بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كلمة الناشر :

(رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ، رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ ، رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ ، إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ... وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ).

آل عمران ـ ١٩٣ ـ ١٩٥

الحمد لله المحمود بكل لسان ، المعبود فى كل زمان ، الذي لا يخلو من علمه مكان ولا يشغله شان عن شان ، جل عن الأشباه والأنداد ، وتنزه عن الصاحبة والأولاد ، أنزل على رسله كتبه ، وشرع الوسائل لنعمه الحسان ، فأظهر الحق ، وأزهق الباطل وأنزل القرآن رحمة للناس ، فاختص به أشرف خلقه وأفضلهم ، سيد الأولين والآخرين ، المبعوث من عدنان ، الرضى الأحكم ، والإمام الأقوم ، والرسول الأعظم للإنس والجان ، سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله ، وأصحابه ، وأنصاره صلاة تبلغهم أعلى الجنان فى دار الأمان.

وكما اختار ـ سبحانه ـ من خلقه لتبليغ رسالاته رسلا كذلك اختص من خلفه أئمة أفذاذا منّ عليهم بعقول جبارة جمعوا بها بين العلم والعمل ، والورع والتقوى فتفانوا فى تفسير كتابه الكريم ، وبيان أحكامه ، فبحثوا الناسخ والمنسوخ من آياته النيرة ، وأحكامه الباهرة ، فاستنبطوا منها الأحكام الصالحة لبنى الإنسان مدى الدهور والأزمان


فمن أولئك الأئمة الكرام ، الإمام الأكبر ، والمجتهد الأعظم ، محمد بن إدريس الشافعي ابن عم رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ الذي يلتقى معه فى عبد مناف. فاستخرج من القرآن الكريم ، والحديث النبوي الشريف ، أدلة أحكام مذهبه رضى الله تعالى عنه وبوأه المكان اللائق به فى أعلى الجنان.

هذا وإنى أثناء انكبابى على مراجعة «ترتيب» مسند هذا الإمام الجليل ، واشتغالي بنشره ، عثرت على كتاب عظيم القدر ، جم الفائدة ، غزير المادة ، درة نفيسة من الدرر العلمية ، ألا وهو «أحكام القرآن» للامام للشافعى رضى الله عنه. جمعه فخر رجال السنة الإمام البيهقي ، فاعتزمت نشره ، وضمه إلى مجموعتنا من الكتب النادرة مستعينا بالله سبحانه وتعالى ، وذلك بالرغم مما هى عليه حالة سوق الورق من الأزمة وارتفاع الأسعار ، فراجعت نسختى على نسخة مخطوطة محفوظة بدار الكتب الملكية المصرية بالقاهرة تحت رقم ٧١٥ مجاميع طلعت.

وكان فضل العثور على هذه النسخة القيمة النادرة لحضرة الأخ الأديب البحاثة الفاضل الأستاذ فؤاد أفندى السيد الموظف بقسم الفهارس العربية بدار الكتب الملكية المصرية فجزاه الله عن العلم وأهله خير الجزاء. ثم بعد إتمامى مراجعة النسخة المذكورة دفعتها إلى أستاذنا وملاذنا مولانا العلامة القدير ، والمحدّث الكبير ، بقية السلف الصالح ، شيخ شيوخ هذا العصر بلا منازع ، صاحب الفضيلة الشيخ محمد زاهد ابن الحسن الكوثرى وكيل المشيخة الإسلامية فى الخلافة العثمانية سابقا ، ونزيل القاهرة الآن ، ليتكرم وينظر فيها بقدر ما تسمح له صحته الغالية فأجابنى ـ حفظه الله ـ إلى مطلبى ، ونظر فيها بقدر ما سمحت له صحته ، وكتب لها تقدمة علمية نفيسة فجزاه الله عن العلم وخدامه خير الجزاء ، وأدام عليه نعمة الصحة والعافية ، ثم استعنت على مراجعتهما أيضا بحضرة صاحب الفضيلة خادم السنة الشريفة الشيخ عبد الغنى عبد الخالق من علماء الأزهر ، والمدرس بكلية الشريعة بالأزهر الشريف ، فنظر فيها فضيلته وأولاها عنايته ، فأصبحت ولله الحمد إن لم تكن بالغة غاية الكمال فهى مصححة التصحيح التام.

هذا ومما زادنى تشجيعا على طبعها ونشرها مع غيرها من الكتب النادرة هو ما تلقاه مطبوعاتنا من العناية الفائقة من رجال العلم والبحث ومحبى الإطلاع على


نوادر المخطوطات العلمية ودرسها أمثال : أصحاب السعادة والعزة على باشا عبد الرازق ، عميد آل عبد الرازق الكرام ، والمشرع الكبير محمود بك السبع المستشار السابق لدى المحاكم الوطنية العليا المصرية ، والأمير الاى محمد بك يوسف مدير الشئون العربية بالقاهرة صاحب المكانة السامية فى الأقطار الإسلامية والعربية ، والشاعر الناثر الحسيب النسيب البحاثة الأستاذ أحمد خيرى ، من أعيان البحيرة والمربى الكبير محمد ابراهيم مروان بك ناظر مدرسة المعلمين بالقاهرة ، والأديب الكبير السيد عبد القوى الحلبي ، والأستاذ الدكتور محمد صادق ، والبحاثة الأستاذ محمد بن تاويت المعروف بالطنجي محقق «رحلة ابن خلدون» وغيرها من الكتب المفيدة ـ وغيرهم من ذوى المكانة والفضل فجزاهم الله على اهتمامهم بمطبوعاتنا النادرة من تراثنا الإسلامى العربي القديم وتشجيعهم لنا خير الجزاء.

ثم اننى ارتأيت أنه من الواجب علىّ أن أسجل على صفحات هذا الكتاب ترجمة وجيزة لإمامنا الشافعي رضى الله عنه وذلك على سبيل حصول البركة لأن ترجمته ترجمة وافية تستدعى كتابة عشرات المجلدات الضخمة لاوريقات صغيرة فأقول :

اسمه ونسبه وولادته :

هو الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس ، بن العباس ، بن شافع ، بن السائب ، بن عبيد ، بن عبد يزيد ، بن هاشم ، بن عبد المطلب ، بن مناف ، بن قصى ، القرشي المطلبي الشافعي الحجازي المكي ، ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلتقى ، معه فى عبد مناف. ولد بغزة سنة ١٥٠ وقبل بعسقلان ، وهما من الأرض المقدسة ، ثم حمل إلى مكة وهو ابن سنتين.

نشأته :

نشأ ـ رضى الله عنه ـ يتيما فى حجر أمه فى قلة عيش ، وضيق حال ، وكان فى صباه يجالس العلماء ، ويكتب ما يستفيده فى العظام ونحوها.

روى عن مصعب بن عبد الله الزبيري أنه قال : كان الشافعي فى ابتداء


أمره يطلب الشعر وأيام العرب والأدب ، ثم أخذ فى الفقه. قال : وكان سبب أخذه فيه أنه كان يسير يوما على دابة له ، وخلفه كاتب لأبى ، فتمثل الشافعي ببيت شعر فقرعه كاتب أبى بسوطه ثم قال له : مثلك يذهب بمروءته فى مثل هذا أين أنت من الفقه؟ فهزه ذلك ، فقصد مجالسة مسلم بن خالد الزنجي مفتى مكة ، ثم قدم علينا يعنى «المدينة المنورة» فلزم مالكا رحمه الله.

قال الشافعي : كنت أنظر فى الشعر فارتقيت عقبة بمنى ، فإذا صوت من خلفى يقول : عليك بالفقه. وعن الحميدي قال : قال الشافعي : خرجت أطلب النحو والأدب ، فلقينى مسلم بن خالد الزنجي فقال يا فتى : من أين أنت؟ قلت : من أهل مكة. قال : أين منزلك؟ قلت : بشعب الخيف. قال : من أي قبيلة أنت؟ قلت : من عبد مناف. فقال : بخ ، بخ : لقد شرفك الله فى الدنيا والآخرة. ألا جعلت فهمك هذا فى الفقه فكان أحسن بك؟

شيوخه ، ورحلته إلى العراق : ـ

أخذ الشافعي الفقه عن مسلم بن خالد الزنجي ، وغيره من أئمة مكة ، ثم رحل إلى المدينة المنورة ، فتلمذ على أبى عبد الله مالك بن أنس رضى الله عنه ، فأكرمه مالك ، وعامله ـ لنسبه وعلمه وفهمه ، وعقله ، وأدبه ـ بما هو اللائق بهما. وقرأ الموطأ على مالك حفظا ، فأعجبته قراءته ، فكان مالك يستزيده من القراءة لإعجابه بقراءته ، وكان سن الشافعي حين اتصل بمالك ثلاث عشرة سنة ، ثم ولى باليمن ، واشتهر بحسن السيرة ، ثم رحل إلى العراق ، وجد فى الاشتغال بالعلم ، وناظر محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان وغيره ، ونشر علم الحديث وأقام مذهب أهله ، ونصر السنة ، وشاع ذكره وفضله ، وتزايد تزايدا ملأ البقاع فطلب منه عبد الرحمن ابن مهدى إمام أهل الحديث فى عصره ، أن يصنف كتابا فى أصول الفقه. وكان عبد الرحمن هذا ويحيى بن سعيد القطان يعجبان بعلمه ، وكان القطان وأحمد بن حنبل يدعوان للشافعى ـ رضى الله عنهم أجمعين ـ فى صلاتهما لما رأيا من اهتمامه بإقامة الدين ونصر السنة.


قدومه لمصر وتصنيفه للكتب :

قال حرملة بن يحيى : قدم الشافعي مصر سنة تسع وتسعين ومائة. وقال الربيع سنة مائتين. فصنف كتبه الجديدة كلها بمصر ، وسار ذكره فى البلدان ، وقصده الناس من الشام ، واليمن ، والعراق ، وسائر الأقطار للتفقه عليه والرواية عنه ، وسماع كتبه منه وأخذها عنه. قال الإمام أبو الحسين محمد بن جعفر الرازي : سمعت أبا عمر ، وأحمد بن على بن الحسن البصري ، قالا : سمعنا أحمد بن سفيان الطرائفى البغدادي يقول : سمعت الربيع بن سليمان يوما وقد حط على باب داره تسعمائة راحلة فى سماع كتب الشافعي.

مؤلفاته :

للشافعى مؤلفات كثيرة منها : «الأم طبع فى سبعة أجزاء كبيرة» ، و «جامعى المزني» الكبير والصغير. و «مختصريه» و «مختصر الربيع» و «مختصر البويطى» وكتاب «حرملة» وكتاب «الحجة» وهو القديم. و «الرسالة الجديدة والقديمة» و «الأمالى» و «الإملاء» وغير ذلك مما هو معروف. وقد ذكرها البيهقي جامع هذا الكتاب فى كتابه «مناقب الشافعي».

قال القاضي الإمام أبو الحسن بن محمد المروزي : قيل إن الشافعي رحمه الله صنف مائة وثلاثة عشر كتابا فى التفسير والفقه والأدب وغير ذلك.

تواضعه وشفقته :

قال الساجي فى أول كتابه فى الاختلاف : سمعت الربيع يقول : سمعت الشافعي يقول : وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على إن لا ينسب إلىّ منه حرف. قال النووي : فهذا إسناد لا يمارى فى صحته.

وقال الشافعي رحمه الله : وددت ـ إذا ناظرت أحدا ـ أن يظهر الله الحق على يديه.

ونظائر هذا كثيرة مشهورة. ومن ذلك مبالغته فى الشفقة على المتعلمين ونصيحته


لله وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم. وذلك هو الدين كما صح عن سيد المرسلين صلّى الله عليه وسلّم.

سخاء الشافعي :

قال الحميدي : قدم الشافعي من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف دينار فضرب خباؤه خارجا من مكة فكان الناس يأتونه فما برح حتى فرقها. وقال عمرو بن سواد : كان الشافعي أسخى الناس بالدينار ، والدرهم ، والطعام.

وقال البويطى : قدم الشافعي مصر وكانت زبيدة ترسل إليه برزم الثياب والوشي فيقسمها بين الناس. وقال الربيع : كان الشافعي راكبا على حمار فمر على سوق الحدادين فسقط سوطه من يده فوثب إنسان فمسكه بكفه وناوله إياه فقال لغلامه : ادفع إليه الدنانير التي معك فما أدرى أكانت سبعة أو تسعة ، قال : وكنا يوما مع الشافعي فانقطع شسع نعله ، فاصلحه له رجل ، فقال يا ربيع : أمعنا من نفقتنا شىء؟ قلت : نعم. قال : كم؟ قلت : سبعة دنانير. قال : ادفعها إليه.

قال أبو سعيد : كان الشافعي من أجود الناس وأسخاهم كفا ، كان يشترى الجارية الصناع التي تطبخ وتعمل الحلواء ويقول لنا اشتهوا ما احببتم فقد اشتريت جارية تحسن أن تعمل ما تريدون ، فيقول بعض أصحابنا : اعملي اليوم كذا. وكنا نحن نأمرها.

قال الربيع : كان الشافعي إذا سأله إنسان شيئا يحمار وجهه حياء من السائل ويبادر بإعطائه.

أقول : أين هذا السخاء وهذه الأخلاق من سخاء وأخلاق بعض علماء هذا العصر الذين جمعوا بين الشح وسوء الخلق ، وإيذاء الناس ، وحب الظهور على أكتاف غيرهم وإنزال «الضرر والضرار» بالمسلمين ، مؤثرين مصالحهم الشخصية ، على مصالح غيرهم ، غير حاسبين أي حساب ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وأيضا أقول لمن يقلدون مذهب هذا الامام العظيم أن يتشبهوا بأخلاقه قبل أن يظهروا التصوف بخفض أصواتهم والتقرب من العلماء الأعلام بإظهار الورع والتقوى ، والإيقاع بين الناس بالدس والخديعة (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) .... الآية


وأيضا اقتنائهم الكتب بالغش والتحايل مماطلين بدفع أثمانها ثم إعادتها لأصاحبها بعد شهور عدة. فليقلعوا عن هذه العادات القبيحة التي تزرى بالمدعين الانتساب إلى العلم ، وإلا اضطررنا بعد هذه الإشارة إلى ذكر أسمائهم والتنبيه عليهم حتى لا يقع الناس فى شراك تحايلهم وأعمالهم البعيدة عن كل عفة وشرف.

نعود إلى ترجمة إمامنا العظيم فنقول :

شهادة الأئمة للشافعى

قال مالك بن أنس ـ رضى الله عنه ـ للشافعى : إن الله عز وجل قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بالمعصية ، وقال شيخه سفيان بن عيينة ـ وقد قرأ عليه حديث فى الرقائق ، فغشى على الشافعي فقيل قد مات الشافعي ، فقال سفيان : إن كان قد مات فقد مات أفضل أهل زمانه.

وقال أحمد بن محمد بن بنت الشافعي : سمعت أبى وعمى يقولان : كان ابن عيينة إذا سئل عن شىء من التفسير والفتيا ، التفت إلى الشافعي وقال : سلوا هذا.

قال الحميدي صاحب سفيان : كان سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد ، وسعيد بن سالم ، وعبد الحميد بن عبد العزيز ، وشيوخ مكة يصفون الشافعي ويعرفونه من صغره مقدما عندهم بالذكاء والعقل والصيانة ، ويقولون لم نعرف له صبوة.

وقال يحيى بن سعيد القطان إمام المحدثين فى زمانه : أنا أدعوا الله للشافعى فى صلاتى من أربع سنين. وقال القطان حين عرض عليه كتاب الرسالة : ما رأيت أعقل أو أفقه منه.

وقال أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدى المقدم فى عصره فى علمى الحديث والفقه حين جاءته رسالة الشافعي وكان طلب من الشافعي أن يصنف كتاب الرسالة فأثنى عليه ثناء جميلا وأعجب بالرسالة إعجابا كبيرا وقال : ما أصلى صلاة إلا أدعو للشافعى.

وبعث أبو يوسف القاضي إلى الشافعي حين خرج من عند هارون الرشيد يقرئه السلام ويقول : صنف الكتب ، فانك أولى من يصنف فى هذا الزمان.


وقال أبو حسان : ما رأيت محمد بن الحسن الشيباني يعظم أحدا من أهل العلم تعظيمه للشافعى رحمه الله ، وقال أيوب بن سويد وهو أحد شيوخ الشافعي ومات قبل الشافعي بإحدى عشرة سنة : ما ظننت انى أعيش حتى أرى مثل الشافعي.

وقال أحمد بن حنبل ـ وقد سئل عن الشافعي. لقد من الله به علينا ، لقد كنا تعلمنا كلام القوم ، وكتبنا كتبهم ، حتى قدم علينا الشافعي فلما سمعنا كلامه علمنا أنه أعلم من غيره ، وقد جالسناه الأيام والليالى فما رأينا منه إلا كل خير.

وقال أيضا : ما تكلم فى العلم أقل خطأ ولا أشد أخذا بسنة النبي صلّى الله عليه وسلّم من الشافعي. وقال : إذا جاءت المسألة ليس فيها أثر فافت بقول الشافعي. وقال : ما من أحد مس بيده محبرة وقلما الا وللشافعى فى عنقه منه.

وقال أحمد لاسحاق بن راهويه : تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله. يعنى الشافعي رضى الله عنه. وقال أحمد : كان الفقه قفلا على أهله حتى فتحه الله بالشافعي.

وقال داوود بن على الظاهري : كان الشافعي رضى الله عنه سراجا لحملة الآثار ونقلة الأخبار ومن تعلق بشىء من بيانه صار محجاجا.

وقال الحافظ : نظرت فى كتب هؤلاء المتابعة فلم أر أحسن تأليفا من الشافعي.

هذا ، وأقوال السلف فى مدحه غير محصورة.

سماته رضى الله عنه :

كان رضى الله عنه يخضب لحيته بالحناء ، وتارة بصفرة اتباعا للسنة ، وكان طويلا سائل الخدين ، قليل لحم الوجه ، خفيف العارضين ، طويل العنق ، طويل القصب «أي عظم العضد والفخذ والساق فكل عظم منها قصبة» حسن الصوت ، حسن السمت ، عظيم العقل ، حسن الوجه ، حسن الخلق ، مهيبا ، فصيحا ، إذا أخرج لسانه بلغ أنفه وكان كثير الأسقام ، وقال يونس بن عبد الأعلى : ما رأيت أحدا لقى من السقم ما لقى الشافعي.

وقال الربيع : كان الشافعي حسن الوجه ، حسن الخلق ، محببا الى كل من كان بمصر فى وقته من الفقهاء والنبلاء ، والأمراء كلهم يجل الشافعي ويعظمه. وكان مقتصدا فى لباسه ، ويتختم فى يساره ، نقش خاتمة «كفى بالله ثقة لمحمد بن إدريس» ، وكان ذا معرفة تامة بالطب ، والرمي ، حتى كان يصيب عشرة من عشرة ، وكان أشجع الناس وأفرسهم


يأخذ بإذنه واذن الفرس والفرس يعدو ، وكان ذا معرفة بالفراسة وكان مع حسن خلقه مهيبا حتى قال الربيع ، وهو صاحبه وخادمه : والله ما اجترأت أن أشرب والشافعي ينظر الىّ هيبة له.

وفاته :

قال الربيع : توفى الشافعي رحمه الله تعالى ليلة الجمعة بعد المغرب ، وأنا عنده ودفن بعد العصر يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين. وقبره رحمه الله تعالى بمصر عليه من الجلالة ، وله من الاحترام ما هو لائق بمنصب ذلك الامام.

وقال الربيع : رأيت فى النوم أن آدم عليه السلام مات ، فسألت عن ذلك ، فقيل هذا موت أعلم أهل الأرض لأن الله تعالى علم آدم الأسماء كلها فما كان إلا يسير حتى مات الشافعي : ورأى غيره ليلة مات الشافعي قائلا يقول : الليلة مات النبي صلى الله عليه وسلم وحزن الناس لموته الحزن الذي يوازى رزيتهم به رضى الله عنه وأرضاه وأكرم نزله ومثواه.

هذا وأننى اختتم هذه الكلمة بالتضرع إلى الله ـ جل وعلا ـ أن يرحمنا ويغفر لنا ذنوبنا ، ويثبت أقدامنا ، ويسبغ رحمته وغفرانه علينا وعلى والدينا ومشايخنا والمسلمين والمسلمات بمنه وكرمه. وأن يتقبل منى ما أنشره من كتب السنة خالصا لوجهه الكريم إنه سميع الدعاء.

(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) كتبه ناشر الكتاب ، الفقير إلى الله سبحانه وتعالى ، راجى عفوه وغفرانه أبو أسامة السيد عزت ابن المرحوم السيد أمين ابن المرحوم محدث الديار الشامية ، وبدر بدور البلدة الدمشقية ، الحاوي لمرتبتى المعقول والمنقول ، الحائز لفضيلتى الفروع والأصول العالم العلامة المرحوم السيد سليم العطار الدمشقي ابن المرحوم السيد ياسين ابن شيخ فقهاء الديار الشامية ومحدثيها المحدّث الكبير السيد حامد ابن الشهاب أحمد العطار الحمصي الأصل الدمشقي الموطن.

ذو القعدة من سنة ١٣٧٠

اغسطس من سنة ١٩٥١


بسم الله الرّحمن الرّحيم

كلمة عن أحكام القرآن

جمع الحافظ البيهقي من نصوص الإمام الشافعي

رضى الله عنهما

الحمد لله منزل الكتاب ، الهادي إلى الصواب. والصلاة والسلام على خير من أوتى الحكمة وفصل الخطاب ، سيدنا محمد وآله وصحبه البررة الأنجاب. وبعد : فإن خاتم كتب الله المنزلة على أنبيائه المرسلين. خص به خاتم رسل الله صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. وقد حوى من علوم الهداية ما لا يتصور المزيد عليه ، حتى استنهض همم علماء هذه الأمة ، فى التوسع فى تبيين تلك العلوم من ثنايا القرآن الكريم ، فألفوا كتبا فاخرة فى تفسير الذكر الحكيم ، على مناهج من الرواية والدراية ، وعلى أنحاء من وجوه العناية ، فمنهم من عنى بغريب القرآن ، فألف فى تبيين مفردات القرآن كتبا عظيمة النفع ، ومنهم من اهتم بمشكل الإعراب ، فتوسع فى تبيين وجوه الإعراب على لهجات شتى القبائل العربية ، ومنهم من نحا نحو توجيه وجوه القراءات المروية تواترا. وشواذ القراءات المروية فى صدد التفسير ، ومنهم من ألف فى مشكل معانى القرآن وأجاد ، ومنهم من خدم آيات المواعظ والأخلاق ، ومنهم من شرح آيات التوحيد والصفات ، ومنهم من أوضح آيات الأحكام ، فى الحلال والحرام ، ومنهم من خص جدل القرآن بالتأليف ، إلى غير ذلك من علوم أشار إليها كل من ألف فى علوم القرآن من العلماء الأجلاء ، ولا سيما ابن عقيلة المكي فى كتابه (١) «الزيادة والإحسان فى علوم القرآن» ومنهم من سعى فى جمع

__________________

(١) به هذب الإتقان وزاد فى علومه قدر نصفه وهو محفوظ فى مكتبة على باشا الحكيم فى استنبول (ز)


هذه النواحي فى صعيد واحد ، فأصبح مؤلفه ضخما فخما تبلغ مجلداته مائة مجلد وأكثر. فكتاب «المختزن» فى تفسير القرآن الكريم للإمام أبى الحسن الأشعري أقل ما قيل فيه أنه فى سبعين مجلدا كما يقوله المقريزى ، ويقول أبو بكر بن العربي انه فى خمسمائة مجلد ـ وهذا مما يختلف باختلاف الحجم والخط ـ وتفسير «أنوار الفجر» لأبى بكر ابن العربي فى ثمانين ألف ورقة ، فلا يقل عن ثمانين مجلدا ضخما ، وتفسير الحافظ أبى حفص بن شاهين فى ألف جزء حديثى ، وتفسير «حدائق ذات بهجة» لأبى يوسف عبد السلام القزويني الحنفي وأقل ما قيل فيه أنه فى ثلاثمائة مجلد ، وكان مؤلفه وقف النسخة الوحيدة من هذا التأليف العظيم لمسجد أبى حنيفة ببغداد فضاعت عند استيلاء هلاكو ، ويقول الأستاذ البحاثة السيد عبد العزيز الميمنى الهندي أنه رأى جزءا منه فى إحدى فهارس الخزانات ، وتفسير أبى على الجبائي ، وتفسير القاضي عبد الجبار ، وتفسير ابن النقيب المقدسي ، وتفسير محمد الزاهد البخاري كل واحد منها فى مائة مجلد ـ والأخيران حنفيان ـ وتفسير «فتح المنان» للقطب الشيرازي الشافعي فى ستين مجلدا وهو محفوظ فى خزانتى على باشا الحكيم ومحمد أسعد فى الآستانة ، وتفسير ابن فرح القرطبي المالكي فى عشرين مجلدا ، وأما ما يبلغ عشرة مجلدات ونحوها من التفاسير فخارج عن حد الإحصاء ، وأما من اختط لنفسه أن يبين ناحية خاصة من القرآن فيكون عمله أتم فائدة ، وليس الخبر كالمعاينة ، ومن جمع بين علوم الراوية والدراية يكون بيانه أوثق ، وبالتعويل أحق ، ومن يكون مقصرا فى شىء منها يكون التقصير باديا فى بيانه مهما خلع عليه من ألقاب العلم.

ولأئمة الاجتهاد رضى الله عنهم استنباطات دقيقة من آيات الأحكام ؛ بها تظهر منازلهم فى الغوص ، وبها يتدرج المتفقهون على مدارج الفقه ، فتجب العناية بها كل العناية لتثمر ثمرتها كما ينبغى

ولعلماء علم التوحيد أيضا استنباطات بديعة من آيات الذكر الحكيم فترى من يقول بوجوب معرفة توحيد الله بالعقل ، يحتج بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) لإطلاق الآية وخلوها عن قيد بلوغ خبر الرسول فيكون آثما بالشرك إثما غير معفو عنه مطلقا بلغه خبر الرسول أم لم يبلغه لكفاية العقل فى معرفة توحيد الله عز وجل ، وترى من لا يقول بذلك يحتج بقوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ويقول دل هذا على أنه لا عذاب بالإشراك قبل بلوغ


خبر الرسول بالتوحيد ، ونقض القائل الأول على الثاني احتجاجه بالآية قائلا : إنك حملت التعذيب على التعذيب فى الآخرة من غير دليل مع أن السباق والسياق يعينان أن المراد بالتعذيب فى هذه الآية هو التعذيب تعذيب استئصال ، وهو يكون فى الدنيا لا فى الآخرة ، لأن الله سبحانه مدّ عدم التعذيب إلى زمن بعث الرسول فيكون التعذيب واقعا بعد البعث وتمرد المرسل إليه عن قبول الرسالة ، وذلك فى الدنيا ، فيكون هذا العذاب عذاب الاستئصال فى الدنيا ، وقوله تعالى فى السياق (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) بيان لعذاب الاستئصال عند فسوق المأمور عن قبول الأمر ، فيكون دليلا آخر يفسر ما سبق ، على أن محققى أهل الكلام لا يقبلون توقف التوحيد على الرسالة لما يستلزم ذلك من الدور المردود.

ومما ألف فى أحكام القرآن على مذهب أهل العراق «أحكام القرآن» لعلى بن موسى بن يزداد القمي ، و «أحكام القرآن» لأبى جعفر الطحاوي ـ فى ألف ورقة ـ ، و «أحكام القرآن» لأبى بكر أحمد بن على الرازي المعروف بالحصاص ـ فى ثلاثة مجلدات و «تلخيص أحكام القرآن» للجمال بن السراج محمود بن أحمد القونوى ، و «التفسيرات الأحمدية» لملاجيون الهندي صاحب نور الأنوار ـ وهى على اختصارها نافعة.

ومما ألف فى أحكام القرآن على مذهب أهل المدينة «أحكام القرآن» لاسماعيل القاضي كبير المالكية بالبصرة ويتعقبه الجصاص ، و «مختصر أحكام القرآن» لاسماعيل القاضي تأليف بكر بن العلاء القشيري ، و «أحكام القرآن» لابن بكير ، و «أحكام القرآن» لأبى بكر بن العربي ـ وأسانيد تلك الأربعة فى فهرست ابن خير الأندلسى ـ و «أحكام القرآن» لابن فرس.

ومما ألف فى أحكام القرآن فى مذهب الإمام الشافعي رضى الله عنه كتاب «أحكام القرآن» للامام الشافعي نفسه كما يعزوه البيهقي إليه ، وإن لم نطلع عليه ، وكتاب «أحكام القرآن» جمع أبى بكر البيهقي من نصوص الإمام الشافعي فى الكتب ـ وهو هذا المنشور ـ وكتاب «أحكام القرآن» للكيا الهراسى رفيق الغزالي فى لطلب ـ نود تيسر نشره قريبا ـ وهى الكتب المهمة فى أحكام القرآن على المذاهب ، وقد طبع كتاب الجصاص ، وكتاب التفسيرات الأحمدية ، وكتاب ابن العربي


وكان فضل السبق بنشر كتاب «أحكام القرآن» فى مذهب الشافعي لأبى أسامة الأستاذ البحاثة السيد محمد عزت العطار الحسيني حيث بادر بنشر كتاب «أحكام القرآن» جمع أبى بكر البيهقي من نصوص الشافعي وهو كتاب بالغ النفع يعلم به مبلغ غوص هذا الإمام العظيم على المعاني الدقيقة فى القرآن الكريم ، ويتدرج به المتفقه على مدارج الاحتجاج فى المسائل الخلافية فيزداد علما ، وتتبين آراء باقى الأئمة فيها من كتب «أحكام القرآن» المؤلفة فى مذاهبهم ، وقد أجاد البيهقي صنعا حيث تتبع غاية التتبع نصوص الإمام الشافعي رضى الله عنه فى كتبه وكتب أصحابه من أمثال المزني ، والبويطى ، والربيع الجيزى ، والربيع المرادي ، وحرملة ، والزعفراني ، وأبى ثور ، وأبى عبد الرحمن ، ويونس بن عبد الأعلى وغيرهم ونقلها كما هى مع تأييد تلك المعاني المستنبطة بالسنن الواردة ، وللبيهقى تجلد عظيم ، وصبر كبير ، فى مناصرة الإمام الشافعي فى جميع ما ألف تقريبا ، وفضله فى ذلك مشكور عند الجميع ، مع كون مواضع النقد من كلامه مشروحة فى كتب المذاهب ، كافأ الله سبحانه البيهقي على هذا الجمع النافع وأثاب ناشره فى العاجل والآجل وفى الدنيا والآخرة.

أما البيهقي : فهو الحافظ الكبير الفقيه الأصولي النقاد أبو بكر أحمد بن الحسين ابن على بن عبد الله بن موسى البيهقي النيسابورى الخسروجردى الفقيه الشافعي.

ولد فى شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة فى قرية (خسروجرد) بضم الخاء وسكون السين وفتح الراء وسكون الواو وكسر الجيم وسكون الراء آخرها الدال المهملة من قرى بيهق (على وزن صيقل) وبيهق قرى مجتمعة فى نواحى نيسابور.

سمع الحديث من نحو مائة شيخ أقدمهم أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي وقد تنقل فى بلاد خرسان ورحل إلى العراق والحجاز والجبال لسماع الحديث وتخرج فى الحديث على الحاكم صاحب المستدرك. فمن شيوخه أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي ، والحاكم محمد بن عبد الله النيسابورى ، وأبو الحسن على بن أحمد بن عبدان الأهوازى ، وابو الحسين على بن محمد بن عبد الله بن بشران ، وابو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف ابن يعقوب السوي ، والقاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيرى ، وابو احمد عبد الله بن محمد بن الحسن المهرجانى ، وابو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن عثمان بن قتادة ، وغيرهم من شيوخ العلم فى خرسان والجبال والحرمين والكوفة والبصرة وبغداد.


قال الذهبي فى طبقات الحفاظ فى ترجمة البيهقي : هو الإمام الحافظ العلامة شيخ خراسان كان عنده مستدرك الحاكم فأكثر عنه وبورك له فى عمله لحسن مقصده وقوة فهمه وعمل كتبا لم يسبق إلى تحريرها منها : «الأسماء والصفات» وهو مجلدان (١) ، و «السنن الكبرى» عشر مجلدات (٢). و «معرفة السنن والآثار» أربع مجلدات (٣) و «شعب الايمان» مجلدان ، و «دلائل النبوة» ثلاث مجلدات ، و «السنن الصغير» مجلدان ، و «الزهد» مجلد ، و «البعث» مجلد ، و «المعتقد» مجلد و «الآداب» مجلد ، و «نصوص الشافعي» ثلاث مجلدات ، و «مناقب احمد» مجلد ، و «كتاب الاسراء» وكتب كثيرة لا أذكرها. ا ه

وقال اليافعي فى مرآة الجنان عن البيهقي هو : الإمام الكبير الحافظ النحرير الفقيه الشافعي واحد زمانه ، وفرد أقرانه فى الفنون من كبار أصحاب الحاكم أبى عبد الله بن البيع فى الحديث الزائد عليه فى أنواع العلوم له مناقب شهيرة وتصانيف كثيرة بلغت الف جزء نفع الله تعالى بها المسلمين شرقا وغربا وعجما وعربا لفضله وجلالته وإتقانه وديانته تغمده الله برحمته. غلب عليه الحديث واشتهر به ورحل فى طلبه إلى العراق والجبال والحجاز وسمع بخرسان من علماء عصره وكذلك بقية البلاد التي انتهى إليها ، وأخذ الفقه عن أبى الفتح ناصر بن محمد العمرى المروزي وهو أول من جمع نصوص الشافعي فى عشر مجلدات ا هـ.

وقال إمام الحرمين : ما من شافعى إلا وللشافعى فى عنقه منة إلا البيهقي فإن له على الشافعي منة لتصانيفه فى نصرة مذهبه وأقاويله ا هـ.

وقال عبد القادر القرشي فى طبقاته : فو الله ما قال هذا من شم توجه الشافعي وعظمته ولسانه فى العلوم. ولقد اخرج الشافعي بابا من العلم ما اهتدى إليه الناس من قبله وهو علم الناسخ والمنسوخ فعليه مدار الإسلام. مع أن البيهقي إمام حافظ كبير نشر السنة ونصر مذهب الشافعي فى زمنه.

وقال ابن العماد فى شذرات الذهب هو : الامام العلم الحافظ صاحب التصانيف. قال ابن قاضى شهبة. قال عبد الغافر : كان على سيرة العلماء قانعا من الدنيا باليسير متجملا فى زهده وورعه. وذكر غيره أنه سرد الصوم ثلاثين سنة.

__________________

(١) طبع بمصر. (٢) طبع بالهند.

(٣) لم يطبع ويوجد نسخة غير كاملة برواق المغاربة بالأزهر.


وقال فى العبر : توفى فى عاشر جمادى الأولى بنيسابور سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ونقل تابوته إلى بيهق وعاش أربعا وسبعين سنة ا هـ.

وقال ابن خلكان : هو واحد زمانه ، وفرد أقرانه فى الفنون من كبار أصحاب الحاكم فى الحديث ثم الزائد عليه فى أنواع العلوم ، أخذ الفقه عن أبى الفتح ناصر المروزي ، غلب عليه الحديث واشتهر به. أخذ عنه الحديث جماعة منهم : زاهر الشحامي ومحمد الفراوي ، وعبد المنعم القشيري وغيرهم ا هـ.

وأثنى عليه ابن عساكر فى تبيين كذب المفترى وقال : كتب الىّ الشيخ أبو الحسن الفارسي : الامام الحافظ الفقيه الأصولى ، الدين الورع واحد زمانه فى الحفظ ، وفرد اقرانه فى الإتقان والضبط من كبار أصحاب الحاكم أبى عبد الله الحافظ ، والمثكرين عنه ثم الزائد عليه فى أنواع العلوم ، كتب الحديث وحفظه من صباه ، وتفقه وبرع فيه ، وشرع فى الأصول ورحل إلى العراق والجبال والحجاز ثم اشتغل بالتصنيف وألف من الكتب ما لعله يبلغ قريبا من ألف جزء مما لم يسبقه اليه أحد ، جمع فى تصانيفه بين علم الحديث ، والفقه ، وبيان علل الحديث ، والصحيح ، والسقيم وذكر وجوه الجمع بين الأحاديث ، ثم بيان الفقه والأصول ، وشرح ما يتعلق بالعربية استدعى منه الأئمة فى عصره الانتقال الى نيسابور من الناحية لسماع كتاب المعرفة (وهو السنن الأوسط) وغير ذلك من تصانيفه فعاد الى نيسابور سنة احدى وأربعين وأربعمائة وعقدوا له المجلس لقراءة كتاب المعرفة وحضره الأئمة والفقهاء وأكثروا الثناء عليه والدعاء له فى ذلك لبراعته ومعرفته وإفادته.

وكان رحمه الله على سيرة العلماء قانعا من الدنيا باليسير متجملا فى زهده وورعه وبقي كذلك الى أن توفى رحمه الله بنيسابور يوم السبت العاشر من جمادى الأول سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وحمل الى خسروجرد ا هـ.

هذا ومن أراد الإطلاع على ترجمته بتوسع فليراجع تقدمتنا على كتاب «الأسماء والصفات» المطبوع بالقاهرة رضى الله عنه وأرضاه وتغمده برضوانه فى أخراه؟

فى ١٩ ذى الحجة سنة ١٣٧٠

محمد زاهد الكوثرى


بسم الله الرّحمن الرّحيم

وبه العون

الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، الذي خلق الإنسان من طين ، وجعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه ، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة ، وبعث فيهم الرسل والأئمة مبشرين بالجنة من أطاع الله ، ومنذرين بالنار من عصي الله ، وخصبنا بالنبي المصطفى ، والرسول المجتبى ، أبي القاسم ، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وعلى آله ، الذين هداهم الله واصطفاهم من بنى هاشم والمطلب ، أرسله بالحق إلى من جعله من أهل التكليف من كافة الخلق بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وأنزل معه كتابا عزيزا ، ونورا مبينا ، وتبصرة وبيانا ، وحكمة وبرهانا ، ورحمة وشفا ، وموعظة وذكرا. فنقل به من أنعم عليه بتوفيقه من الكفر والضلالة إلى الرشد والهداية ، وبين فيه ما أحل وما حرم ، وما حمد وما ذم ، وما يكون عبادة وما يكون معصية نصا أو دلالة ، ووعد وأوعد ، وبشر وأنذر ، ووضع رسوله صلى الله عليه وسلم من دينه موضع الإبانة عنه ، وحين قبضه الله قيض فى أمته جماعة اجتهدوا فى معرفة كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، حتى رسخوا فى العلم ، وصاروا أئمة يهدون بأمره ، ويبينون ما يشكل على غيرهم من أحكام القرآن وتفسيره.

وقد صنف غير واحد من المتقدمين والمتأخرين فى تفسير القرآن ومعانيه ،


وإعرابه ومبانيه ، وذكر كل واحد منهم فى أحكامه ما بلغه علمه ، وربما يوافق قوله قولنا وربما يخالفه ، فرأيت من دلت الدلالة على صحة قوله ـ أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي ابن عم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله ـ قد أتى على بيان ما يجب علينا معرفته من أحكام القرآن. وكان ذلك مفرقا فى كتبه المصنفة فى الأصول والأحكام ، فميزته وجمعته فى هذه الأجزاء على ترتيب المختصر ، ليكون طلب ذلك منه على من أراد أيسر واقتصرت فى حكاية كلامه على ما يتبين منه المراد دون الإطناب ، ونقلت من كلامه فى أصول الفقه واستشهاده بالآيات التي احتاج إليها من الكتاب ، على غاية الاختصار ـ ما يليق بهذا الكتاب. وأنا أسأل الله البر الرحيم أن ينفعنى والناظرين فيه بما أودعته ، وأن يجزينا جزاء من اقتدينا به فيما نقلته ، فقد بالغ فى الشرح والبيان ، وأدى النصيحة فى التقدير والبيان ، ونبه علي جهة الصواب والبرهان ؛ حتى أصبح من اقتدى به على ثقة من دين ربه ، ويقين من صحة مذهبه ، والحمد لله الذي شرح صدرنا للرشاد ، ووفقنا لصحة هذا الاعتقاد ، وإليه الرغبة (عزت قدرته) فى أن يجرى على أيدينا موجب هذا الاعتقاد ومقتضاه ، ويعيننا على ما فيه إذنه ورضاه ، وإليه التضرع فى أن يتغمدنا برحمته ، وينجينا من عقوبته ، إنه الغفور الودود ، والفعال لما يريد ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

* * *

(أنا) أبو عبد الله محمد بن عبد الحافظ ، أنا أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه ، أنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبيدة ، قال : كنا نسمع من يونس بن عبد الأعلى تفسير زيد بن أسلم ، عن ابن وهب ؛ فقال لنا يونس : كنت أولا أجالس


أصحاب التفسير وأناظر عليه ، وكان الشافعي إذا أخذ فى التفسير كأنه شهد التنزيل.

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو الوليد الفقيه ، أنا أبوبكر حمدون قال : سمعت الربيع يقول : قلما كنت أدخل على الشافعي رحمه الله إلا والمصحف بين يديه يتتبع أحكام القرآن.

«فصل فيما ذكره الشافعي رحمه الله فى التحريص على تعلم أحكام القرآن»

(أخبرنا) أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ رحمه الله ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان ؛ أخبرنا الشافعي رحمه الله فى ذكر نعمة الله علينا برسوله صلى الله عليه وسلم بما أنزل عليه من كتابه فقال : «(وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ٤١ : ٤١ ـ ٤٢) ؛ فنقلهم به من الكفر والعمى ، إلى الضياء والهدى ، وبين فيه ما أحل لنا بالتوسعة على خلقه وما حرم لما هو أعلم به : [من] حظهم على الكف عنه فى الآخرة والأولى ، وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول ، وعمل ، وإمساك عن محارم وحماهموها ، وأثابهم على طاعته ـ من الخلود فى جنته ، والنجاة من نقمته ـ ما عظمت به نعمته جل ثناؤه ، وأعلمهم ما أوجب على أهل معصيته : من خلاف ما أوجب لأهل طاعته ؛ ووعظهم بالإخبار عمن كان قبلهم : ممن كان أكثر منهم أموالا وأولادا ، وأطول أعمارا ، واحمد آثارا ؛ فاستمتعوا بخلاقهم فى حياة دنياهم ، فأذاقهم عند نزول قضائه مناياهم دون آمالهم ، ونزلت بهم عقوبته عند انقضاء آجالهم ؛ ليعتبروا فى آنف الأوان


ويتفهموا بجلية التبيان ، وينتبهوا قبل رين الغفلة ، ويعملوا قبل انقطاع المدة ، حين لا يعتب مذنب ، ولا تؤخذ فدية ، و (تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ، وما عملت من سوء تودلو أن بينها وبينه أمدا بعيدا).

وكان مما أنزل فى كتابه (جل ثناؤه) رحمة وحجة ؛ علمه من علمه ، وجهله من جهله.

قال : والناس فى العلم طبقات ، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم فى العلم به ، فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم فى الاستكثار من علمه ، والصبر على كل عارض دون طلبه ، وإخلاص النية لله فى استدراك علمه نصا واستنباطا ، والرغبة إلى الله فى العون عليه ـ فإنه لا يدرك خير إلا بعونه ـ فإن من أدرك علم أحكام الله فى كتابه نصا واستدلالا ، ووفقه الله للقول والعمل لما علم منه ـ فاز بالفضيلة فى دينه ودنياه ، وانتفت عنه الريب ، ونورت فى قلبه الحكمة ، واستوجب فى الدين موضع الإمامة. فنسأل الله المبتدئ لنا بنعمه قبل استحقاقها ، المديم بها علينا مع تقصيرنا فى الإتيان على ما أوجب من شكره لها ، الجاعلنا فى خير أمة أخرجت للناس ـ : أن يرزقنا فهما فى كتابه ، ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقولا وعملا يؤدى به عنا حقه ، ويوجب لنا نافلة مزيده. فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفى كتاب الله الدليل على سبل الهدى فيها. قال الله عز وجل : (الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ١٤ ـ ١) وقال تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ ١٦ ـ ٨٩) وقال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ١٦ ـ ٤٤).


قال الشافعي رحمه الله : «ومن جماع كتاب الله عز وجل ، العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب ، والمعرفة بناسخ كتاب الله ومنسوخه ، والفرض فى تنزيله ، والأدب ، والإرشاد ، والإباحة ؛ والمعرفة بالوضع الذي وضع الله نبيه صلوات الله عليه وسلم : من الإبانة عنه فيما أحكم فرضه فى كتابه ، وبينه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ؛ وما أراد بجميع فرائضه : أأراد كل خلقه ، أم بعضهم دون بعض؟ وما افترض على الناس من طاعته والانتهاء إلى أمره ؛ ثم معرفة ما ضرب فيها من الأمثال الدّوال على طاعته ، المبينة لاجتناب معصيته ؛ وترك الغفلة عن الحظ ، والازدياد من نوافل الفضل. فالواجب على العالمين الا يقولوا إلا من حيث علموا».

ثم ساق الكلام إلى أن قال : «والقرآن يدل على أن ليس فى كتاب الله شىء إلا بلسان العرب. قال الله عز وجل : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ : ٢٦ ـ ١٩٢ ـ ١٩٥). وقال الله عز وجل : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا : ١٣ ـ ٣٧). وقال تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها : ٤٢ ـ ٧). فأقام حجته بأن كتابه عربى ، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه كل لسان غير لسان العرب ، فى آيتين من كتابه ؛ فقال تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ : ١٦ ـ ١٠٣). وقال تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ : ٤١ ـ ٤٤)».


وقال : « ولعل من قال : إن فى القرآن غير لسان العرب ؛ ذهب إلى أن شيئا من القرآن خاصا يجهله بعض العرب. ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبا ، وأكثرها ألفاظا ، ولا يحيط بجميع علمه إنسان غير نبى. ولكنه لا يذهب منه شىء على عامة أهل العلم ، كالعلم بالسنة عند أهل الفقه : لا نعلم رجلا جمعها فلم يذهب منها شىء عليه ، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن. والذي ينطق العجم بالشيء من لسان العرب ، فلا ينكر ـ إذا كان اللفظ قيل تعلما ، أو نطق به موضوعا ـ أن يوافق لسان العجم أو بعضه ، قليل من لسان العرب ». فبسط الكلام فيه.

* * *

«فصل فى معرفة العموم والخصوص»

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي رحمه الله : «قال الله تبارك تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ : ٦ ـ ١٠٢). وقال تعالى : (خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ : ١٦ ـ ٣ و ٣٩ ـ ٥ و ٦٤ ـ ٣). وقال تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها (١) الآية : ١١ ـ ٦). فهذا عام لا خاص فيه ، فكل شىء : من سماء ، وأرض ، وذى روح ، وشجر ، وغير ذلك ـ فالله خالقه. وكل دابة فعلى الله رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها ، وقال عز وجل : (إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ

__________________

(١) وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل فى كتاب مبين (١١ ـ ٦).


أَتْقاكُمْ : ٤٩ ـ ١٣). وقال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ... (١) * فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (٢) الآية : ٢ ـ ١٨٣ ـ ١٨٥). وقال تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً الآية : ٤ ـ ١٠٣)».

قال الشافعي : «فبين فى كتاب الله أن فى هاتين الآيتين العموم والخصوص. فأما العموم منها ففى قوله عز وجل : (إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا). فكل نفس خوطب بهذا فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله وبعده ـ مخلوقة من ذكر وأنثى ، وكلها شعوب وقبائل».

«والخاص منها فى قوله عز وجل : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ). لأن التقوى إنما تكون على من عقلها وكان من أهلها ـ : من البالغين من بنى آدم ـ دون المخلوقين من الدواب سواهم ، ودون المغلوب على عقولهم منهم ، والأطفال الذين لم يبلغوا عقل التقوى منهم. فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها وكان من أهلها ، أو خالفها فكان من غير أهلها.

__________________

(١) (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ، فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢ ـ ١٨٤).

(٢) (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ، وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ، وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ، وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٢ ـ ١٨٥).


وفى السنة دلالة عليه ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رفع القلم عن ثلاثة : النائم حتي يستيقظ ، والصبى حتى يبلغ ، والمجنون حتى يفيق».

قال الشافعي رحمه الله : «وهكذا التنزيل فى الصوم ، والصلاة على البالغين العاقلين دون من لم يبلغ ممن غلب على عقله ، ودون الحيض فى أيام حيضهن».

قال الشافعي رحمه الله : «قال الله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً ، وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ الآية : ٣ ـ ١٧٣). قال الشافعي رحمه الله : فإذا كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس غير من جمع لهم من الناس ، وكان المخبرون لهم ناس غير من جمع لهم ، وغير من معه ممن جمع عليه معه ، وكان الجامعون لهم ناسا ـ فالدلالة بينة. لما وصفت : من أنه إنما جمع لهم بعض الناس دون بعض ؛ والعلم يحيط أن لم يجمع لهم الناس كلهم ، ولم يخبرهم الناس كلهم ولم يكونوا هم الناس كلهم.

ولكنه لما كان اسم الناس يقع على ثلاثة نفر ، وعلى جميع الناس ، وعلى من بين جميعهم وثلاثة منهم ـ كان صحيحا فى لسان العرب ، أن يقال : (قالَ لَهُمُ النَّاسُ). قال : وإنما كان الذين قالوا لهم ذلك أربعة نفر ؛ إن الناس قد جمعوا لكم ، يعنون المنصرفين من أحد ، وإنما هم جماعة غير كثيرين من الناس ، جامعون منهم غير المجموع لهم ، والمخبرون للمجموع لهم غير الطائفتين ، والأكثرون من الناس فى بلدانهم غير الجامعين والمجموع لهم ولا المخبرين».

وقال الله عز وجل : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ : ٢ ـ ٢٤). فدل كتاب الله عز وجل على أنه إنما وقودها بعض الناس ؛ لقوله عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ : ٢١ ـ ١٠١)».


قال الشافعي رحمه الله : «قال الله عز وجل : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ : ٤ ـ ١١) » وذكر سائر الآيات (١). ثم قال : «فأبان أن للوالدين والأزواج مما سمى فى الحالات ، وكان عام المخرج. فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه إنما أريد بها بعض الوالدين والأزواج دون بعض ؛ وذلك أن يكون دين الوالدين ، والمولود ، والزوجين واحدا ؛ ولا يكون الوارث منهما قاتلا ، ولا مملوكا. وقال تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ، الآية : ٤ ـ ١١). فأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الوصايا يقتصر بها على الثلث ، ولأهل الميراث الثلثان. وأبان : أن الدين قبل الوصايا والميراث ، وأن لا وصية ولا ميراث حتى يستوفى أهل الدين دينهم. ولو لا دلالة السنة

__________________

(١) (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ، فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ، آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً ) (٤ ـ ١١).

(وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ، فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (٤ ـ ١٢).


ثم إجماع الناس ـ لم يكن ميراث إلا بعد وصية أو دين ، ولم تعدو الوصية أن تكون مقدمة على الدين ، أو تكون والدين سواء ».

وذكر الشافعي رحمه الله فى أمثال هذه الآية : آية الوضوء ، وورود السنة بالمسح على الخفين ، وآية السرقة ؛ وورود السنة بأن لا قطع فى ثمر ولا كثر ؛ لكونهما غير محرزين ؛ وأن لا يقطع إلا من بلغت سرقته ربع دينار. وآية الجلد فى الزاني والزانية ، وبيان السنة بأن المراد بها البكران دون الثيبين. وآية سهم ذي القربى ، وبيان السنة بأنه لبنى هاشم وبنى عبد المطلب ، دون سائر القربى. وآية الغنيمة ، وبيان السنة بأن السلب منها للقاتل. وكل ذلك تخصيص للكتاب بالسنة ، ولو لا الاستدلال بالسنة كان الطهر فى القدمين ، وإن كان لابسا للخفين ؛ وقطعنا كل من لزمه اسم سارق ؛ وضربنا مائة كل من زنى وإن كان ثيبا ؛ وأعطينا سهم ذى القربى من بينه وبين النبي (صلى الله عليه وسلم) قرابة ، وخمسنا السلب لأنه من الغنيمة.

* * *

«فصل فى فرض الله عز وجل فى كتابه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم»

أنا ، أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي رحمه الله تعالى : «وضع الله جل ثناؤه رسوله صلى الله عليه وسلم ـ من دينه وفرضه وكتابه ـ الموضع الذي أبان (جل ثناؤه) أنه جعله علما لدينه بما افترض من طاعته ، وحرم من معصيته. وأبان فضيلته بما قرر : من الإيمان برسوله مع الإيمان به. فقال تبارك وتعالي : (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ : ٤ ـ ١٣٦). وقال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ


لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ : ٢٤ ـ ٦٢). فجعل دليل ابتداء الإيمان ـ الذي ما سواه تبع له ـ الإيمان بالله ثم برسوله صلى الله عليه وسلم. فلو آمن به عبد ولم يؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم ـ لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبدا ، حتى يؤمن برسوله (عليه السلام) معه».

قال الشافعي رحمه الله : «وفرض الله تعالى على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال فى كتابه : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ : ٢ ـ ١٢٩). وقال تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ : ٣ ـ ١٦٤ ) ، وقال تعالى : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ : ٣٣ ـ ٣٤ )». وذكر غيرها من الآيات التي وردت فى معناها. قال : «فذكر الله تعالى الكتاب ، وهو القرآن ؛ وذكر الحكمة ، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا يشبه ما قال (والله أعلم) بأن القرآن ذكر وأتبعته الحكمة ؛ وذكر الله (عز وجل) منته على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة. فلم يجز (والله أعلم) أن تعد الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله ، وأن الله افترض طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحتم على الناس اتباع أمره. فلا يجوز أن يقال لقول : فرض ؛ إلا لكتاب الله ، ثم سنة رسول الله صلى الله


عليه وسلم ، مبينة عن الله ما أراد دليلا على خاصه وعامه ؛ ثم قرن الحكمة بكتابه فأتبعها إياه ، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم». ثم ذكر الشافعي رحمه الله الآيات التي وردت فى فرض الله (عز وجل) طاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم. منها : قوله عز وجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ : ٤ ـ ٥٩) فقال بعض أهل العلم : أولو الأمر أمراء سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وهكذا أخبرنا والله أعلم ، وهو يشبه ما قال والله أعلم ـ : أن من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة ، وكانت تأنف أن تعطى بعضها بعضا طاعة الإمارة ؛ فلما دانت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالطاعة ، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؛ فأمروا أن يطيعوا أولى الأمر الذين أمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، لا طاعة مطلقة ، بل طاعة يستثنى فيها لهم وعليهم. قال تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ : ٤ ـ ٥٩). يعنى إن اختلفتم فى شىء ، وهذا إن شاء الله كما قال فى أولى الأمر. لأنه يقول : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) يعنى (والله أعلم) هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم. (فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) يعنى (والله أعلم) ـ إلى ما قال الله والرسول إن عرفتموه ؛ وإن لم تعرفوه سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه إذا وصلتم إليه ، أو من وصل إليه. لأن ذلك الفرض الذي لا منازعة لكم فيه ؛ لقول الله عز وجل : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ


يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ : ٣٣ ـ ٣٦). ومن تنازع ممن ـ بعد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ رد الأمر إلى قضاء الله ؛ ثم إلى قضاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؛ فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاء نصافيهما ، ولا فى واحد منهما ـ ردوه قياسا على أحدهما.

وقال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (١) الآية : ٤ ـ ٦٥). قال الشافعي : «نزلت هذه الآية فيما بلغنا ـ والله أعلم ـ فى رجل خاصم الزبير رضى الله عنه فى أرض ، فقضى النبي صلّى الله عليه وسلّم بها للزبير رضي الله عنه ، وهذا القضاء سنة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، لا حكم منصوص فى القران. وقال عز وجل : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ٢٤ ـ ٤٨) والآيات بعدها. فأعلم الله الناس أن دعاءهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليحكم بينهم ، دعاء إلى حكم الله ، وإذا سلموا لحكم النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فإنما سلموا لفرض الله». وبسط الكلام فيه.

قال الشافعي رضى الله عنه : «وشهد له (جل ثناؤه) باستمساكه بأمره به ، والهدى فى نفسه وهداية من اتبعه. فقال : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِراطِ

__________________

(١) (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٤ ـ ٩٥).


اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ : ٤٢ ٥٢ ـ ٥٣ ـ). وذكر معها غيرها. ثم قال في شهادته له : إنه يهدى إلى صراط مستقيم صراط الله. وفيما وصفت ـ. من فرض طاعته : ـ ما أقام الله به الحجة على خلقه بالتسليم لحكم رسوله واتباع أمره ، فما سن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما ليس لله فيه حكم ـ فحكم الله سنته». ثم ذكر الشافعي رحمه الله الاستدلال بسنته على الناسخ والمنسوخ من كتاب الله ؛ ثم ذكر الفرائض المنصوصة التي بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معها ؛ ثم ذكر الفرائض الجمل التي أبان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الله سبحانه كيف هى ومواقيتها ؛ ثم ذكر العام من أمر الله الذي أراد به العام ، والعام الذي أراد به الخاص ؛ ثم ذكر سنته فيما ليس فيه نص كتاب. وإيراد جميع ذلك هاهنا مما يطول به الكتاب ، وفيما ذكرناه إشارة إلى ما لم نذكره.

* * *

«فصل فى تثبيت خبر الواحد من الكتاب»

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع ابن سليمان ، قال : قال الشافعي رحمه الله : «وفى كتاب الله عز وجل دلالة على ما وصفت. قال الله عز وجل : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ : ٧١ ـ ١). وقال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ : ٢٩ ـ ١٤). وقال عز وجل : (وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ : ٤ ـ ١٦٣). وقال تعالي : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً : ٧ ـ ٦٥). وقال تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً : ٧ ـ ٧٣). وقال تعالى : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً : ٧ ـ ٨٥). وقال جل وعز :


(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ : ٢٦ ـ ١٦٠ ـ ١٦٣). وقال تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ٤ ـ ١٦٣). وقال تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ٣ ـ ١٤٤).

قال الشافعي : «فأقام (جل ثناؤه) حجته على خلقه فى أنبيائه بالأعلام التي باينوا بها خلقه سواهم ، وكانت الحجة على من شاهد أمور الأنبياء دلائلهم التي باينوا بها غيرهم ؛ وعلى من بعدهم ـ وكان الواحد فى ذلك وأكثر منه سواء ـ تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر. قال تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ ، فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ : ٣٦ ـ ١٣ ـ ١٤). قال : فظاهر الحجة عليهم باثنين ثم ثالث ، وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد ؛ وليس الزيادة فى التأكيد مانعة من أن تقوم الحجة بالواحد إذا أعطاه الله ما يباين به الخلق غير النبيين. واحتج الشافعي بالآيات التي وردت فى القرآن فى فرض الله طاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ومن بعده إلى يوم القيامة واحدا واحدا ، فى أن علي كل واحد طاعته ؛ ولم يكن أحد غاب عن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أمر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم ، وشرّف وكرّم) إلا بالخبر عنه». وبسط الكلام فيه.


 «فصل فى النسخ»

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع قال : قال الشافعي رحمه الله : «إن الله خلق الناس لما سبق فى علمه مما أراد بخلقهم وبهم ، (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ : ١٣ ـ ٤١) وأنزل الكتاب [عليهم] (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ : ١٦ ـ ٨٩) [و] فرض [فيه] فرائض أثبتها ، وأخرى نسخها ، رحمة لخلقه بالتخفيف عنهم ، وبالتوسعة عليهم. زيادة فيما ابتدأهم به من نعمه ، وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم : جنته والنجاة من عذابه. فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ ، فله الحمد على نعمه. وأبان الله لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب ، وأن السنة [لا ناسخة للكتاب] وإنما هى تبع للكتاب بمثل ما نزل نصا ، ومفسرة معنى ما أنزل الله منه جملا. قال الله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ، قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ : ١٠ ـ ١٥) فأخبر الله (عز وجل) : أنه فرض على نبيه اتباع ما يوحى إليه ، ولم يجعل له تبديله من تلقاء نفسه وفى [قوله : (ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) بيان ما وصفت : من أنه لا ينسخ كتاب الله إلا كتابه كما كان المبتدئ لفرضه : فهو المزيل المثبت لما شاء منه (جل ثناؤه) ؛ ولا يكون ذلك لأحد من خلقه لذلك (١) قال : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ : ١٣ ـ ٣٩) قيل يمحو فرض ما يشاء [ويثبت فرض ما يشاء] وهذا يشبه ما قيل والله أعلم. وفى كتاب الله دلالة عليه : قال

__________________

(١) فى الرسالة : (ص ١٠٧) : «وكذلك». وما بين الأقواس المربعة مزيد من الرسالة.


الله عزوجل : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها : ٢ ـ ١٠٦). فأخبر الله (عز وجل) : أن نسخ القرآن ، وتأخير إنزاله لا يكون إلا بقرآن مثله. وقال : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ : ١٦ ـ ١٠١). وهكذا سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لا ينسخها إلا سنة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم». وبسط الكلام فيه.

قال الشافعي : «وقد قال بعض أهل العلم ـ فى قوله تعالى : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) ـ والله أعلم ـ دلالة على أن الله تعالى جعل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، أن يقول من تلقاء نفسه بتوفيقه فيما لم ينزل به كتابا. والله أعلم».

(أخبرنا) أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ـ هو : الأصم ـ أنا الربيع : أن الشافعي رحمه الله قال : «قال الله تبارك وتعالى فى الصلاة : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً : ٤ ـ ١٠٣) فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل تلك المواقيت ؛ وصلى الصلوات لوقتها ، فحوصر يوم الأحزاب ، فلم يقدر على الصلاة في وقتها ، فأخرها للعذر ، حتى صلى الظهر ، والعصر والمغرب ، والعشاء فى مقام واحد».

قال الشافعي رحمه الله : «أنا ابن أبى فديك ، عن ابن أبى ذئب ، عن المقبرىّ ، عن عبد الرحمن بن [أبى] سعيد الخدري ، عن أبيه قال : حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل حتى كفينا ، وذلك قول الله عز وجل : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ : ٣٣ ـ ٢٥). قال : فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلالا ، فأمره فأقام الظهر فصلاها ، فأحسن صلاتها كما كان


يصليها فى وقتها ؛ ثم أقام العصر فصلاها هكذا ؛ ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ؛ ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضا ، وذلك قبل أن يقول (١) الله فى صلاة الخوف : (فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً : ٢ ـ ٢٣٩) قال الشافعي رحمه الله : «فبين أبو سعيد : أن ذلك قبل أن ينزل [الله] على النبي صلّى الله عليه وسلّم الآية التي ذكرت فيها صلاة الخوف [وهى] قول الله عز وجل : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية (٢) : ٤ ـ ١٠١) وقال تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ الآية (٣) : ٤ ـ ١٠٢). وذكر الشافعي رحمه الله حديث صالح ابن خوّات عمن صلى مع النبي صلّى الله عليه وسلّم صلاة الخوف [يوم ذات الرّقاع]. ثم قال : وفى هذا دلالة على ما وصفت : من أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سن سنة ، فأحدث الله فى تلك السنة نسخها أو مخرجا إلى سعة منها ـ : سن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنة تقوم الحجة على الناس بها ، حتى يكونوا إنما صاروا من سنته إلى سنته التي بعدها ـ. قال : فنسخ الله تأخير الصلاة عن وقتها فى الخوف إلى أن يصلوها ـ كما أمر الله [فى وقتها] ونسخ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنته فى تأخيرها ، بفرض الله فى كتابه ثم بسنته ، فصلاها فى وقتها كما وصفنا».

__________________

(١) فى الرسالة [ص ١٨١] : «أن ينزل» وما بين الأقواس زيادة عن الرسالة.

(٢) تمامها : (إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً).

(٣) تمامها : (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً).


قال الشافعي رحمه الله : «أنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ـ أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ فذكر صلاة الخوف فقال : «إن كان خوفا (١) أشد من ذلك : صلوا رجالا وركبانا ، مستقبلى القبلة وغير مستقبليها». قال : فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما وصفت. من أن القبلة فى المكتوبة على فرضها أبدا ، إلا فى الموضع الذي لا يمكن فيه الصلاة إليها ، وذلك عند المسايفة والهرب ؛ وما كان فى المعنى الذي لا يمكن فيه الصلاة [إليها] وبينت السنة فى هذا أن لا تترك [الصلاة] فى وقتها كيف ما أمكنت المصلى».

«فصل ذكره الشافعي رحمه الله فى إبطال الاستحسان واستشهد فيه بآيات من القرآن»

(أنا) أبو سعيد بن أبي عمرو ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي (رحمه الله) قال : «حكم الله ، ثم حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ثم حكم المسلمين ـ دليل على أن لا يجوز لمن استأهل أن يكون حاكما أو مفتيا : أن يحكم ولا أن يفتى إلا من جهة خبر لازم ـ وذلك : الكتاب ، ثم السنة. ـ أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه ، أو قياس على بعض هذا. ولا يجوز له : أن يحكم ولا يفتى بالاستحسان ؛ إذ (٢) لم يكن الاستحسان واجبا ، ولا فى واحد من هذه المعاني». وذكر ـ فيما احتج به ـ قول الله عز وجل : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً : ٧٥ ـ ٣٦) [قال] «فلم يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمت أن (السدى) الذي لا يؤمر ولا ينهى. ومن أفتى أو حكم بمالم يؤمر به فقد اختار (٣) لنفسه أن يكون فى معانى السدي ـ وقد أعلمه عز وجل أنه لم يترك

__________________

(١) فى بعض نسخ الرسالة : «خوف». ولا خلاف فى المعنى.

(٢) فى الأصل : إذا. والتصحيح من كتاب ابطال الاستحسان الملحق بالأم [ج ٧ ص ٢٧١]

(٣) عبارة الام. : أجاز. وهى أوضح.


سدى ـ ورأى (١) أن قال أقول ما شئت ؛ وادعى ما نزل القرآن بخلافه. قال الله (جل ثناؤه) لنبيه صلّى الله عليه وسلّم : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ : ٦ ـ ١٠٦) ؛ وقال تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ : ٥ ـ ٤٩) ثم جاءه قوم ، فسألوه عن أصحاب الكهف وغيرهم ؛ فقال «أعلمكم غدا». (يعنى : أسأل جبريل عليه السلام ، ثم أعلمكم). فأنزل الله عز وجل : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ : ١٨ ـ ٢٣ ـ ٢٤). وجاءته امرأة أوس بن الصامت ، تشكو إليه أوسا ، فلم يجبها حتى نزل عليه : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها : ٥٨ ـ ١) وجاءه العجلاني يقذف (٢) امرأته فقال : «لم ينزل فيكما» وانتظر الوحى ، فلما أنزل الله (عز وجل) عليه : دعاهما ، ولا عن بينهما كما أمر الله عز وجل» وبسط الكلام فى الاستدلال بالكتاب والسنة والمعقول ، فى رد الحكم بما استحسنه الإنسان ، دون القياس على الكتاب والسنة ؛ والإجماع (٣).

* * *

«فصل فيما يؤثر عنه من التفسير والمعاني فى آيات متفرقة»

(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي قال : «قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ : ٤٦ ـ ٩). ثم أنزل الله (عز وجل) على نبيه صلى الله عليه وسلم : أن غفر الله له ما تقدم من ذنبه ، وما تأخر. يعنى : «والله أعلم» ما تقدم

__________________

(١) اى قال برأيه عن هوى.

(٢) فى الأصل : فقذف. والتصحيح عن الام.

(٣) فلينظر فى الام [ج ٧ ص ٢٧١ ـ ٢٧٧]


من ذنبه قبل الوحى ؛ وما تأخر أن يعصمه فلا يذنب ، يعلم [الله] ما يفعل به من رضاه عنه ، وأنه أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ، وسيد الخلائق».

وسمعت أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبدان الكرماني ، يقول : سمعت أبا الحسن محمد بن أبى إسماعيل العلوي ببخارا (١) ، يقول : سمعت أحمد بن محمد ابن حسان المصري ، بمكة ، يقول : سمعت المزني يقول : سئل الشافعي عن قول الله عز وجل : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ : ٤٨ ـ ١ ـ ٢) قال : «معناه ـ ما تقدم ـ : من ذنب أبيك آدم ـ وهبته لك ؛ وما تأخر ـ : من ذنوب أمتك ـ أدخلهم الجنة بشفاعتك».

قال الشيخ رحمه الله : وهذا قول مستظرف ؛ والذي وضعه الشافعي ـ فى تصنيفه ـ أصح الروايتين وأشبه بظاهر الرواية ؛ والله أعلم.

(أنا) أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا بكر أحمد بن محمد المتكلم ، يقول : سمعت جعفر بن أحمد الساماقى ، يقول : سمعت عبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الحكم ، يقول : «سألت الشافعي : أي آية أرجى؟ قال : «قوله تعالى : (يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ : ٩٠ ـ ١٥ ـ ١٦)».

(أنا) محمد بن عبد الله الحافظ ، أخبرنى أبو بكر أحمد بن محمد بن يحيى المتكلم ، أنا إسحاق بن إبراهيم البستي ، حدثنى ابراهيم بن حرب البغدادي : «أن الشافعي رحمه الله سئل بمكة فى الطواف ، عن قول الله عز وجل : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ : ٥ ـ ١١٨). قال : «إن تعذبهم فإنهم عبادك ؛ وإن تغفر لهم وتؤخر فى آجالهم : فتمن عليهم بالتوبة والمغفرة».

__________________

(١) بالمد. وقد تقصر فيقال : بخارى. كما فى القاموس. وعلى المد اقتصر البكري فى المعجم.


(أنا) أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمى ، قال : سمعت محمد ابن عبد الله بن شاذان ، يقول : سمعت جعفر بن أحمد الخلاطى ، يقول : سمعت الربيع بن سليمان يقول : «سئل الشافعي عن قول الله عز وجل : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ : ٢ ـ ١٥٥) قال : «الخوف : خوف العدو ؛ والجوع : جوع شهر رمضان ؛ ونقص من الأموال : الزكوات ؛ والأنفس : الأمراض ، والثمرات : الصدقات ، وبشر الصابرين على أدائها».

(أنا) أبو عبد الله الحافظ أخبرنى ، أبو عبد الله الزبير بن عبد الواحد الحافظ الأسترآبادي قال : سمعت أبا سعيد محمد بن عقيل الفاريابي ، يقول : قال المزني والربيع : «كنا يوما عند الشافعي ، إذ جاء شيخ ، فقال له : أسأل؟ قال الشافعي : سل. قال : إيش الحجة فى دين الله؟ فقال الشافعي : كتاب الله قال : وماذا؟ قال : سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال : وماذا؟ قال : اتفاق الأمة. قال : ومن أين قلت اتفاق الأمة ، من كتاب الله؟ فتدبر الشافعي (رحمه الله) ساعة. فقال الشيخ : أجلتك ثلاثة أيام. فتغير لون الشافعي ؛ ثم إنه ذهب فلم يخرج أياما. قال : فخرج من البيت [فى] اليوم الثالث ، فلم يكن بأسرع أن جاء الشيخ فسلم فجلس ، فقال : حاجتى؟ فقال الشافعي (رحمه الله) : نعم ؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، قال الله عز وجل : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (١) : ٤ ـ ١١٥. لا يصليه جهنم على

__________________

(١) انظر الكلام على هذه الآية في تفسير الفخر الرازي [ج ٣ ص ٣١١ ـ ٣١٢]


خلاف [سبيل] المؤمنين ، إلا وهو فرض. قال : فقال : صدقت. وقام وذهب. قال الشافعي : قرأت القرآن فى كل يوم وليلة ثلاث مرات ، حتى وقفت عليه». وهذه الحكاية أبسط من هذه ، نقلتها فى كتاب المدخل.

(أنا) محمد بن عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا محمد جعفر بن محمد ابن الحارث ، يقول : سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمد بن الضحاك (المعروف بابن بحر) يقول : سمعت إسماعيل بن يحيى المزني ، يقول : «سمعت ابن هرم القرشي يقول : سمعت الشافعي يقول فى قول الله عز وجل : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ : ٨٣ ـ ١٥). قال : فلما حجبهم فى السخط : كان فى هذا دليل على أنهم يرونه فى الرضا».

(أنا) أبو عبد الله محمد بن حيان القاضي. أنا محمد بن عبد الرحمن ابن زياد : قال : أخبرنى أبو يحيى الساجي (أو فيما أجاز لى مشافهة) قال : ثنا. الربيع ، قال سمعت الشافعي يقول : «فى كتاب الله (عز وجل) المشيئة له دون خلقه ؛ والمشيئة : إرادة الله. يقول الله عز وجل : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ : ٧٦ ـ ٣٠ و ٨١ ـ ٢٩). فاعلم خلقه : أن المشيئة له».

(أنا) ، أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنى أبو أحمد بن أبى الحسن ، أنا عبد الرحمن بن محمد الحنظلي ، نا أبو عبد الملك بن عبد الحميد الميموني ، حدثنى أبو عثمان محمد بن محمد بن إدريس الشافعي ، قال : سمعت أبى يقول ليلة للحميدى : «ما يحجّ عليهم (يعنى على أهل الإرجاء) بآية أحجّ من قوله عز وجل (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ : ٩٨ ـ ٥)».

قرأت فى كتاب أبى الحسن محمد بن الحسن القاضي ـ فيما أخبره أبو عبد الله


محمد بن يوسف بن النضر : أنا ابن الحكم ، قال : سمعت الشافعي يقول فى قول الله عز وجل : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ. ٣٠ ـ ٢٧). قال : معناه هو أهون عليه فى العبرة عندكم ، لما (١) كان يقول للشيء كن ؛ فيخرج مفصلا بعينيه وأذنيه ، وسمعه ومفاصله ، وما خلق الله فيه من العروق. فهذا ـ فى العبرة ـ أشد من أن يقول لشىء قد كان : عد إلى ما كنت. قال : فهو إنما هو أهون عليه فى العبرة عندكم ، ليس أن شيئا يعظم على الله عز وجل».

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان. أنا الشافعي ، أنا ابراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه : أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، قال : «أعظم المسلمين فى المسلمين جرما : من سأل عن شيء لم يكن محرما ، فحرم من أجل مسئلته.». قال الشافعي : «وقال الله عز وجل : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ـ إلى قوله (عز وجل) ـ بِها كافِرِينَ (٢) : ٥ ـ ١٠١ ـ ١٠٢) قال : كانت المسائل فيما لم ينزل ـ إذا كان الوحى ينزل ـ مكروهة ؛ لما ذكرنا : من قول الله عز وجل ، ثم قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وغيره : مما فى معناه. ومعنى كراهة ذلك : ان يسئلوا عما لم يحرم : فإن حرمه الله فى كتابه ، أو على لسان نبيه صلّى الله عليه وسلّم حرم أبدا ، إلا أن ينسخ الله تحريمه فى كتابه ، أو ينسخ ـ على لسان رسوله ـ سنة بسنة».

(أنا) أبو عبد الله الحسين بن محمد بن فنجويه ، بالدامغان ، نا الفضل

__________________

(١) كذا ولعل الصواب : مما.

(٢) تمام المحذوف : (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ* قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ).


ابن الفضل الكندي ، ثنا زكريا بن يحيى الساجي قال : سمعت أبا عبد الله (ابن أخى ابن وهب) يقول : سمعت الشافعي يقول : «الأمّة على ثلاثة وجوه : قوله تعالى : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ : ٤٣ ـ ٢٢) ؛ قال : على دين. وقوله تعالى : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ : ١٢ ـ ٤٥) ، قال : بعد زمان. وقوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ : ١٦ ـ ١٢٠) ؛ قال : معلما.»

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، حدثنى أبو بكر أحمد بن محمد بن أيوب الفارسي المفسر. أنا أبو بكر محمد بن صالح ابن الحسن البستاني بشيراز ، نا الربيع بن سليمان المرادي ، نا محمد بن إدريس الشافعي (رحمه الله) ، أنا ابراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن مرجانة : قال عكرمة لابن عباس : «إن ابن عمر تلا هذه الآية : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ : ٢ ـ ٢٨٤) ؛ فبكى ، ثم قال : والله لئن أخذنا الله بها لنهلكن.» فقال ابن عباس : «يرحم الله أبا عبد الرحمن ؛ قد وجد المسلمون منها ـ حين نزلت ـ ما وجد ؛ فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؛ فنزلت : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها الآية (١) : ٢ ـ ٢٨٦) من القول والعمل. وكان حديث النفس مما لا يملكه أحد ، ولا يقدر عليه أحد.

__________________

(١) تمامها : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا. رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).


 «فصل فيما يؤثر عنه من التفسير والمعاني فى الطهارات والصلوات»

(أنا) محمد بن موسى بن الفضل ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي رحمه الله قال : «قال الله جل ثناءه : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) إلى قوله (١) عز وجل : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا : ٥ ـ ٦) قال : وكان (٢) بينا عند من خوطب بالآية : أن غسلهم إنما يكون بالماء ؛ [ثم] أبان الله فى [هذه] الآية : أن الغسل بالماء. وكان معقولا عند من خوطب بالآية : [أن الماء ما خلق الله تبارك وتعالى مما لا صنعة فيه للآدميين (٣)]. وذكر الماء عاما ؛ فكان ماء السماء ، وماء الأنهار ، والآبار ، والقلات (٤) ، والبحار. العذب من جميعه ، والأجاج سواء : فى أنه يطهر من توضأ واغتسل به».

وقال فى قوله عز وجل : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) «لم أعلم مخالفا فى أن الوجه المفروض غسله فى الوضوء : ما ظهر دون ما بطن. وقال : وكان معقولا : أن الوجه : ما دون منابت شعر الرأس ، إلى الأذنين واللحيين والذقن»

وفى قوله تعالى : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) ؛ قال : «فلم أعلم مخالفا [فى] أن المرافق فيما (٥) يغسل. كأنهم ذهبوا إلى [أن] معناها : فاغسلوا أيديكم إلى أن تغسل المرافق.

__________________

(١) تمام المحذوف : (إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ).

(٢) فى الام (ج ١ ص ٢) : فكان

(٣) هذه عبارة الام. وفى الأصل : أن الماء ما خلق الله ما لا منفعة فيه للآدميين. وفيه خطأ ظاهر

(٤) جمع قلت [كسهم وسهام] وهو : النقرة فى الجبل تمسك الماء.

(٥) فى الام (ج ١ ص ٢٢) : مما


وفى قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) ؛ قال : «وكان معقولا فى الآية أن من مسح من رأسه شيئا فقد مسح برأسه ؛ ولم تحتمل الآية إلا هذا ـ وهو أظهر معانيها ـ أو مسح الرأس كله قال : فدلت السنة على أن ليس على المرء مسح رأسه كله. وإذا دلت السنة على ذلك فمعنى الآية : أن من مسح شيئا من رأسه أجزأه».

وفى قوله تعالى : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ؛ قال الشافعي : «نحن نقرؤها (وأرجلكم) ؛ على معنى : اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ؛ وامسحوا برؤسكم قال : ولم أسمع مخالفا فى أن الكعبين ـ اللذين ذكر الله عز وجل فى الوضوء ـ الكعبان الناتئان ـ وهما مجمع مفصل الساق والقدم ـ وأن عليهما الغسل. كأنه يذهب فيهما إلى اغسلوا أرجلكم حتى تغسلوا الكعبين». وقال فى غير هذه الرواية «والكعب إنما سمى كعبا لنتوئه فى موضعه عما تحته وما فوقه. ويقال للشىء المجتمع من السمن ، كعب سمن (١) وللوجه فيه نتوء ؛ وجه كعب ؛ والثدي إذا تناهدا كعب.».

