
بسم الله الرحمن الرحيم
باب المختار من كتب
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام
إلى أعدائه وأمراء بلاده
ويدخل فى ذلك ما اختير من
عهوده
إلى عماله ، ووصاياه لأهله وأصحابه
١ ـ من كتاب له عليه السلام
لأهل الكوفة ، عند مسيره من المدينة إلى
البصرة
من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى
أهل الكوفة جبهة الأنصار
وسنام العرب.
__________________
أمّا بعد ، فإنّى أخبركم عن أمر عثمان
حتّى يكون سمعه كعيانه ، إنّ النّاس طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين أكثر
استعتابه
وأقلّ عتابه ، وكان طلحة والزّبير أهون سيرهما فيه الوجيف ، وأرفق حدائهما العنيف
، وكان من عائشة فيه فلتة غضب
، فأتيح له قوم فقتلوه ، وبايعنى النّاس غير مستكرهين ولا مجبرين ، بل طائعين
مخيّرين. واعلموا أنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها ، وجاشت [جيش] المرجل ، وقامت الفتنة
على القطب ، فأسرعوا إلى أميركم ، وبادروا جهاد عدوّكم ، إن شاء اللّه.
__________________
٢ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إليهم ، بعد فتح البصرة
وجزاكم اللّه من أهل مصر عن أهل بيت نبيّكم أحسن ما يجزى
العاملين
بطاعته ، والشّاكرين لنعمته ، فقد سمعتم وأطعتم ، ودعيتم فأجبتم.
٣ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
[كتبه] لشريح بن الحارث قاضيه
روى أن شريح بن الحارث قاضى أمير
المؤمنين عليه السلام اشترى على عهده دارا بثمانين دينارا فبلغه ذلك ، فاستدعاه وقال
له : بلغنى انك ابتعت دارا بثمانين دينارا وكتبت [لها] كتابا وأشهدت [فيه] شهودا ،
فقال [له] شريح : قد كان ذلك يا أمير المؤمنين ، قال : فنظر إليه نظر مغضب ثم قال
له :
__________________
يا شريح ، أما إنّه سيأتيك من لا ينظر
فى كتابك ، ولا يسألك عن بيّنتك ، حتّى يخرجك منها شاخصا ويسلمك إلى قبرك خالصا ، فانظر يا شريح
لا تكون ابثعت هذه الدّار من غير مالك ، أو نقدت الثّمن من غير حلالك! فإذا أنت قد
خسرت دار الدّنيا ودار الآخرة! أما إنّك لو كنت أتيتنى عند شرائك ما اشتريت لكتبت
لك كتابا على هذه النّسخة ، فلم ترغب فى شراء هذه الدّار بدرهم فما فوق ، والنّسخة
[هذه] : هذا ما اشترى عبد ذليل ، من عبد قد أزعج للرّحيل ، اشترى منه دارا من دار
الغرور من جانب الفانين ، وخطّة الهالكين
، وتجمع هذه الدّار حدود أربعة : الحدّ الأوّل : ينتهى إلى دواعى الآفات ، و [الحدّ]
الثّانى ينتهى إلى دواعى المصيبات ، والحدّ الثّالث ينتهى إلى الهوى المردى ، والحدّ
الرّابع ينتهى إلى الشّيطان المغوى ، وفيه يشرع باب هذه الدّار!!
__________________
اشترى هذا المغترّ بالأمل ، من هذا
المزعج بالأجل ، هذه الدّار بالخروج من عزّ القناعة ، والدّخول فى ذلّ الطّلب والضّراعة
، فما أدرك
هذا المشترى فيما اشترى منه من درك فعلى مبلبل أجسام الملوك ، وسالب نفوس الجبابرة
، ومزيل ملك الفراعنة ، مثل كسرى وقيصر ، وتبّع وحمير ، ومن جمع المال على المال
فأكثر ، [ومن بنى] وشيّد ، وزخرف ونجّد ، وادّخر واعتقد ، ونظر بزعمه للولد ، إشخاصهم
جميعا إلى موقف
العرض والحساب ، وموضع الثّواب والعقاب ، إذا وقع الأمر بفصل القضاء «وَخَسِرَ
هُنٰالِكَ اَلْمُبْطِلُونَ»
شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى ، وسلم من علائق الدّنيا.
٤ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى بعض أمراء جيشه
فإن عادوا إلى ظلّ الطّاعة فذلك الّذى
نحبّ ، وإن توافت الأمور بالقوم
__________________
إلى الشّقاق والعصيان
فانهد بمن
أطاعك إلى من عصاك ، واستغن بمن انقاد معك عمّن تقاعس عنك ، فإنّ المتكاره مغيبه خير من مشهده ، وقعوده أغنى من
نهوضه.
٥ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى الأشعث بن قيس ، وهو عامل أذربيجان
وإنّ عملك ليس لك بطعمة ولكنّه فى عنقك أمانة [و] أنت مسترعى
لمن فوقك. ليس لك أن تفتات فى رعية ولا تخاطر إلاّ
بوثيقة ، وفى يديك مال من مال اللّه عزّ وجلّ ، وأنت من خزّانه حتّى تسلّمه إلىّ ،
ولعلّى أن لا أكون شرّ ولاتك [لك] ، والسّلام .
__________________
٦ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى معاوية
إنّه بايعنى القوم الّذين بايعوا أبا
بكر وعمر وعثمان ، على ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشّاهد أن يختار ، ولا للغائب
أن يردّ ، وإنّما الشّورى للمهاجرين والأنصار. فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماما
كان ذلك [للّه] رضا ، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه ، فإن
أتى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاّه اللّه ما تولّى. ولعمرى ـ يا
معاوية ـ لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنّى أبرأ النّاس من دم عثمان ، ولتعلمنّ
أنّى كنت فى عزلة عنه ، إلاّ أن تتجنّى
[فتجنّ] ما بدا لك ، والسّلام.
٧ ـ ومن كتاب له عليه السّلام
إليه أيضا
أمّا بعد ، فقد أتتنى منك موعظة موصّلة ، ورسالة محبّرة ، نمّقتها بضلالك ،
__________________
وأمضيتها بسوء رأيك!
وكتاب امرئ ليس له بصر يهديه ، ولا قائد يرشده ، قد دعاه الهوى فأجابه ، وقاده
الضّلال فاتّبعه ، فهجر لاغطا
[وضلّ] خابطا
منه
: لأنّها بيعة واحدة لا يثنّى فيها
النّظر
ولا يستأنف فيها الخيار ، الخارج منها طاعن ، والمروّى فيها مداهن
٨ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى جرير بن عبد اللّه البجلى ، لما
أرسله إلى معاوية
أمّا بعد ، فإذا أتاك كتابى فاحمل معاوية
على الفصل
وخذه بالأمر الجزم ، ثمّ خيّره بين حرب مجلية ، أو سلم مخزية ، فإن اختار الحرب
فانبذ إليه ، وإن اختار السّلم فخذ بيعته ، والسّلام
__________________
٩ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى معاوية
فأراد قومنا قتل نبيّنا ، واجتياح أصلنا
وهمّوا بنا
الهموم ، وفعلوا بنا الأفاعيل ، ومنعونا العذب ، وأحلسونا الخوف ، واضطرّونا إلى
جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، فعزم اللّه لنا على الذّبّ عن حوزته ، والرّمى من وراء حرمته : مؤمننا يبغى
بذلك الأجر ، وكافرنا يحامى عن الأصل ، ومن أسلم من قريش خلوا ممّا نحن فيه بحلف
يمنعه ، أو عشيرة تقوم دونه ، فهو من القتل بمكان أمن . وكان رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله
وسلم ، إذا احمرّ البأس ، وأحجم
__________________
النّاس قدّم أهل
بيته فوقى بهم أصحابه حرّ الأسنّة والسّيوف ، فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر ، وقتل حمزة يوم أحد ، وقتل جعفر يوم
مؤتة ، وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الّذى أرادوا من الشّهادة ، [و] لكن آجالهم عجّلت ، ومنيّته
أجّلت ، فيا عجبا للدّهر إذ صرت يقرن بى من لم يسع بقدمى ، ولم تكن له كسابقتى ، [الّتى] لا
يدلى أحد بمثلها إلاّ أن يدّعى مدّع ما لا أعرفه ، ولا أظنّ اللّه يعرفه ، والحمد
للّه على كلّ حال وأمّا ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك فانّى نظرت فى هذا الأمر
فلم أره يسعنى دفعهم إليك ولا إلى غيرك ، ولعمرى لئن لم تنزع عن غيّك وشقاقك ،
لتعرفنّهم عن قليل يطلبونك ، لا يكلّفونك طلبهم فى برّ ولا بحر ، ولا جبل ولا سهل
، إلاّ أنّه طلب يسوءك وجدانه ، وزور لا يسرّك لقيانه والسّلام
لأهله
__________________
١٠ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إليه أيضا
وكيف أنت صانع إذا تكشّفت عنك جلابيب ما
أنت فيه من دنيا قد تبهّجت بزينتها
وخدعت بلذّتها ، دعتك فأجبتها ، وقادتك فاتّبعتها ، وأمرتك فأطعتها. وإنّه يوشك أن
يقفك واقف على ما لا ينحيك منه مجنّ
فاقعس عن هذا الأمر ، وخذ أهبة الحساب ، وشمّر لما [قد] نزل بك ، ولا تمكّن الغواة
من سمعك ، وإلاّ تفعل أعلمك ما أغفلت من نفسك
فإنّك مترف قد أخذ الشّيطان منك مأخذه ، وبلغ فيك أمله ، وجرى منك مجرى الرّوح والدّم
ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرّعيّة وولاة أمر الأمّة ، بغير
قدم سابق ، ولا شرف باسق ، ونعوذ باللّه من لزوم سوابق الشّقاء! وأحذّرك أن تكون
__________________
متماديا فى غرّة
الأمنيّة
مختلف العلانية والسّريرة
وقد دعوت إلى الحرب فدع النّاس جانبا واخرج
إلىّ ، وأعف الفريقين من القتال ليعلم أيّنا المرين على قلبه والمغطّى على بصره ، فأنا أبو حسن قاتل
جدّك وخالك وأخيك
شدخا يوم بدر ، وذلك السّيف معى ، وبذلك القلب ألقى عدوّى! ما استبدلت دينا ، ولا
استحدثت نبيّا ، وإنّى لعلى المنهاج الّذى تركتموه طائعين ودخلتم
فيه مكرهين. وزعمت أنّك جئت ثائرا بعثمان ولقد علمت حيث وقع دم
عثمان فاطلبه من هناك إن كنت طالبا ، فكأنّى [قد] رأيتك تضجّ من الحرب إذا عضّتك
ضجيح الجمال بالأثقال ، وكأنّى بجماعتك
تدعونى ـ جزعا من الضّرب
__________________
المتتابع ، والقضاء
الواقع ، ومصارع بعد مصارع ـ إلى كتاب اللّه وهى كافرة جاحدة ، أو مبايعة حائدة ،
١١ ـ ومن وصيّة له عليه
السّلام
وصى بها جيشا بعثه إلى العدو
فإذا نزلتم بعدوّ أو نزل بكم فليكن
معسكركم فى قبل الأشراف
وسفاح الجبال ، أو أثناء الأنهار ، كيما يكون لكم ردءا ودونكم مردّا ، ولتكن
مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين ، واجعلوا لكم رقباء فى صياصى الجبال ، ومناكب الهضاب ، لئلاّ يأتيكم العدوّ
من مكان مخافة أو أمن ، واعلموا أنّ مقدّمة القوم عيونهم ، وعيون المقدّمة طلائعهم
، وإيّاكم والتّفرّق فإذا نزلتم فانزلوا جميعا ، وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعا ، وإذا
غشيكم اللّيل فاجعلوا الرّماح كفّة
، ولا تذوقوا النّوم إلاّ غرارا أو مضمضة.
__________________
١٢ ـ ومن وصيّة له عليه
السّلام
لمعقل بن قيس الرياحى حين أنفذه إلى
الشام فى ثلاثة آلاف مقدمة له
اتّق اللّه الّذى لا بدّ لك من لقائه ،
ولا منتهى لك دونه ، ولا تقاتلنّ إلاّ من قاتلك ، وسر البردين وغوّر بالنّاس ، ورفّه فى السّير ، ولا
تسر أوّل اللّيل
فإنّ اللّه جعله سكنا ، وقدّره مقاما لا ظعنا ، فأرح فيه بدنك ، وروّح ظهرك ، فاذا
وقفت حين ينبطح السّحر
أو حين ينفجر الفجر ، فسر على بركة اللّه ، فإذا لقيت العدوّ فقف من أصحابك وسطا ،
ولا تدن من القوم دنوّ من يريد أن ينشب الحرب ، ولا تباعد منهم تباعد من يهاب
البأس ، حتّى يأتيك أمرى ، ولا يحملنّكم شنآنهم على
قتالهم قبل دعائهم والاعذار إليهم
١٣ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى أميرين من أمراء جيشه
وقد أمّرت عليكما وعلى من فى حيّزكما
مالك بن الحارث الأشتر فاسمعا
__________________
له وأطيعا ، واجعلاه
درعا ومجنّا
، فإنّه ممّن لا يخاف وهنه ، ولا سقطته ، ولا بطؤه عمّا الاسراع إليه أحزم ، ولا
إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل
١٤ ـ ومن وصيّة له عليه
السّلام
لعسكره قبل لقاء العدو بصفين
لا تقاتلوهم حتّى يبدءوكم ، فإنّكم ـ بحمد
اللّه ـ على حجّة ، وترككم إيّاهم حتّى يبدءوكم حجّة أخرى لكم عليهم ، فاذا كانت
الهزيمة باذن اللّه فلا تقتلوا مدبرا ، ولا تصيبوا معورا ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تهيجوا
النّساء بأذى ، وإن شتمن أعراضكم ، وسببن أمراءكم ، فإنّهنّ ضعيفات القوى والأنفس
والعقول ، إن كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ وإنّهنّ لمشركات وإن كان الرّجل ليتناول المرأة فى
الجاهليّة بالفهر أو الهراوة فيعيّر بها وعقبه من
بعده.
__________________
١٥ ـ وكان عليه السلام يقول
إذا لقى العدو محاربا :
الّلهمّ أفضت [إليك] القلوب ومدّت الأعناق ، وشخصت الأبصار ، ونقلت
الأقدام ، وأنضيت الأبدان. الّلهمّ قد صرّح مكتوم الشّنآن ، وجاشت مراجل الأضغان الّلهمّ إنّا
نشكو إليك غيبة نبيّنا ، وكثرة عدوّنا ، وتشتّت أهوائنا «رَبَّنَا اِفْتَحْ
بَيْنَنٰا وَبَيْنَ قَوْمِنٰا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ
اَلْفٰاتِحِينَ»
١٦ ـ وكان يقول عليه السلام
لأصحابه عند الحرب
لا تشتدّنّ عليكم فرّة بعدها كرّة ، ولا جولة بعدها حملة ، وأعطوا
السّيوف حقوقها ، ووطّئوا للجنوب مصارعها واذمروا أنفسكم على
الطّعن
__________________
الدّعسى ، والضّرب الطّلحفى ، وأميتوا الأصوات
فإنّه أطرد للفشل ، فو الّذى فلق الحبّة ، وبرأ النّسمة ، ما أسلموا ، ولكن
استسلموا ، وأسرّوا الكفر ، فلمّا وجدوا أعوانا عليه أظهروه!!
١٧ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى معاوية ، جوابا عن كتاب منه إليه
فأمّا طلبك إلىّ الشّام ، فإنّى لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك
أمس ،
__________________
وأمّا قولك «إنّ
الحرب قد أكلت العرب إلاّ حشاشات أنفس بقيت» ألا ومن أكله الحقّ فإلى الجنّة ، ومن
أكله الباطل فإلى النّار. وأمّا استواؤنا فى الحرب والرّجال فلست بأمضى على الشّكّ
منّى على اليقين ، وليس أهل الشّام بأحرص على الدّنيا من أهل العراق على الآخرة. وأمّا
قولك «إنّا بنو عبد مناف» فكذلك نحن ، ولكن ليس أميّة كهاشم ، ولا حرب كعبد
المطّلب ، ولا أبو سفيان كأبى طالب ، ولا المهاجر كالطّليق ، ولا الصّريح كاللّصيق ، ولا المحقّ
كالمبطل ، ولا المؤمن كالمدغل ، ولبئس الخلف [خلفا] يتبع سلفا هوى فى نار جهنّم. وفى
أيدينا بعد فضل النّبوّة الّتى أذللنا بها العزيز ، ونعشنا بها الذّليل .
__________________
ولمّا أدخل اللّه
العرب فى دينه أفواجا ، وأسلمت له هذه الأمّة طوعا وكرها كنتم ممّن دخل فى الدّين
إمّا رغبة وإمّا رهبة على حين فاز أهل السّبق بسبقهم ، وذهب المهاجرون الأوّلون
بفضلهم فلا تجعلنّ للشّيطان فيك نصيبا ، ولا على نفسك سبيلا
١٨ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى عبد اللّه بن عباس ، وهو عامله على
البصرة
اعلم أنّ البصرة مهبط إبليس ومغرس الفتن
فحادث أهلها
بالإحسان إليهم ، واحلل عقدة الخوف عن قلوبهم
وقد بلغنى تنمّرك لبنى تميم وغلظتك عليهم ، [و] إنّ
بنى تميم لم يغب لهم نجم إلاّ طلع لهم آخر ، وإنّهم لم يسبقوا
بوغم فى جاهليّة ولا إسلام ،
__________________
وإنّ لهم بنا رحما
ماسّة ، وقرابة خاصّة ، نحن مأجورون على صلتها ، ومأزورون على قطيعتها ، فاربع أبا العبّاس ، رحمك اللّه ـ فيما جرى
على لسانك ويدك من خير وشرّ ، فإنّا شريكان فى ذلك ، وكن عند صالح ظنّى بك ، ولا
يفيلنّ رأيى فيك ، والسّلام
١٩ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى بعض عماله
أمّا بعد ، فإنّ دهاقين أهل بلدك شكوا
منك غلظة وقسوة
واحتقارا وجفوة ، ونظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم ، فالبس
لهم جلبابا من اللّين تشوبه بطرف من الشّدّة
__________________
وداول لهم بين
القسوة والرّأفة
وامزج لهم بين التّقريب والادناء ، والابعاد والاقصاء ، إن شاء اللّه :
٢٠ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى زياد بن أبيه ، وهو خليفة عامله عبد
اللّه بن عباس على البصرة ، وعبد اللّه عامل أمير المؤمنين [عليه السلام] يومئذ
عليها وعلى كور الأهواز وفارس وكرمان
وإنّى أقسم باللّه قسما صادقا لئن بلغنى
أنّك خنت من فىء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا
لأشدّنّ عليك شدّة تدعك قليل الوفر ، ثقيل الظّهر ، ضئيل الأمر ، والسّلام.
__________________
٢١ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إليه أيضا
فدع الإسراف مقتصدا ، واذكر فى اليوم
غدا ، وأمسك من المال بقدر ضرورتك ، وقدّم الفضل ليوم حاجتك أترجو أن يعطيك اللّه أجر المتواضعين وأنت
عنده من المتكبّرين؟ وتطمع ـ وأنت متمرّغ فى النّعيم تمنعه الضّعيف والأرملة ـ أن
يوجب لك ثواب المتصدّقين ؟
وإنّما المرء مجزىّ بما أسلف
وقادم على ما قدّم ، والسّلام.
٢٢ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى عبد اللّه بن العباس [رحمه اللّه]
وكان [ابن عباس] يقول : ما انتفعت بكلام
بعد كلام رسول اللّه كانتفاعى بهذا الكلام أمّا بعد ، فإنّ المرء قد يسرّه درك ما
لم يكن ليفوته ، ويسوءه فوت ما لم
__________________
يكن ليدركه ، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك ، وليكن
أسفك على ما فاتك منها ، وما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا ، وما فاتك منها فلا
تأس عليه جزعا ، وليكن همّك فيما بعد الموت
٢٣ ـ ومن كلام له عليه
السّلام
قاله قبل موته على سبيل الوصية ، لما
ضربه ابن ملجم لعنه اللّه
وصيّتى لكم أن لا تشركوا باللّه شيئا ،
ومحمّد صلّى اللّه عليه وآله [وسلّم ]
فلا تضيّعوا سنّته : أقيموا هذين العمودين ، [وأوقدوا هذين المصباحين] وخلاكم ذمّ أنا بالأمس صاحبكم ، واليوم عبرة لكم ،
وغدا مفارقكم! إن أبق فأنا ولىّ دمى ، وإن أفن فالفناء ميعادى ، وإن أعف فالعفو لى
قربة ، وهو لكم حسنة ، فاعفوا «أَلاٰ
تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اَللّٰهُ لَكُمْ»؟
واللّه ما فجأنى من الموت وارد كرهته ، ولا طالع أنكرته ، وما كنت إلاّ
__________________
كقارب ورد وطالب وجد «وَمٰا عِنْدَ اَللّٰهِ خَيْرٌ
لِلْأَبْرٰارِ» [قال الرضى] أقول
: وقد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدم من الخطب ، إلا أن فيه ههنا زيادة أوجبت
تكريره
٢٤ ـ ومن وصيّة له عليه
السّلام
بما يعمل فى أمواله ، كتبها بعد منصرفه
من صفين
هذا ما أمر به عبد اللّه علىّ بن أبى
طالب [أمير المؤمنين] فى ماله ابتغاء وجه اللّه ، ليولجه به الجنّة ويعطيه به الأمنة منها : وإنّه يقوم
بذلك الحسن بن علىّ : يأكل منه بالمعروف ، وينفق فى المعروف ، فإن حدث بحسن حدث وحسين حىّ قام بالأمر بعده ، وأصدره
مصدره.
__________________
وإنّ لبنى فاطمة من صدقة علىّ مثل الّذى
لبنى علىّ ، وإنّى إنّما جعلت القيام بذلك إلى ابنى فاطمة ابتغاء وجه اللّه ، وقربة
إلى رسول اللّه ، وتكريما لحرمته ، وتشريفا لوصلته ويشترط على الّذى يجعله إليه أن يترك المال
على أصوله ، وينفق من ثمره حيث أمر به وهدى له ، وأن لا يبيع من أولاد نخيل هذه
القرى وديّة
حتّى تشكل أرضها غراسا ومن كان من إمائى اللاّتى أطوف عليهنّ لها ولد أو هى حامل
فتمسك على ولدها وهى من حظّه ، فإن مات ولدها وهى حيّة فهى عتيقة : قد أفرج عنها
الرّقّ ، وحرّرها العتق قال الرضى : قوله عليه السلام فى هذه الوصية «أن لا يبيع
من نخيلها ودية» : الودية : الفسيلة ، وجمعها ودى ، وقوله عليه السلام «حتى تشكل
أرضها غراسا» هو من أفصح الكلام ، والمراد به أن الأرض يكثر فيها غراس النخل حتى
يراها الناظر على غير تلك الصفة التى عرفها بها فيشكل عليه أمرها ويحسبها غيرها
__________________
٢٥ ـ ومن وصيّة له عليه
السّلام
كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات ، وإنما
ذكرنا هنا جملا [منها] ليعلم بها أنه كان يقيم عماد الحق ، ويشرع أمثلة العدل : فى
صغير الأمور وكبيرها ، ودقيقها وجليلها
انطلق على تقوى اللّه وحده لا شريك له ،
ولا تروّعنّ مسلما
ولا تجتازنّ عليه كارها ، ولا تأخذنّ منه أكثر من حقّ اللّه فى ماله ، فإذا قدمت
على الحىّ فانزل بمائهم ، من غير أن تخالط أبيانهم ، ثمّ امض إليهم بالسّكينة والوقار
حتّى تقوم بينهم فتسلّم عليهم ، ولا تخدج بالتّحيّة لهم ثمّ تقول : عباد اللّه ، أرسلنى إليكم
ولىّ اللّه وخليفته لآخذ منكم حقّ اللّه فى أموالكم ، فهل للّه فى أموالكم من حقّ
فتؤدّوه إلى وليّه؟ فإن قال قائل : لا! فلا تراجعه
__________________
وإن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه وتوعده ، أو
تعسفه ، أو ترهقه! فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضّة ، فإن كان له ماشية أو إبل فلا
تدخلها إلاّ بإذنه ، فإنّ أكثرها له ، فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلّط
عليه ولا عنيف به ، ولا تنفّرنّ بهيمة ولا تفزعنّها ، ولا تسوءنّ صاحبها فيها واصدع
المال صدعين
ثمّ خيّره : فإذا اختار فلا تعرّضنّ لما اختاره ، ثمّ اصدع الباقى صدعين ، ثمّ
خيّره : فإذا اختار فلا تعرّضنّ لما اختاره. فلا تزال كذلك حتّى يبقى ما فيه وفاء
لحقّ اللّه فى ماله ، فاقبض حقّ اللّه منه ، فإن استقالك فأقله ، ثمّ اخلطهما ، ثمّ اصنع مثل الّذى
صنعت أوّلا حتّى تأخذ حقّ اللّه فى ماله. ولا تأخذنّ عودا ولا
هرمة ، ولا مكسورة ، ولا مهلوسة ، ولا ذات عوار ، ولا تأمننّ عليها إلاّ من تثق
بدينه رافقا بمال المسلمين حتّى يوصّله إلى وليّهم فيقسمه بينهم ، ولا توكّل بها
إلاّ ناصحا شفيقا
__________________
وأمينا حفيظا ، غير
معنّف ولا مجحف
ولا ملغب ولا متعب ، ثمّ احدر إلينا ما اجتمع عندك ، نصيّره حيث أمر اللّه ، فاذا أخذها
أمينك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها ولا يمصّر لبنها فيضرّ ذلك بولدها ولا
يجهدنّها ركوبا ، وليعدل بين صواحباتها فى ذلك وبينها ، وليرفّه على اللاّغب ،
وليستأن بالنّقب والظّالع ، وليوردها ما تمرّ به من الغدر ولا
يعدل بها عن نبت الأرض إلى جوادّ الطّرق ، وليروّحها فى السّاعات ، وليمهلها عند
النّطاف والأعشاب ، حتّى
تأتينا ، باذن اللّه ، بدنا منقيات ، غير متعبات ولا مجهودات لنقسمها على كتاب اللّه وسنّة نبيّه
صلّى اللّه عليه وآله ، فانّ ذلك أعظم لأجرك ، وأقرب لرشدك ، إن شاء اللّه.
__________________
٢٦ ـ ومن عهد له عليه السلام
إلى بعض عماله ، وقد بعثه على الصدقة
آمره بتقوى اللّه فى سرائر أمره وخفيّات
عمله ، حيث لا شاهد غيره ، ولا وكيل دونه وآمره أن لا يعمل بشىء من طاعة اللّه
فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسرّ
ومن لم يختلف سرّه وعلانيته ، وفعله ومقالته ، فقد أدّى الأمانة ، وأخلص العبادة وآمره
أن لا يجبههم
ولا يعضههم ، ولا يرغب عنهم تفضّلا بالامارة عليهم ، فإنّهم الإخوان فى الدّين ، والأعوان
على استخراج الحقوق. وإنّ لك فى هذه الصّدقة نصيبا مفروضا ، وحقّا معلوما ، وشركاء
أهل مسكنة ، وضعفاء ذوى فاقة ، وإنّا موفّوك حقّك فوفّهم حقوقهم! وإلاّ فإنّك من
أكثر النّاس خصوما يوم القيامة ، وبؤسا لمن خصمه عند اللّه الفقراء ، والمساكين والسّائلون ، والمدفوعون ، والغارم ، وابن
السّبيل!! ومن استهان بالأمانة ، ورتع فى الخيانة ، ولم ينزّه نفسه ودينه عنها ، فقد
أحلّ بنفسه
__________________
فى الدّنيا [الذّلّ
و] الخزى
وهو فى الآخرة أذلّ وأخزى ، وإنّ أعظم الخيانة خيانة الأمّة ، وأفظع الغشّ غشّ
الأئمّة ، والسّلام.
٢٧ ـ ومن عهد له عليه السلام
إلى محمد بن أبى بكر ، [رضى اللّه عنهما]
حين قلده مصر
فاخفض لهم جناحك ، وألن لهم جانبك ، وابسط
لهم وجهك ، وآس
بينهم فى اللّحظة والنّظرة ، حتّى لا يطمع العظماء فى حيفك لهم ، ولا ييأس
الضّعفاء من عدلك عليهم ، فإنّ اللّه تعالى يسائلكم معشر عباده عن الصّغيرة من
أعمالكم والكبيرة ، والظّاهرة والمستورة : فإن يعذّب فأنتم أظلم ، وإن يعف فهو
أكرم.
واعلموا ، عباد اللّه ، أنّ المتّقين
ذهبوا بعاجل الدّنيا وآجل الآخرة ، فشاركوا أهل الدّنيا فى دنياهم ، ولم يشاركهم
أهل الدّنيا فى آخرتهم : سكنوا الدّنيا بأفضل ما سكنت ، وأكلوها بأفضل ما أكلت ، فحظوا
من الدّنيا بما حظى به المترفون
وأخذوا منها ما أخذ [ه] الجبابرة المتكبّرون ، ثمّ انقلبوا
__________________
عنها بالزّاد
المبلّغ ، والمتجر الرّابح : أصابوا لذّة زهد الدّنيا فى دنياهم ، وتيقّنوا أنهم
جيران اللّه غدا فى آخرتهم ، لا تردّ لهم دعوة ، ولا ينقص لهم نصيب من لذّة ، فاحذروا
عباد اللّه الموت وقربه ، وأعدّوا له عدّته ، فإنّه يأتى بأمر عظيم ، وخطب جليل : بخير
لا يكون معه شرّ أبدا ، أو شرّ لا يكون معه خير أبدا! فمن أقرب إلى الجنّة من
عاملها ، ومن أقرب إلى النّار من عاملها؟
وأنتم طرداء الموت : إن أقمتم له أخذكم ، وإن فررتم منه أدرككم ، وهو ألزم لكم من
ظلّكم! الموت معقود بنواصيكم
، والدّنيا تطوى من خلفكم ، فاحذروا نارا قعرها بعيد ، وحرّها شديد ، وعذابها جديد
: [دار] ليس فيها رحمة ، ولا تسمع فيها دعوة ، ولا تفرّج فيها كربة ، وإن استطعتم
أن يشتدّ خوفكم من اللّه ، وأن يحسن ظنّكم [به] ، فاجمعوا بينهما ، فإنّ العبد
إنّما يكون حسن ظنّه بربّه على قدر خوفه من ربّه ، وإنّ أحسن النّاس ظنّا باللّه أشدّهم
خوفا للّه
__________________
واعلم ، يا محمّد بن
أبى بكر ، أنّى قد ولّيتك أعظم أجنادى فى نفسى : أهل مصر ، فأنت محقوق أن تخالف
على نفسك
، وأن تنافح عن دينك ، ولو لم يكن لك إلاّ ساعة من الدّهر ، ولا تسخط اللّه برضا
أحد من خلقه ، فانّ فى اللّه خلفا من غيره
، وليس من اللّه خلف فى غيره. صلّ الصّلاة لوقتها المؤقّت لها ، ولا تعجّل وقتها
لفراغ ، ولا تؤخّرها عن وقتها لاشتغال ، واعلم أنّ كلّ شىء من عملك تبع لصلاتك ومنه
: فإنّه لا سواء : إمام الهدى ، وإمام الرّدى ، وولىّ النّبىّ ، وعدوّ النّبىّ. ولقد
قال لى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : «إنّى لا أخاف على أمّتى مؤمنا ولا
مشركا : أمّا المؤمن فيمنعه اللّه بإيمانه ، وأمّا المشرك فيقمعه اللّه بشركه ولكنّى أخاف عليكم كلّ منافق الجنان
عالم اللّسان : يقول ما تعرفون ، ويفعل ما تنكرون»
__________________
٢٨ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى معاوية جوابا ، وهو من محاسن الكتب
أمّا بعد ، فقد أتانى كتابك تذكر فيه
اصطفاء اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه وآله لدينه ، وتأييده إيّاه بمن أيّده من
أصحابه ، فلقد خبأ لنا الدّهر منك عجبا
إذ طفقت تخبرنا ببلاء اللّه [تعالى] عندنا ، ونعمته علينا فى نبيّنا ، فكنت فى ذلك
كناقل التّمر إلى هجر
أو داعى مسدّده إلى النّضال ، وزعمت أنّ أفضل النّاس فى الاسلام فلان وفلان! [فذكرت]
أمرا إن تمّم اعتزلك كلّه
وإن نقص لم يلحقك ثلمه ، وما أنت والفاضل والمفضول ، والسّائس والمسوس ، وما
للطّلقاء وأبناء الطّلقاء ، والتّمييز بين المهاجرين الأوّلين ، وترتيب درجاتهم ،
وتعريف طبقاتهم ؟ هيهات! لقد حنّ قدح
ليس منها وطفق يحكم فيها
__________________
من عليه الحكم لها ،
ألا تربع ، أيّها الانسان؟ على ظلعك
وتعرف قصور ذرعك ، وتتأخّر حيث أخّرك القدر! فما عليك غلمة المغلوب ولا ظفر
الظّافر! وإنّك لذهّاب فى التّيه
، روّاغ عن القصد ، ألا ترى ـ غير مخبر لك ، ولكن بنعمة اللّه أحدّث أنّ قوما استشهدوا فى سبيل اللّه من المهاجرين [والأنصار]
ولكلّ فضل! حتّى إذا استشهد شهيدنا قيل «سيّد الشّهداء»
وخصّه رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه؟
أولا ترى أنّ قوما قطّعت أيديهم فى سبيل اللّه ولكلّ فضل! حتّى إذا فعل بواحدنا ما
فعل بواحدهم قيل : «الطّيّار فى
الجنّة ، وذو الجناحين» ولو لا
__________________
ما نهى اللّه عنه من
تزكية المرء نفسه أذكر ذاكر فضائل جمّة
تعرفها قلوب المؤمنين ، ولا تمجّها آذان السّامعين. فدع عنك من مالت به الرّميّة فإنّا صنائع ربّنا والنّاس بعد صنائع لنا ، لم يمنعنا
قديم عزّنا ولا عادىّ طولنا على
قومك أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء ، ولستم هناك! وأنّى يكون ذلك
كذلك ، ومنّا النّبىّ ومنكم المكذّب ؟ ومنّا أسد اللّه ،
ومنكم أسد الأحلاف ، ومنّا سيّدا شباب أهل الجنّة ، ومنكم صبية النّار ، ومنّا خير
نساء العالمين ، ومنكم حمّالة الحطب؟ فى كثير ممّا لنا وعليكم
__________________
فإسلامنا [ما] قد
سمع وجاهليّتنا لا تدفع
، وكتاب اللّه يجمع لنا ما شذّ عنّا وهو قوله : «وَأُولُوا اَلْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اَللّٰهِ»
وقوله تعالى : «إِنَّ
أَوْلَى اَلنّٰاسِ بِإِبْرٰاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَهٰذَا
اَلنَّبِيُّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاَللّٰهُ وَلِيُّ اَلْمُؤْمِنِينَ»
فنحن مرّة أولى بالقرابة ، وتارة أولى بالطّاعة. ولمّا احتجّ المهاجرون على
الأنصار يوم السّقيفة برسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فلجوا عليهم فإن يكن الفلج به فالحقّ لنا دونكم ، وإن
يكن بغيره فالأنصار على دعواهم!
وزعمت أنّى لكلّ الخلفاء حسدت ، وعلى
كلّهم بغيت! فإن يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر إليك
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
__________________
وقلت : «إنّى كنت أقاد كما يقاد الجمل
المخشوش حتّى أبايع
، ولعمر اللّه لقد أردت أن تذمّ فمدحت ، وأن تفضح فافتضحت! وما على المسلم من
غضاضة فى أن يكون مظلوما
ما لم يكن شاكّا فى دينه ، ولا مرتابا بيقينه ، وهذه حجّتى إلى غيرك قصدها ، ولكنّى أطلقت لك منها بقدر ما سنح من
ذكرها.
ثمّ ذكرت ما كان من أمرى وأمر عثمان ، فلك
أن تجاب عن هذه لرحمك منه فأيّنا كان أعدى له ،
وأهدى إلى مقاتله ، أمن بذل له نصرته فاستقعده واستكفّه ؟
أمّن استنصره فتراخى عنه وبثّ المنون إليه
__________________
حتّى أتى قدره عليه؟!
