بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الموفق للصواب ، وأفضل الصلاة وأتم التحية على محمد وآله الاطياب ، وعلى من أخلص الطاعة لهم من الأصحاب.

وبعد : فان الناظر في تاريخ نبينا الأعظم وأهل بيته عليه عليهم أفضل الصلاة يخلص الى قضية وهي : ان كل واحد من هذه الشخصيات الربانية كان بمثابة الشمس الساطع تحيط بها لكواكب لمتكاثرة تستمد من فيض شعاعها ما تعكسه على المتحيرين من البشر زخك يسيرون في حنادس هذه الدنيا المظلمة ، كما قال تعالى : « وبالنجم هم يهتدون ».

ومن نجوم الهداية الزاهرة التي استنارت من منبعي النور النبوي والولوي سلمان الفارسي الذي كان بحق محمديا في أخلاقه وسرته وحسن جديلته.

وقد تفضل سماحة المحقق والعلامة المدقق صاحل التصانيف المعرف السيد جعفر مرتضى العاملي ـ رفع الله شانه ـ بكتابة مستفيضة سلط فيها الأضواء على هذه الشخصية الفذة من جميع جوانبها ، مجليا للمبهمات التي علقت بحياته لكريمة.

وقد تصدت مؤسستنا ـ ولله الحمد ـ لطبع هذا السفر المبارك ونشره وتقديمه للقراء الكرام ، سائلين الله ان يوفق الجميع لما فيه رضا وخدمة الدين انه نعم المولى ونعم المعين.

مؤسسة النشر الاسلامي

التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة


تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة السلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين.

وبعد فان هذا الذي نقدمه بين يدي القاريء ليس كتابا ، اريد له ان تتكامل فصوله ، وتتشابك مطالبه ، وتنسجم مباحثه.

وانما هو بحوث ، أو بالاحرى مطالب ربط فيما بينها ، نفس ذلك الذي أثارها ، أعني سلمان المحمدي ( الفارسي ) رضي الله تعالى عنه ، وسلام منه عليه وبركات.

ولانريد : ان نطيل على القاريء الكريم في تاريخ ربما لايهتم بأمره كثيرا .. فان الحقيقة هي : ان هذه مجموعة مطالب كتبت في باديء الامر ، لتكون جزءا من كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم 6 ، وبالتحديد لتكون جانبا من الجزء الخامس منه ، والذي لايزال قيد الاعداد.

ولكن .. حين اتضح لدينا : ان هذه المطالب قد اتسعت تضخمت ، وأصبحت تشغل حيزا كبيرا من كتاب : الصحيح ، يجعله يخرج عن حالة التناسق ، الانسجام ، ولو بمستوى الحد الأدنى منه ، ـ فاننا ـ لم نجد مناصا م افرادها عنه ، لتقدمها على شكل كتاب ( أو كتيب ) مستقل عنه. على أمل ان يغض الاخوة القراء والباحثون الطرف عن الهنات ، التي ألمحنا اليها آنفا ، فلربما يجدون عوضا عنها بعضا من القيمة ، في جوانب أخرى منه ، لعلهم سوف يرتاحون لاثارتها ، تعجبهم المبادرة لمعالجتها.

ومهما يكن من أمر .. فاننا نقدم هذه البضاعة الزجاة اليهم ، وقد تقدمنا بالعذر على مايجدونه فيها من تقصير أو قصور .. فان الكمال لله وحده ، وهو ولينا .. وهو الهادي الى سواء السبيل.

قم المشرفة ـ ٢٤/شهر رجب/١٤٠٩ هـ ق ١٢/اسفند/١٣٦٧ هـ. ش

جعفر مرتضى العاملي


الباب الاُوّل :

فصول من حياة سلمان



الفصل الاُوّل :

سلمان المحمّدي

في سطور ..



بداية :

إن دراسة حياة الأفذاذ من الرجال ، إنّما تصبح ضرورة ملحة ، حينما تكون فرصة لاستيعاب كثير من المعاني البناءة ، وللتعرف على حقائق الحياة ، والوقوف على عميق أسرارها ، من خلال دراسة فكر ورؤية ، ثم حركة وموقف هؤلاء القمم ؛ ليكون ذلك رافداً ثرّاً للجانب العاطفي ، ومسهماً في تعميق الوعي العقيدي ، المهيمن على هذا الانسان في كل شؤونه ، ومختلف أحواله وأطواره ..

وليس ضرورياً دراسة حياة أي كان من الناس ، إذا كانت هذه الدراسة تنطلق من مبدأ عبادة الاشخاص ، وتسمح للانسان بالانسياق في متاهات التعظيم والتبجيل لهم دون هدف ، وبلا ضابطة ، أو معيار .. سوى إرضاء الهوى ، والاستجابة إلى النزعات التي ، لا تسمو بالانسان ، ولا هي تمنحه الفرصة ليسمو هو بها على الاُقل ..

بل هي تكبله بما شاءت من قيود ، وحدود ، وتشده إلى الاُرض ؛ ليخلد إليها. وليتعامل ـ من ثم ـ مع كل شيء ، بنظرة ضيقة ، وعقلية متحجرة ، وروح ممسوخة ، وقاسية ، وحتى حاقدة أيضاً .. وليواجهك ـ من ثم ـ بكل الأساليب الملتوية ، والممارسات الخاطئة ، والمواقف المهزوزة ، والمشينة في كثير من الأحيان ..


دراستنا لسلمان المحمّدي :

ومن هنا .. فاننا لن نسمح لدراستنا لحياة سلمان المحمّدي ، أن تتخذ إلا طابع الاستفادة من التجربة الفاضلة ، لتسمو بنا ، ونسمو نحن بها ، لتكون ربيعاً لنا نتخير من أزهاره ، ونجني من أثماره ، ونلتذ بأفانين تغريد أطياره.

ونكون نحن لها التجسيد الحي ، والنموذج الفذ ، والمثل الاُعلى ..

ولكننا .. إذ نؤمن بأن قضايا التاريخ ، مما لا يمكن حسم الاُمر فيها ، بسهولة ، الاُمر الذي يتخذ صفة الضرورة ، قبل أن يمكن استيحاء العبرة والفكرة من أية قضية .. فاننا وجدنا أنفسنا تائهين في آفاق التحقيق والتقصي ، لا نكاد نلتفت إلى انفسنا ، ولا أن نعي موقعنا حتى يشدنا تيار تحقيقي آخر إليه ، لنصبح ـ من ثم ـ أسرى بين يديه ..

ولأجل ذلك .. فقد أصبح من الطبيعي أن نقدم دراسة تكاد تكون متمحضة في هذا الاتجاه ، لولا لفتات هنا ، ولمحات ولمعات هناك ..

ولكننا قبل أن نقدم إلى القارىء الكريم حصيلة تلك الجولة نود أن نقدم إليه باقة من حياة سلمان ، على شكل معلومات أولية ، من دون ذكر مصادر لها فعلاً (١).

ما دمنا نشعر بالحاجة إلى التعرف ـ نسبياً ـ على بعض مفاصل حياته رضوان الله وسلامه عليه .. فنقول :

معلومات أولية :

اسمه : سلمان.

__________________

(١) ويكفي للإطلاع على جانب من حياته ; مراجعة كتاب بحار الاُنوار وكتاب سفينة البحار ، وكتاب نفس الرحمان في فضائل سلمان.


كنيته : أبو عبدا‏لله ، أو أبو الحسن ، أو أبو إسحاق.

ولادته : لا مجال لتحديدها.

وفاته : سنة أربع وثلاثين للهجرة.

عمره : قيل : عاش ثلاث مائة سنة ، وقيل : أقل ، وقيل : أكثر.

بلده : جي (قرية في اصفهان). وقيل : إنه من رامهرمز ، من فارس.

محل دفنه : المدائن .. بلد قرب بغداد ، فيه قبره ; ، وقبر حذيفة بن اليمان ..

أبوه : كان أبوه دهقان أرضه.

عداده : وهو يعدّ من موالي رسول الله 6.

وكان قد تداوله بضعة عشر رباً ، حتى أفضى إلى رسول الله 6.

وكان قد قرأ الكتب في طلب الدين.

حرفته : كان يسفّ الخوص ، ويبيعه ويأكل منه ، وهو أمير على المدائن.

اسلامه : عدّ في بعض الروايات هو وعلي 7 من السابقين الاولين. كما قال ابن مردويه ويقال : بل اسلم أوائل الهجرة ، كما سيأتي.

مشاهده : روي : أنه شهد بدراً وأحداً ، ولم يفته بعد ذلك مشهد.

عطاؤه : خمسة آلاف ، وكان يتصدق به ، ويأكل من عمل يده.

بيت سكناه : لم يكن له بيت يسكن فيه ، إنما كان يستظل بالجدر والشجر ، حتى أقنعه البعض بأن يبني له بيتاً ، إن قام أصاب رأسه سقفه ، وإن مدّ رجليه أصابهما الجدار.

من خصائص سلمان :

قد عرفنا من بيت سكناه ومن حرفته ، ومما يصنعه بعطائه زهد سلمان ، وعزوفه عن الدنيا ، ولا نريد استقصاء ذلك هنا أكثر من ذلك ..


وقد وصفه البعض بأنه : كان خيراً فاضلاً ، حبراً عالماً ، زاهداً ، متقشفاً (١). وكانت له عباءة يفرض بعضها ، ويلبس بعضها ...

كان يحب الفقراء ويؤثرهم على أهل الثروة والعدد.

وكان ـ حسبما يقال : يعرف الاسم الاعظم.

وكان من المتوسمين.

والايمان عشر درجات ، وكان سلمان في الدرجة العاشرة.

وكان يحب العلم والعلماء.

إن سلمان ـ حسبما روي عن الامام الصادق 7 ـ كان عبداً صالحاً ، حنيفاً ، مسلماً ، وما كان من المشركين. وفي حديث عنه 6 : لا تغلّطنّ في سلمان ، فان الله تبارك وتعإلى أمرني ان اطلعه على علم البلايا والمنايا والانساب ، وفصل الخطاب ..

وقد أدرك العلم الأول والآخر ، وهو بحر لا ينزف.

وقد أخبر عن مصارع الشهداء في كربلاء ، وعن أمر الخوارج ...

منزلته ومقامه :

بعض ما سبق يشير إلى علو مقامه ، وسامق منزلته ، ولا نرى أننا بحاجة إلى المزيد ، ولكننا مع ذلك نقول :

قال صاحب الاستيعاب : لقد روي عن رسول الله 6 من وجوه ، أنه قال :

لو كان الدين عند الثريا لنا له سلمان.

قال : وقد روينا عن عائشة ، قالت : كان لسلمان مجلس من رسول الله 6 ينفرد به بالليل ، حتى يكاد يغلبنا على رسول الله

__________________

(١) الاستيعاب بهامش الاصابة ج ٢ ص ٥٨ ، وسفينة البحار ج ١ ص ٦٤٧.


6 (١).

وقد قال رسول الله 6 ـ حسبما سيأتي ـ : سلمان منّا أهل البيت.

وعن الصادق 7 : كان رسول الله 6 ، وأمير المؤمنين صلوات الله عليه يحدثان سلمان بما لا يحتمله غيره ، من مخزون علم الله ، ومكنونه.

ويأتيه الأمر : يا سلمان ، إئت منزل فاطمة بنت رسول الله 6 ، فانها اليك مشتاقة ، تريد أن تتحفك بتحفة قد اتحفت بها من الجنة ..

وعلمته صلوات الله وسلامه عليها أحد الادعية أيضاً ..

وعن النبيّ 6 : سلمان منّي ، ومن جفاه فقد جفاني ، ومن آذاه فقد آذاني الخ.

وقال الصادق 7 لمنصور بن بزرج ـ حسبما روي ـ : لا تقل : سلمان الفارسي ، ولكن قل : سلمان المحمّدي.

من لطائف الاشارات :

ونذكر من لطائف الاشارات ، وطرائف الاحداث :

ان رسول الله 6 قد آخى بين سلمان ، وأبي ذر ، وشرط على أبي ذر : أن لا يعطي سلمان ..

ومع أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب كان قد رفض تزويج سلمان بشكل أو بآخر ، وصدر منه التعبير عن هذا الرجل الفذ : بـ « الطمطماني ».

فانه ـ لاسباب معينة ، قد ولاه المدائن ، كما سنرى إن شاء الله تعالى ..

__________________

(١) الاستيعاب هامش الاصابة ج ٢ ص ٥٩ وسفينة البحار ج ١ ص ٦٤٨.


ويقال : إن تاج كسرى وضع على رأس سلمان ، عند فتح فارس ، كما قال له رسول الله 6.

وحين زفاف فاطمة ، ركبت فاطمة 3 بغلة النبيّ الشهباء ، وأمر 6 سلمان أن يقودها ، والنبي 6 يسوقها.

وكان سلمان ; أحد الذين بقوا على أمر رسول الله 6 بعد وفاته ..

وكان ; من المعترضين على صرف الاُمر عن علي أمير المؤمنين إلى غيره ، وله احتجاجات على القوم في هذا المجال ، هو وأبي بن كعب ;.

وفاة سلمان :

وحين توفي سلمان تولى غسله وتجيزه ، والصلاة عليه ودفنه علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، وقد جاء من المدينة إلى المدائن من أجل ذلك. وهذه القضية من الكرامات المشهورة لأمير المؤمنين عليه الصلاة.

وقد نظم أبو الفضل التميمي هذه الحادثة ؛ فقال :

سمعت مني يســيراً من عجائبه

وكل أمر عليٍ لم يزل عــجبا

أدريت في ليلة سار الـوصي إلى

أرض المدائن لما أن لـها طلبا

فألحد الطهر سلمانـاً ، وعـاد إلى

عراص يثرب والاصباح ما قربا

كآصف لـم تـقل أ انـت بـلى

أنا بـحيدر غـال أورد الكـذبا

سمعت مني يســيراً من عجائبه

وكل أمر عليٍ لم يزل عــجبا

لعل الصحيح :

(فأنت في آصف لم تغل قلت بلى

أنا بحيدر غال ، إن ذا عجباً)

إن كان أحمد خـير المرسلين فذا

خي الوصيين ،أو كل الحديث هبا

__________________

(١) لعل الصحيح : يخرق.


وقلت ما قلت من قول الغلاة فما

ذنب الغلاة إذا قالوا الذي وجبا (١)

المستنصر بالله ، وابن الأقساسي :

ويذكر هنا : أن الخليفة العباسي ، المستنصر بالله ، خرج يوماً إلى زيارة قبر سلمان ; ، ومعه السيد عزالدين ابن الاقساسي.

فقال له الخليفة في الطريق : إن من الاكاذيب : ما يرويه غلاة الشيعة من مجيء علي بن أبي طالب 7 من المدينة إلى المدائن لما توفي سلمان ، وتغسيله إياه ، ومراجعته في ليلته إلى المدينة.

فأجابه ابن الاقساسي ، فقرأ له الابيات المتقدمة :

انكرت ليلة إذ جاء الوصي إلى

أرض المدائن لما أن لها طلبا

الابيات (٢).

والظاهر هو ان ابن الاقساسي قد استشهد بالابيات المذكورة ؛ لاُن المستنصر بالله إنما ولد في سنة ٥٨٩ هـ أي بعد وفاة ابن شهرآشوب بسنة واحدة (٣).

ختام :

كانت تلك باقة رائقة ، إخترناها من آلاف الازاهير الفيحاء ، المنتشرة في واحات خمائله الغناء.

ولعل فيما صرفنا النظر عنه الكثير مما هو أعطر وأزكى ، ولعل فوّاح أريجه كان أطيب ، وابهج وأذكى ..

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ج ٢ ح٣٠٢.

(٢) راجع : مجالس المؤمنين ج ١ ص ٥٠٧. وراجع أيضاً : هامش البحار ج ٩٩ ص ٢٧٩/٢٧٨.

(٣) راجع أيضاً : هامش البحار ج ٩٩ ص ٢٧٩.


ولعل القاريء يجد في بعض ما يأتي من فصول هذا الكتاب بعض ما صفا من جواهره ، ونماذج مما راق من لآلئه ..

ونستميح القاريء العذر على التقصير ، فان الإطاحة بكل ذلك مما يخرج عن حدود الطاقة ، ويجلّ عن الوسع ، ويأبى عن الاحاطة ، فلا محيص لنا عن الاقتصار على ما يسمح لنا به الوقت ، وأتاحته لنا الفرصة. فإلى ما يلي من فصول ومطالب ..


الفصل الثاني :

حديث الاسلام والحرية



حديث إسلام سلمان :

في السنة الاولى من الهجرة وبالذات في جمادى الاولى منها ، ـ كما قيل (١) ـ كان اسلام سلمان المحمّدي ، المعروف بسلمان الفارسي ، ; ، ورضي عنه ، وحشرنا معه وفي زمرته ، والذي كان قد هاجر من بلاده وتحمل المشاق الكثيرة ، والمصاعب الكبيرة ، حتى لقد ابتلى بالرق وذلك في سبيل طلب الدين الحق ، فهداه الله إليه ، وكانت له المنة في ذلك عليه.

وحكاية كيفية وصوله إلى المدينة ، وما جرى عليه قبل ذلك ، طويلة ، وفيها شيء من الاختلاف ، ولسنا هنا بصدد التحقيق في هذا الاُمر ..

ولكن ما لا شك فيه هو : أنّه قد استرقوه في سبيل ذلك ، وأخذ إلى منطقة الحجاز ، وبالتحديد إلى المدينة ، ويقال : مكة ، أو وادي القرى ، ثم انتهى امره إلى المدينة.

وكان قد عرف : ان نبياً سيخرج ، وأنه لا يأكل الصدقة ، ويأكل الهدية ، وبين كتفيه خاتم النبوة ، فحينما.

التقى بالنبي (ص) في قباء قدّم إليه رطباً على أنها صدقة ؛ فلاحظ : أن النبيّ (ص) قد أمر أصحابه بأن يأكلوا ، ولم يأكل هو ؛ لاُنها صدقة.

فعدها سلمان واحدة.

__________________

(١) راجع : الخميس ج ١ ص ٣٥١.


ثم التقى به (ص) في المدينة.

فقدم له ـ رطباً على أنها هدية ، فلاحظ : انه (ص) قد أكل منها هذه المرة ..

ثم التقى به (ص) في بقيع الغرقد ، وهو في تشييع جنازة بعض أصحابه ، فسلم عليه ، ثم استدار خلفه ؛ فكشف صلّى الله عليه وآله له عن ظهره ، فرأى خاتم النبوة ؛ فانكب عليه يقبله ويبكي ، ثم أسلم ، وأخبره بقصته (١).

ثم كان تحريره من الرق ، حسبما سيأتي.

نحن .. وحديث الاسلام هذا :

ويلاحظ هنا : أن سلمان لم يسلم بدافع عاطفي أو مصلحي ، ولم يسلم أيضاً استجابة لضغوط عليه ، أو لجو معين .. وإنما دخل في الاسلام عن قناعة فكرية خالصة ، وبعد أن هاجر في طلب الدين الحق ، ولاقى الكثير من المصاعب والمتاعب ، حتى ابتلي بالرق والعبودية .. مع أنه كان من أول الاُمر مظهراً للشرك مبطناً للايمان ، كما في بعض الروايات الآتية.

وذلك إن دلّ على شيء ، فانما يدل على أن التدين أمر فطري؛ وأنه مما يدعو له العقل السليم ، فعن هذا الطريق توصل سلمان إلى الايمان بالله ، وبأنبيائه ، وشرائعه.

متى تحرّر سلمان؟

ويقولون : إن تحرير سلمان من رق العبودية بصورة كاملة ، قد كان في

__________________

(١) مصادر هذا الذي ذكرناه كثيرة جداً ، وما سيأتي في هذا الفصل كله ، قد ذكر هذا الحديث ، فلا حاجة إلى ذكرها ، ومع ذلك نقول : راجع : الاصابة ج ٢ ص ٦٢ وقاموس الرجال ج ٤ ، والاستيعاب واسد الغابة ، والبحار ج ٢٢ ، ونفس الرحمان والمصنف لعبدالرزاق ج ٨ ص ٤١٨ وتاريخ الخميس والدرجات الرفيعة وروضة الواعظين ، ووو إلخ ..


أوّل السنة الخامسة من الهجرة النبوية الشريفة (١).

وذلك قبل وقعة الخندق ، التي يرى عدد من المؤرخين : أنها كانت سنة خمس ، في ذي القعدة منها (٢).

ولكننا بدورنا نقول :

إن ذلك مشكوك فيه من ناحيتين :

الاولى : في تاريخ وقعة الخندق.

والثانية : في تاريخ عتق سلمان ..

تاريخ غزوة الخندق :

فأما بالنسبة للناحية الاولى ، اعني تاريخ الخندق؛ فاننا نقول :

١ ـ لو سلم : أنها كانت في السنة الخامسة فإن مجرد ذلك لا يكفي ، في تعيين زمان عتقه على النحو المذكور ، إذ قد يكون العتق قد تم بعد أحد بأشهر يسيرة ، في السنة الرابعة مثلاً ، ثم حضر الخندق ، بعد ذلك بسنة ، أو أكثر ، أو أقل.

٢ ـ لقد جزم البعض بان الخندق كانت في سنة أربع ، وصححه النووي في الروضة ، وفي شرحه لصحيح مسلم (٣).

__________________

(١) الثقات ج ١ ص ٢٥٧ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٥٢ و ٤٦٨.

(٢) راجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ٥٣ وتاريخ الاُمم والملوك للطبري ط الاستقامة ج ٢ ص ٣٣٣ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٧٨ وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٧٩ والمحبر ص ١١٣ وفتوح البلدان ج ١ ص ٢٣ ، وليراجع : صفة الصفوة ج ١ ص ٤٥٥ ـ ٤٥٩ ومختصر التاريخ لابن الكازروني ص ٤٢ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢٨ وشذرات الذهب ج ١ ص ١١ والتنبيه والاشراف ص ١١٥ والبدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٦ ومغازي الواقدي ج ٢ ص ٤٤٠ و ٤٤١ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٦٧ وطبقات ابن سعد ج ٢ قسم ١ ص ٤٧ قسم ١ ص ٦٠ وتاريخ بغداد ج ١ ص ١٧٠ ، وانساب الاشراف ج ١ ( قسم حياة النبيّ « ص » ) ص ٣٤٣.

(٣) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٤٥ وتهذيب الكمال ج ١٠ ص ٣١ والجامع لابن أبي زيد القيرواني


بل لقد قال ولي الدين العراقي عن غزوة الخندق : « المشهور أنها في السنة الرابعة للهجرة » (١).

وقال عياض : « ان سعد بن معاذ مات إثر غزوة الخندق ، من الرمية ، التي أصابته ، وذلك سنة أربع باجماع أهل السير ، إلا شيئاً قاله الواقدي » (٢).

فقوله : « باجماع أهل السير » يحتمل رجوعه إلى سنة أربع ، فيكون قد ادعى الاجماع على كون الخندق في سنة أربع ، ويحتمل رجوعه إلى موت سعد بن معاذ بعد الخندق ، وتكون كلمة « وذلك سنة أربع » معترضة ، ولا تعبر إلا عن رأيه ..

ومما يدل على أن الخندق قد كانت سنة أربع :

١ ـ أنهم يذكرون بالنسبة لزيد بن ثابت : أن أباه قتل يوم بعاث وهو ابن ست سنين ، وكانت بعاث قبل الهجرة بخمس سنين (٣) وقدم النبيّ (ص) المدينة ، وعمر زيد احدى عشرة سنة (٤).

__________________

ص ٢٧٩ وراجع : فتح الباري ج ٧ ص ٣٠٢ والمحبر ص ١١٣ وعنوان المعارف في ذكر الخلائق ص ١٢ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ٧٦ وشرح صحيح مسلم للنووي ، بهامش ارشاد الساري ج ٨ ص ٦٤ ونقله في وفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٠ وفي تاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٠ عن النووي في الروضة ، وأصر عليه ابن خلدون في كتابه : العبر ، وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم٢ ص ٢٩ و ٣٣ وراجع : صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٠.

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٠ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٠.

(٢) شرح صحيح مسلم للنووي ، بهامش ارشاد الساري ج ١٠ ص ٢٢٦ وفتح الباري ج ٨ ص ٣٦٠.

(٣) تهذيب الكمال ج ١٠ ص ٢٧ و ٣٠ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٢١ وراجع : شذرات الذهب ج ١ ص ٥٤ ، وتهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٤٤٩.

(٤) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٤٥ عن زيد نفسه. وتهذيب التهذيب ج ٣ ص ٣٩٩ والثقات ج ٣ ص ١٣٦ وصفة الصفوة ج ١ ص ٧٠٤ وسير اعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٢٧/٤٢٨ وتهذيب الكمال ج ١٠ ص ٢٥ و ٢٧ وتهذيب الاسماء ج ١ ص ٢٠٠/٢٠١ والاستيعاب بهامش الاصابة ج ١ ص ٥٥١ وشذرات الذهب ج ١ ص ٥٤ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٤٤٩.


ثم يقولون : إن أول مشاهد زيد الخندق (١) ، لاُن النبيّ (ص) قد أجازه يوم الخندق (٢) وهو ابن خمس عشرة سنة (٣).

والخندق إنما كانت في شوال سنة أربع (٤).

ويروى عن زيد قوله : أجازني رسول الله (ص) يوم الخندق ، وكساني قبطية (٥).

وعنه : اُجزت يوم الخندق ، وكانت وقعة بعاث وأنا ابن ست سنين (٦).

وعنه : لم أجز في بدر ، ولا في اُحد ، وأُجزت في الخندق (٧).

وتوفي زيد سنة ثمان واربعين ، وسنه تسع وخمسون سنة (٨). وقال الواقدي : مات سنة خمس وأربعين وهو ابن ست وخمسين سنة (٩) وذلك يؤيّد ما قلناه.

وقد استدل النووي ، وابن خلدون ، وربما يظهر ذلك من البخاري على : أن غزوة الخندق قد كانت سنة أربع (١٠) بانهم قد أجمعوا على أن حرب اُحد ، كانت

__________________

(١) تهذيب الكمال ج ١٠ ص ٣٠ و ٣١ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٢١ ، وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٣٠ وشذرات الذهب ج ١ ص ٥٤ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٤٤٩ وراجع : تهذيب ج ٣ ص ٣٩٩ عن الواقدي ..

(٢) تهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٤٤٦ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٤٥ وتهذيب الكمال ج ١٠ ص ٣١.

(٣) تهذيب الكمال ج ١٠ ص ٣٠ و ٣١ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٢١ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٣١.

(٤) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٤٥ وتهذيب الكمال ج ١٠ ص ٣١ وتقدمت طائفة اُخرى من المصادر.

(٥) سير اعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٣٢ وفي هامشه عن الطبراني ، وتهذيب الكمال ج ١٠ ص ٢٩ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٤٤٩.

(٦) سير اعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٣٣ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٢١ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٤٤٩ وتهذيب الكمال ج ١٠ ص ٣٠.

(٧) الاصابة ج ١ ص ٥٦١.

(٨) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٤٥ وتهذيب الكمال ج ١٠ ص ٣١.

(٩) صفة الصفوة ج ١ ص ٧٠٤/٧٠٥.

(١٠) راجع : فتح الباري ج ٧ ص ٣٠٢ وشرح صحيح مسلم ( بهامش ارشاد الساري ) ج ٨ ص ٦٤ والعبر ، وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم ٢ ص ٢٩ و ٣٣ وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٠


سنة ثلاث ، ولم يجز النبيّ 6 ابن عمر أن يشترك فيها؛ لاُن عمره كان أربع عشرة سنة ، ثم أجازه في وقعة الخندق؛ لاُنّه كان قد بلغ الخامسة عشرة (١) ؛ فتكون الخندق بعد اُحد بسنة واحدة ..

وقد حاول البعض الاجابة على ذلك بطرح بعض الاحتمالات البعيدة ، وقد أجبنا عنها في كتابنا : « حديث الإفك » ص ٩٦ ـ ٩٩؛ فليراجعه من أراد ..

ومهما يكن من أمر؛ فان احتمال أن يكون تحرر سلمان من الرق قد تم قبل السنة الخامسة من الهجرة ، يصبح على درجة من القوة ..

وأما بالنسبة لتحديد.

تاريخ الحريّة

فإننا نكاد نطمئن إلى أنه قد تحرر في السنة الاولى من الهجرة .. بل لقد ورد في بعض الروايات ما يدل على أنه قد اعتق في مكة (٢).

ويدل على تحرره في السنة الاولى :

١ ـ أن روايات عتقه يدل عدد منها على أنه قد اعتق عقيب اسلامه بلا فصل ، وهو إنما اسلم ـ أو فقل : أظهر اسلامه ـ في السنة الاولى من الهجرة (٣).

__________________

والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٠ وصحيح البخاري ج ٣ ص ٢٠ ط سنة ١٣٠٩ هـ. فانه نقل في عنوان الباب : عن موسى بن عقبة : أن الخندق كانت سنة أربع.

(١) سنن ابن ماجة ج ٢ ص ٨٥٠ ومسند الامام أحمد بن حنبل ج ٢ ص ١٧ ، وصحيح البخاري ج ٣ ص ٢٠ وج ٢ ص ٦٩ وصحيح مسلم ج ٦ ص ٣٠ ، والمصنف لعبد الرزاق الصنعاني ج ٥ ص ٣١٠/٣١١ وطبقات ابن سعد ج ٤ ص ١٠٥ وأنساب الاشراف ( قسم حياة النبيّ « ص » ) ج ١ ص ٣٤٣/٣٤٤ باضافة كلمة : واشف منها ، والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٠.

(٢) راجع : مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٦٠٣/٦٠٤ وغيره وستأتي رواية اُخرى تدل على أنه كان هو المشير بدعوة أبي بكر إلى الاسلام.

(٣) راجع : نفس الرحمان ص ٢٠ ، وهو ظاهر ان لم يكن صريح الرواية التي ذكرها ص ٥ ـ ٦


٢ ـ قد صرح البعض ـ كتاريخ گزيدة ـ بأن الرسول (ص) قد اشتراه في السنة الاولى من هجرته (١).

وسيأتي التصريح بذلك عن الشعبي ، وعن بريدة .. وذلك حين الكلام على كونه من موالي رسول الله 6 ..

٣ ـ ومما يدل على أن سلمان قد تحرر في أول سني الهجرة.

كتاب النبيّ (ص) في مفاداة سلمان :

حيث يقولون : إن النبيّ (ص) قد أملى كتاب مفاداة سلمان على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وهو و ـ والنص لابي نعيم ـ كما يلي :

هذا ما فادى 6 محمّد بن عبدالله ، رسول الله ، فدى سلمان الفارسي من عثمان بن الاُشهل اليهودي ، ثم القرظي ، بغرس ثلاثمائة نخلة ، وأربعين أوقية ذهب ؛ فقد برىء محمّد بن عبدالله رسول الله لثمن سلمان الفارسي ، وولاؤه لمحمّد بن عبدالله رسول الله ، وأهل بيته ، فليس لاُحد على سلمان سبيل.

شهد على ذلك : أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد بن الاسود ، وبلال مولى أبي بكر ، وعبدالرحمان بن عوف ، رضي الله عنهم.

وكتب علي بن أبي طالب الاثنين في جمادى الاولى ، مهاجر محمّد بن عبدالله رسول الله (ص).

__________________

واعتبرها أصح الروايات ، وهي موجودة في اكمال الدين ص ١٦٢ ـ ١٦٥ وفي روضة الواعظين ص ٢٧٥ ص ٢٧٨ والبحار ج ٢٢ ص ٣٥٥ ـ ٣٥٩ والدرجات الرفيعة ص ٢٠٣ ونقلها النوري أيضاً عن : الدر النظيم ، وعن قصص الانبياء للراوندي ، وعن الحسين بن حمدان.

(١) نفس الرحمان ص ٢٠.


وقد ذكرت بعض المصادر هذا الكتاب من دون ذكر الشهود (١).

تأمّلات في الكتاب :

« قال الخطيب : في هذا الحديث نظر ، وذلك أن أول مشاهد سلمان مع رسول الله (ص) غزوة الخندق ، وكانت في السنة الخامسة من الهجرة ، ولو كان يخلص سلمان من الرق في السنة الاولى من الهجرة ، لم يفته شيء من المغازي مع رسول الله (ص).

وأيضاً .. فان التاريخ بالهجرة لم يكن في عهد رسول الله (ص) ، وأول من أرخ بها عمر بن الخطاب في خلافته » (٢).

وقال العلامة المحقق الاحمدي : « وأما الشهود فان فيهم أبا ذر الغفاري (ره) وهو لم يأت المدينة إلا بعد خندق ، مع أن صريح الكتاب : أن ذلك كان في السنة الاولى من الهجرة.

وتوصيف أبي بكر بالصديق يخالف رسوم كتب صدر الاسلام » (٣).

قال هذا حفظه الله بعد أن ذكر : أن الخطيب قد تنظر في الكتاب ، وأنه لم يذكر الشهود.

كما وذكر حفظه الله أن ابن عساكر ونفس الرحمان لم يذكرا الشهود أيضاً (٤).

____________

(١) ذكر أخبار اصفهان ج ١ ص ٥٢ ، وتاريخ بغداد ج ١ ص ١٧٠ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ١٩٩ ومجموعة الوثائق السياسية ص ٣٢٨ عن الاولين وعن جامع الآثار في مولد المختار ، لشمس الدين محمّد بن ناصر الدين الدمشقي وطبقات المحدثين باصبهان ج ١ ص ٢٢٦/٢٢٧ ، ونفس الرحمان في فضائل سلمان ص ٢٠/٢١ ، عن تاريخ گريدة ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٠٩ من أكثر من تقدم ، وقال : « وأوعز اليه في البحار عن الخرائج ».

(٢) تاريخ بغداد ج ١ ص ١٧٠.

(٣) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤١٠.

(٤) المصدر السابق.


الردّ على الشكوك المشار إليها

ونقول :

إنّ لنا هنا ملاحظات .. سواء بالنسبة لما ذكره الخطيب ، أو بالنسبة لما ذكره العلامة الأحمدي ..

فأما بالنسبة إلى ما ذكره الخطيب فنشير إلى ما يلي :

أولاً : قوله : إن مشاهد سلمان الخندق ، وذلك ينافي ما ورد في الكتاب من أنه قد كوتب في السنة الاولى للهجرة ..

هذا القول .. لا يصح ؛ وذلك لما يلي :

١ ـ إن من الممكن أن يتحرر في أول سني الهجرة ، ثم لا يشهد أياً من المشاهد ، لعذرٍ مّا ، قد يصل إلينا ، وقد لا يصل ..

٢ ـ إن مكاتبته في السنة الاولى لا تستلزم حصوله على نعمة الحرية فيها مباشرةً ، إذ قد يتأخر في تأدية مال الكتابة ، فتتاخر حريته .. وإن كنا قد ذكرنا آنفاً : أن سلمان لم يكن كذلك ، بدليل نفس ما ورد في ذلك الكتاب الآنف الذكر ، وأدلة اُخرى .. ولكننا نريد أن نقول للخطيب : إن ما ذكرته ليس ظاهر اللزوم في نفسه ، ولا يصح النقض به ، مجرداً عن أي مثبتات اُخرى ، كما يريد هو أن يدعيه ..

٣ ـ إن البعض قد ذكر : أن سلمان قد شهد بدراً واُحداً أيضاً (١).

ويظهر من سليم بن قيس عدّ سلمان في جماعة أهل بدر (٢).

__________________

(١) الاستيعاب ج ٢ ص ٥٨ بهامش الاصابة. وراجع : الاصابة ج ٢ ص ٦٢ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٨ ص ٣٥ والبحار ج ٢٢ ص ٣٩٠ وتهذيب التهذيب ج ٤ ص ١٣٩ والدرجات الرفيعة ص ٢٠٦ ونفس الرحمان ص ٢٠.

(٢) راجع سليم بن قيس ص ٥٢ ، ونفس الرحمان ص ٢٠ عنه.


ولعل هذا يفسر لنا سبب فرض عمر له ، خمسة آلاف ، الذي هو عطاء أهل بدر (١).

وقد حاول البعض : أن يقول : إن مراد القائلين بحضوره بدراً : أنه حضرها وهو عبد ، ومراد القائلين بأنه قد شهد الخندق فما بعدها : ولم يحضر بدراً أنه لم يحضرها وهو حر (٢).

ونقول : إن هذا جمع تبرعي ، لا يرضى به لا أولئك ، ولا هؤلاء ، لان مدار النفي والاثبات هو أصل الحضور والشهود ، من دون نظر إلى الحرية ، والعبودية ، ولذا تجد في بعض العبارات المنقولة التعبير بأنه : لم يفته مشهد بعد الخندق ، فانه يكاد يكون صريحاً في فوات بعض المشاهد ، قبل ذلك ..

وثانيا : قول الخطيب: ان التاريخ الهجري لم يكن في عهد الرسول ، وأن عمر بن الخطاب هو أول من أرّخ به.

لا يمكن قبوله ، فقد أثبتنا في كتابنا : الصحيح من سيرة النبيّ (ص) : أن النبيّ هو واضع التاريخ الهجري ، وقد أرّخ به هو نفسه (ص) أكثر من مرة ، وهذا الكتاب يصلح دليلاً على ذلك أيضاً.

وأما بالنسبة لكلام العلامة البحاثة الاُحمدي ، فنحن نشير إلى ما يلي:

أ : قوله : إن الحطيب ، وابن عساكر ، ونفس الرحمان لم يذكروا الشهود ، ليس في محله ، كما يعلم بالمراجعة.

ب : إن ما ذكره حول توصيف أبي بكر بالصديق .. صحيح ، وقد تحدثنا في كتابنا : الصحيح من سيرة النبيّ الاعظم 6 ج ٢ ص ٢٦٣ ـ ٢٦٨ : أن تلقيبه بهذا اللقب ، لا يصلح لا في الاسراء والمعراج ، ولا في

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٢١٥ وراجع ج ١٨ ص ٣٥ وذكر أخبار أصبهان ج ١ ص ٤٨ والاستيعاب بهامش الاصابة ج ٢ ص ٥٨ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤٢٤ وتاريخ الامم والملوك ج ٣ ص ٦١٤.

(٢) راجع : نفس الرحمان ص ٢٠ وراجع: تاريخ الامم والملوك ج ٢ ص ٥٦٦.


أول البعثة ، ولا في قضية الغار ، حسب اختلاف الدعاوى .. وذكرنا هناك : أن الظاهر : هو أن اللقب قد خلع عليه بعد وفاة النبيّ (ص) بمدة ليست بالقصيرة.

ونضيف إلى ذلك : أنه إن كان أبو بكر نفسه قد كتب هذه الكلمة على كتاب عتق سلمان ، فنقول :

إن من غير المألوف : أن يطلق الانسان على نفسه القاب التعظيم والتفخيم ، بل إن الانسان العظيم ، الذي يحترم نفسه ، يعمد في موارد كهذه إلى اظهار التواضع ، والعزوف عن الفخامة والابهة.

وإن كان الآخرون هم الذين اطلقوا عليه لقب « الصديق » ، وأضافوه إلى الكتاب من عند أنفسهم ، تكرماً وحباً ، ورغبة في تعظيمه ، وتفخيمه ..

فذلك يعني : أنهم قد تصرفوا بالكتاب ، وأضافوا إليه ما ليس منه ، دون أن يتركوا أثراً يدل على تصرفهم هذا ، وهو عمل مدان ، ومرفوض ، إن لم نقل : انه مشين ، لاسيما وأنهم اهملوا صديقه عمر بن الخطاب ؛ فلم يصفوه بالفاروق ، كما وأهملوا غيره أيضاً ..

ولا يفوتنا التذكير هنا : بأن النوري قد أورد الكتاب في : نفس الرحمان ، عن : تاريخ گزيده وليس فيه وصف أبي بكر بـ « الصديق » ، بل وصفه بـ « ابن أبي قحافة » وهو الانسب ، والأوفق لظاهر الحال.

ج : وأما قولهم : ان أبا ذر لم يكن قد قدم المدينة حينئذٍ؛ لاُنه إنما قدمها بعد الخندق.

فاننا نقول : المراد : أنه انما قدمها مستوطنا لها بعد الخندق. أما قبل ذلك ، فلعله قدمها للقاء رسول الله (ص) ، أو لبعض حاجاته ؛ فصادف كتابة هذا الكتاب ؛ فشهد عليه ، ثم عاد إلى بلاده. وثمة رواية اُخرى ، تشير إلى حضوره (١) ؛ فلتراجع.

__________________

(١) راجع : البحار ج ٢٢ ص ٣٥٨ واكمال الدين ج ١ ص ١٦٤/١٦٥ وروضة الواعظين ص ٢٢٧٦ ـ ٢٧٨


د : اضف إلى ذلك : أن وصف بلال بأنه مولى أبي بكر ، قد يكون من تزيُّد الرواة أيضاً؛ إذ قد ذكرنا في كتابنا : الصحيح من سيرة النبيّ الاعظم ج ٢ ص ٣٤ ـ ٣٨ : أن بلالا لم يكن مولى لابي بكر ..

وأخيرا .. فان مما يدل على أن الرواة والكتّاب قد زادوا شيئاً من عند أنفسهم : إضافة عبارة : « رضي الله عنهم » إلى الشهود ؛ إذ لا شك في أن ذلك قد حصل بعد كتابة ذلك الكتاب. بل ويحتمل أن يكون الشهود جميعاً قد اضيفوا بعد ذلك ، وإن كان هذا احتمالاً بعيداً جداً ..

حديث الحرية .. بطريقة اُخرى :

وقد جاء في بعض الروايات : أن الرق قد شغل سلمان ، حتى فاته بدر واُحد ، حتى قال له رسول الله (ص) : كاتب يا سلمان ، فكاتب سيده على ثلاث مائة نخلة ( وقيل : على مائة وستين فسيلة ، وقيل خمس مائة وقيل على مائة فقط ، وو ) يحيها له ، وأربعين اوقية من ذهب.

فقال رسول الله (ص) : اعينوا أخاكم بالنخل.

فاعانه اصحاب النبيّ (ص) بالخمس والعشر ، حتى اجتمعت عنده ؛ فأمره (ص) أن يفقّر لها ، ولا يضع منها شيئاً حتى يكون النبيّ (ص) هو الذي يضعها بيده ؛ ففعل ، فجاء رسول الله (ص)؛ فغرسها بيده ؛ فحملت من عامها.

وقال (ص) له : إذا سمعت بشيء قد جاءني؛ فأتني ، أغنيك بمثل ما بقي من فديتك. فبينا رسول الله (ص) ذات يوم في اصحابه ، إذ جاء رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب. فقال (ص) : ما فعل الفارسي المكاتب؟.

فدعي له سلمان ؛ فقال : خذ هذه ؛ فأدّبِها ما عليك يا سلمان ..

__________________

والدرجات الرفيعة ص ٢٠٣ عن اكمال الدين ، ونفس الرحمان ص ٦ ص ٢٢ عن الحسين بن حمدان وص ٥ وصححها عن اكمال الدين ، وعن الراوندي في قصص الأنبياء ، وعن روضة الواعظين ، وعن الدر النظيم.


إلى أن تقول الرواية : فأخذها ، فأوفى منها حقهم كله : أربعين اوقية (١) ، وفي بعض المصادر : أنه بقي منها مثل ما أعطاهم.

وأعتق سلمان ، وشهد الخندق ، ثم لم يفته معه مشهد (٢).

مناقشات لا بدّ منها :

إننا نشك في بعض ما جاء في هذه الرواية :

١ ـ لانها تقول : إنه هو الذي كاتب سيده ، واعانه الصحابة على أداء دينه ، واعانه الرسول أيضاً بالذهب ..

مع أن صريح كتاب المفاداة : أن الرسول 6 هو الذي أدى جميع ما على سلمان ، وأن رسول الله 6 قد اشتراه ، واعتقه ، وأن ولاءه لرسول الله 6 ، وأهل بيته .. وقد دلت على ذاك نصوص اخر ستأتي إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الاوقية : وزن أربعين درهما ..

(٢) راجع : الثقات ج ١ ص ٢٥٦/٢٥٧ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٨ وحلية الاولياء ج ١ ص ١٩٥ وتاريخ بغداد ج ١ ص ١٦٩ ( وراجع ص ١٦٣ و ١٦٤ ) وطبقات المحدثين باصبهان ج ١ ص ٢٠٩ ـ ٢٢٢ ودلائل النبوة لابي نعيم ص ٢١٣ ـ ٢١٩ وسيرة ابن هشام ج ١ ص ٢٢٨ ـ ٢٣٦ ط ليدن ، واسد الغابة ج ٢ ص ٣٣٠ وطبقات ابن سعد ج ٤ قسم ١ ص ٥٦ ـ ٥٨ والشفاء لعياض ج ١ ص ٣٣٢ وشرح الشفاء للقاري ج ١ ص ٣٨٤ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ١٩٧ ـ ١٩٩ عن أبي يعلى ، والمصنف للصنعاني ج ٨ ص ٤١٨ و ٤٢٠ وتهذيب الاسماء ج ١ ص ٢٢٧ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٣٥ ـ ٣٣٧ و ٣٤٠ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤٢٧ و ٤٢٨ وانساب الاُشراف ( سيرة النبيّ 6 ) ج ١ ص ٤٨٧ و ٤٨٦ والبحار ج ٢٢ ص ٢٦٥ و ٣٦٧ و ٣٩٠ وشرح النهج للمعتزلي الحنفي ج ١٨ ص ٣٥ وص ٣٩ والاستيعاب بهامش الاصابة ج ٢ ص ٥٧ وصفة الصفوة ج ١ ص ٥٣٢/٥٣٣ عن أحمد ، وفي هامشه عن ابن هشام وعن الطبراني في الكبير ، وعن الخصائص للسيوطي ج ١ ص ٤٨ عن دلائل البيهقي ، ونفس الرحمان ص ١٢ و ١٦ عن قصص الانبياء للراوندي وعن المنتقى للكازروني وعن السيرة الحلبية ، وعن سيرة ابن هشام وراجع : مسند أحمد ج ٥ ص ٤٣٨ و ٤٣٩ و ٤٤٠ ٤٤١ ـ ٤٤٤.


٢ـ إن كونه قد اُعتق في السنة الخامسة ، أو الرابعة ، مشكوك فيه ايضاً ، وقد قدمنا بعض ما يرتبط بذلك وأنه قد اُعتق في أول سني الهجرة ..

٣ـ قول الرواية : انه قد فاته بدر واُحد .. قد عرفنا : أنه أيضاً غير مسلم ، فقد قيل : انه حضرهما أيضاً ..

أضف إلى ذلك : ان رواية ابن الشيخ تنص على أنه قد أخبر النبيّ 6 بأنه قد كاتب سيده ، فور اسلامه ، حين مجيء النبيّ 6 إلى المدينة مباشرة (١).

كما أن القول بأن الصحابة قد اعانوا النبيّ 6 على أداء دينه فيما يرتبط بفداء سلمان .. هو الآخر لا يصح ، إذ قد كان على الرواي أن يقول ذلك ، ويصرح به ، وكان على النبيّ 6 : أن يطلب منهم أن يعينوه هو ، لا أن يعينوا أخاهم سلمان ، كما هو صريح الرواية ..

الرواية الاقرب إلى القبول :

ولعل الرواية الاقرب إلى القبول هي : أنه 6 قد غرس النوى ، وكان علي 7 يعينه ؛ فكان النوى يخرج فوراً ، ويصير نخلاً ، ويطعم بصورة اعجازية له 6.

كما ظهرت معجزته 6 ، في وزن مقدار أربعين اُوقية ذهباً ، من حجر صار ذهباً (٢) أو من مثل البيضة أيضاً ، أو من مثل البيضة أيضاً ، أو من مثل وزن نواة.

* * *

__________________

(١) طبقات المحدثين باصبهان ج ١ ص ٢١٥.

(٢) نفس الرحمان ص ٢١ والبحار ج ٢٢ ص ٣٦٧ والخرايج والجرايح ج ١ ص ١٤٤ وذكر غرس النوى في حديث آخر ، فراجع : روضة الواعظين ص ٢٧٨ والبحار ج ٢٢ ص ٣٥٨ واكمال الدين ص ١٦٥ والدرجات الرفيعة ص ٢٠٣ ونفس الرحمان ص ٦ عن بعض من تقدم ، وعن قصص الانبياء للراوندي ، وعن الحسين بن حمدان ، وعن الدر النظيم.


النخلة التي غرسها عمر :

ونجد في بعض المصادر : أن عمر بن الخطاب قد شارك في غرس نخلة : واحدة ، ولكنها لم تعش ، فانتزعها النبيّ 6 وغرسها بيده ، فحملت (١).

وفي رواية اُخرى : أن التي لم تعش كان سلمان هو الذي غرسها (٢).

أما عياض ، فلم يسم أحداً ، وان كان قد ذكر غرس غيره أيضاً (٣).

ولعلها كانت فسيلةً حاضرةً لدى عمر ، أو سلمان ، فأحب المشاركة في هذا الامر ، فغرسها ، ولعله غرس نواةً ، كانت في حوزته ، وإن كانت الروايات قد صرحت بالاُوّل لا بالنواة .. فيتعين ذلك الاحتمال ..