قال الشافعي رحمه الله ـ فى روايتنا عن أبى سعيد : «وأصل مذهبنا أنه يأتى بالغسل كيف شاء ولو قطعه ؛ لأن الله تبارك وتعالى قال : (حَتَّى تَغْتَسِلُوا : ٤ ـ ٤٣) (٢) فهذا مغتسل وإن قطع الغسل ؛ فلا أحسبه يجور ـ إذا قطع الوضوء ـ إلا مثل هذا».

قال الشافعي رحمه الله : وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمر الله ، وبدأ بما بدأ الله به. فاشبه (والله أعلم) أن يكون على المتوضئ فى الوضوء شيئان [أن] يبدأ بما بدأ الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم به منه ، ويأتى على إكمال

__________________

(١) ينظر هامش الام (ج ١ ص ٢٣).

(٢) انظر الام (ج ١ ص ٢٦).


ما أمر به (١) وشبهه بقول الله عز وجل : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ : ٢ ـ ١٥٨). فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفا ، وقال «نبدأ بما بدأ الله به». قال الشافعي رحمه الله : «وذكر الله اليدين معا والرجلين معا ، فأحب أن يبدأ باليمنى وإن بدأ باليسرى فقد أساء ولا إعادة عليه.

وفى قول الله عز وجل : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) ؛ قال الشافعي رحمه الله : «فكان ظاهر الآية أن من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ وكانت محتملة أن تكون نزلت فى خاص. فسمعت بعض من أرضى علمه بالقرآن ، يزعم : أنها نزلت فى القائمين من النوم ؛ وأحسب ما قال كما قال. لأن [فى] السنة دليلا على أن يتوضأ من قام من نومه (٢). قال الشافعي رحمه الله : فكان الوضوء الذي ذكره الله ـ بدلالة السنة ـ على من لم يحدث غائطا ولا بولا ؛ دون من أحدث غائطا أو بولا. لأنهما نجسان يماسان بعض البدن. يعنى فيكون عليه الاستنجاء (٣) فيستنجى بالحجارة أو الماء ؛ قال ولو جمعه رجل ثم غسل بالماء كان أحب إلى. ويقال إن قوما من الأنصار استنجوا بالماء فنزلت فيهم :

(فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ : ٩ ـ ١٠٨) قال الشافعي رحمه الله : ومعقول ـ إذ ذكر الله تعالى الغائط فى آية الوضوء أن الغائط. التخلي ؛ فمن تخلى وجب عليه الوضوء». ثم ذكر الحجة من غير الكتاب ، فى إيجاب الوضوء بالريح ، والبول ، والمذي ، والودي وغير ذلك مما يخرج من سبيل الحدث (٤)

__________________

(١) فى الأصل المتوضئين. وما أثبتناه عبارة الام. وهو اظهر

(٢) انظر الام (ج ١ ص ١٠ ـ ١١).

(٣) انظر الام (ج ١ ص ١٨)

(٤) انظر الام (ج ١ ص ١٣ ـ ١٧).


وفى قوله تعالى : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ : ٤ ـ ٤٣ و ٥ ـ ٦) ؛ قال الشافعي : «ذكر الله عز وجل الوضوء على من قام إلى الصلاة ؛ فاشبه أن يكون من (١) قام من مضجع النوم.» وذكر طهارة الجنب ، ثم قال بعد ذلك : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا). فأشبه : أن يكون أوجب الوضوء من الغائط ، وأوجبه من الملامسة وإنما ذكرها موصولة بالغائط بعد ذكر الجنابة ؛ فأشبهت الملامسة أن تكون اللمس باليد والقبل غير الجنابة». ثم استدل عليه بآثار ذكرها (٢). قال الربيع : اللمس بالكف ؛ ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة. والملامسة : أن يلمس الرجل الثوب فلا يقلبه وقال الشاعر (٣) :

فألمست كفّى كفّه أطلب الغنى

ولم أدر أنّ الجود من كفّه يعدى

فلا أنا ، منه ما أفاد ذوو الغنى

[أفدت] واعدانى فبدّدت (٤) ما عندي

هكذا وجدته فى كتابى وقد رواه غيره عن الربيع عن الشافعي (٥) ، أنا أبو عبد الرحمن السلمى ، أنا : الحسين بن رشيق المصري إجازة ، انا أحمد بن محمد ابن حرير النحوي ، قال : سمعت الربيع بن سليمان يقول ؛ فذكر معناه عن الشافعي (٦)

(انا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا : ٤ ـ ٤٣). فأوجب

__________________

(١) فى الأصل : كمن ، وما أثبتناه عبارة الأم.

(٢) انظر الأم (ج ١ ص ١٢ ـ ١٣).

(٣) هو بشار بن برد كما فى الأغانى (ج ٣ ص ١٥٠)

(٤) انظر الأم : فبذرت وفى الأغانى فاتلفت.

(٥) انظر الأم (ج ١ ص ١٣).

(٦) انظر الأم (ج ١ ص ١٣).


(جل ثناؤه) الغسل من الجنابة ؛ وكان معروفا فى لسان العرب أن الجنابة : الجماع وإن لم يكن مع الجماع ماء دافق. وكذلك ذلك فى حد الزنا ، وإيجاب المهر ، وغيره وكل من خوطب : بأن فلانا أجنب من فلانة عقل أنه أصابها وإن لم يكن مقترفا». يعنى أنه (١) لم ينزل.

وبهذا الإسناد قال الشافعي : «وكان فرض الله الغسل مطلقا : لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شىء ؛ فإذا جاء المغتسل [بالغسل (٢)] أجزأه ـ والله أعلم ـ كيفما جاء به ـ وكذلك (٣) لا وقت فى الماء فى الغسل ، إلا أن يأتى بغسل جميع بدنه».

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ). قال الشافعي : نزلت آية التيمم فى غزوة بنى المصطلق ، أنحل عقد لعائشة رضى الله عنها ، فأقام الناس على التماسه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليسوا على ماء ، وليس معهم ماء. فأنزل الله (عز وجل) آية التيمم. أخبرنا بذلك عدد من قريش من أهل العلم بالمغازي وغيرهم». [ثم] روى فيه حديث مالك ؛ وهو مذكور فى كتاب المعرفة.

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، انا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي رحمه الله : «قال الله تبارك وتعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)

قال : وكلّ ما وقع عليه اسم صعيد لم يخالطه نجاسة ، فهو : صعيد طيب يتيمم به. ولا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذى غبار ؛ فاما البطحاء

__________________

(١) هذا من كلام الربيع كما صرح به فى الام (ج ١ ص ٣١)

(٢) زيادة عن الام (ج ١ ص ٣٣)

(٣) فى الأصل : ولذلك. وهو خطأ والتصحيح عن الأم.


الغليظة والرقيقة والكثيب الغليظ ـ فلا يقع عليه اسم صعيد (١)».

وبهذا الإسناد قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الآية) وقال فى سياقها (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ [أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ] فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ]) (٢) فدل حكم الله (عز وجل) على أنه أباح التيمم فى حالين : أحدهما : السفر والأعواز من الماء. والآخر. المرض (٣) فى حضر كان أو سفر. ودل [ذلك] على أن على المسافر طلب الماء ، لقوله : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) وكان كل من خرج مجتازا من بلد إلى غيره ، يقع عليه اسم السفر قصر السفر أو طال. ولم أعلم من السنة دليلا على أن لبعض (٤) المسافرين أن يتيمم دون بعض ؛ فكان ظاهر القرآن ان كل من سافر سفرا قريبا أو بعيدا يتيمم».

قال : وإذا كان مريضا بعض المرض : تيمم حاضرا أو مسافرا ، أو واجدا للماء أو غير واجد له (٥) والمرض اسم جامع لمعان لأمراض مختلفة ؛ فالذى سمعت : أن المرض ـ الذي للمرء أن يتيمم فيه ـ : الجراح ، والقرح دون الغور كله مثل الجراح ؛ لأنه يخاف فى كله ـ إذا ما مسه الماء ـ أن ينطف ، فيكون من النطف التلف ، والمرض المخوف».

__________________

(١) انظر الام : (ج ١ ص ٤٣)

(٢) ما بين الأقواس المربعة زيادة عن الأم (ح ١ ص ٢٩).

(٣) فى الأصل : المريض. وفى الام (ص ٣٩) للمريض. وكلاهما خطأ والصحيح ما أثبتناه.

(٤) فى الأصل : بعض والتصحيح عن الام.

(٥) كذا بالأصل وبالأم (ج ١ ص ٣٦). ولعل أو زائدة من الناسخ.


وقال فى القديم (رواية الزعفراني عنه) : «يتيمم إن خاف [إن مسه الماء (١)] التلف ، أو شدة الضنى». وقال فى كتاب البويطىّ : «فخاف ، إن أصابه الماء ، أن يموت ، أو يتراقى (٢) عليه إلى ما هو أكثر منها ؛ تيمم وصلى ولا إعادة عليه. لأن الله تعالى أباح للمريض التيمم. وقيل : ذلك المرض : الجراح والجدري. وما كان فى معناهما : من المرض ـ عندى مثلهما ؛ وليس الحمىّ وما أشبهها ـ : من الرمد وغيره. ـ عندى ، مثل ذلك.»

قال الشافعي ـ فى روايتنا : «جعل الله المواقيت للصلاة ؛ فلم يكن لأحد أن يصليها قبلها ؛ وإنما أمر (٣) بالقيام إليها إذا دخل وقتها ؛ وكذلك أمر (٤) بالتيمم عند القيام إليها ، والإعواز من الماء. فمن تيمم لصلاة قبل دخول وقتها ، وطلب الماء لها ـ : لم يكن له أن يصليها بذلك التيمم.»

* * *

أخبرنا ، أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال. قال الشافعي (رحمه الله) : «وإنما قلت : لا يتوضأ رجل بماء قد توضأ به غيره. لأن (٥) الله (جل ثناؤه) يقول (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ٥ ـ ٦) فكان معقولا. أن الوجه لا يكون مغسولا إلا بأن يبتدأ له بماء (٦) فيغسل به ، ثم عليه فى اليدين عندي ـ مثل ما عليه فى الوجه [من] أن يبتدىء لهما ماء فيغسلهما به. (٧) فلو أعاد عليهما الماء

__________________

(١) زيادة عن مختصر المزني بهامش الأم (ج ١ ص ٥٤).

(٢) أي يتزايد.

(٣) انظر الأم (ج ١ ص ١٩).

(٤) انظر الأم (ج ١ ص ١٩).

(٥) فى الأصل أن ، والتصحيح عن الأم (ج ١ ص ٢٥).

(٦) فى الأم : ماء.

(٧) عبارة الأم : «من أن يبتدى ، له ماء فيغسله به» ، ولا فرق من حيث المعنى المراد.


الذي غسل به الوجه ـ : كان كأنه لم يسوّ بين يديه ووجهه ، ولا يكون مسويا بينهما ، حتى يبتدىء لهما الماء ، كما ابتدأ للوجه. وأن (١) رسول الله صلى الله عليه وسلم «أخذ لكل عضو ماء جديدا.».

وبهذا الإسناد ، قال الشافعي (رحمه الله) : «قال الله عز وجل : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (٢) إلى : وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ : ٥ ـ ٦). فاحتمل أمر الله (تبارك وتعالي) بغسل القدمين : أن يكون على كل متوضئ ؛ واحتمل : أن يكون على بعض المتوضئين دون بعض. فدل مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين ـ : أنها (٣) على من لا خفين عليه [إذا هو (٤)] لبسهما على كمال طهارة. كما دل صلاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صلاتين بوضوء واحد ، وصلوات بوضوء واحد ـ : على أن فرض الوضوء ممن (٥) قام إلى الصلاة ، على بعض القائمين دون بعض ، لا : (٦) أن المسح خلاف لكتاب الله ، ولا الوضوء على القدمين (٧).». زاد ـ فى روايتى ، عن أبى عبد الله ، عن أبى العباس ، عن الربيع ، عنه ـ : «إنما يقال : «الغسل كمال ، والمسح رخصة كمال ؛ وأيهما شاء فعل (٨)».

__________________

(١) كذا بالأصل وبالأم ؛ على أنه معطوف على قوله : لأن الله. ولعل الأصح : لأن. فليتأمل.

(٢) تمام المتروك : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ، وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ).

(٣) فى الأصل : «أنهما». وهو خطأ. والتصحيح عن الأم (ج ١ ص ٢٧) ؛ وإنما أنت الضمير باعتبار أن المسح طهارة.

(٤) زيادة عن الأم ، يتوقف عليها فهم المعنى المراد.

(٥) فى الأم : «على من» ؛ ولا فرق فى المعنى.

(٦) فى الأصل : «لأن». وهو خطأ ظاهر ؛ والتصحيح عن الام.

(٧) كذا بالأصل وبالأم ، ولعل الأصح ـ الملائم لظاهر العبارة السابقة ـ : على بعض القائمين.

(٨) انظر اختلاف الحديث بهامش الام (ج ٧ ص ٦٠).


أنا ، أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «قال الله تبارك وتعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (١) الآية ، ودلت السنة على [أن (٢)] الوضوء من الحدث. وقال الله عز وجل : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ، حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ، وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية (٣). فكان الوضوء عاما فى كتاب الله (عز وجل) من (٤) الأحداث ؛ وكان أمر الله الجنب بالغسل من الجنابة ، دليلا (والله أعلم) على : أن لا يجب غسل إلا من جنابة ؛ إلا أن تدل على غسل واجب : فنوجبه بالسنة : بطاعة الله فى الأخذ بها (٥). ودلت السنة على وجوب الغسل من الجنابة ؛ ولم أعلم دليلا بيّنا على أن يجب غسل غير الجنابة الوجوب الذي لا يجزىء غيره. وقد روى فى غسل يوم الجمعة شىء ؛ فذهب ذاهب إلى غير ما قلنا ؛ ولسان العرب واسع».

__________________

(١) تمامها : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ، وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ، وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ، أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ـ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ـ : فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ، فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ. ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ، وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ٥ ـ ٦)

(٢) زيادة عن اختلاف الحديث (ص ١٧٧)

(٣) تمامها : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ ، أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ، أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ـ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ـ : فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ، فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ؛ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً : ٤ ـ ٤٣)

(٤) فى الأصل : «عن». وما أثبتناه عبارته في اختلاف الحديث (ص ١٧٨).

(٥) فى الأصل : «فتوجبه السنة بطاعة الله والاخذ بها». والتصحيح عن اختلاف الحديث (ص ١٧٨).


ثم ذكر ما روى فيه ، وذكر تأويله ، وذكر السنة التي دلت على وجوبه فى الاختيار ، و [فى] النظافة ، ونفى (١) تغير الريح عند اجتماع الناس (٢) ، وهو مذكور فى كتاب المعرفة (٣).

* * *

وفيما أنبأنى أبو عبد الله (إجازة) عن الربيع ، قال : قال الشافعي : (رحمه الله تعالى) : «قال الله تبارك وتعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ. قُلْ : هُوَ أَذىً ، فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) الآية (٤). فأبان : أنها حائض غير طاهر ، وأمرنا : أن لا نقرب حائضا حتى تطهر ، ولا إذا طهرت حتى تتطهر (٥) بالماء ، وتكون ممن تحل لها الصلاة».

وفى قوله عز وجل : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) ، قال الشافعي : «قال بعض أهل العلم بالقرآن : فأتوهن من حيث أمركم الله أن تعتزلوهن ؛ يعنى فى (٦) مواضع الحيض. وكانت الآية محتملة لما قال ؛ ومحتملة : أن اعتزالهن : اعتزال جميع أبدانهن ، ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : على اعتزال ما تحت الإزار منها ، وإباحة ما فوقها».

__________________

(١) فى الأصل : «ومعنى». والتصحيح عن اختلاف الحديث (ص ١٧٩).

(٢) فلينظر فى اختلاف الحديث (ص ١٧٨ ـ ١٨١).

(٣) للحافظ البيهقي رضى الله عنه.

(٤) تمامها : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ، فَإِذا تَطَهَّرْنَ : فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ؛ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ : ٢ ـ ٢٢٢).

(٥) فى الأصل : «تطهر». وما أثبتناه عبارة الام (ج ١ ص ٥٠) ، وهى أظهر.

(٦) عبارة الأم (ج ١ ص ٥١) : «من». وهى أنسب.


قال الشافعي : «وكان مبينا (١) فى قول الله عز وجل : (حَتَّى يَطْهُرْنَ) : أنهن حيّض فى غير حال الطهارة (٢) ، وقضى الله على الجنب : أن لا يقرب الصلاة حتى يغتسل ، فكان مبينا : أن لا مدة لطهارة الجنب إلا الغسل (٣) ، ولا مدة لطهارة الحائض إلا ذهاب الحيض ، ثم الغسل : لقول الله عز وجل : (حَتَّى يَطْهُرْنَ) ، وذلك : انقضاء (٤) الحيض : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) ، يعنى : بالغسل ؛ لأن السنة دلت على أن طهارة الحائض : الغسل (٥) ؛ ودلت على بيان ما دل عليه كتاب الله : من أن لا تصلى الحائض.» ، فذكر حديث عائشة (رضى الله عنها) ، ثم قال : «وامر النبي (صلى الله عليه وسلم) عائشة (رضى الله عنها) ـ : «أن لا تطوفى بالبيت حتى تطهرى» : ـ : يدل على أن لا تصلى (٦) حائضا ؛ لأنها غير طاهر ما كان الحيض قائما. ولذلك (٧) قال الله عز وجل : (حَتَّى يَطْهُرْنَ)

قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ ، وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) الآيتين (٨). فلما لم يرخص الله (٩) فى أن تؤخر الصلاة

__________________

(١) فى الأم : «بينا».

(٢) فى الأصل : «فى غير طهارة» ، والتصحيح عن الام.

(٣) عبارة الأصل : «لامره لطهارة الجنب لا الغسل» ؛ وهى خطأ ، والتصحيح عن الام

(٤) عبارة الام : «بانقضاء».

(٥) عبارة الام : «بالغسل».

(٦) عبارة الام : «أن لا تطوف حتى تطهر ، فدل». فيكون قوله : «وأمر إلخ» جملة فعلية.

وعلى ما فى الأصل : يكون جملة اسمية روعى فيها لفظ الحديث ، والخبر قوله : «يدل» :

(٧) عبارة الام : «وكذلك». وما فى الأصل أصح.

(٨) تمامهما. (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ* فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً ، فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ : ٢ ـ ٢٣٨ ، ٢٣٩).

(٩) عبارة الأم (ج ١ ص ٥١. «رسول الله». وهى خطأ.


 فى الخوف ، وأرخص : أن يصليها المصلى كما أمكنته رجالا وركبانا (١) ؛ وقال : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً : ٤ ـ ١٠٣) ؛ وكان من عقل الصلاة من البالغين ، عاصيا بتركها : إذا جاء وقتها وذكرها ، [وكان غير ناس لها] (٢) ؛ وكانت الحائض بالغة عاقلة ، ذاكرة للصلاة ، مطيقة لها ؛ وكان (٣) حكم الله : أن لا يقربها زوجها حائضا ؛ ودل حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم : على أنه إذا حرم على زوجها أن يقربها للحيض ، حرم عليها أن تصلى ـ : كان فى هذا دليل (٤) [على] أن فرض الصلاة فى أيام الحيض زائل عنها فإذا زال عنها ـ وهى ذاكرة عاقلة مطيقة ـ : لم يكن عليها قضاء الصلاة. وكيف تقضى ما ليس بفرض عليها : بزوال فرضه عنها؟! وهذا ما لم أعلم فيه مخالفا».

* * *

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ (رحمه الله) ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصمّ ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : «ومما نقل بعض من سمعت منه ـ : من أهل العلم ـ : أن الله (عز وجل) أنزل فرضا فى الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس ؛ فقال : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ

__________________

(١) عبارة الأم. «راجلا أو راكبا». وهى أنسب.

(٢) زيادة عن الأم للايضاح.

(٣) فى الأم : «فكان» ، وما هنا أصح. دفعا لتوهم أنه جواب الشرط ، الذي سيأتى بعد ، وهو قوله. «كان فى هذا».

(٤) عبارة الأم. «دلائل» ، وزيادة «على» عن الأم للايضاح.


إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً : ٧٣ ـ ١ ـ ٤). ثم نسخ هذا فى السورة معه ، فقال : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ (١) ؛ قرأ إلى : وَآتُوا الزَّكاةَ : ٧٣ ـ ٢٠). قال الشافعي : ولما ذكر الله (عز وجل) بعد أمره بقيام الليل : نصفه إلا قليلا ، أو الزيادة عليه فقال : (أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) ، فخفف ، فقال : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى ، وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ ، وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ : ٧٣ ـ ٢٠) : ـ كان (٢) بينا فى كتاب الله (عز وجل) نسخ قيام الليل ونصفه ، والنقصان من النصف ، والزيادة عليه ـ : بقوله عز وجل : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ). ثم احتمل قول الله عز وجل : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) ، معنيين : أحدهما : أن يكون فرضا ثابتا ، لأنه أزيل (٣) به فرض غيره. (والآخر) : أن يكون فرضا منسوخا : ازيل بغيره ، كما ازيل به غيره. وذلك لقول الله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) الآية (٤)

__________________

(١) تمام المتروك. (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ؛ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ ؛ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ، عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ ؛ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ).

(٢) فى بعض نسخ الرسالة (ص ١١٤). «فكان». فيكون جواب الشرط قوله فيما سبق. «فخفف». وعلى ما هنا ـ وهو الأظهر ـ يكون جواب الشرط قوله.«كان». فليتأمل.

(٣) فى الأصل. «أريد». وهو خطأ واضح ، والتصحيح عن الرسالة (ص ١١٥)

(٤) تمامها. (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. ١٧ ـ ٧٩).


واحتمل قوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) : أن يتهجد بغير الذي فرض عليه : مما تيسر منه : فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين ، فوجدنا سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تدل على أن لا واجب من الصلاة إلا الخمس ، فصرنا : إلى أن الواجب الخمس ، وأن ما سواها : من واجب : من صلاة ، قبلها ـ منسوخ بها ، استدلالا بقول الله عز وجل : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) فإنها (١) ناسخة لقيام الليل ، ونصفه ، وثلثه ، وما تيسر. ولسنا نحبّ لأحد ترك (٢) ، أن يتهجد بما يسره الله عليه : من كتابه ، مصليا [به] (٣) ، وكيفما أكثر فهو أحب إلينا». ثم ذكر حديث طلحة بن عبيد الله ، وعبادة بن الصامت ، فى الصلوات الخمس (٤).

أخبرنا أبو سعيد بن أبى عمرو ، ثنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال لنا الشافعي رحمه الله. فذكر معنى هذا بلفظ آخر (٥) ؛ ثم قال : «ويقال : نسخ ما وصفت المزمل (٦) ، بقول الله عز وجل : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) ، ودلوك الشمس : زوالها ؛ (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) : العتمة ، (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) : الصبح ، (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً* وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ

__________________

(١) فى الرسالة (ص ١١٦). «وأنها» ، ولعل ما هنا أصح.

(٢) كذا بالرسالة. وعبارة الأصل. «يترك» ، وهى خطأ ، أو لعل (أن) ناقصة من الناسخ. وعلى كل فعبارة الرسالة أحسن وأخصر.

(٣) الزيادة عن الرسالة.

(٤) انظره فى الرسالة (ص ١١٦ ـ ١١٧).

(٥) انظره فى الام (ج ١ ص ٥٩).

(٦) عبارة الام (ج ١ ص ٥٩) : «نسخت ما وصفت من المزمل». ولعل صحة العبارة ، نسخ ما وصفت من المزمل.


نافِلَةً لَكَ : ١٧ ـ ٧٨ ، ٧٩) ، فأعلمه أن صلاة الليل نافلة لا فريضة ؛ وأن الفرائض فيما ذكر : من ليل أو نهار. قال الشافعي : ويقال : فى قول الله عز وجل : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) : المغرب والعشاء ؛ (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) : الصبح ، (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا) : العصر ، (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) : الظهر. قال الشافعي : وما أشبه ما قيل من هذا ، بما (١) قيل ، والله أعلم».

* * *

وبه (٢) قال : قال الشافعي : «أحكم الله (عز وجل) لكتابه (٣) : أن ما فرض ـ : من الصلوات. ـ موقوت ؛ والموقوت (والله أعلم) : الوقت الذي نصلى فيه ، وعددها. فقال جل ثناؤه : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً : ٤ ـ ١٠٣).

* * *

وبهذا الإسناد [قال] : قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ، حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ : ٤ ـ ٤٣). قال : يقال : نزلت قبل تحريم الخمر. وأيّما (٤) كان نزولها : قبل تحريم الخمر

__________________

(١) كذا بالأصل والام ؛ أي. بما قيل فى شرح الآية السابقة.

(٢) أي. بالإسناد السابق.

(٣) كذا بالأصل ، وفى الام (ج ١ ص ٦١) : «كتابه». ولعل الصواب «أعلم الله عز وجل فى كتابه».

(٤) فى الأصل : «وإنما» وهو خطأ وتحريف من الناسخ. والتصحيح عن الأم (ج ١ ص ٦٠).


أو بعد [ه] فمن صلى سكران : لم تجز صلاته ؛ لنهى الله (عز وجل) إياه عن الصلاة ، حتى يعلم ما يقول ؛ وإن (١) معقولا : أن الصلاة : قول ، وعمل ، وإمساك فى مواضع مختلفة. ولا يؤدى هذا كما أمر به ، إلا من عقله (٢)».

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً : ٥ ـ ٥٨) ؛ وقال : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ : ٦٢ ـ ٩) فذكر الله الأذان للصلاة ، وذكر يوم الجمعة. فكان بينا (والله أعلم) : أنه أراد المكتوبة بالآيتين (٣) معا ؛ وسنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الأذان للمكتوبات [ولم يحفظ عنه أحد علمته : أنه أمر بالأذان لغير صلاة مكتوبة (٤)]».

* * *

أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن أبى نجيح ، عن مجاهد [فى قوله (٥) : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ : ٩٤ ـ ٤) ؛ قال : «لا أذكر إلا ذكرت [معى (٦)] : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله». قال الشافعي : «يعنى

__________________

(١) كذا بالأصل وبالأم ، ولعل الأصح : «وكان».

(٢) عبارة الأم : «ولا يؤدى هذا إلا من أمر به ممن عقله» وما هنا أوضح.

(٣) بالأصل : «بالاثنين». وهو تحريف من الناسخ ، والتصحيح عن الأم (ج ١ ص ٧١).

(٤) زيادة عن الأم لزيادة الفائدة.

(٥) زيادة للايضاح ، عن الرسالة (ص ١٦).

(٦) زيادة للايضاح ، عن الرسالة (ص ١٦).


(والله أعلم : ذكره عند الإيمان بالله والأذان ؛ ويحتمل : ذكره عند تلاوة القرآن ، وعند العمل بالطاعة ، والوقوف عن المعصية».

فضل التعجيل بالصلوات واحتج فى فضل التعجيل بالصلوات ـ بقول الله عز وجل : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ : ١٧ ـ ٧٨) ؛ ودلوكها : ميلها. (١) وبقوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) : ٢٠ ـ ١٤) ؛ وبقوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ : ٢ ـ ٢٣٨) ؛ والمحافظة على الشيء : تعجيله.

وقال فى موضع آخر (٢) : «ومن قدم الصلاة فى أول وقتها ، كان أولى بالمحافظة عليها ممن أخرها عن أول وقتها (٣)».

وقال فى قوله (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ٢ ـ ٢٣٨) ـ : «فذهبنا : إلى أنها الصبح. [وكان أقل ما فى الصبح (٤)] إن لم تكن هي ـ : أن تكون مما أمرنا بالمحافظة عليه.».

وذكر ـ فى رواية المزني ، وحرملة ـ حديث أبى يونس مولى عائشة (رضى الله عنها) أنها أملت عليه : (حافظوا على الصلوات ، والصلاة الوسطى ، وصلاة العصر» ، ثم قالت : «سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (٥)» قال الشافعي : «فحديث عائشة يدل على أن الصلاة الوسطى ، ليست صلاة

__________________

(١) هذا من كلام الشافعي كما فى السنن الكبرى للبيهقى.

(٢) من الرسالة (ص ٢٨٩).

(٣) عبارة الرسالة : «الوقت». وهى أحسن.

(٤) زيادة عن اختلاف الحديث بهامش الأم (ج ٧ ص ٢٠٨) ، يتوقف عليها فهم الكلام وصحته.

(٥) انظر السنن الكبرى للبيهقى (ج ١ ص ٤٦٢)


العصر. قال : واختلف بعض أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فروى عن على ، وروى (١) عن ابن عباس : أنها الصبح ؛ وإلى هذا نذهب. وروى عن زيد بن ثابت : الظهر ؛ وعن غيره : العصر». وروى فيه حديثا (٢) عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الشيخ (٣) : «الذي رواه الشافعي فى ذلك ، عن على ، وابن عباس : فيما رواه مالك فى الموطأ عنهما فيما بلغه (٤) ؛ ورويناه موصولا عن ابن عباس وابن عمر (٥) ، وهو قول عطاء ، وطاووس ، ومجاهد ، وعكرمة (٦)».«وروينا عن عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن على (رضي الله عنه) ، قال : «كنا نرى أنها صلاة الفجر ، حتى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم الأحزاب : يقول : «شغلونا عن صلاة الوسطى ، صلاة العصر (٧) ؛ حتى غابت الشمس ، ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا». وروايته فى ذلك ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحة ، عن عبيدة السلماني ، وغيره عنه ، وعن مرة ، عن ابن مسعود. وبه قال أبىّ بن كعب ، وأبو أيوب ، وأبو هريرة ، وعبد الله

__________________

(١) لعل ذكرها للتأكيد ، أو زيادة من الناسخ.

(٢) ينظر : أقائل هذا الشافعي؟ أم البيهقي؟. فليتامل.

(٣) أي : الحافظ البيهقي. وهذا من كلام أحد رواة هذا الكتاب عنه ، كما هى عادة أكثر المتقدمين.

(٤) انظر السنن الكبرى للبيهقى (ج ١ ص ٤٦١ ـ ٤٦٢)

(٥) انظر السنن الكبرى للبيهقى (ج ١ ص ٤٦١ ـ ٤٦٢)

(٦) انظر السنن الكبرى للبيهقى (ج ١ ص ٤٦١ ـ ٤٦٢)

(٧) هذا اللفظ غير موجود فى حديث على برواية زر عنه. وإنما وجد فى حديثه برواية شتير العبسي عنه ، وفى حديث ابن مسعود وسمرة. راجع السنن الكبرى [ج ١ ص ٤٦٠]


ابن عمرو (١) ، و [هو] (٢) فى إحدى الروايتين ، عن ابن عمر ، وابن عباس ، وأبى سعيد الخدرىّ ، وعائشة رضي الله عنهم».

وقرأت [فى] كتاب حرملة ، عن الشافعي ـ فى قول الله عز وجل : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً : ١٧ ـ ١٨) ، فلم يذكر فى هذه الآية مشهودا غيره» والصلوات مشهودات ، فأشبه أن يكون قوله (٣) مشهودا بأكثر مما تشهد به الصلوات ، أو أفضل ، أو مشهودا بنزول الملائكة». يريد (٤) صلاة الصبح.

* * *

أنا أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي رحمه الله : «فرض الله (تبارك وتعالى) الصلوات ؛ وأبان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عدد كل واحدة منهن ، ووقتها ، وما يعمل فيهن ، وفى كل واحدة منهن. وأبان الله (عز وجل) : أن (٥) منهن نافلة وفرضا ؛ فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) الآية (٦). ثم أبان ذلك رسول الله

__________________

(١) فى الأصل : «عمر». وهو خطأ بدلالة الكلام السابق واللاحق ، بل قد صرح البيهقي فى السنن الكبرى [ج ١ ص ٤٦١] باسم جده :

(٢) زيادة يقتضيها المقام ، وإن حذفت (فى) كان أحسن.

(٣) وأي : تأويل قوله ومعناه.

(٤) أي : الشافعي ، بقوله فيما تقدم : «غيره». وقوله. «يريد إلخ» من كلام البيهقي على ما يظهر.

(٥) قوله : «أن» ، غير مثبت فى الأم [ج ١ ص ٨٦]

(٦) تمامها : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً : ١٧ ـ ٧٩)


(صلى الله عليه وسلم) فكان بيّنا (والله أعلم) ـ إذا كان من الصلاة نافلة وفرض ، وكان الفرض منها مؤقتا ـ أن لا تجزى عنه صلاة ، إلا بأن ينويها مصليا (١)».

* * *

وبهذا (٢) الإسناد ، قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣) : ٦ ـ ٩٨). قال الشافعي : وأحبّ أن يقول ـ حين يفتتح [قبل أم (٤)] القرآن : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وأي كلام استعاذ به ، أجزأه».

وقال فى الإملاء ـ بهذا الإسناد : «ثم يبتدىء ، فيتعوذ ، ويقول : أعوذ بالسميع العليم ؛ أو يقول : أعوذ بالله السميع العليم [من الشيطان الرجيم (٥)) ؛ أو : أعوذ بالله أن يحضرون. لقول الله عز وجل. (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ)».

* * *

قال الشافعي ـ فى كتاب البويطىّ : «قال الله جل ثناؤه : (وَلَقَدْ

__________________

(١) هذه عبارة الأم [ج ١ ص ٨٦] ، وفى الأصل : «لا يجزى عنه أن يصلى صلاة إلا بأن ينويها مصليها». وعبارة الأم أسلم وأوضح.

(٢) بالأصل «فلهذا» ، وهو خطأ واضح.

(٣) زيادة عن الأم [ج ١ ص ٩٢ ـ ٩٣].

(٤) زيادة مقصودة قطعا.

(٥) زيادة مقصودة قطعا.


آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ : ١٥ ـ ٨٧). وهى : أم القرآن : أولها : (بسم الله الرّحمن الرّحيم)».

أنا أبو زكريا بن أبى إسحاق ـ فى آخرين ـ قالوا : أنا أبو العباس محمد ابن يعقوب ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا عبد المجيد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرنى أبى [عن (١)] سعيد بن جبير [فى قوله (٢)] : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) ، [قال] : «هى أم القرآن». قال أبى : «وقرأها علىّ سعيد بن جبير ، حتى ختمها ، ثم قال : «بسم الله الرحمن الرحيم) الآية السابعة. قال سعيد : وقرأها علىّ ابن عباس ، كما قرأتها عليك ، ثم قال (بسم الله الرحمن الرحيم) الآية السابعة. قال ابن عباس : فذخرها [الله (٣)] لكم ، فما أخرجها لأحد قبلكم».

قال الشافعي ـ فى رواية حرملة عنه : «وكان ابن عباس يفعله (يعنى (٤) : يفتتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم.) ، ويقول : انتزع الشيطان منهم خير آية فى القران. وكان يقول : كان النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يعرف ختم السورة ، حتى تنزل : (بسم الله الرحمن الرحيم).».

__________________

(١) زيادة لا بد منها ، عن [ج ١ ص ٩٣] ومسند الشافعي بهامش الأم.

ص ٥٣ ـ ٥٤]

(٢) الزيادة للايضاح.

(٣) زيادة للايضاح ، عن السنن الكبرى للبيهقى [ج ٢ ص ٤٤].

(٤) الظاهر : أن هذا من كلام البيهقي رحمه الله.


أنا أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي [قال (١)] «قال الله (تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ٧٣ ـ ٤) ، فأقلّ الترتيل : ترك العجلة فى القران عن الإبانة. وكلما (٢) زاد على أقل الإبانة فى القران ، كان أحبّ إلىّ : ما لم يبلغ أن تكون الزيادة فيه تمطيطا».

* * *

قرأت فى كتاب «المختصر الكبير» ـ فيما رواه أبو إبراهيم المزنىّ ، عن الشافعي (رحمه الله) أنه قال ، أنزل الله عز وجل على رسوله (صلى الله عليه وسلم) فرض القبلة بمكة ، فكان يصلى فى ناحية يستقبل منها البيت [الحرام] ، وبيت المقدس ، فلما هاجر إلى المدينة ، استقبل بيت المقدس ، موليا عن البيت الحرام ؛ سنة عشر شهرا ـ : وهو يحب : لو قضى الله إليه باستقبال البيت الحرام. لأن فيه مقام أبيه إبراهيم ، وإسماعيل ؛ وهو : المثابة للناس والأمن ، وإليه الحج ؛ وهو : المأمور به : أن يطهر للطائفين ، والعاكفين ، والركّع السجود. مع كراهية رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وافق اليهود فقال لجبريل عليه السلام : «لوددت أن ربى صرفنى عن قبلة اليهود إلى غيرها» ؛ فأنزل الله عز وجل : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ : ٢ ـ ١١٥). ـ يعنى (والله أعلم) ، فثمّ الوجه الذي وجّهكم الله إليه (٣) فقال جبريل عليه السلام للنبى (صلى الله عليه وسلم) «يا محمد أنا عبد مأمور

__________________

(١) الزيادة للايضاح.

(٢) كذا بالأم [ج ١ ص ٩٥] وفى الأصل «وكل ما» وهو خطأ واضح إلا أن تكون «كلما» من الكلمات التي يصح كتابتها متفرقة ، مثل «حيثما» ، و «كيفما»

(٣) انظر السنن الكبرى للبيهقى [ج ٢ ص ١٣] وما رواه عن مجاهد فى تفسير ذلك


مثلك ، لا أملك شيئا ؛ فسل الله». فسأل النبي (صلى الله عليه وسلم) ربه : أن يوجهه إلى البيت الحرام ؛ وصعد جبريل (عليه السلام) إلى السماء ؛ فجعل النبي (صلى الله عليه وسلم) يديم طرفه إلى السماء : رجاء أن يأتيه جبريل (عليه السلام) بما سأل. فأنزل الله عز وجل : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ؛ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها ؛ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (١) إلى قوله : فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي : ٢ ـ ١٤٤ ـ ١٥٠).».

«فى قوله : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ٢ ـ ١٤٤) ، يقال : يجدون ـ فيما نزل عليهم ـ : أن النبىّ الأمىّ ـ : من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام : ـ يخرج من الحرم ، وتعود قبلته وصلاته مخرجه. يعنى (٢) : الحرم».

وفى قوله تعالى : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ

__________________

(١) تمام المتروك : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ؛ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ؛ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ* وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ، وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ، وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ؛ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ* الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ* وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها. فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ؛ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ، وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ. وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ* وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ، وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ).

(٢) هذا من كلام الشافعي رضى الله عنه.


الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ؛ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ؛ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ : ٢ ـ ١٥٠) ؛ قيل فى ذلك (والله أعلم) : لا تستقبلوا المسجد الحرام من المدينة ، إلا وأنتم مستدبرون بيت المقدس ؛ وإن جئتم من جهة نجد اليمن ـ فكنتم تستقبلون البيت الحرام ، وبيت المقدس ـ : استقبلتم المسجد الحرام. لا : أنّ إرادتكم (١) : بيت المقدس ؛ وإن استقبلتموه باستقبال المسجد الحرام. [و] (٢) لأنتم كذلك : تستقبلون ما دونه [و] (٣) وراءه ؛ لا إرادة أن يكون قبلة ، ولكنه جهة قبلة.».

«وقيل : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) : فى استقبال قبلة غيركم.».

«وقيل : فى تحويلكم عن قبلتكم التي كنتم عليها ، إلى غيرها. وهذا أشبه ما قيل فيها (والله أعلم) ـ : لقول الله عز وجل : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها (٤) ؛ إلى قوله تعالى : مُسْتَقِيمٍ : ٢ ـ ١٤٢). فأعلم الله نبيه (صلى الله عليه وسلم) : أن لا حجة عليهم فى التحويل ؛ يعنى : لا يتكلم فى ذلك أحد بشىء ، يريد الحجة ؛ إلا الذين ظلموا منهم. لا : أنّ لهم (٥) حجة ؛ لأن عليهم (٦) ؛ أن ينصرفوا عن قبلتهم ، إلى القبلة التي أمروا بها».

__________________

(١) أي : قصدكم ووجهتكم ، وفى الأصل : «أراد بكم» ؛ وهو خطأ كما يدل عليه الكلام الآتي.

(٢) زيادة لا بد منها.

(٣) زيادة لا بد منها.

(٤) تمام المتروك : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ).

(٥) أي : الذين ظلموا.

(٦) أي : الرسول ومن معه.


«وفى قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ : ٢ ـ ١٤٣) ؛ لقوله إلا لنعلم أن قد علمهم (١) من يتبع الرسول ؛ وعلم الله كان ـ قبل اتباعهم وبعده ـ سواء.».

«وقد قال المسلمون : فكيف بما مضى من صلاتنا ، ومن مضي منا؟. فأعلمهم الله (عز وجل) : أنّ صلاتهم إيمان (٢) ؛ فقال : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) الآية (٣)».

«ويقال : إنّ اليهود قالت : البرّ فى استقبال المغرب ، وقالت النصارى : البرّ فى استقبال المشرق بكل حال فأنزل الله (عز وجل) فيهم : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ : ٢ ـ ١٧٧). يعنى (والله أعلم) : وأنتم مشركون ؛ لأن البرّ لا يكتب لمشرك.».

«فلما حوّل الله رسوله (صلى الله عليه وسلم) إلى المسجد الحرام ـ :

__________________

(١) كذا بالأصل ؛ ولم نعثر على مصدر آخر لهذا النص. وهو : إما أن يكون قد وقع فيه تحريف فقط ، أو تحريف ونقص. فعلى الاحتمال الثاني ، لعل الأصل : «قيل : فقوله :

(إلا لنعلم) ، يعنى : إلا لتعلموا ؛ إذ قد علمهم». أي : بسبب تحويل القبلة. وهذا المعنى موافق للوجه المشهور الذي اختاره الطبري فى تفسيره (ج ٢ ص ٩) ، والذي صدر به الفخر الوجوه التي ذكرها ، فى تفسيره (ج ٢ ص ١١). وعلى الاحتمال الأول. لعل الأصل :

«قيل : إلا لنعلم أن قد علمتم.». أي : بالفعل. وهذا المعنى جمع بين الوجه الأول والوجه الثاني الذي ذكره الفخر. وعلى كل : فلا يمكن أن نطمئن إلى تصحيح لهذا النص ، أو تبيين للمعنى المراد منه ـ : ما دمنا لم نعثر له على مصدر آخر من مؤلفات الشافعي (رضى الله عنه) وغيره.

(٢) أي : لا حرج عليها ، ولن يضيع ثوابها. انظر فتح الباري (ج ١ ص ٧٣).

(٣) تمامها : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ : ٢ ـ ١٤٣).


صلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أكثر صلاته ، مما يلى الباب : من وجه الكعبة ؛ وقد صلى من ورائها والناس معه : مطيفين بالكعبة ، مستقبليها كلها ، مستدبرين ما وراءها : من المسجد الحرام.»

«قال : وقوله عز وجل : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ : ٢ ـ ١٤٤ و ١٥٠) ، فشطره وتلقاؤه وجهته : واحد فى كلام العرب.». (١) واستدل عليه ببعض ما فى كتاب الرسالة (٢).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (رحمه الله) ، قال : «قال الله تبارك وتعالى : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ، وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ : ٢ ـ ١٥٠). ففرض عليهم حيث ما كانوا : أن يولوا وجوههم شطره. و «شطره» : جهته ؛ فى كلام العرب. إذا قلت : «أقصد شطر كذا» : معروف (٣) أنك تقول : «أقصد قصد (٤) عين (٥) كذا» ؛ يعنى (٦) : قصد (٧) نفس كذا. وكذلك : «تلقاءه وجهته (٨)» ، أي : أستقبل

__________________

(١) إلى هنا انتهى ما نقله البيهقي عن المختصر الكبير للمزنى.

(٢) ص ٣٤ ـ ٣٨ ؛ مما ذكره البيهقي عقيبه.

(٣) أي : فمعروف. فهو جواب الشرط.

(٤) أي : نحو وجهة ، فهو اسم لا مصدر. انظر تفسير الطبري (ج ٢ ص ١٣) واللسان والمختار (مادة : قصد).

(٥) فى الأصل : «غير». وهو تحريف من الناسخ. والتصحيح مما سيأتى بعد ومن الرسالة (ص ٣٤).

(٦) كذا بالرسالة ؛ وفى الأصل : «بمعنى».

(٧) أي : نحو وجهة ، فهو اسم لا مصدر. انظر تفسير الطبري (ج ٢ ص ١٣) واللسان والمختار (مادة : قصد).

(٨) كذا بالأصل وبعض نسخ الرسالة ؛ أي : وكذلك تقول : قصدت تلقاءه وجهته.


تلقاءه وجهته. وكلها (١) بمعنى واحد : وإن كانت بألفاظ مختلفة.

قال خفاف بن ندبة :

ألا من مبلغ عمرا رسولا

وما تغنى الرّسالة شطر عمرو

وقال ساعدة بن جؤيّة :

أقول لأمّ زنباع : أقيمى

صدور العيس ، شطر بنى تميم

وقال لقيط الإيادىّ (٢) :

وقد أظلّكم من شطر ثغركم

هول له ظلم تغشاكم قطعا

وقال الشاعر :

إنّ العسيب بها داء (٣) مخامرها

فشطرها بصر العينين مسحور

قال الشافعىّ (رحمه الله) : يريد : [تلقاءها] (٤) بصر العينين ونحوها ـ : تلقاء (٥) جهتها.». وهذا كله ـ مع غيره من أشعارهم ـ يبيّن : أنّ شطر الشيء : قصد عين الشيء : إذا كان معاينا : فبالصواب ؛ وإن (٦) كان

__________________

ـ بدليل تفسير الشافعي إياه عقيبه. وإذن : فلا خطأ فى زيادة الواو فى قوله «وجهته» ، وإن خالفت نسخة الربيع التي خلت من الواو. إذ ليست معصومة من الخطأ.

(١) فى الرسالة : «وإن كلها».

(٢) فى عينيته المشهورة التي أنذر بها قومه غزو كسرى إياهم ، والتي صدر بها ابن الشجري مختاراته القيمة.

(٣) كذا ببعض نسخ الرسالة ؛ وفى الأصل : «هذا مخامرها» ، وهو تحريف مخل بالمعنى والوزن. وقد وقع فى رواية هذا البيت اختلاف كبير ، فارجع إلى ما كتبه الشيخ شاكر خاصا به ، فيما علقه علي الرسالة (ص ٣٦ ـ ٣٧ و ٤٨٧ ـ ٤٨٨) فإنه مفيد.

(٤) زيادة عن الرسالة (ص ٣٧).

(٥) هذا بدل من «تلقاءها» المتقدم. لبيان أن الضمير عائد إلى جهة العسيب.

(٦) فى الرسالة. «وإذا».


مغيّبا : فبالاجتهاد والتوجّه (١) إليه. وذلك : أكثر ما يمكنه فيه.»

«وقال الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ : ٦ ـ ٩٧) ؛ وقال تعالى : (وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ : ١٦ ـ ١٦).

فخلق الله لهم العلامات ، ونصب لهم المسجد الحرام ؛ وأمرهم : أن أن يتوجّهوا إليه. وإنما توجّههم إليه : بالعلامات التي خلق لهم ، والعقول التي ركبها فيهم : التي استدلوا بها على معرفة العلامات. وكلّ هذا : بيان ونعمة منه جلّ ثناؤه». (٢)

قال الشافعي : «ووجّه الله رسوله (صلى الله عليه وسلم) ـ إلى القبلة (٣) فى الصلاة ـ إلى بيت المقدس ؛ فكانت القبلة التي لا يحلّ ـ قبل نسخها ـ استقبال غيرها. ثمّ نسخ الله قبلة بيت المقدس ، [و] (٤) وجّهه إلى البيت. [فلا يحلّ لأحد استقبال بيت المقدس أبدا لمكتوبة ، ولا يحلّ أن يستقبل غير البيت الحرام (٥)]. وكلّ كان حقا فى وقته». وأطال الكلام فيه (٦)

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا سفيان بن عيينة ، عن أبى نجيح ، عن مجاهد ، قال : «أقرب ما يكون

__________________

(١) فى الرسالة : «بالتوجه» ؛ وهو أظهر وإن كان لا فرق من حيث المعنى.

(٢) انظر الرسالة (ص ٣٨) ، والأم (ج ١ ص ٨٠ ـ ٨١) : وفى عبارة الأم اختلاف وزيادة.

(٣) فى الرسالة (ص ١٢١) : «للقبلة».

(٤) زيادة عن الرسالة ص ١٢٢).

(٥) زيادة عن الرسالة ص ١٢٢).

(٦) فلينظر فى الرسالة (ص ١٢٢ ـ ١٢٥).


العبد من (١) الله : إذا كان ساجدا ؛ ألم تر إلى قوله : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ : ٩٦ ـ ١٩)؟». يعنى : افعل واقرب (٢). قال الشافعي : «ويشبه ما قال مجاهد (والله أعلم) ما قال (٣)».

فى رواية حرملة عنه ـ فى قوله تعالى : (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً : ١٧ ـ ١٠٧). ـ : قال الشافعي : «واحتمل السجود : أن يخرّ : وذقنه ـ إذا خرّ ـ تلى الأرض ؛ ثم يكون سجود [ه] على غير الذقن».

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «فرض الله (جلّ ثناؤه) الصلاة على رسوله (صلى الله عليه وسلم) ، فقال : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً : ٣٣ ـ ٥٦). فلم يكن فرض الصلاة عليه فى موضع ، أولى منه في الصلاة ؛ ووجدنا الدلالة عن رسول الله

__________________

(١) كذا بالأم (ج ١ ص ١٠٠) ومسند الشافعي (ص ١٤) أو بهامش الأم (ج ٦ ص ٦٢) وترتيب مسند الشافعي (ج ١ ص ٩٣) ؛ وبالأصل : إلى».

(٢) كذا بالأم ؛ وفى المسند اقتصر على كلام مجاهد ، ولم يذكر تفسير الشافعي للاية الكريمة ، الذي أراد به أن يبين : أن القرب من الله لازم للسجود له. وعبارة الأصل وترتيب المسند : «ألم تر إلى قوله : افعل واقترب ؛ يعنى : اسجد واقترب.». ولعل الصواب ما أثبتناه : إذ يبعد أن يكون مجاهد قد تحاشى التلفظ بنص الآية الكريمة لعذر ما ؛ ولو سلمنا ذلك لما كان هناك معنى لأن يتحاشاه من رووا كلامه.

(٣) يعنى : ما قاله النبي (صلى الله عليه وسلم) : مما أثبته الشافعي ـ فى الأم ـ قبل أثر مجاهد ، ولم يذكره البيهقي هنا ـ : من قوله فى حديث ابن عباس : «وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء ؛ فقمن : أن يستجاب لكم.». وقد أخرج البيهقي هذا الحديث فى السنن الكبرى (ج ٢ ص ١١٠).


(صلى الله عليه وسلم) ، [بما وصفت : من أن الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم (١)]و فرض فى الصلاة ؛ والله أعلم». فذكر حديثين : ذكرناهما فى كتاب (المعرفة).

(وأنا) أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهانيّ (رحمه الله) ، أنا أبو سعيد ابن الأعرابي ، أنا الحسن بن محمد الزعفراني ، نا محمد (٢) بن إدريس الشافعي ؛ قال : «أنا مالك ، عن نعيم بن عبد الله المجمر ـ : أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري ـ وعبد الله بن زيد هو : الذي [كان] (٣) أرى (٤) النداء بالصلاة. ـ أخبره (٥) ، عن أبى مسعود الأنصاري ، أنه قال : أتانا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلّى عليك بانبىّ الله ؛ فكيف نصلى عليك؟. فسكت النبي (صلى الله عليه وسلم) ، حتى تمنينا أنه لم يسأله. فقال (٦) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : قولوا : «اللهمّ صلّ على محمد وعلي آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ؛ وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم (٧) ، فى العالمين ، إنك حميد مجيد.».

__________________

(١) زيادة لا بد منها. عن الأم (ج ١ ص ١٠٢).

(٢) فى السنن الكبرى للبيهقى (ج ٢ ص ١٤٦) : «عبد الله بن نافع» ، ولا ذكر للشافعى فى الإسناد. فما هنا طريق آخر للزعفرانى عن الشافعي :

(٣) زيادة عن السنن الكبرى.

(٤) أي : أراه الله الأذان ـ فى المنام ـ قبيل تشريعه ، كما هو مشهور.

(٥) هذا القول كان فى الأصل متقدما على قوله «وعبد الله» ، والتعديل عن السنن الكبرى.

(٦) عبارة السنن الكبرى : «ثم قال» وهى أحسن.

(٧) فى الأصل : «على آل ابراهيم» ، والتصحيح عن السنن الكبرى ، ثم إن فرق البيهقي فيها ـ بين هذه الرواية ورواية مسلم التي أثبتت لفظ الآل ، يؤيد هذا التصحيح.


ورواه المزني وحرملة عن الشافعي ، وزاد فيه : «والسلام كما [قد] علمتم (١)». وفى هذا : إشارة إلى السلام الذي فى التشهد ، على النبىّ (٢) (صلى الله عليه وسلم) ؛ وذلك : فى الصلاة. فيشبه (٣) : أن تكون الصلاة التي أمر بها (عليه السلام) ـ أيضا ـ فى الصلاة ؛ والله أعلم.

قال الشافعي (رحمه الله) ـ فى رواية حرملة ـ : «والذي أذهب إليه ـ من هذا ـ : حديث أبى مسعود ، عن النبىّ (صلى الله عليه وسلم). وإنما ذهبت إليه : لأنى رأيت الله (عزّ وجلّ) ذكر ابتداء صلاته على نبيه (صلى الله عليه وسلم) ، وأمر المؤمنين بها ؛ فقال : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً : ٣٣ ـ ٥٦) ؛ وذكر صفوته من خلقه ، فأعلم : أنهم أنبياؤه ؛ ثم ذكر صفوته من آلهم (٤) فذكر : أنهم أولياء أنبيائه ؛ فقال : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ : ٣ ـ ٣٣). وكان حديث أبى مسعود ـ : أن ذكر الصلاة على محمد وآل محمد. ـ يشبه عندنا لمعنى الكتاب ؛ والله أعلم».

«قال الشافعي : وإني لأحبّ : أن يدخل ـ مع آل محمد (صلى الله عليه وسلم) ـ

__________________

(١) الزيادة عن السنن الكبرى والمجموع للنووى (ج ٣ ص ٤٦٤).

(٢) انظر السنن الكبرى (ج ٢ ص ١٤٧).

(٣) فى الأصل : «فيسن» ، وهو خطأ : كما يدل عليه كلام الشافعي السابق ، وكلامه الذي ذكره بعد ذلك ، ولم ينقله البيهقي هنا. انظر الأم (ج ١ ص ١٠٢) ،

(٤) فى الأصل : «ثم ذكر صفوته قلوبهم» ، وهو خطأ واضح.


أزواجه وذريته ؛ حتى يكون قد اتى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (١)

«قال الشافعي (رحمه الله) : واختلف الناس فى آل محمد (صلى الله عليه وسلم (٢)) فقال منهم قائل : آل محمد : أهل دين محمد (٣). ومن ذهب هذا المذهب ، أشبه أن يقول : قال الله تعالى لنوح : (احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ : ١١ ـ ٤٠) ؛ وحكى [فقال] (٤) (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ، وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ * قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ؛ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) الآية (٥). [فأخرجه بالشرك عن أن يكون من أهل نوح] (٦)

«قال الشافعي (٧) : والذي نذهب إليه فى معنى [هذه (٨)] الآية : أن قول الله (عزّ وجلّ) : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ؛ يعنى الذين (٩) أمرنا [ك] (١٠) بحملهم معك. (فإن قال قائل) : وما دلّ على ما وصفت؟. (قيل) : قال الله عزّ وجلّ : (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ : ١١ ـ ٤٠) ؛ فأعلمه (١١) أنه أمره : بأن يحمل من أهله ، من لم يسبق عليه القول : أنه (١٢) أهل معصية ؛

__________________

(١) انظر فى ذلك السنن الكبرى (ج ٢ ص ١٥٠).

(٢) انظر السنن الكبرى (ج ٢ ص ١٥١ ـ ١٥٢) والمجموع (ج ٣ ص ٤٦٦).

(٣) انظر فى المجموع (ج ٣ ص ٤٦٦) ما احتج به أصحاب هذا المذهب ، غير ما ذكر هنا.

(٤) زيادة للايضاح ، وعبارة السنن الكبرى (ج ٢ ص ١٥٢) والمجموع (ج ٣ ص ٤٦٦) : «وقال إن ابني» ، ولا ذكر فيهما لقوله : «وحكى».

(٥) تمامها : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ؛ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ١١ ـ ٤٥ ـ ٤٦).

(٦) الزيادة عن السنن الكبرى والمجموع.

(٧) أي جوابا عن ذلك ، انظر السنن الكبرى والمجموع.

(٨) زيادة عن السنن الكبرى

(٩) كذا بالسنن الكبرى ؛ وفى الأصل والمجموع (ج ٣ ص ٤٦٧) : «الذي».

(١٠) زيادة عن المجموع.

(١١) كذا بالأصل والمجموع ؛ وفى السنن الكبرى «فأعلمهم» وهو تحريف.

(١٢) بالأصل والسنن الكبرى : «من» وهو خطأ ظاهر ، ويدل على ذلك أن عبارة المجموع ـ وهى منقولة عن السنن الكبرى ـ هكذا : «أنه أمره أن لا يحمل من أهله من سبق عليه القول من أهل معصيته».


ثم بين له فقال : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) ..»

«قال الشافعي : وقال قائل : آل محمد : أزواج النبىّ محمد (١) (صلى الله عليه وسلم). فكأنه ذهب : إلى أن الرجل يقال له : ألك أهل؟ (٢) ؛ فيقول : لا ؛ وإنما يعنى : ليست لى زوجة.»

«قال الشافعي (٣) : وهذا معنى يحتمله اللسان ؛ ولكنه معنى كلام لا يعرف ، إلا أن يكون له سبب (٤) كلام يدلّ عليه. وذلك : أن يقال للرجل : تزوجت؟ فيقول : ما تأهلت (٥) ؛ فيعرف ـ بأول الكلام ـ أنه أراد : تزوجت أو يقول الرجل : أجنبت من أهلى ؛ فيعرف : أن الجنابة إنما تكون من الزوجة. فأما أن يبدأ الرجل ـ فيقول : أهلى ببلد كذا ، أو أنا أزور أهلى ، وأنا عزيز الأهل ، وأنا كريم الأهل. ـ : فانما يذهب الناس فى هذا : إلى أهل البيت.»

«وذهب ذاهبون : إلى أن آل محمد (صلى الله عليه وسلم) : قرابة محمد (صلى الله عليه وسلم) : التي ينفرد بها (٦) ؛ دون غيرها : من قرابته (٧).» «قال الشافعي (٨) (رحمه الله) : وإذا عدّ [من (٩)] آل الرجل : ولده

__________________

(١) انظر ما يدل لذلك فى السنن الكبرى (ج ٢ ص ١٥٠).

(٢) فى الأصل : «ألك أهلك».

(٣) أي : جوابا عن ذلك.

(٤) كذا بالأصل ، ولعل الأصح : «سابق» ، وعلى كل فالمراد : أن يكون له قرينة تدل عليه.

(٥) فى الأصل : «أن يقول الرجل : تزوجت ، فيقال : ما تأهلت» ولعل الصواب ما أثبتناه.

(٦) انظر المجموع (ج ٣ ص ٤٦٦) ، وما يدل لذلك فى السنن الكبرى (ج ٢ ص ١٤٨ ـ ١٤٩).

(٧) أي التي لا ينفرد بها.

(٨) جوابا عن ذلك ، وبيانا للمذهب المختار عنده فى آل محمد : من أنهم بنو هاشم وبنو المطلب ، انظر المجموع (ج ٣ ص ٤٦٦) ، والأم (ج ٢ ص ٦٩).

(٩) هذه الزيادة أولى من تركها.


الذين إليه نسبهم ؛ ومن يأويه (١) بيته : من زوجه أو مملوكه أو مولي أو أحد ضمه عياله ؛ وكان هذا فى بعض قرابته من قبل أبيه ، دون قرابته من قبل امه ؛ وكان يجمعه قرابة فى بعض (٢) قرابته من قبل أبيه ، دون بعض. ـ : فلم يجز أن يستعمل على ما أراد الله (عزّ وجلّ) من هذا (٣) ، ثمّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؛ إلا بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : «إن الصدقة لا تحلّ لمحمد ، ولا لآل محمد ؛ وإن الله حرّم علينا الصدقة ، وعوّضنا منها الخمس» دلّ هذا على أن آل محمد : الذين حرّم الله عليهم الصدقة ، وعوّضهم منها الخمس. «وقال الله عز وجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى : ٨ ـ ٤١). فكانت هذه الآية فى معنى قول النبي (صلى الله عليه وسلم) : «إنّ الصدقة لا تحلّ لمحمد ، ولا لآل محمد» ؛ وكان الدليل عليه : أن لا يوجد أمر يقطع العنت ، ويلزم أهل العلم (والله أعلم) ؛ إلا الخبر (٤) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم). فلما فرض الله على نبيه (صلى الله عليه وسلم) : أن يؤتى ذا القربى حقّه ؛ وأعلمه : أنّ لله خمسه وللرّسول ولذى القربى ؛ فأعطى سهم ذى القربى ، في بنى هاشم وبنى المطلب ـ : دلّ ذلك على أن الذين أعطاهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الخمس ، هم :

__________________

(١) من «أوى» الثلاثي ، وهو يستعمل لازما ومتعديا ، أما «آوى» الرباعي : فلا يستعمل إلا متعديا على الصحيح ، انظر المصباح (مادة : أوى.).

(٢) فى الأصل : «وكان يجمعه قرابته وفى بعض» ، ولعل ما أثبتنا هو الصحيح فليتأمل.

(٣) أي : من لفظ «آل محمد» الذي ورد فى الحديث المتقدم.

(٤) فى الأصل : «بالخبر».


آل محمد الذين أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالصلاة عليهم معه ، والذين اصطفاهم من خلقه ، بعد نبيه (صلى الله عليه وسلم). فإنه يقول : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ : ٣ ـ ٣٣) ، فاعلم : أنه اصطفى الأنبياء (صلوات الله عليهم) ، [وآلهم] (١).».

* * *

قال الشيخ (رحمه الله) : قرأت فى كتاب القديم (رواية الزعفراني ، عن الشافعي) ـ فى قوله عز وجل : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا : ٧ ـ ٢٠٤). ـ : «فهذا ـ عندنا ـ : على القراءة التي تسمع خاصة؟ فكيف ينصت لما لا يسمع؟!».

وهذا (٢) : قول كان يذهب إليه ، ثم رجع عنه فى اخر عمره (٣) ، وقال : «يقرأ بفاتحة الكتاب ، فى نفسه ، فى سكتة الإمام». قال أصحابنا : «ليكون جامعا بين الاستماع ، وبين قراءة الفاتحة ؛ بالسنة (٤)» ؛ «وإن (٥) قرأ مع الإمام ، ولم يرفع بها صوته ـ : لم تمنعه قراءته فى نفسه ، من الاستماع لقراءة إمامه. فإنما أمرنا : بالإنصات عن الكلام ، وما لا يجوز فى الصلاة.». وهو مذكور بدلائله ، فى غير هذا الموضع.

__________________

(١) زيادة : يقتضيها المقام.

(٢) قوله : «وهذا» إلخ ؛ الظاهر أنه من كلام البيهقي لا الزعفراني.

(٣) انظر مختصر المزني بهامش الأم (ج ١ ص ٧٦).

(٤) أي عملا بالسنة التي أوجبت القراءة على كل من يصلى.

(٥) قوله : «وإن إلخ» ، الظاهر أنه من كلام الشافعي لا الأصحاب ، ويكون قوله : «قال أصحابنا» إلخ ، كلاما معترضا للتعليل للكلام السابق.


وقرأت فى كتاب السنن (رواية حرملة ، عن الشافعي ، رحمه الله) : قال : «قال الله تبارك وتعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ : ٢ ـ ٢٣٨). قال الشافعي : من خوطب بالقنوت مطلقا (١) ، ذهب : إلى أنه : قيام فى الصلاة. وذلك : أن القنوت : قيام لمعنى طاعة الله (عزّ وجلّ) ؛ وإذا كان هكذا : فهو موضع كف عن قراءة ؛ وإذا كان هكذا ، أشبه : أن يكون قياما ـ فى صلاة ـ لدعاء ، لا قراءة. فهذا أظهر معانيه ، وعليه دلالة السنة ؛ وهو أولى المعاني أن يقال به ، عندى ؛ والله أعلم.»

«قال الشافعي (رحمه الله) : وقد يحتمل القنوت : القيام كله فى الصّلاة.

وروى عن عبد الله بن عمر : «قيل : أي الصلاة؟ قال : طول القنوت.». وقال طاوس : القنوت ، طاعة الله عزّ وجلّ (٢).».

«وقال الشافعي (رحمه الله) : وما وصفت ـ : من المعنى الأول. ـ أولى المعاني به ؛ والله أعلم.»

«قال : فلما كان القنوت بعض القيام ، دون بعض ـ : لم يجز (والله أعلم) أن يكون إلا ما دلت عليه السنة : من القنوت للدعاء (٣) ، دون القراءة».

«قال : واحتمل قول الله (عزّ وجلّ) : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) : قانتين

__________________

(١) أي من سئل ـ من أهل اللغة ـ عن معنى لفظ القنوت من حيث هو بقطع النظر عن وروده فى كلام الشارع وكونه مأمورا به ، وعما ورد فى السنة من بيان المراد منه.

(٢) انظر الآثار التي أوردها فى ذلك الطبري فى تفسيره (ج ٢ ص ٣٥٢ ـ ٣٥٣)

(٣) انظر فتح الباري (ج ٢ ص ٣٣٤). وانظر المعاني التي يستعمل فيها لفظ القنوت ، فى (ص ٣٣٥) منه


فى الصلاة كلها ، وفى بعضها دون بعض. فلما قنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى الصلاة ، ثم ترك القنوت فى بعضها (١) ؛ وحفظ عنه القنوت فى الصبح بخاصة (٢) ـ : دلّ هذا على أنه إن كان الله أراد بالقنوت : القنوت فى الصلاة ؛ فانما أراد به خاصا.».

«واحتمل : أن يكون فى الصلوات ، فى النازلة. واحتمل طول القنوت : طول القيام. واحتمل القنوت : طاعة الله ؛ واحتمل السّكات (٣)

«قال الشافعي. ولا أرخص فى ترك القنوت فى الصبح ، سأل : لأنه إن كان اختيارا (٤) من الله ومن رسوله (صلى الله عليه وسلم) : لم أرخص فى ترك الاختيار ؛ وإن كان فرضا : كان مما (٥) لا يتبين تركه ولو تركه تارك :كان عليه أن يسجد للسهو (٦) ؛ كما يكون ذلك عليه : لو ترك الجلوس فى شىء.».

قال الشيخ ـ فى قوله : «احتمل السكات». ـ : أراد : السكوت عن كلام الآدميين ؛ وقد روينا عن زيد بن أرقم : «أنهم كانوا يتكلمون فى الصلاة ؛ فنزلت هذه الآية. قال : فنهينا عن الكلام ، وأمرنا بالسكوت (٧)».

__________________

(١) راجع فى ذلك اختلاف الحديث بهامش الأم (ج ٧ ص ٢٨٥ ـ ٢٨٧) ، والأم (ج ٧ ص ١٢٩ و ٢٣١) ، والسنن الكبرى (ج ٢ ص ٢٠٠ ـ ٢٠١).

(٢) راجع فى ذلك اختلاف الحديث بهامش الأم (ج ٧ ص ٢٨٥ ـ ٢٨٧) ، والأم (ج ٧ ص ١٢٩ و ٢٣١) ، والسنن الكبرى (ج ٢ ص ٢٠٠ ـ ٢٠١).

(٣) انظر الأحاديث والآثار التي أوردها فى ذلك الطبري فى تفسيره (ج ٢ ص ٣٥٣ ـ ٣٥٤).

(٤) أي : مندوبا

(٥) فى الأصل «ما».

(٦) قال فى الأم (ج ١ ص ١١٦) «لأنه من عمل الصلاة وقد تركه».

(٧) انظر السنن الكبرى (ج ٢ ص ٢٤٨) وتفسير الطبري (ج ٢ ص ٣٥٤).

وكلام ابن حجر فى الفتح (ج ٨ ص ١٣٨) المتعلق بهذا الحديث.


وروينا عن أبى رجاء العطاردىّ : أنه قال : «صلى بنا ابن عباس صلاة الصبح ـ وهو أمير على البصرة ـ فقنت ، ورفع يديه : حتى لو أن رجلا بين يديه لرأى بياض إبطيه ، فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه ، فقال : هذه الصلاة : التي ذكرها الله (عزّ وجلّ) فى كتابه : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ ، وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ، وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) (١)

(أنا) أبو على الروذبارى ، أنا إسماعيل الصفار ، نا الحسن بن الفضل بن السمح ، ثنا سهل بن تمام ، نا أبو الأشهب ، ومسلم بن زيد ، عن أبى رجاء ؛ فذكره ، وقال : «قبل الركوع (٢)».

(أخبرنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ). فقيل (والله أعلم) : قانتين : مطيعين ؛ وأمر رسول لله (صلى الله عليه وسلم) بالصلاة قائما ؛ وإنما (٣) خوطب بالفرائض من أطاقها ؛ فإذا لم يطق القيام : صلى قاعدا.».

* * *

وبهذا الإسناد ، قال الشافعي : «قال الله عزّ وجلّ : (وَثِيابَكَ

__________________

(١) قد أخرجه البيهقي فى السنن الكبرى (ج ٢ ص ٢٠٥) مختصرا ، وأخرجه الطبري فى تفسيره (ج ٢ ص ٣٥٤) بالزيادة التي ذكرها البيهقي هنا عقب ذلك.

(٢) راجع فى السنن الكبرى «ج ٢ ص ٢٠٦ ـ ٢١٢» الأحاديث والآثار التي وردت فى أن القنوت قبل الركوع أو بعده.

(٣) عبارته فى الأم «ج ١ ص ٦٩» «وإذا خوطب بالفرائض من أطاقها : فاذا كان المرء مطيقا للقيام فى الصلاة : لم يجز إلا هو ، إلا عند ما ذكرت ، من الخوف ، وإذا لم يطق القيام : صلى قاعدا ، وركع وسجد : إذا أطاق الركوع والسجود.».


فَطَهِّرْ : ٧٤ ـ ٤) قيل : صلّ (١) فى ثياب طاهرة ، وقيل غير ذلك. والأول : أشبه ، لأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمر : أن يغسل دم الحيض من الثوب.». يعنى (٢) : للصلاة.

قال الشيخ : وقد روينا عن أبى عمر صاحب ثعلب ، قال : قال ثعلب ـ فى قوله عز وجل : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ). ـ : «اختلف الناس فيه ، فقالت طائفة : الثياب هاهنا : الساتر ؛ وقالت طائفة : الثياب هاهنا : القلب (٣).».

(أخبرنا) على بن محمد بن عبد الله بن بشران ، عن أبى عمر ؛ فذكره.

* * *

(أخبرنا) أبو سعيد محمد بن موسى ، ثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) : «بدأ الله (جلّ ثناؤه) خلق آدم (عليه السلام) من ماء وطين ، وجعلهما معا طهارة ؛ وبدأ خلق ولده من ماء دافق. فكان ـ فى ابتداء (٤) خلق آدم من الطاهرين : اللذين هما الطهارة (٥). ـ : دلالة (٦) لابتداء خلق غيره : أنه من ماء طاهر

__________________

(١) عبارة الام «ج ١ ص ٤٧» «يصلى» وما هنا أولى وأنسب.

(٢) هذا من كلام البيهقي رحمه الله.

(٣) هذا هو التفسير الثاني الذي أشار إليه الشافعي رضى الله عنه.

(٤) عبارة الأم (ج ١ ص ٤٧) : «ابتدائه» ؛ ولا فرق فى المعنى.

(٥) فى الأصل : «طهارة» ؛ وما أثبتناه ـ وهو الأحسن ـ من عبارة الأم التي وردت هكذا : «من الطهارتين اللتين هما الطهارة».

(٦) عبارة الأم : «دلالة أن لا يبدأ خلق غيره إلا من طاهر لا من نجس».


لا نجس (١).».

وقال فى (الإملاء) ـ بهذا الإسناد ـ : «المنى ليس بنجس : لأن الله (جلّ ثناؤه) أكرم من أن يبتدئ خلق من كرّمهم (٢) ، وجعل منهم : النبيين والصديقين ، والشهداء والصالحين ؛ وأهل جنته. ـ من نجس : فإنه يقول : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ : ١٧ ـ ٧٠ ؛ وقال جل ثناؤه : خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) مِنْ نُطْفَةٍ : ١٦ ـ ٤ ؛ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ (٤) مِنْ ماءٍ مَهِينٍ).».

«ولو لم [يكن (٥)] فى هذا ، خبر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : لكان ينبغى أن تكون العقول تعلم : أن الله لا يبتديء خلق من كرّمه وأسكنه جنته ؛ من نجس. [فكيف (٦)] مع ما فيه : من الخبر ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : «أنه كان يصلى فى الثوب : قد أصابه المنى ؛ فلا يغسله ؛ إنما يمسح رطبا ، أو يحت (٧) يابسا» : على معنى التنظيف (٨).

__________________

(١) فى الأم بعد ذلك : «ودلت سنه رسول الله على مثل ذلك» ؛ ثم ذكر حديث عائشة فى فرك المنى من ثوب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؛ وهو ما أشار إليه فى عبارة الإملاء الآتية.

(٢) فى الأصل : «كرمه» ؛ وقد راعينا فيما أثبتناه ، قوله : وجعل منهم ؛ وظاهر الآية الكريمة الذكورة بعد.

(٣) زيادة لا بأس بها.

(٤) زيادة لا بأس بها.

(٥) زيادة لا بد منها.

(٦) زيادة لا بد منها.

(٧) فى الأصل : «أو نعت» ، وهو تحريف من الناسخ.

(٨) انظر الأم (ج ١ ص ٤٧ ـ ٤٨).


مع أن هذا : قول سعد بن أبى وقاص ، وابن عباس ، وعائشة ، وغيرهم ؛ رضى الله عنهم (١).».

* * *

(أخبرنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ؛ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا : ٤ ـ ٤٣). قال الشافعي : فقال بعض أهل العلم بالقرآن ـ فى قول الله عز وجل : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ). ـ : لا (٢) تقربوا موضع (٣) الصلاة. قال : وما أشبه ما قال بما قال ؛ لأنه لا يكون (٤) فى الصلاة عبور سبيل ، إنما عبور السبيل : فى موضعها ؛ وهو : المسجد (٥). فلا بأس أن يمرّ الجنب فى المسجد مارّا (٦) ، ولا يقيم فيه. لقول الله عزّ وجلّ : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ).».

* * *

وبهذا الإسناد ، قال الشافعي : «لا بأس أن يبيت المشرك فى كل مسجد إلا المسجد الحرام : فإن الله (عز وجل) يقول : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ

__________________

(١) انظر الأم (ج ١ ص ٤٨) ، وذيل الأم (ج ١ ص ٤٩ ـ ٥٠).

(٢) هنا فى الأم (ج ١ ص ٤٦) زيادة : «قال». ولا داعي لها.

(٣) فى الأم : «مواضع».

(٤) فى الأم : «لأنه ليس».

(٥) كذا بالأم ، وعبارة الأصل : «وهى فى المسجد» ، ولعل الصواب عبارة الأم.

(٦) أي : عابرا.


نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا : ٩ ـ ٢٨) ؛ فلا ينبغى لمشرك : أن يدخل المسجد الحرام بحال (١).».

* * *

(أخبرنا) أبو سعيد [أنا أبو العباس (٢)] ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) : «ذكر الله (تعالى) الأذان بالصلاة ، فقال : (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ : اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً : ٥ ـ ٥٨) ؛ وقال تعالى : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ : فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ، وَذَرُوا الْبَيْعَ : ٦٢ ـ ٩). فأوجب الله عز وجل (والله أعلم) : إتيان الجمعة ؛ وسنّ رسول الله (صلي الله عليه وسلم) : الأذان للصلوات المكتوبات. فاحتمل (٣) : أن يكون أوجب إتيان صلاة الجماعة فى غير الجمعة ؛ كما أمرنا (٤) بإتيان الجمعة ، وترك البيع. واحتمل : أن يكون أذن بها : لتصلّى لوقتها.»

«وقد جمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : مسافرا ومقيما ، خائفا وغير خائف. وقال (جلّ ثناؤه) لنبيه صلى الله عليه وسلم : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ ، فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ : فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) الآية ، والتي بعدها (٥). وأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من

__________________

(١) انظر ما ذكره ـ بعد ذلك ـ فى الأم (ج ١ ص ٤٦) ، فإنه مفيد.

(٢) زيادة يدل عليها الإسناد السابق واللاحق.

(٣) فى الأصل : «واحتمل». وما أثبتناه عبارة الأم (ج ١ ص ١٣٦) ، وهى أولى وأحسن.

(٤) عبارة الأم : «أمر» وهي أنسب.

(٥) تمام المتروك : (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ ، فَإِذا سَجَدُوا : فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ ، وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا ، فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ، وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ


جاء (١) الصلاة : أن يأتيها وعليه السكينة ؛ ورخص فى ترك إتيان صلاة (٢) الجماعة ، فى العذر ـ : بما سأذكره فى موضعه.»

«فأشبه (٣) ما وصفت ـ : من الكتاب والسنة. ـ : أن لا يحل ترك أن تصلّى كل مكتوبة فى جماعة ؛ حتى لا تخلو جماعة : مقيمون ، ولا مسافرون ـ من أن تصلّى فيهم صلاة جماعة (٤).».

* * *

(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) : «ذكر الله (تعالى) الاستئذان ، فقال فى سياق الآية : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ : فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ : ٢٤ ـ ٥٩) ؛ وقال : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً : فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ : ٤ ـ ٦). فلم (٥) يذكر

__________________

عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً ، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ـ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ ، أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى ـ : أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ، وَخُذُوا ، حِذْرَكُمْ ، إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً* فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ : فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ ، فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ : فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ، إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً : ٤ ـ ١٠٢ و ١٠٣).

(١) فى الام : «أتى».

(٢) هذه الكلمة غير مثبتة فى الأم.

(٣) فى الأم : «وأشبه» ، وما هنا أحسن.

(٤) انظر ما استدل به لذلك ـ من السنة ـ فى الأم (ج ١ ص ١٣٦).

(٥) فى الأم (ج ١ ص ٦٠) : «ولم».


الرشد ـ : الذي يستوجبون به أن ندفع (١) إليهم أموالهم. ـ إلا بعد بلوغ النكاح.»

«قال : وفرض الله الجهاد ، فأبان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : أنه (٢) [على (٣)] من استكمل (٤) خمس عشرة سنة ؛ بأن أجاز ابن عمر ـ عام الخندق ـ : ابن خمس عشرة سنة ؛ وردّه ـ عام أحد ـ : ابن أربع عشرة سنة.»