كلاّ واللّه : (لَقَدْ عَلِمَ اَللّٰهُ اَلْمُعَوِّقِينَ
مِنْكُمْ وَاَلْقٰائِلِينَ
لِإِخْوٰانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنٰا وَلاٰ يَأْتُونَ اَلْبَأْسَ
إِلاّٰ قَلِيلاً)
وما كنت لأعتذر من أنّى كنت أنقم عليه
أحداثا
فإن كان الذّنب إليه إرشادى وهدايتى له ، فربّ ملوم لا ذنب له
وقد يستفيد الظّنّة المتنصّح (وَمَا أَرَدْتُ إِلاَّ
اَلْإِصْلاٰحَ مَا اِسْتَطَعْتُ وَمٰا تَوْفِيقِي إِلاّٰ
بِاللّٰهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
[وَإِلَيْهِ
أُنِيبُ])
وذكرت أنّه ليس لى ولأصحابى [عندك] إلاّ
السّيف! فلقد أضحكت بعد استعبار ! متى ألفيت بنى عبد
المطّلب عن الأعداء ناكلين وبالسّيف مخوّفين
لبّث قليلا يلحق الهيجا حمل فسيطلبك من تطلب ، ويقرب
__________________
منك ما تستبعد ، وأنا
مرقل نحوك
فى جحفل من المهاجرين والأنصار والتّابعين لهم بإحسان ، شديد زحامهم ، ساطع قتامهم ، متسربلين سربال الموت أحبّ اللّقاء إليهم لقاء ربّهم ، قد
صحبتهم ذرّيّة بدريّة ، وسيوف هاشميّة ، قد
عرفت مواقع نصالها فى أخيك وخالك وجدّك وأهلك «وَمٰا هِيَ مِنَ
اَلظّٰالِمِينَ بِبَعِيدٍ»
٢٩ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى أهل البصرة
وقد كان من انتشار حبلكم وشقاقكم ما لم
تغبوا عنه ، فعفوت عن مجرمكم ،
ورفعت السّيف عن مدبركم ، وقبلت من مقبلكم ، فإن خطت بكم
__________________
الأمور المردية ، وسفه الآراء الجائرة إلى منابذنى وخلافى
فها أنا ذا قد قرّبت جيادى
، ورحّلت ركابى ، ولئن ألجأتمونى إلى المسير إليكم لأوقعنّ بكم وقعة لا يكون يوم
الجمل إليها إلاّ كلعقة لاعق
، مع أنّى عارف لذى الطّاعة منكم فضله ، ولذى النّصيحة حقّه ، غير متجاوز متّهما
إلى برىء ، ولا ناكثا إلى وفىّ
٣٠ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى معاوية
فاتّق اللّه فيما لديك ، وانظر فى حقّه
عليك ، وارجع إلى معرفة ما لا تعذر بجهالته ، فانّ للطّاعة أعلاما واضحة ، وسبلا
نيّرة ، ومحجّة نهجة ، وغاية مطلوبة ، يردها
الأكياس ، ويخالفها الأنكاس
، من نكّب عنها جار
__________________
عن الحقّ وخبط فى
التّيه
، وغيّر اللّه نعمته ، وأحلّ به نقمته ، فنفسك نفسك ، فقد بيّن اللّه لك سبيلك ، وحيث
تناهت بك أمورك فقد أجريت إلى غاية خسر ، ومحلّة كفر ، وإنّ نفسك قد أولجتك شرّا ، وأقحمتك غيّا ، وأوردتك المهالك ، وأوعرت عليك
المسالك
٣١ ـ ومن وصيّة له عليه
السّلام
للحسن بن على عليهما السلام ، كتبها
إليه بحاضرين [منصرفا] من صفين
من الوالد الفان ، المقرّ للزّمان المدبر
العمر ، المستسلم للدّهر ، الذّامّ للدّنيا ، السّاكن مساكن الموتى ، والظّاعن
عنها غدا ، إلى المولود المؤمّل ما لا يدرك
، السّالك سبيل من قد هلك ، غرض الأسقام ، ورهينة الأيّام ، ورميّة المصائب ، وعبد الدّنيا ، وتاجر الغرور ، وغريم
المنايا ، وأسير
__________________
الموت ، وحليف
الهموم ، وقرين الأحزان ، ونصب الآفات
، وصريع الشّهوات ، وخليفة الأموات
أمّا بعد ، فإنّ فيما تبيّنت من إدبار
الدّنيا عنّى ، وجموح الدّهر علىّ
، وإقبال الآخرة إلىّ ، ما يرغّبنى عن ذكر من سواى ، والاهتمام بما ورائى غير
أنّى حيث تفرّد بى ـ دون هموم النّاس ـ همّ نفسى ، فصدقنى رأيى ، وصرفنى عن هوائى ،
وصرّح لى محض أمرى ، فأفضى بى إلى جدّ لا يكون فيه لعب ، وصدق لا يشوبه كذب ، ووجدتك
بعضى ، بل وجدتك كلّى ، حتّى كأنّ شيئا لو أصابك أصابنى ، وكأنّ الموت لو أتاك
أتانى فعنانى من أمرك ما يعنينى من أمر نفسى ، فكتبت إليك [كتابى]
__________________
مستظهرا به إن أنا
بقيت لك أو فنيت
فانّى أوصيك بتقوى اللّه ولزوم أمره ، وعمارة
قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله ، وأىّ سبب أوثق من سبب بينك وبين اللّه إن أنت أخذت
به؟؟ أحى قلبك بالموعظة ، وأمته بالزّهادة ، وقوّه باليقين ، ونوّره بالحكمة ، وذلّله
بذكر الموت ، وقرّره بالفناء
، وبصّره فجائع الدّنيا ، وحذّره صولة الدّهر ، وفحش تقلّب اللّيالى والأيّام ، وأعرض
عليه أخبار الماضين ، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين ، وسر فى ديارهم وآثارهم
، فانظر فيما فعلوا ، وعمّا انتقلوا ، وأين حلّوا ونزلوا ، فإنّك تجدهم قد انتقلوا
عن الأحبّة وحلّوا ديار الغربة ، وكأنّك عن قليل قد صرت كأحدهم ، فأصلح مثواك ، ولا
تبع آخرتك بدنياك ، ودع القول فيما لا تعرف ، والخطاب فيما لم تكلّف وأمسك عن طريق
إذا خفت ضلالته ، فإنّ الكفّ عند حيرة الضّلال خير من ركوب الأهوال ، وأمر
بالمعروف تكن من أهله ، وأنكر المنكر بيدك ولسانك ، وباين من فعله بجهدك ، وجاهد فى اللّه حقّ جهاده ، ولا
تأخذك
__________________
فى اللّه لومة لائم
، وخض الغمرات للحقّ حيث كان
، وتفقّه فى الدّين ، وعوّد نفسك التّصبّر على المكروه ، ونعم الخلق التّصبّر [فى
الحقّ] ، وألجىء نفسك فى الأمور كلّها إلى إلهك فإنّك تلجئها إلى كهف حريز ، ومانع عزيز ، وأخلص فى المسألة لربّك
فإنّ بيده العطاء والحرمان ، وأكثر الاستخارة
، وتفهّم وصيّتى ، ولا تذهبنّ عنها صفحا ، فانّ خير القول ما
نفع ، واعلم أنّه لا خير فى علم لا ينفع ، ولا ينتفع بعلم لا يحقّ تعلّمه أى
بنىّ ، إنّى لمّا رأيتنى قد بلغت سنّا ، ورأيتنى أزداد
وهنا ، بادرت بوصيّتى إليك ، وأوردت خصالا منها قبل أن يعجل بى أجلى دون أن أفضى
إليك بما فى نفسى
، وأن أنقص فى رأيى كما نقصت فى جسمى
، أو يسبقنى إليك بعض غلبات الهوى ، أو فتن الدّنيا ، فتكون كالصّعب
__________________
النّفور ، وإنّما
قلب الحدث كالأرض الخالية : ما ألقى فيها من شىء قبلته ، فبادرتك بالأدب قبل أن
يقسو قلبك ويشتغل لبّك ، لتستقبل بجدّ رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التّجارب
بغيته وتجربته
فتكون قد كفيت مؤونة الطّلب ، وعوفيت من علاج التّجربة ، فأتاك من ذلك ما قد كنّا
نأتيه ، واستبان لك ما ربّما أظلم علينا منه
أى بنىّ ،
إنّى ـ وإن لم أكن عمّرت عمر من كان
قبلى ـ فقد نظرت فى أعمالهم ، وفكّرت فى أخبارهم ، وسرت فى آثارهم ، حتّى عدت
كأحدهم ، بل كأنّى بما انتهى إلىّ من أمورهم قد عمّرت مع أوّلهم إلى آخرهم ، فعرفت
صفو ذلك من كدره ، ونفعه من ضرره ، فاستخلصت لك من كلّ أمر نخيله وتوخّيت لك جميله ، وصرفت عنك مجهوله ،
ورأيت ـ حيث عنانى من أمرك ما يعنى الوالد الشّفيق ، وأجمعت عليه من أدبك ـ أن يكون
__________________
ذلك وأنت مقبل العمر
، ومقتبل الدّهر ، ذو نيّة سليمة ونفس صافية ، وأن أبتدئك بتعليم كتاب اللّه وتأويله
، وشرائع الاسلام وأحكامه ، وحلاله وحرامه ، [و] لا أجاوز لك إلى غيره ، ثمّ أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف النّاس فيه من
أهوائهم وآرائهم مثل الّذى التبس عليهم
، فكان إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحبّ إلىّ من إسلامك إلى أمر لا آمن
عليك به الهلكة ، ورجوت أن يوفّقك
اللّه لرشدك ، وأن يهديك لقصدك ، فعهدت إليك وصيّتى هذه.
واعلم ، يا بنىّ ، أنّ أحبّ ما أنت آخذ
به إلىّ من وصيّتى ، تقوى اللّه والإقتصار على ما فرضه اللّه عليك ، والأخذ بما
مضى عليه الأوّلون من آبائك والصّالحون من أهل بيتك ، فإنّهم لم يدعوا أن نظروا
لأنفسهم كما أنت ناظر ، وفكّروا كما أنت
مفكّر ، ثمّ ردّهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا
__________________
والامساك عمّا لم
يكلّفوا ، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك ذلك بتفهّم
وتعلّم ، لا بتورّط الشّبهات ، وعلوّ الخصوصيّات وابدأ ـ قبل نظرك فى ذلك ـ بالاستعانة
بالهك ، والرّغبة إليه فى توفيقك ، وترك كلّ شائبة أولجتك فى شبهة ، أو أسلمتك إلى ضلالة ، فإذا أيقنت أن
قد صفا قلبك فخشع ، وتمّ رأيك فاجتمع ، وكان همّك فى ذلك همّا واحدا ، فانظر فيما
فسّرت لك ، وإن أنت لم يجتمع لك ما تحبّ من نفسك وفراغ نظرك وفكرك ، فاعلم أنّك
إنّما تخبط العشواء
، وتتورّط الظّلماء ، وليس طالب الدّين من خبط أو خلط! والإمساك عن ذلك أمثل . فتفهّم
، يا بنىّ ، وصيّتى ، واعلم أنّ مالك الموت هو مالك الحياة ، وأنّ الخالق هو
المميت ، وأنّ المفنى هو المعيد ، وأنّ المبتلى هو المعافى ، وأنّ الدّنيا لم تكن
__________________
لتستقرّ إلاّ على ما
جعلها اللّه عليه من النّعماء
والابتلاء والجزاء فى المعاد ، أو ما شاء ممّا لا نعلم. فإن أشكل عليك شىء من ذلك
فاحمله على جهالتك به ، فإنّك أوّل ما خلقت جاهلا ثمّ علّمت ، وما أكثر ما تجهل من
الأمر ، ويتحيّر فيه رأيك ، ويضلّ فيه بصرك ، ثمّ تبصره بعد ذلك ، فاعتصم بالّذى
خلقك ورزقك وسوّاك ، وليكن له تعبّدك ، وإليه رغبتك ، ومنه شفقتك . واعلم ، يا بنىّ ، أنّ أحدا لم ينبئ
عن اللّه كما أنبأ عنه الرّسول ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فارض به رائدا وإلى النّجاة قائدا ، فإنّى لم آلك
نصيحة وإنّك لن تبلغ فى النّظر لنفسك ـ وإن اجتهدت ـ مبلغ
نظرى لك. واعلم ، يا بنىّ ، أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله ، ولرأيت آثار ملكه
وسلطانه ، ولعرفت أفعاله وصفاته ، ولكنّه إله واحد! كما وصف نفسه ، لا يضادّه فى
ملكه أحد ، ولا يزول أبدا ، ولم يزل ، أوّل قبل الأشياء بلا
__________________
أوّليّة وآخر بعد الأشياء بلا نهاية. عظم عن أن
تثبت ربوبيّته باحاطة قلب أو بصر ، فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغى لمثلك أن يفعله
فى صغر خطره
وقلّة مقدرته ، وكثرة عجزه ، وعظيم حاجته إلى ربّه ، فى طلب طاعته ، والخشية من
عقوبته ، والشّفقة من سخطه ، فإنّه لم يأمرك إلاّ بحسن ، ولم ينهك إلاّ عن قبيح.
يا بنىّ ، إنّى قد أنبأتك عن الدّنيا وحالها
، وزوالها وانتقالها ، وأنبأتك عن الآخرة وما أعدّ لأهلها [فيها] ، وضربت لك فيهما
الأمثال لتعتبر بها ، وتحذو عليها! إنّما مثل من خبر الدّنيا كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جديب فأمّوا
منزلا خصيبا ، وجنابا مريعا ، فاحتملوا وعثاء الطّريق ،
وفراق الصّديق ، وخشونة السّفر ، وجشوبة المطعم ، ليأتوا سعة دارهم ومنزل قرارهم ،
فليس يجدون لشىء من ذلك ألما ، ولا يرون نفقة [فيه] مغرما ، ولا شىء أحبّ
__________________
إليهم ممّا قرّبهم
من منزلهم ، وأدناهم من محلّهم. ومثل من اغترّ بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصيب فنبا
بهم إلى منزل جديب ، فليس شىء أكره إليهم ولا أفظع عندهم من مفارقة ما كانوا فيه
إلى ما يهجمون عليه
ويصيرون إليه! يا بنىّ ، اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك ، فأحبب لغيرك ما
تحبّ لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تحبّ أن تظلم ، وأحسن كما
تحبّ أن يحسن إليك ، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك ، وارض من النّاس بما
ترضاه لهم من نفسك
، ولا تقل ما لا تعلم ، وإن قلّ ما تعلم ولا تقل ما لا تحبّ أن يقال لك.
واعلم أنّ الاعجاب ضدّ الصّواب ، وآفة
الألباب
، فاسع فى كدحك ولا تكن خازنا لغيرك ،
وإذا كنت هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربّك.
__________________
واعلم أنّ أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة ومشقّة شديدة. وأنّه لا غنى لك فيه عن
حسن الارتياد
، وقدّر بلاغك من الزّاد مع خفّة الظّهر فلا تحملنّ على ظهرك فوق طاقتك فيكون ثقل
ذلك وبالا عليك. وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة فيوافيك
به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمّله إيّاه
وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه ، فلعلّك تطلبه فلا تجده ، واغتنم من استقرضك فى
حال غناك ليجعل قضاءه لك فى يوم عسرتك واعلم أنّ أمامك عقبة كئودا المخفّ
فيها أحسن حالا من المثقل والبطىء عليها أقبح حالا من المسرع ، وأنّ مهبطك بها لا
محالة على جنّة أو على نار ، فارتد لنفسك قبل نزولك ،
ووطّىء المنزل قبل حلولك ، فليس بعد الموت مستعتب ،
ولا إلى الدّنيا منصرف
__________________
واعلم أنّ الّذى بيده خزائن السّموات والأرض
قد أذن لك فى الدّعاء ، وتكفّل لك بالإجابة ، وأمرك أن تسأله ليعطيك ، وتسترحمه
ليرحمك ، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك ، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه. ولم
يمنعك إن أسأت من التّوبة ، ولم يعاجلك بالنّقمة [ولم يعيّرك بالانابة ،] ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى ، ولم
يشدّد عليك فى قبول الانابة ، ولم يناقشك بالجريمة ، ولم يوئسك من الرّحمة ، بل
جعل نزوعك عن الذّنب حسنة
، وحسب سيّئتك واحدة وحسب حسنتك عشرا ، وفتح لك باب المتاب [وباب الاستيعاب] فاذا
ناديته سمع نداءك ، وإذا ناجيته علم نجواك
فأفضيت إليه بحاجتك ، وأبثثته ذات نفسك
، وشكوت إليه همومك ، واستكشفته كروبك ، واستعنته على
أمورك ، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره : من زيادة الأعمار ، وصحّة
__________________
الأبدان. وسعة
الأرزاق. ثمّ جعل فى يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك [فيه] من مسألته ، فمتى شئت
استفتحت بالدّعاء أبواب نعمته ، واستمطرت شآبيب رحمته ، فلا يقنطنّك إبطاء إجابته ، فانّ العطيّة على قدر النّيّة ، وربّما
أخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل ، وأجزل لعطاء الآمل ، وربّما سألت
الشّىء فلا تؤتاه ، وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا ، أو صرف عنك لما هو خير لك ، فلربّ
أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته. فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله ، وينفى
عنك وباله ، والمال [لا] يبقى لك ، ولا تبقى له
واعلم أنّك إنّما خلقت للآخرة لا
للدّنيا ، وللفناء لا للبقاء ، وللموت لا للحياة ، وأنّك فى منزل قلعة ، ودار بلغة ، وطريق إلى الآخرة ، وأنّك
طريد الموت الّذى لا ينجو منه هاربه ، ولا يفوته طالبه ، ولا بدّ أنّه مدركه
__________________
فكن منه على حذر أن
يدركك وأنت على حال سيّئة قد كنت تحدّث نفسك منها بالتّوبة فيحول بينك وبين ذلك ، فإذا
أنت قد أهلكت نفسك
يا بنىّ ، أكثر من ذكر الموت ، وذكر ما
تهجم عليه ، وتفضى بعد الموت إليه ، حتّى يأتيك وقد أخذت منه حذرك وشددت له أزرك ، ولا يأتيك بغتة فيبهرك
! وإيّاك أن
تغترّ بما ترى من إخلاد أهل الدّنيا إليها
وتكالبهم عليها ، فقد نبّأ اللّه عنها ، ونعت لك نفسها ،
وتكشّفت لك عن مساويها ، فإنّما أهلها كلاب عاوية ، وسباع ضارية ، يهرّ بعضها بعضا
ويأكل عزيزها ذليلها ، ويقهر كبيرها صغيرها ، نعم
معقّلة وأخرى مهملة قد أضلّت
عقولها
وركبت مجهولها ، سروح عاهة
بواد وعث! ليس
__________________
لها راع يقيمها ، ولا
مسيم يسيمها !
سلكت بهم الدّنيا طريق العمى ، وأخذت بأبصارهم عن منار الهدى ، فتاهوا فى حيرتها ،
وغرقوا فى نعمتها ، واتّخذوها ربّا فلعبت بهم ولعبوا بها ونسوا ما وراءها!!
رويدا يسفر الظّلام كأن قد وردت الأظعان ! يوشك من أسرع أن يلحق
واعلم [يا بنىّ] أنّ من كانت مطيّته
اللّيل والنّهار فانّه يسار به وإن كان واقفا ، ويقطع المسافة وإن كان مقيما وادعا
واعلم يقينا أنّك لن تبلغ أملك ، ولن تعدو أجلك
، وأنّك فى سبيل من كان قبلك ، فخفّض فى الطّلب وأجمل
فى المكتسب ، فانّه ربّ طلب قد
__________________
جرّ إلى حرب ، فليس كلّ طالب بمرزوق ، ولا كلّ مجمل
بمحروم ، وأكرم نفسك عن كلّ دنيّة وإن ساقتك إلى الرّغائب ، فانّك لن تعتاض بما
تبذل من نفسك عوضا
ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك اللّه حرّا ، وما خير خير لا ينال إلاّ بشرّ ويسر لا ينال إلاّ بعسر؟! وإيّاك
أن توجف بك مطايا الطّمع فتوردك مناهل الهلكة
، وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين اللّه ذو نعمة فافعل ، فإنّك مدرك قسمك ، وآخذ
سهمك! وإنّ اليسير من اللّه ـ سبحانه ـ أعظم وأكرم من الكثير من خلقه وإن كان كلّ
منه. وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك
__________________
وحفظ ما فى الوعاء
بشدّ الوكاء ، وحفظ ما فى يديك أحبّ إلىّ من طلب ما فى يد غيرك . ومرارة اليأس خير من الطّلب إلى
النّاس ، والحرفة مع العفّة خير من الغنى مع الفجور ، والمرء أحفظ لسرّه . وربّ ساع فيما يضرّه ! من أكثر أهجر ،
ومن تفكّر أبصر! قارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشّرّ تبن عنهم! بئس
الطّعام الحرام ، وظلم الضّعيف أفحش الظّلم. إذا كان الرّفق خرقا كان الخرق رفقا . ربّما
كان الدّواء داء والدّاء دواء ، وربّما نصح غير النّاصح وغشّ المستنصح . وإيّاك
واتّكالك على المنى
__________________
فإنّها بضائع الموتى
والعقل حفظ
التّجارب. وخير ما جرّبت ما وعظك
، بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة. ليس كلّ طالب يصيب ، ولا كلّ غائب يؤوب ، ومن
الفساد إضاعة الزّاد
ومفسدة المعاد ، ولكلّ أمر عاقبة ، سوف يأتيك ما قدّر لك ، التّاجر مخاطر! وربّ
يسير أنمى من كثير ، ولا خير فى معين مهين ، ولا فى صديق ظنين
، ساهل الدّهر ما ذلّ لك قعوده ، ولا تخاطر بشىء
رجاء أكثر منه ، وإيّاك أن تجمح بك مطيّة اللّجاج ! احمل
__________________
نفسك من أخيك ـ عند
صرمه ـ على الصّلة
، وعند صدوده على اللّطف والمقاربة ، وعند جموده على البذل ، وعند تباعده على الدّنوّ ، وعند
شدّته على اللّين وعند جرمه على العذر ، حتّى كأنّك له عبد ، وكأنّه ذو نعمة عليك
، وإيّاك أن تضع ذلك فى غير موضعه ، أو أن تفعله بغير أهله ، لا تتّخذنّ عدوّ
صديقك صديقا فتعادى صديقك ، وامحض أخاك النّصيحة حسنة كانت أو قبيحة ، وتجرّع
الغيظ فانّى لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذّ مغبّة ، ولن لمن غالظك فانّه
يوشك أن يلين لك ، وخذ على عدوّك بالفضل فانّه أحلى الظّفرين وإن
أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقيّة يرجع إليها إن بدا له ذلك يوما ما ،
ومن ظنّ بك خيرا فصدّق ظنّه
، ولا تضيعنّ حقّ أخيك
__________________
اتّكالا على ما بينك
وبينه ، فإنّه ليس لك بأخ من أضعت حقّه ، ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك ، ولا ترغبنّ
فيمن زهد عنك ، ولا يكوننّ أخوك على مقاطعتك أقوى منك على صلته ولا يكوننّ على الاساءة أقوى منك على
الإحسان ، ولا يكبرنّ عليك ظلم من ظلمك ، فانّه يسعى فى مضرّته ونفعك ، وليس جزاء
من سرّك أن تسوءه.
واعلم ، يا بنىّ ، أنّ الرّزق رزقان : رزق
تطلبه ، ورزق يطلبك ، فإن أنت لم تأته أتاك. ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء
عند الغنى. إنّ لك من دنياك ما أصلحت به مثواك
، وإن جزعت على ما تفلّت من يديك
فاجزع على كلّ ما لم يصل إليك. استدلّ على ما لم يكن بما قد كان [فإنّ الأمور
أشباه] ، ولا تكوننّ ممّن لا تنفعه العظة إلاّ إذا بالغت فى إيلامه ، فإنّ العاقل
يتّعظ بالآداب ، والبهائم لا تتّعظ إلاّ بالضّرب. اطرح عنك
__________________
واردات الهموم
بعزائم الصّبر وحسن اليقين ، من ترك القصد جار
، والصّاحب مناسب
والصّديق من صدق غيبه
والهوى شريك العناء ، ربّ قريب أبعد من
بعيد ، وربّ بعيد أقرب من قريب ، والغريب من لم يكن له حبيب. من تعدّى الحقّ ضاق
مذهبه ، ومن اقتصر على قدره كان أبقى له. وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين اللّه ،
ومن لم يبالك فهو عدوّك قد يكون اليأس
إدراكا إذا كان الطّمع هلاكا. ليس كلّ عورة تظهر ، ولا كلّ فرصة تصاب ، وربّما
أخطأ البصير قصده ، وأصاب الأعمى رشده. أخّر الشّرّ فإنّك إذا شئت تعجّلته وقطيعة
الجاهل تعدل صلة العاقل. من أمن الزّمان خانه ، ومن أعظمه أهانه ! ليس كلّ من رمى أصاب ، إذا تغيّر
السّلطان تغيّر الزّمان ، سل عن الرّفيق قبل الطّريق ، وعن الجار قبل الدّار.
إيّاك أن تذكر من الكلام ما كان مضحكا ، وإن حكيت
__________________
ذلك عن غيرك ، وإيّاك
ومشاورة النّساء ، فانّ رأيهنّ إلى أفن وعزمهنّ إلى وهن واكفف عليهنّ من أبصارهنّ بحجابك
إيّاهنّ ، فانّ شدّة الحجاب أبقى عليهنّ ، وليس خروجهنّ بأشدّ من إدخالك من لا
يوثق به عليهنّ
وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل ، ولا تملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها ، فانّ
المرأة ريحانة وليست بقهرمانة
ولا تعد بكرامتها نفسها ، ولا تطمعها فى أن تشفع بغيرها ، وإيّاك والتّغاير فى غير
موضع غيرة ، فانّ ذلك يدعو
الصّحيحة إلى السّقم ، والبريئة إلى الرّيب ، واجعل لكلّ إنسان من خدمك عملا تأخذه
به ، فانّه أحرى أن لا يتواكلوا فى خدمتك وأكرم عشيرتك فانّهم
جناحك الّذى به تطير ، وأصلك الّذى إليه تصير ، ويدك الّتى بها تصول.
__________________
استودع اللّه دينك ودنياك ، وأسأله خير
القضاء [لك] فى العاجلة والآجلة ، والدّنيا والآخرة ، والسّلام.
٣٢ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى معاوية
وأرديت جيلا من النّاس كثيرا : خدعتهم بغيّك وألقيتهم فى موج بحرك ، تغشاهم
الظّلمات ، وتتلاطم بهم الشّبهات ، فجازوا عن وجهتهم ونكصوا على أعقابهم ، وتولّوا على
أدبارهم ، وعوّلوا على أحسابهم ، إلاّ من فاء من
أهل البصائر ، فانّهم فارقوك بعد معرفتك ، وهربوا إلى اللّه من موازرتك ،
إذ حملتهم على الصّعب ، وعدلت بهم عن القصد ، فاتّق اللّه يا معاوية فى نفسك ، وجاذب
الشّيطان قيادك ، فانّ
__________________
الدّنيا منقطعة عنك
، والآخرة قريبة منك ، والسّلام.
٣٣ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى قثم بن العباس ، وهو عامله على مكة
أمّا بعد ، فإنّ عينى بالمغرب كتب إلىّ [يعلمنى] أنّه وجّه إلى
الموسم أناس من أهل الشّام
، العمى القلوب ، الصّمّ الأسماع ، الكمه الأبصار ، الّذين يلتمسون الحقّ بالباطل ، ويطيعون
المخلوق فى معصية الخالق ، ويحتلبون الدّنيا درّها بالدّين ويشترون
عاجلها بآجل الأبرار [و] المتّقين ، ولن يفوز بالخير إلاّ عامله ، ولا يجزى جزاء
الشّرّ إلاّ فاعله ، فأقم على ما فى يديك قيام الحازم الصّليب ،
والنّاصح اللّبيب ، [و] التّابع لسلطانه المطيع لامامه ، وإيّاك وما يعتذر منه ،
ولا تكن عند النّعماء
__________________
بطرا ولا عند البأساء فشلا ، والسّلام.
٣٤ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى محمد بن أبى بكر ، لما بلغه توجده
من عزله
بالأشتر عن مصر
ثم توفى الأشتر فى توجهه إلى مصر قبل وصوله
إليها
أمّا بعد ، فقد بلغنى موجدتك من تسريح
الأشتر إلى عملك
، وإنّى لم أفعل ذلك استبطاء لك فى الجهد ، ولا ازديادا فى الجدّ ولو
نزعت ما تحت يدك من سلطانك لولّيتك ما هو أيسر عليك مؤونة ، وأعجب إليك ولاية إنّ
الرّجل الّذى كنت ولّيته أمر مصر كان رجلا لنا ناصحا وعلى عدوّنا شديدا ناقما فرحمه
اللّه فلقد استكمل أيّامه ، ولاقى حمامه ونحن عنه راضون ، أولاه
اللّه رضوانه ، وضاعف الثّواب له ، فأصحر لعدوّك ، وامض على بصيرتك ، وشمّر لحرب من حاربك ، وادع إلى سبيل
ربّك ،
__________________
وأكثر الاستعانة
باللّه يكفك ما أهمّك ، ويعنك على ما نزل بك ، إن شاء اللّه
٣٥ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى عبد اللّه بن العباس ، بعد مقتل
محمد بن أبى بكر
أمّا بعد ، فإنّ مصر قد افتتحت ومحمّد
بن أبى بكر رحمه اللّه قد استشهد ، فعند اللّه نحتسبه ولدا ناصحا وعاملا كادحا ، وسيفا قاطعا ، وركنا
دافعا ، وقد كنت حثثت النّاس على لحاقه ، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة ، ودعوتهم
سرّا وجهرا ، وعودا وبدءا : فمنهم الآتى كارها ، ومنهم المعتلّ كاذبا ، ومنهم
القاعد خاذلا. [و] أسأل اللّه أن يجعل منهم فرجا عاجلا ، فو اللّه لو لا طمعى عند
لقائى عدوّى فى الشّهادة ، وتوطينى نفسى على المنيّة ، لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء
يوما واحدا ، ولا ألتقى بهم أبدا
٣٦ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى [أخيه] عقيل بن أبى طالب ، فى ذكر
جيش انفذه إلى بعض الأعداء
وهو جواب كتاب كتبه إليه عقيل
فسرّحت إليه جيشا كثيفا من المسلمين ، فلمّا
بلغه ذلك شمّر هاربا ، ونكص
__________________
نادما ، فلحقوه ببعض
الطّريق ، وقد طفّلت الشّمس للإياب
فاقتتلوا شيئا كلا ولا
فما كان إلاّ كموقف ساعة حتّى نجا جريضا
بعد ما أخذ منه بالمخنّق ، ولم يبق منه غير
الرّمق ، فلأيا بلأى ما نجا فدع عنك قريشا وتركاضهم
فى الضّلال وتجوالهم فى الشّقاق وجماحهم فى التّيه ، فانّهم
قد أجمعوا على حربى كاجماعهم على حرب رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم
قبلى ، فجزت قريشا عنّى الجوازى
فقد قطعوا رحمى ، وسلبونى سلطان ابن أمّى
__________________
وأمّا ما سألت عنه من رأيى فى القتال ، فانّ
رأيى قتال المحلّين حتّى ألقى اللّه
، لا يزيدنى كثرة النّاس حولى عزّة ، ولا تفرّقهم عنّى وحشة ، ولا تحسبنّ ابن أبيك
ـ ولو أسلمه النّاس ـ متضرّعا متخشّعا ، ولا مقرّا للضّيم واهنا ، ولا سلس الزّمام
للقائد
، ولا وطىء الظّهر للرّاكب المتقعّد ، ولكنّه كما قال أخو بنى سليم : ـ فان
تسألينى : كيف أنت؟ فانّنى صبور على ريب الزّمان صليب
يعزّ علىّ أن ترى بى كآبة فيشمت
عاد أو يساء حبيب
٣٧ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى معاوية
فسبحان اللّه!! ما أشدّ لزومك للأهواء
المبتدعة ، والحيرة المتعبة مع تضييع الحقائق ،
واطّراح الوثائق ، الّتى هى للّه طلبة ، وعلى عباده حجّة
__________________
فأمّا إكثارك الحجاج
فى عثمان وقتلته
فانّك إنّما نصرت عثمان حيث كان النّصر لك
، وخذلته حيث كان النّصر له ، والسّلام.
٣٨ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى أهل مصر ، لما ولى عليهم الأشتر
من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين ، إلى القوم
الّذين غضبوا للّه حين عصى فى أرضه ، وذهب بحقّه ، فضرب الجور سرادقه على البرّ والفاجر
، والمقيم والظّاعن
، فلا معروف يستراح إليه ، ولا منكر يتناهى
عنه.
أمّا بعد ، فقد بعثت إليكم عبدا من عباد
اللّه لا ينام أيّام الخوف ، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الرّوع ،
أشدّ على الكفّار من حريق النّار ، وهو مالك بن الحارث أخو مذحج ،
فاسمعوا له ، وأطيعوا أمره فيما طابق
__________________
الحقّ ، فإنّه سيف
من سيوف اللّه لا كليل الظّبة
، ولا نابى الضّريبة
فإن أمركم أن تنفروا فانفروا ، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا ، فإنّه لا يقدم ولا
يحجم ، ولا يؤخّر ولا يقدّم ، إلاّ عن أمرى. وقد آثرتكم به على نفسى لنصيحته لكم وشدّة
شكيمته على عدوّكم .
٣٩ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى عمرو بن العاص
فإنّك [قد] جعلت دينك تبعا لدنيا امرىء
ظاهر غيّه ، مهتوك ستره. يشين الكريم بمجلسه ، ويسفّه الحليم بخلطته ، فاتّبعت
أثره وطلبت فضله اتّباع الكلب للضّرغام : يلوذ
إلى مخالبه ، وينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته ، فأذهبت دنياك وآخرتك! ولو
بالحقّ أخذت أدركت ما طلبت ، فإن يمكّنّى منك ومن ابن أبى سفيان أجزكما بما
قدّمتما ، وإن تعجزا [نى] وتبقيا فما
__________________
أمامكما شرّ لكما ، [والسّلام]
٤٠ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى بعض عماله
أمّا بعد ، فقد بلغنى عنك أمر إن كنت
فعلته فقد أسخطت ربّك ، وعصيت إمامك ، وأخزيت أمانتك بلغنى أنّك جرّدت الأرض فأخذت ما تحت
قدميك ، وأكلت ما تحت يديك فارفع إلىّ حسابك ، واعلم أنّ حساب اللّه أعظم من حساب
النّاس ، [والسّلام]
٤١ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى بعض عماله
أمّا بعد ، فإنّى كنت أشركتك فى أمانتى
، وجعلتك شعارى وبطانتى ، ولم يكن رجل من أهلى أوثق منك فى نفسى لمواساتى وموازرتى
وأداء الأمانة إلىّ ، فلمّا رأيت الزّمان على
ابن عمّك قد كلب ، والعدوّ قد حرب ، وأمانة
__________________
النّاس قد خزيت ، وهذه الأمّة قد فنكت وشغرت ، قلبت لابن عمّك ظهر المجنّ ففارقته مع المفارقين ، وخذلته مع
الخاذلين ، وخنته مع الخائنين فلا ابن عمّك آسيت ،
ولا الأمانة أدّيت ، وكأنّك لم تكن اللّه تريد بجهادك وكأنّك لم تكن على بيّنة من
ربّك ، وكأنّك إنّما كنت تكيد هذه الأمّة عن دنياهم وتنوى
غرّتهم عن فيئهم ، فلمّا أمكنتك الشّدّة فى خيانة الأمّة أسرعت الكرّة ، وعاجلت
الوثبة ، واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم اختطاف
الذّئب الأزلّ دامية المعزى الكسيرة فحملته إلى الحجاز
رحيب الصّدر بحمله غير متأثّم من أخذه
كأنّك ـ لا أبا
__________________
لغيرك ـ حدرت إلى
أهلك تراثا من أبيك وأمّك فسبحان اللّه! أما تؤمن بالمعاد؟ أوما تخاف نقاش الحساب ؟ أيّها المعدود ـ كان ـ عندنا من ذوى
الألباب
كيف تسيغ شرابا وطعاما وأنت تعلم أنّك تأكل حراما وتشرب حراما؟ وتبتاع الإماء وتنكح
النّساء من مال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين الّذين أفاء اللّه عليهم
هذه الأموال وأحرز بهم هذه البلاد!! فاتّق اللّه واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم ، فانّك
إن لم تفعل ثمّ أمكننى اللّه منك لأعذرنّ إلى اللّه فيك ، ولأضربنّك بسيفى الّذى ما ضربت به
أحدا إلاّ دخل النّار! واللّه لو أنّ الحسن والحسين فعلا مثل الّذى فعلت ما كانت
لهما عندى هوادة ، ولا ظفرا منّى
بارادة ، حتّى آخذ الحقّ منهما ، وأزيل الباطل عن مظلمتهما ، وأقسم باللّه ربّ
العالمين : ما يسرّنى أنّ ما أخذت [ه] من أموالهم حلال لى أتركه
ميراثا لمن بعدى ، فضحّ رويدا فكأنّك قد
__________________
بلغت المدى ، ودفنت تحت الثّرى ، وعرضت عليك
أعمالك بالمحلّ الّذى ينادى الظّالم فيه بالحسرة ، ويتمنّى المضيّع [فيه] الرّجعة
، ولات حين مناص
٤٢ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى عمر بن أبى سلمة المخزومى ، وكان
عامله على البحرين
فعزله ، واستعمل نعمان بن عجلان الزرقى
مكانه
أمّا بعد ، فإنّى قد ولّيت نعمان بن
عجلان الزّرقىّ على البحرين ، ونزعت يدك بلا ذمّ [لك] ولا تثريب عليك ، فلقد أحسنت الولاية ، وأدّيت الأمانة
فأقبل غير ظنين ولا ملوم ، ولا متّهم
، ولا مأثوم. فلقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشّام ،
وأحببت أن تشهد معى ، فانّك ممّن أستظهر به على جهاد العدوّ ،
وإقامة عمود الدّين ، إن شاء اللّه.
