
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة
والسّلام على أشرف بريّته وخاتم رسله ، محمّد وآله الأنجبين الأطهرين.
إنّ قضية سيّد الشهداء أبي عبد الله (عليه
السّلام) لهي من أعظم الأحداث التاريخيّة والذكريات الخالدة التي أنارت الطريق
للبشريّة كافّةً ، وعلّمتهم بأنّ العزّة والحياة الواقعيّة في المقابلة مع الطغاة
والجبابرة ، وإنْ أدّت إلى تضحيّة النّفوس وإراقة الدماء بيد الظلمة ، كما نادى
بها صاحب هذه الذكرى الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسّلام) ، حيث قال : «فإنّي
لا أرى الموت إلاّ سعادةً ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً» .
فعلى جميع طالبي السّعادة الأبديّة أنْ
يجعلوا هذه الذكرى نصب أعينهم ، ويعاملوا الطغاة وفراعنة زمانهم كما عاملهم هو (عليه
السّلام) ؛
ولأهميّة هذه الحادثة العظمى ألّفت كُتب
كثيرة في مقتل سيّد الشهداء (عليه السّلام) من قبل المحققين ، وأوّلهم لوط بن يحيى
بن سعيد ، أبو مِخْنف ، حيث ألّف كتاباً في ذلك عرض فيه الحوادث التي جرت على
الحسين وأولاده وإخوانه وأصحابه (سلام الله عليهم أجمعين) بصورة تفصيليّة. وقد
عرّفة الشيخ النّجاشي في رجاله بأنّه : شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم .
وقد قام سماحة العلاّمة الحاجّ الشيخ
محمّد هادي اليوسفي الغروي بتحقيقه وتنقيحه ؛ ولأجل إفادة روّاد العلم والفضيلة من
هذا الكتاب المبارك اهتمّت المؤسّسة ـ والحمد الله ـ بطبعه ونشره شاكرة الله
سبحانه على ما وفّقها في هذا المضمار. كما وتشكر فضيلة المحقّق على مساعيه الوافرة
، سائلةً المولى جلّ وعلا التوفيق له ولها ؛ لبثّ المعارف الإسلاميّة ، إنّه سميع
مجيب.
|
مؤسّسة النّشر الإسلامي
التابعة لجماعة
المدرّسين بـ (قُم المشرّفة)
|
_________________
«إنْ لمْ يكن لكم دين وكنتم
لا تخافون
يوم المَعاد ، فكونوا في أمر
دنياكم أحراراً».
سيّد الشهداء
الإمام الحسين (عليه السّلام)
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
تعلّم الإنسان الكتابة ، فكتب ما فعل
وفعل الآخرون ؛ فكان التاريخ ... وكان التاريخ في العرب عند ظهور الإسلام يقتصر
على أناس يحفظون أنساب العرب وأيّام الجاهليّة ؛ فيسمّونه : علاّمة .
فمن هؤلاء : النّضر بن الحارث بن كلدة ،
حيث كان يسافر إلى بلاد العجم ، فكان يشتري منها كُتباً فيها أحاديث الفرس من حديث
رستم وغيره ، فكان يلهي النّاس بذلك ؛ ليصدّهم عن سماع القرآن الكريم ، فنزلت فيه
الآية المباركة : (وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ
الْحَدِيثِ لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتّخِذَهَا هُزُواً
أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلّى
مُسْتَكْبِراً كَأَن لّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشّرْهُ
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)
.
ومن هؤلاء ـ من أهل المدينة ـ مَن تلقّى
ممّا عند أهل الكتاب من اليهود بعض
_________________
قصص الأنبياء
والمرسلين ، سويد بن الصامت ، فإنّه قدم مكّة بعد بعثة رسول الله (صلّى الله عليه
وآله) حاجّاً أو معتمراً ، فبلغه أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلقيه ، فدعاه
رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى الله ، فقال له سويد : إنّ معي مجلّة لقمان.
قال (صلّى الله عليه وآله) : «فاعرضها عليّ». فعرضها عليه ، فقال رسول الله (صلّى
الله عليه وآله) : «إنّ هذا لكلام حسن ، والذي معي أحسن منه ، قرآن أنزله الله
عليّ هدىً ونور» .
ومن هذه الأحاديث : أحاديث ما قبل
الإسلام من قصص الأنبياء والاُمم السّالفة التي رواها الطبري ومحمّد بن إسحاق ، والتي
تنتهي أسنادها إلى عبارة : بعض أهل العلم من أهل الكتاب الأوّل.
وجاء الإسلام وأتى بالقرآن كتاباً
وقرآناً يُتلى آناء اللّيل وأطراف النّهار ... ؛ فاحتاج إلى كتّاب يكتبونه ، بالإضافة
إلى حفّاظ يحفظونه ... فكُتب القرآن الكريم على عهد الرسول الأكرم (صلّى الله عليه
وآله) ، وحفظه آخرون على ظهر القلب.
وأمّا أحاديث الرسول (صلّى الله عليه
وآله) في تفسير القرآن وأخبار الشرائع والأديان ، وتفصيل المسائل والأحكام
الشرعيّة ، وسيرته وسنّته وأخباره ومغازيه ... ، فإنّها بقيت هكذا غير مدوّنة حتّى
ارتحل الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى ... وإنّما كان
يحفظها ويُحدّث بها عن ظهر الغيب صحابته ممّن رآه وسمع حديثه.
وارتدّ عن الإسلام بعد وفاة الرسول
الأكرم (صلّى الله عليه وآله) جماعة ممّن كان قد استسلم له أيّام حياته ، فخرج
أصحابه في الحروب والمغازي حتّى قُتل منهم يوم اليمامة أكثر من ثلثمئة رجل ، فأحسّوا بعد هذا بالحاجة إلى تدوين
_________________
الحديث.
ولكنّهم اختلفوا فيه ، فمنهم : مَن أجازه
، ومنهم : مَن منعه ... وترجّح جانب المنع بنهي الخليفة الأوّل والثاني والثالث عنه ... واستمر أثر هذا النّهي
والكراهيّة إلى أوائل المئة الثانية للهجرة حتّى أجمع على إباحته المسلمون.
وأباحه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه
الصلاة والسّلام). وأوّل شيء سجّله أمير المؤمنين (عليه السّلام) كتاب الله العزيز
؛ فإنّه بعد الفراغ من أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) آلى على نفسه أنْ لا
يرتدي إلاّ للصلاة أو يجمعه ، فجمعه مرتّباً على حسب ترتيبه في النّزول. وأشار إلى
: عامّه خاصّه ، ومطلقه ومقيّده ، ومجمله ومبيّنه ، ومحكمه ومتشابهه ، وناسخه
ومنسوخه ، ورخصه وعزائمه ، وآدابه وسننه. ونبّه على أسباب النّزول في آياته ، وأوضح
ما عساه يُشكل من بعض الجهات.
وبعد فراغه من الكتاب العزيز ، ألّف
كتاباً في الدّيات كان يومئذٍ يعرف بـ : (الصحيفة). أوردها ابن سعيد في آخر كتابه
المعروف بـ : (الجامع). ويروي عنها البخاري في مواضع من صحيحه ، منها في : أوّل
كتاب العلم من الجزء الأوّل.
واقتدى به في جمع الحديث في ذلك العصر
جماعة من شيعته ، منهم : أبو رافع إبراهيم القبطي وابناؤه ، علي بن أبي رافع وعبيد
الله بن أبي رافع.
ولهذا الأخير كتاب في تسمية مَن شهد
الجمل وصفّين والنّهروان
،
_________________
فيكون هذا أوّل كتاب
في التاريخ من شيعته (عليه السّلام).
وهكذا سبق الشيعة سائر المسلمين في
كتابة التاريخ أيضاً ، فكان محمّد بن السّائب الكلبي (١٤٦ هـ) وأبو مِخْنف لوط (١٥٨
هـ) ، وهشام الكلبي (٢٠٦ هـ) وغيرهم من مصادر التاريخ الإسلامي .
كربلاء :
وفي كربلاء وقعت تلك الحادثة التي
خلّدها التاريخ ، والتي أتت فيما أتت عليه على حياة الإمام العظيم سبط الرسول
الكريم ، سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين (عليه الصلاة والسّلام).
وكذلك بقيت هذه الحادثة الأليمة في سنة
(٦١ هـ) ، أحاديث شجون تتناقلها الألسن نقلاً عن الذين كانوا قد شهدوا المعركة ، أو
الحوادث السّابقة عليها أو التالية لها ، كسائر أحاديث المغازي والحروب في الإسلام
... حتّى انبرى لها في أوائل المئة الثانية للهجرة أبو مِخْنف ، لوط بن يحيى بن
سعيد بن مِخْنف بن سليم الأزدي الغامدي الكوفي (ت ١٥٨ هـ) ، فجمعها من أفواه الرواة وأودعها
كتاباً أسماه : (كتاب مقتل الحسين) (عليه السّلام) كما في قائمة كُتبه. فكان أوّل
كتاب في تاريخ هذه الحادثة العظمى على الإطلاق.
وتتلمذ على يد أبي مِخْنف في أحاديث
تاريخ الإسلام كوفي آخر ، هو : هشام بن محمّد بن السّائب الكلبي الكوفي ، النسّابة
المتوفّى (٢٠٦ هـ) .
فقرأ على
_________________
شيخه الكوفي أبي
مِخْنف كُتبه ، ثمّ كتبها وحدّث بها عنه ، يقول : حدّثني أبو مِخْنف لوط بن يحيى
الأزدي عن ...
وممّا كتب من كُتبه وقرأه عليه وحدّث به
عنه كتابه في مقتل الحسين (عليه السّلام) ـ كما نراه في قائمة كتبه ـ إلاّ أنّه
لمْ يقتصر في كتابه في المقتل على آحاديث شيخه أبي مِخْنف فقط ، بل جمع إليها
أحاديث أخرى عن شيخه الآخر ـ في التاريخ ـ عوانة بن الحكم (١٥٨ هـ).
ولا يخفى على مَن يراجع تاريخ صدر الإسلام
، أنّه يجد المؤرخين بأسرهم عيالاً على هذين العلمين العالمين المتقدّمين ، ولا
سيّما أبي مِخْنف ؛ ولقد كان هذا بسبب قرب زمنه ، ينقل القضايا والحوادث بجميع
حذافيرها ويُوردها على وجهها.
واختصر كثير من المؤرخين كُتبه في
مؤلّفاتهم في التاريخ ، ممّا يدلّ على وجود كُتبه لديهم إلى عهدهم ، كـ : محمّد بن
عمر الواقدي (٢٠٧ هـ) ، والطبري (٣ ـ ١٠ هـ) ، وابن قتيبة في كتابه الإمامة
والسّياسة (٣ ـ ٢٢ هـ) ، وابن عبد ربّه الأندلسي في العقد الفريد ـ حيث أتى على
ذكر السّقيفة (٣ ـ ٢٨ هـ) ، وعلي بن الحسين المسعودي ـ في قضية اعتذار عروة بن
الزبير عن أخيه عبدالله في تهديد بني هاشم بالإحراق ، حيث تخلّفوا عن بيعته (٣ ـ ٤٥
هـ) ، والشيخ المفيد في الإرشاد في مقتل الحسين (عليه السّلام) (٤١٣ هـ) ، وفي
كتاب النّصرة في حرب البصرة ، والشهرستاني في الملل والنّحل ـ عند ذكر الفرقة
النّظاميّة (٥٤٨ هـ) ، وابن الأثير الجزري في الكامل في التاريخ (٦٣ ـ ٠ هـ) ، وسبط
ابن الجوزي في تذكرة الخوّاص (٦٥٤ هـ) ... وآخر مَن نراه من المؤرخين يسند في
كتابه إلى أبي مِخْنف بلا إسناد إلى محدّث أو كتاب آخر ، ممّا ظاهره مباشرة النّقل
عن كتابه هو : أبو الفداء في تاريخه (٥٣ ـ ٢ هـ).
ولا علم لنا الآن بما يوجد من كُتب أبي
مِخْنف عامّة ، وكتابه في المقتل خاصّة والظاهر أنّها مفقودة لا توجد إلاّ في
مطاوي هذه الكُتب بصورة أحاديث متفرقة.
وأقدم نصّ معروف لدينا ممّن نقل أحاديث
هشام الكلبي في كتابه عن أبي مِخْنف هو : تاريخ أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري (٣
ـ ١٠ هـ) ، وهو لمْ يُفرد لها تأليفاً خاصّاً ، وإنّما ذكر الوقعة في أثناء تاريخه
لحوادث سنة (٦٠ ـ ٦١ هـ) .
وهو لا يُرويها عنه بالتحدّث مباشرة ، وإنّما
يُرويها عن كُتبه معزّزة بقوله : حدّثت عن هشام بن محمّد ، ثمّ لا يُعيّن مَن
حدّثه عنه ... ويدلّنا على عدم دركه لهشام وعدم مباشرته السّماع عنه ، قياس تاريخ
ولادة الطبري (٢٢٤ هـ) بوفاة الكلبي (٢٠٦ هـ) ... وقد صرّح بنقله عن كُتبه عند
ذكره لوقعة الحرّة إذ يقول : هكذا وجدته في كتابي ... .
وأقدم نصّ بعد الطبري ممّن يروي عن كتاب
هشام الكلبي بلا واسطة ، هو كتاب : الإرشاد للشيخ المفيد (ت ٤١٣ هـ) ؛ فإنّه قال ـ
قبل نقله أخبار كربلاء في كتابه ـ ما نصُّه : فمن مختصر الأخبار ... ما رواه
الكلبي ... .
ثم كتاب : تذكرة الأمّة بخصائص الأئمة
لسبط ابن الجوزي (٦٥٤ هـ) ؛ فإنّه أيضاً نقل كثيراً ممّا ذكره في أخبار الإمام
الحسين (عليه السّلام) عن هشام الكلبي مصرّحاً بذلك.
وعند مقابلة ما نقله الطبري بما نقله
الشيخ المفيد (ره) والسّبط ، يظهر التوافق
_________________
الكثير بين نصوص
النّقول إلاّ ما شذّ من بعض الحروف أو الكلمات ، كـ (الواو بدل الفاء) ، أو العكس
أو ما شابه هذا ، كما سترى ذلك في طيّات الكتاب.
أبو مِخْنف :
لمْ تذكر لنا التواريخ مولده ، إلاّ أنّ
الشيخ الطوسي (رحمه الله) عدّه في رجاله في طبقة مَن روى عن أمير المؤمنين (عليه
السّلام) ، نقلاً عن الكشّي (رحمه الله) ثمّ قال : وعندي أنّ هذا غلط ؛ لأنّ لوط
بن يحيى لمْ يلقِ أميرالمؤمنين (عليه السّلام) ، بل كان أبوه يحيى من أصحابه . ثمّ لمْ يذكر أباه يحيى في أصحاب أمير
المؤمنين (عليه السّلام) ، وإنّما ذكر جدّه مِخْنف بن سليم الأزدي ، وقال : إبن
خالة عائشة ، عربي كوفي .
والشيخ (رحمه الله) إنّما نقل هذا عن
كتاب الكشّي (رحمه الله) لا عنه مباشرة؛ فإنّ الكشّي من المئة الثالثة ، وقد وُلد
الشيخ الطوسي سنة (٣٨٥ هـ).
وكان اسم هذا الكتاب للكشّي : معرفة
الناقلين عن الأئمة الصادقين ، على ما ذكره ابن شهر آشوب في : معالم العلماء وهو الآن مفقود ، وإنّما الموجود منه
هو ما اختاره الشيخ الطوسي منه سنة (٤٥٦ هـ) على ما ذكره السيّد ابن طاووس في فرج
المهموم. وليس في مختار الشيخ ـ هذا ـ ما نقله عنه مَن عدّ أبي مِخْنف في أصحاب
أمير المؤمنين (عليه السّلام).
وذكره الشيخ (رحمه الله) في رجاله في
طبقة أصحاب الإمام الحسن بن علي
_________________
(عليه السّلام) ، ثمّ في طبقة أصحاب الإمام الحسين (عليه
السّلام)
، ثمّ في طبقة أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام) ، ولمْ يذكره في طبقة أصحاب الإمام علي
بن الحسين ، ولا في طبقة أصحاب الإمام الباقر (عليهما السّلام).
ونقل الشيخ في : الفهرست أيضاً ما زعمه
الكشّي ، ثمّ قال : والصحيح أنّ أباه كان من أصحاب عليّ (عليه السّلام) ، وهو لمْ
يلقه . ثمّ ذكر
طريقه إليها عن هشام بن محمّد بن السّائب الكلبي ونصر بن مزاحم المنقري.
وذكره الشيخ النّجاشي في رجاله ، فقال :
لوط بن يحيى بن سعيد بن مِخْنف بن سالم
الأزدي الغامدي ، أبو مِخْنف ، شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم. وكان يسكن إلى
ما يرويه. روى عن جعفر بن محمّد (عليه السّلام).
وقِيل روى عن أبي جعفر (ع) ، ولمْ يصحّ ، ثمّ عدّ كُتبه وعدّ منها كتاب : مقتل
الحسين (عليه السّلام) ، ثمّ ذكر طريقه إليها عن هشام بن محمّد بن السّائب الكلبي
عنه.
وبهذه النّصوص لحدّ الآن نكون قد أتينا
على ما في ثلاثة من الأصول الأربعة في الرجال عندنا في صاحبنا ، أبي مِخْنف من غير
ذكر لمولده ولا وفاته.
ما يرويه الطبري في آل أبي
مِخْنف :
وذكر الطبري في كتابه : ذيل المذيّل
فيمَن توفّي من الصحابة سنة
_________________
(٨٠ هـ) : مِخْنف بن
سليم بن الحارث ... بن غامد بن الأزد ... ؛ أسلم مِخْنف وصحب النبيّ (صلّى الله
عليه وآله) ، وهو بيت الأزد بالكوفة ، وكان له إخوة ثلاثة ، يقال لأحدهم : عبد شمس
ـ قُتل يوم النّخيلة ـ ، والصقعب ـ قُتل يوم الجمل ـ ، وعبدالله ـ قُتل يوم الجمل
ـ ... وكان من وُلد مِخْنف بن سليم ، أبو مِخْنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مِخْنف بن
سليم ، يُروى عنه أيّام النّاس .
وذكره في أخبار البصرة عن غير أبي
مِخْنف ، فقال : وعلى سبع بجيلة وأنمار وخثعم والأزد ، مِخْنف بن سليم الأزدي .
وهذان النّقلان ليس فيهما ما يدلّ على
أنّ مِخْنف بن سليم قُتل يوم الجمل ، ولكنّه روى في أخبار الجمل أيضاً رواية أخرى
عن أبي مِخْنف ، عن عمّه محمّد بن مِخْنف قال : حدّثني عدّة من أشياخ الحيّ كلهم
شهدوا الجمل ، قالوا : كانت راية الأزد من أهل الكوفة مع مِخْنف بن سليم ، فقتل
يومئذٍ فتناول الراية من أهل بيته الصقعب وأخوه عبدالله بن سليم فقتلوهم .
وهذا يشترك مع ما ذكره في : ذيل المذيّل
في مقتل أخوي مِخْنف الصقعب وعبدالله ، فلعلّه إنّما نقله فيه من تاريخه ، ويختلف
معه في مقتل مِخْنف بن سليم ، إذ تقول هذه الرواية ، أنّه : قُتل يوم الجمل. وهذا
ينافي ما رواه الطبري عن الكلبي عن أبي مِخْنف قال : حدّثني أبي يحيى بن سعيد ، عن
عمّه محمّد بن مِخْنف ، قال : كنت مع أبي مِخْنف بن سليم يومئذٍ ، وأنا ابن سبع
عشرة سنة ... .
وكذلك روى عنه ، قال : حدّثني الحارث بن
حصيرة الأزدي ، عن أشياخ
_________________
من النّمر والأزد : أنّ
مِخْنف بن سليم لمّا نُدبت الأزد للأزد [كره ذلك ...] .
وكذلك روى عن المدائني (٢٢٥ هـ) ، وعوانة
بن الحكم (١٥٨ هـ) ، وهو بإسناده إلى شيخ من بني فزارة ، قال : بعث معاوية
النّعمان بن بشير [الأنصاري] في ألفين ، فأتو (عين التمر) فأغاروا عليها ، وبها
عامل لعلي (عليه السّلام) ، يقال له : [مالك بن كعب] الأرحبي في ثلثمئة ، فكتب إلى
علي (عليه السّلام) يستمدّه. وكتب إلى مِخْنف بن سليم ـ وهو قريب منه ـ يسأله أنْ
يمدّه ... فوجّه إليه مِخْنف ابنه عبد الرحمن في خمسين رجلاً ، فانتهوا إلى مالك
وأصحابه ... ، فلمّا رآهم أهل الشام ظنّوا أنّ لهم مدداً ، فانهزموا ومضوا على
وجوههم .
فهذه الأحاديث كلها تصرّح بحياة جدّه
مِخْنف بن سليم بعد الجمل ، بل حتّى بعد صفّين ، فإنّ غارات معاوية ؛ إنّما كانت
سنة (٣ ـ ٩ هـ) ، بعد وقعة صفّين (٣ ـ ٧ هـ) ، بينما تنفرد تلك الرواية بأنّه : قتل
يوم الجمل كما سلف آنفاً ، ولمْ يفطن الطبري ؛ لذلك فلمْ يعلّق عليه بشيء مع
تصريحه في ذيل المذيّل بحياته إلى سنة (٨٠ هـ) .
ما يرويه نصر بن مزاحم
المنقري في آل أبي مِخْنف :
على أنّ في غير الطبري أيضاً ما يدلّ
على حياة مِخْنف بن سليم بعد الجمل وصفّين ؛ فيما يرويه نصر بن مزاحم المنقري (٢١٢
هـ) ، في كتابه وقعة صفّين :
عن يحيى بن سعيد عن محمّد بن مِخْنف ، قال
: نظر علي (عليه السّلام) إلى أبي
_________________
ـ بعد رجوعه من
البصرة ـ فقال (ع) : «لكن مِخْنف بن سليم وقومه لمْ يتخلّفوا ...» .
وقال ، قال أصحابنا : وبُعث مِخْنف بن
سليم على إصبهان وهمذان ، وعُزل عنها جرير بن عبدالله البجلي ... .
وقال : لمّا أراد المسير إلى الشام كتب
إلى عمّاله ، فكتب إلى مِخْنف بن سليم كتاباً ، كتبه عبيد الله بن أبي رافع (سنة ٣
ـ ٧ هـ) ، فاستعمل مِخْنف على عمله رجلين من قومه وأقبل حتّى شهد مع علي صفّين .
وقال : وكان مِخْنف بن سليم عن الأزد
وبجيلة والأنصار وخزاعة .
وقال : وكان مِخْنف يُساير عليّ (عليه
السّلام) ببابل .
وروى عن أشياخ من الأزد : إنّ مِخْنف بن
سليم لمّا ندب أزد العراق إلى أزد الشام عظم عليه ذلك وكره ، وخطب فعظّمه وكرّهه
إليهم .
ولنا في حديث أبي مِخْنف عن عمّ أبيه
محمّد بن مِخْنف ، حيث قال : كنت مع أبي مِخْنف بن سليم يومئذٍ ، وأنا ابن سبع
عشرة سنة
ـ استفادة كبرى : ـ فانّ ظاهر هذا الخبر أنّ سعيداً كان أصغر من أخيه محمّد فلمْ
يشهد صفّين ، وإنّما نقل خبره عن أخيه محمّد ، وهذا الخبر يدلّ على أنّ محمّد بن
مِخْنف وُلد سنة (٢٠ هـ) ، فيكون أخوه سعيد جدّ لوط أيضاً قريباً منه ، فيكون الذي
من أصحاب علي (عليه السّلام) جدّ لوط : سعيد ، وليس حتّى أبوه يحيى ... فنقول ـ
على أقلّ
_________________
تقدير ـ : ليكن سعيد
قد تزوّج وأنجب ابنه يحيى في العشرين من عمره ـ أي : في سنة ٤٠ هـ ـ فلا مجال بعدُ لوجود لوط قطعاً ، ولا
مجال لعدّ يحيى في أصحاب علي (عليه السّلام) ، ولنفترض أنّ يحيى أبا لوط أيضاً
تزوّج وأنجب في العشرين من عمره ـ أي : في سنة ٦٠ هـ هذا أقلّ ما يكون ... ، ولنفترض
أنّه بدأ بسماع الحديث في العشرين من عمره ـ أي : في سنة ٨٠ هـ وأنّه جمع أحاديث
كتابه هذا في غضون عشرين سنة ـ أي : فرغ من تأليفه قرب المئة الأولى للهجرة ... ـ
ولكن يبعد جدّاً أن يكون قد كتبه وأملاه على النّاس إذ ذاك ؛ وتدوين الحديث بعدُ
مكروه جدّاً ، بل ممنوع فضلاً عن التاريخ والسّلطة بعدُ مروانيّة اُمويّة ، والظروف
للشيعة وأخبارهم ظروف خوف وتقيّة.
ولنا في إشارة أبي مِخْنف في خبر دخول
مسلم بن عقيل (عليه السّلام) إلى الكوفة إلى دار المختار بن أبي عبيد الثقفي ـ
بقوله : وهي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيّب ـ إفادة : أنّه ألّف كتابه في
المقتل في حدود الثلاثينات بعد المئة من الهجرة ، حيث إنّ مسلم بن مسيّب هذا كان
في سنة (١٢٩ هـ) ، عامل ابن عمر
_________________
على شيراز ـ كما في
: ٧ / ٧٢ وهو عهد ضعف الاُمويّين وقيام العباسيّين بالدعوة إلى الرضا من أهل البيت
(عليه السّلام) ، والطلب بثارات الحسين وأهل بيته (عليه السّلام) ، ومن يدري لعلّ
دعاة العباسيّين دعوا أبا مِخْنف إلى تأليف أخبار مقتل الحسين (عليه السّلام) ؛
لتأييد دعوتهم ، ثمّ لمّا بلغوا ما أرادوا تركوه ومقتله كما تركوا أهل البيت (عليه
السّلام) ، بل حاربوهم.
مصنّفاته :
ذكر الشيخ النّجاشي له من المصنّفات :
كتاب المغازي ، كتاب الردّة ، كتاب فتوح
الإسلام ، كتاب فتوح العراق ، كتاب فتوح خراسان ، كتاب الشورى ، كتاب قتل عثمان ، كتاب
الجمل ، كتاب صفّين ، كتاب الحكمين ، كتاب النّهروان ، كتاب الغارات ، كتاب أخبار
محمّد بن أبي بكر ، كتاب مقتل محمّد بن أبي بكر ، كتاب مقتل أمير المؤمنين (عليه
السّلام) ، كتاب أخبار زياد ، كتاب مقتل حجر بن عدي ، كتاب مقتل الحسن (عليه
السّلام) ، كتاب مقتل الحسين (عليه السّلام) ، كتاب أخبار المختار ، كتاب أخبار
ابن الحنفيّة ، كتاب أخبار الحجّاج بن يوسف الثقفي ، كتاب أخبار يوسف بن عمير ، كتاب
أخبار شبيب الخارجي ، كتاب أخبار مطرّف بن مغيره بن شعبة ، كتاب أخبار الحريث بن
الأسدي النّاجي ، كتاب أخبار آل مِخْنف بن سليم ... ثمّ ذكر طريقه إليه ، عن
تلميذه : هشام الكلبي .
وذكر له الشيخ الطوسي في الفهرست بعض
هذه الكتب ، ثمّ أضاف :
وله كتاب خطبة الزهراء (عليها السّلام)
، ثمّ ذكر طريقه إليه .
_________________
وذكر له ابن النّديم في الفهرس بعض هذه
الكتب وعدّ ، منها : مقتل الحسين (عليه السّلام).
ومن الملاحظ عليه في قائمة كتبه : أنّه
كان جلّ جهده موجّهاً إلى التصنيف في أخبار الشيعة ، وفي أخبار الكوفة بالخصوص ، وليس
فيها كتاب في أخبار بني أميّة أو بني مروان ، ولا فيها كتاب عن قيام أبي مسلم
الخراساني والدولة العبّاسيّة ، مع أنّه توفّي بعد كلّ هذا بخمس وعشرين سنة (١٥٨
هـ) ، بل آخر ما نرى في قائمة كتبه من تواريخه : كتاب أخبار الحجاج بن يوسف الثقفي
، وأخباره تنتهي بموته سنة (٩٥ هـ) ، إلاّ أنّ الطبري يروي عنه في تاريخه أخباراً
إلى أواخر أيام الاُمويّين ، وبالتعيين إلى حوادث سنة (١٣٢ هـ) .
والملاحظ في أخباره المتناثرة في الكتب
ولا سيّما في الطبري : أنّه يروي كثيراً منه ، عن أبيه أو عمّه أو أحد بني عمومته
، أو أشياخه من حيّ الأزد من الكوفيّين ؛ وهذا يدلّنا على أنّ كثرة وجود الأخبار
في قومه هو الذي بعثه على جمعها وتأليف الكتب منه ؛ ولهذا نراه قد اقتصر على أخبار
الكوفيّين حتّى أنّه عُدّ فيها أعلم من غيره بها.
مذهبه ووثاقته :
والملاحظ في أخباره عامّة أيضاً أنّه
لمْ يروِ عن الإمام زين العابدين (عليه السّلام) (ت ٩٥ هـ) ، ولا عن الإمام الباقر
(عليه السّلام) (ت ١١٥ هـ) ، مباشرةً ولا خبراً واحداً ، بل روى عن الإمام الباقر
(عليه السّلام) بواسطة
، وعن الإمام علي بن الحسين (عليهما السّلام) بواسطتين ، وله بضع روايات عن الإمام
_________________
الصادق (عليه
السّلام) (ت ١٤٨ هـ) ، بلا واسطة
، وهذا ممّا يؤيده النّجاشي ـ ره ـ إذ قال ، وقِيل : إنّه روى عن أبي جعفر (عليه
السّلام) ، ولمْ يصح
، ولمْ يروِ عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السّلام) ، مع أنّه عاش بعد
الإمام الصادق (عليه السّلام) (ت ١٤٨ هـ) معاصراً للإمام الكاظم (عليه السّلام) عشر
سنين ؛ ولهذا لمْ يعدّه أحد من أصحابه.
وهذا ممّا قد يدلّنا على أنّّه لمْ يكن
شيعيّاً ، ومن صحابة الأئمة (عليه السّلام) بالمعنى المصطلح الشيعي الإمامي الذي
يعبّر عنه العامّة ، بـ (الرافضي) ، وإنّما كان شيعيّاً في الرأي والهوى كأكثر
الكوفيّين ، غير رافض لمذهب عامّة المسلمين آنذاك.
وقد يكون ممّا يؤيد هذا : أنّ أحداً من
العامّة لمْ يرمه بالرفض ، كما هو المعروف من مصطلحهم : أنّهم لا يقصدون بالتشيّع
سوى الميل إلى أهل البيت (عليه السّلام) ، وأمّا من علموا منه اتّباع أهل البيت (عليه
السّلام) في مذهبه ؛ فإنّهم يرمونه بالرفض لا التشيّع فحسب ، وهذا هو الفارق في
مصطلحهم بين الموردين. قال فيه الذهبي : أخباري تالف لا يُوثق به ، تركه أبو حاتم
وغيره. وقال ابن معين : ليس بثقة. وقال مرّة : ليس بشيء. وقال ابن عدي : شيعي
محترق صاحب أخبارهم
، فلمْ يرمه أحد منهم بالرفض ، بينما نراهم يرمون مَن ثبت أنّه على مذهب أهل البيت
(عليه السّلام) بالرفض.
ويصرّح ابن أبي الحديد بهذا ، فيقول : وأبو
مِخْنف من المحدّثين ، وممّن يرى صحّة الإمامة بالإختيار ، وليس من الشيعة ولا
معدوداً من رجاله .
_________________
نقل هذا السيّد الصدر في تأسيس الشيعة
لعلوم الإسلام ، ثمّ علّق عليه يقول ، قلت : لا يرمونه بغير التشيّع ، وهو عند أهل
العلم منهم لا ينافي الوثاقة ، وقد اعتمد عليه أئمة السنّة كأبي جرير الطبري وابن
الأثير ، خصوصاً ابن جرير قد شحن تاريخه الكبير من رواية أبي مِخْنف .
وقد عقد الإمام شرف الدين (رحمه الله) في
كتابه : المراجعات ، فصلاً خاصاً عدّ فيه مئة من رجال الشيعة في أسناد السنّة ، بل
حتّى صحاحهم ، وعيّن مواضعه .
وخلاصة القول فيه : أنّه لا ينبغي
التأمّل في كونه شيعيّاً لا إماميّ ، كما صرّح به ابن أبي الحديد فهو كلام متين ، وإنّما
عدّه بعض العامّة شيعيّاً على ما تعوّدوا عليه بالنّسبة إلى من يميل إلى أهل البيت
(عليه السّلام) بالمودّة والمحبّة والهوى ، ولمْ يصرّح أحد من علماء الشيعة
السّابقين بتشيّعه ، وإنّما وصفه النّجاشي (رحمه الله) وهو خرّيت هذا الفن بأنّه :
كان شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ، لا شيخ أصحابنا ، أو حتّى شيخ أصحاب أخبارنا. ولا
عجب في تصريح ابن أبي الحديد بذلك ، وهو يروي عنه أرجازاً في وقعة الجمل في وصاية
علي (عليه السّلام) لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فإنّ نقله لهذه الأراجيز
لا يشهد بأكثر من تشيّعه في الرأي والهوى لا العقيدة بالإمامة ، كما يروي ذلك كثير
من أهل السنّة.
والخلاصة : أنّ كون الرجل شيعيّاً ممّا
لا ينبغي الريب فيه ، أمّا كونه إماميّاً فلا دليل عليه.
_________________
وأحسن ما قال فيه أصحابنا هو ما مدحه به
النّجاشي ، إنّه : شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم ، وكان يسكن إلى ما يرويه.
فهو مدح معتدّ به يثبت به حسنه ؛ ولذا عدّ أخباره في : الوجيزة والبلغة ، والحاوي
وغيرها من الحسان.
هشام الكلبي :
ذكره الشيخ النّجاشي وسرد نسبه ، ثمّ
قال : العالم بالأيّام ، المشهور بالفضل والعلم ، وكان يختصّ بمذهبنا وله الحديث
المشهور ، قال : اعتللت علّة عظيمة نسيت علمي ، فجئت إلى جعفر بن محمّد (عليه
السّلام) فسقاني العلم في كأس فعاد إليّ علمي. وكان أبو عبدالله يقرّبه ويدنيه
وينشّطه ، وله كتب كثيرة
، ثمّ عدّ كتبه ، وذكر طريقه إليه ، وعدّ من كتبه : مقتل الحسين (عليه السّلام) ، ولعلّه
هو ما يرويه أو أكثره عن شيخه أبي مِخْنف.
ومن الغريب أنّ الشيخ الطوسي نقل في
مختاره من رجال الكشّي ، أنّه يقول : الكلبي من رجال العامّة ، إلاّ أنّ له ميلاً
ومحبّة شديدة ، وقد قِيل : إنّ الكلبي كان مستور ـ أي : في التقيّة ـ ولمْ يكن
مخالف .
_________________
ثم لم يذكره الشيخ في الرجال ولا في
الفهرست إلاّ طريقاً لمَا يرويه من كتب أبي مِخْنف ، ولعلّ السبب في ذلك يرجع إلى أنّ
كتبه التي كانت تخصّ تاريخ الشيعة هي ما يرويه عن شيخه أبي مِخْنف ، وأمّا سائر
كتبه ، فليس فيها ما يخصّ تاريخ الشيعة.
وقد نصّ كثير من علماء السير والتراجم
من العامّة على علمه وحفظه تشيّعه ، قال ابن خلكان : كان واسع الرواية لأيّام
النّاس وأخبارهم ، وكان أعلم النّاس بعلم الأنساب ، وكان من الحفّاظ المشاهير ، توفّي
(٢٠٦ هـ) .
وقال أبو أحمد بن عدي في كتابه الكامل :
للكلبي أحاديث صالحة ، ورضوه في التفسير ، وهو معروف به ، بل ليس لأحد تفسير أطول
منه ولا أشبع ، وهو يفضّل على مقاتل بن سليمان ؛ لمَا في مقاتل من المذاهب الرديئة
، وذكره ابن حبّان في الثقات .
هذا المقتل المتداول :
تتداول الأيدي والمطابع في هذه العهود
المتأخّرة كتاباً في مقتل الحسين
_________________
(عليه السّلام) نسب
إلى أبي مِخْنف ، ومن العلوم الواضح أنّه ليس لأبي مِخْنف ، وإنما هو من جمع جامع
غير أبي مِخْنف ، ولا يُدرى بالضبط متى؟ وأين؟ وممّن وُجد هذا الكتاب؟ ومتى طُبع
لأوّل مرّة؟.
يقول الإمام شرف الدين (قدّه) : ولا
يُخفى أنّ الكتاب المتداول في مقتله (عليه السّلام) ، المنسوب إلى أبي مِخْنف ، قد
اشتمل على كثير من الأحاديث التي لا علم لأبي مِخْنف به ، وإنّما هي مكذوبة على
الرجل ، وقد كثرت عليه الكذّابة وهذا شاهد على جلالته .
وقال المحدّث القميّ : وليعلم إنّ لأبي
مِخْنف كتباً كثيرةً في التاريخ والسير ، منها كتاب : مقتل الحسين (عليه السّلام) الذي
نقل عنه أعاظم العلماء المتقدّمين واعتمدوا عليه ... ، ولكن للأسف أنّه فُقد ولا
يوجد منه نسخة ، وأمّا المقتل الذي بأيدينا وينسب إليه ، فليس له ، بل ولا لأحد من
المؤرخين المعتمدين ، ومن أراد تصديق ذلك ، فليقابل ما في هذا المقتل وما نقله
الطبري وغيره عنه حتّى يعلم ذلك ، وقد بيّنت ذلك في نفس المهموم في : طرمّاح بن
عدي ، والله ، العالم .
فلمْ يكن لي بدّ ـ وأنّا أريد تحقيق
الكتاب ـ أنْ أنظر ما في هذا المقتل الموضوع ، فمن المقطوع به أنّ الكتاب من جمع
جامع غير أبي مِخْنف ، ولا يُدري مَن هو هذا الجامع ومتى جمعه؟ والذي يبدو لي أنّه
كان من العرب المتأخّرين غير عارف بالتاريخ والحديث والرجال ، وحتّى الأدب العربي
؛ فإنّه يستعمل في الكتاب كلمات هي من استعمال العرب المتأخّرين باللغة الدارجة
العاميّة.
والكتاب يشتمل على : مئة وخمسين حديثاً
، يتخلّلها ستّ أحاديث مرسلة
_________________
فحديث عن الإمام علي
بن الحسين (عليه السّلام) / ٤٩ ، وآخر عن عبد الله بن العبّاس / ٩٤ ، وثالث عن
عمارة بن سليمان عن حميد بن مسلم / ٨٢ ، ورابع عمّن يُدعى عبد الله بن قيس / ٩٦ ، وخامس
عمّن يُدعى عمّار ، ومرفوعة عن الكليني المتوفّى (ت ٣٢٩ هـ) لاتوجد في الكافي / ٧٠.
ويبتدئ من بعد الحديث ١٠٥ بإكثار النّقل عمّن يُدعى : سهل
الشهرزوري ، فيحشره مع (عليهم السّلام) من الكوفه إلى الشام وحتّى رجوعهم إلى
المدينة ، وينقل عنه ٣١ حديثاً مرسلاً ، ويذكر منها : خبر سهل بن سعد السّاعدي ، باسم
: سهل بن سعيد الشهرزوري .
وتبقى سائر أحاديث الكتاب منسوبة إلى
أبي مِخْنف نفسه ، وهي ١٣٨ حديثاً.
والكتاب يشتمل على عدّة أغلاط فاحشة ، هي
كما يلي :
الأخطاء الفاحشة في هذا
المقتل المتداول :
١ ـ يُفاجأ القارئ البصير في أوّل سطر
من أوّل صفحة ـ من هذا المقتل المتداول ـ بهذه الغلطة الفاضحة ، قال أبو مِخْنف : حدّثنا
أبو المنذر هشام عن محمّد بن سائب الكلبي! فترى أبا مِخْنف هنا ـ وهو شيخ هشام ـ
ناقلاً عن هشام تلميذه ، وهو بدوره محدّثاً له عن أبيه محمّد بن السّائب الكلبي ، فيا
تُرى كمْ كان جامع هذا الكتاب جاهلاً بتراجم الرجال حتّى خفي عليه هذا! .
_________________
٢ ـ وتقلب بعد هذا ثلاثة من صحائف
الكتاب ، فتجده يقول : وروى الكليني في حديث
، فليت شعري من هذا الذي يروي عن الكليني المتوفّى (٣٢٩ هـ) ، وقد توفّي أبو
مِخْنف (١٥٨ هـ)؟! والرواية بعدُ غير موجودة في الكافي.
٣ ـ ثمّ تقلب صفحات أخرى فتجده يقول ، قال
: فأنفذ يزيد الكتاب إلى الوليد ، وكان قدومه لعشرة أيّام خلون من شعبان .
هذا وقد أجمع المؤرخون ـ ومنهم أبو
مِخْنف برواية الطبري ـ على أنّ الحسين (عليه السّلام) دخل مكّة لثلاث خلون من
شعبان ، فكيف التوفيق؟!
٤ ـ وينفرد في حديث مقتل مسلم بن عقيل ،
بنقل خبر ، حُفر حفيرة له وقع فيها فأخذ مكتوفاً إلى ابن زياد ، فيقول : وأقبل
عليهم لعين ، وقال لهم : أنا أنصب لهم شرك ، نحفر له بئراً في الطريق ونطمّه
بالدغل والتراب ، ونحمل عليه وننهزم قدّامه ، وأرجو أنْ لا يفلت منه .
٥ ـ وينفرد في حديث مقتل مسلم أيضاً
بقوله : لمّا قُتل مسلم وهاني إنقطع خبرهما عن الحسين (عليه السّلام) ، فقلق قلقاً
عظيماً فجمع أهله ... وأمرهم بالرحيل إلى المدينة ، فخرجوا سايرين بين يديه إلى
المدينة حتّى دخلوه ، فأتى قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبكى بكاءً شديداً
، فهوّمت عيناه بالنّوم
، وليس لهذا الخبر أيّ أصل أو أثر ، في أي كتاب أو سفر.
٦ ـ وينفرد في حديث نزول الإمام الحسين
(عليه السّلام) بكربلاء ، بنقل خبر ركوب الإمام (ع) سبعة أفراس ونزوله منها ، وتوقفها
وعدم تقدّمه .
٧ ـ وينفرد بنقل حديث الإمام علي بن
الحسين (عليه السّلام) ليلة العاشر من المحرّم ، في يوم نزول الإمام بكربلاء .
_________________
٨ ـ وينفرد بذكر عدد عساكر ابن سعد في
كربلاء : ثمانين ألف .
٩ ـ وينفرد بنقل خطبة زهير بن القين يوم
نزول العساكر بكربلاء ، ويقول : ثمّ أقبل على أصحابه ، وقال : معاشر المهاجرين
والأنصار ، لا يغرّنّكم كلام هذا الكلب الملعون وأشباهه! فإنّه لا يُنال شفاعة
محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، إنّ قوماً قتلوا ذرّيّته وقتلوا مَن نصرهم ؛ فإنّهم
في جهنّم خالدون أبداً .
١٠ ـ وينفرد بنقل خبر ، حفر الحسين (عليه
السّلام) بئراً ، ويقول : فلمْ يجد فيها ماءً .
١١ ـ وينفرد بتكرير حديث ليلة عاشوراء
وصبيحتها ثلاث مرّات ، فيذكر في الأولى خطبة للامام الحسين (عليه السّلام) ومقتل
أخيه العبّاس (عليه السّلام) وينفرد فيه بقوله : فأخذ السّيف بفيه ، ثمّ يقول : ونزل
إليه وحمله على ظهر جواده وأقبل به إلى الخيمة وطرحه وبكى عليه بكاءً شديداً حتّى
بكى جميع من كان حاضر .
ثمّ يكرّ على ليلة عاشوراء ، فيقول : ثمّ
أقبل على أصحابه ، وقال (عليه السّلام) لهم : «يا أصحابي ، ليس طلب القوم غيري ، فإذا
جنّ عليكم اللّيل ، فسيروا في ظلمته». ثمّ يقول : وبات تلك اللّيلة ، فلمّا أصبح
... .
ثمّ يعود على صبيحة عاشوراء ويذكر فيها
خطبة أخرى للإمام (عليه السّلام) ، وينفرد بذكر إرسال رسول من قبل الحسين (عليه
السّلام) باسم أنس بن كاهل إلى ابن سعد
، بينما الرسول هو : أنس بن الحرث بن كاهل الأسدي.
ثمّ يكرّ ثالثةً على ليلة عاشوراء فيذكر
الخطبة المعروفة للإمام (عليه السّلام) على أصحابه وأهل بيته في تلك اللّيلة ...
ثمّ يعود على تعبئة الحسين (عليه السّلام)
_________________
وابن سعد .
١٢ ـ وينفرد في أصحاب الإمام الحسين (عليه
السّلام) بذكر إبراهيم بن الحسين .
١٣ ـ ويذكر الطرّماح مع مَن قُتل مع
الإمام (عليه السّلام) ، بينما يروي الطبري عن الكلبي عن أبي مِخْنف : إنّه لمْ
يحضر كربلاء ، ولمْ يُقتل مع الإمام (عليه السّلام . وعلى هذا يعلّق المحدّث القمّي في
كتابه : نفس المهموم / ١٩٥.
١٤ ـ ويذكر في قصّة الحرّ الرياحي
أبياتاً هي لعبيد الله بن الحرّ الجُعفي ، صاحب قصر بني مقاتل ، ولا يتنبّه إلى
عدم تناسبها مع حال الحرّ ، إذ يقول فيه : وقف على أجسادهم وقبورهم ، فوا جهلاً من جامع هذا الكتاب!
١٥ ـ وينسب إلى الإمام الحسين (عليه
السّلام) أبياتاً في رثاء الحرّ لا تُناسب أنْ تكون للامام ، منه :
ونِعم الحرّ إذ واسى حسيناً
|
|
ممّا لقد فاز الذي نصروا حسينا
|
١٦ ـ وينسب إلى الإمام الحسين (عليه
السّلام) أبياتاً ثلاثة في رثاء أصحابه ، وهي صريحة في أنّها ليست للإمام (عليه
السّلام) ؛ وإنّما هي لأحد من الشعراء
_________________
المتأخّرين ، حيث
يقول فيه : نصروا الحسين فيا لها من فتية ، هكذا .
