا المصطلح وعمق وجوده
في تاريخ علي 7
المشرق.
وفيهم أيضاً ممّن صار فيما بعد في صفّ أعداء
علي 7 كالأشعث بن قيس
وعمرو بن العاص ، فكانت تلك الأشعار حجة لأمير المؤمنين 7 يوم يلقاهما على الحوض فيذودهما عنه.
وللمتأخرين عن عصر الصحابة أشعار كثيرة في
الوصية ، نذكر منهم مرتّبين علي الحروف : أبو الأسود الدؤلي ، بديع الزمان الهمذاني
، القاضي التنوخي ، الحسن بن الحجاج ، الحسن بن النضر الفهري ، ابن حماد ، الحماني
، الخطيب الخوارزمي ، ابن دريد ، دعبل بن علي الخزاعي ، ابن الرومي ، سعيد بن قيس الهمداني
، سفيان بن مصعب العبدي ، السيد الحميري ، الشريف الرضي ، الشريف المرتضىٰ ،
الصاحب بن عباد ، أبو العباسي الضبي ، عبد الرحمن بن ذؤيب ، عبيد الله بن قيس الرقيات
، عثمان بن أمير المؤمنين عليّ 7
، عمر بن حارثة الأنصاري ، عمرو بن اُحيحة ، أبو فراس الحمداني ، أبو الفضل الصنوبري
، الفضل بن العباس بن ربيعة اللهبي ، أبو القاسم الزاهي ، قطب الدين
__________________
الراوندي ، كثير عزّة
، كشاجم ، الكميت الأسدي ، المأمون العباسي ، المفجع البصري ، مهيار الديلمي ، ابن
منير الطرابلسي ، النجاشي ، قاضي القضاة يحيي ابن أبي المعالي محمد القرشي الأموي الشافعي
، وغيرهم كثير.
* * *
__________________
الفصل الرابع
:
موقف الأُمّة من
الوصية
لما كانت الوصية تعني ولاية العهد والقيام
بالأمر بعد الرسول 9
علىٰ ما بيّناه في الفصول المتقدّمة ، وخالفها جمهور الصّحابة ... فقد أصبحت
الاُمّة متفرقةً بشأنها إلىٰ ثلاث فرق :
فالفرقة
الأولىٰ :
هم الذين آمنوا بالوصيّة وسلّموا لأمرها ودافعوا عنها ، وحكموا بعدم شرعية السقيفة
لتناسي رموزها تلك الوصية ، وهؤلاء يمثلون خطاً أصيلاً يؤمن بمرجعية الكتاب وعترة النبي
9 إلىٰ قيام
يوم الدين ، تمسّكاً بوصية النبي 9
في آخر حياته حيث قال : «
ألا أيها الناس ، إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فاُجيب ، وأنا تارك فيكم الثقلين
: أولهما كتاب الله ، فيه الهدىٰ والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ...
وأهل بيتي ، أُذكّركم الله في أهل بيتي ، أُذكركم الله في أهل بيتي »
.
وفي لفظ آخر : « ... ولن يفترقا حتىٰ
يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما »
. وفي آخر : « فلا تقدموهما فتهلكوا
، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم »
.
__________________
وهو واضح الدلالة على إيجاب طاعة أهل البيت
: وعدم التقصير
عنهم أو التقدّم عليهم ، وجعلهم مع القرآن في كفّة واحدة من حيث العصمة والعلم وبقاء
المرجعية إلىٰ يوم الدين.
وهؤلاء هم الشيعة الإمامية في تاريخهم الممتد
منذ فجر الرسالة وإلى اليوم ، وتابعهم بعض أعلام العامة ممن عرفوا الحقّ وساروا تحت
لوائه وكل ما مرّ في الفصول السابقة من مثبتات الوصية ، من القرآن والسنّة والعقل ،
والأدب والتاريخ وغير ذلك يرسم الصورة الواضحة لهذا الاتجاه.
والفرقة
الثانية : هم الذين اتّبعوا أهل السقيفة وجعلوا يبرّرون
عملهم ، وهؤلاء قد اختلفوا فيما بينهم في كيفيّة التبرير ورفع اليد عن أحاديث الوصيّة
والتخلّي عن مضامينها المتواترة.
فمنهم من لم يجد بدّاً من الاعتراف بصحّة
الأحاديث وثبوتها وبمفادها ، وهو العهد إلى الإمام 7
، فزعم أنه عهدٌ لا بالإمامة والولاية ، ويأتي علىٰ رأس هؤلاء غالب المعتزلة
وبعض العامة الذين صحّت عندهم الطرق في رواية أحاديث الوصية ، فاضطروا إلىٰ تأويلها
علىٰ ما سيأتي بيانه.
قال ابن أبي الحديد المعتزلي عند شرحه لقول
أمير المؤمنين 7
في أهل البيت :
: « وفيهم الوصية
والوارثة » قال : أما الوصية فلا
ريب عندنا أن عليّاً 7
كان وصي رسول الله 9
، وإن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا إلى العناد ، ولسنا نعني بالوصية النصّ والخلافة
، ولكن اُموراً اُخرىٰ لعلّها إذا
__________________
لمحث أشرف وأجلّ .
وممّا لا شكّ فيه أنه ليس ثمة معنى أشرف
وأجلّ من العهد بالمرجعية السياسية والفكرية والروحية له 7 ، ولو وجد لذكره ابن أبي الحديد في معرض
شرحه.
ومنهم جماعة حاولوا تحريف معنىٰ «
الوصية » عن « العهد » ثمّ تحيّروا في تأويلها بما يتناسب وعقيدتهم في الخلافة بعد
رسول الله 6.
لقد اضطرّ هذا الصنف من الناس إلى التمحّل
في التأويل وصرف معنى الوصية إلىٰ غير العهد والإمرة والخلافة ، وذلك حين خانتهم
محاولات التضعيف والتشكيك التي اعتمدها آخرون كما سيأتي ، حتىٰ ولو كان التأويل
باهتاً ومخالفاً لاعتبارات اللغة والتاريخ والواقع ، وفيما يلي نذكر بعض تأويلاتهم
:
١ ـ في تأويل المعنى اللغوي للوصي ، فحينما
وجد اللغويون أن عليّاً 7
موصوفٌ بالوصي ، راحوا يتأولون هذا اللفظ بعيداً عن معنى العهد ، حيث قالوا : والوصي
كغني ، لقب علي 2
، سمّي به لاتصال سببه ونسبه وسمته بنسب رسول الله 9
وسببه وسمته
، وذلك أمر معلوم لا يحتاج معه إلى أن ، يلقب بالوصي بسبب ذلك الاتصال.
هذا مع أن الصحابة لم يفهموا من معني الوصي
إلاّ العهد بالخلافة والإمامة بعد النبي 9
، حيث قال حجر بن عدي 2.
يا ربّنا سلّم لنا عليّا
|
|
سلّم لنا المهذّب النقيا
|
فانه كان له وليا
|
|
ثم ارتضاه بعده وصيا
|
__________________
٢ ـ أوّل الطبراني مفهوم الوصية في حديث
سلمان الذي رواه عن النبي 9
وفيه : « فإن وصيي
وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقتضي ديني علي بن أبي طالب ».
قال الطبراني : قوله « وصيي » يعني أنه أوصاه
في أهله لا بالخلافة ، وقوله «
خير من أترك بعدي » يعني من أهل بيته 9 .
ولا دليل في الحديث على اختصاص الوصية في
أهله ، بل إن كونه موضع سرّه وخير من يترك بعده 9
من الدلالات الالتزامة على أن الوصية بالإمامة والخلافة.
ولا دليل أيضاً على اختصاص أفضليته على أهل
بيته دون سواهم من الأُمّة ، وقد ثبت أنه 7
أفضل البرية بعد رسول الله 9
في أحاديث صحيحة لا مجال للشك والترديد فيها ، منها حديث المنزلة وحديث الطير وقوله
9 : علي خير البرية
» وقوله 9 « علي خير البشر »
فضلاً عن آية
المباهلة في قوله تعالى : (
وَأَنفُسَنَا
وَأَنفُسَكُمْ )
حيث دعا النبي 9
علياً 7 فحكم له بأنه
نفسه ، وغير ذلك كثير
.
على أنه لو قلنا ـ كما زعموا ـ باختصاص أفضليته
7 في أهل البيت
: فسيكون فضل أمير
المؤمنين علىٰ سائر الخلق بعد رسول الله 9
أوضح وأتمّ ،
__________________
بلحاظ أفضلية أهل البيت
: على الناس أجمعين
، ولو لم يكن فيهم إلاّ حديث الثقلين ، والسقيفة ، وباب حطّة ، لكفىٰ.
