
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
ربنا آتنا من
لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ، وأفض علينا من سجال جودك ما يزيل
عن قلوبنا الصدأ ، وصيرنا في محفوظ لوحك ممن جعلته في القول مؤيدا
والفعل مسددا.
وصل اللهم على
من أرسلته بشيرا ونذيرا وشاهدا ، ومنحته من مواد مواهبك وزلال عذب مناهلك موردا ، وأتممت به
نظام الوجود ومصالح خلقك بعد أن كانت ، محمد وآله الذين بهم اندفعت مهالك الردى ، وارتفعت
أعلام الحجى ،
__________________
وخفقت رايات الهدى ، ما برق بارق وغدا ودر شارق وبدا.
أما
بعد : فإن اتباع
الحسنة الحسبة في العمر الذي سنه منه سنة من أعظم الرغائب وأسنى
المواهب ، ولما وفق الله لزبر كتاب « اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية » رأيت اتباعه بكتاب في المسائل الفقهية والمباحث
الفروعية إحدى الحسنيين وإحدى الموهبتين ، وكان شيخنا الشهيد قدس الله سره قد جمع
كتابا يشتمل على قواعد وفوائد في الفقه تأنيسا للطلبة بكيفية استخراج المعقول من
المنقول وتدريبا لهم في اقتناص الفروع من الأصول ، لكنه غير مرتب ترتيبا يحصله كل
طالب وينتهز فرصة كل راغب ، فصرفت عنان العزم إلى ترتيبه وتهذيبه وتقريبه ، وسميته
( نضد القواعد الفقهية
على مذهب الإمامية ) وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب .
وهو مرتب على
مقدمة وقطبين :
__________________
أما المقدمة
( ففي تعريف الفقه وما يتعلق بذلك )
وفيها قواعد :
[
القاعدة ] الأولى :
« الفقه » لغة
الفهم ، واصطلاحا هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية.
فالعلم جنس ، وقولنا
بالأحكام يخرج العلم بالذوات والصفات ، وبالشرعية يخرج العقلية ، وبالفرعية يخرج
أصول الشريعة الضرورية ، وكونها عن أدلتها يخرج علم واجب الوجود ، وكونها تفصيلية
يخرج علم المقلد فإنه بما استدل على المسألة إجمالا بأنه « أفتاني به المفتي وكلما
أفتاني به المفتي فهو حكم الله في حقي ».
وموضوعه أحوال
المكلفين من حيث هي متعلق الاقتضاء أو التخيير.
ومسائله
المطالب المثبتة فيه.
ومبادئه : إما
تصورية ، وهي معرفة الموضوع وأقسامه ومعرفة الأحكام وأقسامها ومتعلقاتها. وإما
تصديقية ، وهي ما يرجع إليها الاستدلال ، وهي الكتاب والسنة والإجماع والعقل ، وأقسام
ذلك وما يتعلق به.
لطيفة
:
قد يطلق « الفقه
» أيضا على علم طريق الآخرة ، وحصول ملكة يفيد الإحاطة بحقائق الأمور
الدنيوية ومعرفة دقائق آفات النفوس ، بحيث يستولي الخوف عليها فتعرض عن الأمور
الفانية وتقبل على الأمور الباقية.
ولعل ذلك هو
المراد من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
ألا أنبئكم بالفقيه كل
الفقيه؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم
يؤمنهم من مكر الله ، ولم يؤيسهم من روح الله ، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى ما
سواه .
وقول الصادق
عليهالسلام
لا يكون الرجل فقيها حتى لا
يبالي أي ثوبيه ابتذل وبما سد فورة الجوع.
والأول هو
المصطلح عليه ، وعليه مباني قطبي هذا الكتاب وغيره من كتب الفقه.
__________________
[
القاعدة ] الثانية :
لما تقرر في
علم الكلام كون أفعاله تعالى معللة بالأغراض واستحالة عود الغرض إليه وجب كونه
لمصالح عبيده ، وهو إما جلب نفع أو دفع ضرر ، وكلاهما إما دنيوي أو أخروي.
فالأحكام الشرعية لا تخلو من أحد هذه الأربعة ، وهي تنظم كتب الفقه.
وقد قررها
الأصحاب بأن غرض الحكم الشرعي أما أخروي وهو العبادات أو دنيوي لا يفتقر إلى عبارة
وهو الأحكام ، أو يفتقر إلى عبارة إما من الطرفين وهو العقود ، أو من طرف وهو
الإيقاعات.
وإن ، شئت قلت
: الشرائع كلها لحفظ المقاصد الخمسة ، وهي : الدين ، والنفس ، والمال ، والنسب ، والعقل
التي يجب تقريرها في كل شريعة ، فالدين يقتسم العبادات ، وحفظه بالجهاد وتوابعه . وحفظ النفس
بشرع القصاص ، وحافظة الحياة وما يتعلق بهما . وحفظ النسب بالنكاح وتوابعه والحدود والتعزيرات ، وحفظ
المال بأكثر العقود والتمليكات وحرمة الغصب والسرقة وغيرها. وحفظ العقل بتحريم
المسكرات وما في معناها والحدود والتعزير وحفظ الجميع بالقضاء والشهادات
وتوابعهما.
فائدة
:
قد يجتمع في
الحكم الواحد غرضان فما زاد ، فإن المكتسب لقوته وقوت عياله الواجبي النفقة إذا
انحصر وجه التكسب في جهة وقصد به التقرب إلى الله
__________________
تعالى ، فإن الأغراض الأربعة تجتمع فيه ، فالنفع الدنيوي بحفظ النفس
والأخروي بأداء الفريضة المقصود بها القربة ، وأما دفع الضرر الدنيوي فهو إزالة
الألم الحاصل للنفس بترك القوت ، وأما الأخروي فهو العقاب اللاحق بترك الواجب.
أخرى
:
العبادة تنتظم
ما عدا المباح كما يجيء ، وأما العقود والإيقاعات فهي أسباب يترتب عليها الأحكام
كما يجيء أيضا.
وأما المسمى
بالأحكام فالغرض منها : إما بيان الإباحة كالصيد والأطعمة والأشربة والأخذ بالشفعة
، وإما بيان التحريم كموجبات الحدود والجنايات وغصب الأموال ، وإما بيان الوجوب
كنصب القاضي ونفوذ حكمه ووجوب إقامة الشهادة عند التعيين ووجوب الحكم على القاضي
عند الوضوح ، وإما بيان الاستحباب كالطعمة في الميراث وبيان آداب الأطعمة والأشربة والذبائح
والعفو في حدود الآدميين وقصاصهم ودياتهم ، وإما الكراهة ففي كثير من الأطعمة
والأشربة وآداب القاضي.
[القاعدة]
الثالثة :
كل حكم شرعي
يكون الغرض الأهم منه الدنيا ، سواء كان لجلب نفع أو دفع ضرر : فإما أن يكون
مقصودا بالأصالة ، أو بالتبع.
__________________
فالأول إما
لجلب النفع ، وهو ما يدرك بالحواس الخمس ، فإن كل حاسة لها حظ من الأحكام الشرعية
، فللسمع الوجوب كما في القراءة الجهرية والتحريم كما في سماع الغناء وآلات اللهو
، وللبصر الوجود كما في الاطلاع على العيوب وإرادة التقويم ، والتحريم
كما في تحريم النظر إلى المحرمات ، وللمس أحكام الوطء ومقدماته بل المناكحات كلها الغرض الأهم
منها اللمس ، ويتعلق باللمس أيضا اللباس والأواني وإزالة النجاسات وتحصيل الطهارات
، ويتعلق بالذوق أحكام الأطعمة والأشربة والصيد والذبائح. وإما لدفع الضرر ، وهو
حفظ المقاصد الخمس.
والثاني وهو
الذي يكون مقصودا بالتبع ، فهو كل وسيلة إلى المدرك بالحواس أو إلى حفظ المقاصد ، ويجيء
مفصلا.
[القاعدة]
الرابعة :
الحكم خطاب
الشرع المتعلق بالأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع.
فالاقتضاء هو
الطلب ، إما للوجود مع المنع من النقيض وهو الوجوب أو لا معه هو الندب وإما للعدم
مع المنع من النقيض وهو التحريم أو لا معه وهو الكراهة.
والتخيير
الإباحة ، والوضع هو الحكم على الشيء بكونه سببا أو شرطا
__________________
أو مانعا.
وأضاف بعضهم
الصحة والبطلان والعزيمة والرخصة والتقدير والحجة.
والأربعة الأول
ظاهرة المثال ، وأما التقدير فإما بجعل الموجود معدوما كالماء بالنسبة إلى مريض يتضرر
باستعماله أو إلى عاجز عن ثمنه يقدر معدوما ، أو بجعل المعدوم موجودا ، وله أمثلة :
( الأول )
الدية ، تقدر داخلة في ملك المقتول قبل موته بآن يتورث عنه ويقضى منها ديونه ، فإنه
يقدر الملك المعدوم موجودا للضرورة.
( الثاني )
تجديد النية في الصوم قبل الزوال ، فتنعطف هذه النية تقديرا إلى الفجر ، مع أن
الواقع عدم النية.
( الثالث )
تقدير الملك قبل العتق في قوله « أعتق عبدك عني » ، وليس ذلك كله من باب الكشف ، للقطع
بعدم هذه المقدرات.
وأما الحجة فهي
مستند قضاء الحاكم ، كالإقرار والبينة واليمين والنكول. والحق أن هذه يمكن ردها
إلى أقسام الوضع الثلاثة .
هداية
:
ظهر أن الخطاب إما تكليفي أو وضعي ، وليس بينهما منع جمع ، بل ينقسمان أقساما :
« أ » ما اجتمعا فيه : كالطهارة عن الحدث والخبث وأسباب الحدث التي من فعل
العبد ، والصلاة فإنها واجبة وسبب لعصمة الدم ، وغسل الميت واجب
__________________
وشرط في صحة الصلاة عليه ، وباقي أحكامه واجبة وسبب في سقوط الفرض عن
الباقين ، والاعتكاف ندب وسبب في تحريم محرماته ، والنكاح ندب وسبب في أشياء تأتي
، والطلاق مكروه أو واجب وسبب في التحريم ، والرضاع مستحب أو واجب وسبب للتحريم ، والزنا
وأمثاله محرمة وسبب في الحد والتعزير والقصاص ، والعتق ندب وسبب للحرية.
« ب » وضعي لا غير ، كأسباب الحدث ، وليست من فعل العبد كالنوم والحلم والحيض وأوقات
الصلاة ورؤية الهلال ، فإنها أسباب محضة ، وحول الحول شرط لوجوب الزكاة ، والحيض مانع
من الصلاة والصوم.
وجعل بعضهم
ضابط هذا ما لا فعل فيه للمكلف ، ومنه الإرث فإنه تملك محض بعد وقوع السبب.
« ج » تكليفي لا غير ، كالتطوعات فإنها تكليف وليس فيها سببية ولا شرطية ولا
مانعية ، وكذا الزكاة والصوم والحج والالتقاط بنية الحفظ .
هذا إذا لم
تلحظ اعتبار براءة الذمة أو سقوط الخطاب أو استحقاق الثواب أما مع ملاحظتها فإنه
يزول هذا القسم ، لأن السببية حاصلة بالنسبة إلى ما ذكرناه.
« د » مبدأه تكليفي وعقباه وضعي ، فإن وجوب النفقة سبب لملك الزوجة والحضانة سبب للحفظ ، واستيفاء
الحد والتعزير سبب للزجر عن المعصية ، والقضاء سبب في تسلط المقضي له.
__________________
ومن هذا القسم
البيع والرهن والحوالة والضمان والشركة والوكالة والشفعة والإجارة والمزارعة
والمساقاة والقراض والجعالة والوصية والهبة والمسابقة والعارية والوديعة إذا فرط ،
فإن ذلك كله مباح.
وقد يستحب أو
يجب ، ويترتب عليه بعد وقوعه أحكامه.
« هـ » مدارك الأحكام عندنا أربعة : الكتاب
، والسنة ، والإجماع ، ودليل العقل.
أما الكتاب فدليل حجيته كونه كلام الله الذي يستحيل عليه الكذب والقبح.
وأدلته قسمان
نص وظاهر ، فالنص هو ما لم يحتمل خلاف ما فهم منه ، والظاهر هو ما احتمل خلاف ما
فهم منه لكن دلالته على المفهوم منه راجحة.
ويقابل النص
المجمل ، وهو ما يحتمل خلاف ما فهم منه ، لكن لا رجحان معه لأحد الطرفين. ويقابل
الظاهر المؤول ، وهو ما في دلالته احتمال لكن مع مرجوحية المحتمل.
ويشترك النص
والظاهر في المحكم والمجمل ، والمؤول في المتشابه.
وأما السنة فهي : إما نبوية ودليل حجتيها الكتاب نحو ( ما آتاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) وقوله تعالى ( لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ
ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) ، وإما إمامية ودليل حجيتها
قوله صلىاللهعليهوآله
إني تارك فيكم الثقلين
كتاب الله وعترتي وآية الطهارة نص في الباب.
__________________
واشتراط وجوب
وجود المعصوم في كل وقت دليل جلي أيضا.
وكلاهما إما
قول وأقسامه كما تقدم ، أو فعل فأما بيان فتابع للمبين في وجهه وأما ابتدائي فلا
حجة فيه إلا مع علم الوجه ، أو تقرير فإن كان نبويا فحجة لاستحالة التقية عليه ، وإن
كان إماميا فمحتمل.
وأما
الإجماع فلوجوب دخول المعصوم الذي يستحيل عليه الخطأ.
وأما
العقل فقد يكون مع استقلاله ضرورة أو نظرا ، وقد يكون لا مع
استقلاله.
وله أقسام
كثيرة من مفهوم موافقة أو مخالفة أو علة منصوصة أو اتحاد طريق كما هو مذكور مفصلا
في الأصول.
وفي حجية هذا
القسم الثاني خلاف ، يقوى في بعضه الحجية كالعلة المنصوصة ومتحد الطريق وبعض
المفهوم الموافق وهو ما يكون ثبوت الحكم في المسكوت أولى.
والأحكام
المأخوذة عن هذه الأدلة كثيرة ، ينتظمها كتب الفقه والأحاديث.
« و » استنبط
العلماء من المدارك المذكورة قواعد خمسا ردوا إليها كثيرا من الأحكام ، سيأتي
بيانها إن شاء الله تعالى :
( الأول )
البناء على الأصل ، ويعبر عنها بأن اليقين لا يرفع بالشك ، وهو راجع إلى الدليل
العقلي ، أعني أصالة عدم الحكم السابق.
وينبه عليه قول
النبي صلىاللهعليهوآله
إن الشيطان ليأتي أحدكم
وهو في الصلاة فيقول له أحدثت أحدثت ، فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا
. رواه عبد الله وأبو هريرة. ومثله رويناه عن
أئمتنا عليهمالسلام .
__________________
( الثاني ) أن العمل بحسب النية ، لقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلّا
لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) . ولقول النبي صلىاللهعليهوآله
إنما الأعمال بالنيات وإنما
لكل امرئ ما نوى . والتقدير إنما صحة الأعمال بالنيات أو اعتبارها وتقدير
الثاني أن كل من نوى شيئا حصل له وإن لم ينو شيئا لم يحصل له
لقضية الحصر.
( تبصرة ) قيل : النية إرادة إيجاد الفعل على الوجه المأمور به شرعا
أورد عليه إرادته تعالى ، لما تقرر من كونه مريدا للطاعات عندنا أو للكائنات عند
الخصم ، مع أنها لا تسمى نية ، فيزيد مقارنة قلنا : لا يخرجها بناء على افتقار
الممكن حال بقائه إلى المؤثر. فقيل : حادثة. قلنا : تدخل أيضا على قول السيد. فقيل
: تفعل بالقلب فاستقام ، فهي إذن إرادة قلبية لإيجاد الفعل على الوجه المأمور به
شرعا.
__________________
( الثالث ) أن المشقة سبب في التيسير ، لقوله تعالى ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ ) ولقوله ( وَما جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) . ولقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعثت بالحنيفية السمحة السهلة ، وقوله
صلىاللهعليهوآله
يسروا ولا تعسروا وبشروا
ولا تنفروا .
( الرابع )
تحكيم
العرف والعادة إذا فرض
انتفاء النص اللغوي والشرعيفإنه يحمل الخطاب على الحقيقة العرفية وإلا لزم الخطاب
بما لا يفهم.
وينبه على
اعتبار العادة « ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن » ، وهو من المراسيل ، ووقفه
بعضهم على عبد الله بن مسعود.
وربما احتج على
اعتبار العادة بفحوى قوله تعالى ( لِيَسْتَأْذِنْكُمُ
الَّذِينَ ) الآيات ، فإن هذه الأوقات جرت العادة فيها بالابتذال ووضع الثياب.
وقول النبي صلىاللهعليهوآله
لحمنة بنت جحش تحيض في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء. وقوله المكيال
مكيال المدينة والوزن وزن أهل مكة ،
__________________
فإن أهل المدينة اعتادوا الكيل لمكان النخل وأهل مكة الوزن لمكان متاجرهم ،
ولأنه صلىاللهعليهوسلم
قضى في ناقة البراء بن
عازب لما أفسدت حائطا أن على أهل الحوائط حفظها نهارا وعلى أهل الماشية حفظها ليلا
. وهو ظاهر في اعتبار العادة.
وأما قوله
صلىاللهعليهوآله
من عمل عملا ليس عليه
أمرنا فهو رد ، فيحتمل أن يقال : المراد ما عليه المسلمون ، وهو يشمل
ما هم عليه من حيث الشرع أو العادة ، أو يقال : اعتبار العوائد حيث هو عن أمره
فعليه أمره.
( الخامس ) نفي الضرر ، مستنده قوله صلىاللهعليهوآله
في خبر أبي سعيد لا ضرر
ولا ضرار بكسر الضاد وحذف الهمزة ، أسنده ابن ماجه والدار قطني
وصححه الحاكم في المستدرك وفسرا بوجوه :
أ
ـ ما كان من فعل واحد
فهو ضرر ومن اثنين فهو ضرار ، لأنه فعال من المضارة الصادرة من اثنين ، وإن كان
مضارة الثاني غير منهي عنها لوقوعها مجازاة. وسماها ضرارا تبعا للصورة ، كقوله
تعالى « وَجَزاءُ
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها » .
أو نقول : الثاني
منهي عنه أيضا ، لأنه عدول عن طريق العفو والإحسان كما قال صلىاللهعليهوآله
أد الأمانة إلى من ائتمنك
ولا تخن من خانك .
ب ـ إن الضرار ما يتضرر به صاحبك ولا تنتفع به ، والضرر ما
تضره به
__________________
وينفعك.
ح ـ إن الضرر اسم والضرار مصدر ، فالنهي عن الفعل الذي هو
المصدر وعن إيصال الضرر إلى الغير الذي هو الاسم.
وهذا خبر معناه
النهي ، وسيأتي في فصل مفرد جملة مما يتفرع على هذه الخمس من الأحكام.
__________________
القطب الأول
( في القواعد
العامة المترتبة على المقدمات السابقة )
( وما يتفرع عليها من
المسائل )
وفيه مطالب :
المطلب الأول
( في تفصيل أقسام الحكم )
وفيه فصلان :
الفصل
الأول : في الاقتضاء
وفيه قواعد
وفوائد :
قاعدة
:
الواجب ما يذم تاركه لا إلى بدل ، ويطلق أيضا على ما لا بد منه وإن لم يتعقبه
__________________
ذم. ويتفرع على ذلك أمور :
١ ـ نية الصبي
في تمرينه الوجوب.
٢ ـ أن يستعمله
في الطهارة الكبرى هل يلحقه حكم الاستعمال أم لا؟
٣ ـ إن طهارته
الواقعة في الصبا مجزية حتى إنه لو بلغ لم تجب إعادتها.
٤ ـ أن صلاته
في أول الوقت صحيحة ، فلو بلغ لم يعدها ، والأصح وجوب الإعادة في الموضعين.
٥ ـ إنه لو غسل
ميتا أو صلى عليه هل يعتد به؟ إلا صح عدم الاعتداد به. ويتفرع حينئذ فرعان :
الأول : لو سلم
على المصلي فرد صبي لا يكون ذلك مسقطا للفرض عن المصلي ، فتبطل صلاته لو استمر على
الترك ، على قول قوي عندي خلافا لشيخنا.
الثاني : أنه
لو سلم الصبي على المصلي هل يجب عليه الرد؟ فيه نظر ، من عموم الآية المقتضية
للوجوب مطلقا ، ومن عدم التكليف وعدم قصده استتباع الوجوب.
ويتفرع بطلان
الصلاة بترك الرد وعدمه ، والحق الوجوب ، لأن أفعاله التمرينية توصفه بصفات ما
يمرن به ، ولهذا ينوي الوجوب في الواجب والندب فيه ، فيتبع ذلك أحكام فعله ، ومن
جملته هنا وجوب الرد ، وهو المطلوب.
تقسيم
:
الواجب ينقسم أقساما :
__________________
« الأول » الواجب
إما على الأعيان ، وهو ما أراد الشارع إيقاعه من كل واحد من المكلفين. وإما على
الكفاية ، وهو ما أراد إيقاعه في الخارج لا عن مباشر بعينه.
« الثاني » الواجب
إما مضيق ، وهو ما لا يفضل وقته عنه ، أو ما لا يسوغ تأخيره عنه. وإما موسع ، وهو
مقابله فيهما.
« الثالث » الواجب
أن لا يجزي عنه غيره وهو المعين ، أو يجزي وهو المخير. وقد يتركب بعض هذه مع بعض.
فائدة :
الواجب العيني
شرعيته للحكمة في تكراره كالمكتوبة ، وإن مصلحتها الخضوع لله عزوجل
تعظيمه ومناجاته والتذلل لله
والمثول بين يديه والتفهم لخطابه والتأدب بآدابه ، وكلما تكررت
الصلاة تكررت هذه المصالح الحكمية.
والواجب
الكفائي الغرض منه إبراز الفعل إلى الوجود ، وما بعده خال عن الحكمة كإنقاذ الغريق
من الهلكة. ومن ثمَّ لا تكرر صلاة الجنازة وجوبا ، لأن الغرض الدعاء له ، وبالمرة
يحصل ظن الإجابة ، والقطع غير مراد ، فلا تبقى حكمة في الدعاء بعد ذلك بخصوصية هذا
الميت.
وإنما قيدنا
بالخصوصية لأن الإحياء على الدوام يدعون للأموات لا على وجه الصلاة.
__________________
فائدة :
الواجب على الكفاية له شبه بالنفل من حيث سقوطه عن البعض بفعل الباقين ، وقد يسقط بالتعرض
له فرض العين ، كمن له مريض يقطعه تمريضه عن الجمعة وإن كان غيره من الأقارب ، وقد
يقوم مقامه.
ومن ثمَّ ظن
بعض الناس أن الإتيان بفرض الكفاية أفضل من الفرض العين ، من حيث إنه يسقط بفعله
الحرج عن نفسه وعن غيره.
ويشكل بجواز
استناد الأفضلية إلى زيادة الثواب والمدح لا إلى إسقاط الذم ، أما الشروع فيه فإنه
يلزم إتمامه غالبا كالجهاد وصلاة الجنازة.
ومن جهة أن له
شبها بالندب جاز الاستيجار عليه كالاستئجار على الجهاد.
وربما جاز أخذ
الأجرة على فرض العين ، كاللبأ من الأم وإطعام المضطر إذا كان له مال فإنه يطعمه ويأخذ
العوض.
قاعدة
:
قسم بعضهم
الواجب إلى الكلي على الإطلاق ، وإلى الكلي الذي يقال فيه إنه واجب فيه أو به أو
عليه أو عنده أو منه أو عنه أو مثله أو إليه.
وذلك لأن خطاب
الشرع قد يتعلق بجزئي وقد يتعلق بكلي ، وهو القدر المشترك بين أفراد جنس ، دون
خصوصية الأفراد.
__________________
والمتعلق
بالجزئي كالأمر بالشهادتين والتوجه إلى الكعبة.
فالواجب الكلي
مطلقا هو المخير ، والواجب فيه هو الموسع.
والواجب به
ينقسم إلى سبب الوجوب وآلة الفعل ، مثال الأول مطلق الزوال سبب وجوب الظهر في أي
يوم كان ، ومطلق الإتلاف سبب لوجوب الضمان ، ومطلق ملك النصاب سبب وجوب الزكاة ، إذ
لا خصوصية للذهب والفضة مثلا في ذلك ، فالمنصوب سببا إنما هو المطلق الذي هو قدر
مشترك بين النصب. ومثال الآلة مطلق الماء في الوضوء والغسل ، ومطلق التراب في
التيمم ، ومطلق الساتر في الستر والجمار في الرمي والشاة في الذبح والرقبة في
العتق.
وبهذا يجاب عن
مغالطة ، وهي أن يقال : المدعى أن الوضوء من هذا الإناء واجب ، لأن الوضوء واجب
بالإجماع ولا يجب من غيره بالإجماع ، فيجب منه ، وإلا لانتفى الوجوب. أو
يقال : الستر بهذا الثوب واجب في الصلاة ، لأن الستر في الصلاة واجب بالإجماع إلى
آخره.
والواجب : قولكم
« الوضوء واجب بالإجماع » مسلم لكنه واجب بمطلق الماء وهو القدر المشترك بين هذا
الإناء وغيره فإذا انتقى الوجوب عن غير ذلك الإناء بالإجماع لا يتعين ذلك الإناء
للوجوب ، بل يتعين القدر المشترك بين هذا الإناء وغيره. والخصوصيات ساقطة من
البين.
ومثال الواجب
عليه فرض الكفاية ، فإنه واجب على مطلق المكلفين.
ومثال الواجب
عنده دوران الحول في الزكاة وعدم الحيض في الصلاة ، فإن الواجب بالسبب عند
عدم الحيض وغيره من الموانع ، وكذا عدم الماء فإن
__________________
التيمم يجب عنده لا به. وكذا أكل الميتة عند عدم المباح ، إذ السبب في وجوب
الأكل حفظ النفس عند عدم المباح. وعدم الخصلة الأولى من خصال الواجب المرتب
كالظهار ، وإن السبب هو الظهار ، فيجب به الصوم عند عدم العتق.
ومثال الواجب
فيه كالجنس المخرج منه الزكاة غنما أو إبلا أو نقدا أو قوتا في الفطرة أو كفارة.
ومثال الواجب
عنه وهو جنس المعول في آخر شهر رمضان ، أي ولد كان وأية زوجة كانت وأي ضيف كان.
ومثال الواجب
مثله كل متلف له مثل مضمون وجزاء الصيد.
ومثال الواجب
إليه كالليل في الصوم ، والمعتبر جنس الغروب ودخول الليل في أية ليلة اتفق ، وكالوصول
إلى مشاهدة الجدران أو سماع الأذان للمسافر ، وكالنهاية في العدد.
فهذه عشر
اشتركت كلها في تعلق الوجوب لمعنى كلي ، واختص كل واحد منها بخصوصية.
قاعدة
:
الأمر التخييري يتعلق بالقدر المشترك ، وهو مفهوم أحدها ولا تخير فيه . ومتعلق
التخير الخصوصيات ، لأنه لا يجب عليه عين أحدها كما لا يجوز له الإخلال بجميعها.
وهل يصح النهي
تخييرا؟ منع منه بعضهم ، لأن متعلقه هو مفهوم أحدها
__________________
الذي هو مشترك بينها ، فيحرم جميع الأفراد. لأنه لو دخل فرد إلى الوجود
لدخل في ضمنه المشترك وقد حرم بالنهي.
لا يقال : ينتقض
بالأختين والأم والبنت ، فإنه منهي بالتزويج بأيهما شاء.
فنقول : التحريم
هنا ليس على التخيير ، لأنه إنما تعلق بالمجموع عينا لا بالمشترك بين الأفراد ، ولما
كان المطلوب لا يدخل ماهية المجموع في الوجود وعدم الماهية يتحقق بعدم جزء من
أجزائها أي الأجزاء كان ، فأي أخت تركها خرج عن عهدة النهي عن المجموع. لا لأنه
نهي عن القدر المشترك ، بل لأن الخروج عن عهدة المجموع يكفي فيه فرد من أفراد ذلك
المجموع ويخرج عن العهدة بواحدة لا بعينها.
وكذا نقول في
خصال الكفارة ، لما وجب المشترك حرم ترك الجميع لاستلزامه ترك المشترك ، فالمحرم
ترك الجميع لا واحدة بعينها من الخصال ، فلا يوجد نهي على هذه الصورة إلا وهو معلق
بالمجموع لا بالمشترك.
وكيف لا يكون
كذلك ، ومن المحال العقلي أن يفعل فردا من نوع أو جزءا من كلي مشترك ولا يفعل ذلك
المشترك المنهي عنه ، لاشتمال الجزئي على الكلي بالضرورة ، وفاعل الأخص فاعل الأعم
، فلا يخرج عن العهدة في النهي إلا بترك كل فرد.
فرعان
:
( الأول ) يمكن التخيير بين الواجب
والندب إذا كان التخيير بين جزء وكل لا بين أمور متباينة ، وذلك
كتخيير النبي صلىاللهعليهوآله
في قيام
__________________
الليل بين الثلث والنصف والثلاثين ، وتخير المسافر في
الأماكن الأربعة بين القصر والتمام ، وتخير المصلي في الآخرتين بين التسبيح ثلاثا
أو مرة ، وتخير المدين في انتظار المعسر والصدقة. وفي هذا يقال : المندوب أفضل من
الواجب وسيجيء بحثه.
( الثاني ) قد يقع التخيير بين ما يخاف
سوء عاقبته وبين ما لا خوف فيه ، كتخير الإسراء فإنه عليهالسلام
خير بين اللبن والخمر فاختار
اللبن ، فقال له جبرئيل عليهالسلام اخترت الفطرة ولو اخترت الخمر لغوت أمتك .
وليس هذا
تخييرا بين المباح والحرام ، لأن سوء العاقبة يرجع إلى اختيار الفاعلين.
فائدة
:
التخيير في الكفارات تخير شهوة ، وتخيير الإمام بين الفداء والاسترقاق والمن في الأسير
وبين القتل والصلب والقطع مخالفا مخير الأصلح للمسلمين ، وكذا في التعزيرات.
والأقرب أن
تخيير شهر للمحبوس فيصومه من هذا القبيل ، و ( كذا ) تخير المرأة للستة
أو السبعة إذا كانت متحيرة ، مع أن ظاهر الأخبار أنه بحسب الشهوة ،
__________________
وكذا تخير المكلف بين الحقاق وبنات اللبون في موضوع إمكان الإخراج.
وقد يقع
التخيير بين المباحات والمستحبات.
قاعدة :
الواجب منه فوري ، وهو ما يجب المبادرة إليه في أول أوقات الإمكان ، وما
ليس كذلك فهو على التراخي.
واختلف في مجرد
الأمر العاري عن القرائن ، فعند بعض الأصحاب أنه المبادرة إليه في أول أوقات
الإمكان ، وما ليس كذلك فهو على التراخي. فهنا أمور :
( الأول ) أداء
الصلاة عند دخول الوقت ، يظهر من كلام بعض الأصحاب أنه على الفور ، ولكنه يعفى عن
ذنب من أخر. والحق عدمه.
( الثاني )
قضاء الصلوات الفائتة ، والأكثرون على أنه للفور ، سواء فاتت عمدا أو
نسيانا ، لعذر أو لا ، اتحدت أو لا. والأقرب التراخي.
( الثالث )
استتابة المرتد ، والمروي أنه إلى ثلاثة أيام.
( الرابع ) دفع
الزكاة والخمس وكل حق لآدمي غير عالم به أو عالم مطالب [ على القول ] ، ورد السلام
لفاء التعقيب في قوله تعالى « فَحَيُّوا
» ، ولكونه
متوقعا
__________________
في الحال ، فتأخره إضرار كإضرار الفقراء والهاشميين بتأخير حقهم ، والدائن
بتأخر ماله ، وكذا الحج للأحاديث الدالة عليه ولجواز عروض العارض ، إذ السلامة من
المشكوك فيها ، وكذا الجهاد والحسبة لما في التأخير من التغرير على المعصية ،
وكذا الكفارات لأنها كالتوبة الواجبة على الفور.
( الخامس ) لو
تحجر أرضا أو حفر معدنا ولما يتمم يطالب بتمام الإحياء أو رفع اليد. والأقرب أنه
ليس على الفور.
( السادس ) حق
الاستمتاع للرجل إذا طالب به في موضوع المطالبة على الفور ، كذا حقها منه في
الأربعة الأشهر ، وحق القسم والنفقة والبناء [ وحقه ] عليها لو طلبه
أمهلت بقدر التنظيف للتهيئة لا غير.
( السابع ) نفي
الولد ، قيل على الفور ، والأقرب التراخي ، فله نفيه ما لم يقربه.
( الثامن ) لو
ذكر الشفيع غيبة الثمن أو المدعي غيبة البينة أجل الثلاثة أيام.
( التاسع ) لو
سأل المولى والمظاهر الإنظار بعد انقضاء المدة لم ينظر ، إلا أن يذكر عذرا فيؤخر
إلى انقضائه.
( العاشر ) إذا
عسر الزوج بالنفقة وقلنا لها الفسخ يجيء حكمه.
( الحادي عشر )
إذا سكت المدعى عليه عن الجواب ، قيل ترد اليمين على المدعي في الحال أو يقضي
بالنكول ، وقيل له الحاكم ثلاثا.
( الثاني عشر )
المتهم بالدم قيل يحبس ستة أيام.
__________________
( الثالث عشر )
إذا ردت اليمين على المدعي فطلب الإمهال ، فالأقرب إجابته ولا تقدير لإمهاله.
قاعدة :
السنة ترادف المستحب غالبا ، كما يرادفه التطوع والفضل والإحسان. وقد أطلق على الواجب
في مواضع :
الأول ـ ما روي
: التشهد سنة.
الثاني ـ غسل
مس الأموات سنة.
الثالث ـ قول
ابن بابويه : القنوت سنة واجبة من ترك متعمدا في كل صلاة فلا صلاة له.
الرابع ـ قول
الشيخ : الرمي مسنون ، وفسره ابن إدريس بالوجوب.
وكل هذا يراد
به الثبوت [ بالسنة ] ، فصار لفظ « السنة » من قبيل المشترك.
الفصل الثاني
( في أقسام الوضع )
وفيه أبحاث :
( الأول ) قد عرفت أنه يقسم إلى السبب
والشرط والمانع.
فالسبب لغة كل
ذريعة إلى مطلوب ، واصطلاحا كل وصف ظاهر منضبط دل
__________________
الدليل على كونه معرفا لإثبات حكم شرعي بحيث يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه
العدم.
وقد يتخلف
الحكم عنه إما لوجود مانع أو فقد شرط. ووجود الحكم بدونه محال ، لأن المراد به نوع
السبب ، فإذا عدم بعض أصنافه ووجد الحكم عند صنف آخر فهو تابع لذلك الآخر.
أو نقول : الحكم
الخاص المستند إلى سبب خاص يمتنع وجوده بدونه.
والشرط لغة
العلامة ، وعرفا ما يتوقف عليه التأثير ، بحيث يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من
وجوده الوجود ، كالطهارة للصلاة والحول للزكاة.
والمانع يجيء
بيانه.
( الثاني ) في أقسام السبب وأحكامه ، وفيه
قواعد :
قاعدة
:
السبب إما معنوي أو وقتي ، فالأول هو كون الوصف مستلزما لحكمة باعثة على شرعية
الحكم ، كالزنا فإنه سبب الحد ، والملك فإنه سبب الانتفاع ، والإتلاف والمباشرة
واليد فإنها أسباب الضمان.
وطريق السببية
قد يكون الشرع ، وقد تقدم.
والثاني أن لا
يكون هناك حكمة ظاهرة سوى مجرد الوقت ، كأوقات الصلوات والزكاتين والصوم والحج.
قاعدة :
العلة لا بد فيها من المناسبة للحكم
المرتب عليها ، سواء جعلناها
باعثة أو
معرفة للحكم. والسبب أعم من ذلك ، إذ من الأسباب ما لا يظهر فيه المناسبة.
فالعلة أقسام :
الأول ـ النجاسة
في وجوب الغسل ، فإنها مستقذرة طبعا ، فناسب ذلك وجوب الإزالة بالغسل وشبهه.
الثاني ـ الزنا
في وجوب الحد ، لأنه مؤد إلى اختلاط الأنساب ، فيقع التقاطع والتدابر ، فناسب وجوب
الحد الرادع عنه.
الثالث ـ القتل
عمدا للمكافئ في وجوب القصاص ، فإنه سبب في زهاق الأنفس المطلوب بقاؤها للقيام
بعبادة الله ، فجعل الرادع عنه القتل ليكون سببا في بقاء الحياة ، كما أشار إليه
سبحانه بقوله « وَلَكُمْ
فِي الْقِصاصِ حَياةٌ » .
الرابع ـ الكبيرة
لا لعذر شرعي في الفسق ، فإنها أمر فاحش عقلا وشرعا ، فلا يناسبها قبول الشهادة من
المتلبس بها ، بل يجب رد شهادته ، ليرتدع هو وأمثاله عنها.
ولو كانت
الكبيرة لعذر كزنا الإكراه وشرب الخمر لإساغة اللقمة لم يكن ذلك قادحا ، لأنه لا
يؤذن بالتهاون بالأمور الشرعية.
والسبب الذي لا
يظهر فيه مناسبة ـ وإن كان مناسبا في نفس الأمر كما بين في الأصول ـ مثاله كالدلوك
وباقي الأوقات للصلوات والحدث الموجب للوضوء والغسل والاعتداد مع عدم الدخول
واستئناف العدة في المسترابة بعد التربص والهرولة في السعي ورمي الجمار وتقديم
الأضعف على الأقوى في ميراث الغرقى على القول الأصح من عدم التوريث مما ورث منه ، فإن
العقل لا يهتدي إلى وجه
__________________
الحكمة المقتضية لنصب هذه الأشياء أسبابا دون غيرها أو شروطا أو موانع.
فالحكمة
الظاهرة فيها مجرد الإذعان والانقياد ، ولهذا قيل إن الثواب في هذا النوع التعبدي
أكثر ، لما فيه من الانقياد المحض إلى العبادة ، فهو أبلغ في الإخلاص مما تهتدي
العقول إلى علته ، فإنه ربما كانت العلة باعثة على الفعل ، فلا يقع مخلصا.
ومن هنا عمل
بعضهم بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، محافظة على قوة التوطين على امتثال
الأمر. وليس ذلك ببعيد عن الصواب.
قاعدة
:
السبب قد يكون قوليا كالعقود والإيقاعات
، ومنه تكبيرة الإحرام
والتلبيات. وقد يكون فعليا كالصيد والالتقاط والاحتياز وإحياء الموات والكفر
والزنا والسرقة وقتل النفس المعصومة والوطء المقرر لكمال المهر.
وزعم بعضهم أن
الفعلي أقوى من القولي ، لصحته من المحجور والعبد ، فإن السفيه لو وطئ أمته
فأحبلها صارت أم ولد ، ولو أعتقها لم ينفذ . ولو التقط العبد دون الدرهم أو اصطاد ملكه السيد إن شاء
، ولو وهب لم يملك السيد ولا يتملك.
قاعدة
:
السبب والمسبب باعتبار الزمان مقارنة
وعدمها أقسام :
__________________
( الأول ) ما
يتقارنان كالشرب والزنا والسرقة والمحاربة والمقارنة لاستحقاق الحد وقتل الكافر
لاستحقاق السلب مع الشرط لا بدونه في الأصح.
ومن ذلك مقارنة
الملك لأسبابه مع النية على الأقوى كالحيازة والاصطياد والأخذ من المعدن والاحتطاب
والاحتشاش والإحياء.
( الثاني ) ما
يتقدم فيه المسبب كتقدم غسل الجمعة في الخميس وغسل الإحرام على الميقات وأذان
الفجر ليلا وزكاة الفطرة في شهر رمضان على قول مشهور إلا أن يجعل السبب دخول الشهر
فيكون من المقارن ، وتقديم الزكاة قبل الحول بشهر أو شهرين على قول ضعيف.
ومن هذا القسم
أيضا توريث الدية للوارث ، مع أنها لا تجب إلا بعد الموت وهو بعد موته لا يملك
شيئا ، والإرث إنما هو لما كان مالكا له قبل الموت.
وإنما قدر
العلماء تملكه قبل موته لينتقل عنه إلى ورثته ، إلا أنه على هذا التقدير لا يتقدم
الحكم على سببه.
وهذا التقدير
واجب لوجوب قضاء ديونه وإنفاذ وصاياه ، وربما التزم بعضهم بجواز الملك الميت في
هذه الصورة.
واعلم أنه لا
يجوز تقديم دم المتعة على الإحرام بالحج ، ولا صومه على الظاهر ، ولا جزاء الصيد
قبل موته ، ولا فدية اللبس والطيب والحلق ، ولا جزاء النذر قبل شرطه ، ولا كفارة
الظهار قبل العود ، ولا كفارة القتل على الزهوق ، ولا كفارة اليمين على الحنث.
( الثالث ) ما
اختلف فيه ووقع فيه شك ، وهو صيغ العقود والإيقاعات ، فقيل بمقارنة الحكم للحرف
الأخير من اللفظ ، وقيل بل يقع عقيبه بلا فصل.
__________________
ويتفرع على ذلك
أمران :
الأول ـ لو زوج
الكافر ابنه الصغير امرأة بالغة ثمَّ أسلم الأب والمرأة معا ، فإن قلنا بمقارنة
الجزء الأخير استمر النكاح لعدم سبق إسلامها ، وإن قلنا بالتعقيب فإسلام الولد
الحكمي إنما حصل بعد إسلام أبيه فيكون إسلامها سابقا فينفسخ النكاح.
الثاني ـ لو
باع المفلس ماله من غريمه بالدين ولا دين سواه ، فإن قلنا إن ارتفاع الحجر يقارن
الجزء الأخير من البيع صح ، وإن قلنا يتعقبه بطل. لأن صحة البيع موقوفة على رفع
الحجر الموقوف على سقوط الدين الموقوف على صحة البيع ، فيدور.
ويحتمل الجزم
بصحة البيع هنا ، لأن هذا الحجر لحق الغريم ، والغرض منه عدم نزول الضرر به ، وهو
منفي هنا ، كما لو باع الراهن الرهن من المرتهن. أو نقول : مجرد إيقاع القبول معه
رضى يرفع الحجر.
قاعدة :
السبب والمسبب قد يتحدان وقد يتعددان ، ومع التعدد قد يقع دفعة وقد يترتب. ثمَّ قد تتداخل
الأسباب والمسببات وقد تتباين ، فهنا مباحث :
( الأول ) اتحادهما ، كالقذف والحد إذا صدر من الفاسق أو العدل ، إن لم نعتبر
مسببية الفسق ، وكالدلوك لإيجاب صلاة الظهر ، ولو اعتبرنا مسببية سببها تعدد
المسبب.
( الثاني ) أن
تعدد
الأسباب والمسبب واحد كأسباب
الوضوء الموجبة له ،
__________________
فيجزي عنها واحد إذا نوى رفع الحدث وأطلق ، وأن نوى رفع واحد منها فالأصح
ارتفاع الجميع ، إلا أن ينوي نفي رفع غيره فيبطل.
وإن تعددت
أسباب الغسل ، قال شيخنا الأقرب أنه كذلك.
وتفصيل بعض
الأصحاب بنية الجنابة المجزية عن غيرها وعدم إجزاء غيرها عنها ، بعيد.
والأصل فيه أن
المرتفع ليس نفس الحدث ، بل المنع من العبادة المشروطة به ، وهو قدر مشترك بين
الجميع والخصوصيات ملغاة.
وفيه نظر ، لمنع
إلغاء الخصوصيات ، فإن خصوصية الجنابة لا توجب الوضوء بخلاف غيرها. وهذا صريح في
اعتبار الخصوصية ، فلا يجزي نيتها عن غيرها ( لكن إن نوى خصوصية ، توجب الوضوء
والغسل وجبا وإلا اكتفى بالغسل وحده كنية الجنابة ) .
وأما الاجتزاء
بغسل الميت لمن مات جنبا أو حائضا بعد طهرها فليس من هذا الباب ، إذا بالموت يرتفع
التكليف ، فلا يبقي للأسباب المتقدمة أثر.
وما روي من أنه
يغسل غسل الجنابة بعد موته ، يوجب عدم التداخل في
__________________
الغسلين المنسوبين إلى الولي ( المباشر لغسله ) أو نائبه ، أما
الميت فليس له هنا مدخل إلا في قبول الغسل إذا كان مسلما.
واختلف في تداخل
أسباب الأغسال المندوبة إذا انضم إليها واجب ، وظاهر الروايات التداخل.
__________________
أقول : يمكن
حملها على التداخل النوعي ، ( وإلا ) فلا دلالة فيها.
فعلى التداخل
فهل يشترط نية السبب؟ يحتمل ذلك ، لقوله عليهالسلام
إنما لكل امرئ ما نوى. فيشكل
حينئذ مع انضمام الواجب ، إذا الفعل الواحد لا يقع على وجهين متباينين ، مع أن
فروع النية فعلى القول بإجزاء نية القربة تلغى الأسباب خصوصا مع الاشتراك في
الوجوب كالجنابة والحيض والمس ، أو الاشتراك في الندب كالجمعة والزيارة والحرام ، فإن
الإلغاء موجه.
وظاهر المحقق
اعتبار نية السبب في الأغسال المندوبة دون الواجبة ، قال : وربما
نسب إلى التحكم ، وليس لأن الغرض في الواجبة زوال المنع من العبادة وهو قدر مشترك
كما تقدم ، أما المندوبات فالغرض منها التنظيف لأجلها ، فالخصوصيات مرادة فيها ، فالتحكم
ممن نسبه إلى التحكم.
فإن قلت : على
القول بإجزاء نية القربة يلغى السبب كما تقدم.
قلت : ذلك في
الواجبة أو المندوبة من حيث اعتبار جهة الندب أو الوجوب أما من حيث سببيتها فلا ، فإن
نية السبب مشخصة للفعل ، ولا قائل بإجزاء نية القربة عن تشخص الفعل.
وبيانه : أن
الناوي للغسل المطلق تقربا معرضا عن السبب في شرعية الغسل ملتزم بشرعية غسل لا
لسبب ( له ) ، وهذا لا وجود له في الشرع ، فحينئذ إنما يحصل الغسل
عبادة القصد إلى السبب ، وعند التجرد عنه يكون فعلا مطلقا
__________________
لا يوصف بالتقرب.
لا يقال : هذا
يسد باب الاجتزاء بنية القربة في الطهارة ، مع أنه قال به جمع من فحول العلماء.
لأنا نقول : بالتزامه
فيها ، والقائل ليس جميع الإمامية حتى يكون إجماعا لا يجوز رده.
مع أنه يمكن
الفرق باحتمال الوجوب لنفسها كما قيل في غسل الجنابة ، ولعل القائل به يتمسك
بالاجتزاء بالقربة الساذجة في تمسكاته الأخر.
وقد قال بعض
المفسرين والفقهاء : بأن جميع الوضوآت والأغسال الواجب لنفسها.
فإن قلت : الأسباب
معتبرة على المذهبين ، ولم يشترط صاحب نية القربة قصد الأسباب ، فليكن في الأغسال
المندوبة كذلك.
قلت : الفرق
عند من قال بالوجوب النفسي أن السبب في الواجب فاعلي وفي الندب غائي ، وظاهر أن
الغاية معتبرة في كل فعل اختياري. وبه استدل المتكلمون على علم الله وإرادته ، والعدلية
منهم على اعتبار الغرض في أفعاله تعالى.
ومن التداخل موجبات
الإفطار في يوم واحد للكفارة على قول ، ويتداخل ما عدا الوطء في قول ، ويتداخل مع
عدم تخلل التكفير في المتحد الجنس وعدم التداخل في المختلف الجنس مطلقا وفي المتحد
مع التخلل في قول. وهو الأقوى.
ومنه تداخل
مرات الوطء بالشبهة بالنسبة إلى وجوب مهر واحد إن اتحدت الشبهة ، ولو تعددت
فالأقوى عدم التداخل.
ومنه تعدد وطء
المستكرهة. نعم تداخل مرات الزنا يوجب حدا واحدا.
ومن التداخل
أسباب السرقة في الاجتزاء بقطع واحد ، ولم يظفر به . وفي الرواية
: لو قامت البينة بسرقة أخرى بعد القطع قطع ثانيا. وفيه بعد ، وأبعد إذا ما أمسك
للقطع ثمَّ قامت البينة بأخرى.
ولا شك في
تداخل أسباب المحاربة في قطع واحد أو قتل أو نفي ، وكذا أسباب القذف لو أخذ في حد
واحد أو لعان واحد ، وكذا الشرب وإن تغاير جنس المشروب.
وفي تداخل
أسباب التعزير ، شك ، إذ تضعيفه بالزيادة هل يكون من باب تعدد التعزير أم لا؟.
الثالث أن يتعدد السبب ولكن يختلف الحكم
، فينقسم حينئذ أقساما :
« الأول » ما يمكن فيه الجمع ، بأن يندرج أحدهما في الآخر ، كما إذا نوى داخل المسجد
فريضة أو نافلة راتبة ، فالظاهر إجزاؤها عن التحية. ويحتمل العدم توفية لحق
الأسباب مع اختلاف الأحكام.
ومنه أداء
الوضوء المستحب ، كوضوء قراءة القرآن بالوضوء الواجب والأصل فيه أن الغرض من
الوضوء رفع الحدث وهو حاصل ، فلا معنى للتعدد. وكذا يقال : الغرض إيجاد حقيقة
الصلاة لداخل المسجد وهو حاصل هنا.
ويمكن الفرق
بأن الجمع بين رافعي الحدث غير متصور بخلاف الجمع بين صلاة فريضة وتحية أو نافلة
راتبة وتحية.
ومنه عدم تداخل
أسباب النوافل في مسبب واحد ، كالقضاء والأداء والعيد والاستسقاء. نعم قد قيل في صلاة
جعفر عليهالسلام
بجواز احتسابها من رواتبه ،
__________________
وكذا ركعتا الفصل بين الأذان والإقامة يتأديان بركعتين من نوافل الزوال.
وفي تأدي صلاة
الاستخارة ببعض النوافل المسببة احتمال ، أما بالفريضة فلا ، لما روي من كونهما من
غيرها.
ومنه أسباب
الحج كالنذر المطلق وحجة الإسلام ، ففي تأدي حجة الإسلام بنية النذر قولان أصحهما
العدم ، ولا خلاف في عدم إجزاء العكس.
وكذا لو نذر
حجا ولا مال له فحج عن غيره ، ففي تأدي النذر بالحج عن الغير قولان ، الأصح أيضا
العدم.
وقد قيل بإجزاء
تكبيرة الإحرام عنه وعن الركوع إذا نواهما ، كما في المأموم إذا أدرك الإمام
راكعا. قاله الشيخ.
« الثاني » ما لا يمكن فيه الجمع ، كقتل الواحد جماعة إما دفعة كأن يسقيهم سما أو يهدم
عليهم جدارا أو يغرقهم أو يجرحهم فيسري إلى الجميع ، أو على التعاقب. ففي الأول
يقتل بالجميع ، وفي وجه لبعض الأصحاب يقتل بواحد إما بالقرعة أو بتعيين الإمام
ويأخذ الباقون الدية. وفي الثاني يقتل بالأول ، فإن عفى عنه أو صولح بمال قتل
بالثاني ، وعلى هذا ويكون لمن بعده الدية.
وقيل يقتل
بالجميع كالدفعي ويكون لهم ديات مكملة لحقوقهم على احتمال مخرج ، كما إذا هرب
القاتل أو مات وقلنا تؤخذ الدية من تركته.
__________________
« الثالث » ما يمكن فيه إعمال السببين ،
كتوريث عم هو خال وجدة
هي أخت على نكاح المجوس ، أو في الشبهة للمسلمين.
« الرابع » ما يتنافيان فيه ، فيقدم الأقوى منهما ، كتوريث الأخ الذي هو ابن عم.
« الخامس » ما يتساقطان فيه ، كتعارض البينتين على القول بالتساقط وتعارض الدعاوي لا
يتساقط فيه لوجوب اليمين على كل من المتداعيين فيه.
« الرابع » أن يتحد السبب ويتعدد المسبب
، وهو قسمان :
الأول : أن يندرج بعض المسببات في بعض ،
كالزنا يوجب الحد
ويحصل مع الملامسة ، وهي موجبة للتعزير فيغني الحد عنه ، وكقطع
الأطراف بضربة فإنه بالسراية إلى النفس تدخل دية الطرف في دية النفس. وأما القصاص
فثالث الأقوال تداخله إن كان بضربة واحدة وعدمه إن تعددت ، فالأول من الباب
والثاني ليس منه.
وزنا المحصن
يوجب الجلد والرجم ، فيجمعان للشيخ والشيخة ، ولا تداخل ، وفي الشاب والشابة قيل
بالتداخل ، فيكون من الباب لأن ما يوجب أعظم الأمرين بخصوصه لا يوجب أخفهما بعمومه. وقيل يجمع
بينهما ، وهو الأصح لفعل علي عليهالسلام
، فإنه قال في سراحة جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلىاللهعليهوآله.
__________________
الثاني : ما لا اندراج فيه كالحيض والنفاس ومس الأموات والاستحاضة مع كثرة الدم ، فإنها توجب الوضوء
والغسل ولا تداخل ، وكالقتل يوجب الفسق والقود والكفارة جمعا إن كان عمدا وإن كان
خطأ أو شبيها يوجب الدية والكفارة المرتبة.
وإتلاف مال
الغير عدوانا يوجب الضمان والتعزير والفسق ، وقذف المحصنة يوجب الجلد والفسق ، وزنا
البكر يوجب الجلد والجز والتغريب ، وسائر الحدود تجامع الفسق والسبب واحد.
والحدث الأصغر
سبب لتحريم الصلاة والطواف ، وسجود السهو وسجود العزيمة على قول ، ومس المصحف
والحدث الأكبر يزيد على ذلك قراءة العزيمة ، واللبث في المساجد مطلقا والجواز في
المسجدين وتحريم الصوم ، وإذا كان حيضا أو نفاسا يزيد تحريم الوطء والطلاق إلى غير
ذلك من الأحكام.
__________________
وكذا الوطء في
النكاح ، إذ العقد وحده يوجب أشياء كثيرة تأتي في بابها إن شاء
الله تعالى.
فائدة
:
الفرق بين أجزاء السبب والأسباب
المجتمعة أن الحكم إذا ورد بعد أوصاف فإن ترتب على كل واحد منها
بانفراده فهي أسباب كأسباب الوضوء المشهورة وإجبار الكبر الصغيرة ، فإن الصغر كاف
إجماعا والبكارة كافية على قول جماعة من الأصحاب.
وإن ترتب على
الجميع لا على كل واحد فالسبب واحد مركب وتلك الأمور إجزاؤه ، كما في القتل العمد
العداوني مع التكافؤ ، فإن كل واحد من هذه الأوصاف لو انفرد لم يترتب عليه الحكم
وهو القصاص.
والفرق بين جزء
العلة وجزء الشرط يعلم مما سبق.
قاعدة
:
قد تقدم أن السبب قد يكون قوليا كالعقود
والإيقاعات ، وقد يكون فعليا. والفعلي إما
منصوب ابتداء كالقتل والزنا واللواط ، وإما غير منصوب بالأصالة من
الشارع لكن مع القرائن المقالية أو الحالية ( مختصة بأدلة ) كتقديم الطعام
إلى الضيف كما يجيء.
__________________
ثمَّ الفعلي
أيضا قد يكون قلبيا كنيات الزكاة والخمس في التملك ونيات العبادات في ترتب أحكامها
عليها ، وقد يكون الوقت سببا لحكم شرعي كأوقات الصلوات.
وهو أيضا ظرف
لما كلف به ، فليس السببية مختصة بأدلة الدلوك مثلا ، وإلا لم يجب الظهر على من أسلم أو بلغ في
أثناء النهار بعد الدلوك بلحظة ، بل كل جزء من الوقت سبب للوجوب وظرف للإيقاع.
وكذا أجزاء
أيام الأضاحي سبب للأمر بالأضحية وظرف لإيقاعها فيه ، ومن ثمَّ استحبت على من تجدد
إسلامه وبلوغه.
أما شهر رمضان
فإن كل يوم من أيامه سبب للتكليف لمن استقبله جامعا للشرائط ، وليس أجزاء اليوم
سببا للوجوب ، ومن ثمَّ لم يجب على البالغ أو المسلم في أثناء الصوم.
فإن قيل : فينبغي
في المريض والمسافر ألا يجب الصوم وقد زال العذر قبل الزوال.
قلنا : المرض
والسفر ليسا مانعين للسبب ، وإنما منعا الحكم بالوجوب ، فإذا زال المانع ظهر أثر
السبب.
فائدة
:
الوقت قد يفضل عن الفعل كما يجيء ، وقد لا يفضل كهذا ، فإنه لا فضل فيه عن الفعل ولا نقص ، وكزمان وقوف
عرفة والمشعر الاختياريين ، أما
__________________
الاضطراريين فالوقت أوسع من الفعل كأوقات الصلاة.
قاعدة :
ثمَّ الوقت قد يعرى عن السببية وإن كان لا يعرى عن الظرفية ، وهو واقع في كثير كالمنذورات المعلقة على
أسباب مغايرة للأوقات فوقتها جميع العمر ، وكالسنة بكمالها في قضاء شهر رمضان
فإنها ظرف للإيقاع وليست سببا ، إنما السبب هو الفوات لما كان قد أثر فيه السبب
الموجب للأداء ، فإن موجب أداء شهر رمضان رؤية الهلال وموجب القضاء هو فوات
الأداء.
وكذا جميع
العمر ظرف للواجبات الموسعة كالنذر والكفارة ، وإن كانت أسبابها مغايرة للزمان.
وكذلك شهور
العدد والأقراء ظروف للعدة والسبب الطلاق أو غيره.
وكذا سبب
الفطرة دخول شوال على الأصح ، ومجموع الليلة ونصف النهار ظرف لا سبب ، فلا تجب على
من كمل بعد دخول شوال.
قاعدة :
لو علق حكما على سبب متوقع وكان ذلك
الحكم يختلف بحسب وقت التعليق ووقت الوقوع ، ففي اعتبار أيهما ، وجهان
مأخذهما من الموصي بثلث ماله هل يعتبر يوم الوصية أو يوم الوفاة؟
والمشهور عندنا
الثاني ، لأن بالموت يملك الموصى له ، وكذا الصفات المعتبرة في الوصي. ومن قال
باعتبار يوم الوصية أجراه مجرى ما لو نذر الصدقة بثلث ماله ، فإنه معتبر عند النذر
إن كان منجرا.
ولو كان معلقا
على شرط ففيه الوجهان.
وكذا لو أطلق
العبد الوصية فتحرر ومات ، أو نذر العتق أو الصدقة فتحرر. أو علق الظهار على مشيئة
زيد وكان ناطقا فخرس ، فهل تعتبر الإشارة حينئذ ـ كما لو كان أخرس ابتداء ( أو
النطق اعتبارا بحال تعليقه؟ فيه الوجهان ) .
أو نذر عتق
عبده عند شرط فوقع حال المرض ، ففيه الوجهان. إن اعتبرنا حال النذر فهو من الأصل ،
وإلا فمن الثلث.
قاعدة :
لو شك في سبب الحكم بنى على أصل ، فهنا
صورتان :
( الأولى ) أن يكون الأصل الحرمة ويشك
في سبب الحل ، كالصيد المتردي
بعد رميه فيوجد ميتا ، فإنه حرام إلا أن يقضي أن الضربة قاتلة ، إما لكونها في محل
قاتل ، وإما لغلبة الظن بعدم عروض سبب آخر.
وكذا الجلد
المطروح أو اللحم مع عدم قيام قرينة مغنية .
( الثانية ) أن يكون الأصل الحل والشك
في السبب المحرم ، كالطائر
المقصوص والظبي المقرط ، فظاهر الأصحاب التحريم لقوة الأمارة.
__________________
أما لو علق أحد
رجلين ظهار زوجته بكون الطائر عرابا وعلقه الآخر بكونه غير غراب ، فالأولى عدم
وقوع الظهارين إذا امتنع استعلام حاله عملا بالأصل وإن كان الاجتناب أحوط.
ولو كان في
زوجتين لواحد اجتنبا ، لأنه قد علم تحريم إحداهما في حقه لا بعينها.
ولو غلب الظن
على تأثير السبب بني على التحريم ، كما لو بال كلب في الماء فوجده متغيرا. وإن كان
بعيدا فلا أثر له ، كتوهم الحرمة في ماء الغير .
ولو تساوى
الاحتمالان كطين الطريق ، وثياب مدمني الخمر وملامسي النجاسة والميتة مع المذكى
غير المحصور ، والمرأة المحرمة مع نساء غير محصورات فالأقرب الحكم بالطهارة والحل
، وإن كان الاجتناب أحوط مع وجود غيره مما لا شبهة فيه.
ومن ذلك وقوع
الثمرة المحلوف عليها في ثمر كثير ، فإنه يأكل
ما عدا واحدة.
وكذا وجدان
المال في أيدي الظلمة والسراق ومن لا يجتنب المحارم ، وإن كان الورع تركه ، بل من
الورع ترك كل ما لا يتيقن حله ، كما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إني لأجد الثمرة ساقطة على فراشي فلو لا أني أخشى أن تكون من الصدقة
لأكلتها.
__________________
ولو انحصر
المشتبه فالأولى الحرمة ، لأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به.
ولو عم بلدة
الحرام وندر فيها الحلال ، فالأولى التجنب مع الإمكان ، ولو لم يتمكن تناول ما لا
بد منه من غير تبسط.
هذا لو علم
المالك ، ولو جهل فعندنا الفرض الخمس ، فيمكن أن يقال : من تناول منه شيئا خمسه
وعند العامة كل مال جهل مالكه ولا يتوقع معرفته فهو لبيت المال ، وقد نظم بعضهم
وجوه بيت المال فقال :
جهات أموال
بيت المال سبعتها
|
|
في بيت شعر
حواها فيه لافظه
|
خمس وفي ، خراج
جزية عشر
|
|
ميراث فرد
ومال ضل حافظه
|
وظاهر كلام
أصحابنا انحصار وجوه بيت المال في المأخوذ من الأرض المفتوحة عنوة خراجا أو مقاسمة
، ويمكن إلحاق سهم سبيل الله في الزكاة به على القول بعمومه. وقد ذكر الأصحاب أن
مصرف الجزية عسكر البلد ، والعشر لا أصل له عندنا ، وارث من لا وارث له للإمام
، والمال المأيوس من صاحبه يتصدق به.
نعم قال
المرتضى في دية الجناية على الميت إنها لبيت المال.
ويجري في كلام
بعض الأصحاب أن ميراث من لا وراث له لبيت المال ، والظاهر أن مراده بيت مال الإمام
، وأما الخمس فمصرفه معلوم عندنا.
قاعدة
:
قد يكون الشك سببا في حكم شرعي ، وقد لا
يكون والأول إن كان الحكم تحريما كمن شك في الشاة المذكاة أو
الميتة وفي أخته وأجنبية فإن ذلك
__________________
سبب في تحرم الكل ، وإن كان الحكم وجوبا أتى بالمشكوك عنه ونوى جازما بوجوب
الفعل المشكوك فيه وقاطعا بالتقرب به إلى بارئه للقطع بسببه.
ومن ثمَّ إذا
نسي صلاة ولم يعلمها وقلنا بوجوب خمس أو ثلاث ، لا نقول إن الناوي متردد في النية
فتبطل نيته ، بل هو جازم بحصول سبب الوجوب ، وهو الشك.
وبهذا يندفع
قول من قال بتصور النية في النظر الأول الذي يعلم به وجود الصانع ، فإنه ينوي مع
الشك كما نوى في هذه المواضع ، لأن الشك هنا غير حاصل للجزم بوجوب سببه فيجب
مسببه.
وإن كنا لا
نقول بأن جميع أقسام الشك سبب في الإيجاب ، لأن منها ما يلغى قطعا ، كمن شك هل طلق
أم لا وهل سها في صلاته أم لا.
مع أن لقائل أن
يقول : لا نسلم أن الشك سبب في شيء مما ذكر ، أما في الطهارة فلأن الوجوب مستند
إلى الحدث الحاصل بعد وجوب الصلاة والأصل عدم فعلها ، وكذلك الصلاة والزكاة. وأما
التحريم فسببه أن اجتناب الحرام واجب ولا يتم إلا باجتنابهما ، فلا يكون الشك سببا
في وجوب شيء. وأما النظر المعرف فليس له أصل قبله يرجع إليه ليكون سببا في نيته
الواقعة على طريقة التردد.
نعم قد عد من
موجبات سجدتي السهو الشك بين الأربع والخمس ، ومن موجبات الاحتياط الشك بين
الأعداد المشهورة ، ورتب على ذلك الشك وجوبه ، لقول الصادق عليه الصلاة والسلام إذا
لم تدر أربعا صليت أو خمسا زدت أو نقصت فتشهد وسلم واسجد سجدتي السهو
.
__________________
وقوله عليهالسلام إذا لم تدر أثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على الأربع فسلم وانصرف وصل
ركعتين وأنت جالس .
وإن قلت : الاحتياط
خارج عن ذلك ، لأن الأصل عدم فعل ما شك فيه ، فيكون الوجوب مستندا إلى هذا الأصل.
فالجواب : لو
كان الاستناد إلى هذا لما انفصل عن الصلاة بنية وتكبير وتشهد وتسليم ، ولما جاز
فيه الجلوس والقيام والتعدد.
البحث الثالث
( في الشرط )
وفيه قواعد
وفوائد :
قاعدة
:
قد تقدم تعريفه على وجه مختصر ، فلنذكر
هنا تعريفه مع السبب على وجه البسط ، فنقول :
السبب ما يلزم
من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته ، فالتلازم في الوجود يخرج الشرط وفي العدم
يخرج المانع ، فإنه لا يلزم من عدمه عدم شيء ، إنما يؤثر وجوده في العدم.
وقوله « لذاته
» احتراز من مقارنة وجود السبب عدم الشرط أو وجود المانع.
والشرط ما يلزم
من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود ، ولا عدم لذاته ، ولا يشتمل على شيء من
المناسبة في ذاته بل في غيره. فاعتبرنا فيه أمورا :
__________________
الأول : يلزم
من عدمه العدم ، وبه يخرج المانع ، فإنه يلزم من عدم الوجود.
الثاني : أنه
لا يلزم من وجوده وجود ، وبه يخرج السبب.
الثالث : كونه
لذاته احتراز من مقارنة وجوده لوجود السبب ، فيلزم الوجود ولكن ليس لذاته بل لأجل
السبب ، أو مقارنة وجوده قيام المانع فيلزم العدم لأجل المانع لا لذاته.
الرابع : كونه
لا يشتمل على مناسبة احترازا من جزء العلة ، فإنه يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من
وجوده وجود ولا عدم ، إلا أنه يشتمل على جزء المناسبة فإن جزء المناسب مناسب.
قاعدة
: في أقسامه :
وهي أربعة :
الأول : يكون
لغويا ، وهو مطلق التعليق على شيء ، كتعلق الظهار على الدخول. وهو ملازم لنا في
الشروط في الوجوب والعدم ، فهو سبب بهذا الاعتبار.
الثاني : يكون
عرفيا ، كالسلم في صعود الدرج.
الثالث : يكون
شرعيا ، كالطهارة مع الصلاة.
الرابع : يكون
عقليا ، كالحياة مع العلم.
فإطلاق اسم
الشرط عليها إما بطريق الاشتراك أو الحقيقة والمجاز ، بناء على أن المجاز خير من
الاشتراك أو العكس. ويحتمل أن يكون بطريق المواطاة ، إذ القدر المشترك بينها توقف
الوجود على الوجود مع قطع النظر عما عدا ذلك.
قاعدة
:
كل معلق على شرط إما في التأثير أو
الوجود ، فإنه يشترط
تقدم المعلق عليه ، كالظهار المعلق على الدخول يشترط فيه تقدم الدخول.
وقد يعلق الشرط
على شرط آخر أيضا إلى مراتب كثيرة ، فيشترط تقدم تلك الشرائط مترتبة ، كما في قوله
تعالى « و امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها
لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها
» وقوله تعالى «
وَلا
يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ
أَنْ يُغْوِيَكُمْ » .
وتسميه النحاة
اعتراض الشرط على الشرط ، ومثل قول ابن دريد :
__________________
فإن عثرت
بعدها إن وألت
|
|
نفسي من هاتا
فقولا لا لعا
|
وقال آخر :
إن تستغيثوا
بنا إن تذعروا تجدوا
|
|
منا معاقل عز
زانها الكرم
|
والمشهور بين
النحاة والفقهاء أن كل شرط لاحق فإنه شرط في السابق ، فيجب تقدمه عليه ، والآيتان
والشعر المذكور صريح في ذلك ، وإن كان في الآية الأولى احتمال أن تكون الإرادة
متأخرة ، لأنها كالقبول لهبتها والقبول متأخر عن الإيجاب.
ويحتمل أن يقال
: إن إرادة النبي صلىاللهعليهوآله
تعلقت بإرادة الهبة منها ، لعلمه
ذلك من قصدها ، فلو قال : إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت علي كظهر أمي ، اشترط
أن يبتدئ بالسؤال ثمَّ بعدتها ثمَّ يعطيها ، كأنه قال : سألتني فوعدتك فأعطيتك.
فعلى هذا لو تقدم الشرط الأول في الوقوع على الثاني لم تكن مظاهرة.
وعن بعضهم أنه
لا يبالي بذلك ، إذ المقصود هو اجتماع الشرطين ، وحرف العطف مراد هنا كما مراد في
« جاء زيد جاء عمرو » ، ولو أنه أتى بالواو كان الغرض مطلق الاجتماع.
ويرد عليه : أن
التقدير خلاف الأصل.
والشروط
اللغوية أسباب يلزم من وجودها الوجود ومن عدمها العدم ، بخلاف الشروط العقلية
والشرعية والعرفية فإنه يلزم من وجودها وجود شيء
__________________
مما علق عليها وإن كان التأثير موقوفا عليها ، إذ لا يلزم من الحياة العلم
ولا من الطهارة الصلاة ولا من نصب السلم الصعود. نعم هي متلازمة في العدم.
وإذا كانت
الشروط اللغوية أسبابا فمن ضرورتها التقدم على مسبباتها ، وظاهر أنه قد جعل الظهار
معلقا على الإعطاء ، فيجب تقدم الإعطاء عليه ، وجعل الإعطاء معلقا على الوعد فيجب
تقديمه عليه ، وجعل الوعد معلقا على السؤال فيجب تقديمه أيضا ، لأن شأن الأسباب
ذلك.
قاعدة :
التكاليف الشرعية بالنسبة إلى قبول
الشرط والتعليق على الشرط أربعة :
( الأول ) ما لا يقبل شرطا ولا تعليقا ،
كالإيمان بالله ورسوله
والأئمة عليهمالسلام
، ووجوب الواجبات القطعية
وتحريم المحرمات القطعية .
( الثاني ) ما يقبل الشرط والتعليق على
الشرط ، كالعتق فإنه
يقبل الشرط في العتق المنجز مثل « أنت حر وعليك كذا » ، ويقبل التعليق على صورتي
النذر وشبهه والتدبير .
( الثالث ) ما
يقبل الشرط ولا يقبل التعليق كالبيع والصلح والإجارة والرهن وسائر العقود ، لأن
الانتقال يعتمد الرضا ، ولا رضا إلا مع الجزم ، ولا جزم مع التعليق ، لأنه يعرضه
عدم الحصول ، ولو قدر علم حصوله كالمعلق على الوصف لأن الاعتبار بجنس الشرط دون
أنواعه وأفراده ، فاعتبر المعنى العام دون
__________________
خصوصيات الأفراد.
( الرابع ) ما يقبل التعليق ولا يقبل
الشرط ، كالصلاة والصوم
وسائر العبادات بالنذر وشبهه.
ولا يجوز أصلي
على أن لي ترك سجدة أو أن لا احتياط إن عرض لي الشك والاعتكاف من قبيل القابل للشرط
والتعليق ، أما التعليق فبالنذر وشبهه ، وأما الشرط كأن ينوي أن له الرجوع متى شاء
أو متى عرض له عارض.
البحث الرابع
( في المانع )
وهو ما يلزم من
وجوده العدم ولا يلزم من عدمه الوجود ولا العدم لذاته. فبالأول خرج السبب ، وبالثاني
خرج الشرط ، وبالثالث احتراز من مقارنة عدمه لعدم الشرط فيلزم العدم أو وجود السبب
فيلزم الوجود ، بل بالنظر إلى ذاته لا يلزم شيء من ذلك.
فظهر أن
المعتبر من المانع وجوده ومن الشرط عدمه ومن السبب وجوده وعدمه.
وقد اجتمعت
الثلاثة في الصلاة ، فإن الدلوك سبب في الوجوب ، والبلوغ شرط ، والحيض مانع. وفي
الزكاة النصاب سبب ، والحول شرط ، والمنع من التصرف مانع.
__________________
تقسيم :
المانع إما للسبب أو للحكم ، فالأول كل وصف وجودي ظاهر منضبط مستلزم لحكمة مقتضاها
يقتضي حكمة السبب مع بقاء حكمة السبب ، كالأبوة المانعة من القصاص
في موضعه. والحكمة التي اشتملت الأبوة عليها هي كون الوالد سببا لوجود الولد ، وذلك
يقتضي عدم القصاص لئلا يصير الولد سببا لعدمه.
والثاني فهو كل
وصف وجودي يحل وجوده بحكمة السبب ، كالدين بالنسبة إلى خمس المكاسب ، فإنه
مانع من وجوبه فيها.
تقسيم
آخر له :
هو ينقسم إلى
ثلاثة أنواع :
( الأول ) مانع
في الابتداء والدوام ، كالرضاع المانع من صحة النكاح واستدامته.
( الثاني )
مانع ابتداء لا دواما ، كالعدة فإنها مانعة من ابتداء النكاح من غير صاحبها ولو
طرأت على نكاح صحيح كما في الوطء بشبهة لم يقطع النكاح.
( الثالث ) ما
اختلف فيه ، كالإحرام بالنسبة إلى ملك الصيد النائي عنه أو مطلقا .
__________________
قاعدة
:
إذا كان المانع مختصا بالحكم كما في المريض والمسافر بالنسبة إلى الصوم فإجزاء النصف الأول من النهار
سبب في الوجوب ، كما أن مجموع النهار سبب في الوجوب ، لأن السببية باقية فيهما
وإنما حصل فيهما منع الحكم بالوجوب ، فإذا زالا ظهر أثر السبب. بخلاف مانع السبب
كالصغر والجنون ، فإن السببية ليست حاصلة فيهما.
فإن قلت : فهلا
يساوي آخر النهار أوله في السببية كما في ثبوت كونه من الشهر فإنه يجب الصوم ولو
بقي من النهار لحظة.
قلت : معظم
الشيء يقوم مقام ذلك الشيء في مواضع ، منها الصوم ، ولهذا أجزأ تجديد النية في
النصف الأول لبقاء المعظم ، بخلاف ما إذا زالت الشمس لزوال المعظم. أما في اليوم
الذي يظهر وجوب الصوم فيه فالسببية حاصلة في نفس الأمر ، وإنما جهل وجودها ، فإذا
علم ذلك تبعه الحكم ، بخلاف المريض والمسافر ، فإن الوجوب ليس حاصلا فيهما في نفس
الأمر وإنما تجدد بزوال العذر.
__________________
المطلب الثاني
( في المقاصد والوسائل )
قاعدة
:
متعلقات الأحكام كما عرفت قسمان : مقاصد بالذات وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها ،
ووسائل وهي الطرق المقضية إليها.
وحكمها في
الأحكام الخمسة حكم المقاصد ، وتتفاوت في الفضائل بحسب المقاصد ، فالفضيلة إلى الأفضل
أفضل الوسائل ، وإلى الأقبح أقبح الوسائل.
وقد مدح الله
سبحانه على الوسائل كما مدح على المقاصد ، قال تعالى « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا
نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ » إلى آخر الآية . فأثابهم عن ذلك وإن لم يكن بقصدهم ، لأنه إنما حصل
بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة إلى إعزاز الدين الذي هو وسيلة إلى رضوان
الله تعالى.
قاعدة
:
الوسائل ثلاثة
:
( الأولى ) ما اجتمعت الأمة على منعه ، كحفر الآبار في طرق المسلمين وطرح المعاثر ، لأنه وسيلة
إلى ضررهم الحرام.
__________________
وكذلك إلقاء
السم في مياههم ، وسب الأصنام ، وما في معناها عند من يعلم أنه ليسب الله تعالى أو
أحدا من أوليائه ، كما قال تعالى « وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ
اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ » .
ومنه بيع العنب
ليعمل خمرا ، والخشب ليعمل صنما. وكذا إجارة العين كالمسكن والعبد لعصره أو بيعه
أو شربه ، فيحرم ويبطل العقد.
( الثاني ) ما أجمعت الأمة على عدم منعه كالمنع من غرس العنب خشية اعتصاره خمرا ومن عمل السيف خشية قتل مؤمن به (
ووضع الشبهة وحلها ، وإن كان قد يظفر بالشبهة من متمكن في قلبه ويعجز عن الحل ، ومع
ذلك لو قصدت هذه الغايات كان الفعل حراما ).
( الثالث ) ما فيه خلاف ، كبيع العنب على من يعمله خمرا أو الخشب على من يعمله
صنما ، وكالبيع بشرط الإقراض والنظرة ، أو بيع السلعة على غلامه ليخبر بالزائد ، أو
شراء ما باعه نسيئة عند حلول الأجل بنقيصة عن الثمن أو مثله ، كما إذا باعه ثوبا
بمائة إلى سنة ثمَّ اشتراه منه حالا بخمسين ، فإنه في المعنى عاوض على خمسين في
الحال بمائة إلى سنة.
وألحق بعض
العامة مسائل كثيرة جدا تكاد تبلغ الألف ، سموها بسد الذرائع منها تضمين الصناع ما
تلف في أيديهم سدا لدعواهم التلف أو الاشتباه بسبب تغيرها بالعمل فيحلفون ، ومنها
منع القضاء بالعلم سدا لتسلط قضاة السوء على قضاء باطل ، وكذلك تضمين حامل الطعام.
__________________
فوائد
:
( الأولى ) كلما كان وسيلة لشيء فعدم
ذلك الشيء عدمت الوسيلة.
ويشكل : بإمرار
المحرم الموسى على رأسه ، وبوقوف ناذر المشي في مواضع العبور.
ويجاب : بأنه
خرج بقوله عليهالسلام إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
( الثانية ) ربما كان المتوسل إليه
حراما والوسيلة غير حرام ، كدفع المال إلى المحارب ليكف ، ودفع المال للحربي للكف عند العجز عن
مقاومتهما ، أو في فك أسرى المسلمين. فإن انتفاعهم بذلك المال حرام ولكن لما لم
يكن مقصودا للدافع لم يكن الدفع حراما.
ومن هذا الباب
إذا دفع التاجر المتاع والباج على الظالم الذي يصرف ذلك في المعاصي قطعا أو غيرها
، فإن انتفاع الظالم بذلك المال حرام لكن ذلك ليس مقصودا للتاجر.
( الثالثة ) مما يحرم لكونه وسيلة إلى
الحرام ترخص العاصي بسفره ، لأن ترتب الرخصة على المعصية سعي في
تكثير تلك المعصية.
ولو قارنت
المعاصي أسباب الرخص لم يحرم ، للإجماع على جواز التيمم للفاسق العاصي إذا عدم
الماء. وكذلك الفطر إذا ضربه الصوم ، والقعود في الصلاة إذا عجز عن القيام ، لأن
الأسباب هنا غير معصية بل هي عجزه عن الماء أو العبادة ، والعجز ليس معصية.
فالمعصية هنا مقارنة للسبب لا سبب.
فإن قلت : على
هذا العاصي بسفره تباح له الميتة ، لأن سبب أكله خوفه على نفسه لا سفره ، فالمعصية
مقارنة لسبب الرخصة لا أنها هي السبب ، مع أنه لا تباح له الميتة إجماعا.
قلت : لا نص
فيه للأصحاب ، وهذا متجه وإلا لزم أن يباح للعاصي على ما ذكرناه ، وهو باطل .
قاعدة
:
الوسائل
خمس :
( الأولى ) أسباب تفيد الملك ، وهي ستة
:
الأول : ما
يفيد الملك للغير بعقد معاوضة ، كالبيع والصلح والمزارعة والمساقاة والمضاربة.
الثاني : ما
يفيد ملك العين بعقد لا معاوضة فيه ، كالهبة والصدقة والوقف والوصية بالغير وقبض الزكاة
والخمس والنذر.
الثالث : ما
يفيد تملك العين لا بعقد ، كالحيازة والإرث وإحياء الموات والاغتنام والالتقاط.
الرابع : ما
يفيد ملك المنفعة بعقد معاوضة ، كالإجارة.
الخامس : ما
يفيد ملك المنفعة بعقد غير معاوضة ، كالوصية بالمنفعة والعمرى عند الشيخ وابن
إدريس.
السادس : ما
يفيد تملك المنفعة لا بعقد كإرث المنافع.
__________________
( الثانية ) أسباب التسلط على ملك الغير
، وهي أقسام خمسة :
الأول : ما
تسلط عليه بالتملك قهرا ، كالشفعة والمقاصة للمماطل ، وبيع الملك الممتنع عن
الحق الواجب ، ورجوع البائع في عين ماله للتفليس مطلقا وللموت إن كان في المال
وفاء ، وفسخ البائع بخياره إن قلنا بانتقال المبيع بالعقد ، وهو الأصح.
الثاني : ما
تسلط على ملك الغير بالتصرف لمصلحة المتصرف خاصة ، كالعارية.
الثالث : ما
تسلط على ملك الغير بالتصرف لمصلحة المالك ، كالوديعة المأذون في نقلها وإخراجها ،
والوكالة المتبرع بها ( والوصية مع غنى الوصي ) .
الرابع : ما
تسلط لمصلحتها ، كالشركة والقراض والجعالة والوكالة بجعل.
الخامس : ما
تسلط على ملك الغير بمجرد وضع اليد ، كالوديعة غير المأذون فيها إذا لم يحتج إلى
النقل.
( الثالثة ) أسباب تقتضي منع المالك من
التصرف في ماله ، وهي أسباب
الحجر الستة وما يضاهيها ، كحجر الزوج على المرأة فيما يتعلق بالاستمتاع ، وحجر
البائع والمشتري لتسليم الثمن والمثمن ، والحجر على سيد أم الولد فيما يتعلق
بإخراجها عن ملكه إلا في مواضع :
الأول : في ثمن
رقبتها مع إعسار مولاها به.
الثاني : إذا
جنت على غير المولى.
__________________
الثالث : إذا
عجز عن نفقتها.
الرابع : إذا
مات قريبها ولا وارث له سواها.
الخامس : إذا
كان علوقها بعد الارتهان.
السادس : إذا
كان علوقها بعد الإفلاس.
السابع : إذا
مات مولاها ولم يخلف سواها وعليه دين مستغرق وإن لم يكن ثمنها.
الثامن : بيعها
على من تنعتق عليه ، فإنه في قوة العتق.
التاسع : بيعها
بشرط العتق على الأقرب.
( العاشر : أن
تسلم في يد سيدها الكافر ) .
( الرابعة ) ما هو وسيلة إلى حفظ
المقاصد الخمسة ، وهي النفس
والدين والعقل والنسب والمال التي لم تأت شريعة إلا بحفظها ، وهي الضروريات الخمس
فحفظ النفس بالقصاص والدية والدفاع ، وحفظ الدين بالجهاد وقتل المرتد ، وحفظ العقل
بتحريم المسكرات والحد عليها ، وحفظ النسب بتحريم الزنا وإتيان الذكران والبهائم
وتحريم القذف والحد على ذلك ، وحفظ المال بتحريم الغصب والسرقة والخيانة وقطع
الطريق والحد والتعزير عليها.
قلت : ومن هنا
ظهر بطلان قول من قال إن الخمر كانت مباحة في بعض الشرائع المتقدمة ، والمنقول عن
أئمتنا عليهمالسلام
خلاف ذلك ، ونقل
المرتضى قدسسره
إجماع الإمامية على تحريمها
وتحريم كل مسكر في كل شريعة وأنها لم تبح في وقت أصلا. وذلك هو المطلوب.
( الخامسة ) ما كان مقويا لجلب المصلحة
وذب المفسدة ، وهو القضاء
والدعاوي
__________________
والبينات ، وذلك لأن الاجتماع من ضروريات المكلفين ، وهو مظنة التنازع ، فلا
بد لحاسم لذلك وهو الشريعة ، ولا بد لها من سائس وهو الإمام ونوابه والسياسة
بالقضاء وما يتعلق به.
المطلب الثالث
( فيما يترتب على القواعد الخمس
المستنبطة على وجه مختصر )
وفيه أبحاث :
البحث الأول
قاعدة
:
اليقين ، وهي البناء على الأصل ، أعني استصحاب ما سبق. وهو أربعة
أقسام :
( الأول )
استصحاب النفي في الحكم الشرعي إلى أن يرد دليل ، وهو المعبر عنه بالبراءة
الأصلية.
( الثاني )
استصحاب حكم العموم إلى ورود مخصص وحكم النص إلى ورود ناسخ ، وهو إنما يتم بعد
استقصاء البحث عن المخصص والناسخ.
( الثالث )
استصحاب حكم ثبت شرعا ، كالملك عند وجود سببه وشغل الذمة عند إتلاف أو التزام إلى
أن يثبت رافعه.
( الرابع )
استصحاب حكم الإجماع في موضع النزاع ، كما نقول : الخارج من غير السبيلين لا ينقض
الوضوء ، للإجماع على أنه متطهر قبل هذا الخارج فيستصحب ، إذ الأصل في كل متحقق
ودوامه حتى يثبت معارض والأصل عدمه.
وكما نقول في
المتيمم : إذا وجد الماء في أثناء الصلاة لا ينتقض تيممه ، للإجماع على صحة صلاته
قبل وجوده ، فيستصحب حتى يثبت دليل يخرجه عن التمسك به.
( ومن فروعها )
طهارة الماء لو شك في نجاسته ونجاسته لو وقعت فيه نجاسة وشك في بلوغه الكرية ، لأن
الأصل عدم بلوغها.
وقيل : هو من
باب تعارض الأصلين ، لأن الأصل طهارة الماء والشك في تأثره بالنجاسة.
ويضعف : بأن
ملاقاة النجاسة المعلومة رفع حكم الأصل السابق فيحتاج إلى مانع ، أما لو كان كرا
فوجد متغيرا وشك في تغيره بالنجاسة أو بالأجون فالبناء على الطهارة ، لأنها الأصل الذي لا يعارضه أصل
آخر.
( ومنها ) عدم
الالتفات لو تيقن الطهارة وشك في الحدث. وقال بعض العامة : يتطهر ، لأن الصلاة
ثابتة في ذمته يقينا ، فلا تزول إلا بيقين الطهارة.
ويرد عليه
الخبر السالف ، وهو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم إن الشيطان ليأتي أحدكم إلى آخره .
ولو تيقن الحدث
وشك في الطهارة أعاد ، وكذا يعيد الصلاة بالشك في الركعتين الأولتين أو الثنائية
الثلاثية ، لأنه مخاطب بالصلاة يقينا ، ولا يقين بالبراءة هنا إلا بإعادتها ولزوم
الاحتياط لو شك في غير ذلك. فإن فيه مراعاة البناء على الأصل ومن عدم الإتيان
بالزائد ، ووجود أداء الزكاة والخمس لو شك في
__________________
أدائهما ، وسقوط الوجوب لو شك في بلوغ النصاب ، وصحة الصوم لو شك في عروض
المفطر ، وصحة الاعتكاف لو شك في عروض المبطل. وكذا الشك في أفعال الحج بعد الفراغ
منها ، وعدم قتل الصبي الذي يمكن بلوغه ، ودعوى المشتري العيب أو تقدمه ، ودعوى
الغارم في القيمة.
وقد يتعارض
الأصلان ، كدخول المأموم في صلاة ، فشك هل كان الإمام راكعا أو رافعا. ولكن يتأيد
الثاني بالاحتياط. وكالشك في العبد الغائب فتجب فطرته أو لا ويجوز عتقه في الكفارة أو لا ، والأصح
ترجيح البقاء على أصل البراءة كاختلاف الراهن والمرتهن في تخمير العصير عند الراهن
أو بعده ، لإرادة المرتهن فسخ البيع المشروط به ، فالأصل صحة البيع والأصل عدم
القبض الصحيح. لكن الأول أقوى ، لتأيده بالظاهر من صحة القبض.
وكذا لو كان
المبيع عصيرا ، وكذا لو اختلف البائع والمشتري في تغير المبيع ، وهو مما يحتمل
تغيره ، فالأصل عدم التغير ، وصحة البيع والأصل عدم معرفة المشتري بهذه الصفة التي
هو عليها الآن ، فإن حاصل دعوى البائع أن المشتري علمه على هذه الصفة ، ويتأيد هذا
بأصالة عدم وجوب الثمن على المشتري إلا بما يوافق عليه ويقوى إذا كان دعوى المشتري
حدوث عيب في المبيع بعد الرؤية وقال البائع كان حاصلا حال الرؤية ، لأن الأصل عدم
تقدم العيب على الزمان الذي يدعي المشتري حدوثه فيه.
أما لو ادعى
المشتري اشتماله على صفة كمال حال الرؤية كالسمن والصنعة وهو مفقود الآن وأنكر
البائع اشتماله عليها ، فإنه يترجح البائع لأصالة عدم تلك الصفة.
__________________
ولو تسلم
المستأجر العين وادعى على المؤجر أنه غصبها من يده وأنكر المؤجر ، فهنا أصلان : عدم
الغصب ، وعدم الانتفاع. ويؤيد الأول أن الأجرة مستحقة بالعقد والأصل بقاؤها.
ولو شك في وقوع
الرضا بعد الحولين أو قبله تعارضا. ورجح الفاضل الحل ، ويشكل بأغلبية الحرام على
الحلال عند الاجتماع.
ولو شك في حياة
المقدود بنصفين تعارضا ، وتقديم أصل الحياة قوي. وربما فرق بعضهم بين كونه في كفن
وشبهه وبين ثياب الأحياء. وهو خيال ضعيف ، لأن الميت قد يصاحب ثياب الأحياء والحي
قد يلبس ثياب الموتى ، وخصوصا المحرم.
ومنه اختلاف
الزوجين في التمكين أو النشوز أو تقديم الحمل على الطلاق في صور منتشرة.
وهنا فوائد :
( الأولى ) قد يستثنى من تغليب اليقين
على الشك مسائل :
« أ » المتحيرة
تغتسل عند أوقات الاحتمالات ، والأصل عدم الانقطاع. وفيه نظر.
« ب » لو أنمى صيده حرم ، مع
أصالة عدم حدوث سبب آخر.
« ج » يجب غسل
جميع الثوب والبدن لو علم إصابة النجاسة موضعا وجهل تعيينها ، مع أصالة الطهارة في
غير ذلك الموضع.
__________________
« د » لا يلتفت
الشاك بعد الفراغ من العبادة ، مع أن الأصل عدم الفعل.
« هـ » من فاته
صلاة واحدة تجب ثلاث مع أصالة البراءة.
( الثانية ) قد يعارض الأصل ظاهر ، ففي ترجيح أحدهما وجهان ، وصوره كثيرة :
١ ـ غسالة
الحمام ، ورجح فيها الأصحاب الظاهر ، وهو النجاسة.
٢ ـ ثياب مدمن
الخمر وشبهه وطين الطريق ، ورجح فيه الأصحاب الطهارة وربما فرق بين طريق الدور
والطريق في الصحاري.
٣ ـ لو تنازع
الراكب والمالك في الإجارة والعارية بعد انقضاء مدة ، ففيه وجهان. وترجيح قول
المالك أقوى ، لأن الظاهر يقتضي الاعتماد على قوله في الإذن فكذا في صفته ، أي
الإجارة والإعارة. كما تقدم قوله لو ادعى الغصب فهو من باب ترجيح الظاهر ، ولأن
الأصل له فالظاهر أن المنفعة له.
٤ ـ لو تنازع
القاذف والمقذوف في الحرية والرقية ، فالأقرب ترجيح الظاهر ، لأنه الأغلب في بني
آدم ، مع إمكان أن تجعل معتضدة بأصالة الحرية.
٥ ـ لو تنازع
الزوجان بعد ردتها في وقت الإسلام ، فالظاهر ترجيحها ، فيجب النفقة. ويحتمل ترجيح
دعوى الزوج ، لأصالة البراءة من النفقة بعد الردة وأصالة عدم تقدم الإسلام.
والظاهر بقاء ما كان على ما كان.
٦ ـ الاختلاف
في شرط يفسد العقد ، فيرجح فيه جانب الظاهر على أصالة عدم صحة العقد وعدم لزوم
الثمن ، وكذا في فوات الشرط في الصحة.
٧ ـ ربما جعل
حيض الحامل من هذا الباب ، لأن الظاهر أنه دم علة ، والأصل السلامة والظاهر الغالب
عدم حيض الحبلى ، فيكون لعلة ، وهو ضعيف.
٨ ـ إذا تمعط شعر الفأرة في
البئر فنزحت حتى غلب على الظن خروجه فإنه يحكم بطهارة الماء وإن كان الغالب أنه
يبقى شيء ، ترجيحا للأصل.
٩ ـ قطع لسان
الصغير يرجح فيه الظاهر ، وهو الصحة.
(
غريبة ) :
عد العامة من هذا الباب قصة ذي اليدين ،
فإنه اعمل في الأصل من
استصحاب بقاء الصلاة تماما ، وسرعان الصحابة الذين خرجوا من المسجد أعملوا الظاهر من عدم
السهو على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
، والزمان ، قابل للنسخ
، فجوزوا أن يكون تشريعا ، والساكتون تعارض عندهم الأصل والظاهر. وابن بابويه قائل
بهذه المسألة ، ولم يثبت عند باقي الأصحاب.
__________________
١٠ ـ موضع
الخلاف في تعارض الأصل والظاهر ليس عاما ، إذ الإجماع على تقديم الأصل على الظاهر
في صورة دعوى بيع أو شراء أو دين أو غصب وإن كان المدعي في غاية العدالة مع فقد
العصمة وكان المدعى عليه معهودا بالتغليب والظلم ، كما أجمعوا على تقديم الظاهر
على الأصل في البينة الشاهدة بالحق ، فإن الظاهر الغالب صدقها وإن كان الأصل براءة
ذمة المشهود عليه ، ولهذا نظائر كثيرة.
المبحث الثاني
قاعدة
:
النية ، ولها
أحكام يأتي ذكرها في العبادات والمعاملات ، ولنذكر هنا منها قاعدتين :
( الأول )
النية يكتفى بها في تقييد المطلق وتخصيص العام وتعيين المعين والمطلقة والفريضة
المنوية وتعيين أحد معاني المشترك وصرف اللفظ من الحقيقة إلى المجاز ، كقوله في المطلق
« والله لأصلين » وعنى به ركعتين أو « لأكلمن
__________________
رجلا » وعنى به زيدا ، وتخصيص العام « والله لا لبست الثياب » وعنى به
القطن أو ثيابا بعينها.
ولا تكفي النية
عن الألفاظ التي هي أسباب كالعقود والإيقاعات ، فلو قال « والله لا أكلت » أثرت
النية في مأكول بعينه إذا أراده ، أو في وقت بعينه إذا قصده ، لأن اللفظ دال عليه
التزاما.
وقد جاء في
القرآن ( ما يَأْتِيهِمْ مِنْ
ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) مع قوله تعالى في الآية الأخرى ( إِلّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ) أي لا يأتيهم في حالة من الأحوال إلا في هذه الحالة من
لهوهم وإعراضهم ، فقد قصد إلى حال اللهو والإعراض بالإثبات وإلى غيرها من الأحوال
بالنفي.
والأحوال أمور
خارجة من المدلول المطابقي ، مع أنها عارضة غير لازمة. فإذا أثرت النية في العوارض
ففي اللوازم أولى.
وقوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ) الآية ، والمدلول المطابقي هنا متعذر ، إذا التحريم لا يتعلق
بالأعيان بل بالأفعال المتعلقة بها من الأكل والانتفاع ، فقد قصد بالتحريم ما لا
يدل اللفظ عليه مطابقة بل لأدلة خارجة ، فإن كانت الأفعال لازمة فالمطلوب وإن كانت
عارضة فبالأولى ، لأن التصرف في اللازم أقوى من التصرف في العارض.
__________________
ومنه ما ورد في
الحديث القدسي ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن ، يكره
الموت وأكره مساءته ، ولا يكون إلا ما أريد
فإن التردد عليه تعالى محال ، غير أنه لما جرت العادة أن يتردد من يعظم
الشخص في مساءته نحو الوالد والصديق وأن لا يتردد في مساءة من لا يكرمه ولا يعظمه
كالعدو والحية ، بل إذا خطر بالبال مساءة أوقعها من غير تردد ، فصار التعدد لا يقع
إلا في موضع التعظيم والاهتمام وعدمه لا يقع إلا في مورد الإهانة. فحينئذ دل
الحديث على تعظيم الله تعالى للمؤمن وشرف منزلته عند الله ، فعبر باللفظ المركب
عما يلزمه ، وليس مذكورا في اللفظ إنما هو بالإرادة والقصد ، فمعناه حينئذ منزلة
عبدي المؤمن عندي عظيمة.
لطيفة
:
قيل في تأويل
هذا الحديث وجوه :
١ ـ ما ذكرناه.
٢ ـ ما ذكره
بعض الفضلاء ، وهو أن التردد إنما هو في الأسباب ، بمعنى أن الله تعالى يظهر
للمؤمن أسبابا يغلب على ظنه دنو الوفاة ، فيصير مستعدا للآخرة استعدادا تاما ، وينشط
للعمل ، ثمَّ يظهر له أسبابا توجب البسط في الأمل ، فيشتغل بعمارة دنياه بما لا بد
منه. ولما كان ذلك بصورة التردد أطلق عليها ذلك استعارة ، إذ كان العبد الذي هو
متعلق تلك الأسباب بصورة التردد وأسند إليه تعالى من حيث إنه فاعل للتردد في العبد
، وهو مأخوذ من كلام بعض القدماء الباحثين عن أسرار
__________________
كلام الله تعالى ، فالتردد في اختلاف الأحوال لا في مقدر الآجال.
٣ ـ إنه تعالى
لا يزال يورد على المؤمن حالا بعد حال ليؤثر الموت فيقبضه مريدا له ، وإيراد تلك
الأحوال المراد بها غاياتها من غير تعجيل ، فالغايات من القادر على التعجيل يكون
ترددا بالنسبة إلى قادرية المخلوقين ، فهو بصورة التردد ولم يكن ثمَّ تردد ، كما
ورد في قصة إبراهيم عليهالسلام لما أراه ملك الموت ، فكره قبض روحه فأخره حتى رأى شيخا يأكل
ولعابه يسيل على لحيته ، فاستشنع ذلك وطلب الموت. وكذا قيل عن موسى على نبينا وآله
وعليهالسلام.
٤ ـ إنه بصورة
التردد ، لتعارض تحتم الموت على العباد وكراهة مساءة المؤمن ، وهو استعارة أيضا.
٥ ـ أن يكون
على التقدير والفرض ، أي لو كنت مترددا لترددت في ذلك وهو مجاز .
__________________
(
القاعدة الثانية ) ذهب بعضهم إلى أنه
إذا نوى بالعام الخاص لا يتخصص به بل يكون ذكر الخاص توكيدا للنسبة إليه
والنسبة إلى غيره باقية بحالها ، فلو قال « لا كلمت أحدا » ونوى زيدا عمه بالقصد
الثاني وغيره بالقصد الأول ، إلا أن ينوي مع ذلك إخراج من عدا زيد ، لأن المخصص
يجب أن يخالف حكم العام وذكر زيد لا يخالفه ، فهو مثل خبر شاة ميمونة مع
قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم أيما إهاب دبغ فقد طهر .
فإن قيل : لو
قال « والله لا لبست ثوبا » ونوى القطن كان بمثابة قوله « ثوبا قطنا » ، ولو قال
ذلك تخصص به وإن كان غافلا عن غيره.
أجيب : بأن
المعلوم من كلام العرب أن اللفظ المستقل بنفسه إذا ألحق به غير المستقل صير الأول
غير مستقل ، كما في الاستثناء والغاية ، ولم يثبت ذلك في النية حتى يجري مجرى
اللفظ ، ومن ثمَّ لو قال « له عشرة إلا تسعة » قبل ، ولو قال « تنقص تسعة أو
أديتها » لم يقبل ، لاستقلال الضميمة بنفسها.
قلت : كلما
تلفظ به كان مخصصا ، إذ اللفظ المذكور صالح له ، فينبغي أن يكون بنية تنافي
التخصيص ، إذ يصير ذلك بمثابة الملفوظ ، لأن التقدير صلاحية اللفظ له. واستعمال
العام في الخاص من هذا القبيل ، فيصير الجزء الأخير كغير المذكور في عدم تناول
اللفظ إياه.
ولأن الصفة
المتعقبة يجوز جعلها مؤكدة ولا يخرج ما عداها ، ويجوز جعلها
__________________
مخصصة ، وذلك بالنية. فإذا أثرت النية في الصفة الملفوظة فلم لا تؤثر في
المنوية مع اشتراكهما في الاستفادة من اللفظ.
ولأنه لو صح ما
قاله لم يكن معنى صورة إطلاق العام وإرادة الخاص منه إلا مع التقييد بإرادة إخراج
الخاص الآخر.
وحاصل كلام هذا
القائل راجع إلى أن ذلك من قبيل المفهوم ، فيجري الخلاف فيه كالخلاف في المفهوم ، إلا
أنه مع ذلك لا يفترق صورة التلفظ بالصفة والنية بها.
ونحن نقول : إنما
يخصص هذا بالمذكور لا بمفهوم اللفظ ، بل لأن قضية الأصل تنفي ما عدا المذكور.
البحث الثالث
قاعدة
:
كون المشقة سبب اليسر. وجميع رخص الشرع وتخفيفاته تعود إليها ، كالتقية ، وشرعية التيمم عند الخوف
على النفس ، وإبدال القيام عند التعذر في ( صلاة ) الفريضة
ومطلقا في النافلة ، ( وصلاة الاحتياط غالبا ) ، وقصر الصلاة والصوم ( وإن كان فرض السفر مستقلا في
نفسه ) .
ومنه المسح على
الرأس والرجلين بأقل مسماه ، ومن ثمَّ أبيح المفطر ( في )
__________________
جميع الليل بعد أن كان حراما بعد النوم ، وكان ذلك للترغيب في العبادة
وتحبيبها إلى النفس.
ومن الرخص ما
يخص ، كرخص السفر والمرض والإكراه والتقية ، ومنها يعم كالقعود في النافلة ، وإباحة
الميتة عند المخمصة يعم السفر والحضر عندنا.
ومن رخص السفر
ترك الجمعة والقصر ، وسقوط القسم بين الزوجات لو تركهن ، بمعنى عدم القضاء بعد
عوده ، وسقوط القضاء للمتخلفات لو استصحب بعضهن. والظاهر أن القسم تابع لمطلق
السفر وإن لم يقصر فيه الصلاة.
ومن الرخص
إباحة كثير من محظورات الإحرام مع الفدية ، وإباحة الفطر للحامل والمرضع والشيخ
والشيخة وذي العطاش ، والتداوي بالنجاسات والمحرمات عند الاضطرار ، وشرب الخمر
لإساغة اللقمة ، وإباحة الفطر عند الإكراه عليه مع عدم القضاء سواء وجر في حلقه أو
خوف حتى أفطر في الأصح.
ولو أكره على
الكلام في الصلاة فوجهان ، مع القطع بعدم الإثم ، والقطع بالبطلان لو أكره على
الحدث. أما الاستدبار وترك الستارة واستعمال النجاسة فكالكلام ، والأقرب في ذلك كله إبطال
هذه الصلاة والإتيان بغيرها. هذا مع اتساع الوقت ، وإلا فلا بطلان.
ومن اليسر الاستنابة في
الحج للمعضوب ، والمريض المأيوس من برئه
__________________
وخائف العدو ، والجمع بين الصلاتين في السفر والمرض والمطر والوحل والإعذار
بغير كراهية.
ومنه إباحة نظر
المخطوبة المجيبة للنكاح ، وإباحة أكل مال الغير مع بذل البدل مع الإمكان ولا معه
مع عدمه عند الإشراف على الهلاك.
ومنه العفو عما
لا تتم الصلاة فيه منفردا منع نجاسته ، وعن دم القروح والجروح الذي لا يرقى. وعد
منه الشيخ دم البراغيث بناء على نجاسته ، وما لا يدركه الطرف من الدم في الماء
القليل. وطرده بعض الأصحاب في كل نجاسة غير مرئية.
ومنه قصر
الصلاة في الخوف كمية وكيفية ، وفعلها مع الحركات الكثيرة المبطلة مع الاختيار ، وقصر
المريض الكيفية.
ثمَّ التخفيف
قد يكون لا إلى بدل كقصر الصلاة وإن استحب الجبر بالتسبيح وترك الجمعة ، والظهر
فرض قائم بنفسه ، وصلاة المريض. وقد يكون إلى بدل ، كفدية الصائم ، ونقص الناسكين
في بعض المناسك ، كالشاة لمن ترك المبيت بمنى ، ومكة لضرورة ، وكالبدنة لو أفاض
قبل الغروب لعذر وقلنا بالوجوب وكشاة المزدلفة. والوجه عدم الوجوب فيهما مع
الضرورة.
وعد الشيخ من
التخفيف تعجيل الزكاة المالية قبل الحول ، والبدنية قبل الهلال.
والرخصة قد تجب
كتناول الميتة عند خوف الهلاك ، والخمر عند الاضطرار إلى الإساغة به ، وقصر الصلاة
في السفر والخوف ، وقصر الصيام في السفر عندنا. وقد يستحب ، كنظر المخطوبة.
وقد يباح ، كالقصر
في الأماكن الأربعة ، والإبراد بالظهر في شدة الحر
محتمل للاستحباب والإباحة. ومثار الاحتمالين قول النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم للمؤذن أبرد أبرد
. يحتمل الإباحة لما ثبت من أفضلية أول الوقت ، وعموم « وَسارِعُوا إِلى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ » والاستحباب لأغلبية أفعاله
صلىاللهعليهوآلهوسلم
، ولتكرار الأمر المشعر
بالتأكيد المفيد للاستحباب.
وهنا
فوائد :
( الأولى ) المشقة الموجبة للتخفيف على
ما ينفك عنه العبادة غالبا ، أما ما لا ينفك عنه العبادة فلا ، كمشقة الوضوء والغسل في السبرات وإقام الصلاة
في الظهيرات والصوم في شدة الحر وطول النهار وسفر الحج ومباشرة الجهاد ، إذ مبنى
التكليف على المشقة ، إذ هو مشتق من الكلفة فلو انتفت انتفى التكليف ، فتنتفي
الصالح المنوطة به. وقد رد الله على القائلين « لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ » بقوله « قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا » .
ومنه المشاق
التي تكون على جهة العقوبة على الجزم وإن أدت إلى تلف النفس كالقصاص والحدود بالنسبة إلى
المحل والفاعل ، وإن كان قريبا بعظم ألمه باستيفاء ذلك من قريبه
لقوله تعالى « وَلا
تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ
__________________
إِنْ
كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ » .
والضابط في
المشقة ما قدره الشرع. وقد أباح الشرع حلق المحرم للقمل كما في قصة كعب بن عجرة
سبب نزول الآية ، وأقر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عمرو على التيمم لخوف البرد ، وكذا المشاق
في باقي محظورات الإحرام وباقي مسوغات التيمم .
وليس ذلك
مضبوطا بالعجز الكلي ، بل بما فيه تضيق على النفس ، ومن ثمَّ قصرت الصلاة وأبيح
الفطر في السفر ولا كثير مشقة فيه ولا عجز غالبا. فحينئذ يجوز الجلوس في الصلاة مع
مشقة القيام وإن أمكن تحمله على عسر شديد ، وكذا باقي مراتبه. ومن ثمَّ تحلل المصدود
والمحصر وإن أمكنهما المصابرة لما في ذلك من العسر.
( الثانية ) قد يقع التخفيف في العقود
كما يقع في العبادات ، ومرات الغرور فيها ثلاث :
الأولى : ما
يسهل اجتنابه ، كبيع الملاقيح والمضامين وغير المقدور على تسليمه. وهذا لا تخفيف فيه
، لأنه أكل مال بالباطل.
__________________
الثانية : ما
يعسر اجتنابه وإن أمكن تحمله بمشقة ، كبيع البيض في قشره والبطيخ والرمان قبل
الاختبار وبيع الجدار وفيه الأس ، وهذا يعفى عنه تخفيفا.
الثالثة : ما
توسط بينهما ، كبيع الجوز واللوز في القشر الأعلى وبيع الأعيان الغائبة بالوصف
عندنا لمشاركته في المشقة. ومنه الاكتفاء بظاهر الصبرة المتماثلة وبظهور مبادئ
النضج في بدو الصلاح وإن لم ينته.
ومن التخفيف
شرعية خيار المجلس ، لما كان العقد قد يقع بغتة فيتعقبه الندم فشرع ذلك للتروي ، ثمَّ
لما كان مدة التروي قد تزيد على ذلك جوز خيار الشرط بحسبه وإن زاد على ثلاثة أيام
، ليتدارك فيه ما عساه يحصل فيه من غبن يشق تحمله.
ومنه شرعية
المزارعة والمساقاة والقراض ، وإن كان معاملة عن معدوم لكثرة الحاجة إليها.
ومنه إجازة
الأعيان ، فإن المنافع معدومة حال العقد.
ومنه جواز
تزويج المرأة من غير نظر ولا وصف دفعا للمشقة اللاحقة للأقارب بذلك ، وإيثارا
للحياء وسد باب التبرج على النساء ، بخلاف المبيع وإن كان أمة لعدم المشقة فيه.
ومن ذلك شرعية
الطلاق والخلع دفعا لمشقة المقام على الشقاق وسوء الأخلاق ، وشرعت الرجعة في العدة
غالبا ليتروى كما قال تعالى « لَعَلَّ
اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً » . ولم شرع في الزيادة على المرتين دفعا للمشقة على
الزوجات.
ومنه شرعية
الكفارة في الظهار والحنث تيسرا من الإلزام بالمشقة ، لاستعقابه الندم غالبا.
__________________
ومنه التخفيف
عن الرقيق بسقوط كثير من العبادات لئلا يجتمع عليه ( مع ) شغل العبودية أصر.
ومنه شرعية
الدية لا عن القصاص مع التراضي كما قال تعالى « ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ » ، فقد ورد أن القصاص كان حتما في شرع موسى
عليهالسلام
كما أن الدية كانت حتما
في شرع عيسى على نبينا وآله وعليهالسلام
، فجاءت الحنيفة الشريفة
بتسويغ الأمرين طلبا للتخفيف ووضعا للإصار وصيانة للدماء عن أيدي المؤسرين الفجار .
( الثالثة ) التخفيف على المجتهدين ، إما اجتهادا جزئيا كفيء الوقت والقبلة والتوخي في الأشهر عند
الصوم واجتهاد الحجيج في الوقوف فيخطون بالتأخير دفعا للحرج في ذلك ، وقيل
بالقضاء. أما لو غلطوا بالتقديم فالقضاء لندوره ، إذ يندر فيه الشهادة
زورا في هلال رمضان وهلال شوال وذلك قليل الوقوع. وإما اجتهادا كليا كالعلماء في
الأحكام الشرعية فلا إثم على غير المقصر وإن أخطأ ، ويكفيهم الظن الغالب المستند
إلى أمارة معتبرة شرعا. وذلك تسهيل.
ومنه اكتفاء
الحكام بالظنون في العدالة والأمانة.
( الرابعة ) الحاجة قد تقوم سببا مبيحا
في المحرم لولاها كالمشقة ، كما قلنا في نظر المخطوبة ، ومحله الوجه والكفان والجسد من وراء الثياب.
ونظر المستأمة من الإماء ، فينظر إلى ما يرى من العبيد ، وقيل ينظر
إلى ما يبدو حال المهنة ،
__________________
وقيل يقتصر على الوجه والكفين كالحرة.
ويجوز النظر
إلى المرأة للشهادة عليها والمعاملة إذا احتاج إلى معرفتها ، ويقتصر على الوجه.
والفرق بينه وبين النظر المباح على الإطلاق من وجهين :
الأول ـ تحريم
التكرار في ذلك بخلافه هنا ، فإنه ينظر حتى يستثبت ويحرم الزائد.
الثاني ـ أن
ذلك قد يصدر من غير قصد ، حتى قيل بتحريمه مع القصد بخلافه هنا ، ولو خاف الفتنة حرم
مطلقا.
ومنه نظر
الطبيب والفاصد إلى ما يحتاج إليه ، بحيث لا يعد الكشف فيه هتكا للمروءة. ويعذر
فيه لأجل هذا السبب عادة ، وهو مطرد في جميع الأعضاء. نعم في السوأتين مزيد تأكيد
في مراعاة الضرورة ، والظاهر جواز نظر الشهود إلى العورتين ليتحملوا الشهادة على
الزنا وإلى فرج المرأة لتحمل شهادة الولادة وإلى الثدي لتحمل شهادة الرضاع.
البحث الرابع
قاعدة
:
نفي الضرر ، وحاصلها الرجوع إلى تحصيل المنافع أو تقريرها لدفع
المفاسد أو احتمال أخف المفسدتين. وفروعها كثيرة ، حتى إن القاعدة الأولى لكاد
تداخل هذه القاعدة :
فمنها وجود
تمكين الإمام لينتفي به الظلم ويقاتل به المشركين وأعداء الدين.