«قال : فإذا بلغ الغلام الحلم ، والجارية المحيض ـ : غير مغلوبين على عقولهما. ـ : وجبت (٥) عليهما الصلاة والفرائض كلها : وإن كانا ابني أقلّ من خمس عشرة سنة (٦) ؛ وأمر كل واحد منهما بالصلاة : إذا عقلها ؛ وإذا (٧) لم يفعلا (٨) لم يكونا كمن تركها بعد البلوغ ؛ وأدّبا (٩) على تركها (١٠) أدبا خفيفا.».

__________________

(١) فى الأم : «تدفع».

(٢) فى الأم : «به» وهو خطأ.

(٣) زيادة لا بد منها ، عن الأم (ج ١ ص ٦٠).

(٤) فى الأصل : «استملك» : وهو تحريف ظاهر ، والتصحيح عن الأم.

(٥) فى الأم : «أوجبت» ؛ أي : حكمت بالوجوب.

(٦) فى الأم بعد ذلك : «وجبت عليهما الصلاة» ؛ وهى زيادة من الناسخ. تضر فى فهم المعنى كما لا يخفى.

(٧) عبارة الأم : «فإذا».

(٨) عبارة الأصل والأم : «يعقلا» ، وهى محرفة قطعا.

(٩) فى الأصل : «وأدبهما» ؛ وفى الأم : «وأؤدبهما» ، وهو مناسب لقوله : «أوجبت» ، وغير مناسب لقوله : «وأمر». وما أثبتناه مناسب لقوله : «وجبت» ولقوله : «وأمر». فليتأمل.

(١٠) كذا بالأم ، وفى الأصل : «تركهما» ، وعبارة الأم أظهر.


«قال : ومن غلب على عقله بعارض أو مرض (١) أىّ مرض كان ـ : ارتفع (٢) عنه الفرض. لقول (٣) الله تعالى : (وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ : ٢ ـ ١٩٧) ؛ وقوله : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ : ١٣ ـ ١٩ و ٣٩ ـ ٩) : وإن كان معقولا : أن لا يخاطب (٤) بالأمر والنهى إلا من عقلهما.».

* * *

(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) : «وإذا صلت المرأة برجال ونساء. وصبيان ذكور ـ : فصلاة النساء مجزئة ، وصلاة الرجال والصبيان الذكور غير مجزئة. لأن الله (تعالى) جعل الرّجال قوّامين على النساء ، وقصرهن (٥) عن أن يكنّ أولياء ، وغير ذلك. فلا (٦) يجوز : أن تكون امرأة إمام رجل فى صلاة ، بحال أبدا.». وبسط الكلام فيه هاهنا (٧) ، وفى كتاب القديم.

* * *

(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي

__________________

(١) فى الأم : بعارض مرض».

(٢) كذا بالأم ، وفى الأصل : «أن يقع» ، وهو تحريف من الناسخ.

(٣) عبارة الأم : «فى قول» ، وعبارة الأصل أصح أو أظهر ، فليتأمل.

(٤) فى الأصل : «وإن معقولا أنه أن لا يخاطب» ، وفى الام : «وإن كان معقولا لا يخاطب».

(٥) كذا بالأم (ج ١ ص ١٤٥) ، وفي الأصل : «وقصر بهن».

(٦) فى الام : «ولا» ، وما هنا أظهر.

(٧) فانظره فى الأم (ج ١ ص ١٤٥ ـ ١٤٦).


(رحمه الله) : «التقصير (١) لمن خرج غازيا خائفا : فى كتاب الله عز وجل (٢). قال الله جلّ ثناؤه : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ : إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ؛ إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً : ٤ ـ ١٠١)

«قال : والقصر لمن خرج فى غير معصية (٣) : فى السنة (٤)

«قال الشافعي : فأما من خرج (٥) : باغيا على مسلم ، أو معاهد ؛ أو يقطع طريقا ، أو يفسد فى الأرض ؛ أو العبد يخرح : آبقا من سيده ؛ أو الرجل : هاربا ليمنع دما (٦) لزمه ، أو ما فى مثل هذا المعنى ، أو غيره : من المعصية. ـ : فليس له أن يقصر ؛ [فإن قصر : أعاد كل صلاة صلاها (٧).] لأن القصر رخصة ؛ وإنما جعلت الرّخصة لمن لم يكن عاصيا : ألا ترى إلى

__________________

(١) أي : القصر ، قال النيسابورى فى تفسيره (ج ٥ ص ١٥٢) : «يقال : قصر صلاته ، وأقصرها ، وقصرها ، بمعنى». وقال فى فتح الباري (ج ٢ ص ٣٧٩) : «تقول : قصرت الصلاة (بفتحتين مخففا) قصرا ، وقصرتها (بالتشديد) تقصيرا ، وأقصرتها إقصارا. والاول أشهر فى الاستعمال». وانظر تفسير الطبري (ج ٥ ص ١٥٧) ، وتفسير الآلوسى (ج ٥ ص ١١٩) ، والمختار.

(٢) انظر كلام الشافعي المتعلق بذلك فى الأم (ج ١ ص ١٥٩) وفى اختلاف الحديث بذيل الأم (ج ١ ص ١٦١) أو بهامش الام (ج ٧ ص ٦٨) ، وتأمله.

(٣) عبارته فى الام (ج ١ ص ١٦١) : «وسواء فى القصر : المريض والصحيح ، والعبد والحر ، والأنثى والذكر إذا سافروا معا فى غير معصية الله تعالى».

(٤) انظر كلام الشافعي المتعلق بذلك فى الأم (ج ١ ص ١٥٩) وفى اختلاف الحديث بذيل الأم (ج ١ ص ١٦١) أو بهامش الام (ج ٧ ص ٦٨) ، وتأمله.

(٥) فى الأم : «سافر».

(٦) عبارة الأم : «حقا» ؛ وهى وإن كانت أعم من عبارة الأصل ، إلا أن عبارة الأصل أنسب لما بعدها. فليتامل.

(٧) الزيادة عن الام.


قول الله عزّ وجلّ : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ : ٢ ـ ١٧٣).؟.»

«قال : [و (١)] هكذا : لا يمسح على الخفين ، ولا يجمع الصلاة مسافر فى معصية. وهكذا : لا يصلّى لغير (٢) القبلة نافلة ؛ ولا تخفيف (٣) عمن كان سفره فى معصية الله عز وجل.»

«قال الشافعي (رحمه الله) : وأكره ترك القصر ، وأنهى عنه : إذا كان رغبة عن السنة فيه (٤).». يعنى (٥) : لمن خرج فى غير معصية.

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، قال : وقال الحسين بن محمد ـ فيما أخبرت عنه ـ : أنا محمد بن سفيان ، نا يونس بن عبد الأعلى ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) ـ فى قوله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ). ـ قال : [نزل بعسفان] (٦) : موضع بخيبر ، فلما ثبت : أن

__________________

(١) الزيادة عن الأم

(٢) فى الأم : «إلى غير».

(٣) عبارة الام. «يخفف» ؛ وعبارته فى مختصر المزني (ج ١ ص ١٢٧).

«ولا تخفيف على من سفره فى معصية».

(٤) انظر الام (ج ١ ص ١٥٩ ، ومختصر المزني (ج ١ ص ١٢١).

(٥) هذا من كلام البيهقي رحمه الله.

(٦) هذه الزيادة لا بد منها : لأن قوله : «موضع بخيبر» ؛ ناقص محتاج إلى تكملة ولعل ما أثبتناه هو الصحيح المقصود : فقد ذكر فى تفسير الطبري (ج ٥ ص ١٥٦) : أن آية القصر نزلت بعسفان ؛ فإذا لاحظنا : أن «عسفان» من أعمال «الفرع» (كما ذكر فى معجم البكري) ؛ وأن «الفرع» ولاية بالمدينة واقعة على بعد ثمانية برد منها (كما ذكر فى معجم ياقوت) ؛ وأن «خيبر» واقعة على بعد ثمانية برد من المدينة أيضا (كما ذكر البكري وياقوت) ؛ وأنها أشهر من «الفرع» ـ : صح أن يقال : إن عسفان موضع بخيبر (أي قريب منها) : وإن لم يكن من أعمال خيبر نفسها.


رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يزل يقصر مخرجه من المدينة إلى مكة ؛ كانت السنة فى التقصير. فلو أتمّ رجل متعمد : من غير أن يخطّئ من قصر ؛ لم يكن عليه شيء. فأما إن أتمّ : متعمدا ، منكرا للتقصير ؛ فعليه إعادة الصلاة (١)

وقرأت ـ فى رواية حرملة عن الشافعي ـ : «يستحب للمسافر : أن يقبل صدقة الله (٢) ويقصر ؛ فإن أتمّ الصلاة ـ : عن غير رغبة عن قبول رخصة الله عزّ وجلّ. ـ : فلا إعادة عليه ؛ كما يكون ـ إذا صام في السفر ـ : لا إعادة عليه. وقد قال عزّ وجلّ : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ : ٢ ـ ١٨٤). وكما تكون الرخصة فى فدية الأذى : فقد قال الله تعالي : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ : فَفِدْيَةٌ) الآية (٣). فلو ترك الحلق والفدية ، لم يكن عليه بأس : إذا لم يدعه رغبة عن رخصة.».

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع

__________________

(١) انظر كلام الشافعي المتعلق بذلك ، فى اختلاف الحديث بذيل الأم (ج ١ ص ١٦٦) أو بهامش الأم (ج ٧ ص ٧٥ ـ ٧٦).

(٢) اقتباس من قول النبي (عليه السلام) فى حديث يعلى بن أمية المشهور الذي ذكره الشافعي فى الأم (ج ١ ص ١٥٩) وفى اختلاف الحديث بذيل الأم (ج ١ ص ١٦١ ـ ١٦٢).

(٣) تمامها : (مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ؛ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ : فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ؛ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ : فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ؛ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ؛ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ؛ وَاتَّقُوا اللهَ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ : ٢ ـ ١٩٦).


ابن سليمان ، أنا الشافعي (رحمه الله) ، قال : «قال الله عز وجل : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ : فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) الآية. قال : فكان بينا فى كتاب الله : أن (١) قصر الصلاة ـ فى الضرب في الأرض ، والخوف ـ تخفيف من الله (عزّ وجلّ) عن خلقه ؛ لا : أن فرضا عليهم أن يقصروا. كما كان قوله (٢) : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ : ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً : ٢ ـ ٢٣٦) ؛ [رخصة (٣)] ؛ لا : أن حتما عليهم أن يطلقوهن فى هذه الحالة (٤). وكما (٥) كان قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ : ٢ ـ ١٩٨) ؛ يريد (والله أعلم) : أن تتجروا فى الحج ؛ لا : أن حتما أن تتجروا (٦). وكما (٧) كان قوله : ليس عليكم جناح (٨) : (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ

__________________

(١) عبارته فى اختلاف الحديث ـ بهامش الأم : (ج ٧ ص ٦٨) ـ : «أن القصر فى السفر ـ فى الخوف وغير الخوف معا ـ رخصة ؛ لا : أن الله فرض أن تقصروا.».

(٢) عبارته فى اختلاف الحديث : «كما كان بينا فى كتاب الله أن قوله» ؛ وهى أنسب.

(٣) زيادة عن اختلاف الحديث ، والأم (ج ١ ص ١٥٩).

(٤) عبارة الأم : «الحال» ، وعبارته فى اختلاف الحديث : «لا أن حتما من الله أن يطلقوهن من قبل أن يمسوهن)».

(٥) قوله : «وكما» إلى قوله : «لا أن حتما أن تتجروا» ، غير موجود فى اختلاف الحديث.

(٦) عبارة الأم : «لا أن حتما عليهم أن يتجروا» ، وعبارة الأصل أنسب.

(٧) قوله : «وكما» إلى قوله : «غيرهم» ، مؤخر فى الأم ، عن القول الذي بعده.

(٨) كذا بالأصل وبالأم ، وليس هذا القول من الآية الكريمة ، وإنما أراد به الشافعي (رضى الله عنه) : أن يبين متعلق (أن تأكلوا) بالمعنى. وعبارته فى اختلاف الحديث «وكما كان بينا فى كتاب الله [أن] ليس عليكم جناح أن تأكلوا ، إلى جميعا وأشتاتا ، رخصه» ، وهى أسلم وأوضح. وعدم ذكر قوله : «رخصة» فى الأم والأصل ، لدلالة ما قبل عليه.


آبائِكُمْ : ٢٤ ـ ٦١) ؛ (١) لا : أن حتما عليهم أن يأكلوا من بيوتهم ، ولا بيوت غيرهم. وكما (٢) كان قوله : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً : فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ : ٢٤ ـ ٦٠) ؛ فلو (٣) لبسن ثيابهن ولم يضعنها : ما أثمن. وقول الله عزّ وجلّ : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) ؛ يقال : نزلت : (ليس عليهم حرج بترك الغزو ؛ ولو غزوا ما حرجوا).».

* * *

(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «قال الله تبارك وتعالى (٤) : (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ : ٨٥ ـ ٣). [قال الشافعي] (٥) أنا إبراهيم بن محمد ، حدثنى صفوان بن سليم ، عن نافع بن جبير ، وعطاء بن يسار ـ : أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : «شاهد : يوم الجمعة ؛ ومشهود : يوم عرفة (٦)

__________________

(١) عبارته فى اختلاف الحديث : «لا أن الله تعالى حتم عليهم أن يأكلوا من بيوتهم ولا من بيوت آبائهم ، ولا جميعا ، ولا أشتاتا».

(٢) قوله : «وكما» إلى قوله : «حرجوا» ، غير موجود باختلاف الحديث.

(٣) قوله : «فلو» إلى قوله. «حرجوا». غير موجود بالأم.

(٤) فى الأم (ج ١ ص ١٦٧) زيادة آية النداء الآتية بعد.

(٥) زيادة عن الأم للايضاح.

(٦) أخرجه البيهقي فى السنن الكبرى (ج ٣ ص ١٧٠) عن أبى هريرة موقوفا بلفظ : «الشاهد ، والمشهود» ، وعن على مرفوعا بلفظ : «الشاهد : يوم عرفة ويوم الجمعة ، والمشهود هو : اليوم الموعود : يوم القيامة» وأخرجه عن أبى هريرة أيضا مرفوعا بلفظ : «اليوم الموعود : يوم القيامة ، والشاهد : يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة.».


وبهذا الإسناد ، قال الشافعي : «قال الله عزّ وجلّ : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ : فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ : ٦٢ ـ ٩). والأذان ـ الذي يجب على من عليه فرض الجمعة : أن يذر عنده البيع. ـ : الأذان الذي كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؛ وذلك : الأذان الثاني (١) : بعد الزوال ، وجلوس الإمام على المنبر.».

وبهذا الإسناد. قال الشافعي : «ومعقول : أن السعى ـ فى هذا الموضع ـ : العمل ؛ لا (٢) : السعى على الأقدام. قال الله عزّ وجلّ : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى : ٩٢ ـ ٤) ؛ وقال (٣) عز وجل : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ : ١٧ ـ ١٩) وقال : (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً : ٧٦ ـ ٢٢) ؛ وقال تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى : ٥٣ ـ ٣٩) ؛ وقال : (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها : ٢ ـ ٢٠٥). وقال زهير (٤) :

__________________

(١) عبارة الأم (ج ١ ص ١٧٣) : «الذي».

(٢) قوله : «لا السعى على الأقدام» غير موجود بالأم. وموجود بالسنن الكبرى (ج ٣ ص ٢٢٧).

(٣) قوله : «وقال» إلى «مشكورا» غير موجود بالأم ، وموجود بالسنن الكبرى.

(٤) فى لاميته الجيدة التي مدح بها هرم بن سنان والحارث بن عوف (انظر شرح ثعلب لديوان زهير : ص ٩٦ ـ ١١٥).


سعى بعدهم قوم لكى يدركوهم (١)

فلم يفعلوا (٢) ، ولم يلاموا (٣) ، ولم يألوا

[وما يك (٤) من خير أتوه : فإنّما

توارثه آباء آبائهم قبل

وهل يحمل (٥) الخطّىّ إلّا وشيجه

وتغرس ـ إلا فى منابتها ـ النّخل] (٦)

* * *

وبهذا الإسناد ، قال الشافعي : «قال الله عزّ وجلّ : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً : ٦٢ ـ ١١). قال (٧) : ولم (٨) أعلم مخالفا : أنها نزلت فى خطبة النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم الجمعة (٩).».

قال الشيخ : فى رواية حرملة وغيره ـ عن حصين ، عن سالم بن أبى الجعد ، عن جابر ـ : ـ «أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يخطب يوم الجمعة

__________________

(١) فى الأصل : «يدركونهم» وزيادة النون خطأ لا ضرورة لارتكابه.

(٢) هذه رواية الديوان والأم (ج ١ ص ١٧٤) ، وفى الأصل : «يدركونهم» ، ولعل الناسخ روى بالمعنى ولم يتنبه إلى أن زيادة «هم» تخل بالوزن.

(٣) هذه رواية الأصل ، وهى موافقة لرواية ثعلب. ورواية الأم : «ولم يليموا» أي : لم يأتوا ما يلامون عليه. ـ وهى مواقفة لرواية الأصمعي والشنتمرى.

(٤) رواية الشنتمرى «فمايك» ، ورواية ثعلب : «فما كان».

(٥) رواية الديوان : «ينبت».

(٦) زيادة عن الربيع ، أثبتناها لجودتها.

(٧) كذا بالأم (ج ١ ص ١٧٦). وفى الأصل : «وقال».

(٨) فى الأم : «فلم».

(٩) انظر فى الأم (ج ١ ص ١٧٧) ما ذكره الشافعي فى سبب نزول الآية ، غير ما ذكر هنا.


قائما ، فانفتل (١) [الناس (٢)] إليها حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا. فأنزلت هذه الآية».

وفى حديث كعب بن عجرة (٣) : دلالة على أن نزولها كان فى خطبته قائما. قال (٤) : وفى حديث حصين (٥) : «بينما نحن نصلى الجمعة» ؛ فإنه عبر بالصلاة عن الخطبة.

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «قال الله عزّ وجلّ : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ : ٤ ـ ١٠٢).قال الشافعي : فأمرهم ـ : خائفين ، محروسين. ـ : بالصلاة ؛ فدلّ ذلك على أنه أمرهم بالصلاة : للجهة التي وجوههم لها : من القبلة.».

«وقال تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً : ٢ ـ ٢٣٩). فدلّ إرخاصه ـ فى أن يصلوا رجالا أو ركبانا ـ : على أن الحال التي أجاز لهم فيها : أن (٦) يصلوا رجالا وركبانا من الخوف ؛ غير الحال الأولى التي

__________________

(١) كذا بالأصل. أي انصرف ، وفى السنن الكبرى (ج ٣ ص ١٩٧) : «فانتقل».

(٢) الزيادة عن السنن الكبرى.

(٣) حيث يقول فى عبد الرحمن بن الحكم : «انظروا إلى هذا الخبيث : يخطب قاعدا : وقد قال الله عز وجل : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً).» ، انظر السنن الكبرى (ج ٣ ص ١٩٦ ـ ١٩٧) :

(٤) الظاهر أن القائل البيهقي.

(٥) أي : فيه دلالة كذلك على أن نزول الآية كان فى الخطبة قائما ؛ وقوله : فإنه إلخ : توضيح لوجه الدلالة.

(٦) فى الأصل ، «بأن» ، وما أثبتناه أولى ، وموافق لما فى الأم (ج ١ ص ١٩٧).


أمرهم فيها : بأن يحرس بعضهم بعضا. فعلمنا : أن الخوفين مختلفان ، وأن الخوف الآخر ـ : الذي أذن لهم فيه أن يصلوا رجالا وركبانا. ـ لا يكون إلا أشد [من] الخوف الأول (١). ودلّ : على أن لهم أن يصلوا حيث توجهوا : مستقبلى القبلة ، وغير مستقبليها فى هذه الحال ؛ وقعودا على الدواب ، وقياما على الأقدام (٢). ودلت على ذلك السنة.». فذكر حديث ابن عمر فى ذلك (٣).

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ـ فى قوله عزّ وجلّ : (فَإِذا سَجَدُوا : فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ : ٤ ـ ١٠٢) ـ. قال : «فاحتمل (٤) : أن يكونوا إذا سجدوا ما عليهم : من السجود كله ؛ كانوا (٥) من ورائهم. ودلت السنة على ما احتمل القرآن من هذا ؛ فكان أولى معانيه ، والله أعلم».

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : قال الله (تبارك وتعالى) فى شهر رمضان : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ : ٢ ـ ١٨٥). قال : فسمعت من

__________________

(١) انظر الام (ج ١ ص ١٩٠ و ١٩٧).

(٢) انظر الام (ج ١ ص ١٩٧) ومختصر المزني (ج ١ ص ١٤٤ ـ ١٤٥).

(٣) انظره فى الأم (ج ١ ص ١٩٧).

(٤) عبارته فى الأم (ج ١ ص ١٨٧) : واحتمل قول الله عز وجل : (فَإِذا سَجَدُوا) : إذا سجدوا ما عليهم : من سجود الصلاة كله. ودلت على ذلك سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، مع دلالة كتاب الله عز وجل».

(٥) كذا بالأصل ، ولعلها زائدة :


أرضى ـ : من أهل العلم بالقرآن. ـ يقول (١) : (لتكملوا [العدة] (٢)) : عدة صوم شهر رمضان ؛ (وَلِتُكَبِّرُوا (٣) اللهَ : عند إكماله ؛ عَلى ما هَداكُمْ) ؛ وإكماله : مغيب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان. وما أشبه ما قال ، بما قال. والله أعلم.».

* * *

(أنا) أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل ، أنا أبو العباس ، [أنا الربيع (٤)] ، أنا الشافعي ، [قال (٥)] : «قال الله تبارك وتعالى : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ؛ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ) الآية (٦) ؛ وقال : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ، وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) الآية (٧) ؛ مع ما ذكر الله ـ : من الآيات. ـ فى كتابه.»

«قال الشافعي : فذكر الله الآيات ، ولم يذكر معها سجودا إلا مع الشمس والقمر ؛ وأمر : بأن لا يسجد لهما ؛ وأمر : بأن يسجد له. فاحتمل [أمره] (٨) : أن يسجد له ؛ عند (٩) ذكر الشمس والقمر. ـ : أن

__________________

(١) فى الأم (ج ١ ص ٢٠٥) : «أن يقول» ، ولعل «أن» زائدة من الناسخ.

(٢) زيادة عن الأم.

(٣) فى الأم : «تكبروا».

(٤) الزيادة عن الأم (ج ١ ص ٢١٤).

(٥) الزيادة عن الأم (ج ١ ص ٢١٤).

(٦) تمامها : (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ : ٤١ ـ ٣٧). وقد زاد فى الأم الآية التالية لها.

(٧) تمامها : (بِما يَنْفَعُ النَّاسَ ، وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ، وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ـ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ : ٢ ـ ١٦٤).

(٨) الزيادة عن الأم (ج ١ ص ٢١٤).

(٩) قوله : عند إلخ ؛ متعلق بقوله : «أمره» ؛ فليتأمل.


أمر (١) بالصلاة عند حادث فى الشمس والقمر. واحتمل : أن يكون إنما نهى عن السجود لهما ؛ كما نهى عن عبادة ما سواه. فدلت سنة رسول الله (٢) (صلى الله عليه وسلم) : على أن يصلّى لله عند كسوف الشمس والقمر. فأشبه (٣) ذلك معنيين : (أحدهما) : أن يصلّى عند كسوفهما [لا يختلفان فى ذلك] (٤) ؛ و [ثانيهما] : أن لا يؤمر (٥) ـ عند آية كانت فى غيرهما ـ بالصلاة ؛ كما أمر بها عندهما. لأن الله لم يذكر فى شىء ـ : من الآيات. ـ صلاة. والصلاة ـ فى كل حال ـ طاعة [لله تبارك وتعالى] (٦) ، وغبطة لمن صلاها. فيصلى ـ عند كسوف الشمس والقمر ـ صلاة جماعة ؛ ولا يفعل ذلك فى شىء : من الآيات غيرهما.».

* * *

وبهذا الإسناد ، قال الشافعي : «أنا الثقة (٧) : أن مجاهدا كان يقول :

__________________

(١) كذا بالأصل ؛ وفى الأم (ج ١ ص ٢١٤) : «بأن يأمر» ؛ وما فى الأصل هو الظاهر.

(٢) كذا بالأم ، وفى الأصل : «فدل رسول الله» ، وما فى الأم أولى.

(٣) أي : غلب على الظن أن ذلك يدل علي مجموع أمرين. فليتأمل.

(٤) الزيادة عن الأم.

(٥) الزيادة عن الأم.

(٦) فى الأصل والأم : «وأن لا يؤمر» ، فزيادة «ثانيهما» للايضاح.

(٧) قال الإمام الحافظ أبو حاتم الرازي (رحمه الله) : «إذا قال الشافعي : أخبرنى الثقة عن ابن أبى ذئب ، فهو : ابن أبى فديك. وإذا قال : الثقة عن الليث بن سعد ، فهو : يحيى ابن حسان. وإذا قال : الثقة عن الوليد بن كثير ، فهو : عمر بن سلمة. وإذا قال : الثقة فهو : مسلم بن خالد الزنجي ، وإذا قال : الثقة عن صالح مولى التوأمه ، فهو : إبراهيم بن يحيى.». ا هـ انظر هامش الأم (ج ١ ص ٢٢٣).


الرعد : ملك ؛ والبرق : أجنحة الملك يسقن السحاب (١). قال الشافعي : ما أشبه ما قال مجاهد ، بظاهر القرآن.».

وبهذا الإسناد ، أنا الشافعي : «أنا الثقة عن مجاهد : أنه قال : ما سمعت بأحد ذهب البرق ببصره. كأنه ذهب إلى قوله تعالى : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ : ٢ ـ ٢٠)

«قال : وبلغني عن مجاهد أنه قال : وقد سمعت من تصيبه الصواعق وكأنه (٢) ذهب إلى قول الله عزّ وجلّ : (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ : ١٣ ـ ١٣). وسمعت من يقول : الصواعق ربما قتلت وأحرقت.».

وبهذا الإسناد ، قال : أنا الشافعي : «أنا من لا أتهم (٣) ، نا العلاء ابن راشد ، عن عكرمة ، عن ابن العباس ، قال : ما هبّت ريح قطّ إلا جثا النبي (صلى الله عليه وسلم) على ركبتيه ، وقال : «اللهمّ : اجعلها رحمه ، ولا

__________________

(١) كذا بالأم (ج ١ ص ٢٢٤) ، وفى الأصل : «أجنحة لسقى السحاب» ، وقوله : لسقى ، محرف عن : «لسوق» ، إذ السحاب إنما يسقى من بخار البحر كما أشار إلى ذلك الطائي فى قوله :

كالبحر يمطره السحاب ، وليس من

فضل عليه : لأنه من مائه

 (٢) فى الأم : «كأنه».

(٣) قال الربيع بن سليمان (رحمه الله) : «إذا قال الشافعي : أخبرنى من لا أتهم ، يريد : إبراهيم بن يحيى. وإذا قال : بعض أصحابنا ، يريد : أهل الحجاز.» ، وفى رواية : «يريد : أصحاب مالك رحمه الله.». ا هـ انظر هامش الأم (ج ١ ص ٢٢٣).


تجعلها عذابا. اللهمّ : اجعلها رياحا ، ولا تجعلها ريحا.». قال ابن عباس (١) : فى كتاب الله عزّ وجلّ : (إِنَّا (٢) أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً : ٥٤ ـ ١٩ ، و : أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ : ٥١ ـ ٤١ ؛ وقال : وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ : ١٥ ـ ٢٢ ؛ و : أرسلنا (٣) الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ : ٣٠ ـ ٤٦).».

* * *

__________________

(١) بيانا للحديث الشريف

(٢) الزيادة عن الأم (ج ١ ص ٢٢٤).

(٣) هذا بيان للعامل فى قوله : «الرياح» ، وإلا فلفظ الآية الكريمة هكذا : (ومن آياته أن يرسل الرياح لواقح). وكثيرا ما يقع هذا فى عبارات القوم فليتنبه له.


 «ما يؤثر عنه فى الزّكاة (١)»

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) ـ فى قوله عزّ وجلّ : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ : ١٠٧ ـ ٤ ـ ٧). ـ قال الشافعي : «وقال (٢) بعض أهل العلم : هى : الزكاة المفروضة (٣).».

(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله عزّ وجلّ : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ـ : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ : ٩ ـ ٣٤) فأبان : أنّ في الذهب والفضة زكاة (٤). وقول الله عزّ وجلّ : (وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) ؛ [يعنى] (٥) ـ والله تعالى أعلم ـ : فى سبيله التي فرض : من الزكاة وغيرها.»

__________________

(١) هذا العنوان كان فى الأصل واقعا قبل الإسناد الثاني ، فرأينا أن الأنسب تقديمه على الأول.

(٢) فى الرسالة (ص ١٨٧) : «فقال».

(٣) تفسير الماعون بالزكاة مأثور عن بعض الصحابة والتابعين : كعلى وابن عمر وابن عباس. (فى رواية عنه) ومجاهد وابن جبير (فى إحدى الروايتين عنهما) وابن الحنيفة والحسن وقتادة والضحاك. وذهب غيرهم : إلى أنه المتاع الذي يتعاطاه الناس ، أو الزكاة والمتاع ، أو الطاعة ، أو المعروف أو المال. انظر تفسير الطبري (ج ٣٠ ص ٢٠٣ ـ ٢٠٦) والسنن الكبرى (ج ٤ ص ١٨٣ ـ ١٨٤ وج ٦ ص ٨٧ ـ ٨٨).

(٤) انظر الأم (ج ٢ ص ٢) فالكلام فيها أطول وأفيد.

(٥) الزيادة عن الأم.


«فأما (١) دفن المال : فضرب [من (٢)] إحرازه ؛ وإذا حلّ إحرازه بشيء : حل بالدفن وغيره.». واحتج فيه : بابن عمر وغيره (٣).

* * *

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، نا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) : «الناس عبيد الله (جلّ ثناؤه) ؛ فملّكهم ما شاء أن يملّكهم ، وفرض عليهم ـ فيما ملّكهم ـ ما شاء : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ، وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٤). فكان فيما (٥) آتاهم ، أكثر مما جعل عليهم فيه ؛ وكلّ : أنعم به (٦) عليهم ، (جلّ ثناؤه). وكان (٧) ـ فيما فرض عليهم ، فيما ملكهم ـ : زكاة ؛ أبان : [أنّ (٨)] فى أموالهم حقا لغيرهم ـ فى وقت ـ على لسان رسوله (صلى الله عليه وسلم).»

__________________

(١) فى الأم : «وأما».

(٢) الزيادة عن الأم.

(٣) كابن مسعود وأبى هريرة رضى الله عنهم ؛ انظر أقوالهم فى الأم (ج ٢ ص ٢ ـ ٣) ؛ وانظر السنن الكبرى (ج ٤ ص ٨٢ ـ ٨٣).

(٤) سورة الأنبياء : (٢٣).

(٥) كذا بالأصل والأم (ج ٢ ص ٢٣) ؛ والمراد : وكان الباقي لهم من أصل ما آتاهم ، أزيد مما وجب عليهم إخراجه منه.

(٦) فى الأصل والأم : «فيه».

(٧) فى الأم : «فكان» ؛ ويريد الشافعي (رضى الله عنه) بذلك ، أن يقول : إن الأشياء التي قد ملكها الله للعباد ، قد أوجب عليهم فيها حقوقا كثيرة ؛ ومن هذه الحقوق : الزكاة. ثم لما كان فرض الزكاة ـ فى الكتاب الكريم ـ مجملا غير مبين ولا مقيد بوقت ولا غيره ـ : أراد الشافعي أن يبين لنا أن الله قد بين ذلك على لسان رسوله (صلى الله عليه وسلم) ، فقال : «أبان» إلخ.

(٨) الزيادة عن الأم (ج ٢ ص ٢٣).


«فكان (١) حلالا لهم ملك الأموال ؛ وحراما عليهم حبس الزكاة : لأنه ملّكها غيرهم فى وقت ، كما ملكهم أموالهم ، دون غيرهم.».

«فكان بيّنا ـ فيما وصفت ، وفى قول الله عزّ وجلّ : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ (٢) : ٩ ـ ١٠٣). ـ : أن كل مالك تام (٣) الملك ـ : من حرّ (٤) ـ له مال : فيه زكاة.». وبسط الكلام فيه (٥)

* * *

وبهذا الإسناد ، قال الشافعي ـ فى أثناء كلامه فى باب زكاة التجارة (٦) ، فى قول الله عزّ وجلّ : (وَآتُوا حَقَّهُ (٧) يَوْمَ حَصادِهِ : ٦ ـ ١٤١) ـ : «وهذا دلالة على أنه إنما جعل الزكاة على الزرع (٨)». وإنما (٩) قصد : إسقاط الزكاة عن حنطة حصلت فى يده من غير زراعة.

* * *

__________________

(١) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «وكان» : وما فى الأم أظهر.

(٢) الزيادة عن الأم (ج ٢ ص ٢٣)

(٣) كذا بالأم ، وفى الأصل : «قام» ؛ وهو تحريف ظاهر.

(٤) فى الأصل : «خر» ، وهو تحريف ظاهر ، والتصحيح عن الأم.

(٥) انظره فى الأم (ج ٢ ص ٢٣ ـ ٢٤).

(٦) من الأم (ج ٢ ص ٣١).

(٧) انظر فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ١٣٢ ـ ١٣٣) الآثار التي وردت فى المراد بالحق هنا : أهو الزكاة؟ أم غيرها؟

(٨) انظر فى وقت الأخذ ، الرسالة (ص ١٩٥) والأم (ج ٢ ص ٣١).

(٩) هذا من كلام البيهقي رحمه الله ، وقوله : «قصد» إلخ ، أي قصد الشافعي بكلامه هذا ، مع كلامه السابق الذي لم يورده البيهقي هنا.


وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «قال الله (عزّ وجلّ) لنبيه صلى الله عليه وسلم : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ؛ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ). قال الشافعي : والصلاة عليهم : الدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم.»

«فحقّ على الوالي ـ إذا أخذ صدقة امرى ـ : أن يدعو له ؛ وأحب أن يقول : آجرك (١) الله فيما أعطيت ، وجعلها لك طهورا ؛ وبارك لك فيما أبقيت (٢)

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد بن أبى عمرو ؛ قالا : أنا أبو العباس ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : «قال الله عزّ وجلّ : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ، وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ : ٢ ـ ٢٦٧) (٣). يعنى (والله أعلم) : لستم بآخذيه (٤) لأنفسكم ممن لكم عليه حق ؛ فلا تنفقوا مما (٥) لم تأخذوا لأنفسكم ؛ يعنى : [لا (٦)] تعطوا ما خبث عليكم (والله أعلم) : وعندكم الطيّب.».

* * *

__________________

(١) فى الأم «أجرك» ، وكلاهما صحيح ، ومعناهما واحد. انظر المختار (مادة أجر).

(٢) فى الأم بعد ذلك : «وما دعا له به أجزأه إن شاء الله» ؛ وانظر ما ورد فى ذلك ، فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ١٥٧).

(٣) انظر سبب نزول هذه الآية ، فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ١٣٦).

(٤) فى الأم (ج ٢ ص ٤٩) : «تأخذون» ؛ ولا ذكر فيها لقوله : «لستم».

(٥) عبارة الأم : «ما لا تأخذون لأنفسكم».

(٦) زيادة عن الأم ، قد تكون متعينة.


 «ما يؤثر عنه فى الصّيام»

قرأت ـ فى رواية المزني ، عن الشافعي ـ أنه قال : «قال الله جلّ ثناؤه : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ : لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ : ٢ ـ ١٨٣ ـ ١٨٤) ؛ ثم أبان : أن هذه الأيام : شهر رمضان (١) ؛ بقوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (٢) ؛ إلى قوله تعالى : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ : فَلْيَصُمْهُ : ٢ ـ ١٨٥).».

«وكان بيّنا ـ فى كتاب الله عزّ وجلّ ـ : [أنّه (٣)] لا يجب صوم ، إلا صوم شهر رمضان. وكان علم شهر رمضان ـ عند من خوطب باللسان ـ : أنه الذي بين شعبان وشوّال (٤).».

وذكره ـ فى رواية حرملة عنه ـ بمعناه ، وزاد ؛ قال : «فلما أعلم الله الناس : أنّ فرض الصوم عليهم : شهر رمضان ؛ وكانت الأعاجم (٥) : تعدّ الشهور بالأيام (٦) ، لا بالأهلّة ؛ وتذهب : إلى أن الحساب ـ إذا عدت الشهور بالأهلة ـ يختلف. ـ : فأبان الله تعالى : أن الأهلة هى : المواقيت للناس

__________________

(١) انظر الرسالة (ص ١٥٧) واختلاف الحديث بهامش الأم (ج ٧ ص ـ ١٠٥).

(٢) تمام المتروك : (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ).

(٣) زيادة لا بد منها.

(٤) انظر الرسالة (ص ١٥٧ ـ ١٥٨).

(٥) مراده بالأعاجم : الفرس والروم والقبط ؛ لا خصوص الفرس.

(٦) فتجعل بعض الشهور ثلاثين يوما ، وبعضها أكثر ، وبعضها أقل. انظر تفسير الشوكانى (ج ٢ ص ٣٤٢).


والحجّ (١) ؛ وذكر الشهور ، فقال : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ : ٩ ـ ٣٦) ؛ فدلّ : على أن الشهور للأهلة ـ : إذ جعلها المواقيت. ـ لا ما ذهبت إليه الأعاجم : من العدد بغير الأهلة».

«ثم بين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذلك ، على ما أنزل الله (عزّ وجلّ) ؛ وبين : أن الشهر : تسع وعشرون ؛ يعنى : أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين. وذلك : أنهم قد يكونون يعلمون : أن الشهر يكون ثلاثين ؛ فأعلمهم : أنه قد يكون تسعا وعشرين (٢) ؛ وأعلمهم : أن ذلك للأهلة (٣)».

* * *

(أخبرنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله (تعالى) فى فرض الصوم : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) ؛ إلى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ : فَلْيَصُمْهُ ؛ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً ، أَوْ عَلى سَفَرٍ : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ : ٢ ـ ١٨٥)»

«فبيّن (٤) ـ فى الآية ـ : أنه فرض الصيام عليهم عدّة (٥) ، وجعل (٦) لهم : أن يفطروا فيها : مرضي ومسافرين ؛ ويخصوا حتى يكملوا العدّة

__________________

(١) انظر اختلاف الحديث (ص ٣٠٣) ، وانظر سبب خلق الأهلة ، فى تفسير الطبري (ج ٢ ص ١٠٧ ـ ١٠٨).

(٢) انظر الرسالة (ص ٢٧ ـ ٢٨).

(٣) انظر اختلاف الحديث (ص ٣٠٢ ـ ٣٠٣).

(٤) فى اختلاف الحديث (ص ٧٦) : «فكان بينا».

(٥) كذا فى اختلاف الحديث ، وهو الملائم لما بعد. وفى الأصل : «عددا».

(٦) فى اختلاف الحديث ؛ «فجعل».


وأخبر أنه أراد بهم اليسر.»

«وكان قول (١) الله عزّ وجلّ : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً ، أَوْ عَلى سَفَرٍ : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ؛ يحتمل معنيين :»

«(أحدهما) : أن لا يجعل عليهم (٢) صوم شهر رمضان : مرضى ولا مسافرين ؛ ويجعل عليهم عددا ـ إذا مضى السفر والمرض ـ : من أيام أخر.»

«(ويحتمل (٣)) : أن يكون إنما أمرهم بالفطر فى هاتين الحالتين : على الرخصة إن شاءوا ؛ لئلا يحرجوا إن فعلوا.».

«وكان فرض الصوم ، والأمر بالفطر فى المرض والسفر ـ : فى آية واحدة. ولم أعلم مخالفا : أن كل آية إنما أنزلت متتابعة ، لا مفرّقة (٤). وقد تنزل الآيتان فى السورة مفرقتين (٥) ؛ فأما آية : فلا ؛ لأن معنى الآية : أنها كلام واحد غير منقطع ، [يستأنف بعده غيره] (٦)».

وقال فى موضع آخر من هذه المسألة : «لأن معنى الآية : معنى (٧) قطع الكلام.»

__________________

(١) كذا فى اختلاف الحديث (ص ٧٧) ، وفى الأصل : «فى قول» ، وزيادة «فى» من النساخ.

(٢) كذا فى اختلاف الحديث ، وعبارة الأصل : «لهم» ، وهى محرفة.

(٣) كذا فى اختلاف الحديث ، وعبارة الأصل : «يحتمل». وهذا بيان للمعنى الثاني.

(٤) فى اختلاف الحديث : «متفرقة».

(٥) فى اختلاف الحديث : «مفترقتين».

(٦) الزيادة عن اختلاف الحديث ، للايضاح.

(٧) كذا فى اختلاف الحديث ، وبالأصل : «بمعنى».


«فإذ (١) صام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى شهر رمضان ـ : وفرض شهر رمضان إنما أنزل فى الآية. ـ : علمنا (٢) أن الآية بفطر المريض والمسافر رخصة.».

قال الشافعي (رحمه الله) : «فمن أفطر أياما من رمضان ـ من عذر (٣) ـ : قضاهنّ متفرقات ، أو مجتمعات (٤). وذلك : أن الله (عزّ وجلّ) قال : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ؛ ولم يذكرهنّ متتابعات (٥).».

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ : ٢ ـ ١٨٤) فقيل : (يطيقونه (٦)) : كانوا يطيقونه ثم عجزوا (٧) ؛ فعليهم ـ فى كل يوم ـ : طعام مسكين (٨).».

__________________

(١) فى اختلاف الحديث : «فإذا».

(٢) عبارة اختلاف الحديث : «أليس قد علمنا» ؛ وهى واردة فى مقام مناقشة بين الشافعي وغيره.

(٣) عبارته فى الأم (ج ٢ ص ٨٨) : «من عذر : مرض أو سفر ؛ قضاهن فى أي وقت ما شاء : فى ذى الحجة أو غيرها ، وبينه وبين أن يأتى عليه رمضان آخر. ـ متفرقات» إلخ. وانظر ـ فى مسئلة القضاء قبل رمضان التالي ـ السنن الكبرى (ج ٤ ص ٢٥٢).

(٤) انظر السنن الكبرى (ج ٤ ص ٢٥٨ ـ ٢٦٠).

(٥) انظر ما ذكره بعد ذلك فى الأم : فإنه مفيد.

(٦) أي تأويل معناه ؛ وهو يتلخص فى أنه مجاز مرسل باعتبار ما كان.

(٧) انظر ما نقله المزني ـ فى المختصر الصغير (ج ٢ ص ٢٢ ـ ٢٣) ـ عن ابن عباس والشافعي : مما يتعلق بهذا ؛ فإنه مهم. وانظر كذلك : السنن الكبرى (ج ٤ ص ٢٠٠ و ٢٣٠ و ٢٧٠ ـ ٢٧٢) وتفسير الطبري (ج ٢ ص ٧٧ ـ ٨٢).

(٨) انظر فى الأم (ج ٢ ص ٨٩) كلام الشافعي فى الفرق بين فرض الصلاة وفرض الصوم : من حيث السقوط وعدمه ، فهو الغاية فى الجودة.


فى كتاب الصيام (١) (وذلك : بالإجازة.) قال : «والحال (التي يترك بها الكبير الصوم) : أن يجهده الجهد غير (٢) المحتمل. وكذلك : المريض والحامل : [إن (٣) زاد مرض المريض زيادة بيّنة : أفطر ؛ وإن كانت زيادة محتملة : لم يفطر (٤). والحامل] إذا خافت على ولدها : [أفطرت] (٥). وكذلك المرضع : إذا أضرّ بلبنها الإضرار البيّن.». وبسط الكلام فى شرحه (٦).

وقال فى القديم ([رواية] الزعفراني عنه) : «سمعت من أصحابنا ، من نقلوا (٧) ـ إذا سئل [عن تأويل قوله تعالى] (٨) : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ). ـ : فكأنه (٩) يتأوّل : إذا لم يطق الصوم : الفدية».

__________________

(١) أي : الكتاب الصغيرى ، وهو فى الجزء الثاني من الأم (ص ٨٠ ـ ٨٩) ، ومما يؤسف له : أن الكتاب الكبير لم يعثر عليه.

(٢) كذا بالأم (ج ٢ ص ٨٩) ؛ وفى الأصل : «عن» ، وهو محرف.

(٣) فى الأم : و «إن» ، ولعل الواو زائدة من الناسخ ، فليتأمل. وما بين المربعات هنا زيادة عن الأم.

(٤) انظر السنن الكبرى (ج ٤ ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣) وتفسير الطبري (ج ٢ ص ٨٧).

(٥) انظر فى الأم (ج ٧ ص ٢٣٣) : الخلاف فى أن على الحامل المفطر القضاء أم لا ، ومناقشة الشافعي لمن أوجبه كالإمام مالك. فهى مناقشة قوية مفيدة.

(٦) انظره فى الأم (ج ٢ ص ٨٩).

(٧) أي : من نقلوا عن بعض أهل العلم بالقرآن ؛ القول الآتي بعد.

(٨) الزيادة للايضاح.

(٩) فى الأصل : «فكان» ؛ والتصحيح عن الأم. وقد ورد هذا القول فيها مسندا للشافعى (رضى الله عنه) ولا ذكر للاية الكريمة قبله. وهو مروى بالمعنى عن ابن عباس كما فى تفسير الطبري (ج ٢ ص ٨٠).


وقرأت فى كتاب حرملة ـ فيما روى عن الشافعي رحمه الله ـ : أنه قال : «جماع العكوف : ما (١) لزمه المرء ، فحبس عليه نفسه : من شىء ، برّا كان أو مأثما. فهو : عاكف.»

«واحتجّ بقوله عزّ وجلّ : (فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ : ٧ ـ ١٣٨) ؛ وبقوله تعالى [حكاية] (٢) عمن رضي قوله : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ : ٢١ ـ ٥٢).» «قيل : فهل للاعتكاف المتبرّر ، (٣) أصل فى كتاب الله  عزوجل؟.

قال : نعم (٤) ؛ قال الله عزّ وجلّ : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ : (٥) وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ : ٢ ـ ١٨٧) ؛ والعكوف فى المساجد : [صبر الأنفس فيها ، وحبسها على عبادة الله تعالى وطاعته].» (٦)

__________________

(١) قوله : ما لزمه إلخ ؛ فيه تجوز ، وظاهره غير مراد قطعا. إذ أصل العكوف : الإقامة على الشيء أو بالمكان ، ولزومهما ، وحبس النفس عليهما. انظر اللسان (مادة : عكف) ، وتفسير الطبري (ج ٢ ص ١٠٤).

(٢) الزيادة للايضاح ؛ والمرضى قوله هنا هو الخليل ، عليه السلام.

(٣) أي : المتبرر به ؛ على حد قولهم : الواجب المخير أو الموسع ؛ أي : فى أفراده ، أو أوقاته.

(٤) فى الأصل : «يعنى» ، وهو تحريف من الناسخ.

(٥) أخرج فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ٣٢١) عن ابن عباس ، أنه قال : «المباشرة والملامسة والمس : جماع كله ؛ ولكن الله (عز وجل) يكنى ما شاء بما شاء» ؛ وانظر الخلاف فى تفسير المباشرة ، فى الطبري (ج ٢ ص ١٠٤ ـ ١٠٦).

(٦) هذه الزيادة قد تكون صحيحة متعينة ؛ إذ ليس المراد : بيان أن العكوف المتبرر يكون فى المساجد ، أو لا يكون إلا فيها ، وإنما المراد : بيان أن العكوف فى المساجد متبرر به ؛ لأنه حبس للنفس فيها من أجل العبادة. ولو كان قوله : والعكوف فى المساجد (بدون الواو) ؛ مذكورا عقب قوله : نعم ، لما كان ثمة حاجة للزيادة : وإن كان الجواب حينئذ لا يكون ملائما للسؤال تمام الملاثمة ، فليتأمل.


 «ما يؤثر عنه فى الحجّ»

وفيما أنبأنا أبو عبد الله الحافظ (إجازة) : أنبأنا أبو العباس ، حدثهم ، قال : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) : «الآية التي فيها بيان فرض الحج على من فرض عليه ، هى (١) : قول الله تبارك وتعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ : حِجُّ الْبَيْتِ ؛ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً : ٣ ـ ٩٧). وقال تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ : ٢ ـ ١٩٦) (٢)

«قال الشافعي : أنا ابن عيينة ، عن ابن أبى نجيح ، عن عكرمة ، قال : لما نزلت : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً : فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) الآية (٣). ـ قالت اليهود (٤) : فنحن مسلمون ؛ فقال الله لنبيه (صلى الله عليه وسلم) : فحجّهم (٥) ؛ فقال لهم النبىّ (صلى الله عليه وسلم) : حجّوا (٦) ؛ فقالوا : لم يكتب علينا ؛ وأبوا أن يحجوا. فقال (٧) الله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ

__________________

(١) فى الأصل : «فى قول». وفى الأم (ج ٢ ص ٩٣) : «قال». ولعل ما أثبتناه هو الظاهر.

(٢) انظر ـ فى كون العمرة واجبة ـ مختصر المزني (ج ٢ ص ٤٨ ـ ٤٩) ، والأم (ج ٢ ص ١١٣).

(٣) تمام المتروك : (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ : ٣ ـ ٨٥).

(٤) انظر ـ فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ٣٢٤) ـ ما ذكره مجاهد.

(٥) فى السنن الكبرى : «فاخصمهم) يعنى بحجتهم)».

(٦) عبارة السنن الكبرى : «إن الله فرض على المسلمين حج البيت : من استطاع إليه سبيلا.».

(٧) بالأصل والأم والسنن : «قال» ، ولعل زيادة الفاء أظهر.


الْعالَمِينَ : ٣ ـ ٩٧). قال عكرمة : ومن كفر ـ : من أهل الملل (١). ـ : فإن الله غنىّ عن العالمين.».

«قال الشافعي : وما أشبه ما قال عكرمة ، بما قال (والله أعلم) ـ : لأن هذا كفر بفرض الحج : وقد أنزله الله ؛ والكفر بآية من كتاب الله : كفر.».

«قال الشافعي : أنا مسلم بن خالد ، وسعيد بن سالم ، عن ابن (٢) جريج ، قال : قال مجاهد ـ فى قول الله : (وَمَنْ كَفَرَ). ـ قال : هو (٣) فيما : إن حجّ لم يره برّا ، وإن جلس لم يره إثما (٤)

«كان سعيد بن سالم ، يذهب : إلى أنه كفر بفرض الحجّ. قال (٥) : ومن كفر بآية من كتاب الله عزّ وجلّ ـ : كان كافرا.»

«وهذا (إن شاء الله) : كما قال مجاهد ؛ وما قال عكرمة فيه : أوضح ؛ وإن كان هذا واضحا.».

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «قال الله تبارك وتعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ

__________________

(١) فى الأصل : «الملك» ؛ وهو تحريف ظاهر ، والتصحيح عن الأم والسنن الكبرى.

(٢) فى السنن الكبرى : «عن سفيان عن ابن أبى نجيح».

(٣) فى الأم : «هو ما إلخ» ، وفى السنن الكبرى : «من إن حج .. ومن تركه ..».

(٤) أخرجه فى السنن الكبرى أيضا عن ابن عباس ؛ بلفظ : «من كفر بالحج : فلم يرجحه برا ، ولا تركه إثما».

(٥) فى الأم : «قال الشافعي» ، والظاهر أن القائل سعيد. فليتأمل.


مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً). والاستطاعة ـ فى دلالة السنة والإجماع ـ : أن يكون الرجل يقدر على مركب وزاد : يبلّغه ذاهبا وجائيا ؛ وهو يقوى على (١) المركب. أو : أن يكون له مال ، فيستأجر به من يحج عنه. أو : يكون له من : إذا أمره أن يحجّ عنه ، أطاعه (٢).». وأطال الكلام فى شرحه (٣).

وإنما أراد به : الاستطاعة التي هي سبب وجوب (٤) الحج. فأما الاستطاعة ـ التي هى : خلق الله تعالى ، مع كسب العبد (٥). ـ : فقد قال الشافعي في أول كتاب (الرسالة) (٦) :

«والحمد لله الذي لا يؤدّى شكر نعمة ـ من نعمه ـ إلا بنعمة منه : توجب على مؤدّى ماضى نعمه ، بأدائها ـ : نعمة حادثة يجب عليه شكره [بها] (٧).».

وقال بعد ذلك : «وأستهديه بهداه (٨) : الذي لا يضلّ من أنعم به عليه.».

وقال فى هذا الكتاب (٩) : «الناس متعبّدون : بأن يقولوا ، أو يفعلوا

__________________

(١) أي : على الثبوت عليه.

(٢) انظر السنن الكبرى (ج ٤ ص ٣٢٧ ـ ٣٣٠ وج ٥ ص ٢٢٤ ـ ٢٢٥).

(٣) انظره فى الأم (ج ٢ ص ٩٦ ـ ٩٨ و ١٠٤ ـ ١٠٧) ومختصر المزني (ج ٢ ص ٣٩ ـ ٤١).

(٤) بالأصل : «وجود» ؛ وهو تحريف من الناسخ.

(٥) بالأصل : «العهد» ؛ وهو تحريف أيضا.

(٦) ص (٧ ـ ٨).

(٧) الزيادة عن الرسالة.

(٨) فى الأصل : «بهداية» ؛ والتصحيح عن الرسالة.

(٩) أي : كتاب أحكام القرآن.


ما أمروا : أن (١) ينتهوا إليه ، لا يجاوزونه. لأنهم لم يعطوا أنفسهم شيئا ، إنما هو : عطاء الله (جلّ ثناؤه). فنسأل الله : عطاء : مؤدّيا لحقه ، موجبا لمزيده.».

وكلّ هذا : فيما أنبأنا أبو عبد الله ، عن أبى العباس ، عن الربيع ، عن الشافعي.

وله ـ فى هذا الجنس ـ كلام كثير : يدلّ على صحة اعتقاده فى التّعرّى (٢) من حوله وقوّته ، وأنه لا يستطيع العبد أن يعمل بطاعة الله (عزّ وجلّ) ، [إلا بتوفيقه (٣)]. وتوفيقه : نعمته الحادثة : التي بها يؤدّى شكر نعمته الماضية ؛ وعطاؤه : الذي به يؤدّى حقّه ؛ وهداه : الذي به لا يضلّ من أنعم به عليه.

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، نا الشافعي ـ فى قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ : ٢ ـ ١٩٧). قال (٤) : «أشهر الحج (٥) : شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجّة (٦). ولا يفرض الحج [إلا (٧)] فى

__________________

(١) فى الأصل : «وينتهوا» ؛ وهو خطأ.

(٢) فى الأصل : «التقرى» ؛ وهو تحريف من الناسخ.

(٣) زيادة لا بد منها.

(٤) انظر مختصر المزني (ج ٢ ص ٤٦ ـ ٤٧) ، والشرح الكبير والمجموع (ج ٧ ص ٧٤ و ١٤٠ ـ ١٤٢).

(٥) انظر فى المجموع (ج ٧ ص ١٤٥ ـ ١٤٦) مذاهب العلماء فى أشهر الحج.

(٦) أخرجه فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ٣٤٢) عن ابن عمر وابن عباس وابن مسعود وابن الزبير ، بلفظ : «وعشر من ذى الحجة».

(٧) زيادة لا بد منها.


شوال كلّه ، وذى القعدة كلّه ، وتسع (١) من ذى الحجة. ولا يفرض : إذا خلت عشر ذى الحجة (٢) ؛ فهو : من شهور الحجّ ؛ والحج بعضه دون بعض.».

وقال ـ فى قوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ : ٢ ـ ١٩٦) ـ : «فحاضره : من قرب منه ؛ وهو : كل من كان أهله من دون أقرب المواقيت ، دون ليلتين (٣)».

* * *

(وأنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) ـ فيما بلغه عن وكيع ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن علىّ ـ فى هذه الآية : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ : ٢ ـ ١٩٦) (٤). ـ قال : «أن يحرم الرجل من دويرة أهله (٥)».

__________________

(١) انظر الاعتراض الوارد على هذا التعبير ، ودفعه ـ فى الشرح الكبير والمجموع (ج ٧ ص ٧٥ و ١٤٣).

(٢) قال عطاء (كما فى السنن الكبرى ج ٤ ص ٣٤٣) : «إنما قال الله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) ؛ لئلا يفرض الحج فى غيرهن». وقال عكرمة : «لا ينبغى لأحد أن يحرم بالحج إلا فى أشهر الحج ؛ من أجل قول الله جل وعز : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ).» ، انظر ذلك وما روى عن عطاء أيضا فى مختصر المزني والأم (ج ٢ ص ٤٦ ـ ٤٧ و ١٣٢).

(٣) عبارته فى مختصر المزني (ج ٢ ص ٥٩) : «من كان أهله دون ليلتين ، وهو حينئذ أقرب المواقيت» ؛ فتأملها وانظر ما ذكر فى لمجموع (ج ٧ ص ١٧٥).

(٤) انظر فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ٣٤١) ما روى فى تفسير ذلك عن ابن مسعود وابن عباس.

(٥) أخرجه عن على وأبى هريرة ـ فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ٣٤١ وج ٥ ص ٣٠ بلفظ : «تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك» ؛ وانظر فى ذلك الشرح الكبير والتلخيص والمجموع (ج ٧ ص ٧٩ و ١٩٩ ـ ٢٠٢).


(وأنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، نا الشافعي ، قال : «ولا يجب دم المتعة على المتمتع ، حتى يهلّ بالحج (١) : لأن الله (جلّ ثناؤه) يقول : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ : فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ : ٢ ـ ١٩٦). وكان بيّنا ـ فى كتاب الله عزّ وجلّ ـ : أن التمتع هو : التمتع بالإهلال من العمرة (٢) إلى أن يدخل فى الإحرام بالحج ؛ وأنه إذا دخل فى الإحرام بالحج : فقد أكمل التمتع (٣) ، ومضى التمتع ؛ وإذا مضي بكماله : فقد وجب عليه دمه. وهو قول عمرو بن دينار (٤)

«قال الشافعي : ونحن نقول : ما استيسر ـ : من الهدى. ـ : شاة ؛ (ويروى عن ابن عباس) (٥). فمن لم يجد : فصيام ثلاثة أيام : فيما بين أن يهلّ بالحجّ إلى يوم عرفة ؛ فإذا لم يصم : صام بعد منى : بمكة أو فى سفره ؛ وسبعة أيام بعد ذلك.»

«وقال فى موضع آخر : وسبعة فى المرجع. وقال فى موضع آخر : إذا رجع إلى أهله (٦).».

* * *

__________________

(١) قال سعيد بن المسيب (كما فى السنن الكبرى ج ٤ ص ٣٥٦) : «كان أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) يتمتعون فى أشهر الحج ؛ فإذا لم يحجوا عامهم ذلك : لم يهدوا شيئا ،».

(٢) كذا بالأصل ؛ والمراد : الانتقال من الإهلال بالعمرة إلى الإهلال بالحج. إذ أصل الإهلال بالعمرة متحقق من قبل.

(٣) انظر مختصر المزني (ج ٢ ص ٥٦ ـ ٥٧).

(٤) انظر السنن الكبرى (ج ٥ ص ٢٤).

(٥) وعطاء والحسن وابن جبير والنخعي ؛ كما فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ٢٤).

(٦) انظر ـ فى هذا المقام ـ السنن الكبرى (ج ٥ ص ٢٤ ـ ٢٦) ومختصر المزني (ج ٢ ص ٥٨ ـ ٥٩) والمجموع (ج ٧ ص ١٨٧ ـ ١٨٩).


(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي : «أنا ابن عيينة ، نا هشام ، عن طاووس (١) ـ فيما أحسب (٢) ـ أنه قال : الحجر (٣) من البيت (٤). وقال الله تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ : ٢٢ ـ ٢٩) ؛ وقد طاف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من وراء الحجر (٥)

قال الشافعي ـ فى غير هذه الرواية ـ : «سمعت عددا ـ من أهل العلم : من قريش. ـ يذكرون : أنه ترك من الكعبة فى الحجر ، نحو من ستة أذرع (٦).».

* * *

وقال ـ فى قوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ :

__________________

(١) فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ٩٠) : «عن طاوس عن ابن عباس».

(٢) فى الأصل : «أحسن» ؛ وهو تحريف من الناسخ.

(٣) انظر المجموع (ج ٨ ص ٢٢ ـ ٢٦) : ففيه فوائد جمة.

(٤) قال بعد ذلك ـ كما فى السنن الكبرى ـ : «لأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) طاف بالبيت من ورائه ؛ قال الله تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).» ؛ وقال أيضا (كما فى السنن الكبرى ج ٥ ص ١٥٦) : «من طاف بالبيت فليطف وراء الحجر».

(٥) انظر فى الأم (ج ٢ ص ١٥٠ ـ ١٥١) كلام الشافعي المتعلق بذلك : فإنه جيد مفيد.

(٦) قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعائشة : «إن قومك ـ حين بنو البيت ـ قصرت بهم النفقة ، فتركوا بعض البيت فى الحجر. فاذهبى فصلى فى الحجر ركعتين» ؛ انظر السنن الكبرى (ج ٥ ص ١٥٨) وانظر فيها (ج ٥ ص ٨٩) ما روى عن يزيد بن رومان ، وانظر الأم (ج ٢ ص ١٥١).


٢ ـ ١٩٦) (١). ـ : «أما الظاهر : فإنه مأذون بحلاق (٢) الشعر : للمرض ، والأذى فى الرأس : وإن لم يمرض (٣).».

* * *

(أنبأني) أبو عبد الله (إجازة) : أن أبا العباس حدّثهم : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) ـ فى الحج : فى أن للصبى حجا : ولم يكتب عليه فرضه. ـ : «إن الله (جلّ ثناؤه) بفضل نعمته ، أثاب الناس على الأعمال أضعافها ؛ ومنّ على المؤمنين ـ : بأن ألحق بهم ذرياتهم ، ووفّر عليهم أعمالهم. ـ فقال : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ، وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ : ٥٢ ـ ٢١)

«فكما منّ على الذّرارى : بإدخالهم جنته بلا عمل (٤) ؛ كان : أن منّ عليهم ـ : بأن يكتب عليهم عمل البرّ فى الحج : وإن لم يجب عليهم. ـ : من ذلك المعنى.». ثم استدل على ذلك بالسنة (٥).

* * *

__________________

(١) انظر سبب نزول هذه الآية ، فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ٥٤ ـ ٥٥).

(٢) كل من الحلاق والحلق : مصدر لحلق كما ذكر فى المصباح ، ونص عليه فى المجموع (ج ٨ ص ١٩٩). ولم يذكر الحلاق مصدرا فى غيرهما من المعاجم المتدوالة ؛ وذكر فى اللسان : أنه جمع للحليق وهو الشعر المحلوق. وكلام الشافعي حجة فى اللغة.

(٣) انظر الأم (ج ٢ ص ١٥١).

(٤) فى الأصل : «بالأعمال» ؛ وهو خطأ وتحريف من الناسخ. والتصحيح عن الأم (ج ٢ ص ٥٩).

(٥) انظر .. فى ذلك .. الأم (ج ٢ ص ٩٥ و ١٥١) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ١٥٥ ـ ١٥٦).


(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) : «قال الله تبارك وتعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ ، وَأَمْناً (١) ؛ إلى [قوله] (٢) : وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ : ٢ ـ ١٢٥)

«قال الشافعي : المثابة ـ فى كلاب العرب ـ : الموضع : يثوب الناس إليه ، ويؤوبون : يعودون إليه بعد الذّهاب عنه (٣). وقد يقال : ثاب إليه : اجتمع إليه ؛ فالمثابة تجمع الاجتماع ؛ ويؤوبون : يجتمعون إليه : راجعين بعد ذهابهم عنه ، ومبتدئين. قال ورقة بن نوفل (٤) ، يذكر البيت :

مثابا لأفناء القبائل كلّها

تخبّ إليه اليعملات (٥) الذّوابل (٦)

وقال خداش بن زهير [النّصريّ] :

فما برحت بكر تثوب وتدّعى

ويلحق (٧) منهم أوّلون فآخر (٨)»

__________________

(١) تمام المتروك : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ؛ وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ : أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ).

(٢) الزيادة عن الأم.

(٣) فى الأم : «منه».

(٤) كذا بالأصل والأم ، وتفاسير الطبري (ج ١ ص ٤٢٠) والطبرسي الشيعي (ج ١ ص ٢٠٢) وأبى حيان (ج ١ ص ٣٨٠) والقرطبي (ج ٢ ص ١١٠) والشوكانى (ج ١ ص ١١٨). وروى فى اللسان والتاج (مادة : ثوب) عن الشافعي : منسوبا لأبى طالب.

والذي تطمئن إليه النفس أن البيت لورقة ؛ ويؤكد ذلك خلو ديوان أبى طالب (المطبوع (بالنجف سنة ١٣٥٦ ه‍) منه.

(٥) جمع يعملة ، وهى : الناقة السريعة.

(٦) كذا بالأصل وتفسير الشوكانى ، وفى الأم واللسان والقرطبي : «الذوامل» ، وفى التاج : «الزوامل» ، وفى تفاسير الطبري والطبرسي وأبى حيان : «الطلائح» ، والكل صحيح المعنى.

(٧) كذا بالأم ، وفى الأصل : «وتلحق».

(٨) وفى الأم : «وآخر».


«قال الشافعي : وقال الله تبارك وتعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً : وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ : ٢٩ ـ ٦٧) ؛ يعنى (والله أعلم) : [آمنا (١)] من صار إليه : لا يتخطّف اختطاف من حولهم.»

وقال (عزّ وجلّ) لإبراهيم خليله ـ عليه السلام ـ : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً ، وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ : ٢٢ ـ ٢٧)

«قال الشافعي : سمعت (٢) [بعض من أرضى] (٣) ـ من أهل العلم ـ يذكر : أن الله (عزّ وجلّ) لما أمر بهذا ، إبراهيم (عليه السلام) : وقف على المقام ، وصاح (٤) صيحة : عباد الله ؛ أجيبوا داعى الله. فاستجاب له حتى من [فى (٥)] أصلاب الرجال ، وأرحام النساء (٦). فمن حج البيت بعد دعوته ، فهو : ممن أجاب دعوته. ووافاه من وافاه ، يقول (٧) : لبّيك داعى ربّنا لبيك (٨).».

وهذا ـ : من قوله : «وقال لإبراهيم خليله». ـ : إجازة ؛ وما قبله : قراءة.

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، قال : سألت الشافعيّ عمن قتل من الصيد شيئا : وهو محرم ؛ فقال : «من قتل من

__________________

(١) الزيادة عن الأم.

(٢) فى الأم (ج ٢ ص ١٢٠) : «فسمعت».

(٣) زيادة لا بد منها ، عن الأم.

(٤) فى الأم : «فصاح».

(٥) زيادة لا بد منها ، عن الأم.

(٦) انظر فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ١٧٦) ما روى عن ابن عباس فى هذا.

(٧) فى الأم : «يقولون» ؛ ولا خلاف فى المعنى.

(٨) انظر فى الأم ، كلامه بعد ذلك : فهو مفيد.


دوابّ (١) الصيد ، شيئا : جزاه بمثله : من النّعم. لأن الله (تعالى) يقول : (فَجَزاءٌ : مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ : ٥ ـ ٩٥) ؛ والمثل لا يكون إلا لدواب (٢) الصيد (٣)

«فأما الطائر : فلا مثل له ؛ ومثله : قيمته (٤). إلا أنا نقول فى حمام مكة ـ : اتباعا (٥) للآثار (٦) ـ : شاة (٧).».

(أنا أبو سعيد بن أبى عمرو ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي ـ فى قوله عزّ وجلّ : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً : فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ). ـ : «والمثل واحد ؛ لا : أمثال. فكيف زعمت : أن عشرة لو قتلوا صيدا : جزوه بعشرة أمثال (٨).؟!».

__________________

(١) فى الأصل : «ذوات» ؛ وهو خطأ وتحريف من الناسخ والتصحيح عن الأم (ج ٧ ص ٢٢١).

(٢) فى الأصل : «لذوات» ؛ وهو تحريف أيضا ؛ قال الشافعي فى الأم (ج ٢ ص ١٦٥ ـ ١٦٦) : «والمثل لدواب الصيد ؛ لأن النعم دواب رواتع فى الأرض» إلخ ؛ فراجعه وانظر كلامه فى الفرق بين الدواب والطير : فهو جيد.

(٣) قال الشافعي : «والمثل : مثل صفة ما قتل.» ؛ انظر السنن الكبرى (ج ٥ ص ١٨٥ ـ ١٨٧).

(٤) انظر السنن الكبرى (ج ٥ ص ٢٠٦ ـ ٢٠٧) ، وانظر الأم (ج ٢ ص ١٦٦) فى الاستدلال على أن الطائر يفدى ولا مثل له من النعم.

(٥) أي : لا قياسا.

(٦) التي ذكرها عن عمر وعثمان وابن عباس وابن عمر وعاصم ابن عمر وعطاء وابن المسيب ؛ انظر الأم (ج ٢ ص ١٦٦) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ٢٠٥ ـ ٢٠٦) ؛ وانظر ما نقله فى الجوهر النقي. عن صاحب الاستذكار : من فرق الشافعي بين حمام مكة وغيره ؛ ثم انظر المجموع (ج ٧ ص ٤٣١).

(٧) انظر فى ذلك وفى الفرق بين الحمام وغيره ، مختصر المزني والأم (ج ٢ ص ١١٣ و ١٦٦ ـ ١٦٧ و ١٧٦) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ١٥٦).

(٨) كذا بالأم (ج ٧ ص ١٩) وقال فى الأم (ج ٢ ص ١٧٥) : «وإذا أصاب المحرمان ـ أو الجماعة صيدا : فعليهم كلهم جزاء واحد» ؛ ونقل مثل ذلك عن عمرو عبد الرحمن بن عوف وابن عمر وعطاء ؛ ثم قال (ص ١٧٥ ـ ١٧٦) : «وهذا موافق لكتاب الله عز وجل : لأن الله تبارك وتعالى يقول : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) ، وهذا : مثل. ومن قال : عليه مثلان ، فقد خالف القرآن».


وجرى فى كلام الشافعي ـ : فى الفرق بين المثل وكفارة القتل (١). ـ : أن الكفارة : موقتة ؛ والمثل : غير موقت ؛ فهو ـ بالدية والقيمة ـ أشبه.

واحتجّ ـ فى إيجاب المثل فى جزاء دواب (٢) الصيد ، دون اعتبار القيمة ـ : بظاهر الآية ؛ [فقال] (٣) :

«قال الله عزّ وجلّ : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (٤) ؛ و [قد] (٥) حكم عمر وعبد الرحمن ، وعثمان [وعلى (٦)] وابن عباس ، وابن عمر ، وغيرهم (٧) (رضى الله عنهم) ـ فى بلدان مختلفة ، وأزمان شتّى ـ : بالمثل من النّعم» فحكم حاكمهم فى النعامة : ببدنة (٨) ؛ والنعامة لا

__________________

(١) راجع بتأمل ودقة ، كلامه فى الأم (ج ٢ ص ١٥٨ ـ ١٦١ وج ٧ ص ١٩ ـ ٢٠).

(٢) فى الأصل ذوات والتصحيح عن الأم.

(٣) زيادة مفيدة.

(٤) قال بعد ذلك ، فى مختصر المزني (ج ٢ ص ١٠٧ ـ ١٠٨) : «والنعم : الإبل والبقر والغنم ، وما أكل من الصيد ، صنفان : دواب وطائر. فما أصاب المحرم : من الدواب ، نظر إلى أقرب الأشياء من المقتول ، شبها بالنعم ، ففدى به».

(٥) الزيادة عن المختصر.

(٦) الزيادة عن المختصر.

(٧) كزيد بن ثابت ، وابن مسعود ، ومعاوية ، وابن المسيب ، وهشام بن عروة. انظر السنن الكبرى (ج ٥ ص ١٨٢).

(٨) قال الشافعي ـ بعد أن روى ذلك عن ابن عباس وكثير من الصحابة ، من طريق عطاء الخرسانى ـ : «هذا غير ثابت عند أهل العلم بالحديث ، وهو قول الأكثر : ممن لقيت. فبقولهم : إن فى النعامة بدنة ، وبالقياس ـ قلنا : فى النعامة بدنة. لا بهذا». ا هـ أي : لأن الرواية عنهم ضعيفة ومرسلة ، إذ عطاء قد تكلم فيه أهل الحديث ، ولم يثبت سماعه عن ابن عباس. انظر الأم (ج ٢ ص ٢٦٢) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ١٨٢) ثم المجموع (ج ٧ ص ٤٢٥ ـ ٤٢٧).


لا تساوى (١) بدنة (٢) ، وفى حمار الوحش : ببقرة ؛ وهو لا يساوى بقرة ؛ وفى الضّبع : بكبش (٣) ؛ وهو لا يساوى كبشا ؛ وفى الغزال : بعنز (٤) ؛ وقد يكون أكثر (٥) ثمنا منها أضعافا ومثلها ، ودونها ؛ وفى الأرنب : بعناق (٦) ؛ وفى اليربوع : بجفرة (٧) ؛ وهما لا يساويان (٨) عناقا ولا جفرة (٩)

«فهذا يدلك (١٠) : على أنهم إنما (١١) نظروا إلى أقرب ما قتل (١٢) ـ : من الصيد. ـ شبها بالبدن (١٣) [من النعم (١٤)] ؛ لا بالقيمة. ولو حكموا بالقيمة :

__________________

(١) فى المختصر والأم (ج ٧ ص ٢٠) : «تسوى» ، وهى لغة قليلة (من باب تعب). وقد أنكرها جماعة من علماء اللغة ، وزعموا أنها عامية. ورد عليهم بأنها وردت فى بعض الآثار عن ابن عمر والأعمش ، فزعموا أن ذلك من تغيير الرواة. انظر المختار والمصباح وتهذيب النووي.

(٢) هى ـ في أصل اللغة ـ : ناقة أو بقرة أو بعير ذكر. والمراد بها هنا : البعير ذكرا كان أو أنثى ، بشرط أن تكون قد دخلت فى السنة السادسة. انظر تهذيب النووي.

(٣) انظر الأم (ج ٢ ص ١٦٧ و ١٧٥) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ١٨٢ ـ ١٨٤).

(٤) انظر الأم (ج ٢ ص ١٦٧ و ١٧٥) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ١٨٢ ـ ١٨٤).

(٥) فى المختصر : «أكثر من ثمنها أضعافا دونها ومثلها».

(٦) انظر الأم (ج ٢ ص ١٦٧ و ١٧٥) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ١٨٢ ـ ١٨٤).

(٧) انظر الأم (ج ٢ ص ١٦٧ و ١٧٥) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ١٨٢ ـ ١٨٤).

(٨) كذا بالمختصر والأم (ج ٧ ص ٢٠) ، وفى الأصل : «يسويان».

(٩) الجفرة : الأنثى من ولد المعز تفطم وتفصل عن أمها فتأخذ فى الرعي ، وذلك بعد أربعة أشهر. والعناق : الأنثى من ولد المعز من حين يولد إلى أن يرعى. قال الرافعي : «هذا معناهما فى اللغة. لكن يجب أن يكون المراد من الجفرة هنا : ما دون العناق ، فإن الأرنب خير من اليربوع.». انظر تهذيب النووي.

(١٠) فى المختصر : «فدل ذلك». وفى الأم (ج ٧ ص ٢٠) فهذا يدل.

(١١) هذه الكلمة غير موجودة بالمختصر.

(١٢) فى المختصر : «يقتل».

(١٣) كذا بالأصل والأم (ج ٧ ص ٢٠). وفى المختصر : بالبدل.

(١٤) الزيادة عن المختصر.


لاختلفت أحكامهم (١) ؛ لاختلاف (٢) أسعار ما يقتل فى الأزمان والبلدان (٣).».

* * *

(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي : «أنا سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء ـ [فى] (٤) قول الله عزّ وجلّ : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ؛ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً). ـ قلت [له] (٥) : من (٦) قتله خطأ : أيغرم؟. قال : نعم ؛ يعظّم بذلك حرمات الله ، ومضت (٧) به السنن.».

قال : «وأنا مسلم وسعيد (٨) ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، قال : رأيت الناس يغرّمون فى الخطأ (٩).».

وروى الشافعي ـ فى ذلك ـ حديث عمر ، وعبد الرحمن بن عوف

__________________

(١) هذه الكلمة غير موجودة فى المختصر.

(٢) فى المختصر : «لاختلاف الأسعار ، وتباينها في الأزمان».

(٣) قال الشافعي فى الأم (ج ٢ ص ١٦٧) : «ولقالوا : فيه قيمته ؛ كما قالوا فى الجرادة».

(٤) الزيادة للايضاح.

(٥) الزيادة عن الأم (ج ٢ ص ١٥٦) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ١٨٠).

(٦) فى الأم والسنن الكبرى : «فمن».

(٧) فى الأصل : «ومنعت» وهو خطأ وتحريف. والتصحيح عن الأم والسنن الكبرى.

(٨) أي : مسلم بن خالد ، وسعيد بن سالم ، كما في الأم (ج ٢ ص ١٥٦).

(٩) انظر ذلك ، وما روى عن الحسن ، وابن جبير ، والنخعي ـ فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ١٨٠ ـ ١٨١).


(رضي الله عنهما) : فى رجلين أجريا فرسيهما ، فأصابا ظبيا : وهما محرمان ؛ فحكما عليه : بعنز (١) ؛ وقرأ عمر ـ رضى الله عنه ـ : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ : ٥ ـ ٩٥) (٢).

وقاس الشافعي ذلك فى الخطأ : على قتل المؤمن خطأ (٣) ؛ قال الله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ : ٤ ـ ٩٢) ؛ والمنع عن قتلها : عامّ ؛ والمسلمون : لم يفرقوا بين الغرم فى الممنوع ـ : من الناس والأموال. ـ : فى العمد والخطأ (٤)

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبي عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «أصل الصيد : الذي يؤكل لحمه ؛ وإن كان غيره يسمى صيدا. ألا ترى إلى قول الله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ ؛ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ : ٥ ـ ٤).؟! لأنه معقول عندهم : أنه إنما يرسلونها على ما يؤكل (٥). أو لا ترى إلى قول الله عزّ وجلّ :

__________________

(١) فى الأم : (ج ٢ ص ١٧٥) : «بشاة».

(٢) راجع أثر عمر وعبد الرحمن ، فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ١٨٠ ـ ١٨١ ، و ٢٠٣).

(٣) راجع كلامه فى الأم (ج ٢ ص ١٥٥) : فهو جيد جدا.

(٤) راجع ـ فى ذلك أيضا ـ مختصر المزني (ج ٢ ص ١٠٦ ـ ١٠٧) والمجموع (ج ٧ ص ٣٢٠ ـ ٣٢٣)

(٥) قال فى الأم (ج ٢ ص ٢١٢) : «فذكر (جل ثناؤه) إباحة صيد البحر للمحرم ، و (متاعا له) يعنى : طعاما ، والله أعلم. ثم حرم عليهم صيد البر ، فأشبه :

أن يكون إنما حرم عليهم بالإحرام ، ما كان أكله مباحا له قبل الإحرام.» إلخ ، فراجعه.


(لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ : ٥ ـ ٩٤) ؛ وقوله : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ؛ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً : ٥ ـ ٩٦).؟! فدلّ (جلّ ثناؤه) : على أنه إنما حرم عليهم فى الإحرام ـ : [من (١)] صيد البرّ. ـ ما كان حلالا لهم ـ قبل الإحرام ـ : [أن (٢)] يأكلوه (٣).».

