

المقدمه
بعد انتصار الثورة الاسلاميّه في ايران
واشتداد قدرتها يوماً فيوماً رأى الاستكبار العالمي أنّ منافعه في خطر جدّي إذ زعم
في البداية أنّ الثورة الاسلاميّه ايضا كما هو دأب سائر الثورات والحركات تميل الي
الغرب او الشرق قتصير محدودة ولا تكون مضرة بحاله ، ولكن فهم تدريجاً ان هذه
الثورة الاسلاميّة بتمام معنى الكلمة وهدفها إحياء الإسلام في كلّ العالم وانقاذ
المسلمين من يد المستعمرين.
بعد أمد قصير من نجاح الثورة وانعطاف
المسلمين من أقصى العالم إليها وجعل الثورة أملاً وأسوة لهم إزدادت مخاوف
المستعمرين فقاموا بمواجهة هذه الثورة بشتّى الوسائل ، فدبّروا مؤامرةً شيطانيّة
لمجابهة الثورة وإسقاط نظام الجمهورية الإسلاميّة وذلك من خلال فرض الحرب من قبل
العراق ودعم الاحزاب المعارضة للنظام الاسلامي وغيرها ، هذا من الجانب السياسي.
ومن جانب أخر هاولوا إثارة النزاعات
الطائفيّة بزرع الفتنة أو إحياء الخلافات الجزئية الّتي كانت تبيد على مرّ العصور
لكنهم أرادوا ان يمزّقوا شمل المسلمين وان يفصلوا عضواً مهمّاً من جسد الأمّة
الإسلاميّه المتمثّل بالطائفة الشيعيّة وارادوا ان يبرزوا للعالم ـ ما هو خلاف
الواقع ـ وهو أنّ الثورة في ايران ثورة طائفيّة لا علاقه لها بالعالم الاسلامي.
ومع الأسف الشديد إنّ كثيراً من حكّام
البلاد الإسلاميّة لقطع أيادي الاستعمار من البلاد الإسلاميّة عن طريق توعية
المسلمين وتصدير فكر ثورة الإسلامية الإيرانيّة إلى سائر البلاد قاموا بمعاداة
النظام الاسلامي وتؤازروا مع المعسكر الكفر العالمي لمواجهة هذه الثورة الفتيّة
والسعي لبّث الخلاف بين ابناء الأمّة الإسلاميّة وإشاعة التهم ضد اتباع بعض
المذاهب.
وكان من التهم الّتي أوردوا على الشيعة
قبل الثورة الإسلامية وركّزوا عليها بعدها هي تهمة تحريف القرآن. وهذا مما يؤسفنا
اذ بعد اضمحلال الغلاة والحشويّة وانهيار عقائدهم وبعد ان اثبت العلماء بالبراهين
الواضحه أنّ قرآن الّذي بين الدفّتين هو القرآن الّذي نزل على محمّد صلىاللهعليهوآله وهو الذي جمع في
عهد النبيّ صلىاللهعليهوآله
وعدم اعتبار الروايات المجعولة التي كانت مخالفة لهذا الرأي وبعد اعلام جميع علماء
الإسلام في كلّ العالم بأنّ هذا القرآن هو القرآن المنزل على رسولنا صلىاللهعليهوآله وبعد
مساعي جمهوريّة
الإسلاميّة الإيرانيّة لطبع هذا القرآن بخطّ عثمان طه ونشره في كلّ العالم وحثّ
المسلمين على تلاوته وحفظه وبعد اضمحلال الأرضيّة التي يمكن ان تنبت عقيدة التحريف
بعد كلّ هذا نرى جمعاً من العلماء المرتزقة من وعّاظ السلاطين بوحي من الحكام
الخونة ينسبون تحريف القرآن الى الشيعة بدلاً من رد هذا القول السخيف. وقد تصدّوا
الترويج ذلك ، فنراهم يطرحون هذا الافتراء كلّ يوم بعناوين جديدة لاتّهام الشيعة ،
والحال أنّ العقيدة الشيعة خلاف ذلك وعلماء الشيعة صرّحوا في كتبهم المختلفة بأنّ
القرآن المنزل على النبيّ صلّى الله عليه وآله ولم يمسه يد التغيير والتحريف كما
اخبر بذلك الخبير المتعال في قوله تعالى : (انا نحن نزلنا الذكر
وانا له لحافظون)
فمن كان
لديه أدنى معرفة بكتب الشيعة وما فيها يعلم ان نسبة تحريف القرآن إليهم كذب محض
واتّهام نشأ من الجهل أو من الأغراض السياسيّة بل هي اسطورة بناها الخونة والأعداء
الإسلام والمسلمين.
وعقيدتنا في هذه المسألة هي النفي
التامّ لها وردّ الأخبار الواردة في الآثار الإسلاميّة الّتي توهم وجود التحريف أو
التغيير أو النقص ، فهي لا تخرج عن كونها أخبار آحاد وطرقها ضعيفة ومخالفة للقرآن
الكريم ، فلا يمكن الركون اليها مقابل تواتر القرآن الكريم والأخبار الّتي تدلّ
__________________
على سلامته ، فيجب
علينا تأويل تلك الأخبار أو تفسيرها وتحليلها أو ردّها.
بل نقول أنّ كون القرآن محظوظاً من
التحريف بديهى بين المسلمين خصوصاً عند الشيعة ، ولم يعرض لهم شكّ في هذه المسألة
إلاّ لبعض الأخبارية منهم ، ودليل ذلك أنّ الشيعة الإمامية يستدلّون ويستندون الى
القرآن في المسائل الفقهيّة والأبحاث الاجتماعيّة والسياسيّة والأخلاقيّة وغيرها
ويتمسّكون به وله عندهم قيمة عظيمة فوق كلّ كتاب ، ويهتمّون بحفظه وتلاوته وطبعه
صحيحاً ودوّنوا حوله كتباً تفسيرية وشروحاً وترجمات كثيرة.
فذلك ليس من الإنصاف توجيه هذا الإتّهام
إلى المسلمين والشيعة خصوصاً بعد نجاح ثورة الإسلاميّة واستقرار النظام الإسلامي
واهتمام هذا النظام بالقرآن وسيعة واجتهاده في نشر القرآن صحيحاً في جميع أقطار
العالم وإيجاد مؤسّسة تشرف على طبع القرآن الصحيح عند جميع المسلمين وتخصيص مطابع
لطبع القرآن.
لكن مع بالغ أسف نرى تكرار هذا الإتّهام
السخيف ونسبته إلى الشيعة يوماً فيوماً فلهذا رأيت أنّ البحث في هذه المسألة ضروري
فاخترت هذا الموضوع حتيّ أوضح أنّها فرية ومقالة باطلة بل أسطورة ليس لها أيّة
قيمة كما ستعرف ضمن البحث إن شاء الله.
إن القرآن هو كتاب الله المنزل على
رسوله الأمين لهداية الناس وتزكيتهم وإخراجهم من الظلمات الجهل إلى نور العلم ، وهو
دستور
لجميع أهل الدنيا
منذ نزوله من عند الله وهو الّذي لا ياتيه الباطل منذ نزوله وإلى يومنا هذا وإلى
يوم القيامة كما أخبر به جلّ وعلا بقوله : (وَإِنّهُ لكتابٌ عزيزٌ
* لا يأتيهِ الباطلُ مِن بينِ يَديهِ ولامن خلفِهِ تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ)
وهو الكتاب قويم لايعتريه أيّ خطاء ونقصٍ ولا تمسّه أيدي المضلّين والخونة وهو
الكتاب الّذي عجز الجنّ والإنس من أن يأتوا بمثله ولو بسورة قصيرة وإن كان بعضهم
لبعض ظهيراً ـ حيث قال : (وَقل جاءَ الحقُّ وزهقَ
الباطلُ إنَّ الباطلَ كانَ زهوقاً)
وقال : (كذلكَ
يضربُ اللهُ الحقَّ والباطلَ فأمّا الزَبَدُ فيذهَبُ جفاءً وَأمّا ما ينفعُ
النّاسَ فيمكُثُ في الأرضِ)
.
وفي الختام جدير أن أتقدّم بجزيل الشكر
والتقدير لأستاذنا العلاّمة آية الله الشيخ محمد هادي المعرفة ـ أعلى الله مقامه
الشريف ـ لهدايتي وإرشادي في سبيل تدوين هذه الرسالة ومراجعته بعد تدوينها وبيان
ملاحظات جيّدة لتكميلها أرجو له من الله تعالى أن يحشره مع الرسول وآله عليهم
السلام.
|
محمود الشريفي
٢٠ / ٨ / ٨٦
|
__________________
الفصل الأوّل
معني التحريف
وأقسامه
معنى
التّحريف لغةً
قال الزمخشري : (على حرفٍ) : على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه. وهذا
مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم ، لاعلى سكون وطمأنينة ، كالّذي يكون على طرف
العسكر ، فإن أحسّ بظفر وغنيمة قرّ واطمأنّ ، والاّ فرّ وطار على وجهه.
وقال الطريحي : التحرّف الميل إلى حَرفٍ
أي طرف ، وقيل يريد الكرّ بعد الفرّ وتغرير العدوّ. وقوله : (يَسمَعُون
كلامَ اللهِ ثمَّ يحرِّفونَهُ)
أي يقلبونه ويغيّرونه ، وحرفُ كلّ شيءٍ : طرفه وشفيره وحدّه.
وقال الراغب الإصفهاني : وتحريف الكلام
أن تجعله على حَرفٍ من
__________________
الاحتمال يمكن حمله
على الوجهين ، قال عزّ وَجلّ : (يحرِّفونَ الكِلمَ عن
مواضِعِهِ)
و (يحرِّفونَ الكِلمَ من بعد مواضِعِهِ) و (يحرِّفونَ الكِلمَ من
بعدِ ما عقلوهُ).
ومعلوم أنّ التحريف بهذا المعنى تفسير
معنوي أي تفسير الكلم على غير وجهها وبغير ما وضعت له.
القرآن ولفظ التحريف
استعمل القرآن لفظ التحريف في معناه
اللغوي ، أي التصرّف في الكلمة وتفسيرها على غير وجهها ، وهو تحريف معنوي كما أشير
إليه في قول الله تعالى : (يحرِّفونَ الكَلِمَ عن
مواضعهِ).
وكذا في قوله تعالى في سورة البقرة : (وقد كانَ
فريقٌ منهُم يسمَعونَ كلامَ اللهِ ثمَّ يحَرِّفونهُ من بعدِ ما عقلوُهُ)
أي : أنهم كانوا يحرّفونه بعد علمهم بالمعنى الحقيقي الذي اُريد منه ، ولكن كان
المراد الحقيقي على خلاف مصالحهم.
فهو من سوء التأويل كما عبّر عنه الشيخ
الطوسي في التبيان وقال : « وقوله (يحرِّفونَ الكَلِمَ) فالتحريف يكون بأمرين : بسوء التأويل
وباتغيير والتبديل ».
___________________
وكذلك أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى :
(وَإنَّ منهم لفريقاً يَلوُونَ ألسِنتهُم
بِالكتابِ لتَحسبوُهُ من الكتابِ وما هوَ من عند اللهِ ويقولونَ عَلَى اللهِ
الكذبِ وهُمْ يعْلَمُونَ).
وقال الشيخ محمد عبده : « من التحريف
تأويل القول بحمله على غير معناه الّذي وضع له ، وهو المتبادر ، لأنّه هو الّذي
حملهم على مجاحدة النبيّصلىاللهعليهوآله
وانكار نبوته وهم يعلمون إذ أوّلوا ولا يزالون يؤوّلون البشارات به الى اليوم. »
وأمّا التحريف اللفظي بمعنى الزيادة أو
النقصان أو التبديل الكلم إلى كلمات غيرها فلم يعهد استعماله في القرآن ظاهراً ، كما
اشير إليه بعض المحقّقين.
أمّا التحريف المعنوي فقد وقع في القرآن
قطعاً ، فتحمل فيه الآيات على غير معانيها ، ولعلّ إلى هذا المعنى أشار الإمام
الباقرعليهالسلام
في رسالته إلى سعد الخير حيث قال : « وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه ، وحرّفوا
حدوده فهم يروونه ولا يرعونه ».
ولكن هذا المعنى من التحريف ليس محطّ
نظرنا وبحثنا بل مورد بحثنا هو التحريف اللفظي الاصطلاحي.
__________________
أقسام التحريف
اللفظي
والتحريف اللفظي والاصطلاحي على أقسام
مختلفه ، فيجب علينا بيان اهمّها والبحث عنها :
القسم الأوّل : التغيير في
الحروف والحركات.
القسم الثاني : التغيير في
الكلمات.
القسم الثالث : التغيير في
الآيات والسور.
أمّا
القسم الأوّل وهو التغيير
والتحريف في الحركات فقد وقع في القرآن لوجود اختلاف القراءات في بعض كلمات آيات
القرآن حتّى بلغت القراءات السبع أو العشر.
لكن إنّا نعتقد أنّ اختلافها لم يأت من
الله عزّ وجلّ أو الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله
بل جاء من جانب المسلمين لعدم وقوفهم على القراءة الّتي علّمهم إيّاها الرسول صلىاللهعليهوآله وتفرّقهم في البلاد
مع وجود بعض اللهجات الخاصّة في البلاد ممّا وجود يمهد الأرضية اللازمة التحريف
والتغيير في
الإعراب والحروف كما
يمكن أن يمكن أن تكون علّة ذلك عدم وجود النقط وعلامات الإعراب في المصحف في ذلك
الزمان كقراءة (فتبيّنوا) ، (فتثبتوا) ولدلائل أخرى ...
وهذه الاختلافات في القراءة دوّنها
المفسّرون وغيرهم في كتبهم التفسيرية وكتب القراءات حتىّ صار علم القراءة علماً
خاصاً من علوم القرآن كما روى أهل السنّة والشيعة.
ومن أراد مزيد الاطّلاع على هذه القراءات
فليراجع تفسير مجمع البيان الطبرسي حيث روى هذه الإختلافات.
والقرآن الّذي بين الدفّتين كُتب على
أساس القراءات المشهورة الّتي ثبت تواترها أو اشتهارها عند المسلمين.
وأمّا
قسم الثاني والثالث وهو تغيير بعض
الكلمات أو زيادة بعض الكلمات والآيات اعتقاداً بأنّه يجوز تبديل بعض الكلمات
المشتركة أو لإيضاح الكلمات ورفع الإبهام منها كما أعلن الجواز في ذلك ابن عباس
على ما يروى عنه فهو ممّا لا بأس به من التزام الشرط وعدم الالتباس.
وأمّا مع الاعتقاد بأنّها من النصّ
القرآني فهو سخيف ، كما نردّ ونعرض عن روايات الآحاد الّتي وردت حول تحريف هذه
الكلمات والآيات.
وأمّا ازدياد بعض السور كما نقل عن بعض
المنحرفين كإنكار كون سورة يوسف من القرآن فهو قول سخيف وباطل لايعتنى به.
وأمّا التحريف بالنقيصة بمعنى حذف بعض
الكلمات أو الآيات أو السور فهو مما ننكره أشد الإنكار ولم يقبله عامّة المسلمين
إلاّ القليل منهم وإن وردت فيه روايات أكثرها من طرق اهل السنّة وبعضها من طرق
الشيعة إلاّ أنّ الجميع هذه الروايات تكون في موضع رفض من قبل المسلمين ، وسنبحث
عنها فيما يلي نحو الاختصار بعون الله تعالى.
ملخّص
كلام المرحوم آية الله العظمى الخوئي :
قال : يطلق لفظ التحريف ويراد منه عدّة
معان على سبيل الاشتراك ، فبعض منها واقع في القرآن باتّفاق من المسلمين ، وبعض
منها لم يقع فيه باتّفاق منهم ايضاً ، وبعض منها وقع الخلاف بينهم.
واليك تفصيل ذلك :
الأوّل : نقل الشيء عن موضوعه وتحويله
إلى غيره ، ومنه قوله تعالى : (مِنَ الّذينَ هادوا
يحرِّفونَ الكَلِمَ عنْ مواضِعِهِ).
ولا خلاف بين المسلمين في وقوع هذا
التحريف في كتاب الله ، فأنّ كلّ من فسّر القرآن بغير حقيقته وحمله على غير معناه
فقد حرّفه ، مثل أهل البدع والمذاهب الفاسدة الذين حرّفوا القرآن بتأويلهم آياته
على آرائهم وأهوائهم ، وقد ورد المنع عن التحريف بهذا المعنى وذمّ فاعله في عدّة
مرات من الروايات.
الثاني
: النقص أو الزيادة في الحروف أو في
الحركات ، مع حفظ
____________________
القرآن وعدم ضياعه ،
وإن لم يكن متميّزاً في الخارج عن غيره.
والتحريف بهذا المعنى واقع في القرآن قطعاً
، ومعناه أنّ القرآن المنزل إنّما هو مطابق لإحدى القراءات ، وأمّا غيرها فهو إمّا
زيادة في القرآن وإمّا نقيصة فيه.
الثالث
: النقص أو الزيادة بكلمة أو كلمتين ، مع
التحفّظ على نفس القرآن المنزل. والتحريف بهذا المعنى قد وقع في صدر الإسلام في
المصاحف التي انقطعت بعد عهد عثمان ، وأمّا القرآن الموجود فليس فيه زيادة ولا
نقيصة.
الرابع
: التحريف بالزيادة والنقيصة في الآية
والسورة مع التحفّظ على القرآن المنزل ، والتسالم على قراءة النبيّ صلىاللهعليهوآله إيّاها.
والتحريف بهذا المعنى أيضاً واقع في
القرآن قطعاً ، فالبسملة ـ مثلاً ـ مماّ تسالم المسلمون على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قرأها قبل كلّ سورة
غير سورة التوبة ، وقد وقع الخلاف في كونها من القرآن بين علماء السنّة ، فاختار
جمع منهم أنّها ليست من القرآن ، وذهب جماعة أخرى إلى أنّ البسملة من القرآن.
وأما الشيعة فهم متسالمون على جزئية
البسملة من كل سورة غير سورة التوبة ، فعلى هذا وقع التحريف في القرآن بالزيادة أو
بالنقيصة.
الخامس
: التحريف بالزيادة بمعنى أنّ بعض المصحف
الّذي بين أيدينا ليس من الكلام المنزل.
والتحريف بهذا المعنى باطل بإجماع
المسلمين ، بل هو مماّ علم بطلانه باضرورة.
السادس
: التحريف بالنقيصة بمعنى أنّ المصحف
الّذي بأيدينا لايشتمل على جميع القرآن الّذي نزل من السماء فقد ضاع بعضه على
الناس.
والتحريف بهذا المعنى هو الّذي وقع
الخلاف فيه ، فأثبته قوم ونفاه آخرون.
ثمّ قال : والمعروف بين المسلمين عدم
وقوع التحريف في القرآن ، وأنّ الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبيّ
الأعظم صلىاللهعليهوآله
، وقد صرّح بذلك كثير من الأعلام :
منهم رئيس المحدّثين الصدوق
محمد بن بابوية ، وقد عدّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإمامية.
ومنهم شيخ الطائفة أبوجعفر محمد بن
الحسن الطوسي
، وصرّح بذلك في أوّل تفسيره (التبيان) ونقل القول بذلك أيضاً عن شيخه علم الهدى
السيّد مرتضى ، واستدلاله على ذلك بأتّم دليل.
ومنهم المفسّر الشهير الطبرسي
في مقدمة تفسيره ( مجمع البيان ).
ومنهم شيخ الفقهاء الشيخ جعفر
في بحث القرآن من كتابه ( كشف الغطاء ) وادّعى الإجماع على ذلك
ومنهم العلاّمة الجليل الشهشهاني
في بحث القرآن من كتابه ( العروة الوثقى ) ونسب القول بعدم تحريف إلى جمهور
المجتهدين.
ومنهم المحدّث الشهير المولى محسن القاساني
في كتابيه.
ومنهم بطل العلم المجاهد الشيخ محمد
جواد البلاغي
في مقدّمة تفسيره (آلاء الرحمن).
ولكن مع ذلك كلّه اتّهموا الشيعة بأنّهم
معتقدون بتحريف القرآن والسبب أنّه توجد في مصادرهم روايات تدّعي أنّ القرآن وقع
فيه التحريف ولابدّ أنّهم يعتقدون بها.
ولقد بالغوا مبغضو الشيعة في هذه التهمة
، وشنعوا بها علينا ونشروا حولها الكتب والمناشير حتّى زعم بعضهم أنّ الشيعة ليسوا
مسلمين ، ونشير هنا إلى بعضها :
نموذج من نصوص
التهمة
١. قال الكاتب الهندي الوهاّبي إحسان
إلهي ظهير في كتابه (الشيعة والسنّة) صفحه ٦٥ تحت عنوان (الشيعة والقرآن) :
(من أهمّ الخلافات التي تقع بين السنّة
والشيعة هو اعتقاد أهل السنّة بأنّ القرآن المجيد الذي أنزله الله على نبينا صلىاللهعليهوآله هو الكتاب الأخير
المنزل من عند الله إلى الناس كافّة وأنّه لم يتغيّر ولم يتبدّل. وهو الموجود بين
دفّتي المصاحف لأنّ الله قد ضمن حفظه وصيانته من أي تغيير وتحريف وحذف وزيادة ، على
خلاف الكتب المنزلة القديمة السالفة ،
_________________
من صحف ابراهيم
وموسى وزبور وانجيل وغيرها ، فإنّها لم تسلم من الزيادة والنقصان بعد وفاة الرسل ،
ولكن القرآن أنزله سبحانه وتعالى وقال :
(إنّا نحنُ نَزَّلْنا
الذِّكرَ وإنّا لهُ لَحافظونَ)
وقال : (إنَّ علينا جمعهُ وقُرآنَهُ
* فإذا قَرَأناهُ فَاتَّبعْ قرآنهُ * ثمَّ إنَّ علينا بيانَهُ).
وقال : (لا يأْتيِهِ الباطلُ
مِن بينِ يديهِ ولا من خَلفهِ تَنزيلٌ من حكِيمٍ حميدٍ).
وإنّ عدم الايمان بحفظ القرآن وصيانته
يجرّ الى إنكار القرآن وتعطيل الشريعة التي جاء بها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، لأنّه حينذاك
يحتمل في كلّ آية من آيات الكتاب الحكيم أنّه وقع فيها تبديل وتحريف ، وحين تقع
الاحتمالات تبطل الاعتقادات والإيمانيات ، لأنّ الايمان لا يكون إلاّ باليقينيات
وأماّ بالظنيّات والمحتملات فلا.
وأمّا الشيعة فإنّهم لا يعتقدون بهذا
القرآن الكريم الموجود بأيدي الناس ، والمحفوظ من قبل الله العظيم ، مخالفين أهل
السنّة ، ومنكرين لجميع النصوص الصحيحة الواردة في القرآن والسنّة ، ومعارضين كلّ
ما يدلّ عليه العقل والمشاهدة ، مكابرين للحقّ وتاركين للصواب.
_________________
فهذا هو الإختلاف الحقيقي الأساسي بين
أهل السنّة والشيعة ، بين المسلمين والشيعة؛ لأنّه لا يكون الإنسان مسلماً الاّ
باعتقاده أنّ القرآن هو الذي بلغه رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى الناس كافّة بأمر من الله عزّ وجلّ ، وانكار القرآن ليس إلاّ تكذيباً بالرسول.
)
٢. قال الدكتور الغفاري :
(فرية التحريف ابتدأ القول بها الروافض
في القرن الثاني ، ونسبت إلى هشام بن الحكم وشيطان الطاق ... وإنّ بعض أهل العلم
ينسب هذه العقيدة إلى الباطنية في حين أنّ الباطنية لم تخصّ بهذا المقالة ، والّذي
تولّى كبرها واكثر الوضع فيها هم الإثنا عشرية.
ثمّ قال : إنّ أصحاب هذه المقالة والكتب
الّتي حوت هذا الكفر ـ أي تحريف القرآن نعوذ بالله ـ هي محلّ تقدير عند هؤلاء [ أي
الامامية ] وصدق الموقف يقتضي البراءة من معتقديها كالكليني وكتابه الكافي والقمي
وتفسيره وغيرهما ممّن ذهب إلى هذه الكفر.)
٣. قال مال الله :
(ذهب أكثر علماء الشيعة أمثال الكليني
صاحب الكافي والروضة والقميّ صاحب التفسير والشيخ المفيد والطبرسي صاحب الاحتجاج
والكاشي والجزائري والأردبيلي والمجلسي وغيرهم من علماء الشيعة الإثني عشرية إلى
قول بتحريف القرآن وأنّه أسقط من القرآن كلمات
_________________
بل آيات حتّى أنّ أحد
علمائهم المتأخّرين وهو النوري صنّف كتاباً أسماه ( فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب
) أورد فيه كلام علماء الشيعة القائلين بالتحريف ، غير أنّ بعض علماء الشيعة أمثال
الطوسي صاحب التبيان والشريف المرتضي والطبرسي صاحب مجمع البيان لعلوم القرآن وبعض
منهم في العصر الحاضر أنكروا وقوع التحريف ، ربما يظنّ القارئ أنّ ذلك الإنكار
صادر عن عقيدة ، بل الحقيقة أنّ ذلك من منطق التقيّة الّتي يجتمعون بها .... )
وهناك نصوص أخرى وتُهم كثيرة في هذا
المعني نتركها لعدم الفائدة في تطويلها. وسيأتيك عن قريب الجواب الشافي عن هذه
التهمة وأدع الأمر إليك عزيزي القاريء لتحكم بنفسك وليتّضح لديك بأنّ المحقّق
المؤمن المنصف لا يلقي الكلام على عواهنه ولا يكيل التهم على المسلمين من دون دليل.