١٧ ـ وينفرد في تعيين يوم نزول الإمام
الحسين (عليه السّلام) : أنّه كان يوم الأربعاء . ويقول في شهادته (عليه السّلام) : أنّها
كانت يوم الإثنين
، وهذا يقتضي أنْ يكون نزوله بكربلاء في اليوم الخامس من المحرّم ، وقد أجمع
المؤرخون ـ ومنهم أبو مِخْنف برواية الطبري ـ على أنّ نزوله كان في اليوم الثاني
من المحرّم ، وأنّه كان يوم الخميس
، ومقتله كان يوم الجمعة.
١٨ ـ يبتدئ من الحديث رقم (١٠٥) بإكثار النّقل عمّن يُدعى : سهل
الشهرزوري ، فيحشره مع (عليهم السّلام) من الكوفة إلى الشام إلى المدينة ، فينسب
إليه في الكوفة أبيات سليمان بن قتّة الهاشمي
، على قبر الإمام الحسين (عليه السّلام) : مررت على أبيات آل محمّد وينسب إليه في الشام خبر سهل بن سعد
السّاعدي باسم : سهل بن سعيد الشهرزوري
، فكأنّه يحسبه هو.
١٩ ـ وينسب إلى الإمام الحسين (عليه
السّلام) يوم عاشوراء أرجوزة تشتمل
_________________
على نيف وثلاثين
بيتاً ، وإلى عبد
الله بن عفيف الأزدي عند عبيد الله بن زياد قصيدة تشتمل على نحو من ثلاثين بيت .
٢٠ ـ ويحتوي الكتاب في طيّاته على كلمات
من استعمال المتأخّرين من العرب النّاطقين باللغة الدارجة ، ممّا ممّا لا يناسب
أبا مِخْنف ، كقوله فيما سبق من خبر : حفر بئر لمسلم ، وأقبل عليهم لعين! وقال لهم
... ونطمّها بالدغل والتراب ... وننهزم قدّامه
، وراحت أنصاره
ويقظانه
ويتحرّش .
وليس بعد كلّ هذا لأحد أنْ يحتمل صحّة
نسبة هذا الكتاب إلى أبي مِخْنف.
أسناد أبي مِخْنف :
سنسرد عليك فيما يلي قوائم تفصيليّة
بأسماء الرواة الوسائط بين أبي مِخْنف والأحداث ، ونضع أمام اسم كلّ راوٍ منهم
الحديث الذي رواه ؛ فتكون القائمة هي في حدّ ذاتها فهرساً لأحاديث الكتاب أيضاً.
تنقسم قوائم أسماء هؤلاء الرواة حسب
اختلاف كيفيّة روايتهم ، أو رواية أبي مِخْنف عنهم إلى ستّة قوائم :
_________________
الأولى : تحتوي على أسماء مَن شهد
المعركة ، وحُدّث عنها لأبي مِخْنف مباشرةً وبلا واسطة ؛ فأبو مِخْنف يروي عنه
المعركة ـ أي : بواسطة واحدة وهم ثلاثة ـ.
الثانية : أيضاً تحتوي على أسماء مَن
شهد المعركة ، وأبو مِخْنف يروي عنه بواسطة أو واسطتين ـ أي : يروي المعركة
بواسطتين ـ أو ثلاث ، وهم خمسة عشر رجل ؛ فمجموع مَن شهد المعركة من رواة أبي مِخْنف
ثمانية عشر رجلاً.
الثالثة : تحتوي على أسماء مَن باشر
الأحداث من قبل كربلاء أو بعده ، وحدّث عنها لأبي مِخْنف مباشرةً ، فأبو مِخْنف
يروي عنه الأحداث بواسطة واحدة ، وهم خمسة أشخاص.
الرابعة : تحتوي على أسماء مَن باشر
الأحداث من قبل كربلاء أو بعده ، وأبو مِخْنف يروي عنه بواسطة أو واسطتين ، وهم
واحد وعشرون شخصاً.
الخامسة : تحتوي على أسماء الرواة
الوسائط الذين لمْ يشهدوا المعركة ولم يباشروا الأحداث ، وإنّما هم وسائط لحديث
أبي مِخْنف عن أولئك ، فأبو مِخْنف يروي عنهم المرعكة أو الحوادث بواسطتين ، وهم
تسع وعشرون شخصاً.
السّادسة : تحتوي على أسماء الرواة
العدول من أصحاب الأئمة ، أو الأئمة أنفسهم (عليه السّلام) ، وليسوا ممّن شهد
المعركة ولا مَن باشر الأحداث ، فهؤلاء أيضاً من الرواة الوسائط ، إلاّ أنّهم لمْ
يحدّثوا بواسطة ، أو لمْ يصرّحوا بالواسطة ، وهم أربعة عشر رجلاً.
وقد تبيّن من هذا الجدول :
أنّ مجموع مَن روى أحداث كربلاء
ووقايعها لأبي مِخْنف مباشرةً وبالواسطة ، يبلغ ٣٩ رجلاً ، حدّثوا بـ ٦٥ حديثاً
مستداً هي مجموع أحاديث الكتاب.
وقد استخرجنا تراجم هؤلاء الرجال ، إمّا
من كتب الرجال ؛ أو من تتبّع
موارد رواياتهم في
الطبري ، وبقي بعضهم لمْ نعثر لهم على شيء ، وإليك القوائم بالتفصيل :
القائمة الأولى :
مَن شهد المعركة وباشر التحدّث لأبي
مِخْنف ، وهم ثلاثة :
١ ـ ثابت بن هبيرة : مقتل عمرو بن قرظة
بن كعب الأنصاري ، وخبر أخيه علي بن قرظة ٥ / ٤٣٤.
له هذا الخبر فقط ، ولمْ نعثر له على
ذكر في الرجال ، والنصّ ، قال أبو مِخْنف عن ثابت بن هبيرة : فقُتل عمرو بن قرظة
بن كعب ... ، وظاهره المباشرةً.
٢ ـ يحيى بن هانئ بن عروة المرادي
المذحجي : مقتل نافع بن هلال الجملي ، والنصّ : حدّثني يحيى ... أنّ نافع ... وهو
صريح في المباشرةً ٥ / ٤٣٥.
اُمّه : روعة بنت الحجّاج الزبيدي ، أخت
عمرو بن الحجّاج الزبيدي فهو خاله ـ الطبري ٥ / ٣٦٣ ـ. ولقد حضر مع خاله هذا
كربلاء في عسكر عمر بن سعد ، وروى مقتل نافع بن هلال الجملي ، وسمع مقالة خاله
عمرو بن الحجّاج الزبيدي بعد مقتله لعسكره يمنعهم عن المبارزة ، ويأمرهم برضخ
الحسين (عليه السّلام) وأصحابه بالحجارة ، ولا يرجع يحيى عن خاله ٥ / ٤٣٥. ويروي
مقالة خاله أيضاً لعبد الله بن المطيع العدوي والي الكوفة من قبل ابن الزبير ، يثبّته
على قتال المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وهو مع خاله في قتاله ضدّ المختار ٦ / ٢٨.
وذكره ابن حبّان في الثقات ، وقال الدار
قطني : يحتجّ به. وقال النسّائي : ثقة. وزاد أبو حاتم : صالح من سادات أهل الكوفة.
وقال شعبة : كان سيّد
أهل الكوفة ، كما في
تهذيب التهذيب.
٣ ـ زهير بن عبد الرحمن بن زهير الخثعمي
: مقتل سويد بن عمرو بن أبي مطاع الخثعمي ، والنصّ : حدّثني ... قال : كان ... ـ ٥
/ ٤٤٦ ـ له هذا الخبر فقط ، ولمْ نعثر له على ذكر في الرجال.
القائمة الثانية :
مَن شهد المعركة ، وروى عنه أبو مِخْنف
بواسطة أو واسطتين ، وهم خمسة عشر رجلاً.
١ ـ عقبة بن سمعان خبر نزول الحسين بكربلاء ، وكتاب ابن
زياد إلى الحرّ في ذلك ـ ٥ / ٤٠٧ ـ بواسطة واحدة.
٢ ـ هانئ بن ثبيت الحضرمي السّكوني : ملاقاة
ابن سعد للامام الحسين (عليه السّلام) بين العسكرين بعد نزول الإمام بكربلاء وقبل
يوم عاشوراء ، والنصّ : حدّثني أبو جناب عن هاني ... وكان قد شهد قتل الحسين (عليه
السّلام) ٥ / ٤١٣ وقد اشترك هذا في قتل عبد الله بن عمير الكلبي ، وهو القتيل
الثاني من أصحاب الحسين (عليه السّلام) ٥ / ٤٣٦ ، وقتل عبد الله بن علي بن أبي
طالب (عليه السّلام) ، وجعفر بن (عليه السّلام) وغلاماً آخر من آل الحسين (عليه
السّلام) ٥ / ٤٤٨ ، وعبدالله بن الحسين بن (عليه السّلام) من الرباب ابنة امرئ
القيس الكلبي ٥ / ٤٦٨.
٣ ـ حميد بن مسلم الأزدي : كتاب ابن
زياد لابن سعد يأمره بمنع الماء عن الحسين وأصحابه (عليه السّلام) ، وطلب العبّاس
للماء ليلة السّابع ٥ / ٤١٢ ،
_________________
وبعث شمر إلى كربلاء
٥ / ٤١٤ ، وبدء القتال ٥ / ٤٢٩ ، ومقالته لشمر عند هجومه على المخيّم قبل مقتل
الحسين (عليه السّلام) وصلاة الظهر ، ومقتل حبيب بن مظاهر الأسدي ٥ / ٤٣٩ ، ومقالة
الإمام عند مقتل ولده (عليه السّلام) ، وخروج زينب عند مقتله (عليه السّلام) ، ومقتل
القاسم بن الحسن (عليه السّلام) ، ومقتل عبد الله بن الحسين (عليه السّلام) في
حجره ٥ / ٤٤٦ ـ ٤٤٨ ، وحالة الحسين (عليه السّلام) بعدهم إلى مقتله ٥ / ٤٥١ ـ ٤٥٢
، واختلاف القوم بعده في قتل ابنه (عليه السّلام) ، وخبر عقبة بن سمعان وإطلاق
سراحه ، ووطئ الخيل على جسد الحسين (عليه السّلام) ، وحمل حميد مع خوليّ بن يزيد
الأصبحي رأس الإمام إلى ابن زياد ٥ / ٤٥٥ ، وإرسال عمر بن سعد ايّاه إلى أهله
ليبشرهم بعافيته ، ومجلس ابن زياد ٥ / ٤٥٥ ، وإرسال عمر بن سعد إيّاه إلى أهله ؛
ليبشرهم بعافيته ، ومجلس ابن زياد ، وضربه بالقضيب شفتي الحسين (عليه السّلام) ، وحديث
زيد بن أرقم له عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجواب ابن زياد له ومقالة زيد بن
أرقم في ابن زياد ، ودخول زينب إلى مجلس ابن زياد وكلامه لها وجوابها له ، ومحاولة
ابن زياد ضربها ومقالة عمرو بن حريث ، كلام ابن زياد للإمام زين العابدين (عليه
السّلام) وجوابه له ، ومحاولة قتله وتعلّق عمّته به ، وخطبة ابن زياد في المسجد
وجواب ابن عفيف له ومقتله ٥ / ٤٥٦ ـ ٤٥٩.
وواسطته في هذه الأخبار له :
سليمان بن أبي راشد ، ويظهر للمتتبّع
أنّ أبا مِخْنف يقطّع فيها حسب المناسبات ، والملاحظ أنّ أخباره تبدأ من بعث شمر
إلى كربلاء وتنتهي بأخبار مجلس ابن زياد ومقتل ابن عفيف الأزدي.
ومن هنا يظهر للنظر أنّه كان مع جيش شمر
بن ذي الجوشن الكلابي ، خصوصاً مع ملاحظة مكالماته المتكررة مع شمر يعاتبه في أمور
، ووجوده في المخيّم
بعد مقتل الحسين (عليه
السّلام) مع العلم أنّه لمْ يحمل على المخيّم إلاّ شمربن ذي الجوشن برجّالته.
ونراه بعد هذا يشترك مع التوّابين في
ثورتهم ٥ / ٥٥٥ ، ويزور المختار في السّجن ، ولكنّه يحذّر سليمان بن ُصرد الخزاعي
عن المختار ويخبره أنّ المختار يخذّل النّاس عنه ، فيصفح عنه سليمان ٥ / ٥٨١ ـ ٥٨٤
، ويرجع منهزماً مع فلول التوّابين ٥ / ٦٠٦. وكان صديقاً لإبراهيم بن الأشتر
النّخعي ، وكان يختلف إليه ويذهب معه إلى المختار ـ بعد التوّاين ـ كلّ عشيّة ، يدبّرون
أمورهم حتّى تصوب النّجوم ثمّ ينصرفون ٦ / ١٨. وخرج مع إبراهيم من منزله بعد
المغرب ليلة الثلاثاء في كتيبة نحو المئة متقلّدي السّيوف ، قد ستروا الدروع
بأقبيتهم ٦ / ١٩ حتّى أتوا دار المختار ليلة خرج ٦ / ٢٣.
لكنّه حينما علم أنّ المختار صمّم على
قتل قتلة الحسين (عليه السّلام) خرج مع عبد الرحمن بن مِخْنف الأزدي ـ عمّ أبي
مِخْنف ـ على المختار ، فلمّا جرح عبد الرحمن رثاء حميد بأبيات ٦ / ٥١. ولمّا فرّ
عبدالرحمن بن مِخْنف من الكوفة إلى المصعب بن الزبير بالبصرة لحق به حميد أيضاً ٦
/ ٥٨.
وآخر عهدنا به في الطبري ٦ / ٢١٣ ، أنّه
: يرثي عبد الرحمن بن مِخْنف حينما قتله الأزارقة الخوارج قرب كازرون سنة (٧٥ هـ)
، محارباً لهم مع المهلّب بن صفرة من قبل الحجّاج بن يوسف الثقفي.
ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ١ / ٦١٦
، وابن قدامة في المغني ١ / ١٩٥.
٤ ـ الضحّاك بن عبد الله المشرقي
الهمداني : حديث ليلة عاشوراء ويوم عاشوراء ، وتعبئته للقتال ، وخطبته الكبرى يوم
عاشوراء ٥ / ٤١٨ ، ٤١٩ ، ٤٢١ ، ٤٢٣ ، ٤٢٥ ، ٤٤٤.
روى أبو مِخْنف عن هذا الرجل بواسطة عبد
الله بن عاصم الفائشي
الهمداني ـ ولا يخفى
أنّ الرجل أيضاً من همدان ـ : أنّه اشترط على الإمام الحسين (عليه السّلام) أنْ
يكون في حلّ من الإنصراف عنه بعد مقتل أصحابه ، فقبل الإمام ذلك فهرب من المعركة ٥
/ ٤١٨ ـ ٤٤٤. وذكره الطوسي في رجاله في أصحاب الإمام زين العابدين (عليه السّلام)!
٥ ـ الإمام علي بن الحسين (عليه السّلام)
: حديث ليلة عاشوراء بواسطتين :
أ ـ الحارث بن حصيرة عن عبد الله بن
شريك العامري ، عنه (عليه السّلام) ٥ / ٤١٨.
ب ـ وعن الحارث بن كعب الوالبي الأزدي
الكوفي وأبي الضحّاك البصري ، عنه (عليه السّلام) ٥ / ٤٢٠.
٦ ـ عمرو الحضرمي : تكتيب الكتائب لعسكر
عمر بن سعد ٥ / ٤٢٢ ، بواسطتين وهو لا يُعرف.
٧ ـ غلام لعبد الرحمن بن عبد ربّه
الأنصاري : خبر مهازلته لبُرير بن خضير الهمداني ، بواسطين : عن عمرو بن مرّة
الجملي عن أبي صالح الحنفي عنه ، وفي آخره : فلمّا رأي القوم قد صرعوا أفلتّ
وتركتهم ٥ / ٤٢١ ـ ٤٢٢.
٨ ـ مسروق بن وائل الحضرمي : خبر ابن
حوزة عند بدء القتال ، بواسطتين عن عطاء بن السّائب ، عن عبد الجبّار بن وائل
الحضرمي ، عنه قال : كنت في أوائل الخيل ممّن سار إلى الحسين (عليه السّلام) ...
لعلّي أصيب رأس الحسين فأصيب به منزلةً عند عبيد الله بن زياد ... فرجع مسروق ...
وقال : لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئاً لا قاتلهم أبداً ٥ / ٤٢١.
٩ ـ كثير بن عبد الله الشعبي الهمداني :
خطبة زهير بن القين ، عن علي بن حنظلة بن أسعد الشبامي عن رجل من قومه من قومه شهد
مقتل الحسين حين قتل يقال له كثير بن عبد الله الشعبي ٥ / ٤٢٦.
روى الطبري عن هشام ، عن هوانة : أنّه
كان فارساً شجاعاً ليس يردّ وجهه
شيء ، فلمّا عرض عمر
بن سعد على الرؤساء أنْ يأتوا الحسين (عليه السّلام) فيسألوه ما الذي جاء به ، وماذا
يريد ، فكلّهم أبى وكرهه ، وقام إليه كثير بن عبدالله الشعبي ، فقال : أنا أذهب
إليه ، والله ، لئن شئت لأفتكنّ به ... فأقبل ... فقام إليه ، فقال : ضع سيفك. قال
: لا والله ، ولا كرامة ... فاستبّا ٥ / ٤١٠. وشدّ هو ومهاجر بن آوس على زهير بن
القين البجلي ، فقتلاه ٥ / ٤٤١.
١٠ ـ الزبيدي : الحملة الثانية ٥ / ٤٣٥
، رجل من زبيد اليمن يروي مآثر أميره من عشيرته ، عمرو بن الحجّاج الزبيدي.
١١ ـ أيوب بن مشرح الخيواني : امرأة
الكلبي ، وعقر فرس الحرّ فاتّهمه قومه بعد ذلك بقتل الحرّ ، فقال : لا والله ، ما
أنا قتلته ، ولكن قتله غيري وما أحبّ أني قتلته. فقال له أبو الودّاك جبر بن نوف
الهمداني : ولمَ لا ترضى بقتله؟ قال : زعموا أنّه كان من الصالحين ، فوالله ، لئن
كان آثماً فلئن ألقى الله بإثم الجراحة ، والموقف أحبّ إليّ من أنْ ألقاه بإثم قتل
أحد منهم. فقال له أبو الودّاك : ما أراك إلاّ ستلقى الله بإثم قتلهم أجمعين ...
أنتم شركاء كلكم في دمائهم ٥ / ٤٣٧.
١٢ ـ عفيف بن زهير بن أبي الأخنس : مقتل
بُرير بن خضير الهمداني (ره) وكان ممّن شهد قتل الحسين (عليه السّلام) ويقول في
خبره هذا : إنّ بُريراً كان يُقرؤهم القرآن في المسجد الجامع بالكوفة ٥ / ٤٣١.
١٣ ـ ربيع بن تميم الهمداني : مقتل عابس
بن أبي شبيب الشاكري ، وكان ممّن شهد ذلك اليوم ٥ / ٤٤٤.
١٤ ـ عبد الله بن عمّار البارقي : خبر
حالة الحسين (عليه السّلام) في حملاته على القوم ، وكان ممّن شهد قتل الحسين (عليه
السّلام) ، فعتب عليه مشهده قتل الحسين (عليه السّلام) ، فقال : إنّ لي عند بني
هاشم ليداً. قلنا له : وما يدك
عندهم؟ قال : حملت
على حسين (ع) بالرمح فانتهيت إليه ... ثمّ انصرفت عنه غير بعيد ٥ / ٤٥١.
١٥ ـ قرّة بن قيس الحنظلي التميمي : قطع
الرؤوس ، والسّبايا ٥ / ٤٥٥. كان قد خرج مع أميره من عشيرته ، الحرّ بن يزيد
الرياحي التميمي في مقدّمة ابن زياد إلى الحسين (عليه السّلام) ٥ / ٤٢٧. وهو الذي
بعثه ابن سعد إلى الحسين (عليه السّلام) سلّم عليه ، فدعاه حبيب بن مظاهر الأسدي
إلى نصرة الحسين (عليه السّلام) فأبى ٥ / ٤١١. وهو الذي يروي أنّ الحرّ قال له : ألاَ
تريد أنْ تسقي فرسك؟ فتنحّى عنه حتّى سار إلى الحسين (عليه السّلام). وهو يدّعي
أنّ الحرّ لو كان يطلعه على الذي أراد لكان يخرج معه إلى الحسين (عليه السّلام) ٢
/ ٤٢٧.
فهؤلاء خمسة عشر رجلاً ممّن شهد قتل
الحسين (عليه السّلام) ، وروى عنهم أبو مِخْنف بواسطه أو واسطتين.
القائمة الثالثة :
مَن باشر الأحداث وحدّث بها أبا مِخْنف
مباشرةً ، وهم خمسة أشخاص :
١ ـ أبو جناب يحيى بن أبي حيّة الوداعي
الكلبي : مقابلات أصحاب مسلم لابن زياد ٥ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ، وبعث ابن زياد برؤوس مسلم
وهاني إلى يزيد ، وكتابه إليه في ذلك ٥ / ٣٨٠. ويبدو لي أنّه يروي هذه الأخبار عن
أخيه هانئ بن أبي حيّة الوداعي الكلبي ، إذ أنّه هو الذي بعثه ابن زياد بكتابه.
له في الطبري (٢٣) خبر ، تسعة منها عن
حرب الجمل وصفّين والنّهروان بالواسطة ، وتستعة منها عن كربلاء ، خمسة منها
بالواسطة وثلاثة بالإرسال.
وآخر عهدنا به روايته بالإرسال ، كتاب
مصعب بن الزبير إلى إبراهيم بن
الأشتر بعد المختار
يدعوه إلى نفسه سنة (٦٧ هـ) ٦ / ١١١ ترجمه في تهذيب التهذيب ١١ / ٢٠١ ، وقال : كوفي
صدق ، مات (١٤٧ هـ) ـ فلمْ يكن مباشراً ـ.
٢ ـ جعفر بن حذيفة الطائي : كتاب مسلم
إلى الحسين (عليه السّلام) قبل مقتله ببيعة أهل الكوف ، وكتاب محمّد بن الأشعث بن
قس الكندي مع أياس بن العثل الطائي إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) يخبره بخبر
أسر مسلم بن عقيل وقتله ٥ / ٣٧٥.
ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ، وقال :
يروي عن علي (عليه السّلام) ، وعنه أبو مِخْنف ، وكان مع علي (عليه السّلام) يوم
صفّين. وذكره ابن حبّان في الثقات ، ثمّ قال : لا يُدرى من هو؟.
وله في الطبري خمسة أخبار : خبران عن
صفّين ، وخبران عن الخوارج من طيىء وهذا الخبر فقط.
٣ ـ دلهم بنت عمرو ـ زوجة زهير بن القين
ـ : حديث التحاقه بالحسين (عليه السّلام) ، والنصّ : قال أبو مِخْنف ، حدّثتني
دلهم ... قالت : فقلت له ... ٥ / ٣٩٦.
٤ ـ عقبة بن أبي العيزار : خطبتين
للامام (عليه السّلام) بالبيضة وذي حسم ، ومقالة زهير بن القين في جواب الإمام
وأبيات الإمام (عليه السّلام) ، وأبيات الطرمّاح بن عدي ٥ / ٤٠٣. لعلّه كان من
أصحاب الحرّ فنجى ، ولمْ نجد له ذكراً في رجالنا. وذكره في لسان الميزان ، وقال : يعتبر
حديثه ، ثمّ قال : ابن حبّان في الثقات .
فهؤلاء أربعة ممّن باشر الأحداث وحدّث
بها لأبي مِخْنف مباشرةً ، ولو ظاهراً.
_________________
القائمة الرابعة :
مَن باشر الأحداث أو عاصرها ورواها ، وروى
عنه أبو مِخْنف بواسطة أو واسطتين ، وهم : واحد وعشرون شخصاً :
١ ـ أبو سعيد دينار ، أو : كيسان ، أو :
عقيصا المقبري : أبيات الإمام الحسين (عليه السّلام) عند خروجه من المدينة بواسطة
واحدة : عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن مخرمة ـ ٥ / ٣٤٢ ـ ذكره الذهبي في ميزان
الاعتدال ، وقال : صاحب أبي هريرة وابن صاحبه ، ثقة حجّة ، شاخ ووقع في الهرم ، ولمْ
يختلط ... مات سنة (١٢٥ هـ) ، هو من موالي بني تيم. ذكره ابن حبّان في الثقات.
وقال الحاكم : ثقة مأمون .
وفي تهذيب التهذيب ، قال الواقدي : ثقة
كثير الحديث توفّي سنة مئة ، وقِيل في خلافة الوليد بن عبد الملك. قِيل : إنّ عمر
جعله على حفر القبور ، فكان ينزل ناحية المقابر فسمّي : المقبري .
وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب على (عليه
السّلام) والحسين (عليه السّلام) باسم دينار ، يكنّى أبا سعيد ، ولقبه عقيص ، وإنّما
لقّب بذلك لشعر قاله .
وقال ابن قدامة في المغني : هو المقدسى
، نسبة إلى المقدس وهي مدينة إيليا النبيّ.
وروى الصدوق في أماليه مسنداً إلى أبي
سعيد عقيصا : عن الحسين (ع) ، عن أبيه ، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، أنّه
قال لعلي (عليه السّلام) : «يا علي أنت أخي وأنا أخوك ، أنا المصطفى للنبوّة ، وأنت
المجتبى للإمامة ، وأنا صاحب
_________________
التنزيل ، وأنت صاحب
التأويل ، وأنا وأنت أبوا هذه الاُمّة ، أنت وصيّي وخليفتي ووزيري ووارثي وأبو
ولدي ، وشيعتك شيعتي».
٢ ـ عقبة بن سمعان : خروج الإمام (عليه
السّلام) من المدينة ، وملاقاته لعبد الله بن مطيع العدوي ، ونزوله مكّة ٥ / ٣٥١ ،
ومقالة ابن العبّاس للإمام عند خروجه من مكّة ، ومقالة ابن الزبير للإمام عند
خروجه من مكّة ٥ / ٣٨٣ ، وخبر رسل عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق ، والي مكّة آنذاك
إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) ليردّوه إلى مكّة ، وخبر ورس اليمن بمنزل
التنعيم ٥ / ٣٨٥ ، ومقالة علي بن الحسين الأكبر (عليه السّلام) لأبيه بعد قصر بني
مقاتل ، وانتهائهم إلى نينوى ، ووصول رسول ابن زياد إلى الحرّ بكتابه ، ونزول
الإمام (عليه السّلام) ، ونزول عمر بن سعد ٥ / ٤٠٧ ـ ٤٠٩ ، والخصال التي عرضها
الإمام (عليه السّلام) على ابن سعد ٥ / ٤١٣.
وجميعها بواسطة واحد ، هو : الحارث بن
كعب الوالبي الهمداني. وهذا ممّا يؤيّد أنّ أبا مِخْنف كان يقطّع في الخبر حسب
المناسبات ، وقد مضت ترجمة عقبة قبل فراجع.
٣ ـ محمّد بن بشر الهمداني : إجماع
الشيعة في الكوفة في منزل سليمان بن ُصرد الخزاعي بعد موت معاوية ، وخطبة سليمان
بن ُصرد ، وكتابهم إلى الحسين (عليه السّلام) ، وجواب الإمام إليهم مع مسلم بن
عقيل ٥ / ٣٥٣ ـ ٣٥٢ ، وكتاب مسلم إلى الحسين (عليه السّلام) من الطريق ، وجواب
الإمام (عليه السّلام) ، ووصول مسلم إلى الكوفة ، واختلاف الشيعة إليه في دار
المختار ٥ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ، وخطبة ابن زياد بعد مقتل هانئ بن عروة ٥ / ٣٦٨ ، جميعها
بواسطة واحد هو : الحجّاج بن علي البارقي الهمداني.
كان حاضراً في اجتماع الشيعة في بيت
سليمان بن ُصرد ، إذ يقول : فذكرنا هلاك معاوية فحمدنا الله عليه ، فقال لنا
سليمان بن ُصرد ... ، ثمّ
سرّحنا بالكتاب
وأمرنا بالنّجاء ، ثمّ سرّحنا إليه ، ثمّ لبثنا يومين آخرين ، ثمّ سرّحنا إليه
وكتبنا معهما ٥ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥.
وكان حاضراً في اجتماع الشيعة عند مسلم
في دار المختار ، فلمْ يبايعه كراهة القتال ، إذ يقول الراوي الحجّاج بن علي فقلت
لمحمّد بن بشير : فهل كان منك أنت قول؟ فقال : إنْ كنت لأحبّ أنْ يعزّ الله أصحابي
بالظفر ، وما كنت لأحبّ أنْ أقتل ، وكرهت أنْ أكذب ٥ / ٣٥٥.
وذكر في لسان الميزان إنّ أبا حاتم كان
، يقول : إنّه هو محمّد بن السّائب الكلبي الكوفي ـ نُسب إلى جدّه ـ ، فإنّه محمّد
بن السّائب بن بشر .
وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السّلام) .
٤ ـ أبو الودّاك ، جبر بن نوف الهمداني
: خطبة النّعمان بن بشير الأنصاري ـ والي الكوفة من قِبل معاوية ويزيد ـ بالكوفة ،
وكتب أهل الكوفة إلى يزيد ٥ / ٣٥٥ ـ ٣٥٦ ، وخطبة ابن زياد بالكوفة ٥ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ،
وانتقال مسلم إلى دار هانئ بن عروة ، وتجسّس معقل الشامي عليه من قِبل ابن زياد
وعيادة ابن زياد لهانئ بن عروة ، وإشارة عمارة بن الأعور الحارثي الهمداني في دار
هانئ ، وإشارته على مسلم بقتل ابن زياد ، وامتناع مسلم ؛ لكراهة هانئ لذلك ، وطلب
ابن زياد هانئاً وضربه وحبسه ، ومجيء عمرو بن الحجّاج الزبيدي بوجوه مذحج وفرسانه
، ودخول شريح القاضي إلى هانئ وإخبارهم بسلامته وانصرافهم ٥ / ٣٦١ ـ ٣٦٧ ، بواسطة
نمير بن وعلة الهمداني. والأخير
_________________
عن المعلّى بن كليب.
وقد ورد اسمه الكامل في روايته خطبة
الإمام (عليه السّلام) بـ (النُّخيلة) ، بعد يأسه من هداية الخوارج ٥ / ٧٨. ويظهر
أنّه كان بالكوفة بعد مقتل الحسين (عليه السّلام) ، فعتب على أيوب بن مشرح
الخيواني عقره لفرس الحرّ (ره) ، فقال له : ما أراك إلاّ ستلقى الله بإثم قتلهم
أجمعين ، أرأيت لو أنّك رميت ذا فعقرت ذا ، ورميت آخر ووقفت موقف ، وكرّرت عليهم
وحرّض أصحابك ، وكثّرت أصحابك وحمل عليك فكرهت أنْ تفرّ ، وفعل آخر من أصحابك
كفعلك ، وآخر وآخر ، كان هذا وأصحابه يُقتلون؟ أنتم شركاء كلكم في دمائهم ٥ / ٤٣٧.
وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ، فقال
: صاحب أبي سعيد الخدري ، صدوق مشهور .
وفي تهذيب التهذيب : ذكره ابن حبّان في
الثقات ، وقال ابن معين : ثقة. وقال النسّائي : صالح ، وأخرج حديثه في السّنن .
٥ ـ أبو عثمان النّهدي : كتاب الإمام
الحسين (عليه السّلام) إلى أهل البصرة ، واستخلاف ابن زياد لأخيه عثمان على البصرة
، ودخوله الكوفة (٥ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨) ، بواسطة واحدة هو : الصقعب بن زهير.
كان من أصحاب المختار ، واستخلفه على
الضعفاء بالسّبخة حين دخوله الكوفة على ابن مطيع ٥ / ٢٢ ـ ٢٩.
وذكره في تهذيب التهذيب : فروى أنّه كان
من قضاعة ، وأدرك النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولمْ يره ، وسكن الكوفة ، فلمّا
قتل الحسين (عليه السّلام) تحوّل
_________________
إلى البصرة. وكان
عرّيف قومه ، وحجّ ستّين حجّة وعمرة ، وكان ليله قائماً ونهاره صائماً ، ثقة ، مات
سنة (٩٥ هـ) ، وهو ابن ١٣٠ سنة .
٦ ـ عبد الله بن خازم الكثيري الأزدي : خروج
مسلم (عليه السّلام) وعقده الألوية ٥ / ٣٦٧ ـ ٣٦٩ ، بواسطة يوسف بن يزيد ، وتخاذل
النّاس عن مسلم (عليه السّلام) ٥ / ٣٧٠ ـ ٣٧١ بواسطة سليمان بن أبي راشد.
كان ممّن بايع مسلم (عليه السّلام) ، وبعثه
مسلم ليعلم خبر هانئ في القصر ، ثمّ كان فيمن خذل مسلماً وحسين (عليهما السلام) ٥
/ ٣٦٨ ـ ٣٦٩ ، ثمّ تاب مع التوّابين فخرج معهم ٥ / ٥٨٣ حتّى قُتل ٥ / ٦٠١.
٧ ـ عبّاس ـ أو عيّاش ـ بن جعدة الجدلي
: خروج مسلم (عليه السّلام) وتخاذل النّاس عنه ، وموقف ابن زياد ٥ / ٤٦٩ بواسطة
واحدة ، هو : يونس بن أبي إسحاق السّبيعي الهمداني.
كان ممّن بايع مسلماً وخرج معه ، ثمّ
يُفتقد ، والنص : خرجنا مع مسلم ...
٨ ـ عبدالرحمن بن أبي عمير الثقفي : دعوة
المختار إلى الدخول تحت راية الأمان لابن زياد.
٩ ـ زائدة بن قدامة الثقفي : خروج محمّد
بن الأشعث لقتال مسلم بن عقيل وأسره ٥ / ٣٧٣ واستسقاءه على باب القصر وسقيه ٥ / ٣٧٥.
ذكره الطبري : قدامة بن سعيد بن زائدة
بن قدامة الثقفي ، وقد وجدنا أنّ زائدة بن قدامة جدّ قدامة بن سعيد هو الذي كان
مباشراً لأحداث الكوفة ؛ وأمّا حفيده قدامة بن سعيد ، فقد ذكره الشيخ الطوسي في
طبقة أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام) فرجّحنا أنْ يكون
_________________
الصحيح : قدامة بن
سعيد عن زائدة بن قدامة الثقفي.
كان جدّه : زائدة بن قدامة الثقفي قائد
شرطة الكوفة سنة (٥٨ هـ) ، بولاية عبدالرحمن بن اُمّ الحكم الثقفي من قبل معاوية
بن أبي سفيان ، بعد عام الجماعة ٥ / ٣١٠. وكان مع عمرو بن حريث لمّا رفع راية
الأمان لعبيد الله بن زياد الكوفة بعد خروج مسلم بن عقيل (عليه السّلام) ، فشفع
لابن عمّه المختار ٥ / ٥٧٠ ، وهو الذي سار بكتاب المختار من سجن ابن زياد بالكوفة
إلى عبد الله بن عمر ، زوج أخت المختار ـ صفيّة بنت أبي عبيد الثقفي ـ ؛ ليشفع له
عند يزيد فأطلق ابن زياد المختار ، وأراد ابن زياد ليعاقب ابن قدامة على فعله فهرب
حتّى أُخذ له الأمان ـ ٥ / ٥٧١ ـ وبايع فيمن بايع من أهل الكوفة ، عبد الله بن
مطيع العدوي والي الكوفة من قبل عبد الله بن الزبير ، فبعثه ابن مطيع ليطلب
المختار ، فأخبر ابن قدامة المختار بذلك فتثاقل المختار ٦ / ١١. وكان خروج المختار
بالكوفة من بستان هذا الرجل بالسّبخة ٦ / ٢٢ وبعثه المختار ليردّ عنه عمر بن عبد
الرحمن المخزومي والي الكوفة من قبل ابن الزبير ، فردّه عنه بالمال والتهديد ٦ / ٧٢
، ثمّ التحق بعبد الملك بن مروان فحارب معه مصعب بن الزبير فقتله بثار المختار
بدير الجاثليق ٦ / ١٥٩ ، فبعثه الحجّاج مع ألفي رجل إلى حرب شبيب الخارجي في : (رودبار)
فقاتله حتّى قِتل وأصحابه ربضة حوله سنة (٧٦ هـ) ٦ / ٢٤٦.
فهذا يدلّ صريحاً على أنّ قدامة بن سعيد
بن زائد الذي يروى عنه أبو مِخْنف هذا الخبر لمْ يكن مباشراً لأحداث الكوفة حين
خروج مسلم بن عقيل (عليه السّلام) به قطعاً ، فلعلّ الصحيح : حدّثني قدامة بن سعيد
عن زائدة بن قدامة ؛ فانّ زائدة ـ كما رأينا ـ كان مع عمرو بن حريث ، فهو يروي خبر
بعث ابن زياد محمّد بن الأشعث إلى مسلم (عليه السّلام) لحفيده قدامة بن سعيد.
١٠ ـ عمارة بن عقبة بن أبي معيط
الاُمّوي : خبر استسقاء مسلم وسقيه
٥ / ٣٧٥ ، يرويه عنه
حفيده سعيد بن مدرك بن عمارة بن عقبة.
قال في تقريب التهذيب : ثقة ، مات سنة (١١٦
هـ).
١١ ـ عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن
هشام المخزومي : مقالته للإمام الحسين (عليه السّلام) عند خروجه من مكّة ، بواسطة
الصقعب بن زهير ٥ / ٣٨٢ ، ولاّه عبد الله بن الزبير الكوفة على عهد المختار ، فردّه
المختار عنها بالمال والتهديد ٦ / ٧١. وذكره في تهذيب التهذيب ، فقال : ذكره ابن
حبّان في الثقات ، وقال : روى عن جماعة من الصحابة .
١٢ ـ عبد الله بن سُليم والمُذري بن
المشمعلّ الأسديّان : مقابلة ابن الزبير للإمام الحسين (عليه السّلام) فيما بين
الحجر الأسود والباب ٥ / ٣٨٤ ، وملاقاة الفرزدق للامام (عليه السّلام) ٥ / ٣٨٦ ، ونقلا
خبر مقتل مسلم بن عقيل للإمام (عليه السّلام) في الثعلبيّة ٥ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ، بواسطتين
: أبي جناب يحيى بن أبي حيّة الوداعي الكلبي ، عن عدي بن حرملة الأسدي ... وكلا
الرجلين سمعا واعية الإمام (ع) ، فلمْ ينصراه. وكان عبد الله بن سليم الأسدي حيّاً
إلى سنة (٧٧ هـ) ٦ / ٢٩٥.
١٣ ـ الإمام علي بن الحسين (عليه
السّلام) : كتاب عبد الله بن جعفر إلى الإمام مع ولديه عون ومحمّد ، وكتاب عمرو بن
سعيد الأشدق إلى الإمام مع أخيه يحيى وجواب الإمام (ع) بواسطة واحدة ، هو : الحارث
بن كعب الوالبي ٥ / ٣٨٧ ـ ٣٨٨.
١٤ ـ بكر بن مصعب المزني : مقتل عبد
الله بن يقطر ، وخبر منزل زبالة ، بواسطة واحدة هو أبو علي الأنصاري ٥ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩
، لا يُعرفان.
١٥ ـ فزاريّ : خبر التحاق زهير بن القين
بالحسين (عليه السّلام) ، بواسطة
_________________
السدّي ، والنصّ : رجل
من بني فزارة ٥ / ٣٩٦.
١٦ ـ الطرمّاح بن عدي : خبره بواسطة
واحدة ، هو : جميل بن مرثد الغنوي ٥ / ٤٠٦ ، لقى الحسين (عليه السّلام) فاستنصره
الإمام ، فاعتذر أنْ يمتار لأهله ميرة ـ أي : رزقاً ـ فلمْ يمنعه الإمام (ع) ، ولمْ
يدرك نصرته ، وذكره الشيخ في أصحاب أمير المؤمنين والحسين (عليهما السّلام) ، وذكره
المامقاني ووثّقه أنّه أدرك نصرة الإمام (عليه السّلام) وجرح وبُرء ، ثمّ مات بعد
ذلك ولمْ يذكر المصدر .
١٧ ـ عامر بن شراحيل بن عبد الشعبي
الهمداني : خبر قصر بني مقاتل ، بواسطة المجالد بن سعيد ٥ / ٤٠٧.
وُلد سنة (٢١ هـ) ٤ / ١٤٥ ، واُمّه من
سبي جلولاء سنة (١٦ هـ) ، وهو وأبوه أوّل مَن أجاب المختار ٦ / ١٥ ، وشهد هو وأبوه
للمختار بالحقّ ٦ / ١٧. وخرج هو وأبوه مع المختار إلى ساباط المدائن سنة (٦٧ هـ) ٦
/ ٩١ ، ثمّ لحق بالحجّاج بعد المختار وجلس معه ٦ / ٣٢٧ ، ثمّ خرج على الحجّاج مع
عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس الكندي سنة (٨٢ هـ) ٦ / ٣٥٠. فلمّا هزم ابن الأشعث
لحق بقتيبة بن مسلم والي الحجّاج على الري فاستأمنه فآمنه الحجّاج ٦ / ٣٧٤ ، ثمّ
بقي حتّى وُلي قضاء الكوفة أيّام عمر بن عبد العزيز سنة (٩٩ ـ ١٠١ هـ) من قبل يزيد
بن عبد الملك بن مروان.
وهو ممّن خذل مسلماً والحسين (عليهما
السّلام) ولمْ يكن مع الحسين (عليه السّلام) ، وإنّما حدّث عنه أبو مِخْنف مرسلاً
مات بالكوفة فجأةً سنة (١٠٤ هـ) ، كما في الكِنى والألقاب ٢ / ٣٢٨. له في الطبري
١١٤ خبراً. وذكره في تهذيب التهذيب ، فروى عن العجلي : أنّ الشعبي سمع من ثمانية
وأربعين
_________________
من الصحابة وأدرك
عليّاً (عليه السّلام). قِيل : مات سنة (١١٠ هـ) .
١٨ ـ حسّان بن فائد بن بكير العبسي : كتاب
ابن سعد إلى ابن زياد وجوابه إليه ، بواسطة النضر بن صالح بن حبيب بن زهير العبسي
، والنصّ : أشهد أنّ كتاب عمر بن سعد جاء إلى عبيد الله بن زياد وأنا عنده ، فإذا
فيه ... ٥ / ٤١١.
كان فيمَن قاتل المختار وأصحابه مع راشد
بن أياس صاحب شرطة عبد الله بن مطيع العدوي والي الكوفة من قبل عبد الله بن الزبير
٦ / ٢٦. وكان مع ابن مطيع في حصار القصر ٦ / ٣١ ، وقُتل أخيراً مع أصحاب ابن مطيع
في مضر ، في كناسة الكوفة (٦٤ هـ) ٦ / ٤٩.
قال في تهذيب التهذيب : ذكره ابن حبّان
في الثقات ، وروى البخاري في تفسير الجبت في سورة النّساء ، عن شعبة ، عن أبي
إسحاق السّبيعي عنه ، عن عمر بن الخطاب أنّ الجبت هو السحر. وقال : يعدّ في
الكوفيّين .
١٩ ـ أبو عمارة العبسي : مقالة يحيى بن
الحكم ، ومجلس يزيد ، بواسطة أبي جعفر العبسي ٥ / ٤٦٠ ـ ٤٦١.
٢٠ ـ القاسم بن بخيت : الرؤوس في دمشق ،
ومقالة يحيى بن الحكم بن العاص أخي مروان ، ومقالة هند زوجة يزيد ، وقضيب يزيد ، بواسطتين
: أبي حمزة الثمالي ، عن عبد الله الثمالي عن القاسم ٥ / ٤٦٥.
٢١ ـ أبو الكنود عبد الرحمن بن عبيد : أبيات
اُمّ لقمان بنت عقيل بن أبي طالب ، بواسطة سليمان بن أبي راشد ٥ / ٤٦٦.
كان يلي الكوفة من قبل زياد بن أبيه ٥ /
٢٤٦ ، وكان من أصحاب
_________________
المختار ، وادّعى
أنّه هو الذي قتل شمر ٦ / ٥٣ ، وله في الطبري تسعة أخبار عن أبي مِخْنف عنه ، ما
في الأعلام.
٢٢ ـ فاطمة بنت علي ـ كما ذكرها الطبري
ـ :
مجلس يزيد ، بواسطة الحارث بن كعب
الوالبي الأزدي ٥ / ٤٦١ ـ ٤٦٢.
فهؤلاء واحد وعشرون شخصاً ممّن باشر
الأحداث ، أو عاصرها ورواها ، ورواها عنهم أبو مِخْنف بواسطة أو واسطتين.
القائمة الخامسة :
الرواة الوسائط وهم تسع وعشرون شخصاً :
١ ـ عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد
الله بن مخرمة ، عن أبي سعد سعيد بن أبي سعيد المقبري : أبيات الإمام (عليه
السّلام) عند خروجه من المدينة ٥ / ٣٤٢.
ويروي ـ بدون تصريح بالواسطة ـ عهد
معاوية لابنه يزيد عند موته ، وحديث الضحّاك بن قيس الفهري صاحب شرطة معاوية ، وولي
دفنه ، وأبيات يزيد عند وصول البريد إليه بهلاك أبيه معاوية.
وله في الطبري خمسة عشر خبراً عن أبي
مِخْنف عنه عن رجل ، أكثرها عن خروج ابن الزبير بمكّة ، وعبدالله بن حنظلة
بالمدينة ، ووقعة الحرّة ، إحداها عن أبيه نوفل ٥ / ٤٧٤ ، وأخرى عن عبد الله بن
عروة ٥ / ٤٧٨ ، وأخرى عن حميد بن حمزة من مو إلى بني أميّة ٥ / ٤٧٩ ، وسبعة منها
عن حبيب بن كرّة من موالي بني أميّة أيضاً ، وصاحب راية مروان بن الحكم ٥ / ٤٨٢ ـ
٥٣٩ ، وأخيرها عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق ٥ / ٥٧٧.
فمن المرجّح أنْ يكون قد روى مراسيله في
وصيّة معاوية ، ودفنه عن موالي بني اُميّة هؤلاء ، وإنْ لمْ يصرّح بأسمائهم.
