
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
ما رنحت أعطافها
في رياض الطروس عذبات الأقلام ، ولا نسجت ببنان لسانها مطارف تتشح بها غواني
الكلام أشرف من حمد الله الذي لا زالت آحاد الموجودات تشكر تواتر نعمائه ، وتخبر
بلسان فقر الحدوث عن مستفيض آلائه ، وتروي الرياض كمال قدرته بأصحّ الأسانيد عن
عليل النسيم ، وتحدث مرسلات قطرات المزن عن متون الغمام باتصال فضله العميم ،
والصلاة على نبيّه ومضمر سره ، الذي اجتباه عنوانا لصحيفة أحبائه ، وخاتمة لدفتر
أنبيائه ، وآله الذين جعل مقبول الطاعات موقوفا على محبتهم ،
ومرفوع الأعمال معلقا على طاعتهم ، صلاة لا تنقطع ما دامت المعضلات بأنامل الأفكار
منحلة ، ومجاهيل الأحكام مستفادة من الأدلّة.
وبعد : فقد نجز ـ بحمد
الله تعالى وحسن توفيقه ـ كتاب ( مستدرك الوسائل ) الحاوي لما خفي عن الأنام من
أدلة الأحكام والمسائل ، حتّى عرف صدق القائل : « كم ترك للأواخر الأوائل » ،
وأصبح مصباحا تزاح بأنوار أخباره
__________________
غياهب الأوهام ،
ودستورا يرجع إليه في معرفة الحلال والحرام ، ودليلا لرائد الفكر إذا تاه في مجاهل
الشبهات ، وسبيلا قصدا إلى مستور الأخبار ومخفي الروايات ، وهاديا إلى كنوز من
العلم لم تزل عن الأبصار مخفيّة ، وناشرا لإعلام هداية لم تزل من قبل مطويّة ،
وطلع في آفاق المفاخر بدرا كاملا بعد السرار ، وعمّ نوره سائر الأمصار ، وافتخر به هذا العصر على ما
تقدمه من سائر الأعصار ، وأصبحت عيون الفضل به قريرة ، ومسالك الأفهام به مستنيرة
، ورأى العلماء منه بالعيان ، ما زعموا خروجه عن حدّ الإمكان ،
ونظروا إلى درر متّسقة ، طالما اشتاقوا أن يروها ولو متفرّقة.
ولمّا فاح مسك
ختامه ، ولاح كالبدر ليل تمامه ، انتهى ميدان القلم إلى استدراك للفوائد ، وما خفي
على الشيخ المصنف رحمهالله من غوالي الفرائد ، فاشتمل ـ بحمد الله تعالى ـ كسابقه على
فوائد جمّة ، ونفائس مهمّة ، لم تنل لآليها من قبل كفّ غائص ، ولا دنت من آرام كناسها حبالة قانص ، فكم من راو مجهول بين أبناء صنفه بيّنت
فيها حاله ، ومهجور لضعفه نبّأت على أنّه في غاية الجلالة ، ومشتبه شخصه وحاله
يزول عنه الشكّ والريب ، ومطعون في دينه يظهر براءته عن وصمة العيب.
وكم من عالم ضاع
اسمه في زوايا الخمول ، ودرست من أبيات فضائله
__________________
الآثار والطلول ،
وأخمدت مصابيح فضائله أعصار الأعصار ، وعادت رياض مناقبه ذاوية الأزهار ، أظهرت ما
خفي من علمه ، وجدّدت ما درس من رسمه ، حتى عاد منارا به يهتدى ، وعلما به يقتدى.
وأصل من معظم
الأصول ، كان عند القدماء عليه المعوّل ، لا غناء لهم عنه ولا متحول ، كان لهم
عليه في العمل المدار ، وفي اشتهار الصحة كالشمس في رابعة النهار ، أصبح في هذه
الأعصار مجهول الانتساب والمقدار ، وقابله أهله بالردّ والإنكار ، أعرصوا عنه مذ
لم يعرفوه ، وجهلوا حاله ـ أو حال مصنّفه ـ فانكروه ، فشيّدت ـ بحمد الله تعالى ـ فيها
أساس صحّته ، وأثبتّ علوّ قدر مصنّفه وجلالة رتبته.
وآخر محت آثاره
شبهات الغافلين ، وتشكيكات الجاهلين ، جدّدت معالمه الدارسة ، وأحييت آثاره
الطامسة ، وأجبت عن تلك الشبهات الغثة ، والشكوك الرثّة ، حتى أضحت بريئة من تلك
التهم ، وانجاب عنه ذلك لغمام المدلهم.
وبالجملة فهذه
الدرر والفرائد ، التي نظمتها في سلك واحد ، جديرة بأن تكون لأجياد غواني المعاني
عقودا ، ويفصّل هذا السابري لأجسادها حللا وبرودا ، إذ كلّ فائدة منها فريدة عن
غيرها ممتازة ، وخريدة عن جاراتها منحازة ، تستقل كلّ منها بنفسها ، وتفوق على من
سواها من جنسها ، وكان من حقها أن نجعل كل فائدة منها كتابا مستقلا ، وموردا يروي
ظمأ طلاّبها علا ونهلا ، ولكن صدّنا عن ذلك ما عزمنا عليه من إتمام مستدرك الكتاب
، وكراهة أن تبقى مشيدات قصوره ناقصة البيوت والأبواب ، والناظر في ذلك بالخيار :
إن شاء أبقاها على ما وقع عليه الاختيار ، وان شاء جعلها عقودا مفصّلة في نحور
الطروس ، ونفائس تتنافس في رؤيتها النفوس ، وأسأل الله أن يجعل نفعها عامّا لخصوص
اولي الألباب ، وأن ينفعني بها يوم الحساب.
الفائدة
الأولى
في ذكر الكتب التي
نقلت منها ، وجمعت منها هذا المستدرك ، ممّا لم يكن عند الشيخ الجليل المتبحّر
صاحب الوسائل رحمهالله ، أو كان ولم يعرف صاحبه في وقت التأليف ، وهي كثيرة نذكر
عمدتها :
[١] كتاب
الجعفريات : ويعرف في كتب الرجال بالأشعثيات ، ويأتي وجه التسمية بها.
[٢] كتاب درست بن
أبي منصور.
[٣] أصل زيد
الزرّاد.
[٤] كتاب أبي سعيد
عبّاد العصفري.
[٥] كتاب عاصم بن
حميد الحنّاط.
[٦] أصل زيد
النرسي.
[٧] كتاب جعفر بن
محمّد بن شريح الحضرمي.
[٨] كتاب محمّد بن
المثنّى.
[٩] كتاب عبد
الملك بن حكيم.
[١٠] كتاب المثنّى
بن الوليد الحنّاط.
[١١] كتاب خلاّد
السدي.
[١٢] كتاب حسين بن
عثمان بن شريك.
[١٣] كتاب عبد
الله بن يحيى الكاهلي.
[١٤] كتاب سلام بن
أبي عمرة.
[١٥] جزء من نوادر
عليّ بن أسباط.
[١٦] مختصر كتاب
العلاء بن رزين.
[١٧] كتاب المؤمن
ـ أو ابتلاء المؤمن ـ للحسين بن سعيد الأهوازي.
[١٨] كتاب الديات
لظريف بن ناصح.
[١٩] كتاب
المسلسلات للشيخ أبي محمّد جعفر بن أحمد القمي.
[٢٠] كتاب
المانعات من دخول الجنّة له أيضا.
[٢١] كتاب الغايات
له [ أيضا ].
[٢٢] كتاب العروس
في أعمال الجمعة له أيضا.
[٢٣] كتاب
القراءات لأحمد بن محمّد السيّاري ، ويعرف أيضا بكتاب التنزيل والتحريف.
[٢٤] كتاب إثبات
الوصيّة للشيخ الجليل علي بن الحسين المسعودي.
[٢٥] كتاب دعائم
الإسلام للقاضي نعمان بن أبي عبد الله المصري.
[٢٦] كتاب شرح
الأخبار له أيضا.
[٢٧] كتاب
الاستغاثة لأبي القاسم علي بن أحمد الكوفي.
[٢٨] كتاب الآداب
والأخلاق له أيضا.
[٢٩] كتاب النوادر
للسيّد الأجل ضياء الدين فضل الله بن علي الراوندي.
[٣٠] كتاب روض
الجنان ـ وهو التفسير الكبير ـ للشيخ أبي الفتوح الحسين بن علي الخزاعي الرازي.
[٣١] رسالة تحريم
الفقّاع للشيخ أبي جعفر الطوسي.
[٣٢] كتاب معدن
الجواهر لأبي الفتح محمّد بن علي الكراجكي.
[٣٣] كتاب لبّ
اللباب للشيخ الجليل هبة الله بن سعيد المعروف بالقطب الراوندي.
[٣٤] كتاب الدعوات
له أيضا.
[٣٥] كتاب فقه
القرآن له أيضا.
[٣٦] كتاب التمحيص
لأبي علي محمّد بن همام.
[٣٧] كتاب الهداية
للصدوق.
[٣٨] كتاب المقنع له
أيضا.
[٣٩] كتاب نزهة
الناظر لأبي يعلى الجعفري تلميذ الشيخ المفيد رحمهالله.
[٤٠] كتاب مصباح
الشريعة المنسوب إلى مولانا الصادق عليهالسلام.
[٤١] صحيفة الرضا عليهالسلام.
[٤٢] الرسالة
الذهبيّة لمولانا الرضا عليهالسلام.
[٤٣] كتاب الفقه
المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام أيضا.
[٤٤] كتاب فلاح
السائل ونجاح المسائل للسيّد رضيّ الدين علي بن طاوس ، وقد وصل إلينا الجزء الأول
منه ، وهو من مجلّدات التتمّات والمهمّات.
[٤٥] كتاب مشكاة
الأنوار للمحدّث الفاضل سبط أمين الإسلام الشيخ الطبرسي صاحب مجمع البيان.
[٤٦] رسالة في
المهر للشيخ المفيد رحمهالله.
[٤٧] المسائل
الصاغانيّة له أيضا ، وغيرها من الرسائل وأجوبة المسائل.
[٤٨] كتاب عوالي
اللآلي للشيخ الفاضل ابن أبي جمهور الأحسائي.
[٤٩] كتاب درر
اللآلي العمادية له أيضا.
[٥٠] تفسير الشيخ
الجليل محمّد بن إبراهيم النعماني.
[٥١] كتاب جامع
الأخبار المردّد مؤلّفه بين جماعة يأتي ذكر أساميهم.
[٥٢] كتاب الشهاب
للقاضي أبي عبد الله محمّد بن سلامة القضاعي.
[٥٣] مزار الشيخ
محمّد بن المشهدي.
[٥٤] تاريخ قم
تأليف الشيخ الفاضل حسن بن محمّد بن الحسن القمي ، المعاصر للصدوق رحمهالله.
[٥٥] الخصائص
للسيّد الرضيّ ، جامع نهج البلاغة.
[٥٦] سعد السعود
للسيّد رضيّ الدين علي بن طاوس.
[٥٧] كتاب اليقين
ـ أو كشف اليقين ـ له أيضا.
[٥٨] كتاب التعازي
للشريف الزاهد أبي عبد الله محمّد بن علي بن الحسن بن
عبد الرحمن العلوي
الحسني.
[٥٩] كتاب المجموع
الرائق للسيّد الفاضل هبة الله بن أبي محمّد الحسن الموسوي.
[٦٠] طبّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لأبي العباس المستغفري.
[٦١] مجاميع ثلاثة
للشهيد الأوّل قدس الله روحه الزكيّة.
[٦٢] كتاب كنوز
النجاح للشيخ أبي علي صاحب مجمع البيان.
[٦٣] كتاب عمدة
الحضر له أيضا.
[٦٤] كتاب صغير
وجدناه في الخزانة الرضوية.
[٦٥] كتاب غرر
الحكم ودرر الكلم لعبد الواحد الآمدي.
وعندنا كتب اخرى
قلّما رجعنا إليها ، أشرنا إلى أساميها في محلّه.
وأمّا ما نقلنا
عنه بتوسّط كتاب بحار الأنوار فهو :
[ أ ] كتاب
الإمامة والتبصرة للشيخ الجليل علي بن الحسين بن موسى بن بابويه.
[ ب ] كتاب العلل
لمحمّد بن علي بن إبراهيم بن هاشم القميّ رحمهالله.
[ ج ] كتاب أعلام
الدين في صفات المؤمنين للشيخ العارف أبي محمّد الحسن بن محمّد الديلمي.
[ د ] كتاب قضاء
حقوق المؤمنين للشيخ سديد الدين أبي علي بن طاهر السوري.
[ ه ] كتاب مقصد
الراغب للشيخ الحسين بن محمّد بن الحسن المعاصر للصدوق رحمهالله.
[ و ] كتاب مصباح
الأنوار للشيخ هاشم بن محمّد.
[ ز ] كتاب العدد
القويّة لدفع المخاوف اليوميّة ، تأليف الشيخ الفقيه رضيّ الدين عليّ بن يوسف بن
مطهّر الحلي ، أخ العلامة رحمهما الله تعالى.
__________________
الفائدة
الثانية
في شرح
حال هذه الكتب ومؤلّفيها
١ ـ أمّا
الجعفريّات :
فهو من الكتب
القديمة المعروفة المعوّل عليها ، لإسماعيل بن موسى بن جعفر عليهماالسلام.
قال النجاشي في
رجاله : إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ ابن الحسين عليهمالسلام ، سكن مصر وولده بها ، وله كتب يرويها عن أبيه عن آبائه ، منها : كتاب
الطهارة ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ، كتاب الصوم ، كتاب الحج ، كتاب الجنائز ،
كتاب الطلاق ، كتاب النكاح ، كتاب الحدود ، كتاب الدعاء ، كتاب السنن والآداب ،
كتاب الرؤيا.
أخبرنا الحسين بن
عبيد الله ، قال : حدثنا أبو محمّد سهل بن أحمد بن سهل ، قال : حدّثنا أبو علي
محمّد بن محمّد بن الأشعث بن محمّد الكوفي بمصر ـ قراءة عليه ـ قال : حدثنا موسى
بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهمالسلام ، قال : حدثنا أبي بكتبه .
وقال الشيخ رحمهالله في الفهرست : إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب عليهمالسلام سكن مصر
__________________
ومولده بها ، له كتب عن
أبيه عن آبائه مبوّبه ، منها : كتاب الطهارة ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ، كتاب
الصوم ، كتاب الحجّ ، كتاب الجنائز ، كتاب الطلاق ، كتاب النكاح ، كتاب الحدود ،
كتاب الديات ، كتاب الدعاء ، كتاب السنن والآداب ، كتاب الرؤيا.
أخبرنا الحسين بن عبيد
الله ، قال : أخبرنا أبو محمّد سهل بن أحمد بن سهل الديباجي ، قال : حدثنا أبو علي
محمّد بن محمّد بن الأشعث بن محمّد الكوفي بمصر ـ قراءة عليه ـ من كتابه ، قال :
حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهمالسلام ، قال : حدثنا أبي إسماعيل .
وقال في رجاله :
محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي ، يكنّى أبا علي ومسكنه بمصر في سقيفة جواد ،
يروي نسخة عن موسى بن إسماعيل بن موسى ابن جعفر عليهماالسلام ، عن أبيه إسماعيل بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال التلعكبري : أخذ لي والدي منه إجازة في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة .
وقال في ترجمة
محمّد بن داود بن سليمان : يكنّى أبا الحسن يروي عنه التلعكبري ، وذكر أنّ إجازة
محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي وصلت إليه على يد هذا الرّجل في سنة ثلاث عشرة
وثلاثمائة ، قال : سمعت منه في هذه السنة
__________________
من الأشعثيات ما
كان إسناده متّصلا بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وما كان غير ذلك لم يروه عن صاحبه ، وذكر التلعكبريّ أنّ
سماعة هذه الأحاديث المتّصلة الأسانيد من هذا الرجل ، ورواية جميع النسخة بالإجازة
عن محمّد بن الأشعث ، وقال ليس لي من هذا الرجل إجازة .
وقال النجاشي :
سهل بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن سهل الديباجي ، أبو محمّد لا بأس به ، كان
يخفي أمره كثيرا ، ثمّ ظاهر بالدين في آخر عمره ، له كتاب إيمان أبي طالب. أخبرني
به عدّة من أصحابنا ، وأحمد بن عبد الواحد .
وقال العلاّمة طاب
ثراه في الخلاصة بعد نقل كلام النجاشي إلى قوله : آخر عمره وقال ابن الغضائري :
كان يضع الأحاديث ، ويروي عن المجاهيل ولا بأس بما يروي عن الأشعثيات ، وما يجري
مجراها ممّا رواه غيره ، انتهى.
وقال الشيخ رحمهالله في رجاله : سهل بن أحمد بن عبد الله بن سهل الديباجي ، بغداديّ كان ينزل درب
الزعفراني ببغداد ، سمع منه التّلعكبريّ سنة سبعين وثلاثمائة ، وله منه إجازة
ولابنه ، أخبرنا عنه الحسين بن عبيد الله ، يكنّى أبا محمّد ، انتهى.
ولا يخفى أنّ مدح
النجاشي ، ورواية العدّة والتّلعكبريّ وابنه عنه ، وعدم إشارة الشيخ إلى ذمّ فيه ،
واعتماده والنجاشي والحسين بن عبيد الله عليه في الرواية عن
الأشعثيات ، وذكره بالكنية في مقام ذكر الطريق.
يوجب الاعتماد ، ويوهن
كلام ابن الغضائري ، وان استثنى روايته عن
__________________
الأشعثيات ، فإنّ
جلالة شأنهم ، وعلوّ مقامهم ، وتثبّتهم ، تأبى عن الرواية عن الوضّاع ، وجعله شيخا
للإجازة.
ويؤيده كلام جماعة
من أصحابنا : كالشيخ محمّد في شرح الاستبصار ، والشيخ عبد النبيّ في الحاوي ، وسميّه الكاظمي
في التكملة ، بل نسبه فيها إلى الأكثر ، والمجلسي ، وصاحب النقد ، وأستاده خرّيت هذه الصناعة المولى عبد الله التستري ، من أنّ المراد
من ابن الغضائري صاحب الرجال ، هو أحمد الغير المذكور في الرجال ، الذي صرّح
الجماعة بأنّهم لم يقفوا فيه على جرح ولا تعديل ، بل قال في البحار : ورجال ابن
الغضائري ، وهو إن كان الحسين فهو من أجلّة الثقات ، وإن كان أحمد ـ كما هو الظاهر
ـ فلا اعتمد عليه كثيرا ، وعلى أي حال الاعتماد على هذا الكتاب يوجب ردّ أكثر
أخبار الكتب المشهورة ، انتهى.
وممّن روى عن
الأشعثيات بتوسط سهل عليّ بن بابويه قدّس سره كما
__________________
يظهر من كتاب
الإمامة والتبصرة له ، وقد نقل عنه في البحار كثيرا ، سيّما في كتاب العشرة ،
ووجدناه مطابقا لما في أصله .
ولا بعد في رواية
علي بن بابويه عنه ، مع رواية الحسين ـ المتأخر عنه بطبقتين ـ عنه أيضا ،
فإنّ وفاه علي في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، وقد مرّ أنّ التلعكبري سمع منه سنة
سبعين وثلاثمائة ، فلو كان عمره حينئذ ثمانين مثلا كان في وقت وفاة علي في حدود
الأربعين ، وروايته عنه قبله بمدّة غير مستبعد.
وممّن روى هذا
الكتاب عن محمّد بن محمّد بن الأشعث بتوسط سهل : أبو عبد الله محمّد بن الحسن
التميمي البكري ، كما يأتي في شرح حال كتاب النوادر للسيّد فضل الله الراوندي .
ثم اعلم أنّ جماعة
أخرى رووا هذا الكتاب عنه غير سهل :
__________________
١
ـ منهم : شيخ هذه الطائفة ووجهها أبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري كما تقدّم .
٢
ـ ومنهم : الشيخ الجليل أبو المفضّل الشيباني ، قال رضيّ الدين علي ابن طاوس في فلاح السائل : حدّث أبو
المفضّل محمّد بن عبد الله رحمهالله قال : كتب إليّ محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي من مصر ،
يقول : حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وساق السند والخبر موجود في أواخر هذا الكتاب.
٣
ـ ومنهم : أبو الحسن علي بن جعفر بن حمّاد ، قال العلامة في إجازته الكبيرة لبني زهرة : ومن ذلك كتاب
الجعفريات ، وهي ألف حديث بهذا الإسناد : عن السيّد ضياء الدين فضل الله بإسناد
واحد ، رواها عن شيخه عبد الرحيم ، عن أبي شجاع صابر بن الحسين بن فضل الله بن
مالك ، قال : حدثنا أبو الحسن عليّ بن جعفر بن حمّاد بن دائن الصيّاد بالبحرين
، قال : أخبرنا بها أبو علي محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي ، عن أبي الحسن موسى
ابن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهماالسلام.
٤
ـ ومنهم : عبد الله بن المفضل ، قال الشيخ رحمهالله في باب البيّنات من التهذيب : عنه ، عن عبد الله بن
المفضّل بن محمّد بن هلال ، عن محمّد
__________________
ابن محمّد بن
الأشعث الكندي ، قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل ، عن أبيه ، قال : حدّثني
أبي ، [ عن أبيه ] عن جدّه ، عن عليّ عليهمالسلام. إلى آخره.
ورواه في
الاستبصار أيضا ، إلاّ أنّ في جملة من نسخه عبد الله بن المفضّل ، عن محمّد بن
هلال ، عن محمّد بن محمّد . إلى آخره.
٥
ـ ومنهم : إبراهيم بن محمّد بن عبد الله القرشي ، ففي التهذيب : محمّد ابن أحمد بن داود ، عن أبي أحمد
إسماعيل بن عيسى بن محمّد المؤدب ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمّد بن عبد الله
القرشي ، قال : حدثنا محمّد بن محمّد بن الأشعث بمصر ، قال : حدثنا أبو الحسن موسى
بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ابن محمّد بن علي بن الحسين عليهمالسلام . إلى آخره ، كذا في نسخة ، وفي نسخة محمّد بن محمّد بن هيثم بدل الأشعث.
وصرّح الفاضل
الأردبيلي في جامع الرّواة : أنّه سهو ، لعدم وجوده في كتب الرجال .
والخبر موجود في
الكتاب كما رواه .
٦
ـ ومنهم : أبو محمد عبد الله بن محمّد بن عبد الله ـ المعروف بابن
__________________
السقّاء ـ كما هو
موجود في أوّل النسخة التي وصلت إلينا ، ففيه : أخبرنا القاضي أمين القضاة أبو عبد
الله محمّد بن علي بن محمّد ـ قراءة عليه ، وأنا حاضر أسمع. قيل له : حدّثكم
والدكم أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد ، والشيخ أبو نعيم محمّد بن إبراهيم بن
محمّد بن خلف الجمازي ، قالا : أخبرنا الشيخ أبو الحسن أحمد بن المظفّر العطار ،
قال : أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن عثمان ـ المعروف بابن
السقّاء ـ قال : أخبرنا أبو علي محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي من كتابه ، سنة
أربع عشرة وثلاثمائة ، قال : حدثني أبو الحسن موسى بن إسماعيل. إلى آخره .
ثمّ قد يذكر في
أوّل السّند فيقول : أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمّد ، والأغلب أن
يبتدئ بمحمّد ، فيقول : أخبرنا محمّد ، حدثني موسى. إلى آخره.
٧
ـ ومنهم : أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله ، قال العلاّمة المجلسي قدسسره في الفصل الرابع من أول البحار : وكلّ ما كان فيه نوادر
الراوندي بإسناده ، فهذا سنده نقلته كما وجدته : أخبرنا. إلى آخر ما يأتي في شرح
حال النوادر ، وقال في الحاشية في هذا المقام : أقول أخبار الأشعثيات
كانت مشهورة بين الخاصّة والعامّة ، وقد جمع الشيخ محمّد بن ( محمّد بن ) الجزري الشافعي
أربعين حديثا ، كلّها من تلك الأخبار المذكورة في النوادر بهذا السند ، قال في
أوّله : أردت جمع أربعين حديثا من رواية أهل البيت الطيّبين
__________________
الطاهرين عليهمالسلام ، ـ حشرنا الله في زمرتهم وأماتنا على محبّتهم ـ من الصحيفة التي ساقها
الحافظ أبو أحمد بن عدي.
ثم قال : أخبرنا
أبو بكر محمّد بن عبد الله المقدسي ، عن سليمان بن حمزة المقدسي ، عن محمود بن
إبراهيم ، عن محمّد بن أبي بكر المديني ، عن يحيى بن عبد الوهّاب ، عن عبد الرحمن
بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد الهروي ، عن أبي أحمد عبد الله بن أحمد بن عدي .
قال : وأخبرني
أيضا أحمد بن محمّد الشيرازي ، عن علي بن أحمد المقدسي ، عن عمر بن معتمر ، عن
محمّد بن عبد الباقي ، عن أحمد بن علي الحافظ ، عن الحسن الحسيني الأسترابادي ، عن
عبد الله بن أحمد بن عديّ ، عن محمّد بن محمّد بن الأشعث ، عن موسى بن إسماعيل بن
موسى بن جعفر عليهماالسلام ، عن أبيه إسماعيل ، عن أبيه موسى ، عن آبائه عليهمالسلام ، ثم ذكر أسانيد الأخبار بهذا السند انتهى.
ومن الغريب بعد
ذلك كلّه ، ما ذكره الشيخ الجليل في جواهر الكلام في كتاب الأمر بالمعروف ، ما
لفظه : وأغرب من ذلك كلّه استدلال من حلّت الوسوسة في قلبه ، بعد حكم أساطين
المذهب بالأصل المقطوع ، وإجماع ابني زهرة وإدريس ـ اللذين قد عرفت حالهما ـ وببعض
النصوص الدالة على أنّ الحدود للإمام عليهالسلام خصوصا المروي عن كتاب الأشعثيات ، لمحمّد بن محمّد بن
الأشعث ـ بإسناده عن الصادق ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهمالسلام : « لا يصلح الحكم ، ولا الحدود ، ولا الجمعة إلاّ بالإمام » ـ الضعيف سندا ،
بل الكتاب المزبور على ما حكي عن بعض الأفاضل ، ليس من
__________________
الأصول المشهورة ،
بل ولا المعتبرة ، ولم يحكم أحد بصحّته من أصحابنا ، بل لم تتواتر نسبته الى
مصنّفه ، بل ولم تصحّ على وجه تطمئنّ النفس بها ، ولذا لم ينقل عنه الحرّ في
الوسائل ، ولا المجلسي في البحار ، مع شدّة حرصهما ـ خصوصا الثاني ـ على كتب
الحديث ، ومن البعيد عدم عثورهما عليه ، والشيخ والنجاشي ، وإن ذكرا أنّ مصنّفه من
أصحاب الكتب ، إلاّ أنّهما لم يذكرا الكتاب المزبور بعبارة تشعر بتعيينه ، ومع ذلك
فإنّ تتبّعه وتتبّع كتب الأصول يعطيان أنّه ليس جاريا على منوالها ، فإنّ أكثره
بخلافها ، وإنّما تطابق روايته في الأكثر رواية العامّة. إلى آخره ، انتهى موضع
الحاجة ، وفيه مواقع للنظر بل التعجب.
أمّا
أولا : فقوله رحمهالله : « ضعيف سندا » ، فإنّ الكتاب على ما زعمه لمحمّد بن الأشعث ، وهو
ثقة من أصحابنا ، كما في رجال النجاشي والخلاصة والطريق إليه
صحيح ، كما عرفت.
والحقّ الذي لا
مرية فيه أنّه لإسماعيل بن موسى بن جعفر عليهماالسلام كما عرفت سابقا ، وانّما وصل إلى محمّد بن محمّد بن الأشعث
بتوسط ابنه موسى ، ومنه انتشر هذا الكتاب ، وعرف بالأشعثيات.
ويعرّف جلالة قدر
إسماعيل وعلوّ مقامه ـ مضافا الى التأمّل ( فيما ) في ترجمته ـ ما
ذكره الكشي في ترجمة صفوان بن يحيى ، أنّه مات في سنة عشر ومائتين بالمدينة ، وبعث
إليه أبو جعفر عليهالسلام بحنوطه وكفنه ، وأمر إسماعيل بن موسى عليهالسلام بالصلاة عليه .
__________________
وفي الكافي : عن
أبي علي الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، وعن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن
شاذان ، عن صفوان. وعن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين جميعا ، عن صفوان بن
يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، أنّ أبا الحسن موسى عليهالسلام بعث إليه بوصيّة أبيه ، وبصدقته ، وساق الحديث .
وفيه : وجعل صدقته
هذه إلى علي عليهالسلام وإبراهيم ، فإذا انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي منهما
، فإذا انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما ، فإذا انقرض أحدهما دخل العبّاس
مع الباقي منهما ، فإذا انقرض أحدهما فالأكبر من ولدي ، فان لم يبق من ولدي إلاّ
واحد فهو الذي يليه ، وزعم أبو الحسن عليهالسلام أنّ أباه قدم إسماعيل في صدقته على العباس ، وهو أصغر منه .
وقال المفيد رحمهالله في الإرشاد ـ بعد ذكر أولاد موسى عليهالسلام ـ : ولكلّ واحد من ولد أبي الحسن موسى عليهالسلام فضل ومنقبة مشهورة .
وأمّا ابن إسماعيل
أبو الحسن موسى ، فقال الشيخ في الفهرست : موسى ابن إسماعيل له كتاب الصلاة ،
وكتاب الوضوء ، رواهما عنه محمّد بن محمّد بن الأشعث ، وله كتاب جامع التفسير .
وقال النجاشي :
موسى بن إسماعيل له كتاب جوامع التفسير ، وله كتاب الوضوء ، روى هذه الكتب محمّد
بن الأشعث .
ويظهر منهما أنّه
من العلماء المؤلّفين ، مع أنّه في المقام من مشايخ
__________________
الإجازة ، والنسخة
معلومة الانتساب إلى أبيه إسماعيل ، ولذا تلقّاها الأصحاب بالقبول كما عرفت من حال
الرّواة والمحدّثين ، ورووها عن محمّد بن الأشعث من غير تأمّل ونكير من أحد
منهم ، بل روى عنه هذه النسخة أيضا الثقة العين محمّد بن يحيى الخزاز ، كما في
المجلس الحادي والسبعين من أمالي الصدوق قدسسره ، قال : حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمهالله ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، قال : أخبرني محمّد
بن يحيى الخزاز ، قال : حدثني موسى بن إسماعيل ، عن أبيه ، عن موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وساق الخبر ، ثم قال : وبهذا الإسناد ، وساق خبرين آخرين كلّها موجودة فيها
.
ويروي عنه أيضا
إبراهيم بن هاشم ، كما في المجلس الرابع والخمسين منه ، قال : حدثنا أحمد بن زياد
بن جعفر الهمداني ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم
قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ابن موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وساق النسب والإسناد. إلى آخره.
ويروي عنه أيضا
أحمد بن عيسى ، ففي المجلس الأربعين منه : حدثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد
العسكري ، قال : حدثنا محمّد بن أحمد القشيري ، قال : حدّثنا أبو الحريش أحمد بن عيسى الكوفي ، قال :
حدّثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وساق السند والمتن
__________________
كما في الأصل
الموجود ، ومثله في المجلس الثالث والخمسين إلاّ أنّ فيه أحمد بن عيسى الكلابي .
وفي أمالي أبي
عليّ ابن الشيخ : عن أبيه ، عن المفيد ، عن الصدوق قدسسرهم ، قال : حدثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري ، قال : حدّثنا
محمّد بن أحمد بن حمران بن المغيرة القشيري ، إلى آخر السند والمتن .
وأنت خبير أنّ
رواية ثلاثة من الأجلاّء الثقات ، عن موسى ـ وهم : محمّد ابن الأشعث ، وابن يحيى ،
وإبراهيم بن هاشم الذي صرّح علي بن طاوس في فلاح السائل بأنّه من الثقات بالاتّفاق ـ ممّا
يورث الظن القويّ بكونه من الثقات ، ولعلّنا نشير إليه فيما يأتي ان شاء الله
تعالى ، مضافا إلى كونه من المؤلّفين.
ومن الغريب ما في
منتهى المقال ، فإنّه بعد نقل ما في الفهرست والنجاشي كما نقلنا ، قال : أقول :
يظهر ممّا ذكراه أنّه من العلماء الإماميّة فتأمّل ، فكأنّه لم
يعرفه وأنّه سبط الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلام ، واستظهر منهما كونه إماميّا ثم تأمّل فيه.
وأمّا
ثانيا : فقوله : «
حاكيا عن بعض الأفاضل أنّه ليس من الأصول المشهورة. » الى آخره ففساده واضح بعد
التأمّل فيما ذكرناه ، وليت شعري أيّ كتاب من الرواة الأقدمين أشهر منه ، وأيّ
مؤلّف لم ينقل منه ، بل لم يذكروا كتابا مخصوصا منه في طيّ الإجازات سواه.
وقال ابن طاوس في
كتاب عمل شهر رمضان ـ المدرج في الإقبال : فصل في تعظيم شهر رمضان ـ : رأيت ورويت
من كتاب الجعفريات وهي
__________________
ألف حديث بإسناد
واحد ، عظيم الشأن ، إلى مولانا موسى بن جعفر ، عن مولانا جعفر بن محمّد ، عن
مولانا محمّد بن علي ، عن مولانا علي بن الحسين ، عن مولانا الحسين بن علي ، عن
مولانا علي [ بن أبي طالب عليهمالسلام ، قال : « لا تقولوا رمضان » الخبر. وهذا الحديث وقف فيه
الإسناد في الأصل إلى مولانا علي عليهالسلام .
وقد روينا في غير
هذا أنّ كل ما روي عن مولانا علي ] عليهالسلام فهو عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، انتهى.
ولا يخفى أنّ في
قوله : عظيم الشأن ، مدح عظيم لإسماعيل وابنه موسى ومحمّد بن الأشعث يقرب من
التوثيق ، فإنّه في مقام مدح هؤلاء لا الّذين فوقهم صلوات الله عليهم. وقد مرّ ما
ذكره العلامة في إجازته الكبيرة .
وقال شمس الفقهاء
الشهيد قدّس الله سرّه في البيان ـ في مسألة عدم منع الدين من الزكاة ـ ما لفظه :
والدّين لا يمنع زكاة التجارة كما مرّ في العينية ، وإن لم يكن الوفاء من غيره ،
لأنّها وإن تعلّقت بالقيمة فالأعيان مرادة ، وكذا لا يمنع من زكاة الفطرة إذا كان
مالكا مئونة السنة ، ولا من الخمس إلاّ خمس الأرباح. نعم يمكن أن يقال : لا يتأكّد
إخراج زكاة التجارة للمديون ، لأنّه نفل يضرّ بالفرض ، وفي الجعفريات : من كان له
مال ، وعليه مال ، فليحسب ماله وما عليه ، فإن كان له فضل مائتي درهم فليعط خمسه ،
وهذا نصّ في منع الدين الزكاة.
__________________
والشيخ في الخلاف
ما تمسّك على عدم منع الدين إلاّ بإطلاق الأخبار الموجبة للزكاة ، انتهى.
وظاهره كما نسب
إليه في المدارك التوقّف في هذا الحكم ـ الذي ادّعى العلاّمة عليه الإجماع
في المنتهى ، كما حكي ـ لأجل الخبر المذكور ، وهذا ينبئ عن شدّة
اعتماده عليه ، ولا يكون إلاّ بعد صحة نسبة الكتاب إلى مؤلّفه ، وصحّة سنده.
وقال في الذكرى :
إذا لم نقل بوجوب التحليل فالأولى استحبابه استظهارا ، ولو مع الكثافة ، لما رووه
أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فعله ، وروينا في الجعفريات أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « أمرني جبرئيل عليهالسلام ، عن ربّي أن أغسل فنكي عند الوضوء » ، وهما جانبا العنفقة
، أو طرف اللحيين عندها ، وفي الغريبين : مجمع اللحيين ووسط الذقن ، وقيل : هما
العظمان الناشزان من الأذنين ، وقيل : هما ما يتحركان من الماضغ ، وعنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه كان ينضح غابته ـ وهي الشعر تحت الذقن ـ وأنّ عليا عليهالسلام كان يخلّل لحيته.
وما مرّ ـ مما
يدلّ على نفي التخليل ـ يحمل على نفي الوجوب ، جمعا بين الأخبار ، وحينئذ بطريق
الأولى استحباب إفاضة الماء على ظاهر اللحية طولا ، انتهى .
فانظر كيف سلك
بأخبار الجعفريات سلوكه بما في الكتب الأربعة.
__________________
وقال رحمهالله : في نكت الإرشاد في شرح الإرشاد ـ في كتاب الصوم ـ : فائدة نهى عن التلفّظ
بلفظ رمضان ، بل يقال « شهر » في أحاديث من أجودها ما أسنده بعض الأفاضل إلى
الكاظم عليهالسلام ، عن أبيه ، عن آبائه عليهمالسلام : « لا تقولوا رمضان فإنّكم لا تدرون ما رمضان » . ومراده الخبر
الموجود في الجعفريات ، كما لا يخفى على من نظر سائر أخباره في الوسائل ، في باب
كراهة قول رمضان من غير إضافة الى الشهر .
وعندي مجموعة
شريفة كلّها بخط الشيخ الجليل صاحب الكرامات شمس الدين محمّد بن علي الجباعي ، جدّ
شيخنا البهائي رحمهالله نقلها كلّها من خطّ شيخنا الشهيد طاب ثراه وممّا فيها ما
اختصره من هذا الكتاب الشريف يقرب من ثلث هذا الكتاب ، وكتب في آخر الأوراق التي
فيها هذه الأخبار : يقول محمد بن علي الجباعي : إلى هاهنا وجدت من خطّ الشيخ محمد
ابن مكيّ قدسسره من الجعفريات ، على أنّي تركت بعض الأحاديث وأوّلها ناقص ، ولعلّ آخرها كذلك
، وذلك يوم الاثنين سادس شهر ربيع الأوّل ، سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة ، والحمد
لله أولا وآخرا ، وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
وأمّا
ثالثا : فقوله رحمهالله : « ولذا لم ينقل عنه الحرّ في الوسائل » فإنّ فيه أنّه من أين علم أنّ
الكتاب كان عنده ولم يعتمد عليه؟ ولذا لم ينقل عنه ، بل المعلوم المتيقّن أنّه
كغيره من الكتب المعتبرة لم يكن عنده ، ولو كان لنقل عنه قطعا ، فإنّه ينقل عن كتب
هي دونه بمراتب من جهة المؤلّف ، أو لعدم ثبوت النسبة إليه ، أو ضعف الطريق إليه ،
كفضل الشيعة للصدوق ، وتحف العقول ،
__________________
وتفسير فرات ،
وإرشاد الديلمي ، ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى ، والاختصاص للمفيد.
بل ذكر في أمل
الآمل جملة من الكتب لم يعرف مؤلفها ، ولذا لم ينقل عنها ، ولم يذكر هذا الكتاب مع
أنّه يتشبّث في الاعتماد ، أو النسبة بوجوه ضعيفة ، وقرائن خفيّة ، ولو كان الكتاب
عنده مع اعتماد المشايخ وتصريح الأجلّة ، حاشاه أن يهمله ويتجافى عنه.
هذا كتاب جامع
الأخبار لم ينقل عنه في الوسائل لجهله بمؤلّفه ، ثم بعده عرفه ونسبه إلى صاحب
المكارم ، وينقل عنه في كتاب الرجعة وغيرها ، مع أنّ هذه النسبة بمكان من الضعف ، كما سنذكره ان شاء
الله تعالى. مع أنّه نقل في كتاب الصوم ـ في ( باب كراهة قول رمضان من غير إضافة )
ـ عن السيّد في الإقبال الخبر الذي نقله عن الجعفريات ، والمدح الذي ذكره ، فكيف يعتمد
عليه مع الواسطة ، ولم يعتمد عليه بدونها؟ وكأنّه رحمهالله تعالى زعم أنّ الأشعثيات غير الجعفريات ، فوقع في هذا
المحذور ، مع أنّ اتحادهما من الواضحات لمن تأمّل فيما نقلناه عنهم ، وفي الكتاب ،
وفي نوادر السيّد فضل الله.
وأمّا
رابعا : فقوله رحمهالله : « ولا المجلسي في البحار ». الى آخره ، فإنّه قد مرّ كلامه رحمهالله في أمر هذا الكتاب ، وقال أيضا في الفصل الثاني من أول بحاره : ( و [ أما ] كتاب النوادر
فمؤلّفه من الأفاضل الكرام ، قال الشيخ منتجب الدين [ في الفهرست ] : علاّمة زمانه ـ
إلى آخر ما يأتي ، ثم قال
__________________
رحمهالله ـ : وأكثر أحاديث هذا الكتاب مأخوذ من كتاب موسى بن
إسماعيل ابن موسى بن جعفر عليهماالسلام ، الذي رواه سهل بن أحمد الديباجي ، عن محمد بن محمد بن
الأشعث ، عنه.
فأمّا سهل فمدحه
النجاشي ، وقال ابن الغضائري بعد ذمّه : لا بأس بما يروي عن الأشعثيات ، وما يجري
مجراها مما رواه غيره.
وابن الأشعث وثّقه
النجاشي وقال : يروي نسخة عن موسى بن إسماعيل. وروى الصدوق في المجالس من كتابه
بسند آخر هكذا : حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن
عيسى ، عن محمد بن يحيى الخزاز ، عن موسى بن إسماعيل ، فبتلك القرائن يقوى العمل
بأحاديثه ) انتهى.
وأمّا
خامسا : فقوله رحمهالله ومن البعيد عدم عثورهما عليه إذ لا بعد فيه جدّا ، فإنّه كان عند الثاني كتب
كثيرة معتبرة لم تكن عند الأول ، كما لا يخفى على من راجع البحار والوسائل ، وكان
عند ميرلوحي المعاصر للمجلسي ، الساكن معه في أصبهان كتب نفيسة جليلة : ككتاب
الرجعة لفضل بن شاذان ، والفرج الكبير في الغيبة لأبي عبد الله محمد بن هبة الله
بن جعفر الورّاق الطرابلسي ، وكتاب الغيبة للحسن بن حمزة المرعشي ، وغيرها ، ولم
يطلع عليه المجلسي رحمهالله مع كثرة احتياجه إليها ، فإنّ لعدم العثور أسبابا كثيرة
سوى عدم الفحص ، منها : ضنّة صاحب الكتاب ، كما في المورد المذكور ، وهذا الكتاب
لم نجد من نقل عنه بعد الشهيد ، كجملة من كتب اخرى كانت عنده ، وينقل عنها في
الذكرى ومجاميعه التي سنشير إليها ، ولو من الذين لا يبالون في مقام النقل بالمآخذ
، ويعتمدون على الكتب المجهولة ، والمراسيل الموجودة في ظهر الكتب ، وبهذا يقوى
الظن بعدم وجوده في تلك البلاد.
__________________
وأمّا نحن فعثرنا
عليه في الكتب التي جاء بها بعض السادة من أهل العلم من بلاد الهند ، وكان مع قرب
الإسناد ، ومسائل علي بن جعفر عليهالسلام ، وكتاب سليم في مجلد ، والحمد لله على هذه النعمة
الجليلة.
وأمّا
سادسا : فقوله رحمهالله : « والشيخ والنجاشي. » الى آخره ، فإنّ من نظر الى ترجمة محمّد بن الأشعث ،
وإسماعيل بن موسى عليهالسلام ، وسهل ابن أحمد ، لا يشكّ أنّ الكتاب المذكور نسخة كان
يرويها إسماعيل ، عن آبائه ، ووصل الى ابن الأشعث بتوسّط ابنه موسى ، ومنه تلقّى
الأصحاب ، ولذا عرف بالأشعثيات ، فراجع ما نقلناه.
وليس لمحمّد كتاب
إلاّ كتاب في الحج ، فيما روته العامّة عن الصادق عليهالسلام ، وإنّما ذكروا في ترجمته أنّه يروي هذه النسخة.
قال الشيخ رحمهالله في الرجال : محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي يكنّى أبا علي ، ومسكنه بمصر ،
يروي نسخة عن موسى بن إسماعيل. إلى أخر ما تقدم ، ولم يذكر له كتابا.
وفي رجال النجاشي
ـ بعد الترجمة ـ : له كتاب الحجّ ذكر فيه ما روته العامّة عن جعفر بن محمد عليهماالسلام . ولم يذكر غيره ، وليس في هذا الكتاب منه خبر فضلا عن توهّم كونه هو.
وممّا يوضح ما
ذكرنا ما في فلاح السائل للسيّد علي بن طاوس قدسسره ، قال : وفي كتاب محمّد بن محمّد بن الأشعث بإسناده أنّ
مولانا عليا عليهالسلام ، قال : « ما رأيت إيمانا مع يقين أشبه منه بشكّ » . الى آخر ما في
الجعفريات فلاحظ.
__________________
وقال في جمال
الأسبوع : ومن ذلك من كتاب رواية الأبناء عن الآباء ، رواية أبي علي بن محمّد بن
الأشعث الكندي الكوفي ، من الجزء العاشر ، بإسناده عن جعفر ، عن آبائه عليهمالسلام ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من قرأ في دبر صلاة الجمعة » . إلى آخر ما فيه.
وأمّا
سابعا : فقوله رحمهالله : « فإن تتبّعه وتتبّع كتب الأصول ». الى آخره ، فإنّه من الغرابة بمكان إذ
هو أحسن كتاب رأيناه من كتب الأصول ترتيبا ووضعا ، وجلّ متون أخباره موجود في
الكتب الأربعة ، وكتب الصدوق رحمهالله ، باختلاف يسير في بعضها ، كما لا يخفى على من راجع كتابنا
هذا ، والوسائل. وليس فيه ما يوافق العامّة ـ ويجب حمله على التقية ـ إلاّ نزر
يسير.
وفي الكتب الأربعة
التي عليها تدور رحى مذهب الإماميّة من سنخ هذه الأخبار ما لا يحصى.
وهذا الكتاب لم
يكن موجودا عنده يقينا ، فكيف نسب إليه ما نسبه؟ ولعلّه من تتمّة كلام هذا الفاضل
الذي نسب إليه ما ينبئ عن غاية بعده عن هذا الفن ، بل الافتراء العظيم على هذا
الكتاب الشريف ، ولعمري لولا أنّ إسماعيل هاجر إلى مصر ، البعيدة عن مجمع الرواة ،
ونقلة الأخبار ، لكان هذا الكتاب من أشهر كتب الشيعة ، ومع ذلك رأيت كيف تلقّوه
منه بالمسافرة ، والرسالة ، والمكاتبة. وهذا واضح بحمد الله تعالى ، ويزيده توضيحا
إنكار العامّة ذلك الكتاب ، ونسبتهم ما فيه إلى الوضع لاشتماله على المناكير.
قال الذهبي في
ميزان الاعتدال : محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي [ أبو الحسن ] نزيل مصر ، قال
ابن عدي : كتبت عنه بها ، حمله [ شدة تشيّعه أن ] ، أخرج إلينا
نسخة قريبا من ألف حديث ، عن موسى بن إسماعيل بن
__________________
موسى بن جعفر بن
محمّد ، عن أبيه ، عن جده ، عن آبائه عليهمالسلام ، بخطّ طريّ عامّتها مناكير ، فذكرنا ذلك للحسين بن علي بن
الحسين العلوي ، شيخ أهل البيت بمصر ، فقال : كان موسى هذا جاري بالمدينة
أربعين سنة ، ما ذكر قطّ أنّ عنده رواية ، لا عن أبيه ، ولا عن غيره.
فمن النسخة : أنّ
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « نعم الفصّ البلور » ومنها « شرّ البقاع دور
الأمراء الذين لا يقضون بالحق » ومنها : « ثلاثة ذهبت منهم الرحمة : الصيّاد ،
والقصّاب ، وبائع الحيوان » ومنها : « لا خيل أبقى من الدهم ، ولا امرأة كابنة
العمّ » ومنها : « اشتدّ غضب الله على من أهرق دمي وآذاني في عترتي » وساق له ابن
عدي عدة موضوعات.
قال السهمي : سألت
الدار قطني ، فقال : آية من آيات الله وضع ذلك الكتاب ـ يعني العلويات ـ انتهى زخرف
قوله ، وصرف الوقت في ردّه تضييع للعمر مع خروجه عن وضع الكتاب.
وأمّا
ثامنا : ففي الكتاب
المذكور خبر آخر ، لعلّه أدلّ على المطلوب من الخبر المذكور ، ففيه بالسند المعهود
، عن علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : « ثلاثة إن أنتم فعلتموهن لم ينزل بكم بلاء : جهاد
عدوّكم ، وإذا رفعتم إلى أئمتكم حدودكم فحكموا فيها بالعدل » الخبر.
والخبر الذي ذكره
لا ينحصر مأخذه في الأشعثيات ، فقد رواه القاضي نعمان المصري قدسسره في دعائم الإسلام
، ويأتي ما يدلّ على الاعتماد عليه ، حتى عنده رحمهالله. وأمّا حكم أصل المسألة فمحلّه الفقه.
__________________
هذا وينبغي
التنبيه على أمور :
الأول : إنّ أخبار هذا الكتاب كلّها مروية عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو عن علي عليهالسلام بالسند المتقدم ، وقد ينتهي إلى السجّاد ، والباقر ،
والصادق عليهمالسلام في موارد قليلة. وفي الكتاب أخبار قليلة متفرّقة بغير طريق
أهل البيت عليهمالسلام رواها محمّد بن الأشعث ، بإسناده عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفي آخره أيضا عشرون حديثا كذلك ، والظاهر أنّ طرقها عاميّة ألحقها بهذا
الكتاب ، وصرّح في عنوان بعضها بأنّه من غير طريق أهل البيت عليهمالسلام ، وقد نقلناها ووزّعناها على الأبواب تأسّيا بصاحب الوسائل ، من نقله كلّ ما
وجد في كتب الصدوق ، وغيره ، وإن كان تمام رجال سنده عاميّة مع أنّها ممّا يتسامح
فيه من الأحكام والآداب ، أو له شواهد من أخبار الأصحاب.
الثاني : إنّ جامع الكتاب ذكر تمام السند في كل خبر ، إلاّ إنّه
تفنّن في المقامات.
ففي كتاب الطهارة
، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، وقليل من الحجّ هكذا : أخبرنا محمّد ، حدثني موسى
، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه جعفر ابن محمّد عليهماالسلام. إلى آخره.
وفي كتاب الحجّ ،
والجهاد ، والنكاح ، والطلاق ، والحدود ، والديات ، وقليل من السير والآداب هكذا :
أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمّد ، حدثني موسى .. إلى آخره .
وفي باقيها :
أخبرنا عبد الله بن محمّد ، قال : أخبرنا محمّد بن محمّد ، قال : حدثني موسى بن
إسماعيل ، قال : حدثنا أبي. الى آخره ، وهكذا في كتاب
__________________
الجنائز ، وكتاب
الدعاء ، وكتاب الرؤيا. وفي كتاب غير مترجم مثل كتاب السير هكذا : وبإسناده.
ونحن أخرجنا الخبر
منه كما وجدناه ، متبرّكين بذكر تمام السند كما فيه ، إلاّ في بعض المواضع ، فبعد
ذكر خبر بسنده نقول : وبهذا السند. إلى آخره.
الثالث : إنّك تجد ـ بعد النظر في أبواب الوسائل ، وما استدركناه
ـ إنّ كثيرا ممّا نقلناه من هذا الكتاب مرويّ في الكتب الأربعة ، بطرق المشايخ قدسسرهم إلى النوفلي ، عن
السكوني ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهماالسلام ، عن آبائه عليهمالسلام كما فيه ، ويظهر من هذا أنّ السكوني كان حاضرا في المجلس
الذي كان أبو عبد الله عليهالسلام يلقي إلى ابنه الكاظم عليهالسلام سنّة جدّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بطريق التحديث ، فألقاه إلى ابنه إسماعيل على النحو الذي تلقّاه
، وهذا ممّا ينبئ عن علوّ مقام السكوني عنده عليهالسلام ، ولطفه به ، واختصاصه بهذا التشريف ، ويضعّف جعل أسلوب رواياته
قرينة على عامّيته فإنّها ـ عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهمالسلام ـ وهذا ظاهر على المنصف البصير ، ولا ينبّئك مثل خبير.
__________________
٢ ـ وكتاب
درست :
وأخواته ، إلى جزء
من نوادر عليّ بن أسباط ، وجدناها مجموعة منقولة كلّها من نسخة عتيقة صحيحة بخط
الشيخ منصور بن الحسن الآبي ، وهو نقلها من خط الشيخ الجليل محمّد بن الحسن القمّي
، وكان تأريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، وذكر أنّه أخذ الأصول المذكورة
من خطّ الشيخ الأجلّ هارون بن موسى التلعكبري ، وهذه النسخة كانت عند العلاّمة
المجلسي قدسسره ، كما صرّح به في أوّل البحار ومنها انتشرت النسخ ، وفي أوّل جملة منها وآخرها يذكر صورة
النقل .
أمّا
كتاب درست : فهو ساقط من
أوّله ، وفي آخره : تمّ كتاب درست ، وفرغت من نسخه من أصل أبي الحسن محمّد بن
الحسن بن الحسين بن أيّوب القمّي أيّده الله سماعا له عن الشيخ أبي محمّد هارون بن
موسى بن أحمد التلعكبري أيّده الله بالموصل ، في يوم الأربعاء ، لثلاث ليال بقين
من ذي القعدة ، سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله
على محمّد وآله وسلّم تسليما.
ودرست هذا رمي
بالوقف ، وفي رجال النجاشي : درست بن أبي منصور محمّد الواسطي ، روى عن أبي عبد
الله ، وأبي الحسن عليهماالسلام ، ومعنى درست أي صحيح. له كتاب يرويه جماعة : منهم سعد بن
محمّد الطاطري عمّ عليّ بن الحسن الطاطري ، ومنهم محمّد بن أبي عمير.
أخبرنا الحسين بن
عبيد الله ، قال : حدثنا أحمد بن جعفر ، قال : حدثنا
__________________
حميد بن زياد ،
قال : حدّثنا محمّد بن غالب الصيرفي ، قال : حدّثنا عليّ بن الحسن الطاطري ، قال :
حدّثنا عمّي سعد بن محمّد أبو القاسم ، قال : حدّثنا درست بكتابه.
وأخبرنا محمّد بن
عثمان ، قال : حدثنا جعفر بن محمّد ، قال : حدّثنا عبيد الله ابن أحمد بن نهيك ،
قال : حدثنا محمّد بن أبي عمير ، عن درست بكتابه . وقال الشيخ في
الفهرست : درست الواسطي له كتاب ، وهو ابن أبي منصور ، أخبرنا بكتابه أحمد بن
عبدون ، عن عليّ بن محمّد بن الزبير القرشي ، عن أحمد ابن عمر بن كيسبة ، عن علي
بن الحسن الطاطري ، عن درست.
ورواه حميد ، عن
ابن نهيك ، عن درست .
وظاهر النجاشي أنّ
علي بن الحسن يروي عنه بتوسط عمّه. وصريح الشيخ رحمهالله أنّه يروي عنه بلا واسطة ، ويؤيد الأخير ما في الاستبصار ،
في باب الطيب من أبواب ما يجب على المحرم اجتنابه ، روايته عنه بعنوان علي الجرمي .
وفي التهذيب في
باب ما يجب على المحرم اجتنابه ، وفيه في باب الطواف قريبا من آخره روايته عنه بعنوان
الطاطري ، وفيه في باب الكفارة عن خطأ المحرم ، روايته عنه مرّتين
بعنوان علي بن الحسن الجرمي .
__________________
ثم لا يخفى أنّه
يروي عنه غير هؤلاء جماعة من أجلاّء الرواة ، والمشايخ الثقات :
كنضر بن سويد : في
التهذيب في باب ضروب الحجّ ، وفي الكافي في باب ثواب المرض ، وفي باب تعجيل
عقوبة الذنب ، وفي الاستبصار في باب أنّ التمتع فرض من نأى عن الحرم ، وفي الكافي في
باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
والحسن بن علي
الوشّاء : في مشيخة الفقيه ، وفي الكافي في باب التقية . وفي التهذيب في
باب العتق ، وفي الاستبصار في باب الرجل يعتق عبدا له وعلى العبد دين
بعنوان الحسن بن علي ، والظاهر أنّه الوشاء بقرينة ما في الفقيه .
وأحمد بن محمّد بن
أبي نصر البزنطي : في الكافي في باب ثواب المرض وفي التهذيب في
باب الصيد والذكاة .
__________________
وإسماعيل بن مهران
: في الكافي في باب الصبر ، وفي باب أنّ الميّت يزور أهله ، وفي باب بعد
باب أرواح المؤمنين ، وفي التهذيب في باب القود بين الرجال والنساء .
وعبد الله بن بكير
: في التهذيب في باب ديات الأعضاء ، وفي الكافي في باب مولد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم .
وجعفر بن محمّد
الأشعري : في الكافي في كتاب العقل والجهل .
والحسن بن محبوب :
في الكافي في باب مجالسة العلماء .
وعلي بن معبد :
فيه في باب المشيئة والإرادة .
والحسين بن زيد :
فيه في باب البيان والتعريف من كتاب التوحيد .
__________________
وأبو شعيب
المحاملي : فيه في باب حجج الله على خلقه .
ومحمّد بن معلّى :
فيه في مولد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم .
وأميّة بن عليّ
القيسي : فيه أيضا .
وزياد القندي : في
الكافي في باب القنوت في الفريضة ، وبعد حديث نوح عليهالسلام من كتاب الروضة
ومحمّد بن إسماعيل
: في التهذيب في باب الزيادات في فقه الحجّ ، وفي الاستبصار في باب المرأة الحائض متى تفوت متعتها ، وفي الكافي في
باب ما يجب على الحائض من أداء المناسك .
وعليّ بن أسباط :
في التهذيب في باب الزيادات في فقه الحجّ ، وفي الاستبصار في باب ما يجب على الحائض من أداء المناسك
.
وسلمة بن الخطّاب
: في التهذيب في الباب المذكور ، وفي الاستبصار في باب المرأة الحائض متى تفوت متعتها .
__________________
وابن رباط : في الكافي
في باب ما يجب على الحائض من أداء المناسك .
ويوسف بن عليّ :
فيه في باب شارب الخمر .
وإبراهيم بن محمّد
بن إسماعيل : فيه في باب أنّ الفرائض لا تقام إلاّ بالسيف .
وواصل بن سليمان :
فيه في باب الشواء من أبواب الأطعمة .
وأبو يحيى الواسطي
: فيه في باب طبقات الأنبياء والرسل .
وأبو عثمان : فيه
في باب البصل .
وهؤلاء جماعة
وجدنا روايتهم عن درست في الكتب الأربعة ، وفيهم : ابن أبي عمير ، والبزنطي ،
اللّذان لا يرويان إلاّ عن ثقة ، وفيهم من الّذين أجمعت العصابة على تصحيح أخبارهم
، أربعة : هما ، والحسن بن محبوب ، وعبد الله بن بكير.
ويأتي في شرح أصل
النرسي أنّ الإجماع المذكور من أمارات الوثاقة.
وفيهم من الثقات
الأجلاّء غيرهم جماعة : كالوشاء ، وابن سويد ، وابن نهيك ، وابن مهران ، وابن معبد
الذي يروي عنه صفوان بن يحيى ، والحسين ابن زيد ، وأبو شعيب المحاملي ، وابن أسباط
، وإبراهيم بن محمّد بن إسماعيل ، وسعد بن محمّد الّذين يروي عنهم علي الطاطري ،
وقد قال الشيخ قدسسره :
__________________
إنّ الطائفة عملت
بما رواه الطاطريّون .
وبعد رواية هؤلاء
عنه لا يبقى ريب في أنّه في أعلى درجة الوثاقة ، ورواياته مقبولة ، وكتابه معتمد ،
وقد تأمّل في التعليقة في وقفيّته ، ولعلّه في محلّه ولا حاجة لنا إلى شرحه.
__________________
٣ ـ وأمّا
أصل زيد الزرّاد :
فأوّله في النسخة
الموجودة هكذا : حدثنا أبو محمّد هارون ابن موسى بن أحمد التلعكبري ، قال : حدثنا
أبو علي محمّد بن همام ، قال : أخبرنا حميد بن زياد بن حمّاد ، قال : حدثنا عبد
الله بن أحمد بن نهيك أبو العباس ، قال : حدثنا محمّد بن أبي عمير ، عن زيد
الزرّاد ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول :. الخبر ، ثم ساق الأخبار مصدّرة بزيد عنه عليهالسلام.
وفي رجال النجاشي
: زيد الزرّاد كوفي ، روى عن أبي عبد الله عليهالسلام ، له كتاب.
أخبرنا محمّد بن
محمّد ، قال : حدثنا جعفر بن محمّد ، قال : حدثنا أبي وعلي بن الحسين بن موسى ،
قالا : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، قال : حدثنا محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن
ابن أبي عمير ، عن زيد ، بكتابه .
وفي الفهرست : زيد
النرسي ، وزيد الزرّاد ، لهما أصلان لم يروهما محمّد ابن علي بن الحسين بن بابويه
، وقال في فهرسته : لم يروهما محمّد بن الحسن بن الوليد ، وكان يقول : هما موضوعان
، وكذلك كتاب خالد بن عبد الله بن سدير ، وكان يقول : وضع هذه الأصول محمّد بن
موسى الهمداني ، وكتاب زيد النرسي رواه ابن أبي عمير ، عنه .
وقال العلاّمة قدسسره في الخلاصة ـ بعد
نقل ما في الفهرست ـ : وقال ابن الغضائري : زيد [ الزرّاد ] كوفي ، وزيد
النرسي رويا عن أبي عبد الله
__________________
عليهالسلام ، وقال أبو جعفر ابن بابويه : إنّ كتابهما موضوع ، وضعه
محمّد بن موسى السمّان ، قال : وغلط أبو جعفر في هذا القول ، فإنّي رأيت كتبهما
مسموعة عن محمّد بن أبي عمير.
والذي قاله الشيخ
[ عن ] ابن بابويه رحمهالله ، وابن الغضائري قدسسره لا يدلّ على طعن في الرجلين ، فإن كان توقّف ففي رواية
الكتابين ، ولمّا لم أجد لأصحابنا تعديلا لهما ، ولا طعنا فيهما توقّفت في روايتهما ، انتهى.
ولا يخفى أنّ عطف
ابن الغضائري على ابن بابويه في غير محلّه ، فإنّه نسبه إلى الخطأ ، وصرّح بسلامة الكتاب عن هذه
النسبة ، وأنّه من الأصول المعتمدة ، فكيف يجعل كلامه طعنا في الكتاب؟.
واعلم أنّ الكلام
في حال زيد الزرّاد وأصله يأتي مفصّلا في حال زيد النرسي وأصله ، لاشتراكهما في
جملة من الكلمات ، غير أنّا نذكر بعض ما يختصّ به هنا فنقول :
كلام النجاشي صريح
في أنّه من أصحاب الأصول ، لقوله ـ في أول الترجمة ـ : روى عن أبي عبد الله عليهالسلام وهذا دأبه في ترجمة أصحاب الأصول ، كما لا يخفى على من تأمّل فيه. وسنده إليه
صحيح على الأصحّ ، فإنّه ليس فيه من يتوقّف فيه إلاّ إبراهيم بن هاشم ، وقد قال السيّد
__________________
علي بن طاوس قدسسره في فلاح السائل ـ
بعد نقل حديث عن أمالي الصدوق رحمهالله في سنده إبراهيم ما لفظه ـ : ورواة الحديث ثقات بالاتّفاق .
ومحمّد بن عيسى
يأتي في النرسي أنّ الأصحّ توثيقه.
وممّا يستغرب أنّ
علي بن بابويه قدسسره ، شيخ مشايخ القميّين ، يروي الأصل المذكور ، وولده الصدوق
قدسسره لا يعوّل عليه في روايته له ، المنبئة عن اعتماده عليه ، ويقلّد شيخه ابن
الوليد فيما نسب إليه. وأغرب من هذا أنّه مع ما نسب إليه يروي من الأصل المذكور
بالسند المتقدم.
ففي معاني الأخبار
: أبي قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن أبي
عمير ، عن زيد الزرّاد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال ، قال أبو جعفر عليهالسلام : « يا بنيّ اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ،
فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية ، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى
درجات الإيمان ، إنّي نظرت في كتاب عليّ عليهالسلام فوجدت في الكتاب أنّ قيمة كلّ امرئ وقدره معرفته ، إنّ
الله تبارك وتعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا » ، وكأنّه رجع
عمّا توهّمه تبعا لشيخه.
وروى عنه أيضا ثقة
الإسلام في الكافي ، بسند صحيح بالاتّفاق ، في باب شدّة ابتلاء المؤمن ، عن محمّد
بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن زيد الزرّاد ، عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : « قال
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء فإذا أحبّ الله عبدا ابتلاه بعظيم
البلاء ، فمن رضي فله عند الله الرضا ، ومن سخط البلاء فله عند الله السخط » .
وأمّا السند
الموجود في أوّل هذا الأصل ، فهو أيضا في غاية القوّة والاعتبار ، فإنّ كلّهم من
المشايخ العظام وإن رمي حميد بن زياد بالوقف ، إلاّ أنّهم قالوا فيه ـ مضافا إلى
التوثيق ـ : عالم ، جليل ، واسع العلم ، كثير التصانيف .
وفي رسالة أبي
غالب أحمد بن محمّد الزراري إلى ولد ولده : وسمعت من حميد بن زياد ، وأبي عبد الله
بن ثابت ، وأحمد بن رباح ، وهؤلاء من رجال الواقفة إلاّ أنّهم كانوا فقهاء ، ثقات
، كثيري الدراية .
فظهر بما ذكرنا :
أنّ زيد الزرّاد ثقة ، وأنّ كتابه من الأصول ، وأنّ المشايخ اعتمدوا عليه ،
وخلاصته وجوه :
الأوّل : رواية ابن أبي عمير عنه ، ولا يروي ولا يرسل إلاّ عن
ثقة.
الثاني : رواية الحسن بن محبوب عنه ، وهو من أصحاب الإجماع ، وعلى
المشهور يحكم بصحّة ما رواه وقد صح السند إليه ، وعلى الأقوى هو من أمارات الوثاقة
، كما يأتي في النرسي وفاقا للعلاّمة الطباطبائي قدسسره.
الثالث : رواية المشايخ الأجلّة عنه ، وعن كتابه : كالكليني ،
والصدوق ، ووالده ، والتلعكبري ، وغيرهم ممّن روى كتابه ، أو نقل حديثه في كتابه
الذي ضمن صحّته.
الرابع : عدّ كتابه من الأصول ، ويأتي أنّه لا يصير أصلا إلاّ بعد
كونه
__________________
معتمدا معوّلا
عليه عند الأصحاب.
الخامس : إنّ النجاشي ـ وهو المقدّم في هذا الفنّ ـ ذكره ولم يطعن
عليه ، وذكر كتابه والطريق إليه ، والذي عليه المحقّقون أنّ هذا ينبئ عن مدح عظيم.
قال السيّد
المحقّق الكاظمي قدسسره في عدّته ـ في جملة كلام له ـ : وهنا دقيقة غفل عنها أكثر
الناس ، وهي أنّهم إذا أرادوا أن يعرفوا حال راو من الرواة عمدوا إلى كتب الرجال ،
فما وثّقه أهل الرجال أو مدحوه حكموا بوثاقته ومدحه ، وما ضعّفوه أو قدحوه حكموا
بضعفه وقدحه ، و ( ما ) لم يتعرّضوا له بمدح ولا قدح حسبوه في عداد المجاهيل ،
وعدّوا الرواية بمكانه مجهولة ، وأسقطوها عن الاعتبار ، إلاّ أن ينضم إليها ما
يقوّمها ، وعلى هذا بني العلاّمة المجلسي قدسسره أمره في الوجيزة.
وأصحاب التحقيق :
إنّ عدّ الرجل في جملة أصحاب الأئمّة عليهمالسلام والرواة عنهم وحملة أخبارهم ، ممّا يدلّ على كونه إماميّا
، ويفيده نوعا من المدح.
أمّا الأول : فلما
مرّ في الفائدة ، من جريان عادة أهل الرجال على عدم التعرّض لبيان مذهب الراوي ،
إذا لم يعرف منه إلاّ المذهب ، إلاّ أن يكون محل ريبة ، وأنّهم متى عثروا منه على
وصمة ، أو انحراف ، نادوا عليه بذلك وشهروه ليعرف ، وخاصّة في الأصول الأربع .
أتراهم جهلوا حال
المسكوت عنه ، ونحن نعلم فيما لا يحصى أنّهم
__________________
إماميّون؟!.
وأمّا الثاني :
فلا ريب أنّ انضمام الرجل إلى حملة الشريعة ، وعلمائها فضلا عن الأئمّة عليهمالسلام ، وتناوله منهم ، وروايته عنهم ، ممّا يدلّ على حسن حاله ، بل ربما جعل ذلك
طريقا إلى تعرّف العدالة ، فما ظنّك بأصحاب الأئمّة عليهمالسلام ، ورواتهم ، وخاصّة إذا بلغت بهم المحافظة على أحكام
الشريعة ، وما يتلقّونه عن أربابها إلى تأليف الكتب ، وجمع الصحف ، حتى صارت
دفاترهم مرجعا للعلماء ، يتدارسونها مدى الأيام.
وقد أشار المفيد رحمهالله إلى مثل هذا في الرسالة التي عملها في أمر شهر رمضان ـ ردّا على الصدوق عند
ذكر الرواة ومدحهم ـ حيث قال : وهم أصحاب الأصول المدوّنة ، فإنّ عدّهم في
العلماء ، وتلقّي العلماء عنهم سيّما الأجلاّء ، وبذل الجهد ، وتحمّل المشاقّ ،
ومقاساة مرارات التقيّة في التحصيل ، وشدّ الرحال إلى أرباب العلم في أطراف البلاد
، وجمع الكتب في أسمائهم وأحوالهم ، وهي كتب المشيخة ، كما وقع لداود بن كورة ،
وغيره ، فدلالة ذلك على حسن الحال ، بل علوّ الطبقة ممّا لا خفاء فيه.
ثمّ إنّي رأيت
الأستاذ قدسسره العلاّمة البهبهاني طاب ثراه يحكي عن بعضهم أنّه كان يعدّ ذكر أهل الرجال
للراوي من دون طعن سببا لقبول روايته ، ويشير بذلك إلى قول الشهيد قدسسره في الذكرى ، في
مبحث الجمعة ، في الحكم بن مسكين إنّ ذكره غير قادح ، ولا موجب للضعف ، لأنّ الكشي رحمهالله ذكره ولم يطعن عليه ثم تأمّل في ذلك ، وجعل يتأوّل عليه ،
__________________
ويقول : لعلّ
مراده أنّ الكشيّ ذكره في سند رواية استند إليها ولم يطعن فيه قلت : لو أراد هذا ،
لكفى الاستناد إليه ولم يحتج إلى ضميمة عدم الطعن ، انتهى ما أردنا
نقله بطوله لكثرة فائدته هنا ، وفي الكتب الآتية ، ويأتي في النرسي كلام للسيّد
الطباطبائي قدسسره يقرب من ذلك.
السادس : إنّه من أصحاب أبي عبد الله عليهالسلام ، وسنذكر إن شاء الله تعالى أنّ ابن عقدة وثّق أربعة آلاف منهم ، وألّف فيهم
كتابا ، وأسند إلى كلّ واحد منهم خبرا أخرجه فيه ، ومن البعيد أن لا يذكره فيه وهو
صاحب الأصل المعروف.
السابع : إنّ في مجموعة عندي كلّها بخط الشيخ الجليل محمد بن علي
الجباعي ، نقلها كلّها من خطّ الشيخ الشهيد رحمهالله وفيها أوراق أخرج فيها أحاديث مختصرة ، اختارها من الأصول
التي كانت عنده ، مثل كتاب الصلاة للحسين بن سعيد ، وكتاب إسحاق بن عمّار ، وكتاب
معاذ بن ثابت ، وكتاب علي بن إسماعيل الميثمي ، وكتاب معاوية بن حكيم ، وكتاب
إبراهيم بن محمد الأشعري ، وكتاب الفضل بن محمّد الأشعري ، وكتاب زيد الزرّاد وهو
آخر ما نقله منه ، وفي آخره ـ بخطّ الجباعي ـ : قال ابن مكيّ يعني الشهيد قدسسره : أكثر هذه
مقروءة على الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمهالله. ولولا اعتبار الكتاب ، وعدم اعتنائه بما نسب إليه من الوضع ، لما أخرج منه ،
ولما نسبه إلى زيد ، ولما سلكه في عداد كتب المشايخ ، وأعاظم الرّواة ، ولو دخل في
الأكثر المقروء على الشيخ ـ رحمهالله كما لعلّه الظاهر ـ لزاده قوّة واعتبارا.
الثامن : إنّ أخبار هذا الكتاب كلّها سديدة متينة ، ليس فيها ما
يوهم الجبر ، والغلوّ ، والتفويض ، وموافقة العامة ، وجملة من متونها ومضمونها
موجودة في
__________________
سائر كتب الأخبار
، فأيّ داع إلى وضع مثله.
ويأتي بعض ما
يتعلّق به في حال زيد النرسي إن شاء الله تعالى.
وفي آخر الأصل المذكور
: فرغ من نسخه من أصل أبي الحسن محمد بن الحسن بن الحسين بن أيّوب القمي أيّده
الله تعالى في يوم الخميس لليلتين بقيتا من ذي القعدة ، سنة أربع وسبعين وثلاثمائة
، الحمد لله وحده ، وصلّى الله على رسوله محمد وآله وسلّم تسليما ، وحسبنا الله
ونعم الوكيل.
٤ ـ وأمّا
كتاب أبي سعيد عباد العصفري قدسسره :
وهو بعينه عباد بن
يعقوب الرواجني ، ففيه تسعة عشر حديثا ، كلّها نقيّة ، دالّة على تشيّعه ،
بل تعصّبه فيه.
كالنص على الأئمة
الاثني عشر ، وأنّ الله خلقهم من نور عظمته ، وأقامهم أشباحا في ضياء نوره ،
يعبدونه قبل خلق الخلق ، وأنّهم أوتاد الأرض ، فإذا ذهبوا ساخت الأرض بأهلها ،
ومفاخرة أرض الكعبة وكربلاء ، وأنّ الله أوحى إليها أنّ كفّي وقرّي ، فوعزتي ما
فضل ما فضّلت به ، فيما أعطيت أرض كربلاء ، إلاّ بمنزلة إبرة غمست في البحر فحملت
من ماء البحر ، ولولا تربة كربلاء ما فضّلت ، ولولا ما تضمّنت أرض كربلاء ما خلقتك
، ولا خلقت البيت الذي به افتخرت الخبر.
وحديث نهي خالد
عمّا أمره به من قتل علي عليهالسلام ، قبل السلام .
وبعث عمر إلى
قدامة عامله بمقدار ، لا يجوزها أحد من الموالي إلاّ قتل .
وعزل أبي بكر في
قصّة سورة براءة.
وتفسير قول علي عليهالسلام ـ لما سجّي أبو بكر ـ : « ما أحد أحبّ أن ألقى الله بمثل صحيفة من هذا
المسجّى » .
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا رأيتم معاوية على المنبر فاضربوه »
وقصّة طرد الحكم
بن العاص ، وأمره بقتله ، وأنّ عثمان آواه وأجازه
__________________
بمائة ألف درهم من
بيت المال .
ومن الغريب بعد
ذلك رمي الشيخ والعلاّمة طاب ثراهما إيّاه بالتسنّن ، وأنّه عامّيّ المذهب ، مع
أنّ علماءهم رموه بالرفض والتشيّع ، فصار المسكين مطرود الطرفين ، وغرض النصال في
البين.
وعن السمعاني في
الأنساب : كان رافضيّا ، داعية الى الرفض ، ومع ذلك يروي المناكير ، عن أقوام
مشاهير ، فاستحق الترك ، وهو الذي يروي عن شريك ، عن عاصم ( عن زر ) عن عبد الله ،
قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه ».
وروى حديث أبي بكر
أنّه قال : لا يفعل خالد ما أمرته .
وعن ابن الأثير في
جامع الأصول : كان أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : حدثني الصدوق في روايته
المتّهم في دينه عباد بن يعقوب .
وقال ابن حجر في
التقريب : عباد بن يعقوب الرواجيني ـ بتخفيف الواو ، وبالجيم المكسورة ، والنون
الخفيفة ـ أبو سعيد الكوفي ، صدوق ، رافضيّ ، حديثه في البخاري مقرون ، بالغ ابن
حيّان فقال : يستحقّ الترك ، من العاشرة ، مات سنة خمسين ، أي بعد المائة .
والسّند إليه على
ما في أوّل الكتاب هكذا : أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري ، قال : حدثنا
أبو علي محمد بن همّام بن سهيل ، قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن خاقان
النهدي ، قال : حدثني محمد بن علي بن إبراهيم الصيرفي أبو سمينة ، قال : حدثني أبو
سعيد العصفري وهو عباد ، عن عمرو بن ثابت وهو ابن المقدام ... إلى آخره.
__________________
وهذا السّند ضعيف
على المشهور بأبي سمينة ، إلاّ أنّ الذي يهون الخطب أمور :
الأول : إنّ ابن
داود قال في رجاله : حمدان بن أحمد ـ كش ـ هو من خاصّة الخاصّة ، أجمعت العصابة
على تصحيح ما يصحّ عنه ، والإقرار له بالفقه في آخرين .
وحمدان هذا لقب
لمحمد بن أحمد بن خاقان ، وليس هو في عداد المجمع عليهم ، الموجودين في « اختيار
رجال الكشي » للشيخ ، الدائر بين الأصحاب ، ولم ينقل هذا الإجماع في حقّه أحد غيره
، إلاّ أنّ المحتمل القريب نقله من أصل رجال الكشي ، وقد سقط من قلم الشيخ رحمهالله عند اختصاره رجاله ، وقد ذكرنا في بعض تعاليقنا على رجال أبي علي شواهد على
وجوده في تلك الأعصار ، وإن لم يكن في أعصارنا منه عين ولا أثر ، ومع هذا الاحتمال
لا مصحّح لنسبة ابن داود الى السّهو والخطأ ، وإن كان في رجاله أغلاط كثيرة ، أشار
إليها السّيد التفريشي في نقد الرجال ، إلاّ أنّ نقل مثل هذه العبارة من الكتاب المذكور ، خطأ
بعيد في الغاية. وعليه فالسّند إليه صحيح ، فلا بدّ من الحكم بصحّة ما في هذا
الكتاب.
الثاني : اعتماد المشايخ
على النقل منه ، ففي كامل الزيارة للشيخ الجليل جعفر بن محمد بن قولويه : عن أبيه
وعلي بن الحسين ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن علي ، عن عباد أبي
سعيد ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : « إنّ أرض الكعبة قالت : من مثلي. الخبر » وهو موجود فيه
سندا ومتنا.
وعن محمد بن جعفر
، عن محمد بن الحسين ، عن أبي سعيد ، عن
__________________
رجل ، عن أبي
الجارود ، عن عليّ بن الحسين عليهالسلام ، قال : « اتّخذ الله كربلاء حرما قبل أن يتّخذ مكّة حرما
بأربعة وعشرين ألف عام. الخبر » . وهو فيه بالسند والمتن.
ويظهر منه طريق
آخر إلى عباد ، من غير توسّط أبي سمينة ، والظاهر أنّ الراوي عنه غير محمد بن
الحسين ، وكيف يروي جعفر بن قولويه عن عباد بواسطتين؟ ونسخ الكامل كما نقلناه ،
والظاهر بل المقطوع أنّه سقط بينهما الواسطة.
وفي روضة الكافي
محمد بن يحيى والحسين بن محمد جميعا ، عن جعفر ابن محمد ، عن عباد بن يعقوب ، عن
أحمد بن إسماعيل ، عن عمرو بن كيسان .. الخبر . فالظاهر أنّ ( الساقط في سند ) خبر الكامل هو
جعفر بن محمد ، والله العالم.
ويروي عنه الجليل
إبراهيم الثقفي أيضا ، في كتاب الغارات .
واعلم أنّ الشيخ رحمهالله أخرج عنه في أماليه أخبارا طريفة كلّها تنبئ عن حسن حاله وعقيدته ، ففيه :
أخبرنا جماعة ، عن
أبي المفضّل ، قال : حدثني محمد بن جعفر بن محمد ابن رباح الأشجعي ، قال : حدثنا
عباد بن يعقوب الأسدي ، وساق السند عن زيد بن عليّ ، عن أبيه ، عن جدّه [ عن علي
بن أبي طالب ] عليهمالسلام ،
__________________
وذكر وصيّة النبيّ
صلىاللهعليهوآلهوسلم إليه في مرض وفاته ، وتسليم المواريث إليه ، وهو حديث طويل
معروف ، وفيه : « يا بني هاشم ، يا معشر المسلمين ، لا تخالفوا عليّا فتضلّوا ، ولا
تحسدوه فتكفروا. الخبر » .
وفيه : أخبرنا
الحسين بن إبراهيم القزويني ، قال : أخبرنا محمد بن وهبان ، قال : حدثني أبو عيسى
محمد بن إسماعيل بن حيّان الوراق بدكانه في سكّة الموالي ، قال : حدثنا أبو جعفر
محمد بن الحسين بن الحفص الخثعمي الأسدي ، قال : حدثني أبو سعيد عباد بن يعقوب
الأسدي ، قال : حدثنا خلاّد أبو علي ، وساق الخبر ، وهو وصيّة الصادق عليهالسلام الى أصحابه ، وفيه : « فإنّكم لن تنالوا ولايتنا إلاّ بالورع ». الى آخره. وفيه :
أخبرنا أحمد بن محمد ابن الصّلت ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ،
قال : حدثنا أحمد ابن القاسم أبو جعفر الأكفاني من أصل كتابه ، قال : حدثنا عباد
بن يعقوب ، وساق السند والمتن ، وفيه : نزول عقيل على أمير المؤمنين عليهالسلام ، ووفوده بعده على معاوية ، والخبر معروف .
وفيه : بهذا السند
أنّ عليا عليهالسلام قنت في الصّبح فلعن معاوية ، وعمرو بن العاص ، وأبا موسى ،
وأبا الأعور ، وأصحابهم .
وفيه : خبر آخر
بهذا السند ، وفيه : أنّه قال يوم الجمعة على المنبر : « ما زلت مظلوما منذ قبض
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ». الخبر .
والمتأمّل في هذه
الأخبار ، وأخبار كتابة ، يعلم أنّ من رماه بالعامّيّة فقد جفاه.
__________________
الثالث : إنّه ليس
فيه من الأحكام الفرعيّة ما يحتاج الى النظر في سند أخبارها.
٥ ـ وأمّا
كتاب عاصم بن حميد :
فقال النجاشي :
عاصم بن حميد الحنّاط الحنفي أبو الفضل ، مولى كوفي ، ثقة ، عين ، صدوق ، روى عن
أبي عبد الله عليهالسلام ، له كتاب. أخبرنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا أحمد بن
محمد بن سعيد ، قال : حدثنا علي ابن الحسن بن فضّال ، قال : حدثنا محمد بن عبد
الحميد ، عن عاصم ، بكتابه .
وقال الشيخ رحمهالله في الفهرست : عاصم بن حميد الحنّاط الكوفي له كتاب. أخبرنا أبو عبد الله ، عن
محمد بن علي بن الحسين ، عن محمد بن الحسن ابن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار
وسعد بن عبد الله ، عن محمد بن عبد الحميد والسندي بن محمد ، عن عاصم بن حميد.
وبهذا الإسناد ،
عن سعد والحميري ، عن أحمد بن محمد ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن
حميد .
وقال الصدوق قدسسره في مشيخة الفقيه
: وما كان فيه عن عاصم بن حميد ، فقد رويته عن أبي ومحمد بن الحسن ، عن سعد بن عبد
الله ، عن إبراهيم ابن هاشم ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد .
وأمّا سنده في
النسخة الموجودة : حدثني أبو الحسن محمد بن الحسن بن الحسين بن أيوب القمّي ـ أيّده
الله تعالى ـ قال : حدثني أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري ـ أيّده الله
ـ قال : حدثنا أبو علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب ، قال : حدثنا أبو القاسم حميد
بن زياد بن هوارا ، في سنة تسع وثلاثمائة ، قال : حدثنا عبيد الله بن أحمد ، عن
مساور وسلمة ، عن عاصم بن
__________________
حميد الحنّاط.
وذكر أبو محمد قال
: حدثني بهذا الكتاب أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبيد الله بن
موسى بن جعفر العلوي الموسائي ، بمصر سنة إحدى وأربعين ، قال : حدثني الشيخ الصالح
أبو العباس عبيد الله بن أحمد بن نهيك ، عن مساور وسلمة جميعا ، عن عاصم بن حميد
الحنّاط .
وفي أخر الكتاب :
كمل الكتاب ، ونسخه منصور بن أبي الحسن الآبي ، من أصل أبي الحسن محمد بن الحسن
القمّي أيده الله في ذي الحجّة لليلتين مضتا منه ، سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ،
يوم الأحد ، الحمد لله وحده ، وصلّى الله على رسوله محمد وآله وسلّم تسليما ،
وحسبي الله ونعم الوكيل .
وروى ثقة الإسلام
عن كتابه ، في باب التفويض : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن علي بن
إسماعيل ، عن صفوان بن يحيى ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي إسحاق النحوي ، قال : دخلت
على أبي عبد الله عليهالسلام. الخبر ، كما هو موجود فيه متنا وسندا .