__________________
٤٣ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى مصقلة بن هبيرة الشيبانى ، وهو
عامله على أردشيرخرة
بلغنى عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت
إلهك ، وأغضبت إمامك : أنّك تقسم
فىء المسلمين الّذى حازته رماحهم وخيولهم ، وأريقت عليه دماؤهم ، فيمن اعتامك من
أعراب قومك .
فو الّذى فلق الحبّة ، وبرأ النّسمة ، لئن كان ذلك حقّا لتجدنّ بك علىّ هوانا ، ولتخفّنّ
عندى ميزانا ، فلا تستهن بحقّ ربّك ، ولا تصلح دنياك بمحق دينك ، فتكون من
الأخسرين أعمالا.
ألا وإنّ حقّ من قبلك وقبلنا من
المسلمين فى قسمة هذا الفىء سواء : يردون عندى عليه ، ويصدرون عنه.
٤٤ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى زياد بن أبيه ، وقد بلغه أن معاوية
كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه
وقد عرفت أنّ معاوية كتب إليك يستزلّ
لبّك ، ويستفلّ غربك ،
__________________
فاحذره ، فإنّما هو
الشّيطان : يأتى المؤمن من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، ليقتحم
غفلته ويستلب
غرّته.
وقد كان من أبى سفيان فى زمن عمر [بن
الخطّاب] فلتة من حديث النّفس
ونزغة من نزغات الشّيطان : لا يثبت بها نسب ، ولا يستحقّ بها إرث ، والمتعلّق بها
كالواغل المدفّع ، والنّوط المذبذب
فلما قرأ زياد الكتاب قال : شهد بها ورب
الكعبة ، ولم تزل فى نفسه حتى ادعاه معاوية.
قال الرضى : قوله عليه السلام «الواغل» :
هو الذى يهجم على الشّرب ليشرب معهم ، وليس منهم ، فلا يزال مدفّعا محاجزا. و «النوط
المذبذب» : هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك ، فهو أبدا يتقلقل
إذا حث ظهره واستعجل سيره
__________________
٤٥ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى عثمان بن حنيف الأنصارى ، وهو عامله
على البصرة
وقد بلغه أنه دعى إلى وليمة قوم من
أهلها فمضى إليها
أمّا بعد يا ابن حنيف : فقد بلغنى أنّ
رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان ، وتنقل
إليك الجفان !
وما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ
، وغنيّهم مدعوّ ، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه ،
وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.
ألا وإنّ لكلّ مأموم إماما يقتدى به ويستضىء
بنور علمه ، ألا وإنّ إمامكم
__________________
قد اكتفى من دنياه
بطمريه
، ومن طعمه بقرصيه ، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينونى بورع واجتهاد ،
وعفّة وسداد .
فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا ، ولا ادّخرت من غنائمها وفرا ولا أعددت لبالى ثوبى طمرا . [ولا
حزت من أرضها شبرا ، ولا أخذت منه إلاّ كقوت أتان دبرة ، ولهى فى عينى أوهى وأهون
من عفصة مقرة] بلى؟ كانت فى أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السّماء ، فشحّت عليها
نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين. ونعم الحكم اللّه! وما أصنع بفدك وغير فدك والنّفس
مظانّها فى غد جدث ؟ تنقطع فى ظلمته
آثارها ، وتغيب أخبارها ، وحفرة لو
__________________
زيد فى فسحتها ، وأوسعت
يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر
، وسدّ فرجها التّراب المتراكم ، وإنّما هى نفسى أروضها بالتّقوى لتأتى آمنة يوم الخوف الأكبر ، وتثبت
على جوانب المزلق
، ولو شئت لاهتديت الطّريق إلى مصفّى هذا العسل
ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القزّ ، ولكن هيهات أن يغلبنى هواى ، ويقودنى جشعى إلى
تخيّر الأطعمة ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له فى
القرص ، ولا عهد له بالشّبع!! أو أبيت مبطانا وحولى بطون غرثى ، وأكباد حرّى!! أو
أكون كما قال القائل :
وحسبك داء أن تبيت ببطنة
|
|
وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ!
|
__________________
أأقنع من نفسى بأن يقال أمير المؤمنين ولا
أشاركهم فى مكاره الدّهر؟ أو أكون أسوة لهم فى جشوبة العيش ، فما خلقت ليشغلنى أكل الطّيّبات
كالبهيمة المربوطة همّها علفها ، أو المرسلة شغلها تقمّمها تكترش من أعلافها ، وتلهو عمّا يراد
بها ، أو أترك سدى وأهمل عابثا ، أو أجرّ حبل الضّلالة ، أو أعتسف طريق المتاهة . وكأنّى بقائلكم يقول : «إذا كان هذا
قوت ابن أبى طالب فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران ومنازلة الشّجعان»؟! ألا وإنّ
الشّجرة البريّة أصلب عودا ، والرّوائع الخضرة أرقّ جلودا ،
والنّباتات البدويّة أقوى وقودا وأبطأ خمودا! وأنا من
رسول اللّه كالصّنو من الصّنو ، والذّراع من العضد . واللّه
لو تظاهرت العرب على
__________________
قتالى لما ولّيت
عنها ، ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها. وسأجهد فى أن أطهّر الأرض من هذا
الشّخص المعكوس ، والجسم المركوس
حتّى تخرج المدرة من بين حبّ الحصيد
[ومن هذا الكتاب ، وهو آخره] : إليك
عنّى يا دنيا فحبلك على غاربك
، قد انسللت من مخالبك ، وأفلتّ من حبائلك ، واجتنبت الذّهاب فى مداحضك. أين القوم
الّذين غررتهم بمداعبك أين الأمم الّذين
فتنتهم بزخارفك؟ ها هم رهائن القبور ، ومضامين اللّحود! واللّه لو كنت شخصا مرئيّا
، وقالبا حسّيّا ، لأقمت عليك حدود اللّه فى عباد غررتهم بالأمانى و [أمم] ألقيتهم
فى المهاوى ، وملوك أسلمتهم إلى التّلف
__________________
وأوردتهم موارد
البلاء ، إذ لا ورد ولا صدر .
هيهات من وطىء دحضك زلق
، ومن ركب لججك غرق ، ومن ازورّ عن حبالك وفّق
والسّالم منك لا يبالى إن ضاق به مناخه ، والدّنيا عنده كيوم حان انسلاخه
اعزبى عنّى فو
اللّه لا أذلّ لك فتستذلّينى ، ولا أسلس لك فتقودينى ، وايم اللّه ـ يمينا أستثنى
فيها بمشيئة اللّه ـ لأروضنّ نفسى رياضة تهشّ معها إلى القرص إذا
قدرت عليه مطعوما ، وتقنع بالملح مأدوما ، ولأدعنّ مقلتى كعين ماء نضب معينها مستفرغة دموعها. أتمتلئ السّائمة من
رعيها فتبرك؟ وتشبع الرّبيضة من عشبها فتربض ؟
ويأكل علىّ من زاده
__________________
فيهجع قرّت إذا عينه إذا اقتدى بعد السّنين المتطاولة
بالبهيمة الهاملة
والسّائمة المرعيّة!
طوبى لنفس أدّت إلى ربّها فرضها ، وعركت
بجنبها بؤسها ، وهجرت فى اللّيل
غمضها ، حتّى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها ، وتوسّدت
كفّها ، فى معشر أسهر عيونهم خوف معادهم ، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم وهمهمت بذكر
ربّهم شفاههم ، وتقشّعت بطول
استغفارهم ذنوبهم «أُولٰئِكَ
حِزْبُ اَللّٰهِ أَلاٰ إِنَّ حِزْبَ اَللّٰهِ هُمُ
اَلْمُفْلِحُونَ» فاتّق اللّه يا
ابن حنيف ، ولتكفك أقراصك ، ليكون من النّار خلاصك.
٤٦ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى بعض عماله
أمّا بعد ، فإنّك ممّن أستظهر به على
إقامة الدّين
، وأقمع به نخوة الأثيم
__________________
وأسدّ به لهاة
الثّغر المخوف .
فاستعن باللّه على ما أهمّك ، واخلط الشّدّة بضعث من اللّين ، وارفق ما كان الرّفق أرفق ، واعتزم
بالشّدّة حين لا يغنى عنك إلاّ الشّدّة [و] اخفض للرّعيّة جناحك [وابسط لهم وجهك]
وألن لهم جانبك ، وآس بينهم فى اللّحظة والنّظرة والإشارة والتّحيّة ، حتّى لا يطمع
العظماء فى حيفك ، ولا ييأس الضّعفاء من عدلك ، والسّلام.
٤٧ ـ ومن وصيّة
له عليه السّلام
للحسن والحسين عليهما السلام لما ضربه
ابن ملجم لعنه اللّه
أوصيكما بتقوى اللّه ، وأن لا تبغيا
الدّنيا وإن بغتكما ولا تأسفا على شىء
منها زوى عنكما ، وقولا للحقّ ، واعملا
للأجر ، وكونا للظّالم خصما وللمظلوم عونا
أوصيكما ، وجميع ولدى وأهلى ومن بلغه
كتابى ، بتقوى اللّه ، ونظم أمركم ، وصلاح ذات بينكم ، فإنّى سمعت جدّكما ، صلّى
اللّه عليه وآله وسلّم ، يقول :
__________________
«صلاح ذات البين
أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام» اللّه اللّه فى الأيتام ، فلا تغبّوا أفواههم ، ولا يضيعوا بحضرتكم ، واللّه اللّه
فى جيرانكم ، فإنّهم وصيّة نبيّكم ، ما زال يوصى بهم حتّى ظننّا أنّه سيورّثهم واللّه اللّه فى القرآن ، لا يسبقكم
بالعمل به غيركم ، واللّه اللّه فى الصّلاة ، فإنّها عمود دينكم ، واللّه اللّه فى
بيت ربّكم ، لا تخلّوه ما بقيتم ، فإنّه إن ترك لم تناظروا واللّه اللّه فى الجهاد بأموالكم وأنفسكم
وألسنتكم فى سبيل اللّه ، وعليكم بالتّواصل والتّباذل ،
وإيّاكم والتّدابر والتّقاطع ، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر فيولّى
عليكم شراركم ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم [ثم قال :] يا بنى عبد المطّلب لا ألفينّكم
تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون : قتل أمير
المؤمنين [قتل أمير المؤمنين ، ألا]! لا تقتلنّ بى إلاّ قاتلى
انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه
فاضربوه ضربة بضربة ، ولا يمثّل
__________________
بالرّجل ، فإنّى سمعت رسول اللّه ، صلّى اللّه
عليه وآله وسلم ، يقول : «إيّاكم والمثلة ، ولو بالكلب العقور»
٤٨ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى معاوية
وإنّ البغى والزّور يذيعان بالمرء فى
دينه ودنياه
ويبديان خلله عند من يعيبه ، وقد علمت أنّك غير مدرك ما قضى فواته ، وقد رام أقوام أمرا بغير الحقّ
فتأوّلوا على اللّه فأكذبهم فاحذر يوما يغتبط
فيه من أحمد عاقبة عمله ، ويندم من أمكن
الشّيطان من قياده فلم يجاذبه.
وقد دعوتنا إلى حكم القرآن ولست من أهله
ولسنا إيّاك أجبنا ، ولكنّا أجبنا القرآن فى حكمه ، والسّلام.
__________________
٤٩ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى غيره
أمّا بعد ، فإنّ الدّنيا مشغلة عن غيرها
، ولم يصب صاحبها منها شيئا إلاّ فتحت له حرصا عليها ، ولهجا بها ولن يستغنى صاحبها بما نال فيها عمّا
لم يبلغه منها ، ومن وراء ذلك فراق ما جمع ، ونقض ما أبرم! ولو اعتبرت بما مضى
حفظت ما بقى ، والسّلام.
٥٠ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى أمرائه على الجيوش
من عبد اللّه علىّ [بن أبى طالب] أمير
المؤمنين إلى أصحاب المسالح
: ـ أمّا بعد ، فإنّ حقّا على الوالى أن لا يغيّره على رعيّته فضل ناله ، ولا طول
خصّ به وأن يزيده ما قسم
اللّه له من نعمه دنوّا من عباده ، وعطفا على إخوانه
__________________
ألا وإنّ لكم عندى أن لا أحتجز دونكم
سرّا إلاّ فى حرب
ولا أطوى دونكم أمرا إلاّ فى حكم
، ولا أؤخّر لكم حقّا عن محلّه ، ولا أقف به دون مقطعه . وأن تكونوا عندى فى الحقّ سواء ، فإذا
فعلت ذلك وجبت للّه عليكم النّعمة ولى عليكم الطّاعة ، وأن لا تنكصوا عن دعوة ولا
تفرّطوا فى صلاح ، وأن تخوضوا الغمرات إلى الحقّ ،
فإن أنتم لم تستقيموا [لى] على ذلك لم يكن أحد أهون علىّ ممّن اعوجّ منكم ، ثمّ
أعظم له العقوبة ولا يجد عندى فيها رخصة ، فخذوا هذا من أمرائكم ، وأعطوهم من
أنفسكم ما يصلح اللّه به أمركم
__________________
٥١ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى عماله على الخراج
من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى
أصحاب الخراج : ـ
أمّا بعد ، فإنّ من لم يحذر ما هو صائر
إليه لم يقدّم
لنفسه ما يحرزها. واعلموا أنّ ما كلفّتم يسير ، وأنّ ثوابه كثير. ولو لم يكن فيما
نهى اللّه عنه من البغى والعدوان عقاب يخاف لكان فى ثواب اجتنابه ما لا عذر فى ترك
طلبه. فأنصفوا النّاس من أنفسكم ، واصبروا لحوائجهم فإنّكم خزّان الرّعيّة ووكلاء الأمّة ، وسفراء الأئمّة. ولا
تحسموا أحدا عن حاجته
ولا تحبسوه عن طلبته ، ولا تبيعنّ للنّاس فى الخراج كسوة شتاء ولا صيف ولا دابّة
يعتملون عليها ولا عبدا ، ولا
تضربنّ أحدا سوطا لمكان درهم ، ولا تمسّنّ
__________________
مال أحد من النّاس
مصلّ ولا معاهد إلاّ أن تجدوا فرسا أو سلاحا يعدى به على أهل الإسلام ، فإنّه لا
ينبغى للمسلم أن يدع ذلك فى أيدى أعداء الإسلام فيكون شوكة عليه ، ولا تدّخروا
أنفسكم نصيحة
، ولا الجند حسن سيرة ولا الرّعيّة معونة ، ولا دين اللّه قوّة ، وأبلوا فى سبيل
اللّه ما استوجب عليكم
فانّ اللّه ، سبحانه ، قد اصطنع عندنا وعندكم أن نشكره بجهدنا ، وأن ننصره بما بلغت قوّتنا ، ولا
قوّة إلاّ باللّه [العلىّ العظيم]
٥٢ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى أمراء البلاد فى معنى الصلاة
أمّا بعد ، فصلّوا بالنّاس الظّهر حتّى
تفىء الشّمس من مربض العنز ، وصلّوا بهم العصر
والشّمس بيضاء حيّة فى عضو من النّهار حين يسار فيها
__________________
فرسخان وصلّوا بهم المغرب حين يفطر الصّائم ويدفع
الحاجّ [إلى منى]
وصلّوا بهم العشاء حين يتوارى الشّفق إلى ثلث اللّيل ، وصلّوا بهم الغداة والرّجل
يعرف وجه صاحبه ، وصلّوا بهم صلاة أضعفهم ولا تكونوا فتّانين
٥٣ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
كتبه للأشتر النخعى ، لما ولاه على مصر
واعمالها
حين اضطرب [أمر] محمد بن أبى بكر ، وهو
أطول عهد
بسم اللّه الرحمن الرحيم
هذا ما أمر به عبد اللّه علىّ أمير
المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر فى عهده إليه ، حين ولاّه مصر : جباية خراجها ، وجهاد
عدوّها ، واستصلاح أهلها ، وعمارة بلادها
أمره بتقوى اللّه ، وإيثار طاعته ، واتّباع
ما أمر به فى كتابه : من فرائضه ، وسننه ، الّتى لا يسعد أحد إلاّ باتّباعها ، ولا
يشقى إلاّ مع جحودها وإضاعتها ،
__________________
وأن ينصر اللّه
سبحانه بقلبه ويده ولسانه ، فإنّه ، جلّ اسمه ، قد تكفّل بنصر من نصره ، وإعزاز من
أعزّه.
وأمره أن يكسر نفسه من الشّهوات ويزعها
عند الجمحات
، فإنّ النّفس أمّارة بالسّوء ، إلاّ ما رحم اللّه.
ثمّ اعلم ، يا مالك أنّى قد وجّهتك إلى
بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور ، وأنّ النّاس ينظرون من أمورك فى مثل ما
كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم ، وإنّما يستدلّ
على الصّالحين بما يجرى اللّه لهم على ألسن عباده ، فليكن أحبّ الذّخائر إليك
ذخيرة العمل للصّالح ، فاملك هواك وشحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك فإنّ الشّحّ بالنّفس الإنصاف منها فيما
أحبّت أو كرهت. وأشعر قلبك الرّحمة للرّعيّة ، والمحبّة لهم ، واللّطف بهم ، ولا
تكوننّ عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنّهم صنفان : إمّا أخ لك فى الدّين ، أو
نظير لك فى الخلق ، يفرط منهم
__________________
الزّلل ، وتعرض لهم العلل ، ويؤتى على أيديهم
فى العمد والخطإ
فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الّذى تحبّ أن يعطيك اللّه من عفوه وصفحه ، فإنّك فوقهم
ووالى الأمر عليك فوقك ، واللّه فوق من ولاّك! وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم ، ولا تنصبنّ نفسك لحرب
اللّه فإنّه لا يدى لك بنقمته ، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته
، ولا تندمنّ على عفو ، ولا تبجحنّ بعقوبة ، ولا تسرعنّ إلى
بادرة وجدت منها مندوحة ، ولا تقولنّ إنّى مؤمّر آمر فأطاع فإنّ
ذلك إدغال فى القلب ، ومنهكة للدّين ، وتقرّب من الغير. وإذا أحدث لك ما أنت فيه
من سلطانك أبّهة أو مخيلة
__________________
فانظر إلى عظم ملك
اللّه فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك ، فإنّ ذلك يطامن إليك من
طماحك ، ويكفّ عنك
من غربك ، ويفى إليك بما عزب عنك من عقلك.
إيّاك ومساماة اللّه فى عظمته والتّشبّه به فى جبروته ، فانّ اللّه
يذلّ كلّ جبّار ، ويهين كلّ مختال.
أنصف اللّه وأنصف النّاس من نفسك ومن
خاصّة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيّتك
، فانّك إلاّ تفعل تظلم! ومن ظلم عباد اللّه كان اللّه خصمه دون عباده ، ومن خاصمه
اللّه أدحض حجّته وكان للّه حربا حتّى
ينزع أو يتوب وليس شىء أدعى إلى تغيير نعمة اللّه وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم ،
فانّ اللّه سميع دعوة المضطهدين وهو للظّالمين بالمرصاد
وليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها فى الحقّ
، وأعمّها فى العدل وأجمعها
__________________
رضا الرّعيّة ، فانّ
سخط العامّة يجحف برضا الخاصّة
وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضا العامّة. وليس أحد من الرّعيّة أثقل على الوالى
مؤونة فى الرّخاء وأقلّ معونة له فى البلاء ، وأكره للانصاف ، وأسأل بالالحاف وأقلّ شكرا عند الاعطاء ، وأبطأ عذرا
عند المنع ، وأضعف صبرا عند ملمّات الدّهر من أهل الخاصّة وإنّما عماد الدّين وجماع المسلمين . والعدّة
للأعداء العامّة من الأمّة ، فليكن صغوك لهم ، وميلك معهم.
وليكن أبعد رعيّتك منك وأشنأهم عندك
أطلبهم لمعائب النّاس فانّ فى النّاس
عيوبا الوالى أحقّ من سترها ، فلا تكشفنّ عمّا
غاب عنك منها فانّما عليك تطهير ما ظهر لك ، واللّه يحكم على ما غاب عنك ، فاستر
العورة ما استطعت يستر اللّه منك ما تحبّ ستره من رعيّتك أطلق عن النّاس عقدة
__________________
كلّ حقد ، واقطع عنك
سبب كلّ وتر ، وتغاب عن كلّ ما لا يصحّ لك ولا تعجلنّ إلى تصديق ساع ، فإنّ
السّاعى غاش ، وإن تشبّه بالنّاصحين. ولا تدخلنّ فى مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل
ويعدك الفقر
، ولا جبانا يضعفك عن الأمور ، ولا حريصا يزينّ لك الشّره بالجور ، فإنّ البخل والجبن
والحرص غرائز شتّى
يجمعها سوء الظّنّ باللّه! إنّ شرّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا ، ومن شركهم
فى الآثام فلا يكوننّ لك بطانة
فإنّهم أعوان الأثمة ، وإخوان الظّلمة ، وأنت واجد منهم خير الخلف ممّن
له مثل آرائهم ونفاذهم ، وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم ممّن
لم يعاون ظالما على ظلمه ولا آثما على إثمه : أولئك أخفّ
__________________
عليك مؤونة ، وأحسن
لك معونة ، وأحنى عليك عطفا ، وأقلّ لغيرك إلفا ، فاتّخذ أولئك خاصّة لخلواتك وحفلاتك
، ثمّ ليكن آثرهم عندك أقولهم بمرّ الحقّ لك
وأقلّهم مساعدة فيما يكون منك ممّا كره اللّه لأوليائه واقعا [ذلك] من هواك حيث
وقع . والصق بأهل
الورع والصّدق ، ثمّ رضهم على أن لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم
تفعله ، فإنّ كثرة الإطراء تحدث الزّهو وتدنى من العزّة.
ولا يكوننّ المحسن والمسىء عندك بمنزلة
سواء ، فإنّ فى ذلك تزهيدا لأهل الاحسان فى الاحسان ، وتدريبا لأهل الإساءة على
الاساءة! وألزم كلاّ منهم ما ألزم نفسه . واعلم أنّه ليس شىء
بأدعى إلى حسن ظنّ راع برعيّته من إحسانه إليهم وتخفيفه
المؤونات عليهم ، وترك استكراهه إيّاهم على ما ليس
__________________
[له] قبلهم فليكن منك فى ذلك أمر يجتمع لك به حسن
الظّنّ برعيّتك ، فانّ حسن الظّنّ يقطع عنك نصبا طويلا وإنّ أحقّ من حسن ظنّك به لمن حسن
بلاؤك عنده ، وإنّ أحقّ من ساء ظنّك به لمن ساء بلاؤك عنده
ولا تنقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه
الأمّة ، واجتمعت بها الألفة ، وصلحت عليها الرّعيّة ، ولا تحدثنّ سنّة تضرّ بشىء
من ماضى تلك السّنن فيكون الأجر لمن سنّها ، والوزر عليك بما نقضت منها.
وأكثر مدارسة العلماء ، ومنافثة الحكماء
فى تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك ، وإقامة ما
استقام به النّاس قبلك.
واعلم أنّ الرّعيّة طبقات لا يصلح بعضها
إلاّ ببعض ، ولا غنى ببعضها عن بعض : فمنها جنود اللّه ، ومنها كتّاب العامّة والخاصّة
، ومنها قضاة العدل
__________________
ومنها عمّال الانصاف
والرّفق ، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذّمّة ومسلمة النّاس ، ومنها
التّجّار وأهل الصّناعات ، ومنها الطّبقة السّفلى من ذوى الحاجة والمسكنة ، وكلّ
قد سمّى اللّه [له] سهمه .
ووضع على حدّه فريضة فى كتابه أو سنّة نبيّه ـ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ عهدا
منه عندنا محفوظا فالجنود ، باذن اللّه ، حصون الرّعيّة ، وزين الولاة ، وعزّ
الدّين ، وسبل الأمن ، وليس تقوم الرّعيّة إلاّ بهم ، ثمّ لا قوام للجنود إلاّ بما
يخرج اللّه لهم من الخراج الّذى يقوون به على جهاد عدوّهم ، ويعتمدون عليه فيما
يصلحهم ، ويكون من وراء حاجتهم
، ثمّ لا قوام لهذين الصّنفين إلاّ بالصّنف الثّالث من القضاة والعمّال والكتّاب ،
لما يحكمون من المعاقد
ويجمعون من المنافع ، ويؤتمنون عليه من خواصّ الأمور وعوامّها ولا قوام لهم جميعا
إلاّ بالتّجّار وذوى الصّناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم ويقيمونه
من أسواقهم ، ويكفونهم من التّرفّق بأيديهم
__________________
ما لا يبلغه رفق
غيرهم ، ثمّ الطّبقة السّفلى من أهل الحاجة والمسكنة الّذين يحقّ رفدهم ومعونتهم وفى اللّه لكلّ سعة ، ولكلّ على الوالى
حقّ بقدر ما يصلحه. وليس يخرج الوالى من حقيقة ما ألزمه اللّه من ذلك إلاّ
بالاهتمام والاستعانة باللّه ، وتوطين نفسه على لزوم الحقّ ، والصّبر عليه فيما
خفّ عليه أو ثقل. فولّ من جنودك أنصحهم فى نفسك للّه ولرسوله ولامامك ، وأنقاهم
جيبا وأفضلهم
حلما : ممّن يبطىء عن الغضب ، ويستريح إلى العذر ، ويرأف بالضّعفاء ، وينبو على
الأقوياء
وممّن لا يثيره العنف ، ولا يقعد به الضّعف ثمّ الصق بذوى [المروءات] الأحساب وأهل
البيوتات الصّالحة والسّوابق الحسنة ، ثمّ أهل النّجدة والشّجاعة والسّخاء والسّماحة
، فانّهم جماع من الكرم ،
__________________
وشعب من العرف ، ثمّ
تفقّد من أمورهم ما يتفقّد الوالدان من ولدهما ، ولا يتفاقمنّ فى نفسك شىء قوّيتهم
به ولا تحقرنّ
لطفا تعاهدتهم به
وإن قلّ ، فإنّه داعية لهم إلى بذل النّصيحة لك ، وحسن الظّنّ بك. ولا تدع تفقّد
لطيف أمورهم اتّكالا على جسيمها ، فإنّ لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به ، وللجسيم
موقعا لا يستغنون عنه.
وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم فى معونته ، وأفضل عليهم من
جدته ، بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم ، حتّى يكون همّهم همّا واحدا فى
جهاد العدوّ ، فانّ عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك ،
وإنّ أفضل قرّة عين الولاة استقامة العدل فى البلاد ، وظهور مودّة
__________________
الرّعيّة ، وإنّه لا
تظهر مودّتهم إلاّ بسلامة صدورهم ، ولا تصحّ نصيحتهم إلاّ بحيطتهم على ولاة الأمور
وقلّة استثقال
دولهم ، وترك استبطاء انقطاع مدّتهم ، فافسح فى آمالهم وواصل فى حسن الثّناء عليهم
وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم
، فانّ كثرة الذّكر لحسن أفعالهم تهزّ الشّجاع ، وتحرّض النّاكل ، إن شاء اللّه.
ثمّ اعرف لكلّ امرىء منهم ما أبلى ، ولا
تضيفنّ بلاء امرىء إلى غيره ،
ولا تقصّرنّ به دون غاية بلائه ، ولا يدعونّك شرف امرىء إلى أن تعظم من بلائه ما
كان صغيرا ، ولا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما. واردد إلى اللّه ورسوله
ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من
الأمور ، فقد قال اللّه تعالى لقوم أحبّ إرشادهم : «يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا
أَطِيعُوا اَللّٰهَ وَأَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَأُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ
فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ
__________________
إِلَى
اَللّٰهِ وَاَلرَّسُولِ»
فالرّدّ إلى اللّه : الأخذ بمحكم كتابه
، والرّدّ إلى الرّسول : الأخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة .
ثمّ اختر للحكم بين النّاس أفضل رعيّتك فى نفسك ممّن لا تضيق به الأمور ولا
تمحكه الخصوم ولا يتمادى فى
الزّلّة ، ولا يحصر من الفىء إلى الحقّ إذا عرفه ،
ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفى بأدنى فهم
دون أقصاه
، وأوقفهم فى الشّبهات
وآخذهم بالحجج ، وأقلّهم تبرّما
__________________
بمراجعة الخصم ، وأصبرهم
على تكشّف الأمور ، وأصرمهم عند اتّضاح الحكم ، ممّن لا يزدهيه إطراء ، ولا يستميله إغراء ، وأولئك قليل ، ثمّ
أكثر تعاهد قضائه
وافسح له فى البذل ما يزيل علّته
، وتقلّ معه حاجته إلى النّاس ، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من
خاصّتك ليأمن بذلك اغتيال
الرّجال له عندك ، فانظر فى ذلك نظرا بليعا ، فإنّ هذا الدّين قد كان أسيرا فى
أيدى الأشرار : يعمل فيه بالهوى ، وتطلب به الدّنيا. ثمّ انظر فى أمور عمّالك
فاستعملهم اختبارا ، ولا تولّهم محاباة
وأثرة ، فإنّهم جماع من شعب الجور والخيانة ، وتوخّ منهم أهل التّجربة والحياء من
أهل البيوتات الصّالحة والقدم فى الإسلام
__________________
المتقدّمة فانّهم
أكرم أخلاقا ، وأصحّ أعراضا ، وأقلّ فى المطامع إشرافا ، وأبلغ فى عواقب الأمور
نظرا. ثمّ أسبغ عليهم الأرزاق
فإنّ ذلك قوّة لهم على استصلاح أنفسهم ، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم ، وحجّة
عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك
ثمّ تفقّد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصّدق والوفاء عليهم ، فانّ تعاهدك فى السّرّ لأمورهم حدوة
لهم على استعمال الأمانة والرّفق بالرّعيّة وتحفّظ
من الأعوان فان أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك
أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة فى بدنه ، وأخذته بما أصاب من
عمله ، ثمّ نصبته بمقام المذلّة ، ووسمته بالخيانة ، وقلّدته عار التّهمة
وتفقّد أمر الخراج بما يصلح أهله ، فإنّ
فى صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ، ولا صلاح لمن سواهم إلاّ بهم ، لأنّ النّاس
كلّهم عيال على الخراج وأهله. وليكن نظرك فى عمارة الأرض أبلغ من نظرك فى استجلاب
الخراج
__________________
لأنّ ذلك لا يدرك
إلاّ بالعمارة ، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ، ولم يستقم
أمره إلاّ قليلا ، فان شكوا ثقلا
أو علّة أو انقطاع شرب أو بالّة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خفّفت
عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم. ولا يثقلنّ عليك شىء خفّفت به المؤونة عنهم فإنّه
ذحر يعودون به عليك فى عمارة بلادك ، وتزيين ولايتك ، مع استجلابك حسن ثنائهم ، وتبجّحك
باستفاضة العدل فيهم
معتمدا فضل قوّتهم
بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم والثّقة منهم بما عوّدتهم من عدلك عليهم فى رفقك بهم
، فربّما حدث من الأمور ما إذا عوّلت فيه عليهم من بعد
__________________
احتملوه طيبة أنفسهم
به فانّ
العمران محتمل ما حمّلته ، وإنّما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها ، وإنّما يعوز
أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع
وسوء ظنّهم بالبقاء ، وقلّة انتفاعهم بالعبر
ثمّ انظر فى حال كتّابك فولّ على أمورك خيرهم ، واخصص رسائلك
الّتى تدخل فيها مكائدك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ممّن
لا تبطره الكرامة فيجترىء بها عليك فى خلاف لك بحضرة ملأ ، ولا تقصر به الغفلة عن
إيراد مكاتبات عمّالك عليك وإصدار جواباتها على الصّواب
__________________
عنك فيما يأخذ لك ويعطى
منك ، ولا يضعف عقدا اعتقده لك ، ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك ، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه فى الأمور ، فإنّ
الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل ، ثمّ لا يكن اختيارك إيّاهم على فراستك واستنامتك
وحسن الظّنّ
منك ، فإنّ الرّجال يتعرّفون لفراسات الولاة بتصنّعهم وحسن خدمتهم ، وليس وراء ذلك من النّصيحة والأمانة
شىء ، ولكن اختبرهم بما ولّوا للصّالحين قبلك : فاعمد لأحسنهم كان فى العامّة أثرا
، وأعرفهم بالأمانة وجها ، فإنّ ذلك دليل على نصيحتك للّه ولمن ولّيت أمره ، واجعل
لرأس كلّ أمر من أمورك رأسا منهم لا يقهره كبيرها ، ولا
يتشتّت عليه كثيرها ، ومهما كان فى كتّابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته
__________________
ثمّ استوص بالتّجّار
وذوى الصّناعات
وأوص بهم خيرا : المقيم منهم والمضطرب بماله
، والمترفّق ببدنه ، فإنّهم موادّ المنافع ، وأسباب المرافق وجلاّبها من المباعد والمطارح
فى برّك وبحرك وسهلك وجبلك ، وحيث لا يلتئم النّاس لمواضعها ولا يجترئون عليها ، فإنّهم سلم لا
تخاف بائقته وصلح لا تخشى غائلته
، وتفقّد أمورهم بحضرتك وفى حواشى بلادك. واعلم ـ مع ذلك ـ أنّ فى كثير منهم ضيقا
فاحشا ، وشحّا قبيحا واحتكارا للمنافع ، وتحكّما
فى البياعات ، وذلك باب مضرّة للعامّة وعيب على الولاة ، فامنع من الاحتكار فانّ
رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، منع منه. وليكن البيع بيعا سمحا : بموازين
عدل ، وأسعار لا تجحف بالفريقين من
__________________
البائع والمبتاع فمن قارف حكرة بعد نهيك إيّاه فنكّل به ، وعاقبه فى غير إسراف
ثمّ اللّه اللّه فى الطّبقة السّفلى من
الّذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسى والزّمنى فإنّ فى هذه الطّبقة قانعا ومعترّا ،
واحفظ للّه ما استحفظك من حقّه فيهم ، واجعل لهم قسما من بيت مالك ، وقسما من
غلاّت صوافى الإسلام فى كلّ بلد ، فإنّ للأقصى منهم
مثل الّذى للأدنى ، وكلّ قد استرعيت حقّه ، فلا يشغلنّك عنهم بطر فإنّك
لا تعذر بتضييعك
__________________
التّافه لإحكامك الكثير المهمّ ، فلا تشخص همّك
عنهم ولا تصعّر
خدّك لهم ، وتفقّد أمور من لا يصل إليك منهم ممّن تقتحمه العيون وتحقره الرّجال ، ففرّغ لأولئك ثقتك من
أهل الخشية والتّواضع ، فليرفع إليك أمورهم ، ثمّ اعمل فيهم بالإعذار إلى اللّه
يوم تلقاه ، فإنّ هؤلاء من بين
الرّعيّة أحوج إلى الإنصاف من غيرهم ، وكلّ فأعذر إلى اللّه فى تأدية حقّه إليه ،
وتعهّد أهل اليتم وذوى الرّقّة فى السّن ممّن لا حيلة
له ، ولا ينصب للمسألة نفسه ، وذلك على الولاة ثقيل [والحقّ كلّه ثقيل] وقد يخفّفه
اللّه على أقوام طلبوا العاقبة فصبّروا أنفسهم ، ووثقوا بصدق موعود اللّه لهم.