وقد كان أبوه نوفل بن مساحق على ألفين
أو خمسة آلاف لابن مطيع لابن الزبير ، وانتهى ابن الأشتر النّخعي إليه فرفع عليه
السّيف ، ثمّ خلّى سبيله ٦ / ٣٠.
ووثّقه في تهذيب التهذيب ٦ / ٤٢٨ ، والكاشف
للذهبي ٢ / ٢١٦.
٢ ـ أبو سعيد عقيصا ، عن بعض أصحابه : مقابلة
الإمام الحسين (عليه السّلام) لابن الزبير بمكّة في المسجد الحرام محرم ٥ / ٣٨٥.
عدّة العلاّمة (رحمه الله) من أصحاب
أمير المؤمنين (عليه السّلام) في القسم الأوّل من الخلاصة . وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ، فقال
: روى عن (عليه السّلام) ثمّ قال ، قال ابن سعد : ثقة ، اسمه دينار ، شيعي مات (١٢٥
هـ) .
وقال في تهذيب التهذيب ، قال الواقدي : كان
ثقة كثير الحديث ، توفّي سنة مئة. وقال ابن سعد : توفّي في خلافة الوليد بن عبد
الملك. قِيل : إنّ عمر جعله على حفر القبور. وقِيل : كان ينزل ناحية المقابر فسمّي
: المقبري ٨ / ٤٥٣ ، وفي لسان الميزان ٢ / ٤٢٢.
٣ ـ عبد الرحمن بن جندب الأزدي ، عن
عقبة بن سمعان : جميع أخباره. له في الطبري زهاء ثلاثين حديثاً عن حرب الجمل
وصفّين والنّهروان ، وعن كربلاء بواسطة عقبة بن سمعان ، ويروي أحداث الحجّاج
مباشرةً ، وحارب
_________________
في جيشه مع زائدة بن
قدامة الثقفي : شبيب الخارجي بـ : (رودبار) سنة (٧٦ هـ) ٦ / ٢٤٤ ، وأُسر فبايع
شبيباً خوفاً ٦ / ٢٤٦ ، ثمّ لحق بالكوفة فكان فيها إذ خطب الحجّاج ليبعث إلى شبيب
مرّة أخرى سنة (٧٧ هـ) ٦ / ٢٦٢.
ذكره الأردبيلي عن الرجال الوسيط
للأسترابادي : في أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) . وذكره العسقلاني في لسان الميزان ، فقال
: روى عن كميل بن زياد ، وعنه أبو حمزة الثمالي .
٤ ـ الحجّاج بن علي البارقي الهمداني ، عن
محمّد بن بشر الهمداني : أخباره كله ، فراجع محمّد بن بشر ، وليس لهفي الطبري عن
غيره شيء. وذكره في لسان الميزان ، وقال : شيخ روى عنه أبو مِخْنف .
٥ ـ نمير بن وعلة الهمداني اليناعي ، عن
أبي الودّاك جبر بن نوف الهمداني ، وأيوب بن مشرح الخيواني ، وربيع بن تميم
الهمداني ، أخبارهم.
له في الطبري عشرة أخبار ، آخرها عن
الشعبي عن مجلس الحجّاج سنة ثمانين ٦ / ٣٢٨.
ذكره العسقلاني في لسان الميزان ، فقال
: روى عن الشعبي وعنه أبو مِخْنف
وكذلك في المغني .
٦ ـ الصقعب بن زهير الأزدي ، عن أبي
عثمان النّهدي ، وعون بن أبي جحيفة السوائي ، وعبد الرحمن بن شريح المعافري
الإسكندراني ـ مات بالإسكندريّة سنة (١٦٧ هـ) ، كما في تهذيب التهذيب ٦ / ١٩٣ وعمر
بن عبد الرحمن ...
_________________
ابن الحارث بن هشام
المخزومي وحميد بن مسلم ، أخبارهم.
له في الطبري عشرون خبر ، جميعها عن أبي
مِخْنف عنه ، ثلاثة منها عن وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وكان حاضراً
بصفّين مع علي (عليه السّلام) ، فروى مقالة عمّار بن ياسر ٥ / ٣٨ ، وروى حديث مقتل
حجر بن عدي ٥ / ٢٥٣ وتسعة منها عن كربلاء ، وثلاثة منها من أخبار المختار.
قال في تهذيب التهذيب : ذكره ابن حبّان
في الثقات. وقال أبو زرعة : ثقة. وقال أبو حاتم : شيخ ليس بالمشهور .
وفي هامش خلاصة تذهيب تهذيب الكمال : وثّقه
أبو زرعة .
٧ ـ المُعلّى بن كليب الهمداني ، عن أبي
الودّاك جبر بن نوف الهمداني ، أخباره ، فراجع.
٨ ـ يوسف بن يزيد بن بكر الأزدي ، عن
عبد الله بن خازم الأزدي ، وعفيف بن زهير بن أبي الأخنس ، أخبارهم.
ورد اسمه الكامل في الطبري ٦ / ٢٨٤ ، وله
في الطبري خمسة عشر خبراً ، وعاش إلى بعد سنة (٧٧ هـ). وذكره الذهبي في ميزان
الاعتدال ، فقال : صدوق نبيل بصري ، روى عنه جماعة وأثنى عليه غير واحد ، يكتب
حديثه.
وقال في تهذيب التهذيب : ذكره ابن حبّان
في الثقات. وقال المقدسيّ : كان ثقة. وقال أبو حاتم : يكتب حديثه . وكذلك ذكره في خلاصة تذهيب تهذيب
الكمال .
_________________
٩ ـ يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله
السّبيعي الهمداني الكوفي ، عن عبّاس بن جعدة الجدلي : خبره في خروجه مع مسلم بن
عقيل في أربعة آلاف.
قال سيّدنا شرف الدين في كتابه القيّم
المراجعات : نصّ على تشيّع أبيه أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السّبيعي الهمداني
الكوفي ، كلّ من ابن قتيبة في معارفه ، والشهرستاني في الملل والنحل. وكان من رؤوس
المحدّثين الذين لا يحمد النواصب مذاهبهم في الفروع والأصول ، إذ نسجوا فيها على
منوال أهل البيت (عليهم السّلام) ، وتعبّدوا باتّباعهم في كلّ ما يرجع إلى الدين ؛
ولذا قال الجوزجاني ـ كما في ترجمة زبيد من الميزان ـ : كان من أهل الكوفة قوم لا يحمد
النّاس مذاهبهم ، هم رؤوس محدّثي الكوفة مثل : أبي إسحاق ومنصور ، وزبيد اليامي
والأعمش ، وغيرهم من أقرانهم احتملهم النّاس لصدق ألسنتهم في الحديث وتوقّفوا
عندما أرسلوا ، وممّا توقّف النواصب فيه من مراسيل أبي إسحاق ، ما رواه عمر بن
اسماعيل ـ كما في ترجمته في الميزان
، عن أبي إسحاق ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «مثل علي كشجرة أنا
أصله ، وعلي فرعها ، والحسن والحسين ثمرها والشيعة ورقها».
ثمّ قال السيّد : وما قال المغيرة ـ كما
في الميزان ـ : ما أفسد حديث أهل الكوفة غير أبي إسحاق والأعمش ، أو أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق
وأعيمشكم هذ
، إلاّ لكونهما شيعيّين مخلصين لآل محمّد (صلّى الله عليه وآله) حافظين ما جاء في
السّنة من خصائصهم (عليهم السّلام).
ثمّ قال : احتجّ بكل منهما أصحاب الصحاح
الستّة وغيرهم .
وُلد ـ كما في الوفيات ـ لثلاث سنين
بقين من خلافة عثمان ـ أي : في سنة
_________________
(٣٣ هـ) وتوفّي سنة
(١٣٢ هـ) ، كما عن ابن معين والمدائني.
روى عنه ابنه يونس بن أبي إسحاق المتوفّى
(١٥٩ هـ) ، وهو في عشر التسعين إنْ لمْ يكن تجاوزها ـ كما في الميزان ـ ، وهذا هو الذي روى عن عبّاس بن جعدة
، لأبي مِخْنف خبر خروج مسلم في الكوفة ، وله في الطبري غير هذا الخبر خبراً آخر
لمْ يسنده إلى أحد ، في بعث ابن زياد الجيوش لحصر الحسين (عليه السّلام) قبل دخوله
الكوفة ٥ / ٣٩٤ ، وله في الطبري أحد عشر خبراً آخر عن أبي مِخْنف عنه ، وثلاثه عشر
خبراً آخر عن غير أبي مِخْنف عنه.
وقال في تهذيب التهذيب : ذكره ابن حبّان
في الثقات. وقال ابن معين : ثقة. وقال أبو حاتم : كان صدوق. وقال النّسائي : لا
بأس به. وقال ابن عدي : له أحاديث حسان روى عنه النّاس. وقال : مات سنة (١٥٩ هـ) .
١٠ ـ سليمان بن أبي راشد الأزدي ، عن
عبد الله بن خازم البكري الأزدي ، وحميد بن مسلم الأزدي ، وأبي الكنود عبد الرحمن
بن عبيد ، أخبارهم.
له في الطبري عشرون خبراً أكثرها بواسطة
، كان حيّاً إلى سنة (٨٥ هـ) ٦ / ٣٦٠.
١١ ـ المجالد بن سعيد الهمداني ، عن
عامر الشعبي الهمداني : خبره عن قصر بني مقاتل ٥ / ٤٠٧ ، وله خبر آخر مرسل لمْ
يسنده إلى أحد في تخاذل النّاس عن مسلم بن عقيل ، وغربة مسلم ودخوله بيت طوعة ، وخطبة
ابن زياد ، وخبر بلال بن طوعة وبعث ابن زياد ابن الأشعث لقتال مسلم (عليه السّلام)
٥ / ٣٧١ ـ ٣٧٣.
له في الطبري سبعون خبراً أكثرها عن
الشعبي عنه ، وعبّر عنه أبو مِخْنف
_________________
بالمحدّث ٥ / ٤١٣.
وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ، فقال
: مشهور ، صاحب حديث. وذكر الأشبح : إنّه شيعي. مات مجالد سنة (١٤٣ هـ).
ثمّ روى الذهبي عن البخاري : أنّه روى
في ترجمة مجالد عنه ، عن الشعبي ، عن ابن عبّاس ، قال : لمّا ولدت فاطمة بنت رسول
الله (صلوات الله عليهما) سمّاها المنصورة. فنزل جبرائيل ، فقال : يا محمّد ، الله
يقرؤك السّلام ، ويقرئ مولودك السلام ، وهو يقول : «ما وُلد مولود أحبّ إليّ منه ،
وإنّه قد لقبّها باسم خير ممّا سمّيتها ، سمّاها : فاطمة ؛ لأنّها تفطم شيعتها من
النّار» .
ثمّ كذّب الذهبي الحديث بحجّة أنّها
وُلدت قبل البعثة ؛ ولهذا الحديث قِيل عنه : إنّه شيعى.
١٢ ـ قدامة بن سعيد بن زائدة بن قدامة
الثقفي ، عن جدّه زائدة بن قدامة : خبره عن خروج محمّد بن الأشعث لقتال مسلم بن
عقيل (عليه السّلام) وأسره وعن استسقائه على باب القصر وسقيه ٥ / ٣٧٣ ـ ٣٧٥.
ذكره الطبري ولمْ يسند خبره عن أبيه أو
جدّه وهو لا يصحّ ـ ظاهراً ـ ، إذ أنّه لمْ يُدرك أحداث الكوفة ، وإنّما أدركها
وباشرها جدّه زائدة ، وكان في جماعة عمرو بن حريث مع راية الأمان لابن زياد في
المسجد الجامع بالكوفة ، إذ وجّه إليهم ابن زياد أنْ يبعثوا مع محمّد بن الأشعث
لقتال مسلم سبعين رجلاً من قيس ٥ / ٣٧٣ ، فشفع لابن عمّه المختار ٥ / ٥٧٠.
وأمّا قدامة بن سعيد ، فقد ذكره الشيخ (ره)
في طبقة أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام)
وسبقت ترجمته قبل هذا ، فراجع.
_________________
١٣ ـ سعيد بن مدرك بن عمارة بن عقبة بن
أبي معيط الاُموي ، عن جدّه عمارة بن عقبة : خبر إرساله غلامه قيساً إلى بيته ؛
ليأتيه بماء يسقي منه مسلم بن عقيل على باب قصر الإمارة قبل إدخاله على ابن زياد ٥
/ ٣٧٦ ، والنصّ : حدّثني سعيد ... أنّ عمارة بن عقبة ... ، وظاهره المباشرة من دون
إسناد ، وذلك بعيد جدّاً ، والظاهر أنّه يروي عن جدّه عمارة ، ورجّحنا عليه خبر
قدامة بن سعيد أنّ الذي أتى بالماء هو مرو بن حريث ، وليس عمارة لمَا ذكرناه في
موضعه من الكتاب.
١٤ ـ أبو جناب يحيى بن أبي حيّة الوداعي
الكلبي ، عن عدي بن حرملة الأسدي عن عبد الله بن سُليم والمذُري بن المشمعل
الأسديّين ، وعن هانئ بن ثبيت الحضرمي ، أخبارهم.
وقد يرسل من دون إسناد ، فمن ذلك خبر
مقابلات أصحاب مسلم لابن زياد ٥ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ، وبعث ابن زياد برؤوس مسلم وهانئ ـ
رحمهما الله ـ إلى يزيد ، وكتابه إليه في ذلك ٥ / ٣٨٠ ـ والظاهر ـ كما سبق أنّه
يُرويها عن أخيه هانئ بن أبي حيّة الوداعي الكلبي الذي بعثه ابن زياد بكتابه وبرأس
مسلم إلى يزيد ٥ / ٣٨٠.
وله في الطبري ثلاثة وعشرون خبراً ، ٩
منها عن : حرب الجمل وصفّين والنّهروان ـ بالواسطة ـ ، وتسعة منها عن كربلاء ، خمسة
منها بالواسطة وثلاث بالإرسال ؛ فالظاهر : أنّها أيضاً مسندة في الواقع ، وأنّه
لمْ يكن ممّن باشر الأحداث وإنْ كان قد عاصرها كما يبدو.
وآخر عهدنا به روايته ـ بالإرسال ـ كتاب
مصعب بن الزبير إلى إبراهيم بن الأشتر ـ بعد المختار ـ يدعوه إلى نفسه سنة (٦٧ هـ)
٦ / ١١١.
قال في تهذيب التهذيب : ذكره ابن حبّان
في الثقات. وقال ابن نمير وابن خراش ، وأبو زرعة والسّاجي : كوفيّ صدوق. وقال أبو
نعيم : لا بأس به ،
مات سنة خمسين ومئة.
وقال ابن معين : ما سنة (١٤٧ هـ) .
١٥ ـ الحارث بن كعب بن فقيم الوالبي
الأزدي الكوفي ، عن عقبة بن سمعان ، عن علي بن الحسين ، وعن فاطمة بنت علي (عليهما
السّلام).
كان هذا من أصحاب المختار ٦ / ٢٣ ، ولكنّه
انتقل بعده إلى القول بإمامة علي بن الحسين (عليهما السّلام) والرواية عنه ٥ / ٣٨٧
ويبدو أنّه كان قد انتقل من الكوفة إلى المدينة ، حيث سمع من الإمام زين العابدين
، ومن فاطمة بنت علي (عليهما السّلام) ٥ / ٤٦١.
ذكره الشيخ في رجاله في : أصحاب علي بن
الحسين (عليه السّلام) ، إلاّ أنّه ـ في طعبة النّجف ـ ذكره الحرّ بن كعب الأزدي
الكوفي ، وذكر المحقّق الحارث عن نسخة أخرى ـ في الهامش ـ وهو الصحيح.
١٦ ـ إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي
كريمة السدّي الكوفي ، عن فزاري : خبر زهير بن القين.
ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال وقال : رُمي
بالتشيّع ، وأنّه كان يشتم أبابكر وعمر. وقال ابن عدي : هو عندي صدوق. وقال أحمد :
ثقة. وقال يحيى بن سعيد : ما رأيت أحداً يذكر السدّي إلاّ بخير وما تركه أحد ، روى
عنه شعبة والثوري .
وله في الطبري أربع وثمانون خبراً إلى
ما بعد المئة من الهجرة.
وذكر في تهذيب التهذيب والكاشف . مات سنة (١٢٧ هـ) ، كان يقعد في سدّة
باب الجامع بالكوفة فسمّي : السُدّي ، وهو مولى قريش. روى عن
_________________
الحسن (عليه السّلام).
١٧ ـ أبو علي الأنصاري ، عن بكر بن مصعب
المُزنيّ : خبره عن مقتل عبد الله بن يقطر ، ليس له في الطبري غير هذا ، وليس له
في الرجال شيء.
١٨ ـ لوذان ، عن عمّه : خبر لقائه
الحسين (عليه السّلام) في الطريق ، لا يُعرف.
١٩ ـ جميل بن مرثد الغنوي ، عن الطرّماح
بن عدي الطائي ، خبره.
٢٠ ـ أبو زهير النضر بن صالح بن حبيب
العبسي ، عن حسّان بن فائد بن بكير العبسي ، كتاب ابن سعد إلى ابن زياد وجوابه
إليه ، وعن قرّة بن قيس التميمي : خبره عن الحرّ.
له في الطبري واحد وثلاثون خبراً. وقد
أدرك أيّام المختار ٦ / ٨١ ، ثمّ خرج مع عسكر مصعب بن الزبير لحرب قُطريّ الخارجي
سنة (٦٨ هـ) ٦ / ١٢٧ ، ثمّ صار بوّاباً للمطرّف بن المغيرة بن شعبة الثقفي الخارجي
في المدائن سنة (٧٧ هـ). وكان شابّاً أغيدَ يقف على رأسه بالسّيف (٦ / ٢٨٧ ـ ٢٨٩) وحارب
مع مطرّف جيش الحجّاج سنة (٧٧ هـ) ٦ / ٢٩٨ ، ثمّ رجع إلى الكوفة ٦ / ٢٩٩.
ذكره الإمام الرازي في الجرح والتعديل
وقال ، سمعت أبي يقول : إنّ أبا مِخْنف روى عنه ، وهو روى عن علي (عليه السّلام) بواسطة
.
٢١ ـ الحارث بن حصيرة الأزدي ، عن عبد
الله بن شريك العامري النّهدي ، وعنه عن علي بن الحسين (عليه السّلام).
ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ، وقال ،
قال أبو أحمد الزبيري : كان يؤمن بالرّجعة. وقال يحيى بن معين : ثقة ، خشبي منسوب
إلى خشبة صلب عليها زيد بن علي. وقال ابن عدي : هو من المحترقين بالكوفة في
التشيّع. وقال أبو
_________________
حاتم الرازي : هو من
الشيعة العتّق ، لولا أنّ الثوري روى عنه لترك .
وروى الذهبي في ترجمة نفيع بن الحارث
النَّخعي الهمداني الكوفي الأعمى ، عن الحارث بن حصيرة ، وقال : صدوق ، لكنّه
رافضي. عن عمران بن حصين قال : كنت جالساً عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وعلي
(ع) إلى جنبه ، إذ قرأ النبيّ : «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ
وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ» .
فارتعد علي (ع) فضرب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بيده على كتفه ، فقال : «ولا
يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق إلى يوم القيامة» .
وله عشرة أخبار في الطبري ، كلّها عن
أبي مِخْنف عنه.
وذكره الشيخ الطوسي ـ في الرجال ـ في
طبقة أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) .
٢٢ ـ عبد الله بن عاصم الفائشي الهمداني
، عن الضحّاك بن عبد الله المشرقي الهمداني أخباره.
ذكر الأردبيلي في جامع الرواة : أنّ له
رواية في الكافي في وقت التيمّم عن الإمام الصادق (عليه السّلام). وذكره العسقلاني
في التهذيب. وفي بصائر الدرجات روى عنه ابن بن عثمان وجعفر بن بشير .
٢٣ ـ أبو الضحّاك ، عن علي بن الحسين (عليه
السّلام) : حديث ليلة عاشوراء.
_________________
وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ٤ / ٥٤٠
، ط حيدرآباد ، والعسقلاني في تهذيب التهذيب ١٢ / ١٣٦ ، روى عنه شعبة.
٢٤ ـ عمرو بن مرّة الجملي ، عن أبي صالح
الحنفي ، عن غلام عبد ربّه الأنصاري : خبره عن مهازلة مولاه لبُرير بن خضير ٥ / ٤٢٣.
ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ٣ / ٢٨٨
، والعسقلاني في تهذيب التهذيب ٨ / ١٠٢. وقال ذكره ابن حبّان في الثقات ، وقال : مات
سنة (١١٦ هـ). وزكّاه أحمد بن حنبل ، وقال : مات سنة (١١٨ هـ). وقال البخاري : له
عن علي (عليه السّلام) نحو من مئتي حديث. وقال شعبة : هو أكثرهم علماً. وقال أبو
حاتم : هو صدوق ثقة. وقال ابن معين : هو ثقة.
٢٥ ـ عطاء بن السّائب ، عن عبد الجبّار
بن وائل الحضرمي ، عن أخيه مسروق بن وائل الحضرمي : خبره عن مقتل ابن حوزة في بدء
القتال ٥ / ٤٣١.
وذكر العسقلاني في تهذيب التهذيب عبد
الجبّار بن وائل ، وقال : روى عن أخيه. وذكره ابن حبّان في الثقات ، وقال : مات
سنة (١١٢ هـ). وعطاء مكّي أدرك هدم عبد الله بن الزبير للكعبة وبناءه لها سنة (٦٤
هـ) ٥ / ٥٨٢ ، ولمْ يقتله الحجّاج سنة (٩٤ هـ) ٦ / ٤٨٨.
قال في تهذيب التهذيب : ذكره ابن حبّان
في الثقات ، وابن سعد في الطبقات ، وقال : مات سنة (١٣٧ هـ).
٢٦ ـ علي بن حنظلة بن أسعد الشبامي
الهمداني ، عن كثير بن عبد الله الشعبي الهمداني : خبره عن خطبة زهير بن القين ٥ /
٤٢٦.
وعلي بن حنظلة ، هو : ابن حنظلة بن أسعد
الشبامي المقتول من أصحاب الحسين (عليه السّلام) ، ويظهر أنه إمّا لمْ يكن حاضراً
كربلاء ، أو استُصغر فلمْ يقتل ولمْ يروِ شيئاً مباشرةً ، وروى هذا الخبر هنا عن
كثير بن عبد الله الشعبي
قاتل زهير بن القين.
٢٧ ـ الحسين بن عقبة المرادي ، عن
الزبيدي : حملة عمرو بن الحجّاج الزبيدي.
٢٨ ـ أبو حمزة ، ثابت بن دينار الثمالي
، عن عبد الله الثمالي ، عن القاسم بن بخيت : خبره عن السّبايا في الشام ٥ / ٤٦٥ ،
وأبو حمزة أشهر من أنْ يُذكر.
٢٩ أبو جعفر العبسي ، عن أبي عمارة
العبسي : خبره عن أبيات يحيى بن الحكم.
فهؤلاء تسع وعشرون شخصاً من الرواة
الوسائط بين أبي مِخْنف والمباشرين.
القائمة السّادسة :
روايات الأئمة (عليهم السّلام) أو
الرواة من أصحابهم والمؤرخين ، وهم خمسة عشر رجلاً :
١ ـ الإمام علي بن الحسين زين العابدين
(عليه السّلام) : كتاب عبد الله بن جعفر إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) مع ولديه
عون ومحمّد ، وكتاب عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق مع أخيه يحيى بن سعيد بن العاص
إلى الإمام وجوابه إليه ، عند خروجه من مكّة بواسطة الحارث بن كعب الوالبي الأزدي
، عنه (عليه السّلام) ٥ / ٣٨٧ ـ ٣٨٨ ، واستهمال للإمام (عليه السّلام) ليلة
عاشوراء ، وخطبة على أصحابه ، بواسطة الحارث بن كعب الوالبي الأزدي ، عن عبد الله
بن شريك العامري النهدي ، عنه (عليه السّلام) ٥ / ٤١٨ ، وأبيات الإمام الحسين (عليه
السّلام) ليلة عاشوراء ، ومقالة زينب (عليها السّلام) وجواب الإمام لها ، بواسطة
الحارث بن كعب الوالبي الأزدي ، وأبي الضحّاك ٥ / ٤٢٠ ـ ٤٢١.
٢ ـ الإمام محمّد بن علي بن الحسين (عليه
السّلام) : مقتل الرضيع ، بواسطة عقبة بن بشير الأسدي ٥ / ٤٤٨ ـ.
٣ ـ الإمام جعفر بن محمّد بن علي بن
الحسين : عدد طعنات وضربات جسد الإمام الحسين (عليه السّلام) مرسلاً ٥ / ٤٥٣.
٤ ـ زيد بن علي بن الحسين (عليه السّلام)
، وداود بن عبد الله بن عبّاس مقالة أولاد عقيل ٥ / ٣٩٧ ـ.
والراوي عنهما ، هو : عمرو بن خالد
الواسطي ، مولى بني هاشم ، كان بالكوفة ثمّ انتقل إلى واس ط روى عن زيد والإمام
الصادق (عليه السّلام).
ذكره النجّاشي ، وقال : له كتاب كبير
رواه عنه نصر بن مزاحم المنقري وغيره ٢٠٥ ـ ط الهند ـ ، وعدّه الشيخ في أصحاب
الإمام الباقر (عليه السّلام) ١٢٨ ـ ط النّجف ـ ، وذكره المامقاني في التنقيح ٢ / ٣٣٠
، وكذلك العسقلاني في تهذيب التهذيب ٨ / ٣٦.
٥ ـ فاطمة بنت علي (عليهما السّلام) ـ
كما ذكرها الطبري ـ : مجلس يزيد ، بواسطة الحارث بن كعب الوالبي الأزدي ، عنها ٥ /
٤٦١ ، ٤٦٢ ، ولا يُخفى أنّ الراوي عنها وعن الإمام السجّاد (عليه السّلام) واحد.
٦ ـ أبو سعيد عقيصا بواسطة بعض أصحابه :
مقابلة ابن الزبير للإمام بالمسجد الحرام محرماً ٥ / ٣٨٥.
عدّه العلاّمة في القسم الأوّل ـ من
الخلاصة ـ في طبقة أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وذكره الذهبي في (ميزان الاعتدال)
فقال : روي عن علي عليه السّلام ، ثمّ قال ، قال شعبة : ثقة اسمه دينار ، شيعي مات
سنة (١٢٥ هـ)
_________________
وقد سبقت ترجمته ، فراجع.
٧ ـ محمّد بن قيس : خبر كتاب الإمام (عليه
السّلام) مع قيس بن مصهر الصيداوي إلى أهل الكوفة ، ومقتله ، وكتاب مسلم بن عقيل
إلى الإمام ، ومقالة عبد الله بن مطيع العدوي للإمام (عليه السّلام) وجوابه ، مرسلاً
٥ / ٣٩٤ ، ٣٩٦ ومقتل حبيب بن مظاهر ، مرسلاً ٥ / ٤٤٠.
ذكر الكشّي : أنّه أبلغ الإمام الباقر (عليه
السّلام) ، فنهاه عن السّماع عن فلان وفلان
، وذكره مدافعاً عن إمامة الإمام الباقر (عليه السّلام) .
وذكره النجّاشي ، فقال : ثقة عين كوفي ،
روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله .
وذكره الشيخ في الفهرست برقم : (٥٩١ ، ٦٤٤)
، وفي
الرجال : في طبقة أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام) ذكر أربعة بهذا الإسم ، وكذلك العلاّمة في الخلاصة .
٨ ـ عبد الله بن شريك العامري النهدي : عن
علي بن الحسين (عليه السّلام) استمهال الحسين (عليه السّلام) ليلة عاشوراء ، وخطبة
الإمام على أصحابه وأبيات الإمام الحسين (ع) ليلة عاشوراء ، ومقالة زينب (عليها
السّلام) وجواب الإمام لها ٥ / ٤١٨ ، ٤٢٠ ، وروى مرسلاً : قدوم شمر إلى كربلاء
بكتاب الأمان لإخوة العبّاس (عليه السّلام) ، وزحف ابن سعد إلى الإمام (عليه
السّلام) عشيّة
_________________
التاسع من المحرّم ٥
/ ٤١٥ ، ٤١٦.
ذكر الكشّي : أنّه من حواري الصادقين (عليه
السّلام) .
وفي حديث : أنّه يكرّ بين يدي القائم عجّل الله فرجه . وفي حديث : أنّه يكون يومذاك صاحب
لواء .
ويظهر من الطبري : أنّه كان من رؤساء
أصحاب المختار ٦ / ٤٩ ، ٥١ ، ١٠٤ ، ثمّ صار في أصحاب مصعب ٦ / ١٦١ ، ثمّ خرج من
عتده بأمان عبد الملك بن مروان سنة (٧٢ هـ) ٦ / ١٦١ ، فلعلّه تاب بعد هذا وصار من
أصحاب الأئمة (عليه السّلام).
٩ ـ أبو خالد الكابلي : دعاء الإمام
الحسين (عليه السّلام) صبيحة عاشوراء ، مرسلاً ٥ / ٤٢٣.
ذكره الطبري : أبا خالد الكاهلي ، ولا
يوجد له ذكر بهذا الاسم في كتب الرجال ، والمشهور الموجود ما ذكرناه ، وهو الصحيح.
ذكر الكشّي : أنّه هرب من الحجّاج إلى
مكّة وأخفى بها نفسه ، فنجا من الحجّاج وخدم محمّد بن الحنفية قائلاً بإمامته ، ثمّ
عدل عنه إلى الإمام السجّاد (عليه السّلام)
وأصبح من حواري أصحابه (عليه السّلام)
وخدمه دهراً من عمره ، ثمّ خرج إلى بلاده .
وذكره الشيخ ـ في الرجال ـ في طبقة
أصحاب الإمام السجّاد
_________________
(عليه السّلام) .
ويبدو لي : أنّه كان من الموالي الذين
كانوا مع المختار ؛ ولهذا كان قائلاً بإمامة محمّد بن الحنفيّة ، وهرب من الحجّاج
ولا داعي لهروبه من الحجّاج إلاّ ذلك.
١٠ ـ عُقبة بن بشير الأسدي ، عن الإمام
الباقر (عليه السّلام) : مقتل الرضيع ٥ / ٤٥٣.
ذكره الكشّي ، وقال : استأذن الإمام
الباقر (عليه السّلام) أنْ يكون عرّيفاً للسلطان على قومه فلمْ يأذن له ، وروى
خبره هذا في مقتل الرضيع .
وذكره الشيخ ـ في الرجال ـ في طبقة
أصحاب علي بن الحسين
والباقر (عليهما السّلام) .
ولعقبة الأسدي في الطبري مقطوعة يرثي
بها أصحاب المختار ٦ / ١١٦.
١١ ـ قدامة بن سعيد بن زائدة بن قدامة
الثقفي ، عن جدّه زائدة : خبر خروج محمّد بن الأشعث بن قيس الكندي لقتال مسلم بن
عقيل وأسره ٥ / ٣٧٣ ، وعن استسقائه على باب القصر وسقيه ٥ / ٣٧٥.
ذكره الشيخ في طبقة أصحاب الإمام الصادق
(عليه السّلام) .
١٢ ـ الحارث بن كعب الوالبي الأزدي ، عن
عقبة بن سمعان ، وعن علي بن الحسين (عليه السّلام) ، وعن فاطمة بنت علي (عليهما
السّلام).
كان من أصحاب المختار ٦ / ٢٣ ، ثمّ
انتقل إلى المدينة فسمع من الإمام
_________________
(عليه السّلام).
ذكره الشيخ ـ في رجاله ـ في أصحاب علي
بن الحسين (عليه السّلام) .
١٣ ـ الحارث بن حُصيرة الأزدي ، عن عبد
الله بن شريك العامري النهدي ، عنه عن علي بن الحسين (عليه السّلام) ، زضت ترجمته.
ذكره الشيخ ـ في رجاله ـ في أصحاب علي والباقر
(عليهما السّلام) .
١٤ ـ أبو حمزة ، ثابت بن دينار الثمالي
الأزدي بالولاء ، عن القاسم بن بُخيت : خبره عن السّبايا في الشام ٥ / ٤٦٥.
ذكره الكشّي ، فروى عن الإمام الرضا (عليه
السّلام) ، أنّه قال : «أبو حمزة الثمالي في زمانه كـ : (لقمان) في زمانه ؛ وذلك
أنّه خدم أربعة منّا : علي بن الحسين ومحمّد بن علي ، وجعفر بن محمّد وبرهة من عصر
موسى بن جعفر» .
وسأل عامر بن عبد الله بن جذاعة الأزدي
أبا عبد الله (عليه السّلام) عن المسكر؟ فقال : «كلّ مسكر حرام». ثمّ قال : «ولكن
أبا حمزة يشرب». فلمّا بلغ ذلك أبا حمزة ، تاب وقال : أستغفر الله منه الآن وأتوب
إليه .
ودخل أبو بصير على الإمام الصادق (عليه
السّلام) فسأله عن أبي حمزة؟ فقال : خلّفته عليل. فقال (ع) : «إذا رجعت إليه ، فاقرأه
منّي السّلام وأعلمه إنّه يموت في شهر كذا ، في يوم كذا» .
وقال علي بن الحسن بن فضّال : إنّ أبا
حمزة ، وزرارة ، ومحمّد بن مسلم ماتوا في سنة واحدة ، بعد أبي عبد الله (عليه
السّلام) بسنة أو بنحو منه .
وذكره النجّاشي فقال :
مولى كوفي ثقة ، قال محمّد بن عمر
الجعابي التميمي : هو مولى المهلّب ابن
_________________
أبي صفرة وأولاده : حمزة
ومنصور ونوح قُتلوا مع زيد بن على بن الحسين (عليه السّلام).
لقي علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد
الله وأبا الحسن (عليهم السّلام) وروى عنهم. وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم
ومعتمديهم في الرواية والحديث .
وذكره الشيخ في الفهرست ، وفي الرجال في طبقة أصحاب الإمام
السجّاد
والإمام الباقر
، والإمام الصادق
والإمام الكاظم (عليهم السّلام) .
وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ، والعسقلاني في تهذيب التهذيب .
فهؤلاء أربعة عشر شخصاً من الأئمة (عليهم
السّلام) وأصحابهم ممّن وقع في إسناد الكتاب.
وهناك من روى عنه أبو مِخْنف شيئاً من
التاريخ من دون أنْ يكون مشاهداً ، بل مؤرخاً ، كعون بن أبي جحيفة السّوائي الكوفي
المتوفّي (١١٦ هـ) ، كما في تقريب التهذيب : تاريخ خروج الإمام (عليه السّلام) من
المدينة إلى مكّة ، ومدّة مكثه بها وخروجه منها ... بواسطة الصقعب بن زهير.
نكتفي بهذا المقدار من تقديمنا لهذا
الكتاب راجين الله العزيز أنْ يوفقنا لمراضيه وخدمة أبي الضيم ، سيّد الشهداء
الحسين بن علي (عليهما السّلام) وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربّ العالمين.
_________________
بسم الله الرحمن الرحيم
[الحسين (عليه السّلام) في
المدينة]
[وصيّة معاوية]
ذكر الطبري في تاريخه ٥ / ٣٢٢ : ثمّ
دخلت سنة ستّين ... وفيها كان آخذ معاوية على الوفد الذين وفدوا إليه مع عبيد الله
بن زياد ، البيعة ليزيد حين دعاهم إلى البيعة ... وكان عهده الذي عهد ، ما ذكره
هشام بن محمّد ، عن أبي مِخْنف قال : حدّثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد
الله بن مخرمة :
إنّ معاوية لمّا مرض مرضته التي هلك
فيها دعا يزيد ابنه
، فقال : يا
_________________
بنيّ ، إنّي قد
كفيتك الرحلة والترحال ووطّأت لك الأشياء ، وذلّلت لك الأعداء وأخضعت لك أعناق
العرب ، وجمعت لك من جمع واحد
، وإنّي لا أتخوّف أنْ ينازعنّك هذا الأمر الذي استتبّ لك ، إلا أربعة نفر من قريش
: الحسين بن عليّ
،
_________________
وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن بن أبي بكر .
فأمّا عبد الله بن عمر ، فرجل قد وقذته العبادة ، وإذا لمْ يبقَ أحد غيره
بايعك ؛
وأمّا الحسين بن علي (ع) ، فانّ أهل
العراق لن يدعوه حتّى يخرجوه
فإنْ
_________________
خرج عليك فظفرت به
فاصفح عنه
؛ فانّ له رحماً ماسّةً ، وحقّاً عظيماً.
وأمّا ابن أبي بكر ، فرجل إنْ رأى
أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثلهم ، ليس له همّة إلا ّفي النّساء واللّهو.
وأمّا الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك
مراوغة الثعلب ، فاذا أمكنته فرصة وثب ، فذاك ابن الزبير؛ فإنْ هو فعلها بك ، فقطّعه
إرباً إرب .
[هلاك معاوية]
[ثمّ مات معاوية لهلال رجب من سنة ستّين
من الهجرة] .
[فـ] خرج الضحّاك بن قيس [الفهري] حتّى صعد المنبر ، وأكفان معاوية على
يديه تلوح ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : إنّ معاوية كان عود العرب وحدّ
العرب ، قطع الله به الفتنة وملّكه على العباد ، وفتح به البلاد ، ألاَ إنّه قد
مات ؛ فهذه أكفانه فنحن مدرجوه فيها ومدخلوه قبره ، ومخلّون بينه وبين عمله ، ثمّ
هو البرزخ إلى يوم القيامة ، فمن كان منكم يريد أنْ يشهده ، فليحضر عند [الزوال].
_________________
وبعث البريد إلى يزيد بوجع معاوية ، فقال يزيد في ذلك :
جاء البريد بقرطاس يخبّ به
|
|
فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
|
قلنا لك الويل ماذا في كتابكم
|
|
كأنّ أغبر من أركانها انقطعا
|
_________________
من لا تزل نفسه توفى على شرف
|
|
توشك مقاليد تلك النفس أن تقعا
|
لمّا انتهينا وباب الدار منصفق
|
|
وصوت رملة ريع القلب فانصدع
|
[كتاب يزيد إلى الوليد]
ولّي يزيد في هلال رجب سنة ستّين ، وأمير
المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان
، وأمير مكّة عمرو بن سعيد بن العاص
،
_________________
وأمير الكوفة
_________________
النّعمان بن بشير
الأنصاري
، وأمير البصرة عبيد الله بن زياد .
_________________
ولمْ يكن ليزيد همّة إلاّ بيعة النفر
الذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد ـ حين دعا النّاس إلى بيعته وأنّه
وليّ عهده من بعده ـ والفراغ من أمرهم.
فكتب إلى الوليد : بسم الله الرحمن
الرحيم ، من يزيد ، أمير المؤمنين إلى الوليد بن عُتبة ... أمّا بعد ، فانّ معاوية
كان عبداً من عباد الله ، أكرمه الله واستخلفه ، وخوّله ومكّن له ، فعاش بقدر ومات
بأجل فرحمه الله ، فقد عاش محموداً ، ومات برّاً تقياً ، والسّلام.
وكتب إليه في صحيفة كأنّها أذن فارة : أمّا
بعد ، فخذ حسين (ع) ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً
شديداً ليست فيه رخصة حتّى يبايعو ، والسّلام
و .
_________________
فلمّا أتاه نعي
معاوية
، فَضَع به وكبّر عليه فبعث إلى مروان بن الحكم .
_________________
فدعاه إليه .
[استشارة مروان]
فلما قرأ عليه كتاب يزيد استرجع وترحّم
عليه ، واستشاره الوليد في الأمر ، وقال : كيف ترى أنْ نصنع؟ قال : فإنّي أرى أنْ
تبعث السّاعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة ، فإنْ فعلوا
قبلت منهم وكففت عنهم ، وإن أبوا قدّمتهم وضربت أعناقهم قبل أنْ يعلموا بموت
معاوية ؛ فإنّهم إنْ علموا بموت معاوية وثب كلّ امرئ منهم في جانب وأظهر الخلاف
والمنابذة ، ودعا النّاس إلى نفسه .
[رسول البيعة]
فأرسل [الوليد] عبد الله بن عمرو بن
عثمان ـ وهو إذ ذاك غلام حدث
ـ إليهما يدعوهم فوجدهما في المسجد ، وهما جالسان فأتاهما في ساعة لمْ
_________________
يكن الوليد يجلس
فيها للنّاس ولا يأتيانه في مثله
، فقال : أجيبا الأمير
_________________
يدعوكما. فقالا له :
انصرف ، الآن نأتيه .
ثمّ أقبل أحدهما على الآخر ، فقال عبد
الله بن الزبير للحسين (عليه السّلام) : وظنّ فيما تراه بعث إلينا في هذه السّاعة
التي لمْ يكن يجلس فيه!
فقال الحسين (عليه السّلام) : «قد ظننت
[أنّ ] طاغيتهم قد
هلك ، فبعث
_________________
إلينا ؛ ليأخذنا
بالبيعة قبل أنْ يفشوَ في النّاس الخبر».
فقال [ابن الزبير] : وما أظنّ غيره ، فما
تريد أنْ تصنع؟
قال [الحسين (عليه السّلام)] : «أجمع
فتياني السّاعة ، ثمّ امشي إليه ، فإذا بلغت الباب احتبستهم عليه ، ثمّ دخلت عليه».
قال [ابن الزبير] : فإنّي أخافه عليك
إذا دخلت.
قال [الحسين (عليه السّلام)] : «لا آتيه
إلاّ وأنا على الامتناع قادر».
فقام فجمع إليه مواليه وأهل بيته ، ثمّ
أقبل يمشي حتّى انتهى إلى باب الوليد ، وقال (ع) لأصحابه : «إنّي داخل ، فإنْ
دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا ، فاقتحموا عليّ بأجمعكم ، وإلاّ فلا تبرحوا حتّى
أخرج إليكم» .
[الحسين (عليه السّلام) عند
الوليد]
فدخل عليه فسلّم بالإمرة ، ومروان جالس
عنده [وكان مروان قد جلس عن الوليد وصرمه من قبل ـ كما سبق].
فقال الحسين [عليه السّلام] ـ كأنّه لا
يظنّ ما يظنّ من موت معاوية ـ : «الصلة خير من القطيعة ، أصلح الله ذات بينكم».
فلمْ يُجيباه في هذا بشيء.
وجاء حتّى جلس ، فأقرأه الوليد الكتاب
ونعى له معاوية ودعاه إلى البيعة. فقال الحسين [عليه السّلام] : «إنّا لله وإنّا
إليه راجعون ... ، أمّا ما سألتني من البيعة ، فانّ مثلي لا يُعطي بيعته سراً ، ولا
أراك تجتزئ بها منّي سرّاً دون أنْ تُظهرها على رؤوس النّاس علانية». قال : أجل.
قال (ع) «فإذا خرجت إلى النّاس فدعوتهم إلى البيعة ، دعوتنا مع النّاس فكان أمراً
واحداً» .
_________________
وكان [الوليد] يحبّ العافية [من أمر
الحسين (ع)] ، فقال له : فانصرف على اسم الله حتّى تأتينا مع جماعة النّاس.
فقال له مروان : والله ، لئن فارقك
السّاعة ولمْ يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه ، احبس
الرجل ولا يخرج من عندك حتّى يبايع ، أو تضرب عنقه .
فوثب عند ذلك الحسين [عليه السّلام] ، فقال
: «يابن الزرقاء
، أنت تقتلني أمْ هو؟! كذبت والله ، وأثمت»
، ثمّ خرج فمرّ بأصحابه فخرجوا معه حتّى أتى منزله .
_________________
[الحسين (عليه السّلام) في
مسجد المدينة]
وتشاغلوا عن الحسين [عليه السّلام] بطلب
عبد الله بطلب عبد الله [ابن الزبير اليوم الأوّل
_________________
ثمّ صبيحة خروجه] حتّى
أمسوا.
ثمّ بعث [الوليد] الرجال إلى الحسين [عليه
السّلام] عند المساء [من هذا اليوم الثاني السّبت ال ثمن والعشرين من شهر رجب] ، فقال
أصبحوا ثمّ ترون ونرى ، فكفّوا عنه اللّيلة [الثانية ، أي : ليلة الأحد التاسع
والعشرين من شهر رجب] ولمْ يلحّوا عليه .
[ففي أوّل يوم من هذين اليومين خرج
الحسين (عليه السّلام) إلى مسجد المدينة معتمداً على رجلين كما] عن أبي سعيد
المقبري ، قال : نظرت إلى الحسين [عليه السّلام] داخلاً مسجد المدينة ، وإنّه
ليمشي وهو معتمد على رجلين ، يعتمد على هذا مرّة وعلى هذا مرّة ، وهو يتمثل بقول [يزيد]
ابن المفرّغ [الحميريّ] :
لا ذعرت السّوام في فلق الصبح
|
|
مُغيراً ، ولا دعيت يزيدا
|
يوم أعطى من المهابة ضيماً
|
|
والمنايا يرصدنني أن أحيد
|
قال ، فقلت في نفسي : والله ، ما تمثّل
بهذين البيتين إلاّ لشيء يريده.
فما مكث إلاّ يومين حتّى بلغني أنّه سار
إلى مكّة .
[موقف محمّد بن الحنفيّة]
[وأمّا محمّد بن الحنفيّة فإنّه لمّا سمع
بالأمر جاء إلى أخيه الحسين
_________________
(عليه السّلام و] قال
له : يا أخي ، أنت أحبّ النّاس إليّ وأعزّهم عليّ ، ولست أدّخر النّصيحة لأحد من
الخلق أحقّ بها منك ؛ تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، ثمّ
ابعث رسلك إلى النّاس فادعهم إلى نفسك ، فإنْ بايعوك حمدت الله على ذلك ، وإنْ
أجمع النّاس على غيرك لمْ ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولا يذّب به مرؤتك ولا
فضلك ، إنّي أخاف أنْ تدخل مصراً من هذه الأمصار وتأتي جماعة من النّاس فيختلفون
فيما بينهم ؛ فطائفة معك وأخرى عليك ، فيقتتلون فتكون لأوّل السّنة [غرضاً] ؛ فاذن
خير هذه الاُمّة كلّها نفساً وأباً واُمّاً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً.
فقال له الحسين [عليه السّلام] «فإنّي
ذاهب يا أخي».