ويروي عنه غير
هؤلاء جماعة ، منهم : يونس بن عبد الرحمن ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، ونضر بن سويد ، ومحمد بن
الوليد ، وابن أبي
__________________
عمير ، ويحيى بن
إبراهيم بن أبي البلاد ، ومحمد بن علي ، وعليّ بن الحسن بن فضّال عن أخويه عنه ، وعبد الله بن
جبلة ، والحسن بن علي الوشاء ، والحسن بن علي بن يوسف الأزدي ، ومحمد بن أسلم
الجبليّ ، وعلي بن الحكم ، والحسن بن محبوب ، والحجّال ، ويوسف بن عقيل ، وابن أخيه سليمان بن سماعة ، وموسى بن
القاسم ، وابن أبي ليلى ، والحسن بن علي بن يقطين ، والحسن بن عبد
الرحمن .
ومن جميع ذلك يظهر
علوّ مقامه ، وعظم شأنه ، وصحّة كتابه ، بل هو قريب من التواتر ، وأخباره نقيّة ،
سديدة ، ومتون أكثرها موجودة في الكتب الأربعة.
__________________
٦ ـ وأمّا
أصل زيد النرسي :
فقد كفانا مئونة
شرح اعتباره العلاّمة الطباطبائي طاب ثراه في رجاله ، قال رحمهالله تعالى : زيد النرسي أحد أصحاب الأصول ، صحيح المذهب ، منسوب إلى نرس ، بفتح
الموحّدة الفوقانيّة ، وإسكان الراء المهملة : قرية من قرى الكوفة ، تنسب إليها
الثياب النرسيّة ، أو نهر من أنهارها ، عليه عدّة من القرى ، كما قاله السمعاني في
كتاب الأنساب ، قال : ونسب إليها جماعة من مشاهير المحدّثين بالكوفة .
وقال الشيخ الجليل
أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد النجاشي رحمهالله في كتاب الرجال : إنّ زيد النرسي من أصحاب الصادق ،
والكاظم عليهماالسلام ، له كتاب يرويه عنه جماعة. أخبرنا أحمد بن علي بن نوح
السيرافي ، قال : حدثنا محمد بن أحمد الصفواني ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن
هاشم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي ، بكتابه .
وقد نصّ شيخ
الطائفة طاب ثراه في الفهرست على رواية ابن أبي عمير كتاب زيد النرسي ، كما ذكره
النجاشي ، ثم ذكر في ترجمة ابن أبي عمير طرقه التي تنتهي إليه .
والذي يناسب وقوعه
في إسناد هذا الكتاب ، هو ما ذكره فيه وفي المشيخة ، عن المفيد ، عن ابن قولويه قدسسرهما ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد العلوي الموسوي ، عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك
، عن ابن أبي عمير .
__________________
وفي البحار طريق
آخر الى كتاب زيد النرسي ، ذكر أنّه وجده في مفتتح النسخة التي وقعت اليه ، وهي
النسخة التي أخرج منها أخبار الكتاب ، والطريق هكذا : حدثنا الشيخ أبو محمد هارون
بن موسى التلعكبري ـ أيّده الله ـ قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد
الهمداني ، قال : حدثنا جعفر بن عبد الله العلوي أبو عبد الله المحمدي ، قال :
حدثنا محمد بن أبي عمير ، عن زيد النرسي .
وإنّما أوردنا هذه الطرق ، تنبيها على اشتهار الأصل المذكور فيما
بين الأصحاب واعتباره عندهم ، كغيره من الأصول المعتمدة المعوّل عليها ، فإنّ بعضا
حاول إسقاط هذا الأصل ، والطعن في من رواه.
واعترض أوّلا :
بجهالة زيد النّرسي ، إذ لم ينصّ عليه علماء الرجال بمدح ، ولا قدح.
وثانيا : بأنّ
الكتاب المنسوب إليه مطعون فيه ، فإنّ الشيخ قدسسره حكى في الفهرست ، عن ابن بابويه قدسسره : أنّه لم يرو
أصل زيد النّرسي ، ولا أصل زيد الزّراد ، وأنّه حكى في فهرسته ، عن شيخه محمد بن
الحسن بن الوليد : أنّه لم يرو هذين الأصلين ، بل كان يقول : هما موضوعان ، وكذلك
كتاب خالد بن عبد الله بن سدير ، وأنّ واضع هذه الأصول محمد بن موسى الهمداني ، المعروف
بالسّمان.
والجواب
عن ذلك : إنّ
رواية ابن أبي عمير لهذا الأصل تدلّ على صحّته ، واعتباره ، والوثوق بمن رواه ،
فإنّ المستفاد من تتبّع الحديث ، وكتب الرجال بلوغه الغاية في الثقة ، والعدالة ،
والورع ، والضبط ، والتحذّر عن التخليط ، والرواية عن الضعفاء والمجاهيل ، ولذا
ترى أنّ الأصحاب يسكنون
__________________
الى روايته ،
ويعتمدون على مراسيله.
وقد ذكر الشيخ قدسسره في العدّة : أنه
لا يروي ، ولا يرسل إلاّ عمّن يوثق به ، وهذا توثيق عام لمن روى عنه ، ولا معارض له هاهنا.
وحكى الكشي في
رجاله إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، والإقرار له بالفقه والعلم ، ومقتضى ذلك
صحّة الأصل المذكور ، لكونه ممّا قد صحّ عنه ، بل توثيق راويه أيضا ، لكونه العلة
في التصحيح غالبا ، والاستناد إلى القرائن وإن كان ممكنا ، إلاّ أنّه بعيد في جميع
روايات الأصل ، وعدّ النرسي من أصحاب الأصول ، وتسمية كتابه أصلا ، ممّا يشهد بحسن
حاله واعتبار كتابه ، فإنّ الأصل في اصطلاح المحدّثين من أصحابنا بمعنى الكتاب
المعتمد ، الذي لم ينتزع من كتاب آخر ، وليس بمعنى مطلق الكتاب ، فإنّه قد يجعل
مقابلا له ، فيقال : له كتاب ، وله أصل.
وقد ذكر ابن
شهرآشوب في معالم العلماء ، نقلا عن المفيد طاب ثراه : أنّ الإماميّة صنّفت من عهد
أمير المؤمنين عليهالسلام ، إلى عهد أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهماالسلام أربعمائة كتاب تسمّى الأصول ، قال : وهذا معنى قولهم : له أصل .
ومعلوم أنّ
مصنّفات الإماميّة فيما ذكر من المدّة تزيد على ذلك بكثير ، كما يشهد به تتبّع كتب
الرجال ، فالأصل إذا أخصّ من الكتاب ، ولا يكفي فيه مجرّد عدم انتزاعه من كتاب آخر
وإن لم يكن معتمدا ، فإنّه يؤخذ في كلام الأصحاب مدحا لصاحبه ، ووجها للاعتماد على
ما تضمّنه ، وربما ضعّفوا الرواية لعدم وجدان متنها في شيء من الأصول ، كما اتّفق
للمفيد ، والشيخ
__________________
قدسسرهما ، وغيرهما ، فالاعتماد مأخوذ في الأصل بمعنى كون ذلك هو
الأصل فيه ، إلى أن يظهر فيه خلافه.
والوصف به في
قولهم : له أصل معتمد ، للإيضاح والبيان ، أو لبيان الزيادة على مطلق الاعتماد
المشترك فيما بين الأصول ، فلا ينافي ما ذكرناه ، على أنّ تصنيف الحديث ـ أصلا كان
المصنّف أم كتابا ـ لا ينفكّ غالبا عن كثرة الرواية والدلالة على شدّة الانقطاع
إلى الأئمّة عليهمالسلام ، وقد قالوا : « اعرفوا منازل الرجال بقدر روايتهم عنّا » وورد عنهم في شأن
الرواية للحديث ما ورد.
وأمّا الطعن على
هذا الأصل والقدح فيه بما ذكر ، فإنّما الأصل فيه محمد ابن الحسن بن الوليد القمّي
رحمهالله ، وتبعه على ذلك ابن بابويه قدسسره على ما هو دأبه في الجرح ، والتعديل ، والتضعيف ، والتصحيح
، ولا موافق لهما فيما أعلم.
وفي الاعتماد على
تضعيف القميين وقدحهم في الأصول والرجال كلام معروف ، فإنّ طريقتهم في الانتقاد
تخالف ما عليه جماهير النقّاد ، وتسرّعهم إلى الطعن بلا سبب ظاهر ، ممّا يريب
اللّبيب الماهر ، ولم يلتفت أحد من أئمّة الحديث والرجال إلى ما قاله الشيخان
المذكوران في هذا المجال ، بل المستفاد من تصريحاتهم وتلويحاتهم ، تخطئتهما ، في
ذلك المقال.
قال الشيخ ابن
الغضائري : زيد الزرّاد وزيد النرسي ، رويا عن أبي عبد الله عليهالسلام.
قال أبو جعفر ( بن
بابويه : إنّ كتابهما موضوع ، وضعه محمد بن موسى السمّان ، وغلط أبو جعفر ) في هذا القول ،
فإنّي رأيت كتبهما مسموعة من محمد
__________________
ابن أبي عمير ، وناهيك بهذه
المجاهرة في الردّ من هذا الشيخ ، الذي بلغ الغاية في تضعيف الرّوايات ، والطعن في
الرّواة ، حتى قيل أنّ السالم من رجال الحديث من سلم منه ، وأنّ الاعتماد على
كتابه في الجرح طرح لما سواه من الكتب ، ولولا أنّ هذا الأصل من الأصول المعتمدة
المتلقاة [ بالقبول ] بين الطائفة ، لما سلم من طعنه ومن غمزه ، على ما جرت به
عادته في كتابه الموضوع لهذا الغرض ، فإنّه قد ضعّف فيه كثيرا من أجلاّء الأصحاب
المعروفين بالتوثيق ، نحو : إبراهيم بن سليمان بن حيّان ، وإبراهيم بن عمر اليماني
، وإدريس بن زياد ، وإسماعيل بن مهران ، وحذيفة بن منصور ، وأبي بصير ليث المرادي
، وغيرهم من أعاظم الرّواة ، وأصحاب الحديث.
واعتمد في الطعن
عليهم غالبا بأمور لا توجب قدحا فيهم ، بل في رواياتهم ، كاعتماد المراسيل ،
والرواية عن المجاهيل ، والخلط بين الصحيح والسقيم ، وعدم المبالاة في أخذ
الروايات ، وكون رواياتهم ممّا تعرف تارة وتنكر اخرى ، وما يقرب من ذلك.
هذا كلامه في مثل
هؤلاء المشاهير الأجلّة ، وأمّا إذا وجد في أحد ضعفا بيّنا أو طعنا ظاهرا ، وخصوصا
إذا تعلّق بصدق الحديث ، فإنّه يقيم عليه النوائح ، ويبلغ منه كلّ مبلغ ، ويمزّقه
كلّ ممزّق ، فسكوت مثل هذا الشيخ عن حال زيد النرسي ، ومدافعته عن أصله بما سمعت من
قوله ، أعدل شاهد على أنّه لم يجد فيه مغمزا ، ولا للقول ( في أصله ) سبيلا.
وقال الشيخ في
الفهرست : زيد النرسي وزيد الزّراد لهما أصلان ، لم يروهما محمد بن علي بن الحسين
بن بابويه ، وقال في فهرسته : لم يروهما محمد بن
__________________
الحسن بن الوليد ،
وكان يقول : هما موضوعان ، وكذلك كتاب خالد بن عبد الله بن سدير ، وكان يقول : وضع
هذه الأصول محمد بن موسى الهمداني. قال الشيخ طاب ثراه : وكتاب زيد النرسي رواه
ابن أبي عمير عنه .
وفي هذا الكلام تخطئة ظاهرة
للصدوق وشيخه ، في حكمهما بأنّ أصل زيد النرسي من موضوعات محمد بن موسى الهمداني ،
فإنّه متى صحّت رواية ابن أبي عمير إيّاه عن صاحبه ، امتنع إسناد وضعه إلى
الهمداني ، المتأخّر العصر عن زمن الراوي والمرويّ عنه.
وأمّا النجاشي ـ وهو
أبو عذرة هذا الأمر ، وسابق حلبته كما يعلم من كتابه ، الذي لا نظير له في فنّ
الرجال ـ فقد عرفت ممّا نقلناه عنه روايته لهذا الأصل ـ في الحسن كالصحيح ، بل
الصحيح على الأصحّ ـ عن ابن أبي عمير ، عن صاحب الأصل .
وقد روى أصل زيد
الزرّاد : عن المفيد ، عن ابن قولويه ، عن أبيه وعلي ابن بابويه ، عن علي بن
إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد الزرّاد ، ورجال هذا
الطريق وجوه الأصحاب ومشايخهم ، وليس فيه من يتوقّف في شأنه ، سوى العبيدي والصحيح
توثيقه.
وقد اكتفى النجاشي
بذكر هذين الطريقين ، ولم يتعرّض لحكاية الوضع في شيء من الأصلين ، بل أعرض عنها
صفحا ، وطوى عنها كشحا ، تنبيها على غاية فسادها ، مع دلالة الاستناد الصحيح
المتّصل على بطلانها ، وفي كلامه السابق دلالة على أنّ أصل زيد النرسي من جملة
الأصول المشهورة ، المتلقّاة
__________________
بالقبول بين
الطائفة ، حيث أسند روايته عنه أوّلا إلى جماعة من الأصحاب ، ولم يخصّه بابن أبي
عمير ، ثم عدّه في طريقه إليه من مرويّات المشايخ الأجلّة ، وهم :
أحمد بن علي بن
نوح السيرافي ، ومحمد بن أحمد بن عبد الله الصفواني ، وعليّ بن إبراهيم القمّي ،
وأبوه إبراهيم بن هاشم.
وقد قال في
السيرافي : إنّه كان ثقة في حديثه ، متقنا لما يرويه ، فقيها بصيرا بالحديث
والرّواية .
وفي الصفواني :
إنّه شيخ ، ثقة ، فقيه ، فاضل .
وفي القمّي : إنّه
ثقة في الحديث ، ثبت ، معتمد .
وفي أبيه : إنّه
أوّل من نشر أحاديث الكوفيّين بقم .
ولا ريب أنّ رواية
مثل هؤلاء الفضلاء الأجلاّء يقتضي اشتهار الأصل في زمانهم ، وانتشار أخباره فيما
بينهم.
وقد علم ممّا سبق
كونه من مرويّات الشيخ المفيد ، وشيخه أبي القاسم جعفر بن قولويه ، والشيخ الجليل
الذي انتهت إليه رواية جميع الأصول والمصنّفات أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري ،
وأبي العبّاس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الحافظ المشهور ، وأبي عبد الله جعفر
بن عبد الله رأس المذري ، الذي قالوا فيه : إنه أوثق الناس في حديثه.
وهؤلاء هم مشايخ
الطائفة ، ونقدة الأحاديث ، وأساطين الجرح والتعديل ، وكلّهم ثقات إثبات ، ومنهم
المعاصر لابن الوليد ، والمتقدم عليه ،
__________________
والمتأخر عنه
الواقف على دعواه ، فلو كان الأصل المذكور موضوعا معروف الواضع كما ادّعاه ، لما
خفي على هؤلاء الجهابذة النقّاد بمقتضى العادة في ذلك.
وقد أخرج ثقة
الإسلام الكليني قدسسره لزيد النرسي في جامعه الكافي ـ الذي ذكر أنّه قد جمع فيه
الآثار الصحيحة ، عن الصادقين عليهمالسلام ـ روايتين :
إحداهما في باب
التقبيل من كتاب الايمان والكفر : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير
، عن زيد النرسي ، عن علي بن مزيد صاحب السابري ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليهالسلام ، فتناولت يده فقبلتها ، فقال عليهالسلام : « أما إنّها لا تصلح إلاّ لنبيّ ، أو وصيّ نبيّ » .
والثانية في كتاب
الصوم في باب صوم عاشوراء : عن الحسن بن علي الهاشمي ، عن محمد بن عيسى ، قال :
حدثنا محمد بن أبي عمير ، عن زيد النرسي ، قال : سمعت عبيد بن زرارة ، يسأل أبا
عبد الله عليهالسلام عن صوم يوم عاشوراء ، فقال : « من صامه كان حظّه من صيام
ذلك اليوم حظّ ابن مرجانة وابن زياد » ، قلت : وما حظّهما من ذلك اليوم؟ قال : «
النار » .
والشيخ قدسسره في كتابي الأخبار
: أورد هذه الرواية ، بإسناده عن محمد بن يعقوب ، وأخرج لزيد
النرسي في كتاب الوصايا من التهذيب في باب وصية الإنسان لعبده ، حديثا آخر عن علي
بن الحسن بن فضّال ، عن معاوية بن حكيم ويعقوب الكاتب ، عن ابن أبي عمير ، عنه .
__________________
والغرض من إيراد
هذه الأسانيد ، التنبيه على عدم خلوّ الكتب الأربعة عن أخبار زيد النرسي ، وبيان
صحّة رواية ابن أبي عمير عنه ، والإشارة إلى تعدّد الطرق إليه ، واشتمالها على
عدّة من الرجال الموثوق بهم ، سوى من تقدّم ذكره في الطرق السالفة ، وفي ذلك كلّه
تنبيه على صحّة هذا الأصل ، وبطلان دعوى وضعه كما قلنا.
ويشهد لذلك أيضا
أنّ محمد بن موسى الهمداني ، وهو الذي ادّعي عليه وضع هذه الأصول ، لم يتّضح ضعفه
بعد ، فضلا عن كونه وضّاعا للحديث ، فإنّه من رجال نوادر الحكمة ، والرواية عنه في
كتب الأحاديث متكرّرة ، ومن جملة رواياته حديثه الذي انفرد بنقله في صلاة عيد
الغدير ، وهو حديث مشهور ، أشار إليه المفيد رحمهالله في مقنعته ، وفي مسار الشيعة ، ورواه الشيخ رحمهالله في التهذيب ، وأفتى به الأصحاب ، وعوّلوا عليه ، ولا رادّ له سوى
الصدوق وابن الوليد ، بناء على أصلهما فيه.
والنجاشي ذكر هذا
الرجل في كتابه ولم يضعّفه ، بل نسب الى القميين تضعيفه بالغلوّ ، ثم ذكر له كتبا
منها كتاب الردّ على الغلاة ، وذكر طريقه الى تلك الكتب ، قال رحمهالله : وكان ابن الوليد رحمهالله يقول : إنّه كان يضع الحديث والله أعلم .
وابن الغضائري وإن
ضعّفه ، إلاّ أنّ كلامه فيه يقتضي أنّه لم يكن بتلك المثابة من الضعف ، فإنّه قال
فيه : إنّه ضعيف ، يروي عن الضعفاء ، ويجوز أن يخرج شاهدا ، تكلّم فيه القميون
فأكثروا ، واستثنوا من نوادر الحكمة ما رواه ، وكلامه ظاهر في أنّه لم يذهب فيه مذهب القمّيين ، ولم
يرتض ما قالوه ،
__________________
والخطب في تضعيفه
هيّن ، خصوصا إذا استهونه.
والعلاّمة قدسسره في الخلاصة حكى
تضعيف القميين وابن الوليد ، حكاية تشعر بتمريضه ، واعتمد في التضعيف على ما قاله
ابن الغضائري قدسسره ولم يزد عليه شيئا . وفيما سبق عن النجاشي وابن الغضائري في أصلي الزّيدين ،
وعن الشيخ في أصل النرسي ، دلالة على اختلال ما قاله ابن الوليد في هذا الرجل.
وبالجملة فتضعيف
محمد بن موسى يدور على أمور :
أحدها : طعن القميين في مذهبه بالغلوّ والارتفاع ، ويضعّفه ما تقدّم
عن النجاشي أنّ له كتابا في الرّد على الغلاة.
وثانيها : إسناد وضع الحديث إليه ، وهذا ممّا انفرد به ابن الوليد
، ولم يوافقه في ذلك الاّ الصدوق قدسسره لشدّة وثوقه به ، حتّى قال رحمهالله في كتاب من لا يحضره الفقيه : إنّ كل ما لم يصححه ذلك
الشيخ ، ولم يحكم بصحته من الأخبار ، فهو عندنا متروك غير صحيح .
وسائر علماء
الرجال ونقدة الاخبار تحرّجوا عن نسبة الوضع الى محمد بن موسى ، وصحّحوا أصل زيد
النرسي ، وهو أحد الأصول التي أسند وضعها إليه ، وكذا أصل زيد الزرّاد ، وسكوتهم
عن كتاب خالد بن سدير لا يقتضي كونه موضوعا ، ولا كون محمد بن موسى واضعا ، إذ من
الجائز أن يكون عدم تعرّضهم له لعدم ثبوت صحّته ، لا لثبوت وضعه ، فلا يوجب تصويب
ابن الوليد لا في الوضع ولا في الواضع ، أو لكونه من موضوعات غيره فيقتضي تصويبه
في الأوّل دون الثاني.
وثالثها : استثناؤه من كتاب نوادر الحكمة ، والأصل فيه محمد بن
الحسن
__________________
ابن الوليد أيضا ،
وتابعه على ذلك الصدوق ، وأبو العباس بن نوح ، بل الشيخ ، والنجاشي أيضا.
وهذا الاستثناء لا
يختصّ به ، بل المستثنى من ذلك الكتاب جماعة ، وليس جميع المستثنين وضعة للحديث ،
بل منهم المجهول الحال ، والمجهول الاسم ، والضعيف بغير الوضع ، بل الثقة على أصحّ
الأقوال : كالعبيدي ، واللّؤلؤي ، فلعلّ الوجه في استثناء غير الصدوق وشيخه ابن
الوليد جهالة محمد ابن موسى ، أو ضعفه من غير سبب الوضع ، والموافقة لهما في
الاستثناء لا تقتضي الاتّفاق في التعليل ، فلا يلزم من استثناء من وافقهما ضعف
محمد بن موسى عنده ، فضلا عن كونه وضّاعا ، وقد بان لك بما ذكرنا مفصّلا اندفاع
الاعتراضين بأبلغ الوجوه .
قلت : وروى جعفر بن قولويه رحمهالله في كامل الزيارة ، عن أبيه وأخيه علي ابن محمد وعلي بن
الحسين كلّهم ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي ،
عن أبي الحسن موسى عليهالسلام ، قال : « من زار ابني هذا ـ وأومى إلى أبي الحسن الرضا عليهالسلام ـ فله الجنّة » والخبر موجود في الأصل.
ومنه يعلم أنّ علي
بن بابويه والد الصدوق ، يروي أصل النرسي كما مرّ أنّه يروي أصل الزرّاد ، ويظهر
منه أنّ أصل نسبة اعتقاد وضعهما إلى الصدوق تبعا لشيخه ضعيف ، أو رجع عنه بعد ما
ذكره في فهرسته ، فإنّ ولده شيخ القميّين ، وفقيههم وثقتهم ، والذي
خاطبه الإمام العسكري عليهالسلام بقوله ـ في توقيعه ـ : « يا شيخي ومعتمدي » يروي الأصل
المذكور وولده يعتقد
__________________
كونه موضوعا؟! هذا
ممّا لا ينبغي نسبته إليه.
ويؤيّد ضعف النسبة
، أو يدلّ على الرجوع ، روايته عن الأصلين في كتبه ، أمّا الزرّاد فقد تقدم.
وأمّا عن أصل
النرسي ففي ثواب الأعمال : أبي رحمهالله ، قال : حدثني علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي
عمير ، عن زيد النرسي ، عن بعض أصحابه ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يغسل رأسه بالسدر » إلى آخر ما في الوسائل منقولا عنه ، وفي كتابنا
منقولا عن الأصل المذكور هذا .
وقد أخرج الخبر
المذكور شيخه جعفر بن أحمد القمي في كتاب العروس ، عن زيد كما في أصله.
وأخرج الصدوق رحمهالله أيضا في الفقيه ، في باب ضمان الوصيّ لما يغيّره عمّا أوصى به
الميّت ، عن محمد بن أبي عمير ، عن زيد النرسي ، عن عليّ ابن مزيد صاحب السابري ،
قال : أوصى إليّ رجل. وساق الحديث ، وهو طويل ذكره الشيخ في الأصل في كتاب الوصية ، مثل ما
نقلناه عن أصل النرسي في الكتاب المذكور فلاحظ .
__________________
وأخرج أحمد بن
محمّد بن فهد في عدّة الداعي ، عن الأصل المذكور حديث معاوية بن وهب في الموقف ، وهو حديث شريف
في الحثّ على الدعاء للإخوان.
وأخرج الحسين بن
سعيد في كتاب الزهد ، عن الأصل المذكور خبر فناء العالم ، عن ابن أبي عمير ، عن
زيد النرسي ، عن عبيد بن زرارة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول. ، إلاّ أنّه اختصره.
وأخرج الخبر
المذكور عنه عليّ بن إبراهيم في تفسيره ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد ،
وساقه كما هو موجود في الأصل .
وقال العلامة
المجلسي قدسسره في البحار ـ بعد نقل كلمات الجماعة في الأصلين وصاحبيهما ـ : وأقول : وإن لم
يوثّقهما أصحاب الرجال ، لكن أخذ أكابر المحدّثين من كتابهما ، واعتمادهم عليهما
حتّى الصدوق قدسسره في معاني الأخبار ، وغيره ، ورواية ابن أبي عمير عنهما ، وعدّ الشيخ كتابهما
من الأصول ، لعلّها تكفي لجواز الاعتماد عليهما ، مع أنّا أخذناهما من نسخة عتيقة
مصحّحة بخط الشيخ منصور بن الحسن الآبي ، وهو نقله من خطّ الشيخ الجليل محمد ابن
الحسن القمّي ، وكان تاريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، وذكر أنّه أخذهما
وسائر الأصول المذكورة بعد ذلك من خطّ الشيخ الأجلّ هارون بن موسى التلّعكبري ، انتهى.
وأمّا محمد بن موسى
فلعلّنا نشير إلى بعض ما يؤيّد كلام السيّد رحمهالله فيه ، في بعض الفوائد الآتية.
__________________
٧ ـ وأمّا
كتاب جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي :
فقال الشيخ قدسسره في الفهرست :
جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي له كتاب ، رويناه بالإسناد الأول ، عن ابن همّام ،
عن حميد ، عن أحمد بن زيد الأزدي البزّاز ، عن محمد بن أمية بن القاسم الحضرمي ،
عن جعفر بن محمد بن شريح .
ومراده بالإسناد
الأوّل ـ كما ذكره في ترجمة جعفر بن قولويه ، وجعفر بن محمد بن مالك : الشيخ
المفيد ، والحسين بن عبيد الله ، وأحمد بن عبدون ، وغيرهم ـ : عن أبي محمد هارون
بن موسى التّلعكبري ، عن أبي علي بن همّام .
وسنده في النسخة
الموجودة ، والنسخة المتقدّمة للمجلسي طيب الله ثراه هكذا : الشيخ أبو محمد هارون
بن موسى بن أحمد بن إبراهيم التلّعكبري أيده الله قال : حدثنا محمد بن همّام ، قال
: حدثنا حميد بن زياد الدهقان ، قال : حدثنا أبو جعفر أحمد بن زيد بن جعفر الأزدي
، قال : حدثنا محمد بن المثنى بن القاسم الحضرمي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن
شريح الحضرمي ، عن حميد بن شعيب السبيعي ، عن جابر الجعفي ، قال : قال : أبو جعفر عليهالسلام. الخبر .
والظاهر أنّ أميّة
في سند الشيخ مصحّف ، والصواب ـ كما في سند الكتاب ـ المثنى ، وأشار الى ذلك في
البحار أيضا .
ومحمد بن أميّة
غير مذكور في الرجال ، ولا في أسانيد الأخبار. والظاهر
__________________
أنّ أحمد بن زيد
في السندين هو بعينه أحمد بن زيد الخزاعي ، الذي ذكر الشيخ قدسسره في الفهرست أنه
يروي كتاب آدم بن المتوكّل ، عن أحمد بن عبدون ، عن أبي طالب الأنباري ، عن حميد
بن زياد ، عن أحمد بن زيد الخزاعي ، عنه . وكتاب أبي جعفر شاهطاق ، والظاهر أنّه محمد بن علي بن
النعمان ، الملقّب بمؤمن الطاق ، عن جماعة ، عن أبي المفضل ، عن حميد ، عن أحمد بن
زيد الخزاعي ، عنه .
ووافقنا على
اتّحادهما المتبحّر النقّاد المولى الحاج محمد الأردبيلي ، في جامع الرّواة وظهر ممّا نقلنا
أنّه من مشايخ الإجازة ، وأنّ حميدا اعتمد عليه في رواية الكتب المذكورة ، وكتاب
محمد بن المثنى كما يأتي.
وقد مرّ في شرح
أصل زيد الزرّاد ما يقتضي الاعتماد على حميد ، والسكون إلى رواياته.
وستعرف أنّ مشايخ
الإجازة لا يحتاجون إلى التزكية والتوثيق ، إمّا لعدم الضرر في ضعفهم وجهالتهم ،
أو لكونهم ثقات إثبات على اختلاف بينهم.
ومنه وممّا نقلنا
عن السيد الكاظمي ، والعلامة الطباطبائي ، في مدح أرباب الكتب وأصحاب التصانيف ،
يظهر حسن حال الحضرمي ، مع أنّ رواياته في الكتاب سديدة مقبولة ، يوجد متونها أو
مضمونها في سائر الكتب المعتبرة ، وممّا يشهد على حسن حاله اعتماد محمد بن مثنى
عليه ، فإنّ جلّ روايات كتابه عنه فراجع وتأمل.
وأبوه محمد بن
شريح من ثقات أصحاب أبي عبد الله عليهالسلام ، له كتاب يرويه جماعة عنه ، كما في رجال النجاشي والفهرست
، وغيرهما .
__________________
٨ ـ وأمّا
كتاب محمد بن المثنّى بن القاسم الحضرمي قدسسره :
فالسند إليه في
النسخة المتقدّمة ما تقدّم في سند كتاب جعفر.
وقال النجاشي قدسسره : محمد بن
المثنّى بن القاسم ، كوفي ثقة ، له كتاب ، أخبرنا الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن
جعفر ، قال : حدثنا حميد ، قال : حدثنا أحمد ، عن محمد بن المثنّى بكتابه .
ويروي عنه الثقة
سيف بن عميرة ، كما في روضة الكافي .
وبملاحظة ما ذكرنا
لا ريب في اعتبار الكتاب ، والاعتماد عليه ، وذكر في آخر الكتاب حديثين من غير
توسّط محمد ، ووصف فيه أحمد هكذا : بالإسناد عن حميد بن زياد ، عن أبي جعفر أحمد
بن زيد بن جعفر الأزدي البزّاز ، ينزل في طاق [ زهير ] ولقيه بزيع ، قال : حدثني
علي بن عبيد الله . إلى آخره.
__________________
٩ ـ وأمّا
كتاب عبد الملك بن حكيم :
ففي رجال النجاشي
: عبد الملك بن حكيم الخثعمي ، كوفي ثقة ، عين ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهماالسلام ، له كتاب يرويه جماعة : أخبرنا القاضي أبو عبد الله الجعفي ، قال : حدثنا
أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن فضّال ، قال : حدثنا جعفر بن
محمد بن حكيم ، قال : حدثنا عبد الملك بن حكيم بكتابه .
وفي الفهرست : عبد
الملك بن حكيم ، له كتاب ، أخبرنا به جماعة ، عن التلعكبري ، عن ابن عقدة ، وذكر
مثله .
والسند في أوّل
الكتاب أيضا : التلعكبري ، عن ابن عقدة. إلى آخره.
ويظهر من النجاشي
أنّه من الأصول ، وإن نسبة الكتاب إليه معلومة ، ويرويه عنه جماعة ، وإنّما اقتصر
على الطريق الواحد لمجرّد الاختصار ، على حسب عادتهم في فهارسهم ، فلا يضرّ إذا
ضعف جعفر كما توهّم ، أو جهالته كما قيل ، بل اعتماد المشايخ الثلاثة ـ وهم وجوه
الطائفة ، ونقدة الأخبار في طريقهم إلى كتاب عمّه عليه ـ قرينة ظاهرة على حسن حاله
، بل وثاقته في الحديث ، مع أنّه يروي عنه مثل [ علي بن ] الحسن بن فضال ، وهو
بمكان من التثبّت والاحتياط في النقل والرواية ، وورد فيه وفي سائر بني فضّال ما
ورد من الأخذ بما رووا ، والثقة الجليل موسى بن القاسم بن معاوية بن وهب كما في
التهذيب في باب المواقيت من كتاب الحج ، والثقة الجليل محمد بن إسماعيل
__________________
ابن بزيع كما في
الكافي في باب بيض الدجاج من كتاب الأطعمة وأحمد بن محمد بن خالد فيه أيضا ، وبعد رواية
هؤلاء عنه لا وقع لما توهّم أو قيل فيه.
__________________
١٠ ـ وأمّا
كتاب مثنى بن الوليد الحناط :
ففي رجال النجاشي
: مثنّى بن الوليد الحنّاط ، مولى ، كوفي ، روى عن أبي عبد الله عليهالسلام ، له كتاب يرويه جماعة : أخبرنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن
سعيد ، قال : حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن يوسف بن بقاح ،
قال : حدثنا مثنّى بكتابه .
وفي الفهرست :
مثنّى بن الوليد الحنّاط له كتاب ، رواه الحسن بن علي الخزّاز عنه ، وفيه بلا فصل
: مثنّى بن الحضرمي له كتاب ، أخبرنا بهما جماعة ، عن أبي المفضّل ، عن ابن بطّة ،
عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عنهما .
وأمّا طريق
التلعكبري في النسخة الموجودة ، ففيها قال الشيخ رحمهالله : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا علي بن الحسن
بن فضّال التيملي ، قال : حدثنا العباس بن عامر القصبي ، قال : حدثنا مثنّى بن
الوليد الحنّاط ، عن ميسر بياع الزّطي . إلى آخره.
وقال الشيخ الجليل
أبو غالب أحمد بن محمد بن سليمان الزراري في رسالته إلى ولد ولده ، في ذكر طرقه
الى الكتب : كتاب مثنّى الحنّاط ، حدّثني به جدّي ، عن الحسن بن محمد الطيالسي ،
عن الحسن بن علي بن بنت إلياس الخزاز ، عن مثنّى .
وقال أبو عمرو
الكشي قدسسره في رجاله : قال أبو النضر محمد بن
__________________
مسعود : قال علي
بن الحسن : سلام ، ومثنّى بن الوليد ، والمثنّى بن عبد السلام كلّهم حنّاطون ،
كوفيون ، لا بأس بهم .
وقد قرّر في محلّه
أنّ قولهم : لا بأس به ، أي بوجه من الوجوه ، فيفيد التوثيق كما عليه جماعة ، مع
أنّه يكفي في وثاقته رواية ابن أبي عمير عنه كما عرفت ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر
البزنطي كما في الكافي في باب بيع الزرع الأخضر ، وباب من زاد على خمس تكبيرات من
أبواب الجنائز .
وفي التهذيب في
باب الأغسال المفروضات ، وفي باب الحيض من أبواب الزيادات ، وفي باب أحكام السهو
في الصلاة . وغيرهما من الأجلاّء الثقات من أصحاب الإجماع وغيرهم ،
سوى من تقدّم ذكرهم مثل :
عبد الرحمن بن أبي
نجران كما في التهذيب في باب البينات ، وفي الكافي في باب الصدق والأمانة ، وفي باب نادر قبل
باب دخول القبر ، وفي باب ما يجب على الحائض في أداء المناسك ، وفي التهذيب في
باب ميراث ابن الملاعنة ، وفي باب العتق .
وعلي بن الحكم في
الكافي في مولد أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام ، وفي باب صلاة فاطمة عليهاالسلام ، وفي باب الاهتمام بأمور المسلمين ، وفي باب ما جاء في
الهندباء ، وفي باب الحمّام من كتاب الزّي والتجمّل ، وفي التهذيب
مكررا في باب ميراث الاخوة .
__________________
والحسن بن علي
الوشاء في الكافي في كتاب العقل ، وفي باب البدع والرأي ، وفي باب المستضعف ، وفي
باب الرمي عن العليل .
والحسن بن راشد
فيه في باب الشكر .
وابن فضّال فيه في
باب اللقيط ، وفي باب شدّة ابتلاء المؤمن ، وفي التهذيب في باب ابتياع الحيوان .
وعلي بن الحسن بن
رباط ، في الكافي في باب أنّ النساء لا يرثن من العقار شيئا ، وفي الاستبصار
في باب أن المرأة لا ترث من العقار والدور .
وعبد الله بن
مسكان في التهذيب في باب تلقين المحتضرين من أبواب الزيادات .
والحسن بن محبوب
فيه في باب التلقي والحكرة ، وفي الكافي في باب التلقي .
ومعاوية بن حكيم
في التهذيب في باب أحكام الطلاق ، وفي الاستبصار في باب من طلّق امرأته ثلاث تطليقات .
__________________
والحسين بن أبي
العلاء في التهذيب في باب التيمّم من أبواب الزيادات ، وفي الاستبصار
في باب من دخل الصلاة بتيمّم ثم وجد الماء .
وهؤلاء كلّهم
أجلاّء ثقات ، بل جلّهم معدودون في الفقهاء الكبار ، وأساطين حملة الأخبار ،
وحاشاهم أن يرووا مع اختلاف مشاربهم عمّن لا يثقون به ، ولا يعتمدون عليه ، وهذا
من أجلي القرائن للتزكية والتوثيق عند أرباب التحقيق ، والله تعالى وليّ التوفيق.
__________________
١١ ـ وأمّا
كتاب خلاّد السدّي قدسسره :
ففي النجاشي :
خلاّد السدي البزاز ، كوفي ، روى عن أبي عبد الله ، وقيل :
أنّه خلاّد بن خلف المقرئ
، خال محمد بن علي الصيرفي أبي سمينة ، له كتاب يرويه عدّة : منهم ابن أبي عمير ،
أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان ومحمد بن مفضّل
بن إبراهيم بن قيس بن رمانة الأشعري ، قال حدثنا ابن أبي عمير ، عن خلاّد بكتابه .
وفي الفهرست :
خلاد السدي له كتاب ، أخبرنا به جماعة ، عن التلّعكبري ، عن ابن عقدة ، عن يحيى بن
زكريا بن شيبان ، عن ابن أبي عمير ، عن خلاد السدي .
وهذا بعينه طريق
التّلعكبري في النسخة الموجودة .
وقد أخرج الكليني
عنه في الكافي باب من مات وليس له وارث ، عن علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن
أبي عمير ، عن خلاد .
والشيخ في التهذيب
في باب من مات وليس له وارث من العصبة ، بإسناده عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي
عمير ، عن خلاّد . وفي الاستبصار في باب تحريم ما يذبحه المحرم من الصيد .
والسدّي كما في
الإيضاح : بضمّ السين ، والموجود المضبوط في نسخ
__________________
كتب الرجال
والأخبار ـ ثم الدال ، كأنّه منسوب الى سدّة ، وهي سدّة مسجد الكوفة ، وكان السدّي
المعروف يبيع بها المقانع ، وهي ما يبقى من الطاق المسدود ، ولذا نسب إليها.
وقد وقع في كتب
الفقهاء والأخبار تحريفات عجيبة ، حتى من الشيخ في التهذيب ، فتارة حرّفوه بالسري
، واخرى بالسندي ، وفي موضع من الجواهر بالبرقي ، بل في التهذيب في الباب المتقدّم
عن خلاّد ، عن السري ، بل فيه في باب الكفارة عن خطأ المحرم : عن حمّاد السري ، مع نقله في
الاستبصار خلاّد ، وكلّ هذا تحريف غير خفيّ على الخبير النقّاد.
وقد اتّضح بما
ذكرنا اعتبار الكتاب ، وحسن حال خلاّد ، بل وثاقته لرواية ابن أبي عمير عنه ،
واعتماد المشايخ عليه.
__________________
١٢ ـ وأمّا
كتاب الحسين بن عثمان :
ففي النجاشي :
الحسين بن عثمان بن شريك بن عدي العامري الوحيدي ، ثقة ، روى عن أبي عبد الله ،
وأبي الحسن عليهماالسلام. ذكره أصحابنا في رجال أبي عبد الله عليهالسلام ، له كتاب تختلف الرواية فيه ، فمنها ما رواه ابن أبي عمير ، أخبرنا أجازه
محمد بن جعفر ، عن أحمد بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن مفضل بن إبراهيم سنة خمس
وستين ومائتين ، قال : حدثنا محمد بن أبي عمير ، عن الحسين بن عثمان .
والسند إليه في
أول الكتاب هكذا : الشيخ أيّده الله تعالى ـ يعني التلعكبري ـ قال : حدثنا أبو
العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا جعفر بن عبد الله المحمدي ، قال حدثنا
محمد بن أبي عمير ، عن الحسين بن عثمان ، عن عبد الله بن مسكان. إلى آخره ،
والطريقان في غاية القوّة والاعتبار.
وقد روى عن الحسين
غير ابن أبي عمير جماعة من الأجلاّء ، فمنهم :
الحسين بن سعيد في
الكافي في باب حدّ المرض الذي يجوز للرجل أن يفطر فيه .
وأيوب بن نوح في
باب كيفيّة الصلاة من التهذيب .
ومحمد بن الحسين
في باب الصلاة في السفر من أبواب الزيادات من التهذيب ، وفي الاستبصار في باب من
يجب عليه التمام .
وموسى بن القاسم
في أواسط باب الزيادات في فقه الحجّ من
__________________
التهذيب .
والقاسم بن محمد
في الكافي في باب التعزية ، وفي التهذيب في باب تلقين المحتضرين من أبواب الزيادات .
وقد أشرنا غير
مرّة أنّ رواية الأجلّة عن راو من علائم الوثاقة.
وذكره الشيخ قدسسره في رجاله في
أصحاب الصادق عليهالسلام ، وقال فيه : أسند عنه .
وقد ذكرنا في
محلّه دلالة هذه الكلمة على التوثيق ، وابن عقدة ذكره في رجاله الذي ذكر فيه أربعة
آلاف رجل من ثقات أصحاب الصادق عليهالسلام.
وقال العلامة قدسسره في الخلاصة : قال
الكشي ، عن حمدويه ، عن أشياخه : إنّ الحسين بن عثمان خيّر ، فاضل ، ثقة .
واعترض عليه صاحب
التلخيص بأنّ الكشي قال ذلك في الحسين بن عثمان بن زياد الرواسي ، والاتّحاد محلّ
نظر .
قلت عبارة اختيار
رجال الكشي هكذا : حمدويه : سمعت أشياخي يذكرون أنّ حمّادا وجعفرا والحسين بني
عثمان بن زياد الرواسي ، كلّهم
__________________
فاضلون خيار ثقات .
والعلامة ذكره هذه
العبارة في ترجمة حمّاد بفاصلة قليلة .
ومن البعيد أن
يكون ما نقله في العامري الوحيدي ملتقطا ممّا ذكره الكشي في الرواسي واخوته ، وعدم
وجود ما نقله في الأول في الكشي الموجود لا يوجب الحمل على الاشتباه وتوهّم
الاتّحاد ، لما أشرنا إليه سابقا من وجود نسخة أصل رجال الكشي في عصره ، ولعلّ ما
نقله أولا يوجد فيه ، إلاّ أنّ الذي يقرّب هذا البعيد أنّه لم يذكر الرواسي في
الخلاصة ، مع أنه مذكور في الكشي تبعا ، وفي الفهرست منفردا ، وذكر له كتابا ،
وذكر طريقه إليه ، إن هذا إلاّ لتوهّم الاتّحاد والله العاصم.
__________________
١٣ ـ وأمّا
كتاب عبد الله بن يحيى الكاهلي :
ففي النجاشي : عبد
الله بن يحيى أبو محمد الكاهلي ، عربي أخو إسحاق ، رويا عن أبي عبد الله وأبي الحسن
عليهماالسلام ، وكان عبد الله وجيها عند أبي الحسن عليهالسلام ، ووصّى به علي بن يقطين رحمهالله فقال له : « اضمن لي الكاهلي وعياله أضمن لك الجنّة ».
وقال محمد بن عقدة الناسب : عبد الله بن يحيى الذي يقال له الكاهلي ، هو تميميّ
النسب ، وله كتاب يرويه جماعة منهم : أحمد بن محمد بن أبي نصر ، أخبرنا القاضي أبو
عبد الله الجعفي ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن أحمد
القطواني ، قال حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الكاهلي بكتابه .
وفي الفهرست : عبد
الله بن يحيى الكاهلي له كتاب ، أخبرنا به ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن
الصفّار ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبد الله بن يحيى.
وأخبرنا به أبو
عبد الله المفيد قدسسره ، عن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه وحمزة بن محمد ومحمد
بن علي ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن الكاهلي .
وفي مشيخة الفقيه
: وما كان فيه عن عبد الله بن يحيى الكاهلي فقد رويته عن أبي رحمهالله ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن
__________________
أحمد بن أبي نصر
البزنطي ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي .
وطريق التلعكبري
في النسخة الموجودة : الشيخ ـ أيّده الله تعالى ـ قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن
محمد بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن بن الحكم القطواني ، قال :
حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، قال : حدثنا عبد الله بن يحيى الكاهلي ،
قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول . الخبر.
ويروي عنه سوى
البزنطي وابن أبي عمير جماعة ، منهم : زكريا بن آدم قدسسره في التهذيب في باب اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان ، وفي
باب أنّه يعقّ يوم السابع ، وفي باب القول على العقيقة .
والحسن بن محبوب
فيه في باب الشركة والمضاربة ، وفي باب التلقي والحكرة ، وفي باب الذبح ، وفي الاستبصار
في باب الهدي المضمون ، وفي باب المضارب يكون له الربح .
وصفوان بن يحيى في
الكافي في باب صفات الذّات ، وفي باب فضل الحجّ والعمرة ، وفي باب صفة التيمّم ، وفي التهذيب في
باب الإجازات ، وفي باب صفة التيمّم .
__________________
وفضالة بن أيّوب
في الفقيه في باب إحرام الحائض ، وفي باب بيع الماء والمنع منه من التهذيب .
والقاسم بن محمد
فيه فيه ، وفي باب المهور والأجور منه ، وفي باب الذبائح والأطعمة .
وعلي بن الحكم
الكوفي الثقة فيه في باب الصلاة في السفر ، وباب الشفعة وغيرها ، وفي
الكافي في باب الماء الذي فيه قلّة وغيره .
والحسين بن سعيد
في التهذيب في باب العقود على الإماء ، وفي باب ضروب الحج ، وفي الاستبصار
في باب البئر تقع فيها العذرة اليابسة ، وفي باب من لم يجد الهدي ووجد الثمن ، وفي
باب النهي عن بيع الذهب بالفضّة .
والحسن بن محمد
الحضرمي في التهذيب في باب المهور والأجور ، وفي باب عقد المرأة على نفسها النكاح ، وفي الكافي في
باب الرجل يهوى امرأة وأبوه يهوى غيرها .
ومحمد بن خالد فيه
في باب الكتمان ، وفي باب الشرك ، وفي باب
__________________
التقدّم في الدعاء
.
وعلي بن مهزيار
فيه في باب من وصف عدلا وعمل بغيره .
وعلي بن الحسن بن
رباط في التهذيب في باب الأحداث الموجبة للطهارة ، وفي الاستبصار
في باب المذي والودي .
ومحمد بن حمّاد بن
زيد الثقة في التهذيب في باب الأحداث الموجبة للطهارة ، وفي باب فضل الصلاة من
أبواب الزيادات ، ومرّتين في باب كيفية الصلاة منها ، وفي الاستبصار
في باب الجهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .
وإسحاق بن عمار في
الكافي في باب حقّ الجوار .
وثعلبة بن ميمون
الفقيه المقدّم في هذه العصابة في التهذيب في باب صفة الوضوء ، وفي الاستبصار
في باب كيفيّة المسح على الرجلين .
وعبد الله بن
مسكان في التهذيب في باب تلقين المحتضرين ، وفي الاستبصار في باب موضع الكافور من الميت .
__________________
وحمّاد بن عثمان
في الكافي في باب التسليم وفضل المسلمين .
وغيرهم ممّن لا
حاجة إلى ذكرهم بعد رواية هؤلاء ، الذين فيهم الثلاثة الذين نصّوا على عدم روايتهم
إلاّ عن الثقة ، وجمع من أصحاب الإجماع والفقهاء ، من الثقات والأجلاّء من الرواة
، الذين بلغوا الغاية في التثبّت والإتقان ، فلا ينبغي التشكيك في توثيق من عكفوا
عليه ، وأخذوا عنه.
وفي رجال أبي عمرو
الكشي : عبد الله بن يحيى الكاهلي : علي بن محمّد ، قال : حدثني محمّد بن عيسى ،
قال : زعم ابن أخي الكاهلي أنّ أبا الحسن الأول عليهالسلام ، قال لعلي بن يقطين : « اضمن لي الكاهلي وعياله ، أضمن لك
الجنّة » .
وفي موضع آخر منه
: حدثني حمدويه بن نصير ( قال : حدثني محمّد بن نصير ) قال : حدثني
محمّد بن عيسى ، قال : زعم الكاهلي أنّ أبا الحسن عليهالسلام ، قال لعلي بن يقطين : « اضمن لي الكاهلي وعياله ، أضمن لك
الجنّة » فزعم ابن أخيه أنّ عليّا رحمهالله لم يزل يجري عليهم الطعام ، والدراهم ، وجميع النفقات
مستغنين حتى مات الكاهلي ، وأنّ نفقته كانت تعمّ عيال الكاهلي وقراباته. والكاهلي
يروي عن أبي عبد الله عليهالسلام .
وجدت بخط جبرئيل
بن أحمد : حدثني محمّد بن عبد الله بن مهران ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن
أبيه ، عن أخطل الكاهلي ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، قال : حججت فدخلت على أبي
الحسن عليهالسلام ، فقال لي : « اعمل خيرا في سنتك هذه ، فإنّ أجلك قد دنا »
قال : فبكيت ، فقال : « ما يبكيك » قلت : جعلت فداك نعيت إليّ نفسي ، قال : « أبشر
فإنّك من
__________________
شيعتنا ، وأنت إلى
خير » قال أخطل : فما لبث عبد الله بعد ذلك إلاّ يسيرا حتى مات .
__________________
١٤ ـ وأمّا
كتاب سلام بن أبي عمرة :
ففي النجاشي :
سلام بن أبي عمرة الخراساني ، ثقة ، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام ، سكن الكوفة ، له كتاب يرويه عنه عبد الله بن جبلة ، أخبرني عدّة من أصحابنا
، عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، قال : حدثنا القاسم بن محمّد بن الحسين بن حازم ،
قال : قال : حدّثنا عبد الله بن جبلة ، قال : حدثنا سلام .
والمراد بالعدّة
هنا كما صرّح به العلامة الطباطبائي : رجال ابن عقدة ، وهم : محمّد بن جعفر الأديب
، وأحمد بن محمّد بن هارون ، وأحمد بن محمّد بن الصلت ، والقاضي أبو عبد الله
الجعفي. قال رحمهالله : والظاهر اشتراك الكلّ في التوثيق .
وفي الفهرست :
سلام بن عمرو له كتاب ، أخبرنا به جماعة ، عن التلّعكبري ، عن ابن عقدة ، عن
القاسم بن محمّد بن الحسين بن حازم ، عن عبد الله بن جبلة ، عن سلام بن عمرو .
والسند في الكتاب
أيضا مثله ، إلاّ أنّ فيه سلام بن أبي عمرو ، فالظاهر أنّ ما في
الفهرست اشتباه ، أو أنّ عمرو اسم أبي عمرة.
وفي رجال الشيخ رحمهالله في أصحاب الصادق عليهالسلام : سلام بن أبي عمرة الخراساني .
واحتمال التعدّد
من الأوهام.
__________________
والقاسم بن محمّد
المذكور في طرق المشايخ الثلاثة غير مذكور في الرجال ، ولكنّ الظاهر أنّه من مشايخ
الإجازة ، ومن اعتماد الشيخ والنجاشي والتلّعكبري في طريقهم إلى الأصل المذكور
عليه ، يظهر حسن حاله.
وليس فيه من
الأخبار الفرعية إلاّ نزر يسير.
١٥ ـ وأمّا
نوادر علي بن أسباط :
ففي النجاشي : علي
بن أسباط بن سالم ، بيّاع الزطي ، أبو الحسين المقرئ ، كوفي ، ثقة ، وكان فطحيا ،
جرى بينه وبين علي بن مهزيار رسائل ، رجعوا فيها الى أبي جعفر الثاني عليهالسلام ، فرجع علي بن أسباط عن ذلك القول وتركه ، وقد روى عن الرضا عليهالسلام من قبل ذلك ، وكان أوثق الناس وأصدقهم لهجة ، له كتاب الدلائل. إلى أن قال :
وله كتاب نوادر مشهور ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن موسى الجرّاح الجندي ،
قال : حدثنا محمّد بن علي بن همّام أبو علي الكاتب ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن
موسى ، قال : حدثنا أحمد بن هلال ، عن علي بن أسباط .
وفي الفهرست : علي
بن أسباط الكوفي ، له أصل وروايات ، أخبرنا به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن
محمّد بن يحيى العطار ، عن أبيه ، عن محمّد ابن أحمد بن أبي قتادة ، عن موسى بن
جعفر البغدادي ، عن علي بن أسباط.
وأخبرنا ابن أبي
جيد ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن علي بن
أسباط .
وفي مشيخة الفقيه
: وما كان فيه عن علي بن أسباط فقد رويته عن محمّد ابن الحسن رضياللهعنه وساق مثله .
والسند في أول
النسخة هكذا : الشيخ أيّده الله تعالى ـ يعني التلعكبري رضياللهعنه ـ قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني ، قال : أخبرنا علي
بن الحسن بن فضال ، قال : حدثنا علي بن أسباط ،
__________________
قال : أخبرنا
يعقوب بن سالم الأحمر ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : « لما قبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بات آل محمّد عليهمالسلام بليلة أطول ليلة » الخبر.
وفي الكافي :
الحسين بن محمّد ، عن المعلّى بن محمّد ، عن منصور بن العباس ، عن علي بن أسباط ،
عن يعقوب ، وساق مثله .
وقد اختلفت كلمات
الأصحاب في رجوعه عن الفطحيّة وعدمه ، وفي زمان رجوعه ، ولا حاجة إلى نقلها وتحقيق
الحقّ بعد اعتبار كتابه ، واعتماد المشايخ عليه ، وكونه أوثق الناس وأصدقهم ،
وكثرة الطرق إلى كتبه ، وفيها الصحيح ، وإكثار رواية الأجلاّء عنه ، فقد روى عنه
سوى من تقدم :
أحمد بن محمّد بن
عيسى في الكافي في باب العجب ، وفي التهذيب في باب ميراث من علا من الآباء ، وفي باب
السنّة في عقود النكاح ، وفي باب الاستخارة له .
وإبراهيم بن هاشم
في الكافي في باب العجب ، وفي باب أصول الكفر وأركانه ، وفي باب ذي اللسانين ، وفي
باب صلاة الاستخارة ، وفي التهذيب في باب من يحرم نكاحهنّ من الأزواج .
ويعقوب بن يزيد
فيه في باب تلقين المحتضرين ، وفي الكافي في باب وقت ما يعلم الإمام جميع علم الإمام
الذي قبله ، وفي باب من حثا على
__________________
ميّت .
والحسين بن سعيد
فيه فيه ، وفي باب أنّ الأئمّة عليهمالسلام ولاة أمر الله عزّ وجلّ .
والحسن بن موسى
الخشاب في التهذيب في باب التيمّم ، وفي باب فضل المساجد ، وغيرها .
والحسن بن علي
الوشّاء فيه في باب أحكام السهو في الصلاة .
ومنصور بن حازم في
الاستبصار في باب النفر الأول .
وموسى بن القاسم
البجلي في الكافي في باب صلاة الاستخارات ، وفي باب البخور ، وفي التهذيب في
باب المدينة وفضلها .
وعمران بن موسى في
الكافي في باب ماء السماء في كتاب الأشربة .
وعلي بن الحسن
الطاطري ـ الذي قالوا فيه : روى عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم ـ في التهذيب في
باب أوقات الصلاة .
ومحمّد بن عيسى بن
عبيد في الكافي في باب مولد الحسين عليهالسلام .
وعبد العظيم بن
عبد الله الحسني في الكافي في باب أنّ الأئمّة عليهم
__________________
السلام نور الله
عزّ وجلّ ، وباب التسليم ، وباب معاني الأسماء ، وغيرها .
وأحمد بن محمّد بن
خالد فيه في باب النيّة في كتاب الكفر والإيمان .
والحجال فيه في
باب معرس النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم .
وهؤلاء من أجلاّء
الثقات ، وفقهاء الرواة ، يكفي روايتهم عنه في علوّ مقامه ، وسموّ شأنه.
ويروى عنه غيرهم
جماعة لا حاجة إلى ذكرهم ، فإنّ الغرض بيان وثاقته ، واعتبار كتابه ، لإتمام ما
يتعلّق به ، فإنّه موكول إلى كتب الرجال.
__________________
١٦ ـ مختصر
كتاب العلاء :
وجدناه بخطّ الشيخ
الجليل صاحب الكرامات محمد بن علي الجباعي ، نقله من خطّ الشيخ الشهيد الأوّل قدسسرهما ، أوّله هكذا : من كتاب العلاء ، وساق الأخبار ، وكتب في آخره : آخر المختار
نقلا من خطّ الشيخ العالم محمّد بن مكي ، وهو نقل من خطّ الشيخ الجليل محمّد بن
إدريس في العشرين من جمادى الأولى ، سنة ستين وثمانمائة . وتأريخ الكاتب ( للأصل آخر يوم
الجمعة ) ثامن عشر من شهر رمضان ، سنة ثلاث وستين وسبعمائة ، وذهب
هنا نصف السطر في آخر الصفحة ، وبقي منه هذا : سبعين وخمسمائة ، قال وهو يسأل من
الله التوفيق واللطف ، وذهب سطر آخر أيضا ، والظاهر أنّ هذا تأريخ خطّ ابن إدريس.
والعلاء كما في
النجاشي : ابن رزين القلاّء ، ثقفي ، مولى ، قاله ابن فضال ، وقال ابن عبدة الناسب
: مولى يشكر ، كان يقلي السويق ، روى عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وصحب محمّد بن مسلم قدسسره وفقه عليه ، وكان ثقة وجها ، والهلال بن العلاء روى عنه
وعبد الملك بن محمّد بن العلاء.
له كتب يرويها
جماعة ، أخبرنا جماعة ، عن الحسن بن حمزة ، قال : حدثنا محمّد بن جعفر ، عن الصفار
، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، قال : حدثنا
__________________
الحسن ، عن العلاء
بكتابه .
وفي الفهرست :
العلاء بن رزين القلاّء ، جليل القدر ، ثقة ، له كتاب ، وهو أربع نسخ ، منها رواية
الحسن بن محبوب ، وذكر النسخ والطرق وجلّها صحاح ، وقال في آخر كلامه : قال ابن
بطّة : العلاء بن رزين أكثر رواية من صفوان بن يحيى .
وفي هذا المقدار
كفاية لاعتبار كتابه ، وعلوّ مقامه.
__________________
١٧ ـ كتاب
المؤمن أو ابتلاء المؤمن :
هو للثقة الجليل
الحسين بن سعيد الأهوازي ، أمّا جلالة قدره وبيان حاله فلا يحتاج إلى البيان ،
وأمّا الكتاب المذكور فهو داخل في كتبه الثلاثين التي يضرب باعتبارها المثل ، إلاّ
أنّ النجاشي عبّر عنه بكتاب حقوق المؤمنين وفضلهم ، والشيخ في
الفهرست بكتاب المؤمن . والطرق إليها كثيرة ـ مذكورة في النجاشي ، والفهرست ،
ومشيخة الفقيه ، ـ غنيّة عن التزكية والتصحيح.
وقد ذكر هذا
الكتاب بخصوصه الشيخ الجليل أبو غالب الزراري في رسالته ، فقال : كتاب ما يبتلى به
المؤمن لابن سعيد ، حدثني به عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى
، عن الحسين بن سعيد قدسسرهم.
__________________
١٨ ـ كتاب
الديات :
هو من الأصول
المشهورة واعتمد عليها المشايخ الثلاثة قدسسرهم في الكافي ، والتهذيب ، والفقيه ، وذكروا طرقهم إليه ،
وبين نسخهم اختلاف يعرفه النظّار.
وقال في النجاشي :
ظريف بن ناصح أصله كوفيّ ، نشأ ببغداد ، وكان ثقة في حديثه ، صدوقا ، له كتب منها
كتاب الديات ، رواه عدّة من أصحابنا ، عن أبي غالب أحمد بن محمّد ، قال : قرئ على
عبد الله بن جعفر وأنا أسمع ، قال : حدثنا الحسن بن ظريف ، عن أبيه به .
وفي الرسالة
المذكورة نسب الكتاب إلى الحسن ، فقال : كتاب الديات للحسن بن ظريف ، حدثني به عبد
الله بن جعفر ، عن الحسن بن ظريف .
وقد نقل العالم
الفقيه يحيى بن سعيد ، ابن عمّ المحقّق تمام الكتاب ، في آخر جامعه ، وذكر طريقه
إليه فقال : فصل ، ولمّا انتهيت إلى هنا وهو المقصود بالكتاب ، سأل من وجب حقّه
إثبات كتاب الديات لظريف بن ناصح رحمهالله بإسناده ، وأجبته إلى ذلك وها أنا ذاكره على وجهه إن شاء
الله تعالى :
أخبرني السيد
الفقيه العالم الصالح محيي الدين أبو حامد محمّد بن عبد الله ابن علي بن زهرة
الحسيني الحلبي رحمة الله عليه قال : أخبرني الشيخ الفقيه محمّد بن علي بن شهرآشوب
، عن أبي الفضل الداعي وأبي الرضا فضل الله ابن علي الحسيني وأبي الفتوح أحمد بن
علي الرازي وأبي علي محمّد بن الفضل الطبرسي ومحمّد وعلي ابني علي بن عبد الصمد
النيشابوري ومحمّد بن الحسن الشوهاني وجماعة ، وكلّهم عن أبي علي وعبد الجبار
المقري ، عن الشيخ أبي
__________________
جعفر الطوسي قدسسره.
وأخبرني الشيخ
محمّد بن أبي البركات بن إبراهيم الصنعاني ، في شهر رجب سنة ستّ وثلاثين وستمائة ،
عن الشيخ أبي عبد الله الحسين بن هبة الله ابن رطبة السوراوي ، عن أبي علي ، عن
والده الشيخ أبي جعفر الطوسي قدسسره.
وأخبرني السيد
المذكور ، عن الفقيه عزّ الدين أبي الحارث محمّد بن الحسن بن علي الحسيني البغدادي
، عن الفقيه قطب الدين أبي الحسين الراوندي ، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسن
الحلبي ، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي قدسسره.
قال : أخبرني
الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي ، عن أبي جعفر محمّد بن علي
بن الحسين بن بابويه القمّي ، عن محمّد بن الحسن ابن الوليد ، عن أحمد بن إدريس ، عن
محمّد بن حسّان الرازي ، عن إسماعيل ابن جعفر الكندي ، عن ظريف بن ناصح ، قال :
حدثني رجل يقال له : عبد الله بن أيوب ، قال : حدثني أبو عمرو المتطبّب ، قال :
عرضت هذه الرواية على أبي عبد الله عليهالسلام.
وعن الشيخ أبي
جعفر الطوسي ، عن الشيخ أبي عبد الله ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ،
عن محمّد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم ابن هاشم.
وعنه ، عن الشيخ
أبي عبد الله والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون ، عن أبي محمّد الحسن بن حمزة
العلوي الطبري ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم.
وعنه ، عن الحسين
بن عبيد الله ، عن أبي غالب أحمد بن محمّد الزراري
__________________
وأبي محمّد هارون
بن موسى التلّعكبري وأبي القاسم بن قولويه وأبي عبد الله أحمد ابن أبي رافع
الصيمري وأبي المفضّل الشيباني وغيرهم ، كلّهم عن محمّد بن يعقوب ،
عن علي بن إبراهيم قدسسرهم.
وعنه ، عن أحمد بن
عبدون ، عن أحمد بن أبي رافع وأبي الحسين عبد الكريم بن عبد الله بن نصر البزّاز
بتنيس وبغداد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ،
عن ظريف بن ناصح.
وسهل بن زياد ، عن
الحسن بن ظريف ، عن أبيه ظريف.
وعن ابن فضال
ومحمّد بن عيسى ، عن يونس ، قالا : عرضنا عليه هذا الكتاب فقال : نعم هو حقّ وقد كان أمير
المؤمنين عليهالسلام يأمر عمّاله بذلك .
وبالجملة فهذا
الكتاب معروف مشهور ، معتمد عليه ، وقد نقله في الوسائل عن الكافي ، والتهذيب ،
والفقيه ، وفرّق أجزاءه على الأبواب ، ونحن نقلناه عن الأصل ، وبينهما اختلاف في
بعض المواضع لا يخفى على الناظر البصير.
__________________
١٩ ـ كتاب
المسلسلات ٢٠ ـ وكتاب المانعات من دخول الجنّة
٢١ ـ وكتاب
الغايات ٢٢ ـ وكتاب العروس :
كلّها لأبي محمّد
جعفر بن أحمد القمي ، وهذا الشيخ غير مذكور فيما وصل إلينا من كتب الرجال ، إلاّ
في رجال ابن داود كما ستعرف ، مع أنّه من المؤلّفين المعروفين وأجلّة
المحدّثين ، ومؤلّفاته دائرة بين الأصحاب.
قال السيد الأجلّ
علي بن طاوس في كتاب الدروع الواقية ـ وهو الجزء الرابع من تتمّات المصباح ـ :
ولقد ذكر أبو محمّد جعفر بن أحمد القمّي في كتاب زهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، من الله عزّ وجلّ ما فيه بلاغ .
وهذا جعفر بن أحمد
عظيم الشأن ، من الأعيان ، ذكر الكراجكي في كتاب الفهرست أنّه صنّف مائتين وعشرين
كتابا بقم والريّ ، فقال حدّثنا الشريف أبو جعفر محمّد بن أحمد القمي. إلى آخره .
وقد نقل عن هذا
الكتاب الشيخ الجليل ورّام في تنبيه الخاطر .
وقال أحمد بن
محمّد بن فهد الحلّي في كتاب التحصين : روى الشيخ أبو محمّد جعفر بن أحمد بن علي
القمّي قدسسره نزيل الريّ ، في كتاب المنبئ عن زهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : حدّثنا أحمد بن علي بن بلال . إلى آخره.
وقال السيد ابن
طاوس في كتاب المضمار في أعمال شهر رمضان : ورأيت
__________________
في كتاب اعتقادي أنّه تأليف أبي
محمّد جعفر بن أحمد القمي ، عن الصادق عليهالسلام ، الخبر.
وقال أيضا في فلاح
السائل ـ بعد رواية التكبيرات الثلاث عقيب الصلاة ـ : روى ذلك الشيخ الفقيه السعيد
أبو محمّد جعفر بن أحمد القمي قدسسره في كتاب آداب الإمام والمأموم ، وساق السند إلى آخره.
وقال شيخنا الشهيد
الثاني في روض الجنان : وروى الشيخ أبو محمّد جعفر بن أحمد القمي نزيل الري في
كتاب الإمام والمأموم ، بإسناده إلى أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم . الخبر.
وفي أوّل تفسير
الإمام الهمام أبي محمّد العسكري عليهالسلام على ما في نسختي ، وجملة من النسخ ، وأشار إليها في أوّل
البحار أيضا : قال محمّد بن علي ابن محمّد بن جعفر بن الدقاق : حدثني الشيخان
الفقيهان أبو الحسن محمّد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان وأبو محمّد جعفر بن
أحمد بن علي القمي رحمهما الله تعالى قالا : حدّثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد
بن علي بن الحسين ابن موسى بن بابويه القمي ـ رحمهالله ـ. الى آخره .
ومنه يعرف طبقته
وأنّه في طبقة المفيد ، وابن الغضائري وأضرابهما ، بل وطبقة الصدوق ، بل يروي عنه
كما يروي هو عنه ، ويأتي ذكره في الفائدة الخامسة في مشايخه ، ويظهر من مسلسلاته
أنّه يروي عن الصاحب بن عباد.
ومن جميع ما ذكرنا
يظهر أنّه كان من العلماء المعروفين الذين لا يحتاجون
__________________
إلى التزكية
والتوثيق ، وداخل في الجمع الذين أشار إليهم الشهيد الثاني قدسسره في شرح الدراية
بقوله : تعرف عدالة الراوي بتنصيص عدلين عليها ، أو بالاستفاضة بأن تشتهر عدالته
بين أهل النقل ، وغيرهم من أهل العلم ، كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ الكليني
وما بعده إلى زماننا هذا ، ولا يحتاج أحد من هؤلاء المشهورين إلى تنصيص على تزكيته
، ولا تنبيه على عدالته لما اشتهر في كلّ عصر من ثقتهم ، وضبطهم وورعهم ، زيادة
على العدالة ، وإنّما يتوقّف على التزكية غير هؤلاء ، انتهى.
وقال ابن داود في
رجاله : جعفر بن علي بن أحمد القمّي المعروف بابن الرازي ، وفي باب من لم يرو عنهم
عليهمالسلام من رجال الشيخ : أبو محمد ثقة مصنّف .
قال السيّد في
منهج المقال : ولم أجده في غيره .
وقال السيّد مصطفى
أيضا في رجاله ـ بعد نقل ما في رجال ابن داود ـ : ولم أجده في الرجال وغيره .
قال الشيخ عبد
النبي الكاظمي في تكملة الرجال ، وهو كالتعليقة عليه : هذا أحد شيوخ الصدوق رحمهالله كما يظهر من كتاب معاني الأخبار ، وكأنّ ابن داود أخذ توثيقه من وصف الصدوق
إيّاه بأنّه فقيه ، قال في الكتاب المذكور : حدّثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد
الفقيه القمي ثم الإيلاقي رضياللهعنه انتهى.
واحتمال رجوع
الصفة والترضي الى جدّه أحمد غير بعيد ، إلاّ أنّ الظاهر
__________________
رجوعه إلى جعفر
لأنّه هو المسوق له الكلام ، وأنّ رعاية تعظيم الشيوخ أولى ، وتعرّضه لتعظيم أواسط
السند قليل ، إلاّ أنّ هذا غايته الحسن لا الوثاقة ، ولعلّ النسخة التي وقعت لديه
فيها بدل الفقيه بالثقة ، انتهى.
قلت : ظاهر
الميرزا والسيّد التفريشي أنّهما لم يجدا أصل الترجمة في رجال الشيخ ، وفيه أنّ
الشيخ أبا علي صرّح في رجاله بوجودها فيه ، قال في منتهى المقال : وفي نسختين عندي
من رجال الشيخ في باب من لم يرو عنهم عليهمالسلام : جعفر بن علي بن أحمد القمي المعروف بابن الرازي ، يكنّى
أبا محمد صاحب المصنّفات ، وليس فيه التوثيق ، لكن نقله في المجمع عن من لم يرو
عنهم عليهمالسلام كما ذكره ابن داود .
ويظهر من جميع ذلك
اختلاف نسخ رجال الشيخ بالزيادة والنقيصة ، وكلّ من الواجد والعادم صادق في دعوى
الوجدان وعدمه ، وعليه فنقل ابن داود التوثيق من رجال الشيخ لا ينافي عدم وجوده في
بعض النسخ ، لاحتمال وجوده في نسخته ، فلا سبيل إلى تكذيبه أو تخطئته ، هذا بناء
على كون التوثيق من تتمّة ما نقله من رجال الشيخ ، وإن كان من كلام نفسه ، كما
يظهر من الكاظمي ، فتصديقه أولى ، ولا حاجة إلى ما تمحّل له في التكملة من أخذه
الوثاقة من الفقاهة ، التي وصفه بها الصدوق في معاني الأخبار ، حتى يستشكل بعدم
دلالتها عليها ، لجواز أخذها من كلام أخي أستاذه السيّد الأجلّ علي بن طاوس في
الدروع الواقية كما نقلناه ، فإنّه يدلّ على الوثاقة وفوقها ، مع أنّ في عدم الدلالة
نظر ، كما صرّح به الأستاذ الأكبر في فوائده ، فراجع وتبصر.
__________________
٢٣ ـ كتاب
القراءات للسياري :
ويعبّر عنه أيضا
بالتنزيل والتحريف ، وقد غمز عليه مشايخ الرجال ، إلاّ أنّه يظهر من بعض القرائن
اعتبار الكتاب واعتماد الأصحاب عليه ، بل والنظر فيما ذكروا ، فنقول :
قال الشيخ في
الفهرست : أحمد بن محمد بن سيّار أبو عبد الله الكاتب ، بصريّ كان من كتّاب آل
طاهر في زمن أبي محمد عليهالسلام ، ويعرف بالسيّاري ، ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، مجفوّ
الرواية ، كثير المراسيل ، وصنّف كتبا منها : كتاب ثواب القرآن ، كتاب الطب ، كتاب
القراءات ، كتاب النوادر ، أخبرنا بالنوادر خاصّة الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد
بن محمد بن يحيى ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا السيّاري ، إلاّ بما كان فيه من
غلوّ أو تخليط.
وأخبرنا بالنوادر
وغيره جماعة من أصحابنا ، منهم الثلاثة الذين ذكرناهم ، عن محمد بن أحمد بن داود ،
قال : حدثنا سلامة بن محمد ، قال : حدثنا علي ابن محمد الحنائي ، قال : حدثنا
السيّاري .
وقال النجاشي :
أحمد بن محمد بن سيّار أبو عبد الله الكاتب ، بصريّ كان من كتّاب آل طاهر في زمن
أبي محمّد عليهالسلام ، ويعرف بالسيّاري ، ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، ذكر ذلك
لنا الحسين بن عبيد الله ، مجفوّ الرواية ، كثير المراسيل ، له كتب وقع إلينا منها
: كتاب ثواب القرآن ، كتاب الطب ، كتاب القراءات ، كتاب النوادر ، كتاب الغارات ،
أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى ، وأخبرنا أبو عبد
الله القزويني ، قال : حدثنا أحمد ابن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، قال : حدثنا
السيّاري ، إلاّ ما كان من غلوّ
__________________
وتخليط .
وظاهرهما بعد كون
مستند التضعيف الغضائري ، بل وعدم قبول الثاني للضعف والفساد ، وإلاّ لما نسبه
إليه ، ولذكره مع ما رماه به الاعتماد على رواياته الخالية عن الغلوّ والتخليط ،
كما يظهر من ذكر الطريق والاستثناء.
وقد أكثر ثقة
الإسلام في الكافي من الرواية عنه ، وقد تعهّد أن يجمع فيه الآثار الصحيحة ، عن
الصادقين عليهمالسلام ، والسنن القائمة التي عليها العمل من جملة الأخبار
المختلفة ، مع قرب عهده به ، وقلّة الواسطة بينهما.
فروى عنه في باب
كراهية التوقيت ، عن محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عنه .
وفي مولد أمير
المؤمنين عليهالسلام ، عن علي بن محمد بن عبد الله ، عنه .
وفي باب الدعاء في
طلب الولد ، في كتاب العقيقة ، عن الحسين بن محمد بن عامر الأشعري الثقة ، عنه.
وكذا في كتاب العقل والجهل ، وباب من يشتري الرقيق فيظهر به عيب .
وفي باب فضل
القرآن ، عن محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن جعفر ، وهو الشيخ الجليل الحميري ،
عنه. وكذا في باب دهن الزنبق ، وباب صفة الشراب الحلال .
وفي باب سويق
الحنطة ، عن محمد بن يحيى ، عن موسى بن الحسن ـ وهو الأشعري الثقة الجليل ـ عنه.
وكذا في باب صفة الشراب الحلال .
__________________
وفي باب أنّ الرجل
إذا دخل بلدة فهو ضيف ، عن أبي عليّ الأشعري ـ وهو شيخ القميين ـ عنه .
ويروى عنه في
الكافي سهل بن زياد ، والمعلّى بن محمد ، وعلي بن محمد بن بندار في أبواب
متفرّقة.
وقال في باب الفيء
والأنفال : علي بن محمد بن عبد الله ، عن بعض أصحابنا ـ أظنّه السيّاري ـ.
وظاهره ـ كرواية
هؤلاء الأجلّة عنه ـ عدم الاعتناء بما قيل فيه ، بناء على ظهور أصحابنا في مشايخ
الإماميّة ، أو مشايخ أرباب الرواية والحديث ، المعتبرة رواياتهم ، وكيف يجتمع هذا
مع فساد المذهب؟ إلاّ أن يريد به بعض المسائل الأصوليّة الكلاميّة التي ساقه ـ وجماعة
من الأجلّة ـ إليه بعض الأدلّة ، ممّا لا يوجب الكفر والارتداد ، ولم يكن ضروريّا
في تلك الأعصار ، وأظنّ أنّ مأخذ جميع ما قيل فيه استثناؤه ابن الوليد عن رواة
نوادر الحكمة .
ويروي عنه الصفّار
في بصائر الدرجات ، منه في باب ما لا يحجب عن الأئمّة عليهمالسلام من علم السماء . إلى آخره.
وقال ابن إدريس في
آخر السرائر ( باب الزيادات ) وهو آخر أبواب هذا الكتاب : ممّا استنزعته واستطرفته من
كتب المشيخة المصنّفين ، والرواة
__________________
المحصلين ، وستقف
على أسمائهم. إلى أن قال : ومن ذلك ما استطرفته من كتاب السيّاري ، واسمه أبو عبد
الله ، صاحب موسى والرضا عليهماالسلام . ثم أخرج جملة من الأخبار من كتابه.
وفي قوله صاحب
موسى عليهالسلام نظر لا يخفى على البصير بطبقته.
وقد أكثر من
الرواية عنه الثقة الجليل محمد بن العباس بن ماهيار في تفسيره بتوسّط أحمد بن
القاسم.
ثم إنّ الكتاب
المذكور ليس فيه حديث يشعر بالغلوّ ، حتّى على ما اعتقده القميّون نفيه فيهم ،
وأكثر رواياته موجودة في تفسير العيّاشي ، بل لا يبعد أخذه منه ، إلاّ أنّه لم يصل
إلينا سند الأخبار المودعة في تفسيره لحذف بعض النسّاخ.
ونقل عنه الشيخ
الجليل الحسن بن سليمان الحلّي في مختصر بصائر سعد ابن عبد الله ، وعبّر عنه
بالتّنزيل والتحريف .
ونقل عنه الأستاذ
الأكبر في حاشية المدارك في بحث القراءة ، وأخرج منه حديثين .
وبالجملة فبعد
رواية المشايخ العظام : كالحميري ، والصفّار ، وأبي علي الأشعري ، وموسى بن الحسن
الأشعري ، والحسين بن محمد بن عامر ، عنه ، وهم من أجلّة الثقات. واعتماد ثقة
الإسلام عليه ، وخلوّ كتابه عن الغلوّ والتخليط ، ونقل الأساطين عنه ، لا ينبغي
الإصغاء إلى ما قيل فيه ، أو الريبة في كتابه المذكور.
__________________
٢٤ ـ إثبات
الوصيّة :
للعالم الجليل شيخ
المؤرّخين وعمادهم علي بن الحسين بن علي المسعودي ، أبو الحسن الهذلي.
قال النجاشي : علي
بن الحسين بن علي المسعودي ، أبو الحسن الهذلي ، له كتاب المقالات في أصول
الديانات ، كتاب الزّلف ، كتاب الاستبصار ، كتاب نشر الحياة ، كتاب
نشر الأسرار ، كتاب الصّفوة في الإمامة ، كتاب الهداية في تحقيق الولاية ، كتاب
المعالي في الدرجات ، والإبانة في أصول الديانات ، رسالة إثبات الوصيّة لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، رسالة إلى ابن صفوة المصيصي ، أخبار الزّمان من الأمم الماضية والأحوال
الخالية ، كتاب مروج الذهب ومعادن الجواهر ، كتاب الفهرست.
هذا رجل زعم أبو
المفضّل الشيباني أنّه لقيه واستجازه وقال : لقيته ، وبقي هذا الرجل إلى سنة ثلاث
وثلاثين وثلاثمائة .
وقال العلامة في
القسم الأوّل من الخلاصة : علي بن الحسين بن علي المسعودي ، أبو الحسن الهذلي ، له
كتب في الإمامة وغيرها ، منها كتاب في إثبات الوصيّة لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، وهو صاحب مروج الذهب .
وقال الشهيد
الثاني قدسسره في حواشيه عليها : ذكر المسعودي في مروج الذهب أنّ له كتابا اسمه الانتصار ،
وعدّد كتبا منها حدائق الأذهان في أخبار
__________________
آل محمد عليهمالسلام .
وقال السيد علي بن
طاوس قدسسره في كتاب فرج المهموم ـ عند ذكر العلماء العاملين بالنجوم ـ : ومنهم الشيخ
الفاضل الشيعي علي بن الحسين بن علي المسعودي مصنّف كتاب مروج الذهب .
وفي رياض العلماء
: قال : قال السيد الداماد في حاشيته على اختيار رجال الكشي للشيخ الطوسي قدسسره : قال الشيخ
الجليل الثقة الثبت المأمون الحديث عند العامّة والخاصّة ، علي بن الحسين المسعودي
أبو الحسن الهذلي في كتاب مروج الذهب .
وقال ابن إدريس في
السرائر في كتاب الحج : قال أبو الحسن علي بن الحسين في كتابه المترجم بمروج الذهب
ومعادن الجواهر في التاريخ وغيره ، وهو كتاب حسن كبير كثير الفوائد ، وهذا الرجل
من مصنّفي أصحابنا ، معتقد للحق ، له كتاب المقالات . إلى آخره.
الى غير ذلك من
العبارات الصريحة في كونه من علماء الإماميّة ، ولم يتأمّل أحد فيه حتى أنّ طريقة
الشهيد قدسسره في حواشي الخلاصة أن يتعرّض في كلّ موضع لا ينبغي ذكر الرجل في القسم الأوّل
لقدح في نفسه أو مذهبه ، ولم يتعرّض في هذا المقام ، بل استدرك ما فات من الكتاب
من كتب هذا الشيخ.
وذكره ابن داود
أيضا في القسم الأوّل .
__________________
بل في رجال أبي
علي : ولم أقف إلى الآن على من توقّف في تشيّع هذا الشيخ ، سوى ولد الأستاذ العلامة ـ أعلى
الله في الدارين مقامه ومقامه ـ فإنّه أصرّ على الخلاف وادّعى كونه من أهل الخلاف ، انتهى.
قلت : مراده من ولد الأستاذ : العالم النحرير آغا محمّد علي
صاحب المقامع ، ورأيت بخطّه الشريف على ظهر كتاب نقد الرجال ـ وعليه حواشي كثيرة
منه بخطّه ـ قال : علي بن الحسين بن علي المسعودي أبو الحسن الهذلي ، له كتاب في
الإمامة ، وغيرها ، منها كتاب في إثبات الوصيّة لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، وهو صاحب كتاب مروج الذهب ، عنه أبو المفضل الشيباني إجازة ، بقي إلى سنة
٣٣٣ ، أو سنة ٣٤٥ ـ النجاشي ـ.
وقال السيد ابن
طاوس قدسسره في كتاب النجوم ـ عند ذكر العلماء العاملين بالنجوم ـ : إنّ منهم الشيخ
الفاضل الشيعي علي بن الحسين المسعودي صاحب مروج الذهب. انتهى .
وعدّه الخال
المفضال في الوجيزة من الحسان ، ونقل عن كتابيه : كتاب الوصيّة ، وكتاب مروج الذهب في
البحار.
أقول : ظاهر كلامه في مروج الذهب أنّه كان من العامّة ، حيث نسج
على منوالهم ، واعتمد على أخبارهم وآثارهم وأقوالهم ، من ذكر أيام الخلفاء
الأربعة وخلفاء بني أميّة وبني العباس ، من غير تعرّض لمطاعنهم ومساويهم ومظالمهم
، ومذهب المتقدّمين إنّما يثبت من كلماتهم ، أو تصريح
__________________
العلماء بمذاهبهم
، وكلامه في ذلك الكتاب كما لا يخفى على المطّلع ظاهر ، بل صريح فيما ذكرنا.
وكتاب إثبات
الوصيّة ليس بنصّ في خلافه ، لأنّه ممّا اتّفق عليه الفريقان ، وحمل الجمهور حكاية
الغدير عليها ، وأرادوا بالوصيّة : الوصية في الأموال والديون ، لا الخلافة
المختلف فيها ، ورووا مخاصمة عليّ عليهالسلام في تركة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وحكم الشيخين بها لعليّ عليهالسلام.
وكذا ذكره لبعض
علمائنا ورواتنا فيه ، ليس بنصّ ولا ظاهر فيه ، فإنّه ديدن أكثر المخالفين في
كتبهم الرجاليّة والأخبارية ، كوفيّات الأعيان ، والتقريب ، والتهذيب ،
والأنسابيين ، وغيرها.
وكذا ما ذكره ابن
عقدة الزيدي في رجال الصادق عليهالسلام.
ففي ميزان
الاعتدال للذهبي ـ ذهب الله بنوره ـ في ترجمة أبان هكذا : أبان بن تغلب كوفيّ ،
شيعيّ جلد [ لكنه ] صدوق ، فلنا صدقه وعليه بدعته ، وكان غاليا في التشيّع.
فلقائل أن يقول :
كيف ساغ توثيق مبتدع؟ وحدّ الثقة : العدالة والإتقان ، وكيف يكون عدلا من هو صاحب
بدعة؟.
وجوابه : إنّ
البدعة على ضربين : فبدعة صغرى كغلوّ التشيع ، أو التشيّع بلا غلوّ ولا تحرف ،
فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق ، فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب
جملة من الآثار النبويّة ، وهذه مفسدة بيّنة ، ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل ،
والغلوّ فيه ، والحطّ على أبي بكر وعمر ، والدعاء إلى ذلك ، فهذا النوع لا يحتجّ
به ولا كرامة ، انتهى.