وخلاصة ما نقوله بشأن الطبراني وغيره ممن
سيأتي : اننا نقبل منكم روايتكم ، ولا كرامة بتأويلكم.
٣ ـ أوّل المحب الطبري حديث بريدة عن النبي
9 : « لكل نبي وصي ووارث ،
وإن علياً وصيي ووارثي » قال : أخرجه
الحافظ أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة ، وإن صحّ هذا الحديث ، فالتوريث محمول علىٰ
ما رواه معاذ بن جبل 2
قال : قال علي 2
: « يا رسول الله : وما أرث منك ؟ » قال : « ما يرث النبيون بعضهم من بعض ؛ كتاب الله وسنة
نبيه » حملاً للمطلق على المقيد ، وهذا توريث غير
التوريث المتعارف ، فيحمل الايصاء علىٰ نحو من ذلك ؛ كالنظر في مصالح المسلمين
على أي حال كان خليفة أو غير خليفة ، ومساعدة اُولي الأمر ، وذَكَر أحاديث أخرىٰ
حمل عليها معنى الوصية .
ولا شك أن وراثة الكتاب والسنة هما من أهم
لوازم الخلافة والإمامة ، فكيف يمكن أن يكونا دليلاً علىٰ عدم وراثتها ؟ وقد
كان علي 7 يقول : « ... والله إني لأخوه
ووليه وابن عمّه ووارث علمه ، فمن أحقّ به منّي »
أي في خلافته
، حيث جعل الارث العلمي واحداً من لوازم الخلافة.
أما حمل الوصية على النظر في مصالح المسلمين
ومساعدة اُولي الأمر ، فإنّ الأول لا يتمكن منه إلاّ إذا كان مطلق اليد ، والثاني أمر
يشترك فيه كافة المسلمين.
__________________
على أن القول بمساعدته 7 أولي الأمر بموجب الوصية باطل بالضرورة
إذ الثابت أن عليّاً 7
هو ولي الأمر بحديث الغدير المتواتر ، وحاشا لرسول الله 9 من هذا التناقض ، إذ كيف ينصبه وليّاً وخليفة
على أبي بكر وعمر وسائر المسلمين ثمّ يوصّيه بمساعدة مَنْ بيعتهم فلتة إلى أبد الآبدين
؟!
قال الشوكاني في معرض ردّه علىٰ تأويل
المحب الطبري : والحامل له علىٰ هذا الحمل حديث عائشة السابق ، والواجب علينا
الايمان بأن علياً 7
وصي رسول الله 9
، ولا يلزمنا التعرض للتفاصيل الموصىٰ بها ، فقد ثبت أنه أمره بقتال الناكثين
والقاسطين والمارقين ، وعينّ له علاماتهم ، وأودعه جملاً من العلوم ، وأمره باُمور
خاصة ، فجَعْل الموصى بها فرداً منها ليس من دأب المنصفين .
٤ ـ وحذا المتأخرون حذو المتقدمين في التأويل
، ففي رواية الطبري لحديث الدار في ( تهذيب الآثار ) : « فأيكم يؤازرني على أن
يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم »
ثم قوله 9 لعلي 7 : « إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ... ».
قال محقق الكتاب : ولفظ الوصي في هذه الأخبار
بمعزل عمّا تقوله الشيعة من أن علياً هو الوصي ، بمعنىٰ وصايته على المؤمنين
بعد رسول الله 9
، بل هو بالمعنى العام في الوصية المعروفة عند المسلمين ، وسياق كلام أبي جعفر دال
علىٰ ذلك في فقه هذه الأخبار ، فمن أخرجه من معناه إلىٰ معنىٰ ما
تقوله الشيعة فقد أعظم الفرية .
__________________
ولقد خانه التضعيف والتشكيك بالحديث ، وتصورّ
أنه أحسن صنعاً حينما فسّر الوصية بالمعنى العام ، ناسياً أن وصي النبي العام هو خليفته
، ولا فصل في المقام بين الأمرين ، إذ ليس في تاريخ الأنبياء : وصي عام ووصي خاص ، ونبينا 9 ليس بدعاً من الرسل. الأمر الذي يتّضح معه
مَن أعظم الفرية حقاً حقاَ.
والفرقة
الثالثة : هم الذين كذبوا بأحاديث الوصية من الأساس
، لأنّهم علموا أنَّ شيئاً من تلك التأويلات لا يجدي نفعاً ، ولأن التصديق بها أو تصحيح
طرقها يزلزل شرعية الخلافة ، ويضع مزيداً من علامات الاستفهام أمام مشروعية جميع الحكومات
التي تلت عصر الرسالة سواء أكانت سقيفيّة أم أُموية أم عباسية ، ومن هنا فقد اجتمع
هؤلاء على الإنكار والكتمان والتضعيف وغيرها من الأساليب.
روي الطبري في حوادث سنة ١٦٩ من تاريخه بالاسناد
عن أبي الخطاب قال : لما حضرت القاسم بن مجاشع التميمي الوفاة ، أوصى إلى المهدي ، فكتب ( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَٰهَ إِلاَّ
هُوَ )
إلى آخر الآيتين ١٨ و ١٩ من سورة آل عمران ، ثم كتب : والقاسم بن مجاشع يشهد بذلك ،
ويشهد أن محمّداً عبده ورسوله 9
وأن علي بن أبي طالب وصي رسول الله 9
ووارث الإمامة بعده.
قال : فعرضت الوصية على المهدي ، فلما بلغ
هذا الموضع رمىٰ بها ولم ينظر
__________________
فيها . وذلك لأن التسليم بها يعني تسليم العرش
الذي يجلس عليه ، هذا مع أن العباسين قد جاءوا بشعارات علوية ، كان علىٰ رأسها
: الرضا من آل محمّد 9
، فكيف بغيرهم ؟
ويميل أصحاب هذا الاتجاه إلىٰ رفض
الوصية بالكلية ، وإثارة المزيد من الشبهات حولها ، واستخدام مختلف أساليب الكتمان
والتحريف والتأويل ، وتكذيب الأحاديث والأخبار الواردة فيها ، ونسبة رواتها إلى الضعف
والكذب والرفض ، لإسقاطها من الاعتبار ، إيغالاً منهم في تكذيب الصحيح الثابت عن رسول
الله 9 ، وكذباً على
الأُمّة بتزييف أقوال الرسول 9
ونسبة أشياء موضوعة إليه في الوقت الذي يعلمون فيه قوله 9 المتواتر : « من كذب عليّ متعمّداً
فليتبوّأ مقعده من النار » وفيما يلي نذكر
بعض أساليبهم :
أساليب هذا الاتجاه :
١ ـ أسلوب التكتّم والإنكار
ويأتي علىٰ رأس الذين تبنّوا هذا الاتجاه
وحرّكوا عجلته عائشة في حديثٍ رواه البخاري وغيره مفاده إنكار الوصية لعلي 7 ، وهذا نصّه :
عن الأسود ، قال : ذكروا عند عائشة أن عليّاً
2 كان وصياً ،
فقالت : متى أوصى إليه ، وقد كنت مسندته إلىٰ صدري ؟ أو قالت : حجري ، فدعا بالطست
، فلقد انخنث في حجري ، فما شعرتُ أنه قد مات ، فمتى أوصى إليه ؟
__________________
وقد ادّعت تلك المرأة الحاقدة علىٰ
وصيّ النبيّ 9 في خبر ( الصحيحين
) ! أمرين :
أحدهما
: أنها آخر الناس عهداً برسول الله ، وقد
أكّدته بأخبار اُخرىٰ تفرّدت بها ، منها قولها : مات النبي 9 وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي ، وقولها : توفّي النبي 9 في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري .
وهذا الادعاء معارض بعدّة أحاديث عن أمير
المؤمنين علي 7
، والإمام علي بن الحسين 7
، واُمّ سلمة ، وابن عباس ، وعمر بن الخطاب ، وعائشة نفسها ، وعبد الله بن عمرو ، وحذيفة
بن اليمان ، والشعبي وغيرهم ، وكلّها تصرّح بأن عليّاً 7 هو آخر الناس عهداً برسول الله 9 وأنه 9
قال : « ادعوا لي
حبيبي » أو « أخي »
فدعوا عليّاً 7
، فجعل يسارّه ويناجيه وهو مسنده إلىٰ صدره ، وقال 7 : « علّمني ألف باب من العلم ، يفتح لي كل باب ألف
باب » ولم يزل يحتضنه حتىٰ قُبض في حجره
، وهو الذي تولّى غسله وكفنه ودفنه .