ولكن هنا نسأل كيف يحكم الكتاب الهندي
بكفر من شهد بأنّه لا إله هو وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله والقرآن
كتاب الله انزله عليه في حين يقول الله تبارك وتعالى : (يا أيّها
الّذينَ آمَنوا إذا ضَرَبتُمْ في سبيل الله فتَبيَّنوا ولا تقولوا لِمنْ ألقى
إليكُمُ السّلامَ لَستَ مؤمِناً تَبْتغُونَ عرض الحياة الدُّنيا فعندَ اللهِ
مغانمُ كثيرةٌ كذلكَ كُنتمْ مِن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عليكمْ فتبيّنوا إنَّ اللهَ
كانَ بمِا تعملونَ خبيراً)
_________________
فقد أكدّ القرآن هنا على حقيقة مهمةّ وهي
لزوم فتح الصدور والقبول ممّن أظهر الإسلام ولو بمجرّد القول وعدم التشكيك في
عقائد الناس ، لا التفتيش عنها إذا قبلوا الدعوة النبويّة ونطقوا بكلمة التوحيد ( لا
إله إلاّ الله ) ونهى الله جلّ وعزّ عن محاولة طرد من قال : إنيّ مسلم وعن رفض
إسلامه لمجرّد الرغبه في عناوين دنيوية مثل الاستيلاء على المناصب الدينية وترويج
الحزب والمذهب و ...
ويقول النبي الأعظم صلىاللهعليهوآله : كفّوا عن اهل لا اله
الاّ الله لا تكفّروهم بذنب ، فمن كفّر أهل لا اله الاّ الله فهو في الكفر أقرب.
ونسأل ايضاً عن الدكتور الغفاري ماذا
يقول في روايات أهل السنّة في هذا المقام؟ إذ أنهّ لابدّ أن يكون قد اطّلع على
الأنواع المختلفه لتلك الروايات في كتب أهل السنةّ.
ونسأل مال الله هل إنّ أغلب علماء
الشيعة قالوا بتحريف القرآن؟ وهل إنّ الأشخاص الذين سرد مال الله أسماءهم نظير : الكليني
، القميّ ، المفيد و ... قائلون بالتحريف؟
وهل إنّ إنكار تحريف القرآن من قبل
علماء الشيعة من باب التقيّة؟
ألم يتعرّض علماء الشيعة بالنقد
والتجريح لتلك الروايات؟
ولِمَ لم يتعرّض هؤلاء الكتّاب إلى نقل
أقوالهم في النقد والتجريح كما ستعرف ذلك في الآتي؟
_________________
وأخيراً هل إنّ أهل السنّة الذين حكموا
بكفر من يعتقد هذا لم يذكروا روايات التحريف في كتبهم؟
نرجو من الله أن يعصمنا من الزلاّت
والخطيئات والفتن في آخرالزمان.
الفصل الثاني
أدلّة عدم
بحريف الكتاب
الآيات الدالّة على نفي
التحريف
١. قولع تعالى : ( إنّا نحْنُ نزَّلنا الذِّكر وإنّا نحن لهُ
لَحافِظُون )
هذه الآية صريحة في صيانة القرآن من
التحريف وغيره ، لأنّ المراد من الذكر في هذه الآية هو القرآن العظيم كما قال
المفسّرون وهي تدلُّ على ضمان ووعد الهي بحفظ القرآن من وقوع التحريف وضياع شيء
منه ونقصانه عمّا أنزله الله على نبيّه إلى الأبد وضمانه مقبول ووعده لايختلف ولا
يتهلّف كما ورد في القرآن : (إنَّ اللهَ لا يُخلفُ
الميعادَ)
.
قال شيخ الطائفة :
(وقوله : (إنّا نحنُ نزَّلنا
الذِّكرَ)
يعني القرآن في ـ قول الحسن والضحّاك وغيرهم ـ (وَإنّا لهُ لَحافِظونَ) قال قتاده : لحافظون من الزيادى
والنقصان. ومثله قوله (لا يَأْتيهِ الباطلُ ِمن
بينِ يدَيهِ ولا مِنْ
____________________
خلفِهِ) وقال الحسن : لحافظون حتّى نجزى به يوم
القيامة أي لقيام الحجة به على الجماعة من كلّ لزمته دعوة النبيّ صلىاللهعليهوآله.)
وقال العلاّمة الطباطبائي ـ في تفسيره
في قوله تعالى (إنّا نحنُ نزّلنا الذكرَ) ـ : (صدر الآية مسوق سوق الحصر ، وظاهر
السياق أنّ الحصر ناظر إلى ما ذكر من ردّهم القرآن بأنّه من أهذار الجنون).
ثم قال : (والمعنى ـ على هذا والله أعلم
ـ أنّ هذا الذكر لم تأت به أنت من عندك حتىّ يعجزونك ويبطلوهم بعنادهم وشدّة بطشهم
وتتكلّف لحفظه ثمّ لا تقدر ، وليس نازلاً من عند الملائكة حتىّ يفتقر إلى نزولهم
وتصديقهم إيّاه بل نحن أنزلنا هذا الذكر إنزالاً تدريجاً وإنّا له لحافظون بماله
من صفة الذكر بما لنا من العناية الكاملة به. فهو ذكر حيّ خالد مصون من أن يموت
وينسى من أصله ، مصون من الزيادة عليه بما يبطل به كونه ذكراً ، مصون من النقص ، كذلك
مصون من التغيير في صورته وسياقه بحيث يتغيّر به صفة كونه ذكر الله مبيّناً لحقائق
معارفه.)
فعلى هذا انّ اللّام في الذكر للعهد
الذكري ، فيكون المراد من الذكر
__________________
هو القرآن قطعاً كما أنّ المراد بالذكر في الآية
السابقة على هذه الآية ـ قبل آيتين ـ هو القرآن قطعاً ، فلا يعبأ بمن قال إنّ
المراد بالذكر هو النبيّ صلىاللهعليهوآله
كما قال العلاّمة أيضاً في تفسيره :
(ومن سخيف القول إرجاع الضمير في (له)
إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله
، فإنّه مدفوع بالسياق كما يشير إليه بقوله سابقاً : (وقالوا يا أيُّها
الَّذي نُزٍّلَ علَيْهِ الذِّكر إنَّكَ لَمجنونُ).
مضافاً إلى أنّه لو كان الرسول بياناً
للذكر كان المناسب أن يقول (إنّا نحن أرسلنا الذكر وإنّا له لحافظون) لا التعبير
بالإنزال ، فالظاهر كما قال المفسرون أن يكون المراد من الذكر هو القرآن.
وقال الطبرسي أيضاً :
( (إنّا نحنُ نزَّلْنا
الذِّكرَ)
أي القرآن (وَإنّا لهُ لَحافظونَ) عن الزيادة والنقصان والتحريف والتغيير
، عن قتاده وابن عباس ، ومثله (لا يَأتيهِ الباطِلَ
مِن بينِ يدَيْهِ ولا من خلفِهِ)
).
وقال آية الله العظمى الخوئي رحمهالله : (فإنّ في هذه
الآية دلالة على حفظ
__________________
القرآن من التحريف ،
وأنّ الأيدي الجائرة لن تتمكّن من التلاعب فيه).
وقال الأستاذ العلاّمة الشيخ محمد هادي
المعرفة : (هذه الآية الكريمة ضمنت بقاء القرآن وسلامته عن تطرّق الحدثان عبر
الأجيال.
وهو ضمان إلهي لا يختلف وعداً صادقاً (إنَّ اللهَ
لا يخلِفُ الميعادَ).
وهذا هو مقتضى قاعدة اللطف : (يجب على
الله تعالى ـ وفق حكمته في التكليف ـ فعل ما يوجب تقريب العباد إلى الطاعة وبعدهم
عن المعصية). ولا شكّ أنّ القرآن هو عماد الإسلام وسنده الباقي مع بقاء الإسلام ، وهو
خاتمة الأديان السماوية الباقية مع الخلود ، الأمر الذي يستدعي بقاء أساسه ودعامته
قويمة مستحكمة لاتتزعزع ولاتنثلم مع عواصف أحداث الزمان. وأجدر به أن لا يقع عرضةً
لتلاعب أهل البدع والأهواء ، شأن كلّ سند وثيق يبقى ، ليكون حجّة ثابتة مع مرّ
الأجيال.
وهذا الضمان الإلهي هو أحد جوانب إعجاز
هذا الكتاب ، حيث بقاؤة سليماً على أيدي الناس وبين أظهرهم ، وليس في السماء في
البيت المعمور في حقائب مخبوءة وراء الستور ، ليس هذا اعجازاً ، إنّما الإعجاز هو
حفظه وحراسته في معرض عامّ وعلى ملأ الأشهاد.
__________________
٢. قوله تعالى : ( وإنَّهُ لكتابٌ عزيزٌ * لايأْتيهِ الباطلُ من
بينِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خلفِهِ تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ
)
هذه الآية تؤكّد بأنّ القرآن كتاب عزيز
نزل من عند العزيز الّذي هو حكيم وحميد وأنّه لا طريق للباطل إليه من أيّة جهة من
الجهات ، فالمنصف إذا أمعن النظر يفهم أنّ هذا القرآن مصون ومحفوظ من التحريف
وسليم من حوادث الزمان.
قال الأستاذ العلاّمة الشيخ محمد هادي
المعرفة :
(هذه الآية أصرح دلالة من الآية لأولى ،
فقد وعد تعالى بصيانته من الضياع وسلامته من حوادث الأزمان ، مصوناً محفوظاً يشقّ
طريقه إلى الأمام بسلام.
وقوله (
لا يأتيهِ
الباطلُ من بَين يدَيْه ولا مِن خَلفِهِ
) الباطل : الفاسد
الضائع ، أي لا يعرضه فساد أو نقص لا في حاضره ولا في مستقبل الأيّام : وذلك لأنّه
تنزيل من لدن حكيم عليم.
وأنّ حكمته تعالى لتبعث على ضمان حفظه
وحراسته مع أبدية الإسلام (حميد) : من كان محموداً على فعاله فلا يخلف
الميعاد.)
قال العلاّمة الطباطبائي :
( وقوله : (وَإنَّهُ لكتابٌ عزيزٌ) الضمير للذكر وهو القرآن ، والعزيز : عديم
النظير المنيع الممتنع من أن يغلب ، والمعنى الثاني أنسب
__________________
لما يتعقّبه من قوله
: (لا يأتيهِ الباطل مِنْ بينِ يَدَيْهِ ولا منْ
خلفهِ).
وقول : (لا يأتيهِ الباطل مِنْ
بينِ يَدَيْهِ ولا منْ خلفهِ)
إتيان الباطل إليه ووروده فيه وصيرورة بعض أجزائه أو جميعها باطلاً بأن يصير ما
فيه من المعارف الحقّه أو بعضها غير حقّه أو ما فيه من الأحكام والشرائع وما
يلحقها من الأخلاق أو بعضها لغىً لا ينبغي العمل به.
وعليه فالمراد بقوله : (مِن بينِ
يَديْهِ ولا مِن خلفِهِ)
زماناً الحال والاستقبال أي زمان النزول وما بعده إلى يوم القيامة ، وقيل : المراد
بما بين يديه ومن خلفه جميع الجهات كالصباح والمساء كناية عن الزمان كلّه فهو مصون
من البطلان من جميع الجهات ... إلى أن قال : فالآية تجري مجرى قوله : (إنّا نحنُ
نزّلنَا الذِّكرَ وإنّا لهُ لَحافِظونَ).
فالآية تدّل على عدم ورود الباطل في
القرآن ، وعدم إمكان تبديل الآيات بما هي غير آيات ، فالتحريف من أكمل مصاديق
الباطل ، فإذا انتفى ورود الباطل فيه انتفى ورود التحريف في القرآن.
وقال أيضاً :
(إنّ من ضروريات التاريخ أنّ النبيّ
العربي محمد صلىاللهعليهوآله
جاء قبل أربعة عشر قرناً ـ تقريباً ـ وادّعى النّبوة وانتهض للدعوة وآمن به أمّة
من العرب وغيرهم ، وأنّه جاء بكتاب يسمّيه القرآن وينسبه إلى ربّه
__________________
متضمّن لجمل المعارف
وكليّات الشريعة التّي كان يدعو إليها ، وكان يتحدّى به ويعدّه آية لنبوّته ، وأنّ
القرآن الموجود اليوم بأيدينا هو القرآن الّذي جاء به وقرأه على الناس المعاصرين
له في الجملة ، بمعنى أنّه لم يضع من أصله بأن يفقد كلّه ثمّ يوضع كتاب آخر يشابهه
في نظمه أولا يشابهه وينسب إليه ويشتهر بين الناس بأنّه القرآن النّازل على النبيّ
صلىاللهعليهوآله.
فهذه أمور لا يرتاب في شيء منها إلاّ
مصاب في فهمه ، ولا احتمل بعض ذلك أحد من الباحثين في مسألة التحريف من المخالفين
والمؤالفين.
وإنمّا احتمل بعض من قال به من المخالف
أو المؤالف زيادة شيء يسير كالجملة أو الآية أو النقص والتغيير في جملة أو آية في
كلماتها أو إعرابها ، وأمّا جلّ الكتاب الإلهيّ فهو على ما هو في عهد النّبيّ صلىاللهعليهوآله لم يضع ولم يفقد.
ثمّ إنّا نجد القرآن يتحدّى بأوصاف ترجع
إلى عامّة آياته ونجد ما بأيدينا من القرآن ـ أعني مابين الدفّتين ـ واجداً لما
وصف به من أوصاف تحدّى بها من غير أن يتغيّر في شيء منها أو يفوته ويفقد.
فنجده يتحدّى بالبلاغة والفصاحة ونجد ما
بأيدينا مشتملاً على ذلك النظم العجيب البديع لا يعدله ولا يشابهه شيء من كلام
البلغاء والفصحاء المحفوظ منهم والمرويّ عنهم من شعر أو نثر خطبة أو رسالة أو
محاورة أو غير ذلك ، وهذا النظم موجود في جميع الآيات سواء كتاباً
متشابهاً مثاني
تقشعرّ منه الجلود والقلوب.
ونجده يتحدّى بقوله : ( أفَلا يتَدَّبرونَ القرآن وَلو كان مِن عندِ
غيرِ اللهِ لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً
) بعدم وجود اختلاف فيه ونجد ما بأيدينا
من القرآن يفي بذلك أحسن الوفاء وأوفاه فما من إبهام أو خلل يتراءى في آية إلّا ويرفعه
آية أخرى ، وما من خلاف أو مناقضة يتوهّم بادي الرأي من شطر إلاّ وهناك ما يدفعه
ويفسّره.
ونجده يتحدّى بغير ذلك ممّا لايختصّ
فهمه بأهل اللغة العربيّة كما في قوله : (قُل لَئِنِ اجتمَعَتِ
اْلانسُ والجنُّ على أن يأتوا بِمثْلِ هذا القرآن لا يأتونَ ولَوْ كانَ بعضُهُمْ
لبعضٍ ظهيراً)
وقوله : (إنّهُ لَقَوْلٌ فصلٌ * وما هوَ بالهَزْلِ) ثمّ نجد ما بأيدينا من القرآن يستوفي
البيان في صريح الحقّ الّذي لامرية فيه ، ويهدي إلى آخر ما يهتدي إليه العقل من
أصول المعارف الحقيقيّة وكليّات الشرائع الفطريّة وتفاصيل الفضائل الخلقيّة من غير
أن نعثر فيها على شيء من النقيصة والخلل أو نحصل على شيء من الناقض والزلل ، بل
نجد جميع المعارف على سعتها وكثرتها حيّة بحياة واحدة مدبّرة بروح واحد هو مبدأ
جميع المعارف القرآنية ، الأصل الّذي إليه ينتهي الجميع ويرجع ، وهو التوحيد ، فإليه
ينتهي الجميع بالتحليل ، وهو يعود إلى كلّ منها بالتركيب.
__________________
ونجده يغوص في أخبار الماضين من
الأنبياء وأممهم ونجد ما عندنا من كلام الله يورد قصصهم ويفصّل القول فيها على ما
يليق بطهارة الدين ويناسب نزاهة ساحة النبوّة وخلوصها للعبوديّة والطاعة ، وكلّها
طبّقنا قصّة من القصص القرآنية على ما يماثلها ممّا ورد في العهدين انجلى ذلك أحسن
الانجلاء.
ونجده يورد آيات في الملاحم ويخبر عن
الحوادث الآتية في آيات كثيرة بالتصريح أو بالتلويح ثمّ نجدها فيما هو بأيدينا من
القرآن على تلك الشريطة صادقة مصدّقة.
ونجده يصف نفسه بأوصاف زاكية جميلة كما
يصف نفسه بأنّه نور وأنّه هاد يهدي إلى صراط مستفيم وإلى الملّة الّتي هي أقوم
ونجد ما بأيدينا من القرآن لا يفقد شيئاً من ذلك ولا يهمل من أمر الهداية والدلالة
ولا دقيقة.
ومن أجمع الأوصاف الّتي يذكرها القرآن لنفسه
أنّه ذكر لله ، فإنّه يذكر به تعالى بما أنّه آية دالّة عليه حيّة خالدة ، وبما
أنّه يصفه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، ويصف سنّته في الصنع والإيجاد ، ويصف
ملائكتة وكتبه ورسله ، ويصف شرائعه وأحكامه ، ويصف ما ينتهي إليه أمر الخلقة وهو
المعاد ورجوع الكلّ إليه سبحانه ، وتفاصيل ما يؤول أمر الناس من السعادة والشقاء ،
والجنّة والنار.
ففي جميع ذلك ذكر الله ، وهو الّذي
يرومه القرآن بإطلاق القول بأنّه ذكر ونجد ما بأيدينا من القرآن لا يفقد شيئاً من
معنى الذكر.
ولكون الذكر من أجمع الصفات في الدلالة
على شؤون القرآن عبّر عنه بالذكر في الآيات الّتي أخبر فيها عن حفظه القرآن عن
البطلان والتغيير والتحريف كقوله تعالى : (إنَّ الَّذينَ
يُلحِدونَ في آياتِنا لا يخفَوْنَ علَيْنا أَفمَنْ يُلْقى في النّارِ خَيرٌ أمْ
مَنْ يَأتي آمِناً يَومَ القِيامةِ اعمَلُوا ما شِئتُم إنّهُ بِما تَعْمَلُونَ
بَصيرٌ * إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا بِالذِّكرِ لَمّا جاءَهُمْ وَإنّهُ لَكتاب ٌ
عزيزٌ * لايأتيهِ الباطلٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِن خَلفِهِ تنْزيلٌ مِن
حكيمٍ حميدٍ)
فذكر تعالى
أنّ القرآن من حيث هو ذكر لا يغلبه باطل ولا يدخل فيه حالاً ولا في مستقبل الزمان
لا بإبطال ولا بنسخ ولا بتغيير أو تحريف يوجب زوال ذكريّته عنه.
وكقوله تعالى : (إنّا نحنُ
نزَّلنا الذِّكرَ وَإنّا لهُ لَحافظونَ)
فقد أطلق
الذكر وأطلق الحفظ ، فالقرآن محفوظ بحفظ الله عن كلّ زيادة ونقيصة وتغيير في اللفظ
أو في الترتيب يزيله عن الذكريّة ويبطل كومه ذكراً لله سبحانه بوجه.
ومن سخيف القول إرجاع ضمير (لهُ) إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فإنّه مدفوع
بالسياق ، وإنّما كان المشركون يستهزؤن بالنبيّ لأجل القرآن الذي كان يدّعي نزوله
عليه ، كما يشير إليه بقوله سابقاً : (وَقالوا يا أيُّها
الَّذي نُزِّلَ عليهِ الذِّكرُ إنّكَ لَمَجنُونٌ) ، وقد مرّ تفسير الآية.
فقد تبيّن ممّا فصّلناه أنّ القرآن الّذي
أنزله الله على نبيّه صلىاللهعليهوآله
ووصفه
__________________
بأنّه ذكر محفوظ على
ما أنزل مصون بصيانة إلهيّة عن الزيادة والنقيصة والتغيير ، كما وعد الله نبيّه
فيه.
وخلاصة الحجّة : أنّ القرآن أنزله الله
على نبيّه ووصفه في آيات كثيرة بأوصاف خاصّة لو كان تغيّر في شيء من هذه الأوصاف
بزيادة أو نقيصة أو تغيير في لفظ أو ترتيب مؤثر فُقِدَ آثار تلك الصفة قطعاً ، لكنّا
نجد القرآن الّذي بأيدينا واجداً لآثار تلك الصفات المعدودة على أتمّ ما يمكن
وأحسن ما يكون ، فلم يقع فيه تحريف يسلبه شيئاً من صفاته ، فالّذي بأيدينا منه هو
القرآن المنزل على النبيّ صلىاللهعليهوآله
بعينه ، فلو فرض يقوط شيء منه أو تغيّر في إعراب أو حرف أو ترتيب وجب أن يكون في
أمر لا يؤثّر في شيء من أوصافه كالإعجاز وارتفاع الاختلاف والهداية والنوريّة
والذكريّة والهيمنه على سائر الكتب السماويّة إلى غير ذلك ، وذلك كآية مكرّرة
ساقطة أو اختلاف في نقطة أو إعرابها ونحوها. )
٣. قوله تعالى :
(لا تحَّركْ بهِ
لسانَكَ لتَجعَلْ بهِ * إنَّ عَلينا جمعَهُ وقُرْآنهُ * فإذا قَرَأناهُ فَاتَّبعْ
قُرآنه * ثمَّ إنَّ عَليْنا بَيانَهُ)
قال ابن عباس :
كان النبيّ صلىاللهعليهوآله إذا نزل عليه
القرآن عجّل تحريك لسانه لحبّه إيّاه
__________________
وحرصه على أخذه وضبطه
مخافتة أن ينساه فنهاه الله عن ذلك.
وقال ايضاً : (إنَّ علينا
جَمعه ُ وقُرآنَهُ)
عليك حتىّ تحفظه ويمكنك تلاوته فلا تخف فوت شيءٍ منه.
قال الأستاذ الشيخ هادي المعرفة : كان صلىاللهعليهوآله إذا نزل عليه
القرآن عجّل بقراءته حرصاً على ضبطه وحفظه دون أن ينساه أو يضيع ، وذلك كان قبل أن
ينتهي الوحي ببقيّة الآية أو السورة التي كانت تنزل تباعاً.
__________________
الروايات
الدالّة على نفي التحريف
هذه الروايات تنقسم إلى أقسام :
القسم الأوّل
الروايات
الدالّة على عرض الأحاديث على الكتاب
الروايات
الواردة في هذا المعنى كثيرة نشير إلى بعضها :
١. عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : مالم يوافق من الحديث
القرآن فهو زخرف.
٢. عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : خطب النبيّ صلىاللهعليهوآله بمنى فقال : أيّها النّاس ما جاءكم
عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله.
__________________
٣. قال الصادق عليهالسلام : إذا ورد عليكم حديثان
مختلفان فأعرضوعنا فلى كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله
فردّوه.
٤. عن الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام عن أبيه عن جدّه
قال : قال علي عليهالسلام
: إنّ على كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله
فدعوه.
٥. عن الإمام الرضا عليهالسلام : فما ورد عليكم من
خبرين مختلفين فأعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجوداً حلالاً أو حراماً
فاتّبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فأعرضوه على سنن النبيّ
صلىاللهعليهوآله.
٦. روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : تكثر
لكم الأحاديث بعدي ، فإذا روي لكم عنيّ حديث فأعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله
فاقبلوه ، وما خالف فردّوه.
فهذه الروايات وأمثالها الّتي صدرت
استفاضة تدلّ على أنّ القرآن الموجود في ايدي المسلمين هو نفس كلام الله الّذي
أنزله الله على نبيّه صلىاللهعليهوآله
من غير أن يعرض عليه التحريف ، لأنّه لو لم يكن كذلك لم يصحّ أن يكون القرآن مرجعاً
للمسلمين حبيّ يعرضوا عليه الروايات فيعرف بذلك الصحيحة من غيرها ؛ لأنّه تكليف
بما لا يطاق ؛ إذ أنّ
__________________
المراد بالعرض ، العرض
على القرآن الواقعي غير المحرّف ، ومع وقوع التحريف لا سبيل إلى القرآن الواقعي كي
يتمّ العرض عليه.
قال الفيض الكاشاني :
وقد استفاض عن النبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام حديث عرض الخبر
الرويّ على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له ، أو فساده بمخالفته ، فإذا كان
القرآن الّذي بأيدينا محرّفاً فما فائدة العرض ، مع أنّ خبر التحريف مخالف لكتاب
الله مكذب له ، فيجب ردّه والحكم بفساده أو تأويله.
إن
قلت : إنّ ذلك في الأخبار الفقهية ، ومن
الجائز أن نلتزم بعدم وقوع التحريف في خصوص آيات الأحكام ، ولا ينفع ذلك سائر
الآيات.
قلت
: إنّ روايات العرض مطلقة ، وتخصيصها
بذلك تخصيص من غير مخصّص.
القسم الثاني
الروايات
الّتي تدّل على التمسّك بالقرآن والأخذ به
منها : حديث الثقلين.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّي تارك فيكم
الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً.
__________________
فالأمر بالّتمسّك بالقرآن والاهتداء به
يقتضي أن يكون القرآن الّذي يكون بين المسلمين محفوظاً ومصوناً من أيّ تغيير وتحريف.
ومنها
: خطبة النّبي صلىاللهعليهوآله في واقعة غدير خم :
حيث قال : معاشر النّاس تدّبروا في القرآن ، وافهموا
آياته ، وانظروا إلى محكماته ، ولا تتّبعوا متشابهه.
فأمر المسلمين بالتدّبر في القرآن وفهم
آياته والأخذ بمحكماته يستلزم أن يكون القرآن مؤلّفاً مجموعاً في أيدي المسلمين
على شكل كامل في كلّ الأزمان ؛ لأنّ الأمر بالتدبّر والأخذ بالقرآن دائميّ.
ومنها
: ماقاله الأئمّة من أهل البيت عليهمالسلام في القرآن وأنّه
الهادي لمن أخذ به.
قال الأميرالمؤمنين علي إبن أبي طالب عليهالسلام : وعليك بكتاب الله فإنّه
الحبل المتين والنور المبين والشفاء النافع والريُّ الناقع العصمة للمتمسّك
والنجاة للمتعلّق.
وقال أيضاً : واعلموا أنّ هذا
القرآن هو الناصح الّذي لا يغشّ ، والهادي الّذي لايضلّ ، والمحدّث الّذي لا يكذب.