زاد فى موضع آخر (٤) : «لأنه (والله أعلم) لا يشبه : أن يكون حرم فى الإحرام (٥) خاصة ، إلا ما كان مباحا قبله (٦). فأماما كان محرّما على الحلال : فالتحريم الأول كاف منه (٧).».

قال : ولو لا أن هذا معناه : ما أمر (٨) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : بقتل الكلب العقور ، والعقرب ، والغراب ، والحدأة ، والفأرة ـ : فى الحل

__________________

(١) زيادة لا بد منها.

(٢) زيادة لا بد منها.

(٣) انظر المجموع (ج ٧ ص ٣١٤).

(٤) قال فى الأم (ج ٢ ص ١٥٥) : «فلما أثبت الله (عز وجل) إحلال صيد البحر ، وحرم صيد البر ما كانوا حرما ـ : دل على أن الصيد الذي حرم عليهم ما كانوا حرما) : ما كان أكله حلالا لهم قبل الإحرام ، لأنه» إلخ.

(٥) كذا بالأصل ومختصر المزني (ج ٢ ص ١١٦ ، وفى الأم : «بالإحرام» ، ولا خلاف فى المعنى.

(٦) فى الأصل : «قتله» ، والتصحيح عن مختصر المزني والأم (ج ٢ ص ١١٦ و ١٥٥).

(٧) قال فى الأم ـ بعد ذلك ـ : «وسنة رسول الله تدل على معنى ما قلت ، وإن كان بينا فى الآية ، والله أعلم».

(٨) انظر الأم (ج ٢ ص ١٥٥) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ٢٠٩ ـ ٢١٠)


والحرم. ولكنه إنما أباح لهم قتل ما أضر : مما لا يؤكل لحمه.». وبسط الكلام فيه (١).

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي : «أنا مسلم : عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : لا يفدى المحرم من الصيد ، إلا : [ما] (٢) يؤكل لحمه.».

(وفيما أنبأ) أبو عبد الله (إجازة) : أن العباس حدثهم : أنا الربيع ، أنا الشافعي : «أنا سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء [فى (٣)] قول الله : (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ : ٥ ـ ٩٥) ؛ قال : عفا الله عما كان فى الجاهلية. قلت : وقوله (٤) : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ : ٥ ـ ٩٥) ؛!.[قال : ومن عاد فى الإسلام : فينتقم الله منه (٥)] ، وعليه (٦) فى ذلك الكفارة (٧).».

وشبّه الشافعي (رحمه الله) فى ذلك : بقتل الآدمي والزنا ، وما فيهما وفى الكفر ـ : من الوعيد. ـ فى قوله : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ)

__________________

(١) راجعه فى الأم (ج ٢ ص ٢٠٨ و ٢١٨ و ٢٢١)

(٢) الزيادة عن السنن الكبرى (ج ٥ ص ٢١٣)

(٣) الزيادة عن الأم (ج ٢ ص ١٥٧)

(٤) كذا بالأم ، وفى الأصل : «وفى قوله».

(٥) الزيادة عن الام ، والسنن الكبرى (ج ٥ ص ١٨٠ ـ ١٨١).

(٦) كذا بالأم والسنن الكبرى ، وفى الأصل : «أو عليه».

(٧) انظر فى الأم ، بقية الأثر.


إلى قوله (١) : (وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً : ٢٥ ـ ٦٨ ـ ٦٩). ـ وما فى كل واحد منهما : من الحدود فى الدنيا.

[قال] (٢) : «[فلما أوجب الله عليهم الحدود (٣)] : دلّ هذا على أن النقمة (٤) فى الآخرة ، لا تسقط حكما (٥) غيرها فى الدنيا.».

* * *

(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق ، نا أبو العباس الأصم ، نا الربيع ، أنا الشافعي : «أنا سعيد ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، قال : كل شىء فى القرآن [فيه] (٦) : أو ، أو (٧) ؛ أيّة (٨) : أيّة (٩) شاء. قال ابن جريج : إلا قول الله عزّ وجلّ : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً : ٥ ـ ٢٣) فليس بمخيّر فيها.»

«قال الشافعي : كما قال ابن جريج وغيره ، فى المحارب وغيره ـ فى هذه المسألة ـ أقول.».

__________________

(١) تمام المتروك : (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَلا يَزْنُونَ). (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ : يَلْقَ أَثاماً* يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ).

(٢) زيادة مفيدة.

(٣) الزيادة عن الأم (ج ٢ ص ١٥٧).

(٤) فى الأصل : «النعمة» ، والتصحيح عن الأم.

(٥) فى الام : «حكم».

(٦) زيادة متعينة أو موضحة.

(٧) كآية كفارة اليمين ، والآيتين المذكورتين بعد.

(٨) أي : للمخاطب به أن يحقق أية خصلة اختارها.

(٩) كذا بالأصل والام (ج ٢ ص ١٦٠) ؛ وفى السنن الكبرى (ج ٥ ص ١٨٥ «أيه» ، ولا خلاف فى المعنى.


ورواه (أيضا) سعيد [عن ا] بن جريج ؛ عن عطاء : «كل شىء فى القرآن [فيه] : أو ، أو (١) ؛ يختار (٢) منه صاحبه ما شاء».

واحتجّ الشافعي ـ فى الفدية ـ : بحديث كعب بن عجرة (٣).

(وأنا) أبو زكريا ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي : «أنا سعيد ، عن ابن جريج [قال (٤)] : قلت لعطاء : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ، يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ، هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ؛ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ ، أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً : ٥ ـ ٩٥) ؛؟. قال (٥) : من أجل أنه أصابه فى حرم (يريد : البيت (٦).) ، كفارة ذلك : عند البيت.».

فأما الصوم : (فأخبرنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : فإن جزاه بالصوم : [صام (٧)] حيث شاء ؛ لأنه لا منفعة لمساكين الحرم ، فى صيامه (٨).».

__________________

(١) فى الأصل : «إذ» (غير مكررة) ؛ والتصحيح عن الأم والسنن الكبرى.

(٢) فى السنن الكبرى : «فليختر».

(٣) من أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال له : «أي ذلك فعلت أجزاك».

انظر الأم (ج ٢ ص ١٦٠) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ١٨٥) والمجموع (ج ٧ ص ٢٤٧).

(٤) الزيادة عن الأم (ج ٢ ص ١٥٧) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ١٨٧).

(٥) كذا بالأم والسنن الكبرى ؛ وفى الأصل : «ما قال». فلعل «ما» زائدة من الناسخ ، أو لعل فى الأصل سقطا. فليتأمل.

(٦) الظاهر أن هذا من كلام الشافعي أو الرواة عن عطاء.

(٧) زيادة لا بد منها ، عن الأم (ج ٢ ص ١٧٥).

(٨) راجع فى هذا المقام ، مختصر المزني والأم (ج ٢ ص ١١٠ و ١٦٢).


واحتجّ [فى الصوم (١)] ـ فيما أنبأنى أبو عبد الله الحافظ (إجازة) ، عن أبى العباس ، عن الربيع ، عن الشافعي ـ فقال : «أذن الله للمتمتع : أن يكون صومه (٢) ثلاثة (٣) أيام فى الحجّ ، وسبعة إذا رجع. ولم يكن فى الصوم : منفعة لمساكين الحرم ؛ وكان على بدن الرجل. فكان (٤) عملا بغير وقت : فيعمله حيث شاء.».

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «الإحصار الذي ذكر [ه (٥)] الله (تبارك وتعالى) فى القرآن (٦). ـ فقال : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ : فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ : ٢ ـ ١٩٦). ـ نزل (٧) يوم الحديبية (٨) ؛ وأحصر النبىّ (صلى الله عليه وسلم) [بعدو (٩)].»

فمن حال بينه وبين البيت ، مرض حابس ـ : فليس بداخل فى معنى الآية (١٠). لأن الآية نزلت فى الحائل من العدو ؛ والله أعلم (١١)».

__________________

(١) الزيادة عن الأم (ج ٢ ص ١٦٠).

(٢) فى الأم : «من صومه» ، ولعل ما فى الأصل هو الأظهر.

(٣) فى الأم : «ثلاث فى الحج».

(٤) كذا بالأم ، وفى الأصل : «وكان».

(٥) الزيادة عن الأم (ج ٢ ص ١٨٤ ـ ١٨٥).

(٦) قوله : «فى القرآن» ، غير موجود بالأم.

(٧) فى الام : «نزلت» ، ولعل ما فى الأصل هو المقصود المناسب. فليتأمل.

(٨) انظر الام (ج ٢ ص ١٣٥ و ١٣٩).

(٩) الزيادة عن الأم (ج ٢ ص ١٨٤ ـ ١٨٥).

(١٠) راجع ـ فى ذلك وفى الفرق بين المحصر بالعدو والمحصر بالمرض ـ مختصر المزني والام (ج ٢ ص ١١٩ ـ ١٢٠ و ١٣٦ و ١٣٩ و ١٤٢ و ١٨٥) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ٢١٤).

(١١) قوله : فمن حال» إلى هنا ، مروى عن الشافعي ، فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ٢١٩). فانظرها وانظر ما ذكره صاحب الجوهر النقي.


وعن ابن عباس : «لا حصر إلا حصر العدو (١)» ؛ وعن ابن عمر وعائشة ، معناه (٢).

قال الشافعي : «ونحر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : فى الحلّ ؛ وقد قيل : نحر في الحرم.»

«وإنما (٣) ذهبنا إلى أنه نحر فى الحلّ ـ : وبعض الحديبية فى الحلّ ، وبعضها فى الحرم (٤). ـ : لأن الله (تعالى) يقول : (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ : ٤٨ ـ ٢٥) ؛ والحرم : كله محلّه ؛ عند أهل العلم.»

«فحيث ما أحصر [الرجل : قريبا كان أو بعيدا ؛ بعدوّ حائل : مسلم أو كافر ؛ وقد أحرم (٥)] ـ : ذبح شاة وحلّ ؛ ولا قضاء عليه (٦) ـ ؛ إلا (٧)

__________________

(١) انظر الام (ج ٢ ص ١٣٩ و ١٨٥) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ٢١٩ ـ ٢٢٠).

(٢) انظر ما روى عنهما ، فى الام (ج ٢ ص ١٣٩ ـ ١٤٠).

(٣) قد ورد هذا الكلام ، فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ٢١٧ ـ ٢١٨) مع تقديم وتأخير. فلينظر.

(٤) قال الشافعي : «والحديبية موضع من الأرض : منه ما هو فى الحل ، ومنه ما هو فى الحرم. فإنما نحر الهدى عندنا فى الحل ؛ وفيه مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : الذي بويع فية تحت الشجرة ؛ فأنزل الله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ).». انظر الأم (ج ٢ ص ١٣٥) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ٢١٧ ـ ٢١٨) وانظر فيها ما نقله عن الشافعي بعد ذلك ، فى قوله : (ولا تحلقوا رؤوسكم) ؛ فإنه مفيد.

(٥) الزيادة عن الأم (ج ٢ ص ١٨٥).

(٦) انظر المجموع (ج ٨ ص ٣٥٥).

(٧) عبارة المختصر (ج ٢ ص ١١٧) : «إلا أن يكون واجبا فيقضى»


أن يكون حجه (١) : حجّة الإسلام ؛ فيحجّها (٢). ـ : من قبل قول الله عزّ وجلّ : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ : فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ؛ ولم يذكر قضاء (٣).».

* * *

(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله جلّ ثناؤه : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ (٤) : ٥ ـ ٩٦) ؛ وقال : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ : هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ ، وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ. وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا (٥) : ٣٥ ـ ١٢) (٦)

«قال الشافعي : فكلّ ما كان فيه : صيد (٧) ـ : فى بئر كان ، أو فى

__________________

(١) فى الأصل : «حج» ؛ وهو خطأ. والتصحيح عن الأم (ج ٢ ص ١٣٥).

(٢) فى الأصل : «فحجها» ؛ وهو خطأ ؛ والتصحيح عن الأم ، والسنن الكبرى (ج ٥ ص ٢١٨).

(٣) قال الشافعي ـ بعد ذلك ، كما فى الأم (ج ٢ ص ١٣٥) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ٢١٨) ـ : «والذي أعقل فى أخبار أهل المغازي : شبيه بما ذكرت من ظاهر الآية. وذلك ، : أنا قد علمنا من متواطىء أحاديثهم : أن قد كان مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ عام الحديبية ـ رجال يعرفون بأسمائهم ؛ ثم اعتمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عمرة القضية ، وتخلف بعضهم بالحديبية من غير ضرورة فى نفس ولا مال علمته. ولو لزمهم القضاء : لأمرهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ إن شاء الله ـ : بأن لا يتخلفوا عنه». ا هـ.

(٤) زيادة مفيدة ، عن الأم (ج ٢ ص ١١٧).

(٥) زيادة مفيدة ، عن الأم (ج ٢ ص ١١٧).

(٦) انظر فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ٢٠٨ ـ ٢٠٩) ما روى عن عطاء والحسن.

(٧) هذا خبر كل ، فليتنبه.


ماء مستنقع (١) ، أو عين (٢) ، وعذب ، ومالح ؛ فهو بحر. ـ : فى حلّ كان أو حرم ؛ من حوت أو ضربه : مما يعيش فى الماء [أكثر (٣)] عيشه (٤). فللمحرم والحلال : أن يصيبه ويأكله.»

«فأما طائره : فإنه (٥) يأوى إلى أرض فيه ؛ [فهو (٦)] من صيد البرّ : إذا أصيب جزى (٧).».

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، قال : وقال الحسين بن محمد الماسرجسى ـ فيما أخبرنى عنه أبو (٨) محمد بن سفيان ـ : أنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : قال الشافعي (رحمه الله تعالى) ـ فى قوله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ

__________________

(١) كذا بالأم (ج ٢ ص ١٧٧) ؛ أي : الماء الذي اجتمع فى نهر وغيره ؛ وأما المستنقع (بفتح القاف) فهو مكان اجتماع الماء. وفى الأصل : «منتقع» ؛ ولم يرد إلا فى الوجه إذا تغير لونه. ولعله محرف عن «المنقع» (كمكرم) ؛ وإن كان لم يرد كذلك إلا فى المحض من اللبن يبرد ، أو الزبيب ينقع فى الماء. راجع اللسان ، والتاج ، وتهذيب النووي ، والمصباح.

(٢) عبارة الأم : «أو غيره ، فهو بحر. وسواء كان فى الحل والحرم يصاد ويؤكل ؛ لأنه مما لم يمنع بحرمة شىء. وليس صيده إلا ما كان يعيش فيه أكثر عيشه».

(٣) الزيادة عن الأم.

(٤) فى الأصل : «عيشة».

(٥) فى الأم : «فإنما».

(٦) الزيادة عن الأم.

(٧) عبارة الشافعي ـ على ما نقله عن الماوردي وغيره ، في المجموع (ج ٧ ص ٢٩٧) ـ هى : «وكل ما كان أكثر عيشه فى الماء ـ فكان فى بحر أو نهر أو بئر أو واد أو ماء مستنقع أو غيره ـ : فسواء ؛ وهو مباح صيده للمحرم فى الحل والحرم. فأما طائره : فإنما يأوى إلى أرض ؛ فهو صيد بر : حرام على المحرم.». وهى توضح عبارة الأصل والأم.

(٨) فى الأصل : «أبا» ؛ فليتأمل.


النَّاسُ : ٢ ـ ١٩٩). ـ قال : «كانت قريش وقبائل (١) لا يقفون بعرفات (٢) وكانوا يقولون : نحن الحمس (٣) ، لم نسبّ قطّ ، ولا دخل علينا فى الجاهلية ، وليس نفارق الحرم (٤). وكان سائر الناس يقفون بعرفات. فأمرهم الله (عزّ وجلّ) : أن يقفوا بعرفة مع الناس.».

قال : وقال لى محمد بن إدريس : «الأيام (٥) المعلومات : أيام العشر كلها (٦) ؛ والمعدودات : أيام منى (٧) فقط.». زاد (٨) فى كتاب البويطيّ : «ويظن [أنه (٩)] كذلك روى عن ابن عباس.».

__________________

(١) فى الأصل : «قبائل وقباثل» ؛ والزيادة من الناسخ كما هو ظاهر ؛ ويؤكد ذلك قول عائشة (كما فى السنن الكبرى ج ٥ ص ١١٣) : «كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة».

(٢) انظر حد عرفة ، فى المجموع (ج ٨ ص ١٠٥ ـ ١٠٩) ، وتهذيب النووي : ففيه فوائد جمة.

(٣) جمع «أحمس» (بسكون الحاء وفتح الميم) ؛ وقد فسره ابن عينية (كما فى السنن الكبرى ج ٥ ص ١١٤) : بأنه الشديد فى دينه ، زاد فى المختار : والقتال.

(٤) فى رواية أخرى عن عائشة : «قالت قريش : نحن قواطن البيت ، لا تجاوز الحرم.» ، وقال ابن عينية : «وكانت قريش لا تجاوز الحرم ، يقولون : نحن أهل الله لا نخرج من الحرم.» ، انظر السنن الكبرى.

(٥) عبارته فى مختصر المزني (ج ٢ ص ١٢١) : «والأيام المعلومات : العشر ، وآخرها يوم النحر. والمعدودات : ثلاثة أيام بعد النحر». وانظر ما قاله المزني بعد ذلك : فإنه مفيد جدا.

(٦) أخرجه فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ٢٢٨) بدون ذكر «كلها».

(٧) فى السنن الكبرى : «أيام التشريق».

(٨) الظاهر أن هذا من كلام البيهقي ، لا من كلام يونس.

(٩) لعل هذه الزيادة متعينة ، فليتأمل.


 «ما يؤثر عنه فى البيوع ، والمعاملات»

«والفرائض ، والوصايا»

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «قال الله تبارك وتعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ، وَحَرَّمَ الرِّبا : ٢ ـ ٢٧٥). فاحتمل إحلال الله البيع ، معنيين :»

«(أحدهما) : أن يكون أحل كلّ بيع تبايعه المتبايعان (١) ـ : جائزى الأمر فيما تبايعاه. ـ عن تراض منهما. وهذا أظهر معانيه.»

«(والثاني) : أن يكون الله أحلّ البيع : إذا كان مما لم ينه عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : المبيّن عن الله (عزّ وجلّ) معنى ما أراد.»

«فيكون هذا : من الجملة (٢) التي أحكم الله فرضها بكتابه ، وبيّن : كيف هي؟ على لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم). أو : من العام الذي أراد به الخاصّ ؛ فبيّن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ما أريد بإحلاله منه ، وما حرّم ؛ أو يكون داخلا فيهما. أو : من العام الذي أباحه ، إلا ما حرّم على لسان نبيه منه ، وما فى معناه. كما كان الوضوء (٣) فرضا على كل متوضئ :

__________________

(١) كذا بالأم (ج ٣ ص ٢) ، وفى الأصل : «متبايعان» ، وهو خطأ وتحريف من الناسخ ، أو يكون قوله : «جائزى» ، محرفا عن : «جائزا»

(٢) فى الأم : «الجمل» ، ولا فرق فى المعنى.

(٣) كذا بالأم ، وفى الأصل : «فى الضوء» ، والزيادة من الناسخ.


لا خفين (١) عليه لبسهما على كمال الطهارة.»

«وأىّ هذه المعاني كان : فقد ألزمه الله خلقه ، بما فرض : من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم (٢)

«فلما نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن بيوع : تراضى (٣) بها المتبايعان. ـ : استدللنا على أن الله أراد بما أحلّ من البيوع : ما لم يدل على تحريمه على لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم) ؛ [دون ما حرم على لسانه (٤)].».

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، ثنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «قال الله تبارك وتعالى : (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى : فَاكْتُبُوهُ ، وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ : ٢ ـ ٢٨٢) ؛ وقال جلّ ثناؤه : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ ، وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً : فَرِهانٌ (٥) مَقْبُوضَةٌ ؛ فَإِنْ (٦) أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً : فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ : ٢ ـ ٢٨٣)

__________________

(١) فى الأصل : «خفان» ، وفى الأم : «خفيه» ، وكلاهما تحريف وخطأ.

(٢) فى الأم بعد ذلك : «وأن ما قبل عنه ؛ فعن الله عز وجل) قبل : لأنه بكتاب الله (تعالى) قبل.».

(٣) كذا بالأم ، وفى الأصل : «وتراضى» ، والزيادة من الناسخ.

(٤) الزيادة عن الأم.

(٥) فى الأم (ج ٣ ص ١٢٢) : «فرهن» ؛ وهى قراءة سبعية مشهورة.

(٦) قوله : (فإن) إلخ ؛ لم يثبت فى الأم.


قال : وكان. (١) بيّنا ـ فى الآية ـ الأمر بالكتاب (٢) : فى الحضر والسفر ؛ وذكر الله (عزّ وجلّ) الرهن : إذا كانوا مسافرين ، فلم (٣) يجدوا كاتبا.»

«وكان (٤) معقولا (٥) ، (والله أعلم) فيها : أنهم (٦) أمروا بالكتاب والرهن : احتياطا لمالك الحق : بالوثيقة ؛ والمملوك عليه : بأن لا ينسى ويذكر. لا : أنه فرض عليهم : أن يكتبوا ، أو يأخذوا رهنا (٧). لقول الله عزّ وجلّ : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً : فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) (٨)

«قال الشافعي : وقول الله عزّ وجلّ : (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ) ؛ يحتمل : كلّ دين ؛ ويحتمل : السّلف خاصة. وقد ذهب فيه ابن عباس : إلى أنه فى السلف (٩) ؛ وقلنا (١٠) به في كل دين : قياسا عليه ؛

__________________

(١) فى الأم : «فكان».

(٢) هو مصدر كالكتابة.

(٣) فى الأم : «ولم».

(٤) فى الأم : «فكان».

(٥) انظر مختصر المزني (ج ٢ ص ٢١٥).

(٦) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «أنه» : وما فى الأم هو الصحيح أو الظاهر.

(٧) فى الأم : «ولا أن يأخذوا رهنا» ؛ ولا فرق فى المعنى. وانظر كلامه فى الأم (ج ٣ ص ٧٧ ـ ٧٨) : ففيه تأكيد وتوضيح لما هنا.

(٨) انظر ما قاله فى الأم ، بعد ذلك.

(٩) راجع ما روى عنه فى ذلك ، فى الأم (ج ٣ ص ٨٠ ـ ٨١) ، والسنن الكبرى (ج ٦ ص ١٨).

(١٠) عبارته فى الأم (ج ٣ ص ٨١) : «وإن كان كما قال ابن عباس فى السلف : قلنا به» إلخ.


لأنه فى معناه (١).».

* * *

(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً : فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ (٢) : ٤ ـ ٦)

«قال : فدلت الآية : على أن الحجر ثابت على اليتامى ، حتى يجمعوا خصلتين : البلوغ والرّشد.»

«فالبلوغ (٣) : استكمال خمس عشرة سنة ؛ [الذكر والأنثى فى ذلك سواء (٤)]. إلا أن يحتلم الرجل ، أو تحيض المرأة (٥) : قبل خمس عشرة سنة ؛ فيكون ذلك : البلوغ (٦)

«قال : والرشد (٧) (والله أعلم) : الصلاح فى الدّين : حتى تكون الشهادة جائزة ؛ وإصلاح المال (٨). [وإنما يعرف إصلاح المال (٩)] : بأن يختبر اليتيم (١٠).».

__________________

(١) قال فى الأم ـ بعد ذلك ـ : «والسلف جائز فى سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، والآثار ، وما لا يختلف فيه أهل العلم علمته».

(٢) فى الأم (ج ٣ ص ١٩١) زيادة : (ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا).

(٣) راجع فى هذا المقام ، السنن الكبرى (ج ٦ ص ٥٤ ـ ٥٧).

(٤) زيادة موضحة ، عن الأم.

(٥) فى مختصر المزني (ج ٢ ص ٢٢٣) : «الجارية».

(٦) انظر ما ذكره عقب ذلك ، فى الأم (ج ٣ ص ١٩١ ـ ١٩٢).

(٧) راجع السنن الكبرى (ج ٦ ص ٥٩).

(٨) فى المختصر : «مع إصلاح المال».

(٩) الزيادة عن الأم والمختصر.

(١٠) فى المختصر : «اليتيمان» ؛ وهو أحسن. وانظر ما ذكره بعد ذلك ، فيه وفى الأم.


وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «أمر الله : بدفع أموالهما إليهما (١) ؛ وسوّى فيها بين (٢) الرجل والمرأة (٣)

«وقال : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ : وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ؛ فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ : إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ (٤) : ٢ ـ ٢٣٧)

«فدلت هذه الآية : على أنّ على الرجل : أن يسلم إلى المرأة نصف مهرها ؛ [كما كان عليه : أن يسلم إلى الأجنبيّين ـ من الرجال ـ ما وجب لهم (٥).] وأنها (٦) مسلّطة على أن تعفو عن مالها. وندب الله (عزّ وجلّ) : إلى العفو ؛ وذكر : أنه أقرب للتقوى. وسوّى بين الرجل والمرأة ، فيما يجوز : من (٧) عفو كل واحد منهما ، ما وجب له (٨)

«وقال تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ؛ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً : فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٩) : ٤ ـ ٤)

__________________

(١) أي : اليتيمين ؛ بقوله : (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ). وفى الأم (ج ٣ ص ١٩٢) : «بدفع أموالهم إليهم». ولا فرق فى المعنى.

(٢) كذا بالأم ، وفى الأصل : «فيهما من» ، وهو تحريف.

(٣) انظر الأم (ج ٣ ص ١٩٢).

(٤) ذكر فى الأم بقية الآية ، وهى : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ، وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ، وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ، إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). وهى زيادة يتعلق ببعضها بعض الكلام الآتي.

(٥) زيادة مفيدة ، عن الأم.

(٦) فى الأم : «ودلت السنة على أن المرأة مسلطة» إلخ. وكلاهما صحيح : وإن كانت دلالة السنة أعم وأوضح من دلالة الكتاب كما لا يخفى.

(٧) كذا بالأم ، وفى الأصل : «منه» ، وهو تحريف ،

(٨) انظر الأم (ج ٣ ص ١٩٢).

(٩) الزيادة عن الأم.


«فجعل (١) عليهم : إيتاءهنّ (٢) ما فرض لهنّ (٣) ؛ وأحلّ (٤) للرجال : كل (٥) ما طاب نساؤهم عنه نفسا (٦).».

واحتجّ (أيضا) : بآية الفدية فى الخلع ، وبآية الوصية والدّين (٧). ثم قال : «وإذا (٨) كان هذا هكذا : كان لها : أن تعطى من مالها ما (٩) شاءت ، بغير إذن زوجها (١٠).». وبسط الكلام فيه (١١).

* * *

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «أثبت (١٢) الله (عزّ وجلّ) الولاية على السفيه ، والضعيف ، والذي

__________________

(١) فى الأم : «فجعل فى» ، والزيادة من الناسخ.

(٢) فى الأصل : «إيتاهن» ، وفى الام : «إيتائهن».

(٣) قال بعد ذلك ، فى الام : «على أزواجهن ، يدفعونه إليهن : دفعهم إلى غيرهم من الرجال : ممن وجب له عليهم حق بوجه.».

(٤) فى الام : «وحل» ، وما فى الأصل أنسب.

(٥) كذا بالأم ، وفى الأصل : «الاكل» ، والظاهر أنه تحريف ، أو قوله : «ما». محرف عن : «مما» ، فليتأمل.

(٦) راجع كلامه بعد ذلك فى الام (ج ٣ ص ١٩٢).

(٧) انظر الام (ج ٣ ص ١٩٣).

(٨) فى الام (ج ٣ ص ١٩٣) : ، «فإذا» ، وهو أحسن.

(٩) فى الام : «من» ، ولا خلاف فى المعنى :

(١٠) انظر ـ فى هذا وما قبله ـ السنن الكبرى (ج ٦ ص ٥٩ ـ ٦١) :

(١١) انظر الام (ج ٣ ص ١٩٣ ـ ١٩٤).

(١٢) أي : بقوله : (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً ، أَوْ ضَعِيفاً ، أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ ـ : فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) : وفي الام (ج ٣ ص ١٩٤) : «وأثبت» ، وفى المختصر (ج ٢ ص ٢٢٣) : «فأثبت».


لا يستطيع أن يملّ [هو (١)] وأمر وليّه بالإملاء عنه (٢) ؛ لأنه أقامه فيما لا غناء له عنه ـ : من ماله (٣). ـ مقامه.»

«قال : وقد قيل (٤) : (الذي (لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ) يحتمل : [أن يكون (٥)] المغلوب على عقله. وهو أشبه معانيه (٦) ، والله أعلم.».

* * *

وبهذا الإسناد ، قال الشافعي (رحمه الله) : «ولا يؤجّر الحرّ (٧) فى دين عليه : إذا لم يوجد له شىء. قال الله جلّ ثناؤه : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ : فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ : ٢ ـ ٢٨٠) (٨).».

__________________

(١) الزيادة عن الام والمختصر :

(٢) كذا بالمختصر (ج ٢ ص ٢٢٣) ؛ وفى الأصل والأم (ج ٣ ص ١٩٤) والسنن الكبرى (ج ٦ ص ٦١) : «عليه» ؛ وعبارة المختصر أولى وأظهر.

(٣) كذا بالأصل ، وهو صحيح واضح. وفي الأم : «فيما لا غناء به عنه من ماله» ؛ وفى المختصر : «فيما لا غنى به عنه فى ماله». ولعل فيهما تحريفا ؛ فليتأمل.

(٤) فى الأم : «قد قيل» ؛ وفى المختصر : «وقيل».

(٥) الزيادة عن الأم والمختصر.

(٦) زاد فى المختصر : «به» ؛ ولعلها زيادة ناسخ ؛ ثم قال : «فإذا أمر الله (عز وجل) : بدفع أموال اليتامى إليهم ؛ بأمرين ـ : لم يدفع إليهم إلا بهما. وهما : البلوغ والرشد.».

(٧) فى الأصل : «ولا يؤخر الحد» ؛ وهو تحريف خطير يوقع فى الحيرة. والتصحيح عن عنوان فى السنن الكبرى (ج ٦ ص ٤٩). ثم إن هذا القول إلى قوله : شىء ، نجزم بأنه سقط من نسخ الأم ، وأن موضعه البياض الذي ورد فى (ج ٣ ص ١٧٩) ، كما يدل عليه كلامه الذي سننقله هنا بعد.

(٨) قال بعد ذلك فى الأم (ج ٣ ص ١٧٩) : «وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)


(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله عزّ وجلّ : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ ، وَلا سائِبَةٍ ، وَلا وَصِيلَةٍ ، وَلا حامٍ : ٥ ـ ١٠٣) (١)

«فهذه : الحبس التي كان أهل الجاهلية يحبسونها ؛ فأبطل الله (عزّ وجلّ) شروطهم فيها ، وأبطل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : بإبطال الله (عزّ وجلّ) إياها.»

«وهى (٢) : أن الرجل كان يقول : إذا نتج فحل إبلى. (٣) ، ثم ألقح ، فأنتج منه ـ : فهو (٤) : حام. أي : قد حمى ظهره ؛ فيحرم ركوبه. ويجعل ذلك شبيها بالعتق له (٥)

«ويقول فى البحيرة ، والوصيلة ـ على معنى يوافق بعض هذا.»

__________________

«مطل الغنى ظلم». فلم يجعل على ذى دين سبيلا فى العسرة ، حتى تكون الميسرة. ولم يجعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مطله ظلما ، إلا بالغنى. فإذا كان معسرا : فهو ليس ممن عليه سبيل ، إلا أن يوسر. وإذا لم يكن عليه سبيل : فلا سبيل على إجارته ، لأن إجارته عمل بدنه. وإذا لم يكن على بدنه سبيل ـ وإنما السبيل على ماله ـ : لم يكن إلى استعماله سبيل». ا هـ وهو فى غاية الجودة والوضوح.

(١) قال فى الأم (ج ٦ ص ١٨٠) : «فلم يحتمل إلا : ما جعل الله ذلك نافذا على ما جعلتموه. وهذا ابطال ما جعلوا منه على غير طاعه الله عز وجل».

(٢) انظر ـ فى السنن الكبرى (ج ٦ ص ١٦٣) ـ بعض ما ورد فى تفسيرها.

(٣) كذا بالأصل ، وفى الأم (ج ٣ ص ٢٧٥) : «إبله».

(٤) فى الأم : «هو» ، فيكون ابتداء مقول القول.

(٥) قال فى الأم (ج ٦ ص ١٨١) ـ عقب تفسير البحيرة والسائبة ـ : «ورأيت مذاهبهم فى هذا كله ـ فيما صنعوا ـ : أنه كالعتق».


«ويقول لعبده (١) : أنت حرّ سائبة : لا يكون لى ولاؤك ، ولا علىّ عقلك.»

«وقيل : إنه (أيضا (٢)) ـ فى البهائم ـ : قد سيّبتك.»

«فلما كان العتق لا يقع على البهائم : ردّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ملك (٣) البحيرة ، والوصيلة ، والحام ، إلى مالكه ؛ وأثبت العتق ، وجعل الولاء : لمن أعتق (٤) [السائبة ؛ وحكم له بمثل حكم النسب (٥).]».

وذكر فى كتاب : (البحيرة) (٦). ـ فى تفسير البحيرة ـ : «أنها : الناقة تنتج بطونا ، فيشق مالكها أذنها ، ويخلى سبيلها ، [ويحلب لبنها فى البطحاء ؛ ولا يستجيزون الانتفاع بلبنها (٧)].»

__________________

(١) قال فى الأم (ج ٤ ص ٩) : «ويسيبون السائبة ، فيقولون : قد أعتقناك سائبة ، ولا ولاء لنا عليك ، ولا ميراث يرجع منك : ليكون أكمل لتبررنا فيك.» ، وقال أيضا فى الأم (ج ٦ ص ١٨١) : «ومعنى (يعتقه سائبة) هو : أن يقول : أنت حر سائبة ، فكما أخرجتك من ملكى ، وملكتك نفسك ـ : فصار ملكك لا يرجع إلى بحال أبدا. ـ : فلا يرجع إلى ولاؤك ، كما لا يرجع إلى ملكك.».

(٢) كذا بالأم (ج ٣ ص ٢٧٥) ، وهو المقصود الظاهر. وفى الأصل : «وقيل أيضا إنه» ، ولعل التقديم والتأخير من الناسخ.

(٣) كذا بالأم ، وفى الأصل : «تلك» ، وهو تحريف.

(٤) راجع في هذا المقام ، الأم (ج ٤ ص ٩ و ٥٧ ، وج ٦ ص ١٨٢ ـ ١٨٣).

(٥) زيادة للايضاح وتمام الفائدة ، عن الام (ج ٣ ص ٢٧٥).

(٦) من الام (ج ٦ ص ١٨١)

(٧) الزيادة للفائدة ، وللايضاح ، عن الام.


قال : «وقال بعضهم : إذا كانت تلك خمسة بطون (١). وقال بعضهم : [إذا كانت تلك (٢)] البطون كلها إناثا.».

قال. «والوصيلة (٣) : الشاة تنتج الأبطن ، فإذا ولدت آخر بعد الأبطن التي وقّتوا لها ـ : قيل : وصلت أخاها.»

«وقال (٤) بعضهم : تنتج الأبطن الخمسة : عناقين عناقين فى كل بطن ؛ فيقال : هذا وصيلة : يصل (٥) كل ذى بطن بأخ له معه.»

«وزاد بعضهم ، فقال (٦) : وقد (٧) يوصلونها : فى ثلاثة ابطن ، وفى (٨) خمسة ، وفى سبعة (٩).».

قال : «والحام : الفحل يضرب فى إبل الرجل عشر سنين ، فيخلى ، ويقال : قد حمى هذا ظهره ؛ فلا ينتفعون من ظهره بشىء.».

__________________

(١) فى الام : «ثم زاد بعضهم على بعض ، فقال بعضهم : تنتج خمسة بطون ، فتبحر.».

(٢) الزيادة للايضاح عن الام.

(٣) قال فى الام (ج ٤ ص ٩) : «ويقولون فى الوصيلة ـ وهى من الغنم ـ : إذا وصلت بطونا توما ، ونتج نتاجها ، فكانوا يمنعونها مما يفعلون بغيرها مثلها.».

(٤) فى الأم (ج ٦ ص ١٨١) : «وزاد».

(٥) فى الأم : «تصل». ولا خلاف فى المعنى.

(٦) قوله : «وزاد بعضهم ، فقال» عبارة الام ، وعبارة الأصل : «قال» ،

(٧) فى الأم : «قد».

(٨) فى الأم : «ويوصلونها فى».

(٩) قال فى المختار : «فان ولدت فى الثامنة جديا ؛ ذبحوه لآلهتهم ؛ وإن ولدت جديا وعناقا ، قالوا : وصلت أخاها ؛ فلا يذبحون أخاها من أجلها ، ولا تشرب لبنها النساء ، وكان للرجال. وجرت مجرى السائبة».


قال : «وزاد بعضهم ، فقال : يكون لهم من صلبه ، أو ما (١) أنتج مما (٢) خرج من صلبه ـ : عشر من الإبل ؛ فيقال : قد حمى هذا ظهره (٣).».

وقال فى السائبة ما قدّمنا ذكره (٤) ؛ [ثم قال (٥)] : «وكانوا يرجون [بأدائه (٦)] البركة فى أموالهم ؛ وينالون به عندهم : مكرمة فى الأخلاق (٧) ، مع التّبرّر (٨) بما صنعوا فيه.» وأطال الكلام فى شرحه (٩) ؛ وهو منقول فى كتاب الولاة ، من المبسوط

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال

__________________

(١) فى الأم «وما».

(٢) فى الأصل «فما» ، والتصحيح عن الأم

(٣) راجع كلامه فى الأم (ج ٤ ص ٩).

(٤) أي : ما يوافقه فى المعنى ؛ وهو كما فى الأم (ج ٧ ص ١٨١) : «والسائبة : العبد يعتقه الرجل عند الحادث ـ : مثل البرء من المرض ، أو غيره : من وجوه الشكر. ـ أو أن يبتدىء عتقه فيقول : قد أعتقتك سائبة (يعنى : سيبتك.) فلا تعود إلى ، ولا لى الانتفاع بولائك : كما لا يعود إلى الانتفاع بملكك. وزاد بعضهم ، فقال : السائبة وجهان ، هذا أحدهما ؛ والسائبة (أيضا) يكون من وجه آخر ، وهو : البعير ينجح عليه صاحبه الحاجة ، أو يبتدىء الحاجة ـ : أن يسيبه ، فلا يكون عليه سبيل.».

(٥) الزيادة للتنبيه والإيضاح.

(٦) الزيادة عن الأم.

(٧) قوله : فى الأخلاق ؛ غير موجود بالأم.

(٨) فى الأصل : «السرن» ؛ وهو تحريف. والتصحيح عن الأم.

(٩) ارجع إليه فى الأم (ج ٦ ص ١٨١ ـ ١٨٣) فهو مفيد.


الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ : ٨ ـ ٧٥)

«نزلت (١) : بأن الناس توارثوا : بالحلف [والنّصرة (٢)] ؛ ثم توارثوا : بالإسلام والهجرة. وكان (٣) المهاجر : يرث المهاجر ، ولا يرثه ـ من ورثته ـ من لم يكن مهاجرا ؛ وهو أقرب إليه من ورثته (٤). فنزلت : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). ـ : على ما فرض (٥) لهم ، [لا مطلقا (٦)].».

* * *

(أخبرنا) أبو عبد الله الحافظ ، قال : قال الحسين بن محمد ـ فيما أخبرت ـ : أنا محمد بن سفيان ، نا يونس بن عبد الأعلى ، قال : قال الشافعي ـ فى قوله عزّ وجلّ : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ؛ وَلِلنِّساءِ

__________________

(١) قوله : نزلت إلخ ؛ هو نص الرسالة (ص ٥٨٩). وفى المختصر (ج ٣ ص ١٥٥ ـ ١٥٦) والأم (ج ٤ ص ١٠) : «توارث الناس ... والهجرة ؛ ثم نسخ ذلك. فنزل قول الله ...».

(٢) الزيادة عن الأم والمختصر.

(٣) فى الرسالة : «فكان».

(٤) راجع فى ذلك ، السنن الكبرى (ج ٦ ص ٢٦١ ـ ٢٦٣).

(٥) كذا بالأصل والرسالة والمختصر ؛ وفى الأم : «على معنى ما فرض الله (عز ذكره) ، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم».

(٦) الزيادة للتنبيه والإفادة ، عن الأم والمختصر. وارجع فى مسئلة الرد فى الميراث ، إلى ما كتبه الشافعي فى الأم (ج ٤ ص ٦ ـ ٧ و ١٠) : لأنه كلام جامع واضح لا نظير له.


نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ : ٤ ـ ٧) (١). ـ : «نسخ بما جعل الله للذكر والأنثى : من الفرائض.»

وقال لى (٢) ـ فى قوله عزّ وجلّ : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ) الآية (٣). ـ : «قسمة المواريث ؛ فليتق الله من حضر ، وليحضر بخير ؛ وليخف : أن يحضر ـ حين يخلف هو أيضا ـ : بما حضر غيره (٤).».

(وأنا) أبو سعيد بن أبي عمرو ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله تعالى : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ : فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ ، وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً : ٤ ـ ٨)

«فأمر الله (عزّ وجلّ) : أن يرزق من القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين : الحاضرون القسمة. ولم يكن فى الأمر ـ فى الآية ـ : أن يرزق

__________________

(١) راجع سبب نزول هذه الآية ، وكيفية توارث أهل الجاهلية ، واحتجاج أبى بكر الرازي بالآية على توريث ذوى الأرحام ، وما رد به الشافعية عليه ـ فى تفسير الفخر الرازي (ج ٣ ص ١٤٧ ـ ١٤٨).

(٢) هذا من كلام يونس أيضا.

(٣) انظر الكلام فى أنها منسوخة أو محكمة ، وفى المراد بالقسمة ـ فى السنن الكبرى (ج ٦ ص ٢٦٦ ـ ٢٦٧) وتفسيرى الفخر (ج ٣ ص ١٤٨ ـ ١٤٩) والقرطبي (ج ٥ ص ٤٨ ـ ٤٩).

(٤) يحسن أن يرجع إلى ما روى فى السنن الكبرى (ج ٦ ص ٢٧١) عن ابن عباس ، فى قوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا ... ذُرِّيَّةً ضِعافاً) ؛ فإنه شبيه بهذا الكلام


من القسمة ، [من (١)] مثلهم ـ : فى القرابة واليتم والمسكنة. ـ : ممن لم يحضر.»

«ولهذا أشباه ؛ وهى : أن تضيف من جاءك ، ولا تضيف من لا (٢) يقصد قصدك (٣) : [ولو كان محتاجا (٤)] ؛ إلا أن تطوّع (٥).».

وجعل نظير ذلك : تخصيص النبي (صلي الله عليه وسلم) ـ : بالإجلاس معه ، أو ترويغه (٦) لقمة ـ من ولى الطعام : من مماليكه (٧).

قال الشافعي : «وقال لى بعض أصحابنا (يعنى : فى الآية.) (٨) : قسمة المواريث ؛ وقال بعضهم : قسمة الميراث ، وغيره : من الغنائم (٩). فهذا : أوسع.»

«وأحبّ إلىّ : [أن (١٠)] يعطوا (١١) ما طابت به نفس المعطى. ولا يوقّت (١٢) ، ولا يحرمون.».

__________________

(١) الزيادة عن الأم (ج ٥ ص ٩١).

(٢) فى الأم : «لم».

(٣) أي : جهتك وناحيتك.

(٤) الزيادة عن الأم (ج ٥ ص ٩١).

(٥) فى الأم : «تتطوع».

(٦) أي : تدسيمه.

(٧) أخرج الشافعي فى الأم (ج ٥ ص ٩١) عن أبى هريرة : أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : «إذا كفى أحدكم خادمه طعامه : حره ودخانه ؛ فليدعه : فليجلسه معه. فإن أبى : فليروغ له لقمة ، فليناوله إياها». انظر كلامه بعد ذلك ، والسنن الكبرى (ج ٨ ص ٧ ـ ٨)

(٨) هذا من كلام البيهقي رحمه الله.

(٩) انظر فى السنن الكبرى (ج ٦ ص ٢٦٧) ما روى عن ابن المسيب فى تفسير القسمة.

(١٠) الزيادة عن الأم (ج ٥ ص ٩١).

(١١) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «يعطون».

(١٢) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «لا بوقت».


 «ما نسخ من الوصايا (١)»

(أنا) أبو سعيد محمد بن موسى ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله عزّ وجلّ : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ـ إِنْ تَرَكَ خَيْراً ـ : الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ : بِالْمَعْرُوفِ ، حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ : ٢ ـ ١٨٠)

«قال : فكان (٢) فرضا فى كتاب الله (عزّ وجلّ) ، على من ترك خيرا ـ والخير : المال. ـ : أن يوصي لوالديه وأقربيه.»

«وزعم (٣) بعض أهل العلم [بالقرآن (٤)] : أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين ؛ منسوخة (٥)

«واختلفوا فى الأقربين : غير الوارثين ؛ فأكثر من لقيت ـ : من أهل العلم وممن (٦) حفظت [عنه (٧)]. ـ قال : الوصايا منسوخة ؛ لأنه إنما أمر بها : إذا كانت إنما يورث بها ؛ فلما قسم الله الميراث : كانت تطوّعا.»

__________________

(١) هذا الكلام قد ورد فى الأصل متأخرا بعد قوله : قال الشافعي ؛ بلفظ : «نسخ منه الوصايا.» ؛ والتصحيح والتقديم عن الأم (ج ٤ ص ٢٧).

(٢) فى الأم : «وكان».

(٣) فى الأم : «ثم زعم».

(٤) الزيادة عن الأم.

(٥) انظر فى السنن الكبرى (ج ٦ ص ٢٢٦ و ٢٦٣ ـ ٢٦٥) ما روى فى ذلك ، عن ابن عباس وغيره.

(٦) فى الأم : «ممن».

(٧) الزيادة عن الأم.


«وهذا ـ إن شاء الله ـ كلّه : كما قالوا.».

واحتجّ الشافعي (رحمه الله) [فى عدم جواز الوصية للوارث (١)] : بآية (٢) الميراث ، وبما (٣) روى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : من قوله : «لا وصية لوارث (٤)».

واحتجّ (٥) فى جواز الوصية لغير ذى الرحم (٦) ، بحديث عمران ابن لحصين : «أن رجلا أعتق ستة مملوكين له : ليس له مال غيرهم ؛ فجزّأهم النبىّ (صلى الله عليه وسلم) ثلاثة أجزاء ، فأعتق (٧) اثنين ، وأرقّ أربعة.».

[ثم قال (٨)] : «والمعتق : عربى ؛ وإنما كانت العرب : تملك من

__________________

(١) الزيادة للايضاح.

(٢) ذكر فى الأم منها قوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ : إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ : فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ؛ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ : فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ : ٤ ـ ١١).

(٣) فى الأصل : «ولما» ، وهو تحريف.

(٤) قال فى الأم (ج ٤ ص ٢٧) : «وما وصفت ـ : من أن الوصية للوارث منسوخة بآى المواريث ، وأن لا وصية لوارث. ـ : مما لم أعرف فيه عن أحد : ممن لقيت ، خلافا.». وقد تعرض لهذا الموضوع بتوسع فى الأم (ج ٤ ص ٤٠) ، فراجعه.

(٥) انظر كلامه قبل ذلك ، فى الأم (ج ٤ ص ٢٧) : فهو مفيد.

(٦) نقل فى السنن الكبرى (ج ٦ ص ٢٦٥) عن الشافعي : «أن طاوسا وقلة لم يجيزوا الوصيه لغير قرابة» ؛ وقد ذكر نحو ذلك فى الأم (ج ٧ ص ١٨) وفى اختلاف الحديث (ص ٣٨١) ،

(٧) كذا بالأم (ج ٤ ص ٢٧ و ٤٥ وج ٧ ص ١٦ و ٣٣٧) واختلاف الحديث (ص ٣٧١) والسنن الكبرى (ج ٦ ص ٢٦٥). وفى الأصل : «وأعتق».

(٨) الزيادة للتنبيه والإيضاح.


لا قرابة بينها وبينه. فلو لم تجز (١) الوصية إلا لذى قرابة : لم تجز (٢) للمملوكين ؛ وقد أجازها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (٣).».

* * *

(أخبرنا) أبو سعيد بن (٤) أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي فى المستودع : «إذا قال : دفعتها إليك ؛ فالقول : قوله. ولو قال : أمرتنى أن أدفعها إلى فلان ، فدفعتها ؛ فالقول : قول المستودع (٥). قال الله عزّ وجلّ : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً :

__________________

(١) كذا بالأم (ج ٤ ص ٢٧) ، وفى الأصل : «يجز» ، وما فى الأم أنسب :

(٢) كذا بالأم (ج ٤ ص ٢٧) ، وفى الأصل : «يجز» ، وما فى الأم أنسب :

(٣) وقال أيضا (كما فى السنن الكبرى : ج ٦ ص ٢٦٦) : «فكانت دلالة السنة ـ فى حديث عمران بن حصين ـ بينة : أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنزل عتقهم فى المرض وصية ؛ والذي أعتقهم : رجل من العرب ؛ والعربي إنما يملك من لا قرابة بينه وبينه : من العجم. فأجاز النبي (صلى الله عليه وسلم) لهم الوصية». وراجع الأم (ج ٧ ص ٣٣٧ ـ ٣٣٨).

(٤) فى الأصل : «عن» ، وهو تحريف.

(٥) قال فى الأم (ج ٤ ص ٦١) : «وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة ، فاختلفا ـ : فقال المستودع : دفعتها إليك ؛ وقال المستودع : لم تدفعها. ـ : فالقول : قول المستودع. ولو كانت المسألة بحالها ـ غير أن المستودع قال : أمرتنى أن أدفعها إلى فلان ، فدفعتها ؛ وقال المستودع : لم آمرك. ـ : فالقول : قول المستودع ؛ وعلى المستودع : البينة. وإنما فرقنا بينهما : أن المدفوع إليه غير المستودع ؛ وقد قال الله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ). فالاول : إنما ادعى دفعها إلى من ائتمنه ؛ والثاني : إنما ادعى دفعها إلى غير المستودع بأمره. فلما أنكر أنه أمره : أغرم له ؛ لان المدفوع إليه غير الدافع.». ا هـ وهو كلام جيد مفيد ، ويوضح ما فى الأصل الذي نرجح أنه مختصر منه.


فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ : ٢ ـ ٢٨٣) ؛ وقال فى اليتامى : (١) (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ : فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ (٢) : ٤ ـ ٦)

«وذلك : أن ولىّ اليتيم إنما هو : وصىّ أبيه ، أو [وصىّ] (٣) وصاه الحاكم : ليس أن اليتيم استودعه (٤). والمدفوع إليه : غير المستودع ؛ وكان عليه : أن يشهد عليه ؛ إن أراد أن يبرأ. [و (٥)] كذلك : الوصىّ.».

* * *

__________________

(١) انظر مختصر المزني (ج ٣ ص ١٧٧) والأم (ج ٧ ص ١٠٥).

(٢) ذكر فى الأم قبل ذلك ، قوله تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً : فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ : ٤ ـ ٦).

(٣) الزيادة عن الأم (ج ٤ ص ٦١).

(٤) قال بعد ذلك ، فى الأم (ج ٤ ص ٦١) : «فلما بلغ اليتيم : أن يكون له أمر فى نفسه ؛ وقال : لم أرض أمانة هذا ، ولم أستودعه. ـ : فيكون القول قول المستودع. ـ : كان على المستودع أن يشهد» إلى آخر ما فى الأصل. وارجع إلى ما ذكر فى الوكالة من كتاب المختصر (ج ٣ ص ٦ ـ ٧) : فإنه مفيد فى الموضوع.

(٥) الزيادة عن الأم (ج ٤ ص ٦١).


«ما يؤثر عنه فى قسم الفيء»

«والغنيمة ، والصّدقات»

(أنبأنى) أبو عبد الله الحافظ (إجازة) : أن [أبا] العباس حدثهم : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «[قال الله عزّ وجلّ (١)] : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ، فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ، وَلِذِي الْقُرْبى ، وَالْيَتامى ، وَالْمَساكِينِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ : ٨ ـ ٤١) ؛ وقال : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ : فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ (٢) مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ (٣) ؛ إلى قوله تعالى (٤) : ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ ، مِنْ أَهْلِ الْقُرى ـ : فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ، وَلِذِي الْقُرْبى ، وَالْيَتامى ، وَالْمَساكِينِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ : ٥٩ ـ ٦ ـ ٧)

«قال الشافعي : فالفىء والغنيمة يجتمعان : فى أن فيهما [معا (٥)] الخمس (٦) من جميعهما (٧) ، لمن سماه الله له. ومن سماه الله [له (٨)] ـ فى الآيتين معا ـ

__________________

(١) الزيادة عن الأم (ج ٤ ص ٦٤).

(٢) أي : أعملتم وأجريتم على تحصيله ؛ من الوجيف ، وهو : سرعة السير.

(٣) تمام المتروك : (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ ؛ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(٤) هذا فى الأم مقدم على الآية السابقة ؛ وما فى الأصل أنسب كما لا يخفى.

(٥) الزيادة عن المختصر (ج ٣ ص ١٧٩).

(٦) انظر ما كتبه على ذلك صاحب الجوهر النقي (ج ٦ ص ٢٩٤) ؛ ثم تأمل ما ذكره الشافعي فى آخر كلامه هنا.

(٧) ذكر فى السنن الكبرى (ج ٦ ص ٢٩٤) أن الشافعي قال فى القديم : «إنما يخمس ما أوجف عليه».

(٨) الزيادة عن الأم (ج ٤ ص ٦٤).


سواء مجتمعين غير مفترقين (١)

«ثم يفترق (٢) الحكم فى الأربعة الأخماس : بما بيّن الله (تبارك وتعالى) على لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم) ، وفي فعله.»

«فإنه قسم أربعة أخماس الغنيمة (٣) ـ والغنيمة هى : الموجف عليها بالخيل والركاب. ـ : لمن حضر : من غنى وفقير.»

«والفيء هو : ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب. فكانت سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ فى قرى : «عرينة» (٤) ؛ التي أفاءها الله عليه. ـ : أنّ أربعة أخماسها لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) خاصة ـ دون المسلمين ـ : يضعه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : حيث أراه الله تعالى.».

وذكر الشافعي هاهنا حديث عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) : أنه قال [حيث اختصم إليه العباس وعلى (رضى الله عنهما) فى أموال النبىّ صلى الله عليه وسلم (٥)] : «كانت أموال بنى النّضير : مما أفاء الله على

__________________

(١) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «متفرقين» ؛ ولعل ما في الأم هو الصحيح المناسب.

(٢) كذا بالأصل ؛ وفى الأم : «يتعرف». وما فى الأصل هو الظاهر ، ويؤيده عبارة المختصر : «ثم تفترق الأحكام».

(٣) فى المختصر (ج ٣ ص ١٨٠) زيادة : «على ما وصفت من قسم الغنيمة».

(٤) فى الأصل : «غرنيه» ؛ وهو تحريف. والتصحيح عن معجم ياقوت.

و «عرينة» : موضع ببلاد فزارة ؛ أو قرى بالمدينة ؛ وقبيلة من العرب. وفى المختصر : «عرتية» (بفتح التاء). وعليها اقتصر البكري فى معجمه.

(٥) الزيادة للايضاح. عن المختصر.


رسوله : مما لم يوجف عليه (١) المسلمون بخيل ولا ركاب (٢). فكانت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) خالصا (٣) ، دون المسلمين. وكان (٤) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ينفق منها على أهله نفقة سنة ؛ فما فضل جعله فى الكراع والسلاح : عدّة في سبيل الله (٥)

قال الشافعي (رحمه الله) : «هذا : كلام عربىّ (٦) ؛ إنما يعنى عمر (٧) (رضى الله عنه) ـ [بقوله (٨)] : «لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) خالصا (٩)». ـ : ما كان يكون للمسلمين الموجفين ؛ وذلك : أربعة أخماس.»

__________________

(١) كذا بالأصل والمختصر والسنن الكبرى (ج ٦ ص ٢٩٦ ؛ وفى الأم : «عليها» ؛ ولا خلاف فى المعنى.

(٢) قال فى الأم (ج ٧ ص ٣٢١) ـ ضمن كلام يتعلق بهذا ، ويرد به على أبى يوسف ـ : «والأربعة الأخماس التي تكون لجماعة المسلمين ـ لو أوجفوا الخيل والركاب ـ : لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) خالصا ، يضعها حيث يضع ماله. ثم أجمع أئمة المسلمين : على أن ما كان لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ من ذلك ـ فهو لجماعة المسلمين : لأن أحدا لا يقوم بعده مقامه.».

(٣) كذا بالأصل والأم والسنن الكبرى ؛ وفى المختصر (ج ٣ ص ١٨١) : «خاصة» ؛ ولا فرق بينهما.

(٤) فى الأم والمختصر والسنن الكبرى : «فكان».

(٥) انظر بقية الحديث ، فى الأم (ج ٤ ص ٦٤) والمختصر (ج ٣ ص ١٨١) والسنن الكبرى (ج ٦ ص ٢٩٦ وج ٧ ص ٥٩).

(٦) فى الأصل : «عن لى» ؛ وهو تحريف خطير. والتصحيح عن الأم (ج ٤ ص ٧٧).

(٧) هذا والدعاء غير موجودين بالأم.

(٨) زيادة مفيدة موضحة ، غير موجودة بالأم ، ويدل عليها قوله ـ على ما فى السنن الكبرى ـ : «ومعنى قول عمر : لرسول الله خاصة ؛ يريد» إلخ.

(٩) كذا بالأم ؛ وفى الأصل. «خاصا».


«فاستدللت بخبر عمر : على أن الكل ليس لأهل الخمس : [مما أوجف عليه (١)].»

«واستدللت (٢) : بقول الله (تبارك وتعالى) فى الحشر : (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ، وَلِذِي الْقُرْبى ، وَالْيَتامى ، وَالْمَساكِينِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ) ؛ على : أن لهم الخمس ؛ فإن (٣) الخمس إذا كان لهم ، فلا (٤) يشك : أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سلّمه لهم.»

«واستدللنا (٥) ـ : إذ (٦) كان حكم الله فى الأنفال : (وَاعْلَمُوا : أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ؛ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ، وَلِلرَّسُولِ ، وَلِذِي الْقُرْبى ، وَالْيَتامى ، وَالْمَساكِينِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ) ؛ فاتفق الحكمان ، فى سورة الحشر وسورة الأنفال ، لقوم (٧) موصوفين. ـ : أن ما لهم (٨) من ذلك :

__________________

(١) زيادة مفيدة ، عن الأم.

(٢) قال في الأم ـ أثناء مناقشته لبض المخالفين ـ : «لما احتمل قول عمر : أن يكون الكل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؛ و: أن تكون الأربعة الأخماس التي كانت تكون للمسلمين فيما أوجف عليه ، لرسول الله ؛ دون الخمس. ـ فكان النبي يقوم فيها مقام المسلمين ـ : استدللنا» إلى آخر ما هنا ، مع اختلاف فى بعض الألفاظ ستعرفه.

(٣) فى الأم (ج ٤ ص ٧٨) : «وأن».

(٤) فى الأم : «ولا».

(٥) فى الأم : «فاستدللنا».

(٦) كذا بالأم ، وفى الأصل : «إذا» ، وما فى الأم أحسن.

(٧) هذا متنازع فيه لكل من «كان» و «واتفق». فتنبه لكى تفهم الكلام حق الفهم.

(٨) فى الأم : «وأنما لهم». والصحيح ؛ وأن ما لهم.


الخمس ؛ لا غيره (١).». وبسط الكلام فى شرحه (٢)

قال الشافعي : «ووجدت الله (عز وجل) حكم فى الخمس (٣) : بأنه على خمسة ؛ لأن قول الله عز وجل : (لله) ؛ مفتاح كلام : لله (٤) كلّ شىء ، وله الأمر من قبل ، ومن بعد (٥).».

قال الشافعي : «وقد مضى من كان ينفق عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : [من أزواجه ، وغيرهن لو كان معهن (٦)].»

«فلم أعلم : أن (٧) أحدا ـ : من أهل العلم. ـ قال : لورثتهم تلك النفقة : [التي كانت لهم (٨)] ؛ ولا خالف (٩) : فى أن تجعل (١٠) تلك النفقات : حيث كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، يجعل فضول غلّات تلك الأموال ـ : مما (١١) فيه صلاح الإسلام وأهله (١٢).». وبسط الكلام فيه (١٣).

__________________

(١) فى الأصل : «وغيره» ؛ وهو خطأ وتحريف. والتصحيح عن الأم.

(٢) انظر الأم (ج ٤ ص ٧٨).

(٣) أي : خمس الغنيمة ؛ كما عبر به فى الأم (ج ٤ ص ٧٧)

(٤) هذا القول غير موجود بالأم ؛ وقد سقط من الناسخ أو الطابع : إذ الكلام يتوقف عليه.

(٥) انظر في السنن الكبرى (ج ٦ ص ٣٣٨ ـ ٣٣٩) : ما روى عن الحسن بن محمد ، ومجاهد ، وقتادة ، وعطاء ، وغيرهم.

(٦) زيادة مفيدة ، عن الأم (ج ٤ ص ٦٥)

(٧) هذا غير موجود بالأم.

(٨) زيادة مفيدة ، عن الأم (ج ٤ ص ٦٥)

(٩) فى الأم : «خلاف» ؛ وما فى الأصل أظهر وأنسب.

(١٠) كذا بالأم ، وفى الأصل : «يجعل».

(١١) هذا بيان لقوله : حيث ؛ وفى الأم : «فيما» ، على البدل.

(١٢) راجع فى السنن الكبرى (ج ٦ ص ٣٣٩) كلام الشافعي فى سهم الرسول.

(١٣) انظر الأم (ج ٤ ص ٦٥).


قال الشافعي (رحمه الله) : «ويقسم (١) سهم (٢) ذى القربى (٣) على بني هاشم وبنى المطلب (٤).».

واستدل : بحديث جبير بن مطعم ـ : فى قسمة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، سهم ذى القربى ، بين بنى هاشم وبنى المطلب. ـ وقوله : «إنما بنو هاشم وبنو المطّلب : شىء واحد (٥).». وهو مذكور بشواهده ، فى موضعه من كتاب المبسوط ، والمعرفة ، والسنن.

* * *

قال الشافعي : «كلّ ما حصل ـ : مما غنم من أهل دار الحرب (٦). ـ : قسم كله ؛ إلا الرجال البالغين : فالإمام فيهم ، بالخيار : بين أن يمنّ على من رأى منهم (٧) أو يقتل ، أو يفادى ، أو يسبى (٨)

__________________

(١) قوله : ويقسم إلخ ، لم يذكر فى الأم (ج ٤ ص ٧١) ؛ وإنما ذكر ما يدل عليه : من حديث جبير بن مطعم.

(٢) فى الأصل : «منهم» ، وهو تحريف.

(٣) راجع مختصر المزني (ج ٣ ص ١٩٣ و ١٩٧ ـ ١٩٨).

(٤) انظر ـ فى الرسالة (ص ٦٨ ـ ٦٩) ـ كلامه المتعلق بذلك : فإنه جيد مفيد.

(٥) انظر الأم (ج ٤ ص ٧١) والسنن الكبرى (ج ٦ ص ٣٤٠ ـ ٣٤٥ و ٣٦٥).

(٦) قال بعد ذلك ـ فى الأم (ج ٤ ص ٦٨) والمختصر (ج ٣ ص ١٨٨) ـ : «من شىء : قل أو كثر ، من دار أو أرض ، وغير ذلك» ؛ زاد فى الأم : «من المال أو سبى».

(٧) قوله : على من رأى منهم ، غير موجود بالمختصر.

(٨) قال بعد ذلك ـ فى الأم ـ : «وإن من أو قتل : فذلك له ، وإن سبى ، أو فادى : فسبيل ما سبي» إلى آخر ما فى الأصل.


«وسبيل ما سبى (١) ، وما (٢) أخذ مما فادى ـ : سبيل ما سواه : من الغنيمة.».

واحتجّ ـ فى القديم ـ : «بقول الله عز وجل : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا : فَضَرْبَ الرِّقابِ ، حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ : فَشُدُّوا الْوَثاقَ ؛ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ ، وَإِمَّا فِداءً ؛ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها : ٤٧ ـ ٨) ؛ وذلك ـ فى بيان اللغة ـ : قبل انقطاع الحرب.»

قال : «وكذلك فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى أسارى بدر : منّ عليهم ، وفداهم (٣) : والحرب بينه وبين قريش قائمة (٤). وعرض على ثمامة [ابن] (٥) أثال [الحنفي] (٦) ـ : وهو (يومئذ) وقومه : أهل اليمامة ؛ حرب لرسول الله (صلى الله عليه وسلم). ـ : أن يمنّ عليه (٧).». وبسط الكلام فيه (٨).

__________________

(١) كذا بالأم والمختصر ؛ وفى الأصل : «يسبى» ، وما أثبتنا أنسب

(٢) عبارة المختصر : «أو أخذ منهم من شىء على إطلاقهم ـ سبيل الغنيمة».

(٣) يقال : «فداه ، وأفداه» ؛ إذا أعطى فداءه فأنقذه.

(٤) انظر السنن الكبرى (ج ٦ ص ٣٢٠ ـ ٣٢٣) واختلاف الحديث (ص ٨٧).

(٥) الزيادة عن السنن الكبرى واختلاف الحديث.

(٦) الزيادة عن السنن الكبرى واختلاف الحديث.

(٧) بل ومن عليه وهو مشرك ، ثم أسلم. قال فى اختلاف الحديث (ص ٨٧) ـ بعد أن ذكر ذلك ، وروى أن النبي فدى رجلا من عقيل أسره الصحابة ، برجلين من أصحابه أسرتهما ثقيف ؛ وأنه قتل بعض الأسرى يوم بدر ، وفادى بعضهم بقدر من المال ـ : «فكان ـ فيما وصفت : من فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم). ـ : ما يدل على أن للامام إذا أسر رجلا من المشركين : أن يقتل ، أو أن يمن عليه بلا شىء ، أو أن يفادى بمال يأخذه منهم ، أو أن يفادى : بأن يطلق منهم ، على أن يطلق له بعض أسرى المسلمين.».

(٨) راجع الأم (ج ٤ ص ٦٩) والمختصر (ج ٣ ص ١٨٨).


(أخبرنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : «قال الله عز وجل : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ : لِلْفُقَراءِ ، وَالْمَساكِينِ ، وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ، وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ، وَفِي الرِّقابِ) الآية (١)

«فأحكم الله فرض الصدقات فى كتابه ؛ ثم أكّدها [وشدّدها (٢)] ، فقال : (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ)

«فليس لأحد : أن يقسمها (٣) على غير ما قسمها الله (عزّ وجلّ) [عليه (٤)] ؛ وذلك (٥) : ما كانت الأصناف موجودة. لأنه إنما يعطى من وجد : كقوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) الآية (٦) ؛ وكقوله : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ : ٤ ـ ١٢) ؛ وكقوله : (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ : ٤ ـ ١٢)

__________________

(١) تمام المتروك : (وَالْغارِمِينَ ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ. فَرِيضَةً مِنَ اللهِ ؛ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ : ٩ ـ ٦٠).

(٢) الزيادة عن المختصر (ج ٣ ص ٢٢١).

(٣) انظر ـ فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٦) ـ ما رواه الشافعي وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(٤) الزيادة عن الأم (ج ٢ ص ٦١).

(٥) فى الأم : «ذلك».

(٦) تمام المتروك : (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ : مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ؛ نَصِيباً مَفْرُوضاً : ٤ ـ ٧).


«فمعقول (١) ـ عن الله عزّ وجلّ ـ : [أنّه (٢)] فرض هذا : لمن كان موجودا يوم يموت الميت. وكان معقولا [عنه (٣)] أن هذه السّهمان : لمن كان موجودا يوم تؤخذ الصدقة وتقسم.»

«فإذا (٤) أخذت صدقة قوم : قسمت (٥) على من معهم فى دارهم : من أهل [هذه (٦)] السّهمان ؛ ولم تخرج (٧) من جيرانهم [إلى أحد (٨)] : حتى لا يبقى منهم أحد يستحقها.».

ثم ذكر تفسير كل صنف : من هؤلاء الأصناف الثمانية ؛ وهو : فيما أنبأنى أبو عبد الله الحافظ (إجازة) ، قال : نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصمّ ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي (رحمه الله تعالى) :

«فأهل السّهمان يجمعهم : أنهم أهل حاجة إلى ما لهم منها كلهم ؛ وأسباب حاجتهم مختلفة ، [وكذلك : أسباب استحقاقهم معان مختلفة (٩)] ؛ يجمعها الحاجة ، ويفرّق بينها صفاتها.»

«فإذا اجتمعوا : فالفقراء (١٠) : الزّمنى الضعاف الذين لا حرفة لهم ،

__________________

(١) فى الأم (ج ٢ ص ٦١) : «ومعقول».

(٢) الزيادة عن الأم ، وإثباتها أولى من حذفها.

(٣) الزيادة عن الأم ، وإثباتها أولى من حذفها.

(٤) فى الأم : «وإذا» ، وما فى الأصل أحسن.

(٥) فى الأصل : «فقسمت» ، وهو تحريف. والتصحيح عن الأم.

(٦) الزيادة عن الأم ، وإثباتها أولى من حذفها.

(٧) كذا بالأم ، وفى الأصل : «يخرج».

(٨) الزيادة عن الأم ، وإثباتها أولى من حذفها.

(٩) زيادة مفيدة عن الأم (ج ٢ ص ٧١) والمختصر (ج ٣ ص ٢٢١ ـ ٢٢٢).

(١٠) كذا بالأم والمختصر ، وفى الأصل : «فالفقر» ، والنقص من الناسخ.


وأهل الحرفة الضعيفة : الذين لا تقع حرفتهم موقعا من حاجتهم ، ولا يسألون الناس.» (١)

«والمساكين : السّؤّال (٢) ، ومن لا يسئل : ممن له حرفة تقع منه موقعا ، ولا تغنيه ولا (٣) عياله.».

وقال فى (كتاب فرض الزكاة (٤)) : «الفقير (٥) (والله أعلم) : من لا مال له ، ولا حرفة : تقع منه موقعا ؛ زمنا كان أو غير زمن ، سائلا كان أو متعففا.».

«والمسكين : من له مال ، أو حرفة : [لا (٦)] تقع منه موقعا ، ولا تغنيه ـ : سائلا كان أو غير سائل (٧)

«قال الشافعي : والعاملون عليها : المتولّون لقبضها من أهلها ـ :

__________________

(١) قال بعد ذلك ـ في المختصر ـ : «وقال فى الجديد : زمنا كان أو غير زمن ، سائلا أو متعففا.».

(٢) ذكر مهموزا ، فى الأم والمختصر. وكلاهما صحيح.

(٣) فى الأصل : «ولا غنى له» ، وهو تحريف. والتصحيح عن الأم والمختصر.

وقال بعد ذلك ـ فى المختصر ـ : «وقال فى الجديد : سائلا ، أو غير سائل.».

(٤) من الأم (ج ٢ ص ٦١).

(٥) كذا بالأم ، وفى الأصل : «الفقراء» ، وكل صحيح : ولكن ما فى الأم أنسب لقوله : والمسكين.

(٦) الزيادة عن الأم.

(٧) وقال فى الأم (ج ٢ ص ٦٩) : «الفقير : الذي لا حرفة له ولا مال ، والمسكين : الذي له الشيء ولا يقوم به». وانظر ما روى فى ذلك ، فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١١ ـ ١٣).


من السّعاة ، ومن أعانهم : من عريف ، ومن (١) لا يقدر على أخذها إلا بمعونته (٢). سواء (٣) كانوا أغنياء ، أو فقراء.»

وقال فى موضع آخر (٤) : «من ولّاه (٥) الولىّ : قبضها ، وقسمها.» ؛ ثم ساق الكلام ، إلى أن قال : «يأخذ من الصدقة ، [بقدر (٦)] غنائه : لا يزاد عليه ؛ [وإن كان موسرا (٧) : لأنه يأخذ على معنى الإجارة (٨).]».

وأطال الشافعي الكلام : فى المؤلّفة قلوبهم (٩) ؛ وقال فى خلال ذلك (١٠) : «وللمؤلفة قلوبهم (١١) ـ فى قسم الصدقات ـ : سهم.».

«والذي أحفظ فيه ـ : من متقدّم الخبر. ـ : أن عدىّ بن حاتم ، جاء لأبى (١٢) بكر الصديق (رضي الله عنه) ـ أحسبه قال (١٣) ـ : بثلاثمائة

__________________

(١) قوله : ومن ، غير موجود بالأم (ج ٢ ص ٦١).

(٢) فى الأصل : «لمعونته» ، وفي الأم : «بمعرفته».

(٣) عبارة الأم : «وسواء كان العاملون عليها أغنياء أو فقراء ، من أهلها كانوا أو غرباء ، إذا ولوها : فهم العاملون.».

(٤) من الأم (ج ٢ ص ٧٢)

(٥) فى الأصل : «من لا ولاه» ، والتصحيح عن الأم ، والمختصر (ج ٣ ص ٢٢٣) وعبارته : «من ولاه الوالي قبضها ، ومن لا غنى للوالى عن معونته عليها».

(٦) الزيادة عن الأم.

(٧) انظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٥).

(٨) زيادة مفيدة عن المختصر والأم.

(٩) راجع الأم (ج ٢ ص ٧٢ ـ ٧٣) ، والمختصر (ج ٣ ص ٢٢٤ ـ ٢٢٧).

(١٠) كما فى الأم (ج ٢ ص ٧٣) والمختصر (ج ٣ ص ٢٢٧).

(١١) انظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٩ ـ ٢٠).

(١٢) كذا بالأصل ، وفى الأم : «أبا» ، وفى المختصر والسنن الكبرى : «إلى أبى».

(١٣) أي : من روى عنه الشافعي. ولا ذكر لهذا القول فى الأم والمختصر.


من الإبل ، من صدقات قومه. فأعطاه (١) أبو بكر (رضى الله عنه) [منها (٢)] : ثلاثين بعيرا ؛ وأمره أن يلحق بخالد بن الوليد ، بمن أطاعه من قومه. [فجاءه (٣)] بزهاء ألف رجل ، وأبلى بلاء حسنا».

«قال : وليس فى الخبر ـ فى إعطائه إياها ـ : من أين أعطاه إياها؟. غير أن الذي يكاد يعرف (٤) القلب ـ : بالاستدلال بالأخبار (والله أعلم). ـ : أنه أعطاه إياها ، من سهم (٥) المؤلفة قلوبهم (٦)

«فإما (٧) زاده : ليرغبه (٨) فيما صنع ؛ وإما (٩) أعطاه (١٠) : ليتألف به غيره من قومه : ممن لا يثق منه (١١) ، بمثل ما يثق به من عديّ بن حاتم.»

«قال : فأرى : أن يعطى من سهم المؤلفة قلوبهم ـ : فى مثل هذا المعنى. ـ : إن نزلت بالمسلمين نازلة. ولن تنزل إن شاء الله تعالى.». ثم بسط الكلام فى شرح النازلة (١٢).

__________________

(١) فى الأصل : «فأعطاه فجاءه» ، والزيادة متقدمة عن موضعها من الناسخ.

(٢) الزيادة عن الام والمختصر والسنن الكبري.

(٣) الزيادة عن الام والمختصر والسنن الكبري.

(٤) كذا بالأصل والمختصر ، وفى الام والسنن : «أن يعرف» ، وكل صحيح : وإن كان حذف النون أفصح.

(٥) كذا بالأصل والمختصر والسنن الكبرى ، وفى الام : «قسم».

(٦) انظر ما عقب به على هذا ، فى الجوهر النقي (ج ٧ ص ٢٠) وتأمله.

(٧) كذا بالأم والمختصر والسنن الكبرى ، وفى الأصل : «وإنما».

(٨) فى المختصر : «ترغيبا».

(٩) كذا بالأم والمختصر والسنن الكبرى ، وفى الأصل : «وإنما».

(١٠) هذا غير موجود بالمختصر.

(١١) فى السنن الكبرى : «به».

(١٢) راجع الأم (ج ٢ ص ٧٣) ، والمختصر (ج ٣ ص ٢٢٨ ـ ٢٢٩).


قال : «والرّقاب (١) : المكاتبون من جيران الصدقة (٢).».

قال : «والغارمون (٣) : صنفان ؛ (صنف) : دانوا (٤) فى مصلحتهم ، أو معروف وغير معصية ؛ ثم عجزوا عن أداء ذلك : فى العرض والنقد. فيعطون فى غرمهم : لعجزهم (٥)

«(وصنف) : دانوا (٦) فى حمالات (٧) ، وصلاح (٨) ذات بين ، ومعروف ؛ ولهم عروض : تحمل حمالاتهم (٩) أو عامّتها ؛ وإن (١٠) بيعت (١١) : أضرّ ذلك بهم ؛ وإن لم يفتقروا فيعطى (١٢) هؤلاء : [ما يوفر (١٣) عروضهم ،

__________________

(١) انظر السنن الكبر (ج ٧ ص ٢١ ـ ٢٢).

(٢) قال بعد ذلك ، فى الأم (ج ٢ ص ٦١) : «فإن اتسع لهم السهم : أعطوا حتى يعتقوا ، وإن دفع ذلك الوالي إلى من يعتقهم : فحسن ، وإن دفع إليهم : أجزأه. وإن ضاقت السهمان : دفع ذلك إلى المكاتبين. فاستعانوا بها فى كتابتهم.».

(٣) انظر السنن الكبر (ج ٧ ص ٢١ ـ ٢٢).

(٤) كذا بالأصل والمختصر (ج ٣ ص ٢٢٩ ـ ٢٣٠) ، وهو مشترك بين الإقراض ، والاستقراض ، والمراد هنا الثاني. وفى الأم (ج ٢ ص ٦١ ـ ٦٢) : «أدانوا» ، وهو أحسن.

(٥) قال بعد ذلك فى المختصر ـ : «فإن كانت لهم عروض يقضون منها ديونهم : فهم أغنياء ، لا يعطون حتى يبرؤا من الدين ، ثم لا يبقى لهم ما يكونون به أغنياء.» ، وانظر ما ذكره فى الأم أيضا : ففيه فوائد جمة.

(٦) كذا بالأصل والمختصر (ج ٣ ص ٢٢٩ ـ ٢٣٠) ، وهو مشترك بين الإقراض ، والاستقراض ، والمراد هنا الثاني. وفى الأم (ج ٢ ص ٦١ ـ ٦٢) : «أدانوا» ، وهو أحسن.

(٧) أي : كفالات. وفى الأصل : «حملات» ، وهو تحريف. والتصحيح عن الأم والمختصر.

(٨) كذا بالأصل والمختصر ، وفى الأم : «إصلاح».

(٩) أي : كفالات. وفى الأصل : «حملات» ، وهو تحريف. والتصحيح عن الأم والمختصر.

(١٠) كذا بالأصل والمختصر ، وفى الأم : «إن» ، وكل صحيح ، وإن كان إثبات الواو أولى.

(١١) فى الأصل : «يبعث» ؛ وهو تحريف.

(١٢) كذا بالأم والمختصر ، وفى الأصل : «فتعطى».

(١٣) فى المختصر : «وتوفر».