قال أمير المؤمنين 7 : « ولقد قبض رسول الله 9
وإن رأسه لعلىٰ صدري ، ولقد سالت نفسه في كفّي ، فأمررتها علىٰ وجهي ،
ولقد وليت
__________________
غسله
والملائكة أعواني » .
وفي الصحيح عن اُمّ سلمة ، قالت : والذي
أحلف به ، إن كان علي 2
لأقرب الناس عهداً برسول الله 9
، عدنا رسول الله 9
غداةً ، وهو يقول : «
جاء علي ، جاء علي ؟» مراراً ، فقالت فاطمة
رضي الله عنها : «
كأنك بعثته في حاجة ؟ » قالت : فجاء بعدُ
، قالت اُم سلمة : فظننت أن له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت ، فقعدنا عند الباب ، وكنت
من أدناهم إلى الباب ، فأكبّ عليه رسول الله 9
وجعل يسارّه ويناجيه ، ثمّ قبض رسول الله 9
من يومه ذلك ، فكان علي أقرب الناس به عهداً .
قال سبط ابن الجوزي : هذا الحديث رواه أحمد
بن حنبل في ( الفضائل )
ولم يطعن فيه أحد ، وهوحديث صحيح ، ولو كان معلولاً لتكلموا فيه ... .
ثم قال : : قول اُمّ سلمة مثبت ، وقول عائشة
نافي ، ومتىٰ اجتمع المثبت والنافي قدّم المثبت باجماع الأُمّة . مضافاً إلى أن حديث اُمّ سلمة رضي الله
عنها مقدّم علىٰ حديث عائشة عند التعارض ، لما ثبت عن اُمّ سلمة من وفور العقل
وصواب الرأي وسموّ المقام والفضيلة .
بينما ثبت عن عائشة أنها أحدثت بعد رسول الله 9
، فقد قيل لها : ندفنك مع رسول الله 9
؟ فقالت : إني قد أحدثت
__________________
بعده ، فادفنوني مع أخواتي
، فدفنت بالبقيع .
والآخر
: أن النبي 9
لم يوصِ لأمير المؤمنين علي 7
وفيه :
١ ـ إن الذين ذكروا عند عائشة أن علياً 7 وصيّ ، لابدّ أنهم من جيل الصحابة أو من
الذين أدركوهم ، وأنهم سمعوا بهذا الأمر ، فجاءوا متسائلين ، ربما للاحتجاج عليها بسبب
خروجها على أمير المؤمنين 7
، ولم يبيّن الراوي ظروف صدور الحديث ، المهم إن التساؤل بهذا الموضوع يدلّ علىٰ
كون الوصية أمراً متداولاً منذ عصر الرسالة ، وهو جزء لا يتجزّأ من الثقافة الإسلامية
والفكر النبوي الأصيل.
٢ ـ إن الوصية المسؤول عنها في هذا الخبر
هي الخلافة ، لهذا جابهت السؤال بالرفض والانكار الشديدين ؛ لأن الجواب بالايجاب يفضي
إلى القول بخلافة أهل البيت :
، والتي كانت عائشة في صدد التصدّي لها ، ولو كانت الوصية عامة ، أو في اُمور شخصية
كالأهل والديون والأولاد ـ كما يقال ـ لما أنكرتها عائشة.
ويدلّ علىٰ ذلك ما نقله ابن حجر عن
الزهري فيما رواه جماعة منهم عروة بن الزبير قال : كأنّ عائشة أشارت إلى ما أشاعته
الرافضة أن النبي 9
أوصى إلىٰ علي بالخلافة .
٣ ـ إن هذه الدعوىٰ معارضة بالأحاديث
والأخبار الصحيحة المصرحة بالوصية لأمير المؤمنين 7
، وقد ذكرناها في الفصلين المتقدمين ، ولو صحّ خبرها هذا فهو يعني نفي الوصية حال الوفاة
، ولا يمنع ذلك من أن تكون قبل
__________________
الوفاة.
قال سبط ابن الجوزي : إن قول عائشة « ما
قبض إلاّ بين سحري ونحري » لا ينافي الوصية ؛ لأن في تلك الحالة لا يقدر الإنسان على
الكلام ، وإنما يكون قبيل ذلك ، فيحمل على أنه أوصى إليه في ذلك الوقت ، فلما ثقل قبض
بين سحرها ونحرها توفيقاً بين الأقوال .
وعلّق الإمام السندي على الحديث في حاشيته
علىٰ سنن النسائي بالقول : لا يخفىٰ أن هذا لا يمنع الوصية قبل ذلك ، ولا
يقتضي أنه مات فجأة بحيث لا تمكن منه الوصية ولا تتصور ، فكيف وقد عُلِم أنه 9 عَلِم بقرب أجله قبل المرض ، ثمّ مرض أياماً
.. .
٤ ـ وتتساءل عائشة : ( متى أوصى إليه ؟ )
فنقول لها : منذ تباشير الدعوة الإسلامية في حديث الدار حيث لم تكوني بعد نطفة في رحم
اُمّك يا عائشة ، وحتىٰ مرض موته 9
حيث أراد أن يكتب الوصية ، ليؤكّد عهده اللفظي بكتاب لا تضلّ الأُمّة بعده ، فمنع عمر
بن الخطاب ذلك الكتاب بزعم أن النبي 9
يهجر أو غلبه الوجع .
وقد أكّد عمر أنه 9 أراد أن يوصي إلىٰ علي 7 بالخلافة في حواره مع ابن عباس وفيه : قال
عمر لابن عباس : هل بقي في نفس علي شيء من أمر الخلافة ؟ فقال ابن عباس : نعم. فقال
عمر : ... ولقد أراد رسول الله في مرضه أن يصرّح
__________________
باسمه ، فمنعت من ذلك
إشفاقاً وحيطةً على الإسلام ... .
ومن سخرية الأقدار أن يكون ابن الخطاب أشفق
من النبيّ 9 وأكثر حيطة منه
على الإسلام !!
٥ ـ إن المنقول عن عائشة في إنكار الوصية
لعلي 7 لا يمكن الوثوق
به ، لما ثبت من أنها حاربت علياً 7
لما بويع بالخلافة ، وشهرت في وجهه السيف بالبصرة ، فكيف إذن تذكر ما يثبت خلافته وهي
أشدّ الأُمّة تأليباً عليه.
قال ابن عباس : إن عائشة لا تطيب له نفساً
بخير .
وفي الخبر المشهور : أنه لما جاءها نعي أمير
المؤمنين 7 استبشرت وتمثّلت
بقول الشاعر :
فإن يكُ نائياً فلقد نعاه
|
|
غلام ليس في فيه الترابُ
|
فقالت لها زينب بنت اُمّ سلمة : ألعليّ تقولين
هذا ؟ فقالت : إن أنسى !! فإذا نسيت فذكّروني ، ثم خرّت ساجدة شكراً على ما بلغها من
قتله 7 ورفعت رأسها
وهي تقول :
فألقت عصاها استقر بها النوى
|
|
كما قرّ عيناً بالإياب المسافرُ
|
هذا فضلاً عن ثبوت تلوّنها وتقلّبها فمرّة
تقول : اقتلوا نعثلاً فقد كفر ، ومرّة تصيح يا لثارات عثمان ! ، ولعلّ هذا ونظائره
من سيرتها هو الذي حمل زياد بن
__________________
لبيد الأنصاري علىٰ
اتّهامها بالكذب كما مرّ في أبياته في الوصية ، فراجع.
٢ ـ اسلوب إبعاد الوصية
عن العهد النبوي
رغم اُسلوب التكتم الذي اتبعه أصحاب هذا
الاتجاه ، فقد ترشحت بعض الأخبار والأشعار المصرحة بالوصية ، فتصدّوا لها بالانكار
، وشادوا إنكارهم على أساس كون الوصية أمراً محدثاً ومفهوماً طارئاً لا ينتمي إلى زمان
النبوة ، ولا يمت بصلة إلى الفكر الإسلامي ، وذلك من خلال ادّعاءين باطلين :
الادعاء
الأوّل :
أن الوصية من إبدعات عبد الله بن سبأ.
وأقدم من نقل هذا الادعاء علىٰ ما
وجدنا هو الطبري في تاريخه ، وقد رواه عن السري ؛ عن شعيب ، عن سيف بن عمر ، عن عطية
، عن يزيد الفقعسي ، وذكر فيه أنّ ابن سبأ كان يهودياً من أهل صنعاء ، فأسلم أيام عثمان
، ثم تنقل في حواضر الإسلام يحاول إضلالهم ، فبثّ عقيدة الرجعة والوصية ، وكان من جملة
أقواله في الوصية : إنه كان ألف نبي ، ولكلّ نبي وصي ، وكان علي وصي محمّد ، ومحمّد
خاتم الأنبياء ، وعلي خاتم الأوصياء ، .. الخ .
