فصل

في الخَلل الواقع في الصلاة

أي الإخلال بشي‌ء ممّا يعتبر فيها وجوداً أو عدماً

[٢٠٠٢] مسألة ١ : الخلل إمّا أن يكون عن عمد أو عن جهل أو سهو أو اضطرار أو إكراه أو بالشكّ (١) ، ثمّ إمّا أن يكون بزيادة أو نقيصة ، والزيادة إمّا بركن ، أو غيره ولو بجزء مستحبّ كالقنوت في غير الركعة الثانية أو

______________________________________________________

(١) قسّم (قدس سره) الخلل تقسيماً لا يخلو من نوع من التشويش ، فذكر أنّه إمّا أن يكون عن عمد أو جهل أو سهو أو اضطرار أو إكراه أو بالشكّ وعلى التقادير فامّا أن يكون بزيادة جزء ركني ، أو غيره ولو بجزء مستحبّ ، أو ركعة ، أو بنقص جزء أو شرط ركن أو غير ركن ، أو بكيفية كالجهر والإخفات والترتيب والموالاة ، أو بركعة.

وهذا التقسيم كما ترى غير وجيه ، ضرورة أنّ الاضطرار والإكراه ليسا قسيمين للعمد الذي معناه القصد إلى الفعل ، بل هما قسمان منه ، فانّ ما يصدر من العامد إمّا أن يكون باختياره ورضاه ، أو باضطرار أو إكراه. فالمضطر والمكره أيضاً قاصدان إلى العنوان فعلاً أو تركاً ، فهما عامدان لا محالة كالمختار. كما أنّ الجاهل بالحكم أيضاً كذلك ، فإنّه عامد إلى الموضوع كما لا يخفى ، فلا يحسن عدّه قسيماً للعمد.


فيها في غير محلّها ، أو بركعة. والنقيصة إمّا بشرط ركن كالطهارة من الحدث والقبلة ، أو بشرط غير ركن ، أو بجزء ركن أو غير ركن ، أو بكيفية كالجهر والإخفات والترتيب والموالاة أو بركعة.

______________________________________________________

فالأولى أن يقال : إنّ الخلل الصادر من المكلف إمّا أن يكون عن عمد أو سهو ، أي عن قصد إلى العنوان أو بلا قصد ، لعدم خلوّ حالته بالإضافة إلى ما يصدر منه من أحد هذين. والعامد إمّا أن يكون مختاراً أو مضطرّاً أو مكرهاً أو جاهلاً بالحكم.

ثمّ إنّ ما ذكره (قدس سره) في طرف النقيصة من أنّ الناقص إمّا أن يكون جزءاً أو شرطاً أو كيفية غير وجيه أيضاً ، لعدم خروج الكيفية التي ذكرها من الجهر والإخفات والترتيب والموالاة عن الجزء أو الشرط ، وليست قسماً ثالثاً في قبالهما.

فانّ هذه الأُمور إن لوحظ التقيّد بها كانت من الشرائط ، غايته أنّها شرط للجزء كالقراءة لا لنفس الصلاة ، وإن لوحظ أنّ الجزء من الصلاة هي القراءة الخاصّة وهي المتّصفة بالجهر مثلاً أو الترتيب والموالاة فهي من شؤون الجزء والإخلال بها إخلال بالجزء حقيقة. فليس الإخلال بتلك الكيفية إخلالاً بشي‌ء آخر وراء الجزء أو الشرط. ثمّ إنّ في الجزء الاستحبابي كلاماً سيأتي التعرّض إليه.

وكيف ما كان ، فهذا التقسيم وإن لم يكن خالياً عن التشويش كما عرفت لكنّ الأمر سهل ، والبحث عنه قليل الجدوى ، والعمدة إنّما هي التعرّض لما رتّب على هذه الأقسام من الأحكام في المسألة الآتية. وستعرف الحال فيها إن شاء الله تعالى.


(٢٠٠٣) مسألة ٢ : الخلل العمدي موجب لبطلان الصلاة بأقسامه (*) من الزيادة (١)

______________________________________________________

(١) أمّا في الجزء الاستحبابي فلا موضوع لهذا البحث ، إذ لا وجود له كي تتصوّر فيه الزيادة أو النقص ، لما عرفت مراراً من منافاة الجزئية للاستحباب إذ أنّ مقتضى الأوّل الدخل في الماهية وتقوّمها به لتركّبها منه ، ومقتضى الثاني عدم الدخل وجواز الترك.

وهذا من غير فرق بين جزء الطبيعة وجزء الفرد ، إذ لا يزيد هو عليها إلّا بإضافة الوجود ، ففرد الطبيعة ليس إلّا الطبيعة الموجودة بعينها ، ولا يزيد عليها من حيث كونه فرداً لها بشي‌ء أصلاً.

وأمّا سائر الملابسات والخصوصيات التي تقترن بها الأفراد ممّا يوجب المزية أو النقيصة أو لا يوجب شيئاً منهما فهي خارجة عن حقيقة الفرد ، كخروجها عن نفس الطبيعة ، وإنّما هي من العوارض اللّاحقة للأفراد كقصر زيد وطوله وسواده وبياضه ونحو ذلك ، فإنّها غير مقوّمة لفرديّته للإنسان ، كما أنّها غير دخيلة في الطبيعة نفسها ، فلا يتصوّر التفكيك بفرض شي‌ء جزءاً للفرد وعدم كونه جزءاً للطبيعة كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فالجزئية تساوق الوجوب ، ولا تكاد تجتمع مع الاستحباب. فالجزء الاستحبابي غير معقول ، وما يتراءى منه ذلك كالقنوت فليس هو من الجزء في شي‌ء ، بل مستحبّ نفسيّ ظرفه الواجب ، فلا تتصوّر فيه الزيادة كي تشمله أدلّة قادحية الزيادة. نعم ، الإتيان به في غير مورد الأمر به بعنوان أنّه مأمور به تشريع محرّم ، إلّا أنّ حرمته لا تسري إلى الصلاة كما هو ظاهر.

__________________

(*) بطلانها بالزيادة العمدية في المستحبات أثناء الصلاة محلّ إشكال ، بل منع.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا زيادة الجزء الركني عمداً فضلاً عن الركعة فلا إشكال في كونه موجباً للبطلان ، فانّ ما دلّ على البطلان بزيادته سهواً من عقد الاستثناء في حديث لا تعاد (١) وغيره من الأدلّة الخاصّة نحو قوله (عليه السلام) : «لا يعيد صلاة من سجدة ويعيدها من ركعة» (٢) يدلّ على البطلان في صورة العمد بالأولوية القطعية ، مضافاً إلى التسالم عليه من غير نكير.

إنّما الكلام في زيادة غير الأركان من الأجزاء عامداً ، فالمشهور هو البطلان أيضاً. ويستدلّ له :

تارة : بتوقيفية العبادة ، وأنّ المتلقّاة من صاحب الشرع هي الكيفية الخاصّة غير المشتملة على الزيادة ، فالتخلّف عنها والإتيان بصلاة ذات ثلاث تشهّدات مثلاً خروج عن النحو المقرّر المعهود الواصل إلينا من الشارع المقدس.

وفيه : أنّ هذه مصادرة واضحة ، إذ لم يثبت أنّ الكيفية المزبورة مقيّدة بعدم الزيادة ، بحيث يكون الجزء ملحوظاً بنحو بشرط لا بالنسبة إلى الزائد عليه. ومع الشكّ فهو مدفوع بالأصل ، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إلى البراءة في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين.

وأُخرى : بأنّه تشريع محرّم فيبطل. وفيه : أنّ التشريع وإن كان محرّماً ومنطبقاً على نفس الجزء الذي شرع فيه ، إلّا أنّ حرمته لا تسري إلى بقيّة الأجزاء كي تستوجب فساد العمل.

اللهمّ إلّا أن يقصد من الأوّل الأمر المتعلّق بالمركّب من الزائد بنحو التقييد تشريعاً ، حيث إنّه يوجب الفساد حينئذ لا محالة ، لأنّ ما قصده من الأمر لا واقع له ، وما هو الواقع غير مقصود حسب الفرض.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

لكنّ البطلان من هذه الناحية خارج عن محلّ الكلام المتمحّض في البطلان من ناحية الزيادة من حيث هي زيادة ، لا بعنوان آخر ممّا قد يكون وقد لا يكون كما لا يخفى.

وثالثة : بأنّ مقتضى القاعدة هو الاشتغال لدى الشكّ في قادحية شي‌ء في صحّة العبادة. وفيه : أنّ المرجع هو أصالة البراءة في أمثال المقام كما عرفت آنفاً.

وعلى الجملة : فهذه الوجوه كلّها ساقطة ، والعمدة إنّما هي الروايات الواردة في المقام.

فمنها : صحيحة زرارة وبكير بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها ، واستقبل صلاته استقبالاً إذا كان قد استيقن يقيناً» (١) ، فانّ مورد الصحيحة هو السهو ، لمكان التعبير بالاستيقان ، وقد دلّت بمقتضى الإطلاق على وجوب الإعادة لكلّ زيادة. فإذا كان الحال كذلك في السهو ففي العمد بطريق أولى.

ويرد عليه أوّلاً : أنّ الرواية وإن رويت كذلك في الكافي والتهذيب (٢) عن زرارة وبكير ، وما في الوسائل من زيادة كلمة (ركعة) بعد قوله : «المكتوبة» اشتباه منه أو من النسّاخ ، لكنّها مروية في الكافي أيضاً في باب السهو في الركوع عن زرارة مشتملة على هذه الزيادة ، ورواها صاحب الوسائل عنه أيضاً مع هذه الزيادة (٣).

ومن المستبعد جدّاً أن تكونا روايتين مستقلّتين مع اتّحادهما سنداً (٤) ومتناً

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٤ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ١ ، الكافي ٣ : ٣٤٨ / ٣.

(٤) [لا يخفى أنّ الرواية المشتملة على كلمة (ركعة) رواها زرارة فقط].


.................................................................................................

______________________________________________________

بل من المطمأنّ به قوياً أنّهما رواية واحدة مردّدة بين المشتملة عليها وغير المشتملة ، فلم يعلم ما هو الصادر عن المعصوم (عليه السلام).

ومن الجائز أن يكون الصادر ما هو المشتمل على لفظ الركعة ، فلا تدلّ حينئذ على البطلان بزيادة ركن كالسجدتين فضلاً عن زيادة جزء غير ركني كالسجدة الواحدة أو التشهّد كما هو محلّ الكلام ، ومع هذا الاحتمال تسقط الصحيحة عن الاستدلال.

نعم ، يمكن أن يراد من الركعة خصوص الركوع ، لإطلاقها عليه كثيراً في لسان الأخبار (١). وكيف ما كان ، فلا تدلّ على البطلان في مطلق الركن فضلاً عن غيره.

وثانياً : سلّمنا أنّهما روايتان أو أنّ الصادر منه (عليه السلام) ما كان خالياً عن تلك الزيادة ، لكنّ الإطلاق غير مراد جزماً ، لتقييده بما دلّ على عدم الإعادة في زيادة غير الركن سهواً ، من حديث لا تعاد وغيره ، فيختصّ مورد الصحيحة بالأركان أو خصوص الركعة ، فلا دلالة فيها على الإعادة في الجزء غير الركني كي يستفاد منها حكم صورة العمد بالأولوية القطعية.

وما يقال من أنّ الصحيحة تدلّ على الإعادة في صورة السهو بالمطابقة ، وفي صورة العمد بالالتزام من باب الأولويّة القطعية كما ذكر ، فاذا سقطت الدلالة المطابقية في الجزء غير الركني من أجل حديث لا تعاد بقيت الدلالة الالتزامية بحالها ، فيستدلّ بها على البطلان في الزيادة العمدية.

مدفوع بما هو المحقّق في محلّه من تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في الوجود والحجّية ، فبعد سقوط الدلالة المطابقية لمكان التقييد كما عرفت لم يبق مجال للتمسك بالدلالة الالتزامية (٢).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٣ ، ٣١٩ / ب ١٤ ح ٣ وغيرهما.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٧٤ وما بعدها ، وأُشير إلى ذلك أيضاً في مصباح الأُصول ٣ : ٣٦٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : مورد الصحيحة إنّما هو الزيادة السهوية من أجل التعبير بالاستيقان ، فلا يمكن التعدّي إلى الزيادة العمدية التي هي محلّ الكلام. ودعوى الأولوية ساقطة كما عرفت.

ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن عبد الله بن محمّد عن أبي الحسن (عليه السلام) والظاهر أنّه الرضا (عليه السلام) «قال : الطواف المفروض إذا زدت عليه مثلُ الصلاة المفروضة إذا زدت عليها ، فعليك الإعادة ، وكذلك السعي» (١) فانّ التشبيه يقتضي المفروغية عن بطلان الصلاة بالزيادة العمدية التي هي منصرف الرواية أو مشمول لإطلاقها ، ولا ريب أنّ الزيادة المحكومة بالإعادة شاملة لمثل الجزء غير الركني بمقتضى الإطلاق.

أقول : أمّا من حيث السند فالرواية موثّقة وإن عبّر عنها بالخبر في كلام المحقّق الهمداني (٢) المشعر بالضعف ، فانّ عبد الله بن محمّد مردّد بين الحجّال والحضيني وكلاهما ثقة ، إذ الراوي عن أبي الحسن (عليه السلام) ممّن هو معروف وله كتاب منحصر فيهما.

وأمّا من حيث الدلالة فهي ضعيفة ، لقرب دعوى ظهورها بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع في الزيادة من ناحية العدد ، بأن يزيد في عدد الركعات كما يزيد في عدد الأشواط ، ولا نظر فيها إلى الزيادة من سائر الجهات كي تشمل مثل زيادة جزء غير ركني.

ويؤيّده أنّ الزيادة في الطواف مبطلة ولو سهواً ، فالأنسب بالتشبيه إرادة مثل هذه الزيادة في الصلاة ، أعني عدد الركعات التي تبطل حتّى سهواً ، دون غير الأركان من الأجزاء التي هي محلّ الكلام.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٦٦ / أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١١ ، التهذيب ٥ : ١٥١ / ٤٩٨.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٣٩ السطر ٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليه السلام) في حديث شرائع الدين «قال : والتقصير في ثمانية فراسخ وهو بريدان ، وإذا قصّرت أفطرت ، ومن لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته ، لأنّه قد زاد في فرض الله عزّ وجل» (١).

دلّ التعليل على أنّ مطلق الزيادة في فرض الله موجب للبطلان. نعم ، خرج عن ذلك من أتمّ في موضع التقصير جاهلاً بالحكم أو ببعض الخصوصيات وكذا من زاد غير الأركان سهواً بمقتضى حديث لا تعاد ، فيبقى الباقي وهو العالم بالحكم والناسي والعامد في زيادة جزء ولو غير ركني تحت الإطلاق.

لكن السند ضعيف جدّاً ، فانّ الصدوق رواها عن جمع من مشايخه ، ولم تثبت وثاقتهم. ومع الإغماض عن ذلك فالوسائط بينهم وبين الأعمش كلّهم ضعفاء أو مجاهيل ، فلا يمكن التعويل عليها بوجه.

ومنها : رواية زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) : «لا تقرأ في المكتوبة بشي‌ء من العزائم ، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» (٢). دلّ التعليل على أنّ مطلق الزيادة العمدية ومنها السجود الذي هو جزء غير ركني موجب للبطلان.

وقد يناقش في دلالتها كما عن الهمداني (٣) وغيره نظراً إلى أنّ عنوان الزيادة متقوّم بالإتيان بالزائد بقصد الجزئية ، إذ ليس مطلق الإتيان بشي‌ء أثناء الصلاة من دون قصد كونه منها زيادةً فيها كما هو واضح ، ومن المعلوم أنّ السجود المفروض في الرواية هو سجود التلاوة لا السجود الصلاتي ، ومعه كيف يتّصف بعنوان الزيادة.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٨ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٨ ، الخصال : ٦٠٤ / ٩.

(٢) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ١.

(٣) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٣٩ السطر ١٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويندفع بأنّ الأمر وإن كان كما ذكر ، فلا يتّصف شي‌ء بالزيادة إلّا مع قصد الجزئية إلّا أنّ تطبيق ذلك على سجود التلاوة كما تضمّنته الرواية مبنيّ على التعبّد ، ولا ضير في الالتزام بذلك ، فإنّ أمر التطبيق كالتشريع بيد الشارع ، وله التصرّف في مقام الانطباق كالجعل ، ولا يوجب ذلك قدحاً في النصّ ، فكأنه يرى أنّ للسجود خصوصية تستدعي خلوّ الصلاة عن زيادتها ولو زيادة صورية.

ومن هنا نتعدّى من السجود إلى الركوع بالأولوية القطعية وإن كان النصّ خاصاً بالأوّل ، فلا تجوز زيادة الركوع في الصلاة ولو بعنوان آخر كالتعظيم لله من غير قصد الركوع الصلاتي ، فإنّ زيادة السجود صورة لو كانت قادحة فالركوع الذي هو ركن بطريق أولى كما لا يخفى.

لكنّ الذي يهوّن الخطب أنّ الرواية ضعيفة السند وإن عبّر عنها الهمداني بالحسنة (١) وغيره بالمصحّحة ، فانّ في الطريق القاسم بن عروة ، ولم يوثق ، نعم وثّقه المفيد في بعض الكتب المطبوعة المنسوبة إليه (٢) ولكن لم يثبت انطباق المنسوب على المطبوع كما أوعزنا إليه في المعجم (٣).

بقي في المقام روايتان معتبرتان لا بأس بالاستدلال بهما على المطلوب :

إحداهما : صحيحة علي بن جعفر التي يرويها صاحب الوسائل عن كتابه وطريقه إليه صحيح وأمّا الطريق الآخر الذي يرويه عن قرب الإسناد فهو ضعيف من أجل عبد الله بن الحسن قال : «سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أيركع بها أو يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال : يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع ، وذلك زيادة في الفريضة ، ولا يعود يقرأ في الفريضة

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٣٩ السطر ١١.

(٢) المسائل الصاغانية (مصنّفات الشيخ المفيد ٣) : ٧١ ، ٧٢.

(٣) معجم رجال الحديث ١٥ : ٢٩ / ٩٥٤٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

بسجدة» (١).

حيث سأله (عليه السلام) عن أنّه هل يركع ويتمّ صلاته ويؤجل السجود للتلاوة لما بعد الصلاة ، أو أنّه يسجد فعلاً ثمّ يسترسل في صلاته فأجاب (عليه السلام) بأنّه لا هذا ولا ذاك ، بل يبادر إلى السجود ثمّ يستأنف الصلاة.

فإنّ قوله (عليه السلام) : «ثمّ يقوم فيقرأ ...» إلخ كناية عن البطلان ، أي يقرأ بالفاتحة بعد التكبيرة ، وإلّا فلا خلل في نفس الفاتحة كي تحتاج إلى الإعادة وعلّله (عليه السلام) بأنّ السجود زيادة في المكتوبة ، الظاهر في أنّ مطلق الزيادة العمدية وإن لم تكن ركنية مبطلة. والإشكال في تطبيق الزيادة على سجود التلاوة قد مرّ الجواب عنه آنفاً فلاحظ.

الثانية : موثّقة أبي بصير من أجل أبان ، وإلّا كانت صحيحة (٢) قال «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (٣) ، فإنّ إطلاقها يعمّ الزيادة العمدية ولو في غير الأركان.

وناقش فيها المحقّق الهمداني (قدس سره) بما محصّله : أنّ الزيادة السهوية خارجة عن موضوع هذا الحكم بمقتضى حديث لا تعاد وغيره ، وبما أنّ إرادة العمد خاصّة تستوجب الحمل على الفرد النادر ، لندرة اتّفاق الزيادة العمدية ممّن يتصدّى للامتثال ، فلتحمل على إرادة الزيادة في عدد الركعات أو الزيادة في الأركان ، وبذلك يتحفّظ على الإطلاق من حيث العمد والسهو ، فإنّ زيادة

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ٤ ، مسائل علي بن جعفر : ١٨٥ / ٣٦٦ ، قرب الإسناد : ٢٠٢ / ٧٧٦.

(٢) [لاحظ معجم رجال الحديث ١ : ١٤٣ / ٣٧ ، حيث لم يسلّم كونه غير إمامي ، بل صرّح بكونها صحيحة في ص ٤٨ من هذا المجلّد].

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢.


والنقيصة حتّى بالإخلال بحرف من القراءة أو الأذكار أو بحركة أو بالموالاة بين حروف كلمة أو كلمات آية أو بين بعض الأفعال مع بعض ، وكذا إذا فاتت الموالاة سهواً أو اضطراراً لسعال أو غيره ولم يتدارك بالتكرار متعمداً (١).

______________________________________________________

الركن أو الركعة توجب البطلان عمداً وسهواً ، فلا دلالة فيها على البطلان بزيادة الجزء غير الركني. ثمّ استقرب (قدس سره) إرادة الركعة لمؤيّدات تعرّض إليها (١).

وفيه : أنّ الأمر وإن كان كما ذكره (قدس سره) من عدم إمكان الحمل على خصوص العمد الذي هو فرد نادر ، إلّا أنّه يمكن التحفّظ على الإطلاق بوجه آخر بأن يقال : إنّ إطلاق الموثّق يشمل العمد والسهو ، والركعة وغيرها ، والجزء الركني وغيره ، خرجت عن ذلك بمقتضى حديث لا تعاد صورة واحدة وهي زيادة الجزء غير الركني سهواً ، فيبقى الباقي الشامل لزيادة غير الركن عمداً تحت الإطلاق.

فيكون مفاد الموثّق بعد ملاحظة التقييد المزبور بطلان الصلاة بزيادة الركن أو الركعة عمداً أو سهواً ، وكذا بزيادة غير الركن عمداً ، وبذلك يثبت المطلوب من الدلالة على البطلان بالزيادة العمدية ولو في غير الأركان ، فإنّ خروج تلك الصورة غير مانع عن انعقاد الإطلاق فيما عداها.

(١) إثبات البطلان بالإخلال العمدي في طرف النقيصة أهون منه في طرف الزيادة ، فإنّه مطابق للقاعدة من غير حاجة إلى ورود نصّ بالخصوص ، ضرورة أنّ الأمر المتعلّق بالمركّب لا يكاد يمتثل إلّا بالإتيان بتمام الأجزاء بالأسر ، فالإخلال بالبعض ولو يسيراً كنقص كلمة أو حرف بل حركةٍ إخلال بالكلّ وتركٌ للمركّب بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بين الأجزاء ، فهو بمثابة ترك الواجب رأساً

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٣٨ السطر ٢٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

الموجب للبطلان والإعادة.

ومن مصاديق ذلك الإخلال بالموالاة المعتبرة بين حروف كلمة أو كلمات آية ، أو بين بعض الأفعال مع بعض ، ولو كان ذلك سهواً أو اضطراراً لسعالٍ أو غيره ، فانّ مرجع ذلك إلى الإخلال بنفس الجزء ، فلو لم يتدارك بالتكرار عامداً كان ذلك من الترك العمدي الموجب للفساد ، هذا.

وربما يتوهّم الصحّة استناداً إلى حديث لا تعاد بدعوى شموله حتّى للنقص العمدي وإن كان آثماً حينئذ.

ويندفع بأنّا ولو سلّمنا إمكان التوفيق بين الجزئية وبين الصحّة لدى الترك العمدي ، وأنكرنا التنافي بينهما في مقام الثبوت ، لجواز الجمع بين الأمرين بالالتزام بالترتّب ، بأن يؤمر أوّلاً بمركّب ، وعلى تقدير العصيان وترك بعض الأجزاء يؤمر ثانياً بالمركّب من سائر الأجزاء ، نظير ما التزم به المشهور على ما نسب إليهم من صحّة صلاة الجاهل المقصّر إذا أجهر في موضع الإخفات أو بالعكس ، أو أتمّ في موضع القصر بالخطاب الترتّبي ، أو بوجه آخر مذكور في محلّه (١) مع عقابه على ترك الوظيفة الأوّلية ، لتقصيره فيها بحيث لا يمكن تداركها ، لفوات المحلّ وسقوط الفرض ، إذ يمكن الالتزام بمثل ذلك في صورة العمد أيضاً ، ولا مانع عنه ثبوتاً.

إلّا أنّ الدليل عليه مفقود هنا في مرحلة الإثبات ، لانصراف حديث لا تعاد عن صورة العمد جزماً ، فإنّه ناظر إلى من أتى بوظيفته حسب اعتقاده ثمّ بان الخلاف ، فلا يكاد يشمل العامد الذي يقطع بتركه وإخلاله بالوظيفة بالضرورة.

وإن شئت قلت : إنّ الحديث مسوق لنفي الإعادة فيما إذا حدث داع إليها بعد ما لم يكن ، فلا يشمل موارد وجوده من الأوّل ، ومنه تعرف عدم شموله للمتردّد.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ١٦٠ ، ١٧٨.


(٢٠٠٤) مسألة ٣ : إذا حصل الإخلال بزيادة أو نقصان جهلاً بالحكم فان كان بترك شرط ركن كالإخلال بالطهارة الحدثية ، أو بالقبلة بأن صلّى مستدبراً أو إلى اليمين أو اليسار ، أو بالوقت بأن صلّى قبل دخوله ، أو بنقصان ركعة أو ركوع أو غيرهما من الأجزاء الركنية ، أو بزيادة ركن بطلت الصلاة وإن كان الإخلال بسائر الشروط أو الأجزاء زيادة أو نقصاً فالأحوط الإلحاق بالعمد في البطلان ، لكن الأقوى إجراء حكم السهو عليه (*) (١).

______________________________________________________

(١) لا ريب في البطلان فيما إذا تعلّق ذلك بالأركان جزءاً أو شرطاً ، وأمّا فيما عدا الأركان فلا ريب في عدم البطلان فيما إذا كان الإخلال سهوياً ، فإنّه القدر المتيقّن من حديث لا تعاد.

إنّما الكلام في الإخلال بها جهلاً ، فقد وقع الخلاف حينئذ في الصحّة والبطلان ومنشؤه الخلاف في شمول حديث لا تعاد للجاهل وعدمه. فعن جماعة البطلان لاختصاص الحديث بالناسي.

وممّن أصرّ عليه شيخنا الأُستاذ (قدس سره) بدعوى أنّ الحديث ناظر إلى من هو مكلّف بالإعادة أو بعدمها ، وليس هو إلّا الناسي الذي سقط عنه الخطاب الأوّل من جهة النسيان ، وأمّا الجاهل فهو مكلّف بنفس الخطاب الأوّل ومأمور بامتثال ذاك التكليف ، لعدم سقوط التكليف الواقعي عنه وإن كان معذوراً في ظرف الجهل وغير معاقب على الترك. فنفس التكليف الأوّلي باقٍ على حاله بالإضافة إلى الجاهل ، وهو مأمور بامتثاله ، لا بالإعادة أو بعدمها.

__________________

(*) هذا في غير الجاهل المقصّر ، وفي غير المصلّي إلى غير القبلة وإن كانت صلاته إلى ما بين المشرق والمغرب.


.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يكاد يشمله الحديث (١).

ويندفع بأنّ التكليف الأوّلي كوجوب السورة مثلاً وإن كان متوجّهاً نحو الجاهل في ظرفه ، وكان مكلّفاً آن ذاك بامتثال ذاك الخطاب بحسب الواقع إلّا أنّه بعد ما تركه في المحلّ المقرّر له شرعاً والتفت إليه بعد تجاوز المحلّ كحال الركوع سقط ذاك التكليف وقتئذ لا محالة ، ولم يكن مكلّفاً عندئذ إلّا بالإعادة أو بعدمها.

فانّ الجزء المتروك إنّما يجب الإتيان به في محلّه الشرعي ، وأمّا بعد التجاوز عنه فلا يمكن تداركه إلّا بالإعادة. فليس هو مكلّفاً حينئذ إلّا بها ، والحديث قد تكفّل نفي الإعادة فيما عدا الأركان. فلا مانع من شموله له كالناسي ، لاشتراكهما في عدم التكليف إلّا بالإعادة أو بعدمها وإن افترقا في توجيه الخطاب الأوّلي في ظرفه نحو الجاهل دون الناسي ، لكن هذا الفرق غير فارق في مشموليتهما فعلاً للحديث بمناط واحد.

نعم ، يختصّ هذا بالجاهل القاصر الذي يكون معذوراً في الترك ، دون المقصّر وذلك لأنّ الظاهر من الحديث أنّه متعرّض لحكم من لولا التذكّر أو انكشاف الخلاف لم يكن مكلّفاً بشي‌ء ، فهو ناظر إلى ما إذا كانت الإعادة أو عدمها معلولاً للتذكّر أو الانكشاف ، بحيث لو استمرّ النسيان أو الجهل لم يتوجّه نحوه التكليف بالإعادة.

وهذا كما ترى خاصّ بالناسي أو الجاهل القاصر ، لوضوح أنّ المقصّر تجب عليه الإعادة بحكم العقل ، سواء انكشف له الخلاف أم لا ، لتنجّز التكليف الواقعي بالنسبة إليه ، وعدم الحصول على المؤمّن بعد أن كان مقصّراً غير معذور.

وعلى الجملة : فالمستفاد من الحديث أنّ مطلق المعذور في ترك جزء أو شرط

__________________

(١) كتاب الصلاة ٣ : ٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

غير ركني لا تجب عليه الإعادة ، سواء أكان ناسياً أو جاهلاً أو غيرهما.

نعم ، يستثني من ذلك صورة واحدة ، وهي الجاهل بالحكم في باب القبلة بأن كان جاهلاً باعتبار الاستقبال في الصلاة رأساً ، فإنّه تجب عليه الإعادة وإن انكشف أنّه صلّى ما بين المغرب والمشرق ، رعاية للجمع بين النصوص وأخذاً بإطلاق دليل اعتبار الاستقبال بعد ابتلاء المقيّد المتضمّن للتوسعة لما بين المشرق والمغرب بالمعارض ، ووضوح قصور حديث لا تعاد عن الشمول له كما تقدّم كلّ ذلك في أحكام الخلل من باب القبلة (١).

وكيف ما كان ، فلا نرى قصوراً في شمول الحديث للجاهل القاصر ، لصحّة توجيه الخطاب إليه بالإعادة أو بعدمها كالناسي ، فلو ترك السورة مثلاً لاعتقاده اجتهاداً أو تقليداً عدم وجوبها فركع ثمّ تبدّل رأيه حال الركوع ، أو أُخبر حينئذ بموت مقلّده فقلّد من يرى الوجوب ، فإنّه لا سبيل له إلى تدارك السورة حينئذ لتجاوز المحلّ ، فالتكليف بها ساقط جزماً ، ويتوجّه إليه تكليف آخر بالإعادة أو بعدمها ، ومقتضى حديث لا تعاد عدم الإعادة.

وقد عرفت أنّ المقصّر غير مشمول له ، لكون الحديث متكفّلاً لحكم من لم يكن محكوماً بالإعادة في طبعه لو لم ينكشف الخلاف ، والمقصّر محكوم بها وإن لم ينكشف.

والظاهر أنّ مراد الماتن (قدس سره) من الجاهل بالحكم الذي ألحقه بالناسي هو القاصر ، وأمّا المقصّر فلا يظنّ به ذلك ، لما عرفت من قصور الحديث في نفسه عن الشمول له ، مضافاً إلى استفاضة نقل الإجماع على إلحاقه بالعامد.

ثمّ إنّا أشرنا إلى أنّ هذه المسألة أعني إلحاق الجاهل القاصر بالناسي وشمول الحديث لهما أو عدم الإلحاق واختصاصه بالثاني خلافية ، فقد نسب إلى

__________________

(١) شرح العروة ١٢ : ٤٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

المشهور عدم الإلحاق ، بل أصرّ عليه شيخنا الأُستاذ (قدس سره) ، واختار جمع آخرون منهم السيّد الماتن (قدس سره) الإلحاق ، وهو الأقوى. وغير خفيّ أنّ ثمرة هذه المسألة مهمّة جدّاً ، فإنّها كثيرة الابتلاء والدوران.

منها : موارد تبدّل رأي المجتهد وعدوله عن فتواه فيما عدا الأركان ، بأن رأى وجوب شي‌ء جزءاً أو شرطاً ولم يكن بانياً عليه سابقاً ، فانّ الاجتزاء بالأعمال السابقة في حقّه وحقّ مقلّديه الفاقدة لما يرى اعتباره فعلاً مستنداً إلى جهله القصوري ، لكونه معذوراً في اجتهاده أو اجتهاد مقلّده ، مبنيّ على هذه الكبرى أعني شمول قاعدة لا تعاد للجاهل القاصر ، فتصحّ بناءً على الشمول ، وإلّا وجبت إعادة جميع تلك الصلوات ، بناءً على ما هو المقرّر في محلّه (١) من عدم إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي لدى انكشاف الخلاف ، والإجماع على الإجزاء منقول لا أثر له. فمقتضى القاعدة هو البطلان مع الغض عن حديث لا تعاد.

ومنها : ما لو قلّد شخصاً لم ير وجوب جزء غير ركني فمات ثمّ قلّد شخصاً آخر يرى وجوبه ، فإنّ الإعادة وعدمها مبنيّة أيضاً على شمول الحديث للجاهل المعذور. ومنها : غير ذلك كما لا يخفى.

فحيث إنّ ثمرة المسألة مهمّة فينبغي عطف عنان الكلام حول تحقيق هذه المسألة ، وأنّ حديث لا تعاد هل يشمل الجاهل القاصر أو يختصّ بالناسي كما عليه المشهور ، بعد وضوح عدم شموله للمتعمّد غير المبالي بالدين والجاهل المقصّر ولو لم يكن ملتفتاً حين العمل وتمشّى منه قصد القربة كما تقدّمت الإشارة إليه ، وسيأتي مزيد توضيح له إن شاء الله تعالى ، فنقول :

قد استدلّ للمشهور بوجوه :

أحدها : ما تقدّمت الإشارة إليه من شيخنا الأُستاذ (قدس سره) وحاصله :

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٢٥٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

أنّ المستفاد من الحديث أنّه في مقام بيان حكم من يصحّ الحكم عليه بالإعادة أو بعدمها. وهذا إنّما يتصوّر فيما إذا لم يكن مكلّفاً بأصل الفعل حتّى يتمحض الخطاب المتوجّه إليه بالإعادة ، وليس ذاك إلّا الناسي ، حيث إنّه من أجل عجزه وعدم قدرته يستحيل تكليفه بأصل الصلاة المشتملة على الجزء المنسي.

فالتكليف الواقعي ساقط عنه ، لامتناع توجيه الخطاب نحو الناسي بما هو كذلك ، فلا يحكم في حقّه إلّا بالإعادة أو بعدمها ، لا بنفس العمل ، فيشمله الحديث الذي هو متعرّض لبيان حكم من يصحّ تكليفه بالإعادة أو بعدمها كما عرفت.

وأمّا الجاهل فهو محكوم بنفس العمل ومكلّف بأصل الصلاة ، لعدم سقوط الحكم الواقعي في ظرف الجهل كما هو ساقط في ظرف النسيان ، غايته أنّه غير منجّز في حقّه والعقاب موضوع عنه ، وأمّا الحكم الواقعي فهو باقٍ على حاله فهو مكلّف بنفس الصلاة لا بالإعادة ، ولأجله كان الحديث منصرفاً عنه.

والمناقشة فيما ذكره (قدس سره) واضحة.

أمّا أوّلاً : فلأنّ الجاهل أيضاً ربما يمتنع تكليفه بشي‌ء كما في القاطع المعتقد للخلاف على نحو الجهل المركّب ، فإنّه يستحيل تعلّق التكليف الواقعي بالإضافة إليه كالناسي ، لامتناع تكليف القاطع على خلاف قطعه ، فلو ترك جزءاً قاطعاً بعدم وجوبه ثمّ تبدّل رأيه وانكشف له الخلاف إمّا بعد الصلاة أو أثناءها بعد تجاوز المحلّ فهو غير مكلّف حينئذ إلّا بالإعادة أو بعدمها كما في الناسي ، فيشمله حديث لا تعاد قطعاً ، فاذا شمل الحديث مثل هذا الجاهل شمل غيره أيضاً بعدم القول بالفصل.

وثانياً : أنّ ما ذكره (قدس سره) من اختصاص الحديث بمن لا يكون مكلّفاً بالعمل ووروده في موضوع الإعادة خاصّة ممنوع جدّاً ، فانّ الحديث متكفّل


.................................................................................................

______________________________________________________

لبيان حكم الإعادة وعدمها وأنّه متى يعيد ومتى لا يعيد ، وأمّا أنّه قبل ذلك وحين وقوع العمل خارجاً كان مكلّفاً أم لا فالحديث ساكت من هذه الجهة ولا نظر فيه إلى ذلك أبداً ، بل لا إشعار فيه فضلاً عن الدلالة على عدم كونه مكلّفاً بالعمل في ظرفه.

فالجاهل القاصر الملتفت كان مكلّفاً حين القراءة مثلاً بالسورة ، لكنّه حينما ركع سقط عنه التكليف لتجاوز المحلّ ، فيقال له عندئذ أعد أو لا تعد ، فهو فعلاً مكلّف إمّا بالإعادة أو بعدمها وإن كان سابقاً مكلّفاً بنفس العمل ، لكنّه لا أثر له بعد سقوطه وتبدّله بالتكليف بالإعادة. فدعوى الاختصاص بما إذا لم يكن مكلّفاً بالواقع في ظرفه ساقطة جزماً ، والحديث غير قاصر الشمول له ولغيره قطعاً.

الوجه الثاني : ما قد يدّعى من أنّ الحديث لا إطلاق له كي يشمل الجاهل لعدم كونه في مقام البيان إلّا من ناحية الأركان أعني الخمسة المستثناة فهو مسوق لبيان أهميّة هذه الأُمور وأنّ الصلاة تعاد من أجلها ، وأمّا ما عدا الأركان أعني عقد المستثنى منه فليس الحديث في مقام بيان حكمها وأنّها لا تعاد مطلقاً أو في الجملة كي ينعقد له الإطلاق ، والمتيقّن منه صورة النسيان ، كما أنّ العمد غير داخل قطعاً ، وأمّا الجهل فمشكوك الدخول ، فلا مجال للتمسّك بالإطلاق بالإضافة إليه ، ويؤيّد ذلك بالإجماع المستفيض على إلحاق الجاهل بالعامد.

وفيه : أنّ هذه الدعوى أوضح فساداً من سابقتها ، ضرورة أنّ حكم الأركان إنّما استفيد من مفهوم الاستثناء ، والذي عقد له الكلام إنّما هو عدم الإعادة فيما عدا الخمسة ، إذ النظر الاستقلالي متعلّق ابتداءً نحو عقد المستثنى منه ، ومعه كيف يمكن القول بعدم كونه في مقام البيان إلّا من ناحية الأركان.

نعم ، يمكن دعوى العكس ، بأن يمنع عن الإطلاق في الخمسة ، وأنّ الحديث


.................................................................................................

______________________________________________________

لا يدلّ إلّا على الإعادة فيها في الجملة وبنحو الموجبة الجزئية ، قبال غير الأركان فانّ لهذه الدعوى مجالاً وإن كانت ساقطة أيضاً كما لا يخفى ، وأمّا نفي كونه في مقام البيان لما عدا الأركان مع أنّه المقصود الأصلي الذي سيق من أجله الكلام فهو في حيّز المنع جدّاً ، ولا ينبغي الإصغاء إليه ، بل قد عرفت أنّ إطلاق الحديث شامل لصورة العمد أيضاً لولا الانصراف المانع عن الالتزام به.

وعلى الجملة : فلا مجال لإنكار الدلالة على الإطلاق الشامل لحالتي الجهل والسهو ، والمنع عن ذلك في غير محلّه.

وأمّا الإجماع المدعى على إلحاق الجاهل بالعامد فجعله مؤيّداً فضلاً عن الاستدلال به كما عن بعض غريب جدّاً ، فانّ مورد الإجماع الذي ادّعاه السيد الرضي وأقرّه عليه أخوه الأجلّ علم الهدى على ما حكاه شيخنا الأنصاري (١) إنّما هو الجاهل المقصّر ، ولذا استثنوا منه الجهر والإخفات والقصر والإتمام فوقعوا في كيفية الجمع بين الصحّة والعقاب في حيص وبيص ، وذهبوا في التفصّي عن الإشكال يميناً وشمالاً.

وأمّا القاصر فلم يقم في مورده إجماع قطعاً ، ولم تثبت دعواه من أحد. فلو كان ثمّة إجماع فمورده المقصّر فقط ، وكلامنا فعلاً في الجاهل القاصر.

الوجه الثالث : ما قد يقال من أنّ الحديث معارض بأدلّة الأجزاء والشرائط مثل قوله (عليه السلام) : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٢) أو لمن لم يقم صلبه (٣)

__________________

(١) فرائد الأُصول ١ : ٧١ ، ٢ : ٥٠٨.

(٢) المستدرك ٤ : ١٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٥ [ولا يخفى أنّ هذه الرواية مرسلة ، ولعلّ المقصود مضمونها الوارد في صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة في الوسائل ٦ : ٣٧ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ١].

(٣) الوسائل ٥ : ٤٨٨ / أبواب القيام ب ٢ ح ١ ، ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

ونحو ذلك ، فإنّ إطلاق هذه الأدلّة شامل للعامد والناسي والجاهل ، كإطلاق الحديث ، خرج العامد عن الأخير بالإجماع وغيره ، كما أنّ الناسي خرج عن تلك الأدلّة ، لكونه المتيقّن من مورد الحديث ، فيبقى الجاهل بالحكم مشمولاً لكلا الإطلاقين ، فلا تجب عليه الإعادة بمقتضى الحديث ، وتجب بمقتضى دليل الجزئية لانتفاء المركّب بانتفاء جزئه.

فاذا كانت المعارضة بين الدليلين بالإطلاق سقط الإطلاقان لا محالة ، وحيث لم يثبت الاجتزاء بهذا العمل الناقص فالمرجع حينئذ قاعدة الاشتغال المقتضية لوجوب الإعادة ، بل ربما يرجّح إطلاق تلك الأدلّة من أجل الشهرة القائمة على اختصاص الحديث بالناسي.

وفيه أوّلاً : أنّ حديث لا تعاد لكونه ناظراً إلى أدلّة الأجزاء والشرائط فهو حاكم عليها لا أنّه معارض لها ، ولا شكّ في أنّ إطلاق الدليل الحاكم مقدّم على إطلاق الدليل المحكوم ، فاذا سلّم شمول إطلاق الحديث للجاهل فلا بدّ أن يسلّم تقدّمه على الأدلّة الأوّلية ، ولا تصل النوبة إلى ملاحظة النسبة بينهما أو إعمال قواعد الترجيح كما لا يخفى.

وثانياً : سلّمنا المعارضة وأغضينا النظر عن الحكومة لكن الترجيح بالشهرة ممّا لا مسرح له في المقام ، فإنّ الشهرة المعدودة من المرجّحات في باب التعارض على القول بها إنّما هي الشهرة الروائية بحيث يعدّ ما يقابلها من الشاذّ النادر ، وأمّا الشهرة الفتوائية كما في المقام فليست هي من المرجّحات قطعاً كما أشرنا إليه في الأُصول في بحث التعادل والتراجيح (١).

فغاية ما هناك تعارض الإطلاقين وتساقطهما ، والمرجع حينئذ أصالة البراءة دون الاشتغال ، للشكّ في اعتبار الجزئية في ظرف الجهل ، فانّ المتيقّن اعتبارها

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٤١٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

في ظرف العلم وعدم اعتبارها لدى النسيان ، وأمّا الاعتبار حالة الجهل القصوري فمشكوك حسب الفرض ، ومقتضى الأصل البراءة عن اعتبار الجزئية في هذه الحالة.

وقد أشرنا في مباحث القطع من الأُصول وفي مطاوي بعض الأبحاث الفقهية إلى أنّه لا مانع من اختصاص الحكم بحال العلم به لا ثبوتاً ولا إثباتاً ، لإمكان ذلك ولو بتعدّد الدليل (١) وقد ثبت نظيره في باب الجهر والإخفات ، لقوله (عليه السلام) في صحيح زرارة : «... فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه ، وقد تمّت صلاته» (٢) وأشرنا في مبحث القراءة (٣) عند التعرّض للرواية إلى أنّ ظاهر التمامية مطابقة المأتي به للمأمور به وعدم نقص فيه الملازم لعدم اعتبار الجزئية في حال الجهل.

فمن الجائز أن يكون المقام من هذا القبيل ، فلا تكون الجزئية ولا الشرطية معتبرة لما عدا الأركان في ظرف الجهل ، كالنسيان ، ومع الشك في ذلك كان المرجع أصالة البراءة دون الاشتغال كما عرفت.

الوجه الرابع : ما قيل من أنّ الحديث في نفسه وإن شمل مطلق المعذور حتّى الجاهل بالتقريب المتقدّم ، إلّا أنّ النصّ الخاصّ دلّ على الإعادة في خصوص الجاهل ، فيكون ذلك مخصصاً للقاعدة ومقيّداً لها بالناسي ، ويتمسّك في ذلك بروايتين :

إحداهما : صحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) : «إنّ الله تبارك وتعالى فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنّة ، فمن ترك القراءة متعمّداً أعاد الصلاة

__________________

(١) [لاحظ مصباح الأُصول ٢ : ٤٤ ، ٥٩ ، فإنه ذكر خلافه].

(٢) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١.

(٣) [لم نعثر على ذلك ، لاحظ شرح العروة ١٤ : ٣٩١ ٣٩٢]


.................................................................................................

______________________________________________________

ومن نسي فلا شي‌ء عليه» (١).

دلّت على افتراق الفريضة عن السنّة ، وأنّ ترك الاولى يوجب البطلان مطلقاً وأمّا الثانية التي منها القراءة فإنّما يوجب تركها البطلان في صورة العمد دون النسيان ، ولا شكّ أنّ الجاهل متعمّد ، لكونه مستنداً في تركه إلى العمد والقصد وإن كان معذوراً فيه من أجل الجهل ، فهو مندرج في العامد دون الناسي الذي لا قصد له. فجعل المقابلة بين العامد والناسي ووضوح اندراج الجاهل في الأوّل كاشف عن وجوب الإعادة عليه أيضاً ، واختصاص عدمها بالناسي.

الثانية : صحيحة منصور بن حازم قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنِّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها ، فقال : أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قلت : بلى ، قال : قد تمّت صلاتك إذا كان نسياناً» وفي نسخة «إذا كنت ناسياً» (٢). دلّت بمقتضى مفهوم الشرط على عدم الصحّة فيما عدا صورة النسيان ، هذا.

ولكنّ الظاهر أنّ الروايتين لا تدلان على ذلك.

أمّا صحيح زرارة : فلأنّ من الواضح أنّ ترك القراءة عن جهل بالحكم لعلّه لا يتّفق خارجاً ، إذ كلّ من يلتفت إلى وجوب الصلاة فهو يعلم بوجوب القراءة لا محالة ، فالتفكيك إمّا لا يتحقّق أو نادر التحقّق جدّاً كما لا يخفى.

فكيف يمكن أن يراد بالعامد في المقام ما يشمل الجاهل ، بل الظاهر أنّ المراد به من لا يكون معذوراً ، كما أنّ المراد بالناسي من كان تركه مستنداً إلى العذر من نسيان ونحوه ، وغرضه (عليه السلام) أنّ غير المعذور يعيد والمعذور لا يعيد ، فانّ للعمد إطلاقين.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٨٧ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٩٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٩ ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : ما يقابل النسيان ، ومعناه القصد ، وهو بهذا المعنى يشمل الجاهل فإنّه أيضاً قاصد وإن استند قصده إلى الجهل.

ثانيهما : ما يقابل الخطأ والعذر ، وهذا أيضاً شائع في الاستعمال ، كما يقال القتل العمدي ، في قبال الخطأي ، وهو بهذا المعنى غير صادق على الجاهل بالحكم ، فإنّه مخطئ في عمله إمّا بنفسه أو بمقلّده.

فاذا فعل أو ترك شيئاً جهلاً لم يصدر ذاك عنه عمداً ، بل هو مخطئ في ذلك كما لو تخيّل الجاهل أنّ هذا المائع ملكه فشربه ثمّ تبيّن أنّه لغيره ، فانّ الشرب وإن صدر عنه عن قصد لكن لا بعنوان أنّه ملك للغير ، بل بحسبان أنّه ملك له ، أو اعتمد في ذلك على أصل عملي كأصالة الإباحة مثلاً. وكيف ما كان فهو مخطئ في التطبيق ، معذور في الشرب ، وليس بعامد. فالعمد بهذا المعنى غير متحقّق في الجاهل.

وعليه فلم يعلم المراد من العمد في الصحيحة وأنّه بمعنى القصد في مقابل النسيان كي يشمل الجاهل ، أو المراد به ما يقابل الخطأ كي لا يشمل. وكلا الأمرين محتمل في نفسه ، ولكن الثاني أظهر ، لما عرفت من أنّ ترك القراءة جهلاً ربما لا يتّفق خارجاً ، فمراده (عليه السلام) التفصيل بين المعذور وغيره وأنّ المعذور لا يعيد صلاته ، وإنّما خصّ النسيان بالذِّكر من أجل أنّه أكثر أفراد العذر وأظهرها.

ويؤيّد ذلك أنّ عدم الإعادة ثابت في غير موارد النسيان جزماً ، كما لو أخطأ فتخيّل أنّ الركعة التي بيده هي الثالثة فاختار التسبيح ثمّ تبيّن في الركوع أنّها الثانية ، أو دخل في الجماعة معتقداً أنّ الإمام في الركعة الأُولى أو الثانية فلم يقرأ ثمّ استبان أنّه كان في الثالثة ، فإنّه لا تجب عليه الإعادة في هذه الموارد ونحوها قطعاً ، مع أنّه تارك للقراءة عمداً ، أي عن قصد.


.................................................................................................

______________________________________________________

فيكشف ذلك عمّا ذكرناه من أنّ المراد من العمد ما يقابل العذر لا ما يقابل النسيان ، وأنّ المقابلة بينهما في النصّ من أجل أنّ النسيان هو الفرد البارز من العذر ، لا لخصوصية فيه ، وإلّا فالجهل بالقراءة لا يكاد يتحقّق أبداً كما عرفت.

والحاصل : أنّ الاستدلال بالصحيحة على ثبوت الإعادة للجاهل يتوقّف على إثبات أنّ المراد من المتعمّد هو القاصد ، كي يشمل الجاهل ، ولكنّه لم يثبت بل هو بعيد في نفسه ، فإنّ أكثر استعمال العمد في مقابل الخطأ ، لا بمعنى مجرّد القصد كما لا يخفى. فالصحيحة في نفسها غير ظاهرة في ذلك ، ولا أقلّ من الشكّ وإجمال المراد من العمد ، فتسقط عن الاستدلال ، فلا تصلح لتخصيص الحديث.

وأمّا صحيحة منصور : فالأمر فيها أوضح ، إذ لا مفهوم لها أبداً ، فانّ القضية شخصية ، والشرط مسوق لبيان تحقّق الموضوع الذي فرضه السائل وحاصل الجواب : أنّ الأمر إن كان كما ذكرت من فرض كونك ناسياً في مقابل العامد فقد تمّت صلاتك ، ولا إعادة عليك في هذا التقدير.

ولا دلالة فيها بوجه على أنّ كلّ من لم يكن ناسياً وإن كان معذوراً كالجاهل تجب عليه الإعادة ، لابتنائها على انعقاد المفهوم ، ولا مفهوم لها بعد كون القيد مسوقاً لبيان الأمر المتقدّم في كلام السائل ، ولتحقيق الموضوع الذي فرضه الراوي كما عرفت. وعليه فإطلاق لا تعاد الشامل للجاهل حسب الفرض سليم عمّا يصلح للتقييد.

وملخّص الكلام حول حديث لا تعاد : أنّا قد ذكرنا غير مرّة أنّ الأمر بالإعادة الوارد في غير واحد من الأخبار لدى الإخلال بشي‌ء وجوداً أو عدماً ليس أمراً نفسياً ، وإنّما هو إرشاد إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية ، إيعازاً إلى أنّ في العمل المأتي به خللاً ونقصاً يجب تداركه بالاستئناف. ففي مثل قوله


.................................................................................................

______________________________________________________

(عليه السلام) : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (١) يفهم مانعية الزيادة وأنّها معتبرة عدماً ، وهكذا في سائر الموارد المتضمّنة للأمر بالإعادة.

وبمقتضى المقابلة يدل نفي الإعادة الوارد في مثل حديث لا تعاد على صحّة العمل وإن كان فاقداً لما عدا الخمسة ، وأنّ الجزئية أو الشرطية أو المانعية في غير الأركان لم تكن مجعولة على سبيل الإطلاق وإنّما هي مختصّة بحال دون حال.

ولا إشكال في عدم ثبوت الجزئية وأخويها في حال السهو ، فإنّها القدر المتيقّن من الحديث الذي هو حاكم على جميع الأدلّة الأولية ، ولذا يعبِّرون عنها بأنّها أجزاء أو شرائط ذكرية. فلا يحكم بالبطلان لدى الإخلال السهوي جزماً.

إنّما الكلام في أنّ الحديث كما يشمل السهو هل يشمل الجهل أيضاً أو لا وقد عرفت أنّه لا مانع من الشمول للجاهل القاصر ، لعدم قصور في الإطلاق بالإضافة إليه ، فمن أتى بالوظيفة وهو يرى أنّه أتى بها على ما هي عليه ثمّ انكشف له النقص لا تجب عليه الإعادة ، كما عرفت أنّ الحديث في نفسه قاصر الشمول بالنسبة إلى العامد ، بل لعلّه مناف لدليل الجزئية كما مرّ.

وأمّا الجاهل المقصّر فان كان ملتفتاً حين العمل فهو أيضاً غير مشمول لأنّ الظاهر من الحديث أنّه ناظر إلى ما إذا كانت الإعادة معلولة للتذكّر أو انكشاف الخلاف ، بحيث لم تكن ثمّة حاجة إليها لولاهما ، ومن المعلوم أنّ المقصر الملتفت محكوم بالإعادة مطلقاً ، سواء انكشف لديه الخلاف أم لا ، إذ لا يصحّ له الاجتزاء بعمله بعد أن كان الواقع منجّزاً عليه ولم يكن جهله معذّراً له ، فلا أثر لانكشاف الخلاف بالإضافة إليه. فالحديث قاصر الشمول بالنسبة إليه في حدّ نفسه ، لعدم كونه متكفّلاً لبيان من عمله محكوم بالبطلان من الأوّل كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا غير الملتفت الذي تمشّى منه قصد القربة معتقداً صحّة عمله فهو في نفسه لا مانع من شمول الحديث له ، إذ هو بحيث لو لم ينكشف له الخلاف لم يكن محكوماً بالإعادة لاعتقاده صحّة العمل حسب الفرض ، والواقع وإن كان منجّزاً عليه من أجل تقصيره في جهله إلّا أنّ الحديث الحاكم على الأدلّة الأوّلية متكفّل لنفي الإعادة وصحّة العمل ، فلا قصور في شموله لمثله في حدّ نفسه. إلّا أنّه لا يمكن الالتزام بذلك لوجهين :

أحدهما : الإجماع القطعي القائم على إلحاق المقصّر بالعامد ، المؤيّد بما ورد من أنّه يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له : «هلّا عملت ، فيقول : ما علمت ، فيقال : هلّا تعلمت» (١). فهو ملحق بالعامد بالإجماع والنصّ.

ثانيهما : أنّه قد ورد الأمر بالإعادة لدى الإخلال بشي‌ء وجوداً أو عدماً في غير واحد من الأخبار ، مثل قوله (عليه السلام) (٢) : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» ونحو ذلك ممّا يستكشف منه الجزئية أو الشرطية أو المانعية كما مرّ وهي كثيرة واردة في أبواب التشهّد (٣) والقراءة (٤) والموانع (٥) وغيرها ، فلو كان الحديث شاملاً للمقصّر أيضاً كالقاصر فأيّ مورد يبقى بعدئذ لهذه الأخبار.

__________________

(١) [وهو مضمون ما رواه المفيد في أماليه : ٢٢٧ / ٦ عن مسعدة ، قال : «سمعت جعفر ابن محمّد (عليهما السلام) وقد سئل عن قوله تعالى (فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) فقال : إنّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : عبدي أكنت عالماً؟ فإن قال : نعم ، قال له : أفلا عملت بما علمت. وإن قال : كنت جاهلاً ، قال له : أفلا تعلّمت حتّى تعمل ، فيخصمه وذلك الحجّة البالغة». وكذا نقله في البحار ٢ : ٢٩ عن الأمالي].

(٢) المتقدّم آنفاً.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠٣ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٧ ، ٨ وغيرهما.

(٤) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١ ، ٨٧ / ب ٢٧ ح ١ وغيرهما.

(٥) الوسائل ٧ : ٢٣٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٦ ، ٧ وغيرهما.


.................................................................................................

______________________________________________________

أجل يبقى مورد العمد وما يلحق به من المقصّر الملتفت ، لكنّه نادر جدّاً ، بل لعلّ صورة العمد لم تتحقّق أبداً أو في غاية الندرة ، فإنّ ما يقع في الخارج من الإخلال مستند غالباً إلى الجهل ، كما أنّ الغالب فيه ما يكون عن تقصير ومن غير التفات من أجل عدم الفحص ، فلو كان المقصّر أيضاً مشمولاً للحديث لزم حمل هذه الأخبار على كثرتها على الفرد النادر ، وهو كما ترى. فبهذه القرينة والقرينة السابقة نلتزم بعدم الشمول ، وإن كان الحديث في نفسه غير قاصر الشمول كما عرفت.

نعم ، يستثني من ذلك موردان يحكم فيهما بالصحّة وإن كان الجاهل مقصّراً تعرّضنا لهما في الأُصول في باب الاشتغال (١) وهما الجهر والإخفات والقصر والإتمام ، فقد التزم الفقهاء فيهما بالصحّة من أجل النصّ الخاصّ (٢) لا لحديث لا تعاد كما التزموا بالعقاب أيضاً إمّا بدعوى الأمر بهما على نحو من الترتّب غير الترتّب الاصطلاحي ، أو بدعوى قيام المصلحة الكاملة بصلاة القصر أو الجهر مثلاً والمصلحة الناقصة بالإخفات أو الإتمام كما التزم به في الكفاية (٣).

وقد ذكرنا في محلّه عدم الدليل على شي‌ء من الدعويين ، بل الوجه في الصحّة لدى الجهل على ما يستفاد من النصّ المتضمّن لها كون العلم جزءاً من الموضوع فلو لم يفحص المكلّف ولو باختياره لا حاجة إلى الإعادة ، لأنّ الموضوع هو العالم بالحكم ، ولا مانع من أخذ العلم بالحكم جزءاً لموضوع نفسه ولو بدليل آخر كما بيّناه في الأُصول (٤). وأمّا العقاب فلم يثبت ، إذ لم يقم عليه إجماع.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٥٠٦.

(٢) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١ ، ٨ : ٥٠٦ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٤ وغيره.

(٣) كفاية الأُصول : ٣٧٨.

(٤) [لاحظ مصباح الأُصول ٢ : ٤٤ ، ٥٩ ، فإنه ذكر خلافه].


[٢٠٠٥] مسألة ٤ : لا فرق في البطلان بالزيادة العمدية بين أن يكون في ابتداء النيّة أو في الأثناء ، ولا بين الفعل والقول ، ولا بين الموافق لأجزاء الصلاة والمخالف لها (١)

______________________________________________________

وعلى الجملة : نلتزم بالصحّة في هذين الموردين لأجل النصّ وإن كان فاقداً لجزء أو شرط ، ولو دلّ النصّ على مورد آخر فكذلك ، إذ لا مانع ثبوتاً من أخذ العلم بالحكم جزءاً من الموضوع ، والمفروض قيام الدليل عليه إثباتاً. وقد عرفت عدم الدليل على العقاب وإن كان الجاهل مقصّراً ، نعم ينصرف النصّ إلى من يرى صحّة عمله ، فلا يشمل المتردّد كما لا يخفى.

وكيف ما كان ، فالكبرى الكلّية المستفادة من حديث لا تعاد هي اختصاص الجزئية وأخويها بغير السهو وبغير الجهل العذري ، فإن قام دليل في مورد على الإعادة حتّى في الناسي أو الجاهل يعتمد عليه ، مثل ما ورد في من كبّر جالساً ناسياً من أنّه يعيد (١) ولذا قالوا : إنّ القيام حال التكبير ركن. ومثل ما ورد من البطلان في من صلّى في النجس ناسياً (٢). فكلّما ورد نصّ على خلاف هذه الكبرى يؤخذ به ويلتزم بالتخصيص ، وإلّا كانت الكبرى هي المتّبع.

والمتحصّل : أنّ الإخلال بما عدا الأركان نسياناً أو جهلاً قصورياً محكوم بالصحّة. ومنه تعرف حكم تبدّل الرأي والعدول ، فلا حاجة إلى الإعادة لو تعلّق بغير الأركان كما مرّ. وقد عرفت أنّ الظاهر أنّ مراد الماتن (قدس سره) من الجاهل إنّما هو القاصر دون المقصّر.

(١) بعد الفراغ عن بطلان الصلاة بالزيادة العمدية يقع الكلام في أنّه هل

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٥٠٣ / أبواب القيام ب ١٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٧٩ / أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

يعتبر في الزائد أن يكون من جنس المزيد عليه ومسانخاً للأجزاء الصلاتية أو لا ، بل تصدق الزيادة حتّى على ما يخالف الأجزاء ويباينها إذا أتى بالزائد بعنوان أنّه من الصلاة. ذهب بعضهم إلى الأوّل ، والمشهور الثاني ، وهو الأقوى.

ويستدلّ للاعتبار بأنّ صدق مفهوم الزيادة متقوّم بالموافقة والاتّحاد في الجنس بين الزائد والمزيد عليه ، فلو أمر المولى بطبخ طعام ، أو تركيب معجون أو بناء عمارة ، أو صنع سرير ونحو ذلك من المركّبات المؤلّفة من عدّة أجزاء فلا تتحقّق الزيادة على المأمور به إلّا إذا زاد عليه ممّا يسانخ أجزاءه ويوافقها في الجنس ، كما لو أمره ببناء عمارة ذات أربع غرف فبنى خمساً ، أو صنع سرير طوله متران فزاد عليه بنصف متر مثلاً ، أو طبخ طعام خال عن الملح فأدخله فيه ، وهكذا.

وأمّا لو زاد فيه من غير الجنس كما لو قرأ سورة من القرآن حين البناء ولو بقصد كونها منه فانّ ذلك لا يعدّ زيادة في المأمور به ، لمباينتها مع أجزائه وعدم كون السورة من جنسها. وعليه فلا يعدّ شي‌ء زيادة في الصلاة إلّا إذا كان الزائد من جنس الأجزاء الصلاتية ، دون المخالف لها وإن جي‌ء به بقصد كونه من الصلاة.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّه خلط بين المركّبات الخارجية والمركّبات الاعتبارية فإنّ المركّب الخارجي أمر تكويني مؤلّف من أجزاء محسوسة خارجية غير منوطة بالاعتبار والقصد ، فلا يتّصف شي‌ء بعنوان الزيادة بمجرّد قصد كونه منه ما لم يكن من جنس المزيد عليه.

وهذا بخلاف المركّب الاعتباري ، فانّ الوحدة الملحوظة بين أجزائه متقوّمة بالاعتبار والقصد ، كيف وربما تكون الأجزاء غير مرتبطة بعضها ببعض وأجنبية بعضها عن الآخر لكونه مؤلّفاً من ماهيات متشتّتة ومقولات متباينة كالصلاة فالحافظ للوحدة والمحقّق للتركيب ليس إلّا الاعتبار والقصد.


ولا بين قصد الوجوب بها والندب (*) (١).

______________________________________________________

وعليه فقصد كون شي‌ء منه سواء أكان من جنس الأجزاء أم لا يوجب جزئيته للمأمور به ، فيكون زيادة فيه بطبيعة الحال. فلا يناط الصدق بالاتّحاد في السنخ في باب الاعتباريات التي يدور التركيب مدارها ، ولا واقع له وراءها بل مجرّد الإتيان بشي‌ء بقصد الجزئية وبعنوان كونه ممّا يتألف منه المركّب كافٍ في صدق الزيادة وإن كان ممّا يخالفه في الجنس.

ويؤكّد ذلك ما ورد في باب التكفير في الصلاة من النهي عنه معلّلاً بأنّه عمل ولا عمل في الصلاة (١) ، إذ ليس المراد من العمل المنفي في الصلاة مطلق العمل وإن لم يقصد به الجزئية ، ضرورة جواز ذلك ما لم يكن ماحياً للصورة كحكّ رأسه أو جسده ، أو رفع رجله أو تحريك يده ونحو ذلك ، بل المراد كما أشرنا إليه عند التعرّض للرواية في باب التكفير (٢) العمل المقصود به الجزئية والمأتي به بعنوان كونه من الصلاة ، مثل التكفير على ما يصنعه العامّة.

فتطبيق الإمام (عليه السلام) هذا العنوان على التكفير غير المسانخ للأجزاء الصلاتية كاشف عمّا ذكرناه من صدق الزيادة على ما قصد به الجزئية ، وإن لم يكن الزائد من جنس المزيد عليه.

(١) لما عرفت من أنّ العبرة في صدق الزيادة بقصد الجزئية ، المشترك بين الإتيان بعنوان الوجوب أو الندب ، فلا أثر لنيّة الوجه في ذلك. فلو أتى بالقنوت في غير محلّه كما في الركعة الثالثة أو الثانية بعد الركوع بقصد كونه من الصلاة

__________________

(*) البطلان بزيادة ما قصد به الندب محلّ إشكال ، بل منع.

(١) الوسائل ٧ : ٢٦٦ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٥ ح ٤.

(٢) شرح العروة ١٥ : ٤٢٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

كان زيادة فيها وإن أتى به بنيّة الاستحباب.

لكنّ هذا مبني على تصوير الجزء المستحب كي يمكن الإتيان به بقصد الجزئية المحقّق لعنوان الزيادة. وقد أشرنا غير مرّة (١) إلى عدم معقولية ذلك للمنافاة الظاهرة بين الجزئية والاستحباب ، فانّ مقتضى الأوّل الدخل في الماهية وتقوّمها به ، ومقتضى الثاني عدم الدخل وجواز الترك.

وهذا من غير فرق بين أن يراد به الجزء للطبيعة أو الجزء للفرد ، إذ الفرد لا يزيد على الطبيعة بشي‌ء عدا إضافة الوجود إليه ، ففرض كون شي‌ء جزءاً للفرد من الطبيعة دون الطبيعة نفسها غير معقول كما لا يخفى. فاستحباب الجزء مسامحة في التعبير ، والمراد أنّه مستحبّ نفسيّ ظرفه الصلاة كالقنوت والأذكار المستحبّة ، وأنّ الصلاة المشتملة عليه تتضمّن مزيّة زائدة ، وأنّها أفضل من العارية عنه.

وعليه فالإتيان بالقنوت الزائد ونحوه لا يستوجب البطلان من ناحية الزيادة لتقوّمها بقصد الجزئية المتعذّر في أمثال المقام كما عرفت. فغاية ما هناك أنّه تشريع محرّم ، فإن أوجب ذلك السراية إلى نفس العمل أوجب البطلان بهذا العنوان لا بعنوان الزيادة ، وإلّا فلا.

وقد ذكرنا في محلّه أنّ الذكر المحرم من القنوت ونحوه بمجرّده لا يستوجب البطلان ، فانّ المبطل إنّما هو كلام الآدمي ، والذكر المحرم لا يخرج عن كونه ذكراً وإن كان محرّماً ، ولا يندرج في كلام الآدميين كي تبطل معه الصلاة من هذه الجهة (٢).

__________________

(١) منها ما تقدّم في ص ٣.

(٢) شرح العروة ١٥ : ٤٤٦ ، ٣٩٢.


نعم ، لا بأس بما يأتي به من القراءة والذكر في الأثناء لا بعنوان أنّه منها ما لم يحصل به المحو (*) للصورة ، وكذا لا بأس بإتيان غير المبطلات من الأفعال الخارجية المباحة كحكّ الجسد ونحوه إذا لم يكن ماحياً للصورة (١).

______________________________________________________

(١) أفاد (قدس سره) أنّ الإتيان بالقراءة أو الذكر في الأثناء لا بقصد الجزئية لا مانع منه ما لم يكن ماحياً للصورة الصلاتية ، لعدم كون ذلك مصداقاً للزيادة بعد عدم القصد المزبور ، ثمّ ذكر (قدس سره) أخيراً مثل ذلك في الأفعال الخارجية المباحة كحكّ الجسد ونحوه ، وأنّه لا بأس بالإتيان بها أيضاً لا بعنوان الصلاة ما لم تكن ماحية للصورة.

أقول : أمّا التفصيل بين الماحي وغيره في الأفعال فوجيه ، فلا مانع من غير الماحي من الأفعال المباحة ، بل قد ورد النصّ الخاصّ في بعضها (١) دون ما كان ماحياً كما لو حكّ رأسه مقدار نصف ساعة مثلاً ، أو اشتغل بالمطالعة كذلك.

وأمّا التفصيل بين الماحي وغيره في الأذكار والقراءة فغير وجيه ، إذ لا مصداق للماحي للصورة الصلاتية من بينها وإن طالت مدّة الاشتغال بالذكر أو القراءة بعد ملاحظة ما ورد من قوله (عليه السلام) : «كلّ ما ذكرت الله (عزّ وجلّ) به والنبيّ فهو من الصلاة» (٢) ، فانّ من المعلوم أن ليس المراد من قوله : «فهو من الصلاة» أنّه جزء من الصلاة ، لمنافاة الجزئية مع فرض الاستحباب كما مرّ ، بل هو مبنيّ على ضرب من الادّعاء والتنزيل ، والمراد أنّه محسوب من الصلاة وكأنّه من أجزائها ، ولم يكن خارجاً عنها ما دام متشاغلاً بها.

__________________

(*) ولا يحصل ، لأنّ كل ما ذكر الله به فهو من الصلاة.

(١) الوسائل ٧ : ٢٥٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ٢ ، ٢٧٩ / ب ٢٣ ح ١ ، وغيرهما.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٦٣ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٣ ح ٢.


[٢٠٠٦] مسألة ٥ : إذا أخلّ بالطهارة الحدثية ساهياً بأن ترك الوضوء أو الغسل أو التيمّم بطلت صلاته وإن تذكّر في الأثناء ، وكذا لو تبيّن بطلان أحد هذه من جهة ترك جزء أو شرط (١).

[٢٠٠٧] مسألة ٦ : إذا صلّى قبل دخول الوقت ساهياً بطلت ، وكذا لو صلّى إلى اليمين أو اليسار أو مستدبراً فيجب عليه الإعادة أو القضاء (*).

[٢٠٠٨] مسألة ٧ : إذا أخلّ بالطهارة الخبثية في البدن أو اللباس ساهياً بطلت ، وكذا إن كان جاهلاً بالحكم (**) أو كان جاهلاً بالموضوع وعلم في الأثناء مع سعة الوقت ، وإن علم بعد الفراغ صحّت ، وقد مرّ التفصيل سابقا.

[٢٠٠٩] مسألة ٨ : إذا أخلّ بستر العورة سهواً فالأقوى عدم البطلان وإن كان هو الأحوط ، وكذا لو أخلّ بشرائط الساتر عدا الطهارة من المأكولية وعدم كونه حريراً أو ذهباً ونحو ذلك.

______________________________________________________

وعليه فلو اشتغل بعد الركوع أو بعد التشهّد بقراءة القرآن أو الذكر من غير قصد الجزئية فكلّ ذلك محسوب من الصلاة ، وليس خارجاً عنها وإن طالت المدّة كثيراً جدّاً ، كما لو اشتغل بدعاء كميل أو أبي حمزة ونحوهما ، ولا يكون شي‌ء من ذلك ماحياً للصورة. فكبرى مبطليّة الماحي وإن كانت مسلّمة لكنّه لا صغرى لها في باب الأذكار ، بل يختصّ ذلك بباب الأفعال كما عرفت.

(١) تعرّض (قدس سره) في هذه المسألة وما بعدها إلى نهاية المسألة العاشرة لعدّة فروع تتعلّق بالإخلال بالأركان وغيرها سهواً من الطهارة الحدثية (١)

__________________

(*) مرّ أنّ عدم وجوبه في غير الجاهل بالحكم غير بعيد.

(**) هذا إذا كان جهله عن تقصير.

(١) ذكر ذلك في موارد منها ما تقدم في شرح العروة ٦ : ٨٢ ، ١١١.


[٢٠١٠] مسألة ٩ : إذا أخلّ بشرائط المكان سهواً فالأقوى عدم البطلان وإن كان أحوط فيما عدا الإباحة ، بل فيها أيضاً إذا كان هو الغاصب (*).

[٢٠١١] مسألة ١٠ : إذا سجد على ما لا يصحّ السجود عليه سهواً إمّا لنجاسته أو كونه من المأكول أو الملبوس لم تبطل الصلاة ، وإن كان هو الأحوط (**). وقد مرّت هذه المسائل في مطاوي الفصول السابقة.

[٢٠١٢] مسألة ١١ : إذا زاد ركعة (١) أو ركوعاً أو سجدتين من ركعة أو تكبيرة الإحرام سهواً (***) بطلت الصلاة ، نعم يستثني من ذلك زيادة الركوع أو السجدتين في الجماعة.

______________________________________________________

والخبثية (١) والوقت (٢) والقبلة (٣) والستر (٤) وشرائط المكان (٥) ونحوها (٦). وقد مرّ الكلام حول كلّ من ذلك في محالّها مستقصى عند التعرّض لها في مطاوي الفصول السابقة فلا نعيد.

(١) المعروف والمشهور أنّ زيادة الركعة سهواً تستوجب البطلان مطلقاً

__________________

(*) الظاهر هو البطلان فيما إذا كان الناسي هو الغاصب.

(**) قد مرّ تفصيل الكلام في ذلك [في المسألة ١٦١٨].

(***) الظاهر أنّ زيادتها سهواً لا تبطل الصلاة.

(١) تقدّم البحث عنه في شرح العروة ٣ : ٣١٦ وما بعدها.

(٢) تقدّم البحث عنه في شرح العروة ١١ : ٣٨٠.

(٣) تقدّم البحث عنه في شرح العروة ١٢ : ٤٠ وما بعدها.

(٤) تقدّم البحث عنه في شرح العروة ١٢ : ١٢٠ ١٢١ ، ٣ : ٣٤٠ ، ١٢ : ٢٩٧ ، ٣٢٣ ، ٣٧٤.

(٥) تقدّم البحث عنه في شرح العروة ١٣ : ١٦.

(٦) [كالسجود على ما لا يصحّ السجود عليه ، وقد تقدّم في شرح العروة ١٥ : ١٣٦].


.................................................................................................

______________________________________________________

ونسب الخلاف إلى ابن الجنيد (١) والشيخ في التهذيب والاستبصار (٢) والمحقّق في المعتبر (٣) والعلّامة في بعض كتبه (٤) وجملة من المتأخّرين فذهبوا إلى الصحّة فيما إذا جلس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد ، وأنّ البطلان خاصّ بما إذا لم يجلس هذا المقدار. ويظهر من صاحب الوسائل اختياره مع زيادة صورة الشكّ في الجلوس والحكم بالصحّة فيها أيضاً كما صرح به في عنوان الباب التاسع عشر من الخلل (٥). وحكي هذا التفصيل عن أبي حنيفة (٦) وسفيان الثوري (٧) ، بل نسب القول بالصحّة مطلقاً إلى جمهور العامّة.

وكيف ما كان ، فيقع الكلام أوّلاً فيما تقتضيه القاعدة ، وأُخرى بالنظر إلى النصوص الخاصّة الواردة في المقام.

أمّا بحسب القواعد فمقتضاها الصحّة ، سواء أجلس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد أم لم يجلس ، وسواء أتشهّد أم لم يتشهّد ، بل حتّى لو نسي السجدة الأخيرة أيضاً فزاد ركعة سهواً قبل الإتيان بها وبالتشهّد والسلام.

وذلك لأنّ مقتضى حديث لا تعاد الحاكم على الأدلّة الأولية نفي جزئية هذه الأُمور في ظرف النسيان ، فزيادة الركعة سهواً قبل الإتيان بشي‌ء منها زيادة واقعة خارج الصلاة ، لا في أثنائها كي تستوجب البطلان ، لأنّ وقوعها في

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٩٢ المسألة ٢٧٨.

(٢) التهذيب ٢ : ١٩٤ ذيل ح ٧٦٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧٧ ذيل ح ١٤٣١.

(٣) المعتبر ٢ : ٣٨٠.

(٤) المختلف ٢ : ٣٩٢ المسألة ٢٧٨.

(٥) الوسائل ٨ : ٢٣١.

(٦) المجموع ٤ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٢١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٠٢.

(٧) [لم نعثر عليه ، نعم حكاه في الحدائق ٩ : ١١٧].


.................................................................................................

______________________________________________________

الأثناء موقوف على جزئية هذه الأُمور في ظرف النسيان ، والحديث ناف للجزئية عندئذ ، لعدم قصور في شموله لها بعد أن لم تكن من الأركان.

وقد ذكرنا في مبحث السلام (١) أنّ من نسي السلام فتذكّر بعد أن أحدث أو أتى ببعض المنافيات عمداً وسهواً كالاستدبار أو الفصل الطويل ، أو زيادة الركعة كما في المقام ، بل الركن وحده كالركوع ، بحيث لم يمكن تدارك السلام بعدئذ صحّت صلاته ، وكذا لو كان ذلك بعد نسيان التشهّد أيضاً ، أو نسيانهما مع السجدة الأخيرة ، لما عرفت من أنّ الحديث ينفي جزئيتها في هذه الحالة فيكون المنافي كالركعة الزائدة واقع خارج الصلاة. فالمقام من مصاديق هذه الكبرى ، ولأجله كان مقتضى القاعدة هو الحكم بالصحّة مطلقاً.

وممّا ذكرنا تعرف ما في استدلال المحقّق في المعتبر على عدم مبطلية الزيادة بعد الجلوس بقدر أن يتشهّد بأنّ الجلوس بهذا المقدار فاصل بين الفرض والزيادة ، فلا تتحقّق الزيادة في الأثناء.

إذ فيه : أنّ هذا المقدار من الفصل غير مانع عن صدق اسم الزيادة في الصلاة ولذا لو تذكّر قبل الإتيان بالزائد وتدارك التشهّد لحق بالأجزاء السابقة وانضمّ معها. فان بنينا على جزئية السلام المنسي وكذا التشهّد أو السجدة الثانية كانت الزيادة واقعة في الأثناء لا محالة ، وأوجبت بطلان الصلاة. وإن بنينا على سقوطها عن الجزئية بمقتضى حديث لا تعاد كما عرفت صحّت ، لوقوعها حينئذ خارج الصلاة. فالاعتبار في الصحّة والبطلان على جريان الحديث وعدمه وجزئية السلام ونفيها ، ولا أثر لما ادّعاه (قدس سره) من الفصل.

وأمّا بالنظر إلى الروايات الخاصّة الواردة في المقام فمقتضى إطلاق غير

__________________

(١) شرح العروة ١٥ : ٣١٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

واحد من النصوص وقد تقدّمت (١) هو البطلان ، كموثّقة أبي بصير : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (٢) وصحيحة زرارة : «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالاً» (٣).

فإنّ الصحيحة موردها السهو بقرينة التعبير بالاستيقان ، وذكرنا سابقاً أنّها رويت في الكافي تارة مشتملة على كلمة (ركعة) وأُخرى خالية عنها ، وعلى التقديرين يصحّ الاستدلال بها في المقام ، فإنّ زيادة الركعة هي القدر المتيقّن منها وإن لم تذكر فيها. ونحوهما غيرهما ممّا هو معتبر سنداً ودلالة.

وبإزائها روايات أُخرى أيضاً معتبرة دلّت على الصحّة فيما إذا جلس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد ، وفي بعضها أنّه يقوم ويضيف إلى الركعة الزائدة ركعة أُخرى ويجعلهما نافلة ولا شي‌ء عليه.

فمنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل صلّى خمساً ، قال : إن كان قد جلس في الرابعة قدر التشهّد فقد تمّت صلاته» (٤) وظاهرها أنّ الاعتبار بمجرّد الجلوس قدر التشهّد ، لا بالتشهّد الخارجي.

وحمل الجلوس على نفس التشهّد بعيد جدّاً ، فإنّه تعبير على خلاف المتعارف كيف ولو أُريد ذلك كان الأولى أن يقول (عليه السلام) : إن كان قد تشهّد فقد تمّت صلاته ، فإنّه ألخص وأظهر ، ولم تكن حاجة إلى ذاك التعبير الذي هو تطويل بلا طائل. فالظاهر من العبارة هو ما ذكرناه كما فهمه المحقّق والشيخ وصاحب الوسائل وغيرهم ، والعامّة أيضاً يعتبرون الجلوس لا نفس التشهّد.

__________________

(١) في ص ٥ وما بعدها.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٣٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

فحمله عليه بعيد عن الفهم العرفي غايته.

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل استيقن بعد ما صلّى الظهر أنّه صلّى خمساً ، قال : وكيف استيقن؟ قلت : علم ، قال : إن كان علم أنّه كان جلس في الرابعة فصلاة الظهر تامّة ، فليقم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة وسجدتين فتكونان ركعتين نافلة ، ولا شي‌ء عليه» (١).

أمّا من حيث السند فظاهر عبارة الحدائق أنّها صحيحة ، حيث قال : وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، ثمّ قال : وعن محمّد بن مسلم ... إلخ (٢) ، فإنّ ظاهر العطف اشتراكهما في الصحّة. والرواية وإن كانت صحيحة بناءً على مسلكنا من الاعتماد على من وقع في أسانيد كامل الزيارات كما وصفناها بها لكنّها غير صحيحة على مسلك القوم ومنهم صاحب الحدائق ، لأنّ في السند محمّد بن عبد الله بن هلال ، ولم يوثّق صريحاً في كتب الرجال.

وأمّا من حيث الدلالة فيحتمل أن يراد بالجلوس نفسه فيتّحد مضمونها مع الصحيحة السابقة ، ويحتمل أن يكون كناية عن التشهّد الخارجي ، كما عبّر عنه بالجلوس في بعض الروايات الواردة في نسيان التشهّد كصحيح سليمان بن خالد : «عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين ، فقال : إن ذكر قبل أن يركع فليجلس» (٣) وصحيح ابن أبي يعفور : «عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتّى يركع ، فقال : يتمّ صلاته ...» إلخ (٤) وغيرهما.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٥.

(٢) الحدائق ٩ : ١١٤.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠٢ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٣.

(٤) الوسائل ٦ : ٤٠٢ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

فانّ المراد من نسيان الجلوس نسيان التشهّد المعتبر حال الجلوس ، فكنّي به عن التشهّد لأجل كونه مقدّمة له ومعتبراً فيه ، وإلّا فالجلوس بنفسه غير واجب فلا أثر لنسيانه. والشيخ (قدس سره) في التهذيب قد فهم هذا المعنى ولذا علّل الصحّة بأن هذا داخل في نسيان السلام ، الذي ليس هو من الأركان قال (قدس سره) : إنّه لا تنافي بين هذه الأخبار ، فإنّ موردها ما إذا تشهّد وبعده زاد ركعة سهواً ، ونسيان السلام غير مبطل (١).

وكيف ما كان ، فارادة التشهّد من الجلوس محتمل في هذه الصحيحة ، بخلاف الصحيحة السابقة التي لا يكاد يتطرّق إليها هذا الاحتمال كما سبق.

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن جميل بن درّاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «أنّه قال في رجل صلّى خمساً : إنّه إن كان جلس في الرابعة بقدر التشهّد فعبادته جائزة» (٢).

ودلالتها كدلالة الصحيحة الأُولى ، لاتّحاد المضمون. وأمّا سندها فقد صحّح العلّامة طريق الصدوق إلى جميل (٣) ، وأقرّه على ذلك الأردبيلي في جامع الرواة (٤). ولكنّه محل تأمّل بل منع ، فانّ الطريق الذي ذكره الصدوق في المشيخة طريق إلى جميل بن درّاج ومحمّد بن حمران معاً ، اللذين لهما كتاب مشترك ، وطريقه إلى الكتاب صحيح ، ولم يذكر طريقه إلى جميل وحده كما في هذه الرواية.

ولا ملازمة بين صحّة الطريق إليهما منضمّاً وبين صحّته إلى كلّ واحد منهما

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٤ / ذيل ح ٧٦٦ ، [والمنقول هنا مضمون ما ذكره الشيخ].

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٢٩ / ١٠١٦.

(٣) الخلاصة : ٤٣٧ ضمن الفائدة الثامنة.

(٤) جامع الرواة ٢ : ٥٣٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

مستقلا ، لجواز تعدّد الطريق ، إذ كثيراً ما يذكر في المشيخة طريقه إلى شخص ثمّ يذكر طريقاً آخر إلى شخصين أو جماعة يشتمل على ذاك الشخص أيضاً. فطريقه إلى جميل وحده مجهول.

وهو (قدس سره) مع التزامه في صدر الكتاب على ذكر طرقه إلى المشايخ وأرباب الكتب في المشيخة قد غفل عن ذكر غير واحد منهم ربما يتجاوز عددهم المائة ، فليكن طريقه إلى جميل من هذا القبيل وإن أكثر من الرواية عنه ، فإنّه ربما يذكر الطريق في المشيخة إلى شخص ولم يرو عنه في الفقيه إلّا رواية واحدة ، ويغفل عن ذكر طريقه إلى آخر مع روايته عنه كثيراً كجميل بن درّاج وغيره ، وإنّما العصمة لأهلها.

وكيف ما كان ، فطريقه إلى جميل وحده غير مذكور في المشيخة ، فهو مجهول فالرواية إذن غير نقيّة السند. لكن الخطب هيّن ، إذ تكفينا الصحيحة الأُولى المتّحدة مع هذه الرواية بحسب المضمون ، وفيها غنى وكفاية.

ومنها : صحيحة ابن مسلم : «عن رجل صلّى الظهر خمساً ، قال : إن كان لا يدري جلس في الرابعة أم لم يجلس فليجعل أربع ركعات منها الظهر ويجلس ويتشهّد ، ثمّ يصلّي وهو جالس ركعتين وأربع سجدات ويضيفها إلى الخامسة فتكون نافلة» (١).

وهذه الصحيحة هي مستند صاحب الوسائل في إلحاق الشك في الجلوس بالعلم به في الحكم بالصحّة كما تقدّمت الإشارة إليه.

ومنها : ما روى عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) المشتمل على حكاية سهو النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وزيادته الخامسة في صلاة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

الظهر ، وإتيانه بسجدتي السهو بعد أن ذكّره الأصحاب (١) ، ولكنّها بالرغم من صحّة سندها غير ثابتة عندنا ، لمنافاة مضمونها مع القواعد العقلية كما لا يخفى فهي غير قابلة للتصديق.

هذه هي حال الروايات الواردة في المقام ، وقد عرفت أنّ مقتضى إطلاق الطائفة الأُولى البطلان فيما إذا زاد ركعة سهواً ، كما أنّ مقتضى الثانية الصحّة فيما إذا جلس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد ، والسند معتبر في كلتا الطائفتين.

وربما يجمع بينهما بحمل الجلوس في الطائفة الثانية على المعهود المتعارف المشتمل على التشهّد والتسليم ، فتكون الركعة الزائدة واقعة خارج الصلاة.

وفيه : أنّه جمع تبرّعي ، لا يكاد يساعده الفهم العرفي بوجه ، لما عرفت من أنّ حمل قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة : «إن كان قد جلس في الرابعة قدر التشهّد» (٢) على التشهّد نفسه بعيد جدّاً ، وعلى خلاف المتعارف في المحاورات فإنّه تطويل بلا طائل كما لا يخفى ، بل ظاهره أنّ الجلوس بهذا المقدار هو المصحّح للصلاة سواء قارنه التشهّد الخارجي أم لا ، إلّا أن يقال : إنّ الجلوس بهذا المقدار العاري عن التشهّد نادر التحقّق ، بل لعلّه لم يتّفق خارجاً ، فكيف يمكن إرادته من النصّ.

والتحقيق : أنّ مقتضى الصناعة في مقام الجمع ارتكاب التقييد ، بحمل الإطلاق في الطائفة الأُولى المانعة على ما إذا لم يجلس قدر التشهّد ، بقرينة الطائفة الثانية الدالّة على الصحّة فيما إذا جلس ، فيحكم بالصحّة مع الجلوس سواء تشهّد أم لا ، والندرة المزبورة غير مانعة عن ذلك.

وتوضيحه : أنّ ما يمكن وقوعه خارجاً صور ثلاث :

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٩.

(٢) تقدمت في ص ٣٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

الاولى : أن لا يجلس في الرابعة أصلاً ، كما لو تخيّل بعد رفع رأسه من السجدتين أنّها الركعة الثالثة فقام إلى الرابعة ثمّ بان أنّها الخامسة ، وهذا فرض شائع.

الثانية : أن يجلس ويتشهّد ، كما لو تخيّل أنّها الركعة الثانية فقام إلى الثالثة ثمّ بان أنّها الخامسة ، وهذا أيضاً فرض شائع.

الثالثة : أن يجلس في الرابعة ولا يتشهّد ، كما لو كان الجلوس لا لغرض التشهّد لاعتقاده أنّها الركعة الثالثة مثلاً ، بل لغرض آخر من حكّ جلده أو قراءة دعاء ونحوهما ، ويستمرّ الجلوس مقدار التشهّد ، ثمّ يقوم إلى الركعة الرابعة فيستبين أنّها الخامسة. وهذا الفرض كما ترى نادر التحقّق ، وإنّما الشائع هما الفرضان الأوّلان كما عرفت.

وحينئذ نقول : دلّت الطائفة الثانية على الصحّة مع الجلوس في الرابعة بمقدار التشهّد ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما إذا اقترن الجلوس بنفس التشهّد كما في الصورة الثانية ، وما إذا لم يقترن كما في الصورة الثالثة ، في مقابل الصورة الأُولى العارية عن الجلوس رأساً ، المحكومة بالبطلان. ومجرّد كون الصورة الثالثة نادرة التحقّق لا يمنع عن شمول الإطلاق لها ، فانّ الممنوع إنّما هو حمل المطلق على الفرد النادر ، لا شمول الإطلاق له وللإفراد الشائعة.

فالطائفة الأُولى محمولة على الصورة الأُولى ، والثانية على الصورتين الأخيرتين لما بين الطائفتين من نسبة الإطلاق والتقييد. ونتيجة ذلك الحكم بالبطلان فيما إذا لم يجلس في الرابعة رأساً ، والصحّة فيما إذا جلس سواء تشهّد أم لم يتشهّد.

وممّا ذكرنا يظهر فساد ما قد يقال في وجه الجمع من حمل الطائفة الثانية على التقيّة لموافقتها لمذهب العامّة ، إذ فيه : أنّ الترجيح بالمرجّح الجهتي فرع استقرار المعارضة ، ولا معارضة مع وجود الجمع العرفي بحمل المطلق على المقيّد على النحو الذي عرفت ، فبعد إمكان الجمع الدلالي لا تصل النوبة إلى ملاحظة


.................................................................................................

______________________________________________________

المرجّحات كما هو المقرّر في محلّه.

ومن الواضح أنّ مجرّد الموافقة مع مذهب العامّة أو لفتوى سفيان وأبي حنيفة لا يستدعي الحمل على التقية ما لم تستقرّ المعارضة ، وقد عرفت عدم وجود المعارضة بعد إمكان الجمع وارتكاب التقييد ، هذا.

ولكن الظاهر أنّ الجمع الذي ذكرناه لا يمكن المصير إليه ، لابتلاء المقيّد أعني الطائفة الثانية في نفسه بالمعارض ، وذلك لأنّ مورد هذه الروايات وإن كانت صلاة الظهر أربعاً وزيادة الخامسة سهواً ، إلّا أنّا لا نحتمل اختصاص الحكم بالظهر تماماً ، بل يجري في القصر أيضاً فيما إذا زاد ركعة أو ركعتين سهواً للقطع بعدم الفرق بين التمام والقصر من هذه الجهة ، وأنّ المستفاد من النصّ أنّ الموضوع للحكم هو صلاة الظهر كيف ما تحقّقت ، سواء صدرت من الحاضر أو المسافر.

نعم ، يتطرّق احتمال الاختصاص بالظهر وما يشاكلها من الرباعيات كالعصر والعشاء ، وعدم انسحاب الحكم إلى الثنائية بالأصل والثلاثية كالمغرب والفجر فيحكم بالبطلان إذا زيدت فيهما ركعة ولو سهواً ، لقصور النصّ عن الشمول لهما بعد أن كان الحكم على خلاف القاعدة المستفادة من إطلاق الطائفة الأُولى كما قيل بذلك ، إلّا أنّه لا مجال لاحتمال الاختصاص بالظهر تماماً ، لعدم قصور النصّ عن الشمول له وللقصر ، مضافاً إلى القطع بعدم الفرق كما عرفت.

وعليه فيعارض هذه الروايات ما ورد في من أتمّ في موضع القصر نسياناً من البطلان ووجوب الإعادة في الوقت وإن لم يجب القضاء فيما لو تذكّر بعد خروج الوقت ، فانّ الركعتين الزائدتين سهواً واقعتان بعد الجلوس والتشهّد بطبيعة الحال ، فالحكم بالبطلان في هذه النصوص ينافي الحكم بالصحّة التي تضمّنتها تلك الروايات. وإليك بعض هذه النصوص


.................................................................................................

______________________________________________________

منها : صحيحة العيص بن القاسم : «عن رجل صلّى وهو مسافر فأتمّ الصلاة قال : إن كان في وقت فليعد ، وإن كان الوقت قد مضى فلا» (١) فانّ موردها الناسي قطعاً ، دون العامد ودون الجاهل ، لوجوب الإعادة على الأوّل في الوقت وخارجه ، وعدم وجوبها على الثاني لا في الوقت ولا في خارجه نصّاً وفتوى. فيختصّ موردها المشتمل على التفصيل بين الوقت وخارجه بالناسي لا محالة.

ومنها : موثق (٢) أبي بصير : «عن الرجل ينسى فيصلّي في السفر أربع ركعات قال : إن ذكر في ذلك اليوم فليعد ، وإن لم يذكر حتّى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه» (٣) وهي صريحة في الناسي. ومنها غير ذلك.

فتقع المعارضة بين هذه النصوص وتلك الروايات ، لما عرفت من أنّ زيادة الركعتين نسياناً في من يتمّ في موضع القصر واقعة غالباً عقيب الجلوس للتشهّد ، وقد دلّت هذه على البطلان وتلك على الصحّة ، فتستقرّ المعارضة بينهما ولا بدّ من العلاج. وبما أنّ تلك الروايات المتضمّنة للصحّة موافقة لمذهب العامّة كما عرفت ، فتطرح وتحمل على التقيّة ، فيكون الترجيح مع هذه النصوص الموافقة لإطلاق الطائفة الأُولى المتضمّنة للبطلان.

وعلى الجملة : فالطائفة الثانية من أجل ابتلائها بالمعارض غير صالحة لتقييد الطائفة الأُولى ، والترجيح بالجهة إنّما يتّجه لدى ملاحظتها مع النصوص المتقدّمة آنفاً ، لا مع الطائفة الأُولى ، إذ لا معارضة بينهما بعد كون النسبة نسبة الإطلاق والتقييد كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٥ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ١.

(٢) [لم يظهر وجه التسمية بالموثّق دون الصحيح ، فانّ سندها هكذا : الشيخ بإسناده عن سعد ، عن محمّد بن الحسين ، عن علي بن النعمان ، عن سويد القلاء ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير].

(٣) الوسائل ٨ : ٥٠٦ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الأقوى ما عليه المشهور من بطلان الصلاة بزيادة الركعة سهواً ، للإطلاقات السليمة عمّا يصلح للتقييد ، وإن كان مقتضى القاعدة الأوّلية المستفادة من حديث لا تعاد هي الصحّة كما مرّ.

ثمّ إنّه بناءً على القول بالصحّة لدى الجلوس عقيب الرابعة بقدر التشهّد فهل يحكم بها مع الشكّ في الجلوس أيضاً كما هو ظاهر عنوان صاحب الوسائل (١)؟ مقتضى صحيحة ابن مسلم المتقدّمة (٢) هو ذلك.

وناقش فيها صاحب الحدائق (قدس سره) (٣) تارة بأنّ ما تضمّنته من إلحاق الشكّ في الجلوس بالجلوس المحقّق في الحكم بالصحّة ممّا لا قائل به من الأصحاب عدا ما قد يستشعر من إيرادها الصدوق في الفقيه (٤) بناءً على قاعدته التي مهّدها في صدر كتابه من عمله بكلّ ما يرويه في الكتاب ، وأنّه حجّة بينه وبين الله تعالى ، وإن كان فيه تأمّل يظهر لمن راجع كتابه ولاحظ خروجه عن هذه القاعدة.

أقول : الإعراض لا يسقط الصحيح عن الحجّية ، وقد عرفت فتوى صاحب الوسائل بمضمونها. نعم ، مضمون الصحيحة مخالف للقاعدة ، فإن مقتضى الاستصحاب عدم تحقّق الجلوس عقيب الرابعة ، ونتيجته البطلان.

وما عن المحقق الهمداني (قدس سره) من تطبيقها على القواعد بدعوى أنّ مقتضى قاعدة الفراغ هو الصحّة ، فإنّ الزيادة القادحة هي الركعة العارية عن الجلوس عقيب الرابعة ، وهو مشكوك حسب الفرض ، ومقتضى القاعدة عدم الاعتناء بعد الصلاة باحتمال عروض المبطل في الأثناء (٥).

__________________

(١) كما تقدّم في ص ٣٥.

(٢) في ص ٤٠.

(٣) الحدائق ٩ : ١١٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٩ / ١٠١٧.

(٥) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٣٦ السطر ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

غير وجيه ، لاختصاص القاعدة بما إذا احتمل الإخلال زيادة أو نقصاً ، أمّا في المقام فهو متيقّن بزيادة الركعة كنقيصة التشهّد ، غير أنّ الشارع قد حكم باغتفارها لو صادف اقترانها بالجلوس ، وأنّه بمجرّده مصحّح لتلك الركعة الزائدة فغايته أنّه يحتمل مقارنة ذلك مع الجلوس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد من باب الصدفة والاتّفاق ، فانّ هذا الجلوس بمجرّده غير واجب بالضرورة ، فلو تحقّق أحياناً فهو أمر اتّفاقي وإن ترتبت عليه الصحّة.

ومن المعلوم أنّ القاعدة لا تتكفّل الصحّة من باب الاتّفاق والصدفة كما يكشف عنه التعليل بالأذكرية (١) والأقربية إلى الحقّ (٢) في بعض نصوصها. وعليه فلا مسرح للقاعدة من هذه الجهة في مثل المقام ، بل مقتضى الاستصحاب عدم الجلوس الذي نتيجته البطلان كما مرّ.

وعلى الجملة : مضمون الصحيحة وإن كان على خلاف القواعد لكن لا ضير في الالتزام به بعد مساعدة الدليل ، فانّ غايته ارتكاب التخصيص والخروج عمّا تقتضيه القاعدة بالنصّ ، وهو غير عزيز في الأخبار.

إلّا أنّ الذي يهوّن الخطب أنّ الصحيحة في نفسها معارضة بصحيحة أُخرى لابن مسلم دلّت بمفهومها على اعتبار العلم بالجلوس في الحكم بالصحّة وعدم كفاية الشكّ ، قال (عليه السلام) فيها : «... إن كان علم أنّه جلس في الرابعة ...» إلخ (٣) ، فبعد معارضة المنطوق بالمفهوم تسقط الصحيحة عن درجة الاعتبار ، فلا يمكن التعويل عليها.

على أنّك عرفت فيما مرّ فساد المبنى من أصله ، وأنّ الأقوى بطلان الصلاة

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٧ ح ٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

بزيادة الركعة سهواً حتّى مع العلم بتحقّق الجلوس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد كما عليه المشهور ، فضلاً عن الشكّ في ذلك.

وناقش (قدس سره) أُخرى بأنّ التشهّد المذكور في الصحيحة إمّا أن يكون للفريضة أو للنافلة ، فعلى الأوّل لا يكون إلّا على جهة القضاء ، مع أنّ التشهّد المشكوك فيه لا يقضى بعد تجاوز المحلّ ، وعلى الثاني فالأنسب ذكره بعد الركعتين من جلوس كما لا يخفى.

ويندفع بأنّ التشهّد متعلّق بالفريضة لا محالة ، ولا تعرّض في الصحيحة لاتصافه بالأداء أو القضاء ، فبعد البناء على صحّة الصلاة كما تضمّنته الصحيحة فليكن التشهّد قضاءً لما فات ، وهو حكم استحبابي ، لكون التشهّد المشكوك مورداً لقاعدة الفراغ بعد البناء المزبور كالحكم بالإتيان بركعتين من جلوس وضمّهما إلى الركعة الزائدة واحتسابهما نافلة ملفّقة من ركعة عن قيام وركعتين من جلوس.

وبالجملة : فهذا الإشكال لا يرجع إلى محصّل ، والعمدة هو الإشكال الأوّل وقد مرّ الجواب عنه. هذا كلّه في زيادة الركعة سهواً.

وأمّا زيادة الركوع السهوية : فالمعروف والمشهور بطلان الصلاة بها ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد ، فالحكم كأنه من المسلّمات ، إنّما الكلام في مدركه ، ويدلّنا عليه من الروايات الخاصّة :

صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة ، قال : لا يعيد صلاة من سجدة ، ويعيدها من ركعة» (١).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة عبيد بن زرارة والمراد بأبي جعفر الواقع في السند هو أبو جعفر الأشعري أحمد بن محمّد بن عيسى قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل شكّ فلم يدر أسجد اثنتين أم واحدة فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة ، فقال : لا والله لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة. وقال : لا يعيد صلاته من سجدة ، ويعيدها من ركعة» (١).

فانّ مقابلة الركعة بالسجود تقضي بأن يكون المراد بها هو الركوع ، لا الركعة التامة المصطلحة ، وقد أُطلقت عليه في غير واحد من النصوص (٢) ويساعده المعنى اللغوي ، فإنّ الركعة كالركوع مصدر لـ (ركع) ، يقال : ركع يركع ركوعاً وركعة ، والتاء للوحدة كما في السجدة. فبقرينة المقابلة والموافقة للّغة والإطلاقات الكثيرة يستظهر إرادة الركوع من الركعة الواردة في هاتين الصحيحتين.

وإن أبيت عن ذلك وادّعيت الإجمال في المراد من اللفظ فتكفينا صحيحة أبي بصير : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (٣) دلّت بإطلاقها على البطلان في مطلق الزيادة ، عمدية كانت أم سهوية ، ركناً أم غير ركن ، ففي كلّ مورد ثبت التقييد نلتزم به ونخرج عن الإطلاق ، وقد ثبت في السجدة الواحدة بمقتضى الصحيحتين المتقدّمتين ، بل في مطلق الجزء غير الركني سهواً بمقتضى حديث لا تعاد ، فيبقى ما عدا ذلك ومنه زيادة الركوع تحت الإطلاق.

وليس بإزاء هذه الصحيحة ما يدلّ على الصحّة عدا ما يتوهّم من دلالة حديث لا تعاد عليها ، بدعوى أنّ المستثنى منه شامل لمطلق الإخلال سواء أكان من ناحية النقص أم الزيادة ، وأمّا عقد الاستثناء فهو ظاهر في اختصاصه

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٣.

(٢) منها صحيحة أبي بصير الآتية في ص ٥٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

بالإخلال الناشئ من قبل النقص فقط ، فإنّه المنصرف من النصّ حسب المتفاهم العرفي.

فمفاد الحديث عدم الإعادة من أيّ خلل إلّا من ناحية النقص المتعلّق بأحد الخمسة ، وعليه فزيادة الركوع كالسجود داخلة في عقد المستثنى منه ، ومقتضاه الصحّة وعدم الإعادة ، وبما أنّه حاكم على الأدلّة الأوّلية فيقدّم على الصحيحة المتقدّمة.

وربما تؤكّد الدعوى بعدم تصوير الزيادة في بعض فقرأت الاستثناء كالوقت والقبلة والطهور ، فبمقتضى اتّحاد السياق يستكشف أنّ المراد في الجميع هو الإخلال من ناحية النقيصة خاصّة.

لكن المناقشة في هذه الدعوى لعلّها ظاهرة ، فانّ الاستثناء المذكور في الحديث من قبيل المفرّغ ، والمستثنى منه محذوف تقديره لا تعاد الصلاة من أيّ خلل إلّا من ناحية الخمسة ، ولفظة (من) نشوية في الموردين ، ومرجع الحديث إلى التنويع في مناشئ الخلل وأسبابه ، وأنّ الإخلال الناشئ من أحد الخمسة تعاد الصلاة من أجله دون ما نشأ ممّا عداها.

ومن المعلوم جدّاً أنّ مقتضى اتحاد السياق وحدة المراد من الإخلال في الموردين ، فإن أُريد من الإخلال في طرف المستثنى منه ما يعمّ النقص والزيادة كان كذلك في طرف الاستثناء ، وإن أُريد من الثاني خصوص النقص كان مثله الأوّل. فالتفكيك بين الطرفين والالتزام بتعدّد المراد من الإخلال في العقدين خروج عن المتفاهم العرفي ، وبعيد عن سياق الحديث جدّاً كما لا يخفى.

وبما أنّ عقد المستثنى منه شامل لمطلق الإخلال حتّى من ناحية الزيادة باعتراف الخصم ، وإلّا لم يكن الحديث مصادماً للصحيحة وحاكماً عليها ، ولا موجب أيضاً لتخصيصه بالنقص ، كان كذلك في عقد الاستثناء أيضاً.


.................................................................................................

______________________________________________________

ونتيجة ذلك لزوم الإعادة بالإخلال بالركوع من ناحية الزيادة كالنقيصة إذ الإخلال بالأركان من هذه الناحية داخل في عقد المستثنى دون المستثنى منه. وعليه فالحديث معاضد للصحيحة لا أنّه معارض لها وحاكم عليها.

وأمّا عدم تصوير الزيادة في بعض فقرأت الحديث فهو لا يكشف عن الاختصاص بالنقص ، بل اللفظ مستعمل في المعنى العام الشامل له وللزيادة غايته أنّه بحسب الوجود الخارجي لا مصداق للزيادة في بعض تلك الفقرات وهذا لا يمنع عن إرادة الإطلاق من اللفظ ، فلا ندّعي التفكيك في مقام الاستعمال كي يورد بمنافاته لاتحاد السياق ، بل اللفظ مستعمل في مطلق الخلل في جميع الخمسة ، غير أنّه بحسب الانطباق الخارجي تختصّ الزيادة ببعضها ، وهو لا ينافي إرادة الإطلاق من اللفظ عند الاستعمال كما لا يخفى.

وأمّا زيادة السجدتين فلم يرد فيها نصّ بالخصوص ، لكن يكفي في إثبات المطلوب إطلاق صحيحة أبي بصير المتقدّمة ، فإنّ الخارج عنه بمقتضى صحيحتي منصور وعبيد المتقدّمتين (١) زيادة السجدة الواحدة ، فتبقى زيادة السجدتين مشمولة للإطلاق المقتضي للبطلان. والكلام في معارضة الصحيحة بحديث لا تعاد قد مرّ آنفاً ، فانّ الكلام المتقدّم جارٍ هنا أيضاً حرفاً بحرف.

ومنه تعرف صحّة الاستدلال على المطلوب بعقد الاستثناء من الحديث بناءً على شموله للزيادة بالتقريب المذكور. نعم ، إطلاق الحديث يشمل السجدة الواحدة أيضاً ، لكنّه مقيّد بالسجدتين بمقتضى الصحيحتين المتقدّمتين ، كما أنّ الإخلال بها من ناحية النقص غير قادح أيضاً بالنصوص الخاصّة (٢).

وأمّا تكبيرة الإحرام فالبطلان بزيادتها السهوية هو المعروف والمشهور

__________________

(١) في ص ٤٧ ، ٤٨.

(٢) الآتية في ص ٨٦ وما بعدها.


.................................................................................................

______________________________________________________

عند الأصحاب ، لكنه لا دليل عليه أصلاً كما أشرنا إليه في مبحث التكبير (١) بل مقتضى حديث لا تعاد هو الصحّة ، غير أنّ الفقهاء عدّوها من الأركان بعد تفسيرهم للرّكن بأنّه ما أوجب الإخلال به البطلان عمداً وسهواً ، زيادة ونقصاً.