__________________
ولو سلّم لجاز أن
يكون قد رجع عن العاميّة إلى التشيّع ، الذي هو أعمّ من الإماميّة ـ أي الأثناء
عشريّة ـ الذي هو المراد الآن من الشيعة ، فلا يكون هذا دالاّ على حسنه وإماميّته
، بل يصير من قياس صاحب كتاب إخوان الصفا ، وهو الفاضل أبو سلمة أحمد المجريطي ،
على ما قيل في اسمه ولقبه وكنيته.
فقد صرّح الفاضل
العارف الكاشاني في الفصل الآخر من كتاب الأصول الأصلية : أنّه من حكماء الشيعة .
وقال المدقّق الأسترآبادي
في أواخر الفوائد المدنيّة : إنّه أفضل الحكماء الإسلاميّين ، ومن الواقفين على
موسى بن جعفر عليهماالسلام ، يستفاد ذلك من صريح كلامه ، وكان في دولة العباسيّة . إلى آخر ما قال
، وهو كما قال.
ولو سلّم فلا
ينافي تسنّنه في كتاب المروج وإن كان في غيره إماميّا ، فليتدبّر.
ثمّ ذكر تعجّب
صاحب رياض العلماء من الشيخ الطوسي أنّه لم يذكر له ترجمة في الفهرست ، مع أنّه
جدّه ، أو جدّ ولده أبي عليّ ، وأطال الكلام في ردّه بما لا فائدة لنا في نقله ،
إنّما المهمّ رفع هذا التوهّم ، وبيان اعتبار الكتاب ، وجلالة شأن صاحبه.
فنقول : ما ذكره من أنّ مذهب المتقدّمين. إلى آخره ، حقّ لو لم
يعارضه كلام مثل النجاشي ، الخبير بمذاهبهم مع قرب عهده بهم ، واطّلاعه على ما خفي
علينا من أحوالهم ، فإنّه لم يتعرّض لمذهبه من التسنّن دائما ، أو رجوعه ، أو وقفه
، أو غيره من سائر المذاهب ، مع استقرار ديدنه عليه ، وعدم
__________________
التعرّض للإماميّة
لبناء كتابه على ذكر علمائها ورواتها ومصنّفيها ، ولم يكن ليخفى حاله أو كتبه عليه
، وعلى الأساطين الذين أشرنا إلى أساميهم.
وكتاب المروج من
الكتب المعروفة المشهورة ، وهو بمرأى منهم ومسمع ، وهو كما ذكره على منوال العامّة
وطريقتهم ، إلاّ أنّ المتأمّل في خبايا كلماته ، خصوصا فيما ذكره من خلافة عثمان
وسيرته ( وخلافة أمير المؤمنين عليهالسلام ، لعلّه يستخرج ما كان مكتوما في سريرته ) وكفاك شاهدا في
هذا المقام آخر كلامه بعد ذكر جملة من مناقبه المقتضية لأحقّيته بالخلافة ، كحديث
المنزلة ، والطير ، والغدير ، والاخوّة ما لفظه : فلما قبض الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وارتفع الوحي ، حدثت أمور تنازع الناس في صحّتها ، ولا يقطع عليهم بها ،
واليقين من أمورهم ما تقدّم ، وما روي ممّا كان في إحداثهم بعد نبيّهم صلىاللهعليهوآلهوسلم فغير متيقّن ، بل هو ممكن ، ونحن نعتقد فيهم ما تقدّم ، والله أعلم بها حدث .
( وأصرح منه ما ذكره في
أوائل الكتاب ، في ذكر المبدأ وشأن الخليقة ما لفظه : وروي عن أمير المؤمنين عليّ
بن أبي طالب عليهالسلام أنّه قال :
« إنّ الله حين
شاء تقدير الخليقة ، وذرء البريّة ، وإبداع المبدعات ، نصب الخلق في صور كالهباء
قبل دحو الأرض ، ورفع السماء وهو في انفراد ملكوته ، وتوحّد جبروته ، فأتاح نورا
من نوره فلمع ، ونزع قبسا من ضيائه فسطع.
__________________
ثم اجتمع النور في
وسط تلك الصور الخفيّة ، فوافق ذلك صورة نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال الله عزّ من قائل : أنت المختار المنتخب ، وعندك مستودع نوري وكنوز
هدايتي ، من أجلك اسطّح البطحاء ، واموج الماء ، وأرفع السماء ، وأجعل الثواب
والعقاب ، والجنّة والنار ، وأنصب أهل بيتك للهداية ، وأوتيهم من مكنون علمي ما لا
يشكل عليهم دقيق ، ولا يعييهم خفيّ ، وأجعلهم حجّتي على بريّتي ، والمنبّهين على
قدرتي ووحدانيّتي.
ثم أخذ الله
الشهادة عليهم بالربوبيّة ، والإخلاص بالوحدانيّة.
فبعد أخذ ما أخذ
من ذلك شاب ببصائر الخلق انتخاب محمّدا وآله عليهمالسلام ، وأراهم أنّ الهداية معه ، والنور له ، والإمامة في آله ،
تقديما لسنّة العدل ، وليكون الأعذار متقدّما.
ثم أخفى الله
الخليقة في غيبة ، وغيّبها في مكنون علمه ، ثم نصب العوالم ، وبسط الزمان ، وموّج
الماء ، وأثار الزبد ، وأهاج الدخان ، فطفى عرشه على الماء ، فسطّح الأرض على ظهر
الماء ، ثم استجلبهما إلى الطاعة فأذعنتا بالاستجابة.
ثم أنشأ الله
الملائكة من أنوار أبدعها ، وأرواح اخترعها ، وقرن توحيده بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض.
فلمّا خلق الله
آدم أبان فضله للملائكة ، وأراهم ما خصّه به من سابق العلم ، حيث عرّفه عند
استنبائه إيّاه أسماء الأشياء ، فجعل الله آدم محرابا وكعبة وقبلة ، أسجد إليها
الأبرار والروحانيّين الأنوار.
ثم نبّه آدم على
مستودعه ، وكشف له عن خطر ما ائتمنه عليه ، بعد ما سمّاه إماما عند الملائكة ،
فكان حظّ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا.
ولم يزل الله
تعالى يخبّئ النور تحت الزمان ، الى أن وصل محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، في ظاهر الفترات ، فدعا الناس ظاهرا وباطنا ، ونبّههم
سرّا وإعلانا ، واستدعى صلىاللهعليهوآلهوسلم التنبيه على العهد الذي قدّمه إلى الذّر
قبل النسل ، فمن
وافقه واقتبس من مصباح النور المقدّم اهتدى إلى سيره ، واستبان واضح أمره ، ومن
ألبسته الغفلة استحقّ السخط.
ثم انتقل النور
إلى غرائزنا ، ولمع في أئمّتنا ، فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض ، فبنا النجاة ،
ومنّا مكنون العلم ، وإلينا يصير الأمور ، وبمهدينا تنقطع الحجج ، خاتمة الأئمّة ،
ومنقذ الأمّة ، وغاية النور ، ومصدر الأمور ، فنحن أفضل المخلوقين ، وأشرف
الموحّدين ، وحجج ربّ العالمين ، فليهنأ بالنعمة من تمسّك بولايتنا وقبض عروتنا.
فهذا ما روي عن
أبي عبد الله جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن
أبيه الحسين بن علي ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهمالسلام ، انتهى. ولا أظنّ أحدا يروي هذا الخبر من غير إنكار ولا يكون إماميّا ) .
وقوله رحمهالله : وكتاب إثبات الوصيّة ليس بنصّ. إلى آخره ، كلام من لا
عهد له بهذا الكتاب ، ولم يظفر بنسخته ، وإنّما استظهر من اسمه أنّه موضوع لإثبات
وصايته عليهالسلام في بعض تركته ، وقضاء ديونه ، وإنجاز عداته ، وتجهيز جسده
المبارك صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ممّا تلقاه الأمّة على اختلاف مشاربهم بالقبول ، ولو كان
عثر عليه لعلم أنّه أحسن كتاب صنّف في هذا الباب ، وفي إثبات وصاية عليّ عليهالسلام وإمامته ، وأولاده الأطياب عليهمالسلام ، فشرع في شرح خلقة صفيّ الله آدم ، ومجمل أحواله ، وذكر
أسامي أوصيائه ، مرتّبا إلى نوح عليهالسلام ، ثم منه إلى إبراهيم عليهالسلام ، ثم منه إلى موسى عليهالسلام ، ثم منه إلى داود عليهالسلام ، ثم منه إلى
__________________
المسيح عليهالسلام ، ثم منه إلى نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليهم ، ومختصر من سيرتهم ، والغالب أنّهم في كلّ طبقة
اثنا عشر ، ويذكر في آخر حال كلّ واحد منهم أن الله تعالى أوحى إليه أن يستودع
التابوت ، ومواريث الأنبياء إلى فلان.
ثم شرع في الجزء
الثاني في حال خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآلهوسلم من ولادته إلى وفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم مختصرا.
ثم شرع في خلافة
أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وذكر قصّة المتقدّمين عليه على طريقة الإماميّة ،
ومن جملة كلامه.
فأقام أمير
المؤمنين عليهالسلام ومن معه من شيعته في منازلهم ، بما عهد إليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فوجّهوا إلى منزله فهجموا عليه ، وأحرقوا بابه ، واستخرجوه منه كرها ،
وضغطوا سيّدة النساء عليهاالسلام بالباب ، حتى أسقطت محسنا ، وأخذوه بالبيعة فامتنع ، فقال
: « لا أفعل » فقالوا : نقتلك ، فقال : « إن تقتلوني فإنّي عبد الله وأخو رسوله »
وبسطوا يده فقبضها وعسر عليهم فتحها ، فمسحوا عليها وهي مضمومة.
ثمّ لقي أمير
المؤمنين عليهالسلام بعد هذا أحد القوم ، فناشده الله وذكّره بأيّام الله ،
وقال له : « هل لك أن أجمع بينك وبين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى يأمرك وينهاك » فخرجا إلى قبا. إلى آخر القصّة.
قال : وهمّوا بقتل
أمير المؤمنين عليهالسلام ، وتواصوا وتواعدوا بذلك ، وأن يتولّى قتله خالد بن الوليد
ـ إلى أن قال ـ وكان الموعد في قتله أنّه يسلّم إمامهم ، فيقوم خالد إليه بسيفه ،
فأحسّوا بأسه ، فقال الإمام قبل أن يسلّم : لا يفعلنّ خالد ما أمرته به ، ثم كان
من أقاصيصهم ما رواه الناس .
ثم ساق حالاته ،
وبعض معاجزه ، ووفاته ، ونصّه على ابنه أبي محمّد عليهالسلام ، وهكذا إلى صاحب الزمان صلوات الله عليه ، وذكر في حال
كلّ
__________________
إمام ولادته ،
وسيرته ، ومعاجزه ، ووفاته ، على أحسن نظم وترتيب.
ومن طريف ما رواه
في حال أبي جعفر الثاني عليهالسلام قوله : وروي أنّه عليهالسلام كان يتكلّم في المهد.
وروي عن زكريا بن
آدم قال : إنّي لعند الرضا عليهالسلام ، إذ جيء بأبي جعفر عليهالسلام وسنّه نحو أربع سنين ، فضرب بيده الأرض ، ورفع رأسه إلى
السماء فأطال الفكر ، فقال له الرضا عليهالسلام : « بنفسي أنت فيم تفكّر طويلا ( منذ قعدت ) .
فقال : فيما صنع
بأمّي فاطمة عليهاالسلام ، أما والله لأخرجنّهما ، ثم لأحرقنّهما ، ثم لاذرينّهما ،
ثم لأنسفنّهما في اليمّ نسفا ، فاستدناه وقبّل بين عينيه ، ثم قال : أنت لها ـ يعني
الإمامة ـ » .
وذكر في أحوال
الحجّة عليهالسلام النصوص على الأئمّة الاثني عشر ، وقال في آخرها وهو آخر
الكتاب : فلمّا أفضى الأمر إلى أبي محمد عليهالسلام ، كان يكلّم شيعته الخواصّ وغيرهم من وراء الستر ، إلاّ في
الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان ، وإنّ ذلك إنّما كان منه ومن أبيه قبله ،
مقدّمة لغيبة صاحب الزمان عليهالسلام ، لتألف الشيعة ذلك ولا تنكر الغيبة ، وتجري العادة
بالاحتجاب والاستتار.
وفي تسع عشرة سنة
من الوقت ـ أي وقت إمامته عجّل الله تعالى فرجه ـ توفّي المعتمد ، وبويع لأحمد بن
الموفّق ـ وهو المعتضد ـ وذلك في رجب سنة تسع وسبعين ومائتين ، ثمّ ذكر الخلفاء
إلى عصره ، ثم قال : وللصاحب عليهالسلام منذ ولد إلى هذا الوقت ، وهو شهر ربيع الأوّل ، سنة اثنتين
وثلاثين وثلاثمائة ، خمس وسبعون سنة وثمانية أشهر ، أقام مع أبيه
أبي محمد على
__________________
السلام أربع سنين
وثمانية أشهر ، ومنها منفردا بالإمامة إحدى وسبعون سنة ، وقد تركنا
بياضا لمن يأتي بعد والسلام ، وهو آخر الكتاب .
وقال في مروج
الذهب : وفي أيّام عثمان اقتنى جماعة من الصحابة الضياع والدور ، منهم الزبير بن
العوام بنى داره بالبصرة ، وهي المعروفة في هذا الوقت ، وهو سنة اثنتين وثلاثين
وثلاثمائة ، تنزلها التجّار وأرباب الأموال . إلى آخره. ويعلم من هذا أنّه صنّف كتاب إثبات الوصيّة في
خلال أيّام تأليفه المروج ، ومنه يعلم فساد احتمال كونه منهم في أيام تأليفه ،
ورجوعه بعد ذلك بملاحظة الكتاب المذكور.
هذا وقال الثقة
الجليل محمّد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة ، في باب ما نزل من القرآن في
القائم عليهالسلام : أخبرنا علي بن الحسين المسعودي ، قال : حدثنا محمد بن
يحيى العطار القمّي ، قال : حدثنا محمد بن حسان الرازي ، قال :
حدثنا محمد بن علي الكوفي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن القاسم ، عن
أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزّ وجلّ : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) هي في القائم عليهالسلام وأصحابه .
__________________
وروي عنه في
الكتاب المذكور ـ بهذا السند إلى الكوفي ـ في الأبواب المختصة مضامين أخبارها
بالإماميّة أخبارا كثيرة :
ففي باب ما جاء في
الإمامة والوصيّة ، وأنّهما من الله عزّ وجلّ باختياره وأمانته ، لا باختيار خلقه
، بالسند المذكور ، عن الكوفي ، بإسناده عن زيد الشحام ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أيّما أفضل الحسن أو الحسين عليهماالسلام؟ قال : « إنّ فضل أوّلنا يلحق فضل آخرنا ، وفضل آخرنا يلحق
فضل أوّلنا ، فكلّ له فضل » قال ، فقلت له : جعلت فداك وسّع عليّ في الجواب ،
فإنّي والله ما أسألك إلاّ مرتادا ، فقال عليهالسلام : « نحن من شجرة برأنا الله تعالى من طينة واحدة ، فضلنا
من الله ، وعلمنا من عند الله ، ونحن أمناء الله على خلقه ، والدعاة إلى دينه ،
والحجّاب فيما بينه وبين خلقه ، أزيدك يا زيد؟ قال : نعم ، فقال : خلقنا واحد ،
وعلمنا واحد ، وفضلنا واحد ، وكلّنا واحد عند الله عزّ وجلّ ، فقلت : أخبرني
بعدّتكم؟ فقال : نحن اثنا عشر ، هكذا حول عرش ربّنا عزّ وجلّ وفي مبتدإ خلقنا ،
أوّلنا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأوسطنا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وآخرنا محمد ».
وبالسند عن الكوفي
، بإسناده عن أبي حمزة الثمالي ، قال : كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهماالسلام ذات يوم ، فلمّا تفرّق من كان عنده قال : « يا أبا حمزة من المحتوم الذي لا
تبديل له عند الله قيام قائمنا ، فمن شكّ فيما أقول لقي الله وهو به كافر وله جاحد
، ثمّ قال : بأبي وأمّي المسمّى باسمي ، والمكنّى بكنيتي ، والسابع من بعدي ، بأبي
من يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا . » الخبر.
وقس على الخبر
سائر ما رواه عنه فيه ، وإن لم يصفه بالمسعودي في كثير
__________________
من المواضع ، إلاّ
أنّ اتّحاد السند ، وتوصيفه به في بعض المواضع ، كاف للمستأنس بالطريقة ، في ثبوت
كونه المقصود في جميع المواضع ، وفي بعضها : حدّثنا محمد بن يحيى العطار بقم ، ولا
يناسب صدور هذا الكلام عن علي بن الحسين بن بابويه الساكن فيه كما لا يخفى ، ومن
هنا ظهر أنّ ما فعله في الرياض ـ في مقام جمع مشايخ النعماني من عدّ المسعودي منهم
دون ابن بابويه ـ في محلّه .
__________________
٢٥ ـ كتاب
دعائم الإسلام :
تأليف نعمان بن
محمد بن منصور بن أحمد بن حيوان ، قاضي مصر.
قال في البحار :
قد كان أكثر أهل عصرنا يتوهّمون أنّه تأليف الصدوق ـ رحمهالله ـ وقد ظهر لنا أنّه تأليف أبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور ، قاضي مصر في
أيام الدولة الإسماعيليّة ، وكان مالكيّا أولا ، ثم اهتدى وصار إماميّا ، وأخبار
هذا الكتاب أكثرها موافقة لما في كتبنا المشهورة ، لكن لم يرو عن الأئمّة بعد
الصادق عليهالسلام ، خوفا من الخلفاء الإسماعيليّة ، وتحت ستر التقيّة أظهر
الحقّ لمن نظر فيه متعمّقا ، وأخباره تصلح للتأييد والتأكيد.
قال ابن خلّكان :
هو أحد الفضلاء المشار إليهم ، ذكره الأمير المختار المسبّحي في تأريخه ، فقال :
كان من العلم ، والفقه ، والدين ، والنبل ، على ما لا مزيد عليه ، وله عدّة تصانيف
، منها كتاب اختلاف أصول المذاهب ، وغيره ، انتهى .
وكان مالكيّ
المذهب ، ثم انتقل إلى مذهب الإماميّة.
وقال ابن زولاق في
ترجمة ولده علي بن النعمان : وكان أبوه النعمان بن محمد القاضي في غاية الفضل ، من
أهل القرآن والعلم ، بمعانيه ، وعالما بوجوه الفقه ، وعلم اختلاف الفقهاء ،
واللّغة والشعر الفحل ، والمعرفة بأيّام الناس ، مع عقل وإنصاف ، وألّف لأهل البيت
من الكتب آلاف أوراق ، بأحسن تأليف ، وأملح سجع ، وعمل في المناقب والمثالب كتابا
حسنا ، وله ردود على المخالفين : له ردّ على أبي حنيفة ، وعلى مالك والشافعي ،
وعلى ابن سريج ، وكتاب اختلاف الفقهاء ينتصر فيه لأهل البيت عليهمالسلام .
__________________
أقول : ثمّ ذكر كثيرا من فضائله وأحواله ، ونحوه ذكر اليافعي
وغيره.
وقال ابن شهرآشوب
في كتاب معالم العلماء : القاضي النعمان بن محمد ليس بإماميّ ، وكتبه حسان ، منها
شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار عليهمالسلام ، ذكر المناقب إلى الصادق عليهالسلام ، الاتّفاق والافتراق ، المناقب والمثالب [ الإمامة ] أصول
المذاهب ، الدّولة ، الإيضاح ، انتهى ما في البحار .
وقال العلامة
الطباطبائي في رجاله : نعمان بن محمد بن منصور ، قاضي مصر ، وقد كان بدو أمره
مالكيّا ، ثم انتقل إلى مذهب الإماميّة ، وصنّف على طريق الشيعة كتبا ، منها كتاب
دعائم الإسلام ، وله فيه وفي غيره ردود على فقهاء العامّة ، كأبي حنيفة ، ومالك ،
والشافعي ، وغيرهم.
وذكر صاحب تأريخ
مصر : عن القاضي نعمان : إنّه كان من العلم والفقه ، والدين والنبل ، على ما لا
مزيد عليه.
وكتاب الدعائم
كتاب حسن جيّد ، يصدّق ما قيل فيه ، إلاّ أنّه لم يرو فيه عمّن بعد الصادق من
الأئمة عليهمالسلام ، خوفا من الخلفاء الإسماعيليّة ، حيث كان قاضيا منصوبا من
قبلهم بمصر ، لكنّه قد أبدى من وراء ستر التقيّة مذهبه ، بما لا يخفى على اللبيب .
وقال العالم المتبحّر الجليل السيّد حسين القزويني ، في المبحث
الخامس ـ من كتاب جامع الشرائع ـ في شرح حال المشايخ ، وهو كرسالة لطيفة قال : النعمان
بن محمد عالم فاضل ، له كتاب دعائم الإسلام.
قال في البحار ـ وساق
بعض ما نقلناه ـ وقال : وأخباره صالحة
__________________
للتأييد والتأكيد
، ولما اشتهر [ من ] الفتوى بين العلماء الثقات ولم يوجد له مستند منسوب إلى
الأئمة الأطهار عليهمالسلام .
وقال المحقّق
النحرير الكاظمي في المقابس ، في ذكر القائلين بعدم نجاسة الماء القليل بالملاقاة
: وذهب إليه من القدماء صاحب دعائم الإسلام ، كما يظهر من كلامه في هذا الكتاب ـ وساق
بعض ما رواه فيه وبيّنه وشرحه ـ ثمّ قال : وهذا الرجل كما يلوح في كتابه من أفاضل
الشيعة ، بل الإماميّة ، وإن لم يرو في كتابه إلاّ عن الصادق ومن قبله من الأئمّة عليهمالسلام ، وقد ظهر للعلاّمة المجلسي قدسسره أنّ اسمه أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور ، قاضي مصر ، وذكر بعض ما
مرّ .
وقال : وما في
معالم السّروي من نفي كونه إماميّا منظور فيه ، وقد ذكر السروي أنّ له كتبا حسانا
في الإمامة ، وفضائل الأئمّة عليهمالسلام ، وغيرها ، وعدّ منها كتابا في المناقب الى الصادق عليهالسلام ، ولعلّ الوجه في اقتصاره عليه عليهالسلام ما سبق ، مع احتمال كون [ مراد ] من نسبه من العامّة
إلى الإماميّة أنّه من الشيعة ، لكنّه خلاف الظاهر والله يعلم.
وأكثر الأخبار
التي أوردها في الدعائم موافقة لما في كتب أصحابنا المشهورة ، وقال في أوّله :
إنّه اقتصر فيه على الثابت الصحيح ممّا جاء عن الأئمّة ، من أهل بيت الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، من جملة ما اختلف فيه
الرّواة عنهم ، وإنّه إنّما أسقط الأسانيد طلبا للاختصار ، إلاّ أنّه مع ذلك خالف
__________________
فيه الأصحاب في
جملة من الأحكام المعلومة عندهم ، بل بعض ضروريّات مذهبهم كحلّيّة المتعة ، فربّما
كان مخالفته لهم هنا ، وبقاؤه على مذهب مالك من هذا الباب ، ولعلّه لبعض ما ذكر ،
ولعدم اشتهاره بين الأصحاب ، وعدم توثيقهم له ، وعدم تصحيحهم لحديثه أو كتابه ، لم
يورد صاحب الوسائل شيئا من أخباره ، ولم يعدّ الدعائم من الكتب التي يعتمد عليها.
وقال صاحب البحار
: ( إنّ أخباره تصلح للتأييد والتأكيد ) مع أنّ أخبار كثير من الأصول والمصنّفات
يعتمد عليها وإن كان مؤلّفوها فاسدي المذهب كابن فضّال وغيره ، فليعرف ذلك ، انتهى.
وفي أمل الآمل :
نعمان بن أبي عبد الله محمد بن منصور بن أحمد بن حيوان ، أحد الأئمّة الفضلاء
المشار إليهم ، ثم ساق بعض ما مرّ عن ابن خلّكان.
وذكره الشهيد
الثالث القاضي نور الله في مجالسه في عداد علمائنا الأعلام ، ورواة أخبارنا الكرام
.
ولنرجع الى توضيح
بعض ما ذكره هؤلاء المشايخ العظام ، بما فيه قوّة اعتبار كتاب دعائم الإسلام ،
ويتمّ ذلك برسم أمور :
الأوّل في قول المجلسي قدسسره : قد كان أكثر أهل عصرنا. آخره. والظاهر أنّ سبب التوهّم
عدّ الشيخ في الفهرست من كتب الصدوق كتاب دعائم الإسلام ، فظنّوا أنّه
الموجود بأيدينا ، ويرتفع ذلك بعد كثرة الاشتراك في أسامي الكتب ، وبعد طريقة
الصدوق عن تأليف مثله ، بأنّه يظهر من مواضع منه أنّه كان في مصر ، و مختلطا مع
المنصور بالله ، والمهدي بالله
__________________
من ملوك
الفاطميّين ، فراجع.
الثاني في قوله ، وقول الجماعة : إنّه لم يرو عن الأئمّة بعد
الصادق عليهمالسلام. إلى آخره ، والأمر كما قالوا إلاّ أنّي رأيت فيه الرواية
عن أبي جعفر الثاني عليهالسلام ، وعن الرضا عليهالسلام ، ففي كتاب الوصايا : عن ابن أبي عمير أنّه قال : كنت
جالسا على باب أبي جعفر عليهالسلام ، إذ أقبلت امرأة ، فقالت : استأذن لي على أبي جعفر عليهالسلام ، قيل لها : وما تريدين منه ، قالت : أردت أن أسأله عن مسألة ، قيل لها : هذا
الحكم ، فقيه أهل العراق فاسأليه ، قالت : إنّ زوجي هلك وترك ألف درهم ، وكان لي
عليه من صداقي خمسمائة درهم ( فأخذت صداقي وأخذت ميراثي ، ثمّ جاء رجل فقال : لي
عليه ألف درهم ) وكنت أعرف له ذلك فشهدت بها ، فقال الحكم : اصبري حتى
أتدبّر في مسألتك وأحسبها ، وجعل يحسب ، فخرج إليه أبو جعفر عليهالسلام وهو على ذلك ، فقال : « ما هذا الذي تحرّك به أصابعك يا حكم » فأخبره ، فما
أتمّ الكلام حتى قال أبو جعفر عليهالسلام : « أقرّت له بثلثي ما في يديها ، ولا ميراث لها حتى تقضيه
».
والمراد به أبو
جعفر الثاني عليهالسلام قطعا ، لأنّ ابن أبي عمير لم يدرك الصادق عليهالسلام فضلا عن الباقر عليهالسلام ، بل أدرك الكاظم عليه
__________________
السلام ولم يرو
عنه ، وإنّما هو من أصحاب الرضا والجواد عليهماالسلام ، وهو من مشاهير الرواة ، بل الفقهاء العظام الذين لا يخفى
عصرهم ، وزمانهم وطبقتهم ، على مثله من أهل العلم والفضل ، وهذا ظاهر على الخبير
المنصف.
وفي كتاب الوقوف :
عن أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام ، أنّ بعض أصحابه كتب إليه : إنّ فلانا ابتاع ضيعة وجعل لك
في الوقف الخمس .... إلى آخر الخبر المروي في الكافي ، والتهذيب ، والفقيه
، مسندا عن علي ابن مهزيار ، قال : كتبت إلى أبي جعفر عليهالسلام . إلى آخره ، وعليّ من أصحاب الجواد والرضا عليهماالسلام ، لم يدرك قبلهما من الأئمة عليهمالسلام أحدا فلاحظ.
وفي كتاب الميراث
: عن حذيفة بن منصور ، قال : مات أخ لي وترك ابنته ، فأمرت إسماعيل بن جابر أن
يسأل أبا الحسن عليّا صلوات الله عليه عن ذلك ، فسأله فقال : « المال كلّه لابنته
» .
الثالث في تصريح الجماعة بأنّه أظهر الحقّ تحت أستار التقيّة لمن
نظر فيه متعمّقا. وهو حقّ لا مرية فيه ، بل لا يحتاج إلى التعمّق في النظر.
أمّا
أولا : فلانّ
الإسماعيليّة الخالصة كما صرّح به الشيخ الجليل الحسن ابن موسى النوبختي في كتاب
الفرق ، هم الذين أنكروا موت إسماعيل في حياة
__________________
أبيه ، وقالوا :
كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس ، لأنّه خاف فغيّبه عنهم ، وزعموا أنّ
إسماعيل لا يموت حتى يملك الأرض يقوم بأمر الناس ، وأنّه هو القائم .
وأمّا الباطنيّة
منهم فلهم ألقاب كثيرة ، ومقالات شنيعة ، وزعموا كما في الكتاب المذكور أنّ الله
عزّ وجلّ بدا له في إمامة جعفر عليهالسلام وإسماعيل ، فصيّرها في محمد بن إسماعيل.
وزعموا أنّه حيّ
لم يمت ، وأنّه يبعث بالرسالة ، وبشريعة جديدة ينسخ بها شريعة محمّد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنّه من اولي العزم.
وأولو العزم عندهم
سبعة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمّد ، وعلي ـ صلوات الله عليهما
وآلهما ـ ومحمّد بن إسماعيل ، على أنّ السموات سبع ، وأنّ الأرضين سبع ، وأنّ
الإنسان بدنه سبع : يداه ، ورجلاه ، وظهره ، وبطنه ، وقلبه ، وأنّ رأسه سبع :
عيناه ، وأذناه ، ومنخراه وفمه ، وفيه لسانه ـ كصدره الذي فيه قلبه ـ وأنّ الأئمّة
كذلك ، وقلبهم محمد بن إسماعيل ، وأنّ الله تبارك وتعالى جعل له جنّة آدم ،
ومعناها عندهم الإباحة للمحارم ، وجميع ما خلق في الدنيا ، وهو قول الله عزّ وجلّ
: ( وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا
تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ) : [ أي ] موسى بن جعفر بن محمد ، وولده عليهمالسلام من بعده من ادّعى الإمامة منهم.
وزعموا أنّه خاتم
النبيّين الذي حكاه الله عزّ وجلّ في كتابه.
وزعموا أنّ جميع
الأشياء التي فرضها الله عزّ وجلّ على عباده ، وسنّها نبيّه
__________________
وأمر بها ، لها
ظاهر وباطن ، وأنّ جميع ما استعبد الله به العباد في الظاهر من الكتاب والسنّة ،
فأمثال مضروبة ، وتحتها معان هي بطونها ، وعليها العمل ، وفيها النجاة ، وأنّ ما
ظهر منها ففي استعمالها الهلاك والشقاء ، وهي جزء من العذاب الأدنى ، عذّب الله به
قوما إذ لم يعرفوا الحقّ ، ولم يقولوا به.
الى غير ذلك من
مقالاتهم الشنيعة ، التي نسبها إليهم في الكتاب المذكور ، وغيره في
تصانيفهم في هذا الباب.
وأنت خبير بأنّه
ليس في كتاب الدعائم ذكر لإسماعيل ، ولا لمحمد أصلا في موضع منه ، حتى في مقام
إثبات الإمامة ، وردّ مقالات العامّة وأئمّتهم الأربعة ، فكيف يرضى المنصف أن ينسب
إليه هذا المذهب؟! ولا يذكر في كتابه اسم إمامه أو نبيّه ، مع أنّ خلفاء عصره
الذين كان هو في قاعدة سلطنتهم ، ومنصوبا للقضاوة من قبلهم ، المدّعين انتهاء
نسبهم الى محمد بن إسماعيل ، المستولين على بلاد المغاربة ، ومصر الإسكندرية ،
وغيرها ، كانوا في الباطن من الباطنية ـ كما صرّح به العالم الخبير البصير السيد
المرتضى الرازي ، في كتاب تبصرة العوام ـ وكان دعاتهم متفرّقين في البلاد ، ومنهم الحسن الصبّاح
المعروف في خلافة المستنصر منهم ، ومع ذلك ليس فيه إشارة إلى هذا المذهب ، وفي
مواضع لا بدّ من الإشارة إليه لو كان ممّن يميل إليه.
وأمّا
ثانيا : فلأنّه صرّح في
كتابه بكفر الباطنيّة وضلالتهم ، وخروجهم عن الدين ، فإنّه قال في باب ذكر منازل
الأئمّة عليهمالسلام ، وتنزيههم ممّن وضعهم بغير مواضعهم ، وتكفيرهم من ألحد
فيهم ما لفظه.
أئمّة الهدى صلوات
الله عليهم ورحمته وبركاته ، خلق مكرّمون من خلق
__________________
الله جلّ جلاله ،
وعباد مصطفون من عباده ، افترض طاعة كلّ إمام منهم على أهل عصره ، وأوجب عليهم
التسليم لأمره ، وجعلهم هداة خلقه إليه ، وأدلاّء عباده عليه ، وقرن طاعتهم في
كتابه بطاعته وطاعة رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهم حجج الله على خلقه ، وخلفاؤه في أرضه.
ليس كما زعم
الضالّون المفترون بآلهة غير مربوبين ، ولا بأنبياء مرسلين ـ إلى أن قال ـ ولمّا
كان أولياء الله الأئمّة الطاهرين ، حجج الله التي احتجّ بها على خلقه ، وأبواب
رحمته التي فتح لعباده ، وأسباب النجاة التي سبّب لأوليائه وأهل طاعته ، ومن لا
يقبل العمل إلاّ بطاعتهم ، ولا يجازى بالطاعة إلاّ من تولاّهم وصدّقهم ، كان
الشيطان أشدّ عداوة لأوليائهم وأهل طاعتهم ، ليستزلّهم كما استزلّ أبويهم من قبلهم
، فاستزلّ كثيرا منهم واستغواهم ، واستهواهم ، فصاروا إلى الحور بعد الكور ، والى الشقوة
بعد السعادة ، والى المعصية بعد الطاعة.
وقصد الشيطان كلّ
امرئ منهم من حيث يجد السبيل اليه والى الإجلاب بخيله ورجله عليه ، فمن كان منهم
قصير العلم ، متخلّف الفهم ممّن تابع هواه ، استفزّه واستغواه ، واستزلّه فمال إلى
الجحد لهم والنفاق عليهم ، والخروج عن طاعتهم والكفر بهم ، والانسلاخ من معرفتهم.
ومن كان قد برع في
العلم وبلغ حدود الفهم ، فاستزلّه وخدعه ودخل إليه ، من باب محبوبة ، وموضع رغبته
، ومكان طلبته ، فبيّن له زخرف التأويل ، ونمّق له قول الأباطيل ، فأغراه بالفكرة
في تعظيم شأنهم ، ورفع
__________________
مكانهم ، وقرّب
منه الوسائل ، وأكّد له الدلائل على أنّهم آلهة غير مربوبين ، أو أنبياء مرسلون ،
أمكنه من ذلك ما أمكنه فيه ، وتهيأ له منه ما تجرّأ به عليه ، ودخل إلى طبقة ثالثة
من مدخل الشبهات ، واستثقال الفرائض الواجبات ، وأباح لهم المحارم ، وسهّل عليهم
العظائم ، في رفض فرائض الدين ، والخروج من جملة المسلمين ، بفاسد أقام لهم من
التأويل ، ودلّهم عليه بأسوء دليل ، فصاروا إلى الشّقوة والخسران ، وانسخلوا من
جملة الإيمان.
نسأل الله العصمة
من الزّيغ ، والخروج من الدنيا سالمين ، غير ناكثين ولا مارقين ، ولا مبدّلين ،
ولا مغضوب علينا ولا ضالّين .
ثم ذكر قصّة
الغلاة في عصر أمير المؤمنين عليهالسلام ، وإحراقه إيّاهم بالنار ، ثم قال : وكان في أعصار الأئمّة
من ولده عليهمالسلام من مثل ذلك ، ما يطول الخبر بذكرهم ، كالمغيرة بن سعيد
وكان من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام ودعاته ، فاستزلّه الشيطان ـ إلى أن قال ـ : واستحلّ
المغيرة وأصحابه المحارم كلّها وأباحوها ، وعطّلوا الشرائع وتركوها ، وانسلخوا من
الإسلام جملة ، وبانوا من جميع شيعة الحقّ ، وأتباع الأئمّة عليهمالسلام ، وأشهر أبو جعفر عليهالسلام لعنهم ، والبراءة منهم.
ثمّ كان أبو
الخطّاب في عصر جعفر بن محمد عليهماالسلام من أجلّ دعاته ، ثمّ أصابه ما أصاب المغيرة فكفر وادّعى
أيضا النبوّة ، وزعم أنّ جعفرا عليهالسلام إلها ، تعالى الله عزّ وجلّ عن قوله ، واستحلّ المحارم
كلّها ، ورخّص لأصحابه فيها ، وكانوا كلّما ثقل عليهم أداء فرض أتوه ، فقالوا : يا
أبا الخطّاب خفّف عنّا ، فيأمرهم بتركه ، حتى تركوا جميع الفرائض ، واستحلّوا جميع
المحارم ، وأباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزور ، وقال : من عرف الإمام حلّ له كلّ
شيء كان حرم عليه ، فبلغ أمره جعفر بن محمد عليهما
__________________
السلام ، فلم يقدر
عليه بأكثر من أن لعنه وتبرّأ منه ، وجمع أصحابه فعرّفهم ذلك ، وكتب إلى البلدان
بالبراءة منه وباللعنة عليه ، وعظم أمره على أبي عبد الله عليهالسلام ، واستفظعه واستهاله.
ثمّ ساق بعض
الأخبار في ذلك ، قال : وروينا عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه كتب إلى بعض أوليائه ، وقد كتب إليه بحال قوم قبله ،
ممّن انتحل الدعوة : تعدّوا الحدود ، واستحلّوا المحارم ، واطّرحوا الظاهر.
فكتب إليه أبو عبد
الله جعفر بن محمد عليهماالسلام ، بعد أن وصف حال القوم : « وذكرت أنّه بلغك أنّهم يزعمون
أنّ الصلاة ، والزكاة ، وصوم شهر رمضان ، والحجّ والعمرة ، والمسجد الحرام ،
والبيت الحرام ، والمشاعر ، والشهر الحرام ، إنّما هو رجل ، والاغتسال من الجنابة
رجل ، وكلّ فريضة فرضها الله تبارك وتعالى على عباده هو رجل ، وإنّهم ذكروا أنّ من
عرف ذلك الرجل فقد اكتفى بعلمه من غير عمل ، وقد صلّى ، وأدّى الزكاة ، وصام وحجّ
البيت واعتمر ، واغتسل من الجنابة وتطهّر ، وعظّم حرمات الله والشّهر الحرام ،
والمسجد الحرام ، وأنّهم زعموا أنّ من عرف ذلك وثبت في قلبه ، جاز له أن يتهاون ،
وليس عليه أن يجتهد ، وأنّ من عرف ذلك الرجل فقد قبلت منه هذه الحدود لوقتها ، وإن
هو لم يعملها.
وأنّه بلغك أنّهم
يزعمون أنّ الفواحش التي نهى الله تعالى. عنها الخمر ، والميسر ، والزنا ، والربا
، والميتة ، والدم ، ولحم الخنزير أشخاص ، وذكروا أنّ الله عزّ وجلّ إنّما حرّم من
نكاح الأمّهات ، والبنات ، والأخوات ، والعمّات ، والخالات ، وما حرّم على
المؤمنين من النساء ، إنّما عنى بذلك نساء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وما سوى ذلك فمباح ، وبلغك أنّهم يترادفون نكاح المرأة
الواحدة ، ويتشاهدون بعضهم لبعض بالزور ، ويزعمون أنّ لهذا ظهرا وبطنا يعرفونه ،
وأنّ الباطن هو الذي يطالبون به ، وبه أمروا.
وكتبت تسألني عن
ذلك ، وعن حالهم وما يقولون ، فأخبرك أنّه من كان
يدين الله بهذه
الصفة التي كتبت تسأل عنها ، فهو عندي مشرك بيّن الشرك ، ولا يسع لأحد أن يشكّ فيه
» . إلى آخر الخبر الشريف الطويل ، الذي رواه سعد بن عبد الله في بصائره ،
ومحمّد بن الحسن الصفار في أواخر بصائر الدرجات ، وفيهما : إنّ الذي كتب إليه عليهالسلام هو المفضل بن عمر ، ولا يخفى أنّ صاحب هذه المقالات الشنيعة هو أبو الخطاب
وأصحابه.
وقال الشيخ
المقدّم الحسن بن موسى النوبختي في كتاب المقالات : فأمّا الإسماعيلية فهم
الخطابيّة ، أصحاب أبي الخطاب محمّد بن أبي زينب الأسدي الأجدع ، وقد دخلت منهم
فرقة في فرقة محمّد بن إسماعيل ، وأقرّوا بموت إسماعيل بن جعفر عليهالسلام في حياة أبيه ، وهم الذين خرجوا في حياة أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهماالسلام ، فحاربوا عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس ، فبلغه عنهم أنّهم
أظهروا الإباحات ، ثم ساق قصّة مقاتلتهم وهلاكهم .
ثمّ أنّ الظاهر من
كتب المقالات أنّ الإسماعيليّة كلّهم منكرون للشرائع ، تاركون للفرائض ، مستبيحون
للمحارم ، ولذا يذكرون ـ إذا بلغوا إلى شرح حالهم ـ أنّهم لقّبوا بسبعة ألقاب ،
منها الباطنيّة بالمعنى الذي أشرنا إليه ، صرّح بذلك السيد المرتضى الرازي في
تبصرة العوام ، وغيره.
ووافقنا على ذلك
السيد الفاضل المعاصر رحمهالله في الروضات ، في ترجمة جلال الرومي حيث قال : الإسماعيليّة
وإن كانوا في ظاهر دعاويهم الكاذبة ، من جملة فرق الشيعة المنكرين لخلافة غير أمير
المؤمنين عليهالسلام ، إلاّ أنّ الغالب عليهم الإلحاد ، والزندقة ، والمروق عن
الدين ، والخروج عن
__________________
دائرة الموحّدين ،
والملّيّين ، وأتباع النبيّين ، انتهى .
ولعلّه لذلك لم
يتعرّض شيخ الطائفة رحمهالله في كتاب الغيبة لإبطال مذهبهم ، كما تعرّض لإبطال مذهب
الكيسانيّة ، والناوسيّة ، والواقفيّة ، والفطحيّة ، وغيرها ، لظهور فساد مذهبهم
عند جميع فرق المسلمين.
ومن ذلك كلّه ظهر
أنّ نسبة هذا العالم الجليل ، صاحب هذا المؤلّف الشريف إلى هذا المذهب السخيف ،
افتراء عظيم.
وأمّا
ثالثا : فلأنّ لأرباب
هذا المذهب ودعاته قواعد واصطلاحات ورموزا وإشارات ، لا أثر لها في هذا الكتاب ،
ولا إشارة فيه إليها ، فعندهم أنّه لا بدّ في كلّ عصر من سبعة ، بهم يقتدون ، وبهم
يؤمنون ، وبهم يهتدون ، وهم متفاوتون في الرتب : إمام يؤدي عن الله وهو غاية
الأدلّة إلى دين الله. وحجّة يؤدّي عن الإمام يحمل علمه. وذو مصّة يمصّ العلم من
الحجّة أي يأخذه منه ، فهذه ثلاثة. وأبواب وهم الدعاة : فداع أكبر هو رابعهم ،
يرفع درجات المؤمنين. وداع مأذون يأخذ العهود على الطالبين من أهل الظاهر ،
فيدخلهم في ذمّة الإمام ، ويفتح لهم باب العلم والمعرفة وهو خامسهم. ومكلّب قد
ارتفعت درجته في الدين ، ولكن لم يؤذن له في الدعوة ، بل في الاحتجاج على الناس ،
فهو يحتجّ ويرغّب إلى الداعي ، ككلب الصائد ، حتى إذا احتجّ على أحد من أهل الظاهر
، وكسر عليه مذهبه بحيث رغب عنه ، وطلب الحقّ ، أدّاه المكلّب إلى الداعي المأذون
ليأخذ عليه العهود ، وإنّما سمّي مكلّبا لأنّ مثله مثل الجارح يحبس الصيد على
الصائد ، على ما قاله تعالى : ( وَما عَلَّمْتُمْ
مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ ) وهو سادسهم. ومؤمن يتبع الداعي ، وهو الذي أخذ عليه العهد ،
وآمن وأيقن بالعهد ، ودخل في ذمّة الإمام وحزبه وهو سابعهم.
__________________
الى غير ذلك من
الزخارف التي برئت ساحة الكتاب المذكور عنها ، وما ألّف إلاّ على طريقة العلماء
الإماميّة ، بل هو من أجلّ ما ألّفوا ، وأحسن ما دوّنوا ، من تقديم ما يحتاج إليه
الفقه من مسائل الإمامة ، على أبدع نظم وترتيب ، كما لا يخفى على الناظر اللّبيب.
وأمّا
رابعا : فلأنّك تجد في
كتب الرجال لكثير من الفرق الباطلة ـ كالزيدية التي هم أبعد الفرق عن الإماميّة.
والناووسيّة ، والواقفيّة ، والفطحيّة ـ علماء فقهاء ثقات قد أكثروا من التأليف ،
والرواية وجمع الأحاديث وتدوينها ، وتلقّوها عنهم أصحابنا بالرواية والقبول ، ولا
تجد في جميع الرواة رجلا إسماعيليّا وإن كان ضعيفا ، فضلا عن كونه ثقة ، أو فقيها
، أو مؤلّفا ، ومنه يظهر أنّهم كانوا في أوّل الأمر خارجين عن حدود الشرائع ، وحفظ
الأخبار وروايتها وتدوينها ، غير معدودين من الرواة العلماء.
وقد أشار الى ذلك
الشيخ المفيد قدسسره في الإرشاد ، فقال : ولمّا مات إسماعيل رحمة الله عليه
انصرف عن القول بإمامته بعد أبيه من كان يظنّ ذلك فيعتقده من أصحاب أبيه ، وأقام
على حياته شرذمة ، لم تكن من خاصّة أبيه ، ولا من الرواة عنه ، وكانوا من الأباعد
والأطراف ، انتهى .
وقال العالم
الجليل عليّ بن يونس العاملي في كتابه الموسوم « بالصراط المستقيم » بعد ذكر جملة
من الفرق الباطلة من الشيعة ، ما لفظه : وهذه الاختلافات لا اعتداد بها لشذوذها ،
بل أكثرها لا وجود لها ، وفي انقراضها بطلان قولها.
إن قلت هذا لا
يتمّ في الإسماعيليّة ، قلت سنبيّن أنّهم خارجون عن الملّة الحقيقيّة بالاعتقادات
الرديّة ، ثم ذكر بعضها
ويمكن إرجاع هذا
الوجه إلى سابقه.
__________________
وأمّا
خامسا : فلما أشار إليه
في بعض المواضع ، منها ما ذكره في آخر أدعية التعقيب ما لفظه : وروينا عن الأئمّة عليهمالسلام أنّهم أمروا بعد ذلك بالتقرّب لعقب كلّ صلاة فريضة ، والتقرب أن يبسط المصلّي
يديه ، إلى أن ذكر الدعاء ، وهو :
اللهمّ إنّي
أتقرّب إليك بمحمّد رسولك ونبيّك ، وبعليّ ـ وصيّه ـ وليّك ، وبالأئمّة من ولده
الطاهرين الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد ، ويسمّي
الأئمّة إماما إماما حتى يسمّي إمام عصره عليهمالسلام ، ثم يقول. إلى آخره .
وغير خفيّ على
المنصف أنّه لو كان إسماعيليّا لذكر بعده إسماعيل بن جعفر ، ثم محمّد بن إسماعيل ،
إلى إمام عصره المنصور بالله ، والمهدي بالله ، ولم يكن له داع إلى الإبهام ، أمّا
باطنا فلكونه معتقده ، وأمّا ظاهرا فلموافقته لطريقة خليفة عصره ، وإنّما الإجمال
لكونه إماميّا لا يمكنه إظهار إمامة الكاظم ومن بعده عليهمالسلام ، بل في ذكره الأسامي الشريفة إلى الصادق عليهالسلام ، وعدم إجماله من أوّل الأمر بعد عليّ عليهالسلام ، تصريح بذلك لمن له دربة بمزايا الكلام.
ومنها
روايته عن ابن أبي
عمير ، عن الجواد عليهالسلام كما تقدم . وكذا عن حذيفة بن منصور ، عن إسماعيل بن جابر ، عن الرضا عليهالسلام.
وقال الشيخ المفيد
قدسسره في الإرشاد بعد ذكر فرق الإسماعيليّة : والمعروف منهم الآن من يزعم أنّ
الإمامة بعد إسماعيل في ولده ، وولد ولده إلى آخر الزمان .
__________________
وفيه تأييد لما
استظهرناه ، وطبقته تقرب من عصر القاضي ، فإنّ موت القاضي كان في شهر رجب سنة ٣٦٣
ه. ق بمصر.
ومنها
ما رواه في ذكر
العقائق ، وعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنّه نهى عن أربع كنى ـ إلى أن قال ـ وأبي القاسم إذا
كان الاسم محمّدا ، نهى عن ذلك سائر الناس ورخّص فيه لعليّ عليهالسلام ، وقال : « المهديّ من ولدي ، يضاهي اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي » .
ومنها مطابقة كثير من متون أخباره لما في الجعفريات ، بحيث
تطمئنّ النفس أخذها منها ، وقد عرفت أنّ سند أخبارها ينتهي إلى موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وحاله عند الإسماعيليّة يعرف ممّا تقدّم ، وفي عصرنا هذا يأتون من هذه
الطائفة من بلاد الهند إلى زيارة أمير المؤمنين ، وأبي عبد الله عليهماالسلام ، وينزلون بغداد ، ويسيرون منه الى كربلاء ولا يمرّون الى بلد الكاظم عليهالسلام ، بل تواتر عنهم أنّ طاغوتهم حرّم عليهم النظر الى قبّته المباركة من بعيد ،
بل حدّثني جماعة أنّهم يسبّونه نعوذ بالله من الخسران.
ومن ذلك كلّه ظهر أنّ
ما ذكره صاحب المقابس من النظر فيما ذكره السروي في محلّه ، وأنّ احتمال كونه من
الإسماعيليّة بمكان من الوهن .
الرابع : فيما ذكره صاحب المقابس وهو قوله : إلاّ أنّه مع ذلك
خالف فيه الأصحاب في جملة من الأحكام المعلومة عندهم ، بل بعض ضروريّات مذهبهم
كحلّية المتعة. إلى آخره .
قلت : ما ذكره حقّ ، فقد خالف القوم في جملة من المواضع في
فروع الأحكام ، إلاّ أنّه معذور في ذلك من وجوه :
__________________
الأوّل : إنّه لم يخالف في موضع منها إلاّ لما ساقه الدليل ، من
ظاهر كتاب أو سنّة ، ولم يتمسّك في موضع بالقياس ، والاستحسان ، والاعتبارات
العقليّة ، والمناطات الظنّية ، ولم يبلغ اجتماع الأخبار في عصره الى حدّ يقف عليه
كلّ مؤلّف مستنبط ، فيسهل عليه معرفة مشهورها ، وآحادها ، وشواذها ، ونوادرها ،
وربّما كان ما تمسّك به أكثر ممّا ذكره واطّلعنا عليه ، وذهب فيما ذهب ممّا لم يصل
إلينا.
وقال هو رحمهالله بعد مسائل الشكّ واليقين ، في الوضوء والحدث : فهذا هو الثابت ممّا روينا في
هذا الباب ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعن الأئمّة الطاهرين من ذريّته عليهمالسلام دون ما اختلف فيه عنهم عليهمالسلام ، وعلى ذلك تجري أبواب كتابنا هذا إن شاء الله لما قصدنا
فيه من الاختصار وإلاّ فقد كان ينبغي لنا أن نذكر كلّ ما اختلف الرواة فيه عنهم عليهمالسلام ، وندلّ على الثابت ممّا اختلفوا بالحجج الواضحة ، والبراهين اللائحة ، وقد
ذكرنا ذلك في كتاب غير هذا كثير الأجزاء ، لكن تعظم المئونة فيه ، ويثقل أمره على
طالبيه ، وهذا لبابه ومحضه والثابت منه ، ولولا ما وصفناه أيضا من التطويل بلا
فائدة ، لذكرنا قول كلّ قائل من العامّة يوافق ما قلنا وذهبنا اليه ، وقول من خالف
ذلك والحجّة عليه ، ولكن هذا يكثر ويطول ولا فائدة فيه ، لأنّ الله بحمده قد أظهر
أمر أوليائه وأعزّ دينه ، وجعل الأحكام على ما حكموا به وذهبوا اليه ، والدّين على
ما عرفوه ودلّوا عليه ، فهم حجج الله على الخلق أجمعين ، انتهى.
وما ذكرنا هو
الوجه فيما نسب الى القدماء المقاربين عصره ، ممّا لا ريب في جلالتهم ، من الأقوال
النادرة ، حتى من مثل يونس بن عبد الرحمن ، وفضل
__________________
ابن شاذان ، فلا
تغفل.
الثاني : إنّه لم تكن الأحكام في تلك الأعصار بين فقهاء أصحابنا
منقّحة متميّزة ، يتبيّن لكلّ أحد المجمع عليه منها من غيره ، والمشهور منها عمّا
سواه ، وهذا باب لو دخلنا فيه أخرجنا من وضع الكتاب ، ولعلّه غير خفيّ على البصير
النقّاد ، ومعه لا طعن على من ساقه الدليل إلى ما خالف فيه أصحابه.
مع أنّ الشيخ
المفيد قدسسره قال في المقالات : ولم يوحشني من خالف فيه ، إذ بالحجّة لي أتمّ انس ، ولا
وحشة من حق .
وقال السيد
المرتضى رضياللهعنه في بعض رسائله : لا يوجب أن يوحش من المذهب قلّة الذاهب
إليه والعاثر عليه ، بل ينبغي أن لا يوحش منه إلاّ ما لا دلالة له تعضده ، ولا
حجّة تعمده.
الثالث : إنّه ما خالف في
فرع غالبا إلاّ ومعه موافق معروف ، ولولا خوف الإطالة لذكرنا نبذة من ذلك ، نعم في
مسألة المتعة لا موافق له ، إلاّ أنّ بعد التأمّل ظهر لي أنّه ذكر ذلك على غير وجه
الاعتقاد ، وإن استند للحرمة إلى أخبار رواها تقيّة أو تحبّبا الى أهل بلاده ، فإنّها
عندهم من المنكرات العظيمة ، والشاهد على ذلك ، مضافا الى بعد خفاء حلّيتها عند
الإماميّة عليه ، أنّه ذكر في كتاب الطلاق في باب إحلال المطلقة ثلاثا ما لفظه :
وعنه ـ يعني جعفر بن محمّد عليهماالسلام ـ أنّه قال : « من طلّق امرأته ( أي ثلاثا ) فتزوّجت تزويج
متعة ، لم يحلّها ذلك له » .
ولولا جوازها وعدم
كونها الزنا المحض ، لم يكن ليوردها في مقام ما اختاره من الأحكام الثابتة عنهم ،
بالأثر الصحيح ، وهذا ظاهر والحمد لله.
__________________
ومثله ما ذكره في
باب ذكر الحدّ في الزنا ما لفظه : وعن علي صلوات الله عليه : « ولا يكون الإحصان
بنكاح متعة » ، ودلالته على ما ادّعيناه أوضح.
الرابع : بعد محل إقامته عن مجمع العلماء والمحدّثين ، والفقهاء
الناقدين ، وتعسّر اطّلاعه على زبرهم وتصانيفهم ، وآرائهم وفتاويهم ، لطول المسافة
وصعوبة السير ، وقلّة التردّد ، خصوصا بعد تعدّد الخليفة ، فإنّه كان في مصر ،
وكانت تحت ملوك الفاطميين ، والأصحاب في أقطار العراق والعجم ، وكانت في تصرّف
العباسيّين ، ومن جميع ذلك ظهر عذره في المخالفة في بعض الفروع.
وظهر الجواب عمّا
أشار إليه بقوله : ولعدم اشتهاره. إلى آخره ، فإنّه لعدم اطّلاعهم عليه وعدم
حاجتهم إليه. فإنّ جلّ الفقهاء من بعد زمان الشيخ ، إلى عصر صاحب البحار والوسائل قدسسرهم ، عكفوا على
الكتب الأربعة التي عليها تدور رحى الإماميّة ، ولم يتجاوزوا عنها ، ولم يستندوا
الى غيرها ، إلاّ المحقّق ، والشهيد ، في مواضع نادرة ، ينقلون عن بعض الأصول التي
كانت عندهما ، لا لإعراض منهم عن سائر الكتب وعدم اعتمادهم عليها ، خصوصا مثل
العلل ، والأمالي ، وثواب الأعمال ، وغيرها من كتب الصدوق ، وكتاب قرب الإسناد ،
والمحاسن ، وغيرهما من الكتب المعتمدة ، التي لا يحتمل ذو مسكة أنّ عدم النقل عنها
لوهن في الكتاب ، أو ضعف في صاحبه ، بل هو لما ذكرناه ، أو لعدم العثور عليها.
وأمّا صاحب
الوسائل فلم يعلم أنّ عدم نقله عن الدعائم لعدم اعتماده عليه ، بل الظاهر أنّه
لعدم عثوره عليه ، فإنّه قال في آخر كتاب الهداية ـ وهو مختصر الوسائل ـ في ذكر
الكتب التي لم ينقل عنها : إمّا لقلّة ما فيها من النصوص وعدّ منها جملة ، أو لعدم
ثبوت الاعتماد عليه ، وعدّ منها فقه الرضا ، وطبّه عليهالسلام ، أو ثبوت عدم اعتباره ، وعدّ منها مصباح الشريعة .
__________________
وقال في أمل الآمل
: وعندنا أيضا كتب لا نعرف مؤلّفيها ، وعدّ منها عشرة ، وليس لهذا
الكتاب ذكر في الموضعين ، ومن البعيد أنّه كان عنده ولم يشر إليه ، لأنّه إن عرف
صاحبه ، وأنّه هو القاضي نعمان ـ فقد مدحه في أمله ـ فينبغي ذكره فيما اعتمد عليه
ونقل عنه. وإن لم يعرفه فذكره في الكتب المجهولة أولى من ذكر طبّ الرضا عليهالسلام ، والكشكول الذي ليس فيه حكم فرعيّ أصلا.
ثمّ إنّ ابن
شهرآشوب وإنّ صرّح بكونه غير إماميّ ، إلاّ أنّه قال : وكتبه حسان ، وقد نقل في
مناقبه عن كتابه شرح الأخبار ، الذي هو من نفائس الكتب الدالّة على كثرة فضله ، وطول
باعه ، وخلوص ولائه.
وفي السرائر في
باب التيمّم : وذهب قوم من أصحابنا إلى المسح من أصول الأصابع إلى رؤوس الأصابع .
قال في الجواهر :
وهو محجوج بجميع ما تقدّم من الأخبار ومحكيّ الإجماع ، بل لعلّه كسابقه لا يقدح في
المحصّل منه ، وإن جهل نسبه عندنا ، لكنّه مع عدم اعتبار ذلك في الإجماع عندنا
معروف عند ناقله على الظاهر ، وإنّه غير الإمام. إلى آخره .
وظنّي أنّ المراد
منه صاحب الدعائم فإنّه مذهبه فيه ، والله العالم.
ومن الغريب من بعد
ذلك كلّه ، ما في روضات الجنات للسيد الفاضل
__________________
المعاصر رحمهالله تعالى فإنّه بعد ما نقل في ترجمته ما في أمل الآمل ، ومقدمة البحار ، قال :
ولكنّ الظاهر عندي أنّه لم يكن من الإماميّة الحقّة ، وإن كان في كتبه يظهر الميل
إلى طريقة أهل البيت عليهمالسلام ، والرواية من أحاديثهم من جهة مصلحة وقته ، والتقرّب الى
السلاطين من أولادهم ، وذلك لما حقّقناه مرارا في ذيل تراجم كثير ممّن كان يتوهّم
في حقّهم هذا الأمر ، بمحض ما يشاهد في كلماتهم من المناقب والمثالب ، اللتين
يجريهما الله تعالى على ألسنتهم الناطقة ، لطفا منه بالمستضعفين من البريّة.
وأنت تعلم أنّه لو
كان لهذه النسبة واقعا ، لذكره سلفنا الصالحون وقد ماؤنا الحاذقون بأمثال هذه
الشؤون ، ولم يكن يخفى ذلك إلى زمان صاحب الأمل الذي من فرط صداقته يقول بشيعيّة
أبي الفرج الأصبهاني الخبيث ، كما قدّمنا ذلك في ذيل ترجمته ، ثمّ نقل كلام السروي
، وما ذكره العلامة الطباطبائي في رجاله ، وقال بعده : وقد وافق في جميع ما ذكره
خاله العلامة المعظم عليه ، من نهاية حسن ظنّه به وبكلامه ، انتهى .
وفيه مواضع للنظر
:
أمّا
أولا : فلأنّ كتاب
الدعائم كلّه في فقه الإماميّة ، وفروعها وأحكامها ، مستدلاّ عليها بأخبار أهل
البيت عليهمالسلام ، على أحسن نظم وترتيب ، بل ليس في أيدينا من علماء تلك
الأعصار ما يشبهه في الوضع والتنقيح ، مفتتحا بمسائل في الإمامة وشروطها ، وفضائل
الأئمّة عليهمالسلام ووصاياهم ، وشرح عدم جواز أخذ الأحكام الدينيّة عن غيرهم ،
كسائر كتب أصحابنا في هذا الباب ، وما ذكره من إظهار الميل في كتبه إنّما هو في
مثل كتاب الراغب الأصبهاني وأضرابه ، ممّن يظهر من بعض كلماتهم واسلوبهم ميلهم الى
التشيّع ، وأين هذا من كتاب بني أساسه على التشيّع ، وعلى ما ذكره يفتح باب عظيم
__________________
للطعن على كثير من
العلماء ، الذين كانوا في عصر السلاطين الفاطميّة ( في مصر ) ، كالعلامة الكراجكي
، أو الصفويّة وغيرها.
وظنّي أنّه رحمهالله لم يقف على الدعائم ، ولا على شرح الأخبار ، فصدر منه ما صدر ، وقاس على ما
ليس له أساس.
وأمّا
ثانيا : فلأنّ سبب عدم
ذكرهم له لا ينحصر فيما ذكره ، بل لوجوه أشرنا إليها ، مع أنّهم قد أهملوا جمّا من
الأعلام ، أرباب التصانيف الرائقة ، والمؤلّفات الرشيقة ، كجعفر بن أحمد القمي رحمهالله ( المتقدّم ذكره ) وفرات ابن إبراهيم الكوفي صاحب التفسير ، ومحمّد بن عليّ
بن إبراهيم صاحب العلل ، والحسن بن عليّ بن شعبة صاحب تحف العقول ، والسيد عليّ بن
الحسين بن باقي صاحب اختيار المصباح ، والحسن بن أبي الحسن الديلمي صاحب إرشاد
القلوب ، وغرر الأخبار ، وغيرها ، وسبط الطبرسي صاحب مشكاة الأنوار ، وغيرهم ممّن
تقدّم عنهم أو تأخّر ، وقد وقف على كتبهم وحالاتهم المتبحّرون من المتأخّرين ، ولا
يوجب سقوط قلم السلف عن ذكر أساميهم الشريفة للغفلة ، أو لعدم الاطّلاع ، أو
للعجلة طعنا فيهم.
وأمّا
ثالثا : فلأنّ القاضي قد
ذكره في مجالسه قبل صاحب الأمل.
وفي الرياض ، في
ترجمة ـ معين الدين المصري ـ سالم بن بدران : وعندنا رسالة في الفرائض من مؤلّفات
الشيخ معين الدين المصري هذا ، قال : وهو ينقل مرارا من كتب القاضي نعمان المصري ،
مؤلّف كتاب دعائم الإسلام ، وغيره فتدبّر .
وأمّا
رابعا : فلما في رسالة
شريفة ، في فهرست كتب الشيخ الفقيه أبي
__________________
الفتح محمد بن
عثمان بن علي الكراجكي ، عملها بعض معاصريه ، فإنّ فيها ما لفظه : مختصر كتاب
الدعائم للقاضي النّعمان ، عمله وهو من جملة فقهاء الحضرة ، كتاب الاختيار من
الأخبار ، وهو اختصار كتاب الأخبار للقاضي النعمان ، يجري مجرى اختصار الدعائم ،
والظاهر أنّ المراد منه شرح الأخبار الآتي ، وفيه من الدلالة على جلالة قدره ما لا
يخفى ، ولم أعرف صاحب الفهرست ، إلاّ أنّ في موضع منه هكذا : كتاب غاية الإنصاف في
مسائل الخلاف ، يتضمّن النقض على أبي الصلاح الحلبي ـ رحمهالله ـ في مسائل خلف بينه وبين المرتضى رضياللهعنه ، نصر فيها رأي المرتضى ، ونصر والدي رحمهالله.
وفي موضع آخر :
جواب رسالة الحازميّة في إبطال العدد وتثبيت الرؤية ، وهي الردّ على أبي الحسن بن
أبي حازم المصري ، تلميذ شيخي رحمة الله عليه عقيب انتقالي من العدد ، أربعون ورقة
، ومن ذلك يظهر أنّه ووالده من فقهاء عصرهما ، ولعلّي أقف على مؤلّفه ان شاء الله
تعالى.
وأمّا
خامسا : فقوله في حقّ
صاحب الأمل : إنّه من فرط صداقته .... إلى آخره ، فإنّه من غرائب الكلام ، فإنّ
أبا الفرج ما ترجمه أحد من الفريقين إلاّ وصرّح بتشيّعه ، وإنّه كان زيديّا ،
والزيدية من فرق الشيعة ، كما صرّح به كل من تعرّض لذكر المذاهب في كتاب الوقف ،
بل الفقهاء وغيره.
وذكره النجاشي ، والعلامة في
الخلاصة ، وابن شهرآشوب في معالم العلماء ، وتبعهم صاحب
الأمل في ذكره في سلك الرّواة والعلماء ، ولم يزد في
__________________
مقام تعيين مذهبه
إلاّ أن قال : وكان شيعيّا ، تبعا للعلاّمة قدسسره في الخلاصة.
فأيّ صداقة فيما
فعله ، وإنّما الصداقة فيما فعله هو رحمهالله في كتابه ، فقال ما لفظه : باب ما أوّله الطاء والظاء من
أسماء فقهاء أصحابنا الأمجاد ـ رحمة الله عليهم أجمعين ـ السيّد طالب بن علي. إلى
آخره ثم قال : الشيخ أبو عبد الرحمن طاوس بن كيسان الخولاني الهمداني اليماني ،
كان من أهل اليمن ، ومن أبناء الفرس ، وأحد الأعلام التابعين ، سمع من ابن عبّاس ،
وأبي هريرة ، وروى عنه مجاهد ، وعمرو بن دينار ، وهو في طبقة مالك بن دينار ،
والمنسلكين على طريقته ، ثم نقل شرح حاله ومدائحه من كتاب تلخيص الآثار ، ومن
تاريخ ابن خلّكان ، وذكر بعده حكاية ملاقاته للسجاد عليهالسلام في المسجد الحرام ، في الحجر وتحت الميزاب ، ولم ينقل من
أحد من العلماء في حقّه شيئا ، ولم يذكر قرينة ولو ضعيفة تدلّ على ميلة إلى
التشيّع ، فضلا عن الإماميّة ، فضلا عن كونه من فقهاء أصحابنا الأمجاد ، وهذا منه
مما لا ينقضي تعجّبه ، فإنّ الرجل من فقهاء العامّة ومتصوّفيهم ، لم يشكّ فيه أحد
، ولم يذكره أحد من علماء الرجال في كتبهم الرجاليّة ، ولم يسندوا إليه خبرا في
مجاميعهم في الأحاديث ، أصولا وفروعا ، وكان من التابعين المعروفين ، القاطنين في
أرض الحجاز ، معاصرا للسجّاد والباقر عليهماالسلام.
نعم عدّه الشيخ في
رجاله من أصحاب السجّاد عليهالسلام ، ولعلّه للحكاية المتقدّمة ، وإلاّ فليس في الكتب الأربعة
خبر واحد أسند إليه ، مع أنّه
__________________
من الفقهاء الذين
يذكرون أقواله في كتب الفروع ، مع أنّ ما ذكره في ترجمته كاف في الدلالة على
تسنّنه ، فإنّ من كان شيخه أبا هريرة ، وراويه مجاهد وعمرو ابن دينار ، لحريّ بأن
يعدّ من كلاب أصحاب النّار ، بل في حكاية ملاقاته مع السجّاد عليهالسلام التي أوردها ـ وأورثت في قلبه حسن الظنّ به ـ ما يشعر بانحرافه ، ففي أحدها
عن طاوس ، قال : كنت في الحجر ليلة إذ دخل عليّ ابن الحسين صلوات الله عليهما ،
فقلت : رجل من أهل بيت النبوّة ولأسمعنّ دعاءه ... الخبر.
وأنت خبير بأنّ
قوله : رجل من أهل بيت النبوّة كلام من لم يعرفه عليهالسلام إلاّ بالسيادة ، وشطر من العلم والزهادة ، ولو عرفه عليهالسلام بالولاية والإمامة ، مع ما يعتقدون في حقّه من الفقه والنّسك ، لعبّر عنه لا
محالة بقوله : سيّدي ومولاي ، وما أشبه ، أرأيت أحدا من أجلاّء أصحاب الأئمّة عليهمالسلام يعبّر عن واحد منهم بهذا التّعبير السّخيف.
وفي حكاية أخرى
عنه ، قال : رأيت رجلا في المسجد الحرام تحت الميزاب ، وهو يدعو ويبكي ، فجئته وقد
فرغ من الصلاة ، فإذا هو عليّ بن الحسين عليهالسلام ، فقلت له : يا ابن رسول الله رأيتك على حالة كذا وكذا ،
ولك ثلاثة أرجو أن يؤمنك من الخوف : أحدها أنّك ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والثاني شفاعة جدّك ، والثالث رحمة الله ، فقال : يا طاوس. وأجابه بما هو
معروف ، وهذا في الدلالة كسابقه ، فإنّ من كان يعتقد فيهم عليهمالسلام أدنى ما يجب اعتقاده في الإيمان ، فكيف بمثله من أهل الفضل والعرفان ، لا
يشافهه بهذا الكلام وإن كان صادقا فيه.
وذكر الشيخ ورّام
ابن أبي فراس قدسسره في تنبيه الخاطر : أنّه دخل على جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فقال له : « أنت طاوس » قال : نعم ، فقال عليهالسلام : « طاوس طير مشوم ، ما نزل بساحة قوم إلاّ آذنهم
بالرحيل ». ولا
يخفى ما فيه من الإشارة إلى نكارته وخباثته .
وقريب منه ما رواه
الراوندي في قصص الأنبياء ، بإسناده عن ابن بابويه قدسسره ، عن محمد بن ماجيلويه ، عن محمد بن يحيى العطّار ، عن
الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن ابن أورمة ، عن عمر بن عثمان ، عن العبقري ( عن
أسباط ) عن رجل حدّثه عليّ بن الحسين عليهماالسلام : أنّ طاووسا قال في المسجد الحرام : أوّل دم وقع على
الأرض دم هابيل حين قتله قابيل ، وهو يومئذ قتل ربع الناس ، قال له عليّ زين
العابدين عليهالسلام : « ليس كما قلت ، إنّ أوّل دم وقع على الأرض دم حوّاء حين
حاضت ، يومئذ قتل سدس الناس ، كان يومئذ آدم ، وحوّا ، وهابيل ، وقابيل ، واختاه ».
الخبر .
وفي البحار عن
اعلام الدين للديلمي : روي أنّ طاوس اليماني دخل على جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام ، وكان يعلم أنّه يقول بالقدر ، فقال له : « يا طاوس من أقبل للعذر من الله
ممّن اعتذر ، وهو صادق في اعتذاره » فقال : لا أحد أقبل للعذر منه ، فقال له : «
من أصدق ممّن قال لا أقدر وهو لا يقدر » فقال طاوس : لا أجد أصدق منه ، فقال
الصادق عليهالسلام له : « يا طاوس فما بال من هو أقبل للعذر ، لا يقبل عذر من
قال لا أقدر وهو لا يقدر » ، فقام طاوس وهو يقول : ليس بيني وبين الحقّ عداوة ،
الله أعلم حيث يجعل رسالته ، فقد قبلت نصيحتك .
وفيهما من الدلالة
ـ على أنّه بمراحل عمّا نسبه إليه ـ ما لا يخفى.
وفي منتخب بصائر
سعد بن عبد الله للحسن بن سليمان الحليّ : عن
__________________
محمد بن الحسين بن
أبي الخطّاب ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبد الكريم بن عمرو ، عن محمد بن
مسلم ، قال : دخلت أنا وأبو جعفر عليهالسلام مسجد الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإذا طاوس اليماني يقول لأصحابه : أتدرون متى قتل نصف
الناس ، فسمع أبو جعفر عليهالسلام قوله : نصف الناس ، فقال : « إنما هو ربع الناس ، إنّما هو
آدم وحوّا وقابيل وهابيل » ، قال : صدقت يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. الخبر .
ورواه الراوندي في
القصص : بإسناده عن الصدوق ، عن محمد بن موسى بن المتوكل ، عن محمد بن أبي عبد
الله الكوفي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد ، عن عليّ بن
سالم ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، قال : كان أبو جعفر الباقر عليهالسلام جالسا في الحرم ، وحوله عصابة من أوليائه إذ أقبل طاوس اليماني في جماعة ،
فقال : من صاحب الحلقة ، قيل : محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام ، قال : إيّاه أردت ، فوقف بحياله ، وسلّم وجلس ، ثم قال : أتاذن لي في
السؤال ، فقال الباقر عليهالسلام : « قد آذنّاك فاسأل » قال : أخبرني بيوم هلك ثلث الناس ،
فقال : « وهمت يا شيخ أردت أن تقول ربع الناس ، وذلك يوم قتل هابيل كانوا أربعة :
هابيل ، وقابيل ، وآدم ، وحوّا ، فهلك ربعهم » قال : أصبت ، ووهمت. الخبر .
هذا ، ومن راجع
الكتب الفقهيّة ، وعدّهم قوله في قبال أقوال أصحابنا مع المخالفة ، ومع الموافقة
إدخالهم إيّاه فيمن وافقنا من فقهاء العامّة ، لا يكاد يحتاج الى التجشّم في إبداء
الامارة على انحرافه ، وكأنّ الفاضل المذكور لم يكن له عهد بها.
__________________
ولنشر الى بعض
المواضع ، وباقيها موكول على همّة المراجع :
فمنها ما في المعتبر : وآخر وقت فضيلة الظهر إذا صار ظلّ كلّ شيء
مثله ، ثمّ يمتد وقت الإجزاء حتى يبقى للغروب قدر أربع ركعات ، فيخلص الوقت للعصر
، وبهذا قال علم الهدى قدسسره ، وابن الجنيد قدسسره ، وهو قول عطاء ، وطاوس ، إلى أن قال في ردّ أبي حنيفة ـ القائل
بأنّ آخر وقته إذا صار ظلّ الشخص مثليه ـ : ولأنّ الحائض تؤدّي الظهر والعصر إذا
طهرت قبل أن تغرب الشمس ، ذهب إليه طاوس ، ومجاهد ، والنخعي ، والزهري ، وربيعة ،
ومالك ، واللّيث ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأحمد بن حنبل ، ورواه الأثرم ،
وابن المنذر. إلى آخره .
ومنها ما في التذكرة في مسألة آخر العشاء : وقال مالك : يمتدّ
وقتها إلى طلوع الفجر ، وبه قال عطاء ، وطاوس ، كما يقول في الظهر والعصر .
وفيها أيضا : لو
وجد الماء بعد فراغه من الصلاة لم يعد ، وهو قول عامّة العلماء ـ الى أن قال ـ وقال
طاوس : يعيد ما صلّى بالتيمّم فإنّه بدل ، فإذا وجد الأصل انتقض حكم البدل ،
كالحاكم إذا حكم بالقياس ، ثمّ وجد النصّ بخلافه ، وهو خطأ .
وفي المعتبر :
واتّفق العلماء على أنّ ميقات أهل العراق العقيق ، لكن اختلفوا في وجه ثبوته ،
فقال الأصحاب : ثبت نصّا ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ، وقال طاوس وابن سيرين :
ثبت قياسا ، لما روي عن ابن عمر قال : لمّا فتح المصران أتوا عمر فقالوا
: يا أمير المؤمنين إنّ رسول الله صلّى الله
__________________
عليه وآله حدّ
لأهل نجد قرن المنازل ، وإنّا إذا أردنا قرن المنازل شقّ علينا ، قال : فانظروا
حذوها فحدّ لهم ذات عرق ، لنا ما رووه عن ابن عبّاس ـ الى أن قال ـ ومن طريق
الأصحاب روايات. إلى آخره .
وفيه : لو ائتمّ
المسافر بالمقيم لم يتمّ ، واقتصر على فرضه وسلّم منفردا ، واتّفق الشافعي ، وأبو
حنيفة ، وأحمد على وجوب المتابعة ، سواء أدركه في آخر الصلاة أو أوّلها ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا تخلفوا عن أئمّتكم » وقال الشعبي وطاوس : له القصر. إلى آخره وفي هذا القدر
كفاية للناظر البصير.
وقال النقّاد
الخبير الآميرزا عبد الله الأصفهاني في الصحيفة الثالثة : روى ابن شهرآشوب في
مناقبه ، عن طاوس اليماني ، الفقيه من العامّة ، أنّه قال : رأيت عليّ بن الحسين عليهماالسلام الخبر.
ثمّ إنّه رحمهالله عكس الأمر في ترجمة القطب الرازي ، فجعله من علماء العامّة ، خلافا لكلّ من
تعرّض لحاله ، وشرح ذلك يأتي ان شاء الله تعالى.
وأمّا سادسا :
فقوله في حقّ العلاّمة الطباطبائي : إنّه وافق خاله ـ يعني العلامة المجلسي قدسسرهما ـ لحسن ظنّه به. فإنّه أجلّ قدرا ، وأعظم شأنا ، وأرفع مقاما من أن يظنّ في
حقّه ذلك ، كما لا يخفى على من وقف على حاله.
هذا وقال الفاضل
الآميرزا عبد الله قدسسره في رياض العلماء في ترجمته : واعلم أنّ من مؤلّفات القاضي
نعمان هذا كتاب مختصر الآثار ، وقد رأيت في
__________________
خطّة لار مجموعة
عتيقة ، مشتملة على نسخة صحيفة ابن أشناس البزاز ، وفي تلك المجموعة أدعية كثيرة ،
منقولة من كتاب مختصر الآثار المذكور ، وعندنا نسخة من تلك الأدعية ، ويظهر من
مطاويها أنّ ذلك الكتاب أيضا على نهج كتاب دعائم الإسلام ، وإنّه أيضا في ذكر
أحاديث أهل البيت عليهمالسلام ، وفقههم إلى آخر أبواب الفقه.
وقد تعرّض الكاتب
أيضا في تلك الأدعية لاختلاف النسخ ، التي كانت بين ما وقع في كتاب دعائم الإسلام
، وفي كتاب مختصر الآثار المذكور.
ثمّ إنّ عندنا
نسخة عتيقة جدّا من النصف الأخير من كتاب دعائم الإسلام له ، وعلى حواشيها فوائد
جليلة كثيرة ، من كتاب مختصر الآثار له أيضا.
واعلم أنّ أصل
كتاب الآثار النبويّة للقاضي النعمان المذكور أيضا في الفقه ، ثمّ اختصر منه كتاب
مختصر الآثار.
ثمّ نقل كلام ابن
خلّكان ، وما ذكره أستاذه في أوّل البحار ، ثمّ تأمّل في كونه من الاثني عشريّة
لعدم الدليل عليه ، قال : من أين علم أنّه كان من أصحابنا ، وأنّه اتّقى الخلفاء
الإسماعيليّة؟ فهل هذا إلاّ مجرّد دعوى واحتمال. إذ ما الدليل على أنّه لم يكن
إسماعيليّا حقيقة من بين مذاهب الإمامية؟ فتأمّل ، انتهى .
وقد عرفت بحمد
الله القرائن على كونه اثنا عشريّا ، والدليل على أنّه لم يكن إسماعيليّا.
تنبيه : ولا بدّ من ذكر ما صدّر به الكتاب ، ليعرف أنّه ما أخرج
فيه إلاّ الخبر الثابت الصحيح ، عن الأئمة الأطياب عليهمالسلام قال : فإنّه لمّا كثرت الدعاوي والآراء ، واختلفت المذاهب
والأهواء ، واخترعت الأقاويل اختراعا ،
__________________
وصارت الأمة شيعا
، وافترقوا افتراقا ، ودرس أكثر السنن وانقطع ، ونجم حادث البدع فارتفع ، واتّخذت
كلّ فرقة من فرق الضلال رئيسا لها من الجهّال ، فاستحلّت بقوله الحرام ، وحرّمت به
الحلال ، تقليدا له واتّباعا لأمره ، بغير برهان من كتاب ولا سنّة ، ولا بإجماع
جاء من الأمّة ، فذكرنا عند ذلك قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لتسلكنّ سبيل الأمم قبلكم حذو النعل بالنعل ، والقذّة
بالقذّة ، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه ، فكانت الأمّة ـ إلاّ من عصمه الله منها
بطاعته ، وطاعة رسوله وأوليائه ، الذين افترض الله طاعتهم ـ في ذلك كمن حكى الله
عزّ وجلّ نبأه من الأمم السالفة ، بقوله جلّ وعزّ : ( اتَّخَذُوا
أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) .
وروينا عن جعفر بن
محمد عليهماالسلام ، أنّه تلا هذه الآية فقال : « والله ما صاموا لهم ، ولا
صلّوا إليهم ، ولكنّهم أحلّوا لهم حراما فاستحلّوه ، وحرّموا عليهم حلالا فحرّموه
».
وروينا عن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم انه قال : « إذا ظهرت البدع في أمّتي ، فليظهر العالم علمه
، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله ».
وقد رأينا وبالله
التوفيق عند ظهور ما ذكرناه ، أن نبسط كتابا جامعا مختصرا ، يسهل حفظه ، ويقرب
مأخذه ، ويغني ما فيه من جمل الأقاويل ، عن الإسهاب والتطويل ، نقتصر فيه على
الثابت الصحيح ، ممّا رويناه عن الأئمّة من أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أجمعين ، من جملة ما اختلف فيه الرّواة عنهم ، في دعائم الإسلام ، وذكر
الحلال والحرام ، والقضايا والأحكام.
فقد روينا عن أبي
جعفر محمد بن عليّ عليهماالسلام ، أنّه قال : « بني الإسلام على سبع دعائم : الولاية وهي
أفضلها ، وبها وبالوليّ يوصل إلى
__________________
معرفتها ، والطهارة
، والصلاة ، والزكاة ، والصوم [ والحج ] والجهاد . إلى آخره.
وقال الچلبي في
كشف الظنون : دعائم الإسلام : وفي سنة ست عشرة وأربعمائة أمر الظاهر ، فأخرج من
بمصر من الفقهاء المالكيّين ، وأمر الدعاة الوعّاظ أن يعظوا من كتاب دعائم الإسلام
، وجعل لمن حفظه مالا ، انتهى .
فانظر إلى شدّة
تعصّبه ، حيث لم يذكر اسم مؤلّفه ومذهبه ، مع طول باعه وبنائه عليه ، وعلى ذكر
تأريخ وفاته.
__________________
٢٦ ـ كتاب
شرح الأخبار :
للقاضي النعمان
المذكور أيضا ، وهو مقصور في الفضائل والمناقب ، وشطر من المثالب ، مشتمل على سبعة
أجزاء ، ينبئ عن كثرة اطّلاعه ، وطول باعه ، وفضله وكماله.
عثرنا بحمد الله
تعالى على نسخة عتيقة منه ، إلاّ أنّه ناقص من أوّله وآخره ، أظنّه أوراقا يسيرة ،
قال في آخر الجزء السادس : فهذه نكت قد ذكرناها كما شرطنا مختصرا ، من مثالب
معاوية وبني أميّة ، وقد ذكرنا تمام القول في ذلك في كتاب المناقب والمثالب ، فمن
أراد استقصاء ذلك نظر فيه ، انتهى.
وفي آخره تمّ
الجزء السادس من كتاب شرح الأخبار ، تأليف سيّدنا القاضي الأجلّ الأوحد الأفضل ،
النعمان بن محمد قدّس الله روحه والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا
محمد خير بريّته ، وعلى الأئمّة الطاهرين أبرار عترته ، وسلّم تسليما.
ونقل ابن خلّكان ،
عن ابن زولاق في كتاب أخبار [ قضاة ] مصر ، في ترجمته : أنّه ألّف لأهل البيت عليهمالسلام ، من الكتب آلاف أوراق ،
__________________
بأحسن تأليف ،
وأملح سجع ، وعمل في المناقب والمثالب كتابا حسنا ، وله ردود على المخالفين : له
ردّ على أبي حنيفة ، وعلى مالك ، والشافعي ، وابن سريج ، وغيرهم ، وكتاب اختلاف
الفقهاء ، وينتصر فيه لأهل البيت عليهمالسلام ، انتهى.
والظاهر أنّ كتاب
المناقب والمثالب ، هو الذي أشار إليه القاضي في كلامه المتقدّم.
وقال ابن شهرآشوب
في معالم العلماء : وكتبه حسان ، منها شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار عليهمالسلام . وينقل عنه في مناقبه ، ففي أحوال المجتبى عليهالسلام : القاضي النعمان في شرح الأخبار ، بالإسناد عن عبادة بن
الصامت ـ ورواه جماعة عن غيره ـ : أنّه سأل أعرابي أبا بكر ، فقال : إنّي أصبت بيض
نعام. الخبر .