وجاء بعد الطبري أقوام وكأنهم وجدوا في هذه
الرواية خير وسيلةٍ لتبرير عمل أهل السقيفة وأقوىٰ ذريعة للتنصّل عمّا أراده
الله وحكم به وأعلن عنه رسوله وأوصىٰ به ...!!! منهم : ابن كثير ، وابن الأثير
، وابن خلدون ، والمقريزي
،
__________________
وكثير من المتأخرين ، الذين ربطوا بين الفكر الإمامي الأصيل
والمزاعم اليهودية ، وزادوا علىٰ من تقدّم أنّ الوصية من صنع اليهود ، ومنهم
انتقلت إلى المسلمين !! وغير ذلك من الترهّات بل السخافات التي روّجتها النفوس المريضة
وحاولت بشتّى الطرق الملتوية صرف الناس عن مبدأ الوصية وجديّتها.
وخلاصة القول في هذا الهراء :
١ ـ إن رواية الطبري التي يستند إليها المروّجون
لهذا الادعاء لا قيمة لها من الناحية العلمية ؛ لأنها موضوعة لا أصل لها ، وتخالف الواقع
التاريخي ومسلّمات التاريخ ، فضلاً عن أنّ الطبري قد تفرّد بنقلها.
وقد رواها الطبري عن السري ، وهو إما السري
بن إسماعيل ، وهو كذّاب متروك ليس بشيء ، أو السري بن عاصم ، وهو كذاب وضّاع يسرق الحديث
، ورواها السري
عن شعيب بن إبراهيم ، وهو
__________________
مجهول ، ورواها شعيب عن سيف بن عمر ، وهو ضعيف
، ليس بشيء ، متروك الحديث ، متهم بالزندقة ، عامة أحاديثه منكرة لا يتابع عليها ،
وضّاع ، وساقط الرواية
، ورواها سيف عن عطية ، عن يزيد الفقعسي ، وكلاهما مجهولان.
ترىٰ فهل رأيت حياتك كلّها مثل هذا
الاسناد المضحك ، بل التحفة في التفاهة ؟!
٢ ـ إن هذه الرواية هي من مبتدعات المتزلفين
إلىٰ سلاطين بني اُمية ، دسّوها في التاريخ لخدمة أغراض السياسة الاموية في تشييد
السقيفة ومواجهة فكر أهل البيت :
الأصيل.
قال د. طه حسين : إن خصوم الشيعة أيام الأُمويين
والعباسيين قد بالغوا في أمر عبد الله بن سبأ هذا ، ليشكّكوا في بعض ما نسب من الأحداث
إلىٰ عثمان وولاته من ناحية ، وليشنّعوا علىٰ علي وشيعته من ناحية اُخرىٰ
، فيردّوا بعض أُمور الشيعة إلىٰ يهودي أسلم كيداً للمسلمين ، وما أكثر ما شنّع
خصوم الشيعة على الشيعة ! .
وذكر في موضع آخر أن ابن سبأ قد اختُرع بأَخَرةَ
حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية ، فأراد خصوم الشيعة أن يُدخلوا
في اُصول هذا المذهب عنصراً يهودياً إمعاناً في الكيد لهم والنيل منهم.
__________________
ثم استنتج من خلال عدّة أدلة أن ابن سبأ
مجرد وهم لا حقيقة له ، وأنه شخص أدخره خصوم الشيعة للشيعة ، ولا وجود له في الخارج
، وقد تابعه
غير واحد من المستشرقين والباحثين
ممن شككوا في شخصية ابن سبأ ، واعتبروا قصته خرافة لا وجود لها في التاريخ الإسلامي
، ولا يصلح على إثباتها دليل علمي قاطع ، وقد أفرد السيد مرتضى العسكري دراسة موسعة
خاصة بهذا الموضوع تحت عنوان ( عبد الله بن سبأ وأساطير اُخرىٰ ) انتهىٰ
فيها إلى القول بأسطورة هذه الشخصية واختلاقها !
٣ ـ إن إنكار وجود ابن سبأ وإن كان غير صحيح
كما ترىٰ ، الا أن الدور الذي أعطي له دور خيالي ، في حين أنه من رؤوس الغلاة
الذين ادعوا الأُلوهية لعلي 7
، وادعىٰ هو النبوة لنفسه ، وقد استتابه أمير المؤمنين 7 فلم يتب ، فقتله وأصحابه حرقاً بالنار ،
وقد لعنه أهل البيت :
وشيعتهم
، وقد ذكر بعض المؤرخين ما يؤيد هذا أيضاً .
والادعاء
الثاني : إن الوصية من صنع متكلمي الشيعة في القرن
الثاني.
قالوا : أول من ابتدعها هشام بن الحكم (
١٩١ ه ) ولم تكن معروفة قبله لا من ابن سبأ ولا من غيره ، وإن كلمة الوصي الواردة
في قوله 9 : « أنت أخي
__________________
ووصيي
» في حديث الدار ، هي من صنع الشيعة الذين
وضعوها بدلاً من كلمة وزيري .
وهو أيغال في التجنّي على التاريخ الذي حفظ
لنا الوصية منذ فجر الرسالة ، بل وحتى علي أُولئك الذين ادعوا أن التشيع ينتمي إلىٰ
عبد الله بن سبأ.
ثمّ إن الرواية العامية للحديث جاءت بلفظ
« أنت أخي ووصيي
» من مصادر معتبرة وأسانيد لا غبار عليها
.
ولم يكن هذا الادعاء وليد اليوم ، كما يتبين
من ردّ الشوكاني ( ١٢٥٠ ه ) عليه بقوله : اعلم أن جماعة من المبغضين للشيعة عدّوا
قولهم أنّ علياً وصي لرسول الله 9
من خرافاتهم ، وهذا إفراط وتعنّت يأباه الإنصاف ، وكيف يكون الأمر كذلك وقد قال بذلك
جماعة من الصحابة ، كما ثبت في الصحيحين أن جماعة ذكروا عند عائشة أن علياً وصيّ ،
وكما في غيرهما .
وتلقّف هذا الادعاء المتهافت بعض المتأثّرين
بفُتات الفكر السلفي فردّدوه
__________________
ونسجوا علىٰ منواله
لأغراض فاسدة .
٣ ـ اُسلوب الحذف والتحريف
ومن الأساليب المتبعة من قبل أصحاب هذا الاتجاه
هو حذف ما لم يرق لهم من الأحاديث والأخبار أو تحريفها ومحو آثارها ، وهو أسلوب يجافي
أمانة العلم والتاريخ ، ويبعد الباحث عن فهم الواقع التاريخي علىٰ حقيقته ، وإليك
أمثلة حول موضوع الوصية :
١ ـ جاء في حديث الدار أنّ النبي 9 قال مشيراً إلىٰ علي 7 : « إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا
» وقد أخرجه الخازن في تفسيره والطبري في
تاريخه عن ابن إسحاق
، وليس له عين ولا أثر في سيرة ابن هشام مع أنها تهذيب لسيرة ابن إسحاق ، مما يعني
حذف الحديث في سيرة ابن هشام إمّا منه وإمّا من غيره ، والله العالم.
٢ ـ والحديث المتقدم ذكره محمّد حسين هيكل
في كتاب ( حياة محمّد ) في الطبعة الأُولىٰ وحذفه في الطبعة الثانية .
٣ ـ وحذف الطبري في تفسيره وابن كثير ألفاظ
الحديث الدالة على الخلافة والوصية وأثبتا بدلها ( كذا وكذا ) فجاء اللفظ بهذه الصورة
المحرّفة :
__________________
« أيّكم يؤازرني علىٰ
هذا الأمر على أن يكون كذا وكذا ؟ » فقال : « إن هذا أخي وكذا وكذا ، فاسمعوا له وأطيعوا
» وكذا فعل غير
الطبري وابن كثير دون أن يضع ( وكذا ) .
٤ ـ والحديث ذكره الخازن في تفسيره ، وأسقطه
محمّد علي قطب من مختصر تفسير الخازن .
٥ ـ وتعرّض طنطاوي إلىٰ ذكر قصة حديث
الدار ، ولكنه لم يذكر لفظ الحديث كاملاً ، بل اكتفىٰ بوضع ( الخ ) .
٦ ـ حديث سلمان 2 الذي جاء فيه : يا رسول الله ، إنه ليس
من نبي إلاّ وله وصي وسبطان ... الخ ، وقد قدّمناه في الفصل الثاني ، هذا الحديث مثبت
في القسم المطبوع من سيرة ابن إسحاق
، وليس له أثر في سيرة ابن هشام.