ومنها ـ صلح
المشركين مع ضعف المسلمين ، ورد مهاجريهم دون مهاجرينا وجواز رد المعيب أو أخذ
أرشه ، ورد ما خالف الصفة أو الشرط ، وفسخ البائع
عند عدم سلامة شرطه من الضمين أو الرهن ، وكذا فسخ النكاح بالعيوب.
ومنه الحجر على
المفلس ، والرجوع في عين المال ، والحجر على الصغير والسفيه والمجنون للدفع عن أنفسهم
الحلاق بنقص مالهم .
ومنه شرعية
الشفعة والتغليظ على الغاصب بوجوب أرفع القيم ، وتحمل مئونة الرد ، وضمان المنفعة
بالفوات ، وشرعية القصاص والحدود ، وقطع السارق في ربع دينار مع أنها تضمن بيد
مثلها أو خمسمائة دينار صيانة للدم والمال ، وقد نسب إلى المعري :
يد بخمس مئين
عسجد وديت
|
|
ما بالها
قطعت في ربع دينار
|
فأجابه السيد المرتضى
رحمهالله
:
حراسة الدم
أغلاها وأرخصها
|
|
حراسة المال
فانظر حكمة الباري
|
وقلت :
خيانتها
إهانتها وكانت
|
|
ثمينا عند ما
كانت أمينا
|
نظرا ) لقول بعض
العلماء : لما كانت أمينة كانت ثمينة فلما خانت هانت
__________________
( وتذكير الثمين والأمين باعتبار موصوف مذكر أي شيئا ) .
ومن احتمال أخف
المفسدتين صلح المشركين ، لأن فيه إدخال ضيم على المسلمين ، وإعطاء الدنية في الدين ، لكن في تركه
قتل المؤمنين والمؤمنات الذين كانوا خاملين بمكة لا يعرفهم أكثر الصحابة كما قال
تعالى « وَلَوْ لا
رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ » الآية . وفي ذلك مفسدة عظيمة ومعرة على المسلمين ، وهي أشد من
الأولى.
ومنه الإساغة
بالخمر ، لأن شرب الخمر مفسدة لكن فوات النفس أعظم منه نظرا إلى عقوبتيهما ، وكذا
فوات النفس أشد من أكل الميتة ومال الغير.
ومنه إذا أكره
على قتل مسلم محقون الدم بحيث يقتل لو امتنع من قتله ، فإنه يصبر على القتل ولا
يقتله ، لأن صبره أخف من الإقدام على قتل المسلم ، لأن الإجماع على تحريم القتل
بغير حق والاختلاف في جواز الاستسلام للقتل. ولا كذا لو أكره على أخذ المال ، لأن
إتلاف نفسه أشد من إتلاف المال ، فالفساد فيه أكثر. وكذا لو أكره على شرب حرام
شربه لكثرة الفساد بالقتل.
فائدة :
قد يقع التخيير باعتبار تساوي الضرر ، كمن أكره على أخذ درهم زيد أو عمرو ووجد في المخمصة
ميتين أو حربيين متساويين ، ولو كان أحدهما قريبه قدم الأجنبي ، كما يكره قتل
قريبه في الجهاد.
__________________
ومنه تخيير
الإمام في قتال أحد العدوين من جهتين مع تساويهما من كل وجه. ويمكن التوقف في
الواقع على أطفال المسلمين إن أقام على واحد قتله وإن انتقل إلى آخر قتله ، وكذا
لو هاج البحر واحتيج إلى إلقاء بعض المسلمين فلا أولوية. ولو كان في السفينة مال
أو حيوان ألقى قطعا ، ولو كان في الأطفال من أبواه حربيان قدم.
ولو تقابلت
المصلحة والمفسدة فإن غلبت المفسدة درئت كالحدود ، فإنها مفسدة بالنظر إلى الألم
وفي تركها مفسدة أعظم ، فتدرأ المفسدة العظمى باستيفائها لأن في ذلك مراعاة الأصلح
، وإليه الإشارة بقوله تعالى « يَسْئَلُونَكَ
عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما » الآية . وإن غلبت المصلحة قدمت ، كالصلاة مع النجاسة أو كشف
العورة ، فإن فيه مفسدة لما فيه من الإجلال بتعظيم الله في أنه لا يناجي على تلك
الأحوال ، إلا أن تحصيل الصلاة أهم.
ومنه نكاح الحر
الأمة ، وقتل نساء الكفار وصبيانهم ، ونبش القبور عند الضرورة ، وتقرير الكتابي
على دينه ، والنظر إلى العورة عند الضرورة. وقد قيل منه قطع فلذة من الفخذ لدفع
الموت عن نفسه ، أما لدفع الموت عن غيره فلا خلاف في عدم جوازه.
ومن انغماز
المصلحة في جنب المفسدة فيسقط اعتبار المصلحة رد شهادة المتهم وحكمه كالشاهد لنفسه
والحاكم لها ، لأن قوة الداعي الطبيعي قادحة في الظن المستفاد من الوازع الشرعي
قدحا ظاهرا لا يبقى منه إلا ظن ضعيف لا يصلح للاعتماد عليه.
__________________
فالمصلحة
الحاصلة بالشهادة والحكم مغمورة في جنب هذه المفسدة ، ولهذا لو كان معصوما قبل
قوله لنفسه وإن لم يسم حكما ولا شهادة ، كما في قصة
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
مع الأعرابي في دعوى الناقة وقتل علي عليهالسلام
الأعرابي لما أكذب النبي صلىاللهعليهوآله وكانا قد تحاكما إليه بعد أن تحاكما إلى غيره وحكم ذلك
بغير الواقع ، وكشهادة خزيمة بتصديقه
صلىاللهعليهوآلهوسلم فسمي ذا الشهادتين .
ويمكن تعليل
الحكم في ذلك بدفع سوء القالة والتعرض لإساءة الظن.
وقد تشهد الله تعالى
على المكلفين بالملائكة الحافظين وبالجوارح يوم القيامة ، وهو أحكم الحاكمين
مبالغة في الحجة البالغة.
أما شهادته
لصديقه أو قريبه فبالعكس ، فإنه لو منع أدى إلى فوات المصلحة العامة من الشهادة
للناس ، فانغمرت هذه التهمة في جنب هذه المفسدة العامة ، إذ لا يشهد الإنسان إلا
لمن يعرفه غالبا.
ومنه اشتمال
العقد على مفسدة تترتب عليه ترتيبا قريبا ، كبيع المصحف أو العبد المسلم من الكافر
وبيع السلاح لأعداء الدين. ويحتمل أيضا قطاع الطريق إذا تحقق منهم ذلك ، وهو قوي.
وبيع الخشب ليعمل صنما ، والعنب ليصنع خمرا.
وقد يدخل
المسلم في ملك الكافر فيزال كالإرث ، والرجوع بالعيب ، وإفلاس المشتري ، والملك
الضمني كقوله « أعتق عبدك عني » ، وفيما لو كاتب
__________________
الكافر عبده وملك عبدا فأسلم فعجزه المكاتب فعجزه سيده الكافر ، فإنه يدخل
ذلك العبد المسلم في ملك السيد الكافر ثمَّ يزال. وفي شراء من يعتق عليه إما باطنا
كقريبه أو ظاهرا كما إذا أقر بحرية عبد ثمَّ اشتراه فيكون شراء من جهة البائع
وفداء من جهة المشتري.
وفيما إذا أسلم
العبد المجعول صداقا في يد الذمية زوجة الذمي ثمَّ فسخ نكاحها لعيب أو ردتها قبل
الدخول أو طلاق أو إسلامها قبل الدخول ، أو في تقويم العبد المسلم على الشريك
الكافر إذا أعتق نصيبه ، وفي وطء الذمي الأمة المسلمة لشبهة فتعلق منه فإنه يقوم
عليه إن قلنا بانعقاده رقا مع أنه مسلم.
لو تزويج
المسلم أمة الكافر الذمية في موضع الجواز وشرط عليه رق الولد وقلنا بجواز في الحر
المسلم ، ففي جوازه هنا تردد ، فإن جوزناه دخل في ملك الكافر ثمَّ أزيل.
وفيما لو وهبه
الكافر من مسلم وأقبضه وقلنا بجواز رجوعه في موضع جواز الرجوع.
ولا يبطل بيع
العبد بإسلامه قبل قبض المشتري الكافر ، بل يزال ملكه عنه ويتولى مسلم قبضه بإذن
الحاكم.
البحث الخامس
حكم العادة ، كاعتبار المكيال والميزان والعدد.
وترجيح العادة
على التمييز في القول الأقوى ، وفي قدر زمان قطع الصلاة
__________________
فإن الكثرة ترجع إلى العادة ، وكذا كثرة الأفعال فيها ، وكذا تباعد المأموم
أو علو الإمام.
وفي كيفية
القبض ، وتسمية الحرز ، ورق الزوجة بالنسبة إلى استخدام السيد نهارا ، وفتح الباب
، وقبول الهدية وإن كان المخبر امرأة أو صبيا مميزا والاستحمام والصلاة في الصحاري
، والشرب من الجداول والأنهار المملوكة حيث لا ضرر ، وإباحة المثار بعد الإعراض
عنها ، وهبة الأعلى للأدنى في عدم استعقاب الثواب ، وفي العكس في تعقبه عند بعض
الأصحاب ، وفي قدر الثواب عند بعض ، وفي ظروف الهدايا التي لم تجر العادة بردها
كالقوصرة فيها التمر ، وفي عدم وجوب رد الرقاع إلى المكاتب ، وفي
تنزيل المبيع المأذون فيه على ثمن المثل نقدا بنقد البلد الغالب ، وكذا عقود
المعاوضات ، وتزويج الكفؤ في الوكالة ومراعاة مهر المثل ، والتسمية.
وفي تسمية
المال في الوكالة في الخلع من الجانبين ، وإبقاء الثمرة إلى أوان الصرام ، وحمل
الوديعة على حرز المثل ، وسقي الدابة في المنزل إذا جرت العادة به ، وفي الركوب أو
الحمل في استعارة الدابة مما يحمل مثلها مثله غالبا.
وفي إحراز
الودائع بحسب العادة ، فيفرق بين الجواهر والحطب والحيوان وفي أجرة المثل لمن أمر
بعمل له أجرة عادة.
وفي الصنائع ، فيخيط
الرفيع غير خياطة الكرباس ، وفي ألفاظ الوقف والوصية ، كما لو أوصى لمسجد فإنه
يصرف إلى عمارته والوصية للعلماء والقراء وفي ألفاظ الأيمان ، وفي أكل الضيف عند
إحضار الطعام وإن لم يأذن المضيف وفي حل الهدي المعلم.
__________________
قاعدة
:
يعتبر التكرار في عادة الحيض مرتين
عندنا عملا بالنص والاشتقاق ، وكذا في عيب البول في الفراش مع
احتمال رجوعه إلى الكثرة العرفية.
أما المرض
والإباق فتكفي المرة.
وفي اعتبار العرف
الخاص تردد ، والأولى اعتباره مع علم الغريم ، وإلا فلا ، كاعتياد قوم قطع الثمرة
قبل الانتهاء أو اعتياد قوم حفظ زروعهم نهارا وتسريح مواشيهم ليلا ، وقسمة البزار
والحارس ووجوب إرسال الأمة إليه نهارا ، أما ما ندر كاعتياد النساء الجفاء في القرى فلا
عبرة به بل يجب النعلان.
وفي عطلة
المدارس ( في ) أوقات العادة تردد ، وخصوصا من واقف لا يعلم العادة. ويحكم بعض
العامة بجوازها من نصف شعبان إلى عيد الفطر.
والظاهر أنه لا
فرق بين العادة القولية كاستعمال لفظ « الدابة » في الفرس ، والفعلية كاعتياد قوم
أكل طعام خاص وأوصى رجل بالصدقة بطعام.
وقطع بعض
العامة بأن العادة الفعلية لا تعارض الوضع اللغوي ، وأنه لم نجد أحدا حكي فيه
خلافا إلا الآمدي في الأحكام. ويدل عليه أن كثيرا من العامة حمل قوله عليهالسلام
في الرقيق « أطعموهم مما
تأكلون وألبسوهم مما تلبسون » على ما اعتيد في زمن صاحب الشرع من مأكل العرب
المتقاربة الواقعة بحسب
__________________
ضيق معاشهم. وهذه عادة فعلية ، وحملوه على الاستحباب فيمن يرفع عن ذلك
المأكل.
فائدتان
:
( الأولى ) ما ذكر أدلة شرعية للأحكام ،
وهاهنا أدلة أخر لوقوع
الأحكام ولتصرف الحكام ، فأدلة الوقوع منتشرة جدا. فإن « الدلوك » سبب لوجوب صلاة
الظهر ، ودليل حصول الدلوك وقوعه في العالم متكثر كالأصطرلاب والميزان وربع
الدائرة والأشخاص المماثلة والمشاهدة بالبصر واعتباره بالأدوار في بعض الأحوال
وصياح الديكة على ما روي ، وكذا جميع الأسباب والشروط والموانع ، لا يتوقف معرفة
شيء منها على نصب دليل يدل على وقوعه من جهة الشرع ، بل كون السبب سببا والشرط
شرطا والمانع مانعا ، فأما وقوعه في الوجود فموكول إلى المكلفين به بحسب ما عرفوه موصولا إلى
ذلك.
وأما أدلة تصرف
الحكام فمحصورة ، كالعلم وشهادة العدلين أو الأربعة أو العدل مع اليمين ، وإخبار
المرأة عن حيضها وطهرها ، واستمرار اليد على الملك والاستطراق من أهل المحلة فيما
يستطرقون فيه ، والاستطراق العام ، واليمين على المنكر ، واليمين مع النكول ، وشهادة
أربع نسوة في بعض الصور وأقل في مثل الوصية والاستهلال فيثبت الربع بالواحدة ، وشهادة
الصبيان في الجراح بشروطه ، ووصف اللقطة بالأوصاف الخفيفة فإنه يبيح الإعطاء ولا
يوجبه فلا يزول الضمان مع قيام البينة بخلافه ، والاستفاضة في الملك المطلق والنسب
والنكاح.
__________________
وهذا كله قد
يسمى الحجاج ، وهو مختص بالحكام كاختصاص الأدلة الشرعية بالمجتهدين.
( الثانية ) يجوز تغيير الأحكام بتغيير
العادات ، كما في النقود
المتعاورة والأقران المتداولة ونفقات الزوجات والأقارب ، فإنها تتبع عادة
ذلك الزمان الذي وقعت فيه ، وكذا تقدير العواري بالعوائد.
ومنه الاختلاف
بعد الدخول في قبض الصداق ، فالمروي تقديم قول الزوج عملا بما كان عليه السلف من
تقديم المهر على الدخول.
ومنه إذا قدم
شيئا قبل الدخول كان مهرا إذا لم يسم غيره تبعا لتلك العادة ، والآن ينبغي تقديم
قول الزوجة واحتساب ذلك من مهر المثل.
ومنه اعتبار
الشبر في الكر والذراع في المسافة ، فإنه يعتبر بما تقدم لا بما هو الآن إن ثبت
اختلاف المقادير كما هو الظاهر.
المطلب الرابع
( في قواعد من هذا الباب )
قاعدة
:
اللفظ إما دال على الكلي أو على الكل ، وكلاهما إما في جانب الثبوت أو النفي ، فالأول إن كان في
جانب الثبوت فيكفي في الخروج من العهدة الإتيان بأي جزء اتفق ، إذ اللفظ لا يدل
على جزئي معين فيكفي ، وإن كان في جانب النفي لا بد من الامتناع الكلي من جميع
الجزئيات والثاني لا يكفي في طرف الثبوت
__________________
الإتيان بجزء منه.
مثال الأول « فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ » ، فإن المحرر لأي رقبة كانت آت بالمأمور به. ومثال
الثاني قوله تعالى ، ( فَمَنْ شَهِدَ
مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) « لا يكفيه بعضه بل لا بد من الإتيان بجميع الشهر.
ويتفرع على ذلك
جواز التيمم بالحجر والسبخ ، لأن قوله تعالى » ( صَعِيداً طَيِّباً ) « يصدق على أقل مراتبه. وقصر الحضانة على سن التربية بل سن الرضاع
لأن قوله صلىاللهعليهوآله
» أنت أحق به ما لم
تنكحي « فقيد مطلق الأحقية فيكفي أقل مراتبها ، ولا يحمل على الأعلى وهو البلوغ.
ولا ينافي الإطلاق تقييد الحكم بعدم النكاح ، لأنه أشار بهذه الغاية إلى المانع ، أي
أن نكاحها مانع من ترتب الحكم على سببه ، والمانع وعدمه لا مدخل لهما في ترتب
الأحكام بل في عدم ترتيبها ، لأن تأثير المانع منحصر في أن وجوده يؤثر في العدم لا
عدمه في الوجود فتبقى قضية لفظ الأحقية بحالها في اقتضائها أقل ما يطلق عليه.
وقصر تحريم
الفرقة أيضا على سن التربية ، لأن قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
» لا تولم والدة على
ولدها وإن كان عاما في الوالدات باعتبار النكرة في سياق النفي ، وعاما في
المولودين باعتبار إضافته على رأي القائل بعمومه وعام في الأزمنة ، لأن لا لنفي
الاستقبال على طريق العموم ، كقوله تعالى
( لا يَمُوتُ فِيها
وَلا يَحْيى ) ، فهو بالنسبة إلى أحوال الولد مطلق ، لأن العام في
الأشخاص
__________________
والأزمان لا يلزم أن يكون عاما في الأحوال.
والاكتفاء في
الرشد بإصلاح المال حملا على أقل مراتبه ، وهذا أظهر [ في الدلالة ] مما قبله ، لاقتران
تلك بما احتيج إلى الجواب عنه به.
واستدل بعض
العامة على الاقتصار في حكاية الأذان على حكاية التشهد ، [ فإن قوله صلوات الله
عليه « إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول » مطلق ، فحمل على مطلق المماثلة وهو
صادق على التشهد ] ، فيكون كافيا.
قلت : هذا
يناقضه قولكم بعموم المفرد المضاف ومثل مضاف.
فائدة
:
استثني من هذه القاعدة ما أجمع على
اعتبار أعلى المراتب فيه ، وهو ما نسب إليه تعالى من التوحيد والتنزيه وصفات الكمال ، وما أجمع على
الاكتفاء فيه بأقل المراتب ، كالإقرار بصيغة الجمع ، فإنه يحمل على أقل مراتبه
والفرق أن الأصل تعظيم جانب الربوبية بالقدر الممكن ، والأصل براءة ذمة المقر ، قال
الله تعالى « وَما
قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ » وقال النبي صلىاللهعليهوآله لا أحصي ثناء عليك. والباقي هو المحتاج إلى دليل.
ولك أن تقول : محل
النزاع هو الجاري على الأصل ، وكذلك الإقرار. وأما تعظيم الله تعالى فهو دليل من
خارج اللفظ ، فلا تخرج القاعدة عن حقيقتها.
__________________
قاعدة
:
الأصل في اللفظ الحمل على الحقيقة
الواحدة ، فالمجاز
والمشترك لدليل من خارج ، والحقيقة ثلاثة لغوية وعرفية وشرعية ، وكذا المجاز.
ولا مجاز في
الحروف ، بل الكلام فيها في أصل الوضع.
وأما الأسماء
فمنها الماهيات الجعلية ، كأسماء العبادات الخمس ، وهي حقائق شرعية. ومن الأسماء
المتصلة بالأفعال كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول ، فاسم الفاعل معتبر في الطلاق
عندنا ، ولا يجزي غيره في الأصح ولا يجزي في البيع والصلح والإجارة على الظاهر
والنكاح ك « أنا بائعك » أو « مصالحك » أو « مؤجرك » أو « بائع منك » أو « منكح ».
ويكفي في
الضمان والوديعة والعارية والرهن وكذا اسم المفعول ك « أنا ضامن » أو « هذا مودع
عندك » ، وفي العتق كعتيق ومعتق ، ويقرب منه « أنت حر » و « أنت كظهر أمي » ، ويكفي
المصدر في الوديعة والعارية والرهن والوصية.
وأما الأفعال
فالماضي منها منقول إلى الإنشاء في العقود والفسوخ والإيقاعات في بعض مواردها ، ويعتبر
في اللعان والشهادة بصيغة المستقبل ، فلو قال « شهدت بكذا » لم يقبل ، ولو قال « أنا
شاهد عندك بكذا » فالظاهر القبول لصراحته. ولا يجزي في البيع والنكاح المستقبل على
الأصح ولا في الطلاق والخلع ، ويكفي في اليمين صيغة الماضي والآتي.
وأما الأمر
فجائز في العقود الجائزة كالوديعة والعارية ، وفي النكاح على قول ضعيف ، وفي
المزارعة والمساقاة في وجه وفي بذل الخلع. والمأخذ في
__________________
صراحة هذه مجيئها في خطاب الشارع كذلك وشيوعها بين حملة الفقه.
قاعدة
:
لا يستعمل اللفظ الصريح في غير بابه إلا
بقرينة ، فإن أطلق حمل
على موضوعه ، كاستعمال السلف في البيع بقرينة التعيين ، فلو لم يعين نفذ في موضوعه
واشترط شروط السلف ، لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة ، فلو قال « بعتك » وقبل
بالشراء أو بمعناه ثمَّ ادعى أحدهما قصد الإجارة حلف الآخر.
وقد تردد
الأصحاب في إرادة الحوالة من الوكالة وبالعكس ، إما لعدم استقرار اللفظ في أحدهما
، فيقدم دعوى المخالفة من اللافظ لأنه أبصر بنيته ، وإما لأنه وإن استقر فيعضده
أصل آخر ، ولو قدمنا قول مدعي حقيقة اللفظ زال الإشكال.
ولو باع
المشتري من البائع بعد قبضه واتفقا على إرادة الإقالة لم يصر إقالة لعدم استعماله
فيه ، وفي انعقاده بيعا نظر لعدم القصد إليه مع احتمال جعله إقالة ، إذ لا صيغة
لها مخصوصة ، بل المراد ما دل على ذلك المعنى. وتظهر الفائدة في الشفعة والخيار ، فلو
تقايلا ونويا البيع فالإشكال أقوى.
ولو قال « بعتك
بلا ثمن » فمعناه الهبة. واللفظ يأباه ، فعلى البيع يكون فاسدا لعدم ركنه وهو
الثمن وعلى الهبة يصح ويملك الواهب الرجوع ومواضعه اتصل به القبض أو لا ، ولو تلف
بعد القبض فلا ضمان على تقدير الهبة إذا كان القبض بإذن الواهب. وعلى تقدير البيع
فيه وجهان : الضمان لأنه بيع فاسد ، وعدمه عملا بلفظه الدال على سقوطه.
ولو كان حيوانا
فتلف في الثلاثة احتمل على الضمان عدم الضمان لتبعية الفاسد الصحيح ، وهو هنا غير
مضمون صحيحا ويحتمل الضمان ، لعموم قوله صلى الله
عليه وآله وسلم « على اليد ما أخذت حتى تؤديه » .
وهذا البحث
مطرد في كل بيع فاسد ، أعني تلفه في زمن الخيار. ويرد أيضا فيما إذا فسخ البائع أو
المشتري في زمن الخيار ، [ فإن كان الفاسخ البائع فمن مال المشتري ويحتمل عدمه ، وإن
كان الفاسخ المشتري في الخيار ] المشترك فالضمان أقوى. وفي الخيار المختص به وجهان.
ولو قال « وهبتك
بألف » فهل يكون هبة بعوض أو بيعا؟ الظاهر الأول ، والفائدة ثبوت خيار المجلس
والشفعة وخيار الثلاثة في الحيوان ، وخيار التأخير عند عدم الإقباض إن جعلناه بيعا
لا هبة. ولا يلزم على كونه هبة دفع العوض وإن تفرقا من المجلس ، ويلزم على تقدير
البيع. وكذا القبض في المجلس لو كانا نقدين ، وجريان الربا لو حصل التفاوت ، أما
خيار الغبن فيقطع بثبوته على تقدير البيع ويشكل على تقدير الهبة.
ولو عقد السلم
بلفظ الشراء صح عندنا ، ويجري عليه أحكام السلم إن كان المورد غير عام الوجود عند
العقد ، ولو كان موجودا فالأقرب انعقاده بيعا بناء على جواز بيع عين موصوفة بغير
أجل إن قلنا باشتراط الأجل في السلف ، وإن منعنا بيع مثل هذا وقلنا باشتراط الأجل
في السلم وعري عنه بطل العقد من أصله.
ولو لم يشترط
الأجل في السلم مع عموم الوجود ففي انعقاده بيعا نظرا إلى لفظه أو سلما نظرا إلى
قصد المتعاقدين وجهان ، فعلى الأول هل يجب قبض أحد العوضين في المجلس؟ الأقرب نعم
، ليخرج عن بيع الدين بالدين ، ولو قلنا هو سلم وجب قبض الثمن فيه. والحق بناء على
عدم اشتراط الأجل في السلم
__________________
أنه سلم ، ولا عبرة بلفظ « البيع » هنا ، لأن العبرة بالمعنى ، وخصوصا مع
انضمام النية ، ولأنه يلزم أن يكون لنا صورة يجب فيها قبض أحد العوضين لا بعينه
وليس ذلك معهودا من الشرع وإنما تضر النية لو قلنا باشتراط الأجل في السلم عملا
بأصالة صحة العقد وخروجا عن بيع الدين بمثله.
أما لو كان
الثمن معينا في العقد لم يجب قبضه في المجلس إن جعلناه بيعا. احتمال ضعيف.
ولا يشترط في
الإجارة على عمل في الذمة القبض في المجلس ، لمباينتها البيع عندنا. ولو عبر عن
الإجارة بالبيع أو العارية ففي الانعقاد قولان ، أقربهما عدم الانعقاد.
ومن هذا الباب
« قارضتك والربح لي أو لك » ، ففي اعتباره بمعناه فيكون بضاعة أو قرضا أو بطلان
العقد فيكون مضاربة فاسدة ، وجهان أقربهما الثاني. فالربح للمالك في الصورتين
وعليه أجرة العامل. ويحتمل سقوط الأجرة في الأول لرضاه بالسعي لا بعوض.
وعلى اعتبار
المعنى يكون الربح للعامل في صورة جعله قرضا والمال مضمون عليه ، ويكون الربح
للمالك في صورة جعله بضاعة. ويقطع بوجوب أجرة العامل هنا ، لأنه عمل مأمور به له
أجرة عادة.
ولا يمكن القول
بكون الربح بأسره للعامل مع عدم ضمان المال لتلازمهما فإن إعارة النقدين هنا غير
ممكنة ، فالربح هنا لمالك المال ، فقد ملك مال الغير بعوض ، إذ صاحبه لم يجعل
للعامل سوى الربح ويريد أن أصل المال باق له وليس عين المال باقية ، فوجب المصير
إلى مثلها ، وهو معنى القرض.
ومنه تعليق
البيع على الواقع أو على ما هو شرط فيه. والأصح انعقاده ،
مثل « بعتك إن كان لي » أو « بعتك إن قبلت ». ويحتمل البطلان نظرا إلى صيغ
الشرط المحترز عنها في البيع. وفي قوله « إن قبلت » زيادة الشك ، إذ قبوله غير
معلوم إلا أن يقال : الإيجاب لا يكون إلا بعد المواطاة على القبول ، وهو يمنع
الشك.
فالجواب أن
المواطاة لا يوجب بقاء الرضى ، لجواز البداء. والحق أنه تعليق على ما هو من قضية
العقد. والشك هنا غير ضائر ، لأنه حاصل وإن لم يتلفظ به عند لحظة إياه فكذا مع
التلفظ.
ومثله أنت طالق
إن كان الطلاق يقع بك وهو يعلمها على حالة الوقوع أما منكر الوكالة في البيع أو
النكاح إذا كان مبطلا ، فإنه يقول للوكيل إن كان لي فقد بعته منك بكذا وللمرأة إن
كانت زوجتي فهي طالق إذا امتنع من عدم التعليق فلا يضر هنا ، أما لأنه تعليق على
واقع أو لمساس الحاجة إليه. بخلاف ما تقدم ، فإنه إيراد لأمر مستغنى عنه.
ومنه بيع العبد
من نفسه في انعقاده كتابة أو بيعا منجزا أو يبطل ، وجوه.
ولو وقف على
غير المنحصر كالعلويين صح عندنا ، لأن المقصود الجهة التي يصرف فيها لا الاستيعاب.
ومن منع فإنه ينظر إلى أنه تمليك لمجهول ، إذ الوقف مملك.
ولو راجع بلفظ
النكاح أو التزويج ففي صحة الرجعة وجهان ، ويقوى الصحة إذا قصد الرجعة به ، ولو
قصد حقيقة النكاح أو التزويج ضعفت.
قاعدة
:
لا يحمل اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه
معا عند كثير من الأصوليين ، لأن حمله على حقيقته يستلزم
كونه موضوعا لها ، وحمله على مجازه يستلزم كونه غير موضوع لها ، وهو تناقض.
فعلى هذا لو
أوصى أو وقف لأولاده لم تدخل الحفدة ولو جعلناهم حقيقة دخلوا. ولا فرق بين أولاد
البنين وأولاد البنات ، لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الحسن والحسين ولداي وقوله
صلىاللهعليهوآله إن ابني هذا سيد ـ يشير إلى الحسن .
ولو حلف
السلطان على الضرب أو تركه حمل على الأمر والنهي ، إما لأنه قد صار حقيقة عرفية
بالنسبة إليه وإما باعتبار القرينة الصارفة للفظ إلى مجازه. فلو باشره بنفسه فعلى
القاعدة لا يحنث ، لأن فيه جمعا بين الحقيقة والمجاز بحسب الاعتبارين المذكورين.
والظاهر الحنث ، ويجعل الضرب للقدر المشترك بين صدور الفعل عن رضاه. ومن يجوز
استعمال اللفظ في حقيقة ومجازه فلا إشكال عنده.
ومنه « أَوْ لامَسْتُمُ
النِّساءَ » في الحمل على الجماع أو اللمس باليد.
ومنه « فَقَدْ جَعَلْنا
لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً » في الحمل على القصاص أو الدية ، فإن السلطان حقيقة في
القصاص. وهذا ضعيف ، والظاهر أنه القدر المشترك بين القصاص والدية ، وهو المطالبة
بحقه.
فائدة
:
الماهيات الجعلية ـ كالصلاة والصوم وسائر العقود ـ لا يطلق على الفاسد ، إلا الحج لوجوب
المضي فيه. فلو حلف على ترك الصلاة في الأماكن المكروهة
__________________
أو الصوم اكتفى بمسمى الصحة ، وهو الدخول فيها ، فلو أفسدها بعد ذلك لم يزل
الحنث. ويحتمل زواله ، لأنها لا تسمى صلاة شرعا ولا صوما مع الفساد. أما لو تحرم
في الصلاة أو دخل في الصوم مع مانع من الدخول لم يحنث قطعا.
ولو كان الحلف على ترك الصلاة في الدار [ المغصوبة ] ، أو على ترك الصوم مع
الجنابة ، أو على ترك بيع الخمر أو الحر ، أمكن الحمل على الصورة ، فيحنث بهما وعدمه ، لأنه حلف
على ممتنع شرعا.
ومن
فروع الحقيقة :
حمل اللام على الملك ، فلو قال « هذا لزيد » فقد أقر له بملكه ، فلو قال « أردت
أنه بيده عارية أو إجارة أو سكنى » لم يسمع ، لأنه خلاف الحقيقة.
وكذا الإضافة ،
بمعنى اللازم ، مثل « دار زيد » فلو حلف لا يدخل دار زيد فهي المملوكة ولو بالوقف.
وعلى هذا لا يحنث بالحلف على دار العبد أصلا ، لعدم تصور الملك فيه على الأقوى ، إلا أن يقصد
ما عرفت به وشبهه.
قال بعض العامة
: لا يحنث ولو قلنا بملكه لنقصه باعتبار أنه في معرض الانتزاع منه كل آن. ويؤيده أن الملك
ينقسم إلى التام والناقص حقيقة ، إلا أن يمنع القسمة المعنوية.
فيجاب : بأن
تسمية المتزلزل ملكا سائغ على ألسنة حملة الشرع ، كالملك
__________________
في زمن الخيال وملك الهبة بعد القبض. ويحتمل الحنث لما يضاف إلى العبد
ظاهرا ، لأن اللفظ يمتنع هنا حمله على الحقيقة ، فيحمل على المجاز باعتبار
القرينة.
وقد يجاب : بأن
امتناع الحمل على الحقيقة لا يوجب المصير إلى المجاز إذ غايته تحصيل حكم شرعي.
وبطلان اليمين هنا حكم شرعي ، فليس تحصيل أحدهما أولى من الآخر.
ومن هذا علم أن
المشترك لا يحمل على كلا معنييه ، لأن الحمل عليها مجاز وإرادة الحقيقة هنا ممكنة
وإنما يبطل لعدم تعيينها ، فكان البطلان أولى من حمله على المعنيين.
فائدة
:
مما يشتبه تعارض الحقيقة المرجوحة
والمجاز الراجح كالنكاح فإنه حقيقة في العقد ومجاز في الوطء أو بالعكس ،
مع أن إطلاقه عليها في حيز التساوي أمور :
( منها ) لو تعارض في الإمامة الأفقه الأقرأ مع الأورع الأتقى ، ففي
كل منهما وجه رجحان مفقود في الآخر.
والأقرب ترجيح
الأفقه الأقرأ ، لأن ما فيه من الورع يحجزه عن نقص الصلاة إذ العدالة معتبرة فيه
وأحد أركانها الورع ويبقى علمه زائدا مرجحا.
وكذا في
المجتهدين المختلفين بالنسبة إلى المقلد يرجح الأعلم ، لأن ما فيه من الورع يحجزه
عن التهجم على الفتوى بغير حق ، فبقي علمه راجحا بغير معارض.
لا يقال : هذا
يقلب ، لأن ما في الورع من العلم كاف في تحصيل هذا الحكم فيبقى ورعه زائدا بغير
معارض.
لأنا نقول : لما
كان الحكم الشرعي إنما يحصل بالعلم كان الأزيد علما أقرب إلى تحصيله من الناقص ، إذ
عمدة الفتوى إنما هي العلم.
( ومنها ) لو تعارض الحر غير الفقيه والعبد الفقيه في صلاة الجنازة
قدم الفقيه لأن فضيلته اكتسابية ، بخلاف الحرية.
وهذا مبني على
جواز إمامة العبد الحر أو على كون المأموم عبدا ، وحينئذ ينسحب في الصلاة اليومية
ولو منعنا من إمامته فلا تعارض.
( ومنها ) تعارض الصلاة جماعة في آخر الوقت وفرادى في أوله ، أو
جماعة في تقديم الثانية عن وقت فضلها وفرادى في وقت تأخرها إلى وقت الفضيلة ، كما
في تأخير العصر إلى المثل والعشاء إلى ذهاب الشفق.
ولعل مراعاة
الجماعة أشبه للحنث عليها على الإطلاق ، ولأن فضيلة الجماعة يفيد تضعيف الصلاة إلى
سبع وعشرين ، بخلاف مراعاة الوقت.
ولو كان
التقديم أو التأخير لعذر عام كما في المطر والوحل ، فلا إشكال في ترجيح الجماعة ،
لأن النبي صلىاللهعليهوآله
كان يجمع بين الصلاتين
في الليلة المطيرة بأذان وإقامتين.
( ومنها ) أصحاب الأعذار كالمتيمم الراجي الماء أو غير الراجي
والعاري. والأولى أن التأخير أفضل. وأوجبه المرتضى
رحمهالله.
( ومنها ) لو كان في الوضوء وأقيمت الجماعة فتعارض إسباغه وفوات
__________________
الجماعة في البعض أو في الكل. والأولى ترجيح الجماعة ، لأن المتوسل إليه
أولى في المراعاة من الوسيلة لو كان مدافعا للأخبثين أو الريح وخشي فوت الجماعة
بالوضوء ، فوجهان لاشتمالها على صفة الكراهية المغلظة باعتبار سلبه للخشوع الذي هو
روح الصلاة ولقوله صلىاللهعليهوآله هو كمن صلى وهو معه.
أما لو عارضها
كمال شرط ـ كإزالة النجاسة المعفو عنها أو زيادة في اللبس مستحبة كالقميص والعمامة
والرداء ـ فالظاهر ترجيحها ، لما ذكرناه من مراعاة المتوسل إليه.
وليس منها جاهل القراءة
إذا رجا للتعلم باقي الوقت ، إذ يترك صلاة الجماعة توقعا للتعلم وجوبا على الأقرب.
( ومنها ) تعارض الصف الأول وفوات ركعة ، ففي إيثار الصف الأخير
ليحصل الركعة الزائدة فصاعدا يصلي في الأخير قطعا.
( ومنها ) تعارض تعجيل الزكاة للأجنبي أو المفضول وتأخيرها للرحم
أو الفاضل على القول بجواز تأخيرها شهرا أو شهرين. ويعارض دفعها قرضا ودفعها عند
الحول ، فإن القرض راجح من حيث الجمع بينه وبين الزكاة والأداء راجح من حيث قرار الملك فيه
وتزلزله في القرض مع امتداد أعين الفقراء في رأس الحول.
( ومنها ) تعارض الصوم والاشتغال بوظائف علمية أو عملية ، ففي
ترجيح أحدهما احتمال.
__________________
وكذا تعارض
الاعتكاف والاشتغال بقضاء حوائج الإخوان ، والمروي عن مولانا الحسن
عليهالسلام
ترجيحها.
( ومنها ) تعارض المشي في الحج والضعف عن العبادة ، والمروي
مراعاة العبادة.
( ومنها ) تعارض الجهاد وحق الأبوين ، والمروي تقديم حقهما إلا مع
التعيين.
( ومنها ) تعارض الخطاب في النكاح كعبد عفيف عدل عالم وحر فاسق.
ولعل ترجيح العبد هنا أولى إذا كانت الزوجة المخطوبة أما الولي فلا ، أو حر فقير
عالم وغني جاهل ، والأقرب ترجيح العالم لعلمه أو معيب عالم ورع وصحيح جاهل فاسق
إذا كان العيب موجبا للفسخ ، والأقرب ترجيح الصحيح.
قاعدة
:
المجاز لا يدخل في المنصوص كأسماء العدد وإنما يدخل في الظواهر ، فمن أطلق العشرة وقال « أردت تسعة » لم
يقبل منه ويعد مخطئا لغة وإن ثبت تسمية الشيء باسم أكثره كالأسود ، ومنه لا يضع
عصاه عن عاتقه.
ومن أطلق
العموم وأراد الخصوص فهو مصيب لغة.
وكل لفظ لا
يجوز دخول المجاز فيه لا تؤثر النية فيه في صرفه عن موضوعه فلو طلق المخالف ثلاثا
وقال « أردت اثنتين » لم يسمع منه ، ولو حلف على الأكل وقال « أردت الخمر » سمع بعثا كان
أو منعا.
__________________
قاعدة
:
الصفة ترد
للتخصيص تارة وللتوضيح أخرى ، ولها فروع :
( منها ) الاختلاف في ملك العبد وعدمه ،
فإنه يمكن استناده إلى
قوله تعالى « لا
يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ » ، فإن ذلك صفة لقوله عبدا ، فإن قلنا : إنها للتوضيح
دلت على عدم ملكه مطلقا ، وإن جعلناها للتخصيص فمفهومه الملك ، لأن المخصص بالوصف
يدل على نفيه عن غيره.
ويقرب منه
تعارض الجملة بين الحال والاستئناف ، فإن الجملة الحالية مفيدة لصاحب الحال ومخصصة
له. وعليه يتفرع توجيه قوله تعالى « وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ
اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ » فإن هذه الجملة على تقدير جعلها مستأنفة تكون الآية حجة
على تحريم متروك التسمية ، وإن جعلناها حالا فهي حجة تستعمل في حله.
وهاتان الآيتان
مما يتمسك به الخصمان.
( ومنها ) الاختلاف في العارية ، فإنها عندنا لا تضمن إلا بالشرط ، وعند بعض العامة تضمن
من غير شرط ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
استعار من صفوان بن أمية أدراعا
فقال له : أغصبا؟ فقال النبي : بل عارية مضمونة
فالوصف للتوضيح.
قلنا لم لا
يكون للتخصيص؟ ويكون ذلك شرطا لضمانها ، ونحن نقول بموجبة ، إذ مع شرط الضمان تكون
مضمونة.
( ومنها ) لو قال لوكيله « استوف ديني
الذي على فلان » فمات استوفاه
من
__________________
وارثه ، لأن الصفة للتوضيح والتعريف. ولو قال « من فلان » لم يكن له مطالبة
وارثه ، سواء علقنا « من » باستوف فيكون ظرفا لغوا أو بمحذوف فيكون حالا من
المفعول ، إذ الحال نص في التخصيص ويبعد جعلها بيانية. ولو أمكن صارت كالمسألة
السابقة ، وقال بعضهم بالمنع بناء على أنها للتخصيص.
( ومنها ) لو قال لزوجته « إن ظاهرت من
فلانة » وسيجيء في
الظهار.
( ومنها ) لو حلف أن لا يكلم هذا الصبي
فصار شيخا ، أو لا أكل من
لحم هذا الحمل فصار كبشا ، أو لا أركب دابة هذا العبد فعتق وملك دابة فركبها ، فعلى
التوضيح يحنث وعلى التخصيص لا حنث.
ويقرب منه ما
يعبر عنه الفقهاء باجتماع الإشارة والإضافة ، كقوله « لا كلمت هذا عبد زيد » أو « هذه
زوجته » أو « زوجته هذه » أو « عبده هذا » ، فإن الإضافة في معنى الصفة ، فإن
جعلناها للتوضيح فزال الملك والزوجية فاليمين باقية وإن جعلناها للتخصيص انحلت.
وكذا لو قال « لأعطين فاطمة زوجة زيد أو سعيد عبده ».
ومنه لو أوصى
لحمل فلانة من زيد فظهر من عمرو أو نفاه زيد باللعان ، فإن قلنا الصفة للتوضيح
فالوصية باقية أو للتخصيص بطلت لو ظهر من عمرو. وفي صورة اللعان نظر مبني على
اعتبار مدلول اللفظ في الحال أو اعتبار مدلوله المستقر ، فعلى الأول يأخذ الوصية
وعلى الثاني لا.
__________________
المطلب الخامس
( في قواعد متعددة وأحكام متبددة )
قاعدة
:
للمطلق والمقيد أقسام :
( الأول ) اختلاف الحكم والسبب ولا حمل
فيه اتفاقا ، مثل « فَإِطْعامُ سِتِّينَ
مِسْكِيناً » مع قوله تعالى « وَأَشْهِدُوا
ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ » ، فإنه لا يقتضي تقييد المساكين بالعدالة.
( الثاني ) أن يتحد السبب والحكم فيحمل المطلق على المقيد قطعا ، مثل « وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ
عَمَلُهُ » مع قوله « وَمَنْ يَرْتَدِدْ
مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ » ، وقوله تعالى « وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ » مع قوله تعالى « مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ » .
وقول النبي
صلىاللهعليهوآله الحمى من قيح جهنم فأبردوها بالماء
. وفي حديث آخر فأبردوها من ماء زمزم. ومثله
قوله عليهالسلام خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم ـ وذكر الغراب منها
. وفي حديث آخر
__________________
تقييد الغراب بالأبقع.
ومن أمثلة
اتحادهما وهما يفيان قوله صلى الله عليه آله وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا
بمثل ، مع قوله في الحديث الآخر إلا يدا بيد ولا تبيعوا منها
شيئا غائبا بناجز.
( الثالث ) أن يختلف السبب ويتحد الحكم
، كتحرير رقبة في الظهار
مطلقة مع تقييدها في القتل بالإيمان.
( الرابع ) أن يتحد السبب ويختلف الحكم
، ففي الثبوت مثل « فَامْسَحُوا
بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ » مع قوله تعالى في آية الوضوء « وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى
الْمَرافِقِ » ، فإن السبب فيهما واحد وهو التطهير للصلاة بعد الحدث
والحكم مختلف بالغسل في أحدهما والمسح في الآخر.
قاعدة
:
التأويل إنما يكون في الظواهر دون
النصوص ، ولا يقال « تأويل
» لبيان المجمل ، كالمشترك إذا حمل على أحد معنييه بقرينة.
وللتأويل مراتب
، أعلاها ما كان اللفظ محتملا له ويكثر دخوله في الكلام ، ويليه ما يكون احتماله
فيه بعد لكن يقوم قرينة يقتضي ذلك ، فإن زاد البعد أشكل القبول والرد من جهة
القرينة قوة وضعفا ، وأبعده ما لا يحتمله ولا يقوم عليه قرينة فيرد.
__________________
وهذا وارد في
الأدلة ، ويجيء مثله في ألفاظ المكلفين. ، مثل « طلقتك » للرجعية يحتمل الإنشاء
والإخبار ، فإذا ادعى الإخبار قبل منه. وهذا في الحقيقة تبيين أحد محتملي اللفظ
المشترك وليس بتأويل.
ولو كان اسمها
« طالق » أو « حرة » فناداها بذلك ، فإن قصد النداء فلا بحث وإن قصد الإيقاع احتمل
الوقوع ، وإن أطلق فالأقرب الحمل على النداء للقرينة.
ومنه تخصيص
العام وتقييد المطلق بالنية كما يقع في الإيمان.
ومنه « طلقتك »
أو « أنت طالق » وادعى سبق لسانه من غير قصد وإنه أراد أن يقول : طلبتك.
ومنه لو صدقت
الزوج في عدم الرجعة ثمَّ رجعت إلى تصديقه ، هل يقبل إقرارها لإمكان إخبارها عن
ظنها ثمَّ تبين لها خلافه؟ ويشكل بالإقرار بالمحرمية والرضاع ثمَّ يرجع ، فإنه لا
يقبل مع قيام الاحتمال فيه.
وفرق بينهما
بأن المحرمية والرضاع أمران ثبوتيان وعدم الرجعة نفي والإحاطة في الثبوت أقرب من
النفي ، ومن ثمَّ لو ادعت الطلاق عليه البائن فرد اليمين فحلفت ثمَّ رجعت لم يقبل
منها لاستنادها إلى الإثبات.
ولو زوجت وقالت
لم أرض ثمَّ رجعت قبل ، لرجوعه إلى النفي ولأنها أنكرت حق الزوج فرجعت إلى التصديق
فيقبل لحقه. وقيل لا يقبل في جميع هذه المواضع ، لأن النفي في فعلها كالإثبات ، ولهذا
تحلف على القطع.
وكالتأويل في
الرجوع عن الإقرار بقدر الثمن بشراء وكيله وشبهه فتسمع دعواه ، ولو قال له علي شيء
، ففسره بحبة حنطة قيل يقبل لأنه شيء يحرم أخذه ويجب رده ، ولو فسره بوديعة قبل
لأن عليه ردها ويضمنها لو فرط وتلفت ولو فسره بالعبادة ورد السلام لم يقبل لبعد
التأويل.
ولو قال « له
علي حق » احتمل قبول رد السلام ، ويشكل بأن الحق أخص ويبعد قبول الأخص بتأويل لا
يقبله الأعم. ولو قيل بأن العرف يأبى تأويله في الوجهين أمكن.
ومنه دعوى
إقامة القبالة في الدين والرهن.
قاعدة
:
قد يثبت ضمنا ما لا يثبت أصلا ، وهو مأخوذ من قاعدة المقتضي في أصول الفقه ، وهي ما إذا
كان المدلول مضمرا ، لضرورة صدق المتكلم لرفع الخطأ أو لتوقف صحة اللفظ عليه « كاسأل
القرية » ، أو لاقتضاء الشرع ذلك ، مثل « أعتق عبدك عني » ، فإنه يقتضي تقدير سبق
انتقال المال إليه ، كما لو حكمنا بثبوت أول الصوم بشهادة الواحد ، فإنهم يفطرون
عند كمال الثلاثين ضمنا وإن كان هلال شوال لا يثبت به ، وقيل لا إفطار.
ويتفرع حلول
الدين وتعليق الظهار وغير ذلك. أما لو شهد النساء على الولادة قبل ويثبت النسب وإن
كان لا يثبت النسب بشهادتين.
ولو وقف على
الفقراء ثمَّ صار فقيرا ، فهنا دخل في الوقف وإن كان لو وقف على نفسه بطل.
وكبيع الثمرة
مع الأصل لا يشترط فيها مع الظهور بدو الصلاة لأنها في ضمن الشجر.
ولو تجددت
اللفظة الثانية قبل أخذ الأولى وترك البائع للمشتري وقلنا : لا خيار لحصول التملك ضمنا
في الترك ، وكذا لو رد مشتري العبد المسلم من الكافر للعيب فإنه يدخل المسلم في
ملك الكافر ضمنا ، أو وجد البائع في الثمن
__________________
المعين عيبا والضمن في هذا أظهر.
ولو باع المريض
محاياة والزائد هبة ولا يشترط فيه القبض لأنه في ضمن البيع.
ولو قال « أعتق
عبدك المستأجر عني » صح وإن قلنا بمنع بيع العين المستأجرة لأن الملك ضمني. وكذا
لو أعتق العبد المغصوب عنه ولا يقدر الإذن على انتزاعه فإنه يصح وإن لم يصح بيعه ،
لأن الملك في ضمن العتق.
وكذا حب الزوان
في الحنطة بمثلها ، وكذلك اللبن في الشاة إذا باعها بحالبه ولو قلنا بمذهب الشيخ
إن الغسل عن الجنابة إذا كان على البدن نجاسة فغسلها بنية رفع الحدث وزالت ، فإنه
يكون قد يضمن إزالة الحدث إزالة الخبث ، وكذا تدخل الأشجار في بيع الأرض ضمنا ، وكإرث
الخيار تبعا للمال وإن كان الخيار وحده لا يورث.
قاعدة
:
يستفاد من دلالة الإشارة أحكام ، كقوله تعالى « وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً » مع قوله تعالى « وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ » ، فإنه يشير إلى أن أقل الحمل ستة أشهر. ومن ذلك قول
المصلي « ادْخُلُوها
بِسَلامٍ آمِنِينَ » وقصد التلاوة والأمر ، فإن صلاته لا تبطل ، لما روي أن النبي
صلىاللهعليهوآله
أمر أبيا بفتح القراءة
على من ارتج عليه.
وهل تقوم
الإشارة منه مقام اللفظ على الإطلاق؟ تظهر الفائدة في إبطال
__________________
إشارة الأخرس لصلاته.
قاعدة
:
إذا تعارضت الإشارة والعبارة ففي ترجيح أيهما؟ وجهان. ويتفرع عليهما مسائل ، مثل « أصلي خلف هذا زيد » وكان
عمرا ، أو « على هذه المرأة » وكان رجلا ، أو « زوجتك هذه العربية » وهي عجمية.
قوى العامة تغليب الإشارة في الكل.
ومنه بعتك
الفرس بهذا فإذا هو حمار ، وخلعتك على هذا الثوب الصوف فبان قطنا.
وفي الأيمان
مسائل من هذا ، ومنه ، لله علي إن اشتريت هذه الشاة جعلتها أضحية فإنه قيد بالمنع
، لأن التعليق على تملك معين لا يجوز ، بخلاف ما لو قال إن اشتريت شاة والأصح
الصحة في الموضعين.
قاعدة
:
قد يثبت الحكم على خلاف الدليل لمعارضة دليل أقوى ، منه ، كرد الصاع عوضا عن قيمة لبن المصراة ، وقبول قول
ذي اليد في شراء ما في يده من العين المربحة للمضاربة والجعالة والعرية ، وغرامة
مهر زوجة المهاجرة والكتابة ومنع سيده التصرف في ماله بغير الاستيفاء ، وجعل جارية من
القلعة للدال مع أنها غير معلومة ولا مقدور على تسليمها.
__________________
قاعدة
:
كل ما وقع الاتفاق على أصل أجريت فروعه
عليه وقد يختلف فيها لعارض ثمَّ قد يكون الاختلاف بعد تعيين
العلة ، كالاتفاق على أن العلة في طهورية الماء هي إطلاقه ثمَّ خالف العامة في
المتغير بالتراب المطروح قصدا أو بالملح المائي.
وهذا عجيب ، لأن
العلة إذا كانت قائمة كيف يتخلف عنها المعلول؟ قالوا هذه تسلب اسم الماء ، لأن
طهوريته إما تعبد لا يعقل معناه وإما لاختصاصه بمزيد لطافة ورقة ونفوذ لا يشاركه
فيها سائر المائعات. وعلى التقديرين المناط للاسم. قلنا : مسلم ، لكن التقدير أنه
لم يزل الاسم بهذا النوع من التغير ، ولو زال فلا إشكال في زوال الطهورية.
وقد يكون
الاختلاف بعد تعيين العلة ، والمرجع فيه إلى العرف ، كالغرر في البيع ، فإنه نهي
عنه مع الاختلاف في صحة بيع سمك الآجام مع ضم القصب وشبهها من الأحكام ، فمن أبطله
يقول لا تغني الضميمة عن معرفة المنضم إليه مع كونه مقصودا فالغرر بحاله ، ومن
صححه يقول الضميمة معلومة والباقي في ضمنها ، كالحمل في بيع الدابة إذا شرط أو
مطلقا على قول الشيخ وابن البراج.
وليس من هذا
بيع الغائب ، لأن الوصف الشارح يزيل الغرر عرفا وما فات من اللفظ يتدارك بخيار
الرؤية ، فمثله لا يسمى غررا عرفا.
وقد يكون
الاختلاف بعد تعيين العلة ، والمرجع فيه إلى الحس ، كزوال تغير الماء بالتراب عند
من قال من الأصحاب بطهارة الماء بزوال التغير كيف اتفق ، فمن قال : التراب مزيل
فهو كالماء في التطهير ، ومن قال ساتر فهو كالمسك والزعفران في عدم التطهير. فحاصل
الاختلاف راجع إلى أمر حسي.
ومنه ما يكون
قبل تعيين العلة ، والنزاع إنما هو في العلة ، كالقول بعدم طهورية الماء المستعمل
والاختلاف في التعليل إما بأداء الفرض أو أداء العبادة.
قاعدة
:
الحكم المعلق
على اسم الجنس قد يعقل فيه معنى وقد يكون تعبدا.
وتظهر الفائدة
في تعدية الحكم عند من قال بالقياس من العامة ، ونحن نذكره إلزاما لهم. وذلك مثل
اختصاص الماء بالطهورية هل هو تعبد أو لعلة كما مر ، واختصاص التراب بذلك تعبد
واستعماله في الولوغ للجمع بين الطهورين أو تعبدا أو استظهارا. وتظهر الفائدة في
الأشنان والدقيق ، فعلى الأولين لا يجزيان وعلى الثالث يجزي.
ونحن نقول : التعدية
غير ممكنة ، لأنه إذا دار الأمر بين احتمالين لا يمكن القطع بأحدهما تعينا فيبقى
عدم التعدية بحاله ، وأما عدم تعين الحجر في الاستجمار فمأخذه عندنا النصوص
الصريحة ، وعند العامة قد يؤخذ من نهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
أن يستنجي بروث أو عظم
، فإنه يعلم منه أنه لا يتعين الحجر وإلا لما كان لاستثناء هذين فائدة ، وإنما ذكر
الأحجار لتيسرها غالبا في كل موضع ، وأما الأحجار في رمي الجمار فلا بحث في عدم
التعدي.
قاعدة
:
الأمور الخفية
جرت عادة الشرع أن يجعل لها ضوابط ظاهرة.
ومنه الاستنجاء
، لماء كانت المشربة تخفى عن العيان وكانت الثلاثة مما يزيل النجاسات عنها غالبا
ضبطها بثلاث.
والقصر لما كان
للمشقة وهي مضطربة مختلفة باختلاف المسافرين والأوقات ضبطت بالمسافة التي هي مظنة
المشقة غالبا.
والعقل الذي هو
مناط التكليف لا يكاد يعلم ضبط الأمور المعرفة للبلوغ
__________________
وضبط التراضي في العقود بصيغها الخاصة والإسلام بالشهادتين لا التصديق
القلبي لا يطلع عليه ، وضبط العدة الاستبرائية بالوطء والوطء بغيبوبة الحشفة.
فرعان
:
( الأول ) لو علق الظهار بمشيئتها فقالت « شئت » وهي كارهة لذلك فهل يقع على هذه القاعدة؟ ينبغي أن يقع ، لأن
الأمور منوطة بالظاهر.
( الثاني ) لو أوقع بيعا أو شراء قاصدا
إلى خلاف مدلوله أو غير مريد له فهل ينفذ ظاهرا وباطنا؟
يحتمل النفوذ ، لأن الشارع جعل ذلك سببا.
قاعدة
:
إذا دار الوصف
بين الحسي والمعنوي فالظاهر أن الحسي أولى لكونه أضبط. ويتفرع عليه تحريم انهزام
مائة ضعيف من المسلمين عن مائة بطل وثبات مائة بطل من المسلمين لمائتي ضعيف وواحد.
وحال التبسط في
أطعمة الغنيمة وإن كان هناك سوق ، ولا يجزي المكسورة وإن كان غير مؤثر في الهزال
بعد الذبح ، ولا يمنع الذمي من ركوب البغل وإن كان أنفس من الفرس.
قاعدة
:
كل ما كانت
العلة مركبة توقف الحكم على اجتماع أجزائها ، كالقتل عمدا عدوانا في ثبوت القود ، وكالسكوت
لا بنية القطع والقطع لا بنية السكوت في
__________________
القراءة لا تبطل واجتماعهما يبطل.
وكل من نية
التعدي والنقل في الوديعة يضمن وأحدهما لا يضمن.
فرع
:
لو راج نقدان
متساويان جاز بيع الوكيل بأيهما شاء ، وفي جواز بيعه بهما وجهان.
فائدة
:
كل حكم شرط فيه
شروط متعددة كالجمعة ووجوب الحد والقصر في المسافة فإنه ينعدم بفوات واحد منها.
قاعدة
:
المعارضة بنقيض المقصود واقعة في مواضع
، كحرمان القاتل من
الإرث ، وإثبات الشفعة للشريك. ومن ثمَّ قال ابن أبي عقيل بمنع قتل الخطأ الإرث
مطلقا ، لئلا يتوصل مدعي الخطأ إلى استعجال الإرث بالقتل.
وتوغل العامة
في الإمام لو قتل مورثه حدا بالرجم أو المحاربة ، فذكروا فيه أوجها ثلاثة يفرق في
الثالث بين ثبوته بالبينة أو الإقرار ، ففي الأول يمنع ، وفي الثاني لا يمنع لعدم
التهمة ، وفي قتله قصاصا خلاف مرتب وأولى بالحرمان عندهم.
وكذا في الميت
بالسبب كنصب الميزاب ورفع الحجر ، والشهادة على مورثه بما يوجب رجما أو قصاصا ، وإخراج
الجناح والروشن فيقع على مورثه. ومنه ما إذا شرب مسكرا أو مرقدا أو ألقى نفسه من
شاهق فجن ، فإنه يجب
عليه قضاء تلك الأيام. وفي الجنون نظر.
وفي قتل أم
الولد سيدها والمدبر مدبره ورب الدين المؤجل مديونه وجه بالمقابلة بعيد.
ويورث المطلق
في مرض موته بائنا والمتزوج في العدة عالما فإنه ، استعجل الحل قبل وقته فعورض بنقيض
مقصوده. وألحق به الجاهل مع الدخول لتوغله في الاستعجال في مظنة البقاء.
ولو جنت الزوج
وقلنا بأن الحادث يفسخ به ففيه وجه يمنعها الفسخ ، أما هدم المستأجر الدار فالأصح
أنه لا فسخ فيه للمعارضة ولأنه سبب إدخال النقص على نفسه.
ولو أوصى
للقاتل قبل الجرح أو بعده ففيه وجه بالفرق ، فيأخذ إذا تقدمت الجراحة الوصية دون
العكس. ولو قتلت نفسها قبل الدخول لم يسقط المهر ، بخلاف ما لو قتلها سيدها.
قاعدة
:
ما ثبت على
خلاف الدليل لحاجة قد يتقدر بقدرها وقد يصير أصلا مستقلا ومن ثمَّ وقع الخلاف في
مواضع :
( منها )
الماسح على الخف أو الجبيرة أو غاسل موضع المسح ثمَّ يزول السبب.
ومما صار أصلا
الإجارة فيها معاوضة على المنافع الممدوحة وشرعيتها للحاجة ، ثمَّ صارت أصلا لعموم
البلوى.
__________________
والجعالة جعلت للتوصل إلى
تحصيل المجهول ، فلو كان معلوما ففي الجواز كلام للعامة. والأصح أنها صارت أصلا
مستقلا فيجوز مع العلم.
وجواز اقتداء
الأجنبي المرأة وإن كان شرعيته لحاجة المرأة.
وصلاة الخوف
شرعت مقصورة بنص القرآن لأجل الخوف في السفر ، ثمَّ عم جميع الأسفار المباحة.
ويجوز المسابقة
بعوض مع جهالة العمل ، وبيع العرايا والمزارعة والمساقاة. ولو تمكن من إقامة البينة على زنا
زوجته ففي جواز ترك ذلك اعتمادا على اللعان ـ لأن ذلك عار وخزي ـ أولا لعموم « وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ
شُهَداءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ » وهذا متمكن من الإشهاد؟ وجهان.
قاعدة
:
إذا دل دليل
على حكم ولم يرد فيه بيان عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
مع عموم الحاجة إليه هل
يكون ذلك قدحا في ذلك الدليل؟ فيه كلام في الأصول. ويعبر عنه العامة بالقياس
الجزئي ما لم يرد فيه بيان من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
مع عموم الحاجة إليه في زمانه
أو عموم الحاجة إلى خلافه. وله أمثلة :
( منها ) إذا
غمس المجنب يده في ماء قليل فنوى رفع الحدث هل يصير الماء
__________________
مستعملا فمستند هذا أنه استعمل في رفع الحدث الأكبر فلا يرفع ثانيا.
ويعارضه أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
لم يبين ذلك لسكان البوادي مع
حاجتهم إلى ذلك.
ولو غمسها لا
بنية الاستعمال فلا إشكال ، ولو غمسها لا بنية أصلا فالظاهر أنه لا يحصل الغسل.
ويحتمل حصوله اعتمادا على النية الأولى.
( ومنها ) ما
ذهب إليه بعض الأصحاب من بسط النية على التكبير بحيث يقع بين الهمزة والراء ، فإن
دليل المقارنة قد يدل عليه وإن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
لم يبن ذلك مع احتياج كل إلى
بيانه.
( ومنها ) ما
ذهب إليه بعض العامة من جواز الصلاة على كل ميت غائب بالنية في مشارق الأرض
ومغاربها ، ولم يبينه النبي صلىاللهعليهوآله
بقول ولا فعل.
( ومنها )
منعهم ولاية الفاسق عقد النكاح ، ولم يبينه للبوادي ولا غيرهم ممن يغلب عليه
الفسق.
( ومنها ) ضمان
الدرك ، فإنه ضمان ما لم يجب ، وسوغه مسيس الحاجة إليه ولم يبينه النبي « صلىاللهعليهوآله ».
وجواز شراء عين
أقر قابضها بشرائها من الغير ، فإن قضية الدليل عدم الجواز ، لأنه أقر بالملك
لغيره وادعى حصوله لنفسه ، ولكن شرع لما قال الأئمة عليهمالسلام : لو لا هذا لما قامت للمسلمين سوق. ولم ينقل في هذا
بيان عن النبي « صلىاللهعليهوآله » مع عموم الحاجة إليه.
__________________
قاعدة
:
الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة
العامة
، كجواز قتل الترس من النساء
والصبيان من الكفار ، بل ومن المسلمين عند الحاجة كجواز النظر إلى الأجنبية لحاجة
العلاج.
وهل هو ملحق
بالتيمم الذي يبيحه المرض المعين أو مطلق المرض وإن لم يخش عاقبته؟ وفرق بينهما بأن
الحاجة إلى التيمم عامة بخلاف الحاجة إلى الطبيب في هذا المقام فإنها خاصة نادرة.
وقد يعبر عن
هذه القاعدة بتنزيل ما يعم وإن خف منزلة ما يثقل إذا خص.
قاعدة
:
العدول عن
الأصل المستعمل إلى الأصل المهجور هل هو جائز؟ الظاهر المنع ، وله صور :
( منها ) إذا
كثر سهوه فحكمه عدم الالتفات ، فلو شك كثير السهو في سجدة أو تسبيحة أو قراءة وهو
في محلها فإنه لا يلتفت ، لأن كثرة السهو جوزت البناء على الفعل مع أن الأصل عدمه
، فلو فعل ذلك هل تبطل صلاته؟ فيه أوجه ، ثالثها الفرق بين الركن وغيره.
__________________
وكما لو غسل موضع المسح تقية فإنه صار أصلا ، فلو مسح حينئذ ففي الإجزاء
احتمال.
وزعم العامة أن
الشاة في الإبل بدل عن الإبل ، إذ الأصل كون المخرج من جنس المخرج عنه ، وجوزوا أن
يكون أصلا ، ورتبوا عليه إجزاء البعير عن خمس شياه أو عن شاة.
قاعدة
:
إذا تردد الفرع
بين أصلين وقع الاشتباه ، وهو مناط الإشكال في مواضع : ( منها ) ما هو داخل في
القياس ، فذكره إلزام.
( ومنها ) غيره
، مثاله حجر السفيه متردد بين كونه لنقص فيه كالصبي أولا لنقص بل لحفظ المال كحجر
العبد. ويتفرع عليه لو أذن الولي السفيه في البيع فهل يبطل كالصبي أو يصح كالعبد؟
وكذا في عقد النكاح والوصية.
( ومنها )
الحيوانية بالنسبة إلى الآدمية وغيرها ، تارة يفرق بالضرورة وتارة بالتحسين ، فالأول
منه ما إذا ألقاه في البحر فالتقمه الحوت قبل وصوله الماء ، فمن منع الضمان قال
لأن الحيوان يقطع مباشرته السبب. والأصح الضمان ، لأنه متلف على كل حال.
وإذا فتح عن
طائر قفصا فطار اعتبر بعضهم مباشرة الطائر. وهو خطأ ، بل يضمنه سواء طار عقيب
الفتح أو بعد مكث.
ولو كسر الطائر
في خروجه قارورة آخر ضمنها الفاتح أيضا ، ولو فتح جراب شعير لغيره فلما فتحه أكلته
الدابة فالأقرب الضمان على الفاتح ولكن يرجع على صاحب الدابة إن فرط.
وأما التحسين
فكشبه العبد الحر ، فإنه لا فرق بينهما في الآدمية ولكن المملوكية تلحقه بشبه غير
الآدمي من الحيوان. ولهذا يلحق بالحر فيما فيه مقدر وبالحيوانات المملوكة فيما لا
مقدر فيه.
وبنى بعضهم حل
العبد الآبق على ذلك فيما لو أبق ، وفصل الأصحاب بعقله وجنونه لقوة اختيار العاقل
، فقالوا يضمن الحال لو كان العبد مجنونا ولا يضمن لو كان عاقلا.
( ومنه )
اللعان متردد بين الأيمان والشهادات ، وبشبه الأيمان أقوى ، فيجوز من الذمي.
وحد القذف
متردد بين حق الله تعالى وحق الآدمي ، من جهة أنه ينظر بالرق وأن استيفاءه
بإذن الإمام فيشبه حق الله تعالى ، ومن توقفه على مطالبة المستحق وسقوطه بعفوه ، وأنه
لا يسقط بالرجوع من المقربة ، وأنه يورث. ويتفرع عليه ثبوته بالشهادة على الشهادة.
والعدة مترددة
بين حق الله تعالى وحق الآدمي ، ويغلب فيها حق الله تعالى لوجوبها مع الوفاة وإن
لم يدخل ، ولذلك كان الأقرب عدم تداخل العدتين.
وجنين الأمة هل
يعتبر بنفسه أو بكونه عضوا من أعضاء أمه لعسر اعتباره بنفسه ، ولهذا يدخل عند
الشيخ في البيع والعتق والتدبير والوصية ، فمن ثمَّ وجب فيه عشر قيمة الأم. وهذا
كله إظهار للحكمة وإلا فالاستناد إلى المنصوص منهما واجب.
__________________
قاعدة
:
قد يتردد الشيء
بين أصلين ، فيختلف الحكم فيه بحسب دليلي الأصلين ، فمنه الإقالة في كونها فسخا أو
بيعا. والأقوى أنه فسخ وإلا لصحت مع غير المتعاقدين وبغير الثمن الأول.
ويتفرع على ذلك
فروع كثيرة ، كالإقالة في العبد بعد إسلامه والبائع كافر فعلى الفسخ يمكن الصحة
وثبوت خيار المجلس والشرط والحيوان والشفعة وجوازها بعد التلف وجوازها قبل القبض
في المكيل والموزون ، وغرم أرش المبيع لو تعيب في يد المشتري بعد الإقالة على قول
الفسخ وعلى البيع يتخير البائع بين إجازة الإقالة والأرش وبين الفسخ. وقيل الأرش ،
وهو قضية قول من قال من الأصحاب بأن العيب الحادث بعد العقد قبل القبض لا أرش فيه.
ولو اطلع
البائع على عيب حدث في يد المشتري قبل الإقالة فلا رد له على الفسخ وعلى البيع ، والأقرب
الرد على القولين.
ومن المتردد
بين أصلين الإبراء هل هو إسقاط أو تمليك ، ويتفرع عليه احتياجه إلى القبول وعدمه ،
فإن اعتبرنا القبول ارتد برده وتولى المبرإ العقد عن المبرئ بوكالته جائز على
الإسقاط وعلى التمليك يبني على جواز تولي الطرفين.
والإبراء عن
المجهول يصح على الإسقاط ويبطل على التمليك.
ولو قال لمن اغتابه
« قد اغتبتك » ولم يعين الغيبة فأبرأه يمكن القول بالصحة لأنه هنا إسقاط محض.
والأقرب لا ، للاختلاف في الأغراض والرضى بالمجهول لا يمكن.
ولو كان له على
جماعة دين فقال « أبرأت أحدكم » فعلى التمليك لا يصح
قطعا وعلى الإسقاط يمكن الصحة ويطالب بالبيان.
( ومنه ) الحوالة هل هي استيفاء أو
إبراء ذمة المحال عليه أو هي اعتياض
عما كان في ذمة المحيل بما في ذمة المحال عليه؟
وجه الأول عدم
اشتراط القبض في المجلس لو كان الحقان من الأثمان ، وتحقق براءة ذمة الأمر بمجردها ، ولأنها
لو كانت اعتياضا لكانت بيع دين بدين وهو باطل.
ووجه الثاني
أنه لم يقبض نفس حقه بل أخذ بدله عوضا عنه ، وهو معنى الاعتياض. ويتفرع على ذلك
فروع كثيرة :
( منها ) لو
احتال البائع ثمَّ ردت السلعة بعيب سابق ، فإن قلنا بالأول بطلت لأنها نوع إرفاق ، فإذا
بطل الأصل بطل هبة الإرفاق ، كما لو دفع الصحاح عوض المكسرة ثمَّ فسخ فإنه يرجع
بالصحاح. وإن قلنا بالثاني لم يبطل ، كما لو استبدل عن قبض الثمن ثوبا
ثمَّ فسخ فإنه يرجع بالثمن لا بالثوب ، فللمشتري الرجوع على البائع خاصة إن قبض
ولا يتعين المقبوض ، وإن لم يقبضه فله ـ أي للبائع ـ قبضه إلى غير ذلك.
( ومنه ) ما هو متردد بين القرض والهبة
، كقوله أعتق عبدك عني
ولم يذكر العوض أو اقض ديني ولم يذكر الرجوع ، فهل يرجع في الموضعين بالعوض كالقرض
أو لا كالهبة؟
ولو دفع إليه
مالا وقال اتجر في حانوتي لنفسك ، أو دفع إليه بزرا وقال
__________________
« أزرعه في أرضى لك » فهو معير للحانوت والأرض ، وهل المال قرض أو هبة؟
ولو دفع إلى
فقير دراهم وقال « اشتر بها قميصا لك » هل يكون هبة أو قرضا؟ يقوى الهبة عملا
بالقرينة وليس له شراء غير القميص بها قطعا إلا أن يكون قوله على سبيل التبسط
فينصرف كيف شاء.
ولو دفع إلى
شاهد في موضع تلحقه المشقة بحضوره أجرة دابة ليركبها فهل هو قرض أو هبة؟
( ومنه ) تردد
العين المستعارة للرهن بين العارة والضمان ، فكان المعير ضامن المال في عين ماله
والمستعير مضمون عنه. ويتفرع عليه معرفة الجنس والقدر والصفة على قول الضمان ، بل
ومعرفة المرهون عنده.
ولو تلف في يد
المرتهن فعلى قول الضمان لا شيء عليه ولا على الراهن ، وعلى قول العارية على
الراهن الضمان. ولو تلف في يد الراهن ضمن على القولين.
( فرع ) لو قال
مالك العبد « ضمنت ما لفلان عليك في رقبة هذا العبد » قيل يصح على قول الضمان ، ويكون
كالإعارة للرهن. ويشكل بعدم قبول المضمون له ، إلا أن يقال قبوله غير شرط بل يكفي
الرضا.
( ومنه ) أن
الصداق قبل الدخول هل هو مضمون على الزوج ضمان عقد أو ضمان يد؟ فيه وجهان ، ووجه
الأول أنه مملوك بعقد معاوضة فهو كالبيع ، ووجه الثاني أن النكاح لا ينفسخ بتلفه
وما لا ينفسخ العقد بتلفه يكون مضمونا ضمان اليد كما لو غصب البائع المبيع بعد
قبضه فإنه يضمن عليه ضمان اليد.
والأصل فيه أن
في الصداق مشابهة العوض فيشابهه النحلة ، والنحلة هي
__________________
العطية من غير عوض ، فلا يكون مضمونا عليه ضمان العقود.
وحجة المعاوضة
: أن للزوجة رده بالعيب وحبس نفسها إلى القبض ، والنحلة لا يتعين للعطية بل هي
التدين والشريعة. سلمنا أنها عطية لكن هي عطية من الله للزوجات.
وأما عدم انفساخ
النكاح بتلفه فلأن المهر ليس ركنا في عقد النكاح لصحته مع تجرده عنه ، فالزوجان
هما الركنان في النكاح كالعوضين في البيع ، ومن ثمَّ وجب تسمية الزوجين في العقد
لو باشره الوكيل كما تجب تسمية العوضين. وفروع ذلك كثيرة :
( منها ) إذا
تلف الصداق في يده ، فإن قلنا ضمان عقد انفسخ عقد الصداق وتعذر عود الملك إليه قبل
التلف ويكون لها مهر المثل ، لأن النكاح مستمر والبضع كالتالف فيرجع إلى عوضه. وإن
قلنا ضمان اليد لم ينفسخ العقد في الصداق بل يتلف على ملك الزوجة حتى لو كان عبدا
وجب عليها مئونة تجهيزه ويضمن الزوج بدله مثلا أو قيمة.
( ومنها )
الظهار يشبه الطلاق من حيث اشتراط الشاهدين والطهر والاستبراء ويشبه اليمين من حيث
بقاء حقيقة الزوجية واحتياج البينونة إلى الطلاق.
وفرع العامة
عليه توقيت الظهار ، فعلى الطلاق لا يجوز وعلى اليمين يجوز.
ولو قال لأربع
« أنتن علي كظهر أمي » فعلى الطلاق لكل واحدة كفارة ، وعلى اليمين كفارة واحدة كما
لو حلف : لا كلمت جماعة فكلمهم.
( ومنها ) جواز
التوكيل في الظهار ، فعلى اليمين لا يجوز وعلى الطلاق يجوز.
ولو كرر الظهار
من واحدة فعلى اليمين يلزمه بكل مرة كفارة إن قصد التأسيس ، وعلى الطلاق كفارة
واحدة ، إذ لا يصح طلاق المطلقة ثانيا قبل
الرجعة عندنا.
( ومنه )
المطلقة بائنا مع الحمل تجب نفقتها بالنص ، وهل هي للحامل أو الحمل؟ وفروعه كثيرة
، كوجوبها على العبد وسقوط قضائها أو لا ، ووجوبها لو كانت ناشزا حال الطلاق أو
نشزت بعده أو ارتدت بعد الطلاق ، وصحة ضمان الماضي منها.
وإذا كان الزوج
حرا والزوجة أمة ومنعها المولى من الليل ، وكذا لو كان رقيقا مع الشرط ، وإذا مات
وهي حامل لأن نفقة القريب تسقط بالموت وإن قلنا للحامل وجبت ، وروى الأصحاب أن
نفقة الحامل من نصيب الحمل ، وفي أخرى لا نفقة لها. وهو يؤيد أن النفقة للحامل
وبالبينونة زالت توابع الزوجية.
ولو مات الزوج
معدما فلا نفقة إن قلنا للحامل قطعا ، وإن قلنا للحمل وجبت في ماله ، فإن خلف أبا
فإن قلنا لها فلا نفقة وإلا وبت على الجد. ويحتمل أن لا نفقة على القولين.
ولو أبرأته عن
النفقة الحاضرة كما بعد طلوع الفجر عن نفقة اليوم لم تسقط على الحمل.
ولو أعتق أم
ولده الحامل منه وجبت إن جعلناها للحمل ويقبض من الزكاة والخمس مع فقرها إن
جعلناها للحمل ، وإن قلنا لها فلا لأنها في نفقة الزوج.
قال : وهذا
الفرع مشكل ، لأن الزوج أبو الحمل فالنفقة واجبة على التقديرين. والقابض فإن كان
موسرا أداها وإن أعسر كان هو القابض. نعم لو مات أو كان كافرا والأم مسلمة فإن
كانت فقيرة قبضت على التقديرين لأن المصروف إنما هو إليها ، وإلا فلا لوجوب نفقة
الحمل عليها.
ولو سافرت بغير
إذنه فإن قلنا للحمل وجبت وإلا فلا ، ويصح الاعتياض
عنها إن كانت لها. واستلم وهي كافرة وجبت إن قلنا للحمل وإلا فلا.
ولو سلم إليها
نفقة اليوم فخرج الولد ميتا في أوله لم تسترد إن قلنا لها وإلا استرد.
ووجوب الفطرة
إن قلنا للحامل دون الحمل ، ويشكل بما أنها منفق عليها حقيقة فكيف لا تجب فطرتها.
ولو أتلفها
متلف بعد قبضها وجب بدلها إن قلنا للحمل ولم تفرط.
ولو نشزت في
النكاح وهي حامل أمكن وجوب النفقة إن قلنا إنها للحمل ، ويشكل بأنها غير مطلقة ولا
معتدة.
ولو حملت الأمة
من رقيق فإن قلنا للحمل وجبت على السيد وإن قلنا للحامل فعلى العبد إذا انفرد
السيد بالولد.
تنبيه
:
لو كانت معتدة
عن غير الطلاق ، منهم من بناها على الحمل والحامل فتجب إن قلنا للحمل وإلا فلا
كالمعتدة عن النكاح الفاسد أو الشبهة أو المفسوخ نكاحها لعيبها ، ومنهم من قال إن
نفقة الحامل إنما تجب لكونها كالحاضنة ومئونة الحاضنة على الأب ، فلا يفرق الحال
بين المطلقة والمفسوخ نكاحها فتجب النفقة عليها على التقديرين. فهذه نيف وثلاثون
فرعا.
( ومنه ) إذا
نذر عبادة كصلاة مثلا وأطلقها فهل تصير كالصلاة الواجبة فتنزل على أقل واجب أو
تنزل على أقل ما يصح من الصلاة شرعا؟ الأقرب الأول.
ويتفرع جواز
صلاتها على الراحلة ، وصلاتها قاعدا ، ووجوب السورة
__________________
وتعلق الاحتياط بها وسجود السهو فيها ، وجواز الائتمام بها وفيها ، وجواز
ركعة ووجوب التشهد بين كل ركعتين لو نذر أربع ركعات بتسليمة ، وكما لو نذر ركعتين
فصلى أربعا إما بتشهد واحد أو اثنين ، فإن قلنا كالجائز شرعا صح وإلا فلا ، كما لو
صلى الصبح أربعا.
ولو نذر الخطبة
في الاستسقاء فإن نزلناه على الواجب من جنسه وجب الصيام وإن نزلناه على الجائز
شرعا في الخطبة المطلقة لم يجب ، ووجوب تبييت النية مبني على ذلك ، فإن جعلناه
كأقل مجزئ شرعا فهو كالصوم المنذور يجزي فيه عدم التبييت.
ولو نذر
المغصوب حجا وقلنا بجواز نيابة المميز في حج التطوع وهو الظاهر فإن نزلناه على
الواجب من جنسه لم يجز استنابته وإن قلنا ينزل على الجائز من جنسه أجزأ.
ولو نذر عتق
رقبة فهل تجزي الكافرة إن قلنا بجواز عتق الكافر ابتداء ، يبنى على التنزيل على
العتق الواجب أو على العتق الجائز.
ولو نذر أن
يهدي بعيرا أو شاة فهل ينزل على الهدي الواجب فيشترط فيه شروطه أم على الهدي
الجائز شرعا.
ولو نذر كسوة
فقير أو يتيم فإن نزلناه على الكسوة الواجبة لم يجز غير المسلم ولا أجزأ الذمي.
وقد ذكر
الأصحاب جواز الأكل بل استحبابه في الأضحية المنذورة ، وفيه إشارة إلى تنزيله
منزلة الأضحية المستحبة لا الهدي الواجب.
ولو نذر إتيان
المسجد الحرام فإن نزلنا النذر على واجب الشرع لزمه إتيانه بنسك وإن نزلناه على
الجائز شرعا وكان لمن يجوز له دخول مكة بغير إحرام لم يجب.
( ومنه ) أن
قاطع الطريق إذا قتل فإنه يقتل ، ففي هذا القتل معنى القصاص لأنه قتل في مقابلة
قتل ، وفيه معنى الحد لأنه لا يصح العفو عنه ، بل لو عفى الولي قتل حدا سواء قلنا
بالترتيب أو بالتخيير ، فهل يغلب حق الله أو جانب الآدمي؟ فيه وجهان. وتظهر
الفائدة في مواضع :
( منها ) إذا
قتل من لا يقاد به كالأب ولده والحر العبد والمسلم الكافر إن غلبنا حق الله تعالى
قتل به وإن غلبنا حق الآدمي قتل لا به.
ولو قتل جماعة
فإن غلبنا معنى القصاص قتل بواحد منهم وللباقين الدية في وجه ذكره الأصحاب وهو
الأولى إن ترتبوا وواحد بالقرعة إن لم يترتبوا ، وإن غلبنا حق الله تعالى قتل بهم
ولا دية. ولو مات قبل القود فإن غلبنا حق الله تعالى فلا شيء لورثة المقتول ولا
أخذت من تركته على القول به في غير المحاربة.
ولو عفى الولي
على مال فإن غلبنا حق الآدمي فلا قصاص وتجب الدية ويقتل حدا كمرتد استوجب القصاص
فيعفى عنه ، وإن غلبنا حق الله تعالى لغي العفو.
ولو قتل
المحارب أجنبي كمن تولى المقتول بغير إذن الإمام فإن غلبنا القصاص فعليه الدية
لوارثه ، والأقرب عدم الاقتصاص منه لأنه قتله متحتم ، ويحتمل القصاص لأنه معصوم
بالنسبة إليه ، وإن غلبنا حق الله عزوجل عزر فقط.
ولو كان مستحق
القصاص صبيا أو مجنونا فينبغي أن يخرج عفو الولي على هذا الاختلاف ، فإن غلبنا حق
الآدمي لم يقبض حتى يبلغ أو يفيق إن أوجبنا التربص في مثله لئلا يفوت عليه المال
لو أراده ، وإن غلبنا حق الله تعالى فعفوه لاغ فيقتل في الحال.
ولو مات قبل
الظفر فإن غلبنا حق الآدمي لم يسقط القصاص ويسقط التحتم وإن غلبنا حق الله تعالى
سقط.
( ومنه )
اليمين المردودة على المدعي والواجبة بالنكول عليه هل هي كإقرار المدعى عليه أو
كالبينة؟ يحتمل الأول ، لأن المدعى عليه بنكوله يوصل إلى إثبات حق المدعي فأشبه
إقراره ، ووجه الثاني أنها حجة صادرة من المدعي مع جحد المدعى عليه.
قاعدة
:
العمل بالأصلين
المتنافيين واقع في كثير من المسائل ، وأصله الأخذ بالاحتياط غالبا.
وما روي عن النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم
في قضية عبد بن زمعة هو
لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش واحتجبي منه
يا سودة . قيل : قال فيه ذلك لما رأى فيه شبها بعتبة بن أبي وقاص
فاتبعه للفراش بأخي سودة أم المؤمنين وأمرها بالاحتجاب منه للشك الطارئ على الفراش
، ولما روي عنهم عليهمالسلام
في الذي وطئ أمته ووطئها
أجنبي فجورا وحصلت أمارة على كون الولد ليس منه فإنه لا ينفيه ولا يورثه
ميراث الأولاد.
( ومنها )
المتحيرة إذا قلنا بالاحتياط فهي يعرض بالنسبة إلى وجوب العبادة ظاهرا وبالنسبة
إلى وجوب القضاء وتحريم الوطء وغيرهما حائضا.
( ومنها ) حيض
الحامل مع عدم انقضاء العدة به من صاحب الحمل ومن غيره الأقرب الانقضاء. واشتباه
موت الصيد بالجرح أو الماء القليل في أحد
__________________
الوجهين ، ونفي إحصان من اعترف بالولد من زوجته ونفي وطئها فإنه يلحق به
الولد ولا يثبت إحصانه إلا أن يتصور علوقها من مائه بغير وطء مثلا.
ولو ادعى
المطلق انقضاء عدتها وأنكرت حلفت ووجب عليه الإنفاق وله التزويج بالأخت أو الخامسة
في وجه.
واللقيط في دار
الإسلام لو أقر بالرقية أعملنا فيه الأصلين المتنافيين على ما اختاره بعض الأصحاب.
قاعدة
:
التعليل
بانتفاء المقتضي ووجود المانع مختلف فيه ، ويرجح الأول اعتضاده بالأصل ، والثاني
كونه على خلاف الأصل. وله فروع :
( منها ) أن
الحكم ببطلان البيع الصادر من المميز وشبهه كالإجارة هل هو لانتفاء المقتضي وهي
الأهلية المقتضية لصحة التصرف ـ وهي التكليف ـ أو لوجود المانع وهو انفراده عن
الولي. وتظهر الفائدة لو أذن له الولي ، فعلى الأول البطلان بحاله وعلى الثاني
يصح.
قاعدة
:
في الاحتياط وشرعه
لاختلاف المصالح ودفع المفاسد. وقد ظهر أثره في الشاك في فعل من أفعال الصلاة وهو
في محله ، فإنه يأتي به.
والشاك في
العدد يبطل في الثنائية والثلاثية ، وهو احتياط ، إذ الأصل عدم فعل المشكوك فيه ، وفي
الرباعية يبني على الأكثر ، وهو ضد الاحتياط لكنه يجبر بالتدارك.
والشاك في عين
الفائتة يصلي خمسا احتياطا ، وآخر يوم من شعبان يصام احتياطا ، والصلاة على جميع
القتلى ودفنهم احتياطا عند اشتباه المسلمين بالكفار ، وترك التزويج بالمشتبهة
بالمحرمة في عدم محصور.
وأصل هذا
أحاديث خاصة في بعضها وعموم قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك .
أما إعادة
الصلاة لو شك بعد الانتقال في ركن أو فعل أو إعادة الصوم لو شك في نيته أو غسل
والزكاة لو شك في استحقاق القابض وإعادة الحج لو شك في تمام أركانه بل إعادة جميع
العبادات عند زيادة الفقه بعد فعلها ، فلم نظفر فيه بنص على خصوصه ولا بلغنا فيه
نقلا عن السلف. وإن كان متأخرو الأصحاب أولو الورع يصنعونه كثيرا.
ويمكن ترجيحه
بقوله تعالى « وَجاهِدُوا
فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ » وقوله تعالى « وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ » وقوله « صلىاللهعليهوآله » دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وقوله « صلىاللهعليهوآله » من اتقى الشبهات استبرأ لدينه
وقول الصادق عليهالسلام أرى لك أن تنتظر الحزم وتأخذ الحائطة لدينك
وغير ذلك.
ويطرد ذلك لو
شك في الحدث بعد تيقن الطهارة ، أو في دخول الوقت قبل الطهارة ، أو في اشتغال ذمته
بصلاة واجبة لينوي واجب الطهارة ، أو في كون
__________________
الخارج منيا ، أو في تعيين المني من صاحبي الثوب المشترك. فطريق الاحتياط
لا يحصل بمجرد الفعل في مسائل الأحداث أو الشك في الطهارات ، بل ينبغي اتحاد السبب
اليقيني ثمَّ الفعل ، لأن الفعل مع النية المشكوك فيها كلا فعل عند بعض الأصحاب.
ويتوغل في ذلك
إلى استحباب طلاق الزوجة مع الشك في وقوعه ، وإلى إثباتها بطلقة جديدة
لو شك.
ومن شك بما ذا
أحرم يتمتع احتياطا ، ومن شك في تملك شيء توصل إلى اليقين ـ إلى غير ذلك مما لا
ضابط له.
وقد اعتبره بعض
العامة ما لم يؤد إلى كثرة الشك ، فإنه مغتفر.
أما ستارة
الخنثى كالمرأة وجمعه بين إحرامي الرجل والمرأة فالأقرب وجوبه لتساوي الاحتمالين.
ومن هذا الباب
الجمع بين المذاهب مهما أمكن في صحة العبادة والمعاملة.
قاعدة
:
الأصل يقتضي
قصر الحكم على مدلول اللفظ وإنه لا يسري إلى غير مدلوله إلا في مواضع :
( منها ) العتق
في الأشقاص لا في الأشخاص إلا على مذهب الشيخ من السراية إلى الحمل
، والعفو عن بعض الشقص في الشفعة على احتمال ، وعن بعض القصاص في النفس على وجه ، والسراية
الصوم في أول النهار.
__________________
ويحتمل سراية
ثواب الوضوء إلى المضمضة والاستنشاق إذا نوى عند غسل الوجه لأنه يعد وضوء واحدا.
ويمكن الفرق بين الوضوء وبين الصوم أن بعض الصوم مرتبط ببعض
بخلاف الوضوء فإنه لا يرتبط بالمقدمات.
ومن السراية
تسمية الأكل في الأثناء إذا قال « على أوله وآخره » بعد نسيان التسمية ، وسراية
الظهر إلى تحريم غيره. وهذا من الغريب أن الشقص يسري إلى الأكل من غير عكس ، كما
لو قال « أنت كأمي » ، ومثله الإيلاء يختص بالجماع قبلا ويسري على احتمال.
قاعدة
:
الأحكام
التابعة لمسميات الأصل أن يناط بحصول تمام المسمى ، كالحمل فإنه علق على وضعه العدة
فيشترط خروجه بتمامه ، والإرث المعلق على وضعه حيا ، وكذلك الوصية فيشترط خروجه
بأجمعه حيا فلا يكفي بعضه وكذلك دية الجنين.
أما الغرة أو المقدر
المشهور أو الدية إلا أن يعلم عدم قبوله الحياة بعد ذلك فهو كالخارج ، ولو ماتت
الأم بعد خروج بعضه وجبت ديته لعلمنا بوجوده.
أما إلحاق
الولد بالنكاح فالتمام الستة الأشهر فلا يلحق الولد التام الحي الذي
يمكن أن يعيش بدونها ، أما الولد الناقص فيلحق بالواطئ في الزمان
__________________
الممكن. وتظهر الفائدة في أخذ ديته لو جنى عليه.
وفي وجوب مئونة
تجهيزه وإن نقص عن ستة أشهر فحينئذ إطلاق أن الولد لا يلحق بأبيه إذا نقص عن الستة
مقيد بالتمام.
ومما علق
بالتمام إجزاء الحج إذا مات المحرم بعد دخول الحرم فيشترط دخول جميعه والطواف خارج
البيت خروجه بجميع بدنه.
قاعدة
:
طريان الرافع
للشيء هل هو مبطل له أو بيان لنهايته؟ وهي مأخوذة من النسخ هل هو رافع أو بيان؟
ويتفرع على ذلك
مسائل ، كالرد بالعيب والغبن وفسخ الخيار ورد المسلم إليه العين بالعيب.
وقد يعبر عنها
بأن الزائل [ العائد ] هل هو كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد؟ فإن القائل بأنها
كالذي لم يزل يجعل العود بيانا لاستمرار الحكم الأول ، والقائل بأنها كالذي لم يعد
يقول : رفع الحكم الأول بالزوال فلا يرجع حكمه بالعود.
ومنه ـ لو
انعقد دم الاستحاضة بعد الطهارة ولما تعلم أهو للبرء أم لا؟ فإنها تعيد الطهارة ، فلو
تركت ودام الانقطاع قضت ما صلت بالطهارة التي يعقبها الانقطاع.
وإن عاد الدم
ففي القضاء وجهان مبنيان على أن هذا العائد يكشف على أن الدم
لم يزل فهذا بمثابة الواقع ، أو أنه كالذي لم يعد فيجب القضاء.
__________________
وهذا يتم إذا
دخلت في الصلاة ذاهلة عن وجوب الطهارة بها مع علمها بأنها مكلفة بإعادة الطهارة ، فإنها
تعتقد فساد صلاتها فلا تكون صحيحة.
ولو تعجل
الفقير الزكاة ثمَّ ارتد في أثناء الحول أو فسق وقلنا إنها زكاة معجلة وعاد إلى
الإسلام ، فإن قلنا إن الزائل العائد كأنه لم يزل أجزأت ، وإن قلنا كالذي لم يعد
لم تجز. والأول أقرب.
ومنه ـ لو عاد
الملك بعد زواله إلى يد المفلس ، فهل لغريمه الرجوع. وكذا لو عاد الملك إلى
الموهوب بعد زواله وقلنا إن التصرف غير مانع.
ومنه ـ لو زال
ملك المرأة عن المهر ثمَّ عاد وطلقها قبل الدخول.
ولو أصدقها
عصيرا ثمَّ تخمر في يدها ثمَّ عاد خلا فهل يرجع الزوج المطلق بنصفه لكون عينه
باقية وإنما تغيرت صفتها أو لا يرجع بشيء لأن حق الرجوع إنما يثبت إذا كان
المقبوض مالا والمالية حدثت في يدها والأقرب الرجوع.
ومنه ـ لو دبر
عبدا ثمَّ ارتد ثمَّ عاد إلى الإسلام فهل يعود التدبير.
ولو جار في القسمة
وطلقها ثمَّ تزوجها فهل يجب عليه القضاء أو فسق الحاكم أو جن أو أغمي عليه ثمَّ
زالت الأسباب ، فهل تعود ولاية القاضي ، أو جرحه مسلم ثمَّ ارتد
المجروح ثمَّ عاد بعد حدوث سراية في زمان الردة أو قبله.
قاعدة
:
في جريان
الأحكام قبل العلم ، احتمالان لعلهما مأخوذان من قاعدة جواز الفسخ قبل الفعل.
وفروعه كثيرة ، كرجوع الموكل قبل علم الوكيل ، وعزل
__________________
القاضي ولم يعلم ، ورجوع السيد عن إذن الإحرام لعبده ولم يعلم حتى أحرم ، ورجوع
واهبة الليلة ولم يعلم الزوج ، وصلاة الأمة مكشوفة الرأس ولم تعلم بعتقها ( قبل؟ )
أو أباح زاده فأكل بعد رجوعه ولم يعلم ، أو رجع المعير فانتفع بها
المستعير جاهلا.
والأصح أنه لا
أثر لهذا كله ، بل تمضي الأحكام قبل العلم ، لامتناع التكليف بالمحال.
قاعدة
:
الإنشاء هو
القول الذي يوجد به مدلوله في نفس الأمر.
فقولنا « يوجد
به مدلوله » احتراز عن الخبر ، فإنه تقرير لا إيجاد.
وقولنا « يوجد
» المراد به الصلاحية للإيجاد ، فلو صدر الإنشاء عن سفيه أو ناقص الأهلية لم يخرج
عن كونه إنشاء لصلاحية اللفظ لذلك ، وإنما امتنع تأثيره لأمر خارجي.
وقولنا « في
نفس الأمر » ليخرج به العقد المكرر فإنه قول صالح لإيجاد مدلوله ظاهرا ولا يسمى
إنشاء لعدم الإيجاد في نفس الأمر.
( ومن قال
بالكلام النفسي قال : إن إنشاء السببية والشرطية والمانعية بل الأحكام الخمسة قائم
بذاته ، ثمَّ يقال لما أنزل الكتاب دالا على ما قام بذاته زيد من الحد أو متعلقه ،
لأن كلام النفس لا دلالة فيه ولا مدلول وإضافة متعلق ومعلق. ولكن الظاهر أن النيات
إنشاء ، وهي من أفعال القلوب. وقد قال كثير منا بوقوع النذر والعهد بالنية ، فالأولى
أن يقال : الإنشاء هو قول أو عقد يوجد به مدلوله؟
__________________
ولا حاجة إلى نفس الأمر ، لأن الصيغة الثابتة لا تسمى إنشاء إلا مجاز
مستعارا . والفرق بينه وبين الخبر من أربعة أوجه :
الأول ـ أن
الإنشاء سبب لمدلوله والخبر ليس سببا.
الثاني ـ الإنشاء
يتبعه مدلوله والخبر يتبع مدلوله ، والمراد بتبعية الخبر لمدلوله أنه تابع لتقريره
في زمانه ماضيا كان أو حاضرا أو مستقبلا ، لا أنه تابع لمخبره في وجوده.
وإلا لم يصدق إلا في الماضي ، فإن الحاضر مقارن ، فهو مساو في الوجود والمستقبل
وجوده بعد الخبر فكان متبوعا لا تابعا.
الثالث ـ قبول
الخبر للتصديق ومقابله [ التكذيب ] ، بخلاف الإنشاء.
الرابع ـ أن
الخبر يكفي فيه الوضع الأصلي والإنشاء قد يكون منقولا عن أصل الوضع في صيغ العقود
والإيقاعات وقد يقع إنشاء بالوضع الأصلي كالأمر والنهي فإنهما ينشئان الطلب بالوضع
الأول.
فائدة
:
الإنشاء أقسام القسم
والأمر والنهي والترجي والتمني والعرض والنداء.
قيل : وهذه
متفق على كونها إنشاء في الإسلام والجاهلية ، وأما صيغ العقود فالصحيح أنها إنشاء.
وقال بعض العامة : بل هي إخبار عن الوضع اللغوي والشرع قدم مدلولاتها قبل النطق
بها ، بأن لضرورة صدق المتكلم بها والإضمار أولى من النقل. وهو تكلف.
__________________
قاعدة
:
الإقرار في
موضع يصلح للإنشاء هل يكون إنشاء؟ النص عن أهل البيت عليهمالسلام
في المطلق على غير السنة
يؤتى بشاهدين ثمَّ يقال له : هل طلقت فلانة؟ فإذا قال : نعم ، تعتد حينئذ.
وفي خبر
السكوني عن الصادق عليهالسلام في الرجل يقال له : هل طلقت امرأتك؟ فيقول : نعم. قد طلقها حينئذ.
وهذا فيه
احتمال أن يقصد به الإنشاء ، وكثير من الأصحاب جرى على الأول وآخرون قيدوه بقصد
الإنشاء ، وآخرون على الإقرار ، لأن الإقرار والإنشاء يتنافيان ، إذ
الإقرار إخبار عن ماض والإنشاء إحداث ، ولأن الإقرار يحتمل الصدق والكذب بخلاف
الإنشاء.
وقد قطع بعض
الأصحاب بأنهما لو اختلفا في الرجعة وهما في العدة فادعى الزوج قدم قوله ولا
يجعل إقراره إنشاء.
ويقرب منه « زوجت
بنتك من فلان » فقال : نعم فقبل الزوج فحمله كثير من الأصحاب على قصد الإنشاء. وهو
محتمل ، لأن يراد تجعله إنشاء. والسر فيه أن الإنشاء المراد به إحداث حل أو حرمة
تابع لإرادة المنشئ ذلك ، والمخبر عن الوقوع في قوة الماضي بمضمون المخبر ، والعمدة في
العقود هو الرضى الباطن والإنشاء وسيلة إلى معرفته ، فإذا حصل بالخبر أمكن جعله
إنشاء.
__________________
وفي مسألة
الطلاق نكتتان آخرتان : إحداهما عدم استعمال الصيغة المخصوصة والثانية أن المطلق
قد يفرض فيه عدم إرادة الطلاق لو علم فساد الأول ، أما المخبر بوجود ما يعلم عدمه يحمل كلامه
على الإنشاء صونا له عن الكذب. وحينئذ يتجه أن يقال : كل إقرار لم يسبق مضمونه
يجعل إنشاء و ، كذا كل إقرار سبق مضمونة للعالم بفساده ، وكل إقرار سبق من معتقد
صحته لا يكون إنشاء.
وعلى هذا يمكن
حمل مسألة المطلق على غير السنة ، إلا أن في هذا إطراحا للصيغ الشرعية بالكلية.
نعم يمكن نفوذ هذه القاعدة في العقود الجائزة ، إذ لا صيغ لها مخصوصة.
قاعدة
:
الشرط إذا دخل
على السبب منع تنجيز حكمه لا سببيته ، كتعليق الظهار على دخول الدار ، فإنه لو لا التعليق وقع الظهار
في الحال.
[ و ] عند
الحنفية ويظهر من كلام الشيخ منع سببية السبب ، لأنه داخل على ذات السبب. قلنا : بل
دخل على حكم السبب وهو التنجيز فأخره ، وتظهر الفائدة في مسائل :
( منها ) أن
البيع بشرط الخيار ينعقد سببا لنقل الملك في الحال وإنما أثر الشرط في تأخير حكم
السبب وهو اللزوم.
( ومنها ) أن
الخيار يورث ، لأن الملك انتقل إلى الوارث ، والثابت له
__________________
بالخيار حق الفسق والإمضاء وهما راجعان إلى نفس العقد.
( ومنها )
بطلان تعليق الطلاق والظهار على النكاح وتعليق العتق على الملك ، لأن الصيغة
المعلقة سبب لوقوع الطلاق عندهم والظهار عندنا ، ولا بد من كون المحل صالحا لاتصال
الصيغة به حتى يمكن تأخيره وقبل النكاح ليس صالحا.
قاعدة
:
المانع ثلاثة
أقسام :
أحدها ـ ما
يكون مانعا ابتداء واستدامة كالمعصية في السفر وكالردة يمنع صحة النكاح ابتداء
وتبطله استدامة إما في الحال كقبل الدخول أو كون الرجوع عن فطرة أو
بعد انقضاء العدة في غيرهما. والرضاع كذلك وفي الزنا ووطء الشبهة خلاف. ومنه أن
الملك يمنع من العقد ، ولو طرأ بعد النكاح أبطله. وفي منع الكر من النجاسة استدامة
كالابتداء قولان يعبر عنهما بإتمام النجس كرا ، ونية القينة في العين والجنون في
الرجل ابتداء يمنع لزوم العقد ، وكذا يمنع استدامة النكاح.
الثاني ـ ما
يكون مانعا ابتداء لا استدامة ، كالإحرام يمنع من ابتداء النكاح وطريانه لا يبطله
، والإسلام يمنع من ابتداء السبي ولا يمنع استدامته ، والتمكن واستعمال الماء مانع
من ابتداء الصلاة ولا يبطل استدامتها في الأصح ، والدين لا يصح ابتداء الرهن فيه
ويصح الاستدامة ، كما لو أتلف متلف الرهن فعوضه رهن وقد صار دينا لأنه ثبت في ذمة
المتلف.
__________________
ولو سبي الذمي
لم يحكم بالإسلام المسبي ، ولو طرأ تملك ما سباه المسلم لم يخرج عن حكم الإسلام
وكذا ما عدا العنة والجنة من العيوب.
وعصف الريح
يوجب الضمان لو كان ابتداء لا استدامة ، والإسلام يمنع ملك الذمي إياه ولو طرأ
الإسلام لم يزل ملك الذمي ، والارتداد يمنع من ابتداء الإحرام وفي منعه استدامة
وجه ضعيف ، فلو أسلم بعد الردة نفي على الأقوى كالمعصية في السفر. والمأخذ أن المؤمن لا
يكفر ، وقد بين فساده في الكلام ، ولو سلم لم يكن مما نحن فيه ، لأن
ذلك يكشف عن سبق الكفر.
والإحرام يمنع
التوكيل في [ النكاح ، ولو كان له وكيل لم ينعزل إلا أنه لا يباشر إلا بعد تحلل
الموكل. ولا فرق بين الحاكم وغيره في أن إحرامه يمنع من ] عقد النكاح ، وهل
يمنع إحرامه [ نوابه ] المحلين من عقد النكاح؟ نظر. والإمام الأعظم أقوى في
عدم المنع ، لأدائه إلى تعطيل حكام الأرض من التصرف.
والعدد في
الجمعة شرط في الابتداء لا الدوام.
ولو جنى
المرهون على سيده الراهن خطأ لم يثبت له الفك ، ولو جنى على مورث السيد فالأقرب أن
له الفك ، لأن الفك وقع أولا للمورث.
الثالث ـ ما
يكون مانعا استدامة لا ابتداء ، كابتداء الرهن ، فإن أمانته ترفع ضمان
الغاصب على احتمال ، مع أنه لو تعدى في الاستدامة ضمن.
__________________
فائدة
:
من فروع المجاز
أن المشرف على الزوال هل له حكم الزائل أو حكم نفسه؟ ويترتب عليه دخول المكاتب في
عتق عبده إذا كان مطلقا أو مشروطا ، ولو أدى المطلق اتجه الكلام
في الباقي .
وكذا إقامة
الحد عليه هل هي للسيد أو الحاكم ، وجواز وطء المشتري الجارية بعد التنازع في الثمن قبل
التحالف ، وتغريم الغاصب المثل إذا بل الحنطة وتمكن فيها العفن بحيث لا يرجى
عودها ، وكذا لو جعل منها هريسة أو غصب تمرا ودقيقا وسمنا واتخذ منه عصيدة ، فإن
مصيرة الهلاك لمن لا يريده.
وبيع العبد
الجاني بما يوجب القصاص في النفس ، وبيع المرتد وخصوصا عن فطرة ، ورهن ما يسارع
إليه الفساد قبل الأجل ولم يشترط بيعه ورهن ثمنه. والحجر لظهور أمارة الفلس كأن
يكون الديون مساوية لماله إلا أن كسبه لا يفي لمئونته ، فإنه مشرف على قصور ماله
عن ديونه. وينعكس فيما لو كان أمواله أقل إلا أن كسبه يزيد على مئونته فهو مشرف
على الغنى.
فائدة
:
من المبني على
أن ما لا يتم الواجب إلا به واجب : وجوب غسل الثوب كله عند اشتباه النجاسة في
أجزائه ، وغسل الثياب المحصورة عند اشتباه النجس منها ، ووجوب إعادة ثلاث صلوات أو
خمس عند اشتباه الفائتة ،
__________________
ووجوب أجرة الكيال والوزان على البائع في المبيع وعلى المشتري في الثمن ، ووجوب
الإكاف والحزام والزمام والقتب على المؤجر.
فائدة
:
روى ابن عباس
رضياللهعنهما عن
النبي صلىاللهعليهوآله
أنه قال إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه . رواه ابن ماجه والدار قطني بإسناد حسن وصححه الحاكم في
المستدرك ، ورويناه نحن عن أهل البيت عليهمالسلام
.
وفي حكم الخطأ
الجهل ، ولا بد فيه من تقدير ، ويعبر عنه بالمقتضي إما حكم أو إثم أو لازم أو
الجميع على خلاف الأصوليين.
وعن النبي
صلىاللهعليهوآله لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها
. رواه مسلم. وفيه دلالة على إضمار جميع التصرفات المتعلقة بالشحوم في
التحريم وإلا لما توجه الذم على البيع.
وقد وقع في
الأحكام ارتفاع الحكم ، كمن نسي صلاة الجمعة ، أو تكلم في الصلاة ناسيا ، أو فعل
المفطر في الصوم المتعين ناسيا ، أو أخطأ فصلى بغير طهارة صحيحة ، أو ظن طهارة
الماء فتطهر ، أو أكره على أخذ مال الغير. وورد فيها ارتفاع الإثم ، كمن نسي صلاة
الظهر ، أو ظن جهة القبلة فأخطأ فإنه لا يرتفع
__________________
الحكم ، إذ يجب القضاء وإنما يرتفع المؤاخذة به والإثم عليه.
ووجوب التدارك
هنا من أمر جديد كقوله صلىاللهعليهوآله من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها
.
وقد يقع
النسيان والخطأ في المنهيات عنها لذواتها ، وهو ثلاثة أقسام :
فالأول ـ ما لا
يتعلق بالغير ، كمن نسي فأكل طعاما نجسا أو جهل كون هذا خمرا فشربه. وهذا أيضا
يرتفع فيه الحكم والإثم ، لأن الحد مثلا للزجر وذلك إنما يكون مع الذكر.
الثاني ـ ما
يتعلق بالغير ، كمن أكل ما أودعه ناسيا أو مخطئا ، فالمرفوع هنا الإثم والمؤاخذة بالتعزير وإن
كان عليه الضمان.
الثالث ـ ما
يتعلق بحق الله وحق العباد كالقتل خطأ أو نسيانا أو الإفطار في الصوم المتعين.
وهذا كالثاني فتجب الكفارة والدية.
وربما جعل هذا
من باب خطاب الوضع ، كوجوب القيمة على النائم المتلف والصبي المجنون وإن لم يتصور
فيهم تكليف. ومثله الوطء بالشبهة ويمين الناسي.
وفي حنث الجاهل
نظر ، كما لو حلف على ترك شيء في وقت معين ففعله جاهلا به ، والأقرب العدم
للحديث.
ولو علق الظهار
على فعل ففعله جاهلا فالإشكال أقوى في وقوع الظهار.
واتفق الأصحاب
على أن الجاهل والناسي لا يعذران في قتل الصيد في الإحرام ولا في ترك شرط أو فعل
من أفعال العبادة المأمور بها ، إلا ما ذكروه من الجهر والإخفات والقصر والتمام ، وبعضهم
جعل ما هو من قبيل الإتلاف في
__________________
محرمات الإحرام لاحقا بالصيد ، كحلق الشعر وقلم الظفر وقلع الحشيش والشجر
في الحرم ، وقالوا يعذر المخطئ في دفع الزكاة إلى من ظهر غناه أو فسقه إذا اجتهد ،
وفي بقاء الليل مع المراعاة فيظهر خلافه ، وفي دخول الليل فيكذب ظنه.
ومن ذلك الصلاة
خلف من يظنه أهلا فبان غير ذلك. ويشكل في الجمعة ، لأن من شرط صحتها الإمام فينبغي
البطلان لو ظهر عدم الأهلية. وكذا في العبد مع الوجوب.
ولو أخطأ جميع
الحاج فوقفوا العاشر فالأقرب الإجزاء للمشقة العامة وكثرة وقوعه بخلاف الثامن
لندور شهادة الزور مرتين في شهرين ، بخلاف ما إذا أخطأ شر ذمة قليلة فوقفوا العاشر
، فإن التفريط منهم حيث لم يبحثوا.
قاعدة
:
الإكراه يسقط
أثر التصرف إلا في مواضع :
الأول ـ إسلام
الحربي والمرتد عن ملة والمرأة مطلقا إلا الذمي.
الثاني ـ الإرضاع
ينشر الحرمة لارتباطه بصورة وصول اللبن إلى الجوف لا بالقصد.
الثالث ـ الإكراه
على القتل.
الرابع ـ الإكراه
على الحدث بالنسبة إلى الصلاة والطواف.
الخامس ـ طلاق
المظاهر والمولى ، ومع الاشتباه بين الزوجين حيث حكمنا بصحة الإكراه.
السادس ـ بيع
المال في الحقوق الواجبة ولا سبيل إلا به.
السابع ـ قبض
الزكاة والخمس فإنه معتبر مع الإكراه.
الثامن ـ اختيار
من أسلم على أكثر من النصاب لو أدى الأمر إلى إكراهه عليه.
التاسع ـ تولى
الحد والقصاص لو لم يباشر أحد إلا بالإكراه.
واختلف في
الإكراه على فعل المنافي في الصلاة عدا الحدث.
وفي تحقق
الإكراه على زنا الرجل ، والأظهر تحققه ، لأن الانتشار طبيعي والإكراه إنما هو على
الإيلاج وهو متصور.
قاعدة
:
لا تكليف على
الغافل ، لأنه في معنى النائم المرفوع عنه القلم ، ووجوب قضاء الصلاة على النائم
والغافل والساهي بأمر جديد ، ولبعد وقوع ذلك هنا والأمر بالتحفظ من ذلك مع القدرة
عليه غالبا.
وعليه يتخرج
عدم وجوب سجود العزيمة على السامع مع دلالة صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق
صلوات الله عليه ، وكذا باقي أسباب العقوبات إذا صدرت حال الغفلة إلا ما كان قبيل
الإتلاف ( لمال الغير ) أو البضع أو صيد الإحرام أو الحرم فإنه لا خلاف في عدم
توجه الإثم وإن وجب الضمان.
قاعدة
:
الأمر والنهي
متعلقهما إما أن يكون معينا أو مطلقا ، والمعين إما أن تنجز أو لا.
والأول يشترط
في الأمر الاستيعاب ، كمن حلف على الصدقة بعشرة فلا يكفي البعض. وفي النهي يكفي
الانتهاء من البعض ، فلو حلف على أن لا يأكل رغيفا
__________________
أو علق الظهار به فلا بد من استيعابه في تحقق الحنث فلا يحنث بالبعض ، لأن
الماهية المركبة تعدم بعدم جزء منها.
وقال بعض
العامة : يحنث في النهي بمباشرة البعض ، فلو أكل بعض الرغيف المحلوف على تركه حنث
، لأنه إذا أكل منه شيئا فقد أخرجه عن مسمى الرغيف ، لأن الحقيقة المركبة تعدم
بعدم أجزائها.