واجعل لذوى الحاجات منك قسما تفرّغ لهم فيه شخصك ، وتجلس لهم
__________________
مجلسا عامّا فتتواضع
فيه للّه الّذى خلقك ، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتّى يكلّمك متكلّمهم
غير متتعتع
، فإنّى سمعت رسول اللّه ، صلى اللّه عليه وآله وسلم ، يقول فى غير موطن : (لن تقدّس أمّة لا
يؤخذ للضّعيف فيها حقّه من القوىّ غير متتعتع) ثمّ احتمل الخرق منهم والعىّ ،
ونحّ عنهم الضّيق والأنف يبسط اللّه عليك
بذلك أكناف رحمته ، ويوجب لك ثواب طاعته ، وأعط ما أعطيت هنيئا ، وامنع فى إجمال وإعذار!
ثمّ أمور من أمورك لا بدّ لك من
مباشرتها : منها إجابة عمّالك بما يعيا عنه
__________________
كتّابك ، ومنها إصدار حاجات النّاس يوم ورودها
عليك بما تحرج به صدور أعوانك
، وأمض لكلّ يوم عمله ، فإنّ لكلّ يوم ما فيه ، واجعل لنفسك فيما بينك وبين اللّه
أفضل تلك المواقيت ، وأجزل تلك الأقسام
وان كانت كلّها للّه إذا صلحت فيها النّيّة ، وسلمت منها الرّعيّة.
وليكن فى خاصّة ما تخلص به للّه دينك : إقامة
فرائضه الّتى هى له خاصّة فأعط اللّه من بدنك فى ليلك ونهارك ، ووفّ ما تقرّبت به
إلى اللّه من ذلك كاملا غير مثلوم ولا منقوص بالغا من بدنك ما
بلغ ، وإذا قمت فى صلاتك للنّاس فلا تكوننّ منفّرا ولا مضيّعا فإنّ
فى النّاس من به العلّة وله الحاجة. وقد سألت رسول اللّه ، صلى اللّه عليه وآله وسلم
، حين وجّهنى إلى اليمن كيف أصلّى بهم؟ فقال «صلّ بهم كصلاة أضعفهم ، وكن
بالمؤمنين رحيما» وأمّا بعد ، فلا تطوّلنّ احتجابك عن رعيّتك ، فانّ احتجاب الولاة
عن
__________________
الرّعيّة شعبة من
الضّيق ، وقلّة علم بالأمور ، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر
عندهم الكبير ، ويعظم الصّغير ، ويقبح الحسن ويحسن القبيح ، ويشاب الحقّ بالباطل ،
وإنّما الوالى بشر لا يعرف ما توارى عنه النّاس به من الأمور ، وليست على الحقّ
سمات تعرف بها
صروب الصّدق من الكذب ، وإنّما أنت أحد رجلين : إمّا امرؤ سخت نفسك بالبذل فى
الحقّ ففيم احتجابك
من واجب حقّ تعطيه؟ أو فعل كريم تسديه ، أو مبتلى بالمنع فما أسرع كفّ النّاس عن
مسألتك إذا أيسوا من بذلك
مع أنّ أكثر حاجات النّاس إليك ممّا لا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو
طلب إنصاف فى معاملة.
ثمّ إنّ للوالى خاصّة وبطانة فيهم
استئثار ، وتطاول ، وقلّة إنصاف فى معاملة فاحسم مادّة أولئك بقطع أسباب تلك
الأحوال ولا تقطعنّ لأحد من
__________________
حاشيتك وحامّتك
قطيعة ولا يطمعنّ
منك فى اعتقاد عقدة تضرّ بمن يليها من النّاس فى شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته
على غيرهم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك
وعيبه عليك فى الدّنيا والآخرة.
وألزم الحقّ من لزمه من القريب والبعيد
، وكن فى ذلك صابرا محتسبا ، واقعا ذلك من قرابتك وخاصّتك حيث وقع ، وابتغ عاقبتة
بما يثقل عليك منه ، فانّ مغبّة ذلك محمودة
وإن ظنّت الرّعيّة بك حيفا فأصحر لهم
بعذرك ، واعدل عنك ظنونهم بإصحارك ، فانّ فى ذلك رياضة منك لنفسك ورفقا
برعيّتك ، وإعذارا
__________________
تبلغ به حاجتك من
تقويمهم على الحقّ
ولا تدفعنّ صلحا دعاك إليه عدوّك [و] للّه
فيه رضا ، فانّ فى الصّلح دعة لجنودك
وراحة من همومك ، وأمنا لبلادك ، ولكن الحذر كلّ الحذر من عدوّك بعد صلحه ، فانّ
العدوّ ربّما قارب ليتغفّل
فخذ بالحزم ، وانّهم فى ذلك حسن الظّنّ. وإن عقدت بينك وبين عدوّك عقدة أو ألبسته
منك ذمّة
فحط عهدك بالوفاء ، وارع ذمّتك بالأمانة ، واجعل نفسك جنّة دون ما أعطيت ،
فانّه ليس من فرائض اللّه شىء النّاس أشدّ عليه اجتماعا مع تفرّق أهوائهم وتشتّت
آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود وقد لزم ذلك المشركون
فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من
عواقب الغدر
فلا تغدرنّ
__________________
بذمّتك ولا تخيسنّ
بعهدك ولا تختلنّ
عدوّك ، فانّه لا يجترئ على اللّه إلاّ جاهل شقىّ. وقد جعل اللّه عهده وذمّته أمنا
أفضاه بين العباد برحمته
، وحريما يسكنون إلى منعته ، ويستفيضون إلى جواره فلا إدغال ولا مدالسة ولا
خداع فيه ، ولا تعقد عقدا تجوّز فيه العلل ، ولا تعوّلنّ على
لحن قول بعد التّأكيد والتّوثقة ، ولا يدعونّك ضيق أمر لزمك فيه عهد اللّه إلى طلب
انفساخه بغير الحقّ ، فإنّ صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر
تخاف تبعته ، وأن تحيط بك من اللّه فيه طلبة
،
__________________
فلا تستقيل فيها
دنياك ولا آخرتك.
إيّاك والدّماء وسفكها بغير حلّها ، فإنّه
ليس شىء أدنى لنقمة ، ولا أعظم لتبعة ، ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدّة ، من سفك
الدّماء بغير حقّها ، واللّه سبحانه مبتدىء بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من
الدّماء يوم القيامة ، فلا تقوّينّ سلطانك بسفك دم حرام ، فانّ ذلك ممّا يضعفه ويوهنه
بل يزيله وينقله ، ولا عذر لك عند اللّه ولا عندى فى قتل العمد ، لأنّ فيه قود
البدن ، وإن
ابتليت بخطإ وأفرط عليك سوطك
أو سيفك أو يدك بالعقوبة ، فانّ فى الوكزة فما فوقها مقتلة ، فلا تطمحنّ بك نخوة
سلطانك عن أن تؤدّى إلى أولياء المقتول حقّهم. وإيّاك والاعجاب بنفسك ، والثّقة
بما يعجبك منها ، وحبّ الأطراء
فإنّ
__________________
ذلك من أوثق فرص
الشّيطان فى نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين. وإيّاك والمنّ على رعيّتك
باحسانك ، أو التّزيّد فيما كان من فعلك
أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك ، فإنّ المنّ يبطل الاحسان ، والتّزيّد يذهب بنور
الحقّ ، والخلف يوجب المقت عند اللّه والنّاس
قال اللّه تعالى : «كَبُرَ
مَقْتاً عِنْدَ اَللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لاٰ تَفْعَلُونَ»
وإيّاك والعجلة بالأمور قبل أوانها ، أو
التّسقّط فيها عند إمكانها
أو اللّجاجة فيها إذا تنكّرت أو الوهن عنها إذا
استوضحت. فضع كلّ أمر موضعه ، وأوقع كلّ أمر موقعه.
وإيّاك والاستئثار بما النّاس فيه أسوة ،
والتّغابى عمّا تعنى به ممّا قد وضح للعيون ، فإنّه مأخوذ منك لغيرك ، وعمّا قليل
تنكشف عنك أغطية الأمور ،
__________________
وينتصف منك للمظلوم
، املك حميّة أنفك
، وسورة حدّك ، وسطوة يدك ، وغرب لسانك ، واحترس من كلّ ذلك بكفّ البادرة ، وتأخير السّطوة ، حتّى يسكن غضبك
فتملك الاختيار ، ولن تحكم ذلك من نفسك حتّى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربّك.
والواجب عليك أن تتذكّر ما مضى لمن
تقدّمك من حكومة عادلة ، أو سنّة فاضلة ، أو أثر عن نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم
، أو فريضة فى كتاب اللّه ، فتقتدى بما شاهدت ممّا عملنا [به] فيها ، وتجتهد لنفسك فى اتّباع ما عهدت إليك
فى عهدى هذا ، واستوثقت به من الحجّة لنفسى عليك ، لكيلا تكون لك علّة عند تسرّع
نفسك إلى هواها. وأنا أسأل اللّه بسعة رحمته ، وعظيم قدرته على إعطاء كلّ رغبة أن
يوفّقنى وإيّاك لما فيه رضاه من الاقامة
__________________
على العذر الواضح
إليه وإلى خلقه
، مع حسن الثّناء فى العباد ، وجميل الأثر فى البلاد ، وتمام النّعمة ، وتضعيف
الكرامة
، وأن يختم لى ولك بالسّعادة والشّهادة ، إنّا إليه راجعون. والسّلام على رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الطّيّبين الطّاهرين ، وسلّم تسليما كثيرا ، والسّلام.
٥٤ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى طلحة والزبير ، [مع عمران بن الحصين
الخزاعى] ذكره أبو جعفر
الاسكافى فى كتاب المقامات فى مناقب
أمير المؤمنين عليه السلام
أمّا بعد ، فقد علمتما وإن كتمتما أنّى
لم أرد النّاس حتّى أرادونى ، ولم أبايعهم حتّى بايعونى ، وإنّكما ممّن أرادنى وبايعنى
، وإنّ العامّة لم تبايعنى لسلطان غالب ، ولا لعرض حاضر ، فإن كنتما بايعتمانى طائعين فارجعا وتوبا
إلى اللّه من قريب ، وإن كنتما بايعتمانى كارهين فقد جعلتما لى عليكما السّبيل بإظهاركما
الطّاعة ، وإسراركما المعصية. ولعمرى ما كنتما بأحقّ
__________________
المهاجرين بالتّقيّة
والكتمان ، وإنّ دفعكما هذا الأمر [من] قبل أن تدخلا فبه كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد
إقراركما به وقد زعمتما أنّى قتلت عثمان ، فبينى وبينكما من تخلّف عنّى وعنكما من
أهل المدينة ، ثمّ يلزم كلّ امرىء بقدر ما احتمل . فارجعا أيّها الشّيخان عن رأيكما ، فإنّ
الآن أعظم أمركما العار ، من قبل أن يتجمّع العار والنّار ، والسّلام .
٥٥ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى معاوية
أمّا بعد ، فإنّ اللّه سبحانه [قد] جعل
الدّنيا لما بعدها ، وابتلى فيها أهلها
، ليعلم أيّهم أحسن عملا ، ولسنا للدّنيا خلقنا ، ولا بالسّعى فيها أمرنا ، وإنّما
وضعنا فيها لنبتلى بها ، وقد ابتلانى اللّه بك وابتلاك بى : فجعل أحدنا حجّة على
الآخر ، فعدوت على الدّنيا بتأويل القرآن ، فطلبتنى بما لم
تجن يدى
__________________
ولا لسانى ، وعصبته
أنت وأهل الشّام بى
، وألّب عالمكم جاهلكم وقائمكم قاعدكم ، فاتّق اللّه فى نفسك ، ونازع الشّيطان
قيادك ، واصرف إلى
الآخرة وجهك فهى طريقنا وطريقك ، واحذر أن يصيبك اللّه منه بعاجل قارعة تمسّ الأصل
، وتقطع
الدّابر ، فإنّى أولى لك باللّه أليّة غير فاجرة : لئن جمعتنى وإيّاك
جوامع الأقدار لا أزال بباحتك «حَتّٰى
يَحْكُمَ اَللّٰهُ بَيْنَنٰا وَهُوَ خَيْرُ اَلْحٰاكِمِينَ».
٥٦ ـ ومن وصيّة
له عليه السّلام
وصى بها شريح بن هانىء ، لما جعله على
مقدمته إلى الشام
اتّق اللّه فى كلّ صباح ومساء ، وخف على
نفسك الدّنيا الغرور ، ولا تأمنها
__________________
على حال ، واعلم أنّك
إن لم تردع نفسك عن كثير ممّا تحبّ مخافة مكروه سمت بك الأهواء إلى كثير من الضّرر
. فكن لنفسك
مانعا رادعا ، ولنزوتك عند الحفيظة واقما قامعا .
٥٧ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى أهل الكوفة ، عند مسيره من المدينة
إلى البصرة
أمّا بعد ، فإنّى خرجت من حيّى هذا ، إمّا ظالما ، وإمّا مظلوما ، وإمّا
باغيا وإمّا مبغيّا عليه ، وإنّى أذكّر اللّه من بلغه كتابى هذا لمّا
نفر إلىّ ، فإن كنت محسنا أعاننى ، وإن كنت مسيئا استعتبنى.
٥٨ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
كتبه إلى أهل الأمصار ، يقص فيه ما جرى
بينه وبين أهل صفين
وكان بدء أمرنا أنّا النقينا والقوم من
أهل الشّام ، والظّاهر أنّ ربّنا واحد .
__________________
ونبيّنا واحد ، ودعوتنا
فى الاسلام واحدة ، ولا نستزيدهم فى الايمان باللّه والتّصديق برسوله ولا
يستزيدوننا : الأمر واحد إلاّ ما اختلفنا فيه من دم عثمان ، ونحن منه براء! فقلنا
: تعالوا نداو ما لا يدرك اليوم باطفاء الثّائرة وتسكين العامّة ، حتّى يشتدّ الأمر ويستجمع
فنقوى على وضع الحقّ مواضعه ، فقالوا : بل نداويه بالمكابرة! فأبوا حتّى جنحت
الحرب وركدت ، ووقدت نيرانها وحمست. فلمّا ضرّستنا وإيّاهم ، ووضعت مخالبها فينا وفيهم ، أجابوا
عند ذلك إلى الّذى دعوناهم إليه ، فأجبناهم إلى ما دعوا ، وسارعناهم إلى ما طلبوا
، حتّى استبانت عليهم الحجّة ، وانقطعت منهم المعذرة. فمن تمّ على ذلك منهم فهو
الّذى أنقذه اللّه من الهلكة ، ومن لجّ وتمادى فهو الرّاكس
__________________
الّذى ران اللّه على
قلبه ، وصارت دائرة السّوء على رأسه
٥٩ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى الأسود بن قطيبة صاحب [جند] حلوان
أمّا بعد ، فإنّ الوالى إذا اختلف هواه منعه ذلك كثيرا من العدل ، فليكن أمر
النّاس عندك فى الحقّ سواء ، فإنّه ليس فى الجور عوض من العدل ، فاجتنب ما تنكر
أمثاله
، وابتذل نفسك فيما افترض اللّه عليك راجيا ثوابه ، ومتخوّفا عقابه.
واعلم أنّ الدّنيا دار بليّة لم يفرغ
صاحبها فيها قطّ ساعة إلاّ كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة ،
وأنّه لن يغنيك عن الحقّ شىء أبدا ، ومن الحقّ عليك حفظ نفسك ، والاحتساب على
الرّعيّة بجهدك ، فإنّ الّذى يصل
__________________
إليك من ذلك أفضل من
الّذى يصل بك ، والسّلام.
٦٠ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى العمال الذين يطأ الجيش عملهم
من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى من
مرّ به الجيش من جباة الخراج وعمّال البلاد.
أمّا بعد ، فإنّى قد سيّرت جنودا هى
مارّة بكم إن شاء اللّه ، وقد أوصيتهم بما يجب للّه عليهم من كفّ الأذى وصرف
الشّذى
، وأنا أبرأ إليكم وإلى ذمّتكم من معرّة الجيش
إلاّ من جوعة المضطرّ لا يجد عنها مذهبا إلى شبعه فنكّلوا من تناول منهم شيئا ظلما
عن ظلمهم ، وكفّوا أيدى
سفهائكم عن مضارّتهم والتّعرّض لهم فيما استثنيناه منهم وأنا
بين أظهر الجيش
__________________
فارفعوا إلىّ
مظالمكم وما عراكم ممّا يغلبكم من أمرهم ، [وما] لا تطيقون دفعه. إلاّ باللّه وبى
، فأنا أغيّره بمعونة اللّه ، إن شاء.
٦١ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى كميل بن زياد النخعى ، وهو عامله
على هيت ، ينكر عليه
تركه دفع من يجتاز به من جيش العدو
طالبا الغارة
أمّا بعد ، فإنّ تضييع المرء ما ولّى ،
وتكلّفه ما كفى
، لعجز حاضر ، ورأى متبّر ، وإنّ تعاطيك الغارة على أهل قرقيسيا ، وتعطيلك مسالحك الّتى ولّيناك ، ليس
بها من يمنعها ولا يردّ الجيش عنها ، لرأى شعاع ، فقد صرت جسرا لمن أراد الغارة من
أعدائك على أوليائك غير شديد المنكب
ولا مهيب الجانب ، ولا سادّ ثغرة ، ولا كاسر [لعدوّ] شوكة ، ولا مغن عن
__________________
أهل مصره ، ولا مجز عن أميره
٦٢ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى أهل مصر ، مع مالك الأشتر لما ولاه
إمارتها
أمّا بعد ، فإنّ اللّه سبحانه بعث
محمّدا ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، نذيرا للعالمين ، ومهيمنا على المرسلين فلمّا مضى عليه السّلام تنازع المسلمون
الأمر من بعده ، فو اللّه ما كان يلقى فى روعى
ولا يخطر ببالى أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلّى اللّه عليه وآله وسلم عن
أهل بيته ولا أنّهم منّحوه عنّى من بعده! فما راعنى إلاّ انثيال النّاس على فلان يبايعونه
، فأمسكت يدى حتّى رأيت راجعة
النّاس قد رجعت عن الإسلام يدعون
__________________
إلى محق دين محمّد ،
صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به علىّ أعظم من
فوت ولايتكم الّتى إنّما هى متاع أيّام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السّراب
أو كما يتقشّع السّحاب ، فنهضت فى تلك الأحداث حتّى زاح الباطل وزهق ، واطمأنّ
الدّين وتنهنه
ومنه
: إنّى واللّه لو لقيتهم واحدا وهم طلاع
الأرض كلّها
ما باليت ولا استوحشت ، وإنّى من ضلالهم الّذى هم فيه والهدى الّذى أنا عليه لعلى
بصيرة من نفسى ويقين من ربّى ، وإنّى إلى لقاء اللّه [لمشتاق] وحسن ثوابه لمنتظر
راج ، ولكنّنى آسى أن يلى أمر هذه الأمّة سفهاؤها وفجّارها
__________________
فيتّخذوا مال اللّه
دولا ، وعباده خولا ، والصّالحين حربا ، والفاسقين حزبا فانّ منهم الّذى [قد] شرب
فيكم الحرام
وجلد حدّا فى الاسلام ، وإنّ منهم من لم يسلم حتّى رضخت له على الاسلام الرّضائخ ، فلو لا ذلك ما أكثرت تأليبكم وتأنيبكم ، وجمعكم وتحريضكم ، ولتركتكم
إذ أبيتم وونيتم ألا ترون إلى أطرافكم قد انتقصت ،
وإلى أمصاركم قد افتتحت ، وإلى ممالككم تزوى ، وإلى بلادكم تغزى ، انفروا ـ رحمكم
اللّه ـ إلى قتال عدوّكم ولا تثّاقلوا إلى الأرض فتقرّوا بالخسف ، وتبوءوا بالذّلّ
، ويكون نصيبكم الأخسّ ، وإنّ أخا الحرب الأرق ،
ومن نام لم ينم عنه ، والسّلام
__________________
٦٣ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى أبى موسى الأشعرى ، وهو عامله على
الكوفة ، وقد بلغه عنه تثبيطه
الناس على الخروج إليه لما ندبهم لحرب [أصحاب] الجمل
من عبد اللّه [علىّ] أمير المؤمنين إلى
عبد اللّه بن قيس أمّا بعد ، فقد بلغنى عنك قول هو لك وعليك ، فإذا قدم رسولى عليك
فارفع ذيلك
واشدد مئزرك ، واخرج من جحرك ، واندب من معك. فإن حقّقت فانفذ ، وإن تفشّلت فابعد!
وايم اللّه لتؤتينّ [من] حيث أنت ، ولا تترك حتّى يخلط زبدك بخاثرك وذائبك بحامدك ، وحتّى نعجل فى قعدتك وتحذر
من أمامك كحذرك من خلفك ، وما هى بالهوينا الّتى ترجو ،
__________________
ولكنّها الدّاهية
الكبرى يركب جملها ، ويذلّ صعبها ، ويسهّل جبلها. فاعقل عقلك واملك أمرك ، وخذ نصيبك وحظّك. فإن
كرهت فتنحّ إلى غير رحب ولا فى نجاة ، فبالحرىّ لتكفينّ وأنت نائم حتّى لا يقال : أين فلان؟ واللّه إنّه
لحقّ مع محقّ ، وما أبالى ما صنع الملحدون ، والسّلام.
٦٤ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى معاوية ، جوابا
أمّا بعد ، فإنّا كنّا نحن وأنتم على ما
ذكرت من الألفة والجماعة ففرّق بيننا وبينكم أمس أنّا آمنّا وكفرتم ، واليوم أنّا
استقمنا وفتنتم ، وما أسلم مسلمكم إلاّ كرها
، وبعد أن كان أنف الإسلام كلّه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم حزبا.
وذكرت أنّى قتلت طلحة والزّبير ، وشرّدت
بعائشة ، ونزلت المصرين!
__________________
وذلك أمر غبت عنه
فلا عليك
ولا العذر فيه إليك وذكرت أنّك زائرى فى
المهاجرين والأنصار ، وقد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك ، فإن كان فيه عجل فاسترفه فإنّى إن أزرك فذلك جدير أن يكون اللّه
إنّما بعثنى [إليك] للنّقمة منك! وإن تزرنى فكما قال أخو بنى أسد : ـ مستقبلين
رياح الصّيف تضربهم بحاصب بين أغوار وجلمود
وعندى السّيف الّذى أعضضته بجدّك وخالك وأخيك فى مقام واحد وإنّك ـ واللّه
ـ ما علمت
الأغلف القلب ، المقارب العقل ، والأولى أن يقال لك : إنّك رقيت سلّما أطلعك مطلع
سوء عليك لا لك ، لأنّك
__________________
نشدت غير ضالّتك ورعيت غير سائمتك ، وطلبت أمرا لست من
أهله ولا فى معدنه ، فما أبعد قولك من فعلك!! وقريب ما أشبهت من أعمام وأخوال حملتهم الشّقاوة وتمنّى
الباطل على الجحود بمحمّد ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، فصرعوا مصارعهم حيث [علمت]
لم يدفعوا عظيما ، ولم يمنعوا حريما بوقع سيوف ما خلا منها الوغى ، ولم تماشها الهوينا.
وقد أكثرت فى قتلة عثمان فادخل فيما دخل
فيه النّاس ، ثمّ حاكم القوم
إلىّ أحملك وإيّاهم على كتاب اللّه تعالى ، وأمّا تلك الّتى تريد فإنّها
خدعة الصّبىّ عن اللّبن [فى أوّل الفصال ، والسّلام لأهله]
__________________
٦٥ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إليه أيضا
أمّا بعد ، فقد آن لك أن تنتفع باللّمح
الباصر من عيان الأمور
فقد سلكت مدارج أسلافك بادّعائك الأباطيل ، وإقحامك غرور المين والأكاذيب ، وبانتحالك ما قد علا عنك ، وابتزازك لما اختزن دونك ، فرارا من
الحقّ ، وجحودا لما هو ألزم لك من لحمك ودمك : ممّا
قد وعاه سمعك ، وملئ به صدرك ، فما ذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال المبين ، وبعد
البيان إلاّ اللّبس ؟ فاحذر الشّبهة واشتمالها
على لبستها ، فإنّ الفتنة طالما أغدفت جلابيبها ،
وأعشت الأبصار ظلمتها
__________________
وقد أتانى كتاب منك ذو أفانين من القول ضعفت قواها عن السّلم ، وأساطير لم
يحكها منك علم ولا حلم ، أصبحت منها كالخائض فى الدّهاس والخابط فى الدّيماس ، وترقّيت إلى
مرقبة بعيدة المرام
نازحة الأعلام ، تقصر دونها الأنوق ويحاذى بها العيّوق وحاش
للّه أن تلى للمسلمين بعدى صدرا أو وردا أو أجرى لك على
__________________
أحد منهم عقدا أو
عهدا!! فمن الآن فتدارك نفسك وانظر لها ، فإنّك إن فرّطت حتّى ينهد إليك عباد
اللّه أرتجت عليك
الأمور ، ومنعت أمرا هو منك اليوم مقبول ، والسّلام
٦٦ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى عبد اللّه بن العباس ، وقد تقدم
ذكره بخلاف هذه الرواية
أمّا بعد ، فإنّ المرء ليفرح بالشّىء
الّذى لم يكن ليفوته
ويحزن على الشّىء الّذى لم يكن ليصيبه ، فلا يكن أفضل ما نلت فى نفسك من دنياك
بلوغ لذّة أو شفاء غيظ ، ولكن إطفاء باطل أو إحياء حقّ!! وليكن سرورك بما قدّمت ،
وأسفك على ما خلّفت ، وهمّك فيما بعد الموت.
__________________
٦٧ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى قثم بن العباس ، وهو عامله على مكة
أمّا بعد ، فأقم للنّاس الحجّ ، وذكّرهم
بأيّام اللّه
، واجلس لهم العصرين فأفت المستفتى ، وعلّم الجاهل ، وذاكر العالم ، ولا يكن لك
إلى النّاس سفير إلاّ لسانك ، ولا حاجب إلاّ وجهك ، ولا تحجبنّ ذا حاجة عن لقائك
بها فانّها إن ذيدت عن أبوابك فى أوّل وردها
لم تحمد فيما بعد على قضائها وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال اللّه فاصرفه إلى من
قبلك من ذوى
العيال والمجاعة مصيبا به مواضع الفاقة والخلاّت ، وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا
لنقسمه فيمن قبلنا ومر أهل مكّة أن لا يأخذوا من ساكن أجرا ، فانّ اللّه سبحانه
يقول : «سَوٰاءً
اَلْعٰاكِفُ فِيهِ وَاَلْبٰادِ»
فالعاكف : المقيم به ، والبادى : الّذى يحجّ إليه
__________________
من غير أهله ، وفّقنا
اللّه وإيّاكم لمحابّه
والسّلام
٦٨ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى سلمان الفارسى رحمه اللّه قبل أيام
خلافته
أمّا بعد ، فانّما مثل الدّنيا مثل
الحيّة ليّن مسّها قاتل سمّها ، فأعرض عمّا يعجبك فيها لقلّة ما يصحبك منها ، وضع
عنك همومها لما أيقنت [به] من فراقها [وتصرّف حالاتها] وكن آنس ما تكون بها أحذر ما تكون منها فإنّ صاحبها كلّما
اطمأنّ فيها إلى سرور أشخصته عنه إلى محذور!
[أو إلى إيناس أزالته عنه إلى إيحاش ، والسّلام]
٦٩ ـ ومن كتاب
له عليه السّلام
إلى الحارث الهمدانى
وتمسّك بحبل القرآن واستنصحه ، وأحلّ
حلاله ، وحرّم حرامه ، وصدّق بما سلف من الحقّ ، واعتبر بما مضى من الدّنيا ما بقى
منها فإنّ بعضها
__________________
يشبه بعضا ، وآخرها
لاحق بأوّلها! وكلّها حائل مفارق
وعظّم اسم اللّه أن تذكره إلاّ على حقّ
، وأكثر ذكر الموت وما بعد الموت ، ولا تتمنّ الموت إلاّ بشرط وثيق واحذر كلّ عمل يرضاه صاحبه لنفسه ويكره
لعامّة المسلمين. واحذر كلّ عمل يعمل به فى السّرّ ويستحى منه فى العلانية واحذر
كلّ عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره أو اعتذر منه. ولا تجعل عرضك غرضا لنبال القول ،
ولا تحدّث النّاس بكلّ ما سمعت به ، فكفى بذلك كذبا ولا تردّ على النّاس كلّ ما
حدّثوك به فكفى بذلك جهلا ، واكظم الغيظ وتجاوز عند المقدرة. واحلم عند الغضب ، واصفح
مع الدّولة تكن لك العاقبة ، واستصلح
كلّ نعمة أنعمها اللّه عليك ، ولا تضيّعنّ نعمة من نعم اللّه عندك ، ولير عليك أثر
ما أنعم اللّه به عليك
واعلم أنّ أفضل المؤمنين أفضلهم تقدمة
من نفسه وأهله وماله ، فإنّك
ما تقدّم من خير يبق لك ذخره ، وما تؤخّره يكن لغيرك خيره ، واحذر صحابة
__________________
من يفيل رأيه وينكر عمله ، فانّ الصّاحب معتبر
بصاحبه. واسكن الأمصار العظام فإنّها جماع المسلمين ، واحدر منازل الغفلة والجفاء
وقلّة الأعوان على طاعة اللّه ، واقصر رأيك على ما يعنيك ، وإيّاك ومقاعد الأسواق
فانّها محاضر الشّيطان ومعاريض الفتن
، وأكثر أن تنظر إلى من فضّلت عليه
، فانّ ذلك من أبواب الشّكر ، ولا تسافر فى يوم جمعة حتّى تشهد الصّلاة إلاّ فاصلا
فى سبيل اللّه أو فى أمر تعذر به ،
وأطع اللّه فى جميع أمورك فإنّ طاعة اللّه فاضلة على ما سواها ، وخادع نفسك فى
العبادة ، وارفق بها ولا تقهرها ، وخذ عفوها ونشاطها إلاّ
ما كان مكتوبا عليك من الفريضة ، فإنّه لا بدّ من قضائها وتعاهدها عند محلّها ، وإيّاك
أن ينزل بك الموت وأنت آبق من ربّك فى طلب الدّنيا ،
وإيّاك ومصاحبة الفسّاق
__________________
فانّ الشّرّ بالشّرّ
ملحق ، ووقّر اللّه وأحبب أحبّاءه ، واحذر الغضب فإنّه جند عظيم من جنود إبليس ، والسّلام
٧٠ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى سهل بن حنيف الأنصارى ، وهو عامله
على المدينة
فى معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية
أمّا بعد ، فقد بلغنى أنّ رجالا ممّن
قبلك يتسلّلون
إلى معاوية ، فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم ، ويذهب عنك من مددهم ، فكفى لهم
غيّا ولك منهم شافيا
فرارهم من الهدى والحقّ ، وإيضاعهم إلى العمى والجهل ،
وإنّما هم أهل دنيا مقبلون عليها ، ومهطعون إليها ،
وقد عرفوا العدل ورأوه وسمعوه ووعوه ، وعلموا أنّ النّاس عندنا فى الحقّ أسوة ، فهربوا
إلى الأثرة ، فبعدا لهم وسحقا!!
__________________
إنّهم ـ واللّه ـ لم ينفروا من جور ، ولم
يلحقوا بعدل ، وإنّا لنطمع فى هذا الأمر أن يذلّل اللّه لنا صعبه ، ويسهّل لنا
حزنه إن شاء
اللّه ، والسّلام.
٧١ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى المنذر بن الجارود العبدى ، وقد خان
فى بعض ما ولاه من أعماله
أمّا بعد ، فإنّ صلاح أبيك [ما] غرّنى
منك ، وظننت أنّك تتّبع هديه ، وتسلك سبيله
، فإذا أنت فيما رقّى إلىّ عنك
لا تدع لهواك انقيادا ، ولا تبقى لآخرتك عتادا ، تعمر دنياك بخراب
آخرتك ، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك ، ولئن كان ما بلغنى عنك حقّا لجمل أهلك وشسع
نعلك خير منك ، ومن كان بصفتك
فليس بأهل أن يسدّ به ثغر ، أو ينفذ به أمر ، أو يعلى له قدر ، أو يشرك فى أمانة ،
أو يؤمن على خيانة فأقبل إلىّ حين
__________________
يصل إليك كتابى هذا
إن شاء اللّه.
قال الرضى : والمنذر هذا هو الذى قال
فيه أمير المؤمنين عليه السلام : إنه لنظار فى عطفيه ، مختال فى برديه ، تفال فى شراكيه.
٧٢ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى عبد اللّه بن العباس
أمّا بعد ، فانّك لست بسابق أجلك ، ولا
مرزوق ما ليس لك ، واعلم بأنّ الدّهر يومان : يوم لك ، ويوم عليك. وأنّ الدّنيا
دار دول
، فما كان منها لك أتاك على ضعفك ، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوّتك.
٧٣ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى معاوية
أمّا بعد ، فانّى على التّردّد فى جوابك
، والاستماع
إلى كتابك لموهّن
__________________
رأيى ، ومخطىء
فراستى ، وإنّك إذ تحاولنى الأمور
وتراجعنى السّطور كالمستثقل النّائم تكذبه أحلامه ، والمتحيّر القائم يبهظه مقامه
، لا يدرى أله ما يأتى أم عليه ، ولست به ، غير أنّه بك شبيه ، وأقسم باللّه إنّه
لو لا بعض الاستبقاء
لوصلت إليك منّى قوارع : تقرع العظم ، وتهلس اللّحم! واعلم أنّ الشّيطان قد ثبّطك
عن أن تراجع أحسن أمورك
، وتأذن لمقال نصيحتك ، [والسّلام لأهله].
__________________
٧٤ ـ ومن حلف له عليه
السّلام
كتبه بين ربيعة واليمن ، ونقل من خط
هشام ابن الكلبى
هذا ما اجتمع عليه أهل اليمن حاضرها وباديها
، وربيعة حاضرها وباديها
أنّهم على كتاب اللّه : يدعون إليه ويأمرون به ، ويجيبون من دعا إليه وأمر به لا
يشترون به ثمنا ولا يرضون به بدلا ، وأنّهم يد واحدة على من خالف ذلك وتركه ، أنصار
بعضهم لبعض : دعوتهم واحدة ، لا ينقضون عهدهم لمعتبة عاتب ، ولا لغضب غاضب ، ولا لاستذلال قوم قوما [ولا لمسبّة
قوم قوما]! على ذلك شاهدهم وغائبهم ، وسفيههم وعالمهم ، وحليمهم وجاهلهم. ثمّ إنّ
عليهم بذلك عهد اللّه وميثاقه إنّ عهد اللّه كان مسئولا ، وكتب : على بن أبى طالب
__________________
٧٥ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى معاوية فى أول ما بويع له
ذكره الواقدى فى كتاب الجمل
من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى
معاوية بن أبى سفيان : ـ أمّا بعد ، فقد علمت إعذارى فيكم وإعراضى عنكم ، حتّى كان ما لا بدّ منه ولا دفع له ،
والحديث طويل ، والكلام كثير ، وقد أدبر ما أدبر ، وأقبل ما أقبل ، فبايع من قبلك وأقبل إلىّ فى وفد من أصحابك
٧٦ ـ ومن وصيّة له عليه
السّلام
لعبد اللّه بن العباس ، عند استخلافه
إياه على البصرة
سع النّاس بوجهك ومجلسك وحكمك ، وإيّاك
والغضب فإنّه طيرة من الشّيطان
، واعلم أنّ ما قرّبك من اللّه يباعدك من النّار ، وما باعدك من اللّه يقرّبك من
النّار.