ومن الغريب بعد
ذلك ما في رياض العلماء قال : وقد نسب ابن شهرآشوب في بعض مواضع المناقب إلى
القاضي النعمان كتاب شرح الأخبار ، وينقل عنه فيه ، وقد صرّح بذلك في معالم
العلماء أيضا ، ولكنّ الحقّ عندي أنّ ذلك سهو منه ، فإنّ ابن شهرآشوب قد صرّح نفسه
في عدة مواضع أخر من مناقبه المذكور ، بأنّ شرح الأخبار من مؤلّفات ابن فيّاض من
أصحابنا ، وأغرب منه أنّه عدّ هو نفسه هذا الكتاب ـ على ما في بعض نسخ معالم
العلماء ـ في جملة الكتب التي لم يعلم مؤلّفها ، فتدبّر ، انتهى .
ولكنّه رحمهالله استدرك بخطّه في حاشية الكتاب ، فقال : ولكن يظهر
__________________
من نسخ المعالم أنّ ابن فيّاض هو
القاضي النعمان ، فتأمّل ولاحظ.
وفيه : في الفصل
الخامس من القسم الأول بعد نقل ما في آخر معالم العلماء ، من الكتب المجهولة :
وأقول : قد يوجد في بعض نسخ المعالم ، في هذا المقام كتاب شرح الأخبار أيضا. وهو
غير متوجّه ، لأنّه قد صرّح نفسه في المعالم بأنّه تأليف القاضي النعمان ، وصرّح
في غير موضع من المناقب بأنّه تأليف ابن فيّاض ، انتهى .
قلت : الموجود في بعض نسخ المعالم ـ ومنه نسختي ـ هكذا : ابن
فيّاض القاضي النعمان بن محمد. إلى آخر الترجمة . وبعد التأمّل
فيما ذكرنا لا مجال للشبهة في اتّحادهما ، وكون الكتاب له ، إلاّ أنّ ما فيه من
الأحكام في غاية الندرة.
__________________
٢٧ ـ كتاب الاستغاثة في بدع
الثلاثة :
ويعرف بكتاب البدع
أيضا ، وتارة بالبدع المحدثة ، لأبي القاسم عليّ بن أحمد الكوفي ، كان إماميّا
مستقيم الطريقة ، ثمّ غلا في آخر عمره ، وصنّف كتبا في حالتي الاستقامة والانحراف
، وهذا الكتاب من القسم الأوّل ، ولنذكر ما ذكروا فيه ثم نتبيّن ما ادّعيناه.
قال الشيخ قدسسره في الفهرست :
عليّ الكوفي ، يكنّى أبا القاسم ، كان إماميّا مستقيم الطريقة ، وصنّف كتبا كثيرة
سديدة ، منها كتاب الأوصياء ، وكتاب في الفقه على ترتيب كتاب المزني ، ثمّ خلط
وأظهر مذهب المخمّسة ، وصنّف كتبا في الغلوّ والتخليط ، وله مقالة تنسب إليه .
وقال
النجاشي قدسسره : عليّ بن أحمد
أبو القاسم الكوفيّ ، رجل من أهل الكوفة ، كان يقول : إنّه من آل أبي طالب ، غلا
في آخر عمره ، وصنّف كتبا كثيرة ، أكثرها على الفساد :
كتاب الأنبياء ،
كتاب الأوصياء ، كتاب البدع المحدثة ، كتاب التبديل والتحريف ، كتاب تحقيق اللسان
في وجوه البيان ، كتاب الاستشهاد ، كتاب تحقيق ما ألّفه البلخي من المقالات ، كتاب
منازل النظر والاختيار ، كتاب أدب النظر والتحقيق ، كتاب تناقض أحكام المذاهب
الفاسدة ـ تخليط كلّه ـ كتاب
__________________
الأصول في تحقيق
المقالات ، كتاب الابتداء ، كتاب معرفة وجوه الحكمة ، كتاب معرفة ترتيب ظواهر
الشريعة ، كتاب التّوحيد ، كتاب مختصر في فضل التوبة ، كتاب في تثبيت نبوّة
الأنبياء ، كتاب مختصر في الإمامة ، كتاب مختصر في الأركان الأربعة ، كتاب الفقه
على ترتيب المزني ، كتاب الآداب ومكارم الأخلاق ، كتاب فساد أقاويل الإسماعيليّة ،
كتاب الردّ على أرسطاطاليس ، كتاب المسائل والجوابات ، كتاب فساد قول البراهمة ،
كتاب تناقض أقاويل المعتزلة ، كتاب الردّ على محمد بن بحر الرهني ، كتاب الفحص عن
مناهج الاعتبار ، كتاب الاستدلال في طلب الحقّ ، كتاب تثبيت المعجزات ، كتاب الردّ
على من يقول إنّ المعرفة من قبل الموجود ، كتاب إبطال مذهب داود بن عليّ الأصبهاني
، كتاب الردّ على الزيديّة ، كتاب تحقيق وجوه المعرفة ، كتاب ما تفرّد به أمير
المؤمنين عليهالسلام من الفضائل ، كتاب الصلاة والتسليم على النبيّ وأمير
المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما ، كتاب الرسالة في تحقيق الدلالة ، كتاب الردّ
على أصحاب الاجتهاد في الأحكام ، كتاب في الإمامة ، كتاب فساد الاختيار ، رسالة
الى بعض الرّؤساء ، الردّ على المثبتة ، كتاب الراعي والمرعي ، كتاب الدلائل
والمعجزات ، كتاب ماهيّة النفس ، كتاب ميزان العقل ، كتاب إبّان حكم الغيبة ، كتاب
الرّد على الإسماعيليّة في المعاد ، كتاب تفسير القرآن ـ يقال : إنّه لم يتمه ـ كتاب
في النفس.
هذه جملة الكتب
التي أخرجها ابنه أبو محمد.
توفّي أبو القاسم
بموضع يقال له : كرمي ، من ناحية فسا ، وبين هذه الناحية وبين فسا خمسة فراسخ ،
وبينها وبين شيراز نيف وعشرون فرسخا ، توفّي في جمادى الأولى ، سنة اثنتين وخمسين
وثلاثمائة ، وقبره بكرمي بقرب الخان
__________________
والحمّام ، أوّل
ما يدخل كرمي من ناحية شيراز ، وآخر ما صنّف مناهج الاستدلال.
وهذا الرجل يدّعي
له الغلاة منازل عظيمة ، وذكر الشريف أبو محمد المحمّدي رحمهالله أنّه رآه .
وقال العلاّمة في
الخلاصة : عليّ بن أحمد الكوفي ، يكنّى أبا القاسم ، قال الشيخ الطوسي طاب ثراه
فيه : إنّه كان إماميّا مستقيم الطريقة ، صنّف كتبا كثيرة سديدة ، وصنّف كتبا في
الغلوّ والتخليط ، وله مقالة تنسب إليه.
قال النجاشي :
إنّه كان يقول : إنّه من آل أبي طالب ، وغلا في آخر عمره وفسد مذهبه ، وصنّف كتبا
كثيرة أكثرها على الفساد ، توفّي بموضع يقال له كرمي ، بينه وبين شيراز نيّف
وعشرون فرسخا ، في جمادى الأولى ، سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة ، وهذا الرجل يدّعي
له الغلاة منازل عظيمة.
وقال ابن الغضائري
: عليّ بن أحمد أبو القاسم الكوفي ، المدّعي العلويّة ، كذّاب غال ، صاحب بدعة
ومقالة ، ورأيت له كتبا كثيرة ، لا يلتفت إليه.
وأقول : وهذا هو
المخمّس ، صاحب البدع المحدثة ، وادّعى أنّه من بني هارون بن الكاظم عليهالسلام ، ومعنى التخميس عند الغلاة ـ لعنهم الله تعالى ـ أنّ سلمان الفارسي ،
والمقداد ، وعمّار ، وأبا ذر ، وعمرو بن أميّة الضمري ، هم الموكّلون بمصالح
العالم ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، انتهى.
وقد تلخّص من
كلماتهم أنّه كان إماميّا مستقيما ، من أهل العلم والفضل ، والمؤلّفات السديدة ،
ثمّ غلا وصار من المخمّسة في آخر عمره ، فلو كان الكتاب المذكور في حال الاستقامة
، ما كان في تخليطه بعده وهن في
__________________
الكتاب ، وهذا
ظاهر لمن نظر فيه ، وليس فيه ممّا يتعلّق بالغلوّ والتخليط شيء ، بل وممّا يخالف
الإماميّة ، إلاّ في مسألة تحديد حدّ شارب الخمر بالثمانين ، وكم له نظائر من
أصحابنا ، بل هو في أسلوبه ، ووضعه ، ومطالبه من الكتب المتقنة البديعة ، الكاشفة
عن علوّ مقام فضل مؤلّفه ، ولذا اعتمد عليه علماء أعلام مثل ابن شهرآشوب في مناقبه
، وفي معالمه إشارة الى ذلك كما لا يخفى على النّاظر اللّبيب ، والشيخ يونس
البياضي في كتاب الصراط المستقيم ، بل وكلام العلاّمة يشير إلى أنّه من الكتب المعروفة بين
الإماميّة ، والقاضي في الصوارم المهرقة وغيرهم.
وفي رياض العلماء
: وهذا السيّد قد ذكره علماء الرجال ، لكن قدحوا فيه جدّا ، إلاّ أنّه قد ألّف في
زمان استقامة أمره كتبا عديدة ، على طريقة الشّيعة الإماميّة ، منها : كتاب
الإغاثة في بدع الثلاثة ، ويقال له كتاب الاستغاثة ، وكتاب البدع المحدثة أيضا ـ إلى
أن قال ـ وبالجملة من مؤلّفات هذا السيّد كتاب تثبيت المعجزات في ذكر معجزات
الأنبياء جميعا ، ولا سيّما نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد ألّف الشيخ حسين بن عبد الوهّاب ـ المعاصر للسيّد
المرتضى رحمهالله والرضي رضياللهعنه ـ تتميما لكتابة هذا كتابه المعروف بكتاب عيون المعجزات في
ذكر معجزات فاطمة والأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم ، وإن ظنّ الأستاذ الاستناد ،
وجماعة أيضا كون عيون المعجزات للسيّد المرتضى ، وقد سبق وجه بطلان هذا الحسبان في
ترجمة الحسين بن عبد الوهاب المذكور.
__________________
قال الشيخ حسين بن
عبد الوهاب ـ المشار إليه ـ في أواخر كتاب عيون المعجزات ، ما هذا لفظه : وكنت
حاولت أن اثبت في صدر هذا الكتاب البعض من معجزات سيّد المرسلين ، وخاتم النبيّين صلىاللهعليهوآلهوسلم الطاهرين الطيّبين ، فوجدت كتابا ألّفه السيّد أبو القاسم عليّ بن أحمد بن
موسى ابن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي
طالب عليهمالسلام ، سمّاه ، تثبيت المعجزات ، وقد أوجب في صدره بطريق النظر
والاختيار ، والدليل والاعتبار ، كون معجزات الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم
أجمعين ، بكلام بيّن ، وحجج واضحة ، ودلائل نيّرة ، لا يرتاب فيها إلاّ ضالّ غافل
غويّ ، ثمّ أتبعها المشهور من المعجزات لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وذكر في آخرها أنّ معجزات الأئمّة الطاهرة صلوات الله
عليهم أجمعين زيادة تنساق في أثرها ، فلم أر شيئا في آخر كتابه هذا ، الّذي سمّاه
كتاب تثبيت المعجزات ، وتفحّصت عن كتبه وتأليفاته التي عندي وعند إخواني المؤمنين
ـ أحسن الله توفيقهم ـ فلم أر كتابا اشتمل على معجزات الأئمّة الطاهرة صلوات الله
عليهم ، وتفرّد الكتاب بها ، فلمّا أعياني ذلك استخرت الله تعالى ، واستعنت به في
تأليف شطر وافر من براهين الأئمّة الطاهرة عليهمالسلام. إلى آخره.
قال رحمهالله : ثمّ اعلم أنّ علماء الرجال قد ذمّوه ذمّا كثيرا كما سنفصّله ، ولذلك لا
يليق بنا إيراد ترجمته في القسم الأوّل من كتابنا هذا ، ولكن دعاني الى ذلك أمران.
الأوّل : اعتماد
مثل الشيخ حسين بن عبد الوهاب ـ الذي هو أبصر بحاله ـ عليه وعلى كتابه ، وتأليف
كتاب تتميما لكتابة.
الثاني : أنّ كتبه
جلّها ، بل كلّها معتبرة عند أصحابنا ، حيث كان في أوّل أمره مستقيما محمود
الطريقة ، وقد صنّف كتبه في تلك الأوقات ، ولذلك اعتمد علماؤنا المتقدمون على كثير
منها ، إذ كان معدودا من جملة قدماء علماء الشيعة
برهة من الزمان .
ونقل رحمهالله في موضع آخر عن الحسين بن عبد الوهّاب ، أنّه قال في موضع من كتاب عيون المعجزات
: وقرأت من خطّ نسب الى أبي عمران الكرماني ، تلميذ أبي القاسم عليّ بن أحمد
الموسوي الكوفي رضياللهعنه ( سمع أبا القاسم رضياللهعنه يذكر أنّ التوقيعات تخرج على يد عثمان أبي عمرو العمري ،
وكان السّفير بين الصّاحب عليهالسلام والشيعة . إلى آخره.
وفي موضع آخر ،
ومن كتاب الاستشهاد : قال أبو القاسم عليّ بن أحمد الكوفي ـ رضياللهعنه ـ أخبرنا جماعة من مشايخنا الّذين خدموا بعض الأئمّة عليهمالسلام ، عن قوم جلسوا لعليّ بن محمد عليهماالسلام . إلى آخره ، انتهى ما أردنا نقله من الرياض ، وينبغي التنبيه
على أمرين :
الأوّل : في أنّه سيّد رضويّ ، ينتهي نسبه الى موسى بن محمد
الجواد عليهالسلام ، كما صرّح به في عيون المعجزات.
أو موسوي ينتهي
نسبه الى هارون بن الكاظم عليهالسلام ، كما أشار إليه في الخلاصة .
أو ليس بعلويّ
هاشميّ ، كما يشير إليه كلام ابن الغضائري.
وهذا أمر لا
يهمّنا تحقيقه ، ولا يعود لصرف العمر فيه فائدة لكتابنا هذا ، ولذا أعرضنا عنه.
__________________
الثاني : إنّك قد عرفت تصريح الجماعة بأنّ كتاب البدع المحدثة ـ المعروف
بالاستغاثة ـ لأبي القاسم الكوفي ، كالنجاشي ، والعلامة ، والسروي ، والبياضي ،
ويلائم سند بعض أخباره طبقته ففي أوّل بدع الثاني : وفي مصحف أمير المؤمنين عليهالسلام ، برواية الأئمّة من ولده صلوات الله عليهم ( من المرفق والى الكعبين ) ،
حدّثنا بذلك عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن الحسن ابن محبوب ، عن عليّ بن
رئاب ، عن جعفر بن محمد عليهماالسلام . الخبر ، فهو في طبقة الكليني رحمهالله وأضرابه ، ويشير في الكتاب أحيانا الى كتابه ، كتاب الأوصياء الذي صرّح
النجاشي بأنّه له.
وقال في أواخر
الكتاب ، في تحقيق أنّ المقتول في يوم الطفّ عليّ بن الحسين الأكبر أو الأصغر ـ لمناسبة
ـ ما لفظه : فمن كان من ولد الحسين عليهالسلام قائلا بالإمامة بالنصوص ، يقول إنّهم من ولد عليّ الأكبر
ابن الحسين عليهالسلام ، وهو الباقي بعد أبيه ، وإنّ المقتول الأصغر منهما ، وهو
قولنا وبه نأخذ ، وعليه نعوّل ثمّ نقل القول الآخر ونسبه إلى الزيديّة ، وطعن
عليهم ـ إلى أن قال ـ وإنّما أكثر ما بينهم وبينه من الآباء في عصرنا هذا ، ما بين
ستّة آباء أو سبعة ، فذهب عنهم أو عن أكثرهم معرفة من هم من ولده من الأخوين . إلى آخره ، وهذا
أيضا لا يلائم إلاّ الطبقة المذكورة.
فمن الغريب بعد
ذلك نسبة هذا الكتاب الى المحقّق ميثم بن عليّ البحراني ، ففي الفصل الأوّل من
أوّل البحار : كتاب شرح نهج البلاغة ، وكتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة ، للحكيم
المدقّق العلاّمة كمال الدين ميثم بن
__________________
عليّ بن ميثم
البحراني . وفي الفصل الثاني : والمحقّق البحراني من أجلّة العلماء
ومشاهيرهم ، وكتاباه في غاية الاشتهار ، انتهى .
ولولا كلامه
الأخير لاحتملنا كما في الرياض ، أن يكون لابن ميثم أيضا كتاب سمّاه بالاستغاثة ،
فإنّ الاشتراك في أسامي الكتب غير عزيز ، ولكنّ الكتاب المتداول المعروف ليس من
مؤلّفاته قطعا لما عرفت.
قال المحقّق
المحدّث البحراني في اللّؤلؤة بعد نقل ترجمة ابن ميثم ، عن رسالة السلافة البهيّة
في الترجمة الميثميّة ، لشيخه العلاّمة الشيخ سليمان البحراني ، وعدّ الكتاب
المذكور من مؤلّفاته ، وتوصيفه بأنّه لم يعمل مثله ما لفظه :
ثم إنّ ما ذكره
شيخنا المذكور من نسبة كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة للشيخ المشار إليه غلط قد
تبع فيه من تقدّمه ، ولكن رجع عنه أخيرا فيما وقفت عليه من كلامه ، وبذلك صرّح
تلميذه الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني رحمهالله ، وإنّما الكتاب المذكور كما صرّحا به لبعض قدماء الشيعة
من أهل الكوفة ، وهو عليّ بن أحمد أبو القاسم الكوفي ، والكتاب يسمّى كتاب البدع
المحدثة ، ذكره النجاشي في جملة كتبه ، ولكن اشتهر في ألسنة الناس تسميته بالاسم
الأوّل ، ونسبته للشيخ ميثم ، ومن عرف سليقة الشيخ ميثم في التصنيف ، ولهجته
وأسلوبه في التأليف ، لا يخفى عليه أنّ الكتاب المذكور ليس جاريا على تلك اللهجة ،
ولا خارجا من تلك اللجّة ، انتهى.
وبعد الوقوف على
ما أشرنا إليه من القرائن والحجّة ، لا وقع للتشبّث باللهجة ، فإنّه لغريق صار في
غمرات اللجّة.
وأغرب من جميع ذلك
أنّ الفاضل المتبحّر الشيخ عبد النبيّ الكاظمي في
__________________
تكملة الرجال ، في
ترجمة عليّ بن الحسين الأصغر عليهالسلام قال : في كتاب الاستغاثة لبدع الثلاثة للشيخ ميثم البحراني
، قال : وكان للحسين عليهالسلام ابنان ، ونقل بعض ما في الكتاب إلى قبيل العبارة التي
نقلناها ، وهي قوله : وإنّما أكثر ما بينهم ـ يعني السادات ـ وبينه ـ يعني الحسين عليهالسلام ـ من الآباء في عصرنا هذا ما بين ستّة آباء أو سبعة. إلى آخره .
ولم يلتفت أنّه لا
يمكن أن يكون بين من في عصر ابن ميثم من السادة وبينه عليهالسلام ستة أو سبعة بحسب العادة ، فإنّ بينهما قريبا من ستمائة سنة ، ولنذكر نسب
واحد من السادة المعاصرين لابن ميثم ، وهو رضيّ الدين عليّ بن موسى بن جعفر بن
محمّد بن محمّد الطاوس بن إسحاق بن محمّد ابن سليمان بن داود بن الحسن المثنى بن
الحسن المجتبى عليهالسلام ، والله الهادي.
__________________
٢٨ ـ كتاب
الآداب ومكارم الأخلاق :
له أيضا ، وهو
كتاب لطيف ، بديع في فنّه ، ذكر فيه الأخلاق الحسنة ، والصّفات الذميمة ، يبتدئ في
كلّ خصلة بالأخبار المأثورة عن النبيّ والأئمّة عليهمالسلام ، ثم يذكر كلمات الحكماء ، ويختم بأبيات رائقة انشدت فيها
، وهو كسابقه في الخلوّ عمّا يوهم التخليط والغلوّ ، وقد عثرنا على نسخة عتيقة منه
، إلاّ أنّها ناقصة في مواضع منها.
وفي الرياض : ومن
مؤلّفاته أيضا كتاب في الآداب ومكارم الأخلاق ، وهو كتاب جيّد حسن ، رأيت نسخة
عتيقة منه بقطيف بحرين ، وقد قال في أوّله : أنّه ألّف كتبا كثيرة في العلوم
والآداب والرّسوم ، وعندنا أيضا منه نسخة .
وقال في موضع آخر
: وعندنا من كتبه كتاب الأخلاق حسنة الفوائد .
__________________
٢٩ ـ كتاب
النوادر :
هو تأليف السيّد
الإمام الكبير ضياء الدين أبي الرضا ، فضل الله بن علي بن عبيد الله بن محمد بن
عبيد الله بن محمد بن أبي الفضل عبيد الله بن الحسن بن عليّ بن محمد السيلق بن
الحسن بن جعفر بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى عليهالسلام ـ الراوندي الكاشاني ـ.
وصفه العلامة في
إجازة بني زهرة ، بالسيّد الإمام .
وفي فهرست الشيخ
منتجب الدين : علامة زمانه ، جمع مع علوّ النسب كمال الفضل والحسب ، وكان أستاذ
أئمّة عصره .
قال أبو سعد
السمعاني في كتاب الأنساب : لمّا وصلت إلى كاشان قصدت زيارة السيّد أبي الرضا
المذكور ، فلمّا انتهيت إلى داره ( وقفت على الباب هنيئة ) انتظر خروجه ،
فرأيت مكتوبا على طراز الباب هذه الآية المشعرة بطهارته وتقواه : ( إِنَّما
يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً ) فلمّا اجتمعت به ، رأيت منه فوق ما كنت أسمعه عنه ، وسمعت
منه جملة من الأحاديث ، وكتبت عنه مقاطيع من شعره ، ومن جملة إشعاره التي كتبها لي
بخطّه الشريف هذه الأبيات :
هل لك يا مغرور
من زاجر
|
|
أو حاجز عن جهلك
الغامر
|
أمس تقضّى وغدا
لم يجئ
|
|
و اليوم يمضي
لمحة الباصر
|
__________________
فذلك العمر كذا
ينقضي
|
|
ما أشبه الماضي
بالغابر
|
انتهى.
وبالجملة هو من
المشايخ العظام الذي تنتهي كثير من أسانيد الإجازات إليه ، وهو تلميذ الشيخ أبي
عليّ بن شيخ الطائفة قدسسره ، ويروي عن جماعة كثيرة من سدنة الدين ، وحملة الأخبار ،
وله تصانيف تشهد بفضله وأدبه ، وجمعه بين موروث المجد ومكتسبه ، ومنه انتشرت
الأدعية الجليلة المعروفة بأدعية السرّ ، وهو صاحب ضوء الشّهاب في شرح الشهاب ،
الذي أكثر عنه النقل في البحار ، ويظهر منه كثرة تبحّره في اللّغة والأدب ، وعلوّ
مقامه في فهم معاني الأخبار ، وطول باعه في استخراج مأخذها.
وشرح حاله ، وعدّ
مؤلّفاته ، وذكر مشايخه ورواته ، يطلب من رياض العلماء ، وغيره وما يأتي
إن شاء الله تعالى في ترجمته ، في الفائدة الآتية وغيره.
قال الفاضل السيّد
علي خان في الدرجات الرفيعة : وقد وقفت على ديوان هذا السيّد الشريف ، فرأيت فيه
ما هو أبهى من زهرات الربيع ، وأشهى من ثمرات الخريف ، فاخترت منه ما يروق سماعه
لاولي الألباب ، ويدخل الى المحاسن من كلّ باب ، ثمّ ساق جملة منها.
ثمّ لا يخفى انّا
قد ذكرنا شطرا ممّا يتعلّق بكتاب النوادر في شرح حال الجعفريات ، ولنذكر بعض ما
يتعلّق بسند أوّله ، فنقول : قال في صدر الكتاب ، كما في نسختي وكذا نقله في
البحار : أخبرني السيّد الإمام ضياء
__________________
الدين ، سيّد
الأئمّة ، شمس الإسلام ، تاج الطالبيّة ، ذو الفخرين ، جمال آل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أبو الرّضا فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسني الراوندي ـ حرس الله جماله
وأدام فضله ـ قال : أخبرنا الإمام الشهيد أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن
أحمد الروياني ـ إجازة وسماعا ـ أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسن التميمي
البكري ـ إجازة ، أو سماعا ـ حدّثنا أبو محمد سهل بن أحمد الديباجي ، قال : حدّثنا
أبو علي محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي. إلى آخر ما تقدّم .
وقد مرّ أيضا شرح
حال جملة من رجال هذا السند.
وأمّا
أبو المحاسن : ففي
رياض العلماء : الشيخ الإمام أبو المحاسن ، القاضي فخر الإسلام ، الشهيد عبد
الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الطبري الروياني ، كان من أجلّة علماء حلب ،
ولكن كان يتّقي ، وإن ظنّ أنّه من علماء الشافعيّة ، وكان في ابتداء أمر الباطنيّة
، وكان يطعن فيهم ولذلك قتلوه ، وكان من مشايخ السيّد فضل الله الراوندي ونظرائه ،
فكان من المتأخّرين عن المفيد قدسسره بدرجتين ، بل درجات ، إلاّ أنّه قد يظهر من بعض المواضع
أنّه كان من مشايخ المفيد ، وهو غريب فلاحظ.
ويروي عن جماعة
كثيرة ، منهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسن التميمي البكري ، عن سهل بن أحمد
الديباجي ، عن محمد بن محمد بن الأشعث ، كما يظهر من كتاب نوادر الراوندي.
ثم إنّه وقع في
بعض أحاديث كتاب الأربعين للشيخ منتجب الدين صاحب الفهرس ، هكذا : أخبرنا أبو
النجيب سعيد بن محمد بن أبي بكر الحمامي ـ بقراءتي عليه ـ أخبرنا أبو القاسم عبد
الرحمن بن أبي حازم الركاب ، حدّثنا أبو
__________________
معمّر جعفر بن
عليّ الوزان .
(
حيلولة ) : وأخبرنا أبو
سعيد عبد الرحمن بن أبي القاسم الحصيري ـ قراءة عليه ـ أخبرنا أبو المحاسن عبد
الواحد بن إسماعيل الروياني ، قالا : أخبرنا أبو الحسن عليّ بن شجاع بن محمد
المصقلي الحافظ. إلى آخره.
وفي موضع آخر منه
: أخبرنا أبو الفتوح محمود بن محمد بن عبد الجبار المذكر الهرمز دياري السّروي ،
ثم الجرجاني ـ قدم علينا الريّ قراءة عليه ـ أخبرنا القاضي أبو المحاسن عبد الواحد
بن إسماعيل بن أحمد الروياني . إلى آخره.
قال : وقد نقل بعض
الأفاضل أنّ الشيخ أبا المحاسن هذا أوّل من أفتى بإلحاد الطائفة الباطنيّة ، حيث
كانوا يقولون بأنّه لا بدّ من معلّم يعلّم الناس الطريق الى الله تعالى ، وكان ذلك
المعلّم يقول لا يجب عليكم إلاّ طاعتي ، وما سوى ذلك إن شئتم فافعلوا وإن شئتم فلا
تفعلوا ، ولمّا جاء هذا الشيخ الى قزوين أفتى بإلحادهم ، ووصى لأهل قزوين التجنّب
عنهم حين كان بينهم و [ بين ] الباطنيّة اختلاط ، وقال : إن وقع بينكم وبينهم اختلاط
ففيهم قوم عندهم حيل يخدعون بعضكم ، وإذا خدعوا بعضكم وقع الاختلاف والفتنة ،
والأمر كان على ما أشار إليه هذا الشيخ ، وقال : إن جاء من ذلك الجانب طائر
فاقتلوه ، فلمّا عاد هذا الشيخ إلى بلدة رويان ، بعث الباطنيّة بعض الفدائيّة
__________________
كما هو دأب هؤلاء
الملاعين ، فقتله غيلة بالخفية ، وقد عاش سعيدا ومات حميدا.
وقال ابن الأثير
الجزري في الكامل : إنّ القاضي الإمام فخر الإسلام أبو المحاسن ، عبد الواحد بن
إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني الطبري ، الفقيه الشافعي ، كان مولده سنة خمس
عشرة وأربعمائة ، وقتل في محرّم سنة اثنتين وخمسمائة ، وكان حافظا للمذهب ، ويقول
: لو أحرقت كتب الشافعي لأمليتها من قلبي ، انتهى .
وأقول : والحقّ
أنّ الروياني كان يعمل بالتقيّة ، فلذلك قد ظنّ به العامّة كونه من الشافعيّة
انتهى ما أردنا نقله من الرياض . وصرّح ابن شهرآشوب في المناقب : إنّ جدّه شهرآشوب يروي عن
القاضي أبي المحاسن الروياني .
وأمّا الشيخ أبو
عبد الله محمد بن الحسن التميمي البكري ، فلم أجد له ترجمة ، والظاهر أنّه من
مشايخ الإجازة ، ذكروه لمجرّد اتّصال السند الى كتاب علم انتسابه إلى مؤلّفه ، فلا
يضرّ الجهل بحاله ، أو هو من علائم الوثاقة إن اعتمدوا عليه في الانتساب ، والله
العالم.
__________________
٣٠ ـ كتاب
روض الجنان :
وهو التفسير
الكبير ، للشيخ الجليل أبي الفتوح الحسين بن عليّ بن محمد ابن أحمد الخزاعي ،
الرازي ، النيشابوري ، قدوة المفسرين ، من مشايخ الشيخ منتجب الدين وابن شهرآشوب.
ذكراه في الفهرست والمعالم ، وفي
الثاني : إنّ تفسيره فارسي ، إلاّ أنّه عجيب.
قال في الرياض :
وأمّا تفسيره الفارسي فهو من أجلّ ـ الكتب ، وأفيدها وأنفعها ، وقد رأيته فرأيت
بحرا طمطاما ، قال : وكان هو ، وولده الشيخ الإمام تاج الدين محمد ، ووالده ،
وجدّه القريب ، وجدّه الأعلى الشيخ أبو بكر أحمد ، وعمّه الأعلى وهو الشيخ عبد
الرحمن بن الشيخ أبي بكر أحمد المذكور ، كلّهم من مشاهير العلماء.
وبالجملة هؤلاء
سلسلة معروفة من علماء الإماميّة ، ولكلّ واحد منهم تأليفات جياد ، وتصنيفات عديدة
حسان ، انتهى.
وهذا التفسير
العجيب في عشرين مجلّدا ، وفيه أخبار كثيرة تناسب أبواب كتابنا هذا ، إلاّ أنّه
لكونه بالفارسيّة ، ويحتاج نقله إلى الترجمة ثانيا بالعربيّة ، ويخاف منها فوات
بعض مزايا الأخبار ، لم نرجع إليه إلاّ قليلا ، وقد ينقل الخبر بمتنه ثم يترجمه ،
فأخرجناه سالما والحمد لله.
__________________
٣١ ـ رسالة
تحريم الفقاع :
للشيخ الأجلّ
الأعظم أبي جعفر الطوسي قدسسره ، وجلالة قدر صاحبها تغني عن التعرّض لحاله.
٣٢ ـ كتاب
معدن الجواهر :
للشيخ الجليل أبي
الفتح محمد بن عليّ بن عثمان بن عليّ الكراجكي ، الفقيه المتكلّم ، الذي يعبّر عنه
الشهيد قدسسره في الدروس بالعلاّمة ، تلميذ شيخنا المفيد والسيّد المرتضى قدسسرهما ، صاحب كتاب كنز الفوائد الذي طابق اسمه معناه ، وهذا الكتاب على حذو كتاب
القرائن من كتب المحاسن ، وكتاب الخصال ، إلاّ أنّه لم يتجاوز فيه من أبواب العشرة
، وزاد بعد نقل الأخبار ما يناسبها من كلمات العلماء الأخيار.
__________________
٣٣ ـ كتاب
لبّ اللباب أو اللباب :
للشيخ الفقيه ،
المحدّث النبيه ، سعيد بن هبة الله ، المدعو بالقطب الراوندي صاحب الخرائج ، وشارح
النهج ، اختصره من كتاب فصول نور الدين عبد الوهاب الشعراني العامي ، لخصه وألقى
ما فيه من الزخارف والأباطيل. وقد رأيت المجلّد الثاني من الفصول في المشهد الرضوي
عليهالسلام يقرب من تمام كتاب اللّباب ، وهذا كتاب حسن كثير الفوائد ،
مشتمل على مائة وخمسة وخمسين مجلسا ، في تفسير مثلها من الآيات على ترتيب القرآن.
وفي الرياض : وله
كتاب تلخيص فصول عبد الوهاب في تفسير الآيات والروايات ، مع ضمّ الفوائد والأخبار
من طرق الإماميّة ، قد رأيته في بلدة أردبيل ، وهو كتاب حسن ، انتهى .
وهو داخل في فهرست
البحار ، قال قدسسره : وكتاب اللّباب المشتمل على بعض الفوائد . لكنّه رحمهالله غفل عنه فلم ينقل عنه في البحار ، والظاهر أنّه لم يكن عنده وقت تأليفه ، كما
يظهر من المكتوب الذي أرسله إليه بعض تلامذته ، وأدرجه في آخر إجازات البحار ، في
استدراك ما فاته من الكتب الموجودة وغير ذلك ، ثمّ استدرك رحمهالله بعضا وترك بعضا. وفي المكتوب : وشرحا النهج للراونديّين قد نقلتم عنهما في
كتاب الفتن وغيره ، من كتب البحار ، وكتاب اللّباب للأوّل عند الأمير زين العابدين
بن سيّد المبتدعين عبد الحسيب ، حشره الله مع جدّه القمقام يوم الدين . إلى آخره.
وبالجملة فاعتبار
الكتاب يعرف من اعتبار مؤلّفه ، الذي هو في المقام فوق ما يصفه مثلي بالقلم ، أو
اللّسان.
__________________
٣٤ ـ كتاب
الدعوات :
له أيضا سمّاه
سلوة الحزين ، قال في البحار : وجدنا منه نسخة عتيقة ، وفيه دعوات موجزة شريفة ،
مأخوذة من الأصول المعتبرة ، على أنّ الأمر في سند الدعاء هيّن ، انتهى.
قلت : ليس هو
مقصورا على الأدعية ، بل فيه ممّا يتعلّق بحالتي الصحّة والمرض ، وآداب الاحتضار ،
وما يتعلّق بما بعد الموت ، وفوائد كثيرة ، ونوادر عزيزة.
وممّا يجب التنبيه
عليه في هذا المقام ، انّني كنت معتقدا في سالف الزمان ، أنّ هذا الكتاب من تأليف
السيّد فضل الله الراوندي المتقدّم ذكره ، ونسبته إليه في كلّ مقام نقلت منه فيما
برز منّي ، كدار السلام ، والنجم الثاقب وغيرهما ، وقد ظهر لي من بعد ذلك أنّه
للقطب الراوندي وهذا اشتباه لا يترتّب عليه أثر ، ولا يضعّف به خبر ، لأنّ كلاهما
من أجلّة المشايخ وأساتيذ العصر ، إلاّ أنّه يوجد في النفس بعد التنبيه انكسار لا
بدّ من جبره ، ولا جابر إلاّ الالتفات الى ما وقع لمولانا العلامة المجلسي رحمهالله في هذا المقام من الاشتباه ، واختلاط كتب هذين العالمين الراونديّين عليه ،
ونسبته تأليف أحدهما إلى الآخر.
ولحسن الظنّ به
اعتمدنا عليه ولم نراجع المأخذ ، فوقعنا فيما وقعنا مع إنّه رحمهالله جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب. فقال في الفصل الأوّل : وكتاب الخرائج
والجرائح ، للشيخ الإمام قطب الدين أبي الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي
، وكتاب قصص الأنبياء له أيضا ، على ما يظهر من أسانيد الكتاب واشتهر أيضا ، ولا
يبعد أن يكون تأليف فضل الله بن عليّ بن عبيد الله الحسني الراوندي ، كما يظهر من
بعض أسانيد السيّد ابن طاوس قدسسره.
__________________
وقد صرّح بكونه
منه في رسالة النجوم ، وكتاب فلاح السائل ، والأمر فيه هيّن لكونه مقصورا على
القصص ، وأخباره جلّها مأخوذة من كتب الصدوق. وكتاب فقه القرآن للأوّل أيضا. وكتاب
ضوء الشهاب ، شرح شهاب الأخبار للثاني فضل الله ـ رحمهالله ـ وكتاب الدعوات ، وكتاب اللّباب ، وكتاب شرح نهج البلاغة
، وكتاب أسباب النزول له أيضا ، انتهى .
وظاهر العبارة بل
صريحها أنّ الكتب الأربعة الأخيرة للسيّد الراوندي لا لقطبها ، إذ عود ضمير « له »
إليه مستهجن جدّا ، إذ لا وجه لتوسيط ذكر كتاب ضوء الشهاب الذي هو من مؤلّفات السيد.
وقد تفطّن صاحب
الرياض الى هذا الاشتباه ، وأشار إليه في ترجمتهما ، وصرّح هو وغيره بأنّ الكتب
الأربعة للقطب لا له .
والعجب أنّ
العلاّمة المذكور قال في الفصل الثاني في شرح حال الكتب المذكورة : وكتاب ضوء
الشهاب كتاب شريف ، مشتمل على فوائد جمّة ، خلت عنها كتب الخاصّة والعامّة ، وكتاب
اللّباب المشتمل على بعض الفوائد ، وشرح النهج مشهور معروف ، رجع إليه أكثر
الشرّاح ، وكتاب أسباب النزول فيه فوائد ، انتهى .
وفيه أيضا تأكيد
لما ذكرنا ، مع أنّ شرح النهج المتداول غير خفيّ أنّه للقطب ، فراجع.
__________________
٣٥ ـ كتاب
فقه القرآن :
وهو بعينه كتاب
آيات الأحكام له أيضا ، وهو من نفائس الكتب النافعة الجامعة ، الكاشفة عن جلالة
قدر مؤلّفها ، وعلوّ مقامه في العلوم الدينيّة ، وقد عثرنا ـ بحمد الله تعالى ـ على
نسخة عتيقة منه ، كتب في آخره : كتبه سعيد بن هبة الله بن الحسن ، في محرّم سنة
اثنتين وستّين وخمسمائة ، حامدا لربّه ، ومصلّيا على محمّد وآله ـ إلى هنا كلام
المصنّف رحمهالله ـ وتمّ الكتاب على يد العبد الفقير الى الله تعالى ، الحسن
بن الحسين بن الحسن ( السدّ السوي ) ناقلا عن خطّ المصنّف إلاّ قليلا ، أواسط صفر ، ختم بالخير
والظفر ، شهور سنة أربعين وسبعمائة هجريّة ، بمدينة قاشان. إلى آخره.
قال في الرياض :
ثمّ إنّ القطب الراوندي قدسسره هو أوّل من شرح نهج البلاغة ، وأوّل من ألّف تفسير آيات
الأحكام ، فلاحظ .
قلت : أمّا الثاني
فالظاهر أنّه كما ذكره ، وأمّا النهج فأوّل من شرحه أبو الحسن البيهقي وهو حجّة الدين ،
فريد خراسان ، أبو الحسن بن أبي القاسم زيد ـ صاحب لباب الألباب ، وحدائق الحدائق
، وغيرها ـ ابن محمد ابن عليّ البيهقي ، من أولاد خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين.
قال في أوّل شرحه
: قرأت كتاب نهج البلاغة على الإمام الزاهد الحسن ابن يعقوب بن أحمد القاري ، وهو
وأبوه في فلك الأدب قمران ، وفي حدائق
__________________
الورع ثمران ، في
شهور سنة ستّ عشرة وخمسمائة ، وخطّه شاهد لي بذلك ـ إلى أن قال ـ ولم يشرح قبلي من
كان من الفضلاء السابقين هذا الكتاب بسبب موانع . إلى آخره.
__________________
٣٦ ـ كتاب
التمحيص :
قال في البحار :
هو لبعض قدماء أصحابنا ، ويظهر من القرائن الجليّة أنّه من مؤلّفات الثقة الجليل
أبي عليّ محمد بن همام .
وقال في موضع آخر
: وكتاب التمحيص ، ومتانته تدلّ على فضل مؤلّفه ، وإن كان مؤلّفه أبا عليّ كما هو
الظاهر ، ففضله وتوثيقه مشهوران .
قلت : ولم يشر إلى
القرائن ، والذي يظهر منها من الكتاب ، قوله في أوّل الكتاب بعد الديباجة ، باب
سرعة البلاء إلى المؤمنين : حدّثنا أبو عليّ محمّد بن همام ، قال : حدّثني عبد
الله بن جعفر . إلى آخره ، وهذا هو المرسوم في غالب كتب المحدّثين من
القدماء ، أنّ الرواة عنهم من تلاميذهم يخبرون عن روايتهم عنه في صدر كتبهم ،
فراجع الكافي ، وكتب الصدوق ، وغيرها ، تجدها على ما وصفناه.
وبهذا يظنّ أنّ
التمحيص له ، ولكنّ الشيخ الجليل النبيل ، الشيخ إبراهيم القطيفي ، قال في خاتمة
كتاب الفرقة الناجية ، الحديث الأول : ما رواه الشيخ العالم ، الفاضل العامل ،
الفقيه النبيه ، أبو محمد الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني قدّس الله
روحه الزكيّة في كتابه المسمّى بالتمحيص ، ثمّ أخرج منه خمسة أحاديث ، وهو صاحب
كتاب تحف العقول المتداول المعروف.
وفي الرياض :
وأمّا قول الأستاذ الاستناد بأنّ كتاب التمحيص من مؤلّفات غيره ـ أي غير الحسن
المذكور ـ فهو عندي محلّ تأمّل ، لأنّ الشيخ
__________________
إبراهيم أقرب
وأعرف ، مع أنّ عدم ذكر كتاب التمحيص في جملة مؤلّفاته ، التي أوردها أصحاب الرجال
في كتبهم مع قربهم إليه ، يدلّ على أنّه ليس منه ، فتأمّل .
ووافقهما على ذلك
الشيخ الجليل في أمل الآمل ، إلاّ أنّه نسبه إلى القاضي في المجالس ، وفيه سهو ظاهر
، فإنّ القاضي نقل في ترجمة القطيفي ما أخرجه من كتاب التمحيص بعبارته ، ولا يظهر منه
اختياره ما اختاره من النسبة.
ثمّ إنّي إلى الآن
ما تحقّقت طبقة صاحب تحف العقول ، حتّى استظهر منها ملاءمتها للرواية عن أبي عليّ محمد بن
همام وعدمها.
والقطيفي من
العلماء المتبحّرين ، إلاّ أنّه لم يعلم أعرفيّته في هذه الأمور من العلامة
المجلسي رحمهالله ، وهو في طبقة المحقّق الكركي ، وهذا المقدار من التقدّم
غير نافع في المقام.
نعم ما ذكره صاحب
الرياض أخيرا يورث الشك في النسبة ، إلا أنّه يرتفع بملاحظة ما ذكرنا.
ومع الغضّ عنه
فالكتاب مردّد بين العالمين الجليلين الثقتين ، فلا يضرّ الترديد في اعتباره ،
والاعتماد عليه.
__________________
٣٧ ـ كتاب
الهداية :
هو للصدوق قدسسره ، صرّح به
النجاشي وغيره .
__________________
٣٨ ـ كتاب
المقنع :
له أيضا ، وهو
داخل في فهرست مآخذ الوسائل ، إلاّ أنّ المؤلّف رحمهالله لم ينقل منه إلاّ ما صرح فيه بالرواية ، وترك باقيه لزعمه
انّه من كلامه ، والحقّ إنّ ما فيه عين متون الأخبار الصحيحة ، بالمعنى الأخصّ
الذي عليه المتأخّرون ، لا لما اشتهر من أنّ فتاوى القدماء في كتبهم متون الأخبار
، وإن كان حقّا ، ولذا كانوا يرجعون إلى شرائع أبيه ـ وهو رسالته إليه ـ عند
اعوزاز النصوص ، بل لأمرين آخرين :
الأوّل : تصريحه بذلك في أوّل الكتاب ، قال رحمهالله بعد الخطبة : قال محمد بن عليّ : ثمّ إنّي صنّفت كتابي هذا ، وسمّيته كتاب
المقنع لقنوع من يقرؤه بما فيه ، وحذفت الإسناد منه لئلاّ يثقل حمله ، ولا يصعب حفظه
، ولا يملّه قارئه ، إذ كان ما أبيّنه فيه في الكتب الأصوليّة موجودا ، مبيّنا عن
المشايخ العلماء ، الفقهاء الثقات رحمهمالله أرجو بذلك ثواب الله ، وأبتغي به مرضاته ، وأطلب الأجر
عنده ، وهذه العبارة كما ترى متضمّنة لمطالب :
الأوّل : إنّ ما في الكتاب خبر كلّه ، إلاّ ما يشير إليه.
الثاني : إنّ ما فيه من الأخبار مسند كلّه ، وعدم ذكر السند فيه
للاختصار ، لا لكونها من المراسيل.
الثالث : إنّ ما فيه من الأخبار مأخوذ من أصول الأصحاب ، التي هي
مرجعهم ، وعليها معوّلهم ، وإليها مستندهم ، وفيها مباني فتاويهم.
الرابع : إنّ أرباب تلك الأصول ورجال طرقه إليها ، من ثقات
العلماء ،
__________________
وبذلك فاق قدره عن
كتابه الفقيه ، الذي عدّ من مآخذه كتاب نوادر الحكمة ، وكتب المحاسن ، وفيهما من
ضعاف الأخبار بزعمه وزعم المتأخّرين ما لا يحصى ، فإذا لا فرق فيما أدرجه فيه بين
أن يقول : روي عن فلان وما أشبهه ، أو يذكر حكم المسألة من غير استناد في الاعتبار
والتعويل عليه.
الثاني : ما يظهر من مواضع من الكتاب أنّ ما يذكره متن الحديث.
ففي أحكام البئر :
وإن وقعت في البئر فأرة ، أو غيرها من الدواب فماتت ، فعجن من مائها ، فلا بأس
بأكل ذلك الخبز إذا أصابته النار ، وفي حديث آخر : أكلت النار ما فيه . فلو لا أنّ
الكلام الأوّل متن الخبر ، لما كان لقوله : وفي حديث آخر محلّ.
ومثله في غسل
الجنابة : وإن اغتسلت من الجنابة ووجدت بللا ، فإن كنت بلت قبل الغسل فلا تعد
الغسل ، وإن كنت لم تبل قبل الغسل فأعد الغسل وفي حديث آخر : إن لم تكن بلت فتوضّأ
.
ومثله في الخلل :
وإن لم تدر اثنتين صلّيت أو خمسا ، أو زدت أو نقصت ، فتشهّد وسلّم ، وصلّ ركعتين
وأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك. وفي حديث آخر تسجد سجدتين بغير ركوع ، ولا
قراءة .
ومثله في آخر
الباب ، وفي باب الصوم : اعلم أنّ الصوم على أربعين وجها ، وساق الخبر المرويّ عن
الزهري ، عن السجاد عليهالسلام ـ الى أن قال ـ قال الزهري : وكيف يجزي صوم تطوّع عن صوم
فريضة ، مع أنّه ما تعرّض للراوي ، ولا المروي عنه في صدر الخبر.
__________________
وفي كتاب النكاح :
وإذا تزوّج الرجل المرأة فزنى قبل أن يدخل بها ، لم تحلّ له لأنّه زان ، ويفرّق
بينهما ، ويعطيها نصف الصداق ، وفي حديث آخر : يجلد الحدّ ، ويحلق رأسه. إلى آخره .
وفيه : ولا تحلّ
القابلة للمولود ولا ابنتها ، وهي كبعض أمّهاته ، وفي حديث آخر : إن قبّلت ومرّت
فالقوابل أكثر من ذلك ، وإن قبّلت وربّت حرمت عليه .
وهذا المقدار يكفي
لإثبات ما أردناه ، ومن هنا ظهر وجه نقل المجلسي رحمهالله ما فيه كنقله عن سائر كتب الأخبار ، لكنّه رحمهالله فعل بكتاب الهداية ما فعل به ، لظنّه أنّه أيضا مثله ، والظاهر أنّه كذلك ،
ولكنّا ما اعتمدنا عليه ، لعدم ما يدلّ على اعتباره ، فاقتصرنا في النقل عنه بما
أسنده إلى المعصوم عليهالسلام.
__________________
٣٩ ـ كتاب
نزهة الناظر وتنبيه الخاطر :
في كلمات النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام. للشيخ الأجلّ الشريف أبي يعلى محمد بن الحسن بن حمزة
الجعفري الطالبي ، تلميذ الشيخ المفيد قدسسره ، والجالس مجلسه ، وهو متكلّم فقيه ، قائم بالأمرين جميعا
، قاله النجاشي ، والعلاّمة .
وقال الأوّل في
ترجمة السيّد المرتضى : تولّيت غسله ومعي الشريف أبي يعلى محمد بن الحسن الجعفري ،
وسلاّر بن عبد العزيز .
وهذا كتاب لطيف ،
صغير الحجم ، عظيم القدر ، أسقط أسانيد جميع ما فيه ، إلاّ خبرا واحدا ذكره في آخر
الكتاب ، وهو الخبر المعروف في ذكر جماعة زهّاد ثلاثين ، كانوا عند المستجار ،
وشاهدوا الصّاحب عليهالسلام من غير أن يعرفوه ، وعلّمهم بعض الدعوات ، فقال : لمع ممّا
روي عن مولانا صاحب الزمان عليهالسلام : أخبرني الشيخ أبو القاسم عليّ بن محمد بن محمد المفيد
__________________
رضياللهعنه قال : حدّث أبو محمد هارون بن موسى . إلى آخره. وما
رأينا ترجمة وذكرا لولد المفيد هذا ، إلاّ في هذا المقام.
__________________
٤٠ ـ كتاب
مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة :
المنسوب إلى أبي
عبد الله الصادق عليهالسلام ، على ما صرّح به جماعة من العلماء الأعلام ، أوّلهم فيما
أعلم السيّد الأجلّ رضيّ الدين عليّ بن طاوس ، في الفصل السابع من الباب السادس ،
من كتاب أمان الأخطار قال : ويصحب ـ أي المسافر ـ معه كتاب الإهليلجة ، وهو كتاب
مناظرة مولانا الصادق عليهالسلام للهندي ، في معرفة الله جلّ جلاله ، بطرق غريبة عجيبة
ضروريّة ، حتى أقرّ الهندي بالإلهيّة والوحدانيّة ، ويصحب معه كتاب مفضّل ابن عمر
، الذي رواه عن الصادق عليهالسلام ، في معرفة وجوه الحكمة في إنشاء العالم السفلي ، وإظهار
إسراره ، فإنّه عجيب في معناه ، ويصحب معه كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة ، عن
الصادق عليهالسلام ، فإنّه كتاب لطيف شريف ، في التعريف بالتسليك الى الله
جلّ جلاله ، والإقبال عليه ، والظفر بالأسرار التي اشتملت عليه ، فإنّ هذه الثلاثة
كتب تكون مقدار مجلّد واحد ، وهي كثيرة الفوائد .
والفاضل المتبحّر
الشيخ إبراهيم الكفعمي قدسسره ـ صاحب الجنّة ـ في كتاب مجموع الغرائب ، قال : ومن كتاب
مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة : قال الصادق عليهالسلام : « إعراب القلوب أربعة. » إلى آخره. وقال الصادق عليهالسلام : « سمّي المستراح مستراحا. » إلى آخره. وقال الصادق عليهالسلام : « السخاء من أخلاق الأنبياء عليهمالسلام. » إلى آخره ، ثمّ نقل شيئا من فضل الحلم والتقوى .
وشيخ الفقهاء
الشهيد الثاني قدس الله روحه ، فإنّه اعتمد عليه غاية الاعتماد ، ونسب ما فيه إلى
الصادق عليهالسلام من غير تردّد وارتياب ، فقال
__________________
في كشف الريبة ،
في مقام ذكر علاج الغيبة ما لفظه : جملة ما ذكروه من الأسباب الباعثة على الغيبة
عشرة أشياء ، قد نبّه الصادق عليهالسلام عليها بقوله : « أصل الغيبة عشرة » وذكر ما فيه ، ثم قال :
ونحن نشير إليها مفصّلة ، ثمّ شرح الأصول العشرة المذكورة ، ثمّ شرع في ذكر علاجها
.
وقال رحمهالله في منية المريد : وقال الصادق عليهالسلام : « المراء داء دويّ ، وليس في الإنسان خصلة شرّ منه » إلى
آخر ما في المصباح. وقال في آخره : هذا كلّه من كلام الصادق عليهالسلام .
وقال رحمهالله في مسكّن الفؤاد : فصل ، قال الصادق عليهالسلام : « البلاء زين المؤمن ، وكرامة لمن عقل » إلى آخر ما في
الباب التسعين من الكتاب. وقال في آخر الفصل : وهذا الفصل كلّه من كلام الصادق عليهالسلام ، ثمّ قال : فصل ، قال الصادق عليهالسلام : « الصبر يظهر ما في بواطن العباد من النور » إلى آخر ما
في الباب الذي بعده ، ولم يذكر في هذا الفصل أيضا من غيره .
وفي كتاب أسرار
الصلاة أخرج منه جميع ما له تعلّق بالصلاة ، من مقدّماتها ، وآدابها ، وأفعالها
إلى التسليم ، مبتدئا في جميع المواضع بقوله : قال الصادق عليهالسلام ، من دون أن يذكر اسم الكتاب ، ودأبه في نقل سائر الأخبار أن يقول : روى فلان
، أو عن فلان ، وبذلك يظهر ما أشرنا إليه من شدّة اعتماده ، لأنّه رحمهالله تعالى قال في شرح درايته : وإذا نقل من نسخة موثوق بها في الصحّة ، بأن
قابلها هو ، أو ثقة ، على وجه وثق به ، لمصنف من
__________________
العلماء ، قال فيه
ـ أي في نقله من تلك النسخة : ـ قال فلان ـ يعني ذلك المصنّف ـ وألا يثق بالنسخة ،
قال : بلغني عن فلان أنّه ذكر كذا وكذا ، أو وجدت في نسخة من الكتاب الفلاني وما
أشبه ذلك من العبارات.
وقد تسامح أكثر
الناس في هذا الزمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك ، من غير تجوّز وتثبّت ، فيطالع
أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنّف معيّن ، وينقل منه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا
: قال فلان كذا ، وذكر فلان كذا. وليس بجيّد ، بل الصواب ما فصّلناه . وهذا الكلام منه
رحمهالله وإن كان في مقام علم انتساب النسخة إلى المؤلّف ، ولم
يطمئن بصحّة ما فيها ، ولكنّه يدلّ فيما لم يعلم أصل النسبة بطريق أولى.
وقال المحقّق
الداماد قدسسره في الرواشح ، في ردّ من استدلّ على حجّيّة المراسيل مطلقا : بأنّه لو لم يكن
الوسط الساقط عدلا عند المرسل ، لما ساغ له إسناد الحديث إلى المعصوم سلام الله
عليه ، وكان جزمه بالإسناد الموهم لسماعة إيّاه من عدل تدليسا في الرواية ، وهو
بعيد من أئمّة النقل ، قال : وإنّما يتمّ إذا كان الإرسال بالإسقاط رأسا والإسناد
جزما ، كما لو قال المرسل : قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو قال الإمام عليهالسلام ذلك ، وذلك مثل قول الصدوق ، عروة الإسلام رضياللهعنه في الفقيه ، قال عليهالسلام : « الماء يطهّر ولا يطهّر » إذ مفاده الجزم
، أو الظنّ بصدور الحديث عن المعصوم ، فيجب أن تكون الوسائط عدولا في ظنّه ، وإلاّ
كان الحكم الجازم بالإسناد هادما لجلالته وعدالته ، بخلاف ما لو التزم العنعنة
وأبهم الواسطة ، كقوله : عن رجل ، أو عن صاحب لي ، أو عن بعض أصحابه مثلا ، انتهى .
__________________
ومن هنا قيل : إنّ
هذا الصنف من مراسيل الفقيه ، إن لم يكن أقوى ممّا عرف إسناده ، فلا يقصر عنه.
وبالجملة فهو ـ رحمهالله ـ أحقّ بأن يعمل بما قرّره ، ومن سبر مؤلّفاته عرف شدّة إتقانه وضبطه في نقل
الأخبار والآثار ، ورعاية القوانين المودعة في كتب الدراية.
والسيّد الجليل ،
العالم المتبحّر النبيل ، السيد حسين القزويني ، قال في المبحث الخامس من كتاب
جامع الشرائع ، في بيان الاعتماد على مؤلّفي الكتب المنتزعة منها ، قال : ومصباح
الشريعة المنسوب إليه ـ يعني الصادق عليهالسلام ـ بشهادة الشارح الفاضل ـ يعني الشهيد الثاني رحمهالله ـ والسيد ابن طاوس ، والفاضل العارف مولانا محسن القاساني ، وغيرهم ، فلا وجه
لتشكيك بعض المتأخّرين بعد ذلك ، انتهى.
وقال العلاّمة المجلسي في البحار : وكتاب مصباح الشريعة فيه بعض
ما يريب اللّبيب الماهر ، وأسلوبه لا يشبه سائر كلمات الأئمّة عليهمالسلام وآثارهم ، وروى الشيخ في مجالسه بعض أخباره هكذا : أخبرنا جماعة ، عن أبي
المفضّل الشيباني ، بإسناده عن شقيق البلخي ، عمّن أخبره من أهل العلم.
وهذا يدلّ على
أنّه كان عند الشيخ ـ رحمهالله ـ وفي عصره ، وكان يأخذ منه ، ولكنّ لا يثق به كلّ الوثوق
، ولم يثبت عنده كونه مرويّا عن الصادق عليهالسلام ، وإنّ سنده ينتهي إلى الصوفيّة ، ولذا اشتمل على كثير من
اصطلاحاتهم ، وعلى الرواية من مشايخهم ، ومن يعتمدون عليه في رواياتهم ، والله
يعلم ، انتهى .
قلت : أمّا مغايرة الأسلوب فغير مضرّ ، وسنشير ان شاء الله إلى
وجهه.
وأمّا قوله : وروى
الشيخ بعض أخباره. إلى آخره ، ثمّ فرّع عليه
__________________
وجود الكتاب عنده
، وعدم اعتماده عليه ، فهو في غاية الغرابة سيّما من مثله ، إذ ليس فيه إلاّ حديث
واحد غير مأخوذ عن هذا الكتاب يقينا ، ونحن نذكر الخبرين حتّى يتبيّن للناظر صدق
ما ادّعيناه.
ففي الباب الثامن
والسبعين من المصباح وهو في تبجيل الإخوان ، بعد التصدير بكلام الصادق عليهالسلام ، على ما هو رسم الكتاب وظهور اختتام كلامه عليهالسلام : قيل لعيسى بن مريم عليهالسلام : كيف أصبحت؟ قال : « لا أملك نفع ما أرجوه ، ولا أستطيع
دفع ما أحذره ، مأمورا بالطاعة ، منهيّا عن المعصية ، فلا أرى فقيرا أفقر منّي ».
وقيل لأويس القرني
: كيف أصبحت؟ قال : كيف يصبح رجل إذا أصبح لا يدري أيمسي وإذا أمسى لا يدري أيصبح؟!
قال أبوذر ـ رضياللهعنه ـ : أصبحت أشكر ربي ، وأشكو نفسي.
قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من أصبح وهمّته غير الله فقد أصبح من الخاسرين المعتدين » انتهى .
وفي مجالس الشيخ ،
في مجلس يوم الجمعة ، الثاني من رجب سنة ٤٥٧ : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضّل ،
قال : حدّثنا غياث بن مصعب بن عبدة أبو العباس الخجندي الرياطي ، قال : حدّثنا
محمد بن حمّاد الشّاسي ، عن حاتم الأصمّ ، عن شقيق بن إبراهيم البلخي ، عمّن
أخبره من أهل العلم ، قال : قيل لعيسى بن مريم عليهالسلام : كيف أصبحت يا روح الله؟ قال : « أصبحت وربّي تبارك
وتعالى من فوقي ، والنار أمامي ، والموت في طلبي ، لا أملك ما أرجو ، ولا أطيق دفع
ما أكره ، فأيّ فقير أفقر منّي؟! ».
وقيل للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : كيف أصبحت؟ قال : « بخير من
__________________
رجل لم يصبح صائما
، ولم يعد مريضا ، ولم يشهد جنازة ».
قال : وقال جابر
بن عبد الله الأنصاري : لقيت عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ذات يوم صباحا ، فقلت : كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ قال :
« بنعمة من الله ، وفضل من رجل لم يزر أخا ، ولم يدخل على مؤمن سرورا » قلت : وما
ذلك السرور؟ قال : « يفرّج عنه كربا ، أو يقضي عنه دينا ، أو يكشف عنه فاقة ».
قال جابر : ولقيت
عليّا عليهالسلام يوما ، فقلت : كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ قال : « أصبحنا
وبنا من نعم الله وفضله ما لا نحصيه مع كثير ما نحصيه ، فما ندري أيّ نعمة نشكر ،
أجميل ما ينشر ، أم قبيح ما يستر؟ ».
وقيل لأبي ذر ـ رضياللهعنه ـ : كيف أصبحت يا صاحب رسول الله؟ قال : أصبحت بين نعمتين ، بين ذنب مستور ،
وثناء من اغترّ به فهو مغرور.
وقيل للربيع بن
خيثم : كيف أصبحت يا أبا يزيد؟ قال : أصبحت في أجل منقوص ، وعمل محفوظ ، والموت في
رقابنا ، والنار من ورائنا ، ثمّ لا ندري ما يفعل بنا.
وقيل لأويس بن
عامر القرني : كيف أصبحت يا أبا عامر؟ قال : ما ظنّكم بمن يرحل الى الآخرة كل يوم
مرحلة ، لا يدري إذا انقضى سفره ، أعلى جنّة يرد أم على نار؟! قال : وقال عبد الله
بن جعفر الطيّار : دخلت على عمّي عليّ بن أبي طالب عليهالسلام صباحا ، وكان مريضا ، فقلت : كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟
قال : « يا بنيّ كيف أصبح من يفنى ببقائه ، ويسقم بدوائه ، ويؤتي من مأمنه ».
وقيل لعليّ بن
الحسين عليهماالسلام : كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ قال : « أصبحت مطلوبا بثمان
: الله تعالى يطلبني الفرائض ، والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالسنّة ، والعيال بالقوت ، والنفس بالشهوة ، والشيطان
باتّباعه ،
والحافظان بصدق
العمل ، وملك الموت بالروح ، والقبر بالجسد ، فأنا بين هذه الخصال مطلوب ».
وقيل لابنه محمد
بن عليّ عليهماالسلام : كيف أصبحت؟ قال : « أصبحنا غرقى في النعمة ، موفورين
بالذنوب ، يتحبّب إلينا إلهنا بالنعم ، ونتمقّت إليه بالمعاصي ، ونحن نفتقر إليه ،
وهو غنيّ عنّا ».
وقيل لبكر بن عبد
الله المزني : كيف أصبحت؟ قال : أصبحت قريبا أجلي ، بعيدا أملي ، سيّئا عملي ، ولو
كان لذنوبي ريح ما جالستموني.
قال : وقيل لرجل
من المعمّرين : كيف أصبحت؟ قال :
أصبحت لا رجلا
يغدو لحاجته
|
|
و لا قعيدة بيت
تحسن العملا
|
وقيل لأبي الرجاء
العطاردي ، وقد بلغ عشرين ومائة سنة : كيف أصبحت؟ قال :
أصبحت لا يحمل
بعضي بعضا
|
|
كأنّما كان
شبابي قرضا
|
وأنت خبير بما بين
الخبرين من الطول والاختصار ، ولو كان ما في الأوّل أطول لأمكن احتمال أن يكون
الثاني مختصرا منه ، وأمّا العكس فغير متصوّر ، مع أنّ في المقدار المتّفق منهما
من الاختلاف ما لا يحتمل أن يكون أحدهما مأخوذا من الآخر.
ثمّ من أين علم
أنّ الشيخ أخرج الخبر عنه؟ فلعلّه أخرجه من كتب بعض من ذكر في رجال السند كحاتم
الأصمّ ، وشقيق البلخي ، وغيرهما ، والتعبير عنه عليهالسلام بقوله : عمّن أخبره من أهل العلم منه كما هو الظاهر لا من
الشيخ ، بل هذا غير معهود منه ومن غيره من المصنّفين ، فإنّهم إذا أخرجوا خبرا من
كتاب ، ما كانوا ليغيّروا بعض ما في سنده أو متنه ، إلاّ ان يقع منهم
__________________
سهو فيهما.
ثمّ إنّ الذي
يستظهر من العلماء من التأمّل في الكتاب ، أنّ ما نسب إليه هو ما صدّر به الأبواب
بقوله : قال الصادق عليهالسلام ، وما فيه من الرواية ونقل الآثار من الجامع الذي كان يملى
عليه ، فلو أغمضنا من جميع ما ذكرنا ، فالذي أخرجه الشيخ من كلام الجامع ،
والتعبير « عنه » بما عبّره ، لا يدلّ على عدم الوثوق الذي استظهره ، ولكنّ الظاهر
من الشهيد في مسكّن الفؤاد بل صريحه ، كون كلّه منه عليهالسلام ، فلاحظ.
وقال الشيخ ابن
أبي جمهور الأحسائي ، في آخر مقدّمة كتاب درر اللآلي العماديّة ما لفظه : وسأختم
هذه المقدّمة بذكر أحاديث تتعلّق ببعض حقائق الدين ، وشيء من حقائق العبادات ،
أكثر اسنادها عن الصادق الامام أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهماالسلام ، محذوفة الأسانيد كما رؤيتها.
واعلم أنّي قد
التزمت في هذه الأحاديث المرويّة في هذه الخاتمة ـ وفي جميع الأحاديث الواردة في
الأقسام الثلاثة الآتية بعدها ـ أن أذكر بعض ما يتعلّق بها من الأحكام الشرعيّة ،
وما استدلّ بها عليه ، وكيفيّة الاستدلال بها عليها ، وبعض الفروع المأخوذة منها
على سبيل الاختصار ، ممّا نقلته عن مشايخنا السابقين ، وعلمائنا الماضين ـ قدّس
الله أرواحهم ـ ليكون الكتاب المشتمل على هذه الأحاديث المتعلّقة بالأحكام
الفقهيّة تامّ النفع ، مغنيا عن مطالعة غيره من الكتب ، والله الموفّق.
قال الصادق عليهالسلام : « بحر المعرفة يدور على ثلاثة : الخوف ، والرجاء ، والمحبة. إلى آخره » .
ثمّ نقل كثيرا من
مطالب هذا الكتاب ، وفي جملة من المواضع ينقل كلامه عليهالسلام بقوله : قال الصادق عليهالسلام ، ثمّ يشرحه بقوله : قال العارف
__________________
كذا ، ولم أتحقّق
أنّ المراد منه نفسه ، أو شرح هذا الكتاب أحد قبله ، وهذه المقدّمة طويلة نافعة ،
جامعة لفوائد شريفة.
وفي رياض العلماء
، في ذكر الكتب المجهولة : فمن ذلك كتاب مصباح الشريعة في الأخبار والمواعظ ، كتاب
معروف متداول ، وقد ينسب إلى هشام ابن الحكم على ما رأيت بخطّ بعض الأفاضل ، وهو خطأ. أمّا أوّلا :
فلأنّه قد اشتمل على الرواية عن جماعة ، هم متأخّرون عن هشام. وأمّا ثانيا :
فلأنّه يحتوي على مضامين تنادي على أنّه ليس من مؤلّفاته ، بل هو من مؤلّفات بعض
الصوفيّة كما لا يخفى. لكن وصى به ابن طاوس ، انتهى .
وقال شيخنا الحرّ رحمهالله في آخر كتاب الهداية : تتمّة ، قد وصل إلينا أيضا كتب كثيرة ، قد ألّفت وجمعت
في زمانهم عليهمالسلام ، نذكرها هاهنا ، وهي ثلاثة أقسام ـ إلى أن قال رحمهالله ـ الثالث : ما ثبت عندنا كونه غير معتمد ، فلذا لم ننقل منه ، فمن ذلك كتاب
مصباح الشريعة المنسوب إلى الصادق عليهالسلام ، فانّ سنده لم يثبت ، وفيه أشياء منكرة مخالفة للمتواترات
، وربّما نسب تأليفه إلى الشيخ زين الدين ، وهذه النسبة باطلة لأنّه مذكور في أمان
الأخطار لابن طاوس قدسسره . انتهى.
قلت : للصوفيّة مقصدان ، أحدهما مقدّمة الأخرى :
الأوّل : تهذيب النفس ، وتصفيتها عن الكدورات والظلمات ، وتخليتها
عن الرذائل والصفات القبيحة ، وحفظها عمّا يظلمها ويفرّقها ويقسّيها ، وتحليتها
__________________
بالأوصاف الجميلة
، والكمالات المعنويّة ، وهذا يحتاج إلى معرفة النفس والقلب إجمالا ، ومعرفة
الصفات الحسنة والقبيحة ، ومبادئها وآثارها ، وما به يتوسّل الى التطهير والتزكية
، والتنوير والتحلية.
وهذا مقصد عظيم
يشاركهم أهل الشرع ، وكافة العلماء على اختلاف مشاربهم وآرائهم ، وكيف لا يشاركون
فيما وضعت العبادات والآداب لأجله ، وبعث الأنبياء لإكماله!
وكفى بما في
الكتاب المجيد من الاهتمام بأمر القلب وتهذيبه ، بما وصفه به من الرين والطبع ،
والغشاوة ، والكبر ، والضيق ، والتحجر ، وإرادة العلوّ ، والصرف ، والزيغ ، والمرض
، والقسوة ، والظلمة ، والغلف ، والقفل ، والجهل ، والعمى ، والموت ، وأمثالها.
ومدحه الذين
اتّصفوا بما يضادّها من الخشوع ، واللّين ، والرقّة ، والعلم ، والهداية ،
والسلامة ، والاطمئنان ، والربط ، والحياة ، والمحبّة ، والصبر ، والرضا ،
والتوكّل ، والتقوى ، واليقين ، وأمثالها شاهدا في المقام.
وللقوم في هذا
المقصد العظيم كتب ومؤلّفات فيها مطالب حسنة نافعة ، وإن أدرجوا فيها من الأكاذيب
والبدع خصوصا بعض الرياضات المحرّمة ما لا يحصى ، ومن هنا فارقوا أهل الشرع
المتمسكين بالكتاب والسنّة ، والمتشبّثين بأذيال سادات الأمّة ، فحصول هذا المقصد
عندهم منحصر بالعمل ، بتمام ما قرّروه لهم ، والاجتناب عمّا نهوا عنه ، دون ما
أبدعوه في هذا المقام من الرياضات ، ومتابعة الشيخ والمرشد على النحو الذي عندهم ،
وهذا هو مراد الشهيد قدسسره في الدروس ، في بحث المكاسب ، حيث قال : وتحرم الكهانة ـ إلى
أن قال ـ وتصفية النفس ، أي بالطرق الغير الشرعيّة .
الثاني : ما يدعون من نتيجة تهذيب النفس ، وثمرة الرياضات من
المعرفة
__________________
وفوقها ، من
الوصول والاتّحاد والفناء ، ومقامات لم يدّعيها نبيّ من الأنبياء ووصيّ من
الأوصياء ، فكيف بأتباعهم من أهل العلم والتقى! مع ما فيها ممّا لا يليق نسبته الى
مقدّس حضرته جلّ وعلا ، ويجب تنزيهه عنه سبحانه وتعالى عمّا يقوله الظالمون.
وأمّا المقصد
الثاني فحاشا أهل الشرع والدين ، فضلا عن العلماء الراسخين ، أن يميلوا إليه أو
يأملونه ، أو يتفوّهون به ، وأغلب ما ورد في ذمّ الجماعة ناظر الى هذه الدعوى
ومدّعيها.
وأمّا الأوّل فقد
عرفت مشاركتهم فيه ، وإن فارقوا القوم في بعض الطرق ، وحيث إنّهم بلغوا الغاية
فيما القوة في هذا المقام ، والحكمة ضالّة المؤمن حيث وجدها أخذها ، ترى مشايخنا
العظام ، والفقهاء الكرام كثيرا ما يراجعون إليه ، وينقلون عنه ، ويشهدون بحقّيته
، ويأمرون بالأخذ به ، فصار ذلك سببا للطعن عليهم ، ونسبتهم إلى الصوفيّة ، أو
ميلهم الى المتصوّفة ، ظنّا منهم الملازمة بين المقصدين ، وإنّ من يحضّ على تهذيب
النفس ، وتطهير القلب ، ويستشهد في بعض المقامات ، أو تفسير بعض الآيات بكلمات
بعضهم ، ممّا يؤيّده أخبار كثيرة ، فهو منهم ومعهم في جميع دعاويهم.
وهذا من قصور
الباع ، وجمود النظر ، وقلّة التدبّر في مزايا الكتاب والسنّة.
وآل أمرهم الى أن
نسبوا مثل الشيخ الجليل ، ترجمان المفسّرين أبي الفتوح الرازي ، وصاحب الكرامات
علي بن طاوس ، وشيخ الفقهاء الشهيد الثاني ـ قدّس الله أرواحهم ـ إلى الميل الى
التصوّف كما رأيناه ، وهذه رزيّة جليلة ، ومصيبة عظيمة لا بدّ من الاسترجاع عندها.
نعم يمكن أن يقال
لهم تأدّبا لا إيرادا ، إنّ فيما ورد عن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم غنى
ومندوحة عن الرجوع الى زبرهم وملفّقاتهم ومواعظهم ، فإنّك إن غمرت في تيّار بحار
الأخبار ، لا تجد حقّا صدر منهم إلاّ
وفيها ما يشير
إليه ، بل رأينا كثيرا من الكلمات التي تنسب إليهم ، هي ممّا سرقوها من معادن
الحكمة ، ونسبوها إلى أنفسهم ، أو مشايخهم.
قال تلميذ المفيد قدسسره ، أبو يعلى
الجعفري ، في أول كتاب النزهة : إنّ عبد الملك بن مروان كتب الى الحجّاج : إذا سمعت كلمة
حكمة فاعزها الى أمير المؤمنين ـ يعني نفسه ـ فإنّه أحقّ بها ، وأولى من قائلها ، انتهى.
ولولا خوف الإطالة
لذكرت شطرا من هذا الباب ، بل قد ورد النهي عن الاستعانة بهم. فروى سبط الطبرسي في
مشكاة الأنوار ، عن الباقر عليهالسلام أنّه قال لجابر : « يا جابر ولا تستعن بعدوّ لنا [ في ]
حاجة ، ولا تستطعمه ، ولا تسأله شربة ، أما إنّه ليخلّد في النار ، فيمرّ به
المؤمن ، فيقول : يا مؤمن ألست فعلت بك كذا وكذا؟ فيستحيي منه ، فيستنقذه من النار
» .
الحجّة : هذا حال
طعام الأجساد ، فكيف بقوت الأرواح؟.
إذا عرفت ذلك
فلنرجع الى ما في كلمات هؤلاء المشايخ العظام فنقول :
أمّا
أوّلا : فما في البحار
، والرياض ، من أنّه لا يشبه سائر كلمات الأئمّة عليهمالسلام ، وأنّه على أسلوب الصوفيّة ، ومشتمل على مصطلحاتهم . ففيه : إنّ
كلماتهم عليهمالسلام وعباراتهم عليهمالسلام في كشف المطالب المتعلّقة بالمعارف والأخلاق ، مختلفة بحسب
الألفاظ والتأدية ، وإن لم تختلف بحسب المعنى والحقيقة ، وهذا ظاهر لمن أجال الطرف
في أكناف كلمات أمير المؤمنين عليهالسلام ، وسائر الأئمّة عليهمالسلام في هذه المقامات ، وليس لمن
__________________
تقدّم الصادق عليهالسلام من الصوفيّة ، كطاوس اليماني ، ومالك بن دينار ، وثابت البناني ، وأيّوب
السجستاني ، وحبيب الفارسي ، وصالح المري ، وأمثالهم ، كتاب يعرف منه أنّ المصباح
على أسلوبه ، ومن الجائز أن يكون الأمر بالعكس ، فيكون الذين عاصروه عليهالسلام منهم ، أو تأخّروا عنه ، سلكوا سبيله عليهالسلام في هذا المقصد ، وأخذوا ضغثا من كلماته الحقّة ، ومزجوها
بضغث من أباطيلهم ، كما هو طريقة كلّ مبدع مضلّ ، ويؤيّده اتّصال جماعة منهم إليه
، والى الأئمّة من ولده ، كشقيق البلخي ، ومعروف الكرخي ، وأبي يزيد البسطامي
طيفور السقّاء ، كما يظهر من تراجمهم في كتب الفريقين ، فيكون ما الّف بعده على
أسلوبه ووتيرته.
ثم نقول : ليس في
هذا الكتاب من عناوين أبوابه شيء لا يوجد في كثير من الأخبار مثله ، سوى عناوين
ثلاثة أبواب من أوّل الكتاب ، ولكن ما شرحه وفصّله فيها كلّها ممّا عليه الكتاب
والسنّة ، مع أنّه يوجد في جملة من ادعيتهم ، ومناجاتهم ، وخطبهم عليهمالسلام من العبارات الخاصة ، والكلمات المختصّة ، ما لا يوجد في سائر كلماتهم ،
فارجع البصر إلى المناجاة الإنجيليّة الكبرى والوسطى ، وآخر دعاء كميل ، والمناجاة
الخمسة عشر ، التي عدّها صاحب الوسائل في الصحيفة الثانية من أدعية السجاد عليهالسلام ، ونسبها إليه من غير تردد ، مع أنّه لا يوجد لها سند ، ولم يحتو عليها كتاب
معتمد ، وليس في تمام المصباح ما يوجد فيها من الألفاظ الدائرة في ألسنة القوم.
ثمّ نقول : إنّك
بعد التأمّل في ملفّقات القوم في هذا الباب ، تجد المصباح خاليا عن مصطلحاتهم
الخاصّة ، التي عليها تدور رحى تمويهاتهم ، كلفظ العشق ، والخمر ، والسكر ، والصحو
، والمحو ، والفناء ، والوصل ، والقطب ، والشيخ ، والطرب ، والسماع ، والجذبة ،
والإنيّة ، والوجد ، والمشاهدة ، وغير ذلك ممّا ليس فيه شيء منه.
ثمّ نقول : وفي
كتبهم أيضا أخبار معروفة متداولة ، لا توجد فيه.
وأمّا
ثانيا : فما في الأوّل
من أنّه يروي فيه عن مشايخهم ـ أي الصوفيّة ـ ففيه ، بعد تسليم كون ما فيه من
الرواية والحكاية ، من تتمّة كلام الصادق عليهالسلام ـ كما يظهر من الشهيد رحمهالله في مسكّن الفؤاد ـ لا لمن كان يملي عليه فيجمعه ، ويردفه
بها ، أنّ تمام ما فيه من حكاية أقوالهم ، والاستشهاد بكلامهم ، لا يزيد على ستّة
عشر موضعا ، خمسة منها عن الربيع بن خثيم ، وحكايتان عن أويس القرني
، وهرم بن حيّان ، وهؤلاء الثلاثة من الزهّاد الثمانية الذين كانوا مع أمير
المؤمنين عليهالسلام.
روى الكشيّ ، عن
عليّ بن محمد بن قتيبة ، قال : سئل أبو محمد الفضل ابن شاذان عن الزهّاد الثمانية
، فقال : الربيع بن خثيم ، وهرم بن حيّان ، وأويس القرني ، وعامر بن عبد قيس ،
وكانوا مع عليّ عليهالسلام ومن أصحابه ، وكانوا زهّادا أتقياء ـ إلى أن قال ـ وأويس
القرني مفضّل عليهم كلهم .
وثلاثة عن أبي ذر رضياللهعنه ، وحكاية عن عبد الله بن مسعود ، واخرى عن أبيّ بن كعب ، وحالهم غير خفيّ ،
وحكاية عن وهب بن منبه ، واخرى عن زيد ابن ثابت ، واخرى عن سفيان بن عيينة في ذمّ
القرّاء ، والفتيا لمن ليس من أهلها.
فإن كان المراد من
قول المجلسي رحمهالله أنّه اشتمل على الرواية من مشايخهم ، ومن يعتمدون عليه في
رواياتهم ، ما حكاه عن زيد بن ثابت ، وسفيان في المقامين.
فلعمري إنّه طعن
في غير محلّ ، فإنّ الاستشهاد بكلامهما في المقامين ، كالاستشهاد بمدائح الأعداء
في إثبات فضائل الخلفاء عليهمالسلام ، فإنّهما من رؤساء القرّاء ، وأرباب الفتيا.
__________________
وأمّا الذين سبق
ذكرهم غير وهب ، فقد سبقت لهم من الله ، ورسوله ، ووصيّه صلوات الله عليهما وآلهما
الحسنى ، وإن كان في ضعف معرفة الربيع كلام ، لا يضرّ في المقام ، وفي غير واحد من
أخبارهم عليهمالسلام الاستشهاد بكلمات سلمان وحكمه ونصائح أبي ذرّ وموعظته ،
فلاحظ.
وأمّا
ثالثا : فما في الرياض
من أنّه قد اشتمل على الرواية عن جماعة هم متأخّرون عن هشام ، قد ظهر بما
ذكرنا ضعفه وبطلانه ، فإنّ الذين عددناهم غير سفيان متقدّمون على هشام بطبقات ،
وأمّا هو ففي طبقته ، وهذا منه رحمهالله مع طول باعه عجيب.
وأمّا
رابعا : فما في الهداية
من أنّ سنده لم يثبت ، ففيه إنّ المراد من السند إن كان هو المعنى المصطلح ،
والمراد من الثبوت هو أحد الأقسام الثلاثة منه ، من الصحيح أو الحسن أو الموثّق ،
ففيه مع أنّه غير معترف به ، وخارج من طريقته إنّه لم يدعه أحد ، ولا حاجة إليه
خصوصا على مسلكه.
وإن كان المراد
مطلق الاطمئنان بثبوته ، والوثوق بصدوره ففيه إنّه يكفي شهادة هؤلاء المشايخ
العظام ، الذين أشرنا إليهم في الوثوق به ، وقد اكتفى هو بأقلّ من ذلك في إثبات
اعتبار تمام ما اعتمد عليه من الكتب ، ونقل عنه.
هذا كتاب تحف
العقول ، للحسن بن عليّ بن شعبة ، قد اكتفى بمدحه ومدح الكتاب ، ونسبته إليه في
الأمل بما في مجالس المؤمنين ، وليس له ولا لكتابة ذكر في مؤلّفات أصحابنا قبله ، إلاّ
ما نقلناه عن الشيخ إبراهيم القطيفي في رسالته ، في الفرقة الناجية ، وقد أكثر من
النقل عن التحف في الوسائل.
ومثله في عدم
الذكر والجهالة الحسن بن أبي الحسن الديلمي وكتبه ، سيّما
__________________
إرشاد القلوب ،
الذي قد أكثر من النقل عنه ، وعدّه من الكتب المعتمدة ، التي نقل منها ، وشهد
بصحّتها مؤلّفوها ، وليس له أيضا ذكر فيما وصل إليه وإلينا من مؤلّفات أصحابنا ،
سوى ما نقله عنه الشيخ ابن فهد في عدّة الداعي ، في بعض المواضع ، بعنوان الحسن بن
أبي الحسن الديلمي ، فمن أين عرفه ، وعرف وثاقته ، وعرف نسبة الكتاب إليه
وشهادته بصحّته؟ فهل هذا إلاّ تهافت في المذاق ، وتناقض في المسلك! وإن كانت
المسامحة فيهما لعدم اشتمالهما على فروع الأحكام ، واقتصارهما غالبا على ما يتعلّق
بالأخلاق والفضائل والمواعظ ، فهلاّ كانت شهادة هؤلاء الأجلّة على صحّة المصباح ،
كافية في عدّه ثالثا لهما! فإنّه أيضا مثلهما. وكذا الكلام في صحّة نسبة كتاب
الاختصاص الى المفيد رحمهالله ، وقد تسامح فيه بما لا يخفى على الناقد البصير.
وأمّا
خامسا : فما في الهداية
أيضا ، إنّ فيه أشياء منكرة ، مخالفة للمتواترات قلت : ليته رحمهالله أشار الى بعضها ، فإنّا لم نجد فيه ما يخالف المشهور ، فضلا عن المتواتر ،
نعم فيه باب في معرفة الصحابة ، وذكر فيه ما
__________________
يوهم أنّ الأصل
فيهم الحسن ، والفضل ، والعدالة ، على طريقة أهل السنّة.
فأوّل ما يقال :
إنّ هذا الباب من دسيس بعضهم في هذا الكتاب ، ويشهد له أنّه بني على مائة باب على
ما يظهر من النسخ ، وما لها من الفهرست ، والباب السبعون الذي يوجد فيها أنّه في
معرفة الصحابة ، هو في الفهرست في حرمة المؤمنين ، وعليه يتم الأبواب ، وليس في
الفهرست عنوان لمعرفة الصحابة ، وفي النسخة جعل الباب السبعين في معرفة الصحابة ،
والحادي بعده في حرمة المؤمنين ، والثاني والسبعين في برّ الوالدين ، ثمّ كرّر
وقال : الباب الثاني والسبعون في الموعظة ، فإن جعلناه من غلط النسّاخ يزيد باب
على المائة ، وهو خلاف ما في الفهرست والنسخ ، وإلاّ فهو أيضا من تدليس المدسّس
ويكشف عن أنّ الباب المذكور خارج عن الأصل ، لاحق به ، فلاحظ.