قلنا : توجه
النهي إنما هو المجموع ، وأما ما لا يتجزأ فلا فرق بين الأمر والنهي ، كالقتل لو
حلف على فعله أو تركه. وأما المطلق ففي الأمر يخرج عن العهدة بجزئي من جزئياته ، وفي
النهي لا بد من الامتناع من جميع جزئياته ، فلو حلف على أكل رمان بر بواحدة ، ولو
حلف على تركه لم يبر إلا بترك الجميع ، لأن المطلق في جانب النهي كالنكرة المنفية
في العموم مثل « لا رجل عندنا ».
قاعدة
:
النهي في
العبادات مفسد وإن كان بوصف خارج ، كالطهارة بالماء المغصوب والصلاة في المكان
المغصوب. وفي غيرها يفسد إذا كان عن نفس الماهية لا لأمر خارج ، فالبيع المشتمل
على الربا فاسد لا يملك المساوي ولا الزائد ، والبيع وقت النداء صحيح ، لأن النهي
في الأول لنفس ماهية البيع وفي الثاني لوصف خارج. وفي ذبح الأضحية والهدي بالآلة
المغصوبة نظر.
فائدة
:
مما يشبه الأمر
الوارد بعد الحظر النظر إلى المخطوبة وهل هو مجرد الإباحة أم مستحب ، والإبراد في
شدة الحر كذلك ، ورجوع المأموم إذا سبق الإمام
بركن ظاهر الأصحاب وجوبه ، وكقتل الأسودين الحية والعقرب في الصلاة قد ورد
الأمر به مع أن الأفعال الكثيرة في الصلاة محرمة والقليلة مكروهة ، فهل هذا مع
القلة مستحب أم مباح؟
قاعدة
:
في العام
والخاص حكم ما يتصرف من جميع في العموم حكم جميع كأجمع وجمعاء وأجمعين وتوابعها
المشهورة كأكتع وأخواته ، و « سائر » شاملة إما لجميع ما بقي أو للجميع على الإطلاق على اختلاف
تفسيرها ، وكذا « معشر » و « معاشر » و « كافة » و « عامة » و « قاطبة » ومن
الشرطية والاستفهامية ، وفي الموصولة خلاف.
وقال بعضهم : ما
الزمانية للعموم وإن كانت حرفا مثل « إِلّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً » ، وكذا المصدرية إذا وصلت بفعل مستقبل مثل « يعجبني ما
يصنع ».
و « أي » في
شرط والاستفهام وإن اتصل بها ما مثل « أيما امرأة نكحت ».
ومتى وحيث وأين
وكيف وإذا الشرطية إذا اتصلت بواحد منها ما ومهما وأنى وأيان.
وإذ ما إذا
قلنا باسميتها كما قاله المبرد ، وعلى قول سيبويه بأنها حرف ليست من الباب.
قيل : وكم
الاستفهامية.
وحكم اسم الجمع
كالجمع كالناس والقوم والرهط ، والأسماء الموصولة كالذي والتي إذا كان تعريفها
للجنس وتثنيتهما وجمعهما وأسماء الإشارة المجموعة
__________________
مثل قوله تعالى : « أُولئِكَ
هُمُ الْفائِزُونَ » « ثُمَّ
أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ » وكذا مثل « لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلّا
أَحْصاها » و « فَلا تَدْعُ مَعَ
اللهِ إِلهاً آخَرَ » ، وكذا الواقع في سياق الشرط مثل « لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ » بعد قوله « إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ » .
وقال الجويني
في البرهان : أحد للعموم في قوله « إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ » وكذا قيل النكرة في سياق النفي الذي هو الإنكار مثل
قوله « هَلْ
تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا » « هَلْ
تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ » .
قيل : وإذا أكد
الكلام بالأبد أو الدوام أو الاستمرار أو السرمد أو دهر الداهرين أو عوض أو قط في
النفي أفاد العموم في الزمان ، وهو أن الإفادة لذلك.
قيل : وأسماء
القبائل بالنسبة إلى القبيلة ، مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج وغسان ، وإن كان
التسمية لأجل ماء معين.
__________________
فائدة
:
اشتهر أن العام لا يستلزم الخاص المعين
، يعنون به في الأمر
والخبر ، ومن ثمَّ قالوا إذا وكله في بيع شيء فلا إشعار في اللفظ بثمن معين ، وإنما
جاء التعيين من جهة العرف ، فإن العرف ثمن المثل لا الغبن ولا النقصان.
واعترض عليهم
بأن مطلق الفعل أعم من المرة والمرات ووجوده يستلزم المرة قطعا ، لأن المرة إن
وجدت فظاهر وإن وجدت المرات وجدت المرة بالضرورة. فالحاصل أن الحقيقة العامة تارة
تقع في رتب مترتبة بالأقل والأكثر والجزء والكل ، وتارة تقع في رتب متبانية ، فالقسم
الأول يستلزم فيه العام الخاص والقسم الثاني لا يستلزم كالحيوان. وحينئذ مسألة
الوكالة يستلزم الأمر بالبيع بأقل ثمن يمكن الذي هو مطلق الثمن ، وهو لازم للعمل
بمقتضى اللفظ ضرورة ، فاللفظ دال عليه بالالتزام.
فإن قيل : لا
نسلم أن هذا من قبيل العام بل من قبيل الكل والجزء ، ولا ريب أن وجود الكل أو
الجزء مستلزم لوجود الجزء ، فالأمر بالكل أمر بالجزء.
والجواب : أن
الأقل مع الأكثر لهما ماهية كلية مشتركة بينهما ، وذلك معنى العموم ، كقولنا « تصدقت
بمال » فإنه مشترك بين الأقل والأكثر ، فيكون أعم منهما أو يحمل على الأقل أو على
الأكثر كما يحمل الحيوان على الإنسان والفرس.
فائدة
:
قسم بعض الأصوليين ترك الاستفصال في
حكاية الحال إلى أقسام :
__________________
( الأول ) أن يعلم اطلاع النبي صلىاللهعليهوآله
على خصوصية الواقعة ، فلا ريب أن حكمه لا يقتضي العموم في كل الأحوال.
( الثاني ) أن يثبت بطريق ما ( كيفية ) استفهام كيفيتها ، وهي تنقسم إلى حالات يختلف بسببها الحكم ، فينزل
إطلاقه الجواب عنها منزلة اللفظ الذي يعم تلك الأحوال كلها.
( الثالث ) أن يسأل عن الواقعة باعتبار
دخولها الوجود لا باعتبار أنها وقعت ، فهذا أيضا يقتضي الاسترسال على
جميع الأقسام التي ينقسم عليها ، إذ لو كان الحكم خاصا ببعضها استفصل ، كما فعل النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم
لما سئل عن بيع الرطب
بالتمر : أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا : نعم. قال : فلا إذن.
( الرابع ) أن تكون الواقعة المسئول
عنها قد وقعت في الوجود والسؤال عنها
مطلق بالالتفات إلى العقد الوجودي لمنع القضاء على الأحوال كلها والالتفات إلى
إطلاق السؤال ، وإرسال الحكم من غير تفصيل يقتضي استواء الأحوال في غرض المجيب ، فمن
قال بالعموم لأجل ترك الاستفصال التفت إلى هذا الوجه ، وهو أقرب إلى مقصود الإرشاد
وإزالة الإشكال.
والفرق بين ترك
الاستفصال وقضايا الأحوال : أن الأول ما كان فيه لفظ وحكم
__________________
من النبي صلىاللهعليهوآله
بعد سؤال عن قضية يحتمل
وقوعها على وجوه متعددة ، فيرسل الحكم من غير استفصال عن كيفية القضية كيف وقعت ، فإن
جوابه يكون شاملا لتلك الوجوه ، إذ لو كان مختصا ببعضها والحكم يختلف لتنبه النبي «
صلىاللهعليهوآله » ، وأما قضايا الأعيان فهي الوقائع التي حكاها الصحابي
ليس فيها سوى مجرد فعله « صلىاللهعليهوآله » أو فعل الذي ترتب الحكم عليه ، ويحتمل ذلك الفعل
وقوعه على وجوه متعددة ، فلا عموم له في ، جميعها ، فيكفي حمله على صورة منها ، فمن
ترك الاستفصال وقائع من أسلم على أكثر من أربع وخيره النبي « صلىاللهعليهوآله » كغيلان بن سلمة وقيس بن الحارث وعروة بن مسعود الثقفي
ونوفل بن معاوية.
ومنه حديث
فاطمة بنت أبي خنيس أن النبي « صلىاللهعليهوآله » قال لها وقد ذكرت أنها مستحاضة : إن دم الحيض
أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فاغتسلي وصلي
.
ولم يستفصل هل
لها كان عادة قبل ذلك أم لا؟ وبه احتج من قدم من الأصحاب التمييز على العادة.
ومنه سؤال كثير
من الحجاج النبي صلىاللهعليهوآله عند الجمرة في التقديم والتأخير ، فيجيب « لا حرج » ولم يستفصل
بين العمد والجهل والسهو والعلم.
__________________
ومنه جوابه
بنعم للمرأة التي سألته عن الحج عن أمها بعد موتها ، فلا يستفصل
هل أوصت أم لا.
ومن القضايا
الأعيان ترديد ( النبي « صلىاللهعليهوآله » ) ماعز أربع مرات في أربع مجالس ، فيحتمل أن يكون قد وقع ذلك
اتفاقا وقع ذلك اتفاقا لا أنه يشرط فيكفي فيه حمله على أقل مراتبه.
وحديث أبي بكرة
لما ركع ومشى ـ إلى الصف حتى دخل فيه ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم زادك الله حرصا ولا تعد . إذ يحتمل كون
المشي غير كثير عادة كما يحتمل الكثرة ، فيحمل على ما لم يكثر ، فلا يبقي في
الحديث حجة على جواز المشي في الصلاة مطلقا.
( ومنها ) صلاة
النبي « صلىاللهعليهوآله » على النجاشي إن حملت على غير الدعاء فقيل يحتمل أن يكون رفع له
سريره حتى شاهده كما رفع له بيت المقدس حتى وصفه. ورد ببعد هذا الاحتمال ولو رفع
لأخبرهم به ، لأن فيه خرق العادة فيكون معجزا كما أخبرهم بقصر بيت
المقدس.
وحمله بعضهم
على أن النجاشي لم يصل عليه لأنه كان يكتم إيمانه ولم يصل
__________________
عليه [ قومه ] الصلاة الشرعية فمن ثمَّ قالوا : يصل على الغائب الذي صلى
عليه ولك أن تقول : لعل هذه خصوصية للنجاشي رحمهالله.
قاعدة
:
في المطلق
والمقيد ، الأجود حمل المطلق على المقيد ، لأن فيه إعمال الدليلين.
وليس منه في كل
أربعين شاة زكاة مع قوله في الغنم السائمة الزكاة حتى يحمل
الأول على السوم لأن الحمل هناك يوجب تخصيص العام فلا يكون جامعا بين الدليلين ، بل
هذا راجع إلى أن العام هل يخص بالمفهوم أم لا.
وكذا ليس منه لا
تعتقوا رقبة ولا تعتقوا رقبة كافرة قضية للعموم ، فهو تخصيص أيضا ولا دليل عليه.
بخلاف النكرة في سياق الأمر ، فإنها مطلقة لا عامة وكذا في النفي. فالحاصل أن حمل
المطلق على المقيد إنما هو في الكلي كرقبة لا في الكل كما مثلنا به.
فرع
:
لو قيد بقيدين متضادين فتساقطا وبقي المطلق على إطلاقه إلا أن يدل دليل على أحد القيدين كما ورد عن النبي
« صلىاللهعليهوآله » إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن
بالتراب. وبهذا عمل ابن الجنيد ، وروينا « ثلاثا » ، وروى العامة « آخرهن بالتراب
» ، وروينا ورووا « أولاهن بالتراب » ، فيبقى المطلق على إطلاقه ، لكن رواية « أولاهن
» أشهر فترجحت بهذا الاعتبار.
__________________
قاعدة
:
أفعال النبي « صلىاللهعليهوآله
» حجة كما أن أقواله حجة ، ولو تردد الفعل [ بين ] الجبلي
والشرعي فهل يحمل على الجبلي لأصالة عدم التشريع أو على الشرعي لأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم
بعث لبيان الشرعيات. وقد وقع
ذلك في مواضع :
( منها ) جلسة
الاستراحة ، وهي ثابتة من فعله « صلىاللهعليهوآله » ، وبعض العامة زعم أنه إنما فعلها بعد أن بدن حمل
اللحم فتوهم أنها للجبلة.
( ومنها )
دخوله من ثنية كداء وخروجه من ثنية كداء ، فهل ذلك لأنه صادف طريقه أو لأنه
سنة. وتظهر الفائدة في استحبابه لكل داخل.
( ومنها )
نزوله « صلىاللهعليهوآله » في ، المحصب لما نزل في الأخير وتعريسه لما بلغ ذا الحليفة وذهابه بطريق في
العيد ورجوعه في آخر ، والصحيح حمل ذلك كله على الشرعي.
__________________
قاعدة
:
ما فعل « صلىاللهعليهوآله
» ويمكن فيه مشاركة الإمام دون غيره فالظاهر أنه
على الإمام ، كما كان « صلىاللهعليهوآله » يقضي الديون عن الموتى لكونه أولى بالمؤمنين من
أنفسهم ، وهذا حاصل في الإمام ، والمروي عن أهل البيت
عليهمالسلام
أن على الإمام أن يقضي
عنه ، ولما أقر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
أهل خيبر على الذمة قال
أقركم ما أقركم الله ، فيجوز ذلك أيضا للإمام.
وقيل بالمنع ، لأن
المعنى الذي فعله النبي صلىاللهعليهوآله
لأجله هو انتظار الوحي ، وهو
لا يمكن في حق الإمام.
مسألة
:
كل فعل ظهر منه
قصد القربة ولم يعلم وجوبه اختلف فيه هل هو على الوجوب في حقنا أم على الندب ، خلاف
وذلك في مواضع :
( منها )
الموالاة في الوضوء والتيمم وفي الغسل وفي الطواف والسعي وخطبة الجمعة وصلاتها
وكذلك العيد. وعندنا يراعى ذلك حسب ما يأتي في الأحكام. ومنه القيام في الخطبة
والحمد والثناء والمبيت بمزدلفة ، وكل ذلك صح عندنا وجوبه.
مسألة
:
لو تعارض الفعل
والقول ـ كما نقل عنه صلىاللهعليهوآله
أنه أمر
__________________
بالقيام للجنازة وقام لها ثمَّ قعد ـ فالظاهر أن الثاني ناسخ للأول.
فائدة
:
تصرف النبي صلىاللهعليهوآله
: تارة بالتبليغ وهو
الفتوى ، وتارة بالإمامة كالجهاد والتصرف في بيت المال ، وتارة بالقضاء كفصل
الخصومة بين المتداعيين بالبينة أو اليمين والإقرار. وكل تصرف في العبادة فإنه من
باب التبليغ ، وقد يقع المتردد في بعض الموارد بين القضاء والتبليغ :
( فمنه ) قوله صلىاللهعليهوآله من أحيا أرضا ميتة فهي له ، فقيل تبليغ وإفتاء ، فيجوز الإحياء لكل أحد أذن
الإمام فيه أو لا ، وهو اختيار بعض الأصحاب وقيل تصرف بالإمامة فلا يجوز الإحياء
إلا بإذن ، وهو قول الأكثر.
( ومنه ) قوله
لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان حين قالت له صلىاللهعليهوآلهوسلم
إن أبا سفيان رجل شحيح لا
يعطيني وولدي ما يكفيني. فقال لها : خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف.
فقيل : إفتاء فيجوز المقاصة للمسلط بإذن الحاكم وبغير إذنه ، وقيل تصرف
بالقضاء فلا يجوز الأخذ إلا بقضاء قاض.
ولا ريب أن
حمله على الإفتاء أولى ، لأن تصرفه صلىاللهعليهوآله
بالتبليغ أغلب والحمل
على الغالب أولى من النادر.
__________________
فإن قيل : فلا يشترط
إذن الإمام في الإحياء حينئذ. قلنا : اشتراطه يعلم من دليل خارج لا من هذا الدليل.
( ومنه ) قوله
« صلىاللهعليهوآله » من قتل قتيلا فله سلبه
. فقيل فتوى فنعم ، وهو قول ابن الجنيد. وقيل تصرف بالإمامة ، فيتوقف على
إذن الإمام. وهو أقوى هنا ، لأن القضية في بعض الحروب ، فهي مختصة بها. ولأن الأصل
في الغنيمة أن تكون للغانم لقوله تعالى « وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ » الآية ، فخروج السلب منه ينافي ظاهرها. ولأنه كان يؤدي
إلى حرصهم على قتل ذي السلب دون غيره ، فيختل نظام المجاهدة. ولأنه ربما أفسد
الإخلاص المقصود من الجهاد.
ولا يعارض
بالاشتراط ، لأن ذلك إنما يكون لمصلحة غالبة على هذه العوارض.
قاعدة
:
الإجماع وهو حجة ، والمعتبر فيه قول المعصوم عندنا.
وإنما تظهر
الفائدة في إجماع الطائفة مع عدم تمييز المعصوم بعينه ، فعلى هذا لو قدر خلاف واحد
أو ألف معروفو النسب فلا عبرة بهم ، ولو كانوا غير معروفين قدح ذلك في الإجماع.
وعند العامة
خلاف في اعتبار النادر هل يلحق بجنسه أو بنفسه.
ويتفرع على ذلك
طول مجلس المتعاقدين بما يخرج به عن العادة ، فعندنا
__________________
يبقى الخيار إلحاقا له يجنسه. ولو أتت بالولد لستة أشهر التحق به وإن ندر
وكذا السنة في الأصح.
ومن الإجماع
المسمى بالسكوتي ، ولا أثر له عندنا ولا لما يترتب عليه من حضور المالك عقد
الفضولي وسكوته ، ومن سكوت البائع على وطء المشتري في مدة الخيار.
أما حلق [
المحل ] رأس المحرم فالسكوت فيه موجب لكفارة ، وكذا سكوت المحمول عن المجلس عن
الفسخ مع تمكنه من الكلام.
واعتبر الشيخ
السكوت فيمن قال لرجل « هذا ابني » وألحق به نسبه.
قاعدة
:
الشرع معلل بالمصالح ، فهي إما في محل الضرورة أو محل الحاجة أو محل التتمة أو
مستغنى عنها إما لقيام غيرها وإما لعدم ظهور اعتبارها.
فاشتراط عدالة
المفتي في محل الضرورة لصون الأحكام وحفظ دماء الناس وأموالهم وأبضاعهم وأعراضهم
وأبلغ منه الإمام.
وكذا شرط عدالة
القاضي وأمين الحاكم والوصي وناظر الوقف والساعي ، للضرر العظيم بالاعتماد على
الفاسق فيها.
وكذا في
الشهادة والرواية ، لأن الضرورة تدعو إلى حفظ الشرع وصونه عن الكذب.
وكل موضع تشترط
العدالة فهي معتبرة في نفس الأمر ، وفي الطلاق وجه
__________________
إنه يكتفى بالظاهر ، إذ يقع غالبا في العوام وأهل البوادي والقرى ، فاشتراط
العدالة في نفس الأمر ودوام العدالة شرط للقاضي والمفتي ، لأنا محتاجون إلى دوام
الاعتماد على قولهما ، وإنما يتم بالعدالة.
وأما ما هو في
محل الحاجة فكعدالة الأب والجد في الولاية على الولد والمؤذن ، لاعتماد أصحاب
الأعذار على قوله في الأوقات وإمام الجماعة أبلغ ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
الأئمة ضمناء .
وأما ما هو في
محل التتمة فكالولاية في عقد النكاح ، لأن طبع الولي يردعه عن الخيانة والتقصير في
حق المولى عليه ، إلا أنه لما كان بعض الفساق لا يبالي بذلك جعلت العدالة من
المكملات ، إذ ينعقد عندنا إنكاح الفاسق من الأولياء.
وفيه للشافعية
اثنا عشر وجها ، ومنه ولاية تجهيز المولى ، لأن فرط شفقة القريب تبعثه على
الاحتياط في ذلك ولكن مع العدالة يكون أبلغ ، فلذلك كانت العدالة هنا تستحب
اعتبارها.
وأما المستغنى
عنه لعدم ظهور اعتبار الحاجة إليه فكالإقرار ، لأن قضية الطبع حفظ النفس والمال عن
الإتلاف فلا يقر بما يضره.
ومن اعتبر
عدالة المقر في المرض فلأن المال قد صار في قوة ملك الغير فصار الإقرار كالشهادة
التي يعتبر فيها العدالة في محل الضرورة.
وأما المستغنى
عنه لقيام غيره مقامه التوكيل والإيداع إذا صدرا من المالك فإنه يجوز توكيل الفاسق
وإيداعه إذا وثق به ، إذ طبع المالك يردعه عن إتلاف
__________________
ما له فيكفي ظنه في جوازهما ، فلو كان المالك سفيها قاصر النظر لم يجز له
التصرف.
وإن كان المودع
غير المالك لضرورة اعتبر في الودعي العدالة ، لوجوب الاحتياط عليه في مال غيره
بالوادع الشرعي. وكذا التوكيل فيما يحتاج إلى الأمانة ، كإمساك
السلعة والتصرف فيها ، أما في مجرد العقد فلا.
قاعدة
:
يجوز الاعتماد
على القرائن في مواضع ، وهذه مأخوذة من إفادة الخبر المحتف بالقرائن العلم إما
بمجرد القرينة أو بها وبالإخبار.
ولكن معظم هذه
المواضع فيها ظن غالب لا غير ، كالقبول من المميز في الهدية وفتح الباب واللوث
وجواز أكل الضيف بتقديم الطعام من غير إذن والتصرف في الهدية من غير لفظ والشهادة
بالإعسار عند صبره على الجوع والعرى في الخلوة وشبهه.
قاعدة
:
عمد الصبي في الدماء خطأ مع نص الأصحاب على حل ذبيحته واصطياده ، مع أن ذينك مشروطان بالقصد فكيف
اعتبر القصد هنا ولم يعتبر في الدماء؟
وقد بنى الشيخ
مباشرته لمحظور الإحرام على أن عمده عمد أو خطأ ، وأجمعنا على أنه لو تعمد الكلام
في الصلاة والإفطار في الصوم لبطلا.
ويترتب على ذلك
تحريم المصاهرة بوطئه إما مع عقد أو شبهه أو إيقاب
__________________
ذكر ، والمجنون أبعد في اعتبار عمده.
واعتبر بعض
الأصحاب في الزنا محصن أو غير محصن.
قاعدة
:
كلما كان هناك دليل على وجوب جزئي معين
في الماهية الكلية اتبع ولو قلنا بأن المطلق لا يتناول الجزئي المعين ، لوجوب
إخراج الزكاة عند الحلول من الخمس ، وكالبيع بثمن المثل نقدا بنقد البلد.
ويقرب من هذه
القاعدة أن الإذن في الشيء إذن في لوازمه ، كالتوكيل في التصرفات التي لا يضبطها
اليد الواحدة ، فيوكل في الزائد عن الممكن له ، وكالإذن في أداء الدين فإن من
لوازمه إثباته.
قاعدة
:
النهي في غير العبادات قد يقتضي الفساد
، بأن يكون النهي عن
الشيء لعينه أو لوصفه اللازم. والأول كبيع الميتة والخمر ونكاح المحرمات ، والثاني
كبيع الملامسة والمنابذة والحصاة والربا ونكاح الشغار.
ومنه عدم جواز
ترخص العاصي بسفره ، كقاطع الطريق والآبق عن مولاه ، لأن تحريم السفر عليه لوصفه
الذي أنشأه لأجله ، ففي إباحة الترخص له بالقصر وشبهه من رخص السفر إعانة له على
عصيانه.
فإن قلت : ذبح
الغاصب الشاة منهي عنها ، لوصف لازم ، وهو كونها ملك الغير مع وقوع الزكاة عليها.
قلت : الوجه
اللازم هنا خارج عن الذبح ، إذ الذبح هنا يستوفي شرائطه
والشاة باقية على ملك مالكها. وهذا بخلاف النهي عن ذبح الذمي ، فإنه يحرم
الذبيحة أو بالظفر والسن أو بغير الحديد مع إمكانه ، فإن هذا النهي يرجع إلى وصف
لازم للذكاة من حيث هي ذكاة.
فائدة
:
نهي الإنسان عن جرح نفسه وإتلافها ، ويكفي في التحريم عدم علم إباحة الجرح وإشكال جوازه ، فمن
ثمَّ قيل : لا تختن الخنثى لأنه جرح مع الإشكال فلا يكون مباحا ، ووجه وجوبه عملا
بصورة القلفة . ولا يجوز له حلق لحيته لجواز رجوليته ، ويجب عليه
الستر في الصلاة كالمرأة ، فلو ترك احتمل عدم البطلان للشك في كونه امرأة.
ويحرم عليه
النظر إلى النساء والرجال كما يحرم على القبيلتين النظر إليه ، وهو في الشهادة
كالمرأة.
قاعدة
:
الألف واللام يستعمل من معانيهما عند
الفقهاء والأصوليين ثلاثة ، لأنه إما أن ينظر إلى متعلقهما من حيث هو هو وهو الحقيقة كقوله « اشتر
الخبز واللحم » ولا يريد شيئا بعينه ، أو من حيث هو مستغرق تام لما يندرج تحته وهو
الجنس ، أو من حيث هو خاص جزئي وهو العهد.
فمتى كان في
الكلام معهود يمكن عود التعريف إليه تعين له ، وإن لم يكن
__________________
معهودا ولا قرينة عهدا فالأصل أنها لاستغراق الجنس ، لأن الأعم أكثر فائدة
فالحمل عليه أولى ، فإن تعذر الجنس حمل على الحقيقة كقوله « لا آكل الخبز ولا أشرب
الماء » ، ومنه قوله تعالى حكاية عن يعقوب على نبينا وآله وعليهالسلام « وَأَخافُ
أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ » .
ومن قال اسم
الجنس لا يعم قال لاشتباهه بتعريف الحقيقي.
ويرد على
العامة إشكال في قولهم « الطلاق يلزمني » لم لا يقع الثلاث وإن لم ينوها ، لأن
التعريف للجنس يقتضي العموم وتعميم جميع عدد الطلاق متعذر والجائز
الثلاث فيحمل عليه.
أجاب بعضهم : بأن
الأيمان تتبع المنقولات العرفية غالبا دون الأوضاع اللغوية ويقدم عليها عند
التعارض ، وقد انتقل الكلام في الحلف بالطلاق إلى حقيقة الجنس دون استغراقه ، فلذلك
كان الحالف لا يلزمه إلا الماهية المشتركة ، فلا يزاد على الواحدة.
ووجهه [
الحنفية ] فيه : بأنه لما امتنع حمله على جميع الجنس من أعداد
الطلاق انصرف إلى تعريف حقيقة الجنس ، فكأنه قال : أنت طالق بعضها من الطلاق ، وذلك
البعض مجهول والواحدة فيه متيقن ، فيصرف اللفظ إليه.
قاعدة
:
الموالاة
معتبرة في العقد ونحوه ، فهو مأخوذ من اعتبار الاتصال بين الاستثناء
__________________
والمستثنى منه.
وقال بعض
العامة : لا يضر قول الزوج بعد الإيجاب « الحمد لله والصلاة على رسوله قبلت النكاح
».
( ومنه )
الفورية في استتابة المرتد فيعتبر في الحال ، وقيل إلى ثلاثة أيام.
( ومنه )
السكوت في أثناء الأذان ، فإن كان كثيرا أبطله ، وكذا الكلام عند طول الفصل.
( ومنه )
السكوت الطويل في أثناء القراءة وقراءة غيرها خلالها ، وكذا التشهد.
( ومنه ) تحرم المأمومين في
الجمعة قبل الركوع ، فلو تعمدوا أو نسوا حتى ركع فلا جمعة. واعتبر بعض العامة
تحرمهم معه قبل الفاتحة.
( ومنه )
الموالاة في التعريف بحيث لا ينسى لأنه تكرار والموالاة في سنة التعريف ، فلو رجع
في أثناء المدة استؤنف ليتوالى الإنجاش ، وقيل يبنى.
__________________
فائدة :
الأحكام
اللازمة باعتبار جماعة قد تكون موزعة على رءوسهم وقد تكون موزعة باعتبار تعلقهم ، وكذا
الحكم المعلق على عدد قد يوزع على ذلك العدد وقد يوزع على صنف ذلك العدد ، ولا
ضابط لذلك هنا يشمل الجميع.
نعم قد يشترط
بعضها في ذلك فكانت قاعدة في الجملة ، كالشفعاء والمتقاسمون يكون أنصباء والمؤن
تابعة إما للرءوس أو للانصباء ، وهو قوي.
وأقوى في
الشفعة ما إذا أورث جماعة شقصا من واحد ، لأنهم يأخذون لمورثهم ثمَّ يتلقونه
لأنفهسم.
ويحتمل أن يقال
: يأخذون لأنفسهم ، لأن الميت لا يملك شيئا. ويضعف بأنهم يمنعون حينئذ لتأخر ملكهم
عن الشراء إذا ملكهم بالإرث المتأخر عن الشراء.
ولا يحمل على
حدهم القذف حيث هو ملكهم بالسوية ، لأن الحدود على غير مجاري المعاملات ، فالشركاء
في عبد إذا أعتق جماعة منهم يقوم حصص الرق بينهم بالسوية ـ قاله بعض الأصحاب.
ويحتمل على الحصص.
ولو استأجر
دابة لقدر فزاد فتلفت ففي كيفية ضمانها الوجهان ، وكذا لو زاد الجلاد أو ضرب جماعة
واحدا ضربا متفاوتا في العدد فمات أو جرحوا. والمشهور بين الأصحاب التساوي هنا ولا
اعتبار بعدد الضربات والجراحات. ويمكن الفرق بأن السياط مضبوطة باعتبار وقوعها على
ظاهر البدن والجراحة غير مضبوطة لأنها ذات غور ونكاية في الباطن لا يعلم قدره.
قلت : الفرق
ضعيف ، إذ السياط أيضا يمكن اعتبار تأثيرها في النكاية باعتبار قوة وقوعها على
البدن وتأثر اللحم والفصل عنها ، فإذن لا فرق.
القطب الثاني
وفيه مقاصد :
المقصد الأول
( في العبادات )
وفيه مرصدان :
الأول
ـ في العبادة بقول مطلق
واعلم أن كل
حكم شرعي الغرض الأهم منه الآخرة إما لجلب نفع أو دفع ضرر يسمى عبادة أو كفارة.
ثمَّ العبادة
تنتظم ما عدا المباح ، فتوصف العبادة بالوجوب والتحريم والاستحباب والكراهة ، كالصلاة
المنقسمة إلى الواجبة والمستحبة والمحرمة والمكروهة ، فالأوليان ظاهرتان ، وأما الثالثة
فكصلاة الحائض وأما الرابعة فكالصلاة في الأماكن المكروهة والأوقات المكروهة. وكذا
الصوم ينقسم إلى الأربع كرمضان
وشعبان مثلا والعيد والنافلة سفرا.
ثمَّ إن النسبة
بين العبادة والكفارة العموم المطلق ، فكل كفارة عبادة ولا ينعكس.
وما ورد من أن
الصلوات الخمس كفارة لما بينهن ، وأن غسل الجمعة كفارة من الجمعة إلى الجمعة ، وأن
الحج والعمرة ينفيان الذنوب ، وأن العمرة كفارة لكل ذنب. لا ينافي ذلك ، فإن الصوم والحج يقعان
ممن لا ذنب له كالمعصوم ، بل الكلام خرج مخرج الأغلب ، أو التسمية مجاز تسمية الشيء
بما يتعقبه ، فإن كثرة الثواب يستتبع التفضل لعدم المؤاخذة بالذنب.
وهنا قواعد :
الأولى
ـ في النية
وفيها فوائد :
( الأولى ) أنه يعتبر فيها القربة ، ودل عليه الكتاب والسنة ، أما الكتاب فقوله تعالى « وَما أُمِرُوا إِلّا
لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ » أي وما أمر أهل الكتابين بما فيهما إلا لأجل أن يعبدوا
الله على هذه الصفة ، فيجب علينا ذلك لقوله تعالى « وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ » .
وقال تعالى « وَما لِأَحَدٍ
عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى. إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى »
__________________
أي لا يؤتى ماله إلا ابتغاء وجه ربه ، إذ هو منصوب على الاستثناء المنفصل ،
وكلاهما يعطيان أن ذلك يعتبر في العبادة ، لأنه تعالى مدح فاعله عليه.
وأما السنة
فقوله صلىاللهعليهوآله
عن الحديث القدسي من عمل لي عملا أشرك فيه غيري تركته لشريكي.
( الثانية )
معنى الإخلاص فعل الطاعة خالصة لله وحده ، وهنا غايات ثمان :
١ ـ الرياء ، ولا
ريب أنه مخل بالإخلاص ، ويتحقق الرياء بقصد مدح المرائي أو الانتفاع به أو دفع
ضرره.
فإن قلت : فما
تقول في العبادة المشوبة بالتقية. قلت : أصل العبادة واقع على وجه الإخلاص ، وما
فعل منها تقية فإن له اعتبارين بالنظر إلى أصله وهو قربة وبالنظر إلى ما طرأ من
استدفاع الضرر وهو لازم لذلك فلا يقدح في اعتباره. أما لو فرض إحداثه صلاة [ مثلا
] تقية فإنها من باب الرياء.
٢ ـ قصد الثواب
أو الخلاص من العقاب أو قصدهما معا.
٣ ـ فعلها شكرا
لنعم الله تعالى واستجلابا لمزيده.
٤ ـ فعلها حياء
من الله تعالى.
٥ ـ فعلها حبا
لله تعالى.
٦ ـ فعلها
تعظيما لله ومهابة وانقيادا وإجابة.
٧ ـ فعلها موافقة
لإرادته وطاعة لأمره.
٨ ـ فعلها
لكونه أهل للعبادة. وهذه الغاية مجمع على كون العبادة تقع بها معتبرة ، وهي أكمل
مراتب الإخلاص ، وإليه أشار الإمام الحق أمير المؤمنين
عليهالسلام بقوله ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك ولكن
وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك .
__________________
وأما غاية
الثواب والعقاب فقد قطع الأصحاب بكون العبادة تفسد بقصدهما ، وكذا
ينبغي أن يكون غاية الحياء والشكر وباقي الغايات [ الظاهر ] أن قصدها مجز ، لأن
الغرض بها الله في الجملة.
ولا يقدح كون
تلك الغايات باعثة على العبادة ـ أعني الطمع والرجاء والشكر والحياء ـ لأن الكتاب
والسنة مشتملة على المرهبات من الحدود والتعزيرات والذم والإيعاد بالعقوبات ، وعلى
المرغبات من المدح والثناء في العاجل والجنة ونعيمها في الأجل.
وأما الحياء
فغرض مقصود ، وقد جاء في الخبر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم استحيوا من الله حق الحياء ، أعبد الله كأنك تراه فإن لم تك تراه فإنه يراك
. فإنه إذا تخيل الرؤية انبعث على الحياء والتعظيم والمهابة.
وعن أمير
المؤمنين صلوات الله عليه وقد قال له ذعلب اليماني ـ بالذال المعجمة المكسورة
والعين المهملة الساكنة واللام المكسورة ـ هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال
عليهالسلام
: أفأعبد ما لا أرى. فقال : وكيف تراه؟ فقال لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان
، قريب من الأشياء من غير ملامس ، بعيد منها غير مباين ، متكلم بلا رؤية ، مريد لا
بهمة
__________________
صانع لا بجارحة ، لطيف لا يوصف بالخفاء [ كبير لا يوصف بالجفاء ] بصير لا يوصف بالحاسة رحيم لا يوصف بالرقة ، تعنو الوجوه لعظمته
وتجل القلوب من مخافته .
وقد اشتمل هذا
الكلام الشريف على أصول صفات الجلال والإكرام التي عليها مدار علم الكلام ، وأفاد
أن العبادة تابعة للرؤية وتفسير معنى الرؤية ، وأفاد الإشارة إلى أن قصد التعظيم
بالعبادة حسن وإن لم يكن تمام الغاية ، وكذلك الخوف منه تعالى.
( الثالثة ) لما كان الركن الأعظم في
النية هو الإخلاص وكان انضمام تلك الأربعة غير قادح فيه ، فخليق أن يذكر
ضمائم أخر ، وهي أقسام :
١ ـ ما يكون
منافيا له كضم الرياء ، وتوصف بسببه العبادة بالبطلان ، بمعنى عدم استحقاق الثواب.
وهل يقع مجزيا بمعنى سقوط التعبد به والخلاص من العقاب؟ الأصح أنه لا يقع مجزيا ، ولم
أعلم فيه خلافا إلا من السيد الإمام المرتضى قدس الله لطيفه ، فإن ظاهره الحكم
بالإجزاء في العبادة المنوي بها الرياء.
٢ ـ ما يكون من
الضمائم لازما للفعل ، كضم التبرد والتسخن أو التنظيف إلى نية القربة. وفيه وجهان
ينظران إلى عدم تحقق معنى الإخلاص فلا يكون الفعل مجزيا وإلى أنه حاصل لا محالة ، فنيته
كتحصيل الحاصل الذي لا فائدة فيه.
__________________
وهذا الوجه
ظاهر أكثر الأصحاب ، والأول أشبه ولا يلزم من حصوله نية حصوله.
ويحتمل أن يقال
: إن كان الباعث الأصلي هو القربة ثمَّ طرأ التبرد عند الابتداء في الفعل لم يضر ،
وإن كان الباعث الأصلي هو التبرد فلما أراد ضم القربة لم يجز. وكذا إن كان الباعث
مجموع الأمرين ، لأنه لا أولوية فتدافعا فتساقطا ، فكأنه غير ناو.
ومن هذا الباب
ضم نية الحمية إلى القربة في الصوم ، وضم ملازمة الغريم إلى القربة في الطواف
والسعي والوقوف بالمشعرين.
٣ ـ ضم ما ليس
بمناف ولا لازم ، كما لو ضم إرادة دخول السوق مع نية التقرب في الطهارة ، أو إرادة
الأكل ولم يرد بذلك الكون على طهارة في هذه الأشياء ، فإنه لو أراد الكون
على طهارة كان مؤكدا غير مناف ، وهذه الأشياء وإن لم يستحب لها الطهارة بخصوصياتها
إلا أنها داخلة فيما يستحب لعمومه.
وفي هذه
الضميمة وجهان مرتبان على القسم الثاني وأولى بالبطلان ، لأن ذلك تشاغل عما يحتاج
إليه بما لا يحتاج إليه.
( الرابعة )
يجب في النية التعرض لمشخصات الفعل من غيره ، فتجب نية
جنس الفعل ثمَّ فصوله وخواصه المميزة التي لا يشاركه فيها غيره ، كالوجوب والندب
والرفع والاستباحة في الطهارة حيث يمكن أو الاستباحة وحدها حيث لا يمكن ، فلو ضم
نية الواجب والندب في فعل واحد ـ كما لو نوى بغسل الجنابة والجمعة بطل لتنافي
الوجهين. ويحتمل الإجزاء ، لأن نية الوجوب هي المقصودة
__________________
فتلغى نية الندب أو نقول : يقعان له ، فإن غاية غسل الجنابة رفع الحدث
وغاية غسل الجمعة النظافة ، فهو كضم التبرد إلى التقرب.
ومن هذا الباب
لو جمع في الصلاة على الجنازة الوجوب والندب إذا اجتمع من تجب عليه الصلاة ومن لا
تجب ، ولو اقتصر على نية الوجوب أجزأ في الموضعين.
ويجوز اجتماع
نية الندب مع الواجب في مواضع :
( منها ) نية
الصلاة ، فإنها تشتمل على الواجب منها والمستحب ، ولا يجب التعرض لنية المستحب
لخصوصيته ولا إلى نية فعل الواجب لوجوبه والندب لندبه وإن كان ذلك هو المقصود ، لأن
المندوب في حكم التابع للوجوب ، ونية المتبوع تغني عن نية التابع.
( ومنها ) إذا
صلى الفريضة في جماعة ، فإنه ينوي الوجوب في الصلاة من حيث هي صلاة وينوي الندب في
الصلاة من حيث هي جماعة ، سواء كان إماما أو مأموما ، وإن كان قد اختلف في استحباب
نية الإمام للإمامة.
( ومنها ) إذا
أدرك المأموم بتكبيرة الركوع مع الإمام فكبر ناويا للركوع والإحرام ، فقد حكم
الشيخ بالإجزاء ، وهو مروي.
( الخامسة ) لو
اجتمع أسباب الوجوب في مادة واحدة ـ كما لو نذر الصلاة اليومية وقلنا بالانعقاد
كما هو مذهب المتأخرين وكذا لو نذر الصوم الواجب أو الحج الواجب أو استؤجر للصلاة
الواجبة عن الغير أو صلى عن أبيه بالتحمل ـ ففي هذه الصور يكفي نية الوجوب ولا يجب
التعرض للخصوصيات ، لأن الغرض إبراز الفعل على وجهه وقد حصل. ولا حاجة إلى أن ينوي
النائب لوجوبه علي وعليه يعني المنوب ، لأن الوجوب عليه إنما هو الوجوب عن المنوب
صار متحملا له.
ولو اشتمل
النذر على هيئة زائدة فإن كانت زمانا ـ كما لو نذر الصلاة في أول وقتها أو أداء
الزكاة عند رأس الحول أو قضاء شهر رمضان في رجب ـ أمكن أن يجب التعرض لنية تعينه
في ذلك الزمان ، لأنه أمر لم يجب بالسبب الأول. والأقرب عدم الوجوب ، لأن الوجوب
الأصلي صار متشخصا بذلك المشخص الزماني ، فنيته منصبة عليه.
وإن كانت هيئة
زائدة ـ كما لو نذر قراءة سورة معينة في الصلاة ـ ففي التعرض لها وجهان ، والأقرب
عدم الوجوب.
ولو نذر قراءة
القرآن في صومه فهما أمران متغايران يجب أن يفرد لكل منهما نية.
( السادسة ) الأصل أن كلا من الواجب
والندب لا يجزي عن صاحبه ، لتغاير الجهتين. وقد يتخلف هذا الأصل في مواضع ، منها إجزاء الواجب عن الندب في
صلاة الاحتياط الذي يظهر الغناء عنها ، وكذا لو صام يوما بنية القضاء عن رمضان
فتبين أنه كان قد صامه فإنه يستحق على ذلك ثواب الندب.
وأما إجزاء
الندب عن الواجب ففي مواضع :
( منها ) صوم
يوم الشك.
( ومنها ) صدقة
الحاج بالتمر ما دام الاشتباه باقيا ، فلو ظهر أن عليه واجبا فالظاهر الإجزاء عنه
إذا كان من جنس المؤدى ، كما يجزي الصوم عن رمضان لو ظهر أنه منه.
__________________
( ومنها )
الوضوء المجدد لو بان أنه محدث ، ففيه الوجهان ، والإجزاء أقوى.
( ومنها ) لو
جلس للاستراحة فلما قام تبين أنه نسي سجدة ، فالأقرب قيامها مقام جلسة الفصل ، فيجب
السجود ولا يجب الجلوس قبله.
( ومنها ) هذه
الجلسة لو قام عقيبها إلى الخامسة سهوا وأتى بها وكانت بقدر التشهد. فإن الظاهر
إجزاؤه عن جلسة التشهد وصحة الصلاة بسبق نية الصلاة المشتملة عليها. بخلاف من توضأ احتياطا ندبا
فظهر الحدث ، فإن النية هنا لم تشتمل على الواجب في نفس الأمر.
ولو جلس بنية
التشهد ثمَّ ذكر ترك سجدة أجزأت هذه الجلسة عن جلسة الفصل قطعا ، لأن التغاير هنا
في القصد إلى تعيين الواجب لا بالوجوب والندب.
( ومنها ) لو
أغفل لمعة في الغسلة الأولى فغسلها في الثانية بنية الاستحباب وفيها وجهان من
حيث مخالفة الوجه ومن اشتمال نية الوضوء عليها.
( ومنها ) لو
نوى الفريضة فظن أنه في نافلة فأتى بالأفعال ناويا للندب أو ببعضها فإن الأصح
الإجزاء للرواية ، وقد أوضحناه في الذكرى.
أما لو ظن أنه
سلم فنوى فريضة أخرى ثمَّ ذكره نقض الأولى ، فالمروي عن صاحب الأمر صلوات الله
عليه وعلى آبائه الإجزاء عن الفريضة الأولى. والسر فيه أن صحة التحريم بالثانية
موقوف على التسليم من الأولى في موضعه أو الخروج منها ولم يحصلا ، فجرى التحريم
مجرى الأذكار المطلقة التي لا تخل بصحة الصلاة. ونية الوجوب في الثانية لغو لعدم
مصادفته محلا. وحينئذ هل يجب نية العدول في الأولى؟ الأقرب عدمه ، لعدم انعقاد
الثانية ، فهو بعد في الأولى.
__________________
نعم يجب القصد إلى أنه في الأولى من حين الذكر.
( السابعة ) يجب الجزم في مشخصات النية من التعيين والأداء والقضاء والوجوب أو الندب مع إمكانه ، ولا يجزي الترديد
حيث يمكن الجزم ، لأن القصد إلى الفعل إنما يتحقق مع الجزم ، وقد جاء الترديد في
مواضع :
( منها )
الصلاة المنسية المشتبهة بين الثلاث الرباعيات أو المشتبهة في الأداء والقضاء.
( ومنها )
الزكاة المترددة بين الوجوب والندب على تقديري بقاء المال وعدم بقائه.
( ومنها ) نية
الصوم آخر شعبان المرددة بين الوجوب أو الندب ، فإنه غير واجب هنا وإن وجب في
الأولين. ولو فعل ففي إجزائه نظر أقربه الإجزاء ، لمصادفته الواقع.
ولو ردد ليلة
الشك في العيد بين الصوم وعدمه ففيه الوجهان. وأولى بالمنع لأنه تردد لا في محل
الحاجة ، إذ يجب عليه الصوم من غير تردد.
( ومنها ) لو
شك في تعيين الطواف المنسي ، فإنه تردد. ولو شك في تعيين النسك المنذور من التمتع
أو القران أو الإفراد أو العمرة المفردة أو عمرة التمتع ، فإن التردد يجزي في
الأول. وفي إجزائه عن العمرتين تردد من حيث اختلافهما في الأفعال وترتب الحج على
إحداهما دون الأخرى.
وليس الصلاة في
الثياب المتعددة عند الاشتباه بالنجاسة أو الطهارة بالماء المطلق والمضاف عند
اشتباههما من هذا القبيل ، لأن الجمع هنا واجب لأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا
به.
( ومنها ) لو
نسي تعيين الكفارة مع علمه بوجوبها ، فإنه تردد بين الأقسام المحتملة ، أما لو نوى
الوجوب مع ظهور أمارة فإن فيه صورا :
( منها ) لو
شهد عدل أو جماعة من الفساق أو النساء برؤية الهلال فنوى
الوجوب فصادف ، ففي الإجزاء وجهان ، وظاهر الأكثر عدمه.
( ومنها ) لو
توهمت الحائض انقطاع الدم فنوت فصادف انقطاعه ، أو كان سائلا فنوت ثمَّ انقطع قبل
الفجر ، ففي الإجزاء الوجهان. ويقوى الإجزاء عند قوة الأمارة ، ككونه عند رأس
عادتها أو قريبا منها.
( ومنها ) لو
ظن المسافر القدوم عادة قبل الزوال فنوى ليلا ، ففي إجزائه لو وافق الوجهان. وكذا
الجنب لو نوى بعد الجنابة ثمَّ اغتسل.
( ومنها ) لو
نذر يوم قدوم زيد فظنه في الغد فنوى ليلا ، ففي وجوب الصوم هنا وجهان. وكذا في
إجزاء هذه النية إن قلنا بالوجوب.
( ومنها ) لو
ظن دخول الوقت فتطهر بنية الوجوب فظهر مطابقته ، فإن كان لا يمكنه العلم أجزأ قولا
واحدا ، وإن كان متمكنا من العلم ففيه الوجهان.
( ومنها ) لو
ظن ضيق الوقت فتيمم فرضا ، فإن صادف التضييق أجزأ ، وإن صادف السعة أجزأ مع عدم
التمكن من العلم ، ومع التمكن الوجهان.
وكذا لو ظن ضيق
الوقت إلا عن العصر فصلاها ثمَّ تبين السعة ، فالأقرب الإجزاء إذا وقعت في المشترك
بينها وبين الظهر أو دخل المشترك وهو فيها. ولو دخل المختص بالعصر وهو فيها ففيه
الوجهان.
ولو وقعت العصر
في الأربع المختصة بالظهر بحيث يكون قد بقي بعد العصر مقدار أربع ركعات لا أزيد ، فالأقرب
أنها لا تجزي ويعيد العصر الآن ويقضي الظهر. ويحتمل الإجزاء إما بناء على اشتراك
الوقتين دائما وإما لتعارضهما ، فكأن العصر قد اقترضت من الظهر وقتها وعوضتها بوقت
نفسها. وهو ضعيف وإلا لكان يقوى في الظهر الأداء في هذه الأربع ، وظاهرهم عدمه ،
__________________
وإنما ينوي القضاء لو قلنا بإجزاء العصر.
( ومنها ) لو
ترك الطلب فتيمم ثمَّ ظهر عدم الماء.
( ومنها ) لو
صلى إلى جهة فشك أنها القبلة فصادفت ، أو شك في دخول الوقت فصلى فصادف ، فالأقرب
عدم الإجزاء إلا مع الظن حيث لا طريق إلى العلم.
( ومنها ) لو
صلى خلف الخنثى فظهر أنه رجل. وفيه التفصيل المذكور.
( ومنها ) لو
صلى على ميت شك أنه من أهل الصلاة فصادف ، أو تيمم للصلاة على الميت شاكا في
تغسيله وقلنا لا يشرع التيمم قبل الغسل فصادف كونه قد غسل.
( ومنها ) إذا
كان في مطمورة فتحرى شهر رمضان صادف. وهنا قد نص الأصحاب على إجزائه
ما لم يتقدم على شهر رمضان ، ولو أوجبنا الاجتهاد هنا فصام من غير اجتهاد فصادف
ففيه الوجهان.
( ومنها ) لو
صام من عليه كفارة مرتبة قبل علمه بعجزه عن العتق فصادف عجزه.
( ومنها ) إذا
شك في دخول شوال فأحرم بالحج أو بعمرة التمتع فصادف دخول شوال.
( ومنها ) إذا
أحرم بالعمرة المفردة ناسيا للتحلل من الإحرام بالحج أو أحرم بحج التمتع ناسيا
للإحلال من العمرة فصادف التحلل.
( الثامنة ) تعتبر النية في جميع
العبادات إذا أمكن فعلها على وجهين إلا النظر لوجوب معرفة الله
تعالى فإنه عبادة ولا تعتبر فيه النية لعدم تحصيل المعرفة قبله ، ولا إرادة الطاعة
ـ أعني ـ النية فإنها عبادة ولا تحتاج إلى نية وإلا تسلسل.
وما لا يمكن
فيه اختلاف الوجه ـ كرد الوديعة وقضاء الدين ـ لا يحتاج إلى نية وإن احتاج في
استحقاق الثواب إلى قصد التقرب إلى الله تعالى.
__________________
( التاسعة ) للنية غايتان : إحداهما التمييز ، والثانية استحقاق الثواب. وإن كان
الفعل واجبا فإن يستفيد المكلف بالفعل الخلاص من الذم والعقاب وبالترك التعرض
لاستحقاقهما. وهذه غاية ثالثة.
ثمَّ ينقسم
الواجب إلى قسمين :
أحدهما ـ ما
الغرض الأهم بروزه إلى الوجود كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقضاء
الدين وشكر المنعم ورد الوديعة ، وهذا القسم يكفي مجرد فعله عن الخلاص من تبعة
الذم والعقاب ، ولا يستتبع الثواب إلا إذا أريد به التقرب إلى الله تعالى.
والثاني ـ ما
الغرض الأهم منه تكميل النفس وارتفاع الدرجة في المعرفة والإقبال على الله تعالى
واستحقاق الرضا من الله تعالى وتوابعه من المنافع الدنيوية والأخروية كالتعظيم في
الدنيا والثواب في الآخرة ، وهذا القسم لا يقع مجزيا في نظر الشرع إلا بنية
القربة.
( العاشرة ) يجب ترك المحرمات ويستحب
ترك المكروهات ، ومع ذلك لا يجب
فيه النية ، بمعنى أن الامتثال حاصل بدونها ، وإن كان استحقاق الثواب بالترك يتوقف
على نية القربة.
وهذه التروك
يمكن استناد عدم وجوب النية فيها إلى كونها لا تقع إلا على وجه واحد ، فإن الترك
لا تعدد فيه.
ويمكن استناد
عدم الوجوب إلى كون الغرض الأهم منها هجران هذه الأشياء ليستعد بواسطتها للعمل
الصالح.
ومن هذا الباب
الأفعال الجارية مجرى الترك ، كغسل النجاسة عن الثوب والبدن ، فإنه لما كان الغرض
بها هجران النجاسة وإماطتها جرى مجرى الترك.
( الحادية عشر
) التميز الحاصل بالنية ـ بأن يكون لتمييز العبادة عن غير
العبادة كالوضوء والغسل ـ فإنه كما يقع كل منهما عبادة يقع عادة ، كالتنظيف
والتبرد والتداوي ، وتارة لتمييز أفراد العبادة كالفرض عن النفل والأداء عن القضاء
والقربة عن الرياء.
وربما جعل
التميز الحاصل بالقربة من قبيل امتياز العبادة عن العبادة ، لأن الرياء المقصود في
العبادة يخرجها عن حقيقة العبادة ، فهو كالفعل المعتاد.
ولا بد من
استيعاب المميزات في النية وإن كثرت تحصيلا للغرض منها.
( الثانية عشر
) كلما يعتبر في صحة العبادة لا يخرج عن الشرطية والجزئية وإزالة المانع من قبيل
الشروط. وقد اختلف في النية هل هي من قبيل الشروط باعتبار تقدمها على العبادة
ومصاحبتها مجموع الصلاة مثلا وهذا هو حقيقة الشرط ، ويقابله الجزء وهو ما يقارن
العبادة أو ما لا يصاحب المجموع؟
ويحتمل الفرق
بين نية الصوم وباقي العبادات ، فتجعل شرطا في الصوم وركنا في باقي العبادات ، لأن
تقدم نية الصوم على وجه لا يشتبه بالمقارنة. نعم لو قارن بها الصوم فإنه جائز على
الأصح ، ( و ) انسحب فيها الخلاف.
وربما قيل : إن
جعلنا اسم العبادة ينطلق عليها من حين النية فهي جزء على الإطلاق وإلا فهي شرط.
وقيل أيضا : كلما
اعتبرت النية في صحته فهي ركن فيه كالصلاة ، وكلما اعتبرت في استحقاق الثواب به
فهي شرط فيه كالجهاد والكلف عن المعاصي وفعل المباح أو تركه إذا قصد به وجه راجح
شرعيا.
ولا ثمرة مهمة
في تحقيق هذا ، فإن الإجماع على أن النية معتبرة في العبادة ومقارنة لها غالبا وإن
فواتها مخل بصحتها ، فيبقى النزاع في مجرد التسمية. وإن كان قد يترتب على ذلك
أحكام نادرة ذكرناها في الذكرى ، كصحة صلاة من تقدمت نيته على الوقت ونية وضوئه
المنوي به الوجوب.
فإن قلت : ما
تقول في التيمم ، فإنه غير معتاد فلم افتقر إلى النية المميزة؟
قلت : ليس
التمييز بين العبادة والعادة ما يتمحض شرعية النية لأجلها ، بل الركن الأعظم فيها
التقرب ، فلا بد من قصده في التيمم كغيره ، ولأن التمييز فيه بالنسبة إلى الفرض
والنفل والبدل عن الأصغر والأكبر.
( الثالثة عشر ) قضية الأصل وجوب
استحضار النية فعلا في كل جزء من أجزاء العبادة لقيام دليل الكل في الإجزاء ، فإنها عبادة أيضا ، ولكن لما تعذر ذلك في
العبادة البعيدة المسافة أو تعسر في القريبة المسافة اكتفى بالاستمرار الحكمي ، وفسر
بتجديد العزم كلما ذكر ، ومنهم من فسره بعدم الإتيان بالمنافي ، وقد قلناه في
رسالة الحج.
قلت : ذكر في
رسالة الحج هكذا : واستدامتها حكما لا فعلا ، وفسر بأمر عدمي. وفيه دقيقة كلامية
يريد بالأمر العدمي هو ما ذكر من عدم الإتيان بالمنافي. وأما الدقيقة فهي أن
الممكن حال بقائه هل هو مفتقر إلى المؤثر أم لا؟ فعلى الثاني ـ وهو رأي المتكلمين
ـ فسر بالأمر العدمي ، إذ لا احتياج إلى المؤثر حتى يكون وجوديا ، وعلى الأول فسر
بالوجودي ، وهو تجديد العزم هنا . فلو نوى القطع فإن كان المنوي إحراما لم يفسد إجماعا ،
لأن محللاته معلومة ، ولأنه لا يبطل بفعل المفسد بأن لا يبطل بنية القطع أحرى. وإن
كان صوما ففيه وجهان : من تغليب شبه الفعل أو شبه الترك [ عليه ]. وإن كان صلاة
فوجهان مرتبان ، وأولى بالبطلان لأنها أفعال محضة ، فكان من حقها استصحاب النية
فعلا في كل جزء منها ، فلا أقل من الاستصحاب الحكمي ، وظاهر أن نية القطع تنافي
الاستصحاب الحكمي.
ووجه عدم التأثير النظر إلى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم تحريمها التكبير
__________________
وتحليلها التسليم . ومقتضاهما
الحصر ، ولأن الصلاة عبادة واحدة وكل جزء منها العبادة فيه إنما هو بالنظر إلى
المجموع ، فإذا تحقق انعقادها بالتكبير بعد النية لم تؤثر القصود اللاحقة لذلك
لأنها لم تصادف ما تجب فيه النية فعلا.
أما الوضوء
والغسل فإن نية القطع تبطل بالنسبة إلى ما بقي لا إلى ما مضى ، لأنه أفعال منفصلة
، وخصوصا الغسل. نعم لو خرج الوضوء عن الموالاة أثر ذلك باعتبار فوات الشرط لا
باعتبار النية في الماضي .
( الرابعة عشر ) التردد في قطع العبادة
، فيه وجهان مبنيان على تأثير نية الخروج أو نية فعل المنافي وأولى
بالصحة ، لأن المنافاة غير متحققة بالنظر إلى كون التردد ليس على طرف النقيض
بالنسبة إلى النية المصححة للعبادة.
والوجه أنهما
سواء ، لأن أقل أحوال الاستصحاب الحكمي الجزم بالبقاء على ما مضى والشك ينافي
الجزم. وأما نية فعل المنافي فهي كنية الخروج من العبادة تؤثر حيث تؤثر وتنتفي حيث
ينتفي التأثير ، فلو نوى الصائم الإفطار فهو كنية القطع. ويقوى عدم تأثير النية في
الصوم ، لأن الصوم لا تبطل حقيقته بنفس فعل المنافي ، ولهذا وجبت الكفارة لو أفطر
ثانيا فلأن لا يبطل بنيته أولى فإن منع وجوب الكفارة الثانية.
فلنا : أن
نستدل بأن نية المنافي لو أبطلت الصوم لما وجبت كفارة أصلا ،
__________________
لأن الأكل والجماع مثلا مسبوقان بنية فعلهما ، فإذا أفسدت النية الصوم
صادفا صوما فاسدا ، فلا يتحقق به كفارة. والإجماع على خلافه ، إلا أن نقول بقول
الشيخ أبي الصلاح الحلبي رحمهالله وقول شيخنا الإمام فخر الدين ابن المطهر رحمهالله من أن ترك النية في الصوم يوجب الكفارة. فإن سياق هذا
القول يقتضي أن نية المنافي أو نية الخروج توجبان الكفارة ، إما لمجردهما أو بشرط
انضمام المنافي إليهما. إلا أنه يلزم من الأول ارتكاب وجوب كفارتين بالجماع
إحداهما على نيته والأخرى على فعله ، ولم يقل به أحد من العلماء.
( الخامسة عشر ) يمكن اجتماع نية عبادة
في أثناء أخرى ، كنية الزكاة
والصيام في أثناء الصلاة. وقد تضمن الكتاب العزيز إيتاء الزكاة في حال الركوع على
ما دل عليه النقل من تصدق علي عليهالسلام بخاتمه في ركوعه فأنزلت فيه الآية .
أما لو كانت
العبادة الثانية منافية للأولى ـ كما لو نوى في أثناء الصلاة طوافا ـ فهو كنية
القطع ، ولو نوى المسافر في أثناء الصلاة المقام وجب الإتمام ولا يكون
ذلك تغييرا مفسدا. والسر فيه أن النية السابقة اشتملت على أبعاض الصلاة والمنافي كالمكرر ، فلا
يقدح عدم تقدم نيته. على أن الملتزم أن يلتزم بوجوب النية لما زاد على المقدار
المنوي أولا ، ولا استبعاد فيه وإن لم يصاحبه تكبيرة الإحرام ، لانعقاد أصل الصلاة
بها.
ولو نوى المقيم
في أثناء الصلاة السفر قبل أن يصلي على التمام ففي جواز
__________________
رجوعه إلى القصر ثلاثة أوجه ، ثالثها الفرق بين من تجاوز التقصير وبين من
لم يتجاوز. وهنا لا قادح ، لعدم زيادة شيء عن العبادة إنما هو حذف شيء منها.
نعم وجه
الإتمام قوي ، لقولهم صلى الله عليهم الصلاة على ما افتتحت عليه ، ولوجوب إتمام
العبادة الواجبة بالشروع فيها.
( السادسة عشر
) العدول من الصلاة المعينة إلى صلاة أخرى أو من الصوم فريضة إلى الصوم نافلة أو
بالعكس ليس من باب نية فعل المنافي ، إذ لا تغير فاحشا فيه. وكذا في العدول من نسك
إلى آخر ومن نسك التمتع إلى قسيميه وبالعكس.
ويجب في هذه
المواضع إحداث نية العدول إليه ، ويحرم التلفظ بها في أثناء الصلاة ، فلو فعله بطل
، بخلاف باقي العبادات. أما التلفظ بها في أول الصلاة فإنه جائز ولكن الأولى تركه
، لأن مسمى النية هو الإرادة القلبية وهو حاصل ، فلا معنى للتلفظ. ولأن السلف لم
يؤثر عنهم ذلك.
ومن زعم
استحباب التلفظ ليجمع بين التعبد بالقلب وباللسان ، فقد أبعد ، لأنا نمنع كون
اللفظ باللسان عبادة وليس النزاع إلا فيه.
( السابعة عشر
) اقتران عبادتين في نية واحدة جائز إذا لم يتنافيا ، فتارة تكون إحداهما منفكة عن
الأخرى كنية دفع الزكاة والخمس ، وتارة مصاحبة لها كنية الصوم والاعتكاف أو تابعة
لها. وتتحقق التبعية في أمور :
منها ـ لو نوى
النظافة في الأغسال المسنونة ، فإن النظافة تابعة للغسل على وجه التقرب ، بل هي
المقصود من شرعية الغسل.
ومنها ـ نية
تحسين القراءة في الصلاة ، ونية تحسين الركوع والسجود ليقتدى به لا لاستجلاب نفع
ولا لدفع ضرر.
ومنها ـ أن
يزيد الإمام في ركوعه انتظارا للمسبوق ليفيده ثواب الجماعة ويستفيد الإمام زيادة
عدد الجماعة المقتضي لزيادة الثواب ، فإنه إعانة للمأموم على الطاعة ، والإعانة
على الطاعة طاعة ، لأن وسيلة الشيء يلحق به حكمه.
وتوهم بعض
العامة منعه ، لأنه شرك في العبادة. وهو مدفوع بما قررناه ، ولأنه لو كان شركا في
العبادة لكان لاحقا بالأذان والإقامة والأمر بالمعروف بل بتعليم العلوم ، وليس
كذلك بالإجماع.
ومنها ـ رفع
الإمام صوته بالقراءة في الجهرية ليسمعه المأموم ، ورفع الخطيب صوته في الخطبة ، ورفع
القارئ صوته بالقراءة وتحسينه لاستجلاب الأسماع المستتبع للطف
لا لاستجلاب التعظيم ودفع الضرر.
ومنها ـ إذا
وجد منفردا يصلي استحب له أن يؤمه أو يأتم به ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وقد رأى رجلا يصلي منفردا : من
يتصدق على هذا. فقام رجل فصلى خلفه.
( الثامنة عشر ) لا يجب عندنا النفل
بالشروع فيه إلا الحج والاعتمار ، وفي الاعتكاف للأصحاب ثلاثة أوجه :
الوجوب بالشروع فيه ، والوجوب بمضي يومين ، وعدم الوجوب. وأوسطها وسطها.
نعم يكره قطع
العبادة المندوبة بالشروع فيها ، وتتأكد الكراهية في الصلاة وفي الصوم بعد الزوال.
( التاسعة عشر ) جوز بعض الأصحاب
الإبهام في نية الزكاة بالنسبة إلى
خصوصيات الأموال ، فلو وجب عليه شاة في الغنم وشاة في الإبل ونوى إخراج
__________________
شاة برئت الذمة وإن لم يعين إحداها. نعم يشترط قصد الزكاة المالية. ولا
يخلو من إشكال ، لأن البراءة إن نسبت إلى أحد المالين بعينه فهو تحكم بغير دليل ، وإن
نسبت إليهما بمعنى التوزيع فهو غير منوي وإنما لكل امرئ ما نوى.
وتظهر الفائدة
فيما لو تلف أحد النصابين قبل التمكن من الدفع بعد أن دفع عن الأول.
فإن قلت : كيف
يتصور عدم التمكن وقد كان يمكنه دفع الشاتين إلى من دفع إليه إحداهما.
قلت : يتصور
ذلك في ابن السبيل لا يعوزه إلا شاة وشبهه ، وأما الإبهام في العتق عن الكفارة
ففيه خلاف مشهور ، والأقرب المنع سواء اتحدت الكفارة جنسا أو اختلفت.
وأما الإبهام
في النسك فقد صرح الأصحاب بمنعه ، حيث يكون المكلف مخاطبا بأحدهما ، كالحج والعمرة
لو لم يجب عليه أحدهما والزمان غير صالح للحج وجبت العمرة ، وإن صلح لهما ـ كأشهر
الحج ففيه وجهان التخيير والبطلان ، لعدم التميز الذي هو ركن في النية.
( العشرون )
روى عن النبي « صلىاللهعليهوآله » أن نية المؤمن خير من عمله . وربما روي ونية
الكافر شر من عمله .
فورد سؤالان :
أحدهما : أنه
روي أن أفضل العبادة أحمزها. ولا ريب أن العمل أحمز
__________________
من النية فكيف يكون مفضولا. وروي أيضا أن المؤمن إذا هم بحسنة كتبت بواحدة
وإذا فعلها كتبت عشرا وهذا صريح في أن العمل أفضل من النية وخير.
السؤال الثاني
: أنه روي أن النية المجردة لا عقاب فيها ، فكيف يكون شرا من العمل.
وأجيب بوجوه :
الأول ـ أن
النية يمكن فيها الدوام بخلاف العمل فإنه يتعطل عنه المكلف أحيانا ، فإذا نسبت هذه
النية الدائمة إلى العمل المنقطع كانت خيرا منه ، وكذا نقول في نية الكافر.
الثاني ـ أن
النية لا يكاد يدخلها الرياء ولا العجب ، لأنا نتكلم على تقدير النية المعتبرة
شرعا ، بخلاف العمل فإنه يعرضه ذينك . ويرد على هذا أن العمل وإن كان معرضا لهما إلا أن
المراد به العمل الخالي عنهما وإلا لم يقع تفضيل.
الثالث ـ أن
المؤمن يراد به الخاص ، أي المؤمن المغمور بمعاشرة أهل الخلاف ، فإن غالب أفعاله
جارية على التقية ومداراة أهل الباطل ، وهذه الأفعال المفعولة تقية منها ما يقطع
فيه بالثواب كالعبادات الواجبة ومنها ما لا ثواب فيه ولا عقاب كالباقي. وأما نيته
فإنها خالية عن التقية ، وهو وإن أظهر موافقتهم بأركانه ونطق بها بلسانه إلا أنه
غير معتقد لها بجنانه بل آب عنها ونافر منها. وإلى هذا الإشارة بقول أبي عبد الله
الصادق عليهالسلام
وقد سأله أبو عمرو الشامي
عن الغزو مع غير الإمام العادل إن الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة
وروي مرفوعا
__________________
عن النبي صلىاللهعليهوآله.
قال شيخنا وهذه الثلاثة
من السوانح .
الرابع ـ ما قاله بعض العلماء أن خلود
المؤمن في الجنة إنما هو بنيته أنه لو عاش
أبدا لأطاع الله أبدا ، وخلود الكافر في النار بنيته أنه لو بقي أبدا لكفر أبدا.
الخامس ـ ما
حكاه المرتضى رحمهالله
أن المراد أن نية المؤمن
بغير عمل خير من عمله بغير نية. وأجاب عنه بأن أفعل التفضيل يقتضي المشاركة ، والعمل
بغير نية لا خير فيه فكيف يكون داخلا في باب التفضيل ، ولهذا لا يقال « العسل أحلى
من الخل ».
السادس ـ أنه
عام مخصوص أو مطلق مقيد ، أي نية بعض الأعمال الكبار كنية الجهاد خير من بعض
الأعمال الخفيفة كتسبيحة أو تحميدة أو قراءة آية ، لما في تلك النية من تحمل النفس
المشقة الشديدة والتعرض للغم والهم الذي لا يوازيه تلك الأفعال. وبمعناه قال
المرتضى نضر الله وجهه ، قال : وأتى بذلك لئلا يظن أن ثواب النية
لا يجوز أن يساوي أو يزيد على ثواب بعض الأعمال. ثمَّ أجاب بأنه خلاف الظاهر ، لأن
فيه إدخال زيادة ليست في الظاهر. قال شيخنا المصنف : المصير إلى خلاف الظاهر متعين
عند وجود ما يصرف اللفظ إليه وهو هنا حاصل ، وهو معارضة الخبرين السالفين
، فيجعل ذلك جمعا بين هذا الخبر وبينهما.
السابع ـ للمرتضى أيضا أن النية لا يراد
بها التي مع العمل ، والمفضل عليه
هو العمل الخالي من النية. وهذا الجواب يرد عليه النقض السالف مع أنه قد ذكره كما
حكيناه عنه.
__________________
الثامن ـ له أيضا أن لفظه « خير » ليست
التي بمعنى أفعل التفضيل ، بل التي هي موضوعة لما فيه منفعة ، ويكون معنى الكلام أن نية المؤمن من
جملة الخير من أعماله ، حتى لا يقدر مقدر أن النية لا يدخلها الخير والشر كما يدخل
ذلك في الأعمال. وحكي عن بعض الوزراء استحسانه ، لأنه لا يرد عليه شيء من
الاعتراضات.
التاسع ـ له
أيضا أن لفظة أفعل التفضيل قد تكون مجردة عن الترجيح ، كما في قوله تعالى « وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ
أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً » وقول المتنبي :
أبعد بعدت
بياضا لا بياض له
|
|
لأنت أسود في
عيني من الظلم
|
قال ابن جني : أراد
أنك أسود من جملة الظلم كما يقال : حر من أحرار ولئيم من لئام ، فيكون الكلام قد
تمَّ عند قوله « لأنت أسود » ، ومثله قول الآخر :
وأبيض من ماء
الحديد كأنه
|
|
شهاب بدا
والليل داج عساكره
|
كأنه يقول : وأبيض
كائن من ماء الحديد. وقول الآخر :
يا ليتني
مثلك في البياض
|
|
أبيض من أخت
بني إباض
|
أي أبيض من
جملة أخت بني إباض ومن عشيرتها.
فإن قلت : فقضية
هذا الكلام أن يكون في قوة قوله : النية من جملة عمله ، والنية من أفعال القلوب
فكيف يكون عملا ، لأنه يختص بالعلاج.
قلت : جاز أن
يسمى عملا كما جاز أن يسمى فعلا ، أو يكون إطلاق العمل عليه مجازا.
__________________
العاشر ـ ما
أجاب به ابن دريد ، وهو أن المؤمن ينوي الأشياء من أبواب الخير كالصدقة والصوم
والحج ، ولعله يعجز عنها أو عن بعضها ، ويؤجر على ذلك لأنه معقود النية عليه.
الحادي عشر ـ جواب
الغزالي بأن النية سر لا يطلع عليه إلا الله تعالى ، وعمل السر أفضل من عمل
الظاهر.
الثاني عشر ـ أن
وجه تفضيل النية على العمل أنها تدوم إلى آخره حقيقة أو حكما ، وآخر العمل لا
يتصور فيها الدوام بل يتصرم شيئا فشيئا.
الثالث عشر ـ لشيخنا
رحمهالله أن النية لما كانت لا تقف عند حد بل هي مستمرة بالنسبة إلى جميع الأوقات
وجميع الأعمال وجميع التروك فكانت خيرا من العمل الذي يقع حينا ما ، ولهذا قال الصادق
عليهالسلام
يحشر الناس يوم القيامة على
نياتهم ، قال : وهذا أجود الوجوه. والله أعلم.
الرابع عشر ـ ما خطر لهذا الضعيف ، وتقريره
: أن العمل مع النية وإن
اشتركا في حصول الثواب والفوز برضاء الرب تعالى ، لكن العمل بدون نية كالجهاد الذي
لا حراك به ، بل كالصورة المنقوشة على الجدار التي لا حقيقة لها
، والنية كالروح السارية في الأعضاء والقوى وكأن كمال العمل بها فكانت أكثر خيرية.
ولا ينافي ذلك حديث أفضل العبادة أحمزها ، فإن حظوظ النفس وميولها كثيرة لا تكاد
تحصر ، فحصول النية المشتملة على كمال الإخلاص خالصة من تلك الحظوظ والميول تفتقر
إلى مجاهدات توجب لها الأحمزية فكانت أفضل فاستحقت اسم الخيرية. وعلى ذلك يخرج
جواب : إذا هم بحسنة كتبت له.
الخامس عشر ـ ما
خطر للضعيف أيضا ، وتقريره : أن النية لما كانت حقيقتها
__________________
كمال الإخلاص كان حصولها يستلزم حصول المعارف الحقيقية ، واستحضار صفات
الجمال ونعوت الجلال التي هي كالأسباب لذلك الإخلاص ، بخلاف العمل فكانت أفضل.
وخلوصها أيضا عن الشبهات والمعارضات يفتقر أيضا إلى مجاهدات فكرية توجب لها وصف
الأحمزية فكانت أفضل.
السادس عشر ـ أن النية لما كان لازمة
لتعظيم مقام الربوبية وشكر إنعامه وكانت من لوازم
الإيمان الذي هو واجب الدوام والبقاء ببقاء النفس الإنسانية ويستحيل تطرق النسخ
والتغيير إليه فحكمها حكمه ، بخلاف العمل الذي يجوز تغيره ونسخه فكانت أفضل. وهذا
أيضا من خواطر الضعيف.
( الحادية
والعشرون ) يعتبر مقارنة النية لأول العمل ، فما سبق منه لا يعتد به. وإن سبقت
النية سميت عزما ، وهو غير معتد به أيضا على الإطلاق الأعلى القول بجواز تقديم نية
شهر رمضان عليه.
وقد اغتفرت
المقارنة في الصيام ، فجاز تقديمها وتوسطها كما جاز مقارنتها وإن كان فعلها في
النهار إنما جاء في مواضع الضرورة كنسيان النية ، أو عدم العلم بتعلق التكليف بذلك
اليوم ، أو عدم حصول شرط الكمال عند طلوع فجره. ثمَّ إذا وقعت مؤثرة في صحة الصوم
استفاد ثوابه بأجمعه ، سواء فعلها بعد الزوال إذا جوزناه في الندب أو قبله.
وإن وقعت على
سبيل التمرين كنية الصبي المميز استحق آمره الثواب واستحق هو العوض ، وإن وقعت على
طريق التأديب كنية الكافر والمجنون والمغمى عليه والصبي بزوال أعذارهم في أثناء
النهار استحق ثوابا على ذلك العمل وإن لم يسم صوما.
( الثانية
والعشرون ) ينبغي المحافظة على النية في كبير الأعمال وصغيرها ، ويجب إذا كان
واجبة فينوي عند قراءة القرآن العزيز قراءته وتدبره وسماعه
واستماعه وحفظه وتجويده وترتيله ، وغير ذلك من الغايات المجتمعة فيه.
وينوي للسعي
إلى مجلس العلم والحضور فيه ودخول المسجد والاستماع والسؤال والتفهم والتفهيم
والتعلم والتعليم والتسبيح والفكر والصلاة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
والرضا عن الصحابة
والتابعين والترحم على العلماء والمؤمنين.
ولعيادة المريض
والجلوس عنده والدعاء له ، وزيارة الإخوان والسلام عليهم ورد السلام ، وحضور
الجنائز وزيارة المقابر والسعي في حاجة أخيه وفي حاجة عياله والنفقة عليهم والدخول
إليهم.
وينوي عند
الضيافة وإجابة السؤال في الضيافة.
بل ينوي عند
المباحات كالأكل والشرب والنوم قاصدا حفظ نفسه إلى الحال الذي ضمن له من الأجل
وقاصدا التقوي على عبادة الله تعالى ، والمؤمن التقي خليق بأن يصرف جميع أعماله
إلى الطاعة ، فإن الوسيلة إلى الطاعة طاعة وكل ذلك يحصل بالنية.
وينوي عند
المباضعة والمقدمات التحصن والتحصين وحصول الألفة المقتضية للمودة والرحمة والتعرض
للنسل.
والضابط في ذلك
كله إرادة الطاعة الواجبة أو المستحبة تقربا إلى الله تعالى عند بعض العلماء لو
قال في أول نهاره « اللهم ما عملت في يومي هذا من خير فهو لابتغاء وجهك ، وما تركت
فيه من شر فتركه لنهيك » عد ناويا ، وإن ذهل عن النية في بعض الأعمال أو التروك
وكذا يقول في أول ليلته.
ويجزي نية
أعمال متصلة في أولها ، ولا يحتاج إلى تجديد نية لأفرادها ، وإن كان كل واحد منها
مباينا لصاحبه ، كالتعقيب الواقع بعد [ الفرض ] .
__________________
( الثالثة
والعشرون ) ينبغي للثاقب البصيرة في الخيرات أن يستحضر الوجوه الحاصلة في العمل الواحد
ويقصد قصدها بأجمعها لينفرد كل واحد منها بنفسه وتصير حسنة مستقلة أجرها عشرا إلى
أضعاف كثيرة وبحسب التوقيف تتكثر تلك الوجوه ، مثاله : الجلوس في المسجد ، فإنه
يمكن اشتماله على نحو من عشرين وجها لأنه في نفسه طاعة ، وهو بيت الله وداخله زائر
الله ، ومنتظر للصلاة ومشغول بالذكر والتلاوة أو سماع العلم ، ومشغول عن المعاصي ،
والمباحات والمكروهات بكونه فيه ، والتأهب بكف السمع والبصر والأعضاء عن الحركات
في غير طاعة الله تعالى ، وعلوق الهمة على الله ولزوم الفكر في أمر الآخرة حيث يسكت عن
الذكر ، وإفادة العلم واستفادته والمجالسة لأهله والاستماع له ومحبته ومحبة أهله ،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمكروه.
وقد نبه على
ذلك كلام أمير المؤمنين عليهالسلام من اختلف إلى المساجد أصاب إحدى الثمان : أخا مستفادا في الله ، أو علما
مستطرفا ، أو آية محكمة ، أو رحمة منتظرة ، أو يسمع كلمة تدله على هدى ، أو كلمة
ترده عن ردى ، أو يترك ذنبا خشية أو حياء ٩٩٩ .
فإذا استحضر
العارف هذه الأمور إجمالا أو تفصيلا وقصدها تعدد بذلك عمله فتضاعف جزاؤه فبلغ بذلك
أعمال المتقين وتصاعد في درجات المقربين وعلى ذلك يحمل أشباهه من الطاعات.
__________________
تنبيه
:
ينبغي أن ينوي
في الأشياء المحتملة الوجوب كتلاوة القرآن ، إذ حفظه واجب على الكفاية. وربما يعين
على الحافظ له حذرا من النسيان ، وكطلب العلم فإنه فريضة على كل مسلم ، وكالأمر
بالمعروف وإن قام غيره مقامه. وبالجملة فروض الكفايات كلها.
وتجب نية
الوجوب حيث يتعين عليه ، وفي ترك الحرام ينوي الوجوب وفي فعل المستحب وترك المكروه
ينوي الندب. والله الموفق.
( الرابعة
والعشرون ) لما كانت الأفعال تقع على وجوه واعتبارات أمكن أن يكون الفعل الواحد
واجبا وندبا وحراما ومباحا على البدل ، وإنما يتخصص ذلك بالنية ، كضربة اليتيم
فإنها تجب في تعزيره وتستحب في تأديبه وتحرم لإهانته ، وكالأكل فإنه مباح بالنظر
إلى ماهيته ومستحب أو واجب أحيانا.
وكالتطيب
والجماع فإنهما من حظوظ النفس ، وقد ورد في فضائل الأعمال لهما ثواب كثير ، ما ذاك
إلا بحسب النية ، فلا يقصد المباضع والمتطيب بذلك إبقاء حظ النفس بل حق الله في
ذلك. ولا فرق في حظ النفس أن يقصد بذلك مجرد اللذة والتنعم أو إظهار التجمل بالطيب
واللباس للتفاخر والرياء واستجلاب المعاملين ، بل إذا تطيبت لغير الزوج فعلت حراما
فاحشا ، وكذلك إذا خرجت متطيبة للتعرض للفجور أو مقدماته ، أو قصد الرجل بذلك
التردد إلى النساء المحرمات ، فكل ما فيه حظ النفس يتصور فيه الأحكام الخمسة غالبا
ولا ينصرف إلى أحدها إلا بالنية.
ومن الخسران
المبين أن يجعل المباح حراما فكيف الواجب والمستحب ،
__________________
بل معدود من الخسران صرف الزمان في المباح وإن قل ، لأنه ينقص من
الثواب ويخفض من الدرجات.
وناهيك خسرانا
بأن يتعجل ما يفنى ويخسر زيادة نعيم يبقى ، فمن حق المتطيب يوم الجمعة أن
يقصد أمورا :
الأول ـ التأسي
بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأهل بيته عليهم الصلاة
والسلام.
الثاني ـ إكرام
الملائكة الكاتبين.
الثالث ـ تعظيم
المسجد واحترام ملائكته.
الرابع ـ ترويح
مجاوريه في الجلوس في المسجد.
الخامس ـ رفع
ما عساه يعرض من رائحة كريهة في نفسه وغيره.
السادس ـ حسم
باب الغيبة عن المغتابين لو نسبوه إلى الرائحة الكريهة ، فالمتعرض للغيبة كالشريك
فيها ، قال الله تعالى « وَلا
تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً
بِغَيْرِ عِلْمٍ » .
السابع ـ زيادة
العقل بالطيب ، كما جاء في الأخبار « من تطيب في أول نهاره صائما لم يفقد عقله ».
تنبيه
:
لا تظن أن
النية هي التلفظ بقولك « اجلس في هذا المسجد أو أسمع
__________________
العلم أو أدرسه تقربا إلى الله تعالى » ، فإن ذلك لا عبرة به ، بل المراد
الهمة على ذلك وبعث النفس وتوجهها وميلها إلى تحصيل ما فيه ثواب عاجل أو آجل تلفظ
بذلك أو لا ، ولو قدر تلفظه بذلك والوجه غيره فهو لغو.
( الخامسة والعشرون ) يجب التحرز من
الرياء فإنه يلحق العمل بالمعاصي. وهو قسمان جلي
وخفي ، والجلي ظاهر ، والخفي إنما يطلع عليه أولو المكاشفة والمعاملة لله ، كما
يروى عن بعضهم أنه طلب الغزو وتاقت نفسه إليه فتفقدها فإذا هو يحب المدح بقولهم « فلان غاز
» فتركه ، فتاقت نفسه إليه فأقبل يعرض على ذلك الرياء حتى أزاله ، ولم يزل يتفقدها
شيئا فشيئا [ بعد شيء ] حتى وجد الإخلاص مع بقاء الانبعاث ، فاتهم نفسه وتفقد
أحوالها فإذا هو يحب أن يقال « مات فلان شهيدا » لتحسن سمعته في الناس بعد موته.
وقد يكون
ابتداء النية إخلاصا ، وفي الأثناء يحصل الرياء فيجب التحرز منه ، فإنه مفسد
للعمل.
لا يكلف بضبط
هواجس النفس وخواطرها بعد إيقاع النية في الابتداء خالصة ، فإن ذلك معفو عنه كما
جاء في الحديث أن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها
.
وهنا تذنيبات
ثلاثة :
( الأول ) ذهب بعض العامة إلى أن كل
عبادة لا تلتبس بعبادة لا تفتقر إلى النية ،
__________________
كالإيمان بالله ورسله واليوم الآخر والتعظيم والإجلال لله والخوف والرجاء
والتوكل والحياء والمحبة والمهابة ، فإنها متميزة في أنفسها بصورها التي لا
يشاركها فيها غيرها.
وألحق بذلك
الأذكار كلها والثناء على الله عزوجل بما لا يشاركه فيه غيره والأذان والإقامة وتلاوة القرآن.
وهذا بالإعراض
عنه حقيق ، فإن أكثر هذه يمكن صدورها على وجه الرياء والعبث والسهو والنسيان ، فلا
تتخصص بالعبادة إلا بالنية. أما الإيمان المذكور فإنه لا يقع إلا على وجه واحد فلم
تجب فيه النية.
على أن استحضار
أدلة الإيمان في كل وقت يمكن أن يتصور فيه النية ، وكذا في عقد القلب على ذلك
والاستدامة عليه ، وقد جاء في الحديث جددوا إسلامكم بقول لا إله إلا الله
.
( الثاني )
اعتبر بعض الأصحاب النية في الاعتداد استخراجا من أن مبدأ العدة في الوفاة من حين
علم الزوجة لا من حين موته ، وبعضهم جعل العلة في ذلك الإحداد. وربما رجح الأول
بأن المرأة قد توجد صورة الإحداد في هذه المدة مع أنه غير كاف ، مع أن باقي العدد
لا يشترط فيها القصد ، فإن المطلقة تعتد من حين الطلاق وإن تأخر الخبر ، وكذلك
المنكوحة بالفاسد إذا لحقه الوطء ووطئت بالشبهة.
وقد قيل : إن
مبدأ عدة الشبهة لا من آخر وطء بل من حين الخلاء بها. وهذا يمكن استناده إلى اعتبار النية وإلى
أنها في الظاهر عصمة نكاح فلا يجامع العدة.
__________________
( الثالث )
الأصل أن النية فعل المكلف ولا أثر لنية غيره.
وتجوز النية من
غير المباشر في الصبي غير المميز والمجنون إذا حج بهما الولي.
وقد تؤثر نية
الإنسان في فعل غير المكلف ، وله صور :
١ ـ أخذ الإمام
الزكاة قهرا من الممتنع ، فيمتنع أن تعرى عن النية ، فيمكن أن يقال : تجب النية من
الإمام وإن كان الدافع المكلف.
٢ ـ إذا أخذ من
المماطل قهرا ، فإنه يملك ما أخذه إذا نوى المقاصة. وحينئذ لو كان له على مماطل
دينان فالتعيين يفوض إلى الأخذ ، فلو أخبر المقهور أنه نوى فالأقرب سماعه وترجحه
على نية القابض.
٣ ـ إذا استحلف
الغريم وكان الحالف مبطلا فإن النية نية المدعي ، فلا يخرج الحالف بالتورية به عن
إثم الكذب ووبال اليمين الكاذبة.
الثانية
:
الواجب أفضل من
الندب غالبا ، لاختصاصه بمصلحة زائدة ولقوله في الحديث القدسي ما يقرب إلي عبدي
بمثل أداء ما افترضت عليه.
وقد يتخلف ذلك
في صور :
( الأولى )
الإبراء من الدين ندب وإنظار المعسر واجب.
( الثانية )
إعادة المنفرد صلاته جماعة ، فإن الجماعة مطلقا تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة
، وصلاة الجماعة مستحبة مع أنها أفضل من السابقة وهي واجبة.
__________________
( الثالثة )
الصلاة في الأماكن الشريفة ، فإنها مستحبة وهي أفضل من غيرها من مائة ألف إلى
اثنتي عشرة صلاة.
( الرابعة )
الصلاة بالسواك والخشوع مستحبة ، ويترك لأجله [ سرعة ] المبادرة إلى
الجمعة وإن فات بعضها مع أنها واجبة ، لأنه إذا اشتد سعيه شغله الانتهاز عن
الخشوع.
وكل ذلك في
الحقيقة غير معارض لأصل الواجب وزيادته ، لاشتماله على مصلحة أزيد من فعل الواجب
لا بذلك القيد.
( وهنا فائدة )
قد ظهر أن النافلة وإن كان فيها وجه يترجح به على الفريضة وأنه جاز أن يترتب عليه
حكم زائد على الفريضة لكن لا يلزم من ذلك أفضليتها عليها ، لاشتمال الفرائض على
مزايا تنغمر تلك المزية في جملتها وليست حاصلة في النوافل.
ومن هذا ترتب
تفضيل الأنبياء على الملائكة ، وإن كان للملائكة مزية دوام العبادة بغير فتور
، وكما ورد في الخبر عن النبي صلىاللهعليهوآله إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط ـ إلى قوله ـ فإذا أحرم العبد
بالصلاة جاءه الشيطان فيقول له : اذكر كذا اذكر كذا ، حتى يضل الرجل أن يدري كم
صلى . مع أن الأذان والإقامة من وسائل الصلاة المستحبة
والمقاصد أفضل من الوسائل خصوصا الواجبة.
الثالثة :
الأغلب أن
الثواب في الكثرة والقلة تابع للعمل في الزيادة والنقصان ، لأن
__________________
المشقة أصل التكليف المؤدي إلى الثواب ومداره ، فكلما عظمت عظم. وقد تخلف
ذلك في صور تنقسم إلى قسمين :
أحدهما : أمران
متساويان وثواب أحدهما أكثر كتكبيرة الإحرام مع باقي التكبيرات ، وكذبح الهدي
والأضحية وللضعيف ، وكالصلاة في مسجدين أحدهما أكثر جماعة وقربهما والبعد واحد ، وكسجدة
التلاوة مع سجدة الصلاة ، وكركعتي النافلة مع ركعتي الفريضة. وهو كثير.
الثاني : أمران
متفاوتان ، والأقل منهما أكثر ثوبا كتسبيح الزهراء
عليهاالسلام
مع أضعافه من التسبيحات ،
وكالصيام ندبا في الحضر والسفر ، وقد ورد في الخبر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من قتل الوزغة في الضربة الأولى فله مائة حسنة ، ومن قتلها في الثانية فله
سبعون حسنة . قالوا لأن الوزغة حيوان ضعيف ، فحمية الدين يقتضي
قتلها بضربة واحدة ، فإذا لم يحصل دل على ضعف العزم.
فائدة
:
تظهر من كلام المرتضى أن قبول العبادة
وإجزاءها غير متلازمين ، فيوجد الإجزاء من دون القبول ودون العكس. وهو قول بعض العامة ، لأن المجزي
ما وقع على الوجه المأمور به شرعا وبه يخرج عن العهدة ويبرأ الذمة ويسمى فاعله
مطيعا ، والقبول ما يترتب عليه الثواب.
والذي يدل على
انفكاكه عنه وجوه :
( الأول ) سؤال
إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام
التقبل ، مع أنهما لا يفعلان
إلا فعلا صحيحا مجزيا.
__________________
وفيه نظر ، لأن
السؤال قد يكون للواقع كقوله « رَبِّ
احْكُمْ بِالْحَقِّ » ، وكذا الذي بعده « رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ » وقد كانا مسلمين.
( الثاني )
قوله تعالى « فَتُقُبِّلَ
مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ » مع أنهما معا قربا ، فلو كان عمل الذي لم يتقبل منه غير
صحيح لعلل بعدم الصحة.
وفيه نظر أيضا
، لإمكان التعبير عن عدم الإجزاء بعدم القبول لأنه غايته.
( الثالث ) قول
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أما من أسلم وأحسن في إسلامه. فإنه يجزي بعمله في الجاهلية والإسلام شرط في
الجزاء أن يحسن في إسلامه ، والإحسان هو التقوى.
وفيه نظر ، إذ
الظاهر أن الإحسان هو العمل بالأوامر على شرائطها وأركانها وارتفاع موانعها ، ونحن
نقول به.
( الرابع ) قوله صلىاللهعليهوآله إن من الصلاة لما تقبل نصفها وثلثها وربعها ، وإن منها لما يلف كما يلف
الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها مع أنها مجزية عند الفقهاء إلا من شذ من بعض فقهاء
العامة والصوفية.
وفيه نظر ، لأنه
يمكن أن يكون ذلك مع استحقاق الثواب لكنه ناقص ، أما حديث النصف إلى العشر فظاهر ،
وأما الملفوفة هنا غير المجزية لاشتمالها على نوع من الخلل.
( الخامس )
الناس مجمعون على أن الدعاء بقبوله العمل ، فلو كان القبول هو الإجزاء لم يحسن إلا
قبل الشروع في العمل ، بمعنى تيسر الشرائط والأركان
__________________
وارتفاع الموانع وهم يسألون قبل وبعد.
وفيه نظر ، لأن
السؤال قد يكون لزيادة القبول أي زيادة لازمة ، أعني الثواب أو على وجه الانقطاع
إلى الله تعالى.
( السادس )
قوله تعالى ، « إِنَّما
يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » فظاهره أن غير المتقي لا يتقبل منه ، مع أن عبادته
مجزية بالإجماع.
وفيه نظر ، لأن
بعض المفسرين قال : يراد من المؤمنين لأن الإيمان هو التقوى قال تعالى « وَأَلْزَمَهُمْ
كَلِمَةَ التَّقْوى » .
سلمنا لكن
المراد من المتقي في ذلك العمل بحيث لا يكون ذلك العمل على غير التقوى كما يحكى عن
الشيخ أبي جعفر مؤمن الطاق أنه مر معه بعض رؤساء العامة في سوق الكوفة على بائع
رمان ، فأخذ العامي منه رمانتين اختلاسا ثمَّ مر على سائل فدفع إليه واحدة ثمَّ
التفت إلى أبي جعفر وقال : عملنا سيئتين وحصلنا عشر حسنات فربحنا ثمان حسنات. فقال
له : أخطأت ، إنما يتقبل الله من المتقين .
( هداية ) كل عبادة أريد بها غير الله تعالى بل ليراه الناس متصفا بها أو ليجلب نفعا منهم أو
يدفع ضررا لا من حيث العبادة فهي الرياء ، وأما دفع الضرر بعبادة التقية فليس
برياء ، وكذا دافع الضرر بترك الصلاة والصيام.
( الرابعة )
وكل عبادة علم سببها وشك في فعلها وجب فعلها إن كانت واجبة واستحب إن كانت مستحبة
، كمن شك في الطهارة بعد تيقن الحدث ، وفي فعل
__________________
الصلاة ووقتها باق ، وفي أداء الزكاة وباقي العبادات ويجزم الناوي بالوجوب
لاستصحاب الوجوب المعلوم.
وكذا لو توقف
الخروج عن العهدة على فعل زيادة على الواجب نوى الوجوب في الجميع ، كالصلاة
المنسية غير المعلوم عينها ، وتكون النية جازمة.
ومنه الصلاة في
الثياب الكثيرة المشتبهة بالنجس. وطعن فيه بعض الأفاضل بأن الناوي غير جازم وصار
إلى الصلاة عاريا. وعلى ما قلناه الصلاة في الجميع بنية الوجوب الجازم.
وظن بعض العامة
أن الشك في هذه الصورة سبب في الوجوب. وليس الأمر كما ظن ، بل السبب هو ما قيل
الشك من المقتضيات للحكم لكن لما توقف الخروج عن العهدة بالزائد على
الواجب وجب ، ولو كان الشك سببا للوجوب لاطرد ، فيلزم تحريم الزوجة لو شك في
طلاقها ووجوب اجتنابها ، ويلزم وجوب مقتضي السهو لو شك هل عرض له في صلاته سهو ، وليس
كذلك قطعا.
( الخامسة ) قد
وقع التعبد المحض في مواضع لا يكاد يهتدى فيها إلى العلة ، كالبدأة بظاهر الذراع
وباطنه في الوضوء ، وكالجريدة إن لم تعلل بدفع العذاب ما دامت خضراء ، وكرمي
الجمرات والنهي عن بيع الطعام حتى يكال أو يوزن وكونه لا يكتفى به في المكيال لو
قلنا به تعبد .
وإذن الواهب في
قبض ما بيد الموهوب في مضي زمان عند الشيخ ، والسرف في استعمال الماء على شاطئ نهر
أو بحر فإنه مكروه ، ووجوب طلب المتيمم وإن علم عدم الماء ، ووجوب إمرار الموسى
على رأس الأقرع أو
__________________
استحبابه.
ولا تدخل هذه
الصورة تحت قوله صلىاللهعليهوآله إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه بما استطعتم إذ لم يأت بشيء من المأمور.
ووجوب العدة
على المتوفى عنها زوجها مع عدم الدخول ، ووجوبها على الصغيرة واليائسة عند المرتضى
رحمهالله
ومن تبعه ، وعدم إجزاء
القيمة في الكفارة وفي الأنعام الزكوية عند بعض الأصحاب مع أن مشروعية الزكاة لسد
خلة الفقراء وهو حاصل بالقيمة ، وتحريم الرياء مع اشتماله على المحلصات الخصوصية يخرج
عن التحريم والتفاضل حاصل.
( السادسة )
الفعل يوصف بالأداء والقضاء بحسب الوقت المحدود ولا يوصف به ما لا وقت له محدود ، فعرف
الأداء بأنه إيقاع الفعل في وقته المحدود له شرعا [ والقضاء بأنه الإيقاع خارج
وقته المحدود له شرعا ] .
وأورد أن
الواجبات الفورية ـ كالحسبة والحج ورد المغصوب وإنقاذ الغريق والأمانات الشرعية
والوديعة والعارية ـ إذا طلبتا فإن الشرع [ قد ] حد لها زمانا
للوقوع ، فأوله زمان التكليف وآخره الفراغ منها بحسبها في طولها وقصرها ، فيصدق
عليها المحدود شرعا مع انتفاء الأداء والقضاء عنها في الوقت وبعده ، وكذلك مقتضى
الطلب إذا جعلنا الأمر للفور.
والجواب بمنع
التحديد هنا ، لأن المراد بالمحدود ما ضربه الشارع وقتا مخصوصا للعبادة بحسب
المصلحة الباعثة عليه [ بحيث ] لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص ، وما ذكر
المصلحة فيه راجعة إلى المأمور ، إذ المأمور به لا بحسب
__________________
الوقت وهو قابل بالتقدم والتأخر والزيادة والنقصان ، فإن الحسبة تابعة
لوقوع المنكر أو ترك المعروف في أي وقت اتفق وزمانها يقصر ويطول ، والتكليف بالحج
يتبع الاستطاعة وحصول الرفقة.
فإن قلت : يلزم
أن يكون استدارك رمضان الفائت في سنة الفوات موصوفا بالأداء ، لأن الله تعالى جعل
له وقتا موسعا محدودا بالرمضان الثاني.
قلت : لما كان
يصدق عليه أنه فعل في غير وقته المحدود مع الجملة كان أداء ، والتحديد بالسنة أمر اقتضاه الأمر
الثاني بالقضاء ، لا على معنى أنه بعد السنة يخرج وقته بل بمعنى وجوب المبادرة
فيها وإلا فوقته بحسب الأجزاء مدة العمر وهذا هو معنى غير المحدود.
فائدتان
:
( الأولى )
القضاء يطلق على معان خمسة :
أ ـ بمعنى
الفعل والإتيان به ، ومنه قوله تعالى « فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ » « فَإِذا
قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ » .
ب ـ المعنى
السابق.
ج ـ استدراك ما
تعين وقته إما بالشروع فيه كالاعتكاف [ فيه ] أو بوجوبه فوريا كالحج إذا أفسد فإنه يطلق على
المأتي به ثانيا قضاء وإن لم ينوبه القضاء.
د ـ ما وقع
مخالفا لبعض الأوضاع المعتبرة فيه ، كما يقال فيمن أدرك ركعتين
__________________
مع الإمام « يقضي ركعتين بعد التسليم ». ولو حمل هذا على المعنى الأول أمكن
ولكن إنما يتأتى على الرواية المتضمنة لصيرورة آخر الصلاة أولها بحيث يأتي بالركعتين الأخيرتين من
العشاء الآخرة جهرا ، فإن وضع الشريعة أن يكون الجهر قبل الإخفات ، وكما يقال في
السجدة والتشهد تقضى بعد التسليم.
هـ ـ ما كان
بصورة القضاء المصطلح عليه في أنه يفعل بعد خروج الوقت المحدود ، ومنه قولهم في
الجمعة تقضى ظهرا. وهو أولى من حمله على المعنى الأول ، لأن الأول لغوي محض وأما
هذا ففيه مناسبة للمعنى الشرعي ، وخصوصا عند من قال الجمعة ظهر مقصورة .
( الثانية ) لا
يجتمع الأداء والإثم فيه ، وما ورد من أن تأخير الصلاة إلى آخر الوقت إنما يجوز
لذوي الأعذار فيأثم غيره . محمول على التغليظ ، وكذا ما ورد أن أول الوقت رضوان
الله وآخره عفو الله . ولو سلم يمنع الإثم.
( السابعة )
الإخلال بالفعل لا يستعقب القضاء إلا بأمر جديد ، وقد نص على قضاء عبادات
واستدراكها ، ولكن يعرض ما يمنع من وجوبه في صور ، كمن فاته شهر رمضان لمرض استمر
به إلى رمضان آخر فإنه لا قضاء عليه ، وكذا الشيخان العاجزان وذو العطاش ، وكذا من
نذر أن يصلي جميع الصلوات في أول أوقاتها فإنه لو أخل به ثمَّ صلى في آخر الوقت
سقط القضاء.
ومن نذر صوم
الدهر وفاته شيء منه لا يقضي لعدم زمانه ، ولكن قيل يفدي عنه.
__________________
وكذا من نذر الحج
كل عام وفاته عام فإنه لا يقضي ، ويمكن وجوب الاستئجار وإذا دخل مكة بغير إحرام
ناسيا أو متعمدا فإن الظاهر أنه لا يجب عليه التدارك ، ولو وجب فليس قضاء للأول بل
هو واجب مستقل لأجل كونه الآن خارج الحرم.
ولو نذر أن
يتصدق بما فضل عن قوته كل يوم ثمَّ فضلت فضلة فأتلفها فكل ما فضل بعدها في الأيام
المستقبلة واجب عن يومه لا عن الغرم ، فإذا لم يكن له مال فات التدارك.
ولو نذر أن
يعتق كل عبد يملكه فملك ولما يعتق حتى مات ففي وجوب الإعتاق نظر ، لأنهم انتقلوا
إلى الوارث. إلا أن يقال تعلق بهم وجوب العتق فلا يجري فيهم الإرث إلا مع الحجر
كالمرهون وتركة المديون.
ومما لا يستدرك
نفقة القريب وإن قدرها الحاكم ، وهذا داخل في القاعدة. وكذا زكاة الفطرة إذا قلنا
بعدم نقصانها ، وكذلك الجمعة والعيدان.
المرصد الثاني
وهو قسمان :
الأول
ـ في العبادات المشهورة
وهي أنواع :
( الأول ـ الطهارة )
قاعدة
:
الاستجمار رخصة ، وهو أمر خارج عن إزالة النجاسة المعتبرة ولكن اكتفى
الشارع به تخفيفا لعموم البلوى ، فلا بد فيه من النقاء وعدد الأحجار جمعا
بين النص والمعنى.
والعامة
اضطربوا هنا : فمنهم من رأى هذا دالا على العفو فجوز ترك الاستجمار ثمَّ عداه إلى
كل نجاسة بقدر الدرهم إذ هو مقدار المسربة غالبا ، ومنهم من اعتبر النقاء ولو بواحد نظرا إلى
المعنى ولم يعد الحكم إلى غيره ، ومنهم من حمل على النص واعتبر التعدد لا النقاء.
وإذا اعتبرنا
النص فالمراد بالحجر المسحة فيجزي ذو الوجوه. والمأخذ ما روي أن النبي
صلىاللهعليهوآله
حمل إليه حجران وروثة
فألقى الروثة واستعمل الحجرين . فإن الظاهر
أنه استعمل وجهي أحدهما.
قاعدة
:
ألحق بعض
العامة إزالة النجاسة بالماء بالرخص. قال : لأن الماء إن كان قليلا فالجزء الذي
يلاقي النجاسة ينجس ثمَّ ينجس المجاور له ثمَّ المجاور له حتى ينجس جميع ما في
الآنية التي يصيب بها كل جزء من الماء الكثير ، لو كان ماء البحر فإنه
منفصل في الحقيقة وإن كان متصلا في الحس ، فإذا لاقته نجاسة ينجس ذلك الجزء فينجس
ما يجاوره وهلم جرا فحينئذ إزالة النجاسة من باب الرخص والغرض بها إنما هو زوال
الأعيان عن الحس.
__________________
وهذا الإلحاق
باطل ، لأن الطهارة والنجاسة حكمان شرعيان ، وقد جعل الشارع للنجاسة علامات خاصة
كالتغير في الكثير واستواء السطح أو علو النجاسة في القليل ، فلا يحكم بالنجاسة
بدون ما نصبه الشارع أمارة لها.
قاعدة
:
النجاسة ما حرم
استعماله في الصلاة والأغذية للاستقذار وللتوصل إلى الفرار [ فبالاستقذار تخرج
السموم والأغذية الممرضة وبالتوصل إلى الفرار ] ليدخل الخمر
والعصير فإنهما غير مستقذرين.
وكل عين يحكم
بنجاستها يزيد إبعادا من النفس ، لأنها مطلوبة بالفرار عنها وبالنجاسة يزداد
الفرار ، وحينئذ يبقى ذكر الأغذية مستدركا ، إلا أن يذكر لزيادة البيان ولبيان
موضوع التحريم ، فإن في الصلاة تنبيها على الطواف ودخول المسجد ، وفي الأغذية
تنبيها على الأشربة.
ويقابلها
الطاهر ، وهو ما أبيح ملابسته في الصلاة اختيارا ، فحينئذ مرجع النجاسة إلى
التحريم ومرجع الطهارة إلى الإباحة ، وهما حكمان شرعيان.
والحق أن عين
النجاسة والطاهر ليسا حكما وإنما هما متعلقا الحكم من حيث استعمال المكلف ، [
فموضوع الحكم هو فعل المكلف ] في النجس والطاهر.
وربما قيل : النجاسة
معنى قائم بالجسم يوجب اجتنابه في الصلاة والتناول لعينه ، وفيه تنبيه على أن
الجسم من حيث [ هو ] جسم لا يكون نجسا وإلا لعمت
__________________
النجاسة كل الأجسام ، بل معنى قائم به من قذارة أو إبعاد عن الحرام.
وقوله « لعينه
» احتراز عن الأعيان المغصوبة ، فإنه يجب اجتنابها في الصلاة لكن [ لا ] لعينها بل
باعتبار تعلق حق الغير بها.
وعطف التناول
تحقيقا للخاصة ، لأن لقائل أن يقول : أكثر محرمات الصلاة حرمت لعينها ، كالكلام
والحدث والفعل الكثير والاستدبار ، فيكون الحد غير مطرد. إلا أن هذه لا تحرم في
التناول أكلا وشربا ، وذكرهما أيضا لبيان محل إيجاب الاجتناب.
قاعدة
:
كل الأجسام على
الطهارة إلا العشرة المشهورة ، وكل الحيوان على الطهارة إلا الكلب والخنزير وما
تولد منهما أو من أحدهما والكافر ، وكل الميتات على النجاسة إلا ما لا نفس له
كالسمك والجراد والجنين بذكاة أمه ، وأما الصيد المقتول بمحدد وكلب معلم فذكي ، وكذا
المجروح من الحيوان لاستعصابه وترديه [ ولو في غير موضع الذكاة. وكل الحيوانات
تقبل التذكية إلا النجس منها عينا والآدمي ] والحشرات ، وقيل يقع على الحشرات الذكاة.
قاعدة
:
كل النجاسة
مانعة من صحة الصلاة إلا في مواضع ما لا تتم الصلاة فيه وحده ودون الدرهم البغلي
عن الدم وثوب المربية للصبي والجروح والقروح الدائمة وعند تعذر
إزالتها عن البدن وكذا عن الثوب إذا اضطر إلى لبسه
__________________
وكذا لو لم يضطر على قول التخيير بينه وبين العري وإذا جهلها ولم يعلم حتى
خرج الوقت ، وقيل لا يعيد مطلقا وإذا نسيها وخرج الوقت [ وآثار ] الاستجمار إن
حكمنا بنجاستها.
قاعدة
:
الحدث هو
المانع من الصلاة المرتفع بالطهارة ، ويطلق على نفس السبب الموجب للوضوء.
والمراد بقولهم
« ينوي رفع الحدث » هو المعنى الأول ، لأن الأول واقع والواقع لا يرتفع ، والمانع
وإن كان واقعا إلا أن المقصود [ بالرفع ] منع استمراره ، كما أن عقد
النكاح يرفع استمرار منع الوطء في الأجنبية.
وهذا يبين قوة
قول من قال برفع التيمم الحدث ، لأن المنع متعلق بالمكلف وقد استباح الصلاة
بالتيمم إجماعا والحدث مانع من الصلاة إجماعا.
وقوله عليهالسلام
لحسان لما تيمم وصلى
بالناس أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ لاستعلام فقهه ، كما قال « صلىاللهعليهوآله » لمعاذ بم تحكم؟
وأما وجوب
استعمال الماء عند تمكنه منه فلأن القائل بأنه يرفع الحدث يغييه به كما يغييه بطريان حدث.
قاعدة
:
حكم الحدث
متعلق بالمكلف ، لأن الحدث هو المنع الشرعي ، فلا يتعلق
__________________
إلا بالمكلف. فالقول بأنه يتعلق بالأعضاء بعيد.
وتظهر الفائدة
في عدم الحكم بارتفاع الحدث عن العضو بغسله وحده ، إذ العضو لا يقال إنه ممنوع.
ولا ريب أن المنع من الصلاة باق ما بقي لمعة من الأعضاء ، فعلى هذا لا يجوز له لمس
المصحف بالعضو المغسول قبل تمام الغسل والمسح.
فإن قلت : ما
تقول في وضوء الجنب للنوم ، فإنه قد رفع الحدث بالنسبة إلى النوم.
قلت : هذا ليس
مما نحن فيه ، إذ لا نقول يرتفع الحدث عن أعضاء الوضوء دون باقي البدن ولا رفع هنا
حقيقة ، وإنما هو تعبد محض أو لوقوع النوم على الوجه الأكمل بغسل هذه الأعضاء.
والظاهر أن
تعقب ريح أو بول لا ينقضه ، إذ لم يجعل رافعا للحدث الأصغر فيقال فيه : أين معنى
وضوء لا ينقضه الحدث؟
قاعدة
:
كل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض تجانس أو اختلف ، ويتعلق بالحيض أحكام :
( منها ) ما
يترتب عليه ، وهو : البلوغ ، والغسل ، والعدة ، والاستبراء ، وقبول قولها فيه ، وسقوط
فرض الصلاة ، وعدم صحة الصوم ، وعدم ارتفاع الحدث ، وجواز الاستنابة في الطواف على
قول مخرج لم أقف فيه على نص.
( ومنها ) ما
يحرم بسببه ، وهو : الصلاة ، والصوم ، والاعتكاف ، ودخول المسجد وقراءة العزائم ، ومس
كتابة المصحف. وفي سجدة العزيمة قولان.
( ومنها ) ما
يكره ، وهو : كتب المصحف ، وحمله ، ولمس هامشه ، وقراءة ما عدا العزائم.
( ومنها ) ما
يحرم على الزوج ، وهو : الطلاق ، والوطء قبلا ، والمباشرة بين السرة والركبة عند
بعض الأصحاب.
( ومنها ) ما
يجب ، وهو : الاستبراء عند تجويز الانقطاع ، وقضاء الصوم.
( ومنها ) ما
يستحب ، كالوضوء ، والجلوس في المصلى ، وذكر الله بقدر زمان الصلاة.
قاعدة
:
مما يستثنى من
الأصول الكلية من الفروع الجزئية للضرورة أو مس الحاجة صحة صلاة المستحاضة ودائم
الحدث للضرورة ، وعدم الحكم بكون الماء مستعملا ما دام على عضو الجنب وإلا لم
يرتفع حدث أصلا ، وكالحكم بأن ملاقاة النجس للماء لا ينجسه إذا كان كرا فصاعدا
وإلا لعسرت الطهارة ، وطهارة الميتة من غير ذي النفس السائلة
والمني منه ، والعفو عن ماء الاستنجاء وعن ما لا يدركه الطرف من الدم عند كثير من
الأصحاب ، والعفو عن سؤر الهرة وشبهها وقد نجس فوها بزوال العين غابت أو لا ، والعفو
عن محل الاستجمار وعن زيادة ركن [ مع القدوة ] للحاجة إلى الاقتداء وعسر المتابعة في بعض الأحيان
لتباعد المأموم ، وتغيير الكيفية في صلاة الخائف لمصلحة الجماعة وللحاجة إليها
وإلى حراسة المجاهدين ، ولبس الحرير لدفع القمل وللمحارب ، وكاختصاص
__________________
النسكين بعدم الخروج [ منها بالمفسد ] وشرط العتق
لما فيه من تحصيل الحرية وتشوق الشرع إليها بدليل السراية إلى نصيب الشريك.