فان ثبت الإجماع المدّعى على هذا التفسير وأنّ هناك ملازمة في البطلان بين طرفي النقيصة والزيادة ، وكلّ ما أوجب نقصه البطلان عمداً وسهواً فزيادته كذلك ، فلا كلام ، وإلّا كان مقتضى القاعدة عدم البطلان كما عرفت.

لكن الظاهر عدم الثبوت ، فإنّ الإجماع منقول لا يعبأ به ، ولم يرد لفظ الركن في شي‌ء من الروايات ، وإنّما هو اصطلاح دارج في ألسنة الأصحاب بعد تفسيرهم له بما عرفت ، من غير أيّ شاهد عليه ، بل الظاهر من لفظ الركن ما يوجب الإخلال به البطلان من ناحية النقص فقط ، كما يساعده المعنى اللغوي ، فإنّه لغة بمعنى ما يعتمد عليه الشي‌ء بحيث يزول ذلك الشي‌ء بزواله ، وهو لا يقتضي أكثر ممّا ذكرناه ، إذ من المعلوم أنّ زيادة العمود لو لم تكن مؤكّدة فهي ليست بقادحة.

ولا ريب أنّ التكبير ركن بهذا المعنى ، إذ أنّ تركه موجب للبطلان ولو سهواً بالنصوص الخاصّة كما سبق في محلّه (٢) ، ولا يقدح عدم التعرّض له في حديث لا تعاد ، فانّ غايته ارتكاب التقييد ، ولعلّ النكتة في إهماله أنّه افتتاح الصلاة وبه يتحقّق الدخول ، وبدونه لم يشرع بعد في الصلاة ، والحديث ناظر إلى الإخلال بالأجزاء أو الشرائط بعد تحقّق الصلاة ، وفرض التلبّس بها خارجاً.

وكيف ما كان فلا دليل على البطلان بزيادة التكبيرة ، لقصور المقتضي ، بل قد عرفت قيام الدليل على العدم ، لاندراجها في عقد المستثنى منه من حديث لا تعاد. وهذا هو الأقوى وإن كان المشهور خلافه.

__________________

(١) شرح العروة ١٤ : ٩٥.

(٢) شرح العروة ١٤ : ٩٠.


وأمّا إذا زاد ما عدا هذه من الأجزاء غير الأركان (١) كسجدة واحدة أو

______________________________________________________

وأمّا النيّة فلا ينبغي التأمّل في عدم الإخلال بزيادتها ، فإنّها إن فسّرت بالداعي كما هو الصحيح فلا يكاد يتصوّر فيها الزيادة ، فإنّ الداعي واحد وهو مستمرّ إلى الجزء الأخير ، فلا يعقل فيه التكرّر. وإن فسّرت بالإخطار فلا يضرُّ التكرار ، فانّ الإخطارات العديدة مؤكّدة للنيّة ، لا أنّها مخلّة. فالزيادة فيها غير متصوّرة بمعنى ، وغير قادحة بالمعنى الآخر.

وأمّا القيام : فالمتّصل منه بالركوع مقوّم له ومحقّق لمفهومه ، وليس واجباً آخر بحياله ، إذ ليس الركوع مجرّد التقوّس كيف ما اتفق ، بل هو الانحناء عن قيام ، فلا تتصوّر زيادته ولا نقيصته إلّا بزيادة الركوع ونقيصته.

وأمّا القيام حال تكبيرة الإحرام فهو وإن كان واجباً مستقلا إلّا أنّ زيادته لا تتحقّق إلّا بزيادة التكبيرة ، فإن قلنا بأنّ زيادتها السهوية مبطلة كان البطلان مستنداً إليها لا إلى القيام الزائد ، فإنّها تغني عنه ، وإلّا كما هو الأقوى على ما مرّ فلا بطلان رأساً كما لا يخفى.

نعم ، نقيصته ولو سهواً توجب البطلان ، فلو كبّر جالساً ناسياً بطلت صلاته للنصّ الخاص الدالّ عليه (١) كما سبق في محلّه (٢) الموجب لتقييد حديث لا تعاد. ومن هنا كان القيام حال تكبيرة الإحرام ركناً بالمعنى المختار في تفسير الركن لا على مسلك القوم كما أشرنا إليه سابقاً.

(١) تقدّم الكلام حول زيادة الأركان وحول زيادة السجدة الواحدة ، وأنّ الاولى مبطلة دون الثانية ، وأمّا ما عداها من سائر الأجزاء غير الركنية كالتشهّد والقراءة ونحوهما فالمشهور عدم البطلان بزيادتها السهوية.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٥٠٣ / أبواب القيام ب ١٣ ح ١.

(٢) شرح العروة ١٤ : ١١٢.


تشهّد أو نحو ذلك ممّا ليس بركن فلا تبطل ، بل عليه سجدتا السهو (*). وأمّا زيادة القيام الركني فلا تتحقق إلّا بزيادة الركوع أو بزيادة تكبيرة الإحرام ، كما أنّه لا تتصوّر زيادة النيّة بناءً على أنّها الداعي ، بل على القول بالإخطار لا تضرّ زيادتها.

______________________________________________________

ويدل عليه حديث لا تعاد ، بناءً على شموله للزيادة كما هو الصحيح على ما مرّ (١). نعم ، يشكل الأمر بناءً على اختصاصه في عقدي الاستثناء والمستثنى منه بالنقيصة ، فإنّ مقتضى صحيحة أبي بصير المتقدّمة (٢) الدالّة على عموم قدح الزيادة المفروض سلامتها عن حكومة الحديث عليها هو البطلان ، إذ لم يخرج عنها عدا زيادة السجدة الواحدة بمقتضى صحيحتي منصور وعبيد المتقدّمتين (٣) فيبقى ما عداها من سائر الأجزاء غير الركنية مشمولة للإطلاق.

ولا يمكن معارضتها بمرسلة سفيان بن السمط عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» (٤) بدعوى أنّ إيجاب سجدتي السهو كاشف عن الصحّة ودالّ عليها بالالتزام ، فإنّها ضعيفة السند بالإرسال ، غير منجبرة بالعمل حتّى لو سلمنا كبرى الانجبار ، إذ المشهور لم يلتزموا بمضمونها من وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة ، فلا تنهض لمقاومة الصحيحة الدالّة على البطلان.

__________________

(*) على الأحوط الأولى فيها وفيما بعدها من المسائل.

(١) في ص ٤٨ ٥٠.

(٢) في ص ٤٨.

(٣) في ص ٤٧ ، ٤٨.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٥١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.


[٢٠١٣] مسألة ١٢ : يستثني من بطلان الصلاة بزيادة الركعة ما إذا نسي المسافر سفره أو نسي أنّ حكمه القصر (١) فإنّه لا يجب القضاء إذا تذكّر خارج الوقت ، ولكن يجب الإعادة إذا تذكر في الوقت كما سيأتي إن شاء الله.

______________________________________________________

إلّا أن يقال : زيادة السجدة الواحدة إذا لم تستوجب البطلان كما دلّت عليه الصحيحتان المتقدّمتان مع كون السجود من الأجزاء الرئيسية ذات الأهمّية الدخيلة في مسمّى الصلاة على ما يكشف عنه حديث التثليث «الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود» (١) فزيادة ما عداها من الأجزاء غير الركنية التي هي دونها في الأهمية ولم تكن من المقوّمات ولا تعتبر إلّا في المأمور به ، لا تكاد تستوجبه بالأولوية القطعية ، أو يتمّم الحكم فيها بعدم القول بالفصل.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي التأمّل في عدم البطلان بزيادتها السهوية ، إمّا لحديث لا تعاد ، أو للتعدّي من السجدة الواحدة أمّا بالفحوى أو بعدم القول بالفصل ، إذ لم ينقل عن أحد التفكيك بين السجدة الواحدة وبين ما عداها من غير الأركان.

(١) فكان ناسياً للحكم أو الموضوع ، وكذا إذا كان جاهلاً ببعض خصوصيات الحكم ، فإنّه لا يجب عليه القضاء إذا كان التذكّر خارج الوقت وإن وجبت الإعادة لو تذكّر في الوقت ، وأمّا لو كان جاهلاً بأصل الحكم فلا تجب عليه الإعادة أيضاً ، كلّ ذلك للنصوص الخاصّة المخصّصة لما دلّ على بطلان الصلاة بزيادة الركعة ولو سهواً (٢) ، وسيجي‌ء تفصيل الكلام حول ذلك مستقصى في

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٠ / أبواب الركوع ب ٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١ ، ٢ وغيرهما.


[٢٠١٤] مسألة ١٣ : لا فرق في بطلان الصلاة بزيادة ركعة بين أن يكون قد تشهّد في الرابعة ثمّ قام إلى الخامسة أو جلس بمقدارها كذلك أو لا (١) وإن كان الأحوط في هاتين الصورتين إتمام الصلاة لو تذكّر قبل الفراغ ثمّ إعادتها.

[٢٠١٥] مسألة ١٤ : إذا سها عن الركوع حتّى دخل في السجدة الثانية بطلت صلاته (٢).

______________________________________________________

بحث صلاة المسافر إن شاء الله تعالى (١).

(١) كما مرّ في المسألة الحادية عشرة.

(٢) الكلام في ناسي الركوع يقع تارة فيما إذا كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية أو بعد رفع الرأس عنها ، وأُخرى فيما لو تذكّر قبل الدخول فيها ، سواء أكان بعد الدخول في السجدة الأُولى أم قبله. فهنا مقامان :

أمّا المقام الأوّل : فالمعروف والمشهور بين الأصحاب من القدماء والمتأخّرين هو البطلان ، للزوم زيادة الركن وهو السجدتان لو تدارك الركوع ، ونقيصته وهو الركوع لو لم يتدارك. فلا يمكن تصحيح الصلاة على كلّ حال.

وهناك أقوال أُخر :

منها : ما عن الشيخ في المبسوط من التفصيل بين الركعتين الأُوليين وثالثة المغرب وبين الأخيرتين من الرباعية ، فاختار البطلان في الأوّل والصحّة في الثاني بإسقاط السجدتين وإتمام الصلاة بعد تدارك الركوع (٢). وحكي عنه اختيار

__________________

(١) شرح العروة ٢٠ : ٣٦٠ وما بعدها.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٩ ، ١١٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

هذا التفصيل أيضاً في كتابي الحديث التهذيب والاستبصار (١).

ومنها : ما حكاه في المبسوط عن بعض الأصحاب من الحكم بالصحّة مطلقاً وإسقاط الزائد ، من غير فرق بين الأُوليين والأخيرتين (٢). وعن العلّامة إسناد هذا القول إلى الشيخ نفسه أيضاً (٣).

ومنها : ما عن علي بن بابويه وابن الجنيد من التفصيل بين الركعة الأُولى فتبطل دون ما عداها من بقيّة الركعات. قال الأوّل فيما حكي عنه : وإن نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأُولى فأعد صلاتك ، لأنّه إذا لم تثبت لك الاولى لم تثبت لك صلاتك ، وإن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين ، واجعل الثالثة ثانية ، والرابعة ثالثة (٤). وقريب منه العبارة المحكيّة عن ابن الجنيد (٥). فالأقوال في المسألة أربعة :

أمّا القول الأخير فلا مستند له عدا الفقه الرضوي المشتمل على مثل العبارة المزبورة على النهج الذي قدّمناه (٦). وقد تقدّم مراراً عدم جواز الاعتماد عليه إذ لم يثبت كونه رواية ، فضلاً عن أن تكون معتبرة.

وأمّا التفصيل المحكي عن الشيخ فليس له مستند أصلاً ، إذ لم يرد ذلك حتّى في رواية ضعيفة ، وإنّما اعتمد (قدس سره) في ذلك على ما ارتئاه في كيفية

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٩ ذيل ح ٥٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ ذيل ح ١٣٤٨ [لكن خصّ التفصيل بين الأُوليين والأخيرتين من الرباعية].

(٢) المبسوط ١ : ١١٩.

(٣) المنتهي : ٤٠٨ السطر ٣٢.

(٤) حكاه عنهما في المختلف ٢ : ٣٦٥ المسألة ٢٥٨.

(٥) حكاه عنهما في المختلف ٢ : ٣٦٥ المسألة ٢٥٨.

(٦) فقه الرضا : ١١٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

الجمع بين الأخبار من حمل الدالّة على البطلان على الأُوليين ، وما دلّ على الصحّة على الأخيرتين ، وهو جمع تبرّعي لا شاهد عليه كما اعترف به غير واحد.

ومن هنا اعتذر عنه بابتنائه على مذهبه من وجوب سلامة الأُوليين عن السهو ، للروايات الدالّة عليه (١) التي هي الشاهدة لهذا الجمع. وفيه : ما لا يخفى. وكيف ما كان ، فهذا القول يتلو سابقه في الضعف.

وأمّا القول الثالث : أعني إسقاط الزائد والحكم بالصحّة مطلقاً فتدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) : «في رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع ، قال : فان استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني على صلاته على التمام ، وإن كان لم يستيقن إلّا بعد ما فرغ وانصرف فليقم فليصلّ ركعة وسجدتين ولا شي‌ء عليه» (٢).

وقد رواها في الوسائل والحدائق عن التهذيب والفقيه عن أبي جعفر (عليه السلام) (٣) لكن صاحب المدارك على ما حكاه عنه المحقّق الهمداني رواها عن أبي عبد الله (عليه السلام) (٤). والظاهر أنّه اشتباه ، والصحيح أنّها مروية عن أبي جعفر (عليه السلام) كما ذكرنا.

وكيف ما كان ، فمتن الصحيحة على النحو الذي قدّمناه المذكور في الوسائل والتهذيب غير خال من التشويش ، لكون السؤال عن حكم الشكّ ، فلا يرتبط

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٤ / أبواب الركوع ب ١١ ح ٢.

(٣) الحدائق ٩ : ١٠٨ ، التهذيب ٢ : ١٤٩ / ٥٨٥ ، الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٦.

(٤) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٣٢ السطر ٢٨ [لاحظ المدارك ٤ : ٢١٩].


.................................................................................................

______________________________________________________

به الجواب المتعرّض لحكم اليقين. والظاهر أنّ في العبارة سقطاً ، وقد نقلها في الفقيه بمتن أوضح وأمتن ، قال : «في رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع ، فقال : يمضي في صلاته حتّى يستيقن أنّه لم يركع ، فان استيقن أنّه لم يركع فليلق السجدتين اللتين لا ركوع لهما ويبني على صلاته التي على التمام».

وكيف ما كان ، فقد دلّت الصحيحة بوضوح على عدم البطلان مع الاستيقان وأنّه يلقي السجدتين ويأتي بالركوع المنسي ويمضي في صلاته ، من غير فرق بين الأُوليين والأخيرتين ، ولا بين الاولى وبقيّة الركعات ، بمقتضى الإطلاق.

وأمّا ما تضمّنه ذيل الصحيحة من قوله (عليه السلام) : «وإن كان لم يستيقن إلّا بعد ما فرغ وانصرف ...» إلخ فهو حكم مطابق للقاعدة ، إذ بعد البناء على الإلقاء وإسقاط الزائد كما دلّ عليه الصدر فالاستيقان المزبور بمثابة ما لو التفت بعد الفراغ والتسليم إلى نقصان ركعة ، المحكوم حينئذ بالتدارك والإتيان بها ما لم يصدر المنافي ، فغايته تنزيل الإطلاق على هذا الفرض أي عدم صدور المنافي بل لعلّه منصرف النصّ ، فانّ المراد من الانصراف هو التسليم ، الذي أُطلق عليه في لسان الأخبار كثيراً (١) ، فلا يوجب ذلك طعناً في الصحيحة كما توهّم.

وعلى الجملة : فلو كنّا نحن والصحيحة كان اللّازم الأخذ بمقتضاها من الحكم بالصحّة مطلقاً ، لقوتها سنداً ودلالة.

ولكن بإزائها روايات أُخرى معتبرة قد دلّت على البطلان ، وهي ما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل ينسى أن يركع حتّى يسجد ويقوم ، قال : يستقبل» (٢).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٢١ / أبواب التسليم ب ٢ ح ١٠ وغيره.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٢ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٤٨ / ٥٨١.


.................................................................................................

______________________________________________________

وموثّقة إسحاق بن عمّار : «عن الرجل ينسى أن يركع ، قال : يستقبل حتّى يضع كلّ شي‌ء من ذلك موضعه» (١) فانّ الاستقبال ظاهر في الاستئناف ، إذ معناه جعل الصلاة قبالة ، المعبّر عنه بالفارسية بـ (از سر گرفتن) ، وهو مساوق للبطلان والإعادة.

وأصرح منهما صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة» (٢) ، لمكان التصريح بالاستئناف ، المؤيّدة بروايته الأُخرى قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل نسي أن يركع ، قال : عليه الإعادة» وإن كانت ضعيفة من أجل محمّد بن سنان (٣).

وقد جمع بينهما الشيخ (قدس سره) كما مرّ (٤) بحمل الاولى على الركعتين الأخيرتين وهذه على الأولتين ، وقد عرفت أنّه جمع تبرّعي لا شاهد عليه.

ومثله في الضعف ما عن صاحب الوسائل من حمل هذه على الفريضة والأولى على النافلة (٥) ، فإنّه أيضاً جمع تبرّعي عارٍ عن الشاهد كما لا يخفى.

وهناك جمع ثالث ذكره صاحب المدارك (٦) واستجوده المحقّق الهمداني (قدس سره) (٧) وهو الالتزام بالوجوب التخييري وأفضلية الاستئناف ، فانّ

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٤٩ / ٥٨٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٤٨ / ٥٨٠.

(٣) الوسائل ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٤٩ / ٥٨٤.

(٤) في ص ٥٥ ، ٥٧.

(٥) الوسائل ٦ : ٣١٤ / أبواب الركوع ذيل ب ١٠.

(٦) المدارك ٤ : ٢١٩.

(٧) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٣٣ السطر ١١.


.................................................................................................

______________________________________________________

الأمر بالمضيّ في الصحيحة وبالاستئناف في هذه الروايات كلّ منهما ظاهر بمقتضى الإطلاق في الوجوب التعييني ، فيرفع اليد عن هذا الظهور في كلّ منهما ويحمل على التخيير بقرينة الأُخرى ، وإن كان الاستئناف أفضل الفردين.

وللمناقشة فيه مجال واسع ، فانّ مثل هذا الجمع إنّما يتّجه في الأحكام النفسية المولوية بعد إحراز وحدة التكليف ، كما لو دلّ دليل على وجوب القصر في مورد ودليل آخر على وجوب التمام ، أو أحدهما على الظهر والآخر على الجمعة ، فانّ كلّاً منهما متكفّل لحكم تكليفي مولوي ، وظاهر الأمر التعيين وحيث لا يحتمل تعدّد التكليف فترفع اليد عنه ويحمل على التخيير.

أمّا في مثل المقام ونحوه فلا يمكن المصير إلى هذا الجمع ، ضرورة أنّ الأمر الوارد في الدليلين إرشاديّ محض ، فإنّ الأمر بالإلقاء والمضيّ الوارد في الصحيحة إرشاد إلى الصحّة ، وليس حكماً تكليفياً ، إذ يسوغ له رفع اليد بناءً على جواز قطع الفريضة. كما أنّ الأمر بالاستيناف الوارد في هذه الأخبار إرشاد إلى البطلان.

ومن الواضح أنّه لا معنى للتخيير بين الصحّة والبطلان ، فإنّهما وصفان للعمل منتزعان من مطابقته للمأمور به وعدمها ، وليسا من أفعال المكلّف كي يكون مخيّراً بينهما. ومنه تعرف أنّه لا معنى لحمل الأمر بالاستيناف على الاستحباب ، إذ مرجعه إلى استحباب الفساد ، ولا محصّل له.

وبالجملة : فهذه الوجوه المذكورة للجمع كلّها ساقطة ، ولا يمكن المساعدة على شي‌ء منها ، فالمعارضة بين الطائفتين مستقرّة ، وحينئذ فامّا أن ترجّح الطائفة الثانية ، حيث إنّها أشهر نصّاً وفتوى وأوضح دلالة وأحوط ، وإلّا فيتساقطان ويرجع إلى ما تقتضيه القاعدة ، ومقتضى حديث لا تعاد حينئذ هو البطلان أيضاً ، للزوم الإخلال بالركن زيادة أو نقيصة على تقديري التدارك


وإن تذكّر قبل الدخول فيها رجع وأتى به وصحّت صلاته ، ويسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة ، ولكنّ الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الأُولى (١)

______________________________________________________

وعدمه ، لاستلزام زيادة السجدتين على الأوّل ، ونقص الركوع على الثاني كما مرّ. فالمتعيّن هو القول بالبطلان مطلقاً كما عليه المشهور.

(١) المقام الثاني : ما إذا كان التذكّر قبل الدخول في السجدة الثانية ، وقد ذهب جماعة كثيرون إلى البطلان هنا أيضاً ، بل نسب ذلك إلى المشهور ، واختار جمع آخرون منهم السيِّد الماتن (قدس سره) الصحّة ، فيرجع ويتدارك الركوع لبقاء المحلّ ، إذ لا يترتّب عليه عدا زيادة السجدة الواحدة سهواً ، الّتي هي ليست بقادحة نصّاً وفتوى كما مرّ (١).

ويستدلّ للبطلان بإطلاق رواية أبي بصير المتقدّمة (٢) فإنّه يشمل ما إذا كان التذكّر قبل الدخول في السجدة الثانية ، فلأجلها يحكم بالبطلان ، وإن كان مقتضى القاعدة الصحّة كما عرفت.

وفيه أوّلاً : أنّها ضعيفة السند بمحمّد بن سنان كما مرّ ، غير منجبرة بعمل المشهور ولو سلّمنا كبرى الانجبار ، إذ لا صغرى لها في المقام ، فإنّ القائلين بالصحّة أيضاً جماعة كثيرون ، وإن كان القول بالبطلان أكثر. فلا شهرة في البين بمثابة يكون القول الآخر شاذاً كي يتحقّق بها الجبر.

وثانياً : أنّها قاصرة الدلالة ، لعدم إطلاق لها بحيث يشمل المقام ، لوضوح أنّ المراد من نسيان الركوع التجاوز عنه والخروج عن المحلّ بمثابة لا يمكن

__________________

(١) في ص ٤٨.

(٢) في ص ٥٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

تداركه ووضع كلّ شي‌ء في موضعه ، وإلّا فمجرّد النسيان كيف ما كان ولو آناً ما غير مستوجب للبطلان قطعاً ، ولذا لو تذكّر عند الهوي إلى السجود وقبل أن يسجد رجع وأتى به وصحّت صلاته بلا إشكال.

فالمراد منه ما إذا لم يمكن معه الرجوع والتدارك كما عرفت ، وهو مختصّ بما إذا كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية ، للزوم زيادة الركن حينئذ كما مرّ ، وأمّا لو تذكّر قبل ذلك فيمكنه التدارك ، إذ لا يترتّب عليه عدا زيادة سجدة واحدة سهواً ، ولا ضير فيها بمقتضى النصوص الخاصّة على ما سبق.

وعلى الجملة : فبعد ملاحظة عدم قادحية الزيادة السهوية للسجدة الواحدة كما دلّت عليه تلك النصوص ، المقتضية للتوسعة في المحلّ الشرعي المقرّر للركوع كان تداركه ممكناً لبقاء المحلّ ، فلو تركه ولم يرجع استند الترك إلى العمد دون النسيان ، فيخرج عن موضوع الرواية بطبيعة الحال.

وثالثاً : سلّمنا الإطلاق لكنّه معارض بإطلاق صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إذا نسيت شيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ثمّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء» (١) ، دلّت على وجوب تدارك المنسي الذي من جملته الركوع ، والإتيان به مساوياً لما فات ، وبذلك تصحّ الصلاة.

ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما إذا كان التذكّر قبل الدخول في السجدة الثانية أم بعده ، فهي معارضة لرواية أبي بصير الدالّة على البطلان مطلقاً بالتباين لكن الصحيحة مخصّصة بالنصوص المتقدّمة الدالّة على البطلان فيما لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية ، فهي محمولة بعد التخصيص على ما لو كان التذكّر قبل الدخول فيها.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٦ / أبواب الركوع ب ١٢ ح ٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

وحينئذ تنقلب النسبة بينها وبين الرواية من التباين إلى العموم والخصوص المطلق ، فيقيد بها إطلاق الرواية ، بناءً على ما هو الصحيح من صحة انقلاب النسبة كما هو المحرّر في الأُصول (١) ، فتكون النتيجة اختصاص البطلان بما إذا كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية.

ورابعاً : مع الإغماض عن كلّ ما مرّ فإطلاق الرواية مقيّد بمفهوم رواية أُخرى لأبي بصير صحيحة وقد تقدّمت (٢) فانّ المراد بالركعة فيها هو الركوع الذي صرّح به فيما بعد ، دون الركعة التامّة كما لا يخفى ، وقد ذكرنا في الأُصول (٣) أنّ الجملة الشرطية لو تركّبت من أمرين أو أُمور فالشرط هو المجموع وعليه يترتّب الجزاء ، كما أنّه بانتفائه المتحقّق بانتفاء البعض ينتفي الجزاء.

ففي مثل قوله : إن سافر زيد وكان سفره يوم الجمعة فتصدّق ، الشرط هو مجموع الأمرين من السفر ووقوعه يوم الجمعة ، ويدلّ المفهوم على انتفاء الجزاء بانتفاء واحد منهما ، فلكلّ من القيدين مفهوم.

نعم ، لو كان أحدهما مسوقاً لبيان تحقّق الموضوع اختصّ الآخر بالدلالة على المفهوم ، لأنّ نفي الحكم عند نفي الأوّل من باب السالبة بانتفاء الموضوع لا من باب الدلالة على المفهوم ، لتوقفها على إمكان ثبوت الجزاء لدى الانتفاء وعدم الثبوت كما هو ظاهر.

ففي مثل قولنا : إن سافر الأمير وكان سفره يوم الجمعة فخذ ركابه ، كان القيد الذي باعتباره يدلّ الشرط على المفهوم خصوص الثاني ، فمفهومه عدم وجوب الأخذ بالركاب لو سافر في غير يوم الجمعة ، لا عدم وجوب الأخذ به

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٤٠١.

(٢) في ص ٥٩.

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٨٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

لو لم يسافر.

وحينئذ نقول : الجملة الشرطية في المقام مؤلّفة من قيدين لكلّ منهما مفهوم أحدهما اليقين بترك الركعة أعني الركوع كما عرفت والآخر كونه قد سجد السجدتين ، والجزاء أعني الاستئناف معلّق على استجماع الأمرين معاً ، فلا استئناف لدى انتفاء واحد منهما بمقتضى مفهوم الشرط.

فلو لم يتيقّن بالترك بل بقي شاكاً صحّت صلاته بمقتضى هذا المفهوم ، المطابق لأخبار قاعدة التجاوز المصرّحة بعدم الاعتناء بالشكّ في الركوع بعد ما سجد كما أنّه لو تيقّن ولكن لم يكن قد سجد السجدتين صحّت صلاته أيضاً ، ولم يجب الاستئناف.

فالصحيحة باعتبار القيد الثاني المأخوذ في الجملة الشرطية تدلّ بالمفهوم على نفي الإعادة لو كان التذكّر واستيقان الترك قبل الدخول في السجدة الثانية وبذلك يقيّد إطلاق الرواية الدالّة على البطلان بنسيان الركوع ، وتحمل على ما إذا كان التذكّر بعد الدخول فيها.

فاتضح ممّا مرّ أنّ هذه الرواية غير صالحة للاستدلال بها على البطلان في المقام.

وأمّا موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة (١) فعدم صلاحيتها للاستدلال أوضح فانّ الاستقبال المذكور فيها إن أُريد به الرجوع وتدارك الركوع كما احتمله بعض فهي على خلاف المطلوب أدلّ كما لا يخفى ، وإن أُريد به الاستئناف كما استظهرناه فالذيل أعني قوله : «حتّى يضع كل شي‌ء من ذلك موضعه» الذي هو بمنزلة التعليل موجب لتضييق الحكم واختصاصه بما إذا لم يمكن وضع كلّ شي‌ء موضعه إلّا بالاستئناف ، وهو ما لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة

__________________

(١) في ص ٥٩.


(٢٠١٦) مسألة ١٥ : لو نسي السجدتين (١) ولم يتذكّر إلّا بعد الدخول في الركوع من الركعة التالية بطلت صلاته ، ولو تذكّر قبل ذلك رجع وأتى بهما وأعاد ما فعله سابقاً ممّا هو مرتّب عليهما بعدهما ، وكذا تبطل الصلاة لو نسيهما من الركعة الأخيرة حتّى سلّم وأتى بما يبطل الصلاة عمداً وسهواً كالحدث والاستدبار ، وإن تذكّر بعد السلام قبل الإتيان بالمبطل فالأقوى أيضاً البطلان (*) ، لكن الأحوط التدارك ثمّ الإتيان بما هو مترتّب عليهما ثمّ إعادة الصلاة ، وإن تذكّر قبل السلام أتى بهما وبما بعدهما من التشهّد والتسليم وصحّت صلاته ، وعليه سجدتا السهو لزيادة التشهّد أو بعضه وللتسليم المستحب.

______________________________________________________

الثانية ، إذ لو كان قبله فهو متمكّن من وضع كلّ شي‌ء موضعه من غير استئناف بعد ملاحظة ما دلّ على أنّ زيادة السجدة الواحدة ليست بقادحة.

فاحتفاف الكلام بهذا الذيل الذي هو بمثابة العلّة الموجبة لتقييد الحكم بموردها مانع عن انعقاد الإطلاق بحيث يشمل المقام كما هو ظاهر.

والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ رواية أبي بصير كغيرها من النصوص المستدلّ بها في المقام الأوّل مختصّة به وغير شاملة للمقام. ومقتضى القاعدة هنا الصحّة ، فيرجع ويتدارك الركوع ولا شي‌ء عليه ، إذ أقصاه زيادة السجدة الواحدة سهواً التي لا ضير فيها بمقتضى النصوص المتقدّمة كما عرفت.

(١) أمّا لو كان التذكّر قبل الدخول في ركوع الركعة اللّاحقة فلا إشكال فيه ، فيرجع ويتدارك السجدتين ويمضي في صلاته ، ولا بأس بالزيادات الصادرة سهواً الواقعة في غير محلّها من القيام والقراءة أو التسبيح بعد كونها مشمولة

__________________

(*) بل الأقوى عدمه ، فيتداركهما ويأتي بما هو مترتّب عليهما ، نعم الإعادة بعد ذلك أحوط.


.................................................................................................

______________________________________________________

لحديث لا تعاد.

وأمّا لو تذكّر بعد الدخول فيه فلا مناص من الحكم بالبطلان كما عليه المشهور بل قيل إنّه ممّا لا خلاف فيه ، للزوم زيادة الركوع لو تدارك ، ونقص السجدتين لو لم يتدارك ، فهي غير قابلة للعلاج ، لاستلزام الإخلال بالركن على أيّ حال فيشملها عقد الاستثناء في حديث لا تعاد ، الذي هو شامل للزيادة كالنقيصة كما سبق.

وربما يتصدّى للعلاج استناداً إلى حديث لا تعاد ، بدعوى أنّه لو تدارك السجدتين بعد الركوع وأتى بهما وبسجدتي الركعة التي بيده فلا خلل عندئذ إلّا من ناحية الترتيب ، والحديث يؤمّننا عن كلّ خلل ما عدا الخمس ، وليس الترتيب منها.

وبالجملة : تتألف الصلاة الرباعية مثلاً من ركوعات أربعة وثمان سجدات وعند تدارك السجدتين على النهج المزبور لم يكن ثمّة أيّ إخلال بشي‌ء منها ، لا زيادة ولا نقصاً ، غاية ما هناك فقد شرط الترتيب وإيقاع السجدتين اللّتين محلّهما قبل الركوع بعده ، ومثله مشمول لحديث لا تعاد.

لكنّه بمراحل عن الواقع ، بل في غاية الضعف والسقوط ، فإنّه لو صنع مثل ذلك أي أخّر السجدتين من الركعة السابقة عن ركوع الركعة اللّاحقة سهواً ثمّ تذكّر بعد الدخول في الجزء المترتّب أو بعد الفراغ من الصلاة كان لما ذكر من عدم الإخلال حينئذ إلّا بالترتيب وجه ، وأمكن أن يكون قابلاً للتصديق.

أمّا في مثل المقام المفروض فيه الالتفات إلى التأخير حين العمل فهو ساقط جزماً ، للزوم الإخلال بالترتيب عمداً ، ومثله غير مشمول للحديث قطعاً كما مرّ سابقاً.


.................................................................................................

______________________________________________________

ومن هنا ذكرنا في محلّه (١) أنّه لو نسي المغرب وتذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة من العشاء بطلت ، لفقد شرط الترتيب ، ولا يمكن تصحيحها بالحديث ، فإنّه عامد في الإخلال به بالإضافة إلى الركعة الرابعة وإن كان ساهياً في الركعات السابقة ، ولا ريب في اعتبار الترتيب في صلاة العشاء بتمام ركعاتها ويترتّب على ذلك فروع كثيرة مذكورة في محالّها.

على أنّه غير قابل للتصديق في الفرض السابق أيضاً ، ضرورة أنّ الترتيب سواء أكان شرطاً للصلاة أم لنفس الأجزاء لم يكن معتبراً في الصلاة بحياله كي يكون موضوعاً مستقلا في مشموليته للحديث ، وإنّما هو منتزع من الأمر بالأجزاء بكيفية خاصّة من التكبير ثمّ القراءة ثمّ الركوع وبعده السجود وهكذا فهو مقوّم لجزئية الجزء ، ومحصّص له بحصّة خاصّة.

فالقراءة المعدودة من الأجزاء هي المسبوقة بالتكبير والملحوقة بالركوع ، كما أنّ الركوع المتّصف بالجزئية حصّة خاصّة منه وهو المسبوق بالقراءة الملحوق بالسجود ، وهكذا الحال في سائر الأجزاء. فالعاري عن هذه الخصوصية غير متّصف بالجزئية ، والإخلال بها إخلال بالجزء نفسه حقيقة. وعليه فلو أخّر السجدتين من الركعة السابقة عن ركوع الركعة اللّاحقة فقد أخلّ بنفس السجدتين لدى التحليل ، لا بمجرّد الترتيب ، فيدخل في عقد الاستثناء من حديث لا تعاد المقتضي للبطلان. وكيف ما كان ، فهذه الدعوى ساقطة جزماً ، ولا مناص من الحكم بالبطلان في المقام كما عرفت.

هذا كلّه فيما إذا كانت السجدتان المنسيتان من غير الركعة الأخيرة ، وأمّا لو نسيهما منها فان تذكّر قبل السلام أتى بهما وبما بعدهما من التشهّد والتسليم

__________________

(١) شرح العروة ١١ : ٤٠٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

وصحّت صلاته بلا إشكال ، لبقاء محلّ التدارك. نعم ، عليه سجدتا السهو لزيادة التشهّد أو بعضه وللتسليم المستحب بناءً على وجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة وإلّا فلا. وسيجي‌ء الكلام حول ذلك في محلّه إن شاء الله تعالى (١).

وأمّا لو لم يتذكّر حتّى سلّم فلا ينبغي الإشكال في البطلان فيما لو كان قد أتى بما يبطل الصلاة عمداً وسهواً كالحدث والاستدبار ونحوهما ، لعدم إمكان التدارك عندئذ ، فانّ السلام إن كان واقعاً في محلّه وتحقّق معه الخروج عن الصلاة فقد نقص الركن ، وإلّا فلا يقبل الإلحاق والتدارك بعد حصول المبطل في الأثناء ، المانع عن صلاحية الانضمام كما هو واضح. فهذه الصلاة بمقتضى مفهوم لا تعاد محكومة بالفساد.

إنّما الكلام فيما لو تذكّر قبل الإتيان بالمنافيات أو أتى بما لا ينافي إلّا عمداً كالتكلّم ، فقد ذهب جماعة منهم السيِّد الماتن (قدس سره) إلى البطلان ، بل نسب ذلك إلى المشهور. وعن جماعة آخرين الصحّة ، وهي الأقوى.

ويستدلّ للبطلان بنقصان الركن وعدم إمكان تداركه ، لخروجه عن الصلاة بالسلام ، فإنّه مخرج تعبّدي ومانع عن الانضمام وإن وقع في غير محلّه ، كما تشهد به جملة من النصوص عمدتها صحيحة الحلبي ، قال «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : كلّ ما ذكرت الله عزّ وجلّ به والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) فهو من الصلاة ، وإن قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت» (٢).

أقول : الظاهر هو الحكم بالصحّة لحديث لا تعاد ، فانّ المستفاد من النصوص أنّ للسلام حيثيتين لا ثالث لهما :

إحداهما : أنّه الجزء الوجوبي الأخير من الصلاة ، وبه يتحقّق التحليل عن

__________________

(١) في ص ٣٦١.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٢٦ / أبواب التسليم ب ٤ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

المنافيات كما نطقت به الروايات المتضمّنة أنّ افتتاحها التكبير وآخرها التسليم أو تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (١).

ثانيتهما : حيثية القطع والخروج ، وأنّه متى ما تحقّق يوجب قطع الصلاة وزوال الهيئة الاتصالية ، بحيث يمنع عن انضمام باقي الأجزاء بسابقتها وصلوحها للالتحاق بها ، إمّا لكونه من كلام الآدمي أو لأنّه بنفسه مخرج تعبّدي.

ومن هنا ورد عن الصادق (عليه السلام) في مرسلة الصدوق أنّ ابن مسعود أفسد على الناس صلاتهم بقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، يعني في التشهّد الأوّل (٢). ومرجع هذا إلى اعتبار عدم السلام الواقع في غير محلّه في الصلاة ، وأنّه مانع أو قاطع. ولا نرى اعتباراً آخر للسّلام وراء هاتين الحيثيتين.

لكن اعتبار المانعية له كغيره من بقيّة الموانع مقيّد بحال الذكر بمقتضى حديث لا تعاد ، الحاكم على الأدلّة الأوّلية ، فإنّه غير قاصر الشمول له ، فيدلّ على أنّ السلام الواقع في غير محلّه الذي كان مانعاً في طبعه لا مانعية له لو تحقّق نسياناً كما في المقام ، وأنّ وجوده كالعدم ، فلا تأثير له في الخروج والقطع. ونتيجة ذلك بقاء محلّ تدارك السجدتين.

وبعبارة اخرى : نقصان الركن منوط بالخروج عن الصلاة بالسلام الواقع في غير محلّه سهواً ، والحديث يقضي بإلغاء هذا السلام ، المستتبع لعدم تأثيره في الخروج ، فلا مانع من التدارك.

ومع الإغماض عن حديث لا تعاد فيكفينا في الحكم بالصحّة ما ورد في نسيان الركعة ، وأنّ من نسي الرابعة مثلاً فسلّم على الثلاث ثمّ تذكّر قام وأتى بها ثمّ بسجدتي السهو للسلام الزائد ، فإنّه يظهر منه بوضوح أنّ زيادة السلام

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٥ / أبواب التسليم ب ١ ح ٢ ، ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٤١٠ / أبواب التشهّد ب ١٢ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٦١ / ١١٩٠.


[٢٠١٧] مسألة ١٦ : لو نسي النيّة أو تكبيرة الإحرام بطلت صلاته سواء تذكّر في الأثناء أو بعد الفراغ ، فيجب الاستئناف (١).

______________________________________________________

ووقوعه في غير محلّه لا يستوجب البطلان ، بل أقصاه الإتيان بسجدتي السهو وهذا منطبق على المقام بعينه كما هو ظاهر جدّاً.

فالأقوى هو الحكم بالصحّة في المقام ، وإن كان الاحتياط بالتدارك ثمّ الإتيان بما هو مرتّب عليهما ثمّ إعادة الصلاة ممّا لا ينبغي تركه ، لمصير جمع إلى البطلان ، بل نسب إلى المشهور كما عرفت.

(١) أمّا النيّة فلا إشكال كما لا خلاف في أنّ نسيانها يستوجب البطلان فإنّه إن أُريد بها قصد عنوان العمل من الظهرية والعصرية ونحوهما فلا شك أنّ هذه من العناوين الدخيلة في حقيقة الصلاة التي لا تكاد تتميّز عن غيرها إلّا بالقصد والنيّة ، فهي وإن تشاركت في الصورة لكنّها تختلف في الحقيقة بعناوينها المتقوّمة بالقصد.

فالإخلال بها إخلال بالعنوان ، الموجب لبطلان الصلاة ، فلو أراد العصر فنسيها وقصد الظهر أو القضاء أو النافلة لم تتحقّق منه صلاة العصر بالضرورة فتبطل بطبيعة الحال ، لما عرفت من أنّ العناوين القصدية لا مناص من تعلّق القصد بها بخصوصها.

وإن أُريد بها قصد القربة فكذلك ، فإنّ الصلاة عبادة ، ولا عبادة من دون قصد التقرّب والإضافة إلى المولى نحو إضافة ، فالإخلال به ولو سهواً إخلال بالعبادة.

وعلى الجملة : فنسيان النيّة بكلا معنييها يستتبع البطلان بمقتضى القاعدة مضافاً إلى التسالم والإجماع المدّعى عليه في كلمات غير واحد.

ولا مجال للحكم بالصحّة استناداً إلى حديث لا تعاد ، الخالي عن ذكر النيّة


.................................................................................................

______________________________________________________

لوضوح أنّها لم تكن في عرض سائر الأجزاء والشرائط ، وإنّما هي في طولها فإنّ النيّة هي الداعي والباعث على العمل ، والداعي خارج عن نفس العمل وإن كان العمل مقيّداً بصدوره عنه. ولا ريب أنّ الحديث ناظر إلى العمل نفسه ومتعرّض للإخلال المتعلّق بذات الصلاة ، ولا نظر فيه إلى ما تنبعث عنه كما لا يخفى.

وأمّا تكبيرة الإحرام فلا خلاف أيضاً في بطلان الصلاة بنسيانها ، بل عليه إجماع الأصحاب كما عن غير واحد ، وتشهد له جملة من النصوص المعتبرة.

منها : صحيحة زرارة المرويّة بعدّة طرق ، قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح ، قال : يعيد» (١).

وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) : «في الذي يذكر أنّه لم يكبّر في أوّل صلاته ، فقال : إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد ، ولكن كيف يستيقن» (٢).

وموثّقة عبيد بن زرارة : «عن رجل أقام الصلاة فنسي أن يكبّر حتّى افتتح الصلاة ، قال : يعيد الصلاة» (٣) ، ونحوها غيرها. وظاهرها بطلان الصلاة بنسيان التكبير مطلقاً.

ولكن بإزائها روايات أُخرى أيضاً معتبرة دلّت على التفصيل بين التذكّر قبل الدخول في الركوع وبعده ، وأنّ البطلان مختصّ بالأوّل :

كصحيحة زرارة : «الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح ، فقال : إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثمّ قرأ ثمّ ركع ، وإن ذكرها في الصلاة كبّرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراءة وبعد القراءة ، قلت : فان ذكرها بعد الصلاة ، قال : فليقضها

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٢ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ١٣ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ١٣ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولا شي‌ء عليه» (١).

قال الشيخ : قوله : «فليقضها» يعني الصلاة (٢). ولكنّه كما ترى بعيد جدّاً ، سيما بملاحظة قوله : «ولا شي‌ء عليه» ، بل الظاهر عود الضمير إلى التكبيرة ، فيقضي التكبير فقط.

وموثّقة أبي بصير : «عن رجل قام في الصلاة فنسي أن يكبّر فبدأ بالقراءة فقال : إن ذكرها وهو قائم قبل أن يركع فليكبّر ، وإن ركع فليمض في صلاته» (٣).

ونحوها صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر : «رجل نسي أن يكبّر تكبيرة الافتتاح حتّى كبّر للركوع ، فقال : أجزأه» (٤).

ومقتضى الصناعة : لو كنّا نحن وهذه الأخبار جعل الطائفة الثانية المصرّحة بالتفصيل مقيّدة للطائفة الأُولى الدالّة على البطلان مطلقاً ، فتحمل على ما لو تذكّر قبل الدخول في الركوع.

إلّا أنّ هذه الطائفة المقيّدة في نفسها مبتلاة بالمعارض ، لوجود روايات اخرى دلّت على البطلان فيما لو لم يتذكّر حتّى ركع ، وهي :

صحيحة علي بن يقطين : «عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتّى يركع قال : يعيد الصلاة» (٥).

وموثّقة الفضل بن عبد الملك أو ابن أبي يعفور : «في الرجل يصلّي فلم يفتتح بالتكبير هل تجزيه تكبيرة الركوع؟ قال : لا ، بل يعيد صلاته إذا حفظ أنّه لم

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٤ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٨.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٥ ذيل ح ٥٦٧.

(٣) الوسائل ٦ : ١٥ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ١٠.

(٤) الوسائل ٦ : ١٦ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٣ ح ٢.

(٥) الوسائل ٦ : ١٣ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

يكبّر» (١) ، فبعد التعارض والتساقط تبقى الطائفة الأُولى سليمة عمّا يصلح للتقييد.

وهناك تفصيل آخر ربما يظهر من بعض النصوص ، وهو أنّه إن كان من نيّته أن يكبّر صحّت صلاته وإلّا بطلت ، دلّت عليه صحيحة الحلبي «عن رجل نسي أن يكبّر حتّى دخل في الصلاة ، فقال : أليس كان من نيّته أن يكبّر؟ قلت : نعم ، قال : فليمض في صلاته» (٢).

ولكن الصحيحة وإن كانت في بادئ النظر أخصّ مطلقاً من الطائفة الأُولى الدالّة على البطلان ، إلّا أنّه لا يمكن ارتكاب التخصيص في تلك الأخبار بمثل هذه الصحيحة ، لاستلزامه تنزيل تلك الأخبار على الفرد النادر ، بل غير الواقع في الخارج ، ضرورة أنّ كلّ من يتصدّى للصلاة فهو من نيّته أن يكبّر ، وإن كان قد يذهل عنه أحياناً.

ففرض الدخول في الصلاة المؤلّفة ممّا يشتمل على التكبير من دون أن يكون من نيّته ذلك إمّا غير واقع خارجاً أو نادر التحقّق جدّاً ، فكيف يمكن حمل تلك الأخبار عليه. على أنّ هذا المعنى مشروب في مفهوم النسيان الذي فرضه السائل ، فإنّ الناسي هو الذي من نيّته أن يفعل فينسى كما لا يخفى.

وعليه فهذه الصحيحة لدى التدبّر معارضة مع تلك النصوص الدالّة على البطلان بالتباين ، فلا بدّ من الترجيح ، ولا شكّ أنّ تلك النصوص أرجح ، فإنّها أكثر وأشهر ، وهذه رواية شاذّة لم يعهد القول بها من أحد ، بل الإجماع قائم على البطلان كما تقدّم. على أنّ الصحيحة مطابقة لفتوى بعض العامّة ، حيث حكي عنهم الاكتفاء في الصحّة بمجرّد النيّة (٣) ، فهي محمولة على التقيّة.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٦ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ١٥ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٩.

(٣) حلية العلماء ٢ : ٨٩ ، المجموع ٣ : ٢٩٠ [حكي ذلك عن الزهري وغيره].


وكذا لو نسي القيام حال تكبيرة الإحرام (١)

______________________________________________________

ومع الغضّ عن كلّ ذلك وتسليم استقرار المعارضة فغايته التساقط ، فيرجع حينئذ إلى ما تقتضيه القاعدة ، ومقتضاها البطلان ، لانتفاء المركّب بانتفاء جزئه بعد وضوح الإطلاق في دليل جزئية التكبير الشامل لحالتي الذكر والنسيان.

ولا مجال للتمسّك بحديث لا تعاد ، لقرب دعوى قصر النظر فيه على الإخلال بالأجزاء بعد التلبّس بالصلاة والدخول فيها الذي لا يتحقّق إلّا بالتكبير ، فلا نظر فيه إلى التكبير نفسه ، إذ لا صلاة بدونه كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) في ذيل موثّقة عمّار : «... ولا صلاة بغير افتتاح» (١).

وعلى الجملة : دعوى انصراف الحديث عن التكبير غير بعيدة. على أنّه يكفينا مجرّد الشكّ في ذلك ، للزوم الاستناد في الخروج عمّا تقتضيه القاعدة التي قدّمناها إلى دليل قاطع كما لا يخفى.

(١) فإنّه ركن كنفس التكبير بالمعنى المختار في تفسير الركن ، أعني ما يوجب نقصه البطلان ولو سهواً كما سبق (٢) ، وهو مورد لاتفاق الأصحاب وتسالمهم فلو كبّر من وظيفته القيام جالساً نسياناً بطلت صلاته. كما أنّ الجلوس حال التكبير ممّن وظيفته الصلاة جالساً ركن ، فلو كبّر قائماً نسياناً أعاد صلاته وقد دلّت موثقة عمّار على كلا الحكمين صريحاً (٣)

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٤ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٧.

(٢) في ص ٥١.

(٣) الوسائل ٥ : ٥٠٣ / أبواب القيام ب ١٣ ح ١.


وكذا لو نسي القيام المتّصل بالرّكوع بأن ركع لا عن قيام (*) (١).

[٢٠١٨] مسألة ١٧ : لو نسي الركعة الأخيرة فذكرها بعد التشهّد قبل التسليم قام وأتى بها ، ولو ذكرها بعد التسليم الواجب قبل فعل ما يبطل الصلاة عمداً وسهواً قام وأتمّ ، ولو ذكرها بعده استأنف الصلاة من رأس (٢).

______________________________________________________

(١) ذكرنا في محلّه (١) أنّ القيام المتّصل بالركوع ليس ركناً آخر في قباله ، بل ليس واجباً مستقلا بحياله ، وإنّما اعتبر من أجل أنّ الركوع متقوّم به ولا يتحقّق بدونه ، إذ هو ليس مطلق التقوّس كيف ما كان ، بل الانحناء الخاص ، وهو ما كان عن قيام ومترتّباً عليه ، فالقيام المتصل مأخوذ في مفهوم الركوع.

وعليه فالإخلال به إخلال بالركوع نفسه لدى التحليل ولا يزيد عليه بشي‌ء فيلحقه حكم نسيان الركوع ، وقد عرفت أنّه لا يستوجب البطلان إلّا إذا استمرّ النسيان إلى ما بعد الدخول في السجدة الثانية ، لامتناع التدارك عندئذ ، فلا بطلان لو تذكّر قبله ، لإمكان التدارك ، إذ لا يترتّب عليه عدا زيادة سجدة واحدة سهواً ، وهي ليست بقادحة نصّاً وفتوى كما سبق.

(٢) قد يكون التذكّر بعد التشهّد وقبل التسليم ، وأُخرى بعد التسليم وقبل الإتيان بشي‌ء من المنافيات ، وثالثة بعد الإتيان بما لا ينافي إلّا عمداً كالتكلّم ورابعة بعد الإتيان بما ينافي عمداً وسهواً كالحدث والاستدبار. فصور المسألة أربع :

أمّا الصورة الاولى : فلا إشكال كما لا خلاف في عدم البطلان ، فيتدارك

__________________

(*) هذا إذا لم يمكن التدارك ، بأن كان التذكّر بعد السجدتين ، وإلّا فالحكم بالبطلان لا يخلو من إشكال بل منع.

(١) في شرح العروة ١٤ : ١٦٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

الركعة ولا شي‌ء عليه ، فانّ زيادة التشهّد الواقع في غير محلّه سهواً غير قادحة بمقتضى حديث لا تعاد ، غايته الإتيان بسجدتي السهو للتشهّد الزائد بناءً على وجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة.

وأمّا الصورة الثانية : فلا إشكال كما لا خلاف أيضاً في عدم البطلان. ويدلّ عليه مضافاً إلى مطابقته لمقتضى القاعدة بناءً على ما عرفت في المسألة السابقة من أنّ السلام الواقع في غير محلّه سهواً مشمول لحديث لا تعاد بالتقريب الذي سبق (١) جملة وافرة من النصوص التي منها موثّقة عمّار : «عن رجل صلّى ثلاث ركعات وهو يظنّ أنّها أربع ، فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث ، قال : يبني على صلاته متى ما ذكر ويصلّي ركعة ، ويتشهّد ويسلّم ويسجد سجدتي السهو ، وقد جازت صلاته» (٢). نعم ، عليه سجدتا السهو للسّلام الزائد كما تضمّنه ذيل الموثّقة.

وأمّا الصورة الثالثة : فالمعروف والمشهور عدم البطلان أيضاً ، لكن جماعة منهم الشيخ في النهاية (٣) حكموا بالبطلان ، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه (٤).

ويستدلّ له بعد الإجماع المزبور بأنّه من الكلام عمداً ولذا يصحّ لو كان عقداً أو إيقاعاً فيشمله ما دلّ على بطلان الصلاة بالكلام العمدي مثل ما ورد من أنّ : «من تكلّم في صلاته متعمّداً فعليه الإعادة» (٥).

ويردّه بعد وهن الإجماع المزبور بمصير المشهور إلى خلافه كما عرفت أنّه إن أُريد بالعمد القصد إلى ذات الكلام في مقابل الغفلة فحقّ لا سترة عليه

__________________

(١) في ص ٦٩.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٤.

(٣) النهاية : ٩٠.

(٤) الغنية : ١١١.

(٥) الوسائل ٧ : ٢٨١ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥ ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولذا يتحقّق به العقد أو الإيقاع كما ذكر ، ولا يكون بمثابة الصادر عن السكران أو الساهي. إلّا أنّ العمد بهذا المعنى لم يكن موضوعاً للبطلان ، بل المبطل هو العمد إلى الكلام بوصف كونه في الصلاة ، بأن يكون هذا الوصف العنواني أيضاً مقصوداً كما هو ظاهر الرواية المتقدّمة ، وهذا المعنى غير متحقّق في المقام بعد فرض اعتقاد الخروج عن الصلاة بالضرورة. وإن أُريد به العمد بالمعنى القادح في الصلاة فهو ممنوع كما عرفت.

وبالجملة : ليس المبطل العمد المتعلّق بذات الكلام ، بل بوصف كونه واقعاً في الصلاة ، فلو تكلّم عامداً إلى الكلام ناسياً كونه في الصلاة كما في المقام لم يوجب البطلان كما يكشف عنه صحيحة ابن الحجاج : «عن الرجل يتكلّم ناسياً في الصلاة يقول : أقيموا صفوفكم ، فقال : يتمّ صلاته ثمّ يسجد سجدتين» (١). فانّ التكلّم بقوله : «أقيموا صفوفكم» صادر عن عمد وقصد ، غير أنّه ناسٍ كونه في الصلاة ، هذا.

مضافاً إلى النصوص الدالّة على الصحّة في خصوص المقام ، التي منها صحيحة ابن مسلم : «في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم وهو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة وتكلّم ، ثمّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين ، فقال : يتمّ ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه» (٢).

والرواية صحيحة بلا إشكال كما وصفها بها في الحدائق (٣) ، غير أنّ المذكور في السند في الطبعة الجديدة من الوسائل (القاسم بن قاسم بن بريد) وهو مجهول والموثّق هو القاسم بن بريد ، ولا شك أنّ في النسخة تصحيفاً وأحد اللّفظين

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٩.

(٣) الحدائق ٩ : ٢٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

مكرّر ، والموجود في التهذيبين القاسم بن بريد (١) ، وكذلك في الوسائل في الطبعة المعروفة بطبعة عين الدولة. وكيف ما كان ، ففيما عداها غنى وكفاية.

وأمّا الصورة الرابعة : فالمشهور فيها هو البطلان ، خلافاً للصدوق في المقنع فحكم بالصحّة وأنّه يأتي بالفائت متى تذكّر ولو بلغ الصين كما في الخبر (٢) للنصوص الدالّة عليه كما ستعرف. وببالي أنّ بعض المتأخّرين استجود هذا القول قائلاً : إنّ النصوص الدالّة عليه كثيرة صحيحة السند قويّة الدلالة. وإعراض المشهور لا يسقطها عن الحجّية ، وليس البطلان لدى الإتيان بالمنافيات حكماً عقلياً غير قابل للتخصيص ، فليلتزم بالصحّة في خصوص المقام بعد مساعدة الدليل. وكيف ما كان ، فلا بدّ من النظر إلى الروايات الواردة في المقام وهي على طائفتين ، وكثيرة من الطرفين. ولنقدّم الروايات الدالّة على الصحّة.

فمنها صحيحة عبيد بن زرارة : «عن رجل صلّى ركعة من الغداة ثمّ انصرف وخرج في حوائجه ثمّ ذكر أنّه صلّى ركعة ، قال : فليتمّ ما بقي» (٣).

ومعتبرته «عن الرجل يصلّي الغداة ركعة ويتشهّد ثمّ ينصرف ويذهب ويجي‌ء ثمّ يذكر بعد أنّه إنّما صلّى ركعة ، قال : يضيف إليها ركعة» (٤) ، فانّ الخروج إلى الحوائج كما في الأُولى ، ولا سيّما الذهاب والمجي‌ء كما في الثانية الملازم للحركة نحو نقطتين متقابلتين يستلزم الاستدبار لا محالة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩١ / ٧٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٩ / ١٤٣٦.

(٢) [هذا ما حكاه عنه العلّامة في المختلف ٢ : ٣٩٦ والشهيد في الذكرى ٤ : ٣٤ ، لكن الموجود في المقنع : ١٠٥ ما لفظه : وإن صليت ركعتين ثمّ قمت فذهبت في حاجة لك فأعد الصلاة ولا تبن على ركعتين].

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ٣.

(٤) الوسائل ٨ : ٢١٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة ، فلما فرغ الإمام خرج مع الناس ، ثمّ ذكر بعد ذلك أنّه فاتته ركعة ، فقال : يعيدها ركعة واحدة» (١) ورواها في الحدائق عن الشيخ عن أحدهما (عليهما السلام) مع زيادة قوله (عليه السلام) : «يجوز له ذلك إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة ، فإذا حوّل وجهه عن القبلة فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالاً» (٢).

قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية من دون الزيادة : أقول : حمله الشيخ والصدوق وغيرهما على من لم يستدبر القبلة ، لما مضى ويأتي. وقد استظهر بعضهم من عبارة الوسائل هذه أنّ تلك الزيادة من كلام الشيخ ، وأنّها بيان منه (قدس سره) لمحمل الرواية ، وأنّ صاحب الحدائق غفل وتوهّم أنّها من متمّماتها.

أقول : الاستظهار المزبور في غير محلّه ، وليست تلك الزيادة من كلام الشيخ وإلّا لأوعز إليها بذكر الفاصل مثل كلمة (أقول) أو (قلت) ونحو ذلك كما هو دأبه وديدنه عند ذكر المحامل ، إذ ليس دأبه دأب الصدوق الجاري على ضمّ كلامه بالرواية والخلط بينهما.

والحقيقة أنّ الرواية المشتملة على تلك الزيادة رواية أُخرى مرويّة بطريق آخر ، قد ذكرها في الوسائل (٣) ، وهي من أدلّة القول المشهور ، ومعارضة لهذه الرواية ، نعم هي ضعيفة السّند فلا تنهض لمقاومة الصحيحة.

وبالجملة : أنّ للشيخ روايتين مرويتين بطريقين ، في أحدهما ضعف ، وقد

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٢.

(٢) الحدائق ٩ : ١٢٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٠٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

اشتملت إحداهما على الزيادة المزبورة دون الأُخرى ، ذكرهما في التهذيب (١) وأشار إليهما في الوسائل والحدائق. وعند ما تعرّض الشيخ للرواية الخالية عن الزيادة حملها على من لم يستدبر القبلة كما نقله عنه في الوسائل ، وليست تلك الزيادة من كلام الشيخ كما توهّمه المستظهر. وكيف ما كان ، فهذا الحمل الذي ذكره الشيخ (قدس سره) للصحيحة بعيد جدّاً ، فانّ الخروج مع الناس عن المسجد ملازم للاستدبار عادة ، إلّا أن يفرض أنّ باب المسجد على جهة القبلة ويرجع القهقرى ، لكنّه فرض نادر كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة زرارة «عن رجل صلّى بالكوفة ركعتين ثمّ ذكر وهو بمكّة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنّه صلّى ركعتين ، قال : يصلِّي ركعتين» (٢).

وموثّقة عمّار في حديث «والرجل يذكر بعد ما قام وتكلّم ومضى في حوائجه أنّه إنّما صلّى ركعتين في الظهر والعصر والعتمة والمغرب ، قال : يبني على صلاته فيتمّها ولو بلغ الصين ، ولا يعيد الصلاة» (٣). وهما صريحتان في المطلوب.

وبإزاء هذه الأخبار روايات أُخرى كثيرة أيضاً فيها الصحيح والموثّق قد دلّت على البطلان :

فمنها : صحيحة جميل «عن رجل صلّى ركعتين ثمّ قام ، قال : يستقبل ، قلت : فما يروي الناس ، فذكر حديث ذي الشمالين ، فقال : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لم يبرح من مكانه ، ولو برح استقبل» (٤). ونحوها موثّقة أبي

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨٤ / ٧٣٢ ، ٣٤٦ / ١٤٣٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٠٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٢٠.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

بصير (١) وسماعة (٢).

ولا يقدح اشتمال هذه الروايات على حكاية سهو النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) المنافي لأُصول المذهب في صحّة الاستدلال بها ، فإنّ الإمام (عليه السلام) لم يصدّق السائل ولم يقرّره في تلك الحكاية كما يشعر به جوابه بما يشتمل على كلمة «لو» في قوله : «ولو برح ...» التي هي للامتناع ، غايته أنّه (عليه السلام) لم يكذّبه فيما زعمه ، فلتكن محمولة على التقية من هذه الجهة. وأمّا بيان الحكم الكلّي وهو أنّ المصلّي لو برح استقبل الذي هو مناط الاستدلال فهو حكم واقعي ، ولا تقيّة فيه وإن كان التطبيق على المورد بعدم التكذيب مبنيّاً عليها كما عرفت.

ومن المعلوم أنّه ليس المراد من قوله (عليه السلام) : «لو برح ...» الحركة اليسيرة ومجرّد الانتقال ، إذ هو لا ضير فيه حتّى اختياراً وفي الأثناء بلا إشكال غايته أنّه يكفّ عن القراءة عندئذ ، بل المراد الحركة المستتبعة لارتكاب المنافي من الاستدبار ونحوه كما لا يخفى. فتدلّ هذه الروايات بوضوح على البطلان لو كان التذكّر بعد الإتيان بشي‌ء من المنافيات عمداً وسهواً.

ومنها : صحيحة الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال «قلت : أجي‌ء إلى الإمام وقد سبقني بركعة في الفجر فلمّا سلّم وقع في قلبي أنّي قد أتممت ، فلم أزل ذاكراً لله حتّى طلعت الشمس ، فلمّا طلعت نهضت فذكرت أنّ الإمام كان قد سبقني بركعة ، قال : فان كنت في مقامك فأتمّ بركعة ، وإن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة» (٣) ، فانّ الانصراف ملازم للاستدبار عادة.

وهذه الأخبار كما ترى تعارض الطائفة الأُولى معارضة واضحة ، ولا سبيل

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٠ ، ١١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٠ ، ١١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٠٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

إلى التوفيق بينهما بوجه ، لصراحة هذه في البطلان كصراحة تلك في الصحّة. والسند قوي من الطرفين كالدلالة ، كما لا سبيل إلى الحمل على التقية ، لاتفاق العامّة أيضاً على البطلان (١) كما قيل كالخاصّة.

فما قيل في وجه الجمع من الحمل على الاستحباب ، أو على النافلة ، أو على من لم يستدبر ، أو لم يستيقن الترك ، أو التقية كما استجود الأخير في الحدائق (٢) بناءً على ما أصّله في مقدّمات كتابه من عدم اشتراط الموافقة للعامة في الحمل على التقية (٣) كلّ ذلك ساقط لا يمكن المصير إليه ، لعدم كونه من الجمع العرفي في شي‌ء ، والجمع التبرّعي المبني على ضرب من التأويل الذي كان يسلكه الشيخ (قدس سره) لا نقول به ، كمبنى الحدائق في التقية. إذن لا مناص من الالتزام باستقرار المعارضة.

وحينئذ فإن أمكن إعمال قواعد الترجيح ، وإلّا فمقتضى القاعدة التساقط. ولا شكّ أنّ ما دلّ على البطلان مطابق لفتوى المشهور ، بل لم ينقل القول بالصحّة إلّا عن الصدوق في المقنع كما مرّ. فما دلّ على الصحّة معرض عنه عند الأصحاب فإن كفى ذلك في الترجيح على ما يراه القوم ، أو قلنا بأنّ ما دلّ على البطلان يعدّ من الروايات المشهورة المجمع عليها بين الأصحاب وما بإزائها من الشاذ النادر قدّمت تلك الأخبار ، وإلّا فيتساقطان ، فيرجع حينئذ إلى عمومات أدلّة القواطع من الحدث والاستدبار ونحوهما التي نتيجتها البطلان أيضاً ، لعدم إمكان تدارك الفائت بعد حصول المبطل. فالمتعيّن ما عليه المشهور.

بقي الكلام في رواية واحدة ممّا استدلّ به على الصحّة ، وهي رواية علي بن

__________________

(١) لاحظ المجموع ٤ : ١١٥ ، المغني ١ : ٧٠٠ ٧٠١.

(٢) الحدائق ٩ : ١٣٠.

(٣) الحدائق ١ : ٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

النعمان الرازي قال : «كنت مع أصحاب لي في سفر وأنا إمامهم ، فصلّيت بهم المغرب فسلّمت في الركعتين الأولتين ، فقال أصحابي : إنّما صلّيت بنا ركعتين فكلّمتهم وكلّموني ، فقالوا : أمّا نحن فنعيد ، فقلت : لكنّي لا أُعيد ، وأُتمّ بركعة فأتممت بركعة ، ثمّ صرنا فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فذكرت له الذي كان من أمرنا ، فقال لي : أنت كنت أصوب منهم فعلاً ، إنّما يعيد من لا يدري كم صلّى» (١).

ولكنّها ضعيفة سنداً ودلالة. أمّا بحسب الدلالة فلأنّ الظاهر عدم القول بمضمونها من أحد حتّى الصدوق القائل بالصحّة ، فإنّه على الظاهر إنّما يلتزم بها فيما إذا لم يرتكب المنافي بعد التذكر وأنّ الذي يعذر فيه خصوص المنافيات الصادرة قبل حال الالتفات ، أمّا بعده فتجب عليه المبادرة إلى التتميم فوراً قبل أن يرتكب ما ينافي عمداً كالتكلّم ، أو حتّى سهواً كالحدث والاستدبار.

والرواية كما ترى صريحة في الارتكاب بعد الالتفات ، وأنّه كلّم القوم وكلّموه وتدارك النقص بعد الكلام العمدي. ولا قائل بالصحّة حينئذ كما عرفت.

وأمّا بحسب السند فالظاهر أنّ الرواية ضعيفة وإن وصفها في الحدائق بالصحّة (٢) ، فانّ علي بن النعمان الرازي مجهول ، والذي ثبتت وثاقته هو علي بن النعمان الأعلم النخعي ، الذي هو من أصحاب الرضا (عليه السلام) وهو غير الرازي ، فإنّه كان من أصحاب الصادق (عليه السلام) كما تشهد به نفس الرواية.

ويظهر منها أيضاً أنّه كان في زمن الصادق (عليه السلام) رجلاً يؤمّ القوم لاستبعاد إمامة المميّز أو من هو في أوائل البلوغ ، فكيف يحتمل عادة بقاء من هو كذلك إلى زمان الرضا (عليه السلام)؟

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٩٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٣.

(٢) الحدائق ٩ : ١٢٥.


من غير فرق بين الرباعية وغيرها ، وكذا لو نسي أزيد من ركعة (١).

______________________________________________________

مع أنّ من جملة الرواة عن النخعي هو أحمد بن محمّد بن عيسى ، وهو وإن أدرك الرضا (عليه السلام) إلّا أنّه لم يرو عنه ، والفصل بين وفاته ووفاة الصادق (عليه السلام) لعلّه يزيد على مائة وثلاثين سنة ، فكيف يمكن عادة أن يروي عن أصحابه (عليه السلام) اللهمّ إلّا أن يكون المروي عنه حدث السن في حياته (عليه السلام) وكان من المعمّرين.

وعلى الجملة : فملاحظة اختلاف الطبقة يشرفنا على القطع بتعدّد المسمّى بهذا الاسم ، وكأنّ صاحب الحدائق حسب الاتحاد فوصف الرواية بالصحّة ، وليس كذلك ، فإنّ أحدهما ملقّب بالأعلم النخعي وهو الموثق ، والآخر بالرازي كما في رواية الشيخ (١) والصدوق (٢) وهو شخص آخر كما عرفت ، وحيث إنّه مجهول فالرواية محكومة بالضعف (٣)

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الروايات في المقام متعارضة متساقطة والمرجع حينئذ عموم ما دلّ على البطلان بارتكاب المنافي ، إذ لم يثبت شي‌ء على خلافه.

(١) فانّ ما مرّ في جميع صور المسألة مشترك فيه بين الرباعية وغيرها ، وبين نسيان الركعة أو الزائد عليها ، فانّ التذكر إن كان قبل السلام فالتشهّد الزائد غير مبطل في جميع الأقسام ، فيتدارك النقص وإن زاد عن الركعة.

وإن كان بعد السلام فكذلك ، لما عرفت من أنّ السلام المخرج هو الواقع في

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨١ / ٧٢٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠١١.

(٣) على أنّ المنسوب في حواشي بعض نسخ التهذيب والوافي إلى الفقيه هكذا : علي بن نعمان عن النعمان الرازي ، وهو أي النعمان الرازي مجهول بلا إشكال.


[٢٠١٩] مسألة ١٨ : لو نسي ما عدا الأركان من أجزاء الصلاة لم تبطل صلاته (١) وحينئذ فان لم يبق محلّ التدارك وجب عليه سجدتا السهو للنقيصة وفي نسيان السجدة الواحدة والتشهّد يجب قضاؤهما أيضاً بعد الصلاة (*) قبل سجدتي السهو ، وإن بقي محلّ التدارك وجب العود للتدارك ثمّ الإتيان بما هو مرتّب عليه ممّا فعله سابقاً وسجدتا السهو لكلّ زيادة.

______________________________________________________

محلّه ، أو الصادر عمداً في غير محلّه إمّا للتعبّد أو لكونه من كلام الآدمي ، وأما الواقع في غير محلّه سهواً فلا بأس به ، لحديث لا تعاد ، بلا فرق أيضاً بين الصور المتقدّمة.

وكذا الحال لو كان التذكّر بعد ارتكاب المنافي ، بل قد عرفت التصريح في بعض النصوص بالثنائية وفي بعضها الآخر بالثلاثية ، وعلى أيّ حال فالنصوص متعارضة كما مرّ ، والمرجع عموم دليل مبطلية المنافي الذي لا فرق فيه بين الرباعية وغيرها ، وبين الركعة الواحدة والأزيد كما هو واضح.

(١) لحديث لا تعاد الشامل لكافّة الأجزاء والشرائط غير الركنية ، فما خرج عنه بالدليل الخاصّ كالتكبير ونحوه يلتزم به ، وفيما عداه يتمسّك بإطلاق الحديث القاضي بالصحّة ، وحينئذ فإن بقي محلّ التدارك رجع وتدارك ، وإلّا مضى في صلاته ولا شي‌ء عليه عدا سجدتي السهو للنقيصة بناءً على وجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة.

ولكن يستثني عن هذا الحكم السجدة الواحدة والتشهّد ، فإنّهما يمتازان عن بقية الأجزاء بوجوب القضاء وسجدتي السهو لو كان التذكّر بعد فوات المحلّ على تفصيل ، وإلّا تداركهما في المحلّ كما مرّ (١). فالكلام يقع تارة في نسيان

__________________

(*) وجوب قضاء التشهّد مبني على الاحتياط الوجوبي.

(١) شرح العروة ١٥ : ١٦١ ، ٢٤٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

السجدة الواحدة ، وأُخرى في نسيان التشهّد.

أمّا السجدة فالكلام فيها من حيث سجدة السهو سيجي‌ء في محلّه (١) إن شاء الله تعالى ، وأمّا من حيث القضاء فالمعروف والمشهور وجوبه مطلقاً ، ونسب إلى الكليني (٢) والعماني (٣) بطلان الصلاة بنسيانها كنسيان السجدتين ، وأنّ حكم الواحدة حكم الثنتين. وعن المفيد (٤) والشيخ (٥) التفصيل بين الركعتين الأُوليين والأخيرتين ، فتبطل في الأوّل ، وتقضى السجدة في الثاني. ففي المسألة أقوال ثلاثة ، وهناك قولان آخران سنتعرّض إليهما بعد ذلك.

أمّا القول المشهور : فتدلّ عليه جملة من النصوص المعتبرة التي منها صحيحة إسماعيل بن جابر : «في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام فذكر وهو قائم أنّه لم يسجد ، قال : فليسجد ما لم يركع ، فاذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلّم ثمّ يسجدها ، فإنّها قضاء» (٦). وهي ظاهرة الدلالة قويّة السند ، ونحوها غيرها كموثّقة عمّار وصحيحة أبي بصير (٧) على طريق الصدوق (٨) كما وصفها بها في الحدائق (٩) ، أمّا على طريق الشيخ فضعيفة بمحمّد بن سنان (١٠).

__________________

(١) في ص ٣٥٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦١.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٧٢ المسألة ٢٦٢.

(٤) المقنعة : ١٤٥ [لكن لاحظ ص ١٣٨ ، ١٤٧ منها].

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٤ / ذيل ح ٦٠٤.

(٦) الوسائل ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤ ح ١.

(٧) الوسائل ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٢ ، ٤.

(٨) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٨.

(٩) الحدائق ٩ : ١٤٥ ، ١٣٦.

(١٠) التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا ما ذهب إليه الكليني والعماني فيمكن أن يستدلّ له بوجهين :

أحدهما : حديث لا تعاد ، حيث إنّ المستثنى هو طبيعي السجود الصادق على الواحد والاثنين ، فيؤخذ بإطلاقه.

وهذا الكلام صحيح في حدّ نفسه ، فلو كنّا نحن والحديث ولم يكن في البين دليل آخر كان مقتضى الإطلاق الحكم بالبطلان لدى الإخلال بطبيعي السجود المنطبق على الواحد كالاثنين ، ولكنّ الروايات المتقدّمة القاضية بعدم البطلان لدى نسيان السجدة الواحدة توجب تقييد الحديث واختصاصه بنسيان السجدتين معاً.

ثانيهما : رواية معلّى بن خنيس قال : «سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته ، قال : إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثمّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ، ونسيان السجدة في الأولتين والأخيرتين سواء» (١). ولكنّها مخدوشة سنداً ودلالة.

أمّا الدلالة : فلعدم كونها صريحة في نسيان السجدة الواحدة ، بل غايتها الدلالة عليها بالإطلاق ، كحديث لا تعاد ، فيقيّد بالروايات المتقدّمة الدالّة على عدم البطلان بنسيان السجدة الواحدة.

وأمّا السند : فلأنها مرسلة ، لجهالة الرجل الذي يروي عن معلّى ، ولعلّه كذّاب وضّاع ، بل الظاهر أنّ الرجل على جهالته كاذب في روايته هذه ، فإنّه يرويها عن معلّى عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) الذي هو الكاظم (عليه السلام) ، وإنّما يوصف بذلك للامتياز بينه وبين أبي الحسن الرضا (عليه السلام)

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٦ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

المشارك معه في الكنية ، فلقّب بعد وفاته بالماضي ، إشارة إلى أنّ المراد به هو الذي مضى وتوفي ، فظاهر اللّقب أنّ الرواية مرويّة بعد وفاة الكاظم (عليه السلام) مع أنّ معلّى بن خنيس قتل في زمن الصادق (عليه السلام) وأمر (عليه السلام) بقتل قاتله ، فكيف يروي مَن قتل في زمن الصادق عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام).

واحتمال روايته عنه أيّام حياة أبيه يكذّبه التوصيف بالماضي ، لأنّه لا يوصف به إلّا بعد وفاته (عليه السلام) كما عرفت ، كما أنّ احتمال أن يكون التوصيف من غير معلّى بعيد ، وذلك لأنّ الرجل يروي عن معلّى ما قاله ، ومقول قوله هو «سألت أبا الحسن الماضي». فالتوصيف لا محالة من معلّى نفسه. وبالجملة : فأمارة الكذب موجودة في نفس الرواية. وكيف ما كان ، فهي ساقطة سنداً ودلالة.

وأمّا التفصيل المنسوب إلى المفيد والشيخ فيستدلّ له بصحيحة البزنطي قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل يصلّي ركعتين ثمّ ذكر في الثانية وهو راكع أنّه ترك السجدة في الأُولى ، قال : كان أبو الحسن (عليه السلام) يقول : إذا ترك السجدة في الركعة الأُولى فلم يدر واحدة أو ثنتين استقبلت الصلاة حتّى يصحّ لك ثنتان ، وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود» (١).

دلّت على اختصاص القضاء بما إذا كانت السجدة المنسية من الأخيرتين وأمّا في الأولتين فنسيانها يوجب البطلان ، فيقيّد بها إطلاقات القضاء الواردة في الروايات المتقدّمة.

ولكنّ الصحيحة غير صالحة للاستدلال بها ، لاضطراب المتن ، حيث إنّ

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٥ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

المفروض في السؤال ترك السجدة ، فهو أمر مفروغ عنه ، والسؤال عن حكم نسيانها ، فلا ينطبق عليه الجواب المتعرّض لحكم الشكّ في أنّه سجد واحدة أو ثنتين.

ومن هنا حملت على أنّ المراد من قوله : «فلم يدر واحدة أو ثنتين» الشكّ في أنّها الركعة الأُولى أو الثانية ، فيكون حكمه (عليه السلام) بالاستقبال من أجل عروض الشكّ في الأُوليين ، الموجب للبطلان.

ولكنّه كما ترى بعيد غايته ، حيث إنّ المفروض في السؤال نسيان السجدة من الاولى وتذكّرها في الثانية ، فلا شكّ من حيث الركعة ، فلا يرتبط به التعرّض لحكم الشكّ في الركعات.

ونحوه في البعد ما احتمله في الوسائل من أنّه مع فرض ترك السجدة شكّ في الركعتين الأولتين ، إذ لا يلائمه التفريع المستفاد من حرف الفاء في قوله : «فلم يدر ...» إلخ. وأيّ علاقة وارتباط بين الشكّ في الركعتين وبين ترك السجدة ليترتّب أحدهما على الآخر ، هذا.

والمحتمل في الصحيحة أمران :

أحدهما : أن يكون المراد من قوله : «إذا ترك السجدة ...» إلخ أنّه متيقّن بترك السجدة من الاولى في الجملة ، ولكنّه لم يدر أنّ المتروك واحدة أم سجدتان.

ثانيهما : أن يكون المراد أنّه تخيّل الترك واحتمله دون أن يجزم به ، فلم يدر أنّه أتى بسجدة أم بسجدتين.

ولا شكّ أنّ الاحتمال الأوّل هو الأظهر. وعلى التقديرين فهي أجنبية عن المقام وغير صالحة للاستدلال.

أمّا على الاحتمال الثاني فواضح ، لكونها حينئذ ناظرة إلى حكم الشكّ الذي هو فرض آخر غير ما افترضه السائل من استيقان الترك ، فيكون قد أعرض


.................................................................................................

______________________________________________________

(عليه السلام) عن الجواب لتقية أو نحوها ، ولا ريب أنّ مقتضى القاعدة حينئذ هو الصحّة ، لأنّه من الشكّ في السجدة بعد تجاوز المحلّ بالدخول في ركوع الركعة الثانية كما فرضه السائل المحكوم بعدم الاعتناء بمقتضى قاعدة التجاوز. فغايته أن يكون حكمه (عليه السلام) بالبطلان تخصيصاً في القاعدة وأنّها غير جارية في خصوص المقام. وكيف ما كان ، فهي أجنبية عمّا نحن فيه.

وأمّا على الاحتمال الأوّل الذي عرفت أنّه الأظهر فمقتضى القاعدة حينئذ الجمع بين الإعادة وبين قضاء السجدة ، للعلم الإجمالي بأحد التكليفين ، الناشئ من العلم بترك السجدة أو السجدتين ، لكن لا مانع من الاقتصار على الإعادة ولا حاجة إلى ضمّ الإتمام والقضاء ، لقصور دليل حرمة القطع عن الشمول لمثل المقام ونحوه ممّا لا يتمكّن فيه من الاجتزاء بتلك الصلاة في مقام الامتثال ، فانّ الدليل على تقدير ثبوته مختصّ بما إذا تمكّن من إتمام الصلاة صحيحة مقتصراً عليها ، وهو منتفٍ في الفرض ، ولعلّه من أجله حكم (عليه السلام) بالاستقبال.

هذا بناءً على تنجيز العلم الإجمالي في أمثال المقام ، وأمّا بناءً على انحلاله كما هو الصحيح بالعلم التفصيلي بترك السجدة الثانية الذي هو مقطوع به على كلّ تقدير ، وبالتعبّد الشرعي بإتيان الاولى المستفاد من قاعدة التجاوز ، إذ هو يشكّ بعد ما ركع في ترك سجدة أُخرى زائداً على المتيقّن لكي تبطل الصلاة ومقتضى القاعدة عدم الاعتناء والبناء على الإتيان.

فعلى هذا المبنى تكون الصحيحة مرتبطة بالمقام ، لكونها متعرّضة لحكم من نسي السجدة الواحدة ، فتدلّ على مختار الشيخ ، لتضمّنها البطلان مع كون السجدة المنسية من الأولتين.

ولكنّها أيضاً غير صالحة للاستدلال ، إذ لو كان مراده (عليه السلام) ذلك لأجاب بالبطلان ابتداءً من غير حاجة إلى التعرّض لفرض الشكّ في ترك


.................................................................................................

______________________________________________________

الواحدة أو الثنتين ، الراجع إلى نسيان الواحدة بالتقريب المزبور ، الذي هو نوع تعقيد في الكلام وتبعيد للمسافة كما لا يخفى.

فالإنصاف : أنّ الصحيحة غير خالية عن الإجمال والإشكال ، فلا تصلح للاستدلال هذا.

ومع تسليم الدلالة فهي معارضة مع الروايات المتقدّمة الدالة على الصحّة والقضاء مطلقاً ، ولا يمكن تقييدها بهذه الصحيحة ، للزوم حملها على الفرد النادر ، فانّ تلك النصوص بأجمعها متعرّضة للتذكّر في الأثناء ، ومشتملة على التفصيل بين كون التذكّر قبل الركوع أو بعده ، وأنّ السجدة تتدارك على الأوّل وتقضى على الثاني.

وعليه فهي غير شاملة للركعة الأخيرة من الرباعية وغيرها يقيناً ، إذ لو تذكّر قبل السلام رجع وتداركها لا أنّها تقضى بعد الصلاة كما هو ظاهر والمفروض أنّ الركعتين الأولتين أيضاً خارجتان ، بمقتضى التقييد المستفاد من الصحيحة المزبورة. ومنه تعرف خروج الثنائية والثلاثية عنها كما لا يخفى ، فلم يبق تحتها عدا الركعة الثالثة من الصلاة الرباعية ، فيلزم حمل تلك المطلقات الكثيرة على خصوص هذه الصورة ، الذي هو من حمل المطلق على الفرد النادر كما ذكرنا.

فلا مجال للتقييد ، بل هي معارضة لها ، ولا ريب أنّ الترجيح مع تلك النصوص ، فإنّها أشهر وأكثر ، وهذه رواية شاذّة فلا تنهض للمقاومة معها. فهذا القول يتلو سابقه في الضعف.

ثمّ إنّ هناك قولين آخرين :

أحدهما : ما عن الشيخ المفيد (قدس سره) من أنّ السجدة المنسية من الركعة الأُولى يؤتى بها في الركعة الثانية لو تذكّرها بعد الركوع ، فيسجد فيها


.................................................................................................

______________________________________________________

ثلاث سجدات ، والمنسية من الركعة الثانية يؤتى بها في الثالثة ، ومن الثالثة في الرابعة ، ومن الرابعة خارج الصلاة (١). وهذا لم يوجد له مدرك أصلاً كما اعترف به غير واحد ، ولعلّه عثر على ما لم يصل إلينا. مع أنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز ، للزوم زيادة السجدة في غير محلّها عامداً كما لا يخفى.

ثانيهما : ما عن والد الصدوق (قدس سره) من أنّ السجدة المنسية من الركعة الأُولى يؤتى بها في الركعة الثالثة ومن الثانية في الرابعة ، ومن الثالثة تقضى بعد السلام (٢). ومستند هذا القول هو الفقه الرضوي (٣) ، لموافقة المحكي عنه مع مضمونه ، لكنّه ليس بحجّة عندنا كما مرّ مراراً. فهذه الأقوال كلّها ساقطة والمتعيّن ما عليه المشهور.

إنّما الكلام في محلّ القضاء : مقتضى النصوص المتقدّمة (٤) من صحيحة إسماعيل ابن جابر وموثّقة عمّار وصحيحة أبي بصير وغيرها أنّ محلّها خارج الصلاة بعد ما يسلّم. ولكن بإزائها صحيحتان دلّتا على أنّ محلّ التدارك قبل التسليم.

إحداهما : صحيحة جعفر بن بشير على طريق الصدوق (٥) ، وأمّا على طريق البرقي في المحاسن فهي مرفوعة ، قال : «سئل أحدهم عن رجل ذكر أنّه لم يسجد في الركعتين الأولتين إلّا سجدة وهو في التشهّد الأوّل ، قال : فليسجدها ثمّ لينهض وإذا ذكره وهو في التشهّد الثاني قبل أن يسلّم فليسجدها ثمّ يسلِّم ، ثمّ يسجد سجدتي السهو» (٦).

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٧٤ المسألة ٢٦٣ [ولكن ذكر خلافه في المقنعة ١٤٧].

(٢) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٧٣ المسألة ٢٦٣.

(٣) فقه الرضا : ١١٦ ١١٧.

(٤) في ص ٨٦ ٨٧.

(٥) [الظاهر أنّه سهو ، إذ الطريق الثاني مذكور في المحاسن ٢ : ٥٠ / ١١٥٠ أيضاً].

(٦) الوسائل ٦ : ٣٦٧ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

وصدرها وإن كان قد يوهم أنّه لم يأت في مجموع الأُوليين إلّا سجدة واحدة بحيث تركت ثلاث سجدات ، لكن المراد بقرينة الذيل أنّه ترك سجدة واحدة كما لا يخفى.

الثانية : صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنّه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلّم ...» إلخ (١).

واحتمال أن تكون ناظرة إلى الركعة الأخيرة فيكون محلّ التدارك باقياً حينئذ خلاف الظاهر جدّاً ، فإنّ الأمر بالسجود بعد ما يقعد ظاهر في أنّ ظرف الخطاب قبل القعود ، وأنّه تذكّر المنسيّ وهو في حال السجود ، وهذا إنّما يتّجه فيما إذا كانت السجدة المنسية من الركعات السابقة ، وإلّا فلا نسيان لو كانت من الركعة الأخيرة بعد كونه ملتفتاً حال السجود كما هو ظاهر.

وقد مالَ المحقّق الهمداني (قدس سره) إلى الجمع بينهما وبين الروايات المتقدّمة بالحمل على التخيير لولا إعراض الأصحاب عنهما ، المسقط لهما عن درجة الاعتبار (٢).

ولكنّه كما ترى غير وجيه حتّى مع الغضّ عن الإعراض ، للتعليل في صحيحة إسماعيل بن جابر بقوله : «فإنّها قضاء» الدالّ على اختصاص التدارك بما بعد الفراغ من العمل تعييناً ، لتعنونه بعنوان القضاء الذي لا يكون إلّا خارج الصلاة.

فالحمل على التخيير بعيد في حدّ نفسه ، بل الروايات متعارضة ، لدلالة الصحيحتين على أنّ ظرف التدارك قبل السلام ، وقد دلّت تلك النصوص على أنّ ظرفه بعده وأنّها قضاء ، ولا شكّ أنّ الترجيح مع تلك النصوص ، لمطابقتها

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٧٠ / أبواب السجود ب ١٦ ح ١.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٥١ السطر ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

مع المشهور بل المجمع عليه ، إذ لا قائل بالتدارك قبل السلام ، ولا عامل بالصحيحتين في المقام.

على أنّ المرجع بعد التساقط عموم ما دلّ على قدح الزيادة العمدية ، فإنّ هذه السجدة الواقعة في غير محلّها زيادة عمدية أثناء الصلاة ، لتعلّقها بالركعة السابقة ، فهي هنا زائدة فيشملها العموم المزبور ، السليم عمّا يصلح للتقييد لابتلاء المقيّد بالمعارض حسب الفرض ، هذا كلّه في نسيان السجدة.

وأمّا التشهّد المنسي : فالمشهور فيه هو القضاء أيضاً ، وعن جماعة منهم صاحب الحدائق عدمه وأنّه يجزي عنه التشهّد الذي يأتي به بعد سجدتي السهو (١) ، وعن الكاتب بطلان الصلاة بنسيان التشهّد (٢).

أمّا القول الأخير : فمستنده روايتان :

إحداهما : موثّقة عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إن نسي الرجل التشهّد في الصلاة فذكر أنّه قال : بسم الله ، فقد جازت صلاته ، وإن لم يذكر شيئاً من التشهّد أعاد الصلاة» (٣).

والأُخرى رواية علي بن جعفر : «عن رجل ترك التشهّد حتّى سلّم كيف يصنع؟ قال : إن ذكر قبل أن يسلّم فليتشهّد وعليه سجدتا السهو ، وإن ذكر أنّه قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، أو بسم الله ، أجزأه في صلاته ، وإن لم يتكلّم بقليل ولا كثير حتّى يسلّم أعاد الصلاة» (٤).

__________________

(١) الحدائق ٩ : ١٥٣.

(٢) حكاه عنه في البحار ٨٨ : ١٥٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠٣ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٧.

(٤) الوسائل ٦ : ٤٠٤ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

لكن الأخيرة ضعيفة بعبد الله بن الحسن ، والعمدة هي الموثّقة. إلّا أنّها معارضة بالأخبار المستفيضة المعتبرة إن لم تكن متواترة ، المصرّحة بعدم البطلان كما ستعرف ، التي منها صحيحة لا تعاد ، وقد ذكر في ذيلها أنّ التشهّد سنّة ، وهي لا تنقض الفريضة (١). ولا شكّ أنّ الترجيح مع تلك النصوص ، لكثرتها بل كونها من المجمع عليه بين الأصحاب ، إذ لا عامل بالموثّقة غير الكاتب كما عرفت فلا تنهض لمقاومتها ، بل يردّ علمها إلى أهله.

وأمّا القول المشهور : أعني وجوب القضاء مقدّماً على سجدتي السهو فيستدلّ له بجملة من النصوص :

منها : صحيحة حكم بن حكيم قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي‌ء منها ثمّ يذكر بعد ذلك ، فقال : يقضي ذلك بعينه ، فقلت : أيعيد الصلاة؟ فقال : لا» (٢).

فإنّ إطلاق الشي‌ء شامل للتشهّد ، نعم خرج عنه بقيّة الأجزاء المنسية كالقراءة والذكر ونحوهما بالإجماع على نفي القضاء فيها ، فيبقى التشهّد مشمولاً للإطلاق.

وفيه : أنّ الإطلاق المزبور معارض بإطلاق آخر ، وهو قوله (عليه السلام) : «يقضي ذلك بعينه» فانّ المراد بالقضاء ليس هو المعنى الاصطلاحي الدارج على ألسنة الفقهاء من الإتيان خارج الصلاة ، بل هو في الآيات والروايات يطلق على ما هو عليه من المعنى اللغوي أعني مطلق الإتيان ، كما في قوله تعالى (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) (٣) أي أتيتم بها.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهد ب ٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٦.

(٣) البقرة ٢ : ٢٠٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

على أنّ ذلك المعنى غير مراد في خصوص المقام قطعاً ، فإنّ الركعة الواقعة في قبال السجود يراد بها الركوع ، لا الركعة التامّة المصطلحة ، كما يساعده المعنى اللّغوي ، فإنّ الركعة والركوع كلاهما مصدر لـ (ركع) كما أنّ السجدة والسجود مصدر لـ (سجد) ، ولا شكّ أنّ الركوع المنسي لا يقضى بعد الصلاة ، بل تبطل بنسيانه. فالمراد بالقضاء مطلق الإتيان بالمنسي ، سواء كان في المحلّ بأن تذكّر ومحلّ التدارك باقٍ ، أم في خارجه.

ولا ريب في عدم إمكان التحفّظ على كلا الإطلاقين ، بأن يحكم بوجوب تدارك المنسي كيف ما كان ومتى تذكّر ، لانتقاض ذلك بمثل القراءة ونحوها فيدور الأمر بين رفع اليد عن الإطلاق الأوّل باختصاصه بالتشهّد مع المحافظة على الإطلاق الثاني ، فيكون المعنى أنّ التشهّد المنسيّ يتدارك مطلقاً إمّا في الصلاة مع بقاء المحلّ أو خارجها مع عدم البقاء ، وبين العكس بأن يتحفّظ على الإطلاق الأوّل ويقيّد التدارك بالمحلّ ، فيحكم بأنّ كلّ جزء منسيّ من التشهّد وغيره يجب تداركه والإتيان به بعينه مع بقاء محلّه ، ولا يجب التدارك خارج المحل.

والاستدلال مبنيّ على ترجيح الاحتمال الأوّل ، وهو غير ظاهر ، كيف ونسيان الركوع المعطوف عليه الشي‌ء موجب للإعادة ولا قضاء له ، فكيف حكم (عليه السلام) بالقضاء ونفي الإعادة ، بل الأظهر هو الاحتمال الثاني.

فيكون مفاد الصحيحة أنّ نسيان أيّ جزء محكوم بتداركه في محلّه ، من غير تعرّض للقضاء ، كما تؤيّده صحيحة ابن سنان : «إذا نسيت شيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ثمّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء» (١) ، حيث أمر (عليه السلام) بصنع المنسي وإتيانه لدى التذكّر ، الذي لا يراد إلّا إتيانه في محلّه كما

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٤٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

لا يخفى ، فيطابق مضمون إحداهما الأُخرى.

وعليه فالصحيحة أجنبية عمّا نحن فيه ، ولا أقل من تساوي الاحتمالين وعدم ظهور لها في الاحتمال الأوّل الذي هو مبنى الاستدلال ، فغايته الإجمال المسقط لها عن صلاحية الاستدلال.

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) : «في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهّد حتّى ينصرف ، فقال : إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهّد ، وإلّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد فيه ، وقال : إنّما التشهّد سنّة في الصلاة» (١).

وأورد في الحدائق على الاستدلال بها بأنّ موردها التشهّد الأخير ، ومحلّ البحث في الأخبار وكلام الأصحاب إنّما هو التشهّد الأوّل ، للتفصيل الواقع فيهما بين كون الذكر قبل الركوع أو بعده (٢).

واعترض عليه المحقّق الهمداني (قدس سره) بمنع دعوى الاختصاص بالأخير بل إنّ ندرة تحقّق الفراغ مع نسيان التشهّد الأخير صالحة لصرف الصحيحة إلى إرادة الأوّل ، ولا أقلّ من كونها موجبة لعدم انصراف السؤال إلى خصوص الثاني كي ينزّل عليه إطلاق الجواب (٣).

أقول : الظاهر صحّة ما استظهره في الحدائق من الاختصاص بالأخير ، وذلك بقرينة قوله : «حتّى ينصرف» الكاشف عن استمرار النسيان إلى زمان الانصراف إذ لو أُريد به التشهّد الأوّل كان هذا التقييد من اللّغو الظاهر ، لوجوب القضاء على القول به بمجرّد الخروج عن المحلّ بالدخول في ركوع الركعة الثالثة ، سواء

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٢.

(٢) الحدائق ٩ : ١٥٤.

(٣) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٥١ السطر ٣٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

أتذكّر بعد ذلك أم استمرّ النسيان إلى ما بعد الانصراف والخروج عن الصلاة.

بخلاف ما لو أُريد الأخير ، فإنّ نسيانه لا يتحقّق إلّا بالانصراف والفراغ عن السلام إذ لو تذكّر قبله فقد تذكّر في ظرف التشهّد فلا نسيان أبداً.

وعليه فما تضمّنته الصحيحة من الرجوع والتدارك حكم على القاعدة ، لوقوع السلام حينئذ في غير محلّه سهواً ، ومثله لا يوجب الخروج ، فهو بعد في الصلاة فيرجع إلى مكانه ، أو يطلب مكاناً نظيفاً ما لم يرتكب المنافي فيتشهّد ويسلِّم فهذا التشهّد واقع في غير محلّه ، وليس من القضاء في شي‌ء.

وبالجملة : فالصحيحة ظاهرة في التشهّد الأخير بالقرينة المزبورة ، ولا أقلّ من عدم ظهورها في الإطلاق للاحتفاف بما يصلح لمنعه ، فتسقط عن الاستدلال.

ومنها : رواية علي بن أبي حمزة البطائني قال «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إذا قمت في الركعتين الأولتين ولم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهّد وإن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك كما أنت ، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك» (١).

وهي وإن كانت ظاهرة بل صريحة في أنّ المنسي إنّما هو التشهّد الأوّل ، إلّا أنّه يتوجّه على الاستدلال بها ضعف السند أوّلاً بعلي بن أبي حمزة الذي ضعّفه الشيخ (٢) وغيره.

وقصور الدلالة ثانياً ، فانّ قوله (عليه السلام) : «سجد سجدتين ...» إلخ إشارة إلى سجدتي السهو ، فقوله (عليه السلام) «ثمّ تشهّد» يراد به التشهّد الذي تشتمل عليه سجدتا السهو وأنّه يكتفى به بدلاً عن التشهّد الفائت ، فلا تدلّ

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٤٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ٢.

(٢) [لم نجد له تصريحاً بذلك ، بل صرّح في عدّة الأُصول ١ : ٥٦ السطر ١٩ بوثاقته].


.................................................................................................

______________________________________________________

على وجوب تشهّد آخر معنون بالقضاء.

وثالثاً : سلّمنا دلالتها على ذلك إلّا أنّ مضمونها حينئذ غير مطابق لفتوى المشهور ، لأنّهم يقدّمون قضاء الجزء المنسي الذي هو من متمّمات الصلاة على سجدتي السهو ، ولا يجوّزون الفصل ، والرواية قد دلّت على العكس. ومنه تعرف عدم انجبار ضعفها بالعمل لو سلّمنا كبرى الانجبار ، إذ لا عامل بمضمونها على ما هو عليه ، فهي غير صالحة للاستناد إليها بوجه.

والمتحصّل من جميع ما مرّ أنّ الروايات المستدلّ بها للمشهور كلّها مخدوشة بما عرفت ، لقصورها دلالة ، وبعضها سنداً أيضاً.

أضف إلى ذلك ورود روايات كثيرة مستفيضة معتبرة قد دلّت وهي في مقام البيان وتعيين تمام الوظيفة على أنّ التشهّد المنسي لا حكم له عدا سجدتي السهو ، إذ ليس فيها من ذكر القضاء عين ولا أثر ، كصحيحة سليمان بن خالد : «عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين ، فقال : إن ذكر قبل أن يركع فليجلس ، وإن لم يذكر حتّى يركع فليتمّ الصلاة حتّى إذا فرغ فليسلم وليسجد سجدتي السهو» (١). ونحوها صحاح ابن أبي يعفور والحسين بن أبي العلاء (٢) والفضيل بن يسار والحلبي (٣) وموثّقة أبي بصير (٤). فلو كان القضاء واجباً فكيف أُهمل؟ ولماذا اقتصر في جميعها على التعرّض لسجدتي السهو فقط؟ فيكشف ذلك عن عدم الوجوب لا محالة. وعلى تقدير الشكّ فتكفينا أصالة البراءة بعد ما عرفت من قصور ما استدلّ به على الوجوب.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠٢ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٠٢ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٤ ، ٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠٥ / أبواب التشهد ب ٩ ح ١ ، ٣.

(٤) الوسائل ٦ : ٤٠٣ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

فالأقوى وفاقاً للشيخ المفيد (١) والصدوقين (٢) وصاحب الحدائق (٣) أنّ ناسي التشهّد لا يجب عليه إلّا سجدة السهو ، وأنّه يكتفي بالتشهّد الذي فيها عن القضاء ، فضمّه إليها كما عليه المشهور مبنيّ على الاحتياط.

هذا كلّه حكم نسيان السجدة الواحدة والتشهّد من حيث القضاء.

وأمّا من حيث سجدة السهو فقد عرفت آنفاً وجوبها في التشهّد. وأمّا في السجدة المنسية فالمشهور وجوبها أيضاً. ويستدلّ له :

تارة بمرسلة سفيان بن السمط عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» (٤). ولكن ضعفها مانع عن الاستدلال حتّى على القول بالانجبار ، إذ لم يلتزم المشهور بمضمونها العام ، ولم يحكموا بوجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقصان.

وأُخرى بصحيحة جعفر بن بشير المتقدّمة (٥).

وفيه أوّلاً : أنّها قد تضمّنت تدارك السجدة المنسية قبل التسليم ، وحينئذ فهي معارضة بالنصوص الكثيرة المتقدّمة المصرّحة بأنّ محلّ التدارك بعد السلام.

ودعوى أنّ سقوطها عن الحجّية من هذه الجهة لأجل الابتلاء بالمعارض غير مانع عن صحّة الاستدلال بها من ناحية الدلالة على سجدتي السهو.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٤٠٥ المسألة ٢٨٨ [ولكن ذكر خلافه في المقنعة : ١٤٨].

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٣ / ذيل ح ١٠٣٠ ، وحكى العلّامة عن والد الصدوق في المختلف ٢ : ٤٠٥ المسألة ٢٨٨ ، راجع فقه الرضا : ١١٨.

(٣) الحدائق ٩ : ١٥٣.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٥١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.

(٥) في ص ٩٢.


وفوت محلّ التدارك (١) إمّا بالدخول في ركن بعده على وجه لو تدارك المنسي

______________________________________________________

مدفوعة بأنّها متعرّضة لحكم واحد متعلّق بنسيان السجدة ، وقد عرفت أنّه مبتلى بالمعارض ، فلا يمكن التفكيك بين الجهتين. فهي متروكة ، ومثلها غير صالح للاستدلال.

وثانياً : مع الغضّ عن ذلك فهي معارضة حتّى من ناحية الدلالة على سجود السهو برواية أبي بصير النافية له ، التي هي صحيحة على طريق الصدوق كما مرّ (١) قال : «سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم ، قال : يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع ، فان كان قد ركع فليمض على صلاته ، فاذا انصرف قضاها ، وليس عليه سهو» (٢)

وحينئذ فإمّا أن يجمع بينهما بالحمل على الاستحباب ، أو يرفع اليد عنهما بعد التعارض والتساقط ويرجع إلى أصالة البراءة. فالأقوى عدم الوجوب كما نسب إلى أكثر المتأخّرين ، وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ الواجب في نسيان التشهد إنّما هو سجدتا السهو ، وضمّ القضاء مبنيّ على الاحتياط. وفي السجدة المنسية الأمر بالعكس فالواجب هو القضاء ، وضمّ سجدتي السهو مبنيّ على الاحتياط.

(١) بعد أن فرغ (قدس سره) عن حكم نسيان ما عدا الأركان وأنّه لا يوجب البطلان ، بل يتدارك مع بقاء المحلّ وإلّا مضى ولا شي‌ء عليه عدا القضاء وسجدتي السهو في بعض الموارد على التفصيل الذي مرّ تصدّى (قدس سره) لبيان ما به يتحقّق فوات المحلّ ، وذكر لذلك أُموراً ثلاثة :

__________________

(١) في ص ٨٦.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٥ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٤.


لزم زيادة الركن ، وإمّا بكون محلّه في فعل خاصّ جاز محلّ ذلك الفعل كالذكر في الركوع والسجود إذا نسيه وتذكّر بعد رفع الرأس منهما ، وإمّا بالتذكر بعد السلام الواجب (*). فلو نسي القراءة أو الذكر أو بعضهما أو الترتيب فيهما أو إعرابهما أو القيام فيهما أو الطمأنينة فيه وذكر بعد الدخول في الركوع فات محلّ التدارك ، فيتمّ الصلاة ويسجد سجدتي السهو للنقصان إذا كان المنسي من الأجزاء ، لا لمثل الترتيب والطمأنينة ممّا ليس بجزء ، وإن تذكّر قبل الدخول في الركوع رجع وتدارك وأتى بما بعده وسجد سجدتي السهو لزيادة ما أتى به من الأجزاء. نعم ، في نسيان القيام حال القراءة أو الذكر ونسيان الطمأنينة فيه لا يبعد فوت محلّهما قبل الدخول في الركوع أيضاً ، لاحتمال كون القيام واجباً حال القراءة لا شرطاً فيها (**) ، وكذا كون الطمأنينة واجبة حال القيام لا شرطاً فيه ، وكذا الحال في الطمأنينة حال التشهّد وسائر الأذكار ، فالأحوط العود والإتيان بقصد الاحتياط والقربة لا بقصد الجزئية. ولو نسي الذكر في الركوع أو السجود أو الطمأنينة حاله وذكر بعد رفع الرأس منهما فات محلّهما ، ولو تذكّر قبل الرفع أو قبل الخروج عن مسمّى الركوع وجب الإتيان بالذكر ، ولو كان المنسي الطمأنينة حال الذكر فالأحوط

______________________________________________________

أحدها : الدخول في الركن الذي بعده ، والوجه في فوت المحلّ بذلك ظاهر فإنّ جزئية المنسي أو شرطيته أو مانعيته لو كانت ثابتة مطلقاً وحكمنا لأجله بالتدارك كان لازمه اتصاف ما وقع من الركن بالزيادة الموجبة لإعادة الصلاة

__________________

(*) الظاهر أنّه لا يتحقّق الخروج عن المحلّ بذلك ، بل السلام حينئذ يقع في غير محلّه.

(**) مرّ الكلام فيه في المسألة الثانية في فصل القيام.


إعادته بقصد الاحتياط والقربة ، وكذا لو نسي وضع أحد المساجد حال السجود. ولو نسي الانتصاب من الركوع وتذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية فات محلّه ، وأمّا لو تذكّر قبله فلا يبعد (*) وجوب العود إليه ، لعدم استلزامه إلّا زيادة سجدة واحدة ، وليست بركن ، كما أنّه كذلك لو نسي الانتصاب من السجدة الأُولى وتذكّر بعد الدخول في الثانية ، لكن الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة. ولو نسي الطمأنينة حال أحد الانتصابين احتمل

______________________________________________________

وحديث لا تعاد الحاكم على الأدلّة الأولية مانع عن الإعادة المستندة إلى ما عدا الأركان ، وموجب لاختصاص المنسي بحال الذكر ، فلا موقع للتدارك.

الثاني : وهو الأمر الثالث في كلامه (قدس سره) أن يكون التذكّر بعد السلام الواجب ، فلو سلّم وتذكّر نقص السجدة الواحدة أو التشهّد أو الصلوات جاز محلّ التدارك ، فان كان ممّا يقضى كالأولين تلافاه ، وإلّا كما في الأخير مضى ولا شي‌ء عليه. والوجه في ذلك كون التسليم مخرجاً عن الصلاة إمّا تعبّداً أو لكونه من كلام الآدمي ، فلا يبقى معه محلّ التدارك.

أقول : تقدّم قريباً (١) أنّه لا دليل على مخرجية السلام مطلقاً ، بل المخرج منه منحصر في أحد أمرين : إمّا وقوعه في محلّه أو صدوره متعمّداً في غير محلّه كما دلّت عليه صحيحة ميسر (٢) ، وقد ورد في مرسلة الصدوق (٣) أنّ ابن مسعود

__________________

(*) لا يبعد فوات المحلّ بالخروج من حدّ الركوع وإن لم يدخل في السجدة الأُولى ، ورعاية الاحتياط أولى.

(١) في ص ٦٩.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٠٩ / أبواب التشهد ب ١٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ٤١٠ / أبواب التشهد ب ١٢ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٦١ / ١١٩٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

أفسد على القوم صلاتهم لإدراجه التسليم في التشهّد الأوّل.

وأمّا السلام الواقع في غير محلّه سهواً كما في المقام فلا دليل على كونه مخرجاً بل المستفاد من بعض الروايات مضافاً إلى حديث لا تعاد كما سبق عدم الخروج به ، كما ورد في من سلّم على الثالثة باعتقاد أنّها الرابعة من أنّه يلغي السلام ويأتي بالرابعة ثمّ يسلّم (١).