فقال [محمّد بن الحنفيّة] فانزل مكّة ؛
فإنّ طمأنّت بك الدار فسبيل ذلك ، وإنْ نبتْ بك لحقت بالرّمال وشعف الجبال ، وخرجت من بلد إلى
_________________
بلد حتّى تنظر إلى
ما يصير النّاس ، وتعرف عند ذلك الرأي ؛ فانّك أصوب ما تكون رأياً وأحزمه عملاً [حين]
تستقبل الأمور استقبال ، ولا تكون الأمور عليك أبداً أشكل منها حين تستدبرها
استدبار.
فقال [له الحسين (عليه السّلام)] «يا
أخي ، قد نصحت فأشفقت ، فأرجو أنْ يكون رأيك سديداً موفّقاً» .
[خروج الحسين (عليه السّلام)
من المدينة]
[وقد كان الحسين (عليه السّلام) قال
للوليد] : «كفّ حتّى تنظر وننظر ، وترى ونرى». فتشاغلوا عن الحسين (عليه السّلام) بطلب
عبد الله [بن الزبير اليوم الأوّل ، ثمّ يوم خروجه] حتّى أمسوا. [فلمّا أمسوا] بعث
[الوليد] الرجال إلى الحسين (عليه السّلام) عند المساء [من هذا اليوم الثاني
السّبت ، السّابع والعشرين من شهر رجب] فقال (عليه السّلام) : «أصبحوا ثمّ ترون
ونرى». فكفّوا عنه تلك اللّيلة [الثانية ، أي : ليلة الأحد الثامن والعشرين من شهر
رجب] ولمْ يلحّوا عليه.
فخرج الحسين (عليه السّلام) من تحت
ليلته هذه [الثانية] ، وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستّين [من الهجرة] ببنيه
وإخوته وبني أخيه وجُلّ أهل بيته ، إلاّ محمّد بن الحنفيّة ، وهو يتلو هذه الآية : (فَخَرَجَ
مِنْهَا
_________________
خَائِفًا
يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) .
فلمّا دخل مكّة تلا هذه الآية : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ
تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيل)
و .
_________________
_________________
[الإمام الحسين (عليه
السّلام) في مكّة]
[الحسين (عليه السّلام) في
طريقه إلى مكّة]
قال عقبة بن سمعان خرجنا [من المدينة] فلزمنا
الطريق الأعظم ، فقال للحسين [(عليه السّلام) بعض] أهل بيته : لو تنكّبت الطريق
الأعظم ، كما فعل ابن الزبير ، لا يلحقك الطلب؟ قال (عليه السّلام) : «لا والله ، لا
أفارقه حتّى يقضي الله ما هو أحبّ إليه» .
[عبد الله بن مطيع العدوي]
فاستقبلنا عبد الله بن مطيع ، فقال
للحسين (عليه السّلام) : جعلت فداك ، أين تريد؟ قال (عليه السّلام) : «أمّا الآن
فإنّي أريد مكّة ؛ وأمّا بعدها
_________________
فإنّي أستخير الله.
[فـ] ـقال [عبد الله] خار الله لك ، وجعلنا
فداك ... فاذا أنت أتيت مكّة فإيّاك أنْ تقرب [الكوفة] فانّها بلدة مشؤومة؛ بها
قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه ، ألزم الحرم ، فانّك سيّد
العرب لا يعدل بك والله ، أهل الحجاز أحداً ، ويتداعى إليك النّاس من كلّ جانب ، لا
تفارق الحرم ، فداك عمّي وخالي فوالله ، لئن هلكت لنسترقنّ بعدك .
[الحسين (عليه السّلام) في
مكّة]
فأقبل حتّى نزل مكّة ، ودخل مكّة ليلة الجمعة لثلاث مضين من
شعبان . فاقام
بمكّة : شعبان وشهر رمضان ، وشوّال وذا القعدة إلى ثماني ذي الحجّة .
فأقبل أهلها يختلفون إليه ويأتونه ، ومَن
كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق.
وابن الزبير بها قد لزم الكعبة ، فهو
قائم يصلّي عامّة النّهار ويطوف ... ، ويأتي حسيناً (عليه السّلام) فيمَن يأتيه ، فيأتيه
اليومين المتواليين ، ويأتيه بين كلّ
_________________
يومين مرّة ... ولا
يزال يُشير عليه بالرأي ، وهو (عليه السّلام) أثقل خلق الله على ابن الزبير ؛ [لأنّه]
عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه ، ولا يتابعونه أبداً ما دام الحسين (عليه السّلام)
بالبلد ، وأنّ حسيناً (عليه السّلام) أعظم في أعينهم وأنفسهم ، وأطوع في النّاس
منه .
[كتب أهل الكوفة]
فلمّا بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية ، أرجف
أهل العراق بيزيد ، وقالوا :
_________________
قد امتنع حسين (عليه
السّلام) وابن الزبير ولحقا بمكّة .
[قال] محمّد بن بشر الهمداني : اجتمعـ [نا] في منزل سليمان بن ُصرد [الخزاعي فخطبنا] ، فقال : إنّ معاوية قد هلك ، وإنّ
حسيناً (عليه السّلام) قد تقبّض على القوم ببيعته ، وقد خرج إلى مكّة وأنتم شيعته
وشيعة أبيه ؛ فإنْ كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه ، فاكتبوا إليه ، وإنْ
خفتم الوهل
والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه.
[فـ] ـقالوا : لا ، بل نقاتل عدوّه ، ونقتل
أنفسنا دونه. قال : فاكتبوا إليه .
فكتبوا إليه :
(بسم الله الرحمن الرحيم ، للحسين بن
علي ، من سليمان بن ُصرد والمسيّب بن نجبة
،
_________________
ورفاعة بن شدّاد ، وحبيب بن مظاهر ، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل
الكوفة. سلام عليك : فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد ، فالحمد
لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد الذي انتزى على هذه الاُمّة ، فابتزّها وغصبها
فيئها ، وتأمر عليها بغير رضى منها ، ثمّ قتل خيارها واستبقى شرارها ، وجعل مال
الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها ، فبعداً له كما بعدت ثمود.
_________________
إنّه ليس علينا إمام ، فأقبل لعلّ الله
أنْ يجمعنا بك على الحقّ ، والنّعمان بن بشير في قصر الإمارة ، لسنا نجتمع معه في
جمعة ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نلحقه
بالشام إنْ شاء الله ، والسّلام عليك ورحمة الله .
ثمّ سرّحنا بالكتاب مع عبد الله بن سبع
الهمداني
وعبد الله بن وال [التميمي] .
فخرج الرجلان مسرعين حتّى قدما على
الحسين (عليه السّلام) بمكّة ، لعشر مضين من شهر رمضان .
ثمّ لبثنا يومين ، ثمّ سرّحنا إليه قيس
بن مسهر الصيداوي
وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي
وعمارة بن عبيد السّلولي
، فحملوا معهم
_________________
نحواً من [مئة] وخمسين
صحيفة من الرجل
والاثنين والأربعة.
قال : ثمّ لبثنا يومين آخرين ، ثمّ
سرّحنا إليه هانئ بن هانئ السّبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي وكتبنا معهما :
بسم الله الرحمن الرحيم ، للحسين بن علي
، من شيعته من المؤمنين والمسلمين ، أمّا بعد ، فحيّ هلاّ ؛ فإنّ النّاس ينتظرونك
، ولا رأي لهم في غيرك ، فالعجل العجل! والسّلام عليك .
وكتب شبث بن ربعي .
_________________
وحجّار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم ، وعزرة بن قيس .
_________________
وعمرو بن الحجّاج الزبيدي ومحمّد بن عمر التميمي :
أمّا بعد ، فقد اخضرّ الجنان وأينعت
الثمار ، وطمّت الجُمام
، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجنّد. والسّلام عليك .
_________________
[جواب الإمام الحسين (عليه
السّلام)]
وتلاقت الرسل كلّها عنده فقرأ الكتب ، وسأل
الرسل عن أمر النّاس.
ثمّ كتب مع هانئ بن هانئ السّبيعي ، وسعيد
بن عبد الله الحنفي ـ وكانا آخر الرسل ـ :
«بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن
علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين ، أمّا بعد ، فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليّ
بكتبكم ـ وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم ـ ، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة
جلّكم إنّه ليس علينا إمام فأقبل ، لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ.
وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من
أهل بيتي : مسلم بن عقيل ، وأمرته أنْ يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم.
فإنْ كتب إليّ أنّه قد أجمع رأي ملئكم ،
وذوي الفضل والحجى منكم ، على مثل ما قدمتْ عليّ به رسلكم وقرأت في كتبكم ، أقدم
عليكم وشيكاً ـ إنْ شاء الله ـ فلعمري ، ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب والأخذ
بالقسط ، والدائن بالحقّ والحابس نفسه على ذات الله. والسّلام» .
[سفر مسلم (عليه السّلام)]
ثمّ دعا مسلم بن عقيل فسرّحه مع قيس بن
مسهر الصيداوي
وعمارة بن عبيد السّلولي
وعبد الرحمن عبد الله بن الكدن الأرحبي
فأمره بتقوى الله ،
_________________
وكتمان أمره واللطف
، فإنْ رأى النّاس مجتمعين مستوسقين ، عجّل إليه بذلك.
فأقبل مسلم حتّى أتى المدينة ، فصلّى في
مسجد رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، وودّع مَن أحبّ من أهله ، ثمّ
استأجر دليلين من قيس فأقبلا به ، فضّلا الطريق وجارا وأصابهم عطش شديد ، وقال
الدليلان : هذا الطريق [خذه] حتّى تنتهي إلى الماء ... وذلك بالمضيق من بطن الخبيت
.
[كتاب مسلم إلى الإمام (عليه
السّلام) من الطريق]
فكتب مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر
الصيداوي إلى الحسين (عليه السّلام) :
أمّا بعد ، فأنّي أقبلت من المدينة معي
دليلان لي ، فجارا عن الطريق وضلاّ واشتدّ علينا العطش ، فلمْ يلبثا أنْ ماتا ، وأقبلنا
حتّى انتهينا إلى الماء فلمْ ننجِ إلاّ بحشاشة أنفسنا ؛ وذلك الماء بمكان يُدعى
المضيق من بطن الخبيت
؛ وقد تطيّرت من وجهي هذا ، فإنْ رأيت أعفيتني منه وبعثت غيري. والسّلام .
[جواب الإمام (عليه السّلام)
إليه]
فكتب إليه الحسين (عليه السّلام) :
«أمّا بعد ، فقد خشيت أنْ لا يكون حملك
على الكتاب إليّ في الاستعفاء
_________________
من الوجه الذي
وجّهتك له إلاّ الجبن ، فامض لوجهك الذي وجّهتك له. والسّلام عليك».
فقال مسلم (عليه السّلام) لمن قرأ
الكتاب : هذا ما لست أتخوّفه على نفسي.
فأقبل ... حتّى مرّ بماء لطيّئ ، فنزل
بهم ثمّ ارتحل منه ، فاذا رجل ... قد رمى صيداً ـ حيث أشرف له ـ فصرعه ، فقال مسلم
(عليه السّلام) يقتل عدوّنا إن شاء الله.
[دخول مسلم (عليه السّلام) الكوفة]
ثمّ أقبل مسلم (عليه السّلام) حتّى دخل
الكوفة [ومعه أصحابه الثلاثة : قيس بن مصهر الصيداوي وعمارة بن عبيد السّلولي وعبد
الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي]
، فدخل دار المختار بن أبي عبيد .
_________________
وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، فلمّا
اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب الحسين (عليه السّلام) فأخذوا يبكون.
[و] قام عابس بن أبي شبيب الشاكري ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
أمّا بعد ، فإنّي لا أخبرك عن النّاس
ولا أعلم ما في أنفسهم ، وما أغرّك منهم ، والله ، لأحدّثنك عمّا أنا موطّن نفسي
عليه ، والله ، لأجيبنّكم إذا دعوتم ولا قاتلنّ معكم عدوّكم ، ولا ضربنّ بسيفي
دونكم حتّى ألقى الله ، لا أريد بذلك إلاّ ما عند الله.
فقام حبيب بن مُظاهر الفقعسي [الأسدي] فقال
:
رحمك الله ، قد قضيت ما في نفسك بواجز
من قولك.
ثمّ قال :
وأنا والله ، الذي لا إله إلاّ هو ، على
ما هذا عليه.
ثمّ قال الحنفي مثل ذلك.
واختلفت الشيعة إليه حتّى علم مكانه ، فبلغ
ذلك النّعمان بن بشير .
_________________
[فخرج] فصعد المنبر
، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
أمّا بعد ، فاتّقوا الله عباد الله ولا
تسارعوا إلى الفتنة والفرقة ، فإنّ فيهما يهلك الرجال وتسفك الدماء ، وتغصب
الأموال ... إنّي لمْ أقاتل مَن لمْ يُقاتلني ولا أثب على مَن لا يثب عليّ ، ولا
أشاتمكم ولا أتحرّش بكم ، ولا آخذ بالقذف ولا الظنّة ولا التهمة ، ولكنّكم إنْ
أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم ، فوالله ، الذي لا إله غيره
لأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي ، ولو لمْ يكن لي منكم ناصراً أمَا إنّي أرجو
أنْ يكون مَن يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يرديه الباطل.
فقام إليه عبد الله بن مسلم بن سعيد
الحضرمي
ـ حليف بني اُميّة ـ فقال :
إنّه لا يصلح ما ترى إلاّ الغشم [أي : الظلم]
، إنّ هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأي المستضعفين.
فقال [النّعمان بن بشير] :
أنْ أكون من المستضعفين في طاعة الله
أحبّ إليّ من أنْ أكون من الأعزّين في معصية الله ، ثمّ نزل.
وخرج عبد الله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن
معاوية :
أمّا بعد ، فإنّ مسلم بن عقيل قد قدم
الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي (ع) ، فإنْ كان لك بالكوفة حجّة فابعث إليها
رجلاً قويّاً ينفّذ أمرك ، ويعمل مثل عملك في عدوّك ؛ فإنّ النّعمان بن بشير رجل
ضعيف ، أو هو يتضعّف.
ثمّ كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه.
_________________
ثمّ كتب إليه عمر بن
سعد بن أبي وقاص
بمثل ذلك .
_________________
_________________
[كُتب الإمام (عليه السّلام)
إلى أهل البصرة]
كتب الحسين (ع) مع مولى لهم ، يقال له :
سليمان
بنسخة [واحدة] إلى
_________________
_________________
رؤوس الأخماس
بالبصرة
، وإلى الأشراف مالك بن مسمع البكري
، والأخنف بن قيس
،
_________________
والمنذر بن الجارود ،
_________________
ومسعود بن عمرو ، وقيس بن الهيثم ، وعمرو بن عبد الله بن معمر :
_________________
«أمّا بعد ، فإنّ الله اصطفى محمّداً (صلّى
الله عليه [وآله]) على خلقه ، وأكرمه بنبوّته واختاره لرسالته ، ثمّ قبضه الله
إليه وقد نصح لعباده وبلّغ ما أرسل به (صلّى الله عليه [وآله]) ، وكنّا أهله
وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ النّاس بمقامه في النّاس ، فاستأثر علينا قومنا
بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية ، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ
المستحق علينا ممّن تولاّه
وقد أحسنوا وأصلحوا وتحرّوا الحقّ.
وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب ، وأنا
أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه [وآله]) فإنّ السّنة قد أُميتت
، وإنّ البدعة قد أُحييت ، وإنْ تسمعوا قولي وتطيعوا أمري ، أهدكم سبيل الرشاد.
والسّلام عليكم ورحمة الله».
فكلّ مَن قرأ ذلك الكتاب من أشراف
النّاس كتمه.
غير المنذر بن الجارود ؛ فإنّه خشي
بزعمه أنْ يكون [رسول الحسين (عليه السّلام) : سليمان] دسيساً من قبل عبيد الله
فجاءه بالرسول من العشيّة التي يريد أنْ يسبق في صبيحتها إلى الكوفة ، وأقرأه
كتابه إليه.
فقدّم [عبيد الله] الرسول فضرب عنقه.
وصعد منبر البصرة ...
_________________
[خطبة ابن زياد بالبصرة]
فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا
بعد ، فوالله ، ما تقرن بي الصعبة
ولا يقعقع
لي ، وإنّي لنكل
لمَن عاداني ، وسمّ لمَن حاربني : أنصف القارّة مَن راماها .
يا أهل البصرة ، إنّ أمير المؤمنين
ولاّني الكوفة ، وأنا غاد إليها الغداة وقد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي
سفيان ، وإيّاكم والخلاف والإرجاف ، فوالذي لا إله غيره ، لئن بلغني عن رجل منكم
خلاف لأقتلنّه وعريفه ووليّه ، ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتّى تستمعوا لي ، ولا يكون
فيكم مخالف ولا مشاق.
أنا ابن زياد أشبهه من بين مَن وطأ
الحصى ، ولمْ ينتزعني شبه خال ولا ابن عمّ .
_________________
[دخول ابن زياد إلى الكوفة]
ثمّ خرج من البصرة وأقبل إلى الكوفة ، ومعه
مسلم بن عمرو الباهلي
وشريك بن الأعور الحارثي
وحشمه وأهل بيته بضعة عشر رجلاً
حتّى دخل الكوفة ، وعليه عمامة سوداء وهو متلثمّ والنّاس قد بلغهم إقبال حسين (عليه
السّلام) إليهم ، فهم ينتظرون قدومه فظنّوا ـ حين قدم عبيد الله ـ أنّه الحسين (عليه
السّلام) فأخذ لا يمرّ على جماعة من النّاس إلاّ سلّموا عليه ، وقالوا : مرحباً بك
يابن رسول الله ، قدمت خير مقدم. فرأى من تباشيرهم بالحسين (عليه السّلام) مساءه
وغاضه ما سمع منهم ، وقال : ألاَ أرى هؤلاء كما أرى. فلمّا أكثروا ، قال مسلم بن
عمرو الباهلي : فأخّروا ، هذا الأمير عبيد الله بن زياد!
فلمّا دخل القصر وعلم النّاس أنّه عبيد الله
بن زياد دخلهم من ذلك كآبة وحزن شديد .
_________________
[خطبة ابن زياد عند دخوله
الكوفة]
[و] لمّا نزل القصر [وأصبح] ، نودي : الصلاة
جامعة ، فاجتمع النّاس فخرج فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين ـ أصلحه
الله ـ ولاّني مصركم وثغركم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان
إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدّة على مريبكم وعاصيكم ، وأنا متّبع فيكم أمره ومنفذ
فيكم عهده ، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كلوالد البرّ ، وسوطي وسيفي على مَن ترك أمري
وخالف عهدي ، فليبقَ امرؤ على نفسه ، الصدق ينبئ عنك لا الوعيد.
ثمّ نزل فأخذ العرفاء والناس أخذاً
شديداً ، فقال : اكتبوا إليّ الغرباء ومَن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ومَن فيكم
من الحروريّة
وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق ، فمَن كتبهم لنا فبرئ ، ومَن لمْ يكتب لنا
أحداً فيضمن لنا ما في عرافته ألاّ يخالفنا منهم مخالف ، ولا يبغي علينا منهم باغ
، فمَن لمْ يفعل برءت منه الذمّة وحلال لنا ماله وسفك دمه. وأيّما عرّيف وجد في
عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لمْ يرفعه إلينا صلب على باب داره ، وأُلقيت تلك
العرّافة من العطاء وسيّر إلى موضع بعمان الزارة ، .
_________________
[انتقال مسلم من دار المختار
إلى دار هاني]
وسمع مسلم بن عقيل مجيء عبيد الله
ومقالته التي قالها ، وما أخد به العرفاء والنّاس فخرج من دار المختار ، وقد علم
به حتّى انتهى إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، فدخل بابه وأرسل إليه أنْ اخرج ، فخرج
إليه هانئ وكره مكانه حين رآه. فقال له مسلم : أتيتك لتجيرني وتضيّفني. فقال : رحمك
الله! لقد كلفتني شططاً ولو لا دخولك داري وثقتك ، لأحببت ولسألتك أنْ تخرج عنّي ،
غير أنّه يأخذني من ذلك ذمام وليس مردود مثلي على مثلك عن جهل ، أدخل فآواه.
وأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ بن
عروة
وقد كان مسلم بن عقيل ، حيث تحوّل إلى
دار هانئ بن عروة وبايعه ثمانية عشر ألفاً ، قدّم كتاباً إلى حسين (عليه السّلام) مع
عابس بن أبي شبيب الشاكري
_________________
أمّا بعد ، فإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وقد
بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً ، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي ؛ فإنّ
النّاس كلّهم معك ، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى. والسّلام.
وكان [ذلك] قبل أنْ يُقتل لسبع وعشرين
ليلة
[تجسّس معقل الشامي على مسلم
(عليه السّلام)]
ودعا ابن زياد مولى له ، يقال له : معقل
. فقال له : خذ
ثلاثة الآف درهم ، ثمّ اطلب مسلم بن عقيل واطلب لنا أصحابه ، ثمّ أعطهم هذه
الثلاثة الآف ، فقل لهم : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، وأعلمهم أنّك منهم ، فانّك
لو أعطيتها إيّاكم طمأنّوا إليك ووثقوا بك ، ولمْ يكتموك شيئاً من أخبارهم ، ثمّ
اغد عليهم ورح.
فجاء [معقل] حتّى أتى إلى مسلم بن عوسجة
الأسدي
في المسجد الأعظم ، وهو يصلّي و [كان] سمع النّاس ، يقولون : إنّ هذا يبايع للحسين
(عليه السّلام). فجاء حتّى فرغ من صلاته ، ثمّ قال : يا عبد الله ، إنّي امرؤ من
أهل الشام مولى لذي الكلاع ، أنعم الله عليّ بحبّ أهل هذا البيت وحبّ مَن أحبّهم ،
فهذه ثلاثة الآف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة
_________________
يبايع لابن بنت رسول
الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، وكنت أريد لقاءه فلمْ أجد أحداً يدلّني عليه ولا
يعرف مكانه ، فإنّي لجالس آنفاً في المسجد إذ سمعت نفراً من المسلمين يقولون : هذا
رجل له علم بأهل هذا البيت ، وإني أتيتك لتقبض هذا المال وتدخلني على صاحبك
فأبايعه ، وإنْ شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.
فقال [له مسلم بن عوسجة] : أحمد الله
على لقائك إيّاي ، فقد سرّني ذلك ؛ لتنال ما تحبّ ولينصر الله بك أهل بيت نبيّه ، ولقد
ساءني معرفتك إيّاي بهذا الأمر من قبل أنْ ينمى مخافة هذا الطاغية وسطوته. فأخذ
بيعته قبل أنْ يبرح وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، فأعطاه من ذلك
ما رضي به. ثمّ قال : اختلف إليّ أيّاماً في منزلي فأنا طالب لك الإذن على صاحبك.
فطلب له الإذن فأخذ يختلف مع النّاس .
[مؤتمر قتل ابن زياد]
مرض هانئ بن عروة فجاء عبيد الله [ابن
زياد] عائداً له ، فقال له عمارة بن عبيد السّلولي : إنّما جماعتنا وكيدنا قتل هذا
الطاغية ، فقد أمكنك الله منه فاقتله. قال هانئ : ما أحبّ أنْ يُقتل في داري [فعاده
ابن زياد و] خرج.
فما مكث إلاّ جمعة حتّى مرض شريك بن
الأعور [الحارثي] ، وكان كريماً على ابن زياد وعلى غيره من الامرء ، وكان شديد
التشيّع ، فأرسل إليه عبيد الله [ابن زياد] إنّي رائح إليك العشيّة. فقال [شريك] لمسلم
: إنّ هذا الفاجر
_________________
عائدي العشيّة ، فإذا
جلس فاخرج إليه فاقتله ، ثمّ اقعد في القصر ليس أحد يحول بينك وبينه ، فإنْ بُرءت
من وجعي هذا أيّامي هذه ، سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها.
فلمّا كان من العشي أقبل عبيد الله [ابن
زياد] لعيادة شريك [الحارثي] فقام مسلم بن عقيل ليدخل ، وقال له شريك : لا يفوتنّك
إذا جلس. فقام هانئ بن عروة إليه ، فقال : إنّي لا أحبّ أنْ يُقتل في داري ـ كأنّه
استقبح ذلك ـ. فجاء عبيد الله بن زياد فدخل فجلس فسأل شريكاً عن وجعه ، وقال : ما
الذي تجد؟ [و] طال سؤاله إياه.
و [لمّا] رأى [شريك] أنّ [مسلم] لا يخرج
، خشي أنْ يفوته فأخذ يقول : ما تنظرون بسلمى أنْ تحيّوها أسقنيها وإنْ كانت فيها
نفسي. قال ذلك مرّتين أو ثلاثاً.
فقال عبيد الله : ما شأنه ، أترونه يهجر؟
فقال له هانئ : نعم ، أصلحك الله! ما
زال هذا دُيدنه قُبيل عماية الصبح حتّى ساعته هذه.
[فـ] ـقام [ابن زياد و] انصرف.
فخرج مسلم. فقال له شريك : ما منعك من
قتله؟ فقال : خصلتان.
أمّا أحدهما ، فكراهة هانئ أنْ يُقتل في
داره.
وأمّا الآخرى ، فحديث حدّثه النّاس عن
النبيّ (صلّى الله عليه [وآله]) : «إنّ الإيمان قيد الفتك ، ولا يفتك مؤمن».
فقال هانئ : أمَا والله ، لو قتلته
لقتلت فاسقاً فاجراً كافراً غادراً ، ولكن كرهت أنْ يُقتل في داري!
_________________
[معقل يدخل على مسلم]
ثمّ إنّ معقلاً اختلف إلى مسلم بن عوسجة
أيّاماً ليدخله على ابن عقيل ، فأقبل به حتّى أُدخله عليه فأخبره خبره فأخذ بيعته
، وأمر أبا ثمامة الصائدي
فقبض ماله الذي جاء به وأقبل يختلف إليهم ، فهو أوّل وآخر خارج يسمع أخبارهم ويعلم
أسرارهم ، ثمّ ينطلق بها حتّى يقرّها في أذن ابن زياد .
[إحضار هانئ عند ابن زياد]
قال ابن زياد لجلسائه : ما لي لا أرى
هانئاً؟ فقالوا : هو شاك. [و] دعا عبيد الله [بن زياد] محمّد بن الأشعث وأسماء بن
_________________
خارجة وعمرو بن الحجّاج . وكانت روعة أخت عمرو بن الحجّاج تحت
هانئ بن عروة. فقال لهم : ما يمنع هانئ بن عروة من إتياننا؟ قالوا : ما ندري ، أصلحك
الله! وإنّه ليتشكّى .
قال : بلغني أنّه قد برأ ، وهو يجلس على باب داره فالقوه فمروه ألاّ يدع ما عليه
في ذلك من الحقّ ؛ فإنّي لا أحبّ أنْ يفسد عندي مثله من أشراف العرب .
_________________
[هانئ يُدعى إلى ابن زياد]
فأتوه حتّى وقفوا عليه عشيّة ، وهو جالس
على بابه ، فقالو : ما يمنعك من لقاء الأمير ، فإنّه قد ذكرك وقال : لو أعلم أنّه
شاك لعدته؟ ، فقال لهم : الشكوى تمنعني. فقالوا له : يبلغه أنّك تجلس كلّ عشيّة
على باب دارك ، وقد استبطأك والإبطاء والجفاء لا يحتمله السّلطان ، أقسمنا عليك
لمّا ركبت معنا.
فدعا بثيابه فلبسها ، ثمّ دعا ببغله
فركبها حتّى إذا دنا من القصر ، كأنّ نفسه أحسّت ببعض الذي كان ، فقال لحسّان بن
خارجة : يابن أخي إنّي والله ، لهذا الرجل لخائف! فما ترى؟ قال : أي عمّ والله ، ما
أتخوّف عليك شيئاً ، ولِمَ تجعل على نفسك سبيلاً وأنت بريء؟
فدخل القوم على ابن زياد ودخل معهم ، فلمّا
طلع [على ابن زياد] ، قال عبيد الله [ابن زياد] : أتتك بحائن رجلاه ، فلمّا دنا من ابن زياد و [كان] عنده
شريح القاضي
التفت نحوه ، فقال :
_________________
أريد حباءه ويريد قتلي
|
|
عذيرك من خليلك من مراد
|
[هانئ عند ابن زياد]
فقال له هانئ : وما ذاك أيّها الأمير؟
قال : إيه يا هانئ بن عروة ، ما هذه الأمور التي تربصّ في دورك لأمير المؤمنين
وعامّة المسلمين ، جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له السلاح والرجال في
الدور حولك ، وظننت أنّ ذلك يُخفى عليّ لك؟
قال : ما فعلت ، وما مسلم عندي.
قال : بلى ، قد فعلت.
قال : ما فعلت.
قال : بلى.
فلمّا كثر ذلك بينهما وأبى هانئ إلاّ
مجاحدته ومناكرته ، دعا ابن زياد معقلاً ـ ذلك العين ـ فجاء حتّى وقف بين يديه.
فقال : أتعرف هذا؟
قال : نعم. وعلم هانئ عند ذلك ، أنّه
كان عيناً عليهم وأنّه قد أتاه بأخبارهم. فقال له : اسمع منّي وصدّق مقالتي فوالله
، لا أكذّبك والله الذي لا إله غيره ، ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشيء من أمره
حتّى رأيته جالساً على بابي ، فسألني النزول عليّ فاستحييت من ردّه ، ودخلني من
ذلك ذمام
_________________
فأدخلته داري وضفته
وآويته ، وقد كان من أمره الذي بلغك ، فإنْ شئت أعطيت الآن موثقاً مغلّظاً وما
تطمئن إليه ألاّ أبغيك سوءاً ، وإنْ شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتّى آتيك
وأنطلق إليه فآمره أنْ يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض ، فأخرج من ذمامه وجواره.
فقال : لا والله ، لا تفارقني أبداً
حتّى تأتيني به.
فقال : لا والله ، لا أجيئك [به] أبداً
، أنا أجيئك بضيفي تقتله!
قال : والله ، لتأتيني به.
قال : والله ، لا آتيك به.
فلمّا كثر الكلام بينهما قام مسلم بن
عمرو الباهلي ، فقال : أصلح الله الأمير ، خلّني وإيّاه حتّى كلّمه. وقال لهانئ : قُم
إليّ ههنا حتّى اكلّمك. فقام ، فخلا به ناحية من ابن زياد ، وهما منه على ذلك قريب
حيث يراهما إذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان ، وإذا خفضا خفى عليه ما يقولان. فقال
له مسلم [بن عمرو الباهلي] : يا هانئ ، إنّي انشدك الله ، أنْ تقتل نفسك وتدخل
البلاء على قومك وعشيرتك! فوالله ، إنّي لأنفس بك عن القتل ، إنْ هذا الرجل [مسلم
بن عقيل] ابن عمّ القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه ، فادفعه إليه ؛ فإنّه ليس عليك
بذلك مخزاة ولا منقصة ، إنّما تدفعه إلى السّلطان.
قال : بلى والله ، إنّ عليّ في ذلك
الخزي والعار ، أنا أدفع جاري وضيفي وأنا حيّ صحيح أسمع وأرى ، شديد السّاعد كثير
الأعوان! والله ، لو لمْ أكن إلاّ واحداً ليس لي ناصر لمْ أدفعه إليه حتّى أموت
دونه. وهو يرى أنّ عشيرته ستحرّك في شأنه ، فأخذ يناشده ، وهو يقول : لا والله ، لا
أدفعه إليه أبداً.
فسمع ابن زياد ذلك ، فقال ادنوه : منّي
، فأدنوه منه.
فقال : والله ، لتأتيني به أو لأضربنّ
عنقك.
قال : إذاً تكثر البارقة حول دارك . وهو يظنّ أنّ عشيرته يسمعونه.
فقال : والهفاه عليك! أبالبارقة تخوّفني؟!
أدنوه منّي ، فأُدني فاستعرض وجهه بالقضيب فلمْ يزل يضرب أنفه وجبينه وخدّه حتّى
كسر أنفه وسيّل الدماء على ثيابه ، ونثر لحم خدّيه وجبينه على لحيته حتّى كسر
القضيب.
وضرب هانئ بيده إلى قائم سيف شرطيّ من
تلك الرجال وجاذبه الرجل ومنع.
فقال عبيد الله [بن زياد] أحروريّ سائر
اليوم ! أحللت
بنفسك قد حلّ لنا قتلك ، خذوه فألقوة في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه
واجعلوا عليه حرساً ، ففعل ذلك به.
فقام إليه أسماء بن خارجة ، فقال : أرُسُل
غدر سائر اليوم! أمرتنا أنْ نحيئك بالرجل حتّى إذا جئناك به وأدخلناه عليك هشّمت
وجهه وسيّلت دمه على لحيته ، وزعمت أنّك تقتله؟ فقال له عبيد الله : وإنّك لها هنا
، فأمر به فلُهز وتُعتع به
فحُبس.
_________________
وأمّا محمّد بن الأشعث ، فقال : قد
رضينا بما رأى الأمير لنا كان أمْ علينا ، إنّما الأمير مؤدّب .
وقام إلى عبيد الله بن زياد ، فكلمه
وقال : إنّك قد عرفت منزلة هانئ بن عروة في المصر وبيته في العشيرة ، وقد علم قومه
أنّي وصاحبي سقناه إليك فأنشدك الله لمّا وهبته لي ؛ فإنّي أكره عداوة قومه ، هم
أعزّ أهل المصر وعدد أهل اليمن .
فوعده أنْ يفعل .
وبلغ عمرو بن الحجّاج أنْ هانئاً قد
قُتل ، فأقبل في مذحج ومعه جمع عظيم حتّى أحاط بالقصر ، ثمّ نادى : أنا عمرو بن
الحجّاج ، هذه فرسان مذحج ووجوهها لمْ تخلع طاعة ، ولم تفارق جماعة وقد بلغهم أنّ
صاحبهم يُقتل فأعظموا ذلك!
فقِيل لعبيد الله : هذه مذحج بالباب.
فقال لشريح القاضي : ادخل على صاحبهم
فانظر إليه ، ثمّ اخرج فأعلمهم ، أنّه حيّ لمْ يُقتل وأنّك قد رأيته .
قال [شريح] : دخلت على هانئ ، لمّا رآني
قال : يا لله يا للمسلمين! أهلكت عشيرتي؟ فأين أهل الدين وأين أهل المصر ، تفاقدوا
ويخلّوني وعدوّهم وابن عدوّهم ـ والدماء تسيل على لحيته ـ؟ إذ سمع الرجّة على باب
القصر ، وخرجت واتبعني فقال : يا شريح ، إنّي لأظنّها أصوات مذحج وشيعتي
_________________
من المسلمين ، إن
دخل عليّ عشرة نفر أنقذوني.
قال : فخرجت إليهم ، ومعي حميد بن بكير
الأحمري
أرسله معي ابن زياد ، وكان من شرطته ممّن يقوم على رأسه ، فلمّا خرجت إليهم ، قلت
: إنّ الأمير لمّا بلغه مكانكم ومقالتكم في صاحبكم أمرني الدخول إليه فأتيته فنظرت
إليه ، فأمرني أنْ ألقاكم وأنْ أعلمكم : أنّه حيّ ، وأنّ الذي بلغكم من قتله كان
باطلاً.
فقال عمرو [بن الحجّاج] وأصحابه : فأمَا
إذ لمْ يقتل فالحمد لله ، ثمّ انصرفوا .
[خطبة ابن زياد بعد القبض
على هانئ]
وخشي عبيد الله أنْ يثب النّاس به فخرج
، ومعه أشراف النّاس وشرطه وحشمه فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
أمّا بعد ، أيها النّاس فاعتصموا بطاعة
الله وطاعة أئمتكم ، ولا تختلفوا ولا تفرّقوا فتهلكوا وتذلّوا ، وتقتلوا وتجفوا
وتحرموا ، إنّ أخاك مَن صدّقك ، وقد أعذر من أنذر .
[خروج مسلم (عليه السّلام)]
وأرسل مسلم بن عقيل عبد الله بن خازم
رسولاً إلى القصر لينظر إلى ما
_________________
صار أمر هانئ. قال
فلمّا ضُرب وحُبس ركبت فرسي وكنت أوّل أهل الدار ، دخل على مسلم بن عقيل بالخبر ، وإذا
نسوة لمراد مجتمعات ، ينادين : يا عشيرتاه! يا ثكلاه! فدخلت على مسلم بن عقيل
بالخبر فأمرني أنْ أنادي في أصحابه : يا منصور أمتْ. وقد ملأ الدور حوله وقد بايعه
ثمانية عشر ألفاً ، وفي الدور أربعة الآف رجل ، فناديت : يا منصور أمت ، وتنادى
أهل الكوفة فاجتمعوا إليه.
فعقد مسلم (عليه السّلام) لعبيد الله بن
عمرو بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة ، وقال : سر أمامي في الخيل. ثمّ عقد
لمسلم بن عوسجة الأسدي على ربع مذحج وأسد ، وقال : انزل في الرجال فأنت عليهم.
وعقد لأبي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان ، وعقد لعبّاس بن جعدة الجدلي على ربع المدينة ، وأقبل مسلم يسير في
النّاس من مراد.
[اجتماع الأشراف بابن زياد]
وأقبل أشراف النّاس يأتون ابن زياد من
قبل الباب الذي يلي دار الروميّين .
ودعا عبيد الله [ابن زياد] كثير بن شهاب
بن الحصين الحارثي
، فأمره
_________________
أنْ يخرج فيمَن طاعه
من مذحج ، فيسير بالكوفة ويخذّل النّاس عن ابن عقيل ، ويخوّفهم الحرب ويحذّرهم
عقوبة السّلطان.
وأمر محمّد بن الأشعث أنْ يخرج فيمَن
طاعه من كندة وحضرموت ، فيرفع راية أمان لمَن جاءه من النّاس.
وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي وشيث بن ربعي التميمي ، وحجّار بن أبجر
العجلى وشمر بن ذي الجوشن العامري
، .
وعقد لشبث بن ربعي لواء فأخرجه [و] قال
: أشرفوا على النّاس ، فمنّوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة ، وخوّفوا أهل المعصية
الحرمان والعقوبة ،
_________________
وأعلموهم فصول
الجنود من الشام إليهم .
[خروج الأشراف برايات الأمان
للتخذيل عن مسلم]
فتكلّم كثير بن شهاب أوّل النّاس ...
فقال : أيها النّاس ، الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشرّ ولا تعرضوا أنفسكم للقتل ،
فإنّ هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت ، وقد أعطى الله الأمير عهداً لئن
أتممتم على حربه ولمْ تنصرفوا من عشيّتكم أنْ يحرّم ذرّيتك العطاء ، ويفرق
مقاتلتكم في مغازي أهل الشام على غير طمع ، وأنْ يأخذ البرئ بالسّقيم والشاهد
بالغائب حتّى لا يبقى فيكم بقيّة من أهل المعصية ، إلاّ أذاقها وبال ما جرّت
أيديها.
وتكلّم الأشراف بنحو من كلام هذا.
فلمّا سمع مقالتهم النّاس أخذوا
يتفرّقون ...
[و] إنّ المرأة كانت تأتي ابنها أو أخاها ، فتقول : انصرف النّاس يكفونك ؛ ويجيء الرجل
ابنه أو أخيه ، فيقول : غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر؟ انصرف ، فيذهب
به .
وخرج محمّد بن الأشعث حتّى وقف عند دور
بني عمارة ، وجاءه عمارة بن صلخب الأزدي عليه سلاحه وهو يريد ابن عقيل ، فأخذه
فبعث به إلى ابن زياد فحبسه. فبعث ابن عقيل إليه من المسجد [لقتاله] عبد الرحمن بن
شريح الشبامي
[ومعه ناس كثير ، وجال القعقاع بن شور الذهلي على مسلم وأصحابه
_________________
من موضع بالكوفة ، يقال
له : العرار]
وأرسل إلى محمّد بن الأشعث : قد جلت على ابن عقيل من العرار ، فتأخّر عن موقفه [وقاتلهم شبث بن ربعي ، ثمّ جعل يقول :
انتظروا بهم اللّيل يتفرّقوا. فقال له القعقاع بن شور : إنّك سددت على النّاس وجه
مصيرهم ، فأخرج لهم ينسربوا] .
[غربة مسلم (عليه السّلام)]
قال عبّاس الجدلي : خرجنا مع ابن عقيل
أربعة الآف ، فما بلغنا القصر إلاّ ونحن ثلثُمئة ، فما زالوا يتفرّقون ويتصدّعون حتّى
أمسى ابن عقيل وما معه ثلاثون نفساً في المسجد ، فما صلّى مع ابن عقيل إلاّ ثلاثون
نفساً ، فلمّا رأى [ذلك] خرج متوجّهاً نحو أبواب كندة وبلغ الأبواب ومعه منهم عشرة
، ثمّ خرج وإذا ليس معه إنسان والتفت ، فإذا هو لا يحسّ أحداً يدلّه على الطريق
ولا يدلّه على منزل ، ولا يواسيه بنفسه إنْ عرض له عدوّ. فمضى على وجهه يتلدّد في
أزقّة الكوفة لا يدري أين يذهب حتّى خرج إلى دور بني جبلة من كندة ، فمشى حتّى
انتهى إلى باب امرأة ، يقال لها : (طوعة) اُمّ ولد ، كانت للأشعث بن قيس
_________________
فأعتقها ، فتزوّجها
سيّد الخضرمي
فولدت له بلالاً ، وكان بلال قد خرج مع النّاس واُمّه قائمة تنتظره ، فسلّم عليها
ابن عقيل فردّت عليه ، فقال لها : يا أمة الله ، أسقيني ماء. فدخلت فسقته ، فجلس
وأدخلت الإناء ثمّ خرجت.
فقالت : يا عبد الله ، ألمْ تشرب! قال :
بلى. قالت : فاذهب إلى أهلك ،
_________________
فسكت ، ثمّ عادت
فقال مثل ذلك فسكت ، ثمّ قالت له : فيّ الله
سبحان الله! ياعبد الله ، فمرّ إلى أهلك عافاك الله ؛ فإنّه لا يصلح لك الجلوس على
بابي ، ولا أحلّه لك.
فقام ، فقال : يا أمَة الله ، مالي في
المصر منزل ولا عشيرة ، فهل لك إلى أجر ومعروف ، ولعلّي مكافؤك به بعد اليوم؟
فقالت : يا عبد الله وما ذاك؟
قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذبني هؤلاء
القوم وغرّوني.
قالت : أنت مسلم!
قال : نعم.
قالت : ادخل ، فأدخلته بيتاً في دارها
غير البيت الذي تكون فيه وفرشت له ، وعرضت عليه العشاء فلمْ يتعشَّ.
ولمْ يكن بأسرع من أنْ جاء ابنها فرآها
تكثر الدخول في البيت والخروج منه ، فقال : والله ، إنّه ليُريبني كثرة دخولك هذا
البيت منذ اللّيلة وخروجك منه! إنّ لك لشأناً؟ قالت : يا بني ، ألْهُ عنه هذا. قال
: لها والله ، لتخبرنّي؟ قالت : أقبل على شأنك ولا تسألني عن شيء. فألحّ عليها ، فقالت
: يا بنيّ ، لا تحدّثنّ أحداً من النّاس بما أخبرك به ، وأخذت عليه الإيمان ، فحلف
لها فأخبرته فاضطجع وسكت .
_________________
[موقف ابن زياد]
ولمّا طال على ابن زياد وأخذ لا يسمع
لأصحاب ابن عقيل صوتاً كما كان يسمعه قبل ذلك ، قال لأصحابه : أشرفوا ، فانظروا هل
تَرون منهم أحداً؟ فأشرفوا فلمْ يروا أحداً. قال : فانظروا لعلّهم تحت الظلال قد كمنوا لكم ، ففزعوا بحابح المسجد وجعلوا يخفضون شعل النّار في أيديهم ، ثمّ
ينظرون هل في الظلال أحد. وكانت أحياناً تُضيء لهم وأحياناً لا تُضيء لهم كما
يُريدون ، فدلّوا القناديل وأنصاف الطّنان
تشدّ بالحبال ، ثمّ تجعل فيها النيران ثمّ تدلّى حتّى تنتهي إلى الأرض ، ففعلوا
ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها ، حتّى فعلوا ذلك بالظلّة التي فيها المنبر ، فلمّا
لمْ يروا شيئاً أعلموا ابن زياد ، [فـ] ـأمر [كاتبه] عمرو بن نافع فنادى : ألاَ برءت الذمّة من رجل من : الشرطة
والعرفاء أو ، المناكب أو المقاتلة صلّى العتمة إلاّ في المسجد.
فلمْ يكن إلاّ ساعة حتّى امتلأ المسجد
من النّاس.
فقال [له] الحصين بن تميم [التميمي] ، وكان
على شرطته
: إنْ شئت
_________________
صلّيت بالنّاس أو
يصلّي بهم غيرك ، فإنّي لا آمن أنْ يغتالك بعض أعدائك.
فقال : مُر حرسي فليقوموا ورائي كما
كانوا يقفون ، ودُرفيهم. ففتح باب السّدة التي في المسجد ، ثمّ خرج وخرج أصحابه
معه ... فصلّى بالنّاس.
[خطبة ابن زياد بعد غربة
مسلم]
ثمّ صعد المنبر [و] قام فحمد الله وأثنى
عليه ، ثمّ قال :
أمّا بعد ، فإنّ ابن عقيل السّفيه
الجاهل ، قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق ، فبرءت ذمّة الله من رجل وجدناه
في داره ومَن جاء به ، فله ديّته.
اتّقوا الله عباد الله وألزموا طاعتكم
وبيعتكم ، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً.
يا حصين بن تميم ، ثكلتك أمّك! إنْ صاح
باب سكّة من سكك الكوفة ، أو خرج هذا الرجل ولمْ تأتني به ، وقد سلّطتك على دور
أهل الكوفة فابعث مراصدةً على أفواه السّكك.
وأصبح غداً واستسبر الدور وجس خلالها حتّى تأتيني بهذا الرجل!
_________________
[ابن زياد في طلب مسلم]
ثمّ نزل ابن زياد فدخل ، وعقد لعمرو بن
حريث راية وأمره
على النّاس
، وأمره أنْ يقعد لهم في المسجد.
[و] جاء المختار بن أبي عبيد خبر ابن
عقيل ، أنّه قد ظهر بالكوفة والمختار في قريه له بخطرنية ، تدعى : لقفا. [وكان] فيمَن
بايع [مسلم] من أهل الكوفة وناصحه ودعا إليه من طاعه ، فأقبل في موال له حتّى
انتهى إلى باب الفيل بعد الغروب ، وقد عقد عبيد الله بن زياد لعمرو بن حريث راية
على جميع النّاس.