وهل يصح اشتراط
الوقت في البيع؟ نظر ، لقربه من العتق ومن قصوره عنه ، لعدم التغليب فيه
والسراية.
( الثاني ـ الصلاة )
قاعدة
:
الصلاة أفضل
الأعمال البدنية ، لأن تصرفات العباد أربعة : حق الله تعالى كالمعرفة ، وحق العبد
وهو ما يتمكن من إسقاطه وإلا فكل حق العبد حق الله تعالى كأداء الدين ورد الغصب
والوديعة ، وحقهما والمغلب فيه جانب العبد كالزكاة والصدقة والكفارات والنذور
والضحايا والهدايا والأوقاف والوصايا ، وحق الله ورسوله والعباد كالأذان والصلاة
مشتملة على الجميع. فحق الله كالنية والأذكار والكف عن الكلام والمنافيات ، وحق
الرسول وآله صلوات الله عليهم وهي الصلاة عليهم والشهادة لرسول الله صلىاللهعليهوآله
بالرسالة ولهم بالإمامة
، وحق المكلفين وهو دعاؤه لنفسه ولهم بالهداية. وفي القنوت وغيره يجوز
الدعاء له ولهم بما شاء وفي السلام يسلم عليهم بعد السلام على النبي وآله ومن ثمَّ
ورد صلاة فريضة أفضل من عشرين حجة « وفي خبر آخر » من ألف
__________________
حجة « وعن النبي » صلىاللهعليهوآله
« واعلموا أن خير أعمالكم
الصلاة » رواه العامة والخاصة ، وما في الأذان والإقامة من حي
على خير العمل صريح في ذلك.
فإن قلت : هذا
معارض بأن الأفضلية تتبع الأشقية ، وبأن النبي « صلىاللهعليهوآله » لما سئل : أي الأعمال أفضل؟ فقال : الإيمان بالله.
قيل : ثمَّ ما ذا؟ قال : جهاد في سبيل الله. قيل : ثمَّ ما ذا؟ قال : حج مبرور
.
ومن البعيد كون
صلاة الصبح أفضل من حجة مبرورة [ فضلا عن العدد المذكور وكون نافلتها أفضل من حجة
مسنونة ] ، وأبعد منه أفضلية الصلاة التي لا كثير تحمل فيها على الجهاد
الذي فيه بذل النفس في سبيل الله تعالى.
قلت : أما
الإيمان فخرج بقولنا « الأعمال البدنية » فلا كلام فيه ، ولهذا قالوا صلوات الله
عليهم ما تقرب العبد إلى الله تعالى بشيء بعد المعرفة أفضل من الصلاة
.
وأما الحج فلعل
المعارضة بين الصلاة الواجبة وبين الحج المندوب أو بين المتفضل به في الصلاة وبين
المستحق به في الحج مع قطع [ النظر عن ] المتفضل به في الحج ، أو يراد به أن لو حج
في ملة غير هذه الملة.
وأما الصلاة
المندوبة فيمكن أن لا يراد أن الواحدة أفضل من الحج ، إذ ليس في الحديث إلا
الفريضة.
__________________
وأما حديث خير
أعمالكم الصلاة فيمكن حمله على المعهودة وهي الفرائض. ويؤيده الأذان
والإقامة لاختصاصه بها ، أو نقول : لو صرف زمان الحج والعمرة في الصلاة المندوبة
كان أفضل منهما ، أو يختلف بحسب الأحوال والأشخاص ، كما نقل أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم سئل : أي الأعمال أفضل؟ فقال : بر الوالدين
[ وسئل أي الأعمال أفضل؟ فقال : الصلاة لأول وقتها ] وسئل أيضا أي
الأعمال أفضل؟ فقال : حج مبرور . فيختص بما
يليق بالسائل من الأعمال ، فيكون لذلك السائل والدان محتاجان إلى بره ، والمجاب
بالصلاة يكون عاجزا عن الحج والجهاد ، والمجاب بالجهاد في الخبر السابق يكون قادرا
عليه ـ كذا ذكره بعض علماء العامة دفعا للتناقض عن الأخبار.
قاعدة
:
كل مكلف دخل
عليه وقت الصلاة وجبت عليه بحسب حاله ولا عذر في تأخيرها عن وقتها إلا في مواضع : المكره
على تركها حتى إنه يمنع من فعلها بالإيماء ، والناسي والمشغول عنها بدفع صائل عن
نفس أو بضع أو بإنقاذ غريق أو بالسعي إلى عرفة أو المشعر في وجه ، وفاقد الطهور.
ولا يؤخر بعذر
من لا تنتهي النوبة إليه في البئر إلا في آخر الوقت أو النوبة في الثوب بين العراة
، أو المحبوس في بيت لا يمكن للقيام فيه ، أو راكب
__________________
السفينة لا يمكنه الخروج منها ، ولا المقيم العادم للقابل يصلون في
الوقت بحسب الحال ، ولكن يستحب التأخير إلى زوال العذر لإدراك الكمالية إن أمكن
زواله.
ولهذا يستحب
لطالب الجماعة ، والمسافر [ و ] المستوفر ، والمبرد للظهر لشدة الحر منفردا
ومجتمعا ، والمتنفل قدر السبحتين ، والعصر إلى المثلين ، والعشاء إلى ذهاب الشفق ،
نافلة الليل إلى السحر ، والمفيض العشاءين إلى المشعر ، والمستحاضة الظهر والمغرب
إلى دخول ثانيهما ، والقاضي يؤخر الأداء إلى آخر الوقت على الوقت ، وللصائم
المتوقع إفطاره والمتمكن من استيفاء الأفعال لمن يباح له رخصها والمتمكن من
المندوبات.
فائدة
:
الأذان مستحب
للخمس ، وقد يعرض له ما يخرجه عن ذلك ، إما لعدم وقوعه صحيحا كأذان غير المميز من
الطفل والمجنون وقبل الوقت في غير الصبح وأذان الكافر وغير المرتب وأذان السكران
الذي لا تحصيل له.
وأما الكراهية
كأذان الجماعة الثانية قبل تفرق الأولى أو لعصري عرفة والجمعة وعشاء المشعر ، وإما
لعروض مبطل له كالارتداد والإغماء إذا طال الزمان والسكوت الطويل وعروض الجنون أو
السكر والكلام الكثير في أثنائه الذي يخرجه عن الموالاة والإغماء والنوم مع الطول
وترك شيء من كلماته عمدا.
أما الطهارة
والاستقبال والذكورية وشبهها فشرط في كماله.
__________________
فائدة
:
لا ريب أن الطهارة والاستقبال والستر
معدودة من الواجبات في الصلاة مع الاتفاق على
جواز فعلها قبل الوقت والاتفاق في الأصول أن غير الواجب لا يجزي عن الواجب ، فاتجه
هنا سؤال ، وهو أن يقال : أحد الأمرين لازم ، وهو إما أن يقال بوجوب هذه الأمور
على الإطلاق ولم يقله أحد ، أو يقال بإجزاء غير الواجب عن الواجب وهو باطل ، لأن
الفعل إنما يجزي عن غيره مع تساويهما في المصلحة المطلقة ، ومحال تساوي الواجب
وغير في المصلحة.
وجوابه : أنا
قد بينا أن الخطاب قد ينقسم إلى خطاب التكليف وخطاب الوضع ، أعني الخطاب بنصب
الأسباب ، ولا يشترط فيه العلم والقدرة ولا عدمهما ولا التكليف ، لأن معنى قول
الشارع اعلموا كذا إنه حتى وجد كذا فقد وجب كذا أو حرم كذا أو أبيح كذا أو ندب كذا
، ومن ثمَّ حكم بضمان الصبي والمجنون ما أتلفاه مع عدم تكليفهما.
وقد يكون خطاب
الوضع بالمانع [ له ] أيضا ، كما يقول عدم كذا عند وجود المانع أو عند عدم الشرط.
إذا تقرر ذلك
فالطهارة من باب خطاب الوضع ، إذ هي شرط في صحة الصلاة ، وكذلك الاستقبال والستر ،
وذلك لا يشترط فيه شرط التكليف من إيقاعه على الوجه المخصوص ، فإن دخل الوقت على
المكلف وهو موصوف بهذه الأوصاف تمَّ الفرض وصحت الصلاة ، وإن لم يتصف بها أو
ببعضها توجه عليه حينئذ خطاب التكليف وخطاب الوضع وصارت حينئذ واجبة.
ولا استبعاد في
وجوب الطهارة في حالة دون حالة ، لأن بيان الشرع تخصص
__________________
الوجوب ببعض الحالات دون البعض وببعض الأزمنة دون البعض.
فإن قلت : أليس
ينوي في الطهارة قبل دخول الوقت الاستحباب ، وذلك خطاب التكليف ، فكيف جعلها من
خطاب الوضع؟
قلت : ذلك وإن
احتيج إليه في الطهارة فهو غير محتاج إليه في الاستقبال والستر ، ولهذا لو اتفق
كونه قائما إلى القبلة وقد لبس ساترا للعورة حياء من الناس أو ألبسه غيره كرها
أجزأ ذلك في الصلاة.
وأما وقوع
الطهارة بنية الاستحباب فهو باعتبار أنها في نفسها مستحبة لاستحباب الدوام على
الطهارة ، ولا امتناع في كون الشيء من خطاب الوضع باعتبار ومن خطاب التكليف
باعتبار ، فإذا وجد سبب الوجوب كدخول الوقت مثلا على متطهر ندبا فقد خوطب
بالصلاة حينئذ من غير أمر بتجديد طهارة لامتناع تحصيل الحاصل.
وإن كان محدثا
اجتمع عليه خطاب التكليف بفعل الطهارة وجوبا وخطاب الوضع ، ومن قبله كان عليه خطاب
التكليف باستحباب الطهارة ، فلا امتناع في ذلك.
وهذا الإشكال
البين هو الذي ألجأ بعض العلماء إلى اعتقاد وجوب الوضوء وغيره من الطهارات لنفسه
، غير أنه يجب وجوبا موسعا قبل الوقت وفي الوقت وجوبا مضيقا عند آخر الوقت. ذهب إلى
ذلك القاضي أبو بكر ابن العنبري من الجمهور وحكاه الرازي في التفسير عن جماعة ، وصار
بعض الأصحاب إلى
__________________
وجوب الغسل أيضا بهذه المثابة.
قاعدة
:
يجب انحصار
المبتدأ في خبره نكرة كان أو معرفة ، إذ الخبر لا يجوز أن يكون أخص بل مساويا أو
أعمل ، والمساوي منحصر في مساويه والأخص منحصر في الأعم.
فإن قلت : قد
فرقوا بين « زيد عالم » و « زيد العالم » ، فجعلوا الثاني للحصر لا الأول ، فكيف
يتوجه الإطلاق؟
قلت : الحصر
الذي أثبتناه على الإطلاق ـ وهو حصر ـ يقتضي نفي النقيض ، والذي نفوه عن النكرة هو
الحصر الذي يبقى معه النقيض الضد والمخالف ، لأن قولنا « زيد عالم » يقتضي حصر زيد
في مفهوم عالم لا يخرج عنه إلى نقيضه إلا أن عالما مطلق في العلم فهو في قوة موجبة
جزئية في وقت واحد ، فنقيضه سالبة كلية دائمة ، أي لا يكون زيد عالما في زمان ماض
ولا حال ولا استقبال. وهذا المفهوم ينتفي بقولنا « زيد عالم في وقت ما » بخلاف ما
إذا كان الخبر معرفة فإنه ينتفي كل ما خالفه.
ويتفرع عليه
أحكام :
( منها ) قوله صلىاللهعليهوآله
في الصلاة تحريمها التكبير ، فإنه يفيد انحصار حصولها في حرمة
الصلاة بالتكبير ، دون نقيضه الذي هو عدم التكبير ، وضده الذي هو الهزء واللعب
والنوم ، وخلافه الذي هو الخشوع والتعظيم ، فلو فعل أحد هذه لم يتحرم بالصلاة.
__________________
( ومنها ) قوله
« صلىاللهعليهوآله » وتحليلها التسليم ، يقتضي انحصار التحلل في التسليم
دون نقيضه الذي هو عدمه ، ودون ضده وهي أضداد التكبير ، ودون خلافه الذي هو الحدث
وغير ذلك. والمراد بالمحلل هنا ما كان مباحا آخر الصلاة ليخرج سائر ومبطلات الصلاة
ونفس التسليم إذا وقع في أثنائها.
وكما اقتضى
الحصر في التكبير اقتضى الحصر في الصيغة ، وهي « الله أكبر » لأن اللام فيه للعهد
، والمعهود من فعل النبي صلىاللهعليهوآله
ذلك ، فلا ينعقد بمعناه
ولا بتعريف الخبر ولا بتقديمه ولا ترجمته إلا مع العجز. وكذا الكلام في التسليم.
فائدة :
لا يتعلق الأمر والنهي والدعاء والإباحةوالشرط والجزاء والوعد والوعيد والترجي والتمني إلا
بمستقبل ، فمتى وضع تشبيه بين لفظتي دعاء أو أمر أو نهي أو واحد مع الآخر
فإنما يقع في مستقبل. وعلى هذا خرج بعضهم الجواب عن السؤال المشهور في قوله
صلى اللهعليه وآله : قولوا اللهم صل على
محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم [ وآل إبراهيم ] وبارك على
محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم « وفي روايات أخرى » كما صليت على إبراهيم
وآل إبراهيم فإن التشبيه يعتمد كون المشبه به أقوى في وجه الشبه أو
مساويا.
__________________
والصلاة هنا
الثناء أو العطاء والمنحة التي هي من آثار الرحمة والرضوان فيستدعي أن يكون عطاء إبراهيم
أو الثناء عليه فوق الثناء على محمد أو مساويا له وليس كذلك وإلا لكان أفضل منه.
والواقع خلافه
، فإن الدعاء إنما يتعلق بالمستقبل ونبينا « صلىاللهعليهوآله » كان الواقع قبل هذا الدعاء أنه أفضل من إبراهيم
عليهالسلام.
وهذا الدعاء يطلب فيه
زيادة على هذا الفضل مساوية لصلاته على إبراهيم ، فهما وإن تساويا في الزيادة إلا
أن الأصل المحفوظ خال عن معارضة الزيادة ، وهو جواب أحمد بن إدريس المالكي.
وفيه نظر ، لأن
ذلك بناء على أن الزيادة أمر يحصل بدعائنا ، وقد قال علماء الكلام في باب الدعاء
حيث قسموه إلى أقسامه : إن هذا القسم من أقسام الدعاء تعبد ونفعه عائد إلى الداعي
، لأن الله تعالى قد أعطى نبيه « صلىاللهعليهوآله » من علو القدر وارتفاع المنزلة ما لا يؤثر فيه دعاء
داع ، فحينئذ يصير هذا كالإخبار عما أعطى الله تعالى نبيه « صلىاللهعليهوآله » كما يشهد به القرآن العزيز والسنة القويمة والأخبار
لا توقع فيه.
وأجيب
بوجوه أخر :
الأول ـ أن
المشبه به المجموع المركب من الصلاة على إبراهيم وآله ومعظم الأنبياء هم آل
إبراهيم والمشبه الصلاة على نبينا « صلىاللهعليهوآله » وآله عليهمالسلام
وآل محمد صلوات الله
عليهم ليسوا بأنبياء فكانت الصلاة على آل إبراهيم أبلغ من الصلاة على آل
محمد ، فإذا قوبل آله بآل إبراهيم رجحت الصلاة على آل إبراهيم على الصلاة على
آله عليهالسلام
، فيكون الفاضل من الصلاة على
آل
__________________
إبراهيم لمحمد ، فيزيد به على إبراهيم. وهو جواب عز الدين بن عبد السلام.
وفيه أيضا نظر
، لأنه يشكل بأن ظاهر اللفظ تشبيه الصلاة على محمد بالصلاة على إبراهيم والصلاة
على آله بآلة قضية لإيراد كل منهما وآله ، فلا يقع المقابلة بالمجموع بل إنما هي
مقابلة الأفراد بالأفراد.
مع أن في هذا
الجواب هضما لآل محمد عليهمالسلام
، وقد قام الدليل على
أفضلية علي عليهالسلام
على [ من ] خلق من
الأنبياء وهو واحد من الآل ، فيكون السؤال عند الإمامية على حاله .
الثاني ـ أن تشبيه أصل الصلاة ب [ أصل ]
الصلاة لا كميتها بكميتها ولا صفة من
صفاتها بصفتها ، كما في قوله تعالى « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ » إن المراد تشبيه أصل الصوم بأصل لا الوقت والعدد.
وفيه أيضا نظر
، لأن الكاف في « كما » للتشبيه ، فهو اسم بمعنى « مثل » منصوب صفة لمصدر محذوف ، أي
صلاة مماثلة للصلاة على إبراهيم. والمصدر إذا وقع موصوفا استحال أن يشار به إلى
الماهية من حيث هي ، لأن الماهية من حيث هي لا تكون مقيدة بقيد ، والوصف قيد.
الثالث ـ أن المساواة في التشبيه وإن
كانت حاصلة فهي في الأفراد بالنسبة إلى كل مصل وصلاة على
حدته ، فإذا جمع جميع المصلين في جميع الصلوات
__________________
زاد ذلك أضعافا مضاعفة. وهو جواب أبي الفتح القشيري.
ويشكل هذا بأن
التشبيه واقع في كل صلاة تذكر في حال كونها صلاة واحدة. سلمنا
لكن كان ينبغي مع توالي الصلوات في زمانه صلىاللهعليهوآلهوسلم
يزيد المشبه على المشبه به
، كيف وهو متوال في جميع الأعصار إلى حين انقطاع التكليف.
الرابع ـ أن قوله اللهم صل على محمد وآل
محمد ، في قوة جملتين ، والتشبيه إنما وقع في الثانية ، أعني الصلاة على الآل.
وهذا فيه بحث
نحوي ، وهو أن العامل في المعطوف هل هو العامل في المعطوف عليه وهو القول
بالانسحاب أو لا.
ويدفعه سياق
الكلام ، فإن ذكر إبراهيم مقابل ذكر محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
، فالتشبيه واقع في
الجملتين. مع أن في هذا أيضا هضما لآل محمد ، وفيه ما فيه.
الخامس ـ أن مطلوب كل مصل المساواة
لإبراهيم في الصلاة ، وكل منهم طالب صلاة مساوية للصلاة على إبراهيم ، وإذا اجتمعت هذه الصلوات
كانت زائدة على الصلاة على إبراهيم.
وكل هذا أيضا
بناء على أن صلاتنا عليه « صلىاللهعليهوآله » تفيده زيادة في رفع الدرجة ومزيد الثواب ، وقد أنكر
هذا جماعة من المتكلمين وخصوصا الأصحاب ، وقد تقدم بيانه. بل فائدة هذا الامتثال تعود إلى المكلف نفسه ، فيستفيد به ثوابا كما جاء في
الحديث من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا
. فقد ظهر ضعف
__________________
هذه الأجوبة.
لكن الأولى
منها جواب تشبيه الأصل بالأصل ويلزم المساواة في الصلاتين ، ولكن تلك أمور موهبية
فجاز تساويهما فيها وإن تفاوتا في الأمور الكسبية المقتضية للزيادة ، فإن الجزاء
على الأعمال هو الذي يتفاضل فيه العمال لا المواهب التي يجوز نسبتها إلى كل واحد
تفضلا خصوصا على قواعد العدلية.
وهذا باطل إن
الجزاء كله تفضل كما تقوله الأشعرية ، إلا أن الصلاة هنا موهبة محضة ليس باعتبار
الجزاء ، فالذي يسمى جزاء عند العمل وإن لم يكن مسببا عن العمل هو الذي يتفاضلان
فيه. وهذا واضح.
فائدة :
كل واحدة من الصلوات الخمس لا بدل لها ،
إلا الظهر فقد قيل الجمعة بدل منها ، فهي في المعنى كظهر مقصورة
لمكان الخطبتين. وقيل بل الجمعة صلاة على حيالها ، وهو الأقرب.
وتظهر الفائدة
في عروض ما يمنع من إدراك ركعة مع تلبسه بها ، فعلى البدلية يتمها ظهرا. والأقرب
اشتراط نية العدول كما يعدل المسافر من القصر إلى الإتمام [ وإن اتحد عين الصلاة
إلا أن المسافر ] ينوي الإتمام. وهذا يحتمل
__________________
فيه ذلك ، ويحتمل أن يوجد العدول ليسري إلى أول الصلاة.
وعلى الاستقلال
فلا ريب في عدم وقوعها ظهرا من غير نية ، وهل يقبل العدول؟ يحتمله كما في الصلوات
وعدمها لمخالفتها بالنوع وإنه قد حكم ببطلانها فكيف تنقلب صحيحة.
قاعدة :
الأصل في الأسباب عدم تداخلها ، وقد
استثني منها صور :
( منها ) أسباب
سجود السهو ، فحكم جماعة منهم ابن الجنيد بتداخلها ، ومع قوله بكونه قبل التسليم
للنقيصة يزول التداخل في صور :
الأولى ـ لو
سجد للسهو للنقيصة ثمَّ سهى بعده ناسيا قبل التسليم أعاده ، كما لو تكلم بعده
ناسيا إن قلنا بوجوب التسليم. وكلامه فيه محتمل ، ويبعد هنا كون السهو للنقيصة ، لأنه
لم يبق فعل يتصور فيه النقيصة لأنه قبل التسليم.
الثانية ـ لو
سهى للنقيصة ثمَّ سجد في صلاة القصر ثمَّ عن له المقام بعده ، فالظاهر أنه تصح
النية لعدم التسليم والخروج من الصلاة. وحينئذ لو سهى بعد ذلك سجد له. ويحتمل أيضا
إعادة سجوده الأول ، لأنه لم يقع آخر الصلاة.
الثالثة ـ لو
كانت الفريضة مسبوقة فعدل إلى السابقة بعد التشهد وكان أزيد عددا منها ثمَّ سهى
فإنه يسجد ويجيء في الأول الإعادة أيضا.
ويحتمل في
الموضعين عدم العدول ، لأن سجود السهو حائل وإلا يلزم زيادة صورة سجدتين متواليتين
في الصلاة ، إلا أن نقول : المبطل زيادة الركن وهذا ليس بركن وإنما هو صورته.
ويتفرع على اعتقاد هذا الزائد فروع :
« أ » لو شك هل
سهى أم لا فسجد جاهلا بالحكم ثمَّ علم في الصلاة ، فعلى
القول بالاغتفار ينبغي أن يسجد ثانيا لأنه الآن قد زاد سجودا فيسجد له.
« ب » ـ لو ظن
أنه سهى فسجد ثمَّ تبين له بعده أنه لم يسه ، فالأقرب السجود حينئذ للزيادة.
ويحتمل ضعيفا عدمه بناء على أن السجود كما جبر غيره فيجبر نفسه.
« ج » ـ لو ظن
أن سبب سجوده بسبب نقيصة سجدة فسجد ثمَّ تبين له أن الفائت تشهد مثلا. احتمل أنه
لا يعيد ، لأن القصد جبر الخلل الواقع في الصلاة والتعيين لغو. واحتمل الإعادة ، لأنه
لم يجبر ما يحتاج إلى الجبر. وهذا نظير الإشكال فيما إذا نوى رفع حدث والواقع غيره
غلطا.
قاعدة
:
كل صلاة اختيارية تتعين فيها فاتحة
الكتاب ولا تتم إلا بها إلا أن يسهو عنها فإن كانت ركعة أو
ركعتين فلا بدل لها فرضا كان أو نفلا ، وإن كانت أكثر من ذلك تخير في التسبيح في
الزائد.
وابن أبي عقيل
يرى في السنة جواز القراءة في الركعة الثانية من حيث قطع في السورة التي قرأها مع
الحمد في الركعة الأولى. وهو نادر.
ولا يتعين سورة
من السور للقراءة إلا ما ذكره ابن بابويه وأبو الصلاح في الجمعة والمنافقين لظهرها
وجمعتها ينبغي أن يكون أولى بالتعيين كما قاله أبو الصلاح ، مع
أن الخبر الصحيح عن أبي الحسن عليهالسلام
بعدمه .
ولا شيء من
الفرائض يجزي فيه التبعيض عند من أوجب السورة إلا صلاة الآيات ، وفي تعيين الحمد
ثانيا في الركعة الواحدة منها لو لم يبعض ، قولان
__________________
أقربهما الوجوب.
واحترزنا
بالاختيارية عن صلاة جاهل الفاتحة مع ضيق الوقت ، وعن المصلي بالتسبيح في شدة
الخوف.
وألحق بهما ابن
إدريس ذا الحدث الدائم إذا لم يتمكن من الفاتحة لتوالي الحدث فإنه يجتزي بالتسبيح
أربعا في جميع الركعات ، قال : فإن لم يتمكن لتوالي الحدث فليقتصر على مرة واحدة
في قيامه ومثلها في ركوعه وسجوده.
وهذا التخفيف
لم نقف لغيره عليه ورده أولى بل ، إن كان مبطونا توضأ وبنى. والظاهر أنه مع
التوالي يسقط الوضوء إلا في افتتاح الصلاة ، وإن كان سلسا استمر مطلقا إلا أن يكون
فيه فترات يمكن فعل جميع الصلاة فيها. وقد حررناه في الذكرى.
قلت : قال فيها
عقيب ذكر الروايات الدالة على بناء المبطون : هل ينسحب مضمون الرواية في السلس؟
يمكن ذلك لاستوائهما في الموجب وإشارة الروايات إلى البناء بالحدث مطلقا. والوجه
العدم ، لأن أحاديث التحفظ بالكيس والقطن مشعرة باستمرار الحدث وأنه لا مبالاة به.
والظاهر أنه لو كان في السلس فترات وفي البطن تواتر أمكن نقل حكم كل منهما إلى
الآخر.
قاعدة
:
إذا كان الفعل موصوفا بالوجوب وله هيئات
يقع عليها وجب كل واحدة منها تخييرا ، وجاز أن يوصف بعضها
بالاستحباب بكماله ويكون الاستحباب راجعا إلى اختيار تلك الهيئة لا إلى نفسها ، وله
صور :
« أ » الجهر في
صلاة الجمعة إجماعا وفي الظهر على قول مشهور موصوف بالاستحباب ، وهو صفة للقراءة
الواجبة.
« ب » الجهر
بالبسملة في مواضع الإخفات كذلك.
« ج » استحباب
قراءة سورة بعينها في الفريضة مع وجوب أصل السورة.
« د » الجهر
للإمام بالأذكار والإخفات للمأموم ، فإنه يوصف بالاستحباب مع وجوب أصله. ولو جعل
الجهر صفة زائدة على الإخفات بحيث تكون نسبة الإخفات إلى الجهر كنسبة البعض إلى
الكل لم يكن من هذا الباب.
« ه » الهرولة
بين الصفا والمروة موصوفة بالاستحباب مع وجوب أصل الحركة ، وهو السبب في إفتاء بعض
الأصحاب وبوجوب الجهر في البسملة ووجوب الهرولة ، لأنهم لحظوا أصل الوجوب ولم
ينظروا إلى جواز الانفكاك.
« و » التسبيح
في الركوع والسجود ، فإن التسبيحة الكبرى موصوفة بالأفضل مع قيام أصل الوجوب بها
من حيث اشتمالها على التسبيح أو الذكر المطلق.
قاعدة
:
الأصل في هيئات المستحب أن تكون مستحبة
، لامتناع زيادة الوصف
على الأصل. وقد خولف في مواضع :
١ ـ الترتيب في
الأذان ، وصفه الأصحاب بالوجوب.
٢ ـ رفع اليدين
بالتكبير في التكبيرات الصلاة ، وصفه المرتضى بالوجوب.
٣ ـ وجوب
القعود في النافلة أو القيام تخييرا إن قلنا بعدم جواز الاضطجاع. وهذا وترتيب
الأذان الوجوب بمعنى الشرط ، ومنه وجوب الطهارة للصلاة المندوبة ، ويسمى الوجوب
غير المستقر.
قاعدة
:
قد غيا الشارع العبادات بغايات مخصوصة ،
كتغيية الصوم بالليل
والغسل بالمرافق والمسح بالكفين والوقوف بالموقفين بغاياتهما. والظاهر دخول الغاية
في المغيى إذا لم ينفصل بمفصل محسوس.
ويكفي مسمى
الغاية من العبادات ما غايته آخر أفعاله ، كالطواف والسعي وإن كان تحقق الآخر موقوفا
على جزء زائد من المطاف والمسعى.
ومن الأول
الانحناء في الركوع والسجود ، ومن الثاني الصلاة ، فإن غايتها آخر أفعالها. ويظهر
من كلام العلماء أنه لا يكفي انقضاء أفعالها في الخروج منها ، بل لا بد من محلل
وهو التسليم بعينه على الأصح من قولي الأصحاب ، فإن اتفق الخروج بغيره من حدث
وشبهه سقط التسليم لوجود المخرج ، فاستغني عنه.
ويمكن حمل صحيح
زرارة عن الباقر عليهالسلام
في المحدث قبل التسليم
أن صلاته تامة على ذلك ، ولا يكون فيه دلالة على نفي وجوب التسليم
مطلقا ، وإنما يلزم ذلك لو كان التسليم واجبا وجزءا ، وأما إذا كان واجبا لا جزءا
لأجل الخروج من الصلاة فلا يلزم ذلك.
وكذا قول النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم إنما صلاتنا هذه تكبير وقراءة وركوع وسجود. لا ينافي وجوب التسليم ، لأنه
عد أجزاء الصلاة والتسليم ليس جزءا.
وكذا صحيح
زرارة عن الباقر عليهالسلام
فيمن صلى خمسا إن كان
قد جلس في الرابعة قدر التشهد تمت صلاته . ولا يلزم منه
عدم وجوب التسليم ،
__________________
للاستغناء عنه بالركعة الزائدة المنافية.
فإن قلت : هذا
باطل إن التسليم ليس جزءا لكن التشهد جزء قطعا ، فلا تكون الصحة مستندة إلى
الإتيان بالمنافي بدلا عن التسليم بل إلى أنهما ليسا ركنا ، وترك غير الركن لا
تبطل الصلاة.
قلت : هذا أيضا
لا ينافي وجوب التسليم ، إذ لا يلزم من نفي ركنيته نفي وجوبه ، لأن انتفاء الأخص
لا يلزم منه انتفاء الأعم. على أن الجلوس بقدر التشهد جاز أن يكون مصاحبا للتشهد
فلم يتخلف سوى التسليم واستغني عنه بالإتيان بالمنافي. فظهر بذلك كله ضعف تمسك
القائل بندب التسليم وبقاء أدلة الوجوب خالية عن معارض.
قاعدة :
إذا دل دليل على حكم لم يكف به إلا بعدم
المعارض ، لأن وجود
المقتضي مع وجود المانع لا أثر له ، وخصوصا إذا كان ذلك الدليل قاصرا في كيفية
الدلالة عن المعارض ، فلا يجوز أن يجعل مدلول ما عارضه مدلولا له وإلا لكان قد
أقيم منافي الشيء مقام ذلك الشيء ، وهو غير جائز.
ومن ذلك يظهر
أنه لا يمكن الاستدلال بقوله تعالى « وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً » على وجوب التسليم على النبي « صلىاللهعليهوآله » في الصلاة ، لأن الإجماع واقع على خلاف الدليل ، إذ
الإجماع حاصل على استحبابه فيها وعدم تكرره وفوريته. والآية لو سلم كونها في
التسليم عليه « صلىاللهعليهوآله » لم تدل على التكرار ولا على الفورية ولا على كونه في
الصلاة ، فكيف يجوز أن يجعل ما أجمع على منافاته للدليل موردا له.
__________________
قاعدة
:
إذا تعارض العام والخاص بني العام على
الخاص ، ومن ذلك صورة
استحباب الجهر في القنوت ، لأن قول الصادق عليهالسلام القنوت كله جهار « خاص ، وقول النبي »
صلىاللهعليهوآله صلاة النهار عجماء « عام ، وكذا قول الصادق
عليهالسلام
» السنة في صلاة النهار
بالإخفات .
ومنها لو سلم
وتكلم لظنه تمام الصلاة ، فهذا كلام وتسليم وقعا عمدا ، وطريق العموم أن تعمدهما
مبطل للصلاة ، إلا أنه معارض بأخبار صحاح يتضمن خصوصية هذا بالصحة. على أن لمانع
أن يمنع من تسمية ذلك تعمدا.
ومنها كون
الأكل والشرب مفسدين للصلاة ، فإنه خرج في الوتر بدليل خاص ، وهو خبر سعيد الأعرج
عن الصادق عليهالسلام .
قاعدة
:
الأسباب تؤثر
في مسبباتها ولا يجب دوام مسببها بدوامها إذا امتثل الأمر فيه والواجبات الموسعة
بحسب الأوقات من هذا القبيل ، فإن الوقت سبب ويكفي إيقاع الفعل في جزء منه. ومن
ثمَّ اكتفى في صلاة الكسوف والخسوف بالمرة مع أن أصل الأمر لا يدل على التكرار.
ويظهر من كلام
المرتضى وأبي الصلاح وسلار وجوب الإعادة ما دام السبب كأنهم يذهبون إلى أن الوجوب
مغيا برد النور أو ذهاب الخسوف ، فيكون
__________________
الكسوف سببا لوجوب الصلاة ودوامه سببا أيضا ، ويلزم من هذا إثبات سببيته لم
يدل عليها النص بأحد الدلالات.
فإن قلت : المشهور
استحباب الإعادة والمنع قائم.
قلت : جاز أن
يكون ابتداء الكسوف سببا في الوجوب ودوامه سببا في الاستحباب ، كما أن الزوال سبب
في وجوب اليومية وطلب الجماعة لمن صلى منفردا سبب في استحبابها.
قاعدة
:
الموالاة في الصلاة شرط في صحتها ، لأن النبي « صلىاللهعليهوآله » صلاها كذلك ، فيقطعها الفعل الكثير في أثنائها. وقد
يعرض ما يخرجها عن الشرطية في مواضع :
( منها )
المبطون إذا فاجأه الحدث فإنه يتوضأ ويبني.
( ومنها ) من
سلم على نقص من صلاته ثمَّ ذكر ، وقد رواه علي بن النعمان الرازي عن الصادق
عليهالسلام
والحسين بن أبي العلاء وعبيد بن
زرارة عنه عليهالسلام
بسند آخر . وأبلغ منه ما
رواه عمار بن موسى عنه عليهالسلام
: يبني ولو بلغ الصين
ولا يعيد الصلاة . واختاره الصدوق ، ونقل عن يونس بن عبد الرحمن إعادة
الصلاة بذلك ولم يرتضه.
( ومنها ) من
كان في الخسوف فخشي فوت الحاضرة ، فإنه يقطع الكسوف
__________________
ثمَّ يأتي بالحاضرة ثمَّ يبني على صلاة الكسوف. وذهب إليه أعيان الأصحاب ، وقد
رواه في الصحيح محمد بن مسلم عن الصادق عليهالسلام وعن ابن أبي عمير بسنده أيضا
عنه عليهالسلام.
( ومنها ) إذا
لزمه احتياط ففعله ثمَّ ذكر النقص فإنه يجزي مع أنه قد تخلل النية والتكبير
والتشهد والتسليم ، وربما تخلل فعل آخر غير ذلك.
قاعدة :
كل النوافل ركعتان بتسليمة إلا الوتر ، ولا يزاد على ركعتين إلا في مواضع ثلاثة :
ا ـ صلاة
الأعرابي ، وهي من مراسيل الشيخ عن زيد بن ثابت .
ب ـ صلاة العيد
إذا صليت بغير خطبة ، فإن علي بن بابويه يقول : يصلي أربعا بتسليمة .
ج ـ صلاة جعفر
عليهالسلام
، فإن ظاهر الصدوق أنها
أربع بتسليمة .
قاعدة
:
قصر الصلاة قد يكون في الكم وهو ثابت في المسافر والخائف وإن كان حاضرا سواء كان منفردا أو في جماعة
إذا استوعب العذر الوقت أو بقي منه مالا
__________________
يسع الطهارة وركعة سواء كان الخائف رجلا أو امرأة ، وخالف ابن الجنيد في
المرأة فزعم أنها لا تقصر في الحرب. وقد تكون في الكيف ، وهو كثير كالمريض والخائف
والمضطر.
تنبيه
:
غاية القصر ركعتان سواء كان في السفر أو الخوف ، وظاهر ابن الجنيد ورواه ابن بابويه في الصحيح
عن حريز عن الصادق عليهالسلام أن الخائف مع الإمام يقتصر على ركعة فيكون للإمام ركعتان ولكل فرقة ركعة
.
قاعدة
:
لا يقضى شيء
من الواجبات بعد التسليم سوى السجدة والتشهد والصلاة على النبي وآله ، وخالف في
الصلاة ابن إدريس فأسقط قضاءها إلا مع فوات التشهد. أما ما يفعل احتياطا عند الشك
فإنه ليس معلوم الجزئية.
ولا يقضى شيء
من المندوبات سوى القنوت لو لم يتذكره بعد الركوع فإنه يقضيه بعد التسليم في
المشهور. وقال ابن الجنيد يقضيه في تشهده ، وهو نادر.
ولو تذكره فعله
بعد الركوع للخبر الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر صلوات الله عليه ، وعليه
الأصحاب إلا ابن أبي عقيل فإنه نفى قضاءه بعد الركوع وبه خبر صحيح لكنه مجهول
المسئول ، ولو سلم حمل على نفي وجوب
__________________
القضاء لا على نفي المشروعية.
قاعدة
:
ضابط الجماعة أن يكون المقتدى فيه فرضا أو أصله فرضا أو بصفة ما أصله الفرض كالاستسقاء ، ولا يتخلف الاستحباب في
ذلك كما لا يتجاوزه الاستحباب.
وخالف في
الأولين قوم ، قال ابنا بابويه في الكسوف : يصلي جماعة مع الاستيعاب وفرادى لا معه
، اعتمادا على قول الصادق عليهالسلام
في رواية ابن أبي يعفور
إذا انكسفت الشمس والقمر وانكسف كلها فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلي
بهم وإن كسف بعضه فإنه يجزي الرجل أن يصلي وحده
.
وهو دال على
تأكد الجماعة في احتراق الكل أكثر لا على النفي بالكلية ، والجماعة لا
تنكر تأكدها في بعض دون بعض ، فإنها واجبة في الجمعة والعيدين وفي الفرائض آكد من
النوافل التي يستحب فيها الجماعة.
والمفيد يقول
في قضاء الكسوف بقول ابني بابويه ، وقال أبو الصلاح باستحبابها في صلاة الغدير ، وفي
كلامه إيماء إلى أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
فعله.
قاعدة
:
ذهب المرتضى وابن الجنيد وابن أبي عقيل رحمهمالله
تعالى إلى أن المنبر يحمل بين يدي الإمام في الصلاة الاستسقاء إلى الصحراء ، وبه رواية مرسلة عن
__________________
الصادق عليهالسلام . وأنكر ذلك متأخرو الأصحاب ، ولم نقف لهم على رواية سوى
عموم أنها كصلاة العيد.
قاعدة
:
كل مؤتم لا يجوز له التقدم في الموقف
على إمامه إجماعا ، والمشهور جواز
المساواة ، وأوجب ابن إدريس تقدم الإمام بقليل في الصلاة الاختيارية وفي العراة
والروايات خالية عن هذا القيد ، وقضية الأصل تنفيه ، والتمسك بصحة صلاة الاثنين لو
قال كل منهما كنت إماما يضعف لجواز توهم كل واحد منهما التقدم.
قاعدة
:
ضابط إمام الصلاة كماله وإيمانه وعدالته
وطهارة مولده ، وباقي شرائطه
إضافية كالقيام بالإضافة إلى القائمين والذكورة بالنسبة إلى الرجال ، وينقسم
الأئمة إلى أقسام سبعة :
( الأول ) من
لا تجوز إمامته ، وهو الصبي غير المميز والكافر والفاسق والمجنون والمحدث والجنب
ونجس الثوب أو البدن مع إمكان الإزالة والحائض والنفساء والمستحاضة لا مع فعلها
فرضها. وهذا مع علم المقتدي بحالهم ، فلو ظن الكمال أجزأت إلا في الجمعة إذا
اعتبرنا كون الإمام من العدد أو كان تمام العدد به.
( الثاني ) من
تجوز إمامته بقبيل دون قبيل ، وهو الأمي واللاحن والخنثى والمرأة والمئوف اللسان
والصبي المميز.
( الثالث ) من
تجوز إمامته في صلاة دون صلاة ، وهو العبد يستثنى من
__________________
الجمعة على قول ، وكذا الأصم والأبرص والمسافر على قول من لا يوجب على
المسافر لو حضر الجمعة.
( الرابع ) من
يكره إمامته كالأجذم والأبرص والمتيمم بالمتطهرين والمسافر بالحاضرين ومن يكرهه
المأموم.
( الخامس ) من
يجوز إمامته مع أن غيره أفضل منه ، كالعبد والمبعض والمكاتب والمدبر والمكفوف
ومراتب الأقرأ والأفقه إلى آخرها.
( السادس ) من
تجب إمامته وتقدمه ـ يعني يحرم تقديم غيره عليه ـ وهو إمام الأصل صلوات الله عليه
إلا لعذر.
( السابع ) من
يستحب إمامته ، وهو من عدا هذه الأقسام.
قاعدة
:
كل من فاته
صلاة فريضة نوعية لا بدل لها وجب قضاؤها مع تكليفه وإسلامه ولو حكما والطهارة من
الحيض والنفاس ، فعلى هذا هل يقضي فاقد الطهورين لأن الوقت سبب ولم يثبت كون
التمكن من المطهر شرطا في تحقق السببية؟
واجتزأ المفيد
هنا في أوقات الصلوات عن الدعاء بقدرها عن الأداء والقضاء وهو بدل له لم يثبت.
قاعدة
:
لو صلى ما عدا العشاء بطهارة ثمَّ أحدث
فصلاها بطهارة ثمَّ ذكر إخلالا بعضو من إحدى الطهارتين ، احتمل وجوب
الخمس بعد الطهارة ووجوب صبح ومغرب
__________________
ورباعيتين يطلق في الأولى بين الظهر والعصر وفي الثانية بين العصر قضاء
وبين العشاء الآخرة أداء إذا كان الوقت باقيا وإلا كان الجميع قضاء.
ولو سها عن
الوضوء الذي كلف به الآن وصلى الصلوات الخمس أو الأربع ثمَّ ذكر أنه صلاها بغير
وضوء مستأنف ، فعلى الأول ليس عليه إلا إعادة العشاء لا غير ، لأن الإخلال إن كان
من طهارته الأولى فهو الآن متطهر وقد صلى ما فاته بطهارة صحيحة ما فاته وزيادة ، وإن
كان من طهارته الثانية فلم يضره هذا التكرار ووجب عليه صلاة العشاء.
وأما على
الثاني فيحتمل هذا أيضا ، ويحتمل أن يعيد ما عدا الصبح ، لأنه إذا كانت طهارته
الأولى فاسدة وجب عليه الصلوات بنية جازمة وهنا قد وقع الترديد.
فائدة
:
الترتيب في القضاء معتبر بين الفرائض
اليومية ، لقوله عليهالسلام فليقضها كما فاتته « وقد فاتته مرتبة فيجب الترتيب عملا بمدلول الأمر.
هذا مع الذكر ،
أما مع النسيان فيحتمل سقوطه لقوله عليهالسلام
» رفع عن أمتي الخطأ
والنسيان « والمراد حكمهما والمؤاخذة عليهما ، ولقوله »
صلىاللهعليهوآله الناس في سعة ما لم يعلموا ، ولأن الزائد حرج وعسر ، وهو منفي بالقرآن
العزيز ، ولأن التكليف مع عدم العلم تكليف بالمحال ، ولأصالة البراءة من الزائد
__________________
وثبوته لتمكنه من فعل ما وجب عليه كما وجب فيجب من باب المقدمة ، ولأنه لو
جهل عين الفريضة صلى اثنين أو ثلاثا أو خمسا على اختلاف الأحوال والأقوال وكذا صفة
الفائت لتساويهما في الوجوب.
وتوقف فيه
المحقق في المعتبر وقال في توجيه السقوط : إنه تخمين وكلفة فلا يصار إليه. ومراده
بالتخمين أي بالنسبة إلى النية ، فإنه إذا قدم فريضة أو أخرها لا يكون متيقنا حال
النية محلها من الفائتة الأخرى بل بحسب الوهم.
ومنه يظهر ضعف
وجوبه ، لأنه يؤدي إلى تزلزل النية المأمور بالجزم بها.
وجزم الفاضل في
أكثر كتبه بالوجوب ، وجعله في التذكرة أقرب ، وفي القواعد والتحرير أحوط. فعلى
الأول يتخير الابتداء بأي فريضة شاء ، وعلى الثاني يكرر حتى يحصله.
وضابطه أن ينظر
إلى الاحتمالات الممكنة في المسألة ثمَّ ينظر إلى ترتيب ينطبق كل واحد من
الاحتمالات عليه ، فهناك يعلم وجود الترتيب.
وهو ظاهر مع
القلة ، كما لو فاته ظهر وعصر مجهول ترتيبهما ، فإن هناك احتمالين بين تقديم الظهر
على العصر وعكسه ، فإذا صلى الظهر بين العصرين أو بالعكس حصلا ، وكذلك لو أضيف
إليهما صبح فإن الاحتمالات ستة حاصلة من ضرب اثنين في ثلاثة.
ويصح من سبع
فرائض ، بأن يزيد صبحا محفوفة بالجملة الأولى فيصلي الظهر ثمَّ العصر ثمَّ الظهر
ثمَّ الصبح ثمَّ الظهر ثمَّ العصر ثمَّ الظهر ، ولو أضيف إلى الثلاث مغرب صارت
الاحتمالات أربعة وعشرين حاصلة من ضرب أربعة في
__________________
ستة. ويصح على هذا الترتيب من خمس عشر ، بأن يضاف إلى المجموع مغرب متوسطة
بين السبعتين. وإن شاء جعل المتوسط إحدى الأربع الباقيات وكرر في غيرها.
وإن أضيف إليها
عشاء كانت الاحتمالات مائة وعشرين حاصلة من ضرب خمسة في أربعة وعشرين ، ويصح على
هذا الترتيب من أحد وثلاثين بتوسط واحدة من الخمس بين الجملة مرتين.
وعلى هذا لو
كانت سادسة يصير الاحتمالات سبعمائة وعشرين والصحة من ثلاث وستين فريضة ، ولو كانت
سابعة كانت الاحتمالات خمسة آلاف وأربعين احتمالا والصحة من مائة [ وسبع ] وعشرين.
وضابطه أنه
يحاط بفريضة واحدة متساويان نظما يصح دون ذلك ، والفرض من أحدهما إن كانت تحته فرض
وبالأخير تدخل الفريضتان.
وربما قيل : إن
ضابطه أن يزاد على احتمالات ممكنة واحدة ، وهو صحيح غير أنه كلفة عظيمة فيما زاد
على اثنتين أو ثلاث وعلى هذا دائما.
وهذا الطريق
مبرئ للذمة يقينا إلا أنه من الأربع فصاعدا يمكن الصحة من دون هذا العدد ، فالزائد
كلفة فتصح الأربع من ثلاث عشرة ، بأن يكرر أربعا ثلاث مرات على نظم واحد أي نظم
شاء ويزيد على آخرها أولاها ، والخمس من إحدى وعشرين بأن يكرر الخمس أيضا على نظم
واحد أربع مرات ويزاد عليها أولاها. وضابطه أن يكرر العدد المذكور على نظم واحد
أنقص من عدده بواحد ويزاد على آخره [ أخرى ] أولى الفرائض.
__________________
فروع ثلاثة :
( الأول ) لو فاته صلاتان متماثلتان كالظهرين من يومين وجهل ترتيبهما أجزأه أن يصلي ظهرين ينوي بالأولى منهما
لأول ما في ذمته ، ولا حاجة إلى التكرار.
وهل يجزي
المختلفين المتساويتين عددا؟ فيه احتمال ، لأنه لو جهل العين فعله فكذا إذا
جهل الترتيب ، فلو فاته ظهر وعصر صلى أربعا ينوي بها لأول ما في ذمته إن ظهرا
فظهرا وإن عصرا فعصرا ، ثمَّ يصلي أربعا ينوي بها باقي عليه إن ظهرا
فظهرا وإن عصرا فعصرا ، وإن كان معهما مغرب وسطها بين أربع فرائض على هذا النظم ، فيصلي
أربعتين مطلقتين ثمَّ مغربا ثمَّ أربعتين مطلقتين ، ولو كان معهن عشاء وسط المغرب
بين الست المطلقات ، وعلى هذا.
( الثاني ) لو فاته صلوات قصر وتمام
مجهولة الترتيب ذكر المحقق فيه احتمالات : السقوط والبناء على الظن ، والاحتياط
بالترتيب ، بأن يقضي الرباعيات من كل يوم مرتين تماما وقصرا.
ويمكن نصرة
الاحتمال الأخير بأن المكلف لو فاته فريضة لا يدري أهي قصر أم تمام فإنه يجب عليه
أن يصليها مرتين ، كما لو فاته فريضة مغرب وعشاء ، وحينئذ نقول في صورة الفرض كل
رباعية تمر به يجوز فيها القصر والتمام فلا يبرأ إلا بهما. ويمكن الجواب بالحرج
وعدمه.
( الثالث ) هذا الحكم إذا تعددت
المقصورات أو كانت الرباعيات ثلاثا أو اتحدت وهي مجهولة العين ، أما
لو علم عينها كالظهر مثلا أو هي والعصر لم يعرض لغيرهما قطعا
، إذ لا تعلق للفائت به.
__________________
ولو فاته
فريضتان مجهولتا العين والترتيب فاحتمالات التعيين عشرة والترتيب اثنتان فيكون
عشرين ويصح من ست فرائض صبح وأربع ومغرب وصبح وأربع عما في ذمته مرتين ، وينوي في
كل من الثلاث الأول أولى ما في ذمته. وعليك باستخراج ما يرد عليك من فروع هذا
الباب فإنها لا تنحصر وقد نبهت عليها.
( الثالث ـ الزكاة )
قاعدة
:
الزكاة إما أن تتعلق بمال أو لا ، والثاني زكاة الفطرة ، والأول إما أن يكون تعلقها
بعينيته أو بماليته ، والأول زكاة الأعيان ، والثاني زكاة التجارة.
ثمَّ إما أن
يعتبر فيها الحول أو لا ، والثاني اثنتان زكاة الفطرة والغلات.
ثمَّ هي إما أن
تتعلق بالعين أو بالذمة [ والثاني زكاة الفطرة والأول ما عداها ، إلا في موضعين
وهما عند التفريط أو التمكن من الإخراج فتتعلق بالذمة ] .
قد تصير الفطرة
متعلقة بعين إذا عزلها عند عدم المستحق ، فلو تلفت حينئذ لا بتفريط فلا ضمان ، وبالعزل
أيضا تصير المتعلقة بالذمة من المالية متعلقة بالعين ، فلو فرط في المعزول تعلقت
بالذمة ، وهكذا.
قاعدة
:
كلما يشترط فيه الحول لا بد من بقاء
عينه ، فلو عورض بجنسه أو
بغيره من الزكوي استؤنف ، إلا زكاة التجارة ، فإن الأقرب فيها البناء. أما لو
اشترى
__________________
بنقد ليس من مال التجارة فالأصح أنه لا بناء هنا.
قاعدة
:
لا تجتمع الزكاتان في عين واحدة للحديث ، وقد يتخيل الاجتماع في مواضع : ( منها ) العبد المتخذ للتجار تجب
فطرته وزكاة التجارة.
( ومنها ) من
معه نصاب وعليه بقدره دين ، فإنه على القول بوجوب زكاة الدين على مؤخره تجب عليه
الزكاة في النصاب وعلى المدين.
( ومنها ) زكاة
التمرة من نخل التجارة ، فإنه على القول بأن نتاج مال التجارة منها تتعلق الزكاة
بالتمرة عينا وقيمة.
وعند التحقيق
ليس هذا من العين في شيء : أما الأول فلأن مورد زكاة الفطرة ذمة السيد
لا عين العبد ، وأما الثاني فلأن مورد زكاة الدين ذمة المديون لا أعيان أمواله ، وأما
الثالث فلعدم اتحاد الوقت.
قاعدة :
كلام الشيخ في المبسوط أن كل من وجبت نفقته على الغير وجبت
فطرته عليه إذا كان المنفق من أهل الوجوب.
وهذا يخرج منه
: المطلقة الحامل إن قلنا إن النفقة للحمل ، وفي الأجير الذي
__________________
اشترط النفقة على المستأجر ، والعبد الموقوف على المسجد أو الرباط أو الثغر
[ أو العبد الذي لبيت المال فإن نفقتهم واجبة إما على جهات المسجد والثغر وإما على
بيت المال ] ففي الحقيقة ذلك للمسلمين ، فالنفقة في المعنى واجبة
على المسلمين.
ولا فطرة في
العبد المشترك بين جماعة عند بعض الأصحاب ، وقال آخرون تجب بالحصص. وربما لزم منه
وجوب فطرة عبد المسجد وبيت المال بناء على أنه كمال المسلمين.
تنبيه
:
ظاهر بعض الأصحاب اعتبار الإنفاق لا
وجوب الإنفاق ، وهو اختيار
الفاضل في المختلف ، فلو عصى بتركه أو تحملها عنه المنفق عليه سقط الوجوب فحينئذ
تبقى القاعدة « كل من أنفق على غيره وجبت فطرته عليه » سواء كانت النفقة مستحقة أو
مستحبة أو لا.
وظاهر ابن إدريس رحمهالله
أنها تجب بسبب الذي من شأنه
أن ينفق عليه وإن لم تجب ، وقد يفهم هذا من كلام الشيخ في المبسوط ، لأنه أوجب
فطرة الولد الصغير وإن كان موسرا محتجا بعموم قولهم « يخرجها عن نفسه وولده » ، وابن
إدريس يوجب فطرة الزوجة الناشز والمستمتع بها عملا بقولهم « والزوجة » فالقاعدة
على هذا القول كل من ينفق عليه أو دخل [ في مسمى من شأنه أن ينفق عليه تجب فطرته
عليه وأهلية الوجوب مراعاة في جميع هذه القواعد ] .
__________________
( الرابع الصوم
)
فائدة
:
كل الأعمال
الصالحة لله تعالى ، فلم جاء في الخبر ، كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا
أجزي به ، مع قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
أفضل أعمالكم الصلاة
. وكتب عمر إلى عماله : أن أهم أمري عندكم الصلاة.
وأجيب بوجوه :
( الأول ) أنه
اختص بترك الشهوات والملاذ في الفرج والبطن ، وذلك أمر عظيم يوجب التشريف وأجيب
بالمعارضة بالجهاد ، فإن فيه ترك الحياة فضلا عن الشهوات ، وبالحج إذ فيه الإحرام
ومتروكاته كثيرة.
( الثاني ) أنه
أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه ، فلذلك شرف بخلاف الصلاة والجهاد وغيرهما. أجيب بأن
الإيمان والإخلاص أفعال القلب والخشية خفية مع تناول الحديث إياها.
( الثالث ) أن
عدم ملء الجوف تشبه بصفة الصمدية. وأجيب بأن طلب العلم تشبيه
بأجل صفات الربوبية وهو العلم الذاتي ، وكذلك الإحسان إلى المؤمنين وتعظيم
الأولياء والصالحين كل ذلك فيه التخلق تشبيها بصفات الله تعالى.
__________________
( الرابع ) أن
جميع العبادات وقع فيها التقرب إلى غير الله تعالى إلا الصوم فإنه لم يتقرب به إلا
إلى الله وحده. أجيب بأن الصوم يفعله أصحاب استخدام الكواكب.
( الخامس ) أن
الصوم يوجب صفاء العقل والفكر بواسطة ضعف القوى الشهوية بسبب الجوع ، ولذلك
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم لا تدخل الحكمة جوف مليء طعاما ، وصفاء العقل والفكر يوجبان حصول المعارف
الربانية التي هي أشرف أحوال النفس الإنسانية. أجيب بأن سائر العبادات إذا واظب
عليها أورثت ذلك ، خصوصا الصلاة ، قال تعالى « وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنا » وقال تعالى « اتَّقُوا اللهَ
وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ
نُوراً تَمْشُونَ بِهِ » قال بعضهم لم أر فيه فرقا تقربه العين ويسكن إليه
القلب.
ولقائل أن يقول
: هب أن كل واحد من هذه الأجوبة مدخول بما ذكر فلم لا يكون مجموعها هو الفارق ،
فإنه لا تجتمع هذه الأمور المذكورة لغير الصوم. وهذا واضح.
فائدة
:
روي عن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
من صام رمضان واتبعه بست
من شوال فكأنما صام الدهر . فيه مباحث :
__________________
( الأول ) لم
قال « رمضان » وقد قال تعالى « ( شَهْرُ رَمَضانَ ) » وفي الحديث لا تقولوا رمضان
.
جوابه : إنما
قيل للتنبيه على جواز ذلك اللفظ وإن كان غيره أولى منه.
( الثاني ) هل هذه الستة مترتبة على
صيام مجموع الشهر أو يكفي صوم شيء منه أو لا يترتب أصلا.
جوابه : أن
الظاهر ترتيبها على مجموع الشهر ، لما يذكره في علل صيام الدهر. ويحتمل عدم
الترتيب أصلا لأنها أيام معينة للصوم فلا يختلف فيها الحال.
( الثالث ) لم
قال بست والأيام مذكرة.
جوابه : للجري
على قاعدة الكلام العربي من تغليب الليالي على الأيام ، كقوله تعالى « وَعَشْراً » وكقوله « إِنْ لَبِثْتُمْ إِلّا يَوْماً » بعد قوله تعالى « إِنْ لَبِثْتُمْ إِلّا عَشْراً » .
( الرابع ) لم
قال « من شوال » وهل له مزية على غيره من الشهور.
جوابه : لعله
رفق بالمكلف باعتبار أنه حديث عهد بالصوم ، فيكون دوامه على الصوم أسهل من ابتدائه
بعد انقطاعه.
( الخامس ) هل
هي بعد العيد بغير فصل أم لا ، ولو أخرها عن العيد هل يأتي بها أم لا؟
__________________
جوابه : الأفضل
عندنا أن تلي العيد بغير فصل لما قلناه ، والظاهر بقاء الاستحباب
لشمول اللفظ.
( السادس ) لم
خص
العدد بست دون غيرها؟
جوابه : لقوله
تعالى « مَنْ جاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » فيكون مع رمضان ثلاثمائة وستين يوما ، وذلك سنة كاملة.
( السابع ) لم
قال « فكأنما » ولم يقل فكأنه؟
جوابه : لأن
المراد تشبيه الصوم بالصوم ، ولو قال فكأنه لكان تشبيها للصائم بالصوم وليس بمراد.
( الثامن ) كيف
يتصور أن يكون هذا القدر معادلا لصوم الدهر وهو جزء منه ، وكيف يساوي الجزء الكل؟
جوابه : أن
لصائم هذه مثل ثواب صيام الدهر مجردا عن المضاعفة ، أي أضعاف هذه مثل استحقاق صوم
الدهر ، أو أن المراد أن لو كان في غير هذه الملة فإن الأضعاف إنما جاءت في هذه
الملة.
( التاسع ) هل
المشبه به كيف اتفق أو كونه على حالة مخصوصة؟
جوابه : بل
المراد صوم الدهر خمسة أسداسه فرض وسدسه نفل كما كان المشبه بهذه النسبة ، فله
بالحسنة من الواجب عشر أمثالها من الواجب وبالحسنة من المندوب عشر أمثالها من
المندوب.
( العاشر ) هل
المراد دهر هذا الصائم أو مطلقا ، فإن كان الأول فهلا قال دهره وإن كان الثاني فلا
يتوجه الجواب عن السادس.
__________________
جوابه : أن
المراد دهر الصائم « وأل » عوض عن المضاف إليه ، كقوله تعالى « فَإِنَّ الْجَنَّةَ
هِيَ الْمَأْوى » أي مأواه.
( الحادي عشر )
هل فرق بين هذه الستة وبين ستة الأيام في الآية الأخرى؟
جوابه : نعم ، لأن
هذه الستة قد ثبت حكمها ، وأما ستة الخلق فقيل لأن الستة أول عدد تام ، ونعني
بالتام الذي إذا اجتمعت أجزاؤه لا تزيد عليه ولا تنقص وبغير التام هو الذي إذا
اجتمعت أجزاؤه ينقص عنه ، كالأربعة فإن لها نصفا وربعا تنقص عنها وقد يكون زائدا
وهو الذي أجزاؤه تزيد عليه كالاثني عشر ، والعدد التام أحسن الأعداد كإنسان خلق
سويا والناقص كإنسان ناقص عضوا والزائد كإنسان خلق بيد زائدة.
( الخامس ـ الحج
)
قاعدة
:
للحج والعمرة
المتمتع بها ميقات بحسب الزمان وميقات بحسب المكان ، واتفق الأصحاب على أنه لا يجوز
تقديمهما على الميقات الزماني ، والأكثر على عدم جواز تقديم الإحرام على الميقات
المكاني إلا بالنذر إذا صادف الزمان ، وكذلك جوزوا تقديم الإحرام على الميقات
المكاني في العمرة المفردة الرجبية إذا خيف خروجه قبل إدراك الميقات ، فسئل عن
الفرق بين المكان والزمان مع استوائهما في التوقيت.
وأجيب : بأن
ميقات الزمان مستفاد من قوله تعالى « الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ »
__________________
وقد تقرر في العربية والأصول أن المبتدأ يجب انحصاره في الخبر والخبر لا
يجب انحصاره في المبتدأ كقوله عليهالسلام تحريمها التكبير وتحليلها التسليم
والشفعة فيما لم يقسم. فالتحريم منحصر في التكبير من غير عكس والتحليل
منحصر في التسليم كذلك ، وكذلك الشفعة منحصرة فيما لم يقسم من دون العكس فحينئذ
زمان الحج منحصر في الأشهر فلا يوجد في غيرها.
وأما ميقات
المكان فمأخوذ من قوله « صلىاللهعليهوآله » لما عد المواقيت قال هن لهن ولمن أتى عليهن من غير
أهلهن . والضمير في « هن » راجع إلى المواقيت ، وهو المبتدأ
وفي « لهن » راجع إلى أهل المواقيت ، فالتقدير المواقيت لأهل هذه الجهات ، أي
لإحرام أهل هذه الجهات ، فيجب انحصار المواقيت في أهل هذه الجهات ومن أتى عليها من
غير أهلها ، ولا يجب انحصار إحرام أهل الجهات في المواقيت قضية للقاعدة.
وأجيب أيضا بأن
الإحرام قبل الزمان يفضي إلى طول التكليف ، فلا يأمن المكلف من الوقوع في محظورات
الإحرام ، بخلاف المكان. وبأن الميقات المكاني يسوغ الإحرام بعده للضرورة فكذا
يسوغ قبله للضرورة أو النذر ، بخلاف الزماني فإن الإحرام لا يسوغ بعده للنسكين
لضرورة ولا غيرها.
قاعدة
:
كل من تجاوز
الميقات غير محرم مع كونه مخاطبا بالنسك يعود إليه مع التعمد ومع التعذر يبطل إلا
في صورة ذكرها بعض الأصحاب ، وهو الثابت
__________________
في الحج الذي أستريح العمرة إلا أنه يحرم من أدنى الحل [ ويجزيه
].
وفيها مناقشة
مع التعمد ، لأن القاعدة كلية واستثناء هذه يحتاج إلى دليل ، فإن قيل : هذه من
خصوصيات النائب ، فالمطالبة بالدليل باقية.
فائدة
:
للحرم حرمة مؤكدة ظهر أثرها في مواضع : وجوب الحج والعمرة إليه ، ويحرم الصيد فيه ، وعضد شجره ، وإخراج
المستأمن به ، وتحريم دخوله بغير إحرام إلا في المتكرر وفي الناقص عن شهر ، واختصاصه
بمناسك الحج إلا وقوف عرفة ، وتحريم دخوله على المشركين ، وتحريم دفنهم ، واختصاصه
بالنحر والذبح لما يجب بالإحرام ، وتغليظ الدية على من قتل فيه خطأ ، وتحريم لقطته
إلا لمنشد ، واختصاص مسجده بالمضاعفة في الصلاة إلى ما لا يساويه غيره ، وأنه
لا هدي على أهله وأن يمنعوا في قول ، واختصاصه بالاستقبال تبعا للكعبة الشريفة.
فائدة
:
مذهب الأصحاب أن مكة شرفها الله تعالى
أفضل البقاع ، وهو مذهب أكثر
الجمهور ، وخالف فيه بعضهم. لنا وجوه :
__________________
( الأول ) وجوب
الحج والعمرة إليها وتعظيم ثواب الحاج والمعتمر ،
قال النبي صلىاللهعليهوآله من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه
. وقال « صلىاللهعليهوآله » الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة
. وقال أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من أراد دنيا وآخرة فليؤم
هذا البيت . ولو كان لملك داران فألزم عبيده ورعيته بقصد إحداهما
حتما ووعدهم على ذلك جزاء عظيما لقطع كل عاقل بأن تلك الدار آثر عنده من الأخرى.
( الثاني )
اختصاص الكعبة الشريفة بتقبيل الأركان والاستلام ، وذلك يدل على الاحترام
والتعظيم.
( الثالث )
حديث الرحمات المائة والعشرين للطائفين والمصلين والناظرين .
( الرابع ) أن
الله جعلها حرما آمنا في الجاهلية والإسلام.
( الخامس ) أن
ابتداء الإسلام منها.
( السادس ) أن مولد
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
ومولد علي أمير
المؤمنين عليهالسلام
فيها.
( السابع )
اختصاصها بالكعبة الشريفة وحج الأنبياء السالفين إليها وإقامة
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
بها ثلاثة عشر سنة وبالمدينة
عشرا.
__________________
( الثامن ) أن
التعظيم والاحترام يختص بهما الكعبة دون غيرها ، ولوجوب استقبالها في الصلاة ومواضع العبادة
واستدبارها والانحراف عنها عند التبرز. ولا يعارض باستقبال بيت المقدس ، لأنه كان
مدة قليلة وانقطع ، والناسخ لا بد وأن يكون أكثر مصلحة من المنسوخ غالبا.
( التاسع )
كونها لا يدخل إلا بإحرام.
( العاشر )
تحريم حرمها صيدا وشجرا وحشيشا ومن دخله كان آمنا.
( الحادي عشر )
إنها مبدأ إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام.
( الثاني عشر )
أنها يحجها كل سنة ستمائة ألف ، فإن أعوز تمموا من الملائكة ،
وبأن الله حرمها يوم خلق السماوات والأرض والمدينة لم تحرم إلا في زمن النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم.
( الثالث عشر )
أنه يحرم دخول مشرك إليها لقوله تعالى « فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ
عامِهِمْ هذا » .
( الرابع عشر )
أنه تعالى أكد فضلها بتسميتها بالمسجد الحرام فجعلها كلها مسجدا ، وجعل البيت
الحرام الذي هو أول بيت وضع للناس الموصوف بالبركة والهدى حاصل بها.
( الخامس عشر )
قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم مكة حرم الله وحرم رسوله ، الصلاة فيها بمائة ألف ، والدرهم فيها بمائة
ألف. وروي بعشرة آلاف .
__________________
احتج الآخرون
بوجوه :
١ ـ إن المدينة
موضع استقرار الدين وبها هاجر سيد المرسلين وظهور دعوة الإيمان ، وبها دفن سيد
الأولين والآخرين صلىاللهعليهوآلهوسلم
وكمل الدين ووضح اليقين ، والمنقول
من السنة فيها أثبت المنقولات.
٢ ـ إقامة أعظم
الصحابة بها وموت جماعة منهم ومن الأئمة عليهمالسلام
فيها.
٣ ـ إن النبي
صلىاللهعليهوآله
دعا لها بمثل ما دعا إبراهيم
عليهالسلام
لمكة.
٤ ـ إن النبي «
صلىاللهعليهوآله » قال المدينة خير من مكة.
٥ ـ قول النبي
« صلىاللهعليهوآله » اللهم إنهم أخرجوني من أحب البقاع إلي فأسكني بأحب
البقاع إليك والأحب إلى الله تعالى أفضل والأنبياء مستجابو الدعوة.
٦ ـ قول النبي
« صلىاللهعليهوآله » لا يصبر للأواء بها وشدتها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة.
٧ ـ قوله « صلىاللهعليهوآله » إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى
جحرها أي يأوي.
٨ ـ قوله عليهالسلام
إن المدينة لتنفي خبثها كما
ينفي الكير خبث الحديد .
__________________
٩ ـ قوله عليهالسلام ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة
.
أجاب الأولون :
بأن ما ذكرناه أوضح دلالة ، والوجوه التي ذكرتموها في الأول تدل على التعظيم أما
على الأفضلية فلا ، وكذا الثاني ، وأما الدعاء منه « صلىاللهعليهوآله » فيحمل على المصرح به فيه وهو الصاع والمد ، وأما
الخيرية فهي مطلقة ، فيحمل الخيرية في سعة الرزق أو المتجر أو سلامة المزاج أو في
ساكني هذه وساكني تلك ، والمراد بأحب البقاع إليك بعد مكة ، لأنه كان قد يئس من
دخولها في ذلك الوقت فلم يرد إلا مكانا مرجوا دخوله إليه.
ويجوز أن يكون
معنى الأحبية لها الأحبية لأهلها باعتبار اشتمالها ، وقد كان إذ ذاك رسول الله « صلىاللهعليهوآله » يرشد الخلق إلى الله تعالى ، فانقضى التبليغ عن الله
تعالى بواسطة موته « صلىاللهعليهوآله » وإن كان قد أسند المحبة إليها فالمراد أهلها ، كقوله « الْأَرْضَ
الْمُقَدَّسَةَ » أي من فيها أو « بِالْوادِ
الْمُقَدَّسِ » أي شرفته الملائكة أو الكليم عليهالسلام
، والصبر على اللأواء دليل على
الفضل والكلام في الأفضال ولأنه مطلق بحسب الزمان فيحمل على زمانه « صلىاللهعليهوآله » والكون معه لنصرته.
__________________
ويؤيده خروج
أكابر الصحابة إلى البلاد ، كأمير المؤمنين علي عليه أفضل الصلاة.
وأما الإيراز فهو عبارة عن
تردد المسلمين في حال حياته « صلىاللهعليهوآله » واجتماعهم وانضمامهم إليها ، ولا بقاء لهذه الفضيلة
بعد موته صلىاللهعليهوآله
، وكذا حديث الكير مخصوص
بزمانه بخروج أكابر الصحابة منها ، وأما الروضة فقد نلتزم أنها أفضل من سائر أجزاء
المدينة ولا يلزم أفضليتها على مكة ، لأن مكة كلها رياض الجنة ، ففي الخبر عن أهل
البيت صلوات الله عليهم الركن اليماني على ترعة من ترع الجنة.
قال شيخنا : ولا
أرى لهذا الاختلاف كثير فائدة ، فإن أفضلية البقاع لا يكاد تتحقق بالمعنى المشهور
من كثرة الثواب ، وغايته أنه يجعل العامل فيه أكثر ثوابا من غيره. وقد تظافرت
الأخبار بأفضلية الصلاة في مكة على المدينة وغيره من البلدان ، ولا ريب في
اختصاصها بأفعال الحج ، ومنها الطواف الذي هو من أفضل الأعمال .
وقد روى
الأصحاب أيضا أفضلية الصدقة فيها على غيرها ، حتى أن الدرهم
__________________
فيها بمائة ألف درهم ، رواه خالد القلانسي عن الصادق
عليهالسلام
في الخبر الذي فيه أن
الصلاة فيها بمائة ألف صلاة ، وجعل في المدينة الصلاة بعشرة ألف صلاة والدرهم
بعشرة ألف درهم . وعن علي بن الحسين عليهماالسلام تسبيحة بمكة أفضل من خراج العراقين ينفق في سبيل الله
ومن ختم القرآن بمكة لم يمت حتى يرى
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويرى منزله في الجنة
. وفي هذا إيماء إلى أن باقي الأعمال تتضاعف فيها ، وقد جاءت الرواية بعظم
الذنب أيضا في مكة حتى قيل من الإلحاد فيها شتم الخادم . وكل هذا يدل
على شرف البقعة بحيث يتزايد فيها ثواب العمال على الأعمال.
وزعم بعض مكابرة العامة
على أن الأمة اجتمعت على أن البقعة التي دفن فيها رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أفضل البقاع ، ونازعه بعض
العلماء في تحقق الأفضلية هنا أولا وفي دعوى الإجماع ثانيا.
قاعدة
:
بعد مكة
والمدينة
ومواضع تتفاوت
بالأفضلية كالكوفة وبيت المقدس والمشاهد الشريفة ، وخصوصا الحائر
المقدس على ساكنه السلام ، حتى جاء في الحديث عن
أهل البيت عليهمالسلام قري كعبة لو لا بقعة تسمى كربلاء ما
__________________
خلقتك فلما تبهجت كربلاء قال لها : قري كربلاء لو لا من يدفن
فيك لما خلقتك.
وبعد ذلك
المساجد وتتفاوت بكثرة الجماعات ، وما صلى فيه نبي أو وصي نبي أفضل من غيره .
ثمَّ الثغور
وأفضلها أشدها خطرا ، ثمَّ مجالس الذكر والعلم ، وذلك باعتبار
__________________
شرف الطاعة المفعولة فيها لا باعتبار أجرامها أو أعراض قائمة بها.
وكذلك قد وقع
التفضيل بين الأزمنة ، كشهر رمضان والجمع والأيام الأربعة والليالي الأربع وأزمنة
الاغتسال.
( السادس ـ الجهاد وأحكام الكفار
والمرتد )
قاعدة
:
لا يقر من الكفار على كفره غير أهل
الكتاب بشرائط الذمة.
وللمرتد خصائص
: المؤاخذة بأحكام المسلمين ، والأمر بقضاء فائت العبادة إذا قبلت منه التوبة ، وعدم
صحة نكاحه ابتداء ، وعدم إقراره على نكاحه المستدام إلا أن يعود في العدة ، وعدم
الإقرار على دينه إن قلنا بعدم الإمهال للتوبة وإلا أقر بقدره لا غير
، ودمه هدر بالنسبة إلى المسلم ، وزوال ملكه بنفس الردة إن كان عن فطرة ، والحجر
على ماله مطلقا ، ومنعه من تزويج رقيقه وأولاده إلا صاغر ، وعدم صحة سبيه وفدائه
والمن عليه ، وعدم إرثه قريبه لو مات وكان ارتداده عن فطرة وفي غيرها نظر
والمراعاة محتملة ، وعدم صحة تصرفاته بالبيع والهبة والعتق وشبهها فتكون باطلة في
الفطري موقوفة في الملي ، وعدم إقرار ولده المرتدين على كفره ، وعدم جواز استرقاق
هذا الولد على قول ، وقسمة أموال الفطري في الحال واعتداد أزواجه عدة الوفاة ، وعدم
قبول عوده إلى الإسلام.
__________________
قاعدة
:
أموال الحربي فيء للمسلمين ، ولا يجوز أن يدفع الإمام إلى أهل الحرب مالا إلا في
مواضع :
الأول ـ افتكاك
الأسرى من المسلمين إذا لم يمكن إلا به.
الثاني ـ رد
مهر الحربي عليه إذا هاجر امرأته مسلمة.
الثالث ـ دفع
مال إليهم ليكفوا حال العجز عن مقاومتهم.
قاعدة
:
إنما جعل السجود للصنم كفرا ولم يجعل
للأب ومن يراد تعظيمه من الآدميين كفرا ، لأن السجود للصنم
يجعل على وجه العبادة له بخلاف الأب فإنه يراد به التعظيم.
فإن قلت : قد
قالوا « ما
نَعْبُدُهُمْ إِلّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى » فهو كالتقرب إلى الله تعالى بتعظيم الأب [ قلت : هذا
حكاية عن قوم منهم ، فلعل بعضهم يعتقدون غير هذا.
فإن قلت : فهؤلاء
كفار قطعا وهم القائلون بالتقرب إلى الله تعالى ] .
قلت : جاز أن
يكونوا مقتصرين على عبادة الأصنام لهذه الغاية ، ولو أن عابدا جعل صلاته وصيامه
لتعظيم آدمي كان مثلهم ، ولأن التقرب إلى الله تعالى ينبغي أن يكون بالطريق الذي
نصبه الله تعالى للمتقرب ، ولم ينصب الله تعالى عبادة الصنم طريقا للتقرب [ وجعل
تعظيم الأب والعالم طريقا للتقرب ] وإن
__________________
كان غير جائز تعظيمه بهذا النوع من التعظيم إلا أنه لا يئول إلى الكفر
باعتبار أنه قد أمر بتعظيمه في الجملة.
قاعدة
:
كل من اعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا
العالم وموجدة لما فيه فلا ريب أنه كافر ، وإن اعتقد أنها تفعل
الآثار المنسوبة إليها والله تعالى هو المؤثر الأعظم ـ كما يقوله أهل العدل ـ فهو
مخطئ ، إذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي ولا نقلي.
وبعض الأشعرية
[ يكفرون هذا كما ] يكفرون الأول ، وأوردوا على أنفسهم عدم إكفار المعتزلة وكل من
قال بفعل العبد ، وفرقوا بأن الإنسان وغيره من الحيوان يوجد فعله مع أن التذلل
والعبودية ظاهرة عليه ، فلا يحصل منه اهتضام الجانب الربوبية ، بخلاف الكواكب
فإنها غائبة عنه فربما أدى ذلك إلى اعتقاد استقلالها وفتح باب الكفر.
أما ما يقال
بأن استناد الأفعال إليها كاستناد الإحراق وغيرها من العاديات ، بمعنى أن الله
تعالى أجرى عادته أنها إذا كانت على شكل مخصوص أو وضع محصور يفعل ما ينسب
إليها ، ويكون ربط المسببات بها كربط مسببات الأدوية والأغذية بها مجازا باعتبار
الربط العادي لا الفعل الحقيقي ، فهذا لا يكفر معتقده ولكنه مخطئ أيضا وإن كان أقل
خطأ من الأول ، لأن وقوع هذه الآثار عندها ليس بدائم ولا أكثري.
__________________
( السابع ـ الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر )
قاعدة
:
يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إجماعا ، وهل هما عقليان
أو سمعيان وعلى الكفاية أو على الأعيان؟ قولان ، أقربهما أولهما ، عن النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليوشكن أن يبعث الله عقابا منه ثمَّ
تدعونه فلا يستجاب لكم ، وروى الأصحاب قريبا من معناه.
ومن شروطهما أن
لا يؤدى الإنكار إلى مفسدة ، كارتكاب منكر أعظم منه ، مثل أن ينهاه عن شرب الخمر فيترتب القتل ونحوه
والعلم يؤخر الفعل في نفسه ، وبأن هذا الفعل موصوف بالوجه.
فلا إنكار فيما
اختلف فيه العلماء اختلافا ظاهرا ، إلا أن يكون المتلبس يعتقد تحريم ما فعل أو
وجوب ما ترك والمنكر موافق له في اعتقاده.
ومع اختلال هذه
الشروط يحرم النهي والأمر إلا بالقلب فيهما إذا علم كونه منكرا.
ويشترط أن يجوز
التأثير ولو مع تساوي الاحتمالين ، ولا يشترط العلم ولا غلبة الظن ، أما لو علم
عدم التأثير أو غلب ظنه فإنه يسقط الوجوب لا الجواز والاستحباب.
وإن يأمن على
نفسه وماله ومن يجري مجراه. وهذا يمكن دخوله في
__________________
الشرط الأول ، وهو يسقط الجواز أيضا ، إلا أن يكون المأخوذ [ منه ] مالا له
فيجوز تحمل الأمر والسماحة به.
فائدة
:
مراتب الإنكار ثلاث تتعاكس في الابتداء
، فبالنظر إلى القدرة
والعجز اليد ، فإن عجز فاللسان ، فإن عجز فالقلب.
وبالنظر إلى
التأثير يقتصر على القلب والمقاطعة ويعتبر التعظيم ، فإن لم ينجع
فالقول مقتصرا على الأيسر فالأيسر ، قال الله تعالى( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ) [ وقال تعالى( وَلا تُجادِلُوا
أَهْلَ الْكِتابِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) [ ثمَّ بالقلب.
وأصعب الإنكار القلبي
، لقوله صلىاللهعليهوآله من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع
فبقلبه ، ليس وراء ذلك شيء من الإيمان ، ويروى وذلك أضعف الإيمان.
والمراد
بالإيمان هنا الأفعال ، ومنه قوله « صلىاللهعليهوآله » الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا
الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.
__________________
وهذه التجزئة
إنما تصح في الأفعال ، وأقوى الإيمان الفعل باليد ثمَّ اللسان ثمَّ القلب ، لأن
اليد يستلزم إزالة المفسدة على الفور ، ثمَّ القول لأنه قد يقع معه الإزالة ، ثمَّ
القلب لأنه لا يؤثر ، فإذا لحظ عدم تأثيره في الإزالة فكأنه لم يأت إلا لهذا النوع
الضعيف من الإيمان.
وقد سمى الله
تعالى الصلاة إيمانا بقوله تعالى « وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ » أي صلاتكم إلى بيت المقدس.
فروع
:
( الأول ) لا يشترط في المأمور والمنهي
أن يكون عالما بالمعصية فينكر على
المتلبس بالمعصية بصورة تعريفه أنها معصية ونهيه عنها ، وكذا المتأول للمعصية فإنه
ينكر عليه كالبغاة ، لأن المعتبر ملابسة لمفسدة واجبة الدفع ، أو كونه تاركا
لمصلحة واجبة الحصول ، كنهي الأنبياء عليهمالسلام
في أول البعثة وقد كان
المتلبسون غير عالمين بذلك ، ولأن الصبيان يؤدبون والمجانين ولا معصية.
وربما أدى
الأدب إلى القتل كما في صورة صولتهم على دم أو بضع لا يندفعون عنه إلا بالقتل ، ومن هذا
الباب لو سمع العدل أو الفاسق عفو الموكل عن القصاص وأخبر الوكيل بعفوه فلم يقبل
منه ، فللشاهد الإنكار والدفع لهذا الوكيل عن القصاص ما أمكن ولو أدى إلى قتله
فإشكال وكذا لو وجد أمته بيد رجل وزعم أنه اشتراها من وكيله فأراد البائع وطئها
لتكذيبه في الشراء أو أخذها فله دفاعه عنها.
__________________
وهذا الباب ليس من باب
الإنكار بل من باب الدفاع عن المال والبضع.
( الثاني ) يجبان على الفور إجماعا ، فلو اجتمع جماعة متلبسون بمنكر أو ترك المعروف واجب أنكر
عليهم جميعا بفعل واحد أو قول واحد إذا كان ذلك كافيا في الغرض ، مثل لا تزنوا
صلوا .
( الثالث ) الأمر بالمندوب والنهي عن
المكروه مستحبان ولكن ليس فيهما تعنيف ولا توبيخ ولا إنزال ضرر ، لأن
الضرر حرام فلا يكون بدلا عن المكروه وهو من باب التعاون على البر والتقوى.
وكذلك من وجده
يفعل ما يعتقده الواجد قبيحا ولا يعتقد مباشرة قبحه ولا حسنه مع تقارب المدارك ، أو
يعتقد حسنه بمدرك ضعيف كاعتقاد الحنفي شرب النبيذ فإنه ينكر عليه ، أما الأول
فبغير تعنيف ، وأما الثاني فكغيره من المنكرات.
( الرابع ) لو أدى الإنكار إلى قتل
المنكر حرم ارتكابه لما سلف ، وجوزه كثير من العامة ، لقوله تعالى « وَكَأَيِّنْ مِنْ
نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ » مدحهم لأنهم قتلوا بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر.
وهذا مسلم إذا
كان على وجه الجهاد ، قالوا قتل يحيى بن زكريا لنهيه عن تزويج الربيبة. قلنا : وظيفة
الأنبياء غير وظائفنا.
قالوا : قد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر
. وفي هذا تعريض لنفسه بالقتل ولم يفرق بين الكلمات
__________________
أهي من الأصول أو الفروع من الكبائر أو الصغائر. قلنا محمول على الإمام أو
نائبه أو بإذنه أو على من لا يظن القتل.
قالوا : خرج مع
ابن الأشعث جمع عظيم من التابعين في قتال الحجاج إزالة ظلمه وظلم الخليفة عبد
الملك ولم ينكر ذلك عليهم أحد من العلماء.
قلنا : لم
يكونوا كل الأمة ولا علمنا أنهم ظنوا القتل بل جوزوا التأثير ودفع المنكر ، أو جاز
أن يكون خروجهم بإذن إمام واجب الطاعة كخروج زيد بن علي صلوات الله على آبائه
وعليه وغيره من بني علي « عليهالسلام ».
( الثامن ـ التقية وتوابعها )
قاعدة
:
المداهنة في
قوله تعالى « ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ
فَيُدْهِنُونَ ) » معصية والتقية غير معصية ، والفرق بينهما أن الأول تعظيم
غير المستحق لاجتلاب نفعه أو لتحصيل صداقته ، كمن يثني على ظالم بسبب ظلمه ويصوره
بصورة العدل ، أو مبتدع على بدعته ويصورها بصورة الحق. والتقية مخاطبة الناس بما يعرفون
وترك ما ينكرون حذرا من غوائلهم ، كما أشار إليه أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وموردها
غالبا الطاعة والمعصية ، فمجاملة الظالمين فيما يعتقده ظلما والفاسق المتظاهر
بفسقه اتقاء شرهما من باب المداهنة الجائزة ولا يكاد يسمى تقية.
قال بعض
الصحابة : إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم.
__________________
وينبغي لهذا
المداهن التحفظ من الكذب ، فإنه قل أن يخلو أحد من صفة مدح.
وقد دل على
التقية الكتاب والسنة ، قال الله تعالى « لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ
أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ
فِي شَيْءٍ إِلّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً » وقال تعالى « إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالْإِيمانِ » .
وقال الأئمة
عليهم الصلاة والسلام تسعة أعشار الدين التقية
. وقالوا عليهم الصلاة والسلام من لا تقية له لا دين له ، إن الله يحب أن
يعبد سرا كما يحب أن يعبد جهرا . وقالوا
عليهمالسلام امضوا في أحكامهم ولا تشهروا أنفسكم فتقتلوا.
وكتب الكاظم
عليهالسلام
إلى علي بن يقطين بتعليمه
كيفية الوضوء على ما عليه العامة ، فتعجب من ذلك ولم يسعه الامتناع ، ففعل ذلك
أياما ، فسعي به إلى الرشيد بسبب المذهب فشغله يوما بشيء من الديوان في دار وحده
، فلما حضر وقت الصلاة تجسس عليه فوجده يتوضأ كما أمر ، فسري عن الخليفة واعتذر
إليه ، فكتب إليه بعد ذلك الإمام عليهالسلام
أن يتوضأ كذا وكذا ، ووصف له
الوضوء الصحيح .
وفتاوى أهل
البيت عليهم صلوات الله مشحونة بالتقية ، وهو أعظم أسباب اختلاف الأحاديث.
__________________
تنبيهات
:
( الأول ) التقية تنقسم بانقسام الأحكام
الخمسة :
فالواجب إذا
علم أو ظن نزول الضرر بتركها به أو ببعض المؤمنين.
والمستحب إذا
كان لا يخاف ضررا عاجلا [ ويتوهم ضررا آجلا ] أو ضررا سهلا ، أو كان تقية في
المستحب كالترتيب في تسبيح الزهراء صلوات الله عليها وترك فصول بعض الأذان.
والمكروه
التقية في المستحب حيث لا ضرر عاجلا ولا آجلا ، ويخاف منه الالتباس على عوام المذهب.
والحرام التقية
حيث يؤمن الضرر عاجلا وآجلا أو في قتل مسلم. قال أبو جعفر عليهالسلام إنما جعلت التقية لتحقن بها الدماء ، فإذا بلغ الدم فلا تقية
.
والمباح التقية
في بعض المباحات التي يرجحها العامة ولا يصل بتركها ضرر.
( الثاني )
التقية تبيح كل شيء حتى إظهار كلمة الكفر ، ولو تركها حينئذ أثم ، إلا في هذا
المقام ومقام التبري من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ، فإنه لا يأثم بتركها بل
صبره إما مباح أو مستحب خصوصا إذا كان ممن يقتدى به.
( الثالث )
الذريعة أيضا تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة باعتبار ما هي وسيلة إليه ، لأن
الوسائل تتبع المقاصد :
فالواجب ما وقى
به دمه وماله ولا طريق إلا به وكذا إذا كان طريقا إلى دفع
__________________
مظلمة عن الغير وهو مسلم أو معاهد.
والمستحب ما
كان طريقا إلى المستحب كأن يحسن خلقه للظالم ليحسن خلقه.
والمكروه ما
كان بمجرد جرد في الطبع لا لدفع ضرر.
والحرام ما كان
طريقا إلى زيادة شر الظالم وترغيبه في الظلم ومحرصا للمداهن على الهلاك والمكابرة
عليها.
والمباح ما عدا
ذلك ، ويلحق بهذا المكان :
قاعدة
:
محدثات الأمور بعد
عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تنقسم أقساما لا يطلق اسم « البدعة » عندنا إلا على ما
هو محرم منها :
( أولها )
الواجب ، كتدوين القرآن والسنة إذا خيف عليهما التفلت من الصدور ، فإن التبليغ
للقرون الآتية واجب إجماعا ، وللآية. ولا يتم إلا بالحفظ وهذا في زمان الغيبة واجب
، وأما في زمان الظهور فلا لأنه الحافظ لهما حافظا لا يتطرق إليه
الخلل.
( وثانيها )
المحرم ، وهو كل بدعة تتناولها قواعد التحريم وأدلته من الشريعة : كتقديم غير
الأئمة المعصومين « عليهمالسلام » وأخذ مناصبهم ، واستئثار ولاة الجور بالأموال ومنعها
مستحقها ، وقتال أهل الحق وتشريدهم وإبعادهم ، والقتل على
__________________
الظنة ، والإلزام ببيعة الفساق والمقام عليها وتحريم مخالفتها ، والغسل في موضع
المسح ، والمسح على غير المقدم ، وشرب كثير من الأشربة ، والجماعة في النوافل ، والأذان
الثاني يوم الجمعة ، وتحريم المتعتين ، والبغي على الإمام ، وتوريث الأباعد ومنع
الأقارب ، ومنع الخمس أهله ، والإفطار في غير وقته ـ إلى غير ذلك من المحدثات
المشهورات ، ومنها بالإجماع من الفريقين المكس وتولية المناصب غير الصالح لها ببذل
أو إرث وغير ذلك.
( وثالثها ) المستحب ، وهو ما تناولته أدلة الندب ، كبناء المدارس والربط وليس
منه اتخاذ الملوك الأهبة ليعظموا في النفوس. اللهم إلا أن يكون ذلك مرهبا للعدو.
( ورابعها ) المكروه ، وهو ما يشتمله أدلة الكراهة ، كالزيادة في تسبيح الزهراء صلوات الله
عليها وسائر الموظفات أو النقيصة منها ، والتنعم في الملابس والمآكل بحيث يبلغ
الإسراف بالنسبة إلى الفاعل ، وربما أدى إلى التحريم إذا استضر به وعياله.
( وخامسها ) المباح ، وهو الداخل تحت أدلة الإباحة ، كنخل الدقيق ، فقد ورد أول
شيء أحدثه الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
اتخاذ المناخل. لأن لين العيش والرفاهية من المباحات فوسيلته مباحة.
( التاسع ـ في تعظيم المؤمن وتوابعه )
قاعدة
:
يجوز تعظيم المؤمن بما جرت به عادة
الزمان وإن لم يكن منقولا عن السلف
__________________
لدلالة العمومات عليه ، قال تعالى « وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها
مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ » وقال تعالى « ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ
خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ » ولقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا
.
فعلى هذا يجوز
القيام والتعظيم بالحياء وشبهه ، وربما وجب إذا أدى تركه إلى التباغض والتقاطع أو
إهانة المؤمن ، وقد صح أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قام إلى فاطمة عليهاالسلام
وقام إلى جعفر عليهالسلام
لما قدم من الحبشة
وقال للأنصار قوموا إلى سيدكم. ونقل أنه « صلىاللهعليهوآله » قام لعكرمة بن أبي جهل لما قدم من اليمن فرحا بقدومه
.
فإن قلت : قد
قال رسول الله « صلىاللهعليهوآله » من أحب أن يتمثل له الناس أو الرجال قياما فليتبوأ
مقعده من النار . ونقل أنه « صلىاللهعليهوآله » كان يكره أن يقام له فكانوا إذا قدم لا يقومون لعلم
كراهته ذلك فإذا فارقهم قاموا حتى يدخل منزله لما يلزمهم من تعظيمه.
قلت : تمثيل
الرجال قياما هو ما يصنعه الجبابرة من إلزامهم الناس بالقيام في حال قعودهم إلى أن
ينقضي مجلسهم ، لا هذا القيام المخصوص القصير زمانه.
__________________
سلمنا لكن يحمل على من أراد ذلك تجبرا وعلوا على الناس فيؤاخذ من لا يقوم
له بالعقوبة ، أما من يريده لدفع الإهانة عنه والنقيصة [ له ] فلا حرج عليه ، لأن
دفع الضرر عن النفس واجب.
وأما كراهته « صلىاللهعليهوآله » فتواضع لله وتخفيف على أصحابه ، وكذا نقول : ينبغي
للمؤمن أن لا يحب ذلك وأن يؤاخذ نفسه بمحبة تركه إذا مالت إليه ، ولأن الصحابة
كانوا يقومون كما في الحديث ، ويبعد عدم علمه « صلىاللهعليهوآله » بهم ، مع أن فعلهم يدل على تسويغ ذلك.
وأما المصافحة
فثابتة من السنة وكذا تقبيل موضع السجود ، وأما تقبيل
اليد فقد ورد أيضا في الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا تلاقى الرجلان فتصافحا تحاتت ذنوبهما وكان أقربهما إلى الله تعالى
أكثرهما بشرا.
وفي الكافي للكليني رحمهالله
في هذه المقامات أخبار كثيرة نقلت منها ما تيسر لي نقله :
١ ـ عن رفاعة
عن الصادق عليهالسلام
قال لا يقبل رأس أحد ولا يده إلا رسول الله
« صلىاللهعليهوآله
» أو من أريد به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
.
٢ ـ عن علي بن
بريد صاحب السابري قال دخلت على الصادق سلام الله عليه فتناولت يده فقبلتها فقال :
أما إنه لا يصلح إلا لنبي أو وصي نبي .
٣ ـ عن الحسن
عليه الصلاة والسلام قال من قبل للرحمة ذا قرابة فليس
__________________
عليه شيء ، وقبلة الأخ على الخد وقبلة الإمام بين عينيه
.
٤ ـ عن محمد بن
سنان عن الصادق عليهالسلام ليس القبلة على الفم إلا للزوجة والولد الصغير
.
٥ ـ عن يونس بن
ظبيان عن الصادق عليهالسلام
قال إن لكم لنورا تعرفون به في الدنيا ، حتى إن أحدكم إذا
لقي أخاه قبله في موضع النور من جبهته عليهالسلام
.
٦ ـ عن أبي جعفر
عليهالسلام كما لا يقدر على صفة الله كذا لا تقدر على صفتنا ، وكما لا تقدر على صفتنا
لا تقدر على صفة المؤمن ، إن المؤمن يلقى المؤمن فيصافحه فلا يزال الله ينظر
إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما كما تتحات الورق عن الشجر
.
وأما المعانقة
فجائزة أيضا لما ثبت من معانقة النبي « صلىاللهعليهوآله » جعفرا ، واختصاصه به غير معلوم. وفي الحديث أنه قبل
بين عيني جعفر عليهالسلام
مع المعانقة .
وأما تقبيل
المحارم على الوجه فجائز ما لم يكن لريبة أو تلذذ.
ويلحق هنا
قاعدتان :
(
القاعدة ) الأولى :
الكبر معصية ، والأخبار كثيرة بذلك ، قال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم لن يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر. فقالوا : يا رسول الله
__________________
إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا. فقال : إن الله جميل يحب
الجمال ، ولكن الكبر بطر الحق وغمص الناس
.
بطر الحق : رده
على قائله. والغمص بالصاد المهملة : الاحتقار. والحديث مؤول بما يؤدي إلى الكفر ، أو
يراد أن لا يدخل الجنة مع دخول غير المتكبر بل هو بعده وبعد العذاب في النار.
وقد علم [ منه
] أن التجمل ليس من الكبر في شيء ، وقسم بعضهم التجمل بانقسام الأحكام الخمسة :
١ ـ الواجب ، كتجمل
الزوجة عند إرادة الزوج منها ذلك ، وتجمل ولاة الأمر إذا كان طريقا إلى إرهاب
العدو .
٢ ـ المستحب ، كتجمل
المرأة لزوجها ابتداء وتجمله لها ، والولاة لتعظيم الشرع ، والعلماء لتعظيم العلم.
٣ ـ الحرام ، كالتجمل
بالحرير للرجال وتجمل الأجنبي للأجنبية ليزني بها.
٤ ـ المكروه ، لبس
ثياب التجمل وقت المهنة ووقت الحداد في المرأة إذا لم تؤد إلى الزينة.
__________________
٥ ـ المباح ، وهو
ما عدا ذلك ، وهو الأصل في التجمل ، قال الله تعالى « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي
أَخْرَجَ لِعِبادِهِ »
قال بعضهم : قد
يجب الكبر على الكفار في الحرب وغيره ، وقد يندب تقليلا لبدعة المبتدع إن كان
طريقا إليها ، ولو قصد به الاستتباع وكثرة الاتباع كان حراما إذا كان الغرض به
الرياء.
وقال آخر : التواضع
للمبتدع أولى في استجلابه وأدخل في قمع بدعته.
والعجب استعظام
العبد عبادته ، وهذا معصية.
وما قدر
العبادة بالنسبة إلى أقل نعمة من نعم الله تعالى وكذا استعظام العالم علمه وكل
مطيع طاعته حتى ينسب بذلك إلى التكبر.
والفرق بينه
وبين الرياء أن الرياء يقارن العبادة والعجب متأخر عنها ، فتفسد بالرياء لا
بالعجب.
ومن حق العابد
والورع أن يستقل فعله بالنسبة إلى عظمة الله تعالى ، قال الله تعالى
( وَما قَدَرُوا اللهَ
حَقَّ قَدْرِهِ ) . ويتهم نفسه في عمله ، قال الله
( وَالَّذِينَ
يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) .
نعم لا يضر
السرور بالتوفيق للعمل ، وعليه الشكر على التوفيق لذلك ، فقد ورد في الحديث المؤمن
إذا أحسن استبشر ، وإذا أساء استغفر ، وإذا ابتلي صبر ، وإذا أعطي شكر ، وإذا أسيء
إليه غفر .
__________________
وأما التسميع المنهي عنه
في قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من يسمع سمع الله به يوم القيامة . فهو من لوازم
العجب ، إذ هو التحدث بالعبادة والطاعة والكمال ليعظم في أعين الناس ، فأول ما
يحصل في نفسه العجب ويتبعه التسميع.
[
القاعدة ] الثانية :
الغيبة محرمة بنص الكتاب العزيز والأخبار ، قال صلىاللهعليهوآله الغيبة أن تذكر الرجل بما يكره أن يسمع. قيل : يا رسول الله وإن كان حقا.
قال : إن قلت باطلا فذاك البهتان.
وهي قسمان : ظاهر
وهو معلوم ، وخفي وهو كثير كما في التعريض ، مثل أنا لا أحضر مجلس الحكام ، أنا لا
آكل أموال الأيتام ، أو فلان ويشير بذلك إلى من يفعل ذلك أو الحمد لله الذي نزهنا
عن كذا يأتي به في معرض الشكر.
ومن الخفي : الإيماء
والإشارة إلى نقض في الغير وإن كان حاضرا.
ومنه : لو فعل
كذا لكان خيرا ، أو لو لم يفعل كذا لكان حسنا.
ومنه : التنقص
بمستحق الغيبة للتنبيه به على عيوب آخر غير مستحق للغيبة. أما ما يخطر في النفس من
نقائص الغير فلا يعد غيبة ، لأن الله تعالى عفى
__________________
عن حديث النفس.
ومن الأخفى أن
يذم نفسه بذكر طرائق غير محمودة فيه أو ليس متصفا بها لينبه على عورات غيره.
وقد جوزت صورة
الغيبة في مواضع سبعة :
١ ـ أن يكون
المقول فيه مستحقا لذلك لتظاهره بسببه ، كالكافر والفاسق المتظاهر ، فيذكره بما هو
فيه لا بغيره.
ومنع بعض الناس
من ذكر الفاسق وأوجب التعزير بقذفه بذلك الفسق ، وقد روى الأصحاب نحوا من ذلك. قال
بعض العامة : حديث « لا غيبة لفاسق » أو « في فاسق » لا أصل له. قلت : ولو صح أمكن
حمله على النهي ، أي خبر يراد به النهي ، أما من يتفكه بالفسق ويبتهج به في شعره أو
كلامه فيجوز حكاية كلامه.
٢ ـ شكاية
المتظلم بصورة ظلمه ، كقول المرأة عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
: إن فلانا رجل شحيح .
٣ ـ النصيحة
للمستشير ، كقول النبي « صلىاللهعليهوآله » لفاطمة بنت قيس حين شاورته في خطابها أما معاوية فرجل
صعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه
. هذا مع مسيس الحاجة إلى ذلك والاقتصار على ما ينبه به المستشير.
وكذا لو علم
دخول الشخص مع من لا يوثق بدينه أو ماله أو نفسه جاز
__________________
له تحذيره منه وربما وجب ، بأن يوقع التحذير المجرد عن الغيبة إن مكن وإلا
جاز ذكر عيب فعيب حتى ينتهي ، لأن حفظ نفس الإنسان وماله وعرضه واجب. وليقتصر على
العيب المنوط به ذلك الأمر ، فلا يذكر في عيب التزويج ما يخل بذلك الأمر ولا
يتجاوزه.
٤ ـ الجرح
والتعديل للشاهد والراوي ، ومن ثمَّ وضع العلماء كتب الرجال وقسموهم إلى الثقات
والمجروحين وذكروا أسباب الجرح غالبا.
ويشترط إخلاص
النصيحة في ذلك بأن يقصد في ذلك حفظ أموال المسلمين وضبط السنة وحمايتها عن الكذب
ولا يكون حامله العداوة والتعصب.
وليس له إلا
ذكر ما يخل بالشهادة والرواية منه ولا يتعرض لغير ذلك ، مثل كونه ابن ملاعنة أو
شبهه.
أقول : ومن ذلك
ما يذكره النسابون من مطاعن النسب صونا للنسب الشريف من إلحاق ما ليس منه به ، إذ
قد يترتب على ذلك أمور شرعية من استحقاق الخمس والكفاءة في النكاح لو لم يكن لرشدة
ويكون ذلك هو الباعث لا العداوة.
__________________
٥ ـ ذكر
المبتدعة وتصانيفهم الفاسدة وآرائهم المضلة ، وليقتصر على ذلك القدر.
قال العلامة : من مات منهم
ولا شيعة له تعظمه ولا خلف كتابا يقرؤن ولا ما يخشى إفساده لغيره ، فالأولى أن
يستر بستر الله عزوجل ولا يذكر له عيبا البتة وحسابه على الله ، وقد قال
عليهالسلام اذكروا محاسن موتاكم . وفي خبر آخر لا
تقولوا في موتاكم إلا خيرا.
٦ ـ لو اطلع
العدد الذي يثبت به الحد أو التعزير على فاحشة جاز ذكرها عند الحاكم بصورة الشهادة
في حضرة الفاعل وغيبته.
٧ ـ قيل إذا
علم اثنان من رجل معصية شاهداها فأجرى أحدهما ذكرها في
__________________
غيبة ذلك العاصي جاز ، لأنه لا يؤثر عند السامع شيئا. والأولى التنزه عن
هذا لأنه ذكر له بما يكره لو كان حاضرا ولأنه ربما ذكر أحدهما صاحبه بعد نسيانه أو
كان سببا لاشتهارها.
( العاشر وهو نوعان )
الأول : صلة الأرحام.
قاعدة
:
كل رحم توصل للكتاب والسنة والإجماع على
الترغيب في صلة الأرحام والكلام فيها في مواضع :
( الأول ) ما الرحم ، والظاهر أنه المعروف بنسبة وإن بعد وإن كان بعضه آكد من
بعض ذكرا كان أو أنثى ، وقصره بعض العامة على المحارم الذي يحرم التناكح بينهم إن
كانوا ذكورا وإناثا ، وإن كان من قبيل يقدر أحدهما ذكرا والآخر أنثى ، فإن حرم
التناكح فهم رحم ، واحتج بأن تحريم الأختين إنما كان لما يتضمن من قطيعة الرحم
وكذا الجمع بين العمة والخالة ، وابنة الأخ والأخت مع عدم الرضا عندنا ومطلقا
عندهم.
وهذا بالإعراض
عنه حقيق ، لأن الوضع اللغوي يقتضي ما قلناه والعرف أيضا ، والأخبار دلت عليه ، وفيها
تباعد لا بأكثره.
وقوله تعالى « فَهَلْ عَسَيْتُمْ
إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ » عن علي صلوات الله عليه وآله أنها نزلت في بني أمية.
أورده علي بن إبراهيم
__________________
في تفسيره . وهو يدل على تسمية القرابة المتباعدة رحما.
( الثاني ) ما العلة التي يخرج بها عن
القطيعة؟
الجواب المرجع
في ذلك إلى العرف ، لأنه ليس له حقيقة شرعية ولا لغوية وهو يختلف بالعادات وبعد
المنازل وقربها.
( الثالث ) بم الصلة؟
والجواب قال صلىاللهعليهوآله بلوا أرحامكم ولو بالسلام . وفيه تنبيه
على أن السلام صلة.
ولا ريب أنه مع
فقر بعض الأرحام وهم العمودان تجب الصلة بالمال ، وتستحب لباقي الأقارب ، ويتأكد
في الوارث وهو قدر النفقة ومع الغنى فبالهدية في الأحيان بنفسه أو رسوله ، وأعظم
الصلة ما كان بالنفس. وفيه أخبار كثيرة.
ثمَّ بدفع
الضرر عنها ، ثمَّ بجلب النفع إليها ، ثمَّ بصلة من يحب وإن لم يكن رحما للواصل
كزوجة الأب والأخ ومولاه ، وأدناها السلام بنفسه ورسوله والدعاء بظهر الغيب والثناء
في المحضر.
( الرابع ) هل الصلة واجبة أو مستحبة؟
والجواب أنها
تنقسم إلى الواجب وهو ما يخرج به عن القطعية ، فإن قطيعة
__________________
الرحم معصية ، بل قيل هي من الكبائر. والمستحب ما زاد على ذلك.
وتظافرت
الأخبار بأن صلة الرحم تزيد في العمر ، فأشكل هذا على كثير من الناس باعتبار أن
المقدرات في الأزل والمكتوبات في اللوح المحفوظ لا تتغير بالزيادة والنقصان
لاستحالة خلاف معلوم الله تعالى وقد سبق العلم بوجود كل ممكن أراد وجوده وبعدم كل
ممكن أراد بقاءه على حالة العدم الأصلي أو إعدامه بعد إيجاده ، فكيف يمكن الحكم
بزيادة العمر أو نقصانه بسبب من الأسباب.
واضطربوا في
الجواب ، فتارة يقولون هذا على سبيل الترغيب ، وتارة المراد به الثناء الجميل بعد
الموت ، قال الشاعر :
ذكر الفتى
عمرة الثاني وحاجته
|
|
ما فاته
وفضول العيش أشغال
|
وقال : ماتوا
فعاشوا بحسن الذكر بعدهم .
وقيل : بل
المراد زيادة البركة في الأجل ، أما في نفس الأجل فلا ، وهذا الإشكال ليس بشيء « أما
أولا » فلوروده في كل ترغيب مذكور في القرآن والسنة حتى الوعد بالجنة والنعيم
بالإيمان وبجواز الصراط والحور والولدان ، وكذلك التوعد بالنيران وكيفية العذاب.
لأنا نقول : إن
الله تعالى علم ارتباط الأسباب بالمسببات في الأزل وكتبه في اللوح المحفوظ ، فمن
علمه مؤمنا فهو مؤمن أقر بالإيمان أو لا بعث إليه نبيا أو لا ومن علمه كافرا فهو
كافر على التقديرات. ثمَّ هذا اللازم الذي ذكروه ويبطل الحكمة في بعث الأنبياء
والأوامر الشرعية والمناهي ومتعلقاتها ، وفي ذلك هدم
__________________
الأديان.
والجواب عن
الجميع واحد ، وهو أن الله تعالى كما علم كمية العمر علم ارتباطه بسببه المخصوص ، وكما
علم من زيد دخول الجنة جعله مرتبطا بأسبابه المخصوصة من إيجاده وخلق العقل له وبعث
الأنبياء ونصب الألطاف وحسن الاختيار والعمل بموجب الشرع ، فالواجب على
كل مكلف الإتيان بما لزمه.
ولا يتكل على
العلم ، فإنه مهما صدر عنه فهو المعلوم بعينه ، فإذا قال الصادق
عليهالسلام
إن زيدا إذا وصل رحمه
زاد الله في عمره ثلاثين سنة ففعل كان ذلك أخبارا بأن الله تعالى عليم بأن زيدا
يفعل ما يصبر به عمره زائدا ثلاثين سنة ، كما أنه إذا أخبر أن زيدا إذا قال لا إله
إلا الله دخل الجنة ، ففعل تبينا أن الله علم أنه يقول ويدخل الجنة.
وبالجملة جميع
ما يحدث في العالم معلوم لله تعالى على ما هو عليه واقع من شرط أو سبب ، وليس نصب
صلة الرحم زيادة في العمر إلا كنصب الإيمان سببا في دخول الجنة والعمل بالصالحات
في رفع الدرجة والدعوات في تحقق المدعو به ، وقد جاء في الحديث لا تملوا من الدعاء
فإنكم لا تدرون متى يستجاب لكم. وفي هذا سر لطيف ، وهو أن المكلف عليه الاجتهاد ، ففي
كل ذرة من الاجتهاد إمكان سببيته لخير علمه الله تعالى ، كما قال تعالى
( وَالَّذِينَ جاهَدُوا
فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) .
والعجب كيف نصب
الإشكال في صلة الرحم ، ولم يذكر في جميع التصرفات الحيوانية ، مع أنه وارد فيها
عند من لا يتفطن للمخرج منه.
فإن قلت : هذا
كله مسلم ، ولكن قد قال تعالى
__________________
« وَلِكُلِّ
أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا
يَسْتَقْدِمُونَ » وقال تعالى « وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ
أَجَلُها » .
قلت : الأجل
صادق على كل ما يسمي أجلا موهبيا وأجلا مسببيا ، فيحمل ذلك على الموهبي ويكون فيه
وفاء لحق اللفظ كما تقدم في قاعدة الجزئي والجزء.
ويجاب أيضا : بأن
الأجل عبارة عما يحصل عنده الموت لا محالة ، سواء كان بعد العمر الموهبي أو
المسببي ، ونحن نقول كذلك ، لأنه عند حضور أجل الموت لا يقع التأخر. وليس المراد
به العمر ، إذ الأجل مجرد الوقت.
وينبه على قبول
العمر للزيادة وللنقصان بعد ما دلت عليه الأخبار الكثيرة قوله تعالى « وَما يُعَمَّرُ مِنْ
مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلّا فِي كِتابٍ » .
( الثاني ) حق
الوالدين وما يتبعه.
قاعدة :
لا ريب أن كلما يحرم أو يجب للإجابة
للأجانب يحرم أو يجب للأبوين ، وينفردان بأمور :
( الأول ) تحريم السفر المباح بغير
إذنهما وكذا السفر المندوب. وقيل بجواز سفر التجارة وطلب العلم
إذا لم يمكن استيفاء التجارة والعلم في بلدهما.
__________________
( الثاني ) قال بعضهم : يجب عليه
طاعتهما في كل فعل وإن كان شبهة ، فلو أمراه بالأكل معهما من مال يعتقد شبهة أكل ، لأن طاعتهما واجبة وترك
الشبهة مستحب.
( الثالث ) لو دعواه إلى فعل ، وقد حضرت
الصلاة فلتؤخر الصلاة وليطعهما كما قلناه.
( الرابع ) هل
لهما منعه من الصلاة جماعة؟ الأقرب أنه ليس لهما منعه مطلقا بل في بعض الأحيان بما
يشق عليهما مخالفته ، كالسعي في ظلمة الليل إلى العشاء والصبح.
( الخامس ) لهما
منعه من الجهاد مع عدم التعيين ، لما صح أن رجلا قال : يا رسول الله أبايعك على
الهجرة والجهاد. فقال : هل من والديك أحد؟ قال : نعم كلاهما. قال : أفتبتغي الأجر
من الله؟ قال : نعم. قال « صلىاللهعليهوآله » : فارجع إلى والديك بأحسن صحبتهما
.
( السادس ) الأقرب
أن لهما منعه من فروض الكفاية إذا علم قيام الغير أو ظن لأنه يكون حينئذ كالجهاد
الممنوع.
( السابع ) قال
بعض العلماء : لو دعواه في صلاة نافلة قطعها ، لما صح عن رسول الله « صلىاللهعليهوآله » أن امرأة نادت ابنها وهو في صومعة قالت : يا جريح.
قال : اللهم أمي وصلاتي. فقالت : يا جريح. فقال : اللهم أمي وصلاتي. فقالت : لا
تموت حتى تنظر في وجوه المومسات الحديث.