__________________
وقال عليهالسلام
في كتاب اله إلى الحارث الهمداني : وتمسّك بحبل القرآن واستنصحه ، وأَحِلَّ حلاله
وحرِّم حرامه.
فهذه الروايات أيضاً تقضي بقاء القرآن إلى
يوم القيامة على ما كان عليه في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله
لتتمّ به الهداية الدائميّة للمسلمين مادام يتمسّكون به كما نصّ عليه الروايات
ولكي يكون القرآن نوراً يستضاء به ومنهاجاً يعمل علة وفقه ومرجعاً لهم في المشكلات
ودليلاً ورايةً وشافعاً لهم ، ولازم ذلك كلّه أن يكون ما بأيدينا من القرآن هو نفس
القرآن الّذي نزل على الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله
وعرفه الرواة والصحابة والعلماء والموّرخون أجمعون.
قال العلاّمة الطباطبائي :
ويدّل على عدم وقوع التحريف الأخبار
الكثيرة المروية عن النبيّ صلىاللهعليهوآله
: من طرق الفريقين الآمرة بالرجوع إلى القرآن عند الفتن وفي حلّ عقد المشكلات ، وكذا
حديث الثقلين المتواتر من طرق الفريقين : ( إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل
بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً
) الحديث.
فلا معنى للأمر بالتمسّك بكتاب محرّف ونفي
الضّلال أبداً عمّن تمسّك به.
__________________
القسم الثالث
الروايات
الواردة في ثواب قراءة السور القرآنية
وهي كثيرة جدّاً نذكر بعضها :
١. عن الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام انّه قال : عليكم بمكارم الأخلاق
، فإنّ الله عزّ وجلّ يحبّها ، وإيّاكم ومذامّ الأفعال ، فإنّ الله عزّ وجلّ
يبغضها ، وعليكم بتلاوة القرآن فإنّ درجات الجنّة على عدد آيات القرآن ، فإذا كان
يوم القيامة يقال لقارئ القرآن إقرأ وأرق ، فكلّما قرأ آيةً رقى درجةً.
٢. عن ابي عبدالله عليهالسلام قال : من قرأ سورة الحجرات
في كلّ ليلة أو في كل ّ يوم كان من زوار محمّد صلىاللهعليهوآله.
٣. قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا سلمان عليك بقراءة
القرآن فإنّ قراءته كفّارة للذّنوب ، وستر من النّار ، وأمان من العذاب ، ويكتب
لمن يقرأه بكلّ آية ثواب مائة شهيد
....
٤. عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : ومن قرأ سورة المدثّر
أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بمحمد
صلىاللهعليهوآله
وكذّب به
بمكّة.
__________________
٥. عن أبي جعفر الباقر عن أبيه عن جدّه عليهالسلام عن جدّه عليهالسلام قال : قال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: من قرأ عشر
آيات في ليلةٍ لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ خمسين آية من الذاكرين ، ومن قرأ
مائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين ، ومن قرأ ثلاثمائة
آية كتب من الفائزين ....
ولو كان قد اتّفق التحريف في آيات
القرآن أو سورة لم يبق مجال للاعتماد على هذه الروايات والعمل بها لأجل حصول على
ما تفيده من الجزاء والثواب ، لاحتمال أن تكون كلّ آية أو سورة محرّفة عمّا كانت
نازلة عليها.
واستدّل بهذه الروايات الشيخ الصدوق في
كتابه القيّم المسمّى بالاعتقادات.
حيث قال : اعتقادنا أنّ القرآن الّذي
أنزله الله تعالى على نبيّه محمد صلىاللهعليهوآله
هو ما بين الدفّتين ... إلى أن قال : وما روي من ثواب قراءة كل سورة من القرآن وثواب
من ختم القرآن كلّه وجواز قراءة سورتين في ركعة والنّهي عن القرآن بين سورتين في
ركعة فريضة تصديق لما قلناه في أمر القرآن.
__________________
القسم الرابع
الروايات
الّتي تحتوي على تمسّك الرسول صلىاللهعليهوآله والأئمة
والأصحاب
بالآيات القرآنية
وهذه الروايات كثيرة يشكل إحصاؤها كما
لا يخفى على من راجع كتب الحديث وغيرها للشيعة والسنّة ؛ فإنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام كانوا يتمسّكون
بالآيات في مناظراتهم واستدلالاتهم في الأحكام والعقائد والمواعظ والحكم والأمثال
، فنأتي هنا بعضها :
١. قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من حكم في درهمين
بحكم جور ثمّ جبر عليه كان من أهل هذه الآية : (ومَنْ لَمْ يَحكُمْ
بما أَنزلَ اللهُ فأولئِكَ هُمُ الكافرونَ)
فقلت : كيف يجبر عليه؟ فقال : يكون له سوط وسجن فيحكم عليه ، فإن رضي بحكمه وإلاّ
ضربه بسوط وحبسه في سجنه.
٢. قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : أمّتي على أربعة
أصناف ، صنف يصلّون ولكنّهم في في صلواتهم ساهون فكان لهم الويل ، والويل اسم دركة
من دركات جهنّم ، قال الله تعالى : (فَويلٌ للمُصَلِّينَ *
الَّذينَ هُم عن صلاتِهِمْ ساهونَ)
وصنف يصلّون
أحياناً ولا يصلّون أحياناً فكان لهم الغيّ ، والغيّ اسم دركة من دركات جهنّم ، قال
الله تعالى : (فَخَلَفَ مِن بعدِهِمْ
__________________
خلفٌ
أضاعوا الصَّلاةَ واتَّبعوا الشهواتِ فسوفَ يَلْقونَ غيّاً)
، وصنف لا يصلّون أبداً فكان لهم سقر ، وسقر اسم دركة من دركات جهنّم ، قال الله
تعالى : (ما سَلَكَكُمْ في سَقَرَ * قالوا لَم نَكُن
مِنَ الْمُصَليّن)
وصنف يصلّون
ابداً وهم في صلواتهم خاشعون ، قال الله تبارك وتعالى : (قَدْ أفلحَ
المؤمنونَ * الّذينَ هُمْ في صلاتِهِم خاشعونَ) .
٣. عن الرضا عليهالسلام في حديث انّه قال
لابن الجهم : اتّق الله ولا تأوّل كتاب الله برأيك ، فإنّ الله يقول : (وما يَعلمُ
تأويلَهُ إلاّ اللهُ والرّاسخون في العِلمِ) .
٤. عن عبدالعظيم الحسني ، عن علي بن
جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهمالسلام
في حديث قال : ليس لك أن تتكلّم بما شئت ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول : (ولا تَقفُ
ما ليسَ لكَ بهِ علمٌ)
.
٥. عن عبدالله بن سنان فال : قلت لأبي
عبدالله عليهالسلام
: على الإمام أن يسمع من خلفه وإن كثروا؟ فقال : ليقرأ قراءة وسطاً يقول الله
تبارك
__________________
وتعالى : (ولا
تَجْهَرْ بصَلاتِكَ ولا تُخافِت بِها)
.
فهذه الروايات أيضاً شاهدة على أنّ
القرآن الموجود بين الناس هو القرآن الّذي أنزل الله تبارك وتعالى على عبده محمد صلىاللهعليهوآله ، وهو المدار في
كلّ شأن من الشؤون أعمّ من الأحكام والعقائد و ...
قال العلاّمة الطباطبائي :
وكذا (أي يدلّ على عدم وقوع التحريف)
الأخبار الّتي تتضمّن تميّك أئمّة أهل البيت عليهمالسلام
بمختلف الآيات القرآنية في كلّ باب على ما يوافق القرآن الموجود عندنا حتىّ في
الموارد الّتي فيها آحاد من الروايات بالتحريف.
القسم الخامس
الروايات
الواردة عن المعصومين عليهمالسلام
انّ ما بأيدي
الناس هو القرآن النازل من عندالله
وهذه الروايات أيضاً كثيرة هنا بعضها :
منها ما قال أمير المؤمنين علي إبن أبي
طالب عليهالسلام
: كتاب ربّكم
فيكم ، مبيّناً حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ، ورخصهُ وعزائمه
، وخاصَّهُ وعامّه ، وعبِرَهُ وامثاله ، ومرسله
__________________
ومحدوده
وحكمه ومتشابههُ ...
ومنها ما قال الرضا عليهالسلام :
عن الريان بن الصّلت قال : قلت : للرّضا
عليهالسلام
ما تقول في القرآن فقال : كلام
الله لا تتجاوزوه ، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلّوا.
ومنها ما قاله الصادق عليهالسلام.
عن علي بن سالم عن أبيه قال : سألت
الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام
فقلت له : يا بن رسول الله ما تقول في القرآن؟ فقال : هو كلام الله وقول
الله وكتاب الله ووحي الله وتنزيله ، وهو الكتاب العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من
بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وهذه الروايات تدلّ بوضوح على أنّ
القرآن الموجود بين النّاس هو النازل من عند الله على النبيّ المكرم صلىاللهعليهوآله ، وهو الكتاب الّذي
لم يصل إليه يد التحريف والتغيير.
وتدلّ على كون القرآن الموجود بين
النّاس حتىّ الآن هو القرآن الذي أنزل الله تعالى على نبيّه صلىاللهعليهوآله ، مضافاً إلى ما
نقلناه من الرّوايات الّتي نقلت في أبواب مختلفة وفي موضوعات كثيرة كالروايات الّتي
__________________
تأمر بإكرام حملة
القرآن وحفّاظه ، والرواية الّتي نقلت عند وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّ عمر قال : إنّ
النبيّ قد غلب عليه الوجع (أو قال : إنّ رسول الله يهجر) وعندكم القرآن ، حسبنا
كتاب الله.
فإنّ المراد بالقرآن في أمثال هذا
الروايات هو القرآن الموجود بين الدفّتين لا غيره ، وهو كان مدوّناً عند وفاته صلىاللهعليهوآله.
__________________
التواتر
والدليل الثالث على عدم وقوع التحريف
هوالتواتر ، والتواتر ثابت بالنسبة إلى كلّ القرآن في جميع الأزمان.
قال أستاذنا العلاّمة الشيخ محمد هادي
المعرفة :
من الدلائل ذوات الشأن الداحضة لشبهة
التحريف هي مسألة (ضرورة كون القرآن متواتراً) في مجموعة وفي أبعاضه ، في سورة
وآياته ، حتىّ في جمله التركيبية وفي كلماته وحروفه ، بل وحتىّ في قراءته وهجائه ،
على ما أسلفنا في بحث القراءات ، وقلنا : إنّ الصحيح من القراءات هي القراءة
المشهورة الّتي عليها حمهور المسلمين ، وقد انطبقت على قراءة عاصم برواية حفص.
وإذا كان من الضروري لثبوت قرآنيّة كلّ
حرف وكلمة لفظ أن يثبت تواتره منذ عهد الرسالة وإلى مطاوي القرون وفي جميع
الطّبقات ، فإنّ هذا ممّا ينفي احتمال التحريف نهائياً ، لأنّ ما قيل بسقوطه وإنه
كان
قرآناً يتلى إنّما
نقل إلينا بخبر الواحد ، وهو غير حجّة في هذا الباب حتىّ ولو فرض صحّة اسناده.
إذن فكلّ ما ورد بهذا الشأن ـ بما أنّه
هبر واحد ـ مرفوض ومردود على قائله.
والتواتر في القرآن تواتر قويّ قطعي إلى حدّ قال السيد المرتضى علم الهدى : إنّ
العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة
وأشعار العرب المسطورة.
__________________
الإجماع
ومن الأدلّة على مصونيّة القرآن من
التحريف إجماع العلماء في كلّ الأعصار على كون القرآن الموجود بين أيدينا هو
القرآن المنزل على رسول الله صلىاللهعليهوآله
، ومن المعلوم أنّ الإجماع حجّة لدى المسلمين ، أمّا عند الشيعة فلأنّه كاشف عن
رأي المعصوم عليهالسلام.
بل يفهم من كلام السيد المرتضى الّذي
ذكرناه سابقاً أنّ الإعتقاد بعدم النّقصان وعدم تحريف القرآن من ضروريات الدّين ، وقد
نقل بعض الأكبار عباراته ووافقه على ما قال.
أضف إلى ذلك أنّ بعض الأئمّة أيضاً صرّح
بتحقّق اتّفاق الأمّة على مصونيّة القرآن من أي تغيير وتحريف : قال الإمام علي بن
محمد الهادى عليهالسلام
: وقد اجتمعت الأمة قاطبةً لا اختلاف بينهم أنّ القرآن حقّ لا ريب فيه عند جميع
أهل الفرق في حال اجتماعهم مقرّون بتصديق الكتاب وتحقيقه ، مصيبون مهتدون ، وذلك
بقول رسول الله صلىاللهعليهوآله
: (لا
تجتمع أمّتي على
ضلالة) فأخبر أنّ جميع ما اجتمعت عليه الأمّة كُلّها حقّ ، هذا إذ لم يخالف بعضها
بعضاً ، والقرآن حقّ لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه.
__________________
مسألة الإعجاز
قد اعتبر العلماء مسألة الإعجاز
المتحدّي به في القرآن في موارد عديدة من أكبر الدّلائل على عدم التحريف القرآن ؛
لأنّ عروض التحريف على القرآن يخرجه من أن يكون معجزاً متحدّى به ، لاستطاعه البشر
في هذا الحال على أن يأتي بمثله ، والحال إنّ جميع المسلمين يعتقدون بأنّ القرآن معجز
باق ، وأنّ الله تعالى أيضاّ صرّح في أيات مختلفة بأنّ القرآن معجزة لايقدر شخص أو
جماعة أن يأتي بمثل القرآن أو بسورة كسور القرآن : كقوله تعالى :
١. (قُلْ لئِنِ
اجْتَمَعَتِ الإنس وَالجنُّ عَلى أَن يأتوا بمثلِ هذا القرآن لا يَأتونَ بمثْلِهِ
ولوْ كانَ بَعضُهُمْ لبعضٍ ظهيراً).
٢. (وَإنْ كُنْتُمْ في
رَيْبٍ مِمّا نَزَّلنا عَلى عَبِدنا فأتوا بِسورةٍ مِنْ مِثلِهِ
__________________
وَادعُو
شُهَداءَكُمْ مِن دُونِ اللهِ إنْ كُنتُم صادِقِينَ * فإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ
تَفعَلوا فَاتّقوا النّارَ الّتِي وَقُودُها النّاسُ وَالحِجارَةُ أعِدَّتْ
لِلْكافِرينَ).
فمسألة الإعجاز المتحدّى به في الآيات
القرآن وعجز الناس قاطبة عن أن يأتوا بمثله واعتقاد جميع فرق المسلمين بكونه
إعجازاً في جميع الأزمان يبطل دعوى وقوع التحريف في سور القرآن وآياته.
وهنا بيان آخر لهذا الدليل ذكره صاحب
كتاب التحقيق في نفي التحريف ، قال : ومن الأدلّة على عدم التحريف هو : أنّ
التحريف ينافي كون القرآن معجزاً ، لفوات المعنى بالتحريف ، لأنّ مدار الإعجاز هو
الفصاحة والبلاغة الدائرتان مدار المعنى ، ومن المعلوم أن القرآن معجز باق.
وذكر الأستاذ العلاّمة الطباطبائي شبيه
هذا الدليل جدير بالذكر هنا قال :
وخلاصة الحجّة أنّ القرآن أنزله الله على نبيّه ووصفه
في آيات كثيرة بأوصاف خاصّة لو كان تغيّر في شيءٍ من هذه الأوصاف بزيادة أو نقيصة
أو تغيير في لفظ أو ترتيب مؤثّر فُقِدَ آثار تلك الصفة قطعاً ، لكنّا نجد القرآن الّذي
بأيدينا واجداً لآثار تلك الصفات المعدودة على
__________________
أتمّ ما يمكن وأحسن
ما يكون ، فلم يقع فيه تحريف يسلبه شيئاً من صفاته ، فالّذي بأيدينا منه هو القرآن
المنزل على النبيّ صلىاللهعليهوآله
بعينه ، فلو فرض سقوط شيء منه أو تغيّر في إعراب أو حرف أو ترتيب وجب أن يكون في
أمر لا يؤثّر في شيءٍ من أوصافه كالإعجاز وارتفاع الاختلاف والهداية والنوريّة
والذكريّة والهيمنة على سائر الكتب السماوية إلى غير ذلك ، وذلك كآية مكرّرة ساقطة
أو اختلاف في نقطة أو إعرابها ونحوها.
__________________
العقل
إنّ العقل يحكم بداهة بأنّه يجب أن يكون
القرآن سالماً عن احتمال أيّ تغيير أو تحريف ؛ لاهتمام النبيّ صلىاللهعليهوآله بالقرآن اهتماماً
شديداً حيث كان موضع عناية أمّة كبيرة واعية ، كانت تقدّسه وتعظّمه في إجلال وإكبار
، ولا عجب لأنه المرجع الأوّل لجميع شؤونهم في الحياة الدينيّة والسياسيّة
والاجتماعيّة ، فكان القرآن أساس الدّين وهو منبع الأصيل للفروع والأصول ، مضافاً
إلة أنّه لو أنّ أحداً أدخل فصلاً في كتاب سيبويه أو غيره لعرف وميّز وعلم أنّه
ليس من أصل الكتاب ، وذلك لشدّة العناية به وبحفظه ، وضبطه.
ومن المعلوم : أنّ العناية بحفظ القرآن وضبطه
وقراءته أشد وأعظم ، ولا يقتصر ذلك على طائفة معيّنة ، بل هو محطّ أنظار واهتمام
الجميع ، لأنّه معجزة النبوّة ، ومأخذ الأحكام ، وأساس الإسلام ، فكيف يجوّز العقل
أن يتطرّق إليه يد التحريف والحال هذه؟! بل يحكم العقل بداهة
بعدم أمكان وقوع أيّ
تغيير وتحريف في مثل هذا الكتاب الّذي اهتمّ النبيّ والمسلمون بحفظه ، وضمن الله
تعالى حفظه ، والشواهد التاريخيّة مؤيّدة لمصونيّة القرآن ، بل تدلّ على أنّه لا
يتجرّأ أحد أن يزيد فيه شيئاً.
ويؤيّد ذلك ما قاله عمر : ( لولا أن
يقول النّاس أنّ عمر زاد في كتاب الله لكتبت آية الرّجم بيدي).
__________________
جمع القرآن في
عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله
والدليل الآخر على عدم تحريف القرآن ثبوت
كونه مجموعاً على عهد الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله
موجوداً كذلك بين المسلمين كما يدلّ على ذلك كثير من الأخبار في كتب الفريقين.
منها : ما روى عن قتاده قال سألت أنس بن
مالك (من جمع القرآن على عهد النبيّ صلىاللهعليهوآله؟
قال أربعة كلّهم من الأنصار : أبي بن كعب ومعاذ ابن جبل وزيد بن ثابت وأبوزيد).
ومنها : ما روى عن زيد بن ثابت قال :
كنّا عند رسول الله صلىاللهعليهوآله نؤلّف القرآن من
الرّقاع.
والراد في الرواية الأولى جمع القرآن في
مصحف واحد ، والاّ لم يكن الانحصار في الأربعة في محلّه ؛ لأنّ الحفّاظ والقرّاء
والمؤلّفين كانوا
__________________
كثيرين. وقد صرّح
بذلك بعض العلماء أيضاً :
قال المسعودي : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أقام يدعو الخلق
إلى الله اثنتين وعشرين سنة وهو ينزل عليه الوحي ويميله على أصحابه فيكتبونه ويدوّنونه
ويلتقطونه لفظةً لفظةً).
وقال الشيخ محمد الغزالي : (فلمّا امتقل
الرسول إلى الرفيق الأعلى كان القرآن كلّه محفوظاً في الصدور وكان كذلك مثبتاً في
السطور).
وقال السيّد الشريف المرتضى علم الهدى :
(إنّ القرآن كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله مجموعاً مؤلّفاً
على ما هو عليه الآن ، واستدلّ على ذلك بأنّ القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك
الزّمان حتىّ عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له وأنّه كان يعرض على النبيّ صلىاللهعليهوآله ويتلى عليه ، وأنّ
جماعة من الصحابة مثل عبدالله ابن مسعود وأبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على
النبيّ صلىاللهعليهوآله
عدة ختمات ، وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأملّ على أنّه كان مجموعاً مرتبّاً غير مبتور
ولامبثوث).
مؤيّدات عدم التحريف
وفي ختام هذا البحث نشي إلى بعض
المؤيّدات لعدم تحريف القرآن عند المسلمين.
__________________
الف ـ السيرة العلمية للمسلمين من زمن
النبيّ صلىاللهعليهوآله
إلى زماننا هذا القائمة على الاهتمام بتلاوة القرآن وحفظه وختمه في أوقات ومواسم
خاصّة في شهر رمضان وإكرام القرآن وإعظامه وإعزاز القارئين والمعلّمين للقرآن.
ب ـ حكم الإمامية بوجوب قراءة سورة
كاملة في الصلاة بعد الحمد ، قال السيّد شرف الدّين قدسسره
:
وصلاتهم بهذه الكيفيّة والأحكام دليل
ظاهر علة اعتقادهم بكون سوى القرآن بأجمعها زمن الرّسول صلىاللهعليهوآله على ما هي عليه الآن
، وإلاّ لما نسب لهم هذا القول.
هذا القول هو المشهور بين فقهاء
الإمامية بل ادّعي عليه الإجماع كما في مفتاح الكرامة.
فإذا ثبت أنّ القرآن جمع كلّه في زمن
النبيّ صلىاللهعليهوآله وأنّ جمع أبي بكر وغيره للقرآن لم يكن
إلاّ استنساخ ما هو مكتوب من قبل وتوحيد القرآن ينهدم أكثر ما أورده البعض في
إثبات التحريف ، لأنّهم يقولون بتواتر القرآن بعد جمعه ، فإذا كان جمعه في عهد
النبيّ صلىاللهعليهوآله
متواتراً ، فتصوّر التحريف بعد ذلك غير معقول.
__________________
فثبت بما ذكرنا من الأدلّة أنّ القرآن الموجود
بين أيدينا هو نفس القرآن الّذي كان بين يدي الرسول صلىاللهعليهوآله
وأصحابه على عهده فما بعن من غير زيادة ونقصان ، فنعلن ثانياً وبصوت عال انّنا
نعتقد بمصونيّة القرآن من أيّ تغيير وتحريف ، ونقول مع وجود هذه الأدلّة وغيرها لا
يمكن القول بوقوع التحريف في القرآن ، بل ليس هذا القول معقولاً عندنا.
الفصل الثالث
رأي علماء
الشيعة
في أسطورة
التحريف
وردودهم
عليه
رأي علماء
الشيعة
من يتابع أقوال علماء الشيعة يجد أنّهم
متّفقون على عدم وقوع التّحريف في القرآن ، وفيهم من صرّح بأنّ من نسب إلى الشيعة
القول بوقوع التحريف في القرآن فهو كاذب ، وفيهم أيضاً من يقول بأنّ عليه إجماع
علماء الشيعة بل المسلمين ،
وبالجملة فإنّ الشيعة الإمامية في
ماضيهم وحاضرهم تعتقد بعدم تحريف القرآن وأنّ الكتاب الموجود بين أيدينا هو جميع
ما أنزل الله على نبيّنا محمد صلىاللهعليهوآله
من دون أيّ زيادة أو نقصان كما جاء التصريح بذلك في كلمات كبار علمائنا ومشاهير
مؤلّفينا منذ أكثر من ألف عام حتّى الآن ، ونشير هنا إلى كلمات بعض علمائنا :
١. قال الشيخ محمد بن علي بن بابوية
القمي الملقّب بالصّدوق (متوفّى سنة ٣٨١ هـ. ق) : اعتقادنا في القرآن أنّه كلام
الله ووحيه وتنزيله وقوله وكتابه وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،
تنزيل من حكيم عليم
، وأنهّ القصص الحقّ وأنّه لقول فصل وما هو بالهزل وأنّ الله تبارك وتعالى محدثه
ومنزله وربّه وحافظه والمتكلّم به ، اعتقادنا أنّ القرآن الّذي أنزله الله تعالى
على نبيّه محمد صلىاللهعليهوآله
هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي النّاس ليس بأكثر من ذلك.
٢. قال الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان
، الملقّب بالمفيد البغدادي (المتوفّى سنة ٤١٣ هـ. ق.) :
وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنّه لم
ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير
المؤمنين عليهالسلام
من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من
جملة كلام الله تعالى الّذي هو القرآن المعجز ، وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً ...
وعندي أنّ هذا القول أشبه (أي أقرب) من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على
الحقيقة دون التأويل. وإليه أميل وأمّا الزيادة فيه فمقطوع على فسادها.
٣. قال السيّد المرتضى علم الهدى
(المتوفّى سنة ٤٣٦ هـ. ق.) :
إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان
والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة واشعار العرب المسطورة ، فإنّ
العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حدّ لم يبلغه فيما
ذكرناه ؛ لأنّ القرآن معجزة النبّوة ومأخذ العلوم الشرعية
__________________
والأحكام الدينيّة ،
وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتّى عرفوا كلّ شيءٍ اختلف فيه
من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع
العناية الصادقة والضبط الشديد؟!
وقال : إنّ القرآن كان على عهد رسول
الله صلىاللهعليهوآله
مجموعاً مؤلّفاً على ما عليه الآن ، واستدلّ على ذلك بأنّ القرآن كان يدرس ويحفظه
جميعه في ذلك الزمان حتىّ عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له وإن كان يعرض على
النبيّ صلىاللهعليهوآله
ويتلى عليه ، وأنّ جماعة من الصّحابة مثل عبد الله ابن مسعود وأبّيّ بن كعب وغيرها
ختموا القرآن على النبيّ صلىاللهعليهوآله
عدة ختمات ، وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا
مبثوث وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشويّة لايعتدّ بخلافهم ؛ فإنّ
الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها ، لا
يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته.