وقد حاول العبض الجمع بين الروايتين المشار إليهما ، أعني رواية غرس عمر للنخلة التي لم تعش ، ورواية غرس سلمان لتلك النخلة :

بأن من الممكن أن يكونا ـ عمر وسلمان ـ قد اشتركا في غرسها ، فصح نسبة ذلك لهذا تارة ، ولذاك اُخرى (٤).

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٣٧ عن أحمد ، والبزار ، ورجاله رجال الصحيح ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٨ وشرح النهج للمعتزلي الحنفي ج ١٨ ص ٣٥ والاستيعاب بهامش الاصابة ج ٢ ص ٥٨ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٢٢٧ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ١٩٨/١٩٩ وشرح الشفاء لملا علي القاري ج ١ ص ٣٨٤ ومزيل الخفاء ، في شرح الفاظ الشفاء ( مطبوع بهامش الشفاء نفسه ) ج ١ ص ٣٣٢ والبحار ج ٢٢ ص ٣٩٠ ، والدرجات الرفيعة ص ٢٠٥ ونفس الرحمان ص ١٦.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٤ قسم ١ ص ٥٧/٥٨ وشرح الشفاء للقاري ج ١ ص ٣٨٤ عن البخاري ، ومزيل الخفاء عن الفاظ الشفاء (مطبوع بهامش الشفاء) ج ١ ص ٣٣٢ عن البخاري في غير صحيحه ، ونفس الرحمان ص ١٦ ومسند أحمد ج ٥ ص ٤٤٠.

(٣) الشفاء ج ١ ص ٣٣٢.

(٤) شرح الشفاء لملا علي القاري ج ١ ص ٣٨٤ ومزيل الخفاء عن الفاظ الشفاء ( مطبوع بهامش الشفاء ) ج ١ ص ٣٣٢.


« ويجوز أن يكون كل واحد من سلمان وعمر غرس بيده النخلة ، أحدهما قبل الآخر » (١).

ولنا أن نعلق على ذلك : بأنه بعد نهي النبيّ لسمان عن ذلك ؛ فلا يعقل أن يقدم على مخالفة النبيّ 6 ، وسلمان هو من نعرف في انقياده ، والتزامه المطلق ، بأوامر الله سبحانه ، ورسوله 6 ؛ فلا يمكن أن نصدق : أنه قد خالف أمر رسول الله 6 ..

وكيف لم يتدخل في غرس مائتين وتسع وتسعين ، وتدخّل في خصوص هذه الواحدة ، دون سواها؟!

هذا بالاضافة إلى صحة سند ما روي عن عمر .. وكثرة الناقلين له ، وعدم نقل ذلك عن سلمان إلا عند ابن سعد في طبقاته ..

وإذا كان الراجح ـ إن لم يكن هو المتعين ـ أن سلمان لم يتدخل في هذا الأمر ، ولا خالف النهي المتوجه إليه من قبل رسول الله 6 ..

وإذا كان النهي إنما توجه إلى سلمان ، لا إلى عمر ، فان إقدام عمر على هذا الأمر ، يصبح أكثر معقولية ، وأقرب احتمالاً ..

فهو قد أراد أن يجرب حظه في هذا الامر أيضاً ، ولعله يريد اظهار زمالته ، للرسول 6 ، وهو القائل « أنا زميل محمّد » (٢) فكما أن النخل يثمر على يد رسول الله 6؛ فانه يثمر على يده أيضاً .. وكما أن الرسول يقوم ببعض الأعمال؛ فان غيره أيضاً قادر على أن يقوم بها؛ فليس ثمة كبير فرق ـ فيما بينهم ، وبينه 6 ، على حدّ زعمه ، أو هكذا خُيّل له على الأقل ..

__________________

(١) نفس الرحمان ص ١٦.

(٢) راجع : تاريخ الاُمم والملوك للطبري ج ٣ ص ٢٩١ ط الاستقامة.


وأما أنه لماذا لم يغرس سوى نخلة واحدة ، فلعله يرجع إلى أنه حين رأى النبيّ 6 ينهى سلمان عن أن يغرس شيئاً منها ، فانه قد تردّد في ذلك ، وحاذر من أن يتعرض لغضب النبيّ 6 ، وانكاره .. ثم تشجع أخيراً ، وجرب حظه في نخلة واحدة .. الامر الذي تفرد فيه دون سائر الصحابة الآخرين ، ولم يقدم عليه لا أبو بكر ، ولا غيره .. وقد يكون السبب في ذلك هو أنه لم يكن في حوزته سوى هذه النخلة.

ولكن قد شاءت الارادة الإلهية : أن يحفظ ناموس النبوة ، وأن تخيب كل الطموحات ، وتتحطم كل الآمال ، التي تريد أن تنال من ذلك الناموس ، أو تستفيد منه في مسارٍ انحرافي آخر ، لا يلتقي معه ، ولا ينتهي إليه. وتجلى هذا اللطف الالهي في أن النخل قد اثمر كله ، سوى هذه ، حتى أعاد رسول الله 6 غرسها بيده الشريفة من جديد ، فظهرت البركات ، وتجلت الكرامة الإلهية ..

دور خليسة في عتق سلمان :

وقد جاء في بعض روايات عتق سلمان : أنه كان لامرأة اسمها خليسة ، كانت قد اشترته ، ثم بعد أن أسلم سلمان أرسل إليها رسول الله (ص) علياً 7 ، يقول لها : أما أن تعتقي سلمان ، واما أن اعتقه ؛ فان الحكمة تحرمه عليك.

فقالت له : قل له : إن شئت ، اعتقته ، وإن شئت فهو لك.

قال رسول الله : اعتقيه أنت ؛ فاعتقته.

قال : فغرس لها رسول الله (ص) ثلاث مائة فسيلة ..

وفي لفظ آخر : فقالت : ما شئت ؛ فقال : اعتقته .. (١).

__________________

(١) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٩ واسد الغابة ج ٥ ص ٤٤٠ والاصابة ج ٤ ص ٢٨٦ عن ابن


ونقول :

١ ـ إن الرواية التي قدمناها في مكاتبته لمولاه على غرس النخل ، حتى تطعم ، وعلى أربعين أوقية .. وغير ذلك مما دل على أن الرسول (ص) قد اشتراه ، واعتقه ، ينافي ذلك ..

٢ ـ إن كتاب المفاداة المتقدم ينافي ذلك أيضاً ، لاُنه كتب باسم عثمان بن الاشهل القرظي ..

إلا أن يدعى : أن خليسة كانت زوجة لعثمان هذا ، أو من أقاربه ، أو غير ذلك ، فلا مانع من كتب الكتاب باسمه نيابة عنها.

ولكن ذلك يبقى مجرد احتمال ، يحتاج إلى شاهدٍ وعاضد ، وهو مفقود.

٣ ـ لماذا يأمرها النبيّ (ص) بعتق سلمان ، ولم يأمر غيرها؛ من الذين كانوا يملكون أرقاء مسلمين (١)؟!.

٤ ـ ما معنى قوله : اما أن تعتقيه أنت ، أو أعتقه أنا؛ فهل يريد (ص) استعمال ولايته في هذا المجال؟!.

٥ ـ وإذا كانت قد اسلمت قبل أن يرسل إليها بهذا الأمر (٢)؛ فما معنى قوله (ص) : فان الحكمة تحرمه عليك؟!.

فهل كانت قد تزوجته ، ولا يصح تملك المرأة لزوجها؟ أم أنه كان اباً لها؟! أم ماذا؟!.

هذا مع أنه حتى لو فرض ذلك ، فانه ينعتق عليها قهراً في الفرض الثاني ، وينفسخ النكاح في الفرض الاول ..

__________________

مندة ، وقالوا : أخرجه أبو موسى ، في الاحاديث الطوال .. ونفس الرحمان ص ٢٢ عن المنتقى ، وأشار إلى ذلك في تهذيب التهذيب ج ٤ ص ١٣٨/١٣٩ عن العسكري.

(١) قد يقال بعدم وجود أرقاء مسلمين في أيدي غير المسلمين. ولكن يرد عليه : أن خليسة قد أسلمت حسب نص الرواية فلماذا يوجب عتقه عليها.

(٢) راجع: تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٩.


٦ ـ وإذا كانت لم تملكه لابه كان حراً ، وقد ظلموه ؛ فباعوه لها؛ فان ذلك لوصح أنه كافٍ في ذلك ؛ لمنع من أصل عبوديته ؛ فلا حاجة بعد ذلك لعتقه ، لا من قبله (ص) ، ولا من قبلها ..

٧ ـ وإذا كانت تملكه ، ولا بد من عتقه ؛ فلماذا لا يشتريه منها؟ أو لماذا لا تكاتبه هي؟!. ولماذا تؤمر بعتقه من الاساس؟! إلا على سبيل الحث والترغيب في الاُجر ، لا على سبيل التهديد ، وبأسلوب القهر ..

٩ ـ وما معنى التناقض في رواية عتقها له تارة ، وعتق النبيّ (ص) نفسه له تارة اخرى؟!.

بقي علينا أن نعرف :

من الذي حرّر سلمان؟ :

هناك نصوص كثيرة تفيد : أن النبيّ 6 هو الذي حرّر سلمان من الرق.

١ ـ وقد عدّه كثير من العلماء والمؤرخين من موالي رسول الله 6 (١).

٢ ـ وعن بريدة : « كان لليهود ؛ فاشتراه رسول الله (ص) بكذا وكذا درهما ، وعلى أن يغرس له نخلاً ، يعمل فيها سلمان حتى تطعم ، فغرس رسول الله (ص) النخل » (٢).

__________________

(١) رجال ابن داود ص ١٧٥ وخلاصة الاقوال للعلامة ص ٤١ والفهرست للشيخ الطوسي ص ١٥٨ وتاريخ الامم والملوك ط الاستقامة ج ٢ ص ٤١٩ وراجع المصادر التالية : ذكر أخبار اصبهان ج ١ ص ٥٤ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٨ ص ٣٤ ومصابيح الانوار ج ١ ص ٣٥٦ عن القرطبي ، والاستيعاب بهامش الاصابة ج ٢ ص ٥٧ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤٣٣ عنه ، والبحار ج ٢٢ ص ٣٩٠ وحلية الاولياء ج ١ ص ١٩٥ ونفس الرحمان ص ٢٠ و ٢١ عن بعض من تقدم ، والمناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ١٧١.

(٢) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٣٧ عن أحمد ، والبزار ، ورجاله رجال الصحيح. وشرح النهج للمعتزلي الحنفي


٣ ـ وسئل الشعبي : هل كان سلمان من موالي رسول الله؟ قال : نعم. أفضلهم. كان مكاتباً؛ فاشتراه ؛ فأعتقه (١).

٤ ـ وقال الخطيب البغدادي : « أدى رسول الله (ص) كتابته ، قهر إلى بني هاشم » (٢).

(٥) وقال المبرد : « وكان (ص) أدى إلى بني قريظة مكاتبة سلمان ، فكان سلمان مولى رسول الله (ص) ؛ فقال علي بن أبي طالب 7 : سلمان منّا أهل البيت » (٣).

٦ ـ وقال أبو عمر : « .. وقد روي من وجوه : أن رسول الله (ص) اشتراه على العتق » (٤).

٧ ـ وتقدم كتاب المفاداة ، الذي ينص على أن ولاء سلمان هو لمحمّد بن عبدالله رسول الله ، وأهل بيته ، فليس لاحد على سلمان سبيل ..

٨ ـ وفي مهج الدعوات ، في حديث حور الجنة ، وتحفها ، مسنداً عن فاطمة 3 ، قالت : فقلت للثالثة : ما اسمك؟ قالت : سلمى. قلت : ولم سميت سلمى؟ قالت : خلقت أنا لسلمان الفارسي ، مولى أبيك رسول الله (ص) (٥).

٩ ـ وفي رسالة سلمان إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، كتب له سلمان : من سلمان مولى رسول الله (ص) (٦).

١٠ ـ وروى الحاكم أن علي بن عاصم ذكر في حديث اسلام سلمان : أنه كان عبداً؛ فلمّا قدم النبيّ (ص) المدينة ، أتاه ، فأسلم ؛ فابتاعه النبيّ (ص) ، واعتقه (٧).

__________________

ج ١٨ ص ٣٥ ، وشرح الشفاء لملا علي القارى ج ١ ص ٣٨٤.

(١) أنساب الاشراف (قسم حياة النبيّ « ص » ) ج ١ ص ٤٨٧ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤٢٩عنه.

(٢) تاريخ بغداد ج ١ ص ١٦٤ و ١٦٣.

(٣) الكامل ج ٤ ص ١٤.

(٤) الاستيعاب ، بهامش الاصابة ج ٢ ص ٥٧.

(٥) نفس الرحمان ص ٢١.

(٦) الاحتجاج ج ١ ص ١٨٥ ونفس الرحمان ص ٢١ عنه.

(٧) معرفة علوم الحديث ص ١٩٨.


١١ ـ وفي حديث سلام سلمان على أهل القبور ، قال ; : سألتكم بالله العظيم ، والنبيّ الكريم ، إلا أجابني منكم مجيب ؛ فأنا سلمان الفارسي ، مولى رسول الله (ص) (١).

١٢ ـ وعن ابن عباس قال : رأيت سلمان الفارسي ; في منامي؛ فقلت له : يا سلمان ، ألست مولى النبيّ (ص)؟

قال : ؛ بلى ؛ فاذ عليه تاج من ياقوت إلخ .. (٢).

١٣ ـ هذا بالاضافة إلى الحديث الذي يقول سلمان في آخره : فأعتقني رسول الله (ص) ، وسماني سلماناً .. (٣).

أبو بكر وعتق سلمان :

وبعد كل ما تقدم ، فاننا نعرف : أن دعوى : أن أبا بكر قد اشترى سلمان ، فأعتقه (٤) ، لا يمكن أن تصح بأي وجه ..

ويكفي في ردها حديث كتاب المفاداة المتقدم ، بالاضافة إلى النصوص الآنفة الذكر .. إلى جانب النصوص الاخرى ، التي تدعى : أنه قد اعانه الصحابة ورسول الله (ص) حتى ادى ما عليه من مال الكتابة ، وإن كان اتضح : أنها أيضاً غير خالية عن المناقشة ..

* * *

__________________

(١) نفس الرحمان ص ٢١ عن فضائل شاذان بن جبرائيل القمي.

(٢) روضة الواعظين ص ٢٨١ ونفس الرحمان ص ٢١ عنه.

(٣) روضة الواعظين ص ٢٧٨ والبحار ج ٢٢ ص ٣٥٨ والدرجات الرفيعة ص ٢٠٣ واكمال الدين ص ١٦٥ ، ورواه في نفس الرحمان ص ٦ عن بعض من تقدم ، وعن قصص الانبياء للراوندي ، وعن الحسين بن حمدان ، وعن الدر النظيم.

(٤) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٩ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ١٩٩ عن البيهقي ، ونفس الرحمان ص ٢١ عن المنتقى والحديث بطوله في مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٥٩٩ ـ ٦٠٢.


لماذا يكذبون :

ولعل أهمية سلمان ، وعظمته وجلالته في المسلمين ، قد جعلت البعض يرغبون في ان يجعلوا للشخصيات التي يحترمونها ، ويهتمون في حشد الفضائل لها ، نصيباً في هذا الرجل الفذ ، وفضلاً لها عليه .. حتى ولو كان ذلك على حساب كرامات وفضائل رسول الله 6 نفسه ، فان الإغرة على بعض فضائله وكراماته 6 ، ونسبتها إلى غيره ، لا تنقص من شأنه ـ بزعمهم ـ شيئاً ؛ إذ يكفيه شرفاً : أنه النبيّ الهادي لهذه الامة ، وأنه رسول الله.

كما ان ذلك يمكن أن يكون ردة فعل على تلك الرواية التي لا يجدون دليلاً ملموساً على ردها وتكذيبها ، والتي تقول :

إنه أسلم في مكة ، وحسن اسلامه ؛ وأن النبيّ (ص) شاوره ـ امتحاناً له ـ فيمن يبدأ بدعوته في مكة ، فجال سلمان في أهل مكة يَخٍبُرهم ، ويشيرهم ، ويجتمع مع النبيّ (ص) وأبي طالب لهذا الغرض ، ثم أشار بدعوة أبي بكر؛ لاُنه معروف بين العرب بتعبير الاُحلام ، وهم يرون فيه ضرباً من علم الغيب ، مع معرفته بتواريخ العرب ، وانسابها ، بالاضافة إلى أنه معلم للصبيان ، ويطيعه ويجله من أخذ عنه من فتيانهم ، ولكلامه تأثير فيهم ؛ فاذا آمن فلسوف يكون لذلك أثره ، ولسوف تلين قلوب كثيرة .. لا سيما وان معلمي الصبيان راغبون في الرياسة ، فاستصوب النبيّ (ص) ، وأبو طالب ذلك ، وشرح سلمان في دلالة الرجل ، وادخاله في الاسلام (١).

فلعل سلمان ـ كما تدل عليه هذه الرواية ، ويظهر من غيرها ـ كان في بدء

__________________

(١) راجع : نفس الرحمان ص ٤٨ عن بعض الكتب المعتبرة وص ٢٧/٢٨ عن كتاب الكشكول فيما جرى على آل الرسول للعبيدلي.


أمره في مكة واسلم هناك ، ثم انتقل إلى المدينة.

وعن تقدم اسلام سلمان ، نجد عدداً من الروايات تشير إلى ذلك (١). ومن ذلك : أن اعرابياً سأل النبيّ (ص) عنه فقال : أليس كان مجوسياً ، ثم أسلم؟! فقال (ص): يا أعرابي ، اُخاطبك عن ربي ، وتقاولني؟! إن سلمان ما كان مجوسياً ، ولكنه كان مضمراً للايمان ، مظهراً للشرك (٢).

__________________

(١) راجع : ذكر أخبار اصبهان ج ١ ص ٥١ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ١٩٣ والبحار ص ٣٥٥ ـ ٣٥٩ ، واكمال الدين ص ١٦٢ ـ ١٦٥ وروضة الواعظين ص ٢٧٥ ـ ٢٧٨ والدرجات الرفيعة ص ٢٠٣ ونفس الرحمان ص ٥ ـ ٦ عن بعض من تقدم وعن غيرهم.

(٢) الاختصاص ص ٢٢٢ والبحار ج ٢٢ ص ٣٤٧ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤٢٩ ونفس الرحمان ص ٤.



الفصل الثالث

وعي .. ومسؤولية



بداية :

هناك الكثير من الروايات التي تؤكد ، على علم سلمان وفضله ، ومقامه الشامخ في الايمان ، والاسلام والمعرفة .. وعلى زهده ، وتقواه ، وعلى كريم خصاله ، وحميد فعاله ..

وهناك أيضاً أحداث ، وقضايا ، ومواقف كثيرة تثبت ذلك ، وتؤكده ، كما وتثبت بُعد نظره ; ، وثاقب فكره ، ونفاذ بصيرته ..

ولا نريد هنا : أن نستقصي ذلك كلّه بالدراسة والتحليل ، فانه أمر متعسر ، بل متعذر علينا فعلاً ، وإنما نريد ذكر نموذج من ذلك ، تذكرة لانفسنا ، ووفاء منا لحقيقة وللتاريخ ، ونترك سائر ذلك إلى جهد الباحثين ، وعناء الدارسين .. فنقول :

إذا اقتتل القرآن والسلطان :

قال سلمان لزيد بن صوحان : كيف أنت يازيد إذا اقتتل القرآن والسلطان؟!

قال : أكون مع القرآن.

قال : نعم الزيد أنت إذن (١) ..

__________________

(١) تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ١٦.


إن هذا النص يعطينا : أن سلمان قد وضع اصبعه على أمر دقيق. وهام للغاية ، وله دور أساس ورئيسي في تكوين شخصية الانسان المسلم ، وله تأثير مباشر ، وقوي فيما يتخذه من مواقف ، وفيما يقوم به من أعمال.

ثم هو يمس بالتالي ، مستقبل الامة الاسلامية ، ومصيرها ، ومستوى ومنطلق ونوع تعاملها في القضايا الكبرى ، التي تواجهها ، هذا .. عدا عن مساسه بالتركيبة السياسية ، التي لا بد وان تترك آثاراً كبيرة وعميقة على المجتمع المسلم ، وعلى جميع خصائصه ، وأوضاعه بصور عامة.

وذلك لان القاء نظرة فاحصة على حالات الناس وافكارهم ، وخصوصاً في تلك الفترة ، توضح لنا : أن الناس كانوا على حالات شتى.

ففريق منهم لا يرى الحق والخير ، إلا من خلال ذاته ، ونفسه ، فهو المعيار ، والميزان ، والمحور لذلك ، فمبقدار ما يجلب له نفعاً ، ويدفع عنه ضراً في هذه الحياة الدنيا ، فهو خير ، وحق ، وحسن ومقبول ، تجب نصرته على كل أحد ، ولا ضير في أن يضحي الآخرون بكل غالٍ ، ونفيس ، ـ حتى بأنفسهم ـ من أجله ، وفي سبيله .. شرط أن لا تصل النوبة إلى شخص هؤلاء بالذات ، لاُن المفروض هو أن المسؤولية ، كل المسؤولية ، تقع على عاتق الآخرون دونهم.

وهكذا .. فان القرآن والاسلام لا يمثل لهذا النوع من الناس شيئاً ، إلا بالمقدار الذي يتفق مع هذه النظرة ، ويحقق لهم هذه النتائج ، حتى إذا رأوا : أن مصالحهم الخاصة ومآربهم الشخصية تتعرض للخطر ، فان على القرآن ، والاسلام ، والحق أن يتراجع ، وأٌ يعترف بأنه مخطيء ، بل ومسرف في الخطأ ، وحيث لابد من احترام القرآن والاسلام ، فلا أقل من اتهام المسلمين ، والعلماء ، وغيرهم بالخطأ ، أو بتعمد الخطأ في فهمهما ..

وفريق آخر : يرى : أن الحق كل الحق دائماً في جانب القوي ، ومعه ؛ فلابد من اعطاء الحق لذي الحق مهما كلف الأمر ، ومهما تكن النتائج.

وذلك بسبب ضعف في نفوس هذا النوع من الناس ، وانهزام في ذواتهم


وشخصياتهم ..

وفريق ثالث : قد احاط الحاكم بهالة من الاحترام والقداسة ، لا لشيء إلا لانه حاكم ومتسلط ، ويدين الله بالخضوع له ، والالتزام بأوامره ، والانتهاء إلى نواهيه ؛ وذلك لانه قد خدع بما حاول الحكام أن يشيعوه ، من أن سلطتهم سلطة إلهية ، مفروضة على الناس ، لا يمكن لهم الخلاص منها ، لان تلك هي ارادة الله سبحانه ومن هنا .. فإن الله سبحانه قد طلب من الناس أن يُدخلوا في عقائدهم وأحكامهم ، عقيدة عدم جواز الخروج على السلطان ، من كان ، ومهما كان ، لانه يمثل ارادة الله سبحانه على الاُرض ، فمعصيته ، والاعتراض عليه يوجب العقاب والعذاب الاُليم يوم القيامة .. بل لقد حاول البعض أن يقول : إنه ليس على السلطان ـ الخليفة ـ عذاب ولا عقاب يوم القيامة (١) ، مهما فعل من موبقات ، ومهما اقترف من جرائم.

وبعد ذلك كله .. فقد كان سلمان يعي وجود هذا التيارات المنحرفة في المجتمع الاسلامي ، ويعرف في المسلمين ما يعطي أن كثيراً منهم يتعامل مع الامور من خلال هذه النظرة ، أو النظرية ، أو تلك ..

وهو يعتبر : أن ذلك انحراف عن الخط الاسلامي القويم ، لان الاسلام يرفض: أن يعتبر الانسان نفسه وذاته كشخص محوراً للحق والباطل ، والخير والشر.

ويرفض أيضاً : أن يصبح الانسان المسلم على درجة من الضعف والانهزام ، إلى حدّ أن يعتقد : أن الحق للقوي ، ومعه ..

ويرفض كذلك تقديس الحاكم لمجرد كونه حاكماً ، فان القداسة ما هي إلا بالتزام طريق الاستقامة والتقوى ، والعمل الصالح ..

كما ويرفض أيضاً : نظرية الجبر الألهي ، في حاكمية الطغاة ، والجبارين ،

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٩ ص ٢٣٢.


والمستبدين ، والمنحرفين ..

نعم .. إن سلمان يعي ذلك كله .. فينطلق من موقع المربي ، والمسؤول ، في محاولة اكتشاف أي خلل أو خطل حتى في مثل شخصية زيد الرجل العظيم ، والمتميز ، فيحاول أن يثير فكره ووعيه ، وان يرضده بدقة ليعرف إن كانت شخصيته قد تلوثت بهذه الاوبئة ، وتأثرت بهاتيك الانحرافات .. من أجل أن يعالجه بالدواء الناجع ، بعد معرفة الداء ، ان كان ..

التوازن في شخصية الانسان المسلم :

ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي يتعامل فيه سلمان مع اخوانه من موقع المربي والناصح والمسؤول ، فهناك مواقف كثيرة له ، لها هذا المنحى التربوي الهادف ، ولا نريد استقصاء ذلك في حياته رضوان الله تعالى عليه ..

بل نكتفي هنا بتسجيل حادثة واحدة له ، مع زيد بن صوحان ، ولعلها أيضاً ـ تكررت له مع أبي الدرداء ، حسبما ورد في بعض النصوص الاخرى.

فاننا نجد سلمان ـ قد اكتشف في زيد جنوحاً إلى العبادة ، والعزوف عن الدنيا بصورة تجاوز فيها حالة الاعتدال ، الامر الذي من شأنه أن يحدث خللاً ـ غير مسموح به ـ في تعامله مع ما ومن يحيط به .. ويفقد معه قسطاً كبيراً من حالة التوازن ، التي يفترض أن تكون قائمة في مجال الاستفادة من أعمال البر والخير ، بحيث لا يؤثر ذلك على تعامله مع جهات اُخرى لا بد له من تحقيق مستوى معين من التعامل معها ..

وواضح : أن مسألة التوازن مسألة حساسة وخطيرة ، تمس شخصية الانسان المسلم في العمق ، وترتبط بمجمل مواقفه ، وسلوكه ، وكل شؤون حياته. وان الاخلال بها معناه حدوث نقص في الدين ، لابد من التحرز منه ، والمبادرة الى تصحيحه قبل أن يتحول إلى كارثة حقيقية ..

نعم .. وقد أحس سلمان أيضاً : أن زيداً قد بدأ يتعامل مع العبادات


الدينية تعاملاً قشرياً ، يجعله يستغرق بالحقحقة ، حتى يبتعد عن روح الشريعة ، ويحبس نفسه في قمقمٍ جدب ، ومقفل ؛ ويحرم نفسه من العيش في رحاب الله سبحانه ، فلا يوفق للانطلاقة الهادفة في آفاقه الرحبة ، الزاخرة بالعطاء ، الغنية بالمواهب.

نعم .. إن سلمان حينما أحسّ أن زيد بن صوحان يتعرض لهذا الخطر الاكيد ، ويوشك أن تزل به قدمه .. فانه من موقع المربي المشفق ، يعمل على تصحيح الخطأ ، واعادة الامور إلى نصابها ..

يقول النص التاريخي عن زيد :

إنه : « كان يقوم الليل ، ويصوم النهار ، وإذا كانت الجمعة أحياها ، وإنه ليكرهها إذا جاءت ، لما يلقى بها؛ فبلغ سلمان ما كان يصنع ، فأتاه ، فقال :

أين زيد؟ فقالت امرأته : ليس هاهنا.

قال : فاني أقسم عليك : لمّا صنعت طعاماً ، ولبست محاسن ثيابك.

ثم بعث إلى زيد ، فقرب إليه الطعام ، وقال له :

كل يا زيد.

فقال : إني صائم.

فقال : كل يازيد ، لا تنقص دينك ، إن شر السير الحقحقة ، إن لعينك عليك حقاً ، وإن لبدنك عليك حقاً ، وإن لزوجك عليك حقاً.

فأكل زيد ، وترك ما كان يصنع (١).

وقريب من ذلك يروى لسمان مع أبي الدرداء أيضاً (٢).

__________________

(١) تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ١٥ وتاريخ بغداد ج ٨ ص ٤٣٩ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤٢٦ عنه.

(٢) راجع : حلية الاولياء ج ١ ص ١٨٨ واحياء علوم الدين ج ١ ص ٣٤٧ والاستيعاب بهامش الاصابة


الارض لا تقدّس أحداً :

وفي مجال رفض المفاهيم الخاطئة ، ورفض التعامل مع القضايا الدينية تعاملاً قشرياً وسطحياً ، يفقدها مضمونها الرسالي العميق ، نجد لسلمان ; تعالى موقفاً آخر من أبي الدرداء أيضاً ..

فقد كتب أبو الدرداء إلى سلمان : أن هلم إلى الارض المقدسة ـ أي بلاد الشام ـ.

فكتب إليه سلمان يعلمه : أن الارض لا تقدس أحداً ، وإنما يقدس الانسان عمله (١).

واقعية زهد سلمان :

وقد يعتبر الكثيرون : أن الزهد معناه هو معاناة حالة من التقشف ، ومقاساة شظف العيش ، بصورة شاقة وقاسية.

ولكن سلمان الفارسي ـ الذي أدرك علم الاول والآخر ، إنما يريد أن يربي نفسه على الزهد الواقعي ، ويفرغ قلبه عن التفكير بالدنيا بصورة حقيقية ، ولا يريد أن يدخل في صراع مع نفسه ، ولو مرة واحدة ، بل هو يريد أن يجعلها تطمئن ، لينصرف بكل عقله وفكره ، وجوارحه ، وباستمرار إلى الله سبحانه ، لا يشغله شيء عنه سبحانه.

فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته ، حتى يحضر عطاءه من قابل.

فقيل له : أنت في زهدك! تصنع هذا!! وأنت لا تدري لعلك تموت اليوم ، أو غداً؟! ..

__________________

ج ٢ ص ٦٠/٦١ والمحجة البيضاء ج ٢ ص ٣٧٧/٣٧٨ وفي هامش عن صحيح البخاري ج ٢ ص ٦٣.

(١) تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٠٩ وراجع : المصنف لابن أبي شيبة ج ١٣ ص ٣١٨ و ٣٣١ و ٣٤٠.


فقال : ما لكم لا ترجون لي البقاء ، كما خفتم عليّ الفناء؟! أما علمتم : ـ يا جهلة ـ أن النفس قد تلتاث على صاحبها ، إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه ؛ فإذا هي أحرزت معيشتها أطمأنت (١).

فهذا النص يؤكد لنا :

١ ـ أن سلمان لا يريد ولو لمرة واحدة : أن ينشغل بنفسه وينصرف عن الله سبحانه.

٢ ـ إنه يتعامل مع طموحات نفسه وميولها ، من موقع العارف والواعي ، الذي يفكر بعمق بالداء وبالدواء على حد سواء ، ويكون علاجه للحالة التي يعاني منها أساسياً وواقعياً ..

٣ ـ يلاحظ : أن المعترضين ـ يشهدون له بالزهد والعزوف عن الدنيا ، ولكنهم لم يعرفوا سر تعامله ذاك ، فوقعوا بالحيرة.

٤ ـ إنه قد الفتهم إلى خطأهم في طرح المعادلة التي بنوا عليها نظريتهم تلك وكان تقييمه لتلك المعادلة الفكرية قائماً على أساس النظرة الواقعية أيضاً ، لا على اساس المظاهر الخادعة ، والشعارات البراقة.

وهناك اُمور اُخرى يمكن استخلاصها من النص المذكور ، ولكننا لا نرى ضرورة للتعرض لها في عجالة كهذه .. فنكتفي بهذا القدر ، ونوفر الفرصة للحديث عن جوانب اُخرى ، في شخصية وحياة هذا الرجل الفذ.

هكذا ينجو المخفون :

عن كتاب المحاسن : وقع حريق في المدائن ؛ فأخذ سلمان مصحفه وسيفه ، وخرج من الدار ، وقال :

____________

(١) قاموس الرجال ج ٤ ص ٤٢٥/٤٢٦ عن الكافي


« هكذا ينجو المخفون » (١).

و « قيل دخل عليه رجل؛ فلم يجد في بيته الا سيفاً ومصحفاً ، قال : ما في بيتك إلا ما أرى؟! قال : ان امامنا منزل كؤود ، وأنا قد قدمنا متاعنا إلى المنزل » (٢).

ومما يمكن اعتباره في هذا السياق ، ما روي بسند معتبر : عن أبي عبدالله 7 ، قال :

« كان لعلي 7 بيت ليس فيه شيء ، إلاّ فراش ، وسيف ، ومصحف ، وكان يصلي فيه ـ أو قال : كان يقيل فيه .. » (٣).

فلماذا السيف والمصحف ، دون سواهما ، يا ترى؟ ماذا نستوحي من ذلك؟ وكيف نستفيد العبرة منه؟!

سؤال لابد وان يراود أذهان الكثيرين!! وتتشوف نفوسهم إلى معرفة الجواب عنه ، بصور مقنعة ، ومقبولة.

ولسوف نحاول هنا معالجة الاجابة عنه ، رغم اقتناعنا بأن توفيته حقه ، تتطلب فرصة أوفر ، وتوفراً أتم .. ولكننا سوف نكتفي هنا بإشارة خاطفة ومحدودة ، تصلح لان تكون مدخلاً مناسباً للاجابة التامة والمقبولة ، فنقول :

إن الله سبحانه ، حينما أوجد هذا الكائن ، قد أراد له أن يكون إنسانأً بالدرجة الاولى ، ثم هو أراد له أن يكون حرّاً ..

فكل ما يتنافى مع هذه الإنسانية ، ومع تلك الحرية ، ويحدّ من فاعليتها ، يكون مناقضاً لفطرة الإنسان وغير منسجم معها ، ولا متوافق مع ما يريده الله سبحانه لهذا الانسان ..

__________________

(١) قاموس الرجال ج ٤ ص ٤٢٥ والدرجات الرفيعة ص ٢١٥ ونفس الرحمان ص ١٤٠ عن الانوار النعمانية.

(٢) الدرجات الرفيعة ص ٢١٥ ونفس الرحمان ص ١٤٠ عن الانوار النعمانية.

(٣) المحاسن للبرقي ٦١٢ والبحار ج ٧٣ ص ١٦١ والوسائل ج ٣ ص ٥٥٥.


( والبحث عن هذه الحرية ، وحقيقتها ، وحدودها ، وضوابطها بنظر الاسلام ، دقيق ، وعميق ، وهام ، ولكن ليس محله هنا؛ فلابدّ من إحالة ذلك إلى فرصةٍ اخرى ، ومجال آخر ، إن شاء الله تعالى .. ).

وبالنسبة إلى الجانب الآخر نقول :

لقد بعث الله سبحانه الرسل ، وأنزل الكتب ؛ ليطهر الناس ، وليزكيهم ، ويربيهم من جهة .. وليعلمهم الكتاب والحكمة من جهة ثانية ..

ثم أنزل الحديد فيه بأس شديد ..

قال تعالى : في مقام بيان هذه العناصر : « .. هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ، ويعلمهم الكتاب والحكمة » (١).

وقال : « لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب .. » (٢).

وعن دعوة ابراهيم واسماعيل ، قال تعالى : « ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم » » (٣).

وقال تعالى أيضاً : « لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ، ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين .. » (٤).

المرحلة الاولى :

إنه حينما يرسل الله سبحانه رسله إلى الناس؛ فان الناس يواجهونهم بالاستغراب ، والانكار؛ فتمس الحاجة إلى اظهار البينات ، المشار إليها في آية

__________________

(١) الجمعة ٢.

(٢) الحديد ٢٥.

(٣) البقرة ١٢٩.

(٤) آل عمران ١٦٤.


سورة الحديد ، والحجج والبراهين الدامغة ، والقاهرة ، التي تثبت صحة ما يقولون ، سواء أكان ذلك من قبيل المعجزات ، وخوارق العادات أو من قبيل توجيه الناس نحو التفكر في عجائب الكون ، غرائب الخلقة ، أو من قبيل التذكير بأيام الله ، وبما جرى على الماضين ، أو بالبشارات التي تتحقق ، أو بغير ذلك من الحجج القاطعة ، والبراهين الساطعة ..

وهذه البينات تكون بمثابة صدمة قوية ، لابد وأن يذعن العقل معها للحق ، وينصاع له .. ولعل قسماً من هذه البينات تبينه الآيات التي يتلوها عليهم ، كما أشارت إليه آيات سورة الجمعة ـ والبقرة ، وآل عمران ، الآنفة الذكر ـ حيث قرن تعليم الكتاب بتلاوة الآيات الالهية عليهم ..

المرحلة الثانية :

وبعد .. أن يذعن العقل للحق ، ويأتي دور التزكية ، وبث الفضائل والمزايا الخيّرة ، والنبيلة في نفس الانسان ، ثم تصفيتها من الرواسب والشوائب ، وإقناع الانسان بأن عليه أن لا يستكبر ، ولا يعلو ، وأن لا يكون حقوداً ، ولا حريصاً ، ولا جباناً .. إلخ .. « ويزكيهم ».

فيبذر في نفسه بذور الخير ، والبركة ، والصلاح ، الامر الذي يهيؤه لمزيدٍ من الفهم ، ولمزيد من التعقيل والوعي لاحكام الدين وتشريعاته ويجعله على استعداد لان يبذل جهده في سبيل تطبيق هذه الاحكام على نفسه ويعمل ، ويجدّ ، ويتحمل المشاق لتطبيقها ، على مجتمعه ؛ فان الاخلاق هي أساس الدين ، ولابد للدين منها؛ وذلك لاُن عبادة الله سبحانه ، لا تتلاءم مع الاستكبار : « إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته » (١).

ولولا استكبار فرعون لكان آمن ، وقبل الحق .. وكذلك إبليس.

__________________

(١) الاعراف ٢٠٦.


كما أن عبادة الله سبحانه ، لا تتلاءم مع سائر الرذائل الاخلاقية ، كالكذب ، والعلو ، والظلم ، والختر ، والمكر السيء ، وغير ذلك ..

فالذي لا يتخلص من رذائل الاخلاق ، وإن كان قد يستيقن بالحق؛ نتيجة لما يتلى عليه من الآيات ، ويراه من البينات الظاهرة ، والقاهرة ، ولكنه يكون من الجاحدين ، الذين قال الله عنهم : « وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً » (١).

ومما يشير إلى دور الاخلاق في قبول الحق ، والاذعان ، والتسليم له ، قوله تعالى :

« ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردّونكم من بعد ايمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق .. » (٢).

فقد قررت الآية دور الحسد في الصد عن قبول الحق الظاهر والبيّن لهم.

ثم تأتي المرحلة الثالثة :

وهي تعليم الكتاب ، ونشر معارفه ؛ عملاً بقوله تعالى : « يعلمهم الكتاب » ؛ وذلك من أجل أن يعطيه الرؤية الصحيحة ، والوعي الكافي لمعالجة مشكلات الحياة ، والقضايا التي تواجهه ، ويمنحه القدرة على تقييمها ، بصورة صحيحة وسليمة ، لكي ينطلق في مجال العمل عن وعي ، وعن معرفة تامة بما يريده الله سبحانه منه ؛ فيعمل بما يأمره به ، ويجتنب عما ينهاه الله عنه.

المرحلة الرابعة :

ثم تأتي مرحلة ، إثارة دفائن العقول ، والابتعاد عن الجمود ، واعطاء العقل دوره وأصالته ، بتعليم من الله سبحانه ، وفق الضوابط والقواعد الصحيحة ،

__________________

(١) النمل ١٤.

(٢) البقرة ١٠٩.


والسليمة ، عملاً بقوله تعالى : « والحكمة » و « الميزان » ، الذي لعله تعبير آخر عن الحكمة ، التي تعني وضع الشيء في موضعه ، من غير زيادة ، ولا نقيصة ..

وذلك لانه لابد من التعامل مع الامور بروح الحكمة ، ولا سيما فيما يرتبط بالحياة الاجتماعية ، التي تحتاج ، إلى مزيد من الوعي ، وإلى التدبر ، ومن ثم إلى الموقف العادل والصحيح « ليقوم الناس بالقسط ».

ويلاحظ هنا : أنه قد نسب القيام بالقسط إلى الناس. وهذا القيام إنما هو النتيجة الطبيعية لوعيهم ، ولتكاملهم.

نعم .. إن التعامل مع الامور ، لابد أن يكون على أساس الحكمة ، التي تعني إدراك الواقع أولاً ، ثم التعامل معه بما يستحقه ، فلا يظلمه بأن يبخسه حقه ، ولا يعتدي عليه ، بأن يتخمه بالعطاء ، حتى يفسد حياته ، ويرهق وجوده ..

إنزال الحديد .. لماذا؟!

وطبيعي : أن قيام الناس بالقسط ـ كما أشارت إليه الآية ـ لسوف يصطدم بكثير من العقبات. ولسوف يلقى معارضة قوية وساحقة من قبل الطواغيت والجبارين ، والمستأثرين بمقدرات الامم.

ولسوف يصطدم أيضاً بأولئك الذين يكبلون الناس بمختلف أنواع القيود ؛ بهدف أن يبقى المجال مفسوحاً ، والباب مفتوحاً ، أمامهم لاستغلال الناس ، وامتصاص دمائهم ..

كما ويمنعونهم من ممارسة حرياتهم في مختلف الشؤون ، التي يرون أنها يمكن أن تؤثر على تلك الامتيازات الظالمة ، التي يجعلونها لانفسهم ، في مختلف مجالات الحياة.

فينزل الله سبحانه الحديد ، فيه بأس شديد ، ومنافق للناس؛ من أجل أن يصبح هذا الحديد سيفاً قاطعاً ، يدافع عن منجزات القرآن ، في صنعه لإنسانية الانسان ، ويؤمّن للانسان حريته ، التي جعلها الله سبحانه وتعالى له حريته في أن يفكّر ويقرر ، ثم في ممارسة حريته بالعمل طبق قناعاته وقراراته ، بتعليم من الله


سبحانه ، ووفق شرائعه واحكامه.

ويكون هذا السيف ، هو الاداة لنصرة الانسان المؤمن ، واعطائه هويته الانسانية ، والذي هو في الحقيقة نصر لله سبحانه ، ولرسله بالغيب ؛ لان في ذلك نصراً لمبادىء الله سبحانه ، ولاهدافه ، وسننه في الكون ، وفي الحياة. وفيه أيضاً نصر لرسله ، في تحقيق الاهداف ، التي عملوا ، وجاهدوا ، وضحوا من اجلها ، بكل غال ونفيس.

فهل يمكن أن نستوحي من ذلك كله : خصوصية للسيف والمصحف في بيت علي 7 ، وعند سلمان ;؟!

ففي المصحف الآيات البينات ، التي تحكي لنا ما جرى للماضين ، مما فيه عبرة وذكرى. وفيه الكثير من العظات ، والامثال ، والبشائر. وهو الذي يربي ، ويزكي ، وهو الذي يعلّم ، ويفهِّم. وهو الذي يثير دفائن العقول ، ويعلم الناس الحكمة .. وهو نفسه معجزة خالدة ، وآية بينة ، وتحدٍّ خالد ..

والسيف .. هو الحديد الذي فيه بأس شديد ، باستطاعته أن يحمي منجزات القرآن ، في صنع إنسانية الانسان ، وهو الذي يدافع عن حرية هذا الانسان ، وعن كرامته ، التي أكرمه الله تعالى بها.

وهكذا .. فاننا نستوحي من علي 7 ، ومن سلمان : المغزى العميق للآيات القرآنية الشريفة ، دون أن ينبسا ببنت شفة ..

ويكون سلمان المحمدي غصناً من تلك الدوحة ـ دوحة الاسلام الباسقة ـ ويكون محمداً حقاً ، ومن أهل البيت صلوات الله وسلامه عليه وعليهم ..

سلمان يفسر لنا المراد من : الصحابي :

عن أبي البختري ، قال : جاء الاشعث بن قيس ، وجرير بن عبدالله البجلي إلى سلمان (رض) ؛ فدخلا عليه ، في خصّ ، في ناحية المدائن ؛ فأتياه ؛ فسلّما عليه ، وحيّياه ، ثم قالا : أنت سلمان الفارسي؟!


قال : نعم.

قالا : أنت صاحب رسول الله 6.

قال : لا أدري.

فارتابا ، وقالا : لعله ليس الذي نريد.

فقال لهما : أنا صاحبكما الذي تريدان. قد رأيت رسول الله 6 وجالسته ، وإنما صاحبه من دخل معه الجنة ؛ فما حاجتكما ... إلخ (١).

فاذا كان من الجائز أن لا يكون الاشعث وجرير قد تعرفا على سلمان قبل ذلك ، فان ما يلفت نظرنا هنا.

هو فهم سلمان للصحابي ، ونظرته إليه ؛ فهو يرى فرقاً واضحاً بين من يرى النبيّ 6 ويجالسه ، وبين صاحب النبيّ 6 وأنيسه ، فقد يراه ويجالسه ، حتى الكافر والمنافق ، فضلاً عن من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً ..

ولكن صاحبه الذي يأنس به ، ويرتاح إليه ، هو خصوص ذلك الذي تؤهله اعماله الصالحة لذلك ، في الدنيا والآخرة على حد سواء ..

وهذا لا ينسجم مع ما هو شائع ومعروف لدى البعض ، من أن الصحابي هو كل من رأى النبيّ مميزاً مسلماً ، حتى أنه لو ارتد لذهبت صحابيته ، فان عاد عادت ، كما يذكرونه عن طليحة بن خويلد ..

مهمّات كبيرة :

وبعد .. فان التاريخ قد ذكر لنا أشياء كثيرة ، تشير إلى أن سلمان الفارسي قد كانت له نشاطات ، واعمال على جانب كبير من الاهمية ..

فعدا عن أنه قد كان له موقف معارض في مسألة السقيفة ، التي انتجت

__________________

(١) حلية الاولياء ج ١ ص ٢٠١ تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٠٩ عن الحافظ والطبراني.


عدم وصول الخلافة الى صاحبها الشرعي أمير المؤمنين علي 7 ، رغم تأكيدات الرسول 6 على أن علياً هو وليّ الامر بعده ..

فانه ـ أعني سلمان ـ قد تولى على المدائن من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بالذات ، واستمر والياً عليها سنوات كثيرة وإلى أن توفي ; ..

أضف إلى ذلك : أنه قد كُلّف باختيار موضع الكوفة ، ففعل ، وصلى فيه ركعتين ، ودعا بدعاء (١).

وعدا عن أنهم يقولون : إنه هو الذي أشار بحفر الخندق (٢) فانهم يقولون أيضاً : إنه حين رأى بعض مواضعه ضيقاً ، بحيث يمكن للخيل أن تثب عنه ، ويصل الاعداء إلى المسلمين. أمر بتوسعة ذلك الموضع منه ، حتى فوَّت الفرصة على المشركين (٣).

وقد نصب النبيّ 6 منجنيقاً على الطائف ، اتخذها سلمان الفارسي ويقال أيضاً : إنه هو الذي اشار بنصبها (٤).

هذا كله .. بالاضافة إلى مشاركته في الغزو ، وافتتاحه بعض البلاد (٥).

وكان المسلمون قد جعلوه رائد الجيش ، وداعية أهل فارس (٦).

فرحم الله سلمان الفارسي ، وأسكنه من جناته أفسحها منزلاً ، وافضلها غرفاً ؛ إنه وليّ قدير.

__________________

(١) نور القبس ص ٢٣٢ وتاريخ الامم والملوك ج ٤ ص ٤١ و ٤٢.

(٢) راجع : أنساب الاشراف للبلاذري (قسم حياة النبيّ 6) ج ١ ص ٣٤٣ ، وتاريخ الامم والملوك ج ٢ ص ٥٦٦ ومغازي الواقدي ج ٢ ص ٤٤٥ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤٢٤.

(٣) راجع : مغازي الواقدي ج ٢ ص ٤٦٥.

(٤) انساب الاشراف (قسم حياة النبيّ 6) ج ١ ص ٣٦٦ و ٣٧٧ وراجع : قاموس الرجال ج ٤ ص ٤٢٩ عنه.

(٥) مسند أحمد ج ٥ ص ٤٤٤ و ٤٤٠ و ٤٤١ وحلية الاولياء ج ١ ص ١٨٩ وراجع : طبقات المحدثين باصبهان ج ١ ص ٢٣٥ وذكر أخبار اصبهان ج ١ ص ٥٥.

(٦) تاريخ الامم والملوك ج ٤ ص ١٤ وراجع ج ٣ ص ٤٨٩.



الفصل الرابع

يعارضهم .. ويشاركهم (!!)