__________________
وبعض الروايات
أنه « صلىاللهعليهوآله » قال لو كان جريح فقيها لعلم أن أجابه أمه أفضل من
صلاته.
وهذا الحديث
يدل على قطع النافلة لأجلهما ، ويدل بطريق الأولى على تحريم السفر ، لأن غيبة
الوجه فيه أعظم ، وهي كانت تريد النظر إليها والإقبال عليها.
( الثامن ) كف
الأذى عنهما وإن كان قليلا بحيث لا يوصله الولد إليهما ، ويمنع غيره من إيصاله
بحسب طاقته.
( التاسع ) ترك
الصوم ندبا إلا بإذن الأب ، ولم أقف على نص في الأم.
( العاشر ) ترك
اليمين والعهد إلا بإذنه أيضا ما لم يكن في فعل واجب أو ترك محرم ، ولم نقف في
النذر على نص خاص. إلا أن يقال : هو يمين يدخل في النهي عن اليمين إلا بإذنه.
تنبيه
:
بر الوالدين لا يتوقف على الإسلام ، لقوله تعالى ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ
حُسْناً )
( وَإِنْ جاهَداكَ عَلى
أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما
__________________
فِي
الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) وهو نص ، وفيه دلالة على مخالفتهما في الأمر بالمعصية ،
وهو كقوله صلىاللهعليهوآله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
فإن قلت : ما
تصنع بقوله تعالى « فَلا
تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ » وهو يشمل الأب ، وهذا منع من المباح ، فلا يكون طاعته
واجبة فيه أو منع من المستحب فلا يجب طاعته في ترك المستحب.
قلت : الآية في
الأزواج ولو سلم الشمول ، إذ التمسك في ذلك بتحريم العضل. فالوجه فيه أن للمرأة
حقا : في الإعفاف والتضرر ، ودفع ضرر مدافعة الشهوة ، والخوف من الوقوع في الحرام
، وقطع وسيلة الشيطان عنهم بالنكاح. وأداء الحقوق واجب على الآباء للأبناء كما وجب
العكس. وفي الجملة النكاح مستحب ، وفي تركه تعرض لضرر ديني ودنيوي ، ومثل هذا لا
يجب طاعة الأبوين فيه.
فائدة
وسؤال :
جاء في الحديث
عن النبي « صلىاللهعليهوآله » أنه قال له رجل : يا رسول الله من أحق الناس بحسن
صحابتي؟ قال : أمك. قال : ثمَّ من؟ قال : أمك. قال : ثمَّ من؟
__________________
قال : أبوك .
ذكر الأم مرتين
، وفي رواية أخرى ثلاثا فقال بعض العلماء : هذا يدل على أن للأم إما ثلثي الابن على الرواية
الأولى أو ثلاثة أرباعه على الرواية الثانية وللأب أما الثلث أو الربع ، فاعترض
بعض من المستطيعين بأن هنا سؤالان :
الأول ـ أن
السؤال بأحق عن أعلى رتبة البر فعرف الرتبة العالية ، ثمَّ سأل عن الرتبة التي
تليها بصيغة ثمَّ التي هي للتراخي الدالة على نقص رتبة الفريق الثاني عن الفريق
الأول في البر ، فلا بد أن يكون الرتبة الثانية أخفض من الأولى [ وكذا الثالثة
أخفض من الثانية ] فلا يكون رتبة الأب مشتملة على ثلث البر وإلا لكانت
الرتب مستوية وقد ثبت أنها مختلفة فنصيب الأب أقل من الثلث قطعا أو أقل من الربع قطعا
فلا يكون ذلك الحكم صوابا.
الثاني ـ أن
حرف العطف يقتضي المغايرة ، لامتناع عطف الشيء على نفسه ، وقد عطف الأم على الأم.
الثالث ـ أن
السائل إنما سأل ثانيا عن غير الأم فكيف يجاب بالأم؟ والجواب يشترط فيه المطابقة.
وأجاب عن هذين
بأن العطف هنا محمول على المعنى كأنه لما أجيب أولا بالأم ، قال : فلمن أتوجه ببري
بعد فراغي منها. فقيل له : للأم وهي مرتبة ثانية دون الأولى كما ذكر أولا ، فالأم
المذكورة ثانيا هي المذكورة أولا بحسب
__________________
الذات وإن كانت غيرها بحسب العرض وهو كونها في الرتبة الثانية من البر.
وإذا تغايرت
الاعتبارات جاز العطف ، مثل « زيد أخوك وصاحبك ومعلمك » وأعرض عن الأول كأنه يرى
أن لا جواب عنه ثمَّ تبحج به.
قلت : السؤال
ليس [ إلا ] عن أكثر الناس استحقاقا بحسن الصحابة لا عن أعلى رتب حسن الصحابة ، فالعلو
منسوب إلى المبرور على تفسيره حسن الصحابة بالبر لا إلى نفس البر.
مع أن قوله : نقص
رتبة الفريق الثاني عن الفريق الأول مناف لكلامه الأول إن أراد بالفريق الأول
المبرورين ، وإن أراد بالفريق من البر ورد عليه الاعتراض الأول.
وقوله الرتبة
الثانية أخفض من الأولى مبني على أمرين فيهما منع : أحدهما أن أحق هنا للزيادة على
من فضل عليه لأنها للزيادة مطلقا كما تقرر في العربية من احتمال المعنيين ، والثاني
أن ثمَّ لما أتى بها السائل للتراخي كانت في كلام النبي « صلىاللهعليهوآله » للتراخي.
ومن الجائز أن
يكون للزيادة المطلقة ، بل هذا أرجح بحسب المقام ، لأنه لا يجب بر الناس بأجمعهم
بل لا يستحب ، لأن منهم البر والفاجر ، فكأنه سأل عن من له حق في البر فأجيب بالأم
ثمَّ سأل عن من له حق بعدها.
فأجيب بها
منبها على أنه لم يفرغ من برها بعد ، لأن قوله « ثمَّ من » صريح في أنه إذا فرغ من
حقها في البر لمن يبر ، فنبه على أنك لم تفرغ من برهان بعد فإنها الحقيقة بالبر
فأفاده الكلام الثاني الأمر ببرها كما أفاده الكلام الأول وأنها حقيقة بالبر
مرتين.
ولا يلزم من
إتيان السائل بثم الدلالة على التراخي كون البر الثاني أقل من
الأول ، لأنه بناه على معتقده من الفراغ من البر ثمَّ ظن الفراغ من البر.
فأجيب : بأنك
لم تفرغ منه بعد بل عليك ببرها فإنها حقيقة به ، فكأنه أمره ببرها مرتين وببر الأب
مرة في الرواية الأولى وببرها ثلاثا وببره مرة في الرواية الثانية ، وذلك يقتضي أن
يكون للأب مرة من ثلاث أو مرة من أربع ، وظاهر أن تلك الثلث أو الربع.
وبهذا يندفع
السؤالان الآخران لأنه لا عطف هنا إلا في كلام السائل. سلمنا أن أحق للأفضلية على
من أضيف إليه وأن جملة من أضيف إليه الأب ، لكن نمنع أن الأحقية الثانية ناقصة عن
الأولى ، لأنه إنما استفدنا نقصها من إتيان السائل بثم معتقدا أن هناك رتبة دون
هذه ، فسأل عنها ، فأجاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
بقوله « أمك ». وكلامه «
صلىاللهعليهوآله » في قوة أحق الناس بحسن صحابتك أمك ، أحق الناس بحسن
صحابتك أمك.
وظاهر أن هذه
العبارة لا تفيد إلا مجرد التوكيد ، إلا أن الثاني أخفض من الأول. فالحاصل على
تقدير الأمر ببر الأم مرتين أو ثلاثا ، والأمر ببر الأب مرة واحدة ، سواء قلنا إن
أحق بالمعنى الأول أو المعنى الثاني.
فائدة
:
هل للأبوين المنع من سفر طلب العلم؟ الأقرب لا ، إلا أن يكون متمكنا من فعله عندهما على حد يمكنه مع السفر. نعم
يستحب الاستئذان ، ولو كان واجب التعلم وتعذر إلا بالسفر فلا حجر ، أما لو كان
طالبا درجة الفتوى ـ وهو مترشح لذلك ـ فإن لم يكن في البلد مستقل بها فهو ملحق
بالواجب ـ وإن كان فهو ملحق بالمستحب.
ولو خرج لطلب
الفتوى وليس في البلد مستقل فخرج معه جماعة فهل
للأبوين المنع؟ يمكن القول به إن قلنا لهم منعه من المستحب ، لأن كل واحد
منهم قد يقوم مقامه. والأولى عدمه ، إذ الخارجون معه قد لا يحصل منهم الغرض التام.
ويجوز أيضا سفر
التجارة إذا لم يكن متمكنا من تحصيلها في بلده ، وكذا لو كان في سفره زيادة توقع
ربح أو إرفاق أو زيادة فراغ أو حذق أستاذ بالنسبة إلى طلب العلم ، ولهما منعه من
سفر التجارة مع الخوف الظاهر ، كالسير في البوادي الخطرة وركوب البحر.
ويلحق بهذا الباب أحكام تتعلق بالأبوين
والنسب :
( الأول ) يتبع النسب أحكام ، كولاية أحكام الميت ، والحضانة ، والإرث ، وانتقال
الولاء ، واستحباب الوصية ، والعقل ، وولاية النكاح ، والمال ، والمطالبة بالحد
والقصاص ، وسقوط القصاص في بعض صوره.
ويترتب على
الإرث استحقاق الشفعة والقصاص والخيار ، فيتبع النسب وجوب النفقة
والعتق وعدم قبول الشهادة في صورة شهادة الابن على أبيه وعدم الدفع من الزكاة إلا
في مثل الغرم وتحريم الموطوءة والمعقود عليها بالنسبة إلى الأب وولده وثبوت
المحرمية.
( الثاني ) يسري إلى الولد المتجدد : التدبير
، والرهن في الأصح ، والضمان في
الغاصب ، والأمانة في الودعي ، والكتابة ، والوقف في وجه قوي ، والأضحية المنذورة
بعينها ، والحرية إلا مع شرط المولى رقية ولد الحرة على قول ، والرقية
__________________
إذا كان الواطئ عالما بالتحريم ، وولد الأمة المنذور عتقها لو تجدد بعد
حصول الشرط وقبله تردد ، وملك المشتري وإن كان في زمن خيار البائع لو حملت به فيه.
وفي ولد الأمة
الموصى بها وجه بعيد ، ويقوى لو تجدد بعد الوفاة قبل القبول على القول بالكشف.
( الثالث ) في الاعتداد بالأبوين أو
بأحدهما بالنسبة إلى الولد ، وهو أقسام :
الأول : ما
يعتد فيه بالأبوين ولا يكفي أحدهما ، كالإسهام في الجهاد للفرس لا للبغل ، وفي
الحل والحرمة في الظاهر ، وفيما يجري في الأضحية والهدي والعقيقة كذلك ، والزكاة.
ويمكن مراعاة الاسم هنا ، ومنه الخلاف في المتولد بين وحشي وأنسي أو ما يحل ويحرم
بالنسبة إلى المحرم.
الثاني : ما
يعتد فيه بالأب ، وهو النسب خلافا للمرتضى ويتبعه استحقاق الخمس والوقف والوصية
ومهر المثل يعتبر بأقرباء الأب ، والولاء يغلب فيه جانب الأب.
ولو ضرب الإمام
على أفراد قبيل جزية وعلى أفراد قبيل آخر جزية مخالفة للأخرى ثمَّ تولد ولد بين
رجل وامرأة من القبيلين أمكن اعتبار جانب الأب.
ولو تولد بين
وثني وكتابي فالظاهر أن ديته ثابتة على قاتله لإقراره بالجزية إن كان الأب كتابيا.
ويمكن إقراره بالأم أيضا.
أما حجب الإخوة
فالمعتبر فيه جانب الأب ، سواء كانت الأم واحدة أو لا.
الثالث : ما
يعتد فيه بالأم وحدها ـ وهو الجنين المملوك ـ يعتبر بعشر قيمة أمه على رواية ، والمشهور
اعتباره بالأب. والعامة يعتبرونه في صورتين :
__________________
إحداهما ـ الحرية ، فمتى كانت حرة كان ولدها حرا. وهي عندنا معتبرة بأحد
الأبوين.
وثانيتهما ـ الرقية
، فمتى كانت الأم رقا كان الولد عندهم رقا إلا في مواضع فإنه حر ، كوطء الحر أمة
لظنها زوجته الحرة ، ووطء المولى الحر مملوكته ، ووطء الحر الأمة التي عين نكاحها ، ووطء الأب
جارية ابنه ، ونكاح المسلم حربية للشبهة ثمَّ استرقت بعد الحمل فإن ولدها لا يسترق
لأنه مسلم في الحكم.
الرابع : ما
يعتد فيه بأيهما كان كالإسلام وحرمة الأكل بحرمة أي الأبوين كان ، والنجاسة بنجاسة
أيهما كان مع احتمال اعتبار الاسم ، وضرب الجزية في وجه ، والمناكحة متعة أو بملك
اليمين لو كانت امرأة ، وحقن الدم إذا أسلم أحد الأبوين الحربي قبل الظفر به ، ورد
المبتدئة الفاقدة للتمييز إلى عادة نسائها تعتبر بهن من أي جهة كانت.
( الرابع ) الأغلب استواء الأب والجد في
الأحكام ، كما في وجوب
النفقة عليهما ولهما ، واشتراكهما في الولاية في المال ، والنكاح على طريقة
الإجبار ، وانعتاقهما بالملك ، وبيع مال الطفل من نفسه وبيع ماله على الطفل ، وسقوط
قودهما ، وتبعيتهما في تجدد إسلام أحدهما حيا كان الآخر أو ميتا والولد صغير ، ومنعهما
من تبعية السابي في الإسلام إذا كان الصغير مع أحدهما ، واستئذانهما في سفر الجهاد
وسائر الأسفار إذا لم يجب ، وكذا الأجداد ويختلفان في صور :
منها : أن الأب
يحجب الإخوة والجد يشاركهم. والتفرقة بين الولد والأم أشد منها بين الأب وبنيه ، إذ
لا نص في جانب الأب إلا ما ذكره ابن الجنيد من
__________________
إجرائه مجرى الأم وطرد الحكم في الأجداد والإخوة والأخوات.
ولو أسلم
الكافر قبل الاستيلاء أحرز ولده إلا صاغر ، والظاهر أنه يجوز أولاد ابنه
الأصاغر. ويمكن اشتراط كون الأوسط ميتا ، فلو كان حيا التحق الولد به.
الثاني
في التوابع
وفيه أبحاث :
( الأول ـ في الحقوق )
قاعدة
:
في ازدحام الحقوق ، وهي وجوه ثلاثة :
( أحدها ) حقوق
الله تعالى ، فتقدم الصلاة عند ضيق الوقت على الراتبة وعلى القضاء وعلى النوافل
المطلقة مع اتساع الوقت وتقديم الوتر ، وسنة الفجر على صلاة الليل عند الضيق ، والصوم
والنسك الواجبين على نفلهما.
والظاهر أنه لا
ترتيب بين الصدقة الواجبة والمندوبة.
وتقديم الغسل
الواجب على المستحب ، وتقديم المتبرع بالماء الجنب على الميت والمحدث ، وقيل الميت
أولى. وتقديم الجنب على الحائض ، وتقديم غسل الجنابة على رفع الحدث.
والأقرب تقديم
غسل الجمعة على الأغسال المندوبة لو جامعت ولم يسع
__________________
الماء الجميع أو وسع الماء الجميع ليفوز بفضيلة الدخول إلى المسجد
مغتسلا.
وقد يتعارض
أمران مهمان فيقدم الأهم ، كما أن الصلاة جماعة مستحبة وفي المسجد مستحبة ، فلو
تعارضا فالأقرب أن الجماعة أولى وإن كانت في البيت ، وصلاة النفل في
المنزل أفضل وإن كان المسجد أفضل من المنزل ، لأنه أبعد من الرياء والإعجاب وادعى إلى الخشوع
والإخلاص.
ولو قلنا
باستحباب الرمل في أوائل الطواف ولم يمكن إلا بالبعد من البيت فالأقرب أن البعد
أفضل ليحصل الرمل وإن كان الدنو في أصله أفضل ، وكذا لو أدى الدنو إلى مزاحمة
تتعرض بضرورة أو غيره.
وقد تتساوى
حقوق الله تعالى فيتخير المكلف حينئذ لعدم المرجح ، كمن عليه صوم فائت من رمضانين.
ويحتمل تقديم الثاني.
أما الفدية عن
رمضان فالأقرب أن لا ترجيح بين الرمضانين.
ومن عليه نذران
دفعة يقدم ما شاء ، ولو نذر شاتين لسببين ولم يكن عنده إلا واحدة خصها بما شاء ، ولو
نذر حجا وعمرة دفعة قدم ما شاء.
وقد اختلف في
مواضع ، كالصلاة في الثوب النجس وعاريا ، وتخصيص القبل بالستر عند عدم ما يستر
العورتين جميعا ، وتقديم التيمم أو تأخيره مع اليأس من الماء إلى آخر الوقت أو مع
الطمع ، وتقديم الفائتة على الحاضرة
__________________
وتقديم جميع أصحاب الأعذار في أول الوقت أو تأخيره.
والخلاف هنا في
الاستحقاق والاستحباب والتأخير لأجل الجماعة مع تيقنها أو ترجيحها أو تقدمه في
الصف الأول لو استلزم فوت ركعة ، فهل الصف الأخير حينئذ أفضل لفوزه بالركعة أو
الأول؟ فيه نظر ، وأقوى في النظر ما لو سعى إلى الأول لإدراك الركوع وإن يحرم عنده
إدراك الركعة من أولها. ولعل الأقرب السعي.
ولا إشكال أن
الصف الأخير أولى لو استلزم السعي فوات الركعة الأخيرة والاقتصار على إدراك السجود
أو التشهد ، لأن إدراك فضيلة الجماعة بهذين غير معلوم بخلاف الركعة ، ولو وجد
العاري المضطر أو المختار ثوبي حرير ونجس ففي ترجيح أيهما احتمال.
ولو تزاحم
إدراك عرفة وصلاة العصر ففي التقديم أوجه :
( الأول )
تقديم الصلاة والاجتزاء بالاضطراري ، فيشكل لو تردد الحال في الاضطراري وصلاة
العشاء على القول بامتدادها إلى الفجر.
( الثاني )
تقديم الوقوف ، لأن فوات الحج يستلزم مشقة كثيرة ولا يستدرك إلا في السنة القابلة
وقد يدركه الموت ، ويتحقق هذا في وقوف المشعر مبيتا إذا كان قد فاته عرفات بالكلية
ولم نقل بالاجتزاء باضطراري المشعر وكان المعارض له صلاة الصبح.
( الثالث ) أن
يصلي ماشيا إليه. وهذا أقوى ، لأن فيه جمعا بين الأمرين ، وقد شرعت الصلاة مع
المشي لما هو أسهل من هذا كالخائف وغيره.
( وثانيها ) حقوق العباد فقد تكون متساوية ، كتسوية الحاكم بين الخصوم والزوج بين النسوة في القسم
والنفقة ، والقريب في نفقة المتساويين في الدرجة وتخير المرأة في توكيل الأخوين
المتساويين في السن ، واستواء الشركاء في قسمة ما لا ضرر فيه ، والبائع والمشتري
في القبض معا ، والشركاء في شقص مشفوع إما
ابتداء على القول بثبوتها مع الكثرة أو استدامة كما لو ورثوا شفيعا ، وتسوية
الغرماء في التركة ومال المفلس مع القصور.
وقد يرجح بعضها
، كتقديم نفقته على نفقة الزوجة ثمَّ الزوجة ثمَّ الأقارب ، وتقديم نفقته على
الغرماء في أيام الحجر ويوم القسمة ، وتقديم ذي العين بها في المفلس مطلقا وفي
الميت مع الوفاء ، وتقديم المضطر في المخمصة على مالك الطعام المستغنى عنه ، وتقديم
الرجل على المرأة في الصلاة في المكان الضيق وفي الجنائز والدفن في لحد واحد عند
الضرورة ، وتقديم الأقرأ فالأفقه في الجماعة ، وتقديم السابق في الجناية في القصاص
على احتمال ، أما تقديم صاحب الطرف المقدم فلا ريب فيه.
والتقديم في
السبق إلى المساجد والمباحات ، وتقديم الفاسخ على المجيز في [ اجتماع ] الخيارين
في البيع والنكاح ، وتقديم الشفيع على المشتري في المفلس ، والتقديم في الإرث
بالقرب أو بقوة السبب باجتماع السببين ، والتقديم في الحضانة.
ومنه تقديم
البر على الفاجر في الإعتاق ، والأرفع قيمة على الأخس ، والأتقى على التقي لأن
العتق إحسان وكلما صادف الإحسان الأفضل كان أفضل ، وكذا تقديم القريب على غيره
لاجتماع العتق والصلة ، ومن هو في شدة على غيره لأنه يدفع عنه مع ذل الرق إيذاء
الجهد بل شراؤه لترفيهه فيه ثواب عظيم.
ومنه في الدفاع
يقدم عن النفس ثمَّ العضو ثمَّ البضع ثمَّ المال إذا لم يمكن الجمع ، والدفع عن
الإنسان على الدفع عن باقي الحيوانات إما للأشرفية أو للأهمية وإما لأن تحمل أخف
المفسدتين أولى من تحمل الأعظم ، أو مفسدة فوات النفس والعضو أعظم مفسدة من فوات
البضع ومفسدة فوات البضع أعظم مفسدة من مفسدة فوات المال.
( وثالثها ) اجتماع حق الله وحق العباد. ولا ريب في تقديم العبادات كلها
على راحة البدن بالترفه ، والانتفاع بالمال تحصيلا لمصلحة العبد في الفوز
بثواب الله تعالى ورضوانه ، ودفع الغرر في البيع فلا يسقط برضى المتبايعين ، ووجوب حد الزنا
بالإكراه وإن أسقطته المزني بها أو عصباتها وإن كان في ذلك دفع العار عنهم ، وتحريم
وطء الزوجة المتحيرة وتضعيف الغسل عليها مرارا والصيام مرتين عند من قال به من
الأصحاب ، وتقدم حق العبد في مثل الأعذار المجوزة للتيمم مع وجود الماء لخوف المرض
والشين وزيادة المرض ، وكالأعذار المبيحة لترك الجمعة والجهاد والجماعة ، وفي
التلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه ، وكتقديم قتل القصاص على القتل بالردة ، ورخص
السفر من القصر والفطر ، وليس الحرير للحرب والحكة ، والتداوي بالنجاسات حتى
بالخمر شربا على قول ، وجواز التحلل بالصد والإحصار.
ويقع الشك في
مواضع ، كاجتماع حق سراية العتق والدين ، ووجدان المضطر ميتة ، وطعام الغير.
والمحرم إذا
كان مستودعا صيدا فهل يرسله لحق الله تعالى أو يبقيه لحق الآدمي أو يرسله ويضمن
الآدمي.
ولو أصدقها
صيدا وطلق وهو محرم فإنه قيل بدخول مثل هذا في ملكه ، لما كان قهرا على الصحيح ، فحينئذ
هل يرسله ويضمن لها يعينها تغليبا لحق الله تعالى ، أو تبقيه ويضمن لها نصف الجزاء
إن تلف عندها ، أو يكون مخيرا؟
ولو مات وعليه
دين وزكاة أو خمس أو هما مع الدين ، فالأقرب التوزيع. ونقل بعض الأصحاب تقديم
الزكاة ، لقول النبي « صلىاللهعليهوآله » فدين الله أحق أن
__________________
يقضى. وتقديم الدين لأن حق العباد مبني على التضيق وحق الله تعالى على
المسامحة.
ويشكل بما أن
الزكاة حق للعباد فهي مشتملة على الحقين ، وكذلك الخمس. هذا إذا كانت الزكاة مرسلة
في المال ، بأن يكون قد فرط في النصاب حتى تلف وصارت في ذمته أو كانت زكاة الفطرة
أو كان الخمس من المكاسب إن قلنا بثبوته في الذمة ، أما لو كان متعلق الزكاة
والخمس باقيا فالأقرب تقديمها على الدين بسبق تعلقها على تعلق
الدين.
مسألة
:
لو ترافع الذميان إلينا فالأقرب تخير الحاكم بين الحكم والرد ، سواء كان حق الله تعالى أو حق العبد
، لعموم الآية. هذا إذا كان عندهم يستوفي ، ولو كان الحق عندهم مهدورا ـ كنكاح
الأم في المجوس إذا تظاهر به ـ لم يرد قطعا.
قاعدة
:
قد تقدم تقسيم
الحقوق ، ونزيد هنا أن المراد بحق الله تعالى إما أوامره الدالة على طاعته أو نفس
طاعته ، بناء على أنه لو لا الأمر لما صدق على العبادة أنها حق الله تعالى ، أو
بناء على أن الأمر إنما تعلق بها لكونها في نفسها حق الله تعالى. وعليه نبه في
الحديث الصحيح عن رسول الله « صلىاللهعليهوآله » وعن أهل بيته صلوات الله عليهم حق الله على العباد أن
يعبدوه ولا يشركوا به شيئا .
__________________
ويتفرغ على
اعتبار أن الأمر هو حق الله تعالى : أن حقوق العباد المأمور بأدائها إليهم مشتملة
على حق الله تعالى لأجل الأمر الوارد إليهم معاملة أو أمانة أو حدا أو قصاصا أو
دية أو غير ذلك ، فعلى هذا يوجد حق الله بدون حق العباد كما في الأمر بالصلاة ، ولا
يوجد حق العبد بدون حق الله تعالى. والضابط فيه أن كل ما للبعد إسقاطه فهو حق
العبد ومالا فلا ، كتحريم الربا والغرر فإنه لو تراضيا اثنان على ذلك لم يخرج عن
الحرمة لتعلق حق الله تعالى به ، لأن الله تعالى إنما حرمها صونا لمال العباد
عليهم وحفظا له عن الضياع ، فلا تحصل المصلحة بالمعقود عليه أو تحصل مصلحة نزرة بإزائها مفسدة
كبرى ، ومن ثمَّ منع العبد من إتلاف نفسه وماله ولا اعتبار برضاه في ذلك ، ولذلك
حرمت السرقة والغصب صونا لماله والقذف صونا لعرضه والزنا صونا لنسبه والقتل والجرح
صونا لنفسه ، ولا يغيرها رضى العبد.
فائدة
:
لو اجتمع مضطران فصاعدا إلى الإنفاق وليس هناك ما يفضل عن أحدهما قدم واجب النفقة ، فإن وجبت نفقة الكل قدم
الأقرب فالأقرب ، فإن تساويا فالأقرب القسمة. ولو كان الكل غير واجبي النفقة في
الأصل فالأقرب تقديم المخشي تلفه ، فإن تساووا احتمل تقديم الأفضل.
ولا يعارض
الإمام غيره البتة. ولو كان عنده ما لو أطعمه أحد المضطرين لعاش يوما ولو قسمه
بينهما لعاش كل منهما نصف يوم فالظاهر القسمة ، لعموم قوله تعالى « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ » ، ولتوقع تتميم حياة كل منهما.
__________________
وهل القسمة في
مواضعها على الرءوس أو على سد خلة الجوع؟ احتمال ويرجح الثاني أنه أدخل في العدل ،
إذ يجب عليه مع القدرة إشباعهما مع اختلاف قدر أكلهما فليكن كذلك مع العجز.
فعلى هذا لو
كان عنده رغيف وله ولدان وثلثه نصف شبع أحدهما وثلثاه نصف شبع الآخر وزعه عليهما
أثلاثا وعلى الرءوس نصفين ، ولو كان نصفه يشبع أحدهما ونصفه نصف شبع الآخر قسم
أيضا أثلاثا. والضابط القسمة على الشبع ونعني به سد الجوع الذي لا يصبر عليه لا
التملي.
ونبه على ذلك
قسمة الغنائم للفارس ضعف الراجل باعتبار حاجته وحاجة فرسه.
( الثاني في الجبر والزجر والتحمل
والبدل )
ويعبر بالجبر
والزجر عن تكميل المصلحة والدرأ عن المفسدة ، وموضوع الجبر أعم بدليل بالعامد
الناسي والمخطئ ، بخلاف الزجر فإنه للعامد. فهنا أقسام :
( الأول ) جبر العبادة بالعمل البدني كالجبر بسجدتي السهو والاحتياط.
( الثاني ) جبرها بالمال ، كالفدية في الصيام والبدنة في الحج الفاسد والصحيح على
الوطء وشبهه ، كالمفيض من عرفات قبل الغروب ، وكالشاتين والدراهم في الزكاة.
( الثالث ) ما يتعاقب عليه الأمران ، كهدي التمتع والصوم عنه إن جعلنا الهدي جبرا ، كما يلوح
من كلام الشيخ في المبسوط حيث أسقط الدم عن المحرم من غير مكة مع تعذر عوده إليها
، وككفارة الصيد إن قلنا بالترتيب ، وكقضاء الصوم عن الولي فإنه جابر لصوم المولى
عليه مع أن الصوم قد يجبر بالمال كالفدية في الشيخين والمستمر مرضه إلى رمضان.
( الرابع ) ما يتخير بين الجبر بالمال
والبدن ، كالكفارة
المخيرة في الإحرام ويحتمل في شهر رمضان.
( الخامس ) ما يجمع فيه بين المال
والبدن ، كمن مات وعليه
شهران متتابعان فإنه يصوم الولي شهرا ويتصدق عن شهر ، وكذا الحامل والمرضع وذو
العطاش إذا برأ فإنهم يقضون ويفدون.
( تنبيه ) قد تكون الصلاة عن الميت جبرا
بدنيا لما فاته من الصلاة ، لما قلناه في الصوم. والحق فيهما
أنهما ليسا من قبيل الجبر ، لأن العمل يقع للميت لا للحي ، ولهذا لا يسمى قضاء
الصلاة والصيام في الحياة من المكلف جبرا.
وأما الزجر
فقسمان :
أحدهما ـ ما
يكون زاجرا للفاعل عن العود ولغيره عن الفعل ، كالحدود والتعزيرات والقصاص والديات
، ويجب على المكلف إعلام المستحق في القصاص والدية وحد القذف وتعزيره.
أما حقوق الله
تعالى فالأولى لمتعاطيها سترها والتوبة ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أتى شيئا من هذه القاذورات فليسترها بستر الله ـ الحديث. والسارق يجب
عليه إيصال المال لا الإقرار بالسرقة.
وثانيهما ـ ما
يكون زاجرا عن الإصرار على القبيح ، كقتل المرتد المحارب في قتال الكفار والبغاة
والممتنع عن الزكاة ، وقتال الممتنعين عن إقامة شعائر الإسلام الظاهرة كالأذان
وزيارة النبي والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين.
ومنه زجر الدفع
والمتطلع إلى حريم الغير ، وضرب الناشز وتأديب الصبي والمجنون وإن لم يأثما ، وحبس
الممتنع عن الحق.
ومنه تحريم
المطلقة ثلاثا والملاعنة زجرا عن ارتكاب مثله.
فائدة
:
هذه الزواجر :
( منها ) ما يجب على متعاطي أسبابها ، كالكفارات الواجبة في الظهار والإفطار والقتل العمد
والخطأ إن جعلناها زاجرة ، إذ لا إثم فيه.
( ومنها ) ما يجب على غيره ، أما على الحاكم كحد الزنا والسرقة والمحاربة والشرب
والتعزير لحق الله تعالى أو الحد للآدمي والتعزير له إذا طلبهما من الحاكم.
( ومنها ) ما يتخير مستحقه بين فعله
وتركه كالقصاص ، وقولهم وجب
عليه القصاص أو الحد أو التعزير مجاز عن وجوب إقامة ذلك عليه أو عن وجوب تمكنه من
إقامة ذلك عليه لا أنه يجب عليه فعله بنفسه.
تنبيه
:
قد يكون الشيء جائزا زاجرا ، كما يقال في سجود السهو ، فإنه مع جبره لنقص الصلاة يزجر
الشيطان عن الوسوسة ، لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كانت السجدتان ترغيما للشيطان .
وكذا كفارة
الظهار والصوم والإفساد وقتل العمد ، أما كفارة الخطأ فإنه جبر محض.
قاعدة
:
لا يجوز البناء على فعل الغير في
العبادات إلا في بعض المواضع القابلة
__________________
للنيابة ، كالاستنابة في الطواف والرمي والذبح ، إلا أن نقول هذه عبادات
مستقلة. نعم يبني النائب على ما سعى المنوب من الطريق ، ولكن السعي ليس عبادة
مقصودة إنما هو وسيلة مقصودة ، وفي الاقتداء إن جوزنا للإمام الثاني البناء على
قراءة الأول ، ويحتمله في الخطبة والأذان والإقامة.
وأما القعود
فلا بناء فيها ، فلو مات البائع قبل القبول فليس للمشتري القبول بحضرة الوارث ، ولكن
الخيار لما ورث أشبه بناء الوارث على خيار الميت لأنه خليفته.
قاعدة
:
الأصل عدم تحمل الإنسان عن غيره ما لم يأذن له فيه إلا في مواضع :
( الأول ) تحمل
الولي عن الميت قضاء الصلاة والصيام والاعتكاف.
( الثاني )
تحمل الإمام القراءة عن المأموم ، وعند بعض العامة إدراكه راكعا وتحمله سجود السهو
عن المأمومين في وجه.
( الثالث )
تحمل الغارم لإصلاح ذات البين ، ولذا يصرف إليه من الزكاة.
( الرابع )
التحمل في زكاة الفطرة عن الزوجة وواجب النفقة والمملوك بناء على ملاقاة الوجوب
لهؤلاء أولا والتحمل عنهم بعده.
ويبعد في العبد
والقريب والزوجة المعسرة ، لأنهم لو تجردوا عن المنفق لما وجب عليهم شيء فكيف
يتحمل ما لم يجب. ويمكن نفي التحمل مطلقا ، لأن المخاطب بها المنفق والأصل عدم
التقدير ، فإذا قلنا بالتحمل فهو كالضامن
__________________
الناقل لا يطالب به المتحمل عنه بحال. ويتفرع على ذلك صور :
الأولى ـ لو
أعسر الزوج والزوجة موسرة أو سيد الأمة المزوجة موسر ، فعلى التحمل تجب على الزوجة
والسيد.
الثانية ـ لو
أخرج الذي وجب لأجله عن نفسه.
الثالثة ـ في
الكافر إذا عال مسلمين.
الرابعة ـ إذا
أيسر القريب بعد الهلال وقبل الإخراج.
الخامسة ـ إذا
أسلمت دونه وأهل الهلال فعلى التحمل يؤمر بالإخراج عنها.
السادسة ـ تحمل
المكره زوجته والأجنبية على القول به على الجماع في الصوم المتعين الكفارة. وفيه
الوجه السالف ، والأصح القطع لعدم التحمل هنا.
وكذا في
إكراهها على الوطء في الإحرام ، لأنه إنما يتحمل ما يمكن فيه الوجوب على المتحمل
عنه. وهو غير ممكن هنا ، وإطلاق التحمل على هذا مجاز. على أن الأقرب في جميع هذه
المواضع عدم حقيقة التحمل.
فائدة
:
للبدل والمبدل
أحوال أربعة :
أحدها : تعين
البدل للابتداء ، وهو الأكثر كالطهارة المائية والترابية وخصال الكفارة.
وثانيها : تعين
البدل ، كالجمعة إن جعلناها بدلا من الظهر ، وإن قلنا فرض مستقل فلا.
__________________
وثالثها : تعين
الجمع بينهما ، كما عند اشتباه المطلق بالمضاف ثمَّ يهراق أحدهما فإنه يتطهر
بالباقي ويتيمم.
ورابعها : التخيير
بينهما ، كخصال الكفارة المخيرة إن جعلنا أحدها بدلا من الآخر ، والماء والأحجار
في الاستنجاء إن قلنا بالبدلية ، وإن جعلنا كلا منهما أصلا مستقلا فلا. وقد يكون
منه التخيير بين الصلاة عاريا وفي الثوب النجس.
قاعدة
:
إذا اجتمع أمران أحدهما أخص والآخر أعم قدم الأخص ، كما لو اضطر المحرم إلى صيد وميتة أكل الصيد ، لأن تحريمه خاص
وتحريم الميتة عام. ولو اضطر إلى لبس حرير أو نجس احتمل الحرير ، لأن تحريمه خاص
بالرجل والنجس عام.
ومنهم من قال
الأخص أولى بالاجتناب ، فيجتنب الصيد ويأكل الميتة. وهما قولان للأصحاب.
وفصل بعضهم
بالقدرة على الفداء فيأكل الصيد ولا يأكل الميتة ، والنجس يجتنب لأن تحريم الحرير
يشمل المصلي وغيره بخلاف النجس فإنه خاص بالمصلي.
ومن هذا لو
وثبت سمكة فوقعت في حجر أحد ركاب السفينة كان أولى من صاحبها ، لأن حوزه أخص ، إذ
حوزة السفينة يشمل هذا وغيره وحوز السمكة يختص به.
( الثالث ـ في النذر واليمين وما يتعلق
بهما )
قاعدة
:
ضابط النذر أن يكون طاعة لله تعالى مقدورا للناذر ، فعلى هذا لا ينعقد نذر
المباح لتجرده عن الطاعة. وقيل يلحق باليمين في اعتبار الأولوية.
فعلى عدم
الانعقاد يشكل تعين الصدقة بمال مخصوص ، لأن المستحب هو الصدقة المطلقة وخصوصية
المال مباحة ، فكما لا ينعقد لو خلصت الإباحة فكذا إذا تضمنها النذر.
وتحقق الإشكال
تجويز بعض الأصحاب فعل الصلاة المنذورة في مسجد فيما هو أزيد مزية منه كالحرام
والأقصى مع أن الصلاة في المسجد سنة وطاعة ، فإذا جازت مخالفتها لطلب الأفضل فتعين
الصدقة بالمال المعين. وعدم إجزاء الأفضل منه مشكل.
ولعل الأقرب
عدم جواز المخالفة في الموضعين لعموم وجوب الوفاء بالنذر : أما على القول بانعقاد
نذر المباحات فظاهر ، وأما على الآخر فلأن الصدقة والصلاة لما كانتا طاعتين لله
وقد شخصهما الناذر بمال معين ومكان معين تعلقت الطاعة بذلك المال والمكان ، فيكون
تخصيص المال والمكان مستفادا من تخصيص الطاعة المذكورة.
والأصل فيه : أن
المندوبات وإن كانت طاعة هي من حيث هي لا يتصور فيها الوجود فضلا عن الطاعة ، بل
إنما تصير موجودة بمشخصاتها من زمان ومكان ومحل وفاعل ، فإذا تعلق النذر بهذا
المشخص انحصرت الطاعة فيه كما ينحصر عند فعلها في متعلقاتها فلا يجزي غيرها.
ولأنه لو فتح
هذا الباب لم يكن النذر وسيلة إلى التعيين حتى في الصوم والحج ، لأنه يقال الصوم
في نفسه طاعة وكذا الحج وأما تخصيصه بيوم مخصوص أو نسبة مخصوصة فهو من قبيل المباح
، ولما كان ذلك باطلا فكذا يبطل العدول عن المحل المنذور والمكان المنذور كما
يتعين الزمان كذلك .
__________________
سؤال : المعلوم
أن الندب لا يساوي الواجب في المصلحة التي وجب لأجلها وإذا كان أصل المنذور الندب
فكيف يساوي الواجب في المصلحة حتى يجب مع أنه فعل خاص قبل النذر وبعده؟
وبعبارة أخرى :
الأفعال لها وجوه واعتبارات تقع عليها لأجلها تكون موصوفة بالأحكام الخمسة ، فكيف
جاز انقلاب أحدها إلى الآخر ، والنذر قالب لأنه يجعل المكروه حراما والندب واجبا ،
وعلى القول بنذر المباح يجعله واجبا أو حراما بحسب تعلق النذر بفعله أو تركه.
وبعبارة أخرى :
الأوقات والأحوال متساوية في قبول العبادة لا خصوصية فيها إلا في الأوقات والأحوال
التي جعلها الله تعالى سببا لاقتضاء المصلحة ذلك كأوقات الخمس وككسوف الشمس
والزلزلة وكالموت فيما يترتب عليه ، وإذا تعلق النذر بوقت خاص [ أو حال خاص ] كيوم الجمعة
أو هبوب الريح أو قدوم زيد صار ذلك سببا ولم يكن قبل ذلك سببا وقد علم أن السببية
أيضا تابعة للمصلحة فمن أين نشأت هذه المصالح بسبب النذر ، وكذا نقول في العهد
واليمين وسببية الأحوال في غاية البعد عن القواعد الشرعية ، لأنها قد لا يتصور
كونها عبادة [ كطيران غراب بخلاف فعل المندوب إلى الواجب فإنه على كل حال عبادة ] تقرب فيها
المصلحة بالزيادة أما هذا فإنه أنشئت فيه المصلحة إنشاء.
والجواب عن
الجميع واحد ، وهو : أنه ليس من الممتنع أن ينشأ في الندب سبب النذر مصلحة يساوي
بها الوجوب وينشأ في تلك الأمور سببية بالنذر تلحق بالأسباب المتأصلة بسبب النذر ،
ولا يجب علينا بيان تلك المصلحة على
__________________
التفصيل ، لأنا لما علمنا أن النذر موجب وعلمنا أن الإيجاب يتبع خصوصيات
المصلحة علمنا هنا تحقق خصوصية مصلحة الوجوب مع جواز كون المصلحة المحصلة للوجوب
هي الخلق الكريم الذي هو الوفاء بالوعد والأدب مع الرب سبحانه وتعالى حيث قرن
باسمه الشريف ، والأدب هو المقصود بالتكليف عاجلا كما أن الثواب هو
المقصود آجلا. ويجوز أيضا أن يصير النذر عاجلا للفعل المنذور في الوقت المخصوص
لطفا في بعض الواجبات العقلية أو السمعية فيجب كما وجبت السمعيات لكونها ألطافا.
وينبه عليه أن
الشيء إذا صار واجبا زاد اهتمام المكلف بفعله والحرص على تحصيله ، وذلك ممرن على الاهتمام
بواجب آخر ومحرص عليه ، قال الله تعالى « فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ
بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى » . وكذا الكلام في الانقلاب إلى الحرام فيه ما ذكر من
الوجوه.
ومن هنا يظهر
جواز نذر فعل الواجب وترك الحرام ، لأن الاهتمام حينئذ يكون أتم ، وعقد الهمة بهما
فعلا وتركا أقوى ، فيدخلان في حيز لطف جديد بالنسبة إلى ما كان لطفا فيه.
فإن قلت : لا
يجب في اللطف البلوغ إلى أقصى غايته ، وقد كان اللطف حاصلا قبل فعل النذر ، فلم
يصادف النذر ما يحتاج إليه من اللطف ، فكيف يجب المندوبات أو تنعقد بنذر
الواجبات .
__________________
قلت : ذلك في
التكليف الأصلي ، أما التابع لاختيار المكلف لأن يصير لطفا فلا مانع منه ، لأن
زيادة التقريب حاصلة به بالضرورة ، فمسمى اللطف متحقق فيه وكان المانع من الوجوب
التخفيف عن المكلف [ فإذا اختار المكلف ] الأثقل لنفسه فلا مانع حينئذ من وصفه بالوجوب. ولأنه لا
مانع في الحكمة أن يقول النبي صلىاللهعليهوآله للمكلف : إذا اخترت الفعل الفلاني فقد جعله الله لطفا
لك في الواجب ، وهو المطلوب.
فائدة
:
قد يباح بالنذر
ما لولاه لم يبح ، كالإحرام قبل الميقات والصوم الواجب سفرا.
قاعدة
:
ضابط متعلق
اليمين كونه مقدورا للحالف وطاعة لله تعالى أو مباحا يساوي طرفاه أو رجح طرف
الالتزام.
واليمين على
فعل المعصية باطل ، وكذا فعل المكروه وترك المستحب وترك الواجب ، وكذا ترك مباح
فعله أرجح أو بالعكس.
وينعقد على فعل
الواجب وترك الحرام ، وفروض الكفايات أولى بالانعقاد.
قاعدة
:
اليمين لغة تطلق على ثلاثة معان : الجارحة ، والقوة والقدرة ، ومنه قوله تعالى
__________________
« وَالسَّماواتُ
مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ » . والحلف المطلق ، وقوله تعالى « فَراغَ عَلَيْهِمْ
ضَرْباً بِالْيَمِينِ » يحتمل الأوجه الثلاثة.
وأما عرفا فلها
معنيان أشهرهما الحلف بالله تعالى وبأسمائه لتحقيق ما يمكن فيه المخالفة أو
لانتفاء ما توجهت الدعوى به أو إثباته.
وإنما تخصصت
بالله شرعا لأن الحلف يقتضي تعظيم المقسم به والعظمة المطلقة لله سبحانه ، ولقوله
صلىاللهعليهوآله من كان حالفا فليحلف بالله أو ليذر.
ومن ثمَّ كره
الحلف بغير الله تعالى وحرم بالأصنام وشبهها ، فعنه « صلىاللهعليهوآله » لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت.
المعنى الثاني
تعليق بالجزاء على الشرط على وجه البعث على الشرط أو المنع منه أو ليرتبه عليه
مطلقا ، وهو المستعمل في الطلاق والعتاق عند العامة. وهو مجرد اصطلاح ، إذ لم ينقل
عن أهل اللغة مثله قاله بعضهم ، بخلاف المعنى المشهور فإنه يشتمل على المعاني
الثلاثة اللغوية : أما الحلف فظاهر ، وأما القوة فلأن فيه تقوية الكلام وتوثيقه ، وأما
الجارحة فلأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ بعضهم بأيدي بعض. واستمر ذلك في أيمان
البيعة .
فائدة
:
اليمين أقسام :
الأول : منعقدة
، وهي الحلف على المستقبل فعلا أو تركا مع القصد إليه.
__________________
الثاني : لاغية
، وهي الحلف لا مع القصد على ماض أو آت.
الثالث : يمين
الغموس ، وهي الحلف على الماضي أو الحال مع تعمد الكذب. وسميت غموسا لأنها تغمس
الحالف في الإثم أو في النار ، وفي رواية هي من الكبائر . وفي أخرى : اليمين
الغموس تدع الديار بلاقع . ولا كفارة فيها لقوله تعالى « بِما عَقَّدْتُمُ
الْأَيْمانَ » والعقد لا يتصور إلا مع إمكان الحل ولا حل في الماضي ، ولعدم
ذكر الكفارة في الحديث.
الرابع : ما
عدا ذلك ، كالحلف مع الصدق على الماضي أو الحال.
قاعدة
:
إنما يجوز الحلف بالله تعالى أو بأسمائه
الخاصة به : فالأول مثل « الواجب
وجوده » و « الأول الذي ليس قبله شيء » و « فالق الحبة » و « بارئ النسمة ».
والثاني مثل قولنا « والله » وهو اسم للذات المقدسة لجريان النعوت عليه ، وقيل هو
اسم للذات مع جملة الصفات الإلهية ، فإذا قلنا « الله » فمعناه الذات الموصوفة
بالصفات الخاصة وهي صفات الكمال ونعوت الجلال ، وهذا المفهوم هو الذي يعبد ويوحد
وينزه عن الشريك والنظير والمثل والضد والند.
وأما سائر
الأسماء فإن آحادها لا يدل إلا على آحاد المعاني من علم وقدرة أو فعل منسوب إلى
الذات ، مثل قولنا « الرحمن » فإنه اسم للذات مع اعتبار
__________________
الرحمة وكذا « الرحيم » و « العليم » و « الخالق » اسم للذات مع اعتبار وصف
وجودي خارجي.
و « القدوس » اسم
للذات مع وصف سلبي ، أعني التقديس الذي هو التطهير عن النقائص.
و « الباقي » اسم
للذات مع نسبة وإضافة ، أعني البقاء ، وهو نسبة بين الوجود والأزمنة ، إذ هو
استمرار الوجود في الأزمنة. و « الأبدي » هو المستمر مع جميع الأزمنة ، فالباقي
أعم منه.
و « الأزلي » هو
الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية المحققة والمقدرة فهذه الاعتبارات تكاد تأتي
على الأسماء الحسنى بحسب الضبط ، ولنشر إليها إشارة خفيفة : و « الله » قد
سبق.
و « الرحمن
الرحيم » اسمان للمبالغة من رحم ، كغضبان من غضب وعليم من علم ، والرحمة لغة رقة
القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان ، ومنه الرحم لانعطافها على
ما فيها ، وأسماء الله إنما توجد باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي
انفعال.
و « الملك » المتصرف
بالأمر والنهي في المأمورين ، أو الذي يستغني في ذاته وصفاته من كل موجود ويحتاج
إليه كل موجود في ذاته وصفاته.
و « القدوس » ذكر.
و « السلام » ذو
السلامة في ذاته عن العيب وفي صفاته عن كل نقص وآفة ، فإنه
__________________
مصدر وصف به للمبالغة.
و « المؤمن » الذي
أمن أولياؤه عذابه ، أو المصدق عباده المؤمنين يوم القيامة أو الذي لا يخاف ظلمه ،
أو الذي لا يتصور أمن ولا أمان إلا من جهته.
و « المهيمن » القائم
على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم.
و « العزيز » الغالب
القاهر أو ما يمتنع الوصول إليه.
و « الجبار » القهار
أو المتسلط أو المغني من الفقر من جبره ، أي أصلح كسره أو الذي تنفذ مشيته [ على سبيل الإجبار ] في كل أحد [
ولا تنفذ فيه مشية أحد ] .
و « المتكبر » ذو
الكبرياء ، وهي الملك أو ما يرى الملك حقيرا بالنسبة إلى عظمته.
و « البارئ » هو
الذي خلق الخلق بريئا من الاضطراب.
و « الخالق » هو
المقدر.
و « المصور » أي
من قدر صور المخترعات. وتحقيق هذه الثلاثة إن كل ما يخرج من العدم إلى الوجود يفتقر إلى اختراع
أولا ثمَّ إلى الإيجاد على وفق التقدير ثانيا ثمَّ إلى التصوير بعد الإيجاد ثالثا.
و « الغفار » هو
الذي أظهر الجميل وستر القبيح.
و « الوهاب » المعطي
كل ما يحتاج إليه لكل من يحتاج إليه.
و « الرزاق » خالق
أرزاق المرتزقة وموصلها إليهم.
و « الخافض » و
« الرافع » هو الذي يخفض الكفار بالإشقاء ويرفع المؤمنين
__________________
بالإسعاد.
و « السميع » الذي
لا يعزب عن إدراكه مسموع خفي أو ظهر.
و « البصير » الذي
لا يعزب عنه ما تحت الثرى ، ومرجعهما إلى العلم لتعاليه سبحانه عن الحاسة والمعاني
القديمة.
و « الحليم » الذي
يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الأمر ثمَّ لا يسارع إلى الانتقام مع غاية قدرته.
و « العظيم » الذي
لا يحيط بكنهه العقول.
و « العلي » الذي
لا رتبة فوق رتبته.
و « الكبير » ذو
الكبرياء في كمال الذات والصفات.
و « الحفيظ » الحافظ
لذوات الموجودات والمزيل لتضاد العنصريات يحفظها عن الفساد.
و « الجليل » الموصوف
بصفات الجلال من الغنى والملك والقدرة والعلم والتقدس عن النقائص.
و « الرقيب » هو
العليم الحفيظ.
و « المجيب » هو
الذي يقابل مسألة السائل بإسعافه والداعي بإجابته والمضطر بكفايته.
و « الحكيم » العالم
بأفضل الأشياء بأفضل العلوم.
و « المجيد » الشريف
ذاته الجميل أفعاله.
و « الباعث » محيي
الخلق في النشأة الأخرى.
و « الحميد » هو
المحمود المثنى عليه بأوصاف الكمال ، أو المثنى عليه على عباده بطاعتهم.
و « المبدئ » و
« المعيد » الموجد بلا سبق مادة ولا مدة ، والمعيد لما فني من مخلوقاته بالحشر في
يوم القيامة.
و « المحيي
المميت » الخالق للموت والحياة.
و « الحي » الدراك
الفعال.
و « القيوم » القائم
بذاته وبه قيام كل موجود في إيجاده وتدبيره وحفظه.
و « الماجد » مبالغة
في المجيد.
و « التواب » ميسر
أسباب التوبة لعباده وقابلها منهم مرة بعد أخرى.
و « المنتقم » القاصم
ظهور العصاة والشديد العقاب للطغاة.
و « العفو » الذي
يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي.
و « الرءوف » ذو
الرأفة ، وهي شدة الرحمة.
و « الوالي » الذي
دبر أمور الخلق ووليها مليا بولايتها ، أو المالك للأشياء المستولي عليها ، والغني
في ذاته وصفاته ، والمغني لجميع خلقه.
و « الفتاح » الحاكم
أو الذي بعنايته ينفتح كل مغلق.
و « القابض
الباسط » هو الذي يوسع الرزق على عباده ويغيره بحسب الحكمة ويحسن القران بين هذين
الاسمين ونظائرهما كالخافض والرافع والمعز والمذل والضار والنافع ، فإنه إنباء عن
القدرة وأدل على الحكمة ، فالأولى لمن وقع بحسن الأدب بين يدي الله تعالى أن لا
يفرد كل اسم عن مقابله ، لما فيه عن الإعراب عن وجه الحكمة.
و « الحكم » الحاكم
بمنعه الناس عن الظلم.
و « العدل » ذو
العدل ، وهو مصدر أقيم مقام الاسم.
و « اللطيف » العالم
بغوامض الأشياء ثمَّ يوصلها إلى المستصلح بالرفق دون
العنف ، أو البر بعباده الذي يوصل إليهم ما ينتفعون به في الدارين ويهيئ
لهم أسباب مصالحهم من حيث لا يحتسبون.
و « الخبير » العالم
بكنه الشيء المطلع على حقيقته.
و « الغفور » و
« الشكور » مبنيان للمبالغة ، أي يكثر مغفرته ويشكر بستر الطاعة.
و « المقيت » المقتدر
أو خالق القوت وموصلة إلى البدن.
و « الحسيب » المحاسب
أو الكافي ، فعيل بمعنى مفعل ، كأليم بمعنى مؤلم من قولهم « أحسبني
» أي أعطاني ما كفاني.
و « الواسع » الغني
الذي وسع غناه عباده ووسع رزقه جميع خلقه ، وقيل هو المحيط بعلم كل شيء.
و « الودود » المحب
لعباده ، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول ، أي توده قلوب أوليائه بما ساق إليهم من
المعارف وأظهر لهم من الألطاف.
و « الشهيد » الذي
لا يغيب عنه شيء.
و « الحق » المتحقق
بوجوده أو الموجد للشيء على ما يقتضيه الحكمة.
و « الوكيل » هو
الكافي أو الموكل إليه جميع الأمور ، وقيل الكفيل بأرزاق العباد.
و « القوي » الذي
لا يستولي عليه الضعف والعجز في حال من الأحوال.
و « المتين » هو
الشديد القوة الذي لا يعتريه وهن ولا يمسه لغوب.
و « الولي » القائم
بنصر عباده المؤمنين ، أو المتولي للأمر القائم به.
__________________
و « المحصي » الذي
أحصى كل شيء بعلمه فلا يعزب عنه مثقال ذرة ولا أصغر.
و « الواجد » أي
الغني من الجدة ، أو الذي لا يعزب عنه شيء ، أو الذي لا يحول بينه وبين مراده حائل من الوجود.
و « الواحد
الأحد » يدلان على معنى الوحدانية وعدم التجزي ، وقيل الفرق بينهما أن الواحد هو
المتفرد بالذات لا يشابهه آخر والأحد المتفرد بصفاته الذاتية بحيث لا يشاركه فيها
أحد.
و « الصمد » السيد
الفائق في السؤدد الذي تصمد إليه الحوائج ، أي تصمد إليه الناس في حوائجهم.
و « القادر » الموجد
للشيء اختيارا ، و « المقتدر » أبلغ لاقتضائه الإطلاق ولا يوصف بالقدرة المطلقة
غير الله تعالى.
و « المقدم » و
« المؤخر » المنزل للأشياء في منازلها وترتيبها في التكوين والتصوير والأزمنة
والأمكنة على ما تقتضيه الحكمة.
و « الأول » و
« الآخر » لا شيء قبله ولا معه ولا بعده.
و « الظاهر » أي
بآياته الباهرة الدالة على ربوبيته ووحدانيته ، أو العالي الغالب ، من الظهور
بمعنى العلو والغلبة ، ومنه قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنت الظاهر فليس فوقك شيء.
و « الباطن » الذي
لا يستولي عليه توهم الكيفية ، أو المحتجب عن أبصارنا ، ويكون معنى الظاهر المتجلي
لبصائرنا ، وقيل هو العالم بما ظهر من الأمور
__________________
والمطلع على ما بطن من الغيوب وينبغي أن يقرن بين هذين الاسمين أيضا.
و « البر » هو
العطوف على العباد الذي عم بره جميع خلقه يبر المحسن بتضعيف الثواب والمسيء
بالعفو عن العقاب وبقبول التوبة.
و « ذو الجلال
والإكرام » أي العظمة أو الغناء المطلق والفضل العام.
و « المقسط » العادل
الذي لا يجور.
و « الجامع » الذي
يجمع الخلائق ليوم القيامة ، أو الجامع للمتباينات والمؤلف بين المتضادات ، أو
الجامع لأوصاف الحمد والثناء.
و « المانع » أي
يمنع أولياءه ويحوطهم وينصرهم من المنعة ، أو يمنع من يستحق المنع للحكمة في منعه
واشتقاقه من المنع ، أي الحرمان ، لأن منعه سبحانه حكمة وعطاءه جود ورحمة ، أو
الذي يمنع أسباب الهلاك والنقصان بما يخلقه في الأبدان والأديان من الأسباب المعدة
للحفظ.
و « الضار
النافع » أي خالق ما يضر وينفع.
و « النور » المنور
مخلوقاته بالوجود والكواكب والشمس والقمر واقتباس النار ، أو نور الوجود بالملائكة
والأنبياء ، أو دبر الخلائق بتدبيره.
و « البديع » هو
الذي فطر الخلائق مبتدعا لا على مثال سبق .
و « الوارث » هو
الباقي بعد فناء الخلق ويرجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك.
و « الرشيد » الذي
أرشد الخلق إلى مصالحهم ، أو ذو الرشد وهو الحكمة لاستقامة تدبيره ، أو الذي تنساق
تدبيراته إلى غاياتها.
و « الصبور » الذي
لا يعاجل بعقوبة العصاة لاستغنائه عن التسرع ، إذ لا
__________________
يخاف الفوت.
و « الهادي » لعباده
إلى معرفته بغير واسطة أو بواسطة ما خلقه من الأدلة على معرفته ، أو هدي كل مخلوق
إلى ما لا بد له منه في معاشه ومعاده.
و « الباقي » هو
الموجود الواجب وجوده لذاته أزلا وأبدا.
و « الصابر » هو
الذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه.
ورد في الكتاب
العزيز في الأسماء الحسنى « الرب » وهو في الأصل بمعنى الربية ، وهو تبليغ الشيء
إلى كماله شيئا فشيئا ، ثمَّ وصف به للمبالغة كالقيوم والعدل. وقيل هو نعت من ربه
يربه فهو رب ، ثمَّ سمي به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه ، ولا يطلق على غير
الله سبحانه إلا مضافا كقولنا « رب الضيعة » ومنه قوله تعالى « ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ » .
و « المولى » وهو
الناصر والأولى بمخلوقاته والمتولي لأمورهم.
و « النصير » مبالغة
في الناصر.
و « المحيط » أي
الشامل علمه.
و « الفاطر » أي
المبتدع ، من الفطر وهو الشق ، كأنه شق العدم بإخراجنا منه.
و « العلام » مبالغة
في العلم.
و « الكافي » أي
يكفي عباده جميع مهامهم ويدفع عنهم مؤذياتهم.
وذو الطول ، أي
الفضل بترك العقاب المستحق عاجلا وآجلا لغير الكافر.
و « ذو المعارج
» ذو الدرجات التي هي مصاعد الكلم الطيب والعمل
__________________
الصالح ، أو التي يترقى فيها المؤمنون أو في الجنة.
قاعدة
:
هذه الأسماء والصفات عندنا وعند
المعتزلة ترجع إلى الذات ، وذلك لأن مرجع هذه إلى الذات والحياة والقدرة والعلم والإرادة والسميع
والبصير والكلام ، والأربعة الأخيرة ترجع إلى العلم والقدرة ، والعلم والقدرة
كافيان في الحياة ، والعلم والقدرة نفس الذات ، فرجعت جميعها إلى الذات إما مستقلة
أو إليها مع السبب أو الإضافة أو هما أو إليهما مع واحدة من الصفات
الاعتبارية المذكورة أو إلى صفة مع إضافة أو إلى صفة مع زيادة إضافة أو إلى صفة مع
فعل وإضافة أو إلى صفة فعل أو إلى صفة فعل مع إضافة زائدة ، فالأول « الله » ويقرب
منه « الحق » ، والثاني مثل القدوس والسلام والغني والأحد ، والثالث كالعلي
والعظيم والأول والآخر ، والرابع كالملك والعزيز ، والخامس كالعليم والقدير ، والسادس
كالحليم والخبير والشهيد والمحصي ، والسابع كالقوي والمتين ، والثامن كالرحمن
والرحيم والرءوف والودود ، والتاسع كالخالق والبارئ والمصور ، والعاشر كالمجيد
والكريم واللطيف.
فائدة
:
هذه كلها ورد بها السمع ، ولا شيء منها يوهم نقصا ، فلذلك جاز إطلاقها على الله
تعالى إجماعا. أما ما عداها فينقسم أقساما ثلاثة :
__________________
( الأول ) ما
لم يرد به السمع ويوهم نقصا فيمتنع إطلاقه إجماعا ، نحو العارف والعاقل والفطن
والذكي ، لأن المعرفة قد يشعر بسبق فكره ، والعقل هو المنع عما لا يليق ، والفطنة
والذكاء يشعران بسرعة الإدراك لما غاب عن المدرك.
وكذا المتواضع
، لأنه يوهم المذلة ، والعلامة فإنه يوهم التأنيث ، والداري لأنه يوهم تقدم الشك.
وما جاء في
الدعاء من قولهم « لا يعلم ولا يدري ما هو إلا هو » يوهم جواز هذا فيكون مرادفا
للعلم.
( الثاني ) ما
ورد به السمع ولكن إطلاقه في غير مورده يوهم النقص ، كما في قوله تعالى « وَمَكَرَ اللهُ » وقوله تعالى « اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ » فلا يجوز أن يقال عليه يا مستهزئ أو يا ماكر أو يحلف
به.
وكذا منع بعضهم
أن يقال « اللهم امكر بفلان » وقد ورد هذا في دعوات المصباح ، أما ، اللهم استهزئ
به ، أو « لا تستهزئ بي » ففيه الكلام.
( الثالث ) ما
خلا عن الإبهام إلا أنه لم يرد به السمع ، مثل السخي والنجي والأريحي ، ومنه السيد
عند بعضهم ، وقد جاء في الدعاء كثيرا ، وورد أيضا في بعض الأحاديث « قال السيد
الكريم » ، والأولى التوقف عما لم يثبت التسمية به وإن جاز أن يطلق معناه عليه إذا
لم يكن فيه إبهام. وضابط الحلف بالأسماء
__________________
الاختصاص أو الاشتراك مع أغلبية الإطلاق عليه تعالى.
فائدة
:
« أل » في قولنا « القدير » و « العليم
» و « الرحمن » و « الرحيم » يمكن أن يكون للعهد لأن كل مخاطب يعهد هذا المدلول ، ويمكن أن يكون للكمال
، مثل قولهم « زيد الرجل » أي الكامل في الرجولية ـ قاله سيبويه.
فعلى هذا « الرحمن
» الكامل في الرحمة ، و « العليم » الكامل في العلم. ولا بد في الأيمان كلها من
القصد عندنا وإن كانت بلفظ صريح.
فائدة
:
لو قال « واسم الله » فالأقرب عدم الانعقاد ، لأن الاسم مغاير للمسمى على
الصحيح. ومن قال بأن الاسم هو المسمى لزمه الانعقاد ، فكأنه حلف بالله.
قيل : وموضع
الخلاف هو في المركب من أس م ، لا في مثل قولنا « حجر نار » و « ذهب فضة » وغيرها
من الأسماء ، إذ لا يقال لفظ « الحجر » هو عين الحجر حتى يؤذي من تلفظ به أو لفظ «
النار » هو عين النار حتى يحترق من تكلم به.
وفي التحقيق
لفظ « اسم » هو موضوع للقدر المشترك بين الأسماء وأن مسماه لفظ لا معنى.
والظاهر أن
الخلاف ليس مقصورا على لفظ « اسم » بل مطرد ولكنه يرجع إلى الخلاف في العبارة ، وذلك
لأن الاسم إن أريد به اللفظ فغير المسمى قطعا لأنه يتألف من أصوات مقطعة مثالية
وتختلف باختلاف الأمم والأعصار ويتعدد تارة ويتحد أخرى ، والمسمى ليس كذلك. وإن
أريد بالاسم الذات فهو المسمى
لكنه لم يشتهر في هذا المعني ، إلا أن يكون من ذلك قوله تعالى « تَبارَكَ اسْمُ
رَبِّكَ » وهو غير متعين
، لجواز إطلاق التنزيه على الألفاظ الدالة على الذات المقدسة كما تنزه
الذات. وإن أريد بالاسم الصفة ينقسم إلى ما هو المسمى وإلى غيره.
قاعدة
:
كل يمين خولف مقتضاها نسيا أو جهلا أو
إكراها فلا حنث فيها ، لظاهر رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، ولأن البعث والزجر
المقصودين من اليمين إنما يكونان مع ذكر اليمين. ضرورة أن كل حالف إنما قصد بعثه
أو زجره باليمين ، وذلك إنما يكون عند ذكرها وذكر المحلوف عليه حتى يكون تركه لأجل
اليمين ، وهذا لا يتصور إلا مع القصد إليها والمعرفة بها ، فإذا جهل اليمين في
صورة النسيان أو المحلوف عليه في صورة الجهل لم يوجد المقصود من اليمين وهو الترك
لأجلها مخرجا عن اليمين ، إذ لا يقصده حالف من الناس ، لامتناع حال الجهل
والنسيان.
وكذا حال
الإكراه ، بل أولى ، لأن الداعية حال الإكراه ليست للفاعل على الحقيقة ، بل نشأت
عن أسباب الإكراه التي هي مستندة إلى غيره ، فلم تدخل هذه الحالة أيضا في اليمين.
والقصد باليمين
البعث على الإقدام أو [ المنع ] منه ، والبعث [ إنما يقع ] في الأفعال الاختيارية
لامتناع بعث المرء نفسه على ما يعجز عنه كالصعود إلى
__________________
السماء ، ولقوله صلىاللهعليهوآله لا طلاق في إغلاق . ويحمل غيره
عليه ، وهذا إلزام.
فرع
:
إذا قلنا بعدم الحنث هنا هل ينحل اليمين
أم لا؟ يظهر من كلام الأصحاب انحلالها ، فلو خالف مقتضاها بعد
ذلك لم يحنث ، لأن المخالفة قد حصلت والمخالفة لا تتكرر.
ويحتمل أن تبقى
اليمين ، لأن الإكراه والنسيان لم يدخلا تحتها ، لما قلناه فالواقع بعد ذلك هو
الذي تعلقت به اليمين.
والأول أقرب ، لأنه
لو نذر عتق أمته إن وطئها ثمَّ باعها ثمَّ عادت إليه انحل النذر ، للرواية الصحيحة
عن أحدهما عليهماالسلام.
وقد توقف فيها ابن إدريس
والفاضل رحمهماالله.
وهي أقرب في الانحلال
من المسألة المتقدمة ، [ ولأنه ] لا يلزم من القول بها القول بتلك. وقد صرح
الأصحاب في الإيلاء بأنه لو وطئ ساهيا أو مجنونا أو بشبهة أو غيرها بطل حكم
الإيلاء وهي صريحة ، وكذا لو كانت أمة فاشتراها وأعتقها أو كان عبدا فاشتراه
وأعتقه .
وهاهنا فائدة
دقيقة من قبيل الشرط اللغوي دائرة على ألسنة الأفاضل ، فلنذكرها حسب ما قرروها ، وهي
ما أنشد بعضهم :
__________________
ما يقول
الفقيه أيده الله
|
|
ولا زال عنده
إحسان
|
في فتى علق
الطلاق بشهر
|
|
قبل ما بعد
قبله رمضان
|
وليمثل عندنا
في الظهار أو الصيام في النذر والعهد واليمين ، ويمكن إنشاد هذا البيت ثمانية
بالتقدم والتأخر بشرط استعمال الألفاظ في حقائقها دون مجازاتها مع بقاء
الوزن ، ولو أطرحنا اعتبار الحقيقة وطولنا البيت بمثله اشتمل على
سبعمائة وعشرين مسألة فقهية وهلم جرا. ولا تتعجب من ذلك ، فإن هنا بيتا يتفق فيه
بحسب التغيير أربعون ألف بيت وثلاثمائة وعشرون بيتا :
علي إمام
جليل عظيم
|
|
فريد شجاع
كريم عليم
|
قلت محاذاة
لقول بعض العلماء :
لقلبي حبيب
مليح ظريف
|
|
بديع جميل
رشيق لطيف
|
وهو من بحر
المتقارب ، لأن اللفظين الأولين لهما صورتان ، فإذا ضربنا في مخرج الثالث صارت ستة
، فإذا ضربت في مخرج الرابع صارت أربعة وعشرين فإذا ضربت في مخرج الخامس صار مائة
وعشرين ، فإذا ضربت في مخرج الستة فسبعمائة وعشرين ، فإذا ضربت في السبعة فخمسة
آلاف وأربعون ، ثمَّ في مخرج الثامن تبلغ ما قلناه.
ومن هذا يعلم
أن صور العكس في الوضوء مائة وعشرون ، ولو اعتبرنا الترتيب بين
الرجلين كانت سبعمائة وعشرين ويعلم الترتيب في قضاء الفوائت
__________________
على القول بالوجوب أو الاستحباب.
فإذا أردنا في
بيت السؤال تكثيره جمعنا في البيت ثلاثة من لفظ قبل وثلاثة من لفظ بعد فيجتمع بين
الستة فيخرج البيت عن الوزن فنقول قبل ما قبل قبله بعد ما بعد بعده رمضان. ثمَّ إن
لنا أن ننوي بكل قبل وبكل بعد شهرا من شهور السنة أي شهر كان من غير مجاوزة ولا
التفات إلى ما بينهما من عدة الشهور ويكون بالمجاز ، فإن أي شهر أخذته فبينه وبين
الشهر الذي نسبته إليه بالقبلية والبعدية علاقة من جهة أنه شهور السنة معه أو هو
قبله من حيث الجملة أو بعده من حيث الجملة أو هو شبيه بما يليه من جهة أنه شهر
موصوف بالقبلية إلى غير ذلك من علائق المجاز. ثمَّ إنا نعمد إلى هذه الألفاظ الستة
فيظهر نسبتها إلى رمضان ، فيظهر من ذلك الشهر المسئول عنه. ثمَّ يورد عليها لفظة
أخرى من لفظ قبل وبعد إلى آخر السنة ومتى اقتضى الأمر إلى التداخل
بين صورتين في شهر نوينا به آخر من شهور السنة حتى تحصل المغايرة فيحصل من الألفاظ
الستة ما ذكرناه ، وإن زدت عليها لفظ قبل أو بعد تراقى الأمر إلى ما لا نهاية له.
وقال ابن
الحاجب في أماليه : هذا البيت ينشد على ثمانية أوجه ، لأن ما بعد قبل الأول قد
يكون قبلين وقد يكون بعدين وقد يكونان مختلفين ، فهذه أربعة أوجه كل منها قد يكون
قبله قبل وقد يكون قبله بعد ، فصارت ثمانية ، فأذكر قاعدة يبنى عليها تفسير الجميع
، وهي أن كلما اجتمع فيه منها قبل وبعد فألقها لأن كل شهر حاصل بعد ما هو قبله
وحاصل قبل ما هو بعده ، فلا يبقى حينئذ إلا بعده رمضان فيكون شعبان أو قبله رمضان
فيكون شوالا ، فلم يبق إلا ما جميعه قبل أو جميعه بعد ، فالأول هو الشهر الرابع من
رمضان ، لأن معنى قبل ما قبل
__________________
قبله رمضان شهر تقدم رمضان قبل شهرين قبله وذلك ذو الحجة ، والثاني هو
الرابع أيضا ولكن على العكس ، لأن معنى بعد ما بعد بعده رمضان شهر تأخر رمضان بعد
شهرين بعده وذلك هو جمادى الآخرة. فإذا تقرر ذلك فقبل ما قبل قبله رمضان ذو الحجة
، لأن ما قبل قبله شوال وقبله رمضان فهو ذو الحجة ، وقبل ما بعد بعده رمضان شعبان
، لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان ، وقبل ما قبل بعده رمضان شوال ، لأن المعنى
قبله رمضان وذلك شوال ، وقبل ما بعد قبله رمضان شوال ، لأن المعنى أيضا قبله رمضان
وذلك شوال.
فهذه الأربعة
الأول ، ثمَّ تأخذ الأربعة الأخرى على ما تقدم ، فإن بعد ما قبل قبله رمضان شوال ،
لأن المعنى قبله رمضان وذلك شوال ، وبعد ما بعد بعده رمضان جمادى الآخرة لأن بعد
ما بعده شعبان وبعده رمضان فهو جمادى الآخرة وبعد ما قبل بعده رمضان شعبان ، لأن
المعنى بعده رمضان وذلك شعبان ، وبعد ما بعد قبله رمضان شعبان ، لأن المعنى بعده
رمضان وذلك شعبان.
قال بعض البصريين هنا مباحث :
( الأول ) في « ما » ثلاثة أوجه أن تكون زائدة وموصولة ونكرة موصوفة ، ولا تختلف الأحكام
مع شيء من ذلك ، فالزائدة نحو قولنا « قبل قبل قبله رمضان » ، والموصولة تقديرها
الذي استقر قبل قبله رمضان ، ويكون الاستقرار في قبل الذي بعدها وهو الذي قبلها ، وتقدير
النكرة الموصوفة قبل شيء استقر قبل قبله رمضان فيكون الاستقرار العامل في الظرف
الكائن بعدها صفة لها.
( الثاني ) أن
هذه القبلات والبعدات
ظروف زمان مظروفاتها
الشهور هاهنا ففي كل قبل أو بعد شهر هو المستقر فيه ، مع أن اللغة تقبل غير هذه المظروفات
__________________
لأن القاعدة أنا إذا قلنا قبله رمضان احتمل أن يكون شوالا فإن رمضان قبله ،
واحتمل أن يكون [ يوما ] واحدا من شوال فإن رمضان قبله ، لصدق قولنا رمضان قبل
العيد حقيقة ، لكن يجب هنا كون المظروف شهرا للسياق ولضرورة الضمير في قبله العائد
إلى الشهر المسئول عنه ، إلا أن نتجوز في الشهر ببعضه تسمية للجزء باسم الكل ، إلا
أن الفتوى هنا مبنية على الحقيقة.
هذا تقرير قبله
الأخير المصحوب بالضمير ، وأما قبل المتوسط فليس معه ضمير يضطرنا إلى ذلك ، بل
علمنا أن المظروفة شهر بالدليل العقلي ، لأن رمضان إذا كان قبل قبل الشهر المسئول
عنه وتعين أن أحد القبلين هو الذي أضيف إلى الضمير مظروفه شهر تعين أن مظروف [
القبل المتوسط شهر أيضا ، لأنه ليس بين شهرين من جميع الشهور أقل من شهر ، فيصدق
عليه أنه قبل شهر وبعد شهر ، بل لا يوجد بين شهرين عربيين إلا شهر ، فلذلك تعين أن
مظروف ] هذه الظروف شهور تامة ، وأما شهور القبط فإن أيام
النسيء متوسط بين مشرى وتوت.
( الثالث ) أن الإضافة يكفي فيها أدنى
ملابسة ، كقوله تعالى « وَلا نَكْتُمُ
شَهادَةَ اللهِ » أضيف الشهادة إليه تعالى لأنه شرعها لا أنه شاهد ومشهود
عليه ، وكذلك
__________________
« دين الله » و « فَنَفَخْنا
فِيهِ مِنْ رُوحِنا » و « لِلّهِ
عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ » ، ومنه قول أحد حاملي الخشبة « خذ طرفك » ، قال الشاعر
:
إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة [ سهيل ] .
لأنها كانت
تقوم إلى عملها وقت طلوعه ، فالقدر المشترك بين هذه الإضافات المختلفة المعاني هو
أدنى ملابسة كما قاله صاحب المفصل.
إذا تقرر ذلك
فهذه القبلات أو البعدات المضاف بعضها إلى بعض يحتمل لغة أن يكون كل ظرف أضيف إلى
مجاوره أو إلى مجاور مجاوره فصاعدا ، فيكون الشهر الذي قبل رمضان هو ربيعا ، فإن
ربيعا قبل رمضان بالضرورة ، بل يومنا هذا قبل يوم القيامة. وهذا كله حقيقة غير أن
الظروف التي في البيت حملت على مجاور الأول لأنه الأسبق إلى الفهم ، مع أن غيره
حقيقة أيضا.
( الرابع ) أنك
تعلم أنك إذا قلت « قبل ما قبل قبله رمضان » فالقبل الأول هو عين رمضان ، لأنه
يستقر في ذلك الظرف ، وكذلك بعد ما بعد بعده رمضان ، فالبعد الأخير هو رمضان لأنه
مستقر فيه ، متى كان القبل الأول هو رمضان فالقبلان الكائنان بعده شهران آخران
متقدمان على الشهر المسئول عنه.
وكذلك في « بعد
ما بعد بعده رمضان » البعدان الأخيران شهران آخران متأخران عن الشهر المسئول عنه ،
فالقريب دائما في الشهر الرابع الشهر
__________________
المسئول وثلاث ظروف لغيره.
( الخامس ) أنا
إذا قلنا « قبل ما بعد بعده رمضان » فهل يجعل هذه الظروف متجاورة على ما نطق بها
في اللفظ فيتعين أن يكون الشهر المسئول عنه هو رمضان فإن كل شيء فرض له أبعاد
كثيرة متأخرة عنه فهي قبل جميعها فرمضان قبل بعده وبعد بعده وجميع ما يفرض من ذلك
إلى الأبد فهو قبل تلك الظروف كلها المصوفة ببعد وإن كانت غير متناهية ، وكذلك
يصدق أيضا أنه جعل بعد قبله وقبل قبله إلى الأزل ، فيكون رمضان
قال ويبطل ما قاله ابن الحاجب فإنه عين الأول شوالا والثاني شعبان ، ويقتضي ما
ذكرناه أن يكون الشهر المسئول عنه هو رمضان في المسألتين.
أو نقول مقتضى
اللغة خلاف هذا التقدير وإن لا تكون هذه الظروف المنطوق بها مترتبة على ما هي في
اللفظ ، بل قولنا قبل ما بعد بعده فبعد الأول المتوسط بين قبل وبعد متأخر في
المعنى وقبل المتقدمة متوسطة بين البعدين منطبقة على ما بعد الأخيرة ويكون بعد
الأخيرة بعدا وقبلا معا.
وليس ذلك محالا
، لأنه بالنسبة إلى شهرين واعتبارين ، وتقدير ذلك أن العرب إذا قالت ، غلام غلام
غلامي فهؤلاء ينعكسون في المعنى ، فالغلام الأول هو الغلام الذي ملكه عبد عبدك ، والغلام
الأخير هو عبدك الذي ملكته وهو ملك عبد الأخير ، فملك ذلك الأخير العبد المقدم
ذكره. وكذلك إذا قلت صاحب صاحب صاحبي ، فالمبدو به هو أبعد الثلاثة عنك والأقرب
إليك هو الأخير والمتوسط متوسط.
__________________
إذا عرفت هذا
فنقول : قبل ما بعد بعده رمضان شعبان كما قاله ابن الحاجب لأن شعبان بعده رمضان
وبعد قبل بعده شوال ، فقولنا قبل مجاوره لبعده الأخير لأنه لم يقل قبل بعده بل قبل
بعد بعده فجعل له مضافا في المعنى إلى بعد متأخر عن بعد وهو البعد الثاني ، فيكون
رمضان قبل البعد الثاني وهو شوال ، فالواقع قبله رمضان وليس لنا شهر بعده بعدان
رمضان قبل البعد والأخير إلا شعبان.
فإن قلت : رمضان
حينئذ هو قبل البعد الأخير ، وهو بعد شوال باعتبار البعد الأول كما بينته ، فيلزم
أن يكون قبل وبعد. وهو محال ، لأن القبل والبعد ضدان والضدان لا يجتمعان في شيء
واحد.
قلت : مسلم
أنهما ضدان وأنهما اجتمعا في شيء واحد وهو رمضان ، لكن باعتبار إضافتين ، فيكون
رمضان قبل باعتبار شوال وبعد باعتبار شعبان ، كما يكون المؤمن صديقا للمؤمن وعدوا
للكافر ، فيجتمع فيه الصداقة والعداوة باعتبار فريقين.
إذا عرفت هذا
فيتعين أنا لو زدنا في لفظ « بعد » لفظة أخرى منه فقلنا « قبل ما بعد بعد بعده » تعين
أن يكون الشهر عينه رجبا وإن جعلنا بعد أربع كان جمادى الآخرة أو خمسة كان جمادى
الأولى أو ستة كان ربيع الثاني وكذلك كل ما زاد بعد زاد شهرا قبل ، فإن هذه الشهور
ظروف كما تقدم. فيحصل على هذا الضابط مسائل غير متناهية. وإذا وصلت إلى أكثر من
اثني عشر ظرفا فقد دارت السنة معك ، فربما عدت إلى عين الشهر الذي كنت قلته في
المسألة ولكن في سنة أخرى وكذا في السنين إذا كثرت.
مسألة
:
فإذا عكسنا وقيل « بعد ما قبل رمضان » فبمقتضى جعلنا الظروف متجاورة
على ما هي [ متجاورة ] في اللفظ يكون الشهر المسئول عنه رمضان ، فإن كل شيء
بعد جميع ما هو قبله وبعد قبلاته وإن كثرت. وقال ابن الحاجب إن شوال بناء على ما
تقدم ، وهو أن الأول متقدم على البعد الأول متوسط مضاف إلى البعد الأخير المضاف
إلى المضمر العائد على الشهر المسئول عنه ، فنفرض شهرا هو شوال فقبله رمضان وقبل
رمضان شعبان ، والسائل قد قال إن رمضان بعد أحد القبلين والقبل الأخير بعده ، وليس
لنا شهر قبله شهران الثاني منهما رمضان إلا شوال فيتعين ، فيكون رمضان موصوفا بأنه
بعد باعتبار شعبان وبأنه قبل باعتبار شوال ولا مضادة كما تقدم.
وإن زدنا في
لفظة « قبل » لفظة أخرى فقلنا « بعد ما قبل قبل قبله رمضان » كان ذا القعدة ، فإن
رمضان أضيف إلى قبل قبل قبلين وهما شوال وذو القعدة فإن جعلنا لفظ « قبل » أربعا
كان ذا الحجة أو خمسا كان المحرم وعلى هذا.
مسألة
:
فإذا قلنا « بعد
ما بعد بعده رمضان » فهو جمادى الأخرى ، لأن السائل قد نطق بثلاث بعدات عن الشهر
المسئول عنه ، فرجب البعد الأول وشعبان البعد الثاني ورمضان البعد الثالث والرابع
هو الشهر المسئول عنه المتقدم عليها وذلك جمادى الأخرى.
مسألة
:
فإذا قلنا ، قبل ما قبل قبله رمضان تعين
ذو الحجة ، لأن السائل قد
نطق بثلاث من لفظ قبل ، فقبل ذي الحجة ذو القعدة وقبل ذي القعدة شوال وقبل شوال
رمضان ، وهو ما قاله السائل. وأما قبل ما قبل بعده أو بعد ما بعد قبله فقد
تقدم أن كل شيء هو قبل ما هو بعده وبعد ما هو قبله ، وإذا اتحدت العين صار معنى
الكلام بعده رمضان أو قبله رمضان ، فيكون المسئول عنه شعبان في الأول وشوال في
الثاني.
فائدة
:
جميع أجوبة
البيت منحصرة في أربعة أشهر طرفان وواسطة ، فالطرفان جمادى الآخرة وذو الحجة
والواسطة شوال وشعبان.
وتقريب ضبطها :
أن جميعها أن كان قبلا فالجواب بذي الحجة أو بعدا فالجواب بجمادى الآخرة أو مركب
من قبل وبعد ، فمتى وجدت في الأخير قبل بعده أو بعد قبله فالكلمة الأولى إن كانت
حينئذ قبلا فهو شوال ، لأن المعنى قبله رمضان أو بعدا فهو شعبان ، لأن التقدير
بعده رمضان.
هذا إن اجتمع
آخر البيت قبل وبعد ، فإن اجتمع قبلان أو بعدان وقبلهما مخالف لهما ففي البعدين
شعبان وفي القبلين شوال ، فشوال ثلاثة وشعبان ثلاثة هذه الستة هي المتوسطة بين
جمادى وذي الحجة.
هذا كله على
تقدير التزام الحقيقة والوزن في البيت المذكور ، وأما على تقدير خلافهما من التزام
المجاز وعدم النظم بل يكون الكلام نثرا فتصير المسائل سبعمائة وعشرون مسألة.
__________________
المقصد الثاني
( في المعاملات )
وفيه قسمان :
( الأول ـ في الأمور العامة للتملكات
والعقود )
وفيه بحثان :
( الأول في التملكات )
قاعدة
:
الملك حكم شرعي مقدر في العين أو
المنفعة يؤثر تمكين المضاف إليه من الانتفاع به والعوض عنه من
حيث هو كذلك.
وإنما كان حكما
شرعيا لأنه يتبع الأسباب الشرعية ، وأما أنه مقدر فلأنه يرجع إلى تعلق خطاب الشارع
والتعلق اعتباري ، بل يقدر في العين والمنفعة عند حصول الأسباب المحصلة له.
والتقييد
بالانتفاع ليخرج تصرف الوصي والوكيل والحاكم مع عدم تحقق الملك ، والتقييد
بالانتفاع به ليخرج الإباحة كما في الضيف والمار على الشجرة المثمرة على خلاف ، ويخرج
الاختصاص في المسجد والرباط والطرق ومقاعد الأسواق ، وإن هذه لا تملك فيها مع
التمكن الشرعي من التصرف.
والتقييد
بالحيثية ليخرج عنه ما يعرض له من مانع الحجر على المالك ، فإن الملك يقتضي ذلك من حيث هو هو ، وإنما
التخلف لمانع.
__________________
ولا تنافي بين
الإمكان الذاتي والانتفاع الغيري ولا يرد النقض بملك الملك لأنه لا يسمى ملكا
حقيقيا ، وكذا الضيافة إذ الأصح أنه لا يملك إلا بالمضغ ، ولا بالوقف عند من قال
بملك الموقوف عليه لأن الانتفاع حاصل به في الجملة والاعتياض قد يحصل في صور بيع
الوقف ، ولا مالك الانتفاع دون المنفعة كالمسكن لأن ذلك لا يعد ملكا حقيقيا.
وعلى هذا الملك
من الأحكام الخمسة ، أعني الإباحة ، وله اعتبار يلحقه بالوضع ، إذ هو سبب في
الانتفاع إلا أنه غير المصطلح ، إذ الضابط في خطاب الوضع ما كان متعلقا بأفعال
المكلف لا على وجه الاقتضاء والتخيير.
ولو صلحت
السببية هنا بجعله من خطاب الوضع لكان أكثر الأحكام منه ، إذا النكاح مثلا
سبب في الحل والحل سبب في وجوب حقوق الزوجة التي هي سبب في أمور أخر ، والدلوك سبب
في وجوب الصلاة والوجوب سبب لاستحقاق الثواب بالفعل والعقاب بالترك. وسبب تقدمه
على غيره من المندوبات.
قاعدة
:
أقسام الملك قد
يكون للرقبة ، وقد يكون للمنفعة ، وقد يكون للانتفاع ، وقد يكون للملك . وهو المعبر
عنه بقولهم « ملك أن يملك ».
والأولان
ظاهران ، وأما ملك الانتفاع فكالوقف على الجهات العامة عند من قال ينتقل إلى الله
تعالى ، فإن الموقوف عليه يملك انتفاعه به ، كالمدارس والربط فله السكنى بنفسه
والارتفاق وليس له الإجارة.
ومنه ملك الزوج
للبضع ، فإنه إنما يملك الانتفاع به ، ولهذا لو وطئت
__________________
بالشبهة كان مهر المثل لها إن كانت حرة وللسيد إن كانت أمة وليس للزوج فيه
شيء.
ومنه ملك الضيف
الانتفاع بالأكل لا المأكول ، فليس التصرف في الطعام بغير الأكل.
أما الوقوف
الخاصة فإنه يملك المنفعة قطعا ، فله الإجارة والإعارة ، ويملك الثمرة والصوف
واللبن.
وأما الإقطاع
فالخبر يدل على أنه مملك ، كأرض الزبير وعقيق بلال بن الحارث. نعم لو اعتيد
الإعمار فيه لم يملك الرقبة ، وكذا لو صرح الإمام بالعمرى أو الرقبى ، وحينئذ ليس
للمقطع إجارة الأرض المقطعة كما ليس للمعمر أن يؤجر إلا مع تصريح الإمام له بذلك
أو تعميم وجه الانتفاع.
ولو عم عرف بلد
ذلك صار كأنه المقصود ، وجوز بعض متأخري العامة الإجارة مطلقا ، وعارضه متأخر منهم
بالمنع إلا مع العرف.
وملك [ الملك ]
جار في المواضع المعروفة ، وخاصية زواله بالإعراض وتوقفه على نية التملك إذا أراد ملكه
الحقيقي.
قاعدة
:
قد يقوم السبب الفعلي غير المنصوب
ابتداء مقام الفعلي المنصوب ابتداء كتقديم الطعام إلى الضيف ، فإنه
مغن عن الإذن في الأصح. وتسليم الهدية إلى المهدى إليه وإن لم يحصل القبول القولي
في الظاهر من فعل السلف
__________________
والخلف ، وكذلك صدقة التطوع وكسوة القريب والصاحب وجائزة الملك من كسوة
وغيرها ، وعلامة الهدي كغمس النعل في دمه وجعله عليه أو كتابة عنده والوطء في
الرجعية ، ومدة الخيار من ذي الخيار ، والتقبيل كذلك وكذا اللمس بشهوة.
أما المعاطاة
في المبايعات فتفيد إباحة التصرف لا الملك وإن كان في الحقير عندنا ، ولا يكفي
تسليم العوض في الخلع عن بذلها أو قبولها بعد إيجابه ، ولا تسليم الدية في سقوط
القصاص ، بل لا بد من التلفظ بالعفو أو بمعناه.
ولو خص الإمام
بعض الغازين بأمة وقلنا يتوقف الملك على اختيار التملك فلو وطئ أمكن
كونه اختيارا ، لأن الوطء دليل الملك ، إذ لا يقع هنا إلا في
الملك.
قاعدة
:
الغالب في التملكات تراضي اثنين ، وقد يكفي الواحد في مواضع ، كالأخذ بالشفعة والمقاصة ، والمضطر
في المخمصة إلى طعام الغير ، واللفظ الفاسخ بطريقه ، والوالي باسترقاق رجال الكفار
إذا أخذوا بعد تقضي الحرب ، والغنيمة والسرقة من دار الحرب ، وإحياء الموات
والاحتياز في المباحات ، وتبسط الغانمين في المأكل والعلف ، وعفو المجني عليه أو
وارثه على مال إن قلنا بقول ابن الجنيد من أن الواجب في قتل العمد أحد الأمرين أما
الأب والجد متواليان لطرفي العقد فإن الاستقلال في الحقيقة قائم مقام اثنين.
__________________
قاعدة
:
لا يجوز أن يجمع لواحد بين العوض
والمعوض عندنا وإلا لكان أكلا بالباطل ، إذا كله بالحق أن يدفع
عوضا ويأخذ معوضا ليرتفع الضرر عن المتعاقدين وينتفع كل واحد بما بذل.
وقد وقع
الإجماع على أنه لا يجوز أن يكون للبائع الثمن والمثمن وللأجير المنفعة والأجرة
ولا للزوج البضع والمهر.
ومنه نسبة
الأرض إلى الثمن مثل ما بين القيمتين ، إذ لو نسب إلى القيمة أدى في بعض الصور إلى
الجمع بين العوض والمعوض ، كما لو اشتراه بمائة فقوم صحيحا بمائتين ومعيبا بمائة ،
فإنّا لو رجعنا بما بين القيمتين لرجع بالمائة فيملك العوض والمعوض.
ومنه من وجد
عين ماله عند مفلس وقد جنى عليها ، فإنه يرجع بمثل الجناية من الثمن لا بالجناية
نفسها حذرا من ذلك ، كما لو كان ثمنه مائة فقلعت عينه وهو يساوي مائتين ، فلو رجع
بأرش الجناية لرجع بمائة بل يرجع بمثل نسبته فيرجع بخمسين.
وقد ذكر بعض
العامة صورا ثلاثا مستثناة :
( الأولى )
الأجرة على الجهاد باستئجار القاعد المجاهد أو الجعالة له ، وشرط بعضهم أن يكون الأجير
والمستأجر من ديوان واحد. ومنعه أكثرهم ، لأن المجاهد يحصل له ثواب الجهاد ، فلو
أخذ عليه أجرة لاجتمع العوض والمعوض. والتحقيق فيه أن هنا أمورا أربعة :
__________________
١ ـ أن يتعين
عليهما الجهاد باجتماع الشرائط فيهما والإجارة هنا ممتنعة.
٢ ـ أن لا
يتعين عليهما ، لاتصافهما بأحد الموانع ، والإجارة هنا جائزة قوله : للخارج ثواب الجهاد. قلنا
: إن أردت لأنه مجاهد عن نفسه ، فالتقدير أنه لم يتعين عليه وإن أردت لأنه مجاهد
في الجملة ، فلا نسلم أن أصل ثواب الجهاد له وإن كانت الأضعاف له كأجير الحج فلا
يلزم اجتماع العوض والمعوض.
٣ ـ أن لا
يتعين على الأجير ويتعين على المستأجر ، والإجارة هنا باطلة لوجوب خروجه بنفسه ، إلا
أن يستأجره ويخرج فيكون من قبيل الثاني.
٤ ـ أن يتعين
على الأجير ولا يتعين على المستأجر ، والإجارة هنا باطلة لما ذكره من العلة وأما
التفصيل بالديوان فتحكم.
( الثانية )
عقد المسابقة يحصل بالعمل للعامل ثواب الاستعداد للقتال والهداية لممارسة النضال ،
فكان ينبغي أن لا يأخذ عليه عوضا حذرا من اجتماع العوض والمعوض ، ولكنه لما لم يكن
واجبا في نفسه وهو قابل للنيابة فإذا بذل أجنبي عوضا أو بذل من بيت المال كان
الجعل في الحقيقة لعمل مصلحة من مصالح المسلمين ، فكأن المتسابقين مشغولان بالعمل
للمسلمين ، فجاز أن يأخذا عليه عوضا. وكذا إذا كان العوض منهما أو من أحدهما ، فإنه
بذل المال في مقابلة تلك المصلحة ، لأن جلب الغنم ودفع الغرم يبعث العزم على ذلك ،
فيكون أبلغ في نفع المسلمين من المباشرة من غير رهن.
( الثالثة ) الأجرة
على الإمامة يلزم منها ذلك المحذور ، لأن الصلاة نفع له فلو أخذ عنها عوضا لاجتمع
العوضان له. وخرجوها على أن الأجرة بإزاء ملازمة المكان المعين وهو مغاير للصلاة.
__________________
ومنهم من اعتبر
الأذان فجعل الأجرة عليه خاصة ، لأنه غير لازم فصحت الأجرة عليه. وهذه الصور في
الحقيقة غير مخالفة للقاعدة كما ترى ، ونحن نمنع الإجارة على الإمامة ، لأنها ليست
عملا زائدا على الصلاة الواجبة ولما ذكروه من اجتماع العوضين.
فائدة
:
قد سبق الفرق بين تملك المنفعة وتملك
الانتفاع [ فالنكاح من باب تملك الانتفاع ] إذا نسب إلى
الزوجة دائما كان أو مؤجلا ، وإذا نسب إلى الأمة فهو من باب تملك المنفعة. فالقسم
الأول لا يجوز فيه تمليكه الغير ، بخلاف الثاني ، إلا أن الثاني إنما ملكت المنفعة
فيه تبعا للعين.
ومما يشبه ملك
الانتفاع الوكالة بغير عوض ، فليس للموكل تمليك انتفاعه بالوكيل لغيره ، أما لو
وكله بعوض فهو في معنى الإجارة ، فيكون مالكا لمنفعته فله نقلها في موضع يصح النقل
، كالوكالة في بيع وشراء شهرا مثلا ، بخلاف الوكالة في بيع سلعة معينة أو تزويج
امرأة معينة. والقراض والمزارعة والمساقاة من قبيل تملك الانتفاع بالنسبة إلى
المالك أما العامل فالحصة يملكها ملك عين لا منفعة.
فروع
:
لو قال « وقفت هذا على العلوية ليسكنوا
فيه » فالظاهر أنه ليس لهم
الإجارة
__________________
لأنه تمليك الانتفاع ، بخلاف ما إذا أطلق. ولو شككنا في تناول اللفظ
للمنفعة لم يدخل إلا بقرينة عادية أو حالية.
أما السكنى
والعمرى فلا يتصور فيهما تملك المنفعة بل تملك الانتفاع ، فليس له أن يسكن غيره.
بخلاف الوصية بالمنفعة ، كما لو أوصى له بمنفعة الدار فلو أوصى له أن يسكن الدار
فهو تمليك الانتفاع أيضا ، ويجوز أن يسكن بالمسكن معه من جرت العادة به قضية للعرف
وإن يدخل إليه ضيفا وصديقا لمصلحته.
وكذا الكلام في
بيوت المدارس والربط إنما تستعمل فيما وقفت له ولا يجوز استعمالها في خزن أو إيداع
متاع إلا مع قصر الزمان أو ما جرت العادة به ، وكذا لا يستعمل حصر المسجد في غيره
ولا فيه في الغطاء مثلا ، لأنها لم توضع لتملك العين ولا المنفعة بل للانتفاع على
الوجه المخصوص.
قاعدة
:
حرم الأصحاب الأجرة على القضاء والأذان
والإقامة وجوزوا الرزق من بيت المال ، فيسأل عن الفرق بينهما
وكلاهما عوض عن تلك الأفعال ، فيقال في الجواب :
إن الرزق إحسان
ومعروف وإعانة من الإمام على قيام المصلحة عامة ، وليس فيه معاوضة. ويفارق الإجارة
بأن الارتزاق جائز والإجارة لازم ، وبأنه يجوز زيادته ونقيصته بحسب المصلحة بخلاف
الإجارة ، ويجوز أيضا بغير جنسه وتبديله بخلاف مال الإجارة ، وبأنه يصرف في الأهم
من المصالح فالأهم ، ولأن مال الإجارة يورث بخلاف الرزق.
ولو قيل بأنه
معاوضة منهم للمسلمين أمكن ، لأن العمل للمسلمين فالعوض منهم. وإنما لم يجعل إجارة
إبقاء لها على الجواز واقتداء بالسلف.
قاعدة
:
لا يدخل في ملك إنسان شيء قهرا إلا الإرث والوصية للحمل إن قلنا بعدم احتياجه إلى القول ، ومطلق الوصية إن
قلنا إن القبول ناقل ، والوقف على قوم معينين ونسلهم إذا قبل الأول منهم ، والجهات
العامة إن قلنا بملك المسلمين ، والغنيمة إن قلنا يملك بالاستيلاء ، والزكاة إن
قلنا بالشركة وكذا الخمس إلا أنه فيهما ملك لجميع المستحقين ويصرف إلى البعض لتعذر
العموم ، ونصف الصداق إذا تنصف ، وكله إذا ارتدت ، والمبيع إذا تلف قبل القبض
وقلنا بالملك الضمني ، وكذا الثمن المعين لو تلف قبل القبض ، وثمن الشقص إذا تملكه
الشفيع ، والشقص المتقوم في الرقيق إذا أعتق الشقص الآخر ، والمبيع إذا رد على
البائع بأحد أسباب الفسخ ، وكذا الثمن المعين إذا فسخ البائع وأرش جناية الخطأ
وعمده ، والعمد المضمون بالأرش.
وفي النذر
لمعين أو مبهم تردد ، وأما الماء والثلج المجتمعان في داره أو الكلاء النابت في
أرضه فالظاهر أنه أولوية لا ملك.
فائدة
:
المراد بملك
الملك أن ينعقد سبب يقتضي المطالبة بالتمليك ، فهو يعد
مالكا من حيث الجملة تنزيلا للسبب منزلة المسبب ، كحيازة الغنيمة ، والاستحقاق
بالشفعة ، والحضور على كنز أو مال مباح ، وحق الشفعة ، وظهور مال المضاربة إن قلنا
يملك بالانضاض.
__________________
( البحث الثاني ـ في العقود وتوابعها
على وجه عام )
قاعدة
:
لا يقع عقد على عين أو منفعة إلا من
مالك أو بحكمه ، وحكم المالك
الأب والجد والوصي والوكيل والحاكم والأمين والمقاص وناظر الوقف ، والملتقط إذا
خاف هلاك اللقطة ، وتعذر الحاكم والودعي كذلك ، وبعض المؤمنين في مال الطفل عند
تعذر الولي ، وواجد البدنة هدية ويتعذر إيصالها أو نحرها وتفرقها على احتمال
جواز البيع.
قاعدة
:
لا يجوز تعليق انعقاد العقود على شرط ، سواء كان مترقبا قطعا معلوم الوقت ـ وهو المعبر عنه بالصفة ـ أو غير
معلوم الوقت ، أو كان غير مقطوع الترقب إذا لم يعلم المتعاقدان وجوده ، مثل إن كان
وكيلي قد اشتراه فقد بعتكه بكذا أو إن كان لي ، أو إن كان أبي قد مات فقد زوجتك
أمته ، أو إن كانت موكلتي قد انقضت عدتها فقد زوجتكها ، أو إن كان أحد من نسائك
الأربع مات فقد زوجتك ابنتي.
أما لو علمنا الوجود فإن
القصد صحيح ولا شرط وإن كان بصورة التعليق ولا نظر إلى كونهما ينكرانه أو أحدهما
إذا كان معلوما ، كإنكار الموكل الإذن في شراء شيء معين أو بثمن معين.
__________________
ولو قال « بعتك
بمائة إن شئت » فهذا تعليق بما هو من قضاياه ، إذا لو لم يشأ لم يشتر. ووجه المنع
النظر إلى صورة التعليق.
ولا فرق بين
تعليق العقد أو بعض أركانه ، مثل « بعتك عبدي بمثل ما باع به فلان قريبه » وهما
غير عالمين. وحمله على جواز الإهلاك كإهلاك الغير قياس من غير جامع.
وكذا لو زوجه
امرأة يشك أنها محرمة أو محللة فيظهر محللة ، فإنه باطل لعدم الجزم حال العقد وإن
ظهر حلها.
وكذا الإيقاعات
، كما لو خالع امرأته فطلقها وهو شاك في زوجتها ، أو ولي نائب الإمام قاضيا لا
يعلم أهليته وإن ظهرت الأهلية.
ويخرج من هذا
بيعه مال مورثه لظنه حياته فبان موته ، لأن الجزم هنا حاصل لكن خصوصية البائع غير
معلومة. وإن قيل بالبطلان أمكن ، لعدم القصد إلى نقل ملكه.
وكذا لو زوج
أمة أبيه فظهر ميتا ، أما لو باع صبرة بصبرة فظهر تماثلهما في
القدر متجانسين أو مختلفين أو تخالفهما متخالفين ولم يتمانعا ، فإن الشيخ جوزه.
والأقرب منعه ، للغرر الظاهر حال العقد.
قاعدة
:
كل عقد تعاقد
عن نفوذه في النقل والانتقال باطل ، ومن ثمَّ لم يصح
__________________
بيع الحر ولا الشراء به ، وكذا كل ما لا يملك وأم الولد والوقف والنكاح
المحرم والإجارة على الفعل المحرم ، وكذا المبيع المجهول.
قاعدة
:
كل عقد شرط فيه خلاف ما يقتضيه مع كونه
ركنا من أركانه فإنه باطل ، كالبيع واشتراط نفي تسليم المبيع إلى المشتري والثمن إلى البائع أو
الانتفاع للمنتقل إليه وإن لم يكن من أركانه لكنه من مكملاته ، كاشتراط نفي خيار
المجلس والحيوان ، فعندنا يصح ، لأن لزوم العقود هو المقصود بالأصل والخيار عارض.
ومنعه بعضهم ، لأن
الغرض بإدخال الخيار هنا للتروي واستدراك الغايات فهو من مقاصد العقد ، فاشتراط
الإخلال به إخلال بمقاصد العقد.
قلنا : هو
مقصود بالقصد الثاني لا الأول. ومثله لو شرط نفي خيار العيب ، ولو شرطا رفع خيار
الرؤية أو الغبن أو خيار تأخير الثمن ففيه نظر.
قاعدة
:
كل شرط إما أن
يقتضيه العقد أو لا ، والأول مؤكد ، والثاني إما أن يكون مصلحة للبائع أو المشتري
أو لهما ، كشرط الرهن والضمين بالثمن والإشهاد أو بشرط كونه صانعا أو ضمان الدرك ،
أو اشتراط الخيار لهما ، أو لا يكون من مصلحتهما : فأما أن لا يتعلق به غرض [ كشرط
أن يلبس أو يصلي النوافل أو لا يأكل اللحم ، فالشرط لاغ لأن فيه منعا عن المباح
وإيجاب ما ليس بواجب. وهل يفسد العقد فيه؟ وجهان.
وإن تعلق به
غرض ] لأحدها فإما أن ينافي مقتضى العقد فيفسد ويفسد
__________________
كشرط أن لا يبيع أو لا يطأ أو لا يقبض المبيع ، إلا اشتراط العتق فإنه جائز
لحديث بريرة. وإما أن لا ينافي العقد ، كشرط خياطة ثوب وقرض مال فيصح عندنا.
والشرط في
النكاح ينقسم إلى هذه القسمة ، إلا أن شرط ما لا ينافي العقد كشرط عدم التزويج
والتسري أو عدم الطلاق وإلا يبطل العقد قطعا ، وفي إبطاله المهر وجهان.
ولو شرط عدم
الطلاق أو عدم وطء أو عدم الثيبوبة بعد الوطء أو عددا معينا منه لا غيره بطل العقد ، ولو
شرط الطلاق بعده فوجهان في العقد ويبطل الشرط قطعا.
وربما احتمل إن
شرط عددا معينا في الوطء إنما يبطل إذا كان المشترط الزوجة ، أما لو كان المشترط
الزوج فإنه حق له فلا يبطل به.
وليس بشيء ، لأن
الوطء حق للزوجة أيضا للوقت المعين ، أما لو شرط عليها أن يزيد على الواجب أمكن
الصحة ، وكذا لو شرطت عليه النقص عن الواجب.
ولو شرط أحدهما
الزيادة على الواجب فإن كان الزوج فهو لاغ ، وإن كانت الزوجة فالأقرب أنه كذلك ، لأن
الزائد حق له يصنع فيه ما شاء.
قاعدة
:
كل شرط تقدم
العقد أو تأخر عنه فلا أثر له ، وقد يظهر أثره في مواضع :
( الأول ) ما
لو تواطئا على شرط فنسياه حين العقد فالأقرب أن العقد باطل.
__________________
( الثاني ) ما
لو شاهدا القرية بجميع حدودها ومزارعها أو ساوم عليها كذلك ولم يذكره حال العقد ، فإنه
ينصرف إليه ـ قاله بعض الأصحاب.
( الثالث ) بيع
التلجئة وهو المواطاة على صورة بيع ثمَّ يبيع وقد تواطئا على
الفسخ لمنع الظالم من استملاك العين ، فإنه يحتمل التأثير وإن يكون العقد باطلا.
( الرابع ) كل
اثنين تواطئا على صورة عقد وفي أنفسهما رده بعده ، وفي الأخبار ما يدل على بطلانه.
( الخامس )
التدليس قبل العقد في النكاح على قول.
قاعدة
:
كل عقد على
عوضين لا بد من القبض في الجملة من الجانبين ، ولكن القبض في المجلس يختلف ، فهنا
أنواع أربعة :
( الأول ) ما
لا يشترط فيه ، وهو غالب العقود.
( الثاني ) ما
يشترط فيه قبض العوضين ، وهو الصرف. ولا يلحق به الطعام بالطعام وإن كانا موصوفين.
( الثالث ) ما
يشترط فيه قبض الثمن ، وهو السلم.
( الرابع ) ما
يشترط فيه قبض أحدهما وهو بيع الموصوف بموصوف ، سواء كانا ربويين أو لا. ولعل
الأقرب ترجيح قبض الثمن لأنه لم يعهد اشتراطه.
__________________
قاعدة
:
الأصل الحلول
في العقود ، ولها بالنسبة إلى الأجل أقسام أربعة :
( الأول ) ما
يشترط فيه الأجل ، وقد سلف.
( الثاني ) ما
يبطله كالربوي.
( الثالث ) ما
فيه خلاف وأقربه جواز الحلول ، وهو السلف.
( الرابع ) ما
يجوز حالا ومؤجلا ، وهو معظم العقود.
وكل ما يبطله
الأجل يمتنع السلم فيه إن اشترطنا الأجل ، وإلا فإن قبض الثمن أو أحدهما على ما مر
صح.
وقد يتصور أجلا
مع التقابض في المجلس ، فإن كان ربويا بجنسه فالأقرب البطلان وإن كان صرفا
فالأصحاب قاطعون بالمنع ، وكذا لو جعل الثمن المسلم فيه أجلا وقبضه في المجلس.
قاعدة
:
الأصل في
العقود اللزوم ، ويخرج عن الأصل في مواضع بعلل خارجة ، فالبيع يخرج إلى الفسخ أو
الانفساخ بأمور :
( منها ) أقسام
الخيار المشهورة ، وخيار فوات شرط معين أو وصف معين أو عروض الشركة قبل القبض وتلف
المبيع المعين أو الثمن المعين قبله أو في زمن الخيار إذا كان الخيار للمشتري وإن
قبضه ، والإقالة والتحالف عند التخالف في تعيين المبيع أو تعيين الثمن أو تقديره
على قول ، وتفريق الصفقة والإخلال بالشرط ، وخيار الرجوع عند الإفلاس.
وأما سائر
العقود :
فمنها ـ ما هو
لازم من طرفيه كالنكاح والإجارة والوقف والصلح والمزارعة والمساقاة والهبة في بعض
الصور والضمان بأقسامه إلا الكفالة ، وفي المسابقة خلاف.
ومنها ـ ما هو
جائز من طرفيه ، وهي الوديعة والعارية والقراض والشركة والوكالة والوصية والقرض
والجعالة والهبة في بعض صورها ، لانتظام المصالح بجوازها وإلا لرغب عنها أكثر
الناس للمشقة بلزومها.
ويلحق بالوكالة
ولاية القضاء والوقف والمصالح المعينة من قبل القاضي ، وقيل لا يجوز عزل القاضي
اقتراحا فيكون لازما من طرف ، وأما عزل نفسه فجائز عند وجود من هو بالصفات لا عند
عدمه.
ومنها ـ ما هو
لازم من طرف جائز من آخر ، كالرهن وكفالة البدن وعقد الذمة والأمان ، قيل والهبة
من ذي الرحم أو مع القرابة أو مع التعويض أو مع التصرف ، ويظهر اللزوم من الطرفين
، إذ لا يجب على الواهب القبول بفسخ المتهب ، لأنه ملك جديد.
وأما الكتابة
فقد قال ابن حمزة بجوازها مشروطة من الطرفين ومطلقة من طرف السيد ، والفاضلان على
لزومها من طرفيهما.
ومنها ـ ما
يكون في مبدئه جائزا ثمَّ يئول إلى اللزوم ، كالهبة بعد القبض وقبل أحد الأربعة
السابقة والوصية قبل الموت والقبول وتلزم بعدهما.
فوائد
:
( الأولى )
الأقرب أن الخلاف في لزوم المسابقة والرماية وجوازهما مختص بغير المحلل ، إذ له
الفسخ. ويحتمل طرده فيه.
( الثانية )
يدخل خيار الشرط في جميع العقود اللازمة إلا النكاح والوقف
أما خيار المجلس فيختص بالبيع وأقسامه وليست الإجارة بيعا عندنا.
وقد منع الشيخ
من ثبوت خيار الشرط في الصرف ، محتجا بالإجماع.
ولا يدخل خيار
التأخير في غير البيع ، أما خيار الغبن فيمكن إلحاقه بالصلح والإجارة ، وكذا خيار
الرؤية ، بل وبالمزارعة والمساقاة ، وخيار العيب يدخل في الجميع. أما الأرش فيختص
بالبيع ، ويحتمل وجوبه في الصلح والإجارة.
( الثالثة ) قد يجعل خيار الشرط العقد
لازما في وقت وجائزا في آخر ، ثمَّ يلحقه اللزوم بعد ذلك ، كما
إذا اشترط رد الثمن في أجل ، فإن ترك لزم البيع. وهذا جواز بين لزومين.
وقد يشترط
الخيار شهرا بعد شهر العقد ، فإن الأقرب جوازه. وهذا اللزوم بين جوازين ، لأن خيار
المجلس ثابت فيه ثمَّ يلزم العقد بعد التفرق حتى يدخل الأجل المشروط.
( الرابعة ) لا
يدخل الخيار بأقسامه في الإيقاعات بأقسامها ، إلا العتق على رواية والوقف على
خلاف.