٤. قال الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن
الطوسي (المتوفىّ سنة ٤٦٠ هـ. ق.) :
أمّا الكلام في زيادته ونقصانه فما لا
يليق به أيضاً ؛ لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه فالظّاهر أيضاً
من مذهب المسلمين
__________________
خلافه ، وهو الأليق
بالصحيح من مذهبنا ، وهو الّذي نصره المرتضى (ره) ، وهو الظاهر في الروايات ، غير
أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل
شيء منه من موضع إلى موضع طريقها الآحاد الّتي لاتوجب علماً ولا عملاً ، والأولى
الإعراض عنها ، وترك التشاغل بها لأنّه يمكن تأويلها.
٥. قال الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي
الطبرسي الملقّب بأمين الإسلام (المتوفّى سنة ٥٤٨ هـ. ق.) :
ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه
؛ فإنّه لايليق بالتفسير ، فأمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانه ، وأمّا النقصان
منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أن في القرآن تغييراً
ونقصاناً. والصّحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، والذي نصره المرتضى قدسسره
٦. قال الشيخ البهائي :
اختلفوا في وقوع الزيادة والنقصان فيه. والصحيح
أنّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك زيادةً كان أو نقصاناً ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَإنّا لهُ
لحَافِظُونَ).
وما اشتهر بين النّاس من إسقاط اسم أمير المؤمنين عليهالسلام
منه في وبعض المواضع مثل قوله تعالى : (يا أيّهَا الرَّسول
بّلَغْ ما أُنزِلَ إليكَ)
في عليّ وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء.
__________________
٧. رأي الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء :
وإنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين
هو الكتاب الّذي أنزله الله للإعجاز والتحدّي ، وتمييز الحلال من الحرام ، وأنّه
لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم.
٨. قال الإمام السيّد شرف الدّين
العاملي (المتوفى سنة ١٣٨١ هـ. ق.) : وكلّ من نسب إليهم تحريف القرآن فإنّه مفتر
عليهم ظالم لهم ، لأنّ قداسة القرآن الكريم من ضروريات دينهم الإسلامي ومذهبهم
الإمامي ، ومن شكّ فيها من المسلمين فهو مرتدّ بإجماع الإمامية. وظواهر القرآن ـ
فضلاً عن نصوصه ـ من أبلغ حجج الله تعالى ، وأقوى أدلّة أهل الحقّ بحكم البداهة
الأوّلية من مذهب الإمامية ، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الأحاديث المخالفة للقرآن
عرض الجدار ، ولا يأبهون بها وإن كانت صحيحة ، وتلك كتبهم في الحديث والفقه
والأصول صريحة بما نقول ، والقرآن الكريم الّذي لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه
إنّما هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي النّاس ، لايزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً
، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف ، وكلّ حرف من حروفه متواتر في كلّ جيل
تواتراً قطيعاً إلى عهد الوحي والنبوّة ، وكان مجموعاً على ذلك العهد الأقدس مؤلّفاً
على ما هو عليه الآن ، وكان الجبرئيل عليهالسلام
يعارض
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوآله بالقرآن في كلّ عام
مرّة ، وقد عارضه به عام وفاته مرّتين.
والصحابة كانوا يعرضونه ويتلونه على
النبيّ حتىّ ختموه عليه صلىاللهعليهوآله
مراراً عديدة ، وهذا كلّه من الأمور المعلومة الضروريّة لدي المحقّقين من علماء
الإمامية ، ولا عبرة بالحشوية فإنّهم لايفقهون.
٩. قال اللأستاذ العلّامة الطباطبائي :
فقد تبيّن ممّا فصّلنا أنّ القرآن الّذي
أنزله الله على نبيّه صلىاللهعليهوآله
ووصفه بأنّه ذكر ، محفوظ على ما أنزل ، مصون بصيانة إلهيّة عن الزيادة والنقيصة والتغيير
كما وعد الله نبيّه فيه.
١٠. قال السيّد محسن الأمين صاحب كتاب
أعيان الشيعة :
لايقول أحد من الإمامية ، لا قديماً
ولاحديثاً أنّ القرآن مزيد فيه قليل أوكثير فضلاً عن كلّهم ، بل كلّهم متّفقون على
عدم الزيادة ، ومن يعتدّ بقوله من محقّقيهم متّفقون على أنّه لم ينقص منه ... ومن
نسب إليهم خلاف ذلك قهو كاذب مفتر مجترئ على الله ورسوله.
١١. قال آية الله العظمى السيد
أبوالقاسم الخوئي :
المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف
في القرآن ، وأنّ الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآله وقد صّرح بذلك
__________________
كثر من الأعلام ، منهم
رئيس المحدثين محمد بن بابويه ، وقد عدّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإمامية و
...
ثمّ قال : أنّ المشهور بين علماء الشيعة
ومحقّقيهم ، بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف ...
إنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال
، لايقول به إلاّ من ضعف عقله أو من لم يتأمّل في أطرافه حقّ التأمّل ، أو من
ألجأه إليه حبّ القول به ، والحبّ يعمي ويصمّ. وأمّا العقل المنصف المتدبّر فلا
يشكّ في بطلانه وخرافته.
١٢. قال قائد الثورة الإسلاميّة الإمام
الخميني (المتوفى سنة ١٤٠٩ هـ. ق.) :
فإنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع
الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابةً ، يقف على بطلان المزعمة وأنّه لا ينبغي أن يركن
إليه ذو مسكة. وما وردت فيه من الأخبار ، بين ضعيف لا يستدلّ به ، إلى مجعول يلوح
منها أمارات الجعل ، إلى غريب يقضى منه العجب ، إلى صحيح يدلّ على أنّه مضمونه
تأويل الكتاب وتفسيره ، ألى غير ذلك من الأقسام التّي يحتاج بيان المراد منها إلى
تأليف كتاب حافل.
ولولا خوف الخروج عن الطور الكتاب
لأرخينا عنان البيان إلى بيان تاريخ القرآن وما جرى عليه طيلة قرون ، وأوضحنا عليك
أنّ
__________________
الكتاب هو عين ما
بين الدفّتين ، والاختلافات الناشئة بين القّراء ليس إلاّ أمراً حديثاً لا ربط له
بما نزل به الروح الأمين على قلب سيّد المرسلين.
١٣. قال الفيض الكاشاني : قال الله عزّ
وجلّ (وإنّهُ لكتابٌ عزيزٌ * لا يأتيهِ الباطِلُ من
بينِ يَديهِ ولا من خلفِهِ)
وقال (إنّا نزَّلنا الذِّكر وإنّا لهُ لحَافِظونَ) ، فكيف يتطرّق إليه التحريف والتغيير؟!
وأيضاً قد استفاض عن النبيّ صلىاللهعليهوآله
حديث عرض الخبر المرويّ على كتاب الله ليعلم صحتّه بموافقته له ، وفساده بمخالفته
، فإذا كان القرآن الّذي بأيدينا محرّفاً فما فائدة العرض ، مع أنّ خبر التحريف
مخالف لكتاب الله ، مكذّب له ، فيجب ردّه ، والحكم بفساده.
١٤. قال الشيخ جعفر الجناجي : لا زيادة
فيه من سورة ، ولا آية من بسملة وغيرها ، لاكلمة ولا حرف. وجميع ما بين الدفّتين
ممّا يتلى كلام الله تعالى بالضرورة من المذهب بل الدين ، وإجماع المسلمين ، وأخبار
النبيّ صلىاللهعليهوآله
والأئمّة الطاهرين عليهمالسلام
، وإن خالف بعض من لا يعتدّ به في دخول بعض ما رسم في اسم القرآن ... لا ريب في
أنه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديّان ، كما دلّ عليه صريح القرآن ، وإجماع
العلماء في جميع الأزمان ، ولا عبرة بالنادر.
__________________
١٥. قال السّيد البروجردي الطباطبائي :
قال الشيخ لطف الله الصافي عن أستاذه
آية الله السيّد حسين البروجردي (فإنّه أفاد في بعض أبحاثه في الأصول كما كتبنا
عنه : بطلان القول بالتحريف ، وقداسة القرآن عن وقوع الزيادة فيه ، وأنّ الضرورة
قائمة على خلافه ، وضعف أخبار النقيصة غاية الضعف سنداً ودلالة.
وقال : وإنّ بعض هذه الروايات تشتمل على
ما يخالف القطع والضرورة ، وما يخالف مصلحة النبوّة. وقال في آخر كلامه الشريف : ثمّ
العجب كلّ العجب من قوم يزعمون أنّ الأخبار محفوظة في الألسن والكتب في مدّة تزيد
على ألف وثلاثمئة سنة ، وأنّه لو حدث فيها نقص لظهر ، ومع ذلك يحتملون تطرّق
النقيصة إلى القرآن المجيد.
١٦. رأي السيّد محسن الحكيم الطباطبائي :
وبعد ، فإنّ رأي كبار المحقّقين وعقيدة
علماء الفريقين ونوع المسلمين من صدر الإسلام إلى اليوم على أنّ القرآن بترتيب
الآيات والسور والجمع كما هو المتداول بالأيدي ، لم يقل الكبار بتحريفه من قبل ، ولا
من بعد.
١٧. رأي السيّد محمد هادي الميلاني :
الحمد لله وسلام على عبادة الذّين اصطفى.
أقول بضرس قاطع : إنّ القرآن الكريم لم يقع فيه أيّ تحريف لا بزيادة ولا نقصان ، ولا
بتغيير
__________________
بعض الألفاظ ، وإن
وردت بعض الروايات في التحريف المقصود منها تغيير المعنى بآراء وتوجيهات وتأويلات
باطلة ، لاتغيير الألفاظ والعبارات. وإذا اطلع أحد على رواية وظنّ بصدقها وقع في
اشتباه وخطأء ، وإنّ الظنّ لا يغنى من الحقّ شيئاً.
١٨. رأي السيّ محمد رضا الگلبايگاني :
وقال الشيخ لطف الله الصافي دام ظلّه : ولنعم
ما أفاده العلاّمة الفقيه والمرجع الديني السيّد محمد رضا الگلبايگاني بعد التصريح
بأنّ ما في الدفّتين هو القرآن المجيد ، ذلك الكتاب لا ريب فيه ، والمجموع المرتّب
في عصر الرسالة بأمر الرسول صلىاللهعليهوآله
، بلا تحريف ولا تغيير ولا زيادة ولا نقصان ، وإقامة البرهان عليه : أنّ احتمال
التغيير زيادة ونقيصة في القرآن كاحتمال تغيير المرسل به ، واحتمال كون القبلة غير
الكعبة في غاية السقوط لا يقبله العقل ، وهو مستقلّ بامتناعه عادة.
١٩. رأي الشيخ لطف الله الصافي :
القرآن معجزة نبيّنا محمد صلىاللهعليهوآله وهو الكتاب الّذي
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، قد عجز الفصحاء عن الإتيان بمثله ، وبمثل
سورة أو آية منه ، وحيّر عقول البلغاء ، وفطاحل الأدباء ... وقد مرّ عليه أربعة
عشر قرناً ، ولم يقدر في طول هذه القرون أحد من البلغاء أن
__________________
يأتي بمثله ، ولن
يقدر على ذلك أحد في القرون الآتية والأعصار المستقبلة ، ويظهر كلّ يوم صدق ما
أخبر الله تعالى به : (
فَإن لَمْ
تَفْعَلوا ولَنْ تَفْعَلوا ... )
هذا القرآن ، وهو الروح الأمّة الإسلاميّة وحياتها ووجودها وقوامها ، ولولا القرآن
لما كان لنا كيان. هذا القرآن هو كلّ ما بين الدفّتين ليس فيه شيء من كلام البشر ،
وكلّ سورة من سوره وكلّ آية من آياته ، متواتر مقطوع به ولا ريب فيه. دلّت عليه
الضرورة والعقل والنقل القطعي المتواتر. هذا هو القرآن عند الشيعة الإمامية ، ليس
إلى القول فيه بالنقيصة فضلاً عن الزيادة سبيل ، ولا يرتاب في ذلك إلاّ الجاهل ، أو
المبتلى بالشذوذ الفكري.
وغيرهم من العلماء كالسيّد بن طاووس
المتوفّى سنة ٦٦٤ هـ ق. والعلاّمة الحلّي المتوفّى سنة ٧٢٦ هـ ق. والشيخ محمد بن
الحسن الحرّ العاملي صاحب الكتاب القيّم (وسائل الشيعة) المتوفّى ١١٠٤ هـ. ق ، والعالم
المحقّق زين الدّين البياضي صاحب كتاب الصّراط المستقيم ، والقاضي الشهيد سيّد
نورالله التستري ، والمقّدس البغدادي ، وكاشف الغطاء ، والشيخ محمّد جواد البلاغي
، والسيّد مهدي الطباطبائي المعروف ببحر العلوم ، وآية الله كوه كمري ، وملاّ فتح
الله الكاشاني صاحب تفسير منهج الصادقين ، والميرزا حسن الآشتياني في كتابه بحر
الفوائد ، والشيخ المامقاني في كتابه تنقيح المقال ، والشيخ محمد النهاوندي في
تفسيره المسمّى بنفحات الرحمن ، والسيّد علي نقي الهندي في تفسيره المسمّى بتفسير
القرآن ، والسيّد محمد مهدي الشيرازي
، والسيّد شهاب
الدّين المرعشي النجفي وغيرهم.
هذا رأي العلماء الشيعة الذين يمثّلون
الشيعة في كلّ عصر ، فهم الخبراء بمذهب التشيّع لأهل البيت عليهمالسلام ، الّذين يميّزون
ما هو جزء منه وما هو خارج عنه ، فهؤلاء الفقهاء الّذين هم كبار المجتهدين في كلّ
عصر يعتبر قولهم رأي الشيعة وعقيدتهم عقيدة الشيعة.
مضافاً إلى أنّ العلماء وفقهاء الشيعة
ردوداً على القول بالتحريف ، نذكر خلاصة ردودهم الّتي لخّصها الأستاذ الشيخ علي
الكوراني في كتابه بما يلي :
ردود علماء
الشيعة على التحريف
١. أنّ واقع الشيعة
في العالم يكذب التهمة
فالشيعة ليسوا طائفة قليلة تعيش في قرية
نائية أو مجتمع مقفل ، حتىّ يخفى قرآنهم الّذي يعتقدون به ويقرأونه ، بل هم ملايين
النّاس وعشرات الملايين ، يعيشون في أكثر بلاد العالم الإسلامي ، وهذه بلادهم
وبيوتهم ومساجدهم وحسينياتهم ومدارسهم وحوزاتهم العلمية ، لا تجد فيها إلاّ نسخة
هذا القرآن ... ولو كانوا لا يعتقدون به ويعتقدون بغيره دونه أو معه ، فلماذا
يقرأونه في بيوتهم ومراكزهم ومناسباتهم ولا يقرأون غيره؟ ولماذا يدرسونه ولا
يدرسون غيره؟!
__________________
٢. مذهب التشيع
مبنيّ على التمسّك بالقرآن والعترة
قام مذهب التشيّع لأهل بيت النبيّ صلىاللهعليهوآله على الاعتقاد بأنّ
الله تعالى أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله
بأن يوصي أمته بالتمسّك بعده بالقرآن وعترة النبيّ ، لأنّه اختارهم للإمامة وقيادة
الأمة بعد نبيّه صلىاللهعليهوآله.
وحديث الثقلين حديث ثابت عند الشيعة
والسنّة ، فقد رواه أحمد
(عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلىاللهعليهوآله
قال إنّي أوشك أن ادّعى فأجيب ، وإنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزّ وجلّ عترتي.
كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي. وإنّ اللطيف الخبير
أخبرني أنّهما لن يفترقا حتىّ يردا عليّ الحوض ، فانظروني بم تخلفوني فيهما؟!).
وقد بلغت مصادر هذا الحديث من الكثرة
وتعدّد الطرق عند الطرفين بحيث إنّ أحد علماء الهند ألّف في أسانيده وطرقه كتاب
(عبقات الأنوار) من عدّة مجلّدات.
وعندما يقوم مذهب طائفة على التمسّك
بوصيّة النبيّ بالثقلين ، الثقل الأكبر القرآن والثقل الأصغر أهل بيت نبيّهم ... فكيف
يصحّ اتّهامهم بأنّهم لايؤمنون بأحد ركني مذهبهم؟!
إنّ مثل القرآن والعترة ـ الّذين هم
المفسّرون للقرآن والمبلغون للسنّة ـ في مذهبنا كمثل الأوكسيجين والهيدروجين ، فبدون
أحدهما لا يتحقّق وجود مذهب التشيّع ...
__________________
ولم تقتصر تأكيدات النبيّ على التمسّك
بعترته على حديث الثقلين ، بل كانت متكرّرة وممتدّة طوال حياته الشريفة ، وكان
أوّلها مبكراً في مرحلة دعوة عشيرته الأقربين ـ التي يقفز عنها كتاب السيرة في
عصرنا ويسمّونها مرحلة دار الأرقم ـ يوم نزل قوله تعالى : (وَأنْذِرْ
عَشيرَتَكَ الأقرَبِينَ)
فجمع بني عبدالمطّلب ودعاهم إلى الإسلام ، وأعلن لهم أنّ عليّاً وزيره وخليفته من
بعده!
قال السيّد شرف الدين :
( ... فدعاهم إلى دار عمّه أبي طالب وهم
يومئذٍ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة
والعباس وأبولهب ، والحديث في ذلك من صحاح السنن المأثورة ، وفي آخره قال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: يا بني عبدالمطّلب إنّي والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم
به ، جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني
على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها غير عليّ ـ
وكان أصغرهم ـ إذ قام فقال : أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه. فأخذ رسول الله
برقبته وقال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا. فقام القوم
يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لإبنك وتطيع! ) انتهى.
__________________
وتواصلت تأكيدات النبيّ صلىاللهعليهوآله بعد حديث الدار في
مناسبات عديدة ، كان منها حديث الثقلين ، وكان منها تحديد من خم أهل بيته الّذين
أذهب الله عنهم الرجس ... ثمّ كان أوجها أن أخذ البيعة من المسلمين لعليّ في حجة
الوداع في مكان يدعى غدير خم .. وقد روت ذلك مصادر الفريقين أيضاً ، وألّف أحد
العلماء الشيعة كتاب (الغدير) من عدة مجلّدات في جمع أسانيده وما يتعلّق به.
٣. قاعدة عرض
الأحاديث على القرآن عند الشيعة
من مباحث أصول الفقه عند الشيعة والسنّة
: مسألة تعارض الأحاديث مع القرآن ، وتعارض الأحاديث فيما بينها. وفي كلتا
المسألتين يتشدّد الشيعة في ترجيح القرآن أكثر من إخوانهم السنّة ، فعلماء السنّة
مثلاً يجوّزون نسخ آيات القرآن بالحديث حتىّ لو رواه صحابي واحد .. ولذلك صحّحوا
موقف الخليفة أبي بكر السلبي من فاطمة الزهراء عليهاالسلام
، حيث صادر منها (فدك) الّتي نحلها إيّاها النبيّ صلىاللهعليهوآله
وكانت بيدها في حياة أبيها ، ثمّ منعها إرثها من أبيها صلىاللهعليهوآله بدعوى أنّه سمع
النبيّ يقول : (نحن معاشر الأنبياء لا نوّرث) ، فما تركه النبيّ يكون صدقة بيد
الدولة .. واحتجّت عليه فاطمة الزهراء بالقرآن وقالت له ـ كما روى النعماني
المغربي ـ : يابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ..؟! لقد جئت
شيئاً فَرِياً
، فقال علماء السنة : إنّ
__________________
عمل أبي بكر صحيح ، وآيات
الإرث في القرآن منسوخة بالرواية الّتي رواها أبوبكر وحده ، ولم يروها غيره!
أمّا إذا تعارض الحديثان فقد وضع علماء
الأصول والحديث لذلك موازين لترجيح أحدهما على الآخر ، ومن أوّلها عند الفريقين
الأخذ بالحديث الموافق لكتاب الله تعالى وترك ما خالفه ... إلخ. وزاد علماء الشيعة
على ذلك أنّه بقطع النظر عن وجود التعارض بين الأحاديث أو عدم وجوده فإنّه يجب عرض
كلّ حديث على كتاب الله تعالى ، والأخذ بما وافقه إن استكمل بقيّة شروط القبول
الأخرى ، ورووا في ذلك روايات صحيحة عن النبيّ وآله صلىاللهعليهوآله
:
ففي الكافي (عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: إنّ على كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما
خالف كتاب الله فدعوه.
وعن أبي عبدالله عليهالسلام قال : خطب النبيّ صلىاللهعليهوآله بمنى فقال : أيّها
النّاس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم
أقله.
وعن أبي عبدالله بن أبي يعفور ، قال : سألت
أبا عبدالله عليهالسلام
عن إختلاف الحديث يرويه من نثق به ، ومنهم من لا نثق به؟ قال : إذا ورد عليكم حدثي
فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وإلاّ
__________________
فالّذي جاءكم به
أولى به.
وعن أيّوب بن الحرّ قال : سمعت أبا
عبدالله عليهالسلام
يقول : كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة ، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو
زخرف) .
وفي تهذيب الأحكام ( ... فهذان الخبران
قد وردا شاذّين مخالفين لظاهر كتاب الله ، وكلّ حدثي ورد هذا المورد فإنّه لا يجوز
العمل عليه ، لأنّه روي على النبيّ صلىاللهعليهوآله
وعن الأئمة عليهمالسلام
أنّهم قالوا : إذا جاءكم منّا حديث فأعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله
فخذوه ، وما خالفه فاطرحوه أو ردّوه علينا. وهذان الخبران مخالفان على ما ترى ... ) انتهى.
فكيف يتّهم الشيعة بعدم الاعتقاد
بالقرآن؟! والقرآن هو المقياس الأوّل في مذهبهم ، وهم يخوضون معركة فكريّة مع
إخوانهم السنّة ويكافحون من أجل تحكيم نصوص القرآن ، وقد اشتهرت عنهم إشكالاتهم
على اجتهادات الخلفاء في مقابل نصّ القرآن والسنّة ، وما زال علماء السنّة إلى
عصرنا يسعون للإجابة على هذه الإشكالات!
٤. تاريخ الشيعة
وثقافتهم مبنيّان على القرآن
والشيعة ليسوا طائفة مستحدثة ، بل
جذورهم ضاربة إلى زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله
، حيث كان عدد من الصحابة يلفتون حول علي عليهالسلام
، فشجعهم
__________________
النبيّ على ذلك ، ومدحهم
وأبلغهم مدح الله تعالى لهم ، كما ترويه مصادر السنّة والشيعة .. فقد روى السيوطي
في تفسير قوله تعالى (إنَّ الّذينَ آمنوا وَعَمِلوا
الصّالِحاتِ أُولئكَ هُمْ خَيرُ الْبرَيّةِ) فقال :
(وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبدالله
قال : كنّا عند النّبيصلىاللهعليهوآلهفأقبل
عليّ فقال النّبي صلىاللهعليهوآله
: والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة. ونزلت : (إنَّ
الّذينَ آمنوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ أُولئكَ هُمْ خَيرُ الْبرَيّةِ). فكان أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآله إذا أقبل عليٌّ
قالوا : جاء خير البريّة.
وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد
مرفوعاً : عليٌّ خير البريّة.
وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لمّا
نزلت : (إنَّ الَّذينَ آمنوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ
أُولئِكَ هُمْ خَيرُ البريّةِ)
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
لعليّ : هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين.
وأخرج ابن مردويه عن عليّ قال : قال لي
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: (إنَّ الَّذينَ آمنوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ
أُولئِكَ هُمْ خَيرُ البريّةِ)
أنت وشيعتك ، وموعودي وموعودكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب ، تدعون غرّاً
محجّلين) انتهى.
فعليُّ وشيعته كانوا وجوداً مميّزاً في
زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله
، وهم الّذين كانوا مشغولين مع عليّ بجنازة النبيّ ، عند ما بادر الآخرون إلى
سقيفة
__________________
ورتّبوا بيعة أبي
بكر ، فأدان عليّ وفاطمة وشيعتهم هذا التصرّف ، واتّخذوا موقف المعارضة .... وعندما
بويع عليّ بالخلافة كانوا معه في مواجهة الانحراف وتنفيذ وصيّة النبيّ صلىاللهعليهوآله بالقتال على تأويل
القرآن .. ثمّ كانوا مع أبنائه الأئمّة من أهل البيت عليهمالسلام
.. وعبر القرون كان الشيعة قطاعاً كبيراً حيوياً واسع الامتداد في الأمة تمثل في
مجتمعاتٍ ودولٍ ، وتاريخ معروفٍ مدوّن. وثقافتهم ومؤلّفاتهم كثيرة وغزيرة ، وقد
كانت وما زالت في متناول الجميع ، ومحورها كلّها القرآن والسنّة ، ولا أثر فيها
لوجود قرآن آخر!!
٥. تفاسير علماء
الشيعة ومؤلّفاتهم حول القرآن
يمكن القول بأنّ نسبة عدد الشيعة عبر
العصور المختلفة كانت خمس عدد الأمّة الإسلاميّة ، وبقيّة المذاهب السنّية أربع
أخماس .. فالوضع الطبيعي أن تكون نسبة مؤلّفاتهم في تفسير القرآن ومواضيعه الأخرى
خمس مجموع مؤلفات إخوانهم السنّة ..
إذا لا حظنا ظروف الاضطهاد التي عاشها
الشيعة عبر القرون ، نكون منصفين إذا توقّعنا من علمائهم عُشر ما ألّفه إخوانهم
السنّة حول القرآن بالنصف العشر .. بينما نجد أنّ مؤلّفات الشيعة حول القرآن قد
تزيد على الثلث!
وقد أحصت دار القرآن في قم أسّسها مرجع
الشيعة الراحل السيّد الگلبايگاني رحمة الله ، مؤلّفات الشيعة في التفسير فقط
في القرون المختلفة
، فزادت على خمسة آلاف مؤلّف ..
فكيف يصحّ أن نعمد إلى طائفة أسهموا على
مدى التاريخ الإسلامي أكثر من غيرهم في التأليف في تفسير القرآن وعلومه .. ونتّهمهم
بعدم الإيمان بالقرآن ، او بأنّ عندهم قرآناً آخر!!