مشاركة المعارضة في الحكم :

ولعله يصح لنا : أن نعتبر أمثال سلمان الفارسي ، وعمار بن ياسر ، والاشتر وو ... إلخ. من الفئة التي كانت تعارض الحكم القائم آنذاك وتنتقده ، على اعتبار : أن هؤلاء ، ونظائرهم ، كانوا يرون : أن الخلافة بعد رسول الله 6 ، هي من حق علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ؛ استناداً إلى كثير من المواقف ، والاقوال ، والنصوص ، التي رأوها وسمعوها من النبيّ الاكرم 6 ويرون أيضاً أن الآخرين قد تعدّوا وظلموا علياً 7 في هذا الأمر ، واستأثروا به دونه ..

بل إن المعتزلي الحنفي يروي لنا : عن البراء بن عازب: أنه حين بويع أبو بكر رآه ـ البراء ـ أقبل ومعه عمر ، وأبو عبيدة ، وجماعة ؛ لا يرون أحداً إلا خبطوه ، وقدموه ؛ فمدوا يده ؛ فمسحوها على يد أبي بكر ، يبايعه ، شاء ذلك أم أبى.

قال البراء : « فأنكرت عقلي ، وخرجت أشتد ، حتى انتهيت إلى بني هاشم ، والباب مغلق .. إلى أن قال :

فمكثت اكابد ما في نفسي ، ورأيت في الليل : المقداد ، وسلمان ، وأبا ذر ، وعبادة بن الصامت ، وأبا الهيثم بن التيهان ، وحذيفة ، وعماراً ، وهم يريدون أن


يعيدوا الاُمر شورى بين المهاجرين » (١).

إلى غير ذلك من نصوص اُخرى توضح معارضة هؤلاء لانحراف الامر عن علي 7 ، فليراجعها من أراد.

السؤال الصريح :

وهنا يرد سؤال ، لابد من الاجابة عليه ، وهو :

أننا نرى هؤلاء وسواهم ، ممن هم على رأيهم ، في مواقع قيادية في هيكلية نفس هذا الحكم الذي يعارضونه ، ولا يرون مشروعية (٢) ، فهذا يلي الكوفة ، كعمار ، وذاك يلي المدائن ، كسلمان ، وذلك كالاشتر وحذيفة يتولى قيادة الجيوش ، أو يشارك في الحروب .. وهكذا ..

مع أن المعروف والمتوقع من الفئة المعارضة ، هو أن تقاطع الحكم ، وترفض المشاركة فيه .. كما أن الفئة الموالية هي التي تستأثر بالمراكز ، ولا تسمح للخصوم بالمشاركة والوصول إليها ما وجدت إلى ذلك سبيلاً .. فما هو السر في مشاركة هؤلاء؟ ، وما هو السر في قبول أولئك؟

إجابة واضحة :

ونحن في مقام الاجابة على ذلك نشير إلى النقاط التالية :

أ : إن هؤلاء الاشخاص ، وهو النخبة الخيِّرة ، والطليعة الواعية ، من صحابة الرسول الاكرم 6 ، وعلى رأسهم سيدهم ، وأميرهم ، وقائدهم علي 7 .. قد رباهم الاسلام ، وذابوا وانصهروا في تعاليمه ، ولم

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ، للمعتزلي الخنفي ج ١ ص ٢١٩/٢٢٠ وج ٢ ص ٥١/٥٢.

(٢) استدل بذلك المعتزلي الحنفي في شرح نهج البلاغة ج ١٨ ص ٣٩ واستنتج : أن هؤلاء لم يكونوا من المعارضة ، والا لما شاركوا في السلطة.


يكن يهمهم إلاّ رضا الله سبحانه ، وظهور الدين ، وفلج الحق ، ولا يغضبون إلا لله تعالى ، ولا يرضون إلا لرضاه ، مهما كان ذلك صعباً ، ومراً بالنسبة إليهم ..

وإذا كان علي امير المؤمنين 7 على استعداد لتحمل الهجوم عليه في بيته ، وضرب زوجته ، وهي بنت رسول الله 6 ، واسقاط جنينها ، واستصفاء أموالها ـ بل لقد روي أن عثمان قد ضرب علياً نفسه مباشرة (١) ـ إلى غير ذلك مما واجهه 7 ، من الاهانات الكثيرة ، والرزايا الخطيرة ، مما هو معروف ، ومشهور ومسطور.

إذا كان علي 7 على استعداد لتحمل ذلك .. فانه هو نفسه ذلك الذي يشهر سيفه بعد خمس وعشرين سنة من تحمل الظلم ، ويخوض الحروب الطاحنة ، التي تستأصل عشرات الالوف من الناس.

ما ذلك إلا لانه رأى في السكوت أولاً رضا ‏الله سبحانه ؛ فيرضى به ؛ يقول : لاسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ، ويرى في الحرب أخيراً عملاً بالتكليف الشرعي ، فلا يتوانى فيه ؛ ولا يتردّد ..

وكذلك الحال بالنسبة لهؤلاء الصفوة الاخيار من اصحابه 7 ، فانهم لا يقدمون إلاّ على ما يرون فيه رضا الله سبحانه ، وظهور دينه ، وصلاح عباده ..

ب : وبعد .. فان علياً عليه الصلاة والسلام ، وأصحابه الاكارم رضوان الله تعالى عليهم يرون : أن الاسلام يرفض السلبية ، من أجل السلبية نفسها؛ فانها تعني العجز ، والانهزامية ، والهروب من مواجهة الواقع ، وتحمل مسؤولياته ، لان هذه سلبية مضرة وهدامة ، وممقوتة.

كما أن هؤلاء الصفوة لا يرون في الحكم مكسباً شخصياً ، ولا مطلباً فردياً ، لابد من التضحية بكل شيء من أجله ، وفي سبيله ، وإنما يرون فيه مسؤولية ،

__________________

(١) الموفقيات ص ٦١٢ القسم الضائع من الموفقيات. وشرح النهج للمعتزلي ج ٩ ص ١٦.


وفرصة لتحقيق رضا الله سبحانه بخدمة عباده ، ورعايتهم وهدايتهم.

ويرون كذلك : أن الايجابية هي أساس الحياة ، ورائد العمل ، وطريق النجاة .. وحتى حينما يتخذون بعض المواقف ، التي تكون سلبية بظاهرها ، فانما تكون سلبية من موقع المسؤولية ، يراد لها : أن تتمخض عن إيجابية بنّاءة وخيِّرة ، تعود بالخير وبالبركات ، حينما يقصد منها : أن تكون اسلوباً لتذليل الصعوبات ، وازالة الموانع من طريق العمل والعاملين.

ولاجل ذلك نجد أمير المؤمنين 7 ، الذي ذاق الأمرّين ، من غصب حقه ، والهجوم على بيته ، ومنع زوجته إرثها ونحلتها من أبيها .. إلى كثير من الاهانات والموبقات الكثيرة التي ارتكبت في حقه صلوات الله وسلامه عليه ، من قبل الذين بيدهم ازمة الامور بالفعل ، الامر الذي يجعل الجميع يتوقعون منه السلبية المطلقة في تعامله مع هؤلاء الذين غصبوه حقه ، وصغروا عظيم منزلته على حد تعبيره.

نعم .. إننا نجده 7 يخالف كل التوقعات ، ويتجاوز جميع التصورات ، فهو يهتم بإقامة علاقات مع نفس هؤلاء الغاصبين ، تكاد تكون طبيعية ، ويشارك في كثير من الامور بمستوى معين ، ويقدم لهم النصح ، ويعطي رأي الاسلام الاصيل في كل كبيرة وصغيرة ، كلما أمكنته الفرصة ، ووجد إلى ذلك سبيلاً ، ولا يألوا جهداً في تقديم العون لهم في كل ما فيه نصرة للدين ، وخير ومصلحة المسلمين .. ولعلهم كانوا غير راغبين كثيراً بالاستجابة لمبادراته هذه ..

ثم هو يعطي الضابطة لمسلكيته هذه ، حين يقول :

« .. فوالله ، لاسلمنّ ما سلمت امور المسلمين ، ولم يكن فيها جور إلاّ علي خاصة ، التماساً لاجر ذلك وفضله ، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه » (١).

__________________

(١) نهج البلاغة بشرح عبده ج ١ ص ١٢٠/١٢١ ، الخطبة رقم ٧١.


ولكن هذه المعونة وتلك المشاركة .. قد رافقها الحفاظ على اصالة خطه الرسالي ، ومواصلة اظهار المظلومية ، والشكوى من انحرافهم عن الجادة ، ومخالفتهم للنبيّ الاكرم 6 ..

نعم .. وهذه هي المشاركة البنّاءة ، والتي هي في خط الرسالة وخدمة لها.

وأما حين تكون المشاركة إمضاءً لممارسات الحكم اللامشروعة ، وسبباً ، أو فقل : عاملاً مساعداً في تركيز الانحراف ، وفي زيادة البعد عن الخط الاسلامي الاصيل .. وحيث يصبح الانسان أداةً بيد الحكم ، يستفيد منها لتكريس انحرافاته ، وتبرير أخطائه ، أو يتخذ منه واجهة تختفي وراءها شتى أنواع الفساد والظلم ، والهرطقة ، واللادينية .. فان هذه المشاركة تصبح خيانة للامة ، وللدين ، ولانسانية الانسان ، مهما كان ذلك الرجل شريفاً ، ونبيلاً في نفسه ، ومستقيم الطريقة في سلوكه الشخصي ، وفي ملكاته النفسية الخاصة ..

ولاجل ذلك نجد الائمة : ، ليس فقط لا يشاركون في الحكم الاموي والعباسي ، ولا يمدون لهما يد العون .. وإنما يعتبرون أدنى عون ، أو تأييد له ، حتى ولو بمثل أن يؤجّر الرجل جماله للحاكم ؛ ليحج عليها ، الامر الذي يستلزم أن يحب بقاء ذلك الحاكم الظالم حياً ، إلى حين انتهاء مدة الاجارة (١) يعتبرون حتى هذا القدر ، من الذنوب الكبيرة ، والجرائم الخطيرة ، التي لا يمكن التساهل فيها ، أو الاغضاء عنها ..

ج : وأما في صدر الاسلام ، حيث دور التأسيس ، وتركيز وتعميق القيم والمفاهيم الاسلامية ، والاساسية ، وحيث كان لابد من تأصيل الاصول ، ونشأة العقائد وتكونها ، الاُمر الذي يستدعي طرح وتركيز العقائد الصحيحة ، ورعايتها ، والحفاظ عليها ، وطرد كل ما هو دخيل ، وغريب .. فان أي انحراف ، أو تساهل ، لسوف يترك أثره على اصل الاسلام وأساسه ، ومفاهيمه ومبانيه ،

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ، المعروف برجال الكشي ص ٤٤١ وقاموس الرجال ج ٥ ص ١٢٧.


ولسوف لا يختص ذلك بجيل دون جيل ، ولابامة دون اخرى ، بل ستبقى تلك الآثار على مر الدهور ، وفي جميع العصور.

وذلك يؤكد ضرورة وجود شخصية قوية وفاعلة ، واضحة الاتجاه ، سليمة الخط ، لا تذوب في الآخرين ، ولا تنفذ ارادات الحكم بصورة عمياء ، بل تزن كل شيء بميزان الحق والشرع ، وعلى أساس ذلك يكون الرفض أو القبول ..

ثم يسجل التاريخ ذلك ، إلى أن يأتي اليوم الذي تعي فيه الامة أحداث الماضي ، وتصبح قادرة على وضع الامور في نصابها ، وتجد الدوافع ، وتتهيأ الظروف للتعرف على الاسلام الحقيقي ، ولو بصورة تدريجية ، كما حصل ذلك ، ولا يزال يحصل بالفعل ..

د : ولا يتأتى القيام بهذه المهمة ، إلاّ بشيء من المرونة والايجابية ، ضمن حدود ، وبالمقدار الذي لا تضيع معه معالم الخط السياسي الاصيل ، ولا تذوب فيه هذه الفئة الصالحة ، ولا تستهلك أفكارها ورؤيتها في خضم التيار ، وإنما تطرح نفسها ، وافكارها ، وطروحاتها الواقعية ، التي تختزل التيار ، وتحتويه ؛ ليكون تياراً واعياً ومسؤولاً ، ولو على المدى البعيد ، بعد حين ..

وإذا كانت سياسة الحكم والحكومات ، قد كانت تتجه إلى إيجاد بدائل لاُهل البيت ، ولصحابتهم الاخيار ، الذين كانوا علماء الامة ، واكابر أصحاب رسول الله 6 ، والذين كان لاقوال النبيّ 6 فيهم ، وفي بيان فضلهم ، وعلمهم ، وتقواهم ، أثر كبير في توجيه الناس نحو الاُخذ والاستفادة منهم ، واتخاذهم قدوة واسوة ، فان السلطة ، والقرشيين بالذات ، قد عملت على أن ينسى الناس أهل البيت ، وكل الاخيار ، من أصحابهم ، وأصحاب رسول الله 6 .. ليحل محلهم آخرون ، ينسجمون مع طروحات الحكم وطموحاته .. فكان أن مجدوا هؤلاء البدائل وعظموهم وأطروهم ، بما لا مزيد عليه ، حتى ليخيل للناظر :


أن هؤلاء ، وهؤلاء فقط ، هم شخصيات الاسلام ، ورجالاته ، وعظماء الامة وروادها.

مهما كانوا ـ في واقع الاُمر ـ منحرفين عن الاسلام وجاهلين بأحكامه ، وبعيدين عن مفاهيمه وتعاليمه ..

حتى لقد نسي الناس أهل البيت ، وخبت نارهم ، وانقطع صوتهم وصيتهم ، وقد أشار أمير المؤمنين 7 إلى هذه الحقيقة ، وهو يتحدث عن الفتوحات ، التي لولا مشاركة الاخيار من الصحابة فيها ، لكانت وبالاً على الدين ، وشراً على المسلمين. ولكن مشاركة هؤلاء قد هيأت الفرصة لتعرف الكثيرين من غير العرب على تعاليم الاسلام ، بل لم تمض بضعة عقود من الزمن حتى أصبح علماء وفقهاء الاسلام ، ومفكروه من نفس هؤلاء الذين كان الحكم يريد أن يستعبدهم ، ويتخذهم خولاً واموالهم دولاً كما سنرى ..

نعم لقد اشار أمير المؤمنين إلى هذه الحقيقة ، وهو يتحدث عن هذه الفتوحات ؛ فقال : « فتأكد عند الناس نباهة قوم ، وخمول آخرين ، فكنا نحن ممن خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت السنون والاحقاب بما فيها ، ومات كثير ممن يعرف ، ونشأ كثير ممن لا يعرف » (١).

ويكفي أن نشير هنا : إلى مكانة وموقع الامامين الحسن والحسين 8 في الامة ، هي من الامور الواضحة ، التي لا يكاد يجهلها أحد ، وكانت الامة قد سمعت ورأت الكثير من أقوال ومواقف النبيّ 6 تجاههما .. ورغم أنهما قد عاشا بعد النبيّ الاكرم 6 حوالي أربعين إلى خمسين سنة أو أكثر ، فاننا لا نجد فيما بأيدينا من نصوص إلاّ ما ندر وشذ : أنهما قد سئلا ، أو نقل عنهما شيء من امور الفقه ، والمعارف

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ٢٠ ص ٢٩٩.


الاسلامية .. رغم أنهما كانا يعيشان مع الناس ، ويتعاملان معهم ، وكانت الامة تعرف موقعهما ومكانتهما وحقهما.

هذا مع أن الجهل بالاسلام وبتعاليمه قد بلغ حداً جعل أمير المؤمنين 7 يعتبر : أنه لم يبق من الاسلام إلاّ إسمه ، ومن الدين إلا رسمه.

كما أن البعض قد أوضح أنه لم يبق من الدين إلاّ الاذان بالصلاة ، إلى غير ذلك من نصوص ذكرنا شطراً منها في كتابنا : الصحيح من سيرة النبيّ 6 ـ في تمهيد الكتاب ـ.

وخلاصة الامر : إن سياسة الحكام وقريش بالذات كانت هي ابعاد أهل البيت : والاخبار من صحابة النبيّ 6 عن الساحة ، وايجاد بدائل عنهم في مختلف المجالات.

وقد كانت مصلحة الاسلام تقضي بمقاومة هذه السياسة وافشالها ، ولا أقل من ابقاء صوت أهل البيت ، والخلَّص من رجالات الاسلام ، الذي هو صوت الدين والحق والخير ، بحيث يسمعه الناس البسطاء ، الذين يسعدهم أن يسمعوا شيئاً عن نبيهم ، ويعرفوا ما جاء به ، إذ لماذا يسمعون فقط من صنائع الحكم ومن أصحاب الاهواء والمآرب السياسية وغيرها ، من امثال سمرة بن جندب ، وعمرو بن العاص ، وكعب الاحبار ، وابن سلام ، وأبي هريرة ، والوليد بن عقبة وغيرهم؟!

نعم .. لماذا يسمعون فقط من هؤلاء ويتركز في أذهانهم مفهوم خاطىء ، وهو أن هؤلاء يمثلون النموذج الحي لتربية الاسلام وهم المصدر لمعارفه وتعاليمه؟!

ولماذا لا يتعرفون على عمار بن ياسر ، وعلى سلمان ، وغيرهما من أخيار الصحابة ، وابرار الامة وعلماء الاسلام الحقيقيين؟! وليرجع الناس إلى فطرتهم ، وإلى عقولهم ، فانهم لسوف يكونون قادرين ـ ولو بعد حين ـ على التمييز ، والتعرف ، ثم


اختيار العلماء الحقيقيين ، والاخيار ، والابتعاد عن المزيفين ، أصحاب الاهواء ، ووعاظ السلاطين ، الذين هم صنائع الحكم والحاكمين.

وأمّا بعد أن تأسّس أساس الاسلام ، واتضحت معالمه ، وظهرت شرائعه واحكامه كما هو الحال في زمن الامويين والعباسيين ، فان المشاركة في الحكم لا تعني إلا الاعانة على الظلم والانحراف ، وتبرير جرائم الحكم والحكام ، والموبقات التي يرتكبونها .. وليكون هؤلاء الواجهة التي تختفي وراءها كل المفاسد ، والمعول الذي يهدم به اساس الاسلام ، وإذن .. فلا تجوز المشاركة ، ولا مدّ يد العون لهم ، ولو بمثل أن يكري الرجل جمله للحاكم ليحج عليه .. اللهم إلاّ أن يكون في موقع حساس يسمح له بأن يقوم بخدمة كبرى للاسلام وللمسلمين ، كأن يمنع من استئصال شأفة المؤمنين ، ويحفظ لهم ولو الحد الادنى من وجودهم ، إما مباشرة ، أو بأن يكون في مركز يخوله الاطلاع على خطط الحكم ومؤامراته ، ليمكن مواجهتها بالموقف المرن والمسؤول ، ومن موقع الوعي والحذر ..

هذا كلّه .. بالنسبة لمشاركة هؤلاء في الحكم .. وأما بالنسبة لاشراك الحكام لهؤلاء فيظهر : أنه كان لاهداف غير حميدة ، ولعل المراد اسكاتهم ، أو تلويثهم ، أو اظهار مشروعية حكمهم .. إلى غير ذلك من اهداف ، لسنا هنا بصدد تتبعها ولعل فيما ذكرنا ـ حول أهداف المأمون من تولية الامام الرضا 7 العهد بعده ـ ما يفيد في هذا المجال.

بل لقد قال ابن شهرآشوب : « كان عمر وجّه سلمان أميراً إلى المدائن ، وانما أراد له الختلة ، فلم يفعل إلاّ بعد أن استأذن أمير المؤمنين ، فمضى فاقام بها إلى أن توفي ، وكان يحطب في عباءة يفترش نصفها .. إلخ » (١).

__________________

(١) الدرجات الرفيعة ص ٢١٥.



الباب الثاني

سياسات ... ونتائج ...



الفصل الاُوّل :

في مواجهة التحدّي



بداية :

التمييز العنصري معناه : أن يُعطى أحد امتيازاً على أساس العرق ، أو اللون ، أو ما إلى ذلك ، ويحرم الآخرون ، أو يظلمون على هذا الاساس أيضاً ..

وهو من الامور القبيحة ، التي ترفضها الفطرة ، ويدينها العقل ، ويأباها ، وينكرها الوجدان ، حتى من قبل الكثيرين ، من الذين يمارسونه عملاً ، ويحاولون إعطاءه طابعاً تضليلياً ، أو لوناً حضارياً خادعاً ..

وليس التمييز العنصري هذا بالامر الجديد ، والمستحدث ، وإنما هو قديم ، قديم ، حتى لقد اعطي صفة القداسة ، والبس لباس الشرعية ، حينما اعتبره اليهود ، أحد تعاليمهم الدينية الاساسية ، التي يتعاملون مع الآخرين على أساسها ..

الاسلام يرفض سياسة التمييز العنصري :

إن من الواضح : أن رأي الاسلام الواقعي هو أنه ليس لعربي على عجمي فضل إلاّ بالتقوى ، كما قرره نبي الاسلام 6 في حجة الوداع (١).

__________________

(١) العقد الفريد ج ٣ ص ٤٠٤ و ٤٠٨ وتاريخ اليعقوبي ط النجف ج ٢ ص ٩١ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٣٦٦ و ٢٧٢ وزاد المعاد ج ٢ ص ٢٢٦ والغدير ج ٦ ص ١٨٨ والبيان والتبيين ج ٢ ص ٣٣.


كما أنه 6 قد اعتبر أن كل : من ولد في الاسلام فهو عربي ، ومن دخل في الاسلام طوعاً فهو مهاجري (١) ورويت الفقرة الاولى التي تشير إلى معيار العروبة للانسان عن الامام الباقر عليه الصلاة والسلام (٢).

وعن أبي هريرة ، رفعه ، قال : « من تكلم بالعربية فهو عربي ومن أدرك له أبوان (أو اثنان) في الاسلام ، فهو عربي (٣).

وعنه 6 ، أنه صعد المنبر يوم فتح مكة ، وقال : « أيها الناس ، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتفاخرها بآبائها. الا إنكم من آدم ، وآدم من طين. الا إن خيار عباد الله عبد اتّقاه ، إن العربية ليست بأب والد ، ولكنها لسان ناطق ، فمن قصر به عمله ، لم يبلغه حسبه ... إلخ .. » (٤).

وسيأتي في جواب رسول الله 6 لقيس بن مطاطية قوله : من تكلم بالعربية فهو عربي ..

وعن أنسب بن مالك ، قال :

« كان لرسول الله 6 موليان : حبشي ، وقبطي؛ فاستبّا يوماً ؛ فقال أحدهما : يا حبشي. وقال الآخر : يا قبطي.

فقال رسول الله 6 : لا تقولوا هكذا .. إنما أنتما رجلان من آل محمّد 6 (٥).

وبعد .. فقد قال الله تعالى : يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا انّ اكرمكم عند الله اتقاكم (٦).

__________________

(١) راجع : الجعفريات ص ١٨٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ٢٠٧ عنه ومستدرك وسائل الشيعة ج ٢ ص ٢٦٨ عن روضة الكافي.

(٢) اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٦٨.

(٣) المصدر السابق.

(٤) الكافي ج ٨ ص ٢٤٦ والبحار ج ٢١ ص ١٣٧ و ١٣٨.

(٥) المعجم الصغير ج ١ ص ٢٠٧.

(٦) الحجرات ١٣.


وقد علمنا : أن رسول الله قد قال عن سلمان الفارسي : سلمان منا أهل البيت.

ثم إنه قد ورد النهي للصحابة عن أن يقولوا : سلمان الفارسي ، ولكن قولوا سلمان المحمّدي ..

إلى غير ذلك من نصوص ومواقف معبرة وصريحة في هذا الامر ، ولا مجال لتأويلها ، ولا للتلاعب فيها .. وهي كثيرة جداً لا طاقة لنا بجمعها وإحصائها في عجالة كهذه.

التمييز العنصري بين الجبر والاختيار :

وإذا كان معنى التمييز العنصري هو : أن يجعل العرق ، أو اللون ، أو الطبقة ، أو نحوها أساساً للتمييز والتفاضل بين البشر ، فبملاحظته يستحق هذا امتيازاً؛ فيعطى له ، ولا يستحقه ذاك ، فيحرم منه ـ إذا كان كذلك ـ.

فإن من الواضح .. أن هذه أمر يأباه العقل ، وترفضه الفطرة ، ويدينه الوجدان ، لاُن الإنسان اغلى من كل شيء في الوجود ، لان كلّ شيء مخلوق من أجله ومسخّر له ، فلا يصح أن نضحي بإنسانية الانسان وبكرامته من أجل أي شيء آخر مهما غلا فكيف إذا كان تافهاً وحقيراً ، من قبيل اللون ، والعرق ، والجغرافيا ، وما إلى ذلك ..

أضف إلى ذلك : أن اللون ، أو العرق ، ليسا من الامور الاختيارية ، التي تساهم إرادة الانسان في صنعها ، وايجادها. كي تدفعه في حركته الدائبة نحو الحصول على خصائصه ، وكمالاته الانسانية ، وباتجاه هدفه الاسمى ، الذي وجد من أجله ..

كما أنهما لا يحلان للانسان آية مشكلة ، ولا دور لهما في تغلبه على المصاعب والمتاعب ، ولا في ازالة العوائق ، التي تعترض طريق تقدمه ، نحو هدفه المنشود ..

وكذلك فانهما لا يساهمان في سعادة الانسان بالحياة ، فلا يجعلانه يلتذ بها ،


ويأنس ، أو يتعب من أجلها ويضحي ، أو يأمل بها ويطمح .. وما إلى ذلك ..

ومن هنا .. فقد كان من الطبيعي أن يرفض الاسلام اعطاء الامتيازات ، وتفضيل الناس ، بعضهم على بعض على اساس العرق أو اللون ، أو غير ذلك مما لا خيار فيه للانسان ، ولا هو خاضع لارادته.

ولكنه جعل التفاضل بين الناس في أمر يمكن أن يكون له دور رئيس في تكاملهم ، وفي تحقيق سعادتهم ، ويؤثر في حركتهم الدائبة نحو هدفهم الاسمى .. وهو في نفس الوقت أمر اختياري للانسان ، يمكنه ، أن يحصل عليه ، ويمكنه أن لا يحصل عليه .. ألا وهو التقوى ، والعمل الصالح ، والسجايا الفاضلة ، والعلم النافع المعطاء ؛ فقال تعالى : إن أكرمكم عند الله أتقاكم (١).

وقال : هو يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون (٢).

وقال تعالى : ألم تر كيف ضرب الله مثلاً : كلمة طيبة كشجرة طيبة (٣).

قال : ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض (٤).

وقال تعالى : لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله (٥).

وقال : قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو اعجبك كثرة الخبيث (٦).

إلى غير ذلك من آيات كثيرة ، لا مجال لا يرادها هنا ..

وعن رسول الله 6 : لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا أسود على أحمر ، ولا أحمر على أسود إلاّ بالتقوى (٧).

وإذا كان كل ما تقدم هو المنطلق للتفاضل ، والحصول على الامتيازات والاوسمة ؛ فان من شأنه : أن يقود الانسان نحو الكمال ، ويجعل التسابق باتجاه

__________________

(١) الحجرات ١٣.

(٢) الزمر ٩.

(٣) ابراهيم ٢٤.

(٤) ابراهيم ٢٦.

(٥) النساء ٩٥.

(٦) المائدة ١٠٠.

(٧) مجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٦٦ و ٢٧٢ والبيان والتبيين ج ٢ ص ٣٣ والعقد الفريد ج ٣ ص ٤٠٨ والغدير ج ٦ ص ١٨٧/١٨٨ عن عدد من المصادر.


كل ما هو خير ، وصلاح ، وفلاح : « فاستبقوا الخيرات » (١) « وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض » (٢) « ومنهم سابق بالخيرات » (٣).

نعم .. وهذه هي الحركة الطبيعية ، التي تنسجم مع فطرة الانسان السليمة والصافية ، ومع طموحاته الواقعية ، وأمانيه الواسعة ، وآماله العراض ..

سلبيات ظاهرة :

وبعد .. فان من أبسط نتائج سياسات التمييز على أساس : الطبقة ، والدم واللون ، والعرق ، واللغة ، والبلد ، وو ... إلخ .. هو ظهور نزعات الكراهية بين الناس ، وسحق كراماتهم بلا مبرر معقول ، وتضييع حقوقهم الانسانية ، دونما سبب ، ومعاملتهم بطريقة شاذة ، لا يقرها شرع ، ولا عقل ، ولا ضمير ..

وبدلاً من أن يكون المؤمنون إخوة ، يتعاونون على الخير ، وتسودهم روح المحبة ، والمودة والوئام ، ويشد بعضهم ازر بعض في مجال التغلب على مصاعب الحياة ، وتجنب شدائدها ، ويكون كل منهم مكملاً للآخر ، ومن اسباب قوته ، وعزه ، وسعادته ..

نعم .. بدلاً من ذلك .. يصبحون أعداء متدابرين ، يعمل كل منهم على هدم الآخرين ، واستغلال طاقاتهم ، وامكاناتهم ، والاستئثار بها ، وتقويض سعادتهم ، وتبديد قدراتهم. تسودهم روح الضغينة والحقد ، بأسهم بينهم شديد ، ومخيف.

ويصبح اللون ، والعرق ، واللغة ، والطبقة وو .. إلخ وسيلة تستخدم في سبيل تجزئة الناس وتمزيقهم ، بدلاً من جمعهم وتوحيدهم ، وذلك بالتركيز على الفوارق والمميزات التافهة ، والعقيمة ، وتجاهل موارد الاشتراك ، والوفاق ،

__________________

(١) البقرة ١٤٨ والمائدة ٤٨.

(٢) آل عمران ١٣٣.

(٣) فاطر ٣٢.


وهي الاجدر والاجدى ، والاحق بالاهتمام والعناية ، لانها الاسمى ، والانفع ، والاصح ، والاكثر أصالة ، والابعد أثراً في تكامل الانسان وسموه ، وتذليل كل العقبات ، التي تعترض طريقه في حياته ..

سلمان في مواجهة التمييز العنصري أيضاً :

١ ـ « أسند الامام مالك ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبدالرحمان ، قال : جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي ، وصهيب الرومي ، وبلال الحبشي ، فقال :

هذا الاوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذ الرجل ، فما بال هذا؟

فقام إليه معاذ بن جبل ، فأخذ تلبيبه ، ثم أتى به النبيّ 6 ، فأخبره بمقالته. فقال النبيّ 6 قائماً .. يجر رداءه ، حتى أتى المسجد ، ثم نودي : إن الصلاة جامعة [فحمد الله ، وأثنى عليه].

وقال : يا أيها الناس ، ان الرب واحد ، والأب واحد ، وليست العربية بأحدكم من أب ولا اُم ، وانما هي اللسان ، فمن تكلم بالعربية ؛ فهو عربي ... الخ » (١) ..

٢ ـ وأخرج أيضاً عن أبي هريرة ، أنه قال : تخطى سلمان الفارسي حلقة قريش ، وهم عند رسول الله 6 في مجلسه ؛ فالتفت إليه رجل منهم فقال : ما حسبك؟ وما نسبك؟ وبم اجترأت أن تتخطى حلقة قريش.

قال : فنظر اليه سلمان ؛ فأرسل عينيه ؛ وبكى ، وقال : سألتني عن حسبي ، ونسبي ، خلقت من نطفة قذرة ، أما اليوم ففكرة وعبره ، وغداً جيفة منتنة ، فاذا

__________________

(١) تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٠٠ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٥٢٣ عن كنز العمال ج ٧ ص ٤٦ والمنار ج ١١ ص ٢٥٨ ـ ٢٥٩ واقتضاء الصراط المستقيم ص ١٦٩ عن السلفي.


انشرت الدواوين ، ونصبت الموازين ، ودعي الناس لفصل القضاء ؛ فوضعت في الميزان ، فان أرجح ، فأنا شريف كريم ، وان انقص الميزان ؛ فانا اللئيم الذليل ، فهذا حسبي ، وحسب الجميع ، فقال النبي ّ 6 : صدق سلمان ، من اراد أن ينظر إلى رجل نوّر قلبه ، فلينظر إلى سلمان (١).

ويلاحظ هنا : أن هذه القضية تشبه كثيراً ، ما سيأتي في سبب قوله 6 : سلمان منّا أهل البيت ، لكن هذه العبارة لم تذكر فيها .. والمناسب ذكرها ، فان من الطبيعي أن يغضب النبيّ 6 من كلام ذلك القرشي الجافي ، وينتصر لسلمان بأكثر من هذه الكلمة الهينة اللينة ، المذكورة في آخر الرواية ..

٣ـ « وأخرج أيضاً من طريق البيهقي ، وعبدالرزاق ، عن قتادة ، قال :

كان بين سعد بن أبي وقاص وسلمان شيء؛ فقال سعد ، وهم في مجلس : انتسب يا فلان ، فانتسب ، ثم قال : للآخر : أنتسب. فانتسب .. حتى بلغ سلمان. فقال : انتسب يا سلمان ، فقال : ما أعرف لي أبا إلا الاسلام ، ولكن سلمان بن الاسلام ، فنمي ذلك إلى عمر. فقال عمر لسعد : انتسب. فقال : انشدك الله يا أمير المؤمنين ، وكأنه عرف. فأبى أن يدعه حتى انتسب ، ثم قال للآخر ، حتى بلغ سلمان ، فقال : انتسب ، فقال : انعم الله علي بالاسلام ؛ فأنا ابن الاسلام.

فقال عمر : قد علمت قريش : أن الخطاب كان أعزهم في الجاهلية ، وأنا عمر بن الاسلام ، أخو سلمان بن الاسلام أما والله ، لولاه لعاقبتك عقوبة يسمع بها اهل الامصار .. إلخ » (٢).

٤ ـ وثمة نص يفيد: ان سلمان المحمدي قد تعرض لمحاولة تحقير وامتهان من

__________________

(١) تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٠٠ وراجع البحار ج ٢٢ ص ٣٥٥ عن أمالي الصدوق.

(٢) تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٠٥ والمصنف ج ١ ص ٤٣٨.


قبل البعض ، فانتصر النبيّ 6 له ، وأدان المنطق الجاهلي والتعصب القبلي بصورة صريحة .. تقول الرواية :

« إن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ دخل مجلس رسول الله 6 ذات يوم ؛ فعظموه ، وقدموه ، وصدروه ؛ اجلالاً لحقه ، واعظاماً لشيبته ، واختصاصه بالمصطفى وآله ..

فدخل عمر : فنظر إليه فقال : من هذا العجمي المتصدر فيما بين العرب؟

فصعد رسول الله 6 المنبر؛ فخطب ، فقال :

إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط ، لا فضل للعربي على العجمي ، ولا للأحمر على الاسود إلاّ بالتقوى. سلمان بحر لا ينزل ، وكنز لا ينفذ ، سلمان منّا أهل البيت .. إلخ (١).

وقفات :

الاولى : سلمان منّا أهل البيت :

لعل هذه الرواية الأخيرة ليست بعيدة عن الحقيقة ؛ فان عمر بن الخطاب كان يجهر بتفضيل العرب على العجم ، وكانت سياسته في خلافته تسير في هذا الاتجاه ، وستأتي قصة امتناعه من تزويج سلمان ، وسنشير الى نبذة من سياساته تجاه غير العرب في فصل مستقل ، إن شاء الله تعالى.

ولاجل ذلك ، فنحن نستبعد الرواية التي تذكر أن السبب في اطلاق كلمته 6 الشهيرة : سلمان منّا أهل البيت.

أنه حين اشتغال المسلمين بحفر الخندق ، وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله

__________________

(١) الاختصاص ص ٣٤١ ونفس الرحمان في فضائل سلمان ص ٢٩ والبحار ج ٢٢ ص ٣٤٨.


وسلّم قد قطع لكل عشرة أربعين ذراعاً ، يعملون فيها ، وكان سلمان قوياً في عمله ، احتج المهاجرون والانصار.

فقال المهاجرون : سلمان منّا.

وقال الانصار : سلمان منّا.

فقال رسول الله 6 : سلمان منّا أهل البيت (١).

ورواية اُخرى تقول :

إنه حين حفر الخندق ، وكان المسلمون ينشدون سوى سلمان ، رأى النبيّ 6 ذلك ؛ فدعا الله : أن يطلق لسان سلمان ، ولو ببيتين من الشعر ، فأنشأ سلمان ثلاثة أبيات :

مالي لسان فأقـول شعرا

أسـأل ربـي قـوة ونصرا

على عدوي وعدو الطهرا

مـحمّد الـمختار حاز الفخرا

حتى أنال في الجنان قصرا

مع كل حوراء تحاكي البدرا

فضج المسلمون ، وجعل كل قبيلة يقول : سلمان منّا.

فقال النبيّ 6 : سلمان منّا أهل البيت (٢).

نعم .. إننا لنستبعد ذلك ، ونميل الى صحة الرواية المتقدمة حول موقف عمر بن سلمان .. وذلك بسبب النهج الذي عرفناه عن الخليفة الثاني ، في معاملته لغير العرب ، والروح العدائية التي كانت تملي عليه مواقف سلبية وقاسية ضدهم ، كما سيتضح في فصل مستقل يأتي إن شاء الله تعالى ..

__________________

(١) طبقات ابن سعد ط ليدن ج ٤ قسم ١ ص ٥٩ ، وراجع : اُسد الغابة ج ٢ ص ٣٣١ وذكر أخبار أصبهان ج ١ ص ٥٤ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٠٠ ونفس الرحمان ص ٣٤ / ٣٥ عن مجمع البيان في تفسير قوله تعالى : اللّهم مالك الملك ، تؤتي الملك من تشاء. وعن السيرة الحلبية ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٥٩٨.

(٢) راجع : المناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ٨٥ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤٢٤ عنه والدرجات الرفيعة ص ٢١٨ ونفس الرحمان ص ٤٣. ويلاحظ ما في الاُبيات من الهنات ..


هذا بالاضافة إلى أن هذا الذي ذكروه في سبب اطلاق النبيّ 6 كلمته الخالدة ، لا يعدو عن أن يكون أمراً عادياً ، بل وتافهاً ، لا يبرر هذا الموقف منه 6.

ولعل الهدف من ايراد امور كهذه هو التقليل من قيمة هذا الوسام العظيم ، الذي شرفه 6 به ..

إذ أن ذلك لا يعدو عن أن يكون قضية الاستفادة من قوة سلمان البدنية ، في حفر الخندق ، هي محل تنافس الفرقاء ، وما كان من النبيّ 6 إلاّ أن بادر إلى حسم النزاع ، باسلوب تحويل سلمان إلى القسم الذي كان 6 يعمل هو وأهل بيته فيه ؛ فكانت تلك الكلمة إيذاناً بذلك ..

ولاجل ذلك ؛ فان هذه الكلمة تفقد قيمتها ، وأهميتها ، وواقعيتها .. ولا يبقى مبرر لما نلاحظه في كلمات أئمة أهل البيت : من التركيز على هذا الوسام العظيم ، وتأكيد واقعيته ومصداقيته فيه رضوان الله تعالى عليه ..

ونفس هذ الكلام تقريباً يأتي فيمايقال عن تنازعهم في سلمان ، حينما قال الشعر ، على النحو الذي ذكرناه فيما سبق.

لان اطلاق هذه الكلمة منه 6 في مناسبة كهذه ، تجعل سلمان جزءاً من فئة تحسن التكلم باللغة العربية ، وتحب أن تكرمه ، لانه نطق بلغتها ، لا لاجل علمه ، أو دينه ، ولا لغير ذلك من صفات الخير والصلاح فيه ..

حنبلي يثبت العصمة لسلمان!! :

قال محيي الدين ابن العربي الحنبلي :

« .. فلا يضاف إليهم إلاّ مطهر ، ولابدّ أن يكون كذلك ، فان المضاف إليهم هو الذي يشبههم ؛ فلا يضيفون لانفسهم إلاّ من حكم له بالطهارة والتقديس.


فهذه شهادة من النبيّ 6 لسلمان الفارسي بالطهارة ، والحفظ الالهي ، والعصمة ؛ حيث قال فيه رسول الله 6 :

سلمان منّا أهل البيت.

ذلك أن قوله 6 : سلمان منّا أهل البيت لم يجعله من أهل البيت حقيقة ونسباً ؛ فان الإتصال نسباً لا يكون إلاّ بأسبابه المقررة في محله ، واذن .. هو منهم تنزيلاً : لتشابه الصفات ، بعضها ، أو كلها ، تلك الصفات التي يمكن أن تجعله من الملهمين.

وشهد الله لهم بالتطهير ، وذهاب الرجس عنهم ؛ فهم المطهرون ، بل عين الطهارة. وهم المطهرون بالنص ؛ فسلمان منهم بلا شك .. فكان من أعلم الناس بما لله على عباده من الحقوق ، ولانفسهم ، والخلق عليهم من الحقوق ، وأقواهم على أدائها ، وفيه قال رسول الله 6 :

لو كان الايمان بالثريا لنا له رجل من فارس ، وأشار إلى سلمان .. » (١).

الوقفة الثانية : دفاع عمر عن سلمان :

هذا .. وإذا عدنا إلى الرواية الثالثة المتقدمة ، فنجدها قد ذكرت : أن عمر قد دافع عن سلمان في قبال سعد ..

وهذا أمر يثير العجب من ناحيتين :

الاولى: أن عمر قد وصف أباه الخطاب بأنه : كان أعزّهم في الجاهلية ..

مع أننا قلنا في الجزء الثاني من كتابنا : الصحيح من سيرة النبيّ الاُعظم 6 ص ٥٨ / ٥٩ و ٩٦ ـ ١٠٠ : أن هذا الكلام لا يصح ، وأنهم كانوا أقل وأذلّ بيت في قريش ..

__________________

(١) سلمان الفارسي للسبيتي ص ٤٠ ونفس الرحمان ص ٣٢ كلاهما عن : الفتوحات المكية.


بنو عدي في الجاهلية :

ويكفي أن نذكر هنا :

ألف : أنهم يقولون : إنه لم يكن في بني عدي سيد أصلاً (١).

ب : ان عمر بن الخطاب نفسه يعترف بذلك ، ويقول : « كنا أذلّ قوم ؛ فأعزنا الله بالاسلام » (٢).

ج : وفي رسالة من معاوية إلى زياد بن أبيه ، يذكر فيها أمر الخلافة ، فيقول :

« .. ولكن الله عزّوجلّ أخرجها من بني هاشم ، وصيرها إلى بني تيم بن مرة ، ثم خرجت إلى بني عدي بن كعب ، وليس في قريش حيان أذل منهما ولا أنذل إلخ » (٣).

د : وقال أبو سفيان حين فتح مكة; حين رأى عمر بن الخطاب ، وله زجل : « .. لقد أمِرَ أمرُ بني عدي ، بعد ـ والله ـ قلة ، وذلة إلخ .. » (٤).

هـ : وقال عوف بن عطية :

وأما الا لامان : بنو عدي

وتيم حين تزدحم (٥) الامور

فلا تشهد بهم فتيان حرب

ولكن أدن من حلب وعير (٦)

__________________

(١) المنمق ص ١٤٦.

(٢) مستدرك الحاكم ج ١ ص ٦١ و ٦٢ وتلخيصه للذهبي بهامشه ، وصححه على شرط الشيخين.

إلا أن يقال : إن مقصوده : هو أن العرب كانوا أذل أمه بين الامم المجاورة ، ولكنه احتمال بعيد ، فانه قد عنف أبا عبيدة ، باعتبار أن غيره لو قال هذا ـ أي طلب منه أن لا يقوم بعمل فيه مهانة ـ ، لكان له وجه .. أما أن يقوله أبو عبيدة العارف بالحال والسوابق ، فانه غير مقبول منه. راجع : نفس النص في مصدره.

(٣) كتاب سليم بن قيس ص ١٤٠.

(٤) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٨٢١ وكنز العمال ج ٥ ص ٢٩٥ عن ابن عساكر ، عن الواقدي.

(٥) لعل الصحيح : مزدحم ، بالميم ؛ ليضاف إلى ما بعده ، فيناسب البيت التالي.

(٦) طبقات الشعراء لابن سلام ص ٣٨.


الثانية : إدانة سعد غير واقعية :

وبالنسبة إلى ادانة عمر لسعد ، في محاولته تحقير سلمان ؛ فلا نراها تنسجم مع سائر مواقف عمر ، وتوجهاته ، وسياساته مع غير العرب ، وحتى مع سلمان بالذات ، الذي لم يقبل عمر : أن يزوجه حينما خطب إليه ، بسبب أنه غير عربي .. وسنذكر نبذة من سياسات عمر هذه في فصل مستقل إن شاء الله تعالى.

ومن هنا نجد أنفسنا مضطرين إلى القول : إن تقريض عمر لابيه الخطاب قد جاء على سبيل الافتخار بأمر نسبي ، فعل الخطاب أبا عمر كان أعز من سلف سعد مثلاً ، أو لعله قد استفاد من هيبة الخلافة ، وسلطان الحكم ؛ فادعى ذلك ؛ ليرضى سلمان وغيره ، ممن لا يرتاحون لمنطق سعد ، المخالف للاسلام.

مع اطمينانه بأن سلمان ، الذي لم يكن قد عاش في المنطقة العربية ، في زمن الجاهلية ، وأوائل البعثة ، كان لا يعرف حقيقة الامر في هذا المجال .. بالإضافة إلى علم الخليفة بعدم جرأة أحد على الرد عليه ، وتفنيد مزاعمه.

وقد تكون هذه العبارة قد دسٌت في الرواية ، بهدف ابعاد الشبهة عن الخليفة في سائر مواقفه من سلمان بالذات ، ومن غير العرب بصورة عامة.

والله هو العالم بحقيقة الحال ، وإليه المرجع والمآل ..

هذه الرواية وسياسات الخليفة :

ولكن المهم هو : أن هذه الرواية قد تبدوا منافية لما عرف وشاع ، وذاع من مواقف للخليفة الثاني تجاه غير العرب ، والتي كانت تقضي بحرمان غير العرب من كثير من الحقوق الانسانية والاسلامية على حد سواء.

ولكننا نقول : إن من الطبيعي : أن لا يقدم الخليفة في أوائل أمره على تطبيق سياساته تلك ، ويتحاشى الجهر في ذلك ، بانتظار استحكام أمره ، وتثبيت حكمه. بل لم يكن ثمة داعٍ لاعلان تلك المواقف ، وتطبيق هاتيك السياسات ،


ما دام أنه لا توجد ضرورة لذلك ، حيث لم يكن ثمة فتوح ، ولا احتكاك للعرب بغير العرب ، ووجود سلمان ، وبلال ، وصهيب مثلاً فيما بين ظهراني المسلمين قد بدأ في عهد رسول الله 6 ، وأصبح حقيقة واقعة ، وأمراً مقبولاً ، ومفروضاً من قبله 6 مباشرة ..

وكان على عمر أن يتجنب الجهر بآرائه تلك في هذه المرحلة ، ويقف من سعد ذلك الموقف ، ولا سيما بالنسبة إلى سلمان « المحمّدي » الذي كان يحظى باحترام وتقدير كبير لدى الناس عامة ، ولدى الصحابة بصورة خاصة بالاضافة إلى مكانته المتميزة لدى أهل البيت ، وأمير المؤمنين علي 7 على وجه التحديد.

وكفى للتدليل على هذه المكانة لسلمان ، بسبب سلوكه المتميز ، وبسبب ما صدر عن رسول الله 6 في حقه : أن نذكر : أنه لما زار سلمان دمشق.

« .. 6 الامام الظهر ، ثم خرج ، وخرج الناس يتلقونه ، كما يتلقى الخليفة ، فلقيناه قد 6 بأصحابه العصر ، وهو يمشي ، فوقفنا نسلم عليه ، ولم يبق فيها شريف إلاّ عرض عليه بيته » (١).

كما أنه لما قدم سلمان إلى المدينة ، قال عمر للناس : « اخرجوا بنا نتلق سلمان » فخرجوا معه إلى مشارف المدينة ، ولم نعرف عمر صنع مثل هذا مع عامل من عماله ، أو مع أحد من أصحاب رسول الله 6 ، رغم أن سلمان قد اعترض على ما جرى في السقيفة ، وقوله : « كرديد ونكرديد » معروف ومشهور عنه (٢).

__________________

(١) تهذيب تاريخ دمشق ج ١ ص ١٩٠ ، وأنساب الاشراف ج ١ ( قسم حياة النبيّ 6 ) ص ٤٨٧/٤٨٨.

(٢) راجع كتاب : سلمان الفارسي ص ٣٩ تأليف العلامة الشيخ عبدالله السبيتي ; ، ونفس الرحمان ص ١٤٨ و ١٤٩ ، والبحار ج ٢٢ وأشار إلى تلقّيه في : ذكر أخبار اصبهان ج ١ ص ٥٦ وتهذيب


أي انكم فعلتم أمراً وهو البيعة لابي بكر ، ولكن كانكم ما فعلتم شيئاً ، حيث لم يكن فعلكم في موضعه ، كقولك لم يصدر منه أمر لا يؤثر شيئاً ما صنعت شيئاً (١).