قاعدة
:
يجوز الجمع بين
عقدين مختلفين حكما : أما في اللزوم والجواز ، كالبيع والجعالة والشركة. أو في
المكايسة والمسامحة ، كالبيع والنكاح ، وفي التسديد وامتناع
الخيار وجوازه كالبيع والصرف ، وفي الغرر وعدمه كالبيع والقراض والمساقاة. ومنع
بعضهم من جواز هذه الستة. ويجمع أوائل أسمائها « جص مشنق » اعتبارا
بتنافيها.
__________________
وجوزوا اجتماع
البيع والإجارة ، لاشتراكهما في اللزوم. لنا أن ذلك في قوة عقدين فيعطي كل منهما
حكمه الشرعي.
قاعدة
:
وقت الحكم
قد يكون وقت انتقال وقد يكون وقت انكشاف ، وعقد
الفضولي يحتمل الأمرين ، ومما يقوى فيه الكشف قبول الوصية وزوال ملك المرتد عن غير
فطرة إذا مات مرتدا أو قتل تبينا زواله بالردة ، وعتق الحصة الساري إليها العتق.
وأظهر منه في
الكشف بيع مال مورثه لظنه حيا فبان ميتا ، وبيع مال الغير لظنه فضوليا فظهر توكيله
، إن قلنا لا تتوقف الوكالة على القبول ولا على العلم وكذا لو زوج أمة أبيه فظهر
موته ، وكذا لو عامل العبد فظهر الإذن له ، وكذا لو سأله عن الإذن أو سأل الوكيل
عن الوكالة فأنكراه وظهر صحة الإذن والوكالة.
وهو مشكل بما
أن العقد موقوف بزعمه ، وكذا في أكثر ما مضى لم يقصد قطع الملك ، وكذا لو تزوج
امرأة المفقود فظهر ميتا إذا كانت قد أعتدت بأخبار ضعيف ثمَّ تزوجت به ، أو أعتق
رقيق مورثه ثمَّ بان ملكه ، أو أبرأه ولا يعلم أن عليه مالا فظهر اشتغال ذمته ، أو
أبرأه من مال أبيه عنده ثمَّ ظهر موت أبيه ، وكذا لو قال « أبرأتك من مال مورثي » ويكون
ذكر الأبوة والمورثية وصف تعريف لا اشتراط ولو جعلناه للاشتراط بطل الإبراء.
وكذا لو باع
مال أبيه بعبارة الأب أو المورث ما لو قال ، بعتك هذه الدار
__________________
ثمَّ ظهر موت أبيه فإنه أظهر في الصحة.
ولو طلق بحضور
خنثيين فظهرا رجلين أمكن الصحة ، أو بحضور من يظنه فاسقا فظهر عدلا.
ويشكلان في
العالم بالحكم لعدم قصده إلى طلاق صحيح.
وطلاق العبد
زوجته المعتقة يحتمل فيه الوقف ، وكذا اختيار المسلمات للفسخ وقد يختلف النصاب
كافرات.
ولو أجازت
المعتقة بعد طلاقها العقد احتمل الوقف ، ولو أسلمت أمته تحت عبد فعنقت واختارت
الفسخ ثمَّ أسلم أمكن نفوذ الفسخ.
ولو اختلعت
مرتدة ثمَّ عادت تبينا الصحة وإلا تبينا البطلان ، لأنا تبينا زوال ملكها عن العين المبذولة.
ولو قذف زوجته
مرتدا بعد الدخول فلاعن ، فإن أصر ظهر بطلانه وإن أسلم تبينا صحته.
ولو أوصى
بالعبد المكاتب فاسدا أو باعه ولا يعلم بفسادها ، ففيه الوجهان. والصور كثيرة جدا
موجودة في تضاعيف أبواب الفقه.
وهذا وقف الكشف
قد يجري في الطلاق كما مر في طلاق المعتقة ، وكما لو طلق الوثني المسلمة
في العدة وأسلم بعده ، وكذا الظهار والإيلاء ، مع أن الطلاق عندنا لا يقبل التعليق
، وذلك لكون هذا تعليقا مقدرا لا محققا وقد يعبر عنه بأنه تعليق كشف لا تعليق
انعقاد.
أما لو خالع
وكيل الزوج بدون مهر المثل فلا وجه عندنا ، لاعتبار رضى
__________________
الزوج في صحة الطلاق بل ينعقد باطلا. وربما قيل إذا قلنا بأن الإجازة كاشفة
لم لا يصلح . قلنا ذلك فيما يقبل الإجازة كالعقود ، أما الإيقاعات
فلا وإلا لصلح طلاق الفضولي مع الإجازة وليس كذلك ، مع أن الذي نص
عليه الأصحاب أن الطلاق لا يكون معلقا على شرط ، ولا يلزم منه بطلان طلاق الفضولي
إذا قلنا بالكشف.
فإن احتج بقولهم
عليهمالسلام لا طلاق إلا فيما يملك «. قلنا : يضمر اللزوم ، لأنه قد جاء » لا تبع ما
ليس عندك مع أنا قائلون بوقوفه على الإجازة وتؤول النهي عن البيع اللازم ، أي لا
تبع بيعا لازما لما ليس عنده.
إلا أنا لا
نعلم قائلا من الأصحاب بصحة إطلاق مع الإجازة ، وحينئذ يمكن أن يستنبط منه أن
الإجازة في موضعها سبب ناقل لا كاشفة ، استدلالا بانتفاء المعلول على انتفاء
العلة. لأنا استدللنا على بطلان الكشف ببطلان الطلاق المجاز والاستدلال الأول على
صحة الطلاق بكون الإجازة كاشفة في العقود.
فائدة
:
لو قال واحد من
ركبان السفينة لآخر عند الحاجة إلى الإلقاء « ألق متاعك وأهل السفينة ضمناء » فألقاه
فأجازوا احتمل كونه من باب العقود الموقوفة ، إذ هو من باب الضمان إلا أنه ضمان ما
لم يجب ، وهو معاوضة على الملقى ببدله ، وو كلاهما قابل للوقف. واحتمل البطلان ، لأنه
معاملة مخالفة للأصل شرعت للضرورة فيقتصر فيها على قدر الضرورة ، فكان من حقه
سؤالهم قبل الإلقاء.
__________________
فائدة
أخرى :
كل فعل يأتي به
في حال الشك احتياطا فيظهر الاحتياج إليه ، فإنه من هذا الباب حتى في العبادات
كالطهارات والصلوات. وقد ظهر أثر هذا في صيام آخر شعبان والمتردد في نية الزكاة بل
في متردد في آخر شعبان وحكم بأجزائه.
قاعدة
:
الصحيح من
العبادات والعقود قد ذكر رسمها في المقدمات وكذا الفاسد منهما ، ويترتب على الفاسد
أمور أخر شرعية :
( منها )
الضمان ، وهو تابع لأصله ، فكلما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وما لا فلا ، لأن المالك
دخل على ذلك.
( ومنها )
الزوائد ، فإنها للناقل لأنها تابعة للأصل. نعم يرجع في صورة
الشراء الفاسد بما اغترمه وله ما زاد بعمله عينا كان أو صفة ، لغدره بغروره إن كان
البائع عالما وبتسلط الشرع إن كان البائع جاهلا.
وفاسد العقود
التي يقصد فيها الأعمال كالإجارة والمساقاة والمزارعة والقراض يثبت فيها أجرة
المثل ، لأنه عمل محترم ، فلا يكون ضائعا وإلا لكان أكل مال بالباطل ، ويكون
ذلك الشرط الذي كان تابعا للصحة لاغيا.
ولا يثبت في
القراض والمساقاة قراض المثل ، سواء كان سبب الفساد القراض بالعروض أو الأجل ، أو
التضمين للعامل ، أو إبهام الحصة ، أو كونها بدين يقبضه من أجنبي ، أو على أنه لا
يشتري إلا سلعة معينة لما يكثر وجوده فاشترى غيرها ، أو على أن يشتري عبد فلان
بمال القراض ثمَّ يبيعه ويتجر بثمنه. أو لا
__________________
في المضاربة وسواء في المساقاة كان سبب الفساد ظهور الثمرة أو شرط عمل
المالك أو اجتماعهما مع البيع أو مساقاة شيئين على جزءين مختلفين أو اختلفا مخلفا
أو نكلا أو لا.
وبعض العامة
يحكم في السبع التي في المضاربة والخمس التي في المساقاة بقراض المثل ومساقاة
المثل وفيما عداها بأجرة المثل ، محتجا بأن الأسباب إذا تأكدت بطلت الحقيقة
بالكلية فكان له الأجرة وإن لم تتأكد اعتبر بمثله في القراض والمساقاة ، وهو مطالب
بأمرين : كون هذه الأسباب متأكدة ، وكون التأكيد مزيلا للحقيقة وغيره لا يزيلها.
( القسم الثاني ـ في خصوصيات العقود )
وفيه فصول :
( الأول ـ في البيع )
فائدة
:
الأحكام الخمسة
قد تلحق عقد البيع وإن كان سببا :
فيجب البيع عند
توقف الواجب عليه ، كإيفاء الدين ونفقة الواجبي النفقة والحج به وصرفه في الجهاد.
ويستحب البيع
عند الربح إذا كان السلعة مقصودا بها الاسترباح وقصد بذلك التوسعة على العيال ونفع
المحتاج.
ويحرم إذا
اشتمل على الربا أو جهالة أو منع حق واجب ، كبيع راحلة الحاج إذا علم عدم إمكان الاستبدال
، وبيع المكلف ماء الطهارة إذا علم فقده بعده.
ويكره إذا
استلزم تأخر الصلاة عن وقت الفضيلة.
ويباح حيث لا
رجحان ولا مرجوحية.
ويلحق أيضا
مقدمات العقد ، فالوجوب كوجوب العلم بالعوضين ، والتحريم كالاحتكار والتلقي والنجش عند من
حرمها ، والكراهة كالزيادة وقت النداء والدخول في سوم المؤمن.
ويلحق العقد
الصحيح وجوب التسليم إلى المشتري والبائع في العوضين وتحريم المنع منه ، وإباحة
الانتفاع ، وكراهة الاستحطاط بعد الصفقة ، واستحباب إقالة النادم.
قاعدة
:
يشترط كون
المبيع معلوم العين والقدر والصفة ، فلو قال « بعتك عبدا من عبدين » بطل ، لأنه
غرر يمكن اجتنابه بسهولة.
واحترز به عن
أس الحائط ، فإنه وإن كان غررا إلا أنه لما شق الاطلاع عليه اكتفى فيه بالتبعية ، لأنه
قد تصح الجهالة تبعا وإن لم تصح أصلا ، ولأن العقد يحتاج إلى مورد يتأثر به في
الحال كما في النكاح ولا تأثير هنا في الحال ، وخصوصا إذا قيل بالصحة حين التعيين
، فيكون في معنى تعليق العقد وأنه باطل.
فإن قلت : العتاق
والطلاق يصحان مع الإبهام ، فالأصح هنا.
__________________
قلت : لأن
فيهما معنى الفك والحل ، وتفويض التعيين إلى المباشرة لا يلزم منه تنازع ، بخلاف
صورة النزاع. ولأن الغرض في البيع الانتفاع بالمبيع عقيب العقد ، وهو غير ممكن هنا
، لتوقفه على التمييز.
وأيضا فإن
الشرع بعث ليتم مكارم الأخلاق ومحاسن الخصال ، والعقلاء يختارون ثمَّ يعقدون
غالبا.
واستنبط الشيخ رحمهالله
في الخلاف من مسألة بائع
العبد ، فيدفع عبدين للتخيير ، جواز بيع عبد من عبدين.
وهو بعيد أصالة
ومأخذا : أما أصالة فلما قلناه ، وأما مأخذا فلأنه لا تلازم بين انحصار الحق بعد
البيع في عبدين وبين صحة إيراد العقد على عبد من عبدين.
قاعدة
:
يشترط كون
المبيع مما يتمول ، فلا يصح العقد على ما لا يتمول ، لعدم الانتفاع به كحبة دخن
وكالحشار ، لأن بذل المال في مقابلتها سفه.
أما ما خرج عن
التمول بكثرته ـ كبيع الماء على شاطئ نهر والحجارة في جبل مملو منها ـ فصحيح لأنه
منتفع به في الجملة.
وقد يتعلق
الغرض بنفع البائع بالثمن بغير منة ، ولو باع جزءا مشاعا مما يملك بجزء مشاع مساو
منه لآخر ، قيل يبطل لعدم الفائدة ، وقيل يصح.
والفائدة في
مواضع ، وهي : أنه لو كان موهوبا لم يرجع فيه لأنه تصرف ولو كان ذا خيار حصل به
الفسخ أو الإجازة وعدم رجوع البائع فيه إذا أفلس لأنه غير ماله ، ولو كان صداقا لزوجته فعلت
فيه ذلك رجع الزوج بقيمة نصفه
__________________
لا به ، ولو كان أجرة فانفسخت لم يرجع المؤجر إلى تلك العين بل إلى بدله.
ولقائل أن يقول
: هذا مبني على النقل والانتقال ، وفيه ما فيه ، إذ لا شيء يشار إليه لأحدهما حتى
ينقل. فإن عورض بأن المتشبثين لو تنازعا في عين وأقاما بينه يقضى لكل واحد منهما
بما في يد صاحبه. أجيب بنقل الكلام إليه وأنه مبني على ترجيح الخارج وبأن يد كل
واحد منهما موردها غير مورد يد الآخر فكأنه حكم بنزع يده وإثباتها على ما في يد
الآخر.
فإن تخيل هذا
فرقا وإلا منعنا حكم الأصل ، وقلنا على تقديم بنية الداخل لا إشكال وعلى تقدير
تقديم الخارج هما متعارضان فتساقطا ، فاستقر يد كل واحد منهما على ما فيها.
قاعدة
:
كلما جاز بيعه
جازت هبته وبالعكس إلا في مسائل ، وهي قسمان :
( الأول ) فيما
تجوز هبته ولا يصح بيعه ، وهي الآبق ، والمغصوب ، والضال وهبة الكلب إن منعنا من
بيع ما عدا كلب الصيد ، ولحوم الأضاحي وجلودها إذا كان واجبة ، والثمرة المختلطة
بعد البيع وقبل القبض ، وكذا اللقطة.
( الثاني ) ما
يجوز بيعه ولا يجوز هبته ، وهو الموصوف في الذمة ، كالمسلم فيه فلا يصح ، وهبتك
صاع حنطة موصوف ثمَّ يعينه ويقبضه ، والدين في ذمة الغير على خلاف فيه ، والمريض
في ماله بثمن المثل ، وكذا مال المحجور عليه.
قاعدة
:
الغرر لغة ما
له ظاهر محبوب وباطن مكروه قاله بعضهم ، ومنه قوله تعالى
« في مَتاعُ
الْغُرُورِ » .
وشرعا هو جهل
الحصول وأما المجهول فمعلوم الحصول مجهول الصفة وبينهما عموم وخصوص من وجه ، لوجود
الغرر بدون الجهل في العبد الآبق إذا كان معلوما الصفة من قبل أو موصوفا الآن ، ووجود
الجهل بدون الغرر كما في المكيل والموزون والمعدود إذا لم يعتبر.
وقد يتوغل في
الجهالة كحجر لا يدري أذهب أم فضة أم نحاس أم صخر ويوجدان معا في العبد الآبق
المجهول صفته فيتعلق الغرر.
والجهل تارة بالوجود
كالعبد الآبق وتارة بالحصول كالعبد الآبق المعلوم وجوده والطير في الهواء ، وبالجنس
بحيث لا يدرى ما هو كسلعة من سلع مختلفة ، وبالنوع كعبد من عبيد ، وبالقدر
كالمكيال الذي لا يعرف قدره والبيع إلى مبلغ السهم والتعيين كثوب من ثوبين مختلفين
وفي البقاء كبيع الثمرة قبل بدو صلاحها عند بعض الأصحاب.
ولو شرط في
العقد أن يبدو الصلاح لا محالة كان غررا عند الكل ، كما لو شرط صيرورة الزرع
سنبلا.
والغرر قد يكون
مما له مدخل ظاهر في العوضين وهو ممتنع إجماعا ، وقد يكون مما يتسامح به لقلته كأس
الجدار ووطن الحية ، وهو معفو عنه إجماعا وكذا اشتراط الحمل.
وقد يكون
بينهما ، وهو محل الخلاف في مواضع الخلاف ، كالجزاف في مال التجارة والمضاربة
والثمرة قبل بدو الصلاح والآبق بغير ضميمة.
__________________
قاعدة
:
النهي عن الغرر
والجهالة كما جاء في الخبر من نهيه صلوات الله عليه عن الغرر وعن بيع المجهول في
قضية كلام الأصحاب مختص بالمعاوضات المحضة كالبيع ، فهنا أقسام ثلاثة :
( الأول ) لصرف
موجب لتنمية المال وتحصيلها بإزاء عوض محض مقصودا بالذات ، كالبيع بأقسامه والصلح
على الأقوى والإجارة منفعة وعوضا على الأقرب. وهذا لا تجوز فيه الجهالة.
( الثاني )
إحسان محض لا قصد فيه إلى تنمية المال ولا تحصيل ربح ، كالصدقة والهبة والإبراء.
وهذا لا تضر فيه الجهالة ، إذ لا ضرر في نقصه ولا في زيادته.
( الثالث )
تصرف الغرض الأهم فيه أمر وراء المعاوضات ، كالنكاح فإن المقصود فيه الذاتي هو
الألفة والمودة وتحصيل التحصين عن القبائح وتكثير النسل ، ولكن قد جعل الشرع فيه
عوضا لقوله تعالى « أَنْ
تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ » « وَآتُوا
النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً » ، فبالنظر إلى الأول جاز تجريده عن المهر وجهالة قدره ،
وبالنظر إلى الثاني امتنع فيه الغرر الكثير ، كالتزويج على عبد آبق غير معلوم أو
بعير شارد غير معلوم.
ومن ثمَّ قال
الأصحاب : لو تزوجها على خادم أو بيت كان لها وسط لقلة الغرر
فيه. وكذلك الخلع يكفي في ماله المشاهدة ، لأن البضع ليس عوضا محضا ، ولهذا كان
الغالب النزول عنه بغير عوض كالطلاق.
__________________
فرع
:
لو وهب
المجهول المطلق كشيء ونحوه لم يصح ، وكذا لو وهبه دابة
من دوابه أو درهما من كيسه من غير تعيين ، ولكن الجهالة في الكيل أو الوزن أو
الوصف لا تضر.
قاعدة
:
الاستثناء
المجهول باطل ، فيبطل في المبيعات وسائر العقود ، كقوله [ بعتك الصبرة إلا جزءا
منها. وفي صحيح مسلم عن جابر أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
نهى عن الثنيا.
وربما جاءت في
الإيقاعات ] كقوله عبيدي أحرار إلا واحدا أو أعطوه نخلي إلا نخلة ، ولو
قال بعتك الصبرة إلا صاعا منها ، وهي متفرقة وأراد واحدا من المتفرقة ولم يعينه
بطل البيع ، وكذا لو قال بعتك صاعا من الصبرة متفرقة لأنه غرر يسهل اجتنابه ، أو
لأن العقد لم يجد موردا يحمل عليه.
وإن كانت
الصبرة مجتمعة وقال بعتكها إلا صاعا منها فإن كانت مجهولة الصيعان بطل البيع ، لعدم
معرفة قدر المبيع.
وكذا لو قال
بعتك صاعا منها إن نزلناه على الإشاعة. والأصح إذا ظن اشتماله عليه وإن كانت
معلومة فاستثنى منها عددا معينا صح قطعا.
واختلف في
تنزيله ، فقيل هو بمثابة جزء من الجملة كالربع والعشر ، فلو
__________________
كانت الصرة أربع أصواع والربع وعلى هذا حتى إذا تلف منها شيء يقسط
بالحساب. وقيل بل المبيع جزء مشاع منها مقدر ، فلو لم يبق إلا صاع بقي المبيع فيه
، وعليه دل خبر بريد بن معاوية عن الصادق عليهالسلام.
والأول اختيار أكثر العامة.
قاعدة
:
كل عقد بيع
فإنه يثبت فيه خيار المجلس وإن كان بيع الولي من المولى عليه على الأقرب ، وكذا لو
اشترى جمدا في الحر الشديد ، ووجه العدم تلفه بمضي الزمان.
قلنا : التلف
لا يمنع من نفوذ الخيار ، ولو اشترى من يعتق عليه فكذلك. ويحتمل العدم لانعتاقه
ففيم يفسخ. ويحتمل بناؤه على الملك في زمن الخيار للبائع ثبت الخيار قطعا ثمَّ
ينعتق بافتراقهما ، وإن قلنا بالوقف فكذلك إلا أنا نتبين بالافتراق أنه عتق
بالشراء وإن قلنا بملك المشتري فلا خيار [ له بل للبائع وحينئذ يتوقف الحكم بعتقه
حتى يفترقا ثمَّ نتبين عتقه بالعقد. ويحتمل عتقه بالشراء ] وحينئذ هل
ينقطع خيار البائع نظر ، فإن قلنا ببقائه أغرم القيمة.
ولو اشترى
العبد نفسه من سيده وجوزناه فلا خيار له ، لأنه كالكتابة ، وثبوته قوي وينزل على
ما تقدم.
ولو اشترى من
أقر بحريته كان فداء من جهته بيعا من جهة البائع فله الفسخ دون المشتري ، ويحتمل
ثبوت الخيار لهما بناء على صورة البيع.
__________________
قاعدة
:
ينقسم الخيار
بحسب الفور والتراخي إلى أنواع ثلاثة :
( الأول ) ما
هو على التراخي ، كخيار العيب وخيار الاشتراط وخيار الحيوان وخيار التأخير وخيار
المولى منها بين الصبر على الزوج وإلزامه بالفئة [ أو الطلاق ] وخيار أحد
الزوجين إذا طلق قبل الدخول وقد زادت العين زيادة متصلة أو نقصت بين أخذ نصف العين
أو نصف القيمة في صورة النقيصة للزوج وبين دفع [ نصف ] العين أو نصف
القيمة للزوجة في صورة الزيادة ، وخيار ولي الدم بين العفو أو القصاص وبين أخذ
الدية والعفو ، وخيار الأمة إذا كانت تحت عبد وأسلمت وهو كافر ثمَّ عتقت في العدة
وكذا لو أسلم الزوج وهي كافرة ثمَّ عتقت في العدة ، وخيار المستأجر إذا تعيب العين
المستأجرة ، وخيار المرأة عند إعسار الزوج بالنفقة ، وخيار الفسخ عند التخالف إن
قلنا بعدم الانفساخ به ، وخيار التصرية على الأقرب [ إلى ثلاثة أيام ، وخيار الفسخ بالعنة إلا
بعد السنة ، وخيار المسلم فيه ] ، وعند انقطاع المسلم فيه على احتمال.
( الثاني ) ما
هو على الفور كخيار الغبن ، وخيار التدليس في البيع والنكاح وخيار العيب في
الزوجين إلا العنة. وفي التحقيق هو على الفور ، لأن محله بعد الثبوت ولا يكون إلا
بعد انقضاء السنة ، والأخذ بالشفعة على الأقوى ، وعتق الأمة تحت عبد أو حر على
المشهور إلا فيما ذكر ، وخيار الرؤية وتفريق الصفقة
__________________
وتجديد الشركة.
( الثالث ) ما
فيه إشكال ، وهو خيار البائع في عين ماله بإفلاس المشتري ، وخيار التلقي. والأقرب
الفورية فيهما.
قاعدة
:
كل خيار في عقد
فإنه يزلزله ، وهل يلحق أحكام العقد به حتى يجعل مدة الخيار كابتداء العقد؟ ظاهر
كلام الشيخ ذلك ، وهو من فروع وقت الانتقال ، فمن قال بانقضاء الخيار فالعقد غير
مستقل ولهذا جاز الفسخ ، ومن قال بالعقد فقد تمَّ بالإيجاب والقبول. وتظهر الفائدة
في أمور :
( الأول ) لو
زاد الثمن أو نقص أو في الأجل أو في مشترط الخيار اعتبر ذلك حتى على الشفيع وله.
( الثاني ) لو
اقترن بالعقد شرط مفسد ثمَّ حذفاه في المجلس ، فيه الوجهان والأقرب عدم الصحة بحذفه.
( الثالث ) لو
لم يعينا أجلا في السلم وعيناه في المجلس فيه الوجهان.
( الرابع ) لو
باع الوكيل فحضر من يزيد في المجلس ، فإن جعلنا الخيار كابتداء العقد انفسخ بنفسه
وإلا وجب على الوكيل الفسخ ، فإن لم يفسخ احتمل قويا الانفساخ لأنه تصرف على خلاف
مصلحة الموكل ، وكذا في خيار الشرط.
( الخامس ) لو
دفع الغابن التفاوت ، فيه الوجهان.
( السادس ) لو
أسلم إليه ما في ذمته إلى أجل فالأقوى البطلان. ولو كان حالا فإن لم يقبض المسلم
فيه قبل التفرق بطل ، لأنه بيع دين بدين ، وإن قبضه في
__________________
المجلس فإن قلنا كالعقد صح فكأنهما عقداه بعد القبض ، وإلا احتمل البطلان ،
لأنه من القواعد المقررة أن قبض المسلم فيه ليس بشرط في المجلس ، فالعقد قد وقع
على المسلم فهو دين بدين بطل ، فلا ينقلب صحيحا بالقبض في المجلس.
ومثله بيع عين
موصوفة بصفات السلم هل يشترط قبض ثمنها في المجلس أو يكفي قبض العين الموصوفة أو
يبطل من أصله ، وكذا لو باع الربوي بمثله موصوفين من غير أجل هل يبطل أو يصح مطلقا
أو يراعى القبض في المجلس لهما جميعا أو لأحدهما. صرح متأخرو الأصحاب أنه لا يشترط
التقابض في المجلس إلا في الصرف ، فحينئذ يزول بيع الدين بالدين بقبض إحداهما.
قاعدة
:
المصالح على
ثلاثة أقسام : ضرورية كنفقة الإنسان على نفسه ، وخاصة كنفقته على
زوجته ، وتمامية كنفقته على أقاربه لأنها تتمة مكارم الأخلاق.
والأولى مقدمة
على الثانية ، كما أن الثانية مقدمة على الثالثة.
والسلم من
التمامية لأنه من تمام المعاش ، وكذلك المزارعة والمساقاة والمضاربة.
وبيع الغائب
إنما اشترط فيه قبض الثمن المجلس حذرا من بيع الكالي بالكالي ، أي أن البائع
والمشتري كلا منهما يكلأ صاحبه ، أي يراقبه لأجل ماله عليه ، فيكون اسم فاعل
للمتعاقدين. ويجوز أن يكون اسما للدين ، لأن المدين يحفظ صاحبه عند الفلس عن
الضياع ، وعلى هذا هو اسم فاعل للدين. ويجوز أن يكون اسم مفعول ، كالدافق. وعلى
التفسيرين الأخيرين لا حذف في الكلام وعلى التفسير الأول في الكلام إضمار تقديره
بيع مال الكالئ بمال الكالئ ،
__________________
لاستحالة ورود البيع على العاقدين وعلى كل تقدير ، فهو مجاز من باب تسمية
الشيء باسم ما يئول إليه ، لأن حال العقد ليس هناك كالي.
ومن فسر بيع
الكالي بالكالي ببيع دين في ذمة واحد بدين للمشتري في ذمة آخر ، فهو حقيقة
لحصولهما حال العقد.
ولا بد كون
المسلم فيه قابلا للنقل حتى يكون في الذمة ، فلا يجوز السلم في الدار والعقار.
قاعدة
:
كل ما يكال
ويوزن ذهب كثير من الأصحاب إلى تحريم بيعه قبل قبضه ، وخصه بعضهم بالطعام ، لما
ثبت عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
أنه قال من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه
.
وقد جاءت في
ذلك أحاديث كثيرة عامة ، والعموم لا يخصص بذكر بعضه ولا يمكن هنا أن يكون من باب
حمل المطلق على المقيد ، لما تقدم من أن الحمل إنما هو في الكلي لا الكل ، بل
العمدة في ذلك قضية الأصل من أن الملك مسلط على التصرف بأنواعه خرج عنه الطعام أو
المكيل والموزون فيبقى ما عداه على الأصل.
ولم أقف على
قائل من الأصحاب بالإطلاق ، وعلله العامة بضعف الملك قبل القبض ، لأنه لو تلف
انفسخ البيع ويتوالى الضمانين في شيء واحد ، فإنه يكون مضمونا على البائع الأول
للمشتري وعلى المشتري للمشتري الثاني ، وبأنه إن لم يقبضه كان من ضمان البائع ، وقد
حرم النبي صلىاللهعليهوآله
وسلم
__________________
ربح ما لم يضمن في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وقد استثنى
المانعون صورا يجوز بيعها قبل القبض ، كالأمانات لتمام الملك وعدم ضمانها على من
هي في يده ، والمملوك بالإرث إلا أن يكون المورث اشتراه ولم يقبضه. ولو اشترى من
أبيه فمات قبل قبضه وهو وارث جميع ماله جاز بيعه قبل قبضه ، لأنه بحكم المقبوض.
ورزق الجند إذا
عينه لواحد ، والظاهر أن لا يملك إلا بالقبض ، وسهم الغنيمة بعد الإفراز إن قلنا
بالملك الحقيقي ، وكذا لو انحصر الغانمون فباع قدر نصيبه المعلوم إن قلنا تملك
الغنيمة بالاستيلاء وإن لم تقسم ، والوصية وغلة الوقف والموهوب إذا رجع فيه.
وأما الصيد فإن
إثباته في الحبالة وشبهها قبض حكمي ، وكذا يصح بيع المقبوض مع الغير وهو مضمون
عليه ، كالعارية مع اشتراط الضمان والمستام ، والشراء الفاسد ورأس مال السلم لو
فسخ المسلم لانقطاعه ، وكذا إذا فسخ البائع لإفلاس المشتري ولما يقبض.
أما المضمون
بعقد معاوضة كالبيع والصلح وثمن المبيع المعين والأجرة والعوض في الهبة ، فإنه
ممنوع عند العامة إلا في بيعه من البائع ، فإن فيه وجها ضعيفا بالجواز مبنيا على
أن علة البطلان توالي الضمانين ، إذ لا توالي هنا. ومنهم من قال الخلاف مختص بغير
جنس الثمن أو به بزيادة أو نقصان ، وإلا فهو إقالة بلفظ البيع.
وظاهر الأصحاب
أمران :
أحدهما ـ أن
هذا الحكم مختص بالبيع في طرف المبيع أولا ثمَّ بالبيع
__________________
ثانيا ، فلو ملكه بغير بيع ولم يقبضه صح ، ولو ملكه ببيع ثمَّ عاوض عليه
بغير البيع كالصلح والإجارة والكتابة صح ، إلا الشيخ في المبسوط فإنه منع الإجارة
والكتابة.
الأمر الثاني ـ
أن غير المكيل والموزون لا حجر فيه على حال إلا ما ذكره الشيخ في الكتابة ، فسقطت
هذه التعريفات على ذلك. وكذا ما ملك بالإقالة أو القسمة لأنهما ليستا بيعا عندنا
وبالإصداق والشفعة.
أما ثمن المبيع
المعين فيمكن انسحاب الخلاف فيه ، لأن كل واحد منهما في معنى البيع والثمن هو
النقد إن كان هناك نقد وإلا فما اتصلت به الباء وقيل هو ما اتصلت به الباء مطلقا
، وهو قوي ، وقيل النقد مطلقا.
فائدة
:
لو تصرف المشتري فيما اشتراه قبل قبضه فإن كان مكيلا أو موزونا وقلنا بالمنع فإن تصرف بالبيع فهو باطل لتحقق
النهي عنه ، لمصلحة لا تتم إلا بإبطاله وبغيره صحيح. وفي المختلف أنه لا يلزم من
النهي هنا البطلان ، وفي رواية يختص التحريم على من يبيعه بربح ، أما التولية فلا
، أما التصرف فيه بغير البيع كالعتق والوقف والإصداق والرهن والإقراض والصدقة
والتزويج فجائز.
فائدتان
:
( الأولى )
الفرق بين الماء المطلق ومطلق الماء والبيع المطلق ومطلق البيع :
__________________
أن البيع المطلق هو البيع العام قضية للام الجنسية ، ووصفه بالإطلاق يفيد
أنه لم يقيد بما ينافي العموم من شرط أو صفة أو غير ذلك من لواحق العموم
كالاستثناء ومطلق البيع هو القدر المشترك بين أفراد البيع ، وهو مسمى البيع الصادق
بفرد من أفراده ، ثمَّ أضيف إلى البيع للتمييز عن باقي المطلقات لمطلق الإجارة ومطلق
النكاح ومطلق جميع الحقائق ، فالإضافة للتمييز فقط.
فعلى هذا يصدق
أن مطلق البيع حلال إجماعا ولا يصدق أن البيع المطلق حلال إجماعا ، لأن بعض أفراده
حرام إجماعا.
ويصدق زيد له
مطلق المال ولا يصدق أن له المال المطلق وفي هذا نظر بين.
( الثانية )
ارتفاع الواقع لا ريب في امتناعه ، وقد يقال في فسخ العقد عند التحالف هل الفسخ من
أصله أو من حينه؟ ويترتب على ذلك النماء ، فيرد هنا سؤال ، وهو : أن العقد واقع
بالضرورة في الزمان الماضي ، وإخراج ما يضمه الزمان الماضي من الوقوع محال.
فإن قلت : المراد
رفع آثاره دونه.
قلت : الآثار
أيضا من جملة الواقع وقد تضمنها الزمان الماضي ، فيكون رفعها محالا.
وأجيب عن ذلك :
بأن هذا من باب إعطاء الموجود حكم المعدوم ، ومن هذا الباب تأثير إبطال النية في
أثناء العبادة بالنسبة إلى ما مضى في نحو الصلاة والصيام على الخلاف ، فإنه تضمن
رفع الواقع.
ويجاب عنه : بأنه
من باب تقدير الموجود كالمعدوم كما قلناه.
وعورض : بأنه
لو صح تأثر هذا العزم هنا لأثر في نية إبطال ما تقدم من
__________________
الأعمال الصالحة من أول عمره إلى آخره ، فيصير هنا في تقدير غير الواقع ، ولكان
يلزم منه صحة القصد إلى إبطال الأعمال القبيحة كلها ، إذ لا دليل
على اعتبار العزم المتجدد فيما ذكرتم بالخصوص ، ولا فارق .
قال بعض العامة
: وهذا متجه لم أجد له دافعا.
والجواب : أن
الفرق واقع بين العزم في أثناء العبادة وبينه بعدها ، لأن الصلاة والصوم مثلا لا
يعد كل جزء منها عبادة إلا عند الإتيان بالمجموع ، والنية كما هي شرط في مجموعها
شرط في أجزائها ، فإذا وقع العزم على إبطال أو العزم على ما ينافيها بقي الجزء
الواقع في تلك الحال وما بعدها بغير نية فيبطل في نفسه ويبطل. فاشتراط كل منهما
بصاحبه اشتراط معية ، فيصير ما مضى وإن كان واقعا في تقدير غير واقع. أو
نقول : بطل ما مضى كما يبطل الحدث الصلاة والإفطار الصوم.
قيل : ولا يخلو
باب من أبواب الفقه عن التقدير.
( الثاني
في الديون )
قاعدة
:
القرض عقد صحيح
مستقل ، وعند بعض العامة هو بيع يخالف الأصول في ثلاثة أوجه : عدم القبض في المجلس
في قرض النقد ، وسلف المعلوم في المجهول إن قلنا بضمان المثل في القيمي ، وبيع ما
ليس عنده في المثليات.
__________________
واحتمل هذه
المخالفات تحصيلا لمصلحة المعروف إلى العباد ، ومن ثمَّ امتنع إذا جر نفعا إلى
المقرض ، لخروجه عن إسداء المعروف.
قاعدة
:
كل دين حال لا
يتأجل إلا في صور :
منها : اشتراط
أجله في لازم.
ومنها : الإيصاء
بتأجيله ، كما يصح الإيصاء بإسقاطه.
ومنها : إذا
ضمن الحال مؤجلا إلى مدة أو رهنه على دين وشرط بيعه واستيفاء ثمنه بعد مدة. وليس
هذا من المشروط في اللازم ، إذ لا لزوم للرهن من جهة المرتهن.
ومنها : إذا
نذر عند شرط أو تبرعا أن لا يقبض دينه من فلان إلا بعد مدة معينة وهذا ينحل إذا
دفع المديون قبلها.
قاعدة
:
الأجل قسمان :
( أحدهما ) ما
قدر بأصل الشرع ، وهو : البلوغ ، والحمل ، والرضاع ، ومدة الصلاحية للحيض ابتداء
وانتهاء ، والعدة ، والاستبراء ، والهدية في بعض الصور ، وحول الزكاة ، والمكاسب
في الخمس ، واللقطة ، وخيار التصرية ، ومدة مقام المسافر ، ومدة السفر الذي يكون
مسافة ، وأقل الحيض وأكثره ، وأكثر
__________________
النفاس ، وأقل الطهر ، واستبراء الجلالة ، ومدة وطء الزوجة ، والإيلاء
والظهار والعنة ، وانتظار السن والعقد ، واستتابة المرتد ، وثمن الشفيع ، والبينة
، وتغريب الزاني ، وتخصص البكر والثيب ، ومطلق القسم ، واستيفاء دية العمد والخطأ
والشبيه ، ومدة قضاء رمضان وأشهر الحج وصوم الكفارات وصوم شهر رمضان ومطلق الصوم ،
ومدة الحضانة وطلب المفقود.
( الثاني ) ما
قدره المكلفون ، وهو أقسام :
الأول : ما يصح
ولا يجب ، ويشترط علمه ، وهو أجل ثمن المبيع والرهن والضمان والتقدير فيها للإيفاء والصداق
والسكنى والحبيس .
الثاني : ما
يجب ويشترط تقديره ، وهو أجل المتعة والكتابة والسلم على خلاف والإجارة الزمانية
والمزارعة والمساقاة.
الثالث : ما لا
يصح ، وهو النسيئة في الربوي والدين بمثله والقرض وتأجيل الانتقال في الأعيان مثل
بعتك الدار سنة.
الرابع : ما لا
يدخل الأجل فيه ، فإن ذكر فيه مجهولا لم يؤثر وإن علم أثر ، وهو في الوكالة
والشركة والمضاربة.
الخامس : ما
يصح معلوما ومجهولا ، وهو التقدير في الجزية والعارية والوديعة والجزية خاصة للاختصاص
بالرجال دون النساء.
__________________
قاعدة
:
التوقيت بالألفاظ المشتركة ولا قرينة ، كربيع وجمادى والنفر وأول الشهر وآخره والخميس والعيد ، فإن قرينة الحال
تحمله على الأول ، فيلزم . وقيل بالبطلان استضعافا للقرينة.
ويقرب منه
التعليق على ما في حيز الامتناع ظاهر أو بضرب من التأويل يصير ممكنا ، كما لو علق
الظهار على حيضهما حيضة ، فظاهره يقتضي صدور الحيضة منهما وهو ممتنع ، فيكون
تعليقا على الممتنع فلا يقع. وتأويلها إن حاضت كل منكما حيضة مثل قولهم كسانا
الأمير جبة ، أي كل واحد واحدة.
( الثالث ـ الرهن
)
قاعدة
:
كل ما صح بيعه
صح رهنه وما لا فلا.
وقد يتصور ما
يصح بيعه ولا يصح رهنه ، وهو الدين والمنفعة عند الشيخ حيث حكم بأن الإجارة بيع في
بعض المواضع من المبسوط والآبق وما يصح رهنه ولا يصح بيعه ، وهو الطعام المشترى
قبل قبضه عند الشيخ.
قاعدة
:
كل رهن فإنه
غير مضمون إلا في مواضع ضابطها التعدي والتفريط اللاحق أو الضمان السابق إن قلنا
إن الرهن لا يزيله.
__________________
قاعدة
:
كلما جاز الرهن
عليه جاز ضمانه ، وكلما لا يجوز الرهن عليه لا يصح ضمانه إلا في ضمان الدرك لأنه
لو رهن عليه فالغالب أن المبيع لا يخرج مستحقا فيتأبد الرهن وهو غير جائز.
وفيه نظر ، لأن
التأبيد غير مقصود وإنما هو عارض ، وكثير من الرهون يتأخر فيها وفاء الدين طويلا ،
ولا يقدح ذلك فيه. على أن هذا التأبيد غير لازم ، لجواز فسخ المرتهن واستبدالهما
رهنا مكانه أو ضمينا.
ويمكن أن يقال
: إذا مضى مدة حصل فيها اليأس من الخروج مستحقا انفك الرهن.
( الرابع الحجر )
قاعدة
:
حجر الصغير
والمجنون للنقص ، وحجر المفلس للحفظ للغرماء لا للنقص ، وكذا حجر العبد للحفظ على
السيد ، وحجر السفيه متردد بين الأمرين هل هو لنقصه أو لحفظ ماله؟ فإن قلنا لنقصه
سلبت عباراته أصلا ورأسا وإلا سلب استقلاله وهو الوجه.
فعلى هذا يصح
أن يتوكل لغيره ، وإن يباشر عقود نفسه بإذن وليه ، ويقبل إقراره بما لا يوجب مالا.
ويقتصر الحجر
عليه إلى حكم الحاكم ولا يفتقر في زواله إلى حكمه ، وقيل يتوقف فيهما ، وقيل يثبت
بغير حكمه ولا ينتفي إلا بحكمه.
قاعدة
:
الحجر على
الصبي والسفيه لا يؤثر في الأسباب الفعلية كالاحتطاب والاحتشاش فيملكان بهما ، بخلاف
الأسباب القولية كالبيع وغيره ، لأن الأسباب الفعلية فوائد محضة غالبا بخلاف
القولية فإنها من باب المكايسة والمغابنة وعقلهما قاصر عن ذلك.
وعلى هذا لو
وطئ السفيه أمة فأحبلها صارت أم ولد ويكون وطؤه مباحا وإن استعقب العتق. ولو
أعتقها باللفظ لم يصح ، لأن الطبع وتحصين الفرج يدعوه إلى الوطء فلا يمنعه خوفا من
نقص الثمن أو البدن ، فإذا أبيح الوطء ترتب عليه سببه.
ولهذا قيل
السبب الفعلي أقوى لنفوذه من السفيه بخلاف القولي ، وقيل بل القولي أقوى لأن
مسببها يتعقبها بلا فصل كما في العتق بخلاف الفعلي.
قاعدة
:
هل يجب على
الولي مراعاة المصلحة في مال المولى عليه أو يكتفى بنفي المفسدة؟
يحتمل الأول ، لأنه
منصوب لها ، وأصالة بقاء الملك على حاله ، ولأن النقل والانتقال لا بد لهما
من غاية والعدميات لا تكاد تقع لها غاية.
وعلى هذا هل
يتحرى الأصلح أو يكتفى بمطلق المصلحة؟ فيه وجهان.
__________________
نعم لمثل ما قلناه فلا لأن ذلك لا يتناهى. وعلى كل تقدير لو ظهر في الحال
الأصلح والمصلحة لم يجز العدول عن الأصلح.
ويترتب على ذلك
أخذ الولي بالشفعة للمولى عليه حيث لا مصلحة ولا مفسدة وتزويج المجنون حيث لا
مفسدة وغير ذلك.
قاعدة
:
الذمة معنى
مقدر في المكلف قابل للإلزام والالتزام ، فلا ذمة للصبي وللسفيه ذمة الإلزام
والالتزام بنحو البيع والضمان والحوالة والصداق إلا أن يكون عقد السفيه عن إذن
الولي أو يكون للصبي مال عند النكاح إن قلنا يتعلق بذمته وإن قلنا يتعلق بماله
وكذا ما أتلف فلا ذمة له أصلا.
ولكن يشكل
بالإتلاف من الصبي حال عدم ماله ، فإنه لم يؤخذ منه حتى صار له مال ، فلا بد من
متعلق.
ويمكن أن يقال
: المتعلق هنا مقدر ، بمعنى أنه إذا بلغ وجب عليه الغرم أو وليه قبل بلوغه ، وأما
أهلية التصرف فمغايرة للذمة ، لأن المعنى بها قبول يقدره الشارع في المحل ، ولا
يشترط فيه سوى البلوغ.
ومن جعل للمميز
تصرفا اكتفى بالتمييز.
ولا يشترط في
الأهلية ملك المتصرف فيه ، لأن عقد الفضولي صادر من أهله غاية ما في الباب أن ذلك
شرط في اللزوم. والحاصل أنه لا يشترط في الأهلية التذمم ، فإن الوصي والوكيل
والحاكم وأمينه لهم أهلية ولا يتعلق بذمتهم شيء ، وكذلك ولي النكاح أهل للعقد على المولى عليه
والنكاح لا يتصور ثبوته
__________________
في الذمة.
والظاهر أن
الذمة وأهلية التصرف من خطاب الوضع من باب إعطاء المعدوم حكم الموجود ، وذلك لأنه
لا شيء قائم بالمحل من الصفات الموجودة كاللون والطعم ، وإنما هو نسبة مخصوصة
يقدرها صاحب الشرع موجودة عند سببها كما يقدر الملك في العتق عن الغير ، ولذلك
تذهب هذه التقادير بذهاب أسبابها وتثبت بثبوتها.
ويجوز أن يقدر
من خطاب التكليف ، لأن معناهما إباحة التصرف بالإلزام والالتزام.
( الخامس ـ الإجارة
)
قاعدة
:
مورد الإجارة
العين لاستيفاء المنفعة ، لأن المنافع معدومة. وقيل المورد نفس المنفعة ، لأن
المعقود عليه ما صح استيفاؤه بالعقد وتسلط العاقد على التصرف فيه وذلك هو المنفعة.
ولا يجوز إجازة
المرهون مع المرتهن وارتهان المستأجر العين المستأجرة من المؤجر ، فلو كان
مورد الإجارة العين لزم أن يتوارد على عين واحدة عقدان لازمان وأنه محال .
قيل : وتظهر
الفائدة في إجارة الحلي بجنسه ، ولا نظر إلى الزيادة والنقيصة إن جعلنا المورد
المنفعة وإن جعلناه العين امتنع.
__________________
وقيل : هذا
الخلاف غير محقق ، فإن القائل بالعين لا يعني بها أنها تملك بالإجارة كما في البيع
بل لاستيفاء المنفعة منها ، والقائل بالمنفعة لا يقطع النظر عن العين بل له
تسليمها وإمساكها مدة الانتفاع.
وأجيب : بأن
المنع من إجارة الحلي بجنسه يحتمل الخلاف فيه محققا.
ولقائل أن يقول
: هذا المانع ممن ظن أن الخلاف محقق فلا يكون منعه حجة [ عليه ] ، وربما خرج عليه
جواز بيعها من المستأجر فيصح على تقادير المورد لا على اتحاده.
فرع
:
لو آجر قريبه
عينا فمات فورثها المستأجر ، فالأقرب أنها لا تبطل لعدم نفوذ الإرث في المنفعة.
وقال بعضهم
تبطل لأنه يستوفي المنفعة الآن بملكه فاستغنى عن الإجارة فتنفسخ ، كما لو زوجه
أمته فمات فورثها الزوج فإن النكاح يبطل.
قلنا : الفرق
أن مورد النكاح البضع ، وهي منفعة لا يصح نقلها بغير عقده الخاص. وهو أضعف من عقد
الإجارة ، بدليل عدم وجوب تسليمها نهارا فيه.
ويترتب على ذلك
ما لو ورثه اثنان ، فإن قلنا بالبطلان بطلت في حصته وله الخيار لتبعض
الصفقة ، فإن فسخ رجع بالنسبة في التركة ، وإن أجاز فنصف الأجرة دين في التركة
فتسلم حصته بمنفعتها ، ونصيب شريكه مسلوب المنفعة فيرجح على شريكه فيرجع أخوه بقدر
النقص حتى يساويه. فلو لم يكن سوى العين المستأجرة أخذ منها بقدر ما تخلف له ويلزم
انفساخ الأجرة فيه ، فيدور
__________________
فيستخرج بطريقه.
وكذا لو كان له
مال غيرها لا بالمرجوع به مع احتمال عدم رجوع الأخ ، لاستناد النقص إلى فعل المورث
في حال الحياة ، فلا حجر عليه فيه ، وحينئذ يحتمل إجراؤه مجرى الوصية ، فيكون
بمثابة من أوصى بتخصيص أحد وراثه فينفذ من الثلث مع عدم الإجازة.
قاعدة
:
هل الطارئ في مدة الإجارة من الموالي
كالمقارن في الإبطال ، فيتضح ذلك بنصب مسائل :
( الأولى ) لو
آجر الموقوف عليه مدة فمات في الأثناء ، فيه وجهان : بقاء الإجارة للزومها في
الأصل كما لو آجر ملكه ، والأقرب البطلان ، لأن المنافع انتقلت إلى غيره بعد موته
لا عنه ، بل كأنها عن الواقف فتبينا أنه تصرف فيما لا يملكه.
( الثانية ) لو
استأجر مسلم دار حربي في دار الحرب ثمَّ غنمها المسلمون لم تبطل الإجارة ، لأن
المنافع كالأعيان مملوكة ملكا تاما [ ولو سبيت وزوجته انفسخ النكاح في الحال على
الأقرب ، لأن البضع مستباح ولا يملك ملكا تاما ] ولهذا لا تضمن
باليد المجردة ، بخلاف المنفعة. ويحتمل التربص بالعدة رجاء لإسلامه وعتقها.
( الثالثة )
آجر الولي الطفل مدة فبلغ ورشد في الأثناء ، أو آجر ماله يحتمل البقاء ، لأن تصرفه
كان للمصلحة فيلزم. وحينئذ هل له خيار الفسخ؟ نظر. ويحتمل
__________________
البطلان لتبيين خروج هذه المدة عن الولاية ، وهو الأقرب. ومثله لو آجر مال
المجنون فأفاق.
( الرابعة )
آجر أم ولده أو مدبرة ثمَّ مات ، فيه الوجهان.
( الخامسة )
آجر عبده ثمَّ أعتقه لا تبطل الإجارة ، لأن الإزالة هنا مستندة إلى السيد وقد كان
تصرفه سابقا فلم يصادف العتق هذه المنافع. وحينئذ لا خيار له لأن السيد تصرف في
ملكه ، فلا يعترض عليه ولا يرجع على السيد بالأجرة ، لمثل ما قلناه. وكما لو زوج
أمته واستقر المهر ثمَّ أعتقها.
قاعدة
:
كلما جازت
الإجارة عليه مع العلم تجوز الجعالة عليه مع الجهل ، وهل تجوز مع العلم؟ الأقرب
الجواز بطريق الأولى.
تنبيه
:
إذا تعذر كمال
الإجارة وزع المسمى بنسبة المستوفى إلى الباقي بحسب القيمة ، وقد يشكل بعضها في
صنعة الحساب ، كما لو استأجر لحفر عشرة طولا ومثلها عرضا ومثلها عمقا فحفر خمس
أذرع في خمس [ في خمس ] وتعذر إكمال العمل لموته مع تعيينه في العقد أو لصلابة
الأرض ، فإن نسبة المحفور إلى المستأجر نسبة الثمن إلى السلعة ، وذلك لأن مضروب
الأولى ألف ذراع ومضروب الثانية مائة وخمسة وعشرون ذراعا. هذا بحسب العدد ، فإن
فرض تساوي الأذرع في الآخر كان الواجب ثمن الأجرة ، وإلا وجب التوزيع بحسب
__________________
القيمة أيضا.
( [ الفصل ]
السادس ـ في عقود متبددة )
قاعدة
:
الأمانة نسبة إلى يد غير المالك تقتضي
عدم الضمان ، وهي قد تكون من
المالك كالوديعة والعارية وقد تكون من الشرع وهي المسماة بالأمانة الشرعية.
والواجب فيها المبادرة إلى إعلام المالك ، فإن تمكن وأهمل ضمن ، وإلا فالظاهر عدم
الضمان.
ولها صور سبع :
( الأولى )
إطارة الريح ثوبا إلى داره فيجب الإعلام أو أخذه ورده إلى مالكه.
( الثانية ) لو
انتزع الصيد من المحرم أو من محل أخذه في الحرم.
( الثالثة ) لو
انتزع المغصوب من الغاصب بطريق الحسبة.
( الرابعة ) لو
أخذ الوديعة من صبي أو مجنون لخوف إتلافها.
( الخامسة ) لو
خلص الصيد من خارج ليداويه أو من شبكة في الحرم.
( السادسة ) لو
تلاعب الصبيان بالجوز وصار في يد أحدهما جوز الآخر وعلم به الولي فإنه يجب رده على
ولي الآخر ، ولو تلف في يد الصبي قبل علم الولي ضمنه في ماله.
ولا عبرة بعلم
غير الولي من أم أو أخ ، لأنه ليس قيما عليه ، فلو أخذه أحدهما بنية الرد على
المالك أمكن إلحاقه بالأمانة. وكذا الكلام في البيض.
ولو كان أحد
المتلاعبين بالغا ضمن ما أخذه من الصبي ، وهل يضمن الصبي
__________________
المأخوذ من البالغ؟ نظر ، أقربه عدم الضمان لتسليطه على إتلافه.
( السابعة ) لو
ظفر المقاص بغير جنس حقه فهل يكون أمانة شرعية حتى يباع؟ قوى بعض الأصحاب الضمان ،
ويضعف ضمان الزائد عن قدر حقه إذا لم يمكن التوسل إلى حقه إلا به ، كمن كان له
مائة فلم يجد إلا دابة تساوي مائتين.
(
الوديعة ) قاعدة :
كل عبارة لا
يتم مضمونها إلا بإيجاب وقبول فهي عقد ، وما لا يحتاج إلى القبول من العبارات فهو
إيقاع أو إذن مجرد.
والوديعة ليس
القبول المعهود شرطا فيها ، فله هي عقد أو إذن مجرد؟ تظهر فائدته فيما لو عزل
الودعي نفسه ، فعلى العقد تبطل وتبقى أمانة شرعية ، وعلى الإذن لا تبطل.
وفيما إذا شرط
فيها شرطا فاسدا فإنها تفسد ، فإن قلنا هي عقد فلا بد من عقد جديد ، فإن لم يعقد
فهي أمانة شرعية ، وإن قلنا مجرد إذن لغي الشرط وبقيت وديعة.
وإن سمينا
القبول الفعلي قبولا زال هذا التخريج وجزم بأنها عقد.
وربما خرج ضمان
الصبي الوديعة بالإتلاف على الوجهين ، فعلى العقد لا يضمن كما لو باع منه أو أقرضه
، وعلى الإذن يضمن. أما لو فرط فيها أو تعدى لا غير فتلفت فوجهان مرتبان ، فإن
قلنا بعدم الضمان هناك فهنا بطريق الأولى وإن قلنا هناك بالضمان أمكن عدم الضمان
هنا ، لأن التفرط من قبل المالك.
(
العارية ) قاعدة :
كل عارية أمانة
إلا في مواضع
( الأول ) استعارة
المحرم صيدا.
( الثاني )
استعارة الذهب والفضة.
( الثالث ) من
الغاصب.
( الرابع ) من
مستعير غير مأذون له.
( الخامس ) من
مستأجر مع شرط الاستيفاء بنفسه.
( السادس ) عند
التعدي والتفريط.
( السابع )
الاستعارة للرهن على الأقوى.
ومن جعله من
باب الضمان بالعين فلا ضمان على المستعير.
(
الوكالة ) قاعدة :
ضابط الوكالة
بحسب المتعلق أن كل فعل تعلق غرض الشارع بإيقاعه لا من مباشر بعينه يصح التوكيل
فيه ، كالعقود كلها والفسوخ والعارية والإيداع والقبض والتقبيض وأخذ الشفعة
والإبراء وحفظ الأموال وقسمة الصدقة واستيفاء القصاص والحدود وإثبات الحقوق وحدود
الآدميين والطلاق والخلع والعتق والتدبير والدعاوي كلها.
وما تعلق غرض
الشارع بمباشرته فلا يصح ، كالقسم بين الزوجات وقضاء العدة والقاضي. إما العبادات
ففيها تفصيل يأتي.
[ ولا ريب أن
كل خيار يرجع إلى المصلحة لا يتعلق فيه الغرض بمباشر بعينه ] وأما الخيار العائد
إلى الشهوة والإرادة فيحتمل أنه مما تعلق الغرض بإيقاعه من مباشر بعينه ، كخيار من
أسلم على أزيد من أربع أو على الأختين فلا يصح فيه التوكيل. ويحتمل الجواز ، لأنه
لا يزيد على التوكيد في التزويج.
أما خيار
الرؤية ففيه نزوع إلى كل واحد من القسمين ، ولعل الأقرب جواز التوكيل فيه ، ومن ثمَّ اختلف
في جواز التوكيل في الإقرار.
ثمَّ هذا
التوكيل تارة يجعل المشية إلى الوكيل فيكون كما لو شرط له الخيار في العقد والخبطة
فيه ، أما لو عين له الجهة المختارة فالجواز أظهر ، بل يمكن أن يجعل
بالتعين مختارا لما عينه الموكل.
قاعدة
:
كل من صح منه
المباشرة لشيء صح منه التوكيل فيه ، وما لا يصح منه المباشرة يمتنع التوكيل فيه.
وقد يتخلف صور :
فمن الأول
العبادات بأسرها إذا كانت بدنية وشبهها ، كالأيمان والنذر والإيلاء واللعان
والقسامة وتحمل الشهادة وأدائها والظهار منجزا ومعلقا ، فإنه لا يصح التوكيل في
ذلك كله حالة الحياة أما بعد الموت فيجوز التوكيل في العبادات البدنية.
هذا واختلف في
مواضع :
( الأول )
الجهاد ، قال الشيخ لا يصح فيه التوكيل ، لأن كل من حضره وجب عليه. وجوزه القاضي
مطلقا والعلامة على وجه الإجارة ، وهو جمع بين الوليين ، لأن الإجارة عقد لازم
يمنع من انقلاب الفرض بخلاف عدمها ، فإن الواجب على الكفاية يصير فرض عين إمام
بتعيين الإمام أو الحضور وواجب
__________________
العين لا يقبل النيابة.
( الثاني ) صب
الماء في الطهارة ، جوزه الشيخ على كراهته ومنعه القاضي. والحق الأول ، لأن الصب
ليس بجزء من الطهارة الواجب مباشرتها ، لإمكان فعلها بدونه فيجوز.
( الثالث ) جوز
الشيخ لمستحقي الزكاة توكيل من يقبض لهم سهماتهم ، ومنعه القاضي ، وقواه ابن إدريس
محتجا بأن ذمة المزكي مشتغلة بالزكاة فلا تبرأ إلا بيقين دفعها إلى المستحق
والوكيل ليس منهم ، وبأنه ليس للمستحق المطالبة فليس له التوكيل : أما الأول فلأنه
لا يملك إلا بالقبض وللمالك دفعها إلى من شاء ، وأما الثاني فظاهر.
وأجيب عن الأول
: بأن يد التوكيل يد الموكل فيبرأ بالتسليم إليه ، وعن الثاني بأن جميع الأصناف
الحاضرين في البلد يملكون المطالبة خصوصا مع العزل. سلمنا أنهم لا يملكون بالفعل
فلم لا يكفي مشارفة الملك. وكذا لو كان النزاع في بعض المستحقين واختار المالك الدفع
إليه يكفي المشارفة.
قلت : عندي في
الجواب نظر ، أما الأول فلأنه مانع لجواز الوكالة فلا يجعل دليلا عليه وإلا لانسحب في كل موضع لا
يصح فيه الوكالة ، وأما الثاني فلأنا لا نسلم أن لهم المطالبة بل للحاكم أمره بما
يبرئ ذمته ، ولهذا لو كان له وكيل مطلق وأخرجها عنه في بلد آخر أجزأ. وبالجملة
عندي فيه توقف.
( الرابع ) في
الاحتياز والالتقاط وجهان مبنيان على تملك المباح بالحيازة أو بالنية ، الأصح
الثاني ، فيجوز التوكيل.
__________________
وكذا لا يصح في
تعيين المطلقة المبهمة والمعتق المبهم وتعيين المختارة من المسلمات ، ولو عين
واحدة ووكل في تعيينها للطلاق أو الاختيار فالأقرب الصحة والوكالة مع أنه لا يصح
منه المباشرة إلا مع الإذن صريحا أو فحوى.
وكذلك العبد
والسفيه إذا أذن لهما في النكاح باشرا ولم يوكلا ، لأنهما في معنى الوكيلين وإن
كان مصلحة العقد تعود إليهما.
وفي الوصي خلاف
، والأقرب الجواز. والعبد المأخوذ كالوكيل.
أما لو وكل أحد
المتعاقدين صرفا في القبض فإنه يصح ، ولكن يشترط قبضه في حضرة الموكل ، فلا يعد
هذا من هذه المسائل.
ومن الثاني وهو ما يجوز التوكيل فيه ولا يجوز مباشرته ـ فعزيز عندنا
وقوعه ، لأنهم يذكرونه في توكيل المرأة في عقد النكاح ولا يصح منها مباشرته وكذا
الأعمى في الشراء والبيع والولي والقصاص حذرا من الزيادة في الواجب تشفيا ، وفي
الدور الحكمي ( كما إذا قال لزوجته كلما طلقتك ثلاث فأنت طالق قبله ثلاثا ) إذا
قيل بلزوم الدور فإنه يمتنع عليه التطليق إلا بالتوكيل فيه ، وكذا لو قال لوكيله (
كلما عزلتك فأنت وكيلي ) فليوكل في عزله ، وتوكيل المرأة في توكيل رجل
يلي عقد النكاح وإن لم يصح منها مباشرته.
وقد تأولوا ما روي من
تزويج عائشة بنت أخيها عبد الرحمن في غيبته بجواز أن يكون أخوها وكلها في أن توكل
رجلا في تزويج ابنته أو وكل محل محرما في أن يوكل محلا في تزويج.
__________________
وعلى هذا يجوز
أن يوكل المسلم ذميا [ أن يوكل مسلما ] في شراء عبد مسلم أو مصحف ، أو وكل مسلم ذميا أن يوكل
مسلما على مسلم. وجميع هذه الصور إلا الثلاث الأخيرة عندنا باطلة ، وأما تلك
فمحتملة.
فائدة
:
يجوز أن يسلب
مباشرة فعل عن نفسه مع جواز أن يكون وكيلا فيه لغيره كالسفيه والمرتد وكالعبد في
قبول النكاح لغيره أو إيجابه حيث لا ضرر على السيد فيه ، وكذا ذو الأربع لا يملك
التزويج بخامسة ويتوكل لغيره في مطلق التزويج وكذلك غير خائف العنت لا يعقد على
الأمة لنفسه على قول ويجوز لغيره.
قاعدة
:
كلما جازت
الوكالة فيه فتبرع به الغير فإن كان فعل وقع موقعه ـ كرد الوديعة والغصب وقضاء
الدين ونفقة الزوجة والأقارب والبهائم والحج والصوم والصلاة عن الميت والزكاة عنه
ـ وإن كان عقدا وقف على الإجازة كسائر العقود والفسوخ.
ومن الأفعال ما
يقف أيضا على الإجازة ، كقبض دين الغير من المديون ، وقبض أحد الشريكين من الغريم
، وقبض المبيع عن المشتري والثمن عن البائع وقبض الرهن عن المرتهن على احتمال ، وكذا
قبض الموهوب عن المتهب وإن كان إيقاعا بطل كالطلاق والعتق. وكلما لا يجوز التوكل
فيه لا تجري من التبرع كالأيمان [ والظهار ] والقسم والقسم.
__________________
(
الوصية ) قاعدة :
كل إيجاب
فقبوله بعد موت الموجب باطل إلا في الوصية ، وكل ذي قبول إذا مات بطل العقد إلا في
الوصية فإن وارثه يقوم مقامه على الأقرب.
قاعدة
:
الغالب في أن
الوصية بما فيه نفع لغيره يتوقف على قبوله ، إلا إذا أوصى بعتق عبده وهو يخرج من
الثلث ، أو بإبراء غريمه من دينه ، أو بقضاء دين فلان أو بفداء الأسير. وفي الوصية
للدابة بالعلف وجهان.
قاعدة
:
ظاهر الأصحاب
أن التدبير وصية بالعتق وليس تعليقا للعتق على صفة الموت. وربما تخيل ذلك في
مواضع.
وله عند العامة
فروع على هذين المأخذين من جواز الرجوع فيه وعدمه والبيع بخيار ، فعلى الصفة لا
يصح وعلى الوصية يحتمل بطلان التدبير قبل لزوم البيع فلا يعود إلى التدبير.
ولو فسخ البيع
احتمل المراعاة ، ولو رهنه احتمل الرجوع لأنه عرضه للبيع وعدمه لأنه ليس بمزيل
للملك. وعلى الصفة لا يجوز.
والفرض في
البيع كالبيع ، ويمكن العدم ، لأنه لم يخرج عن الملك.
__________________
[ أما الوطء
فليس برجوع ] قطعا على الوجهين ، لأنه مع الحمل يؤكد التدبير.
وفي المكاتبة
وجهان ، ويحتمل أنه إن قصد بالمكاتبة الرجوع عن التدبير كان رجوعا على القول
بالوصية وإلا فهو مدبر مكاتب.
ولو ادعى العبد
أنه دبر ففي سماع الدعوى تردد ، من توهم أن الإنكار ليس رجوعا. ولو حملت تبعها
الولد ، أما على العتق فظاهر ، وأما على الوصية فمشكل من حيث إن الوصية بالجارية
لا يدخل فيها الحمل المتجدد قبل الوفاة. وهذا يوهم أنه عتق بصفة ، لفتوى الأصحاب
بأن الولد مدبر ، وبالغوا في ذلك حتى منعوا من الرجوع في تدبيره ولو رجع في تدبير
أمه وهو يؤكد الصفة.
( السابع ـ الغصب )
قاعدة
:
منافع الأموال
تضمن بالفوات والتفويت ، ومنفعة البضع بالتفويت لا غير. وفي ضمان منفعة الحر إذا
حبسه مدة وجه بالضمان ، وضعفوه من حيث عدم دخوله تحت اليد ، ويقوي الضمان فيما لو
استأجره ثمَّ حبسه ، وخصوصا مع كون الأجير خاصا ، لأن المنافع بعقد الإجارة قدرت
موجودة شرعا فاستقرت الأجرة في مقابلها.
والذي يدل على
ملكها اقتضاء العقد ، ومن ثمَّ جاز أن يؤجره غيره.
__________________
قاعدة
:
المعتبر في
الضمان بيوم التلف مطلقا ، وفي قول يفرق بين الغاصب وغيره فيضمن الغاصب إلا رفع من
القبض إلى حين التلف وغيره يوم التلف. وفي قول الكل كذلك. وفي وجه يمتد إلى حين
الرد ، وهو ضعيف.
نعم في المثلي
يتوجه احتمالات : لو تلف عند الغاصب والمثلي موجود ثمَّ لم يدفعه حتى تلف ، والأقرب
أن المعتبر القيمة يوم الدفع.
وقد خرج من
الضمان يوم التلف ضمان ولد الأمة إذا انعقد حرا ووجبت قيمته على الأب ، فإنها
تعتبر عند الولادة لا حين الإحبال. وإن قضية الأصل أن الإتلاف إنما حصل حين إلقاء
النطفة ، فإنه لو لا هذا العارض كانت رقا لمولى الأمة فانتقلت إلى الوالد حينئذ.
قيل : والسر
فيه أن النطفة حينئذ لا قيمة لها ، لكنه لما كانت مكملة بدم أمه وكان تكونه حيوانا
بالقوى التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الرحم صار كالشجرة المخلوقة من الثمرة فهو من كسب
أمه ، فلذلك قدر الإتلاف متأخرا إلى حين الوضع ، فكأنه رقيق إلى حين الوضع. ومن
ثمَّ تبع الولد أمه في أحكام كثيرة.
فإن قلت : لم
لا يقال إن الوجه في ذلك أن الولد كالجزء من الأم ، فهو ملك لمالكها حين ينفصل ، فهنالك
ينتقل إلى ملك الوالد؟
قلت : يأبى ذلك
الحكم بانعقاده حرا. نعم ذكر في بعض الموارد أنه رقيق وأن يجب على الأب فكه عند
الولادة. وعلى هذا لا يكون التلف إلا حين الولادة
__________________
وفيه تنبيه على اعتبار أرفع القيم ، فإنه من المعلوم أن قيمته عند الولادة
أرفع غالبا. ولك أن تقول : الحمل على انعقاده رقيقا أولى ، ويحمل قولهم « انعقد
حرا » على أوله إلى ذلك لا محالة ، وهو مجاز مشهور ، وفيه توفيق بين الكلامين ، وجري
على قاعدة الضمان يوم التلف.
قاعدة
:
الضمان قد يكون
بالقوة وقد يكون بالفعل ، فالأول الحكم بضمان ما يجب ضمانه عند تلفه ، وأثره
استعداد الذمة لذلك ، والعود إليه عند التلف لو كانت القيمة العليا قبله.
والضمان الفعلي
: تارة بعد تلف العين ، ولا ريب أنه مبرئ لذمة الضامن ، ويكون من باب المعاملة على
ما في الذمم بالأعيان وهو نوع من الصلح. وتارة يتبع بقاء العين لتعذر
ردها ، وهو ضمان في مقابلة فوات اليد ، والتصرف والملك باق على مالكه.
وفي وجه
للأصحاب أن الضمان في مقابلة العين المغصوبة ، لأنها التي يجب ردها ، فالضمان بدل
عنها.
قلنا : العين
باقية والفائت إنما هو اليد ، والتصرف والضمان الفعلي إنما هو عن التالف بالفعل.
وتظهر الفائدة في الظفر به فيما بعد ، فعلى الأول يترادان وعلى الثاني لا ، حتى
قال بعض العامة : لو كان المغصوب قريب الغاصب عتق عليه. وتوغلوا في ذلك حتى ملكوا
الغاصب ما غير صفته كالطحن والخياطة
__________________
والذبح ، وأنه لو جنى على العبد بما فيه قيمته ملكه مع قولهم بأنه لو نقص
عن القيمة لا يملك النقص.
قاعدة
:
الإذن العام لا
ينافي المنع الخاص ، لأن الله سبحانه وهب العبيد مالا وفوض أمره إليهم تمليكا
وإسقاطا ، فإذا وجد سبب من غير جهتهم في أموالهم لا يكون قادحا في زوال حقوقهم ، إلا
أن يكون جاريا على طريق المعاوضة.
فمن ذلك
المأخوذ بالمقاصة مع غير الجنس مع عدم الظفر بغيره لو تلف فيه وجهان. والأقوى
الضمان ، لأن إذن الشارع فيه عام والمنع من تصرف غير المالك فيه حق للمالك.
ومنه المأكول
في المخمصة مضمون على الأكل وإن كان مأذونا فيه على الأقرب.
ولقائل أن يقول
: ليس الإذن من الله تعالى مطلقا بل بعوض ، فيكون من المعاوضات القهرية ، لأن
المالك امتنع في موضع [ ليس له ] الامتناع.
نعم ذكر بعض
العامة هنا مثالين في الوديعة والعارية : لو دفع الوديعة من مكان إلى غيره لمصلحة
المالك أو انتفع بالعارية لمصلحة وتلفت لم يضمن ، ولو سقط من يده شيء عليهما
فتلفا أو عابا يضمن ، لأن تصرف الإنسان في ماله وإن كان جائزا إلا أنه بإذن عام
وصاحب الوديعة والعارية لم يأذن فيه بخلاف النقل والانتفاع.
وهذان لا يتمان
عندنا ، لأن المعتبر التفريط ، فإذا سقط من يده بتفريطه ضمن وإلا فلا.
( الثامن ـ الإقرار )
قاعدة
:
كل من قدر على إنشاء قدر على الإقرار به إلا في مسائل أشكلت ، وهو ولي المرأة الاختياري لا يقبل إقراره ، وكذا قيل
في الوكيل إذا أقر البيع وقبض الثمن أو الشراء أو الطلاق أو الثمن أو الأجل ، ولو
أقر بالرجعة في العدة لا يقبل منه مع أنه قادر على الإنشاء وقيل يقبل ، وكذا كل من
لا يقدر على إنشاء شيء لا يقبل إقراره به ، إلا فيمن أقر على نفسه بالرق فإنه يقبل
مع جهالة نسبه ولا يقدر أن ينشئ في نفسه الرق. وعندهم المرأة تقر بالنكاح ولا
تتمكن من إنشائه.
والقاضي
المعزول إذا أقر بأن ما في يد الأمين تسلمه مني وهو لفلان فقال الأمين تسلمته منك
لكنه لغير فلان قبل قول القاضي. وهذه بغاياتها عندهم ، فيقال رجل في يده مال لا يقبل
إقراره فيه ويقبل إقرار غير ذي اليد فيه.
ومسألة المرأة
ممنوعة عندنا ، لأنها قادرة على الإنشاء ، ومسألة القاضي مشكلة.
قاعدة
:
كل إقرار إنما يعمل فيه بالمتيقن ويطرح المشكوك ، كما لو أقر أنه وهبه وملكه ثمَّ أنكر القبض ، لإمكان توهمه
إلا مع القرينة القوية ، كما لو أقر لمسجد أو حمل وأطلق فإنه يحمل على الممكن.
وكذا من أقر
بدراهم وفسرها بالناقصة عن الشرعية إذا اتصل باللفظ ، وكذا
__________________
بالناقصة عن وزن البلد مع الاتصال.
مسألة
:
لو أقر لغيره
بمال أمكن تنزيله
على سبب يمنع من
الرجوع كالبيع ، وعلى ما لا يمنع من الرجوع كالهبة ، فهل ينزل على المانع من
الرجوع أو يستفسر ويقبل تفسيره تنزيلا على أقل السببين؟ ووجه الأول أصالة
بقاء الملك للمقر الأول.
قاعدة
:
كل من أنكر حقا لغيره ثمَّ رجع إلى
الإقرار قبل منه ووقع ، الشك فيما لو ادعى عليها زوجية فقالت
زوجني الولي بغير إذني وقد أبطلته ثمَّ رجعت إلى الإقرار وانقضت عدتي قبل الرجعة
ثمَّ رجعت. وهنا أقوى في صحة الرجوع ، لأن الأصل عدم انقضاء المدة هنا والأصل هناك
عدم النكاح.
قاعدة
:
الاستثناء
المستغرق باطل إجماعا ، واختلف فيما لو عطف بعض العدد على بعض ، أما في المستثنى
أو في المستثنى منه هل يجمع بينهما حتى يكونا كالكلام الواحد كقوله علي درهم ودرهم
إلا درهما.
وقال ابن
الحداد من العامة : لا يجوز ، لأن الجملتين المعطوفتين تفردان
__________________
بالحكم وإن لم يكن الواو للترتيب ، كما إذا قال لغير المدخول بها « أنت
طالق وطالق » لا يقع إلا واحدة ، بخلاف طلاق اثنتين عندهم.
ويترفع على ذلك
« له علي ثلاثة إلا درهمين ودرهما » وكذا « له علي درهمان ودرهم إلا درهما » و « له
علي ثلاثة إلا درهما ودرهما ودرهما ».
قاعدة
:
الاستثناء من النفي إثبات ، ويشكل عليه « والله لا أجامعك في السنة إلا مرة » فمضت
السنة ولم يجامع أصلا ، فإن قضية القاعدة أنه يحنث ، لأنه يقتضي إثبات المرة فيجب
الجماع مرة. ووجه عدم الحنث أن المقصود من اليمين أنه لا يزيد على الواحدة فيرجع
ذلك إلى العرف بجعل « إلا » بمعنى غير.
ومنه لو قال « لا
لبست ثوبا إلا الكتان » فقعد عاريا ، فعند العامة لا يلزمه كفارة. ويشكل عليهم بما
ذكرناه.
وجوابه : أن « إلا
» في الحلف انتقلت عرفا إلى معنى الصفة ، مثل سوى وغير ، فكأنه قال «
لا لبست ثوبا غير الكتان » فلا يكون الكتان محلوفا عليه فلا يضر تركه ولا لبسه.
ومنه لو قال « ليس
له علي عشرة إلا خمسة » فإنه قيل لا يلزمه شيء لأن النفي الأول توجه إلى مجموع
المستثنى والمستثنى منه وذلك عشرة إلا خمسة وهي خمسة ، فكأنه قال ليس علي خمسة.
ووجه اللزوم أن النفي بليس لم يتوجه إلا في العشرة ثمَّ الاستثناء بعد ذلك من
النفي بليس فكان إثباتا للخمسة والتحقيق أنه إن نصب خمسة فلا شيء وإن رفع فخمسة.
__________________
قاعدة
:
المطالبة بتفسير
المبهم على الفور مأخوذ من امتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة ، كمن أقر بمبهم إما
ابتداء أو عقيب دعوى.
وفيه أوجه ، إذا
امتنع من الفور الحبس حتى يجيب وجعله ناكلا فيرد اليمين ، وإنه أن أقر بغصب مبهم
وامتنع من بيانه حبس وإن أقر بدين مبهم جعل ناكلا ، وكذا اختيار ما زاد على أربع
أو طلق مبهمة أو ادعى القاضي دينا لميت لا ولي له.
( التاسع ـ في
أحكام متفرقة )
قاعدة
:
في التعليقات
بالأعيان ، وهي كثيرة وإن كان بعضها يشترك في قدر مشترك
فالخصوصية يكفي في المباينة ، فمنها : تعلق الدين بالرهن وتعلق
الزكاة بالنصاب والخلاف فيه مشهور ، وتعلق الأرش بالجاني خطأ وعمدا ، وتعلق حق
البائع في المبيع فيحبسه حتى يستوفي الثمن ، وتعلق الدين بالتركة ، وتعلق المال
المضمون بالأعيان المشروطة ، وتعلق الضمان بما يجب إحضاره من الأعيان.
ويشبهه
الاستيثاق ، وهو في مواضع : توثق المرأة للصداق بمنع تسليمها نفسها حتى تقبض ، والمفوضة
حتى يسمى لها مهرا ، وبالإشهاد على أداء الدين والقرض والعقود بأسرها وإن لم يكن
الإشهاد واجبا ، والتوثق بحبس الجاني
__________________
حتى يبلغ اليتيم أو يفيق المجنون على القول به ، ومثله التوثق للغائب حتى
يقدم والتوثق بالحبس في موضعه على الحقوق ، وبالحيلولة بين المدعى عليه وبين العين
بعد شهادة شاهدين مستورين حتى يزكيا في وجه ، ومثله حبس المدعى عليه إذا شهد
مستوران بحد أو قصاص على احتمال ومثله التوثق بعزل نصيب الحمل إذا أريد قسمة
التركة ويعزل قدر الدين لو مات المضمون عنه قبل الأجل.
قاعدة
:
الغالب في المقدرات الشرعية التحقيق ، كأقل الحيض وأكثره ، واعتبار المرة في الوضوء والمرتين في غسل
النجاسة ، ونصاب الزوجات ـ إلى صور كثيرة.
ولا ريب أن
المسلم فيه أن ذكر سنة أو الوكيل إذا وكل في شراء عبد أو حيوان بسن مخصوص لا يشترط
عدم زيادته عن تلك السن بقليل ، حتى لو شرط في السلم التحقيق عسر وجوده ، مضافا
إلى تلك الصفات ، وفي جواز نقصان اليوم والأسبوع احتمال لصدق الاسم وعدم الالتفات إلى حد هذا
النقص اليسير وكذلك سن مفارقة الولد في البيع .
والأصح اعتبار
التحقيق في أرطال الكر ، ومسافة القصر ، وسن البلوغ.
قاعدة
:
قد تترتب أحكام
على أسباب يمكن اعتبارها في الحال والمال ، فيقع كذلك
__________________
إشكال ، وصورها كثيرة :
( الأولى ) لو
حلف على أكل هذا الطعام في الغد فأتلفه في الحال فهل يلزم الكفارة معجلا إن
اعتبرنا المآل؟ وهو الأصح ، فلا حنث وإلا حنث.
وتظهر الفائدة
في التكفير الآن هل هو مجز أم لا ، حتى لو كفر بالصوم أمكن إجزاء الغد من الصوم
إذا نواه.
( الثانية ) لو
تبين انقطاع المسلم فيه قبل المحل ففي تنجيز الخيار وتأخيره الوجهان ، والأقرب
المنع.
( الثالثة ) لو
كان دين الغارم مؤجلا ففي أخذه من الزكاة قبل الأجل وجهان والأقرب الجواز. وقد نص
الأصحاب على أن المعذور لو حج عنه ثمَّ زال عذره وجب فعله بنفسه ، وهو يعطي أن
الحال مراعى بالمآل.
( الرابعة ) لو
انقطع دم المستحاضة وظنت عوده قبل وقت يسع الطهارة والصلاة فتطهرت وصلت ، فإن لم
يعد فيه الوجهان.
( الخامس ) لو
قلنا بعدم انعقاد نذر التضحية بالمعيب فنذر ثمَّ زال العيب ، فإن اعتبرنا الحال
بطل النذر وإن اعتبرنا المآل صح.
ولكن الظاهر
انعقاد النذر وإن كان معيبا حال النذر لعموم وجوب الوفاء بالنذر. نعم لو نذر أضحية
مطلقة اشترط فيها السلامة من العيب فلو عينها في معيب ثمَّ زال العيب جاء الوجهان.
( السادسة ) لو
اشترى معيبا ولم يعلم حتى زال العيب ، فيه الوجهان. وكذا
__________________
كتابة الكافر عبده المسلم كتابة مطلقة ، لأنها تئول إلى العتق ، والأقرب
عدم الاكتفاء بها نظرا إلى الحال.
( السابعة ) لو
عين للسلم موضعا فخرب أو أطلق العقد فخرب موضعه وارتحل المتبايعان منه ، ففيه
الوجهان. وتعينه قوي نظرا إلى الحال.
( الثامنة ) لو
أسلم ثمَّ وطئ في زمان التربص ثمَّ أسلمت فالظاهر عدم وجوب المهر ، وعلى اعتبار
الحال يمكن وجوبه ، وهو بعيد لأنها في حكم الزوجة.
أما المعتدة
رجعية لو وطئها بشبهة ثمَّ رجع فهل يجب المهر ، نظر. والفرق أن الحل العائد
بالرجعة غير الحل الأول والعائد بالإسلام هو الأول.
( التاسعة ) لو
ارتد الزوج لا عن فطرة ثمَّ وطئها ورجع في العدة احتمل ما ذكر ولو لم يرجع وجب
المهر عند الشيخ ، لأنا تبينا البينونة حين الوطء ، وحينئذ لو لم تسلم الزوجة ولم
يرجع في المطلقة أمكن البناء على الحال والمال.
ويقال هما في
حكم الزوجة ما دامت العدة فلا مهر ، وإن بقاء المطلق على طلاقه وبقاءها على كفرها
كشف عن البينونة ، وهو ضعيف ( العاشرة ) الموسر في الكفارة حال الوجوب لا يستقر
عليه العتق بل المعتبر حال الأداء.
( الحادية عشر
) طريان العتق في العدة ينتقل إلى عدة الحرة إن كان الطلاق رجعيا لا بائنا ، وفي
عدة الوفاة ينتقل. ويحتمل في الطلاق البائن ذلك تغليبا للاحتياط ولعدم تعقل الفرق
بينه وبين عدة الوفاة.
__________________
( الثانية عشر
) المعتبر في التقاط المهايأ بيوم الالتقاط لا يوم التملك.
( الثالثة عشر
) سيد الملتقط أولى باللقطة لو أعتقه اعتبارا بيوم اللقطة.
( الرابعة عشر
) لو أعتقت تحت عبد ولم تعلم حتى عتق ففي ثبوت الخيار وجهان ، ولو قلنا بالفسخ تحت
الحر فلا بحث.
( الخامسة عشر
) في جواز بيع الدهن النجس الوجهان إن قلنا بقبوله الطهارة أما الماء فقابل لها.
وتوهم بعضهم أن
تطهير الماء لا يقع بل باستحالته من صفة النجاسة إلى صفة الطهارة ، فعلى هذا لا
يصح بيعه قبل تطهيره كما لا يصح بيع الخمر وإن رجا انقلابها نظرا إلى الحال.
( السادسة عشر
) بيع السباع جائز نظرا إلى الانتفاع بجلدها ، وهو نظر إلى المآل.
( السابعة عشر
) بيع آلات الملاهي ذات الرصاص المتقوم في صحته الوجهان إذ لا منفعة لها في الحال.
ويحتمل الجواز إن اتخذت من جوهر نفيس ، لأنها مقصودة في نفسها بخلاف الخشب فإن
قصده بعيد.
( الثامنة عشر
) بيع الآبق ينظر فيه إلى الحال فلا يصح بدون الضميمة ، وكذا الضال. ولو قدر
المشتري على تحصيله اعتبرنا الحال في الصحة.
وكذا بيع ما
يتعذر تسليمه إلا بعد مدة ، كالسمك في المياه المحصورة
__________________
المشاهدة ، إذ لا يمكن تحصيلها إلا بعد تعب ، والحمام الكثير في البرج كذلك
ولو خرج واعتيد عوده صح.
( التاسعة عشر
) يصح بيع المرتد والجاني عمدا ، وقاطع الطريق على اعتبار الحال. ولو كان الارتداد
عن غير فطرة فأقوى في الصحة.
أما البيضة
المدرة والعناقيد التي استحال خمرا بواطنها ففي صحة بيعها نظرا إلى حال الفرخ
والتخليل بعد.
( العشرون ) لو
اشترى حبا فزرعه أو بيضا فأفرخ عنده ثمَّ فلس فاعتبار المآل هنا أقوى فلا يرجع
البائع.
( الحادية
والعشرون ) لو نوى المسافر أو الحائض الصوم ليلا لظن القدوم والانقطاع فصادف ففي
صحة النية الوجهان.
( الثانية
والعشرون ) لو قلنا بأن الإقرار للوارث في المرض من الثلث فهل المعتبر لمن هو وارث
في الحال أو المال حالة الموت الوجهان ، أما اعتبار الثلث فقد نص الأصحاب على
اعتباره عند الوفاة.
( الثالثة
والعشرون ) اختلاف الحال بين الجناية والتلف بطريان الإسلام والردة من هذا الباب ،
وكذا الحربية حال الجناية إذا أسلمت ثمَّ ألقت جنينا.
( العاشر ـ في
نبذ من أحكام النية )
وأنها تدخل في
التملكات والعقود والإيقاعات وغيرها ، وفيه فوائد :
( الأولى ) لو
نوى الأمين الخيانة ، فإن كان سبب أمانته المالك كالوديعة والعارية والإجارة لم
يضمن بمجرد النية ، وإن كان سببها الشارع كاللقطة ضمن.
__________________
ولو نوى تملك
المباح لم يكف حتى يحوزه [ قولا واحدا ] ، وفي الاكتفاء بمجرد الحيازة قولان أقربهما المنع.
ولو أحيا أرضا
بنية جعلها مسجدا أو رباطا أو مقبرة فالأقرب أنها لا تصير إليها بالنية بل لا بد
من صيغة الوقف ، وفي تملكه حينئذ وجهان ، ينظر فيهما إلى أن الملك الضمني هل هو
كالحقيقي في اعتبار نيته أو لا ، فعلى الأول يملك وعلى الثاني لا. والأول أقرب.
ولو نوى
بالإحياء والاحتياز تملك الغير ، فإن كان وكيلا أو وليا ملك ذلك الغير على القول
بالتوقف على النية ، لأنه عمل لا يتعلق غرض الشارع بإيقاعه من مباشر بعينه ، فصح
الاستنابة فيه. وإن نوى تبرعا فإن كان ذلك الغير لا يملك كالكافر في إحياء موات
الإسلام ـ لغت النية ، والأقرب المحيي لا يملك لعدم التضمن هنا مع احتماله لوجود
النية في الجملة ، فتلغى الإضافة ويبقى مطلق النية.
وإن كان ممن
يملك أمكن الوقف على إجازته إن قلنا بوقوف الأفعال على الإجازة كما سبق ، فإن أجاز
ملك وإن امتنع ففي تملك المباشر الوجهان وإن أبى الملك ، لأن المضاف إليه يتصور
ملكه هنا فقد نوى ملكا في الجملة بخلاف الأولى ومن عدم تضمن نية الغير تملك نفسه.
ولو نوى
بالاحتياط قضاء دين الغير أو المدين للغير منه ، ففيه الوجهان لو أجاز ذلك. وأقوى
للتضمن هنا عند وقوع القضاء بالفعل ، أما لو نوى قضاء دين نفسه منه أو صرفه في بعض
مصالحه فإنه يملك قطعا ، لأنه تعرض لخصوصية الملك ، فهي أقوى من نية الملك المطلق.
( الثانية ) لا
بد من النية في صيغ العقود والإيقاعات عندنا ، وهو القصد إلى
__________________
ذلك اللفظ المعين مريدا به غايته.
ولا فرق بين
الصريح والكناية في ذلك [ في موضع جواز الكناية كما في العقود الجائزة كالوديعة والعارية
] ولا يكفي قصد اللفظ مجردا عن قصد غايته فلو فعل بطل وإن لم يقصد الضد ، فيحصل
هنا صور ثلاث باطلة :
إحداها : لم
يقصد اللفظ أصلا كالساهي والنائم ، فلا تأثير قطعا.
الثانية : قصد
اللفظ وقصد ضد مدلوله ، كما قول قال « يا طالق » وقصد النداء ، فيبطل الطلاق.
الثالثة : قصد
اللفظ ولما يقصد المعنى الموضوع له ولا عدمه ، فإنه يبطل عندنا.
ولا يكفي نية
أركان العقد عن التلفظ به كما لا يكفي نية العقد ، فلو قال « بعتك بمائة » ونوى
الدراهم أو « خالعتك بمائة درهم » ونويا النقد المخصوص ونقود البلد متعددة ، فالأقرب
البطلان. نعم لو تواطئا قيل العقد على نوع بعينه وأهملاه في العقد أمكن الصحة ، لأنه
كالملفوظ في العقد والبطلان قوي للإخلال بركن العقد.
أما النية في
اليمين فالظاهر اعتبارها إذا كان اللفظ صالحا لها ، فيجوز تقييد المطلق بالنية
كاللحم وينوي به لحم الغنم وتخصيص العام بها. فلو قال « لا دخلت الدار » ونوى
دخولا خاصا أو مؤقتا صح.
ولو حلف على
ترك التسليم على زيد وسلم على قوم ونوى خروجه لم يحنث.
ولو كان
المحلوف عليه فعلا فالأقرب عدم جواز الاستثناء ، فلو دخل على جماعة فيهم من حلف
على عدم الدخول عليه لم يكف عزله ، إذ لا ينتظم أن يقال :
__________________
دخل فلان على القوم الأعلى فلان منهم ، وينتظم سلم عليهم إلا على فلان.
ولو تعلقت
اليمين بحق آدمي لم يقبل ظاهرا ولكنه يدين به باطنا ، فلو قال « هي كظهر أمي إن
كلمت زيدا » وقال قصدت شهرا ولا قرينة مخصصة لم يقبل ظاهرا ، ومع القرينة يقبل مع
احتمال قبوله مطلقا ، لأن المتكلم أعرف بقصده.
هذا إذا قصد
توقيت الكلام الذي جعله شرطا ، أي إن استمر التكلم شهرا فهي كظهر أمه ، ولو قصد
توقيت الظهار بالشهر فكذلك يدين به ، فإن قلنا بوقوع الظهار المؤقت حنث شهرا لا غير ،
وإلا حكم بالبطلان بالنسبة إلى الدين وبالتحريم ظاهرا ، وإن قبلنا قوله في الحكم
لم تحرم ظاهرا.
فرع
:
حيث قلنا بقبول
قوله في الحكم أو في الدين لا يحتاج إلى عين ، لأنه مؤتمن على دينه وأعرف بنيته.
( الثالثة )
النية تؤثر في العطايا المشروط فيها عدم المعصية كالوقف والصدقة فلو وقف على
الزناة وشاربي الخمر أو قاطعي الطريق ونوى بالوقوف لكونهم كذلك بطل ، وإذا وقف على
قوم من المسلمين وإذا هم من أولئك صح ، ولو وقف على قوم يظنهم فساقا لأجل فسقهم
فإذا هم عدول بطل أيضا لعدم القصد إلى الوقف الصحيح وإن كان متعلقه ممن يصح عليه.
وقيل الوقف على الذمي يصح ويبطل بالاعتبارين.
وكذا تؤثر
النية في العطايا التي لا يشترط فيها ذلك ، كما لو أوصى لبني زيد وقصد به بنيه
لصلبه فإنه يتخصص ، فإن كانوا فالوصية لهم وإلا بطلت.
__________________
ولو أطلق ففي
حمله على البطن الأول أو استرساله وجهان ، أما لو أطلق وليس هناك بطن أول حمل على
باقي البطون قولا واحدا ، كبني آدم لو قصد بطنا مخصوصا من بني آدم الموجودين حال
الوقف أثرت النية.
( الرابعة )
مما يؤثر فيه النية دفع المديون الدين إلى الغريم عن المرهون مثلا ويقبل قوله فيه
بيمينه ، وفيما إذا لم ينو حال الدفع وجهان أقربهما تجديد النية بعده.
ولو أكل مالا
يعتقده لغيره ، أو وطئ امرأة يعتقدها أجنبية ، أو ذهب بالعين المستعارة إلى ما أذن
فيه المالك لرسول المستعير لا إلى ما استعار له مع جهله بالحال ، أو قتل نفسا
يعتقدها معصومة فبان مصادفة الاستحقاق والحل فالظاهر أنه لا عقاب عليه.
وهل يقدح ذلك
في العدالة؟ فيه وجهان. نعم لظهور جرأته على المعاصي ولأن نية المعصية لا يقدح حتى
يأتي بها. وهذا أقرب.
وبعضهم حكم
بفسقه ، لأن ذلك يسقط الثقة بصدقه وأداء الأمانة ، وحكم بأنه في الآخرة يعذب عذابا
متوسطا بين عذاب الكبيرة والصغيرة. وكلاهما تحكم وتخرص على الغيب.
نعم قد ذكر بعض
الأصحاب أنه لو شرب المباح متشبها بشارب الخمر فعل حراما ، ولعله بالنية وإضافة
أفعال الجوارح لا بمجرد النية.
المقصد
الرابع
( في التناكح
والتوارث وما يتعلق بهما )
وفيه فصول :
( الأول ـ في
التناكح )
وفيه قواعد :
الأولى
:
ينقسم النكاح
بحسب الناكح إلى الأحكام الخمسة : فالواجب عند التوقان وخوف الوقوع
في الحرام ، والمستحب إذا فقد الشرط الثاني مع القدرة على النفقة والمهر أو مع
العجز وتوقان النفس ، والمكروه وهو عند عدم التوقان والطول وربما قيل لا يكره
والزيادة على الواحدة عند الشيخ ، والحرام هو الزيادة على الأربع وشبهه بالنسبة
إلى الحرائر والإماء والأحرار والعبيد ، والمباح
__________________
وهو ما عداه.
وكذا ينقسم
بحسب المنكوحة إلى الخمسة :
( الأول ) حرام
، وأقسامه خمسة : حرام وهي الأربعة عشر المذكورة في الكتاب العزيز ، وهي ترجع
إلى التحريم بالنسب والمصاهرة والرضاع ، وحرام جمعا مطلقا وهو بين الأختين ، وحرام
جمعا إلا مع الإذن كبين العمة والخالة وبنت الأخ والأخت وبين الحرة والأمة ، وحرام
بحسب العارض كالشغار ونكاح المعتدة والمحرمة والوثنية والمرتدة والملاعنة
الكتابية بالدوام وشبهه ، وحرام بالاشتباه كاختلاط محرم له بنساء محصورات.
( الثاني )
مكروه ، وهو نكاح العقيم ، وفي الأوقات المكروهة ، ونكاح المحلل والخطبة على خطبة
المجاب.
( الثالث )
مستحب ، وهو النكاح في الأقارب ، لما فيه من الجمع بين الصلة وفضيلة النكاح. وقيل
يستحب التباعد للخبر.
( الرابع )
واجب ، وهو مقصور في الوطء في أماكن ، كوطء المظاهر والمولى وبعد أربعة أشهر مطلقا
، وقد يكون في الأمة والزوجة إذا غلب ظنه على وقوع الفاحشة لولاه.
وأما في العقد
بحسب المحل فتصوره بعيد إلا أن يعلم وقوع الزنا من أجنبية ويعلم أنه لو تزوجها
متعة منعها ولا ضرر فيه ، فيمكن وجوبه كفاية عند قيام غيره
__________________
مقامه وعينا عند عدم غيره.
( الخامس )
المباح ، وهو ما عدا ذلك.
وينقسم بحسب
النكاح نفسه إلى : دائم وهو نكاح بعقد خال عن ذكر أجل واشتراط مهر وجوازه إجماعي ،
ومنقطع وهو ما اشترط فيه المهر والأجل.
وهو جائز
بإجماع أهل البيت عليهمالسلام وبنص « فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ » ، إذ المتعة شرعا اسم للنكاح المنقطع ، فيجب صرف الآية
إليه مراعاة لجانب الحقيقة الشرعية. وثبوت مشروعيتها إجماعا.
ودعوى النسخ لم
يثبت.
وملك عين ، وهو
نوعان : ملك الرقبة وهو جائز إجماعا ، وملك المنفعة وهو المعبر عنه بالتحليل ، وهو
جائز بإجماع علماء أهل البيت عليهمالسلام
ولعموم « أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ
» الشامل لصورة
النزاع ولأصالة الجواز السالم عن المعارض الشرعي.
الثانية
:
تحرم على الرجل
نساء أصوله وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل ، يحرم عليه مثله راضعا ، وبالمصاهرة
أصول زوجته مطلقا وفصولها مع الدخول ، وجمعا الأختان مطلقا والعمة والخالة مع بنت
الأخ المنسوبة إليها بالوصفين والأخت إلا مع رضاهما.
وعلى المرأة ما
حرم على الرجل عينا إذا فرض ذكرا وعلى الخنثى المشكل التزويج مطلقا.
__________________
ويحرم الزنا
السابق ووطء الشبهة ما حرمه الصحيح ، واللواط أم الموطوء فعالية وابنته فنازلة
والأخت فحسب ، واللعان وشبهه ، وطلاق التسع للعدة ، والوثنية تحرم على المسلم
مطلقا ، والكتابية دواما ابتداء ، والخامسة في الدوام على الحر من الحرائر ، والثالثة
من الإماء عليه ، وينعكس في العبد.
والمبعض عبد
بالنسبة إلى الحرائر وحر بالنسبة إلى الإماء والمبعضة كذلك. والإفضاء ما دامت غير
صالحة ، فإن صلحت ففيه قولان.
الثالثة :
الحكمة في
إباحة الأربع دون ما زاد في الدوام والإباحة مطلقا في غيره من المتعة وملك اليمين
، وقد كان في شرع موسى على نبينا وآله وعليهالسلام
جائزا بغير حصر مراعاة
لمصالح الرجال وفي شرع عيسى عليهالسلام
لا يحل سوى الواحدة مراعاة
لمصلحة النساء ، فجاءت هذه الشريعة المطهرة مراعاة للمصلحتين.
والتزويج
الدائم مظنة التضرر بالشحناء والعداوة بسبب المناقشة الدائمة ، وكان غاية صبر
المرأة على ذلك العدد اعتبرت الأربع.
أما الإماء
فإنهن للخدمة غالبا والوطء بالتبعية ، وذل الرق يمنعهن من المناقشة المولدة
للشحناء ، والحرائر وإن خدمن إلا أن الخدمة فيهن بالتبعية وأنفه الحرية تمنعهن
من الصبر على المناقشة.
وأما المتعة
فلكونها إلى أجل مخصوص سهل فيه الخطب ، لأن كلا من الزوجين ينتظره فلا يضطر فيه
للشحناء. هذا مع عدم وجوب الإنفاق والمساكنة
__________________
اللذين هما مثار آخر للشحناء ، وربما زادا على مثار الاستمتاع أو قارباه.
وإنما أبيح للنبي
صلىاللهعليهوآله
الزيادة إظهارا لشرفه ومزيته
على أمته ، أو للوثوق لعدله وإلهام أزواجه الصبر عن لوازم الضرائر إكراما له « ص
».
الرابعة
:
كل عضو يحرم النظر إليه يحرم مسه ولا
ينعكس ، فإن وجه
الأجنبية يجوز النظر إليه مرة ويحرم مسه ، وقد يجوز اللمس إجماعا ويكره النظر وهو
الفرج من الزوجة والمملوكة ، وحرم النظر هنا بعض العامة.
أما النظر إلى
المحارم فلا شك فيه ، وكذا يجوز اللمس عندنا بغير شهوة ـ قاله بعض الأفاضل. وحرمه
بعض العامة إلا في مثل الرأس وغيره مما ليس بعورة ، فيحرم عندهم مس بطن الأم
وسقاها وقدمها وتقبيل وجهها.
الخامسة
:
ولاية النكاح بالقرابة والملك والحكم
والوصاية ، وكل منهم يزوج
بالولاية إلا المالك ، فإنه يزوج بالملك لأنه مالك للبضع فله نقله إلى غيره
بطريقه.
وربما احتمل
كونه بالولاية ، لما ورد في تزويج أمة المرأة نفسها متعة فإنه مشعر بذلك ، ولأنه
لا يجوز تزويج الأمة لمجنون إلا برضاها عند بعض العامة فلها حق في نفسها.
ويتفرع على ذلك
عندهم اشتراط عدالة الولي على الولاية دون الملك وتزويج المكاتب أمته إن قلنا
بالملك.
وتزويج الكافر
أمته المسلمة إذا كانت أم ولد وقلنا بعدم البيع جائز على الملك وعلى الولاية لا يجوز.
السادسة
:
الأصل أن كل
أحد لا يملك إجبار غيره إلا في مواضع :
إجبار السيد
رقيقه على النكاح [ وليس لرقيقه إجباره عندنا ، والأب والجد الصغيرة والمجنونة
والصغير مطلقا والمجنون الكبير إذا كان النكاح ] صلاحا له
بظهور أمارة التوقان أو برجاء الشفاء المستند إلى الأطباء.
ولو طلبت
البالغ بكرا النكاح أجبر الأب والجد على تزويجها إن قلنا لا ولاية لها أو
بالاشتراك ، وهل يجبر الولي على تزويج الصغيرين عند ظهور الغبطة لهما؟ نظر.
وكذا يجبر
الولي على تزويج السفيه ، والأقرب أن له إجبار السفيه مع الغبطة.
ومن هذا الباب
يجبر المضطر صاحب الطعام وصاحب الطعام يجبره إذا امتنع من الأكل وأشرف على التلف.
السابعة
:
يحرم وطء
الزوجة مع بقاء الزوجية بأمور : الحيض والنفاس والصوم الواجب أما المتعين أو مطلقا
على احتمال ، والإحرام والاعتكاف الواجب ، والإيلاء والظهار قبل التكفير ، والعدة
عن وطء الشبهة ، والمفضاة قبل التسع وقيل تخرج من حباله ولو برئت قيل حلت ، والعاجزة
عن احتمال الوطء لمرض [ يضر الوطء بها ] أو صغر أو عبالة وعند تضيق وقت الصلاة واجبة ، وبعد
__________________
الاشتغال بها قيل وفي ليلة غيرها ، وفيما إذا امتنعت من تسليم نفسها لأجل
الصداق وفي المساجد وبحضور الناس.
ولقائل أن يقول
: قد عد في الواجب وطء المولى والمظاهر ، فكيف عد في الحرام.
قلنا : أما في
المظاهر فالأمر ظاهر لاختلاف الاعتبار ، فإنه حرام قبل التكفير واجب بعده. وأما في
المولى فيوصف بالحرمة من حيث اليمين المقتضية لتحريمه ويوصف بالوجوب من حيث حق
الزوجة ، وتنجبر الحرمة بالكافرة ، وإليه الإشارة بقوله « فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ
اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » .
وقد يكره في
الأوقات والأحوال المخصوصة ، وقد يستحب وهو مع الإمكان ولا ضرر ولا مانع ، وقد يجب
كما قلنا في المظاهر والمولى بعد المرافعة وبعد الأربعة الأشهر فله الاستعداء عليه
لو تركه وإن لم يكن موليا إلا أن المولى يجبر عليه أو على الطلاق. وهنا يحتمل ذلك
ويحتمل إجباره على الوطء عينا.
ولو طلق أساء
وسقط الوطء إذا كان بائنا ، ولو كان رجعيا ففيه إشكال من حيث إنه واجب يمكن
استدراكه ومن زوال حقيقة العصمة ، فإن قلنا بإجباره عليه ووطئ فهو رجعة قطعا
والأصح عدم الإجبار. نعم لو راجعها أمكن الإجبار لزوال المانع ، بل يمكن لو تزوجها
بعد البينونة كما يقضي لها ليالي الجور .
الثامنة
:
النكاح قد يكون
سببا في أشياء كثيرة فيتعلق بالوطء فيه استقرار المهر
__________________
المسمى بكماله ، ووجوب مهر المثل إذا لم يسم أصلا ، ووجوب الفرض المحكوم به
إذا كانت مفوضة المهر ، ووجوب مهر المثل حيث لا يصح التفويض و [ حيث ] تكون
التسمية فاسدة ، وفي الشبهة و [ زنا ] الإكراه ، ووجوب النفقة ما دامت ممكنة في
الدائم ، وتوزيع المسمى بحسب الأيام في المنقطع ، ووجوب
الكسوة والمسكن في الدائم والخادم إذا كانت من أهله ووجوب نفقة الخادم وكسوتها ، وقد
يكتفى في هذا بالتمكين وثبوت التحصين لكل منهما في الدائم وملك اليمين.
ولحوق الولد
بشروطه ، وتحريم العزل في الدائم بغير الإذن ، ووجوب عدة الطلاق والفسخ عليها
وتحريم ابنتها عليه ، ووجوب القسم إما ابتداء أو إذا قسم لضرتها ، والظاهر أن هذا
لا يتبع الوطء بل التمكين ، ووجوب القضاء لها في القسم إذا ظلمها و [ هذا كالأول
في ] تقرير صحة العقد في نكاح المريض إلا أن يبرأ فيكفي العقد في التقرير ونشر
الحرمة في الرضاع وصيرورة البنت محرما ، وفي حكمها بنت ابنها وبنت بنتها فنازلا
وامتناع فسخها بالعنة الطارئة.
وتحقق الفئة في الإيلاء
والظهار ، ووجوب الكفارة فيهما ، ففي الظهار تتعدد وأما منعها من أكل الثوم وأكل
ما يتأذى برائحته وإجبارها على الاستجداد وإزالة الوسخ وكل منفر فيكفي فيه بذل
المهر لها ، ووجوب النفقة عليه إذا طلق رجعيا ، ووجوب ذلك للبائن إذا كانت حاملا.
وأما وجوب
الفراش وآلة التنظيف وكل ما يزال به الرائحة الكريهة ووجوب آلة الطبخ والأكل
والشرب والإلزام بالغسل لو كانت ذمية إن وقفنا الاستمتاع
__________________
عليه ، ووجوب أجرة الحمام مع الحاجة ، وكذا وجوب ثمن ماء الغسل على قول ، ومنعها
من الخروج والبروز والعبادات المتطوع بها والأسفار غير الواجبة ومجاورة النجاسة
والسكر إذا كانت ذمية ، فيمكن ترتبه على التمكين وبعضه على مجرد العقد ، كما يترتب
عليه بر اليمين إذا حلف ليتزوجن والحنث لو حلف على تركه والخروج عن العزوبة المنهي
عنها وجواز الاستمتاع بالمرأة والنظر إلى جميع بدنها حتى العورة وبالعكس واستقرار
المهر بموت أحدهما ولو كانت هي مفوضة المهر وجبت المتعة وقيل مهر المثل.
ووجوب النصف
إذا طلق أو فسخت لعنته قبل الدخول ، وكذا إذا أسلم قبلها قبل الدخول أو ارتد عن
غير فطرة إما عنها فالأقرب الجميع.
ووجوب المتعة
في مفوضة البضع إذا طلق قبل الدخول والفرض ، وتحريم الأم والجمع بين الأختين
والعمة والخالة وبنت الأخ والأخت إلا برضاهما ، وتحريمها على أبيه فصاعدا وعلى
ولده فنازلا ، وتحريم العقد على غيرها إن كانت رابعة بالدائم أو ثالثة حرة والزوج
عبدا أو ثالثة أمة والزوج حرا ، وملك طلاقها وخلعها وظهارها وإيلائها ولعانها ، وثبوت
الفسخ بظهور عيب فيه أو فيها ، ووجوب نفقتها بالتمكين ، وجواز السفر بها.
وتحريم العقد
على الأمة إلا بإذن الحرة وعلى أمة ثانية إن شرطنا خوف العنت وعدم الطول ، أما
العبد فله أن يتزوج الأمة على الحرة عند بعض العامة والأقرب المنع.
وثبوت العدة
بموته والتوارث إذا لم يكن الدخول شرطا في صحة العقد ولا الأجل مانعا منه ، وجواز غسلها
ووجوب تكفينها إذا كانت دائما ، واستحقاق الصلاة عليها والنزول معها في قبرها ، وجواز
ذلك لها إذا مات هو وإن كان الرجال أولى. ويصير والده وابنه علا أو سفل محرما لها
وتصير أمها وإن علت
محرما له وتملك نصف الصداق لو كانت عينا وطلق قبل الدخل.
وبعث الحاكم عند الشقاق ، وإلزامها
بالغسل من الحيض عند الدخول إن حرمنا الوطء قبله ، وكذا لو كانت ذمية ، وإلزامها
بالاستحداد ، وما يتوقف عليه كمال الاستمتاع للتهيئة للدخول كما
يجب في دوام النكاح ، وتقديم قول الزوج في قدر الصداق وقولها في عدم دفعه والتحالف
لو اختلفا في تعيينه ولا ينفسخ العقد ، وتحريمها على غيره ، ومنعها من اليمين
والنذر والعهد والإرضاع إذا اشتمل على منع حقه.
فائدة
:
ومما يتعلق
بغيبوبة الحشفة في الفرج أو قدرها من مقطوعها نقض الطهارة إلا أن يكون ملفوفا على
قول ضعيف. ووجوب الغسل على الفاعل والقابل ، ووجوب التيمم إن عجز عن الماء. وتحريم
الصلاة والطواف وسجود السهو قيل وسجود التلاوة وقراءة العزائم وأبعاضها ، والمكث
في المسجد ، والدخول إلى المسجدين ، وإفساد الصلاة والصوم إن وقع عمدا ، وإفساد
التتابع إن كان الصوم مشروطا فيه ذلك ، ووجوب قضاء الصوم إن كان واجبا ، ووجوب
الكفارة في المتعين ، وفساد الاعتكاف ووجوب قضائه إن وجب ، ووجوب إتمامه إن كان قد
شرط فيه التتابع ، وفساد الحج والعمرة ، ووجوب المضي في فاسدهما ووجوب قضائهما ، ووجوب
البدنة أو بدلها مع العجز ـ وهي بقرة فإن لم يجد
__________________
فسبع شياه إن جعلنا الكفارة كالنذر ـ [ ونفقة المرأة التي جامعها في القضاء
] والتحمل للبدنة عنها سواء كان في موضع الفساد أو لا. وهل يتعلق بالوطء منع
انعقاد إحراميهما أو ينعقد فاسدين؟ نظر.
ووجوب التفريق
بين الزوجين إذا وصلا موضع الخطيئة إلى أن يقضيا المناسك ، وثبوت الفسق إذا جامع
في الإحرام أو الصوم الواجب أو الاعتكاف عالما بالتحريم وترتب التقرير على ذلك ، واستحباب
الوضوء إذا أراد النوم ولما يغتسل ، فإن تعذر فالتيمم ، وكفارة الحيض وجوبا أو
استحبابا ، وجعل الكبر ثيبا فيعتبر نطقها في النكاح ، ووجوب العدة بالشبهة إذا
كانت ممن لها عدة وزوال التحصين في القذف إذا كان الوطء زنا لا مكرهة ، ووجوب
الجلد والرجم والجز والتغريب ، وتحريم أم الموطوء وأخته وبنته ـ والمشهور أنه يكفي
هنا إيلاج البعض ـ والخروج عن حكم العنة ، والتحليل للمطلقة ثلاثا حرة أو اثنتين
أمة ، وإلحاق الولد في النكاح الصحيح وملك اليمين وكذا في الشبهة بالملك أو
بالزوجية إذا كانت الموطوءة خالية ، وتحريم نفي الولد إلا مع القطع بكونه ليس منه
ولا يكفي الظن الغالب ، والتمكين عن الرجعة في العدة الرجعية ، والتمكن من اللعان
عند نفي الولد ، أما القذف بالزنا فلا.
ووجوب التعزير
لو كانت الموطوءة زوجة بعد الموت ، ووجوب القتل في اللواط إذا كانا بالغين عاقلين
والتعزير في إتيان البهيمة ، وتحريم وطء الأخت إذا وطئ أختها بملك اليمين حتى تحرم
التي وطئها أولا ، ونشر الحرمة بالشبهة والزنا على القول به.
__________________
وفي إباحة بنت
الأخ [ المملوكة ] مع العمة المملوكة من غير إذن إشكال للفاضل رحمة الله تعالى.
وسقوط الامتناع
من التمكين لأجل الصداق بعده وسقوط عفو الولي بالطلاق في المجنونة والسفيه لا في الناقصة
عن خمس عشر سنة عندنا بعده ثبوت السنة والبدعة في الطلاق ، وثبوت
المهر بوطء المكاتبة ، وثبوت بعضه بوطء المشتركة بينه وبين غيره ، وصيرورة الأمة
فراشا على رواية ، وقطع العدة إذا حملت من الشبهة ، والفسخ بوطء البائع والإجارة
بوطء المشتري إذا كان الواطئ ذا خيار ، وفسخ الهبة في الأمة الموهوبة في موضع جواز
الرجوع وفسخ البيع فيما لو وجد البائع بالثمن المعين عيبا فوطئ الأمة. وفي كون وطء
البائع مع إفلاس المشتري استردادا للأمة وجه ضعيف.