وعليه فلا بدّ في المقام من التدارك لو تذكّر بعد السلام وقبل المنافي ، فيرجع ويتلافى المنسي ويسلّم ، ويكون ذلك السلام الواقع في غير محلّه زائداً يسجد له سجدتي السهو.

الثالث : وهو الأمر الثاني في كلامه (قدس سره) ما إذا كان محلّ المنسي مقرّراً في فعل خاص ، وقد جاز محلّ ذلك الفعل وخرج عن الظرف الذي عيّنه الشارع له وإن لم يدخل في الركن.

وقد طبّق (قدس سره) هذه الكبرى على موارد ، وذكر لها أمثلة ، وإن كانت الكبرى في حدّ نفسها ممّا لا إشكال فيها.

منها : ما لو نسي الذكر في الركوع أو السجود وتذكّر بعد رفع الرأس. أمّا بالإضافة إلى الركوع فظاهر ، لاستلزام التدارك لزيادة الركن ، وقد عرفت في الأمر الأوّل تجاوز المحلّ في مثل ذلك.

وأمّا بالنسبة إلى السجود فالتدارك وإن كان ممكناً ، إذ غايته زيادة سجدة واحدة سهواً ولا ضير فيها ، إلّا أنّه مع ذلك لا يجب ، لفوات المحلّ.

والوجه فيما أفاده (قدس سره) أنّا قد استفدنا من الروايات كصحيحة حماد وغيرها (٢) أنّ الواجب في الصلاة سجدتان ، الاولى والثانية ، ويجب في كلّ منهما

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٤.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١ وغيره.


.................................................................................................

______________________________________________________

بعنوان أنّهما الاولى والثانية الذكر وبقية ما يعتبر في السجدة من الطمأنينة ووضع اليدين والركبتين والإبهامين ، وعدم علو المسجد عن الموقف. فهذه واجبات قرّرها الشارع في كلّ واحدة من السجدتين.

فلو نسي شيئاً منها في السجدة الأُولى مثلاً وتذكّر بعد رفع الرأس امتنع التدارك ، إذ السجدة الواجبة المتقوّمة بوضع الجبهة على الأرض قد تحقّقت فلو سجد أُخرى فهي غير الاولى ، لامتناع إعادة المعدوم ، ومن المعلوم أنّ تلك الأُمور إنّما كانت واجبة في خصوص الاولى لا في مطلق السجود.

وإن شئت قلت : كانت معتبرة في الطبيعي المنطبق على السجدة الأُولى ، وقد حصلت ، وسقط أمرها ، وامتنعت إعادتها ، فلا يمكن التدارك إلّا بإعادة الصلاة المنفية بحديث لا تعاد.

وهكذا الحال في السجدة الثانية ، فإنّه لو أعادها كانت ثالثة ، وتلك الأُمور معتبرة في الثانية بخصوصها ، الممتنع تداركها إلّا بإعادة الصلاة كما عرفت.

نعم ، لو كان المنسي ممّا يعتبر في تحقّق السجود الشرعي ومن مقوّماته كالسجود على الأرض ، فنسي وسجد على القير أو المأكول والملبوس ، فحيث إنّ السجود الواجب غير متحقّق حينئذ لنهي الشارع عن السجود على هذه الأُمور كان محلّ التدارك باقياً ، ولذا قلنا في محلّه بوجوب إعادة السجدة في مثل ذلك (١).

وعلى الجملة : بعد فرض تحقّق السجدة المأمور بها المستتبع لسقوط أمرها فالواجب الذي قرّره الشارع في هذه الحالة من الذكر ونحوه لو كان وجوبه مطلقاً فتداركه غير ممكن ، بعد ملاحظة امتناع إعادة المعدوم إلّا بإعادة الصلاة المنفيّة بحديث لا تعاد. ونتيجة ذلك تجاوز المحلّ وعدم إمكان التدارك ، إلّا إذا

__________________

(١) شرح العروة ١٣ : ١٨٢ ، ١٥ : ١٣٦.


فوت المحلّ (*) وإن لم يدخل في السجدة كما مرّ نظيره ، ولو نسي السجدة الواحدة أو التشهّد وذكر بعد الدخول في الركوع أو بعد السلام فات محلّهما (**) ولو ذكر قبل ذلك تداركهما ، ولو نسي الطمأنينة في التشهّد فالحال كما مرّ من أنّ الأحوط الإعادة بقصد القربة والاحتياط ، والأحوط (***) مع ذلك إعادة الصلاة أيضاً ، لاحتمال كون التشهّد زيادة عمدية حينئذ خصوصاً إذا تذكّر نسيان الطمأنينة فيه بعد القيام.

______________________________________________________

كان الإخلال عائداً إلى نفس السجود لفقد ما يعتبر في تحقّقه شرعاً ، الذي لا يجري الحديث في مثله كما عرفت.

والعبرة في كلّ ذلك بشمول الحديث وعدمه ، فكلّما لزم من التدارك إعادة الصلاة حكم بتجاوز المحلّ ، وإلّا فلا. فتطبيق هذه القاعدة على ذكرى الركوع والسجود صحيح وفي محلّه ، ووجهه هو ما ذكرناه ، مضافاً إلى لزوم زيادة الركن في الأوّل كما مرّ.

ومنها : ما لو نسي القيام أو الطمأنينة حال القراءة فتذكّر قبل الدخول في الركوع ، أو نسي الطمأنينة حال التشهّد فتذكّر قبل القيام ، أو حال الذكر فتذكّر قبل رفع الرأس من الركوع أو السجود ، ففي جميع ذلك احتمل (قدس سره) فوات المحلّ ، بناءً على أنّ القيام حال القراءة أو الاطمئنان حالها أو حال التشهّد أو الذكر واجب مستقلّ مقرّر في حالة خاصّة ، فيفوت محلّه بالخروج عن تلك الحالة. نعم ، بناءً على أن يكون ذلك شرطاً في الواجب لا واجباً في واجب

__________________

(*) لكنّه بعيد بالنسبة إلى نسيان الطمأنينة في الجلوس بين السجدتين.

(**) مرّ آنفاً عدم فوت المحل به.

(***) هذا الاحتياط ضعيف جدّاً.


.................................................................................................

______________________________________________________

لزمه التدارك ، لبقاء المحلّ كما لا يخفى.

أقول : قد ذكرنا في بحث القيام (١) وجوب التدارك حتّى بناءً على كون القيام أو الطمأنينة واجباً مستقلا ، وذلك لأنّ فرض الارتباطية الملحوظة بين أجزاء المركّب لا ينفكّ عن فرض الاشتراط والتقييد ، فكلّ جزء مشروط بغيره من الأجزاء المتقدّمة والمتأخّرة والمقارنة.

فالقيام وإن بنينا على كونه واجباً مستقلا حال القراءة إلّا أنّ قضية الارتباطية تستدعي أن يكون كلّ منهما مضافاً إلى جزئيته المستقلّة شرطاً في الآخر ، فالجزء من القراءة حصّة خاصّة منها وهي المقارنة للقيام ، وكذا العكس فالإخلال بأحدهما إخلال بالآخر لا محالة.

وعليه فالقراءة في غير حال القيام فاقدة للشرط ، فيجب استئنافها تحصيلاً للحصّة الواجبة قبل فوات محلّها ، وكذا الحال في الطمأنينة ، فانّ الارتباطية تستدعي أن تكون شرطاً في كلّ من القراءة والتشهّد والذكر ، فلو تذكّر بعد الفراغ عنها وقبل أن يركع ، أو قبل أن يقوم عن التشهّد ، بل ولو قام ما لم يركع ، أو قبل أن يرفع رأسه من الركوع أو السجود نسيان الطمأنينة في هذه الأُمور وجب التدارك ، لأنّ مرجعه إلى عدم الإتيان بالحصّة الواجبة منها مع بقاء المحلّ ، وكذا الحال لو نسي الطمأنينة في الجلوس بين السجدتين لعين ما ذكر. ففي جميع ذلك حيث إنّ الواجب لم يؤت به في ظرفه والمحلّ باقٍ فلا مناص من التدارك.

ومنها : ما لو نسي الانتصاب من الركوع ، وقد حكم (قدس سره) بفوات المحلّ فيما لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية التي هي ركن ، وأمّا لو تذكّر قبله فلم يستبعد (قدس سره) وجوب العود ، لعدم استلزامه إلّا زيادة

__________________

(١) شرح العروة ١٤ : ١٧٣ ١٧٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

سجدة واحدة ، وليست بركن. وكذا الحال لو نسي الانتصاب من السجدة الأُولى وتذكّر بعد الدخول في الثانية ، فإنّه يجب العود والتدارك ، لما ذكر.

أقول : الظاهر فوات المحلّ في الفرض الأوّل وإن لم يدخل في السجدة الثانية بل ولا الاولى فتذكّر عند الهوي إلى السجود ، وذلك لما تقدّم في بحث الركوع من أنّ القيام الواجب بعده ليس هو مطلق الانتصاب وحصول القيام بعد الركوع كيف ما كان ، بل المستفاد من الأدلّة أنّ الواجب حينئذ عنوان خاص وهو رفع الرأس عن الركوع حتّى يعتدل قائماً. فالقيام الواجب هو القيام عن الركوع ، لا القيام بعد الركوع ، وبين الأمرين فرق واضح.

ومن هنا ذكرنا في محلّه (١) أنّه لو جلس عن ركوعه ولو متعمّداً لحاجة دعت إليه كأخذ شي‌ء من الأرض ، فإنّ هذا الجلوس غير المقصود به الجزئية جائز وغير مبطل قطعاً ، ومع ذلك فسدت صلاته من أجل الإخلال بالقيام الواجب فإنّه لو قام فهو قيام عن الجلوس لا عن الركوع ، وليس هو مصداقاً للمأمور به.

وعلى الجملة : القيام بعد الركوع ليس هو واجباً مستقلا في حدّ نفسه كي يقبل التدارك ، وإنّما الواجب رفع الرأس عن الركوع ، أي كما أوجد الركوع عن القيام يعود إلى ما كان عليه ، وهذا لا يمكن تداركه إلّا بإعادة الركوع ، المستلزمة لزيادة الركن.

وعليه فلو كان المنسي نفس الانتصاب فضلاً عن الطمأنينة حال الانتصاب فهو غير قابل للتدارك ، حتّى لو كان التذكر عند الهوي وقبل الدخول في السجود لعدم كون قيامه حينئذ عن الركوع ، فالظاهر تجاوز المحلّ في مثله وعدم إمكان الرجوع.

__________________

(١) شرح العروة ١٥ : ٥٣.


[٢٠٢٠] مسألة ١٩ : لو كان المنسي الجهر أو الإخفات لم يجب التدارك بإعادة القراءة أو الذِّكر على الأقوى (١) وإن كان أحوط إذا لم يدخل في الركوع.

______________________________________________________

نعم ، لو رجع وقام قبل أن يدخل في السجدة الأُولى بعنوان الرجاء والاحتياط لم يكن به بأس ، دون ما لو كان التذكّر بعد الدخول فيها كما لا يخفى.

وهذا بخلاف الانتصاب بعد السجدة الاولى (١) فلو نسيه حتّى دخل في السجدة الثانية كان محلّ التدارك باقياً ، إذ الواجب إنّما هو الجلوس بين السجدتين وأن ينتصب بعد الاولى قبل الثانية ، وهذا قابل للتدارك ، لعدم استلزامه زيادة الركن فلا يقاس ذلك بالانتصاب بعد الركوع ، فيرجع هنا ويتدارك لبقاء المحلّ كما ذكره (قدس سره).

(١) لأنّ دليل اعتبار الجهر والإخفات وهو صحيح زرارة خاصّ بحال العلم والالتفات ، قال (عليه السلام) فيه : «أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه ، وقد تمّت صلاته» (٢). فالمقتضي للإعادة لدى النسيان قاصر في حدّ نفسه بعد أخذ العمد جزءاً للموضوع ، ومعه لا يبقى مجال للتدارك.

ومنه تعرف أنّ الاحتياط الذي ذكره في المتن من العود ما لم يدخل في الركوع لم يظهر له وجه أصلاً ، اللهمّ إلّا التشكيك في صدور هذه الصحيحة ومطابقتها للواقع ، وإلّا فبحسب الصناعة لا وجه لهذا الاحتياط أبداً ، ولا بأس بالاحتياط الاستحبابي لما ذكر.

__________________

(١) لو كان الواجب هو الانتصاب بعد الاولى بوصفها العنواني فهو أيضاً غير قابل للتدارك لعين ما مرّ في المورد الأوّل.

(٢) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ إنّ مراده (قدس سره) من الذكر المعطوف على القراءة لا بدّ وأن يكون هو التسبيحات الأربع في الركعتين الأخيرتين ، التي هي بدل عن القراءة ومحكومة بالإخفات ، وإن كان المتعارف التعبير عنها بالتسبيح دون الذكر ، وإلّا فلم يوجد في الصلاة ذكر غير ذلك محكوم بوجوب الجهر فيه أو الإخفات كي يبحث عن تداركه لدى النسيان وعدم التدارك كما هو ظاهر.


فصل : في الشكّ

وهو إمّا في أصل الصلاة وأنّه هل أتى بها أم لا ، وإمّا في شرائطها ، وإمّا في أجزائها وإمّا في ركعاتها.

(٢٠٢١) مسألة ١ : إذا شكّ في أنّه هل صلّى أم لا ، فإن كان بعد مضي الوقت لم يلتفت وبنى على أنّه صلّى سواء كان الشكّ في صلاة واحدة أو في الصلاتين ، وإن كان في الوقت وجب الإتيان بها كأن شكّ في أنّه صلّى صلاة الصبح أم لا ، أو هل صلّى الظهرين أم لا ، أو هل صلّى العصر بعد العلم بأنّه صلّى الظهر أم لا. ولو علم أنّه صلّى العصر ولم يدر أنّه صلّى الظهر أم لا فيحتمل جواز البناء على أنّه صلاها ، لكن الأحوط الإتيان بها ، بل لا يخلو عن قوة ، بل وكذلك لو لم يبق إلّا مقدار الاختصاص بالعصر وعلم أنّه أتى بها وشكّ في أنّه أتى بالظهر أيضاً أم لا فإنّ الأحوط الإتيان بها (*) وإن كان احتمال البناء على الإتيان بها وإجراء حكم الشكّ بعد مضي الوقت هنا أقوى من السابق ، نعم لو بقي من الوقت مقدار الاختصاص بالعصر وعلم بعدم الإتيان بها أو شكّ فيه ، وكان شاكاً في الإتيان بالظهر وجب الإتيان بالعصر ، ويجري حكم الشكّ بعد الوقت (**) بالنسبة إلى الظهر

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.

(**) بل حكم الشك بعد التجاوز ، وعلى فرض الإغماض عنه لا يجب القضاء لأنّه بأمر جديد.


لكن الأحوط قضاء الظهر أيضاً (١).

______________________________________________________

(١) بعد أن قسّم (قدس سره) الشكّ إلى ما كان في أصل الصلاة تارة ، وأُخرى في شرائطها ، وثالثة في أجزائها ، ورابعة في ركعاتها ، تعرّض فعلاً لحكم الشكّ في أصل الصلاة وأنّه هل أتى بها أم لا.

وقد فصّل (قدس سره) بين ما إذا كان الشكّ بعد مضيّ الوقت ودخول الحائل وبين ما إذا كان في الوقت ، فحكم بالاعتناء في الثاني دون الأوّل. وكلا الحكمين مضافاً إلى التسالم عليهما كما يظهر من غير واحد مطابق للقاعدة.

أمّا الأوّل : فلأنّ التكليف الثابت في الوقت قد سقط جزماً إمّا بالامتثال أو بخروج الوقت ، فلو كان ثمّة تكليف فهو متعلّق بالقضاء ، وحيث إنّه بأمر جديد وموضوعه الفوت وهو مشكوك فيه حسب الفرض فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة. ومن المعلوم أنّ استصحاب عدم الإتيان في الوقت غير مجدٍ في إثباته إذ لا يترتّب عليه عنوان الفوت ، الذي هو الموضوع للقضاء كما عرفت إلّا على القول بالأصل المثبت.

وأمّا الثاني : فلأنه مقتضى قاعدة الاشتغال ، بل الاستصحاب الذي هو حاكم عليها بناءً على ما هو الصحيح من جريان الاستصحاب في مثل المقام كما بيّناه في الأُصول (١) ، إذ معه يحرز عدم الإتيان ، فلا تصل النوبة إلى الشكّ كي يرجع فيه إلى قاعدة الاشتغال ، هذا.

مضافاً إلى ورود النصّ الصحيح المتكفّل لكلا الحكمين ، وهو صحيحة زرارة والفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال : متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها ، وإن

__________________

(١) [توجد هذه الكبرى مع مثال آخر في مصباح الأُصول ٢ : ٢٩٥].


.................................................................................................

______________________________________________________

شككت بعد ما خرج وقت الفوت وقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن ، فان استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حال كنت» (١).

ومقتضى إطلاق النصّ كعموم القاعدة عدم الفرق في الشكّ الحادث بعد خروج الوقت بين ما إذا كان متعلّقاً بصلاة واحدة أم بصلاتين كالظهرين كما هو واضح ، كما أنّ الحادث في الوقت أيضاً كذلك ، فلو شكّ في أنّه هل صلّى الصبح أم لا ، أو هل صلّى الظهرين أم لا ، أو هل صلّى خصوص العصر أم لا ، وجب الاعتناء ، لما عرفت.

إنّما الكلام فيما إذا علم بالإتيان بالمترتّبة كالعصر أو العشاء وقد شكّ في الوقت في الإتيان بالسابقة كالظهر أو المغرب ، فهل يجب الاعتناء حينئذ أيضاً أم لا؟

قد يفرض عروض الشك في الوقت المشترك ، وأُخرى في الوقت المختص فهنا مقامان

أمّا المقام الأوّل : فقد احتمل فيه الماتن جواز البناء على أنّه صلاها. وربما يستدلّ له بوجهين :

أحدهما : ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إذا جاء يقين بعد حائل قضاه ومضى على اليقين ، ويقضي الحائل والشكّ جميعاً ، فان شكّ في الظهر فيما بينه وبين أن يصلّي العصر قضاها ، وإن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر فقد مضت إلّا أن يستيقن ، لأنّ العصر حائل فيما بينه وبين الظهر ، فلا يدع الحائل لما كان من الشكّ إلّا بيقين» (٢).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٨٢ / أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٨٣ / أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ٢ ، السرائر ٣ : ٥٥٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه : ما ذكرناه غير مرّة من أنّ طريق ابن إدريس إلى كتاب حريز مجهول فالرواية في حكم المرسل فلا يعتمد عليها ، ويزيدها وهناً أنّها غير مذكورة في شي‌ء من الكتب الأربعة مع بناء المشايخ الثلاثة على النقل عن كتاب حريز كما صرّح به الكليني والصدوق في ديباجتي الكافي (١) والفقيه (٢).

ثانيهما : قاعدة التجاوز التي يثبت بها وجود صلاة الظهر ، فإنّها تشمل الأجزاء وغيرها من الأعمال المستقلّة التي لها محلّ معيّن ، كما يكشف عنه تطبيقها في صحيح زرارة على الأذان والإقامة.

أقول : قد ذكرنا في الأُصول (٣) أنّ قاعدة التجاوز المتقوّمة بالشكّ في الوجود لا في صحّة الموجود سواء أكانت جارية في الأجزاء أم في غيرها يعتبر فيها التجاوز عن المشكوك ، وبما أنّ التجاوز عن نفسه غير معقول ، لفرض الشكّ في أصل وجوده ، فلا جرم يراد به التجاوز عن محلّه المقرّر له شرعاً بالدخول في الجزء المترتّب عليه ، فانّ محلّ التكبير قبل القراءة ، وهي قبل الركوع ، وهو قبل السجود وهكذا ، كما أنّ محلّ الأذان قبل الإقامة فلا يشرع بعدها ، فلو شكّ في شي‌ء من ذلك وقد خرج عن محلّه لا يلتفت إليه.

وهذا المعنى غير متحقّق في المترتّبتين كالظهرين والعشاءين ، ضرورة أنّ ما له المحلّ منهما إنّما هي الصلاة المترتّبة كالعصر والعشاء ، فهي التي اعتبر فيها التأخّر وكان محلّها الشرعي بعد الظهر والمغرب ، وأمّا السابقة فلا محلّ لها أصلاً ولم يعتبر فيها القبلية أبداً.

__________________

(١) [لم نجد له تصريحاً بذلك].

(٢) الفقيه ١ : ٣.

(٣) مصباح الأُصول ٣ : ٢٧٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

وقد ذكرنا في محلّه (١) أنّ قوله (عليه السلام) : «إلّا أنّ هذه قبل هذه» (٢) إشارة إلى ما هو المتعارف بحسب الوجود الخارجي ، ويشتمل على نوع مسامحة في التعبير ، أو أنّه تفنّن في العبارة. والمراد أنّ هذه بعد هذه ، وإلّا فاتصاف الظهر أو المغرب بالقبلية غير معتبر في صحّتها قطعاً.

فلو صلّى الظهر بانياً على ترك العصر عمداً وعصياناً ولم يأت بها بعدها أبداً صحّ الظهر بلا إشكال ، وإن كان آثماً في ترك العصر. أو لو قدّمها نسياناً فتذكّر بعد الفراغ عدم الإتيان بالظهر أتى بها ، ولا حاجة إلى إعادة العصر رعاية للقبلية ، والترتيب المعتبر في العصر ذكرى لا يلزم تداركه ، بمقتضى حديث لا تعاد. أو لو فرضنا أنّه أتى بالظهر ونسي العصر رأساً لم يفت منه من وظيفة الظهر شي‌ء ، وحصل الامتثال بالنسبة إليه بلا إشكال.

فيستكشف من جميع ذلك أنّه لا يشترط في الظهر تقدّمه على العصر ، بل العصر مشروط بتقدّم الظهر عليه. إذن فليس للظهر محلّ شرعي كي تجري فيه قاعدة التجاوز بلحاظ الخروج عن محلّه.

والذي يكشف عمّا ذكرناه أنّه لو كان له محلّ شرعي كان اللّازم جريان قاعدة التجاوز لو عرض له الشكّ أثناء صلاة العصر أيضاً ، إذ بمجرّد الدخول فيها يتجاوز المحلّ ، ولا يناط ذلك بالفراغ عنها قطعاً. ولا نظنّ فقيهاً يلتزم بذلك ، بل لا بدّ من الاعتناء حينئذ والعدول إليها.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي التأمّل في عدم جريان القاعدة في المترتّبتين ، بل لا بدّ من الاعتناء والإتيان بالسابقة من الظهر أو المغرب ، للاستصحاب أو لا

__________________

(١) [لم نعثر على ذلك ، نعم أشار إليه في شرح العروة ١١ : ٢١٠ ، ٤٠٩ ، مصباح الأُصول ٣ : ٣١٦ ٣١٧].

(٢) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥ وغيره.


.................................................................................................

______________________________________________________

أقلّ من قاعدة الاشتغال كما مرّ.

نعم ، في الظهرين حيث يحتمل احتساب العصر المقدّم بدلاً عن الظهر ولزوم الإتيان بالعصر بعد ذلك ، لقوله (عليه السلام) في النصّ الصحيح : «إنّما هي أربع مكان أربع» (١) كان الأولى الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة من دون نيّة الظهر أو العصر كما مرّ التعرّض له في مبحث الأوقات (٢).

وأمّا المقام الثاني : أعني ما لو عرض الشك في السابقة في الوقت المختصّ باللّاحقة من العصر أو العشاء ، فقد يفرض مع العلم بالإتيان باللّاحقة ، وأُخرى مع العلم بالعدم أو الشكّ فيه الملحق به.

أمّا في فرض العلم بالإتيان فقد ذكر في المتن أنّ احتمال البناء على فعل المشكوك وإجراء حكم الشكّ بعد مضيّ الوقت أقوى هنا من الفرض السابق لقوّة احتمال أن يكون الشكّ العارض في الوقت المختصّ بمثابة الشكّ بعد خروج الوقت ، المحكوم بعدم الاعتناء.

أقول : إذا بنينا على ثبوت وقت الاختصاص بمعنى أنّ مقدار أربع ركعات من آخر الوقت مختصّ بصلاة العصر ، كما أنّ مقدارها من أوّله مختصّ بصلاة الظهر ، بحيث لا يكون الوقت في حدّ ذاته صالحاً لغير ذلك ، وأنّ وقت العصر إنّما يدخل بعد مضيّ مقدار أربع ركعات من أوّل الوقت ، كما أنّ وقت الظهر ينتهي عند بلوغ أربع ركعات من آخره ، ويتفرّع عليه بطلان العصر لو أوقعه نسياناً في أوّل الوقت كما التزم به القائل بوقت الاختصاص ، فبناءً على هذا القول يتّجه حينئذ ما ذكره ، ولا مناص عن الالتزام بخروج الوقت ، وأنّ الشك العارض عندئذ يجري عليه حكم الشكّ في خارج الوقت ولا يعتنى به.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٢) شرح العروة ١١ : ٢٠٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا إذا أنكرنا ذلك كما أنكرناه على ما سبق في محلّه (١) وقلنا إنّ المستفاد من الأدلّة أنّ كلّ جزء من أجزاء الوقت من المبدإ إلى المنتهي صالح في حدّ ذاته لكلّ من الصلاتين ، وقابل لإيقاع كلّ من الشريكتين ، غير أنّ مراعاة الترتيب تستدعي تقديم الظهر ، فلا يجوز إيقاع العصر أوّل الوقت اختياراً ، ولا بأس نسياناً بمقتضى حديث لا تعاد.

وبطبيعة الحال يختصّ مقدار أربع ركعات من آخر الوقت بالعصر ، بمعنى أنّه لا يزاحمه الظهر عندئذ ما دامت الذمّة مشغولة بالعصر ، فإن قضيّة الترتيب تستوجب ذلك. وهذا هو معنى وقت الاختصاص.

أمّا لو كانت فارغة منه للإتيان به قبل ذلك ولو نسياناً أو باعتقاد الإتيان بالظهر قبله المحكوم بالصحّة لذكرية شرطية الترتيب بمقتضى حديث لا تعاد كما عرفت فلا مانع من الإتيان بالظهر في هذا الوقت ، لما عرفت من أنّ الوقت في حدّ ذاته صالح لكلّ منهما ، ولم يثبت اختصاص الجزء الأخير بالعصر إلّا بالمعنى الذي ذكرناه أعني عدم جواز مزاحمة الظهر له. وحيث إنّ المفروض فراغ الذمّة عن العصر فلا أمر به كي تقع المزاحمة ، فلا محذور في الإتيان بالظهر عندئذ أداءً بعد وجود المقتضي وعدم المانع حسب الفرض.

وعلى الجملة : إذا بنينا على ثبوت وقت الاختصاص بالمعنى الذي ذكرناه وهو الحقّ ، لعدم اقتضاء الأدلّة أكثر من ذلك فلا مناص من الإتيان بالظهر المشكوك فيه ، إمّا للاستصحاب أو لقاعدة الاشتغال كما مرّ ، فإنّه من الشكّ في الوقت ، لا في خارجه كي يلحقه حكمه.

وأمّا في فرض العلم بعدم الإتيان بالعصر أو الشكّ فيه والمفروض شكّه في الظهر أيضاً ، فلا إشكال في لزوم الإتيان بالعصر حينئذ كما هو ظاهر.

__________________

(١) في شرح العروة ١١ : ١٢٧.


[٢٠٢٢] مسألة ٢ : إذا شكّ في فعل الصلاة وقد بقي من الوقت مقدار ركعة فهل ينزّل منزلة تمام الوقت أو لا؟ وجهان (١) أقواهما الأوّل ، أمّا لو بقي أقل من ذلك فالأقوى كونه بمنزلة الخروج.

______________________________________________________

وأمّا بالنسبة إلى الظهر فقد بنى (قدس سره) على إجراء حكم الشكّ بعد الوقت وقد ظهر ممّا قدّمناه المناقشة في ذلك ، لابتنائه على تفسير وقت الاختصاص بالمعنى الأوّل كما لا يخفى. وقد عرفت أنّ الصحيح هو المعنى الثاني ، وعليه فالشكّ المزبور من الشكّ في الوقت لا في خارجه ، ومع ذلك فالصحيح هو ما ذكره (قدس سره) من عدم الاعتناء.

أمّا أوّلاً : فلقاعدة التجاوز ، فانّ المستفاد من الأدلّة أنّ محلّ الظهر شرعاً هو قبل هذا الوقت الذي لا تجوز فيه مزاحمة العصر لدى عدم الإتيان به ، فالشكّ عندئذ معدود من الشكّ بعد تجاوز المحلّ كما لا يخفى.

وثانياً : مع الإغماض عن ذلك وتسليم إنكار المحلّ الشرعي كما قد يتراءى ممّا قدّمناه فتكفينا أصالة البراءة عن القضاء ، فإنّ الأمر الأدائي بالظهر ساقط وقتئذ جزماً إمّا للامتثال أو للعجز ، من أجل عدم إمكان اجتماعه مع الأمر الفعلي المتعلّق بالعصر ولزوم صرف الوقت فيه ، لعدم سعة الوقت لكلتا الصلاتين حسب الفرض.

وأمّا الأمر القضائي فغير معلوم الحدوث ، لأنّ القضاء بأمر جديد ، وموضوعه الفوت ، وهو مشكوك. واستصحاب عدم الإتيان لا يجدي في إثبات عنوان الفوت كما مرّ ، فيرجع حينئذ إلى أصالة البراءة عن القضاء.

(١) مبنيان على استظهار المراد من الوقت الوارد في صحيحة زرارة والفضيل


.................................................................................................

______________________________________________________

المتقدّمة (١) قال (عليه السلام) «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة ...» إلخ ، وأنّ الظاهر منه هل هو الوقت الأعم من الحقيقي والتنزيلي بمقتضى التوسعة المستفادة من حديث من أدرك ، الوارد في صلاة الغداة (٢) والملحق بها بقية الصلوات بعدم القول بالفصل أو أنّه منصرف إلى خصوص الوقت الحقيقي الثابت بمقتضى الجعل الأوّلي.

وحيث إنّ الأظهر هو الاحتمال الأوّل ، لعدم قصور في شمول الإطلاق له بعد ملاحظة التوسعة المزبورة ، كان الأقوى ما اختاره الماتن (قدس سره) من التنزيل.

ومع الإغماض عن ذلك (٣) والتشكيك في المراد من النصّ لتكافؤ الاحتمالين فغايته الإجمال المسقط عن الاستدلال ، فيرجع حينئذ إلى ما تقتضيه القاعدة.

ولا ريب أنّ مقتضاها الاعتناء أيضاً ، إذ بعد جريان استصحاب عدم الإتيان بالمشكوك فيه ولا أقلّ من قاعدة الاشتغال فهو بمثابة العالم بعدم الإتيان فيشمله حديث من أدرك المتكفّل لتوسعة الوقت بالإضافة إلى من لم يدرك منه إلّا ركعة ، فإنّ هذا ممّن لم يدرك إلّا ركعة بمقتضى الاستصحاب أو القاعدة. فالنتيجة إلحاق هذا الشكّ بالشكّ في تمام الوقت ، المحكوم بالاعتناء والالتفات إليه.

هذا كلّه فيما إذا بقي من الوقت مقدار ركعة أو أكثر ، وأمّا إذا بقي أقلّ من ذلك فالأقوى كونه بمنزلة الخروج كما ذكره في المتن ، لعدم بقاء الوقت الحقيقي ولا التنزيلي ، فيصدق الشكّ بعد خروج الوقت ، المحكوم بعدم الاعتناء في النصّ المتقدّم.

__________________

(١) في ص ١١٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٢١٧ / أبواب المواقيت ب ٣٠.

(٣) هذا الجواب هو المتعيّن ، وأمّا ما أفاده (دام ظله) أولاً من التمسّك بالإطلاق فلا يكاد يجدي من دون التمسّك بالاستصحاب ، لعدم إحراز موضوع الحديث إلّا به كما لا يخفى.


[٢٠٢٣] مسألة ٣ : لو ظنّ فعل الصلاة فالظاهر أنّ حكمه حكم الشكّ في التفصيل بين كونه في الوقت أو في خارجه ، وكذا لو ظنّ عدم فعلها (١).

[٢٠٢٤] مسألة ٤ : إذا شكّ في بقاء الوقت وعدمه يلحقه حكم البقاء (٢).

______________________________________________________

وعلى فرض التشكيك في ذلك واحتمال كون المراد خروج الوقت بتمامه بحيث لم يبق أيّ جزء منه ولو كان أقلّ من الركعة فغايته الإجمال أيضاً ، ومقتضى القاعدة حينئذ عدم الاعتناء ، فإنّ الأمر الأدائي ساقط جزماً إمّا للامتثال أو لعدم سعة الوقت حتّى التنزيلي منه حسب الفرض.

وأمّا القضاء فحيث إنّه بأمر جديد وموضوعه الفوت وهو مشكوك فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة ، وقد عرفت غير مرّة أنّ أصالة عدم الإتيان في الوقت لا تجدي في إثبات عنوان الفوت الذي هو الموضوع للقضاء إلّا على القول بالأصل المثبت.

(١) إذ بعد عدم الدليل على اعتباره فهو ملحق بالشكّ ، فانّ الظنّ لا يغني عن الحقّ ، بل هو باعتبار الشكّ في اعتباره من أقسام الشكّ حقيقة. ومجرّد رجحان الفعل أو الترك لا يخرجه عن عنوان الشكّ الذي هو خلاف اليقين لغة (١) كما تقتضيه المقابلة بينه وبين اليقين في الصحيحة المتقدّمة (٢) فيلحقه التفصيل المتقدّم بين الوقت وخارجه كما هو ظاهر.

(٢) لاستصحاب بقاء الوقت على سبيل مفاد كان التامة حسبما أوضحناه في الأُصول (٣).

__________________

(١) المنجد : ٣٩٧ مادّة شكّ.

(٢) في ص ١١٢.

(٣) مصباح الأُصول ٣ : ١٢٢ وما بعدها.


[٢٠٢٥] مسألة ٥ : لو شكّ في أثناء صلاة العصر في أنّه صلّى الظهر أم لا فإن كان في الوقت المختصّ بالعصر بنى على الإتيان بها ، وإن كان في الوقت المشترك عدل إلى الظهر بعد البناء على عدم الإتيان بها (١).

______________________________________________________

(١) فصّل (قدس سره) بين ما إذا كان ذلك في الوقت المشترك فيعدل إلى الظهر بعد البناء على عدم الإتيان بها ، وبين ما إذا كان في الوقت المختصّ بالعصر فيبني على الإتيان بها ويتمّها عصراً ، فانّ وظيفته ذلك حتّى مع القطع بعدم الإتيان بالظهر فضلاً عن الشكّ فيه.

أقول : ما أفاده (قدس سره) هو الصحيح في كلا الفرضين :

أمّا في الوقت المشترك فلاستصحاب عدم الإتيان بالظهر ، ولا أقلّ من قاعدة الاشتغال ، فهو بمثابة العالم بعدم الإتيان بالظهر ، وقد دلّت النصوص الكثيرة على وجوب العدول إليها لو تذكّر ذلك أثناء العصر كما تقدّمت سابقاً (١).

وقد يتوهّم البناء على الإتيان ، استناداً إلى قاعدة التجاوز ، بدعوى أنّ محلّ الظهر قبل العصر ، وبالدخول فيه قد تجاوز المحلّ فيبني على الإتيان.

وفيه : ما تقدّم قريباً (٢) من عدم جريان القاعدة في مثل المقام ، إذ ليس للظهر محلّ خاص ، وإنّما المحلّ معتبر في العصر فقط ، فإنّه المشروط بتأخّره عن الظهر وليس الظهر مشروطاً بتقدّمه على العصر كي يكون له محلّ معيّن شرعاً ، فالبعدية ملحوظة في العصر بمقتضى الترتيب ، لا أنّ القبلية معتبرة في الظهر. وعليه فمحلّ المشكوك باقٍ بحاله ولم يتجاوز عنه ولو كان الشكّ عارضاً بعد الفراغ عن العصر ، فضلاً عمّا إذا كان في الأثناء ، فلا مناص من الاعتناء.

وأمّا في الوقت المختصّ فيبني على الإتيان كما أفاده (قدس سره).

__________________

(١) شرح العروة ١١ : ٢٠٥ وما بعدها.

(٢) في ص ١١٤ وما بعدها.


[٢٠٢٦] مسألة ٦ : إذا علم أنّه صلّى إحدى الصلاتين من الظهر أو العصر ولم يدر المعيّن منهما يجزيه الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة سواء كان في الوقت أم في خارجه ، نعم لو كان في وقت الاختصاص بالعصر يجوز له البناء (*) على أنّ ما أتى به هو الظهر فينوي فيما يأتي به العصر. ولو علم أنّه صلّى إحدى العشاءين ولم يدر المعيّن منهما وجب الإتيان بهما ، سواء كان في الوقت أم في خارجه ، وهنا أيضاً لو كان في وقت الاختصاص بالعشاء بنى على أنّ ما أتى به هو المغرب وأنّ الباقي هو العشاء (١)

______________________________________________________

أمّا أوّلاً : فلقاعدة التجاوز ، إذ المستفاد من الأدلّة أنّ محلّ الظهر هو قبل الانتهاء إلى هذا الوقت لدى عدم الإتيان بصلاة العصر ، لاختصاص الوقت بها ، بمعنى عدم مزاحمتها به كما مرّ (١) ، فالشكّ العارض في هذا الوقت ولم يفرغ بعد عن وظيفة العصر شكّ بعد تجاوز المحلّ كما مرّ سابقاً.

وثانياً : مع الإغماض عن ذلك فتكفينا أصالة البراءة عن القضاء ، فإنّ الأمر بالظهر أداءً ساقط حينئذ على كلّ تقدير إمّا للامتثال أو لعدم سعة الوقت بعد لزوم صرفه في العصر ، وأمّا القضاء فموضوعه الفوت ، وهو مشكوك ، فينفى بالبراءة بعد وضوح أنّ أصالة عدم الإتيان لا تجدي في إثباته ، لعدم حجّية الأُصول المثبتة كما مرّ غير مرّة.

(١) إذا علم إجمالاً بعدم الإتيان بواحد من الظهرين أو واحد من العشاءين فقد يكون ذلك في الوقت المشترك ، وقد يكون في الوقت المختص.

__________________

(*) لاستصحاب عدم الإتيان بالعصر ، ولا يعارضه استصحاب عدم الإتيان بالظهر لعدم الأثر ، هذا بناءً على عدم انقلاب ما أتى به عصراً ظهراً ، وإلّا فلا أثر للشك.

(١) في ص ١١٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا في الوقت المشترك : فلا إشكال في وجوب الإتيان بكلتا الصلاتين ، عملاً بقاعدة الاشتغال الناشئ من العلم الإجمالي ببقاء أحد الوجوبين بعد معارضة الاستصحاب من الطرفين ، فانّ الفراغ اليقيني عن التكليف المعلوم لا يحصل إلّا بذلك.

نعم ، فيما إذا كانت الصلاتان متّحدتي العدد كالظهرين يجزيه الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة ، لكفاية القصد الإجمالي بلا إشكال بمقتضى القاعدة مضافاً إلى الصحيحة الواردة في الفائتة المردّدة بينهما المصرّحة بذلك (١).

هذا بناءً على أنّ العصر المقدّم نسياناً يقع عصراً ويأتي بالظهر بعد ذلك كما عليه المشهور ، وأمّا بناءً على أنّه يحتسب ظهراً ويعدل بنيّته إليه ويأتي بالعصر بعد ذلك ، لقوله (عليه السلام) في النصّ الصحيح : «إنّما هي أربع مكان أربع» (٢) جاز له الإتيان بنيّة العصر خاصّة ، لأنّ الباقي في ذمّته على هذا المبنى إنّما هو العصر على كلّ تقدير كما لا يخفى. وكيف ما كان ، فلا ينبغي الإشكال في كفاية الإتيان بقصد ما في الذمّة كما عرفت.

وأمّا في الوقت المختصّ بالعصر أو العشاء فقد ذكر (قدس سره) أنّه يجوز له البناء على أنّ ما أتى به هو الظهر أو المغرب ، فينوي فيما يأتي به العصر أو العشاء.

والوجه فيما أفاده (قدس سره) أنّا إنّما ذكرنا في الفرض السابق وجوب الإتيان بكلتا الصلاتين أو بأربع بقصد ما في الذمّة من جهة معارضة الأصلين بعد العلم الإجمالي كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٧٥ / أبواب قضاء الصلوات ب ١١ ح ١ [لا يخفى أنّها لم ترد في خصوص الظهرين].

(٢) الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.


[٢٠٢٧] مسألة ٧ : إذا شكّ في الصلاة في أثناء الوقت ونسي الإتيان بها وجب عليه القضاء إذا تذكّر خارج الوقت (١) ، وكذا إذا شكّ وأعتقد أنّه خارج

______________________________________________________

أمّا في المقام فتجري أصالة عدم الإتيان بالعصر بلا معارض ، إذ لا أثر لأصالة عدم الإتيان بالظهر ، فإنّها إنّما تنفع في وجوب الإتيان بالظهر لدى إحراز فراغ الذمّة عن العصر ، وهو مشكوك حسب الفرض.

وواضح أنّ الأصل المزبور لا يترتّب عليه وقوع العصر خارجاً وفراغ الذمّة عنه ، إذ لا يثبت به اللّازم كي يتعارض الأصلان. فأصالة عدم الإتيان بالعصر التي نتيجتها اختصاص الوقت بالعصر سليمة عن المعارض ، فيجوز له أن ينوي فيما يأتي به العصر ، كما يجوز له الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة.

ومنه تعرف الحال في العشاء ، فإنّ أصالة عدم الإتيان بها غير معارضة بأصالة عدم الإتيان بالمغرب ، لعدم الأثر كما عرفت.

وبالجملة : أصالة عدم الإتيان بالظهر أو المغرب لا تنفع في وجوب الإتيان بهما في الوقت لما ذكر ، ولا في خارجه قضاءً ، لأنّ موضوعه الفوت الذي لا يثبت بالأصل المزبور ، فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة. فلا مانع من البناء على الإتيان بهما كما أُفيد في المتن.

(١) إذ بعد حدوث الشكّ في الوقت الموجب لتنجّز التكليف عليه بمقتضى الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال فهو محرز للفوت وجداناً ، الذي هو الموضوع لوجوب القضاء ، وإن كان الفائت هو امتثال التكليف الظاهري الثابت ببركة الأصل لا الواقعي ، ضرورة أنّ القضاء تابع لفوت الوظيفة المقرّرة في الوقت سواء أكانت واقعية أم ظاهرية قد ثبتت بدليل شرعي كالاستصحاب ، أم عقلي كقاعدة الاشتغال.


الوقت ثمّ تبيّن أنّ شكّه كان في أثناء الوقت (١) ، وأمّا إذا شكّ واعتقد أنّه في الوقت فترك الإتيان بها عمداً أو سهواً ثمّ تبيّن أنّ شكّه كان خارج الوقت فليس عليه القضاء.

[٢٠٢٨] مسألة ٨ : حكم كثير الشكّ في الإتيان بالصلاة وعدمه حكم غيره ، فيجري فيه التفصيل بين كونه في الوقت وخارجه. وأمّا الوسواسي فالظاهر أنّه يبني على الإتيان وإن كان في الوقت (٢).

______________________________________________________

(١) فيجب الاعتناء عملاً بالاستصحاب أو قاعدة الاشتغال ، إذ الاعتبار بحدوث الشكّ في الوقت الواقعي لا الخطائي الخيالي. ومنه تعرف عدم القضاء في صورة العكس المذكورة بعد ذلك.

(٢) أمّا إذا بلغت كثرة الشكّ حدّ الوسواس فلا إشكال في عدم الاعتناء فيبني على الإتيان وإن كان في الوقت ، لأنّ مضافاً إلى قيام الإجماع عليه ، بل قيل بحرمته استناداً إلى بعض النصوص ، وإن كانت الدلالة قاصرة كما مرّت الإشارة إليه في مطاوي بعض الأبحاث السابقة (١) المقتضي للاعتناء من النصّ أو الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال في نفسه قاصر الشمول لمثل ذلك ، لانصرافه إلى الشكوك المتعارفة الناشئة عن منشإ عقلائي ، فلا يعمّ الوسواسي الذي ربما يستند شكّه إلى الجنون. وكذا الحال في القاعدة ، فإنّ الاشتغال اليقيني أنّما يستدعي اليقين المتعارف بالفراغ كما لا يخفى.

وأمّا إذا لم تبلغ ذاك الحدّ ، بل كان مجرّد كثرة الشكّ ، على الخلاف في تفسير ضابطها من الإيكال إلى الصدق العرفي ، أو عدم خلوّ ثلاث صلوات متتاليات

__________________

(١) شرح العروة ٣ : ١٦٠ ١٦١.


.................................................................................................

______________________________________________________

عن الشكّ كما هو المقرّر في محلّه (١) عند التعرّض لكثرة الشكّ المتعلّق بالأجزاء فهل الكثرة المتعلّقة بأصل الصلاة تلحق بكثرة الشكّ المتعلّق بالأجزاء في عدم الاعتناء ، أو لا؟

المعروف والمشهور عدم الإلحاق كما اختاره في المتن ، اقتصاراً في الخروج عن عموم أدلّة الشكوك من الشرعية والعقلية على المقدار المتيقّن ، وهو كثرة الشكّ المتعلّق بأجزاء الصلاة أو ركعاتها ، فلا يتعدّى إلى من كان كثير الشك في أصل الصلاة ، أو في تحصيل شرائطها من الطهارة الحدثية كالغسل والوضوء ، أو الخبثية كتطهير الثوب أو البدن ونحو ذلك ، لما عرفت من أنّ الأخبار الواردة في كثير الشكّ التي بها يخرج عن مقتضى العموم موردها الشكّ في الأجزاء أو الركعات مثل موثقة عمّار : «في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشكّ في الركوع فلا يدري أركع أم لا ، ويشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا ، فقال : لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتّى يستيقن يقيناً ...» إلخ (٢) ، ونحوها غيرها ممّا ورد في الركعات ، فيحتاج التعدّي وإلغاء خصوصية المورد إلى دليل مفقود ، هذا.

ويستفاد من الموثّقة أنّ وظيفة كثير الشكّ هو عدم الاعتناء والمضيّ في صلاته وأنّه لو اعتنى فركع أو سجد أفسد ونقض صلاته ، إذ بعد النهي عنهما فالإتيان من الزيادة العمدية القادحة كما لا يخفى.

وكيف ما كان فربما يستدلّ للتعدّي :

تارة بصحيحة ابن مسلم : «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك ، فإنّه يوشك أن يدعك ، إنّما هو من الشيطان» (٣).

__________________

(١) شرح العروة ١٩ : ١١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٢٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأُخرى بصحيحة زرارة وأبي بصير ولعلّها أوضح قالا «قلنا له : الرجل يشكّ كثيراً في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه ، قال : يعيد ، قلنا : فإنّه يكثر عليه ذلك ، كلّما أعاد شكّ ، قال : يمضي في شكّه ، قال : لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فانّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم ، ولا يكثرنّ نقض الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ ...» إلخ (١).

فإنّه يستفاد منهما أنّ المناط في عدم الاعتناء بكثرة الشكّ عدم تمكين الخبيث وتطميعه وتعويده ، وأنّه متى تُرك تَرك ولم يعد إليه الشك ، فلا يفرق في ذلك بين تعلّق الكثرة بأجزاء الصلاة أم بأصلها.

ولكنّ الظاهر عدم الدلالة على التعدّي ، لوجود الفارق.

أمّا الأخيرة فلأنّ موردها النقض وقطع الصلاة ، وهو إمّا محرّم كما عليه المشهور أو مكروه على الأقل ، وعلى أيّ حال فهو أمر مرجوح. ومقتضى مناسبة الحكم والموضوع أن يكون ذلك مستنداً إلى الشيطان وناشئاً عن إغوائه ، ومن ثمّ أمر (عليه السلام) بعدم الاعتناء ، فكيف يمكن أن يقاس عليه الشكّ المتعلّق بأصل الصلاة المستتبع للتكرار ، ضرورة أنّه وإن كثر لا مرجوحية فيه أبداً ما لم يبلغ حدّ الوسوسة كما هو المفروض ، فكيف يمكن أن يدّعى أنّه من عمل الشيطان ومستند إلى تطميعه كي يشمله النصّ.

وكذا الحال في كثرة الشكّ المتعلّق بالشرائط الخارجة عن الصلاة كالتطهير من الحدث أو الخبث ونحو ذلك ، فإنّ شيئاً من ذلك ما لم يصل حدّ الوسواس وكان الشكّ ناشئاً عن سبب عادي متعارف كما هو محلّ الكلام لا مرجوحية فيه بوجه.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٢.


[٢٠٢٩] مسألة ٩ : إذا شكّ في بعض شرائط الصلاة فامّا أن يكون قبل الشروع فيها أو في أثنائها أو بعد الفراغ منها ، فإن كان قبل الشروع فلا بدّ من إحراز ذلك الشرط ولو بالاستصحاب ونحوه من الأُصول ، وكذا إذا كان في الأثناء ، وإن كان بعد الفراغ منها حكم بصحّتها وإن كان يجب إحرازه للصلاة الأُخرى ، وقد مرّ التفصيل في مطاوي الأبحاث السابقة (١).

______________________________________________________

ومنه تعرف الحال في الصحيحة السابقة ، فإنّ موردها النقض أيضاً ولو بقرينة الروايات الواردة في كثير الشكّ في الأجزاء الناهية عن الاعتناء كموثّقة عمّار المتقدّمة ، بناءً على ما استظهرنا منها كما مرّ من الدلالة على البطلان وانتقاض الصلاة لو اعتنى بشكّه من أجل الزيادة العمدية ، فقياس ما عدا ذلك عليه قياس مع الفارق. فلا وجه للتعدّي عن مورد الصحيحتين.

إذن يبقى عموم أدلّة الشكوك شرعيّها وعقليّها سليماً عن المخصّص ، ولعلّه من أجل ذلك لم يلتزم الفقهاء بإجراء حكم الشكّ المتعلّق بالأجزاء أو الركعات فيما عداهما ، بل بنوا على الاعتناء.

(١) بعد ما فرغ (قدس سره) عن بيان حكم الشكّ في أصل الصلاة تعرّض (قدس سره) في هذه المسألة لحكم الشكّ في الشرائط ، وفي المسائل الآتية لحكم الشكّ في الأجزاء. فذكر (قدس سره) أنّ الشكّ في الشرط قد يكون قبل الشروع في الصلاة ، وأُخرى أثناءها ، وثالثة بعد الفراغ منها.

أمّا في الأخير : فلا إشكال في عدم الاعتناء والبناء على الصحّة ، لقاعدة الفراغ المستفادة من الروايات الكثيرة كما هو مقرّر في محلّه (١).

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٦٢ وما بعدها.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا في الأوّل : فلا بدّ من إحراز الشرط ولو بالأصل من استصحاب ونحوه إذ الشكّ في الشرط شكّ في المشروط ، وهو مانع عن إحراز الامتثال الذي لا بدّ من اليقين به في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم.

وأمّا في الثاني : فإن كان محرزاً للشرط فعلاً وقد شكّ في تحقّقه بالإضافة إلى الأجزاء السابقة كما لو رأى نفسه متوجّهاً نحو القبلة وشكّ في كونه كذلك قبل ذلك ، لا مانع حينئذ من جريان قاعدة التجاوز في الأجزاء السابقة ، فتكون صحّتها محرزة بالتعبّد وصحّة اللّاحقة بالوجدان ، فيحكم بصحّة الصلاة بضمّ الوجدان إلى الأصل.

وأمّا إذا لم يحرزه بالفعل كما لو كان شاكاً في الطهارة وجب الاعتناء ، لعين ما مرّ في الأوّل من لزوم إحراز الشرط ، عملاً بقاعدة الاشتغال.

وربما يقال كما عن بعض بأنّ الشكّ في الطهارة في الأثناء لا يستوجب البطلان ، بل يتوضّأ ويبني على صلاته بعد إجراء قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الأجزاء السابقة.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّه خلط بين ما هو شرط للجزء وما يكون شرطاً في أصل الصلاة ، ففي الأوّل يتمّ ما أُفيد كما في مثال القبلة المتقدّم ، وكما لو شكّ حال القراءة في القيام حال التكبير الذي هو شرط في صحّته ، بل هو ركن كما مرّ (١) ، فيبني على صحّة الجزء السابق بقاعدة التجاوز ، ويحرز الشرط للجزء اللّاحق بالوجدان ، فتصحّ الصلاة بضمّ الوجدان إلى الأصل كما عرفت.

وأمّا الطهارة فهي من قبيل الثاني ، حيث إنّها شرط في تمام حالات الصلاة بما فيها من الأكوان المتخلّلة بين الأجزاء ، وليست شرطاً في الأجزاء خاصّة بل في الأكوان أيضاً وإن لم تكن هي من الصلاة. فما دام المصلّي في الصلاة

__________________

(١) في ص ٥٢.


[٢٠٣٠] مسألة ١٠ : إذا شكّ في شي‌ء من أفعال الصلاة فامّا أن يكون قبل الدخول في الغير المرتّب عليه وإمّا أن يكون بعده (١) ، فإن كان قبله وجب الإتيان كما إذا شكّ في الركوع وهو قائم ، أو شكّ في السجدتين أو السجدة الواحدة ولم يدخل في القيام أو التشهّد ، وهكذا لو شكّ في تكبيرة الإحرام ولم يدخل فيما بعدها ، أو شكّ في الحمد ولم يدخل في السورة ، أو فيها ولم يدخل في الركوع أو القنوت. وإن كان بعده لم يلتفت وبنى على أنّه أتى به

______________________________________________________

ومتشاغلاً بها يجب أن يكون متطهّراً. وعليه ففي حالة الاشتغال بالتوضي التي هي كون صلاتي حسب الفرض غير محرز للشرط ، فلا يمكن تحصيله بالتوضي في الأثناء ، بل لا مناص من إعادة الصلاة بعد تحصيل الطهارة كما ذكرناه.

(١) الشكّ في جزء من أفعال الصلاة قد يكون بعد تجاوز المحلّ المتحقّق بالدخول في الغير المترتّب عليه كما لو شكّ في القراءة بعد ما ركع ، أو في الركوع بعد ما سجد. وقد يكون قبل التجاوز كما لو شكّ في الركوع وهو قائم ، أو في السجود ولم يدخل في القيام أو التشهد. ففي الأوّل لم يلتفت وبنى على أنّه أتى به ، وفي الثاني يجب الاعتناء والإتيان بالمشكوك فيه.

ويدلّ على الحكمين مضافاً إلى التسالم وعدم الخلاف جملة وافرة من النصوص المعتبرة التي منها صحيحة زرارة المتكفّلة لكلا الحكمين ، قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : يمضي ، قلت : رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر ، قال : يمضي ، قلت : رجل شكّ في التكبير وقد قرأ ، قال : يمضي ، قلت : شكّ في القراءة وقد ركع ، قال : يمضي ، قلت : شكّ في الركوع وقد سجد ، قال : يمضي على صلاته ، ثمّ قال : يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» (١).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.


من غير فرق بين الأوّلتين والأخيرتين على الأصحّ (١)

______________________________________________________

دلّ الصدر على عدم الاعتناء بعد ما تجاوز ، والذيل بمقتضى المفهوم على الاعتناء ما لم يتجاوز ولم يدخل في الغير. مضافاً إلى أنّ الأخير مطابق لقاعدة الاشتغال أو الاستصحاب. فالحكم في الجملة مسلّم لا غبار عليه ، إنّما الكلام في بعض الخصوصيات التي أُشير إليها في المتن ، ونتعرّض إليها في ضمن جهات :

(١) الاولى : هل تختصّ قاعدة التجاوز بالركعتين الأخيرتين أو تعمّ الأولتين؟

المشهور هو الثاني ، أخذاً بإطلاق النصوص. وعن جماعة كالشيخين (١) والعلّامة (٢) وابن حمزة (٣) الأوّل ، نظراً إلى ورود جملة من النصوص المعتبرة المتضمّنة للزوم سلامة الأولتين عن الشكّ لأنّهما فرض الله ، وفرضه تعالى لا يدخله الشكّ والوهم (٤) ، وبذلك يقيّد الإطلاق في تلك النصوص ويحمل على الأخيرتين.

ولكن الصحيح ما عليه المشهور ، فانّ هذه النصوص ظاهرة أو محمولة على إرادة الشكّ في الركعات ، كيف وبعض تلك الروايات صريحة في الركعة الأُولى كصحيحة زرارة المتقدّمة ، فإنّ سبق ذكر الإقامة والتكبير يستدعي إرادتها كما لا يخفى ، فلا يمكن ارتكاب التقييد فيها ، فيكشف ذلك عن أنّ المراد من الشكّ

__________________

(١) المقنعة : ١٤٥ [لاحظ ص ١٣٨ منها ، حيث قال : فان شكّ في الركوع وهو قائم ... ، حيث لم يفصّل بين الركعات] النهاية : ٩٢ ، التهذيب ٢ : ١٥٤ / ذيل ح ٦٠٤.

(٢) التذكرة ٣ : ٣١٦ [لكن فصّل بين الركن وغيره ، وما نقل إنّما يستفاد من كلام العلّامة بعد ملاحظة صدر مسألة ٣٤١ من التذكرة].

(٣) الوسيلة : ١٠١.

(٤) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١ ، ٢ وغيرهما.


والمراد بالغير مطلق الغير المرتّب على الأوّل كالسورة بالنسبة إلى الفاتحة (١) فلا يلتفت إلى الشكّ فيها وهو آخذ في السورة ، بل ولا إلى أوّل الفاتحة أو السورة وهو في آخرهما ، بل ولا إلى الآية وهو في الآية المتأخّرة ، بل ولا إلى أوّل الآية وهو في آخرها. ولا فرق بين أن يكون ذلك الغير جزءاً واجباً أو مستحبّاً (*) كالقنوت بالنسبة إلى الشكّ في السورة والاستعاذة بالنسبة إلى تكبيرة الإحرام ، والاستغفار بالنسبة إلى التسبيحات الأربعة ، فلو شكّ في شي‌ء من المذكورات بعد الدخول في أحد المذكورات لم يلتفت.

______________________________________________________

الممنوع دخوله في الأُوليين في تلك النصوص خصوص الشكّ المتعلّق بعدد الركعات لو لم تكن ظاهرة فيها في نفسها كما عرفت.

ومنه تعرف ضعف التفصيل بين الركن وغيره كما عن بعضهم ، للتصريح في الصحيحة بعدم الاعتناء بالشكّ في الركوع بعد ما سجد.

(١) الجهة الثانية : هل تختصّ القاعدة بالأجزاء المستقلّة فلا تشمل الجزء غير المستقل ، فلو شكّ في الفاتحة بعد ما دخل في السورة وجب الاعتناء،أو أنّها تشمل الأجزاء بأسرها؟

قد يقال بالأوّل ، نظراً إلى أنّ المذكورات في صحيح زرارة كلّها من قبيل الأجزاء المستقلّة ، إذ الظاهر أنّ المراد بالقراءة تمامها المشتمل على الفاتحة والسورة ، فالمجموع جزء مستقلّ معنون بهذا العنوان ، فلا دليل على جريانها في الجزء غير المستقل ، بل المرجع حينئذ القاعدة الأوّلية المقتضية للاعتناء أعني الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال ، اقتصاراً في الخروج عمّا يقتضيه الأصل الأوّلي

__________________

(*) في جريان قاعدة التجاوز بالدخول في المستحبّ المترتب إشكال ، بل منع.


كما أنّه لا فرق في المشكوك فيه أيضاً بين الواجب والمستحب (١).

______________________________________________________

على المقدار المتيقّن.

ولكن الظاهر هو الثاني ، فإنّ المذكورات في الصحيح من باب المثال ، والعبرة إنّما هي بالضابطة الكلّية الواقعة في كلام الإمام (عليه السلام) المذكورة في ذيل الصحيحة ، قال (عليه السلام) : «يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» ، ومن المعلوم أنّ إطلاق الشي‌ء غير قاصر الشمول لغير المستقلّ من الأجزاء.

بل الظاهر شمول الإطلاق لأبعاض الجزء الواحد ، فلو شكّ في أوّل الفاتحة أو السورة وهو في آخرهما أو في آية وهو في الآية المتأخّرة لم يلتفت ، لاندراج الكلّ تحت إطلاق النصّ.

نعم ، يعتبر في الشمول صدق الخروج والدخول عرفاً الذي هو الموضوع في الجريان بمقتضى الضابطة المتقدّمة ، فلا تجري لو شكّ في كلمة من الآية أو من الجملة المستقلّة وقد دخل في كلمة اخرى ، فضلاً عمّا لو شكّ في حرف من الكلمة الواحدة وهو في الحرف الآخر منها كما لو شكّ عند التلفظ بنون (العالمين) في العين منها ، وأنّه هل أدّاها على النهج العربي الصحيح أو باللهجة الفارسية المؤدية إلى قلب العين همزة ، فإنّ شيئاً من ذلك غير مشمول للنصّ ، لانتفاء الصدق العرفي المزبور الذي هو المدار في جريان القاعدة كما عرفت. فالشكّ في أمثال ذلك يعد من الشكّ في المحلّ المحكوم بالاعتناء.

(١) الجهة الثالثة : لا فرق في جريان القاعدة بين كون المشكوك فيه من الأجزاء الواجبة أو المستحبّة ، فلو شكّ بعد الدخول في التشهّد في الإتيان بالذكر المستحبّ الوارد قبل ذلك أعني قول : بسم الله وبالله والأسماء الحسنى كلّها لله ...


.................................................................................................

______________________________________________________

إلخ ، أو بعد الدخول في القراءة في الاستعاذة ونحو ذلك ، لم يلتفت وبنى على الإتيان ، لإطلاق النصّ ، مضافاً إلى ما في صحيح زرارة من عدم الاعتناء بالشكّ في الأذان والإقامة بعد ما كبّر.

إنّما الكلام في عكس ذلك ، أعني ما لو شكّ في الجزء الوجوبي وقد دخل في المستحبّ المترتّب عليه كما لو شكّ في القراءة بعد ما دخل في القنوت ، أو في السجدة الثانية وهو متشاغل بذكر بسم الله وبالله ... إلخ ، ونحو ذلك.

فقد ذكر جماعة منهم الماتن جريان القاعدة حينئذ أيضاً ، استناداً إلى إطلاق لفظ (الغير) المذكور في النصّ ، فإنّه شامل لمطلق الغير المترتّب ، سواء أكان واجباً أم مستحباً.

ولكنّ الظاهر المنع ، لا لقصور في إطلاق لفظ الغير ، بل لعدم صدق التجاوز.

وتوضيحه : أنّا قد أشرنا قريباً (١) إلى أنّ المعتبر في هذه القاعدة بعد ملاحظة أنّ الشكّ فيها متعلّق بأصل الوجود لا بصحة الموجود إنّما هو التجاوز عن محلّ المشكوك فيه ، لامتناع التجاوز عن نفسه بعد فرض الشكّ في أصله ، فلا بدّ من فرض محلّ شرعي مقرّر للمشكوك فيه ليصدق التجاوز عنه ولو بعناية التجاوز عن محلّه لدى الدخول فيما هو مترتّب عليه ، وإلّا فلو لم يكن له محلّ خاصّ امتنع صدق التجاوز حتّى بالعناية كما لا يخفى.

وعلى ذلك رتّبنا المنع عن جريان القاعدة لو شكّ في الظهر بعد الإتيان بالعصر أو بعد الدخول فيه ، لعدم لحاظ محلّ خاصّ للظهر ، إذ هو غير مشروط بتقدّمه على العصر ، بل العصر مشروط بتأخّره عن الظهر بمقتضى الترتيب الملحوظ بينهما ، فالمحلّ المقرّر معتبر في العصر دون الظهر ، فلا تجاوز كي تجري القاعدة.

__________________

(١) في ص ١١٤.


والظاهر عدم الفرق (*) بين أن يكون ذلك الغير من الأجزاء أو مقدّماتها فلو شكّ في الركوع أو الانتصاب منه بعد الهويّ للسجود لم يلتفت ، نعم لو شكّ في السجود وهو آخذ في القيام وجب عليه العود ، وفي إلحاق التشهّد به في ذلك وجه (**) إلّا أنّ الأقوى خلافه ، فلو شكّ فيه بعد الأخذ في القيام لم يلتفت ، والفارق النصّ الدال على العود في السجود فيقتصر على مورده ويعمل بالقاعدة في غيره (١).

______________________________________________________

وبعين هذا البيان يظهر وجه المنع في المقام ، ضرورة أنّ القراءة لا محلّ لها بالإضافة إلى القنوت ، لعدم كونها مشروطة بالتقدّم عليه ، فهي غير مشروطة إلّا بالتقدّم على الركوع ، والمحلّ غير ملحوظ إلّا بالقياس إليه فحسب ، فلو ترك القنوت رأساً كانت القراءة واقعة في محلّها ، وإنّما المعتبر في القنوت التأخّر عن القراءة والوقوع بينها وبين الركوع ، لا في القراءة التقدّم على القنوت.

وعليه فمحلّ القراءة باقٍ حقيقة وإن كان متشاغلاً بالقنوت ، ولا يصدق التجاوز عنها بالدخول فيه ، وإنّما يتجاوز بالدخول في الركوع كما عرفت. فلا مجال لجريان القاعدة حينئذ ، بل لا بدّ من الاعتناء بالشكّ عملاً بالاستصحاب أو قاعدة الاشتغال.

(١) الجهة الرابعة : هل المراد بالغير الذي يعتبر الدخول فيه نفس الجزء المترتّب ، أو يعمّ الدخول في مقدّمته فتجري القاعدة لو شكّ في الركوع بعد الهوي للسجود ، أو شكّ في السجود أو التشهّد بعد النهوض والأخذ في القيام؟

لعلّ المشهور هو الثاني ، أخذاً بإطلاق الغير المذكور في النصّ. غير أنّ في

__________________

(*) بل الظاهر اعتبار كون الغير من الأجزاء.

(**) وهو الأوجه.


.................................................................................................

______________________________________________________

خصوص الشكّ في السجود لدى النهوض يجب الرجوع للنصّ الخاصّ كما ستعرف. وعليه بنى في المتن وذكر أنّه لا يتعدّى إلى التشهّد ، للزوم الاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة على المقدار المتيقّن.

ولكن الظاهر هو الأوّل ، لا لقصور في إطلاق لفظ الغير ، بل لما عرفت في الجهة السابقة من إناطة القاعدة بصدق التجاوز والخروج عن محلّ الشي‌ء المشكوك فيه كما دلّت عليه صحيحتا زرارة وإسماعيل بن جابر (١).

ومن الواضح أنّ هذا المعنى غير صادق عند الدخول في المقدّمات ، لعدم كون الهوي أو النهوض من أجزاء الصلاة وواجباتها كي يكون محلّ الركوع أو السجود ملحوظاً شرعاً قبل ذلك ، وإنّما يجب الإتيان بهما بحكم العقل من باب استحالة الطفرة ، فليست المقدّمات من أفعال الصلاة المترتّبة على الجزء السابق ليصدق التجاوز ، بل محلّ الركوع باقٍ ما لم يدخل في الجزء المترتّب عليه وهو السجود ، كما أنّ محلّ السجود باقٍ ما لم يدخل في القيام.

وبعبارة اخرى : المراد بالغير هو الجزء المترتّب ، لا مطلق ما كان مغايراً كقراءة آية من القرآن. ومن الضروري أنّ المقدّمات ليست كذلك. وعليه فمقتضى القاعدة الاعتناء بالشكّ في مثل ذلك.

ومنه تعرف أنّ النصّ الخاصّ المومئ إليه الوارد في المقام مطابق للقاعدة لا أنّه مخصّص لها كما أُفيد ، وهو صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله : «... قلت : فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائماً فلم يدر أسجد أم لم يسجد قال : يسجد» (٢). فلا مانع من التعدّي عن مورده إلى التشهّد.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١ ، ٦ : ٣٦٩ / أبواب السجود ب ١٥ ح ٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٩ / أبواب السجود ب ١٥ ح ٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، ربما يظهر من صحيحة أُخرى لعبد الرحمن جريان القاعدة لو شكّ في الركوع لدى الهوي إلى السجود ، قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع ، قال : قد ركع» (١).

ومن هنا فصّل صاحب المدارك بين النهوض والهوي ، فحكم بعدم الجريان في الأوّل لما مرّ ، والجريان في الثاني لهذه الصحيحة (٢) وجعلها مخصّصة للقاعدة المتقدّمة.

ولكن الظاهر عدم التخصيص ، وأنّ هذه الصحيحة أيضاً مطابقة للقاعدة لأنّ المذكور فيها لفظة «أهوى» بصيغة الماضي ، ومفاده تحقّق الهوي إلى السجود المساوق لحصول السجود خارجاً ، فإنّه مرادف لقولنا سقط إلى السجود ، الملازم لتحقّقه ، فيكون موردها الشكّ في الركوع بعد الوصول إلى السجود ، الذي هو مورد لقاعدة التجاوز بلا كلام. فلا تدلّ على جريان القاعدة وعدم الاعتناء بالشكّ في الركوع حال الهوي ولو لم يصل إلى السجود.

نعم ، لو كان التعبير هكذا : يهوي إلى السجود ، بصيغة المضارع كان مفاده المعنى المذكور ، لظهور هذه الهيئة في التلبّس دون التحقّق كما لا يخفى. ومراجعة الاستعمالات العرفية تشهد بصدق ما ادّعيناه من الفرق بين الماضي والمضارع فانّ معنى قولنا : زيد صلّى ، تحقّق الصلاة والفراغ منها ، بخلاف قولنا : زيد يصلّي فانّ مفاده أنّه مشغول بالصلاة ولم يفرغ بعد عنها ، هذا.

ومع الغضّ عمّا ذكرناه فغايته الإطلاق ، وأنّ كلمة «أهوى» تشمل ما إذا وصل حدّ السجود وما لم يصل ، إذ لا ظهور لها في خصوص الثاني ، فيقيّد بصحيحة إسماعيل بن جابر المتضمّنة أنّ مورد عدم الاعتناء بالشكّ في الركوع إنّما هو

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٨ / أبواب الركوع ب ١٣ ح ٦.

(٢) المدارك ٤ : ٢٤٩ ٢٥٠.


[٢٠٣١] مسألة ١١ : الأقوى جريان الحكم المذكور في غير صلاة المختار فمن كان فرضه الجلوس مثلاً وقد شكّ في أنّه هل سجد أم لا وهو في حال الجلوس الذي هو بدل عن القيام لم يلتفت (*) ، وكذا إذا شكّ في التشهّد ، نعم لو لم يعلم أنّه الجلوس الذي هو بدل عن القيام أو جلوس للسجدة أو للتشهّد وجب التدارك ، لعدم إحراز الدخول في الغير حينئذ (١).

______________________________________________________

التجاوز عنه والدخول في السجود ، وهو واقع في كلام الإمام (عليه السلام) لا كلام السائل ، قال (عليه السلام) : «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» (١).

نعم ، صدر الصحيحة لا مفهوم له كما بيّناه في الأُصول (٢). ولكن التحديد بالتجاوز المذكور في الذيل كاشف عمّا ذكرناه ، وأنّ عدم الاعتناء بالشكّ في الركوع مورده التجاوز عنه أي عن محلّه ، وقد عرفت أنّ التجاوز عن محلّ الركوع لا يكون إلّا بالدخول في الجزء المترتّب عليه ، وليس هو إلّا السجود دون الهوي كما مرّ ، فيقيّد بذلك الإطلاق المزبور.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : عدم جريان القاعدة بالدخول في المقدّمات مطلقاً ، من غير فرق بين الركوع والسجود والتشهّد.

(١) هل تختصّ قاعدة التجاوز بالأجزاء الأصلية ، أو تعمّ الأبدال المجعولة في ظرف الاضطرار كالجلوس المجعول بدلاً عن القيام لدى العجز عنه؟ فلو دخل

__________________

(*) بل يجب الالتفات ما لم يشتغل بالقراءة أو نحوها.

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٩ / أبواب السجود ب ١٥ ح ٤.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٣٠٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

في هذا البدل وشكّ في الجزء السابق فهل تجري القاعدة حينئذ أو لا؟.

ذكر (قدس سره) أنّ الأقوى هو الجريان وعدم اختصاص الحكم بصلاة المختار.

أقول : لا ينبغي التأمّل في شمول الحكم للأبدال ، بل لا ينبغي جعل ذلك محلّاً للخلاف والجدال ، لا لأجل الاستناد إلى عموم دليل البدلية كي يناقش فيه بقصر نظره على البدلية من حيث الجزئية ، وعدم تكفّله للتنزيل بلحاظ سائر الأحكام التي منها كون الدخول فيه موجباً لعدم الاعتناء بالشكّ في وجود ما قبله.

بل لأجل الاستناد إلى إطلاق نفس أدلّة القاعدة ، إذ لا قصور في شموله للبديل كالأصيل بعد ملاحظة أنّ البدل هو الوظيفة المقرّرة في هذه الحالة ، وهو الجزء المترتّب على ما قبله ، والدخول فيه يوجب التجاوز عن محلِّ المشكوك فيه فيشمله قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة : «إذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» (١) وقوله (عليه السلام) في صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدّمة : «كل شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه».

فلو كانت وظيفته الإيماء إلى الركوع فأومأ إليه وعند ذلك شكّ في القراءة أو أومأ إلى السجود فشكّ في إيمائه للركوع ، أو كان عاجزاً عن القراءة فكانت وظيفته الانتقال إلى البدل وهو الإتيان بما تيسّر من القرآن ، فأتى به وبعده شكّ في التكبير ، لا ينبغي التأمّل في جريان القاعدة حينئذ ، ولا نظنّ فقيهاً يرتاب في ذلك.

__________________

(١) تقدّمت في ص ١٣٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : فشمول الكبرى لكلا المقامين وعموم الضابط لكلتا الصلاتين الاختيارية والاضطرارية ممّا لا ينبغي المرية فيه ولا شبهة تعتريه.

إنّما الكلام في تطبيق ذلك على الصغرى المذكورة في المتن ، وهي من كان فرضه الصلاة جالساً فشكّ في حال الجلوس في أنّه هل سجد أو هل تشهّد أم لا.

أمّا إذا لم يعلم أنّه الجلوس الذي هو بدل عن القيام أو أنّه جلوس للسجدة إمّا للاستراحة أو بين السجدتين أو للتشهّد ، فلا إشكال في وجوب التدارك وعدم جريان القاعدة حينئذ ، لعدم إحراز الدخول في الغير الذي هو شرط في الجريان كما أُشير إليه في المتن ، وهو ظاهر.

وأمّا إذا علم ذلك وأنّه في حال الجلوس الذي هو بدل عن القيام فقد حكم في المتن بعدم الالتفات ، وأنّ القاعدة تجري حينئذ.

ولكنّه مشكل جدّاً ، فإنّ العبرة في جريان القاعدة بواقع التجاوز ، لا بالبناء عليه واعتقاده. ومن المعلوم أنّ الجلوس إنّما يكون بدلاً عن القيام ويتحقّق معه التجاوز فيما لو كان مسبوقاً بالتشهّد وبالسجدتين واقعاً ، سواء علم به المصلّي وبنى عليه أم لا ، إذ لا يعتبر فيه قصد البدلية ، فمتى كان مسبوقاً بهما اتّصف بالبدلية وبالتجاوز ، ومتى لم يكن مسبوقاً لم يكن بدلاً ولا متجاوزاً ، ولا أثر لما تخيّله من الاعتقاد والبناء في شي‌ء من ذلك.

وعليه فمع الشكّ في المسبوقية كما هو المفروض لم يحرز بدلية هذا الجلوس عن القيام ليحرز معه التجاوز ، فحيث إنّ صدق التجاوز والخروج والدخول مشكوك فيه لا مجال للتمسّك بالقاعدة.

ولا يقاس ذلك بالقيام حال الاختيار فإنّه غير بالذات ، فيتحقّق معه التجاوز حقيقة ، بخلاف الجلوس فانّ غيريّته لا تكون إلّا بالمسبوقية بما عرفت. ومن


(٢٠٣٢) مسألة ١٢ : لو شكّ في صحّة ما أتى به وفساده لا في أصل الإتيان ، فإن كان بعد الدخول في الغير فلا إشكال في عدم الالتفات ، وإن كان قبله فالأقوى عدم الالتفات أيضاً ، وإن كان الأحوط الإتمام والاستئناف إن كان من الأفعال ، والتدارك إن كان من القراءة أو الأذكار ما عدا تكبيرة الإحرام (*) (١).

______________________________________________________

هنا لو رأى نفسه في الجلوس بانياً على كونه بعنوان التعقيب وشكّ في السلام لم تجر القاعدة بلا كلام.

نعم ، في المقام لو كان متشاغلاً حال الجلوس بالقراءة أو التسبيح جرت القاعدة ، فإنّ الدخول في القراءة دخول في الغير وموجب لإحراز التجاوز كما هو ظاهر.

(١) فصّل (قدس سره) في هذه المسألة بين ما إذا كان الشكّ بعد الدخول في الغير وما إذا كان قبله ، وأنّه لا إشكال في عدم الالتفات في الأوّل ، وكذا في الثاني على الأقوى ، وان كان الأحوط الإتمام والاستئناف إن كان من الأفعال والتدارك إن كان من القراءة أو الأذكار ما عدا تكبيرة الإحرام.

أقول : أمّا الاحتياط الاستحبابي فهو حسن على كلّ حال ، لكن لا وجه لاستثناء تكبيرة الإحرام عن الاحتياط بالتدارك وإلحاقها بالأفعال في الإتمام والاستئناف ، لإمكان التدارك فيها أيضاً كبقية الأذكار بالإتيان رجاءً بقصد القربة المطلقة ، فيقصد بها مطلق الذكر الجامع بين الافتتاح لو كانت الأُولى باطلة وبين الذكر المطلق الذي هو حسن في كلّ حال لو كانت صحيحة ، وبذلك

__________________

(*) بل فيها أيضاً بقصد القربة المطلقة.


[٢٠٣٣] مسألة ١٣ : إذا شكّ في فعل قبل دخوله في الغير فأتى به ثمّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان آتياً به فإن كان ركناً بطلت الصلاة وإلّا فلا ، نعم يجب عليه سجدتا السهو (*) للزيادة ، وإذا شكّ بعد الدخول في الغير فلم يلتفت ثمّ تبيّن عدم الإتيان به فان كان محلّ تدارك المنسي باقياً بأن لم يدخل في ركن

______________________________________________________

يحصل الاحتياط من غير حاجة إلى الإتمام والاستئناف كما لا يخفى.

وأمّا أصل المطلب فالصحيح ما أفاده (قدس سره) من عدم الالتفات وإن لم يدخل في الغير ، وأنّ الدخول فيه لا يشترط إلّا في موارد الشكّ في أصل الوجود لا في صحة الموجود.

والوجه فيه : أنّ في موارد الشكّ في الوجود التي تجري فيها قاعدة التجاوز لا يتحقّق التجاوز عن نفس المشكوك فيه والخروج عنه ، إذ لا يجتمع ذلك مع فرض الشكّ في أصل الوجود ، ومن المعلوم أنّ الخروج فرع الدخول ، وهو غير محرز من أصله ، فلا مناص من أن يراد به الخروج والتجاوز عن المحلّ بضرب من المسامحة ، الذي لا يكاد يتحقّق إلّا بالدخول في الجزء المترتّب.

وهذا بخلاف موارد الشكّ في الصحّة التي تجري فيها قاعدة الفراغ ، فانّ الخروج والتجاوز عن نفس المشكوك فيه يتحقّق بمجرّد الفراغ منه ، إذ يصدق عليه حقيقة أنّه ممّا قد مضى ، فيشمله قوله (عليه السلام) : «كلّ شي‌ء شكّ فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو» (١) ، ولا يناط الصدق المزبور بالدخول في الغير ولأجله لم يعتبر ذلك في جريان قاعدة الفراغ ، وإنّما هو شرط في قاعدة التجاوز فحسب ، فلو شكّ في صحّة القراءة مثلاً بعد ما فرغ بنى على الصحّة وإن لم يكن داخلاً في الركوع.

__________________

(*) على تفصيل يأتي فيه وفيما بعده.

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٣ ، (نقل بالمضمون).


بعده تداركه ، وإلّا فان كان ركناً بطلت الصلاة وإلّا فلا ، ويجب عليه سجدتا السهو للنقيصة (١).

[٢٠٣٤] مسألة ١٤ : إذا شكّ في التسليم فان كان بعد الدخول في صلاة أُخرى أو في التعقيب (*) أو بعد الإتيان بالمنافيات لم يلتفت ، وإن كان قبل ذلك أتى به (٢).

______________________________________________________

(١) أفاد (قدس سره) أنّه لو شكّ في فعل قبل دخوله في الغير فأتى به حسب ما هو وظيفته من لزوم الاعتناء بالشكّ في المحلّ ، ثمّ انكشف كونه آتياً به من قبل وأنّ هذا وقع زائداً ، فإن كان ركناً بطلت صلاته وإلّا فلا ، لاختصاص البطلان في الزيادة السهوية بالأركان ، والكلام من حيث لزوم سجدتي السهو للزيادة وأنّها هل تجب لكلّ زيادة ونقيصة موكول إلى محلّه (١).

وأمّا عكس ذلك أعني ما لو شكّ بعد التجاوز والدخول في الغير فلم يلتفت بمقتضى قاعدة التجاوز ثمّ تبيّن عدم الإتيان به ، فيلحقه حكم النسيان من التفصيل بين بقاء محلّ التدارك للمنسي بأن لم يكن داخلاً في ركن بعده كما لو تذكّر نقصان الركوع وهو في السجدة الأُولى فيرجع ويتدارك ، وبين ما إذا لم يكن المحلّ باقياً كما لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية ، وحينئذ فان كان المنسي ركناً كالمثال بطلت الصلاة وإلّا فلا. والكلام في سجدتي السهو ما عرفت.

(٢) فصّل (قدس سره) لدى الشكّ في الجزء الأخير من الصلاة بين ما كان

__________________

(*) الأقوى الالتفات في هذه الصورة.

(١) في ص ٣٦١.


.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك بعد الدخول في التعقيب ، أو في صلاة أُخرى ، أو بعد الإتيان بالمنافي عمداً وسهواً كالحدث والاستدبار ، وبين ما كان قبل ذلك ، فحكم بالالتفات في الثاني دون الأوّل.

أقول : أمّا إذا كان الشكّ قبل الإتيان بواحد من الثلاثة فلا إشكال في الالتفات ، لكونه من الشكّ في المحلّ وقبل أن يتجاوز عنه ، المحكوم بالاعتناء بمقتضى الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال.

وأمّا إذا كان بعده ، فان كان بعد الإتيان بشي‌ء من المنافيات وبنينا كما هو الصحيح على أنّ من نسي السلام وتذكّر بعد ارتكاب المنافي عمداً وسهواً صحّت صلاته لحديث لا تُعاد المسقط للسّلام حينئذ عن الجزئية كما أوضحناه في محلّه (١) فالحكم في المقام ظاهر ، إذ لو صحّت الصلاة مع العلم بترك السلام فلدى الشكّ بطريق أولى ، فالصحّة ثابتة هنا بالفحوى والأولوية القطعية.

وأمّا على المبنى الآخر أعني البطلان لدى النسيان ، الذي هو المشهور وإن كان خلاف التحقيق فربما يتأمّل في الصحّة ، نظراً إلى عدم جريان قاعدة التجاوز في المقام ، لاشتراطها بالدخول في الجزء المترتّب ، المفقود في الفرض فإنّه قد دخل فيما يعتبر عدمه وهو المنافي ، لا فيما هو المترتّب على المشكوك فيه.

ويندفع بما تكرّر منّا من أنّ المدار في جريان القاعدة الخروج عن المحلّ والتجاوز عن الظرف المقرّر للمشكوك فيه ، المتحقّق بالدخول في الغير ، فالدخول لا شأن له عدا تحقيق عنوان التجاوز والكشف عن الخروج عن المحلّ ، فلا بدّ وأن يكون للمشكوك فيه محلّ خاصّ ، وأن يكون هو المشروط بالسبق والتقدّم لا أن يكون للغير الذي دخل فيه محلّ معيّن.

__________________

(١) شرح العروة ١٥ : ٣١٩ وما بعدها


.................................................................................................

______________________________________________________

فليست العبرة باعتبار التأخّر في اللّاحق ولحاظ الترتّب فيه ، بل باعتبار التقدّم في السابق وكونه ذا محلّ خاصّ قد خرج عنه بالدخول في الغير ، ولأجله منعنا عن جريان القاعدة في الشكّ في الظهر بعد الدخول في العصر ، لاختصاص المحلّ بالثاني دون الأوّل كما مرّ (١).

ولا ريب أنّ هذا الضابط منطبق على المقام ، فانّ السلام قد اعتبر فيه محلّ خاصّ ، وهو وقوعه قبل المنافي كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) : «تحليلها التسليم» (٢) ، ولا يجوز إيقاعه بعده ، وقد خرج عن هذا المحلّ وجاوز الظرف المقرّر بالدخول في المنافيات. فهي وإن لم تكن مترتّبة على السلام إلّا أنّ السلام مشروط بالتقدّم ، وهو كافٍ في جريان القاعدة ، بل العبرة به ليس إلّا كما عرفت.

ومنه تعرف جريان القاعدة فيما إذا كان الشكّ المزبور بعد الدخول في صلاة أُخرى ، سواء كانت مترتّبة على الاولى أم لا ، إذ محلّ التسليم إنّما هو قبل الدخول في الصلاة الأُخرى بناءً على ما هو الصحيح من عدم جواز إقحام صلاة في صلاة في غير المورد المنصوص (٣).

وأمّا إذا كان الشكّ في التسليم بعد الدخول في التعقيب فالأقوى وجوب الاعتناء ، لعدم جريان القاعدة حينئذ ، إذ ليس للتسليم محلّ خاصّ بالإضافة إلى التعقيب ، لعدم كونه مشروطاً بالسبق والتقدّم ليصدق التجاوز ، وإنّما التعقيب ملحوظ فيه التأخّر ؛ وقد عرفت أنّ العبرة بالأوّل دون الثاني كما مرّ توضيحه (٤) عند التكلّم حول عدم كفاية الدخول في المستحبّات في جريان القاعدة.

__________________

(١) في ص ١٢١.

(٢) الوسائل ٦ : ٤١٥ / أبواب التسليم ب ١ ح ١ ، ٨ وغيرهما.

(٣) الوسائل ٧ : ٤٩٠ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٥ ح ٢ وغيره.

(٤) في ص ١٣٤ ١٣٥.


[٢٠٣٥] مسألة ١٥ : إذا شكّ المأموم في أنّه كبّر للإحرام أم لا فان كان بهيئة المصلّي جماعة من الإنصات ووضع اليدين على الفخذين ونحو ذلك لم يلتفت (*) على الأقوى ، وإن كان الأحوط الإتمام والإعادة (**) (١).

______________________________________________________

ويزيدك وضوحاً أنّها لو كانت جارية في المقام كان اللّازم جريانها لو شكّ حال التعقيب في أصل الصلاة ، لوحدة المناط ، إذ التعقيب كما أنّه مترتّب على التسليم مترتّب على الصلاة أيضاً ، فلو كان هذا المقدار كافياً في الجريان لجرى في الموردين معاً ، ولا نظنّ أن يلتزم به فقيه.

وكيف ما كان ، فلو كان التعقيب في المقام متضمّناً للفصل الطويل المانع عن التدارك جرت القاعدة من حيث الدخول في المنافي ، لا من حيث الدخول في التعقيب كما هو ظاهر.

(١) ما أفاده (قدس سره) من عدم الالتفات حينئذ إذا كان بهيئة المصلّي جماعة بأن كان منصتاً هو الصحيح ، بناءً على وجوب الإنصات كما يقتضيه ظاهر الآية الشريفة على ما مرّ في محلّه (١) ، فإنّه واجب من واجبات الصلاة قد دخل فيه وشكّ فيما قبله ، فيشمله إطلاق أدلّة القاعدة ، إذ لا قصور في شموله لمثله.

نعم ، مجرّد كونه يرى نفسه بهيئة الجماعة من دون كونه متشاغلاً بعمل وجوبي كما لو كان مشغولاً بالذكر حال قراءة الإمام في الصلوات الإخفاتية ، غير كافٍ لما عرفت (٢) من عدم كفاية الدخول في المستحبّ في جريان القاعدة ، فلا مناص

__________________

(*) هذا فيما إذا كانت الصلاة جهرية وسمع المأموم قراءة الإمام.

(**) أو الإتيان بالتكبير بقصد القربة المطلقة.

(١) شرح العروة ١٧ : ٢٠٧.

(٢) في ص ١٣٤.


[٢٠٣٦] مسألة ١٦ : إذا شكّ وهو في فعل في أنّه هل شكّ في بعض الأفعال المتقدّمة أم لا لم يلتفت ، وكذا لو شكّ في أنّه هل سها أم لا وقد جاز محلّ ذلك الشي‌ء الذي شكّ في أنّه سها عنه أو لا ، نعم لو شكّ في السهو وعدمه وهو في محلّ يتلافى فيه المشكوك فيه أتى به على الأصح (١).

______________________________________________________

من الإعادة أو الإتيان بالتكبير بقصد القربة المطلقة.

(١) إذا شكّ في أنّه هل شكّ في بعض الأفعال أم لا ، لا شكّ في لزوم الاعتناء إذا كان في المحلّ ، فإنّه عين الشكّ في نفس الفعل كما هو ظاهر.

وأمّا إذا تجاوز ودخل في فعل آخر فشكّ حينئذ في أنّه هل شكّ قبل ذلك في بعض الأفعال المتقدّمة أم لا ، لا ينبغي التأمّل في عدم الاعتناء ، فانّ الشكّ الحادث بالفعل شكّ بعد التجاوز ، والشكّ السابق مشكوك الحدوث مدفوع بالأصل.

بل الظاهر عدم الاعتناء حتّى لو كان عالماً فعلاً بحدوث الشكّ سابقاً وشكّ في أنّه هل اعتنى به وتدارك المشكوك فيه في محلّه أو لا ، فإنّ الوظيفة الظاهرية لا تزيد على الواقعية في المشمولية لقاعدة التجاوز.

فكما لا يلتفت بالشكّ بعد المحلّ في الإتيان بنفس الجزء الثابت وجوبه واقعاً فكذا في الإتيان بالجزء الثابت وجوبه ظاهراً بمقتضى لزوم الاعتناء بالشكّ في المحلّ ، المبني على الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال ، لوحدة المناط في الموردين وشمول الإطلاق في أدلّة القاعدة لكلتا الصورتين كما هو ظاهر.

وأمّا لو شكّ في أنّه هل سها أم لا ، فان كان قد جاز محلّ ذلك الشي‌ء الذي شكّ في السهو عنه لم يلتفت ، لعين ما مرّ في الشك ، فانّ حدوث السهو في المحلّ مشكوك ، والشكّ الفعلي شكّ بعد التجاوز.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا إذا لم يتجاوز وكان في محلّ يتلافى فيه المشكوك فيه لزمه الاعتناء لرجوعه إلى الشكّ في المحلّ في الإتيان بنفس الجزء المحكوم بالالتفات.

ويستفاد ذلك من عدّة من الروايات لعلّ أوضحها صحيحة عبد الرحمن : «... قلت : فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائماً فلم يدر أسجد أم لم يسجد ، قال : يسجد» (١).

إذ ليس المراد الشكّ في ترك السجود عمداً ، لمنافاته مع كونه في مقام الامتثال كما هو ظاهر ، بل المراد الشكّ في السهو عن السجود ، الراجع إلى الشكّ في نفس السجود ، وقد حكم (عليه السلام) بالاعتناء لو كان قبل الاستواء والدخول في القيام ، لبقاء المحلّ حينئذ ، بناءً على ما عرفت (٢) من عدم كفاية الدخول في النهوض الذي هو من المقدّمات في صدق التجاوز كي تشمله القاعدة.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٩ / أبواب السجود ب ١٥ ح ٦.

(٢) في ص ١٣٦.


فصل

في الشكّ في الرّكعات

[٢٠٣٧] مسألة ١ : الشكوك الموجبة لبطلان (١) الصلاة ثمانية : أحدها : الشكّ في الصلاة الثنائية كالصبح وصلاة السفر (٢). الثاني : الشكّ في الثلاثية كالمغرب.

______________________________________________________

(١) المراد بالبطلان كما سيأتي التعرّض له في مطاوي المسائل الآتية عدم جواز المضيّ على الصلاة وإتمامها مع الشكّ ، لا أنّه يستوجب البطلان بمجرّد الحدوث كالحدث ، فلو تروّى وارتفع الشكّ وأتمّ على اليقين صحّت صلاته ، فهو مبطل بقاءً لا حدوثاً.

(٢) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، وكذا فيما بعده أعني الشكّ في الثلاثيّة كالمغرب ، وعليه دعوى الإجماع في غير واحد من الكلمات.

نعم ، نسب إلى الصدوق (١) الخلاف في ذلك ، وأنّه مخيّر بين البناء على الأقلّ وبين الاستئناف ، والناسب هو العلّامة (٢) وتبعه من تأخّر عنه. وقد حاول صاحب الحدائق (٣) وقبله الوحيد البهبهاني (٤) تكذيب هذه النسبة وأنّ فتواه مطابقة للمشهور ، وأقام شواهد على ذلك من كلامه ، وكيف ما كان ، فهذا الحكم

__________________

(١) [كما قد يستفاد من الفقيه ١ : ٢٣١ ذيل ح ١٠٢٤].

(٢) المنتهي ١ : ٤١٠ السطر ٥.

(٣) الحدائق ٩ : ٢٠١.

(٤) هامش المدارك : ٢٤٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

هو المشهور إن لم يكن إجماعاً ، سواء صحّت النسبة أم لا.

إنّما الكلام في مستنده ، فانّ النصوص غير وافية صريحاً لإثبات هذه الكلّية أعني بطلان الشكّ في كلّ ثنائية ، وإنّما وردت في بعض جزئياتها كالفجر والجمعة والصلاة في السفر ، وكذا في المغرب والوتر.

ففي صحيحة حفص : «إذا شككت في المغرب فأعد ، وإذا شككت في الفجر فأعد» (١) ، ونحوها صحيحة الحلبي وحفص (٢) أيضاً.

وفي صحيحة ابن مسلم : «عن الرجل يصلّي ولا يدري واحدة صلّى أم اثنتين قال : يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ ، وفي الجمعة وفي المغرب وفي الصلاة في السفر» (٣).

وفي صحيحة العلاء : «عن الرجل يشكّ في الفجر ، قال : يعيد ، قلت : المغرب قال : نعم ، والوتر والجمعة. من غير أن أسأله» (٤) ، فيحتاج التعدّي حينئذ إلى كلّ ثنائية ليشمل مثل صلاة الطواف وصلاة الآيات والعيدين إلى دليل آخر.

وقد استدلّ له بالتعليل الوارد في موثّقة سماعة قال : «سألته عن السهو في صلاة الغداة ، فقال : إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فأعد الصلاة من أوّلها والجمعة أيضاً إذا سها فيها الإمام فعليه أن يعيد الصلاة ، لأنّها ركعتان» (٥) حيث يستفاد من عموم العلّة انسحاب الحكم لكلّ صلاة ذات ركعتين.

ونوقش فيه بأنّ المذكور في الصدر بطلان الفجر بالشكّ بين الواحدة والثنتين

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٩٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ١٩٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ٥.

(٣) الوسائل ٨ : ١٩٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ٢.

(٤) الوسائل ٨ : ١٩٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ٧.

(٥) الوسائل ٨ : ١٩٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

وظاهر العطف اشتراك الجمعة معه في البطلان بمثل هذا الشكّ. وعليه فالتعليل المذكور في الذيل لا يقتضي إلّا بطلان كلّ ذات ركعتين بخصوص الشكّ بين الواحدة والثنتين ، لا بمطلق الشكّ في الركعات حتّى مثل الثنتين والثلاث أو الأربع كي تدلّ على لزوم سلامة الثنائية عن كلّ شكّ متعلّق بالركعة كما هو المدّعى ، إلّا أن يتمّم ذلك بالتسالم وبعدم القول بالفصل ، فيخرج عن الاستدلال بالرواية.

ويندفع أوّلاً : بأنّ التعليل مذكور في ذيل الجمعة المحكومة بإعادة الإمام صلاته إذا سها فيها ، الظاهر بمقتضى الإطلاق في كلّ سهو ، فيكون ذلك قرينة على أنّ المذكور في الصدر من باب المثال.

وثانياً : مع الغضّ عن ذلك وتسليم قصور الموثّق عن الدلالة على بطلان الثنائية بكلّ شكّ ، فيكفينا في ذلك إطلاق صحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) «قال : إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة» (١) ، حيث دلّت بمقتضى الإطلاق على بطلان كلّ صلاة بكلّ شكّ متعلّق بالركعة ، خرج ما خرج بالأدلّة الخاصّة ؛ فيبقى الباقي الذي منه الشكّ في مطلق الثنائية بأي نحو كان تحت الإطلاق ، فتثبت بها الضابطة الكلّية المتقدّمة.

ولا تتوهّم معارضتها مع صحيحة علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل لا يدري كم صلّى واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً ، قال : يبني على الجزم ، ويسجد سجدتي السهو ، ويتشهّد تشهّداً خفيفاً» (٢) ، لمخالفة مضمونها مع النصّ والفتوى كما لا يخفى ، ولا سبيل للعمل بها بوجه ، هذا.

وسنتمسّك بهذه الصحيحة في كثير من المسائل الآتية ، فإنّها بمنزلة الأصل الثانوي المجعول في باب الشكّ في الركعات ، وبها نخرج عن مقتضى الاستصحاب

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

الذي مفاده البناء على الأقلّ ونحكم بالغاية في هذا الباب ، لا بالاستقراء كما قيل ، لعدم خلوّه عن الخدش كما لا يخفى. وكذا يبقى تحت الإطلاق الشكّ في الثلاثية.

ثمّ إنّه ربما تعارض النصوص المتقدّمة الدالّة على بطلان الشكّ في الثنائية بالروايات الكثيرة المتضمّنة للبناء على الأقل لدى الشكّ بين الواحدة والثنتين التي منها رواية ابن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال : «في الرجل لا يدري أركعة صلّى أم ثنتين؟ قال : يبني على الركعة» (١) ، ونحوها موثّقة ابن أبي يعفور ، والحسين بن أبي العلاء (٢).

ولأجله حملت على النافلة تارة ، وعلى التقية أُخرى ، بل قال في المدارك : إنّه لو صحّ سندها لأمكن القول بالتخيير بين البناء على الأقلّ أو الاستئناف كما هو المنسوب إلى ابن بابويه (٣). وقد اعترف المحقّق الهمداني (قدس سره) بالمعارضة غير أنّه قال : إنّها لا تكافئ النصوص المتقدّمة (٤).

وفيه : أنّا لو سلّمنا تمامية تلك الروايات سنداً ودلالة ولا تتمّ كما سيجي‌ء في محلّه إن شاء الله تعالى (٥) فهي غير معارضة للنصوص المتقدّمة ، لعدم ورودها في خصوص الصلاة الثنائية ، وإنّما مفادها البناء على الأقلّ لدى الشكّ في أنّه هل صلّى ركعة أم ثنتين.

وهذا كما ترى مطلق يشمل الثنائية والثلاثية والرباعية ، فيقيد بالنصوص

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٩٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٢٣.

(٢) الوسائل ٨ : ١٩٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٢٢ ، ٢٠.

(٣) المدارك ٤ : ٢٥٣.

(٤) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٥٤ السطر ٩.

(٥) في ص ١٥٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

المتقدّمة الدالّة على البطلان لو كان الشكّ في الثنائية والثلاثية ، عملاً بصناعة الإطلاق والتقييد ، فلا ينبغي عدّ تلك الأخبار معارضاً لنصوص المقام كما صنعه غير واحد ، لوضوح عدم المعارضة بين المطلق والمقيّد ، فلتحمل على الرباعية.

نعم ، هناك موثّقتان لعمّار تعارضان النصوص المتقدّمة الدالّة على بطلان الشكّ في الثنائية والثلاثية ، لتضمّنها البناء على الأكثر والإتيان بركعة مفصولة ، كما هو الحال في الشكّ في الصلوات الرباعية ، فإنّ الصحّة المستفادة منهما تعارض البطلان المدلول عليه في تلك النصوص ، لعدم إمكان الجمع العرفي بين الصحة والبطلان كما مرّ غير مرّة.

قال في إحداهما : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل شكّ في المغرب فلم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثاً ، قال : يسلّم ثمّ يقوم فيضيف إليها ركعة ، ثمّ قال : هذا والله ممّا لا يقضى أبداً» (١).

وقال في الأُخرى : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل لم يدر صلّى الفجر ركعتين أو ركعة ، قال : يتشهد وينصرف ، ثمّ يقوم فيصلّي ركعة ، فإن كان قد صلّى ركعتين كانت هذه تطوّعاً ، وإن كان قد صلّى ركعة كانت هذه تمام الصلاة ، قلت : فصلّى المغرب فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً ، قال : يتشهّد وينصرف ثمّ يقوم فيصلّي ركعة ، فإن كان صلّى ثلاثاً كانت هذه تطوّعاً ، وإن كان صلّى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة ، وهذا والله ممّا لا يقضى أبداً» (٢).

قال صاحب الوسائل بعد نقل الروايتين : أقول : الأقرب حمل الحديثين على التقية ، لموافقتهما لجميع العامّة ، انتهى. ولكنّه مشكل جدّاً ، إذ لم ينسب القول بمضمونهما أعني البناء على الأكثر إلى أحد من العامّة ، بل الظاهر أنّهم

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٩٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ١١.

(٢) الوسائل ٨ : ١٩٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ١٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

مطبقون على البناء على الأقلّ والعمل بالاستصحاب كما هو المنسوب إليهم في جميع الصلوات (١) ، ومعه كيف يمكن الحمل على التقية ، وكيف تصحّ دعوى الموافقة لجميع العامّة ، هذا.

وصاحب الحدائق بعد أن اختار الحمل على التقية قال ما لفظه : واستقربه في الوسائل ، قال : لموافقتهما لجميع العامّة. وهو جيد (٢) انتهى.

وليت شعري كيف استجوده مع اعترافه في ذيل كلامه بأنّه ممّا لا يقضي به العامّة ، ونقل في موضع آخر عن علمائهم كالشافعي ومالك والحنفي وغيرهم البناء على الأقلّ (٣). وبالجملة : فهذا الحمل ضعيف جدّاً.

ونحوه في الضعف ما عن الشيخ من الحمل على نافلتي الفجر والمغرب (٤) لبُعد إرادتها من غير قرينة مذكورة لا في السؤال ولا في الجواب ، فهو حمل تبرّعي لا شاهد عليه أصلاً.

والذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّا إذا بنينا على عدم العمل بروايات عمّار لعدم الوثوق باخباره ، لكثرة اشتباهه بحيث قلّما يكون خبر من أخباره خالياً عن تشويش واضطراب في اللّفظ أو المعنى كما ادّعاه صاحب الوافي (٥) وشيخنا المجلسي (٦) بل قالا : إنّه لو كان الراوي غير عمّار لحكمنا بذلك ، وأمكن القول بالتخيير بين البناء على الأكثر وبين الاستئناف. فلا إشكال حينئذ.

__________________

(١) لاحظ المجموع ٤ : ١٠٦ ١١١ ، المغني ١ : ٧١١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٧.

(٢) الحدائق ٩ : ١٦٥.

(٣) الحدائق ٩ : ٢٢٤ ، ١٩٦.

(٤) التهذيب ٢ : ١٨٣ / ذيل ح ٧٢٩.

(٥) الوافي ٨ : ٩٧٧ / ذيل ح ٧٥٣٧.

(٦) البحار ٨٥ : ٢٣٣ ٢٣٤.


الثالث : الشكّ بين الواحدة والأزيد (١).

______________________________________________________

وأمّا إذا لم نبن على ذلك كما هو الصحيح ، إذ لم تثبت لدينا تلك النسبة بمثابة تسقط رواياته عن درجة الاعتبار ، لعدم كون اشتباهاته بالإضافة إلى غيره بتلك المثابة من الكثرة ، فحينئذ نقول : إنّ الموثّقتين في نفسهما مقطوعتا البطلان إذ لم يفتِ بمضمونهما أحد ، لا من الخاصّة فإنّهم يحكمون بالبطلان ، ولا من العامّة حيث إنّهم يبنون على الأقل كما مرّ ، فهما مخالفان لفتوى جميع علماء الإسلام ، فتكونان من الروايات المجملة التي أُمرنا بردّ علمها إلى أهلها ، وهم أعرف بما قالوا.

كما يؤيّده قوله (عليه السلام) في ذيل كلتا الموثّقتين : «هذا والله ممّا لا يقضى أبداً» ، فإنّا لم نفهم المراد من هذه العبارة ، ولعلّه أشار (عليه السلام) إلى أنّ هذا الحكم ممّا لا يفتي به أحد لا من الخاصّة ولا من العامّة كما مرّ. وكيف ما كان فهما في نفسهما ساقطتان ومقطوعتا البطلان ، فلا تصلحان لمعارضة ما سبق.

ومع الغض عن ذلك وتسليم استقرار المعارضة فلا شكّ أنّ تلك النصوص أرجح ، فأنّها أكثر وأشهر وأوضح ، بل نقطع بصدور بعضها عن المعصوم (عليه السلام) ولو إجمالاً ، فتكون من السنّة القطعية ، فلا تنهضان لمقاومتها.

ومع الغضّ عن ذلك أيضاً فغايته التساقط بعد التعارض ، فيرجع حينئذ إلى إطلاق صحيحة صفوان المتقدّمة (١) المقتضية للبطلان ، التي عرفت أنّها المرجع في باب الشكّ في الركعات ، وبها نخرج عن مقتضى الاستصحاب.

(١) ينحلّ هذا إلى فرعين : أحدهما : الشكّ بين الواحدة والثنتين. الثاني : الشكّ بين الواحدة والأكثر كالثنتين والثلاث ، أو بين الواحدة والثلاث ونحو

__________________

(١) في ص ١٥١.


.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك ، بحيث يكون طرف الشكّ الركعة الواحدة.

أمّا الفرع الأوّل : فالظاهر أنّه لا خلاف كما لا إشكال في البطلان ، وأنّه لا بدّ من إحراز الأولتين ، ولا يجوز الإتمام على الشكّ. وهل يكفي الظنّ؟ فيه كلام سيجي‌ء في محلّه إن شاء الله تعالى (١).

نعم ، نسب الخلاف هنا أيضاً إلى الصدوق ، وأنّه يقول بالتخيير بين البناء على الأقلّ والاستئناف ، ولكن النسبة لم تثبت كما مرّ (٢).

ويدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق صحيحة صفوان وما في معناها من الأخبار العامّة التي هي الأصل في باب الشكّ في الركعات كما مرّ نصوص كثيرة وردت في خصوص المقام.

منها : صحيحة زرارة ، قال «قلت له : رجل لا يدري أواحدة صلّى أو ثنتين قال : يعيد ...» إلخ (٣).

وصحيحة محمّد بن مسلم : «عن الرجل يصلّي ولا يدري أواحدة صلّى أم ثنتين ، قال : يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ ، وفي الجمعة وفي المغرب وفي الصلاة في السفر» (٤)

وصحيحة رفاعة : «عن رجل لا يدري أركعة صلّى أم ثنتين ، قال : يعيد» (٥).

وموثّقة سماعة : «إذا سها الرجل في الركعتين الأولتين من الظهر والعصر فلم يدر واحدة صلّى أم ثنتين فعليه أن يعيد الصلاة» (٦).

__________________

(١) في ص ٢٢١ وما بعدها.

(٢) في ص ١٤٩.

(٣) الوسائل ٨ : ١٨٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٦.

(٤) الوسائل ٨ : ١٨٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٧.

(٥) الوسائل ٨ : ١٩٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٢.

(٦) الوسائل ٨ : ١٩١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

وموثّقة موسى بن بكر : «إذا شككت في الأولتين فأعد» (١) ، ونحوها غيرها. ولا يبعد دعوى تواترها إجمالاً ، ولا حاجة إلى هذه الدعوى ، فانّ الروايات المعتبرة كثيرة كما عرفت.