__________________
٧٧ ـ ومن وصيّة له عليه
السّلام
لعبد اللّه بن العباس ، لما بعثه
للاحتجاج إلى الخوارج
لا تخاصمهم بالقرآن فإنّ القرآن حمّال ذو وجوه تقول ويقولون ، ولكن حاججهم
بالسّنّة فإنّهم لن يجدوا عنها محيصا .
٧٨ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
إلى أبى موسى الأشعرى جوابا فى أمر
الحكمين
ذكره سعيد بن يحيى الأموى فى كتاب
المغازى
فإنّ النّاس قد تغيّر كثير منهم عن كثير
من حظّهم
، فمالوا مع الدّنيا ، ونطقوا بالهوى ، وإنّى نزلت من هذا الأمر منزلا معجبا اجتمع
به أقوام أعجبتهم أنفسهم ، فإنّى أداوى منهم قرحا أخاف أن يكون علقا وليس
رجل ـ فاعلم ـ أحرص على أمّة محمّد ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم وألفتها منّى
__________________
أبتغى بذلك حسن
الثّواب وكرم المآب .
وسأفى بالّذى وأيت على نفسى
، وإن تغيّرت عن صالح ما فارقتنى عليه
، فإنّ الشّقىّ من حرم نفع ما أوتى من العقل والتّجربة ، وإنّى لأعبد أن يقول قائل
بباطل . وإن أفسد أمرا قد أصلحه اللّه ، فدع ما لا تعرف ،
فانّ شرار النّاس طائرون إليك بأقاويل السّوء ، والسّلام.
٧٩ ـ ومن كتاب له عليه
السّلام
لما استخلف ، إلى أمراء الأجناد
أمّا بعد ، فإنّما أهلك من كان قبلكم
أنّهم منعوا النّاس الحقّ فاشتروه ، وأخذوهم بالباطل
فاقتدوه .
__________________
باب المختار من حكم أمير
المؤمنين عليه السلام
ويدخل فى ذلك المختار من أجوبة مسائله
والكلام القصير الخارج فى سائر أغراضه
١ ـ قال عليه السلام : كن فى الفتنة
كابن اللّبون
لا ظهر فيركب ، ولا ضرع فيحلب.
٢ ـ وقال عليه السلام : أزرى بنفسه من
استشعر الطّمع
، ورضى بالذّلّ من كشف عن ضرّه ، وهانت عليه نفسه من أمّر عليها لسانه.
٣ ـ وقال عليه السلام : البخل عار ، والجبن
منقصة ، والفقر يخرس الفطن عن حجّته ، والمقلّ غريب فى بلدته ، والعجز آفة ، والصّبر شجاعة ، والزّهد
ثروة ، والورع جنّة.
٤ ـ وقاله
عليه السلام : نعم القرين الرّضا ، والعلم وراثة كريمة ، والآداب حلل مجدّدة ، والفكر
مرآة صافية.
٥ ـ وقال
عليه السلام : صدر العاقل صندوق سرّه ، والبشاشة
__________________
حبالة المودّة ، والاحتمال
قبر العيوب (أو) : والمسالمة خباء العيوب. ومن رضى عن نفسه كثر السّاخط عليه.
٦ ـ وقال
عليه السلام : الصّدقة دواء منجح ، وأعمال العباد فى عاجلهم ، نصب أعينهم فى
آجلهم.
٧ ـ وقال عليه السلام : اعجبوا لهذا الإنسان
ينظر بشحم ، ويتكلّم بلحم
، ويسمع بعظم ، ويتنفّس من خرم!!
٨ ـ وقال عليه السلام : إذا أقبلت
الدّنيا على أحد أعارته محاسن غيره وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.
٩ ـ وقال عليه السلام : خالطوا النّاس
مخالطة إن متّم معها بكوا عليكم ، وإن عشتم حنّوا إليكم.
١٠ ـ وقال عليه السلام : إذا قدرت على
عدوّك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه.
١١ ـ وقال عليه السلام : أعجز النّاس من
عجز عن اكتساب الإخوان
__________________
وأعجز منه من ضيّع
من ظفر به منهم :
١٢ ـ وقال عليه السلام : إذا وصلت إليكم
أطراف النّعم فلا تنفّروا أقصاها بقلّة الشّكر
١٣ ـ وقال عليه السلام : من ضيّعه
الأقرب أتيح له الأبعد .
١٤ ـ وقال عليه السلام : ما كلّ مفتون
يعاتب .
١٥ ـ وقال عليه السلام : تذلّ الأمور
للمقادير حتّى يكون الحتف فى التّدبير
١٦ ـ وسئل عليه السلام عن قول الرسول
صلى اللّه عليه وآله وسلم «غيّروا الشّيب ولا تشبّهوا باليهود»
فقال عليه السلام : إنّما قال صلّى اللّه
__________________
عليه وآله وسلّم ذلك
والدّين قلّ ، فأمّا الآن وقد اتّسع نطاقه ، وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار.
١٧ ـ وقال عليه السلام فى الذين اعتزلوا
القتال معه : حذلوا الحقّ ولم ينصروا الباطل :
١٨ ـ وقال عليه السلام : من جرى فى عنان
أمله عثر بأجله
١٩ ـ وقال عليه السلام : أقيلوا ذوى
المروءات عثراتهم
، فما يعثر منهم عاثر إلاّ ويد اللّه بيده يرفعه.
٢٠ ـ وقال عليه السلام : قرنت الهيبة
بالخيبة
، والحياء بالحرمان ، والفرصة تمرّ مرّ السّحاب فانتهزوا فرص الخير.
٢١ ـ وقال عليه السلام : لنا حقّ فإن
أعطيناه وإلاّ ركبنا أعجاز الإبل وإن طال السّرى
__________________
قال الرضى : وهذا من
لطيف الكلام وفصيحه ، ومعناه إنا إن لم نعط حقنا كنا أذلاء وذلك أن الرديف يركب عجز البعير كالعبد
والأسير ومن يجرى مجراهما.
٢٢ ـ وقال عليه السلام : من أبطأ به
عمله لم يسرع به نسبه.
٢٣ ـ وقال عليه السلام : من كفّارات
الذّنوب العظام إغاثة الملهوف والتّنفيس عن المكروب.
٢٤ ـ وقال عليه السلام : يا ابن آدم ، إذا
رأيت ربّك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره.
٢٥ ـ وقال عليه السلام : ما أضمر أحد
شيئا إلاّ ظهر فى فلتات لسانه ، وصفحات وجهه.
٢٦ ـ وقال عليه السلام : امش بدائك ما
مشى بك .
٢٧ ـ وقال عليه السلام : أفضل الزّهد
إخفاء الزّهد.
٢٨ ـ وقال عليه السلام : إذا كنت فى
إدبار والموت فى إقبال
فما أسرع الملتقى.
__________________
٢٩ ـ وقال عليه السلام : الحذر الحذر!
فو اللّه لقد ستر حتّى كأنّه قد غفر
٣٠ ـ وسئل عن الإيمان ، فقال : الإيمان
على أربع دعائم : على الصّبر ، واليقين ، والعدل ، والجهاد. والصّبر منها على أربع
شعب : على الشّوق والشّفق
، والزّهد ، والتّرقّب : فمن اشتاق إلى الجنّة سلا عن الشّهوات ، ومن أشفق من
النّار اجتنب المحرّمات ، ومن زهد فى الدّنيا استهان بالمصيبات ومن ارتقب الموت
سارع إلى الخيرات. واليقين منها على أربع شعب : على تبصرة الفطنة ، وتأوّل الحكمة ، وموعظة العبرة ، وسنّة الأوّلين : فمن
تبصّر فى الفطنة تبيّنت له الحكمة ، ومن تبيّنت له الحكمة عرف العبرة ، ومن عرف
العبرة فكأنّما كان فى الأوّلين. والعدل منها على أربع شعب : على غائص الفهم ، وغور
العلم ، وزهرة الحكم ورساخة الحلم : فمن
فهم علم غور العلم ، ومن علم غور العلم صدر عن شرائع الحكم ،
ومن حلم لم يفرّط
__________________
فى أمره وعاش فى
النّاس حميدا. والجهاد منها على أربع شعب : على الأمر بالمعروف ، والنّهى عن
المنكر ، والصّدق فى المواطن
وشنآن الفاسقين فمن أمر بالمعروف شدّ ظهور المؤمنين ، ومن نهى عن المنكر أرغم أنوف
الكافرين ، ومن صدق فى المواطن قضى ما عليه ، ومن شنئ الفاسقين وغضب للّه غضب
اللّه له وأرضاه يوم القيامة
٣١ ـ [وقال عليه السلام] : الكفر على
أربع دعائم : على التّعمّق ، والتّنازع ، والزّيغ والشّقاق : فمن تعمّق لم ينب إلى الحقّ
، ومن كثر
نزاعه بالجهل دام عماه عن الحقّ ، ومن زاغ ساءت عنده الحسنة ، وحسنت عنده السّيّئة
، وسكر سكر الضّلالة ، ومن شاقّ وعرت عليه طرقه ، وأعضل عليه أمره ،
وضاق عليه مخرجه. والشّكّ على أربع شعب : على التّمارى
__________________
والهول ، والتّردّد
، والاستسلام
: فمن جعل المراء دينا لم يصبح ليله ، ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه ، ومن
تردّد فى الرّيب وطئته سنابك الشّياطين
، ومن استسلم لهلكة الدّنيا والآخرة هلك فيهما قال الرضى : وبعد هذا كلام تركنا
ذكره خوف الاطالة والخروج عن الغرض المقصود فى هذا الباب
٣٢ ـ وقال عليه السلام : فاعل الخير خير
منه ، وفاعل الشّرّ شرّ منه.
٣٣ ـ وقال عليه السلام : كن سمحا ولا
تكن مبذّرا ، وكن مقدّرا ولا تكن مقتّرا
٣٤ ـ وقال عليه السلام : أشرف الغنى ترك
المنى .
__________________
٣٥ ـ وقال عليه السلام : من أسرع إلى
النّاس بما يكرهون قالوا فيه بما لا يعلمون.
٣٦ ـ وقال عليه السلام : من أطال الأمل
أساء العمل .
٣٧ ـ وقال [عليه السلام] وقد لقيه عند
مسيره إلى الشام دهاقين الأنبار
، فترجلوا له واشتدوا بين يديه ، فقال : ما هذا الّذى صنعتموه؟ فقالوا : خلق منا
نعظم به أمراءنا ، فقال : واللّه ما ينتفع بهذا أمراؤكم ، وإنّكم لتشقّون على
أنفسكم فى دنياكم
، وتشقون به فى آخرتكم ، وما أخسر المشقّة وراءها العقاب ، وأربح الدّعة معها
الأمان من النّار.
٣٨ ـ وقال عليه السلام لابنه الحسن : يا
بنىّ ، احفظ عنّى أربعا ، وأربعا ، لا يضرّك ما عملت معهنّ : [إنّ] أغنى الغنى
العقل ، وأكبر الفقر الحمق ، وأوحش الوحشة العجب ،
وأكرم
__________________
الحسب حسن الخلق.
يا بنىّ ، إيّاك ومصادقة الأحمق فإنّه
يريد أن ينفعك فيضرّك ، وإيّاك ومصادقة البخيل فإنّه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه ، وإيّاك ومصادقة الفاجر فإنّه يبيعك
بالتّافه
، وإيّاك ومصادقة الكذّاب فإنّه كالسّراب : يقرّب عليك البعيد ، ويبعد عليك
القريب.
٣٩ ـ وقال عليه السلام : لا قربة
بالنّوافل إذا أضرّت بالفرائض
٤٠ ـ وقال
عليه السلام : لسان العاقل وراء قلبه ، وقلب الأحمق وراء لسانه. قال الرضى : وهذا
من المعانى العجيبة الشريفة ، والمراد به أن العاقل لا يطلق لسانه إلا بعد مشاورة
الروية ومؤامرة الفكرة ، والأحمق تسبق حذفات لسانه وفلتات كلامه مراجعة فكره ومماخضة
رأيه ، فكأن لسان العاقل تابع لقلبه ، وكأن قلب الأحمق تابع للسانه
٤١ ـ وقد
روى عنه عليه السلام هذا المعنى بلفظ آخر ، وهو قوله : ـ قلب الأحمق فى فيه ، ولسان
العاقل فى قلبه. ومعناهما واحد
__________________
٤٢ ـ وقال
لبعض أصحابه فى علة أعتلها : جعل اللّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك ، فإنّ
المرض لا أجر فيه ، ولكنّه يحطّ السّيّئات ويحتّها حتّ الأوراق . وإنّما الأجر فى القول باللّسان ، والعمل
بالأيدى والأقدام ، وإنّ اللّه سبحانه يدخل بصدق النّيّة والسّريرة الصّالحة من
يشاء من عباده الجنّة قال الرضى : وأقول صدق عليه السلام ، إن المرض لا أجر فيه ، لأنه
من قبيل ما يستحق عليه العوض
لأن العوض يستحق على ما كان فى مقابلة فعل اللّه تعالى بالعبد من الآلام والأمراض
وما يجرى مجرى ذلك ، والأجر والثواب يستحقان على ما كان فى مقابله فعل العبد ، فبينهما
فرق قد بينه عليه السلام كما يقتضيه علمه الثاقب ورأيه الصائب.
٤٣ ـ وقال
عليه السلام فى ذكر خباب [بن الأرت] : يرحم اللّه خبّاب بن الأرتّ فلقد أسلم راغبا
، وهاجر طائعا ، وقنع بالكفاف ، ورضى عن اللّه ، وعاش مجاهدا.
٤٤ ـ وقال
عليه السلام : طوبى لمن ذكر المعاد ، وعمل للحساب ، وقنع بالكفاف ، ورضى عن اللّه.
__________________
٤٥ ـ وقال
عليه السلام : لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفى هذا على أن يبغضنى ما أبغضنى ، ولو صببت الدّنيا بجمّاتها على
المنافق على أن يحبّنى ما أحبّنى ، وذلك أنّه قضى فانقضى على لسان النّبىّ الأمّىّ
صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، أنّه قال : يا علىّ ، لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبّك
منافق
٤٦ ـ وقال
عليه السلام : سيّئة تسوءك خير عند اللّه من حسنة تعجبك
٤٧ ـ وقال
عليه السلام : قدر الرّجل على قدر همّته. وصدقه على قدر مروءته ، وشجاعته على قدر
أنفته ، وعفّته على قدر غيرته.
٤٨ ـ وقال
عليه السلام : الظّفر بالحزم ، والحزم بإجالة الرّأى ، والرّأى بتحصين الأسرار.
٤٩ ـ وقال
عليه السلام : احذروا صولة الكريم إذا جاع ، واللّئيم إذا شبع
٥٠ ـ وقال
عليه السلام : قلوب الرّجال وحشيّة ، فمن تألّفها أقبلت عليه
٥١ ـ وقال
عليه السلام : عيبك مستور ما أسعدك جدّك
__________________
٥٢ ـ وقال
عليه السلام : أولى النّاس بالعفو أقدرهم على العقوبة
٥٣ ـ وقال
عليه السلام : السّخاء ما كان ابتداء ، فأمّا ما كان عن مسألة فحياء وتذمّم
٥٤ ـ وقال
عليه السلام : لا غنى كالعقل ، ولا فقر كالجهل ، ولا ميراث كالأدب ، ولا ظهير
كالمشاورة.
٥٥ ـ وقال
عليه السلام : الصّبر صبران : صبر على ما تكره ، وصبر عمّا تحبّ.
٥٦ ـ وقال
عليه السلام : الغنى فى الغربة وطن ، والفقر فى الوطن غربة
٥٧ ـ وقال
عليه السلام : القناعة مال لا ينفد [قال الرضى : وقد روى هذا الكلام عن النبى صلّى
اللّه عليه وآله وسلم]
٥٨ ـ وقال
عليه السلام : المال مادّة الشّهوات.
٥٩ ـ وقال
عليه السلام : من حذّرك كمن بشّرك.
٦٠ ـ وقال
عليه السلام : اللّسان سبع إن خلّى عنه عقر.
٦١ ـ وقال
عليه السلام : المرأة عقرب حلوة اللّبسة .
__________________
٦٢ ـ [وقال
عليه السلام : إذا حيّيت بتحيّة فحىّ بأحسن منها ، وإذا أسديت إليك يد فكافئها بما
يربى عليها ، والفضل مع ذلك للبادى]
٦٣ ـ وقال
عليه السلام : الشّفيع جناح الطّالب.
٦٤ ـ وقال
عليه السلام : أهل الدّنيا كركب يسار بهم وهم نيام.
٦٥ ـ وقال
عليه السلام : فقد الأحبّة غربة
٦٦ ـ وقال
عليه السلام : فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها
٦٧ ـ وقال
عليه السلام : لا تستح من إعطاء القليل ، فانّ الحرمان أقلّ منه
٦٨ ـ وقال
عليه السلام : العفاف زينة الفقر ، [والشّكر زينة الغنى]
٦٩ ـ وقال
عليه السلام : إذا لم يكن ما تريد فلا تبل ما كنت .
٧٠ ـ وقال عليه السلام : لا ترى الجاهل
إلاّ مفرطا أو مفرّطا.
٧١ ـ وقال عليه السلام : إذا تمّ العقل
نقص الكلام.
٧٢ ـ وقال عليه السلام : الدّهر يخلق
الأبدان ، ويجدّد الآمال ، ويقرّب
__________________
المنيّة ، ويباعد
الأمنيّة : من ظفر به نصب ، ومن فاته تعب .
٧٣ ـ وقال عليه السلام : من نصب نفسه
للنّاس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه
بلسانه ، ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم النّاس ومؤدّبهم.
٧٤ ـ وقال عليه السلام : نفس المرء خطاه
إلى أجله .
٧٥ ـ وقال عليه السلام : كلّ معدود منقض
، وكلّ متوقّع آت.
٧٦ ـ وقال عليه السلام : إنّ الأمور إذا
اشتبهت اعتبر آخرها بأوّلها
٧٧ ـ ومن خبر ضرار بن حمزة الضبائى عند
دخوله على معاوية ومسألته له عن أمير المؤمنين ، وقال : فأشهد لقد رأيته فى بعض
مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم فى محرابه قابض
على لحيته يتململ تململ السليم ويبكى بكاء الحزين ،
ويقول : يا دنيا يا دنيا ، إليك عنّى ، أبى تعرّضت؟ أم إلىّ تشوّفت؟ لا حان حينك
__________________
هيهات! غرّى غيرى ، لا
حاجة لى فيك ، قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها! فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك
حقير. آه من قلّة الزّاد ، وطول الطّريق ، وبعد السّفر ، وعظيم المورد
٧٨ ـ ومن كلام له عليه السلام [للسائل
الشامى] لما سأله : أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من اللّه وقدر؟ بعد كلام طويل هذا
مختاره : ويحك! لعلّك ظننت قضاء لازما ، وقدرا حاتما ، ولو كان [ذلك] كذلك لبطل
الثّواب والعقاب ، وسقط الوعد والوعيد
إنّ اللّه سبحانه أمر عباده تخييرا ، ونهاهم تحذيرا ، وكلّف يسيرا ، ولم يكلّف
عسيرا ، وأعطى على القليل كثيرا ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يرسل
الأنبياء لعبا ، ولم ينزل الكتاب للعباد عبثا ، ولا خلق السّموات والأرض وما
بينهما باطلا و «ذٰلِكَ
ظَنُّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ اَلنّٰارِ»
٧٩ ـ وقال عليه السلام : خذ الحكمة أنّى
كانت فإنّ الحكمة تكون
__________________
فى صدر المنافق
فتلجلج فى صدره
حتّى تخرج فتسكن إلى صواحبها فى صدر المؤمن
٨٠ ـ وقال عليه السلام : الحكمة ضالّة
المؤمن ، فخذ الحكمة ولو من أهل النّفاق
٨١ ـ وقال عليه السلام : قيمة كلّ امرئ
ما يحسنه قال الرضى : وهى الكلمة التى لا تصاب لها قيمة ، ولا توزن بها حكمة ولا
تقرن إليها كلمة.
٨٢ ـ وقال عليه السلام : أوصيكم بخمس لو
ضربتم إليها آباط الإبل
لكانت لذلك أهلا : لا يرجونّ أحد منكم إلاّ ربّه ، ولا يخافنّ إلاّ ذنبه ، ولا
يستحينّ أحد [منكم] إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول لا أعلم ، ولا يستحينّ أحد إذا
لم يعلم الشّىء أن يتعلّمه ، وعليكم بالصّبر فإنّ الصّبر من الإيمان كالرّأس من
الجسد ، ولا خير فى جسد لا رأس معه ، ولا فى إيمان لا صبر معه
٨٣ ـ وقال عليه السلام لرجل أفرط فى
الثّناء عليه ، وكان له متّهما : أنا دون ما تقول وفوق ما فى نفسك
__________________
٨٤ ـ وقال عليه السلام : بقيّة السّيف
أبقى عددا وأكثر ولدا
٨٥ ـ وقال عليه السلام : من ترك قول «لا
أدرى» أصيبت مقاتله
٨٦ ـ وقال عليه السلام : رأى الشّيخ
أحبّ إلىّ من جلد الغلام
وروى «من مشهد الغلام»
٨٧ ـ وقال عليه السلام : عجبت لمن يقنط
ومعه الاستغفار
٨٨ ـ وحكى عنه أبو جعفر محمد بن على
الباقر عليهما السلام أنه قال : كان فى الأرض أمانان من عذاب اللّه وقد رفع أحدهما
فدونكم الآخر فتمسّكوا به : أمّا الأمان الّذى رفع فهو رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم وأمّا الأمان الباقى فالاستغفار ، قال اللّه تعالى : «وَمٰا
كٰانَ اَللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمٰا
كٰانَ اَللّٰهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»
__________________
قال الرضى : وهذا من محاسن الاستخراج ولطائف
الاستنباط
٨٩ ـ وقال عليه السلام : من أصلح [ما] بينه
وبين اللّه أصلح اللّه ما بينه وبين النّاس ، ومن أصلح أمر آخرته أصلح اللّه له
أمر دنياه ، ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من اللّه حافظ
٩٠ ـ وقال عليه السلام : الفقيه كلّ
الفقيه من لم يقنّط النّاس من رحمة اللّه ، ولم يؤيسهم من روح اللّه ، ولم يؤمنهم من مكر اللّه
٩١ ـ وقال عليه السلام : إنّ هذه القلوب
تملّ كما تملّ الأبدان ، فابتغوا لها طرائف الحكم
٩٢ ـ وقال عليه السلام : أوضع العلم ما
وقف على اللّسان
، وأرفعه ما ظهر فى الجوارح والأركان
٩٣ ـ وقال عليه السلام : لا يقولنّ
أحدكم «اللّهمّ إنّى أعوذ بك من الفتنة» لأنّه ليس أحد إلاّ وهو مشتمل على فتنة ،
ولكن من استعاذ فليستعذ
__________________
من مضلاّت الفتن ، فإنّ
اللّه سبحانه يقول : «وَاِعْلَمُوا
أَنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَأَوْلاٰدُكُمْ فِتْنَةٌ»
ومعنى ذلك أنّه يختبرهم بالأموال والأولاد ليتبيّن السّاخط لرزقه ، والرّاضى بقسمه
، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال الّتى بها يستحقّ
الثّواب والعقاب ، لأنّ بعضهم يحبّ الذّكور ويكره الإناث ، وبعضهم يحبّ تثمير
المال ويكره
انثلام الحال
قال الرضى : وهذا من غريب ما سمع منه فى
التفسير
٩٤ ـ وسئل عن الخير ما هو؟ فقال : ليس
الخير أن يكثر مالك وولدك ولكنّ الخير أن يكثر علمك و [أن] يعظم حلمك ، وأن تباهى
النّاس بعبادة ربّك ، فإن أحسنت حمدت اللّه ، وإن أسأت استغفرت اللّه ، ولا خير فى
الدّنيا إلاّ لرجلين : رجل أذنب ذنوبا فهو يتداركها بالتّوبة ، ورجل يسارع فى
الخيرات
٩٥ ـ وقال عليه السلام : لا يقلّ عمل مع
التّقوى ، وكيف يقلّ ما يتقبّل؟
٩٦ ـ وقال عليه السلام : إنّ أولى
النّاس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به ، ثمّ تلى : (إنَّ أَوْلَى النَّاسِ
بِإبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ثمّ قال : إنّ ولىّ محمّد من أطاع
اللّه وإن بعدت لحمته
، وإنّ عدوّ محمّد من
__________________
عصى اللّه وإن قربت
قرابته!
٩٧ ـ وقد سمع رجلا من الحرورية يتهجد ويقرأ ، فقال : نوم على يقين خير
من صلاة فى شكّ.
٩٨ ـ وقال عليه السلام : اعقلوا الخبر
إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية ، فإنّ رواة العلم كثير ، ورعاته قليل.
٩٩ ـ وسمع رجلا يقول : «إِنّٰا
لِلّٰهِ وَإِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ»
فقال عليه السّلام : إن قولنا «إِنّٰا
لِلّٰهِ» إقرار على أنفسنا
بالملك ، وقولنا «وَإِنّٰا
إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ» إقرار على
أنفسنا بالهلك
١٠٠ ـ ومدحه قوم فى وجهه ، فقال : اللّهمّ
إنّك أعلم بى من نفسى ، وأنا أعلم بنفسى منهم ، اللّهمّ اجعلنا خيرا ممّا يظنّون ،
واغفر لنا ما لا يعلمون
١٠١ ـ وقال عليه السلام. لا يستقيم قضاء
الحوائج إلاّ بثلاث : باستصغارها لتعظم
، وباستكتامها لتظهر ، وبتعجيلها لتهنؤ
__________________
١٠٢ ـ وقال عليه السلام : يأتى على
النّاس زمان لا يقرّب فيه إلاّ الماحل
، ولا يظرّف فيه إلاّ الفاجر ، ولا يضعّف فيه إلاّ المنصف : يعدّون الصّدقة فيه
غرما ، وصلة الرّحم منّا ، والعبادة استطالة على النّاس! فعند ذلك يكون السّلطان
بمشورة النّساء وإمارة الصّبيان وتدبير الخصيان
١٠٣ ـ ورئى عليه إزار خلق مرقوع فقيل له
فى ذلك ، فقال : يخشع له القلب ، وتذلّ به النّفس ، ويقتدى به المؤمنون. إنّ
الدّنيا والآخرة عدوّان متفاوتان ، وسبيلان مختلفان : فمن أحبّ الدّنيا وتولاّها
أبغض الآخرة وعاداها وهما بمنزلة المشرق والمغرب ، وماش بينهما : كلّما قرب من
واحد بعد من الآخر ، وهما بعد ضرّتان!
١٠٤ ـ وعن نوف البكالى ، قال : رأيت
أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة وقد خرج من فراشه فنظر فى النجوم فقال لى : يا
نوف ، أراقد أنت أم رامق؟ فقلت : بل رامق
قال : يا نوف طوبى للزّاهدين فى الدّنيا الرّاغبين فى الآخرة ، أولئك قوم اتّخذوا
الأرض
__________________
بساطا ، وترابها
فراشا ، وماءها طيبا ، والقرآن شعارا
والدّعاء دثارا ، ثمّ قرضوا الدّنيا قرضا على منهاج المسيح. يا نوف ، إنّ داود
عليه السّلام قام فى مثل هذه السّاعة من اللّيل فقال : إنّها ساعة لا يدعو فيها
عبد إلاّ استجيب له إلاّ أن يكون عشّارا
أو عريفا أو شرطيّا ، أو صاحب عرطبة (وهى الطنبور) أو صاحب كوبة (وهى الطبل. وقد
قيل أيضا : إن العرطبة الطبل والكوبة الطنبور
١٠٥ ـ وقال عليه السلام : إنّ اللّه
افترض عليكم الفرائض فلا تضيّعوها وحدّ لكم حدودا فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء
فلا تنتهكوها وسكت لكم عن أشياء ولم
يدعها نسيانا فلا تتكلّفوها.
__________________
١٠٦ ـ وقال عليه السلام : لا يترك
النّاس شيئا من أمر دينهم لاستصلاح دنياهم إلاّ فتح اللّه عليهم ما هو أضرّ منه
١٠٧ ـ وقال عليه السلام : ربّ عالم قد
قتله جهله
وعلمه معه لا ينفعه
١٠٨ ـ وقال عليه السلام : لقد علّق
بنياط هذا الإنسان بضعة هى أعجب ما فيه
وذلك القلب ، وله موادّ من الحكمة وأضداد من خلافها : فإن سنح له الرّجاء أذلّه الطّمع ، وإن هاج به الطّمع
أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ ، وإن
أسعده الرّضا نسى التّحفّظ ، وإن ناله الخوف
شغله الحذر ، وإن اتّسع له الأمن استلبته الغرّة ،
وإن أفاد مالا أطغاه الغنى ، وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع ، وإن عضّته الفاقة شغله
البلاء ، وإن جهده الجوع قعد به الضّعف ، وإن أفرط به الشّبع كظّته البطنة ،
فكلّ تقصير به مضرّ ، وكلّ إفراط له مفسد.
__________________
١٠٩ ـ وقال عليه السلام : نحن النّمرقة
الوسطى
بها يلحق التّالى ، وإليها يرجع الغالى.
١١٠ ـ وقال عليه السلام : لا يقيم أمر
اللّه سبحانه إلاّ من لا يصانع
ولا يضارع ، ولا يتّبع المطامع.
١١١ ـ وقال عليه السلام : «وقد توفى سهل
بن حنيف الأنصارى بالكوفة بعد مرجعه معه من صفين ، وكان أحب الناس إليه : لو
أحبّنى جبل لتهافت
معنى ذلك أن المحنة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه ، ولا يفعل ذلك إلا بالأتقياء
الأبرار والمصطفين الأخيار ، وهذا مثل قوله عليه السلام :
١١٢ ـ من أحبّنا أهل البيت فليستعدّ
للفقر جلبابا «وقد يؤول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره»
__________________
١١٣ ـ وقال عليه السلام : لا مال أعود
من العقل
، ولا وحدة أوحش من العجب ، ولا عقل كالتّدبير ، ولا كرم كالتّقوى ، ولا قرين كحسن
الخلق ، ولا ميراث كالأدب ، ولا قائد كالتّوفيق ، ولا تجارة كالعمل الصّالح ولا
ربح كالثّواب ، ولا ورع كالوقوف عند الشّبهة ، ولا زهد كالزّهد فى الحرام ولا علم
كالتّفكّر ، ولا عبادة كأداء الفرائض ، ولا إيمان كالحياء والصّبر ، ولا حسب
كالتّواضع ، ولا شرف كالعلم [ولا عزّ كالحلم] ولا مظاهرة أوثق من المشاورة
١١٤ ـ وقال عليه السلام : إذا استولى
الصّلاح على الزّمان وأهله ثمّ أساء رجل الظّنّ برجل لم تظهر منه خزية فقد ظلم! وإذا استولى الفساد على
الزّمان وأهله فأحسن رجل الظّنّ برجل فقد غرّر
١١٥ ـ وقيل له عليه السلام : كيف تجدك
يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام : كيف يكون [حال] من يفنى ببقائه ويسقم بصحّته ، ويؤتى
__________________
من مأمنه!!
١١٦ ـ وقال عليه السلام : كم من مستدرج
بالإحسان إليه
ومغرور بالسّتر عليه ، ومفتون بحسن القول فيه! وما ابتلى اللّه أحدا بمثل الإملاء
له
١١٧ ـ وقال عليه السلام : هلك فىّ رجلان
، محبّ غال
ومبغض قال!
١١٨ ـ وقال عليه السلام : إضاعة الفرصة
غصّة
١١٩ ـ وقال عليه السلام : مثل الدّنيا
كمثل الحيّة ليّن مسّها والسّمّ النّاقع فى جوفها : يهوى إليها الغرّ الجاهل ، ويحذرها
ذو اللّبّ العاقل!
١٢٠ ـ وسئل عليه السلام عن قريش فقال : أمّا
بنو مخزوم فريحانة قريش تحبّ حديث رجالهم ، والنّكاح فى نسائهم ، وأمّا بنو عبد
شمس فأبعدها
رأيا ، وأمنعها لما وراء ظهورها ، وأمّا نحن فأبذل لما فى أيدينا ، وأسمح عند
الموت بنفوسنا ، وهم أكثر وأمكر وأنكر ، ونحن أفصح وأنصح وأصبح
__________________
١٢١ ـ وقال عليه السلام : شتّان ما بين
عملين . عمل تذهب
لذّته وتبقى تبعته ، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره
١٢٢ ـ وتبع جنازة فسمع رجلا يضحك ، فقال
: كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب ، وكأنّ الحقّ فيها على غيرنا وجب ، وكأنّ الّذى
نرى من الأموات سفر
عمّا قليل إلينا راجعون! نبوّئهم أجداثهم ، ونأكل تراثهم ، [كأنّا مخلّدون بعدهم] ثمّ
قد نسينا كلّ واعظ وواعظة ، ورمينا بكلّ جائحة !!
١٢٣ ـ وقال عليه السلام : طوبى لمن ذلّ
فى نفسه ، وطاب كسبه ، وصلحت سريرته ، وحسنت خليقته ،
وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من لسانه ، وعزل عن النّاس شرّه ، ووسعته
السّنّة ، ولم ينسب إلى البدعة. قال الرضى : أقول : ومن الناس من ينسب هذا الكلام
إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وكذلك الذى قبله
١٢٤ ـ وقال عليه السلام : غيرة المرأة
كفر وغيرة الرّجل إيمان.
__________________
١٢٥ ـ وقال عليه السلام : لأنسبنّ
الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلى : الإسلام هو التّسليم ، والتّسليم هو اليقين ، واليقين
هو التّصديق ، والتّصديق هو الإقرار ، والإقرار هو الأداء ، والأداء هو العمل.
١٢٦ ـ وقال عليه السلام : عجبت للبخيل
يستعجل الفقر
الّذى منه هرب ، ويفوته الغنى الّذى إيّاه طلب ، فيعيش فى الدّنيا عيش الفقراء ، ويحاسب
فى الآخرة حساب الأغنياء ، وعجبت للمتكبّر الّذى كان بالأمس نطفة ويكون غدا جيفة ،
وعجبت لمن شكّ فى اللّه وهو يرى خلق اللّه ، وعجبت لمن نسى الموت وهو يرى الموتى ،
وعجبت لمن أنكر النّشأة الأخرى وهو يرى النّشأة الأولى ، وعجبت لعامر دار الفناء وتارك
دار البقاء!!!
١٢٧ ـ وقال عليه السلام : من قصّر فى
العمل ابتلى بالهمّ
ولا حاجة للّه فيمن ليس للّه فى ماله ونفسه نصيب.
١٢٨ ـ وقال عليه السلام : توقّوا البرد
فى أوّله ، وتلقّوه فى آخره فانّه
__________________
يفعل فى الأبدان
كفعله فى الأشجار : أوّله يحرق ، وآخره يورق .
١٢٩ ـ وقال عليه السلام : عظم الخالق
عندك يصغّر المخلوق فى عينك.