وسيأتي ان ابن عمر قال لعمرو بن العاس ، حين كانا يدبران الحيلة لصرف سلمان عن خطبته بنت عمر بن الخطاب : « .. هو سلمان! وحاله في الاسلام حاله!! ».

وعدا عن ذلك كله .. فلعل الخليفة الثاني في قوله هذا المناقض لمواقفه تلك يرى: أنه لابد من التفريق بين السياسة والموقف ، وبين الاعلام له ..

فحين يكون الاعلام مضراً بالموقف؛ فلا بد من تسجيل الموقف على الارض ، ثم تجاهله ، أو انكاره ، وحتى تهجينه اعلامياً إن اقتضى الامر ، كما هو منطق سياسة أهل الدنيا ، التي تستفيد من الحكم كوسيلة لنيل ما تصبوا إليه من مكاسب وامتيازات ، على المستوى الشخصي ، أو القبلي ، أو الفئوي.

وأخيراً ..

فان هناك رواية تقول : إن عمر بن الخطاب نفسه قد سأل سلمان عن نفسه ، وذلك في حياة رسول الله 6 ؛ فقال : أن سلمان بن عبدالله ، كنت ضالاً فهداني الله بمحمّد 6 وكنت عائلاً فاغناني الله بمحمّد 6 وكنت مملوكاً فاعتقني الله بمحمّد 6 هذا حسبي ونسبي ، ثم شكا سلمان ذلك إلى النبيّ 6 ؛ فقال 6 :

« يا معشر قريش ، إن حسب الرجل دينه ومروته ، وأصله عقله ، قال الله تعالى :

__________________

تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٠٥.

(١) في بعض المصادر أنه قال : كرواذ وناكرواذ ، أي عملتم ، وما عملتم ، لو بايعوا علياً لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم ، راجع انساب الاشراف ج ١ ص ٥٩١.


« إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم » (١).

يا سلمان ، ليس لاحدٍ من هؤلاء عليك فضل إلاّ بتقوى الله ، وإن كان التقوى لك عليهم ؛ فانت أفضل » (٢). أو نحو هذا ..

وقد تقدم أن لعمر مواقف اخرى مع سلمان في حياة النبيّ 6س ، لها هذا الطابع أيضاً.

فلعل القضية قد حرفت لصالح الخليفة ، وخدمة له ، ولعل الخليفة نفسه قد وقف هذين الموقفين المختلفين سياسةً منه وحنكة ، وكانت سياسة بارعة وذكية ، وما ذلك في الحياة السياسية للخليفة بعزيز ، ولا نادر.

الوقفة الثالث : أنا سلمان ابن الاسلام :

كثير من الحيوان يولد مستكملاً لخصائصه ، التي تحقق هويته وحقيقته وذاته ؛ فيمارس دوره في حدود ما اهآل له بمجرد خروجه إلى عامل الدنيا.

أما الانسان ، فيولد فاقداً لكل مقومات شخصيته كانسان يمتلك فعلاً خصائصه الانسانية ، وملكاته ، وقواه ، وغرائزه .. سوى هذا الاستعداد الفطري ، الموجود فيه ، الذي قد يُلَبّىُ نداءُ حاجته ، كاملاً أو منقوصاً ، وقد لا يلبّىُ ذلك النداءُ أصلاً ، فيبقى فاقداً وفقيراً ، ولا يصل إلى شيء ، ومن ثم فهو لا يرتقي الى درجة الانسانية أصلاً ..

فهو يولد فاقد القوة ؛ والعقل ، والارادة ، كما أنه لا يملك التمييز بين الاشياء ، حتى المحسوسة منها ، ويفقد العلم ، والمعرفة ، ويفقد خصال الخير وسواها ،

__________________

(١) الحجرات : ١٣.

(٢) قاموس الرجال ج ٤ ص ٤١٦ واختيار معرفة الرجال ص ١٤ والكافي ج ٨ ص ١٨١ وروضة الواعظين ص ٢٨٣ والبحار ج ٢٢ ص ٣٨٢/٣٨١ عنه وامالي الشيخ ج ١ ص ١٤٦ وعن الكشي والدرجات الرفيعة ص ٢٠٦/٢٠٥ ونفس الرحمان ص ١٣٢.


كالشجاعة ، والكرم ، والحبّ ، والبغض ، والحسد والرياء ، والطموح و .. إلخ .. ويفقد غريزة الجنس ، وغيرها ، وهو عاجز حتى عن الكلام بل هو في عجز شامل ، عن أي شيء وفي حاجة حقيقية لكلّ شيء ، لا يستطيع دفع أي مكروه عن نفسه ، ولا جلب أي منفعة لها على الاطلاق.

ثم هو يبدأ بالحصول على كل ذلك وسواه تدريجاً ، وبمساعدةٍ خارجة عن ذاته وحقيقته ، وقد يتعرض في فترات نموّه وتكامله لعوامل ، أو لنكسات تعيق حصوله على هذا الاُمر أو ذاك. أو يكون ذلك الحصول تاماً ، أو ناقصاً ، أو زائداً على قدر الحاجة فيتسبب في حدوث خلل أساسي في تكوين شخصيته كانسان ، صالحٍ لاستخلاف الله سبحانه وتعالى له على الارض بكل ما لهذه الكلمة من معنى ..

ثم .. وبعد أن يصل إلى مرحلةٍ معينة ، فإنه يتولى هو أمر السيطرة على ما حصل عليه من قوى ، وملكات ، وغرائز وقدرات ، وتسييرها ، وتقوية الضعيف وتعويض النقص ، أو كبح جماح القوي منها ، واستثمارها في مجال الحصول على درجات الكمال ، في التخلق بأخلاق الله سبحانه ، ثم في تأكيد انسانية ، وسموها ورقيها في سبل الهدى ، والخير ، والرشاد.

ولكن من الواضح : أن هذا الانسان الذي يراد له أن يتعامل مع كل ما ومن يحيط به ، وما سخره الله لخدمته ، أو أخضعه لارادته ، وخوّله صلاحية الاستفادة منه ـ إنه ـ بسبب جهله بكثير من اسرار الكون والحياة ودقائقهما ، لا يستطيع أن ينجز مهمته تلك ، بصورة صحيحة وسليمه ؛ فيقع مع الخطأ ، ويبتلى بالانحراف ، الامر الذي قد يترك سلبيات كبيرة وخطيرة على حياته ، وعلى مستقبله ومصيره ، بصورة عامة.

وإذن .. فلا بدّ له من يتجه نحو صانع الوجود ومبدعه ، ومسيّره ومدبّره ، والعارف بكل الاسرار والدقائق ، والاثار والحقائق؛ لانه وحده العالم بكل النظم والضوابط ، التي تهيمن على مخلوقاته ، وتحكمها ، ويعرف حقيقة تأثير


وتأثر كل شيء في أي شيء ، وكيفية ذلك ومداه ، ونوعه ، ومستواه ـ نعم لابدّ وأن يتجه إليه ؛ فيمتثل أوامره ، وينتهي بنواهيه ، التي ابلغه اياها الانبياء والرسل ، الذين اقيمت حجتهم ، وظهرت معجزتهم.

وهذا فقط ، هو السبيل الوحيد ، والطريق الاسلم ، الذي يمكّن الانسان من أن يكمل مهمته ، في الحصول باختياره وارادته ، على خصائصه الانسانية الإلهية ، ويجعله يهيمن عليها ، ويوازن بينها ، ويحفظ لها تعادلها ، وخطها الصحيح ، بعيداً عن كل السلبيات ، والاخطار ، بلا زيف ، ولا حيف ، ولا تضليل ، ولا خداع.

ولقد ادرك سلمان هذه الحقيقة ، ووجد أن الاسلام هو الذي وهبه انسانيته ، وخصائصها الملكوتية ؛ فهو الاب الحقيقي له ـ أما الاب النسبي؛ فلربما يكون قد ساهم ـ عن عمد ، أو عن غير عمد في تشويه ذاته ، وفي ابقائه في مستوى الحيوان الاعجم ، وابعاده عن الكمال ، الذي أهله الله لاُن يصل إليه ، ويحصل عليه .. وهذا هو السر في أنه كان إذا قيل له : من أنت؟ قال : أنا سلمان ابن الاسلام (١) وتقدم قوله لسعد : ما أعرف لي أبا إلاّ الاسلام ، ولكن سلمان ابن الاسلام.

الزواج .. والسياسة العنصرية :

هذا .. ولم يقف الامر عند ذلك الحد من التحدي ، بل استمر سلمان يواجه المصاعب والمتاعب ، نتيجة لسياسات التمييز العنصري ، التي كانوا يواجهونه بها ، ونذكر هنا ما يلي :

١ ـ خطب سلمان الفارسي إلى عمر بن الخطاب (رض) ابنته ؛ فلم

__________________

(١) الاستيعاب بهامش الاصابة ج ٢ ص ٥٧ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٨ ص ٣٤ وانساب الاشراف ج ١ ص ٤٨٧.


يستجز ردّه ؛ فانعم له ، وشق ذلك عليه ، وعلى ابنه عبدالله بن عمر؛ فشكا ذلك عبدا‏لله الى عمر بن العاص ، فقال :

افتحب أن اصرف سلمان عنكم؟.

فقال : هو سلمان ، وحاله في الاسلام حاله!!

قال : أحتال له ، حتى يكون هو التارك لهذا الامر ، والكاره له.

قال : وددنا أنك فعلك ذلك.

فمر عمر بن العاص بسلمان في طريق ؛ فضرب بيده على منكبه ، وقال : هنيئاً لك يا أبا عبدالله!!.

قال له : وما ذاك؟.

قال : هذا عمر يريد أن يتواضع بك ؛ فيزوجك!.

قال : وإنما يريد أن يزوجني ، ليتواضع بي؟!. قال : نعم. قال : لاجرم والله ، لا أخطب إليه أبداً (١).

والظاهر هو أن سلمان إنما خطب إليه ، ليجرّبه بذلك ، فردّه. ثم لما أخبره بأنه إنما أراد تجربته ، عاد ، فأنعم له ، ليتلافى الآثار السيئة لذلك ؛ فقد :

٢ ـ روي في نص آخر : ان سلمان اختبر عمر بخطبته إليه ابنته ، في زمن النبيّ 6 ؛ فرفض عمر ، ثم شكا عمر إلى النبيّ 6 جرأة سلمان على ذلك ؛ فانكر النبيّ 6 على عمر ذلك ؛ فسكت .. وبعد ذلك قام عمر حزيناً (٢).

__________________

(١) لطف التدبير ص ١٩٩ وراجع : عيون الاُخبار لابن قتيبة ج ٣ ص ٢٦٩/٢٦٨ والعقد الفريد ج ٦ ص ٩٠ وقاموس الرجال ج؛ص ٤٢٧ ونفس الرحمان ص ١٤١ عن التذكرة للعلامة.

(٢) نفس الرحمان ص ٤٧ عن الحسين بن حمدان.


٣ ـ وفي نص آخر عن خزيمة بن ربيعة ، قال : خطب سلمان إلى عمر؛ فردّه ، ثم ندم ، فعاد إليه ، فقال : انما أردت أن أعلم : ذهبت حمية الجاهلية من قلبك ، أم أهي كما هي؟ (١)

٤ ـ وفي نص آخر ، عن ابن عباس ، قال : قدم سلمان من غيبةٍ له ، فتلقاه عمر ، فقال : أرضاك ‏لله عبداً.

قال : فزوجني.

فسكت عنه.

فقال : أترضاني ‏لله عبداً ، ولا ترضاني لنفسك؟

فلما أصبح أتاه قوم ؛

فقال : حاجة؟.

قالوا : نعم.

قال : وما هي؟.

قالوا : تضرب عن هذا الامر ، يعنون خطبته إلى عمر.

قال : أما والله ، ما حملني على هذا إمرته ولا سلطانه ، ولكن قلت : رجل صالح ، عسى الله أن يخرج منه ومني نسمة صالحة (٢).

٥ ـ وفي مناسبة اخرى نجد : أن أن أبا الدرداء قد « ذهب مع سلمان ، يخطب عليه امرأة من بني ليث ، فدخل فذكر فضل سلمان ، وسابقته ، واسلامه ، وذّكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة ؛ فقالوا : أما سلمان فلا نزوجه ، ولكنا نزوجك.

__________________

(١) راجع : اختيار معرفة الرجال ص ١٥ ونفس الرحمان ص ١٤١ عنه والدرجات الرفيعة ص ٢١٥ والبحار ج ٢٢ ص ٣٥٠ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤١٧.

(٢) صفة الصفوة ج ١ ص ٥٤٥ و ٥٤٦ ، وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٠٦ وحلية الاولياء ج ١ ص ١٨٦ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤٢٧ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٧٥٣ عن مجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٩١ عن أبي نعيم والطبراني.


فتزوجها ، ثم خرج ، فقال له : إنّه قد كان شي ء ، وانا استحيي أن أذكره لك.

قال : وما ذاك؟

فأخبره الخبر ..

فقال سلمان : أنا أحقّ أن استحيي منك ، أن أخطبها ، وقد قضاها الله لك (١).

فبنو ليث إذن .. يرفضون تزويج سلمان ، ويفضلون أبا الدرداء عليه. ويبد أن منشأ رفضهم ، هو نفس المنشأ الذي تسبب بالمشقة والهمّ لعمر ، حينما خطب إليه سلمان ابنته ، وهو نفس الذي حمل عمرو بن العاص ، وجماعة ، على التدخل لاقناع سلمان بالعدول عن خطبتها ، حسبما تقدم ..

وفِعل سلمان هذا ، لا يدع مجالاً للشك في أنه ، كان يرى : أن من حقه ، ومن حق غيره : أن يتزوج بغير العربية ، وبالعربية ، وحتى بالقرشية ، بل وحتى بانبة خليفة المسلمين بالذات ، ثم هو يعتبر : أن رفض الخليفة لهذا الاُمر ناشيء عن حمية الجاهلية ، التي رفضها القرآن ، وأدانها ، وانّب عليها ..

لا نؤمكم .. ولا ننكح نساءكم :

وعليه .. فما ينسب إلى سلمان ، من أنه طلب إليه : أن يصلي اماماً بجماعة من الصحابة ، كانوا وايّاه في سفر ، فقال :

« لا نؤمكم ، ولا ننكح نساءكم ، إن الله هدانا بكم ».

ثم تذكر الرواية : كيف أن الذي صلى بهم ، قد أتمّ الصلاة ، مع أن

__________________

(١) صفة الصفوة ج ١ ص ٥٣٧ وحلية الاولياء ج ١ ص ٢٠٠ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٧٥ عن الطبراني ، ورجاله ثقات. وحياة الصحابة ج ٢ ص ٧٥٤ ، ونفس الرحمان ص ١٤١ عن ربيع الاُبرار.


اللازم هو القصر ، لاُنهم مسافرون ، فاعترض سلمان عليه لذلك (١).

وكذا ما ينسب إليه من أنه قال لاهل المدائن : إنا امرنا أن لا نؤمكم ، تقدم يازيد (أي ابن صوحان) فكان هو يؤمنا ، ويخطبنا (٢).

وكذا ما رووه عنه ، من أنه قال : « نفضلكم بفضل رسول الله 6 ، يعني : العرب ، لا ننكح نساءكم (٣) ».

وكذا ما ينسب إليه ، من أنه قال : « نهانا رسول الله 6 ؛ أن ننكح نساء العرب .. (٤) ».

وعنه : « فضلتمونا يا معاشر العرب باثنتين : لا نؤمكم في الصلاة ، ولا ننكح نساءكم (٥) ».

نعم .. إن كل هذا الذي ينسب إلى سلمان أنه قاله ، لا يصلح قطعاً ـ إذا كان بهذه الصورة ـ ؛ إذ أنه هو نفسه قد خطب إلى العرب أكثر من مرة ، حتى لقد خطب إلى خليفتهم بالذات ، وقد ردّوه ، ورفضوا تزويجه ، واعتبر هو ردّهم له من حمية الجاهلية ، حسبما اسلفنا.

وهو بذلك يكون قد ساهم في فضح ، وادانة سياسات التمييز العنصري ، التي كان الحكام ، ومن يدور في فلكهم يمارسونها ، سراً ، وعلناً ، حسبما تقتضيه ظروفهم.

وإذا كان لهذا الاُمر الذي اشير إليه بقوله : « اُمِرنا » .. الخ .. أساس من

__________________

(١) المصنف للصنعاني ج ٦ ص ١٥٤ وج ٢ ص ٥٢٠ والسنن الكبرى ج ٧ ص ١٣٤ وج ٢ ص ١٤٤ وحلية الاُولياء ج ١ ص ١٨٩ وطبقات ابن سعد ط صادر ج ٤ ص ٩٠ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٠٨ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٧٥ وحياة الصحابة ج ٣ ص ١٤٨.

(٢) تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ١٥.

(٣) مجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٧٥ عن الطبراني في الكبير ، ورجاله ثقات.

(٤) مجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٧٥ عن الطبراني في الاوسط.

(٥) اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٥٩ عن العدني وعن سعيد بن منصور في سننه وغيرهما وبمعناه في ص ١٥٨ عن البزار.


الصحة ؛ فلابد وأن لا يكون من الاوامر الإلهية ، ولا النبوية ، وإلا لكان سلمان قد أذعن له ، والتزم به ..

فلعله أمر قد صدر فعلاً ، ولكن ليس عن النبيّ ، وانما عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ..

ولعل الاصرار عن أن يكون هذا الحكم الظالم ، جارياً على لسان خصوص سلمان ، ثم يصوّره الراوي على أنه صادر من غير قائله الحقيقي ، وبالذات من شخص رسول الله 6 .. لعل ذلك ـ للتغطية على هذه المخالفة التي صدرت من الخليفة في حق سلمان ، وجعلها في معرض الشك والترديد ، شرط أن يساهم ذلك في تقوية ركائز هذه السياسة الظالمة ، ويعطيها شرعية قائمة على أساس التعبد والدين ..

ومما يؤيّد أن تكون هذه الكلمة ، التي تُقَرر عدم التزويج بين العرب وغيرهم ، قد صدرت من نفس الخليفة ، عمر بن الخطاب :

ما روي عن يزيد بن حبيب ، قال : قال عمر بن الخطاب لسلمان :

يا سلمان ، ما أعلم من أمر الجاهلية بشيء ، إلا وضعه الله عنا بالاسلام ، إلا أنّا لا ننكح إليكم ، ولا ننكحكم ؛ فهلمّ ، فلنزوجك ابنة الخطاب. قال : أفرّ ـ والله ـ من الكبر.

قال : فتفرّ منه ، وتحمله علي؟! ، لا حاجة لي به (١).

فاذا كان عمر هو الذي قال عبارة : « أفرّ ـ والله ـ من الكبر » ، كما هو ظاهر؛ فمعنى ذلك : أنه يريد أن يتواضع بتزويج سلمان ابنته ، على حد ما تقدم عن عمرو بن العاص حينما تدخل لصرف سلمان عن الخطبة.

وجواب سلمان له ـ والحالة هذه ـ يتناسب مع جوابه لعمرو بن العاص ، الذي تقدم ..

__________________

(١) الزهد ، والرقائق ، قسم ما رواه بن حماد ص ٥٢.


وإذا كانت عبارة : « أفرّ ـ والله ـ من الكبر » من كلام سلمان .. وتكون العبارة التي بعدها ، وهي قوله : « فتفر منه ، وتحمله علي .. الخ ». هي جواب عمر له ـ إذا كان كذلك ـ فانها أيضاً صريحة في أن الخليفة يريد أن يفر من الكبر ، بواسطة تزويجه ابنته لسلمان .. فمعنى ذلك هو أن ما قاله عمرو بن العاص لسلمان : من أن الخليفة يريد أن يتواضع بتزويجه ابنته ، يكون صحيحاً ..

فالنتيجة تكون واحدة على كلا الحالتين ، وهي أنه يعتبر تزويج غير العربي تواضعاً ، وتنزلاً في مقام الشرف والكرامة ..

نعم .. وهذا ما يتناسب مع أفكار وسياسات الخليفة ، بالنسبة للعرب ، وللموالي ..

تماماً على عكس سياسات علي أمير المؤمنين ، والاُئمة من ولده ، عليهم الصلاة والسلام ، ثم شيعتهم الاخيار؛ فانهم كانوا لا يرون لبني إسماعيل فضلا على بني اسحاق ..

وقد كان لكل من السياستين آثارهما ، الايجابية والسلبية ، ولسوف نوضح ذلك فيما يأتي من مطالب إن شاء الله تعالى ..

ولسوف نجد : أن نهج الخليفة الثاني ، هو الذي استأثر بالعناية والرعاية ، سواء في عهد الدولة الاموية ، أو بعدها .. ثم لم نزل نجد ملامحه وآثاره تختفي تارة ، وتظهر اُخرى ، عبر العصور وحتى يومنا هذا ..

عجمة سلمان اسطورة :

عن أبي عثمان ، قال : كان سلمان لا يفقه كلامه ، من شدة عجمته. وكان يسمي الخشب : خشبان (١).

__________________

(١) راجع : ذكر أخبار اصبهان ج ١ ص ٥٥ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢١١ والفائق ج ١ ص ٣٧٢


ونقول : إن ذلك لا يصح ، ولعله وضع بدوافع عنصرية ، للحط من شأن سلمان ;. وذلك لما يلي :

١ ـ ان ابن قتيبة قال : أنا أنكر هذا الحديث. ثم استدل على ذلك بقوله : « وقد قدمنا من كلامه مايضارع فصحاء العرب » (١). ثم ذكر : أن « خشبان » في اللغة صحيح جيد ، وأنه جمع لجمع خشب ، كجمل ، وجملان وسلق وسلقان (٢).

وقال الزمخشري ، وابن الاثير : « قد أنكر هذا الحديث ، لاُن كلامه يضارع كلام الفصحاء والخشبان في جمع الخشب صحيح ، ومروي. ونظيره : سلق ، وسلقان ، وحمل وحملان ، وقال :

كأنهم بجنوب القاع خشبان

ولا مزيد على ما يتعاون على ثبوته القياس ، والرواية .. » (٣).

٢ ـ قد تقدم في رواية الامام مالك ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبدالرحمان : أن النبي الاعظم 6 ، قد انتصر لسلمان ، وبلال ، وصهيب ، ورد على قيس بن مطاطية ؛ فكان مما قاله 6 :

« .. إن الرب واحد ، والاب واحد ، وليست العربية بأحدكم ، من أب ، ولا اُم. وإنما هي اللسان ؛ فمن تكلم بالعربية ؛ فهو عربي » (٤).

____________

والنهاية في اللغة ج ٢ ص ٣٢ وطبقات المحدثين بأصبهان ج ١ ص ٢٢٤ وفي هامشه عن : غريب الحديث لابن قتيبة ج ٢ ص ٢٦٨.

(١) راجع غريب الحديث ج ٢ ص ٢٦٢ ، على ما ورد في هامش طبقات المحدثين بأصبهان ج ١ ص ٢٢٤.

(٢) راجع هامش طبقات المحدثين ج ١ ص ٢٢٤ عن غريب الحديث لابن قتيبة ج ٢ ص ٢٦٨ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢١١.

(٣) الفائق ج ١ ص ٣٧٢ وراجع : النهاية لابن الاثير ج ٢ ص ٣٢.

(٤) تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٠٠ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٢٥٣ ، عن كنز العمال ج ٧ ص ٤٦ ، المنار ج ١١ ص ٢٥٨ ـ ٢٥٩ واقتضاء الصراط المستقيم ص ١٦٩ عن السلفي.


فلعله يمكن أن يستفاد من جواب النبيّ 6 هذا : أن هؤلاء لأنهم كانوا يتكلمون بالعربية ، فهم عرب إذن ، فلا يصح لقيس بن مطاطية أن يفتخر عليهم بعروبته ، فالنبيّ 6 يريد أن يفند دعوى افضلية العرب عليهم ، عن طريق ادخالهم في جملة العرب ، لانهم يحسنون التكلم بلغتهم.

وهذا .. ما لعله قد اشير إليه بقوله 6 : فمن تكلم بالعربية فهو عربي. مستفيداً من فاء التفريع ، التي يمكن دعوى ظهورها في ذلك.

٣ ـ وكيف يمكن أن نتصور إنساناً ـ كسلمان ـ في فهمه وعلمه ، ودقة ملاحظته ، يعيش في المجتمع العربي عشرات السنين ، فلا يتعلم لغته ، حتى كان لا يفهم كلامه من شدة البلادة؟!!

٤ ـ وتقدم : أيضاً : أن النبيّ 6 حين حفر الخندق قد دعا الله سبحانه : أن يطلق لسان سلمان ، ولو ببيت من الشعر ، فأطلق الله لسانه بثلاثة أبيات.

٥ ـ وفي حديث اسلامه رضوان الله عليه ، نجد نصاً يقول في ضمن حديث : إن جبرئيل تفل في فيه ، فجعل سلمان يتكلم بالعربية الفصيح (١).

٦ ـ وبعد .. فان لسلمان ـ كما قال ابن قتيبة ـ رسائل ، وخطباً ، وكلمات نقلها المؤرخون ، والمحدثون عنه تعتبر في غاية الفصاحة والبلاغة (٢). وهي وحدها كافية في ردّ مدعى أبي عثمان وغيره.

هذا .. وأما ما نجده في رواية اخرى ، رواها المحاملي ، عن أبي سليمان ، قال : لما ورد علينا سلمان الفارسي المدائن ، أتيناه نستقريه ،

__________________

(١) الدرجات الرفيعة ص ٢٠٥ عن شواهد النبوة ، ونفس الرحمان ص ١٥.

(٢) راجع : نفس الرحمان ، والاحتجاج ج ١ والبحار ، وتهذيب تاريخ دمشق ، وقاموس الرجال وغير ذلك من المصادر.


يعني : نقرأ عليه. فقال : إن القرآن عربي ؛ فاستقروه رجلاً عربياً.

فكان يقرينا زيد ، ويأخذ عليه سلمان ، فاذا أخطأ ردّ عليه (١).

إن هذه الرواية ، لا تضر ، فان فصاحة سلمان ، لا يلزم منها أن تكون لهجته سليمة في الغاية ، فلعل شيئاً من اللهجة الفارسية ، كان لا يزال فيها. ولم يكن يحب أن يتأثروا حتى ولو بهذا المقدار ، كما أن استقراءهم إياه يدل دلالة واضحة ، على أنّهم يرونه أهلاً لذلك ، ولا يرون فيه عجمة الى حد تمنع من ذلك. ونعتقد : أن السبب في هذه التهمة هو عمر بن الخطاب ، فانه هو الذي قال عن سلمان « الطمطماني » (٢) وذلك في محاولة لانتقاص شخصية سلمان ، واستجابة لرغبة أكيدة في الحطّ من قدره ;.

ولعله قد كان ثمة لكنة لدى سلمان ، ولكنّها لا تصل الى حد الطمطمأنية والعجمة ، لما ذكرناه آنفاً.

الحقد الاعمى :

وأخيراً .. فإننا لا نستغرب كثيراً حين نجد المستشرقين ، يطعنون في ديننا ، ويهاجمون مقدساتنا ، ويشككون في أبده بديهيات الاسلام والقرآن وأجلاها ، وأشدها وضوحاً لدى العقل ، وأقواها رسوخاً في الفطرة.

فقد عرفنا : أنهم العدو الحاقد والطامع ، والمستعمر الذي يعمل بكل ما اوتي من قوة وحول من أجل تدميرنا ، والاستئثار بمقدراتنا ، والعبث بمقدساتنا ، والسخرية بمثلنا وقيمنا.

وقد يستخدم ـ هذا العدو المستعمر ـ من أجل تحقيق اهدافه الشريرة : الحديد ، والنار تارة .. وقد يلجأ إلى اسلوب التضليل ، والتشكيك ، والمكر والحيلة ، تارة اخرى ..

فلا عجب إذن .. رأيناهم يعتبرون سلمان الفارسي شخصية قلقة ، أو

__________________

(١) تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ١٥ وعن المصنف لابن أبي شيبة ج ١٠ ص ٤٦٠ وج ١٢ ص ١٩٢.

(٢) ستأتي المصادر لذلك إن شاء الله.


اسطورة تاريخية ، أو أنه من الموالي لا يحق له التصدي لبعض الامور ، أو ما إلى ذلك (١) .. فانهم يحاولون ما هو أعظم من ذلك وأخطر ، وهو النيل من رسول الاسلام الاعظم 6 ، والعبث بالقرآن ومفاهيمه ، وتشويه حقائقه ، ومسخ تشريعاته وتهجينها.

نعم .. لا عجب من ذلك كله .. وانما العجب كل العجب : من اولئك الذين يعتبرون أنفسهم ، ويعتبرهم الناس مسلمين ، ويحملون هوية الاسلام ، ويرفعون شعاراته ، حيث نجدهم : أشد كيداً للاسلام ، وأكثر اصراراً على تشويه معالمه ، وأعظم أثراً في تقويض دعائمه.

ولا نريد حشد الشواهد والادلة الكثيرة ، على ان هؤلاء قد تربوا على أيدي اولئك ، وتخرجوا من مدرستهم ، وتأثروا بأفكارهم ومفاهيمهم ، ونفثوا فيهم سمومهم المهلكة ؛ فان ذلك كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار.

ولعل ذلك كان أمراً طبيعياً ما دام أن هؤلاء حين اتصلوا باولئك الشياطين المهرة ، لم يكونوا قد استضاءوا بنور العلم ، ولا كانت لديهم حصانة كافية ، ولا وعي للاسلام ومفاهيمه يمكّنهم من الصمود في وجه الهجمة الشرسة ، التي تستهدف تشويه شخصيتهم ، ومسخ كل وجودهم ، وتدمير كل طاقاتهم ، من قبل تلك الوحوش الكاسرة .. هذا إلى جانب شعور بالحقارة ، واحساس بالضعف ، وانبهار تام بمظاهر الحضارة الخادعة ، التي وجدوها عندهم .. فضاعوا ، وأضاعوا وضلوا الطريق وأضلوا ، وعجزوا عن فهم الاُمور ، وعن تقييمها ، ولم يمكنهم وضع الاُمور في نصابها ، بوعي ، وبمسؤولية ، وتعقل ..

فكان أن وجد فيهم اولئك الاعداء الحاقدون ، غاية أمانيهم ، ومنتهى مقاصدهم ؛ وأصبحوا دمية طيعة في أيديهم ، يوجون إليهم زخرف القول غروراً ..

وكان أن سمعنا ورأينا من هؤلاء ، الذين ينسبون أنفسهم إلى الاسلام ،

__________________

(١) راجع : سلمان الفارسي ، للعلامة السبيتي ، ابتداءً من ٤٩.


كل عظيمة ، وارتكبوا في حق دينهم وامتهم ، أبشع الجرائم ، وافظعها ، ولا نريد أن نفيض في ذكر نماذج من جرائمهم تلك ، فان ذلك يفوق حد الاحصاء .. ولكننا نقول ـ على سبيل الإجمال ـ :

إنه لم يَسلَم منهم شيء على الاطلاق .. فهم قد شككوا في العقائد ، وأثاروا الشبهات حول كثير منها في أذهان الكثيرين من البسطاء والسذج وشوهوا الكثير من التعاليم والمفاهيم الاسلامية ، أو كذبوا بها ، ومسخوا المعاني القرآنية ، وعبثوا بتعاليمه وأحكامه ..

وفيما يرتبط بالشخصيات الاسلامية فقد حاولوا تصغير شأنها ، والمس بكراماتها ، والنيل منها ، وبصورة ، أو باخرى .. وكان لسمان ـ موضوع بحثنا ـ نصيب دَسِم في هذا المجال ، حتى لقد قالوا عنه : إنه يظهر أنه من خصوم الاسلام الباطنيين (١).

ولا ندري كيف اكتشفوا هذا السر المكنون ، الذي لم يكتشفه أحد سواهم ، وأين وما هي تلك النشاطات الهدامة ، التي كان يمارسها سلمان ، والتي استحق لاجلها هذا الوسام الخطير .. وتلك هي حياته ، وتلك هي مواقفه ، وممارساته ، فليراجعها الباحثون ، وليعكف عليها الدارسون ، فهل يمكن أن يكتشفوا من خلالها إلا كل خير وصلاح ، واستقامة وفلاح ، وغيرةٍ على الاسلام ، وتفانٍ في سبيله؟!

وبعد .. فانهم قد وصفوا الاشتر بـ « المارق » (٢).

أما أبو ذر ، فقد اعتبروه جلفاً ، جافاً ، قاسياً ، واعرابياً (٣).

بل لم يسلم منهم الحسنان 8 (٤) ولا امهما فاطمة صلوات الله

__________________

(١) وصفه بذلك محمد عبدالله عنان. راجع : دراسات وبحوث في التاريخ والاسلام ج ٢ ص ٢٣٨.

(٢) الصواعق المحرقة ص ٣٨.

(٣) أبو ذر .. والحق المر ص ٢٠.

(٤) راجع : التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية ج ٢ ص ٤٩ و ٢٠١ و ٢٠٢ و ٣٥ و ٣٦.


وسلامه عليها .. (١).

كل ذلك بغضاً بعلي 7 ، وبكل من يتعاطف معه ، وينسج على منواله ، وانتصاراً للخليفة الثالث عثمان الذي كان لابي ذر ، والاشتر موقف منه معروف.

ولسمان ذنب آخر .. وهو أنه لم يكن عربياً ، فلابد وأن يتعرض أيضاً لرياح الحقد العنصري البغيض لاُن أسيادهم المستشرقين هكذا يريدون (٢) ، فان ذلك محقق لرغبتهم ، ويصب في مصلحتهم.


الفصل الثاني :

التمييز العنصري

أحداث .. ومواقف



توطئة لابدّ منها :

إننا لانريد هنا : أن نؤرخ لقضية التمييز العنصري ، لدى الشعوب المختلفة ، ولا استكشاف جذوره وآثاره قبل الاسلام وبعده ، ولا دراسة دوافعه النفسية ، ومناشئه ، ولا معالجة النظريات التي جاءت لتقرر ، وتبرر ، لا لتبني وتحرّر ..

وإنما نريد أن نلمح إلى بعض ما يرتبط بهذه القضية ـ على سبيل الايجاز والاشارة ـ وفي حدود ما يمس الواقع الذي عاشه المسلمون ، بعد وفاة الرسول الاُعظم 6 ، وما عانوه من آثار وسلبيات ، انتجتها ، وخلفتها سياسات لها هذا الطابع ، وتصب في هذا الاتجاه ..

فنقول :

إن تاريخ هذه السياسة بعد ظهور الاسلام ، يرجع إلى عهد الخليفة الثاني عمعر بن الخطاب ، وهو المخطط والمؤسس لها ، والمصرّ على تنفيذها ، ثم سار الامويون على نهجه ، ونسجوا على منواله ، ونفذوا ما رسمه لهم بكل دقة وامانة ، وحزم ..

وقبل أن نلم ببعض ما حفظه لنا التاريخ من مواقف ، وتشريعات ، وقرارات ، من قبل ذلك المؤسس القوي والعتيد ، نلمح إلى بعض ما تمس الحاجة إلى الالماح إليه ، من ملاحظات ، وافكار ، ترتبط بهذه السياسة ، في الفترة التي تلت عهد مؤسسها ، ورائدها الاول .. وبالتحديد .. في عهد


الامويين ، على أساس أن نعتبر هذا فصلاً تمهيدياً ، لذلك الفصل الذي نتحدث فيه عن سياسات الخليفة الثاني في هذا المجال.

وبما أن سياسة التمييز هذه ، لم تلق معارضة جديدة وحقيقة إلا من قبل أهل البيت : ، وعلى رأسهم سيدهم علي أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه .. فاننا سوف نذكر نبذة عن هذا الامر أيضاً ونتلمس بعض آثارها .. كل ذلك على سبيل الايجاز والاشارة بحول ا‏ وقوته ، ومنّه وكرمه ..

فلنبدأ هنا ببعض ما يرتبط بالسياسة الاموية وما تلاها ، وما يرتبط بها ، فنقول :

الاُمويون وسياسة التمييز العنصري :

لقد كانت السياسة الاموية تقوم على أساس التمييز بين العرب وغيرهم ، ممن يعبرون عنهم بـ « الحمراء » تارة ، بملاحظة اختلاف لون بشرتهم ، وبـ « الموالي » اخرى (١).

بل لقد تعدت السياسة الاموية ذلك إلى إثارة النعرات القبلية بين العرب أنفسهم ، كالقيسية المضرية ، واليمانية ؛ فتارة يؤيدون هؤلاء ، واخرى يؤيدون اولئك ، حسبما تقتضيه مصالحهم الخاصة ، وطموحاتهم في التسلط ، وبسط نفوذهم على البلاد والعباد.

وقد استمروا على تأييد اليمانية إلى زمان هشام بن عبدالملك ، الذي عدل إلى المضرية فقربهم ، واستمروا على ذلك إلى حين سقوط الدولة الاموية ، على يد أبي مسلم الخراساني والعباسيين ، الذين اتخذوا جانب اليمانية ، حتى لقد أرسل إبراهيم الامام ، الزعيم العباسي إلى داعيته أبي مسلم ، يأمره باكرام

__________________

(١) الموالي هم : اما أسرى استرقوا ، ثم اعتقوا ، وهم قلة .. وأما هم من غير العرب ، دخلوا الاسلام ؛ فحالفوا بعض القبائل العربية ؛ لضمان الحماية اللازمة ، أو لغير ذلك .. مع العلم بأن محالفتهم لهذه القبيلة ، أو لتلك ، يفيدها في تعزيز دورها وتأكيده بصورة عامة بين سائر القبائل.


اليمنيين ، وأن يبيد خضراء مضر ، ولا يدع على الارض منهم دياراً (١).

ضريبة الانحراف عن الخطّ الاسلامي :

وهذا التمييز ، وإن كان له جذور عميقة في تاريخ البشر قبل ظهور الاسلام ، لدى قدماء اليونان ، ولدى غيرهم أيضاً ..

ثم ظهر الاسلام في الجزيزة العربية ، واعلن حرباً لا هوادة فيها على هذه النزعة ، وعلى كل مظاهرها ورموزها ، حتى اضطرها إلى التراجع والانحسار أمام قوة اندفاعه ، وعمقها ..

ولو أن الاسلام بقي هو صاحب القرار على الساحة ، لاقتلعت كل جذورها ، وعفيت جميع آثارها .. وإلى أبد الآبدين ..

غير أنّه بعد وفاة رسول الله 6 ، حينما استطاعت فئة معينة أن تختلس القرار السياسي من أصحابه الشرعيين ، ولم تكن معظم المواقع في هيكلية الحكم التي أقامتها تمتلك المناعات الكافية ، ولا الدوافع الحقيقية في مجال الالتزام والحركة ، ولا القدرات الفكرية أو العلمية الغنية ، والقوية ، والاصيلة في فهم الاسلام وتشريعاته ، لا في المجال النظري ، ولا على صعيد العمل والموقف .. الاُمر الذي أفسح المجال لكثير من النزعات ، والانحرافات للظهور ، والاعراب عن نفسها من جديد. ووجدت الكثيرين على استعداد لدعمها ، وتوفير الشرعية لها ، عن طريق جعل الحديث على لسان الرسول 6 ؛ ليصبح الإنحراف ديناً ، والهوى شريعة ..

* * *

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي الحنفي ج ٣ ص ٢٦٨/٢٦٧ وتاريخ الامم والملوك ج ٧ ص ٣٤٤ والكامل في التاريخ ج ٥ ص ٣٤٨ والامامة والسياسة ج ٢ ص ١٣٧ وارجع : البداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٨ والعقد الفريد ج ٤ ص ٤٧٩ والنزاع والتخاصم ص ٤٥ وضحى الاسلام ج ١ ص ٣٢.


العرب .. والفتوحات :

ثم .. وبعد أن فتح العرب البلاد ، واستجاب لدعوة الاسلام العباد ، وارتبط الناس من غير العرب بكثير من القبائل العربية برابطة الولاء ، ورأى العرب : أنهم المنتصرون ، وأنهم المتفضلون ، وأنهم يملكون جمعي مصادر القوة ، وقد ذل لهم العزيز ، وضعف لديهم القوي .. فانهم قد بدأوا يعاملون هؤلاء الناس من موقع السيادة والهيمنة ، والإستئثار ، والغطرسة ، والاستهتار ..

ولم يقتصر الامر في ذلك على الحكام ، بل قد تعداهم إلى مختلف فئات الشعب ، وطبقاته .. حتى لقد ظهرت آثار ذلك في الفتاوى الفقهية ، والنظريات العقائدية لدى كثر من الذين تصدوا للفتوى ، وللتنظير في مجال الاعتقادات ..

وقد حفظ التاريخ لنا الكثير الكثير ، مما يثبت حقيقة هذه النظرة ، ويعطي صورة واضحة عن هذا التعامل القبيح ، والرذل ، سواء على مستوى السياسة المعتمدة والمدروسة في واقع الحكم ، أو على مستوى التعامل العفوي ، واليومي لدى عامة الناس ، وفي مختلف المواضع والمواقع ..

تمحل الاعذار لا يجدي :

ولئن حاول البعض : اعتبار ما ورد مما يشير إلى ظاهرة احتقار العرب للموالي ، من قبيل الحالات النادرة ، التي يسجلها العلماء؛ لما فيها من صفة الندرة والشذوذ ، كما وشكك في بعض ما يذكر من ارهاق الموالي بالضرائب ، وحرمانهم من العطاء وغير ذلك ..

لئن حاول هذا البعض ذلك .. (١).

__________________

(١) عبدالعزيز الدوري : الجذور التاريخية للشعوبية ص ١٦ ـ ٢٠.


فانها كانت محاولة فاشلة وعقيمة ، وليس لها أية قيمة علمية ، وذلك لانها ـ لو صحت ـ فلسوف تعني ، لنا : أننا سوف لن نستطيع إثبات أية حقيقة تاريخية على الاطلاق ، بل أننا سوف نشك حتى في وجود معاوية ، وعلي 7 ، وفي واقعة صفين ، والجمل ، وكربلاء. ولسوف لن نصدق بعد الآن .. بحدوث الطوفان ، ولا بسقوط الاندلس ، ولن يمكن أيضاً إثبات صفة الكرم والشجاعة للعرب ، ولا غير ذلك من امور ..

وذلك لان ما نقل إلينا حول مسألة التمييز العنصري ـ إن كان لا يثبت هذا الامر ، وهو بهذه الكثرة العجيبة والمفرطة ـ فإنه لا يمكن اثبات أي شيء من الحقائق المشار إليها آنفاً ، على الاطلاق.

وكيف يمكن اعتبار الفتاوى الفقهية ، المتأثرة بهذه النزعة ، والتي تعمل بموجبها فرق كبيرة ، ومنتشرة في طول البلاد وعرضها ـ كيف يمكن اعتبارها ـ من الامور الشاذة والنادرة؟! ولسوف يأتي بعض من ذلك في مسائل الزواج ، والارث ، فانتظر ..

هذا إلى جانب هذا الاُمر زخماً عقائدياً ، كان ولا يزال راسخاً في عقل السواد الاعظم من الناس ، ولمدة قرون عديدة ؛ حتى لنجد ابن تيمية يقرر ذلك بصورة صريحة وواضحة ، ويرسله ارسال المسلمات ؛ فيقول :

« .. فان الذي عليه أهل السنة والجماعة : اعتقاد : أن جنس العرب أفضل من جنس العجم ؛ عبرانيهم وسريانيهم ، رومهم وفرسهم ، وغيرهم (١) .. » واستدل على ذلك بان العرب أفهم من غيرهم ، واحفظ ، وأقدر على البيان (٢).

هذا .. ولسوف نجد في هذا الفصل ، وفي الذي يليه طائفة كبيرة من النصوص ، عن كثير من المصادر ، تظهر التنوع والاختلاف الشديد في الموارد ، وفي طبيعة الاُمور ، التي ظهرت فيها هذه النزعة اليهودية البغيضة!! فان من

__________________

(١) اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٤٨.

(٢) اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٦٠.


الواضح : أنه لا يمكن أن يربط بين هذه المتفرقات ، ويجمع تلك المختلفات ، إلا عصبية راسخة ، وبواعث لا شعورية عميقة.

هذا كله .. إلى جانب نصوص كثيرة ، لم نتعرض لها ؛ لاننا لسنا بصدد دراسة مستوعبة وشاملة لهذه القضية ، وإنما هدفنا مجرد الالماح والاشارة .. مع تأكيدنا على أن دراسة مختلف مظاهر هذا الاتجاه ، وما كان له من آثار عبر التاريخ على المجتمعات ، وفي الحروب ، والحركات ، حتى ليقال :

إن تمييز العرب على غيرهم ، كان هو السبب في ضياع الاندلس ، فضلاً عما سوى ذلك من قضايا كبيرة ، وأحداث خطيرة ، عانى منها العالم الاسلامي عبر التاريخ .. (١).

نعم .. إن دراسة كهذه ، تحتاج إلى مزيد من التتبع والاستقصاء ، وإلى كثير من الوقت والجهد ، لسنا الآن مهيئين له ، ولا قادرين على توفيره ..

تطوير اسلوب الصراع :

وأخيراً .. فلا يفوتنا التنبيه على أن هذا الصراع قد اتخذ طابعاً نظرياً فكرياً أيضاً ، فاقيمت الحجج والبراهين ، وكتبت الرسائل والبحوث ، لاثبات فضل العرب ، على غيرهم. وقد استمر ذلك إلى عهود متأخرة ، وقد أدلى ابن تيمية (٢) بدلوه في هذا المجال ، كما صنع غيره.

وقد كان من الطبيعي : أن يجهد اولئك المضطهدون ، والمهدورة كراماتهم ، والمسلوبة حقوقهم ، في سبيل اثبات مساواتهم للعرب ، واقناعهم : بأنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ، والعمل الصالح ..

ولكننا لم نجد شيئاً ذابال ، في هذا المجال في عهد الامويين ، ولعل ذلك

__________________

(١) راجع : الاسلام والمشكلة العنصرية ص ٩٧ ـ ١٠٣.

(٢) راجع : اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٤٢ ـ ١٧٠.


يرجع إلى أنهم ما كانوا يجرؤون على الظهور في أيامهم (١) ، لانهم كانوا من أشد الناس في هذا الامر ، وكانوا يفرضون سياساتهم على الناس بالقوة والقهر ..

أما بعد ذلك ، فنجد الدعوة إلى التسوية قد نشطت ، وكتبت في ذلك الرسائل ، واحتجوا لها بمختلف الحجج (٢).

ولكن ذلك لا يعني : أن الدولة العباسية لم تكن حساسة تجاه هذا الامر ، بل الامر على عكس ذلك تماماً؛ فانها منذ بداياتها قد تصدت لهؤلاء ، ولكن بذكاء ، وحنكة ، وتحت شعارات خادعة ، وما كرة ، من قبيل الاتهام بالزندقة ، كما سنشير إليه فيما يأتي إن شاء الله تعالى..

الشعوبية هم دعاة التسوية :

وقد عرف دعاة التسوية هؤلاء باسم : « الشعوبية ».

قال ابن تيمية : « ذهبت فرقة من الناس : إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس العمم ، وهؤلاء ، يسمون : الشعوبية » (٣).

قال الجاحظ : « .. ونبدأ على اسم الله ، بذكر مذهب الشعوبية ، ومن يتحلى باسم : التسوية .. » (٤).

وقال ابن عبدربه : « .. قول الشعوبية ، وهم أهل التسوية .. » (٥).

وقال ابن منظور ، وغيره : « الشعوبي : الذي يصغر شان العرب ، ولا يرى لهم فضلاً على غيرهم » (٦).

__________________

(١) راجع : تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ، جزء ٤ ص ٣٤٤ عن الاغاني ج ٤ ص ١٢٥.

(٢) راجع : العقد الفريد ج ٣ ص ٤٠٣ ـ ٤١٧ والفهرست لابن النديم ص ١٢٤ ونوادر المخطوطات ج ١ ص ٣٣١ إلى آخر الكتاب. والبيان والتبيين ج ٣ ص ٥ فما بعدها ، وغير ذلك.

(٣) اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٤٩.

(٤) البيان والتبيين ج ٣ ص ٥.

(٥) العقد الفريد ج ٣ ص ٤٠٣ وراجع ص ٤٠٥ و ٤٠٨ وراجع : الجذور التاريخية للشعوبية ص ٩.

(٦) لسان العرب ج ١ ص ٥٠٠ وأساس البلاغة ص ٢٣٦ والنهاية في اللغة ج ٢ص ٤٧٨.


أي أن من لا يرى للعرب فضلاً على غيرهم ؛ فهو يصغر من شأنهم ؛ فهو إذن : شعوبي.

ويدل على ذلك قول الخليل : « الشعوبي : الذي يصغر شأن العرب ، فلا يرى لهم فضلاً » (١) حيث عطف بالفاء.

هذا .. وقد شذ من أخذته العصبية منهم ، ففضل العجم على العرب ، كابن غرسية ، واسماعيل بن يسار (٢).

أما في عصرنا هذا ، فقد أصبح لفظ « الشعوبية » يطلق على خصوص من يفضل العجم على العرب (٣).