٦. فقه الشيعة في
احترام القرآن أكثر تشدّداً
توجد مجموعة أحكام شرعية عند الشيعة
تتعلّق بوجوب احترام نسخة القرآن الكريم وحرمة إهانتها. فلا يجوز عندنا مسّ خطّ
القرآن لغير المتوضّئ ، ولايجوز القيام بأي عمل يعتبر عرفاً إهانةً للقرآن ولو لم
يقصد صاحبه الإهانة ، كأن يضع نسخة القرآن في مكان غير مناسب ، أو يرميها رمياً
غير لائق ، أو ينام ونسخة المصحف في مكان مواجه لقدميه ، أو يضعها في طفل يعبث بها
.. إلى آخر هذه الأحكام التي تشاهدها في كتب الفقه العملي الذي يعلّم الناس الصلاة
والوضوء والأحكام التي يحتاجها الشيعي في حياته اليوميّة ... فأيّ قرآن تتعلّق به
هذه الأحكام التي تعلّمها نساء الشيعة لأطفالهن ..؟
هل تتعلّق بقرآن الشيعة المزعوم الذي لا
يعرفه الشيعة ولا رأوه؟!
٧. فتاوى علماء
الشيعة بعدم تحريف القرآن
وقد صدرت فتاوى علماء الشيعة [الماضين
والحاضرين] جواباً
على تهمة الخصوم
فأجمع مراجعهم على أنّ إتّهام الشيعة بعدم الاعتقاد بالقرآن افتراء عليهم وبهتان
عظيم ، وأنّ الشيعة يعتقدون بسلامة هذا القرآن وأنّه القرآن المنزل على رسول الله صلىاللهعليهوآله من دون زيادة أو
نقيصة.
__________________
شهادة أعلام التحقيق
من أهل السنّة
من الجدير أن نشير هنا إلى شهادات بعض
المحقّقين من أهل السنّة بشأن نزاهة مواقف علماء الشيعة الإماميّة تجاه مسألة
التحريف وبأنّ أعلام علماء الشيعة لا يعتقدون بعروض التحريف في القرآن. وإليك
نماذج من تلكم الشهادات :
١. قال أبوالحسن علّي بن إسماعيل
الأشعري :
واختلف الروافض في القرآن ، عل زيد فيه
أو نقص منه؟ وهم فرقتان ، فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنّ القرآن قد نقص منه ، وأمّا
الزيادة فذلك غير جائز أن يكون قد كان ، وكذلك لا يجوز أن يكون قد غيّر منه شيء
عمّا كان عليه ، فأمّا ذهاب كثير منه فقد ذهب كثير منهم ، والإمام يحيط علماً به.
والفرقة الثانية منهم وهم القائلون
بالاعتزال (لقوطهم بأصل العدل) والإمامة يزعمون أنّ القرآن ما نقص منه ولا زيد فيه
، وأنّه على ما
أنزله الله على
نبيّه عليه الصلاة والسلام ، لم يغيّر ولم يبدّل ، ولازال عمّا كان عليه.
هذا كلام أكبر زعيم من زعماء الفكر
الإسلامي في القرن الرابع (توفّي سنة ٣٣٠ هـ. ق) يشهد بوضوح أنّ الأعلام المحقّقين
من أكابر الشيعة الإمامية يرفضون القول بالتحريف في جميع أشكاله.
٢. قال الأستاذ المعاصر الدكتور محمد
عبدالله درّاز :
ومهما يكن من أمر فإنّ هذا المصحف
هوالوحيد المتداول في العالم الإسلامي بما فيه فرق الشيعة ـ منذ ثلاثة عشر قرناً
من الزمان. ونذكر هنا رأي الشيعة (أهم فرق الشيعة) كما ورد بكتاب أبي جعفر
(الصدوق) :
(إنّ اعتقادنا في جملة القرآن الّذي
أوحى به الله تعالى إلى نبيّه محمد صلىاللهعليهوآله
هو كلّ ما تحتويه دفّتا المصحف المتداول بين الناس لا أكثر ... أمّا ما ينسب إلينا
الاعتقاد في أنّ القرآن أكثر من هذا فهو كاذب) أمثال هذه الرّوايات الّتي نضرب
عنها صفحاً.
قال : وقد ألّف ابن الخطيب محمد محمد
عبداللطيف في سنة ١٩٤٨ م كتاباً اسمه الفرقان حشّاه بكثير من أمثال هذه الروايات
السقيمة المدخولة المرفوضة ، ناقلاً لها عن الكتب والمصادر عند أهل السنّة. وقد
طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بيّن بالدليل والبحث العلمي أوجه
البطلان والفساد فيه ، فاستجاب الحكومة لهذا
__________________
الطلب وصادرت الكتاب
، فرفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضاً ، فحكم القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها.
أفيقال : إنّ اهل السنّة ينكرون قداسة
القرآن؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان؟ أو لكتاب ألّفه فلان؟
فكذلك الشيعة الإمامية ، إنّما هي
روايات في بعض كتبهم كالروايات الّتي في بعض كتبنا. وفي ذلك يقول العلاّمة السعيد
أبو علي الفضل الطبرسي ابن الحسن الطبرسي
في كتابه (مجمع البيان لعلوم القرآن) وهو بصدد الكلام عن الروايات الضعيفة الّتي
تزعم أنّ نقصاً ما دخل القرآن ـ يقول هذا الإمام ما نصّه : روى جماعة من أصحابنا وقوم
من حشويّة العامّة أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً ، والصحيح من مذهب أصحابنا
خلافه ، وهو الّذي نصره المرتضى قدّس الله روحه .... وينقل كلان العلاّمة الطبرسي
بتمامه ، حسبما نقلناه آنفاً ، ثمّ يقول : فهذا كلام صريح واضح الدلالة على أنّ
الإماميّة كغيرهم في اعتقاد أنّ القرآن لم يضع منه حرف واحد ، ثمّ قال الأستاذ :
وبناءً فلى ذلك أكّد ((لو بلو)) أنّ
القرآن هو اليوم الكتاب الربّانيّ الّذي ليس فيه أيّ تغيير يذكر ... وكان ((و. موير))
فد أعلن ذلك قبله ... فلم يوجد إلاّ القرآن واحد لجميع الفرق الإسلاميّة المتنازعة.
__________________
٣. قال الأستاذ الشيخ محمد محمد المدني
وأمّا أنّ الإماميّة يعتقدون نقص القرآن
فمعاذ الله! وإنّما هي روايات رويت في كتبهم ، كما روي مثلها في كتبنا ، وأهل
التحقيق من الفريقين قد زيّفوها وبيّنوا بطلانها ، وليس في الشيعة الإماميّة أو
الزيديّة من يعتقد ذلك ، كما أنّه ليس في السنّة من يعتقده.
ويستطيع من شاء أن يرجع إلى مثل (كتاب
الإتقان) للسيوطي ليري فيه أمثال هذه الروايات الّتي نضرب عنها صفحاً.
أقول : هكذا يعترف كلّ من كان منصفاً
وراجع كتب الشيعة ونظر إلى رأي علماء الشيعة ودرس عقائدهم وأقوالهم من صدر الإسلام
إلى الآن ويتعجّب ممّن اتّهم الشيعة وعلمائهم بأنّهم يعتقدون بالتحريف.
قال السيّد شرف الدّين العاملي :
والباحثون من أهل السنّة يعلمون أنّ شأن
القرآن العزيز عند الإمامية ليس إلاّ ما ذكرناه ، والمنصفون منهم يصرّحون بذلك :
قال الإمام الهمام الباحث المتتبّع رحمة
الله الهندي في كتابه النفيس (إظهار الحقّ) ما هذا لفظه : القرآن المجيد عند جمهور
علماء الشيعة الإماميّة الإثني عشرية محفوظة عن التغيير والتبديل. ومن قال منهم
بوقوع النقصان فيه (أي الفئة الأخباريّة) فقوله مردود غير مقبول عندهم.
__________________
ثمّ يستشهد الإمام الهندي بكلمات أعلام
الطّائفة أمثال : الصدوق والشريف المرتضى والطبرسي والحرّ العاملي وغيرهم من
مشاهير.
ويعقّبها بقوله : فظهر أنّ المذهب
المحقّق عند علماء الفرقة الإماميّة الإثني عشرية أنّ القرآن الّذي أنزله الله على
نبيّه هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك. وأنّه كان
مجموعاً مؤلّفاً في عهده صلىاللهعليهوآله
وحفظه ونقله ألوف من الصحابة ، وجماعة من الصحابة كعبدالله بن مسعود وأبيّ بن كعب
وغيرهما ختموا القرآن على النبيّ عدّة ختمات ، ويظهر القرآن ويشهر بهذا الترتيب
عند ظهور الإمام الثاني عشر عجّل الله تعالى فرجه.
قال : والشرذمة القليلة الّتي قالت
بوقوع التغيير فقولهم مردود عندهم ولا اعتداد بهم فيما بينهم. وبعض الأخبار
الضعيفة الّتي رويت في مذهبهم لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته. وهو
حقّ ، لأنّ خبر الواحد لايقتضي علماً ، فيجب ردّه إذا خالف الأدلّة القاطعة ، على
ما صرّح به ابن المطهّر الحلّي(العلاّمة) في مبادئ الوصول إلى علم الأصول.
__________________
الفصل الرابع
أدلّة
القائلين بالتحريف
أدلّة تحريف
الكتاب وردّها
واستدلّ للقول بوقوع التحريف في الكتاب
بأدلّة جمعها المحدّث النوري في كتابه الّذي يسمّى بفصل الخطاب في إثبات تحريف
كتاب ربّ الأرباب. وإنّنا كلّ الأدلّة الّتي نقلها موجزاً ونجيب عنها بعون الله
تعالى :
الدليل الأوّل :
إنّ اليهود والنصارى غيّروا وحرّفوا
كتاب نبيّهم بعده ، فهذه الأمّة أيضاً لابّد أن يغيّروا القرآن بعد نبيّنا صلىاللهعليهوآله ؛ لأنّ ما وقع في
بني إسرائيل لابّد وأن يقع في هذه الأمّة على ما أخبر به الصادق المصدّق صلوات
الله عليه.
أقول : يمكن أن يكون مراده ممّا أخبر به
الصادق المصدّق هذه
__________________
الرواية الّتي رواها
الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة عن غياث بن إبراهيم ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن
آبائه عليهمالسلام
قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: كلّ ما كان في الأمم السالفة ، فإنّه يكون في هذه الأمّة مثله حذو النعل بالنعل
، والقذة بالقذة.
وروي روايات أخرى بهذا المضمون من
الشيعة والسنّة.
والجواب عن ذلك :
لقد أجاب آية الله العظمى الخوئي عن ذلك
بقوله :
أوّلاً
: إنّ الروايات المشار إليها أخبار آحاد
لا تفيد علماً ولا عملاً ، ودعوى التواتر فيها جزافيّة لا دليل عليها ، ولم يذكر
من هذه الروايات شيء في الكتب الأربعة ، ولذلك فلا ملازمة بين وقوع التحريف في
التوراة ووقوعه في القرآن.
ثانياً
: إنّ هذا الدليل لو ثمّ لكان دالّاً على
وقوع الزيادة في القرآن أيضاً ، كما وقعت في التوراة والانجيل ، ومن الواضح بطلان
ذلك.
ثالثاً
: إنّ كثيراً من الوقائع الّتي حدثت في
الأمم السابقة لم يصدر مثلها في هذه الأمّة ، كعبادة العجل ، وتيه بني إسرائيل
أربعين سنة ، وغرق فرعون وأصحابه ، وملك سليمان للانس والجنّ ، ورفع عيسى إلى
السماء ، وموت هارون وهو وصيّ موسى قبل موت موسى بنفسه ، واتيان موسى بتسع آيات
بيّنات ، وولادة عيسى من غير أب ، ومسخ كثير من السابقين قردة وخنازير ، وغير ذلك
ممّا لا يسعنا إحصاؤه.
__________________
وهذا أدلّ دليل عدم إرادة الظاهر من تلك
الروايات ، فلابّد من إرادة المشابهة في بعض الوجوه. وعلى ذلك فيكفي في وقوع
التحريف في هذه الأمّة عدم اتّباعهم لحدود القرآن ، وإن أقاموا حروفه كما في
الرواية ...
رابعاً
: لو سلّم تواتر هذه الروايات في السند ،
وصحّتها في الدلالة ، لمّا ثبت بها أنّ التحريف قد وقع فيما مضى من الزمن ، فلعلّه
يقع في المستقبل زيادة ونقيصة ، والّذي يظهر من البخاري تحديده بقيام الساعة ، فكيف
يستدلّ بذلك على وقوع التحريف في صدر الإسلام وفي زمان الخلفاء؟!
الدليل الثاني :
إنّ كيفية جمع القرآن وتأليفه مستلزمة
عادة لوقوع التغيير والتحريف فيه ثمّ قال : فإنّك قد عرفت أنّ القرآن لم يكن مجموعاً
مرتبّاً في عهد النبيّ صلىاللهعليهوآله
، وإنّما كان منتشراً متشتّتاً عند الأصحاب في الألواح والصدور ، مع احتمال أنّه
لم يكن بعضه عند أحد منهم كما أشير إليه في بعض الأخبار. نعم جمعت عند النبيّ صلىاللهعليهوآله نسخة متفرّقة في
الصحف والحرير والقراطيس ورثها عليّ عليهالسلام
ولمّا جمعها بعده صلىاللهعليهوآله
بأمره ووصيّته وألّفه كما أنزل الله تعالى ثمّ عرضها عليهم فأعرضوا عنه وعمّا جاء
به.
__________________
والجواب عن ذلك :
إنّ كيفيّة الجمع الّذي ثبت عندنا ليست
مستلزمة لوقوع التحريف ؛ لأنّا نعتقد أنّ القرآن كتب وجمع في زمن النبيّ وفي
إشرافه كما أكّد عليه عدد من العلماء والباحثين مثل : الحارث المحاسبي والخازن
والزرقاني والزركشي وعبدالصبور شاهين ومحمد الغزالي وأبي شامة والباقلاني والحرّ
العاملي والبلخي وابن طاووس والسيّد شرف الدين. وقال الدكتور الصغير : ( ... والتحقيق
العلمي يقتضي : أن يكون القرآن كلّه قد كتب ، وجمع في عهد النبيّ صلىاللهعليهوآله كما يرى ذلك ابن
حجر).
فمصدر هذه الشبهة كما قال المرحوم آية
الله العظمى الخوئي هو زعمه بأنّ جمع القرآن كان بأمر من أبي بكر بعد أن قتل سبعون
رجلاً من القرّاء في بئر معونه ، وأربعمائة نفر في حرب اليمامة فخيف ضياع القرآن وذهابه
من النّاس ، فتصدّى عمرو بن زيد بن ثابت لجمع القرآن من العسب والرقاع واللخاف ، ومن
صدور النّاس بشرط أن يشهد شاهدان على أنّه من القرآن ، وقد صرّح بجميع ذلك في عدة
من الروايات ، والعادة تقضي بفوات شيء منه على المتصدّي لذلك إذا كان غير معصوم ، كما
هو مشاهد فيمن يتصدّى لجمع شعر شاعر واحد أو أكثر ، إذا كان هذا الشعر متفرّقاً ، وهذا
الحكم قطعي بمقتضى العادة ، لا أقلّ من احتمال وقوع التحريف ، فإنّ من المحتمل عدم
إمكان إقامة
__________________
شاهدين على بعض ما
سمع من النبيّ صلىاللهعليهوآله
، فلا يبقى وثوق بعدم النقيصة.
فهذه الشبهة مبتنية على ما زعمه النوري
بأنّ جمع القرآن كان بأمر من أبي بكر ، ولكن هذا الزعم باطل قطعاً ، لاهتمام
النبيّ صلىاللهعليهوآله
بالقرآن ، وتعليمه إيّاه للناس ، وحثّه لهم على قراءته وحفظه وختمه أوّلاً.
وثانياً : عرض الصحابة القرآن على رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وقراءتهم له.
وأخيراً اهتمام الصحابة بختم القرآن في
زمنه صلىاللهعليهوآله
وأمره وحثّه على ختمه باستمرار.
فكون القرآن كلّه موجوداً مكتوباً على
القسب واللخلاف والرقاع وقطع الأديم وعظام الأكتاف والأضلاع وبعض الحرير والقراطيس
ممّا لا شكّ فيه.
فإذا كان هذا الزعم باطلاً كما صرّح به
غير واحد من المحقّقين الّذين بذلوا جهدهم في هذا الموضوع شكّر الله سعيهم يتبيّن
أنّ هذا الدليل أيضاً في غير محلّه.
كيفيّة جمع القرآن
نعم هنا بحث في أنّ القرآن المكتوب في
القراطيس وغيره في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله
جمع في مصحف واحد كالموجود بين الدفّتين في زمنه أو كان متفرّقاً فيها في زمن
النبيّ صلىاللهعليهوآله
نظراً لترقّب نزول القرآن على عهده صلىاللهعليهوآله
، فمادام لم ينقطع الوحي لم يصحّ تأليف السّور مصحفاً ، إلّا بعد الإكمال
__________________
وإنقطاع الوحي.
قد ذهب عدة من المحقّقين إلى أنّ القرآن
بنظمه القائم وترتيبه الحاضر كان قد حصل في حياة الرسول وكان القرآن على عهده صلىاللهعليهوآله مجموعاً مؤلّفا على
ما هو عليه الآن كالقاضي وابن الأنباري والكرماني والطيّبي . كما ذهب السّيد الخوئي أيضاً إلى هذا
الرأي.
وذهب أستاذنا العلاّمة الشيخ محمد هادي
المعرفة إلى أنّ جمع السور وترتيبها بصورة مصحف مؤلّف كالموجود بين الدفّتين حصل
بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله
، وأوّل من قام بجمع القرآن بعد وفاته مباشرة وبوصيّه منه صلىاللهعليهوآله هو اللإمام علي بن
أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ ثمّ قام بجمعه زيد بن ثابت بأمر من أبي بكر ، كما
قام بجمعه كلّ من ابن مسعود وأبيّ بن كعب وأبي موسى الأشعري وغيرهم ، حتىّ انتهى
الأمر إلى دور عثمان فقام بتوحيد المصاحف وإرسال نسخ موحّدة إلى أطراف البلاد ، وحمل
الناس على قراءتها وترك ما سواها.
ثمّ قال : ما قدّمناه هو المعروف عن
رواة الآثار وعند الباحثين عن شؤون القرآن.
وأضاف بقوله : ولكن يجب أن يعلم : أنّ
قضيّة جمع القرآن حدث
__________________
من أحداث التاريخ ، وليست
مسألة عقلانية قابلة للبحث والجدال فيها.
وعليه فيجب مراجعة النصوص التاريخيّة
المستندة من غير أن يكون مجال لتجوال الفكر فيها على أيّة حال!
والصحيح عندي أيضاً ما قاله الأستاذ. ولمزيد
الاطمينان إلى أصحّ القولين فليراجع الموسوعة القيّمة التمهيد ، ج ١ ، ص ٢٢٠.
الدليل الثالث :
إنّ أكثر العامّة وجماعة من الخاصّة
ذكروا في أقسام الآيات المنسوخة : ما نسخت تلاوتها دون حكمها ، وما نسخت تلاوتها
وحكمها معاً. وذكروا للقسمين أمثله ورووا أخباراً كثيرة ظاهرة بل صريحة في وجود
بعض الآيات والكلمات الّتي ليس لها في القرآن المتداول أثر ولا عين وأنّه كان منه
في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله
يتلونه الأصحاب وحملوها على أحد القسمين من غير أن تكون فيها دلالة وإشارة على ذلك
وحيث إنّ نسخ التلاوة غير واقع عندنا فهذه الآيات والكلمات لابدّ وأن تكون ممّا
سقطت وسقوطها من الكتاب جهلاً أعمداً لا بإذن من الله ورسوله وهو المطلوب.
ويرد عليه : أنّ نسخ التلاوة عندنا باطل
أيضاً ، ولانعتقد به ؛ لقوله تعالى : (وَما نَنْسَخْ مِنْ
آيةٍ أوْ نُنسِها نَأتِ بِخَيرٍ مِنها أَوْ مِثلِها)
، إذ لا نسخ
__________________
فيما لا يكون هناك
ناسخ ، وما جاء بخير منه أو مثلها في نسخ التلاوة.
مضافاً إلى أنّ الروايات الّتي أشار
إليها الطبرسي روايات آحاد ، والقرآن الكريم لا يثبت ولا ينسخ بروايات الآحاد مهما
كانت مكانة قائلها ، ولابدّ فيه من التواتر ، كما أجمع عليه العلماء قديماً وحديثاً.
وأخيراً لو صحّ ما قالوه لاشتهر بين
الصحابة جميعاً ، ولحفظه كثير منهم أو كتبوه في مصاحفهم ، ولكن ما اشتهر ، بل نقول
: إنّ نسخ التلاوة غير معقول ولن يصدر من الحكيم أبداً.
فإذا ثبت أنّ نسخ التلاوة غير واقع بل
غير معقول لا يصدر من الحكيم فيثبت بطلان هذا الدليل أيضاً.
الدليل الرابع :
إنّه كان لأميرالمؤمنين عليهالسلام قرآناً مخصوصاً
جمعه بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله
وعرضه علة القوم فأعرضوا عنه ، فحجبه عن أعينهم ، وكان عند أولاده عليهمالسلام يتوارثه إمام عن
إمام كسائر خصائص الإمامة وخزائن النبوّة ، وهو عند الحجّة عجّل الله فرجه يظهره
للنّاس بعد ظهوره ويأمرهم بقراءته ، وهو مخالف لهذا القرآن الموجود من حيث التأليف
وترتيب السور والآيات بل الكلمات أيضاً ومن وجهة الزيادة والنقيصة ، وحيث إنّ
الحقّ مع عليّ عليهالسلام
وعلى مع الحقّ ففي القرآن الموجود تغيير من جهتين ، وهو المطلوب.
__________________
والجواب عنه :
إنّ وجود القرآن لعليّ من المسلمات
التاريخية ، ولكن لم يكن مصحفة مخالفاً لهذا القرآن الموجود بين الدفّتين من جهة
الزيادة والنقيصة ، بل كان مخالفاً لهذا القرآن في النظم والاحتواء على شروح
وتفاسير على الهامش ومحلّ النزول وشأن النزول.
قال السيّد الخوئي « رحمة الله » : (فالذي يستفاد من الروايات
في هذا المقام هو أنّ مصحف عليّ عليهالسلام
كان مشتملاً على زيادات تنزيلاً أو تأويلاً. ولا دلالة في شيء من هذه الروايات على
أنّ تلك الزيادات من القرآن).
وما أدّعى أيضاً أحد ولا يستفاد من
الروايات أيضاً أنّ مصحفه كان ناقصاً من القرآن الموجود بين الدفّتين.
فما ذكره النوري إن صحّ استدلاله يدلّ
على التحريف بمعنى زيادة شيء في القرآن وبطلانه إجماعيّ ، ولكن الاستدلال سخيف
وباطل كما عرفت.
وقال المرحوم العلاّمة الطباطبائي قدسسره : والجواب عنه
الوجه الثالث إنّ جمعه عليهالسلام
القرآن وحمله إليهم وعرضه عليهم لا يدلّ على مخالفة ما جمعه في شيء من الحقائق
الدينيّة الأصليّة أو الفرعية إلا أن يكون في شيء من ترتيب السور أو الآيات من
السور الّتي نزلت نجوماً بحيث لا يرجع إلى مخالفة في بعض الحقائق الدينيّة.
ولو كان كذلك لعارضهم بالحتجاج ودافع
فيه ، ولم يقنع بمجرّد
__________________
إعراضهم عما جمعه
واستغنائهم عنه كما روي عنه عليهالسلام
في موارد شتيّ ، ولم ينقل عنه عليهالسلام
فيما روى من احتجاجاته أنّه قرأ في أمر ولايته ولا غيرها آية أو سورة تدلّ على ذلك
، وجبههم على إسقاطها أو تحريفها.
الدليل الخامس :
إنّ وجود مصحف مخصوص معتبر لعبد الله بن
مسعود مخالف للمصحف الموجود مستلزم لعدم مطابقة لتمام ما نزل على النبيّ صلىاللهعليهوآله إعجازاً وإن كان في
مصحفه أيضاً مخالفة لمصحف أميرالمؤمنين عليهالسلام
من جهة الترتيب كما مرّ ، وعدم اشتماله على تمام ما فيه بل بعض ما في الموجود
أيضاً إلاّ أنّ المطلوب ثبوت تمام ما جمعه فيه ، وعدم شمول الموجود لبعضه وبه يتمّ
الاستدلال ، ولا تضرّه المخالفة المذكورة ، كما لا يخفى.
والجواب عن ذلك :
قال الأستاذ العلامة محمد هادي المعرفة
في جوابه :
كان اختلافه مع سائر المصاحف في قراءته
بالزيادة التفسيريّة أحياناً ، وبتبديل كلمات غير مألوفة لغرض الإيضاح.
وقد أسقط المعوّذين بزعم أنّهما عوذتان.
ولم يثبت الفاتحة في
__________________
مصحفه ، نظراً
لأنّها عدل القرآن وليس منه
هكذا كان يزعم ولكن كلّ ذلك لا يتمّ عن
قصد إلى تحريف الكتاب.
مضافاً إلى ذلك أنّ عدم شمول القرآن الموجود
لبعض ما كان في مصحف ابن مسعود لا يفيد إثبات التحريف ؛ لأنّه لم يثبت بالتواتر
وغيره قرآناً نازلاً. ومشهور أنّ عبدالله بن مسعود وافق مع الّذين كانوا يجمعون
ويكتبون المصحف العثماني ، وأظهر رضايته بفعلهم.
الدليل السادس :
إنّ هذا المصحف الموجود غير شامل لتمام
ما في مصحف أبيّ بن كعب ، فيكون غير شامل لتمام ما نزل إعجازاً لصحّة ما في مصحف
أبيّ واعتباره.