ولكن بإزائها روايات اخرى دلّت على البناء على الأقل.

منها : حسنة الحسين بن أبي العلاء : «عن الرجل لا يدري أركعتين صلّى أم واحدة؟ قال : يتمّ» (٢). وعنه أيضاً بسند آخر مثله إلّا أنّه قال : «يتم على صلاته» (٣).

وموثّقة ابن أبي يعفور : «عن الرجل لا يدري أركعتين صلّى أم واحدة؟ قال : يتمّ بركعة» (٤).

ورواية عبد الرحمن بن الحجّاج : «في الرجل لا يدري أركعة صلّى أم ثنتين؟ قال : يبني على الركعة» (٥).

إلّا أنّه لا يمكن الاعتماد على هذه الروايات في مقابل النصوص المتقدّمة ، لا لضعفها كما عن الشيخ (٦) ، فإنّ أسانيدها معتبرة كما عرفت. ولعلّه يريد أنّها ضعاف في قبال تلك النصوص.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٩٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٩.

(٢) الوسائل ٨ : ١٩٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٢٠.

(٣) الوسائل ٨ : ١٩٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٢١.

(٤) الوسائل ٨ : ١٩٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٢٢.

(٥) الوسائل ٨ : ١٩٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٢٣.

(٦) [لاحظ التهذيب ٢ : ١٧٨ ذيل ح ٧١٣ فإنّه قال بعد نقل هذه الأخبار : فأوّل ما في هذه الأخبار أنها لا تعارض ما قدّمناه من الأخبار ، لأنها أضعاف هذه ، ولا يجوز العدول عن الأكثر إلى الأقلّ إلّا بدليل ...].


.................................................................................................

______________________________________________________

ولا من أجل حملها على النوافل كما حكي عنه (قدس سره) (١) أيضاً ، فإنّه جمع تبرّعي عارٍ عن الشاهد ، ويبعد جدّاً إرادتها من غير نصب قرينة عليها لا في السؤال ولا في الجواب.

بل لأجل موافقتها لمذهب العامّة ، فإنّ الظاهر تسالمهم على البناء على الأقلّ في باب الشكّ في الركعات مطلقاً ، استناداً إلى الاستصحاب كما نسب ذلك إلى فقهائهم ورواياتهم عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) من أنّه يبني على الأقلّ ويسجد سجدتي السهو قبل أن يسلّم (٢). فهي محمولة على التقية لو لم ندّع كون النصوص المتقدّمة من السنّة القطعية ، ولا حجّية للرواية الواقعة قبال السنّة القطعية. فهي إمّا مطروحة أو مرجوحة.

وكيف ما كان ، فهي ساقطة ، فلا إشكال في المسألة ، ولا خلاف من أحد كما عرفت. وخلاف الصدوق لم يثبت ، ولا دليل عليه على تقدير الثبوت.

وأمّا الفرع الثاني : فالمعروف والمشهور هو البطلان أيضاً ، بل هو المتسالم عليه من غير خلاف ، عدا ما نسب إلى الصدوق وقد تقدّم (٣) ، وتقدّم ما فيه وأنّ النسبة غير ثابتة ، بل ثابتة العدم.

وعدا ما نسب إلى والده من أنّه أفتى في هذه المسألة بأنّ الشاكّ يعيد في المرّة الأُولى ، ولو شكّ في المرّة الثانية أيضاً فإن غلب ظنّه على الواحدة أتمّ عليها ولكن يتشهّد في كلّ ركعة ، فإذا انكشف أنّها كانت الثانية وأنّه قد زاد ركعة لم يكن به بأس ، لأنّ التشهّد حائل بين الرابعة والخامسة ، وإن غلب ظنّه على

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٧٨ ذيل ح ٧١٣.

(٢) لاحظ المجموع ٤ : ١٠٦ ١١١ ، المغني ١ : ٧١١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٠.

(٣) في ص ١٤٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية بنى عليها وأتمّ ، ويحتاط بعد ذلك بركعتين من جلوس ، وإن لم يغلب ظنّه على طرف وتساوي شكّه بنى أيضاً على الأكثر ، واحتاط بركعة قائماً أو ركعتين من جلوس (١) ، هذا.

والذي نسب إليه هو البناء على الأكثر والاحتياط كما ذكرناه ، ولكن في بعض الكتب أنّه يبني على الأقلّ ويحتاط. وهذا لا وجه له ، إذ لا حاجة إلى ركعة الاحتياط بعد البناء على الأقلّ كما لا يخفى.

وكيف ما كان ، فمستنده هو الفقه الرضوي ، حيث ورد فيه عين ما ذكر من التفصيل (٢) ، ولكنّ الرضوي لا يعتمد عليه كما مرّ غير مرّة ، إذ لم يثبت كونه رواية حتّى يعامل معها معاملة الأخبار ويدّعى فيها الانجبار ، فضلاً عن كونها رواية معتبرة ، ولا يبعد أن يكون مجموعة من فتاوى والد الصدوق أو غيره. فهذا القول ساقط جزماً.

والذي يدلّنا على البطلان عدّة روايات كثيرة معتبرة والدلالة في بعضها صريحة ، وفي بعضها الآخر بالإطلاق دلّت على أنّ طرف الشكّ لو كان هي الركعة الواحدة أعاد الصلاة.

منها : صحيحة ابن أبي يعفور : «إذا شككت فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة أم في أربع فأعد ، ولا تمض على الشكّ» (٣) وهي صريحة في المدّعى.

وصحيحة زرارة : «كان الذي فرض الله على العباد عشر ركعات وفيهنّ القراءة ، وليس فيهنّ وهم يعني سهواً ، فزاد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٧٨ المسألة ٢٦٦.

(٢) فقه الرضا : ١١٧.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٢٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

سبعاً وفيهنّ الوهم ، وليس فيهنّ قراءة ، فمن شكّ في الأولتين أعاد حتّى يحفظ ويكون على يقين ، ومن شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم» (١).

ومعتبرة الوشّاء : «الإعادة في الركعتين الأولتين ، والسهو في الركعتين الأخيرتين» (٢)

وصحيحة ابن مسلم : «عن رجل شكّ في الركعة الأُولى ، قال : يستأنف» (٣).

ومضمرة الفضل بن عبد الملك البقباق : «إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك» (٤). وهذه بمقتضى الإطلاق تدلّ على المطلوب كما لا يخفى.

نعم ، بإزائها عدّة روايات ربما يتوهّم معارضتها لما سبق :

منها : الفقه الرضوي. وقد مرّ ما فيه ، وأنّه غير قابل للمعارضة.

ومنها : صحيحة ابن يقطين : «عن الرجل لا يدري كم صلّى واحدة أم اثنتين أم ثلاثاً ، قال : يبني على الجزم ، ويسجد سجدتي السهو ، ويتشهّد تشهّداً خفيفاً» (٥).

وقد حملها الشيخ على الاستئناف وأنّه يعيد حتّى يجزم ، وحمل سجود السهو والتشهّد على الاستحباب (٦). ولكنّه بعيد جدّاً ، فانّ ظاهر البناء على الجزم هو البناء على الأقلّ ، وحينئذ تعارض النصوص المتقدّمة ، وحيث إنّها موافقة لفتوى العامّة فلتحمل على التقية.

ومنها : رواية علي بن أبي حمزة : «عن الرجل يشكّ فلا يدري واحدة صلّى

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ١٩٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٣) الوسائل ٨ : ١٩٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١١.

(٤) الوسائل ٨ : ١٩٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٣.

(٥) الوسائل ٨ : ٢٢٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ٦.

(٦) التهذيب ٢ : ١٨٨ ذيل ح ٧٤٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ، تلتبس عليه صلاته ، قال : كلّ ذا؟ قال قلت : نعم قال : فليمض في صلاته ويتعوّذ بالله من الشيطان ، فإنّه يوشك أن يذهب عنه» (١).

ولكنّها ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة البطائني ، فإنّه لم يوثّق. ومع الغضّ عن ذلك فالدلالة قاصرة ، فانّ موردها كثير الشكّ بقرينة قوله : «كلّ ذا» وأمره (عليه السلام) بالاستعاذة من الشيطان ، وهو خارج عن محلّ الكلام.

ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن عنبسة قال : «سألته عن الرجل لا يدري ركعتين ركع أو واحدة أو ثلاثاً ، قال : يبني صلاته على ركعة واحدة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، ويسجد سجدتي السهو» (٢). وهي واضحة الدلالة على البناء على الأقلّ.

ويقع الكلام تارة في سندها ، وأُخرى من حيث معارضتها لما سبق.

أمّا من حيث السند فقد رواها في الوسائل وفي التهذيبين (٣) عن عنبسة والظاهر أنّ المراد به بقرينة رواية صفوان (٤) عنه هو عنبسة بن بجاد ، وهو ثقة نعم رواها في الحدائق عن عنبسة بن مصعب (٥) ولم يوثّق صريحاً في كتب الرجال لكنّه مذكور في أسانيد كامل الزيارات. فالرجل موثّق على التقديرين.

وأمّا من حيث المعارضة فهي لا تقاوم النصوص السابقة لكثرتها ، بل

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٤.

(٢) الوسائل ٨ : ١٩٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٢٤ ، التهذيب ٢ : ٣٥٣ / ١٤٦٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٥٣ / ١٤٦٣ ، الاستبصار ١ : ٣٧٦ / ١٤٢٧.

(٤) روى صفوان عن ابن مصعب أيضاً كما صرّح به في المعجم ١٤ : ١٨٠ / ٩١١٧ ، فلا قرينة.

(٥) الحدائق ٩ : ٢٠٠.


الرابع : الشكّ بين الاثنتين والأزيد قبل إكمال السجدتين (١).

______________________________________________________

تواترها إجمالاً كما مرّ من أنّها مقطوعة الصدور ، فامّا أن تطرح هذه رأساً لعدم حجّية الرواية الواقعة في قبال السنّة القطعية ، أو أنّها تحمل على التقية لموافقتها لمذهب العامّة ، حيث عرفت أنّ المتسالم عليه بينهم هو البناء على الأقلّ عملاً بالاستصحاب.

ومع الإغماض عن ذلك وتسليم استقرار التعارض المؤدِّي إلى التساقط فالمرجع حينئذ إطلاق صحيحة صفوان الدالّة على البطلان ، التي عرفت (١) أنّها المرجع الوحيد والأصل الثانوي المجعول في باب الشكّ في الركعات ، خرج منه موارد خاصّة يبني فيها على الأكثر ، وليس منها الشكّ بين الواحدة والأزيد قطعاً ، لمخالفته لضرورة الإسلام من الخاصّة والعامّة كما مرّ. فيبقى مشمولاً تحت الإطلاق.

وملخّص ما ذكرناه لحد الآن : أنّ الشكّ في الصلوات الثنائية والثلاثية مطلقاً ، وكذا الرباعية بين الواحدة والثنتين أو الواحدة والأزيد محكوم في كلّ ذلك بالبطلان ، للروايات المستفيضة المعتبرة. ومعارضها مطروح لموافقته للعامّة بل لعدم حجّيته في نفسه. ومع الغض فالمرجع القاعدة الثانوية المستفادة من صحيحة صفوان وغيرها الدالّة على البطلان.

(١) كما دلّت عليه عدّة من الروايات المتظافرة وجملة منها صحاح المتضمّنة عدم دخول الشكّ في الأولتين ولزوم سلامتهما عنه ، وفي بعضها أنّهما فرض الله لا بدّ من حفظهما والاستيقان بهما.

منها : صحيحة زرارة «كان الذي فرض الله على العباد عشر ركعات وفيهنّ

__________________

(١) في ص ١٥١.


.................................................................................................

______________________________________________________

القراءة ، وليس فيهنّ وهم ...» إلخ (١).

فانّ المراد بالركعة في المقام ليس هو الركوع قطعاً ، بل الركعة التامّة ، وإن أُطلقت عليه أحياناً في لسان الأخبار كما ورد في صلاة الآيات من أنّها عشر ركعات (٢) وكذا في غيرها (٣)

أمّا أوّلاً : فلاستعمال الركعة في نفسها في ذلك في اصطلاح المتشرّعة وفي كثير من الروايات ممّا ورد في باب أعداد الفرائض ونوافلها وغيره ، فهذا الإطلاق هو الشائع الذائع في لسان الشارع وتابعيه ، فينصرف إليه اللفظ عند الإطلاق.

وثانياً : أنّ المراد بها في خصوص المقام إنّما هي الركعة التامّة بقرينة قوله : «وفيهنّ القراءة» لوضوح عدم كون ظرفها الركوع ، فدلّت الصحيحة بوضوح على لزوم إحراز الركعتين الأولتين بكاملهما وسلامتهما عن الشكّ.

ومنها : صحيحة البقباق (٤) وموثّقة عنبسة بن مصعب (٥) الذي مرّ أنّه من رجال كامل الزيارات ، وصحيحة أبي بصير (٦). وكلّها صريحة في المطلوب ، وبها يخرج عن إطلاق قوله (عليه السلام) : إذا شككت فابن على الأكثر (٧). وهذا ممّا لا إشكال فيه.

إنّما الكلام فيما ذكره الماتن وغيره من الفقهاء من تقييد الشكّ بما قبل إكمال السجدتين ، وأنّه يبني على الأكثر لو طرأ الشكّ بعد إكمالهما ، فإنّ هذا العنوان لم

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٩٢ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٧ ح ١ ، ٢ وغيرهما.

(٣) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢ ، ٣ وغيرهما.

(٤) الوسائل ٨ : ١٩٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٣ ، ١٤ ، ١٥.

(٥) الوسائل ٨ : ١٩٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٣ ، ١٤ ، ١٥.

(٦) الوسائل ٨ : ١٩٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٣ ، ١٤ ، ١٥.

(٧) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١ وغيره.


.................................................................................................

______________________________________________________

يرد في شي‌ء من الروايات ، وإنّما المذكور فيها حفظ الركعتين عن الشكّ ، المراد بهما الركعة التامّة الكاملة كما عرفت. فيقع الكلام في أنّ إكمال الركعة بماذا يتحقّق وما هو الحدّ المقرّر في صدق حفظ الركعتين عن الشكّ المذكور في النصوص.

ذكر جماعة ولعلّه الأشهر أنّ محقّق الإكمال هو رفع الرأس عن السجدة الثانية ، إذ ما لم يرفع لم يفرغ عن الركعة ، بل هو بعد فيها ، وما لم يتحقّق الفراغ يصدق عروض الشكّ في الأولتين ، وأنّه شاكّ في أنّ ما بيده ثانية أم ثالثة فتبطل بمقتضى النصوص المتقدّمة المانعة عن دخول الشكّ فيهما ، بخلاف ما لو طرأ الشكّ بعد الرفع ، إذ يصحّ أن يقال حينئذ إنّه حفظ الأولتين ، وإنّما الشك في الزائد عليهما ، فيحكم بالصحّة.

ولكنّ شيخنا الأنصاري (قدس سره) ذهب إلى أنّ محقّق الإكمال هو الفراغ عن الذكر الواجب في السجدة الأخيرة وإن لم يرفع بعد رأسه عنها ، وأنّه بذلك يحرز الركعتين ، ولا يضرّه الشكّ بعدئذ.

وذكر (قدس سره) في وجه ذلك أنّ الطبيعي إنّما يتحقّق بصرف الوجود سواء طال زمان الفرد أم قصر ، إذ لا يختلف الحال بذلك فيما به يتحقّق الطبيعي. وعليه فمتى فرغ من وظيفة السجدة الأخيرة فقد تحقّق طبيعي الركعتين وإن لم يفرغ بعد من شخص هذا الفرد لإطالة السجود ، فلا نضايق من صدق أنّ المصلّي بعد في السجدة ، إذ عدم خروجه بذلك عن الركعتين وكونه فيهما عرفاً ممّا لا ينكر ، لكن ذلك لا ينافي صدق تحقّق الركعتين وتيقّنهما الذي هو مناط الصحّة في الأخبار ، إذ لا منافاة بين تحقّق الماهية وعدم الفراغ عن الشخص (١).

وقد استغرب المحقّق الهمداني (قدس سره) (٢) هذا الكلام نظراً إلى أنّ الكلّي

__________________

(١) كتاب الصلاة : ٢٣٩ السطر ٢١.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٦٤ السطر ٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

حدوثاً وبقاءً وجوداً وعدماً تابع للفرد ، فكيف يصحّ أن يقال مضى الكلّي وبقي الشخص ، فإنّه لا وجود للكلّي بغير وجود فرده.

أقول : الذي ينبغي أن يقال في المقام ولعلّه مراد الشيخ (قدس سره) : إنّه إن كان المستفاد من النصوص أنّ الموضوع للبطلان دخول الشكّ في الأولتين بحيث تكون الأولتان ظرفاً لعروض الشكّ في قبال غير المبطل منه وهو الشكّ الحادث والمصلّي في الأخيرتين ، تمّ ما أفاده الهمداني (قدس سره) ، فإنّ الركعة التي بيده مردّدة بين الثانية والثالثة ، فكانت إحدى الأولتين معرضاً وظرفاً لطروء الشكّ ، إذ لم يحرز بعد فراغه عن الأولتين حسب الفرض ، فلا مناص من الحكم بالبطلان.

وإن كان المستفاد منها أنّ الموضوع للبطلان تعلّق الشك بالأولتين وعدم إحرازهما لا ظرفية الركعتين للشكّ ، تمّ ما أفاده الشيخ (قدس سره) ، ضرورة أنّه حافظ للأُوليين ومتيقّن بهما ولو كان هو بعدُ في الأولتين ، فقد حدث الشكّ وهو في ركعة أحرز معها الأولتين في أنّها هي الثانية أم الثالثة. فالشكّ متعلّق لا محالة بالإتيان بالزائد لا بالإتيان بالأولتين.

ولا ينبغي الشكّ في أنّ المستفاد من النصوص إنّما هو المعنى الثاني ، أعني كون الأولتين متعلّقاً للشكّ لا ظرفاً له.

والذي يكشف عن ذلك عدّة من الأخبار ، فإنّه وإن سلّم الإجمال في بعضها الآخر كموثّقة عنبسة ونحوها إلّا أنّ مثل صحيحة زرارة كالصريح فيما ذكرناه لقوله (عليه السلام) : «فمن شكّ في الأولتين أعاد حتّى يحفظ ويكون على يقين» (١) حيث يظهر منها أنّ المناط في الصحّة إحراز الأولتين وحفظهما واليقين بهما الحاصل كلّ ذلك في المقام ، أعني قبل رفع الرأس من السجدة الأخيرة.

__________________

(١) وقد تقدمت في ص ١٥٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا قوله (عليه السلام) في صحيحة البقباق : «إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد» ، حيث دلّ على أنّ المبطل عدم حفظ الأولتين ، غير المنطبق على المقام فإنّه عالم بهما وحافظ ولو كان ظرف شكّه ومركز عروضه هي الركعة المحتمل كونها الثانية. فما ذكره الشيخ (قدس سره) هو الصحيح.

نعم ، هناك رواية واحدة قد يستفاد منها ما ذكره الهمداني (قدس سره) من إناطة الصحّة برفع الرأس وعدم كفاية الفراغ من الذكر ، وهي صحيحة زرارة التي استشهد هو (قدس سره) بها ، قال «قلت له : رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً ، قال : إن دخل الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمّ صلّى الأُخرى ولا شي‌ء عليه ويسلّم» (١).

فانّ الدخول الحقيقي في الثالثة المتحقّق بالقيام غير مراد قطعاً ، إذ مجرّد عروض الشكّ بعد إكمال السجدتين وإن لم يكن قائماً كافٍ في الحكم بالبناء على الأكثر إجماعاً ، وإنّما الخلاف في كفايته قبل رفع الرأس ، وأنّ الإكمال هل يتحقّق قبل ذلك أو لا ، بل المراد الدخول المجازي ، أعني الدخول في المقدّمات ولو بضرب من العناية ، التي منها رفع الرأس عن السجدة الأخيرة. فالدخول المزبور كناية عن رفع الرأس.

وعليه فتدلّ الصحيحة بمقتضى مفهوم الشرط على البطلان فيما لو كان الشكّ عارضاً قبل رفع الرأس ، سواء أكان فارغاً عن الذكر أم لا.

وفيه أوّلاً : أنّ الشرط لا مفهوم له في مثل المقام ممّا كان مسوقاً لبيان تحقّق الموضوع ، فانّ انتفاء الحكم لدى انتفاء الشكّ من باب السالبة بانتفاء الموضوع فهو نظير قولك : إن ركب الأمير فخذ ركابه.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، لو كانت العبارة هكذا : إن دخل الشكّ وكان بعد دخوله في الثالثة ... إلخ تمّ ما أُفيد وانعقد المفهوم ، فانّ مفهومه حينئذ أنّ الشك المفروض وجوده لو كان قبل الدخول في الثالثة أي قبل رفع الرأس بطلت صلاته ، لكن العبارة ليست كذلك.

نعم ، للصحيحة مفهوم من حيث الوصف لا الشرط بالمعنى الذي ذكرناه في الأُصول (١) أعني الدلالة على أنّ الطبيعي لم يكن على إطلاقه وسريانه موضوعاً للحكم ، وأنّ القيد مبنيّ على الاحتزاز. فتدلّ على أنّ الشكّ بين الثنتين والثلاث لم يكن على إطلاقه محكوماً بالصحّة ، ويكفي في ذلك بطلانه لو كان في حال القيام ، أو قبل الفراغ عن ذكر السجدة الأخيرة ، لا أنّها تدلّ على أنّه كلّما كان الشكّ قبل رفع الرأس عن الأخيرة فهو محكوم بالبطلان كي تدلّ على المفهوم بالمعنى المصطلح.

وثانياً : مع الغضّ عن ذلك فالصحيحة في نفسها غير خالية عن شائبة من الإجمال ، فإنّ المفروض في السؤال الشكّ بين الثنتين والثلاث فما معنى قوله (عليه السلام) في الجواب : «إن دخل الشكّ بعد دخوله في الثالثة» ، فإنّه إن أُريد به الثالثة المحتملة فهو حاصل بمقتضى فرض الترديد بين الثنتين والثلاث المذكور في السؤال ، وحكمه البطلان إذا كان قبل الإكمال بلا إشكال ، فكيف حكم (عليه السلام) بالصحّة.

وإن أُريد بها الثالثة اليقينية أي الدخول في ركعة أُخرى يقطع معها بتحقّق الثلاث فينقلب الشكّ حينئذ إلى الثلاث والأربع ، ويخرج عمّا افترضه السائل من الشكّ بين الثنتين والثلاث ، نعم كان كذلك قبل ذلك لا بالفعل ، فلا يرتبط بالسؤال.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٣٣.


الخامس : الشكّ بين الاثنتين والخمس أو الأزيد وإن كان بعد الإكمال (١).

______________________________________________________

على أنّ حكم الشاكّ بين الثلاث والأربع البناء على الأكثر والإتيان بركعة مفصولة لا موصولة كما هو ظاهر الصحيحة.

وعلى الجملة : لم نفهم معنى الصحيحة ، ولم يتّضح المراد ، لعدم الربط بين الجواب والسؤال ، فهي محكومة بالإجمال ، ومثلها غير صالحة للاستدلال على كلّ حال.

والمتحصّل من جميع ما قدمناه : أنّ محقّق الإكمال هو ما أفاده الشيخ (قدس سره) من الفراغ عن وظيفة الركعة المتحقّق بالانتهاء عن الذكر الواجب في السجدة الأخيرة ، فإنّه بذلك يفرغ عمّا عليه من عهدة الركعة ويحصل امتثال الأمر بها ، فقد تحقّقت الركعة ومضت وإن كان بعد باقياً في الشخص لاختياره إطالة السجود ، فانّ ذلك أمر آخر زائد على أصل الواجب. ولا منافاة بين البقاء في الشخص ومضي الطبيعة كما أفاده (قدس سره).

وعليه فالشكّ العارض بعد ذلك وقبل رفع الرأس لم يكن متعلّقاً بالأولتين بل هو حافظ وضابط لهما ، وإن كانتا ظرفاً له ، وإنّما الشكّ متعلّق بالإتيان بالزائد عليهما ، فلا يستوجب البطلان كما عرفت بما لا مزيد عليه.

(١) من الشكوك المبطلة الشكّ بين الثنتين وما زاد على الأربع كالخمس ، أو الأربع والخمس ، ونحو ذلك. أمّا إذا كان قبل الإكمال فلا إشكال في البطلان للنصوص المتقدّمة (١) الدالّة على لزوم سلامة الأولتين عن الشكّ ، فمحلّ الكلام ما إذا كان الشكّ بعد الإكمال ، بحيث يكون حافظاً للأولتين كما أشار إليه الماتن بقوله : وإن كان بعد الإكمال. والمشهور حينئذ هو البطلان ، لعدم إمكان التصحيح

__________________

(١) في ص ١٦٢ ١٦٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

بعد الدوران بين النقص والزيادة.

وقد يقال بلزوم البناء على الأقل ، استناداً إلى الاستصحاب بعد قصور نصوص البناء على الأكثر عن الشمول للمقام ، لاختصاصها بما إذا كان الأكثر صحيحاً كي يمكن البناء عليه وتكون الركعة المفصولة جابرة على تقدير ونافلة على التقدير الآخر ، فلا تعمّ مثل المقام ممّا كان البناء على الأكثر مفسداً لا مصحّحاً. وعليه فيبني على أنّ ما بيده هي الركعة الثانية بعد نفي الركعات الزائدة عليها المشكوكة بالأصل.

وربما يورد عليه تارة بأنّ الاستقراء الظنّي أورث الاطمئنان بإلغاء الشارع حجّية الاستصحاب في باب الشكّ في الركعات.

وفيه أوّلاً : أنّ ذلك لا يستوجب رفع اليد عن عموم دليل الاستصحاب في غير الموارد التي ثبت فيها الإلغاء ، وهي موارد البناء على الأكثر. والاستقراء المزبور ظنّي ناقص ، فلم يثبت لنا الإلغاء على سبيل الإطلاق كي نخرج به عن عموم الدليل.

وثانياً : أنّه قد ثبت عدم الإلغاء والاعتناء بالاستصحاب في بعض الموارد كالشكّ بين الأربع والخمس ، فإنّه يبني على الأربع ويسجد سجدتي السهو للركعة الزائدة المحتملة ، ولا وجه له إلّا الاعتماد في نفي الزائد على الأصل ، ومن الجائز أن يكون المقام من هذا القبيل ، ومعه كيف تصحّ دعوى الإلغاء الكلّي.

وأُخرى بأنّه لا يثبت بالأصل المزبور كون الركعة التي جلس فيها هي الثانية ليتشهّد فيها ، ولا أنّ الركعتين بعدهما هي الثالثة والرابعة ليتشهّد ويسلّم بعد الأخيرة ، ولا بدّ في ذلك من إحراز الاتّصاف بالثانية والرابعة على ما يستفاد من الأدلّة.

وفيه أوّلاً : أنّه لم يقم دليل على اعتبار الاتّصاف المزبور ، وإنّما المستفاد من


.................................................................................................

______________________________________________________

الأدلّة اعتبار محلّ خاصّ للتشهّد ، وهو كونه بعد الأولتين وقبل القيام إلى الثالثة ، وكذا كونه بعد الرابعة لا كونه في ركعة موصوفة بأنّها الثانية أو الرابعة وذلك محرز في المقام بعد إجراء الأصل المتقدّم كما لا يخفى.

وثانياً : على تقدير تسليم ذلك فيمكن إحرازه بالأصل أيضاً ، فإنّ المصلي كان قبل هذا في حالة متّصفة بأنّه في الركعة الثانية يقيناً ، ونشكّ في تبدّل الحالة وانقلابه عمّا كان فيبني على أنّه كما كان. وكذا بعد الإتيان بالركعتين بعدهما يقطع بأنّه كان في آن مردّد بين الحال والماضي في ركعة متّصفة بالرابعة يقيناً ، ويشكّ في انقلاب تلك الحالة فيبنى عليها بالاستصحاب.

فالإنصاف : أنّ الاستصحاب في نفسه لا مانع من جريانه في المقام لولا أنّ صحيحة صفوان (١) وما في معناها دلّت على الغاية في باب الشكّ في الركعات كما مرّ ، وحكمت بانقلاب الأصل الأوّلي إلى الثانوي في هذا الباب ، وهو أصالة الفساد في كلّ شكّ تعلّق بأيّ ركعة عدا ما ثبت خروجه ، وهو موارد الشكّ بين الأربع والخمس وكلّ مورد يبنى فيه على الأكثر على ما أُشير إليه في رواية عمّار : «إلا أُعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء ، قلت : بلى ، قال : إذا سهوت فابن على الأكثر» (٢).

ومن المعلوم عدم شمولها لمثل المقام ، لاختصاصها بقرينة قوله (عليه السلام) في الذيل : «فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي‌ء» بموارد يمكن تصحيح الصلاة فيها بالبناء على الأكثر ، فلا تعمّ مثل المقام الذي يوجب البناء عليه البطلان. على أنّها لو شملت المقام فنتيجته البطلان كما لا يخفى.

وعليه فإطلاق صحيحة صفوان هو المحكّم ، ولأجلها يحكم بالبطلان في المقام

__________________

(١) المتقدّمة في ص ١٥١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

بعد عدم الدليل على التقييد ، لعدم ورود نصّ فيما نحن فيه.

وقد يقال بقصور الصحيحة عن الشمول للمقام ، لاختصاصها بموارد لم يدر كم صلّى بحيث كان شاكّاً في عدد الركعات رأساً ولم يكن حافظاً أصلاً ، وهو الذي عنونه الفقهاء في رسائلهم العمليّة وعدّوه من أحد الشكوك المبطلة مستقلا وأشار إليه الماتن في المبطل الثامن ، فلا تعمّ مثل المقام ممّا يعلم كم صلّى ويتردّد بين الثنتين والخمس مثلاً.

وفيه : أنّ فرض الجهل البحت بحيث لم يدر عدد الركعات رأساً ولم يكن متيقّن في البين أصلاً غير معقول الوقوع خارجاً ، فان كلّ مصلّ شاكّ في العدد فهو عالم لا محالة بالقدر المتيقّن ولو كانت الواحدة ، فيرجع هذا الشكّ إلى أحد الشكوك المبطلة ، ولا أقلّ إلى الشكّ بين الواحدة والأزيد الذي هو الثالث من أقسام الشكوك المبطلة كما مرّ ، فلا يكون هذا عنواناً مستقلا قبال بقيّة الشكوك وإن عنونه الفقهاء كذلك ، فانّ من شكّ بين الواحدة والثنتين والثلاث والأربع وهكذا ولم يدر كم صلّى فهو عالم لا محالة بالتلبّس بالواحدة ، فيرجع إلى الشكّ بينها وبين الأزيد كما عرفت.

وعليه فلا يمكن تخصيص الصحيحة بتلك الصورة غير المعقولة ، بل هي عامّة لمطلق الشكوك المتعلّقة بمطلق الركعات ، خرج ما خرج وبقي الباقي الذي منه المقام ، إذ لم يثبت خروجه ، لعدم الدليل عليه لا خصوصاً ولا عموماً ، فيبقى تحت الإطلاق المقتضي للبطلان.

نعم ، قد يستدلّ للخروج ولزوم البناء على الأقلّ بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وعلي عن أبي إبراهيم (عليه السلام) : «في السهو في الصلاة ، فقال : تبنى على اليقين وتأخذ بالجزم ، وتحتاط الصلوات كلّها» (١) بناءً على أنّ المراد

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

باليقين هو الأقلّ ، فإنّه المتيقّن المجزوم به.

وفيه ما لا يخفى ، لعدم مناسبته مع الاحتياط الذي أمر بمراعاته في الصلوات كلّها ، فإنّ الأقلّ احتمال لا احتياط ، فالمراد منه هو اليقين بالبراءة ، أي البناء على عمل يقطع معه بفراغ الذمّة وصدور صلاة صحيحة مطابقة للاحتياط وهو البناء على الأكثر والإتيان بركعة مفصولة الذي أُشير إليه في رواية عمّار بقوله (عليه السلام) : «أ لا أُعلّمك شيئاً ...» إلخ (١) ، وأنّ تلك الركعة جابرة على تقدير ونافلة على التقدير الآخر ، فيحصل اليقين بالبراءة بهذه الكيفية.

وقد عرفت فيما مرّ أنّ البناء على الأكثر خاصّ بموارد يحتمل الصحّة لدى البناء عليه ، فلا يشمل المقام. وكيف ما كان ، فصحيحة عبد الرحمن أجنبية عن الدلالة على الأقلّ كي نخرج بها عن إطلاق صحيحة صفوان. فالاستدلال بها على ذلك ضعيف.

ونحوه في الضعف الاستدلال بموثّقة إسحاق بن عمّار قال «قال لي أبو الحسن الأوّل (عليه السلام) : «إذا شككت فابن على اليقين ، قال قلت : هذا أصل؟ قال : نعم» (٢).

إذ فيه أوّلاً : أنّ الموثّقة لم ترد في خصوص باب الشكّ في الركعات ، بل في مطلق الشكّ فيما كان على يقين منه ، فهي من أخبار باب الاستصحاب ، نظير قوله (عليه السلام) : «من كان على يقين فشك فليمض على يقينه ، فانّ الشك لا ينقض اليقين» (٣). وقد ذكرنا أنّ الاستصحاب ساقط في هذا الباب بمقتضى صحيحة صفوان.

وثانياً : مع الغضّ عن ذلك فالمراد باليقين هو اليقين بالبراءة كما مرّ في الرواية

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٢.

(٣) الوسائل ١ : ٢٤٦ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

السابقة ، دون الأقلّ ، هذا.

وربما يستدلّ للصحّة في المقام وفي الفرعين الآتيين أعني السادس والسابع من الشكوك الباطلة بروايات يتوهّم دلالتها عليها مع التدارك بسجدة السهو.

منها : صحيحة الحلبي «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً ، أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة ، فتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً» (١) دلّت على أنّ الشكّ بين الأربع والخمس أو بين الناقص عن الأربع أو الزائد على الخمس كلّه محكوم بالصحّة ، ولا يحتاج إلّا إلى سجدة السهو.

وفيه : أنّ قوله : «أم نقصت أم زدت» إمّا أن يكون عطفاً على جملة «لم تدر» أو على مفعولها أعني أربعاً.

فعلى الأوّل : كانت الصحيحة أجنبية عن محلّ الكلام بالكلّية ، لأنّ مفادها حينئذ أنّ نقصان الجزء أو زيادته موجب لسجدة السهو ، كما أنّ الشكّ بين الأربع والخمس موجب لها. فتكون الصحيحة من أدلّة لزوم سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة ، ولا ربط لها بما نحن فيه.

وعلى الثاني : فإن قلنا بأنّ مدخول (أم) مختصّ بموارد العلم الإجمالي والدوران بين أمرين يعلم بتحقّق أحدهما إجمالاً كما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) (٢) ليكون المعنى إذا لم تدر نقصت ركعة أم زدت مع العلم بثبوت أحدهما ، فلا ينبغي الإشكال في بطلان الصلاة حينئذ ، من جهة العلم الإجمالي بالنقصان أو الزيادة فكيف حكم (عليه السلام) بالصحّة والتدارك بسجدتي السهو.

وإن قلنا بأنّ مدخولة يشمل موارد الشبهة البدوية أيضاً ليكون المعنى : إذا

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٦٨ السطر ١٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

لم تدر أنّك نقصت أم لم تنقص ، أو لم تدر أنّك زدت أم لم تزد ، فغايته أنّ الصحيحة مطلقة من حيث الركعات والأفعال فلتحمل على الثاني ، لأنّ الأوّل إن احتمل فيها النقص فهو مورد للبناء على الأكثر بمقتضى موثّقة عمّار ، وإن احتمل الزيادة فهو محكوم بالبطلان بمقتضى إطلاق صحيحة صفوان فتقيّد هذه الصحيحة بذينك الدليلين ، ويختصّ موردها بالشكّ في الأفعال ، أي زيادة جزء أو نقيصته وأنّ حكمه الصحّة مع الإتيان بسجدتي السهو ولو استحباباً. فلا يصحّ الاستدلال بها للصحّة في المقام على جميع التقادير.

وعلى الجملة : فهذه الصحيحة غير صريحة في الشكّ في الركعات ، بل أقصاها الإطلاق والشمول لها وللأجزاء ، فيخرج عنها الأوّل ويحكم فيه بالبطلان إن لم يكن مورداً للبناء على الأكثر وإلّا فبالبناء عليه ، للأدلّة الدالّة عليهما ، فتكون هذه مختصّة بالشكّ في الأجزاء وتخرج عن محلّ الكلام.

ومنها : صحيحة زرارة «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس ، وسماهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) المرغمتين» (١). وهي مثل السابقة استدلالاً وجواباً ، فتحمل على زيادة الأجزاء أو نقيصتها ، وتخرج الركعات عن إطلاقها ، المحكومة بالبطلان تارة وبالبناء على الأكثر أُخرى بالأدلّة الخاصّة كما عرفت.

ومنها : رواية زيد الشحّام «عن رجل صلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات ، قال : إن استيقن أنّه صلّى خمساً أو ستاً فليعد ، وإن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبّر وهو جالس ثمّ ليركع ركعتين ، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ، ثم يتشهّد ...» إلخ (٢).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّها صريحة في الشكّ في الركعات ، وقد قيل إنّ إطلاقها يشمل محلّ الكلام أعني الشكّ بين الثنتين والخمس ، أو الثلاث والستّ ، أو الأربع والستّ ، ونحو ذلك.

وفيه أوّلاً وهو العمدة ـ : أنّ الرواية ضعيفة السند بأبي جميلة مفضّل بن صالح ، الذي ضعّفه النجاشي (١) وغيره ، فلا وجه للتعبير عنها بالموثّقة كما في بعض الكلمات.

وثانياً : أنّها غير ناظرة إلى مثل المقام ممّا كان الأمر دائراً بين النقص والزيادة كالثنتين والخمس ، لوضوح أنّ ركعة الاحتياط المأمور بها في الذيل غير نافعة إلّا على تقدير النقص دون الزيادة ، فهي تؤمّن الاحتمال الأوّل لا الثاني. على أنّ الركعة موردها البناء على الأكثر ، الموجب للبطلان في المقام. كما أنّها غير ناظرة إلى مورد احتمال النقص فقط أو الزيادة فقط ، لما مرّ.

فلا مناص من حملها على مورد يحتمل معه التمام أيضاً كالشكّ بين الثلاث والأربع والخمس الملفّق من شكّين صحيحين ، أعني الشكّ بين الثلاث والأربع والشكّ بين الأربع والخمس ، فانّ في حكم الشكّ الملفّق منهما كلاماً سيأتي التعرّض إليه إن شاء الله تعالى (٢) بعد الفراغ عن حكم الشكوك الصحيحة ، وهو أنّ أدلّة الشكوك هل هي مختصّة ولو انصرافاً بالشكوك البسيطة ، بأن يشكّ بين الثلاث والأربع بلا احتمال الزيادة ، أو الأربع والخمس بلا احتمال النقيصة ، أو أنّها مطلقة من هذه الجهة ، فيعمل بموجب الشكّين في موارد التلفيق ويحكم بصحّة الصلاة حينئذ.

وهذه الرواية من شواهد الاحتمال الثاني. وبالجملة : فالرواية ناظرة إلى هذه

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٢٨ / ٣٣٢ ، في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي.

(٢) في ص ٢٠٦.


السادس : الشكّ بين الثلاث والستّ أو الأزيد (١). السابع : الشكّ بين الأربع والستّ أو الأزيد.

______________________________________________________

الصورة أعني مورد التلفيق. فهي أجنبية عن محلّ الكلام.

وممّا ذكرنا يعلم عدم إمكان حملها على مورد الشكّ بين الثلاث والخمس لأنّ الشكّ إن كان في حال القيام يهدم القيام فيرجع الشكّ إلى الثنتين والأربع وحكمه الإتيان بركعتي الاحتياط ، لا بركعة واحدة كما تضمّنته الرواية ، فإنّ الركعتين من جلوس ركعة واحدة. وإن كان في حال الجلوس بطل ، لعدم إمكان البناء على الأكثر والإتيان بركعة الاحتياط كما تضمّنته الرواية أيضاً ، فلا مناص من حملها على التلفيق كما ذكرنا.

ثمّ إنّ سيّدنا الأُستاذ أعاد النظر حول هذه الرواية فقال (دام ظله) : إنّ المفروض فيها وقوع صلاة العصر وتحقّقها خارجاً ، ومعه فان استيقن أنّه زاد ركعة أو ركعتين أعادها ، وإن شكّ فلم يدر أنّه زاد أم نقص بنى على النقص وأكملها بركعتين من جلوس ، وعليه فلا بدّ من أن يكون فرض الشكّ بين الثلاث والخمس أو الستّ. فالرواية أجنبية عن محلّ الكلام وهو الشكّ في أثناء الصلاة.

ثمّ إنّ الرواية لو كانت معتبرة لم يكن مناص من العمل بها في موردها ، لكنّها لضعفها كما عرفت لا يمكن الاعتماد عليها. إذن فيحكم بالبطلان في الفرض المزبور ، للعلم الإجمالي بالزيادة أو النقيصة.

(١) قد ظهر لك ممّا تقدّم حكم هذا القسم والذي يليه ، فإنّهما مشاركان مع الشكّ بين الثنتين والخمس في جميع ما مرّ ، حيث إنّ مقتضى الاستصحاب هو البناء على الأقلّ ، غير أنّ صحيحة صفوان وما في معناها الحاكمة عليه والتي هي المرجع الوحيد في هذا الباب تقتضي البطلان في الجميع.


الثامن : الشكّ بين الركعات بحيث لم يدر كم صلّى (١).

______________________________________________________

نعم ، نسب الخلاف في الأخير أعني الشكّ بين الأربع والستّ إلى جماعة منهم العلّامة (١) والشهيد (٢) وأنّهم ذهبوا إلى الصحّة.

فإن كان المستند التعدّي عن نصوص الأربع والخمس كما صرّح به بعضهم بدعوى أنّ المستفاد منها أنّ الموضوع للحكم الشكّ بين الأربع فما زاد ، ولا خصوصية للخمس. ففيه : أنّ الدعوى غير ثابتة ، ولا بدّ في الأحكام التعبّدية من الجمود على مورد النصّ والاقتصار على المقدار المتيقّن. فلا وجه للتعدّي والإلحاق.

وإن كان المستند الاستصحاب ونفي الزائد بالأصل ، ففيه مضافاً إلى سقوطه في هذا الباب ، وأنّ المرجع صحيحة صفوان كما مرّ أنّه غير مختصّ بالمقام بل يجري في سائر الأقسام ، فما هو الموجب للتخصيص؟

وإن كان هو النصوص المتقدّمة من صحيحة الحلبي وغيرها (٣) فقد عرفت الحال فيها وأنّها غير صالحة للاستناد إليها.

(١) على ما هو المعروف بين الفقهاء ، المذكور في كتبهم وفي رسائلهم العمليّة حيث جعلوه عنواناً مستقلا في مقابل الأقسام السابقة ، وحملوا صحيحة صفوان على ذلك وجعلوها مستنداً لهذا الحكم. وقد أشرنا فيما مرّ (٤) إلى أنّ هذا النوع من الشكّ أعني الجهل البحت بعدد الركعات بحيث لم يعلم رأساً ولم يكن قدر

__________________

(١) المختلف ٢ : ٣٩١ المسألة ٢٧٧.

(٢) الذكرى ٤ : ١٦٣.

(٣) المتقدّمة في ص ١٧٣ ١٧٤.

(٤) في ص ١٧١.


[٢٠٣٨] مسألة ٢ : الشكوك الصحيحة تسعة في الرباعية :

أحدها : الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين (١) فإنّه يبني على الثلاث ويأتي بالرابعة ويتمّ صلاته

______________________________________________________

متيقّن في البين أصلاً غير معقول الوقوع خارجاً.

ضرورة أنّ المصلّي مهما شكّ فهو يعلم لا محالة بالحدّ الأقلّ والمتيقّن ممّا في يده ، ولا أقل من الواحدة ، فيرجع إلى الشكّ بين الواحدة والأزيد أو الثنتين والأزيد وهكذا ، فبالأخرة يؤول الشكّ إلى أحد الأقسام السابقة وإن تكثّرت أطرافه ، فلا يكون هذا نوعاً آخر من الشكّ وعنواناً مستقلا في قبالها ، وليست الصحيحة ناظرة إلى تلك الصورة غير المعقولة ، بل يعمّ جميع أقسام الشكوك الباطلة كما عرفت.

(١) أمّا قبل الإكمال فباطل بلا إشكال ، لرجوعه إلى الشكّ في الأولتين اللّتين لا بدّ من سلامتهما عنه واليقين بهما كما مرّ.

وأمّا بعد الإكمال وقد مرّ (١) ما يتحقّق به الإكمال وأنّه الفراغ عن ذكر السجدة الأخيرة فالمشهور لزوم البناء على الثلاث والإتيان بالرابعة ثمّ بصلاة الاحتياط.

وعن الصدوق تجويز البناء على الأقل (٢) ، وعن والده التخيير بينه وبين البناء على الأكثر (٣) ، وعن السيّد لزوم البناء على الأقلّ (٤) ونسب إلى الصدوق

__________________

(١) في ص ١٦٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣١ ذيل ح ١٠٢٤ [تقدّمت في ص ١٤٩ محاولة تفنيد النسبة].

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٨٣ المسألة ٢٧٠.

(٤) المسائل الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية) : ٢٣٧ المسألة ١٠٢ السطر ٢٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

أيضاً في المقنع الحكم بالبطلان (١). وكيف ما كان ، فلا عبرة بهذه الأقوال الشاذّة. والصحيح ما عليه المشهور ، لضعف مستند ما عداه.

أمّا البناء على الأقلّ فيستدلّ له بصحيحة العلاء المرويّة في قرب الإسناد قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة قال : يبني على اليقين فاذا فرغ تشهّد وقام قائماً فصلّى ركعة بفاتحة القرآن» (٢) بناءً على أنّ المراد باليقين المتيقّن ، وهو الأقل.

لكن الظاهر أنّ المراد به اليقين بالبراءة ، وأن يعمل عملاً يقطع معه بفراغ الذمّة وحصول صلاة صحيحة ، وهو البناء على الأكثر ، الذي أُشير إليه في عدّة من النصوص التي منها رواية عمّار : «إلا أُعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء ، قلت : بلى ، قال : إذا سهوت فابن على الأكثر ...» إلخ (٣).

ويكشف عنه بوضوح قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيحة : «وقام قائماً فصلّى ركعة بفاتحة القرآن» ، فإنّ ركعة الاحتياط إنّما تنفع لتدارك النقص المحتمل ومع البناء على الأقلّ لم يكن ثمّة إلّا احتمال الزيادة دون النقصان ، فلا موقع للجبران. فالصحيحة ولا سيما بقرينة الذيل على خلاف المطلوب أدلّ ، فإنّها من شواهد القول المشهور.

ويستدلّ للبطلان بروايتين :

إحداهما : صحيحة زرارة : «رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً ، قال : إن

__________________

(١) المقنع : ١٠١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ٢ ، قرب الإسناد : ٣٠ / ٩٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

دخل الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ، ثمّ صلّى الأُخرى ولا شي‌ء عليه ويسلّم» (١) ، حيث دلّت بمقتضى المفهوم على البطلان ما لم يكن داخلاً في الثالثة.

وفيه : أنّ المراد بالثالثة ليس هي الثالثة اليقينية ، لرجوع الشكّ حينئذ إلى الشكّ بين الثلاث والأربع ، وهو مضافاً إلى خروجه عن مفروض السؤال لا يناسبه قوله (عليه السلام) : «ثمّ صلّى الأُخرى ...» إلخ الظاهر في الإتيان بالركعة الأُخرى موصولة ، ولا سيما بقرينة قوله (عليه السلام) : «ويسلّم» ، فانّ حكم الشاكّ حينئذ الإتيان بركعة الاحتياط مفصولة ، فلا مناص من أن يكون المراد الثالثة المحتملة.

وحيث إنّ الشكّ العارض لدى الدخول في الركعة المردّدة بين الثانية والثالثة يكون قبل الإكمال لا محالة فهو غير محرز للثنتين ، وقد دخل الشكّ في الأُوليين وحينئذ فحكمه (عليه السلام) بالصحّة معارض بالروايات الكثيرة المتقدّمة المتضمّنة للزوم سلامة الأُوليين عن الشكّ وحصول اليقين بهما.

فلا بدّ إذن من ارتكاب التأويل ، بدعوى أنّ قوله (عليه السلام) : «بعد دخوله في الثالثة» كناية عن إكمال الأُوليين وإحرازهما ، وأنّه عندئذ يبني على أنّ ما بيده هي الثالثة فيمضي فيها ويأتي بالأُخرى التي هي الرابعة ، نعم لا تعرّض فيها حينئذ لركعة الاحتياط ، فتقيد بالروايات الأُخرى الدالّة عليها.

وعليه فليس مفهومها لو كان لها مفهوم إلّا البطلان فيما إذا كان الشكّ قبل الإكمال ، لا ما إذا كان بعده كما هو محلّ الكلام ، وقد تقدّم شطر من الكلام حول هذه الصحيحة فلاحظ (٢).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ١.

(٢) ص ١٦٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية : صحيحة عبيد بن زرارة : «عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثاً قال : يعيد ، قلت : أليس يقال : لا يعيد الصلاة فقيه؟ فقال : إنّما ذلك في الثلاث والأربع» (١). وقد حملها الشيخ على الشكّ في المغرب (٢).

وفيه : أنّه تبرّعي لا شاهد عليه. على أنّ الشكّ في المغرب باطل مطلقاً حتّى بين الثلاث والأربع ، فكيف قال (عليه السلام) : «إنّما ذلك في الثلاث والأربع» اللهمّ إلّا أن يكون كناية عن الرباعية.

والصحيح أن يقال : إن أمكن حملها على الشكّ قبل إكمال السجدتين كما ذكره صاحب الوسائل وإن كان بعيداً فهو ، وإلّا فلا بدّ من طرحها وردّ علمها إلى أهلها ، لمعارضتها مع النصوص الكثيرة المتقدّمة (٣) التي عرفت (٤) عدم البعد في دعوى تواترها إجمالاً ، المصرّحة بدخول الشكّ في الأخيرتين وأنّ الذي يلزم سلامته عنه إنّما هو الأولتان فحسب ، معلّلاً بأنّهما فرض الله وتلك ممّا سنّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم). فلو منع عن دخول الشكّ في الثالثة كان اللّازم عدم دخوله إلّا في الأخيرة ، لا في الأخيرتين كما هو صريح تلك الأخبار.

على أنّ الحصر المذكور في قوله (عليه السلام) : «إنّما ذلك في الثلاث والأربع» غير حاصر ، لعدم اختصاص الشكوك الصحيحة بذلك ، فانّ الشكّ بين الثنتين والأربع ، والثنتين والثلاث والأربع ، والأربع والخمس أيضاً صحيح ، وكلّها

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٣ / ٧٦٠.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٣ / ٧٦٠.

(٣) تقدّم بعضها في ص ١٥٩ ١٦٠.

(٤) في ص ١٦١ ١٦٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

منصوص ، فلا ينحصر عدم إعادة الفقيه صلاته في ذلك الشكّ.

وأمّا القول بالتخيير فمستنده الفقه الرضوي (١) الذي مرّ الكلام فيه (٢).

ومن جميع ما ذكرناه تعرف أنّ الصحيح ما عليه المشهور من صحّة الشك والبناء على الأكثر والتدارك بركعة الاحتياط ، للروايات الكثيرة المشار إليها آنفاً ، المصرّحة بدخول الشكّ في الأخيرتين ، المؤيّدة بإطلاق الروايات الأُخرى الآمرة بالبناء على الأكثر مهما عرض الشكّ التي منها موثّقة عمّار : «متى ما شككت فخذ بالأكثر ...» إلخ (٣) وروايته الأُخرى : «إلا أُعلّمك شيئاً إلى قوله (عليه السلام) : إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ...» إلخ (٤) ، وغيرهما المحمولة على الشكّ بعد إكمال الركعتين ، بقرينة تلك النصوص المصرّحة بلزوم سلامتهما عن الشكّ ، والمؤيّدة أيضاً بصحيحة قرب الإسناد المتقدّمة (٥) بناءً على ما عرفت من أنّ المراد باليقين فيها هو اليقين بالبراءة بالبناء على الأكثر والإتيان بركعة مفصولة ، دون الأقل المتيقّن.

وبالجملة : فالنصّ الصحيح الصريح وإن لم يكن وارداً في خصوص المقام إلّا أنّ الحكم مستفاد ممّا ذكرناه بلا كلام ، فلا إشكال في المسألة.

مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه في غير واحد من الكلمات ، بل عن الأمالي

__________________

(١) فقه الرضا : ١١٨.

(٢) في ص ١٥٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.

(٤) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

(٥) في ص ١٧٩.


ثمّ يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ، والأحوط اختيار الركعة من قيام (*) ، وأحوط منه الجمع بينهما بتقديم الركعة من قيام ، وأحوط من ذلك استئناف الصلاة مع ذلك (١).

______________________________________________________

أنّه من دين الإمامية (١). فلا يعبأ بخلاف من عرفت ممّا هو شاذ قولاً وضعيف مستنداً كما مرّ.

(١) ذكر (قدس سره) أنّ مقتضى الاحتياط التام استئناف الصلاة بعد العمل بوظيفة البناء على الأكثر ، ودونه الجمع في صلاة الاحتياط بين ركعة من قيام وركعتين من جلوس مع تقديم الأوّل ، ودونه اختيار الركعة من قيام ، وإن كان الأقوى التخيير بين الأمرين كما عليه المشهور.

أقول : أمّا الاحتياط بالإعادة فمستنده الخروج عن خلاف من حكم بالبطلان في المسألة استناداً إلى صحيحة عبيد ونحوها ، وقد تقدم ضعفه.

وأمّا الاحتياط بالجمع فمبني على رعاية الخلاف المنسوب إلى العماني (٢) والجعفي (٣) حيث حكي عنهما تعيّن الركعتين من جلوس ، ولكنّه لا وجه له هنا أصلاً ، إذ لم ترد في هذه المسألة ولا رواية واحدة ولو ضعيفة تدلّ على ذلك وإنّما وردت الروايات المتضمّنة للركعتين في المسألة الآتية أعني الشكّ بين الثلاث والأربع فلا موجب لتعيّنهما في المقام. وهما أعرف بما قالا ، بل المستفاد

__________________

(*) هذا الاحتياط لا يترك ، وإذا كانت وظيفته الصلاة عن جلوس فالأحوط وجوباً الإتيان بركعة عن جلوس.

(١) أمالي الصدوق : ٧٤٢.

(٢) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٨٤ المسألة ٢٧١.

(٣) حكاه عنه في الذكرى ٤ : ٧٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

من ظواهر النصوص الواردة في المقام تعيّن الركعة من قيام ، وهو الوجه في كون الأحوط اختيارها ، كموثّقة عمّار : «أجمع لك السهو كلّه في كلمتين ، متى شككت فخذ بالأكثر فإذا سلمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» (١) ، فانّ ما ظنّ نقصه هي الركعة من قيام ، فإتمامها بإتيانها كذلك.

وأصرح منها روايته الأُخرى : «... إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ...» إلخ (٢).

ونحوها صحيحة العلاء المرويّة في قرب الإسناد ومحمّد بن خالد الطيالسي الواقع في السند وإن لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال لكنّه مذكور في أسانيد كامل الزيارات قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة ، قال : يبني على اليقين ، فاذا فرغ تشهّد وقام قائماً فصلّى ركعة بفاتحة القرآن» (٣) بناءً على ما مرّ (٤) من أنّ المراد باليقين هو اليقين بالبراءة.

وربما يستدلّ أيضاً بصحيحة زرارة : «رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً قال : إن دخل الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمّ صلّى الأُخرى ولا شي‌ء عليه ويسلّم» (٥) بدعوى أنّ المراد بالأُخرى هي صلاة الاحتياط كما حملها عليها في الوسائل.

لكن عرفت فيما مرّ عند التكلّم حول الصحيحة أنّ المراد بها هي الركعة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ٢ ، قرب الإسناد : ٣٠ / ٩٩.

(٤) في ص ١٧٩.

(٥) الوسائل ٨ : ٢١٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

الرابعة وأنّ قوله : «بعد دخوله في الثالثة» كناية عن إحراز الثنتين فيمضي في الثالثة ، أي يبني على أنّ ما بيده الثالثة ويأتي بالرابعة بعدها ، كما يكشف عنه قوله : «ويسلم». ولا تعرّض فيها لركعة الاحتياط كي تدلّ على كونها من قيام وإنّما يستفاد ذلك من الخارج. وكيف ما كان ، فلا ريب أنّ ظاهر النصوص تعيّن الركعة من قيام.

ولكنّ المشهور ذهبوا إلى التخيير بينها وبين الركعتين من جلوس ، استناداً إلى القطع بعدم الفرق بين المقام وبين الفرع الآتي أعني الشكّ بين الثلاث والأربع المحكوم فيه بالتخيير بلا إشكال ، فبعدم القول بالفصل بين المقامين والإجماع المدّعى على تساوي الحكم في البابين يثبت التخيير هنا أيضاً ، ويحكم بأنّ المذكور في النصوص إنّما هو أحد عدلي التخيير.

ولكنّ هذا الوجه كما ترى لا يجدي بمجرّده في التعدّي عن ذاك المقام ، ولعلّ هناك خصوصية لا نعرفها ، فان حصل الجزم من ذلك باتحاد الحكم في المقامين فلا كلام ، ولكن كيف وأنّى يثبت الجزم ولا طريق لنا إلى استعلام مناطات الأحكام المبنية على التعبّد.

نعم ، يمكن إثبات الحكم في المقام بوجه آخر ، وهو أنّ المصلّي بعد ما بنى في المقام على الثالثة وأتى بالركعة الأُخرى ، فبعد الإتيان بها ينقلب شكّه عندئذ من الثنتين والثلاث إلى الثلاث والأربع بطبيعة الحال ، ويشكّ فعلاً في أنّ ما بيده هل هي الثالثة أو الرابعة ، فيندرج حينئذ في صغرى الفرع الآتي ، ويكون من أحد مصاديقه الحقيقية ، فيشمله حكمه من غير حاجة إلى الإلحاق ودعوى عدم القول بالفصل.

وبالجملة : الموضوع المذكور في نصوص الفرع الآتي من لم يدر في ثلاث أو في أربع ، وهذا العنوان بعينه ينطبق على المقام عند الإتيان بالركعة الأُخرى ، إذ


ويتحقق إكمال السجدتين (١) بإتمام الذكر الواجب من السجدة الثانية على الأقوى ، وإن كان الأحوط إذا كان قبل رفع الرأس البناء ثمّ الإعادة ، وكذا في كلّ مورد يعتبر إكمال السجدتين.

الثاني : الشكّ بين الثلاث والأربع في أيّ موضع كان ، وحكمه كالأوّل (٢) إلّا أنّ الأحوط هنا اختيار الركعتين من جلوس.

______________________________________________________

هو شاكّ فعلاً وجداناً في أنّه في ثلاث أم في أربع ، نعم كان شاكاً قبل ذلك بين الثنتين والثلاث ، أمّا الآن فلا يحتمل الثنتين ، بل شكّه متمحّض بين الثلاث والأربع.

ولا ريب أنّ العبرة في أحكام الشكوك بمراعاة الحالة الفعلية ولحاظ الشك بقاءً لا حدوثاً ، كما عليه عمل الفقهاء وبناؤهم ، فانّ الميزان عندهم بالشكّ الفعلي ولذا لو شكّ بين الواحدة والثنتين مثلاً ثمّ انقلب إلى الشكّ بين الاثنتين والثلاث وكان بعد الإكمال لوحظت الحالة الثانية ، وحكم عليه بالصحّة بلا إشكال فلا يعتبر في إجراء أحكام الشكوك عدم كونه مسبوقاً بشكّ آخر. وعليه فلا يبعد ثبوت التخيير في المقام أيضاً كما عليه المشهور.

إلّا أن يقال بانصراف تلك الأخبار إلى الشكّ الابتدائي ، وعدم شمولها للشكّ المسبّب عن شكّ آخر كما في المقام ، ومن ثمّ كان الاحتياط باختيار الركعة عن قيام هو المتعيّن.

(١) تقدّم الكلام حول ذلك مستوفى عند البحث عن الرابع من الشكوك الباطلة ، فلاحظ (١).

(٢) فيبني على الأكثر ثمّ يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ، سواء كان الشكّ قبل الإكمال أم بعده.

__________________

(١) ص ١٦٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا أصل البناء فلا خلاف فيه ولا إشكال ، ويقتضيه مضافاً إلى عمومات البناء على الأكثر المتقدّمة جملة وافرة من النصوص المعتبرة الواردة في خصوص المقام :

كصحيحة الحلبي : «إن كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فسلّم ، ثمّ صلّ ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأُمّ الكتاب ...» إلخ (١).

وصحيحة الحسين بن أبي العلاء : «إن استوى وهمه في الثلاث والأربع سلّم وصلّى ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب ...» إلخ (٢).

وصحيحة ابن سيابة وأبي العباس البقباق : «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً إلى أن قال : وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس» (٣). ونحوها غيرها.

نعم ، بإزائها روايتان ربما يظهر منهما البناء على الأقلّ :

إحداهما : صحيحة زرارة المعروفة في باب الاستصحاب عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث «قال : إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أُخرى ولا شي‌ء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشكّ ، ولا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ويتمّ على اليقين فيبني عليه ، ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات» (٤).

وربّما حملت على التقيّة ، لموافقتها لمذهب العامّة ، حيث استقرّ رأيهم على

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٥.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ١.

(٤) الوسائل ٨ : ٢١٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

البناء على الأقلّ في باب الركعات استناداً إلى الاستصحاب (١) ، ولكن يأباه صدرها المتعرّض لحكم الشكّ بين الثنتين والأربع ، والمتضمّن للإتيان بركعتي الاحتياط مفصولة بقرينة التصريح بفاتحة الكتاب ، ومن المستبعد حدوث موجب جديد للتقية.

فالأولى أن يقال : إنّ الصحيحة غير ظاهرة في البناء على الأقلّ لو لم تكن ظاهرة في البناء على الأكثر والإتيان بالركعة الأُخرى مفصولة وعدم ضمّها وإدخالها وخلطها بالركعات المتيقّنة ، كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) : «ولا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر» ، أي لا يدخل الركعة المشكوك فيها في المتيقّنة ، ولا يخلط بينهما.

ولعلّ المقصود من المبالغة في ذلك بإيراد العبائر المختلفة المذكورة في الفقرات المتعدّدة التعريض بالعامّة ، والإيعاز إلى فساد مذهبهم من البناء على الأقلّ لاشتماله على الخلط المزبور الذي لا يؤمن معه من الزيادة المبطلة ، فإنّ هذا النوع من التأكيد والمبالغة إنّما يناسب البناء على الأكثر المخالف لهم ، دون الأقلّ كما لا يخفى. وصدرها أيضاً شاهد على ذلك كما عرفت.

ثانيتهما : رواية محمّد بن مسلم «قال : إنّما السهو بين الثلاث والأربع ، وفي الاثنتين والأربع بتلك المنزلة ، ومن سها فلم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً واعتدل شكّه ، قال : يقوم فيتمّ ، ثمّ يجلس فيتشهّد ويسلّم ، ويصلّي ركعتين وأربع سجدات وهو جالس ...» إلخ (٢).

ولكن مفادها غير قابل للتصديق ، لتضمّنها الجمع بين البناء على الأقلّ كما

__________________

(١) المجموع ٤ : ١٠٦ ١١١ ، المغني ١ : ٧١١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٠.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٤.


ومع الجمع تقديمهما على الركعة من قيام (١).

______________________________________________________

هو ظاهر قوله : «يقوم ويتمّ ...» إلخ ، وبين الإتيان بركعتي الاحتياط من جلوس وهذا كما ترى لا وجه له ، إذ بعد البناء على الأقلّ لم يكن ثمّة إلّا احتمال الزيادة فلا موقع لصلاة الاحتياط التي شرعت لتدارك النقص المحتمل. ولم يقل بمضمونها أحد لا من الخاصّة ولا من العامّة ، ولا ينبغي القول به كما عرفت. فهي إذن مطروحة وغير صالحة لمقاومة النصوص المتقدّمة.

والذي يهوّن الخطب أنّها لم تكن مروية عن الإمام (عليه السلام) وإنّما هي قول محمّد بن مسلم نفسه ، ولا حجّية لفتواه ورائه ما لم يسنده إلى المعصوم (عليه السلام). هذا كلّه في أصل البناء على الأكثر.

وأمّا كيفية صلاة الاحتياط فهو مخيّر فيها بين الركعة من قيام والركعتين من جلوس ، لورود النصوص بكلّ من الكيفيتين.

نعم ، الأحوط هنا على خلاف الفرع السابق اختيار الثاني كما ذكره في المتن ، لكثرة النصوص الواردة في الركعتين من جلوس ، وأحوط منه الجمع بين الأمرين عملاً بالنصّ الوارد في كلا النحوين.

(١) لما عرفت من كثرة النصوص في الركعتين الموجبة لأقوائية احتمال تعيّنهما ، فتقديم الركعة عليهما موجب للفصل المخلّ بمراعاة الاحتياط.

ولكنّ هذا الاحتياط ليس بعد احتياطاً تاماً ومن جميع الجهات ، إذ من الجائز أن تكون الوظيفة الواقعية تعيّن الركعة من قيام وإن لم يكن به قول ولا دلّ عليه النصّ ، ولكنّه محتمل واقعاً ، وإلّا لم يكن وجه للاحتياط بالجمع.

وعليه فان قلنا بأنّ ركعة الاحتياط صلاة مستقلّة فائدتها تدارك النقص المحتمل فلا كلام ، وأمّا إذا قلنا كما هو الصحيح بأنّها على تقدير النقص جزء


الثالث : الشكّ بين الاثنتين والأربع بعد الإكمال (١) فإنّه يبني على الأربع ويتمّ صلاته ثمّ يحتاط بركعتين من قيام.

______________________________________________________

متمّم من الصلاة وعلى التقدير الآخر نافلة ، فتقديم الركعتين عليها يوجب الفصل بينها وبين الصلاة الأصلية على تقدير النقص ، الموجب للإخلال ، لاشتمال الركعتين على الزيادات من الركوع والسجدات ، فلم يكن الاحتياط التامّ مرعياً على هذا التقدير. وكيف ما كان ، فالأمر سهل بعد ضعف الاحتمال المزبور في نفسه.

(١) أمّا قبل الإكمال فباطل بلا إشكال ، لاعتبار إحراز الأُوليين وسلامتهما عن الشكّ كما مرّ.

وأمّا بعد الإكمال فالمعروف والمشهور هو البناء على الأربع وإتمام الصلاة ثمّ الاحتياط بركعتين من قيام ، وقيل بالتخيير بينه وبين الاستئناف ، وقيل بالتخيير أيضاً بينه وبين البناء على الأقلّ ، وعن الصدوق في المقنع بطلان الصلاة (١).

ويدلّ على المشهور مضافاً إلى عمومات البناء على الأكثر الروايات الخاصّة كصحيحة الحلبي : «إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فتشهّد وسلم ، ثمّ صلّ ركعتين وأربع سجدات تقرأ فيهما بأُمّ الكتاب ، ثمّ تشهّد وتسلّم ، فان كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع ، وإن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة» (٢) ، ونحوها صحاح ابن أبي يعفور وزرارة ومحمّد بن مسلم (٣) وغيرها.

نعم ، بإزائها روايات ربما يظهر منها خلاف ذلك.

__________________

(١) المقنع : ١٠٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

منها : صحيحة محمّد بن مسلم : «عن الرجل لا يدري صلّى ركعتين أم أربعاً قال : يعيد الصلاة» (١). ولعلّها مستند القول بالبطلان المنسوب إلى الصدوق في المقنع.

وعن بعضهم الجمع بينها وبين النصوص المتقدّمة بالحمل على التخيير بين البناء على الأكثر وبين الإعادة ، بدعوى رفع اليد عن ظهور الأمر في كلّ منهما في التعيين وحمله على الوجوب التخييري بقرينة الآخر ، واستحسنه المحقّق الهمداني (قدس سره) في مقام الجمع بين الأخبار (٢).

وفيه ما لا يخفى ، لما مرّ (٣) من أنّ الأمر بالإعادة إرشاد إلى الفساد ، كما أنّ نفيها إرشاد إلى الصحّة ، ولا معنى للتخيير بين الصحّة والفساد ، وإنّما يتّجه ذلك في الأوامر المولوية الظاهرة في الوجوب النفسي ، فيرفع اليد عن الوجوب التعييني ويحمل على التخييري ، دون مثل المقام الذي لا يكون الأمر إلّا للإرشاد إلى الفساد. فهذا الجمع ساقط جزماً.

وحينئذ نقول : إن أمكن حمل الصحيحة على ما قبل إكمال السجدتين كما عن صاحب الوسائل وغيره فهو ، ولا نرى بعداً في هذا الحمل وإن استبعده المحقّق الهمداني (قدس سره) (٤) ، فإنّ الصحيحة مطلقة من حيث الإكمال وعدمه ، فمن الجائز أن يكون المراد هو الثاني ، بأن يكون الشكّ عارضاً قبل الفراغ عن ذكر السجدة الأخيرة ، فإنّه يصدق عليه ولو بالعناية أنّه لا يدري صلّى ركعتين أم أربعاً.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٧.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٦٦ السطر ٢٧.

(٣) في ص ٦٠.

(٤) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٦٧ السطر ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا بخلاف النصوص المتقدّمة ، فإنّها ظاهرة في كون الشكّ بعد الإكمال ورفع الرأس من السجدتين ، لقوله (عليه السلام) فيها : «فتشهّد وسلم» الظاهر في توجيه الخطاب حال الجلوس ورفع الرأس من السجود كما لا يخفى.

بل إنّ صحيحة زرارة صريحة فيما بعد الإكمال ، لمكان قوله (عليه السلام) : «من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد أحزر الثنتين ...» إلخ (١) ، فيجمع بينهما بحمل الصحيحة على ما قبل الإكمال وهذه النصوص على ما بعده.

وكيف ما كان ، فإن أمكن هذا الجمع فلا إشكال ، وإلّا كما استبعده الهمداني (قدس سره) فلا ينبغي التأمّل في ترجيح تلك النصوص ، لكثرتها وشهرتها وشذوذ هذه فلا تنهض لمقاومتها. ومع الغضّ عن ذلك وتسليم استقرار المعارضة فتتساقطان ، والمرجع حينئذ إطلاق نصوص البناء على الأكثر ، وهي الروايات الثلاث لعمّار (٢) التي إحداها موثّقة ولا يخلو سند الأُخريين عن الخدش قال (عليه السلام) : «يا عمّار أجمع لك السهو كلّه في كلمتين ، متى ما شككت فخذ بالأكثر ...» إلخ (٣) ، وفيها غنى وكفاية.

ومنها ما يظهر منه البناء على الأقلّ ثمّ الإتيان بسجدتي السهو لتدارك الزيادة المحتملة ، وهي صحيحة أبي بصير : «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم ركعتين فقم واركع ركعتين ، ثمّ سلّم واسجد سجدتين وأنت جالس ثمّ سلّم بعدهما» (٤).

وصحيحة بكير بن أعين : «رجل شكّ فلم يدر أربعاً صلّى أم اثنتين وهو قاعد ، قال : يركع ركعتين وأربع سجدات ويسلّم ، ثمّ يسجد سجدتين وهو

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١ ، ٣ ، ٤.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٢١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

جالس» (١).

وقد يقال بأنّ مقتضى الجمع بينهما وبين النصوص المتقدّمة هو الالتزام بالتخيير بين البناء على الأقلّ وسجود السهو للزيادة المحتملة ، وبين البناء على الأكثر وهذا هو مستند القول بالتخيير بينهما في المقام.

وفيه : ما عرفت من أنّ الجمع بالحمل على التخيير إنّما يتّجه في الأوامر النفسية فيرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب التعييني إلى التخييري ، لا في مثل المقام ممّا كان الأمر إرشاداً إلى تصحيح العمل وكيفية العلاج ، فانّ الحمل المزبور في مثل ذلك ليس من الجمع العرفي في شي‌ء ، ولا سيما وفي بعض تلك النصوص ما يأبى الحمل على التخيير كقوله في رواية عمّار : «إلا أُعلِّمك شيئاً ...» إلخ ، حيث يظهر منها أنّ كيفية العلاج منحصرة بالبناء على الأكثر ، رعاية لسلامة الصلاة عن الزيادة المبطلة وصوناً لها عمّا يحتمل القدح الموجود في البناء على الأقلّ ، فكيف يحتمل إرادة التخيير بينهما.

على أنّ صحيحة زرارة (٢) كالصريح في نفي ذلك ، للاهتمام الأكيد والمبالغة التامّة المبذولة لنفي البناء على الأقل بالعبائر المختلفة والفقرات المتعدّدة ، المتضمّنة لعدم ضمّ الركعة المشكوكة بالمتيقّنة ، وأنّه لا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، وغير ذلك من الفقرات الستّ أو السبع ، فانّ هذه العناية الخاصّة والتأكيد البليغ تنافي التخيير أشدّ المنافاة. فلا مناص من الالتزام بالمعارضة وعدم إمكان الجمع المزبور بوجه.

والذي يهوّن الخطب أنّ الصحيحتين المتضمّنتين للبناء على الأقلّ موافقتان

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٩.

(٢) المتقدمة في ص ١٨٧.


الرابع : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد الإكمال ، فإنّه يبني على الأربع ويتمّ صلاته ، ثمّ يحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس (١).

______________________________________________________

لمذهب العامّة ، لاستقرار رأيهم على العمل بالاستصحاب في باب الركعات (١) فتحملان على التقيّة ، فتبقى تلك النصوص المتضمّنة للبناء على الأكثر سليمة عن المعارض ، فيتعيّن العمل بها كما عليه المشهور.

(١) فان كانت ثنتين كانت الركعتان من قيام جابرتين ، وإن كانت ثلاثاً فالركعتان من جلوس عوض عن الركعة الناقصة ، ولا يقدح الفصل بالركعتين من قيام ، كما لم يقدح تخلّل السلام في الفروض السابقة بعد ورود النصّ المرخص في ذلك. هذا هو المعروف والمشهور.

وعن الصدوقين (٢) وغيرهما أنّه بعد البناء على الأربع يصلّي ركعة من قيام وركعتين من جلوس ، وقوّاه في الذكرى من حيث الاعتبار ، لأنّهما تنضمان حيث تكون الصلاة ثنتين ولا يقدح الفصل بالسلام بعد ثبوت العفو عنه وعن التكبير في نظائر المقام ويجتزي بأحدهما حيث تكون ثلاثاً (٣). وقيل بالتخيير بين الكيفيّتين أعني ركعتين من قيام وركعتين من جلوس ، وبين ركعة قائماً وركعتين جالساً.

ويستدلّ للمشهور بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم التي رواها الصدوق في الفقيه قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل لا يدري

__________________

(١) حلية العلماء ٢ : ١٦٠ ، المغني ١ : ٧١١ ، المجموع ٤ : ١٠٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٠ / ١٠٢١ وذيل ح ١٠٢٤ ، وحكاه عنهما في المختلف ٢ : ٣٨٤ المسألة ٢٧٢.

(٣) الذكرى ٤ : ٧٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ فقال : يصلّي ركعتين من قيام ثم يسلّم ، ثمّ يصلّي ركعتين وهو جالس» (١).

وهي صريحة في المدعى ، غير أنّ نسخ الفقيه مختلفة ، والموجود في بعضها «ركعة» بدل «ركعتين» ، بل قيل : إنّ نسخة «ركعة» أشهر ضبطاً وإنّ في النسخة الأُخرى تصحيفاً. وعليه فلم تثبت الرواية بذاك المتن كي تصلح للاستدلال.

ومن هنا عدلوا عنها إلى الاستدلال بمرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «في رجل صلّى فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ قال : يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ، ثمّ يصلي ركعتين من جلوس ويسلّم فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة ، وإلّا تمّت الأربع» (٢).

ولكن هذا إنّما يتّجه بناءً على حجّية مراسيل ابن أبي عمير وكونها في حكم المسانيد كما عليه المشهور ، وأمّا بناءً على ما هو الصحيح من عدم الفرق بين مراسيله ومراسيل غيره لما شاهدناه من روايته عن الضعاف أحياناً فيشكل الحكم في المقام ، لأنّ ما صحّ سنده غير ثابت المتن ، وما صحّ متنه فهو ضعيف السند.

فلم يبق حينئذ مستند للقول المشهور من تعيّن الركعتين من قيام وركعتين من جلوس ، بل مقتضى القاعدة حينئذ التخيير بين ذلك وبين ركعة قائماً وركعتين جالساً ، أخذاً بإطلاق نصوص البناء على الأكثر الدالّة على تتميم ما ظنّ نقصه بعد التسليم كما في موثّقة عمّار ، فإنّ إطلاقها يعمّ الكيفيّتين ، لحصول التتميم وجبر النقص المحتمل بكل منهما كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٣٠ / ١٠٢١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولكنّ الذي يهوّن الخطب أنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ الصحيح من نسخة الفقيه هي نسخة «ركعتين» ، فإنّه (قدس سره) بعد أن روى الصحيحة المذكورة روى ما أسنده عن علي بن أبي حمزة في من لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين أم ثلاثاً أم أربعاً أنّه (عليه السلام) قال : «فليمض في صلاته ويتعوّذ بالله من الشيطان فإنّه يوشك أن يذهب عنه» (١).

ثمّ روى (قدس سره) بإسناده عن سهل بن اليسع عن الرضا (عليه السلام) في ذلك أنّه قال : «يبني على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم ، ويتشهّد تشهّداً خفيفاً» (٢) ثمّ قال (قدس سره) : وقد روى «أنّه يصلّي ركعة من قيام وركعتين وهو جالس» (٣) ، ثمّ قال بعد ذلك : ليست هذه الأخبار بمختلفة ، وصاحب السهو بالخيار بأيّ خبر منها أخذ فهو مصيب (٤) انتهى.

فانّ المشار إليه بقوله : في ذلك ، عند ذكر خبر سهل ليس هو مورد رواية علي بن أبي حمزة جزماً ، فانّ موردها كثير الشكّ كما عرفت سابقاً (٥) ، ولا شكّ أنّ مثله لا يبني على اليقين الذي تضمّنه خبر سهل ، إذ لا قائل به حتّى من العامّة القائلين بالبناء على الأقلّ في باب الشكّ في الركعات ، فانّ هذا الفرد مستثنى عن هذا الحكم لدى الكلّ ، ووظيفته ليست إلّا المضيّ في الصلاة وعدم

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٢٣٠ / ١٠٢٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٣٠ / ١٠٢٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٢٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٣١ / ١٠٢٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣١ ذيل ح ١٠٢٤.

(٥) في ص ١٦١.


.................................................................................................

______________________________________________________

الاعتناء بالشكّ إجماعاً.

بل هو إشارة إلى مورد رواية ابن الحجاج التي ذكرها أوّلاً ، أعني الشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع. ومن هنا نقل في الوسائل رواية سهل وكذا المرسلة التي بعدها عقيب رواية ابن الحجاج ، لاستفادته اتحاد مورد الكلّ ، وأفرد رواية ابن أبي حمزة في باب آخر كما مرّ. ونعم ما صنع.

وبالجملة : فالمرسلة كرواية سهل كلتاهما واردتان في مورد صحيحة ابن الحجاج قطعاً ، وعليه فلا بدّ من مغايرة مضمون المرسلة مع الصحيحة كي تصح المقابلة ويتّجه حكمه (قدس سره) بالخيار بين الأخذ بأيّ منها شاء ، وحيث إنّ المرسلة متضمّنة للركعة فيكشف ذلك عن أنّ متن الصحيحة هو (الركعتين) وأنّ النسخة الصحيحة هي المشتملة على هذا اللفظ جزماً.

وأمّا هذه الروايات الثلاث التي ذكرها الصدوق وأفتى بالتخيير في العمل بمضمونها فالمرسلة منها من أجل إرسالها غير صالحة للاعتماد ، فيدور الأمر بين صحيحة (١) ابن الحجاج ورواية سهل التي هي أيضاً صحيحة ، ولكن الثانية من أجل موافقتها للعامّة تحمل على التقية ، فيتعيّن العمل بالأُولى ، المؤيّدة بمرسلة ابن أبي عمير. فما عليه المشهور هو المتعيّن.

__________________

(١) لا يخفى أنّ في طريق الصدوق إلى عبد الرحمن بن الحجاج في المشيخة [أي في الفقيه ٤ (المشيخة) : ٤١] أحمد بن محمّد بن يحيى العطار ، وهو مجهول عند سيّدنا الأُستاذ كما صرّح به في المعجم ٣ : ١٢٢ / ٩٣٢ فالطريق ضعيف ، ولكنّه (دام ظله) بالرغم من ذلك يرى صحّة الرواية ، نظراً إلى أنّ الراوي عنه في الطريق المزبور هو الحسن بن محبوب وابن أبي عمير ، وللشيخ الصدوق (قدس سره) طريق صحيح إلى جميع كتبهما ورواياتهما كما يظهر ذلك بمراجعة الفهرست [: ٤٦ / ١٥١ ، ١٤٢ / ٦٠٧] وبذلك يصبح طريق الصدوق إلى جميع روايات عبد الرحمن الواردة في الفقيه صحيحاً أيضاً فلاحظ.


والأحوط تأخير الركعتين من جلوس (*) (١).

الخامس : الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين فيبني على الأربع ويتشهّد ويسلّم ، ثمّ يسجد سجدتي السهو (٢).

______________________________________________________

(١) بل هو الأظهر ، لاشتمال الصحيحة وكذا المرسلة على العطف بـ «ثمّ» الظاهر في الترتيب ولزوم التأخير ، ولا موجب لرفع اليد عن هذا الظهور ، فلو عكس وقدم الركعتين من جلوس وصادف نقص الصلاة ركعتين لم يكن ثمة مؤمّن عن هذه الزيادة الفاصلة بين الصلاة الأصلية وبين الركعتين من قيام بعد كونه على خلاف ظاهر الدليل. فمقتضى الجمود على ظاهر النصّ تعيّن ذلك وعدم جواز العكس.

(٢) على المشهور ، للنصوص المعتبرة الدالّة عليه صريحاً كصحيحة عبد الله ابن سنان : «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ، ثمّ سلّم بعدهما» ونحوها صحيحة الحلبي (١) وموثّقة أبي بصير (٢).

ونسب إلى الشيخ الصدوق في المقنع الاحتياط في هذه الصورة بركعتين جالساً حيث قال ما لفظه : إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أو زدت أو نقصت فتشهّد وسلم ، وصلّ ركعتين بأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك. قال : وفي حديث آخر : تسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة (٣). انتهى ، وعن الشيخ في الخلاف

__________________

(*) بل هو الأظهر ، وأمّا إذا كانت وظيفته الصلاة عن جلوس فيحتاط بالإتيان بركعتين عن جلوس ثمّ بركعة عن جلوس.

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١ ، ٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٣ [لاحظ السند ، فانّ الظاهر كونها صحيحة].

(٣) المقنع : ١٠٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

القول بالبطلان (١).

أمّا الأخير فلم نعرف له مستنداً أصلاً ، والأخبار المتقدّمة كلّها حجّة عليه.

وأمّا القول المنسوب إلى الصدوق فان كان المستند فيه الفقه الرضوي (٢) حيث اشتمل على مثل تلك العبارة ، فقد مرّ غير مرّة عدم الاعتماد عليه.

وإن كان مستنده مضمرة الشحّام قال : «سألته عن رجل صلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات ، قال : إن استيقن أنّه صلّى خمساً أو ستاً فليعد ، وإن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبّر وهو جالس ، ثمّ ليركع ركعتين ، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثمّ يتشهّد ...» إلخ (٣) بناءً على أنّ قوله : «وإن كان لا يدري» بيان لمفهوم الشرطية الأُولى ، ومرجعه إلى أنّه إن لم يستيقن بما ذكر فلا يدري هل زاد أم لا ، أو هل نقص أم لا فليكبّر ... إلخ ، فيكون الأوّل مورداً للشكّ بين الأربع والخمس.

ففيه : مضافاً إلى ضعف السند بأبي جميلة الذي هو المفضّل بن صالح وهو ضعيف جدّاً ، أنّ الدلالة قاصرة ، إذ الظاهر من قوله : «وإن كان لا يدري ...» إلخ ولا سيما بقرينة العطف بـ «أم» احتمال الزيادة والنقيصة معاً ، لا كلّ منهما مستقلا ، فهي ناظرة إلى صورة الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس كما أشار إليه صاحب الوسائل الملفّقة من شكّين صحيحين : الثلاث والأربع ، والأربع والخمس ، فهي على تقدير صحّة السند متعرّضة لحكم الشكّ المركّب الذي سيجي‌ء الكلام حوله إن شاء الله تعالى (٤).

__________________

(١) [لم نعثر عليه في الخلاف ، نعم حكاه عنه في المنتهي ١ : ٤١٧ السطر ٢١].

(٢) فقه الرضا : ١٢٠.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٥.

(٤) في ص ٢٠٦.


السادس : الشكّ بين الأربع والخمس حال القيام ، فإنّه يهدم ويجلس ويرجع شكّه إلى ما بين الثلاث والأربع ، فيتمّ صلاته ثمّ يحتاط بركعتين من جلوس أو ركعة من قيام (١).

السابع : الشكّ بين الثلاث والخمس حال القيام ، فإنّه يهدم القيام ويرجع شكّه إلى ما بين الاثنتين والأربع ، فيبني على الأربع ويعمل عمله.

الثامن : الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام ، فيهدم القيام ويرجع شكّه إلى الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع فيتمّ صلاته ويعمل عمله.

______________________________________________________

وعليه فالإتيان بالركعتين من جلوس إنّما هو من أجل تدارك النقص المحتمل أعني رعاية الشكّ بين الثلاث والأربع ، لا لأجل كونه حكماً للشكّ بين الأربع والخمس. على أنّك قد عرفت فيما مرّ أنّ الرواية أجنبية عن محلّ الكلام أعني الشكّ أثناء الصلاة بتقريب قد تقدّم فراجع (١).

وكيف ما كان ، فالقولان المزبوران ساقطان ، والمتعيّن ما عليه المشهور للنصوص المتقدّمة ، وحيث إنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) فيها : «صلّيت» الفراغ من الركعة فهذا الحكم مختصّ بالشكّ بعد إكمال السجدتين.

(١) بعد ما فرغ عن حكم المنصوص من الشكوك الصحيحة وهي الخمسة المتقدّمة تعرّض لبيان غير المنصوص منها ، وهي أربعة :

أحدها : الشكّ بين الأربع والخمس حال القيام. ثانيها : الشكّ بين الثلاث والخمس حاله. ثالثها : الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس. رابعها : الشكّ بين الخمس والستّ حاله.

__________________

(١) ص ١٧٦.


التاسع : الشكّ بين الخمس والستّ حال القيام ، فإنّه يهدم القيام فيرجع شكّه إلى ما بين الأربع والخمس ، فيتمّ ويسجد سجدتي السهو مرّتين (*) إن لم يشتغل بالقراءة أو التسبيحات ، وإلّا فثلاث مرّات ، وإن قال : «بحول الله» فأربع مرّات ، مرّة للشكّ بين الأربع والخمس وثلاث مرّات لكلّ من الزيادات من قوله : «بحول الله» والقيام والقراءة أو التسبيحات. والأحوط في الأربعة المتأخّرة بعد البناء وعمل الشكّ إعادة الصلاة أيضاً.

______________________________________________________

وحكم الكلّ أنّه يهدم القيام ويجلس ، فيرجع شكّه بعدئذ إلى أحد الشكوك المنصوصة المتقدّمة ، ويعمل بموجبها. ففي الأوّل يرجع شكّه بعد الهدم إلى الشكّ ما بين الثلاث والأربع ، وفي الثاني إلى ما بين الاثنتين والأربع ، وفي الثالث إلى ما بين الاثنتين والثلاث والأربع ، وفي الرابع إلى ما بين الأربع والخمس ، فيعمل على حسب وظيفته في هذه الشكوك التي مرّت أحكامها.

نعم ، ذكر (قدس سره) في خصوص الأخير أنّه يأتي بسجدتي السهو مرّتين مرّة لأجل الشكّ بين الأربع والخمس ، ومرّة أُخرى لأجل القيام الزائد ، ولو كان قد أتى بزيادات اخرى من القراءة أو التسبيحات أو قولِ «بحول الله» ، أتى بالسجدتين لكلّ واحدة من تلك الزيادات.

أقول : لا بدّ من التكلّم في جهتين : الاولى : في حكم الشكوك المزبورة مع كونها غير منصوصة. الثانية : فيما أفاده (قدس سره) من تخصيص الأخير بسجدتي السهو لأجل القيام الزائد مع كونه مشتركاً فيه في جميع هذه الفروض الأربعة،فماهوالموجب للتخصيص؟

__________________

(*) على الأحوط.


.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الجهة الأُولى : فالمشهور والمعروف هو ما عرفت من هدم القيام والعمل بعد رجوع الشكّ إلى أحد الشكوك المنصوصة المتقدّمة بموجبها.

وعن بعضهم البطلان ، نظراً إلى انتفاء النصّ في المقام ، ولا دليل على الهدم وإرجاع الشكّ إلى شكّ آخر. وأدلّة الشكوك المنصوصة منصرفة إلى ما كان كذلك ابتداءً ، لا ما كان منقلباً عن شكّ آخر. وحينئذ فمقتضى القاعدة البطلان إمّا لقاعدة الاشتغال ، أو لإطلاق صحيحة صفوان المتقدّمة (١) بعد وضوح عدم الرجوع إلى الاستصحاب ، لإلغائه في هذا الباب.

ولكنّ الصحيح ما عليه المشهور ، فانّ الشكوك المزبورة وإن كانت مغايرة بحسب الصورة لموارد الشكوك المنصوصة ، إلّا أنّها راجعة إليها لدى التحليل ومشمولة لإطلاق أدلّتها حتّى قبل هدم القيام ، من غير حاجة إلى الهدم ثمّ الإرجاع ليورد بعدم الدليل على الهدم.

فالشاكّ بين الأربع والخمس حال القيام يصدق في حقّه وقتئذ حقيقة أنّه لم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً ، المأخوذ موضوعاً للحكم بالبناء على الأربع في صحيحة الحلبي والبقباق وغيرهما (٢) ، فإنّه وإن كان شاكاً في أنّ ما بيده هل هي الرابعة أم الخامسة إلّا أنّ مرجع ذلك إلى الشكّ في أنّه هل دخل في الرابعة أم في الخامسة ، وهو عين الشكّ في أنّه هل صلّى ثلاثاً أم أربعاً ، إذ لو كان دخل في الرابعة فقد صلّى الثلاث ، ولو كان داخلاً في الخامسة فقد صلّى الأربع فيندرج في موضوع النصّ المزبور حقيقة ، فيبني على الأربع ويلزم عليه هدم القيام ، لأنّه وقع زائداً.

__________________

(١) في ص ١٥١.

(٢) وقد تقدّمت في ص ١٨٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، بعض تلك النصوص كصحيحة زرارة : «إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع ...» إلخ (١) غير منطبق على المقام كما لا يخفى ، إلّا أنّ بعضها الآخر كالصحيحة المزبورة ونحوها غير قاصر الشمول لما نحن فيه كما عرفت.

وكذا الحال في الشاكّ بين الخمس والستّ حال القيام ، فإنّه يصدق حينئذ حقيقة أنّه لم يدر أربعاً صلّى أم خمساً ، المحكوم بوجوب البناء على الأربع في صحيحة عبد الله بن سنان وغيرها (٢) بالتقريب المتقدّم آنفاً ، نعم يختصّ ذلك بما إذا لم يكن داخلاً في الركوع ، وإلّا كانت الصلاة باطلة ، للعلم بالزيادة القادحة وهي الركوع فقط ، أو هو مع الركعة التامّة ، فتكون الصلاة فاسدة على أيّ حال. وممّا ذكرنا يظهر الحال في الشكّين الآخرين.

وبالجملة : فإطلاق الدليل في الشكوك المنصوصة غير قاصر الشمول لجميع الفروض الأربعة المتقدّمة ، وهي بعينها من مصاديق العناوين المأخوذة في تلك الأدلّة من غير حاجة إلى قلب الشكّ وإرجاعه إليها بعد الهدم.

وعمدة السرّ هي ما عرفت من أنّ الموضوع في تلك الأدلّة الشكّ في عدد الركعات التامّة الصادرة منه خارجاً وأنّه صلّى أربعاً أو خمساً مثلاً ، أو ثلاثاً أو أربعاً وهكذا ، لا في عدد الناقصة وأنّ ما بيده أيّ شي‌ء ، وذاك الموضوع بعينه محفوظ حتّى بعد الدخول في الركعة الأُخرى.

وممّا ذكرنا تعرف ما في كلام الماتن وغيره من المسامحة ، حيث عبروا برجوع الشكّ إلى ما سبق بعد الهدم والجلوس ، مع أنّه راجع إليه قبل الهدم أيضاً حسبما عرفت.

وأمّا الجهة الثانية : فالكلام من حيث سجود السهو لما عدا القيام من

__________________

(١) وقد تقدّمت في ص ١٨٧ ، ١٩٨.

(٢) وقد تقدّمت في ص ١٨٧ ، ١٩٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

القراءة ونحوها موكول إلى محلّه (١) عند البحث عن أنّ سجدة السهو هل تجب لكلّ زيادة ونقيصة أم تختصّ بالموارد المنصوصة ، وستعرف الحال فيها إن شاء الله تعالى.

وأمّا من حيث القيام فالصحيح هو ما أفاده الماتن (قدس سره) من التخصيص بالقسم الأخير ، وعدم انسحابه إلى بقية الفروض وإن شاركته في زيادة القيام.

والوجه في ذلك : ما أشرنا إليه في مطاوي بعض الأبحاث السابقة من أنّ الأدلّة المتكفّلة لإثبات حكم لعنوان الزيادة ، سواء أكان هو البطلان كما في موارد الزيادة العمدية ، أم كان سجود السهو كما في زيادة القيام سهواً أو غيره بناءً على ثبوته لكلّ زيادة ونقيصة منصرفة إلى ما إذا أوجد الزائد ابتداءً.

ولا تعمّ ما إذا أحدث وصف الزيادة لما كان ، بأن عمل عملاً استوجب اتصاف ما صدر منه سابقاً بعنوان الزيادة ، كما لو شرع في السورة وقبل بلوغ النصف بدا له في العدول إلى سورة أُخرى الموجب لاتصاف ذاك النصف بصفة الزيادة بقاءً وإن لم يكن كذلك حدوثاً ، أو تلفّظ بكلمة من الآية ثمّ مكث مقداراً فاتت معه الموالاة المعتبرة بينها وبين الكلمة اللّاحقة الموجب لإعادتها أو تلفّظ ببعض الكلمة كـ (ما) في مالك فلم يتمّها ورفع اليد عنها ولو عامداً ثمّ أعادها.

ففي جميع ذلك يحكم بالصحّة ولو كان متعمّداً ، ولا تكون مشمولة لأدلّة الزيادة العمدية ، لاختصاصها كما عرفت بما إذا أوقع الزائد ، لا ما إذا أعطى صفة الزيادة لما وقع ، وكذا الحال في موجبات سجود السهو فلا نعيد.

وعليه فبما أنّ القيام في القسم الأخير موصوف بالزيادة من حين حدوثه

__________________

(١) في ص ٣٦١.


.................................................................................................

______________________________________________________

لفرض القطع بتحقّق الأربع الذي هو لازم الشكّ بين الخمس والستّ ، فهو موجب لسجود السهو بلا إشكال ، وأمّا في بقية الفروض فلم تحرز الزيادة لدى الحدوث ، لجواز كونه واقعاً في محلّه بحسب الواقع ، وإنّما عرضت له صفة الزيادة بعد حصول الشكّ وحكم الشرع بالبناء على الأربع المستتبع للهدم ، وإلّا فلولا الشكّ وحكم الشرع لم تكن الزيادة محرزة للقيام أبداً. فهي صفة عارضة وحالة طارئة ، وقد عرفت أنّ أدلّة الزيادة منصرفة عن مثل ذلك.

ولا يقاس المقام بما لو شكّ بين الثلاث والأربع حال الجلوس فبنى على الأربع وتشهّد ثمّ غفل وقام إلى الركعة الأُخرى سهواً ، المحكوم فيه بوجوب سجدتي السهو لأجل القيام الزائد بلا إشكال مع احتمال كونه في محلّه بحسب الواقع ، فلم يكن محرزاً للزيادة عند حدوثه.

للفرق الواضح بينه وبين ما نحن فيه ، إذ بعد أن حكم الشارع هناك بالبناء على الأربع فالركعة التي بيده محكومة ظاهراً بأنّها الرابعة ، ويجب أن يتعامل معها معاملة الرابعة الواقعية التي منها اتصاف ما يزيد عليها بصفة الزيادة منذ حدوثه ، فالقيام بعد ذلك إحداث للزائد من أوّل الأمر ، وبما أنّه سهوي فهو موجب لسجدتي السهو.

وهذا بخلاف المقام ، فانّ القيام هنا قد حصل قبل الشكّ ، ولم يكن آن ذاك محكوماً بالزيادة ، وإنّما اتصف بها بعد عروض الشكّ وحكم الشرع بالبناء على الأربع المستلزم للهدم ، فقد طرأت له صفة الزيادة فيما بعد. وقد عرفت أنّ أدلّة الزيادة منصرفة عن مثل ذلك. فلا موجب لسجود السهو في المقام كما ذكرناه. وبذلك يظهر الفرق بين القسم الأخير وما عداه من الفروض الثلاثة كما صنعه في المتن.


كما أنّ الأحوط في الشكّ بين الاثنتين والأربع والخمس والشكّ بين الثلاث والأربع والخمس العمل بموجب الشكّين ثمّ الاستئناف (١).

______________________________________________________

(١) بعد ما فرغ (قدس سره) من حكم الشكوك الباطلة وهي ثمانية ، ومن حكم الشكوك الصحيحة وهي تسعة حسبما مرّ ، تعرّض (قدس سره) لحكم الشكّ المركّب من شكّين صحيحين ، وذكر له فرعين ، وحكم بأنّ مقتضى الاحتياط العمل بموجب الشكّين ثم الاستئناف.

أحدهما : الشكّ بين الاثنتين والأربع والخمس ، فإنّه مؤلّف من الشكّ بين الاثنتين والأربع وحكمه البناء على الأربع والإتيان بركعتي الاحتياط قائماً والشكّ بين الأربع والخمس وحكمه البناء على الأربع والإتيان بسجدتي السهو.

ثانيهما : الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس ، فإنّه مؤلّف من الشكّ بين الثلاث والأربع والشكّ بين الأربع والخمس ، فيعمل بموجب الشكّين في كلّ منهما ، هذا.

ولا ينحصر الشكّ المزبور في هذين الفرعين ، بل هناك فرع ثالث وهو الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس ، فإنّه أيضاً مركّب من شكّين صحيحين منصوصين ، أحدهما : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، والآخر : الشكّ بين الأربع والخمس.

وكيف ما كان ، فلعلّ المعروف والمشهور أنّ الشكّ المركّب محكوم بالصحّة فإنّه وإن لم يكن بخصوصه مورداً للنصّ ، إلّا أنّه ينحلّ إلى شكّين بسيطين يجري في كلّ منهما حكمه ، عملاً بإطلاق دليله الشامل لصورتي الاقتران بشكّ آخر وعدمه. فالشكّ في المركّب تابع للبسائط ومحكوم بأحكامها ، والهيئة الاجتماعية غير مانعة عن ذلك بعد إطلاق أدلّة البسائط. وهذا هو الظاهر من عنوان صاحب الوسائل.


.................................................................................................

______________________________________________________

وناقش فيه صاحب الجواهر (قدس سره) (١) نظراً إلى انصراف الأدلّة إلى صورة انفراد الشكّ وبساطته وعدم انضمامه مع شكّ آخر ، فالمركّب خارج عن إطلاق أدلّة البسائط ، فهو عارٍ عن النصّ ، ومثله محكوم بالبطلان.

وعن العلّامة الطباطبائي (قدس سره) (٢) دعوى الإجماع على البطلان فيما لو كان الشكّ مركّباً من صحيح وباطل ، وأنّ محلّ الكلام ما لو كان مركّباً من شكّين صحيحين ، هذا.

والذي ينبغي أن يقال في المقام بعد وضوح أنّ محلّ الكلام ما إذا كان احتمال الخمس طرفاً للتركيب ، وإلّا فالشكّ فيما دونه كالشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع ، الملفّق من الشكّ بين الاثنتين والأربع ، والثلاث والأربع بخصوصه مورد للنصّ كما مرّ ـ : إنّ نصوص الشكّ بين الأربع والخمس كلّها ظاهرة في الاختصاص بحالة الانفراد ، كقوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان : «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً ...» إلخ (٣).

فانّ الظاهر من مثل هذا التعبير وكلّ نصوص الباب من هذا القبيل أنّ مورد الشكّ دائر بين الأربع والخمس على سبيل منع الخلوّ ، وهو الشكّ البسيط بحيث لم يكن ثمة احتمال ثالث ، فلو انضمّ معه احتمال آخر كالثلاث خرج الشكّ عن كونه بنحو منع الخلوّ الذي هو المتراءى والمنسبق إلى الذهن من مثل ذاك اللسان. فلا ينبغي الترديد في خروج فرض التركيب عن منصرف هذه النصوص. ودعوى الإطلاق فيها غير مسموعة.

وهكذا الحال في نصوص الشكّ بين الثلاث والأربع ، أو الثنتين والأربع ، فانّ بعضها وإن لم تكن بهذا اللسان إلّا أنّ كثيراً منها مشتمل على التعبير المزبور

__________________

(١) الجواهر ١٢ : ٣٦٠.

(٢) حكاه عنه في الجواهر ١٢ : ٣٦٠.

(٣) تقدّمت في ص ١٩٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر في القضية المنفصلة مانعة الخلوّ كما لا يخفى على من لاحظها ، فلا تعمّ صورة انضمام احتمال الخمس بتاتاً.

وعلى الجملة : فلا ينبغي التأمّل في عدم مشمولية الشكوك المركّبة لأدلّة البسائط ، وحيث لم يرد فيها نصّ خاصّ فلا مناص من الحكم بالبطلان إمّا لقاعدة الاشتغال أو لإطلاق صحيحة صفوان (١).

وقد يستدلّ للبطلان في الفرعين المتقدّمين باستلزامهما لانضمام شكّ ثالث باطل ، وهو الشكّ بين الثنتين والخمس في الأوّل ، والثلاث والخمس في الثاني فإنّ محلّ الكلام فيهما حدوث الشكّ بعد تمام الركعة كما لا يخفى ، وحينئذ فيندرجان في معقد الإجماع المدّعى في كلام العلّامة الطباطبائي على البطلان في الشكّ المركّب من صحيح وباطل.

أقول : مراد السيّد الطباطبائي (قدس سره) ممّا ادّعاه في معقد الإجماع ما إذا كان الشكّ الباطل المنضمّ إلى الصحيح على وجه لم يكن قابلاً للتصحيح ، ولم يكن ثمة مؤمّن عنه ، كالشكّ بين الثنتين والأربع والستّ المركّب من الشكّ بين الثنتين والأربع الصحيح ، والأربع والستّ الباطل ، فإنّ الثاني غير قابل للإصلاح بوجه.

وهذا بخلاف المقام ، فانّ الشكّ بين الثنتين والخمس والثلاث والخمس المحكوم بالبطلان في حدّ نفسه وإن كان هنا موجوداً أيضاً ، إلّا أنّه بعد حكم الشارع بالبناء على الأربع وإلغاء الخمس بمقتضى فرض الشكّ بينهما الذي هو أحد طرفي الشكّ المركّب في الفرعين المزبورين فاحتمال الخمس ساقط ، ووجوده كالعدم ، لكونه ملغى في نظر الشارع بعد حكمه بالبناء المذكور. وبذلك يعالج الشكّ الباطل المزبور لوجود المؤمّن عنه.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ١٥١.


[٢٠٣٩] مسألة ٣ : الشكّ في الركعات ما عدا هذه الصّور التسعة موجب للبطلان كما عرفت (١) ، لكن الأحوط فيما إذا كان الطرف الأقلّ صحيحاً والأكثر باطلاً كالثلاث والخمس والأربع والستّ ونحو ذلك البناء على الأقلّ والإتمام ثمّ الإعادة ، وفي مثل الشكّ بين الثلاث والأربع والستّ يجوز البناء على الأكثر الصحيح وهو الأربع والإتمام وعمل الشكّ بين الثلاث والأربع ثمّ

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : بعد فرض تسليم شمول أدلّة البسائط للمركّبات كما هو المفروض في كلام المستدلّ ، فالشكّ بين الأربع والخمس الذي هو طرف للمركّب محكوم بالبناء على الأقلّ بحكم الشرع ، الراجع إلى نفي الزائد هنا بالاستصحاب المعتبر لدى العامّة في جميع الأبواب ، فبعد تأمينه عن احتمال الخمس ونفيه بالأصل الذي هو حجّة في خصوص المقام ، فبطبيعة الحال يرتفع الشكّ المبطل وتنحصر أطراف المركّب في الشكوك الصحيحة ، فيخرج عندئذ عن معقد الإجماع المدّعى في كلامه (قدس سره).

فالصحيح هو منع الإطلاق في تلك الأدلّة كما عرفت. وحيث إنّ إطلاقات البناء على الأكثر غير شاملة للمقام أيضاً كما لا يخفى ، فلا مناص من الحكم بالبطلان ، لقاعدة الاشتغال أو إطلاق صحيحة صفوان.

(١) أي عرفت البطلان فيما عدا التسع من القيود المأخوذة في موضوع الشكوك التسعة الصحيحة التي تقدّمت الإشارة إليها ، مثل قيد بعد الإكمال المأخوذ في الشكّ الخامس ، حيث يعرف منه بطلان الشكّ بين الأربع والخمس لو كان قبل إكمال السجدتين لخروجه عن مورد النصّ كما مرّ ، ومثل قيد حال القيام المأخوذ في الشكّ السادس إلى التاسع ، الذي يظهر منه البطلان لو كان الشكّ حال الركوع لامتناع تصحيح الصلاة حينئذ كما مرّت الإشارة إليه (١). وبالجملة : البطلان فيما

__________________

(١) في ص ٢٠٢.


الإعادة ، أو البناء على الأقلّ وهو الثلاث ثمّ الإتمام ثمّ الإعادة (١).

______________________________________________________

عدا الصور التسع معلوم ممّا سبق ، وقوله : كما عرفت ، إشارة إلى ذلك.

(١) أفاد (قدس سره) أنّ في موارد الشكوك الباطلة وإن جاز رفع اليد عن الصلاة لكنّ الأحوط البناء على الأقلّ لو كان هو الصحيح ، ونفي الزائد الباطل بالأصل ، كما في الشكّ بين الثلاث والخمس بعد الدخول في الركوع ، والشكّ بين الأربع والستّ ، فيتمّها ثمّ يعيدها ، كما أنّه لو كان في البين أكثر صحيح كالشكّ بين الثلاث والأربع والستّ يبني عليه ويعمل عمل الشكّ بين الثلاث والأربع أو يبني على الأقلّ وهو الثلاث وينفي الزائد بالأصل ثمّ يعيدها بعد الإتمام.

أقول : إن أُريد من الاحتياط المزبور رعاية مجرّد احتمال الصحّة الواقعية لم يكن به بأس ، فإنّ الاحتياط حسن على كلّ حال ، وإلّا فهو بحسب الصناعة ضعيف جدّاً ، لابتنائه على مراعاة دليل حرمة قطع الفريضة المحتمل شموله للمقام والذي كان هو المستند في وجوب العمل بأحكام الشكوك الصحيحة في مواردها وإلّا فأدلّة الشكوك غير ناظرة إلّا لبيان كيفية العلاج والإرشاد إلى طريقة التصحيح ، ولا تعرّض فيها لوجوب العمل بمقتضياتها ، بحيث لولا دليل حرمة القطع لأمكن القول بجواز رفع اليد عن الصلاة وترك العمل بتلك الأدلّة ، لما عرفت من عدم كونها بصدد البيان إلّا من تلك الجهة.