٧ ـ حديث سلمان 2 الذي جاء فيه : « كنت أنا وعلي نوراً بين
يدي الله ... الخ » قال ابن أبي الحديد
: رواه أحمد في ( المسند ) وفي كتاب ( فضائل علي 7
) ، وذكره صاحب كتاب ( الفردوس ) وزاد فيه : « ثم انتقلنا حتىٰ صرنا في عبد المطلب ، فكان
لي النبوة ، ولعلي الوصية » ولم نجد هذه الزيادة في
__________________
طبعتين من ( الفردوس
) .
٨ ـ خطبة الإمام الحسين 7 في عاشوراء نقلها الطبري وغيره بهذا اللفظ
: « أما بعد ،
فانسبوني فانظروا من أنا ، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا هل يحلّ لكم قتلي
وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن بنت نبيّكم 9 وابن وصيّه وابن عمّه
... الخ »
هذه الخطبة أوردها ابن كثير بعد أن حذف منها وحرفها أسوأ تحريف « راجعوا أنفسكم وحاسبوها
، هل يصلح لكم قتال مثلي ، وأنا ابن بنت نبيكم ، وليس علىٰ وجه الأرض ابن بنت
نبي غيري ، وعلي أبي ، وجعفر ذو الجناحين عمي ... الخ » .
٩ ـ وتعرّض شعر الوصية للحذف والتحريف أيضاً
بهدف إسقاط هذا المفهوم من ديوان الشعر العربي ، فقد حُذِف بيتان من أكثر طبعات ديوان
المتنبي ، وهما قوله حين عُوتب علىٰ ترك مدح علي أمير المؤمنين 7 :
وتركت مدحي للوصي تعمّداً
|
|
إذ كان نوراً مستطيلاً شاملا
|
وإذا استطال الشيء قام بنفسه
|
|
وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا
|
حتى أن الأستاذ عبد الرحمٰن البرقوقي
ذكر البيتين في الطبعة ذات الجزءين ج ٢ ص ٥٤٦ ، وحذفهما في الطبعة ذات الأربعة أجزاء
.
فانظر أي يد تلك التي أوتمنت علىٰ
ودائع التراث ؟!
__________________
١٠ ـ وحذف بيت يصرّح بالوصية من قصيدة الصحابي
النعمان بن عجلان مع أبيات اُخر في رواية ابن عبد البر وابن حجر وابن الأثير وغيرهم ، وورد البيت في رواية ابن بكار
وابن أبي الحديد
في نفس القصيدة ، والبيت هو :
وصيّ النبي المصطفىٰ وابن عمّه
|
|
وقاتل فرسان الضلالة والكفر
|
٤ ـ اُسلوب تضعيف الروايات والطعن بالرواة
تضعيف
الروايات :
تعرّضت أحاديث الوصية ورواتها لموجة من التشكيك
والطعن حتىٰ لا يكاد يسلم منها إلاّ النزر اليسير من قبل من ضاقت بهم السبل وأعجزتهم
الحيل في الإنكار والكتمان فوصفوها بكونها موضوعة أو باطلة أو في إسنادها ظلمات ، وما إلىٰ ذلك من الأوصاف التي لا
تليق بروح البحث العلمي ، وذلك لأجل تنفير الباحث وإبعاده عن الحقيقة ، وفيما يلي نورد
جملة من أقوال أصحاب هذا الاتجاه :
١ ـ أحمد بن عمر القرطبي الأنصاري ( ٦٥٦
ه ) ذكر أن الأحاديث التي تساق في أن الرسول 9
أوصىٰ من وضع الشيعة
، وقد مرّ في الفصل الثاني
__________________
أن جميع الأحاديث التي
ذكرناها هي من طرق العامة ، وقد أكد الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود صحّة الروايات
الواردة في الوصية ، ووصفها بالكثرة في كتب أهل السنة .
٢ ـ ابن تيمية الحراني ( ٧٢٨ ه ) قال في
حديث الانذار : وحديث الانذار إذا كان في بعض كتب التفسير التي يُنقل فيها الصحيح والضعيف
مثل : تفسير الثعلبي ، والواحدي ، والبغوي ، بل وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، لم يكن
مجرّد رواية واحد من هؤلاء دليلاً علىٰ صحّته .
وقد مرّ من أورد الحديث من المحدثين ومن
صححه في الفصل الثاني ، وفيهم من ذكره ابن تيمية ، ثم ان ابن تيمة وصف ابن جرير في
موضع آخر بأنه لا يروي الأحاديث الموضوعة ولا الضعيفة ، وقال عن البغوي : لما كان البغوي
عالماً بالحديث لم يذكر في تفسيره شيئاً من هذه الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي
، ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبي . فما بال رواية ابن جرير والبغوي وغيرهما
هنا ليست دليلاً علىٰ صحة حديث الدار ؟ بالتأكيد لأنها تفضي إلىٰ تصحيح
قوله 9 في علي 7 : « وصيي وخليفتي من بعدي ».
٣ ـ ابن كثير الدمشقي ( ٧٧٤ ه ) قال : أما
ما يفتريه كثير من جهلة الشيعة والقصّاص الأغبياء من أنه 9 أوصى إلىٰ علي بالخلافة ، فكذب وبهت
وافتراء عظيم ، يلزم منه خطأ كبير من تخوين الصحابة وممالأتهم بعده علىٰ ترك
إنفاذ
__________________
وصيته وإيصالها إلىٰ
من أوصى إليه ، وصرفهم إياها إلىٰ غيره ، لا لمعنىٰ ولا لسبب ... إلى آخر كلامه الذي أوضح فيه سبب تكذيبه
حديث الوصية وغيره من الأحاديث الدالة على أفضلية أمير المؤمنين 7 وإمامته بعد رسول الله 9 ، وهو ما يلزم منه من تخوين الصحابة وتركهم
إنفاذ وصيته 9 ، وقد تبيّن
في الصحيحين أن عمر بن الخطاب منع رسول الله 9
أن يكتب وصيته التي توخّىٰ فيه الهدىٰ وإنقاذ الاُمة من الضلال ، فما المانع
من الممالأة علىٰ وصيه بعد وفاته 9
، سيما وأنه 9 قد عهد إلىٰ
علي 7 بأن الأمة ستغدر
به بعده
، وأخبره بضغائن في صدور أقوام لا يبدونها إلا بعده 9
.
كما أخبر 9
باعتراف أصحابه من بعده فيما يسمّونه بالصحيحين وأنّه لا ينجو منهم يوم القيامة إلاّ
كهمل النعم كنايةً عن القلّة القليلة جدّاً.
وقد صرّح أمير المؤمنين عليّ 7 بممالأة القوم على اهتضام حقّه الذي جعله
الله له في عدّة مواضع من كلامه وخطبه وكتبه ، منها قوله 7 : « اللهمّ إني استعديك على قريش ومن أعانهم ، فإنّهم
قطعوا رحمي ، وصغّروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي ، ثم قالوا :
ألا إن في الحق أن تأخذه ، وفي الحق أن تتركه ! »
.
__________________
وفي الخطبة الشقشقية التي تشتمل علىٰ شكوى أمير المؤمنين
7 من تظاهر القوم
عليه ، كفاية لمن التمس الحقّ واهتدىٰ به.
وعقّب ابن كثير علىٰ حديث الوصية الذي
رواه الطبراني عن سلمان 2
عن رسول الله 9
وفيه : « فإن وصيي
وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب ».
قال ابن كثير بعد ذكر تأويل الطبراني الذي
قدّمناه : إن هذا الحديث منكر جداً ، ولا يصحّ سنده قولاً واحداً ، وأمراً واكداً ،
ففي رجاله من لا يعرف رأساً ، وفيهم المتكلّم فيه بأساً ، وفي تأويل الطبراني ـ يبدو
صحة الحديث ، وإن كان غير صحيح ـ نظر ، والله أعلم .
وهذا الحديث رواه أحمد بن حنبل في ( الفضائل
) بلفظ « إن وصيي ووارثي
ومنجز وعدي علي بن أبي طالب 7 »
.
وقال سبط ابن الجوزي : فإن قيل : قد ضعّفوا
حديث الوصية ؟
فالجواب : إن الحديث الذي ضعفوه في إسناده
إسماعيل بن زياد ، تكلّم فيه الدارقطني ، وإنما تكلّم فيه لأنه روىٰ في الحديث
زيادة بعد قوله : منجز وعدي «
وهو خير من أترك بعدي » والحديث الذي ذكرناه
رواه أحمد في ( الفضائل ) ، وليس في إسناده ابن زياد ، ولا هذه الزيادة ، فذاك حديث
، وهذا آخر .
وهكذا اتضح لك من هو الغبي المعاند وللحقّ
جاحد.