والجواب عنه :
إنّ كون ما في مصحف أبيّ معتبراً محلّ
إشكال بل منع ؛ لعدم ثبوته ، مضافاً بما جاء في ردّ الأستاذ حيث قال : نعم كان
مشتملاً على دعائي القنوت ، وقد حسبهما سورتين : سورة الخلع وسورة الحفد. وقد زاد
في مفتتح سورة الزمر (حم) ليكون عدد الحواميم عنده ثمانية ، على
__________________
خلاف المشهور ، وكانت
له زيادات تفسيرية على غرار زيادات ابن مسعود.
الدليل السابع :
إنّ ابن عفّان لمّا استولى على الأمّة
جمع المصاحف المتفرّقة ، واستخرج منها نسخة بإعانة زيد بن ثابت وكتابته وقراءته
وقراءة نفسه ، وسماّها بالإمام ، وأحرق ومزّق سائر المصاحف ، وما فعل ذلك إلاّ
لإعدام ما بقي فيها ممّا كان بأيدي الناس وغفل عنه أخواه ممّا كان يلزمهم حذفه
صوناً لسلطنتهم عمّا يوهم الوهن فيها ، وصادفه بعض الدواعي الأخر ممّا لزم منها
سقوط بعض الكلمات بل الآيات أيضاً كما يستفاد من أخبار الباب.
والجواب عن ذلك :
إنّ ما زعم المحّدث النوري ادّعاء محض ؛
لعدم ثبوت سقوط بعض الكلمات أو الآيات ، بل ثبت عدم سقوط شيء من الكلمات أو الآيات
؛ لأنّ فعل عثمان كان بمرأى ومنظر القارئين والكتّاب وجميع المسلمين ، وما اعترض
عليه أحد المسلمين أنّه أسقط بعض الكلمات أو الآيات ، بل أيّدوه في أصل جمع القرآن
وتوحيده ، ونقل أنّ عليّاً عليهالسلام
أيضاً أيّده وقرّره.
__________________
أخرج ابن داوود عن سويد بن غفلة قال : سمعته
من عليّ بن أبي طالب عليهالسلام
:
فوالله ما فعل (عثمان) الّذي فعل في
المصاحف إلاّ عن ملأ منّا جميعاً.
وقال : فقد بلغني أنّ بعضهم يقول : قراءتي
خير من قراءتك ، وهذا يكاد يكون كفراً ، قلنا : فماذا رأيت؟ قال عليهالسلام : أرى أن يجمع
الناس على مصحف واحد ، فلا تكون فرقة ولا اختلاف. فنعم ما رأيت.
وفي رواية أخرى قال (عليّ عليهالسلام) : ولو ولّيت في
المصاحف ما ولي عثمان لفعلت كما فعل.
فهذا العمل من عثمان يكون دليلاً على
صيانة القرآن من التحريف لا العكس ؛ لأنّ عمله كان لكثرة ما ظهر في الناس من اللحن
في القراءة ، والقراءة باللهجات المختلفة وغير ذلك ، نعم عمله في إحراق سائر
المصاحف كان قبيحاً جدّاً ، واعترض عليه المسلمون حتىّ سمّوه بحرّاق المصاحف.
قال السيّد الخوئي رضوان الله تعالى
عليه : أمّا هذا العمل من عثمان فلم ينتقده عليه أحد من المسلمين ، وذلك لأنّ
الاختلاف في القراءة كان يؤدّي إلى الاختلاف بين المسلمين وتمزيق صفوفهم وتفريق
وحدتهم ، بل كان يؤدّي إلى تكفير بعضهم بعضاً. وقد مرّ فيما ـ تقدّم ـ بعض
الروايات الدالّة على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله
منع عن الاختلاف في القرآن.
__________________
ولكن الأمر الّذي
انتقد عليه هو إحراقه لبقيّة المصاحف ، وأمر أهالي الأمصار بإحراق ما عندهم من
المصاحف ، وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة من المسلمين ، حتىّ سموّه بحرّاق
المصاحف.
الدليل الثامن :
الأخبار الكثيرة الّتي رواها المخالفون
(زيادة على ما مرّ في المواضع السابقة) الدالّة صريحاً على وقوع التغيير والنقصان
في المصحف الموجود ، ولكثرتها ووثاقة بعض ناقليها ووجود الدواعي على ترك روايتها
لرجوعها بالأخرة إلى الطعن على الخلفاء تطمئنّ النفس بصدق مضمونها ، مضافاً إلى
عدم وجود الدواعي القريبة لهم لوضعها ، وعدم وجود معارض لها في أخبارنا ، بل فيها
من المؤيّدات ما يجعلها قريباً من المتواترات.
والجواب عن ذلك :
أوّلاً : إنّ أكثر هذه الأحاديث ضعيفة
من حيث الأسناد.
ثانياً : قد عالجها أئمّة نقد الحديث
بأنّها كانت من زيادات تفسيريّة وشروح وما إلى ذلك ، لا من لفظ النّص.
ثالثاً : وجب طرح هذه الروايات ؛ لأنّها
مخالفة للكتاب والسنّة.
__________________
رابعاً : إعراض أهل السنّة وأصحابنا عن
هذه الروايات ، فتسقط من الحجيّة.
قال السيّد الخوئي قدسسره في ردّه : والجواب عن
الإستدلال بهذه الطائفة : أنّه لابّد من حملها على ما تقدّم في معني الزيادات في
مصحف أميرالمؤمنين عليهالسلام
(إنّ تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل وما يؤول إليه الكلام أوبعنوان
التنزيل من الله شرحاً للمراد)
وإن لم يمكن ذلك الحمل في جملة منها فلابدّ من طرحها ؛ لأنّها مخالفة للكتاب
والسنّة ... على أنّ أكثر هذه الروايات بل كثيرها ضعيفة السند ، وبعضها لا يحتمل
صدقه في نفسه ، وقد صرّح جماعة من الأعلام بلزوم تأويل هذه الروايات أولزوم طرحها.
وقال الأستاذ العلاّمة الطباطبائي : في
ردّ الطائفة من الروايات :
أمّا أوّلاً : فبأنّ التمسك بالأخبار
بما أنّها حجّة شرعيّة يشتمل الدور :
بيان ذلك :
إنّ حجيّة الأخبار متوقّفة على صحّة
النبوّة وذلك ظاهر ، وصحّة النبوّة اليوم متوقّفة على سلامة القرآن من التحريف
المستوجب لزوال صفات القرآن الكريمة عنه كالهداية وفصل القول وخاصّة الإعجاز ، فإنّه
لا دليل حيّاً خالداً على خصوص نبوّة النبيّ صلىاللهعليهوآله
غير القرآن الكريم بكونه آية معجزة ، ومع احتمال التحريف بزيادة أو نقيصة أو أيّ
تغيير
__________________
آخر لا وثوق بشيء من
آياته ومحتوياته أنّه كلام الله محضاً ، وبذلك تسقط الحجّة ، وتفسد الآية ، ومع
سقوط كتاب الله عن الحجّية تسقط الأخبار عن الحجّية.
فلا يبقى للمستدلّ بها إلّا أن يتمسّك
بها بما أنّها أسناد ومصادر تاريخيّة ، وليس فيها حديث متواتر ولا محفوف بقرائن
قطعيّة تضطرّ العقل إلى قبوله ، بل هي آحاد متفرّقة متشتّة مختلفة منها صحاح ومنها
ضعاف في أسنادها ومنها قاصرة في دلالتها فما أشذّ منها ما هو صحيح في سنده تامّ في
دلالته.
وهذا النوع على شذوذه وندرته غير مأمون
فيه الوضع والدسّ ؛ فإنّ انسراب الإسرائيليات وما يلحق بها من الموضوعات
والمدسوسات بين روايتنا لا سبيل إلى إنكاره ، ولا حجّية في خبر لا يؤمن فيه الدسّ
والوضع.
ومع الغضّ عن ذلك فهي تذكر من الآيات
والسور ما لا يشبهه النظم القرآني بوجه ، ومع الغضّ عن جميع ذلك فإنّها مخالفة
للكتاب ومردودة.
وأمّا ما ذكرنا أن أكثرها ضعيفة الأسناد
فيعلم ذلك بالرجوع إلى أسانيدها ، فهي مراسيل أو مقطوعة الأسناد أوضعيفتها ، والسالم
منها من هذه العلل أقلّ قليل.
وأمّا ما ذكرنا أنّ منها ما هو قاصر في
دلالتها ؛ فإنّ كثيراً ممّا وقع فيها من الآيات المحكميّة من قبيل التفسير وذكر
معنى الآيات ، لا من حكاية متن الآية المحرّفة.
__________________
الدليل التاسع :
إنّ الله تبارك وتعالى قد ذكر أسامي
أوصياء خاتم النبيّين وابنته الصدّيقة الطاهرة عليهمالسلام
وبعض شمائلهم وصفاتهم في تمام الكتب المباركة الّتي أنزلها على رسله وصرّح فيها
بوصايتهم وخلافتهم وأنّ ختمها بهم ؛ وذلك إمّا للعناية التامّة بتلك الأمم
ليتبرّكوا بتلك الأسامي الّتي وجودها في صحف نبيّهم بهذه الصفات الشريفة ويجعلونها
وسيلة لإنجاح سؤلهم وإنجاز مأمولهم وكشف ضرّهم ودفع بأسهم على ما يظهر من جملة من
الأخبار ، أولارتفاع قدرهم وإعلاء شأنهم بذكرهم قبل ظهورهم بهذه الأوصاف الكاشفة
عن بلوغهم أشرف محلّ الكرّمين وأعلى منازل المقرّبين ، أو بما يقتضي كون معرفتهم
بها كمعرفة الله جلّ جلاله واجبة على جميعهم وأنّهم إنّما بعثوا إلى العباد لذلك
وأرسلوا لتعليمهم تلك المسالك. وهذا ظاهر كثير من الأخبار خصوصاً فيما ورد في علّة
عذابهم بما ترجع إلى آبائهم من قبول ولايتهم عليهمالسلام
، وعلى تلك الوجوه الراجعة حقيقةً إلى أمر واحد كيف يحتمل المنصف أن يهمل الله
تعالى ذكر أساميهم في كتابة المهيمن على جميع الكتب الباقي على مرّ الدهور الواجب
التمسّك به إلى قيامة الساعة ولا يعرّفهم لأمّة نبيّه الذين هم أشرف من جميع الأمم
السالفة والعناية بتكميلهم أشدّ واستحكام أمرهم عليهمالسلام
ورفع قدرهم وإعلاء ذكرهم بدرجهم فيه أظهر ووجوب طاعتهم ومودّتهم على هذه الأمّة
أشدّ من غيرهم ، وهو أهمّ من غيره من الواجبات الّتي تكرّر ذكرها في
الكتاب الكريم.
والجواب عن ذلك :
أوّلاً لم يثبت ذكر أسمائهم عليهمالسلام في تمام الكتب
الّتي نزلت على الرّسل.
ثانياً على فرض الثبوت لا ملازمة بين
ذكر أسامي أوصياء خاتم النبيّين وابنته الصدّيقة الطاهرة عليهمالسلام وبعض شمائلهم
وصفاتهم في الكتب المباركة الماضية وبين ذكرها في القرآن كما لايخفى ، فعدم ذكرها
لا يدلّ على التحريف ، بل نحتمل قويّاً أن عدم ذكرها خصوصاً اسم عليّ في القرآن إنّما
هو لئلّا يتعرّض القرآن للتحريف.
قال المحقّق المتتبّع السيّد حعفر مرتضى
العاملي : ويرى الشيعة أيضاً : أنّه لا حاجة للتصريح بأسماء الأئمة وأهل البيت في
القرآن. وقد نصّ الأئمّة أنفسهم : على أنّه لم يذكر اسم عليّ عليهالسلام في القرآن ، وذكروا
السبب في ذلك
، عن ألي بصير عن أبي عبدالله عليهالسلام
فقلت له : إنّ النّاس يقولون : فماله لم يسمّ عليّاً وأهل البيت في كتاب الله؟
فقال : فقولوا لهم : إنّ رسول الله نزلت عليه الصلاة ، ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً
ولا أربعاً حتى كان رسول الله صلىاللهعليهوآله
هو الّذي فسّر لهم ذلك.
وقال المرحوم آية الله العظمى الخوئي ـ
بعد نقل هذه الرواية ـ :
__________________
فتكون هذه الصحيحة
حاكمة على جميع تلك الروايات ، وموضحة للمراد منها وأنّ ذكر اسم أميرالمؤمنين في
تلك الروايات قد كان بعنوان التفسير ، أو بعنوان التنزيل ، مع عدم الأمر بالتبليغ
، ويضاف إلى ذلك أنّ المتخلّفين عن بيعة أبي بكر لم يحتجّوا بذكر اسم علي في
القرآن ، ولو كان له ذكر في كتاب لكان ذلك أبلغ في الحجّة ، ولا سيّماً إنّ جمع
القرآن ـ بزعم المستدلّ ـ كان بعد تماميّة أمر الخلافة بزمان غير يسير ، فهذا من
الأدلّة الواضحة على عدم ذكره في الآيات.
وإذا ثبت عدم ذكر اسم عليّ في القرآن يتّضح
عدم ذكر أسامي سائر الأئمّة فيه أيضاً.
الدليل العاشر :
انّه لا إشكال ولا خلاف بين أهل الإسلام
في تطرّق اختلافات كثيرة وتغييرات غير محصورة في كلمات القرآن وحروفه وهيأته من
زيادة كلمة ونقصانها وزيادة حرف ونقصانه وتبديل كلمة وإثبات أخرى وتأنيث لفظ وتذكيره
وإفراده مرّةً وجمعه أخرى وأمثال ذلك من وجوه التغيير الّذي مرّ ذكرها إلى أن بلغ
من الكثرة بمكان خرج عن اندراجه تحت الضبط ...
وظاهر أنّ المصحف الموجود الدائر غير
خالص من بعضه أو أكثره ، فهو حينئذٍ غير مطابق لما أنزل عليه صلىاللهعليهوآله إعجازاً ، وهو
المقصود. وهذا
__________________
الدليل وإن كان غير
وافٍ لإثبات نقصان السورة والآية والكلمات ؛ لعدم شمول تلك الاختلافات لها إلّا
أنّه يمكن تتميمه بعدم القول بالفصل أو بأن يقال إذا لم يكن اعتناؤهم في حفظ
القرآن وصيانته عن تطرّق الاختلافات بمقام لم يحفظوا سورة الفاتحة كما هي وقد
كانوا يتلونها في كلّ يوم مرّات عديدة في أزيد من عشرين سنة وكانوا يسمعونها عنه صلىاللهعليهوآله كذلك ... فعدم
حفظهم غيرها ممّا لم تكن لهم ضرورة إلى تلاوتها في كلّ سنة مرّة مثلاً بحيث يلزم
منه ما ذكرنا من التحريف والنقصان أولى ، بل هو حينئذٍ في غاية الوضوح.
والجواب عن ذلك :
إنّ ما ذكره النوري يدّل على اهتمام
المسلمين بالقرآن وحفظه ، فلذلك بحثوا عن كيفية قراءته من حيث الإعراب والهيئة
وغير ذلك ، إضافة إلى أنّ هذه البحوث والخلافات الجتهاديّة ، ولم يعتقدوا أنّ في
القرآن اختلافاً ، بل كلّ الباحثين يعتقدون أنّ القرآن نزل بشك واحد من عند واحد
وإنّ هذه الاختلافات في القراءة جاءت من جهة الباحثين والقرّاء ، وهو بحث علمي
واجتهادي صرف لا ربط له بأصل القرآن وأنّ القرآن هو النصّ المتواتر عن رسول الله
النازل عليه وحياً إعجازياً. وقد حافظ عليه جمهور المسلمين وكبار أئمّة الدين ، لا
تغيير فيه ولا اختلاف عبر الدهور ، فكلّ باحث له إذعان بأنّ القرآن شيء
__________________
والقراءات شيء آخر ،
فلهذا ترى أنّ مع وجود قراءات مختلفة في الأبحاث الاجتهاديّة والعلميّة أنّ كلّ
المسلمين يقرءون سورة الحمد مثلاً في صلواتهم من دون أن يكون في قراءتها أيّة
مشكلة.
مضافاً إلى أنّ دليله لا يكفي لإثبات
مدّعاه ذهب إلى إثبات ما ادّعاه بعدم القول بالفصل ، وهو أيضاً غير وافٍ لثبوت
وجود قراءات المختلفة واطّلاع الباحثين عليها مع اعتقادهم بأنّه لم ينقص من القرآن
كلمة أو آية أو سورة.
هذا أيضاً مضافاً لما قاله الأستاذ في
كتابه القيّم في ردّه : وأمّا مسألة التتميم بعدم القول بالفصل ، فلا موضوع لها
أوّلاً.
وثانياً : هي مسألة أصولية تخصّ الأمور
النظريّة العقليّة ، دون العلوم النقليّة المبتنية على أساس النقد والتمحيص.
الدليل الحادي عشر :
الأخبار الكثيرة المعتبرة الصريحة في
وقوع السقط ودخول النقصان في الموجود من القرآن زيادة على ما مرّ متفرقاً في ضمن
الأدلّة السابقة وأنّه أقلّ من تمام ما نزل إعجازاً على قلب سيّد الإنس والجان من
غير اختصاصها بآية أو سورة وهي متفرّقة في الكتب المعتبرة الّتي عليها المعوّل
وإليها المرجع عند الأصحاب ، جمعت ما عثرت عليها في هذا الباب بعون الله الملك
الوهّاب :
__________________
الف
: ثقة الإسلام (الكليني) في آخر كتاب فضل
القرآن من الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عليّ بن الحكم ، عن
هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : إنّ القرآن الّذي جاء به جبرئيل عليهالسلام
إلى محمد صلىاللهعليهوآله
سبعة عشر ألف آية.
ب : المولى محمد صالح في شرح الكافي ، عن
كتاب سليم بن قيس الهلالي أنّ أميرالمؤمنين عليهالسلام
بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله
لزم بيته وأقبل على القرآن يجمعه ويؤلّفه ، فلم يخرج من بيته حتّى جمعه كلّه ، وكتب
على تنزيله الناسخ والمنسوخ منه والمحكم والمتشابه والوعد والوعيد ، وكان ثمانية
عشر ألف آية.
إلى غير ذلك من الروايات الّتي ذكرها المحدّث النوري في كتابه ، ونحن لا نأتي بها اجتناباً للإطالة.
الدليل الثاني عشر
الأخبار الواردة في الموارد المخصوصة من
القرآن الدالّة على تغيير بعض الكلمات والآيات والسور بإحدى الصور المتقدّمة ، وهي
كثيرة جدّاً ...
ثمّ ذكر الأخبار الواردة ، نذكر هنا روايتين :
الف : عليّ بن إبراهيم القمي في تفسيره
، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
إنّه قال : إهدنا الصراط المستقيم طراط من
__________________
أنعمت عليهم غير المغضوب
عليهم وغير الضالّين ... الخبر.
ب : الطبرسي في مجمع البيان قرأ صراط من
أنعمت عليهم عمر بن الخطاب وعبدالله بن زبير وروي ذلك عن أهل البيت عليهمالسلام.
والجواب عن الدليلين الأخيرين :
أوّلاً : إنّ أكثر هذه الروايات أيضاً
ضعيفة الأسناد نقلت من الكتب غير المعتبرة.
ثانياً : إنّ عدّة
من هذه الروايات روايات تفسيريّة للآية
وعدّة
منها روايات تبيّن شأن نزول الآيات
وتأويلها أو تعيين مصداق من مصاديق الآية ،
وبعض
منها روايات تبيّن اختلاف القراءات ، وأنّها لا تدلّ على اختلاف في نصّ الوحي وأصل
القرآن ؛ لأنّ القرآن ثبت بالتواتر ، وهذه القراءات لم تثبت بالتواتر ،
وعدة
من هذه الروايات ذكر فيه لفظ التحريف ، وزعم
النوري أنّ المراد منه هو التحريف بالمعنى المتنازع فيه ، والحال إنّ المراد من
التحريف فيها هو التحريف المعنوي ،
وبعض
منها روايات استند إليها المعصوم في بيان الآيات ، فتخيّل النوري أنّ كلمات
المعصوم جزء من آية حذف من القرآن ، ولكن من الواضح أنّ هذه الكلمات من المعصوم لا
من القرآن.
وعدّة
من هذه الروايات روايات وردت في تعليم قراءة القرآن في
__________________
زمن ظهور الحجّة عليهالسلام وأنّ القراءة في
زمانه تكون وفق ما جمعه عليّ بن أبي طالب عليهالسلام
، فأراد المحدّث النوري أن يجعل هذه الروايات دليلاً على مخالفة ما جمعه عليهالسلام مع القرآن الموجود
بين الدفّتين ؛ لأنّه جاء فيها أنّه يعلّم الناس القرآن على ما أنزل الله ، فأصعب
ما يكون على من حفظه اليوم. وجاء في بعضها : وأخرج المصحف الّذي كتب عليّ عليهالسلام.
ولكن الظاهر أنّ هذه الروايات أيضاً لا
تدلّ على مقصوده ؛ لأنّها لا تدلّ على أنّ المخالفة بينهما هو الاختلاف في نص
القرآن ، بل المراد أنّ الاختلاف إنّما هو في النظم والتأليف كما أشرنا إليه
سابقاً وصرّح به بعض هذه الروايات أيضاً.
وبعضها
نقلت غير صحيحة كالرواية الأولى الّتي جاءت في الدليل الحادي عشر ؛ فإنّ لفظة عشر
ظاهراً من زيادة النساخ أو الرواة والأصل سبعة آلاف آية.
قال الأستاذ الشيخ محمد هادي المعرفة : والحديث
بهذه الصورة نادر غريب ، وقد أوقع الشرّاح في مشكل العلاج ، بعد أن كانت آي القرآن
ـ حسب واقعيته الراهنة ، الموافق للمأثور عن النبيّ صلىاللهعليهوآله
وعن ابن عباس وغيره من التّابعين ، والتي أجمعت عليها عامّة أهل التفسير كالطّبرسي
وغيره ـ لا تعدو بضعاً ومائتين وستّة آلاف آية! فهي لا تبلغ سبعة آلاف ، فكيف
بسبعة عشر ألفاً؟!
وقد
جزم المولى أبوالحسن الشعراني ـ في
تعليقته على شرح الكافي للمولى صالح المازندراني ـ بأنّ لفظة « عشر » من زيادة
النسّاخ أو
الرواة ، والأصل : هي
سبعة آلاف عدداً تقريبياً ينطبق مع الواقع نوعاً مّا.
ويؤيّده أنّ صاحب الوافي ـ المولى محسن
الفيض ـ نقل الحديث عن الكافي بلفظ « سبعة آلاف آية » من غير ترديد ، الأمر الّذي
يدلّ على أنّ النسخة الأصليّة من الكافي اّلتي كانت عنده كانت بهذا اللفظ ، ولم
يحتمل غيره.
قال الشعراني في تعليقه على الوافي : كانت
النسخة الّتي شرحها المجلسي في مرآة العقول « سبعة عشر ألفاً » وكأنّها من فعل بعض
النسّاخ استقلّ عدد السبعة فأضاف إليه عشراً ، غير أنّ السبعة آلاف هي القريبة من
الواقع الموجود بأيدينا ، وظاهر الحديث أنّه ليس بصدد إحصاء عدد الآيات ، بل ذلك
من باب إطلاق العدد التامّ المتناسب مع الواقع بعد حذف الكسور أوتتميمها كما هي
العادة والمتعارف في الاستعمال ، من باب التسامح ، بعد عدم تعلّق الغرض بذكر الكسر
الناقص أو الزائد.
فتبيّن أنّ هذه الروايات على كثرتها
أيضاً لا تدلّ على مراد المحدّث النوري.
ثالثاً : إنّ هذه الروايات مع كثرتها
ونقل بعضها من طرق الخاصّة ونقل أكثرها من طريق السنّة وفي كتبهم المعتبرة أيضاً
إلاّ أنّهم لم يستندوا إليهما ، ولم يعتقدوا بالتحريف ، بل حملوه على وجوه مختلفة
أو
__________________
ردّوه ، فهذه
الروايات على فرض دلالتها معرض عنها ، يجب طرحها ؛ لإعراض الأصحاب ومخالفتها
للكتاب.
ولتكميل الجواب أرى أن ألحق اختصاراً
أجوبة بعض المحقّقين الّذين أجابوا عن الدليلين بصورة أكثر تفصيلاً ، قال الأستاذ
العلّامة السيد جعفر مرتضى العاملي في ردّ الدليل الحادي عشر : وهو أيضاً فاسد ؛
لأنّها روايات ظاهرة التأويل ، لأنّ المراد بها تحريف المعنى لا اللفظ ، وقد تقدّم
بعض ما يرتبط بذلك ، كما أنّ بعض الأحاديث النادرة الأخرى إنّما رواها الغلاة
والضعفاء والمنحرفون عن مدرسة أهل البيت عليهمالسلام
، وهي مخالفة للضرورة القطعيّة ، فلا يلتفت إليها ، ولا يعتدّ بها ، وتقدّم أنّ
بعضها يقصد به ذكر التأويل والتفسير المنزل ، وليس ذلك من القرآن في شيء.
وقال في ردّ الدليل الثاني عشر : إنّ
أكثرها يدخل في الأقسام الّتي في البحوث السابقة أو ترجع إلى التفسير وشأن النزول
أو التأويل ، كما أنّ التكرار فيها كثير وظاهر.
ثمّ قال : أضف إلى ذلك : أنّ أكثر من
٣٢٠ رواية منها تنتهي إلى السيّاري ، الفاسد المذهب والمنحرف والغالي ، الملعون
على لسان الصادق عليهالسلام
، والمطعون فيه من قبل جميع الرجاليّين.
وأكثر من ٦٠٠ من مجموع الألف عبارة عن
مكرّرات ، والفرق بينها ، إمّا من جهة نقلها من كتاب آخر مع وحدة السند أو من طريق
آخر ... وغير هذين القسمين ، فإنّ أكثر من مائة حديث منها عبارة
عن قراءات مختلفة ، أكثرها
عن الطبرسي في مجمع البيان .. كما أنّ أكثرها مشتركة نقلها بين السنّة والشيعة ، ولا
سيمّا بملاحظة : أنّ الطبرسي يروي عن رجال أهل السنّة : كقتادة ومجاهد وعكرمة
وكثير غيرهم. وما يبقى فإنّما هو روايات قليلة جدّاً لا تستحق الذكر والالتفات.