١٣٠ ـ وقال عليه السلام وقد رجع من صفين
فاشرف على القبور بظاهر الكوفة : يا أهل الدّيار الموحشة والمحالّ المقفرة ، والقبور المظلمة ، يا
أهل التّربة ، يا أهل الغربة [يا أهل الوحدة] يا أهل الوحشة ، أنتم لنا فرط سابق ونحن لكم تبع لاحق ، أمّا الدّور فقد
سكنت ، وأمّا الأزواج فقد نكحت ، وأمّا الأموال فقد
قسمت. هذا خير ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال : أما لو أذن
لهم فى الكلام لأخبروكم أنّ خير الزّاد التّقوى
١٣١ ـ وقال عليه السلام ، وقد سمع رجلا
يذم الدنيا : أيّها الذّامّ للدّنيا
__________________
المغترّ بغرورها
المخدوع بأباطيلها! أتغترّ بالدّنيا ثمّ تذمّها ، أنت المتجرّم عليها أم هى المتجرّمة عليك؟ متى استهوتك أم متى غرّتك؟ أبمصارع آبائك من البلى ؟ أم بمضاجع أمّهاتك تحت الثّرى؟! كم
علّلت بكفّيك ؟ وكم مرّضت بيديك؟
تبغى لهم الشّفاء ، وتستوصف لهم
الأطبّاء ، [غداة لا يغنى عنهم دواؤك ، ولا يجدى عليهم بكاؤك] لم ينفع أحدهم
إشفاقك ولم تسعف بطلبتك ، ولم
تدفع عنه بقوّتك! [و] قد مثّلت لك به الدّنيا نفسك ! وبمصرعه مصرعك. إنّ الدّنيا دار صدق
لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزوّد منها ، ودار موعظة لمن اتّعظ بها ، مسجد
أحبّاء اللّه ، ومصلّى ملائكة اللّه ومهبط وحى اللّه ، ومتجر أولياء اللّه ،
__________________
اكتسبوا فيها
الرّحمة ، وربحوا فيها الجنّة ، فمن ذا يذمّها وقد آذنت ببينها ونادت بفراقها ، ونعت نفسها وأهلها
فمثّلت لهم ببلائها البلاء ، وشوّقتهم بسرورها إلى السّرور؟؟!! راحت بعافية ، وابتكرت بفجيعة ، ترغيبا وترهيبا ، وتخويفا
وتحذيرا ، فذمّها رجال غداة النّدامة
، وحمدها آخرون يوم القيامة ، ذكّرتهم الدّنيا فتذكّروا ، وحدّثتهم فصدّقوا ، ووعظتهم
فاتّعظوا.
١٣٢ ـ وقال عليه السلام : إنّ للّه ملكا
ينادى فى كلّ يوم : لدوا للموت ، واجمعوا للفناء ،
وابنوا للخراب.
١٣٣ ـ وقال عليه السلام : الدّنيا دار
ممرّ لا دار مقرّ ، والنّاس فيها رجلان : رجل باع فيها نفسه فأوبقها ،
ورجل ابتاع نفسه فأعتقها.
__________________
١٣٤ ـ وقال عليه السلام : لا يكون
الصّديق صديقا حتّى يحفظ أخاه فى ثلاث : فى نكبته ، وغيبته ، ووفاته.
١٣٥ ـ وقال عليه السلام : من أعطى أربعا
لم يحرم أربعا : من أعطى الدّعاء لم يحرم الإجابة ، ومن أعطى التّوبة لم يحرم القبول ، ومن
أعطى الاستغفار لم يحرم المغفرة ، ومن أعطى الشّكر لم يحرم الزّيادة. قال الرضى :
وتصديق ذلك كتاب اللّه ، قال اللّه فى الدّعاء : «اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»
وقال فى الاستغفار : «وَمَنْ
يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اَللّٰهَ يَجِدِ
اَللّٰهَ غَفُوراً رَحِيماً»
وقال فى الشكر : «لَئِنْ
شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» وقال فى
التوبة «إِنَّمَا
اَلتَّوْبَةُ عَلَى اَللّٰهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ اَلسُّوءَ
بِجَهٰالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولٰئِكَ يَتُوبُ
اَللّٰهُ عَلَيْهِمْ وَكٰانَ اَللّٰهُ عَلِيماً حَكِيماً».
١٣٦ ـ وقال عليه السلام : الصّلاة قربان
كلّ تقىّ ، والحجّ جهاد كلّ ضعيف ، ولكلّ شىء زكاة وزكاة البدن الصّيام ، وجهاد
المرأة حسن التّبعّل .
__________________
١٣٧ ـ وقال عليه السلام : استنزلوا
الرّزق بالصّدقة.
١٣٨ ـ وقال عليه السلام : من أيقن
بالخلف جاد بالعطيّة.
١٣٩ ـ وقال عليه السلام : تنزل المعونة
على قدر المؤونة.
١٤٠ ـ وقال عليه السلام : ما أعال من
اقتصد .
١٤١ ـ وقال عليه السلام : قلّة العيال
أحد اليسارين
١٤٢ ـ [وقال عليه السلام : التّودّد نصف
العقل].
١٤٣ ـ وقال عليه السلام : الهمّ نصف
الهرم.
١٤٤ ـ وقال عليه السلام : ينزل الصّبر
على قدر المصيبة ، ومن ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط عمله .
١٤٥ ـ وقال عليه السلام : كم من صائم
ليس له من صيامه إلاّ [الجوع و] الظّمأ ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلاّ السّهر
والعناء ، حبّذا نوم الأكياس وإفطارهم
__________________
١٤٦ ـ وقال عليه السلام : سوسوا إيمانكم
بالصّدقة
، وحصّنوا أموالكم بالزّكاة ، وادفعوا أمواج البلاء بالدّعاء.
١٤٧ ـ ومن كلامه عليه السلام
لكميل بن زياد النخعى
قال كميل بن زياد : أخذ بيدى أمير
المؤمنين على بن أبى طالب عليه السّلام فأخرجنى إلى الجبان فلما أصحر تنفس الصعداء ، ثم قال : يا
كميل [بن زياد] إنّ هذه القلوب أوعية
، فخيرها أوعاها ، فاحفظ عنّى ما أقول لك : النّاس ثلاثة : فعالم ربّانىّ ،
ومتعلّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق يميلون مع كلّ ريح ، لم
يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق
__________________
يا كميل : العلم خير من المال ، العلم
يحرسك وأنت تحرس المال [و] المال تنقصه النّفقة والعلم يزكو على الإنفاق ، وصنيع
المال يزول بزواله .
يا كميل [بن زياد ، معرفة] العلم دين
يدان به ، به يكسب الانسان الطّاعة فى حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته ، والعلم
حاكم والمال محكوم عليه يا كميل ، هلك خزّان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما
بقى الدّهر : أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم فى القلوب موجودة. ها إنّ ههنا لعلما جمّا
(وأشار بيده إلى صدره) لو أصبت له حملة !
بلى أصبت لقنا غير مأمون عليه
مستعملا آلة الدّين للدّنيا ، ومستظهرا بنعم اللّه على عباده ، وبحججه على أوليائه
، أو منقادا لحملة الحقّ لا بصيرة له فى
أحنائه ، ينقدح الشّكّ فى
__________________
قلبه لأوّل عارض من شبهة.
ألا لا ذا ولا ذاك !
أو منهوما باللّذّة
سلس القياد للشّهوة ، أو مغرما بالجمع والادّخار ، ليسا من رعاة الدّين فى شىء ، أقرب
شىء شبها بهما الأنعام السّائمة! كذلك يموت العلم بموت حامليه
الّلهمّ بلى! لا تخلو الأرض من قائم
للّه بحجّة : إمّا ظاهرا مشهورا ، أو خائفا مغمورا لئلاّ تبطل حجج اللّه وبيّناته. وكم ذا
وأين [أولئك]؟؟ أولئك ـ واللّه ـ الأقلّون عددا
، والأعظمون عند اللّه قدرا. يحفظ اللّه بهم حججه وبيّناته حتّى يودعوها نظراءهم ،
ويزرعوها فى قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا روح اليقين
، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش
منه الجاهلون ، وصحبوا الدّنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى. أولئك خلفاء
اللّه فى أرضه ، والدّعاة إلى دينه
__________________
آه آه شوقا إلى
رؤيتهم! انصرف [يا كميل] إذا شئت
١٤٨ ـ وقال عليه السلام : المرء مخبوء
تحت لسانه
١٤٩ ـ وقال عليه السلام : هلك امرؤ لم
يعرف قدره.
١٥٠ ـ وقال عليه السلام : لرجل ساله أن
يعظه : لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير العمل ، ويرجّى التّوبة بطول الأمل ، يقول فى الدّنيا بقول
الزّاهدين ، ويعمل فيها بعمل الرّاغبين ، إن أعطى منها لم يشبع ، وإن منع منها لم
يقنع ، يعجز عن شكر ما أوتى ، ويبتغى الزّيادة فيما بقى ، ينهى ولا ينتهى ، ويأمر
بما لا يأتى ، يحبّ الصّالحين ولا يعمل عملهم ، ويبغض المذنبين وهو أحدهم ، يكره
الموت لكثرة ذنوبه ، ويقيم على ما يكره الموت له ، إن سقم ظلّ نادما ،
وإن صحّ أمن لاهيا ، يعجب بنفسه إذا عوفى ، ويقنط إذا ابتلى ، إن أصابه بلاء دعا
مضطرّا ، وإن ناله رخاء أعرض مغترّا ، تغلبه نفسه على ما يظنّ ، ولا يغلبها على ما
يستيقن
،
__________________
يخاف على غيره بأدنى
من ذنبه ، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله ، إن استغنى بطروفتن ، وإن افتقر قنط ووهن ، يقصّر إذا عمل
، ويبالغ إذا سأل ، إن عرضت له شهوة أسلف المعصية ، وسوّف التّوبة ، وإن عرته محنة انفرج
عن شرائط الملّة
، يصف العبرة ولا يعتبر ، ويبالغ فى الموعظة
ولا يتّعظ ، فهو بالقول مدلّ ، ومن العمل مقلّ ، ينافس
فيما يفنى ، ويسامح فيما يبقى ، يرى الغنم مغرما ،
والغرم مغنما ، يخشى الموت ، ولا يبادر الفوت
يستعظم من معصية غيره ما يستقلّ أكثر منه من نفسه ، ويستكثر من طاعته ما يحقره من
طاعة غيره ، فهو على النّاس طاعن ، ولنفسه مداهن ، اللّهو مع
__________________
الأغنياء أحبّ إليه
من الذّكر مع الفقراء ، يحكم على غيره لنفسه ، ولا يحكم عليها لغيره ، ويرشد غيره
ويغوى نفسه. فهو يطاع ويعصى ، ويستوفى ولا يوفى ، ويخشى الخلق فى غير ربّه ولا يخشى ربّه فى خلقه قال الرضى : ولو
لم يكن فى هذا الكتاب إلا هذا الكلام لكفى [به] موعظة ناجعة ، وحكمة بالغة ، وبصيرة
لمبصر ، وعبرة لناظر مفكر
١٥١ ـ وقال عليه السلام : لكلّ امرىء
عاقبة حلوة أو مرّة
١٥٢ ـ وقال عليه السلام : لكلّ مقبل
إدبار ، وما أدبر كأن لم يكن.
١٥٣ ـ وقال عليه السلام : لا يعدم
الصّبور الظّفر وإن طال به الزّمان.
١٥٤ ـ وقال عليه السلام : الرّاضى بفعل
قوم كالدّاخل فيه معهم ، وعلى كلّ داخل فى باطل إثمان : إثم العمل به ، وإثم
الرّضا به.
١٥٥ ـ وقال عليه السلام : اعتصموا
بالذّمم فى أوتادها
١٥٦ ـ وقال عليه السلام : عليكم بطاعة
من لا تعذرون بجهالته
__________________
١٥٧ ـ وقال عليه السلام : قد بصّرتم إن
أبصرتم
وقد هديتم إن اهتديتم [وأسمعتم إن استمعتم] :
١٥٨ ـ وقال عليه السلام : عاتب أخاك
بالإحسان إليه ، واردد شرّه بالانعام عليه.
١٥٩ ـ وقال عليه السلام : من وضع نفسه
مواضع التّهمة فلا يلومنّ من أساء به الظّنّ.
١٦٠ ـ وقال عليه السلام : من ملك استأثر
١٦١ ـ وقال عليه السلام : من استبدّ
برأيه هلك ، ومن شاور الرجال شاركها فى عقولها.
١٦٢ ـ وقال عليه السلام : من كتم سرّه
كانت الخيرة بيده
١٦٣ ـ وقال عليه السلام : الفقر الموت
الأكبر.
١٦٤ ـ وقال عليه السلام : من قضى حقّ من
لا يقضى حقّه فقد عبده
__________________
١٦٥ ـ وقال عليه السلام : لا طاعة
لمخلوق فى معصية الخالق.
١٦٦ ـ وقال عليه السلام : لا يعاب المرء
بتأخير حقّه
إنّما يعاب من أخذ ما ليس له.
١٦٧ ـ وقال عليه السلام : الإعجاب يمنع
الازدياد
١٦٨ ـ وقال عليه السلام : الأمر قريب والاصطحاب قليل.
١٦٩ ـ وقال عليه السلام : قد أضاء
الصّبح لذى عينين.
١٧٠ ـ وقال عليه السلام : ترك الذّنب
أهون من طلب المعونة.
١٧١ ـ وقال عليه السلام : كم من أكلة
منعت أكلات !
١٧٢ ـ وقال عليه السلام : النّاس أعداء
ما جهلوا.
١٧٣ ـ وقال عليه السلام : من استقبل
وجوه الآراء عرف مواقع الخطإ .
__________________
١٧٤ ـ وقال عليه السلام : من أحدّ سنان
الغضب للّه قوى على قتل أشدّاء الباطل .
١٧٥ ـ وقال عليه السلام : إذا هبت أمرا
فقع فيه
، فإنّ شدّة توقّيه أعظم ممّا تخاف منه.
١٧٦ ـ وقال عليه السلام : آلة الرّياسة
سعة الصّدر.
١٧٧ ـ وقال عليه السلام : ازجر المسىء
بثواب المحسن .
١٧٨ ـ وقال عليه السلام : احصد الشّرّ
من صدر غيرك بقلعه من صدرك.
١٧٩ ـ وقال عليه السلام : اللّجاجة تسلّ
الرّأى .
١٨٠ ـ وقال عليه السلام : الطّمع رقّ
مؤبّد.
١٨١ ـ وقال عليه السلام : ثمرة التّفريط
النّدامة ، وثمرة الحزم السّلامة.
١٨٢ ـ وقال عليه السلام : لا خير فى
الصّمت عن الحكم ، كما أنّه
__________________
لا خير فى القول
بالجهل.
١٨٣ ـ وقال عليه السلام : ما اختلفت
دعوتان إلاّ كانت إحداهما ضلالة .
١٨٤ ـ وقال عليه السلام : ما شككت فى
الحقّ مذ أريته.
١٨٥ ـ وقال عليه السلام : ما كذبت ولا
كذّبت ، ولا ضللت ولا ضلّ بى.
١٨٦ ـ وقال عليه السلام : للظّالم
البادى غدا بكفّه عضّة !
١٨٧ ـ وقال عليه السلام : الرّحيل وشيك .
١٨٨ ـ وقال عليه السلام : من أبدى صفحته
للحقّ هلك
١٨٩ ـ وقال عليه السلام : من لم ينجه
الصّبر أهلكه الجزع
١٩٠ ـ وقال عليه السلام : وا عجباه أتكون
الخلافة بالصّحابة والقرابة؟ قال الرضى : وروى له شعر فى هذا المعنى
فان كنت بالشّورى ملكت أمورهم
|
|
فكيف بهذا والمشيرون غيّب ؟!
|
__________________
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم
|
|
فغيرك أولى بالنّبىّ وأقرب
|
١٩١ ـ وقال عليه السلام : إنّما المرء فى الدّنيا غرض تنتضل فيه
المنايا
ونهب تبادره المصائب ، ومع كلّ جرعة شرق
، وفى كلّ أكلة غصص ولا ينال العبد نعمة إلاّ بفراق أخرى ، ولا يستقبل يوما من
عمره إلاّ بفراق آخر من أجله. فنحن أعوان المنون وأنفسنا
نصب الحتوف فمن أين نرجو البقاء وهذا اللّيل والنّهار لم يرفعا من شىء شرفا إلاّ
أسرعا الكرّة فى هدم ما بنيا ، وتفريق ما جمعا؟!
١٩٢ ـ وقال عليه السلام : يا ابن آدم ما
كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك
__________________
١٩٣ ـ وقال عليه السلام : إنّ للقلوب
شهوة وإقبالا وإدبارا فأتوها من قبل شهوتها وإقبالها ، فإنّ القلب إذا أكره عمى
١٩٤ ـ وكان عليه السلام يقول : متى أشفى
غيظى إذا غضبت؟ أحين أعجز عن الانتقام فيقال لى لو صبرت؟ أم حين أقدر عليه فيقال
لى لو عفوت
١٩٥ ـ وقال عليه السلام وقد مر بقذر على
مزبلة : هذا ما بخل به الباخلون
وروى فى خبر آخر أنه قال : هذا ما كنتم تتنافسون فيه بالأمس
١٩٦ ـ وقال عليه السلام : لم يذهب من
مالك ما وعظك
١٩٧ ـ وقال عليه السلام : إنّ هذه
القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة.
١٩٨ ـ وقال عليه السلام لما سمع قول
الخوارج «لا حكم إلا للّه» : كلمة حقّ يراد بها باطل
__________________
١٩٩ ـ وقال عليه السلام فى صفة الغوغاء : هم الّذين إذا اجتمعوا غلبوا ، وإذا
تفرّقوا لم يعرفوا ، وقيل : بل قال عليه السلام : هم الّذين إذا اجتمعوا ضرّوا ، وإذا
تفرّقوا نفعوا ، فقيل : قد عرفنا مضرة اجتماعهم فما منفعة افتراقهم؟ فقال : يرجع
أصحاب المهن إلى مهنتهم ، فينتفع النّاس بهم كرجوع البنّاء إلى بنائه ، والنّسّاج
إلى منسجه ، والخبّاز إلى مخبزه
٢٠٠ ـ وقال عليه السلام ، وأتى بجان ومعه
غوغاء ، فقال : لا مرحبا بوجوه لا ترى إلاّ عند كلّ سوأة.
٢٠١ ـ وقال عليه السلام : إنّ مع كلّ
إنسان ملكين يحفظانه ، فإذا جاء القدر خلّيا بينه وبينه ، وإنّ الأجل جنّة حصينة .
٢٠٢ ـ وقال عليه السلام ، وقد قال له
طلحة والزبير : نبايعك على أنا شركاؤك فى هذا الأمر : لا ، ولكنّكما شريكان فى
القوّة والاستعانة ، وعونان على العجز والأود
__________________
٢٠٣ ـ وقال عليه السلام : أيّها النّاس
، اتّقوا اللّه الّذى إن قلتم سمع ، وإن أضمرتم علم ، وبادروا الموت الّذى إن
هربتم [منه] أدرككم ، وإن أقمتم أخذكم ، وإن نسيتموه ذكركم.
٢٠٤ ـ وقال عليه السلام : لا يزهدنّك فى
المعروف من لا يشكر لك ، فقد يشكرك عليه من لا يستمتع [بشىء] منه ، وقد تدرك من
شكر الشّاكر أكثر ممّا أضاع الكافر ، واللّه يحبّ المحسنين.
٢٠٥ ـ وقال عليه السلام : كلّ وعاء يضيق
بما جعل فيه إلاّ وعاء العلم فانّه يتّسع .
٢٠٦ ـ وقال عليه السلام : أوّل عوض
الحليم من حلمه أنّ النّاس أنصاره على الجاهل.
٢٠٧ ـ وقال عليه السلام : إن لم تكن
حليما فتحلّم ، فإنّه قلّ من تشبّه بقوم إلاّ أوشك أن يكون منهم
٢٠٨ ـ وقال عليه السلام : من حاسب نفسه
ربح ، ومن غفل عنها خسر ، ومن خاف أمن ، ومن اعتبر أبصر ، ومن أبصر فهم ، ومن فهم
علم.
٢٠٩ ـ وقال عليه السلام : لتعطفنّ
الدّنيا علينا بعد شماسها عطف
__________________
الضّروس على ولدها . وتلا عقيب ذلك : «وَنُرِيدُ أَنْ
نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً
وَنَجْعَلَهُمُ اَلْوٰارِثِينَ»
٢١٠ ـ وقال عليه السلام : اتّقوا اللّه
تقيّة من شمّر تجريدا وجدّ تشميرا ، وكمّش فى مهل وبادر عن وجل ، ونظر فى كرّة الموئل ،
وعاقبة المصدر ومغبّة المرجع.
٢١١ ـ وقال عليه السلام : الجود حارس
الأعراض ، والعلم فدام السّفيه
، والعفو زكاة الظّفر ، والسّلوّ عوضك ممّن غدر ،
والاستشارة
__________________
عين الهداية. وقد
خاطر من استغنى برأيه ، والصّبر يناصل الحدثان
والجزع من أعوان الزّمان ، وأشرف الغنى ترك المنى ، وكم من عقل أسير تحت هوى أمير ، ومن التّوفيق حفظ التّجربة ، والمودّة
قرابة مستفادة ، ولا تأمننّ ملولا .
٢١٢ ـ وقال عليه السلام : عجب المرء
بنفسه أحد حسّاد عقله
٢١٣ ـ وقال عليه السلام : أغض على القذى
والألم ترض أبدا
٢١٤ ـ وقال عليه السلام : من لان عوده
كثفت أغصانه
__________________
٢١٥ ـ وقال عليه السلام : الخلاف يهدم
الرّأى
٢١٦ ـ وقال عليه السلام : من نال استطال
٢١٧ ـ وقال عليه السلام : فى تقلّب
الأحوال علم جواهر الرّجال
٢١٨ ـ وقال عليه السلام : حسد الصّديق
من سقم المودّة
٢١٩ ـ وقال عليه السلام : أكثر مصارع
العقول تحت بروق المطامع
٢٢٠ ـ وقال عليه السلام : ليس من العدل
القضاء على الثّقة بالظّنّ
٢٢١ ـ وقال عليه السلام : بئس الزّاد
إلى المعاد ، العدوان على العباد
٢٢٢ ـ وقال عليه السلام : من أشرف أعمال
الكريم غفلته عمّا يعلم
٢٢٣ ـ وقال عليه السلام : من كساه
الحياء ثوبه لم ير النّاس عيبه
٢٢٤ ـ وقال عليه السلام : بكثرة الصّمت
تكون الهيبة ، وبالنّصفة يكثر المواصلون ، وبالإفضال تعظم
الأقدار ، وبالتّواضع تتمّ النّعمة
__________________
وباحتمال المؤمن يجب
السّؤدد
، وبالسّيرة العادلة يقهر المناوىء
، وبالحلم عن السّفيه تكثر الأنصار عليه
٢٢٥ ـ وقال عليه السلام : العجب لغفلة
الحسّاد عن سلامة الأجساد
٢٢٦ ـ وقال عليه السلام : الطّامع فى
وثاق الذّلّ
٢٢٧ ـ وسئل عن الإيمان فقال : الإيمان
معرفة بالقلب ، وإقرار باللّسان ، وعمل بالأركان.
٢٢٨ ـ وقال عليه السلام : من أصبح على الدّنيا
حزينا فقد أصبح لقضاء اللّه ساخطا ، ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فقد أصبح يشكو
ربّه ، ومن أنى غنيّا فتواضع [له] لغناه ذهب ثلثا دينه ومن
قرأ القرآن فمات فدخل النّار فهو ممّن كان يتّخذ آيات اللّه هزوا ، ومن لهج قلبه
بحبّ الدّنيا التاط قلبه منها بثلاث : همّ
لا يغبّه ، وحرص لا يتركه ، وأمل لا يدركه.
__________________
٢٢٩ ـ وقال عليه السلام : كفى بالقناعة
ملكا ، وبحسن الخلق نعيما ، وسئل عليه السلام عن قوله تعالى : «فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيٰاةً طَيِّبَةً» فقال : هى
القناعة
٢٣٠ ـ وقال عليه السلام : شاركوا الّذى
قد أقبل عليه الرّزق ، فانّه أخلق للغنى وأجدر بإقبال الحظّ عليه .
٢٣١ ـ وقال عليه السلام فى قوله تعالى :
«إِنَّ
اَللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَاَلْإِحْسٰانِ»
العدل : الإنصاف ، والإحسان : التّفضّل.
٢٣٢ ـ وقال عليه السلام : من يعط باليد
القصيرة يعط باليد الطّويلة قال الرضى : أقول : ومعنى ذلك أن ما ينفقه المرء من
ماله فى سبيل الخير والبز وإن كان يسيرا فإن اللّه تعالى يجعل الجزاء عليه عظيما
كثيرا ، واليدان ههنا : عبارتان عن النعمتين ، ففرق عليه السلام بين نعمة العبد ونعمة
الرب [تعالى ذكره] فجعل تلك قصيرة وهذه طويلة ، لأن نعم اللّه أبدا تضعف على نعم
المخلوق أضعافا كثيرة
إذ كانت نعم اللّه أصل النعم كلها ، فكل نعمة إليها ترجع ومنها تنزع
٢٣٣ ـ وقال عليه السلام لابنه الحسن
عليهما السلام : لا تدعونّ إلى مبارزة
وإن دعيت إليها فأجب فانّ الدّاعى باغ والباغى مصروع.
__________________
٢٣٤ ـ وقال عليه السلام : خيار خصال
النّساء شرار خصال الرّجال : الزّهو ، والجبن ، والبخل فاذا كانت المرأة مزهوّة لم تمكّن من
نفسها ، وإذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال بعلها ، وإذا كانت جبانة فرقت من كلّ شىء
يعرض لها
٢٣٥ ـ وقيل له : صف لنا العاقل ، فقال
عليه السلام : هو الّذى يضع الشّىء مواضعه ، فقيل : فصف لنا الجاهل ، فقال : قد
فعلت قال الرضى : يعنى أن الجاهل هو الذى لا يضع الشىء مواضعه فكأن ترك صفته صفة
له ، إذ كان بخلاف وصف العاقل
٢٣٦ ـ وقال عليه السلام : واللّه
لدنياكم هذه أهون فى عينى من عراق خنزير فى يد مجذوم
٢٣٧ ـ وقال عليه السلام : إنّ قوما
عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التّجّار
__________________
وإنّ قوما عبدوا
اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد
، وإنّ قوما عبدوا اللّه شكرا فتلك عبادة الأحرار
٢٣٨ ـ وقال عليه السلام : المرأة شرّ
كلّها ، وشرّ ما فيها أنّه لا بدّ منها!
٢٣٩ ـ وقال عليه السلام : من أطاع
التّوانى ضيّع الحقوق ، ومن أطاع الواشى ضيّع الصّديق.
٢٤٠ ـ وقال عليه السلام : الحجر الغصيب
فى الدّار رهن على خرابها
قال الرضى : ويروى هذا الكلام عن النبى صلى اللّه عليه وسلم ، ولا عجب أن يشتبه
الكلامان ، لأن مستقاهما من قليب ، ومفرغهما من ذنوب
٢٤١ ـ وقال عليه السلام : يوم المظلوم
على الظّالم أشدّ من يوم الظّالم على المظلوم.
٢٤٢ ـ وقال عليه السلام : اتق اللّه بعض
التّقى وإن قلّ ، واجعل بينك وبين اللّه سترا وإن رقّ.
__________________
٢٤٣ ـ وقال عليه السلام : إذا ازدحم
الجواب خفى الصّواب .
٢٤٤ ـ وقال عليه السلام : إنّ للّه فى
كلّ نعمة حقّا ، فمن أدّاه زاده منها ، ومن قصّر عنه حاطر بزوال نعمته
٢٤٥ ـ وقال عليه السلام : إذا كثرت
المقدرة قلّت الشّهوة
٢٤٦ ـ وقال عليه السلام : احذروا نفار
النّعم فما كلّ شارد بمردود .
٢٤٧ ـ وقال عليه السلام : الكرم أعطف من
الرّحم
٢٤٨ ـ وقال عليه السلام : من ظنّ بك
خيرا فصدّق ظنّه
٢٤٩ ـ وقال عليه السلام : أفضل الأعمال
ما أكرهت نفسك عليه
٢٥٠ ـ وقال عليه السلام : عرفت اللّه
سبحانه بفسخ العزائم ، وحلّ العقود
، [ونقض الهمم]
__________________
٢٥١ ـ وقال عليه السلام : مرارة الدّنيا
حلاوة الآخرة ، وحلاوة الدّنيا مرارة الآخرة
٢٥٢ ـ وقال عليه السلام : فرض اللّه
الإيمان تطهيرا من الشّرك والصّلاة تنزيها عن الكبر ، والزّكاة تسبيبا للرّزق ، والصّيام
ابتلاء لاخلاص الخلق ، والحجّ تقربة للدّين
، والجهاد عزّا للاسلام ، والأمر بالمعروف مصلحة للعوامّ ، والنّهى عن المنكر ردعا
للسّفهاء ، وصلة الرّحم منماة للعدد
والقصاص حقنا للدّماء ، وإقامة الحدود إعظاما للمحارم ، وترك شرب الخمر تحصينا
للعقل ، ومجانبة السّرقة إيجابا للعفّة ، وترك الزّنا تحصينا للنّسب ، وترك
اللّواط تكثيرا للنّسل ، والشّهادة استظهارا على المجاحدات ،
وترك الكذب
__________________
تشريفا للصّدق ، والسّلام
أمانا من المخاوف ، والأمانات نظاما للأمّة
، والطّاعة تعظيما للامامة.
٢٥٣ ـ وكان عليه السلام يقول : أحلفوا
الظّالم ـ إذا أردتم يمينه ـ بأنّه برىء من حول اللّه وقوّته فانّه إذا حلف بها
كاذبا عوجل [العقوبة] ، وإذا حلف باللّه الّذى لا إله إلاّ هو لم يعاجل ، لأنّه قد
وحّد اللّه تعالى.
٢٥٤ ـ وقال عليه السلام : يا بن آدم ، كن
وصىّ نفسك فى مالك ، واعمل فيه ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك :
٢٥٥ ـ وقال عليه السلام : الحدّة ضرب من
الجنون ، لأنّ صاحبها يندم ، فان لم يندم فجنونه مستحكم.
٢٥٦ ـ وقال عليه السلام : صحّة الجسد ، من
قلّة الحسد.
٢٥٧ ـ وقال عليه السلام [لكميل بن زياد
النخعى] : يا كميل ، مر أهلك أن يروحوا فى كسب المكارم ، ويدلجوا فى حاجة من هو
نائم فو الّذى
__________________
وسع سمعه الأصوات ما
من أحد أودع قلبا سرورا إلاّ وخلق اللّه له من ذلك السّرور لطفا ، فإذا نزلت به
نائبة جرى إليها
كالماء فى انحداره حتّى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل.
٢٥٨ ـ وقال عليه السلام : إذا أملقتم
فتاجروا اللّه بالصّدقة
٢٥٩ ـ وقال عليه السلام : الوفاء لأهل
الغدر غدر عند اللّه ، والغدر بأهل الغدر وفاء عند اللّه.
٢٦٠ ـ [وقال عليه السلام : كم من مستدرج
بالاحسان إليه ، ومغرور بالسّتر عليه ، ومفتون بحسن القول فيه. وما ابتلى اللّه
سبحانه أحدا بمثل الإملاء له.] قال الرضى : وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم ، إلا أن
فيه ههنا زيادة جيدة مفيدة
__________________
فصل نذكر فيه شيئا من اختيار
غريب كلامه
المحتاج إلى التفسير
١ ـ فى حديثه عليه السلام :
فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدّين بذنبه ، فيجتمعون
إليه كما يجتمع قزع الخريف قال الرضى ـ اليعسوب : السيد العظيم المالك لأمور الناس
يومئذ ، والقزع : قطع الغيم التى لا ماء فيها
٢ ـ وفى حديثه عليه السلام :
هذا
الخطيب الشّحشح
يريد الماهر بالخطبة الماضى فيها ، وكل
ماض فى كلام أو سير فهو شحشح ، والشحشح فى غير هذا الموضع : البخيل الممسك
٣ ـ وفى حديثه عليه السلام :
إنّ
للخصومة قحما
يريد بالقحم المهالك ، لأنها تقحم
أصحابها فى المهالك والمتالف فى الأكثر ، ومن ذلك «قحمة الأعراب» وهو أن تصيبهم
السنة فتتعرق أموالهم
فذلك تقحمها فيهم. وقيل فيه وجه آخر ، وهو أنها تقحمهم بلاد الريف ، أى : تحوجهم
إلى دخول الحضر عند محول البدو
__________________
٤ ـ وفى
حديثه عليه السلام
إذا
بلغ النّساء نصّ الحقاق فالعصبة أولى
والنص : منتهى الأشياء ومبلغ أقصاها
كالنص فى السير لأنه أقصى ما تقدر عليه الدابة. وتقول : نصصت الرجل عن الأمر ، إذا
استقصيت مسألته عنه لتستخرج ما عنده فيه. فنص الحقاق يريد به الادراك لأنه منتهى
الصغر والوقت الذى يخرج منه الصغير إلى حد الكبير ، وهو من أفصح الكنايات عن هذا
الأمر [وأغربها. يقول :] فاذا بلغ النساء ذلك فالعصبة أولى بالمرأة من أمها إذا
كانوا محرما مثل الأخوة والأعمام ، وبتزويجها إن أرادوا ذلك والحقاق محاقة الأم
للعصبة فى المرأة وهو الجدال والخصومة وقول كل واحد منهما للآخر «أنا أحق منك بهذا»
يقال منه : حاققته حقاقا ، مثل جادلته جدالا. وقد قيل : إن «نص الحقاق» بلوغ العقل
، وهو الادراك ، لأنه عليه السلام إنما أراد منتهى الأمر الذى تجب فيه الحقوق والأحكام
، ومن رواه «نص الحقائق» فانما أراد جمع حقيقة
هذا معنى ما ذكره أبو عبيد [القاسم بن
سلام] والذى عندى أن المراد بنص الحقاق ههنا بلوغ المرأة إلى الحد الذى يجوز فيه
تزويجها وتصرفها فى حقوقها ، تشبيها بالحقاق من الابل ، وهى جمع حقة وحق وهو الذى استكمل ثلاث سنين ودخل فى
الرابعة ، وعند ذلك يبلغ إلى الحد الذى يتمكن فيه من ركوب ظهره ، ونصه فى السير ،
والحقائق أيضا : جمع حقة. فالروايتان جميعا ترجعان إلى معنى واحد ، وهذا أشبه
بطريقة العرب من المعنى المذكور
__________________
٥ ـ وفى
حديثه عليه السلام
إنّ الايمان يبدو لمظة فى القلب كلّما
ازداد الايمان ازدادت اللّمظة
واللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض. ومنه قيل : فرس ألمظ ، إذا كان بجحفلته
شىء من البياض
٦ ـ وفى
حديثه عليه السلام
إنّ الرجل إذا كان له الدّين الظّنون
يجب عليه أن يزكّيه لما مضى إذا قبضه فالظنون [الذى لا يعلم صاحبه أيقضيه من الذى
هو عليه أم لا ، فكانه] الذى يظن به فمرة يرجوه ومرة لا يرجوه. وهذا من أفصح
الكلام ، وكذلك كل أمر تطلبه ولا تدرى على أى شىء أنت منه فهو ظنون وعلى ذلك قول الأعشى
ما يجعل الجدّ الظّنون الّذى
|
|
جنّب صوب اللّجب الماطر
|
مثل الفراتىّ إذا ما طما
|
|
يقذف بالبوصىّ والماهر
|
والجد : البئر [العادية فى الصحراء] والظنون : التى
لا يعلم هل فيها ماء أم لا
٧ ـ وفى حديثه عليه السلام : أنه شيع
جيشا يغزيه فقال : اعذبوا عن النّساء ما استطعتم
__________________
ومعناه اصدفوا عن ذكر النساء وشغل القلب بهن ، وامتنعوا من المقاربة
لهن ، لأن ذلك يفت فى عضد الحمية
ويقدح فى معاقد العزيمة ، ويكسر عن العدو ، ويلفت عن الابعاد فى الغزو ، وكل من
امتنع من شىء فقد أعذب عنه. والعاذب والعذوب الممتنع من الأكل والشرب
٨ ـ وفى حديثه عليه السلام :
كالياسر الفالج ينتظر أوّل فوزة من
قداحه الياسرون : هم الذين يتضاربون بالقداح على الجزور ، والفالج : القاهر والغالب ، يقال : فلج
عليهم وفلجهم ، وقال الراجز :
لما رأيت فالجا قد فلجا
٩ ـ وفى حديثه عليه السلام :
كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه
ومعنى ذلك أنه إذا عظم الخوف من العدو واشتد
عضاض الحرب
__________________
فزع المسلمون إلى
قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بنفسه ، فينزل اللّه عليهم النصر به ، ويأمنون
مما كانوا يخافونه بمكانه وقوله «إذا احمر الباس» كناية عن اشتداد الأمر ، وقد قيل
فى ذلك أقوال أحسنها : أنه شبه حمى الحرب بالنار التى تجمع الحرارة والحمرة بفعلها ولونها
، ومما يقوى ذلك قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد رأى مجتلد الناس يوم
حنين وهى حرب
هوازن : «الآن حمى الوطيس» فالوطيس : مستوقد النار ، فشبه رسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم ما استحر من جلاد القوم باحتدام النار وشدة
التهابها.