لكنّ الدليل المذكور غير شامل للمقام قطعاً ، فانّ مستنده الإجماع المدّعى على حرمة القطع ، وهو لم تمّ خاصّ بما إذا تمكّن المصلي من إتمام الصلاة صحيحاً والاقتصار عليها والاجتزاء بها في مقام الامتثال ، فشموله للصلاة المحكومة بالبطلان ولو ظاهراً التي لا يجوز الاكتفاء بها في مقام تفريغ الذمّة كما فيما نحن فيه غير معلوم ، بل معلوم العدم كما لا يخفى. فلا مقتضي للاحتياط إلّا مجرّد الاحتمال العاري عن كلّ دليل.


(٢٠٤٠) مسألة ٤ : لا يجوز العمل بحكم الشكّ من البطلان أو البناء بمجرّد حدوثه بل لا بدّ من التروّي (*) والتأمّل حتّى يحصل له ترجيح أحد الطرفين أو يستقر الشكّ ، بل الأحوط في الشكوك غير الصحيحة التروّي إلى أن تنمحي صورة الصلاة أو يحصل اليأس من العلم أو الظنّ ، وإن كان الأقوى جواز الإبطال بعد استقرار الشكّ (١).

______________________________________________________

(١) يقع الكلام تارة في الشكوك الصحيحة ، وأُخرى في غير الصحيحة.

أمّا الأوّل : فمقتضى إطلاق الأدلّة عدم وجوب التروّي ، لصدق عنوان الشكّ المأخوذ موضوعاً فيها بمجرّد حدوثه ، كما هو الحال في سائر موارد الشكوك المأخوذة موضوعاً للأحكام الشرعية الظاهرية كالاستصحاب وأصل البراءة ونحوهما ، إذ لا فرق بينها وبين المقام في اقتضاء إطلاق الدليل عدم اعتبار التروّي.

وعلى تقدير التسليم فغايته اعتبار التروّي في ترتيب أثر الشكّ والعمل به لا في جواز المضيّ في الصلاة متروّياً كي يتّضح الحال ويرتّب الأثر بعدئذ ، كما لو شكّ في حال القيام بين الثلاث والأربع ، فإنّه لا مانع حينئذ من الاسترسال والمضيّ في الصلاة وهو مشغول بالتروّي إلى أن يرفع رأسه من السجدة الثانية فإن استقرّ رأيه وإلّا بنى على الأربع ، فإنّ هذه الركعة محكومة بالصحّة الواقعية على كلّ تقدير كما لا يخفى.

وبالجملة : فلم نجد ما يدلّ على لزوم المكث والكفّ لدى عروض الشكّ والانتظار والتروّي ثمّ المضيّ في الصلاة حتّى فيما إذا لم يظهر أثر الشكّ في هذا

__________________

(*) على الأحوط ، ولا يبعد عدم وجوبه.


.................................................................................................

______________________________________________________

الحال ، فإنّ الإطلاقات دافعة لهذا الاحتمال ، ومؤيّدة بما ورد من دخول الوهم في الأخيرتين وعدم دخوله في الأولتين ، فإنّ المراد بعدم الدخول عدم المضيّ فيهما مع الشكّ بلا إشكال ، فيراد بالدخول بقرينة المقابلة جواز المضي.

وملخّص الكلام : أنّ وزان الشكّ المأخوذ في المقام وزان أخذه في أدلّة الأُصول العملية ، وهو لغة خلاف اليقين ، والمكلّف الملتفت لا يخلو من أحدهما فمتى حصل الشكّ فهو جاهل بالفعل حقيقة ، فيجري عليه حكمه وإن لم يتروّ بمقتضى إطلاق الأدلّة.

ولو قطعنا النظر عنه فلا مانع من المضيّ على الشكّ حتّى يستقرّ أو يتبدّل فيرتّب الأثر فيما بعد ، لأنّ دليل عدم جواز المضيّ عليه مختصّ بالأُوليين بمقتضى النصوص الواردة فيهما ، ولم يرد نصّ في الأخيرتين ، فلا مانع من الاسترسال في العمل متروّياً ، فيأتي به على واقعة ، لتعلّق الأمر به وصحّته على كلّ تقدير.

فاحتمال وجوب الانتظار والتروّي في الركعتين الأخيرتين ضعيف جدّاً لإطلاق الأدلّة وكون الجواز هو مقتضى القاعدة كما عرفت.

وأمّا الثاني أعني التروّي في الشكوك غير الصحيحة كالشكّ في الأولتين ، أو في صلاة المغرب فقد ذكر في المتن وجوبه أيضاً ، بل ذكر أنّ الأحوط استدامة التروّي إلى أن تنمحي صورة الصلاة أو يحصل اليأس من العلم أو الظنّ ، وإن كان الأقوى جواز الإبطال بعد استقرار الشكّ.

وتفصيل الكلام في المقام يستدعي التكلّم في جهات :

الاولى : هل الشكّ في الأُوليين موجب للبطلان بمجرّد حدوثه وإن ارتفع بقاءً ، فمسمّى الشكّ ناقض للصلاة كالحدث والاستدبار ، أو أنّ الممنوع هو الاستمرار والمضيّ على الشكّ للزوم حفظ الأُوليين ، فلا يقدح عروضه بعد ما تبدّل وانقلب إلى اليقين أو إلى الظنّ على القول بحجّيته في باب الركعات؟ وجهان


.................................................................................................

______________________________________________________

بل قولان.

ربما يتراءى من بعض النصوص الأوّل ، كصحيحة زرارة : «رجل لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين ، قال : يعيد» (١) ، فانّ ظاهرها أنّ مجرّد الشكّ مبطل. وقد مرّ غير مرّة أنّ الأمر بالإعادة إرشاد إلى الفساد. ونحوها غيرها.

ولكن بإزائها روايات أُخرى معتبرة دلّت على أنّ البطلان إنّما هو من أجل عدم جواز المضيّ على الشكّ ، وعدم حصول الامتثال ما لم يكن حافظاً للأُوليين وضابطاً لهما ، وأنّ الغاية من الإعادة المأمور بها إنّما هي إحراز الأُوليين وتحصيل الحفظ واليقين ، فلا مقتضي لها لو زال الشكّ وتبدّل إلى اليقين ، فتكون هذه النصوص شارحة للمراد من الطائفة الأُولى ، وهي كثيرة :

منها : صحيحة زرارة : «كان الذي فرض الله على العباد إلى أن قال : فمن شكّ في الأولتين أعاد حتّى يحفظ ويكون على يقين ...» إلخ (٢).

وصحيحة ابن مسلم : «عن الرجل يصلّي ولا يدري أواحدة صلّى أم ثنتين قال : يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ ...» إلخ (٣).

وصحيحة ابن أبي يعفور : «إذا شككت فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة أم في أربع ، فأعد ولا تمض على الشكّ» (٤) ونحوها غيرها ، وهي صريحة فيما ذكرناه. إذن فاحتمال البطلان بمجرّد الشكّ ضعيف جدّاً.

الجهة الثانية : بعد ما لم يكن الشكّ بمجرّده مبطلاً كما عرفت فهل يجب التروّي؟ بل هل يجب الانتظار إلى فوات الموالاة ، أو يجوز رفع اليد بمجرّد الشكّ والتبديل بفرد آخر؟.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٨٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٦.

(٢) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ١٨٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٧.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٢٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر هو الجواز وعدم وجوب التروِّي ، للإطلاق في أدلّة الإعادة. ودعوى الانصراف إلى الشكّ المستقرّ المنوط بالتروّي بلا بيّنة ولا برهان ، فانّ حال الشكّ وما يرادفه من التعبير بـ «لا يدري» المأخوذ في نصوص المقام بعينه حاله في أدلّة الأُصول العمليّة لا يراد به في كلا المقامين إلّا مسمّاه ، الصادق على مجرّد الترديد وعدم اليقين ، لما عرفت من أنّ الشكّ لغة خلاف اليقين ، وأنّ المكلّف الملتفت لا يخلو عن اليقين بالشي‌ء أو عن خلافه ولا ثالث ، فاذا لم يكن متيقّناً فهو شاكّ لا محالة ، فيندرج في موضوع الأدلّة وتشمله أحكامها من غير حاجة إلى التروّي بمقتضى الإطلاق. فالقول بوجوب التروّي ضعيف.

وأضعف منه دعوى وجوب تمديده والانتظار إلى أن تفوت الموالاة ، فإنّ هذا بعيد غايته ، لاحتياجه إلى مئونة زائدة ، وليس في الأخبار من ذلك عين ولا أثر ، بل المذكور فيها إعادة الصلاة بعد الشكّ. فالتقييد بالصبر مقدار ربع ساعة مثلاً كي تنمحي الصورة وتفوت الموالاة يحتاج إلى الدليل ، وليس في الأدلّة إيعاز إلى ذلك فضلاً عن الدلالة. فهو مدفوع بالإطلاق جزماً ، هذا.

وقد يقال بامتياز المقام عن الشكّ المأخوذ في أدلّة الأُصول ، لاختصاصه بوجه من أجله يحكم باعتبار التروّي ، وهو أنّ قطع الفريضة حرام فيجب الإتمام. وحيث يحتمل القدرة عليه بعد التروّي ، لجواز تبدّل شكّه بالظنّ أو اليقين ، فرفع اليد عن العمل قبل التروّي إبطال له مع احتمال القدرة على الإتمام الواجب عليه لدى التمكّن منه. فمرجع الشكّ إلى الشكّ في القدرة ، والمقرّر في محلّه لزوم الاحتياط في هذه الموارد. فيجب التروّي في المقام حذراً من أن يكون الإبطال مستنداً إليه.

وفيه أوّلاً : أنّ كبرى عدم جواز رفع اليد عن التكليف المحتمل لدى الشكّ في القدرة وإن كانت مسلّمة لكنّها خاصّة بموارد الأُصول العملية ، فلا تجري البراءة مع الشكّ في القدرة عند كون التكليف فعلياً من بقيّة الجهات.


.................................................................................................

______________________________________________________

والوجه فيه : ما ذكرناه في الأُصول (١) من أنّ القدرة إذا لم تكن دخيلة في الملاك شرعاً وإن كانت شرطاً في التكليف عقلاً كما في إنقاذ الغريق فالملاك موجود على تقديري قدرة المكلّف وعجزه ، وعليه ففي ترك الإنقاذ فوت للمصلحة الواقعية ، والعقل لا يجوّز تفويت الملاك الملزم ما لم يستند المكلّف إلى عذر شرعي ، فلا بدّ من الإقدام وإعمال القدرة ، فإن انكشف التمكّن وإلّا فهو معذور. فأدلّة البراءة لا تشمل فوت الغرض الواقعي.

وهذا بخلاف موارد الأدلّة اللفظية ، فإنّ الإطلاق فيها مؤمّن ، والاستناد إليه معذّر ، لشموله موارد الشكّ في القدرة أيضاً ، سيما مثل المقام الذي لم يكن من التروّي في لسان الأخبار عين ولا أثر كما عرفت ، فانّ الغالب حصول القدرة على الإتمام بعد التروّي كما لا يخفى ، ومع ذلك لم يؤمر به في شي‌ء من الأخبار. فما ذكر إنّما يتمّ في مورد الأصل العملي دون الإطلاق.

وثانياً : لا يتم حتّى في الأصل فيما إذا كان مورد الشكّ من قبيل المقام ، إذ لا شكّ هاهنا في العجز الفعلي ، وإنّما يحتمل تجدّد القدرة فيما بعد. وما سبق من الكلام فإنّما هو فيما إذا كان شاكاً في القدرة الفعلية ، وأمّا إذا علم العجز فعلاً واحتمل عروض القدرة فلا مانع من استصحاب عدمها ، فهو عاجز فعلاً وجداناً وفيما بعد تعبّداً ، وكفى به عذراً.

ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّه عاجز بالفعل عن الإتمام ، لكونه شاكاً بشكّ لا يجوز معه المضيّ حسب الفرض ، ويحتمل التمكّن منه بعد التروِّي ، فيستصحب بقاءه على العجز. فلا يتمّ ما أُفيد في مثل المقام حتّى ولو لم يكن هناك إطلاق.

الجهة الثالثة : لو أراد الإعادة قبل فوات الموالاة إمّا بعد التروّي أو قبله على الخلاف فهل يجب عليه أوّلاً إبطال الصلاة بكلام عمدي أو استدبار

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٣٦٠ ، ٣ : ٢٧٧ ، مصباح الأُصول ٢ : ٤٠٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

ونحوهما ثمّ الشروع في الإعادة ، ليقطع ببطلان الأُولى لدى الشروع في الثانية؟

قد يقال بذلك ، نظراً إلى احتمال صحّة الصلاة واقعاً ، فتكون التكبيرة واقعة أثناء الصلاة ، فتفسد وتفسد.

لكنّ الأقوى عدم الوجوب ، والوجه فيه : أنّ الأمر المتعلّق بالمركّب وإن كان منحلا إلى أوامر عديدة حسب تعدّد الأجزاء ، إلّا أنّها ليست أوامر استقلالية متعلّقة بكلّ جزء على سبيل الإطلاق بحيث يسقط أمره بمجرّد الإتيان بذات الجزء ، بل سقوط كلّ أمر منوط بالإتيان ببقية الأجزاء بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بينها ، فلا يسقط الأمر المتعلّق بالتكبير إلّا لدى اقترانه خارجاً بسائر الأجزاء ، كما أنّ الأمر المتعلّق بالقراءة لا يسقط بمجرّد الإتيان بها إلّا إذا كانت مسبوقة بالتكبير وملحوقة بالركوع والسجود ، وهكذا الحال في بقية ما يعتبر في الصلاة.

فالأمر المتعلق بكلّ واحد مراعى سقوطه بامتثال الأمر المتعلّق بالباقي ، ولا ينفكّ أحدهما عن الآخر. وجميع هذه الأوامر الضمنية التحليلية مساوقة مع الأمر النفسي المتعلّق بالمركّب ، وملازمة معه ثبوتاً وسقوطاً ، حدوثاً وبقاءً وما لم يأت بالجزء الأخير لم يسقط شي‌ء منها. ونتيجة ذلك جواز رفع اليد أثناء العمل وتبديل الامتثال بفرد آخر.

وبعبارة اخرى : من المقرّر في محلّه أنّ متعلّق الأوامر إنّما هي الطبائع المجرّدة دون الأفراد الخارجية ، وإنّما هي مصاديق للمأمور به لدى انطباقه عليها والخصوصيات الفردية خارجة عن حريم الأمر طرّاً (١).

ومن المعلوم أنّ المكلّف مخيّر عقلاً في امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة بين الأفراد الطولية والعرضية ، وله اختيار أيّ منها شاء ، وهذا التخيير كما هو ثابت قبل

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ١٢ وما بعدها.


[٢٠٤١] مسألة ٥ : المراد بالشكّ في الركعات تساوي الطرفين ، لا ما يشمل الظنّ (١) فإنّه في الركعات بحكم اليقين ، سواء كان في الركعتين الأوّلتين والأخيرتين.

______________________________________________________

الشروع في العمل ثابت بعد الشروع أيضاً بمناط واحد. فكما كان مخيّراً من قبل بين كلّ واحد من الأفراد فكذا مخيّر بعد الشروع بين إتمام العمل وبين رفع اليد والتبديل بفرد آخر.

هذا ما تقتضيه القاعدة الأولية في عامّة المركّبات ، خرجنا عن ذلك في خصوص باب الصلاة ، للإجماع القائم على حرمة القطع ووجوب الإتمام ، فليس له رفع اليد بعد ما شرع. إلّا أنّ مورد الإجماع إنّما هي الصلاة الصحيحة التي يتمكّن المصلّي من إتمامها ، وأمّا الصلاة المحكومة بالبطلان في ظاهر الشرع لجهة من الجهات التي منها عروض الشكّ المبطل الممنوع من المضيّ معه كما في المقام فليس هناك مظنّة الإجماع ، ولا مورد توهّمه قطعاً.

إذن فيجري فيها ما ذكرناه في تقرير القاعدة من جواز رفع اليد بعد ما شرع من غير حاجة إلى الإبطال ، وإن كانت محكومة بالصحّة واقعاً ، هذا.

مضافاً إلى إطلاق الأمر بالإعادة الوارد في المقام ، فانّ مقتضاه عدم الفرق بين الإبطال قبل الشروع في الإعادة وعدمه. وهذا الإطلاق مؤيّد للقاعدة المزبورة ومؤكّد لها ، بحيث لو نوقش فيه بدعوى عدم كون الروايات في مقام البيان من هذه الجهة كانت القاعدة كافية في إثبات المطلوب ، وإن كانت المناقشة ضعيفة جدّاً.

(١) فالأحكام المتقدّمة المترتّبة على الشكّ من البطلان أو البناء على الأكثر ونحوهما موضوعها الشكّ المقابل للظنّ ، أعني تساوي الاحتمالين واعتدال الوهم لا ما يقابل اليقين الذي هو معناه اللغوي ، لحجّية الظنّ بالخصوص في باب


.................................................................................................

______________________________________________________

الركعات وكونه بحكم اليقين ، هذا.

ويقع الكلام تارة في الركعتين الأخيرتين ، وأُخرى في الأُوليين.

أمّا في الأخيرتين : فلا إشكال كما لا خلاف في حجّية الظن ، عدا ما ربما ينسب إلى الصدوق من إلحاقه بالشكّ وإجراء حكمه عليه (١). وهو على تقدير صدق النسبة ضعيف جدّاً لا يعبأ به.

إنّما الكلام في مستنده بعد أن كان مقتضى الأصل عدم حجّية الظن الذي لا يغني عن الحقّ شيئاً ، فنقول : مستند الحكم التصريح في النصوص باعتدال الوهم وأنّه متى وقع وهمه أو رأيه على أحد الطرفين بنى عليه. لكن مورد النصوص خصوص الشكّ بين الثلاث والأربع ، والاثنتين والأربع.

فمن الأوّل صحيحة أبي العباس : «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وإن وقع رأيك على الأربع فابن على الأربع فسلّم وانصرف ، وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس» (٢).

ومن الثاني صحيحة الحلبي : «إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فتشهّد وسلم ، ثمّ صلّ ركعتين ...» إلخ (٣).

ولم يرد في غير هذين الموردين من سائر موارد الشكّ في الأخيرتين كالشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع ، والأربع والخمس نصّ خاصّ يدلّ على كفاية الظنّ وحجّية الوهم ، لعراء ألسنتها عن مثل ذاك التعبير الوارد فيهما ، فيحتاج التعدّي عن موردهما إلى الدليل.

__________________

(١) [لم نعثر عليه في مظانّه].

(٢) الوسائل ٨ : ٢١١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٧ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

وقد استدلّ له بالقطع بعدم الفرق ، لعدم القول بالفصل ، المؤيّد بالنبويّين المرويّين عن طرق العامّة : «إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصّواب فليبن عليه» (١) وفي الآخر : «إذا شكّ أحدكم في صلاته فليتحرّ الصّواب» (٢).

لكنّ النبويّ لا حجّية فيه. وعدم القول بالفصل إن أفاد الجزم فلا كلام وإلّا فيشكل الاعتماد عليه.

والأولى أن يقال : يكفينا في إثبات الحكم لعامّة الموارد إطلاق صحيحة صفوان : «إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة» (٣) فإنّها تدلّ على حكمين :

أحدهما : بمقتضى مفهوم الشرط ، وهو عدم وجوب الإعادة لدى وقوع الوهم على شي‌ء ، وأنّه يعمل على طبق الظنّ الذي هو المراد من الوهم في المقام.

ثانيهما : وجوب الإعادة مهما تعلّق الشكّ بالركعات.

لكن الثاني مقيّد بغير الشكوك الصحيحة بمقتضى النصوص الخاصّة كما مرّ وأمّا الأوّل فهو باق على إطلاقه ، لسلامته عن التقييد ، ومقتضاه جواز العمل بالظنّ في جميع الركعات ، سواء أتعلّق بالأقلّ أم بالأكثر.

نعم ، بإزاء هذه النصوص روايات اخرى يظهر منها عدم حجّية الظنّ ، وإجراء حكم الشكّ عليه.

منها : ما رواه في الكافي بإسناده عن محمّد بن مسلم قال : «إنّما السهو بين

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٠٠ / ٩٠ ، سنن النسائي ٣ : ٢٨ [وفيهما : فليتمّ عليه].

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٠٠ / ٩٠ ، سنن النسائي ٣ : ٢٨ [وفيه : فليتحرّ الذي يرى أنه الصواب].

(٣) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

الثلاث والأربع ، وفي الاثنتين والأربع بتلك المنزلة. ومن سها فلم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً واعتدل شكّه ، قال : يقوم فيتمّ ثمّ يجلس فيتشهّد ويسلّم ، ويصلّي ركعتين وأربع سجدات وهو جالس ، فان كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد وسلم ثمّ قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد ، ثمّ قرأ وسجد سجدتين وتشهّد وسلم ...» إلخ (١).

فإنّ قوله : «فان كان أكثر وهمه ...» إلخ صريح في إلحاق الظن بالشكّ ، لإجراء حكمه عليه من الإتيان بصلاة الاحتياط.

وفيه أوّلاً : أنّ مضمونها غير قابل للتصديق ، لحكمه في الصدر بالبناء على الأقل لدى الشكّ بين الثلاث والأربع ، من جهة أمره بالقيام والإتمام ، وهذا كما ترى مخالف للنصوص الكثيرة المتظافرة الدالّة على البناء على الأكثر حينئذ والمتسالم عليه بين الأصحاب كما مرّ.

أضف إلى ذلك أنّ حكمه بصلاة الاحتياط في هذه الصورة لا يناسب البناء على الأقلّ ، لأنّها لتدارك النقص المحتمل ، وبعد البناء المزبور ليس هناك إلّا احتمال الزيادة دون النقصان. فهي من أجل اشتمال صدرها على ما لا يقبل التصديق غير صالحة للاستدلال بها ، فلا بدّ من طرحها وردّ علمها إلى أهلها ، أو حمل الأمر بركعة الاحتياط في الفقرة المستشهد بها لمحلّ الكلام على الاستحباب.

وثانياً وهو العمدة ـ : أنّه لم يثبت كونها رواية عن المعصوم ، إذ لم يسندها ابن مسلم إلى الإمام (عليه السلام) بل ظاهرها أنّ ذلك هو رأيه وفتواه. ولا حجّية لرأيه ما لم يسنده إليه (عليه السلام) ، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك عند التكلّم حول هذه الصحيحة (٢).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٤ ، الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٥.

(٢) في ص ١٨٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : موثّقة أبي بصير : «عن رجل صلّى فلم يدر أفي الثالثة هو أم في الرابعة قال : فما ذهب وهمه إليه ، إن رأى أنّه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شي‌ء سلّم بينه وبين نفسه ثمّ صلّى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب» (١). حيث أجرى (عليه السلام) حكم الشكّ من البناء على الأربع والتدارك بركعة الاحتياط ، مع أنّه يرى أي يظنّ أنّه في الثالثة.

ولكنّها من أجل مخالفتها لتلك النصوص الكثيرة المعتبرة الدالّة على حجّية الظنّ التي لا يبعد القطع بصدور بعضها ولو إجمالاً غير صالحة للاعتماد عليها لعدم نهوضها في قبالها ، فلا بدّ من طرحها وردّ علمها إلى أهلها ، أو ارتكاب التأويل فيها بدعوى أنّ المراد من الوهم والرأي هو الشكّ المتساوي الطرفين فالمراد مساواة ما يراه مع ما وقع في قلبه ، كما حملها عليه في الحدائق (٢) وإن كان بعيداً جدّاً.

ومنها : ما أرسله الصدوق في المقنع عن أبي بصير أنّه روى في من لم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً : «إن كان ذهب وهمك إلى الرابعة فصلّ ركعتين وأربع سجدات جالساً ...» إلخ (٣).

ولكنّها من جهة الإرسال غير صالحة للاستدلال ، ولم يذكر في الفقيه ولا في الكافي رواية بهذا المضمون كي تكون هذه إشارة إليها ، فهي ساقطة سنداً مضافاً إلى إمكان حملها على الاستحباب كما تقدّم في الرواية الأُولى ، هذا كلّه في الأخيرتين.

وأمّا في الركعتين الأُوليين : فالمعروف والمشهور حجّية الظنّ فيهما أيضاً

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٧.

(٢) الحدائق ٩ : ٢٣١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٨ ، المقنع : ١٠٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

ونسب الخلاف إلى ابن إدريس (١).

ووافقه على ذلك صاحب الحدائق (٢). فإن كان نظره (قدس سره) في عدم كفاية الظنّ إلى أنّ المستفاد من النصوص اعتبار اليقين والحفظ والإحراز في الركعتين الأولتين وبذلك تمتاز عن الأخيرتين في عدم الاعتداد بالظنّ ، فجوابه ظاهر ، لتوقّفه على استظهار اعتبار اليقين المأخوذ في الموضوع على نحو الصفة الخاصّة.

وهو من أجل افتقاره إلى مئونة زائدة بعيد عن الفهم العرفي جدّاً ، بل المنسبق إلى الذهن من اليقين المأخوذ في الموضوع لحاظه على نحو الطريقية والكاشفية ، من دون خصوصية لصفة اليقين ، كما في قوله (عليه السلام) : لا تنقض اليقين بالشك ، بل انقضه بيقين آخر (٣). فانّ اليقين الناقض طريق إلى الواقع. والمراد مطلق الحجّة ، لا خصوص وصف اليقين.

وعليه فصحيحة صفوان (٤) المتضمّنة لحجّية الظنّ التي مرجعها إلى جعله بمثابة العلم في الكشف عن الواقع في نظر الشارع حاكمة على تلك الأدلّة فإنّ القدر المتيقّن ممّا تشمله الصحيحة هو الأولتان ، لكونهما الأكثر الغالب في الشكوك المحكومة بالإعادة والبطلان ، كالشكّ بين الواحدة والثنتين مطلقاً ، والثنتين والثلاث ، والثنتين والأربع ، والثنتين والثلاث والأربع قبل الإكمال. وإن أمكن فرضه في الأخيرتين أيضاً كالشكّ بين الأربع والسّت ، وكذا الثلاث والخمس في غير حالات القيام ، لكن الغالب هو الأوّل ، بحيث لا يحتمل تخصيصها بالأخيرتين وتنزيلها عليها ، لعدم الحكم فيهما بالإعادة إلّا نادراً.

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٥٠.

(٢) الحدائق ٩ : ٢٠٧ ٢٠٨.

(٣) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.

(٤) المتقدّمة في ص ٢١٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه فالمتيقّن من حجّية الوهم المستفاد من مفهومها هما الأولتان ، فتكون حاكمة على تلك الأدلّة كما ذكرنا ، إذ بعد اتصافه بالحجّية فهو علم تعبّدي ، ولا فرق بينه وبين العلم الوجداني في الكشف عن الواقع.

وبالجملة : فان كان نظر الحدائق إلى ما ذكر فجوابه ما عرفت. إلّا أنّه (قدس سره) لم يقتصر على ذلك ، بل له دعوى اخرى وهي معارضة مفهوم صحيحة صفوان مع منطوق صحيحة زرارة المصرّحة بعدم دخول الوهم في الأُوليين ، قال (عليه السلام) : «كان الذي فرض الله على العباد من الصلاة عشر ركعات ، وفيهنّ القراءة ، وليس فيهنّ وهم ...» إلخ (١).

فانّ المراد بالوهم هو الظنّ ولو بقرينة بقيّة الروايات المتضمّنة أنّه إذا وقع وهمه على شي‌ء كالثلاث أو الأربع بنى عليه ، فتكون الصحيحة مقيّدة لإطلاق صحيح صفوان ، أو أنّهما يتساقطان من هذه الجهة ، فلم يكن ثمة دليل على كفاية الظنّ ، فتجب الإعادة بمقتضى قاعدة الاشتغال.

ولكن هذه الدعوى ظاهرة الاندفاع ، لتفسير الوهم في نفس الصحيحة بالسهو ، قال يعني سهواً. المراد به الشكّ ، لإطلاقه عليه كثيراً في لسان الأخبار (٢) كما يكشف عنه التفريع الذي ذكره (عليه السلام) بعد ذلك بقوله : «فمن شكّ في الأولتين ...» إلخ.

فإنّ تفريع هذه الجملة على سابقتها يكشف بوضوح عمّا ذكرناه من أنّ المراد بالوهم هو الشكّ ، مضافاً إلى التفسير المزبور ، فإنّه (عليه السلام) بعد أن بيّن عدم دخول الوهم في العشر ركعات ودخوله في السبع الزائدة رتّب عليه أنّ من شكّ في الأولتين أعاد ، ومن شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم. وهذا التفريع

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٥ ح ١ وغيره.


[٢٠٤٢] مسألة ٦ : في الشكوك المعتبر فيها إكمال السجدتين كالشكّ بين الاثنتين والثلاث ، والشكّ بين الاثنتين والأربع والشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع إذا شكّ مع ذلك في إتيان السجدتين أو إحداهما وعدمه إن كان ذلك حال الجلوس قبل الدخول في القيام أو التشهّد بطلت الصلاة ، لأنّه محكوم بعدم الإتيان بهما أو بأحدهما فيكون قبل الإكمال ، وإن كان بعد الدخول في القيام أو التشهّد لم تبطل ، لأنّه محكوم بالإتيان شرعاً فيكون بعد الإكمال ، ولا فرق بين مقارنة حدوث الشكّين أو تقدّم أحدهما على الآخر ، والأحوط الإتمام والإعادة خصوصاً مع المقارنة أو تقدّم الشكّ في الركعة (١).

______________________________________________________

لا يستقيم إلّا بناءً على إرادة الشكّ من الوهم كما لعلّه ظاهر جدّاً.

فالإنصاف : أنّ ما عليه المشهور من حجّية الظنّ في باب الركعات من غير فرق بين الأُوليين والأخيرتين استناداً إلى الإطلاق في صحيحة صفوان هو المتعيّن.

(١) إذا تعلّق الشكّ بما يعتبر في صحّته إكمال السجدتين ومع ذلك شكّ في تحقّق الإكمال :

فإن كان ذلك قبل تجاوز المحلّ كما لو كان في حال الجلوس ولم يدر أنّه جلوس بين السجدتين مثلاً ، أو أنّها جلسة الاستراحة ، فلا ينبغي الإشكال في البطلان ، لعدم إحراز شرط الصحّة وهو الإكمال ، بل هو محرز للعدم بمقتضى الاستصحاب ومفهوم قاعدة التجاوز ، فهو محكوم شرعاً بلزوم الإتيان بالسجدتين أو بإحداهما ، لما ذكر ، ولا أقلّ من أجل قاعدة الاشتغال.

وعليه فلم يكن محرزاً للأولتين ، فيكون المضيّ في الصلاة مع هذه الحالة مضيّاً


.................................................................................................

______________________________________________________

مع الشكّ فيهما ، الممنوع في لسان الأخبار والمحكوم فيها بالبطلان ، وهذا ظاهر.

وإن كان بعد التجاوز كما لو عرض الشكّ المزبور بعد الدخول في التشهّد ، أو بعد الدخول في القيام فشكّ في أنّ الركعة التي قام عنها وقد شكّ فعلاً في سجدتها هل كانت الثانية أو الثالثة ، الملازم للشكّ في أنّ ما بيده هل هي الثالثة أو الرابعة ، فحينئذ بما أنّه محكوم شرعاً بالإتيان بالسجدتين بمقتضى قاعدة التجاوز فالشكّ المذكور حاصل بعد الإكمال بطبيعة الحال.

ونتيجة ذلك كون المصلّي محرزاً للأولتين ولو ببركة التعبّد الشرعي الناشئ من العمل بقاعدة التجاوز ، إذ لا فرق في الإحراز المزبور بين كونه وجدانياً أم متحصّلاً من ناحية التعبّد. وعليه فلو مضى في صلاته مضى وقد أحرز الثنتين وليس الشكّ إلّا في الثالثة ، ومثله مشمول لأدلّة البناء على الأكثر. وهذا من غير فرق بين مقارنة حدوث الشكّين أعني الشكّ في الركعة مع الشكّ في السجدة أو تقدّم أحدهما على الآخر ، لاشتراك الكلّ في مناط الصحّة.

نعم ، ذكر في المتن أنّ الأحوط الإتمام والإعادة خصوصاً مع المقارنة أو تقدّم الشكّ في الركعة. والوجه في تخصيصه الصورتين بمراعاة الاحتياط أنّ في الصورة الثالثة وهي تقدّم الشكّ في السجدة بما أنّ التعبّد بإتيان السجدتين حاصل ابتداءً فالشكّ الحادث بعد ذلك في الركعة شكّ بعد إحراز الإكمال ، فيضعف الاحتمال المقتضي للاحتياط عدا مجرّد إدراك الواقع.

وهذا بخلاف صورة العكس ، أعني تقدّم الشكّ في الركعة ، إذ لم يتعلّق بعدُ تعبّد من قِبَل الشارع بتحقّق السجدتين ، لعدم حصول موجبه وهو الشكّ المستتبع للحكم بالتحقّق بمقتضى قاعدة التجاوز ، فلا محالة يتّصف الشكّ وقت حدوثه بكونه قبل الإكمال.

ومنه يظهر الحال في صورة المقارنة ، لعدم اتّصاف الشكّ عندئذ بكونه بعد


.................................................................................................

______________________________________________________

الإكمال ، المعتبر ذلك في الحكم بالصحّة ، هذا.

ولكن الاحتياط المزبور ضعيف جدّاً بحسب الصناعة وإن كان حسناً لمجرّد إدراك الواقع كما عرفت ، وذلك لما تقدّم من أنّ الشكّ بحدوثه لم يكن مبطلاً ، وإنّما العبرة بمرحلة البقاء وأن لا يمضي في صلاته مع الشكّ ، والمفروض أنّ الشكّ في الركعة موصوف بقاءً بكونه بعد الإكمال. إذن لا أثر لتقدّم أحد الشكّين على الآخر في مرحلة الحدوث بعد تعلّق التعبّد بإكمال السجدتين في مرحلة البقاء.

بل لو كان قاطعاً لدى حدوث الشكّ بين الثنتين والثلاث بكونه قبل الإكمال ثمّ تبدّل القطع بنقيضه فتيقّن كونه بعد الإكمال صحّت صلاته بلا إشكال ، فضلاً عن المقام. والسرّ هو ما عرفت من أنّ الميزان في الصحّة والبطلان لحاظ مرحلة البقاء دون الحدوث ، فلا فرق بين الصور الثلاث. والاحتياط الاستحبابي في الجميع كما صنعه في المتن لا منشأ له عدا المحافظة على المصلحة الواقعية المحتملة التي هي حسن على كلّ حال ، هذا.

وربما يفصّل بين الدخول في التشهّد والدخول في القيام ، فيمنع عن الصحّة في الأوّل ، نظراً إلى عدم الدخول حينئذ في الغير ، المترتّب المعتبر في جريان قاعدة التجاوز ، إذ لو بنى على أنّ ما بيده الثالثة بمقتضى أدلّة البناء على الأكثر كان اللّازم اتصاف التشهّد بالزيادة ، إذ لا تشهّد في الثالثة البنائية كالأصلية فوجوده كالعدم لوقوعه في غير محلّه.

إذن فالشكّ في السجدة شكّ قبل التجاوز ، لتوقّفه على الدخول في الغير المترتب المأمور به ، لا في مطلق الغير ، فلا تجري القاعدة ، ومعه لم يحرز الإكمال فلم تحرز الأولتان ، فلا مناص من البطلان ، لعدم كون مثله مشمولاً لأدلّة البناء على الأكثر. وهذا بخلاف الدخول في القيام الذي هو مأمور به على كلّ حال.

ويردّه : أنّا نقطع بالتجاوز عن محلّ السجدة الثانية الذي هو المناط في تحقّق


(٢٠٤٣) مسألة ٧ : في الشكّ بين الثلاث والأربع ، والشك بين الثلاث والأربع والخمس إذا علم حال القيام أنّه ترك سجدة أو سجدتين من الركعة السابقة بطلت الصلاة ، لأنّه يجب عليه هدم القيام لتدارك السجدة المنسيّة فيرجع شكّه (*) إلى ما قبل الإكمال. ولا فرق بين أن يكون تذكّره للنسيان قبل البناء على الأربع أو بعده (١).

______________________________________________________

الإكمال ، للجزم بالدخول في الجزء المترتّب عليها على كلّ تقدير وإن لم نشخّص ذلك الجزء ولم نميّز الغير المدخول فيه.

فانّ الركعة التي بيده إن كانت بحسب الواقع هي الثانية فقد وقع التشهّد في محلّه والمفروض دخوله فيه ، وإن كانت الثالثة فقد تجاوز عن سجود الثانية بالدخول في قيام الثالثة وما بعده من أجزائها. فهو متجاوز عن محلّ السجدة الثانية للركعة الثانية على كلّ حال ، وداخل في الغير المترتّب عليها. فشرط القاعدة محرز جزماً.

وبعد جريانها تحرز الأولتان ولو ببركة التعبّد ، فلا يكون الشكّ إلّا في الثالثة فتشمله أدلّة البناء على الأكثر ، من غير فرق بين الدخول في التشهّد أو في القيام ، للعلم في الأوّل بالدخول في الغير المترتّب كالثاني ، وإن لم يعرف أنّه التشهّد أو القيام إلى الثالثة. فالتفصيل بينهما في غير محلّه.

(١) في عبارته (قدس سره) مسامحة ظاهرة ، إذ لا معنى لوجوب هدم القيام تداركاً للسجدة المنسية ثمّ الحكم بالبطلان من أجل رجوع شكّه حينئذ إلى ما قبل الإكمال ، فإنّ إيجاب شي‌ء مقدّمة للبطلان ممّا لا محصّل له ، بل الشكّ قبل الهدم شكّ قبل الإكمال ، بعد وضوح عدم العبرة بالقيام الزائد الواقع في غير محلّه.

__________________

(*) بل لأنّ شكّه قبل الهدم شكّ قبل إكمال السجدتين.


[٢٠٤٤] مسألة ٨ : إذا شكّ بين الثلاث والأربع مثلاً فبنى على الأربع ثمّ بعد ذلك انقلب شكّه إلى الظنّ بالثلاث بنى عليه ، ولو ظنّ الثلاث ثمّ انقلب شكّاً عمل بمقتضى الشكّ ، ولو انقلب شكّه إلى شكّ آخر عمل بالأخير ، فلو شكّ وهو قائم بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع فلمّا رفع رأسه من السجود شكّ بين الاثنتين والأربع عمل عمل الشكّ الثاني (١) وكذا العكس (*) فإنّه يعمل بالأخير (٢).

______________________________________________________

(١) ما أفاده (قدس سره) في هذه المسألة من العمل بالمتأخّر إذا انقلب شكّه إلى الظنّ أو العكس ، أو انقلب شكّه إلى شكّ آخر هو الصحيح الذي لا خلاف فيه ولا إشكال ، لما عرفت من أنّ المدار على مرحلة البقاء والحالة التي يتمّ عليها الصلاة ، كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) في بعض نصوص البناء على الأكثر : «فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» (١) الظاهر في أنّ العبرة بالحالة المتأخّرة التي يتمّ الصلاة عليها ، وأنّه يلاحظ عندئذ ما ظنّ نقصه فيتمّ ، فلا عبرة بمرحلة الحدوث والحالة السابقة غير الباقية.

فلو بنى على الأربع لدى الشكّ بينه وبين الثلاث ثمّ انقلب شكّه إلى الظنّ بالثلاث بنى عليه ، ولو انقلب الظنّ به إلى الشكّ عمل بمقتضاه ، كما أنّه لو انقلب الشكّ المزبور إلى الشكّ بين الثنتين والأربع مثلاً أو بالعكس أو انقلب الشكّ الصحيح إلى الفاسد أو بالعكس عمل بموجب الأخير في الجميع.

(٢) لا تخلو العبارة عن نوع من التشويش ، فانّ ظاهر العكس حدوث الشكّ بين الثنتين والأربع حال القيام وانقلابه بعد رفع الرأس من السجود إلى الشكّ

__________________

(*) لعلّه يريد بذلك الانقلاب من دون أن يمضي على شكّه.

(١) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.


[٢٠٤٥] مسألة ٩ : لو تردّد في أنّ الحاصل له ظنّ أو شكّ كما يتّفق كثيراً لبعض الناس كان ذلك شكّاً (١)

______________________________________________________

بين الثلاث والأربع ، مع أنّ الصلاة حينئذ محكومة بالبطلان ، لأنّ الشكّ بين الاثنتين والأربع قبل الإكمال من الشكوك الباطلة. ولا يبعد أن يريد به الانقلاب قبل الاسترسال في العمل والمضيّ على الشكّ ، فلاحظ.

(١) إذا حصلت في النفس حالة مردّدة بين الشكّ والظنّ لوسوسة ونحوها فقد ذكر في المتن أنّها محكومة بالشكّ.

وأشكل عليه غير واحد بأنّ كلا من الشكّ والظنّ حادث مسبوق بالعدم ولا طريق إلى إحراز واحد منهما بخصوصه بعد كونه على خلاف الأصل ، وعليه فامّا أن يعمل بموجبهما إن أمكن رعاية للعلم الإجمالي ، أو يبني على أنّها ظنّ بناءً على تفسير الشكّ في روايات الباب باعتدال الوهم ، والظنّ بعدم الاعتدال فيكون هو المطابق لمقتضى الأصل.

ولكن الصحيح ما أفاده في المتن ، وتوضيحه : أنّه قد يفرض الكلام في الشكوك الباطلة ، وأُخرى في الصحيحة.

إمّا الباطلة كما لو حصل الترديد بين الاولى والثنتين ، أو بين الرابعة والخامسة في حال الركوع ولم يعلم أنّه شكّ أو ظنّ ، فلا ينبغي الريب في لزوم معاملة الشكّ معه ، فانّ لفظ اعتدال الوهم لم يرد في شي‌ء من نصوص الشكوك الباطلة وإنّما الوارد فيها : أنّ من شكّ أو لا يدري أعاد حتّى يحفظ ويكون على يقين. كما في صحيحة زرارة وغيرها (١). فالمراد بالشكّ فيها خلاف اليقين ، المطابق للمعنى اللغوي ، الذي هو محرز بالوجدان.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١ ، ٦ وغيرهما.


.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، في صحيحة صفوان تقييده بعدم وقوع الوهم على شي‌ء ، قال : «إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة» (١) ، فكأنّ الموضوع مركّب من عدم العلم ومن عدم وقوع الوهم على شي‌ء.

أمّا الأوّل فمحرز بالوجدان كما عرفت. وأمّا الثاني فبمقتضى الاستصحاب إذ الأصل عدم وقوع وهمه على شي‌ء ، وهو عدم نعتي لا محمولي ، فلا يتوقّف على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي ، وإن كان المختار جريانه فيه أيضاً.

وإنّما يبتني عليه لو كانت العبارة هكذا : ولم يكن ما في نفسك ظنّ. لعدم وجود الحالة السابقة حينئذ ، فإنّ ما في النفس من أوّل وجوده إمّا شكّ أو ظنّ. نعم ، الاتصاف بأحدهما أمر حادث ، فيستصحب عدم الاتصاف من باب السالبة بانتفاء الموضوع وبنحو العدم الأزلي ، لكن لا حاجة إليه في المقام كما عرفت.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي التأمّل في الحكم بالبطلان لدى التردّد بين الظنّ وبين الشكّ المبطل ، فهو ملحق بالشكّ كما ذكره في المتن.

وأمّا في الشكوك الصحيحة فالمستفاد من بعض النصوص أنّ إطلاق دليل البناء على الأكثر مقيّد بالعنوان الوجودي وهو اعتدال الوهم ، كصحيحة [الحسين بن] أبي العلاء الخفاف : «إن استوى وهمه في الثلاث والأربع سلّم وصلّى ركعتين ...» إلخ (٢) المؤيّدة بمرسلة جميل : «إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار» (٣).

ومقتضى ذلك أنّه مع الشك في الاعتدال وأنّ الحالة الحاصلة شكّ أو ظنّ

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

يستصحب عدمه ، فلا يرتّب الأثر من البناء على الأكثر ، بل لا حاجة إلى الاستصحاب ، فانّ مجرّد الشكّ في الاعتدال وعدمه ملازم لعدم الاعتدال ، فهو محرز بالوجدان من غير حاجة إلى إثباته بالأصل.

والمستفاد من البعض الآخر تقييده بالعنوان العدمي وهو عدم وقوع الوهم على شي‌ء كصحيحة الحلبي : «إن كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء» (١) وصحيحته الأُخرى : «إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء ...» إلخ (٢).

ومقتضى ذلك ترتيب الأثر لدى الشكّ ، استناداً إلى استصحاب عدم وقوع الوهم على شي‌ء ، فانّ الموضوع للبناء على الأكثر مؤلّف حينئذ من جزأين : كونه لا يدري وعدم وقوع الوهم على شي‌ء ، وبعد ضمّ الأوّل المحرز بالوجدان إلى الثاني الثابت ببركة الأصل يلتئم الموضوع فيرتّب الأثر ، فتكون النتيجة حينئذ على خلاف الأوّل ، لمطابقة القيد العدمي مع الأصل دون الوجودي.

وهناك طائفة ثالثة جمع فيها بين الأمرين ، فيظهر من صدرها أنّ القيد أمر عدمي ومن ذيلها أنّه عنوان وجودي ، كصحيحة أبي العباس البقباق : «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث إلى أن قال : وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس» (٣).

فانّ المستفاد من صدرها أنّ القيد أمر عدمي ، وهو عدم وقوع الرأي على الثلاث أو على الأربع ، فإنّه قد تضمّن العمل بما وقع عليه الرأي ، الذي هو بمثابة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٥.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٧ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

الاستثناء عن إطلاق دليل البناء على الأكثر. ومن المقرّر في محلّه (١) أنّ استثناء العنوان الوجودي عن العام يستدعي أن يكون الباقي تحته عدم ذاك العنوان فتكون النتيجة بعد ضمّ أحد الدليلين المستثنى والمستثنى منه إلى الآخر أنّ البناء على الأكثر مقيّد بعدم وقوع الرأي على شي‌ء كما ذكرنا. والمستفاد من ذيلها أنّ القيد عنوان وجودي ، وهو اعتدال الوهم.

ونحوها في الجمع بين الأمرين صحيحة محمّد بن مسلم (٢) ، فانّ صدرها دال على أنّ القيد عنوان وجودي وهو اعتدال الشكّ ، وذيلها على أنّه أمر عدمي وهو عدم كون أكثر وهمه الأربع أو الثنتين ، نعم الرواية غير مسندة إلى المعصوم (عليه السلام) وإنّما هي فتوى محمّد بن مسلم نفسه ، التي لا حجّية لها كما ذكرناه سابقاً (٣) فهي لا تصلح إلّا للتأييد.

وكيف ما كان ، فالروايات مختلفة وعلى طوائف ثلاث كما عرفت. والمستفاد من مجموعها أنّ الإطلاق في أدلّة البناء على الأكثر لم يكن باقياً على حاله ، بل هو مقيّد إمّا بعنوان وجودي أو عدمي أعني اعتدال الوهم ، أو عدم وقوع الوهم على شي‌ء وهما وإن كانا متلازمين خارجاً ومتّحدين بحسب النتيجة لكنّ الثمرة تظهر في إجراء الأصل لدى الشكّ في الاعتدال وأنّ الحالة الحاصلة شكّ أو ظنّ كما عرفت ، هذا.

وحيث إنّ من الظاهر عدم إمكان الجمع بين القيدين المزبورين ، لإغناء أحدهما عن الآخر ، ضرورة أنّ الاعتدال ووقوع الوهم على شي‌ء من الضدّين اللّذين لا ثالث لهما ، ولا معنى للجمع بين التقييد بأحد الضدّين وعدم الضدّ

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٢٢٦ وما بعدها.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٤.

(٣) في ص ٢٢٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

الآخر ، كالحركة وعدم السكون ، لكون الثاني منهما لغواً محضاً ، فلا مناص من إرجاع أحد القيدين إلى الآخر ، وأنّ مورد الاعتبار أحدهما بخصوصه ، والآخر طريق إليه ومعرّف له ، فلا بدّ من تعيين ذلك القيد وأنّه العنوان الوجودي أو العدمي.

ويمكن أن يقال بالثاني ، وأنّ المستفاد من النصوص أنّ العبرة بعدم حصول الظنّ لا باعتدال الوهم ، نظراً إلى أنّ حكم الشارع بالعمل على ما وقع عليه الوهم الراجع إلى اعتبار الظنّ في باب الركعات لا يحتمل أن يكون من باب التعبّد البحت ولخصوصية في الظنّ بما هو ، بحيث يكتفى في مرحلة الامتثال بالإتيان بثلاث ركعات مقرونة بصفة الظنّ ، فانّ مرجعه إلى تجويز الاجتزاء بالامتثال الاحتمالي ، الذي هو بعيد غايته كما لا يخفى.

بل إنّما هو من أجل مراعاة الطريقية وكون الظنّ كاشفاً عن الواقع وحجّة عليه ، فكأنّ الظان محرز للركعة ، نظير من قامت عنده البيّنة. فالاعتبار بقيام الحجّة وعدمه ، ولازم ذلك أن يكون الحكم بالبناء على الأكثر لدى اعتدال الوهم من أجل انتفاء الحجّة وفقد الطريق على أحد طرفي الترديد ، لا لخصوصية للاعتدال في حدّ نفسه.

وبعبارة اخرى : الجاهل بعدد الركعات إمّا أن تقوم عنده حجّة عليها أو لا فالأوّل يعمل على طبق الحجّة ، والثاني إنّما يبني على الأكثر لكونه فاقداً للحجّة وغير محرز للواقع ، فأيّ أثر لاعتدال الوهم بعدئذ؟ وعليه فمع الشكّ في قيام الحجّة وحصول الظنّ يبني على أصالة العدم.

هذا كلّه بناءً على تسليم ارتكاب التقييد في إطلاق دليل البناء على الأكثر وتردّده بين الوجودي والعدمي ، ولكنّ الظاهر انتفاء التقييد رأساً ، وأنّ ما دلّ على حجّية الظنّ في باب الركعات حاكم على ذاك الدليل لا أنّه مقيّد له ، وإن


وكذا لو حصل له حالة في أثناء الصلاة وبعد أن دخل في فعل آخر لم يدر أنّه كان شكّاً أو ظنّاً بنى على أنّه كان شكّاً إن كان فعلاً شاكّاً ، وبنى على أنّه كان ظنا إن كان فعلاً ظاناً ، مثلاً لو علم أنّه تردّد بين الاثنتين والثلاث وبنى على الثلاث ولم يدر أنّه حصل له الظنّ بالثلاث فبنى عليه أو بنى عليه من باب الشكّ يبني على الحالة الفعلية. وإن علم بعد الفراغ من الصلاة أنّه طرأ له حالة تردّد بين الاثنتين والثلاث وأنّه بنى على الثلاث وشكّ في أنّه حصل له الظنّ به أو كان من باب البناء في الشكّ

______________________________________________________

كانت الحكومة تقييداً بحسب النتيجة وفي مقام اللّب ، لكنّه لا تقييد في ظاهر الكلام كي يمنع عن التمسّك بالإطلاق لدى الشكّ في تحقّق القيد. فليفرض أنّ الروايات مجملات أو متعارضات ولم يتّضح منها أنّ القيد وجودي أو عدمي وكأنها لم تكن.

والوجه في الحكومة المزبورة : أنّ ما دلّ على حجّية الظنّ رافع لموضوع دليل البناء على الأكثر وهو الجهل بعدد الركعات وكونه لا يدري ، فإنّه بعد اعتبار الظنّ يكون عالماً ولو تعبّداً ، فلا يبقى بعدئذ موضوع لذاك الدليل ، لا أنّه يتقيّد بعدم الظنّ أو باعتدال الوهم.

فإطلاق دليل المحكوم باقٍ على حاله ، غايته أنّه يحتمل الاندراج تحت الدليل الحاكم بحصول الظنّ له ، وبعد نفيه بالأصل لم يكن أيّ مانع من التمسّك بالإطلاق السليم عن التقييد ، فإنّه لا يدري فعلاً وجداناً ولم يحصل له الظنّ بمقتضى الأصل ، فيحكم عليه بلزوم البناء على الأكثر.

فتحصّل : أنّ ما ذكره في المتن من إجراء حكم الشكّ على الحالة المتردّدة بينه وبين الظنّ هو الصحيح.


فالظاهر عدم وجوب صلاة الاحتياط (*) عليه وإن كان أحوط (١).

______________________________________________________

(١) قد عرفت حكم الترديد في الحالة الفعلية وأنّها شكّ أو ظنّ ، وأمّا لو كان التردّد في الحالة السابقة بعد الدخول في فعل آخر ، فهذا قد يكون في أثناء الصلاة كما لو علم أنّه تردّد بين الاثنتين والثلاث وأنّه بنى على الثلاث ، ولم يدر أنّه حصل له الظنّ بالثلاث فبنى عليه ، أو أنّه بنى عليه من باب الشكّ والبناء على الأكثر كي تجب عليه ركعة الاحتياط. وقد يكون بعد الفراغ من الصلاة.

أمّا في الصورة الأُولى : فقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّه يبني على أنّه كان شكّاً إن كان فعلاً شاكاً ، وعلى أنّه كان ظنا إن كان فعلاً ظاناً.

وغير خفي أنّ في عبارته (قدس سره) مسامحة ظاهرة ، إذ لا أثر للبناء على مطابقة الحال السابقة للحاضرة بعد أن كانت العبرة بالحال الحاضرة ، بل لو كان عالماً بالمخالفة لم يكن به بأس فضلاً عن الشكّ ، فانّ الظنّ السابق أو الشكّ إنّما يترتّب عليه الأثر لو كان باقياً على حاله دون ما لو زال وانقلب إلى غيره إذ المتعيّن حينئذ العمل بمقتضى الأخير ، لكون المدار على مرحلة البقاء دون الحدوث ، كما تقدّم في المسألة السابقة. فأيّ أثر بعد هذا البناء المزبور ، وما هو الموجب لذلك؟

وأمّا في الصورة الثانية : فقد حكم في المتن بعدم وجوب صلاة الاحتياط عليه. وهو مبنيّ على أنّ ركعة الاحتياط صلاة مستقلّة غير مرتبطة بالصلاة الأصلية وإن كان الداعي على إيجابها تدارك النقص المحتمل ، إذ عليه يكون الأمر بنفس الصلاة ساقطاً جزماً ، وإنّما الشكّ في تعلّق أمر جديد بصلاة الاحتياط

__________________

(*) لا يبعد وجوبها.


.................................................................................................

______________________________________________________

ومقتضى الأصل البراءة عنه.

وبعبارة اخرى : مقتضى البناء على الاستقلال سقوط جزئية الركعة في ظرف الشكّ ، وتشريع صلاة أُخرى بداعي التدارك على تقدير النقص. وبعد احتمال حصول الظنّ وعدم عروض الشكّ يشكّ في تعلّق الأمر بتلك الصلاة ، فيندفع بأصالة البراءة.

ويكون الوجه في احتياطه (قدس سره) مراعاة الاحتمال الآخر في تلك الصلاة وأنّها جزء متمّم من الصلاة الأصلية ، إذ عليه يجب الإتيان بصلاة الاحتياط عملاً بقاعدة الاشتغال ، لرجوع الشكّ حينئذ إلى مرحلة الامتثال والخروج عن عهدة التكليف المعلوم المتعلّق بالركعة الرابعة ، لا إلى مقام الجعل وحدوث التكليف الجديد ، هذا.

ولكن الظاهر وجوب الإتيان بركعة الاحتياط على التقديرين. أمّا على التقدير الثاني فظاهر كما مرّ ، وأمّا على التقدير الأوّل فلعدم كون المقام من موارد الرجوع إلى البراءة ، وذلك من أجل وجود الأصل الحاكم المنقّح لموضوع صلاة الاحتياط ، فانّ موضوعها التردّد بين الثنتين والثلاث وعدم وقوع الوهم على شي‌ء ، أي عدم حصول الظنّ. والأوّل محرز بالوجدان حسب الفرض والثاني ثابت بمقتضى الأصل ، وبذلك يلتئم الموضوع ويرتّب الأثر ، هذا.

وربما يتمسّك لنفي صلاة الاحتياط بقاعدة الفراغ.

وفيه : أنّ صحّة الصلاة مقطوعة على كلّ تقدير ، ولا يحتمل الفساد ليدفع بقاعدة الفراغ ، فلا شكّ في كون وظيفته هو البناء على الثلاث وفي أنّه قد عمل بهذه الوظيفة ، وإنّما الشكّ في منشأ ذلك وأنّ سببه الظنّ بالثلاث أو البناء على الأكثر. ومن البيّن أنّ القاعدة لا تتكفّل لإثبات السبب وتعيينه. فلا مجال للرجوع إليها في مثل المقام ، بل المرجع إمّا أصالة البراءة أو قاعدة الاشتغال حسبما عرفت.


[٢٠٤٦] مسألة ١٠ : لو شكّ في أنّ شكّه السابق كان موجباً للبطلان أو للبناء (١) بنى على الثاني ، مثلاً لو علم أنّه شكّ سابقاً بين الاثنتين والثلاث وبعد أن دخل في فعل آخر أو ركعة أُخرى شكّ في أنّه كان قبل إكمال السجدتين حتّى يكون باطلاً أو بعده حتّى يكون صحيحاً بنى على أنّه كان بعد الإكمال ، وكذا إذا كان ذلك بعد الفراغ من الصلاة.

______________________________________________________

(١) كما لو علم في حال القيام أنّه شكّ سابقاً بين الثنتين والثلاث ، المستلزم لشكّه الفعلي في أنّ ما بيده الثالثة أو الرابعة ، ولكن لم يدر أنّ شكّه السابق هل كان قبل إكمال السجدتين وقد استمرّ عليه غافلاً ليستوجب بطلان الصلاة أو كان بعد الإكمال وقد بنى على الثلاث حتّى يكون صحيحاً ، ومثله ما لو طرأ الشكّ المزبور حال التشهّد أو بعد الفراغ من الصلاة. وقد حكم (قدس سره) بأنّه يبني على أنّه كان بعد الإكمال.

وربما يستدلّ له بجريان قاعدة الفراغ في السجدتين ، فانّ الشكّ المذكور إن كان عارضاً قبل الإكمال بطلت السجدتان كأصل الصلاة ، وإلّا كانتا صحيحتين فببركة القاعدة الجارية فيهما يبني على الثاني.

وفيه : أنّ مورد القاعدة الشكّ في صحّة العمل المأتي به وانطباق المأمور به عليه بعد العلم بتعلّق الأمر به ، وأمّا مع الشكّ في أصل وجود الأمر فلا تجري القاعدة لإثباته وتعيين الوظيفة الفعلية.

فلو شكّ في صحّة الغسل من أجل الشكّ في كونه جنباً ليكون مأموراً بالاغتسال ، أو شكّ في صحّة الصلاة بعد الفراغ منها من أجل الشكّ في دخول الوقت وتعلّق الأمر بها ، فلا يمكن إجراء القاعدة لإثبات الأمر بالغسل أو الصلاة لما عرفت من أنّها ناظرة إلى مرحلة الامتثال وتصحيح العمل لدى تفريغ الذمّة


.................................................................................................

______________________________________________________

عن الأمر المتعلّق به ، الذي هو متفرّع على أصل وجود الأمر وفي مرتبة متأخّرة عنه ، فلا يمكن إثباته بها.

والمقام من هذا القبيل ، فانّ تعلّق الأمر بالسجدتين مشكوك فيه ، لجواز عروض الشكّ قبل الإكمال المستوجب للبطلان وسقوط الأمر بالإتمام والإتيان ببقية الأجزاء ، فلم يحرز الأمر بالسجدتين في شخص هذه الصلاة ليرجع الشكّ إلى مرحلة التطبيق والامتثال ، نعم الأمر بالطبيعي ولو في ضمن فرد آخر من الصلاة محرز ، لكن مورد القاعدة إنّما هو الشخصي لا الكلّي كما هو ظاهر.

بل الوجه فيما أفاده الماتن (قدس سره) هو التمسّك باستصحاب عدم عروض الشكّ قبل الإكمال فينفى موجب البطلان بمقتضى الأصل.

نعم ، قد يورد عليه بأنّ المعتبر إحراز حدوث الشكّ بعد الإكمال ، ليكون على يقين من إحراز الركعتين وسلامتهما عن الشكّ. ومن المعلوم أنّ الأصل المزبور لا يتكفّل لإثبات ذلك.

ويندفع بعدم أخذ الحدوث في شي‌ء من أدلّة الشكوك الصحيحة ، وإنّما المعتبر أن لا يكون الشكّ حادثاً قبل الإكمال ، الذي هو الموضوع للبطلان. فالشكّ بين الثنتين والثلاث المحكوم بالبناء على الأكثر موضوعه عروض الشكّ المزبور وأن لا يكون قبل الإكمال. أمّا الأوّل فمحرز بالوجدان حسب الفرض وأمّا الثاني فبمقتضى الأصل ، ولا يعتبر اتصاف الشكّ بحدوثه بعد الإكمال.

نعم ، يعتبر أن لا يكون هذا الشكّ مسبوقاً بشكّ مبطل ، وإلّا لزم اللّغوية في دليل ذلك الشكّ ، وأمّا الاتصاف بالحدوث بعده فغير مأخوذ في شي‌ء من الأدلّة. وعليه فلا مانع من التمسّك بالاستصحاب المزبور وتنقيح الموضوع به.

وممّا ذكرنا يظهر أنّه لو علم وهو بعد الإكمال بتردّده قبل الإكمال بين


(٢٠٤٧) مسألة ١١ : لو شكّ بعد الفراغ من الصلاة أنّ شكّه هل كان موجباً للركعة بأن كان بين الثلاث والأربع مثلاً ، أو موجباً للركعتين بأن كان بين الاثنتين والأربع ، فالأحوط الإتيان بهما ثمّ إعادة الصلاة (*) (١).

______________________________________________________

الثنتين والثلاث ولم يدر أنّه كان شكاً أم ظنا على ما مرّت الإشارة إليه في المسألة السابقة بنى بمقتضى أصالة عدم عروض المبطل على عدم كونه شكّاً فهو كما لو شكّ ابتداءً في حصول الشكّ المبطل قبل ذلك ، المحكوم بعدم الاعتناء.

(١) أمّا وجوب الاحتياط بالإتيان بهما فلأجل العلم الإجمالي بوجوب إحدى الصلاتين المردّدة بين الركعة والركعتين ، اللّتين هما من المتباينين كما لا يخفى. وأمّا الإعادة فلاحتمال كون الواجب ما يفعله ثانياً فتكون الأُولى فاصلة بينها وبين الصلاة الأصلية بناءً على قدح مثل هذا الفصل.

أقول : الجمع بين الإتيان بهما وبين الإعادة ممّا لا وجه له ، بل إمّا يجب الأوّل أو الثاني ، فانّا إذا بنينا على أنّ صلاة الاحتياط صلاة مستقلّة غير مرتبطة بالصلاة الأصلية وإن كانت الحكمة الداعية لإيجابها تدارك النقص المحتمل ، ومن هنا جاز بناءً على هذا القول تخلّل الفصل بينهما حتى اختياراً بمثل حدث ونحوه ، فيتوضّأ ثمّ يأتي بركعة الاحتياط فلا موجب حينئذ للإعادة لعدم احتمال قدح الفصل المزبور حسب الفرض.

وأمّا إذا بنينا على أنّها جزء متمّم على تقدير النقص قد أُخّر ظرفه ومحلّه وزيادة السلام مغتفرة ، كما أنّها نافلة على التقدير الآخر ، فحيث إنّ تخلّل الفصل

__________________

(*) والأظهر جواز رفع اليد عن صلاة الاحتياط بإبطالها في هذا الفرع وفيما بعده ثمّ إعادة الصلاة.


[٢٠٤٨] مسألة ١٢ : لو علم بعد الفراغ من الصلاة أنّه طرأ له الشكّ في الأثناء لكن لم يدر كيفيّته من رأس فإن انحصر في الوجوه الصحيحة أتى بموجب الجميع وهو ركعتان من قيام وركعتان من جلوس وسجود السهو ثمّ الإعادة ، وإن لم ينحصر في الصحيح بل احتمل بعض الوجوه الباطلة استأنف الصلاة ، لأنّه لم يدر كم صلّى (١).

______________________________________________________

قادح على هذا المبنى فصلاة الاحتياط غير نافعة حينئذ بطبيعة الحال ، إذ لا تتّصف الركعة بالجزئية على تقدير النقص بعد احتمال تخلّل الفصل بالأجنبي المانع عن صلاحية الانضمام بالصلاة الأصلية ، فلا يجوز الاقتصار عليها في مقام تفريغ الذمّة عن الركعة المشكوكة.

وعليه فيجوز له رفع اليد عن صلاة الاحتياط بإبطالها وعدم الإتيان بها رأساً ، بعد وضوح عدم شمول دليل حرمة القطع لمثل المقام ممّا لا يتمكّن معه من إتمامها صحيحة والاقتصار عليها في مقام الامتثال ، فإنّ الحرمة على تقدير تسليمها غير شاملة لمثل ذلك قطعاً.

فالمتعيّن حينئذ إعادة الصلاة عملاً بقاعدة الاشتغال ، ولا موجب للإتيان بركعة الاحتياط ، هذا.

وحيث إنّ الأقوى عندنا هو المبنى الثاني كما سيأتي (١) فلا تجب عليه إلّا الإعادة.

(١) قسّم (قدس سره) مفروض المسألة إلى ما إذا انحصرت أطراف الشبهة في الشكوك الصحيحة ، وما إذا احتمل معها لبعض الشكوك الباطلة أيضاً.

__________________

(١) في ص ٢٧٧ وما بعدها.


.................................................................................................

______________________________________________________

فعلى الأوّل : أتى بموجب الجميع على النحو المقرّر في المتن ، رعاية للعلم الإجمالي بوجود أحد الموجبات ، ثمّ يعيد الصلاة لاحتمال كون الوظيفة ما يفعله متأخّراً ، المستلزم لحصول الفصل القادح فيما بينه وبين الصلاة الأصلية على ضوء ما مرّ في المسألة السابقة.

وعلى الثاني : حكم (قدس سره) بالبطلان ، وعلّله بأنّه لم يدر كم صلّى.

أقول : أمّا الكلام في الصورة الأُولى فهو بعينه الكلام المتقدّم في المسألة السابقة حرفاً بحرف ، لاتحاد المسألتين وعدم الفرق إلّا من حيث قلّة الأطراف وكثرتها ، فانّ الشكّ الصحيح كان مردّداً هناك بين اثنين وهما الشكّ بين الثلاث والأربع والشكّ بين الاثنتين والأربع ، وهنا بين الأكثر من ذلك ، وهذا لا يستوجب فرقاً بينهما في الحكم. وحيث عرفت ثمّة أنّ الأقوى كفاية الإعادة من غير حاجة إلى ضمّ صلاة الاحتياط فكذا في المقام بعين المناط.

وأمّا في الصورة الثانية فقد يقال : إنّ مقتضى العلم الإجمالي بحدوث الشكّ الصحيح أو الفاسد الجمع بين الإتيان بموجب الشكوك الصحيحة وبين الإعادة.

وربما يجاب عنه بانحلال العلم الإجمالي بقاعدة الاشتغال المثبتة للإعادة وأصالة البراءة النافية لموجب الشكّ الصحيح ، فينحلّ العلم بالأصل المثبت والنافي ، فانّ الإعادة لو ثبتت فليست هي بأمر جديد ، وإنّما هي بمقتضى نفس الأمر الأوّل الذي يشكّ في سقوطه والخروج عن عهدته ، وهذا بخلاف موجب الشكّ الصحيح كصلاة الاحتياط فإنّها بأمر جديد حادث بعد الصلاة ، وحيث إنّه مشكوك فيه فيدفع بأصل البراءة.

وهذا الجواب جيّد بناءً على أن تكون ركعة الاحتياط صلاة مستقلّة ، إذ عليه تكون الركعة المشكوكة ساقطة في ظرف الشكّ ، ويعوّض عنها أمر جديد متعلّق بصلاة الاحتياط بداعي تدارك النقص المحتمل ، ومقتضى الأصل البراءة كما ذكر.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا بناءً على المسلك الآخر وهو الصحيح من كونها جزءاً متمّماً على تقدير النقص فليس الأمر بها أمراً جديداً حادثاً بعد الصلاة ليرجع الشكّ إلى الشكّ في التكليف ، وإنّما تجب بنفس الأمر الصلاتي المتعلّق بالركعة الرابعة ، فإنّ هذه هي تلك الركعة حقيقة ، غايته أنّ ظرفها ومحلّها قد تأخّر عن الصلاة. فالشكّ من هذه الناحية أيضاً راجع إلى مرحلة الامتثال والسقوط دون الجعل والثبوت ، وعليه فكلا طرفي العلم الإجمالي مورد لقاعدة الاشتغال ، فلا موجب للانحلال.

نعم ، ينحلّ العلم بتقريب آخر مرّت الإشارة إليه في المسألة السابقة ، وهو عدم كون ركعة الاحتياط نافعة في مثل المقام ممّا كانت أطراف الشكوك الصحيحة متعدّدة ، من أجل تطرّق احتمال الفصل القادح بينها وبين الصلاة الأصلية ، المانع عن إحراز تدارك النقص المحتمل.

وقد عرفت عدم شمول دليل حرمة القطع لمثل المقام ممّا لا يصحّ الاقتصار عليه في مقام الامتثال ، وعليه فلا مانع من رفع اليد عن تلك الصلاة رأساً والاكتفاء بالاستئناف حسبما تقدّم.

وأمّا التعليل الذي ذكره في المتن بقوله : لأنّه لم يدر كم صلّى. فغير بعيد أن يريد به الإشارة إلى الأصل الموضوعي ، فإنّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة صفوان : «إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة» (١) أنّ كلّ من لم يدر كم صلّى فصلاته باطلة ، وبعد الخروج عنه في موارد الشكوك الصحيحة بمقتضى أدلّتها الموجبة لتقييد الإطلاق ، ينتج أنّ موضوع البطلان من لم يدر كم صلّى ولم يكن شكّه من الشكوك الصحيحة.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.


[٢٠٤٩] مسألة ١٣ : إذا علم في أثناء الصلاة أنّه طرأ له حالة تردّد بين الاثنتين والثلاث مثلاً وشكّ في أنّه هل حصل له الظنّ بالاثنتين فبنى على الاثنتين أو لم يحصل له الظنّ فبنى على الثلاث يرجع إلى حالته الفعلية (١) فإن دخل في الركعة الأُخرى يكون فعلاً شاكاً (*) بين الثلاث والأربع ، وإن لم يدخل فيها يكون شاكاً بين الاثنتين والثلاث.

______________________________________________________

وهذا الموضوع محرز في المقام بضمّ الوجدان إلى الأصل ، فإنّه لم يدر كم صلّى بالوجدان أي كان شاكّاً في عدد الركعات حسب الفرض ولم يكن شكّه من الشكوك الصحيحة بمقتضى الأصل ، فيلتئم الموضوع ، ولأجله يحكم بالبطلان. فغرضه (قدس سره) من التعليل الإشارة إلى هذا المعنى ، ولا بأس به فلاحظ.

(١) من شكّ أو ظنّ فيبني عليه ، وهذا ظاهر بالنظر إلى ما قدّمناه (١) من أنّ الاعتبار في الشكّ المنقلب إلى الظنّ أو بالعكس بالمتأخّر منهما ، لكون العبرة في ترتيب أحكامهما بمرحلة البقاء دون الحدوث.

إنّما الكلام فيما لو حدث الشكّ المزبور بعد دخوله في ركعة أُخرى ، المستلزم لشكّه الفعلي في أنّ ما بيده هل هي الثالثة أو الرابعة ، فإنّ ما طرأ سابقاً لو كان ظنا لزم ترتيب حكم الشكّ بين الثلاث والأربع ، ولو كان شكّاً لزم ترتيب حكم الشكّ بين الثنتين والثلاث.

ولا ثمرة لهذا البحث بناءً على تساوي حكم الشكّين واشتراك الوظيفتين

__________________

(*) لا أثر للشك بين الثلاث والأربع ، فانّ الشك بينهما لا محالة يرجع إلى الشك بين الاثنتين والثلاث في المقام ، فلا بدّ من ترتيب أثر ذلك الشك.

(١) في ص ٢٢٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأنّه مخيّر على التقديرين في كيفية الإتيان بركعة الاحتياط بين ركعة قائماً أو ركعتين جالساً كما هو المشهور ، أو قلنا بالتخيير في أحدهما دون الآخر كما كان هو الأحوط عندنا من تعيّن اختيار الركعة قائماً في الشكّ بين الثنتين والثلاث كما تقدّم ، فإنّه يأتي حينئذ بالركعة قائماً وتبرأ ذمّته على التقديرين.

نعم ، تظهر الثمرة بناءً على تباين الوظيفتين وتخالفهما ، وأنّه تتعيّن الركعة من قيام في الشكّ بين الثنتين والثلاث ، والركعتان من جلوس في الشك بين الثلاث والأربع كما حكي القول به عن بعضهم حسبما مرّ في محلّه (١) ، فإنّ الوظيفة الفعلية اللّازمة تتردّد حينئذ بين الأمرين.

فقد يقال بلزوم الجمع بينهما رعاية للعلم الإجمالي بأحد التكليفين من دون أصل يعيّن أحدهما بخصوصه.

لكن الظاهر عدم الحاجة إلى الجمع ، لوجود الأصل الموضوعي المنقّح الذي به ينحلّ العلم الإجمالي ، وهو أصالة عدم حصول الظنّ ، وذلك لما عرفت سابقاً (٢) من أنّ الموضوع للبناء على الأكثر هو التردّد مع عدم وقوع الوهم على شي‌ء ولا خصوصية للاعتدال وتساوي الوهم ونحوهما من العناوين الوجودية وإن كان مأخوذاً في ظاهر بعض النصوص ، فإنّه لدى التحليل راجع إلى العنوان العدمي كما أسلفناك فيما مرّ.

وعليه فكون الحالة السابقة تردّداً محرز بالوجدان ، وعدم كونه ظنّاً ثابت بمقتضى الأصل ، فيلتئم جزءا الموضوع ويرتّب عليه الأثر ، أعني البناء على الأكثر ولازمه إجراء حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث.

__________________

(١) في ص ١٨٣.

(٢) في ص ٢٣٠ ٢٣٣.


(٢٠٥٠) مسألة ١٤ : إذا عرض له أحد الشكوك ولم يعلم حكمه من جهة الجهل بالمسألة أو نسيانها فان ترجّح له أحد الاحتمالين عمل عليه (*) وإن لم يترجّح أخذ بأحد الاحتمالين مخيّراً (١) ثمّ بعد الفراغ رجع إلى المجتهد فإن كان موافقاً فهو ، وإلّا أعاد الصلاة (٢) ، والأحوط الإعادة في صورة الموافقة أيضاً (٣).

(٢٠٥١) مسألة ١٥ : لو انقلب شكّه بعد الفراغ من الصلاة إلى شكّ آخر (٤)

______________________________________________________

(١) إذ بعد البناء على حرمة القطع ووضوح تعذّر الاحتياط امتنع الامتثال الجزمي ، فلا محالة يستقلّ العقل حينئذ بالتنزّل إلى الامتثال الظنّي إن أمكن وإلّا فالاحتمالي.

(٢) إذ لا يسوّغ العقل الاقتصار على مثل هذا الامتثال بعد إمكان الفحص والسؤال ، لاستقلاله بلزوم تحصيل الفراغ اليقيني عن اشتغالٍ مثله ، ولا دليل على حجّية الظنّ في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم فضلاً عن الاحتمال ، فلا مناص من الرجوع إلى المجتهد والإعادة على تقدير المخالفة.

(٣) لاحتمال عدم كفاية الإطاعة الاحتمالية مع التمكّن من الإطاعة الجزمية ولا بأس بهذا الاحتياط وإن لم يكن لازماً كما لا يخفى.

(٤) حاصله : أنّه لو عرض للمصلّي أحد الشكوك الصحيحة ثمّ انقلب بعد الفراغ من الصلاة إلى شكّ آخر لم يجب عليه شي‌ء ، ولا أثر لشي‌ء من الشكّين أمّا الأوّل فلأنّ تأثيره منوط ببقائه والمفروض زواله ، وأمّا الثاني فلأنه شكّ

__________________

(*) ويجوز له قطع الصلاة وإعادتها من رأس ، وكذلك فيما إذا لم يترجّح أحد الاحتمالين.


فالأقوى عدم وجوب شي‌ء عليه (*) لأنّ الشكّ الأوّل قد زال ، والشكّ الثاني بعد الصلاة فلا يلتفت إليه ، سواء كان ذلك قبل الشروع في صلاة الاحتياط أو في أثنائها أو بعد الفراغ منها ، لكن الأحوط عمل الشكّ الثاني ثمّ إعادة الصلاة ، لكن هذا إذا لم ينقلب إلى ما يعلم معه بالنقيصة كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع ثمّ بعد الصلاة انقلب إلى الثلاث والأربع ، أو شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع مثلاً ثمّ انقلب إلى الثلاث والأربع ، أو عكس الصورتين. وأمّا إذا شكّ بين الاثنتين والأربع مثلاً ثمّ بعد الصلاة انقلب إلى الاثنتين والثلاث فاللّازم أن يعمل عمل الشكّ المنقلب إليه الحاصل بعد الصلاة لتبيّن كونه في الصلاة وكون السلام في غير محلّه ، ففي الصورة المفروضة يبني على الثلاث ويتمّ ويحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ويسجد

__________________

(*) الظاهر أنّ للمسألة صوراً عديدة : منها ما إذا انقلب الشك في النقيصة إلى الشك في الزيادة أو بالعكس ، كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع فانقلب شكّه بعد السلام إلى الشكّ بين الأربع والخمس أو بعكس ذلك ، ففي مثله يحكم بصحّة الصلاة ولا يجب عليه شي‌ء. ومنها ما إذا شكّ في النقيصة وكان الشكّ مركّباً ثمّ انقلب إلى البسيط ، كما إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ثمّ انقلب شكّه بعد السلام إلى الشكّ بين الثلاث والأربع ففي مثله يجري حكم الشكّ الفعلي ، لأنّه كان حادثاً من الأوّل ، غاية الأمر أنّه كان معه شكّ آخر قد زال ، ومن ذلك يظهر حكم انقلاب الشك البسيط إلى المركب بعد السلام وأنّه لا يجب فيه إلّا ترتيب أثر الشك السابق دون الحادث بعد السلام. ومنها ما إذا انقلب الشكّ البسيط في النقيصة إلى شك مثله مغاير له كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع ثمّ انقلب شكّه بعد السلام إلى الشك بين الثلاث والأربع أو بالعكس ، ففي مثله لا بدّ من الحكم ببطلان الصلاة ، فإنّ الشك الأوّل لا يمكن ترتيب الأثر عليه والشكّ الثاني لا تشمله أدلّة الشكوك ، فلا مناص من الإعادة تحصيلاً للفراغ اليقيني. وبما ذكرناه يظهر الحال في انقلاب الشك بعد صلاة الاحتياط.


سجدتي السهو للسّلام في غير محلّه ، والأحوط مع ذلك إعادة الصلاة (*).

______________________________________________________

حادث بعد الفراغ ، ومثله محكوم بعدم الاعتناء ، إلّا إذا كان الشكّ المنقلب إليه ممّا يعلم معه بالنقيصة كما لو شكّ بين الثنتين والأربع فبنى على الأربع وأتمّ ، ثمّ انقلب إلى الثنتين والثلاث ، فانّ اللّازم حينئذٍ عمل الشك المنقلب إليه الحاصل بعد الصلاة ، لتبيّن كونه بعد في الصلاة وأنّ السلام قد وقع في غير محلّه ، فيبني حينئذٍ على الثلاث ويتمّ ، وبعد ما يأتي بصلاة الاحتياط يسجد سجدتي السهو للسلام الزائد.

أقول : أمّا الحكم في صورة الاستثناء فظاهر جدّاً ، لما ذكره في المتن من تبيّن كونه في الصلاة ، فكأنّ الشكّين المنقلب أحدهما إلى الآخر كلاهما عارضان في أثناء الصلاة ، وقد مرّ (٢) أنّ الاعتبار في مثله بالمتأخّر منهما.

وأمّا الاحتياط بالإعادة الذي ذكره (قدس سره) في هذه الصورة فلم يعرف وجهه ، إذ المقام داخل حينئذ في من تذكّر النقص بعد السلام ، الذي لا خلاف ظاهراً في كونه محكوماً بالتدارك ما لم يأت بالمنافي كما هو المفروض وفي اتّصاف السلام الواقع في غير محلّه بالزيادة. وكيف ما كان ، فالحكم في هذه الصورة ظاهر لا سترة عليه.

وأمّا فيما عدا ذلك فالتعليل الذي ذكره (قدس سره) لعدم الاعتناء بشي‌ء من الشكّين من أنّ الأوّل قد زال والثاني شكّ حادث بعد الصلاة بظاهره كلام جيّد ، لكنّه لدى التحليل لا يستقيم على إطلاقه.

وتفصيل الكلام يستدعي استقصاء صور الانقلاب فنقول :

قد يكون الشكّان متباينين بحيث لا يشتركان في جامع أصلاً ، كما إذا انقلب

__________________

(*) لم يظهر لنا وجهه.

(١) في ص ٢٢٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

الشكّ في النقيصة إلى الشكّ في الزيادة أو بالعكس ، وقد يكونان مشتركين في احتمال النقص ، وعلى الثاني فامّا أن ينقلب الشكّ المركّب إلى البسيط ، أو البسيط إلى المركّب ، أو ينقلب الشكّ البسيط إلى بسيط مثله مغاير معه. فهذه صور أربع :

أمّا الصورة الأُولى : فمثالها ما لو انقلب الشكّ بين الثلاث والأربع إلى الأربع والخمس ، فأحتمل أوّلاً نقصان الصلاة ثمّ زال هذا الاحتمال وأيقن بالتمام بعد السلام ، وتبدّل باحتمال الزيادة المباين للاحتمال الأوّل ، أو انعكس ذلك بأن انقلب احتمال الزيادة إلى النقيصة كالشكّ بين الأربع والخمس المنقلب إلى ما بين الثلاث والأربع.

ففي هذه الصورة لا ينبغي الإشكال في صحّة الصلاة وعدم وجوب شي‌ء عليه ، لما ذكره في المتن من أنّ الشكّ الأوّل قد زال ، والثاني حادث بعد الصلاة فلا أثر لشي‌ء من الشكّين. فالتعليل المذكور في المتن متّجه في هذه الصورة.

وأمّا الصورة الثانية : أعني انقلاب الشكّ المركّب إلى البسيط ونعني بالمركّب كون طرف الشكّ أكثر من اثنين ، الراجع إلى تركيبه من شكّين كما إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ثمّ انقلب شكّه بعد السلام إلى الشكّ بين الثلاث والأربع ، فحكمها العمل على طبق الشكّ الفعلي ، لوضوح عدم كونه شكاً جديداً حادثاً بعد السلام ، بل هو نفس الشكّ العارض في الأثناء غير أنّه كان آن ذاك مقروناً بشكّ آخر قد زال ، فلا أثر للزائل ، ولا موجب لرفع اليد عن أثر الباقي.

وعلى الجملة : احتمال النقص بركعة موجود سابقاً ولاحقاً ، ولم ينقلب هذا الاحتمال عمّا كان ، غاية ما هناك أنّ هذا الاحتمال كان مقروناً سابقاً باحتمال آخر وهو النقص بركعتين وقد زال ذاك وانعدم مع بقاء الاحتمال الأوّل بحاله فلا مانع من شمول الإطلاق في موثّقة عمّار : «فأتمّ ما ظننت أنّك قد نقصت» (١)

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

لمثل المقام ، ولازمه إجراء حكم الشكّ الفعلي كما عرفت.

ومنه يظهر حكم الصورة الثالثة أعني انقلاب الشكّ البسيط إلى المركّب كما لو شكّ بين الثلاث والأربع ثمّ انقلب بعد السلام إلى الشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع ، وأنّ اللّازم حينئذ إجراء حكم الشكّ السابق دون الحادث ، فانّ ترديده بعد السلام ينحلّ إلى الشك بين الثلاث والأربع والشكّ بين الثنتين والأربع ، والأوّل منهما كان بعينه موجوداً سابقاً وقد أُضيف إليه الشكّ الثاني لاحقاً فيلغى الزائد المتّصف بالحدوث ، ويعمل بالأوّل غير المتّصف به ، فالتعليل المذكور في المتن غير متّجه في هاتين الصورتين كي لا يرتّب الأثر على شي‌ء من الشكّين.

وأمّا الصورة الرابعة : أعني انقلاب الشكّ البسيط إلى مثله المغاير معه في الجملة والمشارك معه في النقيصة كالصورتين السابقتين كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع ثمّ انقلب شكّه بعد السلام إلى الشكّ بين الثلاث والأربع أو بالعكس ، ففي مثله لا مناص من الحكم بالبطلان.

فانّ شكّه الفعلي الراجع إلى احتمال النقص وعدم إتمام الرابعة لم يكن شكاً حادثاً طارئاً بعد السلام كي يحكم عليه بعدم الالتفات ، بل كان موجوداً أثناء الصلاة ، غاية الأمر أنّ طرف الشكّ قد تغيّر وتبدّل ، فكان طرفه سابقاً الثنتين فانقلب إلى الثلاث أو بالعكس. فذات الشكّ محفوظ في كلتا الحالتين ولم ينقلب عمّا هو عليه ، وإنّما الانقلاب في طرفه ومتعلّقه ، فلا يمكن الحكم بعدم الاعتناء بالشكّ الفعلي.

كما لا يمكن ترتيب الأثر والبناء على الأكثر على الشكّ السابق ، لانصراف النصوص إلى ما إذا كان ذاك الشكّ بما له من الطرفين باقياً ومستمرّاً إلى ما بعد الصلاة ، والمفروض تخلّفه عمّا كان ولو في الجملة ، باعتبار التخلّف في أحد طرفيه.

فاذن لا يمكن تصحيح الصلاة بوجه بعد وضوح عدم جريان قاعدة الفراغ في المقام ، لاختصاصها بالشكّ الحادث بعد السلام ، المنفي فيما نحن فيه كما عرفت


[٢٠٥٢] مسألة ١٦ : إذا شكّ بين الثلاث والأربع أو بين الاثنتين والأربع ثمّ بعد الفراغ انقلب شكّه إلى الثلاث والخمس والاثنتين والخمس وجب عليه الإعادة ، للعلم الإجمالي إمّا بالنقصان أو بالزيادة (١).

______________________________________________________

كوضوح عدم جريان الاستصحاب في باب الركعات.

فنبقى نحن والإطلاق في صحيحة صفوان (١) السليم عن التقييد في مثل المقام لدلالتها على البطلان في كلّ شكّ عارض أثناء الصلاة عدا ما خرج بالدليل وقد عرفت أنّ دليل الخارج غير شامل للمقام ، لاختصاصه بما إذا كان الشكّ بين الاثنتين والثلاث مثلاً مستمرّاً إلى ما بعد الصلاة ، المفقود فيما نحن فيه.

ومع الغض عن الإطلاق فتكفينا قاعدة الاشتغال الحاكمة بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المعلوم ، المتوقّف في المقام على الإعادة.

(١) غرضه (قدس سره) من التعليل بالعلم الإجمالي هو إبداء الفارق بين هذه المسألة وبين المسألة السابقة ، باعتبار أنّ احتمال الصحّة كان محفوظاً هناك فكان بالإمكان التمسّك بقاعدة الفراغ ، بخلاف المقام الذي لم يتطرّق فيه هذا الاحتمال ، لفرض الجزم بالخلل ، وعدم وقوع التسليم في المحلّ ، وأنّه إمّا زاد أو نقص ، المانع عن الرجوع إلى القاعدة حينئذ.

وليس مراده من العلم الإجمالي العلم ببطلان الصلاة على كلّ من تقديري الزيادة أو النقيصة ليورد عليه بمنع العلم بعد إمكان التدارك على التقدير الثاني بالإتمام بركعة متّصلة.

وكيف ما كان ، فما أفاده (قدس سره) من الحكم بالبطلان هو الصحيح

__________________

(١) المتقدمة في ص ٢٤٢.


[٢٠٥٣] مسألة ١٧ : إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث ثمّ شكّ بين الثلاث البنائي والأربع فهل يجري عليه حكم الشكّين أو حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع؟ وجهان ، أقواهما الثاني (١).

______________________________________________________

لاندراج المقام تحت إطلاق صحيحة صفوان بعد تعذّر الرجوع إلى قاعدة الفراغ كما عرفت ، كتعذّر الرجوع إلى إطلاق أدلّة الشكوك ، لما سبق من انصرافها إلى الشكّ الحادث أثناء الصلاة المستمرّ ، وعدم شمولها للشكّ الزائل المنقلب إلى غيره ولو بعد الصلاة كما فيما نحن فيه ، ومن المعلوم عدم جريان الاستصحاب في باب الركعات.

وعلى الجملة : الشكّ الزائل غير مشمول للأدلّة ، والشكّ الحادث لا تجري فيه القاعدة بعد اقترانه بالعلم بالخلل ، والاستصحاب لا مسرح له في المقام. فلا مناص من البطلان استناداً إلى صحيحة صفوان.

(١) لرجوع الشكّ الفعلي إلى أحد هذه الأطراف الثلاثة وجداناً ، فإنّه يحتمل أن يكون ما بيده لدى عروض الشكّ هي الثانية واقعاً ولم يكن قد أتى بعد البناء على الثلاث بشي‌ء.

كما يحتمل أن تكون هي الثالثة إمّا لأنّ بناءه على الثلاث كان مطابقاً للواقع ولم يأت بعدها بشي‌ء ، أو أنّها كانت الثانية وقد أتى بعد البناء على الثلاث بركعة بعنوان الرابعة وهي ثالثة واقعاً ، ففي هذين التقديرين يكون ما بيده هي الثالثة بحسب الواقع.

كما يحتمل أن تكون هي الرابعة ، باعتبار أنّ بناءه على الثلاث كان مطابقاً للواقع وقد أتى بعدها بالركعة الرابعة.

وعلى الجملة : فشكّه الفعلي شكّ واحد ذو أطراف ثلاثة ، فيشمله حكم الشكّ


[٢٠٥٤] مسألة ١٨ : إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ثمّ ظنّ عدم الأربع يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث ، ولو ظنّ عدم الاثنتين يجري عليه حكم الشكّ بين الثلاث والأربع ، ولو ظنّ عدم الثلاث يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين والأربع (١).

______________________________________________________

بين الثنتين والثلاث والأربع ، لا أنّ هناك شكّين مستقلّين يتعلّق كلّ منهما بطرفين ليجمع بين الحكمين.

على أنّ أدلّة الشكوك ظاهرة في أنّها ناظرة إلى الشكوك المتعلّقة بالركعات الواقعية ، لا ما تعمّ البنائية كما لا يخفى.

(١) ففي كلّ مورد كان أطراف الشكّ ثلاثة ثمّ تعلّق الظنّ بعدم طرف خاصّ دار الشكّ بين الطرفين الآخرين كما في الأمثلة المذكورة في المتن ، استناداً إلى دليل حجّية الظنّ ، فإنّه وإن كان في المقام متعلّقاً بالعدم إلّا أنّه يطمأنّ بل يقطع بعدم الفرق في حجّية الظنّ في باب الركعات بين تعلّقه بثبوت ركعة أو بعدمها.

وبعبارة أُخرى : ظاهر النصوص الدالّة على حجّية الظنّ في باب الركعات وإن كان هو الظنّ المتعلّق بإتيان الركعة وتحقّقها ، فالظنّ المتعلّق بعدم الإتيان خارج عن مورد النصوص ، ولكنّ المنسبق إلى الذهن من تلك الأدلّة بمقتضى الفهم العرفي ومناسبة الحكم والموضوع اعتبار الظنّ مطلقاً ، سواء أتعلّق بالوجود أم بالعدم ، هذا.

مضافاً إلى أنّ المستفاد من نصوص الشكوك أنّ أحكام الشكّ وآثاره إنّما تترتّب على الشكّ فيما إذا اعتدل ، لا بعنوان أنّه معتدل ومتساوي الطرفين الذي هو قيد وجودي ، وإلّا فهو بهذا المعنى غير مأخوذ في موضوع تلك الأدلّة كما


[٢٠٥٥] مسألة ١٩ : إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث وأتى بالرابعة فتيقّن عدم الثلاث وشكّ بين الواحدة والاثنتين بالنسبة إلى ما سبق يرجع شكّه بالنسبة إلى حاله الفعلي بين الاثنتين والثلاث (١) فيجري حكمه.

______________________________________________________

سبق في محلّه (١) بل بعنوان عدم وقوع الوهم على شي‌ء الذي هو أمر عدمي. فذات الاعتدال مأخوذ في أحكام الشكّ بالمعنى الذي ذكرناه. ومن المعلوم أنّ من ظنّ بعدم الركعة لم يعتدل شكّه بالمعنى المزبور فلا تشمله أدلّة الشكوك.

(١) لعدم تحقّق الشكّ بين الواحدة والثنتين لا سابقاً ولا لاحقاً ليستوجب البطلان ، أمّا في السابق فالمفروض تعلّقه بين الاثنتين والثلاث ، وأمّا في اللّاحق فهو وإن كان متعلّقاً بالواحدة والثنتين بالإضافة إلى ما سبق ، إلّا أنّه بعد فرض كونه آتياً بركعة أُخرى فالشكّ بالنسبة إلى حاله الفعلي الذي هو المدار في ترتيب الآثار إنّما هو بين الثنتين والثلاث.

وعلى الجملة : الميزان في ترتيب أثر الشكّ رعاية الحالة الفعلية ، ولا عبرة بملاحظة الحالة السابقة ، وإلّا لجرى ذلك في جميع الشكوك ، فانّ الشاكّ بين الثلاث والأربع شاكّ لا محالة في أنّ الركعة السابقة هل كانت الثانية أو الثالثة ، كما أنّ الشاكّ بين الثنتين والثلاث يشكّ بطبيعة الحال في أنّ الركعة السابقة هل كانت الأُولى أو الثانية ، وهكذا.

ولا عبرة بمثل هذا الشكّ المتولّد من شكّ آخر ، فليس المدار إلّا على مراعاة الحالة الوجدانية الفعلية ، وهو في المقام شاكّ بالفعل بين الثنتين والثلاث كما عرفت فيشمله حكمه.

__________________

(١) في ص ٢٣٠ وما بعدها.


(٢٠٥٦) مسألة ٢٠ : إذا عرض أحد الشكوك الصحيحة للمصلّي جالساً من جهة العجز عن القيام (١) فهل الحكم كما في الصلاة قائماً فيتخيّر في موضع التخيير بين ركعة قائماً وركعتين جالساً بين ركعة جالساً بدلاً عن الركعة قائماً أو ركعتين جالساً من حيث إنّه أحد الفردين المخيّر بينهما ، أو يتعيّن هنا اختيار الركعتين جالساً ، أو يتعيّن تتميم ما نقص ، ففي الفرض المذكور يتعيّن ركعة جالساً ، وفي الشكّ بين الاثنتين والأربع يتعيّن ركعتان جالساً ، وفي الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع يتعيّن ركعة جالساً وركعتان جالساً؟ وجوه ، أقواها الأوّل (*) ، ففي الشكّ بين الاثنتين والثلاث يتخيّر بين ركعة جالساً أو ركعتين جالساً ، وكذا في الشكّ بين الثلاث والأربع ، وفي الشكّ بين الاثنتين والأربع يتعيّن ركعتان جالساً بدلاً عن ركعتين قائماً ، وفي الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع يتعيّن ركعتان جالساً بدلاً عن ركعتين قائماً وركعتان أيضاً جالساً من حيث كونهما أحد الفردين.

______________________________________________________

(١) احتمل (قدس سره) في مفروض المسألة وجوهاً ثلاثة :

أحدها : أن يكون الحكم فيه هو الحكم في المصلّي قائماً من بقاء التخيير في موضع التخيير بين ركعة قائماً وركعتين جالساً على حاله ، غير أنّه لمكان العجز عن الأوّل ينتقل إلى بدله وهو الركعة من جلوس ، فيتخيّر بين ركعة جالساً بدلاً عن الركعة قائماً وبين ركعتين جالساً من حيث إنّه أحد الفردين المخيّر بينهما.

والوجه في ذلك الأخذ بإطلاق كلّ من دليل التخيير بين الركعة والركعتين

__________________

(*) بل أقواها الأخير ، وبه يظهر حكم الفروع الآتية.


.................................................................................................

______________________________________________________

ودليل بدلية الجلوس عن القيام ، فإنّ نتيجة الجمع بين الإطلاقين هو ما عرفت. وهذا الوجه هو خيرة الماتن (قدس سره).

ثانيها : تعيّن اختيار الركعتين جالساً ، بدعوى أنّ إطلاق أدلّة التخيير وإن كان في حدّ نفسه شاملاً للمقام إلّا أنّه بعد تعذّر أحد الطرفين يتعيّن الطرف الآخر ، كما هو الشأن في كلّ واجب تخييري تعذّر بعض أطرافه ، فإنّ التكليف يتعيّن حينئذ في الطرف الآخر.

ومعه لا مجال للرجوع إلى إطلاق أدلّة بدلية الجلوس ، لاختصاصها بصورة تعيّن القيام المنفي في المقام ، للتخيير بينه وبين الركعتين جالساً اختياراً ، فمثله غير مشمول لإطلاق تلك الأدلّة. وحيث يتمكّن هنا من العدل الآخر فيتعيّن.

ثالثها : أنّه يتعيّن عليه تتميم ما نقص ، ففي الشكّ بين الثلاث والأربع يتعيّن ركعة جالساً ، وفي الشكّ بين الثنتين والأربع ركعتان كذلك ، وفي الشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع تتعيّن ركعة جالساً وركعتان كذلك ، فيتمّم كلّ نقص يحتمله بالركعة الجلوسية.

وهذا الوجه الأخير هو الأظهر ، لقصور أدلّة التخيير عن الشمول للمقام فإنّها إنّما ثبتت في حقّ من تمكّن من الصلاة قائماً ، وأنّ مثله لو شكّ بين الثنتين والثلاث أو الثلاث والأربع فهو مخيّر في كيفية صلاة الاحتياط بين ركعة قائماً وركعتين جالساً ، فكانت المصلحة الموجودة في الركعة قائماً موجودة في مقام تدارك النقص المحتمل في الركعتين جالساً.

وأمّا من كان عاجزاً عن القيام رأساً وانتقل فرضه إلى الصلاة جالساً فلم تكن أدلّة التخيير شاملة له من أصلها ، فاللّازم حينئذ تدارك النقص من جنس الفائت ، وهو الإتيان بما كلّف به من الركعة الجلوسية ، قضاءً لما تقتضيه القاعدة الأوّلية من لزوم المطابقة بين الفائت وما هو تدارك له في الكيفية. فليس عليه إلّا تتميم النقص بهذا النحو.


وكذا الحال لو صلّى قائماً ثمّ حصل العجز عن القيام في صلاة الاحتياط (١)

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : دلّت صحيحة صفوان (١) على أنّ مطلق الشكّ في الصلاة موجب للبطلان ، وقد خرجنا عن ذلك في الشكوك الصحيحة بمقتضى موثّقة عمّار (٢) المتضمّنة لعلاج الشكّ بالاحتياط والإتيان بعد الصلاة بما يحتمل نقصه وأنّه لا يضرّه الفصل بالتسليم.

وقد تضمّنت أدلّة أُخرى التخيير في كيفية الاحتياط بين القيام ركعة والجلوس ركعتين لمن كان متعارفاً وهو المتمكّن من القيام ، أمّا غير المتعارف العاجز عنه فتلك الأدلّة منصرفة عنه.

ولكنّ إطلاق الموثّقة غير قاصر الشمول له ، إذ مقتضاه تتميم ما ظن أنّه نقص ، ولم يظهر منها الاختصاص بمن كانت وظيفته الصلاة عن قيام ، بل المأخوذ فيها دخول الشكّ في الصلاة ، الشامل للعاجز عن القيام الذي وظيفته الصلاة جالساً ، ولم تذكر فيها كيفية صلاة الاحتياط ، بل دلّت على مجرّد تتميم ما ظنّ نقصه بعد السلام ، والمظنون نقصه في المقام ركعة عن جلوس أو ركعتان عن جلوس أو هما معاً حسب اختلاف موارد الشك ، فيجب عليه تتميم ذلك النقص وتداركه ، المتوقّف على كونه من جنس الفائت ، ولا يتحقّق هنا إلّا بالإتيان بالركعة الجلوسية بمقدار ما يحتمل نقصه بعد قصور أدلّة التخيير وبدلية الجلوس للقيام عن الشمول للمقام حسبما عرفت.

(١) فيثبت التخيير لدى الماتن (قدس سره) بين ركعة جالساً وركعتين جالساً لكن قد عرفت الإشكال في ذلك ، لقصور أدلّة التخيير عن الشمول له. فالواجب عليه إتيان الركعة جالساً ، لأنّ وظيفته الفعلية هو ذلك كما لو فرضنا طروء العجز في الركعة الأخيرة من صلاته.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٢٤٢ ، ١٩٢.

(٢) المتقدّمة في ص ٢٤٢ ، ١٩٢.


وأمّا لو صلّى جالساً ثمّ تمكّن من القيام حال صلاة الاحتياط فيعمل كما كان يعمل في الصلاة قائماً (١) ، والأحوط في جميع الصور المذكورة إعادة الصلاة بعد العمل المذكور (٢).

[٢٠٥٧] مسألة ٢١ : لا يجوز في الشكوك الصحيحة قطع الصلاة (*) واستئنافها (٣) ، بل يجب العمل على التفصيل المذكور والإتيان بصلاة الاحتياط كما لا يجوز ترك صلاة الاحتياط بعد إتمام الصلاة والاكتفاء بالاستئناف ، بل لو استأنف قبل الإتيان بالمنافي في الأثناء بطلت الصلاتان (٤) ، نعم لو أتى بالمنافي في الأثناء صحّت الصلاة المستأنفة وإن كان آثماً في الإبطال.

______________________________________________________

(١) إذ قد تبدّل الموضوع من غير المتمكّن إلى المتمكّن من الصلاة قائماً وأصبح بذلك مصداقاً لأدلّة التخيير ، فله أن يأتي بركعة قائماً أو ركعتين جالساً ومعه لا مجال لأدلّة بدلية الجلوس كي تجري فيه الوجوه المتقدّمة.

(٢) حذراً عن الشبهات المتطرّقة في المسألة حسبما عرفتها.

(٣) هذا يتّجه بناءً على تسليم حرمة القطع ، وأمّا بناءً على الجواز من أجل عدم نهوض ما استدلّ به على الحرمة كما تقدّم في محلّه (١) فلا مانع من القطع والاستئناف. وظاهر أنّ أدلّة البناء على الأكثر غير وافية لإثبات الحرمة ، لوضوح كونها بصدد بيان كيفية تصحيح العمل وتعليم طريقة التخلّص لدى عروض الشكّ ، ولا تعرّض لها لبيان الحكم التكليفي بوجه.

(٤) أمّا الصلاة الأُولى فلأجل الزيادات الحاصلة من فعل الصلاة الثانية من ركوع وسجود ونحوهما ، المانعة من صلاحية انضمام الباقي من أجزاء الصلاة

__________________

(*) على الأحوط.

(١) شرح العروة ١٥ : ٥٢٣ وما بعدها.


ولو استأنف بعد التمام قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط لم يكف (١) وإن أتى بالمنافي أيضاً (*) وحينئذ فعليه الإتيان بصلاة الاحتياط أيضاً ولو بعدحين.

______________________________________________________

الأصلية إليها ، ولا أقلّ من السلام للثانية المخرج عن الأُولى أيضاً ، فلا يتوقّف الحكم على اعتبار الموالاة بين الأجزاء كما لا يخفى.

وأمّا الصلاة الثانية فبطلانها بناءً على حرمة القطع ظاهر ، لأنّها بنفسها مصداق للقطع المحرّم ، ولا يكون الحرام مصداقاً للواجب.

وأمّا بناءً على عدم الحرمة فلامتناع اتّصاف تكبيرة الإحرام بعنوان الافتتاح الذي هو مقوّم لها ، ضرورة اقتضاء هذا العنوان أن لا يكون مصلّياً آن ذاك كي يتحقّق معه الشروع والدخول وتتّصف التكبيرة بكونها أوّل الصلاة وافتتاحها والمفروض كونه فعلاً في أثناء الصلاة ومتّصفاً بالدخول فيها ، وهل هذا إلّا من قبيل تحصيل الحاصل.

ومن المعلوم أنّ مجرّد البناء على رفع اليد عن الصلاة الأُولى والعدول عنها لا يؤثّر في الخروج ، ولا يستوجب قلب الواقع عمّا هو عليه ، ومن ثمّ سبق في محلّه (١) أنّ نيّة القطع لا تكون قاطعاً ، فلو نوى القطع وقبل الإتيان بالمنافي بدا له وعاد إلى النيّة الأُولى صحّت صلاته.

وعلى الجملة : فما دام كونه متّصفاً بعنوان المصلّي يتعذّر منه القصد إلى الافتتاح والدخول في الصلاة ، نعم لو أتى قبل ذلك بالمنافي صحّت الصلاة المستأنفة وإن كان آثماً في الإبطال بناءً على حرمته.

(١) أمّا قبل الإتيان بالمنافي فبناء على ما هو الصحيح من أنّ ركعة الاحتياط

__________________

(*) الظاهر كفايته في هذا الفرض.

(١) شرح العروة ١٤ : ٥٠ وما بعدها.


.................................................................................................

______________________________________________________

جزء متمّم على تقدير النقص لم يكن له الاستئناف ، لعدم إحراز الفراغ من الصلاة ، فلا يتمشّى منه القصد إلى تكبيرة الإحرام المتقوّمة بالافتتاح كما عرفت.

بل الصلاة الأُخرى غير مأمور بها قطعاً ، سواء أكانت الأُولى تامّة أم ناقصة إذ على الأوّل فقد سقط الأمر ، ولا معنى للامتثال عقيب الامتثال. وعلى الثاني فهو مأمور بالتتميم والإتيان بركعة الاحتياط. فلا أمر بالصلاة الثانية على التقديرين.

وأمّا بناءً على كونها صلاة مستقلّة شرّعت بداعي تدارك النقص المحتمل فكذلك ، للقطع بسقوط الأمر المتعلّق بصلاة الظهر مثلاً ، سواء أكانت تامّة أم ناقصة. أمّا على الأوّل فظاهر ، وكذا على الثاني ، إذ المفروض على هذا المبنى اكتفاء الشارع بتلك الصلاة الناقصة في ظرف الشكّ بتعبّده بالبناء على الأكثر والإتيان بركعة مفصولة ، لا بمعنى انقلاب التكليف بالصلاة الأوّلية إلى صلاة الاحتياط ، فإنّه غير محتمل وممّا لا تساعده الأدلّة كما لا يخفى ، بل بمعنى الاكتفاء بما وقع وجعل حكم ظاهري نتيجة الاجتزاء على تقدير النقص ، فبعد فرض سقوط التكليف لا موقع للاستئناف بوجه.

وأمّا بعد الإتيان بالمنافي فقد ذكر في المتن عدم كفاية الاستئناف أيضاً ، بل لا بدّ من الإتيان بصلاة الاحتياط ولو بعد حين.

ولكنّ الظاهر كفايته في هذا الفرض بناءً على المختار من كون ركعة الاحتياط جزءاً متمّماً ، للقطع بالصحّة ، أي براءة الذمّة حينئذ إمّا بالصلاة الاولى لو كانت تامّة أو بالصلاة المستأنفة لو كانت ناقصة ، ومعه لا حاجة إلى ضمّ صلاة الاحتياط ، بل لا مقتضي لها ، لعدم احتمال التتميم على تقدير النقص والاتّصاف بالجزئية بعد فرض تخلّل المنافي المانع عن صلاحية الانضمام. فتتمحض الوظيفة حينئذ في الاستئناف تحصيلاً للقطع بالفراغ.

نعم ، يتّجه ما أفاده (قدس سره) بناءً على القول بكونها صلاة مستقلّة ، لما


[٢٠٥٨] مسألة ٢٢ : في الشكوك الباطلة إذا غفل عن شكّه وأتمّ الصلاة ثمّ تبيّن له الموافقة للواقع ففي الصحّة وجهان (*) (١).

______________________________________________________

عرفت من سقوط الأمر حينئذ بفعل الاولى ، فلا يحتمل بقاء التكليف لينفع الاستئناف ، وإنّما الوظيفة الفعلية متمحّضة في الإتيان بصلاة الاحتياط ، فيجب الإتيان بها ولو بعد حين كما ذكره (قدس سره) ، إذ تخلّل المنافي غير قادح بناءً على مسلك الاستقلال.