وقسم آخر منقول عن آخرين ممّن يوصف
بالضعف أو بالانحراف كيونس بن ظبيان ، الذي ضعّفه النجاشي ، ووصفه ابن الغضائري
بأنّه : (غالٍ ، كذّاب ، وضّاع للحديث)
ومثل منخل بن جميل الكوفي ، الّذي
يقولون فيه : إنّه غال ، منحرف ، ضعيف فاسد الرواية.
ومثل محمد بن حسن بن جمهور ، الّذي هو
غال ، فاسد المذهب ، ضعيف الحديث ...
وأمثل هؤلاء ، لا يصحّ الاعتماد على
رواياتهم في أبسط المسائل الفرعيّة ، فكيف بما يروونه في هذه المسألة ، الّتي هي
من أعظم المسائل ، وأشدّها خطراً ، وعليها يتوقّف أمر الإيمان ومصير الإسلام.
وقال الأستاذ الشيخ محمد هادي المعرفة :
ولعلّ أهمّ مستند القائلين بالتحريف هو مجموعة روايات كانت مبعثرة هنا وهناك
حسبوهنّ دلائل على تحريف الكتاب ، إمّا دلالة بالعموم ، أو خاصّةً على موضع
التحريف بالخصوص ـ فيما زعموا ـ وقد جعل النوري من النوع الأوّل
__________________
دليله الحادي عشر ، والنوع
الثاني دليله الثاني عشر! جمعهنّ من مصادر شتّى لا شأن لأكثريتها ولا اعتبار ، والبقيّة
القليلة لامساس لها بمسألة التحريف.
قلت : ما شأن كثرة الكتب إذا كانت مجرّد
حبر على ورق من دون اعتبار! ثمّ شرع في دراسة وتقييم الكتب الّتي نقل عنها تلك
الروايات ، وأثبت أنّها كتب لا اعتبار لها ولا إسناد.
ثمّ قال الأستاذ : وإليك الآن عرضاً موجزاً
عن أهمّ الروايات الّتي استند إليها المحدّث النوري بكلا نوعيها : الدالّة ـ فيما
زعم ـ على التحريف عموماً ، أو الناصّة على مواضع التحريف بالخصوص.
ما جمعه المحدّث النوري من روايات بشأن
مسألة التحريف تربو على الألف ومائة حديث : (١١٢٢) بالضبط ، سواء ما زعمه ذا دلالة
عامّة وهي (٦١) أم ناصّاً على موضع التحريف بالخصوص وهي : (١٠٦١).
لكن أكثريتها الساحقة إنّما نقلها من
أصول لا إسناد لها ولا اعتبار ممّا عرضناه آنفاً من كتب ورسائل إمّا مجهولة أو
مبتورة أو هي موضوعة لا أساس لها رأساً.
فإذا ما أسقطناه المنقول من هذه الكتب
وهي تربو على الثمانمائة (٨١٥) ، يبقى الباقي ما يقرب من ثلاثمائة حديث (٣٠٧) ، وكثرة
من هذا العدد ترجع إلى اختلاف القراءة ، ولا سيمّا المنقول عن الطبرسي في (مجمع
البيان) وهي : ١٠٧ موارد.
مثلاً ينقل عنه في سورة العاديات : إنّ
عليّاً عليهالسلام
قرأ : « فوسّطن » بتشديد السين ...
إلى أمثال ذلك من قراءات منقولة عن
الأئمّة نقلاً بالآحاد لا بالتواتر ، فلا حجيّة فيها أوّلاً ، ولا مساس لها بمسألة
التحريف حسبما زعمه النوري ثانياً.
بقيت مائتا حديث تقريباً منقولة عن كتب
معتبرة ، ذكرها المحدّث النوري في « فصل الخطاب » دليلاً على وقوع التحريف في
الكتاب
لكن هذه الروايات وردت في شؤون شتّى وفي
مسائل مختلفة ، زعمهنّ مشتركات في جامع الدلالة على التحريف.
وهي على سبعة أنواع :
النوع الأوّل :
روايات تفسيريّة ، إمّا توضيحاً للآية
أو بيان شأن النزول أو تأويل الآية أو تعيين أجلى مصداق من مصاديقها المنطبق عليه
الآية بعمومها ، وقد كان من عادة السلف أن يجعلوا من الشرح مزجاً مع الأصل ، تبييناً
وتوضيحاً لمواضع الإبهام من الآية ، من غير أن يلتبس الأمر ، اللّهم إلّا على
اُولئك الّذين غشيهم غطاء التعامي!!
وهذا النوع يشمل الأقسط الأوفر من هذه
الأحاديث. وإليك جملة منها :
١ ـ روى ثقة الإسلام الكليني بإسناد
رفعه إلى الإمام
أميرالمؤمنين عليهالسلام انّه قرأ : (وَاِذا
تَوَلّى سَعى في الأرضِ لِيُفسِدَ فيها ويُهلِكَ الحِرْثَ والنَّسْلَ)
وعقّبها بقول : « بظلمة وسوء سريرته » بياناً لكيفيّة الإهلاك ، وأنّه ليس بإشعال
النار أو وضع السيوف فى رقاب الناس ، بل بارتكاب الظلم وسوء نيّته في التدبير.
النوع الثاني :
ما تقدّمت الإشارة إليه من قراءات
منسوبة إلى بعض الأئمّة عن طريق الآحاد ، وربّما كانت تخالف قراءة الجمهور ، ومتوافقة
أحياناً مع بعض القراءات الشاذّة في مصطلحهم ، وقد أسلفنا أن لا جحيّة فيها أوّلاً
؛ لأنّ القرآن إنّما يثبت بالتواتر لا بالآحاد ، وثانياً لم يكن الاختلاف في نصّ
الوحي ، لأنّ القرآن شيء والقراءات شيء آخر ، قال الإمام الصادق عليهالسلام : القرآن نزل على
حرف واحد من عند الواحد ، وفي رواية أخرى : ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة وهم
القرّاء يزعمون النّص فيما يرون. وطريقهم الآحاد فلا يثبت بقراءتهم قرآن ...
النوع الثالث :
أحاديث جاء فيها لفظ « التحريف » ، فزعمه
أهل القصور تحريفاً مصطلحاً في حين أنّه تحريف بالمعنى وتفسير على غير الوجه ، والروايات
من هذا القبيل كثيرة ... لكن تقدّم : أنّ التحريف في اللغة
__________________
وفي مصطلح الشرع (في
الكتاب والسنّة) يراد به التحريف المعنوي ، أي التفسير بغير الوجه المعبّر عنه
بالتأويل الباطل.
وتقدّم الحديث عن الإمام الباقر عليهالسلام في رسالاته إلى سعد
الخير : وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده ...
النوع الرابع :
روايات زعموا دلالتها على سقط آية أو
جملة أو كلمة ، وقد عالجها أئمّة نقد الحديث بأنّها كانت زيادات تفسيريّة وشروح
وما إلى ذلك ، لا من لفظ النصّ لكن تعلّق بها أهل القول بالتحريف عبثاً ...
النوع الخامس :
روايات استندوا إليها ، لكن ليس فيها ما
يصلح لهذا الاستناد ، نذكر منها :
روي عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : كان أبي إذا
صلّى الوتر قرأ في ثلاثتهنّ : بـ (قُلْ هوَ اللهُ أَحدٌ) ، فإذا فرغ منها قال : (كذلك الله ربي)
وسأل ابن المهتدى الإمام الرضا عليهالسلام
عن سورة التوحيد فقال : كلّ من قرأ (قُلْ هوَ اللهُ أَحدٌ) وآمن بها فقد عرف التوحيد ، فقلت : كيف
يقرأها؟ قال : كما يقرأ الناس ، وزاد فيه كذلك الله ربّي ، كذلك الله ربّي).
__________________
قال النوري : وفي الخبر إيماء إلى كون
الذيل من القرآن ... استفادة غريبة!!.
النوع السادس :
روايات وردت بشأن فساطيط تضرب بظهر
الكوفة أيّام ظهور الحجّة المنتظر ـ عجل الله فرجه الشريف ـ لتعليم الناس قراءة
القرآن وفق ما جمعه الإمام أميرالمؤمنين عليهالسلام
فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم ، لأنّه خلاف الترتيب المعهود ، وقد حاول فرق
المحدّث النوري الاحتجاج بها ، دليلاً على مخالفته في سائر الجوانب أيضاً ، لكنّها
على عكس مقصودهم أدلّ كما نبّهنا.
فقد روى الشيخ المفيد بإسناده عن جابر
الجعفي ، عن الإمام أبي جعفر الباقر عليهالسلام
قال : إذا قام قائم آل محمد صلىاللهعليهوآله
ضرب فساطيط لمن يعلّم الناس القرآن ، على أنزل الله. فأصعب ما يكون على من حفظه
اليوم ، لأنّه يخالف فيه التأليف.
والأحاديث بهذا النمط غير قليل ، وهي إن
دلّت فإنّما تدلّ على اختلافٍ ما بين مصحفه عليهالسلام
والمصحف الحاضر ، أمّا إنّ هذا الاختلاف يعود في نصّه أم فى نظمه أم في أمر آخر ، فهذا
ممّا لا تصريح به في تلك الأحاديث ، سوى الحديث الأوّل الّذي نوّهنا عنه ، فإنّه
صريح في وجه الاختلاف ، وأنّه ليس في سوى النظم والتأليف لا شيء سواه ، فهو خير
شاهد على تبيين وجه الاختلاف المنوّه عنه في سائر الروايات ، وهذا
في مصطلح الأصوليّين
من الحكومة الكاشفة لمواضع الإبهام في سائر كلام المتكلّم الحكيم.
على أنّ نفس الاختلاف في نظم الكلام
يكفي لوحده سبباً لصعوبة التلاوة ولصعوبة فهم المراد من الكلام ....
وممّا يدلّ على أنّ القرآن الذي يأتي به
صاحب الأمر ليست فيه زيادة على هذا الموجود ما رواه العياشي بإسناده عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : ولو قد
قائم قائمنا فنطق صدّقه القرآن.
النوع السابع :
ما ورد بشأن قضائل أهل البيت عليهمالسلام المخبوءة طيّ آيات
الذكر الحكيم ، أن لو قرئت كما هي على ما أنزلها الله لوجدتها ذوات دلائل واضحة وبيّنات
لائحة ، تدلك على شرفهم ورفيع منزلتهم عندالله عزّوجلّ.
ولكن واضح أنّه ليس المقصود زيادة في
لفظه أو حذف شيء منه ، كما توهّمه أهل التحريف؛ إذ لو كان المراد ذلك لكان على
خلاف إجماع الطائفة إطلاقاً ، وكان مطروحاً البتّة ، إذ لم يقل أحد بالزيادة في
القرآن حتّى الأخباريّين. وقد اعترف المحدّث النوري نفسه بهذا الإجماع.
__________________
خاتمة
في تنبيهات
وفي الختام يجب علينا أن نشير إلى عدّة
تنبيهات :
التنبيه
الأوّل
في الكتب
المعتبرة عند الشيعة
ليس عند الشيعة غير كتاب الله كتاب كان
كلّ ما فيه صحيحاً ، بل القرآن وحده كتاب يكون كلّ ما فيه صحيحاً؛ لأنّه نزل من
عند الله العزيز الحكيم ، وأمّا الكتب الّتي نقل فيها أحاديث الرسول صلىاللهعليهوآله وأحاديث الأئمّة
المعصومين فيمكن أن تكون فيها روايات غير صحيحة ، ومن جملة هذه الكتب كتاب
(الكافي) للكليني رحمهالله
، فصرف نقل رواية في أيّ باب كان لا تدلّ على رأي الإماميّة ، بل ولاتدلّ على رأي
الكليني أيضاً.
قال العلامة السيّد مرتضى العسكري أعلى
الله مقامه في كلامه في
السبيل إلى توحيد
كلمة المسلمين :
فلا ينبغي لنا أن نجعل إنساناً من علماء
الحديث كرسول الله معصوماً عن الخطاء والزلل والنسيان ، ولا نجعل كتاباً من كتب
الحديث نظير كتاب الله معصوماً عن السهو والنسيان والزلل ، فإنّ كتاب الله هو وحده
الّذي لا يأتيه الباطل ، وأنّ القرآن الكريم هو وحده الصحيح من أوّله إلى آخره والمصون
عن الزيادة والنقصان؛ وبناءً على ذلك يجب أن نجري البحث العلمي النزيه لمعرفة سند
الحديث ومتنه! أيّ حديث كان وأيّ كتاب كان. هذا هو السبيل إلى توحيد كلمة المسلمين.
قال المحقّق السيّد عليّ الحسيني
الميلاني :
وأمّا كتاب (الكافي) فهو أهمّ كتب
الشيعة الإثنى عشرية وأجلّها وأعظمها في الأصول والفروع والمعارف الإسلاميّة ، وإليه
يرجع الفقيه في استنباطه للأحكام الشرعيّة ، وعليه يعتمد المحدّث في نقله للأخبار
والأحاديث الدينيّة ، ومنه يأخذ الواعظ في ترهيبه وترغيبه.
إلّا أنّه قد تقرّر لدى علماء الطائفة ـ
حتى جماعة من كبار الأخباريّين ـ لزوم النظر في سند كلّ خبر يراد الأخذ به في
الأصول أو الفروع؛ إذ ليست أخبار الكتب الأربعة ـ وأوّلها الكافي ـ مقطوعة الصدور
عن المعصومين ، بل في أسانيدها رجال ضعّفهم علماء الفنّ ولم يثقلوا برواياتهم.
ومن هنا قسّموا أخبار الكتب إلى الأقسام
المعروفة ، واتّفقوا على
__________________
اعتبار ( صحيح ) ، وذهب
أكثرهم إلى حجّية ( الموثّق ) ، وتوقّف بعضهم في العمل بـ ( الحسن ). وأجمعوا على
وجود الأخبار ( الضعيفة ) في الكتب الأربعة المعروفة.
فلا يصحّ انتساب القول بالتحريف إلى من
نقل بعض الروايات التي يمكن أن يستدلّ بها على التحريف ، فانتساب القول بالتحريف
إلى ثقة الإسلام الكليني لنقل بعض تلك الروايات في كتاب الكافي في غير محلّه. فليراجع
لمزيد الاطّلاع على كتاب التحقيق في نفي التحريف صفحة رقم ١٢٨.
قال الأستاذ الشيخ علي الكوراني العاملي
في هذا الموضوع :
يختلف معنى المصادر المعتمدة في الحديث
والتفسير والتاريخ والفقه عندنا عن معناه عند إخواننا السنّة ، فروايات مصادرنا
المعتمدة وفتاواها جميعاً قابلة للبحث العلمي والاجتهاد عندنا .. ولكلّ رواية في
هذه المصادر أو رأي أو فتوى شخصيتها العلميّة المستقلّة ، ولابدّ أن تخضع للبحث
العلمي.
أمّا إخواننا السنّيون فيرون أنّ
مصادرهم المعتمدة فوق البحث العلمي ، فصحيح البخاري عندهم كتاب معصوم ، كلّه صحيح
من الجلد إلى الجلد ، بل أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى ، ورواياته قطعة واحدة ، فإمّا
أن تأخذها وتؤمن بها كلّها أو تتركها كلّها. وبمجرّد أن تحكم بضعف رواية واحدة من
البخاري فإنّك ضعّفته كلّه ، وخرجت عن
__________________
كونك سنّياً .. وصرت
مخالفاً للبخاري ، ولأهل السنّة والجماعة!
وينتج عن هذا الفرق أنّ الباحث الشيعي
يمكن أن يبحث جدّياً في رواية من كتاب الكافي ، ويتوصّل إلى التوقف في سندها ، أو
إلى الاعتقاد بضعف سندها ، فلا يفتي بها ، ولا يضرّ ذلك في إيمانه وتشيّعه ... بينما
السنّي محروم من ذلك ، وإن فعل صدرت فيه فتاوى الخروج عن المذاهب الأربعة ، وقد
يتّهم بالرفض ومعاداة الصحابة!
وينتج عنه أنّ الباحث إذا وجد رواية في
تحريف القرآن في البخاري فإنّ من حقه أن يلزم السنّي بأنّ الاعتقاد بتحريف القرآن جزء
من مذهبه! بينما إذا وجد رواية مثلها في الكافي لا يستطيع أن يلزم الشيعي بأنّها
جزء من مذهبه حتّى يسأله : هل تعتقد بصحّتها أم لا؟ أو هل يعتقد مرجع تقليدك
بصحّتها أم لا؟ فإن أجابه نعم ، ألزمه بها ، وإلّا فلا.
وقال الأستاذ الشيخ محمد جواد مغنية رحمة
الله عليه :
اُلفت نظر من يحتجّ على الشيعة ببعض
الأحاديث الموجودة في كتب بعض علمائهم. اُلفت نظره إلى أنّ الشيعة تعتقد أنّ كتب
الحديث الموجودة في مكتباتهم ـ ومنها الكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره
الفقيه ـ فيها الصحيح والضعيف ، وأنّ كتب الفقه التي ألفها علماؤهم فيها الخطأ والصواب
، فليس عند الشيعة كتاب يؤمنون بأنّ
__________________
كلّ ما فيه حقّ وصواب
ـ من أوّله إلى آخره ـ غير القرآن الكريم ، فالأحاديث الموجودة في كتب الشيعة لا
تكون حجّة على مذهبهم ، ولا على أيّ شيعيّ بصفته المذهبية الشيعيّة ، وإنّما يكون
الحديث حجّة على الشيعي الّذي ثبت عنده الحديث بصفته الشخصيّة ، وهذه نتيجة
طبيعيّة لفتح باب الإجتهاد لكلّ من له الأهليّة ، فإنّ الاجتهاد يكون في صحّة
السند وضعفه ، كما يكون في استخراج الحكم من آية أو رواية.
ولا اُغالي إذا قلت : إنّ الاعتقاد
بوجود الكذب والدسّ بين الأحاديث ضرورة من ضرورات دين الإسلام ، من غير فرق بين
مذهب ومذهب ، حيث اتّفقت على ذلك كلمة جميع المذاهب الإسلاميّة.
التنبيه
الثاني
في إنّه لا
قائل بالتحريف من الإماميّة
إنّا نعتقد أنّه ما وجد ولا يوجد إمامي
بل مسلم يكون معتقداً بتحريف القرآن؛ لأنّ هذا الاعتقاد مخالف لصريح بعض آيات
القرآن الكريم ، بل يكون متناقضاً مع اعتقادات المسلم والمؤمن برسالة النبيّ
الخاتم صلىاللهعليهوآله.
__________________
كتاب فصل الخطاب وموقف
الميرزا حسين النوري
نعم نقل من محمد بن أحمد بن أيّوب بن
شنبوذ والميرزا
حسين النوري أنّهما كانا يعتقدان التحريف ثمّ رجع محمد بن أيّوب من هذا الاعتقاد وتاب
منه كما قال ابن النّديم في كتاب الفهرست.
وأمّا ميرزا حسين النوري صاحب كتاب
مستدرك الوسائل وفصل الخطاب يمكن أن يقول إنّه لم يكن معتقداً بالتحريف؛ وإن كان
يستفاد من كتابه فصل الخطاب أنّه كان معتقداً بالتحريف؛ لأنّا كثيراً ما نشاهد
العلماء والفقهاء يبحثون في مجلس الدرس وفي كتبهم الإستدلاليّة في موضوع ويتأكَّدون
على رأيٍ في مسألة في مقام البحث ولكن إذا صاروا في مقام الإفتاء وكتابة رسالة
عمليّة وإظهار اعتقادهم الذي يعتقدون به يفتون على خلاف ما ثبت عندهم في مقام
البحث والتحقيق والتدريس ، وأنا أظنّ قويّاً أنّ المحدّث النوري أيضاً لم يكن
معتقداً بالتحريف؛ لأنّه أوّلاً كان يهتمّ بالقرآن اهتماماً شديداً ، فلهذا ألّف
كتاباً مستقلاً في موضوع حفظ القرآن كما صرّح به الشيخ آقا بزرگ الطهراني.
وجمع أحاديث كثيرةً في فضل القرآن و ...
في كتابه مستدرك الوسائل يبلغ أرقامها إلى ثلاثة وثلاثين وخمسمائة في خمس
__________________
وأربعين باباً.
وثانياً : يظهر من كلام المحقّق
المتتبعّ الشيخ آقا بزرگ الطهراني أنّه لم يكن معتقداً بالتحريف وإليك كلامه ، قال
:
مرام شيخنا النوري في تأليفه لفصل
الخطاب وذلك حسبما شافهنا به وسمعناه من لسانه في أواخر أيّامه فإنّه كان يقول : أخطأت
في تسمية الكتاب ، وكان الأجدر أن يسمّى بـ (فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب)
لأنّي أثبت فيه أنّ كتاب الإسلام (القرآن الشريف) الموجود بين الدفّتين المنتشر في
بقاع العالم وحي إلهي بجميع سوره وآيته وجمله لم يطرأ عليه تغيير أو تبديل ولا
زيادة ولا نقصان من لدن جمعه حتّى اليوم ، وقد وصل إلينا المجموع الأولي بالتواتر
القطعي ، ولا شكّ لأحد من الإماميّة فيه ، فبعد ذا أمن الإنصاف أن يقاس الموصوف
بهذه الأوصاف بالعهدين أو الأناجيل المعلومة أحوالها لدى كلّ خبير ، كما إنّي
أهملت التصريح بمرامي في مواضع متعدّدة من الكتاب حتّى لا تسدّد نحوي سهام العتاب
والملامة ، بل صرحت غفلة بخلافه ، وإنّما اكتفيت بالتلميح إلى مرامي في ص ٢٢ إذ
المهمّ حصول اليقين بعدم وجود بقيّة للمجموع بين الدفّتين كما نقلنا هذا العنوان
عن الشيخ المفيد في ص ٢٦ واليقين بعدم البقيّة موقوف على دفع الاحتمالات
العقلائيّة الستّة المستلزم بقاء أحدها في الذهن لارتفاع اليقين بعدم البقيّة. وقد
أوكلت
__________________
المحاكمة في بقاء
أحد الاحتمالات أو انتفائه إلى من يمعن النظر فيما أدرجته في الكتاب من القرائن والمؤيّدات
، فإن انقدح في ذهنه احتمال البقيّة فلا يدّعي جزفاً القطع واليقين بعدمها ، وإن
لم ينقدح فهو على يقين و (ليس وراء عباجان قرية) كما يقول المثل السائر ، ولا
يترتّب على حصول هذا اليقين ولا عدمه حكم شرعي ، فلا اعتراض لإحدى الطائفتين على
الأخرى.
ولو سلّمنا أن المحدّث النوري بذل جهده
لإثبات أنّ في القرآن تحريفاً نقول : إنّ مقصوده كان إثبات أنّ فضائل أهل البيت وأسماءهم
كانت في القرآن ولكن أسقطوها المخالفون ، فسعى أن يثبت هذا المعنى من طريق غير
صحيح ، وهو طريق إثبات التحريف للقرآن المنزل.
قال أستاذنا الشيخ محمد هادي المعرفة : (والّذي
دعاه إلى ذلك ما زعمه من إسقاط المخالفين فضائل أهل البيت عليهمالسلام ومثالب أعدائهم من
القرآن. كتبه جواباً عمّا سأله بعض علماء الهند يومذاك عن سبب خلّو القرآن من
أسماء الأئمّة المعصومين عليهمالسلام.
قال النوري : ـ في الفصل التاسع ، الّذي
وضعه لبيان وجود أسماء العترة ومواليدهم في كتب العهدين ـ : كيف يحتمل المنصف أن
يهمل الله تعالى ذكر أسامي أوصياء خاتم النبيّين وابنته الصدّيقة عليهالسلام في كتاب المهيمن
على جميع كتب السالفين ، ولا يعرّفهم
__________________
للاُمّة التي هي
أشرف الأمم ، وهو أهمّ من سائر الواجبات الّتي تكرّر ذكرها في القرآن.
ثمّ أيّد ذلك بما رواه عن كعب الأحبار
اليهودي العاكف على أعتاب معاوية الطاغية ، أنّه قرأ مواليد العترة في اثنين وسبعين
كتاباً كلّها نازلةً من السماء وأنّهم أفضل الخلائق بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله وأنّهم أمان الله
في أرضه ، قال : ذلك بمحضر معاوية الذي أساءه هذا النعت ، فقام وخرج مغضباً.
فعلى هذا كان سعيه إثبات ذكر فضائل
الأئمّة عليهمالسلام
صريحاً وأسمائهم في القرآن المنزل من طريق غير صحيح ، وهذا زعم باطل كما أشرنا
إليه سابقاً.
مضافاً إلى ذلك كلّه أنّه قال الأستاذ
العلّامة آية الله حسن حسن زاده الآملي : (يقال ، إنّ هذا المحدّث الّذي يكون مؤلف
كتاب مستدرك الوسائل وكثير من الكتب النقليّة رجع عن عقيدة التحريف ومضى عليه ما
مضى على ابن شنبوذ).
فثبت أنّه ما كان ولا يكون إمامي فقيه
يعتقد بتحريف القرآن ، فلا يصحّ نسبة القول بالتحريف إلى الإماميّة ، بل لا يصحّ
نسبة هذا القول
__________________
إلى إمامي واحد
أيضاً ... فيجب على المسلمين الانتباه والالتفات إلى أنّ العدوّ هو الّذي يحبّ نشر
هذه الأكاذيب وإشتغال المسلمين بأنفسهم وإيجاد التفرقة بينهم بواسطة إشاعة هذه
التهم وأمثالها. والمنطق يقضي بأنّه لا يصحّ نسبة شيء إلى مذهب أو إلى المعتقدين
به ولو فرض اعتقاد واحد منهم أو عدّة منهم بذلك الشيء ، كما هو واضح لأولي الألباب
، فعلى فرض أنّ النوري وغيره كان معتقداً بالتحريف أيضاً لا يصحّ نسبة هذا القول
إلى كلّ الشيعة مع أنّهم أعلنوا بأعلى صوتٍ : (إنّ كتاب الإسلام المشهور في الآفاق
هو الموسوم بالقرآن الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وليس هو إلّا
هذا الموجود بين الدفّتين الواصل إلينا بالتواتر عن النّبيّ صلىاللهعليهوآله ... وإنّه بجميع
سوره وآيته وجملاته وحي الهي أنزله روح القدس إلى نبيّه ، وليس فيما بين الدفّتين
شيء غير الوحي الإلهي ولو جملة واحدة ذات إعجاز ، فهو منزّه عن كلّ ما يشينه من
التغيير والتبديل والتصحيف والتحريف وغيرها باتّفاق جميع المسلمين ، وليس لأحد
منهم خلاف أو شبهة أو اعتراض فيه ، واختلاف القراءات إنّما هو اختلاف في لهجات
الطوائف.