* انقضى هذا الفصل ، ورجعنا إلى سنن
الغرض الأول فى هذا الباب*
٢٦١ ـ وقال عليه السلام : لما بلغه
إغارة أصحاب معاوية على الأنبار ، فخرج بنفسه ماشيا حتى أتى النخيلة فأدركه
الناس ، وقالوا : يا أمير المؤمنين ، نحن نكفيكهم ، فقال : ما تكفوننى أنفسكم فكيف
تكفوننى غيركم؟ إن كانت الرّعايا قبلى لتشكو حيف رعاتها ، وإنّنى اليوم لأشكو حيف
رعيّتى ، كأنّنى المقود وهم القادة ، أو الموزوع وهم الوزعة !
__________________
فلما قال عليه السلام هذا القول فى كلام
طويل قد ذكرنا مختاره فى جملة الخطب ، تقدم إليه رجلان من أصحابه فقال أحدهما : إنى
لا أملك إلا نفسى وأخى فمر بأمرك يا أمير المؤمنين ننقد له فقال عليه السلام : وأين
تقعان ممّا أريد؟
٢٦٢ ـ وقيل إن الحارث بن حوت أتاه فقال
: أترانى أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة ؟.
فقال عليه السلام : يا حارث ، إنّك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك فحرت ! إنّك لم تعرف الحقّ فتعرف من أتاه ، ولم
تعرف الباطل فتعرف من أتاه ، فقال الحارث : فإنى أعتزل مع سعيد بن مالك وعبد اللّه
بن عمر؟ فقال عليه السلام : إنّ سعيدا وعبد اللّه بن عمر لم ينصرا الحقّ ولم يخذلا
الباطل
٢٦٣ ـ وقال عليه السلام : صاحب السّلطان
كراكب الأسد : يغبط بموقعه ، وهو أعلم بموضعه .
__________________
٢٦٤ ـ وقال عليه السلام : أحسنوا فى عقب
غيركم تحفظوا فى عقبكم
٢٦٥ ـ وقال عليه السلام : إنّ كلام
الحكماء إذا كان صوابا كان دواء ، وإذا كان خطأ كان داء
٢٦٦ ـ وسأله رجل أن يعرفه الايمان فقال
عليه السلام : إذا كان الغد فأتنى حتّى أخبرك على أسماع النّاس ، فإن نسيت مقالتى
حفظها عليك غيرك ، فإنّ الكلام كالشّاردة ينقفها هذا ويخطئها هذا
وقد ذكرنا ما أجابه به فيما تقدم من هذا
الباب وهو قوله «الايمان على أربع شعب»
٢٦٧ ـ وقال عليه السلام : يا ابن آدم ، لا
تحمل همّ يومك الّذى لم يأتك على يومك الّذى قد أتاك ، فإنّه إن يك من عمرك يأت
اللّه فيه برزقك
٢٦٨ ـ وقال عليه السلام : أحبب حبيبك
هونا مّا ، عسى أن يكون بغيضك يوما مّا ، وأبغض بغيضك هونا مّا ، عسى أن يكون
حبيبك يوما مّا
٢٦٩ ـ وقال عليه السلام : النّاس فى
الدّنيا عاملان : عامل عمل
__________________
[فى الدّنيا] للدّنيا
، قد شغلته دنياه عن آخرته ، يخشى على من يخلفه الفقر ويأمنه على نفسه ، فيفنى
عمره فى منفعة غيره ، وعامل عمل فى الدّنيا لما بعدها فجاءه الّذى له من الدّنيا
بغير عمل ، فأحرز الحظّين معا ، وملك الدّارين جميعا فأصبح وجيها عند اللّه ، لا يسأل اللّه حاجة فيمنعه.
٢٧٠ ـ وروى أنه ذكر عند عمر بن الخطاب
فى أيامه حلى الكعبة وكثرته ، فقال قوم : لو أخذته فجهزت به جيوش المسلمين كان
أعظم للأجر وما تصنع الكعبة بالحلى؟ فهم عمر بذلك ، وسأل أمير المؤمنين عليه
السلام فقال عليه السلام : إنّ القرآن أنزل على النّبىّ صلى اللّه عليه وآله وسلم
والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسّمها بين الورثة فى الفرائض ، والفىء فقسّمه
على مستحقّيه ، والخمس فوضعه اللّه حيث وضعه ، والصّدقات فجعلها اللّه حيث جعلها ،
وكان حلى الكعبة فيها يومئذ ، فتركه اللّه على حاله ، ولم يتركه نسيانا ، ولم يخف
عليه مكانا
، فأقرّه حيث أقرّه اللّه ورسوله. فقال له عمر : لولاك لافتضحنا ، وترك الحلى
بحاله
٢٧١ ـ وروى أنه عليه السلام رفع إليه
رجلان سرقا من مال اللّه : أحدهما عبد من مال اللّه ، والآخر من عروض الناس فقال عليه السلام :
__________________
أمّا هذا فهو من مال
اللّه ولا حدّ عليه ، مال اللّه أكل بعضه بعضا ، وأمّا الآخر فعليه الحدّ [الشّديد]
فقطع يده.
٢٧٢ ـ وقال عليه السلام : لو قد استوت
قدماى من هذه المداحض لغيّرت أشياء
٢٧٣ ـ وقال عليه السلام : اعلموا علما
يقينا أنّ اللّه لم يجعل للعبد ـ وإن عظمت حيلته ، واشتدّت طلبته ، وقويت مكيدته ـ
أكثر ممّا سمّى له فى الذّكر الحكيم
، ولم يحل بين العبد فى ضعفه وقلّة حيلته ، وبين أن يبلغ ما سمّى له فى الذّكر
الحكيم. والعارف لهذا العامل به أعظم النّاس راحة فى منفعة ، والتّارك له الشّاكّ
فيه أعظم النّاس شغلا فى مضرّة ، وربّ منعم عليه مستدرج بالنّعمى ، وربّ مبتلى مصنوع له بالبلوى ، فزد
أيّها المستمع
__________________
فى شكرك ، وقصّر من
عجلتك ، وقف عند
منتهى رزقك.
٢٧٤ ـ وقال عليه السلام : لا تجعلوا
علمكم جهلا ، ويقينكم شكّا
إذا علمتم فاعملوا ، وإذا تيقّنتم فأقدموا.
٢٧٥ ـ وقال عليه السلام : إنّ الطّمع
مورد غير مصدر
، وضامن غير وفىّ ، وربّما شرق شارب الماء قبل ريّه ،
وكلّما عظم قدر الشّىء المتنافس فيه عظمت الرّزيّة لفقده ، والأمانىّ تعمى أعين
البصائر ، والحظّ يأتى من لا يأتيه.
٢٧٦ ـ وقال عليه السلام : الّلهمّ إنّى
أعوذ بك [من] أن تحسّن فى لامعة العيون علانيتى ، وتقبّح فيما أبطن لك سريرتى ، محافظا
على رثاء النّاس من نفسى بجميع ما أنت مطّلع عليه منّى ، فأبدى للنّاس حسن ظاهرى ،
وأفضى
__________________
إليك بسوء عملى ، تقرّبا
إلى عبادك ، وتباعدا من مرضاتك .
٢٧٧ ـ وقال عليه السلام : لا والّذى
أمسينا منه فى غبر ليلة دهماء تكشر عن يوم أغرّ ما كان كذا وكذا .
٢٧٨ ـ وقال عليه السلام : قليل تدوم
عليه أرجى من كثير مملول
[منه]
٢٧٩ ـ وقال عليه السلام : إذا أضرّت
النّوافل بالفرائض فارفضوها.
٢٨٠ ـ وقال عليه السلام : من تذكّر بعد
السّفر استعدّ.
٢٨١ ـ وقال عليه السلام : ليست الرّويّة
كالمعاينة مع الإبصار فقد
__________________
تكذب العيون أهلها ،
ولا يغشّ العقل من استنصحه.
٢٨٢ ـ وقال عليه السلام : بينكم وبين
الموعظة حجاب من الغرّة .
٢٨٣ ـ وقال عليه السلام : جاهلكم مزداد
، وعالمكم مسوّف .
٢٨٤ ـ وقال عليه السلام : قطع العلم عذر
المتعلّلين.
٢٨٥ ـ وقال عليه السلام : كلّ معاجل
يسأل الانظار ، وكلّ مؤجّل يتعلّل بالتّسويف .
٢٨٦ ـ وقال عليه السلام : ما قال النّاس
لشىء «طوبى له» إلاّ وقد خبأ له الدّهر يوم سوء.
٢٨٧ ـ وسئل عن القدر فقال : طريق مظلم
فلا تسلكوه ، وبحر عميق فلا تلجوه ، وسرّ اللّه فلا تتكلّفوه .
__________________
٢٨٨ ـ وقال عليه السلام : إذا أرذل
اللّه عبدا حظر عليه العلم
٢٨٩ ـ وقال عليه السلام : كان لى فيما
مضى أخ فى اللّه ، وكان يعظمه فى عينى صغر الدّنيا فى عينه ، وكان خارجا من سلطان
بطنه فلا يشتهى ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد ، وكان أكثر دهره صامتا ، فإن قال بدّ
القائلين
ونقع غليل السّائلين ، وكان ضعيفا مستضعفا! فإن جاء الجدّ فهو ليث غاب وصلّ واد ، لا يدلى بحجّة حتّى يأتى قاضيا ،
وكان لا يلوم أحدا على ما يجد العذر فى مثله حتّى يسمع اعتذاره ،
وكان لا يشكو وجعا إلاّ عند برئه ، وكان يقول ما يفعل ولا يقول ما لا يفعل ، وكان
إذا غلب على الكلام لم يغلب على السّكوت ، وكان على ما يسمع أحرص منه على أن
يتكلّم ، وكان إذا بدهه أمران ينظر أيّهما أقرب
إلى الهوى فخالفه ، فعليكم بهذه الخلائق فالزموها وتنافسوا فيها ، فإن لم
تستطيعوها فاعلموا أنّ أخذ
__________________
القليل خير من ترك
الكثير.
٢٩٠ ـ وقال عليه السلام : لو لم يتوعّد
اللّه على معصيته
لكان يجب أن لا يعصى شكرا لنعمه.
٢٩١ ـ وقال عليه السلام ـ وقد عزى
الأشعث بن قيس عن ابن له ـ : يا أشعث ، إن تحزن على ابنك فقد استحقّت منك ذلك
الرّحم ، وإن تصبر ففى اللّه من كلّ مصيبة خلف. يا أشعث ، إن صبرت جرى عليك القدر
وأنت مأجور ، وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزور ، [يا أشعث] ابنك سرّك وهو بلاء وفتنة وحزنك وهو ثواب ورحمة.
٢٩٢ ـ وقال عليه السلام على قبر رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ساعة دفن : ـ إنّ الصّبر لجميل إلاّ عنك ، وإنّ
الجزع لقبيح إلاّ عليك ، وإنّ المصاب بك لجليل ، وإنّه قبلك وبعدك لجلل .
__________________
٢٩٣ ـ وقال عليه السلام : لا تصحب
المائق
فإنّه يزيّن لك فعله ، ويودّ أن تكون مثله.
٢٩٤ ـ وقد سئل عن مسافة ما بين المشرق والمغرب
، فقال عليه السلام : مسيرة يوم للشّمس
٢٩٥ ـ وقال عليه السلام : أصدقاؤك ثلاثة
، وأعداؤك ثلاثة : فأصدقاؤك صديقك ، وصديق صديقك ، وعدوّ عدوّك. وأعداؤك عدوّك وعدوّ
صديقك ، وصديق عدوّك.
٢٩٦ ـ وقال عليه السلام لرجل رآه يسعى
على عدوله بما فيه إضرار بنفسه : إنّما أنت كالطّاعن نفسه ليقتل ردفه
٢٩٧ ـ وقال عليه السلام : ما أكثر العبر
وأقلّ الاعتبار!
٢٩٨ ـ وقال عليه السلام : من بالغ فى
الخصومة أثم ، ومن قصّر فيها ظلم
، ولا يستطيع أن يتّقى اللّه من خاصم.
٢٩٩ ـ وقال عليه السلام : ما أهمّنى ذنب
أمهلت بعده حتّى أصلّى
__________________
ركعتين [وأسأل اللّه العافية]
٣٠٠ ـ وسئل عليه السلام : كيف يحاسب
اللّه الخلق على كثرتهم؟ فقال عليه السلام : كما يرزقهم على كثرتهم ، فقيل : كيف
يحاسبهم ولا يرونه؟ فقال عليه السلام : كما يرزقهم ولا يرونه
٣٠١ ـ وقال عليه السلام : رسولك ترجمان
عقلك ، وكتابك أبلغ ما ينطق عنك!
٣٠٢ ـ وقال عليه السلام : ما المبتلى
الّذى قد اشتدّ به البلاء بأحوج إلى الدّعاء من المعافى الّذى لا يأمن البلاء!
٣٠٣ ـ وقال عليه السلام : النّاس أبناء
الدّنيا ، ولا يلام الرّجل على حبّ أمّه :
٣٠٤ ـ وقال عليه السلام : إنّ المسكين
رسول اللّه
فمن منعه فقد منع اللّه ، ومن أعطاه فقد أعطى اللّه
٣٠٥ ـ وقال عليه السلام : ما زنى غيور
قطّ
٣٠٦ ـ وقال عليه السلام : كفى بالأجل
حارسا
__________________
٣٠٧ ـ وقال عليه السلام : ينام الرّجل
على الثّكل ولا ينام على الحرب !!
قال الرضى : ومعنى ذلك أنه يصبر على قتل الأولاد ولا يصبر على سلب الأموال
٣٠٨ ـ وقال عليه السلام : مودّة الآباء
قرابة بين الأبناء
والقرابة إلى المودّة أحوج عن المودّة إلى القرابة.
٣٠٩ ـ وقال عليه السلام : اتّقوا ظنون
المؤمنين ، فإنّ اللّه تعالى جعل الحقّ على ألسنتهم
٣١٠ ـ وقال عليه السلام : لا يصدق إيمان
عبد حتّى يكون بما فى يد اللّه أوثق منه بما فى يده
٣١١ ـ وقال عليه السلام : لأنس بن مالك
، وقد كان بعثه إلى طلحة والزبير لما جاء إلى البصرة يذكرهما شيئا مما سمعه من
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فى معناهما ، فلوى عن ذلك ، فرجع إليه ، فقال
إنّى أنسيت ذلك الأمر
__________________
فقال عليه السلام : إن
كنت كاذبا فضربك اللّه بها بيضاء لامعة لا تواريها العمامة قال الرضى : يعنى البرص
، فأصاب أنسا هذا الداء فيما بعد فى وجهه فكان لا يرى إلا مبرقعا.
٣١٢ ـ وقال عليه السلام : إنّ للقلوب
إقبالا وإدبارا
: فإذا أقبلت فاحملوها على النّوافل ، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض.
٣١٣ ـ وقال عليه السلام : وفى القرآن
نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم .
٣١٤ ـ وقال عليه السلام : ردّوا الحجر
من حيث جاء ، فإنّ الشّرّ لا يدفعه إلاّ الشّرّ .
٣١٥ ـ قال عليه السلام لكاتبه عبيد
اللّه بن [أبى] رافع : ألق دواتك ، وأطل جلفة قلمك ،
وفرّج بين السّطور ، وقرمط بين الحروف فإنّ ذلك أجدر بصباحة الخطّ.
__________________
٣١٦ ـ وقال عليه السلام : أنا يعسوب
المؤمنين ، والمال يعسوب الفجّار قال الرضى : ومعنى ذلك أن المؤمنين يتبعوننى والفجار
يتبعون المال كما تتبع النحل يعسوبها ، وهو رئيسها
٣١٧ ـ وقال له بعض اليهود : ما دفنتم
نبيكم حتى اختلفتم فيه؟ فقال عليه السلام له : إنّما اختلفنا عنه لا فيه ، ولكنّكم ما جفّت أرجلكم من البحر
حتّى قلتم لنبيّكم : «اِجْعَلْ
لَنٰا إِلٰهاً كَمٰا لَهُمْ آلِهَةٌ قٰالَ إِنَّكُمْ
قَوْمٌ تَجْهَلُونَ»
٣١٨ ـ وقيل له : بأى شىء غلبت الأقران؟
فقال عليه السلام : ما لقيت رجلا إلاّ أعاننى على نفسه قال الرضى : يومئ بذلك إلى
تمكن هيبته فى القلوب
٣١٩ ـ وقال عليه السلام لابنه محمد بن
الحنفية : يا بنىّ ، إنّى أخاف عليك الفقر فاستعذ باللّه منه فإنّ الفقر منقصة
للدّين
مدهشة للعقل داعية للمقت
٣٢٠ ـ وقال عليه السلام لسائل سأله عن
معضلة : سل تفقّها
، ولا تسأل تعنّتا ، فإنّ الجاهل المتعلّم شبيه بالعالم ، وإنّ العالم المتعسّف
شبيه بالجاهل المتعنّت.
__________________
٣٢١ ـ وقال عليه السلام لعبد اللّه بن
العباس ، وقد أشار عليه فى شىء لم يوافق رأيه : لك أن تشير علىّ وأرى ، فإن عصيتك
فأطعنى
٣٢٢ ـ وروى أنه عليه السلام لما ورد
الكوفة قادما من صفين مر بالشباميين
فسمع بكاء النساء على قتلى صفين وخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامى وكان من وجوه
قومه فقال عليه السلام له : أتغلبكم نساؤكم على ما أسمع ؟ ألا تنهونهنّ عن هذا الرّنين ، وأقبل [حرب]
يمشى معه وهو عليه السلام راكب فقال عليه السلام : ارجع فإنّ مشى مثلك مع مثلى
فتنة للوالى ومذلّة للمؤمن
٣٢٣ ـ وقال عليه السلام ، وقد مر بقتلى
الخوارج يوم النهروان : بؤسا لكم ، لقد ضرّكم من غرّكم ، فقيل له : من غرهم يا
أمير المؤمنين؟ فقال : الشّيطان المضلّ والأنفس الأمّارة بالسّوء ، غرّتهم
بالأمانىّ ، وفسحت لهم بالمعاصى ، ووعدتهم الاظهار فاقتحمت بهم النّار.
__________________
٣٢٤ ـ وقال عليه السلام : اتّقوا معاصى
اللّه فى الخلوات ، فانّ الشّاهد هو الحاكم.
٣٢٥ ـ وقال عليه السلام لما بلغه قتل
محمد بن أبى بكر : إنّ حزننا عليه على قدر سرورهم به ، إلاّ أنّهم نقصوا بغيضا ونقصنا
حبيبا.
٣٢٦ ـ وقال عليه السلام : العمر الّذى
أعذر اللّه فيه إلى ابن آدم ستّون سنة .
٣٢٧ ـ وقال عليه السلام : ما ظفر من ظفر
الإثم به ، والغالب بالشّرّ مغلوب
٣٢٨ ـ وقال عليه السلام : إنّ اللّه
سبحانه فرض فى أموال الأغنياء أقوات الفقراء : فما جاع فقير إلاّ بما متّع به غنىّ
، واللّه تعالى سائلهم عن ذلك
٣٢٩ ـ وقال عليه السلام : الاستغناء عن
العذر أعزّ من الصّدق به
__________________
٣٣٠ ـ وقال عليه السلام : أقلّ ما
يلزمكم للّه أن لا تستعينوا بنعمه على معاصيه
٣٣١ ـ وقال عليه السلام : إنّ اللّه
سبحانه جعل الطّاعة غنيمة الأكياس عند تفريط العجزة
٣٣٢ ـ وقال عليه السلام : السّلطان وزعة
اللّه فى أرضه .
٣٣٣ ـ وقال عليه السلام فى صفة المؤمن :
المؤمن بشره فى وجهه
وحزنه فى قلبه ، أوسع شىء صدرا ، وأذلّ شىء نفسا ،
يكره الرّفعة ، ويشنأ السّمعة ، طويل غمّه ، بعيد همّه ، كثير صمته ، مشغول وقته ،
شكور صبور ، مغمور بفكرته ، ضنين بخلّته ،
سهل الخليقة ، ليّن العريكة!
__________________
نفسه أصلب من الصّلد
وهو أذلّ من
العبد
٣٣٤ ـ وقال عليه السلام : لو رأى العبد
الأجل ومصيره لأبغض الأمل وغروره.
٣٣٥ ـ وقال عليه السلام : لكلّ امرىء فى
ماله شريكان : الوارث ، والحوادث.
٣٣٦ ـ [وقال عليه السلام : المسئول حرّ
حتّى يعد]
٣٣٧ ـ وقال عليه السلام : الدّاعى بلا
عمل كالرّامى بلا وتر .
٣٣٨ ـ وقال عليه السلام : العلم علمان :
مطبوع ومسموع ، ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع .
٣٣٩ ـ وقال عليه السلام : صواب الرّأى
بالدّول : يقبل باقبالها ، ويذهب بذهابها .
__________________
٣٤٠ ـ وقال عليه السلام : العفاف زينة
الفقر ، والشّكر زينة الغنى.
٣٤١ ـ وقال عليه السلام : يوم العدل على
الظّالم أشدّ من يوم الجور على المظلوم!
٣٤٢ ـ [وقال عليه السلام : الغنى الأكبر
اليأس عمّا فى أيدى النّاس]
٣٤٣ ـ وقال عليه السلام : الأقاويل
محفوظة ، والسّرائر مبلوّة
، و «كُلُّ
نَفْسٍ بِمٰا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ»
، والنّاس منقوصون مدخولون
إلاّ من عصم اللّه : سائلهم متعنّت ، ومجيبهم متكلّف ، يكاد أفضلهم رأيا يردّه عن
فضل رأيه الرّضا والسّخط
، ويكاد أصلبهم عودا تنكؤه اللّحظة ، وتستحيله الكلمة الواحدة !
__________________
٣٤٤ ـ وقال عليه السلام : معاشر النّاس
، اتّقوا اللّه فكم من مؤمّل ما لا يبلعه ، وبان ما لا يسكنه ، وجامع ما سوف يتركه
، ولعلّه من باطل جمعه ، ومن حقّ منعه : أصابه حراما ، واحتمل به آثاما ، فباء
بوزره ، وقدم على ربّه آسفا لاهفا ، قد «خَسِرَ اَلدُّنْيٰا وَاَلْآخِرَةَ
ذٰلِكَ هُوَ اَلْخُسْرٰانُ اَلْمُبِينُ»
٣٤٥ ـ وقال عليه السلام : من العصمة
تعذّر المعاصى .
٣٤٦ ـ وقال عليه السلام : ماء وجهك جامد
يقطره السّؤال ، فانظر عند من تقطره
٣٤٧ ـ وقال عليه السلام : الثّناء بأكثر
من الاستحقاق ملق
، والتّقصير عن الاستحقاق عىّ أو حسد.
٣٤٨ ـ وقال عليه السلام : أشدّ الذّنوب
ما استهان به صاحبه.
٣٤٩ ـ وقال عليه السلام : من نظر فى عيب
نفسه اشتغل عن عيب غيره ، ومن رضى برزق اللّه لم يحزن على ما فاته ، ومن سلّ سيف
البغى قتل به ومن كابد الأمور عطب
ومن اقتحم اللّجج غرق ، ومن دخل مداخل السّوء انّهم ، ومن كثر كلامه كثر خطؤه ، ومن
كثر خطؤه قلّ حياؤه ، ومن
__________________
قلّ حياؤه قلّ ورعه
، ومن قلّ ورعه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النّار. ومن نظر فى عيوب النّاس فأنكرها
ثمّ رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه
[والقناعة مال لا ينفد] ومن أكثر من ذكر الموت رضى من الدّنيا باليسير ومن علم أنّ
كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه.
٣٥٠ ـ وقال عليه السلام : للظّالم من
الرّجال ثلاث علامات : يظلم من فوقه بالمعصية
، ومن دونه بالغلبة ، ويظاهر القوم الظّلمة
٣٥١ ـ وقال عليه السلام : عند تناهى
الشّدّة تكون الفرجة ، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرّخاء
٣٥٢ ـ وقال عليه السلام لبعض أصحابه : لا
تجعلنّ أكثر شغلك بأهلك وولدك : فان يكن أهلك وولدك أولياء اللّه فانّ اللّه لا
يضيع أولياءه ، وإن يكونوا أعداء اللّه فما همّك وشغلك بأعداء اللّه؟!
٣٥٣ ـ وقال عليه السلام : أكبر العيب أن
تعيب ما فيك مثله
٣٥٤ ـ وهنأ بحضرته رجل رجلا بغلام ولد
له فقال له : ليهنئك الفارس فقال عليه السلام : لا تقل ذلك ، ولكن قل شكرت الواهب
، وبورك لك
__________________
فى الموهوب ، وبلغ
أشدّه ، ورزقت برّه
٣٥٥ ـ وبنى رجل من عماله بناء فخما فقال عليه السلام : أطلعت الورق رءوسها
إنّ البناء
يصف لك الغنى.
٣٥٦ ـ وقيل له عليه السلام : لو سد على
رجل باب بيته وترك فيه من أين كان يأتيه رزقه؟ فقال عليه السلام : من حيث يأتيه
أجله.
٣٥٧ ـ وعزّى قوما عن ميت مات لهم فقال
عليه السلام : إنّ هذا الأمر ليس لكم بدأ ، ولا إليكم انتهى ، وقد كان صاحبكم هذا يسافر فعدّوه فى
بعض أسفاره ، فان قدم عليكم وإلاّ قدمتم عليه
٣٥٨ ـ وقال عليه السلام : أيّها النّاس
، ليركم اللّه من النّعمة وجلين كما يراكم من النّقمة فرقين ! إنّه
من وسّع عليه فى ذات يده فلم ير ذلك
__________________
استدراجا فقد أمن
مخوفا ، ومن ضيّق عليه فى ذات يده فلم ير ذلك اختبارا فقد ضيّع مأمولا
٣٥٩ ـ وقال عليه السلام : يا أسرى
الرّغبة أقصروا
فانّ المعرّج على الدّنيا لا يروعه منها إلاّ صريف أنياب الحدثان . أيّها النّاس ، تولّوا من أنفسكم
تأديبها ، واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها
٣٦٠ ـ وقال عليه السلام : لا تظنّنّ
بكلمة خرجت من أحد سوءا وأنت تجد لها فى الخير محتملا
٣٦١ ـ وقال عليه السلام : إذا كانت لك
إلى اللّه ، سبحانه ، حاجة فابدأ بمسألة الصّلاة على رسوله ، صلّى اللّه عليه وآله
وسلّم ، ثمّ سل حاجتك فانّ اللّه أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضى
إحداهما ويمنع الأخرى
٣٦٢ ـ وقال عليه السلام : من ضنّ بعرضه
فليدع المراء
__________________
٣٦٣ ـ وقال عليه السلام : من الخرق
المعاجلة قبل الامكان والأناة بعد الفرصة
٣٦٤ ـ وقال عليه السلام : لا تسأل عمّا
لا يكون ففى الّذى قد كان لك شغل
٣٦٥ ـ وقال عليه السلام : الفكر مرآة
صافية ، والاعتبار منذر ناصح
وكفى أدبا لنفسك تجنّبك ما كرهته لغيرك
٣٦٦ ـ وقال عليه السلام : العلم مقرون
بالعمل : فمن علم عمل ، والعلم يهتف بالعمل : فإن أجابه وإلاّ ارتحل عنه
٣٦٧ ـ وقال عليه السلام : يا أيّها
النّاس ، متاع الدّنيا حطام موبئ فتجنّبوا مرعاه !! قلعتها
أحظى من طمأنينتها ، وبلغتها أزكى من
ثروتها .
__________________
حكم على مكثر بها
بالفاقة
، وأعين من غنى عنها بالرّاحة .
ومن راقه زبرجها أعقبت ناظريه كمها
، ومن استشعر الشّعف بها ملأت ضميره أشجانا . لهنّ رقص على سويداء
قلبه همّ يشغله ، وهمّ يحزنه ، كذلك حتّى يؤخذ بكظمه
فيلقى بالفضاء منقطعا أبهراه ، هيّنا
على اللّه فناؤه ، وعلى الاحوان إلقاؤه
، [و] إنّما ينظر المؤمن إلى الدّنيا بعين الاعتبار ويقتات منها ببطن الاضطرار ، ويسمع فيها بأذن المقت والإبغاض [إن]
قيل أثرى قيل أكدى !!
وإن فرح له بالبقاء حزن له بالفناء! هذا ولم يأتهم
__________________
يوم فيه يبلسون
٣٦٨ ـ وقال عليه السلام. إنّ اللّه
سبحانه وضع الثّواب على طاعته ، والعقاب على معصيته ، ذيادة لعباده عن نقمته وحياشة لهم إلى جنّته
٣٦٩ ـ [وقال عليه السلام : يأتى على
النّاس زمان لا يبقى فيهم من القرآن إلاّ رسمه ومن الإسلام إلاّ اسمه ، ومساجدهم
يومئذ غامرة من البناء ، خراب من الهدى ، سكّانها وعمّارها شرّ أهل الأرض : منهم
تخرج الفتنة ، وإليهم تأوى الخطيئة ، يردّون من شذّ عنها فيها ، ويسوقون من تأخّر
عنها إليها ، يقول اللّه سبحانه : فبى حلفت لأبعثنّ على أولئك فتنة نترك الحليم
فيها حيران وقد فعل ، ونحن نستقيل اللّه عثرة الغفلة]
٣٧٠ ـ وروى أنه عليه السلام قلما اعتدل
به المنبر إلا قال أمام الخطبة : أيّها النّاس ، اتّقوا اللّه فما خلق امرؤ عبثا
فيلهو ، ولا ترك سدى فيلغو! وما دنياه الّتى
تحسّنت له بخلف من الآخرة الّتى قبّحها سوء النّظر عنده ، وما المغرور الّذى ظفر
من الدّنيا بأعلى همّته كالآخر الّذى ظفر من
__________________
الآخرة بأدنى سهمته
٣٧١ ـ وقال عليه السلام : لا شرف أعلى
من الإسلام ، ولا عزّ أعزّ من التّقوى ، ولا معقل أحسن من الورع ، ولا شفيع أنجح
من التّوبة ، ولا كنز أغنى من القناعة ، ولا مال أذهب للفاقة من الرّضا بالقوت ، ومن
اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الرّاحة
وتبوّأ خفض الدّعة. والرّغبة مفتاح النّصب
ومطيّة التّعب ، والحرص والكبر والحسد دواع إلى التّقحّم فى الذّنوب ، والشّرّ
جامع مساوى العيوب
٣٧٢ ـ وقال عليه السلام : لجابر بن عبد
اللّه الأنصارى : يا جابر ، قوام [الدّين و] الدّنيا بأربعة : عالم مستعمل علمه ،
وجاهل لا يستنكف أن يتعلّم ، وجواد لا يبخل بمعروفه ، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه
، فاذا ضيّع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلّم ،
وإذا بخل الغنىّ بمعروفه باع الفقير
__________________
آخرته بدنياه
يا جابر ، من كثرت نعم اللّه عليه كثرت
حوائج النّاس إليه ، فمن قام للّه فيها بما يجب [فيها] عرّضها للدّوام والبقاء ومن لم يقم فيها بما يجب عرّضها
للزّوال والفناء
٣٧٣ ـ وروى ابن جرير الطبرى فى تاريخه
عن عبد الرحمن بن أبى ليلى الفقيه ـ وكان ممن خرج لقتال الحجاج مع ابن الأشعث ـ أنه
قال فيما كان يحض به الناس على الجهاد : إنى سمعت عليا عليه السلام يقول يوم لقينا
أهل الشام : أيّها المؤمنون ، إنّه من رأى عدوانا يعمل به ومنكرا يدعى إليه فأنكره
بقلبه فقد سلم وبرىء
، ومن أنكره بلسانه فقد أجر وهو أفضل من صاحبه ومن أنكره بالسّيف لتكون كلمة اللّه
هى العليا وكلمة الظّالمين هى السّفلى فذلك الّذى أصاب سبيل الهدى ، وقام على
الطّريق ، ونوّر فى قلبه اليقين
٣٧٤ ـ وفى كلام آخر له يجرى هذا المجرى
: فمنهم المنكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه فذلك المستكمل لخصال الخير ، ومنهم
المنكر بلسانه وقلبه والتّارك بيده فذلك متمسّك بخصلتين من خصال الخير ومضيّع خصلة
، ومنهم
__________________
المنكر بقلبه والتّارك
بيده ولسانه فذلك الّذى ضيّع أشرف الخصلتين من الثّلاث وتمسّك بواحدة ، ومنهم تارك لانكار المنكر بلسانه وقلبه
ويده فذلك ميّت الأحياء. وما أعمال البرّ كلّها والجهاد فى سبيل اللّه عند الأمر
بالمعروف والنّهى عن المنكر إلاّ كنفثة فى بحر لجّىّ وإنّ الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر
لا يقرّبان من أجل ، ولا ينقصان من رزق ، وأفضل من ذلك كلّه كلمة عدل عند إمام
جائر
٣٧٥ ـ وعن أبى جحيفة قال : سمعت أمير
المؤمنين عليه السلام يقول أوّل ما تعلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ثمّ
بألسنتكم ثمّ بقلوبكم ، فمن لم يعرف بقلبه معروفا ولم ينكر منكرا قلب فجعل أعلاه
أسفله وأسفله أعلاه
٣٧٦ ـ وقال عليه السلام : إنّ الحقّ
ثقيل مرىء ، وإنّ الباطل خفيف وبىء
٣٧٧ ـ وقال عليه السلام : لا تأمننّ على
خير هذه الأمّة عذاب اللّه لقوله تعالى : «فَلاٰ يَأْمَنُ مَكْرَ اَللّٰهِ
إِلاَّ اَلْقَوْمُ اَلْخٰاسِرُونَ»
ولا تيأسنّ لشرّ
__________________
هذه الأمّة من روح
اللّه لقوله تعالى
: «إِنَّهُ
لاٰ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْقَوْمُ
اَلْكٰافِرُونَ»
٣٧٨ ـ وقال عليه السلام : البخيل جامع
لمساوى العيوب ، وهو زمام يقاد به إلى كلّ سوء
٣٧٩ ـ وقال عليه السلام : الرّزق رزقان
: رزق تطلبه ، ورزق يطلبك فان لم تأته أتاك ، فلا تحمل همّ سنتك على همّ يومك!
كفاك كلّ يوم على ما فيه ، فان تكن السّنة من عمرك فانّ اللّه تعالى سيؤتيك فى كلّ
غد جديد ما قسم لك ، وإن لم تكن السّنة من عمرك فما تصنع بالهمّ لما ليس لك ، ولن
يسبقك إلى رزقك طالب ، ولن يغلبك عليه غالب ، ولن يبطىء عنك ما قد قدّر لك قال
الرضى : وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم من هذا الباب ، إلا أنه ههنا أوضح وأشرح ، فلذلك
كررناه على القاعدة المقررة فى أول الكتاب
٣٨٠ ـ وقال عليه السلام : ربّ مستقبل
يوما ليس بمستدبره ، ومغبوط فى أوّل ليله قامت بواكيه فى آخره
__________________
٣٨١ ـ وقال عليه السلام : الكلام فى
وثاقك ما لم تتكلّم به
فإذا تكلّمت به صرت وثاقه ، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك ، فربّ كلمة سلبت
نعمة [وجلبت نقمة].