نماذج عنصرية اموية :

ونحن نذكر هنا نماذج قليلة من النصوص ، التي توضح سياسة الدولة الاموية ، وكذلك مواقف الناس وتوجهاتهم ، في مجال التمييز العنصري ، في تلك الحقبة من الزمن فنقول :

١ ـ قالوا : إنّ الحجاج قد أمر أن لا يؤم في الكوفة إلاّ عربي (٤).

٢ ـ ولما ولىّ الحجاج سعيد بن جبير قضاء الكوفة ، قال أهل الكوفة :

لا يصلح للقضاء إلاّ عربي!!

فاستقضى الحجاج أبا بردة بن أبي موسى الاشعري ، وأمره أن لا يقطع أمراً

__________________

(١) العين ج ١ ص ٢٦٣.

(٢) راجع : رسالة ابن غرسية في نوادر المخطوطات ج ١ ص ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ، واجوبتها الاربعة من قبل علماء الاندلس ، في نفس الكتاب ، والفهرست لابن النديم ص ١٣٧ و ١٣٣ و ١١٨ والحيوان ج ٤ ص ٤٤٨ / ٤٤٩ حول يونس بن أبي فروة ، وكذا في أمالي المرتضى ج ١ ص ١٣٢.

(٣) راجع : الاسلام والمشكلة العنصرية ص ٩٣.

(٤) ضحى الاسلام ج ١ ص ٢٤ ، والعقد الفريد ج ٢ ص ٢٣٣ وراجع ص ٢٣٥ وراجع أيضاً : وفيات الاعيان ، لابن خلكان ج ٢ ص ٣٧٣ وراجع : شذرات الذهب ج ١ ص ١٠٩.


دون سعيد بن جبير (١).

٣ ـ « وهو [اعني الحجاج] أول من نقش على يد كل رجل اسم قريته ، ورده إليها ، وأخرج الموالي من بين العرب » (٢).

٤ ـ ويذكرون : أنه طرد غير العرب من البصرة ، والبلاد المجاورة لها ، واجتمعوا يندبون : وامحمّدا ، وأحمدا ، ولا يعرفون أين يذهبون ، ولا عجب أن نرى أهل البصرة يلحقون بهم ، ويشتركون معهم في نعي ما نزل بهم من حيث وظلم (٣).

٥ ـ بل لقد قالوا : لا يقطع الصلاة إلاّ كلب ، أو حمار ، أو مولى (٤).

وذكر في بعض النصوص : المرأة ، بدل المولى ، وهذا الاحتقار للمرأة مأخوذ من اليهود ، كما يعلم بالمراجعة إلى كتبهم الدينية.

٦ ـ وقد أراد معاوية أن يقتل شطراً من الموالي ، عندما رأهم قد كثروا ؛ فنهاه الاحنف عن ذلك (٥). وقيل : إن زياداً هو الذي أراد ذلك (٦).

٧ ـ وتزوج رجل من الموالي بنتاً من أعراب بني سليم ؛ فركب محمد بن بشير الخارجي إلى المدينة ، وواليها يؤمئذٍ إبراهيم بن هشام بن إسماعيل ، فشكا إليه ذلك ، ففرق الوالي بين المولى وزوجته ، وضربه ماءتي سوط ، وحلق رأسه ، وحاجبه ، ولحيته ؛ فقال محمد بن بشير في جملة أبيان له :

__________________

(١) وفيات الاعيان ج ٢ ص ٣٧٣ ، وضحى الاسلام ج ١ ص ٢٤ ، وراجع : تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني جزء ٤ ص ٣٤٣.

(٢) الاوائل ج ٢ ص ٦١ وراجع : العقد الفريد ج ٣ ص ٣١٦/٣١٧ وشذرات الذهب ج ١ ص ١٠٩ وضحى الاسلام ج ١ ص ٢٤.

(٣) السيادة العربية والشيعة والاسرائيليات ص ٥٧/٥٦ والكامل لابن الاثير ج ٤ ص ٤٦٥ وراجع : تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الاول جزء ٢ ص ٢٧٤ وراجع : ربيع الاُبرار ج ٣ ص ٦٠٠ وضحى الاسلام ج ١ ص ٢٤ عن محاضرات الادباء ج ١ ص ٢١٨.

(٤) العقد الفريد ج ٣ ص ٤١٣ وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني جزء ٤ ص ٣٤١.

(٥) المصدران السابقان.

(٦) محاضرات الادباء ج ١ ص ٣٥٠.


قضيت بسنة وحكمت عدلاً

لم ترث الخلافة من بعيد (١)

٨ ـ وكان طاووس لا يأكل ذبيحة الزنجي ، وكان يقول : وهل رأيت في زنجي خيراً قط؟ (٢).

٩ ـ ويقول : هو عبد مشوه الخلق (٣).

١٠ ـ ولم تفشل ثورة المختار ، إلاّ لانه استعان فيها بغير العرب ، فتفرق العرب عنه لذلك (٤).

وكان من جملة ما نقموه عليه أن قالوا : « .. ولقد أدنى موالينا ؛ فحملهم على الدواب ، واعطاهم فيئنا » (٥).

١١ ـ ويقول أبو الفرج : « .. كان العرب إلى أن جاءت الدولة العباسية ، إذا جاء العربي من السوق ؛ ومعه شيء ، ورأى مولى ، دفعه إليه ؛ فلا يمتنع » (٦).

١٢ ـ بل كان لا يلي الخلافة أحد من أبناء المولدين ، الذين ولدوا من امهات اعجميات (٧).

١٣ ـ ويذكرون من اسباب ثورة زيد بن علي بن الحسين 7 : ما جرى بينه وبين هشام بن عبدالملك ، الذي قرر عدم صلاحية زيد للخلافة ؛

__________________

(١) الاغاني ج ١٤ ص ١٥٠ وضحى الاسلام ج ١ ص ٢٣ و ٢٤ وراجع : محاضرات الادباء ج ١ ص ٣٥٠ .. ما هو بهذا المعنى.

(٢) المصنف للصنعاني ج ٤ ص ٤٨٥ وراجع : الالمام ج ١ ص ١٨٦.

(٣) الالمام ج ١ ص ١٨٦.

(٤) راجع : الاخبار الطوال ص ٢٩٩ و ٣٠٠ و ٣٠٤ والكامل في التاريخ ج ٤ ص ٢٢٧ و ٢٣١ و ٢٦٨/٢٦٩. والسيادة العربية والشيعة والاسرائيليات ص ٤٠ وراجع : تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الاول جزء ٢ ص ٢٨٢/٢٨٣.

(٥) الكامل في التاريخ ج ٤ ص ٢٣١ وتاريخ الامم والملوك ج ٦ ص ٤٤ ط دار المعارف بمصر.

(٦) ضحى الاسلام ج ١ ص ٢٥.

(٧) راجع : العقد الفريد ج ٦ ص ١٣٠/١٣١ وضحى الاسلام ج ١ ص ٢٥ وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني جزء ٤ ص ٣٤٣.


لاُنّه ابن أمة ..

وقد ردّ عليه زيد رضوان الله تعالى عليه بالنقض باسماعيل 7 ، الذي لم يمنع كونه ابن امة : أن بعثه ا‏لله تعالى نبياً ، فراجع نص الحوار بينهما في مصادره (١).

١٤ ـ وقد نافع بن جبير بن مطعم ، رجلاً من أهل الموالي ، يصلي به ؛ فقالوا له في ذلك ؛ فقال : إنما أردت أن أتواضع ‏ بالصلاة خلفه (٢).

١٥ ـ « وكان نافع بن جبير هذا إذا مرت به جنازة ، قال : من هذا؟ فاذا قالوا : قرشي ، قال : واقوماه ، واذا قالوا : عربي ، قال : وابلدتاه (وامادتاه) واذا قالوا : مولى : قال : من مال الله ، يأخذ ما شاء ، ويدع ما شاء » (٣).

وقال ابن عبدربه :

١٦ ـ وكانوا لا يكنونهم بالكنى ، ولا يدعونهم إلاّ بالاسماء والالقاب.

١٧ ـ ولا يمشون في الصف معهم.

١٨ ـ ولا يقدمونهم في الموكب.

١٩ ـ وإن حضروا طعاماً ، قاموا على رؤوسهم.

٢٠ ـ وإن اطعموا المولى ، لسنه ، وفضله ، وعلمه ، أجلسوه في طرف الخوان ؛ لئلا يخفى على الناظر : أنه ليس من العرب.

٢١ ـ ولا يدعونهم يصلون على الجنائز ، إذا حضر أحد من العرب ، وإن كان الذي يحضر غريراً.

٢٢ ـ وكان الخاطب لا يخطب المرأة منهم إلى أبيها ، ولا إلى أخيها ، وإنما

__________________

(١) راجع : ارشاد المفيد ص ٢٦٨ والبحار ج ٤٦ ص ١٨٧/١٨٦ والعقد الفريد ج ٦ ص ١٢٨ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٣ و ٢٤ وعمدة الطالب ص ٢٥٥/٢٥٦ والبيان والتبيين ج ١ ص ٣١٠ وربيع الاُبرار ج ٣ ص ٣٣ ومروج الذهب ج ٣ ص ٢٠٦ وتاريخ الامم والملوك ج ٧ ص ١٦٥ والكامل في التاريخ ج ٥ ص ٢٣٢ وبهجة الآمال ج ٤ ص ٢٣٢ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٢٦٠.

(٢) العقد الفريد ج ٣ ص ٤١٢/٤١٣.

(٣) العقد الفريد ج ٣ ص ٤١٣ والكامل للمبرد ج ٤ ص ١٥.


يخطبها إلى مواليها ، فان رضي ، زوِّج ؛ والارُدَّ ؛ فان زَوَّج الاب والاخ بغير رأي مواليه ، فسخ النكاح ، وإن كان قد دخل بها ، وكان سفاحاً غير نكاح.

٢٣ ـ وحينما كلّم حمران ، مولى عثمان ، عامر بن عبدالقيس ، المعروف بزهده ، وعبادته ، وتقشفه ، واخباته ونسكه ـ كلّمه ـ عند عبدالله بن عامر صاحب العراق ، في تشنيعه على عثمان ، أنكر عامر ذلك ؛ فقال له حمران : لا كثَّر الله فينا مثلك ..

فقال له عامر : بل كثَّر الله فينا مثلك.

فقيل له :أيدعو عليك ، وتدعو له؟!

قال : نعم ، يكسحون طرقنا ، ويخرزون خفافنا ، ويحكون ثيابنا.

فاستوى ابن عامر جالساً ، وكان متكئاً ؛ فقال : ما كنت أظنك تعرف هذا الباب ؛ لفضلك ، وزهادتك.

فقال : ليس كل ما ظننت أني لا أعرفه ، لا أعرف.

٢٤ ـ وكان عقيل بن علّفة المري ، يصهر إليه الخلفاء ، وقال لعبدالملك بن مروان ؛ إذ خطب إليه ابنته الجرباء : جنبني هجناء ولدك.

٢٥ ـ ودخل أحد بني العنبر على سوار القاضي ، فقال : إن أبي مات ، وتركني ، وأخاً لي ، وخط خطين. ثم قال : وهجينا. ثم خط خطاً ناحية ، فكيف يقسم المال؟

فلما أخبره سوار : أن المال بينهم أثلاثاً ، قال : ما أحسبك فهمت عني ، إنه تركني ، وأخي ، وهجيناً ؛ فكيف يأخذ الهجين كما آخذ أنا ، وكما يأخذ أخي؟!

قال : أجل ..

فغضب الاعرابي ، ثم اقبل على سوار ، فقال : والله ، لقد علمت : أنك قليل الخالات بالدهناء.


قال سوار : لا يضرني ذلك عند الله شيئاً (١).

٢٦ ـ ويروى : أن ناسكاً من بني الهجيم بن عمرو بن تميم كان يقول في قصصه : اللهم اغفر للعرب خاصة ، وللموالي عامة ، وأما العجم فهم عبيدك ، والاُمر إليك (٢).

٢٧ ـ ولما فرغ الحجاج من بناء واسط ، أمر بإخراج كل نبطي بها ، وقال : لا يدخلون مدينتي ؛ فانهم مفسدة (٣).

٢٨ ـ ولم وصل بسر بن أبي ارطاة إلى صنعاء قتل مائة شيخ من ابناء فارس ؛ لان ابني عبيدالله بن العباس كانا مستترين في بيت امرأة من ابنائهم ، تعرف بابنة بزرج (٤).

٢٩ ـ وحول اهتمام معاوية بالعرب ، تأسياً بسياسة سلفه عمر بن الخطاب ، نجد عمرو بن عتبة يقول :

« .. ما استدرّ لعمي كلام قط ، فقطعه ، حتى يذكر العرب بفضل ، أو يوصي فيهم بخير » (٥).

وسيأتي المزيد من الشواهد على هذه السياسة حين الكلام على اتجاه الموالي نحو العلوم وتحصيلها فانتظر ، هذا بالاضافة إلى ما سوف نورده حين الكلام على سياسة الخليفة الثاني في هذه المجال ..

بقي أن نشير إلى أن ظاهرة توليه بني امية الدواوين للموالي ، دون العرب لا تشكل خرقاً لهذه السياسة ، وذلك لانهم كانوا مجبرين على ذلك ، بسبب أن العرب كانوا لا يكتبون ، ولا يحسبون (٦).

__________________

(١) راجع : العقد الفريد ج ٣ ص ٤١٢ ـ ٤١٥.

(٢) الكامل للمبرد ج ٤ ص ١٦.

(٣) معجم البلدان ج ٥ ص ٣٥٠ ومحاضرات الادباء ج ١ ص ٣٥٠.

(٤) الغدير ج ١١ ص ٢٧.

(٥) العقد الفريد ج ٣ ص ٣٢٣. وينقل عمر بن عتبة بن عمه معاوية اموراً اُخرى في هذا المجال ، فلتراجع في المصدر المذكور.

(٦) تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني جزء ٤ ص ٣٤٢ عن المسعودي ج ٢ ص ١١٤.


في عهد العباسيين :

أما في عهد العباسيين ، فقد كانت التقلبات السياسية ، التي كان لغير العرب دور كبير فيها وفي صنعها ، وتوجيهها ـ كان لها ـ تأثير بارز على ظهور التعصبات العرقية ، والعنصرية بين حين وآخر ، على درجات متفاوتة من القوة والضعف ، وقد صاحب ذلك تهيؤ الفرصة أمام غير العرب ، للتعبير عن رأيهم في هذه القضية ، والدفاع عن مبدأ المساواة بين الناس ، بقوة وبحرية ..

ولكن موضوع التمييز العرقي ، والشعور العنصري ، بقي له دوره في كثير من المواضع والمواقع ، وكان له تأثيره في كثير من التقلبات ، والمواقف ، ولا نريد هنا تقصي هذا الامر ، وإنما نريد فقط الالماح إلى مورد أو موردين ظهر فيهما هذا الامر جلياً وواضحاً ، ونكل أمر تقصي ذلك إلى من يهمه هذا الاُمر.

فنقول : إنه عدا عن الفتن العرقية والثورات العنصرية التي ظهرت في اكناف واطراف الدولة الاسلامية هنا وهناك ، وهي كثيرة جداً (١) فاننا نجد :

١ ـ إنه يظهر : أن سياسة الاتهام بالزندقة ، التي تعني لزوم قتل المتهم بها ، ـ هذه السياسة ـ يرجع تاريخها إلى عهد بني اُمية ، ثم تبناها العباسيون بصورة أكثر فعالية ، وحزماً ، وتشدداً. وكانت هذه التهمة تمثل اسلوب الانتقام الناجح من الخصوم ، من دون أن يثير أية سلبيات ظاهرة ، بل ان فيها ايجابية اظهار الهيئة الحاكمة حريصة على الشريعة ، مهمتة بأمر الدين ، متجلببة جلباب التقوى ، والخشية والورع.

وقد طالت هذه التهمة الموالي بالدرجة الاولى ، وخصوصاً المثقفين والواعين منهم ، ويظهر من بعض النصوص: أن الموالي كانوا مستهدفين ـ هم والشيعة ـ

__________________

(١) راجع : على سبيل المثال الفتن والحروب التي جرت في عهد الرشيد ما بين سنة ١٧٠ و ١٨٥ فإن في ذلك مقنعاً وكفاية ، لمن أراد الرشد والهداية.


بصورة رئيسية ، وأساسية ، يقول الجاحظ :

« .. فان عامة من ارتاب بالاسلام ، إنما كان ذلك أول رأي « الشعوبية » ، والتمادي فيه ، وطول الجدال المؤدي إلى القتال ؛ فإذا أبغض شيئاً ، أبغض أهله .. إلخ » (١).

وقد ادعى البعض: أن أغلب الزنادقة ، كانوا من الموالي ، أما العرب ؛ فلم يوصف منهم بالزندقة سوى أربعة أشخاص ، لا غير (٢)!!

٢ ـ ويذكر المؤرخون : أن الخليفة الراضي لم يكن يتناول شيئاً من أسود (٣).

٣ ـ وقد قرروا : أن ضياع الاندلس كان سببه التمييز بين العرب ، وغيرهم (٤).

قوالب حضارية خادعة :

هذا .. وقد استمر هذا الاتجاه بالظهور والاختفاء بين حين وآخر ، حتى لقد دافع ابن تيمية بحرارة ، عن عقيدة أهل السنة والجماعة ، في أن جنس العرب أفضل من جنس العجم ، حسبما تقدم ولكن أصبح الجهر بهذا الاُمر صعباً ، ومستهجناً ، وثقيلاً. فكان أن ظهر أخيراً في قوالب حضارية (!!) ، وشعارات خادعة ، وتحت اسماء مضللة ، ومطاطة ، وغائمة .. إن اختلفت في عباراتها وطروحاتها في الظاهر ، فهي متفقة من حيث المضمون والجوهر ، ثم من حيث الآثار والنتائج ، وهذه القوالب من قبيل : الغرب ، والشرق ، والاوربية ، والآسيوية ، والقومية والوطنية.

__________________

(١) الحيوان: ج ٧ ص ٢٢٠ ، الجذور التاريخية للزندقة والشعوبية عن البيان والتبيين : ج ٣ ص ١٤ ولم نجده فيه ، ولعلّه قد اشتبه عليه الامر.

(٢) الزندقة والشعوبية ص ٢١.

(٣) الالمام ج ١ ص ١٨٦.

(٤) راجع : الاسلام والمشكلة العنصرية ص ٩٧ ـ ١٠٣.


ونحو ذلك ..

وذلك لاُنّ شعار القومية العربية مثلاً ، والقومية الفارسية ، والقومية الكردية .. وما إلى ذلك من امور ، تعطى على أساسها الامتيازات ، وترسم انطلاقاً منها السياسات .. ـ إن هذه الشعارات ـ ما هي إلاّ ذلك التعبير الفني الخادع ، الذي يستبطن التمييز العرقي ، والعنصري ، بأبشع أنواعه.

ولعل أول من استخدام كلمة « القومية » ـ فيما نعلم ـ هو أبو يحيى بن مسعدة ، في رسالته التي كتبت في القرن السادس الهجري ، وردّ فيها على ابن غرسية (١).

وبعد .. فان من الواضح : أن التعصب للوطن بما هو وطن ، وللكردية والفارسية ، والعربية والاوربية وغيرها ، واعطاء الامتيازات ، ثم حرمان الآخرين ، على أساس هذا الانتماء ، أو ذاك ، وعدمه ، لا يبعد في مضمونه الحقيقي عن واقع التمييز العنصري ، وما دام أن اعطاء الامتيازات على اساسه ، يؤول إلى جعل أمر غير اختياري منشأ للامتيازات ، وللحرمان منها .. الامر الذي لن يكون قادراً على المساهمة في تكامل الانسان في انسانيته ، وملكاته الخيرة والنافعة ، لا من قريب ، ولا من بعيد ، تماماً كما هو الحال في التمييز على أساس الجمال ، أو اللون ، أو اللغة ، أو الطبقة ، أو ما إلى ذلك ..

ومن هنا .. فان الحاجة تمس إلى توضيح ذلك للناس ، وبيان خلفياته وابعاده المختلفة ؛ ليكون الناس على بصيرة من أمرهم ، وليتأكد لهم صحة وسلامة النظرة الاسلامية الواقعية في هذا المجال ، ولتلتزم البشرية بتعاليم الاسلام ، ويهديه القويم ، في اعتبار التقوى أساساً للتفاضل ، ومعياراً لتقييم الانسان في انسانيته ، وفي ما يصدر عنه من أعمال ومواقف.

__________________

(١) راجع: نوادر المخطوطات ج ١ ص ٢٧٧.


الفصل الثالث:

سياستان :

لا تلتقيان ..



الخليفة الثاني وسياسة التمييز العنصري :

إنه عدا عن اننا نجد اتهاماً صريحاً موجهاً من قبل العباس بن عبدالمطلب إلى عمر بن الخطاب ، بانه كان ينطلق في مواقفه من أبي سفيان حينما طالب بقتله في فتح مكة من الروح القبلية والتعصب لعشيرته ، فقد قال له العباس: مهلا يا عمر ، أما والله ، ان لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنك عرفت: انه من رجال بني عبدمناف (١).

نعم .. عدا عن ذلك ، فان لدينا الكثير من النصوص التي تدل على أنّ الخليفة الثاني كان يصر على تمييز العرب على كل من عداهم ، وأن كل همه كان منصرفاً إلى تأكيد ذلك وتثبيته ؛ ليكون سياسة متبعة بعده ، يأخذها الخلف عن السلف.

ومن جهة اُخرى فإنه كان يبخس غير العرب حقوقهم ، ويمتهن كراماتهم ، ويعتدى على شخصيتهم في سياساته ، وتشريعاته ، ومواقفه ، في الظروف ، والمناسبات ، والاُحوال المختلفة.

ولبيان طرف من ذلك نشير إلى سياساته هذه في مجالين :

__________________

(١) حياة الصحابة ج ١ ص ١٥٤ عن مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٦٧ وقال : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٩١ عن البيهقي.


المجال الاوّل : تفضيل العرب :

فبالنسبة إلى سياسته في تفضيل العرب ، فاننا نشير إلى ما يلي :

إن من كلماته المعروفة والمأثورة عنه ، قوله : « ليس على عربي ملك » (١).

ويقول : « إنّي كرهت أن يصير السبي سنة على العرب » (٢). وقد اعتق سبي اليمن ، وهن حبالى ، وفرق بينهن وبين من اشتراهن (٣).

واعتق كل مصل من سبي العرب ، وشرط عليهم : أن يخدموا الخليفة من بعده ثلاث سنين (٤).

وكان في وصيته : أن يعتق كل عربي في مال ا‏لله. وللامير من بعده عليهم ثلاث سنوات ، يليهم مثلما كان يليهم عمر (٥).

ولا ندري سرّ هذا الشرط ، ولا مبرراته بالتحديد ، إلا إذا كان يقصد خليفة معينا لديه ، يعدّ العدة لفرضه على الناس ، عن طريق اختراع شورى الستة اشخاص ، الذين اختارهم بعناية فائقة ، مما جعله يطمئن إلى حقيقة النتيجة ، التي سوف ينتهون إليها.

وحدد فداء العربي مقداراً معيناً من الإبل ، ولكن ما حدده قد اختلف أيضاً (٦) ولعل ذلك يرجع إلى أنه قد تقلب رأيه وتبدل من وقت الآخر ..

__________________

(١) الاموال ص ١٩٧ و ١٩٨ و ١٩٩ والايضاح ص ٢٤٩ وقضاء أمير المؤمنين علي 7 ص ٢٦٤ عنه وتاريخ الامم والملوك ج ٢ ص ٥٤٩ ط الاستقامة وسنن البيهقي ج ٩ ص ٧٣ و ٧٤ ونيل الاُوطار ج ٨ ص ١٥٠ ، والمسترشد في امامة علي 7 ص ١١٥ وراجع المصنف للصنعاني ج ١٠ ص ١٠٣ ـ ١٠٥ وج ٧ ص ٢٧٨ و ٢٧٩ والنظم الاسلامية لصبحي الصالح ص ٤٦٣.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٣٩.

(٣) الايضاح ص ٢٤٩.

(٤) راجع : المصنف لعبدالرزاق ج ٨ ص ٣٨٠ و ٣٨١ وج ٩ ص ١٦٨.

(٥) راجع المصنف للصنعاني ج ٨ ص ٣٨٠ و ٣٨١ وج ٩ ص ١٦٨.

(٦) راجع في ذلك : المصنف للصنعاني ج ١٠ ص ١٠٤ و ٣٠٢ و ١٠٣ وج ٧ ص ٢٧٨ و ٢٧٩ وتاريخ الامم والملوك ج ٢ ص ٥٤٩ ط الاستقامة وغير ذلك.


ولذلك نظائر في آرائه وفي قراراته ، كما في بعض مسائل الارث (١).

ومما يروي عنه : أنه لما ولي قال : إنه لقبيح بالعرب أن يملك بعضهم بعضاً ، وقد وسع الله عزّوجل ، وفتح الاُعاجم ، واستشار في فداء سبايا العرب في الجاهلية والاسلام ، الاّ امرأة ولدت لسيدها ... إلخ (٢).

ورد سبي الجاهلية ، واولاد الاماء منهم احراراً إلى عشائرهم ، على فدية يؤدونها إلى الذين اسلموا وهم في أيديهم ، قال : وهذا مشهور من رأيه (٣).

كما أنه قد أمر بردّ سبي مناذر ، وكل ما أصابوه منهم ، على اعتبار : أنها من قرى السواد (٤).

وردّ سبي ميسان ، رغم أن بعضهم قد وطأ جاريته زماناً ، فردّها ولا يعلم إن كانت حاملاً منه أم لا (٥).

وكان إذا بعث عماله شرط عليهم شروطاً منها : « .. لا تضربوا العرب ؛ فتذلوها ، ولا تجمروها فتفتنوها ، ولا تعتلوا عليها ؛ فتحرموها » (٦).

كما أنه قد أخذ من نصارى بني تغلب العشر ، ومن نصارى العرب نصف العشر (٧).

ولعل سياسة عمر هذه ، هي التي دفعت البعض ، لان يبادر إلى نسبة بعض الاقوال إلى رسول 6 ، تتضمن الاُمر بحب العرب ،

__________________

(١) راجع : الغدير ج ٦.

(٢) راجع : الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٨٢ وتاريخ الاُمم والملوك ط الاستقامة ج ٢ ص ٥٤٩ وقضاء أمير المؤمنين علي 7 ص ٢٦٣ / ٢٦٤.

(٣) الاموال ص ١٩٧.

(٤) الاموال ص ٢٠٥ وفتوح البلدان ص ٤٦٥.

(٥) الاموال ص ٢٠٥.

(٦) راجع: المصنف للصنعاني ج ١١ ص ٣٢٥ وتاريخ الامم والملوك ط الاستقامة ج ٣ ص ٢٧٣ والمسترشد في امامة علي بن أبي طالب ص ١١٥ ومستدرك الحاكم ج ٤ ص ٤٣٩ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٨٢ عن كنز العمال ج ٣ ص ١٤٨ عن البيهقي عن ابن أبي شيبة والنظم الاسلامية ص ٣١٠ وعن البيهقي ج ٩ ص ٣٩ وج ١ ص ٢٧٩.

(٧) المصنف للصنعاني ج ٦ ص ٩٩.


وتحذر من بغضهم (١).

وبعضها يدعي ان النبي 6 قد اختص سلمان بالنهي عن بغض العرب (٢).

كما أن سياسة عمر هذه تجاه العرب ، لعلها هي التي جعلته يأمن جانبهم ، حتى إنه ليقول : « قد كنت أظنّ : أن العرب لن يقتلني » (٣) وفي لفظ آخر : « ما كانت العرب لتقتلني » (٤).

المجال الثاني : تجني الخليفة على غير العرب :

أما رأي عمر وسياساته تجاه غير العرب ، فرغم أنه هو نفسه يقول : « إني تعلمت العدل من كسرى ، وذكر خشيته وسيرته » (٥).

ولم يتعلم ذلك من أي شخصية عربية ، حتى من النبيّ الاعظم 6.

ورغم أننا لا نجد في سيرة كسرى هذا العدل المدعى ، الذي تعلمه عمر ، ولا تلك الخشية التي نسبها إليه!! وإن كنا ربما نجد اليسير من الظواهر الخادعة ، التي تخفي وراءها الكثير من الظلم والجور ، والفساد ، والقسوة ..

نعم .. إننا رغم ذلك نجد سياسة عمر تجاه غير العرب قد كانت قاسية وظالمة ، وليس فيها ما يصحح وصفها بالعدل والإنصاف ..

هذه السياسة التي طبقها الامويون بعده بحذافيرها ، واستمرت آثارها

__________________

(١) راجع على سبيل المثال : ذكر أخبار اصبهان ج ١ ص ٩٩ وكشف الاستار ج ١ ص ٥١ ولسان الميزان ج ١ ص ٣٥٤ واقتضاء الصراط المستقيم ص ١٤٨ و ١٤٩ و ١٥٨ و ١٥٧ و ١٥٦ و ١٥٥ وتاريخ جرجان ص ٥٣٩ والعقد الفريد ج ٣ ص ٣٢٤ وميزان الاعتدال ج ١ ص ١٨٥ ومجمع الزوائد ج ١٠ ص ٢٧ وج ١ ص ٨٩ عن البزار والطبراني في الاوسط وحياة الصحابة ج ٢ ص ٤١٥ وضحى الاسلام ج ١ ص ٧٦.

(٢) راجع : المصادر المتقدمة ، فان بعضها قد ذكر ذلك.

(٣) المصنف للصنعاني ج ٥ ص ٤٧٦.

(٤) تاريخ عمر بن الخطاب ص ٢٤٠.

(٥) أحسن التقاسيم ص ١٨.


تتفاعل ، وتتلاقح قروناً من الزمن بعد ذلك ، بل إننا لا نزال نجد هذه الاکثار تظهر بصورة أو باخرى حتى يومنا هذا ، حسما المحنا إليه ..

ونحن نذكر فيما يلي بعض النصوص التي توضح هذه السياسة ، وهي التالية :

سياسات الخليفة بالتفصيل :

١ ـ تحريم المدينة على غير العرب :

« كان عمر لا يترك أحداً من العجم يدخل المدينة .. » (١).

وحين طعن عمر ، وعنف ابن عباس ، لحبّه وأبيه كثرة العلوج بالمدينة ، قال له أن شئت فعلت ؛ أي قتلناهم. قال : كذبت. بعد ما تكلموا بلسانكم ، وصلوا إلى قبلتكم ، وحجوا حجكم؟! (٢).

٢ ـ بيع الجار النبطي :

وقد نقل المأمون العباسي : أن عمر بن الخطاب كان يقول : من كان جاره نبطياً ، واحتاج إلى ثمنه فليبعه (٣).

٣ ـ لاقود لغير العربي من العربي :

وقد طلب عبادة بن الصامت من نبطي : أن يمسك له دابته ، فرفض ،

__________________

(١) مروج الذهب ج ٢ ص ٣٢٠ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٤٧٤. وراجع : مجمع الزوائد ج ٩ ص ٧٥ عن الطبراني ، وطبقات ابن سعد ط صادر ج ٣ ص ٣٤٩ والمجروحون ج ٣ ص ٣٥٠ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٢٩ وتاريخ عمر بن الخطاب ص ٢٣٨ و ٢٤١.

(٢) تاريخ عمر بنا الخطاب ص ٢٤٣.

(٣) عيون الاخبار لابن قتيبة ج ١ ص ١٣٠ وكتاب بغداد لطيفور ص ٣٨/٤٠ ط سنة ١٣٨٨ هـ. والمحاسن والمساوي ج ٢ ص ٢٧٨ والزهد والرقائق ، قسم ما رواه نعيم بن حماد ص ٥٢ ومحاضرات الادباء ج ١ ص ٣٥٠ ، وقضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 ص ٢٦٤ عن ابن قتيبة ، والحموي ، وراجع : الايضاح لابن شاذان ص ٤٨٦.


فضربه عبادة ؛ فشجه ؛ فأراد عمر أن يقتص له منه ؛ فقال له زيد بن ثابت :

أتقيد عبدك من أخيك؟.

فترك عمر القود ، وقضى عليه بالدية (١).

٤ ـ زيّ العجم :

وقد كتب عمر إلى من كان مع عتبة بن فرقد بآذربايجان : « .. وإياكم والتنعم ، وزيّ العجم » (٢).

وليس ذلك لاجل أن في ذلك تشبهاً للمسلم بغير المسلم ، فانه لم يكن بينهما هذا التمايز الواضح في الزي ، بحيث يعدّ هذا زيّ مسلم ، وذاك زيّ كافر ، فإن الناس كانوا يتوافدون على الدخول في الاسلام من جميع الامم ، وما كانوا يؤمرون بتغيير زيّهم إلى زيّ آخر خاص بالمسلمين ..

بل لقد ادعى ابن تيمية : ان الشريعة حين تنهى عن مشابهة الاعاجم ، دخل في ذلك الاعاجم الكفار والمسلمون معاً (٣).

٥ ـ رطانة الاعاجم ، ونقش الخاتم بالعربية :

وعن عمر بن الخطاب ، أنه قال : « لا تعلموا رطانة الاعاجم » (٤).

وسمع ـ وهو يطوف ـ رجلين خلفه ، يرطنان ؛ فالتفت إليهما ، وقال : ابتغيا

__________________

(١) تهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٤٤٦ وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٣١ وسنن البيهقي ج ٨ ص ٣٢ وسير اعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٤٠ وكنز العمال ج ٧ ص ٣٠٣.

(٢) السنن الكبرى ج ١٠ ص ١٤ والمصنف للصنعاني ج ١١ ص ٨٦ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٨٠١ عن كنز العمال ج ٨ ص ٥٨ عن البيهقي ، وعن أبي ذر الهروي في الجامع.

(٣) راجع : اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٦٢.

(٤) السنن الكبرى ج ٩ ص ٢٣٤ وراجع : المصنف للصنعاني ج ١ ص ٤١١ واقتضاء الصراط المستقيم ص ٢٠٥ و ١٩٩ عن مصنف ابن أبي شيبة ، والتراتيب الادارية ج ١ ص ٢٠٥ و ٢٠٦.


إلى العربية سبيلاً (١).

وعنه أنه قال : تعلموا العربية ؛ فانها تزيد في المروءة (٢).

فاذا كان التكلم بالعربية يزيد في المروءة بزعمه ؛ فان التكلم بالفارسية يوجب ذهاب المروءة بنظره أيضاً.

فقد رووا عنه قوله : « من تكلم بالفارسية ؛ فقد خبّ ، ومن خبّ ذهبت مروءته » (٣).

قال الكتاني : وقد استفسد ابن رشد ما جاء عن مالك ، وعن عمر ، من ذم تعاطي لغة الاعاجم (٤).

وبعد .. فان الخليفة قد نهى أيضاً ؛ أن ينقش في الخاتم بالعربية (٥) ولعله ترفعاً باللغة عن الابتذال!!

تحفظ لابد منه :

وبعد .. فاننا نعتقد : أن أبا هريرة أراد التزلف إلى الخليفة وإلى من يسيرون على خطه ، ويتبعون سياسته ، حينما روى الحديث المرفوع : « أبغض الكلام إلى الله الفارسية » (٦).

وذلك لاُن رسول الله 6 قد تكلم بالفارسية مع أبي

__________________

(١) المصنف للصنعاني ج ٥ ص ٤٩٦/٤٩٧ وتاريخ جرجان ص ٤٨٦.

(٢) ربيع الابرار ج ٣ ص ٥٤٥.

(٣) ربيع الابرار ج ١ ص ٧٩٦ وتاريخ جرجان ص ٤٨٦ واقتضاء الصراط المستقيم ص ٢٠٥ وراجع ص ٢٠٦ عن مصنف ابن أبي شيبة.

(٤) التراتيب الادارية ج ١ ص ٢٠٥.

(٥) راجع : طبقات ابن سعد ط صادر ج ٤ ص ١٧٦ وج ٦ ص ٤١ وط ليدن ج ٧ ص ١١ والفائق ج ٢ ص ٣٤٩ و ٣٥٠ وراجع : جامع البيان ج ٤ ص ٤٠.

(٦) لسان الميزان ج ١ ص ٤٠٦ وميزان الاعتدال ج ١ ص ٢٣٠ والمجروحون ج ١ ص ١٢٩.

وذكر في : اقتضاء الصراط المستقيم ص ٢٠٥ نسبة الرواية التالية إلى النبيّ 6 : « من كان يحسن: أن يتكلم بالعربية ؛ فلا يتكلم بالفارسية ، فانه يورث النفاق ».


هريرة بالذات (١) ، فضلاً عن موارد اخرى رويت عنه 6 ..

كما أننا لا نكاد نصدق ما يروى : من أن الملائكة حول العرش يتكلمون بالفارسية (٢).

٦ ـ ولاية المولى على العرب:

عن عبدالرحمان بن أبي ليلى ، قال : خرجت مع عمر (رض) إلى مكة ؛ فاستقبلنا أمير مكة : نافع بن علقمة (رض) ، فقال :

من استخلف على أهل مكة؟

قال : عبدالرحمان بن أبزى (رض).

قال : عمدت إلى رجل من الموالي ؛ فاستخلفته على من بها من قريش ، وأصحاب رسول الله 6؟.

قال : نعم. وجدته أقرأ للكتاب ، ومكة أرض مختصرة ؛ فاحببت أن يسمعوا كتاب ا‏لله ، من رجل حسن القراءة.

قال : نعم ما رأيت ، إن عبدالرحمان بن ابزى ممن يرفع ا‏لله بالقرآن (٣).

فنراه يعتبر : أن كونه من الموالي من موجبات ضعته ونقصه ، لولا أن رفعه ا‏لله بالقرآن.

٧ ـ التفضيل بالعطاء :

وفيما يرتبط بتفضيله العرب على العجم في العطاء ، فانه أمر معروف ،

__________________

(١) مسند أحمد ج ٢ ص ٣٩٠ والرصف ج ١ ص ٨٣ وسنن ابن ماجة ، في الطب ، باب : الصلاة شفاء رقم ٣٤٥٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٤٨ وقد ذكر تكلمه مع جابر بالفارسية أيضاً.

وفي المعجم الصغير ج ١ ص ٢١٤ ما يدل على أنه 6 كان يعرف الفارسية أيضاً ، فراجعه ، وراجع سواه.

(٢) المجروحون ج ١ ص ٢٣٢.

(٣) حياة الصحابة ج ٣ ص ١٥٠ عن كنز العمال ج ٥ ص ٢١٦ عن أبي يعلى. والمصنف للصنعاني ج ١١ ص ٤٣٩ وفي هامشه عن مسلم ، وأبي يعلى ، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٢١٦.


ومشهور أيضاً (١) فانه كتب الناس على قدر انسابهم ؛ فلما انقضت العرب ذكر العجم (٢).

قال ابن شاذان : « .. فلم تزل العصبية ثابتة في الناس ، منذ ذاك ، إلى يومنا هذا » (٣).

وقد أجرى سياسة التمييز هذه حتى بالنسبة لنساء النبيّ 6 ، قال الجاحظ : « فضل القرشيات من نساء النبي 6 على غيرهن » (٤).

ويكفي أن نشير هنا إلى أنه قد أعطى جويرية ستة آلاف درهم ، بينما أعطى عائشة اثني عشر ألف درهم ، وقال : لا أجعل سبية كابنة أبي بكر الصديق (٥).

٨ ـ الكفاءة في النكاح :

أضف إلى جميع ما تقدّم : أنه نهى : أن يتزوج العجم في العرب ، وقال : لامنعن فروجهن إلا من الاكفاء (٦).

وعند الجاحظ أنه قال : « زوجوا الاكفاء. وكان أشد منه ( أي من أبي

__________________

(١) راجع : شرح النهج للمعتزلي الحنفي ج ٨ ص ١١١ والعثمانية للجاحظ ص ٢١١ والمسترشد في امامة علي 7 ص ١١٥ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٥٣/١٥٢ وبهج الصباغة ج ١٢ ص ٢٠٢ وتلخيص الشافي ج ٤ هامش ١٤/١٥ عن مصادر عديدة. وراجع : طبقات ابن سعد ج ٣ ص ١٢٢ و ٢١٢ ٢١٦ والسنن الكبرى ج ٦ ص ٣٥٠ و ٣٤٩ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٣ و ٤ و ٦ وكنز العمال ج ٣ ص ٣٠٩ و ٣١٥ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٢٢٨ ـ ٢٣٥ وتاريخ الامم والملوك. وليراجع كل مورد تحدث فيه المؤرخون عن تدوين الدواوين في عهد عمر بن الخطاب.

(٢) راجع : اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٥٩.

(٣) الايضاح ص ٢٥٢.

(٤) العثمانية ص ٢١١.

(٥) أنساب الاشراف ، قسم سيرة النبي 6 ص ٤٤٢ وراجع : تاريخ الامم والملوك ج ٢ صد٦١٤.

(٦) الايضاح ص ٢٨٠ و ٢٨٦ وفي هوامشه عن عدد من المصادر ، وراجع : الاستغاثة ص ٤٥ والمسترشد في امامة علي 7 ص ١١٤ والسنن الكبرى ج ٧ ص ١٣٣ والمصنف للصنعاني ج ٦ ص ١٥٢


بكر ) في أمر المناكح » (١).

وصاروا يفرقون بين العربية والموالي (٢).

وقد انعكس ذلك على الفقه أيضاً ، فقد : قالت الحنفية : « قريش بعضها اكفاء لبعض ، ومن كان له أبوان في الاسلام فصاعداً من الموالي ، فهم اكفاء (٣).

وفي التذكرة : أن الحنفية ، وبعض الشافعية ، قد أفتوا بأن العجم ليسوا اكفاء للعرب. أما الثوري ، فكان يرى التفريق بين المولى والعربية وشدد فيه وله فتاوى عجيبة اخرى لا مجال لذكرها هنا (٤).

وقال ابن رشد : « قال سفيان الثوري وأحمد : لا تزوج العربية من مولى ، وقال أبو حنيفة واصحابه : لا تزوج قرشية إلا من قرشي ، ولا عربية الا من عربي » (٥).

كما ويلاحظ هنا : أنهم قد وضعوا بعض ما يسمى بالروايات ، ونسبوها الى النبيّ 6 (٦).

ونكاد نظن : أن الخليفة الثاني ، قد استفاد ذلك من كسرى ، الذي تعلم منه العدل أيضاً .. وذلك لان أنوشيروان اشترط على معدي كرب شروطاً ، منها : أن الفرس تزوج باليمن ، ولا تتزوج اليمن منها. وفي ذلك يقول الشاعر :

على أن ينكحوا النسوان منهم

لا ينكحوا في الفار سينا (٧)

__________________

و ١٥٤ وراجع : نفس الرحمان ص ٢٩ ومحاضرات الادباء ، المجلد الثاني جزء ٣ ص ٢٠٨.

(١) العثمانية ص ٢١١.

(٢) الايضاح ص ٢٨٦.

(٣) الاسلام والمشكلة العنصرية ص ٦٧ عن الجامع الصغير لمحمد بن الحسن ص ٣٢ هامش كتاب الخراج لابي يوسف ط بولاق.

(٤) راجع : المصنف للصنعاني ج ٦ ص ١٥٤ وكلام أبي حنيفة في ضحى الاسلام ج ١ ص ٧٧ وكلام الشافعية في كتاب : الاسلام والمشكلة العنصرية ص ٦٧ عن كتاب : التنبيه في الفقه الشافعي ص ٩٥. وراجع : اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٥٩.

(٥) بداية المجتهد : ج ٢ ص ٣٥١.

(٦) راجع : كشف الاستار ج ٢ ص ١٦١ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٧٥.

(٧) مروج الذهب ج ٢ ص ٥٦. ويلاحظ : أن الشطر الثاني غير مستقيم. ولعل الصحيح : وألاّ ينكحوا في الفارسينا.


وبعد .. فاننا نجد عمر بن عبدالعزيز الاموي يقتفي خطى عمر بن الخطّاب في هذا المجال؛ فهو يقول :

لا يتزوج من الموالي في العرب إلا الاشتر البطر ، ولا يتزوج من العرب في الموالي إلا الطمع الطبع ، وقال :

لا خير في طمع يهدي الى طمع

وغفة من قوام العيش تكفيني (١)

وقال الجاحظ : « وقالت الزنج للعرب : من جهلكم أنكم رأيتمونا لكم اكفاء في الجاهلية في نسائكم ؛ فلما جاء الاسلام رأيتم ذلك فاسداً » (٢).

وزعم الاصمعي ، قال : سمعت أعرابياً يقول لآخر :

أترى هذه العجم تنكح نساءنا في الجنة؟!

قال : أرى ذلك ـ والله‏ ـ بالاعمال الصالحة.

قال : توطأ ـ والله ـ رقابنا قبل ذلك (٣).

٩ ـ قرار يعجز الخليفة عن تنفيذه :

ولما ورد سبي الفرس إلى المدينة أراد عمر أن يبيع النساء ، ويجعل الرجال عبيداً للعرب ، وعزم على أن يحملوا الضعيف ، والشيخ الكبير في الطواف حو البيت على ظهورهم.

ولكن أمير المؤمنين عليّاً 7 رفض ذلك ، وأعتق نصيبه ، ونصيب بني هاشم ، فتبعه المهاجرون والانصار ، ففات على عمر ما كان أراده (٤).

__________________

(١) الفائق ج ١ ص ٣٥٣.

(٢) رسائل الجاحظ ج ١ ص ١٩٧.

(٣) الكامل للمبرد ج ٤ ص ١٦.

(٤) نفس الرحمان ج ١٤٤ ودلائل الامامة ص ٨١ و ٨٢ والبحار ج ٤٦ ص ١٥/١٦ وج ٩٧ ص ٥٦ وج ٤٥ ص ٣٣٠ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ٤٨.


١٠ ـ محاولة استئصال غير العرب :

وقد أرسل عمر إلى أبي موسى الاشعري ، عامله بالبصرة حسب ما ورد في رسالة معاوية لزياد : « .. أعرض من قبلك من أهل البصرة ؛ فمن وجدت من الموالي ، ومن اسلم من الاعاجم قد بلغ خمسة أشبار ؛ فقدمه ؛ فاضرب عنقه » (١).

فشاور أبو موسى زياداً ، فنهاه زياد عن ذلك ، وأمره أن يراجع عمر في ذلك ، فكتب إليه ، وأرسل زياداً إليه بالكتاب ، فلم يزل بعمر حتى ردّه عن رأيه ، وخوفه فرقة الناس ، فرجع ..

وقال له : « مايؤمنك ، وقد عاديت أهل هذا البيت : أن يثوروا إلى علي ؛ فينهض بهم ، فيزيل ملكك؟! ».

فكفّ عن ذلك.

ثم تذكر الرسالة سبب اقدام عمر على هذا الإجراء ، وهي امور هامة يجدر بالباحث الاطلاع عليها ، ويقول فيها أيضاً معاوية لزياد :

« .. فلو كنت يا أخي لم ترد عمر عن ذلك لجرت سنته ، ولا ستأصلهم ا‏لله ، وقطع أصلهم. وإذن .. لاستنت به الخلفاء بعده ، حتى لا يبقى منه شعر ، ولا ظفر ، ولا نافخ نار إلخ .. » (٢).

١١ ـ أوامر وقرارات لا تطاق :

وقد جاء في رسالة معاوية لزياد بن أبيه ، المشار إليها آنفاً : الاوامر والقرارات التالية :

« .. وانظر إلى الموالي ، ومن أسلم من الاعاجم ؛ فخذهم بسنة عمر بن

__________________

(١) سليم بن قيس ص ١٤٢ وراجع: نفس الرحمان ص ١٤٤ وسفينة البحار ج ٢ ص ١٦٥.

(٢) راجع: كتاب سليم بن قيس ص ١٤٢ ـ ١٤٣ ونفس الرحمان ص ١٤٤.


الخطاب ؛ فان في ذلك خزيهم وذلّهم :

ان تنكح العرب فيهم.

ولا تنكحوهم.

وأن يرثهم العرب.

ولا يرثونهم.

ولا تقصر بهم في عطائهم ، وأرزاقهم ..

وأن يقدموا في المغازي : يصلحون الطريق ، ويقطعون الشجر.

ولا يؤم أحد منهم العرب في صلاة.

ولا يتقدم أحد منهم في الصف الاُول ، إذا حضرت العرب ، إلا أن يتموا الصف.

ولا تولّ أحداً منهم ثغراً من ثغور المسلمين ، ولا مصراً من امصارهم.

ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين.

ولا أحكامهم.

فان هذه سنة عمر فيهم ، وسيرته .. ».

إلى أن قال :

« .. وفي رواية اخرى : يا أخي لولا أن عمر سنّ دية الموالي على النصف من دية العرب ـ وذلك أقرب للتقوى ـ لما كان للعرب فضل على العجم.

فاذا جاءك كتابي هذا ..

فأذلّ العجم.

وأهنهم.

واقصهم.

ولا تستعن بأحد منهم.

ولا تقض له حاجة » (١).