(١) أوجههما الصحّة ، فإنّ منشأ البطلان بعد وضوح عدم كون الشكّ بمجرّد حدوثه ولو آناً ما مبطلاً كالحدث كما مرّ سابقاً (١) أحد أمرين :

الأوّل : قاعدة الاشتغال وعدم إحراز الامتثال ، إذ لو بنى على كلّ من طرفي الاحتمال احتمل معه الزيادة أو النقيصة من غير مؤمّن شرعي ، لعدم كون المقام مجرى لشي‌ء من الأُصول المصحّحة كأصالة البناء على الأكثر أو أصالة عدم الزيادة.

الثاني : عدم جواز المضيّ على الشكّ ولزوم الحفظ والتثبّت وكونه على يقين كما ورد ذلك في الركعتين الأُوليين وفي الثنائية والثلاثية وأنّها فرض الله (٢) لا يدخلها الشك (٣) ، فاليقين مأخوذ فيها موضوعاً وإن كان الأخذ على وجه الطريقية دون الصفتية ، ولذا تقوم سائر الأمارات مقامه من شهادة البيّنة ونحوها.

وكيف ما كان ، فالمستفاد من النصوص أنّ علّة البطلان في موارد الشكوك

__________________

(*) أوجههما الصحّة.

(١) في ص ١٤٩.

(٢) [لم نعثر على ما يدل على كون الثلاثية فرض الله].

(٣) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

المبطلة أحد هذين الأمرين. ومن المعلوم عدم انطباق شي‌ء منهما على المقام.

أمّا الأوّل فظاهر ، إذ بعد فرض إحراز الصحّة وتبيّن الموافقة مع الواقع لم يبق مجال للشكّ كي تنتهي النوبة إلى قاعدة الاشتغال.

وكذا الثاني ، لوضوح أنّ الشكّ كالظنّ والقطع من أقسام الالتفات ومترتّب عليه ، فإنّها من الأُمور الوجدانية ، وليس للشكّ واقع يتعلّق به الالتفات تارة وعدمه اخرى ، بل هو متقوّم به في تحقّقه ، وعليه فمع الغفلة لا التفات فلا شكّ فلم يتحقّق المضيّ على الشكّ ممّن فرض غفلته عن شكّه كي يستوجب البطلان.

ومع الغضّ عن ذلك وتسليم وجود واقعي للشكّ مستلزم لصدق المضيّ عليه فإنّما يستوجب البطلان في خصوص الشكوك الباطلة التي ورد فيها المنع عن المضيّ على الشكّ كالشكّ في الأُوليين أو في الثنائية والثلاثية (١) التي هي من فرائض الله ، دون ما عداها ممّا لم يرد فيها ذلك كالشكّ بين الرابعة والخامسة حال الركوع ، فانّ مستند البطلان في مثل ذلك إنّما كان إطلاق صحيحة صفوان كما مرّ (٢). فلا دليل على البطلان في مثله بعد فرض تبيّن الصحّة.

وعلى الجملة : فشي‌ء من مستندي الفساد في الشكوك الباطلة غير منطبق على المقام. فالمتّجه هو الحكم بالصحّة كما عرفت.

هذا كلّه فيما لو شكّ وغفل وأتمّ ثمّ تبيّنت الموافقة للواقع كما هو مفروض المسألة ، وأمّا لو لم يتبيّن بل التفت بعد ما فرغ وشكّ فلا ينبغي الإشكال في البطلان عملاً بقاعدة الاشتغال ، لعدم كون المقام مجرى لقاعدة الفراغ إمّا لاختصاصها بالشكّ الحادث بعد الفراغ وهذا هو الشكّ السابق بعينه وقد عاد أو لاختصاصها بالشكّ في الصحّة الناشئ من احتمال الغفلة ، وفي المقام متيقّن

__________________

(١) [فيه ما تقدم آنفاً].

(٢) في ص ١٥١.


(٢٠٥٩) مسألة ٢٣ : إذا شكّ بين الواحدة والاثنتين مثلاً وهو في حال القيام أو الركوع أو في السجدة الأُولى مثلاً وعلم أنّه إذا انتقل إلى الحالة الأُخرى من ركوع أو سجود أو رفع الرأس من السجدة يتبيّن له الحال (١) فالظاهر الصحّة وجواز البقاء على الاشتغال (*) إلى أن يتبيّن الحال.

______________________________________________________

بالغفلة ، ولم يبق إلّا احتمال الصحّة لمجرّد الصدفة الواقعية ، والقاعدة لا تتكفّل الصحّة لأجل المصادفات الاتفاقية.

(١) فهل تبطل الصلاة حينئذ أو يجوز البقاء على الاشتغال إلى أن يتبيّن الحال أو يجب البقاء؟ وجوه :

قد يقال بالوجوب ، نظراً إلى انصراف دليل الشكّ المبطل عن مثل ذلك ، ومتى جاز البقاء وجب حذراً عن الإبطال المحرّم.

لكن الظاهر هو البطلان ، إذ لا قصور في إطلاق دليل المنع عن المضيّ على الشكّ عن الشمول لمثل المقام. ودعوى الانصراف غير مسموعة ، كيف ولو تمّ لزم جواز البناء على الاشتغال والمضيّ على الشكّ إلى تمام الصلاة فيما لو شكّ في الصلاة الثنائية مثلاً وهو يعلم بزوال الشكّ بعد الفراغ ، إذ لا فرق بين زواله في الأثناء أو بعد الفراغ في شمول الإطلاق وعدمه ، فلو تمّ الانصراف لتمّ في الموردين معاً بمناط واحد ، وهو كما ترى. فهذه الدعوى ساقطة ، وعهدتها على مدّعيها بل الأوفق بالقواعد عدم الجواز فضلاً عن الوجوب.

وربما يفصّل بين ما لو كانت الحالة الأُخرى جزءاً مستقلا كالركوع والسجود أو مقدّمة للجزء كرفع الرأس من السجدة ، فيبنى على الجواز في الثاني ، لعدم كونه من المضيّ على الشكّ.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.


 

______________________________________________________

وفيه ما لا يخفى ، فانّ الممنوع هو المضيّ على الشكّ في الصلاة ، وهذا كما يصدق على الأجزاء يصدق على المقدّمات أيضاً من غير فرق بينهما بوجه.

هذا كلّه فيما إذا كان الشكّ الباطل ممّا ورد فيه المنع عن المضيّ على الشكّ كالأُوليين والثنائية والثلاثية.

وأمّا فيما عدا ذلك كالشكّ بين الأربع والستّ مطلقاً ، أو الأربع والخمس حال الركوع ، ونحو ذلك ممّا كان المستند في البطلان إطلاق صحيح صفوان كما مرّ (١) فهو وإن كان يفترق عن سابقه من حيث إنّ البطلان هناك عارض على نفس الشكّ ، وأمّا المشكوك فيه وما هو طرف الاحتمال فهو صحيح على كلّ تقدير. ففي الشكّ بين الواحدة والثنتين مثلاً الصلاة صحيحة بحسب الواقع سواء أكانت الركعة المشكوكة فيها هي الأُولى أم الثانية ، وإنّما نشأ البطلان من نفس الشكّ.

وأمّا في المقام فالبطلان هو طرف الاحتمال وبنفسه متعلّق للشكّ ، لاحتمال كونه في الركعة السادسة مثلاً واشتمال الصلاة على الزيادة القادحة. فلا يقاس أحدهما بالآخر.

إلّا أنّ الظاهر مع ذلك عدم جواز المضيّ على الشك وإن علم بتبيّن الحال فيما بعد ، إذ ليس له الاسترسال والإتيان ببقية الأجزاء بنيّة جزمية ، فإنّه بعد احتمال الفساد كما هو المفروض تشريع محرّم ، اللهمّ إلّا أن يأتي بها رجاءً.

لكنّ صحيحة صفوان تمنع بإطلاقها عن هذا أيضاً ، وتدلّ على الإعادة لدى عروض الشكّ ، سواء أتى بالباقي بقصد الرجاء أم لا ، وإلّا فلو جاز الإتيان كذلك لجاز حتّى فيما لو علم بتبيّن الحال وزوال الشكّ بعد الصلاة ، وهو كما ترى

__________________

(١) في ص ١٥١ ، ١٧٦.


[٢٠٦٠] مسألة ٢٤ : قد مرّ سابقاً أنّه إذا عرض له الشكّ يجب عليه التروّي (١) حتّى يستقرّ (*) أو يحصل له ترجيح أحد الطرفين ، لكن الظاهر أنّه إذا كان في السجدة مثلاً وعلم أنّه إذا رفع رأسه لا يفوت عنه الأمارات الدالّة على أحد الطرفين جاز له التأخير إلى رفع الرأس ، بل وكذا إذا كان في السجدة الأُولى مثلاً يجوز له التأخير إلى رفع الرأس من السجدة الثانية وإن كان الشكّ بين الواحدة والاثنتين (**) ونحوه من الشكوك الباطلة. نعم لو كان بحيث لو أخّر التروّي يفوت عنه الأمارات يشكل جوازه (***) خصوصاً في الشكوك الباطلة.

______________________________________________________

لا يمكن المصير إليه ، ولم يلتزم به أحد ، ولا فرق بين الزوال في الأثناء أو بعد الصلاة من هذه الجهة كما لا يخفى.

فاتّضح أنّ الأقوى هو البطلان وعدم جواز المضيّ على الشكّ في جميع موارد الشكوك الباطلة.

(١) قد عرفت سابقاً (١) عدم الدليل على وجوب التروّي ، فيرتّب الأثر من البطلان أو البناء على الأكثر بمجرّد عروض الشكّ ، وأمّا بناءً على الوجوب كما عليه الماتن فقد ذكر (قدس سره) أنّه لو عرض الشكّ وهو في السجدة مثلاً وعلم بعدم فوت الأمارات الدالّة على أحد الطرفين لو رفع الرأس جاز له تأخير

__________________

(*) مرّ أنّه لا يبعد عدم وجوبه.

(**) مرّ المنع فيه آنفاً.

(***) الظاهر جوازه في غير الشكوك الباطلة.

(١) في ص ٢١١ وما بعدها.


(٢٠٦١) مسألة ٢٥ : لو كان المسافر في أحد مواطن التخيير فنوى بصلاته القصر وشكّ في الركعات (١) بطلت وليس له العدول (*) إلى التمام والبناء على الأكثر ، مثلاً إذا كان بعد إتمام السجدتين وشكّ بين الاثنتين والثلاث لا يجوز له العدول إلى التمام والبناء على الثلاث على الأقوى ، نعم لو عدل إلى التمام ثمّ شكّ صحّ البناء.

______________________________________________________

التروّي إلى رفع الرأس ، وكذا يجوز التأخير من السجدة الاولى إلى رفع الرأس من السجدة الثانية ، من غير فرق في ذلك بين الشكوك الصحيحة والباطلة واستثنى من ذلك ما لو استوجب التأخير فوات الأمارات ، لإخلاله حينئذ بالتروّي الواجب عليه.

أقول : أمّا في الشكوك الباطلة فقد ظهر الحال ممّا قدّمناه في المسألة السابقة فإنّ المقام من فروع تلك المسألة ومترتّب عليها ، وحيث عرفت هناك عدم جواز المضيّ على الشكّ والبقاء على الاشتغال فيما لو علم بزوال الشكّ لدى الانتقال إلى حالة اخرى ، فكذا في المقام ، بل الحكم هنا بطريق أولى كما لا يخفى.

وأمّا في الشكوك الصحيحة فالظاهر جواز التأخير ما لم تفت عنه الأمارات لعدم المنافاة بين المضيّ والتروِّي ، نعم مع فواتها قطعاً أو احتمالاً لا يجوز التأخير لاستلزامه الإخلال بالتروّي ، وحيث عرفت أنّ الأقوى عدم وجوبه فلا مانع من التأخير مطلقاً في غير الشكوك الباطلة كما ظهر وجهه ممّا مرّ فلاحظ.

(١) كالشكّ بين الثنتين والثلاث بعد الإكمال ففي جواز العدول إلى التمام والبناء على الأكثر ، أو وجوبه فراراً عن لزوم الإبطال المحرّم بعد التمكن من إتمامها صحيحة ، أو عدم الجواز وجوه ، بل أقوال.

__________________

(*) الظاهر جوازه ، والأحوط الإعادة بعد الإتمام.


.................................................................................................

______________________________________________________

اختار الماتن (قدس سره) عدم الجواز ، نظراً إلى قصور دليل العدول عن الشمول لمثل المقام ، لاختصاصه بما إذا كانت الصلاة المعدول عنها صحيحة في حدّ نفسها مع قطع النظر عن العدول ، فيعدل عن صلاة صحيحة إلى مثلها ، ولا يعمّ ما إذا كان التصحيح مستنداً إلى العدول كما في المقام. فلا مناص من الحكم بالبطلان.

وهذا الكلام متين جدّاً بحسب الكبرى ، فيعتبر في جواز العدول المفروغية عن صحّة المعدول عنها لولا العدول ، ومن ثمّ لو شكّ في صلاة الفجر مثلاً بين الثنتين والثلاث أو الثنتين والأربع بعد الإكمال ليس له العدول منها إلى صلاة رباعية قضائية ثمّ البناء على الأكثر بلا إشكال. والسر أنّ دليل العدول لا يتكفّل التصحيح ، بل لا بدّ من إحراز الصحّة في مرتبة سابقة على العدول.

إلّا أنّ هذه الكبرى غير منطبقة على المقام ، والوجه فيه ما أشرنا إليه في بعض المباحث السابقة من أنّ مرجع التخيير بين القصر والتمام إلى إلغاء كلّ من الخصوصيتين وإيجاب القدر الجامع بينهما ، وأنّ له أن يسلّم على ركعتين أو أن يسلّم على الأربع ، فمتعلّق الوجوب ليس إلّا الجامع بين بشرط شي‌ء وبشرط لا ، وكلّ من خصوصيتي القصر والتمام خارجتان عن حريم الأمر ، كما هو الشأن في كلّ واجب تخييري ، من غير فرق بين التخيير العقلي والشرعي (١).

فالواجب في التخيير بين الخصال إنّما هو الجامع الانتزاعي المنطبق على كلّ من الأطراف ، فكلّ طرف مصداق لما هو الواجب ، لا أنّه بخصوصه متعلّق للوجوب ولو تخييراً ، وواضح أنّ اختيار المكلّف أحد الأطراف لا يوجب اتّصافه بالوجوب وتعلّق الأمر به بالخصوص ، بل الواقع باقٍ على حاله ولا يتغيّر ولا ينقلب عمّا هو عليه بسبب الأخذ والاختيار ، بل هو قبل الأخذ وبعده على حدّ سواء.

__________________

(١) شرح العروة ١٧ : ١٤٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : مرجع الوجوب التخييري إلى إلغاء الخصوصيات وتعلّق الأمر بالجامع ، المستلزم لأن يكون أمر التطبيق بيد المكلّف ، ولا ينصرف الأمر من الجامع إلى الفرد لدى اختيار التطبيق على أحد الأطراف ، بل حاله قبل التطبيق وبعده سيّان من هذه الجهة.

وعليه فاختيار المسافر الصلاة قصراً ونيّته لها لا يستوجب اتّصافها بالوجوب بل حاله بعد الشروع فيها كحاله قبله في كون الواجب إنّما هو الجامع بينها وبين التمام ، والتخيير الثابت من ذي قبل بعينه ثابت فعلاً ، من غير فرق بين ما قبل عروض الشكّ وما بعده.

وليس هذا من التخيير بين الصحيح والفاسد كما عن صاحب الجواهر (قدس سره) (١) ، لما عرفت من أنّ معنى التخيير إلغاء الخصوصيات وتعلّق الأمر بالجامع. وهذا المعنى باقٍ فعلاً كما كان ثابتاً قبلاً.

وعليه فلا مانع من شمول الإطلاق في دليل البناء على الأكثر لمثل المقام لأنّ الموضوع لهذا الحكم ليس هو الصلاة الرباعية بخصوصها ، بل كلّ صلاة لم تكن ثنائية ولا ثلاثية بمقتضى التخصيص بهما الثابت من الخارج.

وهذا الموضوع بعينه منطبق على المقام ، لما عرفت من أنّ الواجب على المسافر في مواطن التخيير ليس هو الصلاة الثنائية وإن اختارها ونواها خارجاً ، بل الجامع بينها وبين الرباعية ، فيشمله إطلاق الدليل ، ويجب عليه البناء على الأكثر من غير حاجة إلى نيّة العدول ، بل هو عدول قهري ، لكونه محكوماً بوجوب البناء على الأكثر بحكم الشارع ، المستلزم لإتمام الصلاة تماماً.

ومن هنا قد يقوى في بادئ النظر وجوب العدول ، لكونه مأموراً بالتمام بعد حكم الشارع بوجوب البناء على الأكثر بمقتضى إطلاق الدليل كما عرفت.

__________________

(١) الجواهر ١٢ : ٣٠٨.


[٢٠٦٢] مسألة ٢٦ : لو شكّ أحد الشكوك الصحيحة فبنى على ما هو وظيفته وأتمّ الصلاة ثمّ مات قبل الإتيان بصلاة الاحتياط فالظاهر وجوب قضاء أصل الصلاة عنه ، لكنّ الأحوط قضاء صلاة الاحتياط أوّلاً ثمّ قضاء أصل الصلاة ، بل لا يترك هذا الاحتياط (*) (١) ، نعم إذا مات قبل قضاء

______________________________________________________

لكنّ القول بالوجوب ضعيف ، لما أسلفناه من أنّ أدلّة الشكوك غير ناظرة إلى الوجوب التكليفي ، وإنّما هي مبيّنة لطريقة التصحيح من غير إلزام بالإتمام نعم يجب ذلك بناءً على القول بحرمة القطع ، للتمكّن من إتمام الصلاة حينئذ صحيحة ببركة الإطلاق في أدلّة البناء على الأكثر.

وكيف ما كان ، فالأقوى جواز العدول في المقام من غير حاجة إلى قيام دليل بالخصوص ، لعدم كونه عدولاً من صلاة إلى أُخرى مباينة معها ليدّعى توقّفه على إحراز الصحّة في الصلاة المعدول عنها مع قطع النظر عن العدول وإنّما هو عدول من أحد فردي الواجب إلى الآخر ، وجواز العدول في مثله مطابق للقاعدة كما عرفت بما لا مزيد عليه.

هذا كلّه حكم العدول إلى التمام بعد الشك ، وأمّا لو عدل أوّلاً ثمّ عرض الشكّ فلا ينبغي الإشكال في صحّة البناء على الأكثر كما أفاده في المتن ، اللهمّ إلّا أن يناقش في جواز العدول من القصر إلى التمام مطلقاً حتّى ولو لم يعرض شكّ كما عن بعضهم ، وإلّا فبناء على الجواز كما هو الصحيح على ما مرّ في محلّه (١) فلا ينبغي الإشكال في صحّة البناء.

(١) إن أُريد من الاحتياط في مفروض المسألة مجرّد إدراك الواقع الذي هو

__________________

(*) لا بأس بتركه.

(١) [بل سيأتي في شرح العروة ٢٠ : ٤٢١ ، نعم قد يستفاد مما تقدّم في المجلّد ١١ : ٢١٨].


الأجزاء المنسيّة التي يجب قضاؤها كالتشهّد والسجدة الواحدة فالظاهر كفاية قضائها وعدم وجوب قضاء أصل الصلاة (*) وإن كان أحوط ، وكذا إذا مات قبل الإتيان بسجدة السهو الواجبة عليه فإنّه يجب قضاؤها دون أصل الصلاة.

______________________________________________________

حسن على كلّ حال فلا بأس به ، وأمّا إن أُريد به الاحتياط الوجوبي بحيث إنّه لا يترك كما عبّر (قدس سره) به فهو بحسب الصناعة غير ظاهر الوجه.

فإنّ الصلاة الأصلية إن كانت تامّة بحسب الواقع لم تكن ذمّة الميت مشغولة بشي‌ء حتّى يقضى عنه ، وإن كانت ناقصة فهي غير قابلة للتدارك بركعة الاحتياط لا من قبل الميّت لفرض العجز ، ولا من قبل الولي ، لوضوح أنّ ركعات الصلاة ارتباطية ، ولا دليل على جواز النيابة في أبعاض الواجب الارتباطي.

فلو مات على الركعتين في الصلاة الرباعية ، أو صام فمات أثناء النهار فهل ترى مشروعية قضاء الركعتين الأخيرتين أو صوم بقية النهار عنه؟

وعلى الجملة : فالاحتياط الوجوبي بقضاء ركعة الاحتياط في المقام ممّا لم يعرف له وجه أصلاً (١) ، نعم الظاهر وجوب قضاء أصل الصلاة عن الميت كما

__________________

(*) الظاهر عدم وجوب قضاء الأجزاء المنسية وسجدتي السهو عن الميّت ، نعم لا يبعد وجوب قضاء أصل الصلاة في نسيان السجدة ، والأحوط ذلك في نسيان التشهّد.

(١) لا يخفى أنّ اعتراض سيّدنا الأُستاذ (دام ظله) إنّما يتّجه بناءً على أن تكون ركعة الاحتياط جزءاً متمّماً على تقدير النقص ، وأمّا بناءً على كونها صلاة مستقلّة كما يميل إليه الماتن (قدس سره) فاحتياطه حينئذ في محلّه كما لا يخفى ، وقد عرضناه عليه فأفاد (دام ظله) في توضيح المقام : أنّ أمر صلاة الاحتياط مردّد بين أن تكون نافلة أو


.................................................................................................

______________________________________________________

ذكره في المتن ، للشكّ في خروجه عن عهدة التكليف المعلوم بعد احتمال النقص في صلاته واقعاً ، فهي واجبة عليه ظاهراً بمقتضى قاعدة الاشتغال ، وقد فاتت عنه هذه الوظيفة الظاهرية وجداناً.

وقد سبق في محلّه (١) أنّ موضوع الفوت المحكوم بوجوب القضاء أعمّ من الوظيفة الواقعية والظاهرية. فلا مناص من وجوب قضائها عنه.

هذا كلّه في قضاء ركعة الاحتياط ، وأمّا ما عداها من الأجزاء المنسية التي يجب قضاؤها كالسجدة الواحدة والتشهّد وسجدة السهو لو فرض موته قبل الإتيان بها.

فالأخير لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب القضاء عنه ، لوضوح عدم كون سجدة السهو من الصلاة ولا من أجزائها في شي‌ء ، وإنّما هي واجب مستقل أُمر بها لإرغام الشيطان ، لا يقدح تركها في صحّة الصلاة حتّى عامداً وإن كان حينئذ آثماً فضلاً عن صورة العجز.

ومن المعلوم عدم نهوض دليل على قضاء كلّ واجب فات عن الميّت ، وإنّما يقضى ما فاته من صلاة أو صيام كما ورد في النصّ (٢) ، وقد عرفت أنّ السجدة المزبورة ليست من الصلاة في شي‌ء. وقد ظهر بما ذكرنا عدم وجوب قضاء أصل الصلاة أيضاً.

__________________

متمّمة سواء قلنا بأنّها على تقدير النقص جزء أو صلاة مستقلّة ، فانّ التتميم على كلا التقديرين مختصّ بما إذا أتى بها نفس المصلّي ، ولم يدلّ أيّ دليل على التتميم فيما إذا أتى بها شخص آخر. وإن شئت قلت : إنّ صلاة الاحتياط وإن كانت صلاة مستقلّة إلّا أنّها مع الصلاة الأصلية واجبة بوجوب واحد.

(١) شرح العروة ١٦ : ٨٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٥ وغيره.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا التشهّد المنسي فإن قلنا بعدم وجوب قضائه وأنّه لا يترتّب على نسيانه عدا سجدة السهو كما قوّيناه في محلّه (١) فقد ظهر حاله ممّا مرّ ، وإن قلنا بوجوب قضائه فحكمه [حكم] السجدة المنسيّة وستعرف.

وأمّا السجدة الواحدة المنسية فالظاهر عدم وجوب قضائها عنه ، فانّ المراد من قضائها بعد الصلاة معناه اللغوي أي الإتيان بها خارج الصلاة دون الاصطلاحي كما سبق في محلّه (٢) ، وعليه فهي واجبة بنفس الوجوب الضمني المتعلّق بالأجزاء ، فهي تلك السجدة الصلاتية بعينها ، غاية الأمر أنّ ظرفها ومحلّها قد تغيّر ، فاعتبر محلّها بعد السلام مع النسيان وقبله مع التذكّر ، وحينئذ يعود الكلام السابق من عدم الدليل على النيابة ومشروعية القضاء عن الغير في أبعاض الواجب الارتباطي.

ويمكن أن يقال : حيث إنّ الصلاة صدرت عن الميّت ناقصة لفقدانها للسجدة ولم تكن قابلة للتدارك فلا مناص من قضاء أصلها عنه ، وكذا الحال في التشهّد المنسي على القول باحتياجه إلى القضاء ، فانّ حكمه حكم السجدة المنسية في لزوم قضاء الأصل.

نعم ، بناءً على المختار من عدم الحاجة وكفاية سجدة السهو لم يجب القضاء عنه ، كما لا يجب قضاء سجدة السهو أيضاً على ما مرّت الإشارة إليه ، فلاحظ.

__________________

(١) في ص ٩٩.

(٢) في ص ٩٥.


فصل

في كيفية صلاة الاحتياط

وجملة من أحكامها مضافاً إلى ما تقدّم في المسائل السابقة.

[٢٠٦٣] مسألة ١ : يعتبر في صلاة الاحتياط جميع ما يعتبر في سائر الصلوات من الشرائط ، وبعد إحرازها ينوي ويكبّر للإحرام ويقرأ فاتحة الكتاب ويركع ويسجد سجدتين ويتشهّد ويسلّم ، وإن كانت ركعتين فيتشهّد ويسلّم بعد الركعة الثانية ، وليس فيها أذان ولا إقامة ولا سورة ولا قنوت ويجب فيها الإخفات في القراءة وإن كانت الصلاة جهرية حتّى في البسملة على الأحوط ، وإن كان الأقوى جواز الجهر بها بل استحبابه (١).

______________________________________________________

(١) يقع الكلام في كيفية صلاة الاحتياط تارة من حيث الشرائط وأُخرى من ناحية الإجزاء.

أمّا من حيث الشرائط : فلا إشكال في أنّه يعتبر فيها كلّ ما يعتبر في سائر الصلوات من الستر والاستقبال والطهارة من الحدث والخبث ونحو ذلك ، إذ هي بحسب الواقع إمّا جزء من الصلاة الأصلية أو نافلة مستقلّة ، وعلى أيّ تقدير فهي من الصلاة ، فيعتبر فيها كلّ ما يعتبر في طبيعي الصلاة.

وعليه فليس له أن يترك مراعاة الاستقبال مثلاً فيأتي بها إلى ناحية أُخرى مخالفة للصلاة الأصلية لدى تردّد القبلة بين الجهات الأربع ، وهذا في الجملة ممّا لا إشكال فيه.


.................................................................................................

______________________________________________________

إنّما الكلام فيما لو قلنا حينئذ بكفاية الصلاة إلى جهة واحدة وعدم الحاجة إلى تكرارها إلى الجهات الأربع ، وأنّه يجتزي في ظرف الشكّ بالقبلة الاحتمالية كما هو المختار على ما سبق في محلّه (١) فهل يجوز حينئذ التوجّه في صلاة الاحتياط إلى جهة أُخرى مخالفة لما توجّه إليه في الصلاة الأصلية؟

أمّا بناءً على كونها جزءاً متمّماً فلا ينبغي الإشكال في عدم الجواز ، لوضوح عدم إمكان التفكيك بين المتمَّم والمتمِّم في مراعاة الشرط. فإنّه بمثابة الإتيان في هذه الحالة ببعض الصلاة إلى ناحية والبعض الآخر إلى ناحية أُخرى وهو كما ترى.

وأمّا بناءً على كونها صلاة مستقلّة فقد يتوهّم الجواز ، نظراً إلى أنّهما صلاتان مستقلّتان فيلحق كلّ صلاة حكمها من التخيير بين الجهات.

ولكنّه واضح الدفع ، بداهة حصول العلم الإجمالي حينئذ ببطلان إحدى الصلاتين من أجل ترك مراعاة القبلة في إحداهما ، فإنّ القبلة إن كانت في الناحية التي توجّه إليها في الصلاة الأصلية فصلاة الاحتياط فاقدة للاستقبال وإن كانت بالعكس فبالعكس. ومن المعلوم أنّ تدارك النقص المحتمل إنّما يتحقّق بصلاة احتياط موصوفة بالصحّة ، دون ما إذا كانت محكومة بالبطلان ولو من أجل العلم الإجمالي.

وأمّا النيّة فلا إشكال أيضاً في اعتبارها فيها بمعنييها من القصد إلى العمل ومن قصد التقرّب. أمّا الأوّل فللزوم القصد إلى عنوان العمل الذي به يمتاز عن غيره ، فيقصد بها الركعة المردّدة بحسب الواقع بين كونها تداركاً على تقدير ونافلة على التقدير الآخر كما هو واقع الاحتياط ، وإلّا فعنوان الاحتياط لم يرد في شي‌ء من الأخبار. وأمّا الثاني : فلكونها عبادة ، ولا عبادة إلّا مع قصد

__________________

(١) شرح العروة ١١ : ٤٣٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

التقرّب. هذا كلّه من حيث الشرائط.

وأمّا من ناحية الإجزاء : أمّا تكبيرة الإحرام فالمعروف والمشهور بل لعلّه المتسالم عليه بين الأصحاب اعتبارها فيها ، إذ لم ينسب الخلاف إلى أحد ، وإن كان ظاهر المحكي (١) عن القطب الراوندي وجود الخلاف في المسألة ، وإن لم يعرف المخالف بشخصه.

وكيف ما كان ، فربما يتوهّم عدم الاعتبار ، نظراً إلى خلوّ الأخبار عن التعرّض لها ، مضافاً إلى أنّها في معرض الجزئية للصلاة الأصلية فينافيه التكبير ، لاستلزامه زيادة الركن.

ويردّه : أنّ الأخبار وإن كانت خالية عن ذكر التكبير صريحاً إلّا أنّ ذلك يستفاد منها بوضوح ، لأجل الترديد فيها بين التتميم على تقدير والنفل على التقدير الآخر ، فلا بدّ من الإتيان بها على وجه تصلح لوقوعها نافلة. ومن المعلوم أنّ هذه الصلاحية موقوفة على اشتمالها على تكبيرة الافتتاح ، إذ لا صلاة من دون افتتاح ، فانّ أوّلها التكبير كما أنّ آخرها التسليم ، من غير فرق بين الفريضة والنافلة.

وأمّا حديث الزيادة فيدفعه : أوّلاً : منع صدق الزيادة في المقام ، لتقوّمها بالإتيان بشي‌ء بقصد الجزئية للعمل المزيد فيه ، المفقود فيما نحن فيه ، إذ لم يقصد بها الافتتاح للصلاة الأصلية ، ولم يؤت بها بعنوان الجزئية لها ، بل يقصد بها واقعها من الافتتاح لصلاة النافلة على تقدير التمام والذكر المطلق على تقدير النقص كما هو معنى الاحتياط في المقام.

وثانياً : سلّمنا صدق عنوان الزيادة لكنّها مغتفرة في خصوص المقام بعد قيام الدليل على الإتيان بها حسبما عرفت من استفادته من نفس نصوص الباب ، فغاية ما هناك ارتكاب التخصيص في عموم دليل قدح الزيادة ، كما هو

__________________

(١) حكاه في الحدائق ٩ : ٣٠٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

الحال في السلام العمدي للصلاة الأصلية. فلا ينبغي التشكيك في لزوم الإتيان بتكبيرة الإحرام.

وأمّا فاتحة الكتاب فالمشهور تعيّن اختيارها ، بل ادّعي عليه الإجماع خلافاً للمحكي عن المفيد (١) والحلِّي (٢) من التخيير بينها وبين التسبيحات الأربع نظراً إلى قيامها مقام الركعة الثالثة أو الرابعة فيلحقها حكم المبدل منه.

وهو كما ترى ، لمنافاته مع التصريح بالفاتحة والأمر بها في غير واحد من النصوص (٣) ، الظاهر في التعيين. مضافاً إلى أنّها محتملة الاستقلال ، ولا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب.

وأمّا السورة فغير معتبرة لخلوّ النصوص ، بل غير مشروعة ، إذ المستفاد من نحو قوله (عليه السلام) في موثّق عمّار : «فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» (٤) لزوم الإتيان بها على النحو الذي نقص ومماثلاً للناقص المحتمل بحيث يصلح أن يقع متمّماً. ومن المعلوم عدم مشروعية السورة في الأخيرتين ، وهذا من غير فرق بين كونها جزءاً أو صلاة مستقلّة كما لا يخفى.

ومنه تعرف عدم مشروعية القنوت أيضاً ، إذ ليس فيما يظنّ نقصه أعني الأخيرتين قنوت ، ولأجل أنّه عبادة توقيفية قد قرّر له محلّ معيّن وهو الثانية من الأولتين فتحتاج مشروعيته فيما عداه إلى دليل مفقود.

وأوضح حالاً الأذان والإقامة فإنّهما غير مشروعتين إلّا للصلوات اليومية لا لأبعاضها ولا لما عداها من الصلوات الواجبة كصلاة الآيات ونحوها فضلاً عن النوافل. فصلاة الاحتياط سواء أكانت جزءاً متمّماً أم نافلة أم صلاة

__________________

(١) المقنعة : ١٤٦.

(٢) السرائر ١ : ٢٥٤.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١ ، ٢ وغيرهما.

(٤) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.


[٢٠٦٤] مسألة ٢ : حيث إنّ هذه الصلاة مردّدة بين كونها نافلة أو جزءاً أو بمنزلة الجزء فيراعي فيها جهة الاستقلال والجزئية ، فبملاحظة جهة الاستقلال يعتبر فيها النيّة وتكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة دون التسبيحات الأربعة ، وبلحاظ جهة الجزئية يجب المبادرة إليها بعد الفراغ من الصلاة وعدم الإتيان بالمنافيات بينها وبين الصلاة ، ولو أتى ببعض المنافيات فالأحوط إتيانها ثمّ إعادة الصلاة (*) (١).

______________________________________________________

مستقلّة واجبة لم يشرع لها الأذان ولا الإقامة ، لاختصاص دليل التشريع بالصلوات اليومية غير الشاملة لصلاة الاحتياط على كلّ تقدير.

وأمّا الإخفات في القراءة فالظاهر وجوبه وإن كانت الصلاة جهرية كما ذكر في المتن ، ويدلّ عليه قوله (عليه السلام) في موثّق عمّار : «فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» ، فانّ المستفاد منه لزوم الإتيان بركعة الاحتياط على نحو ما ظنّ أنّه قد نقص ، بحيث يصلح لوقوعه متمّماً وتداركاً للناقص ، ولا يتحقّق ذلك إلّا لدى الموافقة معه في الكيفية. فلا مناص من مراعاة الإخفات كما كان ثابتاً في الأخيرتين.

وأمّا الإخفات في البسملة فحكمه حكم البسملة في الركعتين الأخيرتين لو اختار فيهما القراءة كما ظهر وجهه ممّا مرّ ، فإن قلنا هناك بتعيّن الإخفات كان كذلك في المقام أيضاً ، وإن قلنا بجواز الجهر فكذلك ، وحيث إنّ الأقوى جواز الجهر ثمّة ، بل استحبابه كما سبق في محلّه (١) فكذا فيما نحن فيه ، وإن كان الأحوط رعاية الإخفات كما ذكره في المتن خروجاً عن شبهة الخلاف.

(١) ذكر (قدس سره) أنّ هذه الصلاة حيث إنّها مردّدة بحسب الواقع بين أن

__________________

(*) والأظهر جواز الاكتفاء بإعادة الصلاة.

(١) شرح العروة ١٤ : ٤٨٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

تكون جزءاً متمّماً وأن تكون نافلة مستقلّة فلا بدّ وأن يراعى فيها كلتا الجهتين أعني جهة الاستقلال وجهة الجزئية.

فبلحاظ الاستقلال تعتبر فيها النيّة وتكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة كما مرّ الكلام حول ذلك كلّه مستقصى.

وبلحاظ الجزئية تجب المبادرة إليها بعد الصلاة من غير فصل مضرّ بالهيئة الاتصالية ، وأن لا يأتي بالمنافيات بينها وبين الصلاة الأصلية من حدث واستدبار ونحوهما ، ولو أتى بذلك فالأحوط إتيانها ثمّ إعادة الصلاة ، رعاية للقول بوجوبها مستقلا ، وإلّا فعلى القول بكونها جزءاً متمّماً يقتصر على الإعادة ، هذا.

ولا يخفى أنّ حكمه (قدس سره) بوجوب المبادرة بعد الفراغ إنّما هو من أجل اعتبار التوالي بين الأجزاء ، حذراً من الفصل الطويل المخلّ بالهيئة الاتصالية الذي هو بنفسه من أحد المنافيات ، وإلّا فلا دليل على وجوب المبادرة في حدّ نفسها مع قطع النظر عن استلزام تركها لارتكاب المنافي.

وعليه فقوله (قدس سره) بعد ذلك : وعدم الإتيان بالمنافيات ، ليس حكماً آخر مغايراً لوجوب المبادرة ، بل الأوّل من مصاديق الثاني ، فعطفه عليه من قبيل عطف العام على الخاص ، وحينئذ فالاحتياط المذكور بعد ذلك من الإتيان بصلاة الاحتياط ثمّ الإعادة لو ارتكب المنافي عائد إلى كليهما ، وليس مختصّاً بالأخير ليورد عليه بعدم الموجب للتفكيك كما لا يخفى.

وكيف ما كان ، فقد وقع الخلاف بينهم في أنّ صلاة الاحتياط هل هي صلاة مستقلّة غير مرتبطة بالصلاة الأصلية ، وكلّ منهما عمل مستقلّ لا مساس لأحدهما بالآخر ، غير أنّهما وجبا بوجوب واحد ، فانقلبت الصلاة الرباعية التي اشتغلت بها الذمّة قبل عروض الشكّ إلى صلاتين مستقلّتين وهما الصلاة البنائية وصلاة الاحتياط لا ارتباط بينهما إلّا من حيث وحدة التكليف المتعلّق بهما ، نظير نذر صوم يومين أو نذر صوم يوم والإتيان بصلاة جعفر (عليه السلام)


.................................................................................................

______________________________________________________

في ذلك اليوم.

فكما أنّ صوم كلّ من اليومين أو الصلاة والصيام كلّ منهما عمل مستقلّ غير مرتبط أحدهما بالآخر وإن وجبا بوجوب واحد ناشئ من قبل النذر ، فكذا في المقام. ونتيجة ذلك جواز الفصل بينهما وعدم وجوب المبادرة كجواز الإتيان بسائر المنافيات. وهذا القول منسوب إلى ابن إدريس (١) وجماعة.

أو أنّها جزء متمّم من الصلاة الأصلية على تقدير النقص تتركّب الصلاة منهما كتركّبها من ركعاتها لولا عروض الشكّ ، كما أنّها نافلة على التقدير الآخر؟ ونتيجة ذلك وجوب المبادرة إليها وعدم جواز تخلّل المنافيات ، كما كان هو الحال بالنسبة إلى الركعات.

ثمّ إنّ أصحاب هذا القول قد اختلفوا ، فمنهم وهم المشهور ذهبوا إلى أنّ هذه الجزئية حقيقية واقعية ، وأنّ التكليف بأربع ركعات الثابت قبل طروء الشكّ قد انقلب واقعاً إلى التكليف بالصلاة البنائية المتعقّبة بركعة الاحتياط.

فتلك الركعة جزء حقيقي من الصلاة الأصلية على تقدير نقصها ، غاية الأمر أنّ ظرفها ومحلّها قد تغيّر وانقلب إلى ما بعد السلام ، وأنّ السلام كتكبيرة الإحرام يقع زائداً بحسب الواقع. فحال الركعة في المقام حال السجدة أو التشهّد المنسيّين اللّذَين تقدّم (٢) أنّ معنى قضائهما بعد السلام تبدّل محلّهما مع بقاء الأمر المتعلّق بهما على حاله.

ومنهم من ذهب إلى أنّ هذه الجزئية ظاهرية ، وأنّ الركعة المفصولة بمنزلة الجزء. فالانقلاب المزبور انقلاب ظاهري قرّره الشارع في مقام الأداء والتفريغ وإلّا فالتكليف المتعلّق بأربع ركعات التي اشتغلت بها الذمّة باقٍ على حاله

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٥٦.

(٢) في ص ٩٥ ، ٢٧١.


.................................................................................................

______________________________________________________

بحسب الواقع.

وقد بنى على هذا القول صاحب الكفاية (قدس سره) (١) عند تعرّضه للاستدلال على حجّية الاستصحاب بالأخبار ، وذكر أنّ البناء على الأكثر إنّما هو بلحاظ التشهّد والتسليم ، أمّا من حيث العدد فيبني على الأقل استناداً إلى الاستصحاب ، وأنّ أدلّة البناء على الأكثر لا تصادم حجّية الاستصحاب بل تعاضده ، غاية الأمر أنّها تستوجب التقييد في دليله بلزوم الإتيان بالركعة المشكوكة مفصولة ، لا موصولة كما كان يقتضيها دليل الاستصحاب لولا أدلّة البناء على الأكثر.

وهذان القولان لا ثمرة عملية بينهما ، للزوم المبادرة إلى الجزء أو ما هو بمنزلته ، وعدم جواز ارتكاب المنافي ، سواء أكان الانقلاب واقعيّاً أم ظاهريّاً وإنّما البحث عن ذلك علميّ محض ، بخلاف القول الأوّل كما عرفت.

وكيف ما كان ، فقد عرفت أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة : الاستقلال ، والجزئية الواقعية ، والجزئية الظاهرية.

أمّا القول الأوّل : فهو مخالف لظواهر النصوص جدّاً ، لقوله (عليه السلام) في موثّق عمّار : «فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» (٢) الظاهر في أنّ تلك الركعة متمّم لا أنّها عمل مستقل.

وأصرح منه قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي الواردة في من شكّ بين الاثنتين والأربع : «... فان كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع ...» إلخ (٣) ، ونحوها قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن أبي يعفور : «... وإن كان

__________________

(١) كفاية الأُصول : ٣٩٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع ، وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» (١).

فإنّهما كما ترى صريحتان في أنّ ركعتي الاحتياط جزء حقيقي على تقدير النقص ، وأنّهما تمام الأربع وبهما تتحقّق الركعة الثالثة والرابعة واقعاً. ومعه كيف يمكن دعوى الاستقلال وعدم الارتباط بالصلاة الأصلية. فهذا القول ساقط جزماً.

فيدور الأمر بين القولين الآخرين ، والأظهر منهما هو القول الأوّل.

أمّا بناءً على حرمة قطع الصلاة كما عليه المشهور فظاهر ، لامتناع بقاء الأمر الواقعي المتعلّق بأربع ركعات قبل عروض الشكّ على حاله لو فرض النقص واقعاً ، إذ ليس له رفع اليد عن هذه الصلاة حسب الفرض ، بل المتعيّن عليه البناء على الأربع بمقتضى أدلّة البناء على الأكثر والتسليم على الركعة الثالثة الواقعية الذي هو بنفسه مصداق لقطع الفريضة كما لا يخفى ، فلا يتيسّر له امتثال الأمر الواقعي المتعلّق بأربع ركعات.

ومن المقرّر في محلّه أنّ كلّ تكليف لا يكون قابلاً للامتثال لا يكون قابلاً للجعل ، فلا مناص من الالتزام بالانقلاب الواقعي ، وأنّ ذاك التكليف قد تبدّل وانقلب في صقع الواقع إلى التكليف بالصلاة البنائية المقرونة بركعة الاحتياط لامتناع بقاء الحكم الواقعي حينئذ على حاله ، وجعل حكم ظاهري في قباله كما عرفت.

وأمّا بناءً على القول بجواز القطع كما لا يبعد فلأنّ التكليف الواقعي وإن كان حينئذ قابلاً للامتثال برفع اليد عن هذه الصلاة والإتيان بصلاة اخرى ذات أربع ركعات ، فهو قابل للجعل ، إلّا أنّ له إتمام هذه الصلاة بالبناء على الأكثر بمقتضى أدلّته والإتيان بركعة الاحتياط.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.


ولو تكلّم سهواً فالأحوط الإتيان بسجدتي السهو (١).

______________________________________________________

فلو فرضنا أنّه انكشف له بعد الإتيان بها نقصان الصلاة الأصلية لم تجب عليه الإعادة ، وصحّت صلاته بلا إشكال ، لظواهر النصوص المعتضدة بظهور الاتفاق عليه ، وأنّ ما أتى به مجزٍ عمّا اشتغلت به الذمّة. وهذا كما ترى لا يكاد يجتمع مع المحافظة على الحكم الواقعي وأنّ البناء على الأكثر والإتيان بركعة مفصولة حكم ظاهري مقرّر في ظرف الشكّ يجتزى به في مرحلة الأداء والتفريغ.

وذلك لما هو المبيّن في محلّه (١) من أنّ إجزاء الحكم الظاهري عن الواقع منوط ومراعى بعدم انكشاف الخلاف. فالحكم بالإجزاء حتّى مع استبانة الخلاف لا يكاد يعقل إلّا مع الالتزام بالانقلاب في الحكم الواقعي ، وأنّ ما هو المجعول في نفس الأمر هو التخيير بين الإتيان بأربع ركعات أو بثلاث في ظرف الشكّ مع ركعة مفصولة.

ومرجع ذلك إلى ارتكاب التخصيص في دليل مخرجية السلام كدليل مبطلية التكبير الزائد ، وإلّا فلا يعقل الإجزاء مع عموم دليلي الخروج والإبطال. فلا مناص من الالتزام بالانقلاب الواقعي في هذين الحكمين ، وأنّ السلام والتكبير يفرضان كالعدم لدى نقص الصلاة واقعاً.

ونتيجة ذلك كون ركعة الاحتياط جزءاً حقيقياً من الصلاة الأصلية في متن الواقع ، لا أنها بمنزلة الجزء ظاهراً كما لا يخفى. وعليه فيحرم عليه وضعاً فعل المنافي الذي منه الفصل الطويل ، وبناءً على حرمة الإبطال يحرم عليه تكليفاً أيضاً ، ولو فعل ليس عليه إلّا الإعادة.

(١) يمكن أن يستدلّ له بقوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة ابن أبي يعفور

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٢٥١ وما بعدها.


.................................................................................................

______________________________________________________

المتقدّمة : «وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» (١) فانّ هذه الفقرة غير ناظرة إلى التكلّم أثناء الصلاة الأصلية عند عروض الشكّ ، ضرورة أنّ هذا من أحكام تلك الصلاة ، ولا مساس له بما هو بصدده من بيان وظيفة الشاكّ بين الثنتين والأربع بما هو كذلك. ومعلوم أنّ أحكام الصلاة كثيرة لا وجه لتخصيص هذا الحكم من بينها بالذكر ، كما أنّها غير ناظرة أيضاً إلى التكلّم أثناء صلاة الاحتياط لعدم دلالة بل ولا إشعار فيها على ذلك.

بل الظاهر بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع كونها ناظرة إلى التكلّم فيما بين الصلاتين ، فانّ هذا هو الذي يحتاج إلى التنبيه عليه ، ويكون التعرّض له من شؤون التصدّي لبيان وظيفة الشاكّ المزبور.

وغرضه (عليه السلام) الإيعاز إلى عدم فراغ ذمّته عن الصلاة الأصلية بمجرّد التسليم على الركعة البنائية ، لجواز نقص الصلاة واقعاً المستلزم لكونه بعد في الصلاة ، ولأجله تجب عليه سجدتا السهو لو تكلّم لوقوعه حينئذ في أثناء الصلاة حقيقة. وهذا يؤكّد ما استظهرناه من كون ركعة الاحتياط جزءاً حقيقياً متمّماً على تقدير النقص ، هذا.

ومع التنزّل وتسليم عدم ظهور الصحيحة في التكلّم فيما بين الصلاتين خاصّة فلا أقلّ من الإطلاق الشامل له وللتكلّم أثناء كلّ من الصلاتين ، إذ لا يحتمل التخصيص بما عدا الأوّل كما لا يخفى. فيصحّ الاستدلال بها ويتمّ المطلوب على كلا التقديرين.

هذا كلّه في التكلّم السهوي ، وأمّا العمدي المعدود من المنافي فقد مرّ بطلان الصلاة به وأنّه لا يجوز وضعاً (٢) ، بل وتكليفاً أيضاً على القول بحرمة الإبطال.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.

(٢) شرح العروة ١٥ : ٤٣٧ وما بعدها.


والأحوط ترك الاقتداء فيها (*) ولو بصلاة احتياط خصوصاً مع اختلاف سبب احتياط الإمام والمأموم ، وإن كان لا يبعد جواز الاقتداء مع اتّحاد السبب وكون المأموم مقتدياً بذلك الإمام في أصل الصلاة (١).

______________________________________________________

(١) المقتدي في صلاة الاحتياط قد يكون منفرداً في صلاته الأصلية وقد يكون مؤتماً فيها.

أمّا في الفرض الأوّل : فلا يجوز الاقتداء ، سواءً أكانت صلاة الإمام صلاة احتياط أيضاً أم صلاته الأصلية.

أمّا الأوّل : فلاحتمال أن تكون صلاة المأموم ناقصة واقعاً وصلاة الإمام تامّة إذ على هذا التقدير تحتسب الصلاة الصادرة من الإمام نافلة ، ولا يجوز ائتمام مصلّي الفرض بمصلّي النفل ، فلم تحرز صحّة صلاة الإمام واقعاً كي يقتدى به.

وأمّا الثاني : فلأنّ صلاة المأموم مردّدة بين أن تكون نافلة أو جزءاً متمّماً ولا يصحّ الاقتداء على التقديرين. أمّا الأوّل فلعدم مشروعية الجماعة في النافلة وأمّا الثاني فلعدم جواز الائتمام في الأثناء ، فهو بمثابة ما لو صلّى ثلاث ركعات من الظهر مثلاً منفرداً وأراد الاقتداء في الركعة الرابعة ، فإنّه غير جائز بلا إشكال.

وأمّا الفرض الثاني : أعني ما لو كان مؤتماً في صلاته الأصلية فعرض الشكّ لكلّ من الإمام والمأموم وأراد الاقتداء به في صلاة الاحتياط أيضاً وكلاهما في صلاة واحدة ، فقد يكون ذلك مع الاختلاف في الشكّ الموجب للاحتياط ، وأُخرى مع اتحاد السبب.

أمّا في صورة الاختلاف كما لو شكّ أحدهما بين الثلاث والأربع والآخر بين الثنتين والأربع بحيث لم يجز رجوع أحدهما إلى الآخر لتباين الشكّين ، ففي

__________________

(*) بل الأظهر عدم الجواز في بعض الصور.


[٢٠٦٥] مسألة ٣ : إذا أتى بالمنافي قبل صلاة الاحتياط ثمّ تبيّن له تمامية الصلاة لا تجب إعادتها (١).

______________________________________________________

مثله لا يجوز الائتمام ، لعلم المأموم إجمالاً بأنّ إحدى صلاتي الاحتياط الصادرتين منه ومن الإمام لا أمر بها في الواقع ، إذ المفروض تساويهما في الصلاة ومتابعته إيّاه في الركعات. فلا تحتمل الصحّة في كلا الشكّين بحيث يحكم بالجزئية لكلتا الصلاتين ، بل إحداهما نافلة وليست بجزء قطعاً ، ولا جماعة في النافلة.

وأمّا في صورة اتّحاد السبب كما لو شكّ كلّ منهما بين الثلاث والأربع فقد يتخيّل جواز الائتمام حينئذ ، نظراً إلى أنّ صلاة الاحتياط متمّمة للصلاة الأصلية فلا مانع عن الائتمام فيها ، كالائتمام في الركعة الأخيرة من نفس الصلاة الأصلية ، فيحصل بها الجبر على تقدير النقص.

ولكن الظاهر عدم الجواز أيضاً كما في الصور السابقة ، لعدم الدليل على مشروعية الجماعة في مثل هذه الصلاة ، إذ المفروض تردّدها بين الجزئية والنافلة ولم يرد دليل على مشروعية الجماعة فيما يحتمل فيه النافلة.

وبعبارة اخرى : المتمّم هو ما جعله الشارع تداركاً ، ومورده خاصّ بما إذا أتى بعمل يحكم بصحّته على التقديرين ، أي تقدير كونه نافلة أو غير نافلة وأنّه مشروع على أيّ حال ، وهذا غير متحقّق في المقام ، لجواز أن تكون نافلة ولا تشرع الجماعة في النافلة.

فتحصّل : أنّ الأظهر عدم جواز الائتمام في جميع الصور ، وإن كان مناط المنع مختلفاً ، لاختصاص كلّ منها بوجه دون الآخر حسبما عرفت ، وإن كان الوجه الأخير يجري في الجميع ويشترك فيه الكلّ كما لا يخفى فلاحظ.

(١) بلا إشكال ، لصحّة الصلاة واقعاً ، فإنّ ركعة الاحتياط إنّما وجبت على


[٢٠٦٦] مسألة ٤ : إذا تبيّن قبل صلاة الاحتياط تمامية الصلاة لا يجب الإتيان بالاحتياط.

[٢٠٦٧] مسألة ٥ : إذا تبيّن بعد الإتيان بصلاة الاحتياط تمامية الصلاة تحسب صلاة الاحتياط نافلة ، وإن تبيّن التمامية في أثناء صلاة الاحتياط جاز قطعها ، ويجوز إتمامها نافلة ، وإن كانت ركعة واحدة ضمّ إليها ركعة أُخرى (١).

______________________________________________________

تقدير الحاجة ، المتقوّمة باحتمال النقص وكونها متمّمة حينئذ كما نطقت به النصوص من صحيحتي الحلبي وابن أبي يعفور (١) ونحوهما ، فاذا انكشف عدم الحاجة إلى التتميم فلا مانع من وجود المنافي قبل ذلك ، إذ لا مقتضي للإتيان بركعة الاحتياط حينئذ كما هو ظاهر جدّاً.

ومنه يظهر حال المسألة الآتية وأنّه لو تبيّن التمامية قبل صلاة الاحتياط لا يجب الإتيان بها ، لعدم المقتضي لها بعد انكشاف عدم الحاجة إليها.

(١) أمّا إذا كان التبيّن المزبور بعد صلاة الاحتياط فلا إشكال في احتسابها نافلة كما هو صريح النصوص ، وأمّا إذا كان أثناءها فلا إشكال أيضاً في جواز قطعها ورفع اليد عنها ، إذ بعد انكشاف عدم الحاجة وكونها نافلة في هذا التقدير كما نطقت به النصوص يجري عليها حكم مطلق النوافل الذي منه جواز القطع.

وهل يجوز له إتمامها نافلة أم يتعيّن القطع؟ وعلى الأوّل فهل يتعيّن إتمامها ركعتين أم تكفي ركعة واحدة؟

الظاهر جواز الإتمام ، فإنّ الدليل كما دلّ على أنّ مجموع الركعة نافلة دلّ على

__________________

(١) وقد تقدّم نصّ الاولى ومصدر الثانية في ص ١٩٠.


[٢٠٦٨] مسألة ٦ : إذا تبيّن بعد إتمام الصلاة قبل الاحتياط أو بعدها أو في أثنائها زيادة ركعة (١) كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع والخمس (*) فبنى على الأربع ثمّ تبيّن كونها خمساً يجب إعادتها مطلقاً.

______________________________________________________

أنّ البعض منها أيضاً كذلك ، فهي من أوّل الأمر وحين انعقادها اتّصفت بالنفل. فلا قصور في شمول الدليل المتضمّن لكون هذه الصلاة نافلة على تقدير التمام لأبعاضها والأجزاء الصادرة منها قبل التبيّن ، فله الاسترسال فيها وإتمامها نافلة.

نعم ، ليس له الإتمام على الركعة ، لقصور الدليل من هذه الجهة ، فإنّه إنّما دلّ على الإتيان بها ركعة واحدة لمكان التدارك ورعاية للنقص المحتمل كي تكون جزءاً متمّماً على هذا التقدير ، والمفروض انتفاء هذا التقدير وعدم احتمال النقص فذاك الدليل لا يشمل المقام لعدم احتمال التدارك بها.

إذن فجواز التسليم في الركعة الأُولى يحتاج إلى الدليل ، وحيث لا دليل فيرجع إلى إطلاق ما دلّ على أنّ النافلة إنّما يؤتى بها ركعتين ركعتين (١) إلّا ما ثبت خروجه بدليل خاصّ نقصاً كصلاة الوتر أو زيادة كصلاة الأعرابي إن ثبتت.

وبالجملة : فتلك المطلقات غير قاصرة الشمول للمقام بعد ما عرفت من قصور دليل ركعة الاحتياط المتضمّن للتسليم على الركعة عن الشمول لما نحن فيه. إذن لا مناص من ضمّ ركعة أُخرى والتسليم على الركعتين.

(١) كما لو شكّ بين الثلاث والأربع ، وبعد الإتمام قبل الاحتياط أو بعدها أو أثناءها انكشف أنّه سلّم على الخمس ، فإنّه يحكم ببطلانها مطلقاً ، لوضوح أنّ زيادة الركعة ولو سهواً تستوجب البطلان. وركعة الاحتياط إنّما شرّعت تداركاً

__________________

(*) هذه الكلمة من سهو القلم أو من غلط النسّاخ.

(١) الوسائل ٤ : ٦٣ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ٢.


[٢٠٦٩] مسألة ٧ : إذا تبيّن بعد صلاة الاحتياط نقصان الصلاة فالظاهر عدم وجوب إعادتها (١) وكون صلاة الاحتياط جابرة ، مثلاً إذا شكّ بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع ثمّ بعد صلاة الاحتياط تبيّن كونها ثلاثاً صحّت وكانت الركعة عن قيام أو الركعتان من جلوس عوضاً عن الركعة الناقصة.

______________________________________________________

للنقص دون الزيادة ، هذا.

وفي عبارة العروة بعد بيان الكبرى زيدت في جميع الطبعات كلمة (الخمس) بعد الأربع. والظاهر أنّ هذا سهو من قلمه الشريف أو من النسّاخ كما أشرنا إليه في التعليقة.

والصحيح فرض الشكّ بين الثلاث والأربع كما ذكرنا ، لا بإضافة الخمس ، إذ لا ربط له بمحلّ الكلام ، فانّ موضع البحث والذي يدور عليه الأمر انكشاف الزيادة بعد الصلاة ، ففرض كون الخمس طرفاً للشكّ أجنبي عن هذه الجهة بالكلّية.

بل ربما يوجب البطلان في بعض الصور كما لو كان الشكّ المزبور في غير حال القيام ، ولو فرض الشكّ في حال القيام وجب عليه الهدم فيرجع إلى الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فيزول احتمال الخمس. وفرض انكشاف خمس لم يكن محتملاً حال الشكّ تكلّف في تكلّف كما لا يخفى.

(١) بلا خلاف معتدّ به ، وتقتضيه ظواهر النصوص المتضمّنة لكون الركعة جابرة على تقدير النقص كصحيحتي الحلبي وابن أبي يعفور (١) وغيرهما ، فانّ مقتضى الإطلاق فيها عدم الفرق في تحقّق الجبر بين صورتي انكشاف النقص

__________________

(١) وقد تقدّم نصّ الاولى ومصدر الثانية في ص ١٩٠.


[٢٠٧٠] مسألة ٨ : لو تبيّن بعد صلاة الاحتياط نقص الصلاة أزيد ممّا كان محتملاً كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع وصلّى صلاة الاحتياط فتبيّن كونها ركعتين وأنّ الناقص ركعتان فالظاهر عدم كفاية صلاة الاحتياط ، بل يجب عليه إعادة الصلاة (*) ، وكذا لو تبيّنت الزيادة عمّا كان محتملاً كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع فبنى على الأربع وأتى بركعتين للاحتياط فتبيّن كون صلاته ثلاث ركعات. والحاصل : أنّ صلاة الاحتياط إنّما تكون جابرة للنقص الذي كان أحد طرفي شكّه ، وأمّا إذا تبيّن كون الواقع بخلاف كلّ من طرفي شكّه فلا تكون جابرة (١).

______________________________________________________

وعدمه ، بل صريح قوله (عليه السلام) في رواية عمّار : «وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت» (١) تحقّق الجبر لدى تبيّن النقص وتذكّره أيضاً. فلا إشكال في المسألة.

(١) قد ينكشف بعد الصلاة تماميتها ، وأُخرى زيادتها بركعة ، وثالثة نقصانها. أمّا التمامية فقد مرّ الكلام حولها في المسألة الخامسة وما قبلها ، وأمّا الزيادة فقد مرّ في المسألة السادسة. وأمّا النقصان فقد ينكشف بعد صلاة الاحتياط ، وأُخرى قبلها ، وثالثة أثناءها. وقد مرّ الأوّل في المسألة السابقة ، وسيجي‌ء الثاني في المسألة الآتية ، والثالث فيما بعدها.

ثمّ إنّ النقص المنكشف قد يكون مطابقاً لأحد طرفي الشكّ وقد مرّ حكمه

__________________

(*) إذا كان المأتي به ركعة واحدة وانكشف بعد الإتيان بها قبل الإتيان بالمنافي النقص بركعتين فالظاهر جواز ضمّ ركعة أُخرى إليها بلا حاجة إلى إعادة الصلاة ، نعم لا بدّ من سجدتي السهو مرّتين لزيادة السلام كذلك.

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

واخرى مخالفاً أمّا بالزيادة عمّا كان محتملاً أو بالنقيصة عنه ، وهذه المسألة متعرّضة لحكم هاتين الصورتين اللّتين هما من متمّمات المسألة السابقة وملحقاتها. فنقول :

قد ينكشف نقصان الصلاة أزيد ممّا كان محتملاً ، كما لو شكّ بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع وصلّى صلاة الاحتياط فتبيّن كونها ركعتين وأنّ الناقص ركعتان ، فكان النقص المنكشف أزيد من صلاة الاحتياط.

وقد ينعكس الأمر فيتبيّن أنّ النقص أقل ممّا كان محتملاً ، كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع فبنى على الأربع وأتى بركعتي الاحتياط فتبيّن كون صلاته ثلاث ركعات ، فكان يحتمل النقص بركعتين فانكشف أنّ الناقص ركعة واحدة.

والحاصل : أنّ النقص المنكشف قد يكون بمقدار صلاة الاحتياط المأتي بها وأُخرى أزيد منها ، وثالثة أقل. أمّا الأوّل فلا إشكال في الصحّة كما مرّ ، وأمّا في الأخير فالظاهر البطلان كما أفاده في المتن ، لزيادة الركعة المانعة عن حصول التدارك ، فلا يمكن تدارك الركعة الواحدة التي اشتغلت بها الذمّة بهاتين الركعتين.

واحتمال إلغائهما والإتيان بركعة أُخرى ممّا لا وجه له ، لاشتمالهما على الركوع والسجود المتخلّلين في البين الموجبين للبطلان ، وقد ذكرنا مراراً أنّ البطلان بزيادة الركوع والسجود لا يتوقّف على قصد الجزئية ، بل تكفي الزيادة الصورية فضلاً عن مثل صلاة الاحتياط المتضمّنة للقصد على تقدير النقص كما هو معنى الاحتياط على ما سبق والمفروض تحقّق التقدير.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي الإشكال في البطلان في هذه الصورة ، لعدم انطباق الناقص على المأتي به ، وعدم إمكان التدارك بعدئذ كما عرفت.

إنّما الكلام في عكس ذلك أعني الصورة الثانية ، وهي ما إذا كان النقص أزيد من صلاة الاحتياط ، كما لو احتاط بركعة فتبيّن أنّ الناقص ركعتان ، فقد


.................................................................................................

______________________________________________________

حكم في المتن بالبطلان في هذه الصورة أيضاً ، نظراً إلى أنّ ركعة الاحتياط إنّما تكون جابرة للنقص الذي كان أحد طرفي الشكّ بحيث يحتمل الانطباق عليه أمّا مع انكشاف كونها على خلاف كلّ من طرفي الشكّ كما هو المفروض فلا يجبر بها النقص. ولا مجال للتدارك بعدئذ ، لمكان الفصل.

وفيما أفاده (قدس سره) نظر ظاهر ، إذ لا مانع من اتصاف المأتي به بالجزئية وانضمام ركعة أُخرى إليها إلّا من حيث تخلّل التكبير والتسليم ، وإلّا فتلك الركعة في نفسها غير قاصرة عن صلاحية الجزئية ، إذ المفروض الإتيان بها بعنوان جامع بين النافلة والجزئية كما هو معنى الاحتياط ، فلا إشكال من ناحية القصد والنيّة بناءً على ما هو الصحيح من أنّ ركعة الاحتياط جزء حقيقي على تقدير النقص ، وقد تحقّق التقدير حسب الفرض.

فليس في البين ما يوهم القدح عدا زيادة التكبير والتسليم كما عرفت. وشي‌ء منهما غير قادح في المقام.

فإنّ زيادة التكبير لم تكن عمدية بعد أن كانت بإذن من الشارع الآمر بالإتيان بركعة مفصولة رعاية لعدم اختلاط المشكوك فيها بالصلاة الأصلية. فمثل هذه الزيادة لا دليل على كونها مبطلة.

وأمّا التسليم فهو غير مخرج قطعاً ، لوقوعه في غير محلّه سهواً ، من غير فرق بين التسليم الواقع في الصلاة الأصلية والواقع في ركعة الاحتياط ، فإنّ الأوّل إنّما صدر بعد البناء بحكم الشارع على أنّها رابعة ، والثاني صدر باعتقاد الأمر بركعة الاحتياط ، وقد تبيّن الخلاف في كلّ منهما وانكشف أنّه بعد في الصلاة فكلاهما قد وقعا في غير محلّهما سهواً.

فليس في البين عدا الزيادة في السلامين ، فيأتي بسجدتي السهو مرّتين بعد انضمام الركعة الأُخرى ويتمّ صلاته ولا شي‌ء عليه ، إذ ليس ثمّة ما يستوجب البطلان بوجه.


[٢٠٧١] مسألة ٩ : إذا تبين قبل الشروع في صلاة الاحتياط نقصان صلاته لا تكفي صلاة الاحتياط (١) ، بل اللّازم حينئذ إتمام ما نقص وسجدتا السهو للسلام في غير محلّه إذا لم يأت بالمنافي ، وإلّا فاللّازم إعادة الصلاة. فحكمه حكم من نقص من صلاته ركعة أو ركعتين على ما مرّ سابقاً.

[٢٠٧٢] مسألة ١٠ : إذا تبيّن نقصان الصلاة في أثناء صلاة الاحتياط (٢)

______________________________________________________

نعم ، لو كان احتياطه بركعتين جالساً بطلت صلاته ، إذ لا دليل على البدلية وقيامها مقام الركعة الناقصة إلّا فيما إذا احتمل انطباق الناقص عليهما ، أمّا مع العلم بعدم الانطباق وانكشاف الخلاف كما هو المفروض فلا دليل على البدلية فالركعتان زائدتان ، وتخلّلهما يمنع عن إمكان التدارك.

(١) فانّ مورد تشريعها ما إذا كان الشكّ باقياً إلى ما بعد الصلاة ، بحيث تكون مردّدة بين الجبر على تقدير والنفل على التقدير الآخر ، فلا تشمل الأدلّة صورة العلم بالنقيصة.

وعليه فاللّازم إتمام ما نقص ، لكون المقام في حكم من تذكّر النقص ، فانّ التسليم الصادر إنّما يكون مفرغاً بحسب الواقع إذا كان واقعاً في محلّه ، والمفروض انكشاف الخلاف ، فهو غير متّصف بالمفرغية ، وإن كان معذوراً في الإتيان به بمقتضى الوظيفة الشرعية ، فهو في حكم السهو فيسجد سجدتي السهو للسّلام الزائد الواقع في غير محلّه إذا لم يكن مرتكباً للمنافي ، وإلّا فاللّازم إعادة الصلاة كما أفاده في المتن.

(٢) قسّم (قدس سره) مفروض المسألة إلى صور أربع ، إذ ما بيده من ركعة الاحتياط قد يكون موافقاً لما نقص من الصلاة كمّاً وكيفاً ، وأُخرى مخالفاً له فيهما ، وثالثة موافقاً له في الكيف دون الكم ، ورابعة عكس ذلك ، وأمثلة الكلّ


فإمّا أن يكون ما بيده من صلاة الاحتياط موافقاً لما نقص من الصلاة في الكمّ والكيف كما في الشكّ بين الثلاث والأربع إذا اشتغل بركعة قائماً وتذكّر في أثنائها كون صلاته ثلاثاً ، وإمّا أن يكون مخالفاً له في الكمّ والكيف كما إذا اشتغل في الفرض المذكور بركعتين جالساً فتذكّر كونها ثلاثاً ، وإمّا أن يكون موافقاً له في الكيف دون الكمّ ، كما في الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع إذا تذكر كون صلاته ثلاثاً في أثناء الاشتغال بركعتين قائماً ، وإمّا أن يكون بالعكس كما إذا اشتغل في الشكّ المفروض بركعتين جالساً بناءً على جواز تقديمهما وتذكّر كون صلاته ركعتين ، فيحتمل إلغاء صلاة الاحتياط في جميع الصور والرجوع إلى حكم تذكّر نقص الركعة ، ويحتمل الاكتفاء بإتمام صلاة الاحتياط في جميعها ، ويحتمل وجوب إعادة الصلاة في الجميع ويحتمل التفصيل بين الصور المذكورة (*). والمسألة محلّ إشكال ، فالأحوط

______________________________________________________

مذكورة في المتن.

وقد احتمل (قدس سره) في المسألة وجوهاً أربعة : إلغاء صلاة الاحتياط والإدراج تحت كبرى تذكّر النقص. والاكتفاء بها بإتمام صلاة الاحتياط في جميع تلك الصور ، تمسّكاً بعموم أدلّتها المقتضي لكفاية مجرّد حدوث الشكّ. وعدم شمول كلا الأمرين فيخرج المقام عن كلتا الكبريين ، ونتيجته وجوب الإعادة

__________________

(*) هذا هو الأظهر ، ففي كلّ مورد أمكن فيه إتمام الصلاة ولو بضمّ ما أتى به من صلاة الاحتياط إلى أصل الصلاة أتمّها ، فإذا شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع فانكشف كونها ثلاثاً قبل الدخول في ركوع الركعة الثانية من صلاة الاحتياط ألغى الزائد وأتمّ ما نقص ، وكذلك إذا شكّ بين الثلاث والأربع فانكشف كونها ثلاثاً قبل الدخول في ركوع الركعة الاولى من الركعتين عن جلوس ، فإنّه يلغي ما أتى به ويأتي قائماً بركعة متّصلة ، وأمّا ما لا يمكن فيه إتمام الصلاة فالأظهر فيه وجوب الإعادة.


الجمع بين المذكورات بإتمام ما نقص ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط ثمّ إعادة الصلاة ، نعم إذا تذكّر النقص بين صلاتي الاحتياط في صورة تعدّدها مع فرض كون ما أتى به موافقاً لما نقص في الكمّ والكيف لا يبعد الاكتفاء به كما إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع وبعد الإتيان بركعتين قائماً تبيّن كون صلاته ركعتين.

______________________________________________________

في الجميع. والتفصيل بين الصور المذكورة بالاكتفاء في الموافق في الكم والكيف دون المخالف. ولم يرجّح شيئاً من هذه الوجوه.

نعم ، فيما لو وجبت عليه صلاتان للاحتياط كما في موارد الشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع وقد تذكّر النقص بينهما الذي هو أيضاً من تذكّر النقص أثناء صلاة الاحتياط ، أي طبيعيها لم يستبعد (قدس سره) الاكتفاء لدى الموافقة في الكم والكيف ، كما لو تبيّن بعد الإتيان بركعتين قائماً كون صلاته ركعتين.

أقول : أمّا ما ذكره (قدس سره) في الصورة الأخيرة فهو الأظهر ، بل احتمال خلافه بعيد جدّاً ، لدلالة الأخبار على أنّ صلاة الاحتياط جابرة للنقص المحتمل وبما أنّ لاحتماله هنا طرفين من ركعة أو ركعتين ، فلو كان الناقص في الواقع ركعتين فقد تداركهما الشارع بهاتين الركعتين المفصولتين وجعلهما مكان الموصولتين ومعه لا حاجة للإتيان بركعة أُخرى للاحتياط إلّا احتمال كون الناقص ركعة واحدة ، فإذا انتفى هذا الاحتمال بالعلم الوجداني بكون الناقص ركعتين كما هو المفروض فلا مقتضي للإتيان بها أبداً. واحتمال كون مجموع الاحتياطين تداركاً للنقص المحتمل لعلّه مقطوع العدم.

وبعبارة اخرى : الشكّ المزبور من الشكّ المركّب من الثنتين والأربع والثلاث والأربع ، وقد رتّب حكم الأوّل وانكشف بعد ذلك أنّها ناقصة بركعتين فقد حصل التدارك. وأمّا الشكّ الثاني فقد ارتفع موضوعه وزال ، ومعه لا مجال


.................................................................................................

______________________________________________________

للإتيان بركعة الاحتياط.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) في الصورة الاولى من الوجوه الأربعة المتقدّمة فالظاهر أنّ هنا وجهاً خامساً وهو التفصيل بغير ما ذكر.

فانّ احتمال الإلغاء لا يمكن الالتزام به (١) ، إذ لا موجب لرفع اليد عمّا اتي به من الركوع والسجود ، وكيف يمكن الحكم بإلغاء مثل ذلك ليرجع بعدئذ إلى حكم تذكّر النقص.

وأمّا التمسّك بعموم أدلّة الاحتياط فهو أيضاً ساقط ، لوضوح أنّها وظيفة الشاكّ بحيث تكون الركعة مردّدة بين الفريضة والنافلة. وهذا لا موضوع له بعد فرض انكشاف الخلاف. ومع ذلك كلّه لا يحكم بالبطلان ، بناءً على ما هو الصحيح من أنّ الركعة على تقدير الحاجة جزء حقيقي من الفريضة وليست بصلاة مستقلّة ، وإن تخلّل السلام والتكبير في البين ، فانّ زيادتهما غير قادحة حسبما سبق.

إذن فمع فرض النقص قد حصل التقدير واستبان الاحتياج فتقع جزءاً لا محالة ، وحينئذ فإن أمكن التتميم ولو بضم شي‌ء آخر حكم بالصحّة ، وإلّا فبالبطلان.

فلو كان شاكّاً بين الثلاث والأربع ، فبنى على الأربع وأتى بركعة قائماً ، وفي الأثناء تذكّر أنّها ثلاث ركعات وقعت هذه رابعة ، فيتمم الصلاة ولا شي‌ء عليه.

ولو كان شاكاً بين الثنتين والثلاث والأربع وفي أثناء الإتيان بركعتين قائماً من صلاة الاحتياط تذكّر أنّها ثلاث ركعات ، فان كان ذلك بعد الدخول في ركوع الركعة الثانية بطلت صلاته لزيادة الركن ، وإن كان قبله صحّت ، فيلغي

__________________

(١) وما في تقريرات الآملي (قدس سره) [لأبحاث الميرزا النائيني في كتاب الصلاة] ٣ : ٢٠١ من الالتزام به بناءً على جواز إقحام صلاة في صلاة كما ترى.


[٢٠٧٣] مسألة ١١ : لو شكّ في إتيان صلاة الاحتياط بعد العلم بوجوبها عليه (١) فان كان بعد الوقت لا يلتفت إليه ويبني على الإتيان ، وإن كان جالساً في مكان الصلاة ولم يأت بالمنافي ولم يدخل في فعل آخر بنى على عدم الإتيان وإن دخل في فعل آخر أو أتى بالمنافي أو حصل الفصل الطويل مع بقاء الوقت

______________________________________________________

الزائد ويتمّ الناقص ويستكمل صلاته ولا شي‌ء عليه.

هذا مع الموافقة في الكيف ، وأمّا مع المخالفة فيه كما لو شكّ بين الثلاث والأربع وفي أثناء الإتيان بركعتين عن جلوس انكشف كونها ثلاثاً ، فقد يكون التذكّر قبل الدخول [في ركوع الاولى] وأُخرى بعده.

فعلى الأوّل يلغي ما أتى به ويأتي بركعة متّصلة قائماً ويتمّ صلاته ، إذ التسليم غير مخرج والتكبير غير مبطل ، فصلاته هذه قابلة للعلاج وصالحة للاجتزاء بها.

وعلى الثاني بطلت ، إذ لا يمكن احتساب هذا الركوع من الصلاة ، لأنّه مأمور بالركوع القيامي وهذا ركوع جلوسي ، ولا فرق في البطلان بزيادة الركوع بين القيامي والجلوسي.

وملخّص الكلام : أنّه بعد البناء على أنّ السلام غير مخرج على تقدير النقص فهو بعد في الصلاة ، وعليه ففي كلّ مورد أمكن إتمام الصلاة ولو بضمّ ما أتى به من صلاة الاحتياط إلى أصل الصلاة من غير استلزام أيّ محذور أتمّها ، وإلّا بطلت صلاته حسبما عرفت.

(١) قد يفرض عروض الشكّ بعد خروج الوقت وأُخرى قبله ، وعلى الثاني فامّا أن يشكّ وهو جالس في مكانه ولم يرتكب المنافي ولم يشتغل بفعل آخر من كتابة أو مطالعة ونحو ذلك ، وأُخرى بعد دخوله في فعل آخر أو ارتكاب المنافي.


فللبناء على الإتيان بها وجه (*) ، والأحوط البناء على العدم والإتيان بها ثمّ إعادة الصلاة.

______________________________________________________

أمّا في الصورة الاولى : فلا ينبغي الإشكال في عدم الاعتناء بالشكّ ، لقاعدة التجاوز ، فانّ محلّ الركعة كأصل الصلاة مقيّد بالوقوع في الوقت ، فلو شكّ بعده فقد مضى محلّه ، فيشمله قوله (عليه السلام) : كلّ شي‌ء جاوزته ممّا قد مضى فأمضه كما هو (١).

ويمكن الاستدلال أيضاً بقاعدة الحيلولة المستفادة من قوله (عليه السلام) : «وقد دخل حائل» (٢) ، لأنّ هذا إذا جرى في مجموع الصلاة جرى في جزئها أيضاً ، فإنّ ركعة الاحتياط تابعة لأصل الصلاة وملحقة بها حسبما عرفت.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي التأمّل في البناء على الإتيان وعدم الالتفات إلى الشكّ كما ذكره في المتن.

ولكن محلّ كلامه على ما هو المنسبق من ظاهر عبارته (قدس سره) ما لو كان مأموراً بالإتيان بصلاة الاحتياط في الوقت ، وأمّا لو كان مكلّفاً بالإتيان بها خارج الوقت كما لو لم يدرك من الوقت إلّا ركعة أو ركعتين وقد شكّ مثلاً بين الثلاث والأربع ، المستلزم لوقوع ركعة الاحتياط خارج الوقت بطبيعة الحال فلو شكّ حينئذ في الإتيان بها لزمه الاعتناء ، لعدم جريان قاعدة التجاوز ولا قاعدة الحيلولة عندئذ كما هو ظاهر.

__________________

(*) وهو الأظهر فيما إذا كان الشكّ بعد الإتيان بالمنافي أو حصول الفصل الطويل ، وإلّا لزم البناء على العدم.

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٣ ، (نقل بالمضمون).

(٢) الوسائل ٤ : ٢٨٢ / أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الصورة الثانية : أعني الشكّ العارض في الوقت ، فان عرض وهو جالس في مكانه ولم يأت بالمنافي ولم يدخل في فعل آخر فلا ينبغي الإشكال أيضاً في لزوم الاعتناء بعد عدم إمكان إحرازها بأصل أو أمارة ، فيرجع إلى قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب من غير معارض.

وأمّا لو عرض بعد الدخول في فعل آخر ولكن لم يرتكب المنافي الذي منه الفصل الطويل الماحي للصورة ، كما لو رأى نفسه جالساً يطالع وشكّ في الإتيان بركعة الاحتياط ، فهل تجري في حقّه قاعدة التجاوز والفراغ؟

يبتني ذلك على أنّ هذه القاعدة هل تجري في موارد الفراغ البنائي الاعتقادي أم يختصّ مجراها بالفراغ الحقيقي؟ فعلى الأوّل جرت القاعدة وحكم بالصحّة دون الثاني لعدم إحراز المضيّ الحقيقي بعد فرض الشكّ وعدم تجاوز المحلّ ، وحيث إنّ التحقيق هو الثاني كما هو موضح في محلّه (١) فلا مناص من الاعتناء والإتيان بصلاة الاحتياط.

نعم ، لو فرض الشكّ المزبور بعد ارتكاب المنافي فالظاهر جريان القاعدة لصدق المضيّ حينئذ حقيقة ، فإنّ محلّ صلاة الاحتياط إنّما هو قبل الإتيان بالمنافي ولا يمكن تداركها بعده إلّا بإعادة الصلاة من أصلها ، فقد مضى محلّها حقيقة وتجاوز عنه ، فيشمله قوله (عليه السلام) : كلّ شي‌ء ممّا قد مضى فأمضه كما هو (٢).

ويمكن تقريبه بوجه آخر : وهو أنّ صلاة الاحتياط بما أنّها جزء متمّم فعلى تقدير النقص كانت الفريضة فاسدة من أصلها ، فمرجع هذا إلى الشكّ في الصحّة والفساد في الصلاة الأصلية ، وإن كان بحسب الظاهر شكّاً في الوجود أي

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٩٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٣ ، (نقل بالمضمون).


[٢٠٧٤] مسألة ١٢ : لو زاد فيها ركعة أو ركناً ولو سهواً بطلت ووجب عليه إعادتها (*) ثمّ إعادة الصلاة (١).

______________________________________________________

بالنسبة إلى صلاة الاحتياط فتجري قاعدة الفراغ في تلك الصلاة ، إذ هي قد مضت بنفسها لا بمحلّها.

فتحصّل من جميع ما مرّ : أنّ الأظهر هو التفصيل بين عروض الشكّ بعد ارتكاب المنافي أو الفصل الطويل فلا يعتنى ، لقاعدة التجاوز بل الفراغ ، وبين عروضه بعد الدخول في فعل آخر فيجب الاعتناء.

(١) إن أراد (قدس سره) الاحتياط بالجمع بين الإعادتين فلا كلام ، وإن أراد الفتوى بالجمع كما هو ظاهر العبارة فلا وجه له.

لأنّا إن بنينا على أنّ ركعة الاحتياط صلاة مستقلّة فزيادة الركن أو الركعة وإن أوجبت بطلانها إلّا أنّ اللّازم حينئذ إعادتها فقط ، ولا حاجة إلى إعادة الصلاة الأصلية ، إذ تخلّل المنافي لا يضرّ على هذا المبنى ، كما لا تجب المبادرة إليها.

وإن بنينا على أنّها جزء متمّم كما هو الظاهر حسبما مرّ (١) فليس عليه إلّا أعاده أصل الصلاة ، ولا موجب لإعادة صلاة الاحتياط ، لتخلّل ركعة الاحتياط الفاسدة المانعة عن صلاحية الانضمام. فالجمع لا وجه له ، والاحتياط بالجمع لأجل التردّد في المبنى حسن لا بأس به.

__________________

(*) الأظهر جواز الاكتفاء بإعادة أصل الصلاة.

(١) في ص ٢٧٩ وما بعدها.


[٢٠٧٥] مسألة ١٣ : لو شكّ في فعل من أفعالها فإن كان في محلّه أتى به ، وإن دخل في فعل مترتّب بعده بنى على أنّه أتى به كأصل الصلاة (١).

[٢٠٧٦] مسألة ١٤ : لو شكّ في أنّه هل شكّ شكّاً يوجب صلاة الاحتياط أم لا بنى على عدمه (٢).

______________________________________________________

(١) والوجه فيه أنّ صلاة الاحتياط سواء أكانت جزءاً متمّماً أم صلاة مستقلّة فهي بالأخرة من الصلاة ، فتشملها عمومات قاعدة التجاوز والفراغ وكذا في المسألة السابقة من البطلان بزيادة الركن أو الركعة. فكلتا المسألتين مشمولتان لإطلاق الأدلّة.

(٢) لا بدّ وأن يكون مراده الشكّ بعد السلام ، إذ لو كان قبله فشكّه في أنّه هل شكّ قبل هذا بين الثنتين والثلاث مثلاً يرجع إلى شكّه الفعلي بين الثلاث والأربع ، والاعتبار في مثل ذلك بالحالة الفعلية ، ولا أثر للشكّ السابق كما مرّ (١) ولا معنى للشكّ في حالته الفعلية النفسانية التي هي أمر وجداني. فمراده (قدس سره) الشك بعد السلام في أنّه هل شكّ أثناء الصلاة بما يوجب صلاة الاحتياط أم لا؟

وحينئذ فان كان فعلاً قاطعاً بالأربع أو بالثلاث بنى على قطعه وعمل على طبقه ، إذ لا أثر للشكّ السابق المنقلب على تقدير وجوده إلى القطع الذي هو المعوّل فعلاً في مقام العمل.

__________________

(١) في موارد منها ما في ص ٢٣٥ ، ٢٢٨.


[٢٠٧٧] مسألة ١٥ : لو شكّ في عدد ركعاتها فهل يبني على الأكثر إلّا أن يكون مبطلاً فيبني على الأقل ، أو يبني على الأقل مطلقاً؟ وجهان (*) (١) والأحوط البناء على أحد الوجهين ثمّ إعادتها ثمّ إعادة أصل الصلاة.

______________________________________________________

وإن كان شاكّاً أيضاً كما هو محلّ كلام الماتن (قدس سره) بأن شكّ بعد السلام في أنّه هل شكّ سابقاً أم لا ومع ذلك كان شاكّاً فعلاً بين الثلاث والأربع ، فشكّه هذا ينحلّ في الحقيقة إلى شكّين : شكّ في أنّه هل شكّ أثناء الصلاة أم لا ، وشكّ في أنّه هل صلّى ثلاثاً أم أربعاً. أمّا من حيث الشكّ الثاني فلا يعتنى به ، للنصوص الدالّة على إلغاء الشكّ بعد السلام كصحيحة ابن مسلم وغيرها (١). وأمّا من حيث الأوّل فيبنى على أصالة عدمه.

(١) والمشهور هو الأوّل ، ويستدلّ له بما ورد من أنّه لا سهو في السهو ، أو ليس على السهو سهو ، الوارد في الروايات ، وبعضها معتبرة كصحيحة حفص : «ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو ، وليس على السهو سهو ، ولا على الإعادة إعادة» (٢).

فانّ المراد من السهو في هذه الأخبار هو الشكّ كما أُطلق عليه في كثير من الروايات (٣) ، ولا سيما في المقام بقرينة السياق ، فإنّ الإمام أو المأموم لو سها جرى عليه حكم السهو ، فلو تذكّر نقص التشهّد مثلاً رجع للتدارك بلا إشكال. فالمراد به الشكّ جزماً.

__________________

(*) أوجههما الأوّل.

(١) الوسائل ٨ : ٢٤٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٧ ح ١ وغيره.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٣ ، ٢٤٣ / ب ٢٥ ح ١.

(٣) منها ما في الوسائل ٨ : ٢٤٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٥ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه فامّا أن يراد بنفيه إلغاء الشكّ وفرضه كالعدم ، أو يراد نفي ترتيب أحكام الشكّ كما ورد أنّه لا سهو في صلاة المغرب ولا سهو في الأولتين ، أي أنّ البناء على الأكثر الذي هو حكم الشكّ لا يجري ، ونتيجته البطلان.

والظاهر هو الأوّل ، لأنّ ظاهر النفي المتعلّق بشي‌ء هو نفي وجوده ولو في عالم التشريع لا نفي أحكامه ، كيف وهو مناف للسياق في هذه الصحيحة ، فإنّ الشكّ الصادر عن الإمام أو المأموم محكوم بالإلغاء لا البطلان. فنفيه بمعنى فرضه كالعدم. فبهذه القرينة يراد من نفيه في قوله (عليه السلام) : «وليس على السهو سهو» هو هذا المعنى أيضاً ، وأنّه ملغى لا يعتنى به.

بل إنّ هذا الاستظهار جارٍ أيضاً في مثل قوله : لا سهو في المغرب وفي الأولتين. فلو كنا نحن وهذا التعبير لحكمنا بالصحّة وإلغاء الشكّ ، لولا قيام القرينة الخارجية على البطلان.

ويؤيّده التعبير بكلمة «على» في الصحيحة ، أي لا كلفة عليك ، المساوق للإلغاء ، ونتيجته هو الحكم بالصحّة ، فيبني على الأكثر ، إلّا إذا كان الأكثر باطلاً كالشكّ بين الثنتين والثلاث فيبني على الأقل.

ثمّ لا يخفى أنّ المراد إنّما هو نفي السهو من حيث الركعات لا من حيث الأجزاء والأفعال ، فانّ المراد بالسهو الذي لا سهو فيه هو العمل الذي أوجبه الشكّ في الركعات ، فبقرينة السياق يكون المراد بالسهو المنفي هو الشكّ في الركعات ، ولا يكون له إطلاق للشكّ في الأجزاء. وعليه فلا بدّ من الاعتناء بالشكّ إذا كان قبل تجاوز محلّه.


[٢٠٧٨] مسألة ١٦ : لو زاد فيها فعلاً من غير الأركان أو نقص فهل عليه سجدتا السهو أو لا؟ وجهان (*) فالأحوط الإتيان بهما (١).

______________________________________________________

(١) وإن كان الأظهر عدم الوجوب ، لما أسلفناه (١) من أنّ الأمر بسجود السهو تكليف جديد متعلّق به بعد الصلاة ، وهو عمل مستقلّ لا يضرّ تركه بصحّة الصلاة حتّى عامداً وإن كان حينئذ آثماً. والحكمة فيه إرغام أنف الشيطان الذي يوسوس في صدر الإنسان.

ولا إطلاق في دليله كي يقتضي وجوبه في كلّ صلاة ، فإنّ دليله بين ما لا إطلاق له كرواية سفيان بن السمط المتقدّمة (٢) : تجب سجدة السهو لكلّ زيادة ونقيصة. حيث إنّها ناظرة إلى أصل الوجوب لا إلى محلّه ، وبين ما هو وارد في خصوص الفرائض اليومية. فوجوبه لغيرها من سائر الصلوات الواجبة فضلاً عن النافلة غير ثابت.

وعليه فلو أتى بأحد الموجبات في صلاة الاحتياط فحيث يحتمل أنّها نافلة لا جزء متمّم لاحتمال تمامية الصلاة واقعاً ، فيشك في تعلّق التكليف بسجود السهو ، ومقتضى الأصل البراءة عنه.

وممّا ذكرنا يظهر الفرق بين سجود السهو وبين قضاء السجدة المنسية أو التشهّد المنسي في صلاة الاحتياط على القول بالقضاء في التشهّد وأنّه لا يقاس أحدهما بالآخر ، فيجب القضاء في السجدة والتشهّد ، وذلك لأنّهما إنّما يجبان بنفس الأمر المتعلّق بالجزء الثابت في الصلاة ، فهما من متمّمات الصلاة

__________________

(*) أظهرهما العدم.

(١) في ص ٢٧٠.

(٢) في ص ١٠٠.


[٢٠٧٩] مسألة ١٧ : لو شكّ في شرط أو جزء منها بعد السلام لم يلتفت (١).

______________________________________________________

وأجزائها ، غاية الأمر أنّ محلّهما وظرفهما قد تبدّل وانقلب إلى ما بعد السلام ولذا قلنا بأنّ المراد بالقضاء فيهما هو مطلق الإتيان دون القضاء بالمعنى المصطلح وعليه فيجب الإتيان بهما لو نسيهما بعد صلاة الاحتياط ، خروجاً عن عهدة الجزئية المحتملة على تقدير النقص.

وأمّا سجود السهو فهو غير دخيل في الصحّة ، وليس من شؤون الجزئية بل هو تكليف مستقلّ لا يضرّ تركه في الصحّة حتّى عامداً. وحيث لا دليل على وجوبه في المقام ويشكّ في ثبوته في جزء الصلاة لاحتمال التمامية واقعاً فمقتضى الأصل البراءة عنه حسبما عرفت.

هذا كلّه فيما عدا سجدة الركعة الأخيرة من صلاة الاحتياط لو كانت ركعتين وأمّا فيها فلو نسي السجدة وتذكّر بعد السلام وجب عليه الرجوع والإتيان بها ثمّ التشهّد والسلام ، ويكون التشهّد والسلام الواقعان قبل ذلك زيادة واقعة في غير محلّها ، كما هو الحال فيما لو نسي السجدة من الركعة الأخيرة في الصلاة الأصلية على ما بيّناه سابقاً.

والحاصل : أنّ حكم ركعة الاحتياط من هذه الجهة حكم الصلاة الأصلية نفسها ، فيجب قضاء السجدة وكذا التشهّد على القول به فيما إذا كانت ممّا عدا الركعة الأخيرة ، وأمّا فيها فيرجع ويتدارك لا أنّه يقضي. وممّا ذكرنا يظهر الحال في المسألة التاسعة عشرة الآتية فلاحظ.

(١) لعموم قاعدة الفراغ الشامل لكافّة الصلوات.


(٢٠٨٠) مسألة ١٨ : إذا نسيها وشرع في نافلة أو قضاء فريضة أو نحو ذلك فتذكّر في أثنائها قطعها وأتى بها (*) ثمّ أعاد الصلاة على الأحوط. وأمّا إذا شرع في صلاة فريضة مرتّبة على الصلاة التي شكّ فيها كما إذا شرع في العصر فتذكّر أنّ عليه صلاة الاحتياط للظهر فان جاز عن محلّ العدول قطعها (**) كما إذا دخل في ركوع الثانية مع كون احتياطه ركعة أو ركوع الثالثة مع كونها ركعتين ، وإن لم يجز عن محلّ العدول فيحتمل العدول إليها (***) لكن الأحوط القطع والإتيان بها ثمّ إعادة الصلاة (١).

______________________________________________________

(١) قسّم (قدس سره) مفروض المسألة إلى قسمين ، فانّ التذكّر قد يكون بعد الدخول في صلاة أُخرى مستقلّة غير مرتبطة بالصلاة الأصلية ، كما لو كان التذكّر بعد الدخول في نافلة أو قضاء فريضة ونحوهما ، وقد يكون بعد الدخول في صلاة مترتّبة عليها كما لو تذكّر بعد الدخول في صلاة العصر أنّ عليه صلاة الاحتياط للظهر.

أمّا في القسم الأوّل : فقد حكم بالقطع والإتيان بركعة الاحتياط ثمّ إعادة أصل الصلاة احتياطاً ، لاحتمال قادحية الفصل المتخلّل.

أقول : لا وجه للجمع بين القطع والإعادة ، بل إمّا أن يتعيّن القطع أو يتعيّن الإعادة.

__________________

(*) الظاهر أنّ التذكّر إذا كان بعد الدخول في الركوع فلا حاجة معه إلى القطع بل يتمّ ما بيده ويعيد أصل الصلاة ، وإن كان التذكّر قبله فلا حاجة إلى الإعادة.

(**) بل يعدل بها إلى الصلاة السابقة.

(***) هذا الاحتمال هو الأظهر.


.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّ التذكّر إن كان بعد الدخول في الركن أعني الركوع من الصلاة الثانية تعيّنت الإعادة ولا مجال للقطع ، لامتناع تدارك الصلاة الأصلية وتصحيحها وتتميمها حينئذ ، ضرورة أنّ زيادة الركوع مانعة عن صلاحية الالتحاق وانضمام ركعة الاحتياط بالصلاة الأصلية ، فتلك الصلاة أي الأصلية محكومة بالبطلان لعدم إحراز الخروج عن عهدتها ، فلا مناص من الإعادة ، ولا موجب للقطع بوجه.

وإن كان قبل الدخول في الركوع فلا موجب للإعادة ، بل يتعيّن عليه القطع والإتيان بصلاة الاحتياط بناءً على حرمة قطع الفريضة كما هو المشهور ، وإلّا جاز له ذلك لإمكان التتميم حينئذ من غير محذور ، لعدم لزوم زيادة الركن. وزيادة التكبير أيضاً غير قادحة حتّى على القول بركنيتها وقدح زيادتها السهوية ، لعدم صدق الزيادة في مثل المقام ، لما مرّ غير مرّة من تقوّمها بالإتيان بشي‌ء بقصد الجزئية للعمل المزيد فيه ، وفي المقام إنّما قصد بالتكبير الافتتاح للصلاة الأُخرى ، لا للصلاة الأصلية كي تتحقّق الزيادة فيها.

وبالجملة : ففي هذه الصورة يتعيّن القطع ولا موجب للإعادة ، وفي الصورة السابقة تتعيّن الإعادة ولا موجب للقطع. فالجمع بينهما كما صنعه في المتن ممّا لا وجه له إلّا على سبيل الاحتياط الاستحبابي كما لا يخفى.

وأمّا في القسم الثاني : فقد فصّل في المتن بين ما إذا جاوز محلّ العدول كما إذا دخل في ركوع الثانية مع كون احتياطه ركعة أو ركوع الثالثة مع كونها ركعتين وبين ما إذا لم يتجاوز. ففي الأوّل حكم بالقطع ، ولم يذكر أنّه ماذا يصنع بعد ذلك. والظاهر أنّ مراده (قدس سره) الإتيان بصلاة الاحتياط حينئذ ثمّ إعادة الصلاة احتياطاً كما ذكره قبل ذلك. وفي الثاني احتمل العدول إلى صلاة الاحتياط وذكر أنّ الأحوط القطع أيضاً والإتيان بها ثمّ إعادة الصلاة.


[٢٠٨١] مسألة ١٩ : إذا نسي سجدة واحدة أو تشهّداً فيها قضاهما بعدها على الأحوط (١).

______________________________________________________

أقول : أمّا في فرض التجاوز عن محلّ العدول فالظاهر أنّه لا موجب للقطع بل يعدل بها إلى الصلاة الأصلية ، إذ بعد فرض عدم إمكان تتميمها وتصحيحها من أجل لزوم زيادة الركن فهي باطلة ، فيكون المقام من صغريات ما لو دخل في الصلاة المترتّبة وتذكّر أثناءها عدم الإتيان بالصلاة السابقة أو بطلانها المحكوم بلزوم العدول إلى تلك الصلاة.

فلا مجال حينئذ للقطع ، بل لا وجه له ، إذ معه كيف تعالج زيادة الركن المتخلّل بين الصلاة الأصلية وصلاة الاحتياط ، فإنّ زيادة الركوع ولو صورة وبغير قصد الجزئية موجب للبطلان ، فلا يمكن التدارك إلّا بالعدول كما ذكرناه.

وأمّا في فرض عدم التجاوز فالظاهر لزوم العدول حينئذ إلى صلاة الاحتياط فانّ الواجب الإتيان بها رعاية للجزئية المحتملة على تقدير النقص ، ولا مانع من الإتيان بها بالعدول ، لكون المقام حينئذ من صغريات ما لو دخل في العصر وقبل الدخول في الركوع تذكّر النقص في صلاة الظهر بركعة وأنّه سلّم على الثلاث ، فإنّه يجب عليه العدول تتميماً لتلك الصلاة ، ولا فرق في دليل العدول من اللّاحقة إلى السابقة بين العدول إلى مجموعها أو إلى أبعاضها بمقتضى إطلاق الدليل ، والله سبحانه أعلم.

(١) تقدّم الكلام حولها في ذيل المسألة السادسة عشرة المتقدّمة فلاحظ.


فصل

في حكم قضاء الأجزاء المنسيّة

(٢٠٨٢) مسألة ١ : قد عرفت سابقاً (١) أنّه إذا ترك سجدة واحدة ولم يتذكّر إلّا بعد الوصول إلى حدّ الركوع يجب قضاؤها بعد الصلاة ، بل وكذا إذا نسي السجدة الواحدة من الركعة الأخيرة ولم يتذكّر إلّا بعد السلام على الأقوى ، وكذا إذا نسي (*) التشهّد أو أبعاضها ولم يتذكّر إلّا بعد الدخول في الركوع ، بل أو التشهّد الأخير ولم يتذكّر إلّا بعد السلام على الأقوى ، ويجب مضافاً إلى القضاء سجدتا السهو أيضاً لنسيان كلّ من السجدة والتشهّد.

(٢٠٨٣) مسألة ٢ : يشترط فيهما جميع ما يشترط في سجود الصلاة وتشهّدها من الطهارة والاستقبال وستر العورة ونحوها وكذا الذكر والشهادتان والصلاة على محمّد وآل محمّد ، ولو نسي بعض أجزاء التشهّد وجب قضاؤه فقط (**) نعم لو نسي الصلاة على آل محمّد فالأحوط إعادة الصلاة على محمّد بأن يقول : «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» ولا يقصر على قوله :

______________________________________________________

(١) ذكر (قدس سره) في مطاوي هذه المسألة وما بعدها إلى نهاية المسألة

__________________

(*) مرّ الكلام في نسيان السجدة والتشهّد من الركعة الأخيرة ، وكذا في نسيان التشهّد الأوّل ، وكذا في وجوب سجدتي السهو في نسيان السجدة الواحدة.

(**) على الأحوط.


«وآل محمّد» وإن كان هو المنسي فقط. ويجب فيهما نيّة البدلية عن المنسي ولا يجوز الفصل بينهما وبين الصلاة بالمنافي كالأجزاء في الصلاة. أمّا الدعاء والذكر والفعل القليل ونحو ذلك ممّا كان جائزاً في أثناء الصلاة فالأقوى جوازه ، والأحوط تركه. ويجب المبادرة إليهما بعد السلام ، ولا يجوز تأخيرهما عن التعقيب ونحوه.

(٢٠٨٤) مسألة ٣ : لو فصل بينهما وبين الصلاة بالمنافي عمداً وسهواً كالحدث والاستدبار فالأحوط استئناف الصلاة بعد إتيانهما ، وإن كان الأقوى جواز الاكتفاء (*) باتيانهما ، وكذا لو تخلّل ما ينافي عمداً لا سهواً إذا كان عمداً ، أمّا إذا وقع سهواً فلا بأس.

(٢٠٨٥) مسألة ٤ : لو أتى بما يوجب سجود السهو قبل الإتيان بهما أو في أثنائهما فالأحوط فعله بعدهما.

______________________________________________________

الرابعة ما حاصله : أنّه إذا نسي سجدة واحدة أو التشهّد الأوّل ولم يتذكّر إلّا بعد الوصول إلى حدّ الركوع ، أو نسي السجدة الواحدة من الركعة الأخيرة أو التشهّد الأخير ولم يتذكّر إلّا بعد السلام وجب قضاؤهما ، وكذا سجدة السهو لنسيان كلّ منهما.

ثمّ ذكر أنّه يشترط فيهما جميع ما يشترط في سجود الصلاة وتشهّدها من الطهارة الحدثية والخبثية ولاستقبال والستر ونحوها.

وذكر أيضاً أنّه تجب المبادرة إليهما بعد السلام تكليفاً ، فلا يجوز الفصل بينهما

__________________

(*) فيه إشكال بل منع ، وكذا فيما بعده.


.................................................................................................

______________________________________________________

وبين الصلاة بالمنافي كما في أجزاء الصلاة ، دون غيره كالدعاء والذكر والفعل القليل ممّا كان جائزاً في أثناء الصلاة ، نعم لو حصل الفصل بالمنافي عمداً وسهواً كالحدث والاستدبار ، أو عمداً فقط كالتكلّم جاز الاكتفاء باتيانهما على الأقوى ، وإن كان الأحوط الاستئناف. فالمبادرة إليهما واجبة تكليفاً لا وضعاً.

ثمّ ذكر أنّه لو أتى بما يوجب سجود السهو قبل الإتيان بهما أو في أثنائهما فالأحوط فعله بعدهما.

أقول : يقع الكلام تارة في السجدة المنسية من الركعة الأخيرة أو نسيان التشهّد الأخير ، وأُخرى في نسيانها من بقية الركعات أو التشهّد الأوّل.

أمّا في الأوّل : فقد مرّ في مبحثي التشهّد (١) والسجود (٢) أنّ مقتضى القاعدة حينئذ هو الرجوع والتدارك ثمّ الإتمام دون القضاء ، وذلك لانكشاف وقوع السلام في غير محلّه ، فانّ السلام المأمور به هو المسبوق بالتشهّد والسجدتين ولم يتحقّق ، فهو عمل زائد لم يحصل به الخروج والفراغ ، بل المصلّي بعد في الصلاة والمحلّ باق فيجب عليه التدارك لا محالة.

وليس في أدلّة القضاء ما ينافي هذه القاعدة ، فإنّها ناظرة أو منصرفة إلى السجدة المنسية من بقيّة الركعات أو التشهّد الأوّل حسبما بيّناه في محلّه.

وعليه فيجب الإتيان بهما بنفس دليل الجزئية ، وتجري عليهما الأحكام المذكورة من اشتراط ما يشترط في سجود الصلاة وتشهّدها ، والإتيان بسجود السهو لو تحقّق موجبه قبلهما أو أثناءهما ، وعدم جواز التأخير والفصل بالمنافي وضعاً ، ولو قلنا بحرمة القطع فتكليفاً أيضاً.

__________________

(١) [لم يمر ذلك في المبحث المذكور ، نعم أُشير إليه في ص ٩٨ من هذا المجلّد].

(٢) شرح العروة ١٥ : ١٦٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، لا تجب سجدة السهو من أجلهما ، لعدم تعلّق النسيان بهما بعد بقاء المحلّ وحصول التدارك فيه ، وإنّما تجب من أجل السلام الزائد الواقع في غير محلّه كما عرفت (١). وعلى الجملة : لم يتحقّق الترك في هذه الصورة كي يحتاج إلى القضاء بل المأتي به هو نفس الجزء حقيقة ، فتترتّب عليه كافّة الأحكام المترتّبة على الجزء.

وأمّا في الثاني : فقد مرّ (٢) أيضاً أنّ التشهّد المنسي لا يجب قضاؤه ، ولا أثر لنسيانه عدا سجدتي السهو ، وأنّه يكتفي فيه بالتشهّد الذي تشتمل عليه سجدتا السهو كما في بعض النصوص. وعرفت أنّ صحيح ابن مسلم «في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهّد حتّى ينصرف ، فقال : إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهّد ، وإلّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد فيه ...» إلخ (٣) ظاهر بقرينة قوله : «حتّى ينصرف» أي يسلّم ، في التشهّد الأخير كما استظهره أيضاً في الحدائق (٤).

وكيف ما كان ، فالمستفاد من الأدلّة عدم وجوب القضاء في نسيان التشهّد وإنّما الواجب فيه سجدتا السهو ، على عكس السجدة المنسية فانّ الواجب فيها القضاء دون سجدتي السهو كما مرّ كل ذلك في محلّه (٥) مستقصى.

وعلى تقدير تسليم وجوب القضاء في التشهّد المنسي فحكمه حكم السجدة المنسيّة التي يجب فيها القضاء بلا إشكال فنقول : هل المستفاد من الدليل المتكفّل للأمر بالقضاء فيهما أنّ ذاك واجب مستقلّ وتكليف جديد حادث بعد الصلاة ، نظير الأمر المتعلّق بسجدة السهو التي هي عمل مستقلّ غير مرتبط

__________________

(١) في المصدر المتقدم آنفاً ، وفي ص ١٠٣ من هذا المجلّد.

(٢) في ص ٩٩ وما بعدها.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهّد ب ٧ ح ٢.

(٤) الحدائق ٩ : ١٥٤.

(٥) في ص ٨٦ ١٠١.


.................................................................................................

______________________________________________________

بأصل الصلاة ، أو أنّ المستفاد منه أنّ المأتي به بعد الصلاة هو نفس الجزء الذي كان واجباً في الأثناء وواجب بعين ذلك الوجوب الضمني ، غاية الأمر أنّ ظرفه ومحلّه قد تغيّر وتبدّل؟

فعلى الأوّل : وإن كان يعتبر في كلّ من السجدة والتشهّد المقضيّين كلّ ما يشترط في السجود والتشهّد الصلاتي كما هو الحال في الأمر بالقضاء خارج الوقت من الدلالة على مشاركة القضاء مع الفائت فيما له من الأحكام إلّا أنّه لا دليل على وجوب المبادرة إليهما حينئذ لا تكليفاً ولا وضعاً ، فانّ ذاك واجب مستقلّ غير مرتبط بالصلاة الأصلية حسب الفرض ، فيجوز التأخير ، ولا يقدح ذلك في صحّة الصلاة وإن ارتكب المنافي ، كما هو الحال في سجدة السهو.