ولو سلّمنا كونه
من أبوابه ، فمن المحتمل أنّه عليهالسلام لمّا كان في مقام تهذيب الأخلاق ، ونشر الآداب والسنن ،
وشرح حقيقتها وحكمتها ، وقد شاع في عصره عليهالسلام من صوفيّتهم ، الذين أضلّوا الناس بمموهات كلماتهم ، ألحقه
في هذا المقام ، وإن أرادوا بها جلب العوام ، وكانوا يفتخرون بهم ، ويعجبون من
كلماتهم ، وينقلونها في محافلهم وناديهم ، ويذكرونها في زبرهم ومؤلّفاتهم ، بل كان
خلفاء عصرهم يشيّدون أركانهم إطفاء لهذا النور ، الذي كان من الله جلّ جلاله في
أهل بيت نبيّهم ، وصرف القلوب التي كانت تهوى وتحنّ إليهم ، بما شاهدوا من
المقامات العالية من صفات قلوبهم عنهم عليهمالسلام ، أراد صلوات الله عليه أن يريهم أنّهم حيث ما كانوا ،
وأينما بلغوا بفهمهم القاصر ، وفكرهم الفاتر ، فهم دون رتبته ومقامه ، ومحتاجون
الى
التوسّل بكلامه ،
والتمسّك بمرامه ، فذكر في مقام حال الصحابة ما يصير سببا لاستئناسهم وألفتهم ،
ورغبتهم في النظر إليه والتدبّر فيه ، الموجب لولوج علوّ شأنه عليهالسلام وعظم مقامه في صدورهم وقلوبهم ، ويهوّن عليهم مقام البصري ، واليماني ، ويصغر
في أعينهم البلخي ، والبناني.
ثمّ نقول بعد ذلك
: إنّ ما فيه في مدح الصحابة دون ما في الصحيفة الكاملة ، من الصلاة على أتباع
الرسل ، قال عليهالسلام : « اللهم وأصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، خاصّة الذين أحسنوا الصحابة ، والذين أبلوا البلاء الحسن
في نصرة ، وكانفوه ، وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا الى دعوته ، واستجابوا له
حيث أسمعهم حجّة رسالاته ، وفارقوا ( الأزواج والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا )
الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته ، وانتصروا به ، ومن كانوا منطوين على
محبّته ، يرجون تجارة لن تبور في مودّته ، والذين هجرتهم العشائر وتعلّقوا بعروته
، وانتفت منهم القرابات ، إذ سكنوا في ظلّ قرابته ، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك
وفيك ، وأرضهم من رضوانك ، وبما حاشوا الخلق عليك ، وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك ، واشكرهم على
هجرهم فيك ديار قومهم ، وخروجهم من سعة المعاش الى ضيقه ، ومن كثّرت في إعزاز دينك
من مظلومهم .
بل مدحهم أمير
المؤمنين عليهالسلام بما فوق ذلك ، ففي حديث أبي أراكة ، الذي رواه جماعة من
المشايخ بطرق متعدّدة ، ومتون مختلفة ، بالزيادة والنقيصة ، وهو على لفظ السيّد في
النهج : « لقد رأيت أصحاب محمد صلّى الله
__________________
عليه وآله ، فما
أرى أحدا يشبههم ، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا ، قد باتوا سجّدا وقياما ، يراوحون
بين جباههم وخدودهم ، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم ، كأنّ بين أعينهم ركب
المعزى من طول سجودهم ، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتّى تبلّ جيوبهم ، مادوا كما
تميد الشجر يوم الريح العاصف ، خوفا من العقاب ، ورجاء للثواب » .
والتحقيق : أن يقال في أمثال هذه الأخبار : إنّ أصحابه صلّى الله
عليه وكانوا على هذه الصفات ، فمن كان ممّن لقيه صلىاللهعليهوآلهوسلم حاويا لها كان من أصحابه ، ومن فقدها كان في زمرة
المنافقين ، خارجا عن اسم الصحابة ، كما يشهد لذلك قوله تعالى : (
وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) الآية ، على ما
حقّق في محلّه.
وما في المصباح
أيضا إيماء إلى ذلك حيث قال : واعلم أنّ الله تعالى اختار لنبيّه من أصحابه طائفة
أكرمهم بأجلّ الكرامة ، إلى آخر ما ذكره ، فلاحظ .
أو يقال : إنّ هذه
المدائح للذين كانوا في عصره ، لا لمن بقي بعده وأحدث ، ولعلّ الأصل فيهم الصحّة
والسلامة ، إلاّ من عرف بالنفاق والخيانة.
ففي الخصال :
بالسند الصحيح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « كان أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم اثنا عشر ألف رجل ، ثمانية آلاف رجل من المدينة ، وألفان
من مكة ، وألفان من الطلقاء لم ير فيهم قدري ، ولا مرجئ ، ولا حروري ، ولا معتزلي
، ولا صاحب رأي ، كانوا يبكون اللّيل والنهار ، ويقولون : اقبض أرواحنا قبل أن
نأكل خبز الخمير . ولعلّ فيه
__________________
إشارة ، أو دلالة
على الاحتمال الأوّل.
وفي دعائم الإسلام
: عن عليّ بن الحسين ، ومحمد بن عليّ عليهمالسلام أنّهما ذكرا وصيّة عليّ عليهالسلام عند وفاته وفيها : « وأوصيكم بأصحاب محمد الذين لم يحدثوا
حدثا ، ولم يؤوا محدثا ، ولم يمنعوا حقّا ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أوصانا بهم ، ولعن المحدث منهم ، ومن غيرهم » .
هذا وفي رجال
النجاشي : محمد بن ميمون ، أبو نصر الزعفراني ، عاميّ ، غير أنّه روى عن أبي عبد
الله عليهالسلام نسخة ، روى ذلك عبد الله بن أحمد ابن يعقوب بن البواب
المقرئ ، قال : حدّثنا محمد بن الحسين بن الحفص الخثعمي ، قال : حدّثنا محمد بن
عبيد المحاربي ، قال : حدّثنا محمد بن ميمون ، عن جعفر بن محمد عليهماالسلام .
وفيه : الفضيل بن
عياض ، بصري ، ثقة ، عاميّ ، روى عن أبي عبد الله عليهالسلام نسخة ، أخبرنا علي بن أحمد ، عن محمد بن الحسين ، عن سعد ،
عن القاسم بن محمد الأصبهاني ، قال : حدّثنا سليمان بن داود ، عن فضيل ، بكتابه .
وفيه : عبد الله
بن أبي أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ، حليف بني تيم بن مرّة ، أبو أويس له
نسخة عن جعفر بن محمد عليهماالسلام ، أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان ، قال : حدّثنا
جعفر بن محمد بن عبيد الله ، قال : حدّثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الكسائي
الرازي ، قال : حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس ، قال : حدّثني أبي أبو أويس ، عن جعفر
بن محمد عليهماالسلام ، بكتابه .
__________________
وفيه : سفيان بن
عيينة بن أبي عمران الهلالي ، كان جدّه أبو عمران عاملا من عمّال خالد القسري ، له
نسخة عن جعفر بن محمد عليهماالسلام ، أخبرنا أحمد بن عليّ ، قال : حدّثنا محمد بن الحسن ، قال
: حدّثنا الحميري.
وأخبرنا أحمد بن
عليّ بن العباس ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، قال : حدّثنا الحميري ، قال : حدّثنا
محمد بن أبي عبد الرحمن ، عنه .
وفيه : إبراهيم بن
رجاء الشيباني أبو إسحاق ، المعروف بابن أبي هراسة ـ وهراسة امّه ـ عامّي روى عن
الحسين بن عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، وعبد الله بن محمد بن عمر بن عليّ عليهالسلام ، وجعفر بن محمد عليهماالسلام ، وله عن جعفر عليهالسلام نسخة ، أخبرنا عليّ بن أحمد ، عن محمد ابن الحسن بن الوليد
، عن محمد بن الحسن الصفّار ، عن هارون بن مسلم ، عن إبراهيم .
وفي فهرست الشيخ :
جعفر بن بشير البجلي ثقة جليل القدر ـ إلى أن قال ـ وله كتاب ينسب الى جعفر بن
محمد عليهماالسلام ، رواية عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام .
فهذه ستّة نسخ
منسوبة إلى الصادق عليهالسلام ، غير الرسالة الأهوازيّة ، والرسالة إلى أصحابه ،
المرويّة في أول روضة الكافي ، فمن الجائز أن تكون إحداها المصباح ، خصوصا ما نسب الى
الفضيل بن عيّاض ، وهو من مشاهير الصوفيّة ، وزهّادهم حقيقة ، كما يظهر من توثيق
النجاشي ، ومدحه الشيخ بالزهد .
__________________
وفي أمالي الصدوق قدسسره : بإسناده عن
الفضيل بن عيّاض ، قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن أشياء من المكاسب ، فنهاني عنها ، وقال : « يا فضيل
والله لضرر هؤلاء على هذه الأمّة أشدّ من ضرر الترك والديلم » ، وسألته عن الورع
من الناس ، قال : « الذي يتورّع عن محارم الله ، ويتجنّب هؤلاء ، وإذا لم يتّق
الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه ، وإذا رأى منكرا فلم ينكره وهو يقدر عليه ،
فقد أحبّ أن يعصى الله [ ومن أحب أن يعصى الله ] فقد بارز الله بالعداوة ، ومن أحبّ
بقاء الظالمين فقد أحبّ أن يعصى الله ، إنّ الله تبارك وتعالى حمد نفسه على هلاك
الظالمين ، فقال : ( فَقُطِعَ دابِرُ
الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) » .
وقال الأستاذ
الأكبر في التعليقة : وفي هذه الرواية ربّما يكون إشعار بأنّ فضيلا ليس عاميّا ،
فتأمل. ثم ذكر خبرا من العيون فيه إشعار بعاميّته .
وقد أخرج الكليني قدسسره عنه خبرا ، في
باب الحسد ، وآخر في آخر باب الإيمان والكفر ، وآخر في باب
الكفالة والحوالة .
وبالجملة فلا
أستبعد أن يكون المصباح هو النسخة التي رواها الفضيل ، وهو على مذاقه ومسلكه ،
والذي اعتقده أنّه جمعه من ملتقطات كلماته عليهالسلام ، في مجالس وعظه ونصيحته ، ولو فرض فيه شيء يخالف مضمونه
بعض
__________________
ما في غيره ،
وتعذّر تأويله فهو منه على حسب مذهبه ، لا من فريته وكذبه ، فإنّه ينافي وثاقته.
وقد أطنبنا الكلام
في شرح حال المصباح مع قلّة ما فيه من الأحكام ، حرصا على نشر المآثر الجعفريّة ،
والآداب الصادقيّة ، وحفظا لابن طاوس ، والشهيد ، والكفعمي ـ رحمهمالله تعالى ـ عن نسبة الوهم والاشتباه إليهم ، والله العاصم.
٤١ ـ صحيفة
الرضا عليهالسلام :
ويعبّر عنه أيضا
بمسند الرضا عليهالسلام ، كما في مجمع البيان ، وبالرضويات كما في كشف الغمة ، وهو من الكتب
المعروفة المعتمدة ، الذي لا يدانيه في الاعتبار والاعتماد كتاب صنّف قبله ، أو
بعده ، وهو داخل في فهرست كتاب الوسائل ، إلاّ أنّ له نسخا متعدّدة ، وأسانيد
مختلفة ، ويزيد متن بعضها على بعض ، واقتصر صاحب الوسائل على نسخة الشيخ الطبرسي قدسسره وروايته ، وكأنّه
لم يلتفت إلى اختلافها ، أو لم يعثر على باقيها ، وقد عثرنا على بعضها ، وأخرجنا
منها ما ليس في نسخة الطبرسي ، فرأيت إن أشير إلى الاختلاف ، وأذكر الطرق ، فربما
وقف الناظر على خبر نقلته ، أو نقل منها ، ولا يوجد في النسخة المعروفة ، فلا
يبادر إلى التخطئة.
وقد جمعها الفاضل
الآميرزا عبد الله في رياض العلماء ، ونحن نسوقها بألفاظه قال :
فمن ذلك ما رأيته
في بلدة أردبيل ، في نسخة من هذه الصحيفة ، وكان صدر سندها هكذا :
قال الشيخ الإمام
الأجلّ العالم نور الملّة والدين ، ظهير الإسلام والمسلمين ، أبو أحمد أناليك العادل
المروزي : قرأ علينا الشيخ القاضي الإمام الأجلّ الأعزّ الأمجد الأزهد ، مفتي
الشرق والغرب ، بقيّة السلف ، أستاذ الخلف ، صفيّ الملّة والدين ، ضياء الإسلام
والمسلمين ، وارث الأنبياء والمرسلين أبو بكر محمود بن عليّ بن محمد السرخسي ، في
المسجد الصلاحي بشاذياخ
__________________
نيسابور ـ عمّرها
الله ـ غداة يوم الخميس ، الرابع من ربيع الأوّل من شهور سنة عشر وستمائة ، قال :
أخبرنا الشيخ الإمام الأجلّ السيد الزاهد ، ضياء الدين حجة الله على خلقه ، أبو محمد
الفضل بن محمد بن إبراهيم الحسيني ـ تغمّده الله بغفرانه ، وأسكنه أعلى جنانه ـ في
شهور سنة سبع وأربعين وخمسمائة ، قراءة عليه ، قال : أخبرنا أبو المحاسن أحمد بن
عبد الرحمن اللبيدي ، قال : أخبرنا أبو لبيد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن لبيد ،
قال : حدّثنا الأستاذ الإمام أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب ـ رضياللهعنه ـ سنة خمس وأربعمائة ، بنيسابور في داره ، قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد
الله بن محمد ـ حافد العباس بن حمزة ـ سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة ، قال : حدّثنا
أبو القاسم عبد الله. بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة ، قال : حدّثني أبي في سنة
ستين ومائتين ، قال : حدّثنا عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام ، إمام المتّقين ، وقدوة أسباط سيّد المرسلين ، ممّا أورده
في مؤلّفه المعنون بصحيفة أهل البيت عليهمالسلام ، سنة أربع وتسعين ومائة ، قال : حدّثني أبي موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال. إلى آخره.
وبسند آخر : وبعد
فيقول الفقير إلى الله تعالى الكريم الغنيّ ، طاهر بن محمد الراونبزي ـ غفر له
ولوالديه وأحسن في الدارين إليهما واليه ـ : أخبرني بالصحيفة المباركة الميمونة ،
الموسومة بصحيفة الرضا عليهالسلام ـ إجازة بإجازته العامّة ـ شيخي ومخدومي ، قدوة أرباب
الهدى ، أسوة أصحاب التقى ، بقيّة كرام الأولياء ، قطب دوائر المحقّقين ، الشيخ
سعد الحقّ والملّة والدين ، يوسف بن الشيخ الكبير ، والبدر المنير ، خلف الأقطاب ،
الشيخ فخر الحقّ والملّة والدين ، عبد الواحد الحموي ـ قدسسرهما ، وأكثر برّهما ـ قال : أخبرني إجازة شيخي ومخدومي ، وعمّي وأستاذي ، ومن
عليه في أمور الدنيا اعتمادي ، الشيخ غياث الحقّ والدين ، هبة الله الحموي ـ تغمّده
الله بغفرانه ، بالإجازة العامّة ـ عن سيّده وجدّه ، شيخ الإسلام والمسلمين ،
سلطان المحدّثين ، الشيخ
صدر الحقّ والملّة
والدين ، إبراهيم الحموي ـ قدسسره ـ قال : أخبرني الشيخ السند ، شرف الدين أبو الفضل أحمد بن
هبة الله الدمشقي قراءة بها وأنا أسمع ، يوم الأربعاء ، الحادي عشر من ربيع الأوّل
، سنة خمس وتسعين وستمائة ، بالخانقاه الشّمياطي ، قيل له : أخبرك الشيخ أبو روح
عبد العزيز بن محمد الهروي ، بروايته عن الشيخ أبي القاسم زاهر بن طاهر الشحامي
إجازة ، قال : أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد السكاكي ، قال : أخبرني الإمام أبو
القاسم حبيب ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري الحفيد ،
قال : حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة ، قال : حدّثني
أبي سنة ستين ومائتين ، قال : حدّثني الإمام علي بن موسى عليهماالسلام سنة أربع وتسعين ومائة قال : حدّثني أبي. إلى آخره.
وبسند آخر : حدّث
القاضي مرشد الأزكياء ، أبو منصور عبد الرحيم بن أبي سعيد المظفّر بن عبد الرحيم
الحمدوني ، قال : حدّثني القاضي الإمام فخر الإسلام أبو المحاسن عبد الواحد بن
إسماعيل الروياني قراءة عليه ، قال : أخبرنا الشيخ العالم أبو الفضل محمد بن عبد
الرحمن بن محمد العريضي النيسابوري ـ بالريّ قدم حاجّا ـ قال : أخبرنا الأستاذ
الإمام أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسّر ، قال : أخبرنا
أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد ـ حفدة العباس ابن حمزة ، سنة تسع وثلاثين
وثلاثمائة ـ قال : حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد ابن عامر الطائي بالبصرة ،
قال : حدّثني أبي سنة ستّين ومائتين ، قال : حدّثني علي ابن موسى الرضا عليهماالسلام سنة أربع وتسعين ومائة.
وبسند آخر :
أخبرني الشيخ الفقيه أبو علي الحسن بن علي بن أبي طالب الفزاري ـ المعروف
بخابوسة ، سنة سبع وعشرين وخمسمائة ـ قال : أخبرني
__________________
القاضي الزكيّ
الكبير ، أبو الفضل عبد الجبّار بن الحسين بن محمد الزبربري ، قال : أخبرنا الشيخ
الجليل عليّ بن أحمد بن عليّ بن أميرك الطريقي ، قال : أخبرنا الشريف أبو عليّ
الحسن بن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن عبد الله ابن موسى بن الحسن بن عليّ
بن أبي طالب عليهالسلام ـ نزله في المسجد الحرام ، في قبّة الشراب ، يوم الاثنين
السابع والعشرين من ذي الحجّة ، سنة أربع وتسعين وثلاثمائة ـ قال : أخبرنا أحمد بن
عبد الله بن حمدونة ، أبو نصر البغدادي ـ بمرو الرود ـ قال : أخبرنا أبو القاسم
عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ـ بالبصرة ـ قال : حدّثني أبي ـ سنة ستّين
ومائتين ـ قال : حدّثني أبو الحسن عليّ ابن موسى الرضا عليهماالسلام ، قال : حدّثني أبي. إلى آخره.
وبسند آخر : قال
الشيخ الإمام الأجلّ العالم ، عماد الدين ، جمال الإسلام ، أبو المعالي ، محمد بن
محمد بن الحسين المرزباني القمي ـ مدّ الله في عمره ـ : أخبرني بهذه الصحيفة ـ من
أوّلها إلى آخرها ، وبالزيادة في آخرها ـ الشيخ الإمام نجم الدين ، شيخ الإسلام ،
أبو المعالي ، الحسن بن عبد الله بن أحمد البزّاز ، قال : أخبرني بها الشيخ الإمام
ركن الدين ، علي بن الحسن بن العباس الصندلي ، قال : أخبرني أبو القاسم يعقوب بن
أحمد ، قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد ـ حفدة العباس بن حمزة ـ قال
: حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ـ بالبصرة ـ قال : حدّثني
أبي ـ في سنة ستّين ومائتين ـ قال : حدّثني عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام ـ سنة أربع وتسعين ومائة ـ قال : حدّثني. إلى آخره.
وبسند آخر :
أخبرنا الشيخ الفاضل ، العالم الكامل ، قطب السالكين ، مؤيّد الإسلام والمسلمين ،
عبد العلي بن عبد الحميد بن محمد السبزواري ،
__________________
وهو يرويه عن الشيخ المعظم
، والمفخر المكرّم ، جلال الدّين محمد بن عبد الله القائني ، وهو يروي عن تاج
الدين إبراهيم بن قصاع الطبسي الكيلكي ، وهو يروي عن شيخه الكامل مولانا تاج الدين
علي تركه الكرماني ، وهو عن شيخه غياث الدين هبة الله بن يوسف ، عن جدّه صدر الدين
إبراهيم بن محمد بن مؤيد الحموي ، عن ابن العساكر ، عن أبي الروح الصوفي
الهروي ، عن زاهر بن طاهر ، قال : أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد السكاكي ، قال : أخبرنا
أبو القاسم حبيب ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمّد النيسابوري ، قال :
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ـ بالبصرة ـ قال : حدّثنا أبي
، قال : حدّثني عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام ـ سنة أربع وتسعين ومائة .
قلت : قد عثرنا على هذه النسخة ـ بحمد
الله تعالى ـ وفيها ما ليس في مسند الشيخ الطبرسي قدسسره ، وفي أوّلها : هذا إسنادنا في رواية هذه الصحيفة ،
المنسوبة إلى حضرة الرضا عليهالسلام ، أخبرني الشيخ. إلى آخره.
ويأتي في الفائدة
الثالثة ، في ذكر مشايخ عماد الدين الطبري سند آخر إليها ، ذكره في كتابه بشارة
المصطفى.
__________________
ولنذكر طريق
الطبرسي قدسسره ، فإنّ شيخنا الحرّ أهمل ذكرها ، وكان عليه أن يذكرها ، ففي نسخته : أخبرنا
الشيخ الإمام العالم الراشد ، أمين الدين ، ثقة الإسلام ، أمين الرؤساء ، أبو علي
الفضل بن الحسن الطبرسي ـ أطال الله بقاءه ، في يوم الخميس غرة شهر الله الأصمّ
رجب ، سنة تسع وعشرين وخمسمائة ـ قال : أخبرنا الشيخ الإمام ، السعيد الزاهد ، أبو
الفتح عبد الله بن عبد الكريم بن هوازن القشيري ـ أدام الله عزّه ، قراءة عليه ،
داخل القبّة التي فيها قبر الرضا عليهالسلام ، غرّة شهر الله المبارك ، سنة إحدى وخمسمائة ـ قال :
حدّثني الشيخ الجليل العالم ، أبو الحسن عليّ بن محمد الحاتمي الزوزني ـ قراءة
عليه ، سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة ـ قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن
محمد بن هارون الزوزني ـ بها ـ قال : أخبرني الشيخ أبو بكر محمد بن عبد الله بن
محمد ـ حفدة العباس بن حمزة النيشابوري سنة سبع وفي نسخة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ـ
قال : حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد. إلى آخر ما تقدم.
ولا يخفى أنّ من
راجع كتب الصدوق ، سيّما عيون أخبار الرضا عليهالسلام ، وأمالي المفيد ، وترجمة عبد الله ، وأبيه أحمد الطائي ،
وغيرها ، علم أنّ هذه الصحيفة المباركة من الأصول المشهورة ، المتداولة بين
الأصحاب.
ثم لنذكر ما ذكره
النجاشي تبرّكا ، ففيه الكفاية ، قال : أحمد بن عامر بن سليمان بن صالح بن وهب بن
عامر ـ وهو الذي قتل مع الحسين بن علي عليهماالسلام بكربلاء ـ ابن حسّان بن شريح بن سعد بن حارثة بن لام بن
عمرو ابن طريف بن عمرو بن تمامة بن ذهل بن جذعان بن سعد بن قطرة بن طيّ ، ويكنّى
أحمد بن عامر أبا الجعد. قال عبد الله ابنه ـ فيما أجازنا الحسن بن أحمد ابن
إبراهيم ، حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا عبد الله قال ـ : ولد أبي سنة سبع وخمسين
ومائة ، ولقي الرضا عليهالسلام سنة أربع وسبعين ومائة ، ومات الرضا عليهالسلام بطوس ، سنة اثنتين ومائتين ، يوم الثلاثاء ، لثمان عشر خلون من جمادى
الاولى ، وشاهدت
أبا الحسن ، وأبا محمد عليهماالسلام ، وكان أبي مؤذّنهما ، ومات عليّ بن محمد عليهماالسلام سنة أربع وأربعين ومائتين ، ومات الحسن عليهالسلام سنة ستّين ومائتين ، يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من المحرّم
، وصلّى عليه المعتمد أبو عيسى بن المتوكّل.
دفع إليّ هذه
النسخة ـ نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ـ أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى
الجندي شيخنا رحمهالله ـ قرأتها عليه ـ حدّثكم أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن عامر
، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا الرضا عليّ بن موسى عليهماالسلام ، والنسخة حسنة ، انتهى.
وساق النسب في
ترجمة ابنه عبد الله ، وزاد بعد قوله حسّان : المقتول بصفّين مع أمير المؤمنين عليهالسلام .
__________________
٤٢ ـ الرسالة
الذهبية :
ويعرف بالذهبيّة ،
وكتاب طبّ الرضا عليهالسلام.
قال في البحار :
هو من الكتب المعروفة.
وذكر الشيخ منتجب
الدين في الفهرست : إنّ السيد فضل الله بن عليّ الراوندي كتب عليه شرحا ، سمّاه
ترجمة العلوي للطبّ الرضوي .
وقال ابن شهرآشوب
في المعالم ، في ترجمة محمد بن الحسن بن جمهور العمي : له الملاحم والفتن ،
الواحدة ، الرسالة المذهّبة عن الرضا صلوات الله عليه في الطبّ .
وقال في المجلّد
الرابع عشر من البحار : وجدت بخطّ الشيخ الأجلّ الأفضل ، العلاّمة الكامل في فنون
العلوم والأدب ، مروّج الملّة والمذهب ، نور الدين عليّ بن عبد العالي الكركي ـ جزاه
الله سبحانه عن الإيمان وعن أهله الجزاء السنيّ ـ ما هذا لفظه : الرسالة الذهبيّة
في الطبّ ، التي بعث بها الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام الى المأمون العباسي ، في حفظ صحّة المزاج ، وتدبيره
بالأغذية والأشربة والأدوية ، قال إمام الأنام ، غرّة وجه الإسلام ، مظهر الغموض
بالرؤية اللامعة ، كاشف الرموز بالجفر والجامعة ، أقضى من قضى بعد جدّه المصطفى ،
وأغزا من غزا بعد أبيه عليّ المرتضى ، إمام الجنّ والإنس ، أبو الحسن عليّ بن موسى
الرضا صلوات الله عليه ، وعلى آبائه النجباء النقباء ، الكرام الأتقياء : اعلم يا
أمير المؤمنين. إلى آخره.
ووجدت في تأليف
بعض الأفاضل بهذين السندين : قال موسى بن عليّ ابن جابر السلامي : أخبرني الشيخ
الأجلّ ، العالم الأوحد ، سديد الدين يحيى
__________________
ابن محمد بن عليان
الخازن ـ أدام الله توفيقه ـ قال : أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد بن جمهور.
وقال هارون بن
موسى التلعكبري ـ رضياللهعنه ـ : حدّثنا محمد بن هشام بن سهل ـ رحمهالله ـ قال : حدّثنا الحسن بن محمد بن جمهور ، قال : حدّثني أبي ـ وكان عالما بأبي
الحسن علي بن موسى الرضا عليهماالسلام خاصّة به ، ملازما لخدمته ، وكان معه حين حمل من المدينة ،
إلى أن سار إلى خراسان ، واستشهد عليهالسلام بطوس ، وهو ابن تسع وأربعين سنة ـ قال : وكان المأمون في
نيشابور ، وفي مجلسه سيّدي أبو الحسن الرضا عليهالسلام ، وجماعة من المتطبّبين والفلاسفة ، مثل يوحنّا بن ماسويه
، وجبرئيل بن بختيشوع ، وصالح ابن سلهمة الهندي ، وغيرهم من منتحلي العلوم ، وذوي البحث والنظر.
فجرى ذكر الطبّ
وما فيه صلاح الأجسام وقوامها ، فأغرق المأمون ومن بحضرته في الكلام ، وتغلغلوا في
علم ذلك ، وكيف ركّب الله تعالى هذا الجسد ، وجميع ما فيه من هذه الأشياء
المتضادّة من الطبائع الأربع ، ومضارّ الأغذية ومنافعها ، وما يلحق الأجسام من
مضارّها من العلل.
قال : وأبو الحسن عليهالسلام ساكت لا يتكلّم في شيء من ذلك ، فقال له المأمون : ما تقول يا أبا الحسن في
هذا الأمر الذي نحن فيه هذا اليوم ، والذي لا بدّ منه من معرفة هذه الأشياء ،
والأغذية النافع منها والضارّ ، وتدبير الجسد؟.
فقال أبو الحسن عليهالسلام : « عندي من ذلك ما جرّبته ، وعرفت صحّته بالاختبار ومرور الأيّام ، مع ما
وقفني عليه من مضى من السلف ، ممّا لا يسع الإنسان جهله ، ولا يعذر في تركه ، فأنا
أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج
__________________
الى معرفته ».
قال : وعاجل
المأمون الخروج إلى بلخ ، وتخلّف عنه أبو الحسن عليهالسلام ، وكتب ـ اليه عليهالسلام ـ المأمون كتابا يتنجزّه ما كان ذكره ، مما يحتاج الى
معرفته من جهته ، على ما سمعه منه ، وجرّبه من الأطعمة والأشربة ، وأخذ الأدوية ،
والفصد والحجامة ، والسواك ، والحمّام ، والنورة ، والتدبير في ذلك ، فكتب اليه
الرضا عليهالسلام كتابا ، نسخته :
« بسم الله الرحمن
الرحيم ، اعتصمت بالله ، أمّا بعد فإنّه وصل إليّ كتاب أمير المؤمنين ، فيما أمرني
من توقيفه على ما يحتاج إليه ، ممّا جرّبته وسمعته ، في الأطعمة والأشربة ، وأخذ
الأدوية ، والفصد ، والحجامة ، والحمّام ، والنورة ، والباه ، وغير ذلك ممّا يدبّر
استقامة أمر الجسد ، وقد فسّرت له ما يحتاج إليه ، وشرحت له ما يعمل عليه ، من
تدبير مطعمه ومشربه ، وأخذه الدواء ، وفصده ، وحجامته ، وباهه ، وغير ذلك ، ممّا
يحتاج إليه من سياسة جسمه ، وبالله التوفيق. اعلم أنّ الله عزّ وجلّ لم يبتل الجسد
بداء حتى جعل له دواء. إلى آخره ».
أقول : وذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي ـ قدّس الله روحه القدسي ـ في
الفهرست ، في ترجمة محمد بن الحسن بن جمهور العمي البصري ، له كتب منها كتاب
الملاحم ، وكتاب الواحدة ، وكتاب صاحب الزمان عليهالسلام ، وله الرسالة المذهبّة عن الرضا عليهالسلام ، أخبرنا برواياته كلّها ـ إلاّ ما كان فيها من غلوّ أو تخليط ـ جماعة ، عن
محمد بن عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن سعد ابن عبد الله عن أحمد بن الحسين بن
سعيد ، عن محمد بن جمهور.
ورواها محمد بن
عليّ بن الحسين ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن الحسن بن متيل ، عن محمد بن
أحمد العلوي ، عن العمركي بن عليّ ، عن محمد بن جمهور .
__________________
وذكر النجاشي أيضا
طريقه إليه هكذا : أخبرنا محمد بن عليّ الكاتب ، عن محمد بن عبد الله ، عن عليّ بن
الحسين الهذلي ، قال : لقيت الحسن بن محمد بن جمهور ، فقال لي : حدّثني أبي محمد
بن جمهور وهو ابن مائة وعشر سنين.
وأخبرنا ابن شاذان
، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن سعد ، عن أحمد ابن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن
جمهور ، بجميع كتبه .
ثمّ نقل ما تقدّم
عن المعالم ، وفهرست ابن بابويه ، وقال : فظهر أنّ هذه الرسالة كانت من المشهورات
بين علمائنا ، ولهم إليها طرق وأسانيد ، انتهى ما في البحار .
قلت : الرسالة كما ذكره من المشهورات ، وكفى في ذلك شرح السيّد
الراوندي عليها ، وتصريح المحقّق الثاني بأنّها منه عليهالسلام. وأمّا تضعيف النجاشي ، وابن الغضائري ، والعلاّمة ، وابن
طاوس ، تبعا لهما لمحمد بن جمهور ، فيمكن تضعيفه ولو بوجه لا يضرّ باعتبارها ،
وذلك من وجوه :
الأوّل : ما ذكره النجاشي في ترجمة ابنه ، قال : الحسن بن محمد بن
جمهور العمي ، أبو محمد ، بصريّ ثقة في نفسه ، ينسب إلى بني العم من تميم ، يروي
عن الضعفاء ، ويعتمد على المراسيل ، ذكر أصحابنا ذلك وقالوا : كان أوثق من أبيه
وأصلح .
الثاني : إنّه يروي عن جعفر بن بشير ، كما في الفهرست في ترجمة
أبان بن عثمان ، وقد قال النجاشي في حقّه : وكان يعرف بقفّة العلم ، لأنّه
كان
__________________
كثير العلم ، ثقة
روى عن الثقات ، ورووا عنه .
الثالث : رواية الأجلاّء عنه ، منهم الثقة الجليل شيخ أصحابنا
العمركي ابن عليّ كما تقدّم ، والثقة الصدوق يعقوب بن يزيد كما في الكافي ، في باب
فضل الخبز من كتاب الأطعمة ، وابنه الصالح الثقة الحسن ، وشيخ الكليني
عليّ ابن محمد ، في مواضع عديدة.
الرابع : إكثار الكليني قدسسره في الرواية عنه ، في كتابه الذي عهد فيه ما عهد.
الخامس : اعتماد الصدوق عليه ، في طريقه الى ميمون بن مهران ، كما
يظهر من مشيخة الفقيه .
السادس : إنّ له كتاب صاحب الزمان عليهالسلام ، وكتاب خروج القائم عليهالسلام ، قال في التعليقة : فما ندري ما معنى الغلوّ الذي يرمونه
به وهو في محلّه ، فإنّ الغالي ـ الذي مرق عن الدين ، ويكفّر صاحبه ـ لا يعتقد له عليهالسلام الإمامة ، والبقاء ، والخروج .
السابع : ما يظهر من الشيخ من الاعتماد على رواياته ، الخالية عن
الغلوّ والتخليط ، وهذه الرسالة منها ، مضافا إلى اعتماد السيّد الراوندي مع قرب
عهده عليها ، إذ لولاه لما تصدّى لشرحها ، ولعلّه وقف على طرق اخرى لم نعثر عليها.
ومن الغريب بعد ذلك
، ما ذكره شيخنا الحرّ رحمهالله في آخر الأمل ،
__________________
قال : وعندنا أيضا
كتب لا نعرف صاحبها.
كتاب إلزام
النواصب بإمامة عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
الفقه الرضوي لا
يعرف جامعه وروايته.
الطبّ الرضوي كذلك
.
وقال في كتاب
الهداية : الثاني ، ما لم يثبت عندنا كونه معتمدا ، فلذلك لم ننقل عنه ، فمن ذلك
كتاب الفقه الرضوي ، كتاب طبّ الرضا عليهالسلام ، انتهى.
وقد عرفت أنّ
الشيخ صرّح في الفهرست بأنّه لمحمد بن جمهور .
وذكر هو في ترجمة
السيد فضل الله أنّ له شرحا عليه. فعدم نقله عنه ، إن كان للجهالة كما يظهر من
الأمل ، فرافعها ما في الفهرست ، ومعالم العلماء ، وإن كان لضعف الراوي ، فهو مع
بعده عن مذاقه ، ومخالفته لطريقته ، لا يجتمع مع تصريحه في الهداية قبيل هذا ،
بأنّ توحيد المفضّل من الكتب المعتمدة ، وكذا الرسالة الإهليلجيّة فلاحظ ، فإنّهما
أسوأ حالا في هذا المقام منه ، فما دعاه إلى التفريق ، ثمّ التقديم هذا. ورأيت
للسيّد الجليل ، والعالم النبيل السيّد عبد الله الشبّر شرحا على هذه الرسالة
الشريفة .
__________________
٤٣ ـ فقه
الرضا عليهالسلام :
وقف عليه الأصحاب
في عصر المجلسيّين ، واختلفوا في صحّته ، واعتباره ، وحجّيته غاية الاختلاف ، وصار
معركة لآراء الناظرين ، وإنكار المتبحّرين النقّادين : فبين من صحّحه وجعله حجّة ،
ومن عدّه من الضعاف المفتقرة إلى جابر ذي قوة ، وثالث أخرجه من صنوف الأخبار ،
وأدرجه في مؤلّفات أصحابنا الأخيار.
ولهم في تحقيق
الحقّ كلمات في رسائل منفردة ، وغير منفردة ، ونحن نلخّص ما ذكروه ، ونذكر ما
عندنا ممّا يؤيّده أو يشينه ، فنقول للأصحاب : فيه أقوال :
الأوّل : القول بالحجيّة والاعتماد.
ذهب إليه العلامة
المجلسي ، ووالده المعظم قدسسرهما.
قال الأوّل في
البحار : كتاب فقه الرضا عليهالسلام ، أخبرني به السيد الفاضل ، المحدّث القاضي ، أمير حسين ـ طاب
ثراه ـ بعد ما ورد أصفهان ، قال : قد اتّفق في بعض سني مجاورة بيت الله الحرام ،
أن أتاني جماعة من أهل قم حاجّين ، وكان معهم كتاب قديم يوافق تأريخ عصر الرضا عليهالسلام ، وسمعت الوالد رحمهالله أنّه قال : سمعت السيّد يقول : كان عليه خطّه صلوات الله
عليه ، وكان عليه إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء ، وقال السيّد : حصل لي العلم
بتلك القرائن أنّه تأليف الإمام عليهالسلام ، فأخذت الكتاب ، وكتبته وصحّحته ، فأخذ والدي ـ قدّس الله
روحه ـ هذا الكتاب من السيّد ، واستنسخه وصحّحه ، وأكثر عباراته موافق لما يذكره
الصدوق أبو جعفر محمد بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه من غير مستند ، وما
يذكره والده في رسالته إليه ، وكثير من الأحكام التي ذكرها أصحابنا ولا يعلم
مستندها
مذكورة فيه ، كما
ستعرف في أبواب العبادات ، انتهى .
وقال الثاني ـ كما
في فوائد العلاّمة الطباطبائي ، ومفاتيح الأصول ـ : من فضل الله علينا أنّه كان
السيّد الفاضل ، الثقة المحدّث ، القاضي أمير حسين ـ رحمهالله ـ مجاورا عند بيت الله الحرام سنين كثيرة ، وبعد ذلك جاء
الى هذا البلد ـ يعني أصفهان ـ ولمّا تشرّفت بخدمته وزيارته ، قال : إنّي جئتكم
بهدية نفيسة ، وهي الفقه الرضوي ، قال : لمّا كنت في مكّة المعظّمة ، جاءني جماعة
من أهل قم مع كتاب قديم ، كتب في زمان أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام ، وكان في مواضع منه بخطّه صلوات الله وسلامه عليه ، وكان على ذلك إجازات
جماعة كثيرة من الفضلاء ، بحيث حصل لي العلم العادي بأنّه تأليفه عليهالسلام ، فاستنسخت منه وقابلته مع النسخة.
ثم أعطاني الكتاب
، واستنسخت منه نسخة أخذها بعض الفضلاء ليكتب عليها ، ونسيت الآخذ ، ثمّ جاءني [
بها ] بعد إتمام الشرح العربي على الفقيه ، المسمّى بروضة المتّقين ، وقليل من
الشرح الفارسي.
ثمّ لما تفكّرت
فيه ظهر لي أنّ هذا الكتاب كان عند الصدوق وأبيه ، وكلّ ما ذكره عليّ بن بابويه ،
في رسالته إلى ابنه ، فهو عبارته إلا نادرا ، وكلّ ما ذكره الصدوق في هذا الكتاب
بدون السند ، فهو أيضا عبارته ، فرأيت أن أذكر في مواضعه أنّه منه ، لتندفع
اعتراضات الأصحاب وشبهاتهم ، والظاهر أنّ هذا الكتاب كان موجودا عند المفيد أيضا ،
وكان معلوما عندهم أنّه من تأليفه عليهالسلام ولذا قال الصدوق : ما افتي به ، وأحكم بصحّته. والحمد لله
ربّ العالمين ، والصلاة على محمد وآله الأقدمين ، انتهى .
وقال في شرحه
الفارسي على الفقيه ، في مسألة الحدث الأصغر في أثناء
__________________
غسل الجنابة ، بعد
ذكر ما نقل الصدوق من رسالة أبيه إليه ، فيها ما ترجمته : الظاهر أنّ عليّ بن
بابويه أخذ هذه العبارات ، وسائر عباراته في رسالته إلى ولده من كتاب الفقه الرضوي
، بل أكثر عبارات الصدوق التي يفتي بمضمونها ، ولم يسندها إلى الرواية كأنها من
هذا الكتاب ، وهذا الكتاب ظهر في قم ، وهو عندنا.
والثقة العدل
القاضي أمير حسين ـ طاب ثراه ـ استنسخ هذا الكتاب قبل هذا بنحو من عشر سنين ، وكان
في عدّة مواضع منه خطّ الإمام الرضا عليهالسلام ، وإنّي أشرت إليه ، ورسمت صورة خطه عليهالسلام على ما رسمه القاضي.
ومن موافقة الكتاب
لكتاب الفقيه ، يحصل الظنّ القويّ بأنّ عليّ بن بابويه ، ومحمد بن عليّ كانا
عالمين بأنّ هذا الكتاب تصنيف الامام عليهالسلام ، وقد جعله الصدوق حجّة بينه وبين ربّه.
ولمّا وقع لي
السهو عنه ، لم يتّفق لي من ملاحظته الى هذا الموضع ، وسأنقل منه من هنا إلى آخر
الكتاب.
وقال أيضا في كتاب
الحجّ ، من الشرح المذكور ، في شرح رواية إسحاق ابن عمّار ، فيمن ذكر في أثناء
السعي أنّه ترك بعض الطواف : إنّ المشهور بين الأصحاب صحّة الطواف والسعي ، إذا
كان المنسيّ من الطواف أقلّ من النّصف ، وهو موافق لما في الفقه الرضوي ، والمظنون
أنّ الصدوق كان على يقين من كونه من تأليف الإمام أبي الحسن الرضا عليهالسلام ، وإنّه كان يعمل به ، وإنّ القدماء منهم كان عندهم ذلك ، ومنهم من كان يعتمد
على فتاوى الصدوق المأخوذة منه ، لجلالة قدره عندهم.
ثمّ حكى عن شيخين
فاضلين ، صالحين ثقتين ، أنّهما قالا : إنّ هذه النسخة قد اتي بها من قم إلى مكّة
المشرّفة ، وعليها خطوط العلماء ، وإجازاتهم ،
وخطّ الإمام عليهالسلام في عدّة مواضع ، قال : والقاضي أمير حسين قد أخذ من تلك النسخة ، وأتى بها
إلى بلدنا ، وإنّي استنسخت. نسخته من كتابه.
والعمدة في
الاعتماد على هذا الكتاب : مطابقة فتاوى عليّ بن بابويه في رسالته ، وفتاوى ولده
الصدوق لما فيه من دون تغيير ، أو تغيير يسير في بعض المواضع ، ومن هذا الكتاب
تبيّن عذر قدماء الأصحاب فيما أفتوا به.
والسيد الأجلّ بحر
العلوم والنهي العلاّمة الطباطبائي عقد لتحقيق حاله ، وقرائن اعتباره فائدة في آخر
فوائده .
والعالم الفقيه
النبيه ، محمد بن الحسن المعروف بالفاضل الهندي ـ جعله بحر العلوم ، ثالث
المجلسيّين في الاعتماد عليه ـ قال : فقد سلكه في كتابه كشف اللّثام في شرح قواعد
الأحكام في جملة الاخبار ، وعدّه رواية عن الرضا عليهالسلام ، وعلى ذلك جرى جماعة من مشايخنا الأعلام ـ عطّر الله
مراقدهم انتهى .
وكذا نسبه إليه
المولى النراقي في العوائد .
ولكنّ بعض السادة
من العلماء المعاصرين ـ أيّده الله ـ جعله من المتوقّفين ، قال : وثالثها :
التوقّف في أمره ، كما يستفاد من الشيخ الفقيه الأوحد ، بهاء الدين محمد الأصفهاني
ـ الشهير بالفاضل الهندي ـ حيث يعبّر عن رواياته بقوله : وروي عن الرضا عليهالسلام ، أو في رواية عن الرضا عليهالسلام ، من غير ان يعتمد عليها ، أو يركن إليها ، وظاهره في المناهج
السويّة أيضا ذلك .
وفيه ما لا يخفى.
والشيخ المحدّث
المحقّق البحراني : قال المولى الجليل النراقي في
__________________
العوائد ، في مقام
ذكر من عدّه حجّة بنفسه : ومنهم شيخنا يوسف البحراني صاحب الحدائق الناضرة ، وهو
من المصرّين على ذلك ، ويجعله حجّة بنفسه.
ومنهم شيخنا
الفاضل السيّد علي الطباطبائي ، صاحب رياض المسائل شرح المختصر النافع.
ومنهم الوالد
الماجد المحقّق ، صاحب اللوامع بردّ الله مضاجعهم الشريفة.
وبعض من تقدّم
عليهم ، كالفاضل الكاشاني شارح المفاتيح قد سلكوه في مسلك الأخبار ، وأدرجوه في
كتب أحاديث الأئمّة الأطهار ، ونقلوه في مؤلّفاتهم بطريق الروايات .
والأستاذ الأكبر
البهبهاني ـ طاب ثراه ـ ، قال السيّد الأجلّ السيّد حسين القزويني ، في مقدّمات
شرحه على الشرائع ، في كلام له في فقه الرضا عليهالسلام ما لفظه : واحتمل المولى الجليل الماهر الألمعي ، مولانا
محمد باقر البهبهاني ـ دام ظلّه العالي ـ أن يكون تأليفه صادرا من بعض أولاد
الأئمّة عليهمالسلام بأمر الرضا عليهالسلام ، واعتنى به ، واعتمده غاية الاعتماد ، وكذا شيخنا الجليل
الشيخ يوسف البحراني ، انتهى.
هذا ، وقال الفقيه
النبيل الشيخ موسى النجفي ، في شرح الرسالة في أحكام السجود : سادس عشرها استقبال
القبلة بالأصابع حال السجود ، على ما ذكره كثير من الأصحاب. ولعلّ مستنده ما في
الفقه الرضوي ، من الأمر بوضعها مستقبل القبلة ، وعموم التشبيه في خبر سماعة ، في
قوله : فإنّهما يسجدان كما يسجد الوجه.
الثاني : عدم الاعتبار ، لعدم كونه منه عليهالسلام ، وجهالة مؤلّفه.
__________________
ذهب إليه صاحب
الوسائل ، وتقدم أنّه عدّه من الكتب المجهولة ، وجماعة من الفقهاء ، كالسيّد السند
الجليل صاحب تحفة الأبرار.
والمحقّق صاحب
الفصول ، قال في آخر كلامه فيه : فالتحقيق أنّه لا تعويل على الفتاوى المذكورة فيه
، نعم ما فيه من الروايات فهي من الروايات المرسلة ، لا يجوز التعويل على شيء ممّا
اشتمل عليه ، إلاّ بعد الانجبار بما يصلح جابرا لها . إلى آخره.
وبعض السادة
الأجلاّء من العلماء المعاصرين ـ دام علاه ـ وقد كتب في عدم حجّيته ما هو كرسالة
مستقلّة .
الثالث : انّه مندرج تحت الأخبار القويّة ، التي يحتاج التمسّك
بها الى عدم وجود معارض أقوى منها ، أو انجبارها بالشهرة ونحوها ، حسب اختلاف
الأنظار في مراتب القوّة الحاصلة له بملاحظة القرائن التي ذكروها ، من الشدّة الى
ما يقرّب الاطمئنان بصدوره ، والضعف الى حدّ يدخله في سلك الضعفاء.
قال السيّد السند
في المفاتيح : وفي الاعتماد عليه بمجرّده إشكال ، لعدم ثبوت كونه من مولانا الرضا عليهالسلام بطريق صحيح ، ولكن لا بأس بأن تعدّ رواياته من الروايات القويّة ، التي ينجبر
قصورها بنحو الشهرة ، الى أن شرح أسباب قوّته ، وقال : ولكن في بلوغه درجة الحجّية
إشكال ، ولكن لا أقلّ من عدّه قويّا ، وعليه يمكن جعله مرجّحا لأحد الخبرين
المتعارضين على الآخر .
وفي الفوائد ، بعد
إثبات اندراجه في جملة الأخبار والأحاديث : وأمّا الكلام في حجّيته وعدمها ، فهذا
أمر يختلف باختلاف المذاهب ، والمسالك والآراء ، في الحجّة من الأخبار الآحاد.
__________________
فإنّ منهم من يقول
باختصاص الحجّيّة بالأسانيد من الأخبار الصحاح ، أو مع الحسان والموثّقات ، ولا
شكّ أنّ ذلك ليس منها لعدم ثبوت الكتاب من الإمام ، من جهة العلم واليقين ، ولا
بالنقل المتصل بالثقات المحدّثين.
ومنهم من يقول
باختصاص الحجّيّة بأخبار الكتب الأربعة الدائرة ، وهذا أيضا كسابقه.
ومنهم من يقول
بحجّيّة كل خبر مظنون الصدق أو الصدور ، وبعبارة أخرى كلّ خبر مفيد للظنّ ،
واللازم على ذلك ملاحظة ما نقلنا من الشواهد والأمارات ، فإن حصل له منه الظنّ
فليقل بحجّيّته ، وإلاّ فلا.
ومنهم من يقول
بحجّيّة كلّ خبر غير معلوم الكذب ، أو مظنونه ، ولا شكّ أنّ هذا الكتاب منه ،
فيكون حجّة معمولا به ، انتهى .
وظاهر شيخنا
الأعظم المحقّق الأنصاري ـ قدّس الله روحه ـ في مصنّفاته الشريفة ، وسلوكه مع
الرضوي أنّه يراه من الأخبار القويّة ، ويتمسّك به حيث يتمسّك بها.
الرابع : انّه بعينه رسالة عليّ بن بابويه الى ولده الصدوق ، وهو
المعروف بشرائعه.
قال الآميرزا عبد
الله الأفندي ، في الفصل الخامس من القسم الأوّل ، من رياضة : وأمّا الفقه الرضوي
، فقد مرّ في ترجمة السيّد أمير حسين ، الحقّ انه بعينه كتاب الرسالة المعروفة
لعليّ بن موسى بن بابويه القمي إلى ولده الصدوق محمد بن عليّ ، وانّ الاشتباه قد
نشأ من اشتراك اسم الرضا عليهالسلام معه ، في كونهما أبا الحسن عليّ بن موسى ، فتأمل .
وقال في ترجمة
السيّد ، بعد نقل ما في أوّل البحار : ثمّ إنّه قد يقال : إنّ
__________________
هذا الكتاب بعينه
رسالة عليّ بن بابويه الى ولده الشيخ الصدوق ، وانتسابه الى الرضا عليهالسلام غلط نشأ من اشتراك اسمه واسم والده ، فظنّ أنّه لعليّ ابن موسى الرضا عليهالسلام ، حتى لقّب تلك الرسالة بفقه الرضا عليهالسلام ، وكان الأستاذ العلاّمة ـ قدسسره ـ يميل الى ذلك ، وقد يؤيّد ذلك بعد توافقهما في كثير من
المسائل ، باشتماله على غريب من المسائل ، ومن ذلك توقيت وقت قضاء غسل الجمعة من
الجمعة ( إلى الجمعة ) وهو تمام أيّام الأسبوع الأخرى ، والمرويّ المشهور هو
اختصاصه بيوم السبت ، ونحو ذلك من المطالب ، لكن لو لم يشتبه الحال على هذا السيّد
، لتمّ له الدست ، وثبت ما اختاره الأستاذ الاستناد ـ سلّمه الله تعالى ـ انتهى
.
ومراده بالأستاذ :
العلاّمة العالم المدقّق ، النحرير الخبير ، الآميرزا محمد ابن الحسن الشيرواني
الشهير بملا ميرزا ، وبالأستاذ الاستناد : العلاّمة المجلسي رحمهالله ولا يخفى أنّ هذا الاحتمال بمكان من الضعف ، كما تأتي الإشارة إلى أسبابه ان
شاء الله تعالى.
والظاهر أنّ هذا
منه قبل اطّلاعه على النسخة ، التي كانت عند السيّد علي خان ، شارح الصحيفة ، كما
سنذكره ان شاء الله ، وظاهره هنا ، وما ذكره في ترجمة ناصر خسرو هو الأوّل كما
سيأتي.
وقال السيّد
الجليل ، السيّد حسين القزويني في شرح الشرائع : كان الوالد العلاّمة يرجّح كونه
رسالة والد الصدوق ، محتملا كون عنوان الكتاب أوّلا هكذا : يقول عبد الله عليّ بن
موسى ، وزيد لفظ « الرضا » بعد ذلك من النسّاخ ، لانصراف المطلق الى الفرد الكامل
الشائع المتعارف.
وهذا كلام جيّد ،
لكن يبعّده بعض ما اتّفق في تضاعيف هذا الكتاب ،
__________________
انتهى .
وملخّص هذه
الأقوال : إنّ هذا الكتاب للرضا عليهالسلام تأليفا ، أو إملاء ، أم لا؟ وعلى الثاني هل هو داخل في
جملة الأخبار القويّة أو الضعاف ، أو لا؟ وعلى الثاني هل يعرف مؤلّفه أم لا؟ ذهب
الى كلّ واحد منها ذاهب ، على حسب اختلافهم في الكثرة والقلّة ، والذي أعتقده أنّ
إملاء بعض الكتاب منه عليهالسلام ، والباقي لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ، وهو داخل في
نوادره.
وللسيّد السند
المحقّق ، السيّد محسن الأعرجي الكاظمي كلام فيه يؤيّد ما اعتقدنا ، وإن لم يكن
للوجه الذي دعانا إليه ، قال رحمهالله في شرح مقدّمات الحدائق ، عند تعرّض صاحبه للفقه الرضوي ما
لفظه : وأمّا الكتاب الشريف ، المشرّف بهذه النسبة العليا ، فالذي يقضي به التصفّح
والاستقراء أنّه لبعض أصحابه عليهالسلام ، يحكي في الغالب كلامه عليهالسلام ويجعله هو الأصل ، حتى كأنّه عليهالسلام هو المتكلّم الحاكي ، فيقول : قال أبي ، وربّما حكى عن
غيره من الأصحاب مثل صفوان ، ويونس ، وابن أبي عمير ، وغيرهم ، ويقول بهذا
الاعتبار : قال العالم عليهالسلام ، ويعنيه عليهالسلام.
وأمّا أنّ جمعه له
فبمكان من البعد ، فكيف كان فأقصاه أن يكون وجادة ، وأين هو من الرواية! وكذا
الحال فيما نقله المجلسي في البحار ، من الكتب القديمة التي ظفر بها ، فإنّ أقصاه
الوجادة ، وليس من الرواية في شيء ، وإنّما يصلح مؤيّدا ، انتهى .
وفي بعض ما ذكره
تأمّل يأتي وجهه.
وكيف كان فليس في
المقام إجماع ولا شهرة ، ولو ادّعاها أحد فهي غير نافعة ، فإنّ المستند هي القرائن
التي ذكروها ، وضعّفها المنكرون.
__________________
فالمهمّ في المقام
شرح تلك القرائن ، ثمّ شرح ما يضعّفها ، فنقول ، معتصما بالله تعالى ، ورسوله ،
وخلفائه عليهمالسلام : إنّ ما يمكن أن يقال أو قيل للأوّلين وجوه :
الأوّل : إنّ السيّد الثقة ، الفاضل القاضي أمير حسين ، أخبر بأنّ
هذا الكتاب له عليهالسلام ، وأخبره بذلك أيضا ثقتان عدلان من أهل قم وهذا خبر صحيح ،
داخل في عموم ما دلّ على حجية خبر العدل ، وقد أشار إلى ذلك العلاّمة الطباطبائي
في فوائده ، قال رحمهالله : ونحن نروي عن هذا السيّد الأمجد ، والسند الأوحد ، ما
صحّت له روايته ، واتّضحت لديه درايته ، بطرقنا المتكثّرة من شيخنا العلاّمة
المجلسي ـ طاب ثراه ـ عن والده المقدّس المجلسي ـ قدسسره ـ وقد دخل في ذلك هذا الكتاب ـ وهو كتاب الفقه الرضوي ـ حيث
ثبت برواية الثقات عنه ، كونه عنده من قول الرضا عليهالسلام ، وهو ثقة وقد أخبر بشيء ممكن ، وادّعى العلم فيصدق ،
ويعضده حكاية الثقة المجلسي رحمهالله فيما تقدّم من كلامه ، عن الشيخين الذين مدحهما ووثّقهما ،
ما يطابق تلك الدعوى ويصدّقها ، انتهى .
قلت : أمّا بناء على طريقة المشهور بين المتأخّرين عن العلاّمة
، في معنى الصحيح من الأحاديث ، فلا نقض في المقدّمات المذكورة ، التي لازمها دخول
أخبار السيّد فيها ، إلاّ ما يتوهّم من عدم كون مستند علمه ـ بأن الكتاب المذكور
منه عليهالسلام ـ الأمور الحسّية ، كالسماع منه عليهالسلام ، أو ممّن يتّصل سنده بوصفه المعتبر في المقام إليه عليهالسلام ، وغيره من أنواع التحمّل ، وإنّما هو الحدس الناشئ عن ملاحظة الخطوط
المنسوبة إليه ، التي كانت على هوامش الكتاب المعهود ، والإجازات التي كانت عليها
من الأفاضل ، وعليه فلا يشمله أدلّة حجّيّة الخبر الصحيح ، لاختصاصها على ما حقّق
في محلّه بالطائفة
__________________
الاولى ، ولذا
أنكروا حجّية الإجماع المنقول على من ادّعى دخوله فيها ، بناء على أنّ الذي يدّعيه
جزما بخبر عن المعصوم جزما ناشئا عن الحدس.
ويمكن رفعه بأنّ
المتيقّن من الخارج ، هو ما لم يكن له مبادئ محسوسة ، وأمور حسّية يلزم من العلم
بها ، العلم بالمخبر عنه الغير المحسوس. ولذا لم يعدّوا الإخبار عن الشجاعة ،
والسخاء ، والعدالة ، بناء على تفسيرها بالملكة من الاخبار الحدسيّة ، بل وجميع
الصفات النفسانيّة حسنة كانت ، أو قبيحة.
وكذا الأخبار عن
الولادة ، والنسب ، وأمثالها ، ممّا يكون الإخبار عن نفس المخبر عنه بالحدس ،
وإنّما كان سبب علمه ما سمعه أو رآه ، وعلى ذلك فلا بأس بعدّ الخبر المذكور من
قبيل الأخبار المذكورة ، ويشهد لذلك أنّهم كثيرا ما يعتمدون في نقل الفتاوى على
كتب الأصحاب ، ويرتّبون عليها آثارها من غير أن يعلم استناد الموجود منها عنده الى
صاحبه ، إلاّ بأمور حدسيّة ، كذكر هذا الكتاب في ترجمته ، ومطابقة ما نقل عنه بما
وجده فيه ، أو وجود خطّ بعض العلماء على هوامشه ، أو إجازاتهم في آخره أو ظهره ،
وغير ذلك من الأمارات التي أغلبها حدسيّة ، ولا يقتصرون في النقل على الكتب
المعروفة ، التي تلقّاها الأصحاب خلفا عن السلف بالقراءة ، والسماع ، والمناولة ،
كجملة من كتب الشيخ الطوسي ، والفاضلين ، وأضرابهم ، وهذا من الوضوح بمكان لا
يحتاج الى نقل الشواهد ، وذكر الأمثال ، نعم ليس بناؤهم على الاعتماد على كلّ
امارة وقرينة ، بل على ما يوجب للناظر القطع ، أو الاطمئنان التامّ ، والوثوق
المعتد به ، وإن كان تمامها أو بعضها حدسيّة.
وأمّا على ما نراه
من عدم انحصار الحجّية من الأخبار في الصحيح المصطلح ، بل دليل الحجّية يشمله وكلّ
خبر حصل من الأمارات الداخليّة أو الخارجيّة الوثوق بصدوره ، والاطمئنان بوروده ،
ولعلّه هو الصحيح عند القدماء ، فالأمر سهل كما لا يخفى.
ثم
نقول : ومن الممكن أن
يكون الثقتان الصالحان ، اللذان أتيا بالكتاب
من قم إلى مكّة
المشرّفة ، تلقّياه عن آبائهما يدا بيد ، إلى الإمام عليهالسلام ، فيخرج بذلك عن حدود الأخبار الحدسيّة ، وهذا أمر غير
عزيز.
هذا ابن شهرآشوب
ذكر في مناقبه : إنّ العهد الذي كتبه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لحيّ سلمان بكازرون ، موجود فيه إلى هذا العصر ، ويعملون
به .
وذكر القطب
الراوندي في دعواته : إنّ المكتوب الذي كتبه مولانا الرضا عليهالسلام لجمّاله ، الذي حمله إلى طوس لمّا استدعاه منه ليتبرّك به ، ـ وكان من أهل
كرمند ـ هو موجود إلى الآن. ونقل رحمهالله ما في المكتوب ، وهو خبر شريف ، ولعلّ الجماعة ، لضنّتهم به ما أفشوه ،
خوفا من خروجه من أيديهم ، خصوصا من أهل قم فإنّهم الذين سلبوا دعبل ، وأخذوا جبّة
الرضا عليهالسلام منه قهرا ، للتبرّك والاستشفاء بها ، فكيف لو اطّلعوا على
مثل هذا الكتاب ، الذي عليه خطّه عليهالسلام في جملة من المواضع!؟
ثمّ إنّ خطّه عليهالسلام أيضا في ذلك العصر لم يكن بذلك العزيز ، الذي لا يعرفه أحد ، وقد كان بأيدي
الناس كتاب الله المجيد بخطّه عليهالسلام ، وهو موجود الآن في خزانة كتبه الشريفة ، فمن الممكن
أنّهم عرفوا أنّه خطّه عليهالسلام لمعرفتهم بخطّه عليهالسلام ، والله العالم.
الثاني : إنّ الفاضل الخبير ، الآميرزا عبد الله الأصفهاني قال في
رياض العلماء : السيّد السند الفاضل ، صدر الدين علي خان المدني ، ثمّ الهندي
الحسيني الحسني ، ابن الأمير نظام الدين أميرزا أحمد بن محمد معصوم ابن
__________________
السيّد نظام الدين
أحمد بن إبراهيم بن سلام الله بن عماد الدين مسعود بن صدر الدين محمد بن السيّد
الأمير غياث الدين منصور بن الأمير صدر الدين محمد الشيرازي ـ الى أن قال ـ هو ابن
إبراهيم بن محمد بن إسحاق بن عليّ بن عربشاه بن أمير أنبه بن أميري بن الحسن بن
الحسين بن عليّ بن زيد الاعثم ابن عليّ بن محمد بن عليّ أبي الحسن نقيب نصيبين ابن
جعفر بن أحمد السكين بن جعفر بن محمد بن محمد بن زيد الشهيد بن عليّ بن الحسين بن
عليّ ابن أبي طالب عليهمالسلام.
الى أن قال : ثمّ
اعلم أنّ أحمد السكين ، وقد يقال أحمد بن السكين ، هذا الذي قد كان في عهد مولانا
الرضا صلوات الله عليه ، وكان مقرّبا عنده في الغاية ، وقد كتب الرضا عليهالسلام لأجله كتاب فقه الرضا عليهالسلام ، وهذا الكتاب بخطّ الرضا عليهالسلام موجود في الطائف بمكّة المعظّمة ، في جملة كتب السيّد علي
خان المذكور ، التي قد بقيت في بلاد مكّة ، وهذه النسخة بالخطّ الكوفي ، وتاريخها
سنة مائتين من الهجرة ، وعليها إجازات العلماء وخطوطهم ، وقد ذكر الأمير غياث
الدين ـ المذكور نفسه ـ أيضا في بعض إجازاته بخطّه هذه النسخة ، ثمّ أجاز هذا
الكتاب لبعض الأفاضل ، وتلك الإجازة بخطّه أيضا ، موجودة في جملة كتب السيّد علي
خان ، عند أولاده بشيراز ، انتهى .
وفيما ذكره فوائد
:
الاولى : إنّ هذه
النسخة التي صرّح بأنّها كانت بخطّه عليهالسلام ، غير النسخة التي كانت في قم ، كما لا يخفى.
الثانية : إنّها
أيضا كانت معلّمة بإجازات العلماء وخطوطهم ، وليس في علمائنا من القديم الى الآن
من هو أعرف بأحوال العلماء وخطوطهم ، من
__________________
الفاضل المذكور ،
فتراه يذكر في أكثر التراجم أنّه رأى كتابه الفلاني ، وإجازته لفلان ، في البلد
الفلاني ، عند فلان ، ويصف خطّه بالجودة أو الرداءة ، فما كان يخفى عليه حال
المجيز وخطّه.
والثالثة : إنّ
النسخة كانت عند جدّه الأعلى ، الأمير غياث الدين منصور ، الذي يعبّر عنه بغوث
العلماء ، وغياث الحكماء ، صاحب التصانيف المعروفة المتداولة ، المعاصر للمحقّق
الثاني ـ رحمهالله ـ المتوفّى سنة ثمان وأربعين وتسعمائة.
فقول بعض السادة
من العلماء المعاصرين : إنّ أوّل من ذهب الى ذلك ـ أي في كون الكتاب من تأليفه ـ وأصرّ
في ترويجه ، رجل فاضل محدّث ، كان يقال له : القاضي أمير حسين ، وهو الذي أظهر أمر
هذا الكتاب ، وجاء به من مكّة المشرّفة الى أصبهان ، في عصر الفاضلين المجلسيّين ،
وأراهما إيّاه ، وقبل ذلك لم يوجد منه عين ولا أثر ، بين محقّقي أصحابنا ، انتهى .
ناشئ من عدم
الاطّلاع ، وقلّة التجسس ، وهذا غير غريب ، إنّما الغريب أنّ أخاه السيد الجليل ،
صاحب روضات الجنّات ـ طاب ثراه ـ الذي هو من المنكرين ـ حتّى قال في ترجمة السيّد
الكركي الآتي ذكره : إن المجلسي الأوّل هو الباعث على إيقاظ هذه الفتنة النائمة ،. إلى آخره ـ نقل
العبارة السابقة عن الرياض كما نقلناه ، ولم يزد في ردّه ، إلاّ أن قال : وهو
غريب.
ولعمري لو كان له
سبيل إلى ردّه ، بتكذيب صاحب الرياض ، أو غياث الحكماء لفعل.
ثمّ لا يخفى أنّ
أحمد السكين المذكور ، داخل في سلسلة الأسانيد ، فقال السيّد الفاضل المذكور :
السيد علي خان فيما جمعه من أخبار المسلسلة بالآباء :
__________________
حدّثني والدي
السيّد الأجلّ أحمد نظام الدين ، عن والده السيّد الجليل محمد معصوم ، عن شيخه
المحقّق المولى محمّد أمين الأسترابادي ، عن شيخه طراز المحدّثين الميرزا محمد
الأسترابادي ، عن السيّد أبي محمد محسن ، قال : حدّثني أبي عليّ شرف الآباء ، عن
أبيه منصور غياث الدين أستاذ البشر ، عن أبيه محمد صدر الحقيقة ، عن أبيه
إبراهيم شرف الملّة ، عن أبيه محمّد صدر الدين ، عن أبيه إسحاق عزّ الدين ، عن
أبيه عليّ ضياء الدين ، عن أبيه عربشاه زين الدين ، عن أبيه أبي الحسن أميران به
نجيب الدين ، عن أبيه أميري خطير الدين ، عن أبيه أبي عليّ الحسن جمال الدين ، عن
أبيه أبي جعفر الحسين العزيزي ، عن أبيه أبي سعيد عليّ ، عن أبيه أبي إبراهيم زيد
الأعشم ، عن أبيه أبي شجاع عليّ ، عن أبيه أبي عبد الله محمد ، عن أبيه عليّ ، عن
أبيه أبي عبد الله جعفر ، عن أبيه أحمد السكين ، عن أبيه جعفر ، عن أبيه السيّد
محمد المحروق ، عن أبيه أبي جعفر محمد ، عن أبيه زيد الشهيد ، عن أبيه عليّ زين
العابدين عليهالسلام ، عن أبيه الحسين سيّد الشهداء عليهالسلام ، عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، قال : « سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول ، وقد سئل بأيّ لغة خاطبك ربّك ليلة المعراج ، قال :
خاطبني بلسان عليّ عليهالسلام » الخبر .
ثمّ شرح الحديث ،
وساق تمام خمسة أحاديث مسلسلة بالآباء ، بسبعة
__________________
وعشرين أبا ، وهو
من خصائصه ، وليس في أخبار الخاصّة ، ولا العامّة ، له نظير.
إذا عرفت ذلك ،
فاسمع لما نتلوه عليك ، من كلام العلاّمة الطباطبائي قدسسره في فوائده ، قال : وقد اتّفق لي في سنّي مجاورتي المشهد
المقدّس الرضويّ ، على مشرّفه سلام الله العليّ ، إنّي وجدت في نسخة من هذا الكتاب
، من الكتب الموقوفة على الخزانة الرضويّة ، أنّ الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام ، صنّف هذا الكتاب لمحمد بن السكين ، وإنّ أصل النسخة وجدت في مكّة المشرّفة
، بخطّ الإمام عليهالسلام ، وكان بالخطّ الكوفي ، فنقله المولى المحدّث الآميرزا
محمد ـ وكان صاحب الرجال ـ الى الخطّ المعروف ، ومحمد بن السكين في رجال الحديث
رجل واحد ، وهو محمد بن السكين بن عمّار النخعي الجمّال ، ثقة له كتاب ، روى أبوه
، عن أبي عبد الله عليهالسلام قاله النجاشي في كتابه . وفيه ، وفي الفهرست : إن الطريق إليه إبراهيم بن سليمان ، وهو إبراهيم بن
سليمان بن عبد الله بن حيّان.
والطبقة تلائم
كونه من أصحاب الرضا عليهالسلام. قيل : وروى عنه ابن أبي عمير ، وهو من أصحاب الرضا عليهالسلام والجواد عليهالسلام ، فيكون محمد بن سكّين من كبار أصحاب الرضا عليهالسلام ، وهذا النقل وإن لم نجده لأحد من المعتبرين ، إلاّ أنّه تلوح عليه آثار
الصدق فيصلح لتأييد ما تقدّم ، انتهى .
وأنت بعد التأمّل
في كلام صاحب الرياض ، وما نقله ـ طاب ثراه ـ عن
__________________
النسخة الرضويّة ،
لا تكاد تشكّ أنّ هذه النسخة الرضويّة استنسخت من النسخة التي كانت عند شارح
الصحيفة ، وآبائه الأجلاّء الكرام.
والظاهر بل
المقطوع أنّ محمدا تصحيف أحمد ، إما ممّن نقلها من الخطّ الكوفي إلى العربي ، أو
من الناسخ ، وعليه فما تكلّفه من تحصيل وثاقته ، وملاءمة طبقته ، في غير محلّه.
وأمّا أحمد السكين ، فهو في طبقته عليهالسلام ، لأنّ بينه وبين السجّاد عليهالسلام ثلاثة من الآباء ، بعدد ما بينهما عليهماالسلام منها.
وعندي مجموعة
شريفة ، فيها الإيضاح ، والخلاصة ، وابن داود ، والفهرست ، ومعالم العلماء ،
والمنتخب ، وجملة من الإجازات كانت لبعض العلماء ، من أولاد الأمير سلام الله ،
المذكور في آباء السيد المذكور ، وجملة منها بخطّه وقد صحّحها ، وعليها حواش منه ،
وفي آخرها إجازة له من بعض العلماء ، ومدحه فيها بقوله : وقد استجاز من الفقير
الحقير : السيّد السند ، الحسيب النسيب النقيب ، ذو المجدين ، وصاحب الرئاستين ،
خيرة نجل سيّد المرسلين ، صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليهم أجمعين ، وخلاصة سلالة أمير المؤمنين عليهالسلام ، الأمير معين الدين محمد بن المغفور المبرور شاه أبو تراب بن أمير سلام
الله. إلى آخره.
وفي ظهر الإجازة
كتب الأمير معين الدين المذكور نسبه بخطه ، وساقه كما ذكرنا ، إلاّ أنّه قال :
معين الدين محمد بن عماد الدين محمود ـ الشهير بأبي تراب ـ الى آخره ، وبالغ في
مدح أحمد السكين ، ولم يتعرّض لمدح غيره ، قال : زيد الأعشم بن عليّ بن محمد بن
علي بن جعفر بن قدوة المتّقين ، برهان ذوي اليقين ، الشاهر سيفه في نصر الدين ،
أبي جعفر أحمد السكّين ، إلى أخره. وتاريخ الإجازة المذكورة سنة ٩٩٤.
وفي رياض العلماء
، في ترجمة شارح الصحيفة ، بعد أن ساق نسبه كما تقدّم ، قال في الحاشية : ويظهر من
طيّ بعض المواضع نسبه ، كما رأيته بخطّ
بعض أفاضل هذه
السلسلة المباركة ، وكان تأريخ ذلك الخطّ سنة ٩٨٢ ، هكذا : وهو
الأمير معين الدين محمد بن محمود ، وساق الى قوله : عليّ بن جعفر ابن قدوة
المتّقين ، برهان ذوي اليقين ، نصير الدين أبي جعفر أحمد السكين. إلى آخره .
ونقل في إجازات
البحار صورة لخط إجازة الأمير صدر الدين محمد بن الأمير غياث الدين منصور الحسيني
الشيرازي الدشتكي ، للسيد الفاضل عليّ بن القاسم الحسيني اليزدي ، وهي إجازة
لطيفة حسنة ، وفيها بعد ذكر سنده المعنعن بالآباء كما تقدّم ، قال : ثمّ إنّ أحمد
السكين جدّي صحب الإمام الرضا عليهالسلام ، من لدن كان بالمدينة إلى أن اشخص تلقاء خراسان ، عشر
سنين ، فأخذ منه العلم ، وإجازته عليهالسلام عندي ، فأحمد يروي عن الإمام الرضا عليهالسلام ، عن آبائه ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا الإسناد أيضا ممّا انفرد به لا يشركني فيه أحد ،
وقد خصّني الله تعالى بذلك ، والحمد لله .
ومن جميع ذلك ظهر
أنّ أمارات الوثوق والاعتماد بهذه النسخة المكّية أزيد من النسخة القميّة ، فلاحظ
وتأمّل.
الثالث : ما في فوائد العلاّمة المذكور ، قال : وممّا يؤيده
ويؤكّده ، أنّ الشيخ الجليل منتجب الدين ، وهو الشيخ أبو الحسن عليّ بن عبد الله
بن الحسن ابن الحسين بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن بابويه القميّ ، قال في رجاله
الموضوع لذكر العلماء المتأخّرين عن الشيخ الطوسي قدسسره ـ ما هذا لفظه :
__________________
السيد الجليل محمد
بن أحمد بن محمد الحسيني ، صاحب كتاب الرضا عليهالسلام ، فاضل ، ثقة. كذا في عدّة نسخ مصحّحة من رجال المنتجب . وفي كتاب أمل
الآمل ، نقلا عنه .
والظاهر أنّ
المراد بكتاب الرضا عليهالسلام هو هذا الكتاب ، وأمّا الرسالة المذهّبة ، المعروفة
بالذهبيّة ، وطبّ الرضا عليهالسلام ، فهي عدّة أوراق في الطبّ ، صنّفها الرضا عليهالسلام للمأمون وإرادتها من هذه العبارة في غاية البعد ، والمراد بكونه صاحب كتاب
الرضا عليهالسلام ، وجود نسخة الأصل عنده ، أو انتهاء إجازة الكتاب إليه ،
لا أنّه روى هذا الكتاب عنه بلا واسطة ، أو أنّه صنّفه له ، فإنّه من العلماء
المتأخّرين ، الذين لم يدركوا أعصار الأئمّة عليهمالسلام ، فهذا بناء ما عندي ، وبناء من قبلي في هذا الكتاب ،
انتهى .
وردّه في الفصول
بقوله : وأمّا ما ذكره البعض في محمد بن أحمد ، من أنّه صاحب كتاب الرضا عليهالسلام فلا دلالة فيه على أنّ إجازة هذا الكتاب منتهية إليه ، لجواز أن يكون المراد
به بعض رسائله عليهالسلام ، ممّا رواه الصدوق في العيون ، ولو سلم أنّ المراد به
الكتاب المذكور ، فلا دلالة في كونه صاحبه على إنّه كان يرويه بطريق معتبر لجواز
أن يكون واجدا له ، أو راويا بطريق غير معتبر ، انتهى .
وقال بعض العلماء
المعاصرين ، بعد ذكر كلام السيد في جملة القرائن ما لفظه : وامّا ما مرّ من أنّ
الشيخ منتجب الدين. الى
__________________
آخره ، فلا يظهر منه
غير أنّ له مصنّفا له تعلّق بمولانا الرضا عليهالسلام ، كعيون اخبار الرضا عليهالسلام ، وصحيفة الرضا عليهالسلام ، التي رواها ( الطبرسي ، وفيها أخبار جميلة ، كما أنّ
الظاهر من قولهم فلان صاحب كذا أنّه مصنّفه ) مع أنّه يحتمل قويّا أن يكون المراد بالرضا معناه اللغوي ،
فإنّه كثيرا ما يسمّي المصنّفون كتبهم بنظائر ذلك ، لكنّه لا يخلو عن تأمّل ، فما
ذكره بعضهم من أنّ كونه صاحب كتاب الرضا عليهالسلام ، باعتبار أنّه ممّن وجدت عنده نسخته ، أو انتهت إليه
إجازة الكتاب ، ففي غاية البعد ، انتهى.
قلت : وفيهما مواقع
للنظر :
أمّا أوّلا : فإنّ
السيد ـ رحمهالله ـ لم يتمسّك بكلام المنتجب دليلا على. فيردّ بإبداء
الاحتمالات المذكورة فيه ، وإنّما ذكره تأييدا وأمارة على ما هو المرسوم عند
المشايخ ، في أمثال هذا المقام ، من ذكر القرائن والأمارات التي تورث الوثوق
والاطمئنان من تراكمها ، وإن تطرّق في كلّ واحدة احتمال يضعّف الظنّ الحاصل منها ،
ولا يكترثون به بعد وجود ما يحصل بانضمامه قوّته ، وعليه مدار الظنون الرجاليّة في
مقام التعديل ، والمدح ، والجرح ، وتمييز المشتركات ، وتشخيص الطبقات ، مع إمكان
إبداء جملة من الاحتمالات في آحاد ما ساقوه من الامارات ، والقرائن.
وأمّا ثانيا :
فلأنّ الظاهر من الكلام المذكور ، مع قطع النظر عن كلّ شبهة ، أنّ للرضا عليهالسلام كتابا والسيد المذكور صاحبه ، وتوصيف الرجل بأنّه صاحب كتاب الغير ، لا يكون
إلاّ بما ذكره رحمهالله من وجود نسخة الأصل عنده ، وعدم وجودها عند غيره ، أو
انتهاء السند إليه ، وكلّ ما ذكراه خلاف الظاهر.
وأمّا ثالثا : فما
ذكره من جواز كونه بعض رسائله. الى آخره ، ففيه إنّه ليس
__________________
في العيون ممّا
أخرج مفردا ، إلاّ الأخبار المنثورة ، التي أخذها من صحيفة الرضا عليهالسلام ، وقد مرّ في حالها ما يمكن به القطع بكونه غير مراد هنا.
وأمّا رابعا : فما
ذكره السيّد المعاصر ـ سلّمه الله ـ بقوله : فلا يظهر منه غير أنّ له مصنّفا له
تعلّق ، إلى آخره ، كلام صدر من غير تأمّل ، فإنّه ليس في المنتجب أنّ له كذا وكذا
، كما هو رسمه في سائر التراجم ، وإنّما قال : محمد بن أحمد بن محمد الحسيني ،
صاحب كتاب الرضا عليهالسلام ، ولا دلالة له على أنّه مؤلّفه ، وإلاّ لقال : له كتاب
الرضا عليهالسلام.
نعم قد يعبّرون عن
المؤلّف بالصاحب إذا اشتهر الكتاب ، وأرادوا تشخيص صاحبه ، إذ ليس له معرّف غيره ،
لا في كتاب لم يكن معروفا عندهم ، ولا في مقام أضافوا الكتاب الى الغير الظاهر
كونه من تأليفه ، أو إملائه ، ثمّ إنّ ما قوّاه من الاحتمال ، ثمّ تأمّل فيه كان
حريّا بأن يمحا من الرسالة ، خصوصا في مقام ردّ من هو فوق ما يحوم الخيال حوله من
الجلالة.
وأمّا خامسا : فما
في الأوّل من أنّه لا دلالة في كونه صاحبه على أنّه يرويه ، الى آخره ، ففيه إنّ
كلام السيد الأجلّ ، خال عن دعواه ، وتسليم كون الكتاب له عليهالسلام رواه عنه عليهالسلام السيد المتقدّم ، ولو بطريق غير معتبر كاف للتأييد ،
والتقوية ، وحصول الظنّ بكون الموجود له عليهالسلام ، وهذا هو ما ادّعاه. مع أنّ بعد فرض التسليم ، وظهور كلام
صاحب المنتجب ، في معهوديّة وجود كتاب له عليهالسلام يصير السيّد ومشايخه من مشايخ الإجازة ، وللأصحاب فيها
كلام معروف من أنّهم لا يحتاجون إلى التزكية والتوثيق ، أو كون الرجل من مشايخ
الإجازة من أمارات الوثاقة ، أو تفصيل بين المشايخ ليس هنا مقام ذكره ، فراجع.
الرابع : ما ذكره السيّد المحدّث ، السيّد نعمة الله الجزائري ،
في المطلب
__________________
السادس من مطالب
مقدّمات شرح التهذيب ، قال في جملة كلام له : وكم قد رأينا جماعة من العلماء ،
ردّوا على الفاضلين بعض فتاويهما بعدم الدليل ، فرأينا دلائل تلك الفتاوى في غير
الأصول الأربعة ، خصوصا كتاب الفقه الرضوي ، الذي اتي به من بلاد الهند في هذه
الأعصار إلى أصفهان ، وهو الآن في خزانة شيخنا المجلسي ـ أدام الله أيّامه ـ فإنّه
قد اشتمل على مدارك كثيرة للأحكام ، وقد خلت منها هذه الأصول الأربعة وغيرها ،
انتهى.
وظاهره أنّ هذه
نسخة اخرى غير التي كانت في قم ، وهذا ممّا يؤيّد الوثوق والاطمئنان.
واعترض السيّد
العالم المعاصر ، فقال : وأيضا فإنّ الظاهر أنّ مرجع كلّ ما حكاه المولى الفاضل
المجلسي ، عن الشيخين المذكورين ، وما قاله السيّد الفاضل الجزائري ، وما نبّه
عليه سيّدنا بحر العلوم ، إلى النسخة التي ظفر عليها القاضي أمير حسين بمكّة
المشرّفة ، وكأنّها ظهرت في قم ، وذهب بها بعض أهلها إلى جانب البيت المعظّم
والهند ، ثم انتشر المنتسخ منها بأصبهان ، والمشهد المقدّس الرضوي.
إلى أن قال :
وأيضا لو كانت النسخة التي أشار إليها المحدّث الجزائري ، وذكر أنّها في خزانة
المولى المجلسي ـ رحمهالله ـ غير ما جاء السيّد المتقدّم بها إليه ، لكان المولى المذكور
أولى بأن يذكر ذلك في مقدّمات بحاره ، حيث تصدّى لتنقيحه وتأييده ، ونحن قد لاحظنا
مظانّ ذلك في البحار ، ولم نقتصر على المقدّمات خاصّة ، ولم نجد لذلك عينا ولا
أثرا ، ولا يخفى أنّ المولى المجلسي ـ رحمهالله ـ قد ذكر جملة ممّا ظفر عليه في أواخر عمره ، في المجلّد
الأخير من البحار ، ونحن كلّ ما تأمّلناه لم نجد ذلك فيه أيضا ، انتهى .
قلت : استظهار
اتّحاد النسخ الثلاث ممّا يكذّبه الوجدان :
__________________
أمّا أوّلا :
فلأنّ النسخة المكّيّة كانت عند السيّد علي خان بالطائف ، وكانت عند جدّه الأعلى
مير غياث الدين ، كما صرّح به صاحب الرياض ، وكانت داخلة في مرويّاته ، والظاهر
أنّها وصلت إليه بالوراثة ، ولا أستبعد أن يكون السيّد محمد ـ الذي ذكر في المنتجب
أنّه كان صاحب الرضا عليهالسلام ـ من هذه السلسلة الشريفة ، فإنّه أيضا كان حسينيّا كشارح
الصحيفة ، وكان عالمها في عصره ، المناسب لكون النسخة عنده ، والله العالم.
وأمّا النسخة
القميّة فجاء بها الحجّاج من قم إلى مكّة ، ولو كان بدل بلد قم شيراز لكان
للاستظهار وجه.
وأمّا ثانيا :
فلأنّ المكّيّة كانت بخطّه عليهالسلام ، والقميّة بخطّ غيره ، وقد رسم في بعض مواضعها بخطّه عليهالسلام ، كما صرّح به التقيّ المجلسي ـ رحمهالله ـ.
وأمّا ثالثا :
فلمّا مرّ من أنّه كان في المكّية مرسوما ، إنّه عليهالسلام كتبه لأحمد السكين المقرّب عنده ، ولو كان في القيمية ذلك
، لأشار إليه مولانا التقيّ في شرح الفقيه ، لشدّة حرصه على نقل كلّ ما كان له ربط
وتعلّق بالكتاب ، ولذكر تأريخه ، وإنّه كان بالخطّ الكوفي ، كما ذكر في المكّية.