__________________

(١) راجع : كتاب سليم بن قيس ص ١٤٠ و ١٤١ ونفس الرحمان ص ١٤٤ وسفينة البحار ج ٢ ص ١٦٥.


١٢ ـ الإرث :

قد أشير في الرسالة السابقة إلى أن عمر بن الخطاب قد قرر : أن العرب يرثون العجم والموالي ، ولا يرث هؤلاء اولئك ..

ولا يقتصر نقل ذلك عنه على ذلك النص ، فقد صرحوا بقولهم :

أبى عمر : أن يورِّث أحداً من الاعاجم إلا أحداً ولد في العرب (١) زاد رزين : أو امرأة جاءت حاملاً ؛ فولدت في العرب .. (٢).

وهو قول عثمان وعمر بن عبدالعزيز أيضاً (٣).

١٣ ـ تقليم أظفار العجم :

وكان ثابت بن قرة الحراني الصابي الفيلسوف يقول : « فضلت امة النبيّ العربي على جميع الامم الخالية بثلاثة لا يوجد في من مضى مثلهن :

بعمر بن الخطّاب في سياسته ؛ فانه قلّم أظفار العجم ، ولطف في ايالة العرب ، وتأتى لتدبير الحروب ، وأشبع لبطون العرب » (٤).

١٤ ـ الحمراء والتجارة :

« .. وفي العتيبة : قال مالك : قال عمر بن الخطاب : عليكم بالتجارة ، لا تفتنكم هذه الحمراء على دنياكم. قال اشهب : كانت قريش تتجر ، وكانت العرب تحقر التجارة.

__________________

(١) الموطا ج ٢ ص ٦٠ والغدير ج ٦ ص ١٨٧ عنه. وبداية المجتهد ج ٢ ص ٣٥١ وراجع : المصنف للصنعاني ج ١٠ ص ٣٠٠ و ٣٠١ وعن كنز العمال ج ٦ ، وتيسير الوصول ج ٢ ص ١٨٨.

(٢) تيسير الوصول ج ٢ ص ١٨٨.

(٣) بداية المجتهد ج ٢ ص ٣٥١ وراجع : المصنف للصنعاني ج ١٠ ص ٣٠٠ و ٣٠١ عن عثمان وعمر وراجع : كنز العمال ج ٦.

(٤) البصائر والذخائر ج ١ ص ١٩٥.


والحمراء يعني : الموالي.

وفي المدخل لابن الحاج : ورد أن عمر بن الخطاب دخل السوق في خلافته ؛ فلم يرفيه في الغالب إلاّ النبط ، فاغتم لذلك ؛ فلما أن اجتمع الناس أخبرهم بذلك ، وعذلهم في ترك السوق ؛ فقالوا : إن ا‏ اغنانا عن السوق ، بما فتح به علينا ، فقال (رض) : وا‏لله لئن فعلتم ليحتاج رجالكم إلى رجالهم ، ونساؤكم إلى نسائهم » (١).

هذه نظرة عمر إلى الموالى ، وهذا هو رأيه فيهم. بل لقد منعهم حتى من دخول السوق! فقدر روي عنه : أنه قال : لا يدخل الاعاجم سوقنا حتى يتفقهوا في الدين (٢).

ولا ندري إن كان قد اشترط على العرب أيضاً هذا الشرط أم لا؟

بل ان الظاهر من رواية العتيبة ، وابن الحاج : أنه كان لا يرغب في ان يرى الموالي في السوق ، يتجرون ، ويحصلون على المال دون العرب ؛ فموقفه نابع من حبه الخير للعرب ، دونهم. وقد رأينا فيما سبق كيف فضل العرب عليهم ، في العطاء ، وفي الزواج ، وفي ما سوى ذلك من امور.

وخطب عمر في الجابية ، فكان مما قال : « واياكم وأخلاق العجم .. إلى أن قال : واياكم أن تكسبوا من عقد الاعاجم ، بعد نزولكم في أرضهم. إلخ » (٣).

وأخيراً .. فان ولده عبدا‏ ، الذي كان معجباً بأبيه ، ومتأثراً به الى حد بعيد ـ قد ورثه في احتقاره لغير العرب ، فقد روي : أنه مرّ على زنجي ؛ فقال له : السلام عليك يا جُعَل (٤).

وبعد كل ما تقدم يتضح : ان ما روي من أن عمر بن الخطاب قد لام أبا موسى ، لانه حين قدم عليه قوم أعطى العرب منهم وترك الموالي (٥) انما هو لان عدم

__________________

(١) التراتيب الادراية ج ٢ ص ٢٠ وذكر في ص ٢١ نصوصاً اُخرى : فلتراجع.

(٢) الترايب الادارية ج ٢ ص ١٧.

(٣) حياة الصحابة ج ٣ ص ٤٨٨ عن كنز العمال ج ٨ ص ٢٠٧.

(٤) الطبقات الكبرى ، لابن سعد ج ٤ قسم ص ١١٧ ط ليدن.

(٥) حياة الصحابة ج ٢ ص ٤٤٧ عن كنز العمال ج ٢ ص ٣١٩ و ١٧٢.


اعطائهم شيئاً اصلاً من شأنه ان يثيرهم عليه ، ويصبح ذلك بداية مشكلات كبيرة قد لا يكون أبو موسى قادراً على مواجهتها ، وعليه ... فلا يكون ذلك مخالفاً لرايه الذي ذكرنا بعض شواهده وأدلته.

سياسة علي 7 مع غير العرب :

ونجد في مقابل هذه السياسة العمرية سياسة اخرى علوية ، فان سياسة علي 7 جاءت لتجسد رأي الاسلام على أتم وجه ، واوفاه ، ويتضح ذلك بملاحظة ما يلي من نصوص :

١ ـ « قال مغيرة : كان علي 7 أميل الى الموالي ، وألطف بهم ، وكان عمر أشدّ تباعداً منهم » (١).

٢ ـ كما أنه 7 لم يكن يميز أحداً على أحد ، لا في العطاء ، ولا في غيره ؛ وذلك لانه لم يجد في القرآن لبني إسماعيل فضلاً على بني إسحاق على حد تعبيره في اجابته لتلك المرأة التي طالبته بأن يفضلها على اخرى غير عربية (٢).

وقد كان ذلك من أهم اسباب تقاعد العرب عنه.

وقد أشير عليه أن يميّز البعض على غيره ، من أجل أن تستقيم له الامور؛ فرفض ذلك ؛ حيث إنه لم يكن ليطلب النصر بالجور ، على حد تعبيره صلوات ا‏لله وسلامه عليه (٣).

__________________

(١) الغارات ج ٢ ص ٤٩٩.

(٢) راجع : الغارات ج ١ ص ٧٠ ، وأنساب الاشراف (بتحقيق المحمودي) ج ٢ ص ١٤١ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٣٤٩ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٨٣ والكافي (الروضة) ص ٦٩ وحياة الصحابة ج ٢ ص ١١٢ عن البيهقي ، والبحار ج ٤١ ص ١٣٧ عن شرح النهج للمعتزلي الحنفي ج ١ ص ٢١٥ ـ ٢١٧ والغدير ج ٨ ص ٢٤٠ وبهج الصباغة ج ١٢ ص ١٩٧ ـ ٢٠٧ عن بعض من تقدم ، وعن مصادر اخرى وفي هامش الغارات عن : الوسائل ج ٢ ص ٤٣١ ط أمير بهادر وعن ثامن البحار ص ٧٣٩.

(٣) راجع : الامالي للشيخ المفيد ص ١٧٥/١٧٦ والامالي للشيخ الطوسي ج ١ ص ١٩٨/١٩٧ والغارات


وقد علمنا : أن من جملة ما نقمه عليه طلحة والزبير : أنه قد عدل عن سنة عمر بن الخطاب في العطاء وذلك معروف ومشهور (١).

٢ ـ وسئل 7 : أيجوز تزويج الموالي بالعربيات؟

فقال : تتكافأ دماؤكم ، ولا تتكافأ فروجكم؟! (٢).

٣ ـ وقد أتى الموالي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، فقالوا : نشكو إليك هؤلاء العرب ؛ إنّ رسول ا‏لله 6 كان يعطينا معهم العطايا بالسوية ، وزوّج سلمان ، وبلالاً ، وأبوا علينا هؤلاء ، وقالوا : لا نفعل ..

فذهب إليهم أمير المؤمنين ؛ فكلمهم ، فصاح الاعاريب : أبينا ذلك يا أبا الحسن ، أبينا ذلك.

فخرج وهو مغضب ، يجر رداءه ، وهو يقول : يا معشر الموالي ، إن هؤلاء قد صيروكم بمنزلة اليهود والنصارى ، يتزوجون منكم ، ولا يزوجونكم ، ولا يعطونكم مثل ما يأخذون ؛ فاتجروا بارك ا‏لله لكم إلخ .. (٣).

وواضح : أن ذلك قد كان قبل البيعة له عليه الصلاة والسلام بالخلافة ..

٤ ـ وقال الاشعث بن قيس لامير المؤمنين 7 ، وهو على المنبر : يا أمير المؤمنين ، غلبتنا هذه الحمراء على قربك!

قال : فركض على المنبر برجله. فقال صعصعة : ما لنا ولهذا ـ يعني الاشعث ـ ليقولن أمير المؤمنين اليوم في العرب قولاً لا يزال يذكر!! ..

__________________

ج ١ ص ٧٥ وبهج الصباغة ج ١٢ ص ١٩٦ والوسائل ج ١١ ص ٨٢/٨١ والكافي ج ٤ ص ٣١ وتحف العقول ص ١٢٦ والامامة والسياسة ج ١ ص ١٥٣ ونهج البلاغة بشرح عبده ج ٢ ص ١٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ١٩٧ و ٢٠٣ والبحار ج ٤١ ص ١٣٣ و ١٣٤.

(١) راجع على سبيل المثال المعيار والموازنة ص ١١٤/١١٣: المناقب لابن شهرآشوب ج ٢ ص ١١١.

(٢) الاستغاثة ص ٤٥.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣١٩/٣١٨ وراجع : سفينة البحار ج ٢ ص ١٦٥ ونفس الرحمان ص ٣٠ والبحار ج ٤٢ ص ١٦٠.


فقال علي 7 : من يعذرني من هؤلاء الضياطرة (١) ، يتمرغ أحدهم على فراشه تمرغ الحمار ، ويهجّر قوم للذكر؛ فيأمرني أن أطردهم إلخ .. (٢).

وتوقعات صعصعة ، التي تحققت ، تدل على أن ذلك كان معروفاً من رأي علي 7 وطريقته.

ذرية علي (ع) تسير على نهجه :

وقد سار وُلد علي أمير المؤمنين 7 وأهل بيته على نفس هذه السياسة أيضاً ، واعتمدوا عين هذا النهج ، ويكفي أن نذكر :

١ ـ أن السجاد 7 قد أعتق ـ على ما قيل ـ خمسين ألفاً (٣) ، بل قيل : أعتق مائة ألف .. (٤).

٢ ـ وأعتق مولاته ، ثم تزوجها ، فكتب إليه عبدالملك بن مروان يعيره بذلك ؛ فأجابه بكتاب جاء فيه : « .. وقد رفع الله بالاسلام الخسيسة ، وتم به النقيصة ، وأذهب اللوم ؛ فلا لوم على امرىُ مسلم ، إنما اللوم لوم الجاهلية ».

__________________

(١) الضيطر : هو الاُحمر ، العضِل ، الفاحش.

(٢) راجع : الكامل للمبرد ٢ ص ٦٢ والغارات ج ٢ ص ٤٩٩/٤٩٨ وشرح النهج للمعتزلي الحنفي ج ٢ ص ٢٨٤ وج ١٩ ص ١٢٤ والفائق ج ١ ص ٣١٩ وكنز العمال ج ٤ ص ٣٩٧ عن ابن أبي شيبة ، والحارث ، وأبي عبيد ، والدورقي ، وابن جرير وصححة ، والبزار وغريب الحديث ج ٣ ص ٤٨٤ والنهاية ج ٣ ص ٨٧ وراجع : تفسير العياشي ج ١ ص ٣٦١/٣٦٠ والبحار ج ٤١ ص ١١٨ وتفسير البرهان ج ١ ص ٥٢٧ وتفسير الثقلين ج ١ ص ٥٩٨/٥٩٧ وقاموس الرجال ج ٢ ص ٩٩ وبهج الصباغة ج ١٣ ص ٤٠٠.

ومجلة نور علم سنة ٢ عدد ٦ ص ٢٠ في مقال للعلامة المحقق الاحمدي الميانجي ، عن بعض من تقدم ، وعن نثر الدرر ج ١ ص ٢٩٩/٣٠٠ وعن تهذيب الكامل للسباعي ج ٢ص ١١٦ ةغت شرح الكامل للمرصفي ج ٤ ص ١٩٤.

(٣) زين العابدين ، لعبد العزيز سيد الاهل ص ٤٧.

(٤) المصدر السابق ص ٧.


وقد اعترف عبدالملك حينئذٍ : بأن السجاد يرتفع من حيث يتضع الناس (١).

وقد نسبت هذه القضية للامام الحسين مع معاوية (٢) فلا بد من تحقق ذلك ، ولا مجال لذلك في هذه العجالة ..

٣ ـ وحسب رواية اخرى: ان السجاد تزوج ام ولد عمه الحسن 7 ، وزوج مولاه امه (ونعتقد : أن المراد بها مرضعته ، لاُن امه قد توفيت ، في نفاسها به) (٣).

فلما بلغ ذلك عبدالملك كتبه إليه في ذلك ، فكتب إليه السجاد :

فهمت كتابك ، ولنا اسوة برسول الله 6 ؛ فقد زوج زينب بنت عمه زيداً مولاه. وتزوج مولاته صفية بنت حيي بن أخطب (٤).

وحسبنا ما ذكرنا ، فاننا لسنا بصدد تتبع ذلك واستقصائه ..

الرافد الاول والاساس :

وأخيراً .. فان من الواضح : أن سياسات التمييز العنصري ، سياسات غريبة عن الاسلام ، بعيدة كل البعد عن تعاليمه ، مناقضة لتشريعاته.

فهل تأثر روّاد هذه السياسة ، وحماتها بغيرهم ، ممن حرصوا عليها ، حرصهم على أنفسهم ، واعتبروها نهج حياة ، وأساس تعامل؟!

__________________

(١) البحار ج ٤٦ ص ١٦٥/١٦٤ والكافي ج ٥ ص ٣٤٥/٣٤٤ وراجع ص ٣٦١ وأئمتنا ج ١ ص ٢٨٧ و ٢٨٨ عن : زين العابدين لعبد العزيز سيد الاُهل ص ٦٠. والعقد الفريد ج ٦ ص ١٢٨ وعن المناقب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ٣٠٠.

(٢) الاسلام والمشكلة العنصرية ص ٦٦/٦٥ عن : الموالي في العصر العباسي ص ٣٩.

(٣) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٢٨ والبحار ج ٤٦ ص ٨ و ٩.

(٤) راجع : الكافي ج ٥ ص ٣٤٦ و ٣٦١. البحار ج ٤٦ ص ١٤٠/١٣٩ والاسلام والمشكلة العنصرية ص ٦٦ عن الموالي في العصر الاموي ص ٦٦.


الجواب : نعم ..

إن الخليفة الثاني ، عمر بن الخطاب ، حينما أعلن عن آرائه وسياساته ، تجاه غير العرب ، وانتهج سياسة التمييز العنصري ، لم يكن في الحقيقة قد ابتدع أمراً جديداً من عند نفسه ، لم يكن من قبل.

بل لقد سبقه الى هذا الامر اليهود والنصارى؛ فلعله قد تأثر ببعض علمائهم ، الذين كانوا مقربين إليه ، وكان يرجع إليهم في كثير من القضايا الحساسة ، من امثال : كعب الاحبار ، وعبدا‏ بن سلام ، وتميم الداري ..

واليهود هم الذين قالوا : « نحن ابناء الله‏ وأحباؤه .. » (١).

وقال تعالى : « قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء ‏ من دون الناس فتمنوا الموت إلخ » (٢). ونحن نذكر فيما يلي نماذج من النصوص العنصرية عند اليهود ، وخصوصاً في تلمودهم ؛ فنقول :

نصوص عنصرية يهودية :

« قريب اليهود هو اليهودي فقط ، باقي الناس حيوانات في صورة انسان. هم حمير ، وكلاب ، وخنازير ».

« إذا ضرب امي اسرائليا ، فكانما ضرب العزة الالهية » « فالامي يستحق الموت » (٣).

أأما كونهم شعب ا‏لله المختار ، فلان الله قد تزوج اسرائيل ، وسجل عقد الزواج بينهما ، وكانت السموات والارض شهوداً على هذا العقد (٤).

« ولليهودي في الاعياد أن يطعم الكلب ، وليس له أن يطعم غير اليهود ، والشعب المختار هو اليهود فقط ، أما باقي الشعوب ، فهم حيوانات.

__________________

(١) المائدة ١٨.

(٢) الجمعة ٦.

(٣) الكنز المرصود ص ٦٦ ومقارنة الاديان (اليهودية) ص ٢٧٢.

(٤) مقارنة الاديان (اليهودية) ص ٢١٢ و ٢١٣.


ويروي : أنه لما قدم بخت نصّر ابنته إلى زعيم اليهود ؛ ليتزوجها ، قال له هذا الزعيم : إنّي يهودي ولست من الحيوانات إلخ .. » (١).

وجاء في تلمود اورشليم ص (٩٤) : ان النطفة المخلوق منها باقي الشعوب الخارجين عن الديانة اليهودية هي نطفة حصان (٢).

ويلزم المرأة أن تعيد غسلها إذا رأت عند خروجها من الحمام شيئاً نجساً ، ككلب ، أو حمار ، أو مجنون ، او امي ، أو جمل ، أو خنزير » إلخ (٣).

« خلق ا‏لله الاجنبي على هيئة الانسان ؛ ليكون لائقاً لخدمة اليهود » (٤).

إأن اليهود يعتبرون أنفسهم جزءاً من ا‏لله (٥). بل يعتبرون أنفسهم مساوين للعزة الالهية (٦).

« .. نحن شعب ا‏لله في الارض. وقد أوجب علينا أن يفرقنا؛ لمنفعتنا؛ ذلك أنه لاُجل رحمته ورضاه سخر لنا الحيوان الانساني ، وهم كل الامم والاجناس ، سخرهم لنا؛ لانه يعلم : أننا نحتاج إلى نوعين من الحيوان : نوع أخرس ـ كالدواب ، والانعام ، والطير ـ ونوع ناطق ، كالمسيحيين ، والمسلمين ، والبوذيين ، وسائر الامم من أهل الشرق والغرب ؛ فسخرهم ؛ ليكونوا مسخرين لخدمتنا ، وفرقنا في الارض ؛ لنمتطي ظهورهم ، ونمسك بعنانهم إلخ .. » (٧).

وفي بروتوكولات حكماء صهيون ، البرتوكول الخامس عشر ، والحادي عشر نصوص اخرى؛ فلتراجع .. هذا عدا عما سوى ذلك ، مما ورد في الموارد المختلفة.

وأخيراً .. فقد قال آدم متز : « كان أغلب تجار الرقيق في أوربا من اليهود.

__________________

(١) مقارنة الاديان (اليهودية) ص ٢٧٢. الكنز المرصود ص ٦٧ و ٦٨ وعن : التلمود شريعة اسرائيل ص ٢٥.

(٢) الكنز المرصود ص ٦٧ وراجع ص ٦٨.

(٣) المصدر السابق.

(٤) الكنز المرصود ص ٦٩.

(٥) الكنز المرصود ص ٦٦ واليهود قديماً وحديثاً ص ٦٩ ومقارنة الاديان (اليهودية) ص ٢٧٢.

(٦) الكنز المرصود في قواعد التلمود ص ٧٢.

(٧) اليهود قديماً وحديثاً ص ١٤ وتفسير الجواهر للطنطاوي ج ٢ ص ١٣٦.


وكان الرقيق يجلب كله تقريباً من الشرق الادنى » (١).

تحريض يهوديّ مبطن :

وإذا كان اليهود قد ساهموا في حمل الحكام على اتباع هذه السياسة ، بصورة صريحة ، أو مبطنة ؛ فانهم ولا شك ، كانوا يرصدون الواقع ، ويرقبون الاحداث ؛ ويساهمون في توجيهها بحيث ، تصب في مصلحتهم ، ولا أقل ، من الاعداد لمنع حدوث أية مضاعفات تسيءُ إلى مواقعهم ، أو تحد من طموحاتهم ..

ولا بدّ وأن يكونوا قد لاحظوا : أن أنباط يثرب كانوا أشد الناس على عثمان ، حين الثورة عليه ، كما سيأتي ، وأن انظار كل الناس ـ إبّان حصار عثمان وحين قتله ـ كانت متجهة صوب أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، حتى لقد اتجهوا إلى بيعته ، قبل أن يدفن الخليفة المقتول بشوق زائد ، ولهفة ظاهرة ، حتى وطىُ الحسنان ، وشق عطفاي ، على حد تعبير على 7 نفسه ..

مع سابق علمهم ويقينهم بأن سياسة وطريقة علي 7 في التعامل مع مسألة التمييز والتفضيل ، ومع غيرها من المسائل والقضايا ، هي التجسيد الحي لسياسة الرسول الاعظم 6 وطريقته.

فلا بدّ وأن يعيد الامور إلى نصابها ، ويعطي كل ذي حق حقه ، ولسوف لا يرى فضلاً لبني إسماعيل على بني إسحاق ، ولا عكس ذلك ..

نعم .. إن اليهود ، واحبارهم ، الذين اظهروا الاسلام ، إذا كانوا يدركون كل ذلك ، فان من الطبيعي أن نجدهم يتحركون لتلافي الاخطار المحتملة ، فنجد الحبر اليهودي ، الذي اظهر الاسلام ، يظهر موقفه بأسلوب يستبطن اثارة المخاوف ، والتحريض على العصيان ..

__________________

(١) الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج ١ ص ٣٠١.


فقد روي مسلم بن إبراهيم ، قال : أخبرنا سلام بن مسكين ، قال : أخبرنا مالك بن دينار ، أخبرني من سمع عبدا‏ بن سلام يقول يوم قتل عثمان :

« اليوم هلكت العرب » (١).

فهو يريد أن يثير حفيظة العرب ، بالتلويح بخسرانهم الامتيازات الظالمة ، التي منحهم إياها الحكم ، مع تحذير مبطن من أن الامور تتجه نحو تحكيم اولئك الذين لا يرون فضلاً لاُحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح ، فما على العرب إذن إلا أن يتحركوا ، وأن يدفعوا الاخطار المحتملة عن أنفسهم!!

وهكذا .. فان صانعي سياسة التمييز بين الناس ، يحاولون الآن استثمار جهودهم ، ونفث سمومهم ، وتسديد ضربتهم للمسلمين وللاسلام في الصميم ، فيثيرون عصبية العرب ضد غيرهم ، ويصوّرون لهم : أنهم في خطر أكيد ، وأمام عدو عنيد ، قد أصبحت الحرب معه حرباً مصيرية ، وأصبحت العداوة قائمة على الثأر الدم ، فهي إذن ثابتة وراسخة ، لن يستطيع أحد إطفاء نارها ، ولا التحرز من آثارها ..

وإلا .. فلماذا يهلك العرب إذا قتل عثمان ، ولا يهلك غيرهم من الناس؟!

وما هذه الغيرة الشديدة من سليل بني إسرائيل على العرب ، وعلى مصيرهم؟!

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ٣ ص ٨١ ط صادر.



الفصل الرابع :

التمييز العنصري ..

نتائج .. وآثار



من آثار ونتائج السياسة العمرية :

وبعد .. فلقد كان لسياسة التمييز العنصري التي تحدثنا عنها أثارها الخاصة بها ، سواء بالنسبة إلى اولئك الذين هدرت كراماتهم ، وسلبت حقوقهم ، وعلى اساسها ، وهم الموالي ، وغير العرب ..

أو بالنسبة لمؤسسها ورائدها ، الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، وكل الذين ساروا على نهجه ، ونسجوا على منواله ..

ولكنها آثار لها طبيعتها الخاصة بها ، بالنسبة إلى كل فريق من هذين ، كما سنرى.

أضف إلى ذلك تلك الآثار الاخرى ، ذات الطبيعة المتميزة أيضاً على ذلك الفريق الثالث ، الذي عارض هذه السياسة ، ورفضها ، وأدانها ، بقوة ، وصلابة .. أعني عليّاً أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، وأهل بيته الطاهرين ، صلوات ا‏لله وسلامه عليهم أجمعين ، ثم شيعتهم الابرار الميامين ، الذين ترسموا خطاهم ، واتبعوا سبيلهم ، الذي هو سبيل الايمان والاسلام.

آثار سياسة عمر على العرب :

فاما بالنسبة لآثارها على العرب ، وهم المنتفعون الاوائل من هذه السياسة ، بصورة عامة فاننا نقول باختصار :

إن العرب قد حصلوا نتيجة لذلك على امتيازات كثيرة ، وأصبحت لهم السابقة


والارجحية في كل شيء ، واختصوا لانفسهم بكل مصادر الخير ، والفضل ، والتقدم في المجالات المختلفة وهم الذين كانوا إلى الامس القريب لا يحلمون حتى بأن يحكموا أنفسهم ، أو يملكوا أمرهم. وكانوا يعيشون الحياة الصعبة بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، ويعانون من عقدة التخلف ، والحقارة ، والمهانة بصورة حقيقية ..

وكانوا يتعاملون مع كل من يحيط بهم من الامم ، من موقع الحاجة ، والضعف ، والاستكانة ، والفقر؛ فيقيسون ما هم من ذل إلى ملك كسروي ، وجبروت قيصري ، فيرون البون الشاسع ، والفرق الكبير ؛ فأين الثريا من الثرى. وأين الحضيض من السها ، قال قتادة : « كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلاً ، وأشقاه عيشاً ، وأبينه ضلالةً ، واعراه جلوداً ، وأجوعه بطوناً ، معكومين على رأس حجرين أسدين : فارس ، والروم. لا وا‏لله. ما في بلادهم يؤمنذ شي ء يحسدون عليه ، من عاش منهم عاش شقياً ، ومن مات ردّي في النار. يؤكلون ، ولا يأكلون. والله ما نعلم قبيلاً يؤمئذٍ ، من حاضر الارض ، كانوا فيها أصغر حظاً ، وأدق فيها شأناً منهم ، حتى جاء الله عزّوجلّ بالاسلام ، فورثكم به الكتاب واحل لكم به دار الجهاد ، ووضع لكم به من الرزق ، وجعلكم به ملوكاً على رقاب الناس » (١).

وهناك كلمات أمير المؤمنين المعبرة عن حالة العرب ، وأنهم كانوا على « شر دين ، وفي شر دار ، بين حجارة خشن ، وحيات صم ، تشربون الكدر ، وتأكلون الجشب إلخ » (٢). وله 7 كلمات اخرى تعبر عن حالة العرب .. فليراجعها من ارادها .. وليراجع أيضاً كلام المغيرة بن شعبة في هذا المجال (٣).

__________________

(١) جامع البيان ج ٤ ص ٢٥ وضحى الاسلام ج ١ ص ١٨ عنه.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة رقم ٢٥ بشرح محمد عبده.

(٣) راجع في ذلك كتابنا : الصحيح من سيرة النبيّ الاعظم 6 ج ١ ص ٤٧/٤٨.


وإذا كانت هذه حالتهم ، فانهم لم يكن يمكن لهم أن يسمحووا لمخيّلتهم أن يمر فيها وَهمُ الخروج من حالتهم تلك ، فضلاً عن أن يفكروا في السيطرة على الامبراطورية الكسروية وغيرها ، ويصبحوا بين يوم وآخر أسياد العالم وحكامه ، والمسيطرين على قدراته وامكاناته.

أضف إلى ذلك : أن الاكثرية الساحقة حين حصول هذا التحول الهائل في واقعهم ، كانت لا تزال تعيش في ظل مفاهيمها الجاهلية ، وتخضع للضوابط والمعايير القبلية ، وتنطلق في مواقفها من اهوائها ، وعصبياتها ، ومصالحها الشخصية.

ولم يتهيأ لها ، أو لم تكلف نفسها عناء العيش في ظل مفاهيم الاسلام وتعاليمه ، ولم تتفاعل مع قيمه ومثله ، ولا عاشت التجربة إلا في حدود الشعار ، أو التوهج العاطفي ، الذي لم يتأصل في وعيها ، ولم يتجذر في فكرها ، ولا تلاقي مع فطرتها ، ولا لامس ضميرها ووجدانها ..

وقد تجلى ذلك بصورة أوضح ، بعد أن تعرضت الامة بعد وفاة نبيها لمسحٍ إعلامي ، وتثقيفي ، عمل على إيجاد حالة جديدة ، تستهدف تحويل الاتجاه في مرامي الطموح إلى مسار جديد ينسجم مع المصالح الطارئة ، والتغيرات العارضة ، التي جاءت كنتيجة طبيعية للتغيير غير الطبيعي الذي نار مركز القيادة بعد الرسول الاعظم 6 ، فتسلّمت القيادة تلك الفئة التي خصتهم بامتيازات ما كانوا يفكرون فيها ، ولا يحلمون بها .. فعكفوا على دنياهم ، وغرقوا في زبارجها وبهارجها.

ولم يعد يهمهم ، إلا أن يكرسوا لانفسهم هذه الامتيازات ، ويحوطوها ، ويحافظوا عليها ، ثم الحصول على المزيد منها ، مهما كان ذلك ظالماً ، ومدمراً للآخرين ، أو مخالفاً للشرع ، ولاُحكام الدين ، أو تمجه الاخلاق ، وتأباه الفطرة ..

وبعد كل ذلك ، فان من الطبيعي : أن نجد : أن هؤلاء ، قد ابتلوا بداء


الغرور ، وبرذيلة الصلف والكبرياء ، وما فتئوا يمارسون مختلف أنواع الظلم ، والاضطهاد ، والاذلال لمن كانوا بالامس أسيادهم ، وأصبحوا اليوم مواليهم وعبيدهم ..

وكان من المتوقع كذلك بعد أن ملكوا الاموال ، والضياع ، والبلاد أن يسقطوا في حمأة الشهوات ، وأن يستغرقوا بصورة بشعة ، وغير معقولة ولا متزنة في الملذات ، ما حلّ منها ، وما حرم. وأن تسحرهم الجواهر والمظاهر وتأخذ عقولهم الدنيا وما فيها ، من زبارج. وتبدأ ملامح شخصيتهم الانسانية بالانحسار والتلاشي ، ليبرز عوضاً عنها ذلك المارد البهيمي الشرس ، والضاري ، الذي افلت من القمقم ، حين كان يعيش في ظلمات نفوسهم ..

هذا المارد العتي ، الذي لم يكن ليرحم أحداً ، يحاول أن يقف في وجهه ، ولسوف يواجهه بالمزيد من المقت ، والكراهة ، والحقد ، وبروح الافناء والتدمير. ولا يفرق بين نبي ، أو ولي ، ولا بين رسول ورسالة ، ولا بين فضيلة أو تقوى ، ولا بين فطرة أو عقل ..

وهذا بالذات هو الذي يفسر لنا ما نال عليّاً 7 وأهل بيته ، وشيعته ، على مدى التاريخ وما واقعة كربلاء عنا ببعيد ، وهو أيضاً يعطينا التفسير الدقيق لدوافع الحرب التي لا تزال تشن دون هوادة ، على الاسلام ، والقرآن ، وعلى كل ما هو شرف ودين ، وكمال وفضيلة ..

ذلك أن عليّاً 7 وأهل بيته وشيعته ، يلتزمون بتعاليم الاسلام ، ويمثلون خط القرآن والايمان ، ويتحلون بفضائل الاخلاق ، وكريم السجايا ، ويهتدون بهدى العقل والفطرة.

عظمة عمر بن الخطاب في العرب :

وأما فيما يرتبط بآثار تلك السياسة على رائدها الاول ، ومرسي قواعدها ،


عمر بن الخطاب ، فقد كان من الطبيعي ، بعد أن فتحت الفتوحات ، وأقبلت الدنيا على الناس ، واُرٍضِيَ غرور الانسان العربي ، واستجيب لاهوائه ، وطموحاته في الحصول على المال ، وعلى غيره .. ثم استثمر الاعلام ذلك لصالح فريق معين ، على حساب كل ما ومن عداه. لقد كان من الطبيعي والحالة هذه : أن يتأكد عند الناس نباهة قوم ، وخمول آخرين ، وهو ما اشار اليه علي 7 ، حين قال في جملة كلام له : « .. ثم فتح ا‏لله عليها الفتوح ؛ فأثرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجهد والمخمصة .. ».

إلى أن يقول : « ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها ، وحسن تدبير الامراء القائمين عليها؛ فتأكد عند الناس نباهة قوم ، وخمول آخرين إلخ .. » (١).

نعم .. لقد كان من الطبيعي : أن يوجد ذلك التمييز والتفضيل للعرب ، تياراً جارفاً من الحب ، والتعظيم ، والتبجيل لذلك الذي كان السبب في حصولهم على كل ما حصلوا عليه ، وأن يصبح رأيه فيهم كالشرع المتبع ، وتصبح سنته فيهم هي السنة الماضية.

وقد ذكرنا في كتابنا : الحياة السياسية للامام الحسن 7 ص ٨٦ ـ ٩٠ بعض ما يفيد في هذا المجال ، ونذكر هنا بعض النصوص الاخرى ، لاظهار كيف أن قول الخليفة الثاني قد أصبح في الناس كالشرع المتبع ، وهي التالية :

إنه يكفي أن نذكر : أنه قد بلغ من عظمة عمر بن الخطاب : أن عليّاً 7 لم يستطع أن يمنع جنده من صلاة التراويح ، قال 7 :

« .. وتنادى بعض أهل عسكري ، ممن يقاتل معي : يا أهل الاسلام ، غيرت سنة عمر ، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعاً ، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري » (٢).

وفي نص آخر : أنهم سألوه أن ينصب لهم اماماً يصلي بهم نافلة شهر

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ص ٢٠ ص ٢٩٩.

(٢) الكافي ج ٨ ص ٥٩ ـ ٦٣.


رمضان ؛ فزجرهم ، وعرفهم : أن ذلك خلاف السنة ، فتركوه ، واجتمعوا لانفسهم ، وقدموا بعضهم ؛ فبعث إليهم ولده الحسن ليفرقهم ؛ « فلما رأوه تبادروا إلى أبواب المسجد ، وصاحوا : واعمراه » (١).

ولعل اول من صاح بذلك هو قاضيه شريح (٢).

وحينما أراد أن يعزل شريحاً عن القضاء ، قال له أهل الكوفة : « لا تعزله ، لانه منصوب من قبل عمر ، وقد بايعناك على أن لا تغير شيئاً قرره أبو بكر وعمر » (٣).

كما أن يزيد بن المهلب قد وعد الناس بالعمل بسنة العمرين (٤). وليس سنة النبيّ 6!!

بل إن طلحة والزبير ، الذين قاتلا أمير المؤمنين 7 بأهل البصرة العراقيين ، حينما قال لهما 7 :

« .. ما الذي كرهتما من أمري ، ونقمتما من تأميري ، ورأيتما من خلافي؟!

قالا : خلافك عمر بن الخطاب ، وائمتنا ، وحقنا في الفيء إلخ .. » (٥).

ونادى أصحاب الجمل بأمير المؤمنين : « اعطنا سنة العمرين » (٦).

وقال الخوارج لقيس بن سعد : « لسنا متابعيكم أو تأتونا بمثل عمر.

فقال : والله ، ما نعلم على الاُرض مثل عمر ، إلا أن يكون صاحبنا ».

وحسب نص الطبري : « ما نعلمه فينا غير صاحبنا ، فهل تعلمونه فيكم؟! » (٧).

__________________

(١) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ٢٨٣ وج ١ ص ٢٦٩ والصراط المستقيم ج ٣ ص ٢٦ وتلخيص الشافي ج ٤ ص ٥٨ والبحار ط قديم ج ٨ ص ٢٨٤.

(٢) رجال المامقاني ج ٢ ص ٨٣.

(٣) المصدر السابق.

(٤) محاضرات الراغب المجلد الثاني جزء ٣ ص ١٨٨.

(٥) المعيار والموازنة ص ١١٣.

(٦) الكامل للمبرد ج ١ ص ١٤٤.

(٧) الاخبار الطوال ص ٢٠٧ وتاريخ الامم والملوك ج ٤ ص ٦٢ والكامل لابن الاثير ج ٣ ص ٣٤٣ وأنساب الاشراف ، بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ٣٧٠/٣٧١ وبهج الصباغة ج ٧ ص ١٤٣.


وحينما أراد الخوارج اقناع بعض زعمائهم ، وهو زيد بن حصين ، بقبول الولاية عليهم ، اجتمعوا إليه ، وقالوا له : « أنت سيدنا وشيخنا ، وعامل عمر بن الخطاب على الكوفة ، تولّ إلخ .. » (١).

كما أن نجدة بن عامر الحروري : قد تخلى عن فكرة مهاجمة المدينة ، لما أن « أخبر بلبس عبدالله‏ بن عمر بن الخطاب السلاح ؛ تأهباً لقتاله مع أهل المدينة ، ذلك أن نجدة ، وسائر الخوارج ، كانوا يوقرون اباه عمر بن الخطاب توقيراً شديداً. وقد اختاره نجدة للإجابة على مسائله ، فكتب إليه نجدة يسأله عن اشياء في الفقه لكنها كانت اسئلة عويصة ؛ فترك الاجابة عنها إلى ابن عباس » (٢).

ويذكرون أيضاً : ان ابن عباس ، قد أشار علي أمير المؤمنين 7 بابقاء معاوية على الشام ، واحتج لذلك بقوله : « فان عمر بن الخطاب ولاه الشام في خلافته » (٣).

وحينما عاتب أمير المؤمنين 7 الخليفة الثالث عثمان بن عفان ، في أمر تولي معاوية للشام ، قال له عثمان : « انكرت علي استعمال معاوية ، وانت تعلم : أن معاوية كان أطوع لعمر بن يرفأ غلامه؟ إن عمر كان إذا استعمل عاملاً وطأ على صماخه إلخ .. » (٤).

وفي نص آخر : ان عثمان قال له : « ألم يولّ عمر المغيرة بن شعبة ، وليس هناك؟ قال : نعم. قال : أو لم يولّ معاوية؟ قال علي : ان معاوية كان أشد خوفاً وطاعة لعمر من يرفأ. وهو الآن يبتز الامور دونك إلخ .. » (٥).

__________________

(١) الثقات ج ٢ ص ٢٩٥ والخوارج والشيعة ص ٧١.

(٢) الخوارج والشيعة ص ٧١.

(٣) الفصول المهمة لابن الصباغ ص ٤٩.

(٤) شرح النهج للمعتزلي الخنفي ج ٩ ص ٢٤.

(٥) انساب الاشراف ج ٥ ص ٦٠ والكامل لابن الاثير ج ٣ ص ١٥٢ وتاريخ الامم والملوك ج ٣ ص ٣٧٧ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم ٢ ص ١٤٣ والغدير ج ٩ من ١٦٠ عنهم وعن تاريخ أبي الفداء ص ١٦٨. والنصائح الكافية ص ١٧٤.


هذا .. وقد احتج معاوية نفسه على صعصعة وأصحابه بنصب عمر له ؛ فليراجع (١).

ولما خرجت الخوارج من الكوفة ، أتى علياً أصحابه ، وشيعته ، فبايعوه ، وقالوا : نحن اولياء من واليت ، واعداء من عاديت ؛ فشرط لهم فيه سنة النبيّ 6 ؛ فجاءه ربيعة بن أبي شداد الخثعمي ، وكان شهد معه الجمل ، وصفين ، ومعه راية خثعم ؛ فقال له : بايع على كتاب ا‏لله ، وسنة رسوله.

فقال ربيعة : على سنة أبي بكر ، وعمر ..

فقال له علي 7 : ويلك ، لو أن بكر وعمر عملا بغير كتاب ا‏لله ، وسنة رسوله ، لم يكونا على شيء من الحق ..

فبايعه ربيعة.

ونظر إليه علي 7 ، فقال : أما والله ، لكأني بك ، وقد نفرت مع هذه الخوارج ، فقتلت ، وكأني بك ، وقد وطأتك الخيل بحوافرها ..

فقتل يوم النهر. قال قبيصة : فرأيته يوم النهروان قتيلاً ، قد وطأت الخيل وجهه ، وشدخت رأسه ومثلت به. فذكرت قول علي ، فقلت : ‏ در أبي الحسن ما حرك شفتيه قط بشيء الا كان كذلك (٢).

وقال الاشعث بن قيس لامير المؤمنين 7 فيما يرتبط بارسال أبي موسى للتحكيم :

« .. وهذا أبو موسى الاشعري ، وافد أهل اليمن إلى رسول الله صلّى الله

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١٦ والكامل لابن الاثير ج ٣ ص ١٤٣ والغدير ج ٩ ص ٣٥. عن : شرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ١٥٨ ـ ١٦٠ وعن تاريخ ابن خلدون ج ٢ ص ٣٨٧ ـ ٣٨٩ وعن تاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٦٨.

(٢) الامامة والسياسة ج ١ ص ١٤٦ وراجع : تاريخ الطبري ج ٤ ص ٥٦ ، وبهج الصباغة ج ٧ ص ١٧٩ وراجع كتابنا : الحياة السياسية للامام الحسن 7 ص والكامل لابن الاثير ج ٣ ص ٣٣٧.


عليه وآله وسلّم ، وصاحب مغانم أبي بكر ، وعامل عمر بن الخطاب .. » (١).

أما في الاتجاه السلبي :

وفي الاتجاه السلبي ، نجد أن هؤلاء المهدورة كراماتهم ، المسلوبة حقوقهم ، من قبل الهيئة الحاكمة ، واعوانها على الخصوص ، يصبحون أشد الناس على عثمان ، حيث ثار الناس عليه ، بسبب ما ظهر منه ، في أيام خلافته ، ولا سيما في السنوات الاخيرة منها.

١ ـ يقول ابن عبدربه ، وهو يتحدث عن حصر أهل المدينة ، وأهل مصر عثمان بن عفان :

« .. وكان معهم من القبائل : خزاعة ، وسعد بن بكر ، وهذيل ، وطوائف من جهينة ، ومزينة ، وانباط يثرب ، وهؤلاء كانوا أشد الناس عليه » (٢).

٢ـ وحينما جاء عرب الكوفة إلى عبدالرحمان بن مخنف الازدي ، وطلبوا منه الخروج معهم على المختار ، قال لهم عبدالرحمان :

« .. أخاف أن تتفرقوا وتختلفوا. ومع الرجل شجعانكم وفرسانكم ، مثل فلان ، وفلان. ثم معه عبيدكم ، ومواليكم ؛ وكلمة هؤلاء واحدة. ومواليكم أشد حنقاً عليكم من عدوكم ؛ فهم مقاتلوكم بشجاعة العرب ، وعداوة العجم » (٣).

٣ ـ هذا .. بالاضافة إلى أن قتل الخليفة عمر بن الخطاب ، إنما تم على يد شخص غير عربي ، وهو أبو لؤلؤة ، غلام المغيرة بن شعبة .. (٤) وذلك معروف ومشهور.

__________________

(١) الامامة والسياسة ج ١ ص ١٣٠.

(٢) العقد الفريد ج ٤ ص ٣٠٠ والغدير ج ٩ ص ١٦٩ عنه.

(٣) راجع : تاريخ الامم والملوك ج ٦ ص ٤٥ ط دار المعارف بمصر. والكامل لابن الاثير ج ٤ ص ٢٣١.

(٤) راجع : تاريخ عمر بن الخطاب ، لابن الجوزي ص ٢٣٨/٢٣٩ وأي كتاب تاريخي ، يؤرخ لقتل الخليفة الثاني.


وذلك كله أمر طبيعي ، فان الناس بشر ، لهم أحاسيسهم ، ومشاعرهم ، ولهم كذلك كرامات ، وطموحات ، لابدّ من مراعاتها ، والاستجابة لها ، وإلا .. فان النار تحرق ، والشجر يورق ، والبحر يغرق.

آثار سياسة علي 7 وأهل بيته :

هذا .. ولكن سياسة علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، قد اسفرت عن نتائج وآثار سلبية ، واخرى ايجابية ..

فأما بالنسبة للسلبية منها ؛ فان مساواة علي 7 بين العرب وغيرهم ، ولا سيما في العطاء ، قد كان من أهم اسباب الخلاف عليه ، وكانت قسمته بالسوية أول ما أنكروه منه ، واورثهم الضغن عليه (١).

وكان ذلك من أسباب خروج طلحة والزبير ، ثم ما جرى في حرب الجمل (٢).

وقد قال له عمار ، وأبو الهيثم ، وأبو أيوب ، وسهل بن حنيف ، وجماعة :

« إنهم قد نقضوا عهدك ، واخلفوا وعدك ، ودعونا في السر الى رفضك. هداك ا‏لله لرشدك ، وذلك لانهم كرهوا الاسوة ، وفقدوا الإثرة ، ولما آسيت بينهم وبين الاعاجم أنكروا إلخ .. » (٣).

وكتب ابن عباس إلى الامام الحسن 7 يقول له :

« .. وقد علمت أن أباك عليّاً ، إنما رغب الناس عنه ، وصاروا إلى معاوية ؛ لانه واسى بينهم في الفيىء ، وسوى بينهم في العطاء إلخ .. » (٤).

بل لقد كان للعرب ، كل العرب موقف سلبي من علي 7 ، قد عبر

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي الخنفي ج ٧ ص ٣٧.

(٢) راجع : المعيار والموازنة ص ١١٣/١١٤.

(٣) شرح النهج للمعتزلي الحنفي ج ٧ ص ٣٧ عن الاسكافي ، وبهج الصباغة ج ١٢ ص ٢٠٠.

(٤) الفتوح لابن اعثم ج ٤ ص ١٤٩ وشرح النهج للمعتزلي الحنفي ج ١٦ ص ٢٣ وعن جمهرة رسائل العرب ج ٢ ص ١ وراجع : حياة الامام الحسن بن علي القرشي ج ٢ ص ٢٦.


عنه هو نفسه ، حينما كتب لاخيه عقيل : « ألا وان العرب قد أجمعت على حرب أخيك ، اجماعها على حرب رسول الله 6 قبل اليوم ؛ فأصبحوا قد جهلوا حقه ، وجحدوا فضله ، وبادروه العداوة ، ونصبوا له الحرب ، وجهدوا عليه كل الجهد ، وجروا إليه جيش الاحزاب إلخ » (١).

وعلى الصعيد الايجابي فإننا نجد تعاطف غير العرب ، مع أولئك الذين وجدوا فيهم التجسيد الحي لتعاليم الاسلام ، وهم علي وأهل بيته : ، وشعيته الابرار ؛ فقد كان من الطبيعي : أن تشدّهم إليهم أواصر المحبة ، وأن ينظروا إليهم بعين الاكبار ، والاجلال ، والتقدير الفائق ، وأن يجدوا فيهم الملجأ والملاذ لهم ، في جميع ما ينوبهم ..

ويكفي أن نذكر هنا :

١ ـ أن الموالي كانوا هم أنصار المختار ، في حركته التي كانت ترفع شعار الاُخذ بثارات الحسين 7 ، وكان ذلك ـ على ما يبدوا ـ هو السبب في تخاذل العرب عنه (٢).

٢ ـ وكان لعثمان عبد ، فاستشفع بعلي أن يكاتبه عثمان ، فشفع له ، فكاتبه (٣).

٣ ـ وقال السيد أمير علي : « وقد أظهر الامام علي منذ بداية الدعوة الاسلامية كل تقدير ومودة نحو الفرس ، الذين اعتنقوا الاسلام. لقد كان سلمان الفارسي ـ وهو أحد مشاهير اصحاب الرسول ـ رفيق علي وصديقه. كان من عادة الامام أن يخصص نصيبه النقدي في الانفال لافتداء الاسرى. وكثيراً ما أقنع الخليفة عمر بمشورته ، فعمد إلى تخفيف عبء الرعية في فارس. وهكذا .. كان ولاء الفرس لاحفاده واضحاً تمام الوضوح » (٤).

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي الحنفي ج ٢ ص ١١٩ والغارات ج ٢ ص ٤٣١ والبحار ج ٨ ط قديم ص ٦٢١ والدرجات الرفيعة ص ١٥٦ ونهج السعادة ج ٥ ص ٣٠٢.

(٢) الخوارج والشيعة ٢٢٧/٢٢٨.

(٣) ربيع الاُبرار ج ٣ ص ٢٢.

(٤) روح الاسلام ص ٣٠٦.


٤ ـ ويرى فان فلوتن : ان من اسباب ميل الخراسانيين ، وغيرهم من الإيرانيين الى العلويين ، هو أنهم لم يعاملوا معاملة حسنة ، ولا رأوا عدلاً ، إلا في زمن حكم الامام علي 7 (١).