كما يعطى أهل الحاجة. من الغارمين (١)] ؛ حتى يقضوا غرمهم (٢).».

قال : «وسهم (٣) سبيل الله (٤) : يعطى منه ، من (٥) أراد الغزو (٦) : من جيران الصدقة ؛ فقيرا كان أو غنيا (٧).».

قال : «وابن السبيل (٨) : من جيران الصدقة : الذين يريدون السفر فى غير معصية ، فيعجزون عن بلوغ سفرهم ، إلا بمعونة على سفرهم (٩).».

وقال فى القديم : «قال بعض أصحابنا : هو : لمن مرّ بموضع المصّدّق : ممن يعجز عن بلوغ حيث يريد ، إلا بمعونة (١٠). قال الشافعي : وهذا مذهب ؛ والله أعلم.».

والذي قاله فى القديم ـ فى غير روايتنا ـ : إنما هو فى رواية الزعفراني عن الشافعي.

__________________

(١) زيادة مفيدة ، عن الأم والمختصر.

(٢) كذا بالأم ، وفى الأصل : «عزمهم» ، وهو تحريف ، وفى المختصر : «سهمهم».

وانظر ـ فى الام والمختصر ـ ما استدل به على ذلك : من السنة.

(٣) فى الام (ج ٢ ص ٦٢) : «ويعطى سهم سبيل الله من».

(٤) فى المختصر (ج ٣ ص ٢٣٢) ـ بعد ذلك ـ : «كما وصفت».

(٥) كذا بالأصل والمختصر ، وفى الام : «من غزا» ، والاول أحسن.

(٦) انظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٢).

(٧) قال بعد ذلك ـ فى الام ـ : «ولا يعطى منه غيرهم ، إلا أن يحتاج إلى الدفع عنهم : فيعطى من دفع عنهم المشركين.» ، قال فى المختصر : «لانه يدفع عن جماعة الإسلام».

(٨) انظر ما رواه فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٣) عن النبي ، وما علق به عليه.

(٩) انظر ما ذكر فى الام ، بعد ذلك.

(١٠) فهو أعم من سابقه ، وانظر مختصر المزني (ج ٣ ص ٢٣٢ ـ ٢٣٣) ، وتأمل ما اختاره.


 «ما يؤثر عنه فى النّكاح ، والصّداق»

«وغير ذلك»

(أنبأنى) أبو عبد الله الحافظ (إجازة) ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «وكان مما خصّ الله به نبيّه (صلى الله عليه وسلم) ، قوله : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ : ٣٣ ـ ٦)

«وقال تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ : أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ ، وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً (١) : ٣٣ ـ ٥٣) ؛ فحرّم نكاح نسائه ـ من بعده ـ على العالمين ؛ وليس هكذا نساء أحد غيره.».

«وقال الله عزّ وجلّ : (يا نِساءَ النَّبِيِّ : لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ ؛ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ : فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ : ٣٣ ـ ٣٢) ؛ فأبانهنّ (٢) به من نساء العالمين.»

«وقوله (٣) : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) ؛ مثل ما وصفت : من اتساع لسان العرب ، وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة. ومما (٤) وصفت :

__________________

(١) انظر سبب نزول هذه الآية فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٦٩).

(٢) كذا بالمختصر (ج ٣ ص ٢٥٥) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٧٣). وفى الأصل : «فأباهن» ؛ وفى الأم (ج ٥ ص ١٢٥) : «فأثابهن». وكلاهما خطأ وتحريف.

(٣) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «ومن قوله» ؛ والزيادة من الناسخ.

(٤) كذا بالأصل والأم ؛ وهو معطوف على «مثل» ، أي : ونوع من ذلك. ولو عبر بما لكان أظهر.


من [أن (١)] الله أحكم كثيرا ـ : من فرائضه. ـ بوحيه ؛ وسنّ شرائع واختلافها ، على لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم) ، وفى فعله.»

«فقوله : (أمّهاتهم) ؛ يعنى (٢) : فى معنى دون معنى ؛ وذلك : أنه لا يحل لهم نكاحهنّ بحال ، ولا يحرم (٣) عليهم نكاح بنات : لو كنّ لهنّ (٤) ؛ كما يحرم (٥) عليهم نكاح بنات أمهاتهم : اللّاتى ولدنهم ، [أ (٦)] وأرضعنهم.».

وذكر (٧) الحجة فى هذا (٨) ؛ ثم قال : «وقد ينزل القرآن فى النازلة : ينزل على ما يفهمه من أنزلت فيه ؛ كالعامة فى الظاهر : وهى يراد بها الخاصّ والمعنى دون ما سواه.

«والعرب تقول ـ للمرأة : تربّ أمرهم (٩). ـ : أمّنا وأمّ العيال (١٠) ؛

__________________

(١) زيادة متعينة ، عن الأم.

(٢) هذا غير موجود فى المختصر.

(٣) قال فى المختصر : «ولم تحرم بنات لو كن لهن : لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) زوج بناته وهن أخوات المؤمنين.».

(٤) فى الأصل : «لهم» ؛ وهو خطأ وتحريف. والتصحيح من المختصر ، والأم (ج ٥ ص ١٢٦) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٧٠).

(٥) كذا بالأم والسنن الكبرى ؛ وفى الأصل : «تحرم» ؛ وهو تحريف.

(٦) زيادة إثباتها أولى من حذفها ، عن الأم والسنن الكبرى.

(٧) فى الأصل : «وذلك» ؛ وهو تحريف.

(٨) انظر الام (ج ٥ ص ١٢٦) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٧٠ ـ ٧١).

(٩) انظر الام (ج ٥ ص ١٢٦) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٧٠ ـ ٧١).

(١٠) أي : تسوسه وتدبره.


وتقول كذلك (١) للرجل : [يتولى (٢)] أن يقوتهم (٣). ـ : أم العيال ؛ بمعنى (٤) : أنه وضع نفسه موضع الأمّ التي تربّ [أمر (٥)] العيال. قال : تأبّط شرّا (٦) ـ وهو يذكر غزاة غزاها : ورجل (٧) من أصحابه ولى قوتهم. ـ : * وأمّ (٨) عيال قد شهدت تقوتهم. ـ : *». وذكر بقية البيت ، وبيتين (٩) أخوين معه.

قال الشافعي (رحمه الله) : «قلت (١٠) : الرجل يسمى أما ؛ وقد تقول العرب للناقة ، والبقرة ، والشاة ، والأرض ـ : هذه أم عيالنا ؛ على معنى : التي تقوت عيالنا».

__________________

(١) فى الأصل والأم (ج ٥ ص ١٢٦) : «ذلك» ؛ ولعل الظاهر ما أثبتنا.

(٢) الزيادة عن الأم.

(٣) كذا بالأم ، وفى الأصل : «تقوتهم» ؛ وهو تحريف.

(٤) كذا بالأم ، وهو الظاهر. وفى الأصل : «يعنى».

(٥) الزيادة عن الأم.

(٦) كذا بالأصل والام ، ذكر فى الصحاح والمحكم واللسان (مادة : حتر) أنه الشنفري ، وذكر ابن برى : أن الرجل المشار إليه هو تأبط شرا.

(٧) هذه الجملة حالية ، وإلا : تعين النصب.

(٨) كذا بالأم والصحاح واللسان ، وفى الأصل : «فأم». وهو بالنصب على الرواية المشهورة ، والناصب : شهدت. وروى بالخفض على واو رب.

(٩) فى الأصل : «وذكر فى البيت وبنتين» ، وهو تحريف ظاهر. وبقية الشعر ـ على ما فى الام مع تغيير طفيف عن اللسان والصحاح ـ : إذا أطعمتهم أحترت وأقلت.

تخاف علينا العيل إن هى أكثرت

ونحن جياع أي أول تألت

وما إن بها ضن بما فى وعائها

ولكنها ، من خشية الجوع ، أبقت

 (١٠) كذا بالأم ، وفى الأصل : «وقلب» ، وفيه تحريف وزيادة لا داعي لها.


«وقال (١) الله عزّ وجلّ : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ : ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ؛ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ : ٥٨ ـ ٢)

«يعني : أن اللائي ولدنهم : أمهاتهم (٢) بكل حال ؛ الوارثات [و (٣)] الموروثات ، المحرّمات بأنفسهنّ ، والمحرّم بهنّ غيرهنّ : اللائي لم يكنّ قط إلا أمهات (٤). ليس : اللائي يحدثن رضاعا للمولود ، فيكنّ به أمهات [وقد كنّ قبل إرضاعه ، غير أمهات له (٥)] ؛ ولا : أمهات المؤمنين [عامة : يحرمن بحرمة أحدثنها أو يحدثها الرجل ؛ أو : أمهات المؤمنين (٦)] حرمن (٧) : بأنهنّ أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم).».

وأطال الكلام فيه (٨) ؛ ثم قال : «وفى (٩) هذا : دلالة على أشباه له فى (١٠) القرآن ، جهلها من قصر علمه باللسان والفقه (١١)

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «وذكر عبدا أكرمه ، فقال (١٢) : (وَسَيِّداً ، وَحَصُوراً : ٣ ـ ٣٩)».

__________________

(١) فى الأم : «قال» ، وما فى الأصل هو الظاهر والأحسن.

(٢) هذا خبر «أن» ، فتنبه.

(٣) الزيادة عن الأم.

(٤) فى الأصل : «لامهات» ، وهو خطأ وتحريف. والتصحيح عن الام.

(٥) الزيادة عن الأم.

(٦) الزيادة عن الأم.

(٧) كذا بالأم ، وفى الأصل : «حرمهن» ، وما فى الام أولى.

(٨) انظر الأم (ج ٥ ص ١٢٦).

(٩) بالأم : «فى».

(١٠) بالأم : «من».

(١١) انظر ما ذكره بعد ذلك ، فى الام (ج ٥ ص ١٢٦) : ففيه فوائد جليلة.

(١٢) فى الأم (ج ٥ ص ١٢٩) : «قال» ؛ وما فى الأصل أحسن.


«والحصور : الذي لا يأتى النساء (١) ، [ولم يندبه إلى النكاح (٢)].».

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «حتم (٣) لازم لأولياء الأيامى (٤) ، والحرائر : البوالغ ـ : إذا أردن النكاح ، ودعوا (٥) إلى رضىّ (٦) : من الأزواج. ـ : أن يزوّجوهنّ ؛ لقول الله عزّ وجلّ : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ، فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ (٧) : إِذا تَراضَوْا

__________________

(١) قد رواه ـ فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٨٣) ـ بهذا اللفظ ، عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد ؛ وبلفظ : «لا يقرب» ؛ عن ابن مسعود.

(٢) الزيادة عن الأم والسنن الكبرى ؛ وانظر كلامه السابق واللاحق فى الأم ، وكلامه فى المختصر (ج ٣ ص ٢٥٦).

(٣) فى الأم (ج ٥ ص ١٢٧) : «فحتم».

(٤) كذا بالأم والسنن الكبرى (ج ٧ ص ١٠٣) ؛ وفى الأصل : «الإماء».

(٥) كذا بالأم ؛ وفى الأصل والسنن الكبرى : «دعون» ؛ وما فى الأم أشمل.

(٦) كذا بالأصل والسنن الكبرى ؛ وفى الأم : «رضا».

(٧) قال بعض أهل العلم بالقرآن (كما فى الأم ج ٥ ص ١١) : «(وَإِذا طَلَّقْتُمُ) يعنى : الأزواج ؛ (النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) يعنى : فانقضى أجلهن ، يعنى : عدتهن ؛ (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) يعنى : أولياءهن (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) : إن طلقوهن ولم يبتوا طلاقهن.» ؛ قال الشافعي : «وما أشبه ما قالوا من هذا بما قالوا ، ولا أعلم الآية تحتمل غيره : لأنه إنما يؤمر بأن لا يعضل المرأة ، من له سبب إلى العضل ـ : بأن يكون يتم به نكاحها. ـ : من الأولياء. والزوج إذا طلقها ، فانقضت عدتها : فليس بسبيل منها فيعضلها ، وإن لم تنقض عدتها : فقد يحرم عليها أن تنكح غيره ، وهو لا يعضلها عن نفسه. وهذا أبين ما فى القرآن : من أن للولى مع المرأة فى نفسها حقا ، وأن على الولي أن لا يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف.». ا هـ وهو كلام جيد يؤكد ويوضح ما سيأتى هنا. وانظر ما كتبه على هذا صاحب الجوهر النقي (ج ٧ ص ١٠٤) وتأمله.


بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ : ٢ ـ ٢٣٢) (١)

«فإن شبّه على أحد : بأن (٢) مبتدأ الآية على ذكر الأزواج. ـ : ففى (٣) الآية ، دلالة : [على (٤)] أنه إنما نهى عن العضل الأولياء (٥) ؛ لأن الزوج إذا طلق ، فبلغت المرأة الأجل ـ : فهو أبعد الناس منها ؛ فكيف يعضلها من لا سبيل ، ولا شرك له [فى أن يعضلها (٦)] فى بعضها؟!.»

«فإن قال قائل : قد يحتمل (٧) : إذا قاربن بلوغ أجلهنّ ؛ لأنّ الله (تعالى) يقول للأزواج : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ، فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (٨) الآية (٩).

__________________

(١) انظر المختصر (ج ٣ ص ٢٥٧).

(٢) فى الأم (ج ٥ ص ١٢٨) : «أن» ؛ وقال فى الأم (ج ٥ ص ١٤٩) : «فإن قال قائل : نرى ابتداء الآية مخاطبة الأزواج ؛» ثم علل بالآية المذكورة.

(٣) هذا جواب الشرط ، وعبارته فى الأم (ص ١٤٩) : «فدل على أنه أراد غير الأزواج : من قبل أن الزوج ـ إذا انقضت عدة المرأة : ببلوغ أجلها. ـ لا سبيل له عليها.».

(٤) الزيادة عن الأم (ص ١٢٨).

(٥) فى الأصل : «للأولياء» ، وهو خطا وتحريف. والتصحيح عن الأم (ص ١٢٨).

(٦) الزيادة عن الأم (ص ١٢٨).

(٧) فى الأم (ص ١٢٨) : «تحتمل» ؛ وفيها (ص ١٤٩) : «فقد يحتمل ... إذا شارفن» ؛ ولا خلاف فى المعنى.

(٨) قال فى الأم (ج ٥ ص ١٤٩) ـ بعد أن ذكر نحو هذا ـ : «نهيا : أن يرتجعها ضرارا ليعضلها.».

(٩) كذا بالأصل : وفى الأم (ج ٥ ص ١٢٨) : (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ؛ وبقية الآية : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا ؛ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ : فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ؛ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً ، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ ، وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ : مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ ، يَعِظُكُمْ بِهِ ؛ وَاتَّقُوا اللهَ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ : ٢ ـ ٢٣١).


يعنى (١) : إذا قاربن بلوغ أجلهنّ.».

«قال الشافعي : فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى ، وأنها (٢) لا تحتمله : لأنها إذا قاربت بلوغ أجلها ، أو لم تبلغه (٣) ـ : فقد حظر الله (عزّ وجلّ) عليها : أن تنكح (٤) ، لقول الله عزّ وجلّ : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ : ٢ ـ ٢٣٥) ؛ فلا يأمر : بأن لا يمنع من النكاح ؛ من قد منعها منه. إنما يأمر : بأن لا يمتنع (٥) مما أباح لها ، من هو بسبب [من (٦)] منعها.»

«قال : وقد حفظ بعض أهل العلم : أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار ، وذلك : أنه زوّج أخته رجلا (٧) ، فطلقها وانقضت (٨) عدتها ، ثم :

__________________

(١) هذا إلى قوله : الشافعي ؛ غير موجود بالأم (ص ١٢٨). وقوله : فالآية ، جواب الشرط ، فتنبه.

(٢) كذا بالأصل والأم (ص ١٢٨) ، وفى الأم (ص ١٤٩) : «لأنها».

(٣) كذا بالأصل والأم (ص ١٢٨) ؛ وفى الأم (ص ١٤٩) : «لان المرأة المشارفة بلوغ أجلها ولم تبلغه : لا يحل لها أن تنكح ، وهى ممنوعة من النكاح بآخر العدة ، كما كانت ممنوعة منه بأولها : فإن الله (عز وجل) يقول : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا) ؛ فلا يؤمر : بأن يحل إنكاح الزوج ؛ إلا لمن قد حل له الزوج.». أو : (فلا يؤمر ... من إلخ). إذ عبارة الأم : (إلا من) ، وهى خطأ بيقين.

(٤) فى الأصل : «ينكح» ، والتصحيح عن الأم (ص ١٢٨).

(٥) كذا بالأم (ص ١٢٨). وفى الأصل : «لكل لا يمنع» ، وهو تحريف.

(٦) الزيادة عن الأم (ص ١٢٨).

(٧) هو ابن عم له ، كما فى الأم (ج ٥ ص ١١).

(٨) فى المختصر (ج ٣ ص ٢٥٧) : «فانقضت».


طلب نكاحها وطلبته ، فقال : زوجتك ـ دون غيرك ـ أختى (١) ، ثم : طلقتها ، لا أنكحك (٢) أبدا. فنزلت : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ، فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ) (٣)

«قال : وهذه (٤) الآية أبين آية في كتاب الله (عزّ وجلّ) : دلالة على أن ليس للمرأة الحرة : أن (٥) تنكح نفسها.»

«وفيها : دلالة (٦) على أنّ النكاح يتمّ برضا الولي مع المزوّج والمزوّجة (٧).».

قال الشيخ (رحمه الله) : هذا الذي نقلته ـ : من كلام الشافعىّ (رحمه الله) فى أمهات المؤمنين ، إلى هاهنا. ـ بعضه فى مسموع لى (٨) :

__________________

(١) هذا فى المختصر مقدم على ما قبله.

(٢) كذا بالأصل والأم (ص ١٢٨) وفى المختصر : «أنكحكها» ؛ وفى الأم (ص ١٤٩) «أزوجكها» ؛ ولا فرق : إذا المحذوف مقدر.

(٣) راجع فى ذلك السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٠٣ ـ ١٠٤ و ١٣٨).

(٤) فى الأم (ص ١٤٩) : «فهذه».

(٥) فى المختصر : «أن تتزوج بغير ولى».

(٦) كذا بالأصل والام (ص ١٢٨) ؛ وفى الام (ص ١٤٩) : «الدلالة» ،

(٧) كذا بالأصل ؛ وفى الأم (ص ١٢٨) «الزوج والزوجة» ، وفى الأم (ص ١٤٩) : «والمنكحة والناكح» ، ثم قال فيها بعد ذلك وعلى أن على الولي أن لا يعضل. فإذا كان عليه أن لا يعضل فعلى السلطان التزويج إذا عضل : لأن من منع حقا : فأمر السلطان جائز عليه أن يأخذه منه «وإعطاؤه عليه».

(٨) فى الأصل : «بعضه لى في مسموع». والظاهر ما صنعنا ، وان التقديم من الناسخ.


قراءة على شيخنا ؛ وبعضه غير مسموع : فإنه لم يسمعه فى النقل. فرويت الجميع بالإجازة ؛ وبالله التوفيق.

* * *

واحتج (أيضا) ـ فى اشتراط الولاية فى النكاح (١) ـ : بقوله عزّ وجلّ : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ : بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ : ٤ ـ ٣٤) ؛ وبقوله (تعالى) فى الإماء : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ : ٤ ـ ٢٥).

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، نا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «قال الله عزّ وجلّ : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ، وَالصَّالِحِينَ : مِنْ عِبادِكُمْ ، وَإِمائِكُمْ : ٢٤ ـ ٣٢)

«قال : ودلت (٢) أحكام الله ، ثم رسوله (صلى الله عليه وسلم) : على أن لا ملك للأولياء [آباء كانوا أو غيرهم (٣) ؛] على أياماهم ـ وأياماهم : الثيّبات. ـ : قال الله عز وجل : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ، فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ : ٢ ـ ٢٣٢) ؛ وقال (تعالى) فى

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٥ ص ١١ و ١٤٩). وراجع فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٢٤) بعض ما ورد فى ذلك.

(٢) فى الأم (ج ٥ ص ٣٦) : «فدلت» ؛ وما فى الأصل هو الظاهر.

(٣) الزيادة عن الأم (ج ٥ ص ٣٦) للايضاح والفائدة.


المعتدّات : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ) الآية (١) ؛ وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : «الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها ؛ والبكر تستأذن فى نفسها ؛ [وإذنها : صماتها (٢).]». [مع ما (٣)] سوى ذلك.»

«ودل الكتاب والسنة : على أن المماليك لمن ملكهم ، [وأنهم (٤)] لا يملكون من أنفسهم [شيئا (٥)].»

«ولم أعلم دليلا : على إيجاب [إنكاح (٦)] صالحى العبيد والإماء ـ كما وجدت الدلالة : على إنكاح (٧) الحرائر (٨). ـ إلا مطلقا.»

«فأحبّ إلىّ : أن ينكح (٩) [من بلغ] : من العبيد والإماء،ثم صالحوهم خاصة.»

«ولا يبين (١٠) لى : أن يجبر أحد عليه ؛ لأن الآية محتملة : أن تكون أريد بها (١١) : الدلالة (١٢) ؛ لا الإيجاب.».

__________________

(١) تمامها : (بِالْمَعْرُوفِ ؛ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ : ٢ ـ ٢٣٤).

(٢) زيادة للفائدة عن الأم (ج ٥ ص ١٥ و ١٢٨ و ١٥٠). وراجع فيها كلامه المتعلق بذلك لفائدته العظيمة ؛ وراجع السنن الكبرى (ج ٧ ص ١١٥ و ١١٨ ـ ١١٩ و ١٢٢ ـ ١٢٣).

(٣) الزيادة عن الأم (ج ٥ ص ٣٦) ؛ وبعضها ضرورى ، وبعضها للايضاح أو الفائدة

(٤) الزيادة عن الأم (ج ٥ ص ٣٦) ؛ وبعضها ضرورى ، وبعضها للايضاح أو الفائدة

(٥) الزيادة عن الأم (ج ٥ ص ٣٦) ؛ وبعضها ضرورى ، وبعضها للايضاح أو الفائدة

(٦) الزيادة عن الأم (ج ٥ ص ٣٦) ؛ وبعضها ضرورى ، وبعضها للايضاح أو الفائدة

(٧) كذا بالأم (ج ٥ ص ٣٦) ؛ وهو الظاهر والمناسب. وفى الأصل : «نكاح».

(٨) فى الأم : «الحر».

(٩) أي : يزوج.

(١٠) فى الأم : «يتبين» ؛ ولا فرق.

(١١) أي : بالأمر الذي اشتملت عليه ، وهو : (انكحوا). أو فى الأم : «أن يكون أريد به».

(١٢) أي : الندب.


وذهب فى القديم (١) : «إلى أن للعبد أن يشترى : إذا أذن له سيده.».

وأجاب عن قوله : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً : عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ : ١٦ ـ ٧٥) ؛ بأن قال : «إنما هذا ـ عندنا ـ : عبد ضربه الله مثلا ؛ فإن كان عبدا (٢) : فقد يزعم : أن العبد يقدر على أشياء ؛ (منها) : ما يقرّ به على نفسه : من الحدود التي تتلفه [أ (٣)] وتنقصه. (ومنها) : ما إذا أذن له فى التجارة : جاز بيعه وشراؤه وإقراره.»

«فإن اعتلّ بالإذن (٤) : فالشرى (٥) بإذن سيده أيضا. فكيف (٦) يملك بأحد الإذنين ، ولا يملك بالآخر؟!.».

ثم رجع عن هذا ، فى الجديد ؛ واحتج (٧) بهذه الآية (٨) ، وذكر قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٩) : ٢٣ ـ ٥ ـ ٦ و ٧٠ ـ ٢٩ ـ ٣٠).

__________________

(١) فى الأصل : «التقديم». وهو تحريف.

(٢) أي : غير حر.

(٣) زيادة موضحة منبهة.

(٤) أي : فى مسئلة التجارة.

(٥) أي : فى أصل الدعوى.

(٦) فى الأصل : «كما له» ؛ وهو محرف ، أو فيه نقص. فليتأمل.

(٧) كما فى الأم (ج ٥ ص ٣٨).

(٨) أي : التي أجاب عنها فى القديم.

(٩) زيادة لا بأس بها ، عن الأم.


[ثم قال (١)] : «فدل كتاب الله (عز وجل) : [على (٢)] أن ما أباح (٣) ـ : من (٤) الفروج. ـ فإنما أباحه من أحد وجهين (٥) : النكاح ، أو ما ملكت اليمين فلا يكون العبد مالكا بحال.». وبسط الكلام فيه (٦).

* * *

(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحق ـ فى آخرين ـ قالوا : نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، نا الشافعي : «أنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيّب : أنه قال ـ فى قول الله عز وجل : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ؛ وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ (٧) وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٨) : ٢٤ ـ ٣). ـ : إنها منسوخة ؛ نسخها قول الله

__________________

(١) الزيادة للتنبيه.

(٢) زيادة لا بأس ، عن الأم.

(٣) فى الأم : «أباحه».

(٤) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «بالفرج» ؛ وهو تحريف على ما يظهر.

(٥) فى الأم : «الوجهين».

(٦) قال فى الأم ـ بعد أن ذكر آية العبد ، وحديث : «من باع عبدا وله مال : فما له للبائع ؛ إلا أن يشترطه المبتاع». ـ : «فدل الكتاب والسنة : أن العبد لا يكون مالكا مالا بحال ، وأن ما نسب إلى ملكه : إنما هو إضافة اسم ملك إليه ، لا حقيقة ... فلا يحل (والله تعالى أعلم) للعبد : أن يتسرى : أذن له سيده ، أو لم يأذن له. لأن الله (تعالى) إنما أحل التسرى للمالكين ؛ والعبد لا يكون مالكا بحال.».

(٧) انظر فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٥٣ ـ ١٥٤) : ما روى فى سبب نزول هذه الآية ، وفى تفسيرها.

(٨) الزيادة عن الأم (ج ٥ ص ١٠).


عز وجل : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ : ٢٤ ـ ٣٢) ؛ فهى (١) : من أيامى المسلمين.».

قال الشافعي (رحمه الله) ـ فى غير هذه الرواية (٢) ـ : «فهذا : كما قال ابن المسيّب إن شاء الله ؛ وعليه دلائل : من القرآن والسنة.».

وذكر الشافعي (رحمه الله) سائر ما قيل فى هذه الآية (٣) ؛ وهو منقول فى (المبسوط) ، وفى كتاب : (المعرفة).

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ : مِنَ النِّساءِ ؛ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (٤) ؛ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا : فَواحِدَةً ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ : ٤ ـ ٣) (٥)

__________________

(١) كذا بالأم والسنن الكبرى (ج ٧ ص ١٥٤). وفى الأم (ج ٧ ص ٧٥) : «فهن». وفى الأصل : «فهو» ؛ وهو تحريف.

(٢) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٣١) ؛ وانظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٥٤) والأم (ج ٧ ص ٧٥).

(٣) راجع الأم (ج ٥ ص ١٠ ـ ١١ و ١٣١ ـ ١٣٢).

(٤) فى الأم (ج ٥ ص ٣٦) : «إلى قوله : (أن لا تعولوا).».

(٥) انظر فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٤١ ـ ١٤٢) : ما روى عن عائشة فى ذلك. وقال الشافعي (كما فى السنن الكبرى ج ٧ ص ١٤٩) : «فأطلق الله ما ملكت الأيمان : فلم يخد فيهن حدا ينتهى إليه. وانتهى ما أحل الله بالنكاح : إلى أربع ؛ ودلت سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ المبينة عن الله ـ : أن انتهاءه إلى أربع تحريم منه لأن يجمع أحد غير النبي (صلى الله عليه وسلم) بين أكثر من أربع.».


«فكان بيّنا فى الآية (والله أعلم) : أن المخاطبين بها : الأحرار. لقوله عز وجل : (فَواحِدَةً ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (١) ؛ [لأنه (٢)] لا يملك إلا الأحرار. وقوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) ؛ فإنما (٣) يعول : من له المال ؛ ولا مال للعبد.».

* * *

وبهذا الإسناد ، عن الشافعي : أنه تلا الآيات التي وردت ـ فى القرآن ـ : فى النكاح والتزويج (٤) ؛ [ثم (٥)] قال : «فأسمى (٦) الله (عز وجل) النكاح ، اسمين : النكاح ، والتزويج (٧).».

__________________

(١) كذا بالأم ؛ وفى الأصل زيادة : «الآية». والظاهر : أن موضع ذلك بعد القول السابق ، وأن التأخير من الناسخ. إذ لا معنى لذكر ذلك هنا مع أنه استدل بعد بالباقي من الآية على حدة.

(٢) الزيادة عن الأم.

(٣) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «إنما».

(٤) وهى ـ كما فى الأم (ج ٥ ص ٣٣) ـ : قوله تعالى لنبيه : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها : ٣٣ ـ ٣٧) ؛ وقوله : (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها : ٤ ـ ١) ؛ وقوله : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ : ٤ ـ ١٢) ؛ وقوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ : ٢٤ ـ ٦) ؛ وقوله : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ : ٢ ـ ٢٣٠) ؛ وقوله : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ : إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها : ٣٣ ـ ٥٠) ؛ وقوله : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ : ٣٣ ـ ٤٩) ؛ وقوله : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) : (مِنَ النِّساءِ : ٤ ـ ٢٢).

(٥) زيادة لا بأس بها.

(٦) فى الأم (ج ٥ ص ٣٣) : «فسمى». وفى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١١٣) : «سمى».

(٧) راجع المختصر (ج ٣ ص ٢٧١ ـ ٢٧٢).


وذكر (١) آية الهبة ، وقال : «فأبان (جل ثناؤه) : أن الهبة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، دون المؤمنين.».

قال : «والهبة (والله أعلم) تجمع (٢) : أن ينعقد (٣) له [عليها (٤)] عقدة (٥) النكاح ؛ بأن تهب نفسها له بلا مهر وفى هذا ، دلالة : على أن لا يجوز نكاح ، إلا باسم : النكاح ، [أ (٦)] والتزويج (٧).».

* * *

(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال (٨) الله عز وجل : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ : ٤ ـ ٢٣) (٩) ؛ دون أدعيائكم : الذين تسمونهم أبناءكم (١٠).».

__________________

(١) هذا من كلام البيهقي رحمه الله.

(٢) فى المختصر (ج ٣ ص ٢٧٢) : «مجمع».

(٣) كذا بالمختصر والأم (ج ٥ ص ٣٣) ؛ وهو الظاهر. وفى الأصل : «يعقد».

(٤) الزيادة عن الأم.

(٥) فى الأصل : «عقيدة» ؛ وهو تحريف ، والتصحيح عن الأم.

(٦) الزيادة عن الأم والمختصر.

(٧) قال فى الأم ، بعد ذلك : «ولا يقع بكلام غيرهم : وإن كانت معه نية التزويج.» إلخ ؛ فراجعه.

(٨) عبارته فى الأم (ج ٥ ص ٢٢) : «فأشبه (والله تعالى أعلم) أن يكون قوله :

(وحلائل)» إلخ. وهى متعلقة بكلام سابق يجب الرجوع إليه : لكى يفهم ما هنا الذي نجوز أن يكون به سقط.

(٩) راجع فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٦٠ ـ ١٦١) ما روى عن ابن عباس والحسن فى هذا ، وما قاله البيهقي نفسه : فهو مفيد.

(١٠) قال فى الأم ـ بعد ذلك ؛ وقبل القول الآتي ـ : «ولا يكون الرضاع فى شىء من هذا».


واحتج [فى] كل (١) بما هو منقول فى كتاب : (المعرفة) ؛ ثم قال : «وحرّمنا بالرضاع (٢) : بما (٣) حرم الله (٤) : قياسا عليه ؛ وبما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : أنه «يحرم من الرضاع (٥) : ما يحرم من الولادة. (٦)

وقال ـ فى قوله عز وجل : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ : مِنَ النِّساءِ ؛ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ : ٤ ـ ٢٢) (٧) ؛ وفى قوله عز وجل : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ؛ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ : ٤ ـ ٢٣). ـ : «كان أكبر ولد الرجل : يخلف على امرأة أبيه ؛ وكان الرجل : يجمع بين الأختين. فنهى الله (عز وجل) : عن أن يكون منهم أحد : يجمع فى عمره بين أختين ، أو ينكح (٨) ما نكح أبوه ؛ إلا ما قد سلف فى الجاهلية ، قبل علمهم بتحريمه. ليس : أنه أقرّ فى أيديهم ، ما كانوا قد جمعوا بينه ، قبل الإسلام. [كما أقرهم

__________________

(١) أي : فى تحريم حليلة الابن من الرضاعة ، وعدم تحريم حليلة المتبنى بعد طلاقها منه.

انظر الأم (ج ٥ ص ٢١ ـ ٢٢).

(٢) فى الأم : «من الرضاع».

(٣) كذا بالأصل والأم ؛ وحذف الباء أولى.

(٤) أي : من النسب.

(٥) أخرجه فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٥٩ و ٤٥١ ـ ٤٥٢) من طريق عائشة ، بلفظ : «الرضاغة».

(٦) فى الأم (ج ٥ ص ٢١) : «النسب».

(٧) راجع فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٦١ ـ ١٦٢) : ما روى فى سبب نزول هذه الآية.

(٨) كذا بالأم والسنن الكبرى (ج ٧ ص ١٦٣) ؛ وفى الأصل : «وأن ينكح». وما فيهما أنسب. وراجع فى السنن : ما روى عن مقاتل بن سليمان. ومقاتل ابن حيان.


النبي (صلى الله عليه وسلم) على نكاح الجاهلية : الذي لا يحل فى الإسلام بحال. (١)]».

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «من تزوج امرأة ، فلم يدخل بها حتى ماتت ، أو طلقها [فأبانها (٢)] ـ : فلا (٣) بأس أن يتزوج ابنتها ؛ ولا يجوز له عقد نكاح أمها : لأن الله (عز وجل) قال : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ : ٤ ـ ٢٣).» ؛ زاد فى كتاب الرضاع (٤) : «لان الأم مبهمة التحريم في كتاب الله (عز وجل) : ليس فيها شرط ؛ إنما الشرط فى الربائب (٥).». ورواه (٦) عن زيد بن ثابت.

وفسر الشافعي (٧) (رحمه الله) ـ فى (٨) قوله عز وجل : (وَالْمُحْصَناتُ

__________________

(١) زيادة مفيدة ، عن الأم.

(٢) زيادة مفيدة ، عن الأم (ج ٥ ص ١٣٣).

(٣) عبارته فى الأم (ج ٥ ص ٢١ و ١٣٣) : «فكل بنت لها ـ وإن سفلت ـ حلال : لقول الله عز وجل : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ : فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ : ٤ ـ ٢٣).».

(٤) من الأم (ج ٥ ص ٢١).

(٥) قال فى الأم (ص ١٣٣) : «وهو قول الأكثرين ، ممن لقيت : من المفتين.» ؛ زاد فى صفحة (٢١) : «وقول بعض أصحاب النبي». وقال (على ما فى السنن الكبرى : ج ٧ ص ١٥٩) : «وهو يروى عن عمر وغيره».

(٦) أي : هذا التعليل. انظر الأم (ج ٥ ص ٢١). وانظر أيضا كلامه فى الأم (ج ٧ ص ٢٥) : فهو مفيد.

(٧) راجع فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٦٧) ما روى عن ابن عباس ، وابن مسعود : مما يوافق تفسير الشافعي الآتي.

(٨) كذا بالأصل : على تضمين «فسر» معنى القول.


مِنَ النِّساءِ ؛ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ : ٤ ـ ٢٤) (١). ـ : «بأن (٢) ذوات الأزواج ـ : من الحرائر ، والإماء. ـ محرّمات على غير أزواجهن (٣) ، [حتى يفارقهن أزواجهن : بموت ، أو فرقة طلاق ، أو فسح نكاح. (٤)] إلا السبايا : [فإنهن مفارقات لهن : بالكتاب ، والسنة ، والإجماع. (٥)]».

واحتج ـ فى رواية أبى عبد الرحمن الشافعي ، عنه ـ : بحديث أبي سعيد الخدرىّ (رضى الله عنه) : أنه قال : «أصبنا سبايا (٦) : لهن أزواج فى الشّرك ؛ فكرهنا : أن نطأهن ؛ فسألنا النبي (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك ؛ فنزل : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ؛ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (٧).».

__________________

(١) قال فى الأم (ج ٥ ص ١٣٤) : «... والآية تدل علي أنه لم يرد بالإحصان هاهنا : الحرائر ؛ فبين : أنه إنما قصد بالآية : قصد ذوات الأزواج. ثم دل الكتاب وإجماع أهل العلم : أن ذوات الأزواج» إلى آخر ما هنا.

(٢) فى الأصل : «بإذن» ؛ وهو تحريف.

(٣) قال فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٦٧ ـ ١٦٨) : «واستدل الشافعي (رحمه الله) ـ فى أن ذوات الأزواج : من الإماء ؛ يحرمن على غير أزواجهن ؛ وأن الاستثناء فى قوله : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ؛ مقصور على السبايا. ـ : بأن السنة دلت على أن المملوكة غير المسبية : إذا بيعت أو أعتقت لم يكن بيعها طلاقا ؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) خير بريرة ـ حين عتقت ـ : فى المقام مع زوجها ، وفراقه. وقد زال ملك بريرة : بأن بيعت فأعتقت. فكان زواله المعنيين ، ولم يكن ذلك فرقة. قال : فإذا لم يحل فرج ذوات الزوج : بزوال الملك ؛ فهى إذا لم تبع : لم تحل بملك يمين ، حتى يطلقها زوجها.». ا هـ. فراجعه ، وراحع ما نقله عن المذهب القديم ، وما عقب به عليه : فهو مفيد جدا.

(٤) زيادة مفيدة ، عن الأم (ج ٥ ص ١٣٤).

(٥) زيادة مفيدة ، عن الأم (ج ٥ ص ١٣٤).

(٦) انظر فى الأم كلامه ، فى أن السباء قطع للعصمة.

(٧) أخرجه مطولا ، في السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٦٧).


واحتج بغير ذلك أيضا (١) ؛ وهو منقول فى كتاب : (المعروفة).

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) : «قال الله عز وجل : (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ : فَامْتَحِنُوهُنَّ ؛ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ ؛ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ : فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ : لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ : ٦٠ ـ ١٠)

«قال الشافعي : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) (٢) : فأعرضوا عليهن الإيمان ، فإن قبلن ، وأقررن [به (٣)] : فقد علمتوهن مؤمنات. وكذلك : علم بنى آدم الظاهر ؛ قال الله عز وجل : (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ) ؛ يعنى : بسرائرهن فى إيمانهن. (٤)».

قال الشافعي : «وزعم (٥) بعض أهل العلم بالقرآن : أنها نزلت فى مهاجرة [من (٦)] أهل مكة ـ فسماها بعضهم : ابنة عقبة بن أبى معيط. (٧) ـ وأهل مكة : أهل أوثان. و: أن قول الله عز وجل : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ

__________________

(١) انظر الأم (ج ٥ ص ١٣٤ ـ ١٣٥).

(٢) يعنى : تأويل ذلك.

(٣) الزيادة عن الأم (ج ٥ ص ٣٩).

(٤) قال فى الأم ـ بعد ذلك ـ : «وهذا يدل : على أن لم يعط أحد من بنى آدم : أن يحكم على غير ظاهر.». وراجع كلامه المتعلق بهذا المقام ، فى الأم (ج ٦ ص ٢٠١ ـ ٢٠٦ وج ٧ ص ٢٦٨ ـ ٢٧٢) : فهو أجود ما كتب.

(٥) فى الأم (ج ٥ ص ٥) : «فزعم» ؛ وقد ذكر فيها قبله الآية السابقة.

(٦) زيادة لا بد منها عن الأم ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ١٧٠).

(٧) هى أم كلثوم كما فى المختصر (ج ٥ ص ٢١٠) والأم (ج ٤ ص ١١٢ ـ ١١٣)


 الْكَوافِرِ : ٦٠ ـ ١٠) ؛ قد (١) نزلت في مهاجر (٢) أهل مكة مؤمنا. وإنما نزلت فى الهدنة (٣)

«وقال الله عز وجل : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ (٤) ؛ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ : وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ؛ وَلا (٥) تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ؛ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ : وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ : ٢ ـ ٢٢١)

«قال الشافعي : وقد قيل فى هذه الآية : إنها نزلت فى جماعة مشركى العرب : الذين هم أهل الأوثان (٦) ؛ فحرّم (٧) : نكاح نسائهم ، كما حرّم (٨) : أن ينكح (٩) رجالهم المؤمنات (١٠)»

فإن كان هذا هكذا : فهذه الآية (١١) ثابتة ليس فيها منسوخ.»

«وقد قيل : هذه الآية فى جميع المشركين ؛ ثم نزلت الرخصة [بعدها (١٢)] :

__________________

(١) هذا غير موجود بالأم.

(٢) فى الأم : «فيمن هاجر من». وفى الأصل : «مهاجرى» ؛ وهو تحريف. والتصحيح عن السنن الكبرى.

(٣) التي كانت بين النبي وكفار مكة ، عام الحديبية. انظر الأم (ج ٥ ص ٣٩) ، وراجع أسباب النزول للواحدى (ص ٣١٧ ـ ٣١٨).

(٤) انظر فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٧١) : ما روي فى ذلك عن ابن عباس ومجاهد.

(٥) هذا إلخ غير موجود بالأم (ج ٥ ص ٥).

(٦) فى السنن الكبرى : «أوثان».

(٧) فى السنن الكبرى : «يحرم».

(٨) فى السنن الكبرى : «يحرم».

(٩) كذا بالأصل والسنن الكبرى ، وهو الأنسب للاية. وفى الأم : «تنكح».

(١٠) راجع فى ذلك ، أسباب النزول للواحدى (ص ٤٩ ـ ٥١).

(١١) كذا بالأصل والسنن الكبرى ؛ وفى الأم : «الآيات». أي : هذه وآية الممتحنة.

(١٢) الزيادة عن الأم والسنن الكبرى.


فى إحلال نكاح (١) حرائر (٢) أهل الكتاب (٣) خاصة (٤) ؛ كما جاءت فى إحلال ذبائح أهل الكتاب. قال الله عزوجل : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ؛ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ، وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ؛ وَالْمُحْصَناتُ : مِنَ الْمُؤْمِناتِ ، وَالْمُحْصَناتُ (٥) : مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ؛ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ : ٥ ـ ٥)

«قال : فأيّهما كان : فقد أبيح [فيه (٦)] نكاح حرائر أهل الكتاب (٧)

«وقال : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ : فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ : مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ؛ [إلى قوله (٨)] : ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) الآية (٩)»

__________________

(١) فى الأصل : «النكاح» ؛ وهو تحريف. والتصحيح عن الأم والسنن الكبرى.

(٢) فى السنن الكبرى : «الحرائر».

(٣) قال الشافعي (كما فى السنن الكبرى : ج ٧ ص ١٧٣) : «وأهل الكتاب الذين يحل نكاح حرائرهم : أهل الكتابين المشهورين ـ : التوراة والإنجيل. ـ وهم : اليهود والنصارى من بنى إسرائيل ؛ دون المجوس.». وراجع ما سيأتى فى باب الجزية.

(٤) راجع السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٧١ ـ ١٧٢).

(٥) ذكر فى الأم (ج ٧ ص ٢٥) : أنه لم يختلف المسلمون فى أنهن الحرائر. وانظر الأم (ج ٥ ص ٥).

(٦) الزيادة عن الأم (ج ٥ ص ٥).

(٧) انظر ما قاله بعد ذلك ، فى الأم.

(٨) الزيادة عن الأم (ج ٥ ص ٨) ؛ وتمام المتروك : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ ، بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ. فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ، وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ : مُحْصَناتٍ ، غَيْرَ مُسافِحاتٍ ، وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ. فَإِذا أُحْصِنَّ ، فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ : فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ : مِنَ الْعَذابِ).

(٩) تمامها : (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ؛ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ : ٤ ـ ٢٥).


«قال : ففى [هذه (١)] الآية (والله أعلم) ، دلالة : على أن المخاطبين بهذا (٢) : الأحرار (٣) ؛ دون المماليك (٤) ـ : لأنهم الواجدون للطّول ، المالكون للمال ، والمملوك لا يملك مالا بحال (٥)

«ولا يحل نكاح الأمة (٦) ، إلا : بأن لا يجد الرجل الحر بصداق (٧) أمة ، طولا لحرة ، و: بأن يخاف العنت. والعنت : الزنا. (٨)»

قال : «وفى إباحة الله الإماء (٩) المؤمنات ـ على ما شرط : لمن لم يجد طولا وخاف العنت (١٠). ـ دلالة (والله أعلم) : على تحريم نكاح إماء (١١) أهل الكتاب ، وعلى أن الإماء المؤمنات (١٢) لا يحللن إلا : لمن جمع الأمرين ، مع إيمانهن (١٣).». وأطال الكلام فى الحجة (١٤)

__________________

(١) الزيادة عن الأم (ج ٥ ص ٨).

(٢) فى الأصل. «بهذه» ؛ وهو تحريف. والتصحيح عن الأم.

(٣) انظر المختصر (ج ٣ ص ٢٨٤).

(٤) قال بعد ذلك ـ فى الأم ص ٨ ـ : «فأما المملوك : فلا بأس أن ينكح الأمة ؛ لأنه غير واجد طولا لحرة» وفى الأصل بعض الاختصار والتصرف.

(٥) انظر ما قاله فى الأم ، بعد ذلك.

(٦) فى الأم زيادة : «إلا كما وصفت فى أصل نكاحهن».

(٧) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «لصداق» ، وهو تحريف.

(٨) انظر ما قاله فى الأم ، بعد ذلك.

(٩) فى الأصل : «لإماء» ، وهو خطأ وتحريف. والتصحيح عن الأم (ج ٥ ص ٥).

(١٠) قال فى الأم (ج ٧ ص ٢٥) ـ بعد أن ذكر نحو ما تقدم ـ : «وفى هذا ما دل على أنه لم يبح نكاح أمة غير مؤمنة» ا هـ. وانظر بقية كلامه : فهو مفيد.

(١١) كذا بالأم ، وفى الأصل : «ما» ، وهو تحريف.

(١٢) انظر فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٧٣ ـ ١٧٥) : ما ورد فى نكاحهن.

(١٣) راجع فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٧٧) : ما رواه عن الشافعي ، وعن مجاهد والحسن وأبى الزناد.

(١٤) انظر الأم (ج ٥ ص ٥).


قال الشافعي (رحمه الله) : «وإن كانت الآية نزلت فى تحريم نساء المسلمين على المشركين ـ : من (١) مشركى أهل الأوثان. ـ (يعنى (٢) : قوله عز وجل : (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا : ٢ ـ ٢٢١)) : فالمسلمات محرّمات على المشركين منهم ، بالقرآن : بكل (٣) حال ؛ وعلى مشركى أهل الكتاب : لقطع الولاية بين المسلمين والمشركين ، وما لم يختلف الناس فيه. علمته (٤).».

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٥) ـ فى قول الله عز وجل : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ : ٤ ـ ٢٤). ـ : «معناه (٦) : بما أحله [الله (٧)] لنا ـ : من النكاح ، وملك اليمين. ـ فى كتابه. لا : أنه أباحه بكل وجه (٨).».

* * *

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) : «قال الله تعالى تبارك وتعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ : مِنْ

__________________

(١) فى الأم (ج ٥ ص ٥) : «وفى» ؛ وما هنا هو الظاهر.

(٢) هذا من كلام البيهقي.

(٣) فى الأم : «على كل».

(٤) كذا بالأم ، وفى الأصل : «عليه» ، وهو تحريف وخطأ.

(٥) كما فى الرسالة (ص ٢٣٢ ـ ٢٣٣).

(٦) هذا غير موجود فى الرسالة.

(٧) زيادة عن نسخة الربيع.

(٨) راجع فى الأم (ج ٥ ص ٤ ـ ٥ و ٦٦ و ١٣٣) كلامه المتعلق بهذا المقام.


خِطْبَةِ النِّساءِ (١) ؛ إلى قوله (٢) : وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ : ٢ ـ ٢٣٥)

«قال الشافعي : بلوغ (٣) الكتاب أجله (والله أعلم) : انقضاء العدّة (٤)

«قال : وإذا أذن الله فى التعريض بالخطبة : فى العدّة ؛ فبيّن : أنه (٥) حظر التصريح فيها (٦). قال تعالى : (و [لكِنْ] لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) (٧) ؛ يعنى (والله أعلم) : جماعا ؛ (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً : ٢ ـ ٢٣٥) (٨) : حسنا لا فحش فيه. وذلك (٩) : أن يقول : رضيتك (١٠) ؛ إن عندى لجماعا (١١) يرضي من جومعه.»

«وكان هذا ـ وإن كان تعريضا ـ كان (١٢) منهيا عنه : لقبحه. وما

__________________

(١) راجع فى الأم (ج ٥ ص ١٤١) والسنن الكبرى (ج ٧ ص ١٧٧ ـ ١٧٨) ما روى فى ذلك : ففيه فوائد جمة.

(٢) فى الأم (ج ٥ ص ٣٢) : «أو أكننتم فى أنفسكم الآية». وتمام المتروك : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ ؛ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا ، إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً).

(٣) فى الأم : «وبلوغ».

(٤) انظر ما قاله بعد ذلك فى الأم.

(٥) كذا بالأم ، وهو الظاهر. وفى الأصل : «أن».

(٦) قال فى الأم ، بعد ذلك : «وخالف بين حكم التعريض والتصريح» إلخ. فراجعه وراجع أيضا كلامه فى الأم (ج ٥ ص ١١٨ و ١٤٢) لعظم فائدته.

(٧) راجع ما ورد فى ذلك ، فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٧٩) لأهميته.

(٨) فى الأم (ج ٥ ص ٣٢) زيادة : «قولا».

(٩) أي : ما فيه فحش.

(١٠) كذا بالأم ؛ وهو الظاهر المناسب لما بعد. وفى الأصل : «أن تقول يرضيك».

(١١) كذا بالأم ، وفى الأصل : «جماعا». وما فى الام أحسن.

(١٢) هذا غير موجود بالأم ؛ وزيادته للتاكيد ودفع اللبس.


عرّض به مما سوى هذا ـ : مما تفهم (١) المرأة به : أنه يريد نكاحها. ـ : فجائز له ؛ وكذلك : التعريض بالإجابة [له (٢)] ، جائز (٣) لها (٤)

«قال : والعدّة التي أذن الله بالتعريض بالخطبة فيها ـ : العدة من وفاة الزوج (٥). ولا يبين (٦) : أن لا يجوز ذلك فى العدّة من الطلاق : الذي لا يملك فيه المطلّق ، الرجعة.»

واحتج فى موضع آخر (٧) ـ على أن السر : الجماع (٨). ـ : بدلالة القرآن ؛ [ثم قال (٩)] : «فإذا أباح التعريض ـ : والتعريض ، عند أهل العلم ، جائز : سرا وعلانية (١٠). ـ : فلا يجوز أن يتوهّم : أن السر : سرّ التعريض ؛ ولا بد من معني غيره ؛ وذلك المعنى : الجماع. قال (١١) امرؤ القيس

__________________

(١) فى الأم : «يفهم». ولا فرق فى المعنى.

(٢) الزيادة للايضاح ، عن الأم.

(٣) كذا بالأم ؛ وهو الظاهر. وفى الأصل : «جاز».

(٤) انظر ما ذكره فى الأم ، بعد ذلك.

(٥) قال فى الأم ـ بعد ذلك ـ : «وإذا كانت الوفاة : فلا زوج يرجى نكاحه بحال.».

(٦) هذا إلخ ، مختصر بتصرف من عبارة الأم (ج ٥ ص ٣٢) وهى : «ولا أحب أن يعرض الرجل للمرأة ، فى العدة من الطلاق الذي لا يملك فيه المطلق الرجعة ـ : احتياطا. ولا يبين أن لا يجوز ذلك : لأنه غير مالك أمره فى عدتها ؛ كما هو غير مالكها : إذا خلت من عدتها.».

(٧) من الأم (ج ٥ ص ١٤٢).

(٨) راجع فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٧٩) : ما روى فى ذلك.

(٩) الزيادة للتنبيه ؛ وعبارة الأم هى : «فالقرآن كالدليل عليه إذ أباح» فما في الأصل مختصر بتصرف.

(١٠) في الأم زيادة ملائمة لما فيها ، وهى : «فإذا كان هذا» إلخ.

(١١) كذا بالأصل والأم (ص ١١٨) والمختصر (ج ٣ ص ٢٨٠). وفى الأم (ص ١٤٢) : «وقال».


ألا زعمت بسباسة (١) ، اليوم (٢) : أنّنى

كبرت ، وأن لا يحسن السّرّ (٣) أمثالى

كذبت : لقد أصبي (٤) على المرء عرسه

وأمنع عرسى : أن يزنّ (٥) بها الخالي (٦)

وقال جرير يرثى امرأته :

كانت إذا هجر الخليل (٧) فراشها :

خزن الحديث ، وعفّت الأسرار.»

قال الشافعي : فإذا علم : أن حديثها مخزون ، فخزن الحديث : [أن (٨)] لا يباح به سرا ولا علانية. فإذا وصفها بهذا (٩) : فلا معنى للعفاف (١٠) غير الأسرار ؛ [و (١١)] الأسرار : الجماع.».

وهذا : فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي ؛ فذكره.

* * *

__________________

(١) هى : امرأة من بنى أسد ؛ كما فى القاموس وشرحه (مادة : بس). وانظر شرح الديوان للسندوبى (ص ١٣٩). وفى الأصل : (لبسباسة) ، وهو تحريف مخل بالوزن.

(٢) كذا بالأصل والديوان وشرح القاموس. وفى الأم (ص ١١٨ و ١٤٢) والمختصر (ج ٣ ص ٢٨٨) : «القوم». والظاهر أنه تحريف.

(٣) فى شرح القاموس وبعض نسخ الديوان : «اللهو» والاستدلال إنما هو بالرواية الأولى.

(٤) فى الأصل : «أمسى» ؛ وهو خطأ وتحريف. والتصحيح عن الأم والمختصر والديوان ، واللسان والتاج (مادة : خلى).

(٥) فى الأصل : «يرى». وهو تحريف.

(٦) هو : العزب الذي لا زوجة له.

(٧) كذا بالأصل والأم. وفى الديوان (ص ٢٠١) : «الحليل» ؛ ولا فرق فى المعنى المراد.

(٨) زيادة لا بد منها عن الأم (ص ١٤٢).

(٩) قوله : بهذا ، غير موجود بالأم.

(١٠) فى الأصل : «لعفاف» ، وهو تحريف. والتصحيح عن الأم.

(١١) زيادة لا بد منها عن الأم (ص ١٤٢).


(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (١) ـ فى قول الله عز وجل : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ : ٢ ـ ٢٢٢). ـ : «يعنى (والله أعلم) : الطهارة التي تحل بها الصلاة لها ـ : [الغسل والتيمم (٢)].».

قال الشافعي (٣) (رحمه الله) : «وتحريم (٤) الله (تبارك وتعالى) إتيان النساء فى المحيض (٥) ـ : لأذى الحيض (٦). ـ : كالدلالة على : [أن (٧)] إتيان النساء فى أدبارهن محرّم (٨).».

(أنا) أبو عبد الله ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٩) :

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٥٤).

(٢) زيادة مفيدة ، عن المختصر (ج ٣ ص ٢٩٣). وراجع الأم (ج ٥ ص ٧).

(٣) كما فى الأم (ج ٥ ص ٨٤).

(٤) عبارة الأم : «ويشبه أن يكون تحريم».

(٥) قال الشافعي ـ (على ما فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٩١) والأم (ج ٥ ص ١٥٥ ـ ١٥٦) ـ : «فخالفنا بعض الناس : فى مباشرة الرجل امرأته ، وإتيانه إياها وهى حائض. ـ فقال : قد روينا خلاف ما رويتم ، فروينا : أن يخلف موضع الدم ، ثم ينال ما شاء. وذكر حديثا لا يثبته أهل العلم بالحديث.».

(٦) انظر ما قاله فى الأم بعد ذلك.

(٧) الزيادة عن الأم.

(٨) قال فى المختصر (ج ٣ ص ٢٩٣) : «لأن أذاه لا ينقطع». وانظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٩٠ ـ ١٩١).

(٩) كما فى الأم (ج ٥ ص ٨٤).


«قال الله عزوجل : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ؛ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ : ٢ ـ ٢٢٣) (١)

«قال : وبيّن : أن موضع الحرث : موضع الولد ؛ وأن الله (عز وجل) أباح الإتيان فيه ، إلا : فى وقت الحيض. و (أَنَّى شِئْتُمْ) : من أين شئتم.»

«قال : وإباحة الإتيان فى موضع الحرث ، يشبه أن يكون : تحريم إتيان [فى (٢)] غيره.»

«والإتيان (٣) فى الدّبر ـ : حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان فى القبل. ـ محرّم : بدلالة الكتاب ، ثم السنة (٤).».

* * *

«قال الشافعي (٥) (فيما أنبأنى أبو عبد الله : إجازة ؛ عن أبى العباس ، عن الربيع ، عنه) ـ فى قوله عز وجل : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ : فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ : فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ : ٢٣ ـ ٥ ـ ٧). ـ :

__________________

(١) راجع فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٩٤ ـ ١٩٩) : ما ورد فى سبب نزول هذه الآية. وفى مسئلة إتيان المرأة فى الدبر. وراجع كلام الشافعي أيضا فى هذا المقام ، فى الأم (ج ٥ ص ١٥٦) : فهو مفيد جدا. وانظر المختصر (ج ٣ ص ٢٩٣ ـ ٢٩٤).

(٢) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٣) فى الأم : «فالإتيان».

(٤) راجع فى الأم : ما أورده من السنة ، وما ذكره بعد ففيه فوائد جمة.

(٥) كما فى الأم (ج ٥ ص ٨٤).


«فكان بيّنا ـ فى ذكر حفظهم لفروجهم ، إلا على أزواجهم ، أو ما ملكت أيمانهم ـ : تحريم ما سوى الأزواج وما ملكت الأيمان.»

«وبيّن : أن الأزواج وملك اليمين : من الآدميات ؛ دون البهائم. ثم أكّدها ، فقال : (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ : فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ)

«فلا يحل العمل بالذّكر ، إلا : فى زوجة (١) ، أو فى ملك اليمين (٢). ولا يحل الاستمناء. والله أعلم (٣)».

و [قال (٤)] ـ فى قوله : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً ، حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ : ٢٤ ـ ٣٣). ـ :

«معناه (والله أعلم) : ليصبروا حتى يغنيهم الله. وهو : كقوله (عز وجل) فى مال اليتيم : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ٤ ـ ٦) : ليكفّ عن أكله بسلف ، أو غيره.».

قال : «وكان ـ فى قول الله عز وجل : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ). ـ بيان : أن المخاطبين بها : الرجال ؛ لا : (٥) النساء.»

__________________

(١) كذا بالأصل والسنن الكبرى (ج ٧ ص ١٩٩). وفى الأم : «الزوجة».

(٢) فى السنن الكبرى : «يمين».

(٣) راجع الأم (ج ٥ ص ١٢٩).

(٤) زيادة حسنة ، عن الأم (ج ٥ ص ٨٤).

(٥) فى الأصل : «والنساء» ؛ وهو خطأ وتحريف. والتصحيح عن الأم.


«فدل : على أنه لا يحل [للمرأة (١)] : أن تكون متسرّية بما (٢) ملكت يمينها ؛ لأنها : متسرّاة (٣) أو منكوحة ؛ لا : ناكحة ؛ إلا بمعنى : أنها منكوحة (٤).».

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، أنا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (رحمه الله) ، قال (٥) : «قال الله عز وجل : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً : ٤ ـ ٤) ؛ وقال : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ، وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ : ٤ ـ ٢٥).».

وذكر (٦) سائر الآيات التي وردت فى الصداق (٧) ، ثم قال : «فأمر الله

__________________

(١) زيادة موضحة ، عن الأم.

(٢) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «مشترية ما». وهو خطأ وتحريف.

(٣) فى الأصل : «مشتراة» ؛ والتصحيح عن الأم.

(٤) أي : على سبيل المجاز المرسل ، من باب إطلاق اسم الفاعل وإرادة اسم المفعول.

وانظر ما ذكره بعد ذلك فى الأم (ج ٥ ص ٨٤ ـ ٨٥).

(٥) كما فى الأم (ج ٥ ص ٥١ و ١٤٢).

(٦) هذا من كلام البيهقي.

(٧) وهى قوله تعالى : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ؛ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ : فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً : ٤ ـ ٢٤) ؛ وقوله : (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ : ٤ ـ ١٩) ؛ وقوله : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ : وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً ؛ فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً : ٤ ـ ٢٠) ؛ وقوله : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ : بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ، وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ : ٤ ـ ٣٤) ؛ وقوله : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً ، حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ : ٢٤ ـ ٣٣).


(عز وجل) الأزواج : بأن (١) يؤتوا النساء أجورهنّ وصدقاتهنّ ؛ والأجر [هو (٢)] : الصداق ؛ والصداق هو : الأجر والمهر. وهى كلمة عربية : تسمى بعدة (٣) أسماء.»

«فيحتمل هذا : أن يكون مأمورا بصداق ، من فرضه ـ دون من لم يفرضه ـ : دخل ، أو لم يدخل. لأنه حق ألزمه المرء نفسه : فلا يكون له حبس شيء منه (٤) ، إلا بالمعني الذي جعله الله [له (٥)] ؛ وهو : أن يطلّق قبل الدخول. قال الله عز وجل : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ـ : وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً. ـ : فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ (٦) ؛ إِلَّا : أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ : ٢ ـ ٢٣٧).»

«ويحتمل : أن يكون يجب بالعقد (٧) : وإن لم يسم مهرا ، ولم (٨) يدخل.»

__________________

(١) فى الأم (ص ١٤٢) : «أن».

(٢) الزيادة عن الأم.

(٣) كذا بالأم (ص ١٤٢). وفى الأصل والأم (ص ٥١) : «بعدد».

(٤) عبارة الأم (ص ١٤٢) : «ولا يكون له حبس لشىء منه».

(٥) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٦) راجع فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٥٤ ـ ٢٥٥) : ما روى عن ابن عباس وغيره.

(٧) فى الأم : «بالعقدة» ؛ ولا فرق.

(٨) كذا بالأم ؛ وفي الأصل : «وإن لم» ؛ ولا داعى للزيادة.


«ويحتمل : أن يكون المهر لا يلزم أبدا (١) ، إلا : بأن يلزمه المرء (٢) نفسه ، أو يدخل بالمرأة : وإن لم يسمّ مهرا.»

«فلمّا احتمل المعاني الثلاث ، كان أولاها (٣) أن يقال به : ما كانت عليه الدلالة : من كتاب ، أو سنة ، أو إجماع.»

فاستدللنا (٤) ـ : بقول الله عز وجل : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ : ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ، أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ؛ وَمَتِّعُوهُنَّ : عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ : ٢ ـ ٢٣٦) (٥). ـ : أن عقد النكاح [يصح (٦)] بغير فريضة صداق (٧) ؛ وذلك : أن الطلاق لا يقع إلا على من عقد نكاحه (٨).».

ثم ساق الكلام ، إلى أن قال : «وكان (٩) بيّنا فى كتاب الله (جل

__________________

(١) هذا غير موجود بالأم (ص ١٤٢).

(٢) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «المهر» ؛ وهو تحريف.

(٣) كذا بالأصل والأم (ص ١٤٢) ، وهو الظاهر. وفي الأم (ص ٥١) : «أولاه».

(٤) فى الأم (ص ٥١) : «واستدللنا» ، وما أثبت أحسن.

(٥) انظر فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٤٤) : ما روى عن ابن عباس ، وابن عمر ، وغيرهما.

(٦) زياة لا بد منها ، عن الأم (ص ٥١). وعبارة الأم (ص ١٤٢) هى : «على أن عقدة النكاح تصح» (٧) انظر الرسالة (ص ٣٤٥).

(٨) فى الأم (ص ١٤٢) : «إلا على من تصح عقدة نكاحه». وانظر كلامه بعد ذلك (ص ٥١ ـ ٥٢)

(٩) فى الأصل : «وكما» ؛ وهو محرف عما أثبتنا. وفى الأم (ص ٥٢) : «فكان».


ثناؤه) : أن على الناكح الواطئ ، صداقا (١) : بفرض (٢) الله (عز وجل) فى الإماء : أن ينكحن (٣) بإذن أهلهن ، ويؤتين أجورهن. ـ والأجر : الصداق. ـ وبقوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ : فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ : ٤ ـ ٢٤) ؛ وقال عز وجل : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً : إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ، إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ : أَنْ يَسْتَنْكِحَها ؛ خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ : ٣٣ ـ ٥٠) : [خالصة بهبة ولا مهر ؛ فأعلم : أنها للنبى (صلى الله عليه وسلم) دون المؤمنين.] (٤)»

وقال مرة أخرى ـ فى هذه الآية ـ : «يريد (والله أعلم) : النكاح (٥) والمسيس بغير مهر (٦) فدل (٧) : على أنه ليس لأحد غير رسول الله

__________________

(١) فى الأم بعد ذلك ، زيادة : «لما ذكرت» ؛ أي : من الأحاديث والآيات التي لم تذكر هنا.

(٢) عبارة الأم : «ففرض» ؛ وهى تكون ظاهرة إذا كانت الفاء عاطفة. فتأمل.

(٣) فى الأصل : «ينكحوا» ؛ وهو تحريف. والتصحيح عن الأم.

(٤) الزيادة عن الأم ؛ وهى وإن كان معناها يؤخذ مما سيأتى فى الأصل ، إلا أنا نجوز أنها قد سقطت منه : على ما يشعر به قوله : «وقال مرة أخرى فى هذه الآية».

(٥) كذا بالأصل والأم (ص ٥١). وفى الأم (ص ١٤٢) : «بالنكاح» ؛ ولعل الباء زائدة من الناسخ.

(٦) انظر ما ذكره بعد ذلك ، فى الأم (ج ٥ ص ٥٢).

(٧) هذا إلخ ، غير موجود بالأم (ص ٥٢) ، وموجد بها (ص ١٤٢ ـ ١٤٣) إلا قوله : «فدل». ونرجح أنه سقط من نسخ الأم.


(صلى الله عليه وسلم) : أن ينكح فيمسّ ، إلا لزمه مهر. مع دلالة الآي قبله (١).».

وقال ـ فى قوله عز وجل : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ). ـ : «يعنى : النساء (٢).».

[وفي قوله (٣)] : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ : ٢ ـ ٢٣٧). ـ : «يعنى : الزوج (٤) ؛ وذلك : أنه إنما يعفو (٥) من له ما يعفوه (٦).».

ورواه عن أمير المؤمنين : على بن أبى طالب (رضى الله عنه) وجبير ابن مطعم. وابن سيرين (٧) ، وشريح (٨) ، وابن المسيّب ، وسعيد بن جبير ،

__________________

(١) انظر ما ذكره بعد ذلك ، فى الأم (ص ١٤٣).

(٢) راجع ما تقدم (ص ١٣٩ ، والأم (ج ٣ ص ١٩٢ ـ ١٩٣).

(٣) زيادة لا بأس بها.

(٤) عبارته فى الأم (ج ٥ ص ٦٦) : «وبين عندى فى الآية : أن الذي بيده عقدة النكاح : الزوج.». وعبارته فى الأم (ج ٥ ص ١٥١) : «وفى الآية كالدلالة على أن الذي» إلخ.

(٥) فى الأم (ص ٦٦) : «يعفوه» ؛ وعبارة المختصر (ج ٤ ص ٣٤) : «إنما يعفو من ملك».

(٦) قال بعد ذلك فى الأم (ص ٦٦) : «فلما ذكر الله (جل وعز) عفوها عما ملكت : من نصف المهر ؛ أشبه : أن يكون ذكر عفوه لماله : من جنس نصف المهر. والله أعلم».

(٧) كذا بالأم (ص ٦٦) ، ومسند الشافعي بهامش الأم (ج ٦ ص ٢١١). وفى الأصل : «وابن عباس» ؛ ولم نعثر عليه فيما لدينا من كتب الشافعي ؛ ولعل استقراءنا ناقص : إذ قد أخرجه عنه فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٥١).

(٨) كما فى المختصر (ج ٤ ص ٣٤).


ومجاهد (١)].

وقال ـ فى رواية الزّعفرانىّ عنه ـ : «وسمعت من أرضى ، يقول : الذي بيده عقدة النكاح : الأب فى ابنته البكر ، والسيد فى أمته (٢) ؛ فعفوه جائز (٣).».

* * *

(وأنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٤) : «قال الله عز وجل : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ : حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ : ٢ ـ ٢٤١) ؛ وقال عز وجل : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ : ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ، أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ؛ وَمَتِّعُوهُنَّ) الآية (٥)

«فقال عامة من لقيت ـ : من أصحابنا ـ : المتعة [هى (٦)] : للتى [لم (٧)] يدخل بها [قطّ (٨)] ، ولم يفرض لها مهر ، وطلّقت (٩). وللمطلقة

__________________

(١) الزيادة عن المختصر. وقد روى هذا أيضا : عن طاوس ، والشعبي ، ونافع بن جبير ، ومحمد بن كعب. كما فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٥١).

(٢) انظر الأم (ج ٥ ص ١٩١).

(٣) انظر فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٥٢) : ما ورد فى ذلك عن ابن عباس وغيره ؛ وما حكاه عن الشافعي فى القديم.

(٤) كما فى الأم (ج ٧ ص ٢٨).

(٥) تمامها : (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ؛ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ ، حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) : (٢ ـ ٢٣٦).

(٦) الزيادة عن الأم ؛ وبعضها ضروري ، وبعضها حسن كما لا يخفى.

(٧) الزيادة عن الأم ؛ وبعضها ضروري ، وبعضها حسن كما لا يخفى.

(٨) الزيادة عن الأم ؛ وبعضها ضروري ، وبعضها حسن كما لا يخفى.

(٩) فى الأم : «فطلقت». وراجع الأم (ج ٥ ص ٦٢) : ففيها فوائد كثيرة.


المدخول (١) بها : المفروض لها ؛ بأن الآية (٢) عامة على المطلقات (٣).» ورواه عن ابن عمر (٤).

وقال فى كتاب الصّداق (٥) (بهذا الإسناد) ـ فيمن نكح امرأة بصداق فاسد ـ : «فإن (٦) طلقها قبل أن يدخل بها : فلها نصف مهر مثلها ؛ ولا متعة [لها (٧)] فى قول من ذهب : إلى أن لا متعة للتى (٨) فرض لها : إذا طلقت قبل (٩) أن تمسّ ولها المتعة فى قول من قال : المتعة لكل مطلقة.».

وروى (١٠) القول الثاني عن ابن شهاب الزّهرىّ (١١) ؛ وقد ذكرنا إسناده فى ذلك ، فى كتاب : (المعرفة)

__________________

(١) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «الدخول». وهو تحريف.

(٢) كذا بالأم ؛ وهو الظاهر. وفى الأصل : «بالآية».

(٣) قال فى الأم بعد ذلك : «لم يخصض منهن واحدة دون أخرى ، بدلالة : من كتاب الله (عز وجل) ولا أثر.». وراجع بقية كلامه فهو مفيد جدا ؛ وراجع الأم (ج ٧ ص ٢٣٧).

(٤) أخرج الشافعي عنه ـ من طريق مالك عن نافع ـ أنه قال : «لكل مطلقة متعة ؛ إلا التي تطلق : وقد فرض لها الصداق ولم تمس ؛ فحسبها ما فرض لها.». انظر الأم (ج ٧ ص ٢٣٧ و ٢٨) ، والمختصر (ج ٤ ص ٣٨) وقال فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٥٧) ـ بعد أن رواه من هذا الطريق أيضا ـ : «وروينا هذا القول : من التابعين ؛ عن القاسم بن محمد ، ومجاهد ، والشعبي.».

(٥) من الأم (ج ٥ ص ٦١).

(٦) فى الأم : «وإن».

(٧) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٨) كذا بالأم. وفى الأصل : «التي». وهو تحريف.

(٩) فى الأم : «قبل تمس».

(١٠) فى كتاب : (اختلاف مالك والشافعي) ؛ الملحق بالأم (ج ٧ ص ٢٣٧).

(١١) ورواه أيضا فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٥٧) عن أبى العالية ، والحسن.


وحمل المسيس المذكور فى قوله : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ : وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ؛ فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ : ٢ ـ ٢٣٧). ـ : على الوطء (١). ورواه عن ابن عباس ، وشريح (٢). وهو بتمامه ، منقول فى كتاب : (المعرفة) و (المبسوط) ؛ مع ما ذهب إليه فى القديم.

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (٣) : قال الله عز وجل : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ : ٤ ـ ١٩) (٤) ؛ وقال : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ : ٢ ـ ٢٢٩)

«قال : وجماع (٥) المعروف : إتيان ذلك بما يحسن لك ثوابه ؛ وكفّ المكروه.».

وقال فى موضع آخر (٦) (فيما هو لى : بالإجازة ؛ عن أبى عبد الله) : «وفرض الله : أن يؤدى كلّ ما عليه : بالمعروف.»

__________________

(١) انظر المختصر والأم (ج ٥ ص ١٦ و ١٩٧).

(٢) راجع ما روى عنهما فى الأم ، والمختصر ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٥٤ ـ ٢٥٥). وراجع أيضا الأم (ج ٧ ص ١٨).

(٣) كما فى الأم (ج ٥ ص ٩٥).

(٤) انظر الأم (ج ٥ ص ١٠١).

(٥) قال قبل ذلك ـ فى الأم (ص ٩٥) ـ : «وأقل ما يجب فى أمره : بالعشرة بالمعروف. ـ : أن يؤدى الزوج إلى زوجته ، ما فرض الله لها عليه : من نفقة وكسوة ؛ وترك ميل ظاهر : فإنه يقول جل وعز : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ : ٤ ـ ١٢٩).

(٦) من الأم (ج ٥ ص ٧٧).


وجماع المعروف : إعفاء صاحب الحق من المئونة فى طلبه ، وأداؤه إليه : بطيب النفس. لا : بضرورته (١) إلى طلبه ؛ ولا : تأديته : بإظهار الكراهية لتأديته.»

«وأيّهما ترك : فظلم ؛ لأن مطل الغنىّ ظلم ؛ ومطله (٢) تأخير (٣) الحق. قال : وقال (٤) الله عز وجل : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ؛ والله أعلم ؛ [أي (٥)] : فما لهنّ مثل ما عليهنّ (٦) : من أن يؤدّى إليهنّ بالمعروف.».

وفى رواية المزنىّ ، عن الشافعي (٧) : «وجماع المعروف بين الزوجين : كفّ المكروه ، وإعفاء صاحب الحق من المئونة فى طلبه. لا : بإظهار الكراهية فى تأديته. فأيّهما مطل بتأخيره : فمطل الغنىّ ظلم.».

وهذا : مما كتب إلىّ أبو نعيم الأسفراينىّ : أن أبا عوانة أخبرهم عن المزني ، عن الشافعي. فذكره.

* * *

__________________

(١) أي : باضطراره. وفى الأصل : «بضرورية». وهو تحريف ، والتصحيح عن الأم.

(٢) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «ومظلمة». وهو تحريف.

(٣) فى الأم «تأخيره» ولا فرق فى المعنى

(٤) كذا بالأصل. وهو الظاهر. وفى الأم : «فى قوله».

(٥) الزيادة عن الأم.

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «لهن ما لهن عند ما عليهن» ، وهو محرف وغير ظاهر.

(٧) كما فى المختصر (ج ٤ ص ٤١ ـ ٤٢) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٩١).


(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (١) : «قال الله عز وجل : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً : ٤ ـ ١٢٨)

«(أنا) ابن عيينة ، عن الزهريّ ، عن ابن المسيّب ـ : أن بنت (٢) محمد بن مسلمة ، كانت عند رافع بن خديج ، فكره منها أمرا ؛ إما كبرا أو غيره ؛ فأراد طلاقها ، فقالت : لا تطلقنى ، وأمسكنى ؛ واقسم لى ما بدا لك (٣). فأنزل الله عز وجل : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) (٤) الآية (٥)

* * *

(أخبرنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، نا الشافعي ، قال : «وزعم (٦) بعض أهل العلم بالتفسير : أن قول الله عز وجل : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ : ٤ ـ ١٢٩) :

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٧١).

(٢) فى الأم ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٩٦) : «ابنة».

(٣) كذا بالأم والسنن الكبرى ، وفى الأصل : «ما بداك». وهو تحريف.

(٤) راجع فى السنن الكبرى ، ما رواه عن ابن المسيب : فهو مفيد.

(٥) تمامها : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ؛ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ؛ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا : فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً).

(٦) عبارته فى الأم (ج ٥ ص ٩٨) ـ بعد أن ذكر الآية الكريمة ـ : «فقال ... لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء بما فى القلوب». وعبارة المختصر (ج ٤ ص ٤٢) قريب منها. وانظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٩٧ ـ ٢٩٨).


أن تعدلوا بما فى القلوب (١) ؛ لأنكم لا تملكون ما فى القلوب (٢) : حتى يكون مستويا.»

«وهذا ـ إن شاء الله عز وجل ـ : كما قالوا ؛ وقد تجاوز الله (عز وجل) لهذه الأمّة ، عما حدّثت به نفسها : ما لم تقل أو تعمل (٣) ؛ وجعل المأثم : إنما هو فى قول أو فعل.»

«وزعم بعض أهل العلم بالتفسير : أن قول الله عز وجل : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ (٤) : ٤ ـ ١٢٩) : ـ إن تجوّز (٥) لكم عما فى القلوت ـ : فتتّبعوا أهواءها (٦) ، فتخرجوا إلى الأثرة بالفعل : (فتذروها

__________________

(١) عبارته في الأم (ج ٥ ص ١٧٢) ـ وهى التي ذكر بقيتها فيما سيأتى قريبا ـ : «لن تستطيعوا إنما ذلك فى القلوب» ؛ ولا فرق فى المعنى.

(٢) عبارة الأم (ص ٩٨) : «فإن الله تجاوز للعباد عما فى القلوب». وذكر معناها فى المختصر. ثم إن ما ذكر فى الأصل ـ من هنا إلى قوله الآتي : وعنه فى موضع آخر. ـ غير موجود فى كتب الشافعي التي بأيدينا على ما نعتقد.

(٣) هذا موافق لحديث أبى هريرة : «تجاوز الله لأمتى ما حدثت به أنفسها : ما لم تكلم به ، أو تعمل به.». وانظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٠٩ و ٢٩٨) ، وفتح الباري (ج ١١ ص ٤٤٠). وأنظر أيضا ما ذكر فى سنن الشافعي (ص ٧٣)

(٤) لكل من الطبري والنيسابورى ـ فى التفسير (ج ٥ ص ٢٠٣) ـ كلام واضح جيد ، يفيد فى المقام. فارجع إليه. ولو لا خشية الخروج عن غرضنا لنقلناه.

(٥) فى الأصل : «يجوز». وهو تحريف.

(٦) فى الأصل : «فتتبعوها أهواها». وهو تحريف. وعبارة الأم (ص ٩٨) : «(فلا تميلوا) : تتبعوا أهواءكم ؛ (كل الميل) : بالفعل مع الهوى.». وقال فيها ـ بعد أن ذكر : أن على الرجل أن يعدل فى القسم لنسائة ؛ بدلالة السنة والإجماع. ـ : «فدل ذلك : على أنه إنما أريد به ما فى القلوب : مما قد تجاوز الله للعباد عنه ، فيما هو أعظم من الميل على النساء.».