فلمّا كان المختار على باب الفيل ، مرّ
به هانئ بن أبي حيّة الوداعي
، فقال
_________________
المختار : ما وقوفك
ها هنا ، لا أنت مع النّاس ولا أنت في رحلك؟ قال : أصبح رأيي مرتجّاً لعظم خطيئتكم.
فقال له : أظنّك والله ، قاتلاً نفسك. ثمّ [أقبل إلى] عمرو بن حريث فأخبره [خبره] .
[موقف المختار]
قال عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي كنت جالساً عند عمرو بن حريث حين بلّغه
هانئ بن أبي حيّة عن المختار هذه المقالة ، فقال لي [ابن حريث] : قم إلى عمّك
فأخبره أنّ صاحبه [يعني : مسلم بن عقيل (عليه السّلام)] لا يدرى أين هو؟ فلا
يجعلنّ على نفسه سبيلاً. فقمت لآتيه.
ووثب إليه زائدة بن قدامة بن مسعود فقال له : يأتيك على أنّه آمن؟
فقال له عمرو بن حريث : أمّا منّي فهو
آمن ، وإنْ رقّى إلى الأمير عبيد الله بن زياد شيء من أمره ، أقمت له بمحضره
الشهادة وشفعت له أحسن الشفاعة.
فقال له زائدة بن قدامه : لا يكوننّ مع
هذا إنْ شاء الله إلاّ خيراً.
قال عبد الرحمن : فخرجت ، وخرج معي
زائدة إلى المختار فأخبرناه وناشدناه بالله ، أنْ لا يجعل على نفسه سبيلاً.
_________________
فنزل إلى ابن حريث فسلّم عليه وجلس تحت
رايته حتّى أصبح .
وإنّ كثير [بن شهاب الحارثي] ألفى رجلاً
في بني فتيان [موضع بالكوفة] من كلب ، يقال له : عبد الأعلى بن يزيد قد لبس سلاحه
يُريد ابن عقيل ، فأخذه حتّى أدخله على ابن زياد فأخبره خبره ، فقال [الكلبي لابن
زياد] : إنما أردتك. قال [ابن زياد] : وكنت وعدتني ذلك من نفسك. فأمر به فحُبس .
[ولمّا أصبح ابن زياد]
فلمّا أصبح جلس مجلسه وأذن للنّاس
فدخلوا عليه.
وأقبل محمّد بن الأشعث ، فقال : مرحباً
بمَن لا يستغشّ ولا يتّهم ، ثمّ أقعده إلى جنبه.
وأصبح ابن تلك العجوز [التي] آوت ابن
عقيل ، وهو بلال بن سيّد فغدا إلى عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث فأخبره بمكان ابن
عقيل عند اُمّه ، فأقبل عبد الرحمن حتّى أتى أباه فسارّه وهو عند ابن زياد ، فقال
له ابن زياد : ما قال لك؟ قال : أخبرني أنّ ابن عقيل في دار من دورنا ، فنخس
بالقضيب في جنبه ، ثمّ قال : قُم فأتني به السّاعة .
[خروج محمّد بن الأشعث لقتال
مسلم]
[و] بعث [ابن زياد] إلى عمرو بن حريث ، وهو
خليفته على النّاس في المسجد : أنْ ابعث مع ابن الأشعث ستّين أو سبعين رجلاً من
قيس. وإنّما كره
_________________
أنْ يبعث معه قومه ؛ لأنّه قد علم أنّ كلّ قوم يكرهون أنْ
يُصادف فيهم مثل : ابن عقيل. فبعث معه [عمرو بن حريث] ، عمرو بن عبيد الله بن
عبّاس السلمي في ستّين أو سبعين من قيس حتّى أتوا الدار التي فيها ابن عقيل.
[خروج مسلم (عليه السّلام) لقتال
الأشعث]
فلمّا سمع [مسلم (عليه السّلام)] وقع
خوافر الخيل وأصوات الرجال ، عرف أنّه قد أتي فخرج إليهم بسيفه ، واقتحموا عليه
الدار ، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدار ، ثمّ عادوا إليه فشدّ
عليهم كذلك.
فضرب بُكيُر [بن حمران الأحمري الشامي] فمَ
مسلم فقطع شفته العليا ، وأشرع السّيف في السّفلى وفصلت ثنيّتاه ، فضربه مسلم ضربة
في رأسه منكرةً ، وثنّى بأخرى على حبل العاتق كادت أنْ تطلع على جوفه.
[قصبات النيران والحجّارة ، والأمان]
فلمّا رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق ظهر
البيت فأخذوا يرمونه بالحجّارة ، ويلهبون النّار في طنان القصب ، ثمّ يقلبونها
عليه من فوق البيت.
فلمّا رأى ذلك خرج عليهم مصلتاً بسيفه
في السكّة فقاتلهم ...
فاقبل عليه محمّد بن الأشعث ، فقال : يا
فتى ، لك الأمان ، لا تقتل نفسك. فأقبل يُقاتلهم ، وهو يقول :
أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا
|
|
وإن رأيت الموت شيئاً نكرا
|
كل امرئ يوماً ملاق شرّا
|
|
ويخلط البارد سخناً مرّاً
|
_________________
ردّ شعاع النّفس فاستقرّا
|
|
أخاف أن أكذب أو أغرّا
|
[أسر مسلم (عليه السّلام) بحيلة
الأمان]
فقال له محمّد بن الأشعث : إنك لا
تُكّذب ولا تُخدع ولا تّغرّ ، إنّ القوم بنو عمّك وليسوا بقاتليك ولا ضاربيك.
وأُثخن بالحجّارة وعجز عن القتال ، فأسند ظهره إلى جنب تلك الدار ، فدنا محمّد بن
الأشعث ، فقال : لك الأمان. فقال [مسلم] : آمن أنا؟ قال : نعم ، وقال القوم : [نعم]
، أنت آمن. وقال ابن عقيل : أمَا لو لمْ تؤمّنوني ما وضعت يدي في أيديكم ، [فعلم
أنّه استسلم للأمان].
وأُتي ببغلة فحُمل عليها ، واجتمعوا
حوله وانتزعوا سيفه من عنقه ، فكأنّه آيس من نفسه فدمعت عيناه ، ثمّ قال : هذا
أوّل الغدر.
قال محمّد بن الأشعث : أرجو أنْ لا يكون
عليك بأس.
قال : ما هو إلاّ الرجاء ، أين أمانكم!
إنّا لله وإنا إليه راجعون ، وبكى.
فقال له عمرو بن عبيد الله بن عبّاس [السلمى
الذي كان على الرجال المبعوثين إليه] : إنّ مَن يطلب مثل الذي تطلب ، إذا نزل به
مثل الذي نزل بك لمْ يبك.
قال : إنّي والله ، ما لنفسي أبكي ولا
لها من القتل أرثي ، وإنْ كنت لمْ أحبّ له طرفة عين تلفاً ، ولكن أبكي لأهلي
المقبلين إليّ ، أبكي لحسين وآل
_________________
الحسين (عليه
السّلام).
[وصيّة مسلم إلى ابن الأشعث]
ثمّ أقبل (عليه السّلام) على محمّد بن
الأشعث ، فقال : يا عبد الله ، إنّي أراك والله ، ستعجز عن أماني فهل عندك خير؟
تستطيع أنْ تبعث من عندك رجلاً على لساني يبلغ حسيناً (ع) ؛ فإنّي لا أراه إلاّ قد
خرج إليكم اليوم مقبلاً أو هو خارج غداً ، هو وأهل بيته ؛ وإنْ ما ترى من جزعي
لذلك. فيقول [الرسول] : إنّ ابن عقيل بعثني إليك ، وهو في أبدي القوم أسير لا يرى
أنْ يمشي حتّى يُقتل ، وهو يقول : ارجع بأهل بيتك ولا يغرّك أهل الكوفة ؛ فإنّهم
أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل ، إنّ أهل الكوفة كذبوك
وكذبوني ، وليس لمكذّب رأي. فقال ابن الأشعث : والله ، لأفعلنّ ولا علمنّ ابن زياد
أنّي قد آمنتك .
[مسلم على باب القصر]
وأقبل محمّد بن الأشعث بابن عقيل إلى
باب القصر وهو عطشان ، وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الإذن ، منهم : عمارة بن
عقبة بن أبي معيط وعمرو بن حريث ، ومسلم بن عمرو وكثير بن شهاب .
[وكانت] قلّة باردة موضوعة على الباب.
فقال ابن عقيل : اُسقوني من هذا الماء.
_________________
فقال له مسلم بن عمرو [الباهلي] : أتراها
ما أبردها! لا والله ، لا تذوق منها قطرة أبداً حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم.
قال له ابن عقيل : ويحك مَن أنت؟!
قال أنا ابن مَن عرف الحقّ إذ أنكرته ، ونصح لإمامه
إذ غششته ، وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفت ، أنا مسلم بن عمرو الباهلي.
فقال ابن عقيل : لأمّك الثكل! ما أجفاك
وما أفظّك ، وأقسى قلبك أغلظك ، أنت يابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنّم
منّي.
ثمّ جلس متسانداً إلى الحائط.
[فـ] ـبعث عمرو بن حريث [المخزومي] غلاماً
له ، يُدعى : سليمان فجاءه بماء في قلّة
عليها منديل ومعه قدح ، فصبّ فيه ماء ثمّ سقاه ، فأخذ كلّما شرب امتلأ القدح دماً
، فلمّا ملأ القدح المرّة الثالثة ذهب ؛ ليشرب فسقطت ثناياه فيه ، فقال : الحمد
لله! لو كان لي من الرزق المقسوم شربته .
_________________
فاستأذن [ابن الأشعث] فأُذن له ، وأدخل مسلم على ابن زياد ، فلمْ
يسلّم عليه بالأمرة.
فقال له الحرسي : ألاَ تُسلّم على
الأمير؟
فقال له : إنْ كان يُريد قتلي ، فما
سلامي عليه؟ وإن كان لا يُريد قتلى ، فلعمري ليكثرنّ سلامي عليه.
فقال له ابن زياد : فلعمري لتقتلنّ.
قال : كذلك؟
قال : نعم.
قال : فدعني أوص إلى بعض قومي.
[وصيّة مسلم إلى عمر بن سعد]
فنظر إلى جلساء عبيد الله ، وفيهم عمر
بن سعد ، فقال : يا عمر ، إنّ بيني وبينك قرابة ولي إليك حجّة وقد يجب لي عليك نجح
حاجتي وهو سرّ ، فأبى أنْ يمكّنه من ذكرها.
فقال له عبيد الله : لا تمتنع أنْ تنظر
في حجّة ابن عمّك.
فقام معه فجلس حيث ينظر إليه ابن زياد ،
فقال له : إنّ عليّ بالكوفة ديناً استدنته منذ قدمت الكوفة ، سبعمئة درهم فاقضها
عنّي ، وانظر جثتي فاستوهبها من ابن زياد فوارها ، وابعث إلى حسين (عليه السّلام) مَن
يردّه ؛ فإنّي كتبت إليه أعلمه أنّ النّاس معه ولا أراه إلاّ مقبلاً .
_________________
[مسلم أمام ابن زياد]
ثمّ قال ابن زياد : إيه يابن عقيل! أتيت
النّاس وأمرهم جميع وكلمتهم واحدة ؛ لتشتتهم وتفرّق كلمتهم وتحمل بعضهم على بعض.
قال : كلا ، لست أتيت ، ولكن أهل المصر
زعموا أنّ أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم ، وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر فأتيناهم
لنأمر بالعدل وندعو إلى حكم الكتاب.
قال : وما أنت وذاك يا فاسق ، أوَلمْ
نكن نعمل بذلك فيهم إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟ قال : أنا أشرب الخمر! والله ، إنّ
الله ليعلم أنّك غير صادق وأنّك قلت بغير علم ، وإنّي لست كما ذكرت ، وإنّ أحقّ
بشرب الخمر منّي وأولى بها مَن يلغ في دماء المسلمين ولغاً ، فيقتل النّفس التي
حرّم الله قتلها ، ويقتل النّفس بغير النّفس ويسفك الدم الحرام ، ويقتل على الغضب
والعداوة وسوء الظنّ ، وهو يلهو ويلعب كأنّ لمْ يصنع شيئاً.
قال له ابن زياد : يا فاسق! إنّ نفسك
تمنّيك ما حال الله دونه ، ولمْ يرَك أهله.
قال : فمَن أهله يابن زياد؟
قال : أمير المؤمنين يزيد.
فقال : الحمد لله على كلّ حال ، رضينا
بالله حكماً بيننا وبينكم.
قال : كأنّك تظنّ أنّ لكم بها شيئاً؟
قال : والله ، ما هو بالظنّ ولكنّه
اليقين.
قال : قتلني الله إنْ لمْ أقتلك قتلة
لمْ يقتلها أحد في الإسلام.
قال : أمَا إنّك لا تدع سوء القتلة وقبح
المثلة ، وخبث السّيرة ولؤم الغلبة ، ولا أحد من النّاس أحقّ بها منك.
وأقبل ابن سميّة يشتمه ويشتم حسيناً وعليّاً وعقيلاً.
[مقتل مسلم (عليه السّلام)]
ثمّ قال : اصعدوا به فوق القصر فاضربوا
عنقه ، ثمّ أتبعوا جسده رأسه.
فقال [مسلم لابن الأشعث] : يابن الأشعث
، أمَا والله ، لولا أنّك آمنتني ما استسلمت ؛ قم بسيفك دوني فقد اُخفرت ذمّتك .
وأقبل محمّد بن الأشعث ... فأخبر عبيد
الله خبر ابن عقيل ، وضرب بكير [بن حمران] إيّاه ، [و] أخبره بما كان منه وما كان
من أمانه إيّاه.
فقال عبيد الله : ما أنت والأمان؟ كأنّا
أرسلناك تؤمّنه ، إنّما أرسلناك لتأتينا به ، فسكت .
ثمّ قال ابن زياد : أين هذا الذي ضرب
ابن عقيل رأسه بالسّيف وعاتقه؟ فدُعى ، فقال : اصعد ، فكن أنت الذي تضرب عنقه.
فصعد به ، وهو يكبّر ويستغفر ويصلّي على
ملائكة الله ورسله ، ويقول : اللهمّ ، احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذبونا وأذلّون.
وأشرف به [بكير الأحمري] على موضع
الجزّارين اليوم
فضربت عنقه ،
_________________
وأتبع جسده رأسه .
[و] نزل بكير بين حمران الأحمري الذي
قتل مسلماً ، فقال له ابن زياد : قتلته؟ قال : نعم. قال : فما كان يقول ، وأنتم
تصعدون به؟ قال : كان يكبّر ويسبّح ويتسغفر ، فلمّا أدنيته لأقتله ، قال : اللهمّ
، احكم بيننا وبين قوم كذّبونا وغرّونا وخذلونا وقتلونا. فقلت له : ادنُ منّي ، فضربته
ضربة لمْ تغنِ شيئاً ، ثمّ ضربته الثانية فقتلته.
ثمّ جيء برأسه إلى ابن زياد
فقال عمر [ابن سعد] لابن زياد : أتدري
ما قال لي؟ إنّه ذكر كذا وكذا.
قال له ابن زياد : إنّه لا يخونك الأمين
، ولكن قد يُؤتمن الخائن
؛ أمّا مالك ، فهو لك ولسنا نمنعك أنْ تصنع فيه ما أحببت ؛ وأمّا حسين (ع) فإنّه إنْ لمْ يردنا
لمْ نرده ، وإنْ أرادنا لمْ نكفّ عنه ؛ وأمّا جثّته ، فإنّا لا نبالي إذ قتلناه ما
صُنع بها .
[مقتل هانئ بن عروة]
لمّا كان من أمر مسلم بن عقيل ما كان ، أبى
[ابن زياد] أنْ يَفي [لمحمّد
_________________
بن الأشعث بما وعده
، بأن يهب له هانئاً حذراً من عداوة قومه ؛ لأنّه هو الذي ذهب به إليه] ، فأمر
بهانئ بن عروة ، فقال : أخرجوه إلى السّوق فاضربوا عنقه.
فأُخرج بهانئ ، وهو مكتوف حتّى انتهي به
إلى مكان من السّوق يُباع فيه الغنم ، فجعل يقول : وامذحجاه! ولا مذحج لي اليوم!
وامذحجاه! وأين منّي مذحج!
فلمّا رأى أنّ أحداً لا ينصره جذب يده
فنزعها من الكتّاف ، ثمّ قال : أمَا من عصا أو سكّين أو حجر أو عظم يجاحش به رجل عن نفسه؟
ووثبوا إليه فشدّوه وثاقاً ، ثمّ قِيل
له : أمدد عنقك.
فقال : ما أنا بها مجدٍ سخيّ ، وما أنا
بمعينكم على نفسي.
[فتقدّم] مولى تركي لعبيد الله بن زياد
، يقال له رشيد
، فضربه بالسّيف فلمْ يصنع سيفه شيئاً.
وقال هانئ : إلى الله المعاد! اللّهمّ ،
إلى رحمتك ورضوانك!
ثمّ ضربه أخرى فقتله [رحمة الله عليه ورضوانه ، وذهبوا
برأسه إلى ابن زياد] .
_________________
[مَن قتل بعدهما]
ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد لمّا قتل
مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، دعا بعبد الأعلى الكلبي الذي كان أخذه كثير بن شهاب
في بني فتيان ، فأُتي به ، فقال له : أخبرني بأمرك؟
فقال : أصلحك الله! خرجت ؛ لأنظر ما
يصنع النّاس فأخذني كثير بن شهاب.
فقال له : فعليك ، وعليك من الإيمان
المغلّظة إنْ كان أخرجك إلاّ ما زعمت. فأبى أنْ يحلف.
فقال عبيد الله : انطلقوا بهذا إلى
جبّانة السّبيع فاضربوا عنقه بها. فانطلقوا به فضربت عنقه.
وأخرج عمارة بن صلخب الأزدي ، وكان ممّن
يُريد أن يأتي مسلم بن عقيل بالنصرة لينصره ، فأتي به عبيد الله ، فقال : له ممّن
أنت؟ قال : من الأزد. قال : فانطلقوا به إلى قومه ، فضربت عنقه فيهم
[حبس المختار]
فلمّا ارتفع النّهار فتح باب عبيد الله
بن زياد وأذن للنّاس ، فدخل المختار فيمَن دخل ، فدعاه عبيد الله فقال له : أنت
المقبل في الجموع ؛ لتنصر ابن عقيل؟ فقال له : لمْ أفعل ، ولكنّي أقبلت ونزلت تحت
راية عمرو بن حريث وبتّ معه وأصبحت. فقال عمرو [بن حريث] : صدق أصلحك الله.
فرفع القضيب [ابن زياد] فاعترض به وجه
المختار فخبط عينه فشترها
،
_________________
وقال : أولى لك أمَا
والله ، لولا شهادة عمرو لضربت عنقك ، انطلقوا به إلى السّجن. فانطلقوا به إلى
السّجن ، فحُبس فيه حتّى قُتل الحسين (عليه السّلام) .
[بعث الرؤوس إلى يزيد]
إنّ عبيد الله بن زياد بعث برؤوسهما مع
هانئ بن أبي حيّة الوادعي [الكلبي الهمداني] والزبير بن الأروح التميمي إلى يزيد
بن معاوية ، وأمر كاتبه عمرو بن نافع ، أنْ يكتب إلى يزيد بن معاوية بما كان من
مسلم وهانئ ، فكتب إليه كتاب طال فيه ، فلمّا نظر فيه عبيد الله بن زياد كرهه ، وقال
: ما هذا التطويل وهذه الفضول؟ اُكتب :
أمّا بعد ، فالحمد لله الذي أخذ لأمير
المؤمنين بحقّه وكفاه مؤونة عدوّه ، أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أنّ مسلم بن
عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، وإنّي جعلت عليهما العيون ودسست إليهما
الرجال وكدتهما حتّى استخرجتهما وأمكن الله منهما فقدّمتهما فضربت أعناقهما ، وقد
بعثت إليك برؤوسهما مع هانئ بن أبي حيّة الهمداني والزبير بن الأروح التميمي ، وهما
من أهل السّمع والطاعة والنّصيحة ، فليسألهما أمير المؤمنين عمّا أحبّ من أمر ؛
فإنّ عندهما علماً وصدقاً وفهماً وورعاً ، والسّلام.
فكتب إليه يزيد : أمّا بعد ، فإنّك لمْ
تعد أنْ كنت كما أحبّ ، عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش ، فقد
أغنيت وكفيت وصدّقت ظنّي بك ورأيي فيك ، وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما
فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت ، فاستوص بهما خيراً.
وإنّه قد بلغني أنّ الحسين بن علي توجّه
نحو العراق ، فضع المناظر
_________________
والمسالح واحترس على الظنّ وخذ على التهمة ، غير
أنْ لا تقتل إلاّ مَن قاتلك ، واكتب إليّ في كلّ ما يحدث من الخبر ، والسّلام عليك
ورحمة الله .
[و] كان مخرج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم
الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجّة سنة ستّين ... وكان مخرج الحسين [(عليه
السّلام) من مكّة] يوم الثلاثاء ، يوم التروية في اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل
.
فقال عبد الله بن الزّبير الأسدي في
قتلة مسلم بن عقيل وهانئاً بن عروة المرادي ، ويقال الفرزدق :
[ف] ان كنت لا تدرين ما الموت فانظري
|
|
إلى هانئ في السّوق وابن عقيل
|
إلى بطل قد هشّم السّيف وجهه
|
|
وآخر يهوي من طمار قتيل
|
أصابهما أمر الأمير فأصبحا
|
|
أحاديث من يسري بكل سبيل
|
ترى جسداً قد غيّر الموت لونه
|
|
ونضح دم قد سال كلّ مسيل
|
فتى هو أحيى من فتاة حيية
|
|
وأقطع من ذي شفرتين صقيل
|
أيركب أسماء الهماليج آمنا
|
|
وقد طلبته مذحج بذحول
|
تطيف حوإليه مراد وكلهم
|
|
على رقبة من سائل ومسول
|
_________________
فإنْ أنتم لمْ تثأروا بأخيكم
|
|
فكونوا بغايا ارضيت بقليل و
|
_________________
[خروج الحسين [عليه السلام] من
مكّة]
كان مخرج الحسين (عليه السّلام) من المدينة إلى مكّة يوم الأحد ، لليلتين بقيتا من
رجب سنة ستّين ، ودخل مكّة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان ، فأقام بمكّة شعبان
وشهر رمضان وشوّال وذا القعدة ، ثمّ خرج منها لثمان مضين من ذي الحجّة يوم
الثلاثاء ، يوم التروية في اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل (عليه السّلام).
[ولمّا] نزل مكّة ، أقبل أهلها يختلفون
إليه ويأتونه ، ومَن مكان بها من المعتمرين وأهل الآفاق.
[موقف ابن الزبير مع الإمام
(عليه السّلام)]
[وكان] فيمَن يأتيه ابن الزبير ، فيأتيه
اليومين المتواليين ويأتيه بين كلّ يومين مرّة ، وقد عرف أنّ أهل الحجاز لا
يتابعونه ولا يبايعونه أبداً مادام حسين (عليه السّلام) بالبلد ، وأنّ حسيناً أعظم
في أعينهم منه وأطوع في النّاس منه .
_________________
فحدّثه [يوماً] ساعة ، ثمّ قال : ما
أدرى ما تركنا هؤلاء القوم وكفّنا عنهم ، ونحن أبناء المهاجرين وولاة هذا الأمر
دونهم! خبّرني ما تريد أنْ تصنع؟
فقال الحسين (عليه السّلام) : «والله ، لقد
حدّثت نفسي بإتيان الكوفة ، ولقد كتب إليّ شيعتي بها وأشراف أهلها ، واستخير الله»
.
فقال له ابن الزبير : أمَا لو كان لي
بها مثل شيعتك ما عدلت بها!
ثمّ إنّه خشى أنْ يتّهمه ، فقال : أمَا
إنّك لو أقمت بالحجاز ، ثمّ أردت هذا الأمر ها هنا ما خولف عليك إنْ شاء الله. ثمّ
قام فخرج من عنده.
فقال الحسين (عليه السّلام) : «ها إنّ
هذا ليس شيء يُؤتاه من الدنيا أحبّ إليه من أنْ اخرج من الحجاز إلى العراق ، وقد
علم أنّه ليس له من الأمر معي شيء ، وأنّ النّاس لا يعدلوه بي ، فودّ أنّي خرجت
منها لتخلو له».
[محادثة ابن عبّاس]
[و] لمّا أجمع المسير إلى الكوفة أتاه
عبد الله بن عبّاس ، فقال : يابن عمّ ، قد أرجف النّاس أنّك سائر إلى العراق ، فبيّن
لي ما أنت صانع؟ قال (ع) : «إنّي قد أجمعت المسير في أحد يوميّ هذين إنْ شاء الله تعالى».
_________________
فقال له ابن عبّاس : فإنّي أعيذك بالله
من ذلك ، أخبرني رحمك الله أتسير
_________________
إلى قوم قد قتلوا
أميرهم ، وضبطوا بلادهم ونفوا عدوّهم؟ فإنْ كانوا قد فعلوا ذلك فسر إليهم ، وإنْ
كانوا إنّما دعوك إليهم وأميرهم عليهم قاهر لهم وعمّاله تجبى بلادهم ؛ فإنّهم
إنّما دعوك إلى الحرب والقتال ، ولا آمن عليك أنْ يغرّوك ويكذبوك ، ويخالفوك
ويخذلوك ، وأنْ يستنفروا إليك فيكونوا أشدّ النّاس عليك.
فقال له حسين (عليه السّلام) : «وإنّي
أستخير الله
وأنظر ما يكون»
.
[محادثة ابن عبّاس ثانيةً]
فلمّا كان من العشي أو من الغد أتى عبد
الله بن العبّاس ، فقال : يابن عمّ إنّي أتصبّر وما أصبر ، إنّي أخاف عليك في هذا
الوجه الهلاك والاستئصال ، إنّ العراق قوم غدر فلا تقربنّهم ، أقم بهذا البلد ؛
فإنّك سيّد أهل الحجاز فإنْ كان أهل العراق يُريدونك كما زعموا ، فاكتب إليهم
فلينفوا عدوّهم ثمّ أقدم عليهم ، فإنْ أبيت إلاّ أنْ تخرج فسر إلى اليمن ؛ فإنّ
بها حصوناً وشعاباً ، وهي أرض عريضة طويلة وتبثّ دعاتك ، فإنّي أرجو أنْ يأتيك عند
ذلك الذي تُحبّ في عافية.
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «يابن
عم ، إنّي والله ، لأعلم أنّك ناصح ...
_________________
... مشفق ، ولكنّي
أزمعت وأجمعت على المسير».
فقال له ابن عبّاس : فإنْ كنت سائراً ، فلا
تسر بنسائك وصبيتك فوالله ، إنّي لخائف أنْ تُقتل ... .
[محادثة عمر بن عبد الرحمن
المخزومي]
قال عمر بن عبد الرحمن بن الحرّث بن
هشام المخزومي
: لمّا تهيّأ الحسين (عليه السّلام) للمسير إلى العراق أتيته فدخلت عليه فحمدت
الله وأثنيت عليه ، ثمّ قلت : أمّا بعد ، فإنّي أتيتك يابن عمّ لحجّة أريد ذكرها
نصيحةً ، فإنْ كنت ترى أنّك تستنصحني ، وإلاّ كففت عمّا أريد أنْ أقول.
فقال [الحسين (عليه السّلام)] : «قل
فوالله ، ما أظنّك بسيّء الرأي ولا هوٍ
للقبيح من الأمر والفعل».
قال : أنّه قد بلغني أنّك تريد المسير
إلى العراق ، وإنّي مشفق عليك من مسيرك ، أنّك تأتي بلداً فيه عمّاله وامرؤه ومعهم
بيوت الأموال ، وإنّما النّاس عبيد لهذا الدرهم والدينار ، ولا آمن عليك أنْ
يُقاتلك مَن وعدك نصره ، ومَن أنت أحبّ إليه ممّن يُقاتلك معه.
فقال الحسين (عليه السّلام) : «جزاك
الله خيراً بابن عم ، فقد والله ، علمت أنّك مشيت بنصح وتكلّمت بعقل ، ومهما يقضِ
من أمر يكن ، أخذت
_________________
برأيك أو تركته ، فأنت
عندي أحمد مشير وأنصح ناصح» .
[محادثة ابن الزبير مع
الإمام الأخيرة]
[وقال] عبد الله بن سليم [الأسدي] والمُذري
بن المُشمَعلّ [الأسدي] قدمنا مكّة حاجّين فدخلنا يوم التروية ، فإذا نحن بالحسين
(عليه السّلام) وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر
والباب ، فتقرّبنا منهما فسمعنا ابن الزبير ، وهو يقول للحسين (عليه السّلام) : إنْ
شئت أنْ تُقيم أقمت ، فوليت هذا الأمر فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك.
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «إنّ
أبي حدّثني : أنّ بها كبشاً يستحلّ حرمتها ، فما أحبّ أنْ أكون أنا ذلك الكبش» و .
فقال له الزبير : إليّ يابن فاطمة.
فأصغى إليه فسارّه ، ثمّ التفت إلينا الحسين (عليه السّلام) فقال :
«أتدرون ما يقول ابن الزبير؟».
فقلنا : لاندري ، جعلنا الله فداك.
فقال (ع) : «قال : أقمْ في هذا المسجد ،
أجمع لك النّاس».
ثمّ قال الحسين (عليه السّلام) : «والله
، لئن أقتل خارجاً منها بشبر أحبّ إليّ من أنْ أقتل داخلاً منها بشبر ؛ وأيمْ الله
، لو كنت في جحر هامّة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيّ حاجتهم ، والله ، ليعتدنّ
عليّ كما اعتدت اليهود في
_________________
السّبت» و .
[موقف عمرو بن سعيد الأشدق]
[و] لمّا خرج الحسين (عليه السّلام) من
مكّة اعترضه رُسل عمرو بن سعيد بن العاص
عليهم يحيى بن سعيد .
_________________
فقالوا له : انصرف ،
أين تذهب؟ فأبى عليهم.
وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسّياط ، ومضى
الحسين (عليه السّلام) على وجهه.
فنادوه : يا حسين ، ألاَ تتّقي الله ، تخرج
من الجماعة وتفرّق بين هذه الاُمة!
فتأوّل حسين (عليه السّلام) قول الله
عزّ وجلّ : (لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ
بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ)
و
قال علي بن الحسين بن علي (عليهما
السّلام) : «لمّا خرجنا من مكّة كتب عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب إلى الحسين بن علي (عليه السّلام) مع
ابنيه عون ومحمّد
:
أمّا بعد ، فإنّي أسألك بالله لمّا
انصرفت حين تنظر في كتابي ؛ فإنّي مشفق عليك من الوجه الذي تتوجّه له أنْ يكون فيه
هلاكك واستئصال أهل بيتك ، إنْ هلكت اليوم طفيء نور الأرض ؛ فإنّك علم المهتدين
ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل بالسّير ، فإنّي في أثر الكتاب ، والسّلام».
_________________
وقام عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد
بن العاص فكلّمه ، وقال : اكتب إلى الحسين (عليه السّلام) كتاباً تجعل له فيه
الأمان ، وتمنّيه فيه البرّ والصلة وتوثّق له في كتابك ، وتسأله الرجوع ، لعلّه
يطمئن إلى ذلك فيرجع ، وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد ؛ فإنّه أحرى أنْ تطمئن نفسه
إليه ويعلم أنّه الجدّ منك.
فقال عمرو بن سعيد : أكتب ما شئت واتني
به حتّى أختمه ، فكتب عبد الله بن جعفر الكتاب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، من عمرو بن
سعيد إلى الحسين بن علي (ع) ، أمّا بعد : فإنّي أسأل الله أنْ يصرفك عمّا يوبقك
وأنْ يهديك لما يرشدك ، بلغني أنّك قد توجّهت إلى العراق ، وإنّي أعيذك من الشقاق
؛ فإنّي أخاف عليك فيه الهلاك ، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد ، فأقبل
إليّ معهما فإنّ لك عندي الأمان والصلة والبرّ وحسن الجوار ، لك الله بذلك شهيد
وكفيل ، ومراع ووكيل ، والسّلام عليك.
ثمّ أتى به عمرو بن سعيد ، فقال له : اختمه
، ففعل فلحقه عبد الله بن جعفر ويحيى [بن سعيد] ، فأقرأه يحيى الكتاب ، وكتب إليه
الحسين (عليه السّلام) :
«أمّا بعد : فإنّه لمْ يشقاقق الله
ورسوله مَن دعا إلى الله عزّ وجل وعمل صاحلاً ، وقال إنني من المسلمين ؛ وقد دعوت
إلىّ الأمان والبرّ والصلة ، فخير الأمان أمان الله ، ولن يؤمّن الله يوم القيامة
مَن لمْ يخفه في الدنيا ، فنسأل الله مخافةً في الدنيا تُوجب لنا أمأنّه يوم
القيامة ، فإنْ كنت نويت بالكتاب صلتي وبرّي ، فجُزيت خيراً في الدنيا والآخرة ، والسّلام».
ثمّ انصرفا [إلى عمرو بن سعيد] فقالا : أقرأنّه
الكتاب وجهدنا به ، وكان ممّا اعتذر إلينا أنْ قال : «إنّي رأيت رؤياً فيها رسول
الله (صلّى الله عليه [وآله]) وأُمرت فيها بأمر أنا ماضٍ له ، عليّ كان أولي» ، فقالا
له : فما تلك
الرؤيا؟ قال (ع) : «ما
حدّثت بها أحداً وما أنا محدّث بها حتّى ألقى ربّي!» و .
_________________
[منازل الطريق]
[التنعيم]
ثمّ إنّ الحسين (عليه السّلام) أقبل
حتّى مرّ بالتنعيم ، فلقى بها عيراً قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري إلى يزيد بن معاوية ، وكان عامله على
اليمن وعلى العير : الورس
والحلل ينطلق بها إلى يزيد فأخذها الحسين (عليه السّلام) فانطلق بها.
ثمّ قال (ع) لأصحاب الإبل : «لا أكرهكم
، مَن أحبّ أنْ يمضي معنا إلى العراق أوفينا كراءه وأحسنّا صحبته ، ومَن أحبّ أنْ
يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من الأرض».
فمَن فارقه ، منهم حُوسب فأوفى حقّه
ومَن مضى منهم معه أعطاه كراءه وكساه .
_________________
[الصفاح]
عن عبد الله بن سليم [الأسدي] والمذري [بن
المُشمَعلّ الأسدي] قالا : أقبلنا حتّى انتهينا إلى الصفاح فلقينا الفرزدق بن غالب
الشاعر .
فواقف حسيناً (عليه السّلام) ، فقال له : أعطاك الله سؤلك وأمّلك فيما تحبّه.
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «بيّن
لنا نبأ النّاس خلفك».
فقال له الفرزدق : من الخبير سألت ، قلوب
النّاس معك وسيوفهم مع بني اُميّة والقضاء ينزل من السّماء ، والله ، يفعل ما يشاء.
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «صدقت
لله الأمر ، والله يفعل ما يشاء ، وكل يوم ربّنا في شأن ، إنْ نزل القضاء بما نحب
فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإنْ حال القضاء دون
الرجاء ، فلمْ يعتدّ مَن كان الحقّ نيّته والتقوى سريرته».
_________________
ثمّ حرّك الحسين (عليه السّلام) راحلته
، فقال : «السّلام عليك». ثمّ افترقا
.
ولمّا بلغ عبيد الله [ابن زياد] إقبال
الحسين (عليه السّلام) من مكّة إلى الكوفة ، بعث الحصبن بن تميم [التميمي] صاحب
شرطته حتّى نزل القادسيّة ونظّم الخيل ما بين القادسيّة إلى خفّان ، وما بين القادسيّة إلى القطقطانة وإلى لعلع .
[الحاجر]
[و] أقبل الحسين (عليه السّلام) حتّى
إذا بلغ الحاجر من بطن الرمّة بعث
_________________
قيس بن مسهر
الصيداوي إلى أهل الكوفة ، وكتب معه إليهم :
«بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن
علي إلى إخوأنّه من المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم : فإنّي أحمد إليكم الله الذي
لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد ، فإنّ كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم
، واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقّنا ، فسالت الله أنْ يحسن لنا الصنع ، وأنْ
يُثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء ، لثمان مضين
من ذي الحجّة يوم التروية ، فإذا قدم عليكم رسولي فاكمشوا أمركم وجدّوا ، فإنّي
قادم عليكم في أيّامي هذه أنْ شاء الله. والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
وأقبل قيس بن مسهر الصيداوي إلى الكوفة
بكتاب الحسين (عليه السّلام) حتّى إذا انتهى إلى القادسيّة ، أخذه الحصين بن تميم
فبعث به إلى عبيد الله بن زياد. فقال له عبيد الله : اصعد إلى القصر فسبّ الكذّاب
ابن الكذّاب.
فصعد ، ثمّ قال : أيّها النّاس ، إنّ
هذا الحسين بن علي (ع) خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله (صلوات الله عليهما)
، وأنا رسوله إليكم ، وقد فارقته بالحاجر فأجيبوه ، ثمّ لعن عبيد الله بن زياد
وأباه واستغفر لعليّ بن أبي طالب (ع).
فأمر به عبيد الله بن زياد أنْ يرمى به
من فوق القصر ، فرمي به فتقطّع فمات [رحمه الله] .
[ماء من مياه العرب]
ثمّ أقبل الحسين (عليه السّلام) سيراً
إلى الكوفة فانتهى إلى ماء من مياه
_________________
العرب ، فإذا عليه
عبد الله بن مطيع العدوي
وهو نازل ها هنا ، فلمّا رأى الحسين (عليه السّلام) قام إليه ، فقال : بأبي أنت
وأمّي يابن رسول الله ، ما أقدمك؟! فقال له الحسين (عليه السّلام) : «كتب إليّ أهل
العراق يدعونني إلى أنفسهم». فقال له عبد الله بن مطيع : أذكّرك الله ، يابن رسول
الله وحرمة السّلام أنْ تنتهك ، أنشدك الله في حرمة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله])
، أنشدك الله في حرمة العرب ، فوالله ، لئن طلبت ما في أيدي بني اُميّة ليقتلنّك ،
ولئن قتلوك لا يهأبون بعدك أحداً أبداً .
والله ، أنّها الحرّمة السّلام تنتهك ، وحرمة قريش وحرمة العرب ، فلا تفعل ولا
تأتِ الكوفة ، ولا تعرض لبني اُميّة. فأبى إلاّ أنْ يمضي.
[منزل قبل زرود وهي
الخزيميّة]
فأقبل الحسين (عليه السّلام) حتّى كان
بالماء فوق زرود
، [وهي : الخزيميّة].
[لحوق زهير بن القين بالإمام
الحسين (عليه السّلام)]
عن رجل من بني فزارة ، قال : كنّا مع
زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكّة نساير الحسين (عليه السّلام) ، فلمْ يكن
شيء أبغض إلينا من أنْ نسايره
_________________
في منزل ، فإذا سار
الحسين (ع) تخلّف زهير بن القين ، وإذا نزل الحسين (ع) تقدّم زهير حتّى نزلنا في
منزل لمْ نجد بدّاً من أنْ ننازله فيه. فنزل الحسين (عليه السّلام) في جانب ونزلنا
في جانب ، فبينا نحن جلوس نتغدّى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين حتّى سلّم ثمّ
دخل ، فقال : يا زهير بن القين ، إنّ أبا عبد الله الحسين بن علي (عليهما السّلام)
بعثني إليك لتأتيه. فطرح كلّ انسان ما في يده حتّى كأنّ على رؤوسنا الطير . قالت دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن
القين ، فقلت له : أيبعث إليك ابن رسول الله (ع) ثمّ لا تأتيه سبحان الله! لو
أتيته فسمعت كلاُمّه ، ثمّ انصرفت. فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أنْ جاء
مستبشراً قد أسفر وجهه.
ثمّ قال لأصحابه : من أحبّ منكم أنْ
يتبعني ، وإلاّ فإنّه آخر العهد ، إنّي سأحدّثكم حديثاً : غزونا بلنجر ففتح الله علينا وأصبنا غنائم. فقال
سلمان الباهلي
: أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم؟ فقلنا : نعم. فقال لنا : إذا
أدركتم شباب آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم
_________________
معهم منكم بما أصبتم
من الغنائم ؛ فأمّا أنا ، فإنّي استودعكم الله.
ثمّ قال لامرأته : أنت طالق إلحقي بأهلك
؛ فإنّي لا أحبّ أنْ يصيبك من سبي إلاّ خير
و .
وسرّح الحسين (عليه السّلام) عبد الله
بن يقطر الحميري
من بعض الطريق إلى مسلم بن عقيل
، فتلقّاه خيل الحصين بن تميم بالقادسيّة ، فسرّح به إلى عبيد الله بن زياد ، فقال
: اصعد فوق القصر فالعن الكذّاب ابن الكذّاب ، ثمّ انزل حتّى أرى فيك رأيي. فصعد ،
فلمّا أشرف على النّاس ، قال : أيّها النّاس ، إنّي رسول الحسين بن فاطمة بنت رسول
الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، لتنصروه وتوازروه على ابن مرجانة ابن سميّة الدّعي.
فأمر به عبيد الله [ابن زياد] فأُلقي من فوق القصر إلى الأرض فكسرت عظاُمّه ، و [كان]
به رمق فأتاه عبد الملك بن عمير اللخمي
فذبحه.
_________________
زرود .
عن عبد الله بن سليم والمذري بن
المُشمَعلّ الأسديين ، قالا : لمّا قضينا حجّنا لمْ يكن لنا همّة إلاّ اللحاق
بالحسين (عليه السّلام) في الطريق ، لننظر ما يكون من أمره وشأنّه ، فأقبلنا ترقل
بنا ناقتانا مسرعين حتّى لحقنا بزرود
، فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين (عليه
السّلام) ، فوقف الحسين (ع) كأنّه يُريده ، ثمّ تركه ومضى ، فقال (ع) : «أحدنا
لصاحبه ، اذهب بنا إلى هذا فلنسأله ، فإنْ كان عنده خبر الكوفة علمناه». فمضينا
حتّى انتهينا إليه فقلنا : السّلام عليك. قال : وعليكم السّلام ورحمة الله. ثمّ
قلنا : فمَن الرجل؟ قال : أسدي. فقلنا : فنحن أسديّان ، فمَن أنت؟ قال : أنا بكير
بن المثعبة. فانتسبنا له ، ثمّ قلنا أخبرنا عن النّاس وراءك؟ قال : نعم ، لمْ أخرج
من الكوفة حتّى قُتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة فرأيتهما يجرّان بأرجلهما في
السّوق. قالا : فأقبلنا حتّى لحقنا بالحسين (عليه السّلام) فسايرناه حتّى نزل.
[الثعلبيّة]
الثعلبيّة ممسيّاً ، فجئناه حين نزل
فسلّمنا عليه فردّ علينا. فقلنا له : يرحمك
_________________
الله ، إنّ عندنا
خبراً فإنْ شئت حدّثنا علانية ، وإنْ شئت سرّاً. فنظر إلى أصحابه ، وقال (ع) : «ما
دون هؤلاء سرّ». فقلنا له : أرأيت الراكب الذي استقبلك عشاء أمس؟ قال (ع) : «نعم ،
وقد أردت مسألته». فقلنا : قد استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته ، وهو امرؤ من أسد
منّا ، ذو رأي وصدق وفضل وعقل ، وأنّه حدّثنا أنّه لمْ يخرج من الكوفة حتّى قُتل
مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وحتّى رآهما يُجرّان في السّوق بأرجلهما. فقال (ع) : «إنّا
لله وإنّا إليه راجعون ، رحمة الله عليهما!». فردّد ذلك مراراً .
فقلنا : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك
إلاّ انصرفت من مكانك هذا ؛ فإنّه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة ، بل نتخوّف أنْ
تكون عليك. فوثب عند ذلك بنو عقيل بن أبي طالب .
[و] قالوا : لا والله ، لا نبرح حتّى
ندرك ثارنا ، أو نذوق ما ذاق أخونا .
قالا : فنظر إلينا الحسين (عليه السّلام)
، فقال (ع) : «لا خير في العيش بعد هؤلاء». فعلمنا أنّه قد عزم له رأيه على المسير
، فقلنا : خار الله لك. فقال (ع) : «رحمكما الله».
ثمّ انتظر حتّى إذا كان السّحر ، قال (ع)
لفتيانه وغلمأنّه : «أكثروا من الماء». فاستقوا وأكثروا ، ثمّ ارتحلوا وساروا حتّى
انتهوا إلى :
_________________
[زبالة]
زبالة [فـ] ـسقط إليه [خبر] مقتل أخيه من
الرضاعة عبد الله بن يقطر
، فأخرج للنّاس كتاباً [ونادى] : «بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد : فقد أتانا
خبر فضيع ، قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا
فمَن أحبّ
منكم الانصراف فلينصرف ، ليس عليه منّا ذمام».
فتفرّق النّاس عنه تفرّقاً ، فأخذوا
يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة.
وإنّما فعل ذلك ؛ لأنّه إنّما تبعه
الأعراب ، لأنّهم ظنّوا أنّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهله ، فكره أنْ
يسيروا معه إلاّ وهم يعلمون علامَ يقدمون ، وقد علم أنّهم إذا بيّن لهم لمْ يصحبه
إلاّ مَن يُريد مواساته والموت معه .
فلمّا كان من السّحر أمر فتيانه فاستقوا
الماء وأكثروا ، ثمّ سار حتّى مرّ بـ :
_________________
[بطن العقبة]
بطن العقبة ، فنزل بها [فسأله أحد بني عكرمة] : إنّي أنشدك
الله لمّا انصرفت ، فوالله ، لا تقدم إلاّ على السّنة وحدّ السّيوف ، فإنّ هؤلاء
الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطّئوا لك الأشياء ، فقدمت عليهم
كان ذلك رأياً ؛ فأمّا على هذه الحال التي تذكرها ، فإنّي لا أرى لك أنْ تفعل.
فقال (ع) : «له يا عبد الله ، إنّه ليس
يخفى عليّ الرأي ما رأيت ، ولكنّ الله لا يغلب على أمره» . ثمّ ارتحل منها .
[شراف]
[و] أقبل الحسين (عليه السّلام) حتّى
نزل شراف. فلمّا كان في السّحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ، ثمّ ساروا
منها فرسموا صدر يومهم حتّى انتصف النّهار.