وأمّا رابعا :
فلأنّ السيّد الجزائري كان تلميذ العلاّمة المجلسي ـ رحمهالله ـ ، وصرّح سبطه السيّد عبد الله ـ شارح النخبة ـ في إجازته
الكبيرة ، في طيّ أحوال جدّه : أنّه أحلّه منه محلّ الولد البارّ من الوالد المشفق
الرؤوف ، والتزمه بضع سنين لا يفارقه ليلا ولا نهارا. إلى آخره .
أتراه يخفى عليه
ما كتبه أستاذه في أوّل البحار ، وقبله والده في موضعين من شرح الفقيه ، من حال
هذه النسخة فيعرض عنه ، ويذكر النسخة التي جاؤوا بها من الهند ، وهي فرعها ، أو
فرع فرعها ، ويترك ذكر ما شهد مشايخه
__________________
بأنّه ينتهي الى
الأصل بواسطة واحدة!؟ هذا بعيد في الغاية.
وأمّا خامسا :
فلأنّ عدم ذكر المجلسي له في المقدّمات ، لعدم عثوره عليها في وقت تأليف المجلّد
الأوّل ، ولم يكن كتاب آخر يحتاج إلى الذكر والتثبّت ، وإنّما هي هي ، مع اختلاف
ينبئ عن عدم اتّحاد أصلهما ، ولم يعهد من المجلسي ـ رحمهالله ـ الإشارة إلى اختلاف النسخ ، مع أنّه كان عنده من الكتب
نسخ مختلفة بالزيادة والنقصان وغيرها ، من كتاب وأصل ، ولم يتعرّض له في المقدّمات
، وإنّما أشار إليه في محلّه.
وأمّا سادسا :
فقوله : ونحن قد لاحظنا مظانّ ذلك ، ولم نقتصر على المقدّمات خاصّة الى آخره ،
فإنّه ـ سلّمه الله ـ لو استقصى النظر ما صدر عنه ما ذكر ، ونحن نذكر ما صرّح به
في البحار ، الكاشف عن بطلان الاستظهار.
قال ـ رحمهالله ـ في المجلد الحادي والعشرين من البحار ، وهو كتاب الحجّ والجهاد ، بعد ما
فرغ من أبواب أعمال الحجّ ، وفرّق ما في النسخة المشهورة من الرضوي في الأبواب
المناسبة له ، قال : باب سياق مناسك الحج ، أقول : وجدت في بعض نسخ الفقه الرضوي
فصولا في بيان أفعال الحجّ وأحكامه ، ولم يكن فيما وصل إلينا من النسخة المصحّحة ،
التي أوردنا ذكرها في صدر الكتاب ، فأوردناه في باب مفرد ، ليتميّز عمّا فرّقناه
على الأبواب.
فصل : إذا أردت
الخروج الى الحجّ ، الى آخره ، انتهى .
ولا يخفى على
الناظر البصير أنّ هذه النسخة هي النسخة الهنديّة ، ولو فرض أنّها أخذت من
المكّيّة ، وصارت الثلاثة اثنتان ، لكان كافيا في بطلان استظهار الاتّحاد.
وقال في أوائل
مجلّد المزار : وجدت في بعض نسخ الفقه الرضوي على من نسب إليه السلام : روي عن
موسى بن جعفر عليهماالسلام أنّه قال :
__________________
« يستحب إذا قدم
المدينة ، مدينة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم » ، الى آخر ما تقدّم في أبواب المزار من كتاب الحج ، ولا
يوجد في النسخ المعروفة ، وإنّما هو موجود في النسخة الأخرى في الباب المذكور ،
فلاحظ.
وأمّا سابعا :
فقوله : ولا يخفى أنّ المولى المجلسي ـ رحمهالله ـ الى آخره ، غريب ، فإنّه ـ رحمهالله ـ كلّما عثر عليه من الكتب في طول تأليف البحار ، استدركه
في المقدّمات ، ولذا اختلفت المقدّمات بالزيادة والنقصان ، وشرحنا ذلك في رسالتنا
الموسومة بالفيض القدسي في أحواله ، ولم يذكر في المجلّد الأخير من ذلك قليلا ولا
كثيرا ، نعم أورد فيه كتابا كتبه إليه بعض تلاميذه ، فيه فهرست الكتب التي ينبغي
أن تلحق بالبحار ، وهذه الكتب جملة منها موجودة في مقدّمات البحار ، ونسي ـ رحمهالله ـ أن ينقل منها ، أو نقل منها قليلا ، وجملة كانت عنده ثمّ ألحقها ، واخرى
عند غيره من فضلاء عصره ، وكيف كان فلم يقتصر فيه على ما عثر عليه في آخر عمره.
وقد عرفت الجواب
عن وجه عدم ذكر النسخة الهنديّة فيه.
الخامس : ما في رياض العلماء ، وتذكرة الشعراء ، في ترجمة ناصر
خسرو ، الحكيم الشاعر المعروف ، المدّعي انتهاء نسبه إلى الرضا عليهالسلام ، هكذا : ناصر بن خسرو بن حارث بن عليّ بن حسن بن محمد بن عليّ بن موسى الرضا
عليهماالسلام ـ المرمي بالتسنّن ، والزيديّة ، والزندقة ، والإسماعيليّة
، والإلحاد ـ الأصفهاني البلخي ، قال في رسالته التي ألّفها في شرح حاله ، من أوّل
عمره الى أيّام وفاته ، من كيفيّة تحصيله ، ورياضاته ، ووزارته ، وغير ذلك ، قال
ما حاصل ترجمته : ومن حدّ سبعة عشر سنة من عمري إلى خمسة عشر سنة أخرى اشتغلت بعلم
الفقه ، والتفسير ، ومعرفة الناسخ والمنسوخ ، ووجوه القراءات ، والجامع الكبير ،
والسير الكبير ، الذي صنّفه
__________________
الامام الأعلم ،
الزكيّ الأقدم ، محمد بن الحسن الشيباني الحنفي ، وكتاب الشامل ، الذي صنّفه جدّي
عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام ، أخذته مصاحبا لنفسي ، ووجدت التفاوت بينهما ـ يعني تصنيف
الامام عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام ، وتصنيف محمد الشيباني ـ وقرأت نسخا كثيرة من كتب الفقه ،
والأخبار المتداولة ، انتهى.
قال في الرياض ـ بعد
نقل تمام الرسالة ـ ثمّ أقول : مراده من الكتاب الشامل ـ الذي نسبه نفسه إلى جدّه
الرضا عليهالسلام ـ على الظاهر في الفقه ، ليس إلاّ كتاب الفقه الرضوي
المشهور كما قيل .
قلت : ليس الغرض
من نقل كلام الناصر ، الذي لا حظّ له في الدين الاعتماد على كلامه ، والاستناد
بنقله ، فإنّه بمعزل عن ذلك ، وإنّما الغرض مجرّد ذكر هذا الكتاب في تلك الأعصار ،
ووجوده في كلام بعيد عن الحمل على الكذب والافتراء ، وكانت وفاة ناصر سنة ثمان
وعشرين وأربعمائة.
السادس : إنّ هذا الكتاب إمّا للإمام عليهالسلام تأليفا أو إملاء ، أو موضوع اختلقه بعض الواضعين ، ولا ثالث لهما ، فإن بطل
الثاني تعيّن الأوّل.
بيان
ذلك : إنّ فيه ما لا
ينبغي صدوره إلاّ من الحجج عليهمالسلام ، وما هو كالصريح في أنّه منه عليهالسلام ، وهو أمور :
الأوّل : ما في
أول الكتاب ، ففيه : يقول عبد الله عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام : أمّا بعد. ، إلى آخره.
الثاني : ما في
أواخره : ممّا نداوم به نحن معاشر أهل البيت ، الى آخره .
الثالث : ما في
باب الخمس : وقال جلّ وعلا : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما
غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى
) إلى آخر الآية ، فتطوّل علينا
__________________
بذلك ، امتنانا
منه ورحمة ، إلى آخره .
الرابع : ما في
باب النوادر : أروي عن العالم عليهالسلام ، أنّ رجلا سأله فقال : يا ابن رسول الله علّمني ما يجمع
لي خير الدنيا والآخرة ، ولا تطوّل عليّ ، فقال عليهالسلام : « لا تغضب ».
وأروي أنّ رجلا
سأله عمّا يجمع به خير الدنيا والآخرة ، قال : لا تكذب.
وسألني رجل عن ذلك
، فقلت : خالف نفسك .
الخامس : في باب
الأغسال : ليلة تسعة عشر من شهر رمضان ، هي التي ضرب فيها جدّنا أمير المؤمنين عليهالسلام .
السادس : في كتاب
الزكاة : روي عن أبي العالم عليهالسلام في تقديم الزكاة وتأخيرها أربعة أشهر أو ستة أشهر .
السابع : في باب
الربا ، والعينة : روى حديث اللؤلؤة ، ثمّ قال : وقد أمرني أبي ، ففعلت .
الثامن : في كتاب
الحجّ : وقال أبي : إنّ أسماء بنت عميس ، إلى آخره .
وفيه : وليس
الموقف هو الجبل ، وكان أبي يقف حيث يبيت .
وفيه : أبي ، عن
جدّي ، عن أبيه عليهالسلام قال : « رأيت عليّ بن الحسين عليهماالسلام يمشي ولا يرمل ». .
__________________
وفيه : وقال أبي عليهالسلام : « من قبّل امرأته قبل طواف النساء » إلى آخره .
وساق بعده أحكاما
كثيرة.
وفيه : أبي عليهالسلام وكان بالخروج إلى مكّة : « إيّاكم والأطعمة التي يجعل فيها الزعفران » إلى
آخره .
وفيه : قال أبي :
رجل أفاض من عرفات ، إلى آخره ، وذكر بعده أحكاما مصدّرة بقوله : قال أبي عليهالسلام .
وفيه : أبي العالم
عليهالسلام ، أنا سمعته يقول عند غروب الشمس : « اللهمّ أعتق رقبتي من
النار » .
التاسع : في باب
غسل الميّت : وأروي أنّ عليّ بن الحسين عليهماالسلام لمّا مات ، قال أبو جعفر عليهالسلام : « لقد كنت أكره أن أنظر الى عورتك في حياتك ، فما أنا
بالذي أنظر إليها بعد موتك » فأدخل يده وغسل جسده ، ثمّ دعا بأمّ ولد له ، فأدخلت
يدها فغسلت مراقة وعورته ، وكذلك فعلت أنا بأبي .
قال في الفوائد :
وظاهر أنّه لولا هو المعصوم ، الذي فعله حجّة ، لم تكن فائدة في قوله ، بل ذكره
بعد نقل فعل أبي جعفر عليهالسلام بأبيه أوّل شاهد على أنّه أيضا من أقرانه ، وأمثاله .
العاشر : في باب
الصوم : وأمّا صوم السفر والمرض ، فإنّ العامّة اختلفت في ذلك ، فقال قوم : يصوم ،
وقال قوم : لا يصوم ـ إلى أن قال ـ ونحن نفطر في
__________________
الحالتين جميعا .
فإنّ قوله : ونحن
نفطر ، دالّ على أنّه ممّن هو قوله حجّة.
الحادي عشر : في
باب البدع والرئاسة : أروى أنّه قرئ بين يدي العالم عليهالسلام قوله تعالى : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ
وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ) فقال : إنّما عنى أبصار القلوب ، وهي الأوهام ، فقال تعالى
: لا تدرك الأوهام كيفيّته ، وهو يدرك كلّ وهم ، وأمّا عيون البشر فلا تلحقه ،
لأنّه لا يحدّ ولا يوصف ، هذا ما نحن عليه كلّنا .
الثاني عشر : في
باب حديث النفس : وأروي إنّ الله تبارك وتعالى أسقط عن المؤمن ما لا يعلم ، وما لا
يتعمّد ، والنسيان ، والسهو ، والغلط ، وما استكره عليه ، وما اتّقى فيه ، وما لا
يطيق . أقول : ذلك خطّه عليهالسلام.
إلى غير ذلك ممّا
هو صريح في كونه للرضا عليهالسلام ، أو للإمام الحجّة ، أو ظاهر فيه ، وأمّا ما فيه ممّا
يدلّ صريحا على أنّه من أصحاب الكاظم عليهالسلام والراوي عنه فكثير ، سنشير إليه إن شاء الله تعالى ، في
ردّ من زعم أنّه بعينه رسالة والد الصدوق إليه ، ونوضّح أنّ العالم من ألقاب
الكاظم عليهالسلام في ألسنة المحدّثين والرّواة ، قبل وقوع الغيبة الصغرى ،
وفيها ، وبعدها.
هذا وقد تصدّى
صاحب الفصول لإسقاط دلالة العبائر المذكورة على المطلوب ، فقال : وقوله في أوّل
الكتاب : يقول عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام : أمّا بعد ، الى آخر الحديث غير صريح فيما ظنّ ، لجواز أن
يكون مؤلّف
__________________
الكتاب قد سمع
الحديث المذكور منه عليهالسلام ، أو وجده بخطّه عليهالسلام فنقله عنه ، محافظا على كلمة « أمّا بعد » الموجودة في
كلامه عليهالسلام لمناسبتها لأوّل الكتاب ، ولا يلزم التدليس ، لذكره بعد
ذلك ما يصلح قرينة على عدوله بعد ذلك الحديث الى نقل أحاديث أخر ، بقوله : ويروى
عن بعض العلماء ، وقوله بعد ذلك : وأروي ، ونحو ذلك ، مما يدلّ على أنّ الإسناد
المذكور مقصور على الحديث الأوّل.
وقوله : ضرب جدّنا
يحتمل أن يكون من تتمّة قول أبي عبد الله عليهالسلام المتقدّم ذكره ، ولو سلّم كونه من كلام المؤلّف ، فاللازم
منه كونه علويّا لا إماما.
وقوله : روى أبي عن أبي عبد الله عليهالسلام. لا دلالة على كونه موسى ابن جعفر عليهماالسلام ، إذ لا تختصّ الرواية عنه به.
وقوله : أروي عن
أبي العالم يحتمل أن يكون بزيادة الياء من أبي ، أو بحذف ( عن ) عن العالم ، ومثل
هذا التصحيف غير بعيد فيما تتّحد فيه النسخة ، ويحتمل أيضا حمل الأب ، أو العالم
على خلاف ظاهره.
وحديث اللؤلؤة غير
واضح فيما ذكر ، لأنّه قال بعد ذكره : وروي في خبر آخر بمثله : لا بأس ، وقد أمرني
أبي ففعلت مثل هذا. ولا يبعد أن يكون قوله : وقد أمرني أبي ، من تتمّة الرواية ،
مع أنّه لا بعد في تعويل راو على قول أبيه ، كما يشهد به تعويل الصدوق على رسالة
أبيه إليه.
وممّا مرّ يظهر
ضعف الاستشهاد بقوله : وممّا نداوم به نحن معاشر أهل البيت.
وقوله : فتطوّل
يمكن أن يكون من تتمّة الرواية السابقة عليه ، وليس في سوق العبارة ما ينافيه ،
وان يكون من كلام صاحب الكتاب فلا يدلّ إلاّ على
__________________
كونه هاشميّا ،
لتحقّق التطوّل والامتنان في حقّه أيضا ، بالنسبة الى ما يستحقّه من الخمس ، مع
احتمال أن يكون التطوّل ، والامتنان باعتبار الأمر بالإعطاء أيضا ، فلا يدلّ على
ذلك أيضا ، انتهى .
وأنت خبير بأنّ
كلّ ما ارتكبه من المحامل خلاف الظاهر ، لا يصار إليه إلاّ بعد لزوم رفع اليد عنه بقرائن
ذكرها المنكرون ، فلو تمّت فلا مناص عمّا ذكره أو مثّله ، وإلاّ فلا بدّ من
التمسّك بظاهره المؤيّد بما مرّ من الشواهد ، مع أنّه ترك ذكر الوجه لما هو أصرح
في الدلالة ممّا ذكره ، كما لا يخفى على من تأمّل فيما نقلناه عنه ، بل لا سبيل
الى ارتكاب بعض ما ارتكبه ، كاحتمال أن يكون قوله : وممّا نداوم به نحن معاشر أهل
البيت ، من تتمّة الرواية السابقة ، ولا يخفى أنّ الرواية السابقة من أخبار باب
الآداب وآخرها وهي هكذا : وأحسن مجاورة من جاورك ، فإنّ الله تبارك وتعالى يسألك
عن الجار ، وقد نروي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ الله تبارك وتعالى أوصاني في الجار حتّى ظننت أنّه
يرث » ، وبالله التوفيق.
وممّا نداوم به
نحن معاشر أهل البيت باب دعاء الوتر ، وما يقال فيه : لا إله إلاّ الله الحليم
الكريم ، إلى آخره .
فقوله عليهالسلام : وبالله التوفيق علامة إتمام الباب السابق ، ونظيره كثير في أبواب الكتاب ،
بل وجعله من تتمّة الرواية السابقة لازمه نسبة هذا الكلام الى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا يخفى ما فيها من الحزازة ، بل ويلزم أن يكون قوله : باب دعاء الوتر ،
الى آخره مستهجنا.
وظنّي أنّ قوله :
وممّا نداوم ، الى آخره كان بعد قوله : وما يقال فيه ، ووقع
__________________
التقديم والتأخير
من الناسخ سهوا ، وإن كان للموجود وجه أيضا. وكذا احتمال التصحيف فيما ذكره ، فإنّ
فتح هذا الباب يرفع الوثوق عن كثير من الظواهر ، مع أنّ التعبير عن الصادق عليهالسلام بأب العالم غير معهود عن جاهل غبيّ ، فضلا عن العالم المؤلّف ، بل ولم يعهد
رواية صاحب الكتاب عن أبي عبد الله عليهالسلام.
ثمّ أنّه بعد ظهور
ما نقلناه ـ أو صراحته في كون الكتاب من تأليفه أو إملائه عليهالسلام ـ يدور الأمر بين كونه منه فهو المطلوب ، أو كونه موضوعا واحتمال الوضع فيه
بعيد ، لما يلوح عليه من حقيقة الصدق والحقّ ، ولأنّ ما اشتمل عليه من الأصول
والفروع والأخلاق أكثرها مطابق لمذهب الإماميّة ، وما صحّ عن الأئمّة عليهمالسلام ، ولا يخفى أنّه لا داعي للوضع في مثل ذلك ، فإنّ غرض الواضعين تزييف الحقّ
وترويج الباطل ، والغالب وقوعه من الغلاة والمفوّضة ، والكتاب خال عمّا يوهم ذلك.
وقد وافقنا على
ذلك السيّد العالم المعاصر ، مع إنكاره كون الكتاب منه عليهالسلام أشدّ الإنكار ، فقال في جملة كلماته : فإنّ التأمّل في الأحكام المذكورة فيه
، وإمعان النظر في تضاعيف أبوابه ، وسياق عباراته وفتاويه ، يكشف أنّه ليس من
المجعولات ، ومن قبيل كتب الكذّابة والغالين ، الذين يصنّفون الكتب لتخريب المذهب
، بل يظهر ممّا ذكرنا أنّه من مؤلّفات بعض أعاظم فقهاء قدماء أصحابنا ، الذين
كانوا لا يعملون إلاّ بالأخبار المعتبرة لديهم ، وإنّ ما ذكر فيه مأخوذ من متون
الأخبار ، وإنّ أكثر ما ذكر فيه يوافق أصول المذهب على طريقة سائر كتب قدماء
أصحابنا ، العاملين بأخبار الآحاد .
قال : وممّا يؤيّد
ما ذكرناه من عدم كونه من المجعولات ، أنّ السيد المذكور
__________________
ذكر أنّ النسخة
التي رآها كانت نسخة قديمة مصحّحة ، يوافق تأريخها عصر الرضا عليهالسلام ، ولا يخفى إنّ من يصنّف كتابا لتخريب الدين ، ويصرف أيّاما من عمره في تأليف
كتاب مجعول ، إنّما يصرّ في ترويجه واشتهاره ، ويدعو الناس إليه ، ويأمرهم
بالاعتماد عليه ، كما هو المشاهد من الكذّابة والغلاة ، الذين ظهروا في أعصار
الحضور ، وأوائل الغيبة ، ووردت في شأنهم أخبار ، وخرجت في ردّهم توقيعات مشهورة
بين الأصحاب ، فلو كان هذا الكتاب من المجعولات ، لكان يظهر منه عين أو أثر بين
قدماء الأصحاب والمتوسّطين ، ولكان أهل الرجال يذكرون كلمات في ردّه أو قبوله .
وقال في الفصول :.
مع احتمال أن يكون موضوعا ، ولا يقدح فيه موافقة أكثر أحكامه للمذهب ، إذ قد
يتعلّق غرض الواضع بدسّ القليل ، بل هذا أقرب الى حصول مطلوبه ، لكونه أقرب إلى
القبول .
وفيه : إنّ القليل
المدسوس إن كان من الأباطيل المتعلّقة بالعقائد ، التي هي الغرض الأهمّ لهم ، فلا
يبعد ما احتمله ، وإلاّ فهو من البعد بمكان لا يجوّزه ذو دربة.
السابع
من القرائن : ما ذكره بعضهم
من مناسبته لما ورد في مواضع عديدة من كتب الرجال ، من كون الراوي ممّن له مسائل
عن الرضا عليهالسلام ، أو ممّن له كتاب عن الرضا عليهالسلام ، أو صاحب كتاب الرضا عليهالسلام ، وقد تقدّم كلام الشيخ منتجب الدين.
ونقول هنا : قال
النجاشي : محمد بن عليّ بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهمالسلام ، له نسخة يرويها عن الرضا عليهالسلام ، أخبرنا أبو الفرج محمد بن عليّ بن أبي قرّة ، قال :
حدّثنا محمد بن
__________________
عبد الله ، قال :
حدّثنا جعفر بن محمد الحسني ، قال : حدّثنا محمد بن عليّ بن الحسين بن زيد ، قال :
حدّثنا عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام بالنسخة .
وقال : عليّ بن
عليّ بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، أبو
الحسن ، أخو دعبل بن عليّ ، ما عرف حديثه إلاّ من قبل ابنه إسماعيل ، له كتاب كبير
عن الرضا عليهالسلام ، قال عثمان بن أحمد الواسطي وأبو محمد بن عبد الله بن
محمد الدعجلي : حدّثنا أحمد بن عليّ ، قال : حدّثنا إسماعيل بن عليّ ( بن عليّ )
بن رزين ، أبو القاسم ، قال : حدّثنا أبي أبو الحسن عليّ بن عليّ ـ ببغداد سنة
اثنين وسبعين ومائتين ـ قال:حدّثنا أبو الحسن الرضا عليهالسلام ـ بطوس سنة ثمان وتسعين ومائة ـ إلى آخره .
وقال : وريزة بن
محمد الغساني ، له كتاب عن الرضا عليهالسلام ، أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران ، قال : حدّثني أحمد بن
عليّ القميّ ، عن أبيه ، قال : حدّثنا وريزة بن محمد بكتابه. قال شيخنا أبو الحسن
الجندي : حدّثنا وريزة بن محمد بن وريزة ـ بالبصرة سنة خمس وعشرين وثلاثمائة ، وله
ثمانون سنة ـ قال : ولدت سنة خمس وأربعين ومائتين ، قال : حدّثني جدّي ، قال : حدّثنا
الرضا عليهالسلام ـ سنة تسعين ومائة
ـ .
وقال : موسى بن
سلمة ، كوفيّ له كتاب عن الرضا عليهالسلام ، أخبرنا أحمد بن محمد ، قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن
سعيد ، قال : حدّثنا محمد بن سالم بن عبد الرحمن ، قال : حدّثنا موسى بن سلمة عن
الرضا عليهالسلام .
__________________
وقال : الحسن بن
محمد بن الفضل بن يعقوب بن سعيد بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب ، أبو محمد ،
ثقة جليل ، روى عن الرضا عليهالسلام نسخة. إلى آخره .
وذكر في ترجمة
عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري ، أنّ له مسائل للرضا عليهالسلام .
وقال : عليّ بن
مهدي بن صدقة بن هشام بن غالب بن محمد بن عليّ الرقي الأنصاري ، أبو الحسن له كتاب
عن الرضا عليهالسلام ، أخبرنا محمد ابن عثمان ، قال : حدّثنا أبو عليّ أحمد بن
عليّ بن مهدي ـ بالرملة قراءة عليه ـ قال : حدّثنا أبي : قال : حدّثنا الرضا عليهالسلام .
وذكر الشيخ في
الفهرست ، في ترجمة محمد بن سهل بن اليسع ، أنّ له مسائل عن الرضا عليهالسلام .
ومثله في ترجمة
ياسر الخادم .
وقال في ترجمة
جعفر بن بشير : له كتاب ينسب الى جعفر بن محمد ، رواية عليّ بن موسى الرضا عليهمالسلام .
وأمّا ما ذكره في
ترجمة أحمد بن عامر بن سليمان بن صالح بن وهب بن عامر ـ الذي قتل مع الحسين عليهالسلام بكربلاء ـ أبي الجعد أن له نسخة عن الرضا عليهالسلام . فالمراد بها صحيفته المعروفة ، كما شرحناه فيما تقدّم.
__________________
الثامن : ما ذكره بعضهم من موافقة أكثر فتاويه لفتاوي الصدوقين ،
والمفيد ، في رسالة الشرائع ، والمقنع ، والمقنعة ، وشدّة قربه من الرسالة ، فإنّ
أكثر عباراته عباراتها ، بل ظنّ بعضهم أنّه هو بعينه رسالة الشرائع.
قال في الفصول :
ويدلّ على ذلك أيضا أنّ كثيرا من فتاوي الصدوقين مطابقة له في اللّفظ ، وموافقة له
في العبارة ، لا سيّما عبارة الشرائع ، وإنّ جملة من روايات الفقيه ، التي ترك
فيها الإسناد موجودة في الكتاب ، ومثله مقنعة المفيد ، فيظنّ بذلك أنّ الكتاب
المذكور كان عندهم ، وأنّهم كانوا يعوّلون عليه ويستندون إليه ، مع ما استبان من
طريقة الصدوقين ، من الاقتصار على متون الأخبار ، وإيراد لفظها في مقام بيان
الفتوى ، ولذا عدّ الصدوق رسالة والده إليه من الكتب التي عليها المعوّل ، وإليها
المرجع ، وكان جماعة من الأصحاب يعملون بشرائع الصدوق عند إعواز النّص ، فإنّ
الوجه في ذلك ما ذكرناه .
ثمّ اعترض عليه
بأنّ مطابقة جملة من عبارات المفيد والصدوقين لما فيه ، لا دلالة فيها على أخذها
من الكتاب المذكور ، لجواز العكس ، أو كونهما مأخوذين من ثالث.
وفيه : إنّ النسخة القديمة التي كان عليها خطوط العلماء
وإجازاتهم على ما تقدّم ، كانت مكتوبة في عصر الرضا عليهالسلام ، فاحتمال العكس منفيّ بتأخّر زمان الصدوقين ، والأخذ من
ثالث مع بعده لا ينافي الاستظهار المذكور ، وظنّ كونه من مأخذهم ، خصوصا على ما
نراه من كونه من إملائه ، وإنّ تأليفه من أحمد بن محمد بن عيسى ، وداخل في نوادره
المعدود في الفهارس من الكتب المعتمدة ويأتي لهذا الكلام تتمّة في التنبيه الأوّل.
التاسع : ما ذكره في الفصول أيضا قال : وأيضا مأخذ جملة من فتاوى
القدماء ، التي لا دليل عليها ظاهرا موجود فيه ، فيظهر أنّه كان مرجعهم في
__________________
تلك الفتاوى ،
ومستندهم فيها ، فيسقط عنهم ما أورده المتأخّرون عليهم من عدم الدليل عليها .
وردّه بما احتمله
سابقا في عبائر الصدوقين ، الغير المنافي للظهور المذكور.
هذا ، واحتجّ
أرباب القول الثاني بوجوه من الاستبعاد ، وقرائن تدلّ على عدم كونه من تأليفاته عليهالسلام.
الأوّل : ما ذكره
في الفصول قال : وممّا يبعّد كونه تأليفه عليهالسلام ، عدم إشارة أحد من علمائنا السلف إليه ، في شيء من
المصنّفات التي بلغت إلينا ، مع ما يرى من خوضهم في جمع الأخبار ، وتوغّلهم في ضبط
الآثار المرويّة عن الأئمّة الأطهار عليهمالسلام ، بل العادة قاضية بأنّه لو ثبت عندهم مثل هذا الكتاب ،
لاشتهر بينهم غاية الاشتهار ، ولرجّحوا العمل به على العمل بسائر الأصول والأخبار
، لما يتطرّق إليها من احتمال سهو الراوي ، أو نسيانه ، أو قصوره في فهم المراد ،
أو في تأدية المفهوم ، أو تقصيره ، أو تعمّد الكذب ، لا سيما مع تعدّد الوسائط ،
وسلامة الكتاب المذكور عن ذلك ، ولبعد ما فيه عن التقيّة بخلاف غيره .
وقال السيد العالم
المعاصر ـ سلّمه الله ـ : إنّ هذا الكتاب لو كان من تصنيف الإمام عليهالسلام ، لكان يشتهر بين أصحابنا غاية الاشتهار ، ولكان يطّلع عليه كثير من قدماء
أصحابنا ، الذين جمعوا الأخبار ، وبالغوا في إظهار آثار الأئمّة الأطهار عليهمالسلام ، وبذلوا جهدهم في حفظ ما صدر منهم من الأحكام ، كجملة من أكابر محدّثي
فقهائنا ، الذين أدركوا عصره ، أو كانوا قريبا من عصره عليهالسلام ، كالفضل بن شاذان ، ويونس بن عبد الرحمن ، وأحمد ابن محمد بن عيسى ، وأحمد
بن أبي عبد الله البرقي ، وإبراهيم بن هاشم ، ومحمد
__________________
ابن أحمد بن يحيى
ـ صاحب نوادر الحكمة ـ وسعد بن عبد الله ، ومحمد بن الحسن الصفار ، وعبد الله بن
جعفر الحميري ، وأضرابهم من أجلاّء الفقهاء والمحدّثين.
ومن الواضح أنّ
هذا الكتاب لو كان معروفا بين هؤلاء الإعلام ، أو كان يعرفه بعضهم ، لما كانوا
يسكتون عنه ، ولما كانوا يتركون روايته لمن تأخّر عنهم من نقّاد الآثار وأصحاب
الكتب المصنّفة في تفصيل الأخبار ، ولما كان يخفى على مشايخنا المحمّدين الثّلاثة
، المصنّفين للكتب الأربعة ، المشتملة على أكثر ما ورد عنهم في الأحكام ، لا سيّما
على مثل شيخنا الأجلّ الأكرم ، رئيس المحدّثين ، فإنّه قد بلغ في جمع الأخبار
الواردة عن أهل بيت العصمة والطّهارة الغاية ، وتجاوز النهاية ، وقد صنّف في ذلك
الباب نحوا من ثلاثمائة مصنّف ، كما صرّح به شيخ الطائفة في فهرسته. ومن جملة
مصنّفاته كتابه الذي عمله لبيان كلّ ما يتعلّق بمولانا أبي الحسن الرّضا عليهالسلام ، وسمّاه بعيون اخبار الرّضا عليهالسلام ، وهو مشتمل على أخبار كثيرة ، محيطة بأكثر ما وصل إليه من
الأخبار الصادرة عنه عليهالسلام في الأحكام وغيرها.
ولا يخفى أنّه لو
كان مطّلعا على هذا الكتاب ، لكان يذكر بعضه ، أو أكثره في كتابه المذكور ، ولكان
يشير إليه ، ويذكر أنّ له كتابا في الفقه ، ونحن كلّما تأمّلنا في كتابه المذكور ،
لم نجد إشارة إلى أمر هذا الكتاب ، فضلا عن أن نطّلع على شيء من أخباره ، وأيضا لو
كان هذا من الكتب المعروفة لديه في زمانه ، لكان يذكره في كتاب من لا يحضره الفقيه
، الذي قد تصدّى فيه لذكر الأحكام المستخرجة من الكتب المشهورة ، التي عليها
المعوّل ، وإليها المرجع ، وأنت خبير بأنّه ممّا لم يوجد له عين ولا أثر ، في هذا
الكتاب.
وبالجملة فالعادة
قاضية بأنّ هذا الكتاب لو كان من رشحات عيون إفادات هذا المولى لكان يطّلع عليه
جملة من قدماء فقهاء الشيعة ، وما كان يبقى في زاوية الخمول ، في مدّة تقرب من ألف
سنة ، كما لم يخف على كثير منهم نظائره
من الكتب المشتملة
على الأحكام وغيرها ، كفرائض مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ، والجعفريّات المرويّة عن سيّدنا موسى بن جعفر عليهالسلام ، ورسالة عليّ بن جعفر ، وتفسير ينسب الى مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ، برواية النعماني ، ولا يخلو عن اعتبار.
ومن ذلك القبيل
الصحيفة السجاديّة ، فإنّها أيضا ممّا اتّصل سندها الى الإمام ، وظفر عليه جماعة
من القدماء ، كما يظهر من الشيخ والنجاشي ، حيث ذكرا أنّ متوكّل بن عمير ممّن روى دعاء الصحيفة ،
ومن جمع آخر ، حيث نقلوا بعض ادعيتها في كتبهم. وأيضا لو كان هذا الكتاب من تأليف
الإمام عليهالسلام لما كان يخفى على ولده الأئمّة الطاهرين عليهمالسلام ، الأنوار الأربعة : سيّدنا أبي جعفر الجواد ، ومولانا أبي الحسن الهادي ،
وسيّدنا أبي محمد العسكري ، وإمامنا الحجّة عجّل الله تعالى فرجهم.
ومن الظاهر أنّهم
ما كانوا يخفون أمثال ذلك عن شيعتهم ومواليهم ، ولا سيّما عن خواصّهم ومعتمديهم ،
كما أخبروهم بكتاب عليّ ، وصحيفة فاطمة صلوات الله عليهما ، ولو كانوا مطّلعين
عليه لكانوا يصرّحون به في كثير من أخبارهم ، ولكانوا يأمرون الشيعة بالرجوع إليه
، والأخذ عنه ، كما أمروهم بالرجوع إلى جملة من كتب الرواة ، في عدّة من الروايات.
والظاهر أنّ هذا
لو كان واقعا لكان يشتهر بين القدماء ، ولكان يصل إليهم أثر منه ، كما وقع في
نظائره ، ومن جملتها الرسالة المذهّبة ، المنسوبة الى أبي الحسن الرضا عليهالسلام ، المعروفة في هذه الأعصار بالذهبيّة ، باعتبار أنّ المأمون العبّاسي أمر أن
تكتب بالذهب ، وأن تترجم بذلك ، فإنّها كانت مشهورة بين القدماء ، وقد اتّصل سندها
بالإمام ، وقد تعرّض لذكرها وبيان سندها جملة
__________________
من أكابر أصحابنا.
ثم ذكر شطرا ممّا قدّمناه في ترجمة هذه الرسالة ـ الى أن قال ـ وأنت إذا أحطت بما
ذكرنا في أمر هذه الرسالة ، ووقفت عليها ولاحظتها أيضا ، اتّضح لك أنّ الفقه
الرضوي لو كان من تأليف الإمام ، لكان أولى بالاشتهار بين الخاصّ والعامّ ، وذلك
لأنّ الرسالة المذكورة لا تزيد على وريقات قليلة ، ألّفها الامام عليهالسلام في الطبّ ، والفقه الرضوي كتاب مبسوط ، مشتمل على أكثر أمّهات أحكام الفقه ،
ولا يخفى على المتتبّع الماهر ، البصير بأحوال الرجال ، أنّ اهتمام أصحابنا في حفظ
مثله ، كان أشدّ من اهتمامهم في أمر مختصر ، لا مدخليّة له في الأحكام.
إن قيل : أنّ
الأمر منعكس ، والأولويّة ممنوعة ، لأنّ الرسالة المذكورة مقصورة على جملة من
أحكام الطبّ وتدبير الأبدان ، وليس فيها شيء ممّا يتعلّق بالأديان وأحكام الإيمان
، ومثلها ما كان يخفى على الطائفة الحقّة الإماميّة ، لعدم مانع عن إظهارها ،
والتزام إخفائها من تقيّة وغيرها ، بخلاف الكتاب المذكور ، فإنّ التقيّة التي كانت
من أشدّ الموانع في أعصار الظهور ، منعت من ظهورها ووصولها إلى الأصحاب.
قلت : لا يخفى على
من اطّلع على تفصيل ما منّ الله تعالى على الإمام الثامن ، وشيعة الحقّ من الإعزاز
والاحترام في دولة المأمون العبّاسي ، ولاحظ ما مرّ بينه وبين علماء المخالفين من
المناظرات والمباحثات ، في أمر الإمامة ، وغصب حقوق أهل البيت ، وسائر بدع الخلفاء
، أنّ التقيّة كانت مرفوعة في مدّة مديدة ، من أواخر عصره في العراق وما والاها ،
وكانت الطائفة الحقّة الإماميّة لا يتّقون من المخالفين في أصول عقائدهم ، فضلا عن
فروع مذهبهم وأحكامهم ، لا سيّما أهل بلدة قم ، فإنّها كانت في عصره مملوءة من
علماء الشيعة ، وكانوا يعلنون كلمة الحقّ غاية الإعلان ، ولا يتّقون في أمر دينهم
من أحد من أولياء الشيطان.
وهذا هو الذي
بعثني على ما قوي في نفسي ، ولم يسبقني إليه من قبلي ، من أنّ المسائل المتكثّرة
التي صدرت عنه في أرض خراسان والعراق ، ممّا لا ينبغي حملها على التقيّة ، وهي من
أبعد احتمالاتها ، بخلاف ما صدر عن سائر الأئمّة عليهمالسلام في عصر الدولة الأمويّة ، وجملة من أعصار العبّاسيّة ،
كالأخبار الصادرة عن الحسنين ، والسجاد ، وسيّدنا أبي جعفر ، وموسى بن جعفر عليهمالسلام ، فإنّ الأصل في احتمالات تلك الأخبار احتمال التّقيّة ، وهي من أظهر وجوهها.
وكيف كان فاحتمال
التقيّة في أمر مثل هذا الكتاب من أبعد الوجوه ، ولو كان من تأليفه عليهالسلام لكان يظهره أيّام ظهور أمره ، وكان يأمر الطائفة بالرجوع إليه ، وباعتبار ذلك
كان يشتهر غاية الاشتهار بين العلماء .
إن قلت : لعلّه
كان معروفا في عصره ، وإنّما خفي بعده باعتبار اشتداد التقيّة في أعصار مولانا
الجواد والعسكريّين عليهمالسلام ، ولا سيّما في خلافة المتوكّل لعنه الله.
قلت : إنّ عروض
التقيّة بعد الاشتهار بين علماء الطائفة ورواة الأخبار المعاصرين له عليهالسلام ، لا يقتضي عدم وصوله إلى المتأخّرين عنهم من أصحابنا ، الذين أخذوا منهم
ورووا عنهم ، وذلك لأنّ التقيّة مانعة عن إظهار الأمر لدى المخالفين ، ولا يخفى
أنّه لا يستلزم عدم اشتهاره بين أهل المذهب أيضا. ألا ترى أنّ أكثر الأمور التي
تختصّ بأهل مذهبنا لم يخف على أصحابنا؟ وشاع بينهم بحيث بلغ حدّ ضرورة المذهب ،
وكذا الأخبار
__________________
المشتملة على طعن
الخلفاء ، وتزييف مذاهبهم الرديّة ، وإظهار بدعهم المحدثة. ومنه يظهر أنّ التقيّة
لا تمنع من شيوع الحقّ لدى أهله في أوّل الأمر أيضا .
قال : ثمّ لا
يذهبن عليك إنّا لا نريد بما فصّلناه في المقام ما قيل : إنّ الكتاب المذكور لو
كان منه لتواتر ، لتوفّر الدواعي على نقله. واللاّزم باطل ، فالمقدّم مثله. لينتقض
بما يشاهد من عدم تواتر جملة كثيرة من نظائره ، كالصحيفة السجاديّة ، والفقرات
المسقطة من كتاب الله بالنصوص المعتبرة البالغة حدّ التواتر المعنوي ، وكثير من
معجزات النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين وأفعالهم ، وليقال : إنّ مجرّد
اقتضاء توفّر الدواعي لا يكفي في تحقّق التواتر ، بل لا بدّ فيه من فقد المانع منه
أيضا ، على طريقة سائر المحدثات المسبّبة عن أشياء تقتضيها ، وهو ممّا تخلّف في كثير
من أمثال المقام ، فلا يبعد أن يكون ما نحن فيه أيضا من هذا القبيل.
والذي ندّعيه
إنّما هو قضاء العادة ، بأنّه لو كان من الإمام عليهالسلام ، لكان يوجد منه أثر بين أصحابنا في الأعصار السابقة ،
والقرون الخالية ، كما هو المشاهد في نظائره.
والقول : بأنّ
تحقّق هذا أيضا موقوف على عدم المانع وهو غير معلوم في غاية السقوط ، وذلك لأنّا
لا نريد أن نثبت بذلك عدم كونه منه على سبيل القطع واليقين ، بل المقصود أنّ هذا
ممّا يوجب الظنّ القويّ بعدم صدوره منه ، وأقلّ ما يقتضيه ذلك أنّه يمنع مؤيّدات
طرف الثبوت عن إفادتها الظنّ به ، وهو أيضا كاف في عدم الحجّيّة ، ولا يخفى أنّ
الظنّ بعدم المانع قائم في المقام ، فإنّ من لاحظ أمثال ذلك ، تبيّن له أنّه قلّ
أن يوجد فيها شيء لم يكن
__________________
منه أثر ولا عين
في القدماء. انتهى كلامه الذي هو غاية ما يقال في توضيح هذا الوجه .
والظاهر أنّ مراده
بالقيل ، هو السيد السند صاحب المفاتيح ، فإنّه ـ رحمهالله ـ بعد ما ذكر بعض قرائن الاعتبار ، قال : لا يقال : لو كان
الكتاب المذكور من الإمام عليهالسلام لتواتر ، أو نقل بطريق صحيح واللاّزم باطل ، فالملزوم
مثله.
امّا الملازمة
فلأنّ العادة قاضية بأنّ تصنيف الإمام عليهالسلام لا بدّ أن يكون كذلك ، لتوفّر الدواعي عليه ، كيف وهو أجلّ
من مصنّفات المصنّفين! فإذا تواترت فينبغي أن يتواتر تصنيفه عليهالسلام.
وأمّا بطلان
اللاّزم فواضح ، لأنا نقول : لا نسلّم تواتر كلّ ما كان من الإمام عليهالسلام ولو كان تصنيفا ، ولا نقله بطريق صحيح إذ لا برهان عليه ، وتوفّر الدواعي
إنّما يؤثّر حيث لا يكون هناك مانع ، وأمّا معه فلا.
وممّا يكسر صولة
الاستبعاد ، النصوص الواردة بوقوع النقيصة في القرآن ، وقال به أيضا جملة من
العلماء الأعيان ، إذ لو كان توفّر الدواعي بنفسه موجبا لذلك لتواتر ما حذف منه ،
وكذلك عدم تواتر الصحيفة السجّاديّة ، وكثير من المعجزات النبويّة وخلفاء خير
البريّة.
فإن قلت : لم نجد
مانعا من ذلك.
قلت : عدم وجدان
المانع لا يكفي ، بل لا بدّ من عدمه في الواقع ، على أنّه لا بعد في أنّ المانع هو
التقيّة. ثم إنّا لو سلّمنا تواتر تصنيفه عليهالسلام فإنّما
__________________
نسلّمه لو كان
كتابا دوّنه بنفسه كالكتب المصنّفة ، وأمّا لو كان المدوّن غيره ـ كنهج البلاغة ـ فلا
نسلّمه ، ولعلّ فقه الرضا عليهالسلام من هذا القبيل ، انتهى .
وما استدركه أخيرا
بقوله : والذي ندّعيه ، إلى آخره أخذه منه أيضا ، حيث قال فيه : ولا يقال : وجوه
القدح المذكورة تندفع بما ذكر ، لو كان المقصود إثبات القطع بعدم كونه منه ، وليس
كذلك ، بل المقصود استفادة الظنّ منها بذلك ، وهي تنهض له.
لأنّا نقول : هي
معارضة بما ذكره الفاضلان المشار إليهما ، الى آخره ، وعنى بهما المجلسيّين. فإذا
انضمّ الى ما ذكراه ما تقدّم من القرائن ، لا يكاد يوجد من الوجه المذكور ظنّ ولا
قابلية لمنع المؤيّدات والقرائن لإفادة الظنّ ، مع أنّ لما ذكره من قضاء العادة
نقوضا لا تحصى.
هذا ثقة الإسلام ،
ذكر في أوّل الروضة بأسانيد عن أبي عبد الله عليهالسلام ، أنّه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه ، وأمرهم بمدارستها
والنظر فيها ، وتعاهدها والعمل بها ، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم ، فإذا فرغوا
من الصلاة نظروا فيها ، الى آخره.
وعلى ما ذكره من
قضاء العادة ، كان اللازم وصول هذه الرسالة إلينا بأزيد من ألف طريق ، ووجودها في
أغلب المصنّفات والجوامع المناسبة لها ، مع أنّه ليس لها في غير الروضة عين ولا
أثر ، فكيف بالفقه الرضوي بناء على ما
__________________
سبق من أنّه عليهالسلام كتبه لأبي جعفر أحمد السكين ، وكان هو حامله ولا يعلم مقرّه! هل كان في مجمع
الرواة من الشيعة ، كالكوفة وقم ، أو أبعد البلاد منهم كأصفهان؟ كما ذكر النجاشي
في ترجمة إبراهيم بن محمد الثقفي ، أنّه كان سبب خروجه من الكوفة أنّه عمل كتاب
المعرفة ، وفيه المناقب المشهورة والمثالب ، فاستعظمه الكوفيّون وأشاروا إليه ،
بأن يتركه ولا يخرجه ، فقال : أيّ البلاد أبعد من الشيعة؟ فقالوا : أصفهان ، فحلف
لا أروي هذا الكتاب إلاّ بها ، فانتقل إليها ورواه بها ، ثقة منه بصحّة ما رواه
فيه ، انتهى .
فلو فرض أنّه كان
ساكنا فيه أو فيما شاكله ، لم تكن عادة هنا تقضي بنشره. مع أنّ المانع لا ينحصر في
التقيّة التي نفاها في عصره عليهالسلام فقد يكون ضنّة صاحب الكتاب وحرصه عليه أوجب اختصاصه به ،
أو سكونه في بلد لا يجد من يلقيه إليه كما عرفت ، أو أمره عليهالسلام بكتمانه وستره إلى مدّة لبعض الحكم المخفيّة علينا ، ولو كان الكتاب من
إملائه عليهالسلام كما ذكره السيّد المحقّق البغدادي في عدّته ، واحتمله صاحب
المفاتيح ، وقوّيناه ، فهو كسائر الأخبار المتكثّرة التي لم تصل إلينا ، أو وصلت
بعد برهة من الزمان.
قال الشيخ الطوسي قدسسره في ترجمة ابن
عقدة : سمعت جماعة يحكون عنه أنّه قال : أحفظ مائة وعشرين ألف حديث بأسانيدها
واذاكر بثلاثمائة ألف حديث . فلعلّه كان له ذكر فيها خفي فيما خفي منها.
وأمّا ما ذكره من
أنّه لو كان منه عليهالسلام لما خفي على الأئمّة من ولده عليهمالسلام ، ولما أخفوه عن شيعتهم ، الى آخره ، ففيه أنّه ما كان من
دأبهم وطريقتهم عليهمالسلام إرجاع شيعتهم ـ خصوصا السائلين منهم ـ في صنوف
__________________
الحوائج ، من
المعارف والأخلاق والآداب ، وما يتوسّلون به الى مآربهم ، وصرف بلاياهم ورفعها ،
من الأدعية والأوراد ، إلى ما دوّن فيها قبلهم من آبائهم عليهمالسلام ، أو أصحابهم الذين أخذوا منهم ، وتلقّوه من أفواههم.
هذا كتاب ديات
أمير المؤمنين عليهالسلام من الأصول المعروفة ، المعروضة على الصادق عليهالسلام ، أرأيت خبرا فيه أنّه سئل إمام عن شيء منها فأحاله إليها!؟.
وهذه الصحيفة
المباركة ، التي فيها من الأدعية ما يستغني قارئها عن كلّ دعاء لأيّ حاجة ، وقد
كانوا يسألون الأئمّة عليهمالسلام ما يقضون به حوائجهم ، فيعلّمونهم ذلك ، أرأيت موضعا أحال
أحدهم السائل إليها؟! وهكذا الكلام بالنسبة إلى جميع الأدعية المأثورة عن الأئمّة
الذين هم قبل الإمام المسؤول ، فما رأينا أحدا منهم أمر برجوع السائل إليها ، مع
أنّ في الأدعية المأثورة عن مولانا أمير المؤمنين ، والسجّاد عليهماالسلام ما فيه غنى عن كلّ ورد ودعاء ، ولعلّ السرّ في ذلك أنّ كلّ إمام حاو لجميع ما
كان عند الماضي ، ممّا يحتاج إليه العباد في مآرب دينهم ودنياهم ، على اختلاف
أحوالهم وأزمانهم ، ومعرفتهم ذلك ـ خصوصا الضعفاء منهم في المعرفة ـ تتوقّف على
إجابتهم عليهمالسلام مسائلهم من عند أنفسهم ، وفي الإرجاع إيهام إلى عدم بلوغهم
ذلك المقام ، وإلقائهم إيّاهم إلى التهلكة ، كما لا يخفى على النقّاد البصير.
وكذا الكلام
بالنسبة الى جميع الأصول المدوّنة في عهد الصادقين عليهماالسلام ، خصوصا ما جمعه محمد بن مسلم ، وزرارة ، وأضرابهما ، وهذا
ظاهر على المنصف الخبير.
الثاني : ما في
الرسالة من أنّ كثيرا من أحكام هذا الكتاب ، بل أكثرها من مرويّات صاحبه ، وليست
مستندة إليه صادرة عنه من غير رواية وإسناد ،
وجملة كثيرة من
رواياته ليست مرويّة عن شخص معلوم وإمام مشخّص ، بل غالبها من المراسيل التي عبّر
عنها بألفاظ تبعّدها عن درجة المراسيل المعتبرة ، كألفاظ : روي ، ويروي ، وأروي ،
ونروي ، وقيل ، ونظائرها ممّا في معناها ، ولا يخفى على من تتبّع الأخبار ، ولاحظ
سياق كلمات الأئمّة الأطهار ، وخصوص ما صدر عن مولانا الرضا عليهالسلام ومن تقدّمه أنّ أمثال ذلك لا تكون صادرة عنهم وما ينبغي لهم ، من وجهين :
أحدهما : إنّ هذا
ممّا لم يعهد عنهم ، ولم يوجد في شيء من أخبارهم التي بين أيدينا ، وكتب أخبارنا
مملوءة منها ، وحيث لم يوجد ذلك في سائر رواياتهم ، ولم يشاهد إلاّ في نادر من
الأخبار ، حصل الظّن القويّ بأنّ ما كان غالبه من ذلك القبيل لا يكون صادرا عنهم ،
بل قد يحصل القطع للمتتبّع الماهر بأنّ مثل ذلك ليس من إفاداتهم ، ولم يظهر من
معدن العلم والمعرفة ، وبيان ذلك : أنّ من تتبّع عبائر شخص ، وتصفّح كلماته ، بحيث
عرف أنّ ديدن هذا الشخص قد استقرّ على أن يتكلّم على نهج خاص ، وطريقة معهودة ،
ثمّ وقف على كتاب منسوب إليه ، أو جاءه أحد يخبر منه ، وكانت عبائر هذا الكتاب أو
ذاك الخبر على منهج آخر ، وأسلوب مخالف لطريقته ، في سائر كلماته ، اتّضح له أنّ
هذا لم يصدر عن هذا الشخص ، وردّه أشدّ الردّ ، وهذا أمر معروف بين العقلاء ،
وقاطبة اولي العرف ، ويعبّر عنه بالاستقراء ، ونظيره آت في أصل المطالب والمعاني
أيضا ، انتهى .
وأنت خبير بأنّ
مراده من أخبارهم التي بأيدينا ، إن كان هو الأخبار المختصرة المتشتّتة في الأصول
والفروع ، فليس فيها مقام ذكر ما ذكره من الموهنات ، وإن كان المراد مؤلّفاتهم
وكتبهم عليهمالسلام ، فليس بأيدينا كتاب منها يستكشف منه ديدنهم وطريقتهم في
التأليف ، فلم يبق لما ذكر من الاستقراء
__________________
فرد يقاس عليه
غيره.
هذا إذا كان
الكتاب الرضوي من تأليفه عليهالسلام وعلى أن يكون من إملائه ، فجميع ما ذكره صادر من جامعه إن
كان وهنا حقيقة ، وكيف يكون وهنا وقد صدر منهم ما ذكره ـ كما اعترف به ـ وإن كان نادرا
، ففي رسالة أبي الحسن الهادي عليهالسلام الى شيعته ، في الردّ على أهل الجبر والتفويض ، المرويّة
في تحف العقول ، بعد ذكر مقدّمة : ونبدأ من ذلك بقول الصادق عليهالسلام : « لا جبر ولا تفويض ، ولكن منزلة بين المنزلتين » الى أن قال : وخبر آخر
عنه عليهالسلام موافق لهذا : أنّ الصادق عليهالسلام سئل : هل أجبر الله العباد على المعاصي؟ فقال الصادق عليهالسلام : « هو أعدل من ذلك » فقيل له : فهل فوّض إليهم؟ فقال : « هو أعزّ وأقهر لهم
من ذلك ».
وروي عنه عليهالسلام أنّه قال : « الناس في القدر على ثلاثة. الى آخره.
وفيها : وبذلك
أخبر أمير المؤمنين عليهالسلام عباية بن ربعي الأسدي ، حين سأله عن. إلى أن قال عليهالسلام : ـ وروي عن أمير المؤمنين عليهالسلام حين أتاه نجدة يسأله عن معرفة الله ـ إلى أن قال عليهالسلام : ـ وروي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال لرجل سأله بعد انصرافه من الشام ، الخبر .
وفي غيبة الشيخ
الطوسي ـ رحمهالله ـ بالسند المعتبر ، في مسائل محمد بن عبد الله بن جعفر ،
عن الحجّة صلوات الله عليه ، عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل للركعة الثالثة
، هل يجب عليه أن يكبّر؟ فإنّ بعض أصحابنا قال : لا يجب عليه التكبير ، ويجزيه أن
يقول : بحول الله وقوّته أقوم وأقعد.
الجواب ، قال : «
إنّ فيه حديثين : أمّا أحدهما فإنّه إذا انتقل من حالة الى
__________________
حالة اخرى فعليه
تكبير ، وأمّا الآخر فإنّه روي إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبّر ، ثم جلس ثم
قام ، فليس عليه للقيام بعد القعود تكبير ، وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى
، وبأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا ».
وعن الفصّ الحديد هل تجوز فيه
الصلاة إذا كان في إصبعه؟.
الجواب : « فيه
كراهة أن تصلّي فيه ، وفيه أيضا إطلاق ، والعمل على الكراهية » .
ورواه الطبرسي في
الاحتجاج .
وفيه : في مسائل
أخرى للحميري : وسئل : هل يجوز للرجل أن يتزوّج بنت امرأته؟ فأجاب عليهالسلام : « إن كانت ربّيت في حجره فلا يجوز ، وإن لم تكن ربّيت في حجره وكانت أمّها
في غير حباله فقد روى أنّه جائز » انتهى .
ولا مناص لأحد من
سدنة علومهم عليهمالسلام من ذكر الوجه لما ذكره عليهالسلام ، فيكون هو الوجه أيضا لما في الرضوي ، ولا فرق بين القلّة
والكثرة ، مع أنّه لا كثرة بعد ملاحظة النسبة بينه وبين ما في الرسالة الشريفة
والتوقيع المبارك.
الثالث : ما قاله
أيضا : إنّ كثيرا من مطالبه وأحكامه رواها مؤلّفه عن غيره ، ممّا عبّر فيها عن
قائلها ببعض العلماء ، أو العالم المطلق.
ففي أوّله بعد
سطيرات ثلاثة : ونروي عن بعض العلماء أنّه قال في تفسير
__________________
هذه الآية ( هَلْ
جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ ) قال : ما جزاء من أنعم الله عليه بالمعرفة إلا الجنّة.
وبعده بسطرين :
إنّ بعض العلماء سئل عن المعرفة ، وهل للخلق فيه صنع؟ فقال : لا.
وفي موضع آخر منه
: روي عن العالم ، أو أروي عن العالم ، أو سئل العالم ، أو سألت العالم ، أو شكا
رجل الى العالم ، أو كنت عند العالم ، أو رجل سأله ، الى غير ذلك ، ممّا في
معناها.
والظاهر أنّ مراده
من العالم أحد المعصومين ، نظرا الى ما يعطيه تعقيبه بالتسليم عليه ، وذكر كلامه
على سبيل الاستناد إليه ، وأيضا الظاهر أن يكون المراد به إماما خاصّا ، ويكون ذلك
اصطلاحا منه في مقام التعبير عن إمام خاص قد أدركه صاحب الكتاب ، فإنّه كثيرا ما
يعبّر عن جملة من الأئمّة من أمير المؤمنين ، والحسنين ، والسجاد ، والصادقين ، وأبي
الحسن عليهمالسلام بأساميهم الشريفة ، وظاهر هذه التعبيرات يعطي أنّ ديدنه لم
يستقر على التعبير عن مطلق المعصوم بلفظ العالم ، ووجه منافاة هذه الكلمات لكلمات
المعصومين ، وكلمات خصوص مولانا الرضا عليهالسلام عين ما مرّ آنفا من أنّ هذه الطريقة طريقة لم توجد في شيء
من أخبارهم ، ولم يعهد عن أحد منهم في الآثار المعروفة ، والروايات المشهورة ،
المدوّنة في كتب أخبارنا المتداولة بين الطائفة.
نعم قد يوجد في
بعض التوقيعات الواردة من الناحية المقدّسة نظير ذلك ، ففي الاحتجاج لأحمد بن علي
بن أبي طالب الطبرسي ، شيخنا المتقدّم ، عند ذكر جوابات مسائل محمد بن عبد الله بن
جعفر الحميري ، الخارجة عن سيّدنا الحجّة عليهالسلام : وسئل عن الركعتين الأخراوين قد كثرت فيهما الروايات ،
فبعض يرى أنّ التسبيح فيهما أفضل ، وبعض قراءة الحمد وحدها
__________________
أفضل ، فالفضل
لأيّهما لنستعمله؟.
فأجاب عليهالسلام : « قد نسخت قراءة أمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح ، والذي نسخ التسبيح
قول العالم عليهالسلام : كلّ صلاة لا قراءة فيها فهي خداج ، إلاّ للعليل ،
أو من يكثر عليه السهو فيتخوّف بطلان الصلاة عليه » .
وفيها أيضا : وسئل
عن الرجل ينوي إخراج شيء من ماله ، وأن يدفعه الى رجل من إخوانه ، ثمّ يجد في
أقربائه محتاجا ، أيصرف ذلك عمّن نواه له الى قرابته؟.
فأجاب عليهالسلام : « يصرفه إلى أدناهما وأقربهما إلى مذهبه ، فإن ذهب الى قول العالم عليهالسلام : لا يقبل الله الصدقة وذو رحم محتاج ، فليقسّم بين القرابة وبين الذي نوى ،
حتى يكون قد أخذ بالفضل كلّه » .
وفيها أيضا : وسئل
عن الرجل تعرض له الحاجة ممّا لا يدري أن يفعلها أم لا ، فيأخذ خاتمين ، فيكتب في
أحدهما نعم افعل ، وفي الآخر لا تفعل ، فيستخير الله تعالى مرارا ، ثمّ يرى فيهما
، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج ، فهل يجوز ذلك أم لا؟ والعامل به والتارك له ، أهو
يجوز مثل الاستخارة أم هو سوى ذلك؟.
فأجاب عليهالسلام : « الذي سنّه العالم عليهالسلام في هذه الاستخارة بالرقاع والصلاة » .
وفيها أيضا : أدام
الله بقاك ، وأدام عزّك وكرامتك ، وسعادتك
__________________
وسلامتك ، وأتمّ
نعمته عليك ، وجزيل قسمه ذلك ، وجعلني من السوء فداك وقدّمني قبلك ، إنّ قبلنا
مشايخ وعجائز يصومون رجبا منذ ثلاثين سنة وأكثر ، ويصلون شعبان بشهر رمضان ، وروى
لهم بعض أصحابنا أنّ صومه معصية.
فأجاب عليهالسلام : « قال الفقيه : يصوم منه أيّاما إلى خمسة عشر يوما ، ثم يقطعه إلاّ أن يصوم عن
الثلاثة الأيّام الفائتة ، للحديث المنقول عن واحد من الصادقين ، إنّ نعم شهر
القضاء رجب وشعبان » .
وفيها : وسئل ،
فقال : روي لنا عن صاحب العسكر عليهالسلام أنّه سئل عن الصلاة في الخزّ الذي يغشّ بوبر الأرانب ،
فوقّع : « يجوز » ، وروي عنه عليهالسلام أيضا أنّه لا يجوز ، فأيّ الخبرين يعمل به؟.
فأجاب عليهالسلام : « إنّما حرّم في هذه الأوبار والجلود ، فأمّا الأوبار وحدها فكلّ حلال ».
وقد سئل بعض
العلماء عن معنى قول الصادق عليهالسلام : « لا يصلّى في الثعلب ، ولا في الثوب الذي يليه » فقال :
إنّما عنى الجلود دون غيرها .
وفيها أيضا حيث
سأله عليهالسلام الحميري عن التّوجه للصلاة وما يقال فيه.
فأجاب عليهالسلام : « التوجّه كلّه ليس بفريضة ، والسنّة المؤكّدة فيه التي كالإجماع الذي لا
خلاف فيه : وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ، حنيفا مسلما على ملّة إبراهيم ،
ودين محمّد ، وهدى عليّ أمير المؤمنين ، وما أنا من المشركين ، إنّ صلاتي ونسكي ،
ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ،
اللهمّ اجعلني من المسلمين ، أعوذ
__________________
بالله السميع
العليم من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرّحمن الرّحيم ، ثمّ تقرأ الحمد. قال
الفقيه الذي لا شكّ في علمه : إنّ الدين لمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والهداية لعليّ أمير المؤمنين عليهالسلام ، لأنّها له صلّى الله عليه وفي عقبه باقية الى يوم القيامة ، فمن كان كذلك
فهو من المهتدين ، ومن شكّ فلا دين له ، ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى » انتهى.
والتحقيق في دفع
ذلك أن يقال : إنّ هذه الفقرات الواقعة في التوقيعات المذكورة ، وإن كانت صريحة في
أنّه عليهالسلام عبّر عن بعض آبائه بالعالم ، وعن بعضهم ببعض العلماء ، وعن
بعض بالفقيه ، إلاّ أنّ التتبّع في الأخبار ، والتّأمل التّام في موارد الآثار
فيها يكشف عن أنّ التعبير عن بعض الأئمّة بالعالم ، والفقيه ، ونحوهما ، إنّما هو
شيء شاع في أصحابنا في زمن الغيبة الصغرى وانقطاع أوان الحضور ، وقبله لم يعهد عن
أصحابنا ذلك ، ولم يكونوا يعبّرون بمثل هذا إلاّ نادرا ، وكان المعروف بينهم
التعبير عنهم عليهمالسلام بكناهم وألقابهم المشهورة ، والظاهر أنّ ما وقع لمولانا
القائم عليهالسلام ـ أقام الله به أركان الشريعة ، وأقرّ بظهوره عيون الشيعة
ـ في جملة توقيعاته ممّا مرّ ، وغيره من أمثال ذلك التعبير ، إنّما نشأ من جهة ما
شاع في أوائل الغيبة في ألسنة الرواة ، وعلماء الأصحاب ، وما كان معهودا بين
السفراء وغيرهم ، واستقرّ عليه ديدنهم في مكاتباتهم إيّاه ، ومخاطباتهم له عليهالسلام من تعبيرهم عن بعض آبائه عليهمالسلام بذلك اللّقب.
والوجه في ذلك أنّ
من الشاهد المعروف بين أهالي العرف والعادات أنّ من يجب أحدا في مسألة من المسائل
، ويتكلّم معه في أمر من الأمور ، يوافقه كثيرا في اصطلاحاته ، ويتكلّم معه على
وفق ما هو المعهود لديه ، فبعد التأمّل في هذه الطريقة ، وثبوت أنّ هذا الاصطلاح
كان شائعا بين الشيعة في زمان الغيبة
__________________
الصغرى ، يظهر وجه
تعبير القائم عليهالسلام بأمثال ذلك اللّقب ، ولا يخفى أنّ هذا لا يقتضي تعميم
الاصطلاح والقول بجريانه في زمن الحضور ، فإنّ المعهود من أئمتنا عليهمالسلام خلافه كما نبّهنا عليه ، ولا يبعد أن يكون المراد بالعالم ، والفقيه ، في
خصوص هذه التوقيعات أحد العسكريّين عليهماالسلام ، فإنّهما ممّا عدّا من ألقاب أحدهما عليهماالسلام كما يستفاد من جملة من كتب المناقب والسير ، ولعل مراد السفراء والمكاتبين
أيضا ذلك ، وهذا الاحتمال جار في كلام الكليني قدّس سره في خطبة الكافي أيضا حيث
قال :
فاعلم يا أخي ـ أرشدك
الله ـ أنّه لا يسع أحدا تمييز شيء مما اختلفت الرواية فيه عن العلماء برأيه ،
إلاّ ما أطلقه العالم عليهالسلام بقوله : « اعرضوها على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله عزّ
وجلّ فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردّوه ».
وقوله عليهالسلام : « دعوا ما وافق القوم ، فإنّ الرشد في خلافهم ».
وقوله عليهالسلام : « خذوا بالمجمع عليه ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ».
ونحن لا نعرف من
جميع ذلك إلاّ أقلّه ، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه الى العالم
عليهالسلام ، وقبول ما وسع من الأمر فيه ، بقوله عليهالسلام : « بأيّهما أخذتم » من باب التسليم « وسعكم » انتهى.
وبالجملة فتعبير
مولانا الرضا عليهالسلام في خصوص كتاب من كتبه ـ دون سائر ما وصل إلينا من أخبارنا
ـ عن بعض آبائه عليهمالسلام ببعض العلماء أو العالم في غاية البعد ، ويؤيّده ما وقع في
هذا الكتاب كثيرا من التعبير عن آبائه ، من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الى سيدنا موسى بن جعفر عليهمالسلام بأساميهم وكناهم الشريفة.
وممّا فصّلناه
سابقا يظهر لك أنّ احتمال وقوع ذلك اللّقب في ذلك
__________________
الكتاب على سبيل
التقيّة في غاية البعد ، انتهى .
أقول : وفي كلامه
مواقع للنظر ، وقبل الإشارة إليها لا بدّ من الإشارة الى مقدّمة ، هي : أنّ كلّ ما
وقع التعبير به في أسانيد الأخبار بالنسبة إلى الحجج الطاهرين عليهمالسلام من الأسامي ، والألقاب ، والكنى ، فهو ممّن وقع في آخر السند من رجاله ، الذي
يتلقّى متن الخبر منه ، وهو صاحب التعبير عن الإمام بما اقتضاه المقام من أساميهم
وألقابهم الشريفة ، لا من صاحب الكتاب الذي أخرج الخبر في كتابه ، بل ولا من بعض
من وقع في وسط السند ، لو فرض أنّ صاحب الكتاب أخرج الخبر من كتابه ، ومنه علم
الناس جملة من ألقابهم وأدرجها الأصحاب في طيّ أحوالهم.
قال شيخنا الكشيّ
في رجاله ، في ترجمة إبراهيم بن عبد الحميد الصنعاني قال نصر بن
الصباح : إبراهيم يروي عن أبي الحسن موسى ، وعن الرضا ، وعن أبي جعفر عليهمالسلام ، وهو واقف على أبي الحسن عليهالسلام ، وكان يجلس في المسجد ويقول : أخبرني أبو إسحاق كذا ،
وفعل أبو إسحاق كذا ـ يعني أبا عبد الله عليهالسلام ـ كما كان غيره يقول : حدّثني الصادق عليهالسلام ، وحدّثني العالم ، وحدّثني الشيخ ، وحدّثني أبو عبد الله عليهالسلام ، وكان في مسجد الكوفة خلق كثير من أصحابنا ، فكلّ واحد منهم يكنّي عن أبي
عبد الله عليهالسلام باسم .
ولمعرفة صاحب هذه
الألقاب والكنى ، وتمييز المشترك منها ، عقد كثير من مصنّفي الرجال مقدّمة في
أوائل كتبهم أو أواخرها وذكروا فيها المراد منها ، ومستند تمييزهم بعض الأخبار
الخاصّة ، الذي يستكشف منه المراد ، ومن عبّر
__________________
عنهم عليهمالسلام بلقب أو كنية من المؤلّفين ، في الغيبة صغراها وكبراها ، فإنّما أخذوه من
أصحابهم عليهمالسلام ، وتلقّوه من رواياتهم ، وهذه الألقاب والكنى بعضها
كأساميهم الشريفة إلهيّ تلقّوه منهم عليهالسلام ، وبعضها من أصحابهم ـ على ما يظهر من مطاوي الأخبار ـ عبّروا
به عنهم لبعض الحكم ، منها التقيّة في أيّام اشتدادها ، كالتعبير عن أمير المؤمنين
عليهالسلام بأبي زينب في أيّام بني أميّة ، وولاية زياد والحجّاج ، وعن الحجّة عليهالسلام بالغريم ، كمّا صرّح به الشيخ المفيد قدسسره في الإرشاد ، ومنه التعبير عن الكاظم عليهالسلام بالعالم ، كما يأتي.
إذا عرفت ذلك
فلنرجع إلى ما عدّه من الأمور الموهنة من التعبير عن الكاظم عليهالسلام فيه بالعالم عليهالسلام ، فنقول : فيما نقله من التوقيع المبارك كفاية في رفع هذا
الاستبعاد ، وما ذكره في التحقيق من أنّه من مصطلحات رواة الشيعة في أوائل الغيبة
، وأنّه عليهالسلام كلّمهم على طريقتهم ، دعوى لم يأت لها ببيّنة ولا شاهد من
كلام أحد قبله من العلماء الأعلام. والعجب أنّه قال : فبعد التأمّل في هذه الطريقة
، وثبوت أنّ هذا الاصطلاح كان ، إلى آخره.
ونحن تأمّلنا فلم
نجد في كلامه أدنى شاهد لصدق ما ادّعاه ، فهل يثبت دعوى بلا شاهد ولا برهان؟! نعم
يظهر للمراجع في كلمات الأصحاب في مقام تمييز الروايات ، وتشخيص الألقاب : أنّ
العالم كان من ألقاب الكاظم عليهالسلام كما هو من ألقاب الصادق عليهالسلام أيضا ، كما مرّ في خبر الكشيّ ،
__________________
وصرّح به جماعة.
قال الشيخ فرج
الله الحويزاوي في رجاله : إذا أطلق في الروايات ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أو : وعنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فالمراد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ إلى أن قال ـ وإذا أطلق أبو الحسن عليهالسلام ، فالمراد به الكاظم عليهالسلام ، وكذا إذا قيّد بالماضي ، وكذا إذا أطلق أبو إبراهيم ،
والعالم ، والشيخ ، والفقيه ، والعبد الصالح ، وعبد صالح ، فهو المراد عليهالسلام ـ إلى أن قال ـ وقال بعض الأصحاب : إذا ورد في كتب أصحابنا أبو عبد الله
مطلقا ، كان المراد به الصادق عليهالسلام ، وكذا الفقيه مطلقا ، وكذا العالم مطلقا.
وقال المولى
الحاجّ محمّد الأردبيلي في جامع الرّواة : قال مولانا خدا وردي الأفشار في رجاله :
اعلم أنّ الأئمّة صلوات الله عليهم يذكرون كثيرا بالكنى ، فينبغي للمحدّث أن يبيّن
كناهم ، ويميّز الاشتراك ـ إلى أن قال ـ وأبو الحسن مشترك بين زين العابدين ،
والكاظم ، والرضا ، والنقي عليهمالسلام ، لكن المطلق هو الكاظم عليهالسلام ، وكذا الأول ، والماضي ، والعالم ، والفقيه ، والعبد
الصالح .
وقال شيخنا في
الفائدة الثالثة من خاتمة الوسائل : إذا أطلق في الرواية قال صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فالمراد به النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال : وإذا أطلق
أبو الحسن ، فالمراد به موسى الكاظم عليهالسلام ، وكذا أبو إبراهيم ، والعالم ، والفقيه ، الى آخره .
ونقل الشيخ أبو
علي الحائري في رجاله ، عن رجال المولى عناية الله أنّه ذكر كنى الأئمّة عليهمالسلام ، وألقابهم ـ الى أن قال ـ وأبو عبد الله للحسين والصادق عليهماالسلام ، لكنّ المراد في كتب الأخبار الثاني ، كالعالم ، والشيخ ،
__________________
وكذا الفقيه ،
والعبد الصالح ، وقد يراد بهما ، وبالعالم الكاظم عليهالسلام. قال أبو علي : أقول : في الأكثر يراد بالعالم ، والشيخ ،
والفقيه ، والعبد الصالح الكاظم ، لنهاية شدّة التقيّة في زمانه صلوات الله عليه ،
وخوف الشيعة من تسميته ، وذكره بألقابه الشريفة ، وكناه المعروفة .
وفي جمال الأسبوع
للسيّد علي بن طاوس قدسسره : حدّث أبو عبد الله أحمد بن محمد الجوهري ، قال : كتب
إليّ محمد بن أحمد بن سنان أبو عيسى ـ رحمة الله عليه ـ يقول : حدّثني أبي ، عن
أبيه ، عن جدّه محمد بن سنان ، قال : قال العالم صلوات الله عليه : « هل دعوت في
هذا اليوم بالواجب من الدعاء » وكان يوم الجمعة ، الخبر .
وفي كتاب عمل شهر
رمضان له ، في دعاء الليلة السابعة عشر : رويناه بإسنادنا إلى العالم عليهالسلام ، أنّه قال : « هذه اللّيلة هي الليلة التي التقي فيها الجمعان يوم بدر »
الخبر .
وفي مكارم الأخلاق
: روي عن العالم عليهالسلام أنّه قال : « ثلاثة لا يحاسب عليها المؤمن : طعام يأكله ،
وثوب يلبسه ، وزوجة صالحة تعاونه ويحرز بها دينه » .
وفيه : وقال
العالم عليهالسلام : « في القرآن
شفاء من كل داء » .
وفيه : وروي عن
العالم عليهالسلام أنّه قال : « من نالته علّة. » الخبر .
__________________
وفي علل الشرائع
للصدوق قدسسره : حدّثنا عليّ بن أحمد ـ رحمهالله ـ قال : حدّثنا محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمد ، عن
إسحاق بن إسماعيل النيسابوري أنّ العالم كتب إليه ـ يعني الحسن بن علي عليهماالسلام ـ « إنّ الله عزّ وجلّ. » الخبر . وإنّما فسّره بالعسكريّ عليهالسلام لعدم انصراف الإطلاق إليه.
وفي توحيده : عن
عليّ بن أحمد الدقاق ، عن الكليني ، عن الحسين بن محمد بن عامر ، عن المعلّى قال :
سئل العالم عليهالسلام كيف علم الله.؟ الخبر .
ولعلّ في هذا
المقدار كفاية لمن أراد معرفة ثبوت ما ادّعيناه ، من كون العالم من ألقابهما عليهماالسلام ، الدائرة على ألسنة أصحابهم عليهمالسلام في أيّام حضورهم.
ولا يبعد أن يكون
الأصل فيه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي ، والصفّار في بصائر الدرجات ، بأسانيد
متكثّرة ، وغيرهما في غيرها ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال : « يغدو الناس على ثلاثة صنوف : عالم ، ومتعلّم
، وغثاء ، فنحن العلماء ، وشيعتنا المتعلّمون ، وسائر الناس غثاء » بل فيه ، وفي
تأويل الايات مسندا أنّ المراد من العلماء ، في قوله تعالى : ( إِنَّما
يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) هو أمير المؤمنين والأئمّة عليهمالسلام .
الرابع : ما ذكره
في الفصول من اشتماله على نقل أخبار متعارضة في موارد عديدة ، من غير إشارة إلى
طريق الجمع بينها ، ولا الى ما هو الحقّ منها
__________________
والصواب ، ولا إلى
أنّه ممّا يجوز الأخذ بكلّ منهما من باب التسليم ، فيستفاد منه قاعدة كليّة أفيد
من بيان ما هو المعتبر في خصوص الواقعة ، ثمّ عدّ بعض الأمثلة لذلك .
ويمكن أن يقال بعد
الغضّ عن احتمال كون الكتاب من إملائه الجائز على هذا الفرض كون ذكر المعارض من
الجامع لا المملي عليهالسلام ، وتسليم كونه من تأليفه عليهالسلام : إنّ هذا الاعتراض يأتي في كلّ خبر صادر عن إمام وعند
الراوي عمّن قبله من الأئمّة عليهمالسلام ما يعارضه ، لعلمه عليهالسلام بذلك ، وبابتلاء الراوي والسائل بالمعارض ، واحتياجه الى
رفعه بما أشار إليه ، وهذا أمر غير عزيز في الأخبار.
وحلّه في المقامين
: أنّهم عليهمالسلام ألقوا إلى أصحابهم طريق العلاج في موارد ابتلائهم بالأخبار
المتعارضة ، من التخيير والتسليم ، ووجوه الترجيح ، وأكثر ما ورد في هذا الباب
مروي عن الصادق عليهالسلام ، وكانت دائرة بين الأصحاب خصوصا أخبار التسليم منها ،
وبعد رفع تحيّرهم ومعرفتهم طريق العلاج ، ما كانوا محتاجين الى التنبيه والإشارة
في كلّ واقعة ومورد ، وربما كان في عدم الإشارة مع ذكر المعارض للراوي ، أو علمه
بوجوده عنده ، أو بعثوره عليه ، تقرير لما في أيديهم من طرق العلاج ، وتمرين لهم
بإعمال ما عندهم منها في موارد التعارض التي لا تحصى ، مع أنّ فيه ما أشار إليه من
الإشارة إلى طريق العلاج.
ففي باب النفاس
قال : والنفساء تدع الصلاة. أكثره ، مثل أيّام حيضها وهي عشرة ـ الى أن قال ـ وقد
روي ثمانية عشر يوما ، وروي ثلاثة وعشرين يوما. وبأيّ هذه الأحاديث أخذ من جهة
التسليم جاز فالإيراد ساقط من
__________________
أصله ، والله
العالم.
الخامس : ما فيه
أيضا من أنّه قال في باب القدر : سألت العالم عليهالسلام : أجبر الله العباد على المعاصي؟ فقال : « الله أعزّ من
ذلك » فقلت له : ففوّض إليهم؟ فقال : « هو أعزّ من ذلك » فقلت له : فصف لنا
المنزلة بين المنزلتين ، الى آخره ، ولا خفاء في أنّ مثل هذا السؤال ، ممّا يبعد صدوره عن
الامام عليهالسلام ، انتهى .
ولا يخفى أنّ
علمهم عليهمالسلام بما يحتاجون إليه من الأصول والفروع ، وما يحتاج إليه
العباد كان معهم في صغرهم ، علّمهم الله تعالى بالطرق التي اختصّهم بها ، وفي
الظاهر كانوا يتعلّمون بعضهم من بعض ، ويتلقّونه منهم كما يتلقّى غيرهم منهم أو من
غيرهم بالسؤال الظاهر في جهالة صاحبه ، أو بالإلقاء من غير مسألة.
وفي الأخبار في
المقامين ما لا يحصى من سؤال بعضهم عليهمالسلام من بعض ، أو تعليم بعضهم عليهمالسلام بعضا ، فيما يتعلّق بالأصول والفروع ، ولا بدّ في جميعها
من جميعها من ذكر وجه ، أو وجوه لرفع البعد عن ظاهرها ، من الدلالة على جهلهم ،
الذي ينبغي تنزيههم عنه.
ولنتبرّك بذكر خبر
واحد :
روى القطب
الراوندي في لبّ اللباب : ونزل فيه ـ يعني عليّا عليهالسلام ـ ( إِذا ناجَيْتُمُ
الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) ولم يعمل بها غير
عليّ عليهالسلام ، كان معه دينار فباعه بعشرة دراهم ، وأعطاها المساكين ،
وسأل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عشر مسائل :
أوّلها : قال : «
يا رسول الله كيف ادعوا الله؟ » قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
__________________
« بالصدق والوفاء
».
الثاني : قال : «
ما أسأل الله؟ » قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « العافية ».
الثالث : قال : «
ما أصنع لنجاتي؟ » قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « كل حلالا ، وقل صدقا ».
قال : « فما النور؟
» قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « القرآن ».
قال : « فما
الفساد؟ » قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ظهور الكفر والبدع والفسق ».
قال : « فما عليّ؟
» قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أمر الله وأمر رسوله » .
قال : « فما
الحيلة؟ » قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ترك الحيلة ».
قال عليهالسلام : « فما الحقّ؟ » قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الإسلام والقرآن والخلافة ».
قال عليهالسلام : « فما الوفاء؟ » قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « شهادة أن لا إله إلاّ الله ».
قال عليهالسلام : « فما الراحة؟ » قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الجنّة ».
السادس : ما في
الرسالة السابقة أيضا من أنّ كثيرا من أحكام ذلك الكتاب ، ممّا خالف جملة من
ضروريّات المذهب وقطعيّاته ، وجملة منها ممّا لا يناسب شيئا من قواعد مذهبنا ، ولا
شيئا من قواعد المخالفين ، وكثيرا منها ممّا لا يساعده ما عليه معظم أصحابنا ، ولا
ما انعقد عليه إجماعهم في سائر الأعصار والأمصار ، ثمّ شرع في التفصيل ولم يذكر من
موارد الطوائف الثلاثة ، إلاّ مسائل معدودة :
منها : ما في باب
المواقيت من قوله : وإن غسلت قدميك ونسيت المسح
__________________
عليهما فإنّ ذلك
يجزيك ، لأنّك قد أتيت بأكثر ممّا عليك ، وقد ذكر الله الجميع في القرآن المسح
والغسل في قوله : ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) أراد به الغسل ،
بنصب اللام ، وقوله : ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ ) بكسر اللام ، وكلاهما جائزان ، الغسل والمسح .
ومنها : ما وقع
فيه من تحديد مقدار الكرّ ، وهو قوله : والعلامة في ذلك أن تأخذ الحجر وترمي به في
وسطه فإن بلغت أمواجه من الحجر جنبي الغدير فهو دون الكرّ ، وإن لم تبلغ فهو كرّ ،
ولا ينجسه شيء .
ومنها : ما وقع في
باب لباس المصلّي منه ، من جواز الصلاة في جلد الميتة بتعليل أنّ دباغته طهارته .
ومنها : ما وقع
فيه من نفي كون المعوذتين من القرآن ، وعدّهما من الرّقى .
ومنها : ما فيه في
باب الشكوك ، من فروع بعضها موافق للعامّة ، وبعضها لم يذهب إليه أحد من أصحابنا ،
إلاّ عليّ بن بابويه ، والإسكافي ، وبعض نادر منهم.
ومنها : ما وقع
فيه في باب النكاح ، من اشتراط حضور الشاهدين في النكاح الدائم .
__________________
ومنها : ما في
أواخر الكتاب ، من التفصيل في أمر المتعة ، وهو قوله : ونهي عن المتعة في الحضر ،
ولمن كان له مقدرة على الأزواج والسراري ، وإنّما المتعة نكاح الضرورة للمضطرّ الذي لا يقدر على
النكاح ، منقطع عن أهله وولده ، انتهى .
قلت : أمّا بناء
على كون الكتاب من إملائه عليهالسلام ، فقد أشار المجلسي إلى دفع هذا الإيراد ، بقوله في أبواب
الشكوك من بحاره : ولعلّ جامع الكتاب جمع بين ما سمع منه عليهالسلام في مقامات التقيّة وغيرها ، وأوردها جميعا .
وعلى الاحتمال
الآخر ، فيمكن أن يقال : إنّه لا يشترط في الحمل على التقيّة حضور من يخاف منه ،
فيكون وجود ما ينافي التقيّة في جملة الكلام ممّا يبعّد الحمل المذكور ، سواء في
ذلك أقوالهم ومكاتيبهم عليهمالسلام ، فإنّ علمهم عليهمالسلام بابتلاء المكتوب إليه في بعض المقامات بما يوجب التقيّة ،
كاف في تعليمه بما يدفعها في محلّ الحاجة ، وإن لم يحتج إليه في غيره ، فلا يلزم
أن يكون كلّ ما في الكتاب جاريا على طريقة المخالف ، ولا يمنع وجود ما ينافي
التقيّة فيه عن حمل ما يلائمها عليها ، فلعلّه عليهالسلام كان يعلم بابتلاء أحمد السكين الذي كتب الكتاب لأجله في
هذه المقامات بما يلزمه العمل بما يخالف الحقّ ويوافق القوم أو بعضهم.
مع أنّ جملة ممّا
ذكر قابل للتوجيه ، فإنّ ما نقله في أمر المتعة ليس في النسخة الصحيحة القميّة ،
بل ذكر فيها أحكام المتعة كما هو موجود في الأخبار
__________________
المعتبرة ، ودائر
في ألسنة الفقهاء ، وإنّما هو في النسخة الأخرى التي ألحقت بها نوادر أحمد بن محمد
بن عيسى ، وأدرج فيها ما يظنّ كونه أيضا من إملائه عليهالسلام.
ومنه ما نقله في
أمر المتعة فلاحظ.
والإشهاد في
الدائم يحمل على الاستحباب ، كما حمل عليه ما دلّ على الإشهاد في بعض الأخبار.
ومرّ في كتاب
الطهارة وجه لما فيه من تحديد الكرّ .