٥ ـ وأخيراً .. فقد رأينا السودان ـ وهو ليسوا من العرب ـ يثورون ضد ابن الزبير ، انتصاراً لابن الحنفية. وكان فيهم غلام لابن عمر اسمه ، رباح ، فلما كلمه ابن عمر ، متعجباً ومستفهماً عن سبب خروجه مع الثائرين ، قال :

« والله ، إنا خرجنا لنردكم عن باطلكم إلى حقنا .. » (٢).

هذا كله .. عدا عن أن هذه السياسة الاسلامية الخالصة ، قد أسهمت في حفظ اصول الاسلام ، وفي وعي تعاليمه ، وترسيخ قواعده على المدى البعيد .. ثم في تعريف الناس على اولئك الذين يحملون همّ الاسلام للاسلام ، لا لاُجل مصالحهم الخاصة ، ولا لتحقيق مآربهم في التسلط والهيمنة على الآخرين ، واستغلالهم ..

فهم يعيشون الاسلام قضيةً ، وفكراً وطريقة ، ومنطلقاً ، وهدفاً. ويجسدونه رسالةً إلهية ، وانسانية ، تنبض بالحياة ، وتزخر بالمعاني السامية ، والغنية في مضامينها كما هي غنية في عطائها ، وروافدها.

غير العرب هم روّاد العلم والثقافة :

ورغم أن السياسة الاموية القاسية تجاه غير العرب ، والتي لم تكن إلا استمراراً لسياسة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب قد ارهقت غير العرب ، وحرمتهم من أبسط الحقوق الانسانية والشرعية .. فان هؤلاء الناس قد اتجهوا نحو ما هو أهم ونفعه أعم ، فحصلوا على المجد والرفع عن طريق العلم والمعرفة ، وأقبلوا على الاسلام ، وعلى النهل من معين معارفه ، وآدابه ، والغوص في بحار

__________________

(١) السيادة العربية والشيعة والاسرائيليات.

(٢) انساب الاشراف ، بتحقيق المحمودي ج ٣ ص ٢٩٥.


علومه وحقائقه بصورة مثيرة ومذهلة.

حتى لقد اصبحوا في مدة وجيزة هم علماء الامة ، وقراء الاسلام ، ودعاته ، ونحن نذكر هنا النصوص التالية :

١ ـ قال أبو هلال العسكري عن الحجاج :

« .. وهو أول من نقش على يد كل رجل اسم قريته ، ورده إليها. وأخرج الموالي من بين العرب .. إلى أن قال :

وكان الذي دعاه إلى ذلك : أن أكثر القراء ، والفقهاء ، كانوا من الموالي. وكانوا جلّ من خرج عليه مع ابن الاشعث ؛ فأراد أن يزيلهم من موضع الفصاحة والادب ، ويخلطهم بأهل القرى ؛ فيخمل ذكرهم. وكان سعيد بن جبير منهم ، وكان عبد رجل من بني أسد ، اشتراه ابن العاص ؛ فأعتقه ، فلما أتي به الحجاج ، قال :

يا شقي بن كسير ، أما قدمت الكوفة ، وما يؤم بها [إلا] (١) عربي ؛ فجعلتك إماماً؟ إلخ .. » (٢).

٢ ـ روى الحاكم بسنده عن الزهري ، قال :

قدمت على عبدالملك بن مروان ، فقال لي : من أين قدمت يازهري؟

قلت : من مكة.

قال : فمن خلفت يسود أهلها؟

قال : قلت : عطاء بن أبي رباح.

قال : فمن العرب ، أم من الموالي؟

قال : قلت : من الموالي.

__________________

(١) هذه الكلمة ساقطة من كتاب الاوائل ، لكنها موجودة في شذرات الذهب وفي وفيات الاعيان ج ٢ ص ٣٧٣.

(٢) الاوائل للعسكري ج ٢ ص ٦١ و ٦٢ وراجع : العقد الفريد ج ٣ ص ٤١٦/٤١٧ وشذرات الذهب ج ١ ص ١٠٩. ولم يذكر في العقد قصة سعيد بن جبير. وهي في وفيات الاعيان ج ٢ ص ٣٧٣.


قال : ويم سادهم؟

قال : قلت : بالديانة والرواية.

قال : إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا ؛ فمن يسود أهل اليمن؟

قال : قلت : طاووس بن كيسان.

قال : فمن العرب ، أم من الموالي؟

قال : قلت : من الموالي؟

قال : وبم سادهم؟

قال : قلت : بما سادهم به عطاء.

قال : إنه لينبغي. فمن يسود أهل مصر؟

قال : قلت : يزيد بن أبي حبيب.

قال : فمن العرب ، أم من الموالي؟

قال : قلت : من الموالي.

قال : فمن يسود أهل الشام؟

قال : قلت : محكول.

قال : فمن العرب ، أم من الموالي؟

قال : قلت : من الموالي ، عبد نوبي ، أعتقته امرأة من هذيل.

قال : فمن يسود أهل الجزيرة؟

قال : قلت : ميمون بن مهران.

قال : فمن العرب ، أم من الموالي؟

قال : قلت : من الموالي.

قال : فمن يسود أهل خراسان؟

قال : قلت الضحاك بن مزاحم.

قال : فمن العرب ، أم من الموالي؟

قال : قلت: من الموالي.


قال : فمن يسود أهل البصرة؟

قال : قلت : الحسن بن أبي الحسن.

قال : فمن العرب ، أم من الموالي؟

قال : قلت : من الموالي.

قال : ويلك ، فمن يسود أهل الكوفة؟

قال : قلت : إبراهيم النخعي.

قال : فمن العرب ، أم من الموالي؟

قال : قلت : من العرب.

قال : ويلك يا زهري ، فرجت عني وا‏لله ، ليسودنٌ الموالي على العرب ، حتى يخطب لها على المنابر ، والعرب تحتها!

قال : قلت : يا أمير المؤمنين ، انما هو أمر ا‏لله ودينه ، من حفظه ساد ، ومن ضيعه سقط (١).

٣ ـ وعن العباس بن مصعب ، قال :

خرج من مرو أربعة من أولاد العبيد ، ما منهم أحد إلا وهو امام عصره :

عبدالله بن المبارك ، ومبارك عبد.

وابراهيم بن ميمون الصائغ. وميمون عبد.

والحسين بن واقد. وواقد عبد.

وأبو حمزة ، محمد بن ميمون السكري وميمون عبد (٢).

ثم ذكر الحاكم جماعة من كبار التابعين وأئمة المسلمين ، كلهم من الموالي ، فمن أراد الاطلاع على ذلك ، فليراجع كتابه : معرفة علوم الحديث ص ١٩٩ ـ ٢٠٠.

٤ ـ ودخل محمد بن أبي علقمة على عبدالملك بن مروان ، فقال : من سيد الناس بالبصرة؟

__________________

(١) معرفة علوم الحديث ص ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٢) معرفة علوم الحديث ص ١٩٩.


قال : الحسن.

قال : مولى ، أو عربي؟

قال : مولى.

قال : ثكلتك امك ، مولى ساد العرب؟!

قال : نعم.

قال : بم؟

قال : استغنى عما في ايدينا من الدنيا ، وافتقرنا إلى ما عنده من العلم إلخ (١).

وقال ابن أبي ليلى : قال لي عيسى بن موسى ، وكان جائراً شديد العصبية : من كان فقيه البصرة؟

قال : الحسن بن أبي الحسن.

قال : ثم من؟

قلت : محمد بن سيرين.

قال : فما هما؟

قلت : فما هما؟

قلت : موليان.

قال : فمن كان فقيه مكة؟

قلت : عطاء بن أبي رباح ومجاهد بن جبر ، وسعيد بن جبير ، وسليمان بن يسار.

قال : فما هؤلاء؟

قلت : موالى.

قال : فمن فقهاء المدينة؟

قلت : زيد بن اسلم ، ومحمد بن المكندر ، ونافع بن أبي نجيح.

__________________

(١) ربيع الابرار ج ١ ص ٨١١.


قال : فمن هؤلاء؟

قلت : موالي.

فتغير لونه ، ثم قال : فمن افقه أهل قباء؟

قلت : ربيعة الرأي ، وابن أبي الزناد.

قال : فما كانا؟

قلت : من الموالي.

فاربد وجهه ، ثم قال : فمن كان فقيه اليمن؟

قلت : طاووس ، وابنه ، وهمام بن منبه.

قال : فما هؤلاء؟

قلت : من الموالي.

فانتفخت اوداجه ، وانتصب قاعداً ، ثم قال : فمن فقيه خراسان.

قلت : عطاء بن عبدا‏ الخراساني.

قال : فما كان عطاء هذا؟

قلت : مولى.

فازداد وجهه تربداً ، واسود اسوداداً ، حتى خفته ، ثم قال : فمن كان فقيه الشام؟

قلت : مكحول.

قال : فما مكحول هذا؟

قلت : مولى.

فازداد تغيظاً وحنقاً ، ثم قال : فمن كان فقيه الجزيرة؟

قلت : ميمون بن مهران.

قال : فما كان؟

قال : مولى.

قال : فتنفس الصعداء ، ثم قال : فمن كان فقيه الكوفة؟

قال : فوّالله لولا خوفه لقلت : الحكم بن عيينة وعمار بن أبي سليمان.


ولكن رأيت فيه الشر ؛ فقلت : إبراهيم ، والشعبي.

قال : فما كانا؟

قلت : عربيان.

قال : ا‏لله أكبر.

وسكن جأشه (١).

٦ ـ وقال عبدالرحمان بن زيد بن أسلم : لما مات العبادلة : عبدالله بن عباس ، وعبدالله بن عمر ، وعبدالله‏ بن الزبير ، وعبدالله بن عمرو بن العاص ، صار الفقه في جميع البلدان الى الموالي :

فقيه مكة : عطاء.

وفقيه اليمن : طاووس.

وفقيه اليمامة : يحيى بن أبي كثير.

وفقيه البصرة : السن البصري.

وفقيه الكوفة : إبراهيم النخعي.

وفقيه الشام : مكحول.

وفقيه خراسان : عطاء الخراساني.

الا المدينة ؛ فان ا‏لله حرسها بقرشي ، فقيه غير مدافع : سعيد بن المسيّب إلخ .. (٢). ولكن ذكر إبراهيم النخعي في جملة الموالي لا يصح ، فإنه كان عربياً من النخع من مذحج.

وقد يجوز لنا أن نتساءل هنان فنقول : لماذا كانت الحراسة بقرشي لخصوص المدينة ، مع أن مكة أشرف منها وأقدس ، لان فيها الكعبة المشرفة ، قبلة المسلمين ، وبيت الله فلماذا لم يحرسها ا‏لله بقرشي ، واصل قريش منها ، ولعل الاُصح خصها كما في معجم البلدان.

__________________

(١) العقد الفريد ج ٣ ص ٤١٥/٤١٦.

(٢) شذرات الذهب ج ١ ص ١٠٣ ومعجم البلدان ج ٢ ص ٣٥٤.


كما أننا نرى ان لنا الحق في تسجيل تحفظ فيما يرتبط بنسبة الفقاهة إلى اكثر العبادلة ، الذين ذكرت اسماءهم ، ولمناقشة هذا الاُمر موضع آخر.

٧ ـ وقال ياقوت عن أهل خراسان: « أما العلم ؛ فهم فرسانه ، وساداته واعيانه ، ومن أني لغيرهم مثل : محمد بن اسماعيل البخاري إلخ » (١).

٨ ـ « ولما تكلم ابن خلدون في فصل : أن حملة العلم في الاسلام أكثرهم من العجم ، من مقدمة العبر إلخ .. » (٢).

قال : « من الغريب الواقع : أن حملة العلم في الملة الاسلامية أكثرهم العجم ، لا من العلوم الشرعية ، ولا من العلوم العقلية (٣) الا في القليل النادر. وان كان منهم العربي في نسبته ؛ فهو عجمي في لغته ، ومرباه ، ومشيخته ، مع أن الملة عربية ، وصاحب شريعتها عربي .. ».

إلى أن قال بعد ذكره أمثلة على ذلك : « .. ولم يقم بحفظ العلم وتدوينه الا الأعاجم. وظهر مصداق قوله 6 : لو تعلق العلم بأكناف السماء لنا له قوم من أهل فارس إلخ .. » (٤).

٩ ـ وقال الزمخشري :

قال قرشي : سألني سعيد بن المسيّب عن أخوالي.

فقلت : أمي فتاة.

فنقصت في عينه ؛ فامهلت حتى دخل عليه سالم بن عبدالله بن عمر ، فقلت : من امه؟

قال فتاة.

ثم دخل القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق؛ فقلت : من امه؟

__________________

(١) معجم البلدان ج ٢ ص ٣٥٣.

(٢) التراتيب الادارية ج ٢ ص ٣١٨.

(٣) أي سواء من العلوم الشرعية ، أو من العلوم العقلية ، كما جرى عليه ابن خلدون في تعبيراته.

(٤) راجع : مقدمة ابن خلدون ص ٥٤٣ ـ ٥٤٥.


قال : فتاة.

ثم دخل علي بن الحسين ؛ فقلت : من امه؟

قال : فتاة.

ثم قلت : رأيتني نقصت في عينك ؛ لاني ابن فتاة!! أفما لي بهؤلاء أسوة؟!

فجللت في عينه (١).

١٠ ـ ويذكرنا موقف هذا القرشي من سعيد بموقف زيد بن علي رضوان ا‏لله تعالى عليه من هشام بن عبدالملك ، حينما قال له هشام :

بلغني : أنك تطلب الخلافة ، ولست لها بأهل.

قال : ولم؟!.

قال : لانك ابن أمة.

قال : فقد كان إسماعيل ابن أمة ، وإسحاق ابن حرة وقد أخرج ا‏لله من ولد إسماعيل سيد ولد آدم ..

ولهذه القضية نصوص اخرى ، فلتراجع في مصادرها ، التي قدمّنا شطراً منها حين الكلام على سياسة الامويين في موضوع التمييز العنصري ، فلتراجع.

غير العرب .. والامر بالمعروف والنهي عن المنكر :

هذا .. وقد رأينا أيضاً : أن غير العرب كانوا أكثر التزاماً لجانب الحق ، وأشد تحرياً واجتهاداً ، والتزاماً بالشرع وأحكامه ، وقد تقدم كيف أن السودان ـ وهم ليسوا من العرب ـ يثورون ضد ابن الزبير ، انتصاراً لابن الحنفية ، وكان فيهم غلام لابن عمر ، اسمه : رباح ، فلما سأله ابن عمر عن الذي دعاه للخروج مع الثائرين.

قال : « .. والله ، إنا خرجنا لنردكم عن باطلكم إلى حقنا .. » (٢).

__________________

(١) ربيع الابرار ج ٣ ص ٣١.

(٢) انساب الاشراف ، بتحقيق المحمودي ج ٣ ص ٢٩٥.


الملحق



مؤخاة سلمان مع من؟! :

وقبل أن ننهي الحديث عن سلمان ، أحببنا تسجيل ملاحظة ، حول ما يذكر في قضية مواخاته رضوان الله تعالى عليه فانهم يقولون : إن النبيّ 6 قد آخى بينه وبين أبي الدرداء (١).

وفي نص آخر : إنه آخى بينه وبين حذيفة (٢).

وفي رواية ثالثة : إنه 6 قد آخى بينه وبين المقداد (٣).

انكار حديث المؤاخاة والاجابة عن ذلك :

أما ابن سعد ، فقد قال :

« أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني موسى بن محمد ، بن إبراهيم ، بن

__________________

(١) الاصابة ج ٢ ص ٦٢ ، والاستيعاب بهامشه ج ٢ ص ٦٠ وج ٤ ص ٥٩ والغدير ج ١٠ ص ١٠٣/١٠٤ وج ٣ ص ١٧٤ وقد ناقش في هذه الرواية. والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ١٥٢ وأسد الغابة ج ٢ ص ٣٣٠ و ٣٣١ وطبقات ابن سعد ط ليدن ج ٤ قسم ١ ص ٦٠ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٠٣ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٨ ص ٣٧ وتهذيب الاسماء ج ١ ص ٢٢٧ وقاموس الرجال ج ٠٧ ص ٢٥٦ ونفس الرحمان ص ٩١ و ٨٥ عن أبي عمر ، وعن المناقب للخوارزمي ، الفصل ١٤. وتهذيب التهذيب ج ٤ ص ١٣٨.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٤ قسم ١ ص ٦٠ ط ليدن.

(٣) نفس الرحمان ص ٨٥ عن الحسين بن حمدان.


الحارث ، عن أبيه ، قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : أخبرنا محمد بن عبدالله ، عن الزهري :

أنهما كانا ينكران كال مؤاخاة كانت بعد بدر ، ويقولان : قطعت بدر المواريث.

وسلمان يومئذٍ في رق ، وإنما عتق بعد ذلك. وأول غزوة غزاها : الخندق ، سنة خمس من الهجرة (١).

ولأجل ذلك ؛ فقد عبر البلاذري هنا بقوله : « .. وقوم يقولون : آخى بين أبي الدرداء ، وسلمان.

وإنما اسلم سلمان فيها بين أحد والخندق.

قال الواقدي : والعلماء ينكرون المؤاخاة بعد بعد ، ويقولون : قطعت بدر المواريث » (٢).

« .. وقال ابن أبي الحديد : قال أبو عمر : آخى رسول الله 6 بينه وبين أبي الدرداء ، لما آخى بين المسلمين.

ولا يخفى ضعفه ، وغرابته » (٣).

ونقول : إن لنا على ما تقدم ملاحظات ، نجملها فيما يلي :

أولاً : قولهم إن المؤاخاة قد انقطعت بعد بدر ، لا يصح ، وقد تحدثنا عن ذلك في كتابنا : الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 6 ج ٣ ص ٥٩/٦٠ فليراجعه من أراد. فلا داعي لاستغراب هؤلاء ، ولا مبرر لانكار أولئك.

وثانياً : قولهم : إن انقطاع المؤاخاة بعد بدر يلزمه عدم صحة مؤاخاة سلمان مع أحد من الناس ، لا يصح كذلك ، إذ لماذا لا يؤاخي قبل بدر بين سلمان وان

__________________

(١) طبقات ابن سعد ط ليدن ج ٤ قسم ١ ص ٦٠.

(٢) انساب الاشراف (قسم حياة النبيّ 6) ج ١ ص ٢٧١.

(٣) نفس الرحمان ص ٨٥ عنه.


كان عبداً وبين رجل آخر حر ..

هذا بالاضافة إلى أنه قد تقدم في اول هذا الكتاب : أنه قد اسلم وتحرر في اول سني الهجرة.

وثالثاً : أما دعوى البلاذري أن سلمان قد اسلم بين أحد والخندق ، فلا تصح أيضاً لأنه إنما أسلم في أول الهجرة ، كما اتضح من روايات اسلامه ، نعم .. هم يقولون : إن تحرره قد كان قبل الخندق.

فاذا كان مسلماً حين المؤاخاة ؛ فيمكن أن يؤاخي بينه وبين أحد المسلمين ، ولو كان الطرف الآخر حراً ؛ لعدم الفرق بين الحر والعبد ، في الايمان والانسانية ، وغير ذلك بنظر الاسلام ..

هذا .. لو سلم أن كان لا يزال عبداً ..

ورابعاً : إن الذي انقطع بدع بدر انما هو التوارث بين الاخوة وليس نفس المؤاخاة ..

مع أننا نقول أيضاً : إن التوارث لم يكن موجوداً حتى قبل ذلك ، ولعل بعض المسلمين قد توهم التوارث بين المتأخرين ، فجاء الردع عنه ، وتصحيح اشتباهه في ذلك ، فصادف ذلك زمان حرب بدر ..

فنشأ عن ذلك توهمان آخران : هما : ان التوارث كان ثابتاً .. وأن المؤاخاة تنقطع بانقطاع التوارث ، وكلاهما باطل ، ولا يصح ..

وخامساً : قولهم : إن المؤاخاة قد كانت بين سلمان وبين أبي الدرداء.

يقابله :

١ ـ ما روي عن امامنا السجاد عليه الصلاة والسلام ، أنه قال : « لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ، ولقد آخى رسول الله 6 بينهما ، فما ظنكم بسائر الخلق » (١).

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ٢٥ والكافي ج ١ ص ٣٣١ والغدير ج ٧ ص ٣٥ عنهما واختيار معرفة الرجال


٢ ـ عن أبي عبدالله 7 ، أنه قال : آخى رسول الله 6 بين سلمان وأبي ذر ، واشترط على أبي ذر : أن لا يعصي سلمان (١).

وقد ذكرنا شيئاً حول هذا الحديث في كتابنا : الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 6 ج ٣ ص ٦٨/٦٩ فليراجع.

٣ ـ إننا نعتقد : أن مؤاخاة سلمان مع أبي ذر هي الأصح ، والأوفق بما يذكرونه من أن النبيّ 6 كان يؤاخي بين كل رجل ونظيره (٢). وكان أبو ذر أكثر مشاكلةً لسلمان من أبي الدرداء له ؛ فان سلمان يؤكد على أنه لابدآ من الوقوف إلى جانب القرآن ، إذا اقتتل القرآن والسلطان ، كما أن أبا ذر قد كان له موقف عنيف من السلطة ، حينما وجد أنها تسير في خطٍ انحرافي خطير ، فكان أن اتخذ جاب الحق ، واعلن ادانته للانحراف بصورة قاطعة ، كما أنه هو وسلمان قد كان لهما موقف منسجم من أحداث السقيفة ، ونتائجها ..

أما أبو الدرداء .. فقد أصبح من وعاظ السلاطين ، واعوان الحكام المتسلطين ، حتى لنجد معاوية ـ كردٍّ للجميل ـ يهتم بمدحه وتقريظه ، والثناء عليه (٣).

كما أن أبا الدرداء ـ حسبما تقدم ـ يكتب لسلمان يدعوه إلى الارض المقدّسة ، وهي الشام بزعمه ، وليس مكة ، والمدينة! فاقرأ واعجب ؛ فانك ما عشت أراك الدهر عجبا.

__________________

ص ١٧ والبحار ج ٢٢ ص ٣٤٣ ومصابيح الانوار ج ١ ص ٣٤٨ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤١٨/٤١٩. والظاهر : أن الرواية معتبرة.

(١) الكافي ج ٨ ص ١٦٢ ، والبحار ج ٢٢ ص ٣٤٥ عنه ، ونفس الرحمان ص ٩١.

(٢) راجع كتابنا : الصحيح من سيرة النبيّ 6 ج ٣ حين الكلام حول حديث المؤاخاة ..

(٣) طبقات ابن سعد ج ٢ قسم ٢ ص ١١٥.


ويكفي أن نذكر : أن يزيد بن معاوية قد مدح أبا الدرداء ، واثنى عليه (١).

كما أن معاوية قد ولاه دمشق (٢).

بالاضافة إلى أن رسول الله ـ حسبما يروى ـ قد ذم أبا الدرداء ، وقال له :

إن فيك جاهلية.

قال : جاهلية كفر ، أم جاهلية اسلام؟

قال : جاهلية كفر (٣).

٤ ـ وإذا كان سلمان قد اسلم في أول سني الهجرة ، حسبما تقدم ، وإذا كان أبو الدرداء ، قد تأخر اسلامه إلى ما بعد احد (٤) .. فلماذا ترك النبيّ 6 سلمان من دون أن يواخي بينه وبين أحدٍ من الناس ، في هذه المدة الطويلة كلها؟!

٥ ـ واذا أخذنا بقول الواقدي : إن « .. العلماء ينكرون المؤاخاة بعد بدر ، ويقولون : قطعت بدر المواريث .. » (٥).

فان النتيجة تكون : أن العلماء ينكرون المؤاخاة بين سلمان وأبي الدرداء ، لأن أبا الدرداء قد تأخر اسلام عن بدر كثيراً ..

٦ ـ وأخيراً .. فقد جاء في بعض النصوص : أنه 6 قد آخى بين أبي الدرداء ، وعوف بن مالك الاشجعي (٦) ولعل هذا هو الأصح ، والاولى بالقبول ..

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٢٥ و.

(٢) الاستيعاب بهامش الاصابة ج ٣ ص ١٧ وج ٤ ص ٦٠ والاصابة ج ٣ ص ٤٦ والتراتيب الادراية ج ٢ ص ٤٢٦ / ٤٢٧.

(٣) الكشاف ج ٣ ص ٥٣٧ وقاموس الرجال ج ١٠ ص ٦٩ عنه.

(٤) الاستيعاب بهامش الاصابة ج ٣ ص ١٦ وراجع ج ٤ ص ٦٠.

(٥) قاموس الرجال ج ٧ ص ٢٥٦ وج ١٠ ص ٦٩ وانساب الاشراف (قسم حياة النبيّ 6) ج ١ ص ٢٧١ وراجع : طبقات ابن سعد ج ٤ قسم ١ ص ٦٠.

(٦) طبقات ابن سعد ج ٤ قسم ١ ص ٢٢.



كلمة أخيرة

كانت تلك نبذة يسيرة تناولت بعض ما يذكر حول سلمان المحمدي (الفارسي) وعن موضوع التمييز العنصري ، الذي عانى منه سلمان كما عانى منه غيره أيضاً.

وهي قد اقتصرت على النزر اليسير جداً ، لأنها منذ الشروع فيها كان يراد لها : أن تكون محدودة ، وموجزة ، ومنتقاة ولو بصورة غير متناسقة ، حسب ما تقتضيه المناسبة التي فرضت التعرض لها ..

ونأمل أن لا نكون قد تسببنا بشعور القارىء ، بعد اطلاعه عليها بالغين ، وخيبة الأمل .. حينما لا يجد فيها ما يراه بديلاً عن الوقت الذي أهدره ، والجهد الذي بذله في قراءتها ..

وحسبه : أنه يجد مجموعة من النصوص ، عن طائفة من المصادر ، حاضرة لديه ، يمكنه أن يستفيد منها ، إذا أراد معالجة موضوع يتصل بها ..

ونسأل الله سبحانه : أن يلهمنا جميعاً ويرزقنا صواب القول ، وخلوص النية ، وجدوى العمل ، ونقاءه وبقاءه ، لينفنا يوم لا ينفع مال ، ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ..

وأن يثيبنا على هذا الجهد المتواضع ، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم ، إنه خير مأمول ، واكرم مسؤول ..


والحمد لله ، أولاً وآخراً ..

وباطناً وظاهراً ..

وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى ، محمّد وآله الطيبين الطاهرين ..

قم المشرّفة ـ إيران

حرّر بتاريخ ٢٤/رجب/١٤٠٩ هـ. ق

١٢/اسفند/١٣٦٧ هـ. ش

جعفر مرتضى الحسيني العاملي

عامله الله بلطفه وإحسانه


الفهارس

ا ـ الأعلام

٢ ـ الشعوب والقبائل والجماعات

٣ ـ الأماكن والوقائع

٤ ـ الفرق والمذاهب

٥ ـ المصادر والمراجع

٦ ـ محتويات الكتاب إجمالاً

٧ ـ محتويات الكتاب تفصيلاً

استخرج هذه الفهارس

حسين ظاهر



١ ـ الأعلام

ـ الف ـ

آدم ٧٨ ـ ٨٤

آصف ١٤

إبراهيم ( النبيّ ) ٥٣

إبراهيم ( النخعي ) ١٦٧ ـ ١٧٠

إبراهيم بن ميمون الصائع ١٦٧

إبراهيم بن هشام بن إسماعيل ١١٧

إبليس ١٤ ـ ٥٤

ابن أبي الحديد ١٧٦

ابن أبي الزناد ١٦٩

ابن أبي ليلي ( راجع : عبدالرحمان بن أبي ليلي )

ابن الأثير ١٠١

أبو طالب ٤٠

أحمد ( النبيّ 6 ) ١٤ ـ ١١٧

أحمد ( ابن حنبل ) ١٣٦

الأحمدي ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٢٨

الأحنف ١١٧

إسحاق ١٧٢


أبو إسحاق ١١

إسماعيل ( النبيّ 7 ) ٥٣ ـ ١١٩ ـ ١٧٢

إسماعيل بن يسار ١١٦

الأشتر ٦٣ ـ ٦٤ ـ ١٠٥ ـ ١٠٦

الأشعث بن قيس ٥٧ ـ ٥٨ ـ ١٤٣ ـ ١٦٠

ابن الأشعث ١٦٥

اشهب ١٤٠

الاصمعي ١٣٧

ابن الأقسامي ١٥

الله ( جلّ جلاله ) ٤ ـ ١٠ ـ ١١ ـ ١٢ ـ ١٣ ـ ١٤ ـ ١٥ ـ ٢٠ ـ ٢٤ ـ ٢٦ ـ ٣١ ـ ٣٤ ـ ٣٩ ـ ٤٧ ـ ٤٨ ـ ٤٩ ـ ٥٠ ـ ٥١ ـ ٥٢ ـ ٥٣ ـ ٥٤ ـ ٥٥ ـ ٥٦ ـ ٥٧ ـ ٦٥ ـ ٦٦ ـ ٧٨ ـ ٨٠ ـ ٨٢ ـ ٨٣ ـ ٨٤ ـ ٨٥ ـ ٨٨ ـ ٨٩ ـ ٩١ ـ ٩٢ ـ ٩٣ ـ ٩٤ ـ ٩٥ ـ ٩٦ ـ ٩٧ ـ ٩٩ ـ ١٠١ ـ ١٠٢ ـ ١٠٣ ـ ١١٠ ـ ١١٥ ـ ١١٩ ـ ١٢٠ ـ ١٢١ ـ ١٢٧ ـ ١٢٨ ـ ١٢٩ ـ ١٣٤ ـ ١٣٧ ـ ١٣٨ ـ ١٤١ ـ ١٤٢ ـ ١٤٣ ـ ١٤٤ ـ ١٤٧ ـ ١٥٣ ـ ١٥٤ ـ ١٥٧ ـ ١٥٨ ـ ١٥٩ ـ ١٦٠ ـ ١٦٢ ـ ١٦٤ ـ ١٦٧ ـ ١٧٠ ـ ١٧٢ ـ ١٧٥ ـ ١٨١ ـ ١٨٢

أميرعلي ١٦٣

أنس بن مالك ٧٨

أنوشيروان ١٣٦

أبو أيوب ١٦٢

ـ ب ـ

الباقر 7 ٧٨

البخاري ( راجع : محمد بن إسماعيل البخاري )


أبوالبختري ٥٧

البراء ( بن عازب ) ٦٣

أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ١١٦

بريدة ٢٥

بزرج ١٢١

بسر بن أبي ارطاه ١٢١

أبوبكر ( الصديق ) ابن أبي قحافة ٢٥ ـ ٢٦ ـ ٢٨ ـ ٢٩ ـ ٣٠ ـ ٣٥ ـ ٣٩ ـ ٤٠ ـ ٦٣ ـ ٩١ ـ ١٣٥ ـ ١٣٦ ـ ١٥٨ ـ ١٦٠ ـ ١٦١

البلاذري ١٧٦ ـ ١٧٧

بلال ٢٥ ـ ٣٠ ـ ٨٢ ـ ٩٠ ـ ١٠١ ـ ١٤٣

البيهقي ٨٣

ـ ت ـ

تميم الداري ١٤٦

ابن تميمة ١١٣ ـ ١١٤ ـ ١١٥ ـ ١٢٣ ـ ١٣٢

ـ ث ـ

ثابت بن قرة الحراني ١٤٠

الثوري ( راجع سفيان الثوري )

ـ ج ـ

الجاحظ ( أبوعثمان ) ١١٥ ـ ١٢٣ ـ ١٣٥ ـ ١٣٧


جبرئيل ١٠٢

الجرباء ١٢٠

جرير ( جرير بن عبدالله البجلي ) ٥٧ ـ ٥٨

جعفر مرتضى ٤ ـ ١٨٢

جويرية ١٣٥

ـ ج ـ

ابن الحاج ١٤١

الحاكم ٣٨ ـ ١٦٥ ـ ١٦٧

الحجاج ١١٦ ـ ١١٧ ـ ١٢١ ـ ١٥٤ ـ ١٦٥

حذيفة ( حذيفة بن اليمان ) ١١ ـ ٢٥ ـ ٦٣ ـ ٦٤ ـ ١٧٥

الحسن 7 ٦٩ ـ ١٤٥ ـ ١٥٧ ـ ١٥٨ ـ ١٦٢

أبوالحسن ( راجع علي بن أبي طالب 7 )

الحسن بن أبي الحسن ( الحسن البصري ) ١٦٧ ـ ١٦٨ ـ ١٧٠

الحسنان ٤٨ ـ ١٠٥

الحسين 7 ٦٩ ـ ١٤٥

الحسين بن واقد ١٦٧

الحكم بن عيينة ١٧٠

حمران ١٢٠

ابن الحنفية ١٦٤ ـ ١٧٢

حيدر ١٤

ـ خ ـ

خزيمة بن ربيعة ٩٦


الخطاب ٨٧ ـ ٨٩ ـ ٩٩

الخطيب ( الخطيب البغدادي ) ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٢٨ ـ ٣٨

ابن خلدون ٢٣ ـ ١٧١

خليسة ٣٥ ـ ٣٦

الخليل ١١٦

ـ د ـ

أبو الدرداء ٤٩ ـ ٥٠ ـ ٩٦ ـ ٩٧ ـ ١٧٥ ـ ١٧٦ ـ ١٧٧ ـ ١٧٨ ـ ١٧٩

ـ ذ ـ

أبوذر ( أبوذر الغفاري ) ١٣ ـ ٢٥ ـ ٢٦ ـ ٢٩ ـ ٦٣ ـ ١٠٦ ـ ١٧٧ ـ ١٧٨

ـ ر ـ

الراضي ١٢٣

رباح ١٦٤ ـ ١٧٢

ربيعة بن شداد الخثعمي ١٦٠

الرسول ( رسول الله 6 ) ( راجع محمد صلّى لله

عليه وآله وسلّم )

ابن رشد ١٣٣ ـ ١٣٦

الرضا 7 ٧١

ـ ز ـ

الزبير ١٤٣ ـ ١٥٣ ـ ١٦٢

ابن الزبير ٦٤ ـ ١٧٢


الزمخشري ١٠١ ـ ١٧١

الزهري ٨٢ ـ ١٠١ ـ ١٦٥ ـ ١٦٧ ـ ١٧٦

زياد ( زياد بن أبيه) ٨٨ ـ ١٣٨

زيد ( راجع : زيد بن ثابت )

زيد ( راجع زيد بن صوحان )

زيد ( راجع زيد بن علي بن الحسين )

زيد بن اسلم ١٦٨

زيد بن ثابت ٢٢ ـ ٢٣ ـ ١٣٢

زيد ( يعني ابن حارثة ) ١٤٥

زيد بن حصين ١٥٩

زيد بن صوحان ٤٥ ـ ٤٨ ـ ٤٩ ـ ٩٨ ـ ١٠٣

زيد بن علي بن الحسين ١١٨ ـ ١١٩ ـ ١٧٢

زينب ١٤٥

ـ س ـ

سالم بن عبدالله بن عمر ١٧١

السجاد ( راجع : علي بن الحسين 7 )

سعد ( سعد بن أبي وقاص ) ٨٣ ـ ٨٧ ـ ٨٩ ـ ٩٠ ـ ٩٤

ابن سعد ٣٤ ـ ١٧٥

سعد بن بكر ١٦١

سعد بن معاذ ٢٢

سعيد بن جبير ١١٦ ـ ١١٧ ـ ١٦٥ ـ ١٦٨

سعيد بن المسيب ١٧٠ ـ ١٧١ ـ ١٧٢

أبوسفيان ٧٨ ـ ١٢٧


سفيان الثوري ٣٦ ـ ١٣٦

ابن سلام ( راجع عبدالله بن سلام )

سلام بن مسكين ١٤٩

سلمى ٣٨

أبوسلمة بن عبدالرحمان ٨٢ ـ ١٠١

سلمان ( سلمان الفارسي ) ( سلمان بن عبدالله ) ( سلمان المحمّدي ) ( سلمان بن الاسلام ) ٤ ـ ٥ ـ ١١ ـ ١٢ ـ ١٣ ـ ١٤ ـ ١٥ ـ ١٩ ـ ٢٠ ـ ٢١ ـ ٢٤ ـ ٢٥ ـ ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٢٩ ـ ٣٠ ـ ٣٠ ـ ٣٢ ـ ٣٣ ـ ٣٤ ـ ٣٥ ـ ٣٦ ـ ٣٧ ـ ٣٨ ـ ٣٩ ـ ٤٠ ـ ٤١ ـ ٤٥ ـ ٤٦ ـ ٤٧ ـ ٤٨ ـ ٤٩ ـ ٥٠ ـ ٥١ ـ ٥٧ ـ ٥٨ ـ ٥٩ ـ ٦٣ ـ ٦٤ ـ ٧١ ـ ٧٩ ـ ٨٢ ـ ٨٣ ـ ٨٤ ـ ٨٥ ـ ٨٦ ـ ٨٧ ـ ٨٩ ـ ٩٠ ـ ٩١ ـ ٩٢ ـ ٩٤ ـ ٩٥ ـ ٩٦ ـ ٩٧ ـ ٩٨ ـ ٩٩ ـ ١٠٠ ـ ١٠١ ـ ١٠٢ ـ ١٠٣ ـ ١٠٤ ـ ١٠٥ ـ ١٠٦ ـ ١٣٠ ـ ١٤٣ ـ ١٦٣ ـ ١٧٥ ـ ١٧٦ ـ ١٧٧ ـ ١٧٨ ـ ١٧٩ ـ ١٨١

سليم بن قيس ٢٧

سليمان بن يسار ١٦٨

سمرة بن جندب ٧٠

سهل بن حنيف ١٦٢

ـ ش ـ

ابن شاذان ١٣٥

شريح ١٥٨

الشعبي ٢٥ ـ ٣٨ ـ ١٧٠

ابن شهر آشوب ١٥ ـ ٧١


أبوالشيخ ٣٢

ـ ص ـ

الصادق 7 ١٢ ـ ١٣

صفية بنت حيي بن أخطب ١٤٥

صهيب ( الرومي ) ٨٢ ـ ٩٠ ـ ١٠١

ابن صوحان ٩٨

ـ ض ـ

الضحاك بن مزاحم ١٦٦

ـ ط ـ

طاووس ( طاووس بن كيسان ١٦٩ ـ ١٧٠ )

الطبري ١٥٨

طلحة ١٤٣ ـ ١٥٨ ـ ١٦٢

طليحة بن خويلد ٥٨

ـ ع ـ

عائشة ١٢ ـ ١٣٥

ابن العاص ( راجع : عمرو بن العاص )

ابن عامر ( راجع : عبدالله بن عامر )

عامر بن عبدالقيس ١٢٠


عبادة ( عبادة بن صامت ) ٦٣ ـ ١٣١ ـ ١٣٢

ابن عباس ( راجع : عبدالله بن عباس )

العباس بن عبدالمطلب ١٢٧

العباس بن مصعب ١٦٧

ابن عبدربه ١١٥ ـ ١١٩ ـ ١٦١

عبدالرحمان بن أبزي ١٣٤

عبدالرحمان بن أبي ليلي ١٣٤ ـ ١٦٨

عبدالرحمان بن زيد بن أسلم ١٧٠

عبدالرحمان بن عوف ٢٥

عبدالرحمان مخنف الأزدي ١٦١

عبدالرزاق ٨٣

أبو عبدالله ١١ ـ ٥٢ ـ ٩٥ ـ ١٧٨

عبدالله بن الزبير ١٧٠

عبدالله بن سلام ٧٠ ـ ١٤٦ ـ ١٤٩

عبدالله بن عامر ١٢٠

عبدالله بن عباس ٣٩ ـ ٩٦ ـ ١٣١ ـ ١٥٩ ـ ١٦٢ ـ ١٧٠

عبدالله بن عمر الخطاب ٩١ ـ ٩٥ ـ ١٤١ ـ ١٥٩ ـ ١٦٤ ـ ١٧٠ ـ ١٧٢

عبدالله بن عمروبن العاص ١٦٥ ـ ١٧٠

عبدالله بن المبارك ١٦٧

عبدالملك بن مروان ١٢٠ ـ ١٤٤ ـ ١٤٥ ـ ١٦٥ ـ ١٦٧

ابو عبيدة ٦٣

عبيدالله بن العباس ٢٦ ـ ٢٨

عتبة بن فرقد ١٣٢

أبو عثمان ١٠٠ ـ ١٠٢


عثمان ( راجع عثمان بن عفان )

عثمان بن اشهل القرطي ( اليهودي ) ٢٥ ـ ٣٦

عثمان بن عفان ٦٥ ـ ١٠٦ ـ ١٢٠ ـ ١٤٠ ـ ١٤٨ ـ ١٤٩ ـ ١٥٩ ـ ١٦١ ـ ١٦٣ ـ

العراقي ٢٢

عزالدين بن الأقسامي ١٥

ابن عساكر ٢٦ ـ ٢٨

عطاء ( عطاء بن أي رباح ) ١٦٥ ـ ١٦٨ ـ ١٧٠

عطاء ( عطاء الخراساني ) عطاء بن عبدالله الخراساني ١٦٩ ـ ١٧٠

عقيل ( بن أبي طالب ) ١٦٣

عقيل بن علفة المري ١٢٠

علي ( علي بن أبي طالب ) ( أبو الحسن ) ( أميرالمؤمنين ) 7 ١١ ـ ١٣ ـ ١٤ ـ ١٥ ـ ٢٥ ـ ٣٢ ـ ٣٥ ـ ٣٨ ـ ٥٢ ـ ٥٧ ـ ٥٩ ـ ٦٣ ـ ٦٤ ـ ٦٥ ـ ٦٦ ـ ٦٩ ـ ٧٠ ـ ٧١ ـ ٩٠ ـ ١٠٠ ـ ١٠٦ ـ ١١٠ ـ ١١٣ ـ ١٣٧ ـ ١٣٨ ـ ١٤٢ ـ ١٤٣ ـ ١٤٤ ـ ١٤٨ ـ ١٥٣ ـ ١٥٤ ـ ١٥٦ ـ ١٥٧ ـ ١٥٨ ـ ١٥٩ ـ ١٦٠ ـ ١٦٢ ـ ١٦٣ ـ ١٦٤

علي بن الحسين ٧٧ ـ ١٤٤ ـ ١٤٥ ـ ١٧٢

علي بن عاصم ٣٨

عمار ( راجع : عماربن ياسر )

عمار بن أبي سليمان ١٧٠

عمار بن ياسر ٦٣ ـ ٦٤ ـ ١٦٢

عمر ( راجع : عمر بن الخطاب )

ابن عمر ( راجع : عبدالله بن عمر )

عمر ( عمر بن الخطاب ) ( الخليفة الثاني ) ١٣ ـ ٢٥ ـ ٢٦ ـ ٢٨ ـ ٢٩ ـ ٣٣ ـ ٣٤ ـ ٣٨ ـ ٤٧ ـ ٥٩ ـ ٦٣ ـ ٧١ ـ ٨٣ ـ ٨٤ ـ ٨٥ ـ ٨٧ ـ ٨٨ ـ ٨٩ ـ ٩٠ ـ ٩١ ـ


٩٢ ـ ٩٤ ـ ٩٥ ـ ٩٦ ـ ٩٧ ـ ٩٨ ـ ٩٩ ـ ١٠٠ ـ ١٠٣ ـ ١٠٩ ـ ١٢١ ـ ١٢٧ ـ ١٢٨ ـ ١٢٩ ـ ١٣٠ ـ ١٣١ ـ ١٣٢ ـ ١٣٣ ـ ١٣٤ ـ ١٣٦ ـ ١٣٧ ـ ١٣٨ ـ ١٣٩ ـ ١٤٠ ـ ١٤١ ـ ١٤٢ ـ ١٤٣ ـ ١٤٦ ـ ١٥٣ ـ ١٥٦ ـ ١٥٧ ـ ١٥٨ ـ ١٥٩ ـ ١٦٠ ـ ١٦١ ـ ١٦٣ ـ ١٦٤

أبوعمر ٣٨ ـ ١٧٦

عمر بن عبدالعزيز ١٣٧ ـ ١٤٠

العمران ١٥٨

عمرو بن العاص ٧٠ ـ ٩١ ـ ٩٥ ـ ٩٧ ـ ٩٩ ـ ١٦٥

عمروبن عتبة ١٢١

عوف بن عطية ٨٨

عوف بن مالك الأشجعي ١٧٩

عياض ٢٣

عيسى بن موسى ١٦٨

ـ غ ـ

ابن غرسية ١١٦ ـ ١٢٤

ـ ف ـ

فاطمة ١٣ ـ ٣٨ ـ ١٠٥

فان فلوتن ١٦٤

فراس ٥٢

الفاروق ٢٩

أبوالفظل التميمي ١٤

* * *


القاسم بن محمد بن أبي بكر ١٧١

قبيصة ١٦٠

قتادة ٨٣ ـ ١٥٤

ابن قتيبة ١٠١ ـ ١٠٢

القرظي ٢٥

قيس بن سعد ١٥٨

قيس بن مطاطية ٧٨ ـ ٨٢ ـ ١٠١ ـ ١٠٢

ـ ك ـ

كسرى ١٤ ـ ١٣٠ ـ ١٣٦

كعب الأخبار ٧٠ ـ ١٤٦

ـ ل ـ

أبولؤلؤة ١٦١

ـ م ـ

مالك بن أنس ٨٢ ـ ١٠١ ـ ١٣٣ ـ ١٤٠

مالك بن دينار ١٤٩

المأمون ٧١ ـ ١٣١

مبارك ١٦٧

المبرد ٣٨

مجاهد بن جبر ١٦٨


المحاملي ١٠٢

محمد بن أبي علقمة ١٦٧

محمد بن إسماعيل البخاري ٢٣ ـ ١٧١

محمد بن بشير الخارجي ١١٧

محمد بن سيرين ١٦٨

محمد ( محمد بن عبدالله ) ( رسول الله ) ( النبيّ ) ( الرسول ) ( المصطفى ) ( سول الاسلام ) ٤ ـ ١١ ـ ١٢ ـ ١٤ ـ ١٩ ـ ٢٢ ـ ٢٣ ـ ٢٤ ـ ٢٥ ـ ٢٦ ـ ٢٨ ـ ٢٩ ـ ٣٠ ـ ٣١ ـ ٣٢ ـ ٣٣ ـ ٣٤ ـ ٣٥ ـ ٣٦ ـ ٣٧ ـ ٣٨ ـ ٣٩ ـ ٤٠ ـ ٤١ ـ ٥٣ ـ ٥٧ ـ ٥٨ ـ ٥٩ ـ ٦٣ ـ ٦٤ ـ ٦٥ ـ ٦٧ ـ ٦٨ ـ ٦٩ ـ ٧٠ ـ ٧٨ ـ ٧٩ ـ ٨٢ ـ ٨٣ ـ ٨٤ ـ ٨٥ ـ ٨٦ ـ ٨٧ ـ ٩٠ ـ ٩١ ـ ٩٢ ـ ٩٤ ـ ٩٥ ـ ٩٨ ـ ٩٩ ـ ١٠١ ـ ١٠٢ ـ ١٠٤ ـ ١٠٩ ـ ١١١ ـ ١١٧ ـ ١١٩ ـ ١٢٩ ـ ١٣٠ ـ ١٣٣ ـ ١٣٤ ـ ١٣٥ ـ ١٣٦ ـ ١٤٠ ـ ١٤٣ ـ ١٤٥ ـ ١٤٨ ـ ١٥٥ ـ ١٥٦ ـ ١٥٨ ـ ١٦٠ ـ ١٦٢ ـ ١٦٣ ـ ١٧٥ ـ ١٧٦ ـ ١٧٧ ـ ١٧٨ ـ ١٧٩ ـ ١٨٢

محمد بن عمر ١٧٥ ـ ١٧٦

محمد بن المكندر ١٦٨

أبوموسى ( أبوموسى الاشعري ) ١٣٨ ـ ١٤١ ـ ١٤٢ ـ ١٦٠ ـ

محمد بن ميمون السكري ١٦٧

محيي الدين ابن العربي الحنبلي ٨٦

المختار ١٦١ ـ ١٦٣

ابن مردويه ١١

مسلم بن إبراهيم ١٤٩

أبو مسلم الخراساني ١١٠

معاوية ٨٨ ـ ١١٣ ـ ١١٧ ـ ١٢١ ـ ١٣٨ ـ ١٤٥ ـ ١٥٩ ـ ١٦٠ ـ ١٦٢ ـ ١٧٨ ـ ١٧٩.