ورجوع الموصى
به إذا لم يعزل وكونه بيانا في حق من أسلم على أكثر من أربع ، وكذا في الطلاق
المبهم والعتق المبهم على احتمال ، وتوقف الفسخ على انقضاء العدة فيما لو ارتدت
الزوجة أو الزوج عن غير فطرة أو أسلمت الزوجة مطلقا أو الزوج وكانت الزوجة وثنية ،
والمنع من الرد بالعيب إلا في عيب الحبل ، ويرد معها نصف عشر قيمتها ، وسقوط خيار
الأمة إذا أعتقت تحت عبد أو حر على الخلاف ومكنت منه عالمة ، ويمكن أن يكون هذا
لأجل إخلالها بالفور لا لخصوصية التمكن من الوطء ، وتحقق الرجعة له في الرجعية ، ومنعه
من التزويج بخامسة إذا أسلم على أربع وثنيات حتى تنقضي العدة وهن على كفرهن ، وكذا
الأخت حتى تنقضي العدة مع بقاء الأخت على الكفر ، ومنعه من اختيار الأمة لو أسلمت
مع الحرة حتى تنقضي العدة مع بقاء الحرة على
__________________
الكفر ، ووجوب مهر ثان لو وطئ المرتد وبقي على الردة إذا كان عن فطرة وفي
غيرها خلاف ، ووقوع الظهار المعلق به أو العتق المنذور عنده ، وذبح البهيمة
الموطوءة المأكولة وإحراقها وتغريم قيمتها وبيع غيرها وتغريمه القيمة ، وإبطال
خيار الزوجين لو تجدد العيب بعده إلا الجنون من الرجل ، ووجوب استبراء الأمة إذا
وطئها السيد وأراد تزويجها أو بيعها.
فائدة
:
كل هذه الأحكام
يتساوى فيه القبل والدبر ، إلا التحليل والخروج من الإيلاء والإحصان والاستنطاق في
النكاح فتستنطق بالوطء في القبل لا في الدبر وخروج المني من الدبر بعد
الغسل فإنه لا يوجب الغسل عليها بخلاف القبل فإن فيه كلاما ذكرناه في الذكرى. [
حاشية ـ قال فيها : روى عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليهالسلام
عدم وجوب الغسل على
المرأة بخروج نطفة الرجل ، نعم لو علمت الاختلاط وجب ، ولو شكت فالأحوط الوجوب
للاختلاط المظنون ] .
ويتعلق بالدبر
إبطال حصانة الرجل بالنسبة إلى القذف ، كما يحصل للواطئ بالنسبة إلى ذلك. ولو لم
يبق للمقطوع بقدر الحشفة فغيبه فالظاهر عدم تعلق الأحكام به إلا تحريم أم المفعول
وأخته وبنته.
التاسعة
:
ترتب على
البكارة والثيبوبة أحكام : كالولاية ، واستحباب تزويج البكر ،
__________________
والاكتفاء منها بالسكوت عند عرض النكاح عليها ، والوصية بجارية بكر ، والوكالة
في شراء بكر ، والتفرقة في تخصص القسم بثلاث وسبع ، واشتراط البكارة والثيبوبة في
العقد.
وتطلق الثيبوبة
أيضا على الإحصان المعتبر في الرجم وتزول البكارة ، أو تحصل الثيبوبة بالوطء
والجناية والطفرة والوثبة والمرض. وقد تزول بالتعنيس ولا [ ريب ]
في ترتب زوال أكثر أحكام البكارة على مطلق الثيبوبة.
ونص الأصحاب
على أن العبرة في الصغيرة بالصغر لا بالبكارة ، سواء زالت بجماع أو غيره. وهل يزول
الضمان بزواله بغير الجماع وكذا قصرها على ثلاث في ابتداء
الدخول بها؟ احتمال. وبعض العامة يرى أن الذاهبة بكارتها بغير الإجماع لا تدخل تحت
البكر ولا الثيب.
العاشرة
:
الشبهة أمارة
تفيد ظنا بترتب عليه الإقدام على ما يخالف ما في نفس الأمر والكلام هنا في وطء
الشبهة ، وهي تتنوع ثلاثة أنواع :
الأول ـ بالنسبة
إلى الفاعل ، كما لو وجد امرأة في فراشه فظنها زوجته أو مملوكته ، أو تزويج امرأة
فظهرت محرمة عليه.
الثاني ـ وبالنسبة
إلى القابل ، بأن يكون للواطئ فيها ملك أو شبهة ملك كالأمة المشتركة وأمة مكاتبة
أو ولده.
__________________
الثالث ـ وبالنسبة
إلى مأخذ الحكم ، بأن يكون مختلفا فيه ، كالمخلوقة من الزنا.
وزاد بعضهم أن
يكون الخلاف معتبرا ، فقول عطاء بإباحة إعارة الإماء للوطء يمكن أن لا يكون شبهة.
والحق أنه شبهة لمن يمكن في حقه توهم ذلك.
ويترتب على
الشبهة أحكام خمسة :
الأول : سقوط
الحد عمن اشتبه عليه منهما دون الآخر ، وشبهة الملك لا يشترط فيها توهم الحل
والأخذ بقدر نصيب صاحبه.
الثاني : النسب
، ويلحق بالجاهل منهما دون العالم ، وإن جهلا لحق بهما.
الثالث : العدة
، وهي واجبة مع جهل الواطئ صيانة لمائه عن الاختلاط ومع علمهما فلا عدة ، ومع
جهلها خاصة نظر. وقطع العامة بأن لا عدة على الواطئ.
الرابع : المهر
، وهو معتبر بالشبهة على المرأة ، فلو لم يشتبه عليها فلا مهر ولو كان الزوج
مشتبها عليه.
الخامس : حرمة المصاهرة
، وهي ثابتة لكل من الرجل والمرأة مع اتصافهما بالشبهة بالنسبة إلى قرابة الآخر.
وقد توقف فيه بعض الأصحاب. ولو اختصت الشبهة بأحدهما فقضية الدليل ثبوت الحرمة
بالنسبة إليه فيحرم عليه أمها وبنتها وتحرم على أبيه وابنه لو كان ذا شبهة ، ولا
يحرم حينئذ أبوه ولا ابنه بالنسبة إليها. ولو انعكس انعكس ، ويمكن عموم التحريم من
الجانبين.
فرع
:
وطء الشبهة وإن
نشر الحرمة فلا يفيد المحرمية لترتبها على النكاح الصحيح
لمسيس الحاجة إلى الاختلاط والمداخلة وذلك منتف في وطء الشبهة ، فليس له
الخلوة بأم الموطوءة بالشبهة ولا ابنتها.
الحادية
عشرة :
ينتصف المهر
بالفرقة قبل الدخول من الزوج بطلاق أو ارتداد أو إسلام مع التسمية. ولا ينتصف
بالفسخ من قبل المرأة إلا في العنة وفي إسلامها قبله على رواية ، لأن الإسلام
لم يزدها إلا عزا ، وهي محسنة بتعجيل الإسلام والإساءة منسوبة إليه إذا كان من حقه
سبقها إلى ذلك ، وهو قول من قولي بعض العامة.
وقضية الأصل
يقتضي عدم المهر بالفسخ قبل الدخول مطلقا ، لأن فيه يراد العوضين سليمين ، فكما
يرجع بضعها إليها سليما فليرجع صداقه إليه سالما. ولكن خولف في هذا بالطلاق جبرا
لما حصل لها من الكسر مما لا مدخل لها فيه وأجري مجراه ما عددناه.
وأما العنة
فلأن غالب الفسخ بها يكون بعد اطلاعه على ظاهرها وباطنها واختلاطه بها اختلاط
الأزواج ، فجبر ذلك بالنصف.
وقد قال الشيخ
علي بن بابويه رحمهالله
تعالى في الخصي : إذا
دلس نفسه يفرق بينهما ويوجع ظهره وعليه نصف الصداق ولا عدة ، وتبعه ابنه في المقنع
.
ولو اشترى أحد
الزوجين الآخر فالظاهر عدم التنصيف ، أما إذا اشترته فلصدور الفسخ منها ، وأما إذا
اشتراها فلمساعدة المالك الذي هو مستحق للمهر.
__________________
وللفاضل رحمهالله
تعالى احتمال في ثبوت نصف
المهر في شرائها له ، ويلزمه بطريق أولى في شرائه لها.
ولو زوج
الكتابي ابنته الصغيرة من كتابي وأسلم أحد أبويها قبل الدخول فالأقرب السقوط
تنزيلا لفعله منزلة فعلها. ويحتمل التنصيف ، إذ لا صنع لها وعلى الرواية السابقة
لا إشكال في التنصيف.
الثانية
عشرة :
يجب المهر
المسمى بدخول الزوج في القبل أو الدبر وإن كان خصيا إذا كان النكاح صحيحا.
ومهر المثل يجب
في مواضع : في مفوضة البضع أو المهر مع الدخول وموت الحاكم ، ولو كان قد حكم أو
فرض في مفوضة البضع وجبا ، وفي مفوضة البضع إذا مات الحاكم قبل الدخول على قول
، وفي اختلافهما في تعيين المهر إذا تحالفا ، وفي ظهور الصداق معيبا فتفسخ للعيب
ويحتمل وجوب مثله أو قيمته صحيحا ، ولو أخذت الأرش جاز ، وفي تلف الصداق المعين
قبل القبض ولا يعلم قدره ، وفي الصداق الفاسد. وله أسباب :
الأول : الجهالة
كعبد مبهم أو ثوب.
الثاني : عدم
قبوله للملك كالحر والخمر والخنزير.
الثالث : أن
يكون مغصوبا مع العلم ولو جهلا فمثله أو قيمته ، ويحتمل مهر المثل.
الرابع : أن
يشترط شروطا غير مشروعة ، فإن ذلك يؤثر في فسخ الصداق
__________________
والرجوع إلى مهر المثل.
الخامس : أن
يتضمن ثبوته نفيه ، كما إذا ولد أمة في غير ملكه بنكاح أو شبهة ولدا ثمَّ اشتراها
ثمَّ زوج ابنه منها امرأة وجعل الأمة مهرا فيفسد المهر لأنه يتضمن دخول أمه في ملكه فتعتق
عليه فلا يكون صداقا.
السادس : العقد
على المولية بدون مهر المثل.
السابع : أن
يعقد لابنه الصغير بزيادة على مهر المثل ، إلا أن نقول بضمان الأب الزائد أيضا فإنه
يدخل في ملك الابن فليس للأب التبرع به.
الثامن : مخالفة
الأمر ، فيزيد عما أذن له الزوج أو ينقص عما أذنت له الزوجة. ويحتمل في الأول ثبوت
الخيار للزوج في الفسخ لا بمعنى خيار من عقد له الفضولي ، وتظهر الفائدة لو سكت
فإنه يبطل خياره ويلزم العقد بخلاف عقد الفضولي فإنه يشترط في اللزوم تلفظه
بالإجازة.
التاسع : أن
يأذن الولي للسفيه فيزيد على مهر المثل ويدخل بها فإنه يجب مهر المثل ، سواء قلنا
بصحة النكاح أو فساده.
العاشر : مخالفة
الشرط في الصداق ، كالعقد على ثوب على أنه يساوي مائة فظهر يساوي خمسين. ويحتمل
الرجوع إلى ما ظن.
الحادي عشر : شرط
الخيار في الصداق ، فيتخير الفسخ فيه ، وهذا يمكن أن لا يعد صداقا فاسدا.
الثاني عشر : لو
عقد الذميان على فاسد وترافعا بعد الإسلام قبل التقابض
__________________
فإنه قيل بوجوب القيمة عندهم ، ويحتمل مهر المثل. وكذا لو ترافعا ذميان قبل
القبض.
الثالث عشر : لو
قال « زوجتك أمتي على أن تزوجني ابنتك ويكون رقبة الأمة صداقا للبنت » فإنه يصح
العقدان ، إذ لا تشريك فيما يرد عليه العقد ، ويثبت مهر المثل.
الرابع عشر : لو
زوج عبده بامرأة وجعل رقبته صداقا لها وقلنا بصحة النكاح فإنه يفسد المسمى ويجب مهر المثل.
ويثبت أيضا مهر
المثل بوطء الشبهة كما تقدم ذكر أنواعه ، ومنها وطء المرتهن بظن الإباحة وبوطء
الإكراه ، قيل وبوطء الأمة البغي وبوطء الأمة المشتراة فاسدا ، ويثبت فيما إذا
أرضعت الكبيرة ضرتها الصغيرة فإن النكاح ينفسخ وتغرم الكبيرة للزوج ما غرم للصغيرة
من المهر كله أو نصفه ، ولو لم يكن سمى شيئا فمهر المثل فيرجع بمهر المثل على
المرضعة ويحتمل ضمان المرضعة لها مهر المثل ابتداء بل [ وبعد الدخول ].
وكذا لو شهدا
عليه بطلاق زوجته ثمَّ رجعا قبل الدخول احتمل ضمانهما مهر المثل ، بل وبعد الدخول.
وكذا لو شهدا برضاع محرم ثمَّ رجعا ، وكذا بغيره من الأسباب المحرمة ويرجعان.
وهنا صور مشكلة
:
الأولى : إذا
تداعا زوجيتها اثنان فصدقت أحدهما فللآخر إحلافها ، فلو نكلت وحلف قيل يغرمها مهر
المثل.
الثانية : لو
ادعى عليها بعد تزويجها بغيره أنه راجع في العدة فأقرت لم
__________________
يقبل منها وغرمت على احتمال.
الثالثة : لو
ادعت تسمية قدر وقال الزوج لا أعلم وكان قد زوجه وكيله أو قال نسيت حلف على نفي
العلم وثبت مهر المثل. ويحتمل ما ادعته ، إذ لا معارض لها . وكذا لو ادعت
على الوارث وأجاب بنفي العلم.
الرابعة : لو
تنازعا في قدره قيل يقدم قول الزوج وهو المشهور ، وقيل يتحالفان فمهر المثل.
ولو كان
دعواهما أزيد من مهر المثل أمكن تقديم قوله ، ويحتمل ثبوت مهر المثل ، وكذا لو
نقضت دعواهما عنه احتمل تقدم قولها واحتمل مهر المثل. وهذه الأقسام ذكرها بعض
الأصحاب ، والأصح فيها تقديم قول الزوج.
الثالثة
عشرة :
لا يمكن عراء
وطء مباح عن مهر إلا في تزويج عبده بأمته ، ولو أعتقها فوجهان إن كان قبل الدخول وإن
كان بعده بعد وجوب المهر بالعتق . قيل وفيما إذا فوضت بضعها وهما حربيان ويعتقدان ذلك
نكاحا ثمَّ أسلما بعد المسيس أو قبله ، لأنه قد سبق استحقاق وطء بلا مهر.
ولو تزوجت
السفيه بغير إذن وليه جاهلة ودخل بها فإنه قيل لا مهر لها ، والأصح الوجوب. ونعم
لو كانت عالمة سقط على الأقرب ، وحينئذ يتصور أن يكون مباحا بالنسبة إليه إذا كان
جاهلا.
__________________
ويطرد هذا في
كل موضع تكون الشبهة من جانب الواطئ مع حملها ، ويحتمل في السفيه وجوب مهر مثلها
لاستناده إلى العقد ويؤخذ منه إما في الحال أو بعد فك الحجر لأنه كالجناية. ويحتمل
وجوب أقل متمول.
فائدة
:
لو زوج ولده
الصغير يحمل عنه المهر في ماله ، فإن قلنا بملاقاة الابن فلها مطالبة أيهما شاءت.
وهو إنما يتم على القول بأنه ضمان وأن الضمان غير ناقل أما لو قلنا حكمه حكم
الحوالة أو أن الضمان ناقل كقول الأصحاب فليس لها مطالبة الابن على التقديرين.
والمحتمل في
تزويج عبده أضعف ، لأن العبد ليس أهلا لملاقاة الوجوب إلا أن نقول يتعلق برقبته أو
يتبع به بعد عتقه.
تنبيه
:
هل يسقط المهر
بعد وجوبه في تزويج رقيقي مالك إذ لم يمسه الوجوب الأقرب الثاني ، لامتناع أن يستحق على ماله مالا
، فلو صرح السيد بتفويض بضع أمته صح العقد ، فلو أعتق قبل الدخول ثمَّ دخل بها
فعلى الأقرب لا شيء عليه ، وعلى الآخر يجب ، إذ لا يجب مهر المثل بالوطء في
المفوضة لا بالعقد وهو حينئذ حرة .
ويحتمل أن لا
شيء ، لأن التصريح بالتفويض كلا تصريح أو تزويج الأمة
__________________
هنا لا يكون إلا خاليا عن مهر ، وإذا قلنا إن العقد إباحة سقط هذا البحث.
فرع
:
لو زوج رقيقه
ثمَّ باع الأمة قبل المسيس فأجاز المشتري العقد ففي وجوب مهر المثل هنا نظر ، من
استناده إلى العقد الذي لم يوجب مهرا وقد استحق الوطء بلا مهر والأصل بقاء ما كان
، ومن الإجازة كالعقد المستأنف.
ويمكن بناؤه
على أن الإجازة كاشفة أو جزء من السبب ، فعلى الأول لا يجب وعلى الثاني يجب.
الرابعة
عشرة :
لا يجب بالوطء
الواحد إلا مهر واحد ، وربما فرض أزيد في صور :
( الأولى ) لو
وطئ أمة لشبهة وفي أثناء الوطء باعها المولى وكان تمام الوطء في ملك المشتري
الثاني ، فيحتمل وجوب مهر واحد يقسم بينهما أو يختص به الأول ، ويحتمل وجوب مهرين
لأن الوطء صادف الملكين ولو انفرد ذلك القدر لأوجب مهرا كاملا.
أما لو وطئ في
ملك أحدهما فنزع في ملك الآخر ، فالظاهر أن لا شيء للثاني ، لأنه لا يسمى وطءا.
وعلى هذا يتصور تعدد المهور بتعدد الملاك مع دوام الوطء.
( الثاني ) إذا
قلنا بضمان منفعة البضع بالفوات لو وطئ الأب زوجة ابنه بشبهة فعليه مهر لها ومهر
لابنه لانفساخ النكاح.
( الثالثة )
إذا تزوج الأب بامرأة وابنه بابنتها فسيقت امرأة كل منهما إلى الآخر خطأ ووطئها
انفسخ النكاحان ، وعلى البادئ منهما مهر الموطوءة بالشبهة
ونصف مهر لزوجته لانفساخ عقدها قبل المسيس بسبب من جهته ، وعلى الآخر مهر
للموطوءة.
وهل يجب عليه
شيء لزوجته التي سبق وطؤها من غير زوجها؟ يحتمل وجوب نصفه ، لأن الفرقة ليست من
جهتها في الجملة ، فحينئذ يرجع به على البادئ ، فيغرم البادئ على هذا بوطء واحد
مهرا ونصفي مهر.
( الرابعة ) لو
تزوج امرأتين في عقدين ووطئ إحداهما ثمَّ ظن أن إحداهما أم الأخرى وكان المهر
للمتأخرة في العقد ، فإنه يجب لها مهر المثل ويجب للمتقدمة نصف المسمى ، لأن الفسخ
بسببه أتي . ولو سبق وطء السابقة في العقد فلا إشكال لبطلان عقد
الأخرى.
( الخامسة ) لو
وطئ الصغيرة أو اليائسة في حال الزوجية وطلق حال الوطء ولم يعقب بالنزع وجب بوطء
واحد لامرأة واحدة مهران : الأول المسمى ، والثاني مهر المثل. ولو قدر أنه عقد
عقدا جديدا وجب مسميان ، وهكذا.
وقد تنازع في
تسمية هذا الوطء واحدا ، وفي صحة الطلاق على هذه الحالة.
الخامسة
عشرة :
الذي بيده عقدة
النكاح عندنا هو الأب والجد ، وقد يكون أيضا السيد في مهر أمته. وليس هو الزوج ، لأن
العفو حقيقة في الإسقاط لالتزام ما سقط بالطلاق إذ لا يسمى ذلك عفوا ، ولأن إقامة
الظاهر مقام المضمر مع الاستغناء بالمضمر خلاف الأصل ، ولو ارتد الزوج يقتل أو
يعفو عما استحق لكم ، ولأن المفهوم من قولنا « بيده كذا » تصرفه
والزوج لا يتصرف في عقد النكاح إنما كان تصرفه
__________________
في الوطء وإن [ ما ] يتصرف في العقد الآن الولي.
فإن قلت : الزوج
كان بيده عقدة النكاح حال العقد.
قلت : يعارض
بالولي ، فإنه كان له ذلك فتهاترا وبقيت ولاية الولي الآن وثبوت يد خالية عن
المعارض. ولأن المستند إليهن العفو أولا الرشيدات ، فيجب ذكر غير الرشيدات ليستوفي
القسمة. ولأن قوله تعالى « إِلّا
أَنْ يَعْفُونَ » استثناء من الإثبات فيكون نفيا. وحمله على الولي يقتضي
ذلك ، وفيه طرد لقاعدة الاستثناء. ولو حمل على الزوج لكان إثباتا فيستثنى من
الإثبات إثبات ، وهو خلاف القاعدة :
ولأن قضية
العطف التشريك ، وعلى ما قلناه المعطوف والمعطوف عليه مشتركان في النفي ، ولو أريد
الزوج لكان إثباتا فلا يقع الاشتراك.
وإن قلت : يعارض
بما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
في ذلك بالصريح ، وبأن قضية الأصل عدم
تسلط الإنسان على مال غيره.
قلت : الرواية
لا تنهض حجة ، لعدم كونها من الصحاح مع إمكان الحمل على أن للزوج أن يفعل ذلك لأنه
يكون تفسيرا للآية. والمال هنا وإن دخل على الزوجة بفواته نقص إلا أنه معرض لترغيب
الزوج أو غيره في تزويجها ، فيجر ذلك النقص ويزيد عليه.
__________________
السادسة
عشرة :
لا يسمع من
المرأة دعوى عنة الزوج في صور :
( الأولى ) أن
يكون صغيرا ، إذ لا حكم لكلامه ولا قطع ببقاء عنته بعد بلوغه.
( الثانية ) أن
يكون مجنونا لمثل ما قلناه ولأنه قد يدعى بعد الإفاقة الإصابة.
( الثالثة )
الأمة لو تزوج بها حر ، لأنها لو سمعت لبطل النكاح ، إذ من شرط صحته خوف العنت على
قول.
السابعة
عشرة :
الأم أولى
بالحضانة مدة الرضاع في الذكر والأنثى وسبع سنين في الأنثى وقد يترجح غير الأم
عليها في صور :
( الأولى ) أن
تكون ناقصة بكفر ولو رده أو رقية ولو متجددة بسبيها وأقدارها وكذا لو كانت مبعضة
فالأب أولى.
( الثانية ) أن
تكون غير مأمونة مع كون الأب مأمونا.
( الثالثة )
إذا تزوجت.
( الرابعة )
إذا امتنعت الأم من الحضانة صار الأب أولى ، ولو امتنعا معا فالظاهر إجبار الأب.
( الخامسة ) لو
سافر الأب قيل له استصحاب الولد وتسقط حضانة الأم.
فرع
:
لو كان بها
جذام أو برص وخيف العدوى أمكن كون الأب أولى ، لقوله
صلىاللهعليهوآله فر من المجذوم كفرارك من الأسد. وقوله « ص » :
لا يورد ممرض على مصح . ويحتمل بقاء
حضانتها ، لقوله « ص » لا عدوى ولا طيرة .
ووجه الجمع بين
الأخبار الحمل على أن ذلك لا يحصل بالطبع كاعتقاد المعطلة والجاهلية ، وإن جاز أن
يخلق الله تعالى ذلك المرض عند المخالطة.
الثامنة
عشرة :
أظهر القولين
في نفقة الزوجة أنها غير مقدرة بل الواجب سد الخلة كالأقارب لقول النبي
صلىاللهعليهوآله
لهند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف
.
ولم يقدر
بالمدين أو بمد ، والتقدير بالحب ومئونة الطحن [ والإصلاح ] يرد إلى جهالة
، لأن المئونة مجهولة فيصير الجميع مجهولا.
قالوا : النفقة
بإزاء ملك البضع فتكون مقدرة ، لأصالة التقدير في الأعراض .
قلنا : نمنع
ذلك ، بل هي بإزاء التمكين ، ولهذا تسقط بعدمه وإنما قابل البضع المهر ، فالنفقة
منها كنفقة العبد المشتري إذ الثمن بإزاء رقبته والنفقة بسبب ملكه.
قال بعض العامة
ردا على فريقه القائل بالتقدير : لم يعهد في السلف ولا في الخلف أن أحدا أنفق الحب
على زوجته مع مئونة إصلاحه ، فالقول به يؤدي
__________________
إلى أن كل من مات يكون مشغول الذمة بنفقة الزوجة ، لأن المعاوضة على الحب
الذي أوجب مما تأكله الزوجة من الخبز واللحم وغيرهما ربا ، ولو جاز كونه عوضا لم
يبرأ من النفقة إلا بعقد صلح وتراض من الجانبين ، وما بلغنا أن أحدا أطعم زوجته
على العادة ثمَّ أوصى بإيفائها نفقتها حبا من ماله ، ولا حكم حاكم بذلك على أحد من
الأزواج.
الفصل
الثاني
( فيما يتعلق بالتناكح )
قاعدة
:
أسباب الفرقة
في النكاح كثيرة ، كالطلاق والخلع والمبارأة والفسخ لعيب أو تجدد إسلام أو كفر أو
تجدد عتق الأمة والرضاع والمصاهرة والوطء لشبهة وسبي الزوجين والزوج الصغير
واسترقاق الزوج الكبير والإسلام على أكثر من أربع أو على الأختين ، وملك أحد
الزوجين صاحبه ، واللعان ، وجهل سبق أحد العقدين في وجه ويحتمل القرعة ، وتوثن
النصرانية تحت مسلم أو تهودها والتدليس ، وفقد الزوج بعد البحث وإعساره بالنفقة في
قول [ والموت والإفضاء على قول ] .
وكثير من هذه
يستبد بها الزوجان ، وفي اللعان يحتاج إلى الحضور عند الحاكم أو الحكم ، والظهار
والإيلاء ليسا فرقة وإنما يؤديان إلى الطلاق بعد
__________________
مرافعة الحاكم ، وكذا في الإعسار بالنفقة يحتاج إلى حكم الحاكم.
تنبيه
:
لا يلاقي بين
الزوجين بعد بعض هذه الأسباب ، كاللعان والرضاع ووطء الشبهة وطلاق العدة إذا نكحها
رجلان والإفضاء وقد يتوقف على تزويج بغيره كفى التحليل.
( فوائد في
الطلاق )
قاعدة
:
النكاح عصمة
مستفادة من الشرع يقف زوالها على إذن الشرع كما استفيد حصولها منه.
والمتفق عليه
عند الأمة قوله « طالق » ، فليقتصر عليها وقوفا على المتيقن وتمسكا بأصل الحل.
وللجمهور
اختلاف عظيم واضطراب كثير فيما عدا هذه الصيغة ، حتى أن في قوله « أنت حرام » أحد
عشر قولا. قال ابن عباس على ما نقل عنه : يمين مغلظة ، وابن جبير عتق رقبة ، والشعبي
كتحريم المال لا شيء فيه لقوله تعالى « لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ
لَكُمْ » ، وقال إسحاق
كفارة ظهار قبل الوطء والأوزاعي له ما نوى وإلا فيمن يكفر ، وسفيان إن نوى واحدة
فواحدة وثانية فثانية أو الثلاث فالثلاث أو اليمين فاليمين أو لا فرقة ولا يمينا
فكذبة لا شيء فيها ، وأبو حنيفة إن نوى الإطلاق فواحدة وإن نوى اثنتين أو الثلاث
فواحدة
__________________
ثانية وإن لم ينو ، وكفارة يمين وهو مؤول ، ومالك في
المدخول بها ثلاث وينوي في غير المدخول بها ، والشافعي لا يلزمه شيء حتى ينوي
واحدة فتكون رجعية وإن نوى تحريمها بغير طلاق لزمته كفارة يمين ولا يكون موليا.
قال بعض متأخري
المالكية : معنى التحريم لغة المنع ، فقوله « أنت علي حرام » إخبار عن كونها
ممنوعة ، فهو كذب لا يلزم فيه إلا التوبة في الباطن والتعزير في الظاهر كسائر
أنواع الكذب. وأما قوله « أنت خلية » فليس في مقتضاها لغة إلا الإخبار عن الخلاء
وإنها فارغة ، وليس في اللفظ التعرض لما هي منه فارغة ، وكذلك « بائن » معناه لغة
المفارقة في الزمان أو المكان وليس فيه تعرض لزوال العصمة ، فهي إخبارات صرفة ليس
فيها تعريض للطلاق البتة من جهة اللغة ، فهي إما كاذبة وهو الغالب أو صادقة إن
كانت مفارقة له في المكان ، ولا يلزم بذلك طلاق ، كما لو صرح وقال « أنت في مكان
غير مكاني وحبلك على غاربك » معناه الإخبار بذلك ، وأصله في الراعي إذا قصد
التوسعة على المرعية جعل حبلها على غاربها وهو الكتفان حتى تنتقل كيف شاءت.
ثمَّ ذكر بعد
ذلك أنه راجع إلى النية والفرق بناء منهم على صحة الكنايات عن الطلاق. وليس بشيء ، لأن
الكناية من باب المجاز واللفظ يحمل على حقيقته لا على مجازه ، والحمل على اليمين
كذلك لعدم حقيقتها الشرعية ، وعن النبي صلىاللهعليهوآله الطلاق والعتاق أيمان الفساق.
قاعدة
:
ينقسم الطلاق
إلى ما عدا المباح من الخمسة : فالواجب طلاق المولى
__________________
والمظاهر وإن كان الوجوب تخييريا ، ومنه طلاق الحكمين بإذن الزوج إذا تعذر
الصلح ، والمحرم الطلاق البدعي ، والمكروه ما سوى ذلك ، ولا مباح فيه لقول النبي صلىاللهعليهوآله أبغض الحلال إلى الله الطلاق .
فرع
:
لو قسم بين
الزوجات نوبة ثمَّ طلق صاحبتها قيل بالتحريم ، لأن فيه إسقاط حقها.
قاعدة
:
ينقسم الطلاق
إلى بائن ورجعي ، والبائن ستة والرجعي ما عداه.
وضبطه بعضهم
فقال : كل من طلق مستعقبا للعدة ولم يكن بعوض ولم يستوف عدد الطلاق ثبتت له الرجعة. وهو يتم على
تقدير وجوب العدة على الصغيرة واليائسة وعلى عدمه ، لأنا إن قلنا بوجوبها فهو رجعي
وإلا فهو بائن ولا يكون متعقبا للعدة.
وأورد عليه : من
طلق مخالعة ثمَّ تزوجها في العدة ثمَّ طلق قبل المسيس ، فإنها تعود إلى العدة
الأولى وتستأنف مع أنه غير رجعي ، وكذا لو وطئها بشبهة فاعتدت ثمَّ تزوجها في
العدة وفعل ما قلناه.
وأجيب : بأن
الطلاق في الموضعين لم يستعقب عدة بل ترجع إلى عدتها الأولى. وهذا يتم إن لم نقل
بالاستئناف ، وإن قلنا به مع بعده فيجاب بأن
__________________
استعقابه للعدة ليس بسبب الطلاق بل مسبب عن الوطء السابق بهذا العقد.
وأورد أيضا : من
طلق الزوجة رجعية وعاشرها في العدة معاشرة الأزواج فإنها لا تنقضي عدتها عند كثير
من العامة ومع ذلك لا رجعة له ولو طلقها لحقها الطلاق.
وهذا الحكم
ضعيف ، لأنه إن حصل منه هذه المدة لمس أو تقبيل أو وطء فهو رجعة ، وإلا فلا عبرة
بالمعاشرة.
وأورد على عكسه
: إذا تزوج امرأة وطلقها بعد المسيس فأتت بولد لأقل من ستة أشهر من حين العقد لم
تنقض عدتها به وله رجعتها بعد وضع الحمل.
وهو واه ، لأن
الرجعة هنا ليست تعد العدة في طلاق رجعي ، إذ وضع الحمل لا ينقضي به العدة لعدم
تكونه منه ، فالرجعة وقعت في العدة.
وأورد أيضا : إذا
وطئ امرأة بشبهة فحملت ثمَّ تزوجها وأصابها ثمَّ طلقها فوضعت حمل الشبهة فإن عدة
الشبهة قد انقضت وله الرجعة ، وكذا لو وطئ أمته بالملك فحملت ثمَّ أعتقها وتزوجها
ثمَّ وطئها وطلقها فوضعت حمل ملك اليمين ممن له العدة وله الرجعة بعد الوضع في
الموضعين.
وأجيب بمنع
الرجعة هنا ، كيف وهما داخلتان تحت قوله تعالى « وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » .
قاعدة
:
كل عدة لا
يشترط فيها العلم بأنها عدة إلا في المتوفى عنها زوجها وفي
__________________
المسترابة بعد مضي ستة أشهر ، أما في المتوفى عنها زوجها فللحداد المقصود وأما
في المسترابة فلأن الأول كان لغاية الاستبراء من الحمل لا للاعتداد ، ولأن الغالب
في العدد التعبد المحض كاعتداد الصغيرة واليائسة وغير المدخول بها عدة الوفاة ، وكمن
غاب عن زوجته سنين فحضر ثمَّ طلقها قبل المسيس.
وقال بعض
العامة : إنما وجب ثلاثة أشهر بعد التربص لأنا نعلم يأسها بعدها وقد قال تعالى « وَاللّائِي يَئِسْنَ
مِنَ الْمَحِيضِ » الآية ، رتب الاعتداد على اليأس فلا يحصل قبله كسائر
الأسباب والمسببات.
وهذا غير
مستقيم ، لأنه لا يعلم بمضي هذا القدر يأس المرأة ، كيف وقد تبقى سنين بغير محيص
ثمَّ تحيض.
فائدة
:
الفرق بين
العدة والاستبراء أن العدة تجامع العلم ببراءة الرحم بخلاف الاستبراء ، ومن ثمَّ
لم تستبرأ الصغيرة ولا اليائسة ولا الحامل من الزنا ولا من غاب عنها سيدها مدة
تحيض فيها ولا أمة المرأة على الأظهر.
ولو كان البائع
محرما للأمة ـ كما يتفق بالمصاهرة أو الرضاع على خلاف فيه ـ فالأقرب عدم وجوب
الاستبراء فيه صونا للمسلم عن الحرام.
ولما كان
الأغلب في الاستبراء براءة الرحم لا التعبد ، اكتفي فيه بقرء واحد بخلاف العدة ، وحيض
الحبلى نادر ولو قلنا به.
__________________
( فوائد في
الظهار )
قاعدة
:
لو قال لزوجاته
« أيتكن حاضت فصواحباتها علي كظهر أمي » فقالت إحداهن حضت فصدقها وقع الظهار
بالنسبة إليه.
ويشكل بأن
قولها لا يقبل في حقهن وإحلافها غير ممكن وقطع الزوج بذلك نادر ، ولهذا لو صرح
بالمستند وقال لم أعلم حيضها إلا بقولها عد مخطئا إلا مع قرينة الحال المفيدة
للعلم.
ولعل الأقرب
أنه إن أخبر بعلم صدقها بالقرائن وقع الظهار ، وإن أطلق أمكن أيضا لأصالة الصدق في
إخبار المسلم ، ولأنه قادر على إنشاء الظهار الآن فيقبل إقراره.
فائدة
:
من الأسباب
الفعلية الأسباب القلبية كالإرادة والكراهة والمحبة ، فلو علق ظهارها بإضمارها
بعضه فادعته صدقت كدعوى الحيض ، فإن اتهمها أحلفها إن قلنا بيمين التهمة ، ولو
علقه [ بما يشهد الحس بعدم محبته ] كدخول النار أو السم أو الأطعمة الممرضة [ أو الشرع
كمحبة الكفر وعبدة الأوثان لكونهم كذلك ] فادعته أمكن القبول ، لأنه قد نصبه سببا ولا يعلم إلا منها
وعدمه للقطع بكذب
__________________
مدعي ذلك.
[ ويحتمل الفرق
بين الأمرين ، لأن الطبع يعين على الأول دون الثاني ، فيقبل منها في الثاني ولا
يقبل في الأول ، وخصوصا مع عدم التقوى. وكذا لو علقه بما يخالف الحس أو العقل أو
الشرع ] .
ولو علقه
بمشيئتها فالظاهر الاحتياج إلى اللفظ ، لأن كلامه يستدعي جوابا على العادة ، فلا
يكفي الإرادة القلبية. وتظهر الفائدة لو أرادت بالقلب ولما تتلفظ.
ولو تلفظت مع
كونها كارهة بالقلب وقع الظهار ظاهرا ، وفي وقوعه باطنا بالنسبة إليها احتمالان.
نعم لأن التعليق بلفظ المشية لا بما في الباطن. ولا كما لو علق بحيضها وكانت كاذبة
في الإخبار عن الحيض ، فإنه لا يقع باطنا.
ولو كانت صبية
فعلق على مشيتها أو علق على مشية صبي فالأقرب الصحة مع التمييز ، لأنه اقتضى بلفظه
وقد وقع ويحتمل المنع ، كما ليس للفظه اعتبار في الطلاق ولا في باقي العقود
اللازمة.
ولو علق ظهارها
على حيض ضرتها فادعته وأنكر الزوج حلف ، لأصالة العدم ، ولأنه تصديق في حق الضرة.
ويحتمل قبول قولها ، لأنه لا يعلم إلا منها ، فحينئذ لا يحلف ، لأن الإنسان لا
يحلف ليحكم لغيره.
فرع
:
لو علق أحد
رجلين ظهار زوجته بكون الطائر غرابا وعلقه الآخر بكونه غير غراب ، فالأولى عدم
وقوع الظهارين إذا امتنع استعلام حاله عملا بالأصل
__________________
وإن كان الاجتناب أحوط. ولو كان في زوجتين لواحد اجتنبا ، لأنه قد علم
تحريم إحداهما في حقه لا بعينها.
فائدة
:
من فروع أن
الصفة للتوضيح أو للتخصيص لو قال لزوجته « إن ظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت كظهر
أمي » ، فإن جعلنا الأجنبية للتوضيح ، وظاهر منها بعد تزويجها ـ وقع الظهاران ، وإن
جعلناها للتخصيص لم يقع ، لأن التزويج يخرجها عن كونها أجنبية. وهو الذي قواه
الأصحاب.
ولو ظاهر منها
في حال كونها أجنبية بنى على قاعدة الحمل على الحقيقة الشرعية عند التجرد حيث لا
تمكن الحقيقة ، وعلى المجاز لتعذر الحقيقة. وعلى الأول يقع الظهار المعلق ، وعلى
الثاني يقع حملا للظهار على التلفظ بصيغته وإن لم تكن مؤثرة تحريما.
ولو تزوجها
فأوجد الصيغة غير المؤثرة كالتي لم تجمع فيها الشرائط بنى على القاعدتين ، فإن جعلنا
الصفة للتخصيص فلا ظهار ، وإن جعلناها للتوضيح ورجحنا الحقيقة الشرعية فلا ظهار
أيضا ، وإن رجحنا المجاز وقع الظهار المعلق خاصة.
فائدة
:
من فروع
الحقيقة اللغوية العرفية لو علق الظهار على تمييزها نوى ما أكلت
__________________
عما أكل أو على إخبارها بعدد ما في الرمانة من الحب أو ما في البيت من
الجوز ففي الحمل على الوضع أو على العرف تردد ، فعلى الأول لو فرقت النوى كل واحدة
على حدتها أو عدت عددا يتحقق فيه أنه لا ينقص عنه ولا يزيد عليه تخلصت من الظهار ،
وعلى الثاني لا بد من التعيين والتعريف الحقيقي.
قاعدة
:
من فروع حمل
المشترك على معانيه تعليق العتق المنذور أو الظهار على العين مثلا مثل « إن رأيت
عينا فزوجتي كظهر أمي » ، فإن قلنا بالجمع على الجميع لم يقع العتق أو الظهار حتى يرى جميع مسميات
العين.
وقال بعض
العامة يعتق ويصير مظاهرا برؤية أي فرد كان ، لأن الصفة في التعليق تتعلق بأول
أفرادها ، كما لو قال « إن دخلت الدار » فإنه يكون مظاهرا بدخوله شيئا من الدار ، فإن
لم يدخل جميع الدار. وهو قياس فاسد ، فإن الدخول متواطئ.
إن قلت : لفظ «
عين » منكر في الإثبات وهو لا يعم وخصوصا مع أفراده ولو جمعه بغير تعريف ، غاية ما
في الباب أنه يحمل على ثلاثة قضية للجمع ، فكيف يمكن القول بحمله على الجميع مع
كونه مفردا.
قلت : ليس شمول
المشترك كشمول العام لأفراده حتى يراعى فيه صيغة العموم كالعيون مثلا
، بل لما كان هذا اللفظ مشتركا بين موضوعين فصاعدا حمل عند إطلاقه على جميع معانيه
عند من قال بذلك ، وعليه التفريع.
__________________
نعم قد قال
فريق من الأصوليين بالفرق بين المفرد والجمع ، فعلى قول هؤلاء يتوجه البطلان في
المفرد لعدم التعيين والصحة ، فيحمل على أي فرد كان لوضع اللفظ له. ولا يكون بينه
وبين المتواطئ على هذا فرق إلا من حيث إن إرادة الفرد من المتواطئ لصدق الحقيقة
بتمامها فيه وإرادة الفرد من المشترك لصدق اللفظ عليه.
ويضعف : بأن
اللفظ إذا كان صالحا لجميع الحقائق على السواء وهي متباينة يمتنع حمله على بعضها ،
لأدائها إلى الترجيح من غير مرجح أما عند وجود جميع الحقائق فقد تحقق وقوع مدلول
اللفظ.
( الفصل الثالث
ـ في التوارث )
وفيه قواعد :
الأولى
:
الموروث كل مال
أو تابع للمال أو حق عقوبة ، ولا ينتقل النكاح وتوابعه ، لأن الزوج إنما ملك أن
ينتفع ولم يملك المنفعة كما تقدم. وكذا ما يرجع إلى الشهوة كخيار من أسلم على أكثر
من أربع ، أما من طلق إحدى زوجاته ومات فقيل لعين الوارث. وهو بعيد.
وكذا لا ينتقل
حق اللعان إلى وارث الزوج [ ولا وارث الزوجة ] إلا في رواية ، وكذا حق الرجوع في الهبة لا ينتقل على
الأقرب ، إذ الموهوب غير موروث.
__________________
وفي الولاء
وجهان ، من حيث إنه كالنسب والنسب غير موروث ، ولأنه لا ينتقل إلى جميع الورثة.
الثانية
:
أسباب الإرث
ثلاثة : السبب ، والنكاح ، والولاء. والمراد به مطلق كل واحد منها.
ووجه الحصر : أن
الأمر المشترك بين جميع الأسباب التامة ، إما أن يمكن إبطاله أو لا ، والأول
النكاح. وإن لم يمكن إبطاله ، فإما أن يقتضي التوارث من الجانبين فهو القرابة ، أو
من أحدهما وهو الولاء. وإنما قلنا إن المراد المطلق من كل واحد ، لأن أحد الأسباب
القرابة والأم لا ترث الثلث في حال والسدس في حال آخر بمطلق القرابة وإلا لثبت
مثله في الابن والبنت لوجود مطلق القرابة فيهما ، وإنما ترث بخصوص كونها أما ويرد
عليها في موضع الرد [ بالقرابة ] والبنت ترث النصف لا بالقرابة المطلقة بل بخصوص كونها
بنتا والرد عليها بالقرابة المطلقة. فكل وارث سبب خاص مركب من خصوصية البنت مثلا
ومن عمومية القرابة.
وكذلك الزوج
ليس له النصف بمطلق النكاح وإلا لكان للزوجة النصف لوجود مطلق النكاح فيها ، بل
بخصوص كونه زوجا مع عموم النكاح ، فسببه أيضا مركب ، وكذلك الزوجة. فحينئذ إن أريد
بالأسباب التامة فهي أكثر من ثلاثة لتعددها بحسب الوارث ، وإن أريد بها الناقصة
فالخصوصيات كثيرة ، فلهذا قلنا المراد به المطلق.
__________________
الثالثة
:
الأصل في
الميراث النسبي التولد ، فمن ولد شخصا ترتب عليه طبقات الإرث ، وفي الميراث السببي
الإنعام بالعتق أو الضمان أو الولاية العامة ، والنسب مقدم لأنه أصل الوجود ، ثمَّ
العتق لأنه أصل لوجود العتيق لنفس ، [ ثمَّ الضامن لأنه منهم خاص ، ثمَّ الإمام ] .
الرابعة
:
كل قاتل يمنع
من الإرث ولا يمنع من متصل به لقوله تعالى « وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى » إلا في موضع واحد ، وهو ما إذا قتل المعتق عتيقه
وللمعتق ابن فإنه يحتمل هنا عدم إرثه ، لأن الابن لا يحصل له الولاء إلا بعد موت
أبيه وأبوه قد زال ولاؤه فكيف يتوصل بزائل.
ويحتمل ثبوته ،
لأن قضية الولاء أن ينتقل عن الأقرب إلى الأبعد مع عدم الأقرب والمعتق هنا بحكم المعدوم.
ومثله لو هرب المعتق وكان كافرا إلى دار الحرب فاسترق ولده عندنا ثمَّ مات العتيق
، فهل يرثه ولده لأن المعتق في حكم المعدوم أو يكون لبيت المال؟ فيه وجهان.
الخامسة
:
للإرث أسباب قد
مر ذكرها ، وشرائط وموانع ، وبالحدود يعرف ذلك
__________________
كله كما قيل عند الاختلاف في الحقائق بحكم الحدود.
ولما كان السبب
هو الذي يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم ، والشرط هو الذي يلزم من عدمه العدم
ولا يلزم من وجوده الوجود ، والمانع هو الذي يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه
الوجود ولا العدم. تبين ما ذكرناه ، فالشرائط أمور :
الأول : موت
المورث.
الثاني : تقدم
موته على موت الوارث ويكفي التقدير كالغرقى والمهدوم عليه.
الثالث : وجود
الوارث حالة الموت وإن لم تحله الحياة بشرط انفصاله حيا وإن لم يكن مستقر الحياة.
الرابع : العلم
بالقرب.
الخامس : العلم
بالدرجة التي اجتمعا فيها عند بعضهم ليخرج ما إذا مات رجل من قريش لا يعلم له قريب
، فإن ميراثه للإمام مع أن كل قرشي ابن عمه لفوات شرطه الذي هو العلم بدرجته ، فما
من قرشي إلا وغيره يمكن أن يكون أقرب منه ، وتوريث جميعهم متعذر ، فكان المال
للأولى بالناس من أنفسهم. والموانع ستأتي.
السادسة
:
يتصور دور
الولاء في موضعين :
( الأول ) لو
تزوج عبده بمعتقة فأولدها ابنا فاشترى عبدا فأعتقه فاشترى عتيق الابن أبا الابن
وأعتقه ثبت له الولاء عليه وثبت له على ولده الولاء ، لانجرار
__________________
الولاء من مولى الأم إلى مولى الأب ، فكل من الابن وعتيقه مولى لصاحبه.
( الثاني ) إذا
أعتق الذمي عبدا ثمَّ لحق المعتق بدار الحرب فاسترق ثمَّ أسلم العتيق وملك سيده
بالشراء أو السبي أو غيرهما فأعتقه فالولاء دائر. وفي هذا بحث.
السابعة
:
الإرث يكون من
الجانبين ، وهو الأغلب ، حتى إنه لا يوجد في النسب عندنا إلا دائرا ما لم يحصل
مانع كالكفر ، فإن المسلم يرث الكافر من غير عكس.
وأما في
الأسباب فيدور تارة كما في الزوجين يتوارثان في الدائم إجماعا وفي المتعة على [
حسب الشرط ] ، ولا يدور أخرى كالعتق فإن المنعم يرث العتيق دائما
ولا ينعكس إلا في الولاء الدائر كما تقدم. وابن بابويه
رحمهالله
جعل في ولاء العتق توارثا
من الجانبين.
وأما ضمان
الجريرة فإن دار الولاء والإرث وإلا فلا ، وأما إرث الإمامة فغير دائر.
الثامنة
:
لا يرث أبعد مع
أقرب إلا في مسألة الأجداد وأولاد الإخوة ، فإنه لو كان له إخوة لأم وأجداد أدنون
لأب وأجداد أعلون لأم فالظاهر أنهم يرثون لأنهم [ لا ]
__________________
يزاحمون أقرباء الأب بحال ، وكذا لو كان له أجداد لأم وأولاد أخ لأم وأجداد
لأب وإخوة لأب أو إخوة لأب بغير أجداد لأب فإن الثلث تقتسمه الأجداد للأم وأولاد
الأخ للأم والثلثان للأخوة وللأجداد للأب إن كانوا وإلا فللإخوة للأب.
التاسعة
:
لا يحجب الأبعد
الأقرب إلا في مسألة ابن العم لأب وأم مع عم لأب ، فابن العم للأبوين أولى. ويتفرع
عليه مسائل :
الأولى : اجتماعه
مع الزوجين.
الثانية : تعدد
ابن العم.
الثالثة : تعدد
العم للأب.
الرابعة : تعددهما.
الخامسة : بنت
العم للأبوين مع العم للأب.
السادسة : ابن
العم للأبوين مع العمة للأب.
السابعة : بنت
العم للأبوين مع العم للأب.
الثامنة : أن
يضاف إليهما خال أو خالة أو عمة.
التاسعة : أن
يكون أحدهما خنثى.
العاشرة : أن
يكونا خنثيين.
ويتحقق الإشكال
فنقول : أما الصور الأربع الأول فالظاهر أن الصورة
__________________
بحالها ، وأما الثلاثة التي تليها فالأقرب تغير الصورة ويراعى حينئذ القرب
كما قاله ابن إدريس ، وقال الشيخ : العمة للأب كالعم.
وأما إضافة
الخال فالظاهر أن المال بين العم والخال ، وبه قال عماد الدين ابن حمزة ، وقال قطب
الدين الراوندي ومعين الدين المصري المال للخال وابن العم لأن الخال لا يمنع العم
فلأن لا يمنع ابن العم الذي هو أقرب أولى وقال سديد الدين محمود الحمصي المال
للخال لأن العم محجوب بابن العم وابن العم محجوب بالخال.
وأما الأخيرتان
فيحتمل فيهما تغير الصورة وهو الظاهر ، ويحتمل أن يفرض ذكرا فيحجب فيرث المال
ويفرض أنثى فلا يكون لها شيء فيأخذ النصف مع العم للأب. وعلى هذا أكثر الأصحاب.
فرع
:
وقال ابن شاذان رحمهالله
: للأخ من الأم السدس
والباقي لابن الأخ ، محتجا باجتماع السببين. وعورض بأن الأخ للأب يمنع ابن الأخ
للأبوين مع قيام السببين.
العاشرة
:
ضابط القرب
والبعد عد القرابة إلى الميت ، فمن كان أقل عددا فهو أقرب.
وقد يختلف هذا
في أولاد الأولاد فنازلا مع الأبوين ، فإنهم يرثون مع أنهم يعدون في القرب إلى
الميت بواسطة أو أكثر والأبوان يتقربان بأنفسهما. والحجة
__________________
في ذلك وجوه :
الأول : أنه
قول أكثر الأصحاب وربما كان إجماعا.
الثاني : أن
ولد الولد ولد حقيقة عند بعضهم ولا اعتبار بالوسائط.
الثالث : الروايات
في ذلك ، روى عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليهالسلام
أنه قال ابن الابن إذا لم
يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن وابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد
قامت مقام البنت . وهو يشمل صور النزاع.
وذهب الصدوق
رحمة الله عليه إلى أن الأبوين يحجبانه عملا بالقاعدة وبمفهوم خبر سعد بن أبي خلف : أن ابن
الابن يقوم مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد ولا وارث غيره والوالدان
وارث غيره. فهو المراد هنا أو داخل في المراد.
وأجاب الشيخ
رحمهالله : بأن المراد بالغير هنا ابن الميت الذي هو والد لهذا
الابن ، وتحقيقه أن لفظ « وارث » نكرة موصوفة يصدق على أقل ممكن ، وهو صادق هنا
فلا حاجة إلى غيره ، وحملها على العموم لا وجه له.
وفيه نظر ، لوقوع
النكرة في سياق النفي فتعم. والأولى في الجواب الإجماع فإنه سبق الصدوق وتأخر عنه
، فإن الروايات محتملة ليست خاصة على مدعى الأصحاب ، وكون ولد الولد ولدا حقيقة
ممنوع لصحة النفي ، إذ يقال إن هذا ليس ولدي بل ولد ولدي ، وحينئذ يكذب الحقيقة.
ومن هذا الباب
توريث الأجداد مع أولاد الأولاد عند الصدوق نظرا إلى
__________________
المساواة في الرتبة ، فللجد مع بنات البنت السدس عملا بما رواه سعد بن أبي
خلف عن أبي الحسن الكاظم عليهالسلام في بنات بنت وجد للجد السدس والباقي لبنات البنت
.
ورده الشيخ
بأنه قد ثبت قيام ولد الولد مقام الولد والولد يحجب الجد فكذا من قام مقامه ، والخبر
إذا كان فيه ابن فضال أجمعت العصابة على ترك العمل به ، ولو صح ربما حمل على
استحباب الطعمة.
وفيه نظر ، لأن
الطعمة هي من الأبوين.
الحادية
عشر
:
مراتب الإرث
بالنسب عندنا ثلاث :
( الأولى )
مرتبة الآباء والأبناء وإن نزلوا.
( الثانية )
الأجداد فصاعدا ذكورا وإناثا والإخوة وأولادهم فنازلا ذكورا وإناثا.
( الثالثة )
الأعمام والأخوال فصاعدا وأولادهم فنازلا ذكورا وإناثا ، ولا ترث مرتبة إلا مع
عدم السابقة عليها بجميع جزئياتها ، فلو اشتملت المرتبة على طبقات ورث الأعلى منها
فالأعلى كالأجداد والحفدة من أبناء الميت وأبناء إخوته وأبناء أعمامه وأخواله ، أما
في مثل أعمام الميت وعماته وأخواله وخالاته وأعمام أبويه وأخوالهما فصاعدا فيمنع
الأدنى الأعلى.
__________________
الثانية
عشر
:
لا إرث عندنا
بالتعصيب ، بل الفاضل عن ذوي السهام يرد عليهم إلا مع مانع لهم أو لبعضهم خلافا
لجمهور العامة. لنا وجوه :
( الأول ) قوله
تعالى « إِنِ
امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ » . وجه الدلالة : أن التعصيب لو كان حقا لكانت الأخت
تستحق النصف بالتعصيب وإن كان له ولد ، فيبقى قوله تعالى « لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ » بلا فائدة.
( الثاني )
قوله تعالى « وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ » وعلى التعصيب يخالف مقتضاها.
( الثالث )
إجماع أهل البيت عليهمالسلام
على ذلك وهو حجة ، ورواياتهم
دالة على ذلك.
احتجت العامة
بقوله تعالى « وَإِنِّي
خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي » وجه الدلالة : أنه لو لا التعصيب لم يخص السؤال بالولي
بل قال وليا وولية ، فلما خصه [ به ] دليل على أن بني عمه مؤثرة مع الولية
فلذلك لم يطلبها.
وربما رووه من
طريقهم عن طاوس وابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
أنه قال ألحقوا
بالأموال الفرائض ، فما أبقت الفرائض فلأولى
__________________
عصبة .
وربما رووه عن
جابر أن امرأة أتت بابنتي سعد بن الربيع فقالت : يا رسول الله إن أباهما قتل يوم
أحد وأخذ عمهما المال ولا تنكحان إلا ولهما مال. فقال النبي صلىاللهعليهوآله
: سيقضي الله في ذلك ، فنزلت
« يُوصِيكُمُ
اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ » الآيات ، فدعا النبي عمهما وقال له : أعط الجاريتين الثلاثين
وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك .
والجواب : أن
تخصيص السؤال بناء على التغليب أو المراد الجنس أو لأن الولي أحب إلى طبع البشر ، وهو
سبب التخصيص لا ما ذكروه.
وعن الخبر أنه
روي عن ابن عباس وطاوس أنهما أنكراه ، رواه أبو طالب الأنباري عن محمد بن أحمد
البربري مرفوعا إلى قارية بن مضرب قال قلت لابن عباس : روى أهل العراق عنك وعن
طاوس أن ما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر. قال : أمن أهل العراق أنت؟ قلت : نعم.
قال : أبلغ من وراءك أني أقول إن قول الله تعالى عزوجل « آباؤُكُمْ
وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ
اللهِ » وقوله « وَأُولُوا الْأَرْحامِ
بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ
» وهل هذه إلا
فريضتان وهل أبقتا شيئا ، ما قلت هذا ولا طاوس يرويه علي. قال قارية بن مضرب : فلقيت
طاوسا فقال : لا والله ما رويت هذا على ابن عباس قط
__________________
وإنما الشيطان ألقاه على ألسنتهم .
وعن الخبر
الآخر منع صحته ، وعلى تقدير الصحة جاز أن يكون أخذ العم الباقي عوضا عن قيامه في
مالهما.
ويمكن
الاستدلال على نفي هذا الحكم لو سلم الحديث بقوله تعالى « إِلّا أَنْ تَفْعَلُوا
إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً » ، إذ لو كان له ميراث لم يرغب إلى فعل المعروف معهم.
الثالثة
عشر
:
العول عندنا
باطل ، ولا يدخل النقص على الكل بل على البعض كما يجيء. لنا وجوه :
( الأول ) أنه
لا بد من مخالفة الآيات ، وكلما كانت المخالفة أقل كان أولى.
( الثاني )
إجماع أهل البيت عليهمالسلام
وتواتر أخبارهم.
( الثالث ) أن
كل واحد من الأبوين والزوجين لهما سهمان أعلى وأدون ، وليس للبنت ولا البنتين أو
الأختين لو لا قولنا إلا سهم واحد ، فإذا دخل النقص عليها استوى ذو السهام.
احتج العامة
بالقياس على تركة لا تفي بالديون ، فإنه يدخل النقص على الجميع بحسب سهامهم ، وبما
رواه سماك بن حرب عن عبيدة السلماني قال كان علي
عليهالسلام
على المنبر فقام إليه رجل
فقال : يا أمير المؤمنين رجل مات
__________________
وترك ابنتيه وأبويه وزوجة. فقال علي عليهالسلام
: صار ثمن المرأة تسعا
. وتسمى المسألة المنبرية. وبأن عمر حكم بالعول ولم ينكر عليه أحد فصار
إجماعا.
والجواب : بطلان
القياس عندنا ، وعلى تقدير تسليمه نقول : إنما دخل النقص في الأصل في الكل لأمر
غير حاصل في الفرع ، وهو لزوم الترجيح من غير مرجح ، وأما في الفرع فالمرجح موجود
وهو ما ذكرناه من بيان السهمين.
وعن الخبر أنه
أجابه إنكارا للعول والاستفهام مقدر ، ويدل عليه نقل أهل البيت عليهالسلام
أنه صلىاللهعليهوآله
كان ينكر العول .
وعن الثالث
بمنع الإجماع ، ويدل عليه ما رواه الزهري مرفوعا إلى ابن عباس : أن أول من أعال
الفريضة عمر بن الخطاب ، فقال زفر : هلا أشرت عليه؟ فقال : هبته وكان رجلا مهيبا .
تنبيه
:
تقرير قوله عليهالسلام
« صار ثمنها تسعا » أن أصل الفريضة
أربعة وعشرون لأن فيها الثمن والسدس للزوجة الثمن ثلاثة منها وللأبوين السدسان
ثمانية منها وللبنتين الثلثان ستة عشر منها ، فإذا دخل النقص على الكل ارتقت
الفريضة إلى سبعة وعشرين وهو مجموع السهام المذكورة ، فتعطى الزوجة ثلاثة من سبعة
__________________
وعشرين وهو تسع الفريضة فقد صار ثمنها تسعا.
الرابعة
عشر
:
كل وارث إما أن
يسمى له في كتاب الله بخصوصه ويسمى ذا فرض أو بعمومه ويسمى قرابة فإما أن يعتبر
الوارث أو جهة الإرث :
( فالأول )
ثلاثة :
١ ـ ذو فرض لا
غير ، وهو الأم والأخ والأخت أو المتعدد من قبلها إلا على الرد عليها أو عليهم
والزوج والزوجة إلا على الرد.
٢ ـ ذو فرض
تارة وقرابة أخرى ، وهو الأب والبنت وإن تعددت والأخت للأب وإن تعددت.
٣ ـ ذو قرابة
لا غير ، وهم الباقون.
( والثاني )
ستة :
١ ـ وارث
بالفرض خاصة ، وهو الزوجة على الأصح والأم والأخت أو الأخ من قبلها أو المتعدد حيث
لا رد.
٢ ـ وارث
بالفرض والقرابة ، وهم هؤلاء إذا كان هناك رد.
٣ ـ وارث
بالفرض المحض ، وهو الأب والبنت أو البنات والأخت للأب أو الأخوات حيث لا رد.
٤ ـ وارث
بالقرابة المحضة ، وهم هؤلاء حيث لا تسمية.
٥ ـ وارث
بالفرض والقرابة معا ، وهم هؤلاء حيث يحصل الرد.
٦ ـ الوارث
بالقرابة لا غير وهم باقي الوارث.
__________________
إذا تقرر هذا
فنقول : إذا خلف الميت ذا فرض أخذ فرضه ، فإن تعدد في طبقته أخذ كل فرضه. والفاضل
يرد على ذوي الفروض إن فقد غيرهم في طبقتهم وكانت وصلتهم متساوية ، إلا في مثل
كلالة الأم من الإخوة وكلالة الأب من الأخت والأخوات ، فإن كلالة الأب ينفرد بالرد
، وفي الزوج والزوجة خلاف أقربه الرد على الزوج خاصة غائبا كان الإمام أو حاضرا
إذا لم يكن وارث سواه.
وإن قصرت
التركة عن ذوي الفروض فالنقص على البنت أو البنات والأخت للأب أو الأخوات له ، ولا
تعصيب في الأول ولا عول في الثاني ، كما تقدم من مذهبنا.
وكل ما كان
الوارث لا فرض له فالجميع له واحدا كان أو أكثر ، ولو اختلفت وصلتهم إلى الميت
فلكل نصيب من يتقرب به ، كالأعمام لهم نصيب الأب والأخوال لهم نصيب الأم. وإذا
اجتمع ذو فرض وغيره في طبقته فالباقي بعد ذي الفرض للآخر.
الخامسة
عشر
:
متى اجتمع قرابة الأبوين مع قرابة الأم يشاركوا مع اتحاد الرتبة ، ويختص الرد بقرابة الأبوين حيث يقع ، وكذا قرابة
الأب وحده مع قرابة الأم وحدها.
ومتى اجتمع
قرابة الأب وحده مع قرابة الأبوين فلا شيء لقرابة الأب ، ومتى اجتمع قرابة الأب
وحده مع قرابة الأم وحدها نزل منزلة قرابة الأبوين مع عدمهم. وفي الرد على الإخوة
خلاف.
__________________
السادسة
عشر
:
الأولاد
والإخوة من قبل الأب والأعمام من قبله والأجداد من قبله يقتسمون للذكر مثل حظ
الأنثيين ، وكلالة الأم يقتسمون بالسوية من الإخوة والأجداد والأعمام والأخوال ، واقتسام
المعتقين وضمناء الجريرة بنسبة العتق والضمان ، واقتسام ورثة المعتق كاقتسام
وراثه.
السابعة
عشر
:
قد يجتمع
للوارث نسبان فصاعدا أو سببان أو نسب وسبب ، فيرث بالجميع ما لم يكن هناك من هو
أقرب منه فيهما أو في أحدهما أو يكن أحدهما مانعا للآخر ولا يمنع من هو في طبقته
من ذوي النسب الواحد. فهاهنا صور :
الأولى : نسبان
يرث بهما كعم هو خال.
الثانية : أنساب
متعددة يرث بها ، مثل ابن عم هو ابن خال وهو ابن بنت عمه وهو ابن بنت خاله.
الثالثة : نسبان
يحجب أحدهما الآخر ، كأخ هو ابن عم.
الرابعة : نسبان
يحجب صاحبهما عن أحدهما ، كأخ هو ابن عم وبنت أخ آخر .
الخامسة : نسبان
فصاعدا لواحد ونسب لآخر ، كابني عم أحدهما ابن خال.
__________________
السادسة : نسب
وسبب ولا حاجب للنسب ، كزوج هو ابن عم.
السابعة : نسب
وسبب والنسب محجوب ، كزوج هو ابن عم وللزوجة أخ أو ولد.
الثامنة : سببان
ولا يحجب أحدهما الآخر ، كزوج هو معتق أو ضامن جريرة.
التاسعة : سببان
ويحجب أحدهما الآخر ، كالإمام إذا مات عتيقه فإنه يورث بالعتق لا بالإمامة.
العاشرة : سببان
وهناك من يحجب أحدهما ، كزوج معتقته ولها أخ أو ولده.
الثامنة
عشر
:
موانع الإرث إن
أخذت بمعنى السلب فهي كلما انتفى فيه السبب والشرط وإن أخذت بمعنى عدم الملكة فهي أقسام :
( الأول ) الرق
، وهو مانع من الطرفين ، إذ العبد لا يملك فلا مال له فيورث ولا يدخل في ملكه شيء
فيرث إلا في صورة عدم كل وارث سواه فيشتريه الإمام بمال من التركة ويعتقه فيرث
الباقي إن وجد أو أنه يعتق على ميراث قبل قسمته.
والولد الرق لا
يمنع ولده الحر ، فيرث جده.
ولو تحرر بعض
الوارث ورث بحساب حريته ، فلو كان له ولد نصفه حر وأخ حر فالمال بينهما نصفان ، ولو
كان الأخ نصفه حر فللابن النصف وللأخ الربع ، ولو كان هناك عم كله حر كان له الربع
الباقي ، ولو كان نصفه حرا أخذ الثمن والباقي لغيره. وهكذا لا يمنع الوارث بجزئه
الحر من بعد.
__________________
( الثاني )
الكفر ، فلا يرث الكافر المسلم لا العكس ، فإن المسلم يرث الكافر ولو أسلم الكافر
قبل القسمة ورث.
( الثالث )
القتل ، وهو يمنع القاتل من الإرث إذا كان عمدا ظلما. وفي الخطأ خلاف أقربه المنع
من الدية.
وقد ذكر أمور
أخرى مانعة من الإرث هي في التحقيق راجعة إلى عدم السبب أو فوات الشرط ، فليست من
هذا القسم فنذكرها.
التاسعة
عشر
:
قد يقع حجب عن
بعض الميراث ، وهو صورتان :
( الأولى )
الولد بالنسبة إلى الأبوين أو أحدهما وإلى الزوجين ، فإن الولد مطلقا ذكرا كان أو
أنثى يحجب الزوجين عن النصيب الأعلى إلى الأدنى ، ويحجب الولد الذكر الأبوين أو
أحدهما عما زاد على السدس.
( الثانية )
الإخوة فإنهم يمنعون الأم عما زاد على السدس مع وجود الأب بشروط :
١ ـ التعدد ، فلا
بد من ذكرين أو أخ وأختين أو أربع أخوات ، والخنثى كالأنثى.
٢ ـ كونهم
للأبوين أو للأب ، فلا يحجب كلالة الأم.
٣ ـ انتفاء
موانع الإرث عنهم.
٤ ـ انفصالهم ،
فلا يحجب الحمل.
٥ ـ حياته بعد
موت أخيهم ، فلو اقترن الموتان فلا حجب ، ولو اشتبه
__________________
المتقدم والمتأخر فلا حجب لأصالة استحقاق النصيب.
وفي الغرقى نظر
، كما لو مات أخوان غرقا ومعهما أبوان ولهما أخ آخر حي أو غريق ، فإن فرض موت كل
واحد منهما يستدعي حياة الآخر فيتحقق الحجب ، ومن أن الإرث حكم شرعي فلا بد فيه من اطراد
الحكم بالحياة مع احتمال عدم تقرير السبق بينهما.
٦ ـ المغايرة ،
فلو كانت الأم أختا لأب فلا حجب كما يتفق للمجوس ، أو في الوطء الشبهة كمن وطئ
ابنته فولدها أخوها لأبيها.
العشرون
:
الفروض المسماة
في كتاب الله ستة :
النصف ، وهو
للزوج مع فقد الولد وإن نزل وللبنت الواحدة والأخت للأبوين أو للأب مع فقد الأخت
للأبوين إذا لم يكن ذكر في الموضعين.
والربع ، وهو
للزوج مع الولد وللزوجة أو الزوجات مع فقده.
والثمن ، وهو
للزوجة أو الزوجات مع وجود الولد وإن نزل.
والثلثان ، وهو
سهم البنتين فصاعدا والأختين فصاعدا للأبوين أو للأب مع فقد كلالة الأبوين إذا لم
يكن ذكر في الموضعين.
والثلث ، وهو
سهم الأم مع فقد الحاجب من الولد والإخوة وسهم الاثنين فصاعدا من ولد الأم ذكورا
كانوا أو إناثا أو بالتفريق.
والسدس ، وهو
لكل من الأبوين مع الولد وللأم مع الحاجب وللواحد من كلالة الأم ، وقد يجتمع السهم
الواحد من هذه مع مثله ومع مخالفه ، وهو
__________________
يظهر لمن له أدنى تأمل. لكن يمنع اجتماع ربع وثمن وثلث وسدس فرضا ، ويمكن
قرابة كزوج وأبوين.
ومخرج السهم
أقل عدد يخرج منه صحيحا ، وهو اثنان للنصف والباقي من ستة كالأربعة للربع
والثمانية للثمن والثلاثة للثلث والثلاثين ، فالمخارج حينئذ خمسة ، ومع اجتماعها
يراعى فيها التساوي ، فمنها التساوي والتباين والتداخل والتوافق ، وكذا اجتماع
الورثة قد يوجب ذلك وإن لم يكن لهم فرض.
فالمتساويان
يجتزأ بأحدهما كالثلاثة والثلاثة في إخوة ثلاثة لأم وأخوات ثلاثة لأب وأم في باب
الفرض وكأعمام ثلاثة وأخوال ثلاثة في باب القرابة.
والمتباينان
وهما اللذان لا يعدهما إلا الواحد يضرب أحدهما في الآخر ، كالخمسة والستة.
والمتداخلان ـ ويسميان
متناسبين ومتوافقين ـ وهما اللذان يعد أقلهما الأكثر ولا يتجاوز نصفه ، كالثلاثة
والستة والأربعة والاثني عشر والخمسة والعشرين يجتزأ بأكثرهما.
المتوافقان هما
اللذان يعدهما عدد ثالث ، كالستة والثمانية يعدهما الاثنان والتسعة والاثني عشر
يعدهما الثلاثة ، والثمانية والاثني عشر يعدهما الأربعة. ولذلك يسميان بالمتشاركين
، يجتزأ بضرب أحدهما في الكسر الذي ذلك المشترك سمي له ، كالنصف في الستة
والثمانية والربع في الثمانية والاثني عشر والثلث في التسعة والاثني عشر ، ويتراقى
إلى الجزء من أحد عشر فصاعدا.
ثمَّ الفريضة
قد يكون بقدر السهام وتنقسم من مخارج السهام ، كأبوين وبنتين الفريضة سدسان وثلثان
وهي مال كامل ، والمخرج ستة لدخول الثلاثة في الستة.
__________________
وقد لا تنقسم من المخارج ، فكسرها إما على فريق واحد أو أكثر ، فيراعى في
سهم المنكسر عليهم وعددهم يناسب الأعداد بالموافقة وشبهها ، ومع الموافقة يؤخذ
الوفق من العدد لا من النصيب ، ويراعى مع تعدد أعداد المنكسر عليهم التناسب
المذكور سابقا.
ولنذكر هنا
أمثلة :
١ ـ انكسرت على
فريق واحد ولا وفق بين عدده وسهامه ، كأبوين وخمس بنات ، فإن الأربعة ينكسر على
الخمسة وتباينها فيضرب الخمسة في الأصل وهو ستة تبلغ ثلاثين فيصح.
٢ ـ الصورة
بحالها مع الوفق ، كأن كان البنات ستة فالتوافق والتشارك بالنصف فنضرب نصف عددهن
في ستة تبلغ ثمانية عشر.
٣ ـ انكسرت على
الجميع ولا وفق ، كزوجتين وثلاثة إخوة لأم وسبعة للأبوين فالمسألة من اثني عشر
لأنها مخرج الربع والثلث ، فبين ثلثه الزوجتين وأربعة إخوة الأم والباقي وهو خمسة
لإخوة الأبوين تباين فتضرب أيها شئت في الآخر ثمَّ المبلغ في الباقي ثمَّ المبلغ
في أصل المسألة ، فتضرب الاثنين في المسألة ثمَّ الستة في السبعة ثمَّ الاثنين
والأربعين في اثني عشر تبلغ خمسمائة وأربعة. وكل من كان له سهم من اثني عشر أخذه
مضروبا في اثنين وأربعين.
ولا يعتبر هنا
توافق مضروب المخارج مع أصل المسألة ولا عدمه ، لأنه لا أثر له هنا ، فلا يقال
الاثنان والأربعون يشارك الاثني عشر هنا في السدس فتضرب سدس [ سدس ] أحدهما في
الآخر.
٤ ـ انكسرت على
الجميع مع الوفق ، كست زوجات في المريض يطلق
__________________
ويتزوج ويدخل ثمَّ يموت قبل الحول وثمانية من كلالة الأم وعشرة من كلالة
الأب فالمسألة من اثني عشر للزوجات ثلاثة توافق عددهن بالثلث ولكلالة الأم أربعة
توافق بالربع ولكلالة الأب خمسة توافق بالخمس ، فترد الزوجات إلى اثنين وإخوة الأم
إلى اثنين إخوة الأب إلى اثنين فيتماثل الأعداد فيجتزي باثنين فتضربها في اثني عشر
تبلغ أربعة وعشرين للزوجات ستة لكل واحدة سهم ولإخوة الأم ثمانية لكل سهم ولإخوة
الأب عشرة لكل سهم. ومنه يعلم ما لو انكسرت على بعضهم دون بعض أو كان لبعض من
انكسر وفق دون بعض.
الحادية
والعشرون
:
وفيها
فائدتان :
( الأولى )
المناسخة أن يموت إنسان ولا تقسم تركته ثمَّ يموت أحد وراثه فيضطر إلى قسمة
الفريضتين من أصل واحد ، فإن اتحد الوارث والاستحقاق كستة إخوة وست أخوات لميت
فمات بعده أحد الإخوة ثمَّ إحدى الأخوات وهكذا حتى بقي أخ وأخت فمال الجميع بينهما
أثلاثا إن تقربوا بالأب وبالسوية إن تقربوا بالأم ، وإن اختلف الوارث والاستحقاق
أو أحدهما فإن انقسم نصيب الميت الثاني على ورثته على صحة صحت المسألتان من الأولى
، كزوج وأربعة إخوة لأب ثمَّ يموت الزوج ويترك ابنا وبنتين فتصح المسألتان من
المسألة الأولى وهي ثمانية ، وإن لم ينقسم تنظر النسبة بين نصيب الميت الثاني
وسهام ورثته ، فإن كان بينهما وفق ضربت وفق الفريضة الثانية لا وفق النصيب في
الفريضة الأولى مثل أبوين وابن ثمَّ يموت الابن ويترك ابنين وبنتين ، فالفريضة
الأولى ستة نصيب الابن أربعة وسهام ورثته ستة توافقها بالنصف فيضرب ثلاثة في ستة
تبلغ
__________________
ثمانية عشر ، وإن كان بينهما تباين ضربت الثانية في الأولى ، مثل كون ورثة
الابن ابنين وبنتا سهامهم خمسة تباين نصيب مورثهم فتضرب خمسة في ستة تبلغ ثلاثين.
ولو مات أحد
وراث الثاني قبل القسمة فالعمل واحد ، وكذا لو فرض كثرة التناسخ.
( الثانية )
قسمة التركات وهو ثمرة الحساب في الفرائض ، فإن المسألة تصح من ألف والتركة إن
كانت عقارا فهو يقسم على ما صحت فيه المسألة ، وإن كانت مكيلة أو موزونة أو مذروعة
احتيج إلى عمل ، وفيه طرق :
١ ـ نسبة سهام
كل وارث من الفريضة فيؤخذ له من التركة بتلك النسبة. وهذا يقرب
إذا كانت النسبة واضحة ، مثل زوجة وأبوين ولا حاجب ، فالفريضة اثنا عشر للزوجة
ثلاثة هي ربع الفريضة فتعطى ربع وللأم أربعة هي ثلث الفريضة فيعطى ثلث التركة
وللأب خمسة هي ربع وسدس فيعطى ربع التركة وسدسها. ومع ذلك قد لا يسهل استخراج هذه
النسبة إلا بضرب التركة ، كأن كانت التركة خمسة دنانير والفريضة بحالها ، فإنه
يحتاج إلى ضرب الخمسة في عدد سهام الفريضة فيكون ستين ، فتجعل الخمسة ستين جزءا كل
دينار من ذلك اثنا عشر جزءا ، فللزوجة خمسة عشر جزءا هي دينار وربع وللأم عشرون
جزءا هي دينار وثلثا دينار وللأب خمسة وعشرون جزءا هي ديناران ونصف سدس دينار.
٢ ـ أن تقسم
التركة على الفريضة فما خرج بالقسمة ضريبة في سهام كل واحد فما بلغ فهو نصيبه.
وهذا يقرب مع سهولة القسمة ، كالفريضة بحالها والتركة ستة فإنها إذا قسمت على
الفريضة فلكل سهم نصف دينار ، فيضرب
__________________
نصف دينار في سهام الزوجة وهي ثلاثة تبلغ دينارا ونصفا ، ويضرب نصف دينار
في سهام الأم وهي أربعة يكون دينارين ، ويضرب نصف دينار في سهام الأب وهي خمسة
يكون دينارين ونصفا.
٣ ـ وهو
المستعمل بين الفريضتين لشموله النسب المتقاربة والمتباعدة ، وله مثالان :
الأول : أن لا
يكون في التركة كسر ، كاثني عشر دينارا ، فيؤخذ سهام كل وارث من الفريضة ويضرب في
التركة فما بلغ قسم على أصل الفريضة ، فالخارج بالقسمة هو نصيب ذلك الوارث ، مثل
ثلاث زوجات وأبوين وابنين وبنت ، فالفريضة من أربعة وعشرين ينكسر نصيب الأولاد على
خمسة ولا وفق فتضربها في الأصل فيكون مائة وعشرين. فسهام كل زوجة خمسة تضرب في
التركة وهي اثنا عشر يكون ستين جزءا تقسمهما على مائة وعشرين يخرج نصف جزء فهو
نصيب كل زوجة ، وسهام كل من الأبوين عشرون فتضربها في اثني عشر يكون مائتين
وأربعين تقسمها على مائة وعشرين يخرج ديناران فهو نصيب كل واحد منهما ، وسهام كل
ابن ستة وعشرون تضربها في اثني عشر يكون ثلاثمائة واثني عشر جزءا تقسمها على مائة
وعشرين يخرج ديناران وثلاثة أخماس دينار لكل ابن وللبنت دينار وثلاثة أعشار دينار.
الثاني : أن
يكون في التركة كسر فتبسطها من جنس الكسر وتزيد عليها الكسر وتعمل فيه ما عملت في
الصحاح ، كأن كانت في المثال المذكور اثني عشر ونصفا فتجعلها خمسة وعشرين ، ولو
كان ثلاثا جعلتها سبعة وثلاثين وهكذا.
ومتى أمكن
القسمة إلى القراريط والحبات والأرزات فعل ، سواء كان عددها منطقا كذي الكسر
المستقيم ، أعني أن يكون من الكسور التسعة التي تنطق بها أو أصم كغيره أعني ما
ينسب إليه بالجزئية كجزء من أحد عشر وثلاثة عشر
وغيرها.
والدينار عشرون
قيراطا ، والقيراط ثلاث حبات ، والحبة أربع أرزات ، وليس بعد الأرزة اسم خاص. وقيل
الأرزة حبتان من الخردل البري. ونقل أن الدينار أربعة وعشرون طسوجا ، وهو ستون حبة
، والطسوج حبتان ونصف وهو عشر أرزات.
ومتى قسمت
التركة جمعت ما حصل بالقسمة ، فإن ساوى التركة والقسمة صحيحة وإلا فلا.
المقصد
الخامس
( في العقوبات )
وفيه فصلان :
( الأول ـ في
فوائد في الحدود )
قاعدة
:
كل من وطئ
حراما لعينه فعليه الحد مع العلم بالتحريم ، إلا في مواضع : كوطء الأب جارية ابنه
، والغانم جارية المغنم على قول ، وقيد بالعين ليخرج وطء الحائض ، والمحرم والمولى
منها والمظاهرة وزوجته المعتدة عن وطء الشبهة.
قاعدة
:
المتناول
المغير للعقل إما أن تغيب معه الحواس الخمس أو لا ، والأول [ المرقد ، والثاني إما
أن يحصل مع نشرة وسرور وقوة نفس عند غالب المتناولين
له أو لا ، والأول ] المسكر ، والثاني المفسد للعقل كالبنج والشوكران.
والنبات
المعروف بالحشيشة اتفق علماء عصرنا وما قبله من العصور التي ظهرت فيها على تحريمها
، وهل هو لإفسادها فيعزر فاعلها أو لإسكارها فيحد؟ قال بعض العلماء : هي إلى
الإفساد أقرب ، لأن فعلها السبات وزوال التعقل بغير عربدة حتى يصير متناولها أشبه شيء
بالبهيمة.
ولقائل أن يقول
: لا نسلم أن الحد منوط بالعربدة والنشوة بل يكفي فيه زوال العقل [ وقد اشتهر زوال
العقل ] بها فيترتب عليه الحد ، وهو اختيار الفاضل في القواعد.
وقد حد بعضهم
السكر بأنه اختلال الكلام المنظوم وظهور السر المكتوم وفي المشهور أن هذا حاصل
فيها. وقال بعضهم : إن أثرها إرادة الخلط الغالب ، فصاحب البلغم يحصل له السبات والصمت ، وصاحب
السوداء البكاء والجزع ، وصاحب الدم السرور بقدر خياله وصاحب الصفراء الحدة. بخلاف
الخمر فإنه لا ينفك عن النشوة ويبعد عن البكاء والصمت. وهذا إن صح فلا ينافي زوال
العقل بل هو من مؤكداته. وأما النجاسة فلا ريب أنها معلقة على المسكر المائع
بالأصالة ، فلا يحكم بنجاسة هذا النبات.
ولو جمد الخمر
حكم بنجاسته ، كما لو كان مائعا. وقال بعضهم : السكر والنجاسة متلازمان ، فإن صح
إسكارها حكم بنجاستها عملا بالعمومات الدالة على نجاسة المسكر ، وإلا فهي حرام
قطعا لإفسادها وليست نجسة.
__________________
فائدة
:
لو قال له « أنت
أزنى الناس » أو أزنى من فلان فلا حد على القائل حتى يقول في الناس زناة وأنت أزنى
زناتهم أو فلان زاني وأنت أزنى منه.
وهذا خلاف
الظاهر ، لأن الظاهر من قولهم هو أعلم الناس أنه أعلم علمائهم ، وأشجع الناس أنه
أشجع شجعانهم ، ولكن هذا مجاز عرفي لا يعارض مقتضى الحقيقة اللغوية ، وهي لا
تستدعي تحقق المشاركة بين المفضل والمفضل عليه.
وبتقدير
التعارض يتساويان فيصير اللفظ به كالمجمل ، ولا دلالة في الألفاظ المجملة على شيء
بعينه.
فائدة
:
يفرق بين الحد
والتعزير من وجوه عشرة :
( الأول ) عدم
التقدير في طرف القلة لكنه مقدر في طرف الكثرة بما لا يبلغ الحد ، وجوزه كثير من
العامة ، لأن عمر جلد رجلا زور كتابا عليه ونقش خاتما مثل خاتمه مائة ، فشفع فيه
قوم فقال : أذكرني الطعن وكنت ناسيا ، فجلده مائة أخرى.
( الثاني ) استواء
الحر والعبد فيه.
( الثالث )
كونه على وفق الجنايات في العظم والصغر ، بخلاف الحد فإنه يكفي فيه مسمى الفعل ، فلا
فرق في القطع بين سرقة ربع دينار وقنطار وشارب قطرة من الخمر وشارب جرة مع عظم
اختلاف مفاسدها.
( الرابع ) أنه
تابع للمفسدة وإن لم يكن معصية ، كتأديب الصبيان والبهائم
والمجانين استصلاحا لهم. وبعض الأصحاب يطلق على هذا التأديب.
إما الحنفي
فيحد بشرب النبيذ وإن لم يسكر ، لأن تقليده لإمامه فاسد ، لمنافاته النصوص عندنا
مثل ما أسكر كثيره فقليله حرام ، والقياس الجلي عندهم وترد شهادته لفسقه.
( الخامس ) إذا
كانت المعصية حقيرة لا تستحق من التعزير إلا الحقير وكان لا أثر له البتة فقد قيل
لا يعزر لعدم الفائدة بالقليل وعدم إباحة الكثير.
( السادس )
سقوطه بالتوبة وفي بعض الحدود الخلاف ، والظاهر أنه إنما سقط بالتوبة قبل قيام
البينة.
( السابع )
دخول التخيير فيه بحسب أنواع التقرير ، ولا تخيير في الحدود إلا في المحاربة.
( الثامن )
اختلافه بحسب الفاعل والمفعول والجناية ، والحدود لا تختلف بحسبها.
( التاسع ) لو
اختلفت الإهانات في البلدان روعي في كل بلد عادته.
( العاشر ) أنه
يتنوع إلى كونه على حق الله تعالى كالكذب وعلى حق العبد محضا كالشتم وعلى حقهما
كالجناية على صلحاء الموتى بالشتم. ولا يمكن أن يكون الحد تارة لحق الله وتارة لحق
لآدمي ، بل الكل حق الله تعالى إلا القذف على خلاف.
وعندي في
الأخير نظر ، إذ كونه على حق العبد ، محضا ممنوع ، لأنه تعالى أمر بتعظيم المؤمن
وحرم إهانته ، فإذا فعل خلاف ذلك استحق التعزير.
إن قلت : إنه
متوقف على المطالبة من المستحق فيكون له.
قلت : لا يلزم
من توقفه تمحضه ، لجواز كون حق العبد أغلب ، ويكون
حق الله من الصغائر التي تقع مكفرة مع العفو من المستحق الآخر.
( الثاني ـ في الجنايات )
وفيه
قواعد :
الأولى
:
ينقسم القتل
بانقسام الأحكام الخمسة :
فالواجب قتل
الحربي إذا لم يسلم ، والذمي إذا لم يلتزم ولم يسلم ، والمرتد عن فطرة مطلقا وعن
غيرها إذا أصر ، والمحارب إذا لم يتب قبل القدرة عليه وفي اشتراط بقتله الغير خلاف
، والزاني المحصن والزاني بالإكراه وبالمحارم واللائط ، وأصحاب الكبائر بعد
التعزيرات ، والترس إذا لم يمكن الفتح إلا بقتله وإن كانوا غير مستحقين لولاه.
والحرام قتل
المسلم بغير حق ، والذمي والمعاهد والمستأمن ونساء أهل الحرب وصبيانهم إلا مع
الضرورة ، وقتل الأسير المأخوذ بعد انقضاء الحرب.
والمكروه قتل
الغازي أباه.
والمستحب قتل
الصائل إذا كان الدفع أولى من الاستسلام عندهم ، والأقرب وجوبه عندنا. ولو أن
الدفاع عن بضع محرم أو عن قتل مؤمن ظلما فهو واجب.
والمباح القتل
قصاصا ، ولو خيف من عدم استيفائه أذى أمكن جعله مستحبا. ومن المباح من مات بالحد
أو بالقصاص في الطرف.
أما قتل الخطأ
فلا يوصف بشيء من الأحكام ، لأنه ليس بمقصود.
وأما شبيه
العمد فقد يوصف بالحرمة فيما إذا ضربه عدوانا لا بقصد القتل ولا بما يقتل غالبا ، وقد
لا يوصف كالضرب للتأديب ، على أن الضارب عدوانا
الوصف في الحقيقة لضربه لا للقتل المتولد عنه.
الثانية
:
ينقسم القتل
باعتبار سببه إلى أقسام :
( الأول ) ما
لا يوجب قصاصا ولا دية ولا كفارة ولا إثما ، وهو القتل الواجب والمباح إلا قتل
الترس المسلم فإنه تجب به الكفارة.
( الثاني ) ما
لا يوجب الثلاثة الأول ولكنه يأثم ، وهو قتل الأسير إذا عجز عن المشي ، وقتل
الزاني المحصن وشبهه بغير إذن الإمام.
( الثالث ) ما
يوجب القصاص والكفارة ، وهو قتل المكافئ من المسلمين عمدا عدوانا.
( الرابع ) ما
يوجب الدية والكفارة ، وهو شبيه العمد والخطأ وقتل الوالد ولده.
( الخامس ) ما
يوجب الدية ولا يوجب الكفارة ، وهو قتل الذمي.
( السادس ) ما
يوجب الكفارة لا الدية ، وهو قتل عبد نفسه إذا كان مسلما ، وقتل الإنسان نفسه. أما
قتل الذمي المرتد فالأقرب أنه يوجب القصاص وحده ، لأنه معصوم الدم بالنسبة إليه.
الثالثة
:
في ضابط العمد
وقسيميه. اعلم أن الفاعل إما أن يقصد الفعل أو لا الثاني الخطأ ، والأول إما أن
يقصد القتل أو لا والثاني الشبيه والأول العمد ، فهذا الضابط لا التفات فيه إلى
الآلة بحيث تقتل غالبا أو لا تقتل غالبا ولم يعتبر فيه قصد المجني عليه ، والظاهر
أنه لا بد منه.
وقيل إما أن لا
يقصد أصل الفعل أو يقصده ، والأول الخطأ ، كمن زلق فقيل غيره ، والثاني إما أن لا
يقصد المجني عليه أو يقصده ، وإن لم يقصده فهو أيضا خطأ ، كمن رمى صيدا فأصاب
إنسانا أو رمى إنسانا فأصاب غيره. وإن قصد المجني عليه والفعل فإما أن يكون بما
يقتله غالبا أو لا ، والأول هو العمد والثاني هو الشبيه.
وهذا لم يعتبر
فيه قصد القتل ولا عدمه بل الآلة ، اللهم إلا أن يقصد الفعل ولم يقصد القتل ، فحينئذ
يختل التقسيم ، لأن الضرب للتأديب فيتفق الموت خارج منه.
وقيل إن الضرب
إما أن يكون بما يقتل غالبا أو لا ، والأول عمد سواء كان جارحا أو مثقلا كالسيف
والعصا ، والثاني إما أن يقتل كثيرا أو نادرا ، والثاني لا قصاص فيه والأول إما أن
يكون جارحا أو مثقلا ، فإن كان جارحا كالسكين الصغيرة فهو عمد وإن كان مثقلا
كالسوط والعصا فشبيه.
والفرق بين
الجارح والمثقل أن الجراحات لها تأثيرات خفية يعسر الوقوف عليها ، وقد يهلك الجرح
الصغير ولا يهلك الكبير ، ولأن الجرح يفعله من يقصد القتل غالبا فيناط به القصاص ،
وأما المثقل فليس طريقا غالبا فيعتبر أن يتحقق في مثله كونه مهلكا لمثل هذا الشخص
غالبا ، وهو يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال ، وهذا ليس فيه إلا بيان العمد. على
أن الفرق بين الجارح وغيره غير واضح.
وقيل : كلما ظن
الموت بفعله فهو عمد ، سواء قصد التلف أو لا ، وسواء كان متلفا غالبا أو لا كقطع
إلا نملة ، وكلما شك في حصول الموت به فهو شبيه.
وفي هذا ضعف ، إذ
القضاء بالدية مع الشك بعيد ، وكثير من العامة يجعلون ضابط العمد هو القصد إلى
الفعل بما يقتل غالبا ، سواء قصد إزهاق الروح أو لا.
فائدة
:
كلما ضمن الطرف
من مجني عليه ضمنت النفس إلا في صورة واحدة ، وهي ما إذا جنى السيد على النفس
المكاتب المشروط أو المطلق الخالي عن الأداء ، فإنه لا يضمنه لأن الكتابة بطلت
بموته فيموت على ملك السيد ، ولو جنى على طرفه ضمنه لبقاء الكتابة والأرش ككسب
المكاتب.
الرابعة
:
يعتبر في
القصاص نفسا وطرفا المماثلة ، لا من كل وجه بل في الإسلام والحرية أو الكفر أو
الرقية وفي العقل واعتبار الحرمة ويمنع من طرف الأبوة.
ولا يعتبر
التساوي في الأوصاف العرضية ، كالعلم والجهل والقوة والضعف والسمن والهزال ونحوها
وإلا لانسد باب القصاص. ومن ثمَّ قتل الجماعة بالواحد واقتص من أطرافهم مع الرد
عندنا حسما لتواطئ الجماعة على قتل واحد أو قطع طرفه.
الخامسة
:
المشهور بين
الأصحاب أن الواجب في قتل العمد بالأصالة القصاص وأن الدية لا تثبت إلا صلحا. وقال
ابن الجنيد رحمهالله
: لولي المقتول عمدا الخيار بين أن يستقيد أو يأخذ الدية أو يعفو. ويلوح ذلك من كلام ابن أبي
عقيل رحمهماالله.
وهذا يحتمل أمرين : أحدهما أن الواجب هو القصاص والدية بدل عنه
لقوله تعالى « كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى » ، وثانيهما أن الواجب أحد
__________________
الأمرين من القصاص والدية وكل منهما أصل كالواجب المخير لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
في من قتل له قتيل هو
بخير النظرين إما أن يؤدي أو يقاد .
ويتفرع فروع :
( الأول ) إذا
عفا الولي عن القود مطلقا فعلى المشهور سقط القود والدية وعلى التفسير الثاني
للقول الثاني تجب الدية ، وعلى التفسير الأول له يحتمل وجوب سقوط الدية لأن
البدلية يتحقق باختياره ولم يذكرها ، ويحتمل وجوبها لأن عفو المستحق كعفو الشارع ،
فإن كل موضع عفا الشرع عن القصاص لعدم الكفاءة وجبت الدية.
( الثاني ) إذا
قال « عفوت عما وجب لي بهذه الجناية » ، أو « عن حقي فيها » أو « عن ما استحقه » وشبهه
فعلى المشهور سقطت المطالبة أصلا ورأسا ، وعلى الآخر الأقرب ذلك أيضا لشمول اللفظ.
ويحتمل على التفسير الأول بقاء الدية لأنها إنما تجب إذا استبدل بها عن القود ولم
يستبدل فهو كالعفو عما لم يجب.
( الثالث ) لو
قال « عفوت عن القصاص والدية » فهذا كالذي قبله ، وأولى في سقوطهما للتصريح ، ويتوجه
فيه الاحتمال الآخر.
( الرابع ) لو
قال « عفوت عن القصاص إلى الدية » فعلى المشهور يعتبر رضي الجاني ، فإن رضي وإلا
فالقصاص بحاله ، وعلى الآخر تجب الدية حتما.
( الخامس ) لو
قال « عفوت عن الدية » فعلى المشهور لا أثر لهذا العفو ، وعلى الآخر إن فسرنا
بالبدلية صح العفو عن الدية ويبقى القصاص ، فلو مات
__________________
الجاني قبل القصاص والعفو عنه فهل للمستحق طلب الدية؟ يحتمل المنع لعفوه
عنها والثبوت لفوات القصاص بغير اختياره فله بدله.
وهذا يتوجه على
القول المشهور أيضا ، بمعنى إذا عفا عن الدية ثمَّ مات المقتول رجع بها في تركته
على ما قاله بعض الأصحاب ، ولكنهم لم يذكروا العفو عن الدية. وهذا يبنى على أن
العفو عن الدية لغو ، وأما لو قلنا هو مراعى صح العفو إذا انتقل الحق إليه. وهو
بعيد.
وإن فسر القول
الثاني بأحد الأمرين وقد عفا عن الدية فهل له الرجوع إليها والعفو عن القصاص؟ فيه
احتمالان : أحدهما ـ وهو الأصح ـ المنع كما أنه لو عفا عن القصاص لم يكن له الرجوع
إليه ، وثانيهما الجواز لما فيه من استيفاء نفس الجاني والرفق به.
( السادس ) إذا
عفا على مال من غير جنس الدية وشرط رضي الجاني ، فإن رضي فلا كلام على القول
المشهور ، وأما على الآخر فعلى البدلية يثبت المال وعلى أحد الأمرين فالأقرب ذلك
أيضا.
( السابع ) لو
قال « عفوت عنك » وسكت فعلى المشهور وتفسير البدلية الأقرب صرفه إلى القصاص لأنه
الواجب ، ويبقى في الدية ما سبق. وعلى أحد الأمرين يمكن صرفه إلى القصاص ، إذ هو
المعتاد في العفو واللائق به. والأقرب استفساره فأيهما قال بني عليه كما مر ، وإن
قال لم أقصد شيئا احتمل الصرف إلى القصاص وإن يقال له الآن اصرفه إلى ما تشاء.
( الثامن ) لو
قال « قد اخترت القصاص » فعلى المشهور زاده تأكيدا ، وعلى البدلية له الرجوع إلى
الدية كما لو عفا عن القصاص إليها ، وعلى أحد الأمرين هل له الرجوع إلى الدية هو
كما لو صرح بالعفو عن الدية بل أولى بالرجوع.
( التاسع ) إذا
عفا المفلس عن القصاص سقط ، وأما الدية فعلى المشهور
لا شيء ، وعلى البدلية إن عفا على مال ثبت وتعلق به حق الغرماء ، وإن عفا
مطلقا أو على أن لا مال فإن قلنا مطلق العفو يوجب الدية وجبت هنا عند الإطلاق وأما
العفو مع نفي المال فالأقرب صحته ، لأن طلب المال تكسب ولا يجب عليه التكسب على
القول به ، وأما على أحد الأمرين إذا عفا عن القصاص ثبتت الدية سواء صرح بإثباتها
أو نفيها أو طلق.
( العاشر ) لو
عفا الراهن عن الجاني عمدا على الرهن على غير مال فقضية كلام الأصحاب صحة العفو ، وقال
الفاضل هو كعفو المحجور يعني المفلس ، وقد سبق تنزيله.
قيل : ويفترقان
بأن المفلس لا يكلف تعجيل القصاص والعفو ليصرف المال إلى الغرماء لأن ذلك اكتساب
وهو غير واجب عليه ، والراهن يجبر على القصاص أو العفو على مال ليكون المرتهن على
ثبت من أمره. ومنهم من بناه على أن الواجب إن كان القود عينا لم يجبر وإن كان أحد
الأمرين أجبر على استيفاء ما شاء فلعله يختار استيفاء الدية فيتعلق حقوق الغرماء
بها. وربما احتمل أن تتعين عليه الدية لصرفها في الدين.
( الحادي عشر )
لا ريب أن الصلح على أزيد من الدية من جنسها أو غير جنسها جائز على القول المشهور
، وعلى البدلية وجهان. نعم لتعلقه باختيار المستحق فجازت الزيادة والنقيصة كعوض
الخلع ، والثاني لا ، لأن العدول عن القصاص يوجب الدية فلا تجوز الزيادة
عليها ، وأما على أحد الأمرين فقد تكلفوا بالمنع لأنه زيادة على قدر الواجب ، فكأنهم يجعلونه ربا
، وهو مبني على اطراد الربا في المعاوضات.
__________________
تنبيهات
:
( الأول ) إذا
عفا عن الدية فهي دية المقتول لا القاتل ، لأن العافي أحيا المقتول بإسقاط حقه من
مورثه ، ومن أحيا غيره ببذل شيء استحق بدل المبذول كمن أطعم مضطرا في مخمصة فإنه
يستحق عليه بدل الطعام.
ولو مات الجاني
قبل العفو والقصاص أو قتل ظلما أو بحق وأوجبنا الدية في تركته فهي أيضا دية
المقتول عندنا لا القاتل ، لأنه الفائت على الورثة بالأصالة .
( الثاني ) قد
يعرض ما يمنع من أخذ الدية ، كمن عفا عن القصاص إليها على المذهبين ، وله صور :
الأولى : لو
قطع من الجاني ما فيه ديته كاليدين أو الرجلين قيل يكون مضمونا عليه بالدية ، فليس
له القصاص في النفس حتى يؤدي إليه الدية. ولو عفا عن القصاص لم يكن له أخذ الدية
لاستيفاء ما يوازنها .
الثانية : لو
قطع يدي رجل فقطع يدي القاطع قصاصا ثمَّ سرى القطع في المقتص فمات فللولي قتل
الجاني ، ولو عفا لم يكن له دية لاستيفائه ما قابلها.
الثالثة : الصورة
بحالها ولكنه أخذ دية اليدين ثمَّ سرت فللولي قتله قصاصا بجز الرقبة ، ولو عفا فلا
دية لأن دية الطرف تدخل في دية النفس وقد استوفاها المجني عليه كاملة.
الرابعة : لو
قطع ذمي يدي مسلم فاقتص منه ثمَّ سرت إلى المسلم فلوليه
__________________
القصاص ، وإن عفا إلى الدية فلا دية ينقص دية الذمي. وقال بعضهم لا دية ، ويضعف
بعدم استيفاء ما قابل دية المسلم.
الخامسة : لو
قطعت امرأة يدي رجل فاقتص منها ثمَّ سرت إليها فليس له مع العفو سوى [ نصف ] الدية
.
السادس : لو
قطع يديه فسرى إلى نفسه فقطع الولي يدي الجاني فلم يمت فله قتله تحقيقا للمماثلة.
ولو مات قبل جز الرقبة لم يؤخذ من تركته شيء ، لأنه لما فات المحل ثبت له دية
واحدة وقد استوفى ما قابلها.
وأورد الشيخ
المحقق نجم الدين رحمهالله على هذه الأحكام أن للنفس دية بانفرادها وما استوفى وقع قصاصا عن
الجناية ، فلا يكون مانعا من القصاص ولا الدية.
السابع : لو
قطع يدي عبد يساوي ألف دينار ثمَّ أعتقه السيد ومات بالسراية فللورثة القصاص
والعفو عنه مجانا ، لأن أرش الجناية كان ملك السيد فيكون له ، ولا يمكن تعدده
بتعدد المستحقين فليس لهم مال هنا أيضا.
السادسة
:
كل من لم يباشر
القتل لم يقتص منه إلا في نحو تقديم الطعام المسموم إلى الضيف وأمره بالأكل منه أو
سكوته ، وكذا لو دعاه إلى بئر لا يعلمها ، وكذا لو شهدا عليه بالقتل فقتل ثمَّ
رجعا وقالا تعمدنا فإنه يقتص منهما ، وكذا لو ثبت أنهما شهدا زورا وقالا تعمدنا.
__________________
السابعة
:
اعتبر بعضهم في
القود تكافئ المجني عليه والجاني في جميع أزمنة الجرح إلى الموت ، فلو تخلل رده
بين الإسلامين فلا قصاص لأنها شبهة.
وفصل الشيخ
رحمة الله عليه في المبسوط : بأنه إن كان لم يحصل سراية في زمان الردة فالقود وإن
حصلت فلا قود ، لأن وجوبه مستند إلى الجناية وكل السراية وبعضها هدر.
وقوى المحقق
نجم الدين تبعا لابن الجنيد والشيخ في الخلاف ثبوت القصاص ، لأن الاعتبار في الجناية
بحال استقرارها ، وهو حينئذ مسلم.
قلت : ربما
دخلت المناقشة في التفصيل ، لأن أزمنة الجرح القاتل لا ينفك عن سراية غالبا وإن
خفيت. وكذا يعتبر في حل أكل الصيد ذلك حتى لو رمى إلى صيد فارتد ثمَّ أسلم ثمَّ
أصابه لا يحل ، لأن الأصل في الميتات الحرمة. وكذا في تحمل العاقلة يعتبر الطرفان
والواسطة ، لأنها جارية على خلاف الأصل من حيث إنها مؤاخذة بجناية الغير ، فاحتيط
فيها بطريق الأولى كما احتيط في القود. وفيها كلام يأتي.
وقطع المحقق
بتضمن العاقلة ولم يفصل ، وكأنه أحاله على ما ذكره في العمد. وقد قيل إذا رمى حال إسلامه
طائرا ثمَّ ارتد ثمَّ أسلم ثمَّ أصاب السهم إنسانا إن الدية على عاقلته المسلمين
وتكتفي بإسلامه في الطرفين. وهذا بناء على أن المرتد يرثه بيت المال ، وعندنا أن
ميراثه لورثته المسلمين. فعلى هذا لو أصاب مرتدا لعقله المسلمون من أقاربه ، أما
الدية فالاعتبار بها حال التلف فلو رمى حربيا أو مرتدا ثمَّ أسلم فأصابه السهم في
حال إسلامه وجبت الدية.
__________________
الثامنة
:
كل جناية تلزم
جانيها إلا في ضمان الخطأ على العاقلة ، وضمان جناية الصبي على الأنفس مطلقا ، لأن
عمده خطأ. وقيل في الأعمى كذلك ولم يثبت ، وإلا جناية الصبي على صيد في الإحرام أو
فعل بعض محظوراته فإنه يلزم الولي.
التاسعة
:
تحمل العاقلة
الدية عن أنفسها ، وعلى قول الشيخ المفيد بضمان العاقلة ثمَّ إن لهم الرجوع على
الجاني يكون الوجوب قد لاقى الجاني قضية إلزام كل متلف بجنايته.
وتزول شناعة
ابن إدريس رحمهالله
على المفيد ونبسته إلى
خلاف الأمة ، فإن كثيرا من علماء العامة يجعلون الوجوب ملاقيا للجاني ، أولا ثمَّ
تتحمله العاقلة ويفرعون عليه أنه إذا انتهى التحمل إلى بيت المال وهو خال يؤخذ من الجاني
وأنه لو أقر الجاني بجناية الخطأ ولم يصدقه العاقلة وحلفوا على نفي العلم يحتمل أن
لا يؤاخذ بإقراره ، بناء على أن الجناية في الخطأ تجب على العاقلة ابتداء فكأنه
مقر على غيره فلا يلزمه شيء ، وإن قلنا بملاقاته الوجوب نفذ إقراره إلى نفسه . وأنه لو غرم
الجاني ثمَّ اعترفت العاقلة فإن قلنا بملاقاة الوجوب رجع على العاقلة ولا يرد الولي ما قبض ، وإن
قلنا بعدمه رد الولي ما قبض ثمَّ يرجع على العاقلة.
__________________
العاشرة
:
كل جناية لا
مقدر لها ففيها الأرش تحقيقا كما في الرقيق وتقديرا كما في الحر ، والتقدير غالبا
أنه يتبع العدد ، ففي جميع ما في البدن منه واحد عينا كان أو منفعة الدية وتوزع
الدية على ما زاد بالسوية غالبا ، ففي الاثنين الدية وكذا في الثلاثة والأربعة
والعشرة.
واستثنى من
الاثنين الحاجبان والترقوتان ، ومن العشرة الأظفار ، وفي الشجاج في الرأس والوجه
من عشر عشر الدية إلى ثلثها ، وفي البدن بنسبتها إلى الرأس ، وفي كسر عظم من عضو
خمس دية العضو ، فإن صلح بغير عيب فأربعة أخماس دية كسره ، وفي موضحته ربع دية
كسره ، وفي رضه ثلث دية العضو فإن برأ بغير عيب فأربعة أخماس دية رضه ، وفي فكه من
العضو بحيث يتعطل العضو ثلثا دية العضو ، فإن صلح بغير عيب فأربعة أخماس دية فكه ،
وفي أحداث شلل في العضو ثلثا ديته ، وفي قطعه كل عضو أشل ثلث ديته ، وفي الزائد
ثلث دية الأصلي من الأسنان والأصابع.
المقصد الخامس
( في الأحكام )
وفيه فصلان :
( الأول ـ في
الاجتهاد )
قاعدة
:
إذا لم يعثر المجتهد على وجه مرجح لأحد الاحتمالات ففيه صور :
( الأولى ) أن
يكون ذلك في الأمارات ، ففيه وجهان التوقف والتخيير. وقيل إن كانا دليلين تساقطا
ويرجع إلى البراءة الأصلية.
( الثانية ) أن
يكون في الأواني فيطرحها ويستعمل غيرها وإلا تيمم.
( الثالثة ) أن
يكون في الثياب فيصلي في كل واحد مرة ويزيد على عدد النجس بواحد. وقيل يصلي عاريا
ولا إعادة عندنا.
( الرابعة ) أن
يكون الشك في الوقت فعليه الصبر حتى يتحقق دخوله.
__________________
( الخامسة )
الشك في جهة القبلة ، فيصلي إلى أربع جهات. وقيل يتخير ولا إعادة عندنا على كل
حال.
( السادسة )
يتخير الأسير والمحبوس في شهر رمضان ، فإنه يتوخى فإن صادف أو تأخر أجزأ وإلا
أعاد.
قاعدة
:
القادر على
اليقين لا يعمل بالظن إلا نادرا ، كالمتوضئ من ماء قليل على شاطئ بحر أو نهر عظيم.
وهذه القاعدة
مأخوذة من اختلاف الأصوليين من جواز الاجتهاد بحضرة الرسول صلىاللهعليهوآله
ووقوعه ، ومن قال من الأصحاب
بجواز تقليد المؤذن للقادر على العلم بالوقت فهو من باب النادر.
وعد بعض العامة
مواضع مدخولة عندنا ، كالاجتهاد في الثوبين مع وجود ثوب طاهر يقينا ، وفي دخول
الوقت للقادر على العلم ، وفي استقبال الحجر مع قدرته على الكعبة بناء منهم على أن
كون الحجر من الكعبة غير معلوم ، إذ رووا أنه من البيت ، ورووا أنه سبع أذرع منه
أو ستا أو خمس ، ووجوب الطواف به يدرأ هذه الاحتمالات إلا أن
يقال الطواف يجب به تأسيا وإن لم يكن من البيت. وهو بعيد.
قاعدة
:
هل يتكرر
الاجتهاد بتكرر الواقعة؟ فيه خلاف أصولي ، وفي الفروع
__________________
مسائل كطلب المتيمم عند دخول وقت الثانية أو عند تضيقه والاجتهاد في القبلة
للصلاة الثانية أو الثالثة.
أقول : والوجه
في ذلك كله أنه مع ظهور أمارة يوجب نقيض الحكم الأول يجب التكرار وإلا فلا ، أما
طلب التزكية فيمن زكى أو لا وإن طالت المدة فليس منه ، لأغلبية حمل أفعال المسلم
على الصحة إلا مع تيقن الخارج.
قاعدة
:
كل مجتهدين
اختلفا في ما يرجع إلى الحس كالقبلة وطهارة الإناء والثوب لا يأتم أحدهما بصاحبه ،
وإن اختلفا في فروع شرعية لاحقة بالصلاة ، كترك الوضوء من بعض جزئيات النوم ، ومن
مس الفرج والتحريم بأكبر معرفا ، وإسقاط السورة ، والاجتزاء بالذكر المطلق ، ووجوب
القنوت وتكبيرات الركوع والسجود لم يصح اقتداء المعتقد بطلان صلاة نفسه لو فعل ما
فعل إمامه. وربما قيل بالصحة.
وفرق بينهما ، فإن
الأول يعتقد المأموم بطلان صلاته بسبب إن كان واقعا ، فهو إجماعي في البطلان ، بخلاف
الثاني فإن الواقع ليس بإجماعي بل يجوز أن يكون صلاته هي الفاسدة في بعض الصور.
ويشكل بأن الظن
واقع في الطريق ، فبطلان الصلاة بالإجماع ليس بحاصل إلا بعد صدق ظنه وكذب ظن
صاحبه.
وقيل في الفرق
: إن ذلك يؤدي إلى تعطيل الائتمام لكثرة المخالفة في الفروع ، بخلاف مسألة الأواني
والقبلة فإنها نادرة.
__________________
قاعدة
:
لا يجوز
التقليد في العقليات ولا في الأصول الضرورية من السمعيات ، ويجوز التقليد في غيرها
للعاجز عن درك الدليل إذا تعلق به عمل.
وكلما لا يتعلق
فيه عمل : فإن كان المطلوب فيه العلم لا يجوز التقليد فيه كالتفاضل بين الأنبياء
السالفة أو الأنبياء والملائكة ، وإلا جاز كسيرة الأنبياء التي لا يتعلق بها العمل
كتقدم غزاة على غزاة وتأمير زيد أو عمرو.
قاعدة
:
لو تعارضت
الأمارتان عند المجتهد فالحكم إما التخيير أو الوقف ، وقد ذكر مواضع يقع فيها
التخيير عند التعارض وقد يكون التخيير مجزوما به تحصيلا لمصلحة لا تتم إلا به ، كتخيير
المصلي داخل الكعبة إلى أي جدرانها شاء ، وكتخيير من ملك مائتين بين الحقاق وبنات
اللبون.
فرع
:
لو ابتلع خيطا
قبل الفجر وأصبح صائما متعينا وطرفه خارج من فيه والآخر ملاصق لنجاسة المعدة
واعتبرنا وجوب اجتناب مثله ، فهو متردد بين أن يبقيه فيلزمه إبطال ثلاث صلوات وهي
النهارية ، وبين أن يقطعه فيفسد صومه أو يقلعه فكذلك ، إذ هو كالمتعمد للقيء.
فيحتمل التخيير
، ويحتمل مراعاة الصلاة لتأكدها وأفضليتها على الصوم ومراعاة الصوم لشروعه فيه قبل
الصلاة.