وأمّا ما نقله من
لباس المصلّي ، ففي الكتاب في الباب المذكور في كتاب الصلاة : ولا تصلّ في جلد
الميتة على كلّ حال . نعم في باب آخر منه بعد باب الصناعات ذكر جواز اللّبس فيه
معلّلا بما ذكر ، ولا يظهر منه جواز الصلاة فيه إلاّ بملاحظة سابقه ولاحقه ، وبعد التسليم
فلا مناص من الحمل على التقيّة بعد النصّ المتقدّم.
الى غير ذلك من
الوجوه القريبة أو البعيدة ، التي يرتكبون مثلها في سائر الأخبار ، حتى في الواحد
منها ، المنافي صدره لذيله ، وقد أشار الى جملة من تلك الوجوه في الرضوي ، العالم
الفاضل ، المولى الجليل محمد ، المعروف بشاة قاضي اليزدي ، صاحب المؤلّفات الرائقة
في ترجمته للفقه الرضوي.
السابع : ما فيها
أيضا : أنّ من جملة الأمور المذكورة ، ما وقع في أوائله من الرواية عن أبي بصير
وبعض آخر من الرّواة على طريقة المحدّثين ، وما يوجد في الخمس الأخير منه من
الرواية عن بعض الأئمّة عليهمالسلام بوسائط
__________________
متعدّدة.
ففي باب فضل صوم
شعبان وصلته برمضان منه : أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن
عيسى ، عن سماعة بن مهران ، الى آخره ، ثمّ أطال الكلام في نقل أمثاله.
والاعتراض فاسد
لفساد أصله ، من كون ما نقله من أجزاء كتاب فقه الرضا عليهالسلام ، بل هو من أجزاء نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ، أدخل هو أو بعض الرواة أو
النسّاخ الرضوي فيه ، وقد التفت ـ سلّمه الله ـ الى ذلك بعد مدّة ، فاستدرك ما
ذكره في الحاشية.
فقال : من جملة ما
عثرت عليه بعد مضيّ سنين عديدة من تأليف هذا الكتاب ، إنّي وقفت على كتاب نوادر
أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمّي ، فوجدته مطابقا لهذه الأخبار المسندة
المذكورة في الكتاب ، وقد حصل لي الظنّ القويّ ، بل المتاخم للعلم بأنّ هذه
الأخبار مأخوذة عن النوادر ، ويؤيده أنّ الحديث الأوّل المذكور في الكتاب أوّل
رواته أحمد بن محمد بن عيسى ، وهذا موافق لطريقة قدماء أهل الحديث ، حيث يذكرون في
أوّل كتبهم المصنّفة أساميهم ، انتهى.
ولا يخفى أنّ
الموجود من النوادر ليس إلاّ المنضمّ بالرضوي ، ولم يكن عند العلاّمة المجلسي ،
وشيخنا الحرّ أزيد من ذلك ، كما لا يخفى على من راجع البحار والوسائل ، وراجع
الرضوي ، فلا يجد فيهما خبرا منقولا عن النوادر إلاّ وهو موجود فيه ، هذا على ما
في بعض نسخ الرضوي ، وما أكثرها ، فآخره هو باب القضاء والقدر ، وباب الاستطاعة ،
الذي يتبعه باب فضل صوم شعبان في النسخة الأخرى ، وهو أوّل النوادر ، وليس فيها
خبر مسند أصلا. وفي النوادر أيضا أبواب ومقالات يظنّ أنّها من أصل الرضوي ، اختلطت
به حتّى
__________________
صار سببا للاشتباه
، ويحتاج الناظر في تمييز أحدهما من الآخر إلى بصيرة المعيّة ، ورأينا في بعض
مواضع الوسائل نقل عن النوادر ، والمنقول رضوي لا يعتني هو به كما تقدّم.
الثامن : ما أشار
إليه والى جوابه السيّد السند في المفاتيح ، قال : لا يقال لو كان من الامام عليهالسلام لكانت عباراته فصيحة سلسلة ، واللازم باطل ، أمّا الملازمة فلأنّه اللائق
بحالهم ، وأمّا بطلان اللازم فلأنّك إذا تتبّعت عباراته لتحقّقت ذلك.
لأنّا نقول : لا
نسلّم أنّ ذلك لائق بحالهم ، بل اللائق بحالهم التعبير بما تقتضيه الحكمة ، وقد
تقتضي الحكمة التعبير بما يخالف القواعد العربيّة ، حيث يتوقّف فهم المسائل عليه ،
ولعلّ التعبير في ذلك الكتاب مستند الى حكمة خفيّة ، انتهى .
قلت : روى عليّ بن
الحسين المسعودي في كتاب إثبات الوصيّة ، عن الكلابي ، عن أبي الحسن عليّ بن بلال
وأبي يحيى النعماني ، قالا : ورد كتاب من أبي محمد عليهالسلام ونحن حضور عند أبي طاهر بن بلال ، فنظرنا فيه ، فقال
النعماني : فيه لحن ، أو يكون النحو باطلا ، وكان هذا بسرّ من رآى ، فنحن في ذلك
حتى جاء توقيعه عليهالسلام : « ما بال قوم يلحنوننا ، وإنّ الكلمة نتكلّم بها تنصرف
على سبعين وجها ، فيها كلّها المخرج منها والمحجّة » .
هذا ، وما يوجد في
بعض مواضعه ممّا هو على خلاف العربيّة ، فالظاهر أنّه من الناقلين له من الخطّ
الكوفيّ ، وعدم مهارتهم في قراءته وفي القواعد العربيّة ، فلاحظ.
__________________
خاتمة تتعلّق
بالمقام : اعلم أنّ الراوي إذا كان عدلا إماميا فالخبر من جهته صحيح ، ولا يحتاج
في مقام الحجيّة بعد إحراز الإيمان والعدالة فيه الى فضيلة اخرى ، كالفقاهة ،
والزهّادة ، والتصنيف ، وغيرها ، فإن وجدت فيه فهو كمال لا يضرّ فقده ، وقد نقل في
المفاتيح اتّفاق الأصحاب على عدم اشتراط الفقاهة. نعم قد يحتاج إليه في مقام
الترجيح المؤخّر عن مقام الحجيّة.
وقد تقدّم عن
العلاّمة الطباطبائي في فوائده أنّه تمسّك في كلامه في حجيّة الكتاب : بأنّ القاضي
السيّد مير حسين أخبر بأنّه من الإمام عليهالسلام ، الى آخره. وقد وثّقه المجلسي كما تقدّم ، وقال خرّيت هذه
الصناعة الآميرزا عبد الله في رياض العلماء : السيد القاضي الأمير حسين ، فاضل عالم
، جليل نبيل ، هو من مشايخ إجازة الأستاذ الاستناد ـ أدام الله تعالى فيضه ـ وعليه
اعتمد في صحّة كتاب فقه الرضا عليهالسلام ، وتصحيح انتسابه الى مولانا الرضا عليهالسلام ، انتهى .
وهذا المقدار يكفي
في الحكم بصحّة خبره وحجيّته لو فرض خلوصه عن بعض الاعتراضات ، كما أشرنا إليه في
صدر كلامنا ، والعلاّمة الطباطبائي ظنّ أنّ القاضي أمير حسين المذكور ، هو بعينه
السيّد حسين الكركي ، فذكر شطرا من مناقبه ، وفضائله ، ومؤلّفاته.
وهذا اشتباه لم
يصدر منه ـ رحمهالله ـ إلاّ لما قيل من أنّ الجواد قد يكبو ، وهذا الاشتباه غير
مضرّ بأصل المقصود من وثاقة حامل الكتاب ، بل عدّه صاحب الرياض ـ المعاصر له ـ من
العلماء كما عرفت ، إلاّ أنّ السيد الميرزا محمد المتقدم ـ صاحب الرسالة ـ وأخاه
الفاضل في الروضات لمّا وقفا على هذا
__________________
الاشتباه ، جعلا
يطعنان على هذا السيّد الجليل ، خصوصا الأخير منهما أشدّ الطعن ، وأساء الأدب إليه
وأطال في الروضات الكلام بما لا ينبغي صدوره منه إليه ، ولا فيه منفعة سوى
الإطالة.
قال العلامة
المذكور : والقاضي أمير حسين الذي حكى عنه الفاضلان المجلسيّان ذلك هو السيّد أمير
حسين بن حيدر العاملي الكركي ، ابن بنت المحقّق الشيخ عليّ بن عبد العالي الكركي ـ
طاب ثراه ـ وكان قاضي أصبهان والمفتي بها في الدولة الصفويّة ، أيّام السلطان
العادل الشاه طهماسب الصفوي ، وهو أحد الفقهاء المحقّقين ، والفضلاء المدقّقين ،
مصنّف مجيد ، طويل الباع ، كثير الاطّلاع ، وجدت له رسالة مبسوطة في نفي وجوب
الجمعة عينا في زمن الغيبة ، وكتاب النفحات القدسيّة في أجوبة المسائل الطبرسيّة ،
وكتاب دفع المناواة عن التفضيل والمساواة ، وضعه لبيان أفضليّة أمير المؤمنين عليهالسلام على جميع الأنبياء ، ومساواته لنبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ في النبوة ، وهو كتاب جليل ينبئ عن فضل مؤلّفه النبيل
، وله كتاب الإجازات فيه إجازة جمّ غفير من العلماء المشاهير ، منهم خاله المحقّق
المدقّق الشيخ عبد العالي بن المدقّق الشيخ علي الكركي ، وابن خالته السيّد العماد
الأمير محمد باقر الداماد ، والشيخ الفقيه الأوحد الشيخ بهاء الدين محمد ، وقد
وصفه جميعهم بالعلم ، والفضل ، والتفقّه ، والنبالة.
ثمّ ذكر بعض ما في
إجازة الشيخ البهائي ـ الى أن قال ـ ونحن نروي عن هذا السيّد الأمجد ، والسند
الأوحد ، ما صحّت له روايته ، واتّضحت لديه درايته ، بطرقنا المتكثّرة ، عن شيخنا
العلاّمة المجلسي ، عن والده المقدّس المجلسي ، عنه ، الى آخره . وفيه اشتباه من
جهتين :
الأولى : حكمه
باتّحاد القاضي أمير حسين المذكور ، مع السيّد حسين
__________________
ابن السيّد حيدر
العاملي الكركي.
الثانية : حكمه
بأنّ السيد حسين الكركي المذكور ، هو بعينه ابن بنت المحقّق الثاني ، وابن خالة
المحقّق الداماد والمفتي في الدولة الصفويّة ، وصاحب كتاب دفع المناواة ، وكلاهما
فاسدتان.
أمّا الاولى :
فلأنّ صاحب الرياض ـ الذي هو استاد أهل هذه الصناعة ، وكان في عصرهم ـ جعل القاضي
أمير حسين ـ صاحب الرضوي ـ عنوانا مستقلا في الرياض ، ولم يذكر له نسبا ، ولا شيخا
في الإجازة ، ولا شغلا من الإفتاء في الدولة الصفويّة ، ولا تأليفا . وذكر السيّد
الكركي المذكور بعد ذلك ، وذكر نسبه ، وبلده ، ومشايخه ، وبعض ما يتعلّق به . فلو كانا
متّحدين لأشار في إحدى الترجمتين الى ذلك ، لشدّة حرصه على ضبط أمثال هذه الأمور ،
ونهاية اطّلاعه عليها ، وأمّا الطبقة فغير مضرّ ، فإنّه يروي عن المحقّق الداماد ،
والشيخ البهائي ، والشيخ محمد بن الشيخ حسن بن الشهيد ، وتأريخ إجازته له في سنة
تسع وعشرين وألف ، فيكون في طبقة المجلسي الأوّل ، فلا يبعد روايته وولده العلاّمة
عنه.
وأمّا الثانية :
فلأنّ العالم المفتي ، الملقّب بخاتمة المجتهدين ، صاحب كتاب دفع المناواة ، هو
سيّد المحقّقين ، السيّد حسين بن السيّد ضياء الدين أبي تراب حسن بن صاحب الكرامات
الباهرة ، والمقامات الزاهرة ، شمس الدين السيّد أبي جعفر محمد الموسوي الكركي ،
المعروف بالأمير سيّد حسين المجتهد ، والأمير حسين المفتي ، وهو ابن بنت المحقّق
الثاني ، وكان نازلا منزلته عند الأمراء والسلاطين ، توفّي بالطاعون سنة إحدى وألف
بقزوين ، وعندي نسخة صحيحة من كتاب دفع المناواة ، على ظهرها خطّ المجلسي ، وفي
آخرها : وفرغ
__________________
من تسويدها
مؤلّفها المذنب الجاني الحسين بن الحسن ، في رابع ربيع الأوّل من سنة تسع وخمسين
وتسعمائة ، فهو في طبقة الشهيد الثاني ، فلا يمكن رواية المجلسي الأوّل عنه ، وقد
تولّد بعد وفاة السيّد بسنتين ، وهذا من الظهور بمكان لا يخفى على من راجع الرياض
وغيره ، ولكن هذا الاشتباه الغير المضرّ بشيء من الأمور المتعلّقة بالدين ، لا
يقتضي هذا الحدّ من الجسارة وسوء الأدب إلى مثل هذا النّحرير ، الذي هو آية الله
عند نواميس الدين ، وحملة الشريعة.
فقال الأول في
الرسالة : وأمّا ما تقدّم من اتّحاد القاضي أمير حسين المذكور ، مع السيّد الأجلّ
الأكمل ، السيّد حسين بن حيدر العاملي المجتهد ، كما توهّمه سيّدنا صاحب الدرّة ،
فهو أيضا كلام عار عن التحقيق ، وناشئ عن قلّة التتبّع والتدقيق ، ثمّ ذكر ما
شرحنا خلاصته .
وقال الثاني في
الروضات : ثمّ من عجب العجاب كلّ العجاب في هذا الباب ، هو ما اتّفق لأفضل
متأخّرينا البارع المتتبّع ، الذي هو بحر العلوم في نواظر أصحاب الرسوم ، من أنّ
الأمير سيّد حسين القاضي الأصبهاني ، الذي قد جاء بنسخة كتاب « الفقه الرضوي » في
هذه الأواخر معه من سفر الحجّ إلى أصفهان ، وأخذ منه تلك النسخة ، ورواها عنه ،
وأسندها إليه من بعد ذلك المجلسيان ، لمّا رأياه يدّعي القطع بصدوره عن مولانا
الرضا عليهالسلام ، وهو من الثقات لديهما ، هو بعينه نفس هذا السيّد الأجل
الأفخر ، حسين بن السّيد حيدر الكركي العاملي ، وإنّه أيضا المتولّي لمنصبي القضاء
والإفتاء بأصفهان ، في دولة الشاه طهماسب الصفوي الموسوي ، وأحد الفقهاء المحقّقين
، الى آخر ما تقدم عن الفوائد ، قال : قصدا إلى تأييد ما هو بصدده من إثبات حجيّة
هذا الكتاب : بكون الراوي له ، الواجد إيّاه ، الحاكم بقطعيّة صدوره هو مثل هذا
الجناب المستطاب ، مع كلّ ما قد عرفته فيه من المراتب العالية ، وجميل
__________________
الألقاب ، دون رجل
مجهول الحال ، ليس يعرف قدره ومنزلته الى الآن من كتب الرجال ، إلاّ من جهة
استفادة مصداق مّا من التوثيق له ، الخارج مرّة على سبيل الاتّفاق ، دون التعمّد
في الإطلاق ، الذي هو بعد التأمّل في الأعماق ، من فم مولانا المجلسي بل قلمه
المسامح فيه فحسب.
وكان السبب في مثل
صدور هذا الخبط العظيم ، والخلط الجسيم ، من مثل هذا الرجل العليم ، والحبر الحكيم
ـ بناء على أنّ الصارم قد ينبو ، والجواد قد يكبو ، بل الفاضل من تعدّ أغلاطه ـ هو
ما ورد في الأخبار من أنّ : حبّ الشيء يعمي ويصمّ .
فإذن المهمّ كلّ
المهمّ ، أن نعطف عنان الهمّة الى صوب كشف هذا الملمّ ، بتذنيب من الكلام هو لجدوى
هذه الترجمة متمّ ، ويتوجّه منه النظر الى جواب هذه المغلطة العظمى ، مدّعى ودليلا
، بأربعة وجوه.
ذكر في أوّلها شرح
البون البعيد بين الرجلين ، وذكر جملة من اللوازم الباطلة للقول باتّحادهما ، ممّا
أخرج الكتاب عن الكتب العلميّة ، وأطال الطعن والتشنيع على السيّد الجليل ، معبّرا
عنه في خلال كلماته بالموحّد ، فكأنّه أبدع في الدين ، وزاد أو نقص في شريعة سيّد
المرسلين صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وذكر في ثانيها
كلام صاحب الرياض ، واحتجّ بما صنعه فيه من ذكره القاضي الأمير حسين ، الخالي عن
النّسبة إلى أبيه ، في ترجمة له بالخصوص مختصرة ، عقيب ترجمة السيّدين
المقدّمين بأكمل التفضيل ، من غير إشارة إلى منزله فيه ، أو قابليّة دخوله في زمرة
المصنّفين من الأصحاب ، أو نسبة شيء إليه سوى محض النقل لما ذكره أستاذه المعظّم
إليه في حقّه ، قال : ويظهر منه كون الرجل في ذلك العصر غير معروف بنسب أو حسب عند
أحد من غير الخواصّ ، كأحد من المريدين لهم ، بحيث لم يكن عنده في زمان التصنيف
__________________
ـ من شدّة خمول
اسم الرجل عليه ـ بسمة أبيه. .
إلى آخر ما ذكره
ممّا يقضي منه العجب ، فكأنّه ظنّ أنّ أحدا لا يطّلع على الرياض فاشتبه الأمر على
الناظرين ، فإنّه قال فيه : السيّد القاضي الأمير حسين : فاضل ، عالم ، جليل ،
نبيل ، هو من مشايخ إجازة الأستاذ الاستناد ـ أدام الله فيضه ـ الى آخره . أليس كلامه
صريحا في كونه عنده من العلماء الأجلاّء؟! أيشترط في عدّ الرجل منهم ذكر أبيه ، أو
كونه من المؤلّفين؟ فلو اخرج الرجل ـ للجهل باسم أبيه ، وعدم تأليف له ـ من زمرة
العلماء لخرج منهم جمّ غفير من الذين ترجمهم في الكتاب المذكور ، الذي يطعن فيه
على معاصره شيخنا الحرّ ـ رحمهالله ـ من ذكر بعض الرجال في أمل الآمل ، الموضوع لذكر العلماء
مع أنّه ليس منهم.
ففي ترجمة الأمير
سيّد حسين المفتي المتقدّم ما لفظه : ولقد أغرب شيخنا المعاصر في أمل الآمل حيث
قال : إبراهيم بن محمد بن الحسين بن الحسن الموسوي العاملي الكركي ، عالم ، فاضل ،
جليل القدر ، شيخ الإسلام في طهران ، من المعاصرين ، وهو ابن أخي ميرزا حبيب الله
، أو ابن عمّه ، انتهى.
إذ عدّ مثل هذا
الرجل من العلماء ، وإيراده في هذا الرجال المخصوص بالفضلاء يورث الوهن في سائر من
أوردها ، ولذلك قد نسبنا إليه كلّ من لا نعرفه ، وانفرد هو بنقله ، سيّما في شأن
معاصريه ، كي تكون العهدة عليه. ونظير ذلك بل أغرب منه ، إيراده ـ رحمهالله ـ أميرزا حبيب الله المذكور أيضا في هذا الرجال كما سيأتي ، وكذا قوله :
السيّد ميرزا عليّ رضا بن ميرزا حبيب الله الموسوي العاملي الكركي ، كان عالما ،
فاضلا ، محقّقا ، مدقّقا ، فقيها ، متكلّما ،
__________________
جليل القدر ، عظيم
الشأن ، شيخ الإسلام في أصفهان ، توفّي سنة إحدى وتسعين وألف ، انتهى.
ونحوه قوله :
السيّد ميرزا محمد معصوم بن ميرزا محمد مهدي بن ميرزا حبيب الله الموسوي العاملي
الكركي ، كان عالما ، فاضلا ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، اعتماد الدولة في أصفهان ،
انتهى.
فإنّ عدّ هؤلاء من
أجلّة العلماء ، وإدخاله في رجال هؤلاء الكبراء في وقاحة شنعاء ، لا سيّما مع غاية
المدح والإطراء ، كما لا يخفى ، انتهى ما في الرياض .
فليتأمّل المنصف
في كلامه هذا ، وفيما نسبه إليه في الروضات ، من أنّه ذكر في عداد العلماء النبلاء
الأجلاّء ، رجلا مجهولا لا يعرف إلاّ بحمله كتاب فقه الرضا عليهالسلام من مكّة المعظّمة إلى أصفهان ، وإنّ ما نسبه إليه من العلم ، والفضل ،
والجلالة ، والنبالة ، في أصل الترجمة كأنّه افتراء ، مع أنّه احتمل في كلامه أنّ
صاحب الرياض لاقاه.
وليت شعري ما
الدّاعي لذكره فيه لولا أنّه من العلماء ، وكيف صار حمل الكتاب ـ وإن كان الحامل
ثقة ، صالحا ، ورعا ـ مقتضيا للضبط والترجمة ، والتوصيف بالعلم والجلالة؟! لولا
معرفته به ، واعتقاده بما وصفه به ، مع كونه في عصره ، مع أنّ جميعهم وصفوه
بالقضاوة.
وأنت خبير بأنّ
حال القاضي وصفاته غير خفيّة على أهل عصره ، لابتلائهم به ، إمّا : بعلوّ الدرجة
في العلم ، والفضل ، والتقوى كما هو الغالب في
__________________
قضاة أعصار
الصفويّة ، الذين كانوا غير متمكّنين من القضاوة والحكم إلاّ بعد تصديق شيخ
الإسلام المعاصر له ، كالمحقّق الكركي ، والسيّد المتقدّم ، والشيخ علي المنشار ،
والشيخ البهائي ، والمحقّق السبزواري ، وأضرابهم من أعاظم العلماء ، أو بالجهل ،
والحرص ، والحيف ، والطمع ، وغيرها كما هو الغالب في طبقات من بعدهم ، فكيف يصير
قاضيا ، ويوصف بالقضاوة ، ولا يعرف علمه ، وجهله ، وعدالته وفسقه؟!.
وأعجب من ذلك نسبة
المجلسي الأوّل إلى المسامحة في التوثيق ، في قوله كما تقدّم : إنّ من فضل الله
علينا ، إنّه كان السيّد الفاضل ، الثقة ، المحدّث ، القاضي أمير حسين ـ رحمهالله ـ الى آخره ، ومثله كلام الثاني في البحار ، فلينصف الناظر.
إنّ حبّ التأييد
والحجيّة أعمى وأصمّ السيد المؤيّد بحر العلوم ، أو حبّ عدم الحجيّة أعمى من
يتشبّث له بهذه الأمور ، التي هي أوهى من الحشيش ، من إنكار العلم والوثاقة في
السيّد بعد أزيد من مائتي سنة ، مع تصريح هؤلاء الأعلام المعاصرين له بهما ،
وبالجلالة والنبالة ، مع عدم وجود ما يعارض كلامهم في حقّه ، ولو من جاهل غبيّ في
عصره وبعده.
وأغرب منه أيضا
إنّه في هذا المقام نقل كلام صاحب الرياض في ترجمة الفاضل السيّد علي خان المدني ،
كما ذكرناه سابقا ، وقال في آخره : وهو غريب ، ولم يذكر وجه الغرابة ، ولم يتمكّن
من ردّه بتكذيب صاحب الرياض ، أو تسامحه وغفلته ، أو تجهيله ، فإنّه عنده وعند كلّ
من وقف على حاله فوق ما يحوم حول الخيال ، من البصيرة والاطّلاع ، والخبرة
والمعرفة والضبط ، مع شدّة الوثاقة في النقل ، مع أن في هذا المنقول تكذيب جملة من
دعاويه مع قطع النظر عن الحجيّة وعدمها ، كانحصار النسخة فيما أتى به القاضي ،
وإنّ المجلسي الأوّل هو مروّجها ، وإنّه لم يكن لها ذكر قبله ، وغير ذلك ممّا مرّ.
قال : وثالثها :
إنّ الرجل لو كان بمثابة من الفضل تتطرّق هذه الشبهة
ساحتها ، لما
تطرّق ريب ساحة حجيّة كتابه المأتيّ به ، الموصوف أيضا من لدن تحدّثه عنه ، مع
ادّعائه القطع بصدوره ، والمفروض خلافه ، ضرورة كون من تقدّم على هذا الموحّد ،
وبعض مشايخه الأجلاّء ، المستفيد غاية جلالة الرجل ومنزلته في العلم والدين من
كلام المجلسيّين ، بين شاكّ في الأمر ، وساكت عن الردّ والاعتماد ، ومشير الى
فتاواه على سبيل الإرسال ، وعاد إيّاه من جملة الكتب المجهولة المصنّف ، أو منكر
على حجيّته أشدّ الإنكار مثل صاحبي الأمل والرياض ، في ذيل ترجمته المذكورة ، تبعا
لسائر أفاضل محقّقينا المتقدّمين ، المطّلعين على وجوده بين أظهرنا في الجملة
يقينا ، كما استفيد من كلمات من ادّعى بعد ذلك الظفر بنسخ الكتاب الموصوف ، في
خزانة مولانا الرضا عليهالسلام وغيره ، اللازم منه حصول الاطّلاع عليها من جملة من
العلماء المتقدّمين والمتأخّرين ، فضلا عن الذين كتبوه ووقفوه ، وأودعوه في تلك
المواضع لما هو الظاهر المعتضد بما قيل : كلّ سرّ جاوز الاثنين شاع ، مع عدم ظهور
إشارة منهم إليه في شيء من المواضع ، فضلا عن الاعتداد به ، فليتأمّل.
بيان الملازمة :
أنّ الكتاب يصير بذلك من مصاديق ما أخبر بقطعيّة صدوره عن المعصوم ، رجل عدل مطّلع
على علوم الأخبار ، بصير بدقائق الأمور ، فيصير بمنزلة الخبر الواحد العدل الكذائي
المحدّث عن الامام ، المتّفق على حجيّته في هذه الأعصار ، أولا أقلّ من الإجماعات
المنقولة عنهم ، المعتبرة أيضا عند سائر اولي البصائر والأبصار ، ويدلّ على وجوب
التعبّد به بمحض ذلك ـ أو بعد تعلّق ظنون الأشخاص أيضا بموجبه ـ ما يدلّ على حجيّة
أخبار الآحاد ، لعدم فهمهم الفرق بين المقامين من جهة حسيّة المخبر عنه في الأوّل
دون غيره ، فليتدبّر.
فظهر من كلّ ذلك
أنّ تركهم الاعتداد به كذلك ، بل ترك سائر من تأخّر عن هذا الموحّد المصرّ على
حجيّته ليس إلاّ من جهة اعتقادهم عدم كون الرجل بصيرا بشرائط مثل هذه الأخبار ،
لعدم ذكر له بمنزلة من منازل الرجال
في شيء من المواضع
، يظنّ على مطابقة ما يذكر فيه لمتن الواقع ، أو اعتقادهم أنّه لو كان يناقش في
وجوه قطعه الناشئة عن قلّة المعرفة بدقائق أنظار المجتهدين حين ادّعائه إيّاه ، أو
يقرأ عليه شرائط الرواية ، أو يأنس بكلمات أهل بيت العصمة ، أو يطّلع على قرائن
الصدور ، لتزلزل فيه ، أو ردع عنه ، أم تاب منه الى الله تعالى ، كسائر قطعيات
العوام الغير المأمونة عن الجهل المركّب التي لا حجيّة فيها لغيرهم بالإجماع ،
بخلاف الأوّلين اللذين هما بعد التأمّل في الأطراف يخبران عن الحس واليقين .
انتهى كلامه الذي
فيه مواقع للنظر والتعجّب ، بل الإغفال والتعمية التي لا ينبغي صدورها من أهل
العلم :
أمّا أوّلا :
فقوله : ضرورة كون من تقدّم على هذا الموحّد ، الى آخره.
وفيه : إنّ من
تقدّم عليه : المجلسيّان ، والفاضل الهندي ، والسيّد المحدّث الجزائري ، والأستاذ
الأكبر البهبهاني ، والشيخ يوسف البحراني.
ومن عاصره :
السيّد صاحب الرياض ، والمحقّق المولى مهدي النراقي.
ومن تأخّر عنه :
المحقّق الكاظمي ، وغيرهم ممّن أشرنا إلى أساميهم الشريفة.
وهم أساطين
الشريعة ، ونواميس المذهب والملّة ، ولم يصل إلينا وإليه كلام جملة ممّن تقدّم
عليه يستظهر منه الردّ والقبول ، ومع ذلك استقلّهم واستحقرهم ، وجعلهم شرذمة قليلة
، ثمّ في تعبيره عن العلاّمة الطباطبائي بالموحّد مرّة بعد اخرى ما لا يخفى من
الركاكة.
وأمّا ثانيا :
فقوله : بين شاكّ ، الى قوله : مثل صاحبي الأمل والرياض.
فإنّه لو كان بين
من تقدّمه من الأساتيذ من صرّح بالشكّ أو الردّ لذكره ، ولم نعثر الى الآن عليه
ولا نقله أحد ، أليس هذه النسبة محض التخرّص
__________________
والتخمين؟! وإنّما
ذكر صاحبي الأمل والرياض لما وقف عليهما ، أرأيت فقيها متبحّرا يذكرهما في قبال
هؤلاء الإعلام؟ مع أنّ صاحب الرياض لم يكن من أهل القوّة والاستنباط ، المحتاج
إليهما في أمثال هذه الموارد ، كما صرّح به جمال المحقّقين الخوانساري ، في مجلس
الشاه سلطان حسين الصفوي ، في يوم الأحد ، تاسع ذي القعدة ، سنة خمس عشرة بعد
المائة والألف ، لما طلب منه السلطان تعيين أحد لإعطاء منصب الشيخ الإسلامي لمّا
ردّه هو والسيّد الأجل مير محمد باقر الخواتون آبادي.
فقال المحقّق :
هنا جماعة أنت أعرف بأحوالهم ، ليس أحد منهم بمجتهد ، ولا قابل شرعا لإعطاء هذا
الشغل ، فمن كان منهم أتقى وأرغب في تحصيل العلم فاختره له.
وبالآخرة صار
الأمر مردّدا بين أربعة ، وهم : الشيخ علي المدرّس في مدرسة مريم بيگم ، والميرزا
عبد الله أفندي ، والميرزا علي خان ، ومير محمد صالح الخواتون آبادي ، الى أخر ما
ذكره الفاضل الخواتون آبادي المعاصر لهم في تأريخه.
مع أنّا نقلنا
سابقا كلام صاحب الرياض في ترجمة السيّد علي خان ، وهو ظاهر بل صريح في صحّة
النسبة عنده ، وهذا الكلام منه بعد مدّة مديدة عن كلامه في ترجمة القاضي ، فإنّه
في ترجمة القاضي ، قال في حقّ أستاذه المجلسي : أدام الله فيضه ، وفي ترجمة السيّد
علي خان لمّا ذكره في جملة شرّاح الصحيفة قال : وشرح الأستاذ الاستناد ـ قدسسره ـ.
فظهر من ذلك أنّ
ما كتبه أوّلا كان قبل عثوره على النسخة المكيّة التي كانت عليها ـ بتصريحه ـ خطوط
العلماء وإجازتهم ، وقبل عثوره على إجازة الأمير غياث الدين كما تقدّم ، فلاحظ.
__________________
وأمّا صاحب الأمل
، فهو الذي قال هو في حقّه ، في ترجمة صاحب الدعائم ما لفظه : وأنت تعلم أنّه لو
كان لهذه النسبة واقع لذكره سلفنا الصالحون ، وقد ماؤنا الحاذقون بأمثال هذه
الشؤون ، ولم يكن يخفى ذلك الى زمان صاحب الأمل ، الذي من فرط صداقته يقول بشيعيّة
أبي الفرج الأصفهاني الأموي الخبيث ، الى آخره ، فكيف صار في هذا المقام من المتبحّرين النّقاد؟! الذي
يعارض بقوله كلام هؤلاء الإعلام ، مع أنّ نسبة الإنكار بل شدّته إليه افتراء.
أمّا في الأمل ،
فعدّ الكتاب من الكتب المجهولة .
وأمّا في الهداية
فقال : تتمّة : قد وصل إلينا أيضا كتب كثيرة قد ألّفت ، وجمعت في زمانهم عليهمالسلام نذكرها هنا ، وهي ثلاثة أقسام ـ الى أن قال ـ : الثاني : ما لم يثبت كونه
معتمدا ، ولذلك لم ننقل عنه ، فمن ذلك الفقه الرضوي كتاب الرضا عليهالسلام ، وغير ذلك. الثالث : ما ثبت عندنا كونه غير معتمد فلذلك لم ننقل عنه ، فمن
ذلك كتاب مصباح الشريعة ، الى آخره .
وظاهر أنّ عدم
العلم غير العلم بالعدم ، والإنكار من آثار الثاني لا الأول.
وأمّا ثالثا :
فقوله : تبعا لسائر أفاضل محقّقينا المتقدّمين ، الى آخره ، لا يخلو من الجزاف ،
سواء أراد من المتقدّمين ما هو المصطلح بين أصحابنا ، وهو من تقدّم على شيخ
الطائفة ، ولهذا يعدّون ابن إدريس ومن بعده من المتأخّرين ، أو من تقدّم على
المجلسيّين ، أو على بحر العلوم على ما هو الظاهر من كلامه ، وليته أشار الى أسامي
بعضهم ، ولو عثر عليه لنقله يقينا لشدّة حرصه على إثبات عدم حجيّة الكتاب من جهة
عدم اعتناء الأصحاب به. وأمّا عدم نقل اعتباره عن جملة منهم فلا يدلّ على عدم
اعتباره ، لكونه أعمّ منه ،
__________________
ومن عدم العثور
عليه ، أو ظنّ عدم الحاجة إليه لعكوف الأصحاب على أبواب الكتب الأربعة قديما
وحديثا ، وبناهم على عدم الحاجة الى المراجعة إلى غيرها.
وعلى ما ذكره من
المقدّمات التخمينيّة تتطرّق الشبهة إلى كثير من مآخذ البحار والوسائل ، كما أشرنا
إليه سابقا ، إذ لم ينقل عنها ، ولا اعتمد عليها ، ولا أشار إليها من تقدّم على
صاحبيهما ، من أرباب المؤلّفات والتصانيف في الفقه والأحكام.
وأمّا رابعا :
فقوله : رجل عدل مطّلع على علوم الأخبار ، بصير بدقائق الأمور ، الى آخره
فإنّا لم نطّلع
الى الآن من بين الفقهاء والأصوليّين ، فضلا عن المحدّثين والأخباريّين ، على
اختلاف مشاربهم في حجيّة الخبر الواحد من اشترط في الراوي بعد العدالة ، والضبط
بالمعنى العدمي ـ لا الوجودي الذي هو من شروط الكمال ـ كونه عالما ، مطّلعا بعلوم
الأخبار ، وبصيرا بدقائق الأمور ، حتى على طريقة صاحب المعالم ، الذي اشترط في
صحّة الخبر كون الراوي ممّن زكاه عدلان ، فضلا عمّن اكتفى في التزكية بالظنون ، والأمارات
الداخلية والخارجية ، فضلا عمّن لم يشترط في الحجيّة عدالة الراوي ، ولم يقتصر على
الصّحيح من الأخبار ، وعمل بالموثّق ، والحسن ، والضعيف المنجبر ، كما عليه
الأساطين منهم ، وقريب منهم من اقتصر في الحجيّة على ما اطمأنّ بصدوره بالقرائن
الداخليّة والخارجيّة ، وهو الخبر الصحيح على طريقة القدماء ، كما حقّق في محلّه.
وعلى ما ذكره لا
تكاد تجد خبرا صحيحا في الكتب الأربعة ، فضلا عن غيرها ، فإنّ الصحيح على ما ذكره
هو ما كان تمام رجال سنده مثل زرارة ، ومحمد
__________________
ابن مسلم ، ممّن
حاز بعد العدالة والوثاقة ، مقام العلم ، والاطّلاع ، والبصيرة بدقائق الأمور ،
وهو غير موجود أو نادر ، بل الغالب في الصحاح وجود واحد أو أكثر في سندها ممّن
اقتصروا في ترجمته بذكر التوثيق ، أو أثبتوا وثاقته بالأمارات ، ككونه ممّن روى
عنه صفوان ، أو البزنطي ، وغير ذلك ، وليس في كلامهم إشارة إلى إحرازه المقامات
المذكورة ، فتخرج هذه الطوائف من الصحاح ـ وهي جلّها ـ عن حدود الصحّة والحجيّة ،
وفيه من اللوازم الباطلة ما لا يخفى على أحد من أهل العالم.
وأمّا خامسا :
فقوله : فيصير بمنزلة الخبر الواحد العدل الكذائي المحدّث عن الإمام ، المتّفق على
حجيّته في هذه الأعصار.
فإنّه صحيح ، غير
قوله : الكذائي ، المشير به الى ما اشترطه في الحجيّة ، ممّا هو من خصائصه ، إلاّ
أنّهم مختلفون في وجه الحجيّة ، ولا يوجب دخول الخبر المذكور في حدّ الصحيح التزام
كلّ طائفة منهم بأخذه.
فمن كان الحجّة
عنده الخبر الموثوق بصدوره ، فربّ صحيح لا يعمل به لعدم الاطمئنان بالصدور ، لأمور
تبعده ، ولعلّ منه الخبر المذكور بالنظر الى الموهنات السابقة ، وكذا من اقتصر على
حصول الظنّ به ، لما ذكر ، ومن المحتمل دخوله في الأخبار الحدسيّة ، بملاحظة بعض
مقدّماته عند بعضهم ، فلا تشمله أدلّة الحجيّة.
وكذا من جعل
الحجّة ما يحصل به الظنّ بالواقع ، فلعلّه لا يحصل له الظنّ به بعد النظر الى
الموهنات المذكورة.
مع أنّ فيمن اعتنى
به على أحد الوجهين من كونه من تأليفه أو إملائه غنى عن تخلّف من تخلّف ، بل يمكن
جعل ما ذكره اعتراضا عليهم ، من عدم تمسكهم بما هو جامع لما قرروه من الشرائط.
وأمّا سادسا :
فقوله : أو لا أقلّ من الإجماعات المنقولة ، الى آخره ، ففيه
__________________
أنّ المحقّق
الثابت عند أولي البصائر في هذه الأعصار عدم الحجيّة والاعتبار.
وأمّا سابعا :
فقوله : إنّ تركهم الاعتداد به ، الى قوله : عدم كون الرجل بصيرا ، الى آخره ، ففيه مضافا الى
ما عرفت ـ من عدم اشتراط أحد في الخبر ما اشترطه ـ أنّه كان جامعا لما قرّره ، لما
تقدّم من كلام صاحب الرياض من أنّه كان عالما فاضلا ، جليلا ، فإن أراد ما هو فوق
هذا المقام فالمشتكى الى الله تعالى ، وإن خطّأ صاحب الرياض في كلامه ، فلا يمكنه
ذلك ، لاعترافه بأنّه المبرّز المقدّم في هذا الفنّ ، مع كونه في عصره.
ثمّ في باقي كلامه
من الضعف والوهن ما لا يخفى على النقّاد البصير.
وذكر في الوجه
الرابع ما خلاصته : إنّ المجلسي الأوّل الذي هو الباعث على إيقاظ هذه الفتنة
النائمة ، كان سبب اعتماده على هذا الكتاب مطابقة فتاوى عليّ بن بابويه في رسالته
، وفتاوى ولده الصدوق في الفقيه ، لما فيه من غير تغيير أو تغيير يسير ، وعليه لا
يمكن تنزيله منزلة خبر الواحد العدل المستدلّ على حجيّته بمفهوم آية النبإ ، أو
الأخبار المتواترة ، أو عمل الأصحاب ، أو غير ذلك .
قلت : إن المجلسي
أخبر عن القاضي المذكور ـ الذي صرّح بأنّه ثقة عدل ـ أنّ هذا الكتاب من الإمام عليهالسلام ، وبه يدخل في الأخبار الصحاح ، فيشمله ما دلّ على حجيّتها سواء اطمأنّ
المجلسي بما أخبره به من جهة نفس إخباره ، أو كان سبب اعتماده عليه القرائن
الخارجيّة الدالّة على صحّة صدور متنه ـ كالمطابقة المذكورة ـ لا على واقعيّة
مضمونه ، فاسد إذ لا مدخليّة لاعتقاد الراوي بعد إحراز الشرائط فيه وفي
المروي عنه ، بل لو كان المروي عنه كذّابا
__________________
وضّاعا عند الراوي
، وثقة ثبتا عند غيره ، فروى عنه حديثا فالخبر صحيح ، لا جناح في العمل به فضلا عن
مثل المقام ، فلعلّه بملاحظة غرابة الخبر ، أو بعض الموهنات أراد جبر كسره ـ مع
اجتماعه للشرائط ـ بما ذكره في المؤيّدات ، والله العالم.
وحاصل ما ذكره في
الوجوه الأربعة ، وأتعب نفسه في طول العبارة : أنّ القاضي مير حسين لم يكن من
العلماء العارفين بدقائق الأخبار ، وهو الوجه في عدم اعتناء العلماء بما أخبر من
أمر الكتاب ، وإنّه لو كان منهم لتلقّوه بالقبول.
وقد عرفت ما في
جميع تلك الدعاوي من الضعف ، وما رأينا أحدا فصّل في شمول أدلة حجيّة خبر العادل
في أمثال المورد ، بين كون الراوي العادل عالما بصيرا ، وبين غيره ، فإنّ المخبر
به فيها إن كان من الأمور الحسيّة ـ كما أشرنا إليه سابقا ، واعترف به في كلامه ـ تشمله
الأدلة ، وإن نوقش في ذلك بملاحظة أنّ بعض مقدّماته حدسيّة فلا تشمله ، وإن كان
الراوي في أعلى الدرجة من العلم والخبرة.
ثمّ اعلم أنّ من
سنن الله التي لن تجد لها تبديلا ولا تحويلا ، على ما نطق به كلام أهل العصمة عليهمالسلام ، وعاضدة الاستقراء والتجربة : إنّ من عيّر مؤمنا بذنب لم يمت حتّى يرتكبه ،
وهذا السيّد المعظّم صاحب الروضات مع طول باعه ، وكثرة اطّلاعه ، وتعييره العلاّمة
الطباطبائي بما لا مزيد عليه من جهة اعتقاده اتّحاد السيّدين ، بل الثلاثة مع
اختلاف الطّبقة ، وقد عرفت أنّ اتّحاد القاضي مع أحدهما غير مناف للطبقة. وما بينه
والآخر لا يزيد على ثلاثين سنة.
قد صدر منه في
الكتاب المذكور في موارد عديدة أعجب من هذا بمراتب عديدة ، نشير الى بعضها ،
والباقي موكول الى تتبّع النّاظر :
منها : قوله في
ترجمة المقدّس الأردبيلي : ثمّ إنّ من جملة كراماته التي نقلها صاحب اللؤلؤة ، عن
تلميذه السيّد نعمة الله الجزائري ـ رحمهالله ـ هو
أنّه ،. الى آخره .
وولادة السيّد بعد
وفاة المولى المذكور بأزيد من خمسين سنة ، كما يأتي في الفائدة الآتية.
ومنها : قوله في
ترجمة علاّمة عصره الشيخ أبي الحسن ، الشريف العاملي الغروي ، في ضمن ترجمة
الآميرزا محمد الأخباري ، المتأخّر ، المقتول بمناسبة جزئيّة ، وفي ذلك من إساءة
الأدب بالنسبة الى هذا المولى الجليل ما لا يخفى ، قال : وقد كان من أعاظم فقهائنا
المتأخّرين ، وأفاخم نبلائنا المتبحّرين ، سكن ديار العجم طوالا من السنين ، ونكح
هناك في بعض حوافد مقدّم المجلسيّين ، ثمّ لمّا هاجر الى النجف الأشرف نكح في بعض
بناته والد شيخنا الفقيه المعاصر ، صاحب كتاب جواهر الكلام ، الشيخ محمد حسن بن
المرحوم الشيخ باقر ، انتهى .
وعلى ما ذكره :
أمّ صاحب الجواهر بنت الشيخ أبي الحسن ، وهو الوجه في تعبيره عن المولى المذكور في
الجواهر بالجدّ ، كما في باب الاستخارة ، والرضاع ، وغيرهما.
وأنت خبير بما فيه
من الوهم المهين ، ولوازمه الباطلة أضعاف ما أوردها على العلاّمة السابق ، فإن
وفاة المولى الذي هو من تلامذة المولى المجلسي في سنة ١١٤٠ ، وصاحب الجواهر في سنة
١٢٦٠ ، ولم يستند ما ذكره الى محلّ.
والذي وجدناه في
الوقفنامه التي كان عليها خطّ جماعة من العلماء الفقهاء ، كفقيه عصره الشيخ راضي ،
وسبط كاشف الغطاء الشيخ مهدي ،
__________________
وغيرهم ، ما صورة
محلّ الحاجة منها هكذا :
على ذريّة ملاّ
أبو الحسن ، وهم الشيخ أبو طالب ، وأخته فاطمة ، ثمّ لمّا توفّيا رجع الوقف الى
ولد أبي طالب المذكور ، وهو الشيخ علي ، والى آمنة بنت فاطمة المذكورة ، ومن بعد
وفاة الشيخ علي وآمنة المذكورين ، رجع الوقف المذكور الى ولد الشيخ علي ، وهو
الشيخ حسن ، والى الشيخ باقر بن آمنة ، ثمّ لمّا توفّيا رجع الوقف إلى أولاد الشيخ
حسن ، وهم الشيخ حسين ، والشيخ محمد ، وحليمة ، وخديجة ، والى ولد الشيخ باقر ،
وهو جناب الشيخ المرحوم الشيخ محمد حسن ـ طاب ثراه ـ انتهى موضع الحاجة منها.
والشيخ الطالب
المذكور من العلماء المعروفين ، ذكره السيّد عبد الله الجزائري في إجازته الكبيرة
، وبالغ في مدحه .
ومنها : قوله في
ترجمة السيّد عبد الكريم بن طاوس : إنّ من جملة أساتيذه ومشايخه الإماميّة والده ـ
الى أن قال ـ والشريف أبي الحسن علي بن محمد بن علي العلوي العمري النسابة ، مؤلّف
كتاب « المجدي في أنساب الطالبيّين » ونسب كلّ ذلك الى الرياض أيضا.
وهذه عثرة لا تنجبر
، فإنّه من معاصريّ السيّد المرتضى ، وقد صرّح في المجدي على ما في الرياض أنّه دخل على
السيّد سنة ٤٢٥ ، فبينه وبين ابن طاوس أزيد من مائتي سنة ، وما نسبه الى الرياض
افتراء محض ، فلاحظ.
الى غير ذلك ممّا
لا يحصى ، ويأتي بعضه في الفائدة الآتية.
وقد وفينا ـ بحمد
الله تعالى ـ بما وعدناه من ذكر ما قيل ، أو يمكن أن يقال من الوجوه والقرائن ،
لاعتبار الكتاب المذكور ، والشواهد والموهنات
__________________
لعدمه ، فعلى
الناظر أن يتأمّل فيها ، وينظر إليها بعين الإنصاف ، ويختار ما أدّاه إليه نظره
الثاقب بعد مجانبة الاعتساف ، ولنا على ما ادّعيناه في صدر كلامنا شاهد لا حجّة
فيه لغيرنا ، والله على ما نقول وكيل.
بقي التنبيه على
أمرين :
الأوّل : فيما
ظنّه ، أو احتمله بعض الأصحاب من كونه بعينه رسالة عليّ ابن بابويه الى ولده كما
تقدّم ، وليس لهم على ذلك شاهد سوى مطابقة عبارة كثير من مواضع الكتاب لها ،
ويوهنه :
أوّلا : ما ذكرناه
في الوجه السادس ممّا في « الرضوي » من الكلمات الدّالة على صدورها من المعصوم ،
أو العلوي من السادة.
وثانيا : ما في
أوّل الخطبة من قوله : يقول عبد الله علي بن موسى الرضا ، واحتمال زيادة كلمة
الرضا من النسّاخ لا يعتنى به ، إلاّ بعد ثبوت الاتّحاد المفقود دليله.
وثالثا : بما
تقدّم من أنّ النسخة المكيّة كان تأريخ كتابتها سنة مائتين ، والقميّة كتبت في
زمان الرضا عليهالسلام على ما ذكره السيّد ، وهذا أمر محسوس لا سبيل للخطإ فيه
إلاّ في الندرة ، ووفاة علي بن بابويه في سنة ثمان ، أو تسع وعشرين وثلاثمائة ،
فكيف يحتمل كونه رسالته؟.
ورابعا : ما يوجد
في خلال الرسالة على ما في كتب ولده الصدوق من قوله في صدر بعض المطالب : يا بنيّ
افعل كذا وكذا ، وليس منه في الرضوي أثر أصلا.
وخامسا : ما فيهما
من المخالفة ما لا يتوهّم بينهما الاتّحاد ، ففي المقنع : قال والدي في رسالته
إليّ : إذا لبست يا بنيّ ثوبا جديدا ، فقل : الحمد لله الذي كساني من اللباس ما
أتجمّل به في الناس ، اللهمّ اجعلها ثياب بركة أسعى فيها بمرضاتك ، وأعمر فيها
مساجدك ، فإنّه روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « من فعل ذلك لم يتقمّصه حتى يغفر له » ، وإذا
أردت لبس السراويل ،
الى آخره .
وفي الرضوي : وإذا
لبست ثوبك الجديد ، فقل : الحمد لله الذي كساني من الرياش ما أواري به عورتي ،
وأتجمّل به عند الناس ، اللهمّ اجعله لباس التقوى ، ولباس العافية ، واجعله لباسا
أسعى فيها لمرضاتك ، وأعمر فيها مساجدك ، وإذا أردت أن تلبس السراويل ، الى آخره .
وإن شئت الزيادة
فعليك بالمراجعة.
وسادسا : إنّ
الموجود في كتب الأحاديث والرجال التعبير عن والد الصدوق بقولهم : علي بن الحسين ،
أو عليّ بن بابويه ، ولم أجد موضعا عبّر فيه عنه بعلي بن موسى ، كي يقاس عليه الموجود
في خطبة الكتاب.
هذا وللسيّد
المؤيّد صاحب الرسالة هنا كلام لا بأس بنقله ، بل جعله تاسع الموهنات ، فتنطبق عدد
قرائن الاعتبار ، وعدد عدمه ، قال :
إنّ من تتبّع ما
حكاه الصدوق عن رسالة أبيه إليه في تضاعيف أبواب الفقه ، وشاهد ما نقله في ذلك
الكتاب من عبارات الرسالة ، والتفت الى موافقة أكثر هذه العبارات لعبارات « الفقه
الرضوي » حصل له القطع بأنّ هذه الموافقة التامّة لم تقع من باب الاتّفاق ، وحصل
له العلم بأنّ الأمر دائر بين أمور خمسة :
أحدها : أن يكون
ذلك الكتاب مأخوذا من الرسالة.
وثانيها : أن تكون
الرسالة مأخوذة عنه.
وثالثها : أن يكون
كلّ منهما مأخوذا من ثالثا.
ورابعها : أن يكون
الرضوي مأخوذا ممّا أخذ من الرسالة.
وخامسها : عكسه.
__________________
وعلى كلّ من هذه
الوجوه يلزم عدم كونه من تأليفه عليهالسلام.
أمّا على الأوّل ،
والثالث ، والرابع فهو من أوضح الواضحات.
وأمّا على الثاني
، فلأنّ سياق كلماته ـ على ما حكى عن رسالته ـ ينادي بأعلى صوتها أنّ ما يذكر فيه
من عبارته التي أنشأها ، وأنّه ليس من كلمات غيره ، وهو الذي فهمه منه ولده الصدوق
على ما يعطيه سياق نقله عنه في الفقيه. وأيضا نقول : إنّ عليّا إمّا لم يعلم أنّه
من تأليف الإمام عليهالسلام ، وظنّه تأليف غيره أم لا ، وعلى كلّ منهما يلزم محذور.
أمّا على الأوّل ،
فلأنّه لا يخفى على ذي فطنة ، بصير بأحوال القدماء الأجلاّء ، خبير بديدن هؤلاء
الأعلام ، أنّ جلالة عليّ ، وعلوّ قدره ، وسموّ مرتبته ، ممّا يأبى عن أن يظنّ في
حقّه أنّه أخذ رسالته المذكورة من كلمات غير الإمام ، وذكر عبارات ذاك الغير في
كتابه ، ونسبها الى نفسه ، وسكت عن بيان أصله ، فإنّ هذا أمر قبيح ، وتدليس شنيع ،
وعجز بيّن ، لا ينبغي أن يصدر ممّن شمّ رائحة العلم ، فضلا عن أن يصدر عن علي بن
بابويه. وأيضا من البعيد أن يقال : إنّ ذلك الكتاب كان من تأليف الإمام ، وقد خفي
على عليّ ، بحيث ظنّه من تأليف غيره ، مع أنّه ـ رحمهالله ـ كان أكثر تتبعا ، وأقرب عصرا ، وأشدّ اهتماما في أمثال
هذه الأمور.
ومن الواضح أنّ
أمثال علي بن بابويه ما كانوا يكتفون بمجرّد سواد على بياض ، وما كانوا يعتمدون
على ما لم يثبت لديهم قائله ، أو على كتاب لم يكن لهم طريق معتبر الى مؤلّفه ، كما
لا يخفى على من أمعن النظر في تضاعيف فهرست الشيخ ، ورجال النجاشي ، ونظائرهما من
كتب الرجال.
وأمّا على الثاني
، فيلزم محذور أشدّ ممّا ذكرنا ، فإنّ الطبع السليم ، والفهم القويم المستقيم ،
ممّا يحكم بأنّ هذا الكتاب لو كان حاله معلوما لدى عليّ بن بابويه ، وكان يعلم
أنّه من تصنيف الإمام عليهالسلام لما كان يخفيه عن ولده الصدوق ، الناقد البصير ، ولكان
يطلعه على ذلك. وقد عرفت ممّا مرّ أن من
تأمّل في كلمات
شيخنا الصدوق ، ولاحظ مؤلّفاته المشهورة ، المتداولة بيننا في هذه الأعصار ،
وتأمّل في تضاعيف كتابه الذي عمله لبيان أحوال مولانا الرضا عليهالسلام وأخباره ، وكذا كتاب فقيهه الذي عمله في الفقه ، وسعى في تهذيبه وتنقيحه ،
وجعله حجّة فيما بينه وبين الله ، حصل له العلم بأنّه لم يكن لديه.
وأمّا الخامس :
فيظهر حاله ممّا فصّلناه سابقا ، ولا يخفى أنّه من أبعد الوجوه.
وحيث قد وقفت على
ما تلوناه عليك ، علمت أنّ ما مرّ ـ من أنّ كون كثير من عباراته عبارات ( رسالة
عليّ ، ممّا يؤيّد اعتباره ـ خلاف التحقيق ، وإنّ الأمر منعكس.
قال : وما يتوهّم
من أنّ بناء الصدوق على الاعتماد على ) رسالة أبيه ، يشهد بأنّه كان يعلم أنّه أخذها من هذا
الكتاب ، ومنه يظهر عذره في عدّه الرسالة في الفقيه من الكتب التي عليها المعوّل ،
وإليها المرجع ، فإنّه لم يكن يقلّد أباه حاشاه عن ذلك.
مدفوع ، بأنّه
يكفي في اعتماده عليه علمه بأنّ ما يذكره فيه مأخوذ عن أهل بيت العصمة والطهارة ،
وإنّه ملخّص من متون الأخبار المعتبرة المعتمدة ، وليس أمرا صادرا عن اجتهاد ، وعن
سائر القواعد المستنبطة المعروفة بين أصحابنا المتأخّرين ، كما يشهد به ديدن
القدماء.
ولذا ذكر شيخنا
الشهيد في الذكرى أنّ الأصحاب كانوا يتمسّكون بما يجدونه في شرائع الشيخ أبي الحسن
بن بابويه عند إعواز النصّ ، لحسن ظنّهم به ، وإنّ فتواه كروايته ، فإنّ الظاهر
أنّ كتاب الشرائع هو الرسالة إلى ولده
__________________
كما قال النجاشي ، وهو أضبط من
شيخ الطائفة في أمثال هذه الأمور ، فما يظهر من الشيخ في فهرسته من تغايرهما ،
حيث عدّ كلاّ منهما من كتب عليّ ، وعطف أحدهما على الآخر خلاف التحقيق ، انتهى
كلامه .
قلت : ولقد أجاد
فيما أفاد ، إلاّ أنّ نتيجة ما ذكره من المقدّمات بعد التأمّل التّام عكس المراد.
توضيح ذلك : إنّ
ما في الشرائع كما عرفت متون الأخبار المعتبرة عند الأصحاب ، بل أصحّ وأتقن ممّا
في مقنع ولده ، الذي صرّح في أوّله بأنّه حذف أسناد ما أودعه فيه ، لوجود كلّه في
الأصول الموجودة ، المرويّة عن المشايخ العلماء الثقات ، للاتّفاق المذكور في كلام
الشهيد ـ رحمهالله ـ فيه دونه ، وقد عرفت ، واعترف هو بمطابقة عباراته
المنقولة لعبارة « الرضوي » بحيث لا يمكن جعلها من باب الاتّفاق.
وظاهر أنّ سياقها
ينادي بأعلى صوته أنّها صادرة من واحد ، سواء كان منشئها عليّ بن بابويه ، أو صاحب
الكتاب ، أو ثالث كان كتابة مأخذا لهما ، فالموجود في « الرضوي » المطابق لما في
الشرائع صادر من معدن العصمة ، فهو إمّا من الرضا عليهالسلام إملاء ، أو تأليفا ، أو ممّن أخذه منه ، أو من إمام آخر. ومن
تأمّل في الرضوي لا يكاد يشكّ في أنّه غير مأخوذ من كتاب آخر ، أو مرويّ من شخص
آخر ، وإنّ صاحبه أنشأه من غير توسّل بغيره. فإذا لم يكن موضوعا ومختلفا ـ كما
اعترف به في مواضع من الرسالة ـ ولا يحتمل كونه من الأئمّة السابقة عليه عليهمالسلام ، فينحصر كونه له عليهالسلام واحتمال الانتساب إلى الأئمّة اللاحقة بعيد ، لعدم ذكر
منهم عليهمالسلام فيه ،
__________________
وكون تأريخ النسختين
في عهده عليهالسلام.
وأمّا إخفاء عليّ
عن ولده ذلك ، بقرينة عدم تعرّض له « للرضوي » في كتبه ، خصوصا العيون ، ففيه بعد
النقض بالرسالة الذهبيّة ، التي اعترف هو باعتبارها وصحّتها ، وليس له ذكر في كتبه
أصلا ، فهي شبهة بدّ من رفعها على كلّ الوجوه ، ولو قلنا بعدم كونه له عليهالسلام ، أو لغيره من الأئمّة عليهمالسلام ، فإنّ عليّا كان يعلم من أيّ كتاب أخذه ، والى أيّ إمام
تنتهي هذه العبارات ، التي هي متون ما صدر منه ، التي لا شكّ في وحدة منشئها ،
وأنّها لم تكن أخبارا متشتّتة ، وأحاديث متبدّدة ، بأسانيد مختلفة ، وطرق متفرّقة
، من أئمّة متعدّدة عليهمالسلام ، ألقى عليّ أسانيدها ، وانتظمها في سلك واحد ، خصوصا
بملاحظة المطابقة المذكورة ، الظاهرة على هذا الاحتمال السخيف ، في أنّ صاحب
الكتاب هو الجامع للشتات قبله.
فنقول كما قال :
إنّ عليّا [ إمّا ] أخفى عن ولده مأخذ هذه العبارات الصادرة عن الأئمّة السادات أو
لا ، وعلى التقديرين يلزم ما ذكره من المحذورات حرفا بحرف ، فإنّ الصدوق على ما
أسّسه من الكلام كان يعلم مأخذ ما في رسالة أبيه إليه ، الذي لا بدّ وأن يكون
معتبرا معتمدا عند الأصحاب ، وعليه فلم لم يشر في موضع إليه ، واعتمد في مواضع
الحاجة على النقل منها والاتّكال عليها ، فهل هذا إلاّ مجازفة في القول ، وتشبّث
بأوهى من الهشيم؟! وأيّ فرق بين كون مأخذ الرسالة « الرضوي » الذي يستوحش منه ، أو
غيره الذي لا بدّ وأن يكون من أصول الأصحاب؟ فكيف جاز الإخفاء من الوالد والولد في
أحدهما ، ويستبعد في الأخر؟.
الثاني : إنّه على
القول بعدم كون له عليهالسلام ، وعدم كونه من الموضوعات والمجعولات ، وعدم كونه رسالة
شرائع عليّ بن بابويه ، وإنّ ما فيه من الأخبار القويّة أو الضعاف القابلة
للانجبار ، فجامعه ومولّفه غير معلوم ، وإن علم إجمالا أنّه كان في عصر الأئمّة عليهمالسلام وزمان الحضور ، لبعض
القرائن الموجود
فيه ، ولكن يوجد في كلمات بعضهم بعض الاحتمالات ، لا بأس بالإشارة إليها.
فمنها : ما وجدناه
منقولا عن خطّ السيّد السند المؤيّد صاحب مطالع الأنوار ، على ظهر نسخة من هذا
الكتاب ما لفظه ـ بعد الإصرار على عدم كونه له عليهالسلام ـ : ويحتمل أن يكون هذا الكتاب لجعفر بن بشير ، لما ذكره
شيخ الطائفة في الفهرست : جعفر بن بشير البجلي ، ثقة جليل القدر ، له كتاب ينسب
الى جعفر بن محمد عليهماالسلام ، رواية عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام ، انتهى كلامه.
وجعفر بن بشير
لمّا كان من أصحاب مولانا الرضا عليهالسلام ، يمكن أن يكون ما كتبه في أوّل الكتاب ، عن لسانه عليهالسلام ، فصار منشأ لنسبة الكتاب إليه عليهالسلام وكان الكتاب قبل زمان الشيخ منسوبا الى جعفر ابن محمد عليهماالسلام ، للاشتراك في الاسم ، كما أنّه في هذه الأزمنة ممّا ينسب الى مولانا الرضا عليهالسلام.
قال ـ رحمهالله ـ : ويحتمل أن يكون هذا الكتاب لمحمد بن عليّ بن الحسين ابن زيد بن عليّ بن
الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهمالسلام ، لما قال النجاشي في ترجمته ما هذا لفظه : له نسخة يرويها
عن الرضا عليهالسلام ، أخبرنا أبو الفرج محمد بن عليّ بن قرّة ـ الى أن قال ـ حدّثنا
محمد بن عليّ بن الحسين بن زيد ، قال : حدّثنا عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام بالنسخة .
وقال النجاشي أيضا
: وريزة بن محمد الغساني له كتاب عن الرضا عليهالسلام ، أخبرنا أحمد بن ، الى آخره.
__________________
ويحتمل أيضا أن
يكون لعليّ بن مهدي بن صدقة بن هشام بن غالب بن محمد بن عليّ الرقي الأنصاري ، لما
في النجاشي أنّ له كتابا عن الرضا عليهالسلام ، قال : أخبرنا محمد بن عثمان ، الى آخره ،
انتهى المنقول من خطّه ـ رحمهالله ـ.
ومنها : ما في
الرسالة السابقة قال : وبالجملة ففي المقام احتمالات :
أحدها : أن يكون
هذا الكتاب من تأليف الإمام الثامن عليهالسلام ، وقد عرفت ضعفه مفصّلا.
وثانيها : ( أن
يكون كلّه أو بعضه مجعولا عليه ، وقد ظهر ما فيه أيضا.
وثالثها : ) أن يكون متّحدا
مع رسالة عليّ بن بابويه ، وضعّفه أيضا ظاهر.
وقال : ورابعها :
أن يكون من مؤلّفات بعض أكابر قدماء رواة أخبارنا ، أو فقهائنا العاملين بمتون
الأخبار ، وهو الذي يقوى في نفسي ، ويترجّح في نظري بمقتضى ما حصل لي من القرائن
والأمارات.
وخامسها : أن يكون
عين كتاب المنقبة الذي قد ذكر جماعة من الأصحاب ، منهم الشيخ الجليل ابن شهرآشوب ،
والشيخ السعيد السديد علي بن يونس العاملي ، في كتاب المناقب ، والصراط
المستقيم ، أنّه تصنيف الإمام الهمام مولانا أبي محمد العسكري عليهالسلام ، ويؤيّده ما ذكراه أنّه مشتمل على أكثر الأحكام ، ومتضمنّ أغلب مسائل الحلال
والحرام ، ثمّ استبعده ببعض ما مرّ في الرضوي .
__________________
٤٤ ـ فلاح
السائل :
وهو الجزء الأوّل
من الأجزاء العشرة من كتاب « التتمّات والمهمّات » للسيّد رضيّ ـ الدين عليّ بن
طاوس ـ رحمهالله ـ وجلالة قدر مؤلّفه ، وإتقانه وتثبّته في كلّ ما ينقله
أشهر ـ عند كلّ من عاصره ، أو تأخّر ـ من أن يذكر ، جزاه الله تعالى عن الإسلام
والمسلمين خير جزاء الصالحين ، وقد ذكرنا شرح حال التتمّات ، وأسامي أجزائها على
الترتيب الذي وضعه في آخر الصحيفة الرابعة السجاديّة ، من أرادها فليراجعها .
__________________
__________________
__________________
__________________
__________________
__________________
__________________
__________________
٤٥ ـ كتاب
مشكاة الأنوار في غرر الأخبار :
قال في الرياض :
الشيخ ثقة الإسلام أبو الفضل عليّ بن الشيخ رضيّ الدين أبي نصر الحسن بن الشيخ أبي
عليّ الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، الفاضل العالم ، الفقيه المحدّث الجليل ،
صاحب مشكاة الأنوار ، روى عن السيّد السعيد جلال الدين أبي عليّ بن حمزة الموسوي
وغيره ، كما يظهر من المشكاة المذكور ، وله من المؤلّفات أيضا كتاب « كنوز النجاح
» في الأدعية ، وينقل عن هذا الكتاب ابن طاوس في « المجتنى من الدعاء المجتبى » وغيره ، وكذا
الكفعمي في « المصباح » كثيرا ، وهذا الشيخ سبط الشيخ أبي عليّ الطبرسي صاحب «
مجمع البيان » ، وقد ألّف المشكاة المذكور تتميما لكتاب « مكارم الأخلاق » لوالده
أبي نصر الحسن بن الفضل المذكور ، فيكون نسب هذا الشيخ هو : أبو الفضل عليّ بن
رضيّ الدين أبي نصر الحسن بن أمين الدين أبي عليّ الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي
، وحمله على غلط الكاتب ، وأنّه كان أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، ممّا لا
حاجة إليه.
وممّا قلناه وضح
اسم سبطه ـ أعني مؤلّف كتاب مشكاة الأنوار ـ وإن كان مخفيّا على الأستاذ الاستناد
في بحار الأنوار .
وقد نقل الشيخ
نعمة الله بن خاتون العاملي في الرسالة المعمولة لمعنى العدالة ، بعض الفتاوى عن
الشيخ أبي الفضل الطبرسي.
ونقل الأمير سيّد
حسين المجتهد أيضا ، في أواخر كتاب « دفع المناواة » عن كتب ثقة الإسلام أبي الفضل
الطبرسي بعض الفوائد.
والظاهر أنّ
مرادهما به هو هذا الشيخ ، وعلى هذا فله مؤلّفات اخرى.
__________________
وقد يستشكل بأنّ
ثقة الإسلام لقب جدّه صاحب « مجمع البيان » ولكنّ الأمر فيه سهل لاحتمال الاشتراك
، مع أنّ المشهور في لقب جدّه هو « أمين الدين ».
وقال الأستاذ
الاستناد ـ أيّده الله تعالى ـ في أوّل البحار : وكتاب مشكاة الأنوار لسبط الشيخ
أبي علي الطبرسي ، ألّفه تتميما لمكارم الأخلاق تأليف والده الجليل ، ثمّ قال :
وكتاب مشكاة الأنوار كتاب طريف ، يشتمل على أخبار غريبة ، انتهى .
وأقول : قال نفسه
في أوّل المشكاة المذكور ـ بعد إيراد حكاية تأليف والده كتاب « مكارم الأخلاق »
وكتاب « الجامع » الذي لم يتمّه كما سبق في ترجمته ـ بهذه العبارة : ثمّ سألني
جماعة من المؤمنين ، الراغبين في أعمال الخير أن اؤلّف هذا الكتاب فتقرّبت الى
الله عزّ وجلّ بتأليفه ، وكتبت ما حضرني من ذلك ، ورتّبته وبوّبته ، وتركت في آخر
كلّ باب أوراقا لاحق به ما شذّ عنّي ، وسمّيت هذا الكتاب بمشكاة الأنوار في غرر
الأخبار ، انتهى كلام صاحب الرياض .
قلت : ويأتي أنّ
كتاب كنوز النجاح من مؤلّفات جدّه ، وصرّح به في الرياض أيضا في ترجمة جدّه ، وأغلب أخبار
المشكاة منقولة من كتب المحاسن ، وكان عنده تمامها ، أو أغلبها ، ويعرف اعتباره من
اعتباره ، وفي أواخره حديث عنوان البصري المعروف ، عن الصادق عليهالسلام ، الذي نقله في البحار عن خطّ الشيخ البهائي ، منقولا عن خطّ الشهيد الأوّل ،
وغفل عن نقله عنه.
__________________
٤٦ ـ رسالة
في المهر :
للشيخ الجليل أبي
عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد ، وغيرها ممّا لا حاجة إلى ذكرها.
٤٧ ـ [
المسائل الصاغانيّة ].
........
__________________
٤٨ ـ كتاب
عوالي اللآلئ الحديثية على مذهب الإمامية :
تأليف المحقّق
الفاضل محمد بن الشيخ زين الدين أبي الحسن عليّ بن حسام الدين إبراهيم بن حسن بن
إبراهيم بن أبي جمهور بن الهجري الأحسائي.
قال في أمل الآمل
: محمد بن أبي جمهور الأحسائي ، كان عالما ، فاضلا ، راوية ، له كتب منها : «
عوالي اللآلئ الأحاديثيّة على مذهب الإماميّة » ، كتاب الأحاديث
الفقهيّة ، كتاب معين المعين ، شرح الباب الحادي عشر ، كتاب زاد المسافرين في أصول
الدين ، وله مناظرات مع المخالفين ، كمناظرة الهروي وغيرها ، ورسالة في العمل
بأخبار أصحابنا .
وقال في موضع آخر
: محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحسائي ، فاضل ، محدّث ، الى آخره .
وفي اللؤلؤة :
والشيخ محمد بن أبي جمهور كان فاضلا ، مجتهدا ، متكلّما ، له كتاب عوالي اللآلئ ،
جمع فيه جملة من الأحاديث ، إلاّ أنّه خلط فيه الغثّ بالسمين ، وأكثر فيه من
أحاديث العامّة ، ولهذا إنّ بعض مشايخنا لم يعتمد عليه ، ثمّ عدّ بعض مؤلّفاته .
وذكره القاضي في
مجالس المؤمنين ، ومدحه وأطراه ، وقال : إنّه مذكور في سلك المجتهدين .
__________________
وفي البحار :
وكتاب عوالي اللآلئ ، وإن كان مشهورا ، ومؤلّفه في الفضل معروفا ، لكنّه لم يميّز
القشر من اللّباب ، وأدخل أخبار متعصبي المخالفين بين روايات الأصحاب ، فلذا
اقتصرنا منه على نقل بعضها ، ومثله نثر اللآلئ .
وقال العالم
الجليل ، الأمير محمد حسين الخاتون آبادي ، في مناقب الفضلاء : وعن السيّد حسين
المفتي ـ رحمهالله ـ عن الشيخ نور الدين محمد ابن حبيب الله ، عن السيد
النجيب الحسيب الفاضل السيد مهدي ، عن والده الشريف المنيف ، الكريم الباذل ،
السخيّ الزكيّ ، السيد محسن الرضوي المشهدي ، عن الشيخ المدقّق العلاّمة محمد بن
علي بن إبراهيم الأحساوي ـ طيّب الله ضرائحهم ـ إلى آخر أسانيدهم التي أوردها في
عوالي اللآلئ ، وإجازته المبسوطة التي رقّمها للسيّد المذكور.
وفي إجازات البحار
، بعد ذكر الإجازة المذكورة قال : ولنتبع هذه الإجازة بإيراد الطرق السبعة ، التي
ذكرها الشيخ المحقّق محمد بن أبي جمهور المذكور ـ قدس الله روحه ـ في كتابه
المسمّى بعوالي اللآلئ ، فقال قدسسره فيه : الطريق الأوّل ، الى آخره .
وفيها قال : قال
السيّد حسين المفتي المذكور : أروي عن الشيخ نور الدين محمد بن حبيب الله ، عن
السيّد محمد مهدي ، عن والده السيّد محسن الرضوي المشهدي ، عن الشيخ الفاضل محمد
بن عليّ بن إبراهيم بن جمهور الأحساوي ، بسنده المذكور في عوالي اللآلئ ، على ما
ذكره في إجازته التي كتبها للسيّد محسن .
وقال السيّد
النبيل ، السيّد حسين القزويني ـ طاب ثراه ـ في مقدّمات
__________________
شرح الشرائع :
محمد بن عليّ بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحساوي ، فاضل ، جامع بين المعقول
والمنقول ، راوية للأخبار ، ذكره الفاضل الأسترابادي في « الفوائد المدنيّة » والفاضل المجلسي
في « إجازات البحار » وشيخنا الحرّ في موضعين من « أمل الآمل » ، له كتب ، منها
العوالي اللآلئ ، والمجلي ، وشرح الألفية ، والأقطاب في الأصول ، وغيره ، وما وصل
الى النظر القاصر من نسخة العوالي كان بخطّ الوالد العلاّمة مع حواشيه.
وقال المحقّق
الكاظمي في أوّل كتاب المقابيس : ومنها : الأحسائي ، للعالم العلم ، الفقيه النبيل
، المحدّث الحكيم ، المتكلّم الجليل ، محمد بن عليّ ابن إبراهيم بن أبي جمهور ،
سقاه الله يوم النشور من الشراب الطهور ، وكان من تلامذة الشيخ الفاضل ، شرف الدين
حسن بن عبد الكريم الفتال الغروي ، الخادم للروضة الغرويّة ، والشيخ عليّ بن هلال
الجزائري في كرك ، في أثناء مسيره إلى حجّ بيت الله ، وفي رجوعه من الحجّ ، وهو
صاحب كتاب عوالي اللآلئ ، ونثر اللآلئ في الأخبار ، ورسالة كاشفة الحال عن أحوال
الاستدلال في الأصول ، والجامعيّة في شرح الألفية الشهيديّة ، والمجلي في الحكمة
والمناظرات مع العامّة ، وغيرها ، وروى كالكركي عن ابن هلال ، عن أبي العباس ،
وروى أيضا عن أبيه ، وغيره من المشايخ .
وقال العالم
المتبحّر السيّد عبد الله ، سبط المحدّث الجزائري في إجازته الكبيرة ، في ذكر
مشايخ المجلسي ـ رحمهالله ـ : ومنهم السيّد السند ، الأمير فيض الله بن غياث الدين
محمد الطباطبائي ، عن السيّد الحسيب القاضي حسين ـ الى أن قال ـ عن الشيخ الجليل
محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي جمهور
__________________
الأحسائي .
وقال السيّد
الأجلّ ، الأمير عبد الباقي في إجازته للعلاّمة الطباطبائي : وقال الشيخ الجليل
المبرور محمد بن أبي جمهور الأحسائي ، في كتابه المعروف بعوالي اللآلئ : روى عنده
من المشايخ بطريق صحيح ، عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : « إنّ الله عزّ وجلّ يقول » الخبر.
وقال الفاضل
الخبير في الرياض ، في باب الكنى : أبي جمهور اللحساوي ، وهو الأشهر في ابن أبي
جمهور ، وقد يقال : ابن أبي جمهور ، ويقال في هذه النسبة : الأحساوي أيضا ، ويقال
تارة : الأحسائي ، واللحسائي ـ الى أن قال ـ وهو في الأشهر يطلق على الشيخ شمس
الدين محمد بن علي بن إبراهيم بن الحسن بن أبي جمهور ، كذا بخطّه رحمهالله على ظهر بعض مؤلّفاته ، وهو الفقيه الحكيم المتكلّم ، المحدّث الصوفي ،
المعاصر للشيخ علي الكركي ، وكان تلميذ عليّ بن هلال الجزائري ، وصاحب كتاب «
عوالي اللآلئ » وكتاب « نثر اللآلئ » وكتاب « المجلي في مرآة المنجي » وغيرها من
المؤلّفات ، ذو الفضائل الجمّة لكنّ التصوّف العالي المفرط قد أبطل حقّه . الى غير ذلك من
عبارات الأصحاب على اختلاف طبقاتهم ومشاربهم في حقّه ، وذكرهم إيّاه بأوصاف وألقاب
يذكرون بها العلماء الأعلام والفقهاء العظام.
فمن الغريب بعد
ذلك ما ذكره السيّد الأيّد المعاصر في الروضات ، في ترجمته بعد ذكر طرقه السبعة
حيث قال : وأمّا نحن فقد قدّمنا ذكر شيخه الأجلّ الأعظم علي بن هلال الجزائري ، الذي
هو من جملة مشايخ المحقّق الشيخ علي الكركي ، وبقي سائر مشايخه السبعة ـ المذكورين
هنا ، وفي مقدّمة كتابه العوالي على سبيل التفصيل ـ عند هذا العبد ، وسائر أصحاب
التراجم والإجازات ، من جملة علمائنا المجاهيل ، بل الكلام في توثيق نفس الرجل ،
والتعويل على رواياته
__________________
ومؤلّفاته ،
وخصوصا بعد ما عرفت له من التأليف في إثبات العمل بمطلق الأخبار ، الواردة في كتب
أصحابنا الأخيار ، وما وقع في أواخر وسائل الشيعة ، من كون كتابي حديثه خارجين عن
درجة الاعتماد والاعتبار ، مع أنّ صاحب الوسائل من جملة مشاهير الأخباريّة ،
والأخباريّة لا يعتنون بشيء من التصحيحات الاجتهاديّة ، والتنويعات الاصطلاحيّة ،
انتهى .
وأنت خبير بأنّ
كثيرا من العلماء المعروفين ، المذكورين في الإجازات والكتب المعدّة لترجمتهم ، ما
قالوا في حقّهم أزيد ممّا قالوا في ترجمة صاحب العنوان ، ولم يعهد منهم تزكيتهم
وتوثيقهم بالألفاظ الشائعة المتداولة في الكتب الرجاليّة ، التي يستعملونها في
مقام تزكية الرواة وتعديلهم ، فإنّهم أجلّ قدرا ، وأعظم شأنا من الافتقار إليه.
ولذا قال شيخنا
الشهيد الثاني في شرح الدراية : وقد مرّ أيضا : تعرف عدالة الراوي بتنصيص عدلين
عليها ، أو بالاستفاضة بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل وغيرهم من أهل العلم ،
كمشايخنا السابقين من عهد الشيخ الكليني وما بعده الى زماننا هذا ، ولا يحتاج أحد
من هؤلاء المشهورين الى تنصيص على تزكيته ، ولا تنبيه على عدالته ، لما اشتهر في
كلّ عصر من ثقتهم ، وضبطهم ، وورعهم زيادة على العدالة ، وإنّما يتوقّف على
التزكية غير هؤلاء .
وعلى ما أسّسه
تتطرق الشبهة في جماعة كثيرة من علمائنا الأخيار ، الذين قالوا في ترجمتهم مثل ما
قالوا في حقّ صاحب العوالي ، أو أقلّ ، فتخرج أخبار هؤلاء الأعاظم ، ورواياتهم ،
ومنقولاتهم ، وأقوالهم عن حدود الصحّة والاعتماد ، ولا يخفى ما في ذلك من القبح
والفساد ، بل قدّمنا ذكر جماعة منهم ليس لهم في كتب التراجم ذكر أصلا ، فضلا عن
المدح والثناء ، والتزكية والإطراء ، ومع ذلك كتبهم شائعة ، متداولة ، معتمدة.
__________________
والعجب أنّه ـ رحمهالله ـ ذكره في أوّل الترجمة بهذا العنوان : الشيخ الفاضل المحقّق ، والحبر الكامل
المدقّق ، خلاصة المتأخّرين ، محمد ، الى آخره ، ثمّ تأمّل في
وثاقته ، وهي أدنى درجة الكمال.
وقوله : خصوصا بعد
ما عرفت ، الى آخره ، فيه :
أوّلا : إنه ليس
في اسم الكتاب الذي ألّفه فيه دلالة على اعتقاده على حجيّة مطلق الأخبار.
ففي الأمل :
ورسالة في العمل بأخبار أصحابنا ولم أجده في غيره ، ولكنّه ذكر في أوّل الترجمة هكذا :
ورسالة في أنّ على أخبارنا الآحاد في أمثال هذه الأزمان المعوّل ، كما نسبها إليه
صاحب الأمل ، وهو أعرف بوجه التعبير ، ولا دلالة فيه أيضا على ما نسبه إليه ، مع
أنّه يمكن أن يكون غرضه الموجودة في الكتب الأربعة ، كما عليه جمع من المحقّقين ،
أو اشتراط في ضعافها الانجبار ، ولا ينافي ذلك كون المستند هو الخبر الضعيف ،
فينطبق على ما عليه جماعة من حجيّة الأقسام الثلاثة : الصحيح والحسن
والموثّق ، والضعيف إذا انجبر.
وثانيا : إنّ
اعتقاد حجيّة مطلق أخبار أصحابنا ـ بالنظر الى ما أدّاه إليه
__________________
دليله ـ ليس
بكبيرة ولا صغيرة تضرّ بالوثاقة والعدالة ، ولا ينافي الاعتماد على منقولاته
ومرويّاته ، فيكون بعد التسليم من الذين يقال في حقّهم : خذوا ما
__________________
رووا ، وذروا ما
رأوا .
وثالثا : إنّ
طريقته ـ كما تظهر من ـ كتابيه طريقة المجتهدين ، كما لا يخفى على المراجع ، فكلّ
ما ذكره في حقّه حدس وتخمين ، ناشئ من عدم ظفره بالكتابين.
وقوله : وما وقع
في أواخر وسائل الشيعة ، الى آخره ، فلم أجدهما فيها ، نعم ذكر في آخر كتاب الهداية الكتب الغير المعتبرة عنده
، بأقسامها الثلاثة التي أشرنا إليها سابقا ، وليس منها الكتابان.
قوله : والأخبارية
لا يعتنون ، الى آخره .
قلت : نعم ، ومنه
يظهر أنّ ابن أبي جمهور كان من المجتهدين ، فإنّه في الكتابين لم يسلك إلاّ مسلكهم
، ولم يجر إلاّ على مصطلحاتهم في الأخبار ، من الصّحة والحسن ، والقوّة والضعف ،
والترجيح بذلك ، فراجعهما ، ولولا خوف الإطالة لذكرت شطرا منها :
ومنها يظهر أنّ
المقصد من الرسالة السابقة ليس إثبات حجيّة مطلق الأخبار ، كما توهّمه فجعله من
مطاعنه.
كما يظهر إنّ كلّ
ما ذكره في هذا المقام ناشئ من عدم العثور عليهما ، والله العاصم.
نعم قد يطعن فيه ،
وفي كتابه من جهتين :
الاولى : ميلة الى
التصوّف ، بل الغلو فيه ، كما أشار إليه في الرياض .
وفيه : إنّ ميلة
إليه حتى في بعض مقالاتهم الكاسدة ، المتعلّقة بالعقائد ، لا يضرّ بما هو المطلوب
منه في المقام من الوثاقة ، والتثبّت ، وغير ذلك ممّا يشترط
__________________
في الناقل ، كغيره
من العلماء على ما هم عليه من الاختلاف ، حتى في أصول الكلام ، ومع ذلك يعتمد
بعضهم على بعض في مقام النقل والرواية ، ولذا رأيتهم وصفوه بما هو دائر بينهم في
مواضع مدح الأعاظم وشأنهم ، وأدخلوه في إجازاتهم.
وليس هو أسوأ حالا
فيما نسب إليه من : المحدّث الكاشاني ، ولم يطعن عليه أحد في منقولاته.
ولا من السيّد
حيدر الآملي المعروف ، صاحب الكشكول ، الذي ينسب إليه بعض الأقاويل المنكرة ، وقد
تلمّذ على فخر المحقّقين ، وعندي مسائل السيّد مهنّا ، وأجوبة العلاّمة بخطّه ، وقد قرأها على
الفخر ، وعلى ظهرها إجازة الفخر له بخطّه الشريف ، وهذه صورته :
هذه المسائل
وأجوبتها صحيحة ، سئل والدي عنها فأجاب بجميع ما ذكره فيها ، وقرأتها أنا على
والدي ـ قدّس الله سرّه ـ ورؤيتها عنه ، وقد أجزت لمولانا السيّد الإمام ، العالم العامل ،
المعظّم المكرّم ، أفضل العلماء ، أعلم الفضلاء ، الجامع بين العلم والعمل ، شرف
آل الرسول ، مفخر أولاد البتول ، سيّد العترة الطاهرة ، ركن الملّة والحقّ والدّين
، حيدر بن السيّد السعيد تاج الدين عليّ بن السيّد السعيد ركن الدين حيدر العلوي
الحسيني ـ أدام الله فضائله ، وأسبغ فواضله. أن يروي ذلك عنّي ، عن والدي ـ قدّس
الله سرّه ـ وأن يعمل بذلك ويفتي به ، وكتب محمد بن الحسن بن يوسف بن عليّ بن
مطهّر الحليّ ، في أواخر ربيع الآخر ، لسنة إحدى وستّين وسبعمائة ، والحمد لله
تعالى ، وصلّى الله على سيّد المرسلين محمد النّبي وآله الطاهرين.