__________________
٤ ـ ابن خلدون ( ٨٠٨ ه ) . قال في الفصل
الثلاثين من مقدمته : والأمر الثاني هو شأن العهد مع النبي 9 وما تدعيه الشيعة من وصيته لعلي 2 وهو أمر لم يصحّ ولا نقله أحد من أئمة النقل.
ثم قال : والذي وقع في الصحيح من طلب الدواة
والقرطاس ليكتب الوصية ، وأن عمر منع من ذلك ، فدليل واضح على أنه لم يقع ، وكذا قول
عمر حين طعن وسئل في العهد ، فقال : إن أعهد فقد عهد من هو خير مني ، يعني أبا بكر
، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني ، يعني النبي 9
لم يعهد .
وقال في تاريخه : ذهب كثير من الشيعة إلى
أن النبي 9 أوصىٰ
في مرضه لعلي ، ولم يصح ذلك من وجه يعوّل عليه ، وقد أنكرت هذه الوصية عائشة ، وكفىٰ
بأنكارها .
أما قوله : « أمر لم يصح ولا نقله أحد »
وقوله : « لم يصح ذلك من وجه » فهو افتراء ، وتجاهل لصحيح السنة ، وعناد للحق.
وأما قوله : « والذي وقع في الصحيح من طلب
الدواة » فانه جعل منع عمر عن كتابة الوصية دليلاً علىٰ عدم وقوع العهد ، ولم
يتعرض إلى أن إرادة النبي 9
كانت الكتابة ، وهي دليل على العهد لولا منع عمر ، وقد اعترف عمر بأن النبي 9 أراد أن يصرح باسم علي 7 في الوصية ، فمنع هو من ذلك . ثم إن العهد بالخلافة إذا لم يقع كتابةً
فقد وقع لفظاً في مناسبات عديدة استغرقت جميع مراحل تاريخ النبوة.
__________________
وأما قول عمر : « إن أترك فقد ترك من هو
خير مني » فهو مغالطة سافرة ، لأنه مانع من أن يقع العهد ، لا أن النبي 9 قد ترك فاستنّ عمر بسنته. ويكفي في المقام
أنه اعترف علىٰ نفسه بمنع النبي الأعظم 9
من كتابة وصيته ، الأمر الذي يكشف عن عدم صحّة الاحتجاج بكلامه ، لا سيّما وهو في تلك
الحال ، ومن يدري فلعلّه كان يهجر هجراً ؟
وأما قوله : « وقد أنكرت هذه الوصية عائشة
، وكفىٰ بإنكارها » ! فهو من مضحكات ابن خلدون حقّاً ، إذ كان عليه أن يثبت صدق
عائشة أوّلاً ، وعدم وجود ما ينير في تاريخها إلى اختلاف هذه الأكذوبة ثانياً ، مع
مقارنة هذا الإنكار بأدلّة الوصية ومثبتاتها ثالثاً ، ولكن من ينكر أحاديث الإمام المهدي
7 حتىٰ صار
سخرية عند محدّثي أهل السنة
لا جرم عليه في تمسّكه بإنكار من ركبت لقتال الوصي وسبط النبي 9 جملاً وبغلاً !
تخبط
وتناقض
لقد أوقع التشكيك والتضعيف كثيراً من الباحثين
المتأخرين بالتهافت والاضطراب ، لأنهم ساروا علىٰ خطى الأولين وسلكوا نهجهم في
الشكّ والرفض لمبدأ الوصية دون أدنىٰ تدبّر وتعمّق ، وبعيداً عن متطلّبات البحث
العلمي النزيه ، ففي الوقت الذي تجد بعضهم يشكّك في نسبة نهج البلاغة لأمير المؤمنين
7 لما ذُكِر فيه
من الوصية والوصي
، تجد الآخر يقول : إننا لا نجد في
__________________
خطب علي وكلامه ومراسلاته
التي ضمّها نهج البلاغة وصفه بهذا اللفظ ، أي ( الوصيّ ) .
وفي ذلك دلالة على التخبّط الأعمىٰ
والتناقض المفضوح ، وأنّهم لم يخضعوا القضية لميزان النقد الصحيح ، وإنّما تناولوها
على أساس متبنّياتهم المذهبية المقيتة.
طعن
الرواة
وتكلّموا في غالب رواة الوصية ونبزوهم بعدم
الثقة والضعف والجهالة والكذب والوضع والرفض والترك وغيرها ، وجعلوا رواية حديث الوصية من علامات غلو
الراوي في مذهبه
، ودليلاً على رفضه وكذبه .
وإن كان من أهل الثقة والصدق والجلالة ، ونذكر علىٰ سبيل المثال :
١
ـ إبراهيم بن محمد بن ميمون
روىٰ عنه أبو بكر بن أبي شيبة وغيره
، وذكره ابن حبان في الثقات .
وقال إبراهيم بن أبي بكر بن شيبة : سمعت
عمّي عثمان بن أبي شيبة يقول : لولا رجلان من الشيعة ما صحّ لكم حديث. فقلت له : من
هما يا عمّ ؟ قال :
__________________
إبراهيم بن محمد بن ميمون
، وعباد بن يعقوب .
ومع ذلك قال الذهبي : لا أعرفه ، روىٰ
حديثاً موضوعاً فاسمعه : روىٰ محمّد ابن عثمان بن أبي شيبة عنه ، عن علي بن عابس
، عن الحارث بن حصيرة ، عن القاسم بن جندب ، عن أنس أن النبي 9 قال لي : « أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين
وسيد المسلمين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وخاتم الوصيين ... »
فكان هذا الحديث
سبباً في تضعيفه وعدم معرفة الذهبي له.
٢
ـ جابر بن يزيد الجعفي
قال سفيان : ما رأيت أورع منه في الحديث
، وقال شعبة : جابر الجعفي صدوق في الحديث. وقال وكيع : مهما شككتم في شيء فلا تشكوا
في أن جابراً ثقة. ووصفه الذهبي بأنه أحد أوعية العلم . وروىٰ له أبو داود والترمذي وابن
ماجة ، ومع ذلك فقد ضعفوه ، وتركوا حديثه
ونهوا عن كتابته ، واتهموه بالكذب في الحديث تارة ، وبالرفض اُخرىٰ .
والسبب في ذلك لأنه كان إذا حدث عن الإمام
الباقر 7 يقول : حدثني
__________________
وصي الأوصياء. قال ابن
عيينة : سمعت من جابر ستين حديثاً ، ما أستحلّ أن أروي عنه شيئاً ، يقول حدثني وصي
الأوصياء.
وقال الحميدي : سمعت ابن أكثم الخراساني
يسأل سفيان : أرأيت يا أبا محمّد الذي عابوا علىٰ جابر الجعفي ؛ قوله : حدثني
وصي الأوصياء ... .
٣
ـ خالد بن عبيد العتكي ، أبو عاصم البصري
قال الذهبي : كان ذا وقار وجلالة. وقال أحمد
بن سيار : كان شيخاً نبيلاً ، وكان العلماء يعظمونه ، وكان ابن المبارك ربما سوّىٰ
عليه ثيابه إذا ركب. وقال العلاء بن عمران : كانوا لا ينكرون روايته عن أنس ، وقال
ابن عدي : ليس في أحاديثه حديث منكر جداً. وروىٰ له ابن ماجة.
ومع ذلك فقد جعله ابن حبان في الضعفاء ،
وقال : يروي عن أنس نسخة موضوعة ما لها اُصول ... منها : عن أنس ، عن سلمان ، قال :
رسول الله 9 لعلي : « هذا وصيي وموضع سري وخير
من أترك بعدي » .
٤
ـ عبد الغفار بن القاسم ، أبو مريم الأنصاري
وصفوه بالاعتناء بالعلم وبالرجال ، وقال
شعبة : لم أرَ أحفظ منه ، وقال ابن عدي : سمعت ابن عقدة يثني على أبي مريم ويطريه ،
وتجاوز الحدّ في مدحه حتىٰ قال : لو ظُهر على أبي مريم ما اجتمع الناس إلى شعبة
.
قال ابن كثير بعد إيراده حديث الدار : تفرّد
به عبد الغفار بن القاسم ، أبو
__________________
مريم ، وهو كذّاب شيعي
، اتهمه علي بن المديني وغيره بوضع الحديث ، وضعّفه الباقون .
ولو سلّمنا بقول ابن كثير ، فإن حديث الدار
روي من طرق اُخرىٰ صحيحة ليس فيها عبد الغفار بن القاسم ، لكنه أغمض عنها وادّعىٰ تفرّد أبي
مريم برواية الحديث.