المعتزلي الحنفي ( ابن أبي الحديد ) ٦٣

معدى كرب ١٣٦

مغيرة ١٤٢

مغيرة بن شعبة ١٥٤ ـ ١٥٩ ـ ١٦١

المقداد ( المقداد بن الأسود ) ٢٥ ـ ٦٣ ـ ١٧٥

مكحول ١٦٦ ـ ١٦٩ ـ ١٧٠

المنتصر بالله ١٥

منصور بن بزرخ ١١٣

ابن منظور ١١٥

موسى بن محمد ١٧٥

ميمون الصائغ ١٦٧

ميمون بن مهران ١٦٦ ـ ١٦٩

ـ ن ـ

نافع ١٣٤

نافع بن أبي نجيح ١٦٨

نافع بن جبير بن مطعم ١١٩

النبيّ ( راجع محمد بن عبدالله 6 )

نجدة بن عامر الحروري ١٥٩

النوري ٢٩

النووي ٢١ ـ ٢٣

ـ هـ ـ

أبو هريرة ٧٠ ـ ٧٨ ـ ٨٢ ـ ١٣٣ـ ١٣٤


هشام ١٧٢

هشام بن عبد الملك ١١٠ ـ ١١٨ ـ ١٧٢

ابوهلال العسكري ١٦٥

همام بن منبه ١٦٩

ابوالهيثم ( ابوالهيثم بن التيهان ) ٦٣ ـ ١٦٢

ـ و ـ

واقد ١٦٧

الواقدي ٢٢ ـ ٢٣ ـ ١٧٦ ـ ١٧٩ ـ

الوصي ١٤ ـ ١٥

الوليد بن عقبة ٧٠

ـ ي ـ

ياقوت ١٧٠

ابو يحيى بن مسعدة ١٢٤

يزيد بن أبي حبيب ١٦٦

يزيد بن حبيب ٩٩

يزيد بن معاوية ١٧٩

يزيد بن المهلب ١٥٨


٢ ـ الشعوب والقبائل والجماعات

ـ ألف ـ

الائمة ١٠٠

ابناء فارس ١٢١

بنو إسحاق ١٠٠ ـ ١٤٢ ـ ١٤٨

بنو أسد ١٦٥

بنو اسرائيل ١٤٩

بنواسماعيل ( ولد اسماعيل ) ١٠٠ ـ ١٤٢ ـ ١٤٨ ـ ١٧٢

الاعاجم ١٢٣ ـ ١٢٩ ـ ١٣٨ ـ ١٤١ ـ ١٦٢ ـ ١٧١

الاعاريب ١٤٣

الامويون ( بنوأمية ) ٧١ ـ ١٠٩ ـ ١١٠ ـ ١١٤ ـ ١٧٢

انباط يثرب ١٤٨ ـ ١٦١

الانبياء ٩٤

الانصار ٨٥ ـ ١٣٧

اهل البيت ٥٧ ـ ٦٨ ـ ٦٩ ـ ٧٠ ـ ٧٩ ـ ٨٣ ـ ٨٤ ـ ٨٥ ـ ٨٦ ـ ٨٧ ـ ٩٠ ـ ١١٠

اهل الشام ١٦٦

اهل قباء ١٦٩

اهل الكوفة ١١٦ ـ ١٥٨ ـ ١٦٧


اهل المدائن ٩٨

اهل المدينة ١٥٩ ـ ١٦١

اهل اليمن ( اليمنيون ) ١١١ ـ ١٦٠ ـ ١٦٦

الاوس ٨٢

ـ ت ـ

بنو تغلب ١٢٩

بنو تميم بن مرة ٨٨

تيم ٨٨

ـ ج ـ

جهينة ١٦١

ـ خ ـ

خثعم ١٦٠

خزاعة ١٦١

الخزرج ٨٢

ـ ر ـ

الروم ١١٣ ـ ١٥٤

ـ س ـ

سبأ ١٤


بنو سليم ١١٧

السودان ١٦٤ ـ ١٧٢

ـ ش ـ

الشياطين ١٠٤

ـ ع ـ

العبادلة ١٧٠ ـ ١٧١

بنوعبد مناف ١٢٧

العجم ٨٤ ـ ١١٣ ـ ١١٥ ـ ١١٦ ـ ١٢١ ـ ١٢٣ ـ ١٣١ ـ ١٣٢ ـ ١٣٥ ـ ١٣٦ ـ ١٣٧ ـ ١٣٩ ـ ١٤٠ ـ ١٦١ ـ ١٧١

بنوعدي ( بنو عدي بن كعب ) ٨٨ ـ ١٢٧

العراقيون ١٥٨

عرب ( العرب ) ٢٣ ـ ٢٩ ـ ٤٠ ـ ٤٢ ـ ٦٢ ـ ٦٩ ـ ٨٤ ـ ٨٥ ـ ٨٩ ـ ٩٠ ـ ٩٨ ـ ٩٩ ـ ١٠١ ـ ١٠٢ ـ ١١٠ ـ ١١٢ ـ ١١٣ ـ ١١٤ ـ ١١٥ ـ ١١٦ ـ ١١٧ ـ ١١٨ ـ ١٢١ ـ ١٢٢ ـ ١٢٧ ـ ١٢٨ ـ ١٢٩ ـ ١٣٠ ـ ١٣١ ـ ١٣٤ ـ ١٣٥ ـ ١٣٧ ـ ١٦١ ـ ١٦٣ ـ ١٦٤ ـ ١٦٥ ـ ١٦٦ ـ ١٦٧ ـ ١٧٢

العلويون ١٦٤

بنوالعنبر ٢٠

ـ غ ـ

الغار ٢٩


ـ ف ـ

فارس ١١ ـ ١٤ ـ ٨٧ ـ ١٥٤ ـ ١٦٣

ـ ق ـ

قبطي ( قبطية ) ٢٣ ـ ٧٨

قريش ( لقريشية ) ( القرشيات ) ( القرشي ) ٨٢ ـ ٨٣ ـ ٨٧ ـ ٨٨ ـ ٩١ ـ ٩٧ ـ ١٣٤ ـ ١٣٥ ـ ١٣٦ ـ ١٤٠ ـ ١٧٠ ـ ١٧١

القيسية ١١٠

قيصري ١٥٤

ـ ك ـ

الكردية ١٢٤

الكسروية ١٥٥

بنوليث ٩٦ ـ ٩٧

ـ م ـ

مذحج ١٧٠

المستشرقون ١٠٣ ـ ١٠٦

مضر ( المضريّة ) ١١٠ ـ ١١١

الملائكة ١٣٤

المهاجرون ٦٤ ـ ٨٥ ـ ١٣٧


الموالي ١١ ـ ٣٧ ـ ١٠٠ ـ ١٠٤ ـ ١١٠ ـ ١١٢ ـ ١١٧ ـ ١١٨ ـ ١١٩ ـ ١٢٠ ـ ١٢١ ـ ١٢٢ ـ ١٢٣ ـ ١٣٤ ـ ١٣٨ ـ ١٣٩ ـ ١٤٠ ـ ١٤١ ـ ١٤٢ ـ ١٤٣ ـ ١٥٣ ـ ١٥٦ ـ ١٦١ ـ ١٦٣ ـ ١٦٥ ـ ١٦٦ ـ ١٦٧ ـ ١٦٨ ـ ١٦٩ ـ ١٧٠

ـ ن ـ

النبط ١٤١

النخع ١٧٠

ـ هـ ـ

بنو هاشم ٣٨ ـ ٦٣ ـ ٨٨ ـ ١٣٧

بنو الهجيم بن عمرو بن تميم ١٢١

هديل ١٦١ ـ ١٦٦

ـ ي ـ

المانية ١١٠


٣ ـ الأماكن والوقائع

ـ ألف ـ

بيجان

آذربايجان ٣٢

أحد ١١ ـ ٢٣ ـ ٣٢ ـ ١٧٦ ـ ١٧٧

اصفهان ١١

الاندلس ١٢٣

اوربا ١٤٧

اورشليم ١٤٧

ايران ١٨٢

ـ ب ـ

بدر ١١ ـ ٢٣ ـ ٢٧ ـ ٢٨ ـ ٣٠ ـ ١٧٦ ـ ١٧٧ ـ ١٧٩

البصرة ١١٧ ـ ١٣٨ ـ ١٥٨ ـ ١٦٧ ـ ١٦٨ ـ ١٧٠

بعاث ( وقعة ) ٢٣

بغداد ١١

بقيع الفرقد ٢٠

البيت ( بيت الله ) ١٣٧ ـ ١٧٠

ـ ج ـ

الجابية ١٤١


الجزيرة ( الجزيرة العربية ) ١١١ ـ ١٦٦ ـ ١٦٩

الجنة ١٣ ـ ٣٨ ـ ٥٨

جي ١١

ـ ح ـ

الحجاز ١٩

ـ خ ـ

خراسان ١٦٦ ـ ١٦٩ ـ ١٧٠

الخندق ٢١ ـ ٢٢ ـ ٢٣ ـ ٢٤ ـ ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٢٨ ـ ٢٩ ـ ٣١ ـ ٥٩ ـ ٨٤ ـ ٨٥ ـ ٨٦ ـ ١٠٢ ـ ١٧٦ ـ ١٧٧

ـ د ـ

دمشق ٩٠ ـ ١٧٩

الدهناء ١٢٠

ـ ر ـ

رامهرمز ١١

ـ س ـ

السقيفة ٥٨ ـ ٩٠ ـ ١٧٨

ـ ش ـ

الشام ٥٠ ـ ١٥٩ ـ ١٦٩ ـ ١٧٠ ـ ١٧٨


ـ ص ـ

صفين ١١٣ ـ ١٦٠

صنعاء ١٢١

ـ ط ـ

الطائف ٥٩

ـ ق ـ

قري السواد ١٢٩

قم ٤ ـ ١٨٢

ـ ك ـ

كربلاء ١٢ ـ ١١٣ ـ ١٥٦

الكعبة المشرفة ١٧٠

الكوفة ٥٩ ـ ٦٤ ـ ١١٦ ـ ١٥٩ ـ ١٦٠ ـ ١٦١ ـ ١٦٥ ـ ١٦٩ ـ ١٧٠

ـ م ـ

المدائن ١١ ـ ١٣ ـ ١٤ ـ ١٥ ـ ١٩ ـ ٢٠ ـ ٢٦ ـ ٢٩ ـ ٣٢ ـ ٣٨ ـ ٤١ ـ ٩٠ ـ ١١٧ ـ ١٣١ ـ ١٣٧ ـ ١٥٩ ـ ١٦٨ ـ ١٧٠ ـ ١٧٨

المسجد ( مسجد النبيّ ) ٨٢ ـ ١٥٨

مصر ١٦١ ـ ١٦٦


مكة ١٩ ـ ٢٤ ـ ٤٠ ـ ٤١ ـ ٧٨ ـ ٨٨ ـ ١٢٧ ـ ١٣٤ ـ ١٦٥ ـ ١٦٨ ـ ١٧٠ ـ ١٧٨

مناذر ١٢٩

ميسان ٢٩

ـ ن ـ

النهروان ( يوم النهر ) ١٦٠ ـ

ـ و ـ

وادي القرى ١٩

ـ ي ـ

يثرب ١٤

اليمن ١٢٨ ـ ١٣٦ ـ ١٦٩ ـ ١٧٠

اليونان ١١١


٤ ـ الفرق والمذاهب

ـ ألف ـ

الاسلام ١٧ ـ ١٩ ـ ٢٠ ـ ٢٤ ـ ٢٦ ـ ٣٨ ـ ٤٠ ـ ٤١ ـ ٤٥ ـ ٤٦ ـ ٤٧ ـ ٥٣ ـ ٥٧ ـ ٦٣ ـ ٦٤ ـ ٦٦ ـ ٦٧ ـ ٦٨ ـ ٦٩ ـ ٧٠ ـ ٧١ ـ ٧٧ ـ ٧٨ ـ ٨٠ ـ ٨٣ ـ ٨٨ ـ ٨٩ ـ ٩٠ ـ ٩٤ ـ ٩٥ ـ ٩٩ ـ ١٠٢ ـ ١٠٣ ـ ١٠٤ ـ ١٠٥ ـ ١٠٩ ـ ١١١ ـ ١١٢ ـ ١١٤ ـ ١٢٢ ـ ١٢٣ ـ ١٢٤ ـ ١٢٩ ـ ١٣٢ ـ ١٣٦ ـ ١٣٧ ـ ١٤٢ ـ ١٤٤ ـ ١٤٨ ـ ١٤٩ ـ ١٥٣ ـ ١٥٤ ـ ١٥٥ ـ ١٥٦ ـ ١٥٧ ـ ١٦٣ ـ ١٦٤ ـ ١٦٥ ـ ١٧١ ـ ١٧٧

ـ ب ـ

البوذيون ١٤٧

ـ ح ـ

الحنفية ١٣٦

ـ خ ـ

الخوارج ١٢ ـ ١٥٨ ـ ١٥٩ ـ ١٦٠

ـ ز ـ

الزنادقة ١٢٣


ـ س ـ

السنة ( أهل السنة والجماعة ) ١١٣ ـ ١٢٣ ـ ١٢٨ ـ ١٥٨

ـ ش ـ

الشافعية ١٣٦

الشعوبة ١١٥ ـ ١١٦ ـ ١٢٣ ـ

الشيعة ١٥ ـ ١٠٠ ـ ١٢٢ ـ ١٥٣ ـ ١٥٦ ـ ١٦٠ ـ ١٦٣ ـ

ـ م ـ

المسلمون ٣٦ ـ ٤٠ ـ ٤٧ ـ ٥٩ ـ ٦٥ ـ ٦٦ ـ ٧١ ـ ٨٥ ـ ٩٠ ـ ٩٧ ـ ١٠٤ ـ ١٠٩ ـ ١٣٢ ـ ١٣٩ ـ ١٤٧ ـ ١٤٩ ـ ١٧٠ ـ ١٧٦ ـ ١٧٧

المسيحيون ١٤٧

المشركون ١٢ ـ ٥٩

ـ ن ـ

النصاري ( نصاري العرب ) ( نصاري بني تغلب ) ٢٩ ـ ١٢٩ ـ ١٤٣ ـ ١٤٦

ـ ي ـ

اليهود ٧٧ ـ ١١٧ ـ ١٤٣ ـ ١٤٦ ـ ١٤٧ ـ ١٤٨

اليهودية


٥ ـ المصادر والمراجع

١ ـ القرآن الكريم

ـ ألف ـ

٢ـ أئمتنا ، لمحمد على دخيل ، ط سنة ١٤٠٢ هـ. ق بيروت ـ لبنان.

٣ ـ أبوذر والحق المرّ ، لمحمد جلال كشك.

٤ ـ الاحتجاج ، للطبرسي ط سنة ١٣٨٦ هـ.ق منشورات دار النعمان ـ النجف الأشرف ـ العراق.

٥ ـ أحسن التقاسيم للمقدسي ـ مكتبة خياط ـ بيروت ـ لبنان.

٦ ـ احياء علوم الدين ، للغزالي ، نشر دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان.

٧ ـ الاخبار الطوال ، للدينوري ط دار احياء الكتب العربية سنة ١٩٦٠ ه ..

٨ ـ الاختصاص ، للشيخ المفيد ط انتشارات اسلامي لجماعة المدرسين ـ قم ـ ايران.

٩ ـ اختيار معرفة الرجال ( المعروف برجال الكشي ) ط جامعة مشهد سنة ١٣٤٨ هـ.ش ـ ايران.

١٠ ـ الارشاد ، للمفيد طبع سنة ١٣٨١. الحيدرية ـ النجف الاشرف ـ العراق.

١١ ـ أساس البلاغة للزمخشري ـ نشر دار المعرفة ـ سنة ١٤٠٢ هـ. ق ـ


بيروت ـ لبنان.

١٢ ـ الاستغاثة ـ لابي القاسم الكوفي.

١٣ ـ الاستيعاب ، لابن عبدالبراقرطبي ، مطبوع بهامش الاصابة سنة ١٣٢٨ هـ. ق ت مصر.

١٤ ـ أسد الغابة ، لابن الأثير الجزري ـ انتشارات اسماعيليان ـ طهران ـ ايران.

١٥ ـ الاسلام والمشكلة العنصرية ـ عبدالحميد العبادي ط دارالعلم للملايين ، سنة ١٩٦٩ م ت بيروت ـ لبنان.

١٦ ـ الاصابة ، للعسقلاني ط سنة ١٣٢٨ هـ ق مصر.

١٧ ـ الاغاني ، لابي الفرج الاصبهاني ـ ط ساسي ـ وط دار احياء التراث ـ بيروت ـ لبنان.

١٨ ـ اقتضاء الصراط المستقيم ، لابن تميمة ـ مكتبة الرياض الحديثة.

١٩ ـ اكمال الدين واتمام النعمة ، للشيخ الصدوق (ره) ط سنة ١٣٩٥ هـ ق ـ طهران ـ ايران.

٢٠ ـ الالمام ، للنويري الاسكندراني ط سنة ١٣٨٨ هـ ق حيدرآباد الدكن ـ الهند.

٢١ ـ الامالي ، للشيخ الطوسي ـ ط النجف الاشرف ـ العراق.

٢٢ ـ الامالي ، للسيد المرتضى ـ دارالكتاب العربي ـ ط سنة ١٣٨٧ هـ ق ـ بيروت ـ لبنان.

٢٣ ـ الامالي ، للمفيد ط سنة ١٤٠٣ هـ ق الانتشارات الاسلامية التابعة لجامعة المدرسين ـ قم ـ ايران.

٢٤ ـ الامامة والسياسة ، لابن قتيبة ط مصر سنة ١٣٨٨ هـ ق.

٢٥ ـ الاموال ، لابي عبيدة ابن سلام ط سنة ١٣٨٨ هـ ق ـ مكتبة الكليات الأزهرية ـ مصر.


٢٦ ـ انساب الاشراف ، للبلاذري ، ط بيروت ـ ومصر ، وغيرها.

٢٧ ـ الاوائل ، للعسكري ط سنة ١٩٧٥ م ـ دمشق ـ سوريا.

٢٨ ـ الايضاح ، لابن شاذان ـ نشر جامعة طهران سنة ١٣٩٢ هـ ق ـ ايران.

ـ ب ـ

٢٩ ـ البحار ، للمجلسي (ره) مؤسسة الوفاء بيروت لبنان سنة ١٤٠٣ هـ ق.

٣٠ ـ البدء والتاريخ ، للمقدسي ط سنة ١٩٨٨ م.

٣١ ـ بداية المجتهد ، لابن رشد ط سنة ١٣٨٦ هـ ق مصر.

٣٢ ـ البداية والنهاية ، لابن كثير ط سنة ١٩٦٦ م.

٣٣ ـ البرهان في تفسير القرآن ، للبحراني ط آفتاب ، طهران ـ ايران.

٣٤ ـ بصائر الدرجات ، للصفار ط سنة ١٣٨١ هـ ق

٣٥ ـ البصائر والذخائر ، لابي حيان ـ ط لجنة التأليف الترجمة النشر سنة ١٣٧٣ هـ ق ـ القاهرة ـ مصر.

٣٦ ـ بغداد ، لابن طيفور ط سنة ١٣٦٨ هـ ق.

٣٧ ـ بهجة الآمال ، للعياري ـ التبريزي نشر بنياد فرهنك إسلامي ، محمد حسين كوشان پور ـ ايران.

٣٨ ـ بهج الصباغة ، للتستري ط سنة ١٣٩٧ هـ ق ايران.

٣٩ ـ البيان والتبيين ، للجاحظ ط سنة ١٣٨٠ هـ ق.

ـ ت ـ

٤٠ ـ تاريخ ابن الوردي ط الحيدرية سنة ١٣٨٩ هـ ق ـ النجف الاشرف ـ العراق.


٤١ ـ التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية ، لأحمد شلبي.

٤٢ ـ تاريخ الامم والملوك ، للطبري. نشر دار المعارف ، القاهرة ـ وط الاستقامة ـ القاهرة.

٤٣ ـ تاريخ بغداد ، للخطيب ـ دار الكتاب العربي ، بيروت ـ لبنان.

٤٤ ـ تاريخ التمدن الاسلامي ، لجرجي زيدان ط دار مكتبة الحياة ـ بيروت ـ لبنان.

٤٥ ـ تاريخ جرجان ، للسهمي ط سنة ١٣٨٧ هـ ق حيدر آباد الدكن ـ الهند.

٤٦ ـ تاريخ الخميس ، للديار بكري ط سنة ١٢٨٣ هـ ق مصر.

٤٧ ـ تاريخ عمر بن الخطاب ، لابن الجوزي ، منشورات دار احياء علوم الدين.

٤٨ ـ تاريخ اليعقوبي ، لابن واضح ـ ط دار صادر ـ بيروت ـ لبنان.

٤٩ ـ تذكرة الحفاظ ، للذهبي ـ ط دار احياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان.

٥٠ ـ التراتيب الادارية ، للكتاني ـ ط دار احياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان.

٥١ ـ تفسير الجواهر للطنطاوي.

٥٢ ـ تفسير العياشي ـ المكتبة الاسلامية ـ ايران.

٥٣ ـ تلخيص الشافي ، للشيخ الطوسي ط سنة ١٣٩٤ هـ ق.

٥٤ ـ تلخيص مستدرك الحاكم ، للذهبي ، مطبوع بهامش المستدرك نفسه سنة ١٣٤٢ هـ ق ـ الهند.

٥٥ ـ التنبيه الاشراف ، للمسعودي ط دار الصاوي سنة ١٣٥٧ هـ ق ـ مصر.

٥٦ ـ تنقيح المقال ، للمقاماني ط سنة ١٣٥٢ هـ ق ـ المطبعة المرتضوية ،


النجف الاشرف ـ العراق.

٥٧ ـ تهذيب الاسماء ، للنووي ـ ادارة الطباعة المنيرية بمصر.

٥٨ ـ تهذيب تاريخ دمشق ، لابن بدران ط دار المسيرة سنة ١٣٩٩ هـ ق.

٥٩ ـ تهذيب التهذيب ، للعسقلاني ـ ط دار صادر ـ بيروت ـ لبنان.

٦٠ ـ تهذيب الكمال ، للمزي ط سنة ١٤٠٨ هـ ق مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ لبنان.

٦١ ـ تيسير الوصل ، لابن البديع ـ ط سنة ١٩٨٦ م.

ـ ث ـ

٦٢ ـ الثقات ، لابن حبان ط سنة ١٣٩٧ هـ ق الهند.

ـ ج ـ

٦٣ ـ جامع أحاديث الشيعة ، المطبعة العلمية سنة ١٣٩٩ هـ ق.

٦٤ ـ جامع البيان ، للطبري ط سنة ١٣٢٣ هـ ق ـ مصر.

٦٥ ـ الجامع لابن أبي زيد القيرواني ط سنة ١٤٠٦ هـ ق نشر وتوزيع : المكتبة العتيقة ـ تونس. ومؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ لبنان.

٦٦ ـ الجذور التاريخية للشعوبية ، للدوري ـ دار الطليعة ط سنة ١٩٦٢ م ـ بيروت ـ لبنان.

٦٧ ـ الجعفريات ـ اصدار مكتبة نينوى ـ طهران ـ ايران.

ـ ح ـ

٦٨ ـ حديث الافك ، لجعفر مرتضى مؤلف هذا الكتاب ط دار التعارف سنة بيروت ـ لبنان.


٦٩ ـ الحضارة الاسلامية في قرن الرابع الهجري ، لآدم متز. ط سنة ١٣٨٧ هـ ق بيروت ـ لبنان.

٧٠ ـ حلية الأولياء لابي نعيم ـ ط دار الكتاب العربي سنة ١٣٨٧ هـ ق ـ بيروت ـ لبنان.

٧١ ـ حياة الامام الحسن 7 ، للقرشي ط النجف سنة ١٣٧٥ هـ ق.

٧٢ ـ الحياة السياسية للامام الحسن 7 ، لجعفر مرتضى ، مؤلف هذا الكتاب ط الانتشارات الاسلامية لجماعة المدرسين ـ قم ـ ايران.

٧٣ ـ حياة الصحابة ، للكاندهلوي ط دار الوعي سنة ١٣٩٢ هـ ق ـ القاهرة ـ مصر.

٧٤ ـ الحيوان ، للجاحظ ط سنة ١٣٨٨ هـ ق بيروت ـ لبنان.

ـ خ ـ

٧٥ ـ الخرايج والجرايح ، للراوندي ط مصطفوي ـ ايران.

٧٦ ـ خلاصة الأقوال ، للعلامة الحلي ـ طبعة حجرية.

٧٧ ـ الخوارج والشيعة ـ ليوليوس فلهوزن ـ نشر وكالة المطبوعات ـ الكويت.

ـ د ـ

٧٨ ـ دراسات وبحوث في التاريخ والاسلام ـ لجعفر مرتضى ، مؤلف هذا الكتاب الانتشارات الاسلامية لجماعة المدرسين ـ قم ـ ايران.

٧٩ ـ الدرجات الرفيعة ، للسيد علي خان ، منشورات بصيرتي ـ سنة ١٣٩٧ هـ ق. قم ـ ايران.

٨٠ ـ دلائل النبوة ، لابي نعيم ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان.


ـ ذ ـ

٨١ ـ ذكر أخبار اصبهان ، لابي نعيم ، منشورات مؤسسة النصر ـ طهران ـ ايران.

ـ ر ـ

٨٢ ـ ربيع الابرار للزمخشري ط العاني. بغداد ـ العراق.

٨٣ ـ رجال ابن داود الحلي ، ط جامعة طهران سنة ١٣٤٢ هـ ش ـ ايران.

٨٤ ـ رسائل الجاحظ ـ نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ـ سنة ١٣٨٤ هـ ق.

٨٥ ـ الرصف للعاقولي ، ط سنة ١٣٩٣ هـ ق

٨٦ ـ روح الاسلام ، للسيد أمير علي.

٨٧ ـ روضة الواعظين ، للفتال النيسابوري ط الحيدرية سنة ١٣٨٦ هـ ق. النجف الاشرف ـ العراق.

ـ ز ـ

٨٨ ـ زاد المعاد ، لابن قيم الجوزية. المؤسسة العربية للطباعة والنشر. بيروت ـ لبنان.

٨٩ ـ الزندقة والشعوبية لعطوان دار الجيل ـ بيروت ـ لبنان.

٩٠ ـ الزهد والرقائق ، لابن المبارك ـ الناشر محمد عفيف الزعبي.

٩١ ـ زين العابدين ـ لعبدالعزيز سيد الاهل.

ـ س ـ

٩٢ ـ سفينة البحار ، للشيخ عباس القمي ، مؤسسة انتشارات فراهاني ـ ايران.


٩٣ ـ سلمان الفارسي ، للشيخ عبدالله السبيتي ط سنة ١٤٠٣ هـ ق ـ مؤسسة أهل البيت ـ بيروت ـ لبنان.

٩٤ ـ سليم بن قيس ـ المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ـ العراق.

٩٥ ـ سنن ابن ماجة ط سنة ١٣٧٣ هـ ق.

٩٦ ـ السنن الكبرى ، للبيهقي ط سنة ١٣٤٤ هـ ق حيدر آباد الدكن ـ الهند.

٩٧ ـ السيادة العربية والشيعة والاسرائيليات ، لفان فلوتن.

٩٨ ـ سير اعلام النبلاء للذهبي ط سنة ١٤٠٦ هـ ق مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ لبنان.

٩٩ ـ السيرة الحلبية ، للحلبي الشافعي ط سنة ١٣٢٠ هـ ق.

١٠٠ ـ السيرة النبوية ـ لابن هشام افست عن ط سنة ١٣٥٥ هـ ق مصر.

ـ ش ـ

١٠١ ـ شذرات الذهب ، لابن العماد الحنبلي ـ المكتب التجاري ـ بيروت ـ لبنان.

١٠٢ ـ شرح الشفاء لملاعلي القاري ط سنة ١٢٥٧ هـ ق.

١٠٣ ـ شرح صحيح مسلم ، للنووي ، مطبوع بهامش ارشاد الساري.

١٠٤ ـ شرح النهج للمعتزلي الحنفي ط سنة ١٣٨٥ هـ ق نشر دار احياء التراث العربي ـ بيروت.

١٠٥ ـ الشفاء ، للقاضي عياض دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.

١٠٦ ـ السيرة النبوية لدحلان أفست دار المعرفة ، بيروت ـ لبنان.

ـ ص ـ

١٠٧ ـ صحيح البخاري. ط سنة ١٣٠٩ هـ ق ـ مصر.

١٠٨ ـ صحيح مسلم ط محمد صبيح وأولاده ، مصر.


١٠٩ ـ الصحيح من سيرة النبيّ الاعظم 6 ، المؤلف هذا الكتاب (جعفر مرتضى). قم ايران سنة ١٤٠٣ هـ ق.

١١٠ ـ الصراط المستقيم ، للبياضي العاملي ط سنة ١٣٨٤ هـ ق ـ النجف الأشرف ـ العراق.

١١١ ـ صفة الصفوة ، لابن الجوزي الحنبلي ط سنة ١٣٨٩ هـ ق ـ حلب ـ سوريا.

١١٢ ـ الصواعق المحرقة ، لابن حجر الهيثمي ط سنة ١٣١٢ هـ ق.

ـ ض ـ

١١٣ ـ ضحى الاسلام ، لاحمد أمين. ط مكتبة النهضة ـ القاهرة ـ مصر.

ـ ط ـ

١١٤ ـ طبقات الشعراء ، لابن سلام طبع سنة ١٩١٣ م ـ ليدن.

١١٥ ـ الطبقات الكبرى ، لابن سعد ، ط صادر ـ بيروت ـ لبنان. وط ليدن.

١١٦ ـ طبقات المحدثين باصبهان ، لابي الشيخ ، ط مؤسسة الرسالة ، سنة ١٤٠٧ هـ ق بيروت ـ لبنان.

ـ ع ـ

١١٧ ـ العبر وديوان المبتداء والخبر ، لابن خلدون ، ط الاعلمي سنة ١٣٩١ هـ ق بيروت ـ لبنان.

١١٨ ـ العثمانية ، للجاحظ ـ مطابع دار الكتاب العربي بصر ـ سنة ١٣٧٢ هـ ق.

١١٩ ـ العقد الفريد ، لابن عبدربه ط سنة ١٣٨٤ هـ ق ـ دار الكتاب العربي.


١٢٠ ـ عمدة الطالب ، لابن عنبة ، الحيدرية ـ سنة ١٣٨٠ هـ ق النجف الاشرف ـ العراق.

١٢١ ـ عنوان المعارف ـ للصاحب بن عباد ـ ط سنة ١٣٨٥ هـ ق مطبعة الارشاد ـ بغداد ـ العراق.

١٢٢ ـ العين ، للخليل بن احمد الفراهيدي ، منشورات دار الهجرة سنة ١٤٠٥ هـ ق. قم ـ ايران.

١٢٣ ـ عيون الاخبار ، لابن قتيبة ط سنة ١٣٨٣ هـ ق ـ المؤسسة المصرية العامة.

١٢٤ ـ عيون أخبار الرضا ، للصدوق (ره) ط سنة ١٣٧٧ هـ ق ـ قم ـ ايران.

ـ غ ـ

١٢٥ ـ الغارات ، للثقفي ط مطبعة الحيدري ـ ايران.

١٢٦ ـ الغدير ، للعلامة الاميني ط سنة ١٣٩٧ هـ ق ـ دار الكتاب العربي ، بيروت ـ لبنان.

١٢٧ ـ غريب الحديث ، لابي عبيدة. ط دائرة المعارف العثماني سنة ١٣٨٥ هـ ق ـ حيدر آباد الدكن ـ الهند.

ـ ف ـ

١٢٨ ـ الفائق ، للزمخشري ط عيسى البابي الحلبي وشركاه سنة ١٩٧١ م.

١٢٩ ـ فتح الباري ، للعسقلاني ، نشر دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان.

١٣٠ ـ الفتوح ، لابن أعثم. ط سنة ١٣٩٥ هـ. الهند.

١٣١ ـ فتوح البلدان ، للبلاذري ، تحقيق صلاح الدين المنجد ـ ط مصر.

١٣٢ ـ الفصول المهمة ، لابن الصباغ المالكي ط سنة ١٣٨١ هـ ق. الحيدرية ـ النجف الاشرف ـ العراق.


١٣٣ ـ الفهرست لابن النديم ـ افست طهران ـ ايران.

١٣٤ ـ الفهرست ، للشيخ الطوسي (ره) ط جامعة مشهد سنة ١٣٥١ هـ ش ـ ايران.

ـ ق ـ

١٣٥ ـ قاموس الرجال ، للتستري ، منشورات مركز نشرالكتاب ـ طهران سنة ١٣٧٩ هـ ق.

١٣٦ ـ قضاء أميرالمؤمنين على بي أبي طالب ، للتستري ـ دارالشمالي للطباعة ـ بيروت ـ لبنان.

ـ ك ـ

١٣٧ ـ الكافي ، للكليني ، دار الكتب الاسلامية ـ طهران (الاصول) وط سنة ١٣٧٧ ـ الحيدري طهران ـ ايران.

١٣٨ ـ الكامل في الأدب ، للمبرد ـ ط دار نهضة مصر.

١٣٩ ـ الكامل في التاريخ ، لابن الا ثيرط سنة ١٣٨٥ هـ ق بيروت ـ لبنان.

١٤٠ ـ الكشاف ، للزمخشري ـ نشر دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ لبنان.

١٤١ ـ كشف الاستار عن مسند البزار للهيثمي ط سنة ١٣٩٩ هـ ق ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ لبنان.

١٤٢ ـ كنزالعمال ، للمتقي الهندي. ط سنة ١٣٨١ هـ ق.الهند.

١٤٣ ـ الكنز المرصود ، ليوسف حنا نصرالله ط سنة ١٣٨٨ هـ ق ـ بيروت ـ لبنان.

ـ ل ـ

١٤٤ ـ لسان العرب ، لابن منظور ـ ط دار صادر ـ بيروت ـ لبنان.


١٤٥ ـ لسان الميزان ، للعسقلاني ـ ط الاعلمي ـ بيروت ـ لبنان.

١٤٦ ـ لطف التدبير ، لابي عبدالله الاسكافي ط سنة ١٩٦٤ م ـ مصر.

ـ م ـ

١٤٧ ـ المجروحون ، لابن حبان ط سنة ١٣٩٦ هـ ق ـ دار الوعي ـ حلب ـ سوريا.

١٤٨ ـ مجمع الزوائد ، للهيثمي ط سنة ١٩٦٧ م.

١٤٩ ـ مجموعة الوثاق السياسية ، لمحمد حميدالله ط سنة ١٤٠٥ هـ ق. دار النفائس. بيروت ـ لبنان.

١٥٠ ـ المحاسن ، للبرقي. مطبعة رنگين سنة ١٣٧٠ هـ ق ـ طهران ـ ايران.

١٥١ ـ المحاسن ، والمساوي ، للبيهقي ـ ط مكتبة النهضة مصر.

١٥٢ ـ محاضرات الادباء ، للراغب.

١٥٣ ـ المحبر ـ لابن حبيب ط سنة ١٣٦١ هـ ق.

١٥٤ ـ المحجة البيضاء للفيض الكاشاني ، ط انتشارات الاسلامي لجماعة المدرسين ـ قم ـ ايران.

١٥٥ ـ مختصر التاريخ ، لابن الكازروني ط سنة ١٣٩٠ هـ ق ـ مطبعة الحكومة ـ بغداد ـ العراق.

١٥٦ ـ مروج الذهب ، للمسعودي ط دار الاندلس سنة ١٩٦٥ م ـ بيروت ـ لبنان.

١٥٧ ـ مزيل الخفاء ، شرح الفاظ الشفاء ـ مطبوع بهامش الشفاء ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.

١٥٨ ـ المستدرك على الصحيحين ، للحاكم ط سنة ١٣٤٢ هـ ق ـ الهند.

١٥٩ ـ مستدرك الوسائل ، للنوري. منشورات المكتبة الاسلامية سنة ١٣٨٢ هـ ق ـ طهران.


١٦٠ ـ المسترشد في امامة علي 7 ـ ط الحيدرية ـ النجف الاشرف ـ العراق.

١٦١ ـ مسند أحمد. منشوارت دار صادر ، والمكتب الاسلامي ، بيروت ـ لبنان عن ط سنة ١٣١٣ هـ ق مصر.

١٦٢ ـ مصابيح الأنوار ، للسيد عبدالله شبر ـ مطبعة الزهراء ـ بغداد ـ العراق.

١٦٣ ـ المصنف ، لعبد الرزاق الصنعاني ط سنة ١٣٩٠ ـ هـ ق.

١٦٤ ـ معجم البلدان ، لياقوت الحموي ـ دار صادر ـ دار بيروت ـ ط سنة ١٣٨٨ هـ ق ـ بيروت ـ لبنان.

١٦٥ ـ المعجم الصغير ، للطبراني ـ نشر المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة سنة ١٣٨٨ هـ ق ـ الحجاز.

١٦٦ ـ معرفة علوم الحديث ، للحاكم سنة ١٣٩٧ هـ ق ـ المدينة المنورة ـ الحجاز.

١٦٧ ـ المعيار ، والموازنة ، لابن الاسكافي ـ ط سنة ١٤٠٢ هـ ق.

١٦٨ ـ المغازي ، للواقدي ـ انتشارات اسماعيليان ـ طهران ـ ايران.

١٦٩ ـ مقارنة الاديان ( اليهودية ) لاحمد شلبي ـ ط سنة ١٩٧٤ م مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة ـ مصر.

١٧٠ ـ مقدمة ابن خلدون ـ دار احياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان.

١٧١ ـ مكاتيب الرسول ، للاحمدي ـ ط مصطفوي ـ ايران.

١٧٢ ـ المنار (تفسير) لرشيد رضا ـ نشر دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان.

١٧٣ ـ المناقب ، لابن شهر آشوب ـ ط مصطفوي ـ قم ـ ايران.

١٧٤ ـ منتخب كنز العمال ، مطبوع بهامش مسند أحمد ط سنة ١٣١٣ هـ ق.

١٧٥ ـ المواهب اللدنية ، للقسطلاني ـ دار الكتب العلمية.


١٧٦ ـ الموسوعة العربية الميسرة.

١٧٧ ـ الموطأ ، لمالك بن أنس ، المطبوع مع تنوير الحوالك للسيوطي ، دار احياء الكتب العربية بمصر.

١٧٨ ـ الموفقيات ، للزبير بن بكار ط سنة ١٩٧٢ م.

١٧٩ ـ ميزان الاعتدال ، للذهبي ـ ط دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان.

ـ ن ـ

١٨٠ ـ النزاع ، والتخاصم ، للمقريزي نشر المطبعة العلمية سنة ١٣٦٨ هـ ق ـ النجف الأشرف ـ العراق.

١٨١ ـ النصائح الكافية ، لمحمد بن عقيل ط مطبعة النجاح ـ بغداد ـ العراق.

١٨٢ ـ النظم الاسلامية ، لصبحي الصالح ـ دارالعلم للملايين ط سنة ١٣٩٦ هـ ق بيروت ـ لبنان.

١٨٣ ـ نفس الرحمان في فضائل سلمان ، للنوري ، انتشارات الرسول المصطفى 6 ـ قم ـ ايران.

١٨٤ ـ النهاية في اللغة ، لابن الأثير ط سنة ١٣٨٣ هـ ق. دار احياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان.

١٨٥ ـ نهج البلاغة ( جمع الشريف الرضي ) ط الاستقامة.

١٨٦ ـ نوادر المخطوطات ـ تحقيق عبدالسلام هارون ط سنة ١٣٩٣ هـ ق ـ القاهرة ـ مصر.

١٨٧ ـ نور الثقلين ، (تفسير) للحويزي ، مطبعة الحكمة ـ قم ـ ايران.

١٨٨ ـ نور علم (مجلة) تصدر عن جماعة المدرسين ـ قم ـ ايران.

١٨٩ ـ نور القبس ـ لليغموري ـ ط سنة ١٣٨٤ هـ ق.


١٩٠ ـ نيل الأوطار ، للشوكاني ـ دار الجيل ـ ط سنة ١٩٧٣ ـ بيروت ـ لبنان.

ـ و ـ

١٩١ ـ وسائل الشيعة ، للحر العاملي ، ط سنة ١٣٨٥ هـ ق ـ طهران ايران.

١٩٢ ـ وفاء الوفاء ، للمسهودي ط بيروت سنة ١٣٩٣ هـ ق ـ لبنان.

١٩٣ ـ وفيان الاعيان ، لابن خلكان ط صادر سنة ١٣٩٨ هـ ق ـ بيروت ـ لبنان.

ـ ي ـ

١٩٤ ـ اليهود قديما وحديثاً ، للشيخ محمد ابراهيم الجناتي ـ مطبعة الآداب النجف الاشرف ـ العراق.

والحمدلله ، الصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى ، محمّد وآله الطاهرين.


٦ ـ محتويات الكتاب إجمالاً

الباب الأول

فصول من حياة سلمان ٥ ـ ٧١

الفصل الأول : سلمان المحمدي في سطور

٧ ـ ١٦

الفصل الثاني : حديث الاسلام والحرية

١٧ ـ ٤١

الفصل الثالث : وعي .... ومسؤولية

٤٣ ـ ٥٩

الفصل الرابع : يعارضهم ... ويشاركهم (!!)

٦١ ـ ٧١

الباب الثاني

سياسات ونتائج ... ٧٣ ـ ١٧٢

الفصل الاول : في مواجهة التحدي

٧٥ ـ ١٠٦

الفصل الثاني : التمييز العنصري أحداث ومواقف

١٠٧ ـ ١٢٤

الفصل الثالث : سياستان : لاتلتقيان

١٢٥ ـ ١٤٩

الفصل الرابع : التمييز العنصري .. نتائج ... وآثار

١٥١ ـ ١٧٢

ملحق

١٧٣ ـ ١٧٩

الفهارس

١٨٣


٧ ـ محتويات الكتاب تفصيلاً

تقديم ..................................................................... ٤

الباب الأول

فصول من حياة سلمان ٥ ـ ٧١

الفصل الأول : سلمان المحمّدي في سطور.............................. ٧ ـ ١٦

بداية .................................................................... ٩

دراستنا لسلمان المحمّدي ................................................. ١٠

معلومات أولية .......................................................... ١٠

من خصائص سلمان ..................................................... ١١

منزلته ومقامه ........................................................... ١٢

من لطائف الاشارات .................................................... ١٣

وفاة سلمان ............................................................. ١٤

المستنصر بالله ، وابن الأقساسي ........................................... ١٥

ختام ................................................................... ١٥

الفصل الثاني: حديث الاسلام والحرية ............................... ١٧ ـ ٤١

حديث إسلام سلمان .................................................... ١٩

نحن .. وحديث الاسلام هذا ............................................. ٢٠

متى تحرّر سلمان ........................................................ ٢٠


تاريخ غزوة الخندق ...................................................... ٢١

تاريخ الحريّة ............................................................. ٢٤

كتاب النبيّ (ص) في مفاداة سلمان ........................................ ٢٥

تأمّلات في الكتاب ...................................................... ٢٦

الردّ على الشكوك المشار إليها............................................. ٢٧

حديث الحرية .. بطريقة اُخرى ........................................... ٣٠

مناقشات لا بدّ منها ..................................................... ٣١

الرواية الاقرب إلى القبول ................................................ ٣٢

النخلة التي غرسها عمر .................................................. ٣٣

دور خليسة في عتق سلمان ............................................... ٣٥

من الذي حرّر سلمان؟ .................................................. ٣٧

أبو بكر وعتق سلمان .................................................... ٣٩

لماذا يكذبون ............................................................ ٤٠

الفصل الثالث: وعي .. ومسؤولية ......................................... ٤٣

بداية ................................................................... ٤٥

إذا اقتتل القرآن والسلطان ................................................ ٤٥

التوازن في شخصية الانسان المسلم ........................................ ٤٨

الارض لا تقدّس أحداً ................................................... ٥٠

واقعية زهد سلمان ...................................................... ٥٠

هكذا ينجو المخفون ..................................................... ٥١

المرحلة الاولى ........................................................... ٥٣

المرحلة الثانية ........................................................... ٥٤

ثم تأتي المرحلة الثالثة ..................................................... ٥٥

المرحلة الرابعة ........................................................... ٥٥


إنزال الحديد .. لماذا؟!.................................................... ٥٦

سلمان يفسر لنا المراد من : الصحابي ...................................... ٥٧

مهمّات كبيرة ........................................................... ٥٨

الفصل الرابع: يعارضهم .. ويشاركهم (!!) .......................... ٦١ـ ٧١

مشاركة المعارضة في الحكم ............................................... ٦٣

السؤال الصريح ......................................................... ٦٤

إجابة واضحة ........................................................... ٦٤

الباب الثاني

سياسات ... ونتائج ... ٧٣ ـ ١٧٢

الفصل الأول : في مواجهة التحدّي ......................................... ٧٥

بداية ................................................................... ٧٧

الاسلام يرفض سياسة التمييز العنصري .................................... ٧٧

التمييز العنصري بين الجبر والاختيار ....................................... ٧٩

سلبيات ظاهرة .......................................................... ٨١

سلمان في مواجهة التمييز العنصري أيضاً .................................. ٨٢

وقفات ................................................................. ٨٤

الاولى : سلمان منّا أهل البيت ............................................ ٨٤

حنبلي يثبت العصمة لسلمان!! ........................................... ٨٦

الوقفة الثانية : دفاع عمر عن سلمان ...................................... ٨٧

الاولي: بنو عدي في الجاهلية .............................................. ٨٨

الثانية : إدانة سعد غير واقعية ............................................. ٨٩

هذه الرواية وسياسات الخليفة ............................................. ٨٩

الوقفة الثالثة : أنا سلمان ابن الاسلام ...................................... ٩٢


الزواج .. والسياسة العنصرية ............................................ ٩٤

لا نؤمكم .. ولا ننكح نساءكم .......................................... ٩٧

عجمة سلمان اسطورة ................................................. ١٠٠

الحقد الاعمى ......................................................... ١٠٣

الفصل الثاني : التمييز العنصري أحداث .. ومواقف ............. ١٠٧ ـ ١٢٤

توطئة لابدّ منها ....................................................... ١٠٩

الاُمويون وسياسة التمييز العنصري ...................................... ١١٠

ضريبة الانحراف عن الخطّ الاسلامي ..................................... ١١١

العرب .. والفتوحات .................................................. ١١٢

تمحل الاعذار لا يجدي ................................................. ١١٢

تطوير اسلوب الصراع ................................................. ١١٤

الشعوبية هم دعاة التسوية............................................... ١١٥

نماذج عنصرية اموية ................................................... ١١٦

في عهد العباسيين ...................................................... ١٢٢

قوالب حضارية خادعة ................................................. ١٢٣

الفصل الثالث: سياستان لا تلتقيان............................... ١٢٥ ـ ١٤٩

الخليفة الثاني وسياسة التمييز العنصري ................................... ١٢٧

المجال الاوّل : تفضيل العرب ............................................ ١٢٨

المجال الثاني : تجني الخليفة على غير العرب ................................ ١٣٠

سياسات الخليفة بالتفصيل .............................................. ١٣١

١ ـ تحريم المدينة على غير العرب ....................................... ١٣١

٢ ـ بيع الجار النبطي ................................................. ١٣١

٣ ـ لاقود لغير العربي من العربي ....................................... ١٣١

٤ ـ زيّ العجم ...................................................... ١٣٢


٥ ـ رطانة الاعاجم ، ونقش الخاتم بالعربية .............................. ١٣٢

تحفظ لابد منه ........................................................ ١٣٣

٦ ـ ولاية المولى على العرب............................................ ١٣٤

٧ ـ التفضيل بالعطاء ................................................. ١٣٤

٨ ـ الكفاءة في النكاح ................................................ ١٣٥

٩ ـ قرار يعجز الخليفة عن تنفيذه ...................................... ١٣٧

١٠ ـ محاولة استئصال غير العرب ...................................... ١٣٨

١١ ـ أوامر وقرارات لا تطاق ......................................... ١٣٨

١٢ ـ الإرث ........................................................ ١٤٠

١٣ ـ تقليم أظفار العجم .............................................. ١٤٠

١٤ ـ الحمراء والتجارة ............................................... ١٤٠

سياسة علي 7 مع غير العرب ........................................ ١٤٢

ذرية علي 7 تسير على نهجه ......................................... ١٤٤

الرافد الاول والاساس .................................................. ١٤٥

نصوص عنصرية يهودية ................................................ ١٤٦

تحريض يهوديّ مبطن .................................................. ١٤٨

الفصل الرابع: التمييز العنصري .. نتائج .. وآثار ................. ١٥١ ـ ١٧٢

من آثار ونتائج السياسة العمرية ......................................... ١٥٣

آثار سياسة عمر على العرب ............................................ ١٥٣

عظمة عمر بن الخطاب في العرب ....................................... ١٥٦

أما في الاتجاه السلبي.................................................... ١٦١

آثار سياسة علي 7 وأهل بيته.......................................... ١٦٢

غير العرب هم روّاد العلم والثقافة........................................ ١٦٤

غير العرب .. والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.......................... ١٧٢


ملحق......................................................... ١٧٣ ـ ١٧٩

مؤخاة سلمان مع من؟! ................................................ ١٧٥

انكار حديث المؤاخاة والاجابة عن ذلك .................................. ١٧٥

كلمة أخيرة............................................................ ١٨١

الفهارس ............................................................... ١٨٣

سلمان الفارسي في مواجهة التحدّي

المؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
الصفحات: 233