وعلى الثاني : فحيث إنّ المقضي حينئذ جزء متمّم من العمل لحقه حكم الجزء ، فلا يجوز تخلّل المنافي وضعاً ، كما هو الحال في سائر الأجزاء ، وعلى القول بحرمة القطع لا يجوز ذلك تكليفاً أيضاً ، ولو أتى بموجب السهو وجب السجود له ، بخلاف الأوّل.

وعليه فما صنعه في المتن من التفكيك والتفصيل بين الحكم التكليفي والوضعي حيث جمع بين وجوب المبادرة وعدم جواز الفصل وبين الاكتفاء باتيانهما لو تخلّل المنافي في غير محلّه ، بل لا بدّ إمّا من الحكم بالجواز وضعاً وتكليفاً أو المنع كذلك كما عرفت ، هذا.

وحيث إنّ الظاهر هو الثاني كما مرّ سابقاً (١) حيث قلنا إنّ القضاء المأمور به هنا ليس بمعناه الاصطلاحي ، بل بمعنى الإتيان به بعد السلام ، فالمأتي به هو نفس ذاك الجزء قد تغيّر ظرفه ومحلّه.

وبعبارة اخرى : مقتضى الارتكاز ومناسبة الحكم والموضوع وخصوصية

__________________

(١) في ص ٩٥ ، ٢٧١.


.................................................................................................

______________________________________________________

السؤال والجواب أنّ المقضي هو نفس الجزء المنسي الفائت في ظرفه ، وأنّه واجب بنفس الأمر الصلاتي ، لا بتكليف جديد حادث بعد الصلاة كما في سجدة السهو.

وعليه فيلحقه حكم الجزء من عدم جواز تخلّل المنافي وضعاً ، وكذا تكليفاً على القول بحرمة القطع ، ولو أتى بموجب السهو أتى بسجدتي السهو لوقوعه في الأثناء ، إذ بعد وجوب الإتيان بجزء من الصلاة لم يكن بعد فارغاً عنها وإن صدر عنه السلام ، ونتيجة ذلك ارتكاب التخصيص في دليل مخرجية التسليم في خصوص ما نحن فيه.

ثمّ إنّا أشرنا فيما مرّ إلى أنّ التشهّد المنسي ممّا عدا الركعة الأخيرة لا يجب قضاؤه وإن ذهب إليه المشهور ، لعدم الدليل عليه ، بل يقتصر فيه على سجدتي السهو ، ويجتزئ بالتشهّد الذي تشتمل عليه السجدتان. وذكرنا أنّ صحيحة ابن مسلم (١) منصرفة إلى التشهّد الأخير كما استظهره في الحدائق.

وتوضيحه : أنّ السائل فرض نسيان التشهّد بمثابة لا يمكن التدارك ، ولذا قيّده بقوله : «حتّى ينصرف» بزعم أنّ الانصراف وهو التسليم مانع عن التدارك. وهذا إنّما يستقيم لو كان المراد التشهّد الأخير ، إذ لو أُريد به الأوّل كان المتعيّن أن يقول : حتّى يركع ، بدل قوله : «حتّى ينصرف» ، إذ المانع عن إمكان التدارك حينئذ هو مجرّد الدخول في الركوع ، سواء تحقّق الانصراف وفرغ عن الصلاة أم لا. فالصحيحة بلحاظ هذه القرينة ظاهرة في التشهّد الأخير ، ولا وجه لاستظهار الإطلاق منها وإن ادّعاه المحقّق الهمداني (قدس سره) (٢) ، هذا.

وربما يستدلّ للإطلاق بصحيحة حكم بن حكيم : «عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي‌ء منها ثمّ يذكر بعد ذلك ، فقال : يقضي ذلك

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٢.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٥١ السطر ٣٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

بعينه ، فقلت : أيعيد الصلاة؟ فقال ، لا» (١) بدعوى أنّ مقتضى إطلاق الشي‌ء وجوب قضاء كلّ جزء منسي ، خرج ما خرج بالدليل ، لقيام الإجماع على عدم وجوب قضاء ما عدا التشهّد والسجدة الواحدة كالقراءة وأبعاضها والتسبيحة ونحوها ، فيبقى الباقي تحت الإطلاق الشامل للتشهّد الأوّل والأخير.

وقد تعرّضنا للجواب عن هذه الصحيحة سابقاً (٢) وقلنا : إنّ المراد بالركعة بقرينة المقابلة مع السجدة إنّما هو الركوع ، كما تطلق عليه كثيراً في لسان الأخبار وقد صرّح به في صحيحة ابن سنان المتّحدة مع هذه الصحيحة في المضمون «قال : إذا نسيت شيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ثمّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء» (٣).

وعليه فالصحيحة أجنبية عمّا نحن فيه ، وناظرة إلى ما إذا نسي جزءاً وتذكّر قبل فوات محلّه الذكري ، كما لو نسي الركوع وتذكّر قبل الدخول في السجدة الثانية ، أو السجود وتذكّر قبل الدخول في ركوع الركعة اللّاحقة وهكذا ، وأنّه يقضيه أي يأتي بذلك الجزء بعينه لفرض بقاء محلّه ، لا إلى ما إذا كان التذكّر بعد السلام الذي هو محلّ الكلام ، كيف ونسيان الركوع حينئذ موجب للبطلان دون القضاء.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ التشهّد المنسي لا يجب قضاؤه ، ويختصّ القضاء بالسجدة الواحدة المنسيّة ، وأنّها واجبة بنفس الأمر الصلاتي لا بتكليف جديد ، فلا يجوز تخلّل المنافي بينهما كما في نفس الأجزاء ، ولو تخلّل بطلت الصلاة. ومعلوم أنّه لا مجال حينئذ للتمسّك بحديث لا تعاد ، لاختصاصه بما إذا لم يكن ملتفتاً إلى الترك حال صدور المنافي كما هو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٦.

(٢) في ص ٩٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٤٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ١.


[٢٠٨٦] مسألة ٥ : إذا نسي الذكر أو غيره ممّا يجب ما عدا وضع الجبهة في سجود الصلاة لا يجب قضاؤه (١).

[٢٠٨٧] مسألة ٦ : إذا نسي بعض أجزاء التشهّد القضائي وأمكن تداركه فعله ، وأمّا إذا لم يمكن كما إذا تذكّره بعد تخلّل المنافي عمداً وسهواً فالأحوط إعادته ثمّ إعادة الصلاة ، وإن كان الأقوى كفاية إعادته (٢).

______________________________________________________

(١) لعدم تقوّم السجدة بما عدا وضع الجبهة ، وإنّما هي واجبات حالها واختصاص دليل القضاء بنسيان السجدة نفسها لا ما يجب حالها.

(٢) قد عرفت عدم وجوب قضاء التشهّد المنسي وأنّه مبنيّ على الاحتياط فلو بنينا على الوجوب وبنينا على شموله لأبعاض التشهّد المنسية كما اختاره الماتن ، الذي هو احتياط في احتياط ، لعدم مساعدة الدليل على التعميم كما لا يخفى وبنينا أيضاً على انسحاب الحكم إلى التشهّد القضائي إلحاقاً للقضاء بالأداء ، وهو أيضاً لا دليل عليه ، فحينئذ لو نسي بعض أجزاء التشهّد القضائي فقد ذكر الماتن أنّه لو أمكن التدارك فعله ، وإلّا كما إذا تذكّره بعد فعل المنافي عمداً وسهواً فالأحوط إعادته ثمّ إعادة الصلاة.

أقول : لم يظهر وجه للاحتياط بإعادة الصلاة ، فإنّ التذكّر لو كان قبل حصول المنافي ثمّ أحدث مثلاً فالاحتياط المزبور حسن وفي محلّه بدعوى إلحاق القضاء بالأداء ، بل الإعادة حينئذ هي الأقوى بناءً على الجزئية.

وأمّا لو كان التذكّر بعد حصول المنافي كما هو مفروض كلامه (قدس سره) فلا مقتضي حينئذ للإعادة حتّى فيما إذا كان ذلك في نفس التشهّد المنسي فضلاً عن التشهّد المقضي ، وذلك لجريان حديث لا تعاد حينئذ ، النافي للإعادة عمّا عدا الخمسة ومنها التشهّد.


[٢٠٨٨] مسألة ٧ : لو تعدّد نسيان السجدة أو التشهّد (*) أتى بهما واحدة بعد واحدة ، ولا يشترط التعيين على الأقوى ، وإن كان أحوط ، والأحوط ملاحظة الترتيب معه (١).

______________________________________________________

ولا يقاس ذلك بالفرض المتقدّم ، لحصول المنافي هناك بعد التذكّر والالتفات المانع عن جريان الحديث ثمّة ، بخلاف ما نحن فيه كما هو ظاهر ، نعم الاحتياط لمجرّد إدراك الواقع وإن لم تساعده الصناعة لا بأس به.

(١) قد يكون المنسي جزءاً واحداً كسجدة واحدة أو تشهّد كذلك ، وأُخرى جزأين. وعلى الثاني فقد يكونان من سنخ واحد كسجدتين من ركعتين ، واخرى من سنخين كسجدة وتشهّد. فالصور ثلاث :

أمّا الاولى : فلا موضوع للبحث فيها عن اعتبار التعيين أو الترتيب ، فإنّه فرع التعدّد المنفي حسب الفرض ، وإنّما المعتبر حينئذ نيّة البدلية عن المنسي كما تقدّم التصريح به في كلام الماتن في مطاوي المسألة الثانية.

على أنّ هذا الاعتبار إنّما يتّجه بناءً على أن يكون القضاء بأمر جديد حادث بعد الصلاة متعلّق بعنوان القضاء كما في قضاء الفوائت ، إذ عليه لا مناص من مراعاة هذا العنوان في مرحلة الامتثال المتقوّم بنيّة البدلية عن الفائت.

وأمّا بناءً على ما هو الصحيح كما مرّ (١) من أنّ المأتي به هو نفس الجزء قد تغيّر ظرفه وتأخّر ، وأنّ إطلاق اسم القضاء عليه ليس بمعناه المصطلح في شي‌ء ، وأنّه واجب بنفس الوجوب السابق المتحقّق أثناء الصلاة لا بأمر آخر

__________________

(*) لا يتصوّر التعدّد فيه بناءً على ما ذكرناه من لزوم الرجوع وتدارك التشهّد إذا كان المنسي التشهّد الأخير.

(١) في ص ٩٥ ٢٧١.


(٢٠٨٩) مسألة ٨ : لو كان عليه قضاء سجدة وقضاء تشهّد فالأحوط تقديم السابق منهما (*) في الفوات على اللّاحق (١). ولو قدّم أحدهما بتخيّل أنّه

______________________________________________________

حادث ، فيكفي حينئذ في مرحلة الامتثال مجرّد الإتيان بقصد الأمر الصلاتي كما في سائر الأجزاء ، ولا حاجة معه إلى نيّة البدلية.

وأمّا في الصورة الثانية : أعني تعدّد المنسي مع الاتّحاد في السنخ ، فالظاهر عدم اعتبار الترتيب ، لعدم نهوض دليل يدلّ عليه فيما نحن فيه ، وإنّما الثابت اعتباره بين الأجزاء المأتي بها في محالّها الأصلية من أجل ترتّب الأجزاء بعضها على بعض بحسب الطبع وتقرّر كلّ منها في محلّ مختص ، وأمّا المأتي منها في خارج المحلّ الأصلي تداركاً للمنسي في ظرفه فيحتاج اعتبار الترتيب بينها إلى دليل آخر ، لقصور الدليل الأوّل عن التعرّض لذلك ، وحيث إنّه مفقود فالمرجع أصالة البراءة.

كما لا يعتبر التعيين أيضاً ، بل لا مقتضي له بعد عدم الميز وفقد التعيّن الواقعي الذي هو لازم فرض الاتّحاد في الماهية والسنخ كما لا يخفى ، هذا.

ولو بنينا على وجوب القضاء بالأمر الجديد وسقوط الأمر الأوّل فعدم اعتبار الأمرين حينئذ أوضح ، إذ لم يتقيّد الأمر الجديد بشي‌ء من التعيين والترتيب فيدفع احتمال الاعتبار بأصالة الإطلاق.

وأمّا الصورة الثالثة : فسيأتي الحال فيها في المسألة الآتية.

(١) كأنّ الوجه فيه سبق الأمر بالقضاء بالنسبة إلى السابق فواتاً ، فيتعيّن السبق ومراعاة الترتيب في مرحلة الامتثال تبعاً للترتيب الحاصل في مرحلة حدوث الأمر وتعلّقه بالقضاء.

__________________

(*) وإن كان الأظهر عدم وجوبه.


السابق فظهر كونه لاحقاً فالأحوط الإعادة على ما يحصل معه الترتيب (١) ولا يجب إعادة الصلاة معه وإن كان أحوط (٢).

(٢٠٩٠) مسألة ٩ : لو كان عليه قضاؤهما وشكّ في السابق واللّاحق (٣) احتاط بالتكرار (*) فيأتي بما قدّمه مؤخّراً أيضاً ، ولا يجب معه إعادة الصلاة وإن كان أحوط ، وكذا الحال لو علم نسيان أحدهما ولم يعلم المعيّن منهما.

______________________________________________________

لكن الظاهر عدم اعتبار الترتيب سواء قلنا بأنّ القضاء بأمر جديد أم بنفس الأمر السابق ، لما عرفت من عدم الدليل. واعتباره في المحلّ لا يستلزم الاعتبار في خارجه. ومجرّد سبق الأمر بأحد القضاءين حدوثاً لا يستدعي أن يكون كذلك امتثالاً كما هو ظاهر جدّاً.

(١) رعاية لاحتمال اعتباره المتقدّم وجهه آنفاً.

(٢) لم يظهر وجه لهذا الاحتياط ، فإنّ الإخلال بالترتيب سهواً غير قادح حتّى في نفس الأجزاء الأصلية بمقتضى حديث لا تعاد ، فضلاً عن قضائها خارج الصلاة.

(٣) احتاط (قدس سره) في هذا الفرض بالتكرار بأن يأتي بما قدّمه مؤخّراً أيضاً ، فلو قضى التشهّد مثلاً ثمّ السجدة أعاد قضاء التشهّد ، لاحتمال أن يكون السجود هو السابق في الفوت ، وكذا الحال لو علم نسيان أحدهما ولم يعلم المعيّن منهما فإنّه يحتاط في القضاء بالجمع بينهما.

أقول : أمّا في الصورة الأخيرة فالاحتياط في محلّه ، بل لا مناص منه

__________________

(*) لا حاجة إليه على ما مرّ ، وعلى تقدير وجوب تقديم السابق فالأحوط تقديم التشهّد ثمّ الإتيان به بعد قضاء السجدة ، ومنه يظهر الحال فيما إذا علم نسيان أحدهما من غير تعيين.


[٢٠٩١] مسألة ١٠ : إذا شكّ في أنّه نسي أحدهما أم لا لم يلتفت (١) ولا

______________________________________________________

خروجاً عن عهدة التكليف المعلوم الدائر بين المتباينين ، فانّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، المتوقّفة في المقام على الجمع بين قضاءي التشهّد والسجود اللّذين هما طرفان للعلم الإجمالي كما هو ظاهر.

وأمّا في الصورة الاولى فلا حاجة إلى التكرار بناءً على ما عرفت من عدم اعتبار الترتيب ، نعم بناءً على الاعتبار لا مناص منه ، إذ لم تحرز مراعاة الترتيب إلّا بذلك كما عرفت.

لكن عليه ينبغي تقديم التشهّد ثمّ الإتيان به بعد قضاء السجدة ، إذ معه يقطع بالفراغ ولا عكس ، لأنّه لو قدّم السجود فمن الجائز أن يكون السابق في الفوات هو التشهّد ، وعليه فتكون السجدة المتقدّمة زيادة في المكتوبة قادحة بصحّة الصلاة وإن كانت الزيادة صورية وأتى بعنوان الرجاء دون الجزئية ، إذ مجرّد ذلك كافٍ في البطلان في مثل الركوع والسجود ، ولأجل ذلك يمنع من سجدتي الشكر والتلاوة أثناء الصلاة وإن لم يقصد بهما الجزئية. وحيث إنّه لم يفرغ بعدُ عن الصلاة لما عرفت من أنّ المقضي جزء متمّم على الأصح ، لا أنّه واجب مستقل فتقع الزيادة العمدية في الأثناء الموجب للفساد.

وهذا بخلاف ما لو قدّم التشهّد ، فانّ زيادته لا تقدح لو كان السابق هو السجود ، فإنّه ذكر وتهليل لا مانع من الإتيان به رجاءً بعد أن لم يقصد به الجزئية كما هو المفروض ، ولا مجال للرجاء في مثل السجود كما عرفت.

وهكذا الحال في الصورة السابقة أعني ما لو علم نسيان أحدهما من غير تعيين ، فانّ اللّازم حينئذ تقديم التشهّد على السجود أيضاً ، لعين ما عرفت.

(١) لقاعدة الفراغ فيما لو كان الشكّ بعد الفراغ من الصلاة ، أو قاعدة التجاوز فيما لو طرأ الشكّ في الأثناء بعد تجاوز المحلّ ، وهذا ظاهر.


شي‌ء عليه ، أمّا إذا علم أنّه نسي أحدهما وشكّ في أنّه هل تذكّر قبل الدخول في الركوع أو قبل السلام وتداركه أم لا (١) فالأحوط (*) القضاء.

______________________________________________________

(١) للمسألة صورتان :

إحداهما : أن يعلم بالتذكّر قبل تجاوز المحلّ الذكري ويشكّ في حصول التدارك فله علمان علم بالنسيان وعلم بالتذكّر ، وشكّ في الإتيان بالوظيفة بعد ما تذكّر لاحتمال غفلته عن العمل بها.

ولا ينبغي الإشكال في جريان قاعدة الفراغ أو التجاوز في هذه الصورة فلا يعتني بالشكّ. والظاهر أنّ كلام الماتن منصرف عن هذه الصورة وناظر إلى الصورة الآتية ، بل لا ينبغي التأمّل فيه.

الصورة الثانية : ما لو شكّ في أصل التذكّر فأحتمل استمرار النسيان إلى أن دخل في الركوع وتجاوز عن محلّ التدارك ، كما أنّه يحتمل التذكّر وحصول التدارك بعده.

والظاهر عدم جريان القاعدة حينئذ ، وذلك لما هو المقرّر في محلّه (١) من أنّ هذه ليست قاعدة تعبّدية ، وإنّما هي إمضاء لما استقرّ عليه بناء العقلاء من عدم الالتفات بالشكّ الحادث بعد الانتهاء من العمل ، ولا سيما بملاحظة التعليل الوارد في بعض نصوص الباب من قوله (عليه السلام) : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشك» (٢) وقوله (عليه السلام) : «وكان حين انصرف أقرب إلى الحق» (٣).

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٢١ ، ٣٦٢ ٣٦٣.

(٢) الوسائل ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٤٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٧ ح ٣.


(٢٠٩٢) مسألة ١١ : لو كان عليه صلاة الاحتياط وقضاء السجدة أو التشهّد فالأحوط تقديم الاحتياط (*) (١) وإن كان فوتهما مقدّماً على موجبه لكن الأقوى التخيير ، وأمّا مع سجود السهو فالأقوى تأخيره عن قضائهما كما يجب تأخيره عن الاحتياط أيضاً.

______________________________________________________

فإنّ الخلل المحتمل إمّا أن يستند إلى العمد وهو خلاف فرض كون المكلّف بصدد الامتثال ، أو يستند إلى الغفلة وهي مدفوعة بالأصل محكومة بعدم الالتفات ، فانّ كلّ عامل حينما يعمل ملتفت غالباً إلى خصوصيات عمله ويراعي ما يعتبر فيه ، وإن كان قد يذهل عمّا فعل فيما بعد ، فهو آن ذاك أذكر منه حينما يشكّ ، وأقرب إلى الحقّ كما في النصّ. والتعليل المزبور يشير إلى هذا المعنى الارتكازي.

وعليه فمورد القاعدة ما إذا احتمل الخطأ والغفلة وأنّه لا يعتني بهذا الاحتمال أمّا إذا كان عالماً بخطئه وغفلته وتحقّق النسيان منه كما هو المفروض في المقام فلا تكاد تجري القاعدة لعلاج غفلته المحقّقة وتصحيحها بالبناء على التذكّر والتدارك ، بل مقتضى الاستصحاب استمرار النسيان وعدم عروض الذكر.

وبعبارة اخرى : إنّما تجري القاعدة مع احتمال طروء الغفلة لا مع احتمال طروء الالتفات بعد العلم بالغفلة.

(١) بل هو الأقوى ، لما استفيد من الأخبار من أنّ المقضي إنّما يؤتى به خارج الصلاة وبعد استكمالها والانتهاء منها بما لها من الأجزاء ، وحيث يحتمل النقص وأن تكون ركعة الاحتياط جزءاً متمّماً فلم يحرز معه الاستكمال والفراغ عن الصلاة ، فلا مناص من تأخير القضاء عن صلاة الاحتياط رعاية لإحراز

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.


.................................................................................................

______________________________________________________

الخروج عن الصلاة وإن كان فوت السجدة أو التشهّد مقدّماً على موجب الاحتياط. فما قوّاه في المتن من التخيير في غير محلّه.

ومنه تعرف لزوم تأخير سجدة السهو عن ركعة الاحتياط ، لصراحة الأخبار في أنّ محلّ هذه السجدة إنّما هو بعد الانصراف والتسليم ، ولم يحرز الانصراف بعد الفراغ من الركعة البنائية ما لم تتعقّب بركعة الاحتياط.

وبعين هذا البيان يجب تأخير سجود السهو عن قضاء السجدة أو التشهّد لما عرفت من أنّ المقضي هو نفس الجزء قد تغيّر ظرفه ومحلّه وتبدّل بوقوعه بعد السلام ، فما لم يؤت به لم يتحقّق الفراغ عن تمام الأجزاء ، وقد عرفت أنّ موطن سجود السهو هو بعد الانصراف والانتهاء عن تمام الأجزاء ، هذا.

وقد يقال بأنّ المستفاد من بعض النصوص عكس ذلك وأنّه يجب تأخير قضاء التشهّد عن سجود السهو ، فامّا أن يقتصر على مورد النصّ أو يتعدّى عن التشهّد إلى السجدة المنسية بعدم القول بالفصل ، وهي رواية علي بن أبي حمزة الواردة في من نسي التشهّد ، قال : «... فاذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك» (١) ، فانّ المراد بسجدتين لا ركوع فيهما هو سجود السهو ، وقد أمر (عليه السلام) بالإتيان بالتشهّد الفائت مؤخّراً بمقتضى العطف بـ «ثمّ».

وفيه أوّلاً : أنّ الرواية ضعيفة السند ، فانّ الظاهر أنّ علي بن أبي حمزة الذي يروي عنه القاسم بن محمّد الجوهري هو البطائني ، ولم يوثق ، بل قد ضعّفه العلّامة صريحاً (٢) ، وقال ابن فضال : إنّه كذّاب متّهم (٣).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٤٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ٢.

(٢) الخلاصة : ٣٦٢ / ١٤٢٦.

(٣) معجم رجال الحديث ١٢ : ٢٣٧ / ٧٨٤٦.


[٢٠٩٣] مسألة ١٢ : إذا سها عن الذكر أو بعض ما يعتبر فيها ما عدا وضع الجبهة في سجدة القضاء فالظاهر عدم وجوب إعادتها ، وإن كان أحوط (١).

______________________________________________________

وثانياً : أنّ الرواية لا دلالة لها على قضاء التشهّد فضلاً عن تأخّره عن سجود السهو ، فانّ المراد بالتشهّد المذكور فيها هو التشهّد الذي تشتمل عليه سجدة السهو ، لا تشهّد آخر وراء ذلك يؤتى به بعنوان القضاء. وتوصيفه بقوله : «الذي فاتك» إشارة إلى الاجتزاء به عن ذاك الفائت ولو بقرينة الروايات الأُخرى الصريحة (١) في أنّه يجتزي عن المنسي بهذا التشهّد.

وعلى الجملة : لو كان التشهّد معطوفاً على سجدتي السهو بهذا العنوان أمكن أن يراد به تشهّد آخر ، لكنّه معطوف على ذات السجدتين ، وحينئذ فالمراد به نفس التشهّد الذي تشتمل عليه سجدتا السهو. فلا دلالة فيها بوجه على الإتيان بتشهّد آخر معنون بالقضاء وراء ذاك التشهّد.

ومن هنا أنكرنا وجوب قضاء التشهّد رأساً ، لقصور هذه الرواية وغيرها من الروايات عن الدلالة عليه وإن ذهب إليه المشهور ، وبنينا كما سبق في محلّه (٢) على أنّه لا أثر لنسيان التشهّد عدا سجدة السهو ، وأنّه يجتزي في قضائه بالتشهّد الذي تشتمل عليه السجدة كما نطقت به النصوص.

(١) تقدّم في المسألة الثامنة عشرة من فصل الخلل (٣) أنّه لو نسي بعض ما يجب في السجود كالذكر أو وضع اليدين أو الإبهامين ونحوها ما عدا وضع الجبهة الذي به قوام السجدة ، وتذكّر بعد رفع الرأس ، فمقتضى القاعدة حينئذ

__________________

(١) لاحظ الوسائل ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهد ب ٧ ، ٩.

(٢) في ص ٩٤ وما بعدها.

(٣) في ص ١٠٤ ١٠٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

وإن كان لزوم إعادة السجود ، لعدم تحقّق المأمور به على وجهه ، فلا مناص من التدارك الذي لا محذور فيه في حدّ نفسه بعد فرض بقاء المحلّ ، إلّا أنّا قد استفدنا من الروايات كصحيحة حماد وغيرها (١) أنّ تلك الأُمور لم تعتبر في مطلق السجود وطبيعيّه ، وإنّما هي واجبات في خصوص السجدة الأُولى بعنوان كونها اولى ، وكذا السجدة الثانية بعنوانها.

وعليه فالسجدة الصادرة الفاقدة لتلك الأُمور يستحيل تداركها ، لامتناع إعادة المعدوم ، والشي‌ء لا ينقلب عمّا هو عليه ولا يتغيّر عمّا وقع. فلو أتى بسجدة أُخرى فهي سجدة ثانية لا اولى ، ولو كان الخلل في الثانية وكرّرها فهي سجدة ثالثة لا ثانية ، والمفروض اعتبار تلك الأُمور في خصوص الأُولى أو الثانية بعنوانهما لا في طبيعي السجود ، فلا يعقل التدارك إلّا بإعادة الصلاة واستئنافها المنفية بحديث لا تعاد بعد كون المنسي ممّا عدا الخمسة.

فبما أنّ محلّ التدارك لم يكن باقياً ولم تجب إعادة الصلاة يحكم بالصحّة وعدم إعادة السجدة.

وهذا البيان بعينه جار فيما نحن فيه بناءً على ما عرفت من أنّ السجدة المقضية جزء متمّم ، وهي نفس السجدة الصلاتية بعينها قد تأخّر ظرفها وتبدّل محلّها فيلحقها حكم السجدة المنسية بعينه.

وأمّا بناءً على المسلك الآخر من كونها واجباً مستقلا قد تعلّق بها تكليف جديد فيشكل الحال حينئذ ، بل مقتضى القاعدة المتقدّمة لزوم إعادتها بعد عدم وقوعها على وجهها. وعنوان الاولى والثانية إنّما اعتبر في السجود الصلاتي الأدائي دون القضائي. ومعلوم أنّ فسادها لا يستوجب إعادة الصلاة كي تنفى بحديث لا تعاد.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١ وغيره.


[٢٠٩٤] مسألة ١٣ : لا يجب الإتيان بالسلام في التشهّد القضائي ، وإن كان الأحوط في نسيان التشهّد الأخير إتيانه بقصد القربة من غير نيّة الأداء والقضاء مع الإتيان بالسلام بعده ، كما أنّ الأحوط في نسيان السجدة من الركعة الأخيرة أيضاً الإتيان بها بقصد القربة مع الإتيان بالتشهّد والتسليم لاحتمال كون السلام في غير محلّه (*) ووجوب تداركهما بعنوان الجزئية للصلاة وحينئذ فالأحوط سجود السهو أيضاً في الصورتين لأجل السلام في غير محلّه (١).

______________________________________________________

ودعوى ظهور دليل القضاء في مشاركة المقضي مع الفائت في جميع الخصوصيات غير مسموعة إلّا بالإضافة إلى الخصوصيات التي تتقوّم بها ذات العمل من الأجزاء والشرائط دون الأحكام كما في المقام ، فانّ محكومية السجدة المنسية بالصحّة من أجل حديث لا تعاد لا تستوجب الحكم بالصحّة في السجدة المقضية كما لا يخفى. فلا مناص من الإعادة.

(١) أمّا إذا كان المنسي التشهّد الأخير فقد عرفت (١) أنّ اللّازم على ما تقتضيه القاعدة الأوّلية السليمة عن المعارض هو الرجوع والتدارك بعنوان الجزئية للصلاة ثمّ التسليم بعده ، لوقوع السلام الأوّل في غير محلّه ، ويسجد سجدتي السهو لزيادته. وكذا الحال في السجدة المنسيّة من الركعة الأخيرة ، لعين ما ذكر ، فيتداركها مع التشهّد والتسليم ، ويأتي بسجود السهو لزيادة السلام.

__________________

(*) هذا الاحتمال هو المتعيّن ، وعليه فاللّازم الإتيان بسجود السهو في الصورتين.

(١) في ص ٩٨ ، ٣٠٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا التشهّد المنسي غير الأخير فقد عرفت (١) أنّ الأقوى عدم وجوب قضائه وأنّه لا أثر لنسيانه عدا سجدة السهو ، وعلى تقدير تسليم القضاء فغايته قضاء نفس التشهّد المشتمل على الشهادتين وما يلحق بهما من الصلاة على محمّد وآله (صلوات الله عليهم أجمعين) ، وأمّا التسليم فلا يجب الإتيان به ، لخروجه عن حقيقة التشهّد ، والمفروض الإتيان به في محلّه.

وأمّا السجدة المنسيّة من سائر الركعات فلا إشكال في وجوب قضائها ، لكن عرفت (٢) أنّ إطلاق القضاء إنّما هو باعتبار وقوعها في غير ظرفها الأصلي ، وإلّا فهي نفس الجزء المنسي وواجب بالأمر الصلاتي ، وليست من القضاء المصطلح في شي‌ء.

نعم ، لو كان التذكّر بعد ارتكاب المنافي بحيث لا تصلح للالتحاق والانضمام والاتصاف بالجزئية وجب تداركها حينئذ أيضاً بمقتضى إطلاق بعض النصوص المعتبرة (٣)، وكان ذلك من القضاء المصطلح لا محالة ، لوجوبها عندئذ بوجوب مستقلّ كما في قضاء الفوائت ، لامتناع بقاء الأمر الصلاتي الضمني بعد فرض تخلّل المنافي كما عرفت. فتداركها قضاء بالمعنى الاصطلاحي في صورة ، وبالمعنى الآخر في صورة أُخرى ، ويلحقها حكم الجزء في الصورة الثانية دون الاولى. ولا مانع من التفكيك بعد مساعدة الدليل كما لا يخفى.

__________________

(١) في ص ٩٩ وما بعدها ، ٣١٠.

(٢) في ص ٩٥ ، ٢٧١.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٢.


[٢٠٩٥] مسألة ١٤ : لا فرق في وجوب قضاء السجدة وكفايته عن إعادة الصلاة بين كونها من الركعتين الأوّلتين والأخيرتين ، لكن الأحوط إذا كانت من الأوّلتين إعادة الصلاة أيضاً ، كما أنّ في نسيان سائر الأجزاء الواجبة منهما أيضاً الأحوط استحباباً بعد إتمام الصلاة إعادتها وإن لم يكن ذلك الجزء من الأركان ، لاحتمال اختصاص اغتفار السهو عمّا عدا الأركان بالركعتين الأخيرتين كما هو مذهب بعض العلماء (١) وإن كان الأقوى كما عرفت عدم الفرق.

______________________________________________________

(١) نسب ذلك إلى المفيد (١) والشيخ (٢) وابن أبي عقيل (٣) استناداً إلى ما ورد في بعض النصوص كصحيحة زرارة وغيرها (٤) من أنّه لا سهو في الأولتين.

لكن المراد به هو الشكّ ، لقرائن في نفس النصوص دلّت على لزوم سلامة الأولتين لكونهما فرض الله عن الشكّ في عدد الركعات ، وأنّ حكم الشكّ فيها خاصّ بالأخيرتين ، وقد أُطلق السهو على الشكّ كثيراً كما مرّ التعرّض لذلك في أحكام الخلل (٥).

وعليه فإطلاق دليل القضاء الشامل للأولتين كالأخيرتين كالإطلاق في حديث لا تعاد هو المحكّم.

__________________

(١) المقنعة : ١٤٥ [لكن لاحظ ص ١٣٨ ، ١٤٧ منها].

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٤ ذيل ح ٦٠٤.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٧٢ المسألة ٢٦٢ [لكن المحكي عنه تعميم البطلان لترك السجدة الواحدة حتّى من الأخيرتين كما صرّح في ص ٨٦ من هذا المجلّد].

(٤) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١.

(٥) [بل أشير إلى ذلك في بحث الشك ص ٢٢٣ ، راجع المصدر المتقدم آنفاً أيضاً].


[٢٠٩٦] مسألة ١٥ : لو اعتقد نسيان السجدة أو التشهّد مع فوت محلّ تداركهما ثمّ بعد الفراغ من الصلاة انقلب اعتقاده شكّاً فالظاهر عدم وجوب القضاء (١).

______________________________________________________

على أنّ في جملة من نصوص القضاء التصريح بأنّه نسي السجدة حتّى ركع (١) ومن الواضح أنّ هذا غير شامل للركعة الأخيرة ، إذ لا ركوع بعدها ، فلو بني على عدم الشمول للأولتين لزم تخصيصه بالركعة الثالثة من الصلوات الرباعية وهو كما ترى ، إذ مضافاً إلى أنّه من حمل المطلق على الفرد النادر لا وجه لتقييدها بالصلوات الرباعية بعد إطلاقها الشامل لها وللثنائية والثلاثية كما لا يخفى.

فما عليه المشهور من إطلاق الحكم لكافّة الركعات هو الصحيح ، وإن كان الأحوط استحباباً لو نسي السجدة أو غيرها من الأجزاء الواجبة من الأولتين إعادة الصلاة ، خروجاً عن شبهة الخلاف.

(١) فانّ الاعتقاد المزبور إنّما يؤثّر ببقائه لا بمجرّد الحدوث ، ولذا لو زال أثناء الصلاة وتبدّل شكّاً أو تذكّراً لم يؤثّر في القضاء جزماً ، فإنّ العبرة بوجوده حدوثاً وبقاءً ، والمدار على الحالة الفعلية لا السابقة ، والمفروض زوال ذاك الاعتقاد بعد الصلاة. وأمّا الشكّ المنقلب إليه فهو شكّ حادث بعد تجاوز المحلّ فلا يعتنى به ، لقاعدة التجاوز.

وأمّا قاعدة الفراغ فلا مسرح لها في المقام ، لا لأنّ المعتبر فيها الفراغ البنائي وهو غير حاصل فيما نحن فيه كما قيل ، إذ لا أساس لاعتبار الفراغ البنائي في

__________________

(١) منها ما في الوسائل ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

جريان القاعدة على ما حقّقناه في محلّه (١) ، وإنّما العبرة بالفراغ الواقعي والمضيّ الحقيقي المتعلّق بنفس الشي‌ء الأعم من أن يكون ما مضى صحيحاً أو فاسداً بحيث لا يكون قابلاً للتدارك إلّا بالإعادة ، وهو حاصل فيما نحن فيه بالضرورة لصدق المضيّ الحقيقي على وجه لا يمكن التدارك في المحلّ إلّا بالإعادة.

بل الوجه في عدم الجريان أنّ مورد القاعدة هو الشكّ في الصحّة والفساد ، لما عرفت من أنّ المضيّ حينئذ مستند إلى نفس الشي‌ء حقيقة ، لكون الفراغ عنه محرزاً واقعاً ، فلا محالة يكون الشكّ في صحّته وفساده ، بخلاف قاعدة التجاوز فانّ الشكّ فيها متعلّق بأصل وجود الشي‌ء ، ومن ثمّ كان إطلاق التجاوز عنه باعتبار التجاوز عن محلّه المبني على ضرب من المسامحة والعناية التي لا مناص منها بعد تعذّر المعنى الحقيقي.

وعلى الجملة : فمورد قاعدة الفراغ هو الشكّ في الصحّة والفساد ، وهذا غير منطبق على المقام ، إذ لا شكّ في صحّة الصلاة ، ولم يتطرّق احتمال الفساد ، وإنّما الترديد في تحقّق النسيان وحصول موجب القضاء وعدمه ، فيجب القضاء على تقدير ولا يجب على تقدير آخر ، والصلاة صحيحة على التقديرين. ومعه لا موضوع لإجراء تلك القاعدة.

فالمرجع الوحيد في نفي القضاء إنّما هي قاعدة التجاوز لا غير ، إذ يشكّ حينئذ في تحقّق السجدة أو التشهّد في ظرفهما وقد تجاوز محلّهما بالدخول في الجزء المترتّب ، فيبني على التحقّق بهذه القاعدة.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٩٣.


(٢٠٩٧) مسألة ١٦ : لو كان عليه قضاء أحدهما وشكّ في إتيانه وعدمه وجب عليه الإتيان (*) به ما دام في وقت الصلاة ، بل الأحوط استحباباً ذلك بعد خروج الوقت أيضاً (١).

______________________________________________________

(١) فصّل (قدس سره) في مفروض المسألة بين ما إذا كان الشكّ حادثاً في الوقت أو في خارجه ، فعلى الأوّل يجب الإتيان ، لأصالة عدمه المطابقة لقاعدة الاشتغال. وعلى الثاني لا يجب ، لقاعدة الحيلولة الحاكمة على القاعدة المزبورة وكذا الأصل ، وإن كان الأحوط استحباباً الإتيان حينئذ أيضاً ، لاحتمال اختصاص القاعدة بالشكّ في أصل الصلاة.

أقول : للنظر فيما أفاده (قدس سره) من التفصيل مجال واسع ، فانّا إذا بنينا على أنّ السجدة المقضية وكذا التشهّد على القول بوجوب قضائه هو نفس الجزء المنسي قد تأخّر ظرفه وتبدّل محلّه ، وأنّه واجب بالأمر الصلاتي لا بتكليف آخر مستقلّ كما هو الصحيح على ما عرفت ، فحكمه حكم الشكّ في الجزء الأخير من العمل ، فانّ الجزء الأخير في الصلاة المتعارفة هو السلام ، وفي هذه الصلاة هو السجود أو التشهّد.

وحكمه أنّه إن كان الشكّ قبل ارتكاب المنافي بحيث يصلح المشكوك للانضمام والالتحاق بالصلاة وجب الاعتناء بمقتضى قاعدة الشكّ في المحلّ ، وإن كان بعده بحيث لا يمكن التدارك إلّا بالإعادة لم يجب بمقتضى قاعدة الفراغ ، وهذا من غير فرق بين عروض الشكّ في الوقت أو في خارجه كما لا يخفى.

وأمّا إذا بنينا على أنّ المقضي عمل مستقل غير مرتبط بالصلاة وقد سقط أمرها وتعلّق تكليف جديد بالقضاء كما في قضاء الفوائت ، فالظاهر وجوب

__________________

(*) هذا فيما إذا أمكن الالتحاق ، وإلّا فلا يجب الإتيان به بلا فرق بين الوقت وخارجه.


[٢٠٩٨] مسألة ١٧ : لو شكّ في أنّ الفائت منه سجدة واحدة أو سجدتان من ركعتين بنى على الاتّحاد (١).

______________________________________________________

الاعتناء بالشكّ وإن كان حاصلاً في خارج الوقت ، لعدم كون هذا التكليف موقّتاً بوقت خاصّ كما كان كذلك في أصل الصلاة. فلا يقاس أحدهما بالآخر بل المرجع حينئذ قاعدة الاشتغال ، للشكّ في الامتثال بعد العلم بالتكليف.

وبعبارة اخرى : فرق واضح بين الأمر بنفس الصلاة وبين الأمر بقضائها أو قضاء الجزء المنسي ، فإنّ الأمر بالصلاة ساقط عند خروج الوقت جزماً إمّا بالامتثال أو بانتهاء أمده ، غاية الأمر عند فوت الفريضة في وقتها يتعلّق أمر آخر بالقضاء موضوعه الفوت.

فلو شكّ فيه بعد الوقت لا يعتني به ، لقاعدة الحيلولة المطابقة لمقتضى القاعدة الأوّلية ، حيث إنّ القضاء موضوعه الفوت كما عرفت ، وهو غير محرز حسب الفرض ، وأصالة عدم الإتيان في الوقت لا يثبته كما مرّ مراراً ، فمرجع الشكّ إلى الشكّ في حدوث تكليف جديد متعلّق بالقضاء ، ومقتضى الأصل البراءة عنه.

وهذا بخلاف قضاء الجزء المنسي أو قضاء نفس الصلاة ، فإنّ الأمر المتعلّق به غير محدود بحدّ ولا موقّت بوقت. وإن قلنا بوجوب المبادرة إليه فإنّ ذلك لا يجعله من الموقّتات كما لا يخفى.

وعليه فمع الشكّ في الإتيان لا مناص من الاعتناء عملاً بقاعدة الاشتغال إذ لا موضوع حينئذ لقاعدة الحيلولة ، ولا لأصل البراءة بعد كون الشكّ في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم.

فتحصّل : أنّ المتعيّن هو التفصيل حسب اختلاف المباني ، ولا فرق في ذلك بين الوقت وخارجه.

(١) إذ الأمر دائر حينئذ بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليين ، ومعه كان الشكّ


[٢٠٩٩] مسألة ١٨ : لو شكّ في أنّ الفائت منه سجدة أو غيرها من الأجزاء الواجبة التي لا يجب قضاؤها وليست ركناً أيضاً لم يجب عليه القضاء بل يكفيه سجود السهو (*) (١).

______________________________________________________

بالإضافة إلى الزائد بمثابة الشكّ في أصل تحقّق الفوت ، وقد عرفت (١) أنّ المرجع في مثله قاعدة التجاوز.

(١) ما أفاده (قدس سره) مبنيّ على أمرين قد التزم (قدس سره) بكلّ منهما : أحدهما : أنّ السجدة المنسيّة يجب قضاؤها وسجود السهو لها. ثانيهما : أنّ سجدة السهو تجب لكلّ زيادة ونقيصة ، فحينئذ يتمّ ما أفاده (قدس سره) ، فإنّ سجدة السهو واجبة على التقديرين فلا مجال لنفيها بالأصل ، وأمّا القضاء فهو منفي بقاعدة التجاوز السليمة عن المعارض من هذه الجهة ، فلا أثر للعلم الإجمالي بفوات أحدهما من ناحية القضاء بعد عدم كون التكليف منجّزاً على كلّ تقدير.

وأمّا لو أنكرنا الأمر الثاني وقلنا بعدم وجوب سجدة السهو إلّا في موارد خاصّة كما هو الصحيح على ما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى (٢) ، فلو كان طرف العلم الإجمالي من غير تلك الموارد كالقراءة مثلاً لم يجب عليه حينئذ لا القضاء ولا سجود السهو ، لجريان قاعدة التجاوز بالإضافة إلى السجود (٣) ، النافية لكلا الأثرين ، السليمة عن المعارض ، إذ لا أثر لنسيان الطرف الآخر رأساً حسب الفرض. وهذا لا يفرق فيه بين ما إذا التزمنا بالأمر الأوّل أو أنكرناه أيضاً كما هو المختار.

__________________

(*) على الأحوط.

(١) في ص ٣٢٧ ٣٢٨.

(٢) في ص ٣٦١.

(٣) [أي السجدة].


[٢١٠٠] مسألة ١٩ : لو نسي قضاء السجدة أو التشهّد وتذكّر (١) بعد الدخول في نافلة جاز له قطعها (*) والإتيان به ، بل هو الأحوط ، بل وكذا لو دخل في فريضة.

______________________________________________________

ولو أنكرنا الأمر الأوّل فقط دون الثاني ، وبنينا على أنّ نسيان السجدة لا أثر له إلّا القضاء ، ولا يوجب سجود السهو كما هو الصحيح على ما نطقت به النصوص الصريحة في نفي السهو على ما سبق (١) ، فحينئذ ينعكس الأمر فيجب الجمع بين القضاء وسجدة السهو ، عملاً بالعلم الإجمالي بأحد التكليفين بعد تعارض القاعدة وتساقطها من الجانبين.

فما أفاده (قدس سره) وجيه على مسلكه في الأمرين المتقدّمين ، ولا يتمّ بانتفاء واحد منهما ، بل يختلف الحكم حينئذ باختلاف المباني حسبما عرفت. وقد عرفت أنّ الأظهر عدم وجوب القضاء ولا سجدة السهو.

(١) قد يكون التذكّر بعد الدخول في النافلة ، وأُخرى بعد الدخول في الفريضة.

أمّا في الأوّل : فلا ينبغي الإشكال في جواز القطع ، لجواز قطع النافلة حتّى اختياراً فضلاً عن قطعها لتدارك سجدة واجبة ، وإنّما الكلام في أنّه هل يتعيّن عليه القطع أو يجوز له الإتمام بعد تدارك الجزء المنسي ، فنقول :

قد يكون التذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة الاولى من النافلة ، وأُخرى قبل الدخول فيه.

أمّا بعد الدخول فحيث إنّ الركوع حينئذ مانع عن صلاحية التحاق السجدة المنسية بالصلاة الأصلية وانضمامها إليها فتلك السجدة ساقطة عندئذ عن الجزئية

__________________

(*) بل هو المتعيّن فيه وفيما بعده.

(١) في ص ١٠١ [حيث تقدمت صحيحة أبي بصير ، وستأتي أيضاً في ص ٣٥٥].


.................................................................................................

______________________________________________________

وإنّما يجب قضاؤها حينئذ بالمعنى المصطلح بمقتضى قوله (عليه السلام) في الموثّق : «يقضي ما فاته إذا ذكره» (١) ، لا بمعنى تأخّر الجزء عن ظرفه والتبدّل في محلّه كما كان كذلك لو كان التذكّر في وقت صالح للانضمام على ما سبق. فهو عمل مستقلّ غير مرتبط بالصلاة يجب قضاؤه في نفسه.

وبعبارة اخرى : تخلّل الركوع من مصاديق المنافي بالإضافة إلى الصلاة الأصلية المانع من صلاحية انضمام السجدة بها ، لأنّه مصداق للزيادة القادحة ، فإنّه وإن لم يقصد به الجزئية لتلك الصلاة بل قصد به الجزئية للنافلة ، إلّا أنّه يكفي في صدق الزيادة القادحة في باب الركوع والسجود الزيادة الصورية كما استفيد ممّا دلّ على المنع عن قراءة سور العزائم في الصلاة معلّلاً بأنّ السجدة زيادة في المكتوبة (٢) كما مرّ في محلّه (٣).

فتذكّر النسيان بعد الدخول في الركوع بمثابة التذكّر بعد ارتكاب المنافي من حدث أو استدبار ونحوهما ، وقد عرفت أنّ الإتيان بالسجدة حينئذ قضاء بالمعنى الاصطلاحي وليس جزءاً متأخّراً ، بل قد سقط الأمر بالصلاة وحدث تكليف جديد بالقضاء ، وحينئذ فكما يجوز له قطع النافلة يجوز له الإتيان بالسجدة أثناءها ثمّ إتمام النافلة ، ولا مانع من زيادة السجدة في هذه الصلاة فإنّ الممنوع من زيادتها ولو صورة إنّما هو في أثناء الفريضة المكتوبة كما في النص (٤) لا في النافلة ، ولذا لو أصغى إلى آية العزيمة وهو في النافلة سجد في تلك الحالة بلا إشكال.

وأمّا لو تذكّر قبل الدخول في الركوع ، فحيث إنّ السجدة حينئذ صالحة

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ١ ، ٤.

(٣) شرح العروة ١٥ : ١٣٢.

(٤) تقدّم مصدره آنفاً.


.................................................................................................

______________________________________________________

للانضمام فهي باقية على الجزئية ، ولم يتحقّق الفراغ عن الصلاة الأُولى ، لبقاء جزئها الأخير فهو بعد في الأثناء وقد شرع في النافلة ناسياً تدارك السجدة وحينئذ فان قلنا بجواز إقحام الصلاة في الصلاة جاز له الإتيان بالسجدة أثناء النافلة ثمّ إتمامها ، لعدم كون السجدة الزائدة قادحة في النافلة كما عرفت ، وإلّا تعيّن عليه القطع لتدارك السجدة ثمّ يستأنف النافلة إن شاء.

وأمّا في الثاني : أعني ما لو تذكّر بعد ما دخل في الفريضة فليس له الإتيان بالسجدة أثناءها ، سواء كان التذكّر قبل الدخول في الركوع أم بعده ، فإنّه زيادة في المكتوبة حسبما عرفت. فيدور الأمر بين قطع الفريضة الذي هو محرّم على المشهور أو أنّه مخالف للاحتياط ، وبين تأخير السجدة.

أمّا إذا كان التذكّر قبل الدخول في الركوع فحيث إنّ السجدة حينئذ صالحة للانضمام وباقية على الجزئية تعيّن عليه الإتيان بها ورفع اليد عن الصلاة الثانية لكونه بعد غير فارغ عن الاولى ، وما لم يفرغ عنها بتمام أجزائها ليس له الدخول في الثانية ، لعدم الأمر بها حينئذ ، ولأجله لم يكن المقام مشمولاً لدليل حرمة القطع جزماً.

وأمّا لو تذكّر بعد الدخول في الركوع فالسجدة حينئذ قضاء بالمعنى الاصطلاحي كما مرّ ، وليست جزءاً من الصلاة الأصلية ، فلا مانع من تأخير الإتيان بها بعد الصلاة الثانية.

نعم ، بناءً على وجوب المبادرة إليها كما اختاره في المتن وهو الظاهر من قوله (عليه السلام) في موثّق عمّار : «يقضي ما فاته إذا ذكره» (١) تعيّن القطع والإتيان بها ثمّ استئناف الصلاة. ودليل حرمة القطع لا يشمل صورة المزاحمة مع واجب فوري كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٢.


[٢١٠١] مسألة ٢٠ : لو كان عليه قضاء أحدهما في صلاة الظهر وضاق وقت العصر فإن أدرك منها ركعة وجب تقديمهما وإلّا وجب تقديم العصر ويقضي الجزء بعدها ، ولا يجب عليه إعادة الصلاة وإن كان أحوط (*) (١)

______________________________________________________

(١) ذكر (قدس سره) في مفروض المسألة أنّه إن تمكّن من إدراك العصر ولو ركعة منها وجب تقديم الجزء المنسي رعاية للترتيب ، لعدم المزاحمة بعد توسعة الوقت بدليل من أدرك ، وإن لم يتمكّن من ذلك أيضاً وجب تقديم العصر لأهميتها أو لاختصاص الوقت حينئذ بالعصر ، بمعنى عدم مزاحمة الظهر معها في هذا الوقت.

وتفصيل الكلام في المقام أنّ التذكّر إن كان قبل فوات الموالاة بحيث يصلح المنسي للالتحاق وتتّصف السجدة بالجزئية لدى الانضمام ، فلا ينبغي الإشكال في لزوم تقديمها على العصر ، للزوم تقديم الظهر بتمام أجزائها على العصر والمفروض أنّه لم يفرغ بعد عن الظهر ، لبقاء جزئها الأخير وهي السجدة ويسع الوقت له وللعصر بمقتضى التوسعة التعبدية الثابتة بدليل من أدرك (١) ، ولذا لو بقي من الوقت مقدار خمس ركعات وجب صرف أربع منها للظهر والركعة الباقية للعصر ، وهذا ظاهر.

وإن كان التذكّر بعد فوات الموالاة بحيث سقط المنسي عن الجزئية وتمحّض في القضاء المصطلح ، فحيث إنّ هذا القضاء فوري تجب المبادرة إليه كما أشرنا إليه آنفاً وجب تقديمها أيضاً على العصر ، إذ لا فرق في وجوب تقديم ما يجب

__________________

(*) لا يترك الاحتياط.

(١) الوسائل ٤ : ٢١٧ / أبواب المواقيت ب ٣٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

على المكلّف إتيانه فعلاً بين الأداء والقضاء ، بعد عدم المزاحمة وإمكان الجمع بينه وبين العصر ولو ببركة التوسعة المستفادة من حديث من أدرك.

هذا كلّه مع بقاء وقت العصر ولو بمقدار ركعة ، وأمّا لو لزم من التقديم فوات وقت العصر رأساً فالمتعيّن حينئذ تقديم العصر ، سواء كانت الموالاة باقية أم فائتة ، لاختصاص الوقت حينئذ بها بمعنى عدم جواز مزاحمة الغير معها ، بل لو تذكّر في هذه الحالة عدم الإتيان بالظهر رأساً وجب تقديم العصر فضلاً عن نسيان جزئها أو وجوب قضائه عليه ، لما عرفت من الاختصاص وعدم جواز المزاحمة ، هذا.

وقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّه يقضي الجزء بعد ذلك ، واحتاط استحباباً بإعادة الظهر أيضاً.

والصحيح هو التفصيل في الإعادة بين ما إذا كان التذكّر قبل فوات الموالاة وما إذا كان بعده.

ففي الأوّل حيث إنّه ترك الجزء عالماً عامداً وإن كان معذوراً فيه من أجل ضيق وقت العصر ، فهو بمثابة ترك الظهر رأساً ، إذ الإخلال بالجزء إخلال بالكلّ فيجب عليه إعادة الظهر بعد العصر. ولا مجال حينئذ للتمسّك بحديث لا تعاد لكونه تاركاً للجزء عن عمد والتفات وإن كان معذوراً فيه ، ومثله غير مشمول للحديث.

وفي الثاني لا يجب إلّا قضاء الجزء المنسي ، ولا وجه للاحتياط بإعادة الظهر ولو استحباباً ، لصحّتها في ظرفها وسقوط أمرها بعد عدم إمكان التحاق المنسي بها وكونه من القضاء المصطلح كما عرفت.


وكذا الحال لو كان عليه صلاة الاحتياط للظهر وضاق وقت العصر ، لكن مع تقديم العصر يحتاط بإعادة الظهر أيضاً (*) بعد الإتيان باحتياطها (١).

______________________________________________________

(١) الاحتياط المذكور وهو الجمع بين إعادة الظهر وبين الإتيان بركعة الاحتياط مبنيّ على الترديد في أنّ صلاة الاحتياط هل هي جزء متمّم على تقدير النقص أو أنّها صلاة مستقلّة.

إذ على الأوّل تجب الإعادة ، لعدم إحراز براءة الذمّة عن الظهر بعد احتمال نقصها بركعة. ولا تكفي صلاة الاحتياط حينئذ ، لعدم صلاحيتها للانضمام على تقدير النقص بعد تخلّل العصر بينها وبين الصلاة الأصلية.

وعلى الثاني لا موجب للإعادة ، لسقوط الأمر بالظهر وحصول امتثالها وصحّتها على كلّ تقدير ، وإنّما الواجب حينئذ الإتيان بصلاة الاحتياط فحسب. فرعاية لكلا المبنيين حكم بالاحتياط بالجمع بين الأمرين.

وحيث قد عرفت (١) أنّ الأظهر كون الركعة جزءاً متمّماً فالأقوى جواز الاكتفاء بإعادة الظهر ، ولا حاجة إلى ضمّ ركعة الاحتياط.

__________________

(*) الظاهر جواز الاكتفاء بإعادتها.

(١) في ص ٢٨٠.


فصل

في موجبات سجود السهو وكيفيته وأحكامه

[٢١٠٢] مسألة ١ : يجب سجود السهو لأُمور :

الأوّل : الكلام سهواً (١)

______________________________________________________

(١) المعروف والمشهور وجوب سجود السهو لمن تكلّم في صلاته ساهياً ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، ولم ينسب الخلاف إلّا إلى الصدوق (١) ووالده (٢) ومال إليه السبزواري في الذخيرة (٣) ، بل قد ناقش صاحب الحدائق في صحّة النسبة إلى الصدوق (٤).

وكيف ما كان ، فالمتبع هو الدليل. ويدلنا على الوجوب طائفة من الروايات :

منها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتكلّم ناسياً في الصلاة يقول : أقيموا صفوفكم ، فقال : يتمّ صلاته ثمّ

__________________

(١) [الفقيه ١ : ٢٢٥ ذيل ح ٩٩٣ ، حيث قال : ولا تجب سجدتا السهو إلّا على من قعد في حال قيامه ، أو قام في حال قعوده ، أو ترك التشهد ، أو لم يدر زاد أو نقص. لكنه ذكر في ص ٢٣١ ذيل ح ١٠٢٨ ما لفظه : وإن تكلمت في صلاتك ناسياً فقلت : أقيموا صفوفكم. فأتم صلاتك واسجد سجدتي السهو. وهكذا قال في المقنع : ١٠٦].

(٢) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٤١٨ المسألة ٢٩٧.

(٣) الذخيرة : ٣٧٩ السطر ٣٢.

(٤) الحدائق ٩ : ٣١٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

يسجد سجدتين ...» إلخ (١) ، فإنّها ظاهرة في أنّ الموجب للسجود إنّما هو التكلّم ناسياً ، وأنّ قول : «أقيموا صفوفكم» إنّما ذكر من باب المثال.

ومنها : صحيحة ابن أبي يعفور : «عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعاً إلى أن قال (عليه السلام) في ذيلها : وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» (٢) دلّت بمقتضى الإطلاق على أنّ التكلّم السهوي متى ما تحقّق سواء أكان في الصلاة الأصلية أم في ركعتي الاحتياط أم ما بينهما فهو موجب لسجود السهو.

ومنها : موثّقة عمّار قال : «... وعن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام ثمّ ذكر من قبل أن يقدّم شيئاً أو يحدث شيئاً ، فقال : ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلّم بشي‌ء ...» إلخ (٣).

وناقش فيها غير واحد بأنّ المراد بالتكلّم هو القراءة أو التسبيح الواقعان في غير محلّهما ، المشار إليهما في كلام السائل بقوله : «من قبل أن يقدّم شيئاً ...» إلخ أي من قبل أن يقرأ ، كما لو كان في الثانية وكانت وظيفته القعود للتشهّد فتخيّل أنّها الاولى وقام إلى الثانية ، أو من قبل أن يسبّح كما لو تخيّل في الفرض أنّه في الثالثة وقام إلى الرابعة. فالتكلّم إشارة إلى هذين الجزأين الزائدين.

وعليه فالموثّق من أدلّة وجوب سجود السهو لكلّ زيادة ونقيصة ، لا للتكلّم السهوي بما هو تكلّم الذي هو محلّ الكلام.

ولكن الظاهر أنّ المراد بالتكلّم هو الكلام العادي.

أمّا أوّلاً : فلأنّ القراءة والتسبيح وإن كانا من مصاديق التكلّم إلّا أنّه لم يعهد إطلاقه عليهما في شي‌ء من الأخبار ، بل لم نجد لذلك ولا مورداً واحداً

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

فلو كان المراد ذلك كان حقّ العبارة هكذا : حتّى يقرأ أو يسبّح ، أو حتّى يقول شيئاً ، لا حتّى يتكلّم كما لا يخفى.

وثانياً : أنّه لو أُريد ذلك لزم اللغوية والخروج عن مفروض كلام السائل لأنّه فرض التذكّر قبل أن يقدم [شيئاً] أي قبل أن يقرأ أو يسبّح ، فحكمه (عليه السلام) بوجوب سجدة السهو للقراءة أو التسبيح غير منطبق على السؤال كما لا يخفى.

وهذا بخلاف ما لو كان المراد التكلّم العادي ، فإنّ الاستثناء حينئذ بقوله : «حتّى يتكلّم» في محلّه ، ويكون حاصل الجواب : أنّ في مفروض السؤال لا شي‌ء عليه إلّا أن يتكلّم سهواً بكلام الآدميين.

فالإنصاف : ظهور الموثّق فيما نحن فيه وصحّة الاستدلال به. وعلى أيّ حال ففي الصحيحتين المتقدّمتين غنى وكفاية لصراحتهما في المطلوب ، هذا.

وربما يستدلّ أيضاً بجملة من الروايات الواردة في سهو النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في صلاة الظهر وتسليمه على الركعتين المشتملة على قصة ذي الشمالين وأنّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعد أن سأل القوم وتثبّت من سهوه تدارك الركعتين ثمّ سجد سجدتين للسهو (١) ، وفي بعضها كصحيح الأعرج التصريح بأنّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) سجد سجدتين لمكان الكلام (٢).

وفيه أوّلاً : أنّ هذه الروايات في أنفسها غير قابلة للتصديق وإن صحّت أسانيدها ، لمخالفتها لأُصول المذهب. على أنّها معارضة في موردها بموثّقة زرارة المصرّحة بأنّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) لم يسجد للسهو ، قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) هل سجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) سجدتي

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٩٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

السهو قط؟ قال : لا ، ولا يسجدهما فقيه» (١). فلا بدّ من ارتكاب التأويل أو الحمل على التقية أو الضرب عرض الجدار.

وثانياً : على تقدير التسليم فهي حكاية فعل ، وهو مجمل من حيث الوجوب والاستحباب ، فإنّ غاية ما يثبت بفعل المعصوم (عليه السلام) هي المشروعية والرجحان ، ولا يكاد يدلّ على الوجوب بوجه ، إذ الحكاية في مقام التشريع لا تستدعي أكثر من ذلك.

وثالثاً : مع الغضّ عن كلّ ذلك فمن الجائز أن يكون سجوده (صلّى الله عليه وآله وسلم) للسهو من أجل السلام الزائد الواقع في غير محلّه الذي هو من موجباته بلا إشكال كما ستعرف (٢) ، لا من أجل التكلّم السهوي ، فإنّ صحيحة الأعرج وإن تضمّنت التصريح بذلك فلا بأس بالاستدلال بها ، إلّا أنّ بقية النصوص مهملة لم يتعرّض فيها أنّه للسلام أو للكلام ، فلا تصلح للاستدلال لها على المقام.

وعلى الجملة : فهذه الروايات غير صالحة للاستدلال ، والعمدة هي الروايات الثلاث المتقدّمة ، وعمدتها الصحيحتان كما عرفت.

ولكن بإزائها عدّة روايات قد يستدلّ بها على عدم الوجوب ، وبذلك يجمع بين الطائفتين بالحمل على الاستحباب.

منها : صحيحة الفضيل بن يسار قال «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أكون في الصلاة فأجد غمزاً في بطني أو أذى أو ضرباناً ، فقال : انصرف ثمّ توضّأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّداً ، وإن تكلّمت

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٣.

(٢) في ص ٣٤٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

ناسياً فلا شي‌ء عليك ، وهو بمنزلة من تكلّم في صلاته ناسياً ...» إلخ (١).

وفيه : مضافاً إلى أنّها غير معمول بها في موردها كما لا يخفى ، أنّها قاصرة الدلالة على ما نحن فيه ، فانّ الظاهر من الشي‌ء المنفي هو الإعادة ، وأنّ التكلّم خارج الصلاة بمثابة التكلّم أثناءها ناسياً في أنّه لا يوجب البطلان ، وأمّا أنّه هل يوجب سجود السهو أم لا فالصحيحة غير متعرّضة لذلك رأساً.

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلّم ، فقال : يتمّ ما بقي من صلاته تكلّم أو لم يتكلّم ، ولا شي‌ء عليه» (٢).

ونحوها صحيح ابن مسلم : «في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم وهو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة وتكلّم ، ثمّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين ، فقال : يتمّ ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه» (٣).

وقد ذكر في سند الصحيحة الثانية في الطبعة الجديدة من الوسائل القاسم بن القاسم بن بريد ، وهو غلط ، إذ لا وجود له في كتب الرجال ، والصحيح القاسم ابن بريد ، وهو الذي يروي عنه فضالة.

وكيف ما كان ، فقد صرّح غير واحد بظهور الصحيحتين في عدم وجوب سجود السهو للتكلّم ساهياً ، وعدّوهما معارضتين للنصوص المتقدّمة بتقريب أنّ المنفي في قوله (عليه السلام) : «ولا شي‌ء عليه» لا يحتمل أن يكون هو الإثم لعدم احتماله في مورد السهو ، ولا الإعادة ، لاستفادة عدمها من قوله (عليه السلام) :

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٣٥ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٩.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

«يتمّ ما بقي ...» إلخ ، إذ الأمر بالإتمام ملازم للصحّة فيلزم التكرار ، والحمل على التأكيد خلاف الأصل ، وليس ثمّة أثر يتوهّم ترتّبه كي يتصدّى لنفيه عدا سجدتي السهو.

وبعبارة اخرى : بعد وضوح عدم احتمال العقاب فيما يصدر سهواً يدور الأمر بين أن يكون المراد نفي الإعادة المستلزم للتأكيد ، أو نفي سجود السهو الملازم للتأسيس ، وكلّما دار الأمر بينهما فالتأسيس أولى ، هذا.

وللنظر في ذلك مجال واسع ، فانّ المنسبق إلى الذهن والمتفاهم العرفي من مثل هذه العبارة هو التأكيد ، كما لعلّه الدارج المتعارف في الاستعمالات في عصرنا الحاضر ، فنجيب عن نظير المسألة بأنّه يتمّ صلاته ولا شي‌ء عليه ، ونعني به نفي الإعادة تأكيداً لما ذكر أوّلاً.

وأولوية التأسيس من التأكيد ليست قاعدة مطّردة وضابطاً كلّياً ، بل يختلف ذلك حسب اختلاف الموارد وخصوصياتها ومناسبات الحكم والموضوع ، فربما يكون التأكيد هو الظاهر من الكلام كما في المقام.

ومع الغضّ عن ذلك فلا أقلّ من الإجمال المسقط للاستدلال ، ولا بدّ في رفع اليد عن ظهور تلك النصوص في الوجوب والحمل على الاستحباب من ظهور أقوى بحيث يصلح للقرينية كما لا يخفى.

والذي يكشف عمّا ذكرناه من استظهار التأكيد وكون المنفي هو الإعادة قوله (عليه السلام) في الصحيحة الاولى (١) : «تكلّم أو لم يتكلّم» ، إذ في فرض عدم التكلّم لا موجب لسجود السهو كي يتصدّى لنفيه ، فلا بدّ وأن يكون المنفي شيئاً يتّجه نفيه على التقديرين كي تصحّ التسوية بين الأمرين ، وليس هو إلّا الإعادة.

__________________

(١) من الصحيحتين الأخيرتين.


بغير قرآن ودعاء وذكر (١) ، ويتحقّق بحرفين أو بحرف واحد مفهم (*) (٢) في أيّ لغة كان.

______________________________________________________

فتحصّل : أنّ الأظهر وجوب سجود السهو للتكلّم سهواً كما عليه المشهور عملاً بالنصوص المتقدّمة السليمة عمّا يصلح للمعارضة.

(١) لانصراف التكلّم المأخوذ موضوعاً للحكم في النصوص عن مثل ذلك بل لم يعهد إطلاقه عليها في لسان الأخبار وإن كانت من مصاديق التكلّم لغة هذا.

مضافاً إلى جواز الإتيان بها في الصلاة عامداً ، وظاهر نصوص المقام أنّ الكلام الموجب لسجود السهو هو الذي لا يجوز فعله عمداً ويكون مبطلاً ، فلا يعمّ تلك الأُمور كما لا يخفى.

(٢) كما هو المشهور والمعروف بين الفقهاء ، حيث إنّ كلّ من تعرّض للمسألة عنونها بالكلام سهواً ، المفسّر بما يشتمل على حرفين فصاعداً ولو تقديراً فيشمل الحرف الواحد المفهم كالأمر من (وقى) و (وعى) ، دون غير المفهم ، لعدم صدق الكلام عليه.

ولا يخفى أنّ الكلام بعنوانه لم يرد في شي‌ء من النصوص المعتمد عليها ، وإنّما الوارد عنوان التكلّم كما في الصحيحتين والموثّق حسبما مرّ ، ولا ريب في صدقه حتّى على الحرف الواحد وإن لم يكن مفهماً ، ولذا لو تلفّظ به الصبيّ أو الميّت يقال إنّه تكلّم ، من غير أيّة عناية. فيفرق بين الكلام والتكلّم ، فإنّ الأوّل وإن لم يصدق على الحرف الواحد غير المفهم لكن العبرة بالثاني ، وهو صادق كما عرفت ، ومن هنا كان الأحوط سجود السهو له أيضاً.

__________________

(*) بل مطلقاً على الأحوط.


ولو تكلّم جاهلاً بكونه كلاماً بل بتخيّل أنّه قرآن أو ذكر أو دعاء لم يوجب سجدة السهو (*) ، لأنّه ليس بسهو (١). ولو تكلّم عامداً بزعم أنّه خارج عن الصلاة يكون موجباً ، لأنّه باعتبار السهو عن كونه في الصلاة يعدّ سهواً ، وأمّا سبق اللسان فلا يعدّ سهواً (**).

______________________________________________________

(١) فانّ معناه الغفلة إمّا عن الدخول في الصلاة كما هو مورد صحيح ابن الحجاج (١) ، أو عن عدم الخروج كما هو مورد صحيح ابن أبي يعفور (٢) وغيره. فمورد النصوص ما إذا تكلّم ساهياً أي غافلاً عن كونه في الأثناء ، والجاهل المزبور ملتفت إلى كونه في الأثناء غير أنّه يزعم جواز ذاك التكلّم ، لاعتقاده أنّه من القرآن فينكشف الخطأ في اعتقاده ، فالجهل هو الخطأ في الاعتقاد لا الغفلة عمّا يعتقد ، فليس هو من السهو في شي‌ء.

وكذا الحال في سبق اللسان ، فإنّه خارج عن الاختيار ، والسهو هو الفعل الاختياري الناشئ عن الغفلة في مبادئه.

أقول : ما أفاده (قدس سره) من منع الصغرى وعدم صدق السهو على شي‌ء من الجهل والسبق وجيه كما ذكرناه ، لكن الشأن في الكبرى أعني تخصيص الموجب بالتكلّم السهوي ، فإنّ التقييد بالسهو وإن ورد في بعض النصوص لكنّه مذكور في كلام السائل كما في صحيحتي ابن الحجاج وزرارة المتقدّمتين (٣) ، ومثله لا يدلّ على الاختصاص ، بل غايته عدم الدلالة على الإطلاق لا الدلالة على التخصيص ، لعدم كون المورد مخصّصاً.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

(**) نعم ، إلّا أنّ الظاهر وجوب سجدة السهو معه.

(١) المتقدّمتين في ص ٣٣٨ ، ٣٣٩.

(٢) المتقدّمتين في ص ٣٣٨ ، ٣٣٩.

(٣) في ص ٣٣٨ ، ٣٤٢.


وأمّا الحرف الخارج (*) من التنحنح والتأوّه والأنين الذي عمده لا يضرّ فسهوه أيضاً لا يوجب السجود (١)

______________________________________________________

إذن لا مانع من التمسّك بإطلاق قوله (عليه السلام) في صحيح ابن أبي يعفور : «وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» (١) وقوله (عليه السلام) في موثّق عمّار : «حتّى يتكلّم بشي‌ء» (٢) المتقدّمين ، فانّ المستفاد منهما أنّ مطلق التكلّم موجب للسجدة ، خرج عن ذلك التكلّم العمدي الموجب للبطلان بمقتضى النصوص الدالّة على أنّ من تكلم في صلاته متعمّداً فعليه الإعادة (٣) فيبقى الباقي تحت الإطلاق.

ونتيجة ذلك أنّ الموضوع لوجوب سجدة السهو هو التكلّم غير العمدي الشامل بإطلاقه للسهو والجهل وسبق اللسان.

والتعبير عن هذه السجدة بسجود السهو لا يقتضي التخصيص به ، فإنّه من باب التسمية المبني على الغلبة ، وإلّا فلا يدور الوجوب مداره قطعاً ، ولذا يجب عند الشكّ بين الأربع والخمس مع أنّه لا سهو ثمّة أصلاً ، وإنّما هناك احتمال الزيادة. وبالجملة : فالسهو اسم لهذه السجدة كما في ركعة الاحتياط ، ومثله لا يدلّ على الاختصاص.

(١) إذ هو صوت محض لا يضرّ عمده فضلاً عن السهو ، وليس من التكلّم الذي هو الموضوع لوجوب السجود في شي‌ء.

__________________

(*) ما يخرج من التنحنح والتأوّه والأنين لا يعدّ حرفاً ، بل هو مجرّد صوت.

(١) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٨١ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥.


الثاني : السلام في غير موقعه ساهياً (١)

______________________________________________________

(١) كما هو المشهور بين المتأخّرين ، بل ادّعي عليه إجماعهم ، وإن كانت المسألة خلافية عند القدماء ، ولعلّ الأشهر بينهم أيضاً هو الوجوب. وكيف ما كان ، فقد استدلّ للوجوب بأُمور :

أحدها : أنّ السلام من مصاديق الكلام ، ومن ثمّ قد ورد في بعض النصوص أنّ اختتام الصلاة بالكلام (١) ، فيشمله كلّ ما دلّ على وجوب السجود للتكلّم سهواً.

وفيه : أنّه وإن كان من مصاديقه لغة إلّا أنّ أدلّة وجوب السجود لعنوان الكلام منصرفة إلى ما عدا أجزاء الصلاة ، والسلام من الأجزاء ، فلا يكون مشمولاً لتلك الأدلّة.

الثاني : أنّ السلام في غير موقعه زيادة فيشمله ما دلّ على وجوب السجود لكلّ زيادة ونقيصة.

وفيه : أنّه مبنيّ على تسليم الكبرى ، وهي في حيّز المنع. بل قد ناقش بعضهم في الصغرى أيضاً بدعوى قيام النصّ على عدم وجوب السجود لخصوص السلام الزائد ، وبعد التخصيص لا يكون السلام في غير موقعه من صغرياتها. لكنّه في غير محلّه كما سيجي‌ء ، والعمدة منع الكبرى.

الثالث وهو العمدة ـ : الأخبار ، وعمدتها روايتان :

إحداهما : موثّقة عمّار : «عن رجل صلّى ثلاث ركعات وهو يظنّ أنّها أربع فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث ، قال : يبني على صلاته متى ما ذكر ، ويصلّي ركعة

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٧ / أبواب التسليم ب ١ ح ١٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويتشهّد ويسلّم ويسجد سجدتي السهو ، وقد جازت صلاته» (١).

ونوقش فيها بعدم وضوح كون السجدة لأجل السلام الزائد ، فلعلّه لأجل التشهّد أو القعود في موضع القيام الزائدين ، فقد صدرت منه زيادات ، ولم يعلم كون السجود لخصوص السلام.

ويدفعه : أنّ الأمر بالسجود للسهو ظاهر في الوجوب ، ولا مقتضي لرفع اليد عن هذا الظهور ، وحيث لم يثبت وجوب السجدة للتشهّد ولا للقعود في موضع القيام فيتعيّن أن يكون للسلام.

وبعبارة اخرى : قد صدرت عنه أفعال ثلاثة : التشهّد والقعود والسلام وحيث بنينا على عدم وجوب سجدة السهو للأوّلين والمفروض ظهور الأمر في الوجوب ، فضمّهما إلى السلام بعد عدم دخلهما في الوجوب كضمّ الحجر إلى جنب الإنسان ، فينحصر أن يكون الموجب للسجود هو السلام.

الثانية : صحيحة العيص : «عن رجل نسي ركعة من صلاته حتّى فرغ منها ثمّ ذكر أنّه لم يركع ، قال : يقوم فيركع ويسجد سجدتين» (٢).

ونوقش فيها أيضاً بمثل ما مرّ ، ومرّ جوابه. وتزيد هذه بمناقشة اخرى وهي أنّه لم يعلم أنّ المراد بالسجدتين سجدتا السهو ، ومن الجائز أن يراد بهما سجدتا الركعة الأخيرة المتداركة بعد ركوعها.

وتندفع : بأنّ الصحيحة قد وردت بسندين ومتنين ، أحدهما ما عرفت والثاني ما أثبته في الوسائل (٣) ، وقد صرّح هناك بسجدتي السهو ، فيكون ذلك قرينة على أنّ المراد بالسجدتين في هذه الصحيحة أيضاً هو ذلك ، ويرتفع بها

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٨.

(٣) الوسائل ٦ : ٣١٥ / أبواب الركوع ب ١١ ح ٣.


سواء كان بقصد الخروج كما إذا سلّم بتخيّل تمامية صلاته أو لا بقصده (١).

______________________________________________________

الإجمال (١) ، هذا.

وقد يعارض الصحيح والموثّق بصحيحة ابن مسلم المتقدّمة الواردة في من سلّم ساهياً وتكلّم ، حيث قال (عليه السلام) : «يتمّ ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه» (٢). لكنّك عرفت أنّ المنفي في قوله (عليه السلام) : «ولا شي‌ء عليه» هي الإعادة لا سجدة السهو ، وأنّ أولوية التأسيس من التأكيد لا أساس لها كما مرّ ، فلا تصلح للمعارضة.

نعم ، يعارضهما صحيح الأعرج المصرّح فيه بقول الصادق (عليه السلام) : «وسجد سجدتين لمكان الكلام» (٣) الظاهر في عدم كون السلام الزائد الصادر منه (صلّى الله عليه وآله) موجباً لسجدتي السهو.

ولكنّك عرفت (٤) أنّ الصحيحة غير قابلة للتصديق في نفسها. على أنّها معارضة في موردها بموثّق زرارة المتضمّن لعدم سجود النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) للسهو قط ، فلا تنهض للمقاومة مع الروايتين. فالأقوى ما عليه المشهور من الوجوب للسلام الزائد.

(١) فإنّ مورد النصّ وهو الموثّق والصحيح وإن كان هو التسليم بقصد الخروج لكنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي التعميم له ولغيره ، أعني ما لو

__________________

(١) لا يبعد القول بأنّ الروايتين بعد اشتراكهما سنداً في الراوي والمروي عنه ، والاتّحاد في المتن ما عدا كلمة واحدة ، وعدم احتمال تعدّد الواقعة ، يكونان من قبيل المتباينين لا المجمل والمبيّن.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٩ ، وقد تقدّمت في ص ٣٤٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٦.

(٤) في ص ٣٤٠.


والمدار على إحدى الصيغتين الأخيرتين ، وأمّا «السلام عليك أيّها النبيّ ...» إلخ فلا يوجب شيئاً من حيث إنّه سلام (١) ، نعم يوجبه (*) من حيث إنّه زيادة

______________________________________________________

سلّم غافلاً عن الخروج أو لغاية أُخرى سهواً ، إذ أنّ مقتضى المناسبة المزبورة أنّ كلّ سلام يكون عمده مبطلاً فسهوه لا يوجب إلّا سجدة السهو إرغاماً لأنف الشيطان ، ولا فرق في السلام العمدي المبطل بين قصد الخروج به وعدمه فكذا في حالة السهو. فلا موجب للاختصاص.

(١) لاختصاص النصّ بالسلام المخرج المنحصر في الصيغتين الأخيرتين. وأمّا الأُولى فهي من توابع التشهّد ، ولا يتحقّق به الخروج ، فلا يوجب شيئاً من حيث إنّه سلام ، بل ولا من حيث إنّه زيادة سهوية ، وإن اختار الماتن الوجوب من هذه الناحية.

إذ فيه أوّلاً : أنّ المبنى غير تامّ ، ولا نقول بوجوب سجدة السهو لكلّ زيادة ونقيصة كما ستعرف (١).

وثانياً : مع التسليم فهو مخصّص بالسلام على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بمقتضى ما ورد من أنّه «كلّ ما ذكرت الله عزّ وجلّ به والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) فهو من الصلاة» (٢) إذ المراد من ذكر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ليس خصوص الدعاء أو الصلاة عليه ، لعدم اختصاص ذلك به (صلّى الله عليه وآله وسلم) ضرورة جواز الدعاء لكافّة المؤمنين ، وكذا الصلاة على جميع الأوصياء والمرسلين ، بل يجوز الدعاء لنفسه ولكلّ شي‌ء ، فلا يبقى امتياز له (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن غيره ، فلا بدّ وأن يراد به ما يعمّ السلام

__________________

(*) على الأحوط ، والأظهر عدم الوجوب.

(١) في ص ٣٦١.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٦٣ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٣ ح ٢.


سهوية ، كما أنّ بعض إحدى الصيغتين كذلك (١) وإن كان يمكن دعوى إيجاب لفظ السلام للصدق ، بل قيل (*) إن حرفين منه موجب ، لكنّه مشكل إلّا من حيث الزيادة.

______________________________________________________

ليحصل الامتياز ويحسن تخصيصه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالذكر ، فانّ السلام غير جائز على غيره في الصلاة ، ومن هنا يشكل التسليم على سائر الأنبياء أثناءها كما سبق في محلّه (١).

فاذا جاز السلام عليه (صلّى الله عليه وآله وسلم) حتّى عمداً جاز سهواً أيضاً بطريق أولى ، فلا يوجب سجدة السهو ، وبذلك يخرج عن تلك الكلّية لو سلّمت.

(١) فلا يوجب شيئاً من حيث السلام ، ويوجبه من حيث الزيادة. ثمّ احتمل أن يكون لفظ السلام بمجرّده موجباً للسجود ، لصدق عنوان السلام عليه فتجب له سجدة السهو من حيث إنّه سلام ، بل حكى عن بعض وجوبها من هذه الناحية لما اشتمل على حرفين منه كقولنا (الس) وإن استشكل فيه إلّا من حيث الزيادة.

أقول : إنّ بعض إحدى الصيغتين فضلاً عمّا اشتمل على لفظ السلام فكيف بما اشتمل على حرفين منه ليس من السلام المخرج في شي‌ء ، لانحصاره في الصيغة الكاملة ، ولا دليل على وجوب السجدة لمطلق السلام وإن لم يكن مخرجاً فأبعاضها بعد عدم تحقّق الخروج بها في حكم العدم من هذه الناحية. كما أنّها لا توجب السجدة من حيث الزيادة أيضاً ، لما أشرنا إليه من عدم الدليل على وجوبها لكلّ زيادة ونقيصة.

__________________

(*) لا يبعد ذلك ، لأنّه كلام بغير ذكر ودعاء وقرآن.

(١) [لم نعثر عليه في مظان وجوده].


.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، تجب سجدتا السهو لحرفين فضلاً عن بعض إحدى الصيغتين من ناحية أُخرى ، وهي عنوان التكلّم سهواً ، فإنّه بنفسه من الموجبات ، ولا ريب في صدقه على ذلك كلّه ، فانّ الخارج عنه إنّما هو عنوان الذكر أو الدعاء أو القرآن ، وشي‌ء منها غير صادق على المقام ، وعليه فلا يبعد وجوب السجدة لصدق التكلّم سهواً على المذكورات.

فإن قلت : أليس قد ذكرتم فيما مرّ (١) انصراف الكلام عن الأجزاء ، ولأجله منعتم عن الاستدلال لوجوب سجدة السهو للسّلام بكونه من مصاديق الكلام.

قلت : نعم ، ولكنّه منصرف عن نفس الجزء ، لا عن جزء الجزء الذي هو ليس بجزء حقيقة.

وبعبارة اخرى : مورد الانصراف هو ما يكون بالفعل قابلاً للاتّصاف بالجزئية وإن لم يكن جزءاً فعلياً باعتبار عدم وقوعه في محلّه ، وليس هو إلّا التسليمة الكاملة الواقعة في غير محلّها ، فإنّها بنفسها مصداق لذات الجزء بحيث لو وقعت في محلّها لاتّصفت بالجزئية الفعلية ، ولأجله قلنا بانصراف الدليل عنه ، وأين هذا من جزء الجزء الفاقد فعلاً لهذه القابلية رأساً كما لا يخفى. فلا مانع من شمول إطلاق الدليل لمثله.

وإن شئت فقل : لو أتى ببعض إحدى الصيغتين أو بحرفين من السلام في غير محلّه عامداً فإنّه لا يوجب البطلان والخروج عن الصلاة بعنوان السلام لحصر المخرج في الصيغة الكاملة وعدم كون بعض الصيغة مخرجاً ، ولكنّه مع ذلك موجب للبطلان ، لكونه من مصاديق التكلّم المشمول لحديث : «من تكلّم في صلاته متعمّداً فعليه الإعادة» (٢). فهذا التكلّم الذي يكون عمده مبطلاً فسهوه

__________________

(١) في ص ٣٤٧.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٨١ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥ ح ٢.


الثالث : نسيان السجدة الواحدة (*) إذا فات محلّ تداركها (١) كما إذا لم يتذكّر إلّا بعد الركوع أو بعد السلام (**) ، وأمّا نسيان الذكر فيها أو بعض واجباتها الأُخر ما عدا وضع الجبهة فلا يوجب إلّا من حيث وجوبه لكلّ نقيصة.

______________________________________________________

موجب لسجدة السهو بمقتضى الإطلاق في دليل موجبية التكلّم لها.

فالظاهر وجوب سجدة السهو في المقام ، لا لكونه من السلام الزائد ، بل لكونه من الكلام الزائد سهواً.

(١) على المشهور شهرة كادت تكون إجماعاً كما في الجواهر (١) ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع على أنّ نسيان السجدة كما يوجب القضاء يوجب سجود السهو أيضاً. أمّا القضاء فلا إشكال فيه كما سبق في محلّه (٢) ، وأما سجود السهو فيستدلّ له بوجوه :

منها : مرسلة سفيان بن السمط عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» (٣).

وفيه : مضافاً إلى ضعف الخبر بالإرسال المسقط عن الاستدلال ، أنّه لو تمّ لعمّ كلّ نقيصة ، فلا يحسن تخصيص السجدة بالذكر وعدّ نسيانها بعنوانها من أحد الموجبات.

__________________

(*) على الأحوط.

(**) مرّ الكلام فيه في نسيان السجدة الأخيرة [في المسألة ٢٠١٩].

(١) الجواهر ١٢ : ٣٠٠.

(٢) في ص ٨٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٥١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

على أنّ مقتضى ذلك عدم الفرق بين نسيان وضع الجبهة ونسيان غيره ممّا يجب في السجدة كالذكر أو وضع اليدين أو الركبتين والإبهامين ، فانّ كلّ ذلك من مصاديق النقيصة المشمولة للرواية ، فلا يتّجه التفكيك بينهما كما صنعه في المتن تبعاً لغيره. فهذا الاستدلال ساقط جزماً.

ومنها : صحيحة جعفر بن بشير قال : «سئل أحدهم عن رجل ذكر أنّه لم يسجد في الركعتين الأولتين إلّا سجدة وهو في التشهّد الأوّل ، قال : فليسجدها ثمّ لينهض ، وإذا ذكره وهو في التشهّد الثاني قبل أن يسلّم فليسجدها ثمّ يسلّم ثمّ يسجد سجدتي السهو» (١). رواها البرقي في المحاسن بطريقين في أحدهما رفع والطريق الآخر صحيح (٢).

وفيه : أنّ هذه الصحيحة لا بدّ من ردّ علمها إلى أهله ، إذ لا يمكن الالتزام بمفادها ، وذلك فإنّه فرض فيها أنّه لم يسجد في الركعتين الأولتين إلّا سجدة وتذكّر ذلك في التشهّد الأوّل أو في التشهّد الثاني ، فإن كان التذكّر في التشهّد الأوّل فاللّازم عليه الإتيان بالسجدة الثانية من تلك الركعة وقضاء السجدة الثانية من الركعة الأُولى ، وإن كان التذكّر في التشهّد الثاني فاللّازم قضاء السجدتين بعد الصلاة ، وهذا مخالف لما في الصحيحة. فالرواية ساقطة ولا يمكن الاستدلال بها على شي‌ء.

ومنها : مرسلة معلّى بن خنيس قال : «سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته ، قال : إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثمّ يسجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٧ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٧.

(٢) المحاسن ٢ : ٥٠ / ١١٥٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة ، ونسيان السجدة في الأولتين والأخيرتين سواء» (١).

ولكنّها ضعيفة من جهات : أوّلاً من حيث الإرسال.

وثانياً : أنّ سندها غير قابل للتصديق ، فانّ معلى بن خنيس قتل في زمن الصادق وترحّم (عليه السلام) عليه ، فكيف يمكن أن يروي عن أبي الحسن الماضي وهو الكاظم (عليه السلام) سيما بعد توصيفه بالماضي ، الظاهر في صدور الرواية عنه (عليه السلام) بعد مضيّه ووفاته.

وثالثاً : أنّ المفروض تذكّر السجدة قبل الركوع وحصول التدارك في المحلّ فلم تترك السجدة في ظرفها ، ولم يتعلّق النسيان بها كي يستوجب سجدة السهو فلو وجبت لكانت من أجل القيام الزائد أو القراءة الزائدة بناءً على القول بوجوبها لكلّ زيادة ونقيصة ، فيكون خارجاً عن محلّ الكلام.

ورابعاً : أنّ ذيلها غير قابل للتصديق أيضاً ، لوضوح أنّ تذكّر النسيان بعد الركوع لا يستوجب إلّا القضاء ، دون البطلان والإعادة.

وعلى الجملة : فليس في البين دليل يعتمد عليه في الحكم بوجوب سجدة السهو لنسيان السجدة الواحدة ، فيرجع حينئذ إلى أصالة البراءة عن تعلّق الوجوب بها ، لكونه شكّاً في تكليف مستقلّ غير مرتبط بالصلاة ، فيدفع بالأصل.

بل لا تصل النوبة إلى الأصل ، لقيام الدليل على العدم ، وهي صحيحة أبي بصير قال : «سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم قال : يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع ، فان كان قد ركع فليمض على صلاته فاذا انصرف قضاها ، وليس عليه سهو» (٢).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٦ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٥.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٥ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٤.


الرابع : نسيان التشهّد مع فوت محلّ تداركه (١).

______________________________________________________

فإنّها رويت بطريقين ، وأحدهما وإن كان ضعيفاً من أجل محمّد بن سنان (١) لكنّ الطريق الآخر وهو طريق الصدوق إلى ابن مسكان (٢) صحيح ، وقد دلّت بوضوح على نفي سجود السهو.

وقد حملها الشيخ على أنّ المراد أنّ هذا خارج عن حدّ السهو ، لأنّه قد ذكر السجدة الفائتة وقضاها ، فلا ينافي الحكم بوجوب سجدة السهو (٣).

وهو كما ترى ، ضرورة أنّ كلمة «على» في قوله (عليه السلام) : «وليس عليه سهو» ظاهرة في التكليف ، فيكون مفادها أنّه ليس على عهدته شي‌ء ، ومقتضاه نفي سجود السهو ، فكيف يجتمع مع وجوبه. فلا ينبغي التأمّل في صراحة الصحيحة في المطلوب.

ويؤيّدها رواية محمّد بن منصور : «سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شكّ فيها ، فقال : إذا خفت أن لا تكون وضعت وجهك إلّا مرّة واحدة فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة وتضع وجهك مرّة واحدة ، وليس عليك سهو» (٤).

فتحصّل : أنّ الأقوى عدم وجوب سجدة السهو في نسيان السجدة ولا يجب إلّا القضاء للأصل ، مضافاً إلى النصّ ، وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

(١) على المشهور والمعروف ، حيث رتّبوا على نسيان التشهّد حكمين :

__________________

(١) وهو طريق الشيخ في التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٨.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٥ ذيل ح ٦٠٨.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٦٦ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٦.


والظاهر أنّ نسيان بعض أجزائه أيضاً كذلك (*) (١) كما أنّه موجب للقضاء أيضاً كما مرّ.

______________________________________________________

القضاء وسجدتي السهو. أمّا القضاء فقد عرفت فيما مرّ (١) عدم الدليل على وجوبه ، بل يكتفى بالتشهّد الذي تشتمل عليه سجدتا السهو كما نطق به النصّ ولا نعيد.

وأمّا سجدة السهو فتدلّ عليها جملة من النصوص التي منها صحيحة سليمان ابن خالد : «عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين ، فقال : إن ذكر قبل أن يركع فليجلس ، وإن لم يذكر حتّى يركع فليتمّ الصلاة حتّى إذا فرغ فليسلّم وليسجد سجدتي السهو» (٢) ، ونحوها صحيحة ابن أبي يعفور (٣) ، فانّ المراد بالجلوس المنسي الجلوس للتشهّد كما لا يخفى ، وهما صريحتان في الوجوب فيما إذا كان التذكّر بعد الدخول في الركوع ، الذي يفوت معه محلّ التدارك.

(١) فانّ بعض النصوص وإن كان قاصر الشمول لذلك كالصحيحتين المتقدّمتين حيث إنّ ظاهرهما نسيان الجلوس من أصله الملازم لنسيان التشهّد رأساً ، فلا يعمّ نسيان الأبعاض ، إلّا أنّ بعضها الآخر غير قاصر الشمول ، لتضمّنها الإطلاق كما في موثّقة أبي بصير قال : «سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد ، قال : يسجد سجدتين يتشهّد فيهما» (٤) ونحوها صحيحة الحلبي (٥).

فانّ التشهّد اسم للمجموع المركّب من الشهادتين أو مع الصلاة على النبيّ

__________________

(*) على الأحوط فيه وفي إيجابه القضاء.

(١) في ص ٩٩ ، ٣١٠.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٠٢ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٣ ، ٤.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠٢ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٣ ، ٤.

(٤) الوسائل ٦ : ٤٠٣ / أبواب التشهّد ب ٧ ح ٦.

(٥) الوسائل ٦ : ٤٠٦ / أبواب التشهّد ب ٩ ح ٣.


الخامس : الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين كما مرّ سابقاً (١).

السادس : للقيام في موضع القعود أو العكس (*) (٢)

______________________________________________________

(صلّى الله عليه وآله وسلم) ، ومن المعلوم أنّ المركّب ينتفي بانتفاء بعض أجزائه فعند نسيان البعض يصدق حقيقة أنّه نسي التشهّد ، كما في نسيان الكلّ ، ولذا لو نسي ركناً من صلاته وتذكّر بعد خروج الوقت يصح أن يقال إنّه نسي الصلاة فيشمله إطلاق النصّ المتضمّن لترتّب الحكم على نسيان التشهّد ، الصادق في كلتا الصورتين. اللهمّ إلّا أن يدّعى الانصراف كما لا يبعد ، ومن ثمّ كان الحكم مبنياً على الاحتياط.

(١) فيسجد سجدتي السهو للزيادة المحتملة ، للنصوص الدالّة عليه كما مرّ التعرّض لذلك مستقصى في بحث الشكوك (١) فلاحظ.

(٢) على المشهور ، بل ادّعي عليه الإجماع في بعض الكلمات. وتدلّ عليه صريحاً صحيحة معاوية بن عمّار : «عن الرجل يسهو فيقوم في حال قعود أو يقعد في حال قيام ، قال : يسجد سجدتين بعد التسليم ، وهما المرغمتان ، ترغمان الشيطان» (٢). سمّيتا بالمرغمتين لأنّ السهو من الشيطان ، وحيث إنّه امتنع من السجود فيسجد رغماً لأنفه. وكيف ما كان ، فهي صريحة في المطلوب.

وربما يستدلّ أيضاً بموثّقة عمّار : «عن السهو ما تجب فيه سجدتا السهو؟ قال : إذا أردت أن تقعد فقمت ، أو أردت أن تقوم فقعدت ، أو أردت أن تقرأ

__________________

(*) على الأحوط ، والأظهر عدم الوجوب لكلّ زيادة ونقيصة ، ورعاية الاحتياط أولى.

(١) في ص ١٩٨.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

فسبّحت ، أو أردت أن تسبّح فقرأت فعليك سجدتا السهو ...» إلخ (١).

وهي في نفسها وإن كانت صريحة في المدّعى لكن يعارضها قوله في الذيل : «وعن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام ، ثمّ ذكر من قبل أن يقدم شيئاً أو يحدث شيئاً ، فقال : ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلّم بشي‌ء ...» إلخ ، حيث دلّت على أنّ القيام في موضع القعود بمجرّده لا يوجب السجود إلّا أن يتكلّم ، سواء أُريد به الكلام الخارجي كما استظهرناه سابقاً (٢) أو القراءة والتسبيح كما قيل فيتنافى مع الصدر الدالّ على أنّ ذلك بمجرّده من الموجبات. فهي لا تخلو عن التشويش الموجب للإجمال ، فتسقط عن صلاحية الاستدلال.

والعمدة هي الصحيحة. إلّا أنّه تعارضها روايات اخرى ظاهرة في عدم الوجوب كصحيحة الحلبي : «إذا قمت في الركعتين من ظهر أو غيرها فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس وتشهّد وقم فأتمّ صلاتك ، وإن أنت لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك حتّى تفرغ ، فاذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم» (٣) ، وبمضمونها صحيحة الفضيل (٤).

فقد فصّل (عليه السلام) بين التذكّر قبل الركوع والتذكّر بعده ، وحكم في الشقّ الثاني بوجوب سجدة السهو ، ومن المعلوم أنّ التفصيل قاطع للشركة فيظهر من ذلك عدم الوجوب في الشقّ الأوّل ، مع أنّ المفروض هناك القيام في موضع القعود سهواً ، فلو كان ذلك من الموجبات وكان السجود واجباً عليه

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.

(٢) في ص ٣٣٩.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠٦ / أبواب التشهد ب ٩ ح ٣.

(٤) الوسائل ٦ : ٤٠٥ / أبواب التشهد ب ٩ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

أيضاً لما اتّجه التفصيل بينهما كما لا يخفى.

وأوضح منهما رواية أُخرى للحلبي وإن كانت ضعيفة السند بطرقها الثلاثة من أجل محمّد بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهّد ، قال : يرجع فيتشهّد ، قلت : أيسجد سجدتي السهو ، فقال : لا ، ليس في هذا سجدتا السهو» (١).

وقد تضمّنت التصريح بنفي السجدة ، مع أنّ إطلاقها يشمل ما لو كان المنسي التشهّد الأوّل وقد قام إلى الركعة الثالثة. فحكمه (عليه السلام) بالرجوع نافياً للسجدة يدلّ على عدم كون القيام في موضع القعود من الموجبات ، نعم لا بدّ من تقييد الإطلاق بما إذا لم يكن التذكّر بعد الدخول في الركوع ، وإلّا فلا رجوع حينئذ ، بل يسجد السجدتين بعد الصلاة بمقتضى النصوص المتقدّمة وغيرها.

وأوضح منها صحيحة أبي بصير المتقدّمة سابقاً (٢) التي عرفت أنّها مرويّة بطريقين أحدهما صحيح فتصلح للاستدلال وإن كان طريقها الآخر ضعيفاً بمحمّد بن سنان قال : «سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم ، قال : يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع ، فان كان قد ركع فليمض على صلاته فاذا انصرف قضاها ، وليس عليه سهو» (٣) ، فانّ المفروض فيها القيام في موضع القعود ، وقد حكم (عليه السلام) صريحاً بنفي سجدة السهو ، وإن وجب عليه القضاء في إحدى الصورتين.

وعلى الجملة : فهذه النصوص ظاهرة بل صريحة في نفي سجدة السهو لمجرّد القيام في موضع القعود ، فتكون معارضة لصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠٦ / أبواب التشهد ب ٩ ح ٤.

(٢) في ص ٣٥٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٦٥ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٤.


بل لكلّ زيادة ونقيصة لم يذكرها في محلّ التدارك (١).

______________________________________________________

الظاهرة في الوجوب ، ومقتضى الجمع هو الحمل على الاستحباب ، فيكون الحكم مبنيّاً على الاحتياط حذراً عن مخالفة المشهور.

(١) ذكر (قدس سره) أنّ من موجبات سجود السهو كلّ ما زاد في صلاته أو نقص سهواً ، ويشترط في النقيصة أن لا يذكرها في المحلّ ، وإلّا فمع التذكّر والتدارك لا يجب السجود من ناحية النقص بلا إشكال.

وكيف ما كان ، فعدّ ذلك من الموجبات لم يكن معروفاً بين القدماء من الأصحاب ، بل لم يعرف له قائل منهم وإن نسبه الشيخ (قدس سره) إلى بعض أصحابنا (١) ، ولذا اعترف الشهيد (قدس سره) في الدروس بعد نقل ذلك عنه بأنّه لم يظفر بقائله (٢) نعم ، ذكر ذلك جماعة من المتأخّرين كالعلّامة (٣) ومن تأخّر عنه ومنهم الشهيد (قدس سره) نفسه في كتاب الذكرى (٤).

وعلى أيّ حال فقد استدلّ له بما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن سفيان بن السمط عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» (٥).

ونوقش في سندها تارة من حيث الإرسال ، وأُخرى من حيث جهالة سفيان.

وأُجيب عن الأوّل بعدم الضير فيه بعد أن كان المرسل مثل ابن أبي عمير

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٥٩ المسألة ٢٠٢.

(٢) الدروس ١ : ٢٠٧.

(٣) التذكرة ٣ : ٣٤٩ المسألة ٣٦٠.

(٤) الذكرى ٤ : ٩٠.

(٥) الوسائل ٨ : ٢٥١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

الذي قيل في حقّه : إنّه لا يرسل ولا يروي إلّا عن ثقة وإنّ مراسيله كمسانيد غيره.

وعن الثاني : تارة بأنّ ابن أبي عمير قد روى في موضع آخر عن سفيان نفسه بلا واسطة ، وهو في كتاب الزيّ والتجمّل من الكافي (١) ، وحيث إنّه لا يروي إلّا عن ثقة كما عرفت فروايته عنه توثيق له.

وأُخرى بأنّه من أصحاب الإجماع الذي ادّعى الكشي الاتّفاق على تصحيح ما يصحّ عنهم (٢). فجهالته غير قادحة بعد اشتمال السند على مَن هو من أصحاب الإجماع المتّفق على العمل برواياتهم وعدم النظر في من بعدهم.

أقول : والكلّ كما ترى. أمّا الجواب الأوّل ودعوى أنّ ابن أبي عمير لا يرسل ولا يروي إلّا عن الثقة فالأصل في هذه الدعوى هو الشيخ في كتاب العدة حيث ادّعى تسوية الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وأضرابهم ممّن عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة ، وبين ما أسنده غيرهم (٣). وتبعه في ذلك من تبعه ممّن تأخّر عنه ، ولم يوجد من هذه الدعوى في كلمات المتقدّمين عليه عين ولا أثر.

والظاهر أنّ هذا اجتهاد منه استنبطه من دعوى الكشي الإجماع على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء ، فتخيّل أنّ هذا توثيق للرواة وأنّ منشأ الإجماع هو أنّ هؤلاء لا يروون إلّا عن ثقة ، وإلّا فلو كان أمراً ثابتاً في نفسه ومعروفاً متسالماً عليه بين الأصحاب لذكره غيره ، ولم يذكر كما مرّ.

ولكنّه بمراحل عن الواقع ، والإجماع يشير إلى معنى آخر كما ستعرف.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥٠٤ / ١.

(٢) رجال الكشي : ٥٥٦ / ١٠٥٠.

(٣) عدّة الأُصول ١ : ٥٨ السطر ٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويكشف عمّا ذكرناه من الاجتهاد أنّه (قدس سره) عطف على الثلاثة المذكورين قوله : وأضرابهم ، فإلى من يشير بالإضراب غير أصحاب الإجماع؟ ولم يدّع أحد تلك الدعوى في حقّ غير هؤلاء الثلاثة ، والشيخ بنفسه أيضاً لم يدّع ذلك.

وممّا يدلّ على أنّه اجتهاد رجوعه عنه بنفسه ، حيث إنّه ناقش في رواية ابن أبي عمير في بعض الموارد (١) بقوله في كلا الكتابين : فأوّل ما فيه أنّه مرسل ، وما هذا سبيله لا يعارض به الأخبار المسندة. وكذا في رواية عبد الله بن المغيرة (٢) وغيره من أصحاب الإجماع. فلو تمّت تلك الدعوى وكانت من المتسالم عليها فكيف التوفيق بينها وبين هذه المناقشة.

ويزيدك وضوحاً في بطلان الدعوى من أصلها أنّ ابن أبي عمير روى عن عدّة أشخاص ضعّفهم الشيخ بنفسه وكذا النجاشي كعلي بن أبي حمزة البطائني والحسين بن أحمد المنقري وعلي بن حديد ويونس بن ظبيان ، وهكذا في صفوان وابن أبي نصر. وليت شعري مع تصريح الشيخ بضعف هؤلاء كيف يدّعي أنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة. فإذا ثبتت رواية ابن أبي عمير وغيره عن الضعيف ولو في مورد واحد أمّا عن المجهول فكثير جدّاً فمن الجائز عند روايته عن رجل مرسلاً أن يكون المراد به هو ذاك الضعيف ، ولا دافع لهذا الاحتمال ، فتكون الرواية من قبيل الشبهة المصداقية.

وبعين هذه المناقشة ناقش المحقّق في المعتبر في آداب الوضوء بالنسبة إلى مراسيل ابن أبي عمير (٣) ، ونعم ما تفطّن له.

__________________

(١) منها ما في التهذيب ٨ : ٢٥٧ ذيل ح ٩٣٢ والاستبصار ٤ : ٢٧ ذيل ح ٨٧.

(٢) التهذيب ١ : ٤١٥ ذيل ح ١٣٠٩ ، الاستبصار ١ : ٧ ذيل ح ٦.

(٣) المعتبر ١ : ١٦٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : فهذه الدعوى ساقطة جزماً وغير قابلة للتصديق. فالمناقشة الاولى متينة وفي محلّها ، ولا مدفع عنها.

ومنه تعرف ما في الجواب الأوّل عن المناقشة الثانية ، فإنّه لم يثبت أنّ ابن أبي عمير لا يروي إلّا عن ثقة ، بل ثبت عدمه بشهادة الشيخ والنجاشي كما عرفت. إذن فروايته عن سفيان بلا واسطة لا تدلّ على توثيقه بوجه.

وأمّا الجواب الثاني : أعني كونه من أصحاب الإجماع الذي ادّعاه الكشي على تصحيح ما يصحّ عنهم ، ففيه : أنّه لم يثبت أنّ معقد الإجماع تصحيح الرواية عن المعصوم (عليه السلام) وتوثيق كلّ من وقع في السند كما صرح به غير واحد من علمائنا.

بل مرجع الإجماع إلى دعوى الاتّفاق على أنّ هؤلاء الجماعة البالغ عددهم ثمانية عشر ، بعضهم من أصحاب الباقر ، وبعضهم من أصحاب الصادقين ، وبعضهم من أصحاب من بعدهما ، وهم في طبقات ثلاث كلّ طبقة ستة لمكان جلالتهم وعظم شأنهم ومعلومية وثاقتهم بل عدالتهم مصدّقون فيما يخبرون ولا يغمزون فيما يدّعون ، وأنّ السند متى بلغ إليهم فلا يتأمّل في تصديقهم في الإخبار عن الراوي الذي ينقلون عنه ، لا في الإخبار عن المعصوم (عليه السلام).

فالرواية صحيحة عنهم لا عن المعصومين (عليهم السلام) بحيث لو رووا عن معلوم الكذب يؤخذ بالرواية ، إذ من الواضح أنّ روايتهم عن مثله لا تزيد على العلم الوجداني ، فلو سمعناها من نفس الكاذب مباشرة لا نأخذ بها ، أفهل ترى جواز الأخذ عنه بمجرّد توسط هؤلاء ، وهل يحتمل أن يكون التعبّد أعظم شأناً من العلم الوجداني.

وبالجملة : لا ينبغي التأمّل في عدم كون المراد من تصحيح ما يصحّ عن الجماعة تصحيح الرواية إلى الصادق (عليه السلام) ليدلّ على توثيق من وقع في


.................................................................................................

______________________________________________________

السند أو عدم النظر إلى من بعدهم من ضعيف أو مجهول ، بل المراد تصديقهم بأنفسهم لرفعة شأنهم وعلوّ مقامهم ، وأين هذا من لزوم غضّ النظر عمّن يروون عنه.

وممّا يؤكِّد ذلك أنّه لم يوجد في كلام أي فقيه من القدماء أو المتأخّرين الحكم بصحّة الرواية لمجرّد أنّ في سندها ابن أبي عمير أو صفوان أو غيرهما من أصحاب الإجماع.