__________________
قاعدة
:
الفرق بين
الفتوى والحكم مع أن كلا منهما إخبار عن حكم الله تعالى يلزم المكلف اعتقاده من
حيث الجملة : أن الفتوى مجرد إخبار عن الله تعالى بأن حكمه في هذه القضية كذا ، والحكم
إنشاء إطلاق أو إلزام في المسائل الاجتهادية وغيرها مع تفاوت المدارك فيها مما
يتنازع فيه الخصمان لمصالح المعاش ، فبالإنشاء تخرج الفتوى لأنها إخبار والإطلاق
والإلزام نوعا الحكم ، وغالب الأحكام إلزام.
وبيان الإطلاق
فيها الحكم بإطلاق مسجون لعدم ثبوت الحق عليه ، ورجوع أرض تحجرها شخص ثمَّ أعرض
عنها وعطلها ، وبإطلاق حر من يد من ادعى رقه ولم يكن له بينة.
وبتقارب
المدارك في مسائل الاجتهاد يخرج ما ضعف مدركه جدا ، كالعول والتعصيب وقتل المسلم
بالكافر ، فإنه لو حكم به حاكم وجب نقضه.
وبمصالح المعاش
يخرج العبادات ، فإن لا مدخل للحكم فيها ، فلو حكم الحاكم بصحة صلاة زيد لم يلزم
صحتها ، بل إن كانت صحيحة في نفس الأمر فذاك وإلا فهي فاسدة ، وكذا الحكم بأن مال
التجارة لا زكاة فيه أو أن الميراث لا خمس فيه ، فإن الحكم فيه لا يرفع الخلاف بل
للحاكم غيره أن يخالفه في ذلك. نعم لو اتصل بما أخذ الحاكم ممن حكم عليه بالوجوب
مثلا لم يجز نقضه ، فالحكم المجرد عن اتصال الأخذ إخبار كالفتوى وأخذه للفقراء حكم
باستحقاقهم فلا ينقض إذا كان في محل الاجتهاد.
ولو اشتملت
الواقعة على أمرين أحدهما من مصالح المعاد والآخر من مصالح المعاش ـ كما لو حكم
بصحة حج من أدرك اضطراري المشعر وكان نائبا ـ فإنه لا أثر له في براءة النائب في
نفس الأمر لكن يؤثر في عدم رجوعهم
عليه بالأجرة.
وبالجملة
فالفتوى ليس فيها منع الغير عن مخالفة مقتضاها من المفتين ولا مستفتين : أما من
المفتين فظاهر ، وأما من المستفتين فلأن المستفتي له أن يستفتي آخر ، وإذا اختلفا
عمل بقول الأعلم ثمَّ الأورع ثمَّ يتخير مع التساوي. والحكم لما كان إنشاء خاصا في
مواقع خاصة وقع الخلاف في تلك الواقعة بحيث لا يجوز لغيره نقضها ، كما لو حكم حاكم
بتوريث ابن العم ومنع العم للأب وفي المسألة خال فإنه يقتضي بخصوصه منع حاكم آخر
بتوريث العم أو الخال في هذه المادة ، لأنه لو جاز له نقضها لجاز لآخر نقض الثانية
وهلم جرا ، فيؤدي إلى عدم استقرار الأحكام ، وهو مناف للمصلحة التي لأجلها شرع نصب
الحكام من نظم أمور أهل الإسلام ولا يكون ذلك رفعا للخلاف في سائر الواقعة المشتملة على
مثل هذه الواقعة.
( الفصل الثاني ـ في القضاء
ومتعلقاته )
وفيه
قواعد :
الأولى
: في ضبط ما يحتاج إليه الحاكم
كل قضية وقع
التنازع فيه بين اثنين فصاعدا في إثبات شيء لأحدهم أو نفيه أو كيفيته وكل أمر
مجمع على ثبوته وتعين الحق فيه ولا يؤدي انتزاعه إلى فتنة يجوز انتزاعه من غير إذن
الحاكم ، ولو لم يتعين جاز في صورة المقاصة ، ومن المرفوع إلى
الحاكم كل أمر فيه اختلاف بين العلماء كثبوت الشفعة مع الكثرة
__________________
أو احتيج فيه
إلى التقويم كالأرش وتقدير النفقات ، أو إلى ضرب المدة كالإيلاء والظهار أو إلى
الألفاظ كاللعان والقصاص طرفا أو نفسا والحدود والتعزيرات مطلقا. وقد يقيد القصاص
بخوف فتنة أو فساد وحفظ مال الغياب كالوديعة واللقطات.
الثانية
:
يجوز عزل
الحاكم في مواضع :
( الأول ) إذا
ارتاب به الإمام ، فإنه يعزله لحصول خشية المفسدة مع بقائه.
( الثاني ) إذا
وجد أكمل منه تقديما للأصلح على المصلحة ، قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من ولي من أمور المسلمين شيئا ثمَّ لم يجتهد لهم وينصح لم يدخل الجنة معهم.
( الثالث ) مع
كراهية الرعية وانقيادهم إلى غيره وإن لم يكن أكمل إذا كان أهلا ، لأن نصبه
لمصلحتهم فكلما كان الصلاح أتم كان أولى.
ولا يجوز عزله
لتولية الأنقص لمنافاته المصلحة ، وفي جوازه بالمساوي وجهان نعم كما يتخير بينهما
ابتداء أولا وهو الأقرب لما فيه من إدخال الغضاضة عليه بغير
سبب.
ولا يعارض بأن
فيه نفعا للمولى ، لأن دفع الضرر أقدم من جلب المنفعة وحفظ الموجود أولى من تحصيل
المفقود ، وأولى بالمنع جواز عزله اقتراحا مع قطع النظر عن البدل ، لأن ولايته
ثبتت شرعا فلا تزول تشهيا.
__________________
الثالثة
:
يجوز للآحاد مع
تعذر الحكام تولية آحاد التصرفات الحكمية على الأصح كدفع ضرورة اليتيم لعموم « وَتَعاوَنُوا عَلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوى » وقوله عليهالسلام والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه
. وقوله عليهالسلام كل معروف صدقة .
وهل يجوز قبض
الزكوات والأخماس من الممتنع وتفرقها في أربابها وكذا بقية وظائف الحكام غير ما
يتعلق بالدعاوي؟ فيه وجهان. ووجه الجواز ما ذكرناه ولأنه لو منع ذلك لفاتت مصالح
صرف تلك الأموال وهي مطلوبة لله سبحانه.
قال بعض متأخري
العامة : لا شك أن القيام بهذه المصالح أتم من ترك هذه الأموال بأيدي الظلمة
يأكلونها بغير حقها ويصرفونها إلى غير مستحقها ، فإن توقع إمام يصرف ذلك في وجهه
حفظ المتمكن تلك الأموال إلى حين تمكنه من صرفها إليه ، وإن آيس من ذلك ـ كما في
هذا الزمان ـ تعين صرفه على الفور في مصارفه ، لما في إبقائه من التغرير وحرمان
مستحقيه من تعجيل أخذه مع مسيس حاجتهم إليه.
ولو ظفر بأموال
مغصوبة حفظها لأربابها حتى تصل إليهم ، ومع اليأس يتصدق بها عنهم ويضمن. وعند
العامة تصرف في المصالح العامة.
__________________
الرابعة
:
إنما تجوز
المقاصة أو أخذ العين المدعى بها مع قطع المدعي بالاستحقاق فلو كان ظانا أو متهما
لم يجز ، وكذا إذا كانت المسألة من المختلف فيها والغريم مقلد ، كمن وهب منجزا في
مرض موته ولا يخرج من الثلث أو عليه دين مستوعب أو وهب ولم يقبض أو باع صرفا أو
افترقا قبل القبض.
نعم لو حكم له
بذلك حاكم ترتبت المقاصة والاستقلال بأخذ العين مع الشروط المعلومة ولا يجوز
الاستقلال بالتعزير ، لأن تقديره بنظر الحاكم.
ولو أدى إلى
انتهاك العرض وخوف سوء العاقبة ـ كما لو وجد عين ماله وخاف أن ينسب إلى السرقة
بأخذها فعرض نفسه لسوء القالة ووخامة العاقبة ـ أمكن القول بالتحريم.
أما الوديعة
ففيها قولان مستندان إلى روايتين ، وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك
.
وروي أنه قال
لهند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف . ومال الرجل
كالوديعة عند المرأة.
الخامسة
:
الفرق بين
الثبوت والحكم : أن الثبوت هو نهوض الحجة كالبينة وشبهها
__________________
السالمة عن المطاعن ، والحكم إنشاء كلام هو إلزام أو إطلاق ترتب على هذا
الثبوت.
وبينهما عموم
من وجه ، لوجود الثبوت بدون الحكم في نهوض الحجة قبل إنشاء الحكم ، وكثبوت هلال
شوال وطهارة الماء ونجاسته ، وثبوت التحريم بين الزوجين برضاع ونحوه والتحليل بعقد
أو ملك. ويوجد الحكم بدون الثبوت كالحكم بالاجتهاد. ويوجدان معا في نهوض الحجة
والحكم بعدها. أقول : في وجود الحكم بدون الثبوت نظر.
السادسة
:
الموارد التي
عنها الحكم : الإقرار ، وعلى الحاكم ، والشاهدان فقط ، والشاهدان واليمين ، والشاهد
والمرأة فقط ، والمرأة فقط ، والمرأتان فقط ، والثلاث فقط ، والأربع فقط ، والمرأتان
واليمين ، والأربعة الرجال ، والثلاثة ، والمرأتان والرجلان ، وأربع نسوة ، والنكول
مع رد اليمين ، ورد اليمين فيحلف المدعى والقسامة ، وأيمان اللعان ، واليمين وحدها
في صورة التحالف ، وشهادة الصبيان في الجراح بالشروط ، والمعاقد في الخص ، واليد
والتصرف.
مسألة
:
الاستفاضة طريق
إلى ثبوت أحكام ، وضبطها كثير من الأصحاب بما يتآخم العلم ، وبعضهم بمحصل العلم.
وهو مأخوذ من الخبر المستفيض عند الأصوليين وهو المشهور بحيث تزيد نقلته على
ثلاثة.
__________________
ثمَّ إن بعضهم
قال : يثبت بالاستفاضة اثنان وعشرون : النسب إلى الأبوين والموت ، والنكاح ، والولايات
، والعزل ، والولاء ، والرضاع ، وتضرر الزوجة ، والوقوف ، والصدقات ، والملك
المطلق ، والتعديل ، والجرح ، والإسلام ، والكفر ، والرشد والسفه ، والحمل
والولادة والوصاية ، والحرية ، واللوث. قيل والغصب والدين والإعسار والعتق.
فرع
:
إن اعتبرنا فيها العلم جاز للحاكم أن
يحكمه بعلمه المستفاد منها ، وإلا ففيه نظر. وقد نصوا على أن الحاكم
يحكم بعلمه في التعديل والجرح ، مع أنه من الاستفاضة.
وقد يفرق : بأن
التعديل كالرواية العامة لجميع الناس ، لأن نصبه عدلا يعم كل مشهود عليه ، فهو
كالرواية التي لا يشترط في ثبوتها العلم بخلاف باقي الأحكام الثابتة بالاستفاضة ، فإنها
أحكام على أشخاص بعينهم ، فاعتبر فيها العلم القطعي.
السابعة
:
اليد تقبل
الشدة والضعف إذ هي عبارة عن القرب والاتصال ، فكلما زاد تأكدت اليد ، فأبلغها : ما
قبض بيده ، ثمَّ ما عليه من الثياب ، والمنطقة والنعل ، ثمَّ البساط تحته أو
الدابة تحته ، ثمَّ تحت حمله ، ثمَّ ما هو سائقها أو قائدها ، ثمَّ
__________________
الدار التي هو ساكنها إذ هي دون الدابة لاستيلائه في الدابة على جميعها ، ثمَّ
الملك الذي يتصرف فيه.
ولو تنازع ذو
يد ضعيفة وقوية ـ كالراكب مع السائق أو قابض اللجام أو تنازع ذو الحمل مع غيره ـ قدمنا
ذا اليد القوية. ويمكن أن يقال : الترجيح هنا ليس بقوة اليد بل بإضافة التصرف
إليها.
فرع
:
لو كانت دابة
في يد اثنين وعبد أحدهما فهي نصفان مع التنازع ، ولا عبرة بيد العبد ، سواء كان
مأذونا له في التجارة أو لا ، لأن الملك منتف عنه والعبرة بيد المولى.
الثامنة
:
لا تكلف المدعى
بينة في مواضع : دعوى الدم لتأيده باللوث ، واللعان لتعذر إقامة البينة هنا غالبا
، وتلطيخ الفراش فالاستتار أمر مهم فاكتفي فيه بقول الزوج ليصون نفسه عن هذه
الوصمة العظيمة ، ولأن العادة درأ الفاحشة عن
الزوجة مهما أمكن فحيث أقدم على ذلك مع أيمانه قدمه الشرع.
وتقديم قول
الأمناء في دعوى التلف لئلا يقل قبول الأمانة مع إمساس
__________________
الضرورة إليها ، سواء كانت أمانتهم من جهة يستحق الأمانة كالوديعة أو من
قبل الشرع كالوصي والملتقط.
ومن ألقت الريح
ثوبا إلى داره.
ويقبل قول
الحكام في الأحكام والجرح التعديل لئلا يفوت المصالح المترتبة على الولاية والحكم.
ويقدم يمين
الغاصب في دعوى التلف للضرورة ، إذ لو لم يسمع لخلد السجن فيستضر أو أطلق مع إلزام
العين ، وهو متعذر مع إنكاره أو لا مع إلزام العين فيضيع حتى المالك.
ودعوى الودعي
في الرد ، لئلا يزهد الناس في قبول الوديعة.
ودعوى من ثبت
صدقه كالمعصومين عليهمالسلام.
والكل محتاجون إلى اليمين
إلا هذا.
التاسعة
:
إذا ادعي إلى
الحاكم ويعلم براءة ذمته لا تجب الإجابة إلا أن يخاف الفتنة ولو كان المدعى به
عينا وسلمها لم تجب الإجابة ، وكذا لو كان معسرا أو علم أنه يحكم عليه يجوز بل
ربما حرم كما في القصاص والحد لأنه تعرض بالنفس إلى الإتلاف.
ولو كان الحق
موقوفا على الحاكم كأجل المولى والمظاهر والعنين ، تخير الزوج بين الطلاق فيسقط
الإجابة وبين الحضور.
أما الحكم المختلف فيه
فتجب الإجابة إن دعاه الحاكم ولا تجب بدعاء
__________________
الخصم.
ومن عليه دين
أو عين وجب تسليمه إلى المدعى ولا يكلفه إثباته عند الحاكم لأن المطل ظلم والمحاكم
ربما يسقط محله عند معامليه وتجلب إليه التهمة. ولا يجب الترافع إلى الحاكم في
النفقات ، إذ هي عندنا مقدرة بما يسد الخلفة ولا عبرة بتقدير الحاكم فيها.
العاشرة
:
ظابطا الحبس
توقف استخراج الحق عليه ، ويثبت في مواضع :
( الأول )
الجاني إذا كان المجني عليه غائبا أو وليه ، حفظا لمحل القصاص.
( الثاني )
الممتنع من أداء الحق مع قدرته عليه.
( الثالث )
المشكل أمره في العسر واليسر إذا كانت الدعوى مالا أو علم له أصل مال ولم يثبت
إعساره ، فيحبس ليعلم أحد الأمرين.
( الرابع )
السارق بعد قطع يده ورجله في مرتين أو سرق ولا يد له ولا رجل.
( الخامس ) من
امتنع من التصرف الواجب عليه الذي لا يدخله النيابة ، كتعيين المختارة
والمطلقة وتعيين المقر به من العينين أو الأعيان وقدر المقر به عينا أو ذمة وتعيين
المقر له والمتهم بالدم ستة أيام.
فإن قلت : القواعد
تقتضي أن العقوبة بقدر الجناية ومن امتنع عن أداء درهم يحبس حتى يؤديه ، فربما طال
الحبس وهذا عقوبة عظيمة في مقابلة جناية
__________________
حقيرة.
قلت : لما
استمر امتناعه قوبل كل ساعة من ساعات الامتناع بساعة من ساعات الحبس ، فهي جناية
متكرر ، وعقوبات مكررة.
الحادية
عشر :
كل من ادعى على
غيره سمعت دعواه وطالب باليمين مع عدم البينة ، سواء علم بينهما خلطة أو لا ، لعموم
قوله عليهالسلام البينة على المدعي واليمين على من أنكر « وقوله
عليهالسلام
» شاهداك أو يمينه « .
ولإمكان ثبوت
الحق بدون الخلطة فاشتراطها يؤدي إلى ضياعها ، ولأنها واقعة يعم بها البلوى ، فلو
كانت الخلطة شرطا لعلمت ونقلت.
ولا يعارض
بأنها لو لم يكن شرطا لعلمت ، لأن النقل إنما يكون إلى مخرج عن الأصل لا
لما يقرر على الأصل.
احتج مشترط
الخلطة : بأن بعض الرواة أورد في الحديث بعد
قوله عليهالسلام
» واليمين على من أنكر « إذا
كان بينهما خلطة ».
قلنا : هذه
الزيادة لم يثبت كيف والحديث من المشاهير وليس فيه هذه الزيادة ، وإنما هي شيء
اختص به مشترط الخلطة وهو مجنون .
__________________
وبما روي عن
علي صلوات الله عليه لا يعدي الحاكم على الخصم إلا أن يعلم بينهما معاملة. ولم يرد
له مخالف فكان إجماعا.
قلنا : أهل
بيته أعرف بأحواله ولم يذكروا هذا ، ولأن وقائعه المأثورة وأحكامه المشهورة خالية
عن كل هذا ، ولو كان شرطا لذكر في كلها أو في بعضها.
وبأنه لو لا
ذلك لاجترأ السفهاء على ذوي المروءات والهيئات فادعوا عليهم بدعاوي فاضحات ، فإن
أجابوا افتضحوا وإن صالحوا على مال ذهب مالهم.
قلنا : القواعد
الكلية لا يقدح فيها العوارض الجزئية ، وكم قد انقضت الأعصار ولم تحصل هذه الفروض.
قالوا : فعل
عثمان ذلك وصالح بمال.
قلنا : فيه
دليل على عدم اشتراط الخلطة.
ثمَّ نقول : يلزمكم
الدور إن جعلتم القاعدة كلية ، لأنه لا يعدى عليه حتى يعلم بينهما خلطة لا تكاد
تعلم إلا بالإثبات الموقوف على الدعوى الموقوف سماعها على تقديم الخلطة ، فيتوقف
الشيء على نفسه.
فإن قالوا : قد
يعلم بإقرار الخصم.
قلنا : حضور
الخصم غير واجب لسماع هذه الدعوى فكيف يعلم إقراره. واستثنى بعضهم من اعتبار
الخلطة مواضع : الصانع ، والمتهم بالسرقة ، والوديعة والعارية ، والقائل عند موته
« لي عند فلان دين » ، وهذا كله تحكم.
الثانية
عشر :
لا نظر في باب
الدعاوي كلها إلى حال المدعي أو المنكر ولا في الأمور الشرعية كلها إلا إلى الممكن
وإن كان الظاهر بخلافه فاستبعاد [ بعض العامة ]
__________________
صحة الدعوى على القاضي المرتفع من الكناس أنه استأجر القاضي للكنس من خاصه . بعيد لإمكانه
وحمله على دعوى الغاصب قيمة العبد درهما أو قيمة الفرس حبة ، ممنوع ولو فتحنا
باب العرف لسمع دعوى القاضي على الكناس استئجاره على الكنس بغير بينة لأنه معتاد
غالبا ، ولسمعنا دعوى البر التقي على المشهور بالغصب وأخذ الأموال وإنكاره أنه غصب
منه شيئا ولم يحلف المنكر ، ولرددنا دعوى الفاجر الشقي على التقي المشهور بالأمانة
والصدق. وكل ذلك لم يثبت ، بل لحسم التنازع تطرد.
قاعدة
:
الباب في
الدعاوي حذرا من الاضطراب ، إذ لكل أحد أن يدعي الأمانة لنفسه والفجور على خصمه.
ولو أتت بولد لستة أشهر لحق وإن كان نادرا ، وكذا في السنة على الأقرب ، لأصالة
عدم الزنا والوطء بالشبهة ، وتشوق الشارع الستر ودرء الحدود ، فغلب الأصل على
الظاهر.
ومن هذا الباب
تفسير المال العظيم بأقل متمول وإن كان خلاف الظاهر ، لأن العظم والجلالة
وأمثالهما من الأمور الإضافية تختلف باختلاف الإضافات بالنسبة إلى اليسار والفقر
والزهد والرغبة ونحو ذلك ، فلما تعذر الضبط عرفا حمل على ما يقتضيه لغة ، وهو أقل
محتملاته بالنسبة إلى ما دونه. أو حمل العظم على المعنى ، أي أنه حلال أو خالص من
شبهة وإن كان ذلك مخالفا للظاهر.
__________________
الثالثة
عشر :
في تحقيق
المدعي والمنكر ، وفيهما عبارات ملخصها يرجع إلى أن المدعي من يدعي خلاف الظاهر ، أو
الذي يخلى وسكوته ، والمنكر بإزائه.
وقد يتفق في
صور كثيرة اجتماع الدعوى والإنكار في كل من المتداعيين ، وتتفق العبارات في كثير
من الصور ، كمن ادعى على زيد عينا أو دينا. وقد يختلفان في صور :
( منها ) قول
الزوج أسلمنا معا قبل المسيس وقالت المرأة على التعاقب فلا نكاح بيننا ، فعلى
الظاهر الزوج هو المدعي لأنه يخالفه ، وإلا فهي المدعية لأنها لو سكتت تركت واستمر
حد النكاح ، بخلاف الزوج فإنه لو سكت لم يترك لأنه يحاول بسكوته استيفاء النكاح.
والنزاع واقع في الانفساخ.
ولو قال الزوج
هنا أسلمت ، قيل فلا نكاح ولا مهر ، وقالت أسلمنا معا أخذ الزوج بقوله في الفرقة.
وأما المهر فإن
فسرنا بالظاهر فهي المدعية فيحلف الزوج ، وإلا فهو المدعي فتحلف هي.
واعترض : بتصديق
الودعي في الرد والتلف مع أنه مخالف للظاهر.
وأجيب : بأن
هنا أصلا وهو بقاء الأمانة ، فإن المودع ائتمنه ثمَّ ادعى عليه الخيانة فيصير
الودعي منكرا ، فيقدم قوله.
ورتب الإصطخري
من العامة على الظهور والخفاء عدم سماع دعوى رجل من السفلة على عظيم القدر ما يبعد
وقوعه ، كما إذا ادعى الخسيس أنه أقرض ملكا مالا أو نكح ابنته أو استأجره
لسياسة دوابه. ورده الأكثر بأن فيه تشويش
__________________
القواعد فلا تعويل عليه ، وقد مر مثله.
الرابعة
عشر :
في تقسيم
الدعوى ، وهي تنقسم إلى الصحيحة والفاسدة والكاذبة والمجملة والزائدة والناقصة :
فالصحيحة إما
دعوى استحقاق عين أو منفعة أو شيء في الذمة.
وأما دعوى
معاوضة بما يضر بالمدعي وتبطل دعواه ، ويدخل في دعوى الاستحقاق دعوى القصاص والحد
والنكاح والرد بالعيب.
والفاسدة قد
يعود الفساد إلى المدعى به ، كدعوى الخمر والميتة ومالا يتمول. والأقرب قبول دعوى
الخمر المحرمة [ وقد يعود الفساد إلى المدعي كما إذا ادعى الكافر ابتداء نكاح
مسلمة أو المسلم نكاح وثنية ] وقد يعود الفساد إلى سبب الدعوى كدعوى الكافر شراء عبد
مسلم أو مصحف.
وأما الكاذبة
فكدعوى معاملة [ ميت ] أو جناية [ مع شخص ] بعد موته ، أو ادعى وهو بمكة أنه تزوج
فلانة أمس بالكوفة.
وأما الدعوى
المجملة فكقوله لي عليه شيء وإن سمعنا الإقرار بالمجهول لأن
المدعى مقصر في حق نفسه والمقر مقصر في حق غيره فيطالب بالبيان.
وقد تسمع
الدعوى المجهولة في الوصية والإقرار له ، وفرض المهر في المفوضة وثواب الهبة
المطلقة ، لأن ذلك يمكن تقديره والمطلوب تقديره.
وأما الزائدة
فقد تكون الزيادة مفسدة ، كقوله لي عليه مائة درهم من ثمن
__________________
خمر وقد تكون لاغية كقوله اشتريت منه على أن له أن يقيلني إذا استقلته.
وقد تكون مؤكدة
، كقوله لي عليه مائة من ثمن مبيع صفته كذا وكذا وقد تسمى الذي قبلها أيضا مؤكدة.
وتكون اللاغية
مثل قوله اشتريت منه في الدكان الفلاني أو وعليه ثوب أبيض.
وأما الناقصة
فأما في الصفة كقوله لي عنده دابة ولم يصفها فيسأله الحاكم عن الصفة ، ولو قال لي
عليه ألف درهم لم يحمل على غالب نقد البلد كالبيع لأن أسباب المعاملات لا تنحصر في
ذلك البلد.
وأما الناقصة
في الشرط كدعوى عقد النكاح من غير أن يذكر بلوغ الناكح ورشده أو صدوره من وليه ، فيستفصله
الحاكم.
ويكفي في دعوى
المهر أو في استحقاق إجراء الماء على سطح الغير أو في ساحته تحديد ما منه وما فيه
، ويحتمل تقديره بالذرع أو الحد المعين. والشهادة به تابعة بل أولى ، لأن الشهادة
أعلى شأنا من الدعوى.
الخامسة
عشر :
كلما كان
المدعى به حقا فلا ريب في سماعه وإن كان ينفع في الحق ، ففيه صور :
( الأولى )
دعوى فسق الشهود أو كذبهم وعلم المدعي بذلك. والأقرب الحلف ، فإن نكل حلف الخصم
وبطلت الشهادة ، أما دعوى فسق الحاكم فأبعد لأنه لا يثير فسادا به.
( الثانية )
دعوى الإقرار بالمدعى به والحلف قوي.
( الثالثة )
دعوى إحلاف المدعي قبل هذه الدعوى فإن قلنا به وقال المدعي قد أحلفني أني لم أحلفه
لم يسمع لأدائه إلى عدم التناهي وتضييع مجالس الحكام.
( الرابعة )
دعوى القاذف زنا المقذوف.
( الخامسة )
قيل لو قال للقاضي « حكمت لي » فأنكر لم يسمع الدعوى ، ولو توقف انتظر ريثما يتذكر
وليس له أن يأمره بالحكم ، فلو قال للخصم « أحلف على أنك لا تعلم أنه حكم لي » ففي
السماع وجهان. ولا ريب من عدم سماع الدعوى على القاضي والشاهد بالكذب ، لإباء
منصبهما ذلك وأدائه إلى الفساد.
السادسة
عشر :
لا يحكم
بالنكول على الأقوى إلا في مواضع :
( الأول ) دعوى
المالك انتقال النصاب أو الإخراج أو عدم الحول. الأصح أنه مسموع بغير يمين.
ولو قلنا
باليمين فنكل أخذ منه الحق ، فهو إما قضاء بالنكول أو قضاء عند النكول ، لأن قضية
ملك النصاب أداء الزكاة ، فإذا لم يأت بحجة أخذت منه.
وقال بعضهم إذا
كان المستحقون محصورين وقلنا بتحريم النقل حلفوا وأخذت منه. وهو بعيد ، وقيل عند
نكوله يحبس حتى يقر أو يحلف ، وقيل بل يخلى ، وقيل إن كان بصورة المدعي كقوله « أخرجت
» أو « باذلت » أخذت منه عند النكول ، وإن كان بصورة المنكر كقوله « لم
يحل الحول » أو « ما في يدي لمكاتبي » ترك.
__________________
( الثاني ) إذا
وجد القاضي في تركة
ميت لا وارث له لي علي
فلان كذا فادعى به ونكل عن اليمين فله الحكم والحبس والإعراض وربما ضعف الإعراض هنا
، لأن اليمين هنا واجبة قطعا.
ورجح بعضهم
القضاء بالنكول أو عنده في الأولى دون هذه ، لأن هناك وجوبا محققا ولم يظهر مسقط.
ومثل هذا لو
ادعى الوصي أن الميت أوصى للفقراء فأنكر الوارث ونكل.
( الثالث )
الذمي إذا ادعى الإسلام قبل الحول أو تهمة العامل أو قال أسلمت
بعد الحول على القول بالأخذ منه هنا ، فإنه يحلف. فلو نكل فالأوجه.
( الرابع ) إذا
ادعى استعجال الشعر بالدواء وقلنا الإثبات عبارة عن البلوغ لا عينه ، قيل يحلف.
فلو نكل لم يقبل بل إما يحبس أو يطلق أو الحلف هنا مشكل لعدم ثبوت بلوغه ، وهو
الذي ذكره الأصحاب.
( الخامس ) لو
ادعى ناظر الوقف أو المسجد ونكل المدعى عليه ، ففيه الأوجه. وقيل يرد اليمين عليه.
وليس بشيء ، إذ لا يحلف لإثبات مال غيره. وقيل إن كان ذلك بسبب باشره بنفسه ردت
وإن كان بإتلاف المدعى عليه لم يرد ، وهما ضعيفان.
( السادس ) إذا
ادعى ولد المرتزق الاحتلام وطلب الرزق فالأقرب تصديقه من غير يمين. وإلا دار ، لأنه
إن كان كاذبا فكيف يحلف وهو صبي. وقيل يحلف للشبهة ، فإن نكل لم يثبت في المرتزقة.
وهذا الموضع [
ليس ] من القضاء بالنكول وإنما هو ترك الحكم لعدم
__________________
قيام الحجة.
( السابع ) إذا نكل الزوج عن يمين
الإصابة بعد العنة ففي يمين المرأة وجه لإمكان علمها بالقرائن ، فإن لم نقل
به قضى بالنكول.
( الثامن ) لو
قتل من لا وارث له وهناك لوث أو لبس أحلف المنكر ، فإن نكل فيه ما تقدم.
( التاسع ) لو
ادعت تقدم الطلاق على الوضع وقال لا أدري لم يقنع منه بذلك ، بل إما يحلف يمينا
جازمة أو ينكل فتحلف هي ، فإن نكلت فعليها العدة.
وليس قضاء
بالنكول عند بعضهم ، بل لأن الأصل بقاء النكاح وآثاره فيعمل به حتى يثبت رافع.
( العاشر ) لو
نكل المقذوف عن اليمين على عدم الزنا قيل يقضى عليه بالنكول وقيل بل ترد اليمين.
وهو وجه إن سمعنا الدعوى في الأصل ، إذ النص لا يمين في حد.
( الحادي عشر )
إذا ادعى الولي مالا للمولى عليه فأنكر المدعى عليه
ونكل عن اليمين
، احتمل القضاء بالنكول وانتظار أهلية المدعى له.
السابعة
عشر :
البينة حجة
شرعية ، والبحث فيها في مواضع :
__________________
( الأول )
إقامتها على تملك ما في يده للتسجيل ، والأقرب جوازه.
( الثاني )
إقامتها بعد دعوى الخارج لدفع اليمين. يحتمل القبول ، لأن اليمين مخوفة وفيها تهمة
، وكإقامة الودعي البينة على الرد والتلف وإن قبل قوله فيهما.
ويحتمل عدمه لقوله
عليهالسلام
البينة على المدعي واليمين
على من أنكر والتفصيل قاطع للشركة.
( الثالث )
إقامتها بعد إقامة الخارج بينته وقبل تعديلها.
( الرابع )
إقامتها بعد تعديلها وقبل الحكم ، وهذان مبنيان على تقديم الداخل على الخارج أو
بالعكس. وقيل مع تعارض البينتين يحكم للداخل ليده ، فعلى هذا يحلف. ويحتمل وجوب
الحلف وإن قضينا بالبينة لتأكيدها.
( الخامس )
إقامتها بعد الفضاء للخارج وقبل التسليم. والظاهر أنها من باب بينة ذي اليد ، لأنها
باقية حسا.
( السادس )
إقامتها بعد الحكم والتسليم إلى الخارج. فيحتمل السماع ، لأن اليد إنما أزيلت لعدم
حجة هي قائمة الآن. ويحتمل عدمه ، لأن القضاء لا يقضى إلا بقطعي ولأن الأول صار
خارجا.
هذا إذا صرحت
بينته بالملكية قبل القضاء واعتذر بتغيبها أو غفلته عنها وشبهه ولو شهدت مطلقة فهي بينة خارجة.
ولو رجحنا بالخروج احتمل الترجيح بها لأن البينة لا تؤخر زوال الملك
عما قبل الشهادة.
واحتمل التصريح
في الخروج ، لاحتمال استنادها إلى اليد السابقة ، فتخلصنا
__________________
منها على ثلاثة أوجه : إن صرحت بالتقدم فهي داخلة ، وإن صرحت بالتأخر فهي
خارجة ، وإن أطلقت وقف الحكم.
الثامنة
عشر :
اليمين إما على
النفي وهي وظيفة المنكر المشار إليها في الحديث ، وإما على الإثبات وهي : في
اللعان إن جعلناه يمينا والقسامة من المدعي ومع الشاهد الواحد في موضعه ، واليمين
المردودة على المدعي بالرد أو بالنكول ، ويمين الاستظهار ولها موارد الميت والصبي
والمجنون والغائب مع البينة.
ومن صور الغيبة
أن يدعى المشتري أن غائبا معينا باعه هذا وأقبضه الثمن ثمَّ ظهر به عيب وأنه فسخ
البيع ، ويقيم البينة على ذلك. وموضع الحكم على الغائب بنصب الحاكم له وكيلا ثمَّ يحلفه بعد قيام
البينة.
والمعسر يحلف
مع بينته احتياطا للمال الخفي عن البينة ، والأقرب توقفها على استدعاء الخصم
كغيرها من الأيمان.
ولو ادعى
العنين الوطء قبل فأقامت البينة على البكارة فقال لم أبالغ فعادت البكارة حلفت على
أنها البكارة الأصلية أو على عدم الإصابة وفسخت ، فإن نكلت حلف ، وإن نكل قيل لها
الفسخ ويكون نكوله كحلفها. ويحتمل عدم الفسخ ، لأنه يصير نكولها بنكوله
، والأصل بقاء العصمة.
ويمين دعوى
المواطاة على القبالة.
__________________
وقيل لو ادعى
الجاني شلل العضو وقام الآخر البينة على سلامته حلف معها أيضا إذا كان باطنا دفعا
لاحتمال خفي.
التاسع
عشر :
ليس بين شرعية
الإحلاف وبين قبول الإقرار تلازم وإن كان غالبا إذ يقبل إقرار الصبي بالبلوغ ولا
يقبل يمينه لأنه يؤدي إلى نفيه ، ويقبل يمين الإنسان في نفي العبودية ولا يقبل
إقراره بها بعد دعواه الحرية.
فإن قلت : طلب
الإحلاف لتوقع الإقرار فإذا انتفى انتفى الإحلاف لعدم فائدته.
قلت : الغاية
في الإحلاف أعم من ذلك ، لأنه قد ينكل فيحلف المدعى [ عليه ] على رقبته فيغرم
القيمة إن قلنا اليمين المردودة كالإقرار ، وإن قلنا كالبينة ثبت رقه والأصل فيه
أن من فوت مالا ادعى فيه على آخر ثمَّ رجع ، فإن كان مما لا يستدرك كالعتق والقتل
والطلاق غرم وإن كان مما يستدرك كالإقرار الحاصل في الشهادة بالملك
فالأقرب الغرم أيضا للحيلولة.
العشرون
:
الحلف دائما
على القطع ، وهو ينقسم إلى إثبات ونفي ، وكلاهما إما من فعله أو من فعل غيره ، فالأقسام
أربعة :
يحلف على نفي
العلم في واحد منها ، وهي الحلف على نفي فعل غيره ، والباقي على البت.
__________________
وهنا سؤال ، وهو
النفي المحصور يجوز الشهادة به كما لو شهد أنه باع فلانا في ساعة كذا ويشهد آخران
بأن المشتري في تلك الساعة كان ساكنا أو شهدا أن فلانا قتل فلانا في وقت كذا فشهد
آخران أنه كان في تلك الحالة ساكن الأعضاء جميعها وأنه لم يكن عند المقتول في تلك
الساعة. وصوره كثيرة ، والشهادة إن لم تكن أبلغ من اليمين فلا أقل من المساواة.
وجوابه : إذا
قدر أن النفي المحصور يمكن العلم به التزمنا تحليف النافي لفعل غيره على البت
أيضا.
وهنا
مسائل :
( الأولى ) لو
ادعى عليه جناية بهيمة وأنكر حلف على البت ، لأن البهيمة لا ذمة لها وضمان المالك
لها ليس بمجرد فعلها بل لتقصيره في حفظها وهو من أفعال نفسه.
( الثانية ) لو
أنكر جناية عبده قيل يحلف على نفي العلم جريا على القاعدة وربما بني هذا على أن
جناية العبد هل يتعلق بمحض الرقية أو بها أو بالذمة جميعا بمعنى أنه يتبع به بعد
العتق؟ فعلى الأول يحلف المولى على البت كالبهيمة لأنه يخاصم عن نفسه ، وعلى
الثاني ـ وهو ظاهر الأصحاب ـ يحلف على نفي العلم لأن للعبد ذمة يتعلق بها الحقوق
والرقبة كالمرتهنة بها.
( الثالثة ) لو
ادعى عليه موت مورثه سمعت في مواضع السماع ، فلو أنكر حلف على نفي العلم إن ادعاه
عليه كما يحلف على نفي غصبه أو إتلافه. ويحتمل الحلف على البت لكثرة اطلاع الوارث
على ذلك ، ويحتمل الفرق بين حضوره وغيبته عند الموت المدعى به ، والأصحاب على
الأولى.
( الرابعة ) لو
قال المشتري من الوكيل أنت تعلم أن البائع أذن لك في تسليم
__________________
المبيع قبل قبض الثمن فالظاهر أنه يحلف على نفي العلم. ويحتمل حلفه على
البت لأنه يثبت لنفسه استحقاق ثبوت اليد على المبيع حتى يقبض الثمن. ويضعف بأن ذلك
ثابت له بحكم اليد ، فلا يحتاج إلى إثباته.
( الخامسة ) لو
ادعى البائع حدوث عجز عن تسليم المبيع وعلم المشتري به ، قيل يحلف المشتري على
البت ، لأنه بيمينه يستبقي وجوب تسليم المبيع إليه.
( السادسة ) لو
مات عن ابن فادعى آخر البنوة وعلم أخيه فأنكر حلف على نفي العلم. وقيل يحلف على
البت ، لأن الإخوة رابطة تجمع بينهما ، فهو حالف على نفي فعل نفسه.
( السابعة ) لو
أنكر أحد الزوجين الرضاع المدعى به حلف على نفي العلم فإن نكل حلف الآخر على البت
، لأنها يمين مثبتة. وقيل حلف الزوج على البت بخلاف الزوجة.
والفرق أن في
يمين الزوج تصحيح العقد في الماضي وإثبات استباحته في المستقبل ، فكانت على البت
تغليظا ، ويمين الزوجة لبقاء حق ثبت بالعقد ظاهرا فيقنع فيه بنفي العلم. وهذا فرق
ضعيف.
ويمكن فيهما
اعتبار البت ، لأنه يفني حرمة يدعيها المدعي فيحلف على البت.
الحادية
والعشرون :
كلما جازت
الشهادة به جاز الحلف عليه وما لا فلا ، لعموم قوله تعالى « وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ
لَكَ بِهِ عِلْمٌ » .
__________________
وزعم بعضهم أن
مجال اليمين أوسع ، لأنها يفي الغالب مستندة إلى النفي للأصل فيعتضد به ، فيجوز له
الحلف على ما يراه بخط أبيه في دفتره إذا غلب على ظنه ، وكذا لو أخبره ثقة بقتل فلان أباه أو غصبه
منه وإن لم يجز له الشهادة به ، وهو مردود عندنا.
وكذا لا يجوز
الحلف على تملك ما اشتراه من ذي اليد إذا قلنا لا يشهد له بالملك ، وإن جوزناه
فيجوز ذلك.
الثانية
والعشرون :
لا يجوز الحلف
لإثبات مال الغير ، واختلف في مواضع :
( الأول ) لو
امتنع المفلس من الحالف مع شاهده بدين له ، فهل يحلف الغرماء.
( الثاني ) لو
مات مديون وقام له شاهد بدين فلورثة الحلف ، فلو امتنعوا قيل يحلف الغريم. ومنهم
من فرق بأن نكول المفلس عن اليمين يورث ريبة ظاهرة ، لأنه المستحق بالأصالة ، وأما
ورثة الميت فقد يخفى عليهم أحوالهم ويكون الغرماء مطلعين عليها. وأيضا فغريم الميت
في محل اليأس من حلف الميت بخلاف غريم المفلس فإنه في مقام الرجاء.
( الثالث )
الصورتان بحالهما ، ولكن لا شاهد هناك بل نكول الغريم. ولو لم يدع المفلس ولا
الوارث فالأقرب أنه للغرماء الدعوى وإن لم يكن لهم الحلف.
__________________
( الرابع ) لو
أحبل الراهن الجارية وادعى إذن المرتهن فنكل حلف الراهن فإن نكل توجه إحلاف الأمة
لأن لها حقا في الجملة.
( الخامس ) لو
أوصى لأم ولده بعبد فوجد مقتولا بعد الوفاة وهناك لوث حلف الورثة ، فإن نكلوا ففي
حلفها وجهان.
الثالثة
والعشرون :
اليمين
المردودة على المدعي والواجبة بالنكول عليه هل هي كإقرار المدعى عليه أو كالبينة؟
يحتمل الأول ، لأن المدعى عليه بنكوله توصل إلى إثبات حق المدعي فأشبهه الإقرار ، ووجه
الثاني أنها حجة صادرة من المدعي مع جحد المدعى عليه.
وفيها
فوائد :
( الأولى ) لو
أقام المدعى عليه بعد يمين المدعي بينة أن العين ملكه أو أنه أدى الدين أو أبرئ
منه ، فإن قلنا كالإقرار لم تسمع ، وإن قلنا كالبينة سمعت.
( الثانية )
افتقار الثبوت إلى الحكم على البينة دون الإقرار.
( الثالثة ) هل
للبائع مرابحة إحلاف المشتري على نفي علمه بزيادة الثمن على ما أخبر به إن قلنا
كالإقرار فله ذلك رجاء النكول ورد اليمين فيكون كالتصديق وإن قلنا كالبينة فلا
لعدم سماع بينة على هذا اليمين الزائد.
( الرابعة ) لو
أنكر الأصيل دفع الضامن ، فهل له إحلافه إن قلنا لو صدقه رجع عليه فله ذلك ، فيحلف
على نفي العلم بالدفع. وإن قلنا لا يرجع عليه لو صدقه لعدم انتفاعه بالدفع ، إذا
الفرض إنكار المستحق فإن قلنا اليمين كالإقرار لم يلزم بالحلف ، لأنه غايته النكول
فيحلف المدعي فهو كالإقرار ، وإن قلنا
__________________
كالبينة طالبه بالحلف طمعا في نكوله فيحلف فيرجع كما لو أقام بينة.
( الخامسة ) لو
ادعى كل من اثنين على واحد رهن عبده وإقباضه إياه فصدق أحدهما قضى به للمصدق ، وهل
للمكذب إحلافه؟ الظاهر نعم ، لأنه لو صدقه غرم له.
ولو قلنا لا
يغرم بالتصديق فهل له المطالبة باليمين؟ إن قلنا كالإقرار فلا وإن قلنا كالبينة
أجيب. ويستفيد به الغرم لا انتزاعه من الأول ، لأن البينة هنا حجة على المتداعيين
لا على غيرهما.
( السادسة ) هل
يطالب السفيه [ باليمين ] على نفي القتل الموجب للمال؟ إن قلنا كالإقرار فلأن
غايته النكول فيحلف المدعي فيكون كإقرار السفيه وهو غير مسموع ، وإن قلنا كالبينة
طولب.
ويحتمل مطالبته
باليمين ولو قلنا كالإقرار ، لأنه قد يحلف فتسقط الخصومة وهو أولى من بقائها.
( السابعة ) لو
ادعى على المفلس فأنكر وحلف المدعي إن قلنا كالبينة شارك الغرماء وإن قلنا
كالإقرار بنى على المشاركة بالإقرار. وعلى القول بأن البينة إنما يتعلق
بالمتداعيين لا يشارك على التقديرين.
( الثامنة ) لو
ادعى بقتل الخطأ وثبت باليمين المردودة وجبت الدية على العاقلة إن جعلناها كالبينة
وإلا فعلى المدعى عليه. ولا فرق بين المفلس وغيره هنا إلا في مشاركة الغرماء وعدمه
، ويجيء الكلام السالف إلا أن يقال : العاقلة ليست أجنبية هنا ، إذ هي قائمة مقام
الجاني في الخطأ ، وهو بعيد.
( التاسعة ) لو
ادعى كل من الأختين زوجيته وصدق إحداهما فهل للأخرى
__________________
إحلافه؟ الأقرب نعم ، لأن المقصود المهر. وأما النكاح فمرفوع بإنكاره ، فإن
نكل حلفت ويبطل نكاح أختها إن قلنا كالبينة ، ويرد الكلام الأول.
( العاشرة ) لو
قال في عين بيده هي لأحد هذين ، ثمَّ عين زيدا فهل لعمرو إحلافه؟ فيه ما سبق.
( الحادية عشر
) لو ادعى عليه عينا في يده فقال هي لفلان وصدقه فلان أخذها وهل للمدعي إحلاف
المصدق إن قلنا بالغرم فنعم وإلا ففيه ما سبق.
( الثانية عشر
) لو زوجها أحد الوليين برجل والآخر برجل ، أو ادعى زوجيتها اثنان فصدقت في
الصورتين أحدهما ثبت نكاحه ، وهل يحلف للآخر إن قلنا بالغرم حلفت وإلا بنى على الوجهين.
وأما انتزاعها
من الأول للثاني عند يمينه ففيه ما تقدم ، وكذا لو انتزع العين من المصدق أولا في
المسألة السابقة.
( الثالثة عشر
) لو باع أحد الشريكين سلعة بينهما وهو وكيل وفي القبض فادعاه المشتري عليه وصدقه
الشريك فأنكر البائع حلف لهما ، فلو نكل البائع عن اليمين للشريك فحلف الشريك
استحق نصيبه وللبائع المطالبة بنصيبه للمشتري بعد يمينه على عدم القبض. ولو قلنا
اليمين [ المردودة ] كالبينة وأنها حجة على الخارج لم يكن له مطالبة
المشتري.
الرابعة والعشرون :
اليمين لنفي شيء لا يكون لإثبات غيره ،
ولها صور كثيرة :
__________________
( الأولى ) إذا
اختلف البائع والمشتري في قدم العيب حلف البائع مع عدم البينة والقرينة ويحلف على
القطع ، فلو اختلف بعد ذلك في الثمن وقلنا بالتحالف أو كان الاختلاف في تعيين الثمن وإن
التحالف فيه هو الأقرب ففسخ البيع إما بالحلف أو بغيره على اختلاف فيه
فطلب البائع من المشتري أرش العيب الذي اختلفا فيه أولا بناء على أنه استقر أنه
حادث بيمين البائع لم يكن له ذلك ، لأن يمينه كانت لنفي الغرم عنه أو الرد ، فلا
يصلح لشغل ذمة المشتري بل يحلف الآن المشتري على أن هذا العيب ليس بحادث ، فإن حلف
برئ ولا يثبت تقدمه بحيث يطالب المشتري بأرشه ، وإن رد اليمين أو نكل حلف البائع
الآن على حدوثه فاستحق أرشه ، سواء قلنا يمين الرد كالإقرار أو كالبينة.
( الثانية ) لو
قذفه بالزنا فلما دعاه للحد طلب منه يمينا على نفي الزنا وقلنا بقول الشيخ بثبوت
اليمين هنا فنكل أو ردها على القاذف فحلف القاذف أنه زنى سقط حد القذف عنه ولا يجب
على المقذوف حد الزنا ، سواء قلنا كالإقرار أو لا ، لأن هذه اليمين كانت لدفع حد
القذف ولا يجب لإثبات الزنا على المقذوف. وليس هذا كاللعان في أن نكول الزوجة عنه
يوجب عليها الحد.
( الثالثة ) لو
أقر الوكيل في البيع وقبض الثمن بهما وأنكر الموكل القبض قيل حلف الوكيل لاستئمانه
، فلو خرج المبيع مستحقا ورجع المشتري على الوكيل بالثمن لجهله بالوكالة لم يكن
للوكيل أن يرجع على الموكل ببذل الثمن بناء على تلك اليمين ، لأن يمينه كانت لنفي
الغرم عنه لا لشغل ذمة الموكل ، بل القول الآن قول الموكل في عدم القبض مع يمينه ،
فلو ردها على الوكيل أمكن القول
__________________
بحلفه وبراءته حينئذ ، سواء قلنا يمين الرد كالإقرار أو كالبينة. وغير ذلك
من الصور.
الخامسة
والعشرون :
الشهادة
والرواية يشتركان في الجزم وينفردان في أن المخبر عنه إن كان أمرا عاما لا يختص
بمعين فهو الرواية كقوله عليهالسلام لا شفعة فيما لا يقسم فإنه شامل لجميع الخلق إلى يوم القيامة ، وإن كان لمعين
فهو الشهادة كقوله عند الحاكم : أشهد بكذا لفلان.
ثمَّ إن كل شرط
لهما فهو معتبر عند الأداء لا التحمل إلا الطلاق قطعا ، والبراءة من ضمان الجريرة
على قول ، ولا يعتبر الزوال قبل البلوغ وإن صح تحمله.
ومن العامة من
اعتبرها ، وفرعوا جواز تدبيره ووصيته وأمانه كافرا وإسلامه مميزا ، وقد يقع اللبس
بينهما في صور :
( الأولى )
رؤية الهلال ، فإن الصوم مثلا لا يتشخص لمعين فهو رواية ، ومن اختصاصه بهذا العام
دون ما قبله وما بعده بل بهذا الشهر فهو كالشهادة ، ومن أنه اختلف في التعدد.
( الثانية )
المترجم عند الحاكم من حيث نصبه عاما للترجمة ومن إخباره عن كلام معين ، والأقوى
التعدد في الموضعين.
__________________
( الثالثة )
المقوم من حيث إنه منصوب لتقويمات لا نهاية لها فهو رواية ، ومن أنه إلزام لمعين.
( الرابعة )
القاسم من حيث نصبه لكل قسمة ومن حيث التعيين في كل قضية.
( الخامسة )
المخبر عن عدد الركعات أو الأشواط من أنه لا يخبر عن إلزام حكم لمخلوق بل للخالق
سبحانه فهو كالرواية ، ومن إلزامه لمعين يتعداه.
( السادسة )
المخبر بالطهارة أو النجاسة يرد فيه الشبهات. ويمكن الفرق بين قوله طهرته ونجسته
لاستناده إلى الأصل هناك وخلافه في الإخبار بالنجاسة ، أما لو كان ملكه فلا شك في
القبول.
( السابعة )
المخبر عن دخول الوقت.
( الثامنة )
المخبر عن القبلة.
( التاسعة )
الخارص. والأقرب في هذه الخمسة الاكتفاء بالواحد إلا في الإخبار بالنجاسة ، إلا أن
يكون يده ثابتة عليه بإذن المالك.
أما المفتي فلا
خلاف في أنه لا يعتبر فيه التعدد ، وكذا الحاكم لأنه ناقل عن الله تعالى إلى الخلق
فهو كالراوي ، ولأنه وارث النبي صلىاللهعليهوآله
والإمام عليهالسلام الذي هو واحد.
وأما قبول
الواحد في الهدية وفي الإذن في دخول دار الغير فليس ، لأنه رواية ، إذ هو حكم خاص
لمحكوم عليه خاص ، بل هو شهادة لكن اكتفى فيها بالواحد عملا بالقرائن المفيدة
للقطع ، ولهذا قيل « وإن كان صبيا ».
ومنه إخبار
المرأة في إهداء العروس إلى زوجها.
ولو قيل بأن
هذه الأمور قسم ثالث خارج عن الشهادة والرواية وإن كان
مشبها للرواية
كان قويا وليس إخبارا ، ولهذا لا يسمى الأمر المخبر عن قوله شاهدا ولا
راويا مع قبول قوله وحده ، كقوله « هذا مذكى وهذا ميتة » لما في يده ، وقول الوكيل
« بعت » أو « أنا وكيل » أو « هذا ملكي ».
ولا يرد على
الفرق أن من الشهادات ما يتضمن العموم كالوقف العام والنسب المتصل إلى يوم القيامة
وكون الأرض عنوة أو صلحا ، ومن الروايات ما يتضمن حكما خاصا كتوقيت الصلوات
بأوقاتها المخصوصة ، لأن العموم هنا عارض. وفي الحقيقة التعيين هو المقصود بالذات
، فإنها شهادة على الواقف وهو شخص واحد ، وليس العموم من لوازم الوقف.
وكذا النسب
المشهود عليه إلحاق معين بمعين والعموم طرا عليه ، وأما أوقات الصلاة وإن كانت
متحدة بحسب صلاة صلاة إلا أنها شرع عام على جميع المكلفين.
فروع
:
( الأول ) لو
روى أحد المتنازعين رواية يقضي الحاكم له
أو العبد رواية تقتضي عتقه ، فالأقرب السماع لأن العموم مع وصف العدالة يمنع التهمة
مع الخصوص
__________________
( الثاني )
معنى « شهد » ، حضر ، ومنه « ( فَمَنْ شَهِدَ
مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) » ، وأخبر ومنه
« الشهادة عند الحاكم » ، أو بمعنى علم وعلى ذلك سمي « شهيد » أي
عليم ، وقوله تعالى « شَهِدَ
اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ » يحتمل الإخبار والعلم ، ومعنى « روى » تحمل ، فراوي
الحديث تحمله عن شيخه ، ومن ثمَّ سمي البعير رواية لحمله الماء ، وأطلق عليه « المزادة
» للمجاورة ، وليس هذا من باب أروي [ وروي ] وإلا لقيل
مروية ومروية.
( الثالث ) رجح
الأصحاب في بعض الصور الشهادة بالأعدل فالأكثر كما في الرواية ، ومنع بعضهم
الأمرين ، وآخرون الترجيح بالعدد ، لأن الحاكم نصب لدرء الخصومة وقطع المنازعة.
ولو فتح باب
الكثرة أمكن [ طلب ] الخصم الإمهال ليحضر شهودا أكثر ولو زورا فإذا أحضر
أمكن خصمه طلب مثله فيتمادى النزاع ، بخلاف العدالة فإن العدالة لا يستفاد إلا من
الحاكم ، فلا يمكن السعي في زيادتها.
وهذا خيال واه
، لأنا نمنع الإمهال أولا بل يحكم الحاكم بحسب الحال للحاضر لما كان الإمهال يؤدي
إلى هذا الإخلال. سلمنا لكن المراد بالأعدل ظاهرا ، وقد يسعى في تحصيل أعدل ظاهرا
أيضا.
__________________
ولو زورا فإن
العصمة إذا ارتفعت اتسع المجال ، فالمحذور لازم ، ولأنه من القضايا ما يمكن فيها
تكثير الشهود وتبديلهم ، كالشهادة على بيع من معين ، فإنه يمكن أن يحضر جماعة
فيأتي ببعضهم ثمَّ يسعى لإكمال الباقي ، أو على إقرار فيسعى لسماع الإقرار ثانيا
وثالثا ، وذلك يمكن في الكثرة والأعدلية.
السادسة
والعشرون :
يعتبر في
الشهادة العلم لقوله تعالى ( إِلّا مَنْ شَهِدَ
بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم على مثلها فاشهد ـ وأشار إلى الشمس. ولدخوله تحت عموم « وَأَنْ تَقُولُوا
عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ
» في التحريم
والمعتبر في علم الشاهد حال التحمل.
ولا يشترط استمراره
في كثير من الصور ، كالشاهد بدين أو ثمن مبيع أو ملك لوارث مع إمكان أن
يكون قد وقع الدين وثمن المبيع وباع المورث ، وكالشهادة بعقد بيع أو
إجارة مع إمكان الإقالة بعده. والمعتمد في هذه الصور إنما وهو الاستصحاب .
أما الشهادة
على السبب والولاء فإنهما على القطع ، لامتناع انتقالهما ، وكذا
الشهادة على الإقرار [ فإنه إخبار عن وقوع النطق الزمان الماضي.
__________________
وأما الشهادة بالوقف فإن منعنا بيعه فهي من قبيل القطع ].
السابعة
والعشرون :
كل كافر لا
تسمع شهادته ولو على مثله إلا في الوصية مع عدم عدول المسلمين للآية . وقال الشيخ
في أحد قوليه : يجوز شهادته على مثله.
دليل القول
الأول قوله تعالى « وَأَلْقَيْنا
بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ » وقال عليهالسلام لا تقبل شهادة عدو على عدوه. ولأن رد شهادة الفاسق يستلزم رد شهادته.
والأول ثابت بقوله تعالى « وَأَشْهِدُوا
ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ » وفي قوله « منكم » اشتراط الإسلام ، وبقوله « يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا » ولقوله عليهالسلام
لا يقبل شهادة أهل دين على
غير أهل دينه إلا المسلمين ، فإنهم عدول
عليهم وعلى غيرهم.
ويشكل بأن
مفهومه قبول شهادتهم على أهل دينهم ، ولأن من لا يقبل شهادته على مسلم لا يقبل على
غيره ، كالعبد عند بعض وعند العامة. وهذا إلزام.
دليل القول
الآخر آية المائدة .
وإذا قبلت
شهادته على المسلمين فعلى مثله أولى ، لما ثبت أن النبي صلى
__________________
الله عليه وآله وسلم رجم اليهودي واليهودية لما جاءت اليهود بهما وذكروا
زناهما. والظاهر أنه رجمهما بشهادتهم ، فقد روى الشعبي أنه « صلىاللهعليهوآله » قال إن شهد منكم أربعة رجمتهما.
ولأن الكافر
تزوج ابنته بالولاية ، ويؤتمن لآية القنطار. وبما رواه سماعة عن الصادق عليهالسلام
في شهادة أهل الملة قال لا تجوز إلا
على ملتهم ، فإن لم تجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية ، لأنه لا يصلح ذهاب حق أحد
.
ولرواية ضريس
الكناسي عن الباقر عليهالسلام
في شهادة أهل الملة على
غير أهل ملتهم. فقال لا إلا أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم ، فإن لم يوجد غيرهم
جازت شهادتهم في الوصية ، لأنه لا يصلح ذهاب حق امرئ مسلم ولا يبطل وصيته.
والجواب : الجواز
في الوصية للضرورة كما أشار إليه الحديثان ، ونقل أن اليهوديين
اعترفا بالزنا ، ونقل أنه إنما رجمهما إلا بالوحي ، لأن الرجم لم يكن حدا للمسلمين
حينئذ. والتورية لا يجوز الاعتماد عليها لتحريفها.
والفرق في
الولاية أن وازع الولاية طبيعي بخلاف الشهادة ، فإن وازعها ديني. وعن آية الأمانة أنها لا
تستلزم قبول الشهادة ، فإن الفاسق يقبل قوله في تلف أمانته ولا تقبل شهادته ، مع
أن فيها قولهم « ليس علينا في الأميين سبيل » ومن أين لنا أن هذين الشاهدين لا
يقولان هذا القول.
__________________
ويعارض الجميع
بقوله تعالى « لا
يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ » وبقوله تعالى « أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا
السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » .
وفيه نظر ، لأن
الاستواء غير حاصل على تقدير قبول شهادتهم على أهل الذمة ، لأن المسلمين مقبولو
الشهادة على الإطلاق ، وشهادة هؤلاء مقصورة على أهل ملتهم.
وزعم بعض
العامة أن آية المائدة منسوخة بقوله تعالى « وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ » ولم يثبت مع أن المائدة [ من ] آخر القرآن نزولا.
تتمة
:
لا تسمع شهادة
الفاسق ، لما تقدم ولقوله تعالى « مِمَّنْ
تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ » والفاسق غير مرضي ، والمراد به من فعل كبيرة أو أصر على
صغيرة. وقيل من ترك واجبا أو محرما. والأول أقوى للزوم الحرج ، إذ لا يتحقق الثاني
إلا في المعصوم.
وهنا
فوائد :
تتضمن قواعد :
__________________
الأولى
:
كلما توعد عليه
الشرع بخصوصه فإنه كبيرة ، وقد ضبط ذلك بعضهم فقال : هي الشرك
بالله ، والقتل بغير حق ، واللواط ، والزنا ، والفرار من الزحف ، والسحر ، والربا
، وقذف المحصنات ، وأكل مال اليتيم ، والغيبة بغير حق ، واليمين الغموس ، وشهادة
الزور ، وشرب الخمر ، واستحلال الكعبة ، والسرقة ونكث الصفقة ، والتعرب بعد الهجرة
، واليأس من روح الله تعالى ، والأمن من مكر الله سبحانه وعقوق الوالدين ، وكلما
ورد في الحديث منصوصا عليه بأنه كبيرة وورد أيضا التهمة وترك السنة ، ومنع ابن
السبيل فضل الماء ، وعدم التنزه من البول ، والتسبيب إلى شتم الوالدين ، والإضرار
في الوصية.
وهناك عبارات
أخرى في حد الكبيرة ، منها : كل معصية توجب الحد ، ومنها : التي يلحق صاحبها
الوعيد الشديد بكتاب أو سنة ، ومنها : كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث فاعلها بالذنب
، ومنها : كل معصية توجب في جنسها الحد.
وهذه الكبائر
المعدودة عند التأمل ترجع إلى ما يتعلق بالضروريات الخمس التي هي مصلحة الأديان
والعقول والنفوس والأنساب والأموال :
فمصلحة الدين
منها ما يتعلق بالاعتقاد ، وهو إما كفر أو شرك بالله تعالى أو ليس بكفر ، وهو بترك
السنة إذا لم ينته إلى الكفر ، ويدخل فيه مقالات المبتدعة
__________________
من الأمة كالمرجئة والخوارج والمجسمة.
وقد يكون في
الاعتقاد في نفسه خطأ وإن لم يسم كفرا ولا بدعة ، كالأمن من مكر الله واليأس من
روح الله. ويدخل فيه كل ما أشبهه كالسخط بقضاء الله
__________________
سبحانه والاعتراض في قدره ، وقد يكون من أفعال القلوب المتعدية كالكبر
والحسد والغل للمؤمنين.
ومن مصالح
الدين ما يتعلق بالبدن : إما خاص كالإلحاد في الحرم ، فيدخل فيه شبهة ، كإخافة
المدينة الشريفة والإلحاد فيها ، والكذب على النبي والأئمة صلوات الله عليهم
أجمعين. وإما متعد وقد نص منها على النميمة والسحر والفرار عن الزحف ونكث الصفقة لأن
ضرره متعد.
وأما مصلحة
النفس فكالقتل بغير حق ، فيدخل فيه جناية الطرف.
وأما العقل
فشرب الخمر ، ويدخل فيه كل مسكر ، وأكل الميتة وسائر النجاسات في معناه لاشتمال
الخمر على النجاسة.
وأما الأنساب
فالزنا واللواط ، ويدخل فيهما القيادة. وعن النسب عقوق الوالدين والإضرار في
الوصية.
الثانية
:
جاء في الحديث
« لا صغيرة مع الإصرار ». والإصرار إما فعلي وهو المداومة على نوع واحد من الصغائر بلا توبة ، أو
الإكثار من جنس الصغائر بلا توبة ، وإما حكمي وهو العزم على فعل الصغيرة بعد
الفراغ منها أما من فعل الصغيرة ولم يخطر بباله بعدها توبة ولا عزم على فعلها ، فالظاهر
أنه غير مصر. ولعله مما يكفره الأعمال الصالحة من الصلاة والصيام والوضوء كما جاء
في الأخبار.
__________________
الثالثة
:
التوبة بشروطها
تزيل الكبائر والصغائر ، وهل يشترط الاستبراء مدة تظهر فيها توبته وصلاح سريرته
كما قال تعالى « إِلَّا
الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا » ؟ الظاهر ذلك ، لأنا لا نتحقق التوبة بدونه.
ولا تقدير لتلك
المدة وقدرها بعض العامة بسنة أو نصفها. وهو تحكم ، إذا المعتبر ظن صدقه في توبته
، وهو يختلف بحسب الأشخاص والأحوال المستفادة من القرائن.
على أن بعض
الذنوب يكفي في التوبة منها تركها بمجرده من غير استبراء كمن عرض عليه القضاء مع
وجوبه فامتنع ثمَّ عاد ، أو أوصى إليه وعلم بعد الموت فامتنع وعاد ، أو [ من ]
تعينت عليه الشهادة فامتنع وعاد ، أو عضل المرأة عن التزويج ثمَّ عاد.
ويظهر من كلام الشيخ
رحمهالله
عدم الاستبراء بالكلية ، لأنه قال في المشهور بالفسق يقول له الحاكم « تب أقبل شهادتك ».
الرابعة
:
كل مسلم أخبر
عن أمر ديني يفعله فالظاهر قبوله. وهذه مخرجة من قبول قول الصحابي أمرنا بكذا أو
أمرنا النبي صلىاللهعليهوآله
بكذا أو نهى عن كذا ، لأن
الظاهر من حال الصحابي تثبته ومعرفته باللغة ، فلا يطلق ذلك إلا بعد تيقن ما هو أمر
أو نهي.
__________________
وفي هذه
القاعدة مسائل ، كإخبار المسلم بوكالته في مبيع أو وصية أو بأن ما في يده طاهر أو
نجس أو بأنه طهر الثوب المأمور بتطهيره.
تنبيه
:
يشترط في بعض
هذه الأمور هنا ذكر السبب عند اختلاف الأسباب ، كما لو أخبر بنجاسة الماء فإنه
يمكن أن يتوهم ما ليس بسب سببا وإن كانا عدلين. اللهم إلا أن يكون المخبر فقيها
يوافق اعتقاده اعتقاد المخبر.
ومنه عدم قبول
شهادة النساء باستحقاق الشفعة أو بأن بينهما رضاعا محرما لتحقق
الخلاف في ذلك أو بأولية شهر أو بإرث زيد من عمرو أو بكفره ، والصور كثيرة.
ويشكل منها لو
شهدا بانتقال الملك من زيد إلى عمرو ولم يبينا [ سبب الانتقال ، أو بأن حاكما جائز
الحكم حكم بهذا ولم يبينا ] ، أو شهدا على من باع عبدا من زيد [ أنه عاد إليه من
زيد ] ولم يبينا إقالة أو بيعا مثلا.
وبالجملة لا
ينبغي للشاهد أن يرتب الأحكام على أسبابها ، بل وظيفته أن ينقل ما سمعه منها
من إقرار أو عقد بيع أو غيره أو ينقل ما رآه ، وإنما ترتبت المسببات وظيفة الحاكم
، فالشاهد متغير والحاكم متصرف.
__________________
الثامنة
والعشرون :
ذكر الشاهد
السبب قد يكون سببا كما في صورة الترجيح ، وقد يكون فعله وتركه سواء ، كما في صور
كثيرة. وقيل : قد يكون ذكر السبب قادحا في الشهادة كما لو قال « أعتقد أن هذا ملكه
» للاستصحاب وإن كان في الحقيقة مستندا إلى الاستصحاب ، وكذا لو صرح بأن هذا ملكه
علمته بالاستفاضة.
وهذا ضعيف ، لأن
الشرع جعل الاستفاضة من أسباب التحمل فكيف يضر ذكرها ، وإنما ضر ذكر الاستصحاب إن
قلنا به لأنه يؤذن بشكه في البقاء ولو أهمل ذكره وأتى بصورة الجزم زال الوهم. ولو قيل
بعدم الضرر أيضا كان قويا.
وكذا الكلام لو
قال هو ملكه لأني رأيت يده عليه أو رأيته يتصرف فيه بغير منازع. وغاية ما في الباب
أن يقال : إن الشاهد ليس له وظيفة ترتب المسببات على الأسباب إنما يشهد بما يعلم ،
وإنما ذلك وظيفة الحكام. قلنا : إذا كان الترتيب شرعيا وحكاه الشاهد فقد حكى صورة
الواقع فكيف ترد شهادته بما هو مستندها في الحقيقة.
فائدة
:
لو شاهد ماء
الغير يجري على سطح آخر أو في ساقيته مدة طويلة بغير منازعة فهل للشاهد أن يشهد بالاستحقاق؟
الظاهر لا ، صرح بذلك أو لا.
وقال بعض
العامة : يجوز كونه سببا للتحمل ، ولو صرح به ردت شهادته ،
__________________
وهو من النمط الأول. وربما رجحوا هذا المأخذ بأن شاهد الرضاع لا يكفي قوله
شاهدته ممتصا للثدي يحرك شفتيه ثمَّ حلقومه ، وإن كان مستند الشهادة بالرضاع ذلك.
قال شيخنا : قلنا
وما المانع من صحة هذه الشهادة على هذا الوجه وهل النزاع إلا فيها.
أقول : الحق أن
ذكر الشاهد السبب يوهم شكه وعدم قطعه بالمشهود به وغير خفي أن
المعتبر في الشهادة العلم والجزم. والحق الصريح التفصيل ، وهو أنه إذا ذكر السبب
واقتصر عليه لم تسمع شهادته ، لأن هذه الأسباب إنما تصح الشهادة بها إذا أفادت
البينة القطع ولم يتعرض له الشاهد هنا فترد شهادته وإن ذكر السبب
وقال وأنا أشهد بصورة الجزم [ لم يضر ذكر السبب ، وكذا لو صرح وقال مستند شهادتي
السبب المعين الذي حصل لي منه القطع ] أو الذي يجوز الشهادة به وكان من أهل المعرفة ، فإنه تسمع شهادته في
الصورتين.
التاسعة
والعشرون :
في شيء من
توابع القضاء. ثبت عندنا قولهم عليهمالسلام كل أمر مجهول فيه القرعة ، وذلك لأن فيها عند تساوي الحقوق والمصالح وقوع
التنازع دفعا للضغائن والأحقاد والرضا بما جرت به الأقدار وقضاء الملك
الجبار.
__________________
ولا قرعة في
الأمانة الكبرى ، لأنها بالنص عندنا ، وإنما مواردها في غيرها وهي أنواع :
١ ـ أئمة
الصلاة عند الاستواء في المرجحات ٢ ـ بين أولياء الميت في تجهيزه مع الاستواء ٣ ـ بين
الموتى في الصلاة والدفن مع الاستواء في الأفضلية وعدمها.
٤ ـ بين
المزدحمين في الصف الأول مع استوائهم في الورود.
٥ ـ في العقود
في المسجد أو الموضع المباح.
٦ ـ في الحيازة
وإحياء الموات.
٧ ـ في التقديم
في الدعاوي والدروس إلا أن يكون فيهم مضطر بسفر أو أمر.
٨ ـ بين
الزوجات في السفر وابتداء القسمة لو سيق إليه زوجات دفعة.
٩ ـ بين الموصى
بعتقهم أو المنجز من غير ترتيب.
١٠ ـ عند تعارض
البينتين.
١١ ـ تعارض
الدعويين.
١٢ ـ تخصيص
الحصة بعد القسمة. ولا يستعمل في العبادات في غير ما ذكرناه ولا في الفتاوى
والأحكام المشتبهة إجماعا.
فائدة
:
إنما روعيت
القرعة في العبيد ولم يسع العتق فيهم لوجوه :
__________________
( الأول ) ما
روي أن رجلا أعتق ستة مماليك له في مرضه ولا مال له غيرهم فجزأهم النبي صلىاللهعليهوآله
وأقرع بينهم فأعتق اثنين
وأرق أربعة.
( الثاني )
إجماع التابعين على ذلك ، مثل زين العابدين عليهالسلام
قوله عندنا حجة وعمر بن
عبد العزيز وخارجة بن زيد وأبان بن عثمان وابن سيرين وغيرهم ، ولم ينقل في عصرهم
خلاف في ذلك.
( الثالث ) أن
في الاستعساء مشقة وضررا على العبد بالإلزام وعلى الوارث بتأجيل الحق وتعجيل حقوق
العبد ، والأصول تقتضي تصرف الوارث في الثلاثين عند تصرف الموصى له في الثلث.
( الرابع ) أن
المقصود من العتق تفرغ المعتق في الطاعات ووجوه الاكتساب وهو مما لا يحصل إلا
بالإكمال والتجزئة تمنع ذلك في الحال وقد يستمر في المآل.
احتجوا بقوله
عليه الصلاة والسلام « لا عتق إلا فيما يملك ابن آدم » و « المريض لا
يملك سوى الثلث » ، وهو شائع في الجميع فينفذ عتقه فيه. والخبر حكاية حال
في عين لا عموم لها ، واثنان يحتمل أن يكونا شائعين لا معينين لقضاء العادة
باختلاف قيمة العبيد ، فيتعذر غالبا أن يكون اثنان معينان ثلث ماله.
ولأن القرعة
على خلاف القرآن لأنها من الميسر وخلاف القواعد ، لأن فيه تحويل الحرية بالقرعة.
ولأنه لو أوصى بثلث كل واحد صح وحمل على الإشاعة ، وكذا إذا أطلق قياسا عليه وعلى
حالة الصحة ، ولأنه لو باع ثلث عبيده
__________________
كان شائعا ، والعتق أقوى من البيع لأن البيع يلحقه الفسخ والعتق لا يلحقه
الفسخ فهو أولى بعدم القرعة لأن فيها تحويل العتق ، ولأنه لو كان مالكا لثلثهم
فأعتقه لم يجمع ذلك في اثنين منهم ، والمريض لا يملك غير الثلث فلا يجمع في إعتاقه
، إذ لا فرق بين عدم الملك والمنع من التصرف ، ولأن مورد القرعة ما يجوز التراضي
عليه فالحرية في حال الصحة لما لم يجز التراضي على انتقاضها لم تجز القرعة فيها
والأموال يجوز التراضي فيها فتدخل فيها القرعة.
أجيب : بأن
العتق لم يقع إلا فيما يملك ، لأنه ملكه منحصر في اثنين.
والخبر تمهيد لقاعدة
لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم حكمي على الواحد حكمي على الجماعة
. والحمل على اثنين شائعين باطل وإلا لم يكن للقرعة معنى.
واتفاق القيمة ممكن
وقد كان واقعا في تلك القضية.
وليست القرعة
من الميسر في شيء ، لأنه قمار والقرعة ليست قمارا ، لإقراع النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم
بين أزواجه ، واستعملت
القرعة في الشرائع السالفة بدليل قوله تعالى « فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ » وقوله تعالى « إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ
يَكْفُلُ مَرْيَمَ » .
وليس هنا نقل
الحرية وتحويلها ، لأن عتق المريض لا يستقر إلا بموته مع الشرائط ، ولهذا لو طرأ
الدين المستوعب بطل وغير المستوعب يقدم.
وفرق بين
الوصية والبيع وبين العتق ، لأن الغرض من العتق التخليص للطاعة
__________________
والتكسب والغرض من البيع والوصية التمليك وهو حاصل مع الإشاعة ، بخلاف
العتق فإنه لا يحصل غايته إلا بتكميله ، وقد قدمنا أنه لا تحويل في العتق.
والفرق بين
مالك الثلث فقط وبين هذا عدم التنازع فيه بخلاف صورة الخلاف. ولا نسلم أن العتق لا
يجزي فيه التراضي ، لأنه لو رضي الوارث فتنفذ الوصية عتق الجميع.
الثلاثون
: في القسمة
لما كانت
الشركة من النقائص التي يتنزه عنها ولهذا تنزه عنها مقام الربوبية ولما
يترتب عليها من الفساد كما أشار سبحانه ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ
لَفَسَدَتا ) في تمانع التصرفات ، ولمنافاتها مقام الامتنان
بالانتفاعات الخالصة من المعارض بقوله تعالى( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي
الْأَرْضِ ) وقال عليهالسلام الناس مسلطون على أموالهم .
شرعت القسمة
لإزالة ذلك ، وهي عبارة عن تمييز حقوق الملاك ، فيستحب للإمام نصب قاسم أهل
للأمانة عارف بقواعد الحساب ، وليس ذلك شرطا في من تراضى به الخصمان.
وللحاكم القسمة
بين أصحاب اليد وإن لم يثبت عنده الملك ، ومنعه الشيخ.
__________________
نعم لا يستحل بالملك إلا بقضاء اليد .
ولو كان أحد
الشريكين طفلا أجبر وليه على القسمة في موضع الإجبار ، وإن لم يكن غبطة لكن هو
لا يلبها إلا مع الغبطة.
وتمام البحث
هنا بفوائد :
( الأولى ) لو
اشتملت على تقويم لم يكف الواحد بل لا بد من العدلين ، لاستلزام إثبات حق في البين إلا
مع رضى الشريكين.
( الثانية )
المنصوب من قبل الحاكم تلزم قسمته بنفس القرعة لكونها حكما وغير المنصوب لا يلزم
إلا بالتراضي في قسمة الرد وأما غيرها فلا.
( الثالثة ) كل
متساوي الأجزاء يجبر الشركاء على قسمته مع طلب بعضهم ، ويجوز الخرص إذ ليس ذلك
بيعا. قال الشيخ : والأحوط اعتبار خارصين ، ولو طلب بعضهم قسمة المتساوي بعضا في
بعض لم يجبر الممتنع ، ولو طلب قسمة كل نوع على حدته أجبر الممتنع ، أما مختلف
الأجزاء فمع اشتمال القسمة على ضرر الجميع لم يجز وعلى ضرر بعض وامتنع ذلك المتضرر فله
ذلك ولم يجبر ، ولو أذعن المتضرر وامتنع غيره فهل يجبر؟ إن فسرنا الضرر بعدم
الانتفاع بعد القسمة لم يجبر لأنه ذريعة إلى إتلاف مال منهي عنه ، وإن فسر بنقص
القيمة أجبر لأن الناس مسلطون على أموالهم. ولعل ضرر الشركة أعظم عنده من النقص
القيمي. ومع اشتمالها على ضرر مطلقا يجبر الممتنع إذا لم يتضمن
__________________
ردا ، ومع تضمنها لم يجبر.
( الرابعة ) لو
أمكن تعديل الثياب والعبيد وأمثالهما بالقيمة قسمت قسمة إجبار وإن لم يمكن قسمت
قسمة تراض. والعلو والسفل في الدار يقسم بعضا في بعض مع إمكان التعديل قسمة إجبار
ومع عدمه قسمة تراض.
ولو طلب واحد
قسمة العلو أو السفل كل على حدته لم يجبر صاحبه ، وفي الثوب لو نقص بالقطع لم يجبر
الممتنع وإلا أجبر.
( الخامسة )
يقسم الأرض وإن كان فيها زرع ولا يقسم ، ولو اقتسماه جاز إن ظهر سنبلا كان أو
قصيلا ، ولو طلبا قسمة الأرض والزروع بعضا في بعض فلا إجبار مع الرد ، ومع عدمه
وإمكان التعديل يجبر وإلا فلا ، وكذا القرحان المتعددة والدكاكين المتجاورة.
وقال القاضي : إذا
استوت الدور والأقرحة في الرغبات قسمت بعضا في بعض. قال : وكذا لو تضرر بعضهم
بقسمة كل على حدته جمع حقه في ناحية.
( السادسة )
يجوز قسمة الوقف من الطلق لا الوقف نفسه وإن تعدد الواقف والمصرف ، ولو تضمنت ردا
جاز من صاحب الوقف خاصة لا من صاحب الطلق وإلا لكان بذلا في مقابلة بعض الوقف
فيكون بيعا له. وهو باطل.
فإن كان
المبذول في مقابلة الوقف فالجميع وقف ، وإن كان في مقابلة عين فلا.
( السابعة )
إذا أريد قسمة الأرض مثلا صححت المسألة على سهامهم ثمَّ
__________________
عدلت بالتقويم لا بالمساحة ، وجعل للسهام أول يعينه المتقاسمون وإلا الحاكم
ويكتب أسماءهم لا أسماء السهام حذرا من التفريق. وتردد الشيخ في المبسوط في كتابة
الرقاع بعدد الرءوس أو بعدد السهام ، نظرا إلى سرعة خروج صاحب
الأكثر وحصول الغرض.
( الثامنة ) لو
ظهر في المقسوم استحقاق جزء مشاع نقصت ، ولو كان الجزء متعينا وإخراجه لا يخل
بالتعديل لم ينقص وإلا نقصت.
ومن موجب النقص
أن يلزم بسد طريقه أو مجرى مائه.
ولا يضمن أحد
الشركاء ما يحدثه الآخر من غرس [ أو بناء ] لو ظهر الاستحقاق.
( التاسعة ) لو
اقتسم الورثة ثمَّ ظهر دين وامتنعوا من أدائه نقصت ولو امتنع بعضهم بيع نصيبه خاصة
والقسمة بحالها.
والوصية بجزء
من المقسوم تبطل القسمة ، بخلاف الوصية بالملك المطلق فإنها كالدين.
ولو اقتسم
البعض وكان في الباقي وفاء أخرج منه الحق الواجب ، فإن تلف قبل أدائه كان الحق في
المقسم فينقص إن لم تؤد الورثة.
( العاشرة ) لو
تهايأ
الشريكان بسكنى أحدهما
بيتا والآخر آخرا وبالزمان كشهر وشهر كان جائزا وليس بلازم ، فإن استوفى أحدهما غرم
الأجرة للآخر ،
__________________
ولا يجبر الممتنع على المهايأة وإن كانت القسمة ممتنعة. نعم ينتزعه الحاكم
ويؤجره عليهما إن كان له أجرة ويقسمها بينهما بالنسبة.
( الحادية عشر
) حق الاستطراق قبل القسمة ومجرى الماء عند الإطلاق باقيان على ما كانا عليه ، ومع
الشرط فبحسبه حتى لو شرط سد طريق أحدهما جاز.
( الثانية عشر
) لو ادعى الشريك الغلط في القسمة أو التقويم ولا بينة حلف الآخر ، وإن كانت قسمة
تراض واقتسما بأنفسهما ، لإمكان عدم علمه بها حال القسمة قيل : ولا تقبل شهادة
القاسم إن كان بأجرة وإلا قبلت لعدم التهمة. ولا يحلف قاسم القاضي لأنه حاكم.
وليكن هذا آخر
ما رتبناه على حسب ما وجدناه إلا مسألة القسمة فإني أضفتها إلى ما وجدته في نسخته رحمهالله وقدس روحه.
والحمد لله رب
العالمين ، والصلاة على أكرم المرسلين محمد النبي وآله الطاهرين.
وكتب المقداد
بن عبد الله بن محمد بن حسين السيوري عفا الله عنه. رب اختم بالخير.
__________________
فهرس
الكتاب
مقدمة المؤلف................................................................... ٣
تعريف الفقه وما يتعلق
بذلك..................................................... ٥
الفقه اصطلاحا وموضوعه......................................................... ٥
وجوب كون الافعال
لمصالح العبيد................................................. ٧
اجتماع غرضين فما زاد
في الحكم الواحد.......................................... ٧
الغرض في الأحكام الشرعية....................................................... ٨
خطاب الشرع بالاقتضاء
أو التخيير أو الوضع....................................... ٩
أقسام الخطابات
الشرعية........................................................ ١٠
الأقوال في حقيقة
النية.......................................................... ١٤
القطب الأول
( في القواعد العامة وما يتفرع عليها )
معنى الواجب وتقسيمه
إلى أقسام................................................ ١٨
تقسيم الواجب إلى
أنواع الكلي................................................. ٢١
الامر التخييري يتعلق
بالقدر المشترك............................................. ٢٣
معنى التخيير في
الكفارات والفداء والتعزيرات..................................... ٢٥
الواجب الفوري وغير
الفوري................................................... ٢٦
تقسيم الوضع إلى السبب
والشرط والمانع......................................... ٢٨
تقسيم السبب إلى معنوي
ووقتي................................................. ٢٩
لابد في العلة من
المناسبة للحكم المترتب عليها..................................... ٢٩
تقسيم السبب إلى قولي
وفعلي................................................... ٣١
تقسيم السبب والمسبب
باعتبار الزمان............................................ ٣١
اتحاد السبب والمسبب
وتعددهما.................................................. ٣٣
تقسيم السبب الفعلي
إلى أقسام.................................................. ٤٢
الوقت قد يفضل عن
الفعل وقد لا يفضل......................................... ٤٣
عراء الوقت عن السببية......................................................... ٤٤
تعليق الحكم على سبب
متوقع................................................... ٤٤
لو شك في سبب الحكم
بنى على الأصل.......................................... ٤٥
قد يكون الشك سببا في
حكم شرعي وقد لا يكون................................ ٤٧
تعريف السبب والشرط
مشروحا................................................ ٤٩
أقسام الشرط.................................................................. ٥٠
اشتراط تقدم المعلق
على الشرط.................................................. ٥١
التكاليف الشرعية
بالنسبة إلى قبول الشرط أربعة.................................. ٥٣
تعريف المانع وتقسيمه
إلى أقسام................................................. ٥٤
لو كان المانع مختصا
بالحكم..................................................... ٥٦
متعلقات الاحكام مقاصد
ووسائل................................................ ٥٧
أقسام الوسائل بعدة
تقسيمات................................................... ٥٨
أقسام اليقين وأقسام
الاستصحاب................................................ ٦٣
مباحث حول اليقين............................................................ ٦٦
النية وأحكامها في
العبادات والمعاملات............................................ ٦٩
شرح حديث « ما ترددت
في شيء أنا فاعله ».................................... ٧١
إذا نوى بالعام الخاص
لا يتخصص............................................... ٧٣
المشقة سبب اليسر ورخص
الشارع.............................................. ٧٤
المشقة الموجبة
للتخفيف......................................................... ٧٧
نفي الضرر وحاصل ما
يراد منه.................................................. ٨١
قد يقع التخيير
باعتبار تساوي الضرر............................................. ٨٣
حكم العادة................................................................... ٨٦
اعتبار التكرار في بعض
العادات.................................................. ٨٨
الأدلة الشرعية لوقوع
الاحكام وتصرف الحكام................................... ٨٩
يجوز تغيير الاحكام
بتغيير العادات................................................ ٩٠
الفرق بين الكلي والكل
والبحث فيهما........................................... ٩٠
الأصل في اللفظ الحمل
على الحقيقة الواحدة....................................... ٩٣
لا يستعمل اللفظ الصريح
في غير بابه الا بقرينة.................................... ٩٤
لا يحمل اللفظ الواحد
على الحقيقة والمجاز......................................... ٩٧
الماهيات الجعلية لا
يطلق على الفاسد............................................. ٩٨
تعارض الحقيقة
المرجوحة والمجاز الراجح......................................... ١٠٠
المجاز لا يدخل في
المنصوص.................................................... ١٠٣
الصفة ترد للتخصيص
وللتوضيح............................................... ١٠٤
أقسام المطلق والمقيد........................................................... ١٠٦
التأويل انما يكون في
الظواهر دون النصوص..................................... ١٠٧
قد يثبت ضمنا مالا
يثبت أصلا................................................ ١٠٩
ما يستفاد من دلائل
الإشارة من الاحكام........................................ ١١٠
تعارض الإشارة
والعبارة....................................................... ١١١
ثبوت الحكم على خلاف
الدليل لدليل أقوى.................................... ١١١
ما وقع الاتفاق على
أصل أجريت فروعه عليه................................... ١١٢
أنواع الحكم المعلق
على اسم الجنس............................................. ١١٣
ضوابط الشرع في الأمور
الخفية................................................ ١١٣
دوران الوصف بين الحسي
والمعنوي............................................ ١١٤
توقف الحكم على اجتماع
أجزاء العلة المركبة................................... ١١٤
المعارضة بنقيض
المقصود واقعة في مواضع........................................ ١١٥
القدح في الدليل مع
عدم وجود بيان عند الحاجة................................. ١١٧
الحاجة العامة تنزل
منزلة الضرورة العامة......................................... ١١٩
تردد الفرع بين أصلين........................................................ ١٢٠
اختلاف الحكم عند تردد
الشيء بين أصلين..................................... ١٢٢
وقوع العمل بالأصلين
المتنافيين................................................. ١٣٠
التعليل بانتفاء
المقتضي ووجود المانع............................................. ١٣١
شرع الاحتياط لاختلاف
المصالح ودفع المفاسد.................................. ١٣١
قصر الحكم على مدلول
اللفظ................................................. ١٣٣
الاحكام التابعة
لمسميات الأصل تناط بحصول تمام المسمى......................... ١٣٤
طريان الرافع للشيء هل
هو مبطل له أو بيان لنهايته.............................. ١٣٥
جريان الاحكام قبل
العلم...................................................... ١٣٦
تعريف الانشاء وأقسامه....................................................... ١٣٧
الاقرار في موضع يصلح
للانشاء هل يكون انشاء................................. ١٣٩
دخول الشرط على السبب
مانع لتنجيز حكمه................................... ١٤٠
أقسام المانع.................................................................. ١٤١
من أمثلة مالا يتم
الواجب الا به................................................ ١٤٣
رفع الحكم عند الخطأ
والجهل.................................................. ١٤٤
مواضع لا يسقط فيها
الأكثر أثر التصرف....................................... ١٤٦
لا تكليف على الغافل......................................................... ١٤٧
متعلق الأمر والنهي........................................................... ١٤٧
النهي في العبادات
مفسد وان كان بوصف خارج................................ ١٤٨
في العام والخاص.............................................................. ١٤٩
العام لا يستلزم الخاص
المعين................................................... ١٥١
المطلق والمقيد
وحكمهما....................................................... ١٥٥
أفعال النبي « ص » وأقواله
حجة.............................................. ١٥٦
اعتبار قول المعصوم في
حجية الاجماع........................................... ١٥٩
الشرع معلل بالمصالح
وأنواعها................................................. ١٦٠
الاعتماد على القرائن
وحكم عمد الصبي........................................ ١٦٢
النهي في غير العبادات
قد يقتضي الفساد........................................ ١٦٣
معاني الألف واللام
عند الفقهاء................................................ ١٦٤
الموالاة معتبرة في
العقد ونحوه ومعناها............................................ ١٦٥
الاحكام اللازمة قد
تكون موزعة............................................... ١٦٧
القطب الثاني
( في العبادات وغيرها من أبواب الفقه )
معنى العبادة بقول
مطلق....................................................... ١٦٨
النية وما يعتبر فيها
وفروعها.................................................... ١٦٩
النية في الأشياء
المحتملة الوجوب................................................ ١٩٥
وجوب التحرز من الرياء
في العبادات........................................... ١٩٧
الواجب أفضل من الندب
غالبا................................................. ١٩٩
قبول العبادة واجزاؤها
غير متلازمين............................................ ٢٠١
الفضاء يطلق على معان
خمسة.................................................. ٢٠٦
العبادات المشهورة ـ الطهارة.................................................. ٢٠٨
الاستجمار رخصة............................................................ ٢٠٨
إزالة النجاسة بالماء
ملحقة بالرخص............................................. ٢٠٩
ما يحرم استعماله من
النجاسة.................................................. ٢١٠
كل الأجسام على
الطهارة الا ما استثني......................................... ٢١١
كل النجاسة مانعة من
صحة الصلاة............................................ ٢١١
الحدث مانع من الصلاة
المرتفع بالطهارة......................................... ٢١٢
بعض أحكام الحيض.......................................................... ٢١٣
مما يستثنى من الأصول
الكلية من الفروع الجزئية.................................. ٢١٤
الصلاة أفضل الأعمال
البدنية.................................................. ٢١٥
وجوب الصلاة عند دخول
وقتها............................................... ٢١٧
يجب انحصار المبتدأ في
خبره نكرة كان أو معرفة................................. ٢٢١
لا يتعلق الأمر والنهي
وأمثالها الا بمستقبل........................................ ٢٢٢
الأصل في الأسباب عدم
تداخلها............................................... ٢٢٧
تعين فاتحة الكتاب في
الصلوات الاختيارية....................................... ٢٢٨
وصف الفعل بالوجوب........................................................ ٢٢٩
قد غيا الشارع
العبادات بغايات مخصوصة....................................... ٢٣١
دلالة دليل على حكم لم
يكف الا بعدم معارض................................. ٢٣٢
تعارض الخاص والعام......................................................... ٢٣٣
الأسباب تؤثر في
مسبباتها...................................................... ٢٣٣
يشترط في صحة الصلاة
الموالاة................................................ ٢٣٤
النوافل ركعتان ركعتان
الا الوتر............................................... ٢٣٥
قصر الصلاة في الكم
والكيف................................................. ٢٣٥
ما يقضى من واجبات
الصلاة بعد التسليم....................................... ٢٣٦
الضابط في الجماعة........................................................... ٢٣٧
وجوب تأخر المأموم عن
الامام................................................. ٢٣٨
بعض شرائط امام
الجماعة..................................................... ٢٣٨
وجوب قضاء الصلاة......................................................... ٢٣٩
يعتبر الترتيب في قضاء
الصلاة................................................. ٢٤٠
فروع في قضاء الفوائت....................................................... ٢٤٣
ما يتعلق به الزكاة
والشرائط في الحول.......................................... ٢٤٤
لا تجتمع زكاتان في
عين واحدة................................................ ٢٤٥
وجوب الفطرة على
المنفق..................................................... ٢٤٥
اعتبار الانفاق في
المزكى لا وجوبه.............................................. ٢٤٦
معنى « الصوم لي وأنا
أجزي به ».............................................. ٢٤٧
معنى « من صام رمضان
وأتبعه بست من شوال »................................ ٢٤٨
مواقيت الحج والعمرة
الزمانية والمكانية.......................................... ٢٥١
تجاوز غير محرم
الميقات........................................................ ٢٥٢
مكة المكرمة خير
البقاع....................................................... ٢٥٣
التفاضل بين مكة
والمدينة وغيرهما.............................................. ٢٥٩
اقرار بعض الكفار على
كفرهم................................................ ٢٦١
السجود للصنم ومن يراد
تعظيمه............................................... ٢٦٢
المعتقد في الكواكب
أنها مدبرة................................................. ٢٦٣
وجوب الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر........................................ ٢٦٤
مراتب الانكار ثلاثة.......................................................... ٢٦٥
في التقية وتوابعها............................................................. ٢٦٨
محدثات الأمور بعد عهد
النبي « ص ».......................................... ٢٧١
تعظيم المؤمن بما جرت
به العادة................................................ ٢٧٢
الكبر معصية................................................................. ٢٧٥
حرمة الغيبة بنص
الكتاب والسنة............................................... ٢٧٨
وجوب صلة الرحم........................................................... ٢٨٢
أشياء يجب انفراد
الأبوين فيها................................................. ٢٨٦
ما ورد في تعظيم الام......................................................... ٢٨٩
هل للأبوين المنع من
سفر طلب العلم........................................... ٢٩٢
الوجوه في ازدحام
الحقوق..................................................... ٢٩٦
تقسيم الحقوق إلى
أقسام...................................................... ٣٠١
الجبر والزجر والتحمل
والبدل.................................................. ٣٠٣
البناء على فعل الغير
في العبادات................................................ ٣٠٥
الأصل عدم تحمل
الانسان عن الغير بدون اذنه................................... ٣٠٦
للبدل والمبدل أحوال
أربعة..................................................... ٣٠٧
اجتماع أمرين أخص وأعم
، ضابط النذر....................................... ٣٠٨
ضابط متعلق اليمين ، ومعنى
اليمين............................................. ٣١٢
تقسيم اليمين إلى
أقسام....................................................... ٣١٣
الحلف بالله أو
بأسمائه الخاصة به................................................ ٣١٤
أسماء الله وصفاته
ترجع إلى الذات.............................................. ٣٢٣
كل يمين خولف مقتضاها
فلا حنث فيها........................................ ٣٢٦
معنى الملك في
التملكات....................................................... ٣٣٧
أقسام الملك.................................................................. ٣٣٨
قد يقوم السبب الفعلي
غير المنصوب مقام المنصوب............................... ٣٣٩
الغالب في التملكات
تراضي اثنين.............................................. ٣٤٠
لا يجوز الجمع بين
العوض والمعوض............................................. ٣٤١
الأجرة على القضاء
والاذان والإقامة............................................ ٣٤٤
ما يدخل في ملك
الانسان قهرا................................................. ٣٤٥
لا يجوز تعليق انعقاد
العقود على شرط.......................................... ٣٤٦
كل عقد تقاعد عن نفوذه
في النقل والانتقال باطل................................ ٣٤٧
الشرط خلاف ما يقتضيه
العقد مبطل له........................................ ٣٤٨
كل شرط تقدم العقد أو
تأخر عنه فلا أثر له.................................... ٣٤٩
كل عقد على عوضين لابد
من القبض فيه....................................... ٣٥٠
الأصل الحلول في
العقود....................................................... ٣٥١
الأصل في العقود
اللزوم الا في مواضع........................................... ٣٥١
الجمع بين عقدين
مختلفين حكما................................................ ٣٥٣
وقت الحكم عند
الانتقال أو الانكشاف......................................... ٣٥٤
ما يترتب على الفاسد
من العبادات والمعاملات................................... ٣٥٧
لحوق الأحكام الخمسة
بعقد البيع.............................................. ٣٥٨
شرط كون المبيع معلوم
العين والقدر والصفة.................................... ٣٥٩
يشترط كون المبيع مما
يتمول................................................... ٣٦٠
كلما جاز بيعه جاز
هبته الا مواضع............................................. ٣٦١
معنى الغرر لغة واصطلاحا..................................................... ٣٦١
النهي عن الغرر مختص
بالمعاوضات المحضة....................................... ٣٦٣
الاستثناء المجهول
باطل......................................................... ٣٦٤
ثبوت خيار المجلس لكل
عقد بيع............................................... ٣٦٥
تقسيم الخيار بحسب
الفور والتراخي............................................ ٣٦٦
كل خيار في عقد فإنه
يزلزله................................................... ٣٦٧
أقسام المصالح................................................................ ٣٦٨
تحريم بيع ما يكال أو
يوزن قبل القبض.......................................... ٣٦٩
تصرف المشتري فيما اشتراه
قبل قبضه.......................................... ٣٧١
القرض هل هو عقد أو
بيع.................................................... ٣٧٣
تقسيم الاجل والتأجيل
في الدين................................................ ٣٧٤
التوقيت بالألفاظ
المشتركة ولا قرينة............................................ ٣٧٦
كل ما يصح بيعه يصح
رهنه والضمان في الرهن................................. ٣٧٦
أنواع الحجر وأسبابها......................................................... ٣٧٧
الحجر على الصبي
والسفيه لا يؤثر في الأسباب الفعلية............................ ٣٧٨
وجوب مراعاة المصلحة
على الولي.............................................. ٣٧٨
معنى الذمة................................................................... ٣٧٩
مورد الإجارة العين
لاستيفاء المنفعة............................................. ٣٨٠
الطارىء في مدة
الإجارة من الموالي.............................................. ٣٨٢
ما جازت الإجارة عليه
تجوز الجعالة عليه........................................ ٣٨٣
الأمانة والضمان فيها.......................................................... ٣٨٤
الوديعة وهل هي عقد أو
ايقاع................................................. ٣٨٥
الوكالة والضابط فيها......................................................... ٣٨٦
كل من صح منه المباشرة
صح التوكيل.......................................... ٣٨٧
التبرع بالوكالة............................................................... ٣٩٠
الوصية والوصية
بالتدبير....................................................... ٣٩١
منافع الأموال تضمن
بالفوات والتفويت......................................... ٣٩٢
المعتبر في الضمان
بيوم التلف مطلقا............................................. ٣٩٣
الضمان قد يكون بالقوة
وقد يكون بالفعل...................................... ٣٩٤
الاذن العام لا ينافي
المنع الخاص................................................. ٣٩٥
من قدر على انشاء شيء
قدر على الاقرار به.................................... ٣٩٦
كل اقرار يعمل فيه
بالمتيقن ويطرح المشكوك..................................... ٣٩٦
الاقرار بعد الانكار
والاستثناء المستغرق......................................... ٣٩٧
الاستثناء من النفي
اثبات...................................................... ٣٩٨
المطالبة بتفسير
المبهم على الفور................................................ ٣٩٩
أنواع التعلقات
بالأعيان....................................................... ٣٩٩
التحقيق في المقدرات
الشرعية.................................................. ٤٠٠
ترتب أحكام على أسباب
يمكن اعتبارها في الحال والمآل.......................... ٤٠٠
نبذ من أحكام النية........................................................... ٤٠٤
تقسيم النكاح بحسب
الناكح إلى الأحكام الخمسة................................ ٤٠٩
ما يحرم على الرجال من
النساء................................................. ٤١١
الحكمة في إباحة
الأربع دون ما زاد في الدائم.................................... ٤١٢
ما يحرم النظر اليه
يحرم مسه................................................... ٤١٣
أنواع ولاية النكاح........................................................... ٤١٣
لا يملك اجبار الغير
الا في مواضع............................................... ٤١٤
أمور يحرم معها وطئ
الزوجة مع بقاء الزوجية.................................... ٤١٤
النكاح قد يكون سببا
في أشياء كثيرة........................................... ٤١٥
نقض الطهارة مع غيبوبة
الحشفة في الفرج....................................... ٤١٨
أحكام تترتب على
البكارة والثيبوبة............................................ ٤٢١
الشبهة وأنواع الشبه.......................................................... ٤٢٢
موارد انتصاف المهر.......................................................... ٤٢٤
وجوب المهر مع الدخول...................................................... ٤٢٥
ما يمكن فيه عراء
الوطىء المباح عن المهر........................................ ٤٢٨
موارد سقوط المهر............................................................ ٤٢٩
لا يجب بالوطىء الواحد
إلا مهر واحد.......................................... ٤٣٠
من بيده عقدة النكاح......................................................... ٤٣١
مواضع لا يسمع فيها
دعوى عنة الزوج......................................... ٤٣٣
الام أولى بالحضانة
الا في مواضع............................................... ٤٣٣
نفقة الزوجة غير مقدرة
بتقدير خاص........................................... ٤٣٤
أسباب الفرقة في النكاح....................................................... ٤٣٥
الطلاق وصيغه............................................................... ٤٣٦
الطلاق في الأحكام
الخمسة.................................................... ٤٣٧
انقسام الطلاق إلى
بائن ورجعي................................................ ٤٣٨
ما يشترط في العدة من
العلم وغيره............................................. ٤٣٩
كيفية الظهار وبعض
أحكامه.................................................. ٤٤١
تقسيم الأسباب إلى
فعلية وقلبية................................................ ٤٤١
فروع في الظهار.............................................................. ٤٤٢
تعليق العتق المنذور
أو الظهار على العين......................................... ٤٤٤
ما يورث من الميت............................................................ ٤٤٥
أسباب الإرث ثلاثة........................................................... ٤٤٦
شرائط الإرث وموانعه........................................................ ٤٤٧
موضعان يتصور فيهما
دور الولاء.............................................. ٤٤٨
الجوانب التي يرثون
ومسائل فيه................................................ ٤٤٩
مواضع الحجب............................................................... ٤٥٠
ضابط القرب والبعد في
الوارثين................................................ ٤٥١
مراتب الإرث بالنسب........................................................ ٤٥٣
ابطال التعصيب.............................................................. ٤٥٤
ابطال العول.................................................................. ٤٥٦
شرح جملة « صار ثمنها
تسعا »................................................ ٤٥٧
تقسيم الوارث إلى ذي
فرض وقرابة............................................ ٤٥٨
اجتماع القرابات والرد
في الإرث.............................................. ٤٥٩
اجتماع عدة أنساب
وأسباب في الوارث........................................ ٤٦٠
موانع الإرث................................................................. ٤٦١
الحجب عن بعض الميراث...................................................... ٤٦٢
الفروض المسماة في
القرآن الكريم.............................................. ٤٦٣
المناسخة وقسمة
التركات..................................................... ٤٦٦
فوائد في الحدود.............................................................. ٤٧٠
ما يغير العقل من
المتناولات.................................................... ٤٧٠
الفرق بين الحد
والتعزيرات.................................................... ٤٧٢
تقسيم القتل بحسب
الأحكام الخمسة........................................... ٤٧٤
تقسيم القتل باعتبار
سببه...................................................... ٤٧٥
ضابط العمد وقسيميه......................................................... ٤٧٥
القصاص وما يعتبر فيه........................................................ ٤٧٧
فروع في العفو عن
القصاص................................................... ٤٧٨
العفو عن الدية............................................................... ٤٨١
كل من لم يباشر القتل
لم يقتص منه............................................ ٤٨٢
ما يعتبر في القود.............................................................. ٤٨٣
العاقلة وما تتحمل من
الدية.................................................... ٤٨٤
كل جناية لا مقدر لها
ففيها الأرش............................................. ٤٨٥
إذا لم يعثر المجتهد
على وجه مرجح............................................. ٤٨٦
القادر على اليقين لا
يعمل بالظن............................................... ٤٨٧
هل يتكرر الاجتهاد
بتكرر الواقعة.............................................. ٤٨٧
اختلاف المجتهدين فيما
يرجع الحس............................................. ٤٨٨
التقليد في العقليات
وتعارض الامارتين........................................... ٤٨٩
الفرق بين الفتوى
والحكم..................................................... ٤٩٠
ضبط ما يحتاج اليه
الحاكم..................................................... ٤٩١
يجوز عزل الحاكم في
مواضع................................................... ٤٩٢
يجوز للآحاد تولية
آحاد التصرفات الحكمية..................................... ٤٩٣
يجوز المقاصة مع قطع
المدعي بالاستحقاق........................................ ٤٩٤
الفرق بين الثبوت
والحكم..................................................... ٤٩٤
الاستفاضة طريق إلى
ثبوت أحكام.............................................. ٤٩٥
اليد تقبل الشدة
والضعف..................................................... ٤٩٦
لا يكلف المدعي بينة
في مواضع................................................ ٤٩٧
مواضع لا يجب فيها
الحضور عند الحاكم........................................ ٤٩٨
ضابط الحبس توقف
استخراج الحق عليه........................................ ٤٩٩
ادعاء الحق على الغير.......................................................... ٥٠٠
لا نظر في الدعاوي إلى
حال المدعي والمنكر...................................... ٥٠١
تحقيق معنى المدعي
والمنكر..................................................... ٥٠٣
تقسيم الدعوى إلى
أقسام...................................................... ٥٠٤
كلما كان المدعى به
حقا فلا ريب في سماعه..................................... ٥٠٥
لا يحكم بالنكول على
الأقوى.................................................. ٥٠٦
البينة حجة شرعية............................................................ ٥٠٨
اليمين على النفي
والاثبات.................................................... ٥١٠
ليس بين شرعية الاحلاف
وبين قبول الاقرار تلازم............................... ٥١١
الحلف دائما على القطع....................................................... ٥١١
كلما جازت الشهادة به
جاز الحلف عليه........................................ ٥١٣
لا يجوز الحلف لاثبات
مال الغير................................................ ٥١٤
هل اليمين كالاقرار أو
كالبينة................................................. ٥١٥
اليمين لنفي شيء لا
يكون لاثبات غيره......................................... ٥١٧
ما يشترك فيه الشهادة
والرواية ويفترقان فيه..................................... ٥١٩
يعتبر في الشهادة
العلم......................................................... ٥٢٣
لا تسمع شهادة الكافر
الا في الوصية........................................... ٥٢٤
تعديد الكبائر من
الذنوب..................................................... ٥٢٧
الاصرار على الصغائر
من الذنوب.............................................. ٥٢٩
التوبة بشروطها تزيل
الكبائر والصغائر.......................................... ٥٣٠
قبول قول المسلم عن
الاخبار بأفعاله............................................ ٥٣٠
ما يذكره الشاهد من
الأسباب................................................. ٥٣٢
في شيء من توابع
القضاء...................................................... ٥٣٣
بحث حول القرعة............................................................ ٥٣٤
القسمة ومعناها الشرعي...................................................... ٥٣٧
مصادر
التحقيق
القرآن الكريم.
الاختصاص ، للشيخ
الفقيه المتكلم ابي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان طهران مكتبة الصدوق ١٣٧٩.
اخترى كبير ، باللغة
التركية. استانبول.
الاربعين ، للشيخ
العارف الفقيه بهاء الملة والدين محمد بن الحسين العاملي. مخطوط.
الارشاد ، للشيخ
الفقيه المتكلم ابي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان. بيروت ١٣٩٩.
اسد الغابة في
معرفة الصحابة ، للعلامة الرجالي عز الدين ابي الحسن علي ابن محمد بن عبد الكريم
الجزري. طهران ١٣٤٢.
الاشعثيات ـ
الجعفريات ، للشيخ ابي علي محمد بن محمد بن الاشعث الكوفي طهران ١٣٦٩.
اعلام الورى ، للعلامة
أمين الاسلام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي. النجف الاشرف ١٣٩٠.
اقرب الموارد
في اللغة ، للعلامة سعيد الخوري الشرتونى اللبناني. طهران ١٣٤٢.
الاكمال : كمال
الدين.
الامالي ، لشيخ
الطائفة المحقة الفقيه المحدث الحسن بن محمد الطوسي. طهران ١٣٠٠.
بحار الانوار ،
للعلامة محيي الشريعة المحقة الشيخ محمد باقر بن محمد تقي المجلسي. طهران الطبعة
الجديدة والكمبانية.
التفسير
للبيضاوي ، العلامة المفسر ناصر الدين عبد الله بن عمر القاضي. طهران ١٣٨٢.
التفسير الكبير
، فخر الدين الرازي مصر.
تمهيد القواعد
، للعلامة الفقيه الشهيد الثاني. مخطوط.
التهذيب ، للشيخ
الفقيه المحدث محمد بن الحسن الطوسي. النجف الاشرف ١٣٧٧.
الجامع الصغير
، للعلامة السيوطي. مصر مصطفى البابى ١٣٧٣.
الجعفريات : الاشعشيات.
الخصال ، للشيخ
المحدث الفقيه محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي. طهران ١٣٧٦.
دائرة المعارف
، للعلامة محمد فريد وجدي. مصر ١٣٥٦.
روضة المتقين
في شرح من لا يحضره الفقيه ، للمولى العلامة الثقة الفقيه
المحدث محمد تقي بن مقصود علي المجلسي الاول. قم ١٣٩٣.
سفينة البحار ،
للمولى المحدث الشيخ عباس القمي. النجف الاشرف ١٣٥٥.
شرائع الاسلام
في مسائل الحلال والحرام ، للشيخ الفقيه المحقق نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى
المحقق الحلي. تبريز ١٢٨٤.
شرح أصول
الكافي ، للعلامة الفقيه المتكلم المولى محمد صالح المازندراني. طهران ١٣٨٢.
شرح نهج
البلاغة ، للعلامة المؤرخ الكلامي عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المدائني. مصر
١٣٧٨.
صحيح البخاري ،
للمولى العلامة المحدث محمد بن اسماعيل البخاري. مخطوط.
علل الشرائع ، للشيخ
الفقيه المحدث الصدوق ابن بابويه القمي. النجف الاشرف ١٣٨٥.
عيون أخبار
الرضا ، للشيخ الاقدم المحدث الفقيه الصدوق ابن بابويه القمي. طهران ١٣٧٧.
الفهرست ، للعلامة
الخبير أبي الفرج محمد بن اسحاق ابن المديم. طهران ١٣٩١.
القاموس المحيط
في اللغة ، للفيروز آبادي.
قرب الاسناد ، للشيخ
المحدث العلامة أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري القمي. طهران.
قضاء حقوق
المؤمنين ، للمولى الشيخ أبي عبد الله الحسين بن طاهر بن
الحسين الصوري. مخطوط.
القواعد والفوائد
، للمولى للعلامة الفقيه الثقة الجليل الشهيد السعيد محمد ابن جمال الدين بن مكى
العاملي. قم ١٣٩٦.
الكافي ، للشيخ
الفقيه المحدث ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني. طهران دار الكتب الاسلامية
١٣٧٧.
كمال الدين
وتمام النعمة ، للشيخ الاجل المحدث الفقيه الكبير الصدوق. طهران ١٣٩٠.
كنوز الحقائق ،
للمولى عبد الرؤف المناوي. مصر في هامش الجامع الصغير ١٣٧٣.
مجمع البحرين ،
للمولى المحدث اللغوي الشيخ فخر الدين بن طريح. طهران ١٢٧٧.
مجمع البيان ، للشيخ
المفسر أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي. صيدا ١٣٣٣.
المحاسن ، للمولى
الشيخ الثقة الجليل أبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي. النجف الاشرف ١٣٨٤.
مرآة العقول ، للمولى
العلامة محمد باقر المجلسي. طهران ١٣٩٤.
المصباح المنير
، للعلامة اللغوي الاديب أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي. مصر ١٣٤٧.
معاني الاخبار
، للشيخ المحدث الصدوق ابن بابويه القمي. طهران ١٣٩٧.
معجم البلدان ،
للعلامة المتتبع الشيخ أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي. ليدن.
المعجم المفهرس
، للعلامة محمد فؤاد عبد الباقي. مصر ١٣٧٨.
مغني اللبيب في
النحو ، للعلامة الاديب جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف المشهور بابن هشام.
مصر ١٣٧٢.
المفردات ، للعلامة
الاديب اللغوي أبي القاسم حسين بن محمد الراغب الاصفهاني. طهران ١٣٧٣.
المقنع ، للشيخ
الفقيه المحدث أبي جعفر الصدوق ابن بابويه. قم ١٣٧٧.
المناقب ، للعلامة
المؤرخ الفقيه المحدث عز الدين أبي جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب. طهران ١٣١٧.
المنجد ، للعلامة
اللغوي الاب لويس معلوف اليسوعي. بيروت.
من لا يحضره
الفقيه ، للشيخ الاقدم أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه. قم ١٣٨١.
وسائل الشيعة ،
للعلامة المحدث الجليل الفقيه النبيل الشيخ محمد بن الحسن ابن علي بن محمد بن
الحسين الحر العاملي. طهران ١٣٨٣.
|