ثمّ إنّ رجلاً ، قال : الله أكبر. فقال
الحسين (عليه السّلام) : «الله أكبر ، ممّ كبّرت؟». قال : رأيت النّخل. فقال له
الأسديان [عبد الله بن سليم والمذري بن المُشمَعلّ] : إنّ هذا المكان ما رأينا به
نخلة قط. فقال الحسين (عليه السّلام) : «فما
_________________
بريانه رأى». قلنا :
نراه رأى هوادي الخيل [، أي : رؤوسه]. فقال [الرجل] : وأنا والله ، أرى ذلك.
[ذوحسم]
فقال الحسين (عليه السّلام) : «أمَا لنا
ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ، ونستقبل القوم من وجه واحد؟». فقلنا له : بلى ، هذا
ذوحسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك ، فإنْ سبقت القوم إليه ، فهو كما تريد. فأخذ
إليه ذات اليسار وملنا معه ، فاستبقنا إلى ذي حسم فسبقناهم إليه ، فلمّا رأونا وقد
عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا ، فنزل الحسين (عليه السّلام) فأمر بأبنيته فضربت.
فما كان بأسرع من أنْ طلعت علينا هوادي
الخيل ، وكأنّ راياتهم أجنحة الطير ، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحرّ بن يزيد
التميمي اليربوعي حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين (عليه السّلام) في حرّ الظهيرة ،
والحسين وأصحابه معتمّون متقلّدون أسيافهم.
فقال الحسين (عليه السّلام) لفتيانه : «اسقوا
القوم وأرووهم من الماء ، ورشّفوا الخيل ترشيفاً».
فقام فتيانه ، وسقوا القوم من الماء
حتّى أرووهم ، وأقبلوا يملأون القصاع والطساس والأتوار من الماء ، ثمّ يدنونها من الفرس ، فإذا
عبّ فيه ثلاثاً أو
_________________
أربعاً أو خمساً عزلت عنه ، وسقوا آخر حتّى سقوا الخيل
كلّها .
[وحضرت الصلاة صلاة الظهر ، فأمر الحسين (ع) الحجّاج بن مسروق الجُعفي أنْ يؤذن
فأذّن ، فلمّا حضرت الإقامة خرج الحسين (عليه السّلام) في إزار ورداء ونعلين.
فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «أيّها
النّاس ، إنّها معذرة إلى الله عزّ وجل وإليكم ، إنّي لمْ آتكم حتّى أتتني كتبكم
وقدمت عليّ رسلكم ، أنْ أقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام ، لعلّ الله يجمعنا بك على
الهدى. فإنْ كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فان تعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم
ومواثيقكم أقدم مصركم ، وإنْ لمْ تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى
المكان الذي أقبلت منه إليكم».
فسكتوا عنه ، وقالوا للمؤذّن : أقم.
فأقام للصلاة.
فقال الحسين (عليه السّلام) : «للحرّ
أتريد أن تصلّي بأصحابك؟». قال : لا ، بل تصلّي أنت ونصلّي بصلاتك. فصلّى بهم
الحسين (عليه السّلام). ثمّ إنّه
_________________
دخل ، واجتمع إليه
أصحابه.
وانصرف الحرّ إلى مكانه الذي كان به ، فدخل
خيمة قد ضربت له فاجتمع إليه جماعة من أصحابه ، وعاد أصحابه إلى صفّهم الذي كانوا
فيه فأعادوه ، ثمّ أخذ كلّ رجل منهم بعنان دابّته وجلس في ظلّها.
فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين (عليه
السّلام) أنْ يتهيّئوا للرحيل ، ثمّ خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر وأقام ، فاستقدم
الحسين (عليه السّلام) فصلّى بالقوم ، ثمّ سلّم وانصرف إلى القوم بوجهه.
فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : «أمّا
بعد : أيّها النّاس ، فانّكم إنْ تتّقوا وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله ، ونحن
أهل البيت (عليهم السّلام) أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس
لهم ، والسّائرين فيكم بالجور والعدوان ، وإنْ أنتم كرهتمونا وجهلتهم حقّنا ، وكان
رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به عليّ رسلكم ، انصرفت عنكم».
فقال له الحرّ بن يزيد : إنّا والله ، ،
ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر.
فقال الحسين (عليه السّلام) : «يا عقبة
بن سمعان ، أخرج الخرجين
اللذين فيهما كتبهم إليّ».
فأخرج خرجين مملوئين صحفاً فنشرها بين
أيديهم.
فقال الحرّ : فإنّا لسنا من هؤلاء الذين
كتبوا إليك ، وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك ألاّ نفارقك حتّى نقدمك على عبيد الله بن
زياد.
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «الموت
أدنى إليك من ذلك».
_________________
ثمّ قال (ع) لأصحابه : «قوموا فاركبوا».
فركبو ، وانتظروا حتّى ركبت نساؤهم.
فلمّا ذهبوا لينصرفوا ، حال القوم بينهم
وبين الانصراف.
فقال الحسين (عليه السّلام) للحر : «ثكلتك
اُمّك! ما تريد؟».
قال : أمَا والله ، لو غيرك من العرب
يقولها لي ، وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر اُمّه بالثكل أنْ أقوله
كائناً مَن كان ، ولكن والله ، ، ما لي إلى ذكر اُمّك من سبيل إلاّ بأحسن ما يُقدر
عليه .
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «فما
تريد؟».
قال الحرّ : أريد والله ، ، أن أنطلق بك
إلى عبيد الله بن زياد.
قال له الحسين (عليه السّلام) : «إذن
والله ، لا اتّبعك».
فقال له الحرّ : إذن والله ، لا أدعك.
ولمّا كثر الكلام بينهما ، قال له الحرّ
: إنّي لمْ أؤمر بقتالك ، وإنّما أمرت ألاّ أفارقك حتّى أقدمك الكوفة ، فإذا أبيت
فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا تردّك إلى المدينة ، تكون بيني وبينك نصفاً حتّى
أكتب إلى ابن زياد ، وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إنْ أردت أنْ تكتب إليه ، أو
إلى عبيد الله بن زياد إنْ شئت ، فلعلّ الله إلى ذلك أنْ يأتي بأمر يرزقني فيه
العافية من أنء ابتلى بشيء من أمرك ، فخذ ها هنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسيّة
[كان هذا وهم بذي حسم] وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلاً ، [فـ] سار الحسين
(ع) في أصحابه والحرّ يسايره] .
* * *
_________________
[البيضة]
[و] بالبيضة خطب الحسين (عليه السّلام) أصحابه
وأصحاب الحرّ :
فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال : «أيّها
النّاس ، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، قال : مَن رأى سلطاناً جائراً
مستحلاًّ لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول الله ، يعمل في عباد
الله بالإثم والعدوان فلمْ يُغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقّاً على الله أنْ
يدخله مدخله. ألاَ وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركو طاعة الرحمن ، وأظهروا
الفساد وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله ، وحرّموا حلال الله
، وأنا أحقّ مَن غيّر.
قد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم
ببيعتكم ، أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإنْ تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم ، فأنا
الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، نفسي مع
أنفسكم وأهلي مع أهليكم ، فلكم فيّ أسوة ، وإنْ لمْ تفعلوا ونقضتم عهدكم ، وخلعتم
بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم!
والمغرور من اغتّربكم ، فحظّكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيّعتم : (فَمَنْ نَكَثَ
فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)
وسيُغني الله عنكم ، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته» .
وأقبل الحرّ يسايره ، وهو يقول له : يا
حسين ، إني أذكّرك الله في نفسك ، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتُقتلنّ ، ولئن قُوتلت
لتهلكنّ فيما أرى.
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «أفبالموت
تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب
_________________
أنْ تقتلوني؟ ما
أدري ما أقول لك؟ ولكن أقول : كما قال أخو الأوس لابن عمّه ، ولقيه وهو يُريد نصرة
رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، فقال له : أين تذهب ، فإنّك مقتول؟ فقال :
سأمضي وما بالموت عار على الفتى
|
|
إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلما
|
وآسى الرجال الصالحين بنفسه
|
|
ممّا وفارق مثبوراً يغش ويُرغما
|
فلمّا سمع ذلك الحرّ منه تنحّى عنه.
وكان يسير بأصحابه في ناحية ، وحسين (عليه السّلام) في ناحية أخرى ، حتّى انتهوا
إلى :
[عذيب الهجانات]
عذيب الهجانات ، فإذا هم بأربعة نفر قد
أقبلوا من الكوفة على رواحلهم ، يجنبون فرساً لنافع بن هلال ، ومعهم دليلهم
الطرّماح بن عدي على فرسه ، فلمّا انتهوا إلى الحسين (عليه السّلام) انشدوه هذه
الأبيات :
يا ناقتي لا تُذعري من زجري
|
|
وشمّري قبل ط لوع الفجر
|
بخير ركبان وخير سفر
|
|
حتّى تَحُلّي بكريم النجر
|
الماجد الحرّ رحيب الصدر
|
|
أتى به الله لخير أمر
|
ممّا ثمّة أبقاه
بقاء الدهر
_________________
فقال [الحسين (عليه السّلام)] : «أمَا
والله ، إنّي لأرجو أنْ يكون خيراً ما أراد الله بنا ، قُتلنا أمْ ظفرنا».
وأقبل الحرّ بن يزيد ، فقال [للإمام (عليه
السّلام)] : إنّ هؤلاء النّفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممّن أقبل معك ، وأنا
حابسهم أو رادّهم.
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «لأمنعنّهم
ممّا أمنع منه نفسي ، إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني ، وقد كنت أعطيتني أنْ لا تعرض
لي بشيء حتّى يأتيك كتاب من ابن زياد».
فقال [الحرّ] : أجل ، لكن لمْ يأتوا معك.
قال [الحسين (عليه السّلام)] : «هم
أصحابي ، وهم بمنزلة مَن جاء معي ، فإنّ تممت عليّ ما كان بيني وبينك وإلاّ ناجزتك».
فكفّ عنهم الحرّ.
ثمّ قال لهم الحسين (عليه السّلام) : «أخبروني
خبر النّاس وراءكم؟».
فقال له مجمّع بن عبد الله العائذي ، وهو
أحد النّفر الأربعة الذين جاؤوه
: أمّا ، أشراف النّاس ، فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائزهم ، يستمال ودّهم ويستخلص
به نصيحتهم ، فهم ألب
واحد عليك ؛ وأمّا سائر النّاس بعد ، فإنّ أفئدتهم تهوي إليك وسيوفهم غداً مشهورة
عليك.
قال (ع) : «أخبروني ، فهل لكم برسولي
إليكم؟». قالوا : مَن هو؟ قال : «قيس بن مسهر الصيداوي». قالوا : نعم ، أخذه
الحصين بن تميم فبعث به إلى ابن زياد ، فأمره ابن زياد أنْ يلعنك ويلعن أباك فصلّى
عليك وعلى أبيك ولعن ابن زياد وأباه ، ودعا إلى نصرتك وأخبرهم بقدومك ، فأمر به
ابن زياد فأُلقي من طمار
القصر.
_________________
فترقرقت عينا الحسين (عليه السّلام) ولمْ
يملك دمعه ، ثمّ قال : «مِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ
وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً
اللهمّ ، اجعل لنا ولهم الجنّة نزلاً ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ، ورغائب
مذخور ثوابك» .
[ثمّ إنّ] الطرّماح بن عدي دنا من
الحسين (ع) ، فقال له : إنّي والله ، لأنظر فما أرى معك أحداً ، ولو لمْ يُقاتلك
إلاّ هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم ، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك
بيوم ظهر الكوفة ، وفيه من النّاس ما لمْ ترَ عيناي في صعيد واحد جمعاً أكثر منه ،
فسألت عنهم ، فقِيل : اجتمعوا ليعرضوا ثمّ يسرّحون إلى الحسين (ع). فأنشدك إنْ
قدرت على أنْ لا تقدم عليهم شبراً إلاّ فعلت ، فانْ أردت أنْ تنزل بلداً يمنعك
الله به حتّى ترى مَن رأيك ويستبين لك ما أنت صانع ، فسرْ حتّى أنزلك مناع جبلنا
الذي يدعى (أجأ)
فأسير معك حتّى أنزلك (القريّة) .
فقال له [الحسين (عليه السّلام)] : «جزاك
الله وقومك خيراً! أنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على
الانصراف ، ولا ندري عَلامَ تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة».
قال الطرمّاح بن عدي فودّعته وقلت له
دفع الله عنك شرّ الجنّ والأنس .
_________________
ومضى الحسين (عليه السّلام) حتّى انتهى
إلى.
[قصر بني مقاتل]
قصر بني مقاتل فنزل به ، فإذا هو بفسطاط
مضروب .
[فـ] ـقال (ع) : لمَن هذا الفسطاط؟
فقِيل : لعبيد الله بن الحرّ الجُعفي .
قال (ع) : «أدعوه لي». وبعث إليه [رسول] ، فلمّا أتاه الرسول ، قال [له] : هذا
الحسين بن علي (عليه السّلام) يدعوك. قال عبيد الله بن الحرّ : إنّا لله وإنّا
إليه راجعون ، والله ، ما خرجت من الكوفة إلاّ كراهة أنْ يدخلها الحسين (ع) وأنا
بها ، والله ، ما أريد أنْ أراه ولا يراني.
فأتاه الرسول فأخبره ، فأخذ الحسين (عليه
السّلام) نعليه فانتعل ثمّ قام ، فجاءه حتّى دخل عليه فسلّم وجلس ، ثمّ دعاه إلى
الخروج معه ، فأعاد ابن الحرّ تلك المقالة ، فقال (عليه السّلام) : «فإنْ لا
تنصرنا ، فاتّق الله أنْ تكون ممّن يُقاتلنا ، فوالله ، لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ
لا ينصرنا إلاّ هلك». ثمّ قام من عنده .
قال عقبة بن سمعان : لمّا كان في آخر
اللّيل أمر الحسين (عليه السّلام) بالاستقاء من الماء ، ثمّ أمرنا بالرحيل ففعلنا.
فلمّا ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرنا ساعة خفق الحسين (عليه السّلام) برأسه خفقة
، ثمّ انتبه وهو يقول : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين».
ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً.
فأقبل إليه ابنه عليّ بن الحسين (عليه
السّلام) على فرس له ، فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ
العالمين ، يا أبتِ جُعلت فداك ممّ حمدت الله
_________________
واسترجعت؟
قال (عليه السّلام) : «يا بنيّ ، إنّي
خفقت برأسي خفقة فعنّ لي فارس على فرس ، فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم.
فعلمت أنّها أنفسنا نُعيت إلينا».
قال له : يا أبت ـ لا أراك الله سوءاً ـ
ألسّنا على الحقّ؟
قال (عليه السّلام) : «بلى ، والذي إليه
مرجع العباد».
قال : يا أبت ، إذاً لا نُبالي ، نموت
محقّين.
فقال له (ع) : «جزاك الله من ولد خير ما
جزى ولداً عن والده».
فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة ، ثمّ عجّل
الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يُريد أنْ يفارقهم فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّهم ، فإذا
ردّهم إلى الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا ، فلمْ يزالوا يتياسرون حتّى
انتهوا إلى :
[نينوى]
نينوى المكان الذي نزل به الحسين (عليه
السّلام) فإذا راكب على نجيب له وعليه السّلاح ، متنكّباً قوساً مقبل من الكوفة ، فوقفوا
جميعاً ينتظرونه ، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ بن يزيد وأصحابه ولمْ يسلّم
على الحسين (عليه السّلام) وأصحابه ، فدفع إلى الحرّ كتاباً من عبيد الله بن زياد
، فإذا فيه :
أمّا بعد ، فجعجع بالحسين (ع) حين يبلغك كتأبي ويقدم
عليك رسولي ، فلا تُنزله إلاّ بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي
أنْ يلزمك ولا يُفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري ، والسّلام.
فلمّا قرأ الكتاب ، قال لهم الحرّ : هذا
كتاب الأمير عبيد الله بن زياد يأمرني
_________________
فيه أنْ أجعجع بكم
في المكان الذي يأتيني فيه كتابه ، وهذا رسوله ، وقد أمره أنْ لا يُفارقني حتّى
أنفذ رأيه وأمره.
فنظر الشعثاء ، يزيد بن زياد المهاصر
الكندي البهدلي
إلى رسول عبيد الله [ابن زياد] فعنّ له ، فقال : أمالك بن النّسير البدّي [من كندة]؟ قال : نعم. فقال له يزيد بن
زياد : ثكلتك اُمّك! ماذا جئت فيه؟ قال : وما جئت فيه أطعت إمامي ووفيت ببيعتي.
فقال له أبو الشعثاء : عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك كسبت العار والنّار ، قال
الله عزّ وجلّ : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَدْعُونَ إلى النّار وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ)
فهو إمامك.
وأخذ الحرّ بن يزيد القوم بالنّزول في
ذلك المكان على غير ماء ولا في
_________________
قرية ، فقالوا : دعنا ننزل في هذه القرية ـ
يعنون : نينوى ـ أو هذه القرية ـ يعنون : الغاضريّة ـ أو هذه الأخرى ـ يعنون : شفيّة ـ . فقال : لا والله ، لا أستطيع ذلك ، هذا
رجل قد بُعث إليّ عيناً.
فقال له زهير بن القين : يابن رسول الله
، إنّ قتال هؤلاء أهون من قتال مَن يأتينا من بعدهم ، فلعمري ، ليأتينا من بعد مَن
ترى ما لا قبل لنا به.
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «ما
كنت لأبدأهم بالقتال».
فقال له زهير بن القين : سربنا إلى هذه
القرية حتّى تنزلها ؛ فإنّها حصينة ،
_________________
وهي على شاطئ الفرات
، فإنْ منعونا قاتلناهم ، فقتالهم أهون علينا من قتال مَن يجيء من بعدهم.
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «وأيّة
قرية هي؟». قال : هي العقر .
فقال الحسين (عليه السّلام) : «اللهمّ ، إنّي أعوذ بك من العقر». ثمّ نزل ، وذلك
يوم الخميس ، وهو اليوم الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين.
فلمّا كان من الغد ، قدم عليهم عمر بن
سعد بن أبي وقّاص
من الكوفة في أربعة آلاف.
_________________
[خروج ابن سعد إلى الحسين (عليه
السّلام)]
وكان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين (عليه
السّلام) ، أنّ عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفه يسير بهم إلى
دستبى ، وكانت
الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها ، فكتب إليه ابن زياد عهده على الري وأمره
بالخروج.
فخرج معسكراً بالنّاس بحمّام أعين ، فلمّا كان من أمر الحسين (عليه
السّلام) ما كان وأقبل إلى الكوفة ، دعا ابن زياد عمر بن سعد ، فقال : سر إلى
الحسين (ع) ، فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينه سرت إلى عملك. فقال له عمر بن سعد : إن
رأيت ـ رحمك الله ـ أنْ تعفيني فافعل. فقال له عبيد الله : نعم ، على أنْ تردّ لنا
عهدنا. فلمّا قال له ذلك ، قال عمر بن سعد : أمهلني اليوم حتّى أنظر.
فانصرف عمر [ابن سعد] يستشير نصحاءه ، فلمْ
يكن يستشير أحداً إلاّ نهاه.
وجاء حمزة بن المغيرة بن شعبة ـ وهو ابن أخته ـ فقال : أنشدك الله
_________________
ـ ياخالُ ـ أنْ تسير
إلى الحسين (ع) فتأثم ـ بربّك ـ وتقطع رحمك ، فوالله ، لئن تخرج من دنياك ومالك
وسلطان الأرض كلّها ـ لو كان لك ـ خير لك من أنْ تلقى الله بدم الحسين (ع). فقال
له عمر بن سعد : فإنّي أفعل إنْ شاء الله .
وتصاب سلسلة أخبار أبي مخنف هنا في
رواية الطبري بالانقطاع والانتقال إلى نزول ابن سعد بكربلاء ، ويملأ الطبري هذا
الفراغ بخبر عن عوانة بن الحكم ، لابدّ لنا منه لوصل الحلقات :
قال هشام : حدّثني عوانة بن الحكم ، عن
عمّار بن عبد الله بن يسار الجهني ، عن أبيه قال :
دخلت على عمر بن سعد وقد أمر بالمسير
إلى الحسين (عليه السّلام) ، فقال لي : إنّ الأمير أمرني بالمسير إلى الحسين (ع) فأبيت
ذلك عليه ، فقلت له : أصاب الله بك ، أرشدك الله أحِلْ ، فلا تفعل ولا تسر إليه.
قال : فخرجت من عنده فأتاني آتٍ وقال : هذا
عمر بن سعد يندب النّاس إلى الحسين (ع). قال : فأتيته ، فإذا هو جالسّ ، فلمّا
رآني أعرض بوجهه ، فعرفت أنّه قد عزم على المسير إليه ، فخرجت من عنده.
قال ، فأقبل عمر بن سعد إلى ابن زياد ، فقال
: أصلحك الله! إنّك ولّيتني هذا العمل وكتبت لي العهد وسمع النّاس به [يعنّي : عهد
الري] ، فإنْ رأيت أنْ تنفّذ لي ذلك فافعل ، وابعث إلى الحسين (ع) في هذا الجيش من
أشراف الكوفة ، من لست بأغنى ولا أجزأ عنك في الحرّب منه ، فسمّى له أناساً.
_________________
فقال له ابن زياد : لا تعلّمنّي بأشراف
أهل الكوفة ، ولست أستأمرك فيمَن أريد أنْ أبعث ، إنْ سرت بجندنا وإلاّ فابعث
إلينا بعهدنا. فلمّا رآه قد لجّ ، قال : فإنّي سائر.
قال : فأقبل في أربعة آلاف حتّى نزل بالحسين (ع) من الغد من يوم
نزل الحسين (ع) نينوى.
قال : فبعث عمر بن سعد إلى الحسين (عليه
السّلام) عزرة بن قيس الأحمسي
، فقال : ائته فسله ما الذي جاء به؟ وماذا يُريد؟ وكان عزرة ممّن كتب إلى الحسين (ع)
، فاستحيا منه أنْ يأتيه.
قال : فعرض ذلك على الرؤساء الذين
كاتبوه فكلّهم أبى وكرهه.
قال : وقام إليه كثير بن عبد الله
الشعبي ـ وكان فارساً شجاعاً لا يردّ وجهه شيء ـ فقال : أنا أذهب إليه ، والله ، لئن
شئت لأفتكنّ به .
فقال عمر بن سعد : ما أريد أنْ يُفتك به ، ولكن ائته فسله ما الذي جاء به؟
_________________
قال : فأقبل إليه ، فلمّا رآه أبو ثمامة
الصائدي
قال للحسين (عليه السّلام) : أصلحك الله أبا عبد الله! قد جاءك شرّ أهل الأرض
وأجرؤه على دم وأفتكه ، فقام إليه فقال : ضع سيفك. قال : لا والله ولا كرامة ، إنّما
أنا رسول فإنْ سمعتم منّي أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ، وإنْ أبيتم انصرفت عنكم.
فقال له : فإنّي آخذ بقائم سيفك ثمّ تكلّم بحاجتك. قال : لا والله ، لا تمسسه.
فقال له : أخبرني ما جئت به وأنا أبلغه عنك ولا أدعك تدنو منه ؛ فإنّك فاجر.
فاستبّا ، ثمّ انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر.
قال : فدعا عمر قرّة بن قيس الحنظلي ، فقال
له : ويحك يا قرّة! ألقِ حسيناً (ع) فسله ما جاء به؟ وماذا يُريد؟
قال : فأتاه قرّة بن قيس ، فلمّا رآه
الحسين مقبلاً قال (ع) : «أتعرفون هذا؟». فقال حبيب بن مظاهر : نعم ، هذا رجل من حنظلة تميمي ، وهو
ابن أختنا ولقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد .
قال : فجاء حتّى سلّم على الحسين (عليه
السّلام) وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه ، له.
فقال الحسين (عليه السّلام) : «كتب إليّ
أهل مصركم هذا : أن أقدم ، فأمّا
_________________
إذ كرهوني ، فأنا
أنصرف عنهم».
قال : فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره
الخبر.
فقال له عمر بن سعد : إنّي لأرجو أنْ
يُعافيني الله من حربه وقتاله [وكتب إلى ابن زياد بذلك. وهذه نهاية التتمّة من
رواية غير أبي مخنف].
[كتاب عمر بن سعد إلى ابن
زياد]
جاء كتاب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن
زياد ، فإذا فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد : فإنّي
حيث نزلت بالحسين (ع) بعثت إليه رسولي ، فسألته عمّا أقدمه ، وماذا يطلب ويسأل؟ فقال
(ع) : «كتب إليّ أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت ، فأمّا إذ
كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني رسلهم ، فأنا منصرف عنهم».
فلمّا قُرئ الكتاب على ابن زياد ، قال :
الآن إذ علقت مخالبنا به
|
|
يرجو النّجاة ولات حين مناص
|
[كتاب ابن زياد إلى ابن سعد
جواب]
وكتب إلى عمر بن سعد :
بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد : فقد
بلغني كتابك ، وفهمت ما ذكرت ، فاعرض على الحسين أنْ يبايع ليزيد بن معاوية هو
وجميع أصحابه ، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا ، والسّلام.
فلمّا أتى عمر بن سعد الكتاب ، قال : قد
حسبت أنْ لا يقبل ابن زياد العافية .
_________________
[لقاء ابن سعد مع الإمام (عليه
السّلام)]
[و] بعث الحسين (عليه السّلام) إلى عمر
بن سعد : عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري
: «أنْ ألقني اللّيل بين عسكري وعسكرك».
فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارساً
، وأقبل حسين (عليه السّلام) في مثل ذلك ، فلمّا التقوا أمر حسين (عليه السّلام) أصحابه
، أنْ يتنحّوا عنه ، وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك.
فتكلّما فأطالا حتّى ذهب من اللّيل هزيع
، ثمّ انصرف كلّ واحد منهما إلى عسكره بأصحابه.
وتحدّث النّاس فيما [دار] بينهما ظنّاً
، يظنّون أنّ حسيناً (عليه السّلام) قال لعمر بن سعد : «أخرج معي إلى يزيد بن
معاوية وندع العسكرين». قال عمر : إذن ، تُهدم داري. قال (ع) : «أنا ابنيها لك».
قال : إذن ، تؤخذ ضياعي. قال (ع) : «إذن ، أعطيك خيراً منها من مالي بالحجاز».
فتكرّه ذلك عمر.
تحدّث النّاس بذلك وشاع فيهم ، من غير
أنْ يكونوا سمعوا من ذلك شيئاً ولا علّموه .
[و] قالوا : أنّه قال (ع) : «اختاروا
منّي خصالاً ثلاثاً :
_________________
١ ـ إمّا ، أنْ أرجع إلى المكان الذي
أقبلت منه.
٢ ـ وإمّا ، أنْ أضع يدي في يدي يزيد بن
معاوية ، فيرى فيما بيني وبينه رأيه.
٣ ـ وإمّا ، أنْ تسيّروني إلى أيّ ثغر
من ثغور المسلمين شئتم ، فأكون رجلاً من أهله لي ما لهم وعليّ ما عليهم» .
[و] قال عقبة بن سمعان : صحبت حسيناً (ع)
فخرجت معه من المدينة إلى مكّة ، ومن مكّة إلى العراق ولمْ أفارقه حتّى قُتل. وليس
من مخاطبة النّاس كلمة بالمدينة ولا بمكّة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكره
إلى يوم مقتله إلاّ سمعتها ، ألاَ والله ، ما أعطاهم ما يتذاكر النّاس وما يزعمون
: من أنْ يضع يده في يد يزيد بن معاوية ، ولا أنْ يسيّروه إلى ثغر من ثغور
المسلمين ، ولكنّه قال (ع) : «دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما
يصير أمر النّاس» .
[كتاب عمر بن سعد إلى ابن
زياد ثانياً]
فكتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد
:
أمّا بعد : فانّ الله قد أطفأ النّائرة
، وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمّة ، هذا حسين (ع) قد أعطاني أنْ يرجع إلى المكان
الذي منه أتى ، أو أنْ نسيّره إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئنا ، فيكون رجلاً من
المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، أو أنْ يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في
يده ، فيرى فيما بينه وبينه رأيه ، وفي هذا لكم رضاً وللاُمّة صلاح.
فلمّا قرأ عبيد الله الكتاب ، قال : هذا
كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على
_________________
قومه نعم ، قد قبلت.
فقام إليه شمر بن ذي الجوشن ، فقال : أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك
إلى جنبك؟ والله ، لئن رحل من بلدك ولمْ يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة
والعزّة ، ولكتوننّ أولى بالضعف والعجز ، فلا تعطِ هذه المنزلة فإنّها من الوهن ، ولكن
ينزل على حكمك
هو وأصحابه ، فإنْ عاقبت فأنت وليّ العقوبة ، وإنْ غفرت كان ذلك لك ، والله ، لقد
بلغني أنّ حسيناً وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدّثان عامّة اللّيل.
فقال له ابن زياد : نعم ما رأيت! الرأي
رأيك .
[كتاب ابن زياد إلى ابن سعد
وجوابه ثانياً]
ثم كتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن
سعد :
أما بعد : فإنّي لمْ أبعثك إلى حسين (عليه
السّلام) لتكفّ عنه ولا لتطاوله ، ولا لتمنّيه السّلامة والبقاء ولا لتقعد له عندي
شافعاً ... ، انظر : فإنْ نزل حسين (ع) وأصحابه على الحكم واستسلموا ، فابعث بهم
إليّ سلماً ، وإنْ أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم ؛ فإنّهم لذلك مستحقون
، فإنْ قُتل حسين (ع) فأوطئ الخيل صدره وظهره ؛ فإنّه عاقّ شاقّ قاطع ظلوم! وليس
دهري في هذا أنْ يضرّ بعد الموت شيئاً ، ولكن عليّ قول : لو قد قتلته فعلت هذا به
إنْ أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السّامع المطيع ، وإنْ أبيت فاعتزل عملنا
وجندنا ، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنّا قد أمرناه بأمرنا ،
_________________
والسّلام .
ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد دعا شمر بن
ذي الجوشن ، فقال له : اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد ، فليعرض على الحسين (ع) وأصحابه
النّزول على حكمي ، فإنْ فعلوا فليبعث بهم إليّ سلماً ، وإنْ هم أبوا فليُقاتلهم ،
فإنْ فعل فامسع له وأطع ، وإنْ هو أبى فقاتلهم فأنت أمير النّاس ، وثب عليه فاضرب
عنقه وابعث إليّ برأسه
[يعنّي : ابن سعد].
[و] لمّا قبض شمر بن ذي الجوشن الكتاب
قام هو وعبد الله بن أبي المحل بن حزام (الكلبي) ، فقال عبد الله :
أصلح الله الأمير! إنّ بني أختنا [اُمّ
البنين : العبّاس وعبد الله ، وجعفراً وعثمان] مع الحسين (عليه السّلام) فإنْ رأيت
أنْ تكتب لهم أماناً فعلت.
قال [ابن زياد] : نعم ، ونعمة عين!
فأمر كاتبه فكتب لهم أماناً ...
فبعث به عبد الله بن أبي المحل [بن حزام
الكلبي] مع مولى له ، يُقال له : كزُمان.
[قدوم شمر بالكتاب إلى ابن
سعد]
[و] أقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد
الله بن زياد إلى عمر بن سعد ، فلمّا قدم به عليه [و] قرأه ، قال له عمر : ويلك
مالك! لا قرّب الله دارك ، وقبّح الله ما قدمت به عليّ! والله ، لأظنّك أنت ثنيته
أنْ يقبل ما كتبت به إليه ، أفسدت علينا أمراً كنّا رجونا أنْ يصلح ، لا يستسلم
والله ، حسين (ع) إنّ نفساً أبية
_________________
لبين جنبيّه.
فقال له شمر : أخبرني ما أنت صانع؟
أتمضي لأمر أميرك وتقتل عدوّه! وإلاّ فخلِّ بيني وبين الجند والعسكر.
قال : لا ، ولا كرامة لك ، وأنا أتولّى
ذلك ، فدونك وكن أنت على الرّجال.
[أمان ابن زياد للعبّاس
وأخوته]
قال : وجاء شمر حتّى وقف على أصحاب
الحسين (عليه السّلام) ، فقال : أين بنو أختنا؟ فخرج إليه العبّاس وجعفر وعثمان
بنو علي (عليه السّلام) ، فقالوا : مالك وما تريد؟
قال : أنتم يا بنو أُختي ، آمنون.
قال له الفتية : لعنك الله ولعن أمانك ـ
لئن كنت خالنّا ـ أتؤمّنُنا وابن رسول الله (ص) لا أمان له؟
[و] لمّا قدم عليهم كزُمان مولى عبد
الله بن أبي المحل [بن حزام الكلبي] دعاهم ، فقال : هذا أمان بعث به خالكم.
فقال له الفتية : اقرئ خالنّا السّلام ،
وقل له : أنْ لا حجّة لنا في أمانكم ، أمان الله خير من أمان ابن سميّة .
[منع الامام واصحابه عن
الماء]
[و] جاء كتاب من عبيد الله بن زياد إلى
عمر بن سعد :
أما بعد : فحلْ بين الحسين (ع) وأصحابه
وبين الماء ، ولا يذوقوا منه قطرة كما
_________________
صنع بالتقيّ الزكيّ
المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفّان.
قال : فبعث عمر بن سعد : عمرو بن
الحجّاج
على خمسمئة فارس ، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين حسين (ع) وأصحابه وبين الماء أنْ
يسقوا منه قطرة ، وذلك قبل قتل الحسين (عليه السّلام) بثلاث.
قال : ولمّا اشتدّ على الحسين (ع) وأصحابه
العطش دعا العبّاس بن علي بن أبي طالب (ع) ، أخاه فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين
راجلاً ، وبعث معهم بعشرين قربة. فجأوا حتّى دنوا من الماء ليلاً ، واستقدم أمامهم
باللواء نافع بن هلال الجملي
، فقال عمرو بن الحجّاج الزبيديّ : مَن الرّجل؟ [فقال : نافع بن هلال].
فقال : ما جاء بك؟ قال : جئنا نشرب من
هذا الماء الذي حلأ تمونا عنه. قال : فاشرب هنيئاً. قال : لا والله ، لا أشرب منه
قطرة وحسين (ع) عطشان ومَن ترى من أصحابه [ـ وأشار إلى أصحابه ـ] فطلعوا عليه.
فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء.
(و) لمّا دنا من [نافع الرّجّالة من] أصحابه
قال [لهم] : املأوا قربكم. فشدّ الرّجّالة فملأوا قربهم.
وثار إليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه ، فحمل
عليهم العبّاس بن علي ونافع بن هلال ، فكفّوهم ثمّ انصرفوا إلى رجالهم. فقالوا [لهم]
: امضوا ، ووقفوا
_________________
دونهم ، فعطف عليهم
عمرو بن الحجّاج وأصحابه واطّردوا قليلاً ، وجاء أصحاب حسين (عليه السّلام) بالقرب
فأدخلوها عليه.
وطعن نافع بن هلال [في تلك اللّيلة] رجلاً
من أصحاب عمرو بن الحجّاج [و] انتقضت [الطعنة] بعد ذلك فمات منها [، فهو أول قتيل من القوم جُرح تلك
اللّيلة].
_________________
[زحف ابن سعد إلى الحسين (عليه
السّلام)]
قال : ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى بعد صلاة
العصر : يا خيل الله اركبي وأبشري! فركب النّاس ، ثمّ زحف نحو [الحسين وأصحابه (عليه
السّلام)].
و [كان] حسين (عليه السّلام) جالسّا
أمام بيته محتبياً بسيفه ، إذ خفق برأسه على ركبته.
وسمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها ،
فقالت : يا أخي أمَا تسمع الأصوات قد اقتربت؟
فرفع الحسين (عليه السّلام) رأسه ، فقال
(ع) : «إنّي رأيت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) في المنام ، فقال لي : إنّك
تروح إلينا». فلطمت أخته وجهها ، وقالت : يا ويلتا! فقال (ع) : «ليس لك الويل يا
أُخيّة ، أسكتي رحمك الرّحمن!».
وقال العبّاس بن علي (عليه السّلام) : يا
أخي : أتاك القوم.
فنهض [الحسين (عليه السّلام)] ثمّ قال (ع)
: «يا عبّاس ، اركب بنفسي أنت يا أخي حتّى تلقاهم فتقول لهم : ما لكم؟ وما بدالكم؟
وتسألهم عمّا جاء بهم؟».
فاستقبلهم العبّاس في نحو من عشرين
فارساً فيهم زهير بن القين ، وحبيب بن مظاهر
، فقال لهم العبّاس : ما بدالكم؟ وماذا تريدون؟
_________________
قالوا : جاء أمر الأمير ، بأنْ نعرض
عليكم أنْ تنزلوا على حكمه أو نُنازلكم.
قال : فلا تعجلوا حتّى ارجع إلى أبي عبد
الله (ع) فأعرض عليه ما ذكرتم.
فوقفوا [و] ، قالوا : ألقه فأعلمه ذلك ،
ثمّ ألقنا بما يقول.
فانصرف العبّاس راجعاً يركض إلى الحسين
(ع) يُخبره بالخبر. ووقف أصحابه يخاطبون القوم ... ، فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن
القين : كلّم القوم إنْ شئت ، وإنْ شئت كلّمتهم. فقال له زهير : أنت بدأت بهذا فكن
أنت تكلّمهم.
فقال له حبيب بن مظاهر : أمَا والله ، لبئس
القوم عند الله غداً قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيّه (عليهم السّلام) وعترته
وأهل بيته (صلّى الله عليه [وآله]) ، وعبّاد أهل هذا المصر المجتهدين بالسّحر
والذاكرين الله كثيراً. [قال هذا لزهير بن القين بحيث يسمعه القوم ، فسمعه منهم
عزرة بن قيس].
فقال له عزرة بن القيس : إنّك لتزكّي نفسك ما استطعت.
فقال له زهير : يا عزرة ، إنّ الله قد
زكّاها وهداها ، فاتّق الله يا عزرة ؛ فإنّي لك من النّاصحين ، أنشدك الله يا عزرة
ـ أنْ تكون ممّن يُعين الضلاّل على قتل النّفوس الزكية.
قال [عزرة بن قيس] : يا زهير ، ما كنت
عندنا من شيعة أهل هذا البيت ، إنّما كنت عثمانيّاً .
قال : أفلستَ تستدلّ بموقفي هذا إنّي
منهم؟ أمَا والله ، ما كتبت إليه كتاباً قط ، ولا أرسلت إليه رسولاً قط ، ولا
وعدته نصرتي قط ، ولكنّ الطريق جمع بيني وبينه ، فلمّا رأيته ذكرت به رسول الله (صلّى
الله عليه [وآله]) ومكانه منه ،
_________________
وعرفت ما يقدم عليه
من عدوّه وحزبكم فرأيت أنْ انصره وأنْ أكون في حزبه ، وأنْ أجعل نفسي دون نفسه
حفظاً لما ضيّعتم من حقّ الله وحقّ رسوله (عليه السّلام).
وحين أتى العبّاس بن علي حسيناً (عليهما
السّلام) بما عرض عليه عمر بن سعد ، قال [له الحسين (عليه السّلام)] : «ارجع إليهم
، فإنْ استطعت أنْ تؤخّرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا العشّية ، لعلّنا نصلّي لربّنا
اللّيلة وندعوه نستغفره ، فهو يعلم أنّي كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه ، وكثرة
الدعاء والاستغفار». وإنّما أراد بذلك أنْ يردّهم عنه تلك العشيّة حتّى يأمر بأمره
ويُوصي أهله.
وأقبل العبّاس بن علي (عليه السّلام) يركض
[فرسه] حتّى انتهى إليهم ، فقال :
يا هؤلاء ، إنّ أبا عبد الله يسألكم أنْ
تنصرفوا هذه العشيّة حتّى ينظر في هذا الأمر ، فإنّ هذا أمر لمْ يجرِ بينكم وبينه
فيه منطق ، فإذا أصبحنا التقينا إنْ شاء الله ؛ فإمّا رضيناه فأتينا بالأمر الذي
تسألونه وتسومونه ، أو كرهنا فرددناه. وإنّما أراد بذلك أنْ يرّدّهم عنه تلك
العشيّة حتّى يأمر بأمره ويُوصي أهله.
[فـ] قال عمر بن سعد : يا شمر ما ترى؟
قال : ما ترى أنت ، أنت الأمير والرأي
رأيك.
قال : أردت أنْ لا أكون. ثمّ أقبل على
النّاس ، فقال : ماذا تَرون؟
فقال عمرو بن الحجّاج بن سلمة الزبيدي :
سبحان الله! والله ، لو كانوا من الدّيلم ثمّ سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أنْ
تجيبهم إليها.
وقال قيس بن الأشعث : أجبهم إلى ما سألوك ، فلعمري
ليصبحنّك
_________________
بالقتال غدوة.
فقال : والله ، لو أعلم أنْ يفعلوا ما
أخرتهم العشيّة .
قال علي بن الحسين (عليه السّلام) : «[فـ]
ـأتانا رسول من قبل عمر بن سعد ، فقام حيث يسمع الصوت ، فقال : إنّا قد أجّلناكم
إلى غد ، فإنْ استسلمتم سرّحنا بكم إلى أميرنا عبيد الله بن زياد ، وإنْ أبيتم
فلسنا بتاركيكم» .
_________________
[حوادث ليلة عاشوراء]
[خطبة الإمام (عليه السّلام)
ليلة عاشوراء :]
عن علي بن الحسين (عليه السّلام) ، قال
: «جمع الحسين (ع) أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد ، وذلك عنه قرب المساء ، فدنوت
منه لأسمع وأنا مريض ، فسمعت أبي يقول لأصحابه :
أثني على الله ـ تبارك وتعالى ـ أحسن
الثناء وأحمده على السّرّاء والضرّاء ، اللهمّ ، إنّي أحمدك على أنْ أكرمتنا
بالنّبوّة وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة
لمْ تجعلنا من المشركين.
أمّا بعد : فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى
ولا خيراً من أصحأبي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عنّي
جميعاً خيراً.
ألاَ وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء
غداً ، ألاَ وإنّي قد رأيت لكم فانطلقوا جميعاً في حِل ، ليس عليكم منّي ذمام ، هذا
ليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً .
ثمّ ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل
بيتي ، [و] تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتّى يفرّج الله ، فإنْ القوم إنّما
يطلبوني ، ولو قد أصأبوني لهوا عن طلب غيري».
_________________
[موقف الهاشميّين]
[فـ] ـبدأ القول العبّاس بن علي (عليه
السّلام) ، فقال له :
لمْ نفعل [ذلك]؟ ألنبقى بعدك؟ لا أرانا
الله ذلك أبداً.
ثمّ إنّ أخوته وأبناء [الحسين (عليه
السّلام)] وبنى أخيه [الحسن (عليه السّلام)] وابنى عبد الله بن جعفر [محمّد وعبد
الله] تكلّموا بهذا ونحوه.
فقال الحسين (عليه السّلام) : «يا بني
عقيل ، حسبكم من القتل بمسلم ، اذهبوا قد أذنت لكم».
قالوا : فما يقول النّاس؟ يقولون : إنّا
تركنّا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير العمّام ، ولمْ نرمِ معهم بسهم ، ولمْ نطعن
معهم برمح ، ولمْ نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا؟ لا والله ، لا نفعل ، ولكن
تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا ، ونُقاتل معك حتّى نرد موردك ، فقبّح الله العيش
بعدك! .
[موقف الأصحاب]
[و] قام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي ، فقال :
أنحن نخلّي عنك ولمّا نعذر إلى الله في
أداء حقّك؟ أمَا والله ، حتّى أكسّر في صدورهم رمحي ، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه
في يدي ، ولا أفارقك ، ولو لمْ يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك
حتّى أموت معك.
_________________
وقال سعيد بن عبد الله الحنفي : والله ،
لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا حفظنا غيبة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) فيك
، والله ، لو علمت أنّي أُقتل ثمّ أحيا ، ثمّ أُحرق حيّاً ثمّ أُذّرى ، يفعل ذلك
بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك ، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة
واحدة ، ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً.
وقال زهير بن القين : والله ، لوددت
أنّي قُتلت ثمّ نُشرت ثمّ قُتلت ، حتّى أُقتل كذا ألف قتلةً ، وأنّ الله يدفع بذلك
القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك.
وتكلّم جماعة أصحابه ، فقالوا : والله ،
لا نفارقك ، ولكن أنفسنا لك الفداء ، نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا ، فإذا نحن
قُتلنا كنّا وفينا وقضينا ما علينا.
وتكلّم جماعة أصحابه في وجه واحد بكلام يُشبه
بعضه بعضاً .
_________________
[الإمام (عليه السّلام) ليلة
عاشوراء]
عن علي بن الحسين بن علي (عليه السّلام)
، قال : «إنّي جالسّ في تلك العشيّة التي قُتل أبي صبيحتها ، وعمّتي زينب عندي
تمرّضني ، إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له ، وعنده حُوَيّ مولى أبي ذرّ الغفاريّ ، وهو يعالج
سيفه ويصلحه ، وأبي يقول (ع) :
يا دهر أفٍّ لك من خليل
|
|
كم لك بالإشراق والاصيل
|
من صاحب أو طالب قتيل
|
|
والدّهر لا يقنع بالبديل
|
وإنّما الأمر إلى الجليل
|
|
وكل حيّ سالك سبيلي
|
فأعادها مرّتين أو ثلاثاً حتّى فهمتها
فعرفت ما أراد ، فخنقتني عبرتي ، فرددت دمعي ولزمت السّكون ، فعلمت أنّ البلاء قد
نزل.
فأمّا عمتّي ، فإنّها سمعتْ ما سمعتُ ـ
وهي امرأة ، وفي النّساء الرقّة والجزع ـ فلمْ تملك نفسها أنْ وثبت تجرّ ثوبها ـ
وأنّها لحاسرة ـ حتّى انتهت إليه ، فقالت : واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة!
اليوم ماتت فاطمة أمّي ، وعليّ أبي ، وحسن أخي ، يا خليفة الماضي وثمال الباقي .
فنظر إليها الحسين (عليه السّلام) ، فقال
: يا أُخيّة ، لا يُذهبن بحلمك الشيطان.