وما كان يخفى على
الفخر مقالاته ، وما منعه ذلك عن أن يصفه بما ترى
__________________
من الأوصاف
الجميلة ، أرايت من يعظّمه كذلك ، يتأمّل ويطعن في منقولاته؟! وهكذا الكلام في جمع
ممّن تقدّم عليه ، أو تأخّر عنه.
وليس الغرض من
الاعتماد والاعتبار صحّة كلّ ما رواه في الكتابين ، بل الصحّة من جهته فيكون كسائر
مرويّات الأصحاب في كتبهم الفقهيّة ، والمجاميع الحديثيّة ، وعدم الفرق بين الخبر
الموجود في العوالي ، والموجود في غيره ممّا لم يتبيّن مأخذه ، وإنّ هذا المقدار
من التصوّف ، أو الميل إليه ، غير قادح في المطالب النقليّة عند الأصحاب.
الثانية : ما في
الكتاب المذكور من اختلاط الغثّ بالسمين ، وروايات الأصحاب بأخبار المخالفين ، كما
أشار إليه في اللّؤلؤة .
وقال في الحدائق ،
بعد نقل مرفوعة زرارة في الأخبار العلاجيّة : إنّ الرواية المذكورة لم نقف عليها
في غير كتاب العوالي ، مع ما هي عليها من الإرسال ، وما عليه الكتاب المذكور من
نسبة صاحبه الى التساهل في نقل الأخبار ، والإهمال ، وخلط غثّها بسمينها ، وصحيحها
بسقيمها ، كما لا يخفى على من لاحظ الكتاب المذكور .
قلت : ما ذكره
صحيح في الجملة في بعض الكتاب ، وهو أقلّ القليل منه ، وأمّا في الباقي فحظّه منه
نقل مجاميع الأساتيذ ، الذين ساحتهم بريئة عن قذارة هذه الطعون.
توضيح ذلك : إنّ
العوالي مشتمل على مقدّمة ، وبابين ، وخاتمة ، وذكر في المقدّمة فصولا ، ذكر فيها
طرقه ، وجملة من الأخبار النبويّة في فنون الآداب والأحكام ، واختلط هنا الغثّ
بالسمين كما قالوا.
وأمّا البابان ،
فقال : الباب الأوّل في الأحاديث المتعلّقة بأبواب الفقه ،
__________________
الغير المترتّبة
بترتيب أبوابه ، ولي فيها مسالك كثيرة ، إلاّ أنّي أقتصر في هذا المختصر على ذكر
أربعة مسالك لا غير ، طلبا للإيجاز ، حذرا من الملال.
المسلك الأوّل :
في أحاديث ذكرها بعض متقدّمي الأصحاب ، رؤيتها عنه بطرقي إليه ، لا يختصّ إسنادها
بالرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل بعضها ينتهي إسنادها إليه ، وبعضها الى ذريّته
المعصومين ، وخلفائه المنصوصين ، عليهم أفضل الصلوات وأكمل التحيات ، لأنّ الأصحاب
ـ قدّس الله أرواحهم ـ إنّما يعتبرون من الأحاديث ما صحّ طريقه إليهم ، واتّصلت
روايته بهم ، سواء وقف على واحد منهم ، أو أسنده الى جدّه المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ الى أن قال ـ روى المنقول عنه هذا المسلك في الأحاديث من طرقه الصحيحة ، عمّن رواه ،
قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي
» ثمّ ساق الأخبار ، الى أن قال :
المسلك الثاني :
في أحاديث تتعلّق بمصالح الدين ، رواها جمال المحقّقين في بعض كتبه بالطريق التي
له الى روايتها ، روى في كتابه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أكثروا من سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلاّ
الله ، والله أكبر » الخبر ، وساق أخبار كتابه ، الى أن قال :
المسلك الثالث :
في أحاديث ، رواها الشيخ العالم ، شمس الملّة والدين ، محمد بن مكّي في بعض
مصنّفاته ، يتعلّق بأبواب الفقه ، رؤيتها عنه بطرقي إليه ، قال ـ رحمهالله ـ : روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال :. الخبر ،
__________________
وساق أخباره ، الى أن قال :
المسلك الرابع :
في أحاديث رواها الشيخ العلاّمة الفهّامة ، خاتمة المجتهدين ، شرف الملّة والحقّ
والدين ، أبو عبد الله المقداد بن عبد الله السيوري ـ تغمّده الله برضوانه ـ قال ـ
رحمهالله ـ : روي في الحديث عنهم عليهمالسلام وساق مرويّاته المتفرّقة في أبواب الفقه ، الى أن قال : الباب
الثاني في الأحاديث المتعلّقة بأبواب الفقه بابا بابا ، ولنقتصر في هذا المختصر
منها على قسمين :
القسم الأوّل : في
أحاديث تتعلّق بذلك ، رؤيتها بطريق فخر المحقّقين ، ذكرها عنه بعض تلاميذه ، على
ترتيب والده جمال المحقّقين ـ رضوان الله عليهما ـ ، باب الطهارة : روى محمد بن
مسلم. وساق الى باب الديات ، ثمّ قال :
القسم الثاني : في
أحاديث رواها الشيخ الكامل الفاضل ، خاتمة المجتهدين ، جمال الدين أبو العباس أحمد
بن فهد الحلّي ـ قدّس الله روحه ـ على ترتيب الشيخ المحقّق المدقّق ، أبي القاسم
جعفر بن سعيد الحلّي ـ رحمهالله ـ باب الطهارة. وساق أيضا الى باب الديات .
وذكر في الخاتمة
أيضا جملتين ، ذكر فيهما الأخبار المتفرّقة كما في المقدّمة ، إلاّ أنّ جلّها خاصيّة ، وعمدة أخبار
الكتاب ما أودعه في البابين.
وأنت خبير بأنّ
حظّه منه النقل عن مجاميع هؤلاء المشايخ ، الذين هم أساطين الشريعة ، وأساتيذ
علماء الشيعة ، لا مسرح للطعن عليهم ، ولا سبيل
__________________
لأحد في نسبة
الخلط والمساهلة إليهم ، فإن اتّهم صاحب العوالي في النقل عن تلك المجاميع ، فهو
معدود في زمرة الكذّابين الوضّاعين ، فيرجع الأمر إلى الطعن والإساءة الى سدنة
الدين ، وحفظة السنّة ، ونقّاد الأخبار ، الذين مدحوه بكل جميل ، وأدناه البراءة
عن تعمّد الكذب ووضع الأحاديث.
وقد عثرت بعد ما
كتبت هذا المقام على كلام السيّد المحدّث الجزائري في شرحه على الكتاب المذكور
يؤيّد ما ذكرناه قال : إنّي لمّا فرغت من شروحي ـ الى ان قال ـ : تطلّعت الى
الكتاب الجليل ، الموسوم بعوالي اللآلئ ، من مصنّفات العالم الربّاني ، والعلاّمة
الثاني ، محمد بن عليّ بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحسائي ـ أسكنه الله تعالى غرف
الجنان وأفاض على تربته سجال الرضوان ـ فطالعته مرارا ، وتأمّلت أحاديثه ليلا
ونهارا.
فشوّقتني عادتي في
شرح كتب الأخبار ، وتتّبع ما ورد عنهم عليهمالسلام من الآثار ، الى أن أكتب عليه شرحا يكشف عن بعض معانيه ،
ويوضّح ألفاظه ومبانيه ، فشرعت بعد الاستخارة في ترتيب أبوابه وفصوله ، واستنباط
فروعه من أصوله ، وسمّيته « الجواهر الغوالي في شرح عوالي اللآلئ » ، ثمّ عنّ لي
أن اسمّيه « مدينة الحديث » ـ الى أن قال في ذكر ما دعاه الى شرحه ـ : إنّه وإن
كان موجودا في خزائن الأصحاب إلاّ أنّهم معرضون عن مطالعته ، ومدارسته ، ونقل
أحاديثه ، وشيخنا المعاصر ـ أبقاه الله تعالى ـ ربّما كان وقتا من الأوقات يرغب
عنه لتكثّر مراسيله ، ولأنّه لم يذكر مأخذ الأخبار من الكتب القديمة ، ورجع بعد
ذلك الى الرغبة فيه ، لأنّ جماعة من متأخّري أهل الرجال وغيرهم من ثقات أصحابنا
وثقوه ، وأطنبوا في الثناء عليه ، ونصّوا على إحاطة علمه بالمعقول والمنقول. وله
تصانيف فائقة ، ومناظرات في الإمامة وغيرها مع علماء الجمهور ، سيّما مجالسه في
مناظرات الفاضل الهروي في الإمامة ، في منزل السيّد محسن في المشهد الرضوي ، على
ساكنه وآبائه وأبنائه من الصلوات أكملها ، ومن التسليمات أجزلها.
ومثله لا يتّهم في
نقل الأخبار من مواردها ، ولو فتحنا هذا الباب على أجلاّء هذه الطائفة ، لأفضى بنا
الحال الى الوقوع على أمور لا نحبّ ذكرها ، على أنّا تتبعنا ما تضمّنه هذا الكتاب
من الأخبار ، فحصل الاطّلاع على أماكنها التي انتزعها منه ، مثل الأصول الأربعة
وغيرها ، من كتب الصدوق وغيره من ثقات أصحابنا أهل الفقه والحديث. قال : وأمّا
اطّلاعه وكمال معرفته بعلم الفلسفة وحكمتها ، وعلم التصوف وحقيقته ، فغير قادح في
جلالة شأنه ، فإنّ أكثر علمائنا من القدماء والمتأخّرين قد حقّقوا هذين العلمين ،
ونحوهما من الرياضي ، والنجوم ، والمنطق ، وهذا غنيّ عن البيان ، وتحقيقهم لتلك
العلوم ونحوها ليس للعمل بأحكامها وأصولها ، والاعتقاد بها ، بل لمعرفتهم بها ،
والاطّلاع على مذاهب أهلها.
ثمّ نقل قصصا عن
الشهيد الثاني ، وابن ميثم ، والشيخ البهائي ، تناسب المقام لا حاجة الى نقلها.
فظهر أنّ الحقّ
الحقيق أن يعامل الفقيه المستنبط بأخبار البابين ، معاملته بما في كتب أصحاب
المجاميع من الأحاديث ، وما في طرفي الكتاب خصوصا أوّله ، وإن كان مختلطا إلاّ أنّ
بالنظر الثاقب يمكن تمييز غثّه من سمينة ، وصحيحه من سقيمه.
بقي التنبيه على
شيء ، وهو أنّ المعروف الدائر في ألسنة أهل العلم ، والكتب العلميّة « الغوالي » ـ
بالغين المعجمة ـ ولكن حدّثني بعض العلماء ، عن الفقيه النبيه ، المتبحّر الماهر ،
الشيخ محسن خنفر ـ طاب ثراه ، وكان من رجال علم الرجال ـ أنّه بالعين المهملة ،
فدعاني ذلك الى الفحص فتفحّصت ، فما رأيت من نسخ الكتاب وشرحه فهو كما قال ، وكذا
في مواضع كثيرة من الإجازات التي كانت بخطوط العلماء الأعلام ، بحيث اطمأنّت النفس
بصحّة ما قال ، ويؤيّده أيضا أنّ المحدّث الجزائري سمّى شرحه : الجواهر الغوالي ـ بالمعجمة
ـ فلاحظ ، والله العالم.
٤٩ ـ كتاب
درر اللآلئ العمادية :
للفاضل المتقدّم
أيضا ، ألّفه بعد العوالي ، وهو أكبر وأنفع منه ، قال في أوّله :
فإنّي لمّا ألّفت
الكتاب الموسوم « بعوالي اللآلئ العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة » وكان من جملة
الحسنات الإلهيّة ، والانعامات الربانيّة ، أحببت أن أتبع الحسنة بمثلها ، والطاعة
بطاعة تعضدها ، كما جاء في الأحاديث اتباع الطاعة بالطاعة دليل على قبولها ،
وعلامة على حصولها ، فألّفت عقيبه هذا الكتاب الموسوم « بدرر اللآلئ العماديّة في
الأحاديث الفقهية » ليكون مؤيّدا ، لما بين يديه ناصرا ومقويا ، لما تقدّمه مذكّرا
، فأعززت الأوّل بالثاني لإثبات هذه المباني ، لإعزاز الطاعة بالطاعة ، واجتماع
الجماعة مع الجماعة ، لتقوى بهما الحجّة والاعتصام ، ويظهر بمعرفتهما سلوك آثار
الأئمّة الكرام ، عليهمالسلام ، والفقهاء القوّام ، والمجتهدين العظام. وساق الكلام ،
الى أن ذكر أنّه ألّفه لخزانة السّيدين السندين ، الأميرين الكبيرين ، الأمير
الجليل ، كمال الملّة والحقّ والدين ، والسيّد العضد النبيل ، عماد الملّة والحقّ
والدين ، في كلام طويل ـ الى أن قال : ـ ورتّبته على مقدّمة ، وأقسام ثلاثة ،
وخاتمة.
ذكر في المقدّمة
الأخبار النبويّة ، التي فيها الترغيب في فعل العبادات ، والحثّ على فعلها ، وفي
الخاتمة ما يتعلّق بالأخلاق ، أخرج كلّه من الكافي ، وفي الأقسام ذكر أبواب الفقه
على الترتيب ، وكلّ ما فيها من الأحاديث أخرجه من الكتب الأربعة ، بتوسّط كتب
العلاّمة ، والفخر ، إلاّ قليلا من النبويّات الموجودة فيها ، مع الإشارة إلى
التعارض والترجيح ، وبعض أقوالهما على طريقة الفقهاء ، وذكر في آخر الكتاب طرقه
وأسانيده ، وفي آخر المجلّد الأوّل منه :
هذا آخر المجلّد
الأوّل من كتاب « درر اللآلئ العماديّة في الأحاديث الفقهيّة » ، ويتلوه بعون الله
وحسن توفيقه المجلّد الثاني منه ، وبه يتمّ الكتاب ،
وأوّله : النوع
الثاني فيما يتعلّق بالإيقاعات ، وقد وقع الفراغ في هذا المجلّد نقلا عن النسخة
المبيضة من المسودة ، في أوّل ليلة الأحد ، التاسع من شهر ربيع الثاني ، أحد شهور
سنة إحدى وتسعمائة ، على يد مؤلّفه ، الفقير الى الله العفوّ الغفور ، محمد بن علي
بن أبي جمهور الأحساوي عفا الله عنه ، وعن والده ، وعن جميع المؤمنين والمؤمنات ،
إنّه غفور رحيم ، ووقع كتابة هذا المجلّد بعد تأليف الكتاب ، بولاية أستراباد ـ حميت
من شرّ الأعداء ـ في فصل الشتاء ، في قرية كلبان ، وسروكلات ـ حماهما الله من
الآفات ، وصرف عنهما العاهات والبليّات ـ وكان تأليف الكتاب بتمامه في ذلك المكان
، في أواخر شوّال من شهور سنة تسع وتسعين وثمانمائة.
وبالجملة : فهو
كتاب شريف ، محتو على فوائد طريفة ، ونكات شريفة ، خال عمّا توهّم في أخيه من
الطّعن ، فلاحظ وتبصّر.
ثم إنّ اسم الكتاب
كما عرفت « درر اللآلئ العماديّة » فما في البحار ، والرياض ، والمقابيس ، أنّه نثر
اللآلئ وهم من الأوّل ، وتبعه من بعده ، واحتمال التعدّد بعيد غايته.
__________________
٥٠ ـ تفسير
الشيخ الجليل الأقدم ، أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني الكاتب :
المعروف بابن زينب
، وهو خبر واحد مسند عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، في أنواع الآيات وأقسامها ، وأمثلة الأقسام ، اختصره علم
الهدى السيّد المرتضى ، وقف عليه صاحب الوسائل فأخرج ما فيه من الأحكام ، ولم أجد
في الأصل زائدا منه ، ولذا قلّ رجوعنا إليه مع أنّ الكتاب في غاية الاعتبار ،
وصاحبه شيخ من أصحابنا الأبرار.
ولكن يجب التنبيه
على شيء لا يخلو من غرابة ، وهو أنّ العلاّمة المجلسي قال في مجلّد القرآن من
بحاره : باب ما ورد عن أمير المؤمنين عليهالسلام في أصناف آيات القرآن وأنواعها ، وتفسير بعض آياتها برواية
النعماني ، وهي رسالة مفردة مدوّنة ، كثيرة الفوائد ، نذكرها من فاتحتها الى
خاتمتها : بسم الله الرحمن الرحيم. وساقها الى آخرها.
ثم قال : أقول :
وجدت رسالة قديمة مفتتحها هكذا : حدّثنا جعفر بن محمد بن قولويه القميّ ـ رحمهالله ـ قال : حدّثني سعد الأشعري أبو القاسم ـ رحمهالله ـ وهو مصنّفه : الحمد لله ذي النعماء والآلاء ، والمجد
والعزّ والكبرياء ، وصلّى الله على محمد سيّد الأنبياء ، وعلى آله البررة الأتقياء
، روى مشايخنا ، عن أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قال أمير المؤمنين عليهالسلام : انزل القرآن على سبعة أحرف كلّها شاف كاف ، أمر ، وزجر ،
وترغيب ، وترهيب ، وجدل ، وقصص ، ومثل » وساق الحديث الى آخره ، لكنّه غيّر
الترتيب وفرّقه على الأبواب ، وزاد فيما بين ذلك بعض الأخبار ، انتهى .
والظاهر أنّ
المراد من سعد ، هو ابن عبد الله الأشعري ، الثقة الجليل
__________________
المعروف ، وعدّ
النجاشي من كتبه كتاب « ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه » وعليه فيشكل ما
في أوّل السند ، فإنّ جعفر بن محمد بن قولويه يروي عن سعد بتوسّط أبيه ، الذي كان من خيار أصحاب سعد ،
فيمكن أن يكون قد سقط من السند قوله : عن أبيه ، ثمّ لا يخفى أنّ ما في أوّل تفسير
الجليل عليّ بن إبراهيم ، من أقسام الآيات وأنواعها ، هو مختصر هذا الخبر الشريف ،
فلاحظ وتأمّل.
__________________
٥١ ـ كتاب
جامع الأخبار :
قد كتبنا في سالف
الزمان ، في كتابنا المسمّى « بنفس الرحمن » ما قيل فيه ، فنذكره هنا إذ استقصينا
فيه الكلام في اختلافهم في مؤلّفه ، المردّد بين جماعة :
منهم : الصدوق ،
كما يظهر من بعض أسانيده ، وصرّح به السيّد حسين المفتي الكركي المتقدّم ذكره في «
دفع المناواة » ، وهو ضعيف لا لما قيل : إنّه يروي عنه بوسائط ، لأنّه كثيرا ما
يوجد في أسانيد الكتب القديمة أمثال ذلك من تلامذة المصنّف ورواة الكتب ، بل لأنّه
نقل فيه عن سديد الدين محمود الحمّصي ، الذي هو متأخّر عن الصدوق بطبقات عديدة ، وفيه أيضا هكذا
: في أمالي الشيخ أبي جعفر ، الى آخره ، مضافا الى بعد وضع الكتاب عن طريقة الصدوق في كتبه.
ومنهم : الشيخ أبو
الحسن علي بن أبي سعد بن أبي الفرج الخيّاط ، احتمله المجلسي في البحار ، لما قاله
الشيخ منتجب الدين في فهرسته : إنّ له كتاب جامع الأخبار ، وفيه أنّه قال
بعد هذا الكلام : أخبرنا به الوالد ، عنه . مع أنّ منتجب الدين من تلامذة الحمصي ، فلعلّ هذا كتاب
آخر. وصرّح المتبحّر صاحب الرياض أنّ نسخ جامع الأخبار مختلفة ، فلاحظ .
قلت : وهو كذلك ،
فإنّ بعضها مبوّبة بأبواب ، ولكلّ باب فصول ، وبعضها أكبر منها لكنها غير مبوّبة ،
وإنما قسّمها بالفصول.
ومنهم : محمد بن
محمد الشعيري ، اختاره الفاضل صاحب الرياض ،
__________________
قال في ترجمة عليّ
بن سعد : إن جامع الأخبار لمحمد بن محمد الشعيري ، وقد صرّح صاحب الكتاب نفسه في
فصل تقليم الأظفار ، بأنّ اسم مؤلّفه محمد بن محمد .
وقال في ترجمة
صاحب مكارم الأخلاق : إنّ نسبة جامع الأخبار إليه ـ كما سيأتي ـ إن كان المراد منه
النسخ المشهورة فهو سهو ظاهر ، لأنّه يقول في بحث تقليم الأظفار ـ أعني في الفصل
الرابع والستين ـ :
قال محمد بن محمد
ـ مؤلّف هذا الكتاب ـ : قال أبي في وصيّته إليّ : قلّم أظفارك ، الى آخره .
ومن الغرائب أنّ
بعضهم توهّم من آخر تلك العبارة المنقولة أنّه من مؤلّفات الصدوق ، وغفل عن أوّلها
، فإنّ اسم الصدوق محمد بن عليّ.
وأغرب منه قول
بعضهم : إنّه من مؤلّفات والد هذا الشيخ ، أعني الشيخ أبا عليّ الطبرسي .
قلت : ليس الكلام
المنقول في النسخة الأخرى ، والموجود في النسخة الكبيرة ، إنّما هو في الفصل
الثامن والسبعين.
وقال أيضا في
ترجمة عليّ بن أبي سعد ، بعد نقل ما في المنتجب ، وما ذكره أستاذه في أوّل البحار
: الظاهر أنّ هذا الكتاب غير كتاب جامع الأخبار المشهور :
أمّا أوّلا :
فلأنّ في أثناء ذلك الكتاب صرّح نفسه بأنّ مؤلّفه محمد بن محمد.
وأمّا ثانيا :
فلما سيجيء في ترجمة شمس الدين محمد بن محمد بن حيدر الشعيري ، أنّه مؤلّف ذلك
الكتاب مع الخلاف في ذلك أيضا.
__________________
وأمّا ثالثا :
فلما يظهر من مطاوي ذلك الكتاب أنّه من مؤلّفات المتأخّرين عن الشيخ منتجب الدين
وأمثاله ، فلاحظ. ثمّ قال : إنّ ما يظهر من كلام الأستاذ الاستناد ـ أنّه من
مؤلّفات محمد بن محمد الشعيري ـ ليس بصريح ، لأنّ أصل العبارة في الكتاب ليس إلاّ
محمد بن محمد ، وهو مشترك ، ولا يختصّ بالشعيري وفي كلامه تشويش
لا يخفى.
ومنهم : العالم
الجليل جعفر بن محمد الدوريستي ، نقله الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي في رسالة
الرجعة ، عن المجلسي ، وعن بعض مشايخه.
والنقل الأوّل
غريب لأنّه قال في البحار : ويظهر من بعض مواضع الكتاب أنّ اسم مؤلّفه محمد بن
محمد الشعيري ، ومن بعضها أنّه يروي عن الشيخ جعفر بن محمد الدوريستي بواسطة ،
انتهى .
وهو كما ذكره ،
ويظهر ضعف هذه النسبة بما تقدّم ، إذ جعفر بن محمد من تلامذة المفيد ، والحمصي
متأخّر عنه جدّا.
ومنهم : الحسن بن
محمد السبزواري ، قال الشيخ المتقدّم : قال بعض المشايخ : وقفت على نسخة صحيحة
عتيقة جدّا ، في دار السلطنة أصفهان ، وفيها تمّ الكتاب على يد مصنّفه الحسن بن
محمد السبزواري.
ومنهم : الشيخ
المفسّر أمين الدين أبو علي الفضل بن الحسن بن أبي الفضل الطبرسي ، نقله صاحب
الرياض عن بعضهم كما عرفت ، واستغربه ، وهو في محلّه.
ومنهم : ولده أبو
نصر الحسن ـ صاحب مكارم الأخلاق ـ نسبه إليه من غير تردّد الشيخ محمد بن الحسن الحرّ
العاملي ، في كتاب « إيقاظ الهجعة في إثبات الرجعة » كما رأيته بخطّه الشريف ، مع
أنّه كان عنده من الكتب
__________________
المجهولة ، ولذا
لم ينقل عنه في الوسائل.
وقال في ترجمته في
أمل الآمل : وينسب إليه أيضا كتاب جامع الأخبار ، وربّما ينسب الى محمد بن محمد
الشعيري ، لكن بين النسختين تفاوت . ولم أقف على مستنده في الجزم بالنسبة في الإيقاظ.
وقال في البحار :
وقد يظنّ كونه تأليف مؤلّف مكارم الأخلاق . وممّن نسبه إليه السيّد الأجلّ بحر العلوم ، على ما وجدته
بخطّه الشريف في فهرست كتبه.
قلت : في النسختين
في فصل فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام : حدّثنا الحاكم الرئيس الإمام ، مجد الحكّام أبو منصور
عليّ بن عبد الواحد الزيادي ـ أدام الله جلاله وجماله ، إملاء في داره يوم الأحد ،
الثاني من شهر الله الأعظم رمضان سنة ثمان وخمسمائة ـ قال : حدّثنا الشيخ الإمام
أبو عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي ـ إملاء ـ أورد القصّة مجتازا في أواخر ذي
الحجّة ، سنة أربع وسبعين وأربعمائة ، الى آخره .
ووفاة أمين
الإسلام الفضل ، والد صاحب المكارم في سنة ثمانية وأربعين ، أو اثنتين وخمسين بعد
خمسمائة ، فصاحب الجامع تلائم طبقته طبقة الوالد لا الولد ، إلاّ على تكلّف ، مع
أنّه ألّفه بعد مضي خمسين من عمره ولم ينقل فيه عن والده شيئا ، ومع اتفاق المكارم
وحسن ترتيبه بخلافه ، فربّما يستبعد من جميع ذلك كونه له.
والذي يهوّن الخطب
قلّة ما فيه من الأخبار المحتاجة إلى النظر في أسانيدها ، مع أنّ المعلوم من جميع
ما مرّ كونه من مؤلّفات علماء المائة الخامسة ، الداخلة في عموم من زكّاهم الشهيد
ـ رحمهالله ـ في درايته والله العالم.
__________________
٥٢ ـ كتاب
الشهاب :
للقاضي أبي عبد
الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن حكمون المغربي القضاعي ، المحدّث المعروف ،
والمعاصر للشيخ الطوسي رحمهالله وأضرابه ، المتوفى سنة أربع وخمسين وأربعمائة ، وهو مقصور
على الكلمات الوجيزة النبويّة.
قال في أوّله بعد
الحمد : فإنّ في الألفاظ النبويّة ، والآداب الشرعيّة جلاء لقلوب العارفين ، وشفاء
لأدواء الخائفين ، لصدورها عن المؤيّد بالعصمة ، المخصوص بالبيان والحكمة ، الذي
يدعو إلى الهدي ، ويبصّر من العمى ، ولا ينطق عن الهوى ، صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل ما صلّى على أحد من عباده الذين اصطفى ، وقد جمعت في كتابي هذا ممّا
سمعت من حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ألف كلمة من الحكمة ، في الوصايا ، والآداب ، والمواعظ ،
والأمثال ، قد سلمت من التكلّف مبانيها ، وبعدت عن التعسّف معانيها ، وبانت
بالتأييد عن فصاحة الفصحاء ، وتميّزت بهدي النّبوة عن بلاغة البلغاء ، وجعلتها
مسرورة يتلو بعضها بعضا ، محذوفة الأسانيد ، مبوّبة أبوابا على حسب تقارب الألفاظ
، ليقرب تناولها ، ويسهل حفظها ، ثمّ زدتها مائتي كلمة ، وختمت الكتاب بأدعية
مرويّة عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم وأفردت الأسانيد جميعها كتابا يرجع في معرفتها إليه ،
انتهى.
وهذا الكتاب صار
مطبوعا شائعا بين الخاصّة والعامّة ، وقد شرحه جماعة من علماء الفريقين.
فمن الخاصّة :
العالم الجليل السيّد ضياء الدين فضل الله بن عليّ بن عبيد الله الحسني الراوندي ،
سمّاه « ضوء الشهاب في شرح الشهاب » ينقل عنه في البحار كثيرا.
ومنهم : أفضل
الدين الشيخ حسن بن عليّ بن أحمد الماهابادي ، قال منتجب الدين : إنّه علم في
الأدب ، فقيه ، وعدّ من كتبه « شرح الشهاب » .
ومنهم : برهان
الدين أبو الحارث محمد بن أبي الخير عليّ بن أبي سليمان ظفر الحمداني ، عدّ في
المنتجب من كتبه « شرح الشهاب » .
ومنهم : قطب الدين
سعيد بن هبة الله الراوندي ، عدّ في المنتجب من كتبه « ضياء الشهاب في شرح الشهاب
» .
ومنهم : الشيخ أبو
الفتوح الحسين بن عليّ بن محمد الخزاعي ، عدّ في المنتجب من كتبه « روح الأحباب
وروح الألباب في شرح الشهاب » وكذا ابن شهرآشوب في معالم العلماء . وغير هؤلاء
الأعلام ممّا يجده المتتبّع.
وأمّا من العامّة
: ففي كشف الظنون : لخّصه الشيخ نجم الدين الغيطي محمد بن أحمد الاسكندري ،
المتوفّى سنة أربع وثمانين وتسعمائة ، وأصلحه الامام حسن بن محمد الصغاني ، وسمّاه
« كشف الحجاب عن أحاديث الشهاب » وضع علامة للصحيح ، والضعيف ، والمرسل ، ورتّبه
على الأبواب كالمشارق ، وقد أوصى ابن الأثير في « المثل السائر » بمطالعته للكاتب
الفقيه ، وله ضوء الشهاب.
وشرحه أبو المظفّر
محمد بن أسعد ـ المعروف بابن الحكيم الحنفي ـ المتوفّى سنة سبع وستّين وخمسمائة.
وشرحه الشيخ عبد
الرؤوف المناوي شرحا ممزوجا ، وسمّاه « رفع النقاب عن كتاب الشهاب » لكنّ الأميني
الشامي قال في ترجمته : ورتّب كتاب
__________________
الشهاب للقضاعي
وشرحه ، وسمّاه « إمعان الطلاّب بشرح ترتيب الشهاب » وله ترتيب أحاديثه على ترتيب
« جامع الصغير » ورموزه.
ومن شروحه « حلّ
الشهاب » وشرحه بعضهم أوّله : الحمد لله الذي جعل سنّة نبيّه مشكاة لاقتباس أنوار
الرشد والهدى ، الى آخره.
وشرحه ابن وحشي
محمد بن الحسين الموصلي.
واختصر هذا الشرح
الشيخ إبراهيم بن عبد الرحمن الوادياشي ، المتوفّى سنة سبعين وخمسمائة.
وشرحه الأستاذ أبو
القاسم بن إبراهيم الورّاق العابي شرحا بالقول.
ورتّبه السيوطي
كترتيب الجامع الصغير له ، وسمّاه « إسعاف الطلاّب بترتيب الشهاب » انتهى. وصرّح
في أوّل كلامه بشافعيّة القاضي .
وقال في البحار :
كتاب الشهاب ، وإن كان من مؤلّفات المخالفين ، لكنّ أكثر فقراته مذكورة في الخطب
والأخبار المرويّة من طرقنا ، ولذا اعتمد عليه علماؤنا ، وتصدّوا لشرحه.
وقال الشيخ منتجب
الدين : السيّد فخر الدين شميلة بن محمد بن هاشم الحسيني ، عالم صالح ، روى لنا
كتاب الشهاب للقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي ، عنه .
هذا وربّما يستأنس
لتشيّعه بأمور :
منها : توغّل
الأصحاب على كتابه ، والاعتناء به ، والاعتماد عليه ، وهذا غير معهود منهم بالنسبة
إلى كتبهم الدينيّة ، كما لا يخفى على المطّلع بسيرتهم.
ومنها : إنّه قال
في خطبة الكتاب بعد ذكر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم :
__________________
أذهب الله عنهم
الرجس ، وطهّرهم تطهيرا . ولم يعطف عليهم الأزواج والصحابة ، وهذا بعيد عن طريقة
مؤلّفي العامّة غايته.
ومنها : إنّه ليس
في تمام هذا الكتاب من الأخبار الموضوعة في مدح الخلفاء ، سيّما الشيخين ،
والصحابة ، خبر واحد مع كثرتها ، وحرصهم في نشرها ودرجها في كتبهم بأدنى مناسبة ،
مع أنّه روى فيه قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركب فيها نجا ، ومن
تخلّف عنها غرق » .
ومنها : إنّ جلّ
ما فيه من الأخبار موجود في أصول الأصحاب ومجاميعهم ، كما أشار إليه المجلسي أيضا ، وليس في باقيه
ما ينكر ويستغرب ، وما وجدنا في كتب العامّة له نظيرا ومشابها.
وبالجملة : فهذا
الكتاب في نظري القاصر في غاية الاعتبار ، وإن كان مؤلّفه في الظاهر ـ أو واقعا ـ غير
معدود من الأخيار.
وقال ابن شهرآشوب
في معالم العلماء : القاضي أبو عبد الله محمد بن سلام القضاعي ، عامّي ، له «
دستور الحكم في مأثور معالم الكلم » وهو مجموع من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام وفيه أيضا تأييد لما قلنا.
وقال العلاّمة في
الإجازة الكبيرة لبني زهرة : ومن ذلك جميع كتاب الشهاب للقاضي أبي عبد الله محمد
بن سلامة القضاعي المغربي ، وباقي مصنّفاته ورواياته عنّي ، عن والدي ـ رحمهالله ـ عن السيّد فخار بن معد الموسوي ، عن القاضي ابن الميداني ، عن القاسم بن
الحسين ، عن القاضي
__________________
أبي عبد الله
المصنف .
هذا ولعلّ من يقف
على بعض شروحه التي أشرنا إليها ، يجد لاعتباره قرائن خفيت علينا.
__________________
٥٣ ـ كتاب
المزار :
قال في البحار :
كتاب كبير في الزيارات ، تأليف محمد بن المشهدي ، كما يظهر من تأليفات السيّد ابن
طاوس ، واعتمد عليه ومدحه ، وسمّيناه بالمزار الكبير ، وقال في الفصل الآخر :
والمزار الكبير يعلم من كيفيّة إسناده أنّه كتاب معتبر ، وقد أخذ منه السيّدان
ابنا طاوس كثيرا من الأخبار والزيارات.
وقال الشيخ منتجب
الدين في الفهرست : أبو البركات محمد بن إسماعيل المشهدي ، فقيه ، محدّث ، ثقة ،
قرأ على الإمام محيي الدين الحسين ابن المظفّر الحمداني ، [ وقال في ترجمة
الحمداني : ] أخبرنا بكتبه السيّد أبو البركات المشهدي ، انتهى .
ومراده من ابني
طاوس : السيّد رضيّ الدين عليّ في مزاره ، والسيّد عبد الكريم في فرحة الغري.
وما استظهره من
أنّه الذي ذكره في المنتجب كأنّه في غير محلّه ، فإنّ المذكور في المنتجب هو
السيّد ناصح الدين أبو البركات ، الذي ينقل عنه أبو نصر الحسن بن فضل الطبرسي في
مكارم الأخلاق بهذا العنوان : من مسموعات السيّد الإمام ناصح الدين أبي البركات
المشهدي .
وكذا ولده عليّ في
كتاب مشكاة الأنوار كثيرا ، تارة بهذا العنوان : من مجموع السيّد ناصح الدين أبي
البركات ، واخرى : من كتاب السيّد ناصح الدين أبي البركات ، وثالثة : من كتاب
السيّد الإمام ناصح الدين أبي البركات .
__________________
وقال القطب
الراوندي في الخرائج : أخبرنا السيّد أبو البركات محمد بن إسماعيل المشهدي ، عن
الشيخ جعفر الدوريستي ، عن المفيد .
وبالجملة : فهو
مذكور في كتب الأصحاب بكنية أبي البركات ، ولقبه ناصح الدين ، وبالإمامة والسيادة
معروف بها لا بعنوان المشهدي ، بخلاف صاحب المزار فإنّه معروف به لا غير.
ففي فرحة الغري :
وذكر محمد بن المشهدي في مزاره ، أنّ الصادق عليهالسلام علّم محمد بن مسلم الثقفي هذه الزيارة ـ الى أن قال ـ :
وقال ابن المشهدي أيضا ما صورته. الى آخره .
وصاحب الرياض ذكر
السيّد المذكور تارة بعنوان السيّد ناصح الدين أبو البركات المشهدي ، واخرى بعنوان
السيّد أبو البركات المشهدي ، وحكم باتّحادهما ، بل واتّحادهما مع السيّد أبي
البركات العلوي ، الذي نقل صاحب تبصرة العوام قصّة مناظرته في الإمامة مع أبي بكر
بن إسحاق الكرامي ، ومع ذلك لم يحتمل كونه صاحب المزار ، وهو من الكتب
المعروفة.
وكذا صاحب المنتجب
، لم يسند إليه المزار ، ولا كتابه الآخر الذي أشار إليه في آخر آداب المدينة من
المزار ، قال فيه : ثمّ تصلّي في مسجد المباهلة ما استطعت ، وتدعو فيه بما تحبّ ،
وقد ذكرت الدعاء بأسره في كتابي المعروف « ببغية الطالب وإيضاح المناسك لمن هو
راغب في الحجّ » ، فمن أراده أخذه من هناك ففيه كفاية .
ومنه يظهر أنّه
معدود في زمرة الفقهاء ، كما أنّه يظهر من صدر كتابه
__________________
الاعتماد على كلّ
ما أودعه فيه ، وإنّ ما فيه من الزيارات كلّها مأثورة ، وإن لم يستند بعضها إليهم عليهمالسلام في محلّه.
قال بعد الخطبة :
فإني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات للمشاهد ، وما ورد في الترغيب في
المساجد المباركات ، والأدعية المختارات ، وما يدعى به عقيب الصلوات ، وما يناجي
به القديم تعالى ، من لذيذ الدعوات في الخلوات ، وما يلجأ إليه من الأدعية عند
المهمّات ، ممّا اتّصلت به من ثقات الرواة إلى السادات ، وحثّني الى ذلك أيضا. إلى
آخره .
والذي أعتقده أنّه
من مؤلّفات محمد بن جعفر المشهدي ، وهو بعينه محمد بن جعفر الحائري ، وإن جعل في
أمل الآمل له عنوانين ، وظنّه اثنين ، قال فيه : الشيخ محمد بن جعفر الحائري فاضل
جليل ، له كتاب « ما اتّفق من الأخبار في فضل الأئمّة الأطهار ، عليهمالسلام » ـ الى أن قال ـ الشيخ محمد ابن جعفر المشهدي كان فاضلا محدّثا ، صدوقا ، له
كتب ، يروي عن شاذان ابن جبرائيل القمّي ، انتهى .
والذي يبيّن ما
ادّعيناه أنّا عثرنا على مزار قديم ، يظهر من بعض أسانيده أنّه في طبقته ، وطبقة
الشيخ الطبرسي صاحب الاحتجاج ، والنسخة عتيقة ، يظنّ أنّه كتبت في عصر مؤلّفه ،
وفيه فوائد حسنة جميلة ، ويظهر منه غاية
__________________
اعتباره واعتبار
مؤلّفه ، وأظنّه القطب الراوندي ، لملاءمة الطبقة ، وعدّ
__________________
الأصحاب من كتبه
كتاب المزار ، وقد نقل فيه جملة من الأخبار المختصّة سندا ومتنا بمزار محمد بن
المشهدي ، كما يظهر من مزار البحار.
وعبّر عنه في موضع
هكذا : حدث أبو عبد الله محمد بن جعفر الحائري ـ رضياللهعنه ـ قال : حدّثني الشيخ الجليل أبو الفتح ـ المقيم بالجامع ـ
الى آخر ما في مزار المشهدي.
وفي موضع : ثم
تخرج الى ظاهر الكوفة ، وتتياسر الى مسجد جعفي ، وهو غربيّ مسجد النجار ، فيه
منارة لا رأس لها ، فتصلّي فيه أربع ركعات ، فقد روى أبو عبد الله محمد بن جعفر
الحائري باتّصال الإسناد الى أبي الحسن عليّ بن ميثم ، الى آخر ما في المزار
المذكور. والنسبة إلى البلدين غير عزيزة بين الرواة والأصحاب ، كما لا يخفى على
المصطلع الخبير ، بل نسبه إليهما الشيخ الجليل حسين بن العالم الأكمل عليّ بن
حمّاد ، في إجازته لنجم الدين خضر بن نعمان المطارآبادي ، قال فيها : ومن ذلك ما
رواه ـ يعني والده ـ عن الشيخ محمد بن جعفر بن عليّ بن جعفر المشهدي الحائري ، الى
آخره.
وكذلك المحقّق
النقّاد صاحب المعالم في إجازته الكبيرة ، قال : وبالإسناد عن الشيخ نجيب الدين
محمد ـ يعني محمد بن جعفر بن نما ـ عن الشيخ السعيد أبي عبد الله محمد بن جعفر
المشهدي الحائري ، جميع كتبه ورواياته ، الى أن قال :
وعن الشيخ أبي عبد
الله محمد بن جعفر المشهدي ، عن الشيخ الزاهد أبي الحسين ورّام ، الى آخره.
وعن ابن جعفر ، عن
الشيخ الفقيه أبي الحسين يحيى بن الحسن بن البطريق ، وعدّ مؤلّفاته وقال : وحكى
الشيخ نجم الدين بن نما ، عن والده ،
__________________
أنّ الشيخ محمد بن
جعفر قرأ هذه الكتب المعدودة ، وكتبا اخرى من تصانيف أبي الحسين بن البطريق عليه ،
وأجاز له جميع رواياته ومؤلّفاته.
وبالإسناد أيضا عن
الشيخ محمد بن جعفر المشهدي ، عن الشيخ المقرئ أبي عبد الله محمد بن هارون ـ المعروف
والده بالكال ـ جميع كتبه ورواياته ، ثمّ عدّ كتبه وقال : وعن ابن جعفر ، عن الشيخ
الفقيه أبي محمد جعفر بن أبي الفضل بن شعرة الجامعاني جميع رواياته.
وعن ابن جعفر أيضا
، عن الشيخ الفقيه أبي عبد الله الحسين بن أحمد ابن ردة جميع رواياته.
وعن ابن جعفر ، عن
الشريف الأجلّ شرفشاه بن محمد بن زيادة ، والشيخ أبي الفضل شاذان بن جبرائيل ، عن
الشريف محمد ـ المعروف بابن الشريف ـ الجمل البحري ، عن البصروي ،
كتاب المفيد في التكليف له ، وكانت رواية ابن جعفر للكتاب ، عن السيد شرفشاه وأبي
الفضل شاذان ، قراءة عليهما في شهر رمضان ، سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. إلى أن قال
:
وذكر الشيخ نجم
الدين بن نما في الإجازة المذكورة سابقا ، أنّ والده أجاز له أن يروي عنه ، عن
الشيخ محمد بن جعفر المشهدي كتاب « إزاحة العلّة في معرفة القبلة من سائر الأقاليم
» تصنيف الشيخ الفقيه أبي الفضل شاذان بن جبرائيل رحمهالله عن مصنّفه رضي الله عنه. إلى ان قال : وذكر الشيخ نجم
الدين بن نما أنّه يروي المقنعة للمفيد بالإجازة ، عن والده ، عن محمد ابن جعفر
المشهدي.
وحكى عن محمد بن
جعفر أنّه قال : إنّه قرأها ولم يبلغ العشرين على الشيخ المكين أبي منصور محمد بن
الحسن بن منصور النقّاش الموصلي ، وهو
__________________
طاعن في السنّ ،
وأخبره أنّه قرأها في أوّل عمره على الشريف النقيب المحمّدي بالموصل ، وهو يومئذ
طاعن في السنّ ، وأخبره أنّه قرأها في أوّل عمره على المصنّف ، انتهى .
ويظهر منه أنّه ـ رحمهالله ـ من أعاظم العلماء ، واسع الرواية ، كثير الفضل ، معتمد عليه ، كما أنّه
يظهر ممّا ذكرنا من خطبة كتابه ، أنّ كلّ ما فيه من الدعوات والزيارات مأثورة عنهم
عليهمالسلام ، ومنها أعمال مسجد الكوفة ، والزيارات المختصّة بأبي عبد
الله عليهالسلام في الأيّام المخصوصة
ويأتي تتمّة
الكلام في ترجمة رضيّ الدين بن طاوس رحمهالله ، وفي مشايخ ابن نما ـ شيخ المحقّق ـ شرح مشايخ محمد بن
المشهدي ، فلاحظ.
__________________
٥٤ ـ كتاب
تأريخ قم :
تأليف الشيخ
الأقدم الحسن بن محمد.
قال في الرياض :
الشيخ الجليل الحسن بن محمد بن الحسن القميّ ، من أكابر قدماء علماء الأصحاب ، ومن
معاصري الصدوق ، ويروي عن الشيخ حسين بن عليّ بن بابويه ـ أخي الصدوق ـ بل عنه
أيضا ، فلاحظ.
وله كتاب « تأريخ
قم » وقد عوّل عليه الأستاذ ـ قدسسره ـ في البحار ، وقال : إنّ كتابه معتبر ، وينقل عن كتابه
المذكور في مجلّد المزار من البحار ، لكن قال : إنّه لم يتيسر لنا أصل الكتاب ،
وإنّما وصل إلينا ترجمته ، وقد أخرجنا بعض أخباره في كتاب السماء والعالم ، انتهى.
أقول : ويظهر من
رسالة الأمير المنشئ في أحوال بلدة قم ، ومفاخرها ومناقبها ، أنّ اسم صاحب هذا
التأريخ هو الأستاذ أبو علي الحسن بن محمد ابن الحسين الشيباني القمي ، فتأمّل.
ثمّ أقول : سيجيء
في باب الميم ترجمة محمد بن الحسن القمّي ، وظنّي أنّه والد هذا الشيخ ، فلا تغفل.
وقد يقال : إنّه
العمي ـ بالعين المهملة المفتوحة ـ فهو غيره.
واعلم أنّي رأيت
نسخة من هذا التاريخ بالفارسيّة في بلدة قم ، وهو كتاب كبير جيّد ، كثير الفوائد ،
في مجلّدات ، محتو على عشرين بابا ، ويظهر منه أنّ مؤلّفه بالعربيّة إنّما هو
الشيخ حسن بن محمد المذكور ، وسمّاه كتاب قم ، وقد كان في عهد الصاحب بن عبّاد ،
وألّف هذا التاريخ له ، وقد ذكر في أوّله كثيرا من أحواله وخصاله وفضائله ، ثمّ
ترجمه الحسن بن عليّ بن الحسن بن عبد الملك القمّي بالفارسيّة ، بأمر الخواجه فخر الدين إبراهيم بن
الوزير الكبير
__________________
الخواجه عماد
الدين محمود بن الصاحب الخواجه شمس الدين محمد بن علي الصفّي ، في سنة ثمانمائة
وخمسة وستّين.
ثم إنّ لهذا
المورّخ الفاضل ـ أعني مؤلّف الأصل ـ أخا فاضلا ، وهو أبو القاسم عليّ بن محمد بن
الحسن الكاتب القمي ، كما يظهر من هذا الكتاب أيضا ، وأكثر فوائد هذا الكتاب ما
يتعلّق بأحوال خراج قم ، وبعض أحواله منه ، انتهى .
قلت : ويظهر من
كتاب فضائل السادات ، المسمّى بمنهاج الصفوي ، تأليف السيّد العالم المتبحّر ،
الأمير سيّد أحمد الحسيني ، سبط المحقّق الكركي ، وابن خالة المحقّق الداماد وصهره
على بنته ، صاحب مصقل الصفا في الردّ على النصارى وغيره ، أنّ لهذا الكتاب ترجمة
اخرى ينقل فيها عنها. كما أنّه يظهر منه أنّ النسخة العربيّة كانت عنده.
وهذا الكتاب مشتمل
على عشرين بابا ، والذي وصل إلينا منه ثمانية أبواب ، ويظهر من فهرست أبوابه أنّ
فيه فوائد جميلة ، خصوصا : الباب الحادي عشر منه ، الذي ذكر أنّه يذكر فيه واحدا
ومائتين من أخبار قم ، والباب الثاني عشر منه ، الذي ذكر أنّه يذكر فيه أسامي
علماء قم ، ومصنّفاتهم ورواياتهم ، وهم مائتان وستّة وستّون ، الى تأريخ التصنيف
الذي كان في سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة ، رزقنا الله تعالى العثور عليه.
وقد نقل عن أصل
الكتاب أيضا العالم الجليل ، الآغا محمد علي ، ابن الأستاذ الأكبر البهبهاني في
حواشي نقد الرجال كما وجدناه بخطّه الشريف.
__________________
٥٥ ـ كتاب
الخصائص :
تأليف السيد رضي
الدين ، محمّد بن الحسين الموسوي ، جامع نهج البلاغة ، وهو الذي قال في حقّه في
أوّل النهج : فإنّي كنت في عنفوان السنّ ، وغضاضة الغصن ، ابتدأت بتأليف كتاب في
خصائص الأئمّة عليهمالسلام يشتمل على محاسن أخبارهم ، وجواهر كلامهم ، حداني إليه غرض
ذكرته في صدر الكتاب ، وجعلته أمام الكلام ، وفرغت من الخصائص التي تخصّ أمير
المؤمنين عليّا عليهالسلام ، وعاقت عن إتمام بقيّة الكتاب محاجزات الأيّام ، ومماطلات
الزمان ، وكنت قد بوّبت ما خرج من ذلك أبوابا ، وفصّلته فصولا ، فجاء في آخرها :
فصل يتضمّن محاسن ما نقل عنه عليهالسلام من الكلام القصير ، في المواعظ ، والحكم ، والأمثال ،
والآداب. إلى آخره .
والذي ذكره في صدر
الكتاب ، هو ما قال بعد ذكر ميلة وقصده الى جمعه ما لفظه : الى أن أنهضني الى ذلك
اتّفاق اتّفق لي ، فاستثار حميّتي ، وقوّي نيّتي ، واستخرج نشاطي ، وقدح زنادي ،
وذلك أنّ بعض الرؤساء ممّن غرضه القدح في صفاتي ، والغمز لقناتي ، والتغطية على
مناقبي ، والدلالة على مثلبة إن كانت لي ، لقيني وأنا متوجّه عشيّة عرفة ، من سنة
ثلاث وثمانين وثلاثمائة هجرية ، إلى مشهد مولانا أبي الحسن موسى بن جعفر ، وأبي
جعفر محمد بن علي بن موسى عليهماالسلام ، للتعريف هناك ، فسألني عن متوجّهي ، فذكرت له إلى أين
قصدي.
فقال لي : متى كان
ذلك؟! يعني أنّ جمهور الموسويّين جارون على منهاج واحد في القول بالوقف ، والبراءة
ممّن قال بالقطع.
وهو عارف بأنّ
الإمامة مذهبي ، وعليها عقدي ومعتقدي ، وإنّما أراد التنكيت لي ، والطعن عليّ
بديني.
__________________
فأجبته في الحال
بما اقتضاه كلامه ، واستدعاه خطابه ، وعدت وقد قوي عزمي على عمل هذا الكتاب ،
إعلانا لمذهبي ، وكشفا عن مغيّبي ، وردّا على العدوّ الذي يتطلب عيبي ، ويروم ذمّي
وقصبي ، انتهى .
ويروي فيه عن أبي
محمد هارون بن موسى التلعكبري رحمهما الله تعالى .
__________________
٥٦ ـ كتاب
سعد السعود :
للسيّد الأجلّ
عليّ بن موسى بن جعفر الطاوس ، وهو كتاب لطيف بديع.
قال في أوّله :
فإنّي وجدت في خاطري يوم الأحد في ذي القعدة ، سنة إحدى وخمسين وستمائة ، اعتبرته
بميزان الإلهيّة ، ووجدان الألطاف الربّانيّة ، فوجدته واردا عن تلك المراسم ،
وعليه أرج أنوار هاتيك المعالم والمواسم ، في أن اصنّف كتابا اسميّه « سعد السعود
» للنفوس منضود ، من كتب وقف علي ابن موسى بن طاوس . إلى آخره.
__________________
٥٧ ـ كتاب
اليقين ، أو كشف اليقين :
باختصاص مولانا
أمير المؤمنين عليهالسلام بإمرة المؤمنين.
له أيضا ، جلالة
قدر مؤلّفه وتثبته أشهر من أن يذكر.
٥٨ ـ كتاب
التعازي :
تأليف الشريف
الزاهد أبي عبد الله محمد بن عليّ بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي الحسني ، ذكر فيه
ما يتعلّق بالتعزية والتسلية ، وصدّره بحديث وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ بما صنعه وقاله عند موت أولاده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وما عزّى به غيره.
قال في أوّله :
أخبرني الشيخ الجليل العفيف أبو العباس أحمد بن الحسين ابن وجه المجاور ـ قراءة
عليه ، في داره بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، في شهر الله من سنة إحدى وسبعين وخمسمائة ـ قال : حدّثنا الشيخ الأجل
الأمير أبو عبد الله محمد بن أحمد بن شهريار الخازن ـ بالمشهد المقدّس بالغري ،
على ساكنه السلام ، في شهر ربيع الأوّل من سنة ست عشرة وخمسمائة ـ قال : حدّثنا
الشريف النقيب أبو الحسين زيد بن الناصر الحسيني ـ رحمهالله ، في شوّال من سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة ، بمشهد مولانا
أمير المؤمنين عليهالسلام ـ قال : حدّثنا ( الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن
الحسن بن عبد الرحمن العلوي ) عن عليّ بن العباس البجلي ، عن محمد بن سهل بن زنجلة
الرازي ، عن عبد العزيز بن عبد الله الاويسي ،
__________________
عن القاسم بن عبد
الله بن عمر بن حفص ، عن عاصم العمري وعلي بن علي اللهبي ، عن جعفر بن محمد بن
عليّ بن الحسين عليهمالسلام ، عن أبيه الحديث .
ثم يقول بعد ذلك :
وبالإسناد. الى آخره.
وفي آخر هذا
الكتاب ـ وهو من خصائصه ـ الخبر الشريف المعروف ، الذي يذكر فيه بلاد أولاد الحجّة
عليهالسلام ، وأساميهم ، وأحوالهم ، وقد نقله الأعلام في مؤلفاتهم.
قال السيّد الأجلّ
علي بن طاوس في أواخر كتاب جمال الأسبوع : ووجدت رواية متّصلة الإسناد ، بأنّ
للمهدي صلوات الله عليه أولاد جماعة ولاة ، في أطراف بلاد البحر ، على غاية عظيمة
من صفات الأبرار .
وذكر مختصره الشيخ
زين الدين علي بن يونس العاملي البياضي ، في الفصل الخامس عشر من الباب الحادي عشر
من كتابه الصراط المستقيم .
ورواه السيد
الجليل عليّ بن عبد الحميد النيلي ، في كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان.
ورواه السيّد
المحدّث الجزائري في الأنوار ، عن المولى الفاضل ، الملقّب بالرضا علي بن فتح الله
الكاشاني ، قال : روى الشريف الزاهد. إلى آخره.
وفي كتاب حديقة
الشيعة ، ما ملخّص ترجمته في كتاب الأربعين ، الذي صنّفه بعض أكابر المصنّفين ،
وأعاظم المجتهدين : روى العالم العامل ، المتّقي الفاضل ، محمد بن عليّ العلويّ
الحسني ، بسند ينتهي إلى أحمد بن محمد الأنباري ، وساق الخبر بطوله .
__________________
ويظهر من جميع ذلك
أنّه من العلماء الأعلام ، والأتقياء الكرام ، والمؤلّفين العظام ، وإن لم أجد له
ترجمة في الكتب المعدّة لذلك ، ولم أعثر على باب الميم من الرياض ، الذي هو أجمع
وأكمل ما صنّف في هذا الباب.
وقال السيّد
الأجلّ عبد الكريم بن طاوس ، في الباب الثاني من كتاب فرحة الغري : روى أبو عبد
الله محمد بن عليّ بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي الحسني في كتاب فضل الكوفة ،
بإسناد رفعه الى عقبة بن علقمة أبي الجنوب ، قال : اشترى أمير المؤمنين عليهالسلام ما بين الخورنق إلى الحيرة إلى الكوفة ، ـ وفي حديث ما بين
النجف إلى الحيرة إلى الكوفة ـ ، من الدهاقين بأربعين ألف درهم ، وأشهد على شرائه
، قال : فقيل له يا أمير المؤمنين تشتري هذا بهذا المال وليس تنبت حظّا ، قال : «
سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : كوفان كوفان يرد أوّلها على آخرها ، يحشر من ظهرها
سبعون ألفا يدخلون الجنّة بغير حساب ، فاشتهيت أن يحشروا من ملكي ».
أقول : هذا الحديث
فيه إيناس بما نحن بصدده ، وذلك أنّ ذكره عليهالسلام ظهر الكوفة إشارة الى ما خرج عن الخندق ، وهي عمارة آهلة
الى اليوم ، وإنّما اشترى أمير المؤمنين عليهالسلام ما خرج عن العمارة الى حيث ذكروا ، والكوفة مصرت سنة سبع
عشرة من الهجرة ، ونزلها سعد في محرّمها ، وأمير المؤمنين عليهالسلام دخلها سنة ست وثلاثين ، فدلّ على أنّه عليهالسلام اشترى ما خرج عن الكوفة الممصرّة ، فدفنه بملكه أولى ، وهو
إشارة إلى دفن الناس عنده ، وكيف يدفن بالجامع ولا يجوز ، أو بالقصر وهو عمارة
الملوك؟ ولم يكن داخلا في الشراء لأنّه معمور من قبل ، انتهى.
ومنه يظهر اعتماده
عليه ، واعتناؤه بما رواه ، ووثوقه بخبره ، وكفاه مادحا
__________________
ومعتمدا.
وقال رضيّ الدين
علي بن طاوس في الإقبال ، في الفصول المتعلّقة بفضائل يوم الغدير وأعماله : فصل
فيما نذكره من آيات رأيتها أنا عند ضريحة الشريف ، وساقها. إلى أن قال :
أقول : واعرف
أنّني دخلت حضرته الشريفة كم مرّة في أمور هائلة لي ، وتارة لأولادي ، وتارة لأهل
ودادي ، فبعضها زالت وأنا بحضرته ( وبعضها زالت باقي نهار مخاطبته ) وبعضها زالت بعد
أيام في جواب زيارته ، ولو ذكرتها احتاجت الى مجلّد كبير ، وقد صنّف أبو عبد الله
محمد بن عليّ بن الحسن ابن عبد الرحمن الحسني ، مصنّفا في ذلك متضمنا للأسانيد
والروايات الى آخره .
ويستظهر من كلامه
ما استظهرنا من كلام ابن أخيه رضي الله تعالى عنهم.
وفي الرياض في
ترجمة غياث الدين السيّد عبد الكريم بن طاوس : أقول : قد سبقه في تأليف ما ضمّنه
هذا السيّد في كتاب فرحة الغري السيّد أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد
الرحمن الحسني ، وألّف مصنّفا في ذلك ، مشتملا على الأسانيد والروايات ، على ما
حكاه السيد رضيّ الدين عليّ ابن طاوس ، عمّ السيّد عبد الكريم هذا ، في أواخر كتاب
الإقبال في هذا المبحث ، كما سنذكره في ترجمة السيّد أبي عبد الله المذكور ،
والعجب أنّه لم يعثر السيّد عبد الكريم هذا عليه ، ولم ينقل عنه ، انتهى .
ولم أعثر على باب
الميم من الرياض ، رزقنا الله تعالى زيارته.
ويأتي في الفائدة
الثالثة في مشايخ محمد بن المشهدي أنّه يروي عنه بواسطتين ، وهو يروي عن أبي تمام
عبد الله بن أحمد بن عبيد الأنصاري
__________________
المؤدّب.
ويأتي أيضا أنّ
عماد الدين أبا القاسم الطبري يروي عنه كثيرا في كتاب بشارة المصطفى بواسطة واحدة
، قال في الجزء الثاني منه : أخبرنا الشيخ أبو البركات عمر بن محمد بن حمزة العلوي
ـ بالكوفة في مسجده ، في صفر سنة عشر وخمسمائة ـ وأخبرنا أبو غالب سعيد بن محمد بن أحمد الثقفي
الكوفي بها ، قال : أخبرنا الشريف أبو عبد الله محمد بن عبد الله محمد بن عبد
الرحمن العلوي العلاّمة. الى آخره .
وقال غياث الدين
عبد الكريم بن طاوس في فرحة الغري : أقول : وقد ذكر هنا الشريف أبو عبد الله محمد
بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن الحسين ابن عبد الرحمن الشجري ، بالإسناد المتقدم
إليه ، حدّثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبد الله الجواليقي لفظا. إلى آخره .
وقال في الباب
السادس : أخبرني الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الحربي ، عن عبد العزيز الأخضر ـ سنة
أربع وستمائة ـ عن الحافظ أبي الفضل بن ناصر ، قال : أخبرنا محمد بن علي بن ميمون
البرسي ـ وهو المعروف بابي ـ قال : أخبرنا الشريف أبو عبد الله محمد بن عليّ بن الحسن
بن عليّ بن الحسين بن عبد الرحمن القسري بن القاسم بن محمد البطحائي بن القاسم بن
الحسن بن زيد ابن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام الحسني ، قال : أخبرنا جعفر ابن محمد بن عيسى بن علي بن
محمد الجعفري ، قال : أخبرني أبي ـ إملاء ـ قال : أخبرنا جعفر بن مالك ، قال :
حدّثنا محمد بن الحسين الصائغ ، أخبرنا عبد الله بن عبيد بن زيد ، قال : رأيت جعفر
بن محمد عليهماالسلام
__________________
وعبد الله بن
الحسن بالغري ، عند قبر أمير المؤمنين عليهالسلام ، فأذّن عبد عبد الله ، وأقام الصلاة ، وصلّى مع جعفر بن
محمد عليهماالسلام ، وسمعت جعفرا عليهالسلام يقول : « هذا قبر أمير المؤمنين عليهالسلام » انتهى .
وفي الشجرة
الكبيرة : محمد العالم الزاهد بالكوفة ، ابن عليّ ، بالكوفة يعرف بابن عبد الرحمن
، ووصف جدّه الحسين بن عبد الرحمن بالشاعر ، وقال : كنيته أبو عاتقة.
__________________
٥٩ ـ كتاب
المجموع الرائق من أزهار الحدائق :
تأليف السيّد
العالم الفاضل ، السيّد هبة الله بن أبي محمد الحسن الموسوي.
قال في أمل الآمل
: كان عالما ، صالحا ، عابدا ، له كتاب « الرائق من أزهار الحدائق
» .
وفي الرياض :
السيّد هبة الله بن أبي محمد الحسن الموسوي ، الفاضل العالم الكامل ، المحدّث
الجليل ، المعاصر للعلاّمة ومن في طبقته ، صاحب كتاب « المجموع الرائق » المعروف ،
وهو كتاب لطيف ، جامع لأكثر ، المطالب ، وغلط من نسب هذا الكتاب الى الصدوق ، أو
الى المفيد.
أمّا أولا :
فلأنّه غير مذكور في فهرس مؤلّفاتهما على ما ذكر في كتب الرجال.
وأمّا ثانيا :
فلأنّه يروي في هذا الكتاب عن جماعة من المتأخّرين عنهما وعن كتبهم.
وأمّا ثالثا :
فلأنّه يظهر من مطاوي هذا الكتاب أنّه ألّف سنة ثلاث وسبعمائة.
وأمّا رابعا :
فلأنّه صرّح نفسه مرارا في أثناء ذلك الكتاب باسمه ، على ما رأيته في طائفة من
نسخه.
وبما ذكرناه من
تأريخ التأليف يعلم أنّه ألّفه في أواخر عصر العلاّمة.
ولعل وجه هذا
الظنّ أنّ في أوائل ذلك الكتاب أورد أكثر كتاب الاعتقادات للشيخ الصدوق ، بل كلّه
، وقد صدّر كلّ مبحث منه بقوله : قال
__________________
الشيخ أبو جعفر
محمد بن عليّ بن موسى بن بابويه. وكذلك ينقل من كتاب الشيخ المفيد أيضا.
وبالجملة كتابه
هذا مجلّدان كبيران ، ويشتمل على الأخبار الغريبة ، والفوائد الكلاميّة ، والمسائل
الفقهيّة ، والأدعية والأذكار ، وأمثال ذلك من المطالب ، وهو محتو على اثني عشر
بابا ، كلّ مجلد ستّة أبواب ، وهو كتاب معروف وإن لم يورده الأستاذ الاستناد في
بحار الأنوار.
قال : ثمّ من
مؤلّفاته كتاب « الشرفي » في معجزات النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ودلائل أمير المؤمنين والأئمّة عليهمالسلام ، كما صرّح به نفسه في كتاب « المجموع الرائق » المشار إليه ، انتهى .
قلت : قد أورد في
هذا الكتاب تمام كتاب « الأربعين » لجمال الدين يوسف ابن حاتم الشامي ، تلميذ
المحقّق ـ صاحب كتاب « الدّر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم ـ و « الأربعين »
لجمال الدين الحافظ الفاضل أبي الخطّاب عمر الأندلسي ، بقراءة المبارك بن موهوب
الإربلي ، سنة عشر وستمائة ، في مجلس واحد.
وقال في موضع من
الكتاب : وممّا ظفرت به من خطب أمير المؤمنين عليهالسلام نقلته من الخزانة المولويّة الرضويّة الطاووسيّة ، قدّس
الله روح جامعها ومؤلّفها ، وأمتع الله بدوام أيّام المولى الطاهر مالكها ، وأعزّ
نصره ، من كتاب وجدته ، عليه مكتوب بخطّ السيّد مولى السعيد رضيّ الدين ، مؤلّف
هذه الخزانة ، وحاوي كتبها ما صورته. إلى آخره .
وبالجملة :
فالنسبة المذكورة من الأغلاط الواضحة.
وقال في أوّل
الكتاب : فإنّي لمّا نظرت في بعض الكتب المسندة عند الفضلاء المعظّمين ، والسادة
النبلاء المقدّسين ، والقادة علماء المصنّفين ، آثرت
__________________
أن أجمع ما صنّفوه
، وسبقوا الى جمعه وألّفوه ، وعرفوا صحّته وحقّقوه ، وسبروا معانيه ووقفوه ورووه
وصنّفوه ، من منافع آيات القرآن الكريم ، وما يحترز به من العوذ والحروز ،
والروايات ، وما يستشفى به من طبّ الأئمّة عليهمالسلام ، الى آخر ما ذكره ممّا يظهر منه تثبّته ، واعتبار ما نقله
فيه ، والله العالم.
__________________
٦٠ ـ كتاب
طبّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم :
قال في الرياض في
باب الكنى من القسم الأوّل : الشيخ الإمام أبو العباس المستغفري ، هو الإمام
الخطيب الحافظ ، أبو العباس جعفر بن أبي عليّ محمد بن أبي بكر المعتز بن محمّد بن
المستغفر النسفي السمرقندي ، صاحب كتاب طبّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ويلوح من فهرس
بحار الأنوار ، للأستاذ الاستناد ـ قدسسره ـ أنّه من علماء الشيعة ، قال ـ رحمهالله ـ في أول البحار ، في طيّ تعداد كتب الإماميّة :
وكتاب طبّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم للشيخ أبي العباس المستغفري ، ثم قال : وكتاب طبّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن كان أكثر أخباره من طرق المخالفين ، لكنّه مشهور متداول بين علمائنا.
وقال نصير الدين الطوسي
في كتاب آداب المتعلّمين : ولا بدّ أن يتعلّم شيئا من الطبّ ، ويتبرّك بالآثار
الواردة في الطبّ ، الذي جمعه الشيخ الإمام أبو العباس المستغفري ، في كتابه
المسمّى بطبّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، انتهى ما في البحار .
وأقول : في جعله
من علماء الإمامية سهو ظاهر ، فإنه من علماء العامة ومن الحنفية ، كما سيأتي شرح
أحواله في القسم الثاني إن شاء الله تعالى ، وقد أوردنا ترجمة في هذا القسم رعاية
لما قاله الأستاذ في البحار.
ويظهر من كتاب
دلائل النبوّة للإمام أبي العباس المستغفري نفسه التسنّن ، كما حكى من ذلك الكتاب
المولى الجامي كثيرا ، في كتاب شواهد النبوّة فتأمل .
__________________
وقال في القسم
الثاني بعد ذكر النّسب الى محمد بن المستغفر : الكامل الجليل ، المعروف بالشيخ
الإمام أبي العباس المستغفري ، الحنفي ، السمرقندي ، النسفي ، صاحب تأريخ نسف ،
ويروي عن جدّه أبي بكر ابن المستغفر ، وهما من القدماء. وقد سبق في باب الكنى
ترجمة الشيخ الإمام أبي العباس المستغفري ، صاحب كتاب طبّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإنّ الحقّ كونه من علماء العامّة ، وله كتاب دلائل النبوّة ، فلاحظ.
قلت : لم يذكر
شاهدا لتسنّنه إلاّ ما ذكره في دلائل النبوّة ، وفي كونه له تأمّل.
قال المولى كاتب
الچلبي في كشف الظنون : دلائل النبوّة للإمام أبي داود كما ذكره ابن حجر في تهذيب
التهذيب ، أو ابن عباس جعفر بن محمد المعروف بالمستغفري ، النسفي ،
الحنفي ، المتوفّى سنة اثنين وثلاثين وأربعمائة ، جعل فيه الدلائل ـ أعني ما كان
قبل البعثة ـ سبعة أبواب ، والمعجزات عشرة أبواب .
وقال في باب التاء
: تاريخ نسف وكش : لأبي العباس جعفر بن محمد المستغفري .
ولم يشر الى
المذهب ، ولعلّه لتردّد فيه.
وعلى كلّ حال
فالذي دعانا الى النقل منه ما دعا صاحب الرياض من رعاية المحقّق الطوسي ،
والعلاّمة المجلسي ، مضافا الى خلوّه عمّا لا مسرح الى التسامح فيه ، ومطابقة
أكثره لما روي من طرقنا.
__________________
٦١ ـ مجاميع
:
لشمس الفقهاء محمد
بن مكّي الشهيد ـ قدّس الله روحه ـ وهي ثلاث مجلّدات ، مجلّدان منها بخطّ الشيخ
الجليل شمس الدين محمد بن عليّ الجباعي ، جدّ شيخنا البهائي ، فإنّه بهاء الدين
محمد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمد بن عليّ بن الحسن بن محمّد بن صالح الجباعي ،
الحارثي ، الهمداني ، من ولد الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني ، من خواصّ أصحاب
أمير المؤمنين عليهالسلام.
وقد وصفه جماعة من
العلماء في مقام النقل عنه بكونه صاحب الكرامات.
ونقل في الروضات ،
عن حدائق المقرّبين : للأمير محمد صالح الخواتون آبادي ، عن المولى محمد تقي ، عن
شيخه الشيخ البهائي ، أنّه نقل عن جدّه الشيخ شمس الدين : أنّ في يوم من الأيّام
نزل ثلج عظيم بديارنا ، ولم يكن في منزل جدّنا ما يقوت به عياله ، وكان الأطفال
يبكون ويريدون منه الطعام ، فقال جدّنا لجدّتنا : سكّتي الأطفال لندعو الله كي
يطعمهم وإيّانا ، فأخذت جدّتنا شيئا من الثلج ، وذهب به الى التنور المحمي ، وقال
: هذا هو الخبز أطبخه لكم ثمّ أوقد عليه ، وجعل الثلج شبه الرغائف يضربها بالتنور ، وجدّنا مشغول
بالدعاء ، فلم يمض ساعة إلاّ خرج من التنوّر رغائف متعدّدة ، فلمّا رأى جدّنا ذلك
شكر الله سبحانه ، انتهى .
والنسخ الشائعة من
الصحيفة الكاملة السجادية على منشئها آلاف سلام وتحيّة تنتهي اليه ، والى خطّه.
__________________
قال السيّد
المحدّث الجزائري ، في شرح صحيفته : وقد بنينا شرحنا هذا على نسخة شيخنا البهائي ـ
قدسسره ـ التي هي بخطّ أبيه شمس الدين محمد ـ صاحب الكرامات والمقامات ـ وهو قد
نقلها من خطّ الشهيد ـ رحمهالله ـ انتهى.
وصرّح في رياض
العلماء : إنّه كان تلميذ ابن فهد .
وكلّ ما في هذين
المجلدين منقول عن خطّ الشهيد ـ رحمهالله ـ والمجلّد الآخر بخطّ بعض أحفاده ، نقل عن خطّه ، وهذه
المجلّدات كالبساتين النضرة ، والحدائق الخضرة التي فيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذّ
الأعين ، مشتملة على رسائل مستقلّة في الأحاديث ، والعلوم الأدبية ، والأشعار ،
والأخبار المستخرجة من الأصول ، والحكايات والنوادر ، وغيرها ، خالية عن الهزليّات
التي توجد في أمثالها ، نعم يوجد فيها بعض اللطائف والطرائف.
ففي أحد المجاميع : بلغ من عناية
الصوفيّة بكثرة الأكل أن كان نقش
__________________
خاتم بعضهم «
أُكُلُها دائِمٌ » وآخر « آتِنا غَداءَنا » وآخر « لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ ».
وفسّر بعضهم « الشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ » : بالخلال المجيئة بعد الطعام ، والياس منه.
وفسّر بعضهم « بِالْأَخْسَرِينَ
أَعْمالاً » فقال : هم الذين يثردون
ويأكل غيرهم ، وقيل : هم الذين لا سكاك لهم في أيّام البطيخ.
وقال بعضهم :
العيش فيما بين الخشبتين ، يعني الخوان والخلال.
ولقّبوا الطّست
والإبريق إذا قدّما قدّام المائدة ببشر وبشير ، وبعدها بمنكر ونكير.
وفي مجموعة اخرى :
أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاّج الصوفي ، كان جماعة يستشفون ببوله
، وقيل : إنّه ادّعى الربوبيّة ، ووجد له كتاب فيه : إذا صام الإنسان ثلاثة أيّام
بلياليها ولم يفطر ، وأخذ وريقات هندباء فأفطر عليه أغناه عن صوم رمضان ، ومن صلّى
في ليلة ركعتين ، من أوّل الليل إلى الغداة أغنته عن الصلاة بعد ذلك ، ومن تصدّق
بجميع ما يملك في يوم واحد أغناه عن الحجّ ، وإذا أتى قبور الشهداء بمقابر قريش ،
فأقام فيها عشرة أيّام يصلّي ويدعو ، ويصوم ولا يفطر إلاّ على قليل من خبز الشعير
والملح ، أغناه ذلك عن العبادة.
__________________
وفي هذه المجموعة
« مختصر الجعفريات » و « ذكر الدر » الذي وجد في الكوفة وعليه منقوش البيتان المعروفان ،
ونظائر أخرى له لا مناسبة لنقلها.
وقد ذكر في كثير
من المواضع تأريخ كتابته وكتابة الشهيد ، وفي آخر الأربعين للشيخ منتجب الدين
المدرج في أحدها : نجز لإحدى وعشرين مضت من شهر الله رجب الأصمّ ، سنة إحدى وستّين
وثمانمائة بكرك نوح عليهالسلام ، بقلم العبد الفقير محمد بن عليّ بن حسن بن محمد صالح
الجبعي اللويزاني ، والحمد لله حمدا كثيرا مباركا ، وصلّى الله على سيّدنا محمد
وآله وسلّم ، من نسخة بخط الشيخ شمس الدين محمد بن مكّي ، كتبها بالحلّة سنة ستّ
وسبعين وسبعمائة ، وهو نقل من نسخة بخطّ محمد بن محمد بن عليّ الحمداني القزويني ـ
رحمهالله ـ تاريخها سنة ثلاث عشرة وستمائة.
قلت : وهو تلميذ
المصنّف.
وقد أكثر في
البحار من النقل عنها ، وعن اخرى لم تصل إلينا معبّرا عنه هكذا : وجدت بخطّ الشيخ
محمد بن عليّ الجبعي. إلى آخره.
وبالجملة :
فاعتبار ما يوجد فيها من الأخبار وغيرها يعرف من اعتبار جامعها ، الذي لا يحوم حول
جلالة قدره خيال.
قال صاحب المعالم
في إجازته الكبيرة : ورأيت بخطّ شيخنا الشهيد الأوّل في بعض مجاميعه حكاية أمور
تتعلّق بهذا الشيخ ـ يعني شمس الدين محفوظ بن وشاح ـ ثمّ نقل بعض أبيات له بعثها
الى المحقق ـ رحمهالله ـ .
__________________
٦٢ ـ كتاب
كنوز النجاح :
للشيخ الشهيد أمين
الإسلام أبي عليّ الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، العالم المفسّر الجليل ، صاحب
مجمع البيان ، وقد نقل عن هذا الكتاب ونسبه إليه رضيّ الدين عليّ بن طاوس ، في
جمال الأسبوع ، ومهج الدعوات ، وأمان الأخطار ، والشيخ إبراهيم الكفعمي في الجنّة المعروفة بالمصباح
وحواشيها .
__________________
٦٣ ـ وكتاب
عدّة السفر وعمدة الحضر :
له أيضا نسبه إليه
الكفعمي في المصباح .
قال في الرياض.
وقد عثرت منه على نسخ ، وعندنا منه نسخة أيضا .
وفيهما من الأدعية
الشريفة ، والتعقيبات والصلوات المستحبّة ، والأذكار والإحراز شيء كثير.
وفي عصر السلطان
شاه سلطان حسين الصفوي وجد مجموعة وفيها هذان الكتابان الشريفان ، وقد عرضا على
مروّج المذهب ، المحقق الثاني الكركي ـ طاب ثراه ـ ونظر فيهما ، وباشر تصحيحهما ،
فأمر السلطان أن يترجما بالفارسيّة ، فترجمهما السيّد العالم الجليل ، الأمير محمد
باقر الخواتون آبادي. والعجب أنّه لم يعرف مؤلّفهما ، فقال بعد ذكر المجموعة
المشتملة عليهما : إنّ الرسالتين الشريفتين من مؤلّفات محدّثي علماء الإماميّة ـ رضوان
الله عليهم ـ ثم شرح ما أجملناه.
__________________
٦٤ ـ كتاب
صغير :
وجدناه في الخزانة
الرضوية ، فيه أخبار طريفة ، يوجد متون أغلبها في الكتب المشهورة ، أوّله هكذا :
أخبرنا الشريف
الأجلّ ، العالم ضياء الدين أبو الفتح محمد بن محمد العلوي الحسيني ، المعروف بابن
جعفر الحائري ـ بحلّة في شهر جمادى الآخرة من سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة ـ قال :
حدّثنا الشيخ العالم أبو المكارم ابن كتيلة العلوي ـ بمشهد مولانا أمير المؤمنين
عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، في جمادى الأولى ، سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ـ قال :
حدّثنا إخبارا وإجازة أبو عبد الله محمد بن احمد بن شهريار الخازن ، قال : حدّثنا
أبو الفرج محمد بن أحمد بن عالان العدل ، قال : حدّثنا القاضي أبو عبد الله ، قال
: حدّثنا أبو محمد صالح بن وصيف البكائي ، قال : حدّثنا معاذ بن الميسي ، قال :
حدّثنا سويد بن سعيد ، قال حدّثنا مبارك بن محيم ، عن عبد العزيز بن صهيب ، عن ابن
مالك ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال لأصحابه : « ما من صدقة أفضل من سقي الماء » وقد أخرجنا بعض
أخباره شاهدا ومؤيّدا.
__________________
٦٥ ـ كتاب
غرر الحكم
للآمدي ، ذكرنا ما
يتعلّق به وبمؤلّفه في الفائدة الآتية ، في شرح مشايخ ابن شهرآشوب ، فلاحظ.
والحمد لله الذي
وفّقنا لإنجاز ما وعدنا في صدر الكتاب ، من شرح حال الكتب التي هي مأخذ لكتابنا
هذا ، وترجمة مؤلّفيها ، وما قيل فيها أو ينبغي أن يقال ، مدحا وتأييدا ، وجرحا
وتضعيفا ، مع رعاية الاحتياط والتثبّت في النقل ، ومجانبة الاعتساف في البيان ،
وهذا باب لم أعثر على من دخله قبلي ، إلاّ كلمات معدودة لبعضهم في بعضها ، وأنت
بعد التأمّل والتدبّر فيما سطرناه تجد ـ بعون الله تعالى ـ فوائد لا تحصى ، وذلك
من فضل الله يؤتيه من يشاء.
فهرست
الموضوعات
مقدمة التحقيق........................................................... ١
ـ ٩٨
مقدمة المصنف.................................................................. ٣
الفائدة الأولى أهم
مصادر المستدرك................................................ ٩
الفائدة الثانية شرح
حال الكتب ومؤلفيها......................................... ١٥
١ ـ كتاب الجعفريات......................................................... ١٥
٢ ـ كتاب درست............................................................ ٣٨
٣ ـ أصل زيد الزراد.......................................................... ٤٥
٤ ـ كتاب أبي سعيد
عباد العصفري............................................ ٥٣
٥ ـ كتاب عاصم بن حميد..................................................... ٥٩
٦ ـ أصل زيد النرسي......................................................... ٦٢
٧ ـ كتاب جعفر بن محمد
بن شريح الحضرمي................................... ٧٥
٨ ـ كتاب محمد بن
المثنى الحضرمي............................................. ٧٧
٩ ـ كتاب عبد الملك بن
حكيم................................................ ٧٨
١٠ ـ كتاب مثنى بن
الوليد الحناط.............................................. ٨٠
١١ ـ كتاب خلاد السدي..................................................... ٨٤
١٢ ـ كتاب الحسين بن
عثمان................................................. ٨٦
١٣ ـ كتاب عبد الله بن
يحيي الكاهلي.......................................... ٨٩
١٤ ـ كتاب سلام بن أبي
عمرة................................................ ٩٥
١٥ ـ نوادر علي بن
أسباط.................................................... ٩٧
١٦ ـ مختصر كتاب
العلاء................................................... ١٠١
١٧ ـ كتاب المؤمن أو
ابتلاء المؤمن............................................ ١٠٣
١٨ ـ كتاب الديات......................................................... ١٠٤
١٩ ـ كتاب المسلسلات..................................................... ١٠٧
٢٠ ـ كتاب المانعات من
دخول الجنة.......................................... ١٠٧
٢١ ـ كتاب الغايات........................................................ ١٠٧
٢٢ ـ كتاب العروس........................................................ ١٠٧
٢٣ ـ كتاب القراءات....................................................... ١١١
٢٤ ـ إثبات الوصية......................................................... ١١٥
٢٥ ـ كتاب دعائم
الاسلام.................................................. ١٢٨
٢٦ ـ كتاب شرح الأخبار................................................... ١٦٠
٢٧ ـ كتاب الاستغاثة
في بدع الثلاثة......................................... ١٦٣
٢٨ ـ كتاب الآداب
ومكارم الأخلاق......................................... ١٧٢
٢٩ ـ كتاب النوادر......................................................... ١٧٣
٣٠ ـ كتاب روض الجنان.................................................... ١٧٨
٣١ ـ رسالة تحريم
الفقاع.................................................... ١٧٩
٣٢ ـ كتاب معدن
الجواهر................................................... ١٨٠
٣٣ ـ كتاب لب اللباب
أو اللباب............................................ ١٨١
٣٤ ـ كتاب الدعوات....................................................... ١٨٢
٣٥ ـ كتاب فقه القرآن..................................................... ١٨٤
٣٦ ـ كتاب التمحيص...................................................... ١٨٦
٣٧ ـ كتاب الهداية.......................................................... ١٨٨
٣٨ ـ كتاب المقنع.......................................................... ١٨٩
٣٩ ـ كتاب نزهة الناظر
وتنبيه الخاطر........................................ ١٩٢
٤٠ ـ كتاب مصباح
الشريعة ومفتاح الحقيقة................................... ١٩٤
٤١ ـ صحيفة الرضا عليه
السلام............................................. ٢١٧
٤٢ ـ الرسالة الذهبية........................................................ ٢٢٤
٤٣ ـ فقه الرضا عليه
السلام................................................. ٢٣٠
٤٤ ـ فلاح السائل.......................................................... ٣٢٣
٤٥ ـ كتاب مشكاة
الأنوار في غرر الأخبار.................................... ٣٢٧
٤٦ ـ رسالة في المهر......................................................... ٣٢٩
٤٧ ـ المسائل الصاغانية...................................................... ٣٣٠
٤٨ ـ كتاب عوالي اللآلي الحديثية على مذهب الإمامية.......................... ٣٣١
٤٩ ـ كتاب درر اللآلي
العمادية.............................................. ٣٤٥
٥٠ ـ تفسير الشيخ أبي
عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني............... ٣٤٧
٥١ ـ كتاب جامع الأخبار................................................... ٣٤٩
٥٢ ـ كتاب الشهاب........................................................ ٣٥٣
٥٣ ـ كتاب المزار........................................................... ٣٥٨
٥٤ ـ كتاب تاريخ قم....................................................... ٣٦٥
٥٥ ـ كتاب الخصائص...................................................... ٣٦٧
٥٦ ـ كتاب سعد السعود.................................................... ٣٦٩
٥٧ ـ كتاب اليقين أو
كشف اليقين.......................................... ٣٧٠
٥٨ ـ كتاب التعازي........................................................ ٣٧١
٥٩ ـ كتاب المجموع
الرائق من أزهار الحدائق.................................. ٣٧٧
٦٠ ـ كتاب طب النبي
صلى الله عليه وآله..................................... ٣٨٠
٦١ ـ مجاميع................................................................ ٣٨٢
٦٢ ـ كتاب كنوز النجاح................................................... ٣٨٦
٦٣ ـ كتاب عدة السفر
وعمدة الحضر........................................ ٣٨٧
٦٤ ـ كتاب صغير.......................................................... ٣٨٨
٦٥ ـ كتاب غرر
الحكم..................................................... ٣٨٩
الفهارس..................................................................... ٣٩١
|