كالمعلّقة). وهذا ـ إن شاء الله تعالى (١) ـ عندى (٢) : كما قالوا.»

وعنه في موضع آخر (٣) : «فقال (٤) : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) : لا تتبعوا أهواءكم ، أفعالكم (٥) : فيصير الميل بالفعل الذي ليس لكم : (فتذروها كالمعلّقة).»

«وما أشبه ما قالوا ـ عندى ـ بما قالوا ؛ لأن الله (تعالى) تجاوز عما فى القلوب ، وكتب على الناس الأفعال والأقاويل. وإذا (٦) مال بالقول والفعل : فذلك كلّ الميل (٧).».

* * *

(أنبأنى) أبو عبد الله الحافظ (إجازة) : أن أبا العباس (محمد بن يعقوب) حدثهم : أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، قال (٨) : «قال الله عز وجل : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ : بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) إلى قوله (٩)

__________________

(١) فى الأصل : «لعله». وهو محرف عما أثبتنا على ما يظهر.

(٢) فى الأصل : «وعندى». والزيادة من الناسخ.

(٣) من الأم (ج ٥ ص ١٧٢)

(٤) هذا غير موجود فى الأم

(٥) كذا بالمختصر أيضا.

(٦) فى الأم ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٩٨) : «فإذا». وقال فى المختصر : «فإذا كان الفعل والقول مع الهواء : فذلك كل الميل.» إلخ ؛ فراجعه.

(٧) انظر ما ذكره فى الأم بعد ذلك ؛ وراجع فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٩٨ ـ ٢٩٩) ما ورد فى ذلك : من الأحاديث والآثار.

(٨) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٠٠)

(٩) فى الأم : «إلى قوله سبيلا». وتمام المحذوف : (وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ؛ فَالصَّالِحاتُ : قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ).


(وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ (١) : فَعِظُوهُنَّ ، وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَ (٢). فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ : فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً (٣) : ٤ ـ ٣٤)

«قال الشافعي : [قوله (٤)] : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ) ؛ يحتمل : إذا رأى الدلالات ـ فى أفعال المرأة وأقاويلها (٥) ـ على النشوز ، وكان (٦) للخوف موضع ـ : أن يعظها ؛ فإن أبدت نشوزا : هجرها ؛ فإن أقامت عليه : ضربها.»

__________________

(١) قال فى الأم (ج ٥ ص ١٧٦) : «وأشبه ما سمعت فى هذا القول ـ : أن لخوف النشوز دلائل ؛ فإذا كانت : فعظوهن ؛ لأن العظة مباحة. فإن لججن ـ : فأظهرن نشوزا بقول أو فعل. ـ : فاهجروهن فى المضاجع. فإن أقمن بذلك ، على ذلك : فاضربوهن. وذلك بين : أنه لا يجوز هجرة فى المضجع ـ وهو منهى عنه ـ ولا ضرب : إلا بقول ، أو فعل ، أو هما. ويحتمل فى (تخافون نشوزهن) : إذا نشزن ، فأبن النشوز ـ فكن عاصيات به ـ : أن تجمعوا عليهن العظة والهجرة والضرب.» ؛ ثم قال بعد ذلك بقليل : «ولا يجوز لأحد أن يضرب ، ولا يهجر مضجعا : بغير بيان نشوزها.» ا ه باختصار يسير. وانظر ما قاله بعد ذلك.

(٢) انظر كلامه عن ضرب النساء خاصة ، فى الأم (ج ٦ ص ١٣١) فهو مفيد فى المقام.

(٣) ارجع في ذلك ، إلى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٠٣ ـ ٣٠٥) ؛ وقف على أثر ابن عباس.

(٤) فى الأم (ج ٥ ص ١٠٠) : «قال الله عز وجل». ولعل «قال» محرف عما زدناه للايضاح.

(٥) فى الأم : «فى إيغال المرأة وإقبالها». وما فى الأصل هو الظاهر ، ويؤكده قوله فى المختصر (ج ٤ ص ٤٧) : «فإذا رأى منها دلالة على الخوف : من فعل أو قول ؛ وعظها» إلخ.

(٦) فى الأم : «فكان». وما فى الأصل أحسن.


«وذلك : أن العظة مباحة قبل فعل (١) المكروه ـ : إذا رؤيت (٢) أسبابه ، وأن لا مؤنة فيها عليها تضرّ بها (٣). وإن العظة غير محرمة [من المرء (٤)] لأخيه : فكيف لامرأته؟!. والهجر لا يكون (٥) إلا بما (٦) يحل به : لأن الهجرة محرمة ـ فى غير هذا الموضع ـ فوق ثلاث (٧). والضرب لا يكون إلا ببيان الفعل»

«[فالآية فى العظة ، والهجرة ، والضرب على بيان الفعل (٨)] : تدل (٩) على أن حالات المرأة فى اختلاف ما تعاتب فيه وتعاقب ـ : من العظة ، والهجرة ، والضرب. ـ : مختلفة. فإذا اختلفت : فلا يشبه معناها إلا ما وصفت.»

«وقد يحتمل قوله تعالى : (تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ) : إذا نشزن ، فخفتم

__________________

(١) فى الأم : «الفعل». والمؤدى واحد.

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : «وإذا رأيت». وهو خطأ وتحريف.

(٣) كذا بالأم. وعبارة الأصل : «فإن الأمور به فيها كلها بضربها». وهى محرفة خفية.

(٤) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٥) فى الأم : «والهجرة لا تكون». ولا فرق بينهما.

(٦) كذا بالأم. وفي الأصل : «فيما». وهو تحريف.

(٧) كما يدل عليه حديث الصحيحين المشهور : «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث : يلتقيان ، فيعرض هذا ، ويعرض هذا. وخيرهما الذي يبدأ بالسلام».

(٨) زيادة عن الأم : يتوقف عليها ربط الكلام ، وفهم المقام.

(٩) كذا بالأم. وفى الأصل : «يدل». وهو تحريف. وقال فى المختصر (ج ٤ ص ٤٦ ـ ٤٧) ـ بعد أن ذكر الآية الشريفة ـ : «وفى ذلك ، دلالة : على اختلاف حال المرأة فيما تعاقب فيه ، وتعاقب عليه.» إلى آخر ما ذكرناه قبل ذلك.


لجاجتهن (١) فى النشوز ـ : أن يكون لكم جمع العظة ، والهجرة ، والضرب (٢).».

* * *

وبإسناده ، قال : [قال] : الشافعي (٣) (رحمه الله) : «قال الله تبارك وتعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما : فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها ؛ إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً : يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) (٤) الآية (٥)

«الله أعلم بمعنى ما أراد : من خوف الشقاق الذي إذا بلغاه : أمره أن يبعث حكما من أهله ، وحكما من أهلها.»

«والذي يشبه (٦) ظاهر الآية (٧) : فما عمّ الزوجين [معا ، حتى يشتبه

__________________

(١) كذا بالأم والمختصر. وفى الأصل : «إذا نشزت فخفتم لحاجتهن». وهو تحريف.

(٢) انظر ما ذكره فى الأم بعد ذلك ، وما ذكره فيها (ج ٥ ص ١٧٣) : فهو مفيد فى بحث القسم للنساء.

(٣) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٠٣).

(٤) راجع فى ذلك ، السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٠٥ ـ ٣٠٧) : ففيها فؤائد كثيرة.

(٥) تمامها : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً : ٤ ـ ٣٥).

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «يشير». وهو تحريف.

(٧) قال فى الأم (ج ٥ ص ١٧٧) : «فأما ظاهر الآية : فإن خوف الشقاق بين الزوجين : أن يدعى كل واحد منهما على صاحبه منع الحق ؛ ولا يطيب واحد منهما لصاحبه : بإعطاء ما يرضى به ؛ ولا ينقطع ما بينهما : بفرقة ، ولا صلح ، ولا ترك القيام بالشقاق. وذلك أن الله (عز وجل) أذن فى نشوز المرأة : بالعظة والهجرة والضرب ؛ ولنشوز الرجل : بالصلح.» إلخ فراجعه : فإنه مفيد ، ومعين على فهم ما هنا.


فيه حالاهما ـ : من (١) الإباية (٢).]»

«[وذلك : أنى وجدت الله (عز وجل) أذن فى نشوز الزوج (٣)] : بأن (٤) يصطلحا (٥) ؛ وأذن فى نشوز المرأة : بالضرب ؛ وأذن ـ فى خوفهما (٦) : أن لا يقيما حدود [الله] (٧) ـ : بالخلع (٨).».

ثم ساق الكلام ، إلى أن قال : «فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينه (٩) : بالحكمين ؛ دل (١٠) ذلك : على أن حكمهما [غير حكم الأزواج غيرهما (١١)] : أن يشتبه (١٢) حالاهما فى الشقاق : فلا (١٣) يفعل (١٤) الرجل : الصلح (١٥)

__________________

(١) عبارة الأم (ج ٥ ص ١٠٣) : «الآية». وفيها تحريف ونقص ؛ ويدل على صحة ما أثبتناه ما سننقله قريبا عن الأم.

(٢) الزيادة عن الأم.

(٣) الزيادة عن الأم.

(٤) فى الأم : «أن».

(٥) فى الأم زيادة : «وسن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذلك».

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «خوفها». وهو تحريف ،

(٧) الزيادة عن الأم.

(٨) انظر ما ذكره بعد ذلك ، فى الأم.

(٩) فى المختصر (ج ٤ ص ٤٨) : «بينهما». ولا فرق : فقد روعى هنا لفظ «من».

(١٠) فى الأصل : «وذلك» ؛ وهو خطأ وتحريف. والتصحيح عن الأم والمختصر.

(١١) الزيادة حسنة ، عن الأم والمختصر. وقال بعد ذلك ، فى الأم : «وكان يعرفهما بإباية الأزواج : أن يشتبه» إلى اخر ما فى الأصل. وهو تفسير للاباية والحكم.

(١٢) فى المختصر : «فإذا اشتبه».

(١٣) فى المختصر «فلم».

(١٤) كذا بالأم والمختصر ، وفى الأصل : «يصل». وهو تحريف.

(١٥) كذا بالأصل والمختصر. وفى الأم : «الصفح».


ولا الفرقة ؛ ولا المرأة : تأدية الحق ولا الفدية (١) ؛ ويصيران (٢) ـ : من القول والفعل. ـ إلى ما لا يحل لهما ، ولا يحسن (٣) ؛ ويتماديان (٤) فيما ليس لهما : فلا (٥) يعطيان حقا ، ولا يتطوعان [ولا واحد منهما ، بأمر : يصيران به فى معنى الأزواج غيرهما (٦).].»

«فإذا كان هكذا : بعث حكما من أهله ، وحكما من أهلها. ولا يبعثهما (٧) : إلا مأمونين ، وبرضا (٨) الزوجين. ويوكلهما (٩) الزوجان : بأن يجمعا ، أو يفرّقا : إذا رأيا ذلك (١٠).».

__________________

(١) قال فى الأم ، بعد ذلك : «أو تكون الفدية لا تجوز : من قبل مجاوزة الرجل ماله : من أدب المرأة ؛ وتباين حالهما فى الشقاق. والتباين هو ما يصيران فيه» إلى آخر ما فى الأصل.

(٢) فى المختصر : «وصارا».

(٣) فى الأم زيادة : «ويمتنعان كل واحد منهما ، من الرجعة».

(٤) فى المختصر : «وتماديا ، بعث الإمام حكما» إلخ.

(٥) فى الام : «ولا». وما فى الأصل أحسن وأظهر.

(٦) الزيادة عن الأم.

(٧) فى الأم : «ولا يبعث الحكمان».

(٨) فى الأصل : «ورضى». وهو خطأ وتحريف. والتصحيح عن الأم والمختصر.

(٩) كذا بالأم. وفى الأصل : «وتوكيلهما». وهو تحريف. وفى المختصر : «وتوكيلهما إياهما» ؛ أي : الحكمين.

(١٠) نقل فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٠٧) عن الحسن ، أنه قال : «إنما عليهما : أن يصلحا ، وأن ينظرا فى ذلك. وليس الفرقة فى أيديهما» ؛ ثم قال البيهقي : «هذا خلاف ما مضى (أي : من أن لهما الفرقة.) وهو أصح قولى الشافعي رحمه الله. وعليه يدل ظاهر ما رويناه عن على (رضى الله عنه) : إلا أن يجعلاها إليهما. والله أعلم» ا هـ. وقال فى الأم (ج ٥ ص ١٧٧) تعليلا لذلك : «وذلك : أن الله (عز وجل) إنما ذكر : أنهما (إن يريدا إصلاحا : يوفق الله بينهما) ؛ ولم يذكر تفريقا.».


وأطال الكلام فى شرح ذلك (١) ، ثم قال فى آخره (٢) : «ولو قال قائل : يجبرهما السلطان على الحكمين ؛ كان مذهبا (٣)».

* * *

وبإسناده ، قال : قال الشافعي (٤) : «قال الله عز وجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ : كَرْهاً ؛ وَلا تَعْضُلُوهُنَّ : لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ ؛ إِلَّا (٥) : أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ : ٤ ـ ١٩)

«يقال (٦) (والله أعلم) : نزلت فى الرجل : يكره المرأة ، فيمنعها ـ : كراهية لها. ـ حقّ الله (عز وجل) : فى عشرتها بالمعروف ؛ ويحبسها (٧) ـ : مانعا حقها. ـ : ليرثها ؛ عن (٨) [غير (٩)] طيب نفس منها ، بإمساكه إياها على المنع.»

«فحرّم الله (عز وجل) ذلك : على هذا المعنى ؛ وحرّم على الأزواج :

__________________

(١) انظر الأم (ج ٥ ص ١٠٣ ـ ١٠٤) ، والمختصر (ج ٤ ص ٤٨ ـ ٥٠).

(٢) ص ١٠٤

(٣) كذا بالأم. وفى الأصل : «مذهبنا». وهو تحريف.

(٤) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٠٤ ـ ١٠٥).

(٥) فى الأم : إلى كثيرا».

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «قال». وهو تحريف.

(٧) عبارته فى الأم (ج ٥ ص ١٧٨) ـ بعد أن ذكر قريبا مما تقدم ـ : «ويحبسها لتموت : فيرثها ، أو يذهب ببعض ما آتاها.».

(٨) فى الأم : «من».

(٩) زيادة متعينة ، عن الأم.


أن يعضلوا النساء : ليذهبوا ببعض ما أوتين (١) ؛ واستثنى : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)

«[وإذا أتين بفاحشة مبيّنة (٢)] ـ وهى : الزنا. ـ فأعطين بعض (٣) ما أوتين ـ : ليفارقن. ـ : حل ذلك إن شاء الله. ولم يكن (٤) معصيتهن الزوج ـ فيما يجب له ـ بغير فاحشة : أولى أن يحل (٥) ما أعطين ، من : أن يعصين الله (عز وجل) والزوج ، بالزنا.»

«قال : وأمر الله (عز وجل) ـ فى اللائي (٦) : يكرههن (٧) أزواجهن ، ولم يأتين بفاحشة. ـ : أن يعاشرن بالمعروف. وذلك : تأدية (٨) الحق ، وإجمال العشرة.»

«وقال (٩) تعالى : (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ : فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً ،

__________________

(١) قال فى الأم (ص ١٧٨) : «وقيل : فى هذه الآية ، دلالة : على أنه إنما حرم عليه حبسها ـ مع منعها الحق ـ : ليرثها ، أو يذهب ببعض ما آتاها.».

(٢) زيادة عن الأم : متعينة ، ويتوقف عليها ربط الكلام الآتي.

(٣) فى الأم : «ببعض» والظاهر أن الزيادة من الناسخ أو الطابع.

(٤) فى الأم : «تكن». ولا فرق.

(٥) فى الأم : «تحل». ولا فرق أيضا.

(٦) فى الأم : «اللاتي».

(٧) كذا بالأم. وفي الأصل : «يكرهن» ؛ وهو خطأ وتحريف. ويؤكد ذلك قوله فى الأم (ج ٥ ص ١٧٨) : «وقيل : لا بأس بأن يحبسها كارها لها : إذا أدى حق الله فيها ؛ لقول الله عز وجل : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ؛ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ)» الآية.

(٨) فى الأم : «بتأدية» ؛ والمؤدى واحد.

(٩) كذا بالأم ؛ وهو الظاهر. وفى الأصل : «قال». ولعل الحذف من الناسخ.


وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً : ٤ ـ ١٩)

«فأباح عشرتهن ـ على الكراهية ـ : بالمعروف ؛ وأخبر : أن الله (عز وجل) قد يجعل فى الكره خيرا كثيرا.»

«والخير الكثير : الأجر فى الصبر ، وتأدية الحق إلى من يكره ، أو التطوّل عليه.»

«وقد يغتبط ـ : وهو كاره لها. ـ : بأخلاقها ، ودينها ، وكفاءتها (١) ، وبذلها ، وميراث : إن كان لها. وتصرف حالاته إلى الكراهية لها ، بعد الغبطة [بها (٢)].».

وذكرها (٣) فى موضع اخر (٤) ـ هو : لى مسموع عن أبى سعيد ، عن [أبى] العباس ، عن الربيع ، عن الشافعي. ـ وقال فيه :

«وقيل : «إن هذه الآية نسخت (٥) ، وفى معنى : (فَأَمْسِكُوهُنَ (٦) فِي الْبُيُوتِ ، حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ، أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً : ٤ ـ ١٥) نسخت (٧) بآية الحدود (٨) : فلم يكن على امرأة ، حبس : يمنع (٩) [به (١٠)]

__________________

(١) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «كفايتها». ولعله محرف أو أن الهمزة سهلت.

(٢) زيادة حسنة عن الأم.

(٣) أي : آية العضل السابقة كلها

(٤) من الأم (ج ٥ ص ١٧٨ ـ ١٧٩).

(٥) فى الأم (ص ١٧٩) : «منسوخة».

(٦) ذكر فى الأم الآية من أولها.

(٧) فى الأم : «فنسخت».

(٨) الآية الثانية من سورة النور. وقد ذكرها فى الأم ، وذكر من السنة : ما سياتى فى أول الحدود. فراجعه ، وراجع الأم (ج ٧ ص ٧٥ ـ ٧٦) ، والرسالة (ص ١٢٨ ـ ١٢٩ و ٢٤٦ ـ ٢٤٧).

(٩) كذا بالأم. وفى الأصل : «بمنع» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(١٠) زيادة حسنة عن الأم.


حقّ الزوجة على الزوج ؛ وكان عليها الحدّ.».

وأطال الكلام فيه (١) ؛ وإنما أراد : نسخ الحبس على منع حقها : إذا أتت بفاحشة ؛ والله أعلم.

* * *

(أنا) أبو سعيد محمد بن موسى ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي (رحمه الله) ، قال (٢) : «قال الله عز وجل : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ؛ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً : فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٣) : ٤ ـ ٤)

«فكان فى [هذه (٤)] الآية : إباحة أكله : إذا طابت به (٥) نفسا ؛ ودليل : على أنها إذا لم تطب به نفسا : لم يحل أكله.»

«[وقد] (٦) قال الله عز وجل : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ ، وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً (٧) ـ : فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ؛ [أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٨)؟!] : ٤ ـ ٢٠)

__________________

(١) انظر الأم (ج ٥ ص ١٧٩).

(٢) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٧٨).

(٣) راجع ما تقدم (ص ١٣٩ ـ ١٤٠) ، والأم (ج ٣ ص ١٩٢ ـ ١٩٣).

(٤) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٥) فى الأم : «نفسها».

(٦) هذه الزيادة عن الأم ؛ وقد يكون كلها أو بعضها متعينا ؛ فتامل.

(٧) انظر فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٢٣٣) : ما ورد فى تفسير القنطار.

(٨) زيادة حسنة ، عن الأم.


«وهذه الآية : فى معنى الآية التي [كتبنا (١)] قبلها. فإذا (٢) أراد الرجل الاستبدال بزوجته ، ولم ترد هى فرقته ـ : لم يكن له أن يأخذ من مالها شيئا ـ : بأن يستكرهها عليه. ـ ولا أن يطلّقها : لتعطيه فدية منه.». وأطال الكلام فيه (٣).

قال الشافعي (٤) (رحمه الله) : «قال الله عز وجل : (وَلا (٥) يَحِلُّ لَكُمْ : أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ؛ إِلَّا : أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ ؛ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ : ٢ ـ ٢٢٩)

«فقيل (٦) (والله أعلم) : أن تكون المرأة تكره الرجل : حتى تخاف أن لا تقيم (٧) حدود الله ـ : بأداء ما يجب عليها له ، أو أكثره ، إليه (٨). ويكون الزوج غير مانع (٩) لها ما يجب عليه ، أو أكثره.»

«فإذا كان هذا : حلت الفدية للزوج ؛ وإذا لم يقم أحدهما حدود الله : فليسا معا مقيمين حدود الله (١٠)

__________________

(١) الزيادة عن الأم لدفع الإيهام.

(٢) فى الأم : «وإذا». وما فى الأصل أحسن.

(٣) انظر الأم (ج ٥ ص ١٧٨).

(٤) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٧٩).

(٥) ذكر فى الأم ، الآية من أولها.

(٦) فى الأصل : «فقيد» ؛ وهو تحريف. والتصحيح عن الأم.

(٧) كذا بالأم. وفى الأصل : «يقيم». وهو خطأ وتحريف.

(٨) فى الأصل : «أو أكثر وإليه» ؛ وهو تحريف. والتصحيح عن الأم.

(٩) كذا بالأم : وفى الأصل : «دافع» ؛ وهو تحريف يخل بالمعنى المراد ، ويعطى عكسه.

(١٠) أي : فيصدق بهذا ، كما يصدق بعدم إقامة كل منهما الحدود.


«وقيل (١) : و [هكذا قول الله عز وجل : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (٢).] : إذا حل ذلك للزوج : [فليس بحرام على المرأة ؛ والمرأة فى كل حال : لا يحرم عليها ما أعطت من مالها. وإذا حل له (٣)] ولم يحرم عليها : فلا جناح عليهما معا. وهذا كلام صحيح». وأطال الكلام فى شرحه (٤) ؛ ثم قال (٥) :

«وقيل (٦) : أن تمتنع المرأة من أداء الحق ، فتخاف على الزوج : أن لا يؤدّى الحقّ ؛ إذا منعته حقا. فتحل الفدية.»

«وجماع ذلك : أن تكون المرأة : المانعة لبعض ما يجب عليها له ، المفتدية (٧) : تحرّجا من أن لا تؤدى حقّه ، أو كراهية له (٨). فإذا كان هكذا : حلت الفدية للزوج (٩).».

* * *

__________________

(١) كذا بالأم. وفى الأصل : «قال» ؛ وهو تحريف ، أو أن ما أثبتناه ساقط من الأصل بدليل قوله فيما بعد : وهذا كلام صحيح.

(٢) هذه الزيادة عن الأم ؛ وقد يكون أكثرها متعينا. وعلى كل فالكلام قد اتضح بها وظهر.

(٣) هذه الزيادة عن الأم ؛ وقد يكون أكثرها متعينا. وعلى كل فالكلام قد اتضح بها وظهر.

(٤) انظر الأم (ج ٥ ص ١٧٩).

(٥) ص ١٧٩.

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «وقل». وهو تحريف.

(٧) فى الأصل : «الفذية» ؛ وهو خطأ وتحريف. والتصحيح عن الأم.

(٨) كذا بالأم. وعبارة الأصل : «أو كراهيته» ؛ وهى محرفة.

(٩) راجع فى هذا المقام ، السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣١٢ ـ ٣١٥).


 «ما يؤثر عنه فى الخلع ، والطّلاق ، والرّجعة»

قرأت فى كتاب أبى الحسن العاصمىّ :

«(أخبرنا) عبد الرحمن بن العباس الشافعىّ ـ قرأت عليه بمصر ـ قال : سمعت يحيى بن زكريا ، يقول : قرأ علىّ يونس : قال الشافعي ـ : فى الرجل : يحلف بطلاق المرأة ، قبل أن ينكحها (١). ـ قال : «لا شىء عليه ؛ لأنى رأيت الله (عز وجل) ذكر الطلاق بعد النكاح.» ؛ وقرأ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ، ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ : ٣٣ ـ ٤٩) (٢).».

__________________

(١) راجع شيئا من تفصيل ذلك ، فى كتاب : (اختلاف أبى حنيفة وابن أبى ليلى) ؛ الملحق بالأم (ج ٧ ص ١٤٧ و ١٤٩). ومن الغريب المؤسف : أن يطبع هذا الكتاب بالقاهرة : خاليا من تعقيبات الشافعي النفيسة ؛ ولا يشار إلى أنه قد طبع مع الأم. ومثل هذا قد حدث فى كتاب : (سير الأوزاعى).

(٢) قال الشافعي (كما فى المختصر : ج ٤ ص ٥٦) : «ولو قال : كل امرأة أتزوجها طالق ، أو امرأة بعينها ؛ أو لعبد : إن ملكتك فأنت حر. ـ فتزوج ، أو ملك ـ : لم يلزمه شىء ؛ لأن الكلام ـ الذي له الحكم ـ كان : وهو غير مالك ؛ فبطل.». وقال المزني : «ولو قال لامرأة لا يملكها : أنت طالق الساعة ؛ لم تطلق. فهى ـ بعد مدة ـ : أبعد ؛ فإذا لم يعمل القوى : فالضعيف أولى أن لا يعمل.» ؛ ثم قال (ص ٥٧) : «وأجمعوا : أنه لا سبيل إلى طلاق من لم يملك ؛ للسنة المجمع عليها. فهى ـ من أن تطلق ببدعة ، أو على صفة ـ : أبعد.» ا هـ.

هذا ؛ وقد ذكر الشافعي فى بحث من يقع عليه الطلاق من النساء (كما فى الأم : ج ٥ ص ٢٣٢) : أنه لا يعلم مخالفا فى أن أحكام الله تعالى ـ فى الطلاق والظهار والإيلاء ـ لا تقع إلا على زوجة : ثابتة النكاح ، يحل للزوج جماعها. ومراده : إمكان ثبوت نكاحها ، وصحة العقد عليها. ليكون كلامه متفقا مع اعترافه بخلاف أبى حنيفة وابن أبى ليلى فى أصل المسألة ، فتامل.


قال الشيخ : وقد روينا عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنه احتج في ذلك (أيضا) : بهذه الآية (١).

* * *

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (٢) : «قال الله تبارك وتعالى : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ : ٦٥ ـ ١). قال : وقرئت (٣) : (لقبل عدّتهنّ (٤)) ؛ وهما لا يختلفان فى معنى (٥).». وروى [ذلك (٦)] عن ابن عمر رضي الله عنه.

قال الشافعي (رحمه الله) : «(٧) وطلاق السّنّة ـ فى المرأة : المدخول

__________________

(١) راجع فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٢٠ ـ ٣٢١) : أثر ابن عباس ، وغيره : من الأحاديث والآثار التي تؤيد ذلك. وانظر ما علق به صاحب الجوهر النقي ، على أثر ابن عباس ؛ وتأمله.

(٢) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٦٢).

(٣) فى المختصر (ج ٤ ص ٦٨) : «وقد قرئت».

(٤) أو : (فى قبل عدتهن) ؛ على شك الشافعي فى الرواية. كما فى الأم (ج ٥ ص ١٦٢ و ١٩١).

(٥) كذا بالأصل والأم ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٢٣). وعبارة المختصر : «والمعنى واحد».

(٦) الظاهر تعين مثل هذه الزيادة ؛ أي : روى الشافعي القراءة بهذا الحرف عنه. وقد روى أيضا : عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وابن عباس ، ومجاهد. انظر الأم ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٢٣ و ٣٢٧ و ٣٣١ ـ ٣٣٢ و ٣٣٧)

(٧) قال فى الأم (ج ٥ ص ١٦٢ ـ ١٦٣) : «فبين (والله أعلم) فى كتاب الله (عز وجل) ـ بدلالة سنة النبي صلي الله عليه وسلم ـ : أن طلاق السنة [ما فى الأم : أن القرآن والسنة. وهو محرف قطعا] ـ فى المرأة المدخول بها التي تحيض ، دون من سواها :


بها ، التي تحيض (١). ـ : أن يطلقها : طاهرا من غير جماع (٢) ، فى الطهر الذي خرجت [إليه (٣)] من حيضة ، أو نفاس (٤).».

قال الشافعي (٥) : «وقد أمر الله (عز وجل) : بالإمساك بالمعروف ، والتّسريح بالإحسان. ونهى عن الضرر.»

«وطلاق الحائض : ضرر عليها ؛ لأنها : لا زوجة ، ولا فى أيام تعتدّ فيها من زوج ـ : ما كانت في الحيضة. وهى : إذا طلقت ـ : وهى تحيض. ـ بعد جماع : لم تدر ، ولا زوجها : عدتها : الحمل ، أو الحيض؟.»

«ويشبه : أن يكون أراد : أن يعلما معا العدة ؛ ليرغب الزوج ، وتقصر المرأة عن الطلاق : إذا (٦) طلبته.».

* * *

__________________

من المطلقات. ـ : أن تطلق لقبل عدتها ؛ وذلك : أن حكم الله (تعالى) : أن العدة على المدخول بها ؛ وأن النبي إنما يأمر بطلاق طاهر من حيضها : التي يكون لها طهر وحيض.» ؛ ثم قال (كما فى السنن الكبرى أيضا : ج ٧ ص ٣٢٥) : «وبين : أن الطلاق يقع على الحائض ؛ لأنه إنما يؤمر بالمراجعة : من لزمه الطلاق ؛ فأما من لم يلزمه الطلاق : فهو بحاله قبل الطلاق. وقد أمر الله» إلى آخر ما سيذكر بعد.

(١) راجع فى الأم (ج ٥ ص ١٦٣) كلامه فى طلاقها إذا كان الزوج غائبا ؛ وراجع أيضا فى الأم (ج ٥ ص ١٩٣) كلامه فى طلاق السنة فى المستحاضة. فكلاهما مفيد جدا.

(٢) انظر كلامه فى الأم (ج ٥ ص ١٦٥) قبيل آخر البحث.

(٣) لعل هذه الزيادة متعينة : لأن شرط الحذف لم يتحقق ؛ فتامل.

(٤) انظر كلامه فى المختصر (ج ٤ ص ٧٠). وراجع باب طلاق الحائض ، فى اختلاف الحديث (ص ٣١٦ ـ ٣١٨).

(٥) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٦٣).

(٦) فى الأم : «إن» ؛ وراجع بقية كلامه فيها.


(نا) أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد بن أبى عمرو ـ قالا : نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (١) : «ذكر الله (عز وجل) الطلاق ، فى كتابه ، بثلاثة أسماء : الطلاق ، والفراق ، والسّراح (٢). فقال جل ثناؤه : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ (٣) : ٦٥ ـ ١) ؛ وقال عز وجل : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ. فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ : ٦٥ ـ ٢) ؛ وقال لنبيه (صلى الله عليه وسلم) فى أزواجه (٤) : (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها : فَتَعالَيْنَ : أُمَتِّعْكُنَّ ، وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً : ٣٣ ـ ٢٨).».

زاد أبو سعيد ـ فى روايته ـ : قال الشافعي (٥) : «فمن خاطب امرأته ، فأفرد لها اسما من هذه الأسماء. (٦) ـ : لزمه الطلاق ؛ ولم ينوّ (٧) فى الحكم ، ونوّيناه فيما بينه وبين الله عز وجل (٨).».

* * *

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٤٠).

(٢) انظر المختصر (ج ٤ ص ٧٣).

(٣) انظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٢١ ـ ٣٢٢).

(٤) راجع فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٧ ـ ٣٨) : حديث عائشة فى تخيير النبي أزواجه.

(٥) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٤٠) ؛ وقد ذكره إلى قوله : الطلاق ؛ فى السنن الكبري (ج ٧ ص ٣٤٠).

(٦) فى الأم زيادة مبينة ، وهى : «فقال : أنت طالق ، أو قد طلقتك ، أو قد فارقتك أو قد سرحتك.».

(٧) كذا بالأم ، وهو الظاهر وفى الأصل : «وإن لم ينوه». ولعل التحريف والزيادة من الناسخ.

(٨) قال فى الأم ، بعد ذلك : «ويسعه ـ إن لم يرد بشىء منه طلاقا ـ : أن يمسكها. ولا يسعها : أن تقيم معه ، لأنها لا تعرف : من صدقه ، ما يعرف : من صدق نفسه.».


(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحق (فى آخرين) ، قالوا : أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (١) : «ثنا مالك ، عن هشام بن (٢) عروة ، عن أبيه (٣) ، قال : كان الرجل إذا طلّق [امرأته ، ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها ـ : كان ذلك له ؛ وإن طلقها ألف مرة. فعمد رجل إلى (٤)] امرأة له : فطلقها ، ثم أمهلها ؛ حتى إذا شارفت انقضاء عدتها : ارتجعها ؛ ثم طلقها وقال : والله لا آويك (٥) إلىّ ، ولا تحلّين (٦) أبدا. فأنزل الله عز وجل : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ ؛ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ : ٢ ـ ٢٢٩) ؛ فاستقبل الناس الطلاق جديدا ـ من يومئذ ـ : من كان منهم طلّق ، أو (٧) لم يطلّق.».

قال الشافعي (٨) (رحمه الله) : «وذكر بعض أهل التفسير هذا».

__________________

(١) كما في اختلاف الحديث (ص ٣١٢ ـ ٣١٣) وقد ذكره فى الأم (ج ٥ ص ١٢٤).

(٢) فى الأصل : «عن» ؛ وهو تحريف.

(٣) قد أخرجه أيضا ـ فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٣٣) موصولا ، عن عائشة. وكذلك أخرجه عنها الترمذي والحاكم ، كما فى شرح الموطأ للزرقانى (ج ٣ ص ٢١٨). فلا يضر إرساله هنا ؛ بل نص البخاري وغيره (كما فى السنن الكبرى) على أنه الصحيح.

(٤) الزيادة عن اختلاف الحديث ، والأم ، والموطأ ، والسنن الكبرى.

(٥) فى السنن الكبرى : «أؤويك».

(٦) أي : لغيرى. وفى بعض نسخ السنن الكبرى : «تخلين» ؛ فلا فرق. ويؤكد ذلك قوله فى رواية عائشة : «لا أطلقك : فتبينى منى ، ولا أؤويك إلى» إلخ. وقوله فى رواية أخرى عن عروة ـ كما فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٤٤) ـ : «لا آويك إلى أبدا ، ولا تحلين لغيرى» إلخ

(٧) فى الأم : «ولم» وهو أحسن.

(٨) كما فى اختلاف الحديث (ص ٣١٣) وانظر ما ذكره هذا البعض فى الأم.


قال الشيخ (رحمه الله) : قد روينا عن ابن عباس ، فى معناه (١)

(أنا) أبو سعيد ، ثنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (٢) : «قال الله عز وجل : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ : وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ : ١٦ ـ ١٠٦)

«قال : وللكفر أحكام : كفراق (٣) الزوجة ، وأن (٤) يقتل الكافر ، ويغنم ماله.»

«فلما وضع [الله (٥)] عنه : سقطت [عنه (٦)] أحكام الإكراه على (٧) القول كلّه ؛ لأن الأعظم إذا سقط عن الناس : سقط ما هو أصغر منه ، وما يكون حكمه : بثبوته عليه.». وأطال الكلام فى شرحه (٨).

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (٩) : «قال الله تبارك وتعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ ؛ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ

__________________

(١) انظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٣٧).

(٢) كما فى الأم (ج ٣ ص ٢٠٩). وقد ذكر بعضه فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٥٦) على ما ستعرف.

(٣) كذا بالأم ، وفى الأصل : «لفراق» ، وهو خطأ وتحريف.

(٤) كذا بالأم ، وهو الظاهر. وفى الأصل : «فان» ، ولعله محرف.

(٥) زيادة حسنة ، عن الأم والسنن الكبرى.

(٦) الزيادة عن الأم.

(٧) كذا بالأم ، وهو الأظهر. وفى الأصل والسنن الكبرى : «عن».

(٨) انظر الأم (ج ٢ ص ٢١٠). وراجع أيضا الأم (ج ٧ ص ٦٩ ـ ٧٠) ، والمختصر (ج ٥ ص ٢٣٣). وراجع الخلاف فى طلاق المكره ، فى الام (ج ٧ ص ١٦٠).

(٩) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٢٥).


 تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ : ٢ ـ ٢٢٩) ؛ وقال تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ؛ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ : أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ؛ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ : إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً (١) : ٢ ـ ٢٢٨)

«قال الشافعي ـ [فى قول الله عز وجل (٢)] : (إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً). ـ : يقال (٣) : إصلاح الطلاق : بالرجعة ؛ والله أعلم (٤)

«فأيّما زوج حرّ طلق امرأته ـ بعد ما يصيبها ـ واحدة أو اثنتين ، فهو : أحق برجعتها : ما لم تنقض عدتها. بدلالة كتاب الله عز وجل (٥)

وقال (٦) ـ فى قول الله عز وجل : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ. وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً (٧)

__________________

(١) قال فى الأم (ج ٧ ص ٢٠) : «فظاهر هاتين الآيتين ، يدل : على أن كل مطلق : فله الرجعة على امرأته : ما لم تنقض عدتها. لأن الآيتين فى كل مطلق عامة ، لا خاصة على بعض المطلقين دون بعض. وكذلك قلنا : كل طلاق ابتدأه الزوج ، فهو يملك فيه الرجعة فى العدة.» إلخ ؛ فراجعه : فهو مفيد.

(٢) الزيادة عن الأم ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٦٧). ولعلها متعينة : بدليل أن عبارة السنن الكبرى : «أنا الشافعي إلخ».

(٣) كذا بالأصل والسنن الكبرى ، وهو الظاهر. وفى الأم : «فقال» ؛ ولعله محرف.

(٤) قال فى الأم ، بعد ذلك : «فمن أراد الرجعة فهى له : لأن الله (تبارك وتعالى) جعلها له.». وراجع ـ فى السنن الكبرى ـ ما روى عن ابن عباس ومجاهد ، فى هذه الآية.

(٥) قال فى الأم ، بعد ذلك : «ثم سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : فإن ركانة طلق امرأته البتة ، ولم يرد إلا واحدة. فردها إليه رسول الله. وذلك عندنا : فى العدة.» إلخ ؛ فراجعه.

(٦) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٢٩).

(٧) زيادة عن السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٦٨) وقد تناولها الشرح.


٢ ـ ٢٣١). ـ : إذا شارفن بلوغ أجلهن : فراجعوهن بمعروف ، [أ (١)] ودعوهن تنقضى (٢) عددهن بمعروف. ونهاهم : أن يمسكوهن ضرارا : ليعتدوا ؛ فلا يحل إمساكهن : ضرارا (٣).».

زاد على هذا ، فى موضع آخر (٤) ـ هو عندى : بالإجازة عن أبى عبد الله ، بإسناده عن الشافعي. ـ :

«[والعرب (٥)] تقول للرجل (٦) ـ : إذا قارب البلد : يريده ؛ أو الأمر : يريده. ـ : قد بلغته ؛ وتقوله (٧) : إذا بلغه.»

«فقوله فى المطلّقات : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ (٨) : ٦٥ ـ ٢) : إذا قاربن [بلوغ (٩)] أجلهن.

__________________

(١) الزيادة عن الأم والسنن الكبرى.

(٢) كذا بالأم والسنن الكبرى ؛ وفى الأصل : «تقضى».

(٣) راجع ـ فى السنن الكبرى ـ ما روى فى ذلك ، عن مجاهد ، والحسن ، ومسروق ابن الأجدع.

(٤) من الأم (ج ٥ ص ١٠٥ ـ ١٠٦) : فى خلال مناقشة قيمة.

(٥) الزيادة عن المختصر (ج ٤ ص ٨٧) ؛ وهي تؤخذ من الأم أيضا. وعبارته فى المختصر هى : «فدل سياق الكلام : على افتراق البلوغين ؛ فأحدهما : مقاربة بلوغ الأجل ، فله إمساكها أو تركها : فتسرح بالطلاق المتقدم. والعرب تقول ..... والبلوغ الآخر : انقضاء الأجل.». وقد ذكر نحوها فى الأم.

(٦) فى الأصل : «يقول الرجل» ؛ والتصحيح عن الأم والمختصر.

(٧) كذا بالأم والمختصر ؛ وفى الأصل : «وبقوله» ؛ وهو محرف.

(٨) الزيادة عن الأم (أثناء مناقشة ص ١٠٥)

(٩) الزيادة عن الأم (أثناء مناقشة ص ١٠٥)


فلا يؤمر بالإمساك ، إلا (١) : من كان يحل له الإمساك فى العدّة.»

وقوله (عز وجل) فى المتوفّى عنها زوجها : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (٢) : ٢ ـ ٢٣٤) ؛ هذا : إذا قضين أجلهن.»

«وهذا (٣) : كلام عربى ؛ والآيتان يدلان (٤) : على افتراقهما بيّنا ؛ والكلام فيهما : مثل قوله (عز وجل) فى المتوفّى عنها : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ : ٢ ـ ٢٣٥) : حتى تنقضى عدّتها ، فيحلّ نكاحها (٥).».

* * *

(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (٦) ـ فى

__________________

(١) فى الأم : «إلا من يجوز له».

(٢) فى الأم : «من معروف». وهو خطأ نشا عن التباس هذه الآية ، بآية البقرة الأخرى : (٢٤٠) ؛ عند الناسخ أو الطابع.

(٣) عبارة الأم (ص ١٠٦) : «وهو كلام عربى : هذا من أبينه وأقله خفاء ؛ لأن الآيتين تدلان على افتراقهما : بسياق الكلام فيهما ؛ ومثل قول الله فى المتوفي ، فى قوله» إلخ : فكلام الأصل فيه تصرف واختصار.

(٤) فى الأصل : «والإتيان بدلات» ؛ وهو تحريف.

(٥) من الواجب : أن تراجع المناقشة المذكورة فى الأم (ج ٥ ص ١٠٥ ـ ١٠٦). ليتأتى فهم هذا الكلام حق الفهم.

(٦) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٢٩ ـ ٢٣٠) ؛ وأول كلامه هو : «أي امرأة حل ابتداء نكاحها. فنكاحها حلال ، متى شاء من كانت تحل له ، وشاءت. إلا امرأتين : الملاعنة ـ : فإن الزوج إذا التعن لم تحل له أبدا بحال. ـ والثانية : المرأة يطلقها الحر ثلاثا» إلى آخر ما فى الأصل.


المرأة : يطلقها الحرّ ثلاثا. ـ [قال (١)] : «فلا تحلّ له : حتى يجامعها زوج غيره ؛ لقوله (عز وجل) فى المطلقة (٢) الثالثة : (فَإِنْ طَلَّقَها : فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ : ٢ ـ ٢٣٠) (٣)

«قال : فاحتملت (٤) الآية : حتى يجامعها زوج غيره ؛ [و (٥)] دلت على ذلك السنة (٦). فكان أولى المعاني ـ بكتاب الله عز وجل ـ : ما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (٧)

«قال : فإذا (٨) تزوجت المطلقة ثلاثا ، بزوج (٩) : صحيح النكاح ؛

__________________

(١) الزيادة : للتنبيه والإيضاح.

(٢) فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٧٣) : «الطلقة» ؛ ولا خلاف فى المعنى المراد.

(٣) قال الشافعي ـ كما فى الأم (ج ٥ ص ١٦٥) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٣٣) ـ. «فالقرآن يدل (والله أعلم) : على أن من طلق زوجة له ـ. دخل بها ، أو لم يدخل. ـ : لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.». وراجع ما قاله بعد ذلك فى الأم (ص ١٦٥ ـ ١٦٦) : الفائدة الكبيرة.

(٤) قال فى الرسالة (ص ١٥٩) : «فاحتمل (هذا القول) : أن يتزوجها زوج غيره ؛ وكان هذا المعنى الذي يسبق إلى من خوطب به : أنها إذا عقدت عليها عقدة النكاح ، فقد نكحت. واحتمل : حتى يصيبها زوج غيره ؛ لان اسم : (النكاح) ، يقع بالإصابة ، ويقع بالعقد.». ثم ذكر حديث امرأة رفاعة ، المشهور : الذي يرجح الاحتمال الثاني الذي اقتصر عليه فى الأصل.

(٥) الزيادة عن الأم والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٧٣).

(٦) راجع في الأم (ج ٧ ص ٢٦) : مناقشة جيدة حول هذا الموضوع.

(٧) انظر ما رواه من السنة فى ذلك ، فى الأم (ج ٥ ص ٢٢٩) والمختصر (ج ٤ ص ٩٢). وانظر أيضا السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٧٣ ـ ٣٧٥).

(٨) كذا بالأم ، وهو الظاهر. وفى الأصل. «إذا».

(٩) فى الأم : «زوجا».


فأصابها ، ثم طلقها وانقضت عدّتها ـ : حل (١) لزوجها الأول : ابتداء نكاحها ؛ لقول الله عز وجل : (فَإِنْ طَلَّقَها : فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (٢).».

وقال (٣) فى قول الله عز وجل : (فَإِنْ طَلَّقَها (٤) : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا : إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ : ٢ ـ ٢٣٠). ـ : «والله أعلم بما أراد ؛ فأمّا (٥) الآية فتحتمل : إن أقاما الرجعة ؛ لأنها من حدود الله.»

«وهذا يشبه قول الله عز وجل : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ : إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً : ٢ ـ ٢٢٨) (٦) : إصلاح ما أفسدوا بالطلاق ـ : بالرجعة.».

ثم ساق الكلام ، إلى أن قال : «فأحب (٧) لهما : أن ينويا إقامة حدود الله فيما بينهما ، وغيره : من حدوده (٨).».

قال الشيخ : قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) ؛ إن

__________________

(١) كذا بالأم. وفي الأصل. «حلت» ؛ والظاهر أنه محرف ، فتامل.

(٢) ذكر فى الأم الآية كلها ، ثم استدل أيضا بحديث امرأة رفاعة. وانظر فى السنن الكبرى ج (ج ٧ ص ٣٧٦) : ما روى عن ابن عباس فى ذلك ، فهو مفيد.

(٣) فى الأم. «وفى» إلخ. ثم إنه قد وقع فى الأصل ـ قبل ذلك ـ زيادة مثل هذه الجملة كلها تتلوها نفس الآية السابقة. وهى زيادة من الناسخ بلا شك فلذلك لم نثبتها.

(٤) هذا لم يذكر فى الأم : اكتفاء بذكره فيها من قبل ، واقتصارا على موضع الشرح.

(٥) فى الأم. «أما».

(٦) فى الأم ، زيادة. «أي»

(٧) فى الأم. «وأحب».

(٨) فى الأم : «حدود الله».


أراد [به (١)] : الزوج الثاني : إذا طلقها طلاقا رجعيا ـ : فإقامة الرجعة ، مثل : أن يراجعها فى العدة. ثم تكون الحجة ـ فى رجوعها إلى الأول : بنكاح مبتدإ. ـ : تعليقه التحريم بغايته (٢).

وإن أراد به : الزوج الأول ؛ فالمراد بالتراجع : النكاح الذي يكون بتراجعهما وبرضاهما جميعا ، بعد العدة (٣). والله أعلم.

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (٤) : «قال الله عز وجل : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ (٥) : تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ؛ فَإِنْ فاؤُ : فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ : فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ : ٢ ـ ٢٢٦ ـ ٢٢٧).» «فقال الأكثر ممن روى عنه ـ : من أصحاب النبي (٦) صلى الله عليه

__________________

(١) زيادة حسنة ؛ أي : بالمراجع.

(٢) أي : فى قوله تعالى : (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ). فيكون لرجوعها إلى الاول دليل واحد. هذا ؛ وفى الأصل : «فغاية» ، وهو خطأ وتحريف.

(٣) فيكون لرجوعها إلى الاول دليلان.

(٤) كما فى الرسالة (ص ٥٧٧ ـ ٥٨٤) ؛ وكلام الأصل فيه اختصار كبير ، وتصرف يسير.

(٥) انظر فى الأم (ج ٥ ص ٢٤٨ ـ ٢٥٢) كلامه فى اليمين التي يكون بها الرجل موليا : ففيه فوائد لا توجد فى غيره. وانظر فى الأم (ج ٧ ص ٢١) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٨٠) مذهب ابن عباس فى ذلك.

(٦) كعلى ، وعثمان ، وعائشة ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وأبى الدرداء ، وأبى ذر ؛ وابن عباس فى رواية ضعيفة عنه. انظر الأم (ج ٥ ص ٢٤٧ ـ ٢٤٨) ، والمختصر (ج ٤ ص ٩٤) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٧٦ ـ ٣٧٨ و ٣٨٠) ، وفتح الباري (ج ٩ ص ٣٤٦ ـ ٣٤٧).


وسلم. عندنا : إذا مضت أربعة أشهر : وقف المولى ؛ فإما : أن يفىء ، وإما : أن يطلّق.»

«[وروى عن غيرهم ـ : من أصحاب النبي (١). ـ : عزيمة الطلاق : انقضاء أربعة أشهر (٢)

«قال : والظاهر (٣) في الآية أن من أنظره الله أربعة أشهر ، فى شىء ـ : لم يكن (٤) عليه سبيل ، حتى تمضى أربعة أشهر. لأنه (٥) [إنما (٦)] جعل عليه : الفيئة أو الطلاق (٧) ـ والفيئة : الجماع : إن كان قادرا عليه (٨). ـ وجعل له الخيار فيهما : فى وقت واحد ؛ فلا (٩) يتقدم واحد

__________________

(١) كابن عباس فى الرواية الصحيحة عنه ، وعمر في رواية ضعيفة ، وابن مسعود فى رواية مرسلة ، وعثمان وزيد فى رواية أخرى عنهما مردودة. انظر الأم (ج ٧ ص ٢١) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٧٨ ـ ٣٨٠).

(٢) زيادة مفيدة عن الرسالة ، ونجوز أنها سقطت من الأصل.

(٣) عبارة الرسالة (ص ٥٧٩) هى : «لما قال الله : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ) ... ؛ كان الظاهر» إلخ.

(٤) فى نسخة الربيع زيادة : «له».

(٥) كذا بالرسالة (ص ٥٨١). وفى الأصل : «ولأنه» ؛ وللزيادة من الناسخ.

(٦) الزيادة عن الرسالة.

(٧) كذا بالرسالة ، وهو الأولى. وفى الأصل : «والطلاق».

(٨) قد ذكر هذا التفسير بدون الشرط ، فى الرسالة (ص ٥٧٨). وقد ذكر بلفظ : «إلا لعذر» ؛ فى الأم (ج ٥ ص ٢٥٦) ، والمختصر (ج ٤ ص ١٠٦). وانظر الخلاف فى تفسير ذلك ومنشأه ، فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٨٠) وفتح الباري (ج ٩ ص ٣٤٤).

(٩) فى بعض نسخ الرسالة : «لا» ، والمعنى عليها صحيح أيضا.


منهما صاحبه : وقد ذكرا (١) فى وقت واحد. كما (٢) يقال له : افده ، أو نبيعه عليك. بلا (٣) فصل.».

وأطال الكلام فى شرحه ، وبيان (٤) الاعتبار بالعزم. وقال فى خلال ذلك : «وكيف (٥) يكون عازما على أن يفىء فى كل يوم ، فإذا مضت أربعة أشهر ، لزمه الطلاق : وهو لم يعزم عليه ، ولم يتكلم به.؟ أترى هذا قولا يصح فى العقول (٦) [لأحد (٧)]؟!.».

وقال فى موضع آخر (٨) ـ هو لى مسموع من أبى سعيد بإسناده. ـ :

«ولم زعمتم (٩) : أن (١٠) الفيئة لا تكون إلا بشىء يحدثه ـ : من

__________________

(١) فى الأصل : «ذكروا» ؛ وهو تحريف. والتصحيح عن الرسالة (ص ٥٨١).

(٢) كذا بالرسالة ؛ وفى الأصل : «فيقال» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٣) كذا بالرسالة ؛ وفى الأصل : «فلا» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٤) عبارة الأصل : «مكان» أو «مظان». ولعل الصواب ما أثبتناه.

(٥) كذا بالأصل ونسخة الرسالة المطبوعة ببولاق. وفى سائر النسخ : «فكيف».

(٦) كذا بالأصل ونسخة الربيع (ص ٥٨٤). وفى سائر النسخ : «المعقول».

(٧) الزيادة عن الرسالة. وراجع بقية الكلام فيها (ص ٥٨٤ ـ ٥٨٦) لفائدته.

(٨) من الأم (ج ٧ ص ٢١) : فى خلال مناظرة أخري مع بعض الحنفية : من تلك المناظرات المفيدة التي ملأ بها كتابه الذي ألفه للرد على من خالفه فى مسئلة : الأخذ باليمين والشاهد ؛ والذي أتحفنا بفصل كبير منه فى الجزء السابع من الأم (ج ٧ ص ٦ ـ ٣١ و ٧٩) ، وفى اختلاف الحديث (ص ٣٥٢ ـ ٣٦٠). والذي نرجوا : أن يهتم به ، ويرجع إليه كل من عنى بالدقائق الفقهية ، والموازنات المذهبية ، والمناقشات القوية البريئة ، والآراء الجلية السليمة ؛ التي تصدر عن دقة فى الفهم ، وسعة فى العلم.

(٩) راجع كلامه فى المختصر (ج ٤ ص ١١٣) : فهو يزيد ما هنا وضوحا وقوة.

(١٠) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «بأن». والظاهر : أن زيادة الباء من الناسخ ؛ لأن التعدية بها هنا إنما تكون إذا كان الزعم بمعنى الكفالة : على ما أظن.


جماع ، أو فىء بلسان : إن لم يقدر على الجماع. ـ و: أنّ عزيمة الطلاق هو (١) : مضيّ الأربعة أشهر ؛ لا : شىء يحدثه هو بلسان (٢) ، ولا فعل.؟»

أرأيت (٣) الإيلاء : طلاق (٤) هو؟ قال : لا. قلنا (٥) : أفرأيت كلاما قط ـ : ليس بطلاق. ـ : جاءت عليه (٦) مدة ، فجعلته طلاقا.؟!». وأطال الكلام فى شرحه (٧) ؛ وقد نقلته إلى (المبسوط).

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (٨) : «قال الله عز وجل : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ، ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ـ : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) الآية (٩)

«قال الشافعي (رحمه الله) : سمعت من أرضى ـ : [من (١٠)] أهل العلم

__________________

(١) فى الأم : «هى» ؛ ولا فرق فى المعنى. وارجع إلى ما روى أيضا فى ذلك ، عن ابن المسيب وأبى بكر بن عبد الرحمن ، فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٧٨) ..

(٢) كذا بالأم ، وهو الأنسب. وفى الأصل : «بلسانه».

(٣) كذا بالأم. وفى الأصل : «أو رأيت» ، والزيادة من الناسخ كما هو ظاهر.

(٤) كذا بالأم. وفى الأصل : «طلاقا» ، وهو تحريف.

(٥) فى الأم : «قلت».

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «عليك» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٧) راجعه كله فى (ص ٢١) لفوائده الجليلة.

(٨) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٦٢).

(٩) ذكر فى الأم إلى قوله : (ستين مسكينا). وتمام الآية : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ؛ ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ، وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ : ٥٨ ـ ٣).

(١٠) الزيادة عن الأم.


بالقرآن. ـ يذكر : أن أهل الجاهلية [كانو (١)] يطلّقون بثلاث : الظّهار ، والإيلاء ، والطلاق. فأقرّ (٢) الله (عز وجل) الطلاق : طلاقا ؛ وحكم فى الإيلاء : بأن أمهل (٣) المولى أربعة أشهر ، ثم جعل عليه : أن يفىء أو يطلق ؛ وحكم فى الظّهار : بالكفارة ، و [أن (٤)] لا يقع به طلاق.»

قال الشافعي (٥) «والذي (٦) حفظت (٧) ـ مما سمعت فى : (يعودون لما قالوا (٨)). ـ : أن المتظاهر (٩) حرّم [مسّ (١٠)] امرأته بالظّهار ؛ فإذا أتت عليه مدة بعد القول بالظّهار ، لم يحرمها : بالطلاق الذي يحرّم (١١) به ، ولا بشىء (١٢) يكون له مخرج (١٣) من أن تحرم (١٤) [عليه (١٥)] به ـ : فقد وجبت (١٦) عليه كفارة الظّهار.»

__________________

(١) الزيادة عن الأم.

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : «فأمر» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٣) كذا بالأم ، وهو المناسب لما بعد. وفى الأصل : «يمهل».

(٤) زيادة حسنة. وعبارة الأم هى : «فإذا تظاهر الرجل من امرأته يريد طلاقها ، أو يريد تحريمها بلا طلاق ـ : فلا يقع به طلاق بحال ؛ وهو متظاهر» إلخ فراجعه : فإنه مفيد.

(٥) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٦٥). وقد ذكر فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٨٤). وذكر مختصرا فى المختصر (ج ٤ ص ١٢٣)

(٦) فى الأم والسنن الكبرى : بدون الواو.

(٧) فى الأم : «علقت». وفى المختصر : «عقلت».

(٨) فى المختصر زيادة «الآية». وعبارته بعد ذلك هى : «أنه إذا أتت على المتظاهر مدة بعد القول بالظهار ، لم يحرمها بالطلاق الذي تحرم به ـ : وجبت عليه الكفارة.».

(٩) فى بعض نسخ السنن الكبرى : «المظاهر».

(١٠) زيادة حسنه ، عن الأم.

(١١) أي : يقع تحريم الزوجة به. وفى السنن الكبرى : «تحرم» ؛ أي : الزوجة.

(١٢) كاللعان. وفى الأم : «شىء».

(١٣) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : «فخرج» ، وهو تحريف.

(١٤) كذا بالأم والسنن الكبرى ، وهو الظاهر. وفى الأصل : «يحرم».

(١٥) زيادة حسنه ، عن الأم.

(١٦) فى الأم : «وجب».


«كأنهم يذهبون : إلى أنه إذا أمسك على نفسه أنه (١) حلال : فقد عاد لما قال ، فخالفه (٢) : فأحلّ ما حرّم (٣).».

قال : «ولا أعلم له معنى أولى به من هذا ؛ ولم (٤) أعلم مخالفا : فى أن عليه كفارة الظّهار : وإن لم يعد (٥) بتظاهر آخر.»

فلم يجز (٦) : أن يقال ما (٧) لم أعلم مخالفا : فى أنه ليس بمعنى الآية (٨).».

قال الشافعي (٩) : «ومعنى قول الله عز وجل : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) : وقت لأن يؤدّى ما (١٠) أوجب الله (عز وجل) عليه : من الكفارة ؛ [فيها (١١) قبل المماسّة (١٢). فإذا كانت المماسّة قبل الكفارة (١٣)] فذهب الوقت :

__________________

(١) قوله : أنه حلال ؛ غير موجود بالمختصر.

(٢) فى السنن الكبرى : «مخالفة».

(٣) راجع فى الأم (ج ٥ ص ٢٤٤) كلامه فى شرح وتفصيل قول الرجل لامراته : أنت على حرام. فهو قريب من هذا البحث ، ومفيد جدا.

(٤) فى بعض نسخ السنن الكبرى : «لا».

(٥) فى الأصل : «يعتد بمتظاهر». وهو خطأ وتحريف. والتصحيح عن الأم والسنن الكبرى.

(٦) كذا بالأم والسنن الكبرى ، وهو الظاهر. وفى الأصل : «أخر». ولعله محرف عن : «أجز».

(٧) فى الأم : «لما» ؛ على تضمين «يقال» معنى «يذهب».

(٨) راجع ما كتبه على هذا صاحب الجوهر النقي (ج ٧ ص ٣٨٤) : ففيه فوائد كثيرة

(٩) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٦٥). وقد ذكر بعضه فى المختصر (ج ٤ ص ١٢٤) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٨٥).

(١٠) فى المختصر : «ما وجب عليه قبل المماسة ، حتى يكفر».

(١١) أي : فى الوقت بمعنى المدة.

(١٢) الزيادة عن الأم.

(١٣) الزيادة عن الأم والسنن الكبرى.


لم تبطل الكفارة ، [ولم يزد عليه فيها (١)].». وجعلها قياسا على الصلاة (٢)

قال الشافعي فى قول الله عز وجل : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) ؛ قال (٣) : «لا [يجزيه (٤)] تحرير رقبة على غير دين الإسلام : لأن الله (عز وجل) يقول فى القتل : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ : ٤ ـ ٩٢)

«وكان (٥) شرط الله فى رقبة القتل [إذا كانت (٦)] كفارة ، كالدليل (والله أعلم) : على أن لا تجزى (٧) رقبة فى كفارة ، إلا مؤمنة.»

«كما شرط الله (تعالى) العدل فى الشهادة ، فى موضعين ، وأطلق الشهود فى ثلاثة موأضع (٨)

__________________

(١) الزيادة عن الأم والسنن والكبرى.

(٢) قال فى الأم : «كما يقال له : أد الصلاة فى وقت كذا ، وقبل وقت كذا. فيذهب الوقت ، فيؤديها : لأنها فرض عليه ؛ فإذا لم يؤدها فى الوقت : أداها قضاء بعده ؛ ولا يقال له : زد فيها لذهاب الوقت قبل أن تؤديها.». وانظر المختصر والسنن الكبرى.

(٣) كما ذكر فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ٣٨٧). وعبارة الأم (ج ٥ ص ٢٦٦) هى : (فإذا وجبت كفارة الظهار على الرجل ـ : وهو واجد لرقبة ، أو ثمنها. ـ : لم يجزه فيها إلا تحرير رقبة ؛ ولا تجزئه رقبة على غير دين الإسلام» إلى آخر ما فى الأصل.

(٤) زيادة حسنة ، عن السنن الكبرى.

(٥) فى السنن الكبرى : «فكان».

(٦) هذه الزيادة موجودة فى الأم ؛ وقد وقعت فى الأصل متقدمة عن موضعها ، عقب قوله : فى القتل. وهو من عبث الناسخ. ووردت فى السنن الكبرى ، بلفظ : «إذا كان» ولا فرق فى المعنى.

(٧) كذا بالسنن الكبرى ، وهو الأحسن. وفى الأم : «يجزىء». وفى الأصل : «تحرير».

(٨) راجع تفصيل هذا المقام ، فى مناقشة قيمة ذكرت فى الأم (ج ٧ ص ٢١ ـ ٢٢).


«فلما كانت شهادة كلّها : اكتفينا (١) بشرط الله فيما شرط فيه ؛ واستدللنا : على أن ما أطلق : من الشهادات ؛ (إن شاء الله عز وجل) : على مثل معنى ما شرط (٢)

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (٣) : «قال الله عز وجل : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ، ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ : فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) (٤) الآية (٥)

«قال : فلم (٦) أعلم خلافا : [فى (٧)] أن ذلك إذا طلبت المقذوفة

__________________

(١) كذا بالأصل والأم. وفى السنن الكبرى : «استدللنا» إلى آخر ما سيأتى.

(٢) انظر ما قاله بعد ذلك ، فى الأم (ص ٢٦٦ ـ ٢٦٧). وانظر أيضا المختصر (ج ٤ ص ١٢٧ ـ ١٢٨) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٨٧) ، وما رد به صاحب الجوهر النقي قياس الشافعي فى هذه المسألة ، وتأمله.

(٣) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٧٣).

(٤) راجع فى الأم (ج ٦ ص ٢٥٦ ـ ٢٥٧) كلامه عن حقيقة المأمور بجلده : لفائدته. وراجع فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٠٨) ما روى فى سبب نزول هذه الآية ، وغيره. فهو مفيد فى الموضوع.

(٥) تمامها : (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ؛ وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ : ٢٤ ـ ٤).

(٦) فى الأم : «ثم لم».

(٧) زيادة حسنة ، عن الأم.


الحدّ (١) ، ولم (٢) يأت القاذف بأربعة شهداء : يخرجونه (٣) من الحد (٤)

«وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ : فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ : أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) إلى آخرها (٥)

«قال الشافعي : فكان بيّنا فى كتاب الله (عز وجل) : أنه (٦) أخرج الزوج من قذف المرأة (يعنى (٧) : باللّعان.) : كما أخرج قاذف المحصنة غير (٨) الزوجة : بأربعة شهود يشهدون عليها ، بما (٩) قذفها به : من الزنا.»

__________________

(١) عبارة الأم هى : «إذا طلبت ذلك المقذوفة الحرة». والتقييد بالحرية فقط ، قد يوهم أن لا قيد غيرها. مع أن الإسلام أيضا معتبر عند الشافعي : كما صرح به فى الأم (ج ٥ ص ١١٠ و ٢٨٥ و ٢٨٨). ولعل هذا سبب الإطلاق فى الأصل : اتكالا على التقييد فى موضع آخر.

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : «لم» ؛ وهو خطأ. والنقص من الناسخ.

(٣) كذا بالأم. وفى الأصل : «يحرمونه». وهو تحريف. وراجع كلامه فى الأم (ج ٧ ص ٧٨) : فهو مفيد هنا.

(٤) فى الأصل بعد ذلك وقبل الآتي زيادة هى : «وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ) يحرمونه من الحد». وهى من الناسخ على ما نعتقد.

(٥) أي : آيات اللعان. وفى الأم : «إلى قوله : (إن كان من الصادقين)». وتمام المتروك : (وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ* وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ : أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ* وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ : ٢٤ ـ ٦ ـ ٩).

(٦) فى الأم : «أن الله».

(٧) هذا من كلام البيهقي. وفى المختصر (ج ٤ ص ١٤٣) : «بالتعانه». وفى الأم : «بشهادته أربع شهادات» إلى : «من الكاذبين».

(٨) كذا فى الأم والمختصر. وفى الأصل : «عن الزوجية» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٩) فى المختصر : «مما». ولعله محرف عما هنا.


«وكانت فى ذلك ، دلالة : أن ليس على الزوج أن يلتعن (١) ، حتى تطلب المرأة المقذوفة حدّها.». وقاسها (أيضا) : على الأجنبية (٢).

قال (٣) : «ولما (٤) ذكر الله (عز وجل) اللّعان على الأزواج مطلقا ـ : كان اللّعان على كل زوج : جاز طلاقه ، ولزمه الفرض (٥) ؛ وعلى (٦) كل زوجة : لزمها الفرض (٧)

قال الشافعي (٨) : «فإن قال (٩) : لا ألتعن ؛ وطلبت أن يحدّ لها ـ : حدّ (١٠)

قال (١١) : «ومتى التعن الزوج : فعليها أن تلتعن. فإن أبت : حدّت (١٢) ؛

__________________

(١) كذا بالأم والمختصر. وفى الأصل : «يتلعن». ولعله محرف عن : «يتلاعن» وإن كان خاصا بما إذا تحقق من الجانبين.

(٢) قال فى المختصر والأم : «كما ليس على قاذف الأجنبية حد ، حتى تطلب حدها».

(٣) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٧٣) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٩٥).

(٤) فى السنن الكبرى : «لما». وقال فى المختصر (ج ٤ ص ١٤٣) : «ولما لم يخص الله أحدا من الأزواج دون غيره ، ولم يدل على ذلك سنة ولا إجماع ـ : كان على كل زوج» إلى آخر ما هنا. وقد ذكر أوضح منه وأوسع ، فى الأم (ج ٧ ص ٢٢) فراجعه ، وانظر رده على من زعم : أنه لا يلاعن إلا حران مسلمان ، ليس منهما محدود فى قذف. وراجع أيضا ، كلامه فى الأم (ج ٥ ص ١١٠ ـ ١١١ و ١١٨ ـ ١٢٢).

(٥) راجع ما كتبه على هذا ، صاحب الجوهر النقي (ج ٧ ص ٣٩٥ ـ ٣٩٦).

(٦) فى الأم والسنن الكبرى : «وكذلك على». وفى المختصر : «وكذلك كل».

(٧) انظر ما ذكره بعد ذلك ، فى الأم.

(٨) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٨١).

(٩) فى الأم زيادة : «هو».

(١٠) قال فى الأم ، بعد ذلك : «وهو زوجها ، والولد ولده».

(١١) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٨١).

(١٢) انظر ما ذكره فى الأم ، بعد ذلك. وانظر المختصر (ج ٤ ص ١٤٦). وراجع كلامه المتعلق بهذا ، ورده على من خالف فيه ـ فى الأم (ج ٥ ص ١٧٧ وج ٧ ص ٢٢ و ٣٦).


لقول الله عز وجل : (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ : أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ) الآية. والعذاب : الحدّ (١).».

* * *

(وأنبأنى) أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٢) : «ولمّا حكى سهل بن سعد ، شهود المتلاعنين مع حداثته (٣) ، وحكاه ابن عمر (٤) ـ : استدللنا : [على (٥)] أن اللّعان لا يكون. إلا بمحضر (٦) من طائفة : من المؤمنين (٧)

«وكذلك جميع حدود الله : يشهدها طائفة من المؤمنين ، أقلها (٨) : أربعة. لأنه لا يجوز فى شهادة الزنا ، أقلّ منهم (٩)

__________________

(١) قال فى الأم ، بعد ذلك : «فكان عليها أن تحد : إذا التعن الزوج ، ولم تدرأ عن نفسها بالالتعان».

(٢) كما فى الأم (ج ٥ ص ١١٥) ، والمختصر (ج ٤ ص ١٥٣ ـ ١٥٤).

(٣) انظر حديث سهل هذا ، فى الأم (ج ٥ ص ١١١ ـ ١١٢ و ٢٧٧ ـ ٢٧٨) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٩٨ ـ ٤٠١ و ٤٠٤ ـ ٤٠٥).

(٤) انظر حديثه فى الأم (ج ٥ ص ١١٢ ـ ١١٣ و ٢٧٩) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٠١ ـ ٤٠٢ و ٤٠٤ و ٤٠٩). ويحسن أن تراجع كلام الشافعي في حكم النبي بالنسبة لمسئلة اللعان ، فى الأم (ج ٥ ص ١١٣ ـ ١١٤) : فهو جيد مفيد ، خصوصا فى حجية السنة ، وبيان أنواعها. وقد نقله الشيخ شاكر فى تعليقه على الرسالة (ص ١٥٠ ـ ١٥٦).

(٥) زيادة حسنة ، عن الأم والمختصر.

(٦) أي : بمكان الحضور. وفى الأم : «بمحضر طائفة» ؛ أي : بحضورها.

(٧) قال فى الأم والمختصر ، بعد ذلك : «لأنه لا يحضر أمرا : يريد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ستره ؛ ولا يحضره إلا : وغيره حاضر له.».

(٨) فى الأم والمختصر : «أقلهم» وكلاهما صحيح.

(٩) راجع الأم (ج ٦ ص ١٢٢ ـ ١٢٣).


«وهذا : يشبه قول الله (عز وجل) فى الزانيين : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ : ٢٤ ـ ٢) (١).».

وقال (٢) ـ فى قوله عز وجل : (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ : ٤ ـ ١٠٢). ـ : «الطائفة : ثلاثة فأكثر.».

وإنما قال ذلك : لأن القصد من صلاة النبي (صلى الله عليه وسلم) بهم : حصول فضيلة الجماعة (٣) لهم. وأقلّ الجماعة إقامة : ثلاثة (٤). فاستحب (٥) : أن يكونوا ثلاثة فصاعدا.

وذكر (٦) جهة استحبابه : أن يكونوا أربعة فى الحدود. وليس ذلك : بتوقيف (٧) ، فى الموضعين جميعا.

* * *

__________________

(١) انظر ما قاله ـ فى الأم والمختصر ـ بعد ذلك : لفائدته الكبيرة.

(٢) كما فى المختصر والأم (ج ١ ص ١٤٣ و ١٩٤).

(٣) أي : صلاتها.

(٤) أي : أقل الجمع تقوما وتحققا ذلك ؛ على المذهب الراجح المشهور. فليس المراد بالجماعة الصلاة : لأن انعقادها لا يتوقف على أكثر من اثنين ؛ ولأنه كان الأولى حينئذ أن يقول : وأقلها. ولا يقال : إن «ثلاثة» محرف عن «اثنان» ؛ لأن التعليل حينئذ لا يتفق مع أصل الدعوي. كما لا يقال : إن «إقامة» محرف عن «إثابة» ؛ لأن ثواب الجماعة يتحقق بانعقادها كما هو معروف. ويقوى ذلك : أن الشافعي فسر الطائفة فى الآية (أيضا) ـ فى اختلاف الحديث (ص ٢٤٤) ـ : بأنها الجماعة ، لا : الإمام الواحد. والمراد : الجمع ، قطعا. فتدبر.

(٥) أي : الشافعي رضى الله عنه.

(٦) بل عن اجتهاد منه. وفى الأصل : «بتوقيت». وهو تحريف.

(٧) بل عن اجتهاد منه. وفى الأصل : «بتوقيت». وهو تحريف.


 «ما يؤثر عنه فى العدّة ، وفى الرّضاع ، وفى النّفقات»

(أنا) أبو عبد الله الحافظ (قرأت عليه) : أنا أبو العباس (١) ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (رحمه الله) ، قال (٢) : «قال الله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (٣) : ٢ ـ ٢٢٨)

«قالت (٤) عائشة (رضى الله عنها) : الأقراء (٥) : الأطهار ؛ [فإذا طعنت فى الدم : من الحيضة الثالثة ؛ فقد حلّت (٦)]. وقال بمثل (٧) معنى

__________________

(١) فى الأصل : «أنا الربيع ، أنا أبو العباس». والتقديم من الناسخ.

(٢) كما فى الرسالة (ص ٥٦٢ ـ ٥٦٨).

(٣) هذه قراءة الجمهور. وقرأ الزهري ونافع : بتشديد الواو ، بغير همز. وهو : جمع «قرء» : بفتح القاف وضمها : وإن كان الفتح هو المشهور الذي اقتصر عليه جمهور أهل اللغة. ولا خلاف : فى أنه يستعمل لغة ، فى كل : من الطهر والحيض. ولا خلاف كذلك : فى أنه يستعمل شرعا فيهما : وإن زعم خلافه الزاعمون ، وادعى عدم استعماله شرعا فى الطهر المدعون. وإنما الخلاف ـ عند الصحابة وفقهاء الأمة ـ : فى كونه ؛ فى العدة ، الطهر أو الحيض. وهو خلاف ناشىء عن الاختلاف فى الاستعمال اللغوي. وقد نص على ذلك ، الأئمة الثقات : الذين يؤخذ بكلامهم ، ويعتد بحكمهم.

(٤) فى الرسالة : «فقالت».

(٥) هذا جمع قلة ، والقروء جمع كثرة. وقد ورد فى الآية ، بدل الأول : توسعا.

وهناك جمع ثالث فى أدنى العدد ، وهو : أقرؤ.

(٦) هذه زيادة جيدة مفيدة ، عن الأم (ج ٧ ص ٢٤٥). وقد رويت بألفاظ مختلفة عن عائشة ومن معها.

(٧) كذا بالرسالة ؛ وفى الأصل : «كمثل» ؛ وهو تحريف.


قولها ، زيد بن ثانت ، وعبد الله بن عمر ، وغيرهما (١)

«وقال نفر ـ : من أصحاب النبي (٢) صلى الله عليه وسلم. ـ : الأقراء : الحيض ؛ فلا تحلّ المطلقة (٣) : حتى تغتسل من الحيضة الثالثة.»

__________________

(١) كالقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، وأبى بكر بن عبد الرحمن ، وسليمان بن يسار ، وسائر الفقهاء السبعة ، وأبان بن عثمان ، والزهري ، وعامة فقهاء أهل المدينة ، ومالك ، وأحمد فى إحدى الروايتين عنه. انظر الأم (ج ٥ ص ١٩١ ـ ١٩٢ وج ٧ ص ٢٤٥) ، والمختصر (ج ٥ ص ٤) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٤١٤ ـ ٤١٦) ، وشرح الموطأ للزرقانى (ج ٣ ص ٢٠٣ ـ ٢٠٥) وزاد المعاد (ج ٤ ص ١٨٥) ، وتهذيب اللغات للنووى (ج ٢ ص ٨٥).

(٢) كالخلفاء الأربعة ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وأبى بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وعبادة بن الصامت ، وأبى الدرداء ، وأبى موسى الأشعري. وقد وافقهم على ذلك ، كثير من التابعين والمفتين : كابن المسيب ، وابن جبير ، وطاوس ، والحسن ، وشريح ، وقتادة ، وعلقمة ، والأسود بن يزيد ، وإبراهيم النخعي ، والشعبي ، وعمرو بن دينار ، ومجاهد ، ومقاتل ، والثوري ، والأوزاعى ، وأبى حنيفة ، وزفر ، وإسحق بن راهويه ، وأحمد فى أصح الروايتين عنه ؛ والشافعي فى القديم ، وأبى عبيد القاسم بن سلام : (وإن روى فى شرح القاموس ـ مادة : قرأ ـ : أنه رجع عنه بعد أن ناظره الشافعي وأقنعه.). أنظر الأم (ج ٧ ص ٢٤٥) ، واختلاف الحديث (ص ١٤٦) ، وشرح مسلم للنووى (ج ١٠ ص ٦٢ ـ ٦٣) ، وتهذيب اللغات (ج ٢ ص ٨٥) ، وشرح الزرقانى على الموطأ (ج ٣ ص ٢٠٤) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٤١٦ ـ ٤١٨) ، وزاد المعاد (ج ٤ ص ١٨٤ ـ ١٨٥).

(٣) كذا بكثير من نسخ الرسالة. وفى الأصل : «فلا يحل للمطلقة» ولعله محرف. وفى الأم (ج ٧ ص ٢٤٥) : «لا تحل المرأة». وفى نسختى الربيع وابن جماعة : «فلا يحلوا المطلقة» (على حذف النون تخفيفا). أي : لا يحكمون بحلها. ولا نستبعد ـ مع صحته ـ : أنه محرف عما أثبت.


ثم ذكر الشافعي حجة القولين (١) ، واختار الأول (٢) ؛ واستدل عليه : «بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمر عمر (رضى الله عنه) ـ حين طلق ابن عمر امرأته : حائضا. ـ : أن يأمره : برجعتها [وحبسها (٣)] حتى تطهر ثم يطلقها : طاهرا ، من غير جماع. وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : «فتلك العدة : التي أمر الله (عز وجل) : أن يطلّق (٤) لها النساء.»

قال الشافعي : «[يعنى (٥)] ـ والله أعلم ـ : قول الله عز وجل : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ : ٦٥ ـ ١) ؛ فأخبر النبىّ (صلى الله عليه وسلم) ـ عن الله عز وجل ـ : أن العدّة : الطّهر ، دون الحيض (٦)

__________________

(١) راجع كلامه فى الرسالة (ص ٥٦٣ ـ ٥٦٦) : ففيه فوائد جمة.

(٢) أنظر الرسالة (ص ٥٦٩) ، والمختصر والأم (ج ٥ ص ٢ ـ ٤ و ١٩١ ـ ١٩٢). وراجع فى الأم (ج ٥ ص ٨٩) كلامه فى الفرق بين اختياره هذا ، وما ذهب إليه فى الاستبراء : من أنه طهر ثم حيضة. فهو مفيد هنا وفيما ذكر فى الرسالة (ص ٥٧١ ـ ٥٧٢) : مما لم يذكر فى الأصل.

(٣) زيادة مفيدة ، عن الرسالة (ص ٥٦٧).