وهنا نذكر ما ذكر الدكتور فتح الله
المحمّدي (نجّار زادگان) ـ وهو أستاذ مساعد في العلوم الإنسانيّة في العلوم
الإسلاميّة بجامعة طهران ـ فيما كتب في ردّ كتاب فصل الخطاب :
__________________
ردود على كتاب فصل
الخطاب
لقد انهمك علماء الإماميّة وعقب تأليف
المحدّث الميرزا حسين النوري لكتابه (فصل الخطاب) بدراسات عميقة موسّعة تثبت سلامة
القرآن من التحريف ، وتناقش الأفكار الّتي أثارها النوري ، وتبطل مقولة التحريف ، وهي
دراسات ما تزال متواصلة ، نورد هنا بعضاً منها الّتي ألفت بهذا الصدد :
١ ـ كشف الارتياب في عدم تحريف كتاب ربّ
الأرباب ، تأليف محمود بن أبي القاسم ، المشتهر بالمعرب الطهراني (ت / ١٣١٣ هـ. ق.)
، وقد كتبه رحمه الله في سنة ١٣٠٣ هـ. ق. ، أي بعد أقلّ من أربع سنوات على نشر
كتاب (فصل الخطاب.)
٢ ـ حفظ الكتاب الشريف على شبهة القول
بالتحريف ، تأليف هبة الدين السيّد محمد حسين الشهرستاني (ت / ١٣١٥ هـ. ق.)
٣ ـ تنزيه التنزيل ، تأليف علي رضا حكيم
خسرواني ، تأليف سنة ١٣٧١ هـ ق.
٤ ـ الحجّة على فصل الخطاب في إبطال
القول بتحريف الكتاب ، تأليف عبد الرحمن المحمدي الهيدجي ، تأليف سنة ١٣٧٢ هـ. ق.
٥ ـ البرهان على عدم تحريف القرآن ، تأليف
الميرزا مهدي البروجردي ، تأليف سنة ١٣٧٤ هـ. ق.
٦ ـ آلاء الرحيم في الردّ على تحريف
القرآن ، تأليف الميرزا عبدالرحيم المدرّس الماهر الخياباني ، تأليف سنة ١٣٨١ هـ. ق.
٧ ـ آلاء الرحمن في تفسير القرآن (مقدّمة
الكتاب) ، تأليف الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي (ت / ١٣٥٢ هـ. ق.)
٨ ـ البيان في تفسير القرآن (مقدّمة
الكتاب ، تأليف آية الله السيّد أبي القاسم الخوئي (ت / ١٤١٣ هـ. ق.)
٩ ـ تهذيب الأصول (ضمن بحث حجيّة ظواهر
القرآن) وأنوار الهداية ، تأليف الإمام روح الله الموسوي الخميني (ت / ١٤٠٩ هـ. ق.)
١٠ ـ صيانة القرآن عن التحريف ، تأليف
الأستاذ محمد هادي المعرفة ، ط. ١٤١٦ هـ. ق.
١١ ـ القرآن الكريم وروايات المدرستين
(ثلاث مجلدات) ، تأليف آية الله السيّد مرتضى العسكري ط. ١٤٢٠ هـ. ق.
١٢ ـ حقائق هامّة حول القرآن الكريم ، تأليف
السيّد جعفر مرتضى العاملي ، المعاهر.
١٣ ـ التحقيق في نفي التحريف ، تأليف
السيّد علي الميلاني ط. ١٤١٥ هـ. ق.
١٤ ـ اُكذوبة تحريف القرآن بين الشيعة والسنّة
، تأليف رسول جعفريان ، ط. ١٤١٣ هـ. ق.
١٥ ـ وأضف إليها كلّها كتاب سلامة
القرآن من التحريف ، تأليف الدكتور فتح الله المحمدي ، ط. ١٤٢٤ هـ. ق.
__________________
التنبيه
الثالث
في الداعي
لإلقاء التهمة على الشيعة
بقي هنا سؤال ، وهو : إنّه مع تلك
الأدلّة الكثيرة والدلائل الواضحة على عدم تحريف القرآن واعتقاد جميع المسلمين من
الشيعة والسنّة بمصونيّة القرآن عن التحريف فلماذا اتّهم بعض المؤلّفين المسلمين
من الشيعة بالقول بالتحريف؟
ونكتفي في المقام بما أفاده المرجع
الديني آية الله الشيخ لطف الله الصافي دام عزّه العالي فإنّه بعد الإشارة للأدلّة
على عدم تحريف القرآن أحسن وأجاد بقوله : فالقرآن الموجود بين الدفّتين هو كتاب
دين الفريقين ، وهو أصلهم الأوّل الّذي تأتي بعده السنّة المشروط صحّة الاعتماد
عليها بأن لا تكون مخالفة للقرآن ، وهذا الأمر يحتجّ به الجميع في الأصول والفروع
وفي خلافاتهم ، ويعتمدون عليه وعلى السنّة.
فكلّ الأمّة شيعة وسنّة يتمسّكون بجميع
محكماته وفي متشابهاته أيضاً يقولون : آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا.
ومن عجيب ما وقع في هذه المسألة الّتي
سمعت الاتّفاق والإجماع عليها من السنّة والشيعة وعدم الخلاف بينهم فيها : أنّ
العصبيّات الطائفيّة والأغراض السياسيّة العاملة لتوهين الإسلام وكتابه العزيز ولتمزيق
المسلمين وتفريق كلمة الأمّة والقضاء على وحدتهم الإسلاميّة بعثت بعض الكتاب إلى
نسبة القول بالتحريف ، ولكن مع ذلك إلى الشيعة؛ لوجود أخبار ضعيفة لم يعمل بها أحد
منهم ، ولم يعتبروها حجّة حسب
أصولهم المحكمة
للأخذ بالحديث والاعتماد عليه والاحتجاج به.
والذي يزيد في التعجب أنّ هذا الخلاف
المحدث من جانب هؤلاء ليس في دعوى وقوع التحريف من جانب وإنكاره من جانب آخر ، بل
في العمل على إلصاق تهمة التحريف بالشيعة بسبب هذه الروايات المشتركة في مصادر
الجميع ، ثمّ العمل على تصوير الشيعة بصورة مشوَّهة ، مع أنّهم طائفة تعتقد عقيدة
مؤمنة بالكتاب وصيانته عن التحريف ، وتدافع عن كرامته بالأدلّة القاطعة والبراهين
الساطعة ، وينكرون التحريف أشدّ الإنكار بأعمالهم وعباداتهم وكلّ سيرتهم العمليّة
وبأقوالهم وتصريحات علمائهم ورجالاتهم ، والجميع يعلم أنّ تمسّكهم بالكتاب واعتقادهم
بصيانته أضوء وأنور من الشمس في رائعة النهار.
وأعجب من ذلك أنّ مثل هذه الروايات من
طرق إخواننا السنّة الصحيحة عندهم كثيرة جدّاً ، ولو جاز نسبة القول با التحريف
إلى إحدى الطائفتين دون الاُخرى بسبب نقل مصادرها لمثل هذه الأحاديث لكان نسبته
إلى غير الشيعة أولى ؛ لأنّ في الأخبار المخرّجة في كتب غيرهم ما يعتبر عندهم من
الصحاح دون ما ورد من طرق الشيعة ، فإنّها ضعاف ، مضافاً إلى أنّ أكثرها ورد في
تفسير الآيات وبيان مصاديقها وشأن نزولها ، ولا ارتباط لها بالتحريف ، ولكن مع ذلك
لم يقابل الشيعة غيرهم بالقول بالتحريف لما في جوامعهم ومسانيدهم من الأخبار
الصريحة الدالّة عليه.
أوّلاً : لأنّ غيرهم إلّا النزر القليل
الّذين لا يعتدّ بهم متّفقون مع الشيعة على صيانة الكتاب من التحريف.
وثانياً : لأنّ رميهم بهذا القول يحطّ
من اعتبار القرآن وأصالته ، والشيعة لا تسلك طريقاً ينتهي إلى ذلك.
والّذين يتّهمون الشيعة بهذا القول
لجأوا إلى ذلك حيث رأوا أنّه لا حجّة لهم في المسائل الخلافّية على الشيعة ، فرموهم
بافتراءات هم أبعد عنها من المشرق عن المغرب ، ومن جملتها :
نسبة القول بتحريف الكتاب والاعتقاد والعياذ
بالله بألوهيّة الأئمّة عليهمالسلام.
أو أنّ أمين الوحي جبرائيل خان؛ لأنّه
كان مأموراً بالنزول على الإمام. ونزل على رسول الله صلىاللهعليهوآله
والعياذ بالله ، وفسّروا به ما قيل في أبي عبيدة الجرّاح الملقّب بالأمين : خان
الأمين وصدّها عن حيدر!
فسّروا ذلك أنّه في جبرئيل عليهالسلام إلى غير ذلك من
الافتراءات الّتي سوف يحاكمهم الشيعة عليها عند الله تعالى يوم تشهد عليهم ألسنتهم
وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
وأعجب من ذلك أنّهم في الموسم الّذي
يأتي الناس فيه من كلّ فجّ عميق لحجّ بيت الله الحرام العتيق ، والحضور في أعظم
مشاهد عظمة الله تعالى ، وأكرم المواقف القدسيّة العباديّة التي يظهر فيها جلال
وحدة
الأمّة وعزّة توحيد
كلمتهم ، وإعلانهم نفي الطواغيت والمستعبدين المستكبرين بإعلان كلمة التوحيد كلمة
الإسلام ، وكلمة الحريّة ، وكلمة المساواة الإنسانيّة ، وكلمة السماء والأرض.
نعم؛ في مثل هذا المشهد العظيم والمؤتمر
الكبير الّذي ينبغي بل يجب على المسلمين ، سيمّا علمائهم ومصلحيهم وقادتهم أن
يجلسوا على بساط واحد بساط الإخوّة الإسلاميّة والاعتصام بحبل تعالى ، وينظروا
فيما أحاط بالمسلمين وابتلوا به من المشاكل والمصاعب وفي علاجها ، فهذه فلسطين
العزيزة أولى القبلتين أرض النبوّات ما زالت مغتصبة في أيدي الصهاينة ، وهذه ... وهذه
... ممّا أنت أيّها القارىء العزيز أعلم به ، وترى منه ماترى وتعلم منه ما تعلم.
نعم ، في هذه الظروف الحرجة نرى في كلّ
سنة منشورات توزع على ضيوف الرحمان تدعو الأمّة إلى التباغض والتباعد.
منشورات مملوءة بالزور والبهتان من
أمثال نسبة القول بتحريف الكتاب إلى الشيعة ، العترة الطاهرة والذين لهم سهم بارز
وقدم راسخ في إعلاء كلمة الله وإعلان الإسلام النظام الوحيد الّذي فيه نجاة
الإنسان.
وليس وراء هذه التهم غير إشغال المسلمين
بما وصرفهم عن مواجهة المشاكل السياسيّة ووقوفهم في مواجهة أعداء الإسلام.
وإلّا فمن لا يعلم أنّ نسبة القول
بالتحريف إلى الشيعة هجوم عنيف على الكتاب أكثر من الهجوم على الشيعة؟ من لا يعلم
أنّه لو كان
لناشري هذه الأكاذيب
والّذين من ورائهم والّذين ينفقون عليهم أقلّ غيرة على الإسلام وعلى كتابه العزيز
لاتّخذوا موقفاً غير ذلك ، ودافعوا عن الكتاب وردّوا تهمة التحريف عن الشيعة ، ولسلكوا
مسلك أعلام الأمّة ومصلحيهم من السنّة والشيعة ونشروا مقالات الشيعة العلميّة في
صيانة الكتاب وتصريحات أعلامهم ، ولم يفتحوا لأعداء الإسلام والقرآن باب الغمز
بكتاب الله تعالى والإشكال عليه ، فمن المستفيد ياترى من إلصاق تهمة تحريف القرآن بطائفة
كبيرة من المسلمين فيها من أعاظم علماء الإسلام وأئمّة العلم والأدب وأعلام الفكر
والورع؟!
وهل يحسب ذلك إلّا عملاً لمصلحة
الاستعمار؟
وهل يكون هدف القائم بنشر هذه الكتيبات
في عصرنا هذا ـ الّذي قام فيه المسلمون بحمد الله تعالى سيّما شبابهم لإعادة مجدهم
وعزّهم الذي ذهب ـ إلّا إيجاد المجادلات والمخاصمات وقلب الحقائق!
فالواجب على كلّ مسلم غيور على دينه وقرآنه
الكريم الوقوف في وجه هذه الحركات الشيطانيّة ، وتنزيه المسلمين شيعة وسنّة عن هذا
الرأي.
كما أنّ الواجب على المسلم أيضاً أن
يعرف الّذين هم من وراء هذه الأقلام المأجورة وما قصدوا به من الحطّ من عظمة
القرآن وإسناده الثابت اليقيني إلى الوحي النازل على الرسول الأمين صلىاللهعليهوآله.
ومن شاء أن يعرف الشيعة وإجلالهم وتعظيمهم
للقرآن الكريم فليتجوّل في بلادهم : مثل إيران ولبنان والعراق والبحرين والقطيف
والحساء وغيرها ، وفي
مكتباتهم ومساجدهم ، حتّى يرى رأي العين في جميع مجتمعات الشيعة في شرق الأرض وغربها
كمال اهتمامهم بشؤون القرآن وتعظيمهم له ، وأنّه لا يوجد لديهم كتاب غير ما هو عند
جميع المسلمين ، فلا تجد منهم بيتاً ليس فيه القرآن ، بل لا تجد منهم أحداً إلّا ويتقرّب
إلى الله بتلاوته ، فهم يتلونه آناء الليل وأطراف النهار وفي إذاعاتهم وفي مجالسهم
للذّكر والوعظ والإرشاد والدعاء وجميع المناسبات ، ليس عندهم ما يقدّسونه ويعظّمونه
مثل تعظيمهم للقرآن الكريم حتّى بمقدار آية أو جملة أو كلمة منه ، حتّى لو كان ذلك
كلام الرسول صلىاللهعليهوآله
أو الأئمّة الطّاهرين من عترته الطاهرة عليهمالسلام.
ولكن المصيبة كل المصيبة أنّ البعض
يكذّبون أسماعهم وأعينهم التي تكذّب افتراءاتهم ويصرّون على عدائهم لشيعة أهل
البيت عليهمالسلام
وتفريق كلمة المسلمين ، ويشوّهون بافتراءاتهم كرامة كتاب الله ويجعلونه غرضاً
لتشكيك الأعداء ، قال الله تعالى : (يا أيّها الّذين آمنوا
اتّقوا الله وقولوا قولاً سديداً)
.
وقال عزّ شأنه : (إنّ الّذين
يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النّار خير أمّن يأتي آمناً يوم
القيامة اعملوا ما شئتم إنّه بما تعملون خبير) .
وقال : (يا أيّها الّذين آمنوا
اجتنبوا كثيراً من الظّنّ إنّ بعض الظّنّ
__________________
إثم
وال يغتب بعضكم بعضاً)
.
وقال : (واعتصموا بحبل الله
جميعاً ولا تفرّقوا)
.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
(ربّنا اغفر لنا ولإخواننا
الّذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلّا للّذين آمنوا ، ربّنا إنّك رؤوف
رحيم)
.
وأخيراً أقدّم شكري لأخي الكريم حجّة
الإسلام الشيخ نجم الدّين الطبسي لملاحظته الكتاب بدقّة وتقديمه توجيهات قيّمة وأرجو
له من الله مزيد التوفيق في خدمة الإسلام.
محمود الشريفي
__________________
المصادر
١ ـ القرآن الكريم.
٢ ـ الأمالي ، للصدوق
، ناشر مكتبة الإسلامية.
٣ ـ الميزان في
تفسير القرآن ، السيد محمد حسين الطباطبائي ، دارالكتب الإسلامية.
٤ ـ أعيان
الشيعة ، العلّامة السيد محسن الأمين ، دار التعارف للمطبوعات بيروت.
٥ ـ الاحتجاج ،
أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ، نشر المرتضى.
٦ ـ أكذوبة
تحريف القرآن ، رسول جعفريان ، نشر المجمع العالمي لأهل بيتعليهمالسلام.
٧ ـ البيان في
تفسير القرآن ، السيد أبوالقاسم الخوئي ، انتشارات كعبه.
٨ ـ البرهان في
علوم القرآن ، بدر الدّين محمد بن عبدالله الزركشي ، دار المعرفة بيروت.
٩ ـ الذريعة
إلى تصانيف الشيعة ، الشيخ آقا بزرگ الطّهراني ، مؤسسة إسماعيليان.
١٠ ـ الفروع من
الكافي ، ثقة الإسلام كليني ، دار الكتب الإسلامية.
١١ ـ المواعظ
العددية ، علي المشكيني ، مكتبة صحفى.
١٢ ـ التحقيق
في نفي التحريف عن القرآن الشريف ، سيد علي الحسيني الميلاني ، دار القرآن الكريم.
١٣ ـ ثواب
الأعمال وعقابها ، علي محمّد علي دخيّل ، نشر المرتضى في بيروت.
١٤ ـ تحف
العقول ، حسن البحراني ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم.
١٥ ـ تهذيب
الأصول ، بقلم الشيخ جعفر السبحاني ، مطبعة مهر في قم.
١٦ ـ تفسير
الصافي ، محمد محسن الشهير بالفيض الكاشاني ، نشر دار المرتضى.
١٧ ـ تفسير
القرآن الكريم الشهير بتفسير المنار ، محمد رشيد رضا ، نشر دارالمعرفة في بيروت.
١٨ ـ ترجمة فصل
الخطاب في عدم تحريف كتاب رب الأرباب ، حسن حسن زاده آملى ، انتشارات قيام.
١٩ ـ حقائق
هامّة حول القرآن الكريم ، السيد جعفر المرتضى ، نشر جماعة المدرسين في قم.
٢٠ ـ صيانة
القرآن من التحريف ، الشيخ محمد هادي المعرفة ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي.
٢١ ـ فصل
الخطاب في تحريف الكتاب ربّ الارباب ، ميرزا حسين النوري ، طبع الحجري ، سنة ١٢٩٨.
٢٢ ـ عيون
أخبار الرضا ، صدوق ، طوس.
٢٣ ـ مجمع
البحرين ، فخر الدين الطريحي ، دفتر نشر فرهنگ اسلامي.
٢٤ ـ المفردات
في غريب القرآن ، حسين بن محمد المعروف بالراغب الإصفهاني ، نشر المكتبة المرتضوية.
٢٥ ـ مروج
الذهب ، علي بن الحسين بن علي المسعودي ، من منشورات دار الهجرة ايران.
٢٦ ـ المصاحف ،
عبدالله سجستاني ، المطبعة الرحمانية بمصر.
٢٧ ـ تفسير ، مسعود
بن عياش السلمى السمرقندي ، المكتبة العلمية الإسلامية.
٢٨ ـ
الاعتقادات ، صدوق ، نشر مصطفوي.
٢٩ ـ ربيع
الأبرار ، أبوالقاسم محمود بن زمخشري ، من منشورات الرّضي في قم.
٣٠ ـ وسائل
الشيعة ، الحر العاملي ، المكتبة الإسلامية.
٣١ ـ النشر في
القراءات العشر ، الحافظ ، أبي الخير محمد بن محمد الدمشقي الشهير بالجزري مكتبة
البخاريه الكبرى.
٣٢ ـ مفتاح
الكرامة ، السيد محمد جواد الحسيني العاملي ، مؤسسة آل البيت.
٣٣ ـ الإتقان ،
السيوطي ، نشر مكتبة مصطفى البافي الحلبي.
٣٤ ـ الكشّاف ،
زمخشري ، نشر دارالكتب العربي ، بيروت.
٣٥ ـ أوائل
المقالات ، الشيخ المفيد ، مكتبة الداوري.
٣٦ ـ الفصول
المهمّة ، الإمام عبدالحسين شرف الدّين موسوي ، مكتبة الداوري.
٣٧ ـ الكامل في
التاريخ ، ابن أثير ، دار صادر بيروت.
٣٨ ـ التمهيد
في علوم القرآن ، الشيخ محمد هادي المعرفة ، إسماعيليان.
٣٩ ـ مجمع
البيان في تفسير القرآن ، الطبرسي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
٤٠ ـ نهج
البلاغة ، الدكتور صبحي الصالح ، بيروت١٣٨٧ هـ. ق.
٤١ ـ كمال الدّين
وتمام النعمة ، الصدوق ، دار الكتب الإسلامية.
٤٢ ـ مستدرك
الوسائل ، ميرزا حسين النوري ، نشر مؤسسة آل البيت.
٤٣ ـ الصحيح من
سيرة النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآله ، جعفر مرتضى العاملي ، نشر المؤلف.
٤٤ ـ تدوين
القرآن ، علي الكوراني العاملي ، نشر دار القرآن الكريم.
٤٥ ـ سلامة
القرآن من التحريف وتفنيد الافتراءات على الشيعة الإمامية ، الدكتور فتح الله
المحمدي (نجّارزادگان) نشر دار المشعر.
٤٦ ـ عصمة
القرآن من الزيادة والنقصان ، السيد مرتضى الرضوي ، نشر مؤسسة دارالهجرة.
٤٧ ـ دفاع عن
القرآن الكريم : السيّد محمدرضا الحسيني الجلالي ، نشر الدليل.
فهرس
المحتوى
المقدمه....................................................................... ٥
الفصل الأوّل : معني التحريف
وأقسامه......................................... ١١
معنى التّحريف لغةً........................................................... ١٣
القرآن ولفظ التحريف.................................................... ١٤
أقسام التحريف اللفظي...................................................... ١٦
نموذج من نصوص التهمة.................................................. ٢١
فصل الثاني أدلّة عدم بحريف
الكتاب............................................ ٢٧
الآيات الدالّة على نفي التحريف.............................................. ٢٩
الروايات الدالّة على نفي التحريف............................................ ٤١
القسم الأوّل : الروايات الدالّة على عرض الأحاديث على الكتاب............. ٤١
القسم الثاني : الروايات الّتي تدّل على التمسّك بالقرآن والأخذ
به.............. ٤٣
القسم الثالث : الروايات الواردة في ثواب قراءة السور القرآنية................. ٤٦
القسم الرابع : الروايات الّتي تحتوي على تمسّك الرسول صلىاللهعليهوآله والأئمة والأصحاب بالآيات القرآنية ٤٨
القسم الخامس : الروايات الواردة عن المعصومين عليهمالسلام....................... ٥٠
انّ ما بأيدي الناس هو القرآن النازل من عندالله.............................. ٥٠
التواتر...................................................................... ٥٣
الإجماع.................................................................... ٥٥
مسألة الإعجاز.............................................................. ٥٧
العقل...................................................................... ٦٠
جمع القرآن في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله............................................... ٦٢
مؤيّدات عدم التحريف.................................................... ٦٣
الفصل الثالث : رأي علماء
الشيعة في أسطورة التحريف وردودهم عليه........... ٦٧
رأي علماء الشيعة........................................................... ٦٩
ردود علماء الشيعة على التحريف............................................. ٨٠
١. أنّ واقع الشيعة في العالم يكذب التهمة................................... ٨٠
٢. مذهب التشيع مبنيّ على التمسّك بالقرآن والعترة......................... ٨١
٣. قاعدة عرض الأحاديث على القرآن عند الشيعة.......................... ٨٣
٤. تاريخ الشيعة وثقافتهم مبنيّان على القرآن................................ ٨٥
٥. تفاسير علماء الشيعة ومؤلّفاتهم حول القرآن.............................. ٨٧
٦. فقه الشيعة في احترام القرآن أكثر تشدّداً................................. ٨٨
٧. فتاوى علماء الشيعة بعدم تحريف القرآن................................. ٨٨
شهادة أعلام التحقيق من أهل السنّة........................................... ٩٠
فصل الرابع : أدلّة القائلين
بالتحريف........................................... ٩٥
أدلّة تحريف الكتاب وردّها................................................... ٩٧
الدليل الأوّل............................................................. ٩٧
الدليل الثاني.............................................................. ٩٩
كيفيّة جمع القرآن....................................................... ١٠١
الدليل الثالث........................................................... ١٠٣
الدليل الرابع............................................................ ١٠٤
الدليل الخامس.......................................................... ١٠٦
الدليل السادس.......................................................... ١٠٧
الدليل السابع........................................................... ١٠٨
الدليل الثامن............................................................ ١١٠
الدليل التاسع........................................................... ١١٣
الدليل العاشر........................................................... ١١٥
الدليل الحادي عشر..................................................... ١١٧
الدليل الثاني عشر....................................................... ١١٨
النوع الأوّل............................................................ ١٢٥
النوع الثاني............................................................. ١٢٦
النوع الثالث........................................................... ١٢٦
النوع الرابع............................................................ ١٢٧
النوع الخامس........................................................... ١٢٧
النوع السادس.......................................................... ١٢٨
النوع السابع........................................................... ١٢٩
خاتمة : في
تنبيهات........................................................... ١٣١
التنبيه الأوّل : في الكتب المعتبرة عند الشيعة................................ ١٣٣
التنبيه الثاني : في إنّه لا قائل بالتحريف من الإماميّة.......................... ١٣٧
كتاب فصل الخطاب وموقف الميرزا حسين النوري.......................... ١٣٨
ردود على كتاب فصل الخطاب.......................................... ١٤٣
التنبيه الثالث : في الداعي لإلقاء التهمة على الشيعة......................... ١٤٥
المصادر................................................................... ١٥٧
|