٣٨٢ ـ وقال عليه السلام : لا تقل ما لا
تعلم بل لا تقل كلّ ما تعلم فإنّ اللّه فرض على جوارحك [كلّها] فرائض يحتجّ بها
عليك يوم القيامة.
٣٨٣ ـ وقال عليه السلام : احذر أن يراك
اللّه عند معصيته ويفقدك عند طاعته
فتكون من الخاسرين ، وإذا قويت فاقو على طاعة اللّه ، وإذا ضعفت فاضعف عن معصية
اللّه
٣٨٤ ـ وقال عليه السلام : الرّكون إلى
الدّنيا مع ما تعاين منها جهل
والتّقصير فى حسن العمل إذا وثقت بالثّواب عليه غبن ، والطّمأنينة إلى كلّ
__________________
أحد قبل الاختبار
عجز.
٣٨٥ ـ وقال عليه السلام : من هوان
الدّنيا على اللّه أنّه لا يعصى إلاّ فيها ، ولا ينال ما عنده إلاّ بتركها.
٣٨٦ ـ وقال عليه السلام : من طلب شيئا
ناله أو بعضه
٣٨٧ ـ وقال عليه السلام : ما خير بخير
بعده النّار ، وما شرّ بشرّ بعده الجنّة
، وكلّ نعيم دون الجنّة فهو محقور ، وكلّ بلاء دون النّار عافية.
٣٨٨ ـ وقال عليه السلام : ألا وإنّ من
البلاء الفاقة ، وأشدّ من الفاقة مرض البدن ، وأشدّ من مرض البدن مرض القلب ، ألا
وإنّ من النّعم سعة المال. وأفضل من سعة المال صحّة البدن ، وأفضل من صحّة البدن
تقوى القلب
٣٨٩ ـ [وقال عليه السلام : من أبطأ به
عمله لم يسرع به نسبه. وفى رواية أخرى : من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب آبائه]
٣٩٠ ـ وقال عليه السلام : للمؤمن ثلاث
ساعات : فساعة يناجى فيها
__________________
ربّه ، وساعة يرمّ
معاشه ، وساعة
يخلّى بين نفسه وبين لذّتها فيما يحلّ ويجمل وليس للعاقل أن يكون شاخصا إلاّ فى
ثلاث : مرمّة لمعاش ، أو خطوة فى معاد أو لذّة فى غير محرّم.
٣٩١ ـ وقال عليه السلام : ازهد فى
الدّنيا يبصّرك اللّه عوراتها ، ولا تغفل فلست بمغفول عنك!
٣٩٢ ـ وقال عليه السلام : تكلّموا تعرفوا
، فإنّ المرء مخبوء تحت لسانه
٣٩٣ ـ وقال عليه السلام : خذ من الدّنيا
ما أتاك ، وتولّ عمّا تولّى عنك فإن أنت لم تفعل فأجمل فى الطّلب
٣٩٤ ـ وقال عليه السلام : ربّ قول أنفذ
من صول
٣٩٥ ـ وقال عليه السلام : كلّ مقتصر
عليه كاف
٣٩٦ ـ وقال عليه السلام : المنيّة ولا
الدّنيّة! والتّقلّل ولا التّوسل
__________________
ومن لم يعط قاعدا لم
يعط قائما
، والدّهر يومان : يوم لك ، ويوم عليك فاذا كان لك فلا تبطر ، وإذا كان عليك
فاصبر!
٣٩٧ ـ [وقال عليه السلام : نعم الطّيب
المسك خفيف محمله ، عطر ريحه]
٣٩٨ ـ [وقال عليه السلام : ضع فخرك ، واحطط
كبرك ، واذكر قبرك]
٣٩٩ ـ [وقال عليه السلام : إنّ للولد
على الوالد حقّا ، وإنّ للوالد على الولد حقّا ، فحقّ الوالد على الولد أن يطيعه
فى كلّ شىء ، إلاّ فى معصية اللّه سبحانه ، وحقّ الولد على الوالد أن يحسّن اسمه ،
ويحسّن أدبه ، ويعلّمه القرآن]
٤٠٠ ـ [وقال
عليه السلام : العين حقّ ، والرّقى حقّ ، والسّحر حقّ والفأل حقّ ، والطّيرة ليست
بحقّ ، والعدوى ليست بحقّ ، والطّيب نشرة ، والعسل نشرة ، والرّكوب نشرة ، والنّظر
إلى الخضرة نشرة]
٤٠١ ـ وقال
عليه السلام : مقاربة النّاس فى أخلاقهم أمن من غوائلهم
٤٠٢ ـ وقال
عليه السلام : لبعض مخاطبيه ـ وقد تكلم بكلمة يستصغر مثله عن قول مثلها ـ : لقد طرت شكيرا ، وهدرت سقبا قال
الرضى : والشكير ههنا : أول ما ينبت من ريش الطائر قبل أن يقوى
__________________
ويستحصف والسقب : الصغير من الابل ، ولا يهدر
إلا بعد أن يستفحل
٤٠٣ ـ وقال
عليه السلام : من أومأ إلى متفاوت خذلته الحيل
٤٠٤ ـ وقال
عليه السلام : وقد سئل عن معنى قولهم «لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه» ـ إنّا لا
نملك مع اللّه شيئا ، ولا نملك إلاّ ما ملّكنا فمتى ملّكنا ما هو أملك به منّا
كلّفنا
ومتى أخذه منّا وضع تكليفه عنّا
٤٠٥ ـ وقال
عليه السلام لعمار بن ياسر ، وقد سمعه يراجع المغيرة بن شعبة كلاما : دعه يا عمّار
، فإنّه لم يأخذ من الدّين إلاّ ما قاربه من الدّنيا ، وعلى عمد لبّس على نفسه ليجعل
الشّبهات عاذرا لسقطاته.
٤٠٦ ـ وقال
عليه السلام : ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند اللّه! وأحسن منه تيه
الفقراء على الأغنياء اتّكالا على اللّه .
__________________
٤٠٧ ـ وقال
عليه السلام : ما استودع اللّه امرأ عقلا إلاّ استنقذه به يوما مّا !
٤٠٨ ـ وقال
عليه السلام : من صارع الحقّ صرعه.
٤٠٩ ـ وقال
عليه السلام : القلب مصحف البصر
٤١٠ ـ وقال
عليه السلام : التّقى رئيس الأخلاق.
٤١١ ـ وقال
عليه السلام : لا تجعلنّ ذرب لسانك على من أنطقك ، وبلاغة قولك على من سدّدك
٤١٢ ـ وقال
عليه السلام : كفاك أدبا لنفسك اجتناب ما تكرهه من غيرك.
٤١٣ ـ وقال
عليه السلام : من صبر صبر الأحرار ، وإلاّ سلا سلوّ الأغمار
__________________
٤١٤ ـ وفى
خبر آخر أنه عليه السلام قال للأشعث بن قيس معزيا : إن صبرت صبر الأكارم ، وإلاّ
سلوت سلوّ البهائم.
٤١٥ ـ وقال
عليه السلام فى صفة الدنيا : تغرّ وتضرّ وتمرّ ، إنّ اللّه تعالى لم يرضها ثوابا
لأوليائه ، ولا عقابا لأعدائه ، وإنّ أهل الدّنيا كركب بينا هم حلّوا إذ صاح [بهم]
سائقهم فارتحلوا .
٤١٦ ـ وقال
لابنه الحسن عليه السلام : لا تخلّفنّ وراءك شيئا من الدّنيا ، فإنّك تخلّفه لأحد
رجلين : إمّا رجل عمل فيه بطاعة اللّه فسعد بما شقيت به ، وإمّا رجل عمل فيه
بمعصية اللّه [فشقى بما جمعت له] فكنت عونا له على معصيته ، وليس أحد هذين حقيقا
أن تؤثره على نفسك قال الرضى : ويروى هذا الكلام على وجه آخر وهو أمّا بعد ، فإنّ
الّذى فى يدك من الدّنيا قد كان له أهل قبلك ، وهو صائر إلى أهل بعدك ، وإنّما أنت
جامع لأحد رجلين : رجل عمل فيما جمعته بطاعة اللّه فسعد بما شقيت به ، أو رجل عمل
فيه بمعصية اللّه فشقيت بما جمعت له ، وليس أحد هذين أهلا أن تؤثره على نفسك ولا
أن تحمل له على ظهرك فارج لمن مضى رحمة اللّه ، ولمن بقى رزق اللّه.
٤١٧ ـ وقال
عليه السلام لقائل قال بحضرته «أستغفر اللّه» ثكلتك
__________________
أمّك أتدرى ما الاستغفار؟
الاستغفار درجة العلّيّين ، وهو اسم واقع على ستّة معان : أوّلها النّدم على ما
مضى ، والثّانى : العزم على ترك العود إليه أبدا ، والثّالث : أن تؤدّى إلى
المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى اللّه أملس ليس عليك تبعة ، والرّابع : أن تعمد إلى
كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّى حقّها ، والخامس : أن تعمد إلى اللّحم الّذى نبت
على السّحت
فتذيبه بالأحزان حتّى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد ، والسّادس : أن
تذيق الجسم ألم الطّاعة كما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول : «أستغفر اللّه».
٤١٨ ـ وقال
عليه السلام : الحلم عشيرة
٤١٩ ـ وقال
عليه السلام : مسكين ابن آدم : مكتوم الأجل ، مكنون العلل ، محفوظ العمل ، تؤلمه
البقّة ، وتقتله الشّرقة ، وتنتنه العرقة .
٤٢٠ ـ وروى
أنه عليه السلام كان جالسا فى أصحابه ، فمرت بهم امراة جميلة فرمقها القوم
بأبصارهم فقال عليه السلام : إنّ أبصار هذه الفحول
__________________
طوامح ، وإنّ ذلك سبب هبابها ، فإذا نظر
أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله ، فإنّما هى امرأة كامرأة ، فقال رجل من
الخوارج «قاتله اللّه كافرا ما أفقهه» فوثب القوم ليقتلوه ، فقال عليه السلام : رويدا
إنّما هو سبّ بسبّ أو عفو عن ذنب !
٤٢١ ـ [وقال
عليه السلام : كفاك من عقلك ما أوضح لك سبل غيّك من رشدك]
٤٢٢ ـ وقال
عليه السلام : افعلوا الخير ولا تحقروا منه شيئا فإنّ صغيره كبير وقليله كثير ، ولا
يقولنّ أحدكم إنّ أحدا أولى بفعل الخير منّى فيكون واللّه كذلك. إنّ للخير والشّرّ
أهلا فمهما تركتموه منهما كفاكموه أهله
٤٢٣ ـ وقال
عليه السلام : من أصلح سريرته أصلح اللّه علانيته ، ومن عمل لدينه كفاه [اللّه] أمر
دنياه ، ومن أحسن فيما بينه وبين اللّه أحسن اللّه ما بينه وبين النّاس.
__________________
٤٢٤ ـ وقال
عليه السلام : الحلم غطاء ساتر ، والعقل حسام قاطع ، فاستر خلل خلقك بحلمك ، وقاتل
هواك بعقلك
٤٢٥ ـ وقال
عليه السلام : إنّ للّه عبادا يختصّهم اللّه بالنّعم لمنافع العباد فيقرّها فى
أيديهم ما بذلوها
، فإذا منعوها نزعها منهم ثمّ حوّلها إلى غيرهم
٤٢٦ ـ وقال
عليه السلام : لا ينبغى للعبد أن يثق بخصلتين : العافية ، والغنى ، بينا تراه
معافى إذ سقم ، وبينا تراه غنيّا إذ افتقر.
٤٢٧ ـ وقال
عليه السلام : من شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنّه شكاها إلى اللّه ، ومن شكاها إلى
كافر فكأنّما شكا اللّه.
٤٢٨ ـ وقال
عليه السلام فى بعض الأعياد : إنّما هو عبد لمن قبل اللّه صيامه وشكر قيامه ، وكلّ
يوم لا يعصى اللّه فيه فهو عيد
٤٢٩ ـ وقال
عليه السلام : إنّ أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل كسب مالا فى غير طاعة اللّه
فورثه رجل فأنفقه فى طاعة اللّه سبحانه فدخل به الجنّة ودخل الأوّل به النّار.
٤٣٠ ـ وقال
عليه السلام : إنّ أخسر النّاس صفقة
وأخيبهم سعيا
__________________
رجل أخلق بدنه فى
طلب ماله ، ولم تساعده المقادير على إرادته ، فخرج من الدّنيا بحسرته ، وقدم على
الآخرة بتبعته.
٤٣١ ـ وقال
عليه السلام : الرّزق رزقان : طالب ، ومطلوب ، فمن طلب الدّنيا طلبه الموت حتّى
يخرجه عنها ، ومن طلب الآخرة طلبته الدّنيا حتّى يستوفى رزقه منها.
٤٣٢ ـ وقال
عليه السلام : إنّ أولياء اللّه هم الّذين نظروا إلى باطن الدّنيا إذا نظر النّاس
إلى ظاهرها ، واشتغلوا بآجلها
إذا اشتغل النّاس بعاجلها ، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم ، وتركوا منها ما علموا أنّه سيتركهم ورأوا
استكثار غيرهم منها استقلالا ، ودركهم لها فوتا ، أعداء ما سالم النّاس وسلم ما
عادى النّاس !
بهم علم الكتاب وبه علموا ، وبهم قام الكتاب
__________________
وبه قاموا ، لا يرون
مرجوّا فوق ما يرجون ، ولا مخوفا فوق ما يخافون
٤٣٣ ـ وقال
عليه السلام : اذكروا انقطاع اللّذّات ، وبقاء التّبعات.
٤٣٤ ـ وقال
عليه السلام : اخبر تقله
قال الرضى : ومن الناس من يروى هذا للرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ومما يقوى أنه
من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ما حكاه ثعلب عن ابن الأعرابى ، قال المأمون : لو
لا أن عليا قال «اخبر تقله» لقلت : اقله تخبر
٤٣٥ ـ وقال
عليه السلام : ما كان اللّه ليفتح على عبد باب الشّكر ويغلق عنه باب الزّيادة ، ولا
ليفتح على عبد باب الدّعاء ويغلق عنه باب الإجابة ولا ليفتح لعبد باب التّوبة ويغلق عنه
باب المغفرة
٤٣٦ ـ [وقال
عليه السلام : أولى النّاس بالكرم من عرفت به الكرام]
٤٣٧ ـ وسئل
منه عليه السلام : أيما أفضل : العدل ، أو الجود؟ فقال
__________________
عليه السلام : العدل
يضع الأمور مواضعها ، والجود يخرجها من جهتها ، والعدل سائس عامّ ، والجود عارص
خاصّ ، فالعدل أشرفهما وأفضلهما
٤٣٨ ـ وقال
عليه السلام : النّاس أعداء ما جهلوا.
٤٣٩ ـ وقال
عليه السلام : الزّهد كلّه بين كلمتين من القرآن : قال اللّه سبحانه. «لِكَيْلاٰ
تَأْسَوْا عَلىٰ مٰا فٰاتَكُمْ وَلاٰ تَفْرَحُوا
بِمٰا آتٰاكُمْ» ومن لم يأس
على الماضى
ولم يفرح بالآتى فقد أخذ الزّهد بطرفيه.
٤٤٠ ـ وقال
عليه السلام : ما أنقض النّوم لعزائم اليوم
٤٤١ ـ وقال
عليه السلام : الولايات مضامير الرّجال
٤٤٢ ـ وقال
عليه السلام : ليس بلد بأحقّ [بك] من بلد ، خير البلاد ما
حملك.
٤٤٣ ـ وقال
عليه السلام ، وقد جاءه نعى الأشتر رحمه اللّه : مالك
__________________
وما مالك [واللّه] لو كان جبلا لكان فندا [ولو
كان حجرا لكان صلدا] : لا يرتقيه الحافر ، ولا يوفى عليه الطّائر
قال الرضى : والفند
: المنفرد من الجبال
٤٤٤ ـ وقال
عليه السلام : قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه
٤٤٥ ـ وقال
عليه السلام : إذا كان فى رجل خلّة رائقة فانتظروا أخواتها
٤٤٦ ـ وقال
عليه السلام لغالب صعصعة أبى الفرزدق ، فى كلام دار بينهما : ما فعلت إبلك
الكثيرة؟ قال : ذعذعتها الحقوق
يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام : ذلك أحمد سبلها
٤٤٧ ـ وقال
عليه السلام : من اتّجر بغير فقه فقد ارتطم فى الرّبا
٤٤٨ ـ وقال
عليه السلام : من عظّم صغار المصائب ابتلاه اللّه بكبارها
__________________
٤٤٩ ـ وقال
عليه السلام : من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته
٤٥٠ ـ وقال
عليه السلام : ما مزح امرؤ مزحة إلاّ مجّ من عقله مجّة
٤٥١ ـ وقال
عليه السلام : زهدك فى راغب فيك نقصان حظّ
، ورغبتك فى زاهد فيك ذلّ نفس.
٤٥٢ ـ وقال
عليه السلام : الغنى والفقر بعد العرض على اللّه
٤٥٣ ـ [وقال
عليه السلام : ما زال الزّبير رجلا منّا أهل البيت حتّى نشأ ابنه المشئوم عبد
اللّه]
٤٥٤ ـ وقال
عليه السلام : ما لابن آدم والفخر : أوّله نطفة ، وآخره جيفة ، ولا يرزق نفسه ، ولا
يدفع حتفه.
٤٥٥ ـ وسئل
من أشعر الشعراء؟ فقال عليه السلام : إنّ القوم لم يجروا فى حلبة تعرف الغاية عند
قصبتها فإن كان ولا بدّ
فالملك الضّلّيل (يريد
__________________
امرأ القيس)
٤٥٦ ـ وقال
عليه السلام : ألا حرّ يدع هذه اللّماظة لأهلها ؟ إنّه ليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنّة ، فلا
تبيعوها إلاّ بها
٤٥٧ ـ وقال
عليه السلام : منهومان لا يشبعان
: طالب علم ، وطالب دنيا
٤٥٨ ـ وقال
عليه السلام : الإيمان أن تؤثر الصّدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك ، وأن لا
يكون فى حديثك فضل عن عملك
وأن تتّقى اللّه فى حديث غيرك
٤٥٩ ـ وقال
عليه السلام : يغلب المقدار على التّقدير حتّى تكون الآفة فى
التّدبير
__________________
قال الرضى : وقد مضى هذا المعنى فيما
تقدم برواية تخالف هذه الألفاظ
٤٦٠ ـ وقال
عليه السلام : الحلم والأناة توءمان ينتجهما علوّ الهمّة
٤٦١ ـ وقال
عليه السلام : الغيبة جهد العاجز
٤٦٢ ـ وقال
عليه السلام : ربّ مفتون بحسن القول فيه
٤٦٣ ـ وقال
عليه السلام : الدّنيا خلقت لغيرها ، ولم تخلق لنفسها
٤٦٤ ـ وقال
عليه السلام : إنّ لبنى أميّة مرودا يجرون فيه ، ولو قد اختلفوا فيما بينهم ثمّ
كادتهم الضّباع لغلبتهم قال الرضى : والمرود
هنا مفعل من الإرواد ، وهو الإمهال والإنظار ، وهذا من أفصح الكلام وأغربه ، فكأنه
عليه السلام شبه المهلة التى هم فيها بالمضمار الذى يجرون فيه إلى الغاية ، فاذا
بلغوا منقطعها انتقض نظامهم بعدها
٤٦٥ ـ وقال
عليه السلام فى مدح الأنصار : هم واللّه ربّوا الاسلام كما
__________________
يربّى الفلو مع
غنائهم بأيديهم السّباط وألسنتهم السّلاط
٤٦٦ ـ وقال
عليه السلام : العين وكاء السه
قال الرضى : وهذه من الاستعارات العجيبة ، كأنه يشبه السه بالوعاء ، والعين
بالوكاء ، فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء ، وهذا القول فى الأشهر الأظهر من
كلام النبى صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وقد رواه قوم لأمير المؤمنين عليه السلام ،
وذكر ذلك المبرد فى كتاب «المقتضب» فى باب «اللفظ بالحروف» وقد تكلمنا على هذه
الاستعارة فى كتابنا الموسوم ب «محاذات الآثار النبوية»
٤٦٧ ـ وقال
عليه السلام : فى كلام له : ووليهم وال فأقام واستقام ، حتّى ضرب الدّين بجرانه .
__________________
٤٦٨ ـ وقال
عليه السلام : يأتى على النّاس زمان عضوض
يعضّ الموسر فيه على ما فى يديه ولم يؤمر بذلك ، قال اللّه سبحانه : «وَلاٰ تَنْسَوُا
اَلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» تنهد فيه الأشرار وتستذلّ الأخيار ، ويبايع المضطرّون وقد
نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع المضطرّين .
٤٦٩ ـ وقال
عليه السلام : يهلك فىّ رجلان : محبّ مفرط ، وباهت مفتر قال
الرضى : وهذا مثل قوله عليه السلام : هلك فىّ رجلان : محبّ غال ، ومبغض قال
٤٧٠ ـ وسئل
عن التوحيد والعدل فقال عليه السلام : التّوحيد أن لا تتوهّمه ، والعدل أن لا
تتّهمه .
__________________
٤٧١ ـ وقال
عليه السلام : [لا خير فى الصّمت عن الحكم ، كما أنّه لا خير فى القول بالجهل.]
٤٧٢ ـ وقال
عليه السلام فى دعاء استسقى به : اللّهمّ اسقنا ذلل السّحاب دون صعابها قال الرضى
: وهذا من الكلام العجيب الفصاحة ، وذلك أنه عليه السلام شبة السحاب ذوات الرعود والبوارق
والرياح والصواعق بالابل الصعاب التى تقمص برحالها وتقص بركبانها ، وشبه السحاب خالية من
تلك الروائع
بالابل الذلل التى تحتلب طيعة وتقتعد مسمحة
٤٧٣ ـ وقيل
له عليه السلام : لو غيرت شبيك يا أمير المؤمنين ، فقال عليه السلام : الخضاب زينة
ونحن قوم فى مصيبة! (يريد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم)
٤٧٤ ـ [وقال
عليه السلام : ما المجاهد الشّهيد فى سبيل اللّه بأعظم أجرا
__________________
ممّن قدر فعفّ : لكاد
العفيف أن يكون ملكا من الملائكة]
٤٧٥ ـ وقال
عليه السلام : القناعة مال لا ينفد قال الرضى : وقد روى بعضهم هذا الكلام لرسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله
٤٧٦ ـ وقال
عليه السلام لزياد بن أبيه ـ وقد استخلفه لعبد اللّه بن العباس على فارس وأعمالها
، فى كلام طويل كان بينهما نهاه فيه عن تقدم الخراج ـ : استعمل العدل ، واحذر العسف والحيف
، فإنّ العسف يعود بالجلاء
والحيف يدعو إلى السّيف.
٤٧٧ ـ وقال
عليه السلام : أشدّ الذّنوب ما استخفّ به صاحبه
٤٧٨ ـ وقال
عليه السلام : ما أخذ اللّه على أهل الجهل أن يتعلّموا حتّى أخذ على أهل العلم أن
يعلّموا
٤٧٩ ـ وقال
عليه السلام : شرّ الإخوان من تكلّف له قال الرضى : لأن التكليف مستلزم للمشقة ، وهو
شر لازم عن الأخ المتكلف له ، فهو شر الاخوان
٤٨٠ ـ وقال
عليه السلام : إذا احتشم المؤمن أخاه فقد فارقه
__________________
قال الرضى : يقال : حشمه وأحشمه إذا
أغضبه ، وقيل : أخجله ، «او حتشمه» طلب ذلك له ، وهو مظنة مفارقته
وهذا حين انتهاء الغاية بنا إلى قطع
المختار من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ، حامدين للّه سبحانه على ما من به من
توفيقنا لضم ما انتشر من أطرافه ، وتقريب ما بعد من أقطاره ، وتقرر العزم كما
شرطنا أولا على تفضيل أوراق من البياض فى آخر كل باب من الأبواب ليكون لاقتناص
الشارد ، واستلحاق الوارد ، وما عسى أن يظهر لنا بعد الغموض ، ويقع إلينا بعد
الشذوذ ، وما توفيقنا إلا باللّه : عليه توكلنا ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وذلك فى رجب سنة أربعمائة من الهجرة ، وصلى اللّه على سيدنا محمد خاتم
الرسل ، والهادى إلى خير السبل ، وآله الطاهرين ، وأصحابه نجوم اليقين؟
__________________
قد تم بحمد اللّه وحسن تيسيره طبع الجزء
الثالث من كتاب «نهج البلاغة» وهو يشتمل على : باب المختار من كتب أمير المؤمنين
على بن أبى طالب إلى أعدائه وأمراء بلاده ، وباب المختار من حكمه وأجوبة مسائله وكلامه
القصير فى سائر أغراضه ، وبتمام هذا الجزء تم مجموع ما اختاره الشريف أبو الحسن
محمد الرضى من كلام أمير المؤمنين ، والحمد للّه الذى بنعمته تتم الصالحات. نسأل
اللّه أن ينفع به ، وأن يجعل عملنا فيه سببا لبلوغ مرضاته ، آمين
فهرست الجزء الثالث
من كتاب
نهج البلاغة
وهو يشتمل على باب المختار
من كتب أمير المؤمنين
أبى الحسن علي بن أبي طالب
رضى الله عنه
وباب المختار من حكمه وأجوبة
مسائلة
٢
|
باب المختار من كتب أمير المؤمنين ورسائله إلى أعدائه وأمراء بلاده ـ ومن
كتاب له لأهل الكوفة عند مسيرة من المدينة إلى البصرة ،وفيه يذكر ما كان من أمر
عثمان بأوجز عبارة وأوفاها
|
٧
|
ومن كتاب إلى الأشعث بن قيس يأمره بالأمانة
|
٤
|
ومن كتاب إلى أهل الكوفة يمدحهم بعد فتح البصرة
|
٨
|
ومن كتاب إلى معاوية في الاحتجاج بالبيعة والتبرؤ من دم عثمان
|
|
ومن كتاب له لشريح بن الحارث قاضيه ، يصف له نسخة كتاب في تملك دار ، وهو
من ألطف الكتب وأحواها للعبرة
|
|
ومن كتاب إلى جرير بن عبدالله حين أرسله إلى معاوية
|
٦
|
من كتاب له إلى بعض أمراء الجيش ، يأمره بالنهوض بعد دعوة العدو إلى
الطاعة
|
١٠
|
ومن كتاب إلى معاوية يذكر فيه فضل آل البيت وسابقتهم
|
|
|
١٢
|
من كتاب إليه فيه تهديد وتوبيخ
|
|
|
١٤
|
من وصيته لجيش ، يصف لهم كيف ينزلون ، وكيف يحذرون
|
|
|
١٥
|
ومن وصية لمعقل بن قيس ، يصف له كيف
يسير وكيف يبدأ بالقتال
|
١٥
|
ومن كتاب إلى أميري جيش يأمر هما بالطاعة للأشتر
|
٣٠
|
من عهد إلى عامل الصدقات : يأمره بالرفق والأمانة
|
١٦
|
ومن وصية لجيشه قبل العدو بصفين ، قبل قتال العدو بصفين ، يعلمهم آداب
الظفر ، ويناهم عن إنذاء النساء
|
٣١
|
ومن عهده لحمد بن أبي بكر لما ولاه مصر : يأمره بالمساواة بين الناس ،
وبين له حال المتقين ليقتدي بهم ، ويمدح أهل مصر ، وينهاه عن إرضاء الناس بسخط
الله ، ويخوفه من المنافقين
|
١٧
|
ومن دعاء له إذا لقى العدو ومن
|
٣٤
|
من كتاب إلى معاوية جواباً واحتجاجاً وهو من محاسن الكتب
|
١٨
|
من كتاب إلى معاوية جواباً واحتجاجاً وهو من بدائع الكتب
|
٤٠
|
من كتاب إلى معاوية : يعظه ، ويهدده
|
٢٠
|
ومن كتاب إلى عبد الله بن عباس ، وهو عامل البصرة ، يستعطفه على بني تميم.
|
٤٢
|
من وصية له لولده قد جمعت من كل حكمة طرفا
|
٢١
|
من كتاب إلى بعض عماله وقد شكاه المشركون من أهل عماله وقد شكاه المشركون
من أهل عمله يأمره بالرفق بهم
|
٦٤
|
من كتاب إلى معاوية : يذكر فيه إغواءه للناس
|
٢٢
|
ومن كتاب إلى زياد بن أبيه يحذره الخيانة
|
٦٥
|
ومن كتاب إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة : يحذره من جواسيس معاوية
في عمله
|
٢٣
|
ومن كتاب إلى ابن عباس يعظه به
|
٦٦
|
من كتاب إلى محمد بن أبي بكر لما بلغه توجده من عزله بالأشتر
|
٢٤
|
ومن وصية قالها بعد ما ضربه ابن ملجم لعنة الله عليه يرغب في العفو منه
|
٦٧
|
ومن كتاب له إلى أخيه عقيل : يصف حال جيش أنفذه إلى بعض
|
٢٥
|
ومن وصية له فيما يفعل بأمور إله كتبها بعد منصرفة من صفين
|
|
|
٢٧
|
من وصية لمن يجي الزكاة : يعمله طريق الجباية ، ويوصيه بالماشية ، وهي من
محاسن الوصايا
|
|
|
|
الأعداء وهو من لطائف الكتب
|
٨٥
|
من وصية له بعد ما ضربه ابن ملجم : ينهى فيها عن سفك الدماء ، وعن التمثيل
قاتله ، ويأمر بفضائل جمة
|
٦٩
|
من كتاب إلى معاوية : يونجه ، ويلزمه ذنب عثمان
|
٨٧
|
من كتاب إلى معاوية : يعظه فيه
|
٧٠
|
ومن كتاب إلى أهل مصر لما ولى عليهم الأشتر : يثنى عليهم فيه ويأمرهم
بطاعة الأشتر
|
٨٨
|
ومن كتاب إلى أمرائه على الجيوش : يبين فيه حقهم وحقه ، ويأمره بلزوم
العدل والطاعة :
|
٧١
|
من كتاب إلى عمرو بن العاص : يونجه على أتباع إلى بعض عماله : يأمره برفع
حساب إليه
|
٩٠
|
من كتاب إلى عماله على الخوارج وفيه النهى عن الضرب لتحصيل الخراج أو
الالزام بيع شيء يضر بيعه
|
٧٢
|
ومن كتاب الى بعض عماله : يعتب عليه في نكثه لعهده ، وتناوله لشيء من بيت
المال ، وهو من محاسن الكتب
|
٩١
|
من كتاب إلى أمراء البلاد في أوقات الصلاة
|
٧٥
|
من كتاب إلى عمر بن أبي سلمة عند عزله عن البحرين : يثنى عليه فيه
|
٩٢
|
ومن عهد إلى الأشتر النخعي عند ماولاه مصر ، وهو من أجمع كتبه لوجوه
السياسية المدنية
|
٧٦
|
ومن كتاب إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني ، وهو عامله على أردشير خرة : يونجه
على الجور في قسمه الفئ من كتاب إلى زياد بن أبيه يحذره من خداع معاوية له
|
١٢٢
|
من كتاب في الاحتجاج على طلحة والزبير
|
٧٨
|
ومن كتاب إلى عثمان بن حنيف وإلى بصرة : يونجه على حضور وليمة دعى إليها ،
وهو من أحاسن الكتب
|
١٢٣
|
من كتاب إلى معاوية : يعظه به
|
٨٤
|
من كتاب إلى عامل يأمره بالرفق والشدة ووضع كل موضعه
|
١٢٤
|
ومن وصية لشريح بن هانيء القاضي لما جعله على مقدمته إلى الشام
|
|
|
١٢٥
|
من كتاب إلى أمل الأمصار يقتص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين
|
١٢٧
|
من كتاب إلى الأسود بن قطيبة : يأمره بالعدل ولزوم الحق
|
|
بمعاوية : يهون عليه أمرهم
|
١٢٨
|
ومن كتاب إلى العمال الذين يطأ الجيش أعمالهم
|
١٤٥
|
ومن كتاب يعظ به ابن العباس
|
١٢٩
|
ومن كتاب في تعنيف زياد بن كميل على إهمال ثغره من الحماية
|
|
ومن كتاب إلى معاوية : يستهين بجوابه ، ويتوعده
|
١٣٠
|
ومن كتاب إلى أهل مصر مع الأشتر : يقص حالة السابقة ، ويذكر أن جهاده للحق
، وأنه لايخشى كثرة معارضيه
|
١٤٨
|
من حلف له كتبه بين ربيعة واليمن
|
١٣٣
|
من كتاب إلى أبو موسى : يعنفه ويتوعده على تثبيط أهل الكوفة عن حروب الجمل
|
١٤٩
|
ومن كتاب إلى معاوية أول استقراره في الخلافة
|
١٣٤
|
من كتاب إلى معاوية جواباً عنيفاً
|
|
من وصية لابن عباس
|
١٣٧
|
من كتاب إليه أيضاً
|
١٥٠
|
ووصية أخرى له لما بعثه للاحتجاج على الخوارج
|
١٣٩
|
من كتاب يعظ فيه عبد الله بن عباس
|
|
ومن كتاب إلى أبى موسى الأشعري جواباً يحذره من الميل عن الحق في التحكيم
|
١٤٠
|
من كتاب إلى قثم بن عباس : يأمره باقامة الحج ، وينهاه عن الاحتجاب ،
ويحظر على أهل مكة أخذأ جرة للسكنى من الحجاج ومن كتاب الى سلمان الفارسي قبل
خلافته : يصف له الدنيا ، ويحذره منها
|
١٥١
|
من كتاب له لما استخلف إلى أمراء الأجناد
|
١٤١
|
ومن كتاب إلى الحارث الهمداني ، فيه غرر من مكارم الأخلاق
|
|
باب المختار من حكم أمير المؤمنين وأجوبته القصيرة
|
١٤٤
|
من كتاب إلى سهل بن حنيف ، في قوم من أهل المدينة لحقوا
|
١٥٧
|
جواب لمن سأله عن الإيمان ، وفيه الإيمان وشعبه ، والكفر وشعبه
|
|
|
١٦٠
|
قال لدهاقين الأنبار عند ماترجلوا له واشتدو بين يديه
|
|
|
|
وصايا لابنه سيدنا الحسن
|
|
|
١٦١
|
قال في لسان العاقل والأحمق
|
|
|
١٦٢
|
ومن كلام لمريض في عاقبة المرض
|
١٦٦
|
خبر ضرار عنه في مخاطبه الدنيا
|
١٨٩
|
قال لرجل سأله أن يعظه ، وهى من أفضل العظات
|
١٦٧
|
وصية بخمسة أشياء يهون التعب في سبيل معرفتها
|
١٩٨
|
قال في وصف الغوغاء
|
١٧٠
|
لا يقولن أحدكم اللهم إنى أعوذ بك من الفتنة
|
٢٠٠
|
الجود حارس الأعراض الخ
|
١٧١
|
جوابه لمن سأله عن الخير ما هو
|
٢٠٨
|
بيان لحكمة الله في أصول الفرائض وكبائر المحظورات
|
|
أولى الناس بالأنبياء
|
٢١١
|
فصل : في بيان كلما غريبة جاءت في كلامه كرم الله وجه
|
١٧٣
|
وصف حال في بعض الأزمان ووصف الزاهدين ، رواه عنه نوف البكالي
|
٢٣٢
|
كلام في وصف أخ في الله كان له ، وهو من أجمل الأوصاف
|
١٧٥
|
حالات قلب الانسان ، لقدعلق بنياط هذا الانسان الخ
|
٢٤٢
|
كلام لجابر بن عبدالله الأنصاري في أن أقوام الدنيا بأربعة.
|
١٧٧
|
لامال أعود من العقل الخ
|
٢٤٣
|
كلام في وجوب تغيير المنكر بقدر الاستطاعة ، وهو في جملتين
|
١٨٠
|
لأنسبن الاسلام الخ
|
٢٥٢
|
كلام لفائل قال بحضرته «أستغفر الله» وفيه معنى الاستغفار وبيان حقيقه
|
١٨١
|
خطاب لأهل القبور
|
|
|
|
وكلام عندما سمع رجلا بذم الدنيا
|
|
|
١٨٦
|
كلام قال لكميل بن زياد في العلم والعمال ، وهو من أجل الكلام
|
|
|
|