ويؤكِّده أيضاً أنّ هذه الرواية أعني رواية سفيان بن السمط لو كانت معتبرة من أجل اشتمال السند على ابن أبي عمير فلما ذا لم يوجد قائل بمضمونها من القدماء ، حتّى أنّ الشهيد نفى الظفر على القائل المجهول الذي حكى عنه الشيخ كما سمعت ، فلو كانت موصوفة بالصحّة بمقتضى تصحيح ما يصحّ عن جماعة لأفتى على طبقها ولو فقيه واحد من أصحابنا الأقدمين. فالرواية مهجورة غير معمول بها ، وليس السرّ إلّا ما عرفت من عدم وزن لها في سوق الاعتبار.

ومع الغضّ عن كلّ ذلك وتسليم تفسير الإجماع المدّعى في كلام الكشي على تصحيح ما يصحّ عن جماعة بإرادة التوثيق لمن يقع في السند وتصحيح الرواية نفسها حسبما يراه القوم ، فغايته أنّه إجماع منقول بخبر الواحد ، وليس بحجّة.

فالإنصاف : أنّ هذه الرواية محكومة بالضعف ، لقوّة المناقشتين ، وعدم المدفع عنهما. فلا تصلح للاستدلال.

وربما يستدلّ أيضاً بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً ، أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلم ، واسجد سجدتين بغير ركوع ...» إلخ (١) ، فانّ المراد تعلّق النقص أو الزيادة بالأفعال دون

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

الركعات ، وإلّا فهي محكومة بأحكام الشكوك كما هو ظاهر.

وغير خفي أنّ الاستدلال بها يتوقّف على أحد أمرين :

أحدهما : أن تكون جملة «أم نقصت ...» إلخ عطفاً على فعل الشرط أعني «لم تدر» فيكون المعنى هكذا : إذا نقصت أم زدت ... إلخ ، وتكون النتيجة وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة.

ثانيهما : أن تكون الجملة عطفاً على المعمول أعني «أربعاً» ليرد عليها فعل الشرط ويكون طرف احتمال النقصان عدمه ، كما أنّ طرف الزيادة عدمها ، فيرجع المعنى إلى قولنا : إذا لم تدر نقصت أم لا ، أو لم تدر زدت أم لا ، فعليك سجدتا السهو.

فتكون الصحيحة حينئذ ناظرة إلى صورة الشكّ في كلّ من الزيادة والنقيصة فاذا ثبت وجوب السجدة في صورة الشكّ ثبت في صورة العلم بالسهو بطريق أولى. إذن فكلّ واحد من الأمرين كافٍ في إثبات المطلوب ، هذا.

ولكن في البين احتمالاً ثالثاً لعلّه الأظهر بحسب المتفاهم العرفي ، وهو أن تكون الجملة عطفاً على المعمول ، ويكون طرف احتمال النقصان هو الزيادة ، لا عدمه كما كان في الاحتمال الثاني ، فتكون الصحيحة ناظرة إلى فرض العلم الإجمالي والدوران بين الزيادة والنقيصة لا إلى صورة الشكّ ، وستعرف أنّ العلم بأحدهما إجمالاً من موجبات سجود السهو كما تضمّنته النصوص الآتية.

وحينئذ فلا موجب للتعدّي إلى صورة العلم التفصيلي الذي هو محلّ الكلام فإنّه قياس محض ، والأولوية ممنوعة هنا كما لا يخفى ، فتدبّر جيّداً.

وهذا الاحتمال هو الأظهر ، حيث إنّ لفظة «أم» لا تستعمل غالباً إلّا في موارد العلم الإجمالي كما مرّ سابقاً (١) ، ولا أقلّ من تكافئه مع الاحتمالين المتقدّمين

__________________

(١) لاحظ ما ذكره في ص ١٧٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

فيورث الإجمال المسقط عن الاستدلال.

وقد يستدلّ أيضاً بقوله (عليه السلام) في موثّقة عمّار : «إذا أردت أن تقعد فقمت ، أو أردت أن تقوم فقعدت ، أو أردت أن تقرأ فسبّحت ، أو أردت أن تسبّح فقرأت فعليك سجدتا السهو ...» إلخ (١).

فإنّها وإن كانت بالإضافة إلى القراءة والتسبيح معارضة مع الذيل المتضمّن لعدم السجود ما لم يتكلّم ، فلم تكن خالية عن التشويش من هذه الناحية ، إلّا أنّها بالنسبة إلى القيام والقعود صريحة في المطلوب ، ويتمّ فيما عداهما من سائر الزيادات بعدم القول بالفصل.

وفيه : أنّه بعد تسليم الدلالة فهي كالصحيحة المتقدّمة ، معارضتان بما ورد في نسيان السجدة كصحيحة أبي بصير (٢) وفي نسيان التشهّد كصحيحتي الحلبي (٣) من أنّه يرجع ويتدارك المنسي لو كان التذكّر قبل الركوع وليس عليه سجود السهو ، مع أنّ لازم الرجوع زيادة القيام في موضع القعود سهواً.

وتعارضهما أيضاً عدّة من النصوص المتضمّنة أنّ من أتمّ سهوه فليس عليه سهو ، أي من تذكّر وتدارك النقص الناشئ من السهو فليس عليه سجدتا السهو مع أنّ التدارك لا ينفكّ عن الزيادة في القيام ، كقوله (عليه السلام) في موثّق عمّار : «وليس في شي‌ء ممّا يتمّ به الصلاة سهو» (٤) وصحيحة الفضيل بن يسار : «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو ، وإنّما السهو على من لم يدر أزاد

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٥ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٤ ، وقد تقدمت في ص ٣٥٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠٦ / أبواب التشهد ب ٩ ح ٣ ، ٤ ، وقد تقدّمتا في ص ٣٥٩ ، ٣٦٠ [لكن الثانية منهما ضعيفة السند كما صرّح به هناك فلاحظ].

(٤) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.


وأمّا النقيصة مع التدارك فلا توجب (١). والزيادة أعمّ من أن تكون من الأجزاء الواجبة أو المستحبّة (٢) كما إذا قنت في الركعة الأُولى مثلاً أو في غير محلّه من الثانية ، ومثل قوله : «بحول الله» في غير محلّه ، لا مثل التكبير أو

______________________________________________________

في صلاته أم نقص منها» (١) ، ونحوها موثّقة سماعة (٢).

وقد دلّت الأخيرتان على وجوب السجدة على من علم إجمالاً بالزيادة أو النقيصة ، ومن هنا نلتزم بذلك في هذا المورد لصراحة النصّ ، دون العلم التفصيلي لعدم الدليل على التعدّي فإنّه قياس ، والأولوية ممنوعة كما مرّ.

نعم ، الحصر المستفاد منهما إضافي أي بالنسبة إلى مَن تذكّر وأتمّ سهوه وليس بحقيقي ، فلا ينافي وجوب السجود في مورد آخر كما في نسيان السلام أو التشهّد.

وكيف ما كان ، فهذه النصوص تعارض الموثّقة والصحيحة المتقدّمتين ، ومقتضى الجمع هو الحمل على الاستحباب. فما عليه المشهور من نفي وجوب السجدة لكلّ زيادة ونقيصة هو الأظهر ، وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

(١) لا من ناحية النقص إذ لا موضوع له بعد حصول التدارك ، ولا من ناحية الزيادة الناشئة من قبل التدارك ، لما مرّ قريباً من دلالة جملة من النصوص على أنّه لا سهو على من أتمّ السهو ، الظاهرة في النفي المطلق ، مع وضوح عدم انفكاك الإتمام والتدارك عن نوع من الزيادة فلاحظ.

(٢) أفاد (قدس سره) أنّ الزيادة الموجبة لسجود السهو عامّة للأجزاء الواجبة والمستحبّة فيما إذا صدق على الجزء الاستحبابي عنوان الزيادة ، كما في القنوت وذكرِ «بحول الله» الواقعين في غير المحلّ ، دون مثل التكبير أو التسبيح

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٦ ، ٨.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٦ ، ٨.


التسبيح إلّا إذا صدق عليه الزيادة كما إذا كبّر بقصد تكبير الركوع في غير محلّه ، فانّ الظاهر صدق الزيادة عليه ، كما أنّ قوله : «سمع الله لمن حمده» كذلك. والحاصل : أنّ المدار على صدق الزيادة. وأمّا نقيصة المستحبّات فلا توجب حتّى مثل القنوت ، وإن كان الأحوط عدم الترك في مثله إذا كان من عادته الإتيان به دائماً

______________________________________________________

ونحوهما من مطلق الذكر ، إلّا إذا اقترن بخصوصية أوجبت صدق الزيادة كما لو كبّر بقصد تكبير الركوع في غير محلّه. وأفاد أخيراً أنّ نقيصة المستحبّات لا توجب شيئاً.

أقول : أمّا ما أفاده أخيراً في النقص فظاهر الوجه ، فانّ المستفاد من الأدلّة ولو بمناسبات الحكم والموضوع سيما بملاحظة ما دلّ على كون الحكمة في تشريع السجدة إرغام أنف الشيطان أنّ النقص السهوي إنّما يوجب السجود فيما إذا كان عمده مبطلاً ، فلا يشمل مثل المستحبّات التي يجوز تركها عامداً ، وهذا واضح.

وأمّا ما أفاده (قدس سره) من ناحية الزيادة فإنّما يتّجه بناءً على ما سلكه (قدس سره) من معقولية الجزء الاستحبابي كما يظهر من غير واحدة من كلماته إذ لو سلّمنا وجوب السجدة لكلّ زيادة ونقيصة استناداً إلى مرسلة سفيان بن السمط المتقدّمة (١) فلا قصور في شمول الإطلاق للأجزاء الواجبة والمستحبّة فإنّ زيادة الجزء الاستحبابي عمداً مبطلة حينئذ كالوجوبي ، أخذاً بإطلاق قوله (عليه السلام) : من زاد في صلاته متعمّداً فعليه الإعادة (٢) ، فاذا كان عمده مبطلاً كان سهوه موجباً للسجود.

__________________

(١) في ص ٣٦١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢.


والأحوط عدم تركه في الشكّ (*) في الزيادة أو النقيصة (١).

______________________________________________________

وأمّا بناءً على عدم المعقولية ، لمنافاة الجزئية مع الاستحباب ، سواء أُريد به الجزء من الماهية أو من الفرد كما تكرّر منّا في مطاوي هذا الشرح (١) وفي المباحث الأُصولية (٢) وأنّ ما يتراءى منه ذلك فهو لدى التحليل مستحبّ ظرفه الواجب من دون علاقة بينهما وارتباط عدا علاقة الظرفية ، غايته أنّه يوجب فضيلة ومزيّة للطبيعة المشتملة عليه ، كما في الأدعية الواردة في نهار شهر رمضان فبناءً على هذا المبنى وهو الصحيح لا يصدق على ذاك المستحبّ عنوان الزيادة في الصلاة ، لاقتضاء هذا الوصف مشاركة الزائد مع المزيد عليه في الجزئية كما لا يخفى ، فلا يكون سهوه موجباً للسجود حتّى بناءً على وجوبه لكلّ زيادة ونقيصة ، لانتفاء الموضوع حسبما عرفت. كما أنّ عمده أيضاً لا يوجب البطلان إذا كان واقعاً في غير المحلّ ، غايته أن يكون حينئذ من التشريع المحرّم ، فلا يترتّب عليه إلّا الإثم.

(١) نسب إلى الصدوق في الفقيه (٣) والعلّامة في المختلف (٤) والشهيد في الروض (٥) وغيرهم وجوب سجدة السهو لمجرّد الشكّ في الزيادة أو الشكّ في النقيصة ، خلافاً للمشهور المنكرين للوجوب حيث لم يعدّوا ذلك من موجبات السجود.

__________________

(*) وإن كان الأظهر جوازه.

(١) منها ما تقدّم في ص ٣.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٣٠٠.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٥ ذيل ح ٩٩٣.

(٤) المختلف ٢ : ٤٢١ المسألة ٢٩٧.

(٥) الروض : ٣٥٤ السطر ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويستدلّ للوجوب بطائفة من الأخبار فيها الصحيح والموثّق ، وقد تقدّمت هذه الروايات سابقاً ولا بأس بإعادتها.

فمنها : صحيحة زرارة «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس ، وسمّاهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المرغمتين» (١).

وصحيحة الحلبي : «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً ، أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلم ، واسجد سجدتين بغير ركوع ...» إلخ (٢). وقد مرّ سابقاً (٣) أنّ الظاهر من الصحيحة أن يكون قوله : «أم نقصت» عطفاً على المعمول أعني أربعاً ، لا على فعل الشرط كي تكون أجنبية عمّا نحن فيه.

وصحيحة الفضيل بن يسار : «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو ، وإنّما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها» (٤).

وموثّقة سماعة قال «قال : من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو إنّما السهو على من لم يدر أزاد أم نقص منها» (٥).

وهذه الأخبار المتّحدة في المفاد مطلقة من حيث تعلّق الشكّ بالأفعال أو بأعداد الركعات فقالوا : إنّها تدلّ على وجوب السجود لمجرّد الشكّ في أنّه زاد أم لا ، أو الشكّ في أنّه نقص أم لا.

أقول : إن أُريد دلالة هذه الأخبار على وجوب السجدة لمجرّد الشكّ البحت

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤.

(٣) في ص ٣٦٦.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٣٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٦.

(٥) الوسائل ٨ : ٢٣٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

المتعلّق بأصل الزيادة أو المتعلّق بأصل النقيصة ، بحيث يكون طرف الشكّ في الزيادة عدمها كما في النقيصة ، من دون علم بأحد الأمرين.

ففيه : أنّ المقتضي في نفسه قاصر ، لقصور هذه الروايات عن الدلالة على ذلك ، فانّ ظاهرها التردّد بين الأمرين ، وفرض شكّ وحداني تعلّق أحد طرفيه بالزيادة والآخر بالنقيصة ، فهي ناظرة إلى صورة الشبهة المقترنة بالعلم الإجمالي لا الشبهة المحضة وفرض شكّين بدويين أحدهما في الزيادة وعدمها والآخر في النقص وعدمه كما هو مبنى الاستدلال هذا.

مضافاً إلى أنّ صحيحة الحلبي صريحة في نفي الوجوب ، قال : «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل سها فلم يدر سجدة سجد أم ثنتين ، قال : يسجد اخرى ، وليس عليه بعد انقضاء الصلاة سجدتا السهو» (١) ، فانّ موردها الشكّ في السجدة الثانية قبل تجاوز المحلّ ، وقد حكم (عليه السلام) بالتدارك والإتيان بسجدة أُخرى ، غير المنفكّ حينئذ عن احتمال الزيادة والشكّ فيها كما لا يخفى ، فإنّه إن لم يتدارك فهو شاكّ في النقيصة ، وإن تدارك فهو شاكّ في الزيادة ومع ذلك فقد صرّح (عليه السلام) بنفي سجود السهو بعد انقضاء الصلاة. فيكشف عن أنّ مجرّد الشكّ ليس من الموجبات.

ونحوها رواية محمّد بن منصور : «إذا خفت أن لا تكون وضعت وجهك إلّا مرّة واحدة فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة وتضع وجهك مرّة واحدة ، وليس عليك سهو» (٢) ، فانّ الخوف مرتبة راقية من الاحتمال ، ولا يخرج عن الشكّ ، وقد حكم (عليه السلام) بالقضاء المحمول على فرض عروض الشكّ بعد تجاوز المحلّ بالدخول في الركوع ، وإلّا فقبله يجب التدارك في المحلّ ، والمحمول أيضاً

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٨ / أبواب السجود ب ١٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٦ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

على الاستحباب ، وإلّا فلا يجب القضاء لدى الشكّ عملاً بقاعدة التجاوز.

وكيف ما كان ، فاقتصاره (عليه السلام) على القضاء نافياً لسجود السهو مع فرض الشكّ في النقص صريح في المطلوب ، هذا.

مع أنّ جميع الروايات الواردة في باب الشكّ في السجود المتضمّنة لعدم الاعتناء فيما إذا عرض الشكّ بعد التجاوز أو الفراغ دليل على المطلوب ، إذ هي في مقام البيان ، فلو كانت السجدة واجبة لزم التنبيه عليه ، فمن عدم التعرّض وإطلاق الحكم بعدم الاعتناء بالشكّ يستكشف عدم الوجوب ، هذا.

مع أنّ جميع الروايات الواردة في باب قاعدتي الفراغ والتجاوز دليل آخر على المطلوب ، بناءً على ما هو الصحيح من كون القاعدتين من الأمارات ، إذ عليه يكون الشاكّ المزبور عالماً في نظر الشارع ومأموراً بإلغاء احتمال الخلاف فلا موضوع للشكّ بعدئذ كي يكون موجباً للسجدة.

وإن أُريد دلالة هذه الأخبار على الوجوب في مورد الشكّ المقرون بالعلم الإجمالي كما لا يبعد أن يكون مراد القائلين بالوجوب هو ذلك فحقّ لا محيص عنه حسبما عرفت ، غير أنّه لا بدّ من تقييد الأخبار حينئذ بما إذا لم يكن الشكّ متعلّقاً بالأعداد ولا بالأركان ، لبطلان الصلاة حينئذ ، من جهة العلم الإجمالي بزيادة ركعة أو ركن أو نقيصتهما.

ومن المعلوم أنّ سجدة السهو المجعولة لإرغام الشيطان إنّما تشرع في صلاة محكومة بالصحّة دون البطلان ، فهي محمولة على ما إذا كان الشكّ متعلّقاً بزيادة جزء غير ركني أو نقيصته كالسجدة الواحدة ، أو زيادة جزء ركني أو نقص غير الركن أو العكس ، كما لو علم إجمالاً أنّه إمّا زاد ركوعاً أو نقص قراءة ونحو ذلك ، بحيث تكون الصلاة محكومة بالصحّة بمقتضى قاعدة الفراغ.

وعلى الجملة : فهذه الروايات بعد التقييد المزبور ظاهرة الدلالة على الوجوب


[٢١٠٣] مسألة ٢ : يجب تكرّره بتكرر الموجب سواء كان من نوع واحد أو أنواع. والكلام الواحد موجب واحد وإن طال ، نعم إن تذكّر ثمّ عاد تكرّر. والصيغ الثلاث للسّلام موجب واحد ، وإن كان الأحوط التعدّد. ونقصان التسبيحات الأربع موجب واحد ، بل وكذلك زيادتها وإن أتى بها ثلاث مرّات (١).

______________________________________________________

في الفرض المذكور ، قويّة السند كما عرفت ، فلا مانع من الأخذ بها والحكم بوجوب سجدة السهو لدى العلم الإجمالي بالزيادة أو النقص ، عدا إعراض المشهور عنها.

فان بنينا على أنّ الإعراض مسقط للصحيح عن الاعتبار كما هو المعروف عند القوم اتّجه القول بعدم الوجوب الذي عليه المشهور ، وإلّا كان العمل بها متعيّناً. وحيث إنّ المختار هو الثاني كما بيّناه في الأُصول (١) فالأقوى وجوب سجدة السهو لذلك.

(١) لا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى القاعدة تكرار السجود بتكرار الموجب سواء أكان من نوع واحد كما لو تكلّم ساهياً في الركعة الاولى ثمّ تكلّم ساهياً أيضاً في الركعة الثانية أو من نوعين كما لو سلّم سهواً في غير محلّه وشكّ أيضاً بين الأربع والخمس.

وذلك لأصالة عدم التداخل المستفادة من إطلاق دليل السبب ، إلّا أن يقوم دليل من الخارج على جواز التداخل كما ثبت في باب الأغسال ، وإلّا فمقتضى القاعدة الأوّلية عدم التداخل ، المستلزم لتكرار السجدة في المقام بتكرار أسبابه كما عرفت.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٠٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا في الجملة ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام في بعض خصوصيات المطلب وتطبيقاته فنقول :

لا ريب في تعدّد الموجب إذا كان فردين من نوعين كالكلام والسلام ، أو فردين من نوع واحد كما لو سلّم سهواً في الركعة الأُولى وفي الركعة الثالثة كما مرّ.

وأمّا إذا كان فرداً واحداً من نوع واحد مع تعدّد السهو بأن سها ثانياً بعد الالتفات فأتمّ كلامه السابق على نحو يعدّ المجموع كلاماً واحداً كما لو قال : زيد ، فأتى بالمبتدإ ساهياً وتذكّر ، ثمّ سها ثانياً وأتى بخبره فقال : قائم ، وهكذا في الفعل ومعموله ، بحيث يعدّ المجموع فرداً واحداً من الكلام ، فهل هو من تعدّد الموجب نظراً إلى تعدّد السهو فيتكرّر السجود ، أم من وحدته باعتبار وحدة الكلام الذي تعلّق به السهو فلا يتكرّر؟ ظاهر عبارة المتن بل صريحه هو الأوّل.

وهذا هو الصحيح ، فانّ المستفاد من الأدلّة أنّ العبرة في وجوب السجدة بنفس السهو ، أو فقل التكلّم ساهياً ، فإنّه المأخوذ في لسان الأخبار ، ولا اعتبار بما تعلّق به السهو أعني ذات التكلّم ، لعدم كونه موضوعاً للحكم.

فمتى تكرّر السهو تكرّر الموجب وإن اتّحد المتعلّق ، لصدق التكلّم ساهياً مرّتين ، فلا بدّ لكلّ منهما من سجدتين ، بحيث لو لوحظ كلّ منهما مستقلا وكان وحده مجرّداً عن الآخر لكان سبباً مستقلا للسجود ، فلدى انضمام السهوين وجب السجود مرّتين لا محالة.

كما أنّه مع اتّحاد السهو لم يكن ثمّة عدا وجوب واحد ، وإن تكرّر أفراد متعلّقه كما في الكلام الطويل الذي تعلّق به سهو واحد مستمرّ من غير تخلّل ذكر في البين ، فانّ مجموعة يعدّ موجباً واحداً ، لصدوره عن منشأ واحد.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويرشدك إلى ما ذكرناه إضافة السجدتين إلى السهو ، وتوصيفهما بالمرغمتين في غير واحد من الأخبار باعتبار إرغام أنف الشيطان الكاره للسجود ، مجازاة له على فعل السهو وإلقاء المصلّي فيه ، فإنّها تكشف عن أنّ السببية إنّما تناط بنفس السهو ، وأنّه المدار في مراعاة وحدة السجود وتعدّده ، فلا اعتبار باتّحاد متعلّقه وعدمه.

ومنه تعرف أنّ الصيغ الثلاث للسلام موجب واحد ، لصدور الكلّ عن سهو واحد وإن تعدّد المتعلّق وتكثّرت الأفراد ، فلا يقسّط السبب عليها.

على أنّ النصوص الدالّة على سجود السهو للسلام الزائد (١) ظاهرة في ذلك حيث إنّ الواقع منه في غير محلّه إنّما يقع على حدّ وقوعه في المحلّ ، الذي هو مشتمل حينئذ على الصيغ الثلاث غالباً ، بل ومع التشهّد أحياناً كما لو سلّم ساهياً في الركعة الأُولى أو الثالثة من الرباعية ، فيكتفى عن الكلّ بسجود واحد بمقتضى إطلاق تلك النصوص.

كما تعرف أيضاً أنّ نقصان التسبيحات الأربع موجب واحد ، كما أنّ زيادتها كذلك وإن أتى بها ثلاث مرّات ، فإنّه سهو واحد تعلّق بالنقص أو بالزيادة وإن كانت أفراد المتعلّق متعددة بل مؤلفاً من عناوين متباينة كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ، فلا يعدّ ذلك زيادات عديدة بعد وحدة السهو المتعلّق بها الذي هو مناط الحكم كما مرّ.

وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما أفاده (قدس سره) في المسألة اللّاحقة من أنّه إذا سها عن سجدة واحدة من الركعة الأُولى مثلاً ، وقام وقرأ الحمد والسورة وقنت وكبّر للركوع فتذكّر قبل أن يدخل في الركوع وجب العود للتدارك ، وعليه سجود السهو ست مرّات لتلك الزيادات حسبما فصّله في المتن.

__________________

(١) وقد تقدم بعضها في ص ٣٤٧.


[٢١٠٤] مسألة ٣ : إذا سها عن سجدة واحدة من الركعة الأُولى مثلاً وقام وقرأ الحمد والسورة وقنت وكبّر للركوع فتذكّر قبل أن يدخل في الركوع وجب العود للتدارك ، وعليه سجود السهو ستّ مرّات (*) (١) ، مرّة لقوله : بحول الله ، ومرّة للقيام ، ومرّة للحمد ، ومرّة للسورة ، ومرّة للقنوت ، ومرّة

______________________________________________________

فانّ مقتضى ما ذكرناه من كون المعيار وحدة السهو وتعدّده وجوب السجدتين مرّة واحدة ، لأنّ الكلّ قد نشأ عن سهو واحد ، وإلّا فلو كان المدار على لحاظ المتعلّق وتقسيط السبب حسب تعدّده وجب لحاظ تعدّد السبب حينئذ بعدد الآيات ، بل الكلمات ، بل الحروف على المختار أو كلّ حرفين على المعروف من اعتبار الاشتمال عليهما في صدق التكلّم السهوي الموجب للسجدة على الخلاف المتقدّم في محلّه (١) والكلّ كما ترى.

وعلى الجملة : إن كان المدار على ملاحظة السهو نفسه لم يجب في البين عدا السجدتين مرّة واحدة ، لنشئ المجموع عن سهو واحد ، فلم يكن ثمّة إلّا زيادة واحدة ، وهذا هو الصحيح. وإن كان المدار على ملاحظة المتعلّق لزم التقسيط حسب التفصيل المتقدّم. فالتفكيك الذي صنعه في المتن غير ظاهر الوجه.

هذا كلّه بناءً على تسليم وجوب السجود لكلّ زيادة ونقيصة ، وإلّا فالأمر أوضح ، فإنّه لا يجب عليه حينئذ إلّا مرّة واحدة لأجل القيام في موضع القعود الذي هو بنفسه سبب مستقلّ على القول به ، ولا يجب لما عداه على كلّ تقدير.

(١) قد مرّ ما فيه آنفاً فلاحظ.

__________________

(*) على الأحوط فيه وفيما بعده كما مرّ.

(١) في ص ٣٤٤.


لتكبير الركوع ، وهكذا يتكرّر خمس مرّات لو ترك التشهّد وقام وأتى بالتسبيحات والاستغفار بعدها وكبّر للركوع فتذكّر.

[٢١٠٥] مسألة ٤ : لا يجب فيه تعيين السبب ولو مع التعدّد (١) ، كما أنّه لا يجب الترتيب فيه بترتيب أسبابه على الأقوى ، أمّا بينه وبين الأجزاء المنسية والركعات الاحتياطية فهو مؤخّر عنها كما مرّ.

[٢١٠٦] مسألة ٥ : لو سجد للكلام فبان أنّ الموجب غيره فان كان على

______________________________________________________

(١) لخروجه عن ماهية السجود المأمور به ، إذ الفعل الخاصّ الواقع في حيّز الطلب عند تحقّق السبب لا يتقيّد بسببه كي يعتبر قصده ، ويكفي في حصول الطاعة إيجاده بداعي الأمر المتعلّق بالطبيعة.

ومنه تعرف أنّ في فرض تعدّد السبب قد تعلّقت أوامر عديدة بأفراد من تلك الطبيعة من غير تقيد أيّ فرد بأيّ سبب ، فلا مقتضي لاعتبار قصد التعيين ومنه يظهر عدم وجوب الترتيب بترتيب حدوث الأسباب ، فله تقديم ما تسبّب عن موجب متأخّر.

نعم ، يعتبر الترتيب بينه وبين الأجزاء المنسية والركعات الاحتياطية ، فيجب تأخير سجدتي السهو عنها ، لما عرفت سابقاً من أنّ ظرف السجدتين إنّما هو بعد الفراغ والانتهاء عن الصلاة بجميع أجزائها ومتعلّقاتها على ما دلّت عليه النصوص حسبما مرّ (١).

__________________

(١) في ص ٣٢١.


وجه التقييد وجبت الإعادة (*) وإن كان من باب الاشتباه في التطبيق أجزأ (١).

______________________________________________________

(١) قد سبق الكلام حول نظائر المقام ، وقلنا إنّه لا أثر للتقييد في أمثال هذه الموارد ، فإنّه إنّما يؤثّر فيما إذا كان ثمّة كلّي منقسم إلى قسمين قد تعلّق الأمر بحصّة خاصّة فنوى في مرحلة الامتثال الحصّة الأُخرى بخصوصها ، كما لو كان مأموراً بالأداء ولم يدر فقصد القضاء ، أو بالظهر فنوى العصر بخصوصه وهكذا فإنّه للحكم حينئذ بالبطلان إذا كان بنحو التقييد مجال ، بمناط أنّ ما قصد لم يقع وما هو الواقع غير مقصود.

وأمّا إذا تعلّق الأمر بالطبيعي لأجل قيام سبب خاصّ من غير تقييده بذلك السبب كما في المقام حسبما مرّ آنفاً فلا أثر للتقييد في مثل ذلك ، إذ قد تحقّق المأمور به على وجهه فحصل الامتثال بطبيعة الحال وإن نوى خصوص ما تسبّب عن السبب الخاصّ بزعم تحقّقه فانكشف خلافه ، وأنّ هناك موجباً آخر لتعلّق الأمر بالطبيعة وهو جاهل به.

وهذا نظير ما لو اغتسل للجنابة بزعم حصولها عن الاحتلام فبان أنّ موجبها المجامعة ، أو توضّأ المحدث بتخيّل أنّ سببه البول فانكشف أنّه النوم وهكذا فانّ جميع ذلك إنّما هو من باب الاشتباه والخطأ في التطبيق ، سواء كان قاصداً للأمر الفعلي على واقعة أم قصد خصوص السبب الخاصّ على نحو التقييد ، فانّ التقييد في مثل ذلك لغو محض ، وهو في حكم الحجر في جنب الإنسان.

نعم ، لو كان مشرّعاً في قصد السبب الخاصّ الذي لا واقع له بطل من ناحية التشريع ، وهو أمر آخر أجنبي عمّا نحن بصدده كما لا يخفى.

__________________

(*) الظاهر أنّها لا تجب ، ولا أثر للتقييد هنا.


[٢١٠٧] مسألة ٦ : يجب الإتيان به فوراً فإن أخّر عمداً عصى ولم يسقط ، بل وجبت المبادرة إليه (*) وهكذا (١).

______________________________________________________

(١) المشهور بين الأصحاب كما في الحدائق (١) وغيره أنّ وجوب سجدة السهو فوري ، فلو أخّر عامداً عصى ولم يسقط ، بل تجب المبادرة فوراً ففوراً ، نظير صلاة الآيات في غير الموقّتات كالزلزلة التي يجب الإتيان بها ما دام العمر وتقع أداءً. فإن تمّ إجماع على ذلك فهو ، وإلّا فإثباته بحسب الصناعة مشكل جدّاً.

ويقع الكلام تارة في أصل ثبوت الفورية ، وأُخرى في أنّه على تقدير الثبوت لو أخّر عمداً هل تجب المبادرة والإتيان فوراً ففوراً ، أم أنّ التكليف ساقط حينئذ رأساً.

أمّا الجهة الأُولى : فإن أريد بالفورية الفورية الحقيقية أي الإتيان بعد التسليم بلا فصل فهذا لا دليل عليه بعد وضوح عدم اقتضاء الأمر للفور كما حقّق في الأُصول (٢) ، ومقتضى الأصل البراءة عنه.

وإن أُريد بها الفورية العرفية أي الإتيان بعد التسليم وقبل ارتكاب المنافيات حتّى مثل الفصل الطويل الماحي للصورة ، فهذا يمكن أن يستدلّ له بجملة من النصوص :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان : «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ...» إلخ (٣) ، فانّ المنسبق إلى الذهن من البعديّةِ

__________________

(*) على الأحوط.

(١) الحدائق ٩ : ٣٤٤.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٢١٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

البعديّةُ القريبة المساوقة للفورية العرفية في قبال الإتيان قبل التسليم ، لا ما يشمل البعيدة والفترة الطويلة كشهر مثلاً ، فإنّه مخالف للمتفاهم العرفي عند إطلاق هذا اللفظ كما لا يخفى.

وأوضح منها صحيحة أبي بصير : «إذا لم تدر خمساً صلّيت أم أربعاً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ، ثمّ سلّم بعدهما» (١) ، ضرورة أنّ السجود لا يتحقّق حال الجلوس ، فإنّه هيئة خاصّة مباينة للجلوس وللقيام ونحوهما ، فالمراد المبادرة إليهما حال الجلوس بعد السلام وقبل أن يتحوّل من مكانه أو يشتغل بفعل آخر منافٍ للصلاة ، وهو كما ترى مساوق للفورية العرفية كما ذكرنا.

ونحوهما صحيحة القدّاح : «سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام» (٢) ، فانّ الظاهر من هذا التحديد بعد وضوح عدم خصوصية للكلام ، وإنّما ذكر من باب المثال لمطلق المنافيات التي أدناها التكلّم مع الغير ، إنّما هو إرادة التضييق المتّحد بحسب النتيجة مع الفورية العرفية.

وعلى الجملة : فظهور هذه النصوص في إرادة الفورية بالمعنى المزبور غير قابل للإنكار.

إلّا أنّه ربما يعارض بما ورد في ذيل موثّقة عمّار «... وعن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر حتّى يصلّي الفجر كيف يصنع؟ قال : لا يسجد سجدتي السهو حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ...» إلخ (٣) ، فإنّ التأخير إلى ما بعد طلوع الشمس ظاهر في عدم وجوب الفورية.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

وناقش فيها في الحدائق (١) وكذا غيره بعدم القول بمضمونها من الأصحاب فكأنّ المانع عن التعويل عليها إعراض الأصحاب عنها المسقط لها عن الحجّية وإلّا فهي في نفسها صالحة للمعارضة مع ما تقدّم.

ولكنّ الظاهر أنّ الموثّقة أجنبية عن محلّ الكلام بالكلّية فضلاً عن صلوحها للمعارضة ، إذ ليست هي بصدد التعرّض لموطن سجود السهو بالإضافة إلى الصلاة التي سها فيها.

كيف وحكم ذلك مذكور في الفقرة المتقدّمة على هذه الفقرة ، التي ذكرها صاحب الوسائل بعد تقطيعه لهذا الحديث الطويل وذكر كلّ فقرة في الباب المناسب ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلّى ثلاث ركعات وهو يظنّ أنّها أربع فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث ، قال : يبني على صلاته متى ما ذكر ويصلّي ركعة ويتشهّد ويسلِّم ويسجد سجدتي السهو ، وقد جازت صلاته» (٢) حيث يستفاد منها أنّ السجدتين يؤتى بهما بعد التسليم.

فهذا الحكم معلوم من نفس هذه الموثّقة ، فلا مجال بعدئذ للسؤال ثانياً بقوله : «وعن الرجل يسهو في صلاته ...» إلخ وأنّه كيف يصنع ، إذ قد علم حكمه ممّا مرّ.

إذن فهذه الفقرة ناظرة إلى السؤال عن فرض آخر ، وهو من سها في صلاة فنسي السجدتين بعدها ولم يذكرهما إلّا بعد الدخول في صلاة أُخرى ، كما لو سها في صلاة المغرب أو العشاء ولم يتذكّر حتّى صلّى الفجر ، فأجاب (عليه السلام) بعدم الإتيان بالسجدتين حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها.

ولا مانع من الالتزام بذلك في خصوص موردها ، كما قد تساعده الروايات

__________________

(١) الحدائق ٩ : ٣٣٩.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٤.


ولو نسيه أتى به إذا تذكّر وإن مضت أيّام (١)

______________________________________________________

المستفيضة الناهية عن الصلاة في هذا الوقت (١) لما فيها من التشبّه بعبدة الشمس حيث يسجدون لها في هذا الوقت ، وقد أُشير في بعض تلك الأخبار إلى هذه العلّة (٢) ، فيحمل النهي على ضرب من التنزيه والكراهة.

وعلى الجملة : هذه الفقرة من الموثّقة أجنبية سؤالاً وجواباً عن محلّ الكلام أعني تأخير سجدتي السهو اختياراً عن الصلاة الأصلية التي وقع السهو فيها فلا يحسن عدّها معارضاً لما سبق من النصوص الظاهرة في الفورية العرفية كما عرفت. فلا مناص من العمل بها بعد سلامتها عن المعارض.

إذن فالأقوى أنّ وجوب سجدتي السهو فوري بالمعنى المزبور ، الذي هو الظاهر من كلام المشهور أيضاً كما لا يخفى.

وأمّا الجهة الثانية : أعني وجوب المبادرة فوراً ففوراً ، فهذا لا دليل عليه بوجه ، بل لا دليل على بقاء أصل الوجوب فضلاً عن كونه فوراً ففوراً ، فإنّ غاية ما دلّت عليه تلك النصوص هو لزوم الإتيان بهما وهو جالس وقبل أن يتكلّم ويرتكب المنافي ، الذي استفدنا منه الفورية العرفية حسبما مرّ ، وأنّ ظرف الإتيان موقّت ومقيّد بتلك الحالة ، وأمّا أنّه لو أخّر عامداً وعصى فهل التكليف باقٍ بعد ويجب الإتيان فوراً ففوراً أو أنّه ساقط ، فهي ساكتة ولا إشعار فيها فضلاً عن الدلالة ، فإن قام إجماع على هذا الحكم ، وإلّا فمقتضى الأصل البراءة عنه. إذن فالحكم المزبور مبنيّ على الاحتياط.

(١) لموثّقة عمّار المتقدّمة ، قال فيها : «... وعن الرجل إذا سها في الصلاة

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٣٤ / أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ١ ، ٢ وغيرهما.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٣٥ / أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٤ وغيره.


ولا يجب إعادة الصلاة ، بل لو تركه أصلاً لم تبطل على الأقوى (١).

______________________________________________________

فينسى أن يسجد سجدتي السهو ، قال : يسجد متى ذكر ...» إلخ (١).

(١) وقع الكلام في أنّ وجوب السجدتين هل هو نفسيّ وتكليف مستقلّ فلو تركهما عامداً لم تبطل صلاته وإن كان آثماً ، أو أنّه غيريّ يوجب الإخلال بهما بطلان الصلاة؟

المشهور بين الأصحاب كما في الجواهر (٢) وغيره هو الأوّل ، وأنّ هذا حكم تكليفيّ مستقلّ وإن نشأ الوجوب عن خلل في الصلاة.

ولكن قد يقال بالثاني ، نظراً إلى ظواهر النصوص المستفاد منها الشرطية في أمثال المقام.

والصحيح ما عليه المشهور ، فانّ ظاهر الأمر عند الإطلاق هو الوجوب النفسي ، وهو الأصل الأوّلي الذي يعوّل عليه كلّما دار الأمر بينه وبين الغيري. نعم ، في باب المركّبات ينقلب هذا الظهور إلى ظهور ثانوي ، أعني الإرشاد إلى الجزئية أو الشرطية ، وفي النهي إلى المانعية كما هو محرّر في محلّه (٣).

ولكنّه مقصور على ما إذا تعلّق الأمر بما يرتبط بالمركّب ويعدّ من قيوده وخصوصياته ، فينتزع منه الجزئية أو الشرطية تارة والمانعية اخرى ، كما في قوله : صلّ مع السورة أو إلى القبلة أو مع الطهارة ، أو لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل لحمه ونحو ذلك ممّا يتعلّق بنفس المركّب ويعدّ من كيفياته وملابساته ، دون مثل المقام ممّا هو عمل مستقلّ واقع خارج الصلاة قد شرّع بعد الانصراف عنها ، وإن كان موجب التشريع محقّقاً من ذي قبل وهو السهو الصادر في الأثناء ، لكن

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.

(٢) الجواهر ١٢ : ٤٥٧.

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ١٥٦ ، ١٤٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

شأنه ليس إلّا الموجبية فحسب ، من غير ظهور له في الإناطة والارتباط بينهما بوجه. وعليه فيبقى الظهور الأوّلي في النفسية على حاله من غير معارض.

ويؤيِّد هذا ويؤكِّده إطلاق ما دلّ على تحقّق الانصراف بالتسليم ، وأنّ به يتحقّق الفراغ والخروج عن الصلاة. فإنّ هذا الإطلاق هو المحكّم ما لم يثبت خلافه بدليل قاطع كما ثبت في الركعات الاحتياطية وفي الأجزاء المنسيّة ، فيقيّد ويحكم بالجزئية في أمثال ذلك ، وأمّا فيما عداها كالمقام فالمرجع هو الإطلاق المزبور.

ويؤكِّده أيضاً تسميتهما بالمرغمتين في غير واحد من النصوص (١) ، فإنّها تكشف عن أنّ الوجوب إنّما نشأ عن مصلحة أُخرى مغايرة لمصلحة أصل الصلاة ، وهي إرغام أنف الشيطان المبغض للسجود ، مجازاة له على إلقاء المصلّي في السهو. وعلى الجملة : فظواهر النصوص تدلّنا بوضوح على نفسية الوجوب.

نعم ، ربما تستشعر الغيرية من رواية واحدة وهي موثّقة عمّار : «عن رجل صلّى ثلاث ركعات وهو يظنّ أنّها أربع فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث ، قال : يبني على صلاته متى ما ذكر ، ويصلّي ركعة ويتشهّد ويسلّم ويسجد سجدتي السهو وقد جازت صلاته» (٢) ، حيث فرّع جواز الصلاة وصحّتها على مجموع ما سبق الذي منه الإتيان بسجدتي السهو.

ولكنّه مجرّد إشعار محض لا يمكن أن يعتمد عليه في مقابل الظهورات ، ولم يبلغ حدّ الدلالة ، فإنّ الإمام (عليه السلام) إنّما هو في مقام بيان الوظيفة الفعلية وأنّ الصلاة لا تبطل بمجرّد نقصها بركعة والتسليم في غير محلّه ، بل عليه أن يأتي بتلك المذكورات ، وأمّا أنّ جميعها دخيل في الصحّة فلا دلالة لها عليه بوجه.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ١ وغيره.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٤.


[٢١٠٨] مسألة ٧ : كيفيته أن ينوي ويضع جبهته على الأرض أو غيرها ممّا يصحّ السجود عليه (١)

______________________________________________________

نعم ، لو كان الجواز مذكوراً بصيغة التفريع بأن كان العطف في قوله (عليه السلام) : «وقد جازت ...» بالفاء بدل الواو لتمّ ما أُفيد ، ولكنّه ليس كذلك.

فالصحيح ما عليه المشهور من نفسية الوجوب ، وأنّ سجدتي السهو عمل مستقلّ لا يوجب الإخلال بهما عمداً فضلاً عن السهو قدحاً في صحّة الصلاة.

(١) أمّا النيّة فلا إشكال في اعتبارها ، سواء فسّرت بقصد عنوان العمل أم بقصد التقرّب ، لاعتبار كلا الأمرين في المقام.

أمّا الأوّل : فلأنّ سجود السهو يمتاز في حقيقته عن بقيّة السجدات مثل السجود الصلاتي والقضائي وسجدتي الشكر والتلاوة ، ومباين معها في مقام الذات ، لتعنونه بعنوان خاصّ وتسميته باسم مخصوص ، فلا بدّ من تعلّق القصد به بخصوصه تحقيقاً لامتثال الأمر المتعلّق به لكي يمتاز عن غيره ، فلا يكفي من غير قصد.

وأمّا الثاني : فلأنه عبادة قطعاً فيعتبر فيه ما يعتبر في سائر العبادات من قصد التقرّب والإضافة إلى المولى نحو إضافة ، وهذا واضح.

وأمّا وضع الجبهة على الأرض فأصل الوضع ممّا لا ينبغي التأمّل فيه ، لتقوّم حقيقة السجود بوضع الجبهة كما مرّ في بحث السجود (١) ، بل قد مرّ ثمّة (٢) أنّه لا بدّ فيه من الإحداث ولا يكفي الإبقاء ، فلو كان في سجود التلاوة مثلاً وقصد

__________________

(١) شرح العروة ١٥ : ٨٤.

(٢) في ص ١١٤ ، ١٣١ من المصدر المتقدم.


ويقول : «بسم الله وبالله (*) وصلّى الله على محمّد وآله» ، أو يقول : «بسم الله وبالله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» أو يقول : «بسم الله وبالله السلام عليك أيُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته» (١).

______________________________________________________

ببقائه سجود السهو لم يكن مجزياً ، للزوم إحداث الوضع وإيجاده بعد أن لم يكن.

وأمّا اعتبار أن يكون الوضع على الأرض أو ما يصحّ السجود عليه فلأنه وإن لم يرد في نصوص المقام ما يدلّ عليه إلّا أنّه يكفينا الإطلاق في بعض النصوص الواردة في السجود مثل قوله (عليه السلام) : لا تسجد على القير أو على الزفت ونحو ذلك (١) ، فإنّ إطلاقه غير قاصر الشمول لمثل المقام ولكلّ سجود مأمور به ، ولا سيما بلحاظ التعليل الوارد في بعض النصوص المانعة عن السجود على المأكول والملبوس من أنّ الناس عبيد ما يأكلون ويلبسون (٢) الكاشف عن اطّراد ذلك في مطلق السجود.

(١) هل يعتبر الذكر في سجدتي السهو؟ وعلى تقديره فهل يعتبر فيه ذكر خاصّ؟

المشهور بين الأصحاب كما في الحدائق (٣) وغيره هو الوجوب ، وأن يكون بالكيفية الخاصّة المذكورة في المتن ، فلا يجزي مطلق الذكر.

ونسب إلى جماعة إنكار الوجوب رأساً فضلاً عن اعتبار ذكر خاصّ ، استناداً إلى أصالة البراءة أوّلاً ، وإلى إطلاق الأمر بالسجود في غير واحد من النصوص

__________________

(*) الأحوط الاقتصار على الصيغة الأخيرة.

(١) الوسائل ٥ : ٣٥٣ / أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ١ وغيره.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٤٣ / أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١.

(٣) الحدائق ٩ : ٣٣٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

ثانياً كصحيحة عبد الله بن سنان : «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ، ثمّ سلّم بعدهما» (١) ، ونحوها صحاح زرارة وأبي بصير والحلبي (٢).

وعلى تقدير النقاش في انعقاد الإطلاق في هذه الروايات بدعوى كونها مسوقة لبيان حكم آخر ، وليست بصدد التعرّض لكيفية سجود السهو وما يعتبر فيه أو لا يعتبر كي ينعقد الإطلاق ، فيكفينا ما تقدّم من أصالة البراءة فإنّ الوجوب يحتاج إلى الدليل دون العدم. فلو كنّا نحن وهذه الروايات لقلنا بعدم الوجوب إمّا للإطلاق أو للأصل ، هذا.

ولكن بإزاء هذه الروايات صحيحة الحلبي الظاهرة في اعتبار ذكر خاصّ والمقيّدة لتلك المطلقات بمقتضى صناعة الإطلاق والتقييد على تقدير تحقّق الإطلاق فيها ، ومعلوم أنّه لا مجال للتمسك بالأصل بعد قيام الدليل ، وهي ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنّه قال : تقول في سجدتي السهو : بسم الله وبالله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد. قال : وسمعته مرّة أُخرى يقول : بسم الله وبالله ، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته» (٣).

ولكن متن الصحيح مختلف في كتب الحديث ، ففي الكافي ما أثبتناه ، وكذا في الفقيه ، غير أنّ أغلب نسخ الفقيه وأصحّها بدل قوله : «اللهمّ صلّ ...» إلخ هكذا : «وصلّى الله على محمّد وآل محمّد». والشيخ أيضاً رواها مثل الفقيه ، لكن فيه «والسلام» بإضافة الواو. فالفقيه يطابق الكافي في ترك الواو ويخالفه في كيفية

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ح ١ ، الكافي ٣ : ٣٥٦ / ٥ الفقيه ١ : ٢٢٦ / ٩٩٧ ، التهذيب ٢ : ١٩٦ / ٧٧٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة ، وبالإضافة إلى التهذيب على العكس من ذلك.

ومنه تعرف مدرك الصيغ الثلاث المذكورة في المتن ، غير أنّ الصيغة الأُولى مذكورة في روايتي الفقيه والتهذيب بصورة «بسم الله وبالله ، وصلّى الله على محمّد وآل محمّد» (١) ، والماتن ذكرها بصورة «بسم الله وبالله ، وصلّى الله على محمّد وآله» بإبدال الظاهر بالضمير ، ولم يعرف له مأخذ. والظاهر أنّه سهو من قلمه الشريف أو من النسّاخ ، وسنتعرّض لحكم هذه الصيغ من حيث التعيين أو التخيير.

وكيف ما كان ، فهذه الصحيحة ظاهرة في اعتبار الذكر الخاصّ. غير أنّه يعارضها موثّقة عمّار الظاهرة في عدم الاعتبار ، قال : «سألته عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال : لا ، إنّما هما سجدتان فقط ...» إلخ (٢).

ودعوى أنّ المنفي إنّما هو التسبيح فلا ينافي اعتبار الذكر الخاصّ الذي تضمّنه الصحيح بعيدة جدّاً ، لمخالفتها لقوله : «فقط» الظاهر في عدم اعتبار أيّ شي‌ء ما عدا ذات السجدتين كما لا يخفى.

وربما يتصدّى للجمع بالحمل على الاستحباب. وفيه ما لا يخفى ، لعدم كونه من الجمع العرفي في مثل المقام ، بل يعدّان من المتعارضين ، فإنّه لو كان مدلول الموثّقة نفي الوجوب لتمّ ما أُفيد ، كما هو الشائع المتعارف في كلّ دليلين تضمّن أحدهما الأمر بشي‌ء والآخر نفي البأس بتركه ، فيرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب بنصوصية الآخر في العدم ويحمل على الاستحباب.

إلّا أنّ الموثّقة ظاهرة في عدم التشريع (٣) لا عدم الوجوب ، لقوله (عليه

__________________

(١) [الموجود في التهذيب : بسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وعلى آل محمّد].

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ح ٣.

(٣) لما كان الظاهر من السؤال الاستعلام عن الوظيفة المقرّرة زائداً على نفس السجدتين كان النفي في الجواب المعتضد بقوله (عليه السلام) في الذيل : «وليس عليه أن يسبّح» ظاهراً في نفي التوظيف لا نفي التشريع.


.................................................................................................

______________________________________________________

السلام) : «لا» في جواب قوله : «هل فيهما ...» إلخ ، أي ليس فيهما تسبيح ، الظاهر في أنّه ليس بمشروع ، لا أنّه لا يجب. وصحيحة الحلبي ظاهرة (١) في الوجوب ، ومن المعلوم أنّ الوجوب وعدم المشروعية من المتعارضين بحسب الفهم العرفي ، بحيث لا يتيسّر التوفيق ولا يمكن الجمع بينهما بوجه.

وعليه فان ثبت ما نسب إلى العامّة (٢) من عدم وجوب شي‌ء في سجدتي السهو حملت الموثّقة على التقية لموافقة العامّة ، وإلّا فلا ينبغي الشكّ في ترجيح الصحيحة عليها ، فإنّها من الروايات المشهورة المعروفة رواية وعملاً قديماً وحديثاً ، قد رواها المشايخ الثلاثة في الكتب الأربعة بأسانيد عديدة ، فلا تعارضها الموثّقة ، ولا سيما وفي روايات عمّار كلام ، حيث إنّه على ما قيل كثير الخطأ والاشتباه ، فتطرح ويردّ علمها إلى أهله. فيتعيّن العمل بالصحيحة.

وهل يقتصر على مضمونها من الذكر الخاصّ أو يتعدّى إلى مطلق الذكر كما عن جماعة؟ الظاهر هو الأوّل ، لعدم الدليل على الثاني ، إذ لم يثبت الاجتزاء بالمطلق ولا برواية ضعيفة ، ومقتضى ظهور الأمر الوارد في الصحيح هو التعيّن فرفع اليد عنه والتعدّي يحتاج إلى دليل مفقود ، فلا مناص من الاقتصار [عليه] جموداً على ظاهر النصّ.

بقي الكلام حول هذه الأذكار نفسها وأنّه هل يجزي أحدها من باب التخيير أو يتعيّن الذكر الأخير مع الواو في «السلام عليك» أو بدونه فنقول : قد عرفت أنّ الحلبي رواها عن أبي عبد الله (عليه السلام) تارة بصيغة الصلاة وسمعه مرّة أُخرى يقولها بصيغة التسليم ، لا بمعنى مباشرته (عليه السلام) لها في سجود

__________________

(١) الظهور مبنيّ على ثبوت نسخة الفقيه بصورة «تقول» ، وهو غير واضح بعد اختلاف النسخ وعدم الجزم بالصحيح منها كما لا يخفى.

(٢) [ذهب إلى الوجوب بعض العامة ، لاحظ المجموع ٤ : ١٦١ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٩ ، الفتاوى الهندية ١ : ١٢٥].


.................................................................................................

______________________________________________________

السهو كي يخدش في صحّة الحديث بمنافاته مع ما استقرّت عليه أُصول المذهب من تنزّه المعصوم (عليه السلام) من السهو ، بل بمعنى سماع الفتوى منه وأنّه سمعه يقول في حكم المسألة كذا ، بشهادة صدر الحديث ، حيث قال : تقول في سجدتي السهو كذا ، وهذا استعمال دارج في لسان الأخبار وغيرها ، حيث يعبّر عند حكاية رأي أحد بالسماع عنه أنّه يقول كذا ، نظير ما ورد من أنّه سمعته يقول : في القتل مائة من الإبل ، كما مثّل به صاحب الوسائل (١). فهو من باب حكاية القول ، لا حكاية الفعل كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فقد تضمّنت الصحيحة حكاية صيغتين للذكر. وعرفت أيضاً أنّ صورة الصيغة الأُولى مختلفة في كتب الحديث ، فرواها الكافي بصورة : «اللهمّ صلّ ...» إلخ ، والفقيه والتهذيب بصورة «وصلّى الله ...» إلخ.

ومن المعلوم عدم احتمال تعدّد الرواية بتعدّد الواقعة ، بأن سمعه عن الإمام (عليه السلام) تارة بهذه الصورة وأُخرى بتلك ، فرواها مرّتين وصلت إحداهما بطريق إلى الكليني والأُخرى بنفس الطريق إلى الصدوق ، فانّ هذا غير محتمل لبعد تعدّد الواقعة في صيغة واحدة ، كبعد تفرّد كلّ منهما برواية لا يرويها الآخر في موضوع واحد مع اتّحاد الطريق والراوي والمروي عنه كما لا يخفى.

وعليه فالصادر عن المعصوم (عليه السلام) بحسب الواقع إنّما هو إحدى صورتي الصيغة الأُولى ، وحيث لا يمكن تمييز الواقع وتشخيصه عن غيره ، لأنّ كلا من الكليني والصدوق معروف بدقّة الضبط والإتقان في النقل ، فهو من باب اشتباه الحجّة باللّاحجّة ، لا من باب تعارض الحجّتين ليجري عليه حكم تعارض الأخبار ، لاختصاصه بصورة تعدّد الرواية ، وقد عرفت اتّحادها في المقام وأنّ التعدّد إنّما نشأ من اختلاف النسخ.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ذيل ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه فلا يمكن الاجتزاء بإحداهما والتخيير في مقام العمل كما هو ظاهر المتن ، لتردّد الصادر الواقعي بين النسختين من غير ترجيح في البين ، بل لا بدّ إمّا من الجمع بينهما أو تركهما واختيار الصيغة الأخيرة أعني التسليم لتطابق النسخ عليها ، واتفاق المشايخ الثلاثة على نقلها.

وأمّا الاختلاف الواقع في صورة الصيغة الأخيرة من حيث الاشتمال على الواو في «السلام عليك» الذي اختصّت به نسخة التهذيب وعدمه فلا ينبغي الإشكال في أنّ الترجيح مع رواية الكافي ، ولا سيما مع اعتضادها برواية الفقيه الموافقة لها في ترك الواو ، لقوّة ضبطهما ولا سيما الكليني.

فلا تقاومهما رواية التهذيب غير الخالي عن الاشتباه غالباً حتّى طعن فيه صاحب الحدائق (قدس سره) (١) بعدم خلوّ رواياته غالباً عن الخطأ والخدش في السند أو المتن ، لعدم محافظته على ضبط الأخبار ، الناشئ من كثرة الاشتغال والتسرّع في التأليف. وعليه فيطمأنّ بأنّ هذه زيادة من التهذيب أو من النسّاخ فلا يمكن الإتيان بالواو بقصد الأمر وبعنوان سجود السهو.

وهذا هو الوجه فيما ذكره بعض الأعاظم في تعليقته على نجاة العباد من أنّ الأحوط حذف الواو ، لما عرفت من أضبطيّة الكافي والفقيه بمثابة يطمأنّ بالزيادة في نسخة التهذيب ، ولأجله كان الحذف هو مقتضى الاحتياط وقاعدة الاشتغال.

ومن جميع ما ذكرنا تعرف أنّ من أراد الاقتصار على صيغة واحدة فالأحوط اختيار الصيغة الأخيرة أعني التسليم بدون ذكر الواو ، فانّ ظاهر الصحيحة وإن كان هو التخيير بين الصيغتين إلّا أنّ صورة الصيغة الاولى أعني الصلاة غير ثابتة بعد تعارض نسختي الكافي والفقيه ، وفقد التمييز وتشخيص ما نقله

__________________

(١) في الحدائق ٩ : ٣٣٤.


ثمّ يرفع رأسه ويسجد مرّة أُخرى (١) ويقول ما ذكر ويتشهّد ويسلِّم (٢) ويكفي في تسليمه «السلام عليكم».

______________________________________________________

الحلبي وصدر عن المعصوم (عليه السلام) ، فلا يحصل الفراغ اليقيني إلّا باختيار التسليم الذي اتّفق الكلّ على روايته.

(١) بلا إشكال ، لتقوّم مفهوم التعدّد المأمور به بذلك ، إذ لا تتحقّق الاثنينيّة والسجود مرّتين إلّا برفع الرأس والسجود ثانياً.

(٢) المعروف والمشهور وجوب التشهّد والتسليم في سجدتي السهو ، وذهب جماعة إلى استحبابهما ، والكلام في ذلك هو الكلام في الذكر بعينه ، إذ قد ورد الأمر بهما في بعض النصوص.

ففي صحيحة الحلبي الأمر بالتشهّد ، قال : «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلم ، واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة ، تتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً» (١).

وفي صحيح ابن سنان الأمر بالتسليم ، قال : «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ، ثمّ سلّم بعدهما» (٢) ونحوهما غيرهما. وظاهر الأمر فيهما هو الوجوب.

وليس بإزاء ذلك عدا موثّقة عمّار المتقدّمة المصرّحة بأنّه ليس فيهما إلّا السجدتان فقط (٣).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤ ، ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤ ، ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ح ٣ ، وقد تقدّمت في ص ٣٨٩.


وأمّا التشهّد فمخيّر بين التشهّد المتعارف والتشهّد الخفيف وهو قوله : «أشهد أنّ لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» والأحوط الاقتصار على الخفيف (*). كما أنّ في تشهّد الصلاة أيضاً مخيّر بين القسمين ، لكن الأحوط هناك التشهّد المتعارف كما مرّ سابقاً (١).

______________________________________________________

وقد عرفت امتناع الجمع بالحمل على الاستحباب ، لظهور تلك الأخبار في الوجوب ، وظهور الموثّقة في عدم المشروعية ، ولا سبيل للتصرّف في كلا الظهورين بحمل الأمر على الاستحباب وحمل نفي المشروعية على نفي الوجوب ، فانّ ذلك ليس من الجمع العرفي في شي‌ء كما لا يخفى ، فتستقرّ المعارضة بينهما لا محالة.

ولا ريب أنّ الترجيح مع تلك النصوص ، لكونها أشهر قديماً وحديثاً ، سيما وروايات عمّار لا تخلو عن نوع من الاشتباه كما مرّ ، فتطرح الموثّقة ويردّ علمها إلى أهله.

(١) تقدّم في محلّه (١) أنّ نسيان التشهّد موجب لسجود السهو وأنّه يتشهّد فيه ، ويكتفى به عن التشهّد الفائت للنصوص الدالّة عليه ، فلو كنّا نحن وتلك النصوص لحكمنا بعدم وجوب التشهّد فيما عدا سجود السهو المسبّب عن نسيان التشهّد ، لإطلاق الأمر بالسجدتين في غير واحد من نصوص الباب ، إلّا أنّ هناك روايات اخرى دلّتنا على وجوب التشهّد فيما عدا ذاك الموجب أيضاً كما مرّت آنفاً ، ولأجله حكمنا باعتباره في مطلق سجود السهو كما عرفت.

غير أنّ في بعض تلك النصوص التقييد بالتشهّد الخفيف كما في صحيحة الحلبي المتقدّمة وغيرها ، وقد جعله في المتن قبالاً للتشهّد المتعارف وفسّره بقول :

__________________

(*) بل الأحوط الإتيان بالتشهّد المتعارف كما كان هو الحال في أصل الصلاة.

(١) في ص ٣٥٧ ، ٩٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد. ولأجله حكم بالتخيير بينه وبين المتعارف ، جمعاً بين هذه الصحيحة وبين غيرها ممّا أُطلق فيه الأمر بالتشهّد المنزّل على المتعارف ، وذكر أخيراً أنّ الأحوط الاقتصار عليه حملاً على المقيّد ، هذا.

ولكنّه لم يثبت اصطلاح للشارع في الخفيف كي يفسّر بما ذكر ويحكم بمقابلته مع التشهّد المتعارف ، لعدم الشاهد عليه بوجه ، بل الظاهر أنّ المراد به هو ذلك بعينه ، وإنّما قيّده بالخفيف في مقابل التشهّد الطويل المشتمل على الأذكار المستحبّة المفصّلة ، إيعازاً إلى اختصاص تلك الأذكار بالتشهّد الصلاتي وعدم انسحابها إلى هذا التشهّد ، وإلّا فنفس التشهّد لا يراد به في كلا الموردين إلّا ما هو المتعارف الذي ينصرف إليه اللفظ عند الإطلاق.

ويكشف عمّا ذكرناه مضافاً إلى ما ذكر موثّقة أبي بصير ، قال : «سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد ، قال : يسجد سجدتين يتشهّد فيهما» (١) ، فانّ الظاهر منها بمقتضى اتّحاد السياق أنّ هذا التشهّد هو ذاك التشهّد المنسي ، ولا يراد به معنى آخر وراء ذلك.

وأصرح منها رواية علي بن أبي حمزة قال «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إذا قمت في الركعتين الأولتين ولم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهّد وإن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك كما أنت ، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك» (٢) ، فإنّها وإن لم تصلح للاستدلال لضعف علي بن أبي حمزة البطائني إلّا أنّها صالحة للتأييد.

وعلى الجملة : فلم يثبت الاكتفاء بالخفيف بالمعنى الذي ذكره ، لعدم ثبوت اصطلاح خاصّ لهذا اللفظ كما عرفت. فالأقوى هو الإتيان بالتشهّد المتعارف

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠٣ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ٢.


ولا يجب التكبير للسجود وإن كان أحوط (١) ، كما أنّ الأحوط مراعاة جميع ما يعتبر في سجود الصلاة (*) فيه من الطهارة من الحدث والخبث والستر والاستقبال وغيرها من الشرائط والموانع التي للصلاة كالكلام والضحك في الأثناء وغيرهما فضلاً عمّا يجب في خصوص السجود من الطمأنينة ووضع

______________________________________________________

كما كان هو الحال في أصل الصلاة.

(١) نسب إلى الشيخ في المبسوط القول بوجوب التكبير (١) ، ولعلّ المشهور هو الاستحباب. والظاهر عدم ثبوت شي‌ء منهما ، لاحتياج كلّ منهما إلى الدليل ولا دليل ، فانّ مدرك المسألة روايتان :

إحداهما : قوله (عليه السلام) في موثّقة عمّار المتقدّمة : «فإن كان الذي سها هو الإمام كبّر إذا سجد ...» إلخ (٢) ، حيث أمر (عليه السلام) بتكبير الإمام ليعلم من خلفه.

وفيه : أمّا بناءً على إلغاء الموثّقة وحملها على التقيّة أو ردّ علمها إلى أهله لتضمّنها عدم اعتبار شي‌ء عدا ذات السجدتين فقط ، المنافية للنصوص الكثيرة المشهورة الدالّة على اعتبار الذكر وغيره كما سبق ، فلا كلام.

وأمّا بناءً على الأخذ بها في هذه الفقرة أعني التكبير فهي لا تدلّ على الاستحباب فضلاً عن الوجوب إلّا بالإضافة إلى الإمام لغرض الإعلام ، ولم يعلم الغاية منه إلّا على القول بوجوب سجدة السهو للمأموم أيضاً عند سهو

__________________

(*) بل الأظهر ذلك في اعتبار وضع سائر المساجد وفي وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه.

(١) المبسوط ١ : ١٢٥.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ح ٣.


سائر المساجد ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه والانتصاب مطمئناً بينهما ، وإن كان في وجوب ما عدا ما يتوقّف عليه اسم السجود وتعدّده نظر (١).

______________________________________________________

الإمام كما ورد ذلك في بعض الأخبار (١) ، فيتّجه التكبير للإعلام حينئذ.

وكيف ما كان ، فهي لا تدلّ على الاستحباب ولا الوجوب في المنفرد ولا في المأموم عند سهوه نفسه ، وقد صرّح في صدرها بأنّه لا تكبيرة في سجدتي السهو.

الثانية : موثّقة زيد بن علي الواردة في سهو النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في صلاة الظهر والإتيان بها خمس ركعات ، وفيها «... فاستقبل القبلة وكبّر وهو جالس ، ثمّ سجد سجدتين ...» إلخ (٢).

وفيه أوّلاً : معارضتها بما ورد في غير واحد من الأخبار من تكذيب نسبة السهو إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأنّه لم يسهُ في صلاته قط ، ولم يسجد سجدتي السهو قط (٣). فهي محمولة على التقية لا محالة.

وثانياً : أنّها مقطوعة البطلان في نفسها ، ضرورة أنّ زيادة الركعة في الصلاة تستوجب البطلان لا سجود السهو ليحكم بصحّتها. فلا يمكن الاعتماد عليها.

وعلى الجملة : فلا دليل على استحباب التكبير فضلاً عن الوجوب ، ولكن حيث إنّ الشيخ (قدس سره) ذهب إلى الوجوب فلا بأس بالإتيان به احتياطاً وبقصد الرجاء دون الأمر.

(١) هل يعتبر في سجدتي السهو جميع ما يعتبر في سجود الصلاة ، أو لا يعتبر شي‌ء منها؟

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٤١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٠٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٣ وغيره.


.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر هو التفصيل بين ما اعتبر فيه بما أنّه جزء من الصلاة كالاستقبال والستر والطهارة عن الحدث والخبث وطهارة المسجد ونحو ذلك ، وبين ما اعتبر في نفس السجود بما أنّه سجود كالسجود على سبعة أعظم وعلى ما يصحّ السجود عليه.

فلا يعتبر الأوّل ، لما عرفت من خروج سجدتي السهو عن حقيقة الصلاة وعدم كونهما من الأجزاء ، بل هما عمل مستقلّ شرّع خارج الصلاة لإرغام الشيطان ، وتركهما عمداً لا يوجب البطلان فضلاً عن السهو ، فلا تعمّهما الشرائط المعتبرة في نفس الصلاة ، لوضوح عدم شمولها لما هو أجنبي عنها.

ويعتبر الثاني ، إذ لا قصور في أدلّتها عن الشمول للمقام ، بل ولكلّ سجود مأمور به ، فانّ ما دلّ على المنع عن السجود على المأكول والملبوس أو على القير ، أو الأمر بالسجود على المساجد السبعة ظاهر في اعتبار ذلك في طبيعي السجود. ولا دليل على انصراف مثل قوله (عليه السلام) : إنّما السجود على سبعة أعظم (١) إلى خصوص السجود الصلاتي ، بل هو عام بمقتضى الإطلاق لكلّ سجدة واجبة.

فالصحيح هو هذا التفصيل الذي هو حدّ وسط بين إطلاق القول بعدم اعتبار ما عدا ما يتوقّف عليه اسم السجود وتعدّده الذي مال إليه الماتن ، وبين إطلاق القول باعتبار جميع ما يعتبر فيه في سجود الصلاة ، لعدم نهوض الدليل على شي‌ء من الإطلاقين ، بل يلتزم باعتبار شرائط السجود نفسه دون شرائط الصلاة كما عرفت.

نعم ، لا مناص من اعتبار فعلهما قبل ارتكاب منافيات الصلاة من التكلّم

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٣ / أبواب السجود ب ٤ ح ٢.


[٢١٠٩] مسألة ٨ : لو شكّ في تحقّق موجبه وعدمه لم يجب عليه (١) ، نعم لو شكّ في الزيادة أو النقيصة فالأحوط إتيانه كما مرّ (*) (٢).

______________________________________________________

ونحوه ، لما مرّ من النصوص الدالّة على أنّ سجدتي السهو بعد السلام وقبل الكلام ، وقد عرفت (١) عدم خصوصية للكلام ، وإنّما ذكر من باب المثال لمطلق المنافيات.

ويستفاد من ذلك اعتبار خلوّهما نفسهما أيضاً عن المنافيات وعدم تخلّلها بينهما ، فانّ ما دلّ على لزوم فعل السجدتين قبل المنافي (٢) ظاهر في ذلك ، وإلّا فمع التخلّل لم يصدق وقوع السجدتين بما هما سجدتان قبل المنافي كما لا يخفى.

ومنه تعرف أنّ سجود السهو مشترك مع الصلاة في موانعها دون شرائطها.

(١) لأصالة عدم التحقّق ، المطابقة لأصالة البراءة عن الوجوب بناءً على ما عرفت من كونه وجوباً نفسياً مستقلا ، فيدفع بالأصل لدى الشكّ.

(٢) وقد مرّ (٣) أنّ الأقوى عدمه ، لما عرفت من أنّ مجرّد الشكّ في أحدهما ليس من الموجبات إلّا إذا كان مقروناً بالعلم الإجمالي ، بأن علم إجمالاً إمّا بالزيادة أو النقيصة ، فانّ الأحوط لزوماً (٤) حينئذ الإتيان بالسجدتين ، لدلالة النصوص عليه كما سبق.

__________________

(*) لا بأس بتركه كما مرّ.

(١) في ص ٣٨١.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٠٢ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٤ ، ٨ : ٢٠٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٣ وغيرهما.

(٣) في ص ٣٧١ ٣٧٢.

(٤) [تقدّم في ص ٣٧٤ أنّه الأقوى].


[٢١١٠] مسألة ٩ : لو شكّ في إتيانه بعد العلم بوجوبه وجب (١) وإن طالت المدّة ، نعم لا يبعد البناء (*) على إتيانه بعد خروج وقت الصلاة (٢) وإن كان الأحوط عدم تركه خارج الوقت أيضاً.

______________________________________________________

(١) عملاً بقاعدة الاشتغال أو استصحاب عدم الامتثال.

(٢) إلحاقاً للسجدة بنفس الصلاة ، نظراً إلى كونها من توابعها ومتعلّقاتها فيشملها حكمها من عدم الاعتناء ، استناداً إلى قاعدة الحيلولة. فكأنه (قدس سره) فصّل بين عروض الشكّ في الوقت أو في خارجه ، فيعتني به في الأوّل دون الثاني.

ولكنّه كما ترى ، فانّا إذا بنينا على أنّ سجود السهو من الموقّتات ، وأنّه محدود بما أسميناه بالفورية العرفية كما استفدناه من النصوص الدالّة على أنّه بعد السلام وقبل الكلام ، وفي حال الجلوس ونحو ذلك ممّا هو ظاهر في التوقيت فالشكّ العارض بعد مضيّ هذا الوقت محكوم بعدم الاعتناء بمقتضى الإطلاق في قوله (عليه السلام) : «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو» (١) من غير فرق بين عروض الشكّ المزبور في وقت الصلاة أم في خارجه.

بل قد عرفت (٢) عدم الدليل على لزوم الإتيان حتّى مع العلم بتركه في ظرفه عصياناً فضلاً عن الشكّ ، لاختصاص الدليل بتلك الحالة ، وعدم نهوض ما يصلح لبقاء الوجوب فيما بعدها ، فلا أثر عندئذ للشكّ المذكور.

وإذا بنينا على عدم التوقيت وأنّ وجوبه ثابت ما دام العمر كما في صلاة

__________________

(*) بل هو بعيد.

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٣.

(٢) في ص ٣٨٣.


[٢١١١] مسألة ١٠ : لو اعتقد وجود الموجب ثمّ بعد السلام شكّ فيه لم يجب عليه (١).

______________________________________________________

الزلزلة وجب الإتيان مهما شكّ في الامتثال ، بمقتضى قاعدة الاشتغال وإن طرأ الشكّ بعد خروج وقت الصلاة ، ولا دليل على إلحاقه بها حينئذ في الحكم بعدم الاعتناء.

ودعوى كونه من توابعها ممنوعة بعد كونه عملاً مستقلا وواجباً نفسياً شرّع خارج الصلاة بمناط إرغام الشيطان ، وإن كان الوجوب متحصّلاً من موجب متحقّق في الأثناء ، فإنّ هذا بمجرّده لا يستوجب التبعية والارتباط ليعمّه حكمها كما لا يخفى.

وعلى الجملة : لا مجال لقياس السجود بالصلاة نفسها ، لسقوط أمرها بخروج الوقت قطعاً إمّا للامتثال أو لانتهاء الأجل ، ويحدث بعدئذ أمر جديد بالقضاء معلّق على عنوان الفوت ، فمع الشكّ فيه يرجع إلى قاعدة الحيلولة الخاصّة بالموقّتات والمطابقة لأصالة البراءة.

وهذا بخلاف سجود السهو ، إذ بعد فرض عدم التوقيت فيه فالأمر المتعلّق به باقٍ دائماً ما لم يتعقّب بالامتثال ، وهو موصوف بالأداء متى تحقّق ، فمع الشكّ فيه لا مناص من الإتيان عملاً بقاعدة الاشتغال.

فالمسألة مبتنية على ما عرفت من كون السجود موقّتاً أو غير موقّت ، فينبغي ابتناء التفصيل على هذا المبنى من غير فرق بين عروض الشكّ في الوقت أم في خارجه ، وقد عرفت أنّ الأظهر هو الأوّل. فلا يعتني بالشكّ مطلقا.

(١) فانّ الاعتقاد المزبور إنّما يؤثّر ما دام كونه باقياً ، والمفروض زواله وانقلابه إلى الشكّ ، فيرجع حينئذ إلى أصالة عدم تحقّق الموجب كما هو ظاهر.


[٢١١٢] مسألة ١١ : لو علم بوجود الموجب وشكّ في الأقلّ والأكثر بنى على الأقلّ (١).

[٢١١٣] مسألة ١٢ : لو علم بنسيان جزء وشكّ بعد السلام في أنّه هل تذكر قبل فوت محلّه وتداركه أم لا (٢) فالأحوط إتيانه.

______________________________________________________

(١) لرجوع الشكّ في الأكثر إلى الشكّ في أصل تحقّق الموجب زائداً على المقدار المتيقّن ، وقد عرفت أنّ المرجع في مثله أصالة عدم التحقّق.

(٢) كما لو علم بنسيان السجدة الثانية أو التشهّد مثلاً وشكّ في أنّه هل تذكّر قبل الدخول في الركوع وتدارك المنسي كي لا يجب عليه شي‌ء ، أم استمرّ في نسيانه كي يجب عليه القضاء أو سجود السهو أو هما معاً على الخلاف المتقدّم في محلّه (١). وقد احتاط الماتن في الإتيان ، نظراً إلى التردّد في جريان قاعدة الفراغ حينئذ وعدمه.

أقول : ينبغي التفصيل في المسألة ، فإنّها تنحلّ إلى صورتين :

إحداهما : أن يعلم بالنسيان ويشكّ في استمراره أو انقلابه إلى الذكر ، بحيث يكون التذكّر في المحلّ بعد النسيان مشكوكاً فيه.

والظاهر عدم جريان قاعدة الفراغ حينئذ ، لما هو المقرّر في محلّه (٢) من اختصاص هذه القاعدة وكذا قاعدة التجاوز بما إذا لم تكن الغفلة في المحلّ معلومة ومحرزة ، كما يكشف عنه التعليل بالأذكرية والأقربية إلى الحقّ في بعض

__________________

(١) في ص ٨٦ ، ٣٥٣ ، ٩٩ ، ٣٥٧.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٣٠٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

نصوص الباب (١) ، ولا يعمّ الشكّ في الإتيان مع إحراز الغفلة في محلّه وإن احتمل التذكّر بعدها.

وهذا نظير ما إذا علم بعد الصلاة أنّه ترك الركوع سهواً حتّى سجد السجدة الأُولى ، ولكنّه احتمل أنّه تذكّره وتداركه ، فمثل هذا لا يكون مشمولاً لقاعدة الفراغ.

والمقام من هذا القبيل ، فلا مجال لإجراء القاعدة فيه ليحكم بتحقّق التدارك في ظرفه ، بل المرجع حينئذ أصالة بقاء النسيان وعدم حصول التدارك ، السليمة عن الدليل الحاكم ، ومعه يحرز النقص فيجب القضاء أو سجود السهو حسب اختلاف المباني والموارد كما لا يخفى.

الصورة الثانية : أن يعلم بزوال النسيان وانقلابه إلى التذكّر قبل فوات المحلّ ولكنّه يشكّ في أنّه هل تدارك بعد ما تذكّر أو أنّه غفل ولم يتدارك.

ولا ينبغي الإشكال في جريان القاعدة حينئذ ، لفعلية الأمر بعد فرض حصول التذكّر وتمحّض الشكّ فيما يعود إلى فعل المكلّف نفسه ، وأنّه هل تحقّق منه الامتثال في ظرفه أو تركه لغفلته ، فيحكم بالأوّل ببركة القاعدة ، كما هو الشأن في سائر موارد جريانها ، الحاكمة على أصالة عدم الإتيان ، ونتيجة ذلك عدم وجوب سجود السهو ولا القضاء فيما يحتاج إليه. فينبغي التفصيل بين الصورتين على النحو الذي ذكرناه.

لكنّ هذا إنّما يتّجه بناءً على ما هو الصحيح من عدم وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة ، وأمّا على القول بالوجوب فلا مناص من الإتيان بالسجدتين

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧ ، ٨ : ٢٤٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٧ ح ٣.


(٢١١٤) مسألة ١٣ : إذا شكّ في فعل من أفعاله فإن كان في محلّه أتى به وإن تجاوز لم يلتفت (١).

(٢١١٥) مسألة ١٤ : إذا شكّ في أنّه سجد سجدتين أو واحدة بنى على الأقلّ (٢) إلّا إذا دخل في التشهّد (٣) ، وكذا إذا شكّ في أنّه سجد سجدتين أو ثلاث سجدات. وأمّا إن علم بأنّه زاد سجدة وجب عليه الإعادة (*) ، كما أنّه إذا علم أنّه نقص واحدة أعاد (٤).

______________________________________________________

في كلتا الصورتين ، للعلم الإجمالي إمّا بالزيادة أو بالنقيصة ، لأنّه إن لم يتدارك فقد حصل النقص ، وإن ذكر وتدارك فقد اتّصف ما أتى به قبل الذكر بالزيادة فهو يعلم بوجود موجب السجود على كلّ حال.

(١) لقاعدة الشكّ في المحلّ في الأوّل ، وقاعدة التجاوز في الثاني.

(٢) لأصالة عدم الإتيان بالسجدة المشكوكة ، وكذا لو شكّ في أنّه سجد سجدتين أم ثلاث.

(٣) فلا يعتني حينئذ بالشكّ ، لقاعدة التجاوز.

(٤) تارة يعلم بزيادة السجدة وأُخرى بنقصها ، وقد حكم (قدس سره) بإعادة السجدتين في كلتا الصورتين ، واعترض عليه بعد تعليل الإعادة في الصورة الأُولى بالزيادة بعدم الدليل على قدحها في المقام.

والظاهر صحّة ما أفاده الماتن في هذه الصورة ، فتجب الإعادة ، لا لأجل الزيادة ليورد بما ذكر ، بل من أجل لزوم وقوع التشهّد عقيب السجدة الثانية

__________________

(*) على الأحوط الأولى.


.................................................................................................

______________________________________________________

المستفاد من فاء التفريع في قوله : «فتشهّد» الوارد في بعض نصوص الباب (١) والمفروض في المسألة وقوعه عقيب الثالثة ، فلم يقع المأمور به على وجهه. فلا مناص من الإعادة ، لعدم إمكان التدارك إلّا بذلك.

ولا يقدح تخلّل تلك السجدات بين السجدتين وبين أصل الصلاة ، إذ لا يضرّ هذا المقدار من الفصل بصدق الفورية العرفية كما لا يخفى.

نعم ، في صورة العلم بالنقص لا موجب للإعادة ، لإمكان التدارك بتتميم النقص فيما إذا كانت الموالاة العرفية باقية. ولا تقدح زيادة التشهّد أو السلام حينئذ بين السجدتين كما هو ظاهر.

وأمّا مع فواتها فيبتني وجوب الإعادة وعدمها على التوقيت في سجدتي السهو وعدمه. فعلى الأوّل كما هو الصحيح من كون السجود موقّتاً بالفورية العرفية كما مرّ (٢) لا موجب للإعادة ، لعدم الدليل على بقاء الأمر بعد هذا الوقت ، بل قد عرفت سقوطه حتى مع الترك العمدي وإن ارتكب الإثم حينئذ فضلاً عن السهو عن بعض أجزائه ، نعم مع السهو عن الكلّ يجب الإتيان متى تذكّر ، للنصّ الدالّ عليه كما مرّ (٣) غير الشامل لما نحن فيه كما لا يخفى.

وعلى الثاني من كون الوجوب مطلقاً غير موقّت بشي‌ء لا مناص من الإعادة بعد عدم وقوع المأمور به على وجهه ، وعدم إمكان التدارك كما هو المفروض.

__________________

(١) [تقدّم في ص ٣٩٣ ، والموجود في التهذيب ٢ : ١٩٦ / ٧٧٢ : تتشهّد].

(٢) في ص ٣٨٣.

(٣) في ص ٣٨٣.


ولو نسي ذكر السجود وتذكّر بعد الرفع لا يبعد عدم وجوب الإعادة وإن كان أحوط (*) (١).

______________________________________________________

(١) يظهر منه التردّد في وجوب الإعادة ، من عدم وقوع المأمور به على وجهه والواجب ارتباطي ، ومن فوات المحلّ المقرّر له شرعاً.

لكنّ الأظهر عدم الوجوب ، لعين التقريب الذي مرّ (١) في نسيان الذكر في سجود الصلاة ، حيث قلنا هناك : إنّ المستفاد من مثل صحيحة حمّاد أنّ الذكر إنّما يجب في السجدة الأُولى بعنوانها ، وكذا في السجدة الثانية بخصوصها ، لا في طبيعي السجود أينما سرى وإن اتّصف بعنوان الثالثة أو الرابعة ، وهكذا.

ومن الواضح أنّ من رفع رأسه عن السجدتين ناسياً للذكر فيهما أو في إحداهما فقد تحقّقت منه السجدة الأُولى والثانية بعنوانهما ، ولا يمكن التدارك لامتناع انقلاب الشي‌ء عمّا وقع عليه ، فلو أعاد فقد أتى بالذكر في السجدة الثالثة أو الرابعة التي هي مغايرة للمأمور به ، ولازم ذلك فوات محلّ التدارك كما عرفت.

وعلى ضوء هذا البيان نقول في المقام أيضاً : إنّ المستفاد من الأدلّة وجوب الذكر في السجدتين اللّتين يتعقّبهما التشهّد أعني السجدة الأُولى وكذا الثانية بعنوانهما ، وقد فات هذا المحلّ بتحقّق السجدتين خارجاً ، فلو أعاد فقد وقع الذكر في سجود آخر مغاير مع المأمور به ، وقد عرفت عدم وجوب الذكر في طبيعي السجود ، بل في خصوص السجدتين المرغمتين المفروض تحقّقهما خارجاً غير الممكن للتدارك ، لامتناع انقلاب الشي‌ء عمّا وقع عليه. فالأقوى عدم

__________________

(*) لا يترك.

(١) في ص ١٠٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

وجوب الإعادة ، وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

تذييل : لم يتعرّض الماتن (قدس سره) لبيان محلّ السجدتين ، ويجدر بنا البحث عن ذلك تتميماً للفائدة فنقول :

قال المحقّق (قدس سره) في الشرائع (١) : ومحلّهما بعد التسليم. وهذا هو المعروف المشهور بين أصحابنا شهرة كادت تكون إجماعاً ، قال (قدس سره) : وقيل قبله. ولكنّ هذا القائل غير معلوم من أصحابنا ، بل صرّح غير واحد بعدم العثور عليه ، نعم هو منسوب إلى بعض العامّة كالشافعي وغيره (٢) ، لكن المحقّق غير ناظر إليه كما هو ظاهر.

ثمّ نقل (قدس سره) قولاً آخر ، قال : وقيل بالتفصيل. أي بين ما تسبّب عن النقص فالمحلّ قبل السلام ، وما كان لأجل الزيادة فالمحلّ بعده ، وقد نسبه العلّامة في المختلف إلى ابن الجنيد (٣) ، ولكنّ الشهيد في الذكرى أنكر هذه النسبة (٤) كما نقل عنه في الحدائق (٥) وأنّ عبارته خالية عن التصريح بهذا التفصيل ، نعم هو مذهب أبي حنيفة (٦) ومالك (٧) من العامّة.

واستظهر صاحب الحدائق أن يكون منشأ النسبة الصادرة من العلّامة اشتهار

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٤١.

(٢) المغني ١ : ٧١٠ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٤ ، الام ١ : ١٣٠.

(٣) المختلف ٢ : ٤٢٦ المسألة ٢٩٩.

(٤) الذكرى ٤ : ٩٣.

(٥) الحدائق ٩ : ٣٢٩.

(٦) [لاحظ المجموع ٤ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ١٨١ ، المحلّى ٤ : ١٧١ ، فانّ المحكي عنه إما تعينه بعد السلام مطلقاً أو كونه الأولى].

(٧) المغني ١ : ٧١٠ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٤ ، المحلى ٤ : ١٧١.


.................................................................................................

______________________________________________________

النقل المزبور عن ابن الجنيد ، لا الوقوف عليه في كتابه.

وكيف ما كان ، فالمتّبع هو الدليل ، فقد وردت روايات مستفيضة وفيها الصحاح دلّت على أنّ موضع السجدتين بعد التسليم كصحيحة عبد الله بن سنان : «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمّ سلّم بعدهما» (١) ، ونحوها صحيحة أبي بصير وصحيحة الحلبي (٢) وصحيحة القدّاح : «سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام» (٣).

وأوضح من الكلّ صحيحة ابن الحجّاج الواردة في نفس هذا الموضوع سؤالاً وجواباً ، قال «قلت له : سجدتا السهو قبل التسليم هما أم بعد؟ قال : بعد» (٤) إلى غير ذلك من الأخبار.

وبإزائها روايتان : إحداهما رواية أبي الجارود ، قال «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : متى أسجد سجدتي السهو؟ قال : قبل التسليم ، فإنّك إذا سلّمت فقد ذهبت حرمة صلاتك» (٥).

ولكنّها كما ترى لا تصلح للمقاومة مع تلك النصوص المستفيضة المشهورة رواية وعملاً. على أنّ السند ضعيف ، ولا أقلّ من أجل ابن سنان الذي هو محمّد بن سنان بقرينة رواية أحمد بن محمّد عنه ، فلا يعتمد عليها. وعلى فرض الصدور واقعاً فهي محمولة على التقية ، لموافقتها مع فتوى جماعة من العامّة كما مرّ.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١ ، ٣ ، ٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١ ، ٣ ، ٤.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٠٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٣.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٠٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ١.

(٥) الوسائل ٨ : ٢٠٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية : صحيحة سعد بن سعد الأشعري المشتملة على التفصيل المطابق لفتوى مالك ، قال «قال الرضا (عليه السلام) : في سجدتي السهو إذا نقصت قبل التسليم ، وإذا زدت فبعده» (١).

أقول : لو كنّا نحن وهذه الصحيحة لكان مقتضى الصناعة مع الغضّ عن الإعراض أو الحمل على التقيّة ارتكاب التقييد في خصوص ما تضمّن الإطلاق من حيث الزيادة والنقصان من النصوص المتقدّمة لا جميعها ، جمعاً بينها وبين هذه الصحيحة.

فإنّ جملة منها وردت في الشكّ بين الأربع والخمس (٢) ، وبعضها في الدوران بين الزيادة والنقصان بنحو العلم الإجمالي كما في صحيحة الحلبي (٣) ، وكلاهما خارجان عن الموضوع الذي تعرّضت له الصحيحة من سجود السهو لنفس الزيادة أو النقيصة كالسلام الزائد أو السجدة الناقصة مثلاً.

وأمّا البعض الآخر المتضمّن للإطلاق من هذه الجهة كصحيحة ابن الحجاج ونحوها فهو قابل للتقييد بهذه الصحيحة ، بمقتضى الجمع العرفي وصناعة الإطلاق والتقييد.

ولكنّه لا يتمّ ، لورود الروايات الكثيرة في نسيان التشهّد الذي مورده النقص والتصريح فيها بالسجود بعد التسليم ، ولا مجال لارتكاب التخصيص في الصحيحة والالتزام بالقبلية في النقص الناشئ ممّا عدا نسيان التشهّد ، فإنّه مقطوع البطلان إذ لا قائل بالتفصيل بين التشهّد المنسي وبين غيره من سائر موارد النقص. فان

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١ ، ٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

ثبتت القبلية ففي الكلّ ، وإلّا ففي الكلّ أيضاً. فالتبعيض بين موارد النقص خرق للإجماع المركّب.

وعلى الجملة : فهذه الصحيحة معارضة لجميع النصوص الواردة في نسيان التشهّد ، فتسقط عن الحجّية ، لوضوح عدم صلوحها للمقاومة مع تلك النصوص الكثيرة المشهورة قديماً وحديثاً رواية وعملاً. وقد حملها الشيخ على التقية (١) ولا بأس به ، لمطابقتها مع فتوى مالك وأبي حنيفة كما مرّ.

إذن فالصحيح ما عليه المشهور من تأخّر محلّ السجدتين عن التسليم ، من غير فرق بين ما تسبّب عن الزيادة أو النقصان.

وبهذا ينتهي ما أردنا إيراده في هذا الجزء ، والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

ويليه الجزء السابع في فصل : (الشكوك التي لا اعتبار بها) إن شاء الله تعالى.

وكان الفراغ في يوم الثلاثاء الخامس من شهر صفر من السنة الثانية والتسعين بعد الألف والثلاثمائة من الهجرة النبويّة في جوار القبّة العلوية على صاحبهما أفضل الصلاة وأزكى التحيّة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٥ / ذيل ح ٧٧٠.


فهرس الموضوعات



فهرس الموضوعات

الموضوع

الصفحة

الصّلاة

فصل : في الخلل الواقع في الصلاة....................................... ١ ـ ١١٠

مناشئ الخلل ومتعلقه.......................................................... ١

منافاة الجزئية مع الاستحباب................................................... ٣

بطلان الصلاة بزيادة الجزء عمدا............................................... ٤

الإخلال العمدي من جهة النقيصة............................................ ١١

الإخلال بغير الأركان جهلا نقيصة وزيادة..................................... ١٣

بحث في حديث لا تعاد...................................................... ١٦

عموم البطلان بالزيادة العمدية للجزء المخالف للصلاة.......................... ٢٨

عموم البطلان بالزيادة العمدية لما إذا قصد بها الوجوب أو الندب................. ٣٠

زيادة القراءة والذكر لا بنية الجزئية........................................... ٣٢

الإخلال بالشروط سهوا..................................................... ٣٢

زيادة الركعة سهوا.......................................................... ٣٤

زيادة السجدتين سهوا....................................................... ٥٠

زيادة تكبيرة الإحرام سهوا................................................... ٥٠


زيادة النية سهوا............................................................ ٥٢

زيادة القيام سهوا........................................................... ٥٢

زيادة غير الأركان سهوا..................................................... ٥٢

الإتمام في موضع القصر نسيانا أو جهلا........................................ ٥٤

نسيان الركوع حتى الدخول في السجدة الثانية................................. ٥٥

نسيان الركوع والتذكر قبل الدخول في السجدة الثانية.......................... ٦١

نسيان السجدتين مما عدا الركعة الأخيرة....................................... ٦٥

نسيان سجدتي الركعة الأخيرة................................................ ٦٧

بطلان تكبيرة الإحرام....................................................... ٧١

نسيان القيام المتصل بالركوع................................................. ٧٥

نسيان الركعة الأخيرة والتذكر قبل التسليم.................................... ٧٥

نسيان الركعة الأخيرة والتذكر بعد التسليم وقبل فعل المنافي...................... ٧٦

نسيان الركعة الأخيرة والتذكر بعد التسليم وفعل النافي المبطل عمدا............... ٧٦

نيسان الركعة الأخيرة والتذكر بعد التسليم وفعل المنافي المبطل مطلقا.............. ٧٨

عموم الحكم المتقدم للرباعية وغيرها ولنسيان أزيد من ركعة..................... ٨٤

نسيان السجدة الواحدة...................................................... ٨٦

محل قضاء السجدة المنسية.................................................... ٩٢

نسيان التشهد الأول......................................................... ٩٤

وجوب سجدتي السهو للسجدة المنسية....................................... ١٠٠

تحديد محل التدارك للأجزاء المنسية........................................... ١٠١

نسيان الجهر والإخفات.................................................... ١٠٩


فصل : في الشك.................................................. ١١١ ـ ١٤٨

الشك في أصل الصلاة..................................................... ١١١

الشك في إتيان الصلاة خارج الوقت........................................ ١١٢

الشك في إتيان الصلاة في الوقت............................................ ١١٢

الشك في فعل السابقة من المترتبين في الوقت المشترك.......................... ١١٣

الشك في فعل السابقة من المترتبتين في الوقت المختص باللاحقة................. ١١٦

الشك في إتيان الصلاة وقد بقي من الوقت مقدار ركعة....................... ١١٨

الظن بفعل الصلاة......................................................... ١٢٠

الشك في بقاء الوقت...................................................... ١٢٠

الشك أثناء العصر في الإتيان بالظهر......................................... ١٢١

العلم بإتيان إحدى المترتبتين ولم يدر المعين منهما.............................. ١٢٢

الشك في الصلاة أثناء الوقت ثم نسيان فعلها................................. ١٢٤

حكم كثير الشك والوسواسي في أصل الصلاة................................ ١٢٥

الشك في شرائط الصلاة................................................... ١٢٨

الشك في أفعال الصلاة..................................................... ١٣٠

جريان قاعدة التجاوز في تمام الركعات....................................... ١٣١

جريان قاعدة التجاوز في الأجزاء المستقلة وغيرها.............................. ١٣٢

هل تجري القاعدة في الأجزاء المستحبة؟...................................... ١٣٣

هل تجري القاعدة لو شك في الجزء الواجب بعد الدخول في المستحب؟.......... ١٣٤

هل تجري القاعدة لو شك بعد الدخول في المقدمات؟.......................... ١٣٥

جريان القاعدة في صلاة المضطر............................................. ١٣٨

العبرة في جريان القاعدة بواقع التجاوز لا باعتقاده............................. ١٤٠

عدم اعتبار الدخول في الغير في جريان قاعدة الفراغ........................... ١٤١


الشك في التسليم.......................................................... ١٤٣

شك المأموم في تكبيرة الإحرام.............................................. ١٤٦

الشك في أنه هل شك في فعل سابقا أو هل سها فيه أو لا؟..................... ١٤٧

فصل : في الشك في الركعات....................................... ١٤٩ ـ ٢٧١

الشكوك المبطلة للصلاة.................................................... ١٤٩

الأول : الشك في الثنائية................................................... ١٤٩

الثاني : الشك في الثلاثة.................................................... ١٤٩

الثالث : الشك بين الواحدة والأزيد......................................... ١٥٥

الرابع : الشك بين الاثنين والأزيد قبل إكمال السجدتين...................... ١٦٢

بماذا يتحقق إكمال الركعة الثانية؟........................................... ١٦٤

الخامس : الشك بني الاثنتين والخمس أو الأزيد............................... ١٦٨

السادس : الشك بين الثلاث والست أو الأزيد............................... ١٧٦

السابع : الشك بين الأربع والست أو الأزيد................................. ١٧٦

الثامن : الشك بين الركعات بحيث لم يدر كم صلى.......................... ١٧٧

الشكوك الصحيحة........................................................ ١٧٨

الأول : الشك بين الاثنين والثلاث بعد إكمال السجدتين...................... ١٧٨

كيفية الاحتياط في الموارد المذكور........................................... ١٨٣

الثاني : الشك بين الثلاث والأربع........................................... ١٨٦

الثالث : الشك بني الاثنتين والأربع بعد إكمال السجدتين..................... ١٩٠

الرابع : الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد الإكمال...................... ١٩٤

الخامس : الشك بين الأربع والخمس بعد الإكمال............................ ١٩٨

السادس : الشك بين الأربع والخمس حال القيام.............................. ٢٠٠


السابع : الشك بين الثلاث والخمس حال القيام............................... ٢٠٠

الثامن : الشك بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام........................ ٢٠٠

التاسع : الشك بين الخمس والست حال القيام............................... ٢٠٠

الشكوك المركبة من شكين صحيحتين....................................... ٢٠٥

مقتضى الاحتياط في الشكوك المبطلة......................................... ٢٠٩

هل يجب التروي عند الشك؟............................................... ٢١١

عدم مبطلية الشك في الأوليين بمجرد حدوثه.................................. ٢١٢

بناء على عدم مبطلية الشك بمجرد حدوثه فهل يجب الانتظار إلى فوات الموالاة؟.. ٢١٣

هل يجب إبطال الصلاة لو أراد الإعادة قبل فوات الموالاة؟..................... ٢١٥

حجية الظن بعدد الركعات................................................. ٢١٧

حجية الظن في الركعتين الأخيرتين.......................................... ٢١٨

حجية الظن في الركعتين الأوليين............................................ ٢٢١

الشك في إكمال السجدتين فيما يعتبر فيه إكمالهما............................ ٢٢٤

بطلان الصلاة برجوع الشك الصحيح إلى المبطل كما لو شك بين الثلاث والأربع قائما ثم علم بفوات سجدة من الركعة السابقة......................................................................... ٢٢٧

انقلاب الشك إلى شك آخر أو ظن وبالعكس................................ ٢٢٨

التردد في أن الحالة الحاصلة بالفعل ظن أو شك............................... ٢٢٩

التردد في أن الحالة السابقة ظن أو شك...................................... ٢٣٥

التردد في أن الشك السابق موجب للبطلان أو البناء........................... ٢٣٧

الشك بعد الصلاة بعروض شك أثناءها يجهل كيفيته.......................... ٢٤٠

التردد بين الاثنتين والثلاث والشك في أنه حصل له ظن فعمل به أو شك فبنى عليه ٢٤٣


الجهل بحكم الشك العارض في الأثناء........................................ ٢٤٥

انقلاب الشك بعد الصلاة إلى شك آخر..................................... ٢٤٥

صور انقلاب الشك بعد الصلاة............................................. ٢٤٧

انقلاب الشك بين الثلاث والأربع أو بين الاثنتين والأربع بعد الفراغ إلى الثلاث والخمس أو الاثنتين والخمس    ٢٥٠

الشك بين الاثنتين والثلاث والبناء على الثلاث ثم الشك بين الثلاث البنائي والأربع ٢٥١

الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع ثم الظن بعدم الأربع....................... ٢٥١

الشك بين الاثنتين والثلاث والبناء على الثلاث والإتيان برابعة ثم اليقين بعدم الثلاث وانقلاب الشك السابق إلى ما بين الواحدة والثنتين......................................................................... ٢٥٢

عروض أحد الشكوك الصحيحة للمصلي جالسا.............................. ٢٥٤

قطع الصلاة في الشكوك الصحيحة.......................................... ٢٥٧

الغفلة عن الشك المبطل وإتمام الصلاة ثم تبين الموافقة للواقع..................... ٢٦٠

العلم بتبدل شكه إلى آخر لو انتقل إلى حالة أخرى في الصلاة.................. ٢٦٢

التأخير في التروي إلى أن يدخل في الجزء اللاحق.............................. ٢٦٤

الشك في صلاة القصر في مواطن التخيير..................................... ٢٦٥

موت المصلي قبل الإتيان بصلاة الاحتياط.................................... ٢٦٨

موت المصلي قبل الإتيان بالأجزاء المنسية..................................... ٢٧٠

فصل : في كيفية صلاة الاحتياط..................................... ٢٧٢ ـ ٣٠٦

كيفية صلاة الاحتياط من حيث الشرائط والأجزاء............................ ٢٧٢

رعاية جهتي الاستقلال والجزئية في صلاة الاحتياط............................ ٢٧٦

حقيقة صلاة الاحتياط من حيث الجزئية والاستقلال........................... ٢٧٧

وجوب سجود السهو لو تكلم ساهيا قبل صلاة الاحتياط...................... ٢٨١


الائتمام في صلاة الاحتياط.................................................. ٢٨٣

الإتيان بالمنافي قبل صلاة الاحتياط ثم تبين تمامية الصلاة........................ ٢٨٤

انكشاف تمامية الصلاة قبل صلاة الاحتياط................................... ٢٨٥

انكشاف تماميتها بعد صلاة الاحتياط أو أثناءها............................... ٢٨٥

تبين زيادة ركعة قبل أو بعد أو أثناء صلاة الاحتياط........................... ٢٨٦

تبين نقصان الصلاة بعد صلاة الاحتياط...................................... ٢٨٧

تبين النقص أو الزيادة بعد صلاة الاحتياط أكثر مما كان محتملا................. ٢٨٨

انكشاف النقصان قبل الشروع في صلاة الاحتياط............................ ٢٩٠

انكشاف النقصان أثناء صلاة الاحتياط...................................... ٢٩١

زيادة ركعة أو ركن في صلاة الاحتياط...................................... ٢٩٨

الشك في فعل من أفعالها.................................................... ٢٩٩

الشك في حدوث شك موجب لصلاة الاحتياط............................... ٢٩٩

الشك في عدد ركعاتها..................................................... ٣٠٠

سجود السهو لزيادة فعل أو نقيصته فيها..................................... ٣٠٢

الشك في شرط أو جزء منها بعد السلام..................................... ٣٠٣

نسيان صلاة الاحتياط وتذكرها أثناء صلاة أخرى............................ ٣٠٤

نسيان سجدة أو تشهد من صلاة الاحتياط................................... ٣٠٦

فصل : في حكم قضاء الأجزاء المنسية............................... ٣٠٧ ـ ٣٣٧

نسيان السجدة من الركعة الأخيرة أو التشهد الأخيرتين........................ ٣٠٩

نسيان السجدة من سائر الركعات أو التشهد الأول........................... ٣١٠

نسيان الذكر أو غيره مما يجب في السجود.................................... ٣١٤

نسيان بعض أجزاء التشهد القضائي......................................... ٣١٤


حكم القضاء لو تعدد نسيان السجدة أو التشهد.............................. ٣١٥

هل يجب تقديم السابق في الفوات لو كان عليه قضاء سجدة وتشهد؟........... ٣١٦

الشك في السابق فواتا فيما لو نسي سجدة وتشهدا............................ ٣١٧

الشك في أنه نسي أحدهما أو لا؟........................................... ٣١٨

الشك في تدارك الجزء المنسي............................................... ٣١٩

حكم ما لو كان عليه صلاة الاحتياط وقضاء سجدة وتشهد.................... ٣٢٠

تأخير سجود السهو عن صلاة الاحتياط وقضاء المنسي........................ ٣٢١

نسيان الذكر أو بعض ما يجب في سجدة القضاء.............................. ٣٢٢

عدم وجوب السلام في التشهد القضائي...................................... ٣٢٤

عدم الفرق بين الركعتين الأولتين والأخيرتين في قضاء السجدة................. ٣٢٦

اعتقاد نسيان السجدة أو التشهد في الأثناء ثم انقلابه شكا بعد الصلاة........... ٣٢٧

الشك في إتيان قضاء أحدهما لو كان واجبا................................... ٣٢٩

الشك في أن الفائت سجدة أو سجدتين من ركعتين........................... ٣٣٠

الشك في كون الفائت سجدة أو غيرها مما لا يجب قضاؤه..................... ٣٣١

تذكر نسيان قضاء أحدهما بعد الدخول في النافلة............................. ٣٣٢

تذكر نسيان قضاء أحدهما بعد الدخول في الفريضة........................... ٣٣٤

لو كان عليه قضاء أحدهما في الظهر وضاق وقت العصر....................... ٣٣٥

لو كان عليه صلاة الاحتياط للظهر وضاق وقت العصر........................ ٣٣٧

فصل : في موجبات سجود السهو وكيفيته وأحكامه.................. ٣٣٨ ـ ٤٠٩

موجبات سجود السهود................................................... ٣٣٨

الأول : الكلام سهوا...................................................... ٣٣٨

اختصاص الكلام بغير القرآن والذكر........................................ ٣٤٤

تحقق الكلام الموجب لسجود السهو بحرف واحد في أي لغة كان............... ٣٤٤


حكم القرآن بتخيل أنه قرآن أو ذكر........................................ ٣٤٥

حكم الحرف الخارج من التنحنح والتأوه والأنين.............................. ٣٤٦

الثاني : السلام في غير موقعه ساهيا.......................................... ٣٤٧

عموم الحكم سواء كان السلام بقصد الخروج أم لم يكن....................... ٣٤٩

اختصاص الحكم بإحدى الصيغتين الأخيرتين من السلام....................... ٣٥٠

هل يشمل الحكم ببعض إحدى الصيغتين؟................................... ٣٥١

الثالث : نسيان السجدة الواحدة............................................ ٣٥٣

الرابع : نسيان التشهد أو بعضه............................................. ٣٥٦

الخامس : الشك بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين.................... ٣٥٨

السادس : القيام في موضع القعود أو العكس.................................. ٣٥٨

هل يجب سجود السهو لكل زيادة ونقيصة؟.................................. ٣٦١

بحث في مراسيل ابن أبي عمير............................................... ٣٦٢

بحث في حجية ما يرويه أصحاب الإجماع.................................... ٣٦٤

النقيصة مع التدارك لا توجب السجود...................................... ٣٦٨

هل يجب سجود السهود بزيادة المستحبات ونقيصتها؟......................... ٣٦٨

الشك في الزيادة أو النقيصة هل يوجب السجود؟............................. ٣٧٠

تكرر سجود السهو بتكرر موجبه........................................... ٣٧٤

تعدد الموجب من نوعين أو نوع واحد....................................... ٣٧٥

تكرر السجود إذا نسي سجدة فتذكرها قبل الركوع بعد تكبيره............... ٣٧٧

عدم وجوب تعيين السبب ولا الترتيب مع التعدد............................. ٣٧٨

السجود لأجل الكلام فينكشف أن الموجب غيره............................. ٣٧٨

سجود السهو واجب فوري................................................ ٣٨٠

المبادرة إلى السجود فورا ففورا لو لم يأت به.................................. ٣٨٣

وجوب سجدتي السهو نفسي لا غيري....................................... ٣٨٤


كيفية سجود السهو....................................................... ٣٨٦

اعتبار النية ووضع الجبهة على ما يصح السجود عليه.......................... ٣٨٦

هل يعتبر الذكر في سجود السهو؟.......................................... ٣٨٧

هل يعتبر ذكر خاص فيه؟.................................................. ٣٨٨

اعتبار التشهد الصلاتي فيه.................................................. ٣٩٤

عدم وجوب التكبير في سجود السهو........................................ ٣٩٦

هل يعتبر في سجود السهو ما يعتبر في سجود الصلاة.......................... ٣٩٧

الشك في تحقق موجب السجود............................................. ٣٩٩

الشك في الإتيان بالسجود بعد العلم بموجبه.................................. ٤٠٠

اعتقاد وجود الموجب ثم الشك فيه بعد الصلاة................................ ٤٠١

تردد الموجب بين الأقل والأكثر............................................. ٤٠٢

العلم بنسيان جزء من الصلاة والشك بعد السلام في أنه تداركه أو لا؟.......... ٤٠٢

الشك في فعل من أفعال السجود............................................ ٤٠٤

الشك في أنه سجد واحدة أو اثنتين.......................................... ٤٠٤

زيادة سجدة في سجود السهو أو نقيصتها.................................... ٤٠٤

نسيان ذكر سجود السهو.................................................. ٤٠٥

تحديد محل السجود........................................................ ٤٠٦

خاتمة الكتاب............................................................. ٤١٠

فهرس الموضوعات................................................. ٤١١ ـ ٤٢٢

المستند في شرح العروة الوثقى - ١٨

المؤلف:
الصفحات: 422