٥
ـ علي بن هاشم بن البريد
وصفه الذهبي : بالإمام الحافظ الصدوق ، ووثّقه
ابن معين ، ويعقوب السدوسي ، وعلي بن المديني وطائفة. وقال أبو زرعة : صدوق ، وجعله
ابن حبان في الثقات. وأخرج له مسلم في صحيحه والأربعة في سننهم ، والبخاري في الأدب
المفرد ، وذكره في تاريخه الكبير. وقال أحمد بن حنبل والنسائي : ليس به بأس .
ومع ذلك فقد جعله العقيلي في الضعفاء. ونقل
عن عيسىٰ بن يونس ، قال : هم أهل بيت تشيّع وليس ثمّ كذب ... ثم قال : روىٰ
عن سلمان : « إن أفضل الأنبياء
نبينا ، وإن أفضل الأوصياء وصينا ، وإن أفضل الأسباط سبطانا »
__________________
ومن هنا جاء تضعيفه.
٦
ـ عمارة بن جوين ، أبو هارون العبدي
روى له البخاري في كتاب أفعال العباد ، وكذلك
الترمذي وابن ماجة. وقد ضعفوه واتهموه بالكذب لأنه كانت عنده صحيفة يقول : هذه صحيفة
الوصي .
قال ابن عبد البر : قد تحامل بعضهم فنسبه
إلى الكذب ، روي ذلك عن حماد ابن زيد ، وكان فيه تشيّع ، وأهل البصرة يفرطون فيمن يتشيّع
بين أظهرهم لأنهم عثمانيون .
٧
ـ محمّد بن الحسين الأزدي
قال ابن حجر : محلّة الصدق. ونقل الخطيب
عن محمّد بن جعفر بن علان أنه ذكره بالحفظ وحسن المعرفة بالحديث وأثنىٰ عليه.
ورموه بالضعف لما نُقِل في تاريخ حلب لابن
العديم أنه قدم علىٰ سيف الدولة ابن حمدان ، فأهدىٰ له كتاباً في مناقب
أمير المؤمنين عليّ 7
، قال ابن العديم : وفيه أحاديث منكرة ... منها : « يوشع وصي موسىٰ ، وعلي وصي محمّد ، ومحمّد
أفضل من موسىٰ ، فوصيه أفضل من وصيه »
.
٨
ـ الحاكم أبو عبد الله محمّد بن عبد الله النيسابوري صاحب ( المستدرك )
وصفه علماء الجرح والتعديل بأنّه شيخ المحدّثين
وصاحب التصانيف ، وأنه
__________________
إمام صدوق ، ثقة في الحديث
.
ومع ذلك فقد اتّهموه بالتشيّع تارة وبالرفض
اُخرىٰ لتصحيحه أحاديث في فضل أهل البيت :
وإمامتهم. قال الذهبي : ومن شقاشقه ... قوله : إن عليّاً وصي .
٩
ـ ناصح بن عبد الله الكوفي
قال الذهبي : وكان من العابدين ، ذكره الحسن
بن صالح ، فقال : رجل صالح ، نعم الرجل. وأخرج حديثه الترمذي وابن ماجة.
وقد وصفوه بالضعف وعدم الثقة وتركوا حديثه
لما رواه عن سماك بن حرب ، عن أبي سعيد الخدري ، عن سلمان ، قال : قلت : يا رسول
الله لكل نبي وصيّ ، فمن وصيك ؟ فسكت عنّي ، فلما كان بعدُ قال : « يا سلمان ، إنّ وصيي
، وموضع سرّي ، وخير من أترك بعدي ، ينجز موعدي ، ويقتضي ديني ؛ علي ابن أبي طالب »
.
٥ ـ اُسلوب إثارة الشبهات
تعرّضنا في هذا الفصل لبعض الشبهات المثارة
حول الوصية ، وقد ذكرنا جوابها ، وهناك شبهة قديمة ذكرها الخوارج وكثير من المتأخرين
مفادها : لو كان علي 7
وصياً لما حكّم الحكمين.
روى الذهبي عن أبي عمرو الأوزاعي : أنه لما
قدم عبد الله بن علي على السفاح الشام وقتل بني اُمية ، بعث إليّ وقال : ويحك ، أوليس
الأمر لنا ديانةً ؟
__________________
قلت : كيف ذاك ؟ قال
: أليس كان رسول الله 9
أوصى لعلي ؟ قلت : لو أوصى إليه لما حكّم الحكمين ، فسكت وقد اجتمع غضباً ، فجعلت أتوقع
رأسي يسقط بين يدي ، فقال بيده هكذا : أومأ أن أخرجوه ، فخرجت .
وقبل الجواب يتّضح من هذا الخبر أن عبد الله
بن علي قائد العباسيين كغيره من رجال الأُمّة يفهم أن الوصيّ هو الذي يقوم بالأمر بعد
النبي 9 ديانةً لا شورىٰ
ولا اختياراً. هذا مع أن الوصية لأمير المؤمنين عليّ 7
لا تصحّح شرعية الخلافة العباسية بأي شكل من الأشكال كما أراد عبد الله بن علي ، لأنّ
أمير المؤمنين عليّاً 7
لم يوصِ إليهم ، ولا هم ورّاثه الشرعيون.
أما الجواب فبامكان الخوارج والأوزاعي أن
يقولوا : لو كان وصياً لما بايع الشيخين ولما حضر الشورىٰ ، ولكل ذلك جواب يثبته
واقع التاريخ الذي فرض على الوصي العمل بوصية أخيه وعهده إليه بالصبر عند خذلان الأمّة
، فكان 7 يقول : « وصبرت على أخذ الكظم
وعلى أمرّ من طعم العلقم » .
وقال 7
: « وطفقت أرتئي
بين أن أصول بيدٍ جذّاء ، أو أصبر علىٰ طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب
فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتىٰ يلقىٰ ربّه ، فرأيت أن الصبر علىٰ
هاتا أحجىٰ ، فصبرتُ وفي العين قذىً ، وفي الحلق شجىً ، أرىٰ تراثي نهباً
... » .
وذلك لأنه 7
آثر بقاء الإسلام الذي نذر حياته وخاض الغمرات لأجله ، فتراه في أحرج المواقف التي
واجهته بعد البيعة يقول : «
سلامة الدين
__________________
أحبّ
إلينا من غيره » .
وثبت عنه 7
بخصوص مسألة التحكيم أنه نصح أصحابه من الدخول في هذه الحكومة ، وأمرهم بالمناجزة والثبات
في الحرب ، وبيّن لهم أن رفع المصاحف خدعة ومناورة لجأ إليها معاوية حين بان في أصحابه
الفشل والوهن ، وأحسّ فيهم الجزع من الحرب.
قال 7
: « عباد
الله ، إني أحقّ من أجاب إلىٰ كتاب الله ، ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي
معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح ، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، إني أعرفُ بهم منكم
، صحبتهم أطفالاً وصحبتهم رجالاً ، فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال ، إنها كلمة حقّ يُراد
بها باطل ، وما رفعوا لكم إلاّ خديعة ومكيدة »
.
ولكن السواد الأعظم من أصحابه 7 وكانوا زهاء عشرين ألفاً ، أبوا إلاّ التحكيم
، وخرجوا عن الطاعة «
ولا رأي لمن لا يطاع » فوافقهم 7
تسكيناً لشغبهم لا استصلاحاً لرأيهم ، فالوصي 7
لم يحكّم الحكمين ، بل إن غالبية جيشه الذين صاروا خوارج فيما بعد ، هم الذين أصروا
على التحكيم.
ثم أنّهم ندموا علىٰ خطل الرأي ، ولكنّهم
ارتكبوا حماقة اُخرىٰ حيث جعلوا التحكيم ذنباً اقترفه علي 7 ، فذكّرهم 7 نهيه لهم عن قبول التحكيم قائلاً : « وقد كنت نهيتكم عن هذه
الحكومة ، فأبيتم عليّ إباء المخالفين ، حتىٰ
__________________
صرفت
رأيي إلىٰ هواكم ، وأنتم معاشر أخفّاء الهام ، سُفهاء الأحام »
.
ولمّا أراد 7 أن يبعث أبا موسى إلى الحكومة ، أتاه رجلان
من الخوارج ، وهما زُرعة بن البُرج الطائي ، وحُرقوص بن زهير السعدي ، فدخلا عليه ،
فقالا له : لا حكم إلاّ لله ، فقال عليّ : لا حكم إلاّ لله ، فقال له حُرْقوص : تُبْ
من خطيئتك ، وارجع عن قضيّتك ، واخرج بنا إلى عدوّنا نقاتلهم حتىٰ نلقىٰ
ربّنا. فقال لهم عليّ : قد أردتكم علىٰ ذلك فعصيتموني ، وقد كتبنا بيننا وبينهم
كتاباً ، وشرطنا شروطاً ، وأعطينا عليها عهودَنا ومواثيقنا ، وقد قال الله عزّوجلّ
: ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ
اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ
جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
) . فقال له حُرقوص : ذلك ذنب ينبغي أن تتوب
منه ؛ فقال عليّ : ما هو ذنب ولكنه عَجْز من الرأي ، وضعفٌ من الفعل ، وقد تقدّمت إليكم
فيما كان منه ، ونهيتُكم عنه .