(٤) فى الأم (ج ٥ ص ١٦٢ و ١٩١) : «تطلق». وحديث ابن عمر هذا ، قد روى من طرق عدة ، وبألفاظ مختلفة. فراجعه فى الأم والمختصر ، واختلاف الحديث (ص ٣١٦) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٢٣ ـ ٣٢٧ و ٤١٤) ، وشرح الموطأ للزرقانى (ج ٣ ص ٢٠٠ ـ ٢٠٢ و ٢١٨) ، وفتح الباري (ج ٩ ص ٢٧٦ ـ ٢٨٥ و ٣٩١) ، وشرح مسلم للنووى (ج ١٠ ص ٥٩ ـ ٦٩) ، ومعالم السنن (ج ٣ ص ٢٣١)

(٥) أي : الرسول. والزيادة عن الرسالة (ص ٥٦٧) ، والجملة الاعتراضية مؤخر فيها عن المفعول.

(٦) قال الشافعي بعد ذلك (كما فى المختصر والأم : (ج ٥ ص ٣ و ١٩١) : «وقرأ (فطلقوهن لقبل عدتهن) ؛ وهو : أن يطلقها طاهرا. لأنها حينئذ تستقبل عدتها.


__________________

ولو طلقت حائضا : لم تكن مستقبلة عدتها ، إلا من بعد الحيض.». ا هـ. وانظر زاد المعاد (ج ٤ ص ١٩٠) وأقول :

قوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ـ بقطع النظر عن كون ما روى فى الأم والمختصر ، والموطأ وصحيح مسلم ، عن النبي أو غيره ، من قوله : «فى قبل ، أو لقبل عدتهن» ؛ قراءة أخرى ، أو تفسيرا ـ : مؤول فى نظر أصحاب المذهبين جميعا ، على معنى : فطلقوهن مستقبلات عدتهن.

إلا أن الشافعي قد فهم بحق : أن الاستقبال على الفور ، لا على التراخي ؛ وأن ذلك لا يتحقق إلا : إذا كانت العدة الطهر.

لأنه وجد : أن الشارع قد نهى عن الطلاق فى الحيض ، وأقره فى الطهر. ووجد : أن الإجماع قد انعقد : على أن الحيض الذي وقع فيه الطلاق ، لا يحسب من العدة. وأدرك : أن النهى إنما هو لمنع ضرر طول الانتظار ، عن المرأة.

فلو لم يكن الاستقبال على الفور ـ : بأن كان على التراخي. ـ : للزم (أولا) : عدم النهى عن الطلاق فى الحيض ؛ لكون المطلقة فيه : مستقبلة عدتها (أيضا) على التراخي. وللزم (ثانيا) : أن يتحقق فى الطلاق السنى ، المعنى : الذي من أجله حصل النهى فى الطلاق البدعى. وليس بمعقول : أن ينهى الشارع عنه ـ فى حالة ـ لعلة خاصة ، ثم يجيزه فى حالة أخرى ، مع وجودها.

وعلى هذا ، فتفيد الآية : أن الأقراء هى : الأطهار ؛ ويكون معناها : فطلقوهن فى وقت عدتهن ، أي : فى الوقت الذي يشرعن فيه فى العدة ، ويستقبلها فورا عقب صدور الطلاق. وهذا لا يكون إلا : إذا كانت العدة نفس الطهر.

ولا يعكر على هذا : أن الشافعي قد ذهب : إلى أن طلاق الحائض يقع ؛ فلا يتحقق فيه : استقبال العدة فورا.

لأن الكلام إنما هو : بالنظر إلى معنى الآية الكريمة ، وبالنظر إلى الطلاق الذي لم يتعلق نهى به. وكون الاستقبال فورا يتخلف فى طلاق الحائض ، إنما هو : لأن الزوج قد أساء فارتكب المنهي عنه.

ولكى تتأكد مما ذكرنا ، وتطمئن إليه ـ يكفى : أن تتأمل قول الشافعي الذي


واحتج : «بأن الله (عز وجل) قال : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) ؛ ولا معنى للغسل (١) : لأن الغسل رابع (٢).».

واحتج : «بأن الحيض ، هو : أن يرخى الرّحم الدم حتى يظهر (٣) ؛

__________________

صدرنا به الكلام ؛ وترجع إلى ما ذكره فى الأم (ج ٥ ص ١٦٢ ـ ١٦٣ و ١٩١) ، وما ذكره كل : من الخطابي فى معالم السنن (ج ٣ ص ٢٣١ ـ ٢٣٢) ، والنووي فى شرح مسلم (ج ١٠ ص ٦٢ و ٦٧ ـ ٦٨) ، وابن حجر فى الفتح (ج ٩ ص ٢٧٦ و ٢٨١ و ٣٨٦) ، والزرقانى فى شرح الموطأ (ج ٣ ص ٢٠٢ و ٢١٨)

وبذلك ، يتبين : أن ما ذكره الشيخ شاكر فى تعليقه على الرسالة (ص ٥٦٧ ـ ٥٦٨) : كلام تافه لا يعتد به ، ولا يلتفت إليه. وأنه لم يصدر عن إدراك صحيح لرأى الشافعي ومن إليه فى الآية ؛ وإنما صدر عن تسرع فى فهمه ، وتقليد لابن القيم وغيره. وبهما أخطأ من أخطأ ، وأغفل من أغفل.

أما كلامه (ص ٥٦٩) عن الاكتفاء فى العدة ببقية الطهر ، ومحاولته إلزام القائلين به : أن يكتفوا ببقية الشهر ، لمن تعتد بالأشهر. ـ : فنا شىء عن تأثره بكلام ابن رشد ، وعدم إدراكه الفرق الواضح بين الشهر والطهر ؛ وأن الشهر : منضبط محدد ، لا يختلف باختلاف الأشخاص ؛ بخلاف الطهر : الذي يطلق لغة على كل الزمن الخالي من الحيض ، وعلى بعضه ولو لحظة : وإن زعم ابن القيم فى زاد المعاد (ج ٤ ص ١٨٦) : أنه غير معقول إذ يكفى فى القضاء على زعمه هذا ، ما ذكره النووي فى شرح مسلم (ج ١٠ ص ٦٣) ؛ فراجعه. على أن فى ذلك اللازم ، خلافا وتفصيلا مشهورا بين المتحيرة وغيرها : كما فى شرح المحلى للمنهاج (ج ٤ ص ٤١ ـ ٤٢).

وأما كلامه (ص ٥٧٠ ـ ٥٧١) عن عدة الأمة ـ : فمن الضعف الواضح ، والخطأ الفاضح : بحيث لا يستحق الرد عليه ؛ ويكفى أنه اشتمل على ما ينقضه ويبطله.

(١) قال فى المختصر (ج ٥ ص ٤) : «وليس فى الكتاب ، ولا في السنة ـ للغسل بعد الحيضة الثالثة ـ معنى : تنقضى به العدة.».

(٢) فى الأصل : «رافع». وهو تحريف. والتصحيح عن الرسالة (ص ٥٦٨). وراجع كلامه فيها لأن ما فى الأصل مختصر.

(٣) كذا بالرسالة (ص ٥٦٦). وفى الأصل : «يطهر». وهو تحريف.


والطّهر هو : أن يقرى الرحم الدم ، فلا يظهر (١). فالقرء (٢) : الحبس ؛ لا : الإرسال. فالطهر ـ : إذا (٣) كان يكون وقتا. ـ أولى (٤) فى اللسان ، بمعنى القرء ؛ لأنه (٥) : حبس الدم.» وأطال الكلام فى شرحه (٦).

* * *

(أنبأنى) أبو عبد الله (إجازة) : أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٧) : «قال الله جل ثناؤه (٨) : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ. بِأَنْفُسِهِنَّ

__________________

(١) كذا بالرسالة (ص ٥٦٦). وفى الأصل : «يطهر». وهو تحريف.

(٢) كذا بالأصل ومعظم نسخ الرسالة (وعبارتها : ويكون الطهر والقرء إلخ). وفى نسخة الربيع بالياء. وكلاهما صحيح ، ومصدر لقرى ، بمعنى جمع : وإن كان يائيا. كما يدل عليه كلام الزجاج المذكور فى تهذيب اللغات (ج ٢ ص ٨٦) ، واللسان (ج ١ ص ١٢٦) ، وشرح القاموس (ج ١ ص ١٠٢). ومصدر الفعل اليائى ، ليس بلازم : أن يكون يائيا ؛ كما هو معروف. على أن القرء ـ مصدر «قرأ» ـ قد ورد بمعنى الجمع والحبس أيضا ؛ فلا يلزم إذن : أن يكون الشافعي قد أراد هنا مصدر اليائى. على أن كلام الشافعي نفسه ـ فى المختصر والأم (ج ٥ ص ٣ و ١٩١) ـ يقضى على كل شبهة وجدل ؛ حيث يقول : «والقرء اسم وضع لمعنى ؛ فلما كان الحيض : دما يرخيه الرحم فيخرج ؛ والطهر : دما يحتبس فلا يخرج ـ : كان معروفا من لسان العرب : أن القرء : الحبس ؛ تقول العرب : هو يقرى الماء فى حوضه وفى سقائه ؛ وتقول : هو يقرى الطعام فى شدقه.». وانظر زاد المعاد (ج ٤ ص ١٩٠).

(٣) كذا بالأصل وأكثر نسخ الرسالة ؛ وهو الظاهر. أي : إذا جرينا على أنه وقت العدة. وفى نسختى الربيع وابن جماعة : «إذ».

(٤) كذا بالرسالة. وفى الأصل : «أوتى» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٥) كذا بالرسالة. أي : الطهر. وفى الأصل : «ولأنه» ؛ والزيادة من الناسخ.

(٦) فى صفحه (٥٦٧ ـ ٥٧٢) حيث ذكر بعض ما تقدم ، وغيره.

(٧) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٩٥).

(٨) فى الأم زيادة : «فى الآية الكريمة التي ذكر فيها المطلقات ذوات الأقراء».


ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (١) ؛ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ : أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ؛ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية (٢)

«قال الشافعي (رحمه الله) : فكان (٣) بيّنا فى الآية ـ بالتنزيل (٤) ـ : أنه لا يحل للمطلّقة : أن تكتم ما فى رحمها : من المحيض. فقد يحدث له (٥) ـ عند خوفه انقضاء عدّتها ـ رأى فى نكاحها (٦) ؛ أو يكون طلاقه إياها : أدبا [لها (٧)].».

ثم ساق الكلام (٨) ، إلى أن قال : «وكان ذلك يحتمل : الحمل مع المحيض (٩) ؛ لأن الحمل : مما (١٠) خلق الله فى أرحامهن.»

«فإذا (١١) سأل الرجل امرأته المطلّقة : أحامل هى؟ أو هل حاضت؟ ـ :

__________________

(١) فى الأم بعد ذلك : «الآية».

(٢) تمامها : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ : إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً ؛ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ؛ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ : ٢ ـ ٢٢٨).

(٣) فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٢٠) : «وكان».

(٤) كذا بالأم والسنن الكبرى ، أي : بما اشتملت عليه ، بدون ما حاجة إلى دليل آخر كالسنة. وعبارة الأصل هى : «فكان بينا الآية فى التنزيل» ؛ وفيها تقديم وتحريف.

(٥) كذا بالأصل. وفى الأم : «وذلك أن يحدث للزوج». والأول أظهر.

(٦) فى الأم : «ارتجاعها» ؛ والمعنى واحد.

(٧) زيادة حسنة ، عن الأم ، قال بعدها : «لا إرادة أن تبين منه».

(٨) حيث قال : «فلتعلمه ذلك : لئلا تنقضى عدتها ، فلا يكون له سبيل إلى رجعتها.».

(٩) فى الأم والسنن الكبرى : «الحيض» ؛ ومعناهما واحد هنا.

(١٠) كذا بالأم. وفى الأصل : «ما». ولعله محرف.

(١١) فى الأم : «وإذا». وما فى الأصل أحسن.


فهى (١) عندى ، لا (٢) يحل لها : أن تكتمه (٣) ولا أحدا رأت أن (٤) يعلمه.»

«[وإن لم يسألها ، ولا أحد يعلمه إياه (٥)] : فأحبّ إلىّ : لو أخبرته به.».

ثم ساق الكلام (٦) ، إلى أن قال : «ولو كتمته بعد المسألة ، [الحمل والأقراء (٧)] حتى خلت عدّتها ـ : كانت عندى ، آثمة بالكتمان [: إذ سئلت وكتمت (٨)] ـ وخفت عليها الإثم : إذا كتمت (٩) وإن لم تسأل. ـ ولم (١٠) يكن [له (١١).] عليها رجعة : لأن الله (عز وجل) إنما جعلها له حتي تنقضى عدتها. (١٢)».

وروى الشافعي (رحمه الله) ـ فى ذلك ـ قول عطاء ، ومجاهد (١٣) وهو منقول فى كتاب (المبسوط) و (المعرفة).

* * *

__________________

(١) فى الأم : «فبين».

(٢) فى الأم : «أن لا».

(٣) فى الأم زيادة : «واحدا منهما».

(٤) عبارة الأم : «أنه يعلمه إياه».

(٥) زيادة متعينة ، عن الأم.

(٦) راجع الأم (ص ١٩٥)

(٧) زيادة حسنة مفيدة ، عن الأم.

(٨) زيادة حسنة مفيدة ، عن الأم.

(٩) فى الأم : «كتمته».

(١٠) كذا بالأم. وفى الأصل : «لم» ؛ وهو خطأ ، والنقص من الناسخ.

(١١) زيادة حسنة مفيدة ، عن الأم.

(١٢) قال فى الأم ، بعد ذلك : «فإذا انقضت عدتها فلا رجعة له عليها».

(١٣) انظر الأم (ص ١٩٥ ـ ١٩٦) ، وفتح الباري (ج ٩ ص ٣٩٠) ، والسنن الكبرى. وانظر فيها أيضا ما روى عن عكرمة وإبراهيم النخعي.


وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (١) (رحمه الله) : «سمعت من أرضى ـ : من أهل العلم (٢) ـ يقول : إن أول ما أنزل الله (عز وجل) ـ : من العدد. ـ : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ : ٢ ـ ٢٢٨) ؛ فلم يعلموا : ما عدّة المرأة [التي (٣)] لا قرء (٤) لها؟ وهى : التي لا تحيض ، والحامل (٥). فأنزل الله عز وجل : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ : مِنْ نِسائِكُمْ ؛ إِنِ ارْتَبْتُمْ : فَعِدَّتُهُنَّ : ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ (٦) ؛ [وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ : ٦٥ ـ ٤) ؛ فجعل عدّة المؤيسة والتي لم تحض : ثلاثة أشهر (٧).] وقوله (٨) : (إن ارتبتم) : فلم تدروا (٩) : ما تعتدّ غير ذوات الأقراء؟ ـ وقال : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ (١٠) أَجَلُهُنَّ : أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ : ٦٥ ـ ٤) (١١)

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٩٦).

(٢) قد أخرجه فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٢٠) عن أبى بن كعب ، بلفظ مختلف

(٣) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٤) فى الأم : «أقراء».

(٥) عبارة الأم : «ولا الحامل» (بالعطف على المرأة). وهى وإن كانت صحيحة ، إلا أنها توهم : أن الحامل من ذوات الأقراء ؛ مع أن أقراءها تهمل إذا ما تبين حملها كما هو مقرر ؛ فتأمل.

(٦) راجع فى الأم (ج ٥ ص ١٩٤ ـ ١٩٥) كلامه عن هذا : فهو مفيد جدا.

(٧) الزيادة عن الأم ، ونرجح أنها سقطت هنا من الناسخ.

(٨) هذا الى قوله : الأقراء ، يظهر أنه من كلام الشافعي نفسه ، لا مما سمعه. انظر السنن الكبرى

(٩) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : «يدروا». وهو تحريف فى الغالب.

(١٠) راجع فى الرسالة (ص ٥٧٢ ـ ٥٧٥) : كلامه عن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها ، وخلاف الصحابة فى ذلك. فهو مفيد فيما سيأتى قريبا.

(١١) انظر فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٢١). حديث أم كلثوم بنت عقبة.


«قال الشافعي : وهذا (والله أعلم) يشبه (١) ما قالوا.».

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (٢) : «قال الله تبارك وتعالى : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ، ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ (٣) ـ : فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ : مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها : ٣٣ ـ ٤٩) (٤)

«وكان (٥) بيّنا فى حكم الله (عز وجل) : أن لا عدّة على المطلقة قبل أن تمسّ ، وأن المسيس [هو (٦)] الإصابة. [ولم أعلم خلافا فى هذا (٧)]».

وذكر الآيات فى العدة (٨) ، ثم قال : «فكان بيّنا فى حكم الله (عز وجل) من يوم يقع الطلاق ، وتكون الوفاة.».

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (٩) : «قال الله عز وجل : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ، وَيَذَرُونَ أَزْواجاً : وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ : مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ

__________________

(١) كذا بالأم. وفى الأصل : «فى هذا ... شبه» ؛ وهو تحريف.

(٢) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٩٧).

(٣) راجع فى مسئلة الطلاق قبل النكاح ، فتح الباري (ج ٩ ص ٣٠٦ ـ ٣١٢) : فهو مشتمل على أمور هامة ، تفيد فيما سبق (ص ٢١٩ ـ ٢٢٠).

(٤) راجع فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٢٤ ـ ٤٢٦) : ما روى عن ابن عباس وشريح ، فى هذا.

(٥) فى الأم : «فكان».

(٦) زيادة حسنة مفيدة ، عن الأم. وانظر فيها ما قاله بعد ذلك. وراجع ما تقدم (ص ٢٠٢ ـ ٢٠٣)

(٧) زيادة حسنة مفيدة ، عن الأم. وانظر فيها ما قاله بعد ذلك. وراجع ما تقدم (ص ٢٠٢ ـ ٢٠٣)

(٨) وهى ـ كما فى (ص ١٩٨) ـ : آيتا البقرة (٢٢٨ و ٢٣٤) ، وآية الطلاق (٤).

(٩) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٠٥). وقد ذكر بعضه فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٢٧).


 غَيْرَ إِخْراجٍ ؛ فَإِنْ (١) خَرَجْنَ : فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ. فِي أَنْفُسِهِنَّ : مِنْ مَعْرُوفٍ : ٢ ـ ٢٤٠)

«قال الشافعي : حفظت عن غير واحد ـ : من أهل العلم بالقرآن. ـ : أن هذه الآية نزلت قبل نزول آية (٢) المواريث ، وأنها منسوخة (٣)

«وكان بعضهم ، يذهب : إلى أنها نزلت مع الوصيّة للوالدين والأقربين ، وأنّ وصيّة المرأة محدودة بمتاع سنة ـ وذلك : نفقتها ، وكسوتها ، وسكنها (٤). ـ وأن قد حظر على أهل زوجها إخراجها ، ولم يحظر عليها أن تخرج (٥)

«قال : وكان مذهبهم : أن الوصيّة لها : بالمتاع إلى الحول والسّكنى ؛ منسوخة (٦)». يعنى : بآية المواريث (٧).

__________________

(١) فى الأم : «الآية».

(٢) فى الأم والسنن الكبرى : «آي».

(٣) فى الأم بعد ذلك ، كلام يفيد أنه قد وضح كلام من نقل عنهم. وراجع فى الرسالة (ص ١٣٨ ـ ١٣٩) كلامه المتعلق بهذا المقام.

(٤) ذكر فى الأم (ج ٤ ص ٢٨) : أنه لم يحفظ خلافا عن أحد فى ذلك. وانظر فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٣٠ و ٤٣٤ ـ ٤٣٥) ما يتعلق بهذا البحث.

(٥) قال فى الأم ، بعد ذلك : «ولم يحرج زوجها ولا وارثه ، بخروجها : إذا كان غير إخراج منهم لها ؛ ولا هى : لأنها إنما هي تاركة لحق لها.». وقد ذكره بأوسع وأوضح فى الأم (ج ٤ ص ٢٨) فراجعه.

(٦) قال فى الأم (ج ٤ ص ٢٨) : «حفظت عمن أرضى ... أن نفقة المتوفى عنها زوجها ، وكسوتها حولا : منسوخ بآية المواريث.». ثم ذكر الآية.

(٧) عبارة الأم هى : «بأن الله تعالى ورثها الربع : إن لم يكن لزوجها ولد ؛ والثمن : إن كان له ولد.»


«و [بيّن (١)] : أن الله (عز وجل) أثبت عليها عدة : أربعة أشهر

__________________

(١) هذه الزيادة عن الأم ، وبدونها قد يفهم : أن الناسخ للوصية بالمتاع ، آيتا الميراث والاعتداد بالأشهر. مع أنه آية الميراث فقط.

ولأوضح ذلك وأزيده فائدة ، أقول فى اختصار : إن الآية تضمنت أمرين : الوصية بالمتاع ، والاعتداد بالحول.

(أما الأول) : فلا خلاف (على ما أرجح) : فى أنه منسوخ ، وإنما الخلاف : فى أن الناسخ : آية الميراث ، أو حديث : «لا وصية لوارث». كما فى (الناسخ والمنسوخ) للنحاس (ص ٧٧). وهو خلاف لا أهمية له هنا. بل صرح الشافعي فى الأم ـ بعد ذلك ـ : بأنه لا يعلم خلافا فى أن الوصية بالمتاع منسوخة بالميراث. وصرح : بأنه الناسخ. ابن عباس وعطاء ، فيما روى عنهما : فى الناسخ والمنسوخ (ص ٧٣) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٢٧ و ٤٣١ و ٤٣٥).

وقد يعترض : بأن الخلاف قد وقع بينهم : فى لزوم سكنى المتوفى عنها. فنقول : انهم قد اتفقوا على أن كلا ـ : من النفقة والكسوة. ـ قد نسخ : فى الحول كله ، وفيما دونه. ولما كان السكنى قد ذكر مع النفقة ـ : بسبب أنه يصدق عليه اسم المتاع. ـ : جاز أن يكونوا قد اتفقوا على أنه منسوخ مطلقا أيضا ، وجاز : أن يكونوا قد اختلفوا : فى أنه منسوخ كذلك ، أو في الحول فقط. فعلي الفرض الثاني ، يكون لزوم السكنى ـ عند القائل به ـ ثابتا. بأصل الآية : وعلى الفرض الأول ، يكون ثابتا : بالقياس على المطلقة المعتدة ، الثابت سكناها بآية : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ : ٦٥ ـ ١) ، لأن المتوفى عنها فى معناها. أو بقول النبي للفريعة (أخت أبى سعيد الخدري) : «امكثى فى بيتك ، حتى يبلغ الكتاب أجله». أو : بهما معا. وحينئذ : فيكون الخلاف قد وقع فقط فى كون القياس والحديث يدلان على لزوم السكنى ، أم لا. وقد أشار الشافعي الى ذلك كله ، وبين أكثره فى الأم (ج ٤ ص ٢٨ وج ٥ ص ٢٠٨ ـ ٢٠٩).

(وأما الثاني) : فذهب الجمهور : إلى أنه منسوخ بآية الاعتداد بالأشهر. وهو المختار. وذهب بعضهم : الى أنه لا نسخ فى ذلك ، وانما هو نقصان من الحول. وذهب بعض آخر : الى أنه لا نسخ فيه ، ولا نقصان. وهما مذهبان فى غاية الضعف ، وقد بين ذلك أبو جعفر في الناسخ والمنسوخ (ص ٧٤ ـ ٧٦).


وعشرا ؛ ليس لها الخيار فى الخروج منها ، ولا النكاح قبلها (١). إلا : أن تكون حاملا ؛ فيكون أجلها : أن تضع حملها : [بعد أو قرب. ويسقط بوضع حملها : عدة أربعة أشهر وعشر (٢).]».

وله ـ فى سكنى المتوفّي عنها ـ قول آخر (٣) : «أن الاختيار لورثته (٤) : أن يسكنوها ؛ وإن (٥) لم يفعلوا (٦) : فقد ملكو المال دونه (٧).». وقد (٨) رويناه عن عطاء ، ورواه [الشافعي عن (٩)] الشّعبىّ [عن علىّ (١٠)].

__________________

(١) قال فى الأم ، بعد ذلك : «ودلت سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : على أن عليها أن تمكث فى بيت زوجها ، حتى يبلغ الكتاب أجله.».

(٢) زيادة حسنة مفيدة عن الأم ؛ وانظر ما قاله بعد ذلك : ففيه فوائد جمة. وانظر فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٢٨ ـ ٤٣٠) ما ورد فى ذلك : من الأحاديث والآثار.

ثم انظر ما رد به أبو جعفر النحاس ـ فى الناسخ والمنسوخ (ص ٧٤) ـ على من زعم : أن العدة آخر الأجلين. فهو فى غاية القوة والجودة.

(٣) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٠٩) ، والمختصر (ج ٥ ص ٣٠ ـ ٣١).

(٤) فى المختصر : «للورثة».

(٥) فى المختصر : «فإن». وهو أحسن.

(٦) فى الأم زيادة : «هذا».

(٧) قال فى الأم ، بعد ذلك : «ولم يكن لها السكنى حين كان ميتا لا يملك شيئا ؛ ولا سكنى لها : كما لا نفقة لها.». وانظر فى الأم (ج ٥ ص ٢٠٨) كلامه : فى الفرق بين المطلقة المعتدة والمتوفى عنها.

(٨) فى الأصل : «فإن». ولعله محرف عن نحو ما أثبتنا ، أو يكون فى الكلام حذف. فتأمل.

(٩) هذه الزيادة يتوقف عليها صحة الكلام وتوضيحه. وانظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٣٥ ـ ٤٣٦).

(١٠) هذه الزيادة يتوقف عليها صحة الكلام وتوضيحه. وانظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٣٥ ـ ٤٣٦).


(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (١) : «قال الله (عز وجل) فى المطلّقات : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ (٢) ، وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا : أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ : ٦٥ ـ ١).»

«قال الشافعي : والفاحشة (٣) : أن تبذو (٤) على أهل زوجها ، فيأتى من ذلك : ما يخاف (٥) الشقاق بينها وبينهم.»

«فإذا فعلت : حلّ لهم (٦) إخراجها ؛ وكان عليهم (٧) : أن ينزلوها منزلا غيره (٨).». وروي الشافعي معناه (٩) ـ بإسناده ـ عن ابن عباس (١٠).

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢١٧).

(٢) راجع فى الأم (ج ٥ ص ٢١٦ ـ ٢١٧) كلامه فى سكنى المطلقات : فهو مفيد جدا.

(٣) هذا إلى آخر الكلام ، غير موجود بالأم ؛ ونرجح أنه سقط من نسخها. ولم نعثر عليه فى مكان آخر من الأم وسائر كتب الشافعي.

(٤) في الأصل : «تبدوا» ؛ وهو تحريف

(٥) أي منه وبسببه. وكثيرا ما يحذف مثل هذا

(٦) أي : للأزواج المخاطبين فى الآية.

(٧) أي : للأزواج المخاطبين فى الآية.

(٨) قال فى الأم (ص ٢١٨) : «فاذا ابذت المرأة على أهل زوجها ، فجأء من بذائها ما يخاف تساعر بذاءة إلى تساعر الشر ـ : فلزوجها ، إن كان حاضرا : إخراج أهله عنها ؛ فإن لم يخرجهم : أخرجها إلى منزل غير منزله فحصنها فيه.» إلخ فراجعه فانه مفيد.

(٩) بلفظ : «الفاحشة المبينة : أن تبذو على أهل زوجها ، فإذا بذت : فقد حل إخراجها.». وانظر مسند الشافعي (بهامش الأم : ج ٦ ص ٢٢٠) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٣١ ـ ٤٣٢).

(١٠) ثم قال ـ كما فى الأم (ص ٢١٨) ، والسنن الكبرى (ص ٤٣٢) ـ : «وسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ فى حديث فاطمة بنت قيس ـ تدل : على أن ما تأول ابن عباس ، فى قول الله عز وجل : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ؛ هو : البذاء على أهل زوجها ؛ كما تأول إن شاء الله تعالى». وانظر الأم (ج ٥ ص ٩٨) ، والمختصر (ج ٥ ص ٢٧ ـ ٢٩). وراجع قصة فاطمة ، فى السنن الكبرى (ص ٤٣٢ ـ ٤٣٤) ، وفتح الباري (ج ٩ ص ٣٨٦ ـ ٣٩٠)


(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (١) : «قال الله عز وجل : (وَأُمَّهاتُكُمُ : اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ، وَأَخَواتُكُمْ : مِنَ الرَّضاعَةِ : ٤ ـ ٢٣)

«قال الشافعي : حرم (٢) الله (عز وجل) الأمّ (٣) والأخت : من الرّضاعة ؛ واحتمل تحريمهما (٤) معنين.»

«(أحدهما) ـ : إذ (٥) ذكر الله تحريم الأم والأخت من الرّضاعة ، فأقامهما (٦) : فى التحريم ، مقام الأم والأخت من النسب. ـ : أن تكون الرّضاعة كلّها ، تقوم مقام النسب : فما حرم بالنسب حرم بالرّضاعة مثله.»

«وبهذا ، نقول (٧) : بدلالة سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، والقياس على القرآن (٨)

«(والآخر) : أن يحرم (٩) من الرضاع الأمّ والأخت ، ولا يحرم سواهما.».

__________________

(١) كما فى الأم. (ج ٥ ص ٢٠).

(٢) فى الأم : «وحرم» ، وقبله كلام لم يذكر هنا ، فراجعه.

(٣) كذا بالأصل ؛ ولم يذكر فى الأم. ولعله سقط من الناسخ : إذ قد ذكر فيها (ص ١٣٢).

(٤) فى الأصل : «تحريمها» ، وفى الأم : «فاحتمل تحريمها». وكلاهما محرف. والتصحيح عن الأم (ص ١٣٢) ، وقد ذكر هناك المعنيين الآتيين بأوسع مما هنا.

(٥) كذا بالأم ، وهو الظاهر. وفى الأصل : «إذا».

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «فأقامها» ؛ وهو تحريف.

(٧) فى الأصل : «يقول» ؛ وهو خطأ وتحريف. والتصحيح عن الأم.

(٨) راجع ما تقدم (ص ١٨٢).

(٩) كذا بالأم ، وهو الظاهر المناسب : فتأمل. وفى الأصل : «تحرم».


ثم ذكر دلالة السنة ، لما اختار : من المعنى الأول (١).

قال الشافعي (٢) (رحمه الله) : «والرّضاع اسم جامع ، يقع : على المصّة ، وأكثر منها (٣) : إلى كمال إرضاع الحولين. ويقع (٤) : على كل رضاع : وإن كان بعد الحولين (٥)

«فاستدللنا (٦) : أن المراد بتحريم الرّضاع : بعض المرضعين (٧) ، دون بعض. لا (٨) : من لزمه اسم : رضاع.».

وجعل نظير ذلك : آية (٩) السارق والسارقة ، وآية (١٠) الزاني والزانية (١١) وذكر الحجة فى وقوع التحريم بخمس رضعات (١٢).

__________________

(١) أنظر الأم (ج ٥ ص ٢٠ ـ ٢١ و ١٣٣) ، والمختصر (ج ٥ ص ٤٨ ـ ٤٩).

(٢) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٣ ـ ٢٤) ، والمختصر (ج ٥ ص ٤٩ ـ ٥١)

(٣) هذا ليس بالمختصر.

(٤) فى المختصر : «وعلى».

(٥) فى المختصر ، بعد ذلك : «فوجب طلب الدلالة فى ذلك». وانظر الأم.

(٦) عبارة الأم (ص ٢٤) : «فهكذا استدللنا بسنة رسول الله» ، أي : بما ذكره قبل ذلك : من حديث عائشة ، وابن الزبير ، وسالم بن عبد الله.

(٧) كذا بالأم والمختصر. وفى الأصل : «الوصفين» ؛ وهو تحريف.

(٨) كذا بالأم. وفى الأصل : «ومن» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٩) سورة المائدة : (٣٨).

(١٠) سورة النور : (٢).

(١١) أنظر كلامه عن هذا ، فى الأم (ص ٢٤) ، والمختصر (ص ٥٠).

(١٢) أنظر الأم (ص ٢٣ ـ ٢٤) ، والمختصر (ص ٤٩ ـ ٥١). وأنظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٥٣ ـ ٤٥٧). وراجع بتأمل ما كتبه صاحب الجوهر النقي.


واحتجّ فى الحولين (١) بقول الله (عز وجل) : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ، لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ : ٢ ـ ٢٣٣).

[ثم قال (٢)] : «فجعل (عز وجل) تمام الرّضاعة : حولين [كاملين (٣)] ؛ وقال : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما ، وَتَشاوُرٍ : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما : ٢ ـ ٢٣٣) ؛ يعنى (والله أعلم) : قبل الحولين.»

«فدلّ إرخاصه (جل ثناؤه) ـ : فى فصال المولود ، عن تراضي والديه وتشاورهما ، قبل الحولين ـ : على أن ذلك إنما يكون : باجتماعهما على فصاله ، قبل الحولين (٤)

«وذلك لا يكون (والله أعلم) إلا بالنظر للمولود من والديه : أن يكونا يريان : فصاله (٥) قبل الحولين ، خيرا من إتمام الرّضاع له لعلة

__________________

(١) كما فى الأم (ص ٢٤ ـ ٢٥). وقد تعرض لذلك ، فى المختصر (ص ٥١ ـ ٥٢). وراجع فى هذا المقام ، السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٤٢ ـ ٤٤٣ و ٤٦٢ ـ ٤٦٣).

(٢) تبيينا للدلالة ، وتتميما لها. وهذه الزيادة حسنة منبهة.

(٣) زيادة جيدة ، عن الأم.

(٤) من قوله : فدل ، إلى هنا ـ قد ورد هكذا فى الأصل. وهو صحيح فى غاية الظهور. وعبارة الأم هى : «فدل على أن إرخاصه (عز وجل) : فى فصال الحولين ؛ على أن ذلك إنما يكون باجتماعهما على فصاله قبل الحولين». والظاهر : أن فيها زيادة ونقصا ؛ فتأمل.

(٥) فى الأم : «ان فصاله قبل الحولين خير له».


تكون به ، أو بمرضعه (١) ـ : وإنه لا يقبل رضاع غيرها. ـ وما (٢) أشبه هذا.»

«وما جعل الله (تعالى) له ، غاية ـ [فالحكم (٣)] بعد مضيّ الغاية ، فيه : غيره قبل مضيّها. قال (٤) الله عز وجل : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ : ٢ ـ ٢٢٨) ؛ فحكمهنّ (٥) ـ بعد مضىّ ثلاثة أقراء ـ : غير حكمهن (٦) فيها. وقال تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ : فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (٧) : ٤ ـ ١٠١) ؛ فكان لهم : أن يقصروا مسافرين ؛ وكان ـ فى شرط القصر لهم : بحال موصوفة. ـ دليل : على أن حكمهم فى غير تلك الصفة : غير القصر (٨)».

__________________

(١) فى الأم : «أو بمرضعته». وفى الأصل : «أو لمرضعه» ؛ وهو محرف عما أثبتناه وكلاهما صحيح على رأى الجمهور. ويتعين هنا ما فى الأم : على رأي الفراء وجماعة. أنظر المصباح (مادة : رضع).

(٢) فى الأم : «أو ما».

(٣) زيادة متعينة ، عن الأم. وعبارة المختصر (ص ٥٢) هى : «وما جعل له غاية ، فالحكم بعد مضى الغاية : خلاف الحكم قبل الغاية.».

(٤) كلام الأم هنا ، قد ورد على صورة سؤال وجواب ؛ وقد تأخر فيه هذا القول ، عن القول الآتي بعد.

(٥) عبارة الأم هى : «فكن إذا مضت الثلاثة الأقراء ، فحكمهن بعد مضيها غير» إلخ. وعبارة المختصر : «فإذا مضت الأقراء ، فحكمهن بعد مضيها خلاف» إلخ.

(٦) فى الأصل : «حكمين» ، وهو تحريف.

(٧) فى الأم زيادة : «الآية».

(٨) أنظر كلامه بعد ذلك ـ فى الأم (ص ٢٥) ـ عن حديث سالم ، وغيره ، فهو مفيد


(أنا) أبو عبد الله الحافظ (قراءء عليه) : نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (١) : «قال الله عز وجل : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ : مَثْنى (٢) ، وَثُلاثَ ، وَرُباعَ. فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا : فَواحِدَةً ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ. ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا : ٤ ـ ٣)

«قال : وقول (٣) الله عز وجل : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) ؛ يدل (والله أعلم) : على (٤) أن على الزوج (٥) ، نفقة امرأته (٦)

«وقوله : (ألّا تعولو) ؛ أي (٧) : لا يكثر من تعولوا (٨) ، إذا اقتصر

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٥ ص ٩٥).

(٢) فى الأم : «إلى تعولوا».

(٣) قال فى الأم (ج ٥ ص ٧٨) : «وفى قول الله فى النساء ... بيان : أن على الزوج مالا غنى بامرأته عنه : من نفقة وكسوة وسكنى.» إلخ. فراجعه : فإنه مفيد خصوصا فى مسئلة الإجارة الآتية قريبا. وراجع المختصر (ج ٥ ص ٦٧).

(٤) هذا غير موجود بالأم.

(٥) فى الأم : «الرجل».

(٦) قال فى الأم (ج ٥ ص ٦٦) ـ بعد أن ذكر نحو ذلك ـ : «ودلت عليه السنة» : من حديث هند بنت عتبة ، وغيره. وذكر نحو ذلك فى الأم (ص ٧٩). وراجع الأم (ص ٧٧ ـ ٧٨ و ٩٥).

(٧) كذا بالأصل والمختصر (ص ٦٦). ولا ذكر له فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٦٥). وعبارة الأم : «أن». والكل صحيح.

(٨) كذا بالأصل ، والسنن الكبرى ، والجوهر النقي. وفى الأم والمختصر : «تعولون». وما أثبتنا ـ وإن كان صحيحا ـ ليس ببعيد أن يكون محرفا. وقد روى فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٦٦) ـ عن أبى عمر صاحب ثعلب ـ أنه قال : «سمعت ثعلبا يقول ـ فى قول الشافعي : (ذلك أدنى أن لا تعولوا) أي : لا يكثر عيالكم. ـ قال : أحسن ؛ هو : لغة». وراجع ما كتبه على قول الشافعي هذا ، صاحب الجوهر النقي (ص ٤٦٥ ـ ٤٦٦) : ففيه فوائد جمة.


المرء على واحدة : وإن أباح له أكثر منها (١).».

(أنا) أبو الحسن بن بشران العدل ببغداد ، أنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد اللغوي (صاحب ثعلب) ـ فى كتاب : (ياقوتة الصراط) ؛ فى قوله عز وجل : (أَلَّا تَعُولُوا). ـ : «أي : أن لا تجوروا (٢) ؛ و (تعولوا) : تكثر عيالكم.».

وروينا عن زيد بن أسلم ـ فى هذه الآية ـ : «ذلك (٣) أدنى أن لا يكثر من تعولونه».

* * *

(أنبأنى) أبو عبد الله ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٤) (رحمه الله) : «قال الله (عز وجل) فى المطلّقات : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ (٥) : ٦٥ ـ ٦) ؛ وقال (٦) : (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ : فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ ، حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ : ٦٥ ـ ٦) (٧)

__________________

(١) أنظر ما قاله فى الأم بعد ذلك.

(٢) هذا تفسير باللازم. وفى الأصل : «تحوروا» ؛ وهو تحريف.

(٣) كذا بالسنن الكبرى (ص ٤٦٦). وفى الأصل : «وذلك». والظاهر أن الزيادة من الناسخ.

(٤) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢١٩) وقد ذكر بعضه فى المختصر (ج ٥ ص ٧٨) علي ما ستعرف.

(٥) راجع كلامه عن هذا ، فى الأم (ص ٢١٦ ـ ٢١٧).

(٦) كذا بالمختصر وفى الأصل : «الآية ، وقال». ولا معنى لهذه الزيادة كما هو ظاهر. وفى الأم : «الآية إلى فآتوهن أجورهن».

(٧) قال فى المختصر ، عقب ذلك : «فلما أوجب الله لها نفقة بالحمل ، دل : على أن لا نفقة لها بخلاف الحمل.».


«قال : فكان بيّنا (والله أعلم) ـ فى هذه الآية ـ : أنها فى المطلّقة (١) : لا يملك زوجها رجعتها ؛ من قبل : أن الله (عز وجل) لما أمر بالسّكنى : عامّا ؛ ثم قال فى النفقة : (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ : فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ ، حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) ـ دلّ ذلك (٢) : على أن الصّنف الذي أمر بالنفقة على ذوات الأحمال منهن ، صنف : دلّ الكتاب : على (٣) أن لا نفقة على غير ذوات الأحمال منهن. لأنه إذا وجب لمطلّقة : بصفة (٤) : نفقة ـ : ففى ذلك ، دليل : على أنه لا يجب (٥) نفقة لمن كانت (٦) فى غير صفتها : من المطلّقات.»

«ولمّا (٧) لم أعلم مخالفا ـ : من أهل العلم. ـ فى أن المطلّقة : التي يملك (٨) زوجها رجعتها ؛ فى معانى الأزواج (٩) ـ : كانت (١٠) الآية على غيرها : من المطلّقات (١١).» وأطال الكلام فى شرحه ، والحجّة فيه (١٢).

__________________

(١) فى الأم زيادة : «التي». وهو أحسن.

(٢) هذا غير موجود بالأم.

(٣) كذا بالأم. وفى الأصل : «على النفقة» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٤) كذا بالأم. وفى الأصل : «نصف» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٥) فى الأم : «تجب».

(٦) فى الأم : «كان» ؛ وهو صحيح أيضا.

(٧) فى الأم : «فلما» وعبارة المختصر : «ولا أعلم خلافا : أن التي يملك رجعتها ، فى معانى الأزواج».

(٨) كذا بالأم. وفى الأصل : «تملك» ؛ ولعله محرف.

(٩) قال فى المختصر والأم ـ بعد ذلك ـ : «فى أن عليه نفقتها وسكناها ، وأن طلاقه وإيلاءه وظهاره ولعانه يقع عليها ، وأنها ترثه ويرثها».

(١٠) فى المختصر : «فكانت».

(١١) قال فى الأم ، بعد ذلك : «ولم يكن من المطلقات واحدة تخالفها ، إلا : مطلقة لا يملك الزوج رجعتها.»

(١٢) أنظر الأم (ص ٢١٩ ـ ٢٢٠) ، والمختصر (ص ٧٨ ـ ٧٩). وراجع فى ذلك السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٧١ ـ ٤٧٥).


(أنا) أبو سعيد بن أبي عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (١) (رحمه الله) : «قال الله تبارك وتعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ : لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ ؛ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ : رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (٢) : ٢ ـ ٢٣٣) ؛ وقال تبارك وتعالى : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ : فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ، وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ. وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ : فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٣) : ٦٥ ـ ٦).»

«قال (٤) الشافعي (٥) : ففى كتاب الله (عز وجل) ، ثم فى سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ بيان : أن الإجارات (٦) جائزة : على ما يعرف الناس (٧). إذ قال الله : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ : فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) ؛ والرّضاع يختلف : فيكون صبىّ أكثر رضاعا من صبى ، وتكون امرأة أكثر لبنا من امرأة ؛ ويختلف لبنها. فيقلّ (٨) ويكثر.»

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٥ ص ٨٩ ـ ٩٠).

(٢) ذكر فى الأم الآية كلها.

(٣) ذكر فى الأم الآية التالية أيضا.

(٤) كذا بالأم. وفى الأصل : «وقال» ؛ والزيادة من الناسخ على ما يظهر.

(٥) بعد أن ذكر (ص ٨٩ ـ ٩٠) حديث هند أم معاوية المشهور ، الذي روته عائشة. وراجع الأم (ص ٧٧ ـ ٧٨ و ٩٥) ، والمختصر (ج ٥ ص ٦٦ ـ ٦٧) ، ومسند الشافعي (بهامش الأم : ج ٦ ص ٢١٩ و ٢٣١) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٧٧).

(٦) فى الأم : «الإجارة».

(٧) راجع كلامه فى الرسالة (ص ٥١٧ ـ ٥١٨) : فهو مفيد هنا.

(٨) كذا بالأم. وفى الأصل : «فقيل» ، وهو تحريف. وراجع كلامه المتعلق بهذا : فى الأم (ج ٣ ص ٢٥٠).


«فتجوز الإجارات (١) على هذا : لأنه لا يوجد فيه أقرب مما يحيط العلم به : من هذا وتجوز (٢) الإجارات على خدمة العبد : قياسا على هذا ؛ وتجوز فى غيره ـ : مما يعرف الناس. ـ : قياسا على هذا.»

«قال : وبيان (٣) : أن على الوالد : نفقة الولد ؛ دون أمه : متزوجة ، أو مطلّقة.»

«وفى هذا ، دلالة : [على (٤)] أن النفقة ليست على الميراث ؛ وذلك : أن الأم وارثة ، وفرض النفقة والرّضاع على الأب ، دونها. قال (٥) ابن عباس ـ فى قول الله عز وجل : (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ : ٢ ـ ٢٣٣). ـ : من أن لا تضارّ والدة بولدها (٦) ؛ لا (٧) : أن عليها الرضاع.».

وبهذا الإسناد فى (الإملاء) : قال الشافعي : «ولا يلزم المرأة رضاع

__________________

(١) فى الأم : «الإجارة».

(٢) فى الأصل : «ويجوز» ؛ ولعله محرف عما أثبتناه. وفى الأم : «فتجوز» ؛ وهو أحسن.

(٣) كذا بالأم. وهو معطوف على قوله السابق : «وبيان». وعبارة الأصل : «وبيان على» ؛ ولعل الزيادة من الناسخ

(٤) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٥) كذا بالأم ، وهو الظاهر. وفى الأصل : «وقال».

(٦) قد ذكر هذا الأثر أيضا ، فى الأم (ج ٥ ص ٩٥) : خلال مناظرة قوية بينه وبين بعض الحنفية ؛ فراجعها وراجع رده (ص ٩٤) على أثر عمر الذي تمسك به الخصم ؛ وراجع ذلك أيضا وما روى عن مجاهد : فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٧٨) ، ثم تأمل ما ذكره صاحب الجوهر النقي.

(٧) نجوز : أن هذا تفسير من الشافعي لكلام ابن عباس.


ولدها : كانت عند زوجها ، أو لم تكن. إلا : إن شاءت (١). وسواء : كانت شريفة ، أو دنيّة ، أو موسرة ، أو معسرة. لقول الله عز وجل : (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ : فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى : ٦٥ ـ ٦).».

وزاد الشافعي على هذا ـ فى كتاب الإجارة (٢) ـ فقال :

«وقد ذكر الله (تعالى) الإجارة في كتابه ، وعمل بها بعض أنبيائه ؛ قال الله تعالى : (قالَتْ إِحْداهُما : يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ : الْقَوِيُّ الْأَمِينُ). الآية (٣).)

«فذكر (٤) الله (عز وجل) : أن نبيا من أنبيائه (صلى الله عليه وسلم) أجّر (٥) نفسه : حججا مسمّاة ، يملك (٦) بها بضع امرأة (٧)

«فدلّ : على تجويز الإجارة ، وعلى أن (٨) لا بأس بها على الحجج : إذا (٩) كان على الحجج استأجره. [وإن كان استأجره على غير حجج : فهو تجويز الإجارة بكل حال (١٠)].» «وقد قيل : استأجره على أن يرعى له ؛ والله أعلم.».

__________________

(١) فى الأصل : «شاء». والصحيح ما أثبتنا. أي : إلى إن تبرعت. والاستثناء منقطع

(٢) من الأم (ج ٣ ص ٢٥٠).

(٣) ذكر فى الأم إلى (حجج) ثم قال : الآية. وتمام المتروك : (قالَ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ : عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ؛ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً : فَمِنْ عِنْدِكَ ؛ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ، سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ : ٢٨ ـ ٢٧).

(٤) فى الأم : «قد ذكر». وما فى الأصل أظهر.

(٥) فى الأم : «آجر».

(٦) فى الأم : «ملكه». وكلاهما صحيح.

(٧) قد تعرض لهذا الموضوع أيضا : فى الأم (ج ٥ ص ١٤٤) فراجعه.

(٨) فى الأصل : «الارباس» ؛ وهو محرف عما ذكرنا. وفى الأم. «أنه لا بأس».

(٩) فى الأم : «إن»

(١٠) زيادة مفيدة ، عن الأم.


 «ما يؤثر عنه فى الجراح ، وغيره»

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصمّ ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، قال (١) : «قال الله (عز وجل) لنبيه صلى الله عليه وسلم : (قُلْ : تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ : أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ؛ وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ : مِنْ إِمْلاقٍ (٢) ؛ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ الآية : ٦ ـ ١٥١) ؛ وقال : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ : ٨١ ـ ٨ ـ ٩) ؛ وقال : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، قَتْلَ أَوْلادِهِمْ ، شُرَكاؤُهُمْ : ٦ ـ ١٣٧)

«قال الشافعي : كان بعض العرب يقتل الإناث ـ : من ولده. ـ صغارا (٣) : خوف العيلة عليهم (٤) ، والعار بهن (٥). فلما نهى الله (عز وجل) عن ذلك ـ :

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٦ ص ٢).

(٢) راجع فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ١٨) ما ورد فى ذلك : من السنة.

(٣) يقال : إن أول من وأد البنات قيس بن عاصم التميمي. كما ذكر فى فتح الباري (ج ١٠ ص ٣١٣) ؛ فراجع قصة قيس فيه. وراجع فى هذا المقام ، بلوغ الأرب (ج ١ ص ١٤٠ وج ٣ ص ٤٢ ـ ٥٣).

(٤) أي : على الآباء.

(٥) كذا بالأصل ؛ أي : بسبب البنات. وفى الأم : «بهم». أي بالآباء ، فالباء ليست للسببية. والمؤدى واحد.


من أولاد المشركين. ـ : دلّ ذلك (١) : على تثبيت النهى عن قتل أطفال المشركين : فى دار الحرب (٢) وكذلك : دلّت (٣) عليه السنة ، مع ما دلّ عليه الكتاب : من تحريم القتل بغير حقّ (٤)

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (٥) (رحمه الله) ـ فى قول الله عز وجل : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً : فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ؛ فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ : ١٧ ـ ٣٣). قال : «لا يقتل غير قاتله (٦) ؛ وهذا يشبه ما قيل (والله أعلم) : قال الله عز وجل : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى : ٢ ـ ١٧٨) ؛ فالقصاص إنما يكون (٧) : ممن فعل ما فيه القصاص ؛ لا : ممن لا يفعله.»

__________________

(١) هذا اللفظ غير موجود فى الأم.

(٢) راجع كلام الشافعي فى الرسالة (ص ٢٩٧ ـ ٣٠٠) : فهو مفيد فى الموضوع.

(٣) فى الأصل : «دلت صفة السنة مما». وهو خطأ وتحريف. والتصحيح عن الأم.

(٤) ثم ذكر قوله تعالى : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ : ٦ ـ ١٤٠) ؛ وقول النبي لابن مسعود ـ وقد سأله عن أكبر الكبائر ـ : «... أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك». وانظر فتح الباري (ج ١٠ ص ٣٤٤ وج ١٢ ص ٩٣ ـ ٩٥ و ١٥٢ وج ١٣ ص ٣٨١ ـ ٣٨٢).

(٥) كما فى الأم (ج ٦ ص ٣) وقد ذكر فيها الآية الآتية ، ثم قال : «قال الشافعي فى قوله : (فلا يسرف فى القتل).» إلخ.

(٦) قد ذكر هذا أيضا فى الأم (ج ٦ ص ٨) والسنن الكبرى (ج ٨ ص ٢٥) معزوا إلى غيره ، بدون تعيينه. ثم رواه فى السنن بمعناه : عن زيد بن أسلم ؛ فراجعه هو وأثر ابن عباس فى ذلك.

(٧) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «لكونهن» ؛ وهو خطأ وتحريف.


«فأحكم الله (عز وجل) فرض القصاص : فى كتابه ؛ وأبانت السنة : لمن هو؟ وعلى من هو؟». (١).

* * *

(أنا) أبو عبد الله ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (٢) : «من العلم العامّ الذي لا اختلاف فيه بين أحد لقيته : فحدّثنيه (٣) ، وبلغني عنه ـ : من علماء العرب. ـ : أنها كانت قبل نزول الوحى على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : تباين فى الفضل ، ويكون بينها ما يكون بين الجيران : من قتل العمد والخطإ.»

«وكان (٤) بعضها : يعرف لبعض الفضل فى الدّيات ، حتى تكون دية الرجل الشريف : أضعاف دية الرجل دونه.»

«فأخذ بذلك بعض من بين أظهرها ـ من غيرها (٥). ـ : بأقصد (٦) مما كانت تأخذ به ؛ فكانت دية النّضيرىّ : ضعف (٧) دية القرظىّ (٨)

__________________

(١) انظر ما ذكره بعد ذلك : من السنة (ص ٣ ـ ٤).

(٢) كما فى الأم (ج ٦ ص ٧).

(٣) كذا بالأم ، وهو الأحسن. وفى الأصل : «فحدثنى».

(٤) فى الأم : «فكان».

(٥) كيهود بنى النضير.

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «ناقصة» ؛ والظاهر أنه محرف.

(٧) كذا بالأم. وفى الأصل : «ضعفى» ؛ وهو وإن كان لا يتعارض مع ما تقدم ، إلا أننا نجوز أنه محرف عما فى الأم.

(٨) راجع فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ٢٥) : حديث ابن عباس ، المتعلق بذلك. فهو مفيد.


«وكان الشريف من العرب : إذا قتل يجاوز (١) قاتله ، إلى من لم يقتله : من أشراف القبيلة التي قتله أحدها (٢) وربما لم يرضوا : إلا بعدد يقتلونهم.»

«فقتل بعض غنىّ (٣) شأس بن زهير [العبسىّ] : فجمع عليهم أبوه (٤) زهير بن جذيمة ؛ فقالوا له (٥) ـ أو بعض من ندب عنهم ـ : سل فى قتل شأس ؛ فقال : إحدي ثلاث لا يرضينى غيرها ؛ فقالوا (٦) : ما هى؟ فقال (٧) : تحيون لى شأسا ، أو تملأون ردائى من نجوم السماء ، أو تدفعون لى غنيّا بأسرها : فأقتلها ، ثم لا أرى : أنى أخذت [منه (٨)] عوضا.»

«وقتل كليب وائل : فاقتتلوا دهرا طويلا ، واعتزلهم (٩) بعضهم (١٠)

__________________

(١) كذا بالأم. وفى الأصل : «فجاوز» ؛ وهو تحريف.

(٢) راجع فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ٢٥) : أثر زيد بن أسلم فى ذلك.

(٣) يقال له : رياح بن الأشل الغنوي ـ كما فى تاريخ ابن الأثير ، وشرح القاموس ـ أو ابن الأسك كما فى الأغانى. وفى العقد الفريد : ابن الأسل. وهو محرف عن أحد ما ذكرنا.

(٤) كذا بالأم. وفى الأصل : «أبو ماهر بن خزيمة». وهو تحريف.

(٥) فى الأصل زيادة : «سل». وهى من الناسخ.

(٦) فى الأم : «قالوا».

(٧) فى الأم : «قال».

(٨) زيادة حسنة عن ، الأم. وراجع فى ذلك وما جر إليه : من مقتل زهير ؛ الأغانى (ط. الساسى : ج ١٠ ص ٨ ـ ١٦) ، والعقد الفريد (ط. اللجنة : ج ٥ ص ١٣٣ ـ ١٣٧ وتاريخ ابن الأثير (ط. بولاق : ج ١ ص ٢٢٩ ـ ٢٣١) ، وأيام العرب فى الجاهلية (ص ٢٣٠ ـ ٢٤١).

(٩) كذ بالأم. وفى الأصل : «وأعد لهم» ؛ وهو تحريف.

(١٠) هو الحارث بن عباد البكري صاحب النعامة ، وقد قال : لا ناقة لى فيها ولا جمل.


فأصابوا ابنا له ـ يقال (١) له : بجير. ـ : فأتاهم ، فقال : قد عرفتم عزلتى ، فبجير (٢) بكليب ـ وهو (٣) أعزّ العرب ـ [وكفّوا عن الحرب (٤)]. فقالوا : بجير (٥) بشسع [نعل (٦)] كليب. فقاتلهم (٧) : وكان معتزلا.»

«قال : وقال (٨) : إنه نزل فى ذلك [وغيره (٩)] ـ : مما (١٠) كانوا يحكمون به فى الجاهلية. ـ هذا الحكم الذي أحكيه [كلّه (١١)] بعد هذا ؛ وحكم الله بالعدل : فسوّى فى الحكم بين عباده : الشريف منهم ، والوضيع : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ؟! وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ : ٥ ـ ٥٠)

«فقال (١٢) : إن الإسلام نزل : وبعض العرب يطلب بعضا بدماء

__________________

(١) كذا بالأم. وفى الأصل : «فقال له غير قاتلهم». وهو تحريف شنيع

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : «فتحير» ، وهو تحريف

(٣) هذه الجملة كلها غير موجودة بالأم.

(٤) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٥) فى الأصل : «بحر سسع» ؛ وهو تحريف. والتصحيح عن الأم.

(٦) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٧) وهو مغضب ، بعد أن ارتجل لا ميته الجيدة المشهورة ، التي يقول فيها : قربا مربط النعامة منى* إن قتل الكريم بالشسع غالى وقد ألحق بتغلب هزيمة منكرة ، وأنزل بهم خسارة فادحة. فراجع ذلك كله بالتفصيل : فى أمالى القالي (ج ٣ ص ٢٥ ـ ٢٦) ، والأغانى (ج ٤ ص ١٣٩ ـ ١٤٥) ، والعقد الفريد (ج ٥ ص ٢١٣ ـ ٢٢١) ، وأيام العرب فى الجاهلية (ص ١٤٢ ـ ١٦٤) ، وأخبار المراقسة وأشعارهم (ص ٢٢ ـ ٤١) وتاريخ ابن الأثير (ج ١ ص ٢١٤ ـ ٢٢١).

(٨) كذا بالأم ، وهو الظاهر. أي : من أخبر بما تقدم. وفى الأصل : «فيقال»

(٩) زيادة حسنة ، عن الأم.

(١٠) كذا بالأم. وفى الأصل : «بما» ، وهو تحريف.

(١١) زيادة حسنة ، عن الأم.

(١٢) كذا بالأم ، وهو الظاهر. أي : من أخبر بما تقدم. وفى الأصل : «فيقال»


وجراح ؛ فنزل فيهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى : الْحُرُّ بِالْحُرِّ ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ، وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى (١) الآية (٢) : ٢ ـ ١٧٨).».

قال (٣) : «وكان بدء ذلك فى حيّين (٤) ـ : من العرب ـ : اقتتلوا قبل الإسلام بقليل ؛ وكان لأحد الحيّين فضل على الآخر : فأقسموا بالله : ليقتلنّ بالأنثى الذكر ، وبالعبد منهم الحرّ. فلما نزلت هذه الآية : رضوا وسلموا.»

«قال الشافعي : وما (٥) أشبه ما قالوا من هذا ، بما قالوا ـ : لأن الله (عز وجل) إنما ألزم كلّ مذنب ذنبه ، ولم يجعل جرم أحد على غيره : فقال : (الحرّ بالحرّ) : إذا كان (والله أعلم) قاتلا له ؛ (والعبد بالعبد) : إذا كان قاتلا له ؛ (والأنثى بالأنثى) : إذا كانت قاتلة لها. لا : أن يقتل

__________________

(١) راجع الخلاف فيمن نزلت فيه هذه الآية : فى تفسير الطبري (ج ٢ ص ٦٠ ـ ٦٢) فهو مفيد جدا. وانظر ما روى عن مقاتل وابن عباس : فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ٢٦ و ٤٠).

(٢) ذكر فى الأم إلى قوله : (ورحمة) ؛ ثم قال : «الآية والآية التي بعدها».

(٣) كما فى الأم (ج ٦ ص ٢١) ، وقد روى مختصرا عن الشعبي : في أسباب النزول للواحدى (ص ٣٣) ، وروى مطولا عن مقاتل بن حيان : فى السنن الكبرى (ص ٢٦).

(٤) صرح أبو مالك ـ على ما رواه السدى عنه ، كما فى تفسير الطبري : ص ٦١ ـ : بأنهما من الأنصار. فالظاهر : أنهما الأوس والخزرج.

(٥) هذا إلى الحديث الآتي : قد ذكر مختصرا في السنن الكبرى (ص ٢٦).


بأحد ـ : ممن [لم (١)] يقتله. ـ : لفضل المقتول على القاتل (٢). وقد جاء عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : «أعدي (٣) الناس على الله (عز وجل) : من قتل غير قاتله.»

«وما وصفت (٤) ـ : من أن (٥) لم أعلم مخالفا : فى أن يقتل الرجل بالمرأة (٦). ـ دليل (٧) : أن لو كانت هذه الآية [غير (٨)] خاصة ـ كما قال من وصفت قوله : من أهل التفسير. ـ : لم يقتل ذكر بأنثى.».

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ، نا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (٩) : «قال الله تبارك وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) (١٠)

«فكان ظاهر الآية (والله أعلم) : أن القصاص إنما كتب على

__________________

(١) زيادة متعينة ، عن الأم.

(٢) راجع كلامه المتعلق بهذا ، فى الأم (ج ٦ ص ٨) : ففيه زيادة مفيدة فيما سيأتى.

(٣) كذا بالأصل ، والأم (ص ٣) ، وبعض الروايات فى السنن الكبرى (ص ٢٦). وفى الأم (ص ٢١) وبعض الروايات فى السنن الكبرى : «أعتى».

(٤) أي : قبيل ما تقدم : مما ذكر فى الأم ، ولم يذكر بالأصل. وراجع كلامه في الأم (ص ١٨ ـ ١٩)

(٥) فى الأم : «أنى».

(٦) راجع فى السنن الكبرى (ص ٢٧ ـ ٢٨) : ما روى فى ذلك عن الزهري ، وابن المسيب ، وغيرهما. وراجع فى فتح الباري (ج ١٢ ص ١٦٠) : كلام ابن عبد البر ، فهو مفيد.

(٧) فى الأم زيادة : «على».

(٨) زيادة متعينة ، عن الأم.

(٩) كما في الأم (ج ٦ ص ٣٢ ـ ٣٣).

(١٠) فى الأم زيادة : «الآية».


البالغين (١) المكتوب عليهم القصاص ـ : لأنهم المخاطبون بالفرائض. ـ : إذا قتلوا (٢) المؤمنين. بابتداء (٣) الآية ، وقوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ : ٢ ـ ١٧٨) ؛ لأنه (٤) جعل الأخوّة بين المؤمنين (٥) ، فقال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ : ٤٩ ـ ١٠) ؛ وقطع ذلك بين المؤمنين والكافرين».

«قال : ودلّت سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : على مثل ظاهر الآية (٦).».

[قال الشافعي (٧)] : «قال الله (جل ثناؤه) فى أهل التوراة [: (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها : أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ الآية : ٥ ـ ٤٥).] (٨)»

«[قال : ولا يجوز (والله أعلم) فى حكم الله (تبارك وتعالى) بين أهل التوراة (٩)] ـ : أن كان حكما بيّنا. ـ إلا : ما جاز فى قوله : (وَمَنْ

__________________

(١) قال ـ كما فى المختصر (ج ٥ ص ٩٧) ـ : ولا يقتص إلا من بالغ ؛ وهو : من احتلم من الذكور ، أو حاض من النساء ، أو بلغ أيهما كان خمس عشرة سنة.».

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : «اقتتلوا» ؛ وهو تحريف.

(٣) كذا بالأم. وفى الأصل : «تأييد» ؛ وهو تحريف.

(٤) كذا بالأم. وفى الأصل : «الآية» ؛ ويغلب على الظن أنه تحريف.

(٥) راجع كلام صاحب الجوهر النقي (ج ٨ ص ٢٨ ـ ٢٩) وتأمله.

(٦) انظر ما ذكره فى الأم ـ بعد ذلك ـ : من السنة التي تدل على عدم قتل المؤمن بالكافر. وراجع المختصر (ج ٥ ص ٩٣ ـ ٩٥) ، والمناقشات القيمة حول هذا الموضوع : فى اختلاف الحديث (ص ٣٨٩ ـ ٣٩٩) ، فهى معينة على فهم الكلام الآتي. وراجع فتح الباري (ج ١٢ ص ٢١٢ ـ ٢١٤).

(٧) كما فى الأم (ج ٦ ص ٢١). وقد زدنا هذا : لأن ما سيأتى وإن كان مرتبطا بالبحث السابق ، إلا أنه فى الواقع انتقال إلى بحث آخر ، وهو : عدم قتل الحر بالعبد.

(٨) زيادة متعينة عن الأم ، ونقطع بأنها سقطت من الناسخ.

(٩) زيادة متعينة عن الأم ، ونقطع بأنها سقطت من الناسخ.


قُتِلَ مَظْلُوماً : فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ (١) سُلْطاناً ؛ فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ : ١٧ ـ ٣٣)

«ولا يجوز فيها إلا : أن يكون (٢) : كلّ نفس محرّمة القتل : فعلى من قتلها القود. فيلزم من (٣) هذا : أن يقتل المؤمن : بالكافر المعاهد ، والمستأمن ؛ والمرأة والصبىّ (٤) : من أهل الحرب ؛ [والرجل : بعبده وعبد غيره : مسلما كان ، أو كافرا (٥)] ؛ والرجل : بولده إذا قتله.»

«أو : يكون قول الله عز وجل : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً) : ممن دمه مكافىء (٦) دم من قتله ؛ وكلّ (٧) نفس : كانت تقاد بنفس : بدلالة كتاب الله ، أو سنة ، أو إجماع. كما كان قول الله عز وجل : (وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) :

__________________

(١) راجع كلامه المتعلق بولي المقتول : فى الأم (ج ٧ ص ٢٩٥) ، فهو فى غاية الأهمية.

(٢) فى الأم : «تكون».

(٣) فى الأم : «فى» ؛ وما فى الأصل أحسن.

(٤) فى الأم تقديم وتأخير.

(٥) الزيادة عن الأم. وهى المقصودة بالبحث ؛ ونرجح أنها سقطت من الناسخ.

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «مطاف» ؛ ولعله محرف عن «مكاف» بالتسهيل. وقال فى المختصر (ج ٥ ص ٩٣) : «وإذا تكافأ الدمان من الأحرار المسلمين ، أو العبيد المسلمين ، أو الأحرار من المعاهدين ، أو العبيد منهم ـ : قتل من كل صنف مكافىء دمه منهم : الذكر إذا قتل : بالذكر وبالأنثى ؛ والأنثى إذا قتلت : بالأنثى وبالذكر.».

(٧) أي : كل نفس ثبت ـ بدليل شرعى آخر ـ : أنها تقتل إذا قتلت غيرها. وهذا بيان للمعنى المراد من النفس القاتلة ـ فى آية التوراة ـ على الاحتمال الثاني. ثم إن الآية الثانية مخصصة للأولى على كلا الاحتمالين : وإن كان التخصيص أوسع على الاحتمال الثاني. فتنبه.


إذا كانت قاتلة خاصة ؛ لا : أن ذكرا [لا (١)] يقتل بأنثى.»

«وهذا أولى معانيه به (والله أعلم) : لأن عليه دلائل ، منها : قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : «لا يقتل مؤمن بكافر (٢)» ؛ والإجماع (٣) : على أن لا يقتل المرء بابنه : إذا قتله ؛ والإجماع : على أن لا يقتل الرجل : بعبده ، ولا بمستأمن : من أهل [دار (٤)] الحرب ؛ ولا بامرأة : من أهل [دار (٥)] الحرب ؛ ولا صبىّ.»

«قال : وكذلك : ولا يقتل الرجل الحرّ : بالعبد ، بحال. (٦)».

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، وأبو زكريا بن أبى إسحاق ؛ قالا : نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (٧) : «أنا معاذ (٨) بن موسى ، عن بكير (٩)

__________________

(١) زيادة متعينة ، عن الأم.

(٢) راجع هذا الحديث : فى اختلاف الحديث (ص ٣٨٨ ـ ٣٨٩) ، وفتح الباري (ج ١ ص ١٤٦ ـ ١٤٧ وج ١٢ ص ٢١٢) ، والسنن الكبرى (ج ٨ ص ٢٨ ـ ٣٠ وج ٩ ص ٢٢٦) ؛ ثم راجع فيها (ج ٨ ص ٣٠ ـ ٣٤) ما يعارضه.

(٣) كذا بالأم. وفى الأصل : «وبالإجماع» ؛ والزيادة من الناسخ.

(٤) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٥) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٦) ثم قال : «ولو قتل حر ذمى عبدا مؤمنا : لم يقتل به» ؛ ثم بين ما يجب فى قتل الحر العبد عمدا وخطأ. فراجعه. وراجع ـ فيما تقدم ـ كلامه فى المختصر (ج ص ٩٥ ـ ٩٦) : ففيه مزيد فائدة. وراجع فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ٣٤ ـ ٣٥) : ما ورد في ذلك ؛ وراجع كلام صاحب الجوهر النقي.

(٧) كما فى الأم (ج ٦ ص ٧) ، والسنن الكبرى (ج ٨ ص ٥١). وقد أخرجه فى السنن أيضا من طريق آخر عن مقاتل : بلفظ مختلف ، وزيادة نافعة. فراجعه.

(٨) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : «معاد». وهو تحريف.

(٩) فى الأصل : «بكر» ؛ وهو خطأ وتحريف. والتصحيح عن الأم والسنن الكبرى.


ابن معروف ، عن مقاتل بن حيّان ؛ قال [معاذ (١)] : قال مقاتل : أخذت هذا التفسير عن نفر ـ حفظ معاذ منهم : مجاهدا ، والحسن ، والضّحاك ابن مزاحم. ـ (٢) فى قوله عز وجل (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ : فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ ، وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) ؛ إلى آخر الآية : (٢ ـ ١٧٨).»

«قال : كان كتب على أهل التوراة (٣) : من قتل نفسا بغير نفس ، حقّ (٤) : أن يقاد بها ؛ ولا يعفى عنه ، ولا يقبل (٥) منه الدية. وفرض على أهل الإنجيل : أن يعفى عنه ، ولا يقتل. ورخّص لأمة محمد (صلى الله عليه وسلم) : إن شاء (٦) قتل ، وإن شاء أخذ الدّية ، وإن شاء عفى. فذلك : قوله عز وجل : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) ؛ يقول : الدّية تخفيف من الله : إذ جعل الدية ، ولا يقتل. ثم قال : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ : فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) ؛ يقول : فمن (٧) قتل بعد أخذ (٨) الدّية (٩) : فله عذاب أليم.»

__________________

(١) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٢) فى الأم زيادة : «قال».

(٣) فى الأم زيادة : «أنه».

(٤) فى الأم زيادة : «له» ، والحذف أولى.

(٥) فى الأم : «تقبل».

(٦) أي : الولي.

(٧) فى السنن الكبرى : «من».

(٨) فى الأم : «أخذه» ؛ ولا فرق : إذا المحذوف مقدر.

(٩) قد روى نحو هذا عن مجاهد وعطاء : فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ٥٣).


«وقال (١) ـ فى قوله عز وجل : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (٢) : ٢ ـ ١٧٩). ـ : يقول : لكم فى القصاص ، حياة ينتهى بها (٣) بعضكم عن بعض ، أن يصيب : مخافة أن يقتل.».

(وأخبرنا (٤)) أبو عبد الله ، وأبو زكريّا ؛ قالا : أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (٥) : «أنا ابن عيينة ، أنا (٦) عمرو بن دينار ، قال : سمعت مجاهدا ، يقول : سمعت ابن عباس ، يقول : كان (٧) فى بنى إسرائيل القصاص ، ولم يكن (٨) فيهم الدّية ؛ فقال الله (عز وجل) لهذه الأمة : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى : (٩) الْحُرُّ بِالْحُرِّ ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ، وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى. فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) (١٠) ؛ فإن (١١) العفو : أن يقبل (١٢)

__________________

(١) أي : مقاتل.

(٢) ذكر فى الأم إلى آخر الآية.

(٣) هذا غير موجود بالأم. وزيادته أولى.

(٤) أخرجه فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ٥١ ـ ٥٢) عن يحيى بن ابراهيم بن محمد ابن يحيي المزكى ، عن أبى العباس إلى آخر السند. وأخرجه عن ابن عباس أيضا من طريق آخر عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عنه : بلفظ مختلف فيه اختصار ، وفيه زيادة. وأخرجه البخاري مزيدا ـ فى التفسير ـ : من طريق الحميدي عن سفيان وفى الديات : من طريق قتيبة بن سعيد عنه. انظر فتح الباري (ج ٨ ص ١٢٣ وج ١٢ ص ١٦٨).

(٥) كما فى الأم (ج ٦ ص ٧).

(٦) فى الأم : «حدثنا».

(٧) رواية البخاري فى الديات : «كانت» ؛ وانظر ما كتبه فى الفتح على ذلك.

(٨) رواية الأم والبخاري : «تكن».

(٩) فى رواية البخاري ـ فى الديات ـ بعد ذلك : «إلى هذه الآية ؛ فمن عفى ...» ؛ وانظر تعليق ابن حجر على ذلك.

(١٠) فى الأصل زيادة : «الآية» ؛ ولعلها من الناسخ.

(١١) كذا بالأصل. وفى السنن الكبرى ، ورواية البخاري ـ فى الديات ـ : «قال». ورواية البخاري الأخرى : «فالعفو».

(١٢) فى الأم : «تقبل».


الدّية فى العمد ؛ [(فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ ، وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ (١). ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ)] (٢) : مما كتب على من كان قبلكم ؛ (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٣).».

قال الشافعي (٤) ـ فى رواية أبى عبد الله ـ : «وما قال ابن عباس فى هذا ، كما قال (والله أعلم). وكذلك : قال مقاتل. وتقصّى (٥) مقاتل فيه : أكثر من تقصّى (٦) ابن عباس.»

«والتنزيل يدلّ على ما قال مقاتل : لأن الله (جل ثناؤه) ـ : إذ ذكر القصاص ، ثم (٧) قال : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ : فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ ، وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ). ـ لم يجز (والله أعلم) أن يقال : إن عفى : إن (٨) صولح على أخذ الدّية. لأن العفو : ترك حقّ بلا عوض ؛ فلم

__________________

(١) بعد ذلك ، فى روايتى البخاري : «يتبع (أو أن يطلب) بالمعروف ، ويؤدى بإحسان». وفى رواية جابر : «فيتبع الطالب بمعروف ، ويؤدى ـ يعنى : المطلوب. ـ إليه بإحسان».

(٢) الزيادة عن الأم والسنن الكبرى ، ورواية البخاري فى التفسير.

(٣) فى رواية البخاري ـ فى التفسير ـ زيادة : «قتل بعد قبول الدية». وانظر فى السنن الكبرى (ص ٥٤) ما ورد ـ : من السنة. ـ فى ذلك. وما ورد فى الترغيب فى العفو.

(٤) كما فى الأم (ج ٦ ص ٧ ـ ٨).

(٥) كذا بالأم. وفى الأصل : «يقضى» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «يقضى» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٧) قال المزني فى المختصر (ج ٥ ص ١٠٦) : «احتج (الشافعي) فى أن العفو يوجب الدية : بأن الله تعالى لما قال : (فمن عفى ...) ؛ لم يجز أن يقال : عفا ؛ إن صولح على مال : لأن العفو ترك بلا عوض ؛ فلم يجز ـ : إذا عفا عن القتل الذي هو أعظم الأمرين. ـ إلا : أن يكون له مال فى مال القاتل : أحب ، أو كره ....»

(٨) فى الأم : «بأن» ، وما فى الأصل أحسن.


يجز إلا أن يكون : إن عفى عن القتل ؛ فإذا عفى (١) : لم يكن إليه سبيل ، وصار لعافى (٢) القتل مال (٣) فى مال القاتل ـ وهو : دية قتيله. ـ : فيتّبعه بمعروف ، ويؤدّي إليه القاتل بإحسان.»

«وإن (٤) كان : إذا عفا عن (٥) القاتل ، لم يكن له شىء ـ : لم يكن للعافى : أن (٦) يتّبعه ؛ ولا على القاتل : شىء (٧) يؤدّيه بإحسان (٨)

«قال : وقد جاءت السنة ـ مع بيان القرآن ـ : [فى (٩)] مثل معنى القرآن.». فذكر حديث أبى شريح [الكعبىّ (١٠)] : أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : «من (١١) قتل بعده (١٢) قتيلا ، فأهله بين خيرتين : إن

__________________

(١) فى الأم : «عفا» ، وما فى الأصل أنسب لما بعد.

(٢) فى الأم : «للعافى» ؛ وما فى الأصل أولى.

(٣) كذا بالأم. وفى الأصل : «ما قال» ، وهو تحريف خطير.

(٤) فى المختصر : «ولو». وفى الأم : «فلو» ؛ وهو الأظهر.

(٥) قوله : عن القاتل ؛ غير موجود بالمختصر.

(٦) هذا غير موجود بالأم. وفى المختصر : «ما».

(٧) فى المختصر : «ما».

(٨) أنظر كلامه فى الأم (ج ٧ ص ٢٨٩ ـ ٢٩٠) ؛ وراجع ما كتبه فى فتح الباري (ج ١٢ ص ١٦٩ ـ ١٧٠) على أثر ابن عباس : فهو مفيد فى كون الخيار فى القود أو الدية للولى ـ كما قال الشافعي والجمهور ـ أو للقاتل كما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك والثوري. ومفيد فى بعض المباحث السابقة : كقتل المسلم بالكافر ، والحر بالعبد.

(٩) زيادة حسنة ، عن الأم.

(١٠) زيادة حسنة ، عن الأم.

(١١) فى الأم ، والمختصر (ج ٥ ص ١٠٥) : «فمن».

(١٢) فى الأصل : «بعبده» ، وهو تحريف. والتصحيح عن الأم والمختصر ، والسنن الكبرى (ج ٨ ص ٥٢). وراجع لفظ روايته فى الرسالة (ص ٤٥٢).


أحبّوا : قتلوه (١) ؛ وإن أحبّوا أخذوا العقل (٢).».

قال الشافعي (٣) : «قال الله عز وجل : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً : فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً (٤) : ١٧ ـ ٣٣) ؛ وكان (٥) معلوما عند أهل العلم ـ : ممن خوطب بهذه الآية. ـ أنّ ولىّ المقتول : من جعل الله له ميراثا منه (٦).».

* * *

(وفيما أنبأني به) أبو عبد الله (إجازة) ، عن أبى العباس ، عن الربيع ، قال : قال الشافعي (٧) : «ذكر الله (تعالى) ما فرض على أهل التوراة ، قال (٨) : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها : أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ (٩) ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ، وَالْأَنْفَ

__________________

(١) فى غير الأصل : «قتلوا».

(٢) ثم تعرض لبعض المباحث السابقة ، وهو : عدم قتل اثنين فى واحد. فراجعه ، وراجع سبب هذا الحديث : فى الأم والمختصر ، والسنن الكبرى (٥٢ ـ ٥٣) ، وقد أخرج البيهقي نحوه عن أبى هريرة ، وابن عمر. وأخرج حديث أبى شريح أيضا فى صفحة (٥٧) : بلفظ فيه اختلاف. وراجع فتح الباري (ج ١ ص ١٤٢ و ١٤٧ ـ و ١٤٨ وج ١٢ ص ١٦٥ ـ ١٦٨).

(٣) كما فى الأم (ج ٦ ص ١٠).

(٤) فى الأم زيادة : (فلا يسرف فى القتل).

(٥) فى الأم : «فكان».