قالت : بأبي أنت وأميّ يا أبا عبد الله
، أستقتلت؟ نفسي فداك ...
_________________
فردّ غصّته وترقرقت عيناه ، وقال :
لو ترك القطا ليلاً لنام!
قالت : يا ويلتى! أفتغصب نفسك اغتصاباً؟
فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي. ولطمت وجهها ، وأهوت إلى جيبها وشقّته وخرّت
مغشيّاً عليها.
فقام إليها الحسين (عليه السّلام) فصبّ
على وجهها الماء ، وقال لها :
يا أُخيّة اتّقي الله وتعزّي بعزاء الله
، واعلمي : أنّ أهل الأرض يموتون ، وأنّ أهل السّماء لا يبقون ، وأنّ كلّ شيء هالك
إلاّ وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته ، ويبعث الخلق فيعودون ، وهو فرد وحده ، أبي
خير منّي وأمّي خير منّي ، وأخي خير منّي ، ولي ولهم ولكلّ مسلم برسول الله أسوة.
فعزّاها بهذا ونحوه ، وقال لها :
يا أُخيّة ، إنّي أقسم عليك ـ فأبرّي
قسمي ـ لا تشقّي عليّ جيباً ولا تخمشي عليّ وجهاً ، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور
إذا أنا هلكت.
ثمّ جاء بها حتّى اجلسها عندي.
وخرج إلى أصحابه فأمرهم أنْ يقرّبوا بعض
بيوتهم من بعض ، وأنْ يدخلوا الأطناب بعضها في بعض ، وأنْ يكونوا هم بين البيوت ، إلاّ
الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم .
وأتي [الحسين (عليه السّلام)] بقَصب
وحطب إلى مكان ـ من ورائهم ـ منخفض كأنّه ساقية ، فحفروه في ساعة من اللّيل فجعلوه
كالخندق ، ثمّ ألقوا فيه ذلك الحطب والقصب ، وقالوا : إذا عدوا علينا فقاتلونا
ألقينا فيه النّار ، كي لا نؤتى من ورائنا ، وقاتلنا القوم من وجه واحد» .
_________________
[الحسين وأصحابه ليلة
عاشوراء]
[و] لمّا أمسى الحسين (ع) وأصحابه قاموا
اللّيل كلّه يصلّون ويستغفرون ، ويدعون ويتضرّعون.
[قال الضحّاك بن عبد الله المشرقي
الهمداني ، وهو الذي نجا من أصحاب الحسين (عليه السّلام)] :
[فمرّت] بنا خيل لهم تحرسنا وإنّ حسيناً
(عليه السّلام) يقرأ : (وَلاَ يَحْسَبَنّ
الّذِينَ كَفَرُوا إنّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إنّما نُمْلِي
لَهُمْ لِيَزْدَادُوا ثماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ
المؤمنين عَلَى مَا أنتم عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ)
فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا ، فقال : نحن وربّ الكعبة الطيّبون
مُيّزنا منكم. فعرفته ، فقلت لبُرير بن حُضير [الهمداني] : أتدري مَن هذا؟ قال : لا. قلت : هذا
أبو حرب السّبيعي
_________________
[الهمداني] عبد الله
بن شهر ، وكان مضحاكاً بطّالاً. وكان شريفاً شجاعاً فاتكاً. وكان سعيد بن قيس ربّما حبسه في جناية.
فقال له بُرير بن حُضير : يا فاسق ، أنت
يجعلك الله في الطيّبين!
فقال له [أبو حرب] : مَن أنت؟
قال : أنا بُرير بن حُضير.
قال [أبو حرب] : إنّا لله ، عزّ عليّ ، هلكت
والله هلكت والله ، يا بُرير.
قال [بُرير] : يا أبا حرب ، هل لك أنْ
تتوب إلى الله من ذنوبك العظام؟ فوالله ، إنّا لنحن الطيّبون ، ولكنّكم لأنتم
الخبيثون.
قال [أبو حرب مستهزء اً] : وأنا على ذلك
من الشاهدين.
قلت [له] : ويحك! أفلا ينفعك معرفتك؟
قال [أبو حرب] : جُعلت فداك ، فمَن
يُنادم يزيد بن عذرة العنزيّ [و] ها هو ذا معي؟
قال [بُرير] : قبّح الله رأيك ، على كلّ
حال أنت سفيه.
[فـ] ـانصرف عنّا .
_________________
[صبيحة يوم عاشوراء]
فلمّا كان يوم عاشوراء ـ يوم السّبت ـ
صلّى عمر بن سعد [صلاة] الغداة [و] خرج فيمَن معه من النّاس .
[و] كان على ربع أهل المدينة يومئذ : عبد
الله بن زهير الأزدي
، وعلى ربع مذحج وأسد : عبد الرحمن بن أبي سبرة الجُعفي ، وعلى ربع ربيعة وكندة : قيس بن
الأشعث بن قيس [الكندي] ، وعلى ربع تميم وهمدان : الحرّ بن يزيد الرياحي [التميمي
اليربوعي].
وجعل عمر على ميمنته : عمرو بن الحجّاج
الزبيديّ ، وعلى ميسرته : شمر بن ذي الجوشن الضبّاب [ـي] الكلاب [ـي] ، وعلى الخيل
: عزرة بن قيس الأحمسيّ ، وعلى الرّجال : شبث بن ربعيّ الرياحي [التميمي] ، وأعطى
الراية : ذويداً ، مولاه .
_________________
[و] لمّا صبّحت الخيل الحسين (عليه
السّلام) رفع الحسين يديه ، فقال : «اللهمّ ، أنت ثقتي في كلّ كرب ، ورجائي في كلّ
شدّة ، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة ، كم من همّ يضعّف فيه الفؤاد وتقلّ
فيه الحيلة! ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ! أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّي
عمّن سواك ، ففرّجته وكشفته ، فأنت وليّ كلّ نعمة وصاحب كلّ حسنة ، ومنتهى كلّ
رغبة» . [وقال
الضحّاك بن عبد الله المشرقي الهمداني ، وهو الذي نجا من أصحاب الحسين (عليه
السّلام)] :
لمّا أقبلوا نحونا ، فنظروا إلى النّار
تضطرم في الحطب والقصب الذي كنّا ألهبنا فيه النّار من ورائنا ، لئلا يأتونا من
خلفنا ، إذ أقبل إلينا منهم رجل يركب [فرسه وهو] كامل الأداة ، فلمْ يكلّمنا حتّى
مرّ على أبياتنا ، فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلاّ حطباً تلتهب النّار فيه ،
فرجع [و] نادى بأعلى صوته.
يا حسين ، استعجلت النّار في الدنيا قبل
يوم القيامة!
فقال الحسين (عليه السّلام) : «مَن هذا؟
كأنّه شمر بن ذي الجوشن؟».
فقالوا : نعم ، أصلحك الله! هو هو.
فقال (ع) : «يابن راعية المعزى ، أنت
أولى بها صليّاً».
فقال له مسلم بن عوسجة : يابن رسول الله
، جُعلت فداك ألاَ أرميه بسهم؟ فإنّه قد أمكنني ، وليس يسقط سهم [منّي] ، فالفاسق
من أعظم الجبّارين.
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «لا
ترمه ، فإنّي أكره أنْ أبدأهم» .
* * *
_________________
[خطبة الإمام (عليه السّلام)
ـ الأولى]
[و] لمّا دنا منه القوم [دع] براحلته
فركبها ، ثمّ نادى بأعلى صوته يسمع جلّ النّاس :
«أيّها النّاس ، اسمعوا قولي ولا
تعجلوني حتّى أعظكم بما [يـ] ـحقّ لكم عليّ ، وحتّى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإنْ
قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأعطيتموني النّصف ، كنتم بذلك أسعد ولمْ يكن لكم عليّ
سبيل ، وإنْ لمْ تقبلوا منّي العذر ، ولمْ تعطوا النّصف من أنفسكم : (فَأَجْمِعُوا
أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثمّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمّةً ثمّ
اقْضُوا إليّ وَلاَ تُنظِرُونِ) ، (إِنّ وَلِيّيَ اللّهُ
الّذِي نَزّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلّى الصّالِحِينَ) .
فلمّا سمع أخواته كلامه هذا صحن وبكين ،
وبكى بناته [و] ارتفعت أصواتهنّ ، فأرسل إليهنّ أخاه العبّاس بن علي وعليّاً ابنه
، وقال (ع) لهما : «سكّتاهنّ ، فلعمري ليكثرنّ بكاؤهنّ».
فلمّا سكتن ، حمد الله وأثنى عليه وذكر
الله بما هو أهله ، وصلّى على محمّد (صلّى الله عليه [وآله]) وعلى ملائكته
وأنبيائه. [قال الرأوي] : فوالله ، ما سمعت متكلماً قط قبله ، ولا بعده أبلغ في
منطق منه. ثمّ قال (ع) :
«أمّا بعد : فانسبوني فانظروا مَن أنا؟
ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألسّت
ابن بنت نبيّكم (صلّى الله عليه [وآله]) ، وابن وصيّه وابن عمّه ، وأوّل المؤمنين
بالله والمصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه؟ أوليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي؟
أوليس جعفر ، الشهيد الطيّار ذو الجناحين عمّي؟ ...
_________________
أولمْ يبلغكم قول مستفيض فيكم ، أنّ
رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) قال لي ولأخي : هذان سيّدا شباب أهل الجنّة.
فإنْ صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ ، فوالله
، ما تعمّدت كذباً مذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله ، ويضرّ به من اختلقه ...
وإنْ كذّبتموني ، فإنّ فيكم مَن إنْ
سألتموه عن ذلك أخبركم. سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري .
أو أبا سعيد الخدري .
أو سهل بن سعد السّعدي .
وزيد بن أرقم .
أو أنس بن مالك .
_________________
يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من
رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) لي ولأخي ، أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟».
فقال له شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد
الله على حرف ، إنْ كان يدري ما يقول .
فقال حبيب بن مظاهر : والله ، إنّي
لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً ، وأنا أشهد ، أنّك صادق ما تدري ما يقول ، قد
طبع الله على قلبك.
ثمّ قال لهم الحسين (عليه السّلام) : «فإنْ
كنتم في شكّ من هذا القول ، أفتشكون أثراً بعد؟ أمَا إنّي ابن بنت نبيّكم؟ فوالله
، ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري منكم ولا من غيركم ، أنا ابن بنت
نبيّكم خاصّة.
أخبروني ، أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟
أو مال استهلكته؟ أو بقصاص من جراحة؟ ـ فأخذوا لا يكلّمونه ... ـ فنادى : يا شبث
بن ربعي ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحرّث ، ألمْ تكتبوا
إليّ أنْ قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب ، وطمّت الجمام وإنّما تقدم على جند لك مجنّد ، فأقبل؟!
قالوا له : لمْ نفعل .
_________________
فقال (ع) : «سبحان الله! بلى والله ، لقد
فعلتم». ثمّ قال (ع) :
«أيّها النّاس ، إذا كرهتموني فدعوني
انصرف عنكم إلى مأمني من الأرض».
فقال له قيس بين الأشعث : أوَلا تنزل
على حكم بني عمّك؟ فإنّهم لن يروك إلاّ ما تحبّ ، ولن يصل إليك منهم مكروه.
فقال الحسين (عليه السّلام) : «أنت أخو
أخيك [محمّد بن الأشعث] أتريد أنْ يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا
والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد .
عباد الله : (وَإِنّي
عُذْتُ بِرَبّي وَرَبّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ)
(أعُوذُ بِرَبّي وَرَبّكُم مِن كلّ مُتَكَبّرٍ
لاَ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ)
.
ثمّ [رجع فـ] ـأناخ راحلته ، وأمر عقبة
بن سمعان فعقلها .
[خطبة زهير بن القين]
[ثمّ] خرج زهير بن القين على فرس ذنوب شاك في السّلاح ، فقال :
_________________
يا أهل الكوفة ، نذار لكم من عذاب الله
نذار ، إنّ حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم ، ونحن حتّى الآن أخوة وعلى دين
واحد وملّة واحدة ، ما لمْ يقع بيننا وبيكم السّيف ، وأنتم للنصحية منّا أهل ، فإذا
وقع السّيف انقطعت العصمة وكنّا اُمّة وأنتم اُمّة.
إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذرّيّة
نبيّه محمّد (صلّى الله عليه [وآله]) لينظر ما نحن وأنتم عاملون ، إنّا ندعوكم إلى
نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد ؛ فإنّكم لا تدركون منهما إلاّ بسوء عمر
سلطانهما كلّه ليسملان أعينكم ، ويقطّعان أيديكم وأرجلكم ، ويمثّلان بكم ويرفعانكم
على جذوع النّخل ، ويقتّلان أماثلكم وقرّاءكم ، أمثال : حجر بن عديّ وأصحابه ، وهانئ بن عروة وأشباهه.
فسبوّه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا
له ، وقالوا : والله ، لا نبرح حتّى نقتل صاحبك ومَن معه ، أو نبعث به وبأصحابه
إلى الأمير عبيد الله سلماً.
فقال لهم : عباد الله ، إنّ ولد فاطمة (رضوان
الله عليها) أحقّ بالودّ والنّصر
_________________
من ابن سميّة ، فانْ لمْ تنصروهم فأعيذكم بالله أنْ
تقتلوهم ، فخلّوا بين الرجل
_________________
وبين ابن عمّه يزيد
بن معاوية ، فلعمري ، إنّ يزيد لا يرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين (عليه السّلام).
فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم ، وقال : اسكت
، أسكت الله نأمتك
أبرمتنا بكثرة كلامك.
فقال له زهير : يابن البوّال على عقبيه
، ما إيّاك أخاطب ، إنّما أنت بهيمة ، والله ، ما أظنّك تحكم من كتاب الله آيتين ،
فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم.
_________________
فقال له شمر : إنّ الله قاتلك وصاحبك عن
ساعة.
قال : أفبالموت تخوّفني؟ فوالله ، للموت
معه أحبّ إليّ من الخلد معكم.
ثمّ أقبل على النّاس رافعا صوته فقال :
عباد الله ، لا يغرنّكم من دينكم هذا
الجلف الجافي وأشباهه ، فوالله ، لا تنال شفاعة محمّد (صلّى الله عليه [وآله]) قوماً
هرقوا دماء ذرّيّته وأهل بيته ، وقتلوا مَن نصرهم وذبّ عن حريمهم.
فناداه رجل ، فقال له : إنّ أبا عبد
الله يقول لك أقبل ، فلعمري ، لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء ، لقد نصحت
لهؤلاء وأبلغت ، لو نفع النّصح والإبلاغ .
[توبة الحرّ الرياحي]
[و] لمّا زحف عمر بن سعد ، قال له الحرّ
بن يزيد : أصلحك الله! مقاتل أنت هذا الرجل؟ قال : إي والله ، قتالاً أيسره أنْ
تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي.
قال : أفما لكم في واحدة من الخصال التي
عُرضت عليكم رضاً؟
قال عمر بن سعد : أمَا والله ، لو كان
الأمر إليّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ذلك.
فأقبل [الحرّ] حتّى وقف من النّاس
موقفاً ، ومعه رجل من قومه ، يُقال له : قرّة بن قيس . فقال : يا قرة ، هل سَقيت فرسك اليوم؟
قال لا. قال إنّما
_________________
تريد أنْ تسقيه؟
قال قرّة : فظننت ، والله ، أنّه يُريد
أنْ يتنحّى فلا يشهد القتال ، وكره أنْ أراه حين يصنع ذلك فيخاف أنْ أرفعه عليه ، فقلت
له : لمْ أقسه وأنا منطلق فساقيه. فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه ، فوالله ، لو
أنّه أطلعني على الذي يُريد ، لخرجت معه إلى الحسين (عليه السّلام).
[وأمّا الحرّ ، فإنّه] أخذ يدنو من حسين
(عليه السّلام) قليلاً قليلاً ، فقال له رجل من قومه ـ يُقال له المهاجر بن أوس ـ : ما تُريد يابن يزيد؟ أتُريد أنْ
تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العُرواء .
فقال له : يابن يزيد والله ، إنّ أمرك لمريب ، والله ، ما رأيت منك في موقف قط مثل
شيء أراه الآن ، ولو قِيل لي : مَن أشجع أهل الكوفة رجلاً ، ما عدوتك فما هذا الذي
أرى منك؟
قال : إنّي والله ، أُخيّر نفسي بين
الجنّة والنّار ، ووالله ، لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطّعت وحُرّقت.
ثمّ ضرب فرسه فلحق بحسين (عليه السّلام)
، فقال له :
جعلني الله فداك يابن رسول الله ، أنا
صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان ، والله
، الذي لا إله إلاّ هو ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبداً ، ولا
يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت في نفسي لا أبالي أنْ أُطيع القوم في بعض أمرهم ، ولا
يَرون أنّي خرجت من طاعتهم ، وأمّا هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض
عليهم ، ووالله ، لو ظننت أنّهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك ، وإنّي قد جئتك
تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي ومواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك ، أفترى
_________________
ذلك لي توبة؟
قال [الإمام (عليه السّلام)] : «نعم ، يتوب
الله عليك ويغفر لك ، ما اسمك؟».
قال : أنا الحرّ بن يزيد .
قال (ع) : «أنت الحرّ كما سمّتك اُمّك ،
أنت الحرّ ـ إنْ شاء الله ـ في الدنيا والآخرة ، انزل».
قال : أنا لك فارساً خير منّي لك راجلاً
، أقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النّزول ما يصير آخر أمري.
قال الحسين (عليه السّلام) : «فاصنع ما
بدا لك».
فاستقدم أمام أصحابه ثمّ قال :
[خطبة الحرّ بن يزيد الرياحي]
أيّها القوم ، ألاَ تقبلون من حسين (ع) خصلة
من هذه الخصال التي عُرضت عليكم ، فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟
قالوا : هذا الأمير عمر بن سعد ، فكلّمه.
فكلّمه بمثل ما كلّمه به قبلُ ، وبمثل
ما كلّم به أصحابه.
قال عمر [بن سعد] : قد حرصتُ ، لو وجدت
إلى ذلك سبيلاً فعلتُ.
فقال : يا أهل الكوفة ، لاُمّكم الهُبل
والعُبْر
، إذ دعوتموه حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثمّ
عدوتم عليه لتقتلوه أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه ، وأحطتم به من كلّ جانب فمنعتموه
التوجّه في بلاد الله
_________________
العريضة حتّى يأمن
ويُأمّن أهل بيته ، وأصبح في أيديكم كالأسير ، لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع ضرّاً
، وحلأ تموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهوديّ
والمجوسيّ والنّصراني ، وتمرّغ فيه خنازير السّواد وكلابه ، وهاهم أولاء قد صرعهم
العطش ، بئسما خلفتم محمّداً في ذرّيته (ص)! لاسقاكم الله يوم الظّمأ! ، إنْ لمْ
تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه .
فحملت عليه رجّالة لهم ترميه بالنّبل ، فأقبل
حتّى وقف أمام الحسين (عليه السّلام) .
وكان يزيد بن زياد بن المهاصر ممّن خرج
مع عمر بن سعد إلى الحسين (ع) ، فلمّا ردّوا الشروط على الحسين (عليه السّلام) مال
إليه [، فهو ممّن
اهتدى يوم عاشوراء بخطبة الحرّ الرياحي].
_________________
[بدء القتال]
وزحف عمر بن سعد نحوهم ، ثمّ نادى : يا
ذويد ،
أدْنِ رايتك. فأدناها ، [فـ] ـوضع سهمه في كبد قوسه ثمّ رمى ، فقال : أشهدوا ، أنّي
أوّل مَن رمى .
فلمّا دنا عمر بن سعد ورمى بسهم ، ارتمى
النّاس.
[ثمّ] خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان
، وسالم مولى عبيد الله بن زياد ، فقالا مَن يُبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم.
فوثب حبيب بن مظاهر ، وبُرير بن حُضير ،
فقال لهما الحسين (عليه السّلام) : «اجلسا».
فقام عبد الله بن عمير الكلبي ، فقال : أبا عبد الله ـ رحمك الله ـ
ائذن لي
_________________
فلا أخرج إليهما.
فرأ [ه] حسين (عليه السّلام) رجلاً طويلاً شديد السّاعدين ، بعيد مابين المنكبين ،
فقال حسين (عليه السّلام) : «إنّي لأحسبه للأقران قتّالاً ، أخرج إنْ شئت». فخرج
إليهما.
فقالا له مَن أنت؟ فانتسب لهما. فقالا :
لا نعرفك ، ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر ، أو بُرير بن خضير.
و [كان] يسار [مولى زياد] مستنتلاً [مستعداً]
أمام سالم [مولى عبيد الله بن زياد] ، فقال الكلبي [ليسار] : يابن الزانية! وبك
رغبة عن مبارزة أحد من النّاس؟ وما يخرج إليك أحد من النّاس إلاّ وهو خير منك.
ثمّ شدّ عليه فضربه بسيفه حتّى برد.
[فبينما هو] مشتغل به يضربه بسيفه ، إذ
شدّ عليه سالم [مولى عبيد الله] ، فصاح به [أصحاب الحسين (عليه السّلام)] قد رهقك
العبد. فلمْ يأبه له حتّى غشيه فبدره الضربة ، فاتّقاه الكلبي بيده اليسرى فأطار
أصابع كفّه اليسرى ، ثمّ مال عليه الكلبي فضربه حتّى قتله.
وأقبل الكلبي وقد قتلهما جميعاً ، مرتجزاً
يقول :
إن تنكروني فأنا ابن كلب
|
|
حسبي بيتي في عليم حسبي
|
انيّ امرؤ ذو مرة وعصب
|
|
ولست بالخوّار عند النّكب
|
اني زعيم لك امّ وهب
|
|
بالطعن فيهم مقدماً والضرب
|
ضرب غلام مؤمن
بالربّ
فأخذت امرأته اُمّ وهب عموداً ، ثمّ
أقبلت نحو زوجها ، تقول له : فداك أبي وأمّي أقاتل دون الطيّبين ذرّيّة محمّد (ص).
فأقبل إليها يردّها نحو النّساء ، فأخذت
تجاذبه ثوبه ، ثمّ قالت :
إنّي لن أدعك دون أنْ أموت معك.
_________________
فناداها حسين (عليه السّلام) ، فقال : «جُزيتم
من أهل بيت خيراً ، ارجعي رحمك الله إلى النّساء فاجلسي معهن ؛ فإنّه ليس على
النّساء قتال».
فانصرفت إليهنّ.
[الحملة الأولى]
وحمل عمرو بن الحجّاج ـ وهو على ميمنة
النّاس ـ في ميمنة [الحسين (عليه السّلام)] ، فلمّا أنْ دنا من حسين (عليه السّلام)
جثوا له على الرّكب ، وأشرعوا الرّماح نحوهم فلمْ تقدم خيلهم على الرماح [و] ذهبت
لترجع ، فرشقوهم بالنّبل ، فصرعوا منهم رجالاً وجرحوا منهم آخرين .
[كرامة وهداية]
[و] جاء رجل من بني تميم ، يُقال له : عبد
الله بن حوزة حتّى وقف أمام الحسين (عليه السّلام) ، فقال :
يا حسين! يا حسين!
فقال حسين (عليه السّلام) : «ما تشاء؟».
قال : أبشر بالنّار.
قال (ع) : «كلاّ ، إنّي أقدم على ربّ
رحيم ، وشفيع مطاع ، مَن هذا؟».
قال له أصحابه : هذا ابن حوزة.
قال (ع) : «ربّ حزه إلى النّار!».
فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه ، وتعلّقت
رجله بالركاب ووقع رأسه في الأرض ، ونفر الفرس فأخذ يمرّ به فيضرب برأسه كلّ حجر
وكلّ
_________________
شجرة حتّى مات .
قال مسروق بن وائل : كنت في أوائل الخيل
ممّن سار إلى الحسين (عليه السّلام) ، فقلت أكون في أوائلها لعلّي أصيب رأس الحسين
(ع) ، فأصيب به منزلة عند عبيد الله بن زياد ، فلمّا انتهينا إلى حسين (عليه
السّلام) تقدّم رجل من القوم ـ يُقال له : ابن حوزة ـ ، فقال أفيكم حسين (ع)؟
فسكت حسين (عليه السّلام).
فقالها ثانيةً ، فسكت.
حتّى إذا كانت الثالثة ، قال (عليه
السّلام) : «قولوا : له نعم ، هذا حسين فما حاجتك؟»
قال : يا حسين ، أبشر بالنّار!
قال : (ع) «كذبت ، بل أقدم على ربّ غفور
وشفيع مطاع ، فمَن أنت؟».
قال : ابن حوزة.
فرفع الحسين (عليه السّلام) يديه حتّى
رأينا بياض إبطيه من فوق الثياب ، ثمّ قال : «اللهمّ ، حزه إلى النّار!».
فغضب ابن حوزة ، فذهب ليُقحم إليه الفرس
وبينه وبينه نهر ، فعلّقت قدمُه بالركاب وجالت به الفرس فسقط عنها ، فانقطعت قدمه
وساقه وفخذه ، وبقى جانبه معلقاً بالركاب.
[قال] عبد الجبّار بن وائل الحضرميّ : فرجع
مسروق وترك الخيل من ورائه ، فسألته [عن ذلك]. فقال : لقد رأيت من أهل هذا البيت
شيئاً ، لا أقاتلهم أبداً .
_________________
[مبأهلة بُرير ومقتله]
وخرج يزيد بن معقل [من عسكر عمر بن سعد]
، فقال :
يا بُرير بن حُضير ، كيف ترى الله صنع بك؟
قال [بُرير] : صنع الله والله ، بي
خيراً ، وصنع الله بك شرّاً.
قال [يزيد بن معقل] : كذبت وقبل اليوم
ما كنت كذّاباً ، هل تذكر ـ وأنا أُماشيك في بني لوذان ـ وأنت تقول إنّ عثمان بن
عفّان كان على نفسه مسرفاً ، وإنّ معاوية بن أبي سفيان ضالّ ، وإنّ إمام الهدى
والحقّ علي بن أبي طالب (ع).
فقال له بُرير : أشهد أنّ هذا رأيي
وقولي.
فقال له يزيد بن معقل : فإنّي أشهد أنّك
من الضالّين.
فقال له بُرير بن حُضير : هل لك ، فلأباهلك
ولندع الله
أنْ يلعن الكاذب وأنْ يقتل المبطل ، ثمّ أخرج فلأ بارزك.
فخرجا فرفعا أيديهما إلى الله يدعوانه
أنْ يلعن الكاذب ، وأن يقتل المحقّ المبطل.
ثمّ برز كلّ واحد منهما لصحابه فاختلفا
ضربتين ، فضرب يزيد بن معقل بُرير بن حُضير ضربة خفيفةً لمْ تضرّه شيئاً ، وضربه
بُرير بن حُضير ضربة قدّت المغفر وبلغت الدّماغ ، فخرّ كأنّما هوى من حالق [مرتفع]
وإنّ سيف ابن حُضير لثابت في رأسه ، فكأنّي انظر إليه ينضنضه من رأسه .
وحمل عليه رضيّ بن مُنقذ العبدي [من
عسكر عمر بن سعد] فاعتنق
_________________
بُريراً ، فاعتركا
ساعةً ، ثمّ إنّ بُريراً قعد على صدره ، فقال رضيّ : أين أهل المصاع والدفاع؟ .
فحمل عليه كعب بن جابر الأزدي بالرمح
حتّى وضعه في ظهر [بُرير] ، فلمّا وجد [بُرير] مسّ الرمح برك على [رضيّ بن مُنقذ
العبدي] فعضّ بوجهه وقطع طرف أنفه ، فطعنه كعب بن جابر حتّى ألقاه عن [العبدي] ، وقد
غيّب السّنان في ظهر [بُرير] ، ثمّ أقبل عليه يضربه بسيفه حتّى قتله [رحمة الله
عليه] و .
_________________
_________________
وخرج عمرو بن قرظة الأنصاري يُقاتل دون
حسين (عليه السّلام) ، وهو يقول :
قد علمت كتيبة الأنصار
|
|
أني سأحمى حوزة الذمار
|
ضرب غلام غير نكس شاري
|
|
دون حسين مهجتى وداري .
|
فقُتل [رحمة الله عليه].
وكان أخوه علي [بن قرظة] مع عمر بن سعد
، فنادى : يا حسين ، يا كذّاب ابن الكذّاب! أضَلَلت أخي وغَررته حتّى قتلته؟ قال [الحسين
(عليه السّلام)] : «إنّ الله لمْ يُضلّ لأخاك ، ولكنّه هدى أخاك وأضلّك». قال : قتلني
الله إنْ لمْ أقتلك أو أموت دونك. [و] حمل على [الإمام (عليه السّلام)].
فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه
فصرعه ، فحمله أصحابه فاستنقذوه .
[وكان] النّاس يتجاولون ويقتتلون ، و [فيهم]
الحرّ بن يزيد [الرياحي] يحمل على القوم ويتمثل قوله :
ما زلت أرميهم بثُغرة نحره
|
|
ولَبانه حتّى تسربل بالدم
|
وإنّ فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبه ، ودماؤه
تسيل.
[وكان] يزيد بن سفيان [التميمي يقول] : أمَا
والله ، لو إنّي رأيت الحرّ بن
_________________
يزيد حين خرج لا
تَبعتُه السّنان ، فقال [له] الحصين بن تميم
: هذا الحرّ بن يزيد الذي كنت تتمنّى. قال : نعم. فخرج إليه ، فقال له : هل لك يا
حرّ بن يزيد في المبارزة؟ قال : نعم ، قد شئت. فبرز له ، فكأنّما كانت نفسه في يده
، ما لبث الحرّ حتّى خرج إليه أنْ قتله .
[وكان] نافع بن هلال [المرادي الجملي] يُقاتل
، وهو يقول : أنا الجملي ، أنا على دين علي (عليه السّلام).
فخرج إليه رجل ، يُقال له : مزاحم بن
حريث. فقال : أنا على دين عثمان. فقال له : أنت على دين شيطان. ثمّ حمل عليه فقتله.
فصاح عمرو بن الحجّاج [الزبيدي] : يا حمقى
، أتدرون مَن تقاتلون؟! فرسان المصر ، قوماً مستميتين ، لا يبرزنّ لهم منكم أحد ، فإنّهم
قليل وقلّما يبقون ، والله ، لو لمْ تَرموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم.
فقال عمر بن سعد : صدقت ، الرأي ما رأيت.
وأرسل إلى النّاس يعزم عليهم ، أنْ لا
يُبارز رجل منكم رجلاً منهم .
[الحملة الثانية]
[ثمّ] دنا عمر بن الحجّاج من أصحاب
الحسين (ع) ، [وهو] يقول :
يا أهل الكوفة! ألزموا طاعتكم وجماعتكم
، ولا ترتأبوا في قتل مَن مرق من الدين وخالف الإمام.
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «يا
عمرو بن الحجّاج ، أعليّ تحرّض النّاس؟ أنحن مرقنا وأنتم ثبتّم عليه! أمَا والله ،
لتعلمنّ ـ لو قد قُبضت أرواحكم
_________________
ومُتّم على أعمالكم
ـ أيّنا مرق من الدين؟ ومَن هو أولى بصلّي النّار؟»
ثمّ إنّ عمرو بن الحجّاج حمل على الحسين
(عليه السّلام) في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات ، فاضطربوا ساعةً.
فصرع [جماعة من أصحاب الحسين (عليه
السّلام) منهم] :
[مسلم بن عوسجة]
[قتله من أصحاب عمرو بن الحجّاج] عبد
الرحمن البجلي ومسلم بن عبد الله الضَبّابي ، فنادى أصحاب عمرو بن الحجّاج : قتلنا
مسلم بن عوسجة الأسدي. ثمّ انصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه وارتفعت الغبرة ، فإذا
هم به صريع.
فمشى إليه الحسين (عليه السّلام) فإذا
به رَمق ، فقال : (ع) «رحمك ربّك يا مسلم بن عوسجة : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى
نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) .
ودنا منه حبيب بن مظاهر ، فقال : عزّ
عليّ مصرعك يا مسلم ، أبشر بالجنّة.
فقال له مسلم قولاً ضعيفاً : بشّرك الله
بخير.
_________________
فقال له حبيب : لو لا إنّي أعلم أنّي في
أثرك لاحق بك من ساعتي هذه ، لأحببت أنْ توصيني بكل ما أهمّك حتّى أحفظك في كلّ
ذلك ، بما أنت أهل له في القرابة والدّين.
قال [مسلم] : بل أنا أوصيك بهذا رحمك
الله ـ وأهوى بيده إلى الحسين (ع) ـ أنْ تموت دونه.
قال [حبيب] : أفعل وربّ الكعبة.
فما كان بأسرع من أنْ مات في أيديهم [رحمه
الله].
فصاحت جارية له : يابن عوسجتاه! يا
سيّداه! .
[الحملة الثالثة]
وحمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على
أهل الميسرة [من أصحاب الحسين (عليه السّلام)] ، فثبتوا له [و] طاعنوه وأصحابه ، فحمل
هانئ بن ثبيت الحضرمي وبكير بن حيّ التيمى [على عبد الله بن عمير] الكلبي ، فقتلاه
[رحمه الله] .
_________________
_________________
[حملات أصحاب الحسين
ومبارزاتهم]
وقاتل أصحاب الحسين (عليه السّلام) قتالاً
شديداً ، وأخذت خيلهم تحمل وإنّما هم : اثنان وثلاثون فارساً ؛ وأخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل
الكوفة إلاّ كشفته.
فلمّا رأى عزرة بن قيس [التميمي] ـ وهو
على خيل أهل الكوفة ـ أنْ خيله تنكشف من كلّ جانب ، بعث عبد الرحمن بن حصن إلى عمر
بن سعد ، [يقول] : أمَا ترى ما تلقى خيلي منذ اليوم من هذه العدّة اليسيرة! ابعث
إليهم الرجّال والرّماة.
فقال لشبت بن ربعي [التميمي] : ألاَ
تقدم إليهم؟
فقال : سبحان الله! أتعمد إلى شيخ مضر ،
وأهل المصرعامّة تبعثه في الرّماة! لمْ تجد غيري مَن تندب لهذا ويجزئ عنك؟
[فـ] ـدعا عمر بن سعد : الحُصين بن تميم
، فبعث معه المجفّفة ، وخمسمئة من المرامية ، فأقبلوا [فما] دنوا من الحسين (ع) وأصحابه
رشقوهم بالنّبل ، فلمْ يلبثوا أنْ عقروا خيولهم وصاروا رجّالة كلّهم .
[وعقر فرس الحرّ بن يزيد الرياحي] ، فما
لبث أنْ أرعد الفرس واضطرب وكبا ، فوثب عنه الحرّ كأنّه ليث والسّيف في يده ، وهو
يقول :
_________________
إن تعقروا بي فانا ابن الحرّ
|
|
اشجع من ذي لبد هزبر .
|
وقاتلوهم حتّى انتصف النّهار أشدّ قتال
، و [هم] لا يقدرون على أنْ يأتوهم إلاّ من وجه واحد ، لاجتماع أبنيتهم وتقارب
بعضها من بعض.
فلمّا رأى ذلك عمر بن سعد أرسل رجالاً
يقوّضونها عن أيمانهم وعن شمائلهم ليُحيطوا بهم ، فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب
الحسين (عليه السّلام) يتخلّلون البيوت فيشدّون على الرّجل ، وهو يقوّض فيقتلونه
ويرمونه ويعقرونه.
[فـ] ـعند ذلك أمر بها عمر بن سعد ، فقال
: أحرقوها بالنّار.
فقال حسين (عليه السّلام) : «دعوهم ، فليحرّقوها
؛ فإنّهم لو حرّقوها لمْ يستطيعوا أنْ يجوزوا إليكم منها». وكان كذلك. [فـ] ـأخذوا
لا يُقاتلونهم إلاّ من وجه واحد.
[الحملة الرابعة]
وحمل [فيمَن حمل] شمر بن ذي الجوشن حتّى
طعن فسطاط الحسين (عليه السّلام) برمحه ونادى : عليّ بالنّار حتّى أحرّق هذا البيت
على أهله.
فصاح النّساء وخرجنَ من الفسطاط.
وصاح به الحسين (عليه السّلام) : «يابن
ذي الجوشن ، أنت تدعو بالنّار لتحرّق بيتي على أهلي؟ حرّقك الله بالنّار» .
_________________
قال حميد بن مسلم [الأزدي فـ] ـقلت لشمر
: سبحان الله! إنّ هذا لا يصلح لك ، أتريد أنْ تجمع على نفسك خصلتين : تُعذّب
بعذاب الله ، وتقتل الولدان والنّساء؟ والله ، إنّ في قتلك الرّجال لما تُرضي به
أميرك .
(و) جاءه شبث بن ربعيّ [التميمي] ، فقال
: ما رأيت مقالاً أسوأ من قولك ، ولا موقفاً أقبح من موقفك ، أمُرعباً للنساء صرت؟
وحمل عليه زهير بن القين في عشرة رجال
من أصحابه فشدّ على شمر وأصحابه ، فكشفهم عن البيوت حتّى ارتفعوا عنها.
(ثمّ) تعطّف النّاس عليهم فكثروهم ، فلا
يزال الرجل من أصحاب الحسين (عليه السّلام) يُقتل ، فإذا قُتل منهم الرجّل
والرجلان تبيّن فيهم ، وأولئك كثير لا يتبيّن فيهم ما يُقتل منهم.
[الاستعداد
لصلاة الظهر]
فلمّا رأى ذلك أبو ثُمامة عمرو بن عبد
الله الصائدي
قال للحسين (ع) :
يا أبا عبد الله ، نفسي لك الفداء ، إنّي
أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، ولا والله ، لا تُقتل حتّى أُقتل دونك ـ إنْ شاء الله
ـ وأحبّ أنْ ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها.
فرفع الحسين (عليه السّلام) رأسه ، ثمّ
قال :
«ذكرت الصلاة ، جعلك الله من المصلّين
الذاكرين! نعم ، هذا أوّل وقتها».
_________________
ثم قال (ع) : «سلوهم
أنْ يكفّوا عنّا حتّى نُصلّي».
فقال لهم الحُصين بن تميم : إنّها لا تُقبل.
فقال له حبيب بن مظاهر : زعمت [أنّ] الصلاة
من آل رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) لا تُقبل ، وتُقبل منك يا حمار!
[مقتل حبيب بن مظاهر]
فحمل عليهم الحُصين بن تميم [التميمي] وخرج
إليه حبيب بن مظاهر [الأسدي] ، فضرب وجه فرسه بالسّيف فشبّ ووقع عنه ، وحمله
أصحابه فاستنقذوه.
وأخذ حبيب ، يقول :
أنا حبيب وأبي مظاهر
|
|
فارس هيجاءو حرب تسعر
|
أنتم أعدّ عدّة وأكثر
|
|
ونحن أوفى منكم وأصبر
|
ونحن أعلى حجّة وأظهر
|
|
حقاً وأتقى منكم وأعذر
|
_________________
ويقول :
أقسم لو كنّا لكم أعدادا
|
|
أو شطركم وليّتم أكتادا
|
يا شرّ قوم حسباً
وآدا
وقاتل قتالاً شديداً ، فحمل عليه رجل من
بني تميم ، يُقال له : بديل بن صُريم فطعنه ، فوقع فذهب ليقوم فضربه الحُصين بن
تميم [التميمي] على رأسه بالسّيف ، فوقع ونزل إليه التميمي فاحتزّ رأسه و .
ولمّا قُتل حبيب بن مظاهر هدّ ذلك
حسيناً (ع) وقال : «احتسب نفسي وحماة أصحأبي».
[مقتل الحرّ بن يزيد الرياحي]
[وبرز الحرّ] فأخذ يرتجز ، ويقول :
_________________
[اني أنا الحرّ ومأوى الضيّف]
|
|
أضرب في أعراضهم بالسّيف
|
عن خير من حلّ منى والخيف
|
|
[أضربهم ولا أرى من حيف]
|
ويقول أيضاً :
آليت لا أقتل حتّى أقتلا
|
|
ولن أصاب اليوم إلا مقبلا
|
أضربهم بالسّيف ضرباً مقصلا
|
|
لا نكلا عنهم ولا مهلّلا
|
[وخرج معه زهير بن القين فـ] ـقاتلا
قتالاً شديداً ، فكان إذا شدّ أحدهما ـ فإنْ استلحم ـ شدّ الآخر حتّى يخلّصه ففعلا ذلك
ساعة ، ثمّ شدّت رجّالة على الحرّ بن يزيد فقُتل [رحمة الله عليه].
[صلاة الظهر]
ثمّ صلّى بهم الحسين (عليه السّلام) صلاة
الخوف فاستقدم [سعيد
بن عبد الله الحنفي] أمامه ، فاستهدف لهم يرمونه بالنّبل يميناً وشمالاً ، فما زال
يُرمى قائماً بين يديه حتّى سقط [رحمة الله عليه].
[مقتل زهير بن القين]
[وخرج زهير بن القين فـ] ـأخذ يضرب على
منكب حسين (عليه السّلام) ، ويقول :
أقدم هديت هادياً مهديا
|
|
فاليوم تلقى جدّك النّبيّا
|
وحسناً والمرتضى عليّا
|
|
وذا الجناحين الفتى الكميّا
|
وأسد الله الشهيد
الحيّا
_________________
وقاتل قتالاً شديداً
، [وهو] يقول :
أنا زهير وانا ابن القين
|
|
اذودهم بالسّيف عن حسين
|
فشدّ عليه كثير بن عبد الله الشعبي
ومهاجر بن أوس ، فقتلاه [رحمة الله عليه].
[مقتل نافع بن هلال الجملي]
وكان نافع بن هلال الجمليّ قد كتب اسمه
على أفواق نبله ، فجعل يرمي بها مسوّمة ، وهو يقول : أنا الجملي ، أنا على دين علي
(ع) ، فقتل اثنى عشر من أصحاب عمر بن سعد ، سوى مَن جُرح.
[وجُرح و] كُسرت عضداه فأخذه شمر بن ذي
الجوشن ، ومعه أصحاب له أسيراً يسوقون [ـه] حتّى أتى به عمر بن سعد ، والدماء تسيل
على لحيته.
فقال له عمر بن سعد : ويحك يا نافع! ما
حملك على ما صنعت بنفسك؟
قال : إنّ ربّي يعلم ما أردت ، والله ، لقد
قتلت منكم اثنى عشر سوى مَن جرحتُ ، وما ألوم نفسي على الجهد ، ولو بقيت لي عضد
وساعد ما أسرتموني.
فقال له شمر : أقتله أصلحك الله؟
قال : إنْ شئت فاقتله. فانتضى شمر سيفه.
فقال له نافع : أمَا والله ، أنْ لو كنت
من المسلمين ، لعظم عليك أنْ تلقى الله
_________________
بدمائنا ، فالحمد
لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه.
فقتله [رحمة الله عليه].
[الأخوان الغفاريّان]
فلمّا رأى أصحاب الحسين (عليه السّلام) أنّهم
لا يقدرون على أنْ يمنعوا حسيناً (ع) ولا أنفسهم ، تنافسوا في أنْ يُقتلوا بين
يديه.
فجاءه عبد الله وعبدالرحمن ابنا عزرة
الغفاريّان ، فقالا :
يا أبا عبد الله ـ عليك السّلام ـ حازنا
العدوّ إليك ، فأحببنا أنْ نُقتل بين يديك ، نمنعك وندفع عنك.
قال (عليه السّلام) : «مرحباً بكما ، أدْنيا
منّي».
فَدَنيا منه. فجعلا يُقاتلان وأحدهما ، يقول
:
قد علمت حقاً بنو غفار
|
|
وخندف بعد بنينزار
|
لنضربنّ معشر الفجار
|
|
بكل عضب صارم بتّار
|
يا قوم ذودوا عن بني الأحرار
|
|
بالمشرّفي والقنا الخطّار
|
[فقاتلا بين يديه قتالاً شديداً حتّى
قُتلا رحمهما الله].
[الفتيان الجابريّان]
وجاء الفتيان الجابريّان : سيف بن
الحارث بن سريع ومالك بن عبد بن سريع ، وهما ابنا عمٍّ وأخوانِ لأمٍّ ، فأتيا
حسيناً (ع) فدَنَيا منه ، وهما يبكيان.
فقال (عليه السّلام) : «أي ، ابني أخي ،
ما يُبكيكما؟ فوالله ، أنا لأرجو أنْ تكونا قريري عين عن ساعة».
قالا : جعلنا الله فداك ، لا والله ، ما
على أنفسنا نبكي ولكنّا نبكي عليك ، نراك قد أُحيط بك ولا نقدر على أنْ نمنعك.
فقال (عليه السّلام) : «فجزاكما الله ـ
يا ابني أخي ـ بوجد كما من ذلك ومواساتكما إيّاي بأنفسكما ، أحسن جزاء المتّقين».
ثمّ استقدم الفتيان الجابريّان يلتفتان
إلى حسين (عليه السّلام) ، ويقولان : السّلام عليك يابن رسول الله. فقال (ع) : «وعليكما
السّلام ورحمة الله». فقاتلا حتّى قُتلا [رحمهما الله].
[مقتل حنظلة بن أسعد الشبامي]
وجاء حنظلة بن أسعد الشبامي ، فقام بين
يدي حسين (عليه السّلام) : فأخذ ينادي : (يَا قَوْمِ إِنّي
أَخَافُ عَلَيْكُم مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ
وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللّهُ يُريد ظُلْماً
لِلْعِبَادِ * وَيَاقَوْمِ إِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التّنَادِ * يَوْمَ
تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ
فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)
. يا قوم لا
تقتلوا حسيناً (ع) ، فيُسحتكم الله بعذاب : (وَقَدْ خَابَ مَنْ
افْتَرَى)
.
فقال له حسين (عليه السّلام) : «يابن
أسعد ـ رحمك الله! ـ إنّهم قد استوجبوا العذاب حيث ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من
الحقّ ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا أخوانك الصالحين؟».
قال : صدقت ، جُعلت فداك! أنت أفقه منّي
وأحقّ بذلك ، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق بإخواننا؟
فقال (ع) : «رُح إلى خير من الدّنيا وما
فيها ، وإلى مُلك لا يُبلى».
فقال : السّلام عليك أبا عبد الله ، صلّى
الله عليك وعلى أهل بيتك ،
_________________
وعرّف بيننا وبينك
في جنّته.
فقال [عليه السّلام] : «آمين ، آمين».
فاستقدم [حنظلة الشبامي] فقاتل حتّى
قُتل [رحمة الله عليه].