وبهذا يتبيّن مقدار ما يمتلكه الأوزاعي من
علم بشأن التحكيم ، ومن يدري فلعلّه كان علىٰ رأي الخوارج المارقين.
|
والحمد لله ربّ العالمين
وسلامٌ علىٰ عباده الذين اصطفىٰ محمّد وآله الميامين
|
|
__________________
المحتويات
مقدمة المركز .................................................................. ٥
مقدمة
المؤلِّف ................................................................. ٩
الفصل
الأوّل : معنى الوصية وتشريعها ........................................ ١١
المبحث الأوّل : معنى الوصية
................................................ ١١
الوصية في اللغة ......................................................... ١١
الوصية في الاصطلاح .................................................... ١٤
أركان الوصية .......................................................... ١٦
أقسام الوصية ........................................................... ١٧
المبحث الثاني : تشريع
الوصية ............................................... ١٨
١ ـ تشريعها قبل الإسلام
............................................... ١٨
وصايا الأنبياء : : في أسفار
العهدين ................................... ١٩
وصايا الأنبياء : : في
كتب الحديث والتاريخ ........................... ٢٠
أولاً : وصايا
الأنبياء في كتب الحديث .................................. ٢١
ثانياً وصايا الأنبياء
في كتب التاريخ والسيرة والتفسير ..................... ٢٣
٢ ـ تشريعها في
الإسلام ................................................ ٣٠
١ ـ القرآن الكريم ................................................... ٣٠
٢ ـ السنّة المطهرة ................................................... ٣٣
٣ ـ العقل .......................................................... ٣٤
الفصل
الثاني : وصية النبيّ 9 في الحديث والأثر ............................. ٤٣
المبحث الأوّل :
الأحاديث الصريحة بالوصية .................................. ٤٣
تمهيد .................................................................. ٤٣
أولاً ـ الأحاديث النبوية
................................................ ٤٤
دلالة الأحاديث ...................................................... ٤٨
ثانياً : أحاديث أهل
البيت : ......................................... ٥١
ثالثاً : أحاديث الصحابة
................................................. ٥٥
رابعاً : الأوصياء اثنا
عشر ................................................ ٥٩
أهل البيت : هم
الأوصياء ......................................... ٦٢
خامساً : مدونات في
الوصية .............................................. ٦٥
المبحث الثاني :
الأحاديث الجارية مجرى الوصية ............................... ٦٨
أولاً : الخلافة ........................................................... ٦٨
ثانياً : الإمامة ........................................................... ٦٩
ثالثاً : الولاية ........................................................... ٦٩
رابعاً : الوراثة .......................................................... ٧٢
خامساً : الوزارة ........................................................ ٧٣
سادساً : الإمرة ......................................................... ٧٤
المبحث الثالث : مظاهر
الاصطفاء ........................................... ٧٥
أولاً ـ الولادة في
البيت ................................................. ٧٦
ثانياً ـ التربية النبوية
.................................................... ٧٧
ثالثاً ـ السبق إلى
الإسلام والتقدّم إلى الإيمان ............................... ٧٩
رابعاً ـ السبق في
العلم .................................................. ٨٠
خامساً ـ العصمة ...................................................... ٨٢
سادساً ـ مزايا فريدة ................................................... ٨٤
المبحث الرابع : أوجه التشابه
بين وصي موسىٰ 7 ووصي محمّد 9
......... ٩٠
١ ـ السبق إلى الإيمان
.................................................. ٩٠
٢ ـ ردّ الشمس ....................................................... ٩١
٣ ـ قتال الجبّارين ...................................................... ٩٣
٤ ـ خروج الصفراء علىٰ
يوشع ، والحميراء علىٰ عليّ 7
! ............... ٩٣
٥ ـ الفتوّة ............................................................ ٩٤
٦ ـ السبق في العلم .................................................... ٩٥
٧ ـ أتباعه هُم الفرقة
الناجية ............................................ ٩٥
٨ ـ ليلة الشهادة وأحداثها
.............................................. ٩٦
٩ ـ مدّة بقائه بعد النبي 9 ........................................... ٩٧
١٠ ـ عدد الأئمة بعده ................................................. ٩٧
١١ ـ مظاهر اُخرىٰ
من التشابه بينهما 8
............................. ٩٧
الفصل
الثالث : الوصية في الشعر العربي ....................................... ٩٩
١ ـ الأشعث بن قيس
الكندي ........................................... ١٠٠
٢ ـ جرير بن عبد الله
البجلي ............................................ ١٠١
٣ ـ حجر بن عدي الكندي
............................................. ١٠٢
٤ ـ حسان بن ثابت
الأنصاري ........................................... ١٠٣
٥ ـ خزيمة بن ثابت
الأنصاري ........................................... ١٠٣
٦ ـ زحر بن قيس بن
مالك الجعفي ....................................... ١٠٤
٧ ـ زُفَر بن زيد
الأسدي ................................................ ١٠٥
٨ ـ زياد بن لبيد
الأنصاري .............................................. ١٠٥
٩ ـ عبادة بن الصامت
الأنصاري ......................................... ١٠٥
١٠ ـ عبد الرحمن بن
حنبل .............................................. ١٠٦
١١ ـ عبد الله بن أبي
سفيان الهاشمي ....................................... ١٠٦
١٢ ـ عبد الله بن بديل
بن ورقاء الخزاعي .................................. ١٠٧
١٣ ـ عبد الله بن عباس
بن عبد المطلب ................................... ١٠٧
١٤ ـ أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب ..................................... ١٠٨
١٥ ـ عمرو بن العاص السهمي
.......................................... ١٠٨
١٦ ـ قيس بن سعد بن
عبادة ............................................ ١٠٨
١٧ ـ المغيرة بن
الحارث بن عبد المطلب ................................... ١٠٩
١٨ ـ المنذر بن أبي
حميصة الوادعي ....................................... ١٠٩
١٩ ـ النعمان بن عجلان
الأنصاري ...................................... ١٠٩
٢٠ ـ أبو الهيثم بن
التيّهان ............................................... ١١٠
الفصل
الرابع : موقف الأُمة من الوصية ..................................... ١١٣
فالفرقة الأُولىٰ
ـ المؤمنون بالوصية ......................................... ١١٣
فالفرقة الثانية ـ
المؤوّلون لها .............................................. ١١٣
فالفرقة الثالثة ـ
المنكرون لها .............................................. ١١٤
أساليب هذا الاتجاه .................................................... ١٢٠
١ ـ اُسلوب التكتّم والإنكار
........................................ ١٢٠
٢ ـ اُسلوب إبعاد
الوصية عن العهد النبوي ........................... ١٢٦
الادعاء الأوّل : إن
الوصية من إبداعات عبد الله بن سبأ .............. ١٢٦
والادعاء الثاني : إن
الوصية من صنع متكلمي الشيعة في القرن الثاني ... ١٢٩
٣ ـ اُسلوب الحذف والتحريف
...................................... ١٣١
٤ ـ اُسلوب تضعيف
الروايات والطعن بالرواة ......................... ١٣٤
تضعيف الروايات ................................................ ١٣٤
تخبط وتناقض .................................................... ١٣٩
طعن الرواة ...................................................... ١٤٠
١ ـ إبراهيم بن محمد بن
ميمون .................................. ١٤٠
٢ ـ جابر بن يزيد الجعفي
........................................ ١٤١
٣ ـ خالد بن عبيد
العتكي ، أبو عاصم البصري .................... ١٤٢
٤ ـ عبد الغفار بن
القاسم ، أبو مريم الأنصاري .................... ١٤٢
٥ ـ علي بن هاشم بن
البريد ..................................... ١٤٣
٦ ـ عمارة بن جوين ،
أبو هارون العبدي ......................... ١٤٤
٧ ـ محمّد بن الحسين الأزدي
.................................... ١٤٤
٨ ـ الحاكم أبو عبد الله
محمّد بن عبد الله النيسابوري ............... ١٤٤
٩ ـ ناصح بن عبد الله الكوفي
.................................... ١٤٥
٥ ـ اُسلوب إثارة الشبهات........................................... ١٤٥
المحتويات
.................................................................. ١٤٩
|