(٦) وذكر بعده حديث أبى شريح ، ثم حكى الإجماع : على أن العقل موروث كما يورث المال. فراجع كلامه (ص ١١) لفائدته. وراجع المختصر (ج ٥ ص ١٠٥) ، والسنن الكبرى (ج ٨ ص ٥٧ ـ ٥٨).

(٧) كما فى الأم (ج ٦ ص ٤٤).

(٨) فى الأم : «فقال» ؛ وهو أحسن.

(٩) فى الأم بعد ذلك : «إلى قوله : (فهو كفارة له)».


بِالْأَنْفِ ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ ، وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ : ٥ ـ ٤٥) (١)

«قال : و (٢) لم أعلم خلافا : فى أنّ القصاص فى هذه الأمة (٣) ، كما حكى (٤) الله (عز وجل) : [أنه حكم به (٥)] بين أهل التوراة.»

«ولم أعلم مخالفا : فى أنّ القصاص بين الحرّين المسلمين : فى النفس ، وما دونها (٦) : من الجراح التي يستطاع فيها القصاص : بلا تلف يخاف على المستفاد منه : من موضع القود (٧).».

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، ثنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٨) (رحمه الله) : «قال الله تبارك وتعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ : أَنْ (٩)

__________________

(١) فى الأم زيادة : وروى فى حديث عمر ، أنه قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعطى القود من نفسه ، وأبا بكر يعطى القود من نفسه ؛ وأنا أعطي القود من نفسى.».

(٢) هذا إلى قوله : التوراة ؛ قد ذكر فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ٦٤).

(٣) كذا بالأم ؛ وهو الصحيح. وفى الأصل والسنن الكبرى : «الآية» ، وهو تحريف

(٤) فى الأم : «حكم» ، وهو تحريف من الناسخ أو الطابع.

(٥) زيادة جيدة ، عن الأم والسنن الكبرى.

(٦) راجع فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ٤٠) : أثر ابن عباس فى ذلك.

(٧) انظر كلامه بعد ذلك (ص ٤٤ ـ ٤٥) المتعلق : بالقصاص مما دون النفس.

(٨) كما فى الأم (ج ٦ ص ٩١).

(٩) راجع فى معنى هذا : كلامه فى الأم (ج ٦ ص ١٧١) ، وما نقله عنه يونس فى أواخر الكتاب. ثم راجع كلام الحافظ فى الفتح (ج ١٢ ص ١٧٢) : فهو مفيد فى كثير من المباحث السابقة واللاحقة.


يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ؛ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ، وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ (١) : ٤ ـ ٩٢)

«(٢) فأحكم الله (جل ثناؤه) ـ فى (٣) تنزيل كتابه ـ : [أنّ (٤)] علي قاتل المؤمن ، دية مسلّمة إلى أهله. وأبان على لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم) : كم الدّية؟»

«وكان (٥) نقل عدد : من أهل العلم ؛ عن عدد لا تنازع بينهم ـ : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قضى فى (٦) دية المسلم : مائة من الإبل. وكان (٧) هذا : أقوى من نقل الخاصّة ؛ وقد روى من طريق الخاصّة [وبه نأخذ ؛ ففى المسلم يقتل خطأ : مائة من الإبل.] (٨)».

قال الشافعي (٩) ـ فيما يلزم العراقيّين فى قولهم فى الدّية : إنها على أهل

__________________

(١) راجع فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ٧٢ و ١٣١) ، والفتح (ج ١٢ ص ١٧١ ـ ١٧٢) : ما روى عن القاسم بن محمد ، فى سبب نزول ذلك. فهو مفيد فيما سيأتى أيضا.

(٢) هذا إلى قوله : كم الدية ، ذكر فى السنن الكبرى (ص ٧٢).

(٣) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : «ورتل» وهو خطأ وتحريف.

(٤) الزيادة عن الأم والسنن الكبرى.

(٥) فى الأم : «فكان».

(٦) فى الأم : «بدية».

(٧) فى الأم : «فكان».

(٨) زيادة مفيدة ، عن الأم. وأنظر ما رواه بعد ذلك : من السنة ، ثم راجع أثر سليمان بن يسار فى أسنان الإبل : فى الأم (ج ٦ ص ٩٩) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٢٨). وراجع السنن الكبرى (ج ٨ ص ٧٢ ـ ٧٦) ، وكلامه فى الرسالة (ص ٥٤٩) ، ففيه مزيد فائدة.

(٩) كما فى الأم (ج ٧ ص ٢٧٧).


الورق : عشرة آلاف درهم. ـ : «قد روى عن (١) عكرمة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : أنه قضى بالدّية : اثنى (٢) عشر ألف درهم. وزعم عكرمة : أنه نزل فيه : (وَما نَقَمُوا إِلَّا : أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ، مِنْ فَضْلِهِ : ٩ ـ ٧٤)(٣).

قال الشيخ : حديث عكرمة هذا : رواه ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة : مرّة مرسلا (٤) ، ومرة موصولا : بذكر ابن عباس فيه (٥). ورواه (٦) محمد بن مسلم الطّائفىّ ، عن عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : موصولا (٧).

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (٨) : «أمر (٩) الله (تبارك وتعالى)

__________________

(١) هذا غير موجود بالأم.

(٢) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «اثنا» ، ولعلة محرف. فتأمل.

(٣) راجع كلامه السابق ، ومناظرته لمحمد بن الحسن ، بعد ذلك (ص ٢٧٨) ؛ والسنن الكبرى (ج ٨ ص ٨٠) ، وما رواه عن عمر : فى الأم (ج ٦ ص ٩١ ـ ٩٢) والسنن الكبرى (ج ٨ ص ٧٧ ـ ٧٨) ، وما ذكره البيهقي عن الشافعي : من أن الدية لا تقوم إلا بالدنانير والدراهم. وكلام البيهقي عن تقويم عمر لها بغير ذلك.

(٤) فى الأصل : «ومرسلا مرة» ؛ والتقديم من الناسخ.

(٥) كما فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ٧٩).

(٦) فى الأصل : «ومرة أو محمد» ؛ وهو تحريف

(٧) كما فى السنن الكبرى (ص ٧٨) : فلا يضر إرساله هنا.

(٨) كما فى الأم (ج ٦ ص ٩٢).

(٩) فى الأم : «وأمر».


 ـ فى المعاهد : يقتل خطأ. ـ : بدية مسلّمة إلى أهله. ودلّت سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : على أن لا يقتل مؤمن بكافر ؛ مع ما فرق الله بين المؤمنين والكافرين (١)

«فلم يجز : أن يحكم على قاتل الكافر ، [إلا (٢)] : بدية ؛ ولا : أن ينقص (٣) منها ، إلا : بخبر لازم.»

«وقضي (٤) عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان (رضى الله عنهما) ـ فى دية اليهودىّ ، والنصرانىّ ـ : بثلث دية المسلم وقضى عمر (رضى الله عنه) ـ فى دية المجوسيّ ـ : بثمانمائة درهم (٥) ؛ [وذلك :ثلثا عشر دية المسلم ؛ لأنه كان يقول : تقوّم الدّية : اثنى عشر ألف درهم (٦).]»

«ولم نعلم أن (٧) أحدا قال فى دياتهم : بأقلّ (٨) من هذا. وقد قيل : إن

__________________

(١) راجع ما تقدم (ص ٢٧٣) ، وراجع مناقشته العظيمة حول هذا الموضوع وما يرتبط به : فى الأم (ج ٧ ص ٢٩١ ـ ٢٩٥). فإنك ستقف على فوائد لا توجد فى كتاب آخر.

(٢) زيادة متعينة ، عن الأم.

(٣) كذا بالأم. وفى الأصل : «ينقضى» ، وهو تصحيف.

(٤) فى الأم : «فقضى».

(٥) راجع ذلك ، وغيره ـ : مما يعارضه. ـ فى السنن الكبرى والجوهر النقي (ج ٨ ص ١٠٠ ـ ١٠٣).

(٦) هذه الزيادة عن الأم ، ونرجح أنها سقطت من الناسخ.

(٧) هذا غير موجود بالأم.

(٨) فى الأم : «أقل». وكلاهما صحيح كما لا يخفى.


دياتهم أكثر من هذا. فألزمنا قاتل كلّ واحد ـ : من هؤلاء. ـ : الأقلّ مما اجتمع عليه. (١)».

وأطال الكلام فيه ، وناقضهم (٢) : بالمؤمنة الحرّة ، والجنين (٣) ؛ وبالعبد ـ : وقد تكون قيمته : عشرة دراهم. ـ : يجب فى قتل كل واحد منهم : تحرير رقبة مؤمنة ؛ ولم يسوّ بينهم : فى الدّية (٤).

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (٥) : «قال الله جل ثناؤه : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) ؛ إلى قوله : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ ـ : وَهُوَ مُؤْمِنٌ. ـ : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (٦) : ٤ ـ ٩٢)(٧)

«قال الشافعي : [قوله : (من قوم) (٨) ؛] يعنى : فى قوم

__________________

(١) راجع فى المختصر (ج ٥ ص ١٣٦) ما احتج به فى ديات أهل الكفر : فهو جيد.

(٢) يعنى : الحنفية. أنظر الأم (ج ٧ ص ٢٩٤).

(٣) راجع فيما يجب فى الجنين خاصة ، كلامه فى اختلاف الحديث (ص ٢٠ و ٣٨٤) ، والرسالة (ص ٤٢٧ ـ ٤٢٨ و ٥٥٢ ـ ٥٥٣).

(٤) راجع كلامه عن هذا كله : فى الأم (ج ٦ ص ٨٨ ـ ٩٨) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٤٣ ـ ١٤٦). وراجع السنن الكبرى (ج ٨ ص ٣٧ ـ ٣٨ و ٩٥ و ١١٢ ـ ١١٧).

(٥) كما فى الأم (ج ٦ ص ٣٠).

(٦) راجع فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ١٣١) : ما روى عن ابن عباس فى تفسير ذلك.

(٧) في الأم زيادة : «الآية». وراجع كلامه فى الرسالة (ص ٣٠١ ـ ٣٠٢).

(٨) زيادة حسنة ، عن الأم. وانظر السنن الكبرى (ج ٨ ص ١٣٠).


عدوّ لكم.».

ثم ساق الكلام (١) ، إلى أن قال : «وفى التنزيل ، كفاية عن التأويل : لأن الله (جل ثناؤه) ـ : إذ حكم فى الآية الأولى (٢) ، فى المؤمن يقتل خطا : بالدّية والكفارة ؛ وحكم بمثل ذلك ، فى الآية بعدها (٣) : فى الذي بيننا وبينه ميثاق ؛ وقال بين هذين الحكمين : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ : وَهُوَ مُؤْمِنٌ ؛ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ؛ ولم يذكر دية ؛ ولم تحتمل (٤) الآية معنى ، إلا أن يكون قوله : (من قوم) ؛ يعنى : فى قوم عدوّ لنا ، دارهم : دار حرب مباحة (٥) ؛ وكان (٦) من سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : إذا (٧) بلغت الناس الدعوة ، أن يغير عليهم غارّيين. ـ :

__________________

(١) حيث ذكر حديث قيس بن أبى حازم : «لجأ قوم إلى خثعم ، فلما غشيهم المسلمون : استعصموا بالسجود ، فقتلوا بعضهم ، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال : أعطوهم نصف العقل لصلاتهم.» الحديث فراجعه ، وراجع كلام الشافعي عليه ـ فى الأم والسنن الكبرى (ص ١٣١) ـ لفائدته.

(٢) عبر بهذا : إما لأن بعض الآية يقال له : آية ، وإما لأنه يرى أنهما آيتان لا آية واحدة.

(٣) عبر بهذا : إما لأن بعض الآية يقال له : آية ، وإما لأنه يرى أنهما آيتان لا آية واحدة.

(٤) كذا بالأم. وفى الأصل : «يحمل» ، وهو تحريف.

(٥) فى الأم زيادة : «فلما كانت مباحة» ، وهذا الشرط بمنزله تكرار «أن». وقوله الآتي : «كان فى ذلك» إلخ : خبر «أن» بالنظر لما فى الأصل ؛ وجواب الشرط بالنظر لما فى الأم. فتنبه.

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «وكانت» ، وزيادة التاء من الناسخ.

(٧) فى الأصل : «إذ» والنقص من الناسخ. وفى الأم : «أن إذا» ؛ ولعل «أن» زائدة.


كان فى ذلك ، دليل : على أن (١) لا يبيح (٢) الغارة على دار : وفيها من له ـ إن قتل ـ : عقل ، أو قود. وكان (٣) هذا : حكم الله عز وجل.»

«قال : ولا يجوز أن يقال لرجل : من قوم عدوّ لكم ؛ إلا : فى قوم عدوّ لنا. وذلك : أنّ عامّة المهاجرين : كانوا من قريش ؛ وقريش : عامة أهل مكة ؛ وقريش : عدوّ لنا. وكذلك : كانوا من طوائف العرب والعجم ؛ وقبائلهم : أعداء للمسلمين.»

«فإن (٤) دخل مسلم في دار حرب ، ثم قتله مسلم ـ فعليه : تحرير رقبة مؤمنة ؛ ولا عقل له إذا قتله : وهو لا يعرفه بعينه مسلما.». وأطال الكلام فى شرحه (٥).

* * *

قال الشافعي فى كتاب البويطىّ (٦) : «وكلّ قاتل عمد ـ : عفى (٧) عنه ،

__________________

(١) فى الأم : «أنه».

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : «تنسخ» ؛ وهو تحريف.

(٣) فى الأم : «فكان» ؛ وهو أحسن.

(٤) فى الأم : «وإذا». وما فى الأصل أحسن.

(٥) راجع كلامه فى الأم (ص ٣٠ ـ ٣١) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٥٣).

(٦) فى الأصل : «البيوطى» ؛ وهو تصحيف.

(٧) راجع فى بحث العفو مطلقا ، كلامه فى الأم (ج ٦ ص ١١ ـ ١٤ و ٧٧ ـ ٧٨) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٠٥ ـ ١٠٧ و ١١٢ ـ ١١٣ و ١٢٣ ـ ١٢٥) : فهو مفيدا جدا


وأخذت منه الدّية. ـ : فعليه : الكفّارة ؛ لأن الله (عز وجل) : إذ جعلها فى الخطإ : الذي وضع فيه الإثم ؛ كان العمد أولى.»

«والحجة فى ذلك : كتاب (١) الله (عز وجل) : حيث (٢) قال فى الظّهار : (مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ ، وَزُوراً : ٥٨ ـ ٢) ؛ وجعل فيه كفارة. ومن قوله : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ : مُتَعَمِّداً ؛ فَجَزاءٌ : مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ : ٥ ـ ٩٥) ؛ ثم جعل فيه الكفارة (٣).».

وذكرها (أيضا) فى رواية المزنىّ (٤) ـ دون العفو ، وأخذ الدّية (٥).

__________________

(١) يعنى : القياس على ما ثبت به.

(٢) فى الأصل. «حين» ؛ وهو تصحيف.

(٣) قال المزني فى المختصر (ج ٥ ص ١٥٣) : «واحتج (الشافعي) : بأن الكفارة فى قتل الصيد ، فى الإحرام والحرم ـ : عمدا ، أو خطأ. ـ سواء ، إلا : فى المأثم. فكذلك : كفارة القتل عمدا أو خطأ سواء ، إلا : في المأثم.». وانظر الأم (ج ٧ ص ٥٧) ، وما سيأتى فى أوائل الأيمان والنذور.

(٤) فى المختصر (ج ٥ ص ١٥٣).

(٥) حيث قال : «وإذا وجبت عليه كفارة القتل : فى الخطأ ، وفى قتل المؤمن : فى دار الحرب ؛ كانت الكفارة فى العمد أولى». وقد ذكر نحوه فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ١٧٢) ، فراجعه ، وراجع بتأمل ما كتبه عليه صاحب الجوهر النقي.


 «ما يؤثر عنه فى قتال أهل البغي ، والمرتدّ (١)»

(وفيما أنبأنى) أبو عبد الله (إجازة) : أن أبا العباس حدثهم : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٢) : «قال الله عز وجل : (وَإِنْ طائِفَتانِ ـ : مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. ـ اقْتَتَلُوا : فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ؛ فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى : فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ، حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ (٣) الآية : ٤٩ ـ ٩)

«فذكر الله تعالى : [اقتتال (٤)] الطائفتين ؛ والطائفتان الممتنعتان :

__________________

(١) قال فى الأم (ج ١ ص ٢٢٨ ـ ٢٢٩) : «اختلف أصحابنا فى المرتد : فقال منهم قائل : من ولد على الفطرة ، ثم ارتد إلى دين ـ : يظهره ، أولا يظهره. ـ : لم يستتب ، وقتل. وقال بعضهم : سواء من ولد على الفطرة ، ومن أسلم : لم يولد عليها ؛ فأيهما ارتد ـ : فكانت ردته إلى يهودية ، أو نصرانية ، أو دين يظهره. ـ : استتيب ؛ فإن تاب : قبل منه ؛ وإن لم يتب : قتل. وإن كانت ردته إلى دين لا يظهره ـ : مثل الزندقة ، وما أشبهها. ـ : قتل ، ولم ينظر إلى توبته. وقال بعضهم : سواء من ولد على الفطرة ، ومن لم يولد عليها : إذا أسلم ؛ فأيهما ارتد : استتيب ؛ فإن تاب : قبل منه ؛ وإن لم يتب : قتل. وبهذا أقول». ثم استدل على ذلك ؛ فراجعه : فإنه مفيد فى بعض الأبحاث الآتية. وراجع كلامه قبل ذلك وبعده (ص ٢٢٧ و ٢٣١ ـ ٢٣٤). وراجع الأم (ج ٦ ص ١٤٨ ـ ١٤٩ و ١٥٥ ـ ١٥٦). ثم راجع كلامه عن أهل الردة بعد النبي : فى الأم (ج ٤ ص ١٣٤ ـ ١٣٥) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٥٧ ـ ١٥٨). وراجع السنن الكبرى (ج ٨ ص ١٧٥ ـ ١٧٨).

(٢) كما فى الأم (ج ٤ ص ١٣٣ ـ ١٣٤).

(٣) راجع فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ١٧٢ و ١٩٢) ما روى فى سبب نزول ذلك عن أنس ؛ وما روى عن عائشة وابن عمر : فهو مفيد فيما سننقله عن الشافعي فى القديم.

(٤) زيادة متعينة ، عن الأم.


الجماعتان : كلّ واحدة تمتنع (١) ؛ وسمّاهم الله (عز وجل) : المؤمنين ؛ وأمر : بالإصلاح بينهم (٢)

«فحقّ على كل أحد : دعاء (٣) المؤمنين ـ : إذا افترقوا ، وأرادوا القتال. ـ : أن لا يقاتلوا ، حتى يدعوا إلي الصّلح (٤)

«قال : وأمر الله (عز وجل) : بقتال [الفئة (٥)] الباغية ـ : وهى مسمّاة باسم : الإيمان (٦). ـ حتى تفىء إلى أمر الله (٧)

«فإذا (٨) فاءت ، لم يكن لأحد قتالها : لأن الله (عز وجل) إنما أذن فى قتالها : فى مدة الامتناع ـ : بالبغي. ـ إلى أن تفىء.»

«والفيء : الرّجعة عن القتال : بالهزيمة ، [أ (٩)] والتوبة وغيرها.

__________________

(١) فى الأم زيادة : «أشد الامتناع أو أضعف : إذ لزمها اسم الامتناع.».

(٢) انظر السنن الكبرى (ج ٨ ص ١٧٢ ـ و ١٧٤) ، وصحيح البخاري بهامش الفتح (ج ١ ص ٦٥).

(٣) كذا بالأم. وفى الأصل : «من». ولعله محرف ، أو لعل فى الأصل سقطا. فتأمل.

(٤) فى الأم زيادة : «وبذلك قلت : لا يبيت أهل البغي ، قبل دعائهم. لأن على الإمام الدعاء ـ كما أمر الله عز وجل ـ قبل القتال».

(٥) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٦) حكى الشافعي فى القديم : أن قوما أنكروا قتال أهل البغي ؛ وزعموا : أنهم أهل الكفر ، وليسوا بأهل الإسلام. ثم ذكر دليلهم ، ورد عليهم. فراجع كلامه ، وتعقيب البيهقي عليه : فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ١٨٨). فإنه جيد ؛ ولولا طوله لنقلناه.

(٧) قال الشافعي فى القديم (كما فى السنن الكبرى : ص ١٨٧) : «ورغب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى قتال أهل البغي». وانظر فى السنن الكبرى ما ذكره من السنة.

(٨) فى الأم : «فإن».

(٩) زيادة حسنة ، عن الأم.


وأىّ حال ترك بها القتال : فقد فاء (١). والفيء ـ : بالرجوع (٢) عن القتال. ـ : الرجوع عن معصية الله إلى طاعته ، والكفّ (٣) عما حرّم الله (عز وجل). وقال أبو ذؤيب (٤) [الهذلىّ] ـ يعيّر نفرا من قومه : انهزموا (٥) عن رجل من أهله ، فى وقعة ، فقتل (٦). ـ :

لا ينسأ الله منّا ، معشرا : شهدوا

يوم الأميلح ، لا غابوا (٧) ، ولا جرحوا

__________________

(١) قال فى المختصر (ج ٥ ص ١٥٩) ـ بعد أن ذكر نحو ذلك ـ : «وحرم قتالهم : لأنه أمر أن يقاتل ؛ وإنما يقاتل من يقاتل. فاذا لم يقاتل : حرم بالإسلام أن يقاتل. فأما من لم يقاتل فإنما يقال : اقتلوه ؛ لا : قاتلوه.». وقد ذكر نحوه فى الام (ج ٤ ص ١٤٣). فراجعه ، وراجع كلامه عن الخوارج ومن فى حكمهم ، والحال التي لا يحل فيها دماء أهل البغي ـ : فى الأم (ج ٤ ص ١٣٦ ـ ١٣٩ ، والمختصر (ج ٥ ص ١٥٩ ـ ١٦٢).

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : «الرجوع». وهو تحريف.

(٣) فى الأم : «فى الكف». وما فى الأصل أظهر.

(٤) كذا بالأصل والأم. ولم نعثر على البيتين فى ديوانه المطبوع بأول ديوان الهذليين. ثم عثرنا على أولهما ـ فى اللسان وشرح القاموس (مادة : ملح) ـ : منسوبا إلى المتنخل الهذلي ؛ وعلى ثانيهما ـ فيهما (مادة : وضح) ـ : منسوبا إلى أبى ذؤيب. وعثرنا عليهما معا ضمن قصيدة للمتنخل : فى ديوانه المطبوع بالجزء الثاني من ديوان الهذليين (ص ٣١). فلذلك ، ولارتباط البيتين فى المعنى. ولاضطراب الرواة فى شعر الهذليين عامة ، ولكون الشافعي أحفظ الناس لشعرهم ، وأصدقهم رواية له ، وأوسعهم دراية به ـ نظن (إن لم نتيقن) : أن البيتين مع سائر القصيدة ، لأبى ذؤيب.

(٥) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «المفرجوا» ، ولعله محرف عن : «انفرجوا» ، بمعنى : انكشفوا.

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «قتل» ، ولعله محرف.

(٧) «قال فى اللسان : «يقول : لم يغيبوا ـ : فنكفى أن يؤسروا أو يقتلوا. ـ ولا جرحوا ، أي : ولا قاتلوا إذ كانوا معنا.». وفى الأصل «عابوا». وهو تصحيف.


عقّوا (١) بسهم ، فلم يشعر بهم أحد

ثمّ استفاءوا ، فقالوا : حبّذا الوضح.»(٢)

 «قال الشافعي : فأمر (٣) الله (تبارك وتعالى) ـ : إن (٤) فاؤا. ـ : أن (٥) يصلح بينهم (٦) بالعدل ؛ ولم يذكر تباعة : فى دم ، ولا مال. وإنما ذكر الله (٧) (عز وجل) الصّلح آخرا (٨) ، كما ذكر الإصلاح بينهم أوّلا : قبل الإذن بقتالهم.»

«فأشبه هذا (والله (٩) أعلم) : أن تكون (١٠) التّباعات (١١) : فى الجراح والدماء ، وما فات (١٢) ـ. من الأموال. ـ ساقطة بينهم (١٣)

__________________

(١) كذا بالأم وغيرها. وفي الأصل : «عفوا» ، وهو تصحيف. وراجع ـ فى هامش ديوان المتنخل ـ ما نقل عن خزانة البغدادي (ج ٢ ص ١٣٧) : مما يتعلق بالتعقبة التي هى : سهم الاعتذار.

(٢) قال فى اللسان : «أي قالوا : اللبن أحب إلينا من القود ، فأخبر : أنهم آثروا إبل الدية وألبانها ، على دم قاتل صاحبهم.». وفى الأصل : «حبذا الوضح» وهو تحريف مخل بالوزن.

(٣) فى الأم : «وأمر» ، وهو أحسن. وهذا إلى قوله : ساقطة بينهم ، موجود بالمختصر (ج ٥ ص ١٥٦) باختصار يسير.

(٤) هذا وما يليه ليس بالمختصر.

(٥) فى المختصر : «بأن».

(٦) فى الأم : «بينهما» ، ولا فرق من جهة المعنى.

(٧) هذا وما يليه ليس بالمختصر.

(٨) كذا بالأم والمختصر. وفى الأصل : «آخر» ؛ والنقص من الناسخ.

(٩) هذا وما يليه ليس بالمختصر.

(١٠) كذا بالأم والمختصر ، وهو الظاهر. وفى الأصل : «يكون» ، ولعله محرف.

(١١) فى المختصر : «التبعات» (جمع : تبعة). والمعنى واحد.

(١٢) فى المختصر : «تلف» ، والمراد واحد.

(١٣) راجع السنن الكبرى (ج ٨ ص ١٧٤ ـ ١٧٥).


«وقد يحتمل قول الله عز وجل : (فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) : أن يصلح بينهم : بالحكم ـ : إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم. ـ : فيعطي بعضهم من بعض ، ما وجب له. لقول الله عز وجل : (بالعدل) ؛ والعدل : أخذ الحقّ لبعض الناس [من بعض (١)].». ثم اختار الأول ، وذكر حجته (٢).

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (رحمه الله) ، قال (٣) : «قال الله عز وجل : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ، قالُوا : نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ؛ وَاللهُ يَعْلَمُ : إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ؛ وَاللهُ يَشْهَدُ : إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (٤) ؛ إلى قوله : فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ : ٦٣ ـ ١ ـ ٣) (٥)

__________________

(١) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٢) أنظر الأم (ص ١٣٤). ثم راجع الخلاف فيه وفى قتال أهل البغي المنهزمين : فى الأم (ج ٤ ص ١٤٢ ـ ١٤٤) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٦٢ ـ ١٦٥).

(٣) كما فى الأم (ج ٦ ص ١٤٥ ـ ١٤٦).

(٤) راجع فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ١٩٨) : ما روى عن زيد بن أرقم ، فى سبب نزول ذلك.

(٥) فى الأم بعد ذلك : «فبين : أن إظهار الإيمان ممن لم يزل مشركا حتى أظهر الإيمان ، وممن أظهر الإيمان ، ثم أشرك بعد إظهاره ، ثم أظهر الإيمان ـ : مانع لدم من أظهره فى أي هذين الحالين كان ، وإلى أي كفر صار : كفر يسره ، أو كفر يظهره. وذلك : أنه لم يكن للمنافقين ، دين : يظهر كظهور الدين الذي له أعياد ، وإتيان كنائس. إنما كان كفر جحد وتعطيل.».


«فبيّن (١) فى كتاب الله (عز وجل) (٢) : أن (٣) الله أخبر عن المنافقين : أنهم (٤) اتّخذوا أيمانهم جنّة ؛ يعنى (والله أعلم) : من القتل.»

«ثم أخبر بالوجه : الذي اتّخذوا به أيمانهم جنّة ؛ فقال : (ذلِكَ : بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ، ثُمَّ كَفَرُوا) : بعد الإيمان ، كفرا : إذا سئلوا عنه : أنكروه ، وأظهروا الإيمان وأقرّوا به ؛ وأظهروا التوبة منه : وهم مقيمون ـ فيما بينهم وبين الله تعالى ـ على الكفر.»

«وقال (٥) جل ثناؤه : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا ؛ وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ : ٩ ـ ٧٤) ؛ فأخبر : بكفرهم ، وجحدهم الكفر ، وكذب سرائرهم : بجحدهم.»

«وذكر كفرهم فى غير آية ، وسمّاهم : بالنفاق ؛ إذ (٦) أظهروا الإيمان : وكانوا على غيره. قال (٧) : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ : مِنَ النَّارِ (٨) ؛ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً : ٤ ـ ١٤٥)

__________________

(١) عبارة الأم : «وذلك بين» ، وهى ملائمة لما قبلها مما نقلناه.

(٢) فى الأم زيادة : «ثم فى سنة رسول الله».

(٣) فى الأم : «بأن» ، وهو ـ على ما فى الأم ـ تعليل لقوله : «بين». فتنبه.

(٤) فى الأم : «بأنهم».

(٥) فى الأم : «قال الله». والظاهر : أن زيادة الواو أولى. فتأمل.

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «إذا» ، والزيادة من الناسخ.

(٧) كذا بالأم ، وهو الظاهر. وفى الأصل : «وقال».

(٨) راجع فى فتح الباري (ج ٨ ص ١٨٤) : ما روى عن ابن عباس فى ذلك.


 ـ «فأخبر الله (١) (عز وجل) عن المنافقين ـ : بالكفر ؛ وحكم فيهم ـ : بعلمه : من أسرار خلقه ؛ ما لا يعلمه غيره. ـ : بأنهم (٢) فى الدّرك الأسفل : من النار ؛ وأنهم كاذبون : بأيمانهم. وحكم فيهم [جلّ ثناؤه (٣)] ـ فى الدنيا ـ : أن (٤) ما أظهروا : من الإيمان ـ : وإن كانوا [به (٥)] كاذبين. ـ : لهم جنّة من القتل : وهم المسرّون الكفر ، المظهرون الإيمان.»

«وبيّن على لسان (٦) نبيه (صلى الله عليه وسلم) : مثل ما أنزل (٧) الله (عز وجل) فى كتابه.». وأطال الكلام فيه (٨).

قال الشافعي (٩) : «وأخبر (١٠) الله (عز وجل) عن قوم : من الأعراب ؛

__________________

(١) لفظ الجلالة غير موجود بالأم.

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : «من». والظاهر أنه تحريف من الناسخ : ظنا منه أنه بيان لما.

(٣) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٤) عبارة الأم : «بأن» ؛ وهى أحسن.

(٥) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٦) في الأم : «لسانه».

(٧) عبارة الأم : «أنزل فى كتابه» ؛ وهى أحسن

(٨) حيث قال : «من أن إظهار القول بالإيمان ، جنة من القتل : أقر من شهد عليه ، بالإيمان بعد الكفر ، أو لم يقر ، إذا اظهر الإيمان : فإظهاره مانع من القتل.». ثم ذكر من السنة ما يدل على ذلك. فراجعه (ص ١٤٦ ـ ١٤٧). وراجع كلامه فى الأم (ج ١ ص ٢٢٩ وج ٤ ص ٤١ وج ٥ ص ١١٤ وج ٧ ص ٧٤). وراجع السنن الكبرى (ج ٨ ص ١٩٦ ـ ١٩٨).

(٩) كما فى الأم (ج ٦ ص ١٥٧).

(١٠) قال فى الأم (ج ٧ ص ٢٦٨) : «ثم أطلع الله رسوله ، على قوم : يظهرون الإسلام ، ويسرون غيره. ولم يجعل له : أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإسلام ؛ ولم يجعل له : أن يقضى عليهم فى الدنيا ، بخلاف ما أظهروا. فقال لنبيه ...» ؛ وذكر الآية الآتية ، ثم قال ـ بدون عزو ـ : «(أسلمنا) يعنى : أسلمنا بالقول بالإيمان ، مخافة القتل والسباء.».


فقال : (قالَتِ الْأَعْرابُ : آمَنَّا ؛ قُلْ : لَمْ تُؤْمِنُوا ، وَلكِنْ قُولُوا : أَسْلَمْنا ؛ وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ : ٤٩ ـ ١٤). فأعلم : أن (١) لم يدخل الإيمان فى قلوبهم ، وأنهم أظهروه (٢) ، وحقن به دماءهم.».

قال الشافعي (٣) : «قال مجاهد ـ فى قوله : (أسلمنا). ـ : أسلمنا (٤) : مخافة القتل والسّبى (٥)

قال الشافعي (٦) : «ثم أخبر : أنه يجزيهم : إن أطاعوا الله ورسوله ؛ يعنى : إن أحدثوا (٧) طاعة الله ورسوله.».

قال الشافعي (٨) : «والأعراب لا يدينون دينا : يظهر ؛ بل : يظهرون الإسلام ، ويستخفون : الشّرك والتّعطيل. قال الله عز وجل : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ، وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ : وَهُوَ مَعَهُمْ : إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ : ٤ ـ ١٠٦) (٩).».

وقال (١٠) ـ في قوله تعالى : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ ، أَبَداً ؛

__________________

(١) فى الأم : «أنه».

(٢) كذا بالأم ، وهو الظاهر. وفى الأصل : «أظهروا» ؛ ولعله محرف.

(٣) كما في الأم (ج ٦ ص ١٥٧).

(٤) كذا بالأم. وفى الأصل : «استسلمنا ؛ وهو من التحريف الخطير الذي امتلأ به الأصل.

(٥) فى الأم : «السباء». والمعنى واحد ، وهو : الأسر.

(٦) كما فى الأم (ج ٧ ص ٢٦٨) : عقب الكلام الذي نقلناه.

(٧) كذا بالأم. وفى الأصل : «أحد نوى» ؛ وهو تحريف خطير.

(٨) كما في الأم (ج ٦ ص ١٥٧).

(٩) راجع ما قاله بعد ذلك (ص ١٥٧ ـ ١٥٨) : لفائدته.

(١٠) كما فى الأم (ج ٦ ص ١٥٨). وقد ورد الكلام فيها على صورة سؤال وجواب. وقد ذكر فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ١٩٩). وراجع فيها ما ورد فى سبب نزول الآية : فهو مفيد فى البحث.


وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ (١) : ٩ ـ ٨٤). ـ : «[فأما أمره : أن لا يصلّى عليهم ؛] (٢) : فإن صلاته ـ بأبى هو وأمي صلى الله عليه وسلم ـ : مخالفة صلاة غيره ؛ وأرجو : أن يكون قضى ـ : إذ أمره بترك الصلاة على المنافقين. ـ : أن لا يصلّى على أحد إلا غفر له ؛ وقضى : أن لا يغفر لمقيم (٣) على شرك (٤). فنهاه : عن الصلاة على من لا يغفر له.».

«قال الشافعي (٥) : «ولم يمنع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ من الصلاة عليهم ـ : مسلما ؛ ولم يقتل منهم ـ بعد هذا ـ أحدا (٦).».

قال الشافعي (٧) ـ فى غير هذا الموضع ـ : «[وقد قيل ـ في قول الله عز وجل (٨)] : (وَاللهُ يَشْهَدُ (٩) : إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ : ٦٣ ـ ١). ـ : ما هم بمخلصين.».

__________________

(١) فى الأم بعد ذلك : «إنهم كفروا بالله ، إلى قوله : وهم كافرون.».

(٢) زيادة حسنة ، عن الأم والسنن الكبرى.

(٣) فى الأم : «للمقيم».

(٤) حيث قال سبحانه : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً : فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ : ٩ ـ ٨٠). انظر الأم (ج ١ ص ٢٢٩ ـ ٢٣٠). وراجع ما يتعلق بهذا : فى السنن الكبرى ، والفتح (ج ٨ ص ٢٣١ ـ ٢٣٥).

(٥) كما فى الأم (ج ٦ ص ١٥٨).

(٦) راجع ما ذكره بعد ذلك ، وما نقله عن الخلفاء الأربعة وغيرهم : من أنهم لم يمنعوا أحدا من الصلاة عليهم ، ولم يقتلوا أحدا منهم. وراجع الأم (ج ١ ص ٢٣٠). والسنن الكبرى

(٧) كما فى الأم (ج ١ ص ٢٢٩).

(٨) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٩) كذا بالأم. وفى الأصل : «يعلم» ؛ وهو من عبث الناسخ.


(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (١) «قال الله عز وجل : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ ، إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ (٢) : وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ؛ وَلكِنْ : مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً : فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ (٣) ١٦ ـ ١٠٦)

«فلو (٤) أنّ رجلا أسره العدوّ ، فأكره (٥) على الكفر ـ : لم تبن منه امرأته ، ولم يحكم عليه بشىء : من حكم المرتدّ (٦)»

«قد (٧) أكره بعض من أسلم (٨) ـ فى عهد النبي صلى الله عليه وسلم ـ : على الكفر ، فقاله ؛ ثم جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فذكر له ما عذّب به : فنزلت (٩) هذه الآية ؛ ولم يأمره النبي (صلى الله عليه وسلم) باجتناب زوجته ، ولا بشىء : مما على المرتد (١٠).».

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ،

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٦ ص ١٥٢).

(٢) راجع فى الفتح (ج ١٢ ص ٢٥٤ ـ ٢٥٥) : كلام ابن حجر عن حقيقة الإكراه مطلقا ، وشروطه ، والخلاف فى المكره. فهو نفيس مفيد. ثم راجع الأم (ج ٢ ص ٢١٠ وج ٧ ص ٦٩).

(٣) الزيادة عن الأم.

(٤) فى الأم : «ولو». وما فى الأصل أحسن.

(٥) فى الأم : «فأكرهه». ولا فرق فى المعنى.

(٦) انظر الأم (ج ٣ ص ٢٠٩) ، وما سبق (ص ٢٢٤) : فهو مفيد أيضا فيما سيأتى قريبا.

(٧) هذا تعليل لما تقدم ؛ ولو قرن بالفاء لكان أظهر.

(٨) كعمار بن ياسر. انظر حديثه فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ٢٠٨ ـ ٢٠٩) ، والفتح (ج ١٢ ص ٢٥٥).

(٩) عبارة الأم «فنزل فيه هذا».

(١٠) راجع كلامه بعد ذلك لفائدته.


قال (١) : «وأبان الله (عز وجل) لخلقه : أنه تولّى الحكم ـ : فيما أثابهم ، وعاقبهم عليه. ـ : على ما علم : من سرائرهم : وافقت سرائرهم علانيتهم ، أو خالفتها. فإنما (٢) جزاهم بالسرائر : فأحبط عمل [كل (٣)] من كفر به.»

«ثم قال (تبارك وتعالى) فيمن فتن عن دينه : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ : وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ؛ فطرح عنهم حبوط أعمالهم ، والمأثم (٤) بالكفر : إذا كانوا مكرهين ؛ وقلوبهم على الطّمأنينة (٥) : بالإيمان وخلاف الكفر (٦)

«وأمر بقتال الكافرين : حتى يؤمنوا ؛ وأبان ذلك [جل وعز (٧) :] حتى (٨) يظهروا الإيمان. ثم أوجب للمنافقين ـ : إذا أسرّوا الكفر. (٩) ـ : نار جهنم ؛ فقال : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ : ٤ ـ ١٤٥)

«وقال تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ، قالُوا : نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) ؛ إلى قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً : ٦٣ ـ ١ ـ ٢) ؛ يعنى (والله أعلم) : من القتل (١٠)

__________________

(١) كما فى كتاب : (إبطال الاستحسان) ، الملحق بالأم (ج ٧ ص ٢٦٧ ـ ٢٦٨). وهو من الكتب الجديرة بالعناية والنشر.

(٢) فى الأم «إنما».

(٣) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٤) كذا بالأم. وفى الأصل : «والمآثم».

(٥) كذا بالأم وفي الأصل «الاطمانينة» ، وهو تحريف.

(٦) راجع فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ٢٠٩) : ما روى عن ابن عباس فى ذلك. وراجع كلام ابن حجر فى الفتح (ج ١٢ ص ٢٥٥).

(٧) زيادة حسنة عن الأم.

(٨) هذا بيان للمعنى المراد من قوله : «حتى يؤمنو».

(٩) فى الأم «إذا». وما فى الأصل هو الظاهر.

(١٠) راجع ما تقدم (ص ٢٩٥ ـ ٢٩٦).


«فمنعهم من القتل ، ولم يزل عنهم ـ فى الدنيا ـ أحكام الإيمان : بما أظهروا منه. وأوجب لهم الدّرك الأسفل : من النار ؛ بعلمه : بسرائرهم ، وخلافها : لعلانيتهم بالإيمان.»

«وأعلم (١) عباده ـ مع ما أقام عليهم : [من (٢)] الحجّة : بأن ليس كمثله أحد فى شىء. ـ : أنّ علمه : بالسّرائر (٣) والعلانية ؛ واحد. فقال : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ : وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ : ٥٠ ـ ١٦) ؛ وقال عز وجل : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ ، وَما تُخْفِي الصُّدُورُ : ٤٠ ـ ١٩) ؛ مع آيات أخر : من الكتاب.»

«قال : وعرّف (٤) جميع خلقه ـ فى كتابه ـ : أن لا علم لهم (٥) ، لا ما علّمهم. فقال : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ : لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً : ١٦ ـ ٧٨).» ؛ وقال : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ ـ : مِنْ عِلْمِهِ. ـ إِلَّا بِما شاءَ : ٢٤ ـ ٢٥٥)

«ثم علّمهم بما آتاهم : من العلم ؛ وأمرهم : بالاقتصار عليه ، [وأن إلا يتولّوا غيره إلا : بما علّمهم (٦)] فقال (٧) لنبيه صلى الله عليه وسلم : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا : ما كُنْتَ تَدْرِي : مَا الْكِتابُ

__________________

(١) فى الأم. «فأعلم» : وما فى الأصل أحسن.

(٢) الزيادة عن الأم.

(٣) في الأم «بالسر».

(٤) فى الأم «فعرف». وما فى الأصل أحسن.

(٥) هذا غير موجود بالأم.

(٦) الزيادة عن الأم.

(٧) فى الأم : «وقال». وما في الأصل أظهر.


وَلَا الْإِيمانُ؟ الآية (١) : ٤٢ ـ ٥٢) ؛ وقال تعالى (٢) : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ : إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٣) * إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ : ١٨ ـ ٢٣ ـ ٢٤) (٤) ؛ وقال عز وجل (٥) : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ : ١٧ ـ ٣٦).».

وذكر سائر الآيات : التي وردت فى علم الغيب (٦) ؛ وأنه «حجب (٧) عن نبيه (صلى الله عليه وسلم) علم الساعة». [ثم قال (٨)] :

«فكان (٩) من جاوز (١٠) ملائكة الله المقرّبين ، وأنبياءه (١١) المصطفين ـ : من عباد الله. ـ : أقصر علما (١٢) ، وأولى : أن لا يتعاطوا حكما

__________________

(١) فى الأم زيادة : «لنبيه».

(٢) انظر ما تقدم (ص ٣٧).

(٣) فى الأم زيادة : «وقال لنبيه : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ... ٤٦ ـ ٩) ؛ ثم أنزل على نبيه : أن قد غفر له ... فعلم ما يفعل به» ؛ إلى آخر ما تقدم (ص ٣٧ ـ ٣٨) مع اختلاف أو خطأ فيه ؛ بسبب عدم تمكننا. ـ بالنسبة إليه وإلى كثير غيره ـ من بحثه وتأمله ، والرجوع إلى مصدره.

(٤) وهى قوله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ ، إِلَّا اللهُ : ٢٧ ـ ٦٥) ؛ وقوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ الآية : ٣١ ـ ٣٤). وقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها إلى مُنْتَهاها : ٧٩ ـ ٤٢ ـ ٤٤).

(٥) فى الأم : «فحجب». وقد ذكر عقب الآيات السابقة.

(٦) وهى قوله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ ، إِلَّا اللهُ : ٢٧ ـ ٦٥) ؛ وقوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ الآية : ٣١ ـ ٣٤). وقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها إلى مُنْتَهاها : ٧٩ ـ ٤٢ ـ ٤٤).

(٧) زيادة لا بأس بها.

(٨) فى الأم : «فحجب». وقد ذكر عقب الآيات السابقة.

(٩) فى الأم : «وكان». وهو مناسب لقوله : «فحجب».

(١٠) فى الأم : «جاور». وهو تصحيف من الناسخ أو الطابع.

(١١) كذا بالأم. وفى الأصل : «وأنبيائه». وهو خطأ وتصحيف.

(١٢) فى الأم زيادة : «من ملائكته وأنبيائه : لأن الله (عز وجل) فرض على خلقه طاعة نبيه ؛ ولم يجعل لهم بعد من الأمر شيئا.».


على غيب أحد ـ : [لا (١)] بدلالة ، ولا ظنّ. ـ : لتقصير (٢) علمهم عن علم أنبيائه : الذين فرض (٣) عليهم الوقف عما ورد عليهم ، حتى يأتيهم أمره (٤).». وبسط الكلام فى هذا (٥).

__________________

(١) الزيادة عن الأم.

(٢) كذا بالأم. وفى الأصل : «ليقصر» ؛ وهو تحريف.

(٣) فى الأم زيادة : «الله تعالى».

(٤) كذا بالأم. وفى الأصل : «أمر» ؛ والنقص من الناسخ.

(٥) فراجعه (ص ٢٦٨) : فبعضه قد تقدم ذكره ، وبعضه لا يوجد فى غيره ؛ ويفيد فى بعض الأبحاث الآتية. ثم راجع كلامه : فى اختلاف الحديث (ص ٣٠٦ ـ ٣٠٧) والأم (ج ١ ص ٢٣٠ وج ٤ ص ٤١ وج ٥ ص ١١٤ وج ٧ ص ٩ ر ٧٤).


 «ما يؤثر عنه فى الحدود» (١)

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (٢) : «قال الله جل ثناؤه : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ : مِنْ نِسائِكُمْ ؛ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ؛ فَإِنْ شَهِدُوا : فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ (٣) ، أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (٤) * وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ : فَآذُوهُما ؛ فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا : فَأَعْرِضُوا عَنْهُما ؛ إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً : ٤ ـ ١٥ ـ ١٦)

__________________

(١) راجع فى فتح الباري (ج ١٢ ص ٤٥) : الكلام عما يجب الحد به.

(٢) كما فى اختلاف الحديث (ص ٢٥٠). وقد ذكر باختلاف : فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ٢١٠) ، والرسالة (ص ١٢٨ ـ ١٢٩ و ٢٤٥ ـ ٢٤٦). وقال فى اختلاف الحديث (ص ٢٤٩) : «كانت العقوبات فى المعاصي : قبل أن ينزل الحد ؛ ثم نزلت الحدود ، ونسخت العقوبات فيما فيه الحدود» ؛ ثم ذكر حديث النعمان بن مرة : «أن رسول الله قال : ما تقولون فى الشارب والسارق والزاني؟ ـ وذلك قبل أن تنزل الحدود ـ فقالوا : الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله : هن فواحش ، وفيهن عقوبات ؛ وأسوأ السرقة : الذي يسرق صلاته.». ثم ساق الحديث (فراجعه فى السنن الكبرى : ج ٨ ص ٢٠٩ ـ ٢١٠) وقال : «ومثل معنى هذا فى كتاب الله». ثم ذكر الآتي هنا.

(٣) فى اختلاف الحديث ، بعد ذلك : «الى آخر الآية».

(٤) انظر كلامه فى الأم (ج ٥ ص ١٧٩).


«قال : فكان (١) هذا أول عقوبة (٢) الزانيين (٣) فى الدنيا (٤) ؛ ثم (٥) نسخ هذا عن الزّناة كلّهم : الحرّ والعبد ، والبكر والثّيّب. فحدّ الله البكرين : الحرّين المسلمين ؛ فقال : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي (٦) : فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ : ٢٤ ـ ٢)(٧).

واحتجّ (٨) : بحديث عبادة بن الصّامت ـ فى هذه الآية : (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ، أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً). ـ قال : «كانوا يمسكوهنّ حتى نزلت آية الحدود ، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : خذوا عنى (٩) ؛

__________________

(١) هذا إلى قوله : الدنيا ؛ غير موجود بالرسالة (ص ١٢٩). وعبارته فيها (ص ٢٤٦) هى : «فكان حد الزانيين بهذه الآية : الحبس والأذى : حتى أنزل الله على رسوله حد الزنا». ثم ذكر آيتي النور والنساء الآتيتين ؛ ثم قال : «فنسخ الحبس عن الزناة ، وثبت عليهم الحدود».

(٢) فى اختلاف الحديث : «العقوبة للزانيين».

(٣) فى الأصل : «الزانين» ؛ وهو تحريف.

(٤) فى السنن الكبرى زيادة مبينة ، وهى : «الحبس والأذى».

(٥) عبارة الرسالة (ص ١٢٩) والسنن الكبرى ، هى : «ثم نسخ الله الحبس والأذى فى كتابه ، فقال». وراجع فى السنن ، ما روى فى ذلك عن ابن عباس ومجاهد والحسن : فهو مفيد.

(٦) يحسن أن تراجع فى اختلاف الحديث (ص ١٤ و ٤٦ و ٥٠) ، وجماع العلم (ص ٥٧ ـ ٥٨ و ١٢٠) : ما يتعلق بذلك ؛ لفائدته.

(٧) فى الرسالة (ص ١٢٩) ، بعد ذلك : «فدلت السنة على أن جلد المائة للزانيين البكرين» ؛ ثم ذكر حديث عبادة.

(٨) كما فى الأم (ج ٧ ص ٧٦). وانظر اختلاف الحديث (ص ٢٥٢).

(٩) وردت هذه الجملة مكررة للتأكيد : في رواية الأم (ج ٦ ص ١١٩) والرسالة (ص ١٢٩ و ٢٤٧).


قد جعل الله لهنّ سبيلا : البكر بالبكر : جلد مائة ونفى (١) سنة ؛ والثّيّب بالثّيب : جلد مائة والرّجم.».

واحتجّ (٢) ـ : فى إثبات الرّجم على الثّيب ، ونسخ الجلد عنه (٣). ـ : بحديث عمر (رضى الله عنه) فى الرجم (٤) ؛ وبحديث أبى هريرة ، وزيد ابن خالد [الجهنىّ (٥)] : «أن رجلا ذكر : أن ابنه زنى بامرأة رجل ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : لأقضينّ بينكما بكتاب الله. فجلد ابنه مائة ، وغرّبه عاما ؛ وأمر أنيسا : أن يغدو على امرأة الآخر ؛ «فإن اعترفت : فارجمها (٦)». فاعترفت : فرجمها (٧).».

__________________

(١) رواية الرسالة : «وتغريب عام». وراجع هذا الحديث وما جاء فى نفى البكر : فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ٢١٠ و ٢٢١ ـ ٢٢٣) ، والفتح (ج ١٢ ص ١٢٧ ـ ١٢٩). ثم راجع مناقشة الشافعي القيمة ـ مع من خالفه فى مسئلة النفي ـ : فى الأم (ج ٦ ص ١١٩ ـ ١٢٠).

(٢) كما فى اختلاف الحديث (ص ٢٥٠ ـ ٢٥١). وانظر الأم (ج ٦ ص ١٤٢ ـ ١٤٣).

(٣) راجع الخلاف فى ذلك : فى الفتح (ج ١٢ ص ٩٧) فهو مفيد فيما سيأتى.

(٤) راجع هذا الحديث : فى الفتح (ج ١٢ ص ١١٦ ـ ١٢٧) والسنن الكبرى (ج ٨ ص ٢١١ ـ ٢١٣ و ٢٢٠). وراجع فيها (ص ٢١١) ما روى عن ابن عباس : مما يدل على أن حد الثيب الرجم فقط.

(٥) الزيادة عن رواية الأم (ج ٦ ص ١١٩). وراجع هذا الحديث : فى الرسالة (ص ٢٤٩) ، والفتح (ج ١٢ ص ١١١ ـ ١١٦) ، والسنن الكبرى (ج ٨ ص ٢١٢ ـ ٢١٤ و ٢١٩ و ٢٢٢).

(٦) هذا اقتباس من كلام النبي الموجه إلى أنيس. وعبارة الشافعي فى الأم (ج ٦ ص ١١٩) ، والرسالة (ص ١٣٢) ؛ هى : «فإن اعترفت رجمها».

(٧) قال الشافعي في الأم (ج ٦ ص ١١٩) ـ بعد أن ذكر هذا الحديث ـ. «وبهذا


قال الشافعي (١) : «كان ابنه بكرا ؛ وامرأة الآخر : ثيّبا. فذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ عن الله جلّ ثناؤه ـ : حدّ البكر والثّيّب فى الزنا ؛ فدلّ ذلك : على مثل ما قال [عمر (٢)] : من حدّ الثّيّب فى الزنا.».

وقال فى موضع آخر (٣) (بهذا الإسناد) : «فثبت (٤) جلد مائة (٥) والنّفى : على البكرين الزانييين ؛ والرّجم : على الثّيّبين الزانييين.»

«فإن (٦) كانا ممن أريدا (٧) بالجلد : فقد نسخ عنهما الجلد (٨) مع الرجم.»

__________________

قلنا ؛ وفيه الحجة : فى أن يرجم من اعترف مرة : إذا ثبت عليها.» ؛ ثم رد على من زعم : أنه لا يرجم إلا من اعترف أربعا ؛ ومن زعم : أن الرجم لا بد أن يبدأ به الإمام ، ثم الناس. فراجعه (ص ١١٩ ـ ١٢١) ، وراجع المختصر (ج ٥ ص ١٦٦). وراجع فى ذلك كله السنن الكبرى (ج ٨ ص ٢١٩ ـ ٢٢٠ و ٢٢٤ ـ ٢٢٨) ، وما ذكره صاحب الجوهر النقي (ص ٢٢٦ ـ ٢٢٨). وراجع الفتح (ج ١٢ ص ١٣٠ و ١٥١).

(١) كما فى اختلاف الحديث (ص ٢٥١).

(٢) الزيادة عن اختلاف الحديث. أي : من الاقتصار على الرجم.

(٣) من الرسالة (ص ٢٥٠).

(٤) كذا بالرسالة. وفى الأصل : «فثيب» ؛ وهو تصحيف.

(٥) فى بعض نسخ الرسالة : «المائة».

(٦) فى الرسالة : «وإن». وما فى الأصل أحسن.

(٧) فى بعض نسخ الرسالة : «أريد». وكلاهما صحيح كما لا يخفى.

(٨) أي : الذي ذكر مصاحبا للرجم فى حديث عبادة. وراجع كلامه عن هذا البحث ، وإجابته عن ظاهر هذا الحديث ـ : فى اختلاف الحديث (ص ٢٥٢ ـ ٢٥٣) ، والأم (ج ٦ ص ١١٩ وج ٧ ص ٧٦) ، والسنن الكبرى (ج ٨ ص ٢١٢) ، والرسالة


«وإن لم يكونا أريدا (١) بالجلد ، وأريد به البكران (٢) ـ : فهما مخالفان للثّيّبين ؛ ورجم الثّيّبين ـ بعد آية الجلد ـ : [بما (٣)] روى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الله (عز وجل). وهذا : أشبه (٤) معانيه ، وأولاها به عندنا ؛ والله أعلم.».

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (رحمه الله) ، قال (٥) : «قال الله (تبارك وتعالى) فى المملوكات (٦) : (فَإِذا أُحْصِنَّ ، فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ : فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ : مِنَ الْعَذابِ : ٤ ـ ٢٥) (٧)

__________________

ـ (ص ١٣١ ـ ١٣٢ و ٢٤٧ ـ ٢٥٠). ـ : ليتبين لك ما هنا.

(١) فى بعض نسخ الرسالة : «أريد». وهو خطأ وتحريف ؛ أو يكون قد سقط لفظ : «ممن».

(٢) فيكون لفظ الآية : عاما أريد به الخصوص ؛ على هذا الاحتمال ؛ دون الاحتمال الأول.

(٣) زيادة متعينة ، عن الرسالة. أي : ثبت بذلك.

(٤) كذا بالرسالة. وفى الأصل : «شبه» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٥) كما فى الرسالة (ص ١٣٣). وقد ذكر مختصرا فى اختلاف الحديث (ص ٢٥١ ـ ٢٥٢).

(٦) فى بعض نسخ الرسالة : «المملوكين» ؛ وهو تحريف. وفى اختلاف الحديث «الإماء».

(٧) قال فى اختلاف الحديث : «فعقلنا عن الله : أن على الإماء ضرب خمسين ، لأنه لا يكون النصف إلا لما يتجزأ. فأما الرجم فلا نصف له : لأن المرجوم قد يموت بأول حجر ، وقد لا يموت إلا بعد كثير من الحجارة».


«قال : والنّصف لا يكون إلا فى (١) الجلد : الذي يتبعّض. فأما الرّجم ـ : الذي هو (٢) : قتل. ـ : فلا نصف له (٣).».

ثم ساق الكلام ، إلى أن قال (٤) : «وإحصان الأمة : إسلامها. وإنما قلنا هذا ، استدلالا : بالسنة ، وإجماع أكثر أهل العلم.»

«ولمّا قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : «إذا زنت أمة أحدكم ، فتبيّن زناها : فليجلدها (٥).» ـ ولم يقل (٦) : محصنة كانت ، أو غير محصنة. ـ : استدللنا (٧) : على أن قول الله (عزّ وجلّ) فى الإماء : (فَإِذا

__________________

(١) فى الرسالة : «من». وكلاهما صحيح.

(٢) أي : نهايته القتل. وفى بعض نسخ الرسالة : «فيه» ؛ أي : فى نهايته القتل ، كما أن فى بدايته العذاب والألم. وهو أنسب للتعليل الذي سننقل بعضه. وإذن : فليس بخطأ كما زعم الشيخ شاكر.

(٣) قال فى الرسالة ، بعد ذلك : «لأن المرجوم قد يموت فى أول حجر يرمى به : فلا يزاد عليه ؛ ويرمى بألف وأكثر : فيزاد عليه حتى يموت. فلا يكون لهذا نصف محدود أبدا» إلخ. فراجعه (ص ١٣٤). وراجع كلامه عن هذا فى الرسالة (ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧) : فهو يزيد ما هنا وضوحا.

(٤) ص ١٣٥ ـ ١٣٦.

(٥) راجع فى الأم (ج ٦ ص ١٢١ ـ ١٢٢) : هذا الحديث ، ورد الشافعي على من خالفه : فى كون الرجل يحد أمته. فهو مفيد فى بعض المباحث السابقة.

(٦) كذا بالرسالة. وفى الأصل : «تقتل» ؛ وهو تحريف.

(٧) فى بعض نسخ الرسالة ، زيادة : «على أن الإحصان هاهنا : الإسلام ، دون النكاح والحرية والتحصين». وهى زيادة حسنة : إذا زيدت بعدها واو. ولعل الواو سقطت من الناسخ.


أُحْصِنَّ) : إذا أسلمن ـ لا : إذا نكحن فأصبن بالنكاح (١) ؛ ولا : إذا أعتقن. ـ : و [إن (٢)] لم يصبن.».

قال الشافعي (٣) : «وجماع الإحصان : أن يكون دون المحصن (٤) مانع من تناول المحرّم. والإسلام (٥) مانع ؛ وكذلك : الحرّيّة مانعة ؛ وكذلك : الزوجيّة (٦) ، والإصابة مانع ؛ وكذلك : الحبس فى البيوت مانع (٧) ؛ وكلّ ما منع : أحصن. قال الله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ : لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ : ٢١ ـ ٨٠) ؛ وقال عزّ وجل : (لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً ، إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ : ٥٩ ـ ١٤) ؛ أي (٨) : ممنوعة.»

«قال الشافعي : وآخر الكلام وأوّله ، يدلّان : على أن معنى

__________________

(١) كذا بالرسالة. وفى الأصل : «النكاح» ؛ والنقص من الناسخ.

(٢) زيادة متعينة ، عن الرسالة. وهذا متعلق بقوله : أسلمن ؛ أي : أن إحصان الإماء يتحقق بإسلامهن ، ولا يتوقف على إصابتهن. فتنبه. وهذا قول الشافعي المعتمد ؛ وسيأتى قوله الآخر فيما رواه يونس عنه.

(٣) كما فى الرسالة (ص ١٣٦ ـ ١٣٧). وعبارتها هى : «فإن قال قائل : أراك توقع الإحصان على معان مختلفة. قيل : نعم ، جماع الإحصان» الى آخر ما هنا.

(٤) فى الرسالة : «التحصين». وما فى الأصل أحسن.

(٥) عبارة الرسالة : «فالإسلام». وهى أحسن وأظهر.

(٦) فى الرسالة : «الزوج». وما فى الأصل أنسب.

(٧) قد تعرض لهذا فى الأم (ج ٥ ص ١٣٤) بأوضح من ذلك : فراجعه.

(٨) فى الرسالة : «يعنى».


الإحصان المذكور : عامّ (١) فى موضع دون غيره ؛ إذ (٢) الإحصان هاهنا : الإسلام ؛ دون : النكاح ، والحرّية ، والتّحصّن (٣) : بالحبس والعفاف. وهذه الأسماء : التي يجمعها اسم الإحصان (٤).».

__________________

(١) كذا بالرسالة (طبع بولاق). وهو الصحيح الظاهر. وفى الأصل : «عامة». وهو محرف عما أثبتنا. وفى نسخة الربيع وغيرها : «عاما» ؛ وهو خطأ وتحريف كما سنبين.

(٢) كذا بالرسالة (طبع بولاق) ونسخة ابن جماعة. وفى بعض النسخ : «لأن». وكلاهما صحيح. وفى الأصل كلمة مترددة بين : «إن» و «إذ». وفى نسخة الربيع : «أن» ؛ وهو خطأ وتحريف. فليس مراد الشافعي أن يقول (كما زعم الشيخ شاكر) : «إن آخر الكلام وأوله يدلان : على أن معنى الإحصان ـ الذي ذكر عاما فى موضع ، وخاصا فى آخر ـ يراد به الإسلام ، وأنه المراد بالإحصان هنا دون غيره.». فهذا ـ على تسليم صحة الإخبار والحمل ، وبصرف النظر عن التكلف المرتكب ـ غير مسلم : إذ كون الإحصان يراد به الإسلام ، وأنه المراد هنا ـ لا تتوقف معرفته على ذلك كله ؛ بل : عرف باول الكلام. وبدلالة الحديث السابق. على أنه لو كان ذلك مراده : لكان الظاهر والأخصر ، أن يقول : «... يدلان على أن الإحصان ... يراد به الإسلام إلخ».

وإنما مراده أن يقول : «إن الكلام كله قد دل : على أن معنى الإحصان قد يكون عاما ، وقد يكون خاصا. بدليل أنه فى الآية : الإسلام الذي هو عام ، دون غيره الذي هو خاص.». وأنت إذا تاملت السؤال الذي أجاب عنه الشافعي بقوله : جماع الإحصان إلخ ؛ وتاملت آخر كلامه ، وقوله الذي سننقله فيما بعد. ـ : تأكدت من أن هذا هو مراده ؛ وتيقنت : أن نسخة الربيع قد وقع فيها الخطأ والتحريف ، دون غيرها : وعلمت : أن الشيخ متأثر بان هذه النسخة معصومة عن شىء من ذلك.

(٣) فى الرسالة. «والتحصين».

(٤) راجع بهامش الرسالة ، ما نقله الشيخ شاكر عن اللسان ومفردات الراغب : فهو مفيد.


قال الشافعي (١) ـ فى قوله عز وجلّ : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ (٢) ، ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ : فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً الآية : ٢٤ ـ ٤) ـ : «المحصنات (٣) هاهنا : البوالغ الحرائر (٤) المسلمات (٥).».

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، قال : وقال الحسين بن محمد ـ فيما أخبرت عنه ، وقرأته فى كتابه ـ : أنا محمد بن سفيان بن سعيد أبو بكر ، بمصر ، نا يونس بن عبد الأعلى ، قال : قال الشافعي فى قوله عزّ وجلّ : (وَالْمُحْصَناتُ : مِنَ النِّساءِ ؛ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ : ٤ ـ ٢٤) : «ذوات الأزواج : من النساء» ؛ (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ : [مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ] : ٤ ـ ٢٤ ، مُحْصَناتٍ (٦) غَيْرَ مُسافِحاتٍ : ٤ ـ ٢٥) :

__________________

(١) كما فى الرسالة (ص ١٤٧).

(٢) قال فى الفتح (ج ١٢ ص ١٤٧) رميهن : «قذفهن ؛ والمراد : الحرائر العفيفات ؛ ولا يختص بالمزوجات ، بل حكم البكر كذلك : بالإجماع.».

(٣) فى نسخة الربيع : «فالمحصنات».

(٤) ذكر فى الرسالة إلى هنا ، ثم قال : «وهذا يدل : على أن الإحصان : اسم جامع لمعانى مختلفة.».

(٥) راجع كلامه عن هذا ، وعن الآية كلها : فى الأم (ج ٥ ص ١١٠ و ١١٧ و ٢٧٣ وج ٦ ص ٢٥٦ ـ ٢٥٧ وج ٧ ص ٧٨ و ٨١) ؛ فهو مفيد أيضا فى بعض الأبحاث السابقة والآتية. ثم راجع السنن الكبرى (ج ٨ ص ٢٤٩ ـ ٢٥٣). وانظر ما تقدم (ص ٢٣٧)

(٦) قوله : (محصنات غير مسافحات) ؛ قد ورد فى الأصل : مشطوبا عليه ، ومكتوبا فوقه ما زدناه. ونرجح : أن كلا منهما مقصود بالذكر ، وأن ما حدث انما هو من تصرف الناسخ : لأنه ظن أن لفظ الآية الأولى هو المقصود فقط ؛ وفات عليه أن معنى اللفظين واحد ، وأن التفسير المذكور ـ من الناحية اللفظية


«عفائف (١) غير خبائث» ؛ (فإذا أحصنّ) قال : «فإذا نكحن» ؛ (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ : ٤ ـ ٢٥) : «غير ذوات الأزواج».

* * *

(أنا) أبو عبد الله ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (رحمه الله) ، قال (٢) : «قال الله تبارك وتعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما : جَزاءً بِما كَسَبا : ٥ ـ ٣٨)

«ودلّت سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (٣) : أنّ المراد بالقطع فى السّرقة : من سرق من حرز (٤) ، وبلغت سرقته ربع دينار. دون غيرهما (٥) : ممن لزمه اسم سرقة (٦).».

__________________

ـ انما يلائم لفظ الآية الثانية [راجع القاموس : مادة عف] ، وأن النص هنا قد اكتفى بإثبات ما قصد شرحه : من الآيتين ؛ كما اكتفى بتفسير اللفظ الثاني. فتنبه. وراجع فى اواخر الكتاب ، ما رواه يونس أيضا عن الشافعي فى تفسير آية المائدة : (٥).

(١) قال ثعلب (كما فى المختار) : «كل امرأة عفيفة ، فهى : محصنة ومحصنة. وكل امرأة متزوجة فهى محصنة بالفتح لا غير. وقرىء : (فإذا أحصن) ـ على ما لم يسم فاعله ـ أي : زوجن.».

(٢) على ما يؤخذ من الرسالة (ص ٦٦ ـ ٦٧)

(٣) فى الرسالة زيادة : «على».

(٤) راجع كلامه المتعلق بالحرز : فى المختصر (ج ٥ ص ١٦٩ ـ ١٧٠).

(٥) كذا بالرسالة والأصل. والضمير فى كلام الرسالة ، عائد على السارق والزاني : لأن كلامها عام قد تناول أيضا آيتي النور والنساء. وأما هنا : فقد روعى فى تثنيته لفظ الآية ، أو الوصفان المذكوران. وإلا كان الظاهر إفراده. فتأمل.

(٦) قد تعرض لهذا البحث ـ بما تضمن فوائد جمة ، ومباحث هامة ـ : فى الرسالة


(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (١) : «قال الله عز وجل : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ، وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً : أَنْ يُقَتَّلُوا ، أَوْ يُصَلَّبُوا ، أَوْ (٢) تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ ، أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ : ٥ ـ ٣٣) (٣)

«قال الشافعي (٤) : أنا إبراهيم (٥) ، عن صالح مولى التّوأمة ، عن ابن عباس ـ فى قطّاع الطريق ـ : إذا قتلوا وأخذوا المال : قتّلوا وصلّبوا ؛ وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال : قتّلوا ولم يصلّبوا ؛ وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا : قطّعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ؛ [وإذا هربوا : طلبوا ، حتى

__________________

ـ (ص ١١٢ و ٢٢٣ ـ ٢٢٤ و ٢٣٣ و ٥٤٧) ، واختلاف الحديث (ص ٤٤ و ٥٠) ، والأم (ج ٥ ص ٢٤ وج ٧ ص ٢٠). فراجعه ؛ ثم راجع السنن الكبرى (ج ٨ ص ٢٥٤ ـ ٢٥٦ و ٢٥٩ و ٢٦٢ ـ ٢٦٦). وراجع فى الفتح (ج ١٢ ص ٧٩ ـ ٨٩) : الكلام على تفسير الآية ، وشرح الأبحاث المتعلقة بها. فهو فى غاية الجودة والشمول.

(١) كما فى الأم (ج ٦ ص ١٣٩ ـ ١٤٠).

(٢) فى الأم : «الآية».

(٣) راجع فيمن نزلت فيه هذه الآية ، ما روى عن قتادة وابن عباس وغيرهما : فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ٢٨٢ ـ ٢٨٣). ثم راجع الخلاف فى ذلك : فى الفتح (ج ١٢ ص ٩٠ وج ٨ ص ١٩٠ وج ١ ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧). لفائدته فى بعض مسائل الجهاد الآتية.

(٤) كما فى السنن الكبرى أيضا (ص ٢٨٣). وقد ذكر فى المختصر (ج ٥ ص ١٧٢ ـ ١٧٣).

(٥) هو ابن أبي يحيي كما فى السنن الكبرى. وقد وقع خطأ فى اسم أبيه ، بهامش صفحة (٩٨) بسبب متابعتنا هامش الأم. فليصحح.


يوجدوا ؛ فتقام عليهم الحدود (١)] ؛ وإذا أخافوا (٢) السبيل ، ولم يأخذوا مالا : نفوا من الأرض (٣)

«قال الشافعي : وبهذا نقول ؛ وهو : موافق معنى كتاب الله (عز وجل). وذلك : أن الحدود إنما نزلت : فيمن أسلم ؛ فأما أهل الشرك : فلا حدود لهم ، إلا : القتل ، والسبي (٤) ، والجزية.»

«واختلاف (٥) حدودهم : باختلاف أفعالهم ؛ على ما قال ابن عباس إن شاء الله عز وجل.»

«قال (٦) الشافعي (رحمه الله) : قال الله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ : ٥ ـ ٣٤) ؛ فمن تاب (٧) قبل أن يقدر عليه : سقط

__________________

(١) الزيادة عن الأم. وعبارة المختصر ، هى : «ونفيهم إذا هربوا : أن يطلبوا حتى يوجدوا ؛ فيقام عليهم الحدود». وهذه الزيادة قد وردت مختصرة ـ بلفظ : «ونفيه أن يطلب». ـ فى رواية ثانية عن ابن عباس بالسنن الكبرى. وهى مفيدة ومؤيدة لرأى الشافعي فى مسئلة التوبة الآتية. فراجعها.

(٢) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : «خافوا» ؛ وهو خطا ؛ والنقص من الناسخ. وهذا إلخ لم يرد فى المختصر. وقد ورد بدله ـ فى رواية ثالثة مختصرة عن ابن عباس ، بالسنن الكبرى ـ قوله : «فإن هرب وأعجزهم : فذلك نفيه.».

(٣) انظر فى السنن الكبرى ، ما روى عن على وقتادة : فهو مفيد فى الموضوع.

(٤) فى الأم : «أو السباء» ؛ وهو أحسن.

(٥) هذا إلى آخره ذكر فى السنن الكبرى.

(٦) هذا إلى ابتداء الآية غير موجود بالأم.

(٧) قال فى الأم (ج ٤ ص ٢٠٣) : «فإن تابوا من قبل أن يقدر عليهم : سقط عنهم ما لله : من هذه الحدود ؛ ولزمهم ما للناس : من مال أو جرح أو نفس ؛ حتى يكونوا يأخذونه أو يدعونه.».


حدّ (١) الله [عنه (٢)] ، وأخذ بحقوق بنى آدم (٣)

«ولا يقطع من قطّاع الطريق ، إلا : من أخذ قيمة ربع دينار فصاعدا. قياسا على السّنة : فى السارق (٤).».

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٥) : «ونفيهم : أن يطلبوا ، فينفوا من بلد إلى بلد. فإذا ظفر بهم : أقيم (٦) عليهم أىّ هذه الحدود كان حدّهم (٧).».

قال الشافعي (٨) : «وليس لأولياء الذين قتلهم قطاع الطريق ، عفو :

__________________

(١) فى الأم : «حق».

(٢) الزيادة عن الأم.

(٣) حكى الشافعي عن بعض أصحابه ، أنه قال : «كل ما كان لله ـ : من حد. ـ سقط بتوبته ؛ وكل ما كان للادميين لم يبطل». ثم اختاره. انظر السنن الكبرى (ج ٨ ص ١٨٤). وراجع فيها : ما يؤيده : من قول على وأبى موسى ؛ وما يعارضه : من قول ابن جبير وعروة وإبراهيم النخعي.

(٤) قال فى الأم ، بعد ذلك : «والمحاربون الذين هذه حدودهم : القوم يعرضون بالسلاح للقوم ، حتى يغصبوهم (المال) مجاهرة ، فى الصحارى والطرق.» إلخ. فراجعه لفائدته. وقد ذكر نحوه فى المختصر (ج ٥ ص ١٧٣)

(٥) كما فى الأم (ج ٤ ص ٢٠٣) : بعد أن ذكر نحو ما تقدم عن ابن عباس ، وقبل ما نقلناه عنه فى بحث التوبة.

(٦) فى الأم : «أقيمت». والتأنيث بالنظر إلى المضاف إليه.

(٧) راجع فى الفتح (ج ١٢ ص ٩٠) : الخلاف فى مسئلة النفي.

(٨) كما فى الأم (ج ٤ ص ٢٠٤). وراجع (ص ٢٠٣) : كلامه المتعلق : بأن لا عقوبة على من كان عليه قصاص فعفى عنه ؛ وأن إلى الوالي : قتل من قتل على المحاربة ، لا ينتظر به ولى المقتول. ورده على من زعم : أن للولى قتل القاتل غيلة ، كذلك.


لأن الله حدّهم : بالقتل ، أو : بالقتل والصّلب ، أو : القطع. ولم يذكر الأولياء ، كما ذكرهم في القصاص ـ فى الآيتين ـ فقال : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً : فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً : ١٧ ـ ٣٣) ؛ وقال في الخطإ : (وَدِيَةٌ (١) مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ؛ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا : ٤ ـ ٩٢). وذكر القصاص فى القتلى (٢) ، ثم قال : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ : فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ : ٢ ـ ١٧٨)».

فذكر ـ فى الخطإ والعمد ـ أهل الدم ، ولم يذكرهم فى المحاربة. فدلّ : على أن حكم قتل (٣) المحاربة ، مخالف لحكم قتل غيره. والله أعلم.».

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (٤) :

__________________

وتبيينه : أن كل مقتول قتله غير المحارب ، فالقتل فيه إلى ولى المقتول. وانظر أيضا السنن الكبرى (ج ٨ ص ٥٧). ليتضح لك الكلام ، وتلم بأطرافه.

(١) في الأصل والأم : «فدية». وهو تحريف ناشىء عن الاشتباه بما فى آخر الآية.

(٢) كذا بالأم. وهو الظاهر الموافق للفظ الآية. وفى الأصل : «القتل». وهو مع صحته ، لا نستبعد أنه محرف.

(٣) كذا بالأم. وفى الأصل : «قبل». وهو تصحيف.

(٤) كما فى الأم (ج ٧ ص ٨٦) : بعد أن ذكر قوله تعالى : (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى) الآيات الثلاث ؛ ثم حديث أبى رمثة : «دخلت مع أبى ، على النبي ، فقال له : من هذا؟ فقال : ابني يا رسول الله ، أشهد به. فقال النبي : أما إنه لا يجنى عليك ، ولا تجنى عليه.». هذا ؛ وقال فى اختلاف الحديث ـ فى آخر بحث تعذيب الميت ببكاء أهله : (ص ٢٦٩) ؛ عقب هذا الحديث ـ : «فأعلم رسول الله ، مثل ما أعلم الله : من أن


أنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عمر بن أوس ؛ قال : كان الرجل يؤخذ بذنب غيره ، حتى جاء إبراهيم (صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله) : فقال الله عز وجل : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى : ٥٣ ـ ٣٧ ـ ٣٨)

«قال الشافعي (١) (رحمه الله) : والذي سمعت (والله أعلم) ـ فى قول الله عز وجل : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى). ـ : أن لا يؤخذ أحد بذنب غيره (٢) ؛ وذلك : فى بدنه ، دون ماله. فإن (٣) قتل (٤) ، أو كان (٥) حدا : لم يقتل به غيره (٦) ، ولم يحدّ بذنبه : فيما بينه وبين الله (عز وجلّ). [لأن الله (٧)] جزى العباد على أعمال (٨) أنفسهم ، وعاقبهم عليها.»

__________________

جناية كل امرئ عليه ، كما عمله له : لا لغيره ، ولا عليه.». وانظر السنن الكبرى (ج ٨ ص ٢٧ و ٣٤٥ وج ١٠ ص ٥٨).

(١) كما ذكر فى السنن الكبرى (أيضا) مختصرا : (ج ٨ ص ٣٤٥).

(٢) فى السنن الكبرى ، بعد ذلك : «لأن الله عز وجل جزى العباد» إلى قوله : «عاقلته».

(٣) فى الأم : «وإن». وما فى الأصل أحسن.

(٤) كذا بالأم. وفى الأصل : «قيل». وهو تصحيف.

(٥) أي : كان ذنبه يستوجب الحد.

(٦) فى الأم زيادة : «ولم يؤخذ».

(٧) زيادة متعينة : وعبارة الأم : «لأن الله جل وعز إنما جعل جزاء» إلخ. وهى أحسن.

(٨) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : «أعمالهم» ، ولا نستبعد تحريفه.


«وكذلك أموالهم : لا يجنى أحد على أحد ، فى (١) مال ، إلا : حيث خصّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : بأن جناية الخطإ ـ من الحر ـ على الآدميّين : على عاقلته (٢)

«فأما [ما (٣)] سواها : فأموالهم ممنوعة من أن تؤخذ : بجناية غيرهم.»

«وعليهم ـ فى أموالهم ـ حقوق سوى هذا : من ضيافة ، وزكاة ، وغير ذلك. وليس من وجه الجناية.».

* * *

__________________

(١) كذا بالسنن الكبرى. وفى الأم : «فى ماله». وهو أظهر. وفى الأصل : «من مال» والظاهر أنه محرف.

(٢) راجع كلامه عن حقيقة العاقلة ، وأحكامها : في الأم (ج ٦ ص ١٠١ ـ ١٠٣) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٤٠). فهو نفيس جيد. وانظر فتح الباري (ج ١٢ ص ١٩٩) ، والسنن الكبرى (ج ٨ ص ١٠٦ ـ ١٠٧).

(٣) زيادة حسنة ، عن الأم.



بعون الله سبحانه وتعالى وتوفيقه ـ تم طبع الجزء الأول ـ

من أحكام القرآن للامام الشافعى رضى الله عنه

ويليه الجزء الثاني وأوله: ما يؤثر عنه في السير والجهاد

أحكام القرآن - ١

المؤلف:
الصفحات: 320