[مقتل عابس بن أبي شبيب
الشاكري وشوذب مولاه]
وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ، ومعه
شوذب مولى شاكر ، فقال [له] : يا شوذب ، ما في نفسك أنْ تصنع؟
قال : ما أصنع ، أقاتل معك دون ابن بنت
رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) حتّى أُقتل.
قال : ذلك الظنّ بك ، أمّا لا ، فتقدّم بين يدي أبي عبد الله (ع) حتّى
يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه وحتّى احتسبك أنا ؛ فإنّه لو كان معي السّاعة أحد
، أنا أولى به منّي بك ، لسرّني أنْ يتقدّم بين يديّ حتّى أحتسبه ، فإنّ هذا يوم
ينبغي لنا أنْ نطلب الأجر بكل ما قدرنا عليه ؛ فإنّه لا عمل بعد اليوم وإنّما هو
الحساب.
فتقدم [شوذب] فسلّم على الحسين (عليه
السّلام) ، ثمّ مضى فقاتل حتّى قُتل [رحمة الله عليه].
_________________
ثمّ قال عابس بن أبي شبيب : يا أبا عبد
الله ، أمَا والله ، ما أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ
منك ، ولو قدرت على أنْ أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لعملته
، السّلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد الله أنّي على هديك وهدي أبيك.
ثمّ مشى بالسّيف مصلتاً نحوهم وبه ضربة
على جبينه .
قال ربيع بن تميم [الهمداني] : لمّا
رأيته مقبلاً عرفته ، فقلت :
أيّها النّاس ، هذا أسد الأسود ، هذا
ابن أبي شبيب ، لا يخرجنّ إليه أحد منكم.
فأخذ ينادي : ألاَ رجل لرجل؟
فقال عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة.
فرُمي بالحجارة من كلّ جانب.
فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ، ثمّ
شدّ على النّاس ، فوالله ، لرأيته يكرد
أكثر من مئتين من النّاس.
ثمّ إنّهم تعطّفوا عليه من كلّ جانب ، فقُتل
[رحمة الله عليه]
و .
[مقتل يزيد بن زياد أبي
الشعثاء الكندي]
وكان يزيد بن زياد بن المهاصر ـ وهو أبو
الشعثاء الكندي ـ ممّن خرج مع عمر بن سعد إلى الحسين (عليه السّلام) ، فلمّا ردّوا
الشروط على الحسين (ع) مال إليه
_________________
فقاتل [معه]. وكان
رجزه يومئذٍ :
أنا يزيد وأبي مهاصر
|
|
أشجع من ليث بغيل خادر
|
يا ربّ اني للحسين ناصر
|
|
ولابن سعد تارك وهاجر
|
وكان رامياً ، [فـ] ـجثا على ركبته بين
يدي الحسين (عليه السّلام) ، فرمى بمئة سهم ما سقط منها إلاّ خمسة أسهم. فكلّما
رمى ، قال : أنا ابن بهدلة ، فرسان العرجلة. ويقول حسين (عليه السّلام) : «اللهمّ
، سدّد رميته ، واجعل ثوابه الجنّة». [ثمّ] قاتل حتّى قُتل [رحمة الله عليه].
[الرجال الاربعة]
[الرجال الأربعة الذين جاؤوا مع
الطرمّاح بن عدي إلى الحسين (عليه السّلام) ، وهم] : جابر بن الحارث السّلماني
ومجمّع بن عبد الله العائذي
، وعمر بن خالد الصيدأوي وسعد مولى عمر بن خالد ، فشدّوا مُقدمين بأسيافهم على
النّاس ، فلمّا وغلوا ، عطف عليهم النّاس يحوزونهم وقطعوهم من أصحابهم ،
_________________
فحمل عليهم العبّاس
بن علي (ع) فاستنقذهم ، [ثمّ] شدّوا بأسيافهم ، فقاتلوا حتّى قُتلوا في مكان واحد [رحمهم الله].
[سويد الخثعمي وبشير الحضرمي]
[و] كان آخر من بقي مع الحسين (ع) من
أصحابه : سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي
وبشير بن عمر الحضرمي [؛ فأمّا بشير ، فقد تقدّم وقاتل حتّى قُتل (رحمه الله) ؛
وأمّا سويد ، فقد تقدّم وقاتل حتّى أُثخن فصُرع] ، فوقع بين القتلى مُثخناً وأُخذ سيفه.
[فلمّا] قُتل الحسين (عليه السّلام) سمعهم ، يقولون : قُتل الحسين (ع). وجد إفاقة
، ومعه سكّين فقاتلهم بسكّينه ساعةً [حتّى] قتله زيد بن رقاد الجنبي وعروة بن بطار التغلبي.
وكان آخر قتيل و .
_________________
..................................................................................
_________________
[عليّ بن الحسين الأكبر]
وكان أوّل قتيل من بني أبي طالب يومئذٍ
: علي الأكبر
بن الحسين بن علي (عليه السّلام).
واُمّه : ليلى ، ابنة أبي مرّة بن عروة
بن مسعود الثقفي .
_________________
أخذ يشدّ على النّاس ، وهو يقول :
أنا عليّ بن حسين بن علي
|
|
نحن وربّ البيت أولى بالنّبيّ
|
تا لله لا يحكم فينا
ابن الدّعي
ففعل ذلك مِراراً ، فبصر به مرّة بن
مُنقذ بن النعمان العبدي
فقال : عليّ
_________________
آثام العرب إنْ مرّ
بي بفعل مثل ما كان يفعل ، إنْ لمْ أثكله أباه. فمرّ يشدّ على النّاس بسيفه ، فاعترضه
مرّة بن مُنقذ ، فطعنه فصرع ، واحتواه النّاس فقطّعوه بأسيافهم و .
[فجاءه] الحسين (عليه السّلام) يقول : «قتل
الله قوماً قتلوك يا بنيّ ، ما أجرأهم على الرّحمن ، وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على
الدّنيا بعدك العفاء».
وخرجت امرأة مسرعة تنادي : يا أُخيّاه!
ويابن أُخيّاه! فجاءت حتّى كبّت عليه. فجاءها الحسين (عليه السّلام) فأخذ بيدها
فرّدها إلى الفسطاط ، وأقبل [على] فتيانه ، فقال : «احملوا أخاكم». فحملوه من
مصرعه حتّى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يُقاتلون أمامه .
[القاسم بن الحسن (عليه
السّلام)]
قال حميد بن مسلم : خرج إلينا غلام كأنّ
وجهه شقه قمر ، في يده السّيف عليه قميص وإزار ونعلان ، قد انقطع شِسع أحدهما ـ ما
أنسى أنّها اليسرى ـ.
_________________
فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي : والله ، لأشدنّ عليه. فقلت له : سبحان
الله! وما تريد إلى ذلك ، يكفيك هؤلاء الذين تراهم قد احتووه. فقال : والله ، لأشدّن
عليه.
فشدّ عليه فما ولّى حتّى ضرب رأسه
بالسّيف ، فوقع الغلام لوجهه ، فقال : يا عمّاه!
فجلّى الحسين (عليه السّلام) كما يجلّى
الصّقر ، ثمّ شدّ شدّة ليث أغضب فضرب عمرواً بالسّيف فاتّقاه بالسّاعد ، فأطنّها
من لدن المرفق ، وجالت الخيل فوطئته حتّى مات.
وانجلت الغبرة ، فإذا بالحسين (عليه
السّلام) قائم على رأس الغلام والغلام يفحص برجليه ، وحسين (عليه السّلام) يقول :
«بُعداً لقوم قتلوك ، ومن خصمهم يوم
القيامة فيك جدّك. عزّ والله ، على عمّك أنْ تدعوه فلا يُجيبك ، أو يُجيبك ثمّ لا
ينفعك ، صوت والله ، كثُر واتره وقلّ ناصره».
ثمّ احتمله ، فكأنّي أنظر إلى رجلي
الغلام يخطّان في الأرض ، وقد وضع الحسين (ع) صدره على صدره ، فجاء به حتّى ألقاه
مع ابنه علي بن الحسين (ع) ، وحوله قتلى من أهل بيته.
فسألت عن الغلام. فقِيل : هو القاسم بن
الحسن بن علي بن أبي طالب
(عليه السّلام).
* * *
_________________
[العبّاس بن علي وأخوته]
[ثمّ] إنّ العبّاس بن علي (عليه السّلام)
، قال لأخوته من اُمّه ، عبد الله وجعفر وعثمان : يا بني أمّي ، تقدّموا حتّى [أرثيكم]
؛ فإنّه لا وِلد لكم.
ففعلوا [وتقدّموا ، فقاتلوا قتالاً
شديداً حتّى] قُتلوا [رحمهم الله]
و .
[رضيع الحسين (عليه السّلام)]
وقعد الحسين (عليه السّلام) [فـ] ـأُتي
بصبيّ له ، [هو : الرضيع ، أو أكبر منه]
_________________
_________________
عبدالله بن الحسين (ع)
، فأجلسه في
حجره ـ فهو في
حجره ـ إذ رماه أحد بني أسد [حرملة بن كأهل أو هانئ بن ثبيت الحضرمي] بسهم فذبحه ،
فتلقيّ الحسين (عليه السّلام) دمه ، فلمّا ملأ كفّه صبّه في الأرض ، ثمّ قال :
«ربّ ، إنْ تَكُ حبست عنّا النّصر من
السّماء ، فاجعل ذلك لما هو خير ، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين». و .
[ابنا عبد الله بن جعفر]
فاعتورهم النّاس من كلّ جانب :
فحمل عبد الله بن قطبة النّبهاني الطائي
على : عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، فقتله .
_________________
وحمل عامر بن نهشل التّيمي على : محمّد
بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، فقتله .
[آل عقيل]
وشدّ عثمان بن خالد بن أسير الجهني
وبشرّ بن حوط القابضي المداني ، على عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب (ع) ، فقتلاه واشتركا في سلبه.
ورمى عبد الله بن عزرة الخثعمي جعفر بن عقيل بن أبي طالب (ع) ، فقتله.
ثمّ إنّ عمرو بن صبيح الصدّائي رمى عبد الله بن مسلم ابن
_________________
عقيل بسهم فوضع كفّه على جبهته ، فأخذ لا
يستطيع أنْ يحرك كفّيه ، ثمّ بسهم آخر ففلق قلبه .
وقتل لبيط بن ياسر الجهني : محمّد بن
أبي سعيد ابن عقيل .
[أبناء الحسن بن علي (عليهما
السّلام)]
ورمى عبد الله بن عقبة الغنوى أبا بكر بن الحسن بن علي بسهم
_________________
فقتله .
وقُتل عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي
طالب (عليهما السّلام) ، رماه حرملة بن كأهل
بسهم فقتله .
_________________
[الحسين (عليه السّلام)]
ولمّا بقي الحسين (عليه السّلام) في
ثلاثة رهط أو أربعة ، دعا بسراويل يمانيّة محقّقة يلمع فيها البصر ، ففرزه ونكثه ؛
لكيلا يسلبه
و .
ومكث طويلاً من النّهار كلّما انتهى
إليه رجل من النّاس انصرف عنه ، وكره أنْ يتولّى قتله وعظيم إثمه عليه.
وأتاه مالك بن النّسير [البَدّي الكنديّ
] فضربه على
رأسه بالسّيف ، فقطع البرنس [الذي] عليه وأصاب رأسه ، فأدما [ه و] امتلأ البرنس
دماً ، فقال له الحسين (ع) : «لا أكلت بها ولا شربت ، وحشرك الله مع الظالمين»!
[ثمّ] ألقى ذلك البرنس [و] دعا بقلنسوة
ـ فلبسها واعتمّ [عليه]
و .
_________________
[فـ] ـكان معتمّاً [على القَلنسوة
بالخزّ الأسود] ، وعليه قميص
[و] جبّة من خزّ. وكان مخضوباً بالوسمة ، وهو يُقاتل قتال الفارس الشجاع ، يتّقي
الرّمية ويفترص العورة ، ويشدّ على الخيل .
وأقبل شمر بن ذي الجوشن في نفر ، نحومن عشرة
من رجّالة أهل الكوفة قبل منزل الحسين (ع) الذي فيه ثقله وعياله ، فمشى نحوه
فحالوا بينه وبين رحله
_________________
فقال الحسين (عليه السّلام) : «ويلكم!
إنْ لمْ يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد ، فكونوا في أمر دنياكم أحراراً
ذوي أحساب ، امنعوا رحلي وأهلي من طغامكم وجهالكم».
فقال ابن ذي الجوشن : ذلك لك يابن فاطمة.
وأقدم عليه بالرجّالة فأخذ الحسين (عليه السّلام) يشدّ عليهم ، فينكشفون عنه .
قال عبد الله بن عمّار البارقي : شدّت عليه رجّالة ممّن عن يمينه وشماله
، فحمل على من عن يمينه حتّى ذعروا ، وعلى من عن شماله حتّى ذعروا ، فوالله ، ما
رأيت مكسوراً قط ـ وقد قُتل وُلده وأهل بيته وأصحابه ـ أربط جأشاً ولا أمضى جناناً
ولا أجرأ مقدماً منه ، والله ، ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، إن كانت الرجّالة
لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب.
وقد دنا عمر بن سعد من حسين (عليه
السّلام) إذ خرجت زينب ابنة فاطمة أخته ، فقالت : يا عمر بن سعد ، أيُقتل أبوعبد
الله ، وأنت تنظر إليه؟! [فـ] ـصرف بوجهه عنها .
[و] كأنّي أنظر إلى دموع عمر ، وهي تسيل على خدّيه ولحيته .
وهو (عليه السّلام) يشدّ على الخيل ، ويقول
:
«أعلى قتلي تحاثّون : أمَا والله ، لا
تقتلون بعدي عبداً من عباد الله أسخط
_________________
عليكم لقتله منّي!
وأيم الله ، إني لأرجوأنْ يُكرمني الله بهوانكم ، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا
تشعرون
أمَا والله ، لوقد قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دمائكم ، ثمّ لا يرضى
لكم حتّى يُضاعف لكم العذاب الأليم» .
ثمّ إنّ شمر بن ذي الجوشن أقبل في
الرجّالة نحوالحسين [(عليه السّلام) ، وفيهم] سنان بن أنس النّخعي وخوْليّ بن يزيد
الأصبحي
، وصالح بن وهب اليزني والقشعم بن عمروالجُعفي ، وعبد الرحمن الجُعفي ، فجعل شمر بن ذي الجوشن يحرّضهم [فـ] ـأحاطوا
[بالحسين (عليه السّلام)] أحاطةً.
وأقبل إلى الحسين (عليه السّلام) غلام
من أهله
، فقال الحسين [(عليه السّلام) لـ] أخته زينب ، ابنة علي (ع) : «احبسيه». فأخذته
أخته زينب ابنة علي (ع) لتحبّسه ، فأبى الغلام وجاء يشتدّ إلى الحسين (عليه السّلام).
_________________
وقد أهوى بحر بن كعب إلى الحسين (عليه
السّلام) بالسّيف ، فقال الغلام : يابن الخبيثة! أتقتل عمّي ! فضربه بالسّيف فاتّقاه الغلام بيده
فأطنّها إلى الجلدة ، فإذا يده معلّقة ، فنادى الغلام : يا ُامّتاه!
فأخذه الحسين (عليه السّلام) فضمه إلى
صدره ، وقال (ع) : «يابن أخي
اصبر على ما نزل بك ، واحتسب في ذلك الخير ؛ فإنّ الله يُلحقك بآبائك الصالحين ، برسول
الله وعلي بن أبي طالب وحمزة ، والحسن بن علي
، صلّى الله
عليهم أجمعين.
اللهمّ ، أمسك عنهم قطر السّماء وأمنعهم
بركات الأرض ، اللهمّ ، فإنْ متّعتهم إلى حين ، ففرّقهم فرقاً وأجعلهم طرائق قدداً
، ولا تُرضي عنهم الولاة أبداً ؛ فإنّهم دعونا لينصرونا ، فعدوا علينا فقتلونا» .
ولقد مكث طويلاً من النّهار ولوشاء
النّاس أنْ يقتلوه لفعلوا ، ولكنّهم كان يتّقي بعضهم ببعض ويُحبّ هؤلاء أنْ يكفيهم
هؤلاء.
فنادى شمر في النّاس : ويحكم! ماذا
تنظرون بالرجل؟ أقتلوه ، ثكلتكم اُمّهاتكم! فحُمِل عليه من كلّ جانب.
[مصرع الحسين (عليه السّلام)]
فضرب زُرعة بن شرّيك التميمي ضربة [على]
كفّه اليسرى
، وضرب [ضربة أخرى] على عاتقه ، [فأخذ] ينوء ويكبو [على وجهه الشريف]. وفي تلك
الحال حمل عليه سنان بن أنس النّخعي فطعنه بالرمح ، فوقع (عليه السّلام)
_________________
فجعل لا يدنوأحد من
الحسين (عليه السّلام) ، إلاّ شدّ عليه سنان بن أنس مخافة أنْ يغلب على رأس [الحسين
(عليه السّلام) حتّى] نزل إليه ، فذبحه واحتزّ رأسه ودفعه إلى خوْليّ بن يزيد [الأصبحي].
وسُلب ما كان على الحسين (عليه السّلام)
؛ فأخذ فيس ابن الأشعث
: قطيفته
، وسلب إسحاق بن حَيْوة الحضرمي : قميص الحسين (ع) . وأخذ سيفه رجل من بني نهشل ، وأخذ نعله
الأسود [الأودي] ، وأخذ بحر بن كعب سراويله
وتركه مجرداً .
_________________
[نهب الخيام]
ومال النّاس على نساء الحسين (عليه
السّلام) وثقله ومتاعه ، [و] الورس
والحلل والإبل فانتهبوها ، [و] إنْ كانت المرأة تنازع ثوبها عن ظهرها حتّى تغلب
عليه ، فيُذهب به منها .
[و] قال النّاس لسنان بن أنس : قتلت
حسين (ع) بن علي وابن فاطمة ابنة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، قتلت أعظم
العرب خطراً جاء إلى هؤلاء يُريد أنْ يُزيلهم عن ملكهم ، فأتِ امرءك فاطلب ثوابك
منهم! لوأعطوك بيوت أموالهم في قتل الحسين (ع) كان قليلاً.
وكانت به لوُثة ، فأقبل على فرسه حتّى وقف على باب
فسطاط عمر بن سعد ، ثمّ نادى بأعلى صوته :
أوقر ركأبي فضّة وذهبا
|
|
أنا قتلت الملك المحجّبا
|
_________________
قتلت خير النّاس أمّاً وأبا
|
|
وخيرهم اذ ينسبون نسبا
|
فقال عمر بن سعد : أدخلوه عليّ. فلمّا
أدخل خذفه بالقضيب ، ثمّ قال :
يا مجنون ، أشهد أنّك لمجنون ما صححت قط
، أتتكلم بهذا الكلام! أمَا والله ، لوسمعك ابن زياد لضرب عنقك.
[وحمل] شمر بن ذي الجوشن في رجّالة معه
[على ثقل الحسين (عليه السّلام) ، فانتهو] إلى علي بن الحسين الأصغر (ع) ، وهومريض
منبسط على فراش له ، [والـ] ـرجّالة معه يقولون : ألاَ نقتل هذا؟
قال حميد بن مسلم ، فقلت : سبحان الله!
أنقتل الصبيان؟ إنّما هذا صبيّ .
حتّى جاء عمر بن سعد ، فقال : ألاَ ، لا
يعرضنّ لهذا الغلام المريض أحد ، ولا يدخلنّ بيت هؤلاء النّسوة ، ومن أخذ من
متاعهم شيئاً فليردّه عليهم ، فما ردّ أحد شيئاً. وأخذ عمر بن سعد : عقبة بن سمعان
، فقال له : ما أنت؟
قال : أنا عبد مملوك ، فخلّى سبيله ، فلمْ
ينجُ أحد منهم غيره .
_________________
[وطئ الخيل]
ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى في أصحابه : مَن
ينتدب للحسين (ع) ويوطئه فرسه؟ فانتدب عشرة ، منهم : إسحاق بن حَيْوة الحضرمي
وأحبش بن مرثد الحضرمي ، فأتوا فداسوا الحسين (عليه السّلام) بخيولهم حتّى رضّوا
ظهره وصدره .
وصلّى عمر بن سعد على [مَن] قُتل من
أصحاب [ـه] ودفنهم.
وسرّح برأس [الإمام (عليه السّلام)] من
يومه ذلك مع خوْليّ بن يزيد إلى عبيد الله بن زياد ، فأقبل خوْليّ دار القصر فوجد
باب القصر مغلقاً ، فأتى منزله فوضعه تحت إجانة في منزله . فلمّا أصبح غدا بالرأس إلى عبيد الله
بن زياد.
_________________
[حمل عيال الإمام (ع) إلى
الكوفة]
وأقام عمر بن سعد يومه ذلك والغداة .
وقطف رؤوس الباقين فسرّح باثنين وسبعين
رأساً ، مع شمر بن
ذي الجوشن وقيس بن الأشعث ، وعمروبن الحجّاج وعزرة بن قيس ، فأقبلوا حتّى قدموا
بها على عبيد الله بن زياد.
ثمّ أمر حُميد بن بُكير الأحمري فأذّن في النّاس بالرّحيل إلى الكوفة.
وحُمل معه بنات الحسين (ع) وأخواته ومن
كان من الصبيان ، وعلي بن الحسين (ع) مريضاً .
قال قرّة بن قيس التميمي : لا أنسى زينب
ابنة فاطمة (ع) حين مرّت بأخيها الحسين (عليه السّلام) صريعاً ، وهي تقول : يا
محمّداه! يا محمّداه! صلّى عليك ملائكة السّماء ، هذا الحسين بالعراء ، مرمّل
بالدماء مقطّع الأعضاء ، يا محمّداه! وبناتك سبايا ، وذرّيّتك مقتلة تسغى عليها
الصبا. فأبكت والله ، كلّ
_________________
عدوّ وصديق وصحن النّسوة ولطمن وجوههنّ .
ودفن الحسين (ع) وأصحابه أهل الغاضريّة
من بني أسد ، بعد ما قُتلوا بيوم
و .
[رأس الامام عند ابن زياد]
قال حميد بن مسلم : دعاني عمر بن سعد
فسرّحني إلى أهله لأبشرّهم بفتح الله عليه وبعافيته.
فأقبلت حتّى أتيت أهله فأعلمتهم بذلك.
[ثمّ وجدت] ابن زياد قد جلس ، وقد قدم
الوفد [بالرؤوس] عليه.
فجاءت كندة : بثلاثة عشر رأساً ، وصاحبهم
قيس بن الأشعث ، وجاءت هوازن : بعشرين رأساً ، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن ، وجاءت
تميم : بسبعة عشر رأساً ، وجاءت بنوأسد : بستّة أرؤس ، وجاءت مذحج : بسبعة أرؤس ، وجاء
سائر الجيش : بسبعة أرؤس فذلك سبعون رأساً.
فأدخلهم وأذن للنّاس فدخلت فيمَن دخل ، فإذا
رأس الحسين (عليه السّلام) موضوع بين يديه ، وإذا هو ينكت بقضيب بين ثنيّتيه.
فلمّا رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب ، قال له : أعْلُ
بهذا
_________________
القضيب عن هاتين
الثنيّتين ، فوالذي لا إله غيره ، لقد رأيت شفتي رسول الله (صلّى الله عليه [وآله])
على هاتين الشفتين يقبّلهما. ثمّ انفضخ الشيخ يبكي.
فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك!
فوالله ، لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ، لضربت عنقك. فنهض [زيد بن أرقم] فخرج ، وهويقول : ملّك عبد عبداً ، فاتخذهم
تلداً ، أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة (عليه السّلام) وأمّرتم
ابن مرجانة ، فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم ، فرضيتم بالذلّ فبعداً لمَن رضي
بالذّل! .
فلمّا فخرج سمعت النّاس يقولون : والله
، لقد قال زيد بن أرقم قولاً لوسمعه ابن زياد ، لقتله.
[السّبايا في مجلس ابن زياد]
فلمّا أُدخل أخواته ونساؤه وصبيانه على
عبيد الله بن زياد ، لبست زينب
_________________
ابنة فاطمة (عليها
السّلام) أرذل ثيابها وتنكّرت وحفّت بها إماؤها ، [و] جلست.
فقال عبيد الله بن زياد : من هذه
الجالسة؟ فلمْ تكلّمه. فقال ذلك ثلاثاً ، كلّ ذلك لا تكلّمه.
فقال بعض إمائها : هذه زينب ابنة فاطمة
(عليها السّلام).
فقال لها عبيد الله : الحمد الذي فضحكم
وقتلكم ، وأكذب أحدوثتكم.
فقالت : الحمد لله الذي أكرمنا بمحمّد (صلّى
الله عليه [وآله]) وطهّرنا تطهيراً ، لا كما تقول أنت ، إنّما يُفتضح الفاسق
ويُكذّب الفاجر.
قال : فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟
قالت : (كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ
إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) [ال عمران / ١٥٤] ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه
وتخاصمون عنده .
فغضب ابن زياد واستشاط ، فقال لها :
قد أشفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة
المردة من أهل بيتك.
فبكت ، ثمّ قالت : لعمري لقد قتلت كهلي
وأبرت أهلي ، وقطعت فرعي واجتثثت أصلى ، فإنْ يشفيك هذا ، فقد اشتفيت.
فبكت ثم قالت : لعمري لقد قتلت كهلي ،
وأبَرْت اهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي! فان يشفيك هذا فقد اشتفيت!
فقال عبيد الله : هذه سجّاعة ، [و] لعمري قد كان أبوك شاعراً سجّاعا
.
[ثمّ] نظر عبيد الله بن زياد إلى علي بن
الحسين (ع) ، فقال له : ما اسمك؟
_________________
قال (ع) : «أنا علي بن الحسين».
قال : ولمْ يقتل الله عليّ بن الحسين؟
فسكت.
فقال له ابن زياد : مالك لا تتكلّم؟
قال (ع) : «قد كان لي أخ يُقال له أيضاً
: عليّ ، فقتله النّاس».
قال : إنّ الله قد قتله.
فسكت علي [بن الحسين (عليه السّلام)].
فقال له : مالك لا تتكلّم؟
قال (ع) : (اللّهُ يَتَوَفّى
النّفس حِينَ مَوْتِهَا)
(وَمَا
كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلّا بِإِذْنِ اللّهِ) .
قال : أنت والله ، منهم.
[ثم قال لمريّ بن معاذ الأحمري] : ويحك
أقتله!
[فـ] ـتعلّقت به عمّته زينب ، فقالت : يابن
زياد ، حسبك منّا ، أمَا رُويت من دمائنا؟! وهل أبقيت منّا أحداً. [و] اعتنقته [و]
قالت : أسألك بالله ـ إنْ كنت مؤمناً ـ إنْ قتلته ، لمّا قتلتني معه.
وناداه علي [بن الحسين] (ع) : «إنْ كانت
بينك وبينهنّ قرابة ، فابعث معهنّ رجلاً تقيّاً يصحبهن بصحبة السّلام».
فنظر إليهما ، ثمّ قال : عجباً للرّحم!
والله ، ودّت لو أنّي قتلته أنّي قتلتها معه ، دعوا الغلام و .
_________________
ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد نصب رأس
الحسين [(عليه السّلام) على رمح] ، فجعل يداريه في الكوفة .
_________________
[موقف عبد الله بن عفيف]
[و] نُودي : الصلاة جامعة. فاجتمع
النّاس في المسجد الأعظم فصعد ابن زياد المنبر ، فقال :
الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله ، ونصر
أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه ، وقتل الكذّاب ابن الكذّاب : الحسين بن علي (ع)
وشيعته.
فلمْ يفرغ ابن زياد من مقالته حتّى وثب
إليه عبد الله بن عفيف الأزدي الغامدي ـ وكان من شيعة علي كرّم الله وجهه ، [و] كان
لا يكاد يُفارق المسجد الأعظم يصلّي فيه إلى اللّيل ـ فلمّا سمع مقالة ابن زياد ، قال :
إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك ، والذي
ولاّك وأبوه يابن مرجانة
، أتقتلون أبناء النّبيّين وتتكلّمون بكلام الصدّيقين؟!
فقال ابن زياد : عليّ به.
فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه.
_________________
فنادى بشعار الأزد : يا مبرور. فوثب
إليه فتية من الأزد فانتزعوه ، فأتوا به أهله .
فارسل إليه [ابن زياد] مَن أتاه به
فقتله وأمر بصلبه في السّبخة ، فصُلب هنالك .
_________________
[الرؤوس والسّبايا إلى الشام]
ثمّ دعا [ابن زياد : زحْر بن قيس ، ومعه] أبو بردة بن عوف الأزدي وطارق
بن ظبيان الأزدي ، فسرّح معه [ـهم] برأس الحسين (عليه السّلام) ورؤوس أصحابه إلى
يزيد بن معاوية .
ثمّ أمر بنساء الحسين (ع) وصبيانه
فجُهّزن ، وأمر بعلي بن الحسين (عليه السّلام)
_________________
فغُلّ بُغلّ إلى
عنقه ، ثمّ سرّح بهنّ مع محفّز بن ثعلبة العائذي [القرشي] وشمر بن ذي الجوشن ، فانطلقا بهم حتّى
قدموا على يزيد .
[و] لمّا وضُعت الرؤوس ـ رأس الحسين (ع)
وأهل بيته وأصحابه ـ بين يدي يزيد ، قال :
يفلّقن هاماً من رجال اعزّة
|
|
علبنا وهم كانوا أعقّ وأظلما و
|
فقال يحيى بن الحكم أخومروان بن الحكم :
_________________
هام بجنب الطفّ أدنى قرابة
|
|
من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل
|
سميّة أمسى نسلها عدد الحصى
|
|
وبنت رسول الله ليس لها نسل
|
فضرب يزيد بن معاوية في صدر يحيى بن
الحكم ، وقال : اسكت .
ثمّ أذن للنّاس فدخلوا والرأس بين يديه
، ومع يزيد قضيب فهو ينكت به في ثغره.
فقال أبو برزة السّلمي من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله])
:
أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين! (ع) أما
لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً ، لربّما رأيت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) يرشفه!
أمَا إنّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وشفيعك ابن زياد ، ويجيء هذا يوم القيامة
وشفيعه محمّد (صلّى الله عليه [وآله]). ثمّ قام فولّى.
فسمعت دَور الحديث هند بنت عبد الله بن
عامر بن كريز
[، وهي]
_________________
زوجة] يزيد فتقنّعت
بثوبها وخرجت ، فقالت :
يا أمير المؤمنين ، أرأس الحسين بن
فاطمة بنت رسول الله (عليهم السّلام)؟
قال : نعم ، فأعولي عليه وحُدّي على ابن
بنت رسول الله وصريخة قريش ، عجّل عليه ابن زياد فقتله ، قتله الله!
[و] قال يحيى بن الحكم : حُجبتم عن
محمّد يوم القيامة ، لن أجامعكم على أمر أبداً ، ثمّ قام فانصرف .
ولمّا جلس يزيد بن معاوية ، دعا أشراف
أهل الشام فأجلسهم حوله ، ثمّ
_________________
دعا بعلي بن الحسين
(ع) وصبيان الحسين (ع) ونسائه ، فأُدخلوا عليه والنّاس ينظرون ، فأُجلسوا بين يديه
فرأى هيئةً قبيحةً ، فقال : قبّح الله ابن مرجانة! لوكانت بينه وبينكم رحم وقرابة
ما فعل هذا بكم ، ولا بعث بكم هكذا.
[ثمّ] قال يزيد لعليّ [ابن الحسين (ع)]
: يا علي ، أبوك الذي قطع رحمي وجهل حقّي ونازعني سلطاني ، فصنع الله به ما قد
رأيت.
فقال علي (عليه السّلام) : (مَا
أَصَابَ مِن مُصِيَبةٍ فِي الأرض وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِن
قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا)
.
فقال له يزيد : (وَمَا
أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ)
و .
عن فاطمة بنت علي (عليه السّلام) ، قالت : لمّا أجلسنا بين يدي يزيد بن
معاوية ، قام رجل أحمر من أهل الشام إلى يزيد ، فقال : يا أمير المؤمنين! هب لي
هذه [وهو] يعنّيني! فأرعدت وفرقت ، وظننت أن ذلك جائز لهم ، وأخذت بثياب أختي زينب
، وكانت أكبر منّي وأعقل وتعلم أن ذلك لا يكون ، فقالت [له] :
كذبت والله ، ، ولؤمت! ما ذلك لك ولا له!
فغضب يزيد فقال : كذبت والله ،! إن ذلك
لي ولوشئت أن أفعله لفعلت!
_________________
قالت : كلاّ والله ، ما جعل الله ذلك لك
إلاّ أنْ تخرج من ملّتنا وتدين بغير ديننا.
فغضب يزيد واستطار ، تمُ قال : إيّاى
تستقبلين بهذا! إنّما خرج من الدّين أبوك وأخوك.
فقالت زينب : بدين الله ودين أبي وأخي
وجدّي (عليهم السّلام) ، اهتديت أنت وأبوك وجدّك!
قال : كذبت ، يا عدوّة الله.
قالت : أنت أمير مُسلّط تشتم ظالماً ، تقهر
بسلطانك. فسكت.
ثمّ عاد الشامي ، فقال : يا أمير
المؤمنين ، هب لي هذه الجارية؟
قال : اعزب ، وهب الله لك حتفاً قاضياً!
.
ثمّ أمر بالنّسوة أنْ يُنزّلن في دار
على حدة ، [و] معهنّ علي بن الحسين [(عليه السّلام) ، و] معهنّ ما يصلحهنّ ، فخرجن
حتّى دخلن [تلك الدار] ، فلمْ تبقَ من آل معاوية امرأة إلاّ استقبلتهنّ تبكي وتنوح
على الحسين (عليه السّلام) ، فأقاموا عليه المناحة ثلاثاً.
ولمّا أرادوا أنْ يخرجوا ، قال يزيد بن معاوية
: يا نعمان بن بشير ، جهّزهم بما يصلحهم وابعث معهم رجلاً من أهل الشام أميناً
صالحاً ، وابعث معه خيلاً وأعوانًا ، فسيّر بهم إلى المدينة فخرج بهم. وكان
يُسايرهم باللّيل فيكونون أمامه حيث لا يفوتون طرفه ، فإذا نزلوا تنحّى عنهم
وتفرّق هوأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم ، وينزل منهم بحيث إذا أراد إنسان منهم
وضوأ وقضاء حاجة لمْ يحتشم. فلمْ يزل ينازلهم في الطريق هكذا ، ويلطّفهم ويُسألهم
عن حوائجهم حتّى دخلوا المدينة .
_________________
[أهل البيت في المدينة]
ولمّا أتى أهل المدينة مقتل الحسين (ع)
، خرجت [اُمّ لقمان]
بنت عقيل بن أبي طالب (ع) ومعها نساؤها ، وهي حاسرة تلوي بثوبها ، وهي نقول :
ماذا تقولون إن قال النّبيّ لكم
|
|
ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
|
بعترتي وبأهل بعد مفتقدي
|
|
منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم
|
[و] لمّا بلغ عبد الله بن جعفر بن أبي
طالب مقتل ابنيه
[: محمّد وعون] مع
_________________
الحسين (عليه
السّلام) دخل عليه النّاس يعزّونه [فـ] أقبل على جلسائه ، فقال :
الحمد لله عزّ وجلّ على مصرع الحسين (عليه
السّلام) إنْ لا تكن آستْ حسيناً (ع) يديّ ، فقد آساه ولديّ والله ، لوشهدته لا
حببت أنْ لا أفارقه حتّى أُقتل معه ، والله ، أنّه لممّا يسخّي بنفسي عنهما ، ويهوّن
عليّ المصاب بهما ؛ أنّهما أُصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيين له ، صابرين معه و .
_________________
_________________
_________________
_________________
[أوّل زائر للحسين (عليه
السّلام) من أهل الكوفة]
[ثمّ] إنّ عبيد الله بن زياد تفقّد
أشراف أهل الكوفة ، فلمْ يرَ عبيد الله بن الحرّ [الجُعفي]. ثمّ جاءه بعد أيّام
حتّى دخل عليه ، فقال : أين كنت يابن الحرّ؟ قال : كنت مريضاً. قال : مريض القلب
ومريض البدن. قال : أمّا قلبي ، فلمْ يمرض ؛ وأمّا بدني ، فقد منّ الله عليّ
بالعافية.
فقال له ابن زياد : كذبت ، ولكنّك كنت
مع عدوّنا.
قال : لو كنت مع عدوّك لرُئي مكاني ، وما
كان مثل مكاني يُخفى.
وغفل عنه ابن زياد غفلةً فخرج ابن الحرّ
، فقعد على فرسه.
فقال ابن زياد : أين ابن الحرّ؟ قالوا :
خرج السّاعة. قال : عليّ به.
فاحضرته الشرطة ، فقالوا له : أجب
الأمير. فدفع فرسه ، ثمّ قال : أبلغوه أنّي لا آتيه والله ، طائعاً أبداً.
ثمّ خرج حتّى أتى كربلاء ، وقال في ذلك
:
يقول أمير غادر وابن غادر :
|
|
ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة
|
فياندمي أن لا اكون نصرته
|
|
ألا كلّ نفس لا تسدّد نادمة
|
وإنيّ لانيّ لم اكن من حماته
|
|
لذوحسرة ما إن تفارق لازمة
|
سقى الله ارواح الذين تأزّروا
|
|
على نصره ، سقياً من الغيث دائمة
|
وقفت على اجداثهم ومجالهم
|
|
فكاد الحشا ينقضّ والعين ساجمة
|
لمري لقد كانوا مصاليت في الوغى
|
|
سراعاً إلى الهيجا ، حماةً ضراغة
|
فان يقتلوا فكل نفس تقيةٍ
|
|
على الأرض قد اضحت لذلك واجمة
|
وما إن رأى الرّاؤون أفضل منهم
|
|
لدى الموت سادات وزهرا قماقمة
|
أتقتلهم ظلماً وترجو ودادنا
|
|
فدع خطّة ليست لنا بملائمة
|
لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم
|
|
فكم ناقم منّا عليكم وناقمة
|
أهمّ مراراً أن أسير بجحفل
|
|
إلى فئة زاغت عن الحقّ ظالمة
|
فكفّوا وإلا ذدتكم في كتائب
|
|
اشدّ عليكم من زحوف الديالمة و
|
_________________
فهرس الكتاب
تقديم
|
٥
|
موقف ابن الزبير
|
٨٢
|
كربلاء
|
٨
|
موقف محمَّد بن
الحنيفة
|
٨٣
|
أبو مخنف
|
١١
|
الإمام عليه
السَّلام في مكّة
|
٨٧
|
ما يرويه الطبري في
آل أبي مخنف
|
١٢
|
كتب أهل الكوفة
|
٨٩
|
ما يرويه نصربن مزاحم
في آل أبي مخنف
|
١٤
|
جواب الإمام عليه
السَّلام
|
٩٦
|
كتب أبي مخنف
|
١٧
|
سفر مسلم عليه
السَّلام
|
٩٦
|
مذهب أبي مخنف
ووثاقته
|
١٨
|
كتاب مسلم الي
الإمام وجوابه
|
٩٧
|
هشام الكلبي
|
٢١
|
دخول مسلم عليه
السَّلام الكوفة
|
٩٩
|
المقتل المتداول
|
٢٢
|
خطبة النعمان بن
بشير
|
١٠١
|
أسناد أبي مخنف
|
٢٩
|
كتب الإمام (ع) الي
أهل البصرة
|
١٠٣
|
الحسين عليه
السَّلام في المدينة
|
٦٧
|
خطبة ابن زياد
بالبصرة
|
١٠٨
|
وصية معاوية
|
٦٧
|
خطبة ابن زياد
بالكوفة
|
١١٠
|
هلاك معاوية
|
٧٠
|
تجسّس معقل الشامي
علي مسلم (ع)
|
١١٢
|
كتاب يزيد الي
الوليد
|
٧٢
|
مؤتمر قتل ابن زياد
في دار هانئ
|
١١٣
|
استشارة الوليد من
مروان
|
٧٧
|
هانئ يُدعي الي ابن
زياد
|
١١٧
|
رسول الوليد الي
الإمام للبيعة
|
٧٧
|
هانئ عند ابن زياد
|
١١٨
|
مطالبة الإمام (ع)
بالبيعة
|
٧٨
|
خروج مسلم عليه
السَّلام
|
١٢٢
|
الإمام (ع) في مسجد
المدينة
|
٨٢
|
اجتماع الأشراف بابن
زياد
|
١٢٣
|
رايات الإمان
|
١٢٥
|
خبر مقتل مسلم (ع)
|
١٦٥
|
غربة مسلم عليه
السَّلام
|
١٢٦
|
ملاقاة الحرّ وخطبة
الإمام (ع)
|
١٦٩
|
موقف ابن زياد
|
١٢٩
|
مضايقة الحرّ للإمام
عليه السَّلام
|
١٧١
|
خطبة ابن زياد بعد
غربة مسلم (ع)
|
١٣٠
|
خطبة الإمام بالبيضة
|
١٧٢
|
ابن زياد في طلب
مسلم (ع)
|
١٣١
|
الطرمّاح بن عدي
وأصحابه
|
١٧٣
|
موقف المختار
|
١٣٢
|
خبر مقتل قيس بن
مسهر الصيداوي
|
١٧٥
|
مقاتلة مسلم (ع)
|
١٣٣
|
نينوي وكتاب ابن
زياد
|
١٧٧
|
تأمين مسلم (ع)
|
١٣٤
|
نزول الإمام عليه
السَّلام
|
١٧٩
|
أسر مسلم (ع)
|
١٣٥
|
خروج ابن سعد الي
الحسين (ع)
|
١٨١
|
مسلم علي باب القصر
وفي دارالإمارة
|
١٣٦
|
كتاب ابن سعد الي
ابن زياد وجوابه
|
١٨٥
|
وصية مسلم (ع) الي
ابن سعد
|
١٣٨
|
لقاء ابن سعد
بالإمام عليه السَّلام
|
١٨٦
|
مسلم (ع) أمام ابن
زياد
|
١٣٩
|
زحف ابن سعد الي
الحسين (ع)
|
١٩٣
|
مقتل مسلم (ع)
|
١٤٠
|
إمهالهم ليلة
عاشوراء
|
١٩٦
|
مقتل هانئ (ره)
|
١٤١
|
خطبة الإمام ليلة
عاشوارء
|
١٩٧
|
حبس المختار
|
١٤٣
|
موقف الهاشميين
والأنصار
|
١٩٨
|
رئاه مسلم وهانئ
(ره)
|
١٤٥
|
الإمام عليه
السَّلام ليلة عاشوراء
|
٢٠٠
|
خروج الإمام (ع) من
مكّة وموقف ابن الزيبر
|
١٤٧
|
الإمام وأصحابه ليلة
عاشوراء
|
٢٠٢
|
محادثة ابن عبّاس
للإمام (ع)
|
١٥٠
|
صبيحة عاشوراء
|
٢٠٤
|
محادثة عمر المخزومي
مع الإمام (ع)
|
١٥١
|
خطبة الإمام الاُولي
|
٢٠٦
|
محادثة ابن الزبير
الأخيرة
|
١٥٢
|
خطبة زهير بن القين
|
٢٠٩
|
موقف عمرو بن سعيد
الأشدق
|
١٥٣
|
توبة الحرّ الرياحي
|
٢١٣
|
موقف عبدالله بن
جعفر (ره)
|
١٥٤
|
خطبة الحرّ الرياحي
|
٢١٥
|
أمان الأشدق للإمام
(ع)
|
١٥٥
|
بدء القتال
|
٢١٧
|
منازل الطريق
|
١٥٧
|
كرامة ، وهداية في
الحملة الاُولي
|
٢١٩
|
لحوق زهير بالإمام
(ع)
|
١٦١
|
مباهلة برير ومقتله
|
٢٢١
|
خبر مقتل عبدالله بن
بُقطر
|
١٦٣
|
الحملة الثانية
|
٢٢٤
|
مسلم بن عوسجة
|
٢٢٥
|
قتال الإمام عليه
السَّلام
|
٢٥٠
|
الحملة الثالثة
|
٢٢٦
|
مقتل الإمام عليه
السَّلام
|
٢٥٥
|
الحملة الرابعة
|
٢٢٨
|
نهب الخيام
|
٢٥٦
|
الاستعداد لصلاة
الظهر
|
٢٢٩
|
الهجوم علي مخيّم
الإمام (ع)
|
٢٥٧
|
مقتل حبيب بن مُظاهر
الأسدي
|
٢٣٠
|
وطئ الخيل
|
٢٥٨
|
مقتل الحرّ الرياحي
|
٢٣١
|
حمل عيال الإمام الي
الكوفة
|
٢٥٩
|
صلاة الظهر ومقتل
زهير
|
٢٣٢
|
رأس الإمام عند ابن
زياد
|
٢٦٠
|
مقتل نافع بن هلال
الجملي
|
٢٣٢
|
السبايا في مجلس ابن
زياد
|
٢٦١
|
الغفاريّان
والجابريّان
|
٢٣٤
|
زينب (ع) في مجلس
ابن زياد
|
٢٦٢
|
مقتل حنظلة الشبامي
|
٢٣٥
|
الإمام السجاد (ع)
وابن زياد
|
٢٦٣
|
مقتل عابس الشاكري
ومولاهم شوذب
|
٢٣٦
|
موقف عبدالله بن
عفيف الأزدي
|
٢٦٥
|
مقتل الرجال الأربعة
أصحاب الطرمّاح
|
٢٣٨
|
الرؤوس والسبايا الي
الشام
|
٢٦٧
|
مقتل علي الاكبر
عليه السَّلام
|
٢٤١
|
مجلس يزيد وزوجته
|
٢٧٠
|
مقتل القاسم بن
الحسين عليه السَّلام
|
٢٤٣
|
الإمام السجاد (ع)
ويزيد العناد
|
٢٧١
|
مقتل العبّاس وإخوته
ورضيع الحسين
|
٢٤٥
|
السيدة زينب ، ويزيد
|
٢٧٢
|
مقتل إبني عبدالله
بن جعفر
|
٢٤٦
|
أهل البيت في
المدينة
|
٢٧٣
|
مقتل آل عقيل
|
٢٤٧
|
أول زائر للإمام
عليه السَّلام
|
٢٧٦
|
مقتل أبناء الإمام
الحسن (ع)
|
٢٤٨
|
أبيات الحرّ الجعفي
|
٢